منهاج الصالحين المجلد 2

اشارة

سرشناسه : طباطبائي حكيم، محمد سعيد، 1935- م.

عنوان و نام پديدآور : منهاج الصالحين/ فتاوي محمدسعيد الطباطبايي الحكيم.

مشخصات نشر : مكتب آيه الله العظمي السيد الحكيم ، 14ق. = 19 - م. = 13 -

مشخصات ظاهري : ج.

وضعيت فهرست نويسي : كاربرگه كتاب فارسي

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ قبلي: مكتب آيه الله العظمي السيدالحكيم؛ موسسه المناره، 1416ق.

يادداشت : ج.1 (چاپ دوم: 1418ق. = 1977م. = 1376).

مندرجات : ج. 1. العبادات .--

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

موضوع : فتوا هاي شيعه -- قرن 14

رده بندي كنگره : BP183/9 /ط15م 8 1376

رده بندي ديويي : 297/3422

شماره كتابشناسي ملي : م 78-6270

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين، و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين، إلي يوم الدين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 7

كتاب التجارة

اشارة

و فيه مقدمة، و فصول، و خاتمة.

مقدمة في المكاسب

اشارة

التكسّب و طلب الرزق من المستحبات المؤكّدة، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال:

«العبادة سبعون جزء أفضلها طلب الحلال». و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «من طلب الدنيا استعفافا عن الناس و سعيا علي أهله و تعطفا علي جاره لقي اللّه عزّ و جل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر». و عن الإمام الكاظم عليه السّلام أنه قال: «من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به علي نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه». و الأخبار في ذلك كثيرة لا يسع المقام استقصاءها.

لكن يجب التحفظ من وجوه الحرام و الحذر منها، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه خطب في حجّة الوداع فقال: «ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتّي تستكمل رزقها فاتّقوا اللّه و أجملوا في الطلب، و لا يحملنكم استبطاء شي ء من الرزق أن تطلبوه بمعصية اللّه، فإن اللّه تبارك و تعالي قسّم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسّمها حراما، فمن اتقي اللّه و صبر أتاه اللّه برزقه من حله، و من هتك حجاب الستر و عجّل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة». و الأخبار في ذلك كثيرة لا تحصي.

و لا يتيسر التحفظ من الحرام في المكاسب و غيرها إلا بالتفقه في الدين و تعلم أحكام الشرع المبين، فعلي المؤمنين أعزّهم اللّه تعالي شدّة الاهتمام بذلك و عدم التساهل و التسامح فيه، لتحفظ حدود اللّه تعالي و تقام أحكامه و تطيب المكاسب و تهنأ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 8

فعن الأصبغ بن نباتة

أنّه قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول علي المنبر: «يا معشر التجار الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر. و اللّه للربا في هذه الأمّة أخفي من دبيب النمل علي الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدق، التاجر فاجر، و الفاجر في النار، إلّا من أخذ الحق و أعطي الحق».

و عنه عليه السّلام أنّه قال: «من اتّجر بغير علم ارتطم في الربا ثمّ ارتطم». و من المؤسف أن نري اليوم كثيرا من المتديّنين يوقع المعاملة ثمّ يسأل عن حكمها، و إذا به قد تورّط في مشكلة شرعيّة يصعب حلّها و التخلّص من تبعتها، و كان بوسعه أن يتجنب ذلك بالسؤال قبل العمل و التفقه قبل التورّط. و نسأله سبحانه التوفيق و التسديد و هو حسبنا و نعم الوكيل.

و يقع الكلام في هذه المقدّمة في مقامين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 9

المقام الأول في المكاسب المحرمة

اشارة

و فيه مسائل.

(مسألة 1): يحرم بيع الخمر و كل مسكر، و ثمنه حرام، بل هو من السحت الذي يكون أكله من الكبائر، كما تقدّم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و يستثني من ذلك التخمير الحاصل عند صناعة الخل، فإنّ تصنيع الخل مستلزم لمرور المائع بحالة يشتمل فيها علي العنصر المسكر. و الظاهر جواز بيعه في هذه الحال.

(مسألة 2): لا يجوز بيع الخنزير و ثمنه حرام.

(مسألة 3): إذا باع الكافر الخمر أو الخنزير ثمّ أسلم جاز له أكل الثمن.

(مسألة 4): إذا باع المسلم أو الكافر خمرا أو خنزيرا كان الثمن حراما عليه. لكن لو دفعه لمسلم هبة أو وفاء لدين أو ثمنا في بيع أو غير ذلك حلّ للآخذ.

(مسألة 5): يحرم بيع الميتة، و ثمنها حرام، بل هو من السحت، كما

تقدّم أيضا. و الأحوط وجوبا عموم ذلك للميتة الطاهرة، كميتة السمك و الجراد.

(مسألة 6): يجوز بيع ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة.

(مسألة 7): إذا اختلط الميت بالمذكّي و تعذّر تمييز أحدهما من الآخر جاز بيع الجميع ممّن يستحل الميتة من ذوي الأديان و المذاهب الأخري، و يحلّ الثمن. و في جواز ذلك في غير الميتة ممّا يحرم أكله إذا اختلط بالحلال إشكال.

(مسألة 8): يحرم بيع الكلب و ثمنه حرام، بل هو من السحت كما تقدّم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 10

إلّا كلب الصيد، و هو الكلب المعلّم الذي يحسن الاصطياد فإنّه يجوز بيعه و إن لم يكن سلوقيّا. و لا يجوز بيع ما لم يتعلم و إن كان سلوقيّا. كما لا يجوز بيع كلب الحراسة.

(مسألة 9): يجوز بيع السباع و غيرها من الحيوانات المحرمّة الأكل إذا لم ينحصر الغرض الظاهر منها بالوجه المحرّم من الأكل أو غيره.

نعم، الأحوط وجوبا عدم بيع القرد.

(مسألة 10): يجوز بيع الأعيان النجسة غير ما تقدّم إذا كانت لها منفعة محللة معتدّ بها بحيث تقصد منها نوعا، كالعذرة و الدم للتسميد و التزريق. و أمّا إذا لم تكن لها منفعة محللة بالنحو المذكور إمّا لانحصار منفعتها بالحرام، أو لكون منفعتها المحللة غير معتدّ بها و لا مقصودة منها فلا يجوز بيعها. و كذا الحال في الأعيان الطاهرة، فلا يجوز بيع السمك المحرّم الأكل إذا انحصر الغرض المعتدّ به و المقصود منه نوعا بالأكل. و لا عبرة بالفوائد المحلّلة النادرة المغفول عنها نوعا.

(مسألة 11): إذا كان الشي ء مما تنحصر منفعته نوعا بالحرام كالأكل للميتة و الجرّي و الشرب للفقاع و كان هناك من يستحله من أهل الأديان و المذاهب الأخري

ففي جواز بيعه علي المستحل نفسه أو علي من يبيعه عليه إشكال، فالأحوط وجوبا عدم بيعه و عدم تسليمه له.

نعم، إذا أقدم المكلف تسامحا علي بيعه ممن يستحله و علي تسليمه جاز له أخذ الثمن منه، و يملكه بأخذه من باب الإلزام، كما يأتي في آخر الكلام في المكاسب المحرمة إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 12): كما يحرم بيع الأمور المتقدّمة يحرم شراؤها و جعلها اجرة في الإجارة و عوضا عن العمل في الجعالة و في الطلاق الخلعي و جعلها مهرا في النكاح و دفعها وفاء عن الدين و غير ذلك من وجوه الكسب.

نعم، إذا أمكن تحويل الخمر خلا جاز أخذها وفاء عن الدين، و لا بدّ حينئذ من تحويلها، و لا يجوز بيعها قبل ذلك.

(مسألة 13): الأمور المتقدّمة و إن حرم التكسب بها و التعامل عليها إلّا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 11

أنّها تملك في أنفسها بحيازتها أو بملكيّة أصولها المحلّلة، كما لو حاز الإنسان كلبا سائبا أو حيوانا محرّم الأكل، أو مات له حيوان مملوك، أو صنع خمرا من أعيان مملوكة، كما أنّها تملك بأسباب الملك القهريّة كالميراث.

و حينئذ يختصّ المالك بالسلطنة عليها و يجوز له الانتفاع بها بوجه محلّل كالتسميد بالميتة و بما يحرم أكله، و تدريب الكلب علي الحراسة، و تحويل الخمر خلا و غير ذلك. و لا يحلّ لأحد مزاحمته فيه و أخذه منه أو التصرّف فيه بغير إذنه. و يجوز لغيره بذل المال له في مقابل رفع يده عنه أو الانتفاع به من دون أن يكون المال عوضا عنه. لكن الأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك علي ما إذا لم يكن الغرض من ذلك الانتفاع بالوجه المحرّم.

(مسألة 14): الأعيان المتنجسة

إن لم تكن قابلة للتطهير، كالزيت و العسل، و لم يكن لها منفعة محلّلة معتدّ بها لم يجز بيعها، كما تقدّم في الأعيان النجسة.

و إن كانت قابلة للتطهير، أو كان لها في حال نجاستها منفعة محلّلة معتدّ بها، كالزيت و النفط اللذين يوقد بهما، جاز بيعهما. و يجب إعلام المشتري بنجاستهما إذا كانت ممّا يؤكل أو يشرب، و كذا إذا كانت عيبا يكون إخفاؤه تدليسا، بل مطلقا علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 15): يحرم التكسّب بالآلات و الأشياء المعدّة بهيئاتها للحرام، كهياكل العبادة المحرّمة مثل الأصنام و الصلبان و الشعارات المتّخذة لتقوية الباطل و الضلال، و آلات القمار، و آلات اللّهو المحرّمة كالآلات الموسيقيّة، و كتب الضلال، و نحو ذلك.

و لا بأس ببيعها إذا لم يبتن البيع علي احترام الهيئة المذكورة، كبيع صنم الذهب أو الخشب بما هو ذهب أو خشب لا يهتمّ بحفظ هيئته، و بيع الكتاب بما هو ورق لا يهتمّ بكتابته. و كذا إذا كان مبنيّا علي احترام الهيئة، لكن لا بلحاظ الجهة المحرّمة له، لإغفالها عرفا بل لجهة أخري يهتمّ بها من لا يهتمّ بالجهة المحرّمة، ككونها من الآثار القديمة، أو التحفيات الفنيّة، أو لكون بقاء الهيئة موجبا لزيادة قيمة المادة، كما لو كانت من الأحجار الكريمة التي تزيد قيمتها كلّما كبر حجمها، أو لترتّب نفع عليها غير الجهة المحرّمة كبعض الآلات

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 12

الزراعيّة و الصناعيّة التي هي بهيئة الصليب مثلا، و كبعض المصوغات التي يقصد التزيّن بها من دون نظر للجهة المحرّمة، و ككتب الضلال التي يراد بها الاطّلاع علي ما يقوله أصحابها أو نقضه أو نحو ذلك.

لكن الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا لم يعلم بترتّب

الاستعمال المحرّم علي البيع حينئذ، و علي ما إذا لم يلزم من البيع بالهيئة المذكورة ترويج الباطل و تقويته لكونه شعارا له و لو مع عدم ترتّب الاستعمال المحرّم. بل لا إشكال في حرمة البيع تكليفا حينئذ في الثاني، و إنّما الإشكال في البطلان.

(مسألة 16): كما يحرم بيع الآلات المذكورة يحرم صنعها إذا ابتني علي تحقيق الغرض المحرّم بها، بل قد يجب إتلافها بإتلاف هيئاتها إذا كان بقاؤها موجبا لترويج الباطل و تقوية الحرام. و لا يجب فيما عدا ذلك، كما إذا كان الغرض من حفظها حفظ آثار الشخص الذي كان يستغلها كسائر متروكاته المختصة به، بل قد يجوز صنعها حينئذ، كما لو كان الغرض منه عرض نمط حياة شخص خاص أو مجتمع خاص و تصوير ذلك، من دون أن يبتني علي ترتّب الحرام عليه. إلّا أن يلزم من ذلك ترويج الباطل و تقويته، فيحرم، نظير ما سبق.

(مسألة 17): غش المسلم حرام يستحق به العقاب، بل هو من المحرمات المؤكدة، و قد تظافرت النصوص بأن من غشّ المسلمين فليس منهم. و هو إظهار خلاف الواقع له بنحو يحمله علي الإقدام علي فعل مرجوح لا يقدم عليه لو لا ذلك. و لا بدّ فيه من أمور:

الأوّل: علم الغاشّ بالواقع و قصده إظهار خلافه.

الثاني: جهل المغشوش بالواقع و توهّمه خلافه بسبب تدليس المدلّس، فلو علم بالواقع لم يصدق الغشّ، و كذا لو جهله لكن لم يستند خطاؤه فيه لفعل المدلّس بل لأمر آخر لا دخل له فيه، كما لو تظاهر المريض بالعافية لإخفاء مرضه فلم يعتمد الطرف الآخر علي ظهور حاله، بل فحصه فأخطأ في فحصه.

الثالث: أن يترتّب علي ذلك وقوع المغشوش في أمر يكرهه و لا

يقدم عليه لو لا الغشّ، كتزوّج المرأة المريضة، و شراء المتاع المعيب، و استعمال الماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 13

النجس، و نحو ذلك. أمّا لو لم يترتب شي ء من ذلك و لم تكن فائدة إخفاء الواقع إلّا التجمل، أو دفع عدوان الغير، أو نحو ذلك فليس إظهار خلاف الواقع من الغشّ المحرّم.

(مسألة 18): الغشّ في المعاملة إن أوجب الإخلال بركن من أركانها، كالعوض أو المعوّض، كان مبطلا لها، كما لو غشّ الدبس فأوهم أنه عسل و اشتراه المشتري علي ذلك. و إن لم يوجب ذلك لكن أوجب إخفاء عيب كانت المعاملة صحيحة، و ثبت خيار العيب الذي يأتي الكلام فيه في مبحث الخيار من كتاب البيع. و إن لم يوجب ذلك أيضا و إنّما أوجب إظهار صفة كمالية، أو صنف خاص يرغب فيه المشتري، و قد ابتنت المعاملة عليه صحت المعاملة أيضا، و ثبت خيار تخلف الوصف لا خيار العيب.

(مسألة 19): لا يجب إتلاف النقود المغشوشة. نعم لا يجوز التعامل بها مع جهل الطرف الآخر، للزوم الغشّ المحرّم، و يجري فيها ما تقدم، سواء كان حصولها عند الشخص عن علم بها أم كان مغشوشا فيها، فإنه لا يحلّ للمغشوش بشي ء أن يغشّ به غيره، كما لا يحلّ للمظلوم أن يظلم غير ظالمه.

(مسألة 20): الظاهر جواز بيع المصحف الشريف و شرائه علي كراهة، خصوصا في البيع. فالأولي إيقاع المعاملة علي الغلاف و نحوه مما هو خارج عن المصحف مع بذل المصحف تبعا، أو دفع المصحف بعنوان الهبة المشروطة بعوض.

(مسألة 21): يحرم بيع المصحف الشريف علي الكافر إذا استلزم إهانته و هتكه، أمّا إذا لم يلزم منه ذلك فلا بأس به، بل قد يرجح، كما

إذا كان مظنّة للاهتداء به و سببا لعلوّ الإسلام و ظهور حجته.

(مسألة 22): لا بأس ببيع ما يتّخذ منه الحرام و الحلال ممّن يعلم أنه يتّخذ منه الحرام، كبيع العنب و التمر و العصير ممّن يعلم أنه يصنعه خمرا، و بيع الخشب ممّن يعلم أنه يصنعه عودا أو آلة قمار و نحوها من الآلات المحرّمة.

و يستثني من ذلك بيع الخشب و نحوه ممّن يتخذه أصناما أو صلبانا، فإنه يحرم و يبطل، بل الأحوط وجوبا العموم لجميع أنواع آلات العبادة المبتدعة في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 14

الأديان غير الصحيحة. كما يستثني من ذلك أيضا ما إذا لزم من البيع التشجيع علي الحرام، أو كان في تركه ردع عن الحرام و نهي عن المنكر، فإنه يحرم ذلك حتي في مثل بيع العنب ممّن يصنعه خمرا.

(مسألة 23): إذا باع ما يتّخذ منه الحلال و الحرام و اشترط في البيع اتخاذ الحرام منه كان الشرط حراما باطلا و لم يجب الوفاء به، من دون أن يبطل البيع.

(مسألة 24): تحرم و تبطل إجارة الأعيان للمنافع المحرّمة، كإجارة الدار لشرب الخمر أو الدعارة، و إجارة الحانوت لبيع الخمر، و إجارة السيارة للنقل المحرم. و تجوز إجارتها بوجه مطلق ممّن يستغلها في الحرام من دون أن يؤخذ ذلك في عقد الإجارة و إن علم حين العقد بحصول ذلك منه.

نعم، إذا لزم من الإجارة التشجيع علي الحرام حرمت، و كذا إذا كان في تركها ردع عن الحرام و نهي عن المنكر.

(مسألة 25): تحرم الرشوة في الحكم من الراشي و المرتشي، و لا يحل أكلها للمرتشي، و المراد بها ما يبذل للقاضي من أجل الحكم لأحد الخصمين، حقا كان أو باطلا.

نعم، إذا

توقف استنقاذ الحق علي ذلك جاز دفعها من الراشي و حرمت علي المرتشي.

(مسألة 26): تحرم الرشوة من الراشي و المرتشي في غير الحكم و القضاء في مقابل أخذ حق الغير ظلما، و لا تحرم علي الدافع من أجل استنقاذ الحق أو دفع الظلم.

(مسألة 27): يحرم التكسب بالمراهنة في القمار و غيره، و المال المأخوذ به حرام لا يملكه الفائز، سواء ابتني علي عمل من المتراهنين أو من أحدهما، كالرهن علي حمل الحجر الثقيل، و علي المسابقة في الشعر أو في السباحة أو في الركض، أم لم يبتن علي ذلك، كالرهن علي مطر السماء، و قدوم المسافر، و سبق غير المتراهنين، و منه (الرايسز) المعروف في هذه العصور. و يستثني من حرمة الرهن السبق و الرماية علي ما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 28): اليانصيب إن كان لشركة تابعة لحكومة لا تقوم علي أساس

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 15

ديني و لا تدعي لنفسها الولاية الدينية جري علي أوراقه و علي الجائزة المستحصلة به ما يجري علي جميع ما يؤخذ من الجهات الحكومية المذكورة علي ما يأتي في المسألة (59). و إن كان لشركة أو جهة أهلية أو لشركة تابعة لحكومة تقوم علي أساس ديني فله صور.

الاولي: أن ترجع إلي التراهن بين المشتركين لكسب الغالب منهم بالقرعة، بحيث يبقي المال المدفوع كله أو بعضه موقوفا غير مملوك لأحد حتي يملكه الفائز بالقرعة. و لا تكون ورقة اليانصيب إلّا وثيقة لإثبات الدخول في المسابقة من دون أن تكون مقابلة بالمال المدفوع. و هذه الصورة داخلة في المراهنة المحرمة التي سبق الكلام فيها.

الثانية: أن ترجع إلي بذل المال للجهة الخاصة أو العامة و تعيينه لها

بشرط أن تقوم تلك الجهة بالإقراع بين المشتركين و تمليك الجائزة للفائز، بحيث يتعين المال بتمامه لتلك الجهة بمجرد دفعه، و يكون الإقراع شرطا زائدا علي التمليك يلزم الوفاء به و لا يوجب تخلّفه إلّا الخيار. و الظاهر حلية المعاملة في هذه الصورة و تملك الأطراف للمال المأخوذ بموجبها، سواء كانت ورقة اليانصيب مبذولة للمشارك من الجهة التي تقوم باليانصيب لمجرد التوثيق لإثبات مشاركته من دون أن تكون مقابلة بالمال المدفوع، بل يكون المال هبة للجهة مشروطة بالإقراع، أم كانت الورقة مبيعة من قبل الجهة المذكورة، بحيث يكون المال المدفوع ثمنا لها و يكون بيعها هو المشروط بالإقراع.

الثالثة: أن ترجع إلي بذل المال للجهة الخاصة أو العامة بنحو الهبة أو الشراء من دون شرط للإقراع و لا للجائزة. و يكون الإقراع و الجائزة إحسانا ابتدائيا من الجهة القائمة به للتشجيع علي البذل المذكور من دون أن تكون ملزمة به بعقد أو شرط لازمين، سواء سبق منها الوعد بهما قبل البذل أم لم يسبق، و لا إشكال في صحة المعاملة في هذه الصورة و تملك الأطراف للمال المأخوذ بموجبها.

و تجري هذه الصور الثلاث و تترتّب أحكامها السابقة في جميع المسابقات العلمية و الفنية و العملية، التي تبذل فيها الجوائز للسابقين، فإن ابتنت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 16

علي استحقاق السابق للجائزة بمجرد سبقه كانت من الصورة الاولي، و إن ابتنت علي قيام كل مشارك بالعمل المطلوب منه و بذله للجهة القائمة بالمسابقة بشرط بذل الجائزة له إن سبق كانت من الصورة الثانية، و إن ابتنت علي قيام كل مشارك بالعمل المطلوب منه بلا شرط مع كون بذل الجائزة للسابق إحسانا ابتدائيا للتشجيع علي المشاركة من

دون شرط كانت من الصورة الثالثة.

(مسألة 29): لا بأس بعقود التأمين علي الحياة و علي الحياة و علي الحوادث من غرق و حرق و سرقة و غيرها إذا ابتنت علي التعاقد بين الطرفين علي أن يدفع المؤمّن علي حياته أو داره أو محله أو سيارته أو غيرها مبلغا من المال معينا مقطوعا، أو أن يدفع في كل سنة مثلا مبلغا من المال و في قبال ذلك يتعهد الطرف الآخر المؤمّن عنده بتدارك الضرر الواقع بقيمته حين حدوثه أو بمبلغ معيّن.

(مسألة 30): لا يجوز التكسّب بالأذان و أخذ الأجرة عليه، سواء كان بإجارة أم جعالة، و كذا الحال في الصلاة و الصوم و الحج واجبة أو مندوبة، بل جميع العبادات التي لم يثبت مشروعية النيابة فيها علي الأحوط وجوبا.

نعم، ما يقبل النيابة يجوز أخذ الأجرة عليه و يقع امتثالا عن المنوب عنه.

(مسألة 31): لا يجوز أخذ الأجرة علي القضاء، و الأحوط وجوبا عدم أخذها علي بيان الحكم الشرعي الذي يحتاج الجاهل لمعرفته و لو لكونه في معرض الحاجة للعمل به، و أمّا ما لا يحتاج إليه للعمل بل يكون تعلمه لمجرد التفقّه أو لنفع الغير فالظاهر جواز أخذ الأجرة علي تعليمه.

نعم، لا يجوز امتناع العالم بالحكم الشرعي عن تعليمه عند السؤال عنه من دون أجر، إلا أن يكون قضاء الوقت في بيانه حرجا لكونه شاغلا عن طلب المعاش، أو لغير ذلك.

(مسألة 32): لا بأس بارتزاق القاضي و الفقيه من الأموال العامة مع عدم التمكن من الجمع بين التكسب و القيام بوظيفتهما، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي صورة حاجتهما للمال بالمقدار اللائق بشأنهما.

نعم، يجوز دفع المال لهما تشجيعا لا بعنوان الارتزاق مع وجود المصلحة في ذلك. و

تشخيص ذلك موكول لولي الأموال المذكورة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 17

(مسألة 33): الظاهر جواز أخذ الأجرة علي تعليم القرآن، و إن كان الأولي عدم المشارطة في تعيين الأجر، بل يرضي بما يدفع له. و أولي منه عدم أخذ شي ء عليه حتي الهدية.

(مسألة 34): لا بأس بالتكسب بالأمور الراجحة التي لم يثبت وجوب إيقاعها مجانا، كقراءة المواعظ و مصائب أهل البيت عليهم السّلام و فضائلهم و غير ذلك.

و إن كان الأولي عدم المشارطة في ذلك، بل عدم أخذ الأجرة، و يكون الدفع و الأخذ بعنوان الهدية.

(مسألة 35): يجوز أخذ الأجرة علي إيقاع عقد النكاح و صيغة الطلاق و جميع العقود و الإيقاعات. و أما تعليم الصيغ المذكورة فيجري فيه ما تقدم في المسألة (31).

(مسألة 36): تحرم و لا تصح الإجارة علي المنافع و الأعمال المحرّمة كما يحرم التكسب بها بغير الإجارة كالجعالة، فلا يستحق فاعلها الجعل و لا الأجر.

نعم إذا كان العامل بها جاهلا بالحرمة استحق الأقل من الأجر المبذول و الأجر المقابل عرفا للجهد الذي بذله العامل من دون خصوصية الفعل الخاص.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 18

تتميم:
اشارة

فيه أمران.

الأمر الأول في بعض الأعمال المحرمة

قد جري الفقهاء قدّس اللّه أسرارهم علي ذكر جملة من المحرمات هنا لبيان حرمة أخذ الأجرة عليها، لكنّا ذكرنا جملة منها في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عند التعرّض للكبائر. و ينبغي التعرّض هنا لغيرها مما يناسب المقام، و ذلك في ضمن مسائل.

(مسألة 37): يحرم تدليس الماشطة و نحوها كالحلّاق، و ذلك بإخفاء عيب موجود، أو إظهار حسن لا واقع له، و لا بدّ فيه من أن يكون الغرض منه إيقاع الغير فيما لا يقدم عليه لو لا العمل المذكور، كالتزويج من الشخص الذي يفعل به ذلك، حيث يدخل في الغشّ الذي سبق حرمته. أما إذا لم يكن الغرض منه ذلك فلا بأس به، كما لو تزوج الشخص المعيب فأراد إخفاء عيبه عن صاحبه بعد الزواج من دون أن يستلزم ذلك إقدام صاحبه علي محذور لا يقدم عليه لو علم بالحال، و لا تكون فائدة إخفاء الواقع إلّا تجنب النفرة و حصول الألفة و حسن المعاشرة. و كذا لو أراد الشخص التجمل لصاحبه مع علمه بالعيب، أو التجمّل لغيره من الناس ممّن لا علاقة له به و لو مع جهلهم بالعيب و نحو ذلك، لخروج ذلك كله عن الغشّ المحرّم كما يظهر ممّا سبق في المسألة (17).

(مسألة 38): لا بأس بما تزيّنت به المرأة. نعم يكره وصل شعرها بشعر امرأة غيرها، بل الأحوط استحبابا تركه.

(مسألة 39): يحرم علي الرجل حلق اللحية إلّا أن يخشي الضرر المعتدّ به من بقائها، و أمّا سخرية الآخرين فاهتمام المؤمن بها يبتني غالبا علي ضعف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 19

النفس و الشعور بالنقص و عدم الاعتزاز بدينه و مبدئه، و إلّا فمن قويت نفسه

و اعتزّ بدينه و مبدئه يردّ كما ردّ النبي نوح عليه السّلام قومه إذ قال إِنْ تَسْخَرُوا مِنّٰا فَإِنّٰا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمٰا تَسْخَرُونَ.

نعم، مع الخوف و عدم القدرة علي الجواب و التغيير قد تبلغ السخرية حدّ الضرر المعتد به فيجوز لأجله حلق اللحية. و ذلك كله من فساد الزمان بفساد أهله، و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلي العظيم.

(مسألة 40): يكفي في مسوّغ حلق اللحية خوف الضرر في خصوص حال يتعلق الغرض العقلائي بالوقوع فيه و إن لم يضطر إليه شرعا أو عرفا، فمن خاف من بقاء لحيته عند ملاقاة جائر جاز له حلقها عند ملاقاته إذا كان له غرض شرعي أو عرفي معتد به في ملاقاته، و إن لم يبلغ الغرض في ملاقاته حدّ الوجوب الشرعي أو الضرورة العرفية.

(مسألة 41): الحدّ اللازم في طول اللحية ما يصدق معه عرفا عدم كون الشخص حالقا لحيته. و يكره الزيادة في طولها علي قبضة الكف.

(مسألة 42): يجوز حلق العارضين و إبقاء الذقن إذا كان الباقي مقدارا معتدّا به، كما يجوز تحديد اللحية و أخذ الشعر عند التحديد بأيّ وجه، كالحلق و النتف و الحف بخيط و غير ذلك. و إن كان الأولي للرجل الحفاظ علي ما هو الأنسب برجولته.

(مسألة 43): لا يجوز تشبّه الرجال بالنساء بقصد التخنث، و لا تشبّه النساء بالرجال بقصد التذكر و الاسترجال، سواء كان باللباس أم الزينة أم الكلام أم بغير ذلك. و لا بأس بفعل كل من الصنفين ما يناسب الآخر لغرض آخر، كالمعاونة في بعض الأعمال و التنكر لغرض ما، و كذا مثل لبس الرجل ثوب المرأة أو العكس للتستر أو التدفئة أو غيرهما.

(مسألة 44): يحرم تصوير ذي الروح

من الإنسان و الحيوان، سواء كان مجسما أم لا. و لا بأس بتصوير بعض ذي الروح و عضو منه كالرأس و الرجل، أمّا إذا صدق عليه أنه تصوير حيوان ناقص فهو حرام، كتصوير حيوان مقطوع اليد أو الرجل. و أظهر من ذلك تصوير حيوان علي هيئة خاصة تقتضي عدم ظهور

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 20

بعض أعضائه، كتصوير شخص جالس، أو بارز من نافذة قد اختفي أسفل جسده خلف الجدار، و منه تصوير الشخص إلي صدره مثلا. نعم الظاهر جواز تصوير الجسد المقطوع الرأس.

(مسألة 45): الظاهر أن المحرّم ليس هو إيجاد الصورة بأيّ وجه اتفق، بل تصوير الصورة، بحيث يكون الإنسان مصوّرا لها بأن تستند إليه هندستها و تنظيم أبعادها، فلا يحرم التصوير الفوتوغرافي، و لا طبع الصور و لا استنساخها، و لا جمع الأجزاء المتفرقة للصورة بنحو تتمّ بها الصورة كما في تركيب المكعبات المتعارف في زماننا.

نعم، إذا كانت الأجزاء دقيقة جدا فالأحوط وجوبا اجتناب تركيبها بنحو تتمّ بها الصورة.

(مسألة 46): الأحوط وجوبا اجتناب تصوير الصور الوهمية لذوات الأرواح، كتصوير حيوان مركب من حيوانين و تصوير حيوان و همي كالعنقاء و الغول و تصوير الملائكة و الجن.

(مسألة 47): تصوير الكاريكاتير المتعارف في عصورنا إن كان عرفا تصويرا لحيوان مشوّه كان حراما و إلّا كان حلالا و إن اشتمل علي ملامح الحيوان العامة.

(مسألة 48): يجوز علي كراهية اقتناء الصور، كما يجوز بيعها و شراؤها من دون أن يقتضي صنعها. أمّا إذا اقتضي البيع صنعها فهو باطل، كما لو باع الصور بنحو بيع الكلي في الذمة و لم يمكن تسليمها إلّا بصنعها.

(مسألة 49): يحرم سبّ المؤمن و ذمّه و هجاؤه و إهانته و هتكه و

نحو ذلك من أنحاء التعدي عليه. نعم قد يجوز ذلك لدفع الضرر الأهم عنه أو عن غيره من المؤمنين. و كذا يجوز ذلك لتنفير الناس عنه دفعا لضرره علي الدين، كما لو ابتدع بدعة أو دعا إلي ضلالة.

(مسألة 50): مدح من لا يستحق المدح إن كان بنحو الخبر الكاذب حرم مطلقا، و إن كان بوجه آخر كالبيان المبني علي المبالغة و التخييل و المدح بنحو الإنشاء لا الإخبار فلا بأس به، إلّا أن يترتب عليه محرم آخر كترويج الباطل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 21

و التشجيع عليه.

(مسألة 51): المشهور حرمة الشعبذة، و هي إراءة غير الواقع واقعا بسبب خفة الحركة و سرعتها بنحو يخرج عن المتعارف. لكن المتيقن من حرمته ما إذا لزم منه أمر آخر محرم كالإضرار بالمؤمن. كما أن الأحوط وجوبا تركها إذا كانت بداعي بيان قدرة المشعوذ علي الأمر الخارق للعادة. أمّا إذا لم يكن بداعي بيان ذلك، بل ابتني علي أن ما يقع إيهام لا واقع له من دون أن يلزم منه أمر آخر محرم فالظاهر جوازه.

(مسألة 52): يحرم طبع كتب الضلال و الفساد و نشرها و حفظها و الدعاية لها و سائر وجوه ترويجها إذا خيف ترتّب الضلال أو الفساد علي ذلك، أو كان فيه تقوية للباطل و ترويج له. و لا بأس بما لا يخاف منه علي شي ء من ذلك، بل يرجع لو ترتّب عليه أمر راجح، كاقتنائها للاطلاع علي مضامينها الباطلة من أجل ردّها و دفع شبهها.

(مسألة 53): تحرم القيافة، و هي إلحاق الناس بعضهم ببعض استنادا إلي علامات خاصة، إذا كان الإلحاق بنحو الجزم، كما يحرم تصديق القائف حينئذ، و يحرم التكسب بذلك. و لا يحرم

شي ء من ذلك إذا لم يكن الإلحاق بنحو الجزم و اليقين من دون ترتّب أثر مخالف لمقتضي الطرق و الموازين الشرعية. نعم يكره إتيانهم و الرجوع إليهم حينئذ.

(مسألة 54): تعارف في عصورنا إخبار بعض الناس عن أمور مجهولة اعتمادا علي طرق خاصة غير مبتنية علي الحس أو التجربة أو نحوهما من الطرق العقلائية، كالإخبار من طريق نشر بعض الأشياء المختلفة من خرز و حصي و غيرها، و من طريق قراءة الفنجان، أو غيرهما. و الظاهر حرمة الإخبار بطريق الجزم و حرمة التصديق به كذلك و حرمة التكسب بذلك.

نعم، لا يحرم شي ء منها إذا لم يكن الإخبار أو التصديق بنحو الجزم، نظير ما تقدم في القيافة.

(مسألة 55): يدعي بعض الناس القدرة علي تحضير الجن، و لا يسعنا إنكار ذلك، فإن صدقوا فتحضيرهم إن كان بطريق السحر كان محرما و إن لم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 22

يكن بطريق السحر فهو حلال إذا لم يستتبع إيذاء مؤمن، و لا بأس بالاستعانة بهم في الأمور المحللة. و يجري علي الإخبار عن الأمور الغيبية من طريقهم ما تقدم في حكم المسألتين السابقتين.

(مسألة 56): اشتهرت في هذه الأيام دعوي تحضير أرواح الموتي و أخذ المعلومات منهم، و يجري علي الإخبار اعتمادا عليهم ما تقدم في حكم المسائل السابقة. و أما نفس التحضير فهو حلال إذا لم يستلزم إيذاء مؤمن، و إن كانت قناعتنا الشخصية علي أنه لا أصل لذلك، و أن من يدعي هذه الأمور بين دجال كاذب و متخيل واهم قد لبست عليه نفسه و شبهت عليه، و إن فرض أن هناك بعض الأمور الحقيقية فهي أمور شيطانية، فالحضور للشياطين لا للأرواح التي زعم إحضارها، كما قد يناسبه

أن كل فئة و أهل دين توحي إليهم الأرواح التي يزعمون تحضيرها ما يناسب عقائدهم، حقة كانت أو باطلة، مع أن الحقيقة التي تنكشف بعد الموت واحدة لا لبس فيها.

و من ثمّ ينبغي الاحتياط و الحذر من التصديق نتيجة تجربة صدق الخبر في بعض المرات، فإن ذلك قد يكون من الشيطان، استدراجا حتي يستحكم حسن الظن بهذه الأمور و يستسلم السامع لها و يؤخذ بها و لا يستطيع الإفلات منها، فإذا تمّ له ذلك سيطر عليه و قاده إلي ما يريد من ضلالات و محرمات، و شغله عن نفسه و دينه كما يشاء فخسر الدنيا و الآخرة، ذلك هو الخسران المبين.

و الأخطر من ذلك و الأكذب ما شاع في زماننا هذا من دعوي إفاضة بعض الأئمة عليهم السّلام و الأولياء علي بعض الناس من أنوارهم، أو حلول أرواحهم فيهم متلبسين بهم فينطقون عنهم مخبرين كما يزعمون ببعض الأمور المجهولة أو آمرين أو ناهين، بنحو يثير الانتباه و يلفت النظر و يستجلب بعض المغفلين السذّج فيعملون علي ذلك مطيعين مصدقين و كأنهم يطيعون الإمام أو الولي و يصدقونه. و قد رأينا من قاده ذلك للسرقة و انتهاك الحرمات عن حسن نية، و لو تأمل قليلا لأدرك التخليط في ذلك، و إلا فما بال هذه الذوات الطاهرة تفيض أنوارها علي النساء و ضعاف البصيرة و تتجسد فيهم و تترك ذوي النفوس العالية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 23

و الشخصية القوية من علماء الدين و رجال الفكر المتدينين.

علي أن تجسد أرواحهم عليهم السلام في أشخاص غيرهم أمر مرفوض دينيا و عقيديا أشد الرفض، و ليس ذلك إلا من عمل الشيطان و كيده و وساوسه و تخييلاته، و

لذا شاع في الأوساط التي يضعف فيها الدين، و تجهل تعاليمه، و تخفي معالمه، و يقل المرشدون، حيث يكون ذلك مرتعا خصبا للشيطان، و بيئة صالحة لكيده في تضليل الناس و العبث بهم، نعوذ باللّه تعالي من كيده و مكره، و نسأله العصمة و السداد إنه أرحم الراحمين، و وليّ المؤمنين، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

(مسألة 57): المشهور حرمة النجش. قيل: و هو أن يزيد الشخص في ثمن السلعة و هو لا يريد شراءها، بل ليسمعه غيره فيزيد لزيادته، أو هو مدح سلعة الغير للترغيب في شرائها. و الظاهر أن المعيار في الحرمة علي تحقق الغش بذلك، بأن يكون الغرض من أحد الأمرين إيهام الغير جودة السلعة ليشتريها بأكثر من ثمنها. أما إذا كان الغرض من ذلك إنفاق السلعة الكاسدة و بيعها بثمنها أو بما دونه فلا يحرم، لعدم تحقق الغش، كما يظهر مما تقدم في المسألة (17).

(مسألة 58): لا بأس بالنياحة و بالتكسب بها. و إن كان الأولي عدم المشارطة في ذلك و الرضا بما يدفع له، نعم قد تحرم النياحة لاشتمالها علي خصوصية محرمة، كالنياحة بالكذب أو بالمدح بصفات مذمومة شرعا، كالسلب و النهب و حسن الغناء و نحو ذلك مما يستلزم المدح به الترويج للحرام و التشجيع عليه، و كذا إذا كان المرثي ممن يلزم من مدحه ترويج الباطل و تقويته، لكونه علما للضلال أو مشهورا بالفسق و انتهاك الحرمات أو نحو ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 24

الأمر الثاني في حكم التعامل مع من يتعرض في كسبه للحرام

(مسألة 59): ما تأخذه الحكومة التي تقوم علي أساس ديني و تدّعي لنفسها الولاية الدينية من الضرائب الشرعية المجعولة علي الأراضي الخراجيّة و الأموال يقع عما عيّنته و تبرأ ذمة من

عليه تلك الضريبة بأخذ الحكومة لها، سواء كانت تلك الدولة محقّة في دعواها الولاية أم مبطلة و ظالمة. و يكون الوزر في الصورة الثانية علي الحاكم لا غير. كما يجوز للغير أخذه من الحكومة المذكورة، سواء دفعته الحكومة له جائزة و هديّة مجانية أم بمعاملة معاوضية. بل إذا قاطعت الحكومة المذكورة شخصا آخر عن تلك الضريبة بمبلغ معين من المال يدفعه لها صحت المقاطعة، و كان لذلك الشخص أخذ الضريبة من الشخص الذي وجبت عليه. و وجب علي من عليه تلك الضريبة دفعها له. و تبرأ ذمته أيضا بذلك.

و أما إذا لم تدّع الحكومة لنفسها الولاية الدينية، بل ابتنت سلطتها علي القوانين الوضعية فالظاهر عدم براءة الذمة من الضريبة بدفعها إليها. و أظهر من ذلك ما إذا لم تؤخذ الضريبة بعنوان كونها الضريبة الشرعية المعهودة، بل بعنوان آخر تقتضيه القوانين الوضعية، فإنها لا تجزي عن الضريبة الشرعية، حتي لو كان الآخذ حكومة تدّعي الخلافة أو الولاية الدينية. و لا تخرج الضريبة المأخوذة عن ملك الدافع، فيحرم التصرف فيها إذا كان محترم المال مع العلم بها و تعيينها.

(مسألة 60): المراد بالضريبة الشرعية في المسألة السابقة هي الزكاة و ضريبة الأرض الخراجية الزراعية، سواء كانت نقدية بمقدار معيّن من المال،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 25

كما لو جعل علي كل دونم عشرة دنانير مثلا، و هي المسماة بالخراج، أم حصة من الثمرة كالربع و الثلث و هي المسماة بالمقاسمة. و أما بقية الحقوق و الضرائب الشرعية كالخمس و الكفارات فلا يجري عليها الحكم السابق، بل لا بدّ من أدائها بالوجه المقرّر شرعا.

(مسألة 61): يصح التعامل مع من يبتلي في أمواله بالحرام كالمرابي و المقامر و السارق

و بائع الخمر و غيرهم، كما يجوز الانتفاع بماله و التصرف فيه بإذنه بمثل الدخول في داره أو محله و الركوب في سيارته و الأكل من طعامه و غيرها، و يجوز أيضا أخذ المال منه و تملّكه بهبة أو معاوضة أو غيرهما، إلّا أن يعلم بحرمة المال بعينه فلا يجوز التصرف فيه و لا أخذه إلّا بمراجعة مالكه الحقيقي أو وليه مع معرفته و لو جهل المالك فإن أمكن الفحص عنه وجب، و مع اليأس من معرفته و الوصول إليه يجب علي من يقع المال تحت يده التصدق به عن صاحبه علي الفقراء. و لو صادف أن عرف المالك بعد ذلك و لم يرض بالتصدق فالأحوط وجوبا الضمان له. و هذا هو الحكم في كل مال مجهول المالك يقع تحت يد المكلف. و أما التصرف بالمال المجهول المالك من دون أن يتصدق به كالدور و المحلّات و غيرها فلا بدّ في جوازه من الرجوع للحاكم الشرعي.

(مسألة 62): لا فرق في حكم المسألة السابقة بين كون من يبتلي في أمواله بالحرام شخصا خاصا و كونه جهة عامة، كالدولة. نعم الدولة التي لا تقوم علي أساس ديني و لا تدّعي لنفسها الولاية الدينية، بل تبتني سلطتها علي القوانين الوضعية فالمال المأخوذ منها إن كان ملكا لها من دون أن يكون مسبوقا بملك مسلم جاز تملكه منها بالوجه القانوني، كالنقود غير المستعملة (البلوك) و المواد التي تستوردها من الحكومات أو الشعوب غير المسلمة. و إن كان مسبوقا بملك مسلم مجهول جري عليه حكم مجهول المالك الذي تقدم في المسألة السابقة، كالنقود المستعملة التي تعاقبت عليها أيدي المسلمين بوجوه لا يعلم الحرام منها من الحلال، و كالمواد المشتراة من

المسلمين من دون ضبط للمالك أو الغاصب أو المختلس أو نحوهما ممّن لا يبالي كيف يكتسب المال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 26

نعم، إذا كانت مشتراة ممن يري نفوذ المعاملة مع تلك الدولة من فرق المسلمين أو الأديان الأخري جاز أخذه منها و تملّكه بمقتضي قاعدة الإلزام.

(مسألة 63): المال المأخوذ من الدولة التي لا تدعي لنفسها الخلافة أو الولاية الدينية و إن جري عليه حكم مجهول المالك فيجب التصدق به علي الفقير إلا أن الأحوط وجوبا صرفه في الجهة التي تملكه قانونا إذا كانت محترمة بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه، فإذا طلب شخص من آخر قبض مبلغ عنه من البنك مثلا فقبضه فاللازم علي القابض بعد إجراء وظيفة مجهول المالك علي المبلغ دفعه للشخص الذي طلب منه قبض المبلغ، و إذا كان قد عيّن صرف المبلغ المذكور في وفاء دينه أو الإنفاق علي أهله صرفه فيما عيّنه، إلا في موارد خاصة لا يتيسر ضبطها يراجع فيها الحاكم الشرعي.

(مسألة 64): مما سبق يظهر أن من أجري معاملة صحيحة أو باطلة تقتضي استحقاق المال عليه فدفع المال بالتحويل علي البنك التابع للدولة التي لا تبتني علي كيان ديني و لا تدّعي لنفسها الولاية الدينية لم يبرأ بأخذ المستحق للمال من البنك المذكور، لكون المال مجهول المالك.

نعم، إذا أخذه المستحق للمال و أجري عليه وظيفة مجهول المالك ثم احتسبه بعد ذلك وفاء عمن عليه الحق الذي أجري المعاملة معه برئت ذمة من عليه الحق بذلك. و لعل الأولي في دفع المحذور المذكور أن يتصالح الطرفان علي براءة ذمة من عليه الحق في مقابل تسليطه لمن له الحق علي أخذ المال من البنك بدفعه الصك له مثلا،

فيكون دفعه للصك بنفسه سببا لبراءة ذمته من الحق الذي عليه، بلا حاجة إلي احتسابه عليه بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه، و إنما يحتاج آخذ المال لإجراء وظيفة مجهول المالك من أجل تحليل المال له لا غير.

(مسألة 65): إذا كان المال مشتركا بين الجهة غير المالكة و الجهة المالكة، كأموال الشركات المختلطة، جري عليه حكم مجهول المالك في حصة الجهة غير المالكة و حكم معلوم المالك في حصة الجهة المالكة.

نعم، إذا حوّلت الشركة المذكورة المال المستحق عليها علي جهة غير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 27

مالكة فأخذ المال من تلك الجهة جري عليه حكم مجهول المالك بتمامه.

(مسألة 66): إذا اكتسب المؤمن المال بأحد الوجوه المحرمة السابقة و غيرها من مخالف في الدين يري بمقتضي دينه صحة المعاملة و استحقاق المال عليه بموجبها حلّ للمؤمن أخذ المال إلزاما للمخالف بحكم دينه و إن كان إيقاع المعاملة محرما، فإذا باع المؤمن الخمر و الخنزير مثلا ممّن يري جواز البيع المذكور كان إيقاع المعاملة محرما و تسليم المبيع حراما، لكن لو فعل المؤمن ذلك عصيانا أو جهلا حلّ له أخذ الثمن و تملّكه من الشخص المذكور.

و إذا وقع في يد المؤمن مال لمخالف له في الدين بوجه غير مشروع و كان صاحب المال يراه مشروعا بمقتضي دينه حلّ للمؤمن أخذه و تملكه منه أو التصرف فيه. كما أنه إذا اكتسب المال بمعاملة غير مشروعة من مخالف في الدين غير محترم المال جاز أخذ المال منه من باب الاستنقاذ و إن لم يكن حلالا في دين الشخص المذكور.

(مسألة 67): إذا دفع إنسان مالا إلي آخر لينفقه في طائفة من الناس، كالسادة أو الفقراء، و كان المدفوع له

منهم، فإن ظهر من الدافع أن مراده صرف المال فيهم كيف اتفق بنحو يشمل أخذه لنفسه معهم جاز له الأخذ منه، و إن لم يظهر منه ذلك بل اشتبه المراد، أو كان ظاهر الحال إرادة صرفه في غيره بحيث يكون واسطة في الإيصال لا غير لم يحل له الأخذ من المال. و كذا الحال فيما لو دفع له بضاعة ليبيعها أو مالا ليشتري به، حيث لا يجوز له شراء البضاعة لنفسه، و لا الشراء بالمال من نفسه إلّا مع فهم العموم له و ظهور حال الدافع في ذلك.

و يجري ذلك في جميع النظائر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 28

المقام الثاني في آداب التجارة

(مسألة 68): يستحب ذكر اللّه تعالي في الأسواق، و طلب الخيرة منه، و الدعاء بالمأثور، و منه الشهادتان. كما يستحب عند الشراء التكبير ثلاثا، و الدعاء بالمأثور أيضا، و أن يستدرّ الرزق بالدعاء، و أن يرجو في نفسه الرزق من حيث لا يحتسب، و لا يعتمد علي حذقه و كدّه و لا يطمئن إليهما.

(مسألة 69): ينبغي للمتكسّب أن يقصد بكسبه الاستعفاف عن الناس، و التوسعة علي العيال، و القيام بأعمال الخير و البر، فإن ذلك من طلب الآخرة. و لا ينبغي له أن يكون همّه الجمع و الادّخار.

(مسألة 70): يستحب الإجمال في الطلب، فإنه لن تموت نفس حتي تستكمل رزقها، و في حديث الإمام الصادق عليه السّلام: «ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيّع و دون طلب الحريص».

(مسألة 71): يستحب التعامل مع من نشأ في الخير. و يكره التعامل مع مستجدّ النعمة، و مخالطة السفلة.

(مسألة 72): يستحب التوثّق بالكتابة عند المعاملة.

(مسألة 73): يستحب الإحسان في البيع و التسامح فيه، و أن يعطي زائدا، و أن يبادر

للبيع عند حصول الربح، و أن لا يزهد في الربح و الاسترزاق به و إن قلّ.

(مسألة 74): يستحب إقالة النادم. و هي رفع اليد عن البيع و فسخه عند طلب أحد المتبايعين. ففي الحديث: «أيّما عبد أقال مسلما في بيع أقاله اللّه عثرته يوم القيامة». و يأتي الكلام في أحكامها في الفصل الرابع عشر إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 29

(مسألة 75): يستحب للمشتري المماكسة و التحفظ من الغبن، إلا في شراء الأضحيّة، و الكفن، و العبيد، و مصارف الحج فإنه يكره المماكسة فيها.

(مسألة 76): صاحب السلعة أولي بالسوم بأن يبدأ ببيان الثمن الذي يطلبه، و لا يكون المشتري هو البادي ببيان الثمن الذي يدفعه.

(مسألة 77): ينبغي للتاجر أن لا يشتغل بتجارته عن أداء الصلاة في أول وقتها، بل ينبغي ذلك لجميع أهل الأعمال، فعن أمير المؤمنين عليه السّلام: «ليس عمل أحب إلي اللّه عزّ و جلّ من الصلاة فلا يشغلنّكم عن أوقاتها شي ء من أمور الدنيا، فإن اللّه عزّ و جلّ ذمّ أقواما فقال الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلٰاتِهِمْ سٰاهُونَ يعني: أنهم غافلون، استهانوا بأوقاتها».

(مسألة 78): يكره للإنسان أن يكون أول داخل للسوق و آخر خارج منه، كما يكره السوم ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس.

(مسألة 79): يكره للبائع أن يمدح سلعته، و للمشتري أن يذمّها، و كذا كتمان العيب إذا لم يؤدّ إلي الغشّ، و الّا حرم، و الحلف في البيع و الشراء صدقا، و إن كان كذبا حرم.

(مسألة 80): يكره للبائع الربح بمثل الثمن فما زاد، و يستحب الرفق في الربح علي المؤمن إذا اشتري للتجارة، و يكره الربح عليه فيما يشتريه لغيرها إلّا بمقدار الحاجة، كما يكره

ربح البائع علي من يعده بالإحسان إن اشتري منه، و يكره أيضا التفريق بين المشتري المماكس و غيره في الربح.

(مسألة 81): يكره للمشتري طلب الوضيعة من الثمن بعد العقد، و قبولها إذا ردّها عليه البائع.

(مسألة 82): يكره الشكوي من عدم الربح و من الإنفاق من رأس المال، ففي الحديث: «إن من شكي من ذلك فقد شكي اللّه تعالي». و لا بأس ببيانه كحقيقة واقعة من دون أن يتضمن الشكوي، خصوصا مع استدراك ذلك بحمده تعالي و شكره علي ما رزق و يسّر، فإن نعمه لا تحصي و لا ينبغي أن تنسي.

(مسألة 83): يكره الدخول في سوم المؤمن. و المراد به أن يري اثنين يتساومان في بيع و شراء فيدخل قبل أن ينتهي الأمر بينهما بالقبول أو الرد،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 30

و يطلب أن يكون هو المشتري أو البائع بدلا من أحدهما. و لا بأس به إذا ابتني بيع المتاع علي طلب الزيادة، و هو البيع في المزاد.

(مسألة 84): يكره أن يتوكّل أحد من أهل المدينة للأعراب و أهل البوادي في بيع ما يأتون به للمدينة من البضائع. بل يتركون ليبيعوها بأنفسهم.

(مسألة 85): يكره تلقي الركبان، و هم الذين يجلبون البضائع للبلد، و المراد بتلقيهم الخروج لاستقبالهم، و مبادرتهم بالشراء منهم قبل دخول البلد.

و لا يكره ذلك لو صادف لقاءهم خارج البلد من دون قصد. و حدّ التلقي أربعة فراسخ، فإن زاد علي ذلك كان من جلب البضاعة المستحب.

(مسألة 86): يكره الاحتكار، و هو حبس الطعام لطلب الزيادة في الخصب أربعين يوما و في الشدة و البلاء ثلاثة أيام، بل يحرم حبس الطعام مطلقا مع حاجة الناس له و عدم الباذل، بحيث يوجب

الضيق علي الناس، و المراد بالطعام الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الزيت و السمن.

(مسألة 87): في مورد الاحتكار المحرّم يجبر المحتكر علي البيع من دون أن يحدّد السعر عليه، إلّا أن يكون السعر الذي يطلبه مجحفا بالعامة، فيحدّد السعر عليه بنحو لا يجحف به و لا بهم.

(مسألة 88): الذي يجبر المحتكر و يحدّد السعر عليه في مورد الإجحاف هو الحاكم الشرعي مع تيسر الرجوع إليه، و مع عدم تيسر الرجوع إليه يقوم بذلك عدول المؤمنين.

(مسألة 89): يحرم الاحتكار إذا كان موجبا لتلف النفوس المحترمة، أو الضرر المهم بهم الذي يجب دفعه، كالأمراض الصعبة و تعطيل بعض الأعضاء، أو كان موجبا للهرج و المرج و اختلال النظام. من دون فرق بين الطعام و غيره كالدواء و اللباس و غيرهما. بل حتي الأعمال، كعلاج الأمراض و النقل و غيرهما، فيحرم الامتناع عنها إذا أوجب ذلك. و لا بدّ في الثمن حينئذ من أن يكون بنحو لا يلزم منه أحد المحذورين المذكورين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 31

الفصل الأول في عقد البيع

لا بد في تحقق البيع من التزام الطرفين به و إبرازهما الالتزام المذكور بما يدلّ علي جعل المضمون و إيجاده في الخارج ادعاء، المعبر عنه بالإنشاء. و هذا هو اللازم في جميع العقود.

(مسألة 1): يقع البيع بكل ما يدلّ علي الالتزام المذكور من الطرفين من لفظ أو إشارة أو كتابة كالتوقيع من الطرفين علي ورقة البيع أو فعل آخر، كتسليم أحد العوضين من الثمن أو المثمن و تسلّمه، المسمّي بالمعاطاة، و نحو ذلك.

(مسألة 2): لا يشترط في اللفظ العربية، فيقع بأيّة لغة كانت، كما يقع بالملحون و الكنايات و غيرها ممّا يتضمن إبراز الالتزام النفسي بالبيع

و جعل مضمونه.

(مسألة 3): إذا طلب أحد الطرفين من الآخر أن يبيعه شيئا فقال: بعتك هذا الشي ء، لم يكف في تحقق البيع ما لم يظهر من الطالب القبول و الرضا بالبيع.

أما لو لم يظهر منه ذلك أو صرّح رأسا بالرد فلا بيع.

(مسألة 4): إذا كان أحد الطرفين وكيلا عن الآخر كفي التزامه بالبيع عن نفسه و عن موكله و إنشاؤه له، بلا حاجة إلي إنشاء القبول عن الآخر.

نعم، إذا غفل عن وكالته فالتزم بالبيع و أنشأه عن نفسه بانتظار قبول الآخر فلا يقع البيع ما لم يتحقق القبول عن الآخر أو منه. و هكذا الحال في الوكيل عن الطرفين، و الوليّ عليهما، و نحوهما من موارد تولّي الشخص الواحد لطرفي العقد.

(مسألة 5): يشترط في عقد البيع ابتناء التزام الطرفين بالمضمون علي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 32

التزام الآخر به، فلو التزم كل منهما بالمضمون ابتداء بانتظار قبول الآخر لم يقع العقد إلّا أن يطّلع أحدهما علي التزام الآخر و يرضي به. مثلا إذا كتب الوسيط ورقة البيع و وقّعها أحد الطرفين بانتظار توقيع صاحبه، و صادف أن وسيطا آخر كتب ورقة أخري للبيع و وقّعها الطرف الثاني بانتظار توقيع صاحبه من دون أن يعلم بتوقيعه لم يقع البيع حتي يعلم أحد الطرفين بتوقيع الآخر و يرضي بالمعاملة. و هكذا الحال في جميع العقود.

(مسألة 6): لا يشترط في البيع التخاطب بين الطرفين و لا وحدة المجلس، و لا الموالاة بين الالتزام من الطرفين. فيقع البيع مثلا بكتابة مضمونه في ورقة و توقيع أحد الطرفين فيها ثمّ إرسالها للآخر فيوقع فيها.

نعم، لا بدّ من بقاء الطرف الأول علي التزامه حتي يقبل الآخر، فلو عدل الطرف الأول

عن التزامه قبل صدور القبول من الآخر لم يقع البيع حتي لو لم يعلم الطرف الثاني حين قبوله بعدول الأول. و لو ادعي العدول قبل منه إلّا أن يعلم بكذبه. و لو شك في زمان العدول و أنه قبل قبول الثاني أو بعده بني علي عدم صحة البيع. و هكذا الحال في جميع العقود.

(مسألة 7): لا بدّ في صحة البيع من اتفاق المتبايعين علي مضمون واحد، بحيث يتطابق ما يلتزم به أحدهما مع ما يلتزم به الآخر في الثمن و المثمن و غيرهما من الخصوصيات المأخوذة في البيع، كالشرط و الوصف و الأجل و غيرها، فإذا اختلفا في شي ء من المضمون بطل البيع. و لو اختلفا في الإجمال و التفصيل، كما لو قال: بعتك الثوب بدينار، فقال: اشتريت كل ربع منه بربع دينار، فإن ابتني التفصيل علي الارتباطية بحيث يرجع إلي وحدة البيع في مجموع الأجزاء صحّ البيع، و إن رجع إلي الانحلال و إلي تعدد البيع بتعدد الأجزاء بطل. و هكذا الحال في جميع العقود.

(مسألة 8): يشترط في البيع التنجيز، فلا يصح البيع معلّقا علي أمر غير حاصل حين العقد، سواء علم حصوله كالبيع معلقا علي طلوع الهلال أم لم يعلم، كالبيع معلّقا علي قدوم المسافر. بل الأحوط وجوبا عدم البيع معلقا علي أمر حاصل مجهول الحصول، كما لو قال: بعتك إن كان ما ولد لي ذكرا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 33

نعم، يصح البيع معلّقا علي مجهول إذا كان المجهول شرطا في صحة البيع، كما لو قال: بعتك هذا الثوب إن كان لي. و كذا يصح إذا كان معلقا علي أمر معلوم الحصول حين العقد، و إن لم يكن شرطا في صحة

العقد. و هكذا الحال في جميع العقود و الإيقاعات، عدا الوصية التمليكية و هي التمليك معلّقا علي الموت و التدبير، و هو عتق العبد معلّقا علي الموت و النذر المعلّق علي حصول شي ء غير حاصل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 34

الفصل الثاني في شروط المتبايعين

اشارة

يعتبر في المتبايعين أمور.

الأول: البلوغ بأحد الأمور المتقدمة في أول مباحث الاجتهاد و التقليد، فلا يصح بيع الصبي و شراؤه لنفسه و إن كان مميزا يفهم معني البيع و الشراء، و يدرك موارد النفع و الضرر الماليين. بل لا بد في ذلك من إذن الولي، و يأتي في كتاب الحجر بعض الفروع المتعلقة بذلك إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: العقل فلا يصح عقد المجنون. و يأتي في كتاب الحجر بعض الفروع المتعلقة بذلك إن شاء اللّه تعالي.

الثالث: الاختيار، فلا يصح بيع المكره و شراؤه، و هو الذي يأمره غيره بالبيع أو الشراء المكروه له علي نحو يخاف من ترتّب الضرر بمخالفته. نعم إذا كان الإكراه بحقّ لم يمنع من صحة البيع.

(مسألة 1): المراد من الضرر الذي يتوقف صدق الإكراه معه ما يعمّ الضرر الواقع علي نفسه و ماله و شأنه و بعض من يتعلق به ممن يهمّه أمره كولده و أبويه و إخوته، بل الظاهر أنه يعمّ من يجب عليه دفع الضرر المعتد به عنه شرعا، كما لو هدّده بقتل مؤمن لا يعرفه، بل يعمّ من يحسن منه شرعا دفع الضرر عنه، كما لو هدّده بنهب مال مؤمن لا يعرفه.

(مسألة 2): لو قدر علي دفع ضرر المكره بالاستعانة بالغير من دون محذور و التفت لذلك، و لكنه لم يفعل و أوقع البيع فالظاهر عدم صدق الإكراه، و صحة البيع حينئذ. و كذا إذا قدر

علي إيهام المكره أنه فعل ما أكرهه عليه و التفت لذلك و لم يفعل، بل أوقع البيع. و منه إذا قدر علي التورية كما لو قصد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 35

بقوله: (بعت) الإخبار دون الإنشاء و التفت إليها، و لم يخش ظهور الحال و الوقوع في الضرر، فإنه إذا لم يورّ حينئذ و باع قاصدا البيع صحّ لعدم صدق الإكراه.

(مسألة 3): إذا أمره الغير بالبيع و خاف من ترتّب الضرر بمخالفته، لكنه باع برضاه من دون أن يستند البيع لأمر الغير صحّ البيع. و كذا إذا استند في بيعه لأمر الغير دفعا للضرر المترتب علي مخالفته، لكنه التفت إلي أنه لا يصح شرعا فأوقع البيع راضيا به دفعا للمشاكل الشرعية المترتبة علي بطلان المعاملة.

(مسألة 4): إذا أكره علي بعض الخصوصيات في البيع كالثمن و الزمان و المكان من دون أن يكره علي أصل البيع، بل كان له تركه، فباع بالخصوصية التي أكره عليها صحّ البيع. كما لو حدد له الثمن من دون أن يلزم بالبيع به، بل كان له ترك البيع رأسا، فإنه لو اختار البيع بالثمن المحدد صحّ البيع.

(مسألة 5): الإكراه إنما يبطل البيع إذا وقع علي من له البيع أو علي وليه أو وكيله مع عدم رضا الموكّل بالبيع، أما إذا وقع علي الوكيل مع رضا الموكّل بالبيع فالبيع صحيح. و كذا إذا أكره صاحب المال أو وليه أو وكيله شخصا في أن يبيع عنه فباع، فإن البيع يصح حينئذ، و لا يبطله الإكراه.

(مسألة 6): يصح بيع المكره بالإجازة اللاحقة منه أو من وكيله أو وليه.

(مسألة 7): لما كان البيع مع إكراه أحد الطرفين فاسدا فكما يبقي المكره مالكا لما يؤخذ

منه من ثمن أو مثمن يبقي الطرف الآخر مالكا لما يدفعه للمكره، و حينئذ إن كان الطرف الآخر عالما بالإكراه و بفساد العقد، و تعمد أخذ ما أخذ غصبا كان للمكره تملك ما أخذه منه من باب المقاصة، فإن كان ما أخذه مساويا لما أخذه الطرف الآخر في القيمة فقد استكمل حقه و لا شي ء عليه، و إن كان ما أخذه أقل قيمة بقي له عند الطرف الآخر فرق ما بينهما، و إن كان ما أخذه أكثر قيمة استحق مقدار ما أخذ منه بالمقاصة، و بقي الزائد ملكا لصاحبه، لكن لا يضمنه الآخذ لو تلف لعدم تعدّيه في أخذه. و بوسع المكره تملك تمام الثمن بتصحيح البيع بإجازته له لاحقا، كما تقدم في المسألة السابقة.

و إن كان الطرف الآخر جاهلا بالإكراه، أو بفساد البيع بقي ما دفعه للمكره في ملكه و لم يكن للمكره تملكه من باب المقاصة، بل يجب عليه إرجاعه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 36

لصاحبه و مراجعته فيه. و مع تعذر مراجعته لعدم معرفته أو لانقطاع خبره أو لغير ذلك فاللازم مراجعة الحاكم الشرعي فيه، لأنه ولي الغائب، و بوسع المكره حينئذ تجنب ذلك بتصحيح البيع بإجازته اللاحقة، كما تقدم.

(مسألة 8): إذا اضطر للبيع من غير جهة الإكراه لم يبطل البيع، كما لو اضطر لبيع داره لمعالجة مريضة أو تحصيل قوت عياله. و كذا لو كان من جهة الإكراه علي أمر غير البيع، كما لو أكرهه الجائر علي دفع مال، و لم يمكنه دفعه إلّا ببيع داره.

(مسألة 9): يجوز الشراء ممن يقبل بالثمن القليل لاضطراره للبيع. و كذا البيع ممن يقبل بالثمن الكثير لاضطراره للشراء. نعم يكره استغلال اضطراره بحيث يكون

تقليل الثمن في الأول و زيادته في الثاني لأجل اضطراره، أمّا إذا كان بداع آخر، كعدم الرغبة في الشراء أو البيع فلا كراهة. و كذا إذا كان الاضطرار للبيع أو الشراء موجبين لهبوط السعر السوقي أو ارتفاعه.

الرابع: السلطنة علي التصرف في المبيع أو الثمن، لكونه مملوكا له أو في ذمته من دون أن يكون محجورا عليه أو لكونه وكيلا علي المال أو مأذونا في التصرف فيه ممن له التوكيل و الإذن أو لكونه وليا عليه. فلو لم يكن كذلك لم ينفذ البيع، كما لو باع الأجنبي أو المالك المحجور عليه لصغر أو سفه أو غيرهما. و هو المسمي عندهم ببيع الفضولي و شرائه.

(مسألة 10): لا يكفي في خروج البيع أو الشراء عن كونه فضوليا العلم برضا من له السلطنة عليه به، بحيث لو التفت إليه لإذن فيه، بل لا بدّ من إعمال سلطنته فيه، بإذنه في البيع أو توكيله علي إيقاعه، و لو كان مستفادا من شاهد الحال كما لو رأي صاحب المحل ولده يبيع له و يشتري و تكرر ذلك منه و لم ينكر عليه مع قدرته علي الإنكار، حيث يظهر منه إذنه له في القيام مقامه في إدارة المحل.

(مسألة 11): بيع الفضولي و شراؤه و إن كان موقوفا غير نافذ إلّا أنه لا يبطل رأسا بحيث يبطل التنفيذ و التصحيح، بل ينفذ بإجازة من له السلطنة، من مالك أو وكيل أو ولي أو غيرهم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 37

(مسألة 12): لا بدّ في تصحيح عقد الفضولي بالإجازة من بقاء الطرف الآخر علي التزامه بالبيع إلي حين الإجازة، فلو أعرض عنه لم تنفع الإجازة في تصحيحه، فإذا باع الفضولي دار زيد علي

عمرو فأعرض عمرو عن البيع قبل إجازة زيد للبيع لم تنفع إجازة زيد بعد إعراض عمرو في صحة البيع.

(مسألة 13): يكفي في الإجازة كل ما يصلح لبيان إمضاء من له السلطنة للعقد من قول أو فعل، كقبض الثمن، و تسليم المبيع، و غيرهما. بل يكفي سكوته عنه و عدم ردّه بعد علمه به إذا كان كاشفا عن إقراره و تنفيذه له. أما مجرد الرضا الباطني بالعقد مع عدم المبرز لإقرار العقد و الرضا به فلا يكفي في إجازة العقد و نفوذه.

(مسألة 14): ينفذ عقد الفضولي بإجازة من له السلطنة، سواء سبق منه أو من غيره من ذوي السلطنة المنع عن إيقاعه أو الرد له بعد وقوعه، أم لم يسبق شي ء منهما.

(مسألة 15): إجازة عقد الفضولي تقتضي نفوذه و ترتّب جميع أثار صحته من حين وقوعه، لا من حين إجازته فقط، فإذا باع الفضولي الدابة مثلا و حصلت الإجازة بعد مدة من الزمن حكم بملكية المشتري لها من حين العقد، فتكون نماءاتها كالولد و اللبن و منافعها من حين العقد للمشتري، و لو اعتدي عليها شخص بعد العقد و قبل الإجازة فأتلف منها شيئا كان ضامنا للمشتري لا للمالك الأول، و هكذا الحال في بقية الآثار. كما أنه يحكم بملكية البائع للثمن من حين وقوع العقد و تترتّب آثار ذلك.

(مسألة 16): إذا باع الفضولي العين من شخص ثمّ أخرجها المالك أو من يقوم مقامه عن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما قبل إجازة بيع الفضولي فلا مجال لإجازته بعد ذلك. أما إذا آجر المالك أو من يقوم مقامه العين من دون أن تخرج عن ملكه فالظاهر أن له إجازة العقد الفضولي، فإذا أجازه صحّ، غايته أن

يكون للمشتري حينئذ الخيار، و له فسخ البيع للعيب. و كذا الحال في كل تصرف من المالك في العين يوجب نقصا فيها من دون أن يوجب سلب سلطنته علي بيعها كالرهن، بل حتي التصرف الخارجي فيها منه أو من غيره، كهدم الدار، أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 38

تغيير صورتها، و خياطة الثوب، و نحوها.

(مسألة 17): إذا باع شخص فضولا و قبل الإجازة ملك المبيع بالشراء أو بغيره لم يصح بيعه الفضولي، حتي لو أجازه. و كذا لو ملكه غير البائع الفضولي، فإنه لا يصح منه إجازة بيع الفضولي السابق علي ملكيته للعين.

نعم، إذا كان انتقال العين من المالك الأول للبائع الفضولي أو غيره بالميراث فلصحة بيع الفضولي بالإجازة من المالك الثاني وجه، إلّا أن الأحوط وجوبا التوقف و الرجوع للصلح و نحوه مما يكون مرجعا عند اشتباه الحقوق.

(مسألة 18): إذا باع الشخص باعتقاد كونه مالكا أو وكيلا أو وليا فتبين عدم كونه كذلك كان البيع فضوليا، و توقف علي الإجازة، كما سبق. و إن باع باعتقاد عدم كونه مسلّطا فتبين كونه وليا أو وكيلا و كان البيع مناسبا لولايته أو وكالته نفذ البيع و لم يحتج للإجازة. و إن تبيّن كونه مالكا، فإن ابتني بيعه علي إعمال سلطنته و لو ادعاء، نظير بيع الغاصب نفذ البيع، و إن لم يبتن علي ذلك، بل علي مجرد إيقاع العقد بانتظار تنفيذ من له السلطنة فالظاهر عدم نفوذ البيع و توقفه علي إجازته، أو إجازة غيره ممن له السلطنة.

(مسألة 19): إذا باع الغاصب المال المغصوب لنفسه لم ينفذ البيع إلّا بإجازة صاحب المال، فإن أجاز وقع البيع له و دخل الثمن في ملكه، و لا يقع

للغاصب و لا يدخل الثمن في ملكه. و كذا الحال في غير الغاصب ممن يبيع مال غيره لنفسه، كالذي يعتقد ملكية مال الغير خطأ أو تشريعا.

(مسألة 20): من كان عنده مال للغير فاشتري به من دون إذن صاحب المال، فإن نوي الشراء لصاحب المال كان من بيع الفضولي، و توقف نفوذه علي إجازة صاحب المال، و إن نوي الشراء لنفسه، فله صورتان.

الاولي: أن يشتري بشخص ذلك المال، كما لو قال: اشتريت منك هذا الثوب بهذا الدينار، و في هذه الصورة يلحقه حكم بيع الفضولي، فيتوقف نفوذه علي إجازة صاحب المال.

الثانية: أن يشتري بالذمة و يدفع مال الغير، كما لو قال: اشتريت منك هذا الثوب بدينار، ثمّ دفع له الدينار الذي هو ملك غيره. و هذه الصورة هي الشائعة،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 39

و البيع فيها نافذ بلا حاجة إلي إجازة من صاحب المال، و يكون المبيع للمشتري لا لصاحب المال، غاية الأمر أن ذمة المشتري لا تبرأ من الثمن، بل يبقي في ذمته للبائع حتي يجيز صاحب المال، أو يعوض المشتري صاحب المال عنه، أو يدفع المشتري الثمن من ملكه.

(مسألة 21): إذا لم ينفذ بيع الفضولي لعدم الإجازة، فقبض المشتري المبيع كان قبضه بلا حق، و جري عليه حكم المغصوب، من حيثية ضمانه و ضمان منافعه و غير ذلك، مما يأتي في كتاب الغصب إن شاء اللّه تعالي، من دون فرق بين العالم بكون البائع فضوليا و الجاهل بذلك، و إنما يفترقان في الإثم و عدمه.

نعم، إذا علم المشتري رضا المالك بقبضه للمبيع و بتصرفه فيه جاز له ذلك، و إن لم ينفذ البيع و لم يملكه لعدم الإجازة. بل يكفي الرضا التقديري

من الغافل، و ذلك بأن يكون بحيث لو علم لرضي، فإنه يجوز التصرف مع ذلك لكل أحد. و حينئذ إن علم أنه يرضي بالتصرف من دون ضمان فلا ضمان، إلّا أن ينكشف الخطأ فيضمن بالمثل أو القيمة، كما في الغصب، و إن علم أنه يرضي بالتصرف مع الضمان بالمثل أو القيمة تعيّن الضمان بأحد الأمرين، إلا أن ينكشف الخطأ فلا ضمان، و إن علم أنه يرضي بالضمان بالأقل من اجرة المثل أو بالأكثر منها فالأحوط وجوبا التراضي بينهما في الفرق بين اجرة المثل و أحد الأمرين.

(مسألة 22): لو باع الإنسان ما له السلطنة علي بيعه و ما ليس له السلطنة علي بيعه صفقة واحدة نفذ البيع فيما له السلطنة عليه، و توقف نفوذه فيما لا سلطنة عليه علي إجازة من له السلطنة، و مع عدم الإجازة يكون للمشتري خيار تبعض الصفقة مع جهله بعدم السلطنة علي بيع البعض، و كذا مع علمه بذلك إذا كان البيع مشروطا و لو ضمنا بتمامية المبيع للمشتري، و أما إذا لم يكن مشروطا بذلك فلا خيار له. و أما طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن، فيأتي الكلام فيه في خيار تبعض الصفقة إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 40

تتميم: في أولياء العقد

للإنسان أن يتصرف بنفسه أو بوكيله في نفسه و ماله، ما لم يكن محجورا عليه لصغر أو جنون أو سفه. و الكلام هنا في الأولياء الذين لهم التصرف في شؤون المحجور عليه الراجعة لنفسه و ماله.

(مسألة 23): للأب و الجد للأب التصرف في مال الصغير بالبيع و الشراء و غيرهما، كما أن لهم التصرف في نفسه بمثل الإطعام و الاستخدام و العلاج و الاستئجار للقيام

ببعض الأعمال، و النكاح علي تفصيل يأتي في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالي و غير ذلك.

نعم، لا يجوز لهما طلاق زوجته، و لا يلحق به فسخ النكاح بأحد الأسباب المسوّغة له، و هبة المدة في النكاح المنقطع، بل يجوز لهما القيام بهما بالشرط الآتي.

(مسألة 24): لا يعتبر في تصرف الأب و الجد لزوم المصلحة للصغير، فيجوز مثلا بيع ماله بقيمة المثل مع عدم الحاجة للبيع، نعم لا بدّ من عدم لزوم المفسدة من التصرف و عدم كونه تفريطا في حق الصغير عرفا، فلا يجوز التصرف مع المفسدة، كالبيع بأقل من قيمة المثل من دون حاجة، كما لا يجوز التصرف بدون مفسدة مع تيسر التصرف الأصلح و الأنفع، كالبيع بقيمة المثل أو بأزيد منها مع تيسر البيع بأكثر من ذلك، لأنه تفريط حينئذ.

بل الأحوط وجوبا في مثل إعمال الحقوق و إسقاطها كهبة المدة في النكاح المنقطع، و الفسخ في مورد الخيار، و الإقالة، و إسقاط حق الخيار الاقتصار مع الأمرين السابقين علي صورة الحاجة العرفية لذلك، بأن يكون عدم القيام بها معرضا لحدوث مشكلة للصغير أو لغيره ممن يتعلق به الحق، أو حصول مصلحة معتد بها للصغير، و لو بأن يبذل له مال معتد به بإزاء التصرف المذكور.

(مسألة 25): يجوز للأب و الجد نصب القيّم علي اليتيم بعد موتهما، و هو الوصي فيكون له الولاية علي التصرف في مال الطفل علي النحو المتقدم،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 41

من عدم المفسدة و عدم لزوم التفريط.

نعم، الأحوط وجوبا له عدم الاتجار بمال الطفل بضاعة أو مضاربة أو نحوهما إلّا إذا أجاز له الموصي ذلك بالخصوص، أو مع ضمان الخسران لو وقع و كان العامل مليّا

قادرا علي التدارك. و يكون الربح بتمامه لليتيم إلّا إذا نصّ الموصي علي الإذن في المضاربة.

(مسألة 26): ليس للقيّم الوصي من قبل الأب أو الجد نصب القيّم علي اليتيم بعد موته و الوصية بذلك لغيره. إلّا إذا نصّ الأب أو الجد علي الإذن له في ذلك.

(مسألة 27): إذا بلغ الصغير مجنونا استمرت ولاية الأب و الجد و الوصي منهما عليه، و كذا إذا بلغ غير رشيد في بعض الجهات من الماليات أو غيرها، فإن و لا يتهم تبقي عليه في تلك الجهة. و أما إذا بلغ رشيدا ثمّ جنّ فالظاهر انحصار الولاية عليه بالأب و الجد، فلا يتولي غيرهما التصرف إلّا بإذنهما. و الظاهر عدم توقف التصرف علي مراجعة الحاكم الشرعي، و إن كان هو الأحوط استحبابا.

(مسألة 28): إذا فقد الصغير أو المجنون الأب و الجد من قبل الأب و الوصي من قبل أحدهما فولايته لمن هو الأولي بميراثه، لكن لا بنحو يجب عليه تولي أمره، بل بمعني أنه لا يجوز لغيره مزاحمته في ذلك، و لو تولي أمره تعين علي غيره استئذانه إذا أراد تولي شي ء من أمره. أما إذا لم يتول أمره فلا يجب علي غيره استئذانه في إدارة أمره.

نعم، الأحوط وجوبا في التصرفات المهمة إشراك العادل بها نظير ما يأتي في المسألة اللاحقة.

(مسألة 29): إذا لم يتولّ الأولي بالميراث أمر اليتيم أو المجنون في المسألة السابقة جاز بل استحب لكل أحد كفالته و مخالطته بالمعروف و بالنحو الذي يصلح له، كالنفقة عليه من ماله- مع وجوده- أو من غيره، و حمله علي التكسب بعمل أو غيره، و المحافظة عليه، و مداواته، و تأديبه، و نحو ذلك مما يحتاج إليه، و تقتضيه طبيعة

المعاشرة و المخالطة، من دون إفساد أو تفريط بالنحو المتقدم في ولاية الأب و الجد. و الإنسان علي نفسه بصيرة، و الرقيب علي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 42

ذلك هو اللّه تعالي، فإنه يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.

نعم، الأحوط وجوبا في التصرفات المهمة الخارجة عن ذلك مراجعة العادل فيها إن لم يكن المتولي عادلا مثل قسمة الميراث، و تصفية الأموال ببيع ما لا صلاح في بقائه، و لا يحتاج في جميع ذلك إلي مراجعة الحاكم الشرعي، و إن كان هو الأحوط استحبابا. و إذا بلغ اليتيم غير رشيد بقي الحكم السابق عليه.

و كذا الحال في المجنون الذي لا ولي له.

نعم، لا يجوز تزويجهما عند احتياجهما للزواج إلّا بمراجعة الحاكم الشرعي مع إمكان ذلك، و مع تعذره يكفي الرجوع للعادل، نظير ما تقدم.

(مسألة 30): يجب الرجوع للحاكم الشرعي و تثبت له الولاية في أمور.

الأول: مال الغائب الذي لا يمكن الوصول إليه، و لا لوليّه عند الحاجة إلي التصرف فيه، و مثله المال الذي يتعذر الرجوع لوليه، لغيبة أو خوف أو غيرهما.

نعم، يجوز التصرف الخارجي في الجميع بمثل النقل و الأكل و غيرهما إذا أحرز رضا المالك أو الوليّ به و لو تقديرا، بأن يكون بحيث لو التفت لرضي بالتصرف.

الثاني: الأموال العامة التي ليس لها مالك خاص، كأموال الخراج.

الثالث: الخمس، علي تفصيل تقدم في كتاب الخمس.

الرابع: الأوقاف التي لا ولي لها و الأموال التابعة لها، علي تفصيل يأتي في كتاب الوقف إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 31): إذا تعذر الرجوع إلي الحاكم الشرعي في الموارد المتقدمة وجب الرجوع إلي عدول المؤمنين، و مع تعذره يجوز القيام بالتصرف لكل أحد، و الأحوط وجوبا الاقتصار فيهما علي مقدار الضرورة بحيث

يقطع بأهمية التصرف و رضا الشارع الأقدس به، إلي أن يتيسر الرجوع إلي الحاكم الشرعي.

(مسألة 32): لا بدّ في الولي في جميع الطبقات المتقدمة من أن يكون نظره علي طبق الموازين العقلائية، فإذا كان شاذا في اختياره خارجا عن طريقة العقلاء في نظره سقط عن مقام الولاية، إلّا أن تكون مخالفته لما عليه عموم العقلاء لاطلاعه علي ما خفي عنهم، بحيث لو اطلعوا علي ما اطلع عليه لأقروه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 43

علي تصرفه و وافقوه في اختياره.

(مسألة 33): المعيار في تشخيص المصلحة و عدم المفسدة علي نظر الولي حين إيقاع التصرف، لا علي نظر الغير، فإذا باع الولي باعتقاد كون التصرف مصلحة جاز الشراء منه و إن اعتقد المشتري عدم المصلحة أو وجود المفسدة.

بل إن ظهر للولي الخطأ بعد إيقاع التصرف لم ينكشف بطلان التصرف، إلا أن يرجع ذلك للتقصير منه في النظر للمولي عليه، فيبطل التصرف لقصور ولايته حينئذ. كما أنه لو تصرف معتقدا ترتّب المفسدة علي التصرف لم ينفذ تصرفه و إن كان التصرف صلاحا في الواقع، و كان موقوفا علي الإجازة، كتصرف غير الولي.

(مسألة 34): إذا وقع التصرف من غير الولي أو من الولي الخارج عن مقتضي ولايته لحقه حكم تصرف الفضولي، فيتوقف نفوذه إذا كان عقدا علي تنفيذ من له السلطنة عليه، علي النحو السابق في العقد الفضولي، سواء كان هو المولي عليه إذا ارتفع الحجر عنه كالصبي إذا بلغ، و المجنون إذا أفاق أم وليّه حين إيقاع العقد، أم وليّا آخر حصلت له الولاية بعد إيقاع العقد، كما لو انعزل من كان وليا حين العقد بالخيانة فصارت الولاية للحاكم الشرعي فرأي مصلحة المولي عليه في تنفيذ العقد،

فمثلا إذا بيع مال الصغير بدون قيمة المثل تفريطا، ثمّ نزل سعر المبيع إلي ما دون الثمن الذي وقع به البيع أمكن للولي تنفيذ البيع المذكور، لكون التنفيذ حينئذ مصلحة للصغير.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 44

الفصل الثالث في شروط العوضين

تمهيد.

لمّا كان البيع من المعاوضات فهو موقوف بطبعه علي أن يتعين المبيع لجهة خاصة كي يكون موردا للمعاوضة، و يترتب علي ذلك أمران.

الأول: امتناع بيع المباحات الأصلية، كالسمك في الماء، و الطير في الهواء قبل اصطيادهما.

نعم، لا يعتبر أن يكون ملكا لإنسان خاص بل يكفي تعيّنه لجهة عامة أو خاصة، كالأموال الزكوية، و كالأموال المعينة لجمعيات و هيئات خيرية، و نماء الوقف غير المملوك، و غيرها.

(مسألة 1): لا بدّ في التعين للشخص أو للجهة- المصحح لكون المال موضوعا للبيع- من كونه شرعيا بتحقق سببه الشرعي، من حيازة أو أحياء أو غيرهما. و لا يكفي التعيّن بمقتضي القانون الوضعي، فمثلا لا يجوز بيع الأراضي الموات المشتراة أو الممنوحة من الدولة و إن تمّ تسجيلها باسم شخص خاص، لعدم كفاية ذلك في ملكها شرعا.

نعم، يجوز أخذ المال في مقابل التنازل القانوني عنها للآخرين و الاعتراف بها لدافع المال و نقلها له رسميّا و قانونيّا، و تتوقف ملكيته لها شرعا علي حصول سببها الشرعي و هو الإحياء.

الثاني: أن يدخل الثمن في ملك من خرج منه المبيع، فلا يقع البيع علي أن يدخل الثمن في ملك غير البائع، و علي ذلك فلو دفع الأب مثلا لولده شيئا علي أن يبيعه الولد و يأخذ ثمنه لنفسه فلا يصح ذلك، إلّا بأحد وجهين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 45

أحدهما: أن يرجع إلي هبة الأب لولده ذلك الشي ء الذي دفعه له، أو الإذن

له بتملكه بحيث يملكه قبل البيع، فيبيعه لنفسه و يدخل ثمنه في ملكه.

و يترتب علي ذلك أنه لو فسخ البيع بإقالة أو خيار رجع المبيع للولد.

ثانيهما: أن يرجع إلي إذن الأب لولده في تملك الثمن بعد البيع، فيقع البيع للأب و يدخل الثمن في ملكه بدلا عن المبيع، ثم يتملكه الولد هبة من أبيه.

و يترتّب علي ذلك أنه لو فسخ البيع يبقي الثمن في ملك الولد، و يجب علي الأب ضمانه بمثله أو قيمته للمشتري، إلا أن تكون هبة الأب للثمن مشروطة و لو ضمنا بتحمله تبعات المعاملة. و لا يمكن أن يبقي المبيع علي ملك الأب إلي حين البيع ثمّ يدخل الثمن بالبيع في ملك الولد رأسا.

أما المبيع فمقتضي الوضع الطبيعي للبيع دخوله في ملك من خرج منه الثمن، فإذا باع زيد لعمرو ثوبا بعشرة دنانير لعمرو أو في ذمته كان مقتضي إطلاق العقد بطبعه صيرورة الثوب لعمرو بالبيع، لكن يمكن قصد البيع علي وجه آخر، بحيث يكون البيع لشخص آخر غير من خرج منه الثمن، و علي ذلك يمكن أن يدفع الأب مثلا لولده مالا ليشتري به الولد شيئا له من دون أن يملك الولد ذلك المال، بل ينتقل المال من الأب للبائع رأسا في مقابل المبيع الذي ينتقل من البائع للولد. و يترتّب علي ذلك أنه لو فسخ البيع رجع المبيع من الولد للبائع، و رجع الثمن من البائع للأب دون الولد، و في مثل هذا البيع يكون أطراف العقد ثلاثة، البائع و المشتري و دافع الثمن، و لا بد في صحته من إذنهم أو إجازتهم.

إذا عرفت هذا فالكلام في شروط العوضين يقع في ضمن مسائل.

(مسألة 2): الظاهر أنه لا يعتبر في

العوضين أن يكونا مالا، و هو ما يتنافس العقلاء علي تحصيله، فيجوز بيع ما لا ماليّة له كالماء علي الشاطئ، و بعض الحشرات و الفضلات غير المرغوب في اقتنائها عند عموم العقلاء إذا تعلّق الغرض الشخصي بتملكها من مالكها. و يترتّب عليه جميع آثار البيع.

(مسألة 3): الظاهر عدم وقوع البيع علي المنفعة و العمل، فلا تكون مبيعا، بل تكون موضوعا للإجارة، نعم يجوز أن تكون ثمنا في البيع. و يجوز بيع بقية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 46

الأشياء القابلة للانتقال، كالأعيان مثل الثوب و الدار و الحقوق، كحق الاستثمار في الأراضي الخراجية، و حق أولوية الاستئجار و هو المعروف ب (السرقفلية).

(مسألة 4): لا يصح بيع الحق غير القابل للانتقال، كحق الشفعة، نعم يمكن بذل المال في مقابل إسقاطه بنحو من الصلح، و لا يصدق عليه البيع، و لا تجري أحكامه، فلا يثبت فيه الخيار مثلا. و كذا الحال في جميع موارد إسقاط الحق بالعوض، كإسقاط الحق الثابت بالشرط، و مثله الصلح علي عدم إعمال السلطنة الشرعية التي هي نحو من الحكم الشرعي، كالصلح علي عدم حيازة بعض المباحات الأصلية، و علي عدم الدخول في المزايدة في بعض المعاملات، فإن ذلك كله ليس من البيع و لا تترتّب عليه أحكامه.

(مسألة 5): العين التي يصح معاوضتها علي أقسام:

الأول: أن تكون خارجية شخصية، كالثوب الخاص و الدرهم الخاص.

الثاني: أن تكون كلية في ضمن موجود خارجي، كما لو كان عنده كيس فيه مائة كيلو من الدقيق فباع كيلو منها بدينار.

الثالث: أن تكون ذمية قبل البيع، كما لو كان له في ذمة زيد كيلو من الدقيق فباعه علي عمرو بدينار، أو كان له علي زيد دينار فاشتري به منه

كيلو من الدقيق.

الرابع: أن تكون ذمية بالبيع، كما لو باع الثوب علي زيد بعشرة دنانير في ذمته. نعم لا يجوز بيع الدين بالدين إذا كانا ثابتين قبل البيع، علي ما يأتي تفصيل الكلام فيه في كتاب الدين.

(مسألة 6): لا يجوز بيع الأرض الخراجية، و هي التي افتتحها المسلمون بالقتال مع الكفار و كانت عامرة حين الفتح، لأنها متروكة مختصة بعامة المسلمين ما تعاقبوا جيلا بعد جيل باستمرار الزمان، و ليست هي ملكا لمن هي في يده، بل له حق أعمارها بدفع الخراج للمسلمين بالنحو الذي لا يجحف به، من دون فرق في عدم جواز البيع بين أن تكون فيها آثار مملوكة للبائع من بناء أو شجر أو غيرهما و أن لا تكون فيها آثار مملوكة له.

نعم، للذي هي في يده أولوية التصرف فيها بعمارتها و استغلالها، و هي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 47

نحو من الحق له في الأرض لا يجوز مزاحمته فيه. و حينئذ يجوز شراء هذا الحق منه، و يحلّ للمشتري القيام بعمارتها و استغلالها مع دفع الخراج، و هو حصة مما ينتج منها أو اجرة معينة.

(مسألة 7): يجزي في حلية التصرف في الأراضي الخراجية و استغلالها التعامل عليها مع السلطان المدعي للخلافة أو الولاية الدينية و إن كان ظالما إذا كان واضعا يده علي الأرض مسيطرا عليها، كما يرجع إليه في تحديد الخراج، و يجزي دفعه له، و يحل أخذه منه مجانا بنحو الجائزة أو بمعاملة معاوضة، بل يجوز للمكلف أن يتقبّل الخراج من السلطان المذكور بمال معين يدفعه إليه، ثمّ يأخذ الخراج ممن يعمر الأرض بدلا من السلطان بالمقدار الذي عيّنه السلطان عليه، و لا يجوز لمن عليه الخراج منع

الشخص المذكور من الخراج إذا كان محترم المال.

نعم، إذا كان السلطان ظالما، و أمكن منع الخراج منه وجبت مراجعة الحاكم الشرعي فيه. كما أنه إذا لم تكن الأرض تحت يد السلطان المدعي للخلافة أو الولاية الدينية، أو أمكن عدم مراجعته فيها لجهله بأنها خراجية أو نحو ذلك وجب التعامل علي الأرض مع الحاكم الشرعي، و الاتفاق معه علي مقدار خراجها، و الرجوع إليه في مصرفه.

(مسألة 8): من كان بيده أرض خراجية، فتركها و أعرض عن عمارتها و استغلالها إعراضا منه عنها أو لعجزه عن عمارتها سقط حقه فيها، و جاز لغيره عمارتها و التعامل عليها مع السلطان أو مع الحاكم الشرعي.

نعم، إذا كان تركه لها بسبب مضارة السلطان له، بتثقيل الخراج عليه و إجحافه فيه بقي حقه فيها، و وجب لمن يريد عمارتها إرضاؤه، إلّا أن تكون مضارة السلطان له سببا في إعراضه عنها بحيث لا تتعلق نفسه بها.

(مسألة 9): إذا تركت الأرض الخراجيّة مدة طويلة حتي خربت و ماتت- و لو بسبب ضعف السلطان أو جوره- فالظاهر أنه يجري عليها ما يأتي في حكم الأرض الموات.

(مسألة 10): الظاهر أن إحياء الأرض الموات موجب لجريان حكم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 48

الملك عليها في ثبوت حق للمحيي قابل للبيع و الشراء و غيرهما من أنحاء التصرفات المبنية علي السلطنة، و لا يوجب ملكية الأرض حقيقة، بل هي ملك للإمام عليه السّلام، و ليس ثبوت الحق فيها لمن عمّرها إلّا تفضلا منهم (عليهم السلام).

(مسألة 11): لو ترك صاحب الأرض عمارتها مدة معتدا بها حتي ماتت، بحيث صدق عليها أنها من الأرض الموات سقط حقه فيها، سواء كان ذلك للإعراض عن نفس الأرض أو عن عمارتها،

أم كان للعجز عن عمارتها، أم لداع آخر، كالانشغال بما هو أهم. و حينئذ يجوز لغيره عمارتها، و يثبت حقه فيها، و لا يجب عليه استئذان الأول، و لا دفع الأجرة له عن استغلالها و الانتفاع بها، و إن كان الأحوط استحبابا دفع الأجرة له، و أحوط منه استحبابا أيضا إرضاؤه عن نفس الأرض، أو دفعها له لو أرادها. بل الأحوط وجوبا عدم مزاحمته لو أراد عمارتها بعد خرابها قبل أن يعمرها الغير، فلا يسبقه الغير لعمارتها و إحيائها.

(مسألة 12): الظاهر عدم سقوط حق صاحب الأرض فيها لو كان خرابها بسبب منع ظالم له من عمارتها، فلا يجوز لغيره التصرف فيها حينئذ إلّا بإذنه، إلّا أن يكون منع الظالم له من عمارتها موجبا لإعراضه عن الأرض و عن عمارتها، و انصرافه عن ذلك، بحيث لا يستند بقاء الخراب لمنع الظالم وحده، بل للإعراض المذكور أيضا، فلا يبقي حقه فيها حينئذ، و يجوز للغير عمارتها.

(مسألة 13): لا بدّ في كل من العوضين أن يكون معينا، و لا يجوز أن يكون مرددا، فإذا قال: بعتك المتاع بدينار أو عشرة دراهم، أو قال: بعتك الثوب أو الطعام بدينار، فقبل، لم يصح البيع، إلّا أن يرجع إلي توكيل أحد المتبايعين للآخر في إيقاع العقد بالنحو الذي يراه مناسبا، و حينئذ لا يتم العقد إلا بعد إيقاعه بالوجه الذي يراه.

(مسألة 14): إذا باعه بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا فقبل، صحّ البيع بالثمن الأقل مع الأجل، فإذا قال مثلا: بعتك هذا الثوب بدينار حالا و بدينارين إلي شهر، فقبل المشتري، وقع البيع بالدينار مؤجلا إلي شهر، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ذلك و عدم التعدي إلي ما يشبهه، كالبيع مؤجلا

بأجلين بثمنين، كما لو قال: بعتك بدينارين إلي شهر و بثلاثة دنانير إلي شهرين، أو البيع بأكثر من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 49

ثمنين، كما لو قال: بعتك بدينار حالا و بدينارين إلي شهر و بثلاثة دنانير إلي شهرين، و غير ذلك. بل يشكل صحة البيع في الجميع لما تقدم في المسألة السابقة.

نعم، لا بأس بالمساومة بنحو الترديد لتعيين الثمن المطلوب علي كل تقدير يفرض، ثمّ إيقاع العقد بنحو محدد يتفقان عليه.

(مسألة 15): يجب في المبيع إذا كان من المكيل أو الموزون معرفة كيله أو وزنه عند العقد، و لا يجوز بيعه جزافا، و الأحوط وجوبا ذلك في الثمن أيضا.

بل الأحوط وجوبا عموم اشتراط العلم بمقدار كل من العوضين بالنحو الذي يتعارف تقديره به عند البيع، من كيل أو وزن أو عدّ أو مساحة أو مشاهدة، فلا بيع مع الجهل المطلق بأحد العوضين أو كليهما، مثل البيع بما في الصّرة، و البيع بقيمة الشراء، و بيع ما في الخزانة، كما لا بيع مع التقدير بما لا يتعارف التقدير به، كالاكتفاء بالمشاهدة في المكيل أو الموزون أو المعدود، و الاكتفاء بالكيل في الموزون أو المعدود أو غير ذلك.

نعم، إذا تعارف بيع الشي ء في بعض الأحوال مجازفة صح بيعه كذلك، كبيع ثمرة البستان لسنة أو سنتين، و بيع اللبن في الضرع، علي ما يأتي التعرض له إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 16): يترتّب علي ما سبق الإشكال فيما قد يجري عليه بعض الناس من البيع بانتظار قائمة الشراء، بأن يوقع الطرفان البيع من دون تعيين للثمن و ينتظران في تعيينه وصول قائمة الشراء و الاطلاع عليها.

(مسألة 17): يمكن التخلص من الإشكال المتقدم بأحد وجهين:

الأول: إيقاع المعاملة بثمن

معين مع اشتراط الفسخ لأحد الطرفين أو لكليهما لو ظهر أن الثمن غير مناسب للقائمة.

الثاني: إيقاع المعاملة بثمن معين مع اشتراط التدارك ببذل الفرق من البائع أو المشتري لو ظهر أن الثمن غير مناسب للقائمة.

(مسألة 18): إذا اختلف تقدير الشي ء الواحد باختلاف الأحوال لزم تقديره في كل حال بما يتعارف تقديره به في ذلك الحال، كالثمر يباع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 50

بالمشاهدة علي الشجر أو عند البيع جملة، و يباع بالوزن عند البيع مفردا، كما أنه قد يباع الشي ء في حال كيلا في صناديق أو أكياس، و في حال بالوزن، و غير ذلك. و كذا الحال في اختلاف البلدان و الأزمنة، فيراعي في كل بلد و زمان ما يناسبه.

(مسألة 19): يكفي في معرفة المقدار إخبار البائع به، كيلا أو وزنا أو عدا أو مساحة. نعم إذا اشتري الشي ء اعتمادا علي إخبار البائع لم يصح منه الاكتفاء بذلك في التعهد بالمقدار لمن يبيعه عليه، إلّا أن يعلم صدقه. و كذا يجوز الاعتماد علي ظهور حال المبيع لو تعارف كونه بقدر خاص، كما قد يتعارف بلوغ كيس الحبوب مائة كيلو، و الطاقة من القماش ثلاثين مترا، و الصندوق من الأمتعة بعدد خاص، و نحو ذلك.

(مسألة 20): إذا ظهر الخطأ بالنحو الخارج عن المتعارف في الكيل أو الوزن أو غيرهما من جهات معرفة المبيع أو الثمن، فإن كان موضوع المعاملة هو الكلي المقدر بالمقدار الخاص كعشرة كيلوات من الدقيق و مائة دينار وجب إتمام ما نقص و إرجاع ما زاد، و إن كان شخصيا فإن كان الخطأ في المبيع بالزيادة وجب علي المشتري إرجاع الزائد للبائع، و إن كان بالنقيصة وجب علي البائع إرجاع ما قابلها

من الثمن علي المشتري، و إن كان الخطأ في الثمن بالزيادة وجب إرجاع الزائد، و ان كان بالنقيصة وجب إرجاع ما قابله من المبيع.

نعم، إذا كان الاجتماع موردا لغرض عقلائي كان لهما الفسخ في مورد وجوب الإرجاع.

(مسألة 21): يجوز مع التراضي جعل الكيل طريقا إلي معرفة العدد، بأن يعدّ ما في مكيال خاص ثم يكيل بحسابه، و كذا يجوز جعله طريقا إلي معرفة الوزن، بأن يوزن ما في مكيال خاص ثم يكال بحسابه، أو يوزن بعض الأكياس ثم يؤخذ باقيها بحسابه، و لا رجوع مع ذلك لو ظهر الخلاف.

نعم، لا بد من كون الفرق المتوقع قليلا لا ينافي صدق معلومية المقدار عرفا، و أن يقع التراضي بذلك من الطرفين، و إلا فلا مجال للاكتفاء بذلك في معرفة المقدار.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 51

(مسألة 22): يجوز مع التراضي استثناء مقدار معين من الوزن للظروف، كالصناديق و الأكياس و القرب و نحوها، إذا كانت مجهولة المقدار و تردد المستثني بين الزيادة و النقصان، و لا رجوع حينئذ لو ظهر الخلاف كما في المسألة السابقة. و أما إذا علم أن المستثني أكثر من مقدار الظرف فإن كان قصدهما بيع تمام الباقي علي جهالته أشكل صحته، و يدخل فيما تقدم من بيع المجهول، و إن كان قصدهما بيع المقدار الأقل، و هبة الباقي من البائع للمشتري صح البيع.

(مسألة 23): إذا اشتري جملة بكيل أو وزن فزاد أو نقص، فإن كان بالمقدار الذي يتعارف فيه الخطأ و كان البناء من المتبايعين علي الرضا بالزيادة و النقصان صح البيع، و كفي الوزن و الكيل المذكوران، و لا يرجع بالزيادة و النقصان، و إن كان بالنحو الخارج عن المتعارف المبتني

علي التعمد و الاختلاس، أو علي الغلط في الحساب، أو نحو ذلك لم يكف في التقدير، و لزم الرجوع بالزيادة و النقصان علي نحو ما تقدم في المسألة (20).

(مسألة 24): يجوز بيع مقدار معين في ضمن مقدار مجهول بلا حاجة إلي عزل المقدار المبيع و تعيينه بأحد الوجوه المتقدمة، بل يدفع الكل علي أن يكون المقدار المعيّن منه مبيعا و الزائد هبة من البائع للمشتري، فإذا كان عنده مقدار من الطعام مردد بين العشرة كيلوات فما زاد جاز دفعه بتمامه من دون وزن علي أن يكون عشرة كيلوات منه مبيعا و الزائد هبة، لا علي أن يكون بتمامه مبيعا علي جهالة مقداره.

(مسألة 25): إنما يلزم معرفة المقدار بالنحو المتقدم في الثمن و المثمن اللذين يقع عليهما البيع، سواء كانا شخصيين كبيع الطعام الخاص، و البيع بالدرهم الخاص أم كليين، كبيع مائة كيلو من الطعام، أو البيع بعشرة مثاقيل من الفضة، أمّا بعد تعين الثمن و المثمن في الذمة فلا يلزم التعيين في مقام الوفاء، فيجوز دفع مقدار مجهول وفاء عما انشغلت به الذمة إذا تراضي به الطرفان علي جهالته، كما يجوز الوفاء من غير الجنس مع التراضي، و يرجع إلي نحو من الصلح خارج عن البيع و مترتب عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 52

(مسألة 26): الذي يلزم أن يعرف مقدار العوضين بالنحو المتقدم هو المتولي للمعاملة، سواء كان أصيلا، أم وكيلا مفوضا في المعاملة، دون الأصيل غير المتولي للمعاملة، و دون الوكيل علي إجراء الصيغة فقط.

(مسألة 27): يجوز إيكال أحد الطرفين للآخر تعيين المثمن أو الثمن، فيدفع المشتري للبائع عشرة دنانير مثلا ليدفع له ما يقابلها من المكيل أو الموزون بالقدر الذي يراه

البائع مناسبا، و إن جهله المشتري، أو يأخذ به المشتري القدر الذي يراه مناسبا، و إن جهله البائع، كما يجوز أن يدفع البائع للمشتري عشرة كيلوات من الطعام بالثمن الذي يراه المشتري مناسبا، و إن جهله البائع، أو يراه البائع مناسبا، و إن جهله المشتري.

(مسألة 28): يجوز بيع جملة مشاهدة مجهولة المقدار علي أن كل مقدار منها بثمن معين، فيبيع بيدرا من الطعام مجهول المقدار مثلا علي أن كل طنّ منه بألف دينار، و يبيع طاقة من القماش علي أن كل متر منه بعشرة دنانير، و نحو ذلك، و لا تضرّ جهالة مجموع المقدار و الثمن.

(مسألة 29): قد يؤخذ الوزن أو الكيل أو العدد أو المساحة شرطا زائدا علي المبيع من دون أن يكون به قوام التقدير و الكمية المقابلة بالمال، بل لتعلق الغرض بها زائدا علي الكمية المأخوذة في البيع، كما لو باعه عشرة كيلوات من الفاكهة علي أن يكون عددها مائة، أو باعه مائة بيضة علي أن يكون وزنها عشرة كيلوات، أو باعه عشرين مترا من القماش علي أن يكون وزنها خمسة كيلوات، أو باعه حيوانا مشاهدا علي أن يكون وزنه خمسين كيلو، و نحو ذلك. و حينئذ لو تخلف الشرط المذكور لم يبطل البيع، و لم ينقص شي ء من الثمن، بل يثبت به خيار تخلف الوصف فيتخير المشترط بين الفسخ و الرضا بالعقد بتمام الثمن.

هذا إذا كان المبيع شخصيا، و إن كان كليا قد أخذت فيه إحدي الخصوصيات المذكورة و كان المدفوع للمشتري فاقدا لها فلا خيار حينئذ، بل يتعين الإبدال بالواجد للخصوصية المشروطة.

(مسألة 30): لا يعتبر رؤية العوضين إذا لم تتوقف عليها معرفة مقدارهما و صفاتهما الدخيلة في الرغبة فيهما لانضباطها،

كبعض المصنوعات في زماننا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 53

مما له ماركة معينة عرف بها، بل الظاهر عدم اعتبار الرؤية أيضا فيما إذا لم يتوقف عليها معرفة المقدار بأحد الوجوه المتقدمة حتي لو توقف عليها معرفة الصفات التي تختلف فيها الرغبات من اللون و الطعم و غيرها. غاية الأمر أنه لو اشترطت صفات خاصة و لو ضمنا فتخلفها موجب للخيار في حق المشترط لها، و أما بالإضافة إلي الصفات الأخري غير المشترطة و التي تختلف فيها الرغبات فالظاهر ثبوت خيار الرؤية في حق المشتري إذا لم ير المبيع، و هو الأحوط وجوبا في حق البائع إذا لم ير الثمن، فلا بد في الخروج عن الاحتياط المذكور بالتراضي بينهما في فسخ العقد أو إقراره. و يأتي الكلام في خيار الرؤية عند الكلام في الخيارات إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 31): الظاهر عدم اشتراط معرفة جنس العوضين و صفاتهما، كاللون و الطعم و الجودة و الرداءة و الرقة و الغلظة و الرطوبة و اليبوسة و غيرها إذا اختلفت القيمة باختلافها، فضلا عمّا لا أثر له في اختلاف القيمة، و إن اختلفت فيه الرغبات الشخصية.

نعم، إذا اشترط وصف خاص في أحد العوضين صريحا أو ضمنا كان تخلفه موجبا للخيار للمشترط. كما أنه إذا ظهر أن أحد العوضين معيب جري عليه حكم العيب الذي يأتي عند الكلام في الخيارات إن شاء اللّه تعالي. هذا كله مع رؤية العوضين، أما مع عدم رؤيتهما فقد تقدم الحكم في المسألة السابقة.

(مسألة 32): ما يتعارف بيعه مع جهالة مقداره و تعذر معرفته حتي بالمشاهدة كاللبن في الضرع، و الجنين في بطن الحيوان، و السمك في الماء المملوك إن علم بسلامة شي ء منه جاز

بيعه، و إلا وجب ضم شي ء إليه معلوم الحصول، و يكون البيع للمجموع، و لا يضر فيه الجهالة حينئذ. كما لا يجب حينئذ وجود المبيع عند البيع، بل يكفي وجوده بعد ذلك، كبيع صوف قطيع غنم قبل ظهوره، و بيع أولادها قبل أن تحمل بها. و يستثني من ذلك الزرع و الثمر، حيث يأتي الكلام فيهما في فصل بيع الثمار إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 33): يعتبر في المبيع أن يكون بحيث يقدر المشتري علي تحصيله، فلو لم يكن كذلك لم يجز بيعه، كالعبد الآبق و الجمل الشارد و المال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 54

الضائع.

نعم، إذا كان المال محفوظا في نفسه إلا أن عدم تحصيله لقصور في البائع كالسجين الذي لا يعلم بإطلاق سراحه قبل تلف المال فالظاهر جواز بيعه و صحته، غاية الأمر أن المال لو تلف قبل قبض المشتري كان علي البائع، و رجع الثمن للمشتري، كما يأتي في أحكام القبض إن شاء اللّه تعالي.

كما أنه يجوز في القسم الأول بيعه مع الضميمة المضمونة الحصول نظير ما تقدم في المسألة السابقة، و حينئذ لو تلف المال غير المضمون حين البيع لم يكن علي البائع، و لم يرجع المشتري بشي ء من الثمن، بل يكفي أخذه للضميمة.

(مسألة 34): الأحوط وجوبا جريان ذلك في الثمن أيضا، فلا بد من كونه بحيث يقدر البائع علي تحصيله، علي التفصيل المتقدم.

(مسألة 35): يعتبر في كل من العوضين أن يكون طلقا و يترتب علي ذلك أمور.

الأول: أنه لا يجوز بيع ما تعلّق به حق الغير، و لا جعله ثمنا في البيع إذا كان البيع منافيا للحق، كبيع العين المرهونة، و العين المشروط عدم بيعها، و نحو ذلك. و لو

وقع البيع في ذلك كان من بيع الفضولي الموقوف نفوذه علي إجازة صاحب الحق، نظير ما تقدم في شروط المتبايعين.

الثاني: أنه لا يجوز بيع العين المنذورة لجهة خاصة ينافيها البيع، مثل نذر التصدق بها، أو صرفها في جهة خاصة راجحة. و كذا نذر عدم بيعها إذا كان نافذا لكون البيع مرجوحا شرعا، فإن البيع يبطل في الجميع. و أما اليمين و العهد اللذان يجب الوفاء بهما فهما يوجبان حرمة البيع و وجوب الكفارة به من دون أن يكون باطلا.

الثالث: أنه لا يجوز بيع الوقف، علي تفصيل يأتي في كتاب الوقف إن شاء اللّه تعالي، و لا بيع أمّ الولد و هي الجارية التي يستولدها المالك، علي تفصيل لا مجال لاستقصائه لندرة الابتلاء بذلك في عصورنا هذه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 55

الفصل الرابع في الخيارات

اشارة

البيع من العقود اللازمة سواء كان إنشاؤه باللفظ، أم بغيره، كالمعاطاة.

و حينئذ لا يصح فسخه إلّا بالتقايل برضا الطرفين، أو بثبوت الخيار لهما أو لأحدهما، و الخيار حق يقتضي السلطنة علي فسخ العقد برفع مضمونه أو إقراره و الرضا به و إلزامه بحيث يمتنع بعده الرد، و الخيارات عشرة.

الأول: ما يسمي بخيار المجلس

و المدار فيه علي بقاء المتبايعين مجتمعين بأجسامهما من حين إيقاع عقد البيع، سواء بقيا في مكانهما، أم انتقلا عنه مصطحبين، ماشيين أو راكبين أو غير ذلك، فإذا افترقا سقط هذا الخيار.

(مسألة 1): الظاهر أن الموت بحكم الافتراق، فيسقط به الخيار.

(مسألة 2): إذا أوقع المتبايعان العقد و هما متفرقان فلا خيار لهما، كما لو أوقعاه و هما في مكانين متباعدين باتصال هاتفي، أو بالمراسلة بأن وقّع أحدهما علي ورقة البيع فأرسلت للآخر فوقّعها، أو غير ذلك.

(مسألة 3): إذا كان المباشر للعقد الوكيل أو الولي فالخيار للموكّل أو المولّي عليه، و قيام الوكيل و الولي بإعمال الخيار إنما يكون بدلا عمن له الخيار، لا لأن الخيار له، فيجب عليه ملاحظة مصلحة الأصيل في إعمال حق الخيار لا مصلحة نفسه، و لذا إذا كانت وكالة الوكيل تقصر عن إعمال حق الخيار لم يكن له إعماله، و لا ينفذ فسخه.

(مسألة 4): المدار في الاجتماع و الافتراق علي المباشر للبيع، أصيلا كان أو وليا أو وكيلا. نعم إذا كان الوكيل وكيلا علي إجراء الصيغة فقط من دون أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 56

تكون المعاملة منوطة به فلا أثر لاجتماعه و افتراقه، بل المدار علي اجتماع و افتراق المتولي، أصيلا كان أو غيره. و حينئذ إذا كان المتوليان للمعاملة مفترقين حين إيقاع البيع فلا خيار من أول الأمر، نظير

ما تقدم في المسألة (2).

(مسألة 5): إذا أوقع الوكيل أو الولي البيع فمات المالك قبل افتراق المباشرين للبيع ففي انتقال حق الخيار لوارثه و قيام وكيل المورث أو وليّه مقامه إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بين الأصيلين في الفسخ و عدمه، أما إذا افترق المباشران فلا خيار قطعا، كما أنه لو كان المباشر هو الأصيل فمات فقد سبق أنّ موته بمنزلة الافتراق مسقط للخيار.

(مسألة 6): إذا كان المتولي للعقد شخصا واحدا أصالة عن نفسه و نيابة عن الطرف الآخر، أو نيابة عن الطرفين فلا خيار من أول الأمر.

(مسألة 7): يسقط هذا الخيار بأمور:

الأول: اشتراط عدمه في ضمن العقد أو في ضمن عقد آخر.

الثاني: إسقاطه بعد العقد قبل التفرق.

الثالث: إقرار العقد و الرضا به، و لو بفعل ما يدل علي ذلك مما لا يصدر ممن هو متردد في الإمضاء و الفسخ كتقطيع الثوب، و طبخ الطعام، و عرض ما اشتراه للبيع، و نحو ذلك.

(مسألة 8): إذا تلف أحد العوضين أو كلاهما قبل التفرق أو خرج عن ملك صاحبه بوجه لا يظهر في إمضائه للعقد و إقراره له فالظاهر سقوط الخيار.

أما إذا تعيّب أو نقص ففي بقاء الخيار إشكال، و علي تقدير بقائه ففي ضمانه علي من وقع النقص أو التعيّب عنده إشكال. بل الظاهر عدم ضمانه إذا كان الفاسخ هو الطرف الآخر.

نعم، إذا كان العوض فرديا و دفع فرد منه فتلف أو تعيّب أو خرج عن الملك قبل التفرق فالظاهر عدم سقوط الخيار، بل يجب علي صاحبه عند الفسخ دفع فرد آخر.

(مسألة 9): يختص هذا الخيار بالبيع، و لا يجري في غيره من العقود المعاوضية كالإجارة فضلا عن غيرها كالهبة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 57

الثاني: خيار الحيوان

و هو يثبت لمن انتقل اليه الحيوان بالبيع، سواء كان الحيوان مبيعا أم ثمنا، فلو بيع الحيوان بالحيوان كان الخيار للمتبايعين معا.

(مسألة 10): المراد بالحيوان هو الحي دون الميت المذكي، فلا يثبت في بيعه هذا الخيار، بل الظاهر عدم ثبوته في الحيوان الحي غير مستقر الحياة الذي يباع للحمه، كالمذبوح، و الصيد المجروح جرحا قاتلا، و السمك الذي اخرج من الماء إذا كانت فيها الحياة حين البيع. بل يشكل ثبوته في مستقر الحياة إذا ابتني البيع علي عدم إبقاء الحيوان علي حياته، بل علي المبادرة بإزهاق روحه، كالسمك المصيد المجعول في الماء للحفاظ علي حياته ليؤكل طازجا، إذا بيع للأكل لا للحفظ، و الهدي الذي يشتري ليذبح حين الشراء، و نحوهما. فالأحوط وجوبا في مثل ذلك التراضي من المتبايعين معا في فسخ البيع و عدمه في مدة الخيار.

(مسألة 11): مدة هذا الخيار ثلاثة أيام من حين إيقاع عقد البيع، و لو ملفقة، كما لو وقع البيع في أثناء اليوم، حيث لا ينتهي إلّا في نفس الوقت من اليوم الرابع و الليلتان المتوسطتان داخلتان في مدة الخيار، و كذا الليلة الثالثة المتوسطة لو وقع البيع في أثناء النهار، و كذا الليلة المتطرفة الاولي لو وقع البيع في أول الليل أو أثنائه. و أما الليلة المتطرفة الأخيرة أو أبعاضها لو وقع البيع في أول النهار أو في أثناء الليل فالأحوط وجوبا التراضي من المتبايعين معا في فسخ البيع و عدمه فيها.

(مسألة 12): يسقط هذا الخيار بما يسقط به خيار المجلس الذي تقدم في المسألة (7).

(مسألة 13): إذا بيع الحيوان فتلف قبل القبض جري عليه ما يأتي في تلف المبيع قبل قبضه، و إذا تعيّب قبل القبض جري

عليه ما يأتي في خيار العيب، و أما إذا تلف أو تعيّب بعد القبض فله صور.

الاولي: أن يكون بمقتضي الوضع الطبيعي للحيوان، كما لو مرض فمات أو عثر فانكسر. فمع التلف يرجع المشتري علي البائع بالثمن، و مع التعيّب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 58

يكون للمشتري الفسخ من دون أن يدفع أرش النقص، و ليس له مطالبة البائع بالأرش مع عدم الفسخ.

الثانية: أن يكون بفعل البائع، و يتخير المشتري حينئذ بين الفسخ و أخذ الثمن و عدمه مع مطالبة البائع بضمان ما حدث بمثله أو قيمته السوقية.

الثالثة: أن يكون بفعل المشتري، فإن كان فعله ظاهرا في رضاه بالعقد و إقراره له فليس له الفسخ و لا المطالبة بالأرش، و إن لم يكن ظاهرا فيه، لصدوره منه غفلة أو ذلك ففي جواز الفسخ له و رجوعه بالثمن و ضمانه لما حدث بالمثل أو القيمة السوقية أو عدم جواز الفسخ إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي منهما معا بالفسخ أو عدمه.

الرابعة: أن يكون بفعل أجنبي، و حينئذ يكون للمشتري الرجوع علي الأجنبي و مطالبته بضمان ما حدث بمثله أو قيمته السوقية، و في جواز الفسخ له و رجوعه علي البائع بالثمن، ثمّ مطالبة البائع الأجنبي بضمان ما حدث بمثله أو قيمته السوقية إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي من البائع و المشتري معا بالفسخ أو عدمه، كما سبق في الصورة الثالثة.

الخامسة: أن يكون بآفة سماوية، كما لو أخذ السيل الحيوان، أو سقط عليه جدار فهلك أو تعيّب ففي جواز الفسخ للمشتري و رجوعه بالثمن و ضمانه لما حدث بالمثل أو القيمة السوقية أو عدم جواز الفسخ له إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي منهما معا بالفسخ أو عدمه.

ثمّ إن هذه الصور الخمس

تجري فيما إذا كان الحيوان ثمنا، غاية الأمر أنه يجري علي البائع هنا حكم المشتري هناك و علي المشتري حكم البائع.

(مسألة 14): يختص هذا الخيار بالبيع و لا يجري في غيره من العقود، نظير ما تقدم في خيار المجلس.

(مسألة 15): إذا مات صاحب الحيوان قبل مضي ثلاثة أيام من البيع انتقل الخيار لوارثه، و مع تعدد الورثة لا بدّ من اتفاقهم علي فسخ البيع أو إقراره و الرضا به، و مع اختلافهم لا يترتب الأثر علي فعل كل منهم و يبقي البيع نافذا ما لم يتفقوا علي الفسخ، فإذا اتفقوا عليه انفسخ البيع، و إن سبق من بعضهم إقرار

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 59

البيع و الرضا به.

(مسألة 16): إذا باع في عقد واحد الحيوان مع غيره صفقة واحدة، فإن ابتني البيع علي اشتراط عدم الخيار فهو، و إلّا ثبت الخيار لصاحب الحيوان فيه فإن فسخ ثبت لهما معا في غير الحيوان خيار تبعض الصفقة الذي يأتي الكلام فيه في التاسع من الخيارات إن شاء اللّه تعالي.

الثالث: خيار الشرط

و هو الخيار المجعول من قبل المتعاقدين باشتراطه في ضمن العقد لكل منهما، أو لأحدهما بعينه دون الآخر.

(مسألة 17): إذا جعل الخيار لأحد الطرفين، فكما يمكن جعله بنحو يكون هو المباشر للفسخ الصادر عن نظره كذلك يمكن جعله بنحو يقوم شخص آخر في الفسخ عنه، بحيث يصدر الفسخ من الشخص الآخر بنظره بدلا عنه، و أما جعل حق الخيار للشخص الآخر استقلالا بحيث يكون له، من دون أن يقوم به عن أحد المتعاقدين، بل يكون قهرا عليهما فلا يخلو عن إشكال.

(مسألة 18): ليس لهذا الخيار مدة معينة، بل لهما أن يشترطا ما شاءا من مدة طويلة أو

قصيرة، متصلة بالعقد أو منفصلة عنه، فكما يجوز أن يجعلا الخيار إلي سنة من العقد مثلا لهما أن يجعلاه علي رأس سنة من العقد.

(مسألة 19): لا يجوز جعل الخيار مدة مرددة لا تعيّن لها في الواقع، بل لا بدّ من تعيّن المدة، سواء كانت مستمرة باستمرار أثر العقد، أم محددة بحد معلوم كشهر، أم مجهول قابل للضبط، كموسم الحصاد، و أيام نزول المطر، و إلي مجي ء الحاج، و وضع المرأة الحمل، و نحو ذلك.

(مسألة 20): من أفراد هذا الخيار خيار ردّ الثمن بعينه أو بمثله، بأن يشترط البائع علي المشتري أنه له الفسخ متي جاء بالثمن، أو إن جاء به في وقت خاص معلوم المقدار، أو مجهول المقدار قابل للضبط علي ما تقدم، بحيث لو جاء الوقت المذكور و لم يأت بالثمن فلا خيار له، و يسمي ببيع الخيار.

و لعل بيع خيار الشرط بإطلاقه ينصرف إلي ذلك، و لا يعمّ صورة عدم ردّ الثمن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 60

في الوقت المشروط فيه الخيار إلّا بالتنصيص علي ذلك.

(مسألة 21): المنصرف من إطلاق البيع مع خيار ردّ الثمن هو تهيئة البائع للثمن، بحيث لو كان المشتري قابلا لأخذه و أراد أخذه لأخذه، فالمعيار فيه علي الإقدار من جانب البائع و رفع المانع من قبله، لا علي فعلة أخذ المشتري للثمن، فلا يخلّ به امتناع المشتري عن أخذ الثمن، و لا عجزه عن أخذه لمرض أو غيبة، أو عدم سلطنته عليه بجنون أو سفه أو غيرهما، بل يكفي مع امتناعه من قبضه التخلية بينه و بين الثمن، و مع عجزه أو عدم سلطنته يكفي تسليمه لوكيله أو وليه و لو كان هو الحاكم الشرعي. بل لو

تعذر قبض الولي حينئذ كان للبائع الفسخ إذا كان قادرا علي التسليم.

نعم، إذا صرّحا في عقد البيع بما يخرج عن الإطلاق المذكور كان العمل عليه عملا بالشرط.

(مسألة 22): المنصرف من إطلاق بيع خيار الشرط للبائع اشتراط بقاء المبيع، و عدم إخراج المشتري له عن ملكه أو إتلافه و عدم تصرفه فيه تصرفا مغيّرا لصورته، كهدم الدار و تقطيع الثوب و كسر المصاغ و نحو ذلك، و مقتضي ذلك عدم نفوذ التصرف المخرج عن الملك، و حرمة الإتلاف و التصرف المغيّر للصورة، فلو أتلف المشتري المبيع أو غيّر صورته كان ضامنا له أو للأرش علي تقدير إعمال البائع للخيار بفسخ البيع.

نعم، لو صرّحا في عقد البيع بجواز التغيّر المذكور فلا حرمة، و لو صرّحا بعدم الضمان فلا ضمان، كما أنه لو صرّحا فيه بجواز إخراج المشتري له عن ملكه نفذ إخراجه له، و كان عليه ضمانه بالمثل أو القيمة لو أعمل البائع حق الخيار و فسخ البيع.

(مسألة 23): لو تلف المبيع أو تغيّرت صورته قهرا علي المشتري فالظاهر عدم ضمانه، فلا يبقي موضوع للفسخ مع التلف، و لا ضمان مع تغيّر الصورة، بل ليس للبائع إلّا العين علي ما هي عليه من غير أرش، إلّا مع التصريح أو قيام القرينة علي الضمان حينئذ، فيتعين بقاء الخيار مع الضمان في التلف و تغيّر الصورة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 61

(مسألة 24): المنصرف من إطلاق بيع خيار الشرط العموم لصورة موت المشروط عليه الخيار، فيقوم وارثه مقامه في جواز رجوع من له الخيار عليه، فإذا اشترط البائع الخيار علي المشتري مثلا فمات المشتري لم يسقط خيار البائع، و يقوم وارث المشتري مقامه في ثبوت الخيار عليه، و

أما بالإضافة إلي من له الخيار فلا يقتضي الإطلاق قيام وارثه مقامه، فإذا مات سقط خياره.

نعم، مع التصريح بخلاف ذلك أو قيام القرينة عليه يتعين العمل علي النحو المصرح به، أو الذي اقتضته القرينة.

(مسألة 25): إذا ابتني الشرط علي كون حق الخيار مطلقا غير مقيد بحياة صاحبه كان موروثا، و مع تعدد الورثة يجري ما تقدم في خيار الحيوان في المسألة (15) كما أن الظاهر حينئذ عدم اختصاص الإرث بمن يرث أحد العوضين، بل يعم غيره، فمن باع أرضا بخيار أو اشتري أرضا بخيار فمات كانت زوجته شريكة في الخيار و ان كانت لا ترث من الأرض. و كذا من باع أو اشتري شيئا من الحبوة بخيار، فإن جميع الورثة يشتركون في الخيار، و لا يختص به من يرث الحبوة.

(مسألة 26): إذا كان أحد العوضين من سنخ الأثمان التي يهتم بماليتها لا بخصوصياتهما كالنقود و الذهب الموزون و نحوهما و كان الخيار لمن دخل ذلك العوض في ملكه فمقتضي إطلاق البيع المشتمل علي خيار الشرط بقاء الخيار مع خروج العين عن ملكه أو تلفها عنده، فله الفسخ مع إرجاع البدل.

و إذا لم يكن من سنخ الأثمان فيشكل شمول الإطلاق لصورة خروجه عن ملك من له الخيار أو تلفه عنده، بل يشكل شموله لصورة تغير العين، كتقطيع الثوب و انهدام الدار، فيحتاج بقاء الخيار في الجميع إلي عناية من تصريح أو قرينة علي العموم لذلك، و معهما يتعين ثبوت الخيار له، و إرجاع البدل من المثل أو القيمة مع التلف، و ضمان الأرش مع التغير، إلا مع التصريح بعدم الأرش حينئذ.

(مسألة 27): يجوز اشتراط الفسخ بالإضافة إلي خصوص بعض المبيع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص:

62

إذا كان ورود البيع علي الأبعاض بنحو الانحلال عرفا، كما لو تضمن العقد مقابلة كل جزء من المبيع بجزء من الثمن، كما لو باعه مثلا في عقد واحد الثوب بدينار و الحصير بدينار، أو باعه الثوبين كل منهما بدينار. و أما إذا كان ورود البيع علي تمام المبيع بنحو المجموعية ففي صحة اشتراط الخيار في البعض إشكال.

(مسألة 28): يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد، و بإقرار العقد و الرضا به، و لو بفعل ما يدل علي ذلك، نظير ما تقدم في خيار المجلس.

(مسألة 29): يصح اشتراط الخيار في جميع العقود اللازمة عدا النكاح، و كذا الصدقة علي الأحوط وجوبا. و الظاهر صحة اشتراطه في الهبة اللازمة، و كذا في عقد الضمان إن كان برضا المدين. و لا يصح اشتراطه في العقود الجائزة، و لا في الإيقاعات حتي الوقف، و يبطل الوقف باشتراطه فيه. و أما بقية الإيقاعات ففي بطلانها باشتراطه إشكال، فاللازم الاحتياط بإعادتها من دون شرط.

(مسألة 30): المنصرف من إطلاق العقد عدم أخذ خصوصية البائع في إعمال الخيار و دفع الثمن مقدمة للفسخ، فيقوم وكيله و وليه مقامه في إعمال الخيار و في دفع الثمن مع عموم الولاية و الوكالة لذلك سواء كان موقع المعاملة هو الأصيل أم الوكيل أم الولي. و لو خرجا عن الولاية و الوكالة كان للأصيل إعمال الخيار، و لو تبدل الوكيل أو الولي كان للبديل القيام بذلك.

نعم، لو صرح في العقد المتضمن للشرط المذكور بخصوصية الأصيل أو الوكيل أو الولي، أو بخصوصية وكيل خاص أو ولي خاص تعين العمل علي مقتضي الشرط. بل لو أخذت خصوصية الشخص الخاص حتي لو خرج عن الوكالة أو الولاية تعين العمل علي ذلك،

غاية الأمر أنه ليس له إعمال حق الخيار بالفسخ رغما علي من جعل له الخيار في العقد، نظير ما تقدم في المسألة (17).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 63

الرابع: خيار الغبن

و هو يثبت للمشتري مع الشراء بأكثر من القيمة السوقية، و للبائع مع البيع بأقل منها.

(مسألة 31): إنما يثبت هذا الخيار مع غفلة الموقع للمعاملة عن التفاوت بين المسمي و القيمة السوقية، فلا خيار لو علم بالفرق أو احتمله و أقدم علي المعاملة علي كل حال، لاهتمامه بتحصيل المبيع أو الثمن من دون اهتمام بالحفاظ علي المالية.

(مسألة 32): إنما يثبت هذا الخيار إذا ابتنت المعاملة علي عدم الخروج عن القيمة السوقية، كما هو الغالب في نوع المعاملات. و لا يثبت إذا لم تبتن علي ذلك، كما هو الغالب في مثل بيع المزاد المبتني علي إعمال النظر الشخصي من أطراف المزايدة، و كذا مثل بيع التحفيات و النوادر التي يكون المعيار فيها علي الرغبة الشخصية من دون نظر للقيمة السوقية.

(مسألة 33): إذا كانت القيمة السوقية مرددة بين الأقل و الأكثر تبعا لاختلاف البائعين من حيثية الصعوبة و السهولة، أو المشترين من حيثية المماكسة و عدمها فلا يكون الغبن إلا بالزيادة علي أعلي القيم، أو النقص عن أدني القيم، و لو كانت القيمة محددة بالدقة كما في موارد التسعيرة الرسمية إذا كان مبني الناس علي العمل بها و عدم الخروج عنها صدق الغبن بالزيادة عليها أو النقص عنها و إن كان الفرق قليلا.

(مسألة 34): لو اختلفت القيم باختلاف البلدان أو المناطق أو الأسواق، كما يتعارف كثيرا في زماننا، كان المعيار في القيمة التي يكون الغبن بلحاظها، علي الموضع الذي يقع فيه البيع، و لا عبرة بغيره من

المواضع.

(مسألة 35): المعيار في هذا الخيار علي حصول الغبن واقعا، لا علي العلم به، فإذا فسخ المغبون البيع و هو جاهل بحصول الغبن ثم علم به انكشف صحة فسخه.

(مسألة 36): المعيار في الغبن علي اختلاف السعر حين البيع، و لا أثر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 64

لارتفاع السعر أو نزوله بعد البيع و لو بزمان قليل.

(مسألة 37): يتخير المغبون بين الفسخ و القبول بتمام الثمن، و ليس له ترك الفسخ و المطالبة بالتفاوت. و لو بذل له الغابن التفاوت، علي أن لا يفسخ لم يجب عليه القبول.

نعم، لو تصالحا علي بذل التفاوت في مقابل عدم الفسخ أو إسقاط الخيار صحّ منهما ذلك، و لزمهما العمل عليه.

(مسألة 38): إذا ظهر الغبن كان للمغبون الخيار و الفسخ مع بقاء العوضين علي حالهما و في ملك من صارا له بالبيع و أما مع تلف أحدهما أو خروجه عن ملك من صار له بالبيع بعتق أو هبة أو بيع أو غيرها فإن كان العوض المذكور من سنخ الأثمان التي لا يهتم إلّا بماليتها عرفا فالظاهر بقاء الخيار، و مع الفسخ يتعيّن إرجاع البدل، و إن كان من سنخ العروض الذي يهتمّ بتحصيله زائدا علي ماليته أشكل بقاء الخيار و نفوذ الفسخ. و كذا الحال في تغير الصورة، كتقطيع الثوب و خياطته، و كسر المصاغ، و بناء الدار و إجارتها، و مزج الشي ء بغيره بنحو لا يتيسر تصفيته، و نحو ذلك، فالأحوط وجوبا التراضي من المتبايعين بالفسخ أو عدمه، أو إسقاط الخيار و لو بالمصالحة ببذل شي ء من المال. نعم لا يرتفع الخيار باشتباه العين بغيرها من دون امتزاج، فيتعين بعد الفسخ تعيين العين المسترجعة بالقرعة أو بالمصالحة.

(مسألة 39):

الظاهر أن خيار الغبن ليس فوريا، سواء علم المغبون بالغبن و بثبوت الخيار له أم لم يعلم، فله تأخير الفسخ بانتظار استيضاح الأصلح باستشارة أو استخارة أو تفكر، أو بانتظار العثور علي البائع، أو غير ذلك.

(مسألة 40): إذا اشتري شيئين في عقد واحد كل منهما بثمن يخصه، و حصل الغبن في أحد البيعين دون الآخر فله صورتان.

الاولي: أن يبتني العقد علي الارتباط بين البيعين، و حينئذ إن ابتنت المعاملة علي عدم الخروج عن القيمة السوقية في كل من البيعين كان للمغبون الخيار في البيع الغبني، فإن فسخ ثبت خيار تبعض الصفقة لمن أخذ الارتباطية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 65

شرطا له في المعاملة. و إن ابتنت المعاملة علي عدم ملاحظة القيمة السوقية في كل من البيعين كما لعله الغالب فلا خيار للمغبون، علي ما تقدم.

الثانية: أن يبتني العقد علي الانحلال بين البيعين، و حينئذ لو ثبت الخيار للمغبون في البيع الغبني لابتناء المعاملة علي عدم الخروج عن القيمة السوقية، فلا يثبت خيار تبعض الصفقة.

(مسألة 41): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد، و بإسقاطه بعد العقد و إن كان قبل ظهور الغبن، كما يسقط بإقرار العقد و الرضا به، و لو بفعل ما يدل علي ذلك مع العلم بالغبن أو احتماله، نظير ما تقدم في خيار المجلس.

(مسألة 42): الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مبنية علي ملاحظة القيمة السوقية من صلح أو إجارة أو غيرهما. نعم في ثبوتها في الإجارة و نحوها بعد استيفاء المنفعة إشكال، نظير الإشكال المتقدم في البيع مع تلف أحد العوضين إذا لم يكن من سنخ الأثمان.

(مسألة 43): الظاهر أن خيار الغبن يورث علي النهج المتقدم في خياري

الحيوان و الشرط.

الخامس: خيار التأخير

إطلاق العقد يقتضي تعجيل كل من المتبايعين تسليم العوض الذي استحقه الآخر بالبيع مع تسليم صاحبه له ما استحقّه هو بالبيع، فالعقد مبني علي التسليم و التسلم.

نعم، إذا لم يسلم أحدهما ما عليه عصيانا أو عجزا لم يجب علي الآخر التسليم. و لو امتنع أحد المتبايعين من التسليم مع حضور الآخر له كان للآخر إجباره عليه. و مع عدم تسليم أحد الطرفين لما عنده عصيانا أو عن عذر، يثبت للطرف الآخر الخيار في فسخ العقد، و لا يختص ذلك بالبيع، بل يجري في جميع المعاوضات، و هو داخل في خيار تخلف الشرط الذي يأتي التعرض له في الخيار الثامن إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 66

نعم، يختص البيع بأنه مع عدم تسليم المبيع و عدم تسليم الثمن لا يثبت الخيار إلا بعد ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري بالثمن و قبض المبيع فهو و إلا كان للبائع الخيار و الفسخ بعد الثلاثة، و لو تلف المبيع قبل تسليمه ضمنه البائع و كان من ماله علي ما يأتي في أحكام القبض إن شاء اللّه تعالي. و المتيقن من ذلك ما إذا رضي البائع بالتأخير في الجملة، و إن كان الأحوط وجوبا العموم لما إذا لم يرض بالتأخير من أول الأمر، من دون أن يشترط التعجيل صريحا في العقد.

هذا و الظاهر جريان ذلك بالإضافة إلي عدم قبض المبيع وحده، فلو قبض البائع الثمن و لم يقبض المشتري المبيع مع بذل البائع له يكون البيع لازما إلي ثلاثة أيام، و يثبت الخيار بعدها للبائع.

نعم، لو ابتني عدم قبض المشتري للمبيع علي إيداعه عند البائع، بحيث يكون البائع وكيلا عن المشتري في القبض،

و يبقي المبيع عنده وديعة فلا خيار، و ليس له الفسخ. و لو تلف المبيع عنده من دون تفريط منه لم يضمنه حينئذ، و كان من مال المشتري. بل الأحوط وجوبا ذلك في الثمن أيضا فلو لم يقبضه البائع لم يكن له الفسخ إلا بعد ثلاثة أيام، فإن لم يدفعه المشتري كان للبائع الفسخ بعد الثلاثة، و إن كان المشتري قد قبض المبيع.

هذا كله مع عدم التصريح باشتراط التعجيل قبل الثلاثة أو التأخير عنها. أما معه فاللازم العمل عليه، و يثبت الخيار مع مخالفة شرط التعجيل و لو قبل الثلاثة، كما لا خيار بعد الثلاثة مع اشتراط التأخير أكثر من ذلك.

(مسألة 44): المراد من الأيام الثلاثة هنا هو المراد منها في خيار الحيوان، و قد تقدم توضيحه.

(مسألة 45): لا فرق في المبيع بين أن يكون شخصيا مثل كيس خاص من الحنطة و أن يكون كليا، كمائة كيلو من الحنطة غير معينة، و كذا الحال في الثمن.

(مسألة 46): ما يفسده أو يضر به المبيت كبعض الخضر و البقول و اللحم إذا لم يقبضه المشتري و لم يسلّم الثمن يلزم البيع فيه إلي دخول الليل، فإذا لم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 67

يجي ء المشتري حتي دخل الليل كان للبائع الخيار، فإذا فسخ جاز له أن يتصرف في المبيع كيف يشاء. و يختص هذا الحكم بالمبيع الشخصي، و أما في غيره فالمرجع فيه ما سبق.

(مسألة 47): لو لم يفسخ البيع بدخول الليل فيما يفسده أو يضره المبيت، فإن تلف أو تضرر كان عليه ضمانه للمشتري، لما أشرنا إليه و يأتي من أن تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه. نعم له بيعه عن المشتري عند خوف تلفه

أو تضرره إذا كان بيعه أنفع لصاحبه من الفسخ، و لا بد من الاستئذان من الحاكم الشرعي مع إمكانه.

(مسألة 48): يجري ما سبق في كل ما يكون تحت يد المكلف لغيره و يتعرض للتلف مما ثبت له فيه الخيار له و لم يفسخ. أما إذا لم يثبت له فيه الخيار إما لكونه أمانة ابتدائية أو لكونه مبيعا ببيع لازم فاللازم الحفاظ علي ماليته مهما أمكن، ببيعه أو بغير ذلك، و اللازم مراجعة الحاكم الشرعي فيه مع الإمكان.

و إن كان مضمونا عليه كالمغصوب كان عليه ضمان الفرق بين قيمته الأصلية و ما أمكن الحفاظ عليه بالبيع أو غيره من ماليته.

(مسألة 49): يسقط خيار التأخير بأمور:

الأول: إسقاطه بعد ثبوته، و لا يسقط بإسقاطه قبل ذلك، و علي هذا يسقط في غير البيع بإسقاطه بعد العقد، و لا يسقط في البيع إلا بإسقاطه بعد الأيام الثلاثة أو بعد الليل فيما يفسد ليومه.

الثاني: إقرار البيع و الرضا به من قبل من له الخيار إذا كان بعد ثبوت الخيار أيضا.

الثالث: اشتراط سقوطه في ضمن العقد. و أما بذل المشتري للثمن و حضوره لأخذ المبيع بعد ثبوت الخيار فهو لا يسقط الخيار.

(مسألة 50): الظاهر أن هذا الخيار ليس فوريا، فلو لم يعجل صاحب الخيار بالفسخ لم يسقط خياره إلا بأحد المسقطات المتقدمة.

(مسألة 51): يقوم الوارث مقام المورث في استحقاق هذا الخيار، علي النهج المتقدم في الخيارات السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 68

السادس: خيار الرؤية

تقدم عند الكلام في شروط العوضين الكلام في اشتراط العلم بمقدار العوضين. و تقدم في المسألة (30) من الفصل السابق أنه لا يعتبر رؤية العوضين إذا لم يتوقف عليها العلم بمقدارهما.

نعم، إذا توقف عليها العلم بصفات المبيع

التي تختلف باختلافها القيمة أو الرغبة الشخصية فالبيع و إن كان صحيحا إلا أنه يثبت للمشتري فيه الخيار.

و أما الصفات التي لا تظهر بالرؤية فلا تتوقف صحة البيع علي العلم بها، كما لا يكون تخلفها موجبا للخيار، إلا أن يكون عيبا، أو تكون مشروطة في البيع و لو ضمنا، فيثبت في الأول خيار العيب، و في الثاني خيار تخلف الشرط، و يأتي الكلام فيهما إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 52): الأحوط وجوبا ثبوت خيار الرؤية للبائع بالإضافة إلي الثمن إذا كان شخصيا، فلا بد من التراضي بين المتبايعين بالفسخ أو عدمه.

(مسألة 53): يسقط هذا الخيار بما يسقط به خيار المجلس.

(مسألة 54): يقوم الوارث مقام المورّث في استحقاق هذا الخيار علي النهج المتقدم.

(مسألة 55): الظاهر أن هذا الخيار ليس فوريا، نظير ما تقدم في غيره من الخيارات.

السابع: خيار العيب

و يثبت للمشتري فيما إذا اشتري شيئا فظهر به عيب، فإنه يتخير بين الرضا بالبيع بتمام الثمن و الفسخ، و ليس له الرضا بالبيع مع الأرش إلا أن يتعذر الرد، و ذلك بأمور.

الأول: تلف العين، و بحكمه تعذر إرجاعها للبائع بضياع أو غصب أو غرق أو نحوها، و لو ارتفع التعذر قبل أخذ الأرش فليس له المطالبة بالأرش، بل ليس له إلا الفسخ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 69

الثاني: خروجها عن الملك ببيع أو هبة أو عتق أو نحو ذلك، و لو عاد للملك ففي امتناع الفسخ و لزوم الأرش إشكال، فاللازم الاحتياط بالتراضي بينهما في الفسخ أو الأرش.

الثالث: التصرف الاعتباري اللازم الذي يوجب اختلاف الرغبة فيه، كإجارة العين و رهنها. و لو فسخ التصرف المذكور أو انتهت مدته قبل أخذ الأرش جري فيه ما تقدم فيما لو عاد

للملك.

الرابع: تغير صورة المبيع بما يوجب اختلاف الرغبة فيه، كتقطيع الثوب و صبغه و خياطته و بناء الدار و التغيير فيها و انهدامها و نحو ذلك.

نعم، لو كان التغير مضمونا علي البائع كمرض الحيوان قبل مضي ثلاثة أيام لم يمنع من الرد، و كذا إذا كان بفعل البائع من دون إذن من المشتري.

الخامس: وطء الجارية، فإنه يمنع من ردها بالعيب إلا أن تكون حبلي، فعليه حينئذ ردها إن كان الحبل من المولي و يرد معها نصف عشر قيمتها، و إن كان الحبل من غير المولي فالأمر لا يخلو عن إشكال، و هو غير معهم لندرة الابتلاء بالمسألة أو عدمه.

(مسألة 56): لو رضي البائع برجوع العين في الأخيرين، فإن أضر الرد بالمشتري كما لو صبغ الثوب لم يسقط الأرش، و إلّا فالأحوط وجوبا التراضي بينهما في الفسخ أو الأرش.

(مسألة 57): إذا تعذر الرد كان للمشتري الأرش، و هو فرق ما بين الصحيح و المعيب، و نسبته للثمن كنسبة الفرق بين الصحيح و المعيب في القيمة السوقية، فإذا كان قيمة المعيب ثلثي قيمة الصحيح مثلا، كان نسبة الأرش للثمن الثلث، و إذا لم يكن بين الصحيح و المعيب فرق في القيمة السوقية كما قد يدّعي في الخصاء في الحيوانات فلا أرش و إن تعذر الرد.

(مسألة 58): المرجع في معرفة نسبة المعيب للصحيح أهل الخبرة من أهل الأمانة و الثقة، و مع اختلافهم يتعين الأخذ بمن هو أخبر و أعرف بالنحو المعتد به عند العقلاء، و مع عدم الترجيح يجزي البائع دفع الأقل.

(مسألة 59): يجب علي البائع إخراج الأرش من الثمن مع وجوده، لكن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 70

لا بنحو يكون المشتري شريكا معه فيه بالنسبة،

بحيث لا يتصرف فيه كل منهما إلا برضا الآخر، بل يكون للبائع وحده التصرف فيه، غايته أنه يجب عليه أن يدفع مقدار الأرش للمشتري، و عليه لا يجوز له بعد امتناع الرد إتلاف الثمن أو إخراجه عن ملكه بتمامه، بل لا ينفذ تصرفه فيه حينئذ إلّا بإذن المشتري، نعم له ذلك فيما عدا مقدار الأرش. و لو لم يكن الثمن قابلا للقسمة كان عليه دفع قيمته، و لو تلف الثمن أو خرج عن ملك البائع أو نحو ذلك مما يتعذر معه إخراج الأرش منه لزمه ضمان مقدار الأرش بمثله إن كان مثليا و بقيمته إن كان قيميا.

(مسألة 60): إذا كان المبيع المعيب ربويا و ثمنه من جنسه و بقدره لم يمنع ذلك من استحقاق الأرش من الثمن، و لا يلزم منه الربا، و إنما يلزم الربا إذا نقص الثمن أو المبيع حين البيع.

(مسألة 61): الظاهر أن العيب الحادث بعد البيع قبل القبض بحكم العيب الحاصل قبل البيع، فيثبت للمشتري فيه الرد، فإذا قبضه و حدث عنده ما يمنع من الرد كان له الأرش، و إن كان الأحوط استحبابا التراضي بين الطرفين في الجميع.

(مسألة 62): لا فرق في حكم المسألة السابقة بين العيب الحادث بأمر سماوي و الحادث بفعل البائع و الحادث بفعل الغير، غايته أنه في الأخير للبائع بعد دفع الأرش الرجوع علي ذلك الغير بأرش العيب، و الأحوط وجوبا له الاقتصار علي الأقل في الفرق بين الصحيح المعيب مما دفعه للمشتري و من القيمة السوقية، كما أن للمشتري عدم الرجوع بالأرش علي البائع و الرجوع به علي ذلك الغير، فيأخذ منه فرق ما بين الصحيح و المعيب بحسب القيمة السوقية، لا بنسبته من الثمن.

و أما إذا كان العيب بفعل المشتري فلا ردّ و لا أرش.

(مسألة 63): إذا اشتري شيئين بثمنين صفقة، فظهر عيب في أحدهما دون الآخر فإن حصل ما يمنع من الرد استحق الأرش لا غير، و إن لم يحصل ما يمنع من الرد ثبت له خيار العيب، فإن لم يبتن بيعهما علي الارتباطية كان له رد المعيب وحده، و إن ابتني بيعهما علي الارتباطية بين المبيعين ثبت خيار تبعض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 71

الصفقة الذي يأتي الكلام فيه في التاسع من الخيارات لمن أخذت الارتباطية شرطا له في المعاملة، فله الرجوع في الآخر أيضا و إن لم يكن معيبا.

نعم، إذا حدث في الآخر نقص أو زيادة أو تبدل حال يوجب اختلاف الرغبات فالأحوط وجوبا التصالح بينهما في الفسخ و عدمه و لو ببذل مال.

(مسألة 64): يجري التفصيل المتقدم لو كانا معا معيبين فرد أحدهما و لم يرد الآخر لرضاه به علي عيبه، أو لحدوث ما يمنع من الرد فيه.

(مسألة 65): إذا اشتري شيئين بثمن واحد و كان أحدهما معيبا دون الآخر كان له الخيار في المعيب، فإن فسخ فيه ثبت في الثاني لهما خيار تبعض الصفقة كما تقدم.

(مسألة 66): العيب هو الخروج عن الوضع المتعارف للشي ء بما يعد نقصا فيه عرفا، لإخلاله بالغرض المقصود منه نوعا كالمرارة في المطعوم أو لكونه سببا في مؤنة زائدة كشرود الحيوان المقتضي للالتزام بربطه أو لترتب ضرر عليه، أو لتشوه صورته، أو لكونه ناشئا عن نقص في طبيعته و مزاجه- كعدم نبات الشعر في المواضع المعهود فيها نباتة- أو لغير ذلك. أما إذا كان الخروج عن الوضع المتعارف فيه راجعا إلي كماله عرفا فلا خيار فيه، كحدة ذكاء

الحيوان و قوة بصره، و كثرة رواء الفاكهة و نحو ذلك، إلا أن يستلزم أمرا يرغب عنه نوعا، كما إذا كانت قوة الذكاء مستلزمة لقصر العمر، أو كانت قوة البصر بنحو تقتضي اختراق النظر لما وراء الثياب كما يحكي في زماننا عن بعض الشواذ أو نحو ذلك، فتكون عيبا يثبت به الخيار.

(مسألة 67): إذا تعارف وجود العيب في صنف المبيع، أو في زمان البيع، أو مكانه، بحيث لا يبتني البيع علي السلامة من العيب ارتكازا فلا يقتضي الخيار. و كذا إذا قامت القرينة الخاصة في البيع علي عدم ابتنائه علي السلامة من العيب، كما قد يكون فيما إذا ابتني شراء الطعام أو الخضر و الفاكهة علي أن تجعل علفا للحيوان، أو شراء الذهب المصوغ علي الإذابة و التصفية، حيث لا يكون العيب المغير للطعم في الأول، و الكسر في المصوغ في الثاني سببا للخيار.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 72

(مسألة 68): إنما يثبت خيار العيب فيما إذا كان المبيع عينا شخصية معيبة، أما إذا كان المبيع كليا و دفع البائع معيبا وفاء له فلا خيار، بل للبائع حينئذ إبدال المعيب بالصحيح، فلو باعه طنا من الحنطة، فدفع إليه حنطة معيبة استرجعها و أخذ حنطة غير معيبة، و إذا امتنع كان له خيار عدم تسليم المبيع الذي تقدم الكلام فيه في الخامس من الخيارات، و كذا الحال في الثمن الكلي لو سلم المشتري معيبا وفاء له.

(مسألة 69): يسقط خيار العيب بأمور:

الأول: علم المشتري بالعيب حين البيع.

الثاني: براءة البائع من العيب حين البيع الراجعة لاشتراط عدم ثبوت الخيار به إما صريحا، أو ضمنا لابتناء المعاملة علي ذلك، كما يكون كثيرا في بيع الأشياء المستعملة المعروضة بالمزاد.

الثالث:

إسقاط الخيار المذكور بعد البيع.

الرابع: إقرار البيع و الرضا به بعد العلم بالعيب، و لو بالتصرف في المبيع تصرفا ظاهرا في عدم إرادة الفسخ و الرد، سواء كان تصرفا مانعا من الرد، أم لم يكن، و في جميع ذلك لا يجب الأرش، فإنه إنما يجب بحصول ما يمنع من الرد حال ثبوت الخيار، لا مع سقوطه بأحد هذه المسقطات.

(مسألة 70): إذا زال العيب قبل علم المشتري به، فإن كان زواله بفعل البائع من دون إذن من المشتري لم يمنع من الرد، و إلا منع من الرد و استحق المشتري الأرش. نعم إذا كان زواله لعدم استحكامه كالمرض الطارئ في الحيوان الذي يزول من قبل نفسه فقد يكشف ارتفاعه عن عدم كونه عيبا أو كونه عيبا لا أرش له، و لا ضابط لذلك، بل المرجع فيه العرف.

(مسألة 71): الظاهر أن هذا الخيار ليس علي الفور، فلو لم يبادر المشتري بعد اطلاعه علي العيب للفسخ لم يسقط حقه فيه، كما أنه لو لم يبادر لطلب الأرش بعد امتناع الرد لم يسقط حقه فيه.

(مسألة 72): الظاهر جريان جميع ما تقدم فيما لو كان العيب في الثمن، إلا أن الخيار في الرد و ثبوت الأرش هنا للبائع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 73

(مسألة 73): يقوم الوارث مقام المورّث في استحقاق هذا الخيار علي النهج المتقدم في الخيارات السابقة. أما لو سقط الرد فإن كان سقوطه في حياة المورّث اشترك جميع الورثة في الأرش، و إن كان سقوطه بعده ففي اشتراك جميع الورثة في الأرش أو اختصاصه بمن يرث المبيع المعيب إشكال، فاللازم الاحتياط بالتراضي بين جميع الورثة.

الثامن: خيار تخلف الوصف

العنوان المأخوذ في أحد العوضين إن كان مقوّما له بحسب وضع

المعاملة كان تخلفه موجبا لبطلان البيع، و إن لم يكن مقوما له، بل كان وصفا زائدا فيه فتخلفه موجب للخيار. و الأحوط وجوبا الاقتصار في الخيار علي ما إذا ابتني البيع علي الوصف لاهتمام أحد المتبايعين به، حتي لو كان اهتمامه شخصيا من دون أن يهتم به عامة الناس.

(مسألة 74): المرجع في تمييز العنوان المقوّم من الوصف الزائد هو العرف، و هو يختلف باختلاف المعاملات، فالشي ء الواحد قد يكون عنوانا مقوّما للمبيع في حال و وصفا زائدا عليه في حال آخر، فالجنس مثلا كالصوف و الذهب و الحنطة و نحوها قد يكون مقوما للمبيع، بحيث يكون تخلفه موجبا لبطلان البيع، و قد يكون وصفا زائدا عليه لا يلزم من تخلفه إلا الخيار مع كون العنوان المقوّم للمبيع هو العنوان المنتزع من الهيئة الخاصة، كالثوب و البساط و المصاغ و الخبز و نحوها، كما قد يكون المقوم للمبيع كلا الأمرين من الجنس و الهيئة، فيكون تخلف كل منهما موجبا للبطلان و لا ضابط لذلك.

(مسألة 75): لا يعتبر في الوصف الذي يكون تخلفه موجبا للخيار أن يكون مصرحا به في العقد، بل يكفي أخذه ضمنا اعتمادا علي قرينة عامة ارتكازية نظير وصف السلامة في المبيع أو خاصة، لظهور الحال المستفاد من خصوصية السوق أو خصوصية العين المبيعة، و منه الغش المظهر للمبيع علي خلاف حاله، كترطيب الخضر الموهم لجدتها أو جودتها، كتجليل المبيع بالجيد منه و إخفاء الردي ء تحته و نحو ذلك، فإن ذلك كله موجب للخيار، و إن لم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 74

يصدق العيب علي الواقع المخفي، كما لو أخفي نوعا من التمر لا عيب فيه في نوع آخر أجود منه.

(مسألة 76): إذا

حدث في المبيع عند المشتري أحد الموانع الرد المتقدمة في خيار العيب ففي بقاء خيار تخلف الوصف إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بين المتبايعين في الفسخ مع الأرش أو بدونه و عدمه. و أمّا رجوع المشتري بالأرش حينئذ فلا مجال له إذا لم يرجع تخلف الوصف للعيب، و كذا الحال لو حدث أحد موانع الرد المذكورة في الثمن.

(مسألة 77): يختص هذا الخيار بما إذا كان العوض الموصوف شخصيا، أما إذا كان كليا و كان المدفوع فاقد الوصف فلا خيار، بل يجب إبدال الفاقد للوصف بالواجد له، نظير ما تقدم في خيار العيب.

(مسألة 78): يسقط هذا الخيار بإسقاط المشتري له بعد البيع، و بإقرار البيع و الرضا به بعد العلم بتخلف الوصف، كما أنه ينتقل للوارث، نظير ما تقدم في الخيارات السابقة.

التاسع: خيار تبعض الصفقة

و يثبت فيما إذا لم يتم البيع في بعض المبيع، إما لعدم كونه مما يصح بيعه، كالوقف و الحر و الخمر أو لعدم سلطان البائع علي بيعه فيكون البيع فيه فضوليا، من دون أن يجيزه من له السلطنة عليه، أو لثبوت الخيار فيه كالمعيب و الحيوان في الأيام الثلاثة مع فسخ صاحب الخيار، فإنه يصح لكل من المتبايعين الفسخ في تمام المبيع.

(مسألة 79): إذا لم يفسخ من له خيار تبعض الصفقة و رضي بالبيع في البعض أخذه بحصته من الثمن. و حينئذ فله صورتان.

الاولي: أن لا يكون للاجتماع دخل في زيادة قيمة الأجزاء و لا في نقصها، و حينئذ يقوم ما تمّ البيع فيه و ما لم يتمّ البيع فيه، و يبقي للبائع من الثمن بنسبة قيمة ما تمّ البيع فيه البيع لمجموع القيمتين، فإذا كانت قيمة ما تمّ فيه البيع نصف مجموع القيمتين أخذ

البائع نصف الثمن، و إذا كانت قيمته ربع مجموع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 75

القيمتين أخذ ربع الثمن، و هكذا.

الثانية: أن يكون للاجتماع دخل في زيادة قيمة الأجزاء، أو في نقصها، و حينئذ قد تتفق الأجزاء في نسبة الدخل المذكور فيكون الحكم كما في الصورة الأولي، كنسبة قيمة كل من النصفين المشاعين لقيمة المجموع، و قد تختلف، كما لو كان الاجتماع موجبا لزيادة قيمة بعض الأجزاء و نقص قيمة بعضها، مثل الجارية و بنتها الرضيعة، حيث تنقص قيمة الأم إذا كانت معها ابنتها، و ترتفع قيمة البنت إذا كانت مع أمها، أو كان الاجتماع موجبا لزيادة قيمة بعض الأجزاء أو نقصها من دون أن يكون دخيلا في بعضها، أو كان الاجتماع موجبا لزيادة قيمة بعض الأجزاء بنسبة تختلف عن نسبة الزيادة في الأجزاء الأخر. إلي غير ذلك من الصور.

و يتردد الأمر هنا بين وجهين:

الأول: ملاحظة نسبة قيمة ما تمّ فيه البيع منفردا لقيمة المجموع و يأخذ البائع من مجموع الثمن بتلك النسبة. فإذا كان الثمن عشرين، و كانت قيمة ما تمّ فيه البيع منفردا ثلاثة، و قيمة المجموع اثني عشر أخذ البائع خمسة من العشرين.

الثاني: ملاحظة نسبة قيمة ما تمّ فيه البيع في حال انضمامه للمجموع لقيمة المجموع، و يأخذ البائع من مجموع الثمن بتلك النسبة، ففي المثال السابق إذا كانت قيمة ما تمّ فيه البيع في حال انضمامه للمجموع ستة أخذ البائع عشرة من العشرين، فاللازم علي المتبايعين الاحتياط و التصالح بين الوجهين.

(مسألة 80): كما يثبت خيار تبعض الصفقة مع عدم تمامية البيع في بعض المبيع يثبت مع عدم تماميته في أحد المبيعين كما إذا باع شيئين بثمنين لكل منهما ثمن يخصه فلم

يتمّ بيع أحدهما لكن بشرط أن يبتني بيعهما معا علي الارتباطية، لا علي الانحلال. و حينئذ لو اختيار عدم الفسخ فيما تمّ فيه البيع لزم الثمن الذي عيّن في البيع، و لا تلحظ نسبة قيمة أحدهما لقيمة المجموع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 76

العاشر: خيار تخلف الشرط

علي تفصيل يأتي عند الكلام في الشروط إن شاء اللّه تعالي.

تذنيب:

ينفذ العقد و يترتب أثره بوقوعه، و لا يتوقف علي مضي زمن الخيار، فالمبيع في مدة الخيار في ملك المشتري و الثمن في ملك البائع. و يترتب علي ذلك أمران.

الأول: أن ضمان المبيع لو تلف بعد قبضه في مدة الخيار علي المشتري و ضمان الثمن علي البائع. لا بمعني لزوم دفعهما المثل أو القيمة مطلقا و لو مع عدم فسخ البيع، بل بمعني أنه مع عدم فسخ البيع تكون خسارة التالف علي من تلف في ملكه و لا يرجع علي الآخر، كما يرجع المشتري علي البائع لو تلف المبيع قبل القبض. أما مع فسخ البيع في فرض بقاء الخيار مع التلف فيتعين علي من تلف أو نقص عنده أحد العوضين دفع بدل العين أو أرش النقص إلي الآخر.

نعم، في خيار الحيوان يكون ضمان الحيوان إلي من انتقل عنه، علي تفصيل تقدم، كما تقدمت بعض التفصيلات عند الكلام في بعض الخيارات الأخر.

الثاني: أن نماء العين و منفعتها يكونان لمالك العين، نعم إذا ردّت العين بالفسخ ردّ معها من النماء ما كان ملحقا بها عرفا، كاللبن في الضرع. بل يستحب أن يرد المشتري بدل اللبن الذي يشربه في الأيام الثلاثة التي هي مدة خيار الحيوان ثلاثة أمداد من الطعام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 77

الفصل الخامس في الشرط

و هو التزام في ضمن العقد تابع له، كما إذا باعه البستان و اشترط أنّ له ثمرتها إلي سنة، أو باعه الدار و اشترط أن عليه دفع ضريبتها، أو أنّ له الخيار فيها إلي سنة، أو اشترط عليه أن يخدمه عشرة أيام، أو نحو ذلك، مما يتضمّن استحقاقا لعين أو منفعة أو حق أو عمل. و يعتبر في نفوذ الشرط و

ترتّب الأثر عليه أمور.

الأول: أن يبتني عليه العقد، إمّا لذكره فيه صريحا، أو لأخذه فيه ضمنا لقرينة من بناء عرفي عامّ أو خاص، مثل اشتراط التسليم للعوضين، و اشتراط الاعتراف في بيع العقار بدائرة الطابو الذي تعارف في زماننا أو نحو ذلك. أمّا إذا ذكر قبل العقد أو بعده من دون أن يبتني عليه العقد فهو وعد لا يجب الوفاء به، بل يستحب.

الثاني: أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنّة، و ذلك بأمرين:

أحدهما: أن يكون مضمونه مخالفا للحكم الشرعي، مثل أن يكون الطلاق بيد غير الزوج، و أن لا يرث الورثة من المال، و أن يكون ولد الحر رقا، و أن لا يثبت الخمس في المال الخاص، و نحو ذلك.

ثانيهما: أن يقتضي الإلزام بترك واجب أو فعل حرام، كما لو اشترط أحدهما علي الآخر أن يصنع له الخمر، أو أن يحلق لحيته، أو أن يغش له في بيعه، أو أن يترك الصلاة، أو يفطر في شهر رمضان. إلي غير ذلك. و يلحق به ما إذا اشترط عملا محللا في نفسه إلّا أنّه مستلزم لترك واجب أو فعل حرام، مثل العمل في تمام نهار شهر رمضان بنحو يضطرّ معه لترك الصوم أو الصلاة. و أمّا الالتزام بفعل مباح أو مكروه أو ترك مباح أو مستحب فلا مانع منه، إلّا أن يدل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 78

الدليل علي المنع منه بالخصوص، علي ما قد ننبّه عليه في المواضع المناسبة.

الثالث: أن لا يكون منافيا لمقتضي العقد، و هو علي قسمين:

الأول: أن يكون منافيا لمقتضي العقد الذي أخذ فيه الشرط، مثل أن يبيعه بشرط أن لا يستحق الثمن.

الثاني: أن يكون منافيا لمقتضي عقد آخر، مثل أن يشتري

المتاع بشرط أن لا يتحمّل خسارته، أو بشرط أن يشاركه في الربح، إذا رجع ذلك إلي وقوع الخسارة عليه أو شركته في الربح إذا رجع ذلك إلي وقوع الخسارة عليه أو شركته في الربح عند بيعه ابتداء، فإنّه و إن لم يناف عقد شراء المتاع الذي أخذ فيه الشرط، إلّا أنّه ينافي عقد بيعه بعد ذلك الذي تقع فيه الخسارة أو الربح، لأنّ مقتضي البيع دخول الثمن بتمامه في ملك مالك المثمن المستلزم لوقوع الربح له و الخسارة عليه، و أمّا لو رجع إلي تدارك البائع الأول لخسارة المشتري، أو استحقاق البائع الأول من الربح بعد دخوله بتمامه في ملك المشتري الذي باعه بعد ذلك فهو لا ينافي مقتضي العقد، و لا يكون باطلا.

(مسألة 1): ليس من الشرط المنافي لمقتضي العقد بيع الشي ء بشرط أن يبيعه المشتري علي البائع، نعم لا يصح البيع مع الشرط المذكور في بعض صوره، علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي عند الكلام في بيع النقد و النسيئة.

الرابع: أن يكون الشرط مقدورا للمشروط عليه، فلو كان متعذرا في تمام أزمنة اشتراطه كان باطلا، و لو اعتقد القدرة عليه ثم انكشف عدمها انكشف البطلان من أوّل الأمر. نعم إذا كان مقدورا في بعض الأزمنة ثمّ تعذّر كان صحيحا، غايته أنه يسقط الوفاء به في زمن التعذر.

(مسألة 2): لا يبطل الشرط بالتعليق، كما لو اشترط عليه أن يصلي عنه إن مات قبله. و لا يبطل أيضا بالجهالة، كما لو اشترط عليه أن يسكنه في داره حتي يشفي مريضة أو يقدم مسافرة.

(مسألة 3): إذا بطل الشرط لفقد أحد الشرطين الأولين لم يبطل العقد به.

(مسألة 4): إذا بطل الشرط لفقد الشرط الثالث، فإن كان

لمنافاته لمقتضي العقد الذي أخذ فيه بطل العقد بتبعه، و إن كان لمنافاته لمقتضي عقد آخر لم يبطل العقد الذي أخذ فيه، و لا العقد الآخر.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 2، ص: 78

(مسألة 5): إذا صحّ الشرط و كان المشروط هو استحقاق عين أو منفعة أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 79

حق ترتّب أثره و لم يمكن خروج المشروط عليه عنه، فإذا باعه البستان و اشترط عليه أنّ له ثمرتها إلي سنة، أو باعه الدار و اشترط عليه أنّ له منفعتها إلي شهر، أو أنّ له الخيار في البيع إلي سنتين مثلا ملك البائع الثمرة و المنفعة و الخيار، و لم يقدر المشتري علي التخلف عن الشرط المذكور. و يلزم العقد علي كل حال، فلو امتنع المشتري عن تسليم الثمرة مثلا أو المنفعة كان غاصبا لها من دون أن يستحق البائع فسخ البيع، إلّا أن يرجع الشرط المذكور إلي اشتراط التسليم و التمكين من الثمرة و المنفعة فيدخل في المسألة الآتية.

(مسألة 6): إذا صحّ الشرط و كان المشروط عملا كما لو اشترط عليه أن يخدمه أو يخيط ثوبه أو نحو ذلك استحق صاحب الشرط علي المشروط عليه ما اشترطه، فيجب علي المشروط عليه القيام به علي النحو الذي يلزم به الشرط، فإن امتنع كان للمشروط له إجباره، و إن قصّر في القيام به أو تعذّر عليه ذلك كان للمشروط له فسخ العقد، سواء تمكّن من إجباره فلم يفعل، أم لم يتمكن من إجباره، و ليس له المطالبة بقيمة الشرط لو كان له قيمة.

(مسألة

7): لصاحب الشرط إسقاط شرطه، فإن رجع إسقاطه إلي رفع اليد عن الالتزام به في العقد رأسا لم يجب علي المشروط عليه القيام به، و لم يستحق المشروط له الخيار بتخلفه، و إن رجع إسقاطه إلي رفع اليد عن استحقاقه لا غير لم يجب علي المشروط عليه القيام به، لكن يستحق المشروط له الفسخ مع تخلفه.

(مسألة 8): إذا فسخ العقد الذي تضمن الشرط بخيار أو تقايل سقط الشرط تبعا له. نعم إذا كان الشرط مترتبا علي فسخ العقد من أحد الطرفين، كالشرط الجزائي المتعارف في هذه الأيام لم يسقط الشرط و وجب علي الفاسخ القيام بما تضمنه، و لا يسقط الشرط المذكور إلا بالتقابل بين الطرفين في تمام المعاملة و رفع اليد عنها رأسا.

(مسألة 9): الظاهر نفوذ الشرط في ضمن العقود الجائزة، كالعارية و الوكالة و بعض أقسام الهبة.

(مسألة 10): لا ينفذ الشرط في الإيقاع، إلّا في موارد خاصّة تذكر في مواضعها إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 80

الفصل السادس في التسليم و القبض

يجب علي كل من المتبايعين بعد تمامية البيع بذل كل من العوضين لصاحبه الذي صار له بالبيع، و تمكينه منه عند بذل الآخر و تمكينه مما عنده، و لا يجوز لأحدهما الامتناع من ذلك عند بذل الآخر، و لو امتنع من ذلك حينئذ أجبر عليه.

(مسألة 1): لو اشترط أحدهما أو كلاهما عدم بذل العوض الذي تحت يده مدة من الزمن صح الشرط. كما يجوز له اشتراط الانتفاع مدة من الزمن بما تحت يده، كسكني الدار و لبس الثوب و زرع الأرض و غيرها.

(مسألة 2): لا يجوز في المدة المشترط فيها تأخير التمكين أو الانتفاع بالعين أن تكون مردّدة لا تعيّن لها في

الواقع، بل لا بد من تعيينها، سواء كانت مستمرة باستمرار بقاء العين، أم محدودة بحد معلوم كشهر أو مجهول قابل للضبط، كموسم الحصاد، و رجوع الحاج، و وضع المرأة حملها، و نحو ذلك. و لا يجري فيه ما يأتي فيما إذا كان المبيع كليّا مؤجّلا من أنّه لا بد من ضبط الأجل بحد معلوم.

(مسألة 3): لا يجب علي أحد المتبايعين إقباض الآخر، و تسليم ما تحت يده له، بل يكفي بذله له و تمكينه منه، كما سبق.

(مسألة 4): لو بذل البائع المبيع فامتنع المشتري من أخذه كفاه في خروجه عن عهدته إخراجه من حوزته بحيث يستطيع المشتري أخذه، نعم إذا كان المشتري عاجزا عن أخذه وجب عليه حفظه حسبة، كما أنه تقدم أن له بعد ثلاثة أيام فسخ العقد لخيار التأخير. و هكذا الحال في الثمن لو بذله المشتري و امتنع البائع عن قبضه. هذا إذا كان شخصيا، أما إذا كان كليا فسيأتي الكلام فيه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 81

(مسألة 5): إذا تلف المبيع بآفة سماوية أو أرضية و هو في حوزة البائع كان للمشتري أخذ الثمن، سواء كان قد امتنع من تسليمه للمشتري، أم رضي هو و المشتري ببقائه عنده. بل هو الأحوط وجوبا إذا لم يكون راضيا هو بذلك، لكن كان المشتري عاجزا عن أخذ المبيع، فلا بدّ من التراضي بينهما في ذلك.

أمّا إذا طلب من المشتري أخذه فامتنع المشتري، مع قدرته علي ذلك فالظاهر خروجه عن عهدة البائع و عدم ضمانه له، و وقوع الخسارة علي المشتري من دون أن يسقط حق البائع في الثمن. و كذا إذا قبضه المشتري أو قبضه وكيله، بل و كذا لو وكّل المشتري البائع

في قبضه عنه و جعله عنده وديعة، أو طلب منه إرساله إليه بيد شخص معين، أو غير معين فأرسله و تلف بعد خروجه عن حوزته.

(مسألة 6): يلحق بتلف المبيع تعذر الوصول إليه و لبدله، كما لو سرقه شخص مجهول، أو غرق، أو كان حيوانا وحشيا فأفلت.

(مسألة 7): إذا أتلف البائع المبيع قبل أن يخرج عن عهدته كان المشتري مخيرا بين فسخ البيع و الرجوع علي البائع بالثمن المسمي، و عدم فسخه فيضمن البائع المبيع بمثله إن كان مثليا و قيمته إن كان قيميا، علي التفصيل الآتي في كتاب الغصب إن شاء اللّه تعالي. أما إذا أتلفه بعد أن خرج عن عهدته بما سبق في المسألة (4) فالمتعين الثاني و هو عدم الفسخ، و الضمان بالمثل أو القيمة. و كذا الحال لو فرط فيه إذا كان وديعة عنده.

(مسألة 8): إذا أتلف المبيع أجنبي قبل أن يخرج عن عهدة البائع تخير المشتري بين الفسخ و عدمه، فإن فسخ رجع علي البائع بالثمن، و رجع البائع علي الأجنبي بالمثل أو القيمة، و إن لم يفسخ لم يرجع علي البائع بشي ء، بل يرجع علي الأجنبي بالمثل أو القيمة. و أما إذا أتلفه الأجنبي بعد أن خرج عن عهدة البائع فالمتعين الثاني، و هو الرجوع علي الأجنبي بالمثل أو القيمة. و يلحق بإتلاف الأجنبي ما إذا وضع يده عليه و لم يقدر البائع علي استنقاذه منه، غايته أنه مع رجوع البائع أو المشتري علي الأجنبي يجب علي ذلك الأجنبي إرجاع العين مع قدرته علي ذلك، و لا يجزيه دفع المثل أو القيمة إلا مع تعذر إرجاعها عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 82

(مسألة 9): إذا أتلف المشتري المبيع لم

يستحق شيئا علي البائع، سواء كان إتلافه له قبل خروجه عن عهدة البائع، أم بعد خروجه عنها. و يلحق بذلك ما إذا أذن بإتلافه للبائع أو لغيره.

(مسألة 10): إذا تعيب المبيع قبل خروجه عن عهدة البائع فقد تقدم حكمه في المسألة (60) من الفصل الرابع المعقودة لحكم التعيب قبل القبض، لأنّ المراد من القبض ما يعم الخروج عن عهدة البائع. و إذا تعيّب بعد خروجه عن عهدته في زمن الخيار فقد تقدم الكلام فيه في تذنيب الفصل المذكور. و إذا تعيب بعد الخروج عن عهدة البائع و انقضاء زمن الخيار كان من المشتري.

(مسألة 11): ما تقدم إنما هو فيما إذا كان المبيع أو الثمن شخصيا، كالثوب الخاص و الدينار الخاص. أما إذا كان كليا كما لو باعه مائة كيلو حنطة في الذمة بألف دينار فلا يتعين حق كل منهما في الفرد الشخصي إلا برضاهما معا، فإن اتفقا علي تعيينه في فرد خاص و لم يأخذه صاحبه كان أمانة في يد الآخر لا يضمنه، و لا يضمن العيب الذي يحصل فيه إلا مع تفريطه، و له إلزامه بقبضه منه، فإن امتنع خلّي بين المال و صاحبه مع قدرته علي أخذه، و خرج عن عهدته. و إن أبي أحدهما من تعيين حقه الكلي في فرد مع حلول وقت أدائه كان للآخر الرجوع للحاكم الشرعي في تعيينه، ثم يجري عليه ما سبق فيما لو رضي صاحبه بتعيينه و لم يأخذه.

(مسألة 12): إذا حصل للمبيع نماء قبل خروجه عن عهدة البائع كان للمشتري، فإذا تلف المبيع قبل الخروج عن عهدة البائع و رجع المشتري بالثمن بقي النماء له.

(مسألة 13): لو باع جملة فتلف بعضها قبل الخروج عن عهدة البائع

انفسخ البيع بالنسبة إلي التالف، و رجع ما يخصّه من الثمن، و كان له في الباقي خيار تبعض الصفقة الذي تقدم في التاسع من الخيارات.

(مسألة 14): يجب علي البائع مع إطلاق عقد البيع المبادرة لتفريغ المبيع عما فيه، من أثاث أو بضاعة أو غيرهما. و لو توقف التفريغ علي التصرف في العين بهدم بناء، أو قلع باب، أو فتق وعاء، أو غير ذلك، فإن ابتني البيع علي ذلك لزم من دون حاجة فيه لاستئذان المشتري، إلا أن يبتني البيع علي استئذانه،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 83

لاختيار التصرف الأصلح. و لا يجب علي البائع إصلاح الخلل إلا إذا استفيد اشتراط ذلك عليه عند البيع صريحا، أو ضمنا لتعارف ذلك في أمثاله، أو لنحو ذلك من القرائن.

و إن لم يبتن البيع علي التصرف المذكور للغفلة عن انشغال المبيع، أو لتخيل عدم احتياج التفريغ لذلك التصرف، أو نحو ذلك لزم استئذان المشتري فيه. و حينئذ لو عدّ ذلك نقصا عرفا جري فيه ما تقدم في خيار العيب، و إن لم يعد عيبا لم يجز للمشتري الفسخ. ثم أنه إذا لزم من التفريغ خلل في المبيع بهدم أو نحوه وجب علي البائع إصلاحه، إلا أن يتفقا علي حلّ آخر، كدفع عوض خاص، أو شراء المشتري لما انشغل به المبيع، أو غير ذلك. و كذا الحال فيما لو عدّ عيبا و لم يفسخ المشتري.

هذا و لو اشترط البائع صريحا أو ضمنا عدم التفريغ أبدا أو إلي مدة نفذ الشرط و وجب العمل عليه، و جاز للبائع تعاهد ما يشتغل به المبيع و إن لزم التصرف في المبيع بالمقدار المتعارف، أو المتفق عليه بينهما عند البيع.

(مسألة 15): من اشتري

شيئا و لم يقبضه، فإن كان مما لا يكال و لا يوزن جاز بيعه قبل قبضه علي كراهة، و كذا إذا كان مما يكال أو يوزن و كان البيع برأس المال، أما إذا كان البيع بربح أو وضيعة فالأحوط وجوبا عدم بيعه ذلك الشي ء حتي يقبضه.

نعم، يستثني من ذلك بيع أحد الشركاء في المبيع حصته لشريكه، فإنه يجوز مطلقا و إن لم يقبض المبيع و لم يكن البيع برأس المال. و كذا يجوز بيع ما يملك بغير الشراء كالميراث و الصداق قبل قبضه، و تمليك المبيع و غيره مما يملك بغير البيع كجعله صداقا أو اجرة قبل قبضه. و في جريان حكم المبيع علي الثمن في البيع إشكال، فاللازم الاحتياط.

(مسألة 16): المراد بالقبض في المسألة السابقة معناه العرفي، و هو الاستيلاء علي المبيع و كونه في حوزة المشتري، و لا يكفي خروجه عن عهدة البائع، الذي عليه المدار فيما سبقها من المسائل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 84

الفصل السابع في النقد و النسيئة

و المراد بالنقد هو البيع المبتني علي استحقاق تعجيل تسليم الثمن.

و المراد بالنسيئة هو البيع المبتني علي جواز تأجيل الثمن، نعم لا بد في النسيئة من كون الثمن كليا في ذمة المشتري. أما إذا كان شخصيا و قد اشترط تأخير تسليمه، فالشرط المذكور و إن كان نافذا إلا أن البيع لا يكون نسيئة حينئذ.

(مسألة 1): بيع النسيئة يتوقف علي اشتراط التأجيل في ضمن العقد، أما بيع النقد فلا يحتاج إلي شرط، بل هو مقتضي إطلاق العقد، و يجب فيه المبادرة بتسليم الثمن، كما يظهر ذلك كله ممّا تقدّم في خيار التأخير. و قد تقدّم في الفصل السابق حكم ما لو امتنع البائع من قبض الثمن المستحق

له.

(مسألة 2): الأحوط وجوبا في بيع النسيئة أن يكون الأجل معلوما، مضبوطا بنحو لا يقبل الزيادة و النقصان، و لا يكفي تعيّنه واقعا مع الجهل به حين العقد، كقدوم المسافر، و وضع المرأة حملها، بل حتي مثل الشهور العربية أو الرومية أو الفارسية ممّا هو منضبط في نفسه إذا لم يألفه المتبايعان، بحيث يحتاج معرفة المدة بها إلي الحساب أو الرجوع للغير.

نعم، لا يضرّ التحديد بأول الشهر إذا تردد الشهر السابق عليه بين الزيادة و النقصان.

(مسألة 3): لا حدّ للأجل في النسيئة، و إن كان الأحوط استحبابا أن لا يبلغ ثلاث سنين.

(مسألة 4): كما لا يجب علي المشتري في بيع النسيئة دفع الثمن قبل الأجل لا يجب علي البائع أخذه لو دفعه المشتري قبل الأجل، و لا يجري فيه ما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 85

تقدم في الفصل السابق إلّا بعد حلول الأجل.

نعم، لو قامت القرينة علي أن التأجيل شرط للمشتري دون البائع كان للمشتري التنازل عن شرطه فيكون الثمن حالّا، لكن لا يكفي في ذلك انتفاع المشتري بالشرط غالبا دون البائع، لإمكان أن يكون طلب المشتري للتأجيل يوجب ترتيب البائع لاموره بنحو يلائمه الشرط المذكور، فيجعلان الشرط لهما معا و لا يسقط إلّا برضاهما معا، فلا بدّ من قيام القرينة الخاصة علي خلاف ذلك، و علي أن الشرط للمشتري فقط.

(مسألة 5): يصح بيع الشي ء بثمن حالا، و بأكثر منه مؤجلا من دون تعيين أحدهما، كما لو قال: بعتك هذا الثوب بعشرة دنانير نقدا، و باثني عشر إلي شهر، لكن يقع البيع بأقلّ الثمنين و أبعد الأجلين، كما تقدم تفصيل ذلك في المسألة (14) من الفصل الثالث.

(مسألة 6): يجوز في بيع النسيئة أن يزيد

في الثمن من أجل الأجل كما يتعارف كثيرا، فإذا كانت قيمة الشي ء عشرة مثلا جاز بيعه نسيئة باثني عشر، و لا محذور في ذلك.

نعم بعد تعيين الثمن في العقد بقدر خاص إذا حلّ وقت دفعه لا يجوز تأجيله بزيادة عليه، كما لا يجوز أن يزيد في أجل المؤجل بزيادة عليه، فإذا باعه السلعة بخمسة عشر إلي شهر مثلا و تمّ البيع ثم بدا لهما أن يزيدا في الأجل بزيادة في الثمن بأن يجعلا الثمن عشرين مثلا إلي شهرين لم يصح ذلك.

و هكذا الحال في كل دين حالّ أو مؤجّل، للزوم الربا منه.

نعم، يمكن التخلص من ذلك ببعض الطرق:

منها: أن يبيع المدين الدائن شيئا منه بدينه ثم يشتريه نسيئة بأكثر منه، مثلا إذا كان زيد مدينا لعمرو ألف دينار فحلّ دينه و لم يكن عند زيد ما يفي به جاز له أن يبيع عمرا ثوبا بألف دينار فإذا تمّ البيع اشتراه منه بألف و مائتي دينار نسيئة إلي أجل معين.

و منها: أن يبيع عليه شيئا بأكثر من قيمته و يعتبر عليه في البيع تأجيل الدين، أو الزيادة في أجله، مثل أن يبيعه في المثال السابق ما قيمته عشرة بمائة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 86

بشرط أن يؤجل دينه الحال عليه، إلي غير ذلك ممّا يذكر في التخلص من الربا.

(مسألة 7): يجوز تعجيل الثمن المؤجل بل كل دين بنقصان منه، بأن يعجل له بعضه و يبرئه من الباقي، كما يجوز أن يبيع الدين عليه بأقل منه معجلا، أو يصالحه عنه بأقل منه معجلا أيضا، إلا أن يكون من المكيل أو الموزون فلا يجوز البيع و لا الصلح، بل يتعين الإبراء.

(مسألة 8): لا يصح بيع الشي ء نسيئة

بثمن بشرط أن يبيعه المشتري علي البائع نقدا بثمن أقل. و الأحوط وجوبا المنع في عكسه أيضا، و هو بيع الشي ء نقدا بثمن بشرط أن يبيعه المشتري علي البائع نسيئة بثمن أكثر. بل الأحوط وجوبا أيضا عدم البيع بشرط أن يبيعه المشتري علي البائع مطلقا، كان البيعان معا نقدا أو نسيئة أو مختلفين. بل الأحوط استحبابا عدم البيع إذا كان من قصدهما الشراء بعده بحيث لو لم يقع لردّ أحدهما البيع حتي لو لم يشترطا ذلك في البيع، بل لا يوقعان البيع الثاني مع قصده من أول الأمر إلا بعد لزوم البيع الأول، بسقوط خيار المجلس و نحوه ممّا يسوّغ لأحدهما الردّ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 87

الفصل الثامن في المساومة و المرابحة و المواضعة و التولية

التعاقد بين البائع و المشتري و تعيينهما الثمن عند البيع.

تارة: لا يبتني علي ملاحظة رأس المال الذي اشتري به البائع السلعة، بأن يتفقا علي الثمن ابتداء.

و اخري: يبتني علي ملاحظة رأس المال المذكور.

و البيع في الأول يسمي مساومة و هو الأفضل. و أما في الثاني، فإن كان البيع برأس المال سمي تولية، و إن كان بربح عليه سمي مرابحة، و إن كان بنقصان عنه سمي مواضعة.

(مسألة 1): لا بدّ في القسم الثاني بصورة الثلاث من ذكر مقدار رأس المال ليعلم مجموع الثمن، بناء علي ما سبق من لزوم العلم بالثمن، فلا يكفي ذكر رأس المال من دون بيان مقداره، بأن يقول مثلا: بعتك الثوب برأس ماله فقط، أو مع ربح كذا، أو و ضيعة كذا. بل يقول: بعتك الثوب برأس ماله و هو عشرة فقط، أو مع ربح كذا، أو وضعية كذا.

(مسألة 2): الظاهر كفاية نسبة الربح أو الوضيعة لرأس المال المعلوم و إن جهل مجموع

الثمن حين إيقاع البيع و توقفت معرفته علي الحساب، فيصح- مثلا- أن يقول: بعتك هذا المتاع برأس ماله و هو مائتان مع ربح واحد لكل عشرة، و إن لم يعرف أحدهما أو كلاهما حين البيع أن الثمن يكون مائتين و عشرين و احتاج ذلك إلي الحساب.

(مسألة 3): في بيع المرابحة و المواضعة و التولية إذا أخبر البائع برأس

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 88

المال علي خلاف الواقع صح البيع و كان للمشتري الخيار في البيع، نظير خيار تخلف الوصف.

(مسألة 4): إذا كان الشراء بثمن مؤجل وجب علي البائع في المرابحة و المواضعة و التولية أن يخبر بالأجل، فإن أطلق و لم يبين كان للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمساك بذلك الأجل.

(مسألة 5): إذا اشتري شخص جملة أشياء بثمن واحد صفقة لم يجز له بيع أجزائها مرابحة أو مواضعة أو تولية علي تقويمه من دون إعلام المشتري بالحال، إلا أن يكون توزيع الثمن علي الأجزاء معلوما من غير حاجة للتقويم، بأن كانت الصفقة جملة متماثلة الأجزاء، كما لو اشتري عشرة أقلام من ماركة خاصة بمائة دينار.

(مسألة 6): إذا اشتري شيئا بثمن معين و عمل فيه بنفسه عملا له اجرة كما لو خاط الثوب لم يحل له أن يضم الأجرة للثمن، في بيع المرابحة و المواضعة و التولية، بل لا بدّ أن يخبر بالحال، و كذا لو عمل له الغير ذلك العمل تبرعا، و كذا إذا عمله له بأجرة، إلا أن تقوم القرينة علي أن المراد بالثمن مطلق الكلفة، لا ثمن الشراء فقط. و هكذا الحال في كلّ ما ينفقه علي المتاع من اجرة النقل و الحفظ و غيرهما، فإنه لا يجوز إضافتها للثمن و عدّها

منه، إلا مع قيام القرينة علي أن المراد بالثمن ما يعمها، و بدونها لا بدّ من إعلام المشتري بالحال، و إلا ثبت له الخيار.

(مسألة 7): إذا حدّد صاحب المال للدلال سعرا، و قال له: ما زاد فهو لك، جاز ذلك و يكون الزائد للدلال، إلا أنه لا يجوز للدلال أن يبيعه مرابحة، بأن يفرض القدر المحدّد عليه رأس المال و ما زاد هو الربح، لأنه لم يشتره بالمقدار الذي حدده عليه.

(مسألة 8): إذا اشتري معيبا و رجع علي البائع بالأرش فليس له البيع مرابحة أو وضيعة أو تولية بثمن الشراء، بل لا بد من بيان الحال. و كذا لو لم يرجع أو رجع و لم يدفع له البائع الأرش، فإن اللازم بيان أن الشراء بذلك الثمن إنما كان بتخيل السلامة، لا مع العلم بالعيب. و كذا الحال لو اشتراه بالثمن الخاص

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 89

سالما فتعيب عنده أو تغير تغيرا قد ينقص قيمته أو يوجب اختلاف الرغبة فيه، فإن اللازم بيان أن الشراء بالثمن الخاص إنما كان قبل التعيب أو التغير.

(مسألة 9): لو اشتري شيئا بثمن خاص ثم أسقط البائع بعض الثمن تفضّلا أو مجازاة علي إحسان سابق جاز للمشتري بيعه مرابحة أو وضيعة أو تولية بثمن الشراء و لا يستثني منه ما أسقطه البائع. بخلاف ما لو كان الشراء بالثمن مع إسقاط بعضه للتحايل في زيادة الثمن، فإنه لا بد من بيان الحال، و إلا ثبت للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمساك بتمام الثمن بل الأحوط وجوبا البيان فيما لو عدّ الإسقاط عرفا من توابع المعاملة و لواحقها، بحيث يري العرف أن الثمن هو الباقي بعد الاسقاط. و هكذا الحال في

جميع موارد الانصرافات العرفية التي لو انكشف الأمر فيها علي حقيقته لعدّ البائع متحايلا، مثل ما لو سبق منه المواطاة مع ولده علي أن يبيع المتاع عليه ثم يشتريه منه بأكثر من ثمنه المتعارف فإنه لا يجوز ملاحظة ثمن الشراء من ولده في بيعه بعد ذلك، بل لا بدّ من بيان الحال، و إلا كان تدليسا و ثبت الخيار للمشتري.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 90

الفصل التاسع في الربا

و هو من المحرمات الشديدة و الذنوب الموبقة التي أكّد الكتاب المجيد و السنة الشريفة علي الردع عنها، حتي عدّ في النصوص الكثيرة من الكبائر الخمس أو السبع التي يظهر من النصوص أنها أكبر الكبائر، و في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «درهم ربا أشدّ من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت اللّه الحرام»، و في بعض النصوص أنه: سبعون جزء أيسرها مثل أن ينكح الرجل امه في بيت اللّه الحرام، و أنه أخبث المكاسب، و أن صاحبه لا يزال في لعنة اللّه تعالي و الملائكة ما كان عنده منه قيراط، و أنه إذا أراد اللّه بقوم هلاكا ظهر فيهم الربا، إلي غير ذلك.

و قد تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أنه يشترك في إثمه الآكل و المعطي و الكاتب و الشاهد.

إذا عرفت هذا، فاعلم أن الربا علي قسمين:

الأول: ما يكون في الدين.

الثاني: ما يكون في المعاوضة.

أمّا الأول فيأتي الكلام فيه في كتاب القرض و الدين إن شاء اللّه تعالي.

و أمّا الثاني فهو عبارة عن المعاوضة مع زيادة أحد العوضين عن الآخر في المقدار. و لا فرق فيه بين المعاوضة بالبيع و غيره، كالمقاطعة مع الطحّان عن مقدار من الحنطة بمقدار

من الدقيق أكثر منه، و المصالحة عن الشي ء بالشي ء الأكثر منه، و وفاء الدين بأكثر منه، كما لو كان له علي رجل مقدار من الحنطة الجيدة فلا تكون عنده فيدفع إليه بدله أكثر منه من الحنطة الرديئة، و هكذا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 91

نعم، لا بد من تضمن المعاملة المعاوضة بين العينين، أمّا إذا لم تبتن علي ذلك فلا يلزم الربا المحرم، كما إذا وهبه مقدارا من الحنطة علي أن يهبه أكثر منها، أو تصالحا علي إبراء ذمة كل منهما ممّا انشغلت به للآخر مع التفاضل بين الحقين. و منه الصلح علي القسمة في المشاع، و المشتبه، لعدم ابتنائه علي المعاوضة بين ما يستحقه كل من المتصالحين و ما يأخذه، بل علي تعيين حقه بما يأخذه.

و يعتبر فيه أو في حرمته أمران:

الأول: أن يكون كل من العوضين من المكيل أو الموزون. فإذا كان أحدهما أو كلاهما ممّا يباع عدّا، أو جزافا، أو يقدر بالمساحة كالثياب فلا بأس بالتفاضل بينهما.

(مسألة 1): يجوز بيع غير المكيل و الموزون بما يماثله في الجنس مع عدم التفاضل في المقدار مطلقا نقدا و نسيئة. و أمّا مع التفاضل كبيع بيضة ببيضتين و شاة بشاتين وثوب بثوبين فيجوز بيعه نقدا بلا إشكال. بل الظاهر جواز بيعه نسيئة أيضا. و إن كان الأحوط استحبابا تركه.

نعم، إذا كان أحد العوضين مؤجلا و كان أكثر من المعجل و لم يكن بينهما فرق في القيود و الأوصاف فالأحوط وجوبا الاجتناب عن المعاوضة بينهما.

(مسألة 2): لا بأس ببيع الحنطة أو دقيقها بالخبز و نحوه منها مع التفاضل إذا لم يكن الخبز موزونا، و كذا بيع القطن أو غزله بالثوب المنسوج منه مع التفاضل إذا

لم يكن الثوب موزونا. أمّا إذا كان الخبز أو الثوب موزونا فلا يجوز ذلك. و كذا الحال في أمثال ذلك مما كان فيه أحد العوضين مكيلا أو موزونا و الآخر غير مكيل أو موزون.

(مسألة 3): إذا كان الشي ء في حال يباع موزونا أو مكيلا و في حال يباع جزافا، لم يجز بيعه بمثله متفاضلا في الحال الأول و جاز بيعه متفاضلا في الحال الثاني. و كذا إذا اختلف حاله باختلاف البلدان.

(مسألة 4): الأوراق النقدية كالدينار و الدولار و الريال و التومان لما لم تكن من المكيل و الموزون فلا بأس ببيعها من جنسها مع التفاضل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 92

الثاني: أن يكون العوضان متحدين في الجنس و إن اختلفا في الصفات، كالجودة و الرداءة و الجفاف و الرطوبة و اللون و الطعم. بل و إن اختلف الصنف كالعنب الرازقي و غيره، و التمر البرني و غيره، و الرز العنبر و غيره إلي غير ذلك.

و المرجع في وحدة الجنس و اختلافه العرف عدا ما دلت عليه النصوص بالخصوص و هو الحنطة و الشعير، فإنهما و إن كانا جنسين عرفا إلا أنهما بحكم الجنس الواحد في المقام، فلا يجوز التفاضل بينهما.

(مسألة 5): المدار في اتحاد جنس ما يؤخذ من الحيوان من اللحوم و الألبان و الأدهان و الأصواف و غيرها و تعدده علي اتحاد جنس الحيوان المأخوذ منه و تعدده. فما يؤخذ من حيوان متحد الجنس متحد جنسا، و ما يؤخذ من حيوان مختلف الجنس مختلف جنسا.

نعم، الظاهر أن اللحم و الشحم مختلفان جنسا و إن كانا لحيوان واحد كالعظم و اللحم. كما أن الظاهر أن صوف الغنم مخالف لشعر المعز عرفا، و إن قيل

أن الحيوانين من جنس واحد.

(مسألة 6): لمّا كان العظم و اللحم و الشحم أجناسا مختلفة كما سبق فإذا بيع قسم من الحيوان مشتمل علي الأمور المذكورة بقسم منه كذلك لا يلزم الربا مع التفاضل لما يأتي من عدم لزوم الربا مع الضميمة. نعم لا بد من كون كل منهما بمقدار معتد به بحيث يكون موضوعا للمعاوضة.

(مسألة 7): الأحوط وجوبا عدم بيع اللحم بالحيوان، و لا بيع الحيوان باللحم من غير فرق بين اتحاد جنس الحيوان ذي اللحم مع الحيوان العوض أو المعوض عنه و عدمه. بل الأحوط وجوبا العموم للحيوان المذبوح.

(مسألة 8): التمر بأنواعه جنس واحد، و الحبوب كل منها جنس، فالحنطة و الأرز و الماش و الذرة و العدس و الفاصوليا و الباقلاء و الحمص و غيرها كل واحد منها جنس برأسه. و الفلزات كل نوع منها جنس، فالذهب و الفضة و الصفر و الألمنيوم و الحديد و الرصاص كل واحد منها جنس برأسه.

(مسألة 9): تفرع الشي ء أو الأشياء عن الأصل إن رجع إلي تبدل الصفة مع حفظ الذات عرفا فهو جنس واحد، كالحنطة مع الدقيق و الخبز بأنواعه،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 93

و حتي مثل الحلوي المتخذة منها إذا كان الدقيق هو المقوّم لها عرفا. و كالحليب مع اللبن الرائب و الجبن، و كالزبد مع السمن، و كالبسر مع الرطب و التمر، و كالسمسم مع ما يسمي بالراشي أو الطحينة. نعم لا بدّ من انحفاظ الجزء المقوّم له عرفا، كالحليب و الجبن، أمّا مع انحفاظ الجزء غير المقوّم كالماء المنفصل من الحليب عند صيرورته جبنا فالظاهر مباينته عرفا للأصل.

و إن كان من قبيل تولد شي ء من شي ء فهما جنسان كالزبد أو

السمن مع الحليب، و الزيوت النباتية مع أصولها كالجوز و اللوز و الزيتون و نحوها. و نظير ذلك ما يستخرج بالتفاعل مع الأصل كالخل من التمر و العنب و نحوهما. و أمّا مثل الدبس المعتصر أو المطبوخ من التمر، و العصير من العنب و الزبيب و الرمان و غيرها فالأحوط وجوبا العمل معه بالإضافة إلي أصله معاملة الجنس الواحد.

(مسألة 10): يجوز بيع أحد الفرعين بالآخر مع التفاضل إذا لم يكونا متحدين عرفا، كالزبد و اللبن المخيض المستخرجين من الحليب. دون مثل الجبن و اللبن المخيض.

(مسألة 11): يجوز علي كراهة بيع الجاف بالرطب من جنس واحد مع التساوي في المقدار، كالرطب بالتمر، و العنب بالزبيب، و اللحم بالقديد، و جميع أنواع الفواكه الطرية باليابس منها و إن كان الأحوط استحبابا تركه. و أمّا مع التفاضل في المقدار فلا يجوز البيع بلا إشكال حتي لو كانت الزيادة في جانب الرطب بحيث لو جفّ ساوي الجاف.

(مسألة 12): لا فرق في حرمة الزيادة في بيع الأجناس الربوية بين أن تكون من جنس العوضين، كما لو باعه تسعة كيلوات من الحنطة بعشرة كيلوات منها و أن تكون من غير جنسها، كما لو باعه عشرة كيلوات حنطة بعشرة كيلوات منها مع أكياسها. بل الأحوط وجوبا ترك الزيادة غير العينية، كما لو اختص أحد المتبايعين بشرط، كالأجل و غيره، فلا يباع مثل بمثل بشرط تأجيل أحدهما دون الآخر، أو زيادة أجل أحدهما علي أجل الآخر، أو بشرط أن يعمل البائع دون المشتري أو المشتري دون البائع عملا، أو نحو ذلك مما يوجب لأحد المتبايعين حقا لا يثبت للآخر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 94

(مسألة 13): لا ربا بين الوالد و ولده،

فيجوز لكل منهما أخذ الزيادة من الآخر. من دون فرق في الولد بين الذكر و الأنثي، و لا بين الولد الصلبي و ولد الولد. و لا تلحق الأم بالأب في ذلك.

(مسألة 14): لا ربا بين المولي و مملوكه فيجوز لكل منهما أخذ الزيادة من الآخر، من دون فرق فيهما بين الذكر و الأنثي، و من دون فرق في المملوك بين القن و المدبر و أم الولد. و في العموم للمكاتب إشكال.

(مسألة 15): لا ربا بين الزوج و زوجته. و في العموم للمتمتع بها إشكال، كالإشكال في جريان هذا الحكم علي المطلقة رجعيا.

(مسألة 16): لا ربا بين المسلم و الحربي لكن علي أن يكون آخذ الزيادة هو المسلم دون الحربي. أما الذمي فلا يجوز الربا معه و إن كان آخذ الزيادة هو المسلم. نعم لو فرض العصيان بإيقاع المعاملة معه جاز أخذ الزيادة منه من باب الإلزام إذا كان مقتضي دينه صحة الربا و نفوذه عليه.

(مسألة 17): المراد بالحربي من لا يقوم بشرائط الذمة و إن كان كتابيا.

(مسألة 18): لا فرق في الربا المحلل في المسائل السابقة بين ربا المعاوضة و ربا القرض، و يترتب علي ذلك أنه يجوز الإيداع في البنوك الأهلية الكافرة مع الفائدة، و لا يجوز ذلك في البنوك الأهلية المسلمة، و حبّذا لو أعلنت إدارة البنوك الأهلية المسلمة عن أن من يمتنع شرعا من الإيداع فيها بالفائدة له أن يودع فيها لا بشرط الفائدة و يأخذ الفائدة بنية الهدية التبرعيّة من دون أن تكون مستحقة بالشرط. لئلا يمتنع المسلمون المتدينون عن الإيداع فيها و يودعوا في البنوك الكافرة التي يحل أخذ الفائدة منها.

(مسألة 19): يجوز الإيداع في البنوك الحكومية في الحكومات التي

لا تبتني علي الولاية الدينية لا بنيّة اشتراط الفائدة ثم يجوز أخذ الفائدة بنيّة كونها منحة مجانية من الدولة، لكن يجري عليها حكم مجهول المالك، كما يجري الحكم المذكور في جميع ما يؤخذ منها إذا كان المال مما تعاقبت عليه أيدي المسلمين، نظير ما تقدم في المسألة (59) من مقدمة كتاب التجارة.

(مسألة 20): من أخذ مالا بوجه ربوي جاهلا بحرمته ثم علم بعد ذلك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 95

فإن تاب و انتهي عنه حل له ما أخذ، و وجب عليه ترك ما لم يأخذ. من دون فرق بين الجهل بحرمة الربا رأسا و الجهل ببعض الخصوصيات و الفروع المتعلقة به مع العلم بحرمة أصل الربا. كما لا فرق أيضا بين ربا المعاوضة و ربا القرض.

(مسألة 21): من أخذ الربا عالما بحرمته لم تنفعه التوبة في تحليله له، بل إن بقي عين المال فإن كان متميزا وجب إرجاعه لصاحبه مع معرفته، و مع الجهل به يجري عليه حكم مجهول المالك، و إن كان مختلطا بماله جري علي الكل حكم المال المختلط بالحرام، و إن تلف أو خرج عن يده انشغلت به ذمته. و قد تقدمت أحكام ذلك كله في حكم المال المختلط بالحرام من كتاب الخمس.

(مسألة 22): من ورث ما لا من شخص يأخذ الربا، و علم أن فيه الربا، فان عرف الربا بعينه أرجعه لصاحبه، و إن لم يعرفه جري عليه حكم مجهول المالك، و إن كان الربا مختلطا بغيره من مال المورث حل له المال كله، فله المهنأ و الوزر علي المورث. و لا فرق في ذلك بين ربا المعاوضة و ربا المعاوضة و ربا القرض.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص:

97

الفصل العاشر في بيع الصرف

و هو بيع الذهب بالفضة و بيع الفضة بالذهب، من دون فرق بين المسكوك منها و هو الدراهم و الدنانير و نحوها و غيره. و من ثم كان موردا للابتلاء، و إن لم يكن شائعا نحو شيوعه فيما سبق يوم كانت النقود التي عليها مدار التعامل من الذهب و الفضة المسكوكين.

(مسألة 1): يجب في بيع الصرف نقدا التقابض بين المتبايعين قبل التفرق، فلو أوقعا العقد متفرقين لم يصح. و في صحة البيع نسيئة المستلزم لعدم قبض أحد العوضين إشكال و الأحوط وجوبا اجتنابه.

(مسألة 2): لا يعتبر القبض في مجلس العقد، فلو فارقا المجلس مصطحبين ثم تقابضا قبل التفرق صح العقد.

(مسألة 3): لو تقابضا في بعض المبيع أو الثمن و لم يتقابضا في الباقي حتي افترقا صح بالإضافة إلي ما تقابضا بالنسبة، و كان لهما خيار تبعض الصفقة.

إذا لم يكن افتراقهما مبنيا علي الرضا منهما بالتبعيض. و كذا الحال لو كان بعض المبيع من غير الذهب و الفضة، فإنه لو لم يحصل التقابض صح في ذلك الغير بالنسبة و بطل في الذهب أو الفضة غير المقبوضين، و ثبت خيار تبعض الصفقة بالشرط المتقدم.

(مسألة 4): يختص اشتراط التقابض بالبيع و لا يجري في الصلح و غيره من العقود.

(مسألة 5): إذا كان له في ذمة غيره دين من الذهب فباعه عليه بفضة لم يحتج إلي قبض المشتري بأن يعين ما في ذمته من الذهب في ذهب خاص

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 98

و يقبضه، بل يكفي انشغال ذمته به عن قبضه. نعم لا بد من قبض البائع و هو الدائن للثمن و هو الفضة قبل التفرق. أما لو قال الدائن للمدين: حوّل الذهب الذي في ذمتك

إلي فضة بسعر خاص، فقبل صح التحويل بلا حاجة أيضا إلي قبض الدائن للفضة. و كذا الحال في عكس ذلك، و هو ما إذا كان له في ذمة الغير فضة و أراد بيعها بذهب أو تحويلها إلي ذهب.

(مسألة 6): لا يجب علي المتبايعين في الصرف الإقباض من أجل تصحيح البيع، بل لكل منهما الامتناع منه و إن لزم البطلان.

(مسألة 7): يكفي في قبض كل من العوضين في الصرف قبض أكثر من الحق من دون تمييز للحق في ضمنه، فإذا باعه مائة غرام ذهبا مثلا كفي قبض مائتي غرام، علي أن يرجع الزائد، و لا يجب قبل التفرق تعيين المائة التي هي له.

(مسألة 8): لا يجري حكم الصرف علي الأوراق النقدية التي تعارف التعامل بها في عصورنا، سواء رصدت لها الحكومات ذهبا أم لا. فيصح بيع بعضها ببعض و صرفه من دون تقابض، سواء كانت لدولة واحدة كالدينار بالدينار، أم لدولتين كالدولار بالدينار.

(مسألة 9): إذا انشغلت ذمة الإنسان بنقد معين كالدينار العراقي وجب عليه في مقام الوفاء الدفع منه مهما طال الزمان و إن تغيرت قيمته السوقية، زيادة أو نقيصة. و لا يجب ملاحظة قيمته حين انشغال الذمة به. سواء كان انشغال الذمة به لاقتراضه، أم لإتلافه، أم لجعله ثمنا في بيع أو مهرا في نكاح، أو نحو ذلك. و هكذا الحال في كل ما تنشغل به الذمة من الأعيان المثلية.

(مسألة 10): إذا كان النقد الذي تنشغل به الذمة بدلا عن مضمون قيمي عينا كان أو منفعة فاختلف سعر المضمون وجب دفع الثابت حين انشغال الذمة من دون زيادة و لا نقيصة إذا كان اختلاف السعر لاختلاف مالية المضمون، كما لو كان عزيز الوجود فابتذل أو

مبتذل الوجود فعزّ. أما إذا كان لاختلاف مالية النقد فالأمر لا يخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا التصالح بين الطرفين.

(مسألة 11): إذا اقترض نقدا معينا و كان المدفوع فئة خاصة منه كفئة الخمسة و عشرين دينارا أو طبعة خاصة منه، لم يجب حفظ الخصوصية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 99

المذكورة في مقام الوفاء، بل يكفي دفع أي فرد شاء يصدق عليه النقد المذكور، و إن اختلف سعر الخصوصيتين بعد ذلك. إلا أن يشترط في القرض حفظ الخصوصية المذكورة عند الوفاء. و كذا الحال في إتلاف بعض الأفراد منه، فإنه لا يجب حفظ الخصوصية التي يمتاز بها المتلف إذا لم يكن لها حين الإتلاف فرق في المالية، و إن اختلفت قيمتها بعد ذلك. و كذا إذا ضمنها بسبب آخر غير الإتلاف، فإنه لا يجب الوفاء بواجد الخصوصية الموجودة أو الشائعة الوجود حين الضمان، نعم إذا كان الاقتراض أو الإتلاف بعد اختلاف الخصوصيات في السعر وجب الوفاء بواجد الخصوصية المقترضة أو المتلفة.

(مسألة 12): إذا انشغلت ذمة الشخص بنقد خاص ثم أسقطت الدولة الطبعة الشائعة منه و استبدلتها بطبعة اخري وجب الوفاء من الطبعة الثانية. و أما إذا أسقطت العملة رأسا أو سقطت العملة بنفسها عن المالية لسقوط الدولة فلا يجب الوفاء بغيرها مما كان بسعرها من النقود أو الأعيان الأخري.

(مسألة 13): إذا انشغلت الذمة بنقد معين ثم منعت الدولة من التعامل به من دون أن تسقط ماليته وجب الوفاء به مهما بلغت قيمته.

(مسألة 14): تراب الصاغة إذا علم بأن فيه ذهبا فقط و جهل قدره لم يجز بيعه بالذهب، بل يتعين بيعه بالفضة نقدا أو بغير الذهب و الفضة نسيئة أو نقدا.

و ينعكس الحال لو علم

باشتماله علي الفضة فقط. أما لو علم باشتماله علي الذهب و الفضة فقط أو مع غيرهما مما له قيمة جاز بيعه بالذهب فقط أو بالفضة فقط لكن بشرط العلم بزيادة الثمن إذا كان من الفضة عما فيه من الفضة. و إذا كان من الذهب عما فيه من الذهب. كما يجوز بيعه بالذهب و الفضة معا. و يجب فيه و فيما قبله التقابض. و يجوز بيعه بجنس ثالث كالأوراق النقدية و الطعام، و لا يجب حينئذ التقابض. و هذا هو الحال في كل ما اشتمل علي الفضة أو الذهب من الأمتعة كالأواني و السيوف المحلاة و غيرها.

(مسألة 15): تراب الصاغة المشتمل علي الذهب و الفضة و غيرهما من الفلزات إن كان ما فيه منها باقيا علي ملك أصحابه الأول من دون أن يعرضوا عنه فمع معرفتهم بأعيانهم يجب مراجعتهم فيه، و مع ترددهم بين جماعة معينة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 100

يجب مراجعة الكل و الصلح معهم، و مع التشاح يقرع بينهم بعد مراجعة الحاكم الشرعي. و مع ترددهم بين جماعة غير معينة يتصدق به عن أصحابه علي الفقراء. أما إذا كان ملكا للصائغ فثمنه له، كما هو الغالب، للبناء علي إعراض أصحابه الأول عنه، لعدم أهميته، أو للصلح معهم عنه بضمان الصائغ لنقص ما يأتون به و تعويضهم عنه. و يجري التفصيل المذكور في أمثال الصاغة ممن تجتمع عندهم فضلات ما يعملون به، كالحديد عند الحدادين و القماش عند الخياطين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 101

الفصل الحادي عشر في السلف

اشارة

و فيه مباحث.

المبحث الأول في حقيقة السلف

و يقال له السَّلم أيضا، و هو ابتياع كلي مؤجل بثمن حالّ عكس النسيئة.

و قد تقدم في خيار التأخير أن إطلاق العقد يقتضي تعجيل تسليم كل من الثمن و المثمن، و حينئذ فاستحقاق تأجيل المبيع الذي يبتني عليه السلف يحتاج إلي شرط مخرج عن مقتضي الإطلاق المذكور، نظير ما تقدم في النسيئة من أن استحقاق تأجيل الثمن يحتاج إلي شرط مخرج عن ذلك الإطلاق.

(مسألة 1): الظاهر أنه لا بد في السلف من أن يكون المبيع كليا بحيث تنشغل به ذمة البائع، فإذا كان المبيع شخصيا قد اشترط تأجيل تسليمه إلي أجل لم يكن من السلف و إن كان البيع صحيحا. و كذا إذا كان كليا في معين خارجي كما إذا باعه مائة كيلو حنطة من بيدر خاص. و حينئذ لو تلف المبيع قبل قبضه أو تعذر تسليمه بطل البيع و استحق المشتري الثمن لا غير. و كذا لو تلف تمام المعين المشتمل علي المبيع، كالبيدر في المثال المتقدم. نعم لو تلف بعضه لم يبطل البيع، بل يجب علي البائع تسليم تمام المبيع من الباقي، إلا أن يكون الباقي أقل من المبيع فيبطل البيع فيما لا يمكن تسليمه.

(مسألة 2): يجوز بيع الكلي حالا بحيث يستحق المشتري المطالبة به فعلا و إن لم يكن عند البائع حين البيع فرد منه إذا كان يقدر علي تحصيله و تسليمه للمشتري و لو بشرائه من غيره أو استيهابه أو اقتراضه. نعم يجب المبادرة لذلك فإن تأخير علي خلاف المتعارف في مثله كان للمشتري الخيار.

(مسألة 3): لا يجوز للإنسان أن يبيع أمرا شخصيا لا يملكه فعلا علي أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 102

يشتريه أو يستوهبه من

مالكه ثم يسلمه للمشتري، فلو فعل ذلك بطل البيع، و لو اشتري البائع المبيع حينئذ من مالكه الأول لم يستحقه المشتري. نعم لا بأس بأن يساوم شخصا علي ما لا يملك من دون أن يبيعه إياه، ثم يشتريه بعد ذلك من مالكه و يبيعه لذلك الشخص بعد أن يشتريه و يصير في ملكه، لكن علي أن يبقي لكل منهما حرية الاختيار بالبيع و عدمه إلي أن يتحقق منهما البيع بعد شرائه من مالكه الأول، و كل منهما لا يلزم بالبيع قبل ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 103

المبحث الثاني في شروط السلف

و هي أمور.

الأول: ضبط أوصاف المبيع في الجملة بالنحو الرافع للاختلاف الفاحش، كضبط الحيوان بالأسنان، و ضبط الطعام بالجنس و الكيل و الوزن، و كذا جميع ما يكال أو يوزن، و ضبط القماش بالطول و العرض، و نحو ذلك. و لا يجب استيعاب الصفات التي تختلف القيمة باختلافها و التدقيق فيها، فضلا عن الأوصاف التي تختلف الرغبة باختلافها من دون أن يكون لها دخل في القيمة.

الثاني: قبض الثمن قبل التفرق، و إلا لم يقع سلفا، و في صحته بيعا من غير أن يكون سلفا إشكال، فاللازم الاحتياط. و لو قبض بعض الثمن صح فيما يقابله. لكن لو قلنا بكون القبض شرطا في صحة العقد المستلزم لبطلان العقد في الباقي كان لهما خيار تبعض الصفقة، إذا لم يكن افتراقهما مبنيّا علي الرضا منهما بالتبعيض.

(مسألة 4): إذا كان للمشتري دين في ذمة البائع كان له جعله ثمنا في السلف، و لا يحتاج إلي القبض حينئذ.

الثالث: تعيين الأجل المضبوط للمبيع بالأيام أو الشهور أو السنين، من دون فرق بين الطويل و القصير. و لا يكفي الأجل المردد كتسليمه عند

المطالبة، و لا المعين واقعا المجهول حين العقد، كقدوم المسافر و وضع المرأة حملها، بل حتي مثل الشهور العربية أو الرومية أو الفارسية إذا لم يألفها المتبايعان و لم يعرفا الوقت بها.

الرابع: قدرة البائع علي تسليمه في وقته علي حسب ما تضمنه العقد،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 104

سواء كان عامّ الوجود أم نادرة، فلو انكشف عدم قدرته عليه حينئذ انكشف بطلان البيع. و يكفي في قدرته عليه المعتبرة في صحة العقد القدرة الحقيقية، و لو بالقدرة علي تحصيله قبل الأجل و حفظه إلي حين حلوله، سواء كان تحصيله بصنعه أم بشرائه أم باستيهابه أم بغير ذلك. و لا يبطل العقد إلا مع انكشاف العجز عن تحصيله رأسا، فلو كان قادرا علي تحصيله قبل الأجل فلم يفعل عمدا أو لتخيل قدرته علي تحصيله بعد ذلك فاتفق عجزه حينئذ فالعقد صحيح.

الخامس: عدم الإخلال بشروط الصرف و عدم لزوم الربا، فلا يجوز إسلاف الذهب بالفضة، و لا الفضة بالذهب، لما تقدم من وجوب التقابض في بيع الذهب بالفضة و بيع الفضة بالذهب.

كما أن الأحوط وجوبا عدم الإسلاف مع اتحاد جنس المبيع و الثمن إذا كانا من المكيل أو الموزون لئلا يلزم الربا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 105

المبحث الثالث في أحكام السلف

(مسألة 5): إطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المبيع إذا حلّ أجله في بلد العقد، ما لم تقم قرينة علي إرادة غيره، فيتعين تسليمه فيه حينئذ.

(مسألة 6): إذا اشتري شيئا سلفا و صحّ الشراء لقدرة البائع علي تسليمه في وقته بالمعني المتقدم جاز بيعه علي من اشتراه منه قبل حلول الأجل و بعده بغير جنس الثمن الذي اشتراه به، و بجنسه من دون زيادة. بل مع الزيادة أيضا

علي كراهية، و إن كان الأحوط استحبابا تركه. أما بيعه علي غير البائع فلا يجوز حالّا قبل حلول الأجل، و لا مؤجلا إلي أجل لا يبلغ الأجل الذي له، كما يشكل بيعه قبل قبضه مرابحة، أو بوضيعة إذا كان ممّا يكال أو يوزن، علي ما تقدم في المسألة (15) من الفصل السادس. و لا بدّ في بيعه في جميع الصور من ملاحظة الضوابط المتقدمة للربا و بيع الصرف.

و أما إذا انكشف بطلان السلف لتعذر المبيع في وقته كما لو اشتري مقدارا من طعام قرية فتلف فاحترق زرعها قبل بلوغه فلا يصح بيعه في جميع الصور، و لو بيع بتخيل صحة السلف انكشف بطلانه بانكشاف بطلان السلف.

(مسألة 7): إذا دفع البائع المبيع في السلف قبل وقت الأجل لم يجب علي المشتري القبول، إلّا أن يكون التأجيل شرطا للبائع دون المشتري، نظير ما تقدم في المسألة (4) من الفصل السابع.

(مسألة 8): إذا دفع البائع المبيع في السلف فاقدا للصفة المشترطة لم يجب القبول علي المشتري و كان له طلب واجد الصفة، و كذا لو دفع له المعيب، فإن له طلب التبديل. لكن لو رضي بالمدفوع بعد العلم بفقد الصفة أو بالعيب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 106

صحّ و برئت ذمة البائع منه.

(مسألة 9): إذا دفع البائع المبيع علي الصفة المطلوبة من دون عيب وجب علي المشتري القبول، فإن امتنع جري ما تقدم في المسألة (4) من الفصل السادس.

(مسألة 10): إذا دفع البائع من المبيع ما هو فوق الصفة المشترطة في السلف، فإن كان شرط الصفة راجعا إلي التقييد بخصوص الموصوف كان للمشتري عدم القبول، نظير ما تقدم في المسألة (8) و إن كان شرط الصفة راجعا

إلي التقييد بعدم دفع ما دون الموصوف فقط، مع العموم للموصوف و ما فوقه وجب عليه القبول.

(مسألة 11): إذا حلّ الأجل في السلف و تعذر علي البائع دفع المبيع تخير المشتري بين الفسخ و الرجوع بالثمن بلا زيادة و لا نقيصة و انتظار المشتري إلي أن يتمكن البائع من دفع المبيع إليه في وقت آخر، و للمشتري بيع حقه علي البائع بما يتفقان عليه من الثمن و إن زاد علي ثمن شرائه كما تقدم في المسألة (6).

هذا، إذا كان التعذر بعد القدرة علي تسليم المبيع، و أمّا إذا كان التعذر في تمام الأزمنة فينكشف بطلان العقد رأسا كما تقدم و لم يستحق المشتري إلا الثمن.

(مسألة 12): إذا قدر البائع علي تسليم بعض المبيع دون بعض وجب عليه تسليم ما قدر علي تسليمه، و يجري علي الباقي ما تقدم.

(مسألة 13): لو كان المبيع موجودا في غير البلد الذي يجب فيه التسليم، فإن تراضيا بتسليمه في موضع وجوده أجزأ. و مع عدم تراضيهما يجب علي البائع نقله إلي البلد الذي اشترطا تسليمه فيه، و مع تعذر ذلك عليه يجري حكم المسألة (11).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 107

الفصل الثاني عشر في بيع الثمار و الزرع و الخضر

الأحوط وجوبا عدم بيع الثمرة قبل ظهورها عاما واحدا بلا ضميمة.

و يجوز بيعها أكثر من عام واحد و إن لم تظهر، و كذا بيعها مع الضميمة و لو كانت عاما واحدا و لم تظهر، و كذا بيعها بلا ضميمة و لو عاما واحدا إن ظهرت. نعم يكره ذلك قبل بدو صلاحها، بل الأحوط استحبابا تركه. بل الأفضل أن ينتظر بثمرتها حتي تأمن من الآفة.

(مسألة 1): بدوّ الصلاح في التمر احمراره و اصفراره، و في العنب أن يصير له

عنقود ينعقد فيه الحب. و فيما له ورد أن ينعقد بعد سقوط ورده، لكن الأحوط وجوبا أن ينتظر به حتي يصلح للأكل. و كذا الحال في بقية الثمار غير التمر و العنب.

(مسألة 2): يعتبر في الضميمة التي تقدم جواز بيع الثمرة معها أن تكون مما يجوز بيعها منفردة، و كون الثمن لها و لما انضمت له بنحو الإشاعة، من دون تخصيص كل منهما بجزء معيّن من الثمن. و لا يعتبر فيها أن تكون مقصودة بالأصل، بل يكفي كونها تابعة للثمرة، كورق العنب. و كذا يكفي مثل الشجر اليابس و السعف و الكرب و الحطب و الحشيش الذي في البستان و غير ذلك.

(مسألة 3): يكفي في الضميمة ظهور بعض ثمر البستان، فيصح بيع تمام ثمرته حتي ما لم يظهر منه، بل يجوز ضمه لبستان أو بساتين أخر لم تظهر ثمرتها بعد.

(مسألة 4): إذا كان الشجر يثمر في السنة مرتين فلا يجري علي بيع تمام ثمرة السنة الواحدة حكم بيع ثمرة السنتين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 108

(مسألة 5): إذا باع مالك الأصول الثمرة الظاهرة أو التي لم تظهر بنحو يصح البيع، ثم باع الأصول من شخص آخر، فإن كان المقصود ببيع الأصول بيعها مع الثمرة لكون الأصول كالضميمة للثمرة صح البيع في الأصول و توقف في الثمرة علي إجازة مشتريها، و لم يستحق البائع من الثمن إلّا ما يقابل الأصول، و إذا لم يجز مشتري الثمرة الأول بيع الثمرة كان للمشتري الثاني خيار تبعّض الصفقة إذا لم يبتن شراؤه علي الرضا بالتبعيض. و إن كان المقصود ببيع الأصول بيعها وحدها مع كون الثمرة من سنخ المنفعة المملوكة تبعا صح البيع و استحق البائع تمام الثمن

مقابل الأصول وحدها، و كان لمشتري الأصول خيار تخلّف الوصف إذا كان جاهلا بالحال حين البيع.

(مسألة 6): لا يبطل بيع الثمرة بموت المشتري قبل أخذ لها، بل تنقل لورثته، كما لا يبطل بموت البائع، بل تنتقل الأصول لورثته من دون أن يستحقوا بتبعها الثمرة المبيعة.

(مسألة 7): إذا بيعت الثمرة لم يجز للبائع أو لمن يشتري الأرض أو الأصول منه أن يتصرّف في الأرض أو في الأصول بما يضرّ بخروج الثمرة و صلاحها، فليس له قلع الأصول، و لا منعها من السقي، و لا أن يضع في الأرض من المواد ما يضرّ بالثمرة، و لا غير ذلك.

(مسألة 8): مسئولية خدمة الأرض و الأصول بالنحو الذي يتوقف عليه صلاح الثمرة تابعة لما يتّفق عليه الطرفان من كونها علي البائع أو علي المشتري أو عليهما.

(مسألة 9): إذا بيعت الثمرة بعد وجودها و صلوحها للقطف، بحيث كان مقتضي البيع أخذها رأسا فإن تلفت بعد قبض المشتري لها و لو بقبض أصولها و الاستيلاء علي الأرض التي هي فيها كانت من مال المشتري، و إن تلفت قبل ذلك لحقها حكم تلف المبيع قبل قبضه الذي تقدم في مسائل التسليم و القبض.

و كذا إذا بيعت قبل صلوحها للقطف و كان البيع مبتنيا علي تعهّد البائع بتسليمها صالحة للأكل. و أما إذا ابتني البيع علي عدم تعهد البائع بتسليمها صالحة للأكل كما هو الغالب فالظاهر عدم ضمان البائع بتلفها قبل القبض إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 109

كان مستندا لسبب داخلي فيها كالمرض أو خارجي طبيعي كالزوابع و الأمطار المتلفة للثمرة و نحو ذلك مما يتعارف تعرض الثمرة له، و كما لا ضمان بعدم ظهور الثمرة حينئذ أو بعدم بلوغها و

نضجها بعد ظهورها حتي تتلف، و كذا إذا كان التلف مستندا للمشتري. و أما إذا كان ذلك مستندا للبائع أو لأجنبي، فإن كان بنحو يقتضي تلف الثمرة بعد نضجها لحقه ما تقدم في حكم تلف المبيع قبل قبضه من مسائل التسليم و القبض، و إن كان بنحو يمنع من نضج الثمرة و صلوحها للأكل أو يوجب نقصها أو عيبها اقتضي الخيار للمشتري، إلّا أن يبتني البيع علي براءة البائع من ذلك و عدم مسئوليته به، فلا خيار حينئذ.

(مسألة 10): لما كانت الثمرة قبل قطفها ليست من المكيل و الموزون فكما يجوز بيعها بغير جنسها يجوز بيعها بجنسها. و إن كان الظاهر كراهة ذلك.

(مسألة 11): لا يجوز بيع حمل النخل بسرا كان أو رطبا أو تمرا بتمر منه، و لا بيع زرع الحنطة بحنطة منه. و الظاهر العموم لجميع أنواع الثمار، فلا يجوز بيعها بشي ء من ثمرتها. نعم لا بأس ببيع الكل حتي التمر و الحنطة بمقدار من جنسه ثم الوفاء من ثمرته من دون أن يختص الثمن بذلك، كما لا بأس بأن يؤخذ ذلك شرطا في البيع.

و لا يفرق في المنع بين العريّة و غيرها، و العريّة هي النخلة للإنسان في دار غيره أو بستانه أو نحو ذلك، فلا يجوز بيع ثمرتها أو حملها بتمر منها.

نعم قد يرجع البيع المذكور إلي الصلح بين صاحب الشجر و غيره علي أن يكون الزائد من الثمرة علي المقدار المتفق عليه لغير صاحب الشجر في مقابل خدمته أو خدمة الثمرة أو علي تسليمه لصاحب الشجر من دون أن يتكلف هو الدخول لأخذها، أو نحو ذلك. و حينئذ يصح ذلك في العريّة و غيرها و النخل و غيره، و الثمار

و غيرها من أنواع الزرع، بل حتي غير الزرع كالحيوان يصالح صاحبه غيره علي أنّ له مقدارا من نمائه كصوفه و لبنه و الزائد للغير في مقابل خدمة الحيوان أو نحوها.

(مسألة 12): يجوز لمن يشتري الثمرة أن يبيعها قبل قبضها بربح أو بدونه، كما يجوز ذلك بعد القبض، و لا يجري فيه ما سبق في المسألة (15) من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 110

الفصل السادس.

(مسألة 13): لا يجوز بيع الحب قبل ظهوره. نعم يجوز شراء أصوله، و هو الزرع الأخضر علي أن يحصده قصيلا أو بعد أن يسنبل، فيملك الحب تبعا له.

(مسألة 14): إذا اشتري الأصول و هي الزرع الأخضر علي أن يحصده قصيلا فتركه حتي سنبل كان الحب له، و عليه أجرة الأرض لصاحبها إذا لم يأذن ببقائه بعد ذلك.

(مسألة 15): إذا لم يشتر الأصول بتمامها، بل اشتري الظاهر منها علي أن يحصده، فلم يحصده حتي سنبل كان السنبل بينهما، و يرجعان في تعيين حصة كل منهما للصلح و علي المشتري أجرة الأرض لصاحبها. و كذا إذا اشتري الظاهر فقط قبل أن يصير قصيلا علي أن يتركه حتي يصير قصيلا فيحصده، فإنه لو تركه و لم يحصده حتي سنبل كان السنبل بينهما و علي المشتري لمالك الأرض أجرة بقائه بعد صيرورته قصيلا.

(مسألة 16): لا يجوز بيع الخضر كالخيار و الباذنجان قبل ظهورها، و يجوز بعد ظهورها لقطة واحدة و لقطات.

(مسألة 17): إذا كانت الخضرة مما يجز كالكراث و النعناع لم يجز بيعه قبل ظهوره، و يجوز بيعه بعد ذلك جزّة أو جزّات. و كذا الحكم فيما يخرط كورق الحنّاء و التوت، فإنه يجوز بيعه بعد ظهوره خرطة و خرطات، بخلاف ما إذا لم

يظهر.

(مسألة 18): المرجع في تعيين وقت اللقطة و اللقطات، و الجزّة و الجزّات، و الخرطة و الخرطات هو عرف المزارعين.

(مسألة 19): إنما يعتبر الظهور في الخضر و نحوها إذا بيعت الثمرة أو الورق. أما إذا بيعت الأصول فلا يعتبر ذلك، بل يجوز بيعها قبل ظهور الثمرة المقصودة منها، و تملك الثمرة المقصودة منها إذا ظهرت تبعا لملك الأصول.

(مسألة 20): ما لا يظهر من الثمر كالبطاطا و الجزر إن علم انعقاد شي ء منه جاز بيعه، و إن كان الأحوط استحبابا المصالحة عليه. و أما بيع أصوله فيجوز مطلقا و إن لم يعلم انعقاد شي ء من الثمرة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 111

(مسألة 21): إذا اشترك اثنان في نخل أو شجر أو زرع جاز أن يتقبل أحدهما حصة صاحبه من الثمرة و نحوها بمقدار معين، فإذا اتفقا علي ذلك استحق الشريك علي صاحبه ذلك المقدار بدلا عن حصته، زادت عليه أو نقصت عنه أو ساوته. و يجري ذلك فيما إذا زاد الشركاء عن اثنين لو تراضي واحد منهم أو أكثر مع البقية في تقبل حصته.

(مسألة 22): إذا كان المقدار المتقبل به كليا وجب دفعه مطلقا، سواء تلفت الثمرة أم لا. أما إذا كان المقدار المتقبل به من الثمرة المشتركة، فإن تلفت بتمامها من غير تفريط منه لم يجب عليه التعويض. نعم لو بقي منها شي ء وجب عليه الدفع منه، و لا يتحمل الشريك النقص حينئذ.

(مسألة 23): إذا مرّ الإنسان بشي ء من النخل أو الشجر أو الزرع جاز له أن يأكل من ثمرة بلا إفساد للثمر من كثرة الأكل، و لا إضرار بالأغصان أو الشجر أو غيرها، سواء التفت لذلك حين العبور و رؤية الثمر، أم كان

قاصدا لذلك من أول الأمر. بل لو كان له طريقان فرجح الطريق المار بالثمر من أجل الأكل جاز له الأكل أيضا. و لو لم يكن له غرض في العبور إلّا الأكل فالأحوط له وجوبا عدم الأكل. نعم لا بأس بالخروج عن الطريق السالك لأخذ الثمرة إذا كانت منحرفة عن الطريق بالنحو المتعارف، بحيث لا ينافي صدق المرور بالثمرة عرفا.

(مسألة 24): لا فرق في جواز الأكل بين العلم بكراهة المالك و عدمه. بل لو نهاه المالك جاز له الأكل، و إن كان الأحوط استحبابا الترك فيه و فيما لو علم بكراهة المالك.

(مسألة 25): لا يمنع من جواز الأكل حجز البستان بحائط أو شباك أو شجر غير مثمر أو نحو ذلك. نعم لو كان تخطي الحاجز مفسدا له حرم.

(مسألة 26): يحرم أن يحمل معه شيئا من الثمر، و لو حمله كان سارقا و ضامنا له.

(مسألة 27): لا يجوز الأكل مما لا يتعارف أكله إلّا بعد الطبخ، كما لا يجوز أخذه و الانتظار به حتي يطبخ ثم يؤكل. نعم لا بأس بأكل ما يحتاج إلي إزالة قشرة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 112

الفصل الثالث عشر في بيع الحيوان

و المهم من مسائله يتعلق ببيع الإنسان المملوك، و بخيار الحيوان، و الأول ليس موردا للابتلاء أو يندر الابتلاء به فلا ينبغي إطالة الكلام في فروعه، و الثاني تقدم في مباحث الخيار. فلنقتصر علي بعض المسائل.

(مسألة 1): يجوز بيع بعض الحيوان مشاعا، كنصفه و ربعه.

(مسألة 2): الأحوط وجوبا عدم شراء بعض معين من الحيوان كالرأس و الجلد و القلب و غيرها، من دون فرق بين ما يقصد منه الذبح و ما يقصد منه الإبقاء للركوب و الحرث و غيرهما.

(مسألة 3): يستثني مما تقدم ما

إذا باع بعيرا و استثني الرأس و الجلد، فإنه يكون شريكا في البعير بنسبة قيمة الرأس و الجلد لقيمة البعير، فله من البعير جزء مشاع بالنسبة المذكورة، و ما إذا اشترك اثنان في شراء بعير علي أن يكون لأحدهما الرأس و الجلد. فإنه يكون شريكا في البعير بنسبة الثمن الذي دفعه مقابلهما للثمن الذي دفعه الآخر، فله من البعير جزء مشاع بالنسبة المذكورة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 113

الفصل الرابع عشر في الإقالة

و هي إجابة أحد المتعاقدين الآخر في طلب فسخ العقد، و هي ترجع إلي فسخ العقد برضاهما معا. و قد تقدم في آداب التجارة أنها من المستحبات المؤكدة.

(مسألة 1): لا تختص الإقالة بالبيع، بل تجري في جميع العقود حتي الجائزة عدا النكاح، و كذا الصدقة علي الأحوط وجوبا. و الظاهر جريانها في الهبة اللازمة، و كذا الضمان إذا رضي المدين. و لا تجري في الإيقاعات.

(مسألة 2): إقالة البيع ليست بيعا، فلا تجري فيها أحكامه و شروطه و لواحقه، بل هي فسخ للبيع و حلّ له.

(مسألة 3): تقع الإقالة بكل ما يدل علي فسخ العقد و رفع اليد عنه، من قول أو فعل.

(مسألة 4): لا تجوز الإقالة بزيادة علي الثمن أو المثمن أو وضيعة منهما.

فإن فعل بطلت الإقالة، و بقي كل من العوضين علي ملك مالكه بالبيع.

(مسألة 5): لو بذل له علي الإقالة جعلا صحت الإقالة و لزم الجعل، فلو قال: إن أقلتني فلك كذا، فأقاله صحت الإقالة و لزمه المال المذكور. و كذا لو تصالحا علي أن يقيله و يدفع له شيئا من المال فأقاله عملا بالمصالحة المذكورة. أما الإقالة بشرط مال أو عمل ففي صحتها إشكال، فلو قال له: أقلتك علي أن تدفع لي

كذا أو علي أن تخيط ثوبي، فقبل ففي صحة الإقالة و استحقاق الشرط إشكال.

(مسألة 6): لا يجري في الإقالة خيار و لا فسخ و لا إقالة.

(مسألة 7): في صحة الإقالة في العقد مع موت أحد المتعاقدين و قيام

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 114

وارثه مقامه إشكال، و الأحوط وجوبا العدم.

(مسألة 8): تصح الإقالة في بعض مضمون العقد إذا كان مبنيا علي الانحلال، بحيث يرجع عرفا إلي عقدين، أما مع الارتباطية في المضمون الواحد، بحيث يكون العقد واحدا عرفا ففي صحة الإقالة إشكال، و الأحوط وجوبا العدم.

(مسألة 9): في صحة الإقالة مع تلف أحد العوضين أو كليهما إشكال، و الأحوط وجوبا العدم. نعم إذا كان التالف من سنخ الأثمان التي يقصد ماليتها من دون نظر إلي خصوصيتها كالنقود فلا يمنع تلفه من الإقالة. و في حكم التلف خروج العوض عن ملك صاحبه ببيع أو هبة أو غيرهما، بحيث لا يمكن رجوعه إلي مالكه الأول بالإقالة.

(مسألة 10): إذا تغيّر أحد العوضين أو تعيّب لم يمنع ذلك من الإقالة، لكن لا يستحق مالكه الأول الأرش إلّا بمصالحة و نحوها مما تقدم في المسألة (5). و لو حصلت الإقالة جهلا من المقيل أو المستقيل بحصول التغير أو العيب بطلت الإقالة.

(مسألة 11): يتحقق الغرض المهم من الإقالة بالبيع ثانيا، فيمكن اختياره مع عدم تيسر الإقالة بالوجه المشروع، أو مع عدم كون الوجه المشروع ملائما لأحد الطرفين، فبدلا من الإقالة بوضيعة من الثمن مثلا يمكن للمشتري بيع المبيع علي البائع بأقل من الثمن الذي اشتراه به. و هكذا في جميع موارد الإشكال المتقدمة في صحة الإقالة. نعم يجري عليه حينئذ أحكام البيع من الخيار و الفسخ و الإقالة و غيرها.

و

الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 115

تتميم: في الشفعة

اشارة

و هي حق الشريك في أخذ حصة شريكه إذا أراد بيعها من ثالث بالثمن.

فإذا كانت الدار مثلا مشتركة بين زيد و عمرو، فأراد زيد بيع حصة منها علي بكر، كان لزيد أخذ الحصة المذكورة بالثمن الذي يقع الشراء به، فإذا وقع الشراء كان منافيا للحق المذكور، فللشريك إعمال حقه بأخذ المبيع سواء كان قابلا للقسمة أم لا، و سواء كان منقولا أم لا. نعم لا تثبت في السفينة، و النهر، و الطريق، و الرحي و الحمام. و بقية الكلام فيها في ضمن مقامات.

المقام الأول في تحديد الحق المذكور

المشهور أن حق الشفعة يثبت ببيع الشريك حصته، فقبل البيع لا موضوع للحق المذكور، و إنما يثبت بعد البيع، فهو حق للشريك علي المشتري، يقتضي سلطنة الشريك علي أخذ الحصة التي اشتراها من شريكه بالثمن الذي دفعه له.

لكن الظاهر أن الحق المذكور سابق علي البيع يثبت عند إرادة الشريك بيع حصته من ثالث بثمن معين، فهو حق للشريك علي شريكه يقتضي أولوية الشريك بالشراء من غيره. فإن أقدم الشريك علي بيع حصته من ثالث كان له انتزاعها منه بالثمن الذي دفعه. و علي ذلك فإعمال الشريك الحق المذكور يكون بأحد أمرين مترتبين.

الأول: السبق إلي شراء الحصة من شريكه بالثمن الذي يريد بيعه به علي الثالث. و ذلك من أفراد البيع الذي هو من العقود، و يعتبر فيه ما تقدم في البيع من رضا الطرفين و غيره.

الثاني: انتزاع الحصة من المشتري بالثمن الذي دفعه قهرا عليه، و هو من سنخ الإيقاع الذي يكفي فيه إنشاء المضمون من طرف واحد، و هو الشريك في المقام. و يقع بكل ما يدل علي ذلك من قول أو فعل، فيقع بمثل قوله: أخذت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)،

ج 2، ص: 116

المبيع بالثمن، و قوله: شفعت في البيع، كما يقع بمثل دفع الثمن للمشتري، أو الاستقلال بالمبيع مع بذل الثمن، إذا قصد بهما إنشاء المضمون المذكور. و لا يعتبر فيه العلم بقدر الثمن الذي وقع عليه البيع.

(مسألة 1): لما كانت الشفعة من الحقوق فهي تسقط بالإسقاط عند إرادة الشريك البيع، أو بعد تحقق البيع، فإذا أراد الشريك بيع الحصة بثمن خاص و عرض ذلك علي شريكه فأسقط حقه كان للشريك البيع علي الثالث فإن باع لزم البيع، و لم يكن للشريك بعد ذلك حق الشفعة و انتزاع المبيع بالثمن.

و كذلك إذا أسقط الحق المذكور بعد البيع فإنه ليس له الرجوع و انتزاع المبيع.

(مسألة 2): يكفي في إسقاط الحق المذكور كل ما يدل عليه و لو بأن يحضر البيع أو يشهد عليه بنحو يظهر منه إقراره و الرضا به.

(مسألة 3): إذا كان المال مشتركا بين الولي و المولّي عليه، فباع الولي حصته من ثالث لم يكن له المطالبة بحق الشفعة في حق المولّي عليه، لظهور حاله في إسقاط الحق المذكور. إلّا أن يكون غافلا عن ذلك، أو كان مفرطا في حق المولّي عليه و خارجا عن مقتضي ولايته، فلا أثر لإسقاطه.

(مسألة 4): الظاهر ابتناء حق الشفعة علي الفور العرفي بعد علم الشريك بإرادة شريكه للبيع، أو بإيقاعه له بخصوصياته من الثمن و المشتري و نحوهما مما له دخل في الرغبة في إعمال الحق، و بعد علمه أيضا بثبوت الحق المذكور له، فإذا لم يبادر مع ذلك للأخذ بالشفعة سقط حقه فيها. نعم إذا كان عاجزا عن الأخذ بها لحبس أو غيبة أو نحوهما فلا يكون عدم المبادرة مسقطا لحقه، إلّا مع طول المدة بحيث يضر

بالشريك أو بمن يشتري منه.

(مسألة 5): تختص الشفعة بالبيع، و لا تجزي في غيره من أسباب التمليك لحصة الشريك المشاعة، كما لو جعلت مهرا في النكاح أو ملكت للغير بهبة أو صلح أو غيرهما.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 117

المقام الثاني في الشفيع

و هو الشريك الذي له حق الشفعة. و يعتبر فيه أمور.

الأول: الإسلام، فلا شفعة للكافر إذا كان كل من البائع و المشتري مسلما، بل الأحوط وجوبا ذلك إذا كان أحدهما مسلما. نعم تثبت الشفعة للكافر إذا كان البائع و المشتري معا كافرين.

الثاني: أن يكون أحد شريكين لا أكثر، فإذا كان الشركاء أكثر من واحد لم يكن لأحدهم شفعة، سواء باع الكلّ و بقي واحد أم باع البعض و بقي أكثر من واحد. و يستثني من ذلك ما يأتي فيما لو اشترك جماعة في الطريق.

(مسألة 6): إذا باع أحد الشريكين بعض حصته ففي ثبوت الشفعة للشريك إشكال. و كذا إذا باع تمام حصته من شخصين علي نحو التعاقب. نعم إذا باع تمام حصته من شخصين أو أكثر دفعة واحدة كان للشريك الأخذ بالشفعة. و كذا إذا باعه من شخص واحد و لو تدريجا.

(مسألة 7): إذا كانت العين مشتركة بين الوقف و الملك فلا شفعة فيها، سواء كان المبيع هو الملك أم الوقف في مورد جواز بيعه.

(مسألة 8): لا تثبت الشفعة بالجوار من دون شركة، فإذا باع أحد الجارين داره أو محل عمله المختص به فليس لجاره حق الشفعة، من دون فرق بين اختصاص كل منهما بماله من أول الأمر و سبق الشركة بينهما إذا وقع البيع من الجار بعد القسمة و تعيين حصة كل منهما.

(مسألة 9): إذا كانت داران أو أكثر كل منها مختصة بشخص،

و كان لها جميعا طريق واحد يشترك فيه كلهم ففي المقام صورتان.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 118

الاولي: أن يبيع أحدهم داره دون حصته من الطريق المشترك. و لا شفعة للآخرين حينئذ، لا في الدار و لا في الطريق، نعم يبقي للبائع حصته من الطريق، فله الانتفاع به بالمرور فيه و الجلوس علي باب الدار التي باعها، و علي المشتري أن يتجنب المرور في الطريق بغير إذنهم، بل يفتح بابا أخري في طريق آخر أو تبقي داره بلا باب. و في جواز دخوله لداره في الطريق بإذن البائع بلحاظ حصته منه إشكال، و كذا الإشكال في جواز تصرفه فيه لو ملكه من قبله بغير البيع. نعم ليس لهم الشفعة في الطريق حينئذ.

الثانية: أن يبيع أحدهم داره مع حصته من الطريق. و حينئذ تثبت لهم الشفعة في مجموع الدار و الطريق. و لكل منهم الأخذ بها، و مع تشاحهم إذا كانوا أكثر من واحد يتعين اشتراكهم في حق الشفعة المذكور، فتكون الدار و الحصة التابعة لها من الطريق لهم جميعا.

(مسألة 10): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالدور و لا يجري في غيرها كالمحلات التجارية و نحوها. إلّا إذا صدق عليها أنها دور.

(مسألة 11): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالاشتراك في الطريق، و لا يعم غيره كالنهر و البئر و نحوها. نعم للشريك الشفعة في الأمر المشترك فقط إذا كان بين شريكين لا أكثر، علي نحو ما تقدم. فيأخذه بحصته من الثمن بعد توزيع الثمن عليه و علي الدار.

(مسألة 12): إذا اشترك شخصان أو أكثر في طريق دور فباع أحدهم حصته منه دون الدار كان للآخرين الشفعة. و أما إذا كان الطريق لغير الدور فتختص الشفعة بالشريكين، و

لا تعمّ الأكثر، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

الثالث: أداء الثمن، فلا تثبت للعاجز عن الثمن و لا للمماطل به. و إذا بذل الرهن أو أتي بضامن يضمنه عنه من دون أن يؤديه لم تجب إجابته.

(مسألة 13): إذا ادعي حضور الثمن في البلد و احتياج تهيئته إلي مدة أجّل ثلاثة أيام من حين إرادة الشريك البيع بعد إعلانه بذلك، فإن جاء بالثمن، و إلّا فلا شفعة له. و المراد بالأيام الثلاثة ما سبق في الأيام الثلاثة التي يثبت فيها خيار الحيوان.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 119

(مسألة 14): إذا ادّعي الشفيع أن الثمن في بلد آخر انتظر به مدة ذهابه لذلك البلد و رجوعه و زيادة ثلاثة أيام، فإن جاء بالثمن و إلّا فلا شفعة له. و المراد بمدة الذهاب و الرجوع مدة قطع الطريق فقط، لا ما يعمّ مدة تهيئة جواز السفر و الحصول علي بطاقته و نحو ذلك مما تعارف في عصورنا.

(مسألة 15): إذا كان الشريك غائبا عن البلد وقت البيع ثبت له حق الشفعة إذا علم بإرادة الشريك للبيع أو بإيقاعه و له في غيبته، مع قدرته علي الأخذ بها بالتوكيل أو بالاتصال المباشر بالمشتري، و له تأجيل الثمن إن كان الثمن في البلد ثلاثة أيام، و إن كان في غيره كان له التأجيل بمقدار وصوله للبلد مع زيادة ثلاثة أيام، علي نحو ما تقدم. و لو تعذر عليه الأخذ بها في غيبته كان له الأخذ إذا رجع. و كذا إذا لم يعلم بالبيع حتي رجع.

(مسألة 16): تثبت الشفعة للمحجور عليه و يأخذ بها عنه وليه، أو يأذن له في الأخذ بها إن كان يحسن معناها و الأخذ بها. فإن أسقطها

الولي أو لم يبادر للأخذ بها سقط حق المولّي عليه فيها، إلّا أن يكون ذلك من الولي للتفريط في حق المولي عليه و الخروج عن مقتضي ولايته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 120

المقام الثالث في الأخذ بالشفعة

(مسألة 17): ليس للشفيع التبعيض في المبيع، بل إما أن يأخذه بتمامه أو يدع.

(مسألة 18): الشفيع يأخذ بقدر الثمن لا بأقل منه و لا بأكثر، سواء كان البيع غبنيا للبائع أو المشتري أم لم يكن. و إذا تنازل البائع للمشتري عن بعض الثمن لم يكن للشفيع تنقيصه.

(مسألة 19): إذا غرم المشتري شيئا زائدا علي الثمن كاجرة الدلّال و مصارف التسجيل لم يجب علي الشفيع تداركه. نعم ليس للشفيع إلزام المشتري بالاعتراف له رسميا.

(مسألة 20): لا بدّ في ثبوت الشفعة من كون الثمن مثليا، و لا تثبت إذا كان قيميا.

(مسألة 21): يشكل ثبوت الشفعة إذا اشتمل البيع علي شرط للبائع علي المشتري، كما لو باع الشريك حصته بألف دينار و اشترط علي المشتري أن يخيط ثوبه.

(مسألة 22): إذا اشترط المشتري علي البائع شيئا لم يجب مثله علي المشتري للشفيع، فإذا باع الشريك حصته بألف دينار و اشترط المشتري علي البائع أن يخيط ثوبه فأخذ الشفيع بالشفعة لم يجب علي المشتري أن يخيط له ثوبا و لا أن يعوضه بأجرته.

(مسألة 23): إذا تصرّف المشتري في الحصة مع ثبوت حق الشفعة تصرفا منافيا للحق المذكور كما لو أوقفها أو وهبها أو جعلها صداقا لم يبطل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 121

حق الشفيع بالشفعة، بل له الأخذ بها فيبطل التصرف المذكور.

(مسألة 24): إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط، بل جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني، و له

الأخذ من المشتري الثاني بالثمن الثاني فيسقط حقه من الشفعة في الأول. و هكذا لو تعاقبت البيوع، فإنه يكون له الأخذ بالشفعة في السابق فيبطل ما بعده و له الأخذ بها في اللاحق فيسقط حقه في الشفعة من السابق. هذا و لو وقع بعضها بإذنه سقط حقه من الشفعة فيها و فيما قبلها إذا كان يعلم به.

(مسألة 25): إذا باع أحد الشريكين نصيبه و كان للآخر الشفعة، فإذا باع الآخر حصته قبل أن يأخذ بالشفعة سقط حقه فيها، و إن كان جاهلا بالبيع الأول.

(مسألة 26): إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت، و إذا تلف بعضه أو تعيّب لم تسقط و جاز للشفيع الأخذ لكن بتمام الثمن من دون أرش النقص، و لا ضمان علي المشتري.

(مسألة 27): إذا كان الثمن مؤجلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة مع تأجيل الثمن للأجل الذي أخذ في البيع. و ليس للمشتري إلزامه بالرهن أو الكفيل أو نحوهما مما يوجب التوثق علي الثمن. نعم لو لم يكن مقدما علي الضرر المذكور لجهله بثبوت حق الشفعة للشبهة الحكمية أو الموضوعية كان له خيار تخلف الوصف في البيع، كما تثبت سائر الخيارات، و مع الفسخ ترجع العين للبائع بالثمن، و يبطل حق الشفعة.

(مسألة 28): الظاهر أن حق الشفعة لا يورث، فإذا باع أحد الشريكين حصته من ثالث، فمات الشريك قبل أن يأخذ بالشفعة لم يكن لوارثه واحدا كان أو متعددا أن يأخذ بالشفعة. نعم لو مات قبل البيع و كان وارثه واحدا كان له الأخذ بالشفعة لو بقي الشريك علي إرادة البيع أو باع، لكنه حينئذ يكون شفيعا بالأصل لا وارثا للشفعة. كما أنه لو مات الشريك بعد الأخذ بالشفعة كانت الحصة

لورثته و إن تعدّدوا، لكنه من إرث المال، لا من إرث حق الشفعة.

(مسألة 29): إذا تقايل الشريك البائع و المشتري قبل أخذ الشريك الآخر بالشفعة ففي بقاء حق الشفعة بحيث يكون للشريك الآخر الأخذ بها المستلزم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 122

لبطلان الإقالة إشكال، فالأحوط وجوبا التصالح.

(مسألة 30): الظاهر عدم ثبوت خيار العيب للشفيع إذا أخذ المبيع من المشتري. و في ثبوت الأرش له إذا أخذه المشتري من الشريك إشكال، فالأحوط وجوبا التصالح.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 123

كتاب الإجارة

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في حقيقة الإجارة و شروط العقد و المتعاقدين

الإجارة هي المعاوضة علي منافع الأعيان، سواء كانت المنفعة عملا- كالإجارة علي الخياطة- أم غير ذلك، كإجارة المساكن و الملابس و الدواب و المعامل و غيرها.

(مسألة 1): لا بدّ في الإجارة من كون المنفعة ملحوظة بالأصل و معوضة بالثمن، أما إذا كانت عوضا عن تمليك شي ء أو شرطا في تمليكه فلا تكون المعاملة إجارة، بل بيعا أو هبة مشروطة أو صلحا، و خرجت عن محل الكلام.

(مسألة 2): تبتني الإجارة علي تمليك المنفعة بالعوض، من دون أن تخرج العين ذات المنفعة عمّا كانت عليه من كونها ملكا للمؤجر أو غيره، أو وقفا، أو غير ذلك، فيجب إرجاعها بنفسها بعد استيفاء المنفعة. و علي ذلك لا يجوز إجارة الأرض- مثلا- علي أن توقف مسجدا أو مصلّي أو غير ذلك. نعم لا بأس بإجارتها لتكون مصلّي أو نحوه مدة معينة.

(مسألة 3): لا يجوز استئجار العين ذات النماء بنحو يقتضي ملكية النماء، كاستئجار الشجر للثمر و الشاة للّبن، و البئر للماء، إلّا أن يرجع إلي بيع النماء قبل ظهوره، فيجوز علي ما تقدم في المسألة (32) من الفصل الثالث من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 124

كتاب البيع. نعم لا بأس باستئجار العين المذكورة للانتفاع بنمائها بمثل الأكل و الشرب من دون أن يملك.

(مسألة 4): تكرر علي ألسنة بعض الناس إطلاق إجارة النقد أو الذهب أو نحوهما علي دفع الأمور المذكورة ليتعامل بها بالبيع و الشراء و نحوهما أو ليعمل فيها بمثل الصياغة و نحوها ثم إرجاع مثلها بعد مضي المدة المضروبة.

و لا يخفي أن الإطلاق المذكور تسامحي، لخروج المعاملة المذكورة عن الإجارة في الحقيقة من وجهين:

الأول: ابتناؤها علي تملك الأعيان بأنفسها، و ترتيب آثار الملك

عليها كالبيع و الاستهلاك و غيرهما.

الثاني: عدم رجوعها بأعيانها بعد انقضاء المدة و إنما يسترجع مثلها.

و ليست هذه المعاملة في الحقيقة إلّا اقتراضا للأمور المذكورة فيتملكها المقترض و يتصرف بها تصرف المالك، و تنشغل ذمته بمثلها، فيجب عليه إرجاعه لا إرجاعها بأعيانها. و علي ذلك تكون الأجرة في الحقيقة فائدة في مقابل القرض المذكور، و تدخل المعاملة في القرض الربوي المحرم. نعم تصدق الإجارة حقيقة في مثل إجارة الذهب المصوغ للبسه و التزيّن به مدة بأجرة، علي أن يبقي علي ملك صاحبه و يرجع إليه بعينه بعد انقضاء المدة.

(مسألة 5): الإجارة تبتني علي ملكية المستأجر للمنفعة و المؤجر للثمن بمجرد وقوعها قبل استيفاء المنفعة، حيث يلزم كل من المتعاقدين بملكية المنفعة في مقابل الثمن، و لذا كانت من العقود التي يجب الوفاء بها بتسليم كل من العوضين لصاحبه. و هناك طرق اخري لاستحقاق الأجر علي المنفعة لا تبتني علي الإلزام و الالتزام، كالجعالة و الاستيفاء بالضمان و الإباحة بالضمان.

و يأتي الكلام فيها في خاتمة كتاب الإجارة إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 6): حيث كانت الإجارة من العقود، فلا بدّ في تحققها من التزام المؤجر و المستأجر بها و إبرازهما للالتزام المذكور بالعقد المتضمن لذلك باللفظ أو بغيره، علي النحو المتقدم في عقد البيع و بالشروط المتقدمة فيه، و تجري هنا جميع الفروع الجارية هناك، فلتراجع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 125

(مسألة 7): يعتبر في المتعاقدين هنا ما يعتبر في المتعاقدين في البيع، و تجري هنا جميع الفروع المتقدمة هناك للفضولي و المكره و غيرهما.

(مسألة 8): يكفي في صحة الإجارة ملكية المؤجر للمنفعة أو ولايته عليها، و إن لم يملك العين كالموقوف عليه و المستأجر، علي

تفصيل يأتي في محله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 126

الفصل الثاني في شروط العوضين

حيث سبق أن موضوع الإجارة هو المنفعة دون العين، فلا بدّ.

أولا: من استقلال المنفعة عن العين، بحيث يمكن استيفاؤها مع بقاء العين، فلا يصح مثل إجارة الخبز لأن يؤكل و المال لأن يباع، نظير ما تقدم.

و ثانيا: أن تكون العين صالحة للمنفعة الخاصة، فلا يصح إجارة الأرض للزراعة إذا كانت غير قابلة لأن تزرع، و لو خرجت بعد الإجارة عن القابلية المذكورة في الوقت المطلوب انكشف بطلانها من أول الأمر.

إذا عرفت هذا فيعتبر في المنفعة- مضافا إلي ذلك- أمور.

الأول: التعيين، فلو كانت مرددة لا تعيّن لها في الواقع بطلت الإجارة، كما لو آجره علي أن يخيط أحد الثوبين أو استأجر منه إحدي السيارتين. إلّا أن يرجع إلي إرادة القدر المشترك بين المنفعتين، نظير الواجب التخييري، فتصح حينئذ.

(مسألة 1): كما يعتبر التعيين في المنفعة يعتبر في الثمن، فلا تصح الإجارة مع تردده و عدم تعيينه بحدود واقعية، كما لو تردد الثمن بين دينار ذهبي و عشرة دراهم فضيّة. إلّا أن يرجع إلي إرادة القدر المشترك، نظير ما تقدم في المنفعة.

(مسألة 2): إذا تردد الثمن تبعا لتردد المنفعة كما لو قال: إن نقلت المتاع يوم الجمعة كان لك عشرة دراهم و إن نقلته يوم السبت كان لك خمسة دراهم، صح جعالة. و أما صحته إجارة، بحيث يلزم كل منهما بالمضمون، فتتوقف علي رجوع كل من الثمنين و المنفعتين إلي قدر مشترك يكون هو اللازم بالعقد،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 127

و تكون الخصوصية الأخري زائدة ملحوظة بنحو الشرط، كما قد يوجّه في المثال السابق بأن يراد إجارته علي أصل النقل في أحد اليومين بخمسة دراهم

مع اشتراط زيادة خمسة دراهم لو عجل بالنقل يوم الجمعة. و لا تصح إجارة بدون ذلك، كما لو قال: إن نقلت المتاع يوم الجمعة كان لك ديناران و إن نقلته يوم السبت كان لك عشرة دراهم. بل لا يصح حينئذ إلّا جعالة لا يلزم بها أحد الطرفين.

(مسألة 3): ليس من الترديد ما إذا استؤجر علي العمل بوجه خاص مع اشتراط زيادة الأجرة أو نقصها لو جي ء به بوجه آخر، بل تصح الإجارة و يلزم الشرط حينئذ، كما لو قال: آجرتك علي نقل المتاع يوم السبت بعشرة دراهم علي أنك إن نقلته يوم الجمعة كان لك عشرون أو إن نقلته يوم الأحد كان لك خمسة. أو قال: آجرتك علي أن تصبغ الثوب بالسواد بعشرة دراهم علي أنك إن صبغته بالخضرة كان لك خمسة عشر درهما، أو إن صبغته بالحمرة كان لك ثمانية دراهم. نعم لا يصح الشرط إن كان موجبا لسقوط الثمن بتمامه.

الثاني: أن تكون محلّلة فلا تصح إجارة الأماكن لإحراز ما يحرم إحرازه- كالخمر- أو للقيام فيها بأعمال محرمة كالغناء، و لا تصح الإجارة علي الأعمال المحرمة، كقتل النفس المحترمة و الغناء و صنع الخمر و سقيها و غير ذلك، بل لا يستحق الأجر بها حتي مع الجعالة و نحوها. و قد تقدم في المكاسب المحرمة ما ينفع في المقام.

الثالث: أن لا يتوقف تسليمها علي فعل الحرام، كاستئجار الحائض لكنس المسجد، فإنّ كنس المسجد و إن لم يكن محرما عليها إلّا أنه موقوف علي دخولها للمسجد و هو محرم. و أما لو توقف تسلم المنفعة علي فعل الحرام فالظاهر عدم بطلان الإجارة، كما لو استأجر الدار و توقفت سكناها علي المرور بالأرض المغصوبة. نعم لو

كان المستأجر جاهلا بذلك كان له الفسخ بخيار العيب.

الرابع: القدرة الخارجية علي استلام المنفعة علي الأحوط وجوبا، فلا تصح الإجارة بدون ذلك و إن احتمل القدرة عليه في وقته كإجارة الجمل الشارد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 128

و العبد الآبق. بل لو جهل المستأجر تعذر الاستلام كان له الفسخ قطعا لو فرض صحة الإجارة.

الخامس: أن لا تكون المنفعة منافية لحق الغير، كحق الزوج و المولي و المستأجر السابق، و إلّا توقف نفوذها علي إذن صاحب الحق. نعم لو آجرت المرأة نفسها قبل التزويج لم يمنع التزويج من نفوذ الإجارة و إن كانت المنفعة منافية لحق الزوج.

(مسألة 4): الظاهر جواز الإجارة علي المنفعة- التي يتعذر علي المؤجر تسليمها- مع الضميمة المعلومة الحصول، عينا كانت تلك الضميمة أو منفعة، كما لو باعه ثوبا تحت يده و آجره عبدا آبقا بألف دينار، و كما لو آجره جملين أحدهما شارد و الآخر غير شارد بمائة دينار.

(مسألة 5): الأحوط وجوبا جريان ذلك في الثمن أيضا، و قد تقدم نظير ذلك في البيع.

(مسألة 6): الأحوط وجوبا العلم بمقدار المنفعة في الجملة، و لا ملزم بالمداقة في ذلك، فلا تضر الجهالة بالنحو الذي لا يوجب التغرير بالمال عرفا، كاستئجار الدابة و السيارة إلي بلد معهود و إن لم تعرف المسافة دقة، أو لحمل ما تطيقه و إن لم يعلم بمقدار طاقتها دقة، و استئجار المنزل في موسم خاص و إن لم يعلم عدد الأيام، و استئجار العامل لتصليح الآلة المعيبة و إن لم يعلم مقدار العيب و لا مقدار الجهد المبذول لإصلاحه دقة، و استئجار المضخة لسحب المياه مدة معينة و إن لم تعرف المدة التي يمكن الانتفاع بها فيها لعدم

تحديد أيام تواجد الماء القابل للسحب، و لا أيام اتصال التيار الكهربائي الذي يتوقف عليه عملها، و نحو ذلك مما يتسامح فيه العقلاء و يتعارف بينهم الإقدام علي الإجارة مع الجهل به.

(مسألة 7): الأحوط وجوبا اعتبار العلم بمقدار الثمن، علي التفصيل المتقدم في ثمن المبيع.

(مسألة 8): إذا قال: آجرتك الدار كل شهر بكذا، فالظاهر رجوعه للإجارة في الشهر الأول، و الإذن باستيفاء المنفعة بأجر مخصوص في بقية الشهور، الذي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 129

تقدمت الإشارة إليه في المسألة (5) من الفصل الأول.

(مسألة 9): لا يعتبر اتصال مدة الإجارة بالعقد، فيجوز أن يؤجر في شوال داره علي أن يسكنها في ذي الحجة. نعم إذا أطلقت الإجارة كان ظاهرها إرادة الزمان المتصل بالعقد.

(مسألة 10): يجوز إجارة الحصة المشاعة من العين، فيجوز لمالك نصف الدار إجارة النصف الراجع إليه، فيقتسم الشريك المنفعة مع المستأجر كما كان يقتسمها مع شريكه. نعم لا يجوز للشريك المؤجر تسليم العين للمستأجر إلّا بإذن شريكه.

(مسألة 11): يجوز أن يستأجر أكثر من واحد عينا واحدة، و تكون منفعتها مشتركة بينهم بالنسبة. كما يجوز أن يستأجر أكثر من واحد لعمل واحد يشتركون بالقيام به.

(مسألة 12): لا تجوز إجارة الأرض للزرع بمقدار معين مما يحصل منها، حنطة كان أو شعيرا أو غيرهما من الطعام، بل الأحوط وجوبا العموم لغير الطعام من أنواع الزرع. كما أن الأحوط وجوبا أيضا العموم لما يحصل من أرض خاصة غيرها، بل العموم لكل ما لا وجود له في الخارج، مما سيوجد من دون أن يكون ذميا. نعم تجوز إجارتها بحصة مشاعة مما يحصل منها، كالثلث و الربع فتشبه المزارعة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 130

الفصل الثالث في لزوم الإجارة

الإجارة من العقود

اللازمة، فلا يصح فسخها إلّا بالتقايل برضا الطرفين أو بثبوت الخيار لهما أو لأحدهما.

(مسألة 1): يجري في الإجارة خيار الغبن و خيار الشرط و خيار العيب و خيار تخلّف الوصف و خيار تبعّض الصفقة و خيار تخلّف الشرط، و قد تقدم تفصيل الكلام فيها في البيع. كما يجري خيار عدم تسليم العوضين، دون خيار التأخير علي ما يتضح بمراجعة ما تقدم في البيع. و لا يجري فيها خيار المجلس و لا خيار الحيوان و لا خيار الرؤية.

(مسألة 2): إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا و كان جاهلا به حين العقد، فإن كان موجبا لفوات بعض المنفعة- كخراب بعض بيوت الدار- قسطت الأجرة و رجع علي المؤجر من الأجرة بما يقابل المنفعة الفائتة، و كان له مع ذلك خيار تبعض الصفقة، و إن لم يوجب فوت بعض المنفعة لكن كان موجبا لعيب في المنفعة- مثل عرج الدابة- كان له الفسخ بخيار العيب، و إن لم يوجب ذلك أيضا إلّا أنه كان موجبا لنقص الأجرة كان له الفسخ أيضا لكن بخيار تخلف الوصف، و هو وصف السلامة الذي يبتني عليه العقد ضمنا و إن لم يصرح به في متن العقد. أما إذا لم يوجب شيئا من ذلك فلا خيار.

(مسألة 3): إذا كان موضوع الإجارة عينا كلية فدفع المؤجر عينا معيبة لم يكن للمستأجر الفسخ في جميع الصور المتقدمة، بل له المطالبة بالصحيح، و مع تعذره أو امتناع المؤجر من إبدال العين يكون له الخيار في أصل العقد.

(مسألة 4): إذا وجد المؤجر عيبا في الأجرة، فإن كانت أمرا كليا كان له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 131

المطالبة بالبدل، و إن كانت أمرا شخصيا كان له الفسخ.

و إن تصرف فيها تصرفا موجبا لاختلاف الرغبة فيها فالأحوط وجوبا التراضي بينهما.

(مسألة 5): يجوز للمالك أن يبيع العين المستأجرة قبل انقضاء مدة الإجارة علي المستأجر و غيره، و لا تبطل الإجارة بذلك، بل تنتقل إلي المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، نعم علي البائع أن يعلم المشتري بأنها مستأجرة للأجل الخاص، فإن جهل المشتري بأنها مستأجرة، أو اعتقد قلّة المدة كان له فسخ البيع، و ليس له المطالبة بالأرش أو الأجرة التي تخص المدة الباقية.

(مسألة 6): إذا فسخت الإجارة بعد البيع بخيار أو تقايل رجعت المنفعة إلي البائع دون المشتري.

(مسألة 7): لا تبطل الإجارة بموت المؤجر و لا المستأجر، إلّا إذا أخذت خصوصية أحدهما في المنفعة التي هي موضوع الإجارة، كما إذا آجر نفسه للعمل بنفسه، أو استأجر الدار ليسكنها بنفسه، حيث يتعذر استيفاء المنفعة حينئذ. و ذلك مبطل للإجارة علي ما يأتي بتفصيل في الفصل الرابع إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 8): في ولاية وليّ الصبي- كالأب و الجد- علي إجارة الصبي بنفسه، أو إجارة ماله مدة تزيد علي صباه إشكال، فالأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك علي مقدار الضرورة العرفية اللازمة من تعرض النفس أو المال أو العرض للضرر المهم.

(مسألة 9): لا أثر لموت الوليّ و الوكيل الذي يتولّي الإجارة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 132

الفصل الرابع في أحكام التسليم في الإجارة

إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة و ملك المؤجر الأجرة، كما هو مقتضي المعاوضة، و وجب علي كل منهما تسليم ما عليه للآخر. لكن حيث كانت المنفعة تدريجية الحصول فلا مجال للتقارن بينهما في التسليم و التسلّم- كما هو الواجب في المعاوضة بين الأعيان- بل لا بدّ من تقديم أحدهما، و هو تابع لما يتفقان عليه في

العقد صريحا، أو ارتكازا تبعا للعرف و العادة، أو تقتضيه القرائن الخاصة.

(مسألة 1): إذا امتنع أحد المتعاقدين من التسليم في الوقت المستحق عصي و كان للآخر إجباره. و لو ظهر عليه الامتناع من التسليم في وقته كان للآخر التوقف عن التسليم و طلب الاستيثاق لنفسه.

(مسألة 2): إذا امتنع المؤجر من تسليم المنفعة في الوقت المستحق مع بذل المستأجر الأجرة كان للمستأجر الفسخ و الرجوع بالأجرة و له الانتظار حتي ينتهي أمد الإجارة فتنفسخ قهرا، و لا مجال للبناء- حينئذ- علي صحة الإجارة و ضمان المؤجر للمنفعة بنحو يقتضي دفع اجرة المثل لها.

(مسألة 3): إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة في الوقت المستحق، فإن لم يكن استوفي المنفعة كان للمؤجر الفسخ فترجع المنفعة له. و إن كان قد استوفاها ففي جواز الفسخ للمؤجر و الرجوع لاجرة المثل إشكال، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي المطالبة بالأجرة المسماة.

(مسألة 4): تقدم أن المؤجر يملك الأجرة بالإجارة، إلّا أن ملكيته لها لا تستقر إلّا بتسليمه المنفعة، و مع عدم تسليمه لها يكون للمستأجر الرجوع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 133

بالأجرة. و يأتي الكلام في المسائل الآتية في معيار التسليم الذي تستقر به الأجرة.

(مسألة 5): إذا كانت المنفعة التي هي موضوع الإجارة محددة بوقت خاص مساو لها كفي في تسليمها- الموجب لاستقرار الأجرة للمؤجر علي المستأجر- بذل المؤجر للعين، سواء استوفي المستأجر المنفعة منها مع ذلك أم لم يستوفها و فرط فيها، فإذا استأجر الدار علي أن يسكنها في شهر شعبان، أو السيارة علي أن يستغلّها يوم العيد فسلّمه المؤجر الدار في الشهر المذكور و السيارة في اليوم المذكور استحق عليه الأجرة و إن لم ينتفع بهما عنده.

(مسألة 6): قد

تكون المنفعة محددة بوقت أوسع منها، كما إذا استأجر الدار علي أن يسكنها أسبوعا من شهر شعبان، و السيارة علي أن ينتقل متاعه بها يوما في ضمن الأسبوع، فالظاهر أنه لا مجال لإطلاق المنفعة في مثل ذلك، بل لا بدّ من تقييدها بإناطة تعيين وقت المنفعة بإرادة المؤجر فقط أو المستأجر فقط أو إرادتهما معا أو إرادة أيّ منهما حسبما تقتضيه قرائن المقام المختلفة. و حينئذ يجري مع تعيين من بيده التعيين حكم المسألة السابقة من الاكتفاء في استقرار الأجرة بالبذل في المدة المعينة.

(مسألة 7): إذا لم تحدّد المنفعة- صريحا أو ضمنا- بوقت خاص فمقتضي إطلاق العقد التعجيل، لكن لا بمعني تقييد المنفعة به بحيث ينتهي أمدها لو لم يعجل، بل بمعني استحقاق المطالبة بها فورا ففورا، و الاكتفاء بالبذل فيها كذلك، فإذا تحقق البذل من المؤجر في أيّ وقت استحق الأجرة، إلّا أن تقوم القرينة علي التقييد بحال خاص كاستئذان المستأجر أو طلبه أو غير ذلك.

(مسألة 8): في الإجارة علي الأعمال يكفي في استقرار الأجرة حضور العامل و بذل نفسه للعمل و مضي المدة المطلوبة للعمل، فإذا استأجره علي أن يبني في داره أو يخيط ثيابه أو غير ذلك فحضر للعمل في الوقت المناسب- حسبما تقدم في المسائل الثلاث السابقة- و بذل نفسه في تمام المدة استقرت الأجرة علي المستأجر، سواء استوفي عمله أم لم يستوفه. بل لو انشغل الأجير في الوقت المذكور بعمل آخر لنفسه غير مناف لبذل نفسه للعمل المستأجر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 134

عليه لم يمنع من استقرار الأجرة.

(مسألة 9): إذا كانت العين المستأجرة كلية كفي في التسليم و استقرار الأجرة تسليم فرد منها، و بذله لاستيفاء المنفعة منه

في الوقت المناسب للإجارة- حسبما تقدم- و كذا إذا كان الأجير كليا، كما لو استأجره علي أن يبني داره بنفسه أو بشخص آخر بدلا عنه، فإنه يكفي في استقرار الأجرة حينئذ تهيئة عامل خاص للبناء و حضوره للعمل في الوقت المناسب، حسبما تقدم.

(مسألة 10): إذا كان العمل قائما بعين مملوكة للمستأجر تحت يد الأجير كفي في تسليمه و استقرار الأجرة إنجاز العمل فيه، فلو دفع له ثوبه ليخيطه أو سيارته ليصلحها استقرت له الأجرة بخياطة الثوب و تصليح السيارة، و لا يتوقف مع ذلك علي إرجاع العين التي يقوم بها العمل- كالثوب و السيارة في المثال- للمستأجر. و علي ذلك لو تلفت عنده لم تسقط الأجرة، غاية الأمر أن تلفها إذا كان بفعله أو بتفريط منه كان ضامنا لها بما لها من الصفة الحاصلة بسبب العمل.

(مسألة 11): لو امتنع المستأجر في المسألة السابقة من تسليم الأجرة غاصبا لها و متعديا كان للمؤجر حبس العين استيثاقا لحقّه، كما له حبس غيرها من أمواله. كما أنه لو امتنع المؤجر من تسليم العين غاصبا لها كان للمستأجر حبس الأجرة عليه استيثاقا لحقّه، كما له حبس غيرها من أمواله. و هذا بخلاف ما إذا لم يسلّم المستأجر الأجرة أو لم يسلم الأجير العين لعذر من دون تعد منهما، حيث لا يجوز معه للآخر الحبس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 135

الفصل الخامس في تعذر استيفاء المنفعة

تعذر استيفاء المنفعة من العين المستأجرة.

تارة: يكون لتلفها و لو بمثل الموت.

و اخري: يكون لخروجها عن قابلية الانتفاع مع وجودها، كتداعي الدار و مرض الدابة.

و ثالثة: يكون لمانع خارجي، كمنع السلطان، و كما لو استأجر الدابة أو السيارة للسفر فمرض بنحو لا يستطيع السفر، أو غصب العين المستأجرة

غاصب، أو غير ذلك.

و جميع ذلك موجب لبطلان الإجارة و عدم استحقاق الأجرة إذا وقع قبل بذل المؤجر العين و تسليمها للمستأجر ليستوفي المنفعة منها، سواء استند للمؤجر أم للمستأجر أم لأجنبي أم لسبب قهري بتفريط من أحد أو لا. و كذا إذا وقع بعد تسليم العين و لم يكن بتفريط من المستأجر.

أما إذا كان بتفريط منه ففي الأول- و هو التلف- تبطل الإجارة، و يكون ضامنا للعين غير مسلوبة المنفعة. كما أن الأجنبي لو ضمن العين بإتلاف أو نحوه يضمنها غير مسلوبة المنفعة أيضا. و في الثالث لا تبطل الإجارة و تلزمه الأجرة، نظير ما تقدم في المسألة (5) من الفصل السابق.

و أما الثاني فالأمر فيه لا يخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا فيه التراضي بين المؤجر و المستأجر.

(مسألة 1): إذا استؤجر علي عمل في عين- كبناء الدار و خياطة الثوب- فتعذر العمل، فإن كان تعذره لقصور في الأجير- بموت أو مرض أو نحوهما-

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 136

بطلت الإجارة مطلقا، و إن كان لأمر آخر- كتلف العين و ضياعها و منع السلطان و غير ذلك- فإن لم يكن بتفريط من المستأجر بطلت الإجارة أيضا، و إن كانت بتفريط منه ففي بطلان الإجارة و عدم استحقاق الأجير الأجرة إذا كان مستعدا للعمل إشكال، و الأحوط وجوبا التراضي بينهما.

(مسألة 2): تعذر استيفاء المنفعة بجميع أقسامه إنما يبطل الإجارة إذا لم تستقر الأجرة ببذل العين و مضي مدة يمكن استيفاء المنفعة منها علي التفصيل المتقدم في المسألة (5) من الفصل السابق. و كذا الحال في تعذر العمل من الأجير الذي تقدم حكمه في المسألة السابقة، فإنه إنما يبطل الإجارة إذا لم تستقر الأجرة ببذل

الأجير نفسه للعمل في تمام المدة المطلوبة بالنحو المتقدم في المسألة (8) من الفصل السابق.

(مسألة 3): إذا غصب العين غاصب، فإن لم يستوف المنفعة جري التفصيل المتقدم، و إن استوفي المنفعة المستأجر عليها فإن كان قبل تسليم العين للمستأجر كان المستأجر مخيرا بين فسخ الإجارة، فترجع له الأجرة المسماة و يرجع المؤجر علي الغاصب بالمثل، و عدم الفسخ، فتستقر الأجرة المسماة للمؤجر و يرجع هو علي الغاصب بأجرة المثل. و كذا إذا كان الغصب بعد تسليم العين من دون تفريط من المستأجر. أما إذا كان بتفريط منه فليس له فسخ الإجارة، بل تستقر الأجرة عليه و له الرجوع علي الغاصب بأجرة المثل.

(مسألة 4): إذا تعذرت المنفعة- بنحو يقتضي بطلان الإجارة- في بعض المدة دون بعض، فإن كان التعذر قبل تسليم العين لاستيفاء المنفعة- كما إذا استأجر الدابة شهرا فمرضت في النصف الأول من الشهر و برئت في النصف الثاني- كان كل من المؤجر و المستأجر مخيرا بين فسخ الإجارة، فترجع الأجرة بتمامها للمستأجر و ليس له من المنفعة شي ء، و عدم الفسخ فتصح الإجارة في المقدار القابل للاستيفاء بما يقابله من الأجرة.

و إن كان بعد تسليم العين لاستيفاء المنفعة منها- كما إذا مرضت الدابة في المثال السابق بعد مضي نصف شهر من تسليمها- فلا مجال لفسخ الإجارة رأسا، بل تبطل من حين سقوط العين عن الانتفاع، و تصح في الزمن السابق بما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 137

يقابله من الأجرة. و يجري التفصيل المذكور في تعذر بعض العمل المستأجر عليه. و يأتي في آخر الفصل السابع ما يتعلق بذلك.

(مسألة 5): إذا تعذر استيفاء المنفعة لمانع خاص بالمستأجر- كما لو استأجر سيارة ليسافر بها فمنع

من السفر بمرض، أو من قبل السلطان- فإن اشترط و أخذ في الإجارة مباشرته كان من تعذر استيفاء المنفعة، و إلا فلم تتعذر، بل كان له بذل العين لغيره مجانا أو بأجرة ليستوفي منفعتها.

(مسألة 6): إذا استأجره للمداواة فبرئ بطلت الإجارة، لارتفاع موضوع المنفعة، من دون فرق بين أن يستند الشفاء للمؤجر أو يكون قهرا عليه.

(مسألة 7): إذا استأجر الطبيب لقلع ضرسه أو لإجراء عملية جراحية له أو نحو ذلك فالظاهر أخذ الحاجة الصحيحة في موضوع ذلك، فإذا ارتفعت الحاجة له بالشفاء قبل وقت الإجارة دخل في تعذر استيفاء المنفعة، نظير ما تقدم في المسألة السابقة، بخلاف ما إذا استأجره لخياطة ثوبه و بناء داره فارتفعت الحاجة لذلك بأن رزق ثوبا آخر أو دارا أخري، فإن الإجارة لا تبطل بذلك.

(مسألة 8): إذا كانت العين المستأجرة كليّة فسلّم فردا منها لتستوفي منه المنفعة و بعد تسليمه تعذر استيفاء المنفعة منه لم تبطل الإجارة، بل يجب علي المؤجر تبديل ذلك الفرد بفرد آخر. و ما سبق من بطلان الإجارة بذلك في بعض الصور يختص بما إذا كان موضوع الإجارة العين الشخصية.

(مسألة 9): إذا استأجر أجيرا لعمل خاص فقام به غيره بنحو لا يبقي موضوع لعمله، كما لو استأجره علي أن يخيط ثوبه، أو يداوي مريضه، فإن ابتنت الإجارة علي مباشرة الأجير العمل بنفسه، بطلت الإجارة، و إن لم تبتن علي ذلك بل علي انشغال ذمته بالعمل مع إمكان قيام غيره مقامه فيه، فإن كان عمل الغير بدلا عن الأجير- تبرعا أو بأجرة- صحت الإجارة و استحق الأجير الأجرة، و إلا بطلت أيضا و لم يستحق الأجير شيئا، و لا العامل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 138

الفصل السادس في الضمان و عدمه

(مسألة 1): العين المستأجرة إذا كانت تحت يد المستأجر فهي أمانة في يده يجري عليها حكم الأمانات، فلا تكون مضمونة إلا بأمرين.

الأول: التعدي عليها علي خلاف مقتضي الاستئمان، باستعمالها في غير ما يقتضيه العقد، كما لو استأجر الدابة مدة فأخرها عنها، أو إلي مكان فركبها إلي غيره، أو استأجر الثوب ليلبسه عند التجمل فلبسه حال التبذل، أو جعله فراشا يوطأ، و كما لو ترك الدابة بلا طعام و لا شراب أو أجهدها أو عرّضها للبرد حتي مرضت أو نفقت، و كما لو ابتلّ الثوب فلم ينشره و يجففه حتي تعفّن و تعيّب.

الثاني: التفريط، و هو عدم التحفظ علي العين بالنحو المتعارف، كما لو لم يوثق الدابة فشردت أو تردّت في حفرة، أو لم يقفل البيت فسرق ما فيه، أو نحو ذلك.

(مسألة 2): المشهور أن التعدي و التفريط في الأمانات موجبان لضمان تلفها و ضررها المتأخرين عنهما و إن لم يستندا إليهما، فلو ركب الدابة إلي غير المكان المأذون فيه بمقتضي الاستئمان فلم يضرّ بها ثم تلفت بسبب غير مضمّن كان عليه الضمان، و كذا إذا لم يوثق الدابة فلم تشرد ثم مرضت، إلي غير ذلك. فالتعدي و التفريط عندهم مخرج لها عن حكم الأمانة إلي حكم الغصب.

لكن الظاهر اختصاص الضمان بما إذا استند سبب التلف أو العطب إلي التعدي أو التفريط، و لا يجري عليها حكم الغصب إلا إذا كان وضع اليد عليها عدوانيا، كما لو انتهت مدة الإجارة أو بطلت أو فسخت بخيار فأبقي العين عنده بدون رضا المالك مع قدرته علي تسليمها له.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 139

(مسألة 3): في مورد الضمان إذا تعيّبت العين و لم تتلف، بل بقيت لها

قيمة عرفا يلزم الأرش و هو الفرق ما بين قيمتها قبل طروء العيب و قيمتها بعده.

و إن تلفت أو صارت بحكم التالف عرفا لعدم المالية لها، فإن كانت مثلية لزم مثلها، و إن كانت قيمية لزمت قيمتها يوم التلف، إلا أن يجري عليها حكم الغصب- علي ما تقدم في المسألة السابقة- فحينئذ تلزم قيمتها يوم الغصب.

(مسألة 4): إذا كانت مثليّة و تعذر المثل لزم دفع قيمته يوم الأداء.

(مسألة 5): المثلي هو الذي تنسب القيمة فيه عرفا لنوعه لا لشخصه، كالذهب و أنواع الطعام و منتوجات المعامل الحديثة ذات الماركات الخاصة.

و القيمي هو الذي تنسب القيمة عرفا له بشخصه، ككثير من المصنوعات اليدوية و الحيوانات و الأشياء المستعملة و غيرها.

(مسألة 6): للمؤجر أن يشترط علي المستأجر الضمان، بحيث تنشغل ذمته بالمثل أو القيمة، و أظهر من ذلك ما إذا اشترط عليه أن يعطيه عوض العين أو أرش النقص. و لا يفرق في ذلك بين الإجارة الصحيحة و الفاسدة.

(مسألة 7): كما أن العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، كذلك العين التي يدفعها المستأجر للأجير ليعمل فيها، كالثوب الذي يدفع للأجير ليخيطه أو يصبغه، و الجهاز الذي يدفع له ليصلحه، و الدقيق الذي يدفع له ليخبزه، و غير ذلك، فإن جميع ذلك أمانة في يد الأجير، و يجري عليها الحكم المتقدم من عدم الضمان إلا بالتعدي و التفريط و الشرط.

(مسألة 8): لا يجب علي المستأجر تدارك ما يحصل للأجير في مدة الإجارة أو العمل من ضرر في نفسه، سواء كان عمل الأجير في حوزة المستأجر و تحت يده- كما لو حفر بئرا في داره- أم لا، كما لو دفع إليه الثوب ليخيطه، و سواء كان الأجير عبدا أم

حرا، كبيرا أم صغيرا، و سواء كان الضرر بسبب العمل أم بسبب آخر، إلا مع الشرط، أو كون المستأجر هو السبب في الضرر، أو كونه غارا أو خادعا، فيضمن حينئذ.

(مسألة 9): إذا دفع إليه عينا ليعمل فيها عملا- كخياطة أو صبغ أو غيرهما- فعمله، ثم تلفت مضمونة عليه وجب عليه ضمانها بما أنها واجدة للصفة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 140

الحاصلة من العمل، كما سبق. نعم يستحق الأجير اجرة العامل حينئذ.

(مسألة 10): كل من آجر نفسه لعمل في مال الغير أو في نفسه- كالخياط و النجار و الحداد و القصاب و الختان و غيرهم- إذا استؤجر علي أن يعمل بوجه صالح من دون تحديد العمل الذي يعمله فهو ضامن إذا أفسد. و كذا إذا حدد له العمل فتجاوزه فأفسد، أما إذا لم يتجاوز ما حدد له فلا ضمان عليه، و تجري ذلك في كل من يعمل للغير و إن لم يكن مستأجرا حين التبرع.

(مسألة 11): يضمن الطبيب و البيطري المباشران للعلاج- بمثل حقن الدواء في بدن المريض و طلي جسمه به و تدليكه و شقه و جبر كسره و نحوها- مطلقا، و كذا الطبيب المشرف علي العلاج- بحيث تكون فعلية العلاج بتوجيهه، فلا يستعمل المريض الدواء في كل مرة إلا بأمره- إذا كان المريض قاصرا لا يستقل بالتصرف لصغر أو جنون أو نحوهما، بل مطلقا علي الأحوط وجوبا. بل الأحوط وجوبا ضمانه بوصفه للعلاج عند الرجوع إليه من أجل أن يتعالج به و إن لم يكن مشرفا علي العلاج، حتي لو كان المريض أو المباشر للعلاج مستقلا بالتصرف. نعم لا يضمن بمجرد وصفه للدواء إذا كان لمجرد الاعلام برأيه من دون أن يكون من

أجل ترتب العلاج عليه.

(مسألة 12): يسقط ضمان الطبيب و البيطري بأخذه البراءة من المريض أو المالك أو وليهما. و يكفي في البراءة حضورهم للعلاج مع علمهم بعدم ابتناء العلاج علي اليقين، و تعرضه للخطر. و الظاهر جريان ذلك في كل من يعمل للغير و يتبرأ من الضمان.

(مسألة 13): الممرض التابع للطبيب و المنفذ تعاليمه في حق المريض يضمن مع مباشرته للعلاج أو أمره للمريض القاصر باستعمال العلاج في حالتين.

الاولي: أن لا يكون مأذونا من قبل المريض أو وليه بتنفيذ أمر الطبيب أو إرشاده.

الثانية: أن يتجاوز إرشاد الطبيب و توجيهه من دون إذن المريض أو وليه.

(مسألة 14): إذا عثر الحمال فسقط ما علي رأسه فتلف لم يضمنه إلا أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 141

يكون مقصرا، لإقدامه علي الحمل مع علمه من نفسه أنه يتعثر كثيرا، أو لسلوكه طريقا غير مستو، أو لإسراعه في السير علي خلاف المتعارف، أو نحو ذلك.

(مسألة 15): إذا حمل الأجير علي الدابة شيئا فسقط منها و تلف أو تعيّب، فإن استند ذلك إليه ضمن، كما إذا لم يحكم شد المتاع و أرسلها فسقط المتاع، أو نخس الدابة أو ضربها فنفرت و ألقت ما عليها، إلا أن يتعارف فعل ذلك، بحيث تبتني الإجارة علي عدم الضمان معه. و إن لم يستند إليه لم يضمن، كما لو طار طائر فنفرت، أو مطرت السماء فزلقت، إلا أن يكون مقصرا، كما لو تعارف إحكام شد المتاع في أيام المطر، فلم يفعل. و يجري هذا التفصيل في جميع وسائط النقل و نحوها.

(مسألة 16): إذا قال للخياط: خط هذا الثوب قميصا لي، فقطعه فلم يكف قميصا له، كان عليه ضمان النقص، لعدم تحقق ما أذن له

فيه. أما إذا قال:

أصبغ هذا الثوب لأجعله قميصا لي فصبغه فلم يكف فلا ضمان عليه، إلا أن يكون الإذن مقيدا بكفايته، كما لو قال: إن كان هذا الثوب يكفيني قميصا فاصبغه أو نحو ذلك.

(مسألة 17): حيث تقدم أن العين التي يدفعها المؤجر للأجير أمانة في يد الأجير لا يضمنها إلا بالتعدي و التفريط، فإن ادعي تلفها بسبب لا يقتضي الضمان- كالسرقة و الحرق و الغرق من دون تفريط- فإن كان هناك ما يناسب ذلك- كسرقة محله كله و نحو ذلك مما يرفع الشبهة عنه- صدّق، و كذا إذا كان ثقة مأمونا أو جاء بالبينة، بل الأحوط وجوبا عدم تضمينه إذا حلف، أما إذا لم يحلف فيجوز تضمينه.

(مسألة 18): إذا استؤجر لحراسة محل تجاري أو نحوه من دون أن يجعل تحت يده أمانة عنده، فسرق المحل فإن لم يكن بتقصير منه فلا ضمان، و يستحق الأجرة، و إن كان بتقصير منه لم يستحق الأجرة لكن لا يضمن أيضا، إلا أن يتضمن عقد الإجارة اشتراط الضمان علي تقدير التفريط أو مطلقا، فيضمن حسب الشرط.

(مسألة 19): إذا استؤجر لحفظ متاع و جعل تحت يده أمانة عنده فسرق،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 142

كان ضامنا له مع التقصير. و لا ضمان مع عدمه إلا مع الشرط، كما تقدم في المسألة السابقة. و لا يستحق الأجرة علي كل حال، إلا أن يكون الحفظ المستأجر عليه استمراريا إلي مدة معينة- كشهر- فحفظه في بعض المدة، فإنه يستحق من الأجرة بنسبة المدة التي حفظه فيها إلي المدة المستأجر عليها.

(مسألة 20): إذا استأجر عينا فآجرها لغيره و سلمها له- في مورد صحة الإجارة الثانية- فتلفت عند الثاني، أو تعيّبت بتقصير من الثاني

كان الثاني ضامنا، و أما الأول فلا يضمن إلا إذا كان الثاني الذي سلمها له غير مأمون عنده.

و كذا الحال إذا استؤجر علي عمل في عين يأخذها عنده فاستأجر آخر علي العمل فيها و سلمها له.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 143

الفصل السابع في أحكام الإجارة

اشارة

(مسألة 1): إذا استوفي المستأجر من العين أكثر من المنفعة المستأجر عليها كان عليه للمؤجر مع الأجرة المسماة قيمة مثل المنفعة الزائدة، كما إذا سار بالدابة أطول من المسافة المقررة، أو حملها أكثر من الحمل المتفق عليه، أو أسكن في الدار أكثر من العدد المقرر، أو استعمل الأجير مدة أطول، و هكذا.

و كذا إذا استوفي منها منفعة أخري مع المنفعة المستأجر عليها، كما لو استأجر الدابة لجر العربة فحمل عليها مع ذلك، أو استأجر الجارية للخدمة فاسترضعها لولده، فإن عليه مع الأجرة المسماة أجرة المثل للمنفعة الأخري.

(مسألة 2): إذا استلم المستأجر العين و لم يستوف منها المنفعة المستأجر عليها بل استوفي غيرها مع إمكان استيفاء المنفعتين معا وجب عليه الأجرة المسماة للمنفعة المستأجر عليها التي فوّتها علي نفسه و اجرة المثل للمنفعة الأخري التي استوفاها، سواء كان ذلك لعدم التضاد بين المنفعتين- كما لو استأجر الأمة للخدمة فاسترضعها و لم يستخدمها- أم لسعة الوقت للمنفعتين معا مع التضاد بينهما، كما لو استأجر السيارة يوما للذهاب لكربلاء، فلم يذهب لكربلاء بل ذهب للنجف. نعم يستحق في الثاني مع بقاء الوقت استيفاء المنفعة المستأجر عليها، إلا أن يبتني عقد الإجارة علي اشتراط عدم الجمع بين المنفعتين تجنبا لإجهاد العين، و حينئذ يلحقه حكم تعذر الجمع بين المنفعتين.

(مسألة 3): إذا استلم المستأجر العين و لم يستوف منها المنفعة المستأجر عليها، بل استوفي غيرها مما يتعذر

جمعه معها- كما إذا استأجر الدار للسكن فصيرها محلا تجاريا، أو استأجر السيارة يوما للسفر شرقا فسافر بها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 144

غربا- فالظاهر أن للمؤجر مع الأجرة المسماة قيمة المثل لفرق ما بين المنفعتين، فإذا كانت قيمة منفعة المحل التجاري ضعف قيمة منفعة دار السكن في المثال السابق استحق مع الأجرة المسماة نصف اجرة المثل للمحل التجاري. و إذا كانت المنفعتان متساويتين قيمة أو كانت المنفعة المستوفاة أقل لم يستحق شيئا زائدا علي الأجرة المسماة. نعم له في جميع الصور فسخ الإجارة، لمخالفة المستأجر الشرط باستعمال العين في غير المنفعة المستأجر عليها، و حينئذ يستحق اجرة المثل للمنفعة المستوفاة بتمامها، دون الأجرة المسماة.

(مسألة 4): إذا استأجر أجيرا لعمل خاص فحضر الأجير للعمل فطلب منه عملا آخر فعمله- كما إذا استأجر عاملا يوما للخياطة، فكلفه بالحراسة أو الكتابة- فإن رجع ذلك منهما إلي التراضي علي إبدال العمل المستأجر عليه بالعمل الآخر فلا إشكال في لزوم الإجارة و استحقاق الأجرة المسماة لا غير، و إن لم يرجع إلي ذلك- كما لو كانا غافلين عن مقتضي الإجارة، أو كان الأجير مجبورا علي العمل الآخر، أو قاصرا لا ينفذ تصرفه، أو غير ذلك- جري فيه التفصيل المتقدم في المسألتين السابقتين.

(مسألة 5): إذا استأجر عينا علي أن يستوفي منفعتها بنفسه فمكّن غيره من استيفائها و أذن له في ذلك لم ينفذ ذلك منه، و يحرم علي ذلك الغير استيفاؤها، فلو استوفاها كان المورد من صغريات ما تقدم في المسألة (3) من استيفاء المنفعة المضادة للمنفعة المستأجر عليها، فيكون للمؤجر فسخ الإجارة، فإن فسخ لم يستحق الأجرة المسماة علي المستأجر، بل يستحق اجرة المثل للمنفعة المستوفاة علي من

استوفاها، و إن لم يفسخ كان له الأجرة المسماة علي المستأجر، و كان للمستأجر علي المستوفي اجرة المثل للمنفعة إذا لم يكن قد أذن له في استيفائها مجانا. نعم لو فرض- حينئذ- زيادة أجرة المنفعة إذا استوفاها الشخص المذكور عن أجرتها إذا استوفاها المستأجر كان للمؤجر قيمة المثل لفرق ما بين المنفعتين، نظير ما تقدم في المسألة (3).

(مسألة 6): إذا استأجر عينا علي أن يستوفي منفعتها بنفسه فآجرها من غيره ليستوفيها لم تنفذ الإجارة منه، بل تتوقف علي إجازة المؤجر الأول، فإن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 145

أجاز نفذت الإجارة و وقعت للمستأجر الأول، لرجوعها عرفا إلي إسقاط شرط مباشرته في الاستيفاء، فيلحقها حكم المسألة الآتية. و إن لم يجز حرم علي المؤجر الثاني استيفاء المنفعة، و إن استوفاها حينئذ جري حكم المسألة السابقة.

(مسألة 7): إذا استأجر عينا علي منفعة خاصة فاستوفي غيره منفعتها من دون إذن منه، فإن كان ذلك مع استيفاء المستأجر للمنفعة المستأجر عليها- لعدم التضادّ بين المنفعتين- استحق المؤجر علي المستأجر الأجرة المسماة، و علي الثاني أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها. و ان لم يستوف المستأجر المنفعة المستأجر عليها فله صورتان.

الاولي: أن يكون عدم استيفاء المستأجر للمنفعة بسبب منع ذلك الغير له من دون تقصير منه، و حينئذ تبطل الإجارة و يجب علي المؤجر إرجاع الأجرة المسماة للمستأجر، و يستحق هو اجرة المثل للمنفعة المستوفاة علي من استوفاها.

الثانية: أن يكون عدم استيفاء المستأجر للمنفعة تسامحا منه في ذلك مع قدرته عليه، و حينئذ لم تكن المنفعة المستوفاة مضادة للمنفعة المستأجر عليها صحت الإجارة و وجب للمؤجر الأجرة المسماة علي المستأجر، و اجرة المثل للمنفعة المستوفاة علي من استوفاها. و إن

كانت مضادة لها صحت الإجارة أيضا و وجبت للمؤجر الأجرة المسماة.

و أما بالإضافة إلي أجرة المثل للمنفعة المستوفاة، فإن زادت قيمة المثل للمنفعة المستوفاة عن قيمة المثل للمنفعة المستأجر عليها كان للمؤجر نسبة ما بين القيمتين منها و الباقي للمستأجر، فإذا كانت قيمة المنفعة المستوفاة ضعف قيمة المنفعة المستأجر عليها كان للمؤجر نصف قيمة المنفعة المستوفاة و النصف الثاني للمستأجر، و إن لم تزد عليها كانت بتمامها للمستأجر. نعم إذا كان استيفاء الغير للمنفعة بالوجه المذكور منافيا لشرط صريح أو ضمني في عقد الإجارة بأن تبتني الإجارة علي عدم تمكين الغير من العين و كان الاستيفاء مبنيا علي التسامح من المستأجر في ذلك كان للمؤجر فسخ الإجارة فلا يستحق معه الأجرة المسماة، بل يستحق تمام اجرة المثل للمنفعة المستوفاة علي من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 146

استوفاها.

(مسألة 8): يجوز لمستأجر العين أن يؤجرها من غيره، فمن استأجر مقعدا في سيارة مثلا جاز له أن يؤجره من غيره، إلا مع اشتراط المباشرة صريحا أو ضمنا و لو لانصراف الإجارة إليها. نعم إذا كانت الإجارة في مثل المنفعة المذكورة مبنية علي تسليم العين للمستأجر فلا يجوز للمستأجر الأول تسليمها للثاني إذا لم يكن أمينا بنظره، و إلا كان ضامنا، كما سبق. و هكذا الحال إذا استؤجر لعمل في عين لغيره كخياطة ثوبه و بناء داره، فإنه يجوز مع عدم اشتراط المباشرة أن يستأجر غيره لذلك، و لا يجوز له تسليمه العين إلا إذا كان أمينا بنظره.

(مسألة 9): من استأجر عينا لم يشترط فيها المباشرة جاز له أن يؤجرها لغيره بأقل مما استأجرها به و بقدره، و كذا بالأكثر إذا أحدث فيها حدثا- كصبغ بيوت الدار و

إصلاح بابها و غير ذلك- أو غرم فيها شيئا. و أما بدون ذلك فلا يجوز في البيت و الدار و الدكان، بل و لا في الرحي و الأرض علي الأظهر، بل الأحوط وجوبا عموم المنع لكل عين مستأجرة.

(مسألة 10): قيل: يجوز لمن استأجر عينا أن يؤجرها بغير جنس الأجرة التي استأجرها بها، و إن كانت أكثر قيمة منها بحيث يكون له الربح في ذلك. لكنه لا يخلو عن إشكال، بل الأظهر المنع في الأرض، و الأحوط وجوبا المنع في غيرها أيضا.

(مسألة 11): يجوز للمستأجر أن يؤجر بعض العين المستأجرة بأكثر من نسبته من اجرة الكل، بل يجوز بتمام اجرة الكل من دون زيادة، فمن استأجر دارا بألف دينار- مثلا- جاز له أن ينتفع بثلثيها بنفسه، و يؤجر ثلثها بألف دينار، لا بأكثر.

(مسألة 12): يجوز لمن تقبّل أرضا للزراعة أن يقبّلها لغيره بأكثر مما تقبّلها به و إن لم يحدث فيها شيئا و لم يغرم، إذا كان ذلك بحصة مشاعة من ثمرها، لا بمقدار معين، فمن تقبل أرضا مثلا علي أن يدفع ربع حاصلها لمالكها جاز له أن يقبلها لغيره بنصف حاصلها، فإذا أخذ النصف دفع منه ربعا للمالك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 147

و يكون الربع الثاني ربحا له. و لا يجوز ذلك مع تحديد الأجرة بشي ء معين، كألف دينار.

(مسألة 13): من استؤجر لعمل- كخياطة ثوب و بناء دار- بأجر معين من دون شرط المباشرة لا يجوز له أن يستأجر غيره عليه بأقل من ذلك الأجر، إلا أن يعمل فيه شيئا، كتقطيع الثوب للخياطة و شق الأسس للبناء و نحو ذلك. و في كفاية الغرم من غير عمل إشكال، كما إذا دفع اجرة لنقل

العين التي فيها العمل أو لحراستها، إلّا أن يكون العمل الذي يغرم لأجله من جملة العمل المستأجر عليه، فيجوز حينئذ و إن حصل له ربح من ذلك.

و كذا يجوز إذا كان الثمن الأول مدفوعا بإزاء عين مع العمل و الثاني مدفوعا بإزاء العمل فقط، كما إذا استؤجر علي الخياطة أو البناء أو غيرهما بثمن معين علي أن عليه المواد اللازمة لإنجاز العمل، فإنه يجوز له أن يستأجر غيره علي إنجاز العمل وحده بأقل من ذلك الثمن علي أن تكون المواد عليه لا علي ذلك الغير.

(مسألة 14): إذا استأجر عينا لمنفعة ما مدة معينة لا يحق له أن يشغلها بما من شأنه إشغاله فيها أكثر من تلك المدة، فمن استأجر أرضا للزرع لا يحق له أن يزرع فيها ما يبقي أكثر من مدة الإجارة، و من استأجر بيتا لا يحق له أن يعمل فيه أو يحرز فيه ما لا يمكن تفريغه منه عند انقضاء مدة الإجارة، و لو فعل عامدا كان متعديا في إبقاء ذلك الشي ء، فيحق للمالك إجباره علي أن يسلّمه العين المستأجرة غير مشغولة به، و إن استلزم الضرر عليه، و لا يجوز له الامتناع من ذلك، إلا أن يرضي المالك بإشغال العين به و لو بثمن يتفقان عليه.

أما لو فعل ذلك غير عامد، فإن أمكن إزالته من دون لزوم ضرر علي صاحبه لزم مع عدم رضا المالك بالإبقاء و لو بثمن، و إن لزم عليه الضرر وجب علي المالك الرضا بالإبقاء بأجرة ما لم يلزم الضرر علي المالك أيضا، فيجب علي المستأجر إزالته مع عدم رضا المالك، كما إذا كان موجبا لنقص قيمة العين و تعيبها عرفا.

و كذا الحال لو أشغل المستأجر العين

بما من شأنه أن يفرّغ منها عند

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 148

انقضاء مدة الإجارة فاتفق خلاف ذلك لطوارئ غير محتسبة، كما لو لم ينضج الزرع لبرودة الهواء أو لقلة الماء.

(مسألة 15): إذا استأجر أرضا للزراعة فحصد الزرع عند انقضاء المدة و بقيت أصوله فنبتت بعد ذلك، فإن كان قد أعرض عنها فهي لمن سبق إليها، بلا فرق بين مالك الأرض و غيره، غاية الأمر أنه يحرم علي الغير الدخول إلا بإذنه.

بل لو كان مرجع إعراض المستأجر عن أصول الزرع إلي تركها لمالك الأرض- كما لعله الغالب- لم يجز لغيره تملكها.

هذا كله إذا كان الإعراض منه مع الالتفات لاحتمال نباتها بعد ذلك، أو مع الغفلة عنه و سبق صاحب الأرض أو غيره لتملكها قبل النبات. أما إذا كان غافلا عن احتمال نباتها فنبتت قبل أن يسبق شخص لتملكها فلا يجوز لأحد تملكها بل يجري عليها حكم المسألة الآتية.

(مسألة 16): إذا حصد مستأجر الأرض الزرع عند انقضاء مدة الإجارة و أبقي الأصول له غير معرض عنها- عصيانا أو للبناء علي قلعها فانشغل عن ذلك- كان النبات له. نعم للمالك المطالبة بقلعها علي التفصيل المتقدم في المسألة (14). كما أن له المطالبة بأجرة المثل في جميع الصور المتقدمة إذا لم تدخل في ملكه، و كان من شأنها أن تزال عند انتهاء مدة الإجارة.

(مسألة 17): إذا استأجره علي عمل مقيد بقيد خاص- من زمان أو مكان أو آلة أو غيرها- فجاء به علي خلاف الوجه الذي وقع الاتفاق عليه فله صورتان.

الاولي: أن يتعذر العمل المستأجر عليه و لو لمضي المدة التي قيدت بها الإجارة، و حينئذ تبطل الإجارة و لا يستحق الأجير شيئا، ثمّ إنه إذا كان

العمل في مادة خاصة- كما إذا استأجره علي أن يخيط ثوبه قميصا فخاطه قباء فإن نقصت قيمتها بالعمل المذكور كان ضامنا للأرش، و إن زادت فإن كان قد تعمد ذلك فلا شي ء له في مقابل عمله، و إن كان قد أخطأ فالظاهر استحقاقه لنتيجة عمله في العين فله الزيادة الحاصلة بسببه.

الثانية: أن لا يتعذر العمل المستأجر عليه، كالذهب يستأجر علي صياغته بوجه فيصوغه بوجه آخر مع بقاء مدة الإجارة، و حينئذ إن كان قد تعمد العمل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 149

بالوجه الآخر لم تبطل الإجارة و وجب إعادة العمل علي الوجه المستأجر عليه.

و كذا إذا كان قد أخطأ في ذلك و لم يكن العمل موجبا لزيادة القيمة، أما إذا كان موجبا لزيادة القيمة فإعادة العمل جريا علي مقتضي الإجارة مضرّ بالأجير، لأنه يستلزم إتلاف نتيجة عمله فيكون المورد من تزاحم الحقوق و لا بدّ من التراضي بينهما. و مع تشاحهما لا بدّ من الرجوع للحاكم الشرعي.

(مسألة 18): إذا استأجره علي عمل و اشترط عليه شرطا زائدا علي العمل المستأجر عليه فجاء بالعمل و تخلف عن الشرط صحت الإجارة و استحق الأجرة، و كان للمستأجر الفسخ و الرجوع بالأجرة المسماة و دفع اجرة المثل بدلها. و هكذا الحال في كل شرط في الإجارة، فإنّ تخلّفه لا يوجب بطلان الإجارة، بل يوجب الخيار لصاحب الشرط، فإذا فسخ لزم الرجوع لاجرة المثل.

(مسألة 19): الفرق بين القيد و الشرط أن القيد يكون مضيقا للعمل المستأجر عليه فلا ينطبق علي فاقد القيد، ليقع به الوفاء بالإجارة، و الشرط التزام خارج عن العمل المستأجر عليه لا يقتضي قصوره عن صورة فقد الشرط، سواء كان الشرط خارجا عن العمل المستأجر

عليه، كما لو استأجره علي الصلاة عن الميت و اشترط عليه أن يخيط ثوبه، أم متعلقا به، كما لو استأجره علي الصلاة عن الميت و اشترط عليه التعجيل به زائدا علي أصل العمل. غايته أن تمييز الأول عن القيد أيسر من تمييز الثاني، بل يحتاج تمييز الثاني عن القيد إلي عناية لفظية أو قرينة عرفية.

(مسألة 20): إذا استأجره علي عمل خاص، فعجز و لم يكمله، كان له من الأجرة بقدر ما أتي به من العمل. أما إذا استأجره علي نتيجة العمل غير القابلة للتبعيض، كحضور موسم خاص- من حج أو عمرة أو زيارة أو سوق أو غيرها- فأتمّ له العمل من دون أن تترتب النتيجة المذكورة- بأن حضر بعد ذهاب الوقت مثلا لزمهما الصلح و التراضي علي دفع بعض الأجرة بنسبة قيمة العمل خاليا عن النتيجة المذكورة لقيمة إذا كان واجدا لها، فإذا كانت قيمة السفر مثلا للمكان المذكور من دون حصول النتيجة المذكورة نصف قيمته مع حصولها استحق نصف الأجرة المسماة. نعم إذا لم يكن للعمل الفاقد للنتيجة قيمة لم يستحق الأجير شيئا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 150

تتميم:

ليس لمستأجر العين أولوية الإجارة من غيره بعد انقضاء مدة الإجارة، فإذا استأجر زيد من عمرو دارا أو محلا تجاريا أو سيارة سنة واحدة مثلا فانقضت السنة كان لعمرو أخذ هذه الأعيان من زيد و إيجارها من غيره، و له أن يعطله أو ينتفع به بنفسه، و يجب علي المستأجر تسليمه. و ما تعارف من أولوية مستأجر المسكن أو المحل التجاري ليس أمرا شرعيا، بل أولوية عرفية، و قد أكدها صعوبة الانتقال خصوصا من المحل التجاري.

(مسألة 1): نظرا للأولوية العرفية المتقدمة فقد تعارف سابقا

بذل شي ء من المال للمستأجر من أجل أن يخلي المحل التجاري و يفسح المجال لدافع المال كي يستأجره من المالك، و هذا المال المدفوع هو الذي كان يسمي (سر قفلية) و هو في الحقيقة هدية مشروطة بالإخلاء لا يوجب حقا لدافعة في الاستئجار لا في السنة الاولي و لا بعدها، بل لا بد في ذلك من مراجعة المالك، و لا يكفي مراجعة المستأجر المدفوع له المال بعدم عدم ثبوت حق له في العين شرعا.

نعم لو رضي المالك بأن يكون لدافع المال المذكور الأولوية في الاستئجار في مقابل ما دفع ثبت له الحق في ذلك، لكن لا يكفي في ذلك رضا المالك باستئجار الثاني بعد بذله المال للمستأجر الأول، بل لا بدّ فيه من عناية خاصة و اتفاق خاص يرجع إلي عقد أطرافه ثلاثة أشخاص المالك و المستأجر و دافع المال، و يتضمن العقد المذكور التزام المالك بأنّ للدافع حقا في العين يقتضي أولويته باستئجارها في مقابل دفعه المال المذكور للمستأجر الأول من أجل إخلائها.

(مسألة 2): تعارف في عصورنا أن يبذل من يريد استئجار المحل التجاري أو المسكن مقدارا من المال مقدمة للاستئجار يسمي (سر قفلية) أيضا. و يمكن أن يقع ذلك علي وجهين.

الأول: أن يكون بذل المال من أجل تقديم الباذل علي غيره ممن يريد الاستئجار من دون أن يكون للدافع في مقابل المال المدفوع الأولوية و الحق في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 151

الاستئجار بعد ذلك، و حينئذ لا يكون للمستأجر المذكور في العين المستأجرة حق شرعي، بل لا يكون له إلا الأولوية العرفية التي تقدم التعرض لها.

الثاني: أن يكون بذل المال في مقابل حق للباذل في العين المستأجرة يقتضي أن يكون له

الحق في استئجارها، و حينئذ لا يكون للمالك حق أخذ العين منه، إلا أن يتنازل عن الحق المذكور مجانا أو بعوض.

(مسألة 3): الحقّ في الصورة الثانية من جملة المكاسب التي يملكها المؤجر التي تكون موضوعا للخمس، كما سبق في كتاب الخمس. كما أنه يورث، إلا أن يكون مقيدا عند العقد بمباشرة خصوص دافع المال، بخلاف الحال في الصورة الأولي حيث لا موضوع فيها للإرث و الخمس. نعم سبق في كتاب الخمس أن المال المدفوع فيها يكون من مؤن التجارة المستثناة من الأرباح.

(مسألة 4): لما كان الحق المذكور في الصورة الثانية مجعولا للمتعاقدين فعمومه و خصوصه تابع لنحو الاتفاق بينهما، فإذا اتفقا علي أن للمستأجر بذله لغيره بعوض أو مجانا جاز ذلك له و نفذ قهرا علي المالك، و إلا لم يجز له بذله إلا بإذن المالك.

(مسألة 5): الحق المذكور في الصورة الثانية يختص بما إذا حضر المستأجر- الباذل للمال- للاستئجار في السنين اللاحقة و بذل الأجرة، و لا يعم ما إذا لم يفعل ذلك، و لو قهرا لحبس أو تشريد، بل يجوز للمالك حينئذ الانتفاع بالمحل بنفسه و إيجاره علي غيره من دون بذل شي ء للمستأجر الباذل للمال، إلا أن يتفقا علي ثبوت الحق المذكور بنحو يقتضي ضمانه بالقيمة المدفوعة أو بقيمة المثل عند إرادة استيفاء منفعة العين و تعذّر مراجعة صاحب الحق. و هو يحتاج إلي عناية خاصة و تنبيه لا يبتني عليه طبيعة الحق ارتكازا.

(مسألة 6): للمالك عند انتهاء مدة الإجارة و إرادة تجديدها أن يزيد علي الأجرة السابقة، سواء كان للمستأجر حق السرقفلية المتقدم أم لم يكن، إلا أن يتفق المؤجر و المستأجر و يشترطا في عقد الإجارة أو في عقد آخر

تحديد الأجرة أو تبعيتها للقوانين الوضعية المفروضة في البلد، فيلزم الشرط و يجب العمل عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 152

خاتمة: في بقية وجوه استيفاء المنفعة بالأجر

اشارة

استيفاء المنفعة بالأجر لا يختص بالإجارة، بل له وجوه أخري جري العرف و العقلاء علي العمل عليها، و هي تشارك الإجارة في اشتراط حلية المنفعة و الأجرة، علي الضوابط المتقدمة في المكاسب المحرمة. و تختص الإجارة من بينها بأنها من العقود، حيث تتضمن المعاوضة و تمليك المنفعة بالأجر بمجرد وقوع المعاملة قبل استيفاء المنفعة، كما تقدم في الفصل الأول.

و لذا كان لكل من الطرفين المطالبة بما ملك، و علي كل منهما تسليم ما ملّك وفاء بالعقد اللازم، كما تقدم أيضا.

و هذا بخلاف الوجوه الأخر، فإنها إنما تقتضي ملكية الأجر بعد استيفاء المنفعة من دون أن تقتضي ملكية المنفعة، و لا ملكية الأجرة قبل استيفائها، و لذا لا يكون لكل من الطرفين المطالبة بشي ء قبل الاستيفاء، و إنما يحق لمن استوفيت المنفعة منه المطالبة بعد استيفائها بالأجر.

إذا عرفت هذا، فالمناسب التعرض لتلك الوجوه في ضمن مبحثين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 153

المبحث الأول في الاستيفاء و الإباحة بالضمان

كل من طلب من غيره عملا أو منفعة لهما مالية عرفا فوفّاه ما طلب كان عليه لمن استوفي منه أجر تلك المنفعة أو العمل، كما إذا قال المريض للطبيب:

داوني، أو قال الماشي لصاحب الدابة أو السيارة: احملني، أو قال صاحب الثوب للخياط: خط لي هذا الثوب، أو قال طالب المتاع للدلال: اشتر لي المتاع الفلاني، أو قال الطارق لصاحب البيت: دعني أنام فيه إلي غير ذلك، فإنه إذا استجاب المطلوب منه للطالب فاستوفي الطالب منه ما طلب كان عليه اجرة العمل أو المنفعة التي استوفاها.

(مسألة 1): لا بد في لزوم الأجر من كون الطالب للعمل نافذ التصرف، فلو كان محجورا عليه بصغير أو جنون أو سفه فلا أجر عليه إن علم العامل بحاله،

و إلا فلا يخلو الأمر عن إشكال، و يحتمل لزوم أقل الأمرين من الأجر المعين و اجرة المثل، فالأحوط وجوبا التصالح مع الولي.

(مسألة 2): إذا علم المطلوب منه أن الطالب يريد العمل أو المنفعة مجانا فأدّي له ما طلب لم يكن له أجر، و كذا إذا ظهر له من حاله ذلك بقرائن حالية أو مقالية. نعم لو غفل عنها استحق الأجر واقعا، و توقف استحقاقه له ظاهرا علي إثبات غفلته.

(مسألة 3): قد يعلم المطلوب منه من حال الطالب أنه يريد منه العمل تبرعا و بلا أجر، فلا يرضي في نفسه بذلك، و لا يهون عليه تنبيه إلي ذلك خجلا منه، أو خوفا من أن يترك التعامل معه فيكون أضر عليه، فيكتم ما في نفسه و يعمل له بقصد الأجير، و يعمد للتحايل في تحصيل الأجر له، فمثلا يقول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 154

زيد لعمرو: اشتر لي البضاعة الفلانية، قاصدا الشراء له مجانا من دون أن يدفع له دلالية، فإذا لم يعجب عمرا ذلك تحايل في أخذ الدلالية منه بأحد وجهين.

الأول: أن يأخذ منه الدلالية بإضافتها للثمن مع إيهام أن الثمن هو المجموع.

الثاني: أن يتفق مع البائع علي زيادة الثمن من أجل أن يدفع الدلالية له.

لكن الأول سرقة محرمة، و الثاني مخالف لقصد المشتري الذي وكّله، لأن مطلوبه منه تحرّي أرخص الأثمان، ثقة به و اعتقادا بأنه لا يأخذ لنفسه شيئا، فلا يكون الشراء بالثمن المذكور مأذونا فيه و يخرج عن شرط وكالته فيبطل الشراء، و لا يستحق البائع الثمن كما لا يستحق هو الدلالية.

و قد يلجأ بعضهم إلي أن يأخذ المشتري للبائع مع اتفاق مسبق مع البائع أن يزيد في الثمن من أجل

الدلالية، فيخبر البائع المشتري بالثمن الأكثر، فيرضي به ثقة بصاحبه الذي أرشده للبائع المذكور، لتخيل أنه أرشده لصاحب الثمن الأقل. و هذا الطريق و إن لم يستلزم بطلان البيع، إلا أنه يبتني علي خيانة صاحبه- الذي ائتمنه و استرشده- و غشّه، و ذلك من أعظم المحرمات، فاللازم اجتناب هذه الطرق الملتوية و أمثالها، و سلوك الطرق الواضحة الصريحة تجنبا للحرام و ليطيب المكسب و يهنأ.

(مسألة 4): إذا تعارف دفع البائع الدلالية في المسألة السابقة من دون حاجة إلي اتفاق خاص بينه و بين الوسيط، بحيث يكون السعر الذي يطلبه هو السعر الطبيعي، و لم يكن هناك بايع آخر بدون الثمن الذي يطلبه جاز للوسيط الشراء لمن طلب منه بالثمن الذي يعينه البائع المذكور، و حلّ له أخذ الدلالية، و لا يجب عليه حينئذ تنبيه المشتري الذي طلب منه التوسط و لا إعطاء الدلالية له، كما لا يجب عليه التنازل عن الدلالية و عدم أخذها من البائع من أجل أن ينقص الثمن لصالح المشتري الذي استعان به و استنصحه، لعدم كونه غاشا له حينئذ بعد جريه علي النحو المتعارف من دون التواء و تحايل.

(مسألة 5): إذا أدّي المطلوب منه ما طلب بقصد التبرع و المجانية لم يستحق شيئا. و لو دفع له الأجر لم يستحقه، فليس له أخذه إلا إذا قصد الدافع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 155

الهدية لا الأجر، و لو أعلمه بالحال فأصر علي دفع الأجر فالظاهر جواز أخذه له، لظهور حاله عرفا في إجازته له أن يأخذه بعنوان الهدية.

(مسألة 6): إذا كان المطلوب منه محجورا عليه بصغر أو جنون أو سفه لم ينفع قصد التبرع منه أو من الطالب في سقوط الأجر،

بل يتعين ثبوت أجر المثل له. نعم إذا رأي وليه صلاحه في العمل تبرعا جاز له أن يأذن في ذلك فلا يثبت الأجر. و يكفي استفادة إذنه من شاهد الحال.

(مسألة 7): إذا ابتني طلب المنفعة و أداؤها علي أجر معين بين الطرفين لزم، كما إذا اتفقا بوجه خاص علي مقدار الأجر مسبقا، و كما إذا أعلن العامل بوجه عام أجرا خاصا لعمله، كالطبيب يكتب أجر المعاينة في عيادته، و صاحب الفندق يكتب أجر المبيت، و سائق السيارة يكتب أو يعلن عن اجرة السيارة.

(مسألة 8): لا يعتبر علم كلا الطرفين بمقدار الأجر، بل يكفي رضاهما بالأجر المعلن المعين إجمالا و إن جهله أحدهما أو كلاهما تفصيلا.

(مسألة 9): إذا علم أحدهما بقصد الآخر أجرا معينا و لم يعرف مقداره فليس له قصد غيره، بل لا بدّ إمّا من الرضا به علي إجماله فيلزم به، أو التوقف عن بذل المنفعة أو استيفائها. و لو أقدم حينئذ من دون أن ينبه صاحبه علي عدم الرضا به الزم بما قصده صاحبه. و كذا الحال إذا علم بما قصده صاحبه تفصيلا، فإنه ليس له إلا الرضا به فيلزمه، أو التوقف.

(مسألة 10): إذا قصد كل منهما غير ما قصده الآخر بتخيل أن ذلك هو الأجر المطلوب فهناك صور:

الاولي: أن يقصد صاحب المنفعة أو العمل أجرة المثل أو ما زاد عليها و يقصد المستوفي ما نقص عنها.

الثانية: أن يقصد المستوفي اجرة المثل و يقصد صاحب العمل أو المنفعة ما زاد عليها.

و اللازم في هاتين الصورتين اجرة المثل.

الثالثة: أن يقصد صاحب المنفعة أو العمل ما نقص عن اجرة المثل و يقصد المستوفي ما دونه أو ما فوقه، مساويا لاجرة المثل أو زائدا عليها. و

في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 156

وجوب ما قصده صاحب المنفعة أو العمل أو وجوب اجرة المثل حينئذ إشكال، و الأحوط وجوبا التصالح بينهما.

الرابعة: أن يقصد كل منهما ما زاد علي اجرة المثل. و في وجوب أقل الأمرين مما قصده كل منهما أو وجوب اجرة المثل حينئذ إشكال أيضا، و الأحوط وجوبا التصالح.

(مسألة 11): إذا لم يبتن طلب المنفعة و أداؤها علي التبرع لكن لم يعين الطرفان أجرا خاصا وجبت اجرة المثل. نعم يكره استعمال الأجير من دون تحديد أجرته.

(مسألة 12): إذا كان أحد الطرفين محجورا عليه لصغر أو غيره فلا عبرة بتعيينه، إلا أن يحرز إذن وليه له في ذلك. فلو استوفيت المنفعة من دون ذلك، فإن كان المحجور عليه هو المستوفي للمنفعة لم يكن عليه أجر، و إن كان هو صاحبها فهل اللازم اجرة المثل، أو أكثر الأمرين منها و ممّا أقدم عليه المستوفي؟

وجهان، و الأحوط وجوبا التصالح و التراضي بينهما.

(مسألة 13): المعاملة المذكورة ليست عقدا، فيجوز الرجوع فيها ما لم تستوف المنفعة و يثبت الضمان. نعم إذا تعارف عدم الرجوع في أثناء استيفاء المنفعة كان الشروع في استيفائها برضاهما معا راجعا إلي التزام كل منهما للآخر بالمضي فيما شرعا فيه، فيلتزم صاحب المنفعة للمستوفي بالاستمرار في بذل المنفعة حتي تكمل في مقابل تمام الأجر، و يلتزم المستوفي لصاحب المنفعة بتمام الأجر لو بقي علي بذله، فتكون المعاملة نحوا من الصلح، و عقدا خاصا اتفق عليه الطرفان ضمنا و إن لم يصرح به لفظا.

(مسألة 14): كما أنه قد يطلب الشخص استيفاء المنفعة فيجري فيه ما تقدم، كذلك قد يبيح صاحب المنفعة استيفاءها بثمن معين، فيلزم الثمن المذكور علي كل من استوفاها، كأن

يأذن صاحب الكراج بجعل السيارة فيه، و صاحب الخان بالمبيت فيه، و صاحب الحمام بالغسل فيه، و صاحب السيارة العامة بالركوب فيها، و غير ذلك. و ليس ذلك من الإجارة في شي ء، كما أنه ليس من العقود ما لم يبتن علي الإلزام و الالتزام بأن يتعارف عدم الرجوع في الأثناء،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 157

بحيث لا يحق لأحدهما العدول عما شرعا فيه، نظير ما تقدم في المسألة السابقة (مسألة 15): الظاهر جريان نظير ما سبق في الأعيان المملوكة، فمن طلب من أحد طعاما فأكله كان عليه مع عدم قصد المجانية من الطرفين قيمة المثل، إلا مع تعيين قيمة خاصة فتلزم، و إن لم تكن معلومة تفصيلا. و كذا من بذل طعامه و أباحه بالضمان كان له قيمة المثل، أو القيمة التي عينها علي من يأكل الطعام أو يتصرف فيه التصرف المانع من الانتفاع به علي الوجه المطلوب، كما هو الشائع في المطاعم العامة و نحوها. و لا يكون ذلك بيعا ليكون مشروطا بشروطه، بل هو استيفاء بالضمان أو إباحة بالضمان. و تجري فيه الفروع المتقدمة في العمل و المنفعة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 158

المبحث الثاني في الجعالة

و هي عبارة عن التزام الإنسان بجعل مال لغيره علي عمل يقوم به بحيث يكون المال جعلا علي العمل و عوضا عنه. أما الوعد بدفع المال هدية لمن يقوم بالعمل، من دون أن يكون عوضا عنه و جعلا عليه فهو و عد مجرد لا يجب الوفاء به.

(مسألة 16): الجعالة من الإيقاعات، فيكفي فيها الإيجاب ممن يريد العمل و يحثّ عليه، و لا تحتاج إلي القبول. و إيجابها علي نحوين: خاص و عام، فالأول كما إذا قال لشخص:

إن خطت ثوبي فلك درهم، و إن كنست المسجد فلك دينار، و الثاني كما إذا أعلن صاحب الضالة عن جعل شي ء من المال لمن ردها عليه، أو أعلن من يهمه أمر البلد عن جعل شي ء من المال لمن يرد عن البلد عادية حيوان أو سيل أو عدو أو نحو ذلك.

(مسألة 17): يعتبر في الجاعل أن يكون نافذ التصرف غير محجور عليه لصغير أو جنون أو سفه، و إلا احتاج نفوذ الجعالة منه لإذن الولي. و بدون ذلك تبطل الجعالة، و لا يستحق العامل شيئا. نعم إذا أمر بالعمل و لم يقتصر علي جعل الجعل جري ما تقدم في المبحث الأول.

(مسألة 18): لا يعتبر في العامل نفوذ التصرف، فإذا لم يكن نافذ التصرف و جاء بالعمل استحق الجعل. بل إذا كان الجاعل قد أمره بالعمل و لم يقتصر علي جعل الجعل و اندفع في العمل عن أمره استحق أكثر الأمرين من الجعل و اجرة المثل.

(مسألة 19): لا يعتبر انتفاع الجاعل بالعمل، بل يكفي رغبته في تحصيله لمصلحة غيره، كما إذا قال: من خاط ثوب زيد فله كذا. بل حتي لو كان لمصلحة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 159

العامل نفسه، كما إذا قال: إن غسلت ثوبك فلك كذا.

(مسألة 20): لا يعتبر في العمل أن يكون معلوما من حيثية الكثرة و القلة و المشقة و السهولة و غير ذلك مما يوجب اختلاف المالية أو الرغبة، بل يكفي تحديده بنحو ينضبط. و كذا الحال في الجعل فتصح مع جهالته، كما لو قال: من ردّ دابتي فله ما في هذه الصرة. بل تصح مع تردد الجعل بين أمرين، كما لو قال:

من ردّ دابتي فله أحد هذين الثوبين، لكن لا

بد من انضباطه في الجملة بجعل طريق لتعيين أحدهما، كالقرعة أو اختيار الجاعل أو المجعول له أو نحو ذلك.

(مسألة 21): لا بدّ في استحقاق العامل للجعل من ابتناء عمله علي الجعالة، بحيث يقصد به استحقاق الجعل، فلو قام بالعمل جاهلا بها أو غافلا عنها لم يستحق شيئا، و إن كان بأمل إحسان الجاعل. و كذا لو كان عالما بها إلا أنه قصد التبرع بعمله.

(مسألة 22): يجوز للجاعل الرجوع بالجعالة قبل شروع العامل في العمل و في مقدماته. و في جواز رجوعه بعد شروعه في المقدمات قبل البدء بالعمل إشكال، كما لو قال: من ردّ دابتي فله كذا، فسافر العامل من أجل العثور عليها. و كذا بعد الشروع في العمل قبل إكماله إذا كان الجعل مبنيا علي الارتباطية، و أما إذا كان مبنيا علي الانحلال فله الرجوع، و يستحق العامل من الأجر بنسبة عمله.

(مسألة 23): يجوز للمجعول له الرجوع بعد الشروع في مقدمات العمل، بل بعد الشروع في العمل نفسه، إلا أن يتعارف عدم الرجوع حينئذ، فيجري ما تقدم في المسألة (13).

(مسألة 24): إذا اشترك في العمل المجعول عليه الجعل أكثر من واحد اشتركوا في الجعل بالنسبة. و إن قام به كل منهم بنحو الاستقلال- كما لو قال: من صلي عن أبي صلاة الظاهر فله كذا، فصلاها جماعة- فإن كان الجعل علي الوجود الواحد كان الجعل لمن سبق في إكمال العمل، و إن تقارنوا في ذلك اشتركوا في الجعل، و إن كان الجعل علي كل وجود بنحو الانحلال بأن كان المراد تعدد الجعل بتعدد العمل استحق كل منهم جعلا.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 161

كتاب المضاربة

المضاربة عبارة عن معاملة خاصة بين

صاحب المال و شخص آخر تبتني علي اتجار ذلك الشخص بالمال علي أن يكون له شي ء من الربح.

(مسألة 1): لا بدّ في المضاربة من بقاء المال علي ملك صاحبه و عدم تملك العامل له من المالك، فيكون العامل بمنزلة الوكيل علي المال يبيع به و يشتري لصاحبه، بحيث يكون من شأن الربح أن يكون بتمامه لصاحب المال، لأنه ربح ماله، لو لا أن العامل بسبب عمله يستحق بعضه.

و ليس من المضاربة ما إذا دفع المالك المال للتاجر علي أن يخرج عن ملكه و يصير للتاجر مع انشغال ذمته بمثله، و حينئذ يعمل التاجر به كما يعمل بماله يبيع و يشتري به لنفسه، و يربح لنفسه، غايته أنه يجعل لمن أخذ منه المال بعضا من الربح لأنه انتفع بماله، بل المعاملة المذكورة قرض ربوي محرم.

و لا يكفي في جعلها مضاربة- مع خروج المال عن ملك الدافع- اشتراط تحمل دافع المال للخسارة، بل لا بد مع ذلك من بقاء المال علي ملك مالكه الأول و كون التاجر بمنزلة الوكيل، كما ذكرنا.

و قد شاع في عصرنا دفع الإنسان ماله لمن يعمل به علي أن يعطيه شيئا من الربح باسم المضاربة، و الظاهر رجوعه للقرض الربوي، و ليس له من المضاربة إلا الاسم، غفلة عن الضابط المتقدم للمعاملتين، فاللازم التنبه لذلك و الحذر من التورط في الحرام.

(مسألة 2): المضاربة من العقود، فلا بد فيها من الإيجاب و القبول، و لا يعتبر فيها اللفظ، بل يكفي كل ما يدل علي ذلك، و لو مثل دفع المال للشخص و أخذه له بعنوان المضاربة.

(مسألة 3): يعتبر في المتعاقدين- و هما صاحب المال و العامل- نفوذ التصرف و عدم الحجر لصغر أو جنون

أو سفه، و لا تصح بدون ذلك إلا بإذن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 162

الولي.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 2، ص: 162

و لو وقع العقد بدون ذلك و عمل العامل، فإن كان المحجور عليه هو المالك كان له تمام الربح و ليس للعامل شي ء إن علم بالحال، و إن جهله أو جهل عدم نفوذ المضاربة حينئذ فلا يخلو الأمر عن إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بينهما. و إن كان المحجور عليه هو العامل كان له اجرة المثل.

(مسألة 4): لا يعتبر في مال المضاربة أن يكون من الدنانير و الدراهم التي هي عبارة عن الذهب و الفضة المسكوكين بسكة المعاملة، بل تصح بجميع النقود و إن كانت و رقية. بل تصح حتي بالأعيان إذا ابتنت المعاملة علي حفظ رأس المال بمثله، كما لو دفع إليه ألف مثقال من الذهب- مثلا- ليتّجر بها بالبيع و الشراء بنسبة من الربح علي أن يحسب الربح بعد حفظ الألف مثقال من الذهب بمثلها، بل تصح بالأعيان حتي لو ابتنت علي أن يكون رأس المال هو الثمن الخاص لها أو ثمن بيعها، كما لو دفع إليه بضاعة خاصة و اتفقا علي أن ثمنها ألف دينار تكون هي رأس المال، أو علي أنها تباع و ما يحصل من ثمنها هو رأس المال.

(مسألة 5): الظاهر صحة المعاملة علي المنفعة و إن لم تكن مضاربة بأن يجعل لها قسطا من الربح، كما لو دفع لشخص شبكة ليصيد بها و يكون الصيد بينهما، أو سيارة لينقل بها و يكون الوارد بينهما. بل قد تكون

المعاملة علي المنفعة و المال معا، كما لو دفع شخص معملا و آخر مالا لشخص ثالث علي أن يستغل المال لإنتاج المعمل و يكون الربح بينهم.

(مسألة 6): إذا كان المال دينا في ذمة شخص لم يصح لمالكه المضاربة عليه معه قبل قبضه، و لو ضاربه عليه بطل العقد، فلو عمل به حينئذ كان الربح بتمامه للعامل و بقي الدين في ذمته.

نعم، لو كان وكيلا في تعيينه و عزله و قبضه عن المالك، ففعل ذلك ثمّ عمل به كان الربح بتمامه للمالك، و عليه للعامل اجرة المثل لعمله، و برئ العامل من الدين.

و لا تقع المضاربة إلا أن يوكله في إيقاع عقد المضاربة في المال بعد عزله و قبضه عنه، بأن يتولي طرفي العقد معا، فإنه لو فعل ذلك حينئذ صحت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 163

المضاربة و كان الربح بينهما علي النحو الذي يتفقان عليه.

(مسألة 7): إذا كان المال دينا في ذمة شخص فضارب الدائن به شخصا آخر فالظاهر صحة المضاربة به معه و إن لم يقبض ممن عليه.

(مسألة 8): الأحوط وجوبا في مال المضاربة أن يكون معينا، فلا يضارب بأحد مالين مرددا من دون تعيين. نعم لا يعتبر فيه أن يكون معلوما حين العقد، فتصح المضاربة علي المال المعين و إن كان مجهولا جنسا أو قدرا، نعم لا بدّ من معرفة مقداره قبل الاسترباح به ليعلم مقدار الربح.

(مسألة 9): الظاهر توقف صدق المضاربة علي المعاملة علي ما إذا كان الربح بينهما بنحو الإشاعة بنسبة معينة كالنصف أو الثلث أو الربع. أما لو اشترط العامل مقدارا معينا كألف دينار، فإن رجع إلي استحقاق ذلك علي كل حال في ذمة المالك و إن لم يف

الربح به صحت المعاملة بلا إشكال مع تعيين مدة العمل، لكن لا تكون مضاربة، بل إجارة علي العمل بالمال وكالة عن المالك، و إن رجع إلي استحقاقه من الربح علي تقدير وفائه به، بحيث لو لم يف به كان اجره دون ذلك أو لا أجر له، فالظاهر صحتها أيضا، لكن لا تكون مضاربة و لا إجارة، بل معاملة خاصة خارجة عنهما. و أما لو اشترط المالك مقدارا معينا فلا تصح مضاربة، بل إن رجع ذلك إلي استحقاقه المقدار المعين علي كل حال و إن لم يف به الربح بطلت المعاملة، و حينئذ لو عمل العامل بالمال كان له علي المالك اجرة المثل و الربح بتمامه للمالك، و إن رجع إلي استحقاقه ذلك من الربح علي تقدير وفائه به صحت المعاملة، و لم تكن مضاربة.

(مسألة 10): لا بد في صحة المضاربة من قدرة العامل علي الاتجار بالوجه المجعول فيها، فلا تصح مع عجزه، و لو تجدد العجز بطلت.

(مسألة 11): يجوز في المضاربة الواحدة تعدد العامل علي أن تكون الحصة بين العامل بالسوية أو بالتفاضل، كما يجوز فيها تعدد المالك، بأن يكون المال مشتركا بين مالكين أو أكثر و يعمل فيه غيرهما بحصة من ربحه و للمالكين الباقي منه بالسوية أو بالتفاضل أيضا.

(مسألة 12): يجوز مع تعدد المضاربة ابتناء كل مضاربة علي الشركة بين المالين، بأن يأخذ العامل المال من كل شخص علي أن له أن يخلطه بالمال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 164

المأخوذ من الآخر، و يعمل فيهما معا بنحو الشركة.

(مسألة 13): مقتضي إطلاق عقد المضاربة دفع المال للعامل بحيث يكون تحت يده، لكن يمكن الخروج عن ذلك بأن يشترطا بقاء المال تحت يد المالك.

(مسألة

14): مقتضي إطلاق المضاربة جواز فسخ كل من المالك و العامل لها متي شاء، و حينئذ تبطل بموت أحدهما، و بطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف كالجنون و السفه.

(مسألة 15): إذا حددت المضاربة بأجل خاص، فإن كان المراد بذلك مجرد عدم جواز الاتجار بالمال بعد الأجل بقي لكل منهما حق الفسخ قبل الأجل، و إن كان المراد به- زائدا علي ذلك- لزوم البقاء عليها في الأجل المذكور لزمت في ذلك الأجل، و لم يكن لأحدهما أن يستقل بالفسخ قبله، إلا أن يتفقا معا عليه، من دون فرق بين التصريح بالأجل، و ابتناء المضاربة عليه ضمنا لقرينة حالية من عرف أو عادة أو غيرهما، حيث كثيرا ما يتعارف إرادة موسم خاص أو سوق خاص. و إن لم ينضبط مدة بالشهور و الأيام، و حينئذ لا تبطل بموت المالك و لا بطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف قبل الأجل، و تبطل بموت العامل و بطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف إذا أوجب عجزه عن الاتجار بالمال.

(مسألة 16): يجب علي العامل أن يقتصر علي التصرف المأذون فيه، فإذا عين المالك نوعا من البضاعة أو وقتا للعمل أو مكانا خاصا أو سعرا معينا أو نحو ذلك لزم العمل به، فإن خالف ضمن رأس المال، و إن كانت المعاملة الواقعة منه صحيحة و يكون الربح بينهما.

(مسألة 17): الظاهر من إطلاق المضاربة إيكال التصرف فيها لنظر العامل، من حيثية السفر بالمال و عدمه، و البيع بالنقد و النسيئة، و كيفية حفظ المال، و كيفية الاسترباح به، و غير ذلك. فاللازم عليه تحري الأقرب لحفظ المال و حصول الربح بالنحو المتعارف، و إلا كان مفرطا معتديا ضامنا، كما يأتي.

(مسألة 18): الظاهر أنه

ليس للمالك بعد تمامية عقد المضاربة أن يشترط شيئا خارجا عن مقتضي العقد، إلا أن يرجع إلي فسخ العقد و تجديده

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 165

علي طبق الشرط فيتوقف علي أن يكون له الفسخ.

(مسألة 19): مقتضي ظاهر إطلاق المضاربة أن جميع النفقات التي يحتاج إليها لحفظ المال و صلاحه و للاسترباح به علي مال المضاربة، و لا يتحمله العامل و لا المالك من غير مال المضاربة. نعم لو اشترط خلاف ذلك كان العمل علي الشرط.

(مسألة 20): إذا احتاجت المضاربة لسفر العامل كانت نفقته من رأس المال. و إذا فسخت المضاربة في أثناء السفر، فمع اشتراطهما و لو ضمنا وقوع نفقة الرجوع علي مال المضاربة أو عدمه يعمل بالشرط، و مع عدم الشرط ففي التحمل و عدمه إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بين الطرفين.

(مسألة 21): لا إشكال في انجبار الخسارة بالربح الحاصل في المضاربة، فلا يثبت للعامل شي ء من الربح إلا بعد تدارك الخسارة، سواء كانت سابقه علي الربح أم لاحقة له، فإذا خسرت المضاربة في بعض المعاملات مائة، و ربحت في أخري مائتين فحصة العامل تثبت في خصوص مائة من الربح المذكور، لا في تمامه. كما أن الظاهر جبر الربح للتلف الحاصل في مال المضاربة بعد دورانه في التجارة إذا كان من توابع التجارة و شؤونها- كخطإ الحساب و عدم وفاء بعض الغرماء و تلف البضاعة بسبب النقل و نحو ذلك- و عدم جبره للتلف و نحوه إذا كان قبل الشروع في التجارة و لم يكن من شؤونها و توابعها، كما إذا سرق بعض المال أو عطب. و أما إذا وقع التلف المذكور بعد الشروع في التجارة ففي جبر الربح له إشكال، فالأحوط وجوبا

التراضي بينهما. نعم لو اشترط أحد الأمرين صريحا أو ضمنا كان العمل عليه.

(مسألة 22): يملك العامل الحصة بظهور الربح، و لا يتوقف علي إنضاض البضاعة الذي هو عبارة عن بيعها بالنقد، و حينئذ يملك العامل من تمام الموجود من البضاعة و النقد بالنسبة، لكن الملك المذكور لا يستقر، إلا مع عدم تجدد الخسارة أو التلف، و إلا كان الربح جابرا لهما، علي ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 23): الربح و إن كان جابرا للخسارة كما سبق، إلا أن أمد الانجبار تابع لما يتفقان عليه حين العقد صريحا أو ضمنا و لو بسبب عرف أو عادة، فإذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 166

اتفقا علي تمييز حق كل منهما كل سنة- مثلا- كان الانجبار مختصا بما يقع في السنة الواحدة، و إذا اتفقا علي تمييز حق كل منهما لكل بضاعة كان الانجبار مختصا بما يقع فيها. و إذا أغفلا هذه الجهة كان ظاهرهما الانجبار في تمام مدة بقاء المضاربة، فمع عدم تحديد أمدها يجوز لكل منهما فسخها في أي وقت شاء- كما سبق- فيستقر الربح بفسخها، و مع أخذ أجل خاص فيها لا يستقر الربح إلا بمضي الأجل، إلا أن يتفقا معا بعد ذلك علي الفسخ قبله فيستقر الربح بذلك.

(مسألة 24): لا يضمن العامل تلف مال المضاربة و لا يتحمل الخسارة الطارية عليه، إلا أن يخالف ما عينه له المالك، أو يكون معتديا خارجا عن مقتضي وظيفته المتقدمة في المسألة (17) إذا كان التلف و الخسارة مسببين عن مخالفة المالك أن عن التعدي، و أما إذا لم يكونا مسببين عنهما فالظاهر عدم الضمان مع التعدي. و في الضمان مع المخالفة إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بينهما.

(مسألة 25):

ليس للمالك أن يشترط علي العامل المضارب الضمان عند تلف رأس المال أو طروء الخسارة عليه من دون تفريط، و لو اشترط ذلك كانت المضاربة بحكم القرض، فليس له إلا رأس ماله و لا يستحق من الربح شيئا، بل يختص به العامل، من دون فرق بين اشتراط الضمان رأسا و اشتراط تدارك الخسارة إن حصلت.

(مسألة 26): إذا أخذ العامل مال المضاربة و لم يتجر به تسامحا و خروجا عن مقتضي وظيفته كان ضامنا له إن تلف، إلا أن يكون ذلك بإذن المالك. نعم إذا لم يبتن الاتفاق بينهما علي إلزام العامل بالعمل، بل علي مجرد جعل الحصة من الربح له علي تقدير العمل إن أراده لم يكن مفرطا بترك العمل، و الظاهر خروج ذلك عن المضاربة و دخوله في الجعالة، لكنه يشارك المضاربة في حكم اشتراط الضمان المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 27): لا يصح للمالك أن يشتري من مال المضاربة، لأن بعضه أو تمامه ملك له، و لا يشتري الإنسان من نفسه، إلا أن يريد بالشراء محض تبديل مال المضاربة بالثمن، ليكون الثمن مالا للمضاربة بدلا عنه، فيصح حينئذ،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 167

و يترتب علي الثمن آثار مال المضاربة.

(مسألة 28): إذا مات العامل قبل تسليم مال المضاربة فهنا صور.

الصورة الاولي: أن يعلم بعدم وجود مال المضاربة، فإن علم بضمانه له- لتعديه عليه- كان المالك كسائر الغرماء يضرب معهم بحيث لو قصرت التركة لحقه النقص مثلهم، و يكون مثلهم مقدما علي الورثة، و إن لم يعلم بضمان العامل فلا شي ء للمالك.

الصورة الثانية: أن يعلم بوجود مال المضاربة، و حينئذ.

تارة: يعلم بوجوده في ضمن التركة الظاهرة التي تصل إليها يد الوارث.

و اخري: يعلم بخروجه

عنها.

و ثالثة: يشك في وجوده فيها أو خروجه عنها.

ففي الأولي يستحق المالك عين المال مع تميزه، و أما مع عدم تميزه ففي استحقاقه تمام مقدار المال من التركة مقدما علي الغرماء، أو كونه كبقية الغرماء وجهان، فالأحوط وجوبا التراضي بينه و بينهم. و في الثانية إن علم بضمان العامل للمال- لتفريطه فيه، و لو بعدم إخباره عنه- يكون المالك أسوة الغرماء، و إن علم بعدم ضمان العامل للمال فلا شي ء للمالك، بل تكون التركة بتمامها للورثة بعد وفاء الديون، و إن شك في ضمانه له ففي كونه أسوة الغرماء في التركة أو عدم استحقاقه شيئا وجهان، فالأحوط وجوبا التراضي بينه و بين الورثة و الغرماء. و في الثالثة إن علم بضمان العامل للمال كان المالك أسوة للغرماء، و إن لم يعلم بضمان العامل ففي عدم استحقاق المالك شيئا، أو كونه أسوة الغرماء وجهان، و الأحوط وجوبا التراضي بينه و بين الغرماء و الورثة.

الصورة الثالثة: أن يشك في وجود مال المضاربة، فحكمها حكم الفرض الثالث من الصورة الثانية.

(مسألة 29): يكره مضاربة الذمي، بل مطلق الكافر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 169

كتاب المزارعة و المساقاة

اشارة

و الكلام فيه في ضمن مباحث.

المبحث الأول في المزارعة

و هي معاملة خاصة بين صاحب الأرض و شخص آخر تبتني علي قيام ذلك الشخص بزراعة الأرض في مقابل حصة من حاصلها. و يعتبر فيها أمور.

الأول: أن يكون الحاصل بينهما و لا يختص به أحدهما.

(مسألة 1): لو اتفقا علي أن يكون الحاصل بتمامه لأحدهما صح العقد و لم يقع مزارعة، كما إذا كان غرض مالك الأرض أن يزرع أرضه بنوع من الزرع لسحب أملاحها مثلا لا من أجل أن ينتفع بحاصلها فلم يجد من يرضي بذلك إلا بتمام الحاصل مع كون البذر منه أو من مالك الأرض، أو كان غرض العامل أن يتمرن علي الزراعة فلم يجد من يأذن له في العمل في أرضه إلا مجانا علي أن لا يترك العمل قبل بلوغ الزرع.

الثاني: أن تكون شركتهما في تمام الحاصل بنحو الإشاعة، كما إذا كانت حصة العامل الربع أو النصف أو الثلث أو نحو ذلك، و الباقي للمالك. فلو اشترط أحدهما مقدارا معينا- كعشرة أطنان- و الباقي للآخر لم يصح العقد مزارعة و لا غيرها. و كذا إذا اشترط لأحدهما نوع من النماء و للآخر نوع آخر، كما لو زارعه علي أن له الحنطة و للعامل الشعير، أو علي أن له حاصل بعض معين من الأرض و للعامل حاصل بعض آخر منها. نعم لا بأس بإجارة العامل الأرض بشي ء معلوم من النقد أو غيره، لكن تقدم في مسألة (12) من الفصل الثاني من كتاب الإجارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 170

أنه لا يجوز إجارتها بشي ء من حاصلها علي تفصيل و كلام، فراجع.

(مسألة 2): يجوز أن يشترط أحدهما علي الآخر شيئا معينا من النقد و غيره حتي الثمر. نعم

يشكل اشتراط مقدار معين من الحاصل الذي تقع المزارعة عليه، فالأحوط وجوبا عدم اشتراطه.

الثالث: تعيين المدة بالنحو المناسب لتعيين الزرع المستحق، سواء كان بالشهور و الأعوام، أم بالفصول، أم بدفعات الزرع، إلي غير ذلك مما يرتفع معه إبهام الزرع المستحق.

الرابع: تعيين الأرض بالنحو الرافع للإبهام، و يكفي تعيين مقدار خاص من كلي أو خارجي، كما إذا قال: زارعتك علي عشرين دونما من أرض صفتها كذا، أو من هذه الأرض. و لا يجوز المزارعة علي إحدي أرضين من دون تعيين لها، نعم لو ابتني علي الرجوع في تعيينها لاختيار أحدهما المعين أو اختيار ثالث كفي.

الخامس: تعيين ما علي كل منهما من البذر و الآلات و العوامل و حفر النهر و غير ذلك، إما صريحا، أو ضمنا لقرينة خاصة، أو عامة كالتعارف.

السادس: إمكان الزرع، لكون الأرض صالحة له، مع القدرة علي مقدماته الأخري. و إذا كان المانع موجودا في بعض الأرض بطلت المزارعة فيه خاصة، و كان لكل منهما خيار تبعض الصفقة في الباقي إن ابتنت المزارعة علي المجموعية و الارتباطية.

(مسألة 3): لا يعتبر في المزارعة أن يكون المزارع مالكا للأرض، بل يكفي أن يكون مالكا للمنفعة، كالمستأجر و الموقوف عليه إذا كان مقتضي الوقف ملكية المنفعة. بل يكفي اختصاص المنفعة بجهة معينة، كما في الأرض الموقوفة للجهات العامة، أو علي أناس خاصين علي أن تكون لهم ثمرتها لا منفعتها، فإنه يجوز لوليها إجراء عقد المزارعة عليها. و كذا الحال في أرض الخراج التي هي مختصة بالمسلمين. و أما المزارعة ممن له حق الاختصاص بالأرض من دون أن يختص بمنفعتها- مثل من حجّر أرضا أو سبق إليها من دون أن ينوي حيازتها له- فلا يخلو عن إشكال،

و الأحوط وجوبا عدم صحته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 171

(مسألة 4): الظاهر جواز استعارة الأرض للمزارعة عليها، و مرجع ذلك إلي إذن المالك في المزارعة بنحو يكون أجر الأرض للمستعير، نظير إذن المالك لغيره في بيع ما يملكه علي أن يكون الثمن للمأذون لا للمالك، فقد تقدم في أول كتاب البيع أنه يمكن البيع مع كون الثمن لثالث و أنه يرجع إلي عقد بين ثلاثة أطراف البائع و المشتري و الثالث الذي يكون الثمن له، و كذا إذن المالك في إجارة العين علي أن يكون الثمن للمأذون لا لمالك العين، حيث لا مانع من صحة هذه المعاملات، نعم لا بد من شمول الإذن في العارية لإيقاع المزارعة، و هو يحتاج إلي عناية، لا تقتضيها العارية بطبعها.

(مسألة 5): يجوز للعامل أن يباشر الزرع بنفسه و أن يستنيب غيره في تمام العمل أو في بعضه، إلا أن تشترط المباشرة في ضمن عقد المزارعة.

(مسألة 6): إذا اتفقا في العقد علي زرع خاص، أو زمان خاص، أو حال خاص، أو غير ذلك من شؤون العمل تعيّن، و لا يجوز الخروج عنه إلا برضا الآخر، و ليس للمالك أو العامل فرض شي ء بعد العقد.

(مسألة 7): إذا خرج الزارع عما اتفقا عليه في العقد فيما هو قوام العقد- كما لو زرع أرضا أخري، أو نوعا آخر من الزرع- فإن كان البذر من المالك كان الحاصل بتمامه له و ليس للعامل شي ء، و عليه ضمان النقص الحاصل في الأرض أو البذر أو غيرهما مما يعود للمالك. و إن كان البذر من العامل فإن كان متعمدا كان متعديا و كان للمالك قلعه، و له القبول ببقائه مع أجرة الأرض، و يكون

الحاصل للعامل، و إن لم يكن متعمدا كان علي المالك القبول ببقائه و لو بأجرة ما لم يتضرر، و يكون الحاصل للعامل.

(مسألة 8): إذا خالف الزارع شرط المالك غير المقوّم للعقد كان للمالك الفسخ، فإن كان البذر منه كان تمام الحاصل له و عليه اجرة المثل لعمل العامل، و إن كان البذر من العامل كان تمام الحاصل له و عليه اجرة المثل للأرض.

(مسألة 9): مقتضي إطلاق العقد تحمل المالك لضريبة الدولة التي تجعلها علي الأرض، و خروج ضريبة الدولة التي تجعلها علي الحاصل من المجموع قبل القسمة، و كذا الخراج الذي كان يضعه السلطان علي الأرض في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 172

العصور السابقة، لأنه مجعول علي حاصلها حقيقة، و إذا اشترط خلاف ذلك كان العمل علي الشرط.

(مسألة 10): يجوز لكل من صاحب الأرض و الزارع أن يخرص الزرع علي الآخر بعد إدراكه بمقدار معين، فإذا تراضيا نفذ ذلك عليهما، و ليس لهما الرجوع بعد ذلك لو ظهرت الزيادة أو النقيصة.

(مسألة 11): إذا تلف شي ء من الزرع و بعد تراضيهما بالخرص كان التلف منهما معا و لحق من خرص عليه من حقه بنسبة التالف للمجموع، فإذا تراضيا بخرص مجموع الزرع بعشرة أطنان مثلا و رضي المالك بخمسة أطنان عن حصته و كان الزرع في الواقع اثني عشر طنا، فتلف نصفه- و هو ستة أطنان- كان التلف الذي علي المالك طنين و نصفا، و الذي علي الزارع ثلاثة أطنان و نصفا، من دون فرق في ذلك كله بين أن يكون التلف بوجه مضمّن و أن لا يكون كذلك. نعم إذا كان التلف بوجه مضمّن كان علي الضامن لكل منهما بمقدار ما وقع عليه من التلف.

(مسألة

12): إذا ظهر أن الأرض مغصوبة ففي المقام صور.

الاولي: أن يعلما بذلك قبل العمل، و اللازم عليهما هنا التوقف عن التصرف فيها و مراجعة المالك، فإن استمرا في عملهما جري عليهما ما يأتي في حكم الصور الآتية.

الثانية: أن يعلما بذلك بعد إكمال العمل مع كون البذر للمزارع الغاصب للأرض، و حينئذ إن أجاز المالك سلمت للعامل حصته، و كانت حصة المزارع بين المالك و الغاصب بنسبة قيمة منفعة الأرض لمنفعة البذر، فإذا كان المتعارف أن يجعل للبذر الثلث و للأرض الثلث و للعمل الثلث مثلا كان للمزارع نصف الحصة المجعولة له بالعقد، و للمالك نصفها، نعم لمالك البذر حينئذ خيار تبعض الصفقة فله الفسخ، فيكون كما لو لم يجز المالك علي ما يأتي.

و إن لم يجز المالك كان الزرع كله للمزارع الغاصب و استحق مالك الأرض علي المباشر للعمل اجرة المثل لمنفعة الأرض التي استوفاها، فإن كان مغرورا من قبل الغاصب أو غيره كان له الرجوع علي من غرّه، و له أيضا الرجوع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 173

علي الغاصب بأجرة المثل لعمله في بذره حتي أنتج، أما إذا كان عالما بالحال فلا رجوع له عليه بشي ء، أما ما دفعه للمالك فلعدم الغرور، و أما عمله في البذر حتي أنتج فلحرمته و لا اجرة لحرام.

الثالثة: أن يعلما بذلك بعد إكمال العمل مع كون البذر للعامل الزارع، و حينئذ إن أجاز المالك سلمت للعامل حصته و كان الباقي لمالك الأرض، و ليس للمزارع الغاصب شي ء، و إن لم يجز كان الزرع بتمامه للزارع و عليه اجرة المثل للأرض يدفعها لمالكها.

الرابعة: أن يعلما بالحال في الأثناء، و يجب عليهما التوقف عن العمل و مراجعة المالك، فإن

أجاز المعاملة جري حكم الصورة الثانية إن كان البذر للمزارع الغاصب، و حكم الصورة الثالثة إن كان البذر للزارع العامل، و إن لم يجزها كان له علي المباشر للعمل اجرة المثل لما استوفاه من منفعة الأرض، و وجب عليه الرضا ببقاء الزرع في أرضه بالأجرة إلا أن يتضرر بذلك، فيكون له الحق في القلع. و أما حكم الزرع و غيره مما يستحقه أحدهما علي الآخر فيظهر مما تقدم في الصورتين الثانية و الثالثة.

(مسألة 13): إذا كان البذر مغصوبا كان الزرع بتمامه لمالكه المغصوب منه، و إن تلف شي ء من البذر أو نقصت قيمته كان له الرجوع علي الزارع المباشر لذلك، و للزارع الرجوع بما يغرم للمالك علي صاحب الأرض إن كان مغرورا من قبله.

ثم إنه إن كان الغاصب هو صاحب الأرض المزارع لم يستحق شيئا علي العامل، و استحق عليه العامل اجرة المثل لعمله إن لم يعلم بالحال، و إن كان قد علم لم يستحق شيئا، و إن كان الغاصب هو الزارع استحق عليه صاحب الأرض أجرة الأرض إلي أن يعلم بالحال، و إن علم بالحال قبل بلوغ الزرع فإن تضرر صاحب البذر كان علي صاحب الأرض إبقاؤه بالأجرة، إلا أن يتضرر صاحب الأرض بذلك فله المطالبة بالقلع.

(مسألة 14): إذا ظهر بعد الشروع في العمل عدم إمكان بلوغ الزرع بالنحو المقصود من المزارعة بطلت، و لا يضمن صاحب الأرض عمل العامل،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 174

كما لا يضمن العامل ضرر الأرض لو حصل بسبب عمله. و كذا لا يضمن كل منهما البذر لصاحبه، نعم لا يشرع الاستمرار في العمل بعد ذلك و لو استمر العامل في العمل كان عمله هدرا لا عوض له،

بل لو أضر بالأرض من دون رضا مالكها كان ضامنا لما حصل، كما أنه لو طلب صاحب الأرض من العامل الاستمرار في العمل مع علمه بالحال و جهل العامل به كان عليه اجرة المثل لعمله.

و كذا الحال إذا حصل موجب التعذر بسبب قهري عليهما، أو بسبب اختياري لهما، أو لأحدهما من دون أن يعلم بترتب ذلك عليه و لم يشترط في عقد المزارعة تجنبه، كما لو أخطأ العامل في كيفية الحرث أو السقي، أو أخطأ المالك في تعقيب معاملة الأرض من الناحية الرسمية. و أما إذا كان بسبب اختياري يعلم بترتب ذلك عليه، أو مخالف لشرط المزارعة، فإن كان من صاحب الأرض كان عليه للعامل اجرة المثل لعمله، و ضمان البذر- إن كان له- إذا تلف أو نقص، و إن كان من العامل كان عليه لصاحب الأرض ضمان ما حصل بسبب عمله من ضرر في الأرض أو البذر إن كان له.

(مسألة 15): إذا بطلت المزارعة أثناء العمل بأحد الوجوه المتقدمة، فإن كان البذر لصاحب الأرض و كان البطلان قبل ظهور ما تقتضي المزارعة الاشتراك فيه- كما لو كان مقتضاها الاشتراك في الثمرة و كان البطلان قبل ظهورها- فلا شي ء للعامل من الزرع لو كان قد طلع، و إن كان بعد ظهور ما تقتضي المزارعة الاشتراك فيه كان للعامل نصيبه منه.

(مسألة 16): إذا بطلت المزارعة بعد ثبوت حصة العامل في الزرع فإن لم يتضرر بقلعه كان لصاحب الأرض المطالبة بذلك، و ليس للعامل إلزامه ببقائه طلبا لزيادة النفع، و إن تضرر به وجب علي صاحب الأرض تدارك ضرره، أو الرضا ببقائه في أرضه بأجرة المثل، أو بوجه آخر يتفقان عليه، إلا أن يتضرر هو أيضا بذلك

فله المطالبة بقلعه مجانا. و كذا الحال إذا انتهت مدة المزارعة قبل بلوغ الحاصل بالنحو المطلوب في المزارعة. نعم إذا اشترط في عقد المزارعة القلع أو الإبقاء مجانا أو بأجرة كان العمل علي الشرط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 175

المبحث الثاني في المساقاة

و هي معاملة خاصة بين صاحب الأصول المغروسة- كالنخل و الشجر و الكرم- و شخص آخر، تبتني علي قيام ذلك الشخص بخدمة تلك الأصول- بسقيها و تقليمها و تلقيحها و غير ذلك- في مقابل حصة من ثمرتها. و يعتبر فيها أمور.

الأول: أن يكون الثمر مشتركا بينهما، فلو اختص به أحدهما لم تصح مساقاة، و إنما تصح معاملة أخري، علي نحو ما تقدم في المزارعة.

الثاني: أن تكون شركتهما في تمام الحاصل بنحو الإشاعة علي الأحوط وجوبا. و لو شرط أحدهما لنفسه أمرا زائدا علي الحصة جري فيه التفصيل المتقدم في المزارعة أيضا.

الثالث: تعيين المدة و الأصول المساقي عليها و ما علي كل منهما من الأعمال و الآلات و غيرها، علي النحو المتقدم في المزارعة.

الرابع: كون الأصول ثابتة في الأرض، فلو كان موضع العقد وديا أو شتلا خاصا علي أن يشتل و ما خرج منه كان بينهما أو لأحدهما صح، و لم يقع مساقاة و لم يجر عليه حكمها و لا يشترط فيه شروطها، بل كان معاملة أخري. و كذا الحال لو كان موضوع العقد أصلا مزروعا في الأرض من دون أن يبتني علي الثبات فيها كالبطيخ و الباذنجان و نحوهما.

الخامس: أن يكون ذلك قبل ظهور الثمرة، أو بعده قبل بلوغها إذا كان بلوغها يحتاج إلي عمل من سقي أو غيره، أما إذا لم يحتج لذلك، أو كان العقد بعد بلوغ الثمرة، و كان التعامل بلحاظ

الحفظ أو القطف أو النقل أو نحو ذلك فلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 176

تصح المعاملة مساقاة، و إنما تصح علي أنها معاملة خاصة خارجة عن المساقاة، كما يتعارف في عصورنا جعل حصة من الحاصل لمن يحصد بالآلة.

السادس: القدرة علي خدمة الأصول بالنحو الذي تقتضيه الثمرة المطلوبة، علي نحو ما تقدم في المزارعة، و تجري فيه الفروع المتقدمة.

(مسألة 17): الظاهر جواز المساقاة علي الشجر الذي لا ثمر له و ينتفع بورقه كالحناء، أو الذي له ثمر لا ينتفع به و إنما ينتفع بورقه، فيكون الورق هو الملحوظ في التعامل، و كذا الذي ينتفع بثمره و ورقه معا- كالسدر- و الذي ينتفع بخشبه، و غير ذلك مما يكون الانتفاع فيه بغير الثمر.

(مسألة 18): لا يعتبر فيمن يساقي علي الأصول أن يكون مالكا لها، بل يكفي استحقاقه لثمرتها، كالموقوف عليه، و من يشتري الثمرة قبل ظهورها أو بعده.

(مسألة 19): يملك العامل في المساقاة الحصة من الثمر حين ظهوره، و إذا وقع عقد المساقاة بعد ظهور الثمر ملك الحصة منه بالعقد.

(مسألة 20): إذا ظهر عدم إمكان بلوغ الثمرة بالنحو المطلوب في المساقاة بطلت، و جري في المقام ما يناسب ما تقدم في المسألة (14).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 177

المبحث الثالث في بعض الأحكام المشتركة بين المزارعة و المساقاة

المزارعة و المساقاة من العقود المبنية علي الإلزام و الالتزام، و مقتضاهما استحقاق صاحب الأرض أو الأصول علي العامل العمل، و استحقاق العامل عليه الحصة من الزرع و الثمر قبل العمل، فيجب علي كل منهما الجري علي مقتضي الالتزام المذكور.

أما إذا لم يبتن الاتفاق بينهما علي الإلزام و الالتزام، بل علي مجرد التزام صاحب الأرض أو الأصول بجعل الحصة لمن يعمل، من دون التزام من الطرف

الآخر بشي ء لم يكن ذلك مزارعة و لا مساقاة، بل يصح جعالة، و جرت عليه أحكام الجعالة المتقدمة.

(مسألة 21): يقع عقد المزارعة و المساقاة بكل ما يدل علي الإلزام و الالتزام من قول أو فعل، علي النحو المتقدم في سائر العقود.

(مسألة 22): لما كانت المزارعة و المساقاة من العقود المالية فاللازم فيهما أهلية المتعاقدين و عدم الحجر عليهما، لصغر أو جنون أو رقّ أو سفه أو فلس.

(مسألة 23): المزارعة و المساقاة من العقود اللازمة، فلا تنفسخ إلا بالتقايل من الطرفين، أو بفسخ من له الخيار منهما. و يثبت فيهما الخيارات الثابتة في الإجارة بالشروط المذكورة فيها، علي ما تقدم.

(مسألة 24): إذا لم يكن صاحب الأرض أو الأصول نافذ التصرف فأوقع عقد المزارعة أو المساقاة توقف نفوذ العقد علي إجازة وليه، و مع عدمها لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 178

يترتب أثر علي العقد و لم يستحق العامل شيئا، و لو عمل كان عمله هدرا، عالما كان بالحال أو جاهلا.

نعم في المزارعة إذا كان العامل جاهلا بعدم نفوذ تصرف مالك الأرض و كان البذر منه جري ما تقدم في المسألة (12). أما إذا لم يكن العامل نافذ التصرف فإن العقد و إن لم ينفذ إلا أن صاحب الأرض أو الأصول لو مكنه منها فعمل جريا علي مقتضي العقد استحق عليه اجرة المثل لعمله. و إذا كان البذر في المزارعة من العامل كان له الزرع و استحق عليه مالك الأرض أجرة المثل للأرض مع جهله بعدم نفوذ تصرفه، و أما مع علمه بذلك ففيه تفصيل لا يسعه المقام.

(مسألة 25): إذا امتنع العامل من العمل كان لصاحب الأرض أو الأصول إجباره، و إذا تأخر عنه علي خلاف

مقتضي العقد كان له الفسخ.

(مسألة 26): إذا لم يؤد العامل العمل المطلوب منه، أو قصر في عمله بنحو يضرّ بالزرع و الثمر ففي ضمانه اجرة المثل لما لم يؤده من العمل و عدمه وجهان، و الأحوط وجوبا التراضي بينهما. نعم إذا كان التقصير في المزارعة موجبا لتلف بعض البذر كان ضامنا له، و كذا يضمن ضرر الأرض أو الأصول في المزارعة و المساقاة.

(مسألة 27): إذا تعذر إتمام العمل من العامل- لمرض أو موت أو حبس أو غيرها- فإن لم تؤخذ المباشرة شرطا في العقد وجب عليه استئجار من يتم العمل، و إن مات وجب الاستئجار من تركته، فإن لم يفعل ذلك دخل في المسألة (25). أما إذا تعذر ذلك- لعجزه عن الاستئجار في حياته، و عدم التركة مع الموت- بطل عقد المزارعة أو المساقاة، و حينئذ يستحق من الحصة المجعولة له بنسبة عمله الذي وقع منه للعمل المطلوب منه، فإذا كانت حصته من الحاصل الثلث، و كان قد أدي نصف العمل المطلوب منه بمقتضي العقد استحق من الحاصل نصف الثلث، و نصفه الآخر في مقابل العمل الذي لم يؤده.

هذا إذا قام غيره بالعمل الباقي و أتي الحاصل بالنحو المتعارف، أو لم يقم غيره بالعمل الباقي و قلّ الحاصل، أو أتي معيبا. و أما إذا لم يأت الحاصل فلا شي ء له.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 179

هذا في المساقاة، و كذا في المزارعة إذا كان البذر من المالك، و أما إذا كان البذر من العامل ففي صورة نقص الحاصل أو تعيبه إشكال، و الأحوط وجوبا التراضي بين المالك و بينه أو بن ورثته. و في حكم التعذر ما إذا أخذت المباشرة شرطا في المساقاة.

(مسألة 28):

يجوز التعدد في كلا الطرفين في عقد المزارعة و عقد المساقاة، علي نحو يشترك في الحصة المجعولة لأحدهما أكثر من واحد، كما إذا كانت الأرض أو الأصول مشتركة بين أكثر من واحد، أو تعدد العامل بحيث يشترك الكل في العمل بتمامه في الحصة المجعولة في مقابل العمل.

(مسألة 29): الظاهر جواز التعاقد بين أكثر من شخصين علي أن يختص كل شخص بشي ء في مقابل حصة من الثمرة تخصه، كما إذا كانت الأرض من شخص و البذر من آخر و العوامل من ثالث و الماء من رابع و العمل من خامس، علي أن يكون لكل منهم حصة من الحاصل، و كما إذا كانت الأصول من شخص و العوامل من آخر و الماء من ثالث و العمل من رابع علي أن يكون لكل منهم حصة من الثمرة، لكن الظاهر خروج المعاملة المذكورة عن المزارعة و المساقاة، و إن كانت قد تؤدي مؤداهما.

(مسألة 30): إذا تعاقد صاحب الأرض مع شخص آخر علي أن يعمرها و يغرس فيها شجرا و نحوه علي أن يكون الحاصل بتمامه للعامل مدة معينة، ثم ترجع لصاحبها عامرة صح العقد و إن لم يقع مساقاة. و كذا إذا تعاقدا علي أن يعمرها و يغرس فيها شجرا و نحوه علي أن يكون الشجر المغروس بنفسه بينهما، سواء كان الأصل المغروس من صاحب الأرض، أم من العامل. و كذا إذا تعاقدا علي أن يغرس الأرض و يعمرها علي نحو معين علي أن تكون الأرض بما فيها بينهما. فإن هذه العقود تصح جميعا و إن لم تكن من المساقاة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 181

كتاب العارية

و هي عقد ثمرته التسليط علي العين المملوكة منفعتها للانتفاع بها مجانا.

و

صاحب العين هو المعير و آخذها هو المستعير أو المعار. و تقع بكل ما يدل علي التسليط المذكور و الرضا به، من قول أو فعل.

(مسألة 1): يعتبر في المعير الاستقلال في التصرف و الاختيار، فإن كان محجورا عليه- لجنون أو صغر أو غيرهما- لم تنفذ إلا بإذن وليه، و مع عدمه يحرم وضع اليد علي العين و التصرف فيها، و تكون مضمونة بذلك، كما تكون المنفعة مضمونة بأجرة المثل. و كذا مع الإكراه.

(مسألة 2): تصح الإعارة من مالك المنفعة و إن لم يملك العين، كالمستأجر إذا لم تؤخذ المباشرة شرطا في عقد الإجارة.

(مسألة 3): لا تصح الإعارة من غاصب المنفعة و إن كان مالكا، فإذا أعار الغاصب، فإن كان غاصبا للعين و المنفعة كان علي المستعير ضمان العين و المنفعة التي استوفاها، و إن كان غاصبا للمنفعة مالكا للعين لم يضمن المستعير العين و ضمن المنفعة التي استوفاها لا غير، و له الرجوع علي الغاصب بما ضمن إن كان مخدوعا و مغرورا من قبله.

(مسألة 4): يعتبر في المستعير العقل الذي يتوقف عليه القصد للمعاملة، و بدونه لا تصح العارية، و إن لم يكن التصرف محرما في حقه، كما لا يكون ضامنا للعين و لا للمنفعة.

(مسألة 5): لا يعتبر في المستعير البلوغ، فتصح العارية للصبي المميز، إلا أن تتضمن التزاما عليه بأمر- كالضمان- فلا يصح الالتزام المذكور منه. و كذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 182

الحال في المكره، و أما السفيه و المفلس فلا ينفذ الالتزام المالي منهما و ينفذ غيره.

(مسألة 6): كل عين مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها تصح إعارتها.

(مسألة 7): ينتفع المستعير بالعين بالنحو المأذون له فيه، و مع إطلاق العارية تنصرف

للمنافع المتعارف استغلال العين لها، و لما يكون الإضرار بالعين أقل.

(مسألة 8): مع تعدي المستعير عن الاستعمال المأذون فيه يضمن العين إن أضرّ بها التعدي المذكور، و عليه اجرة المثل للمنفعة التي تعدي فيها، دون المنافع المأذون فيها.

(مسألة 9): لا يجوز للمستعير أن يعير العين لغيره بدون إذن المعير، و إلا كان متعديا و جري علي إعارته حكم إعارة الغاصب.

(مسألة 10): العين المستعارة أمانة في يد المستعير فيلحقها حكم الأمانات في الضمان، و قد تقدم في أول الفصل السادس من كتاب الإجارة.

(مسألة 11): الظاهر جواز اشتراط الضمان في عقد العارية، فتكون العين مضمونة و لو مع عدم التعدي و التفريط.

(مسألة 12): عارية الذهب و الفضة مضمونة مطلقا و لو مع عدم الشرط، نعم إذا اشترط فيها عدم الضمان لزم الشرط.

(مسألة 13): عقد العارية مع إطلاقه جائز، لكل منهما الرجوع فيه متي شاء، إلا أن يشترط فيه الأجل فيلزم الشرط. و كذا إذا كان التصرف المقصود لهما من شأنه الاستمرار مدة معينة بحيث تبتني العارية علي الاستمرار في تلك المدة، و يكون مشروطا فيها ضمنا، كاستعارة الأرض لزرعها و استعارة الدابة للسفر بها، و القدر لطبخ الطعام، فإنه لا يجوز الرجوع فيها قبل بلوغ الزرع و انتهاء السفر و مضي الوقت الذي يتعارف تفريغ القدر فيه من الطعام. لكن يجوز مع الإطلاق الرجوع قبل الشروع في هذه الأمور، لأن المتيقن من اشتراط الاستمرار ضمنا صورة الشروع. نعم لو اشترط عدم الرجوع حتي قبل الشروع لزم الشرط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 183

كتاب الاستيداع

و هو عقد ثمرته الائتمان للحفظ. و صاحب العين هو المودع، و المؤتمن عليها هو الودعي، و المال المودع هو الوديعة. و تقع

بكل ما يدل علي الاستئمان المذكور و الالتزام به، من قول أو فعل، و لا يعتبر فيه فعل خاص أو لفظ خاص.

(مسألة 1): لا تصح الوديعة من المجنون، و لو أخذها المكلف منه كان ضامنا لها، إلا أن يكون بإذن وليه.

(مسألة 2): لا تصح الوديعة من الصبي إلا بإذن وليه، فإن لم يأذن كان علي آخذها منه الضمان.

(مسألة 3): لا يصح من المكلف أن يودع الصبي و المجنون، و لو دفع المال لهما لم يكن وديعة عندهما، و لا ضمان عليهما حينئذ بالتفريط و الإهمال، كما لا ضمان بالتعدي إذا لم يستند له الضرر أو التلف، بل حتي إذا استندا له. و أما مع تمييزهما ففي الضمان و عدمه إشكال، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 4): لا يجوز التعدي علي الوديعة بالتصرف فيها تصرفا منقصا لها، أو معرضا لها للخطر، كما لو أكل منها أو لبسها أو فك حرزها أو نحو ذلك، مما يبتني علي مخالفة الوضع الذي يريده المودع لها في مقام التحفظ عليها، و إن فعل الودعي ذلك كان متعديا عليها. و هذا بخلاف التصرف الذي لا يأذن به المالك إذا لم يكن منافيا للتحفظ عليها، كالاتكاء علي القاصة، أو الكتابة عليها كتابة تسهل إزالتها، أو نحو ذلك، فإنه- و إن كان محرما إذا لم يحرز به رضا المالك- لا يصدق به التعدي من حيثية الاستيداع.

(مسألة 5): إطلاق الوديعة يقتضي وجوب حفظ الوديعة علي الودعي بالنحو المتعارف، بنحو لا يعتبر عرفا مفرطا. و إذا علم المودع كيفية حفظ الودعي للوديعة فأطلق كان للودعي الاجتزاء بالكيفية التي يعمل عليها، و إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 184

كانت علي خلاف المتعارف، و استلزمت التفريط عرفا.

(مسألة 6):

إذا عين المودع وجها خاصا للحفظ تعيّن و لا يجوز الخروج عنه. نعم إذا ابتني تعيين المودع علي بيان أدني مراتب الحفظ كان للودعي اختيار الأحسن و الأوثق بنظره.

(مسألة 7): إذا عين المودع وجها للحفظ لتخيّل إحكامه و كان الودعي يعلم بخلل فيه مغفول عنه وجب عليه تنبيهه، و لو أبقاه علي غفلته و عمل عليه كان مفرطا.

(مسألة 8): إذا عين المودع وجها للحفظ فطرأ ما يمنع من التوثق به، فإن كان ذلك متوقعا للمودع لم يجز للودعي تبديله، و إن لم يكن متوقعا فإن أمكن مراجعة المالك وجبت و إلا كان علي الودعي مع القدرة تبديله بما هو بمرتبته في التوثق أو الأحسن منه. و كذا يجب التبديل بالوجه المذكور إذا تعذر استعماله، كما لو عيّن له صندوقا خاصا فتلف أو سرق أو منع من وضع الوديعة فيه.

(مسألة 9): يجب علي الودعي تعاهد الوديعة بالنحو المتعارف، و القيام بما تحتاج إليه من طعام أو شراب أو تعريض للهواء أو الشمس أو لف أو نشر أو تجفيف أو غير ذلك، حسب اختلاف الودائع و الأوقات و الأحوال، و لو قصر في ذلك كان مفرطا. هذا كله مع الإطلاق، أما مع اشتراط عدم ذلك فلا يجب.

(مسألة 10): إذا احتاج حفظ الوديعة و القيام بما تحتاج إليه إلي بذل مال، فإن كان ذلك متوقعا لها حين الإيداع وجب علي الودعي بذله و الرجوع ببدله علي المودع، إلا أن يشترط عليه صريحا أو ضمنا عدم رجوعه به، و إن لم يكن متوقعا، فإن رضي الودعي ببذله له من دون رجوع فهو، و إلا فإن أمكن إعلام المودع بالحال و العمل علي ما يتفقان عليه وجب، و إن تعذر

كان علي الودعي أن يختار الأصلح للوديعة و المودع، من بيعها و حفظ ثمنها للمودع، أو بيع بعضها للإنفاق علي الباقي، أو الإنفاق عليها و الرجوع علي المودع، أو غير ذلك.

و يجب مراجعة الحاكم الشرعي مع الإمكان للاتفاق معه علي أحد الوجوه، إلا أن يبتني عقد الوديعة علي إيكال الاختيار عند الطوارئ للودعي نفسه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 185

(مسألة 11): إذا توقف دفع تعدّي الظالم علي الوديعة علي الكذب في أمرها، أو الحلف كاذبا وجب علي الودعي ذلك، و إن لم يفعل مع علمه بوجوب ذلك عليه كان مفرطا ضامنا، أما مع جهله و تخيله الحرمة فالظاهر عدم التفريط، إلا أن يكون مفرطا عرفا في جهله.

(مسألة 12): لا يضمن الودعي الوديعة إلا بالتعدي و التفريط، علي التفصيل المتقدم في أول الفصل السادس من كتاب الإجارة. و إن اشترط في عقد الاستيداع ضمانها مطلقا فالظاهر نفوذ الشرط.

(مسألة 13): عقد الاستيداع مع إطلاقه جائز، لكل منهما الرجوع فيه متي شاء، إلا أن يشترط فيه الأجل صريحا أو ضمنا، فيلزم الشرط.

(مسألة 14): تحرم خيانة الوديعة بالتعدي عليها، أو التفريط بها، أو اختلاسها، سواء كان المودع مؤمنا أم مخالفا، بل و إن كان ناصبا أو كافرا. و يجري ذلك في كل أمانة دفعت بناء علي الاستئمان و قبلت علي ذلك، حتي الدين، بل يجري ذلك حتي في مثل نصيحة المستنصح، ففي حديث عمار بن مروان عن الامام الصادق عليه السّلام عليهم السّلام «اعلم أن ضارب عليّ بالسيف و قاتله لو ائتمنني و استنصحني و استشارني ثم قبلت ذلك منه لأديت إليه الأمانة».

فعلي المؤمنين- وفقهم اللّه تعالي- الاهتمام بذلك و عدم التسامح و التساهل، لشدة الأمر فيه، ففي

حديث الحسين بن مصعب عنه عليه السّلام: «ثلاث [ثلاثة] لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلي البر و الفاجر، و الوفاء بالعهد للبر و الفاجر، و بر الوالدين برين كانا أو فاجرين».

(مسألة 15): يجب علي الودعي رد الوديعة للمالك أو وكيله مع مطالبته بها أو تعرضها للخطر، و لو لتخوف الموت و عدم قيام وارثه بالأداء. و لو مات المالك وجب دفعها لوارثه، و لا يجزي دفعها لبعض الورثة إلا مع العلم بإيصاله لكل ذي حق فيها حقه، نعم يجزي دفعها لوصي الميت أو لوكيل الورثة. و لو تعذر الوصول للمالك وجب الانتظار حتي يسلمه له أو لوارثه.

(مسألة 16): إذا جهل المودع أو وارثه و احتمل العثور عليه بالفحص وجب الفحص عنه حتي يحصل اليأس من العثور عليه بالفحص، فإن حصل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 186

اليأس فلا فحص، و كذا لو تعذر الفحص، أو لزم منه محذور مهم، و حينئذ إن احتمل- و لو بعيدا- العثور عليه أو علي وارثه صدفة من دون فحص فالأحوط وجوبا الانتظار مهما طال الزمان، نعم إذا قطع بعدم العثور عليه أو علي وارثه وجب التصدق بالوديعة عن مالكها.

(مسألة 17): من استولي علي عين بلا حق- عمدا أو جهلا- فأودعها غيره فلا أثر لايداعه، و لا تترتب علي العين أحكام الوديعة، و لا علي الآخذ لها حكم الودعي، بل تكون مضمونة عليه لمالكها، و يجب عليه تسليمها له، و يحرم عليه إرجاعها للمودع، فإن جهل مالكها جري ما تقدم في المسألة السابقة من وجوب الفحص أو الانتظار، غايته أنه مع اليأس عن العثور علي المالك- بالفحص أو بدونه- إذا احتمل بعيدا العثور عليه صدفة لا يجب الانتظار- كما

وجب في المسألة السابقة- بل تجوز المبادرة للتصدق، كما يجوز الانتظار أيضا.

(مسألة 18): إذا أجبر المودع في المسألة السابقة الودعي علي استرجاع الوديعة و أخذها منه فالظاهر ضمان الودعي لها، لكن لا يجب عليه التصدق ببدلها، بل يجب عليه نية الوفاء للمالك لو طالبه، فإن ظهر المالك- مع الفحص أو بدونه- و رجع عليه دفع له البدل، و رجع هو علي المودع إن قدر عليه، و إن رجع المالك علي المودع رأسا و أخذ منه البدل فلا شي ء علي الودعي.

(مسألة 19): إذا تصدق بالوديعة في مورد عدم الوصول للمالك ثم ظهر المالك فالأحوط وجوبا مراجعته و إخباره بذلك، فإن رضي به كان له أجر الصدقة، و إن أبي ضمن المتصدق له المال، و كان أجر الصدقة للمتصدق، و يجري ذلك في جميع موارد التصدق بمجهول المالك.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 187

كتاب الشركة

و هي اشتراك أكثر من شخص واحد في ملكية مال واحد، بأن يكون ملكا للكل بنحو الإشاعة، الراجع لملكية كل واحد حصة منه مشاعة. أما لو كان كل واحد منهم مالكا لجزء منه معين فليس هو من الشركة في شي ء.

(مسألة 1): الشركة كما تكون في الأعيان الخارجية- كالدار و الثوب- تكون في الأعيان الذمية كالديون، كما لو باع الشركاء المال المشترك بثمن في الذمة، أو اقترض الرجل من أموال الشركة أو أتلفها. بل تكون في الحقوق أيضا، كحق الخيار و الشرط و حق السر قفلية الذي تعارف في عصورنا و غير ذلك.

(مسألة 2): الشركة.

تارة: تكون قهرية، كشركة الورثة في المال الموروث، و كما لو أوصي الميت بمال لأكثر من واحد.

و اخري: تكون اختيارية، و هي علي قسمين.

الأول: الحكمية،

و تكون بسبب الاشتراك في سبب الملك، كما لو اشترك أكثر من واحد في حيازة مال واحد، أو في إحياء أرض واحدة، أو في حفر بئر واحدة، أو في عمل واحد له جعل معين. و منه اشتراك أكثر من واحد في شراء شي ء واحد بثمن من الكل.

الثاني: العقدية، و هي تكون.

تارة: بتشريك شخص في مال آخر، كما لو قال أحد الشخصين لصاحبه:

أشركني في بضاعتك أو دارك أو غير ذلك بثمن كذا، فقبل الآخر. و كذا لو باع أحدهما نصف داره أو بضاعته المشاع لآخر.

و اخري: بتشريك كل من المالكين الآخر في ماله، بأن يكون لكل من الشخصين مال يختص به، فيتعاقدا علي أن يشتركا في المالين بنحو الإشاعة،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 188

و لا يعتبر فيها حينئذ مزج أحد المالين بالآخر. و الشركة العقدية بقسميها كما تقع بين اثنين تقع بين أكثر.

(مسألة 3): إذا امتزج المالان المملوك كل منهما لشخص امتزاجا رافعا للتمييز بينهما عرفا جري عليهما حكم الشركة، سواء اتفقا جنسا و وصفا- كما لو امتزج الزيت الجيد بالزيت الجيد- أم اتفقا جنسا و اختلفا وصفا- كما لو امتزج الزيت الجيد بالزيت الردي ء- أم اختلفا جنسا- كما لو امتزج زيت الزيتون بزيت الذرة- بل يجري ذلك مع امتياز أحد المالين و صعوبة الفصل بينهما لصغر الأجزاء، كامتزاج الحنطة بالحنطة أو بالشعير. و أما اشتباه أحد المالين بالآخر من دون امتزاج- كما لو كان لزيد كيس من الحنطة و لعمرو كيس آخر فاشتبه أحدهما بالآخر- فلا يجري عليه حكم الشركة، بل يتعين الرجوع في رفع الاشتباه للقرعة أو الصلح.

(مسألة 4): الشركة العقدية و إن كانت عبارة عن التعاقد علي الشركة في المال، إلا

أنها كثيرا ما تبتني- زائدا علي ذلك- علي التكسب بالمال بالاتجار به، أو استنمائه أو غيرهما من وجوه الاسترباح. و ذلك علي نحوين.

الأول: أن يتفق الأطراف عليه ابتداء من غير أن يؤخذ في عقد الشركة، و حينئذ يعمل علي ذلك- ما دامت الأطراف آذنة به- علي النحو المأذون فيه، و متي عدل بعضهم عن إذنه لزم التوقف عن العمل، و كذا لو سقط إذن بعضهم عن الأثر بموت أو جنون أو نحوهما.

الثاني: أن يؤخذ ذلك في ضمن عقد الشركة، كما جرت عليه الشركات ذات الأنظمة الخاصة المتعارفة في عصورنا، و منها الجمعيات التعاونية، و حينئذ يجب العمل عليه علي طبق ما أخذ في العقد سعة و ضيقا، كما يؤخذ بسائر ما تضمنه العقد من تعيين المباشر للتكسب بالمال، و الأجر الذي يستحقه، و المدة التي تبقي فيها الشركة، و غيرها من الشروط المشروعة التي تقدم تحديدها في مبحث الشروط من كتاب البيع.

و بلحاظ هذين النحوين يتجه منا تقسيم الشركة إلي جائزة و لازمة. و أما بلحاظ أصل الاشتراك في المال مع قطع النظر عن التصرف فيه و التكسب به

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 189

فالشركة لازمة لا تنحلّ إلا بالقسمة.

و يجري ذلك لو كان الشرط في ضمن عقد لازم غير عقد الشركة، كما يمكن جريانه حينئذ في الشركة غير العقدية، فإنه يمكن اشتراط التكسب بمال الشركة في ضمن عقد لازم.

(مسألة 5): تشرع المضاربة بالمال المشترك، سواء كان العامل من الشركاء أم من غيرهم، و تجري علي المضاربة به أحكام المضاربة المتقدمة.

(مسألة 6): يجوز شراء بعض الشركاء من مال الشركة، إلّا أن الشراء يلغو بالإضافة إلي حصة الشريك المذكور، لعدم صحة البيع مع وحدة مالك

الثمن و المثمن، لكن لا أثر لذلك فإن الثمن المقابل لحصته يقوم مقام حصته في الدخول في الشركة. نعم قد يشكل الحال لو كان للعامل في الشركة حصة من الربح، لأن ما يقابل الحصة من الربح ليس ربحا في الحقيقة بعد أن كان البيع لاغيا في الحصة، بل هو ربح صوري فلا يستحق العامل حصة منه، إلا أن يكون المراد من الربح- الذي يجعل للعامل في الشركة حصة منه- ما يعم مثل هذا الربح الصوري، كما هو الظاهر.

(مسألة 7): يجوز للشريك الاقتراض من مال الشركة، إلا أن الاقتراض يلغو في حصته، لامتناع اقتراض الإنسان من ماله، فإن أرجع المقدار الذي استدانه دخل في الشركة مجددا، نظير ما إذا زاد الشركاء في مال الشركة، و حينئذ إن كانت الشركة جائزة لم يكن ملزما بذلك، بل ليس عليه إلا إرجاع حصة الشركاء لهم، و إن كانت لازمة كان ملزما بذلك، لابتناء رضاهم بالاقتراض- مع لزوم الشركة- علي لزوم إرجاع مقدار المبلغ الذي اقترضه للشركة و تجديد الشركة فيه.

(مسألة 8): يجوز شراء أسهم الشركات ذات الأنظمة المحددة، و حينئذ يجري علي المشتري نظام الشركة و يلزم به. نعم لو كانت بعض مكاسب الشركة محرمة لم يجز شراء ما يقابل أرباح تلك المكاسب، كما لا ينفذ نظام الشركة المتعلق بالجهة المحرمة، و لا يجوز العمل عليه و لا التكسب بالوجه المحرم.

(مسألة 9): لا إشكال في أن الدين يقع موردا للشركة القهرية، كما لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 190

مات شخص عن دين له فاشترك فيه ورثته. بل الظاهر جريان الشركة العقدية فيه، فإذا أراد جماعة تأسيس شركة بمبلغ معين فكما يجوز لكل منهم أن يعيّن ما يقابل أسهمه

في الشركة في النقود الموجودة عنده فيدفعها للشركة، له أن يعينه في الدين الذي له في ذمة الغير من أفراد أو مؤسسات أهلية، فيدفع للشركة صكا مقابلا للدين المذكور ليسجل في حساب الشركة. و إن لم تستوف الشركة الدين، فإن كان قبول الشركاء بالدين مبنيا علي اشتراط تحصيله ضمنا، أو كان من شأن الدين أن يتحصل كان لهم فسخ الشركة فيه، و إلا لزمهم القبول به، و يكون من سنخ الخسارات الواردة علي الشركة التي يتحملها جميع الشركاء.

هذا و لو كان دفع الصك راجعا إلي التوكيل في قبض المبلغ و تسجيله في حساب الشركة بعد القبض خرج عن الشركة في الدين، و تعين عدم دخول المبلغ في الشركة قبل قبضه، و إن تلف قبله كانت خسارته علي صاحبه فقط.

(مسألة 10): الظاهر أن المنافع كالدين، فكما تقع موردا للشركة القهرية تقع موردا للشركة العقدية، بأن تجعل منفعة الدار مثلا التي هي ملك أحد شخصين أو أشخاص موضوعا للشركة بينهم مع أعيان أو منافع يدفعها الأطراف الأخر.

و أظهر من ذلك ما إذا صالح صاحب المنفعة الطرف الآخر علي حصة من تلك المنفعة بنقد منه، مثلا: إذا كان لزيد دار و لعمرو عشرة آلاف دينار، فيصالح عمرو زيدا عن نصف منفعة الدار إلي سنة بخمسة آلاف دينار، و تتم الشركة بعد ذلك بينهما في منفعة الدار بتمامها إلي سنة و العشرة آلاف دينار. و هناك وجه ثالث، و هو أن يتصالحا علي أن يدفع صاحب المنفعة أجرة منفعته التي تأتيه منها للشركة في مقابل تشريكه في مال الطرف الآخر. و لا يفرق في جميع ذلك بين منفعة عمل الشريك و منفعة مملوكاته، كداره و دابته و غيرهما.

(مسألة 11):

لا تصح شركة الوجوه، و هي أن يشتري كل من الطرفين مثلا مالا بثمن في ذمته ثم يبيعانه، و ما كان من ربح أو خسارة فهو بينهما. و مثلها كل ما كان موضوع الشركة تكسّب كل منهما لنفسه- من تجارة أو إجارة أو زراعة أو حيازة أو غيرها، و لا يكون فائدة الشركة إلا الاشتراك فيما يرد عليهما من ربح

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 191

أو خسارة من دون اشتراك في الأصل، و كذا لو عم ذلك ما يحصل لكل منهما من غير تكسب، كهبة أو ميراث أو غيرهما، و هي المسماة بشركة المفاوضة. نعم يمكن في الجميع تصالح الأطراف فيما بينهم علي أن يشرك كل منهم جماعته فيما يتحصل له، فإذا حصل له شي ء و ملكه جعله في صندوق الشركة، أو قبضه عن الكل بنحو الشركة.

(مسألة 12): لا بد في الشركة العقدية من اتفاق الأطراف علي الشركة أو ما يقوم مقامها، بحيث يتعاقدون علي ذلك بعد تعيينه و توضيح حدوده، و يكفي في تحقق العقد كل ما يدل علي إنشاء التعاقد من قول أو كتابة أو عمل، كخلط الأموال بعضها ببعض، أو جمعها في محل الشركة، أو نحوهما، ثم الجري علي ذلك في عملهم.

و لا ينبغي للأطراف المعنية التهاون في ذلك إغفالا له، أو اعتمادا علي الثقة المتبادلة بينهم، أو لمنع الخجل منه، أو غير ذلك، فكم من أفراد عائلة واحدة متحابين متآلفين عملوا مع كبيرهم و هم لا يعرفون من عملهم إلا أن الكل يعملون و يكسبون و ينفقون من مجموع الوارد، من دون أن يحددوا وجه عملهم و يتفقوا عليه، فهم لا يعرفون أنهم شركاء مع كبيرهم، أو أنهم أعوانه في

عمله يعملون له و ينفق عليهم، حتي إذا تقلبت بهم الأحوال و أرادوا هم أو ورثتهم تصفية الأمور، لم يرجعوا إلي شي ء محدد واضح المعالم، و صعب الحل الشرعي، بل العرفي أيضا، و حصلت المشاكسة و المنافرة، و مهما يكن الحل بعد ذلك فهو لا يصادف رضا الكل، بل يشعر بعضهم أو كل منهم بأنه مغبون مهضوم، و قد يترتب علي ذلك الشقاق و التعادي و التقاطع و التدابر بعد ذلك التحابب الشديد و التآلف الطويل.

(مسألة 13): يلحق كلا من الشركاء من الربح و الخسران بنسبة ماله، إلا أن يشترط في ضمن عقد الشركة أو في ضمن عقد آخر تحمل بعض الشركاء الخسران، فيلزم الشرط المذكور. كما يجوز اتفاقهم علي اختصاص بعضهم برأس المال مع كون الربح و الخسران للآخر، سواء تمّ هذا الاتفاق بعقد مستقل به، أم كان شرطا في ضمن عقد الشركة أو عقد آخر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 192

(مسألة 14): يجوز لبعض الشركاء اشتراط الزيادة في الربح علي نسبة ماله إذا كانت في مقابل عمل يقوم به، فإن كانت الزيادة حصة مشاعة من الربح دخل في المضاربة و جري حكمها، و إن كانت مالا معينا- كألف دينار- دخل في الإجارة و جري حكمها. و كذا يجوز له أخذ الزيادة في مقابل منفعة يبذلها- كمنفعة المحل التجاري، أو سيارة العمل- و يكون من الإجارة إن كان مالا معينا، أما إذا كان حصة مشاعة فهو معاملة مستقلة و ليست إجارة و لا مضاربة.

(مسألة 15): لا يجوز زيادة بعض الشركاء في الربح علي نسبة ماله من دون عمل أو منفعة يبذلها. نعم يجوز لبعضهم أن يشترط علي الآخرين في ضمن عقد الشركة أو

عقد آخر أن يعطوه من حصتهم التي يستحقونها بمقتضي الشركة بعد تملكهم لها.

(مسألة 16): يجوز أن يستأجر شخصان لعمل واحد بأجرة واحدة، فيستحق المستأجر علي كل منهما نصف العمل مشاعا، و يستحق كل منهما نصف الأجرة مشاعا، و حينئذ إن اشتركا في العمل بنية الوفاء عنهما معا لم يستحق أحدهما علي الآخر شيئا، حتي لو صادف أن كان عمل أحدهما أكثر، لأنه يكون متبرعا عن صاحبه بالزيادة، و كذا لو اقتسما العمل بينهما من دون أن يجعلا لكل منهما قسما من الأجرة، أما لو اقتسما العمل و جعلا لعمل كل منهما أجرة خاصة فيستحق كل منهما من صاحبه ما يتفقان عليه، سواء ساوي مجموع الأجرتين الأجرة المجعولة علي تمام العمل، أم نقص عنها، أم زاد عليها.

كذا الحال لو استأجرا شخصا آخر للقيام بالعمل عنهما، أو استأجر أحدهما أو كل منهما من يقوم مقامه في حصته من العمل. نعم إذا كان العمل المستأجر عليه في الأجرة الثانية تمام العمل المستأجر عليه في الأجرة الاولي من دون تقسيم أو تنقيص فلا يجوز أن تنقص الأجرة الثانية عن الأجرة الأولي، علي ما سبق في كتاب الإجارة.

(مسألة 17): لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة بدون إذن شريكه، إلا أن يكون لازما عليه بشرط أو نحوه. و منه ما إذا ابتني الاشتراك في العين علي ذلك ضمنا، كما في الطريق غير النافذ للدور أو المحال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 193

التجارية المتعددة، و الساحة الخارجة عنها المجعولة فضاء بينها للتهوية و الإنارة و التنزه و نحوها من الشؤون المشتركة، و البئر بين الدور المتعددة للاستقاء، و نحوها من الأمور التابعة للأعيان المختصة، فإن إنشاءها أو شراءها لتكون

تابعة لها يبتني عرفا علي كون الغرض هو انتفاع الأطراف بها من دون حاجة للاستئذان.

و هذا بخلاف ما إذا لم تبتن الشركة بها علي ذلك، كما إذا اشتري المتجاورون أرضا ليجعلوها محلا تجاريا ثم عدلوا عن ذلك و تركوها للانتفاع المشترك بين دورهم كطريق أو ساحة تابعة لها، و كما لو حفروا بئرا ليبيعوا ماءها ثم بدا لهم تركها ليستقوا منها لأنفسهم في دورهم، أو ورثوا شيئا من ذلك فاختاروا تركه للانتفاع المشترك، فإن الانتفاع في جميع ذلك يحتاج لإذن الشركاء.

نعم إذا لم يبتن جعلها تابعة علي مجرد الإذن في الانتفاع المشترك، بل علي الإلزام و الالتزام بين الأطراف بتبعيتها و تعيينها منهم لذلك لزمهم الجري عليه و لم يحتج التصرف للإذن حينئذ، نظير ما سبق فيما لو ابتني الاشتراك علي التبعية. و قد تشهد القرائن بذلك، كما لو اتفقوا علي أن يغوروا آبارهم المختصة و يستبدلوها بالبئر المشتركة، و غير ذلك مما يختلف باختلاف المقامات.

(مسألة 18): تقدم أن الشركة العقدية قد تبتني علي التصرف في مال الشركة و التكسب به، و أن ذلك قد يكون بنحو اللزوم لاشتراطه في ضمن عقد لازم، و حينئذ يجوز العمل عليه بلا حاجة إلي إذن بقية الشركاء. و أما في غير ذلك فلا بدّ في التصرف في المال المشترك من إذن جميع الشركاء، و لا يجوز استقلال بعضهم بالتصرف من دون رضا الباقين، و إذا رضي الشركاء بتصرف خاص وجب الاقتصار عليه، و إذا تعاسر الشركاء، أو عيّن كلّ منهم ما يراه الآخر مضرا، أو منع مما يري الآخر تركه مضرا للمال تعين الرجوع للحاكم الشرعي، و الأحوط وجوبا ذلك حتي لو علم أن الشريك لم يعين ما

عيّن و لم يمنع مما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 194

منع إلا مضارة للآخرين من دون أن يراه صلاحا. نعم إذا تعذر حينئذ الرجوع للحاكم جاز مخالفة الشريك و العمل بما يراه الآخر لازما لصلاح المال مقتصرا مهما أمكن علي أقل وجوه مخالفته.

(مسألة 19): إذا طلب بعض الشركاء القسمة وجب إجابته، إلا إذا كان ذلك علي خلاف شرط لازم في عقد الشركة أو عقد لازم آخر، أو كانت القسمة مضرة بالمال المشترك، أو كانت موقوفة علي الرد بأن يتعذر قسمة المال علي نسبة السهام بل يتوقف علي دفع بعض الشركاء للباقين شيئا من المال يتدارك به الفرق.

(مسألة 20): تصح قسمة الوقف مع الملك الطلق إذا كان عدمها مضرا بأحدهما.

(مسألة 21): لا تصح قسمة الوقف بين الموقوف عليهم. نعم تصح قسمته موقتا بالنحو الذي لا ينافي مقتضي الوقف، كما لو تساوي نماء القسمين فيتصالح الشريكان علي اختصاص كل منهما بأحدهما ما دام الأمر كذلك، و لا بدّ في نفوذها حينئذ من إذن الولي.

(مسألة 22): مع تراضي الشركاء في كيفية القسمة يقسمون كيف شاؤوا، و لا حاجة للقرعة، و لعل الأولي أن يقسم بعضهم و يخيّر الباقين.

(مسألة 23): مع تشاحّ الشركاء في كيفية القسمة يرجعون إلي الحاكم الشرعي، و عليه تعديل السهام و تقسيم العين المشتركة بما يناسب سهام كل شريك ثم القرعة لتعيين ما يختص به كل منهم من أقسام العين المشتركة.

(مسألة 24): إذا وقعت القسمة و انكشف أن ما تعين لبعض الشركاء معيب كان له الفسخ إلا أن تبتني القسمة علي الرضا به علي كل حال، أو أسقط خيار العيب بعد القسمة.

(مسألة 25): إذا كان بعض أموال الشركة ديونا علي الناس، فوقعت القسمة و

شملت الديون فتلف الدين الذي صار لبعض الشركاء كان تلفه من الكل، و بطلت القسمة فيه. نعم إذا اتّفق الشركاء علي توزيع أموال الشركة بينهم بنحو خاص و لو مع توقع الخسارة من دون أن يرجع ذلك إلي القسمة نفذ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 195

الصلح المذكور.

(مسألة 26): إذا كان بعض أموال الشركة دينا في ذمة الناس فقبض بعض الشركاء حصته من الدين علي أنها حصته التي يختص بها صح قبضه و بطلت الشركة في الدين المذكور، و كذا إذا اشتري به شيئا من المدين أو صالحه عليه بشي ء أو ابرأ ذمته منه. نعم إذا كانت الشركة لازمة لم يصح منه القبض لنفسه، بل لا يمكن التصرف في الدين إلا للشركة.

(مسألة 27): الشريك المأذون في التصرف، أو الذي له حق التصرف بمقتضي عقد أو شرط لازم أمين لا يضمن ما تحت يده من المال المشترك إلا بالتعدي أو التفريط.

(مسألة 28): إذا اشتري بعض الشركاء لنفسه فليس له أن يدفع الثمن من مال الشركة إلا مع إذن الشركاء الراجع لإذنهم له في الاقتراض من مال الشركة الذي تقدم بيان حكمه في المسألة (7)، و إذا دفع من دون إذنهم كان خائنا، لكن ذلك لا يوجب بطلان الشراء، و لا وقوعه للشركة.

(مسألة 29): يكره مشاركة الكافر الكتابي فضلا عن غيره. نعم إذا شاركه غيره و صار أمينا علي المال من قبله حرم خيانته.

(مسألة 30): إذا كان لأحد عين قيمتها عشرون دينارا مثلا و للآخر عين قيمتها ثلاثون دينارا و اشتبهت إحدي العينين بالأخري فلا تعرف ذات العشرين من ذات الثلاثين، فإن خيّر أحدهما الآخر فاختار إحداهما فلا إشكال، و هو راجع إلي الصلح بينهما علي تعيين

ما يملكه كل منهما أو تبديله، و إلا فإن كان الغرض لكل منهما الحفاظ علي مالية ماله بيعا معا و قسم الثمن بين المالكين بنسبة قيمة إحدي العينين لقيمة الأخري، فيعطي في المثال المذكور صاحب العين التي قيمتها عشرون خمسي الثمن و الآخر ثلاثة أخماسه، و إن كان الغرض لكل منهما الحفاظ علي خصوصية العين التي له فالمرجع القرعة.

هذا إذا كان الاشتباه في العينين أما إذا كان الاشتباه في المالكين، كما إذا تميزت العين ذات العشرين دينارا عن الأخري في المثال المتقدم و تردد المالك لكل منهما فلا بد إما من الصلح بينهما أو الرجوع للقرعة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 197

كتاب السبق و الرماية

السبق عقد يقتضي استحقاق السابق لجعل معين، و الرماية عقد يقتضي استحقاق الأجود رميا لجعل معين. و أطراف العقدين جميع المشتركين في التسابق و المغالبة، و يضاف إليهم باذل الجعل إذا لم يكن منهم. و لا بدّ فيهما من أمرين.

الأول: كون أطراف العقد نافذي التصرف بالبلوغ و العقل و عدم الحجر.

الثاني: الإيجاب من بعضهم و القبول من الباقي، و يكفي كل ما يدل علي الإلزام و الالتزام بذلك من قول أو فعل كسائر العقود، و إذا تم لزم العقد و وجب التسابق، و لا يجوز الامتناع عنه مع المطالبة إلا بعروض المبطل للعقد، كعجز بعض الأطراف أو موته، أو بالتقايل الراجع لحل العقد.

هذا إذا ابتني السبق و الرماية علي الالتزام بالتسابق ثم استحقاق الجعل للسابق، نظير الإجارة. أما إذا ابتنيا علي استحقاق السابق الجعل من دون إلزام بالتسابق كانا من الإيقاعات، و كفي فيهما الالتزام من باذل الجعل بجعله للسابق من دون حاجة لالتزام الباقين، و لم يقتضيا وجوب التسابق، و جاز

العدول عنهما قبل العمل، كالجعالة و جري عليهما حكمها.

(مسألة 1): يجوز السبق بكل ذي خف، و هو الإبل و الفيلة، و بكل ذي حافر، و هو الخيل و البغال و الحمير. و تجوز الرماية بكل ذي نصل، و هو الحديدة المحددة الموضوعة في طرف السلاح، كالسيف و الرمح و السهم و الحربة و نحوها. و لا يجوز التسابق مع الرهن في غير ذلك، حتي الحمام علي الأحوط وجوبا، نعم يجوز اللعب و التسابق فيه بلا رهن، إلا أن يكون قمارا فيحرم، علي ما تقدم عند ذكر الكبائر من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(مسألة 2): يجوز أن يكون العوض عينا خارجية، و أن يكون ذميا كألف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 198

دينار في ذمة الجاعل.

(مسألة 3): يجوز أن يكون العوض من أحد المتسابقين، و من جميعهم، كما لو بذل كل منهم مائة دينار للسابق بحيث يكون للسابق مجموع ما يبذله الكل، كما يجوز أن يبذل العوض من غير المتسابقين.

(مسألة 4): لا يجوز جعل الرهان لغير السابق من المتسابقين، كما تعارف في عصورنا مراهنة بعض المشاهدين علي سبق أحد المتسابقين، بحيث لا يكون سبق السابق سببا لاستحقاقه الرهان بنفسه، بل لاستحقاق أحد المتراهنين له، فإن ذلك من الرهن المحرم، و هو المعروف في عصورنا بالرايسز.

(مسألة 5): لا بد في المسابقة من تحديد الجهات الدخلية فيها، كالزمان و المكان و مقدار الرمي و نحو ذلك، بنحو تنضبط به المسابقة و يحدد معيار السبق و استحقاق الجعل، و لا يجب ما زاد علي ذلك.

(مسألة 6): في المسابقات المحللة التي لا يجوز فيها الرهن إذا بذلت آلة اللعب للمتسابقين مجانا فلا إشكال، و إن كانت بأجرة فلا

يجوز الاتفاق علي أن يتحملها المغلوب وحده، و يجوز اشتراك المتسابقين فيها، أو تحمل بعضهم المعين لها.

(مسألة 7): ينبغي للمؤمن أن يترفع عن اللهو و اللعب و إن كان حلالا، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاثة: تأديبه فرسه و رميه عن قوسه و ملاعبته امرأته، فإنهن حق». و يتأكد ذلك فيما يبتني علي المغالبة و التسابق، فإنه يجرّ للتباهي و التفاخر و الأشر و البطر، و هي من وسائل الشيطان المهلكة. و كثيرا ما تكون عاقبة ذلك التنافر و التباغض و العدوان و التحاسد، و لا أقل من كون ذلك مضيعة للوقت الثمين الذي هو رصيد الإنسان في دنياه، و الذي يستطيع أن يكتسب به أربح المكاسب و ينال به أسمي المطالب و أسني المراتب. و منه سبحانه نستمد التوفيق و التسديد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 199

كتاب القرض و الدين

اشارة

القرض عقد يتضمن تمليك المال للغير مضمونا عليه. أما الدين فهو كل ما انشغلت به الذمة، سواء كان بعقد- كبدل القرض في المقام، و المبيع في السلم، و المهر المؤجل، و ثمن المبيع و اجرة الإجارة إذا لم يكونا عينا خارجية- أم بدونه كبدل المضمون باليد و الإتلاف.

(مسألة 1): يعتبر في القرض ما يعتبر في سائر العقود من استقلال المتعاقدين في التصرف بالبلوغ و العقل و عدم الحجر و السلطنة علي المال، و بدون ذلك لا ينفذ العقد و لا يترتب عليه الأثر. نعم إذا أخذ المقترض المال كان ضامنا له و إن لم يملكه، إلا أن يكون المقترض غير مميز فإنه لا يضمن المال إذا كان الدافع له مميزا، بل يكون الدافع مفرطا في دفع

المال و لا ضمان له.

(مسألة 2): لا بدّ في نفوذ عقد القرض و ترتب الأثر عليه من قبض المقترض المال، فلا يملك المقترض المال قبل ذلك. بل لا يبعد توقف صدق القرض علي القبض المبني علي الضمان العقدي، و لا يكفي في صدقه العقد بدون القبض.

(مسألة 3): إذا تمّ عقد القرض و حصل القبض لزم العقد و لا يجوز الرجوع فيه من أحدهما، فلو طلب المقرض إرجاع عين المال لم تجب إجابته، و كذا لو طلب المقترض إرجاعه و فسخ العقد. نعم له الوفاء بعين المال الذي أخذه.

(مسألة 4): يقع القرض في المثليات، و هي الأمور التي تقوم ماليتها بنوعها أو صنفها دون خصوصياتها الفردية، كالنقود و الذهب و الفضة و الحبوب و منتوجات المعامل ذات الماركات الخاصة و غيرها. و أما القيميات- و هي الأمور التي تقوم مالياتها بخصوصياتها الفردية ككثير من المنتوجات اليدوية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 200

و الحيوانات- فالظاهر وقوع القرض فيها إذا كانت مماثلاتها في الصفات الدخيلة في المالية عرفا ميسورة، و قصد ضمانها بمثلها حينئذ.

و أما إذا لم تكن مماثلاتها ميسورة أو لم يقصد ضمانها بمماثلاتها، بل بقيمتها فلا يقع القرض بها. نعم تقدم في خاتمة كتاب الإجارة جواز بذل العين مضمونة بقيمتها أو بعوض خاص، لكنه ليس من القرض، و لا يكون مملكا للعين المبذولة.

(مسألة 5): يكره القرض، بل مطلق الدين مع إمكان الاستغناء عنه.

(مسألة 6): يجب نية الأداء عند الاقتراض، و في أخبار أهل البيت عليهم السّلام:

أنها سبب- بعون اللّه تعالي- علي الأداء، و أن من اقترض مالا و في نيته أن لا يؤديه فهو بمنزلة السارق.

(مسألة 7): يستحب إقراض المؤمن، و فيه أجر عظيم، و

قد ورد أنه أفضل من الصدقة.

(مسألة 8): يحرم اشتراط الزيادة للمقرض، و هو من الربا في الدين الذي تقدم في التاسع من كتاب التجارة أنه القسم الثاني من الربا المحرم. و لو اشترط الزيادة بطل الشرط و لا يبطل عقد القرض، فيملك المقترض المال و ليس عليه الزيادة.

(مسألة 9): لا فرق في الزيادة المحرمة بين العين و المنفعة- كسكني الدار و ركوب الدابة- و الصفة، كما لو أقرضه حنطة رديئة علي أن يعطيه حنطة جيدة، أو أقرضه نقودا من فئة خاصة علي أن يعطيه من فئة اخري خير منها، و قد تكون نفعا خارجيا، كما لو أقرضه ألف دينار و شرط عليه أن يبيعه ثوبا بأقل من قيمة المثل، بل مطلق البيع علي الأحوط وجوبا، بل الأحوط وجوبا العموم لكل شرط للمقترض علي المقرض، سواء عاد نفعه له أم لا، كما لو اشترط أن يعطي مالا لشخص ثالث أو أن يبني المسجد، و سواء كان الملحوظ فيه المال أم لا، كما لو اشترط أن يدعو له أو لأبيه أو للمؤمنين، نعم يجوز اشتراط الوفاء في غير بلد القرض.

(مسألة 10): يجوز أن يشترط المقترض علي المقرض شيئا له، سواء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 201

كان عينا أم منفعة أم صفة أم غيرها، كما يجوز له اشتراط الأداء بأقل مما أخذ.

(مسألة 11): المحرم هو اشتراط الفائدة في القرض، و لا يحرم العكس، و هو اشتراط القرض في الفائدة، كما لو وهب زيد عمرا عشرة دنانير علي أن يقرضه عمرو مائة دينار، أو آجره داره بأقل من ثمن المثل علي أن يقرضه مبلغا من المال، و غير ذلك.

(مسألة 12): يجوز للمقرض قبول الهبة و كل فائدة من

المقترض إذا لم تكن مشروطة في القرض، نعم هو مكروه، و الأولي له أن يحتسب الهبة من دينه، كما يجوز الوفاء بالأجود و الأكثر من دون شرط، بل يستحب ذلك للمقترض.

(مسألة 13): لا يجوز تأجيل القرض الحالّ بل مطلق الدين بزيادة فيه، و كذا إطالة أجل الدين المؤجل، بل هو من الربا المحرم. نعم يمكن التخلص من الحرمة بإيقاع معاملة تثمر ذلك، مثلا: يبيع المدين متاعا من الدائن بدينه ثم يشتريه منه بأكثر منه إلي أجل، أو يهب المدين للدائن شيئا و يشترط عليه أن يؤجل دينه، أو غير ذلك مما يتضح بملاحظة ضوابط الربا المحرم.

(مسألة 14): يجوز تعجيل القرض المؤجل بل مطلق الدين المؤجل بإسقاط بعضه.

(مسألة 15): لا يختص الربا في الدين بالمكيل و الموزون، بل يجري في غيرهما أيضا، و ليس هو كالربا المعاملي.

(مسألة 16): ما تقدم في الربا المعاملي من حكم أكل الربا عمدا أو بجهالة، و ميراث المال ممن يأخذ الربا جار في ربا القرض فراجع.

(مسألة 17): يجوز أن يشترط في عقد القرض جعل رهن علي المال المقترض، كما يجوز اشتراط التوثق منه بغير الرهن، كالإقرار و الاشهاد و نحوهما. كما يجوز أن يشترط في عقد آخر التوثق من القرض بل مطلق الدين بالرهن أو غيره.

(مسألة 18): إطلاق القرض يقتضي عدم التأجيل، لكن ظاهر حال المقرض حينئذ الإذن بتأخير وفائه، فلا يجب علي المقترض المبادرة لوفائه إلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 202

مع ظهور أمارة عدم الرضا بالتأخير من المقرض، فيجب الوفاء حينئذ فضلا عما إذا طلب الوفاء.

(مسألة 19): يجوز اشتراط الأجل في عقد القرض، كما يجوز اشتراط تأجيل القرض بل مطلق الدين في عقد آخر، و له حينئذ صور

ثلاث.

الاولي: أن يكون المشترط هو المقترض، فيكون مفاد الشرط أن التأخير حق له وحده، و حينئذ لا يجوز للمقرض الإلزام بالوفاء قبل الأجل، و لا يجب علي المقترض الوفاء لو طالبه قبله، نعم يجوز له المبادرة للوفاء قبل الأجل و إن لم يطالبه المقرض و يجب علي المقرض القبول.

الثانية: أن يكون المشترط هو المقرض دون المقترض، كما لو كان عاجزا عن حفظ المال قبل الأجل فاشترط الأجل كي لا يتعرض ماله للخطر لو حصل الوفاء قبله و أجابه المقترض لذلك مع استعداده للتعجيل لو قدر عليه و قبل به المقرض، و حينئذ لا يجب علي المقرض القبول لو أراد المقترض الوفاء قبل الأجل. أما لو طالب المقرض بالوفاء قبل الأجل فاللازم علي المقترض المبادرة مع القدرة.

الثالثة: أن يكون الشرط لهما معا، و حينئذ لا يجوز للمقرض الإلزام بالوفاء قبل الأجل، و لا يجب علي المقترض المبادرة لو طالب به، كما أنه لا يجب علي المقرض القبول لو أراد المقترض المبادرة بالوفاء قبل الأجل.

و الشائع هو الصورة الاولي، و هي المفهومة من إطلاق اشتراط الأجل، و بعدها الثالثة، و أما الثانية فهي أبعد الصور عن ظاهر الاشتراط، و يحتاج الحمل عليها إلي عناية خاصة.

(مسألة 20): لا يتأجل الدين الحالّ برضا الدائن بالتأجيل إذا لم يشترط الأجل في عقد القرض أو عقد آخر، نعم لا يجب علي المدين المبادرة للأداء ما دام الدائن راضيا، أما لو عدل و طالب بالأداء فإنه يجب علي المدين المبادرة له و لا ينتظر الأجل.

(مسألة 21): يجب علي المدين- إذا كان واجدا- المبادرة لأداء الدين غير المؤجل إذا ظهرت علي الدائن أمارة عدم الرضا بتأخير الأداء، كما يجب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)،

ج 2، ص: 203

عليه المبادرة لأداء الدين المؤجل إذا حلّ أجله، و لا يحل له حبسه في المقامين، بل هو من الكبائر. أما لو كان عاجزا فالأحري به ملاطفة الدائن و حسن الاعتذار منه، و إرضاؤه مهما أمكن.

(مسألة 22): إذا لم يؤد المدين الدين الحالّ مع قدرته علي أدائه جاز للدائن أو وليه أو وكيله مطالبته، و إذا امتنع جاز إجباره، و إذا انحصر الأمر باللجوء لحاكم الجور جاز. نعم مع التنازع و إمكان الرجوع للحاكم الشرعي لا يجوز الترافع لحاكم الجور، كما تقدم في مسائل التقليد.

(مسألة 23): إذا أراد المدين وفاء الدين وجب علي الدائن القبول، إلا إذا كان الدين مؤجلا لم يحل أجله و كان الأجل شرطا للدائن وحده أو مع المدين، كما سبق في المسألة (19).

و إذا امتنع الدائن من القبول مع وجوبه عليه جاز إجباره، و إذا تعذر جاز التسليم للحاكم الشرعي بدلا عنه، و إن امتنع الحاكم الشرعي من قبض المال كفي في فراغ ذمة المدين تمكينه للدائن من المال و التخلية بينه و بينه، و الأحوط وجوبا عدم الاكتفاء بذلك إلا بعد مراجعة الحاكم الشرعي إن أمكن.

(مسألة 24): يكفي في وجدان المدين الملزم له بالوفاء و المسوّغ لإلزامه به أن يكون له ما يقدر علي وفاء دينه به من نقد أو دين أو عروض أو عقار أو ضياع، فيجب عليه الوفاء مع القدرة علي ذلك، و بيع ما يتوقف الوفاء به علي البيع، و غير ذلك.

(مسألة 25): لا يجب علي المدين بيع دار سكناه و ثياب تجمله و نحو ذلك من ضرورياته العرفية لوفاء دينه، كما لا يجب بذل ما يحتاج إليه لمعاشه من رأس مال أو آلة عمل أو

عقار يدرّ عليه قوت سنته، فإن ذلك كله مستثني من وجوب وفاء الدين. نعم إذا كان له فضل في ذلك وجب بذله، كما لو كان في داره سعة و أمكنه بيع بعضها أو استبدالها بأصغر منها، و كذا لو أمكنه الاقتصار في آلة العمل أو العقار أو رأس المال علي البعض، أو استبداله بالأقل بحيث يكفيه للمعاش، فإنه يجب بذل الزائد.

(مسألة 26): إذا أمكنه الاستغناء عن دار السكن بدار موقوفة و لم يكن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 204

الانتقال إليها حرجا عليه فالظاهر عدم استثنائها، بل يجب بذلها لوفاء الدين، و كذا الحال في غيرها من المستثنيات. بل هو الظاهر في رأس المال و آلة العمل و العقار إذا أمكن الاستعاضة عنها في المعاش بعمل يكفيه و يناسب حاله من دون مهانة أو حرج، فإنه يجب حينئذ بذلها لوفاء الدين.

(مسألة 27): إذا لم يكن عنده بعض المستثنيات لا يجوز استثناء مقدارها مما عنده، بل يجب وفاء الدين بما عنده و إن بقي فاقدا لذلك الشي ء.

(مسألة 28): إذا رضي ببيع بعض المستثنيات و وفاء الدين بثمنه فالأولي للدائن أن لا يقبل ذلك، فضلا عن أن يحمله عليه و يشجعه، لكن لو فعل و وفي الدين به جاز القبول، بل وجب مع إصراره علي ذلك.

(مسألة 29): المستثنيات المذكورة إنما تستثني في حياة المدين، أما إذا مات فيتعلق الدين بها و لا يجوز للورثة التصرف فيها إلا بعد وفاء الدين أو مراجعة الدائن.

(مسألة 30): إذا اشترط الدائن علي المدين في عقد القرض أو في عقد آخر بيع المستثنيات أو بعضها لوفاء الدين صح الشرط، و وجب العمل عليه.

(مسألة 31): إذا قدر المدين علي التكسب لوفاء دينه بنحو

يليق بحاله وجب عليه ذلك.

(مسألة 32): لا يجب علي المدين الاسترفاد و الاستيهاب و طلب الحق الشرعي- كالخمس و الزكاة- و التعرض للصدقات و نحوها، نعم الأحوط وجوبا له قبول ذلك مع بذله إذا لم يكن فيه مهانة عليه.

(مسألة 33): إذا كان عنده ما يجب وفاء الدين به لكن لم يتيسر بيعه إلا بدون قيمة المثل وجب بيعه، إلا أن يكون الفرق كثيرا بحيث يكون إقدامه عليه في مثل حاله تضييعا للمال عرفا، ففي وجوب البيع عليه حينئذ إشكال، خصوصا إذا كان ذلك مؤقتا، و لا يلزم منه الانتظار طويلا. نعم إذا أمكن الاقتراض علي المال المذكور و المبادرة لوفاء الدين فالظاهر وجوب الوفاء حينئذ.

(مسألة 34): إذا عين المدين مالا لوفاء الدين لم يتعين له و لم يتحقق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 205

الوفاء به إلا مع رضا الدائن بذلك، سواء قبضه أم لا، و منه ما لو عيّن له موضعا خاصا فوضعه المدين فيه، كما لو قال له: ضعه في صندوقي، أو علي باب الدار، أو ادفعه لزيد، أو نحو ذلك. أما إذا لم يرض الدائن بتعيين المدين فإن المال يبقي علي ملك المدين، و تبقي ذمته مشغولة بالدين فله الوفاء بغيره، و لو حصل منه نماء كان له، و لو تلف كان من ماله. نعم يسقط اعتبار رضاه بامتناعه من استيفاء الدين، كما سبق في المسألة (23).

(مسألة 35): إذا دفع المدين لشخص مالا ليوصله للدائن وفاء عن دينه، فتصرف الوسيط في المال- عمدا أو غفلة- تصرفا غير مأذون فيه فإنه يضمن المال للمدين لا للدائن، فلا يكفيه مراجعة الدائن أو دفع دينه له في براءة ذمته، بل لا بدّ فيها من مراجعة

المدين. و كذلك الحال في كل من دفع ماله لشخص ليوصله لآخر هدية أو ثمن مبيع أو حقا شرعيا أو غير ذلك، فإن الوسيط لو ضمن المال- بأحد موجبات الضمان- لم يبرأ من الضمان إلا بمراجعة الدافع، و لا يكفيه مراجعة الشخص المطلوب منه إيصال المال إليه، و لا دفع بدل المال له. و هذا أمر يغفل عنه كثير من الناس فاللازم التنبه له.

نعم إذا كان الوسيط وكيلا عن الشخص الذي يوصل المال إليه في قبض المال عنه، فقبضه عنه و صار المال في يده ملكا له فإنه إذا ضمن المال بأحد أسباب الضمان يتعين مراجعة موكله في براءة ذمته، و لا يحتاج إلي مراجعة الدافع.

(مسألة 36): إذا مات المدين تعلق الدين بتركته و كان مقدما علي الوصية. نعم يتقدم عليه الكفن الواجب، كما يتقدم عليه حج الإسلام إذا انشغلت به ذمته في حياته.

(مسألة 37): إذا اشتري متاعا و لم يؤد ثمنه حتي مات، فإن وجد البائع متاعه بعينه كان له أخذه إلا أن تقصر تركة الميت عن ديونه فليس للبائع أن يأخذ متاعه، بل يأخذ من التركة بنسبة دينه، و لا فرق في المقامين بين أن يكون عدم دفع الثمن لكونه مؤجلا و أن لا يكون كذلك.

(مسألة 38): إذا مات الشخص و عليه دين مؤجل حلّ دينه و سقط

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 206

الأجل، فليس للورثة تأخير الوفاء من تركته، أما إذا كان له دين مؤجل علي الغير ففي سقوط الأجل إشكال، و الأحوط وجوبا الصلح و التراضي.

(مسألة 39): إذا كان الدين نقدا تابعا لدولة معينة وجب الوفاء من نقد تلك الدولة- و إن اختلفت طبعاته أو فئاته- بشرط أن لا تسقط

الدولة الطبعة أو الفئة عن الاعتبار، فإذا اقترض من فئة العشرات مثلا جاز الوفاء بفئة المئات. نعم إذا اشترط في عقد القرض الوفاء من الفئة التي وقع القرض بها لزم الشرط، أما إذا اشترط الوفاء من غيرها، فإن كان المشترط هو المقترض صح الشرط، و إن كان المشترط هو المقرض بطل. و إذا صح الشرط لم يجب دفع غيرها إذا أسقطتها الدولة. إلا أن يرجع الشرط إلي اشتراط ترجيحها مع إقرار الدولة لها من دون أن ينحصر الوفاء بها، كما لعله الأظهر من حال المشترط، خصوصا إذا كان هو المقرض.

(مسألة 40): إذا اختلفت قيمة الشي ء المدين لم يختلف مقداره في مقام الوفاء، فإذا كان الدين طنا من الحنطة وجب الوفاء بالطنّ، و لا ينقص بارتفاع قيمة الحنطة و لا يزيد بنقص قيمتها، و يترتب علي ذلك عدم اختلاف الوفاء إذا كان الدين نقدا ورقيا عملة لدولة معينة باختلاف قيمة النقد المذكور بالإضافة إلي عملة دولة أخري، أو بالإضافة إلي الذهب، أو غيره من أنواع العروض.

(مسألة 41): إذا اشترط الدائن الوفاء علي ما يناسب قيمة الدين في وقته لعملة أخري أو لعروض خاص من ذهب أو غيره، كما إذا كان مقدار الدين من النقد يعادل مائة غرام من الذهب فاشترط الوفاء بما يعادل مائة غرام منه سواء ارتفعت قيمة العملة أم هبطت، فله صور.

الاولي: أن يكون الدين قرضا و يقع الشرط في عقد القرض.

الثانية: أن يكون الدين قرضا و يقع الشرط في ضمن عقد آخر.

الثالثة: أن لا يكون الدين قرضا، بل بسبب عقد آخر- كثمن مبيع أو مهر نكاح أو غيرهما- و يقع الشرط في ضمن العقد الذي استحق به، أو في ضمن عقد آخر. و

يصح الشرط في الصورتين الأخيرتين، و لا يصح في الصورة الاولي.

أما لو كان المشترط هو المدين فيصح الشرط حتي في الصورة الأولي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 207

هذا، و للمشترط في جميع الصور التي يصح فيها الشرط إسقاط شرطه، فيكون كالعدم.

(مسألة 42): لا يجوز بيع الدين بالدين، و المراد أنه يكون لشخص دين في ذمة غيره و لآخر دين في ذمة غيره أيضا، فيتبايعان علي الدينين بحيث يكون أحد الدينين ثمنا للآخر، سواء كانا حالّين أم مؤجلين أم مختلفين، و سواء كان الدينان علي غيرهما- كما لو كان لمحمد دين في ذمة علي و لحسن دين في ذمة حسين، فيبيع محمد دينه في ذمة علي علي حسن بدينه في ذمة حسين، و تكون النتيجة أن يصير حسين مدينا لمحمد و عليّ مدينا لحسن- أم كانا عليهما- كما لو كان لمحمد دين من حنطة علي علي، و لعلي دين من دنانير علي محمد، فيبيع محمد حنطته علي علي بدنانيره- و تكون النتيجة براءة ذمتهما معا. نعم يمكن الاستعاضة عن الثاني بإبراء كل منهما الآخر من دينه أو المصالحة بينهما علي براءة ذمة كل منهما مما عليه.

و الظاهر جواز ما عدا ذلك، سواء كان أحد العوضين خارجيا و الآخر ذميا- دينا قبل البيع أو دينا بعد البيع- أم كانا معا ذميين. و إن كان الأحوط استحبابا عدم بيع الذمي بالذمي و لا سيما إذا كانا معا مؤجلين. نعم لا بد من مراعاة ما تقدم في البيع قبل القبض من أحكام القبض و في بيع السلف.

(مسألة 43): إذا بيع الدين بأقل منه من جنسه، أو بأقل قيمة منه من غير جنسه ففي استحقاق المشتري علي المدين من

الدين ما زاد علي مقدار الثمن الذي اشتري به الدين إشكال، و الأحوط وجوبا التصالح بينهما.

(مسألة 44): إذا بيع الدين الذي في ذمة الغير، فإن تعذر تحصيله جري عليه حكم تلف المبيع قبل قبضه من تلفه من مال البائع و استحقاق المشتري الثمن الذي دفعه لا غير. و إذا تعهد البائع، فإن رجع إلي اشتراط استحقاق فسخ البيع عند تعذر تحصيله لم يستحق المشتري إلا الثمن الذي دفعه، و إن رجع إلي اشتراط دفعه بدلا عن المدين استحق المشتري تمام الدين الذي اشتراه. إلا أن رجوع البائع علي المدين بما دفع موقوف علي استئذانه في دفع الدين عنه للمشتري، و لا يستحق ذلك مع عدمه بعد عدم كونه مدينا له بل للمشتري. نعم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 208

إذا كان الدين معرضا للتلف حين بيعه جاز بيعه مع الضميمة، و لا رجوع حينئذ.

(مسألة 45): تعارف في عصورنا تنزيل الكمبيالات، و ذلك بأن يكون لشخص دين علي آخر إلي أجل فيدفع له به كمبيالة عليه، فإذا أراد تعجيل المال نزل الكمبيالة المذكورة لصالح شخص ثالث بمبلغ أقل يدفعه له نقدا، و هو مشكل شرعا، لأنه إن رجع إلي اقتراض المبلغ المذكور من الثالث علي أن يستلم بدله الدين الذي تضمنته الكمبيالة في وقته كان قرضا ربويا محرما، و إن رجع إلي بيع الدين المذكور بالمبلغ المعجل- كما لعله الأظهر- فهو و إن لم يستلزم الربا المحرم، لأن نقود هذه الأيام ليست من المكيل و الموزون ليلزم من الزيادة في أحد العوضين الربا المحرم، إلا أنه يجري فيه ما تقدم في المسألة (43) من الإشكال في استحقاق مشتري الدين بأقل منه علي المدين ما زاد علي

مقدار الثمن الذي اشتري به الدين، مع أنه عند عدم دفع من عليه الكمبيالة للدين يجري ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 46): تعارف في عصورنا أيضا تنزيل كمبيالة المجاملة، و ذلك بأن يحتاج شخص لمقدار من المال، فيدفع له شخص آخر كمبيالة تتضمن دينا مؤجلا عليه من دون أن يكون مدينا له حقيقة، فيأخذ الأول الكمبيالة منه و ينزلها لحساب شخص ثالث مع خصم مبلغ منها في مقابل تعجيل المال، و لا إشكال في بطلان المعاملة مع جهل الشخص الثالث بالحال، لترددها بين القرض الربوي و البيع من دون مبيع. أما مع علمه بالحال فقد توجه بأحد وجهين.

الأول: رجوعها إلي توكيل موقّع الكمبيالة الأول بأن يبيع في ذمته المبلغ المذكور في الكمبيالة بالثمن الأقل معجلا، ثم يقترض الثمن المذكور منه. لكن لازم ذلك دفع موقّع الكمبيالة تمام المبلغ المذكور فيها لأنه مملوك عليه، و عدم رجوعه علي الشخص الأول إلا بالمقدار الذي اقترضه منه و هو الذي أخذه بعد التنزيل و الخصم.

الثاني: رجوعها إلي بيع من له الكمبيالة المقدار الذي تضمنته في ذمته مؤجلا بالثمن الأقل معجلا، و يكون مرجع توقيع الكمبيالة من قبل الشخص الأول إلي كفالته للبائع كفالة عرفية- التي يأتي الكلام فيها في الكفالة- فهو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 209

متعهد بدفع المبلغ الذي باعه عنه إن لم يدفعه هو. لكنه يشكل بالزيادة بين العوضين من دون فرق بينهما إلا بالزمان الذي تقدم في المسألة (1) من بيع الربا الإشكال في جوازه، و من هنا يصعب تصحيح هذه المعاملة إلا بتدارك جهات الإشكال التي أشرنا إليها.

(مسألة 47): لما كانت الصكوك المصرفية حوالة بالمال الذي تتضمنه من دون أن تكون بنفسها مالا

فإن دفعها علي أحد وجهين.

الأول: أن يقصد دافع الصك تمليك مبلغ له علي البنك بقدر المبلغ الذي تضمنه الصك، إما ببيعه أو بجعله ثمنا في مبيع أو نحوهما، و حينئذ يجري عليه حكم بيع ما في ذمة الغير أو نحوه، فلا يجوز بيعه إذا لم يكن له في ذمة صاحب البنك مال، كما يتعارف كثيرا دفع الصك قبل رصد ما يقابله في البنك علي أن يكون سحبه بعد ذلك أو لأن دفعه علي حسابه المكشوف، كما لا يجوز لدافع الصك سحب تمام رصيده في البنك حتي إذا كان من عزمه إرجاع المبلغ الذي تضمنه الصك قبل حلول وقت قبضه المتفق عليه. و إذا امتنع البنك من الدفع تبطل المعاملة و يرجع آخذ الصك بما دفعه فقط، لأن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه. إلي غير ذلك.

الثاني: أن يقصد بدفع الصك الحوالة العرفية- التي يأتي الكلام فيها في الحوالة- علي البنك بالمبلغ المذكور من دون تمليك لشي ء في ذمة البنك، بل إذا كانت هناك معاملة تتضمن التمليك فالتمليك يكون في ذمة دافع الصك نفسه، و حينئذ يجري علي المعاملة المذكورة حكم المعاملة علي شي ء في ذمة المتعامل نفسه، فيشكل بيع المبلغ بأقل منه إذا كان الفارق بينهما الزمن لا غير، كما تقدم في المسألة (1) من بيع الربا. و أما التحويل و دفع الصك فهو خارج عن صلب المعاملة، نعم قد يكون شرطا فيها زائدا عليها، فيلحقه حكم الشرط.

(مسألة 48): الظاهر أن سندات القرض- بمقتضي وضعها القانوني- وثيقة علي المال الذي تضمنته فصاحبها مالك لذلك المال، و ليست هي بأنفسها مالا بلحاظ إمكان تحصيل المال بسببها من دون أن يكون مملوكا بنفسه قبل

تحصيله بها، فهي نظير الكمبيالة بمبلغ معين، لا نظير النقود ذات المالية بلحاظ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 210

تعهد الدولة بها و جعلها الرصيد لها، و لا نظير الطوابع البريدية، و لا نظير الشبكة التي يمكن بها تحصيل الصيد. و دفع المال بإزاء تحصيل السندات المذكورة أو المحافظة عليها ليس لتقوّم المالية بها من دون نظير للمبلغ الذي تضمنته، بل هو نظير دفعه بإزاء الكمبيالة التي يتوثق بها للمبلغ الذي تضمنه.

و علي ذلك يكون دفع المال و تحصيل السندات المذكورة من الجهة التي جعلتها علي نفسها إقراضا للمال المدفوع لتلك الجهة، و يجري عليه حكم القرض من حرمة الزيادة فيه، لأنها ربا محرم، كما أن بيعها ثانيا يجري عليه حكم بيع الدين، و إذا كان بعضه فائدة ربوية بطل البيع فيه بالنسبة، كما لا يستحق المشتري الزيادة المتجددة، لأنها ربا محرم. نعم لو كانت بنفسها مالا لصح شراؤها من الجهة التي تصدرها كما يصح بيعها من المشتري لها و شراؤها منه، و إن اختلف ثمنها و زاد.

(مسألة 49): ما تقدم في أحكام المسائل الأربع يختص بما إذا كانت الجهة التي تكون طرفا للمعاملة و يتحصل منها المال جهة مالكة، و حينئذ إن كانت محترمة المال لزم التوقف عن التعامل معها في مورد بطلان المعاملة و حرم المال المأخوذ منها بسبب المعاملة المذكورة، إلّا بتحليل خاص منها بعد الالتفات لبطلان المعاملة، أو تكون تلك الجهة مخالفة في الدين و تري صحة المعاملة فيجوز أخذ المال حينئذ من باب الإلزام، و إن لم تكن محترمة المال أمكن استنقاذ المال منها من طريق المعاملات المذكورة و إن كانت باطلة، بل قد ترتفع بعض جهات بطلان المعاملة فيها،

كالزيادة الربوية التي يحل أخذها من الكافر الحربي.

أما إذا لم تكن مالكة شرعا و كان المال المأخوذ منها مجهول المالك، فالمعاملة معها باطلة علي كل حال. نعم يحل إيقاع صورة المعاملة و دفع المال للجهة المذكورة بداعي التسلط علي المال المجهول المالك، فيؤخذ المال و يحلّ بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه.

هذا، و أما إذا كانت الجهة التي يتعامل معها مالكة محترمة المال إلّا أنها تدفع المال بالتحويل علي الجهات غير المالكة و التي يكون المال المأخوذ منها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 211

مجهول المالك- كبعض البنوك الحكومية- فالأحكام المذكورة سابقا تجري علي التعامل معها، لكن يمكن قبض المال بسبب التعامل معها و تحليله بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه. و هكذا الحال في جميع المعاملات غير الصحيحة إذا أجريت مع جهة مالكة محترمة و كان دفعها للمال بالتحويل علي جهة غير مالكة يكون المال المأخوذ منها مجهول المالك.

و أولي من ذلك أن تستبدل المعاملات المتقدمة- في مورد الإشكال فيها- بنحو من الصلح بين تلك الجهة و الطرف الآخر، علي أن يدفع الطرف المذكور لتلك الجهة المال في مقابل تسليطه- بدفع الكمبيالة أو الصك أو السند- علي أخذ المال من الجهة المحوّل عليها من أجل تحليله بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه. و هذا جار في جميع المعاملات- صحيحة كانت أو باطلة- التي يكون طرفها محترم المال لكن يدفع المال بالتحويل علي الجهة غير المالكة التي يكون المال المأخوذ منها مجهول المالك، كما سبق في المسألة (64) من مقدمة المكاسب، فراجع.

(مسألة 50): إذا باع الكافر شيئا من المحرمات- كالخمر و الخنزير- علي كافر مثله حرم عليه ثمنه، لكن لو قبض الثمن جاز للمسلم أخذه

منه وفاء عن دين له عليه، أو ثمنا في معاوضة بينهما. بل لو أسلم الكافر قبل قبض الثمن جاز له أخذه من المشتري، كما تقدم في المكاسب المحرمة.

(مسألة 51): إذا اقتسم الشريكان الدين بينهما فتلفت حصة أحدهما كان التلف من المجموع و بطلت القسمة، كما تقدم في المسألة (25) من كتاب الشركة.

(مسألة 52): إذا لم يقدر المدين علي الوصول للدائن أو من يقوم مقامه ليوفيه دينه وجب عليه العزم علي الوفاء لو قدر عليه و الوصية بالدين توثقا له و السعي للوصول إليه مع الإمكان، و كفاه ذلك مهما طال الزمان، حتي مع اليأس من معرفته و الوصول إليه. و لا يجب عليه حينئذ التصدق عنه بقدر الدين، بل لا يجزيه التصدق في براءة ذمته من الدين، و ليس هو كالمال الخارجي المجهول المالك في وجوب التصدق به عن صاحبه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 212

و أما ما ذهب إليه جمع من فقهائنا- رفع اللّه تعالي شأنهم- في العصور القريبة من وجوب التصدق و الاجتزاء به و اشتهر بين المتشرعة باسم (رد المظالم) فإنه لم يثبت عندنا، نعم لا بأس بالعمل عليه احتياطا و برجاء المطلوبية و الوفاء، من دون بناء علي براءة الذمة من الدين بذلك.

(مسألة 53): إذا غاب صاحب الدين و انقطع خبره فإن علم بموته وجب دفع الدين لورثته و إن علم بحياته جري ما تقدم في المسألة السابقة، و إن احتمل موته في غيبته جاز بل وجب دفعه إلي ورثته بعد أربع سنين من الفحص عنه في الأرض، كما يجب دفعه لهم بعد عشر سنين من غيبته و انقطاع خبره، و إن لم يفحص عنه في الأرض. أما لو كان

انقطاع خبر صاحب الدين و العجز عن الوصول إليه لأمر طارئ علي المدين نفسه- من غيبة أو سجن أو نحوهما- فلا يجوز له دفع الدين للوارث حتي إذا لم يعلم بموت صاحب الدين أو تقوم عليه حجة شرعية مهما طال الزمان، و جري عليه ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 54): إذا وجب دفع الدين للورثة- للعلم بموت صاحب الدين أو الحكم به شرعا- فلا يكفي الدفع لبعضهم، أو لمن يتولي إدارة أمورهم ما لم تثبت ولايته، أو وكالته عنهم جميعا، بل يلزم مع عدم ثبوت ذلك إحراز وصول حصة كل واحد منهم من الدين له و التوثق من ذلك. و إذا ادعي بعض الورثة عدم وصول حقه له وجب علي المدين تصديقه ما لم يثبت كذبه. و كذا الحال في جميع ما يجب إيصاله لورثة الميت من أمواله التي في أيدي الناس.

(مسألة 55): إذا وجب دفع الدين للوارث و لم يعرف الوارث، فإن علم بوجود وارث لصاحب الدين غير الامام عليه السّلام إلا أنه مجهول الشخص أو المكان جري عليه ما تقدم في المسألة (52) من حكم تعذر الوصول لصاحب الدين، و إن لم يعلم بوجود وارث له غير الامام كان الدين من الأنفال التي هي ملك الامام عليه السّلام و وجب مراجعة الحاكم الشرعي فيه، و الأحوط وجوبا حينئذ تقديم فقراء بلد الميت إذا كان له بلد معروف، فيصرف فيهم بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 56): إذا حلّ الدين وجب علي المدين وفاؤه في أي مكان يصل فيه المال للدائن، إلا مع تعيين مكان التسليم في عقد لازم فيجب الاقتصار عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 213

(مسألة 57): إطلاق القرض يقتضي استحقاق المقرض علي المقترض

التسليم في بلد القرض، بمعني وجوب ذلك عليه و إن استلزم ضررا عليه أو صرف مال زائد علي الدين، و لا يجب عليه التسليم في غيره إذا طالبه المقرض إلا إذا لم يستلزم شيئا من ذلك، فالأحوط وجوبا حينئذ الوفاء.

(مسألة 58): يجب إنظار المعسر و لا يجوز التضييق عليه و إلزامه بالوفاء، كما يستحب ترك الحق له أو بعضه و إبراؤه منه.

(مسألة 59): يستحب الرفق في طلب الدين حتي مع يسار المدين.

و يكره المداقة و الاستقصاء في الاستيفاء.

(مسألة 60): يستحب قضاء دين الأبوين، خصوصا بعد وفاتهما، كما يستحب تحليل المؤمن الحي فضلا عن الميت من الدين الذي عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 214

تتميم: في المقاصة

من كان له عند غيره مال- عينا كان أو دينا- بنحو يمتنع من دفعه إليه ثم قدر صاحب المال علي مال للشخص الذي أخذ ماله كان له أن يقاصه من دون أن يعلمه، بأن يأخذ من ماله الذي قدر عليه بمقدار ما أخذ هو منه، سواء كان امتناع آخذ المال الأول من إرجاعه لتعمد غصبه، أم لجهله باستحقاق صاحبه له.

نعم هو مكروه، خصوصا في موارد:

الأول: إذا كان مال الممتنع قد وقع بيد صاحب الحق الأول علي وجه الأمانة.

الثاني: إذا كان صاحب المال الأول قد احتسب المال المأخوذ منه عند اللّه تعالي.

الثالث: إذا حلف آخذ المال الأول علي عدم استحقاقه عليه. بل الأحوط وجوبا ترك المقاصة إذا كان حلفه بطلب من صاحب المال الأول، بأن استحلفه فحلف.

(مسألة 61): يستحب لمن يريد أخذ المقاصة أن يقول حين أخذه:

«اللهم إني آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه مني، و إني لم آخذ الذي أخذته خيانة و لا ظلما» و روي الدعاء بوجوه أخر

لا يسعنا استقصاؤها.

(مسألة 62): الأحوط وجوبا عدم المقاصة مع عدم امتناع آخذ المال الأول، بل كان أخذه جهلا به مع تعذر مراجعته، نعم لو تعذرت مراجعته في المال الثاني أيضا و هو المال الذي له عند صاحب المال الأول فقد يتسني أخذ المال المذكور مقاصة، لكن بعد مراجعة الحاكم الشرعي، فإنه قد يري بمقتضي ولايته علي الغائب تفريغ ذمته من الحق الذي عليه بذلك المال.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 215

كتاب الرهن و الكفالة و الضمان و الحوالة

اشارة

و فيه أربعة فصول.

الفصل الأول في الرهن

اشارة

و هو اتفاق يتضمن جعل مال وثيقة علي دين ليستوفي منه صاحب الدين دينه، فهو يتضمن جعل حق لصاحب الدين في الوثيقة المذكورة يقتضي حجرها لذلك. و الشي ء المجعول وثيقة هو المرهون و قد يطلق عليه لفظ الرهن أيضا، و المدين هو الراهن، و صاحب الدين هو المرتهن. و الكلام في ذلك يقع في ضمن مباحث.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 216

المبحث الأول في إنشاء الرهن

لا بدّ في تحقّق الرهن من التزام الراهن بمضمونه و قبول المرتهن به.

و يكفي فيه كل ما يدلّ علي ذلك من قول أو فعل، و يقع علي وجهين.

الأول: أن يلتزم به استقلالا، إمّا ابتداء أو جريا علي اشتراطه في ضمن عقد لازم، كعقد القرض فيقول المدين للدائن مثلا: رهنتك هذا الثوب علي دينك، فيقبل الدائن بذلك.

الثاني: أن يلتزم به في ضمن عقد لازم، كعقد القرض أو غيره، فيقول المقرض مثلا: أقرضتك هذه المائة دينار علي أن يكون هذا الثوب رهنا عليها، فيقبل المقترض بذلك، أو يقول الدائن: بعتك هذا الدفتر بهذا الدينار علي أن يكون ثوبك هذا رهنا علي دينك، فيقبل المدين.

(مسألة 1): الرهن من الإنشاءات اللازمة بالأصل، و لا يجوز الرجوع فيها لأحد الطرفين إلا بالتقايل أو بطروء أحد أسباب الخيار العامة، كتخلّف الشرط الصريح أو الضمني. نعم يجوز للمرتهن إسقاط حقه من المال المرهون متي شاء، فينفذ عليه، و لا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك، لكنّه ليس فسخا للرهن، بل هو نظير الإبراء من الدين لا يكون فسخا للعقد الذي أوجبه.

(مسألة 2): يصح الرهن و يلزم بمجرّد اتّفاق الطرفين عليه، و لا يتوقّف صحّته و لا لزومه علي قبض المرتهن للمال المرهون.

(مسألة 3): يسقط حقّ الرهن ببراءة ذمّة من

عليه الدين من الدين الذي وقع الرهن له بتمامه، و لا يكفي براءته من بعضه في سقوط حقّ الرهن عن بعض المال بنسبته، فضلا عن سقوطه عنه بتمامه.

(مسألة 4): إذا كان للمرتهن علي الراهن دينان و كان الرهن علي أحدهما دون الآخر، فإذا برئت ذمة الراهن من الدين الذي عليه الرهن لم يكن للمرتهن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 217

إمساك المال المرهون ليكون رهنا علي الدين الآخر، بل يجب تسليمه للراهن مع مطالبته به.

(مسألة 5): إذا تلف المال المرهون أو سقط عن قابلية استيفاء الحق منه، فإن كان بوجه مضمون قام بدله مقامه في كونه رهنا علي الحق، و إن لم يكن مضمونا بطل الرهن، و لا يجب علي الراهن إبداله بغيره إلا إذا سبق اشتراط ذلك عليه في الرهن أو في عقد آخر.

(مسألة 6): يعتبر في الراهن و المرتهن الكمال و البلوغ و العقل و عدم الإكراه، كما يعتبر في الراهن ملك المال المرهون و عدم الحجر بسفه أو فلس، و لا يعتبر ذلك في المرتهن، لعدم كون الرهن تصرفا في ماله. و إذا كان أحد الطرفين قاصرا قام وليه مقامه، كما يقوم الوكيل مقام الأصيل في ذلك.

(مسألة 7): إذا وقع الرهن مع قصور سلطنة أحد الطرفين كان فضوليا و توقف نفوذه علي إجازة من له السلطنة و جرت فيه فروع الفضولي، و يتّضح كثير منها ممّا تقدم في البيع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 218

المبحث الثاني في المال المرهون

و لا بدّ من كونه مالا قابلا لأن يستوفي منه الحق أو بعضه بلحاظ ماليّته، إمّا بنفسه- كما لو كان من سنخ الحق المرهون عليه أو ببدله- كالأعيان القابلة لأن تباع، فلا يصح رهن مالا مالية

له، كبعض الحشرات، و لا ماله ماليّة عرفيّة إلا أنّه لا يقابل بالمال شرعا، كالخمر و الخنزير، أو ما له ماليّة إلا أنه لا يمكن استيفاء الحق منه، مثل ما يسرع له الفساد إذا ابتني الرهن علي أن لا يباع بل يبقي بعينه إلي حين حلول الدين.

(مسألة 8): لا يصح رهن الخمر و الخنزير مع كون الراهن أو المرتهن مسلما، و إن كان الآخر كافرا.

(مسألة 9): لا إشكال في صحّة رهن الأعيان الخارجية. و أمّا منافع الأعيان قبل استيفائها و الديون غير المقبوضة فيشكل صحّة رهنها، نعم لا بأس بجعلها وثيقة علي الحق تبعا لشرط في ضمن عقد لازم، نظير ما تقدّم في الوجه الثاني لإنشاء الرهن و ذلك بأحد وجهين.

الأول: أن يشترط في العقد اللازم كونها بنفسها وثيقة علي الدين، فيقول المقرض مثلا للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلي سنة علي أن تكون منفعة دارك أو الدين الذي لك علي زيد وثيقة لديني هذا، فيقبل المقترض ذلك.

الثاني: أن يشترط في العقد اللازم جعل الوثيقة من دون تعيين، فيقول المقرض مثلا للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلي سنة علي أن تجعل لي وثيقة علي ديني هذا، فيقبل المقترض، ثم يتفقان اتفاقا آخر علي أنّ الدين الخاص أو المنفعة الخاصّة هي الوثيقة علي ذلك الدين عملا بمقتضي الشرط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 219

و علي كلا الوجهين يكون للمقرض في المنفعة أو الدين المذكورين حق نظير حقه في الرهن يقتضي حجرهما له و استحقاقه استيفاء دينه منهما، و لا يصح الالتزام بكونهما وثيقة علي نحو الاستقلال من دون شرط سابق، نظير ما تقدّم في الوجه الأول لإنشاء الرهن، فإن ذلك يختص برهن الأعيان. و بلحاظ

مشروعيّة الوجه السابق يصح تعميم الرهن للمنافع و الديون.

(مسألة 10): رهن المنافع بالوجه المتقدّم يبتني.

تارة: علي التعجيل باستيفائها بالأجر ثم حفظ الأجر ليستوفي منه الدين عند حلوله.

و اخري: علي عدم استيفائها إلا عند حلول الدين، فيستوفي منها حينئذ صاحب الدين بنفسه ما يقابل دينه، أو تستأجر العين و يستوفي الدين من أجرتها.

و كذلك الديون حيث يبتني رهنها.

تارة: علي التعجيل باستيفائها و حفظ المال ليستوفي منه الدين عند حلوله.

و اخري: علي عدم استيفائها إلا عند حلول الدين.

و تعيين أحد هذه الوجوه تابع لاتفاق الطرفين.

(مسألة 11): تعارف في عصورنا أن يشترط الدائن علي المدين استيفاء دينه من راتبة الشهري الذي يستحقه بعمله بقدر معين أو بنسبة معينة في كلّ شهر. و ذلك إن ابتني علي التزام المدين للدائن بالعمل الذي يستحصل به الراتب- بحيث ليس له التفرّغ و ترك العمل- كان مبتنيا علي ما سبق من رهن المنافع، لأنّ الأعمال من جملة المنافع، و إن لم يبتن علي ذلك بأن لم يكن ملزما من قبله بالعمل، فهو أجنبي عن الرهن، و راجع إلي اشتراط الوفاء من مال خاص، و هو شرط نافذ، و إن لم يكن ذلك المال مستحقا بعمل، بل كان من سنخ التبرع، كما لو اشترط الدائن علي المدين أن يوفي دينه مما يصل له من حقوق شرعية أو عادات علي الناس أو هبات مبتدأة خاصة، أو نحو ذلك. و منه الرواتب التي تبذل في عصورنا للمشتغلين بطلب العلوم الدينية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 220

و يترتّب علي ذلك أنه لا بدّ في صحّة العقد علي الوجه الأوّل من كون العمل الذي يستحق به الراتب محلّلا و الاستئجار عليه صحيحا. أما الثاني فيكفي في

صحّته ملكيّة المدين للراتب و لو بعد حصوله في يده، لكونه مباحا أصليا أو مالا مجهول المالك يصح له تملّكه بوجه شرعي.

(مسألة 12): ما سبق في رهن الدين و المنفعة جار في رهن الحق إذا كان مقابلا بالمال، كحق السرقفلية الذي تقدّم الكلام فيه في ذيل كتاب الإجارة، و حق الأولويّة للمزارع في الأراضي الخراجية الذي تقدّم الكم فيه في فصل شروط العوضين من كتاب البيع.

(مسألة 13): في جواز رهن الكليّ علي إطلاقه- كثوب أو بقرة- أو الكليّ في المعيّن- كثوب من رزمة معينة- إشكال. نعم يجوز التوثّق بهما للدين بالالتزام به في ضمن عقد لازم، نظير ما سبق في المنافع و الديون، و حينئذ يكون علي من عليه الدين دفع فرد من الكليّ ليكون هو الوثيقة.

(مسألة 14): لا يجوز رهن الأعيان غير المملوكة كالأوقاف و الأراضي الخراجيّة، إلا أن يرجع رهن الوقف إلي رهن منفعته إذا كانت ملكا للموقوف عليهم، و رهن الأرض الخراجيّة إلي رهن حق الأولويّة فيها، فيصح بالوجه الذي تقدم في المسألة (9).

(مسألة 15): المال المرهون علي دين يجوز رهنه علي دين آخر إمّا بنحو يزاحم مقتضي الرهن الأول، كما لو اقتضي كون الاستيفاء للدينين في عرض واحد أو ابتني علي شرط مخالف لمقتضي الأول، و إمّا بنحو لا يزاحمه، كما لو اقتضي الاستيفاء للدين الثاني بعد استيفاء الدين الأول من دون أن يبتني علي شرط مناف لمقتضي الرهن الأول، و لا فرق بين كون الدينين لشخص واحد و كونهما لشخصين. نعم لا بدّ في الصورة الثانية من رضا المرتهن الأول إذا كان الرهن الثاني مزاحما للرهن الأول، أما إذا لم يزاحمه فلا يعتبر رضاه. كما يمكن في المقام فسخ الرهن

الأول بالتقايل من الطرفين ثمّ رهن المال علي الدينين معا.

(مسألة 16): يجوز تعدّد الرهن علي الدين الواحد، فللمرتهن استيفاء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 221

دينه من كل من الرهنين مخيرا بينهما أو مع تقديم أحدهما، حسب ما يتفق عليه الطرفان.

(مسألة 17): لا يعتبر في المال المرهون أن يكون ملكا للمدين بل يجوز رهن مالا يملكه المدين، سواء كان ملكا لغيره أو لم يكن مملوكا لأحد كالصدقات العامة. نعم لا بدّ من إذن من له الولاية علي المال المرهون من مالك أو ولي، و إذا وقع الرهن بغير إذنه كان فضوليّا و توقّف نفوذه علي إذنه. بل يصح التبرّع لغير المدين برهن ماله علي دين غيره، فإذا كان زيد مدينا لعمرو جاز لبكر أن يرهن ماله علي الدين المذكور، و حينئذ لا يعتبر إذن زيد، بل يكفي اتفاق بكر و عمرو علي ذلك، و الراهن في الحقيقة في جميع ذلك هو صاحب المال المرهون.

(مسألة 18): من رهن ماله علي دين غيره، فإن لم يكن الرهن بطلب من المدين و لا بإذنه فلا يستحق الرجوع علي المدين إذا استوفي المرتهن دينه من المال المرهون، و إن كان بإذن المدين أو بطلب منه كان لصاحب المال المرهون الرجوع عليه إذا استوفي المرتهن دينه من المال. إلا أن يكون إذنه في الرهن أو طلبه له مبنيّا علي التبرع و عدم الضمان، فلا بدّ حينئذ من قيام القرينة علي ذلك.

(مسألة 19): لا يعتبر العلم بمقدار المال المرهون و لا بصفاته و لا بمقدار ماليته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 222

المبحث الثالث في الدين الذي يرهن له

يصح الرهن علي كلّ عين ثابتة في الذمّة، كالدراهم و الدنانير و الطعام و نحوها ممّا يكون دينا

في ذمّة الغير. و في عمومه للمنافع إشكال، كما لو استأجر إنسان علي عمل لم تؤخذ فيه المباشرة، فأراد المستأجر أن يستوثق لنفسه فيأخذ رهنا، ليكون له أن يستوفي منه العمل المستأجر عليه إذا لم يؤدّه الأجير، فيبيع الرهن المذكور و يستأجر بثمنه من يقوم بذلك العمل. نعم يجوز له التوثّق لذلك بالالتزام في ضمن عقد لازم بجعل شي ء وثيقة للعمل المطلوب، نظير ما تقدّم في رهن الديون و المنافع.

(مسألة 20): لا يصح الرهن علي ما يتوقّع ثبوته في الذمّة قبل أن يثبت فعلا، سواء تحقّق مقتضي ثبوته كالجعل في الجعالة قبل الإتيان بالعمل، و بدل المغصوب قبل التلف لأنّ يد الغاصب سبب للضمان، أم لم يتحقق المقتضي، كبدل الأمانات غير المضمونة إذا أراد صاحبها التوثّق بأخذ الرهن حذرا من التفريط فيها، و بدل المبيع الذي يقبضه المشتري إذا أراد البائع التوثّق بأخذ الرهن حذرا من حصول أحد أسباب الفسخ أو البطلان من دون أن يستطيع استرجاع المبيع كي يستطيع استيفاء بدله من الرهن، و نظيره بدل الثمن الذي يقبضه البائع إذا أراد المشتري التوثق بأخذ الرهن حذرا من حصول أحد أسباب الفسخ أو البطلان من دون أن يستطيع استرجاع الثمن.

و كذا الحال في الأعيان المملوكة إذا كانت في يد الغير- كالأمانة و المبيع الذي يعتبر تأجيل تسليمه- و أراد صاحبها التوثّق لنفسه بأخذ مال ممن هي في يده ليكون ملزما بتسليمها بأعيانها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 223

نعم يمكن اشتراط التوثّق في جميع ذلك في ضمن عقد لازم، نظير ما تقدّم في رهن المنافع و الديون، كما لو اشتري عمرو سيارة زيد نقدا و اشترط عليه أن تكون داره وثيقة للثمن الذي دفعه

ليستوفيه منها لو ظهرت السيارة معيبة أو مغصوبة ثم وقع تسليم الثمن مبنيا علي الشرط المذكور، بأن يكون دفعه مع احتمال بطلان البيع مبنيا علي جعل الدار وثيقة له، و كما لو اشتري زيد دار عمرو علي أن تسلّم إليه الدار بعد سنة و اشترط علي عمرو أن يدفع له سيارته لتكون وثيقة للدار من أجل أن يسلّمها بعد السنة و هكذا، فإن الشرط المذكور نافذ، كما تقدّم نظيره.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 224

المبحث الرابع في أحكام الرهن

(مسألة 21): إطلاق الرهن يقتضي استحقاق المرتهن أخذ المال المرهون، فيجب علي الراهن تسليمه له و إذا امتنع اجبر علي ذلك، و لا يجوز له استرجاعه منه بعد أخذه له. و قد يتأكّد مقتضي الإطلاق بالشرط، كما قد يخرج عنه باشتراط بقاء المال المرهون عند الراهن أو عند شخص ثالث، و يجب العمل بالشرط حينئذ.

(مسألة 22): المال المرهون و إن كان باقيا علي ملك الراهن إلا أن مقتضي الرهن ثبوت حق للمرتهن فيه، و هو حق استيفاء دينه منه، و قد سبق أن مقتضي إطلاقه أنّه يستحق وضع يده عليه و جعله في حوزته، و حينئذ يتعيّن منع الراهن من كل تصرف ينافي أحد هذين الحقين- و لو لكونه دخيلا في كيفيّة إعمالهما- إلا بإذن المرتهن، فلا يجوز له إتلافه، أو إخراجه عن ملكه ببيع أو وقف أو عتق أو نحوها، أو تغيير حاله بصبغ أو كسر أو نحوهما ممّا قد يعرضه لقلّة الرغبة فيه، و لا إجارته أو إعارته أو نحوهما ممّا يوجب خروجه عن حوزة المرتهن أو يجعله معرضا للتلف و الضرر، و لا أن يحدث فيه ما يصعب معه حفظه علي المرتهن و جعله في حوزته،

كحلّ شدّه الموجب لانفراط أجزائه و تفرّقها، و إحبال الدابة الموجب لزيادة الكلفة في حفظها مع ولدها، أو نحو ذلك.

و إذا فعل الراهن شيئا من ذلك من دون إذن المرتهن، فإن كان تصرفا خارجيا- كالإتلاف و الصبغ- كان حراما و معصية، و إن كان تصرفا اعتباريا- كالبيع و الإجارة- لم ينفذ إلا أن يجيزه المرتهن، كالعقد الفضولي.

(مسألة 23): يجوز للراهن التصرف في المال المرهون من غير إذن المرتهن إذا لم يكن منافيا لحقّه بالوجوه المتقدم، و من ذلك بيعه علي أن يبقي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 225

بعينه مرهونا مستحقا للمرتهن، بحيث لا يستقل المشتري به إلا بعد وفاء الحق المرهون عليه، نظير ما لو كان المال المرهون ملكا لغير من عليه الحق.

(مسألة 24): إذا أذن المرتهن في بيع المال المرهون أو أجاز بيعه بعد وقوعه قام الثمن مقام المبيع في كونه رهنا علي الدين، إلا أن يبتني الإذن أو الإجازة علي إسقاط حق الرهن، فحينئذ يستقلّ الراهن بالثمن.

(مسألة 25): المال المرهون إذا صار- بمقتضي إطلاق عقد الرهن أو بمقتضي الشرط تحت يد الراهن- فهو أمانة بيده لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، علي النحو المتقدّم في أوائل الفصل السادس من كتاب الإجارة.

(مسألة 26): لا يجوز للمرتهن التصرّف في المال المرهون إلا بوجهين:

الأول: التصرّف الذي هو مقتضي أمانته، كإطعام الحيوان و نشر الثوب أو الطعام لو خيف عليهما من التلف.

الثاني: ما يأذن به المالك صريحا، أو يفهم من ظاهر حاله و لو بسبب التعارف.

(مسألة 27): إذا تعرّض المال المرهون للفساد بنحو يسقط قيمته، أو ينقصها نقصا معتدا به وجب مراجعة مالكه، فإن أذن ببيعه فذاك، و إلا فإن بلغ الضرر حدّا يمنع من استيفاء

الدين من الرهن كان للمرتهن بيعه بعد الاستئذان من الحاكم. و كذا إذا تعذّرت مراجعة المالك. و يجري ذلك فيما لو تعرّض المال المرهون للخطر من غير جهة الفساد، كما لو كان معرّضا للسرقة أو نحوها.

(مسألة 28): منافع المال المرهون- كركوب الدابة و سكني الدار- و نماءاته- كالبيض و الحليب- ملك للراهن، و ليس للمرتهن استيفاؤها و أخذها إلا بإذنه الصريح أو المستفاد من ظاهر الحال، فإن ابتني إذنه علي المجانية فهو، و إلا كان عليه بدلها و نقص مقداره من دينه. و كذا الحال إذا استوفاها من غير إذنه.

(مسألة 29): إذا اشترط المرتهن أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو أنّ له استيفاءها و أخذها مجانا فلذلك صور.

الاولي: أن يشترط ذلك في عقد القرض، كما إذا أقرض المال برهن و اشترط حين القرض أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو أقرض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 226

المال و اشترط علي المقترض أن يجعل عليه رهنا تكون منافعه و نماءاته له.

الثانية: أن يشترط ذلك في نفس الرهن- فيما إذا أنشئ استقلالا- أو في عقد آخر، كما لو طالب الدائن المدين بالرهن، فلمّا أراد أن يرهن عنده شيئا اشترط عليه في الرهن أن تكون منافعه و نماءاته له فقبل الراهن الشرط.

الثالثة: أن يشترط ذلك في عقد ثالث، كما إذا باع شيئا بثمن مؤجّل برهن و اشترط في عقد البيع أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو رهن المدين شيئا علي دينه ثم أوقع مع المرتهن عقدا- كالبيع- و شرط أن تكون منافع ذلك الشي ء المرهون أو نماءاته له.

أما في الصورة الأولي فيبطل الشرط المذكور، لأنه من الربا المحرم، فإذا

استوفي المرتهن المنافع و النماءات كان ضامنا لها و نقص من دينه بقدرها، و أما في الصورتين الأخيرتين فالظاهر جواز الشرط المذكور و نفوذه، فيملك به المرتهن منافع المال المرهون و نماءاته، فإذا استوفاها و أخذها لم يكن ضامنا لبدلها و لم تنقص من دينه.

(مسألة 30): تجري الصورتان السابقتان أيضا فيما إذا كان المشروط هو استيفاء الراهن المنافع و أخذه النماء بعوض.

(مسألة 31): إذا أراد الطرفان استيفاء الراهن منافع العين المرهونة و نماءاتها مجانا أمكنهما الاستعاضة عن الدين و الرهن ببيع الشرط الذي تقدّم التعرّض له في الخيار الثالث من الفصل الرابع من كتاب البيع، فمثلا إذا أراد زيد أن يقترض من عمرو بألف دينار إلي سنة و يرهن عليها داره، فبدلا من ذلك يبيع زيد داره من عمرو بألف دينار و يجعل له خيار ردّ الثمن إلي سنة، فإذا أرجع زيد لعمرو الألف دينار في آخر السنة يفسخ البيع و يسترجع داره، فإن الدار و منافعها في تلك السنة تكون ملكا لعمرو حينئذ، و له أن يستوفيها مجانا.

نعم لو تلفت الدار يكون تلفها عليه، بخلاف ما لو كانت مرهونة فإن تلفها يكون علي زيد و لا يضمنه عمرو إلا مع التفريط، كما أنه إذا لم يأت زيد بالثمن في الأجل المحدد فليس له الفسخ إلا أن يرضي عمرو.

(مسألة 32): حق الرهانة يورث، فإذا مات المرتهن انتقل حق الرهن في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 227

المال المرهون لورثته، و لا يسقط حق كل منهم إلا بإسقاطه، أو ببراءة ذمة المدين من حصّته من الدين الذي عليه الرهن.

(مسألة 33): لا يبطل الرهن بموت الراهن، بل يبقي المال المرهون معه موردا لحق الرهن و إن صار

للوارث.

(مسألة 34): إذا حلّ وقت استيفاء الدين لم يستقلّ المرتهن باستيفائه من المال المرهون، بل لا بدّ من مراجعة الراهن ليقوم بأدائه من عنده، أو من المال المرهون- إن كان من سنخ الدين- أو ببيع المال المرهون علي المرتهن أو غيره و يوفي الدين بثمنه. و إن امتنع جاز إجباره علي أحد الأمرين، و إن تعذر ذلك جاز للمرتهن أن يتولي البيع بنفسه. و الأحوط وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي مع الإمكان. و يجري ذلك فيما إذا تعذّرت مراجعة المالك لغيبة أو جهالة أو نحوهما.

(مسألة 35): إذا اشترط المرتهن علي الراهن في عقد الرهن أو في عقد آخر أن يكون له بيع الرهن لاستيفاء الدين من دون مراجعته نفذ الشرط المذكور. و كذا إذا جعله الراهن وكيلا عنه في البيع و شرط عليه المرتهن في عقد الرهن أو في عقد آخر غير عقد الوكالة أن لا يعزله. نعم الأحوط وجوبا عدم اشتراط ذلك في عقد القرض.

(مسألة 36): إذا أفلس المرتهن أو مات مدينا دينا لا تفي به تركته ففي تقديم حق المرتهن في العين المرهونة علي بقية الغرماء إشكال، و الأحوط وجوبا التراضي و التصالح معهم.

(مسألة 37): إذا مات الراهن و لم يكن للمرتهن بينة علي دينه عليه، و خاف إن هو أقرّ بالمال المرهون أن يأخذه الورثة منه و ينكروا دينه، جاز له أن يستوفي دينه من المال المرهون بنفسه و يرجع ما زاد منه للورثة من دون أن يقر بالرهن.

(مسألة 38): إذا وجد المرتهن عنده رهنا علي دين و جهل صاحبه كان له استيفاء دينه منه، فإن كان الدين بقدر الرهن فذاك، و إن كان أكثر من الرهن بقي الزائد من دينه في ذمة

الراهن المجهول، و إن كان أقلّ من الرهن بقي الزائد من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 228

الرهن أمانة في يده للراهن المجهول، و جري عليه حكم الأمانة المجهول مالكها، و قد تقدم في المسألة (16) من كتاب الاستيداع. و إن جهل مقدار الدين و احتمل كونه بقدر الرهن جاز له احتسابه بدينه و يكون له.

(مسألة 39): إذا تردّد الدين الذي عليه الرهن بين الأقلّ و الأكثر بني علي الأقل.

(مسألة 40): إذا كان عند شخص عين لآخر، و تردّد بين كونها رهنا علي دين و كونها وديعة أو نحوها بني علي عدم كونها رهنا، سواء علم بأن صاحب العين مدين للشخص الذي عنده العين أم لم يعلم بذلك. نعم إذا اتّفقا علي كونه مدينا له، و ادّعي الدائن أن العين رهن علي ذلك الدين و ادّعي المدين أنها ليست برهن كان القول قول الدائن ما لم يقم المدين البينة علي عدم كونها رهنا، و يكفي أن يقيم البينة علي أنه تسلمها منه لا علي وجه الرهنية، و لا يسمع مع ذلك دعوي الدائن أنه رهنها عنده بعد ذلك، إلا ببينة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 229

الفصل الثاني في الكفالة

اشارة

و هي نظير الرهن في كونها استيثاقا للحق، لكن موضوعها النفس و الغرض منها الحضور. فهي عبارة عن تعهّد شخص لآخر بحضور شخص ثالث، بحيث يلزمه أن يحضره لو لم يحضر. و الأول الكفيل، و الثاني المكفول له، و الثالث المكفول. و محلّ الكلام ما إذا وجب الحضور علي المكفول، و كان المكفول له يستحق ذلك عليه. و يأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 1): لا إشكال في توقّف الكفالة علي رضا الكفيل و المكفول

له، و الظاهر توقّفها علي رضا المكفول أيضا، فمع عدم رضاه بها لا سلطان للكفيل عليه، و لا يترتب أثرها بالنسبة إليه. نعم المفروض وجوب الحضور عليه علي كل حال و لو مع عدم الكفالة، لكن ذلك لا يقتضي سلطنة الكفيل علي إحضاره و لا لزوم متابعته للكفيل بالحضور ما لم يرض بالكفالة.

(مسألة 2): لا بد من إنشاء مضمون الكفالة و التزام الأطراف المعينة به و إبراز الالتزام المذكور بكل ما يدل عليه من قول أو فعل، نظير ما سبق في بقية العقود.

(مسألة 3): يجوز اشتراط الكفالة علي الكفيل- من قبل المكفول أو المكفول له أو شخص ثالث- في ضمن عقد لازم، فينفذ مع رضا المكفول و المكفول له. و هو علي وجهين:

الأول: أن يشترط كونه كفيلا لزيد مثلا و مسئولا به.

الثاني: أن يشترط عليه أن يكفل زيدا. و في الأول يكون كفيلا بمجرد الشرط، و في الثاني لا يكون كفيلا إلا بعد إنشاء الكفالة، و لا يكون فائدة الشرط

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 230

إلا وجوب إنشائها.

(مسألة 4): لما كانت الكفالة متمحضة في التعهد من جانب الكفيل وحده فالأحوط وجوبا الاقتصار في نفوذها علي ما إذا ابتنت علي أن يترتب عليها شي ء من جانب المكفول له، كما إذا كان قد اشترط الكفالة فيرجع قبوله بها للقبول بكونها وفاء بشرطه، أو كان مستحقا الحضور علي المكفول أو حابسا له فعلا فيأذن بانصرافه أو يطلق سراحه اعتمادا علي الكفالة، أو كان طالبا- من المكفول أو من غيره ممن يتعلق به- التوثق لحقه ساعيا لذلك، فيترك الطلب و السعي المذكورين اكتفاء بالكفالة أو نحو ذلك. أما إذا كانت مبتدأة من دون ذلك نظير الوعد المجرد فيشكل

نفوذها إلا أن تكون مشروطة علي الكفيل من قبل المكفول له في ضمن عقد آخر فتنفذ تبعا لنفوذ العقد.

(مسألة 5): يعتبر في الكفيل أن يكون قابلا لأن يلزم بإحضار المكفول علي ما تقتضيه الكفالة لكماله بالبلوغ و العقل، فإذا كان مقتضي الكفالة إحضار المكفول بعد شهر من العقد- مثلا- لزم كمال الكفيل حينئذ و لا يجب كماله حين إجراء العقد، بل يمكن قيام وليه مقامه في إجراء العقد إن كانت الكفالة صلاحا له. أما المكفول و المكفول له فلا يعتبر كمالهما، فيمكن كفالة الصبي و المجنون و الكفالة لهما إذا رضي بها وليهما بدلا عنهما.

(مسألة 6): لا يعتبر قدرة الكفيل علي إحضار المكفول واقعا، بل يكفي زعمه القدرة علي ذلك، فإذا كفله بالزعم المذكور ثم تبين عجزه لم ينكشف بطلان الكفالة. و ليس المراد بالقدرة علي إحضاره القدرة علي مباشرة الإحضار بنفسه بحيث يأتي به معه، بل المراد ما يعم استجابة المكفول للكفيل لو أمره بالحضور.

(مسألة 7): تشرع الكفالة سواء كان طلب حضور المكفول لتعلق حق مالي به- كدين أو كفالة أو تسليم مبيع أو نحوها- من أجل أن يستوفي منه ذلك الحق، أم كان لأمر آخر، كحضوره لمرافعة أو لأداء شهادة أو دخول سجن بحق أو ليقتص منه أو غير ذلك. و يعتبر في القسم الأول أن لا يكون الكفيل و المكفول له محجورا عليهما بسفه أو فلس. و لا يعتبر ذلك في المكفول لثبوت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 231

الحق عليه علي كل حال.

(مسألة 8): تصح الكفالة في الماليات، سواء كان الحق ثابتا فعلا، كما لو كان المكفول مدينا للمكفول له، أم لم يكن ثابتا فعلا مع وجود سببه، كالجعل في عقد

الجعالة و العوض في عقد السبق و الرماية، بل تصح مع عدم وجود السبب فعلا، كثمن أو أجر في بيع أو إجارة متوقعي الحصول، كما لو قال: بعه الدار أو آجره الدكان و أنا كفيل بإحضاره ليؤدي الثمن أو الأجرة.

(مسألة 9): مع إطلاق الكفالة في الماليات يجب علي الكفيل إحضار المكفول، و مع تعذر ذلك يجب عليه دفع المال الذي عليه. أما لو صرح في عقد الكفالة باقتصاره علي إحضار المكفول فلا يجب عليه مع تعذر الإحضار دفع المال. نعم لو دفع المال انحلت الكفالة، لما يأتي من انحلالها ببراءة ذمة المكفول من الحق.

(مسألة 10): يمكن في الكفالة مطلقا جعل شرط جزائي علي تقدير عدم إحضار المكفول، لكن لا بد في نفوذه من تقديم الشرط، فإذا قال الكفيل:

عليّ كذا إن لم أحضره، لزمه الشرط. و إذا قال: إن لم أحضره فعلي كذا، لم يلزمه الشرط و لم يكلف إلا بإحضاره.

(مسألة 11): في الكفالة في الماليات إذا دفع الكفيل المال، فإن كان بإذن المكفول أو بطلب منه كان للكفيل الرجوع عليه بما دفع، و إن لم يكن باذنه لم يرجع عليه، إلا إذا كان آذنا في الكفالة المطلقة التي سبق ظهورها في دفع الحق عند تعذر الإحضار، فإن له الرجوع حينئذ إذا كان قد دفع المال مع تعذر الإحضار.

(مسألة 12): مع إطلاق الكفالة يلزم الكفيل إحضار المكفول في بلد عقد الكفالة، و لا يكفي إحضاره في غيره إلا مع القرينة الصارفة عن مقتضي الإطلاق.

(مسألة 13): يجب علي المكفول الاستجابة للكفيل و الحضور معه، فإن امتنع جاز له إجباره و لو بالاستعانة بالظالم. نعم نفقة الإحضار علي الكفيل و لا يتحملها المكفول إلا مع الشرط، و إن

كان ضمنيا مستفادا من شاهد الحال عند إذن المكفول في الكفالة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 232

(مسألة 14): يجوز أن يكفل الكفيل شخص ثان، يكون ملزما بإحضاره ليقوم بمقتضي كفالته، كما يجوز أن يكفل الثاني شخص ثالث، و هكذا تترامي الكفالات.

(مسألة 15): إذا أمسك صاحب الحق من عليه الحق لاستيفاء حقه منه من دون تعد عليه فجاء آخر فخلصه منه كان عليه تسليمه أو أداء الحق الذي عليه. و إذا كان قاتلا عمدا لزمه إحضاره ليقتص منه أولياء المقتول، و لهم حبسه لذلك، إلا أن يرضوا منه بالدية فيدفعها لهم. و كذا إذا مات القاتل فيجب علي من خلصه من أيدي أولياء المقتول دفع الدية لهم.

(مسألة 16): الكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل، إلا مع الخيار، أو بالتقايل منه و من المكفول له. نعم ينحل بأمور.

الأول: القيام بمؤداه و هو إحضار المكفول.

الثاني: براءة ذمة المكفول من الحق الذي عليه بأدائه، أو بارتفاع موضوعه، كما إذا كان كافلا لشخص فبطلت كفالته له.

الثالث: انتقال الحق من المكفول له لشخص آخر، ببيع أو صلح أو حوالة أو غيرها، فإن الشخص الآخر لا يقوم مقام المكفول له في استحقاق الكفالة، بل تنحل الكفالة. نعم إذا كان الانتقال بالإرث قام الوارث مقام المورّث في استحقاق الكفالة و لم تنحل.

الرابع: موت المدين أو سقوطه عن قابلية الإحضار لاستيفاء الحق بجنون أو نحوه. نعم إذا ابتنت الكفالة علي أداء الكفيل للحق عند تعذر الإحضار فلا تبطل الكفالة حينئذ، بل يجب عليه أداء الحق إن تعذر أداؤه من ماله أو تركته.

الخامس: إسقاط المكفول له حقه من الكفالة.

(مسألة 17): لا تصح الكفالة إذا لم يجب الحضور علي المكفول مع قطع

النظر عنها، كالمحبوس ظلما، و الشاهد في الترافع عند الظالم، و الملزم ظلما بدفع مال، و نحو ذلك، فلو وقعت الكفالة لم يحل للمكفول له إلزام الكفيل بإحضار المكفول. و لم يجب علي الكفيل إحضاره.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 233

نعم يمكن نفوذ الكفالة حينئذ في حق المكفول بالإضافة إلي الكفيل إذا ابتني رضاه بالكفالة علي تعهده بالاستجابة له في الحضور إن كفله، دفعا للضرر الوارد علي الكفيل لو لم يحضر، فالمسجون بظلم مثلا قد يرضي الظالم بخروجه من السجن موقتا إذا كفله شخص و تعهد برجوعه بعد الوقت، كما قد يتعارف في زماننا، و حينئذ إذا طلب من شخص أن يكفله عند الظالم متعهدا له بالرجوع للسجن بعد الوقت لئلا يقع الكفيل في الضرر فكفله ذلك الشخص بناء علي التعهد المذكور وجب عليه الحضور، و جاز للكفيل إحضاره و إجباره علي الحضور بمقتضي نفوذ التعهد المذكور، و إن لم يستحق المكفول له حضوره، بل كان ظالما في ذلك، إلا أن يكون الحضور محرما فيشكل الأمر، كما إذا كان يتعرض في رجوعه للسجن للهلكة أو لضرر يحرم تحمله.

تتميم:

المعروف من الكفالة هي كفالة النفس التي تبتني علي التعهد بحضور المكفول لاستيفاء الحق منه، و هي التي سبق الكلام فيها. و الظاهر مشروعية الكفالة المتمحضة في المال، المتعارفة في زماننا هذا، و هي تعهد الكفيل للمكفول له بأداء حقه الثابت له علي المكفول، لا بمعني جعل الحق المذكور في ذمة الكفيل و براءة المكفول منه- كما يأتي في الضمان- بل بمعني تعهد الكفيل للمكفول له بحصوله علي حقه بأن يؤديه له المكفول، فإن لم يفعل أداه هو عنه، من دون أن تقتضي الكفالة المذكورة براءة

ذمة المكفول من الحق.

و الظاهر عدم اشتراط إذن المكفول في هذا القسم من الكفالة، بل يكفي رضا الكفيل و المكفول له عليها و رضاهما بها.

(مسألة 18): كما تجري هذه الكفالة في الأمور الذمية تجري في الأعيان الخارجية، كما لو قال: لا تتعقب السارق و أنا كفيل بما أخذ، أو لا تخاصم الغاصب و أنا كفيل بما غصب، علي معني أنه مسئول بإرجاع عين المال و مع تعذره فهو مسئول ببدله، من دون أن تبرأ ذمة صاحب اليد مما أخذ.

(مسألة 19): لا يعتبر في هذه الكفالة ثبوت الحق و انشغال ذمة المكفول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 234

فعلا، بل يكفي تحقق سبب ثبوته و انشغال الذمة به و إن لم تنشغل بعد، كما لو قال: بع زيدا أو آجره و أنا كفيل بالثمن أو الأجر، أو أدخله بيتك و أنا كفيل بما أتلف، أو أعره المتاع و أنا كفيل به، أو لا تغلق باب المنزل و أنا كفيل بما يسرق منه.

نعم، لا بدّ في جميع ذلك من أن تبتني علي أن يترتب عليها شي ء من جانب المكفول علي النحو المتقدم في المسألة (4) فلا تنفذ بدون ذلك، كما لو أيس المسروق من الظفر بما له فقال له: أنا كفيل بما سرق منك، أو أحكم الشخص غلق أبوابه أو قام بأقصي جهده في التحفظ علي ماله فقال له: إن سرق منك شي ء فأنا كفيل به، و نحو ذلك.

(مسألة 20): تصح كفالة درك الثمن لو ظهر المبيع مغصوبا أو غير ذلك مما يوجب بطلان البيع، فإذا باع شخص شيئا بثمن معين، و خشي المشتري أن يكون المبيع مغصوبا كان له طلب الكفيل بالثمن الذي دفعه، فإذا كفله

شخص كان له الرجوع عليه بالثمن الذي دفعه لو ظهر بطلان البيع لكون المبيع مغصوبا.

كما تصح كفالة الثمن علي تقدير فسخ البيع بخيار، أو بطلانه لتلف المبيع قبل القبض، أو نحو ذلك.

(مسألة 21): إذا لم تكن هذه الكفالة بإذن المكفول لم يكن للكفيل الرجوع عليه بما أدي عنه، و إن كانت بإذنه كان للكفيل الرجوع عليه بما أدي عنه من الحق في وقته علي حسب مقتضي الكفالة، إلا أن يبتني إذنه له في الكفالة علي عدم ضمانه له لو أدي عنه، و هو يحتاج إلي عناية و قرينة خاصة.

(مسألة 22): يجوز ترامي هذه الكفالة، نظير ما تقدم في كفالة النفس.

(مسألة 23): تجوز هذه الكفالة مع عدم ثبوت الحق علي المكفول شرعا، بل كان مؤاخذا به ظلما، فإنها و إن لم تنفذ في حق المكفول له لكونه ظالما، إلا أنها تنفذ في حق المكفول إذا أذن بها أو طلبها، فيجب عليه أداء المال للكفيل لو أداه عنه بمقتضي الكفالة، نظير ما تقدم في المسألة الأخيرة من كفالة النفس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 235

الفصل الثالث في الضمان

و هو عبارة عن تحمل شخص دينا في ذمة آخر، بحيث تنشغل ذمته بالدين و تفرغ منه ذمة المدين. و المتحمل هو الضامن، و المدين الأول هو المضمون عنه، و صاحب الدين هو المضمون له. و يكفي في إنشائه كل ما يدل علي الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل، كما تقدم في غيره من العقود.

(مسألة 1): الضمان عقد بين الضامن و المضمون له، فلا بدّ من صدوره عن اختيارهما، و لا يقع مع الإكراه كسائر العقود، كما لا بد فيه من كونهما بالغين عاقلين غير محجور عليهما بسفه. و أما

عدم الحجر بالفلس فالظاهر اشتراطه في المضمون له إذا كان نفوذ الضمان منافيا لمقتضي الحجر، و لا يعتبر في الضامن، غايته أن المضمون له لا يشارك الغرماء في أمواله التي هي مورد الحجر، و يأتي التعرض لذلك في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالي. أما المضمون عنه فلا يعتبر رضاه، كما لا يعتبر فيه ما سبق، بل يصح الضمان عنه و إن كان ميتا.

(مسألة 2): إذا كان الضامن و المضمون له قاصرين لصغر أو جنون قام وليهما مقامهما، كما يقوم وكيلهما مقامهما لو كانا كاملين.

(مسألة 3): لا بد في الضمان من ثبوت الدين في ذمة المدين، سواء كان لازما- كالقرض- أم متزلزلا- كثمن المبيع في زمن الخيار- فمع عدم ثبوته لا يصح ضمانه، سواء تحقق سببه، كالجعل في الجعالة قبل العمل، أم لم يتحقق، كثمن المبيع قبل البيع. كما لا بدّ في الضمان أيضا من كون الحق ذميا، و لا يجري في الأعيان المضمونة كالمغصوب. نعم تصح الكفالة في جميع ذلك من دون أن تبرأ بها ذمة من عليه الحق، كما تقدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 236

(مسألة 4): إذا لم يكن الضمان بإذن المضمون عنه لم يكن للضامن الرجوع عليه بما أدي من الحق، أما إذا كان بإذنه فله الرجوع عليه بما أدي، و لا يجوز الرجوع عليه بما لم يؤده لعجز أو إبراء، و كذا لو صالح علي الدين بما هو دونه، فإنه ليس له الرجوع إلا بما صالح به.

(مسألة 5): الضمان من العقود اللازمة، فلا يجوز الرجوع فيه للضامن و لا للمضمون له، بل لا يمكن حلّه حتي بالتقايل منهما، و لا يصح شرط الخيار فيه، كما لا يثبت فيه خيار

تخلف الشرط أو الوصف، فإذا رضي المضمون له بالضمان بشرط أن يفعل الضامن شيئا أو بشرط أن يكون موسرا، فلم يفعل الضامن ذلك الشي ء أو بان إعساره حين الضمان لم يكن للمضمون له الفسخ، سواء كان الشرط صريحا أم ضمنيا. نعم إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه فالظاهر صحة شرط الخيار فيه، و ثبوت خيار تخلف الشرط أو الوصف فيه إذا كان الاشتراط بإذنه أيضا. كما أن الظاهر إمكان التقايل فيه بإذن المضمون عنه، بحيث يرضي الثلاثة بحلّه و رفع اليد عنه.

(مسألة 6): يجوز ضمان الدين الحالّ مؤجلا، بحيث لا يستحق المضمون له المطالبة إلا بعد الأجل، كما يجوز العكس، و هو ضمان الدين المؤجل حالا.

(مسألة 7): إذا أمر شخص صاحب المال بإتلاف ماله، فإن كان الإتلاف محرما- لكونه تبذيرا- و علم صاحب المال بذلك لم يكن عليه ضمانه، حتي لو تعهد بضمانه علي تقدير الإتلاف، كما لو قال: أحرق ثوبك و عليّ قيمته، و إن لم يكن محرما- لوجود غرض عقلائي مخرج له عن التبذير- أو كان محرّما و لم يعلم صاحب المال بذلك، فإن فهم صاحب المال إرادة الآمر المجانية فلا ضمان أيضا. و كذا إذا وجب الإتلاف علي صاحب المال و كان الأمر به من باب الأمر بالمعروف.

و في غير ذلك يتعين الضمان، سواء صرح الآمر بالضمان أم لا، لكن ذلك ليس من الضمان الذي هو محل الكلام، بل هو نظير الضمان بالاستيفاء الذي تقدم في المبحث الأول من خاتمة كتاب الإجارة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 237

الفصل الرابع في الحوالة

اشارة

و المراد بها تحويل المدين للدائن بدينه علي غيره، بحيث تبرأ ذمة المدين من الدين و تنشغل به ذمة ذلك الغير. و المدين

الأول هو المحيل، و الدائن هو المحال، و قد يسمي بالمحتال، و الذي يحوّل عليه الدين هو المحال عليه. و يكفي في إنشائها كل ما دل علي الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل.

(مسألة 1): لا بدّ في الحوالة من رضا المحيل و المحال، أما المحال عليه فلا بدّ من رضاه أيضا إذا كان بريئا غير مدين للمحيل، و كذا إذا كان مدينا له و كانت الحوالة بغير الجنس، كما إذا كان مدينا له بدراهم فأحال عليه بدنانير، و أما إذا كان مدينا و كانت الحوالة بنفس الجنس، فإن أريد بالحوالة عليه الحوالة علي ذمته ابتداء- و لو لتخيل كونه بريئا- فلا بدّ من رضاه أيضا، و إن أريد بها الحوالة علي الدين الثابت في ذمته فلا يعتبر رضاه.

(مسألة 2): لا بدّ في المحيل و المحال من البلوغ و العقل و عدم الإكراه، كما يجب ذلك في المحال عليه في المورد الذي يعتبر فيه رضاه.

(مسألة 3): يعتبر عدم الحجر بسفه أو فلس في المحال و المحال عليه في كل مورد يكون نفوذ الحوالة منافيا لمقتضي الحجر. و لا يسعنا تفصيل ذلك، بل قد يظهر بالتأمل و بملاحظة ما يأتي في كتاب الحجر.

(مسألة 4): تجوز الحوالة علي البري ء- غير المدين للمحيل- بإذنه، كما أشرنا إليه، فإن ابتنت الحوالة علي رجوعه علي المحيل بما أحال عليه انشغلت ذمة المحيل له بمثل الذي أحال به، و إن ابتنت علي تبرع المحال عليه فلا تنشغل ذمة المحيل له بشي ء.

(مسألة 5): إذا تمّ عقد الحوالة بشروطه برئت ذمة المحيل من الدين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 238

الذي أحال به للمحال، و برئت ذمة المحال عليه إذا كان مدينا للمحيل

من مقدار الدين الذي أحال به عليه، و انشغلت ذمة المحيل للمحال عليه بمثل الدين الذي أحال به إذا كان المحال عليه بريئا و كان مبني الحوالة علي رجوعه علي المحيل بما أحال عليه، و لا يتوقف شي ء من ذلك علي أداء المحال عليه للمحال الدين الذي أحيل به.

(مسألة 6): لا بدّ في الحوالة من ثبوت الدين في ذمة المحيل حينها، و لا يكفي حصول سببه- كالجعل في الجعالة قبل العمل- فضلا عن توقع ثبوته من دون ذلك، كثمن المبيع قبل البيع.

(مسألة 7): الحوالة كالضمان في اللزوم، و عدم إمكان شرط الخيار و غيره إلا إذا كانت بإذن المحال عليه، فيمكن فيها شرط الخيار و غيره و التقايل، نظير ما تقدم في الضمان. نعم إذا كان المحال عليه معسرا حين الحوالة و لم يعلم المحال بإعساره كان له الخيار إذا علم بعد ذلك. و إذا زال إعساره قبل الفسخ ففي بقاء الخيار إشكال، كالإشكال في ثبوت الخيار إذا كان بناء المحال عليه علي الاقتراض أو الاستيهاب أو نحوهما و كان يمكنه ذلك، بل الأظهر هنا عدم الخيار.

تتميم

الحوالة المصطلحة للفقهاء و التي دلّت عليها النصوص هي الحوالة بالمعني المتقدم المبتني علي نقل الدين من ذمة المحيل إلي ذمة المحال عليه.

أما الحوالة المعروفة في زماننا هذا فهي عبارة عن طلب المحيل من المحال عليه دفع المال عنه للمحال من دون أن تنشغل ذمة المحال عليه للمحال بشي ء.

و يترتب علي ذلك أمور.

الأول: أنه لا يعتبر في المال المحال به أن يكون دينا ثابتا فعلا في ذمة المحيل، بل كما يكون كذلك يكون ثمنا في بيع حين الحوالة، كما إذا اشتري المحيل شيئا بثمن يأخذه المشتري من المحال

عليه، أو يكون دينا آئلا إلي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 239

الثبوت، كالجعل في الجعالة قبل العمل، و ثمن المبيع قبل البيع، بل يمكن أن يكون مالا متبرعا به.

الثاني: أنه لا يعتبر رضا المحال إلا حيث يكون له الامتناع عن أخذ المال المحال به، كما إذا كان ثمنا في بيع، حيث يجوز له الامتناع عن إطلاق الثمن بحيث يشمل المال المحال به، بخلاف ما إذا كان دينا في ذمة المحيل، فإنه حيث يكون تعيين الوفاء تابعا للمدين فإذا كان إطلاق الدين يشمل المال المحال به و عيّن المدين الوفاء به لم يكن للدائن الامتناع عن قبضه.

و أما المحال عليه فقد يكون ملزما بقبول الحوالة، كما إذا كان وكيلا للمحيل، أو كان بينهما عقد ملزم بالدفع عند التحويل.

الثالث: إذا دفع رجل إلي آخر مالا في بلد ليأخذ بدله في بلد آخر، فإن اختلف المالان في الجنس فلا إشكال، كما لو دفع في العراق دينارا عراقيا ليأخذ بدله في خارج العراق عملة اخري، لرجوعه إلي بيع إحدي العملتين بالأخري.

و إن اتفقا في الجنس، فله صور ثلاث.

الاولي: أن يكون المدفوع أولا أقل من المأخوذ بدلا عنه، كما لو دفع في العراق ألف دولار علي أن يأخذ في الخارج ألفا و خمسين دولارا، و حينئذ إن كان الدفع بعنوان القرض كانت الزيادة ربا محرما، و إن كان بعنوان البيع، بأن يبيعه ألف دولار في العراق بألف و خمسين دولارا في الخارج كان حلالا، لعدم حرمة الزيادة في العوضين في المعدود.

نعم الأحوط وجوبا عدم الزيادة المذكورة مع انحصار الفرق بالزمن، كما لو باعه ألف دولار معجلة بألف و خمسين دولارا مؤجلة إلي شهر مثلا من دون فارق من جهة

أخري كالمكان.

الثانية: أن يكونا متساويين، و الظاهر جريان التفصيل المتقدم بين القرض و البيع، فيحل في البيع و يحرم بالقرض، لأن شرط اختلاف المكان زيادة فيحرم بالقرض.

الثالثة: أن يكون المدفوع أولا أكثر من المأخوذ بدلا عنه، كما لو دفع في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 240

العراق ألف دولار علي أن يأخذ في الخارج تسعمائة و خمسين دولارا، و الظاهر جواز ذلك مطلقا، سواء كان بعنوان البيع أم بعنوان القرض، لأن أخذ الزيادة إنما يحرم علي الدائن لا علي المدين.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 241

كتاب الحجر

و هو منع الإنسان من التصرف في نفسه أو ماله لقصور في سلطنته، و أسبابه كثيرة، إلا أن بعضها يختص ببعض الموارد، كالرهن المانع للراهن من التصرف في المال المرهون، و التحبيس المانع للمحبّس من التصرف في العين المحبسة، و الدين و الوصية المانعين للوارث من التصرف في تركة المدين و إن كانت ملكا له، و الشرط المانع من التصرف علي خلاف مقتضاه، و غير ذلك مما يذكر في كتب الفقه المتفرقة، و قد استغني بذكره هناك عن ذكره هنا.

و قد خص الفقهاء (رضوان اللّه عليهم) الكلام هنا بأمور ستة: الصغر، و الجنون، و السفه، و الفلس، و الرق، و المرض. و حيث لم يكن الرق في عصورنا موردا للابتلاء بوجه معتد به، و كان التحجير بالمرض مبنيا علي القول بمنع الإنسان في مرض الموت من التصرف فيما زاد علي الثلث، و هو ضعيف عندنا، انحصر الكلام في الأربعة الأول.

الأول: الصغير، فلا يستقل الصغير بالتصرف و إن كان مميزا إلا مع البلوغ، و يستثني من ذلك بعض التصرفات، كالوصية علي ما يذكر في محله.

(مسألة

1): يصح تصرف الصبي في ماله و نفسه بإذن الولي، كما يصح تصرفه في مال غيره و نفسه بإذن من له التصرف أو بإذن وليه و إن لم يأذن ولي الصبي. و لا بد في الحالين من تمييز الصبي للتصرف الذي يوقعه و إدراكه لمعناه و قصده له، أما إذا لم يكن كذلك فلا يصح منه التصرف.

نعم يمكن أن يكون واسطة في إعلام الطرف الآخر للمعاملة بإذن الولي فيها، فيتولي الطرف المذكور الإيجاب و القبول معا، كما لو أرسل معه الثمن لصاحب المحل التجاري لاعلامه بأن المرسل يطلب من صاحب المحل بيع البضاعة عليه بالثمن المذكور و إرسالها معه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 242

(مسألة 2): إذا أقدم الصبي المميز علي إيقاع المعاملة لنفسه و شك في كونه مأذونا من الولي حكم ظاهرا بتحقق الإذن و صحة المعاملة التي أقدم عليها، خصوصا إذا ادّعي صريحا الإذن له. نعم إذا أنكر الولي بعد ذلك صدور الإذن منه فالقول قوله. و كذا الحال إذا كان تحت يده مال لغيره فأقدم علي التصرف فيه بالبيع أو الشراء أو غيرهما. أما إذا لم يكن تحت يده مال للغير و أراد التعامل عنه في ذمته فلا مجال للبناء علي صدور الإذن من ذلك الغير ما لم يثبت بوجه شرعي، و هكذا الحال في البالغ.

و أما إذا لم يكن الصبي مميزا لكن احتمل كونه واسطة في إيصال الثمن مثلا للإعلام بإذن الولي في إيقاع المعاملة من قبل الطرف الأخر فلا مجال للبناء علي ذلك ما لم يثبت بوجه شرعي. هذا و قد تقدم في كتاب البيع الكلام في أولياء العقد.

(مسألة 3): يثبت البلوغ بالعلم و بالبينة، و بإخبار الشخص عن

نفسه إذا لم يكن متّهما.

الثاني: الجنون، و هو في الشدة و الضعف علي مراتب. و يكفي في الحجر عليه كونه بمرتبة من ضعف العقل و نقص الإدراك بحيث لا يميز الصلاح من الفساد و الضرر من النفع، و لا يحسن الاختيار بالوجه العقلائي، و حينئذ إن كان يدرك معني المعاملة و يتحقق منه القصد إليها من دون أن يحسن الاختيار جري عليه حكم الصبي المميز، و إن كان فاقدا لذلك أيضا جري عليه حكم الصبي غير المميز.

(مسألة 4): إذا لم تظهر أمارات الجنون علي الشخص يبني علي عدم جنونه، إلا أن يعلم بأنه كان فيما مضي مجنونا فلا يبني حينئذ علي ارتفاع جنونه إلا بالعلم أو البينة.

الثالث: السفه، و الظاهر أنه صفة نفسية ترجع إلي قصور الإنسان عن أن يدرك- و لو بالتعلم- ما يحفظ ماله من التلف و الفساد و النقص، بحيث يقدم بسبب قصوره علي ما يعرضه لذلك، كإهمال التحرز عليه من السرقة، و ترك إطعامه و سقيه إن كان محتاجا لهما، و كبذله مجانا، و كإيقاع المعاملات الغبنية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 243

بالمقدار الفاحش عليه.

أما لو لم يكن إقدامه علي ذلك مسببا عن قصور في إدراكه، بل عن دواع أخر- و إن لم تكن مناسبة للحكمة- فالظاهر عدم صدق السفه به، كمن بذل ماله لمحبوب مشغوف به، أو إغراقا في مفاخرة أو ترف أو شهوة محللة أو محرمة، أو غير ذلك من الدواعي المقبولة شرعا أو عرفا أو المستهجنة. نعم إذا كانت الاستجابة للداعي المذكور مسببة عرفا عن النقص في الإدراك تحقق السفه أيضا.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان،

اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 2، ص: 243

(مسألة 5): إذا لم تظهر أمارات السفه بني علي عدمه. نعم لا يجوز لولي الصغير تمكينه من ماله إذا كبر حتي يتبين له رشده بالاختبار أو غيره، كما أنه إذا علم بأن الشخص كان سفيها فيما مضي فلا بدّ في التعامل معه من ثبوت رشده بالعلم، أو البينة، أو بالاعتماد علي معاملة الولي له معاملة الرشيد برفع يده عن ماله و تسليمه له.

(مسألة 6): من اتصل سفهه بصغره بقي تحت ولاية وليه حال الصغر، و من تجدد له السفه بعد أن بلغ رشيدا فالأحوط وجوبا اشتراك الولاية عليه بين أقرب الناس إليه- و هم ورثته- و الحاكم الشرعي. نعم لو ظهر للحاكم الشرعي عدم أهليتهم للولاية لعجزهم عن رعاية أمواله أو لخيانتهم استقل هو بالولاية.

(مسألة 7): لا يحتاج ثبوت السفه أو ثبوت ارتفاعه إلي حكم الحاكم، بل لكل شخص أن يعمل علي مقتضي الوظيفة السابقة. نعم مع التشاح و التنازع لا بدّ من الرجوع للحاكم في ثبوته و عدمه، كما لو ادعي الولي علي الشخص حال صغره أنه بلغ سفيها فوضع يده علي ماله و ادعي المولّي عليه أنه ليس بسفيه أو ادعي تجدد الرشد له بعد البلوغ بمدة، و كما لو أوقع الشخص معاملة مع شخص ثم ادعي أنه كان سفيها عند إيقاع المعاملة و ادعي طرف المعاملة أنه لم يكن سفيها، و كذا لو ادعي أهل الشخص أنه سفيه توصلا بإبطال المعاملة التي أوقعها و ادعي هو أو طرف المعاملة أنه ليس بسفيه توصلا لتصحيحها، أو ادعوا سفهه لطلب الحجر عليه فأنكر هو ذلك. إلي غير ذلك.

(مسألة 8): السفيه إنما يحجر عليه

في التصرفات المالية، مجانية كانت-

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 244

كالهبة و الصدقة- أو معاوضية- كالبيع و الإجارة- بل يمنع حتي عن اليمين و النذر و العهد المقتضية لصرف المال فلا تنفذ، دون التصرفات غير المالية كالطلاق و الظهار، نعم الظاهر منعه عن النكاح لابتنائه علي استحقاق المهر و إن لم يكن مقوما له.

(مسألة 9): كما يمنع السفيه من التصرفات المالية كذلك لا يقبل إقراره بها و بكل ما يرجع للمال كالإتلاف و السرقة. و لو أقر بنسب يستتبع الإنفاق من ماله فالظاهر ثبوته و عدم وجوب الإنفاق. نعم الظاهر قبول قوله من باب الشهادة لو كان عادلا، فيترتب عليه حكم الشاهد الواحد، دون حكم الإقرار.

(مسألة 10): لا يلغي إنشاء السفيه في الأمور المالية، بل يصح بإذن الولي، كما يصح تصرفه في مال غيره بإذنه، و لو أوقع العقد لنفسه من دون إذن الولي كان فضوليا موقوفا، فإذا أجازه الولي نفذ، و كذا إذا أوقع العقد علي مال غيره من دون إذنه، ثم أجازه صاحب المال، فهو كالصبي المميز في ذلك.

الرابع: الفلس، و هو أن تقصر أموال المدين عن ديونه التي عليه.

و المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) أنه يحجر علي المفلس بشروط ثلاثة: ثبوت ديونه عند الحاكم الشرعي بالمقدار الزائد علي أمواله، و حلولها، و مطالبة الغرماء بالتحجير عليه. فإن تمت الشروط المذكورة وجب علي الحاكم التحجير عليه، فإن حجر عليه منع من التصرف في أمواله، و ثبت حق الغرماء فيها، و كان علي الحاكم أن يتولي وفاء ديونهم منها.

لكن الأمر لا يخلو عن إشكال، و الذي تقتضيه الأدلة أنه مع امتناع المدين عن وفاء الدين و رفع الأمر للحاكم الشرعي فإن الحاكم

الشرعي يأمره بالوفاء إذا كان ذا مال، فإن امتنع تولّي الحاكم وفاء ديونهم من ماله، عدا مستثنيات الدين المتقدمة، فإن قصر المال عن الديون وقع النقص عليها جميعا بالنسبة، و كذا إذا لم يمتنع و كان ماله قاصرا عنها. و إن طالب الغرماء باستسعائه في وفاء دينه كان لهم ذلك إذا كان لائقا به.

و مقتضي ذلك أنه بأمر الحاكم له بالوفاء تسلب سلطنته علي ماله في خصوص التصرفات المانعة من وفاء ديونه به أو الموجبة لقصوره عن ذلك،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 245

و كذا عن المال الحاصل له بالاستسعاء حتي يتم الوفاء، و لا حجر عليه فيما عدا ذلك.

(مسألة 11): إذا قصرت أموال الشخص عن ديونه، فمن وجد من أصحاب الديون ماله الذي اشتراه منه المدين بعينه كان له أخذه بدل دينه، و لا يقسم مع بقية أمواله علي الغرماء بالنسبة. و هناك فروع كثرة تبتني علي مذهب المشهور لا يسعنا التعرض لها.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 247

كتاب الصلح

و هو عقد يحتاج اليه عند قصور العقود المعهودة عن تحقيق المطلوب للمتعاقدين أو حل مشكلتهما، و يجب فيه ما يجب في سائر العقود من أهلية المتعاقدين، و اختيارهما، و عدم الحجر عليهما، و إنشاء المضمون المتفق عليه بكل ما يدل عليه من قول أو فعل. نعم لا يصح إذا تضمن تحليل حرام أو تحريم حلال و مخالفة حكم شرعي، نظير ما تقدم في الشروط.

(مسألة 1): الصلح من العقود اللازمة، إلا أن يشترط فيه الخيار، فيصح فسخه لمن له الخيار، كما يصح فسخه من أحدهما، بتخلف الشرط أو الوصف أو بظهور العيب، علي النحو المتقدم في البيع، كما يصح

فسخه بالتقايل من الطرفين معا.

(مسألة 2): يصح الصلح عند التخاصم و التنازع أو عند خوف ذلك علي تبعيض الحق المتنازع عليه بين الطرفين، أو اختصاصه بأحدهما في قبال شي ء للآخر، أو غير ذلك مما يرفع به التنازع، أو يمنع من تحققه، و إن كان الحق في الواقع بتمامه لأحدهما، بل و إن كان كل منهما عالما بالأمر علي حقيقته إلا أنه يملك ما يمكنه من التخاصم فيه، و لو كان هو رفع صاحبه للحاكم، بل و إن لم يملك ذلك- لسبق إقرار منه أو نحوه- إلا أنه يستطيع الشكوي من صاحبه و التشنيع عليه حتي لو كان ظالما له في ذلك، و حينئذ يسقط حق الدعوي بالصلح المذكور و يحل المال المأخوذ به في الواقع، حتي لو انكشف بعد ذلك الأمر علي حقيقته بإقرار أو نحوه.

نعم إذا كان ترك العدوان المحرم أحد ركني العقد فالظاهر عدم صحته، كما إذا اتفق صاحب الحق مع الطرف الآخر علي أن يدفع صاحب الحق شيئا له في مقابل أن لا يعتدي عليه بشتم أو ضرب أو رفع لحاكم الجور أو غير ذلك،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 248

فيكون دفع المال في مقابل عدم العدوان، لا من باب الصلح بين الطرفين. و كذا لو كان صاحب الحق مكرها علي الصلح بالوجه المذكور لتهديد الطرف الآخر بالإضرار به إذا لم يصالحه و لو برفع أمره لحاكم الجور، لبطلان العقد مع الإكراه.

(مسألة 3): يجوز لصاحب الحق أن يصالح- تفاديا للنزاع- بما يشاء، و كذا لوكيله بإذنه. أما الولي فلا يصح منه الصلح المذكور إلا إذا كان بنظره صلاحا للمولّي عليه، كما إذا لم يأمن القدرة علي إثبات الحق له، أو كان

ما يبذله عند الصلح دون مؤنة إثبات الحق أو بقدرها، أو خاف علي المولّي عليه من بقاء النزاع و الخصومة، أو كان في الخصومة حرج علي الولي لا يجب عليه تحمله لصالح المولّي عليه. أما إذا كان لمصلحة الولي نفسه- تجنبا للخصومة أو غير ذلك- دون المولّي عليه فلا يجوز له أن يصالح علي بذل مال من المولّي عليه إلا أن يضمنه له.

(مسألة 4): يجوز الصلح بنحو يقتضي تمييز الحق المشاع، كما إذا اشترك شخصان في فرس و بقرة فاصطلحا علي أن تكون لأحدهما الفرس و للآخر البقرة، و لا يكون ذلك من القسمة.

(مسألة 5): يجوز الصلح عند اشتباه الحقوق بنحو يقتضي تعيين ما يستحقه كل طرف من أطراف الاشتباه، كما إذا كان لأحد شخصين كتاب و للآخر ثوب و اشتبه مالك الكتاب بمالك الثوب، فيتصالحان علي أن يكون لأحدهما المعين الثوب و للآخر الكتاب.

(مسألة 6): يجوز الصلح من صاحب الحق و من وليه عند الشك في ثبوت الحق بنحو يقتضي رفع الشك، كما لو شك في اقتراض زيد من عمرو مبلغا من المال أو في وفاء القرض المذكور بعد ثبوته، فيتصالحان علي ثبوت نصفه مثلا. و فائدة الصلح المذكور الحل واقعا في المقدار المتصالح عليه بحيث لو انكشف الحال بعد ذلك لم يخرج عن مقتضي الصلح، أما بدونه فالعمل لصالح أحد الشخصين في تمام الحق المشتبه و إن كان لازما بمقتضي الأصل إلا أنه يقتضي الحل ظاهرا ما دام الجهل باقيا، و لا يقتضي الحل واقعا.

و هذه جهة مهمة كما قد تدعو صاحب الحق للتنازل عن بعض حقه قد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 249

تكون مصححة للتنازل بنظر الولي في حق المولّي عليه.

و علي ذلك قد تجري المصالحة مع الحاكم الشرعي في تعيين الحق الشرعي الذي له الولاية عليه.

نعم، مقتضي الإنصاف و طبيعة الاشتباه الصلح بالتناصف مع تساوي الاحتمالين في القوة و الضعف، و مع اختلافهما يكون التفاضل لصالح من كان الاحتمال في جانبه أقوي بنسبة قوة الاحتمال المذكور، مثلا: إذا كان احتمال ثبوت الحق بنسبة خمسة و سبعين بالمائة و احتمال عدمه بنسبة خمسة و عشرين بالمائة يكون الصلح علي ثبوت ثلاثة أرباع الحق المشتبه. و ربما تكون هناك جهات ملحوظة لصاحب الحق أو وليه تقتضي الخروج عن ذلك.

(مسألة 7): يجوز الصلح عن الحق الثابت المعلوم ببعضه فتبرأ ذمة من عليه الحق من الباقي، لكن بشرطين.

الأول: علم من له الحق بمقداره، أما لو كان جاهلا به و لم يعلم به إلا من عليه الحق فلا يصح الصلح المذكور، نعم لو كان صاحب الحق راضيا بالصلح حتي مع علم من عليه الحق بالمقدار فيصح الصلح حينئذ.

الثاني: أن يكون الصلح حقيقيا راجعا إلي إبراء من له الحق لمن عليه الحق من بعضه بطيبة نفسه، أما إذا كان لمجرد استنقاذ من له الحق لبعض حقه لامتناع من عليه الحق من أدائه بتمامه فالصلح المذكور صوري و لا يصح حقيقة، بل يبقي من عليه الحق مشغول الذمة بالباقي، و كأنه إلي هذا يشير قول الامام الصادق عليه السّلام في الحديث الصحيح: «إذا كان لرجل علي رجل دين فمطله حتي مات، ثم صالح ورثته علي شي ء، فالذي أخذ الورثة لهم، و ما بقي فللميت حتي يستوفيه منه في الآخرة، و إن هو لم يصالحهم علي شي ء حتي مات و لم يقض عنه فهو كله للميت يأخذه به».

و لا يخفي أن الصلح

بالوجه الصحيح علي تبعيض الحق إنما يصح من صاحب الحق، لأنه مسلط علي ماله فله التنازل عنه كله فضلا عن بعضه. أما من الولي فلا يصح بمقتضي طبيعة ولايته، لأن وظيفته ملاحظة مصلحة المولّي عليه، و التنازل عن بعض حقه ليس من مصلحته.

نعم، قد يتجه منه الصلح بالنحو المذكور إذا أحرج، من باب استنقاذ الحق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 250

لامتناع من عليه من أدائه بتمامه. لكن الصلح المذكور صوري لا يصح حينئذ حقيقة و لا يترتب عليه براءة ذمته من بعض الحق، كما سبق. و علي ذلك يشكل المصالحة مع الحاكم الشرعي علي إسقاط بعض الحق الشرعي، كما قد يتردد علي ألسنة كثير من الناس، إلا أن يلحظ الولي المأمون جهات خاصة في صالح الحق مصححة للتنازل عن بعض الحق و يري أن ملاحظتها مقتضي ولايته، فيعمل علي ذلك، و هو أمر لا يتسني لنا فعلا استيضاحه. و منه سبحانه نستمد العون و التسديد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 251

كتاب الوكالة

و هي عقد يقتضي قيام الوكيل مقام الموكل، نظير قيام الولي مقام المولّي عليه، فيترتب أثرها المذكور بمجرد العقد قبل وقوع التصرف، و هذا بخلاف الإذن في التصرف، فإنه لا يقتضي ذلك، بل هو إيقاع من الآذن يقتضي سلطنة المأذون علي التصرف المأذون فيه من دون أن يقتضي قيامه مقامه. و يظهر الأثر في الوكالة التفويضية علي الشي ء بنحو الإطلاق كتوكيل الشخص في الأمور المالية المتعلقة به و توكيل الولي فيما هو مولّي عليه، حيث يجب علي الوكيل القيام بما يجب علي الموكل القيام به، و لا يجب ذلك علي المأذون من دون توكيل، و إن جاز له الإتيان بالأمر المأذون فيه

و يصح منه.

(مسألة 1): الوكالة كسائر العقود لا بدّ من إنشائها، و يكفي فيها كل ما يدل علي الالتزام بها من الوكيل و الموكل من قول أو فعل. كما أن الأحوط وجوبا فيها التنجيز، فلا تصح مع تعليقها علي أمر غير معلوم الحصول، نعم لا بأس بتعليق الأمر الموكل فيه.

(مسألة 2): يعتبر في الوكالة كمال الوكيل و الموكل بالبلوغ و العقل أو إذن وليهما، و لا تصح بدون أحد الأمرين. نعم إذا وكل شخص طفلا مميزا أو مجنونا مميزا بحيث يتأتي منهما القصد للتصرف الموكّل فيه و إنشاؤه نفذ تصرفهما عليه و إن لم يأذن وليهما في توكيلهما، لكنه ليس لصحة الوكالة، بل لتحقق الاذن منه لهما بالتصرف تبعا لتوكيلهما، و لا يعتبر في نفوذ تصرف المأذون كماله و لا إذن وليه، بل يكفي التمييز الذي يتحقق معه القصد للتصرف المأذون فيه.

(مسألة 3): يعتبر في نفوذ تصرف الوكيل سلطنة الموكّل علي ذلك التصرف، فإذا وكلت البكر الرشيدة ذات الولي مثلا شخصا في تزويجها صحت وكالته، و لا ينفذ تزويجه لها إلا برضا وليها، و إذا وكل الراهن شخصا في بيع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 252

العين المرهونة صحت وكالته و لا ينفذ بيعه لها إلا بإذن المرتهن. نعم إذا كان قصور سلطنة الموكّل لعدم كماله- كالصبي و المجنون- كفي صدور الوكالة عن الولي في نفوذ تصرف الوكيل، و لا يحتاج إلي إذن الولي فيه.

(مسألة 4): يعتبر في الموكّل عدم الحجر بسفه إذا كانت الوكالة في الماليات، فإذا وكّل السفيه لم تصح الوكالة، و لا يصح من الوكيل التصرف حتي بعد ارتفاع سفه الموكّل. أما الحجر بالفلس أو نحوه مما تقدم في كتاب الحجر فالظاهر

أنه غير مانع من صحة الوكالة و إنما يمنع من نفوذ تصرف الوكيل في مورد عدم نفوذ تصرف الموكّل.

(مسألة 5): الوكالة من العقود الجائزة، بمعني أن لكل منهما متي شاء عزل الوكيل عن وكالته. نعم لا ينفذ عزل الموكّل للوكيل إلا بعد أن يعلم الوكيل بالعزل، أو يخبره به ثقة.

(مسألة 6): إذا اشترط أحدهما عدم عزل الوكيل أبدا، أو إلي أمد خاص في ضمن عقد آخر لزم و لم ينفذ العزل، بل الظاهر لزومه إذا اشترط ذلك في عقد الوكالة بنفسه.

(مسألة 7): تبطل الوكالة بموت الوكيل و لا تنتقل لورثته، كما تبطل بموت الموكّل، إلا أن تبتني علي العموم لما بعد الموت، فترجع إلي كون الشخص وكيلا حال الحياة وصيا بعد الموت، فيلحقه بعد موت الموكّل حكم الوصي.

(مسألة 8): المشهور بطلان الوكالة بجنون الموكّل و الإغماء عليه و إن كانا موقتين، لكن المتيقن من ذلك عدم جواز التصرف للوكيل حال الجنون، لقصور سلطنة الموكّل من دون ان تبطل الوكالة، فإذا ارتفع الجنون و عادت سلطنة الموكّل جاز للوكيل التصرف. بل إذا كان الموكّل ملتفتا لاحتمال طروء الجنون عليه، و عمم الوكالة له كان مرجعها إلي جعل الوكيل وليا علي التصرف حال الجنون، و الظاهر نفوذ الجعل المذكور و إغناؤه عن ولاية الولي الشرعي، فيجوز التصرف للوكيل حتي حال الجنون. و أما الإغماء فإن كان مستحكما طويل الأمد فهو بحكم الجنون، و إن كان طارئا موقتا فهو بحكم النوم لا ينافي سلطنة المغمي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 253

عليه عرفا، و لا يمنع الوكيل من التصرف، فضلا عن أن يبطل وكالته.

(مسألة 9): المشهور بطلان الوكالة بجنون الوكيل و الإغماء عليه و إن كانا موقتين، لكنه

ممنوع. نعم إذا كانا مستحكمين طويلي الأمد فقد يكون إطلاق الوكالة منصرفا عنهما، فيكون بطلان الوكالة معهما لقصورها عنهما ابتداء، لا لكونهما مبطلين لها.

(مسألة 10): يجوز للولي أن يوكل غيره، و له صورتان.

الاولي: أن يوكل عن نفسه، و حينئذ تبطل وكالة وكيله بخروجه عن الولاية.

الثانية: أن يوكل عن المولّي عليه، و حينئذ لا تبطل الوكالة بخروجه عن الولاية، بل لا بدّ في بطلانها من عزل الوكيل من قبل من بيده الأمر بعد خروج الولي عن الولاية، إلا أن يكون توكيله عن المولي عليه مختصا بحال ولايته عليه، فيكون خروجه عن الولاية موجبا لانتهاء أمد الوكالة.

و يجري نظير ذلك في توكيل الوكيل، حيث قد يوكل عن نفسه و قد يوكل عن الموكل. و لا بدّ في جميع ذلك من كون التوكيل داخلا في عموم الولاية و الوكالة الاولي، أما إذا كان خارجا عن مقتضاهما فهو لاغ و لا يترتب عليه الأثر حال الولاية و الوكالة الأولي، فضلا عما بعد الخروج عنهما.

(مسألة 11): يصح التوكيل في كل ما لا يتعلق غرض الشارع الأقدس بمباشرة الموكل له بنفسه، بل يكفي في انتسابه إليه وقوعه عن أمره نيابة عنه، بحيث يكون نسبته للمباشر في طول نسبته إليه، سواء كان أمرا اعتباريا، كإيقاع العقود و الإيقاعات، أم حقيقيا خارجيا، كقبض المبيع و الموهوب و إقباضهما، و أداء كثير من الواجبات و المستحبات. و مع عدم تنصيص الشارع الأقدس علي ذلك بالخصوص يكتفي فيه ببناء المتشرعة، و مع عدم وضوح بنائهم يكتفي فيه ببناء العرف.

و قد تعرضنا- تبعا للفقهاء (رضوان اللّه عليهم)- في أبواب الفقه المختلفة لكثير من الموضوعات الشرعية التي تقبل الوكالة و التي لا تقبلها.

(مسألة 12): لا يجب في

الأمر الموكّل عليه أن يكون متحقق الموضوع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 254

حين الوكالة، كما في التوكيل في الإنفاق علي الزوجة التي هي في حبال الموكل فعلا، أو في طلاقها، بل يجوز التوكيل فيما لم يتحقق موضوعه بعد علي تقدير تحقق موضوعه، سواء عمت الوكالة تحقيق الموضوع، كما لو وكله في شراء البضاعة ثم بيعها، أو في تزويج المرأة ثم الإنفاق عليها أو طلاقها، أم لا، كما لو وكله في بيع البضائع التي سيشتريها، أو في الإنفاق علي الزوجة التي سوف يتزوجها من دون أن يوكله في الشراء و التزويج.

(مسألة 13): يجوز للوكيل مع إطلاق الوكالة اختيار أي فرد شاء، و لا يجوز مع تقييدها الخروج عما عيّن له، و لو خرج عنه لم ينفذ تصرفه إلا بإجازة الموكّل. و المرجع في تحديد مفاد الوكالة سعة و ضيقا هو العرف حسبما يفهم من إطلاق الكلام بضميمة القرائن المقالية و الحالية المحيطة به، و منها التعارف و شاهد الحال و غير ذلك مما لا مجال لإعطاء الضابط له.

(مسألة 14): إذا كانت الوكالة متعلقة بعين للموكّل يسلمها للوكيل- كما لو دفع إليه مالا ليشتري به بضاعة، أو بضاعة ليبيعها أو يصلحها، أو حيوانا ليطعمه أو ليرعاه- فالعين المذكورة أمانة بيد الوكيل لا يضمنها إلا بالتعدي عما عينه الموكّل- و لو من دون تعمد- أو التفريط فيها، علي نحو ما سبق في جميع الأمانات. و إذا تعدّي فيها أو فرط كان ضامنا من دون أن ينعزل عن الوكالة فيما و كل فيه.

(مسألة 15): إذا طرأ ما لا يمكن معه العمل علي مقتضي الوكالة، و لم يمكن إرجاع العين للمالك أو حفظها له أو مراجعته فيها، وجب علي

الوكيل العمل بما تقتضيه مصلحة المالك بعد مراجعة الحاكم الشرعي مع تيسره، و لا ضمان عليه حينئذ، بل إذا لم يفعل تهاونا ضمن.

مثلا: إذا دفع الموكل للوكيل نقدا ليشتري به بضاعة معينة، فصار النقد في معرض النهب أو السقوط عن المالية بإسقاط الدولة له أو نحو ذلك مما لا يتيسر معه شراء البضاعة المعينة فاللازم علي الوكيل فعل ما يراه صلاحا، كإبدال النقد بنقد آخر أو إقراضه أو شراء بضاعة أخري أو غير ذلك.

(مسألة 16): إذا ادّعي شخص الوكالة عن شخص من أجل أن يوقع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 255

معاملة من عقد أو إيقاع عنه، فإن كان التصرف بما تحت يده من مال ذلك الشخص جاز تصديقه و ترتيب الأثر علي معاملته، فيجوز الشراء منه و البيع عليه بالثمن الذي تحت يده، و ترتيب أثر الوقف عليه إذا أوقفه و غير ذلك، بل يجوز إيقاع المعاملة في ذمة ذلك الشخص علي أن يقبض المال مما تحت يده، كما إذا كان عنده ألف دينار لذلك الشخص فاشتري بضاعة بألف دينار في ذمته و دفع تلك الألف وفاء عنها، بل يجوز في المثال إيقاع المعاملة معه و إن لم يكن تحت يده ألف دينار له، و إنما جاء بها و دفعها بعد ذلك.

بل لا حاجة في جميع ذلك إلي دعواه الوكالة صريحا في نفوذ تصرفه ظاهرا بعد كونه صاحب يد، فإن مقتضي يده سلطنته علي التصرف فيما تحت يده و نفوذ تصرفه فيه، فمن جلس في متجر غيره و أخذ يبيع و يشتري و يتصدق مما في المتجر جاز البناء علي صحة تصرفه و التعامل معه و إن لم يدّع الوكالة صريحا. نعم، إذا أنكر

المالك الوكالة بعد ذلك كان القول قوله حتي إذا كان صاحب اليد قد ادّعي الوكالة.

و أما إذا لم يكن تصرفه فيما تحت يده، بل فيما هو خارج عنها، فلا مجال لتصديقه و ترتيب الأثر علي تصرفه- بنحو يلزم به ذلك الشخص- من دون حجة شرعية، فمن مرّ علي متجر قد تركه صاحبه فجاء شخص آخر من جيران ذلك المتجر أو عابر عليه فأراد أن يبيعه شيئا مما في المتجر من دون أن يضع يده عليه لم يكن له أن يشتري منه و يبني علي صحة البيع بنحو يجوز له أخذ ذلك الشي ء الذي باعه له، و من اشتري لشخص في ذمته من دون أن يكون له مال عنده لم يكن للبائع البناء علي استحقاقه الثمن في ذمة ذلك الشخص، بحيث له مطالبته أو أخذ مقدار ذلك الثمن منه مقاصة أو من وارثه، بل لو قال ذلك الشخص: إن كنت مدينا لك فخذ من مالي ما يفي بدينك، لم يجز له أخذ شي ء منه، إذ لا حجة له علي كونه مدينا له. نعم يجوز ترتيب الأثر علي البيع في حق مدعي الوكالة نفسه كما يأتي.

(مسألة 17): إذا أجري الوكيل المعاملة كان مسئولا بها و بتبعاتها، فيجوز

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 256

مطالبته بالثمن إن امتنع الموكّل من تسليمه- عصيانا أو لإنكار الوكالة- فإن كان ذميا دفعه عن الموكّل، و إن كان عينا خارجية دفع بدلها، كما يجوز مطالبته بأرش العيب في المبيع، و بالثمن عند حصول سبب الفسخ، و بالمهر في النكاح، و غير ذلك. نعم إذا قامت قرينة علي عدم مسئوليته بالمعاملة فلا رجوع عليه، كما إذا كان وكيلا في إجراء الصيغة فقط، أو

صرّح بعدم مسئوليته بالمعاملة أو تبعاتها، أو أقام البينة أو نحوها من الشواهد علي الوكالة من أجل التنبيه علي أن المسؤول بالمعاملة هو الموكّل لا غير، أو نحو ذلك.

(مسألة 18): لا بأس بجعل الموكّل الأجر للوكيل، فإن كان الأجر علي نفس الوكالة استحقه بها و لم ينظر لخصوصيات العمل، كما إذا جعله وكيلا للقيام عنه بما يناسب عند الحاجة، و عين له في كل شهر مثلا مبلغا من المال، و إن كان الأجر علي العمل الموكل عليه استحقه به، كما إذا عين للوكيل عنه في إجراء المعاملات مبلغا من المال لكل معاملة يقوم بها.

(مسألة 19): إذا كان الأمر الموكّل فيه مما يمكن وقوعه للوكيل و الموكّل، كحيازة المباحات و إحياء الموات و الشراء في الذمة، فالقول قول الوكيل في تعيين من أوقع له ذلك الأمر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 257

كتاب الهبة

و هي عقد يتضمن تمليك عين لا علي نحو المعاوضة، بل مجانا، و لا علي نحو التصدق الذي هو نحو من العبادة المشروطة بالتقرب. و طرفا العقد هما الواهب و الموهوب، فلا بدّ من إنشاء المضمون منهما أو من وكيلهما أو من وليهما. و يكفي فيه كل ما يدل علي الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل، كما هو الحال في سائر العقود، فيكفي في الإيجاب مثلا من الواهب إرسال العين الموهوبة للموهوب بقصد الهبة، و في القبول من الموهوب أخذها علي ذلك.

(مسألة 1): إذا وقعت الهبة علي نحو القربة لم تكن صدقه، بل الصدقة ماهية خاصة لا بدّ في وقوعها من قصد عنوانها و لو إجمالا، و لا يكفي فيها قصد التمليك المجاني علي نحو القربة.

(مسألة 2): يعتبر في الواهب و الموهوب

الكمال بالبلوغ و العقل، و مع عدمه يقوم الولي مقامهما. كما لا بدّ في الواهب من عدم الحجر بسفه أو فلس، علي الكلام المتقدم في كتاب الحجر.

(مسألة 3): يعتبر في صحة الهبة قبض الموهوب للعين الموهوبة بإذن الواهب، فلو مات الواهب قبل القبض بطلت الهبة، و كانت العين الموهوبة ميراثا. و يكفي قبض وكيل الموهوب و وليه عنه.

(مسألة 4): لا يعتبر في القبض الفورية، و لا كونه في مجلس العقد.

(مسألة 5): إذا حصل القبض صحت الهبة و ملك الموهوب العين الموهوبة من حينه، لا من حين العقد، فإذا حصل لها نماء بعد العقد قبل القبض فهو للواهب.

(مسألة 6): إذا كانت العين الموهوبة حين الهبة في يد الموهوب أو يد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 258

وليه أو وكيله صحت الهبة، و لا تحتاج إلي قبض جديد. فإذا وهب الولي ما تحت يده للمولي عليه صحت الهبة، و لم يحتج لقبضه لها عنه بعد ذلك.

(مسألة 7): لا يكفي في القبض هنا التخلية بين الموهوب و العين الموهوبة، و لا التسجيل الرسمي، بل لا بدّ من خروجها عن حوزة الواهب و استيلاء الموهوب عليها خارجا بحيث يصدق أنها في حوزته عرفا.

(مسألة 8): لا بدّ في الموهوب من أن يكون عينا، و لا تصح هبة المنفعة.

(مسألة 9): تصح هبة الحصة المشاعة و يكون قبضها بقبض العين بتمامها.

(مسألة 10): تصح هبة ما في الذمة لغير من هو في ذمته، و يكون قبضه بقبض ما يتحقق به وفاؤه، فإذا كان لزيد علي عمرو مبلغ من المال كان له أن يهبه لبكر، فتصح الهبة بقبض بكر المال من عمرو. أما إذا وهبه لمن هو في ذمته فإنه يصح من دون حاجة

للقبض و يكون بحكم الإبراء.

(مسألة 11): إذا وقعت الهبة و صحت بالقبض لم تلزم، و كان للواهب الرجوع فيها، إلّا في موارد الأول: أن يكون الموهوب له رحما ذا قرابة، و المدار فيه علي الصدق العرفي.

الثاني: أن يعوض الواهب عن هبته.

الثالث: أن تتغير العين الموهوبة عن حالها التي كانت عليه حين الهبة، كما لو قطع الثوب أو خيط أو طحن الحب أو خبز الدقيق أو طبخ الطعام أو ذبح الحيوان أو انكسر الإناء أو نحو ذلك، سواء كان ذلك بفعل الموهوب أم لا.

(مسألة 12): الظاهر عدم إلحاق الزوج و الزوجة بذي الرحم، فيجوز لكل منهما الرجوع فيما يهبه للآخر.

(مسألة 13): لا يعتبر في العوض أن يكون عينا، بل يكفي كل ما يصدق به التعويض و الجزاء عن الهبة، عينا كان أو منفعة أو عملا، سواء كان تعويضه بتمليكه ذلك الشي ء، أم ببذله له حتي استوفاه من دون أن يتملكه، بل حتي مثل بيعه شيئا يرغب في شرائه أو شراء شي ء منه يرغب في بيعه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 259

نعم لا بدّ في الجميع من أن يصدر بعنوان التعويض و الجزاء، و الأحوط وجوبا توقف اللزوم علي أن يقبله الواهب بالعنوان المذكور أيضا، أما إذا دفع إليه بعنوان التعويض و قبله لا بالعنوان المذكور، للغفلة عن قصد الدافع ففي الاجتزاء به في لزوم الهبة إشكال.

(مسألة 14): الأحوط وجوبا أن يكون التعويض من الموهوب، و في الاجتزاء بالتعويض من غيره- كالأب و الأخ و الأجنبي- إشكال.

(مسألة 15): إذا مات الواهب قبل الرجوع بالهبة فليس لورثته الرجوع بها.

(مسألة 16): إذا مات الموهوب قبل الرجوع بالهبة انتقلت العين الموهوبة لورثته و ليس للواهب الرجوع بها عليهم. و

كذا إذا خرجت عن ملك الموهوب ببيع أو هبة أو غيرهما فإنه ليس للواهب الرجوع عليه لا بعينها و لا ببدلها، أما إذا رجعت إليه بفسخ أو شراء أو غيرهما ففي جواز رجوع الواهب بها إشكال.

(مسألة 17): إذا كانت الهبة مشروطة بشرط وجب علي المشروط عليه القيام بالشرط ما دامت الهبة باقية لم يرجع فيها، و مع عدم قيامه بالشرط يثبت للآخر خيار تخلف الشرط حتي مع أحد الملزمات المتقدمة. أما مع قيامه بالشرط فلا يثبت الخيار المذكور، و تبقي الهبة علي الحكم المتقدم.

(مسألة 18): يكره للشخص تفضيل بعض أولاده علي بعض في العطية إذا كان معسرا، بل قيل إنه مكروه مطلقا، لكن لا إشكال في جوازه، كما يجوز له ذلك في نسائه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 261

كتاب الوقوف و الصدقات

اشارة

تشترك الصدقات جميعا في ابتنائها علي خروج المالك عن ملكه و عدم انتفاعه به، إلا أنها علي قسمين:

الأول: ما يبتني علي حبس العين من أجل استيفاء منفعتها أو نمائها تدريجا في الجهة المتصدق عليها.

الثاني: ما لا يبتني علي ذلك، بل علي مجرد خروج المال عن ملك مالكه، مع بقائه علي ما هو عليه صالحا للتصرف في الوجوه المختلفة و التنقل بينها.

و الأول هو الوقف و ما الحق به، و الثاني بقية الصدقات.

فيقع الكلام في القسمين معا في ضمن مبحثين.

المبحث الأول في الوقف و ما الحق به

اشارة

الوقف عبارة عن إخراج العين عن ملك مالكها و تحبيسها من أجل استيفاء منفعتها أو نمائها مع تسبيل تلك المنفعة أو النماء و بذلهما لجهة معينة عامة أو خاصة. و يقع الكلام فيه ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 262

الفصل الأول في أقسام الوقف

الوقف علي قسمين.

القسم الأول: ما كان متقوما بحفظ عنوان خاص من دون نظر إلي موقوف عليه تعود المنفعة إليه. و هو وقف المسجد، فإنه يتقوم بعنوانه من دون نظر إلي منفعة خاصة ترجع لموقوف عليه خاص، و الانتفاع به للمصلين و نحوهم من توابع العنوان المذكور لا من مقوماته.

و الظاهر أن مثله في ذلك وقف المشاهد المشرفة التابعة للمراقد المقدسة و نحوها، فإن المنظور فيها عنوان الحرم للمرقد المذكور أو نحوه، و انتفاع الزوار و غيرهم بها من توابع ذلك لا من مقوماته. و كذا ما تعارف في بعض البلاد النائية عنها من جعل شبيه للمرقد و الحرم الخاص، أو جعل مكان منسوب للنبي أو للإمام أو الولي نحو نسبة يقصد منها تشريف المكان بنسبته له إعلاء لذكره و شدا لقلوب الناس نحوه، فإن الوقف في جميع ذلك متقوم بحفظ العنوان الخاص، و ليس انتفاع من ينتفع بالمكان إلا تابعا لذلك من دون أن يكون مقوما له. و لا تملك المنفعة في مثل ذلك، و لا تقع موردا للمعاوضة، كما لا تقع موردا للضمان بالغصب أو الاستيفاء.

(مسألة 1): إذا وقف مكان للمصلين أو الزائرين أو الداعين أو المنشغلين بالثناء علي الله تعالي، أو علي صاحب المرقد لم يكن المكان المذكور مسجدا و لا حرما و لا نحوه مما تقدم ذكره، و لا يكون الوقف المذكور من هذا القسم، بل من القسم الآتي.

(مسألة 2):

لا يصح هذا القسم من الوقف مع عدم مشروعية العنوان،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 263

لكونه شعارا مشيدا بدعوة باطلة يعلم من الشارع الأقدس عدم الرضا بتشييدها، كالأماكن المختصة بالأديان الوثنية و المنسوخة و المبتدعة التي يكون اختصاصها بتلك الأديان كاختصاص المساجد بدين الإسلام، و كالمشاهد التابعة لمراقد أهل الكفر و الضلال و البدع، و نحو ذلك.

نعم لا بأس بما كان منها يمثل حقا قد استغله أهل الضلال، كالمساجد التي يستغلها المخالفون، و المساجد التابعة للأديان المنسوخة قبل نسخها التي هي في الحقيقة مساجد تابعة للإسلام الذي هو دين الفطرة و قد استغلها المنتسبون لتلك الأديان بعد نسخها، و كالمشاهد التابعة لمراقد المؤمنين التي يستغلها أهل البدع و الضلال، فإنه يصح وقفها، و إن كان استغلالها من أهل الدعوة الباطلة غير شرعي.

القسم الثاني: ما كان مبتنيا علي وجود موقوف عليه تعود المنفعة أو الثمرة إليه، و له صور ثلاث.

الاولي: أن يبتني علي بذل المنفعة أو الثمرة لهم ليستوفوها و ينتفعوا بها بأنفسهم من دون أن يتملكوها، كوقف المدارس علي طلاب العلم، و وقف الخانات و المنازل علي الزائرين أو المسافرين أو الفقراء، و وقف كتب العلم أو الأدعية أو الزيارات علي أهل العلم أو المؤمنين أو الزائرين، و وقف الأشجار و المياه علي العابرين، و نحو ذلك.

و منه بعض أنواع الوقف الذرّي كوقف الدار علي أولاده ليسكنوها.

و وقف البستان عليهم ليأكلوا ثمرتها. و لا تصح المعاوضة في ذلك علي المنفعة أو الثمرة من قبل الموقوف عليهم و لا من قبل الولي، كما أنهما لا يكونان مضمونين علي الغير بالغصب أو الاستيفاء أو الإتلاف.

الثانية: أن يبتني علي ملكية المنفعة أو الثمرة لهم، كما لو قال:

الدار وقف علي أولادي علي أن تكون منفعتها لهم، أو: البستان وقف علي أولادي علي أن تكون ثمرتها لهم، و حينئذ يترتب أثر ملكهم لها و إن لم يقبضوها، و تجب فيها الزكاة و الخمس بشروطهما، كما يجوز لهم المعاوضة عليها بأنفسهم أو بتوسط وليّ الوقف حسب شرط الواقف. و تكون مضمونة لهم علي الغير بالغصب أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 264

الاستيفاء أو الإتلاف.

(مسألة 3): الظاهر عدم إرادة هذه الصورة إذا كان الموقوف عليه عنوانا عاما غير منحصر الأفراد عرفا كالعلماء و السادة و الفقراء و الزوار و نحوهم. و إنما يمكن إرادة هذه الصورة مع انحصار الموقوف عليهم بعدد تنقسم عليه المنفعة أو الثمرة حسب السهام التي يعينها الواقف.

الثالثة: أن يبتني علي تمليك الولي المنفعة أو الثمرة لهم بنفسها أو ببدلها، بحيث لا يتحقق الملك و لا تترتب آثاره بمجرد وجوده المنفعة أو الثمرة، بل بعد تمليك الولي و قسمته لها عليهم. و الظاهر الضمان فيها حتي بطروء سببه قبل تمليكهم، فيجب علي الولي تمليكهم البدل كما كان يجب علي تمليكهم الأصل.

(مسألة 4): لا يصح الوقف في هذا القسم بصورة الثلاث مع حرمة المنفعة المعينة في الوقف، كوقف آلات اللهو و القمار، و كذا مع حرمة الصرف المقصود منه، كالوقف علي طبع كتب الضلال و علي إعانة الداعين إليه و علي ترويج الفسق و الفجور و إعانة الظالمين و نحو ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 265

الفصل الثاني في إنشاء الوقف و شروطه

لا يتحقق الوقف إلا بإنشاء الواقف له، و ذلك بفعل ما يدل عليه بداعي جعله له و إبراز التزامه به، كما هو الحال في سائر الأمور الإنشائية من العقود و الإيقاعات.

و الإنشاء المذكور يكون

بأحد أمرين:

الأول: القول بمثل: وقفت كذا، أو حبسته و سبلته، أو نحوهما بداعي جعل ذلك، لا الإخبار عنه نظير إخبار الأجنبي.

الثاني: الفعل، كالتوقيع علي ورقة الوقفية لبيان الالتزام بمضمونها، و دفع العين الموقوفة لمن يتولي استغلالها في الجهة التي وقفت عليها، كولي الوقف أو وليّ تلك الجهة، و مثل فرش الفراش في المسجد أو المشهد أو نحوهما، أو نصب السراج فيه بداعي جعله وقفا عليه، و مثل الإذن في الانتفاع بالوقف بالوجه المناسب له و لو بمثل فتح باب المسجد ليصلي الناس فيه، إلي غير ذلك مما يصدر من الواقف بداعي جعل الوقف و بيان الالتزام به.

(مسألة 1): يكفي في إنشاء الوقف قيام وكيل الواقف به، و لا يجب مباشرة المالك له.

(مسألة 2): الوقف من الإيقاعات، لا من العقود، فلا يحتاج إلي قبول الموقوف عليهم، سواء كان وقفا عاما- كالوقف علي الفقراء أو المسجد أو المشهد- أم خاصا، كالوقف علي ذرية شخص معين. نعم لا بد مع منافاته لحق الغير من إذن من له الولاية علي ذلك الحق، فإذا أراد أن يوقف فراشا علي أن يفرش في دار زيد، أو ثلاجة علي أن تنصب في المسجد، أو مشربة علي أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 266

توضع في الطريق بنحو قد تزاحم المارة، فاللازم إذن مالك المكان أو وليه في ذلك. لكن الإذن المذكور ليس شرطا في صحة الوقف، بل شرط في جواز العمل بمقتضاه ما دام حاصلا، فإذا ارتفع الإذن تعذر العمل بمقتضي الوقف، و قد يستتبع ذلك بطلانه.

(مسألة 3): الأحوط وجوبا اشتراط الوقف بقصد القربة، لكن الظاهر أنه يكفي و إن صدر ممن لا تصح عبادته كالكافر.

(مسألة 4): يعتبر في صحة الوقف القبض

في حياة الواقف، فإذا مات قبله لم يصح الوقف، بل تصير العين الموقوفة ميراثا، و الأحوط وجوبا كون القبض بإذن الواقف، كما أن له الرجوع في الوقف قبل القبض.

(مسألة 5): إذا نصب الواقف قيما علي الوقف- و لو كان هو الواقف نفسه- كفي قبضه، بل الأحوط وجوبا عدم الاجتزاء بقبض الموقوف عليهم حينئذ.

(مسألة 6): إذا لم ينصب الواقف قيما علي الوقف كفي قبض الطبقة الاولي من الموقوف عليهم أن قبض وكيلهم أو وليهم عنهم، فإن كانوا تحت ولاية الواقف- كأولاده الصغار- كفي قبضه عن قبضهم. و حينئذ لو لم تكن العين الموقوفة تحت يد الواقف فلا بد في صحة الوقف من قبضه لها.

(مسألة 7): في الوقف علي الجهات العامة إذا لم ينصب الواقف قيما فالأحوط وجوبا عدم صحة الوقف إلا بحصول التصرف المناسب للوقف، كالصلاة في المسجد، و الدفن في المقبرة، و السكين من المسافرين في الخان الموقوف عليهم، و الصلاة أو إقامة المآتم في الحسينية، و نحو ذلك. أما إذا لم يبتن الوقف علي تصرف مناسب في العين الموقوفة، كما لو وقف بستانه علي أن تكون ثمرته للفقراء فالأحوط وجوبا عدم صحة الوقف إلا مع الجري علي مقتضي الوقف. نعم إذا رجع عدم نصب القيم إلي كون الواقف هو القيم كفي قبضه في الجميع. و علي كل حال لا يحتاج إلي قبض الحاكم الشرعي، بل لا أثر له.

(مسألة 8): في الوقف التابع لوقف آخر يكفي عن القبض جعله علي النحو الذي وقف عليه، كالمشهد يبني تبعا للمرقد، و توسعة المسجد بما يلحق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 267

به، و بناء حائط المكان الموقوف، و نصب الباب الموقوفة له فيه، و وضع الفراش في

المسجد الموقوف عليه، و نصب السراج و المروحة الموقوفين عليه فيه، إلي غير ذلك.

(مسألة 9): في الوقف علي جماعة مخصوصين لا يكفي قبض بعضهم من الطبقة الأولي إلا في حصته من الوقف.

(مسألة 10): لا يكفي في القبض في المقام رفع الواقف يده عن العين الموقوفة و التخلية بينها و بين الموقوف عليه، كما لا يكفي فيه التسجيل الرسمي، و لا بذل الثمرة أو المنفعة للموقوف عليهم و أخذهم أو استيفاؤهم لها، بل لا بد فيه من استيلاء القابض علي العين الموقوفة خارجا، بحيث تكون في حوزته عرفا.

(مسألة 11): لا يعتبر إمكان القبض حين الوقف، و لا كون العين الموقوفة تحت سيطرة الواقف، بل يكفي تحقق القبض أو ما هو بمنزلته بعد ذلك و إن كان متعذرا حين الوقف، فيصح وقف الحيوان الشارد و العين المغصوبة و نحوهما مما لا سيطرة للواقف عليه، و الوقف علي الغائب و السجين و نحوهما ممن لا يستطيع القبض. غاية الأمر أنه لا بد من تحقق القبض في جميع ذلك و لو بعد الوقف بزمان طويل إذا بقي الواقف و لم يرجع في وقفه.

(مسألة 12): يعتبر في الوقف التأبيد، فلو وقته بمدة لم يقع وقفا، بل يحمل علي التحبيس و يصح، إلا أن يعلم إرادة الوقف فيبطل. و يجري ذلك فيما يوقف علي من يتوقع انقراضه، و أما ما يوقف علي من لا يتوقع انقراضه فاتفق انقراضه فالظاهر أنه يكون وقفا، و يرجع بعد الانقراض صدقة.

(مسألة 13): إذا وقف عينا و شرط عودها إليه عند الحاجة فالظاهر البطلان، إلا أن يرجع ذلك إلي تحبيسها ما دام مستغنيا عنها، فيصح حبسا، و إذا احتاج إليها رجعت له منفعتها، و أما العين

فهي لا تخرج عن ملكه كي تعود إليه.

(مسألة 14): يعتبر في صحة الوقف التنجيز، فيبطل لو علقه علي أمر مستقبل معلوم الحصول، كقدوم المسافر و طلوع هلال شهر خاص، و كذا إذا علقه علي أمر حالي محتمل الحصول لا تتوقف عليه صحة الوقف، كما إذا قال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 268

داري وقف إن كان هذا الجنين ذكرا. إلا إذا كان ذلك الأمر مما يتوقف عليه صحة الوقف فإن الظاهر الصحة، كما إذا قال: إن كان هذا ملكي فهو وقف.

(مسألة 15): إذا قال: هذا وقف بعد وفاتي، كان من الوقف المعلق و بطل.

إلا أن يريد بذلك أنه يوصي بأن يوقف بعد وفاته، فتنفذ من الثلث، أو بإجازة الوارث، و حينئذ يجب أن يوقف بعد وفاته عملا بالوصية.

(مسألة 16): لا يصح الوقف علي النفس مستقلا و لا منضما للغير، و لو وقف كذلك بطل في الكل. بل الظاهر عدم صحة الوقف علي الغير إذا اشترط الواقف عليه القيام بمؤنته، أو بأداء الحقوق الواجبة عليه، أو وفاء ديونه من نماء الوقف الذي يصله أو من مال آخر له. و كذا إذا جعل لمتولي الوقف سهما من وارد الوقف و كان الواقف هو المتولي له في بعض الطبقات. نعم إذا كان الجعل في مقابل عمل يقوم به المتولي في إدارة الوقف و شؤونه فلا بأس به، و إن كان الأحوط وجوبا فيه الاقتصار علي ما إذا لم يكن الجعل أكثر من قيمة العمل.

(مسألة 17): إذا وقف عينا علي أن يوفي من نمائها عنه بعد موته ما عليه من ديون الناس، أو الحقوق الشرعية، أو يؤدّي عنه العبادات الواجبة أو المستحبة فالظاهر الصحة.

(مسألة 18): لا يجوز للواقف أن

يوقف العين مع استثناء منفعة خاصة منها- محددة بزمان معين أو نوع معين- لنفسه، بحيث تبقي ملكا له غير مشمولة بالوقف.

(مسألة 19): إذا آجر المالك العين أو صالح علي منفعتها مدة معينة ثم أوقفها قبل انقضاء المدة لم تدخل المنفعة في المدة المذكورة في الوقف، أما لو فسخ الإجارة أو المصالحة بخيار أو تقايل ففي عود المنفعة إليه أو دخولها في الوقف إشكال. و لا ينافي ذلك ما سبق في كتاب الإجارة من رجوع المنفعة للبائع، للفرق بين البيع و الوقف بإمكان استثناء المنفعة في البيع دون الوقف.

(مسألة 20): إذا أراد الواقف التخلص من محذور الوقف علي النفس أمكنه تمليك العين لغيره- بهبة أو بيع أو مصالحة أو غيرها- ثم يوقفها من تملكها علي النحو الذي يريده صاحبها الأول و إن كان بنحو يقتضي انتفاعه بها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 269

و له ان يتوثق لنفسه باشتراط الوقف بالنحو المذكور في ضمن عقد التمليك، ليكون له فسخ عقد التمليك لو امتنع الطرف المذكور أن يتوقف العين أو تعذر عليه ذلك.

(مسألة 21): يجوز لمن وقف مسجدا أو حرما أو نحوهما مما لم يؤخذ فيه موقوف عليه خاص أن يصلي فيه أو يزور أو ينتفع به بالنحو الذي يجوز لسائر المسلمين. و كذا يجوز انتفاع الواقف بالعين التي أوقفها علي العناوين العامة إذا ابتني وقفها علي بذل المنفعة أو النماء للموقوف عليهم ليستوفوها بأنفسهم من دون أن يتملكوها، و هي الصورة الاولي من الصور الثلاث للقسم الثاني من قسمي الوقف المتقدمين في الفصل الأول، و لا يجوز له الانتفاع في غير ذلك، إلا في طول انتفاع الموقوف عليهم، كنزوله ضيفا عليهم، أو استعارته العين منهم.

(مسألة 22):

يتعارف عند أهل البوادي و الريف الوقف علي وجهين:

أحدهما: أن يوقفوا شاة أو بقرة مثلا لتكون (منيحة) ينتفع بصوفها و لبنها علي أن يكون الذكر المتولد منها ذبيحة يذبح و يؤكل و الأنثي المتولدة منها (منيحة) كامها، و هكذا.

ثانيهما: الوقف لأحد المعصومين صلوات اللّه عليهم أو الأولياء، فيوقفون شاة خاصة مثلا أو حصة مشاعة من غنمهم لتبقي الأنثي للاستيلاد علي النحو المتقدم و يذبح الذكر في سبيل الموقوف له، أو يباع و يصرف ثمنه في سبيله. و الظاهر الصحة في الصورتين معا.

نعم، حيث تقدم عدم صحة الوقف المعلق فلا بد من تنجيز الوقف في الصورتين، فلو علق علي شفاء مريض أو فك أسير أو ورود مسافر أو سلامة غنمهم من المرض أو نحو ذلك بطل.

كما أنه حيث تقدم لزوم خروج الواقف عن الوقف فلا بد من عدم ابتناء الوقف علي تملك الواقف بنفسه للصوف أو اللبن أو اللحم أو أثمانها، بل تكون لغيره، أو تبذل لعنوان عام يدخل فيه- كالفقراء أو الآكلين في المضيف- فينتفع بها من دون أن يتملكها علي ما تقدم في المسألة (21)، أو تكون ملكا له في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 270

مقابل خدمته للوقف و ما يبذله عليه من علف أو نحوه لو احتاج إلي ذلك علي النحو المتقدم في المسألة (16).

(مسألة 23): إذا تمّ الوقف بشروطه المتقدمة كان لازما لا يجوز للواقف الرجوع فيه، و لا للورثة رده حتي إذا وقع في مرض الموت و زاد علي الثلث.

(مسألة 24): إذا اشترط الواقف علي الموقوف عليهم شرطا، فإن رجع إلي مجرد إلزامهم به لم ينفذ و لم يجب الأمر المشروط عليهم، و إن رجع إلي تقييد دخولهم في الوقف

بقيامهم به فالظاهر نفوذه، لكن لا يجب عليهم القيام به، غاية الأمر أنه مع عدم قيامهم به يخرجون عن الوقفية. و الظاهر أن المراد بشرط الواقف مع عدم القرينة هو الثاني، و أما الأول فهو يحتاج إلي قرينة و عناية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 271

الفصل الثالث في شروط الواقف

(مسألة 1): يعتبر في الواقف أن يكون مالكا للعين الموقوفة، مختارا، نافذ التصرف فيها بالعقل و عدم الحجر لسفه أو رق أو فلس، علي التفصيل المتقدم في كتاب الحجر.

(مسألة 2): الأحوط وجوبا عدم نفوذ الوقف من الصبي قبل البلوغ حتي لو بلغ عشر سنين و كان وقفه بالمعروف. نعم إذا كان الوقف صلاحا له فأوقف بإذن وليه نفذ.

(مسألة 3): يصح الوقف من ولي الصبي إذا كان صلاحا للصبي، كما يصح الوقف من ولي المال في الوقف من سهم الإمام عليه السّلام، و من المال الزكوي، و من المال الموصي به، و نحوها.

(مسألة 4): الظاهر عدم جريان حكم الفضولي في الوقف، فلو وقف غير المالك لم ينفذ وقفه بإمضاء المالك، و لو وقف المالك مكرها لم ينفذ وقفه برضاه بعد ذلك. و كذا لو وقف و هو غير نافذ التصرف، فإنه لا ينفذ برضا وليه أو رضاه بعد نفوذ تصرفه.

(مسألة 5): لا يعتبر في الواقف الإيمان، بل و لا الإسلام، فيصح الوقف من المخالف و الكافر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 272

الفصل الرابع في شروط العين الموقوفة

يعتبر في العين الموقوفة أمور.

الأول: أن تكون عينا، فلا يصح وقف المنفعة إلا أن يرجع إلي الحبس أو العمري أو الرقبي التي يأتي الكلام فيها.

الثاني: أن تكون موجودة، فلا يصح وقف المعدوم كوقف ولد الدابة قبل وجوده. و في جواز وقف الحمل قبل ولادته إشكال. نعم يجوز وقف المعدوم تبعا للموجود، كوقف الدابة علي أن يكون نسلها وقفا مثلها.

الثالث: أن تكون شخصية، فلا يصح وقف الكلي، سواء كان دينا في ذمة الغير- كما لو كان له في ذمة شخص شاة فأوقفها قبل قبضها- أم لم يكن، كما لو قال: وقفت شاة، قاصدا تعيينها

بعد ذلك. بل لا يصح وقف الكلي في المعين، كما لو كان عنده قطيع من الغنم، فقال: وقفت شاة من هذا القطيع.

الرابع: أن تكون معينة، فلا يصح وقف المردد، كما لو قال: وقفت إحدي هاتين الشاتين.

الخامس: أن تكون لها منفعة قابلة للتحصيل مع بقاء عينها، كالشجرة ينتفع بها في الاستظلال و الثمرة، و الشاة ينتفع بها في الولد و اللبن و الصوف، و البقرة ينتفع بها في اللبن و الولد و الحرث، و الثياب ينتفع بها في اللبس، و الدار ينتفع بها في السكن، و الأرض ينتفع بها في الزرع، و الحلي ينتفع بها في التزين، و هكذا. و لا يصح وقف ما يتوقف الانتفاع به علي تلف عينه، كالطعام و الفواكه و الصابون.

(مسألة 1): الظاهر عدم جواز وقف النقود لينتفع بها في الاقتراض، أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 273

وقفها لينتفع بها في الاستثمار، لعدم بقاء عينها معه، بل لا يتحقق الانتفاع إلا باستبدالها. نعم الظاهر جواز جعلها لذلك علي أن تكون نحوا من الصدقة غير الوقف، كما في التبرع لبعض المشاريع الخيرية، فيجعل قسم من المال لصندوق خيري من أجل إقراض المؤمنين، أو يتبرع به لمؤسسة خيرية من أجل الاتجار به أو غيره من وجوه الاستثمار لصالحها، أو يعين الحيوان للذبح في مناسبة خيرية.

(مسألة 2): لا يعتبر قابلية العين للانتفاع حين الوقف، بل يكفي صلوحها له و لو بعد ذلك، فيصح وقف الحيوان الصغير الذي لا يصلح للانتفاع بالحمل أو اللبن إلا بعد زمان طويل، كما يصح وقف الأرض للزرع و إن كانت سبخة لا تصلح للزرع إلا بعد العلاج.

السادس: أن تكون المنفعة المسبلة في الوقف محللة، فلا يصح وقف آلات القمار

و اللهو المحرم، ليستعملها الموقوف عليه أو لينتفع باجرتها.

السابع: أن تكون العين مملوكة، أو متعينة لجهة خاصة كالمال الزكوي، فلا يصح وقف المباحات الأصلية، و لا وقف الحر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 274

الفصل الخامس في شروط الموقوف عليه

يعتبر في الموقوف عليه أمور.

الأول: أن يكون موجودا، فلا يصح الوقف علي المعدوم، سواء كان موجودا قبل ذلك- كما لو وقف علي زيد بعد موته- أم سيوجد، كما لو وقف علي أولاده و لم يولد له بعد، حتي لو كان له حمل لم ينفصل.

و المتيقن من ذلك ما إذا كان مفاد الوقف أمرا يتوقف علي وجود الموقوف عليه، كما لو كان مفاده التملك أو الانتفاع فعلا.

أما إذا كان مفاده مجرد صرف وارد الوقف عليه أو تمليكه له حين وجوده فالظاهر صحة الوقف، كما لو وقف الدار علي أن يجمع المتولي واردها و يدفعه لمن سيولد له، أو ينفقه عليه، أو وقفها لينفق واردها في صالح الحمل الموجود فعلا و لم ينفصل.

كما أنه لو كان مفاده التمليك في المستقبل عند وجود الموقوف عليه فالظاهر الصحة أيضا، كما لو وقف شجرا لا يثمر إلا بعد سنين علي من سيولد له، فإنه يصح و إن كان مفاد الوقف ملكية الموقوف عليه للثمر بمجرد ظهوره.

نعم لا مجال لذلك فيمن وجد سابقا و مات قبل الوقف، بل يتعين البطلان مطلقا.

و كذا لو صادف عدم وجود الموقوف عليه في المستقبل علي خلاف ما كان يتوقعه الواقف، فإنه ينكشف بطلان الوقف عليه من أول الأمر مطلقا أيضا.

(مسألة 1): في صورة بطلان الوقف علي المعدوم إذا حصل الوقف المذكور بطل الوقف بتمامه إن كان في الطبقة الاولي، و كذا إن كان في الطبقات اللاحقة إذا كان انعدام الموقوف

عليه متوقعا. نعم إذا كان انعدامه مستمرا فقد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 275

تقدم في المسألة (12) من الفصل الثاني أنه يحمل حينئذ علي التحبيس. و أما إذا لم يكن انعدامه متوقعا فالظاهر صحة الوقف، و حينئذ إن كان الانعدام مستمرا انقلبت العين الموقوفة صدقة، و إن كان مؤقتا بقيت العين وقفا، و كانت الثمرة أو المنفعة عند انعدام الموقوف عليه صدقة مطلقة و ترجع إلي الموقوف عليهم بعد عودهم.

الثاني: أن يكون معينا، فلا يصح الوقف علي المردد، كالوقف علي العلماء أو الفقراء، و الوقف علي أحد المسجدين، أو أحد الوالدين، إلا أن يرجع إلي الوقف علي أحد الأمرين علي نحو التخيير في الصرف، أو إلي الصرف علي كل منهما عند احتياجه.

الثالث: أن لا يكون الوقف عليه ليصرفه في المعصية كالزنا و شرب الخمر و ترويج الباطل و نحوها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 276

الفصل السادس في الولاية علي الوقف

(مسألة 1): للمالك جعل الولاية و القيمومة علي الوقف لنفسه و لغيره، سواء كانت الولاية في استثمار الوقف، أم في صرف نمائه، أم في عمارة العين الموقوفة و إصلاحها و حفظها. و حينئذ لا يجوز لغير الولي التصرف من دون إذنه.

(مسألة 2): يجوز جعل الولاية لأكثر من واحد بنحو التشريك أو الترتيب أو بنحو يقتضي استقلال كل واحد عند سبقه للتصرف أو عند حضوره أو غير ذلك.

(مسألة 3): لا يعتبر في الولي المجعول أن يكون عادلا.

(مسألة 4): لا تتوقف ولاية الولي المجعول من قبل الواقف علي قبوله، كما لا تبطل برده، غاية الأمر أنه لا يجب عليه العمل بمقتضي الولاية، و له التخلف عنها، فيصير الوقف كما لو لم يجعل الواقف له وليا. نعم إذا كان الوقف تحت

يده لم يجز له التفريط به، بل لا يجوز له تسليمه إلا إلي من هو مأمون عليه كالولي الذي يجعله الحاكم الشرعي، كما هو الحال في كل من يكون الوقف تحت يده، كما أنه لو رضي بالقيام بمقتضي الولاية بعد الامتناع عنه كان هو المتعين لذلك، و لا تسقط ولايته بالامتناع المذكور.

(مسألة 5): للواقف ان يجعل للولي شيئا من نماء العين الموقوفة في مقابل قيامه بمقتضي الولاية، سواء كان بقدر اجرة المثل، أم أكثر، أم أقل. و لا يجوز للولي أن يأخذ أكثر مما جعل له، كما لا يجوز له أن يأخذ شيئا لو ابتني جعله وليا علي قيامه بمقتضي الولاية مجانا. نعم له الامتناع عن القيام بمقتضي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 277

الولاية في الحالين معا، فيلحقه ما يأتي في المسألة (11).

(مسألة 6): إذا لم يجعل الواقف وليا علي الوقف ففي الوقف الخاص ترجع الولاية للموقوف عليهم، و مع تشاحهم لا بد من الرجوع للحاكم الشرعي لحل المشكلة بينهم باختيار ما هو الأوفق بنظره بمصلحة الوقف، و في الوقف العام تكون الولاية للحاكم الشرعي، فلا ينفذ التصرف مع عدم مراجعته. نعم لا يحتاج لمراجعته في الانتفاع به بمقتضي الوفقية، و في خدمته و إصلاحه فيما لا يحتمل فيه فساد من جهة ما، أما مع احتمال الفساد فلا بد من الرجوع للحاكم الشرعي.

و كذا الحال إذا تردد العمل بمقتضي الوقف بين وجهين أو أكثر، فإنه لا بد من الرجوع للحاكم الشرعي في اختيار الأوفق و الأرفق بالوقف و الموقوف عليهم، كما إذا حصل التردد في وقت فتح المسجد أو الحرم، أو في وقت الإنارة أو التبريد أو غير ذلك.

(مسألة 7): إذا لم يقم الولي

المجعول من قبل الواقف بمقتضي ولايته خيانة أو عجزا أو امتناعا، فإن كان الواقف قد عين خلفا له فهو، و إلا جري علي الوقف حكم الوقف الذي لم يعين الواقف له وليا. و لو عاد و أراد القيام بمقتضي الولاية كان له ذلك، و لم يسقط عن الولاية بقصوره أو تقصيره السابق، إلا أن تتضمن الوقفية انعزاله بذلك.

(مسألة 8): إذا كانت الولاية للموقوف عليهم فلا بد من مراعاتهم مصلحة الوقف بالإضافة إلي جميع البطون، لا بالإضافة إلي خصوص الموجودين، و ليس لهم التصرف فيه تصرفا يلزم البطون اللاحقة إلا إذا كان صلاح الوقف في ذلك، فليس لهم إجارته مثلا مدة تزيد علي أعمارهم إلا إذا كانت صلاحا للوقف، و لا يكفي كونها صلاحا للبطن الموجود.

(مسألة 9): في مورد الرجوع للحاكم الشرعي تكون للحاكم الولاية علي التصرف بنفسه أو بوكيله الذي ينعزل بعزل الحاكم أو بموته، و ليس له نصب القيم عليه بحيث لا ينعزل بعزل الحاكم و لا بموته. و كذا الحال في الموقوف عليهم إذا صارت لهم ولاية الوقف، فإن لهم جعل الوكيل عنهم في إدارة أمر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 278

الوقف، لا نصب القيم علي الوقف.

نعم، إذا تضمنت الوقفية ولاية الموقوف عليهم أو الحاكم أو غيره علي نصب القيم كان له نصبه، فتثبت له القيمومة و لا ينعزل حينئذ بعزل من نصبه أو بموته.

(مسألة 10): للحاكم الشرعي أن يجعل للوكيل الذي يقوم مقامه في إدارة الوقف شيئا من نماء الموقف إذا كان الوقف محتاجا له و امتنع من القيام بذلك مجانا، سواء عيّن الواقف لمن يقوم بأمر الوقف شيئا أم لم يعيّن. نعم مع التعيين لا يجوز الزيادة علي ما عيّن

إلا مع انحصار الأمر بمن يطلب الزيادة. و كذا الحال في وكيل الموقوف عليهم إذا صارت الولاية لهم.

(مسألة 11): إذا عيّن الواقف وليا للوقف علي أن يقوم بإدارته مجانا و امتنع الولي المذكور من إدارته إلا بأجرة، فإن وجد الحاكم الشرعي من يقوم بإدارته مجانا كان عليه ذلك، و إن لم يجده فالأحوط وجوبا ترجيح الولي الذي عيّنه الواقف و دفع الأجرة له، إلا أن يطلب أكثر من غيره فيجب اختيار الأقل.

(مسألة 12): مع تعذر الرجوع للحاكم الشرعي يتعين الرجوع لعدول المؤمنين من أهل المعرفة مع تيسرهم، و إلا تعيّن الرجوع للأكثر اهتماما بمصلحة الوقف الأقرب إلي صلاحه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 279

الفصل السابع في أحكام الوقف

(مسألة 1): إذا تم الوقف لا يجوز للواقف و لا لغيره التبديل و التغيير عما وقع عليه في كيفية الوقف، أو في الموقوف عليه، أو في كيفية الانتفاع بالوقف.

نعم يجوز للواقف أن يشترط لنفسه أو لغيره التبديل في الموقوف عليهم بإدخال غيرهم فيهم و إخراج بعضهم منهم، أو في كيفية الانتفاع بالوقف، و حينئذ يكون العمل علي مقتضي الشرط. أما إذا اشترط حق التغيير في كيفية الوقف ففي صحة الشرط إشكال، كما إذا وقف مسجدا علي أن له أن يجعله حسينية، أو متجرا ينفق واردة في جهة عامة أو خاصة، أو بالعكس.

(مسألة 2): إذا احتاج الوقف للتعمير أو الإصلاح لأجل بقائه و الانتفاع به بالوجه الذي تضمنته الوقفية، فإن كان الواقف قد عين ما ينفق منه عليه و كان ذلك كافيا فهو، و إن لم يعين أو لم يكن ما عينه كافيا، فإن كان هناك من يتبرع بما يحتاج إليه عمر به، و إلا فإن كان الوقف من القسم الأول

من القسمين المتقدمين في الفصل الأول فلا مجال لعمارته من الوقف، و إن كان من القسم الثاني منهما فله صورتان.

الاولي: أن يفهم من الوقف أن ذكر الانتفاع الخاص بالوقف ليس لخصوصيته، بل للاهتمام بانتفاع الجهة الموقوف عليها، كما هو الظاهر في الأوقاف التي يصرف ريعها و واردها في الجهات الخاصة أو العامة، كالأولاد و العشيرة و المساجد و المدارس و طلبة العلم و الفقراء و غيرهم، و الظاهر حينئذ لزوم عمارة الوقف من واردة لتوقف انتفاع الجهة الموقوف عليها بالوقف علي العمارة المذكورة، و ذلك بإجارته مدة طويلة و إنفاق الأجرة علي عمارته، أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 280

بالاتفاق مع المستأجر علي أن يقوم بعمارته في مقابل انتفاعه به مدة طويلة، ثم يعود للجهة الموقوف عليها المعروف في عصورنا بالمساطحة، أو نحو ذلك.

و لا يضر مع ذلك حرمان الطبقات السابقة، لأن الغرض نفع العنوان دون خصوص الأفراد.

الثانية: أن لا يفهم من الوقف ذلك، بل يعلم أو يحتمل خصوصية الانتفاع الخاص، و هو انتفاع الموقوف عليهم بالوقف مباشرة، كما هو الحال في مثل وقف المدارس و الحسينيات و منازل الزوار و المسافرين و مأوي الفقراء و المنقطعين، بل لعله الظاهر في مثل وقف الدار لسكني الذرية، و وقف الشجرة لاستظلال المارة بها و أكلهم من ثمرتها، و وقف جهاز التبريد للمسجد أو الحسينية، أو نحو ذلك. و في مثل ذلك لا تجب عمارة الوقف من واردة، بل لا يجوز ما دام الوقف صالحا لأن ينتفع به في الجهة التي وقف عليها نفعا معتدا به، و إن كان قليلا نسبيا.

أما إذا تعطل الوقف في مثل ذلك أو كان نفعه قليلا غير معتد به بسبب خرابه

فيأتي الكلام فيه في المسألة (5) إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 3): إذا أمكن تبديل الوقف من حاله الذي وقف عليه إلي حال آخر- كتبديل البستان بشقق سكينة، و تبديل الدار بمحلات تجارية، و تبديل المدرسة بمستشفي، و غير ذلك- فالظاهر التفصيل في جوازه بين الصورتين المتقدمتين، فيجوز في الصورة الاولي مع كونه أنفع للموقوف عليهم أو أصلح للوقف، بل قد يجب، و لا سيما مع تعذر الانتفاع به علي الوجه الأول الذي وقف عليه لفقده للوازم ذلك، كالبستان ينقطع عنها الماء، و الدار في محلة يعرض الناس عن السكني فيها، أو لمنع السلطان، أو نحو ذلك. و إن احتاج لبذل مال حينئذ فإن عيّن له الواقف أو حصل متبرع به فذاك، و إلا أنفق عليه من ريع الوقف و واردة، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

و أما في الصورة الثانية فلا يجوز مع إمكان الانتفاع به علي الوجه الذي وقف عليه، و أما مع تعذره فيأتي الكلام فيه في المسألة (5) إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 4): إذا احتاج الوقف لصرف مال في عمارته أو في إدارة شؤونه،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 281

فإن كان هناك مال معيّن للصرف- من نفس الوقف أو من التبرعات أو من الحقوق الشرعية المبذولة للصرف المذكور ممن له حق البذل- فكما يجوز لمتولي الصرف الإنفاق منه بعينه- فيشتري مثلا أو يستأجر به بشخصه- يجوز له الاقتراض عليه و الإقراض بنية الرجوع عليه، و كذا إذا كان هناك منفعة أو نماء متوقع مخصصان أو مبذولان له، كعقار أو بستان موقوفين أو مبذولين له.

أما مع عدم ذلك فلا يجوز لمتولي الصرف الاقتراض علي التبرع المتوقع أو الحق المتوقع بذله للصرف المذكور

و لا الإقراض بنية الرجوع عليه. و لو اقترض كان القرض في ذمته و عليه وفاؤه من ماله.

و لو أقرض و أنفق لم يتحقق القرض، بل كان ما ينفق تبرعا منه، و لم يجز له الوفاء و لا الاستيفاء من التبرع أو الحق المبذول بعد ذلك للصرف المذكور، إلا أن يكون التبرع أو البذل لخصوص الوفاء أو الاستيفاء المذكورين، أو يعلم بعمومه له، فلا بأس بالوفاء و الاستيفاء منه حينئذ. و هذا أمر قد يغفل عنه المتولون للصرف، فاللازم التنبّه له.

(مسألة 5): قد يتعطل الوقف عن الانتفاع به بالوجه الذي تضمنته الوقفية لخراب و نحوه، و قد سبق في المسألة (2) أنه يجب عمارته من المال الذي عيّنه الواقف أو من التبرع مع وجودهما، و مع عدمهما فيجب عمارته من ريع الوقف و واردة في الصورة الاولي من الصورتين المتقدمتين دون الثانية.

و حينئذ إذا تعذر تعميره في الصورة الأولي فالظاهر بقاء العين وقفا علي الموقوف عليهم إن كان لها غلة معتد بها، و إلا فهي صدقة عليهم، و الأحوط وجوبا حينئذ استبدالها بما يدرّ عليهم علي نهج الوقف الأول. و مع تعذر شراء شي ء أو خوف الضياع عليه بوجه معتد به فالأحوط وجوبا بذله للموقوف عليهم و توزيعه علي الموجودين منهم علي نحو توزيع وارد الوقف و ريعه.

و أما في الصورة الثانية، فإن أمكن تعمير الوقف من واردة أو من غيره بنحو يحفظ به عنوانه الذي أوقف عليه و يؤدي به الغرض المطلوب منه و لو في الزمن اللاحق فالأحوط وجوبا القيام بذلك. و أما ما تقدم في المسألة (2) من عدم جواز تعميره من واردة في الصورة المذكورة فيختص بما إذا كان خرابه

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 282

بنحو لا يمنع من الانتفاع به فيما أوقف عليه. و إن تعذر ذلك فالظاهر صيرورة العين صدقة مطلقة يجوز بيعها كما يجوز إبقاؤها و الانتفاع بها و لو بعمارتها علي وجه آخر غير ما أوقفت عليه. نعم لا تتعين حينئذ للوجه الآخر، بل تبقي صدقة مطلقة يجري عليها حكم الصدقات، فيجوز الانتفاع بها بعد خراب العمارة الثانية علي وجه آخر، و هكذا مهما تعاقبت عليها العمارات.

هذا، و لا بدّ في إجراء الأحكام المذكورة من أن يقوم بذلك ولي الوقف الخاص مع وجوده، و إلا فالحاكم الشرعي، و عليه ملاحظة القرائن العامة و الخاصة في تشخيص الصورة و الوجه الذي وقع عليه الوقف. و مع اشتباه الحال فاللازم الاحتياط.

(مسألة 6): إذا خرب الوقف و تعذرت عمارته من واردة أو من غيره جاز بيع بعضه لعمارة الباقي من غير فرق بين الصورتين المتقدمتين. و ما تقدم من صيرورة العين صدقة إنما هو مع تعذر ذلك.

(مسألة 7): في حكم تعطيل الوقف لخرابه تعطيله لسبب آخر غير الخراب، كما لو تعذر السكن في الدار لمنع السلطان، أو لعدم توفّر لوازم السكن، أو غير ذلك، فيجري حينئذ التفصيل المتقدم.

(مسألة 8): قد لا يتعطل الوقف بل يبقي صالحا للانتفاع الذي تضمنته الوقفية، إلا أنه يتعذر انتفاع الموقوف عليه به و استعماله في الوجه الذي أوقف عليه. و ذلك لأحد أمور:

الأول: ارتفاع موضوعه، كما لو وقف شيئا لعمارة مسجد أو إنارته أو وقف فراشا أو أثاثا له فخرب ذلك المسجد أو هجر، و كما لو وقف مدرسة في بلد لطلاب العلم، فترك الناس طلب العلم في ذلك البلد و هاجروا منه، و كما لو وقف شيئا لمصلحة

هيئة أو جمعية معينة فانحلت تلك الهيئة أو الجمعية.

الثاني: الاستغناء عنه، كالاستغناء بالحديث عن القديم في أدوات الانارة أو التبريد أو الفرش أو الكتب أو الأبواب أو الأخشاب أو غيرها.

الثالث: تعذر استعماله لمنع سلطان أو نحوه.

الرابع: الخوف علي العين الموقوفة من التلف أو السرقة أو نحوهما بنحو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 283

خارج عن المتعارف غير متوقع حين الوقف.

و حينئذ إن كان التعذر مؤقتا أو يتوقع زواله قريبا بحيث لا يستلزم تعطيل الوقف عرفا وجب الانتظار، و حرم الانتفاع بالعين الموقوفة في غير الوجه الذي وقفت له، و إلّا فالأحوط وجوبا أنه إن أمكن الانتفاع بالعين الموقوفة مع بقاء عينها بمثل الانتفاع الذي أخذ في الوقف تعين الانتفاع المذكور بها في مثل الجهة التي وقفت لها مع حاجتها، فيستعمل ما وقف لمسجد في مسجد، و ما وقف لحسينية في حسينية، و ما وقف لمدرسة في مدرسة، و ما وقف لجماعة من طلاب العلم- كالسادة مثلا- في طلاب العلم، مع مراعاة الأقرب فالأقرب في جميع ذلك. و مع تعذر استعماله في مثل تلك الجهة أو الاستغناء عنه فيها يستعمل فيما هو الأقرب فالأقرب لها عرفا كاستعمال ما وقف للمسجد في حسينية مثلا ثم في جهة عامة قربية ثم في جهة خاصة قربية أيضا.

نعم لا يختص الوقف بما يجعل له حينئذ، بل يجوز نقله لنظيره اختيارا، فإذا جعل في مسجد مثلا جاز نقله لمسجد آخر مع حاجته، بل إذا جعل في الأبعد لفقد الأقرب ثم وجد الأقرب فالأحوط وجوبا نقله إليه مع الحاجة.

أما إذا لم يمكن الانتفاع بالعين الموقوفة مع بقاء عينها بمثل الانتفاع الذي أخذ في الوقف في مثل الجهة التي وقفت لها أو الأقرب

إليها- لعدم صلوحها للاستعمال المذكور كالأخشاب التالفة و الفرش المستهلكة، أو للاستغناء عنها في الأمثال و النظائر- فالظاهر أنها تكون صدقة يجوز بيعها و صرف ثمنها في مصرف الصدقات.

بقي في المقام أمران:

الأول: أنه يستثني من ذلك ما إذا دار الأمر بين الانتفاع بالعين الموقوفة في غير الجهة التي وقفت عليها بنحو الانتفاع بها في الجهة التي وقفت عليها و بين الانتفاع ببدلها في نفس الجهة التي وقفت عليها، كما إذا هدم المسجد و دار الأمر بين استعمال آجره و أخشاب بنائه في بناء مسجد آخر و بين بيعها و صرف ثمنها في بنائه، و كما إذا قصرت أدوات إنارته أو تبريده عن الوفاء بحاجته و دار الأمر بين الانتفاع بها في مسجد آخر و بين بيعها و صرف ثمنها في إنارة نفس

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 284

المسجد أو تبريده. فإن الظاهر هنا لزوم اختيار الثاني، لأنه الأقرب عرفا للوقف.

الثاني: أن الأحوط وجوبا مع عدم وجود ولي خاص للوقف مراجعة الحاكم الشرعي، و استئذانه في التصرف في العين الموقوفة بالوجه المتقدم عند تعذر الانتفاع بها في الوجه الذي وقفت عليه.

(مسألة 9): إذا جهل مصرف نماء الوقف، فإن أمكن الاحتياط تعيّن، فإذا تردد مثلا بين العلماء مطلقا و خصوص الفقراء منهم، صرف في الفقراء منهم، و كذا إذا تردد بين العلماء مطلقا و الفقراء مطلقا، و إن تعذر الاحتياط، فإن كانت المحتملات محصورة تعين الرجوع للقرعة، كما إذا تردد بين أحد مسجدين أو بين مساجد معينة، أو تردد بين الدفع للفقراء و الصرف لعمارة المسجد، و إن لم تكن محصورة صرف في وجوه البر، و الأحوط وجوبا اختيار ما يحتمل كونه مصرفا للوقف عند التردد

بينه و بين ما يعلم بعدم كونه مصرفا له.

(مسألة 10): إذا آجر الوليّ العين الموقوفة في الوقف التشريكي أو الترتيبي مدة معينة- كسنة مثلا- و في أثنائها مات بعض الموقوف عليهم أو تمام البطن السابق، أو ولد بعض من يشارك الموقوف عليهم لم تبطل الإجارة بالإضافة إلي حصته في تلك المدة، غاية الأمر أنه ينكشف بطلان التوزيع للأجرة، و يتعين توزيع ما يخص المدة الباقية علي النحو المناسب للموت و الولاية الحادثين. علي أنه لا يبعد أن ينصرف الوقف- تبعا للتعارف- إلي توزيع اجرة تمام السنة مثلا علي الموجودين في رأس تلك السنة.

(مسألة 11): الفسيل الخارج بعد الوقف إذا نما و استطال حتي صار نخلا مثمرا، أو قلع من موضعه و غرس في موضع آخر فنما حتي صار نخلا مثمرا لا يكون وقفا، بل هو من نماء الوقف فيجوز بيعه و صرفه في مصارف منفعة الوقف و نمائه، و كذا الحال في الولد الذي يلده الحيوان الموقوف، إلا أن ينص الواقف علي وقف النماء المذكور تبعا للأصل، فيصح كما تقدم. و كذا إذا نص واقف البستان مثلا علي أن للولي أن يغرس في البستان فسيلا و يجعله وقفا، ففعل الولي ذلك، فإنه يصير حينئذ وقفا كالنخل الذي أوقفه الواقف بوقفه للبستان.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 285

(مسألة 12): لا يجوز بيع الوقف في القسم الأول من القسمين المتقدمين في الفصل الأول مطلقا. و كذا في القسم الثاني، إلا أنه يستثني منه موردان.

الأول: ما إذا بطلت الوقفية و صارت العين صدقة خاصة أو مطلقة، لتعذر الانتفاع بالوقف علي الوجه الذي وقف عليه، علي ما تقدم مفصّلا في المسائل (5) و (6) و (7) و (8).

الثاني:

ما إذا صرح الواقف في الوقف بالإذن في بيعه عند حدوث أمر- كاختلاف الموقوف عليهم و حاجتهم- بل مطلقا علي الأظهر، و حينئذ يصرف ثمنه فيما يذكره الواقف أو يفهم منه.

و قد يدعي جواز البيع أيضا فيما إذا احتاج الموقوف عليهم و كان البيع خيرا لهم و برضاهم، و فيما إذا وقع الاختلاف بينهم. لكن الأحوط وجوبا عدمه و الاقتصار علي ما سبق.

(مسألة 13): المخطوطات الأثرية و إن كانت تبطل وقفيتها إذا سقطت عن الانتفاع و تكون صدقة مطلقة أو خاصة إلا أنّ الاحتفاظ بها في المكتبات العامة الآمنة من أوضح مصارف الصدقات فلا ينبغي تضييعها ببيع أو نحوه.

و كذا الحال في جميع الأمور الأثرية التي يعتز بها و يهتم بحفظها إذا كان في حفظها إعزاز للدين و أهله.

(مسألة 14): إذا كان مفاد الوقفية تمليك المنفعة أو النماء أو ثمنهما للموقوف عليهم، فإن كان الموقوف عليهم محصورين يمكن الوصول إليهم جميعا في العادة كان الظاهر التوزيع بينهم جميعا، و يكون بنحو التساوي ما لم ينصّ الواقف علي التفاضل، و إن لم يكونوا محصورين و لا يمكن الوصول إليهم جميعا في العادة- كالفقراء و السادة- فالظاهر التوزيع بينهم في الجملة و لا يجب الاستيعاب.

(مسألة 15): إذا كان مفاد الوقفية إن للموقوف عليهم الانتفاع بالوقف بالمباشرة- كالسكني في الدار و المدرسة، و النزول في منازل المسافرين و الزوّار، و الصلاة أو الجلوس في الحسينية، و الأكل من ثمرة الشجرة- فإن كان

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 286

هناك قرينة عامة أو خاصة علي مقدار الانتفاع المبذول في الوقف كمّا و كيفا و زمانا عمل عليها، و إلا انصرف للمقدار المتعارف من الانتفاع، و هو يختلف باختلاف الأشياء

الموقوفة، فالانتفاع في دار السكن يختلف مساحة عن الانتفاع في سكني المدرسة، و هما يختلفان عن الانتفاع في منزل المسافرين، و لا يجوز لبعض الموقوف عليهم منع الآخرين.

نعم مع ضيق الوقف عن الاستيعاب و تشاح الموقوف عليهم و عدم تضمن الوقفية الترجيح بينهم، فإن كان مفاد الوقفية ثبوت الحق للكل مطلقا تعيّن التصالح بينهم في كيفية القسمة بلحاظ الزمان- كشهر فشهر أو سنة فسنة- أو بلحاظ المقدار بانتفاع كل منهم دون المقدار المجعول في الوقف، أو غير ذلك، و مع عدم التصالح يتعين الرجوع للحاكم الشرعي لفضّ النزاع، و إن كان مفاد الوقفية ثبوت الحق للكل ما وسعهم الوقف فالترجيح للسابق، و مع عدم السبق فاللازم التصالح في كيفية القسمة أو الرجوع للحاكم، علي النهج السابق. هذا كله إذا لم تتضمن الوقفية تحكيم الولي في تعيين من له الانتفاع، و إلا كان هو المرجع مع التشاح.

(مسألة 16): إذا كان مفاد الوقفية إن للموقوف عليهم الانتفاع بالمباشرة فليس لبعضهم أخذ شي ء من المال من الباقين بدلا عن الانتفاع المذكور، ليستقلّوا بالانتفاع و لا يشاركهم فيه. نعم له أن يصالحهم علي شي ء من المال في مقابل عدم إعمال حقه، فيكون أخذ المال في مقابل ترك إعمال الحق، لا في مقابل نفس الانتفاع المستحق.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 287

الفصل الثامن فيما يثبت به الوقف

لا إشكال في أن الوقف يحتاج إلي إثبات، و أنه لا يحكم به بمجرد الاحتمال، بل يحكم بعدمه حينئذ.

كما أنه بعد ثبوته و الشك في خصوصياته- من عموم و خصوص و غيرهما- لا مجال للبناء علي خصوصية ما من دون إثبات.

و لو شك المكلف في دخوله في الموقوف عليهم أو في عموم الوقف لبعض التصرفات لم يحل

له التصرف ما لم يحرز عموم الوقف له أو للتصرف المذكور، فإذا شك مثلا في أن حوض المدرسة أو بئرها أو مرافقها وقف علي خصوص طلاب العلم أو علي كل وارد لها لم يحل لغيرهم التصرف فيها، و كذا إذا شك في أن المرافق أو الميضاة الملحقين بالمسجد وقف علي خصوص من يصلي في المسجد أو علي ما يعم غيرهم لم يحل لغير من يصلي في المسجد استعمالها، و هكذا.

(مسألة 1): تثبت الوقفية بالعلم من أيّ سبب حصل، و بالبينة، و بإخبار ذي اليد، كما تثبت بها كيفية الوقف من كونه مسجدا أو حسينية أو وقفا تشريكيا أو ترتيبيا، علي نحو تمليك المنفعة أو النماء للموقوف عليهم أو بذلهما للانتفاع بهما بالمباشرة، إلي غير ذلك من الخصوصيات.

(مسألة 2): إذا كانت العين تحت يد أكثر من واحد، فإن أخبر الكل بوقفيتها أو بكيفية وقفيتها صدّقوا و ثبتت وقفيتها، و إن أخبر بعضهم فقط، فإن كان ظاهر يدهم ملكية العين تثبت الوقفية في حصته بالنسبة و لا تثبت في حصة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 288

الآخرين، و إن لم تكن يدهم كذلك- كما لو كانوا مستأجرين للعين، أو كانت عارية في أيديهم، أو غاصبين لها، أو غير ذلك- ثبتت الوقفية في تمام العين بإخبار بعضهم بها، إلا أن يكذبه الآخرون، فلا تثبت الوقفية في شي ء منها حينئذ. و إن اتفقوا علي الوقفية و اختلفوا في كيفيتها لم تثبت إحدي الكيفيتين.

(مسألة 3): لا فرق في إخبار صاحب اليد بين أن يكون بالقول، و أن يكون بالكتابة و نحوها من طرق الإخبار. بل يكفي تصرفه في العين و معاملته لها معاملة الوقف، أو معاملة وقف خاص، كمسجد أو

حسينية أو وقف تشريكي أو ترتيبي أو غير ذلك من كيفيات الوقف. نعم لا بد من ظهور حاله في التصرف في بنائه علي ما يناسب تصرفه و جزمه به، أما لو احتمل صدور التصرف منه لمجرد الاحتياط تبعا للاحتمال فلا يترتب عليه شي ء.

(مسألة 4): إذا كانت هناك عين صالحة للوقفية قد كتب عليها أنها وقف و احتمل أنها صادقة و أن العين وقف، فالكتابة المذكورة.

تارة: لا تصدر عادة إلا ممن يضع يده علي العين، بحيث تكون العين حين الكتابة تحت يده و في سيطرته، كما هو الظاهر في الأشياء الصغيرة كالإناء و الكتاب و نحوهما، و كذا في الأشياء الكبيرة- كالدار و العقار- إذا كانت الكتابة محتاجة لعناية كالكتابة بالكاشي المثبتة في البناء و نحوها.

و اخري: لا تكون الكتابة كذلك، كالكتابة علي الدار من الخارج بالفحم.

و لا عبرة بالثانية، أما الأولي فالظاهر أنها توجب الحكم بوقفية العين المذكورة.

نعم، إذا كانت العين بيد شخص و ادعي ملكيتها، و اعتذر عن الكتابة بعذر مقبول صدّق و حكم بملكيته، و ترتبت أحكامها. و كذا إذا ادعي أنه قد اشتراه لتحقق المبرر لبيع الوقف.

(مسألة 5): إذا وجدت ورقة بخط شخص تتضمن أن العين الفلانية وقف، و كانت العين المذكورة في ملكه أو تحت ولايته بحيث له وقفها، فإن ظهر من حال الكتابة أنها صادرة بداعي الإخبار بصدور الوقفية أو بداعي إنشائها ثبتت الوقفية بذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 289

و إن لم يظهر ذلك فلا تثبت بها الوقفية، كما إذا احتمل صدورها لمجرد تعلم الإنشاء، أو لكتابة مسودة الوقفية لعرضها علي بعض الناس و استشارتهم فيها، علي أن يتم إنشاؤها بعد ذلك عند اتضاح رجحانها أو حصول بعض

التعديلات عليها.

(مسألة 6): المتّبع في تعيين نوع الوقف و كيفيته و خصوصياته ظاهر كلام الواقف المتحصل منه بعد ملاحظة القرائن العامة و الخاصة المحيطة به، و قد تعرض فقهاؤنا رضي اللّه تعالي عنهم لمفاد جملة من العبارات، و قد أعرضنا عن ذلك لأن المعيار في مفاد العبارات المذكورة في كلامهم علي ما ذكرنا، و هو أمر لا ينضبط، لعدم انضباط القرائن.

(مسألة 7): تثبت الوقفية بتصرف الناس في العين علي أنها وقف لهم، يستحقون التصرف فيه جيلا بعد جيل من دون مزاحم و مانع و معارض، كما يثبت عموم الوقفية و خصوصها و جميع خصوصياتها بذلك أيضا، فالأماكن العامة التي يتصرف الناس فيها علي أنها وقف لهم من دون مزاحم يبني علي وقفيتها بما يناسب تصرفهم، و لا يحتاج إلي مثبت آخر من بينة أو إقرار أو غيرهما. و لا ترفع اليد عن ظاهر التصرف المذكور إلا بشواهد و قرائن تكشف عن عدم وقوعه في محله.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 290

الفصل التاسع في الحبس و السكني و العمري و الرقبي

و هي تشترك مع الوقف في تحبيس العين من أجل استيفاء المنفعة تدريجا، إلا أنها تخالفه في عدم ابتنائها علي إخراج العين عن ملك مالكها، بل تبقي في ملكه فتكون موروثة لورثته، و ليس لمن حبست له في التصرف بها في مدة الحبس تصرف المالك بالبيع و الشراء و نحوهما.

(مسألة 1): التحبيس عبارة عن التصدق بمنفعة العين وحدها و قصرها علي شخص أو أشخاص محصورين، أو علي جهة معينة عامة يصح الوقف عليها، كالفقراء و العلماء و الحجاج و الزوار و سبيل اللّه تعالي و خدمة المسجد و غيرها.

(مسألة 2): لا بد في التحبيس من إنشاء مضمونه بما يدل

عليه من قول أو فعل، علي نحو ما تقدم في الوقف و غيره، كما إذا قال: حبّست فرسي علي زيد، أو في سبيل اللّه تعالي، أو دفع فرسه لزيد بنيّة تحبيسها عليه، أو نحو ذلك.

(مسألة 3): لا بد في لزوم التحبيس من قصد القربة و القبض، علي النهج المتقدم هناك. و في اشتراط القبول فيه إشكال.

(مسألة 4): إذا حبس المالك ملكه مدة معينة لزم في المدة المذكورة، و ليس له الرجوع عنه قبل مضيها، و إذا مات قبل مضيها فليس لوارثه الرجوع فيه، فإذا مضت المدة عادت المنفعة له أو لوارثه.

(مسألة 5): إذا أطلق المالك التحبيس و لم يوقّته بمدة معينة و كانت الجهة التي حبسه لها محدودة لا دوام لها- كشخص معين- لم ينفذ بعد موت الحابس،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 291

بل يرجع ميراثا لورثته. و الظاهر لزومه عليه في حياته، و ليس له الرجوع فيه.

نعم، له الرجوع متي شاء إن اقتصر علي بذل ملكه للمنفعة الخاصة، كما لو أسكن شخصا الدار أو أخدمه عبده أو استخدم سيارته أو دابته في نقل الحجاج أو الزوّار، من دون أن ينشئ التحبيس و يلتزم به.

(مسألة 6): إذا أطلق المالك التحبيس و لم يوقّته بمدة معينة و لم تكن الجهة التي حبسه لها محدودة، بل كان من شأنها الدوام- كالعلماء و الفقراء و خدمة المسجد- فهل يبقي التحبيس مع إطلاقه نافذا ما دامت العين باقية، و لا يظهر الفرق بينه و بين الوقف عملا إذا سقطت العين عن الانتفاع المقصود، حيث تبقي صدقة في الوقف و تبقي ملكا لمن حبّسها في التحبيس، أو يبطل التحبيس بموت الحابس كما في الصورة السابقة وجهان أقواهما الثاني. و

كذا الحال إذا صرح الحابس بالدوام و التأبيد.

(مسألة 7): من أفراد الحبس السكني و هي تختص بالمسكن، و تتضمن جعل حق السكن لشخص معيّن، و تجري فيها الأحكام المتقدمة.

(مسألة 8): إذا قيّد الحبس- في المسكن و غيره- بمدة معينة- كعشر سنين مثلا- قيل له أيضا: رقبي، و إذا قيّده بعمر الحابس أو عمر المحبّس عليه قيل له: عمري. و يختص الجميع بما إذا كان المحبّس عليه شخصا معينا، أما إذا كان عنوانا عاما فلا يطلق عليه إلا الحبس.

(مسألة 9): حيث سبق عدم خروج العين في الحبس و ما الحق به عن ملك المالك فللمالك بيع العين مسلوبة المنفعة من دون أن يبطل التحبيس أو ينافيه. أما المحبّس عليه فليس له أن يبيع المنفعة، أو يصالح عليها أو علي إسقاطها، لعدم وضوح كونه مالكا لها، بل يشكل جواز المصالحة معه علي أن لا ينتفع بالعين بنحو يكون للمصالح معه الانتفاع بها بدلا عنه، لأن الظاهر أو المتيقن أن للمحبّس عليه الانتفاع بالمباشرة، فمع عدم انتفاعه بنفسه تكون المنفعة تحت سلطان المالك المحبّس تبعا للعين التي هي ملكه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 292

المبحث الثاني في بقية الصدقات مما لا يبتني علي التحبيس

و هي علي قسمين:

القسم الأول: ما يكون صدقة بنفسه من دون أن يضاف إلي متصدّق عليه، و يكون تمليكه للمستحق أو بذله له أو تسليطه علي الانتفاع به متأخرا رتبة و زمانا عن كونه صدقة بنفسه و متفرّعا علي ذلك، لا مقوّما و مقارنا له. و منه الزكاة الواجبة التي جعلها اللّه تعالي في النصاب المملوك، و زكاة الفطرة التي جعلها في ذمة المكلف، فإنهما متعيّنان بأنفسهما، بل يمكن تعيينهما بالعزل خارجا قبل أخذ المستحق لهما، و منه الوقف إذا بطلت وقفيته

كما تقدم.

(مسألة 1): الظاهر مشروعية التصدق بالنحو المذكور، فهو نحو من الإيقاع و يكفي فيه إخراج المالك المال عنه و تعيينه في جهة قربية، نظير الوقف، و ليس الاختلاف بينهما إلا في ابتناء الوقف علي تحبيس العين لاستيفاء النماء أو المنفعة، و عدم ابتناء التصدق المذكور علي ذلك، بل علي مجرد جعل العين صدقة مطلقة أو مقيدة بمصرف خاص من دون تحبيس أو تمليك، فيخرج المال بذلك عن ملك مالكه و يتعيّن للجهة التي عيّن لها، و لا يجوز للمالك الرجوع فيه بعد تعيينه.

(مسألة 2): من الصدقة المطلقة بالمعني المذكور ما تعارف في عصورنا من عزل مقدار من المال بعنوان الخيرات التي تصلح للصرف في جميع وجوه البر.

(مسألة 3): من الصدقة المقيدة بالمعني المذكور التبرعات للجهات

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 293

الخيرية المختلفة، كالمناسبات الحسينية و نحوها مما ينسب للنبي صلّي اللّه عليه و آله و آله عليهم السّلام من إطعام أو مجالس أو مواكب عزاء أو أفراح، و كذا ما يخصص لسائر المناسبات الدينية، و كذا التبرع لصنف من المؤمنين- كالعلماء و السادة- أو لسدّ حاجة شخص معين، كبناء داره أو زواجه أو علاجه أو نحوها إذا ابتني التبرع علي تعيين المال للجهة المذكورة من دون تمليك للشخص حينه، و إلّا دخل في القسم الثاني من الصدقة. هذا كله إذا ابتني التبرع علي قطع المالك علاقته بالمال و إخراجه عن ملكه، و إلّا كان وعدا بالبذل عند الحاجة من دون أن يكون المال صدقة قبل الصرف.

(مسألة 4): من الصدقة المذكورة التبرع للصناديق الخيرية التي تعارف استحداثها في عصورنا إذا ابتنت علي قطع المتبرع علاقته بالمال، أما لو بقي المال له و كان مبني

الصندوق علي بذله للتصرف فيه بالإقراض أو المعاوضة أو نحوهما فهو خارج عن ذلك، و راجع إلي التوكيل في التصرف الخاص.

(مسألة 5): من الصدقة المذكورة التبرع للجميعات أو الجهات العامة الخيرية كالمكتبات و المستشفيات و الجامعات و نحوها، فإن الظاهر كون المال في جميع ذلك صدقة تتعيّن فيما عيّنت له.

(مسألة 6): لا بد في لزوم التصدق المذكور من قبض المال الذي تصدق به من قبل من يتولي صرف الصدقة المذكورة أو جمعها، و إذا كان هو المتصدق نفسه كفي قبضه المال بما أنه متعيّن للجهة المتصدق لها و خارج عن ملكه.

(مسألة 7): إذا كانت الصدقة المذكورة مقيدة بمصرف خاص فتعذر أو ارتفع موضوعه صرف المال في مصارف الصدقات، و الأحوط استحبابا حينئذ تحري الأقرب فالأقرب للمصرف الخاص المقيّد به التصدق. و كذا الحال لو كان التعذر و ارتفاع الموضوع من أول الأمر قبل التصدق.

(مسألة 8): إذا جعل المتصدق الصدقة للّه تعالي، من دون نظر لمصرف خاص فالأحوط وجوبا صرف المال في الفقراء و المساكين و ابن السبيل.

القسم الثاني: ما يكون صدقة بإضافته لمتصدق عليه و جعله له، نظير الهبة. و هي بالمعني المذكور واجبة في موارد كثيرة، كما في الكفارات و فدية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 294

الصيام و غيرهما مما يذكر في أبواب الفقه المتفرقة، أما في غير ذلك فهي من المستحبات المؤكدة، و قد تواتر الترغيب فيها و الحث عليها في الكتاب المجيد و أحاديث النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة من إله عليهم السلام، و قد ورد أنها جنّة من النار، و أن من ختم له بها دخل الجنة، و أنها تفك من بين لحي سبعين شيطانا، بل سبعمائة-

كلهم يأمر الإنسان أن لا يفعل، و أنها تقع في يد اللّه تعالي قبل أن تقع في يد العبد، كما قال عزّ من قائل أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ و لعلّ المراد بذلك أن اللّه تعالي يحفظها للمتصدق في خزائن رحمته مباشرة، من دون أن يتوسط في إيصالها ملك يرفعها.

كما ورد أنها دواء للمريض، و بها تدفع ميتة السوء، و الداء و الدبيلة- و هي الطاعون و خراج و دمّل يظهر في الجوف و يقتل صاحبه غالبا- و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون. إلي أن عدّ سبعين بابا من السوء، و أن بها يؤخر الأجل، و يقتضي الدين، و هي تزيد في المال، و تخلف البركة. إلي غير ذلك مما ورد فيها و في الحث عليها.

(مسألة 9): يستحب افتتاح اليوم بالصدقة، ليدفع بها شره و نحسه، و انفتاح الليل بها، ليدفع شره و نحسه، و في الحديث: «أن صدقة الليل تطفئ غضب الرب، و تمحو الذنب العظيم و تهون الحساب، و صدقة النهار تثمر المال و تزيد في العمر». و أفضلها صدقة السر، فقد ورد أنها تطفئ غضب الرب، و صاحبها أحد السبعة الذين يظلهم اللّه تعالي في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

(مسألة 10): الظاهر صحة الصدقة المذكورة من الصبي في ماله إذا بلغ عشر سنين و وضعها في موضعها، و لا يشترط فيها إذن الولي، و ذلك من جملة المستثنيات من الحجر علي الصبي.

(مسألة 11): الصدقة بحسب الأصل من سنخ الهبة مشروطة بالقربة، فهي من العقود تفتقر إلي الإيجاب و القبول، و تقع بكل ما يدلّ علي إنشاء ذلك و الالتزام به من

قول أو فعل، نظير ما تقدم في جميع العقود، كما أنها مشروطة بالقبض كالهبة. و يلحق بها كل إحسان مالي كإبراء المديون من دينه و إعارة المتاع و بذله لمن يطلبه، و كذا بذل الطعام و الشراب و نحوهما و إن لم يكن بنحو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 295

التمليك. و لا يلزم فيها حينئذ أن تكون عقدا، بل قد تكون إيقاعا، و لا يجري عليها حكم الهبة، بل يلحق بالصدقة كل إحسان و إن لم يكن ماليا، فقد ورد أن كل معروف صدقة، و أن تنحيه الأذي عن الطريق صدقة، و أن صنائع المعروف تدفع ميتة السوء و مصارع الهوان.

(مسألة 12): يعتبر في الصدقة قصد القربة، بمعني عدم ترتب أثر خصوصية الصدقة بدونه، و إن ترتب عليها أثر الهبة حينئذ. نعم ليس كل هبة بقصد القربة صدقة، بل الصدقة هبة خاصة يعرفها المتشرعة بمرتكزاتهم.

(مسألة 13): تحلّ صدقة الهاشمي علي الهاشمي، مستحبة كانت أو واجبة، حتي الزكاة المفروضة. و لا تحلّ زكاة غير الهاشمي علي الهاشمي علي ما تقدم في كتاب الزكاة، و تحلّ غيرها من أنواع الصدقة من غير الهاشمي علي الهاشمي، واجبة كانت- كالكفارات و فدية الصيام- أو مستحبة. نعم ما يتعارف من دفع المال القليل لدفع البلاء و نحوه، مما كان فيه نحو من الذل و الهوان علي الآخذ ففي جوازه إشكال، و الأولي دفعه بعنوان الهبة و الهدية و إن كانت قربية، تجنّبا لحرمانه و هوانه.

(مسألة 14): لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض و إن كانت لأجنبي، حتي قبل التصرف المغير للعين، و بذلك تمتاز عن الهبة.

(مسألة 15): لا تجوز الصدقة التي هي من سنخ الهبة علي الغني، و

إن دفعت له بعنوان كونها صدقة لم يملكها، و لم تبرأ بها ذمة الدافع إذا كانت واجبة.

نعم يستحب التصدق علي مجهول الحال إذا سأل، احتياطا لاحتمال حاجته، و إن لم يحلّ له المال إن كان غنيا.

(مسألة 16): لا تجوز الصدقة علي الناصب، و تجوز علي غيره من المخالفين و الكفار عند ضرورتهم كسدّ جوعه و ريّ عطشه، كما تجوز الصدقة علي مجهول الحال، و لا سيما من وقعت له الرحمة في القلب، و علي المستضعفين و الضعفاء من الشيوخ و النساء و الصبيان. و الأولي الاقتصار في الصدقة عليهم علي القليل.

(مسألة 17): من تصدق بصدقة علي شخص و أوصلها له فلم يقبلها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 296

و ردّها لم يحلّ للمتصدق أكلها و إرجاعها في ماله، بل عليه أن ينفقها في وجوه البر، و تكون من القسم الأول من الصدقة.

نعم حيث تقدم هناك توقف لزوم الصدقة علي قبضها فيكفي في القبض هنا قبض الرسول الذي كلّف بإيصالها، كما يكفي قبض من تصدق عليه بها فلم يقبلها و ردّها.

(مسألة 18): التوسعة علي العيال من غير سرف أفضل من الصدقة علي غيرهم، بل يكره لصاحب المال إنفاقه في وجوه البر و المعروف بحيث يبقي هو و عياله من غير شي ء، و في بعض الروايات أنه حينئذ ممن لا يستجاب له لو دعا بالرزق.

(مسألة 19): الصدقة علي الرحم أفضل من الصدقة علي غيره. بل في بعض الروايات: لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج. و أفضلها الصدقة علي الرحم الكاشح، و هو الذي يضمر لك العداوة، أو الذي يعرض عنك لعداوته، و لعل الثاني أقرب.

(مسألة 20): يستحب التوسط في إيصال الصدقة للمسكين، ففي الخبر:

«لو جري

المعروف علي ثمانين كفّا لأجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا».

(مسألة 21): تكره المسألة مع الحاجة. و يظهر من جملة من النصوص حرمة السؤال مع عدم الحاجة. بل يظهر من بعضها أنه ليس المراد بالحاجة هو الفقر الشرعي، بل الحاجة العرفية القريبة ففي الحديث: «من سأل الناس و عنده قوت ثلاثة أيام لقي اللّه يوم يلقاه و ليس علي وجهه لحم».

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 297

كتاب الوصية

اشارة

و هي عهد الإنسان في حياته بما يريده بعد وفاته، و هي من المستحبات المؤكدة، و قد ورد أنها حق علي كل مسلم، و أنه لا ينبغي أن يبيت إلا و وصيته عند رأسه. و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته و عقله» و عنهم عليه السّلام: «إن اللّه تبارك و تعالي يقول: ابن آدم تطولت عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما و أروك، و أوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا، و جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا». و قد تقدم في مقدمة الكلام في غسل الأموات ما ينفع في المقام.

و يقع الكلام فيها في ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 298

الفصل الأول فيما تتحقق به الوصية

الوصية قسمان.

القسم الأول: الوصية التمليكية، و هي عبارة عن أن يجعل شيئا من تركته لشخص خاص أو لجهة خاصة، و هي نحو من التمليك أو التخصيص المعلق علي الموت، و يترتب مضمونها بعد الموت بلا حاجة إلي سبب لإيقاعه، كما لو قال: الشي ء الفلاني لزيد بعد وفاتي، أو للفقراء أو للمسجد. فإن الشي ء المذكور يتعين فيما عيّن له بعد الوفاة بلا حاجة إلي جعل من الوصي أو الوارث، بل ليس وظيفتهما إلا بذله لمن جعل له أو فيما جعل له، لأنه مستحق بعد الموت بالوصية نفسها.

القسم الثاني: الوصية العهدية، و هي العهد لشخصي معيّن بالولاية علي أطفاله القاصرين أو علي ما له الحق فيه من تركته لينفذ فيه عهده، و كذا العهد بالتصرف في قسم من تركته بما يريده، سواء كان التصرف المذكور خارجيا- كما لو أوصي بتكفينه بكفن

خاص قد أعدّه- أم اعتباريا، كما لو أوصي بقسم من تركته أن يعطي لزيد، أو يجعل مسجدا، أو أن يباع و يوزع ثمنه علي الفقراء، أو نحو ذلك. و التصرف الاعتباري في هذا القسم لا ينفذ بنفس الموت، بل لا بد من إيقاعه من الوصي أو غيره ممن له ذلك، و لو لم يوقعه من له إيقاعه لم يقع، غاية الأمر أن الوصي يكون عاصيا في عدم إيقاعه.

(مسألة 1): تقدم في مباحث تجهيز الميت الإشكال في نفوذ الوصية بالتجهيز، و أن اللازم معها الجمع بين إذن الولي الشرعي و الوصي. نعم إذا أعدّ الإنسان كفنه وجب تكفينه به.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 299

(مسألة 2): يكفي في تحقق الوصية كل ما دلّ عليها، من لفظ صريح أو ظاهر، أو فعل من إشارة أو كتابة أو غيرهما. و إذا وجدت كتابة بخطه تتضمن وصية، فإن ظهر منها أنها صادرة بداعي إنشاء الوصية أو الإخبار بها كفي في ثبوت الوصية، و إلا لم تثبت الوصية بها، نظير ما تقدم في الوقف.

(مسألة 3): لا يعتبر القبول من الموصي له في الوصية التمليكية.

و المشهور بطلانها مع رد الموصي له إذا كان شخصا معينا أو أشخاصا معينين، و هو لا يخلو عن إشكال، فاللازم الاحتياط، بل لا إشكال في عدم بطلانها برده لها إذا سبق منه القبول بها في حياة الموصي أو بعد وفاته.

(مسألة 4): لو أوصي له بشيئين فردّ أحدهما جري الإشكال المتقدم فيما ردّ، و صح في الآخر. و كذا الحال فيما إذا أوصي له بشي ء واحد فردّ بعضه.

(مسألة 5): إذا تضمنت الوصية العهدية أمرا متعلقا بالغير لم يجب عليه تنفيذه، سواء كان في صالح الموصي له،

كما لو أوصي بأن يعطي قسما من تركته أو يلبس ثيابه، أم لم يكن في صالحه كما لو أوصي بأن يصلي عنه أو يحج عنه.

نعم لو أوصي بأن يصلي عليه أو نحوه من واجبات التجهيز فالأحوط وجوبا قيامه به بإذن الولي، إلا أن يلزم الحرج عليه.

(مسألة 6): لا يفرق في حكم المسألة السابقة بين الوصي و غيره، و ما يأتي من أن الوصي مكلف بتنفيذ وصايا الميت إنما يراد به وجوب السعي عليه لتحصيل من يقوم بها، لا أنه ملزم بتحقيقها مطلقا و لو بمباشرته للعمل الموصي به.

(مسألة 7): قد يجب علي الغير تنفيذ ما طلبه الموصي بالمباشرة من حيثية أخري غير الوصية، كما لو صالحه في حياته علي أن يصلي عنه بعد وفاته بمال معين، أو شرط عليه ذلك في ضمن عقد لازم، أو كان المكلف قد ألزم نفسه بالعمل بتنفيذ ما طلب منه بيمين أو نحوه، لكن ذلك خارج عما نحن فيه من لزوم العمل عليه من حيثية الوصية.

(مسألة 8): إذا قال: ليصلّ زيد بمائة دينار- مثلا- لم يجب علي زيد الصلاة عنه، كما تقدم، لكن لو صلي عنه استحق المال المجعول لا من حيثية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 300

الجعالة، بل من حيثية الوصية، لأن الطلب المذكور يرجع إلي الوصية بدفع ذلك المال لزيد علي تقدير صلاته عنه كاجرة للصلاة، و حينئذ لا بد من تحقق شروط نفوذ الوصية في الوصية المذكورة، و لذا تخرج من الثلث، لا من أصل التركة كالديون.

(مسألة 9): لا يتوقف نفوذ وصاية الوصي علي قبوله. و إذا ردّ لم ينفذ ردّه و وجب عليه أن يقوم بما أوصي له إلا أن يبلغ الموصي ردّه في حال

يمكنه أن يوصي إلي غيره.

(مسألة 10): إذا ردّ الوصي و أبلغ الموصي بردّه فإن أعرض الموصي عن وصيته إليه سقطت وصايته، و إن لم يعرض أو أصرّ علي وصيته إليه فالظاهر عدم سقوط وصايته، غاية الأمر أنه لا يجب عليه القيام بالوصية و له الامتناع من ذلك، فيكون الحال كما لو تعذر علي الوصي تنفيذ الوصية، و لو رضي بعد ذلك بالقيام بالوصية كان هو المقدّم علي غيره في تنفيذها.

(مسألة 11): الظاهر ترتب الأثر المتقدم علي الرد حتي لو كان قبل الوصية، فإذا قال زيد لعمرو: لا توص إلي، أو: لا أقبل وصيتك إلي، فلم يعتن عمرو و أوصي إليه، لم يكن زيد ملزما بالقيام بالوصية من دون حاجة إلي أن يبلغه بردّه مرة أخري بعد الوصية. و أظهر من ذلك ما إذا أوصي إليه فردّ و أبلغه بالرد فلم يعتن و جدّد الوصية له.

(مسألة 12): الظاهر أن قبول الوصي للوصية لا يمنعه من ردّها فينفذ ردّه بالشرط المتقدم.

(مسألة 13): إذا طلب الوالد من ولده قبول وصيته لم يكن للولد الامتناع و الرد. أما إذا أوصي إليه من دون أن يطلب منه القبول فله الرد، علي نحو ما تقدم في غيره.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 301

الفصل الثاني في الموصي

و يعتبر فيه أمور.

الأول: البلوغ، فلا تنفذ وصية غير البالغ علي نحو وصية البالغ. نعم تصح وصية ابن عشر سنين إذا كان قد عقل و كانت وصيته في وجوه الخير و المعروف. بل الأحوط وجوبا نفوذ وصيته باليسير في وجوه الخير و المعروف إذا كان ابن سبع سنين، فعلي الورثة إنفاذ وصيته حينئذ عملا علي الاحتياط المذكور.

الثاني: العقل، فلا تصح وصية المجنون و السكران و نحوهما حال

فقدهم للعقل. نعم لا تبطل الوصية بطروء شي ء من ذلك بعدها.

(مسألة 1): في اشتراط الرشد المالي في الوصية بالمال إشكال. بل الظاهر عدم اشتراطه إذا كانت الوصية في وجوه الخير و المعروف. كما أنه لا يعتبر الرشد المالي في الوصية بغير المال.

الثالث: الاختيار، فلا تصح وصية المكره.

الرابع: الحرية، فلا تصح وصية المملوك إلا بإذن مولاه. و لو أوصي ثمّ تحرر لم تنفذ وصيته إلا أن يجيزها، فتكون الإجازة وصية مستأنفة.

الخامس: أن لا يكون قاتل نفسه، فمن أحدث في نفسه حدثا برجاء أن يترتب عليه الموت و كان عاصيا بذلك ثمّ أوصي و مات لم تنفذ وصيته في ماله.

و تنفذ فيما عدا ذلك، كما إذا لم يتعمد ما أحدثه في نفسه، أو تعمده لا برجاء الموت، أو تعمده برجاء الموت بوجه يعذر فيه و لم يكن عاصيا، كما لو توقف عليه واجب أهم، أو كان عاصيا بذلك لكنه لم يمت به، بل عوفي منه ثمّ مات

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 302

بسبب آخر، أو أوصي قبل أن يحدث في نفسه الحدث المذكور ثمّ أحدثه و مات به. نعم في نفوذ وصيته بعد الحدث المذكور في غير المال- كالولاية علي أطفاله- إشكال، فاللازم الاحتياط.

(مسألة 2): لا يعتبر في الموصي الإيمان، فتصح الوصية من المخالف و الكافر. نعم للمؤمن إلزامهما بمقتضي دينهما في حكم الوصية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 303

الفصل الثالث في الموصي له

(مسألة 1): لا تصح الوصية التمليكية و لا العهدية للمعدوم إذا استلزمت تمليكا لمعدوم، كما إذا قال: إذا متّ فداري لأولاد زيد لكلّ منهم ربع منها، أو قال: إذا متّ فأعطوا داري بعد موتي لأولاد زيد لكلّ منهم ربع منها، و كان ذلك منه بتخيّل

أو توقع أن أولاد زيد حين موته أربعة، و كانوا في الواقع ثلاثة. و تصح فيما عدا ذلك، بأن كان الموصي له معدوما حين الوصية موجودا حين موت الموصي، كما لو قال: داري لأولاد زيد الموجودين حين موتي، أو: أعطوها لهم، و لم يكن لزيد أولاد حين الوصية، و إنما وجدوا بعدها، أو كان أولاده حين الوصية ثلاثة و حين موت الموصي أربعة، فإن الدار تقسم بين الأربعة أرباعا لا بين الثلاثة الكبار أثلاثا.

و مثل ذلك ما إذا كان الموصي له معدوما حين الوصية و حين موت الموصي، إلا أنه موجود حين تحقق التمليك الموصي به، كما لو قال: ثمرة البستان الفلاني في كل عام لمن يوجد في ذلك العام من ذريتي طبقة بعد طبقة، أو: ادفعوا الثمرة المذكورة لهم، فإن الثمرة المتجددة بعد وفاة الموصي تكون لمن هو موجود في عام حصولها، و إن لم يكن موجودا حين الوصية أو حين موت الموصي.

(مسألة 2): إذا أوصي للحمل وصية تمليكية فإن سقط حيا و استهل صحت الوصية، و إلا فإن لم تحلّه الحياة بطلت، و إن حلّته الحياة و مات قبل أن يستهل ففي صحتها إشكال، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 3): تجوز الوصية للوارث، و تستحب الوصية لغيره.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 304

(مسألة 4): تجوز الوصية للمخالف و الكافر ذميا كان أو حربيا، إلا أن يكون في الوصية ترويج للباطل و تشجيع عليه، فتبطل.

(مسألة 5): لا تصح الوصية لمملوك غير الموصي، إلا أن يكون قد أعتق منه شي ء فتصح الوصية بنسبة ما أعتق منه، فإن كان هو الربع مثلا صحت الوصية في ربعها، و هكذا.

(مسألة 6): تصح الوصية لمملوك الموصي علي تفصيل غير مهم

بعد قلّة الابتلاء بالمسألة أو عدمه.

(مسألة 7): إذا مات الموصي له قبل الموصي، فإن رجع الموصي عن وصيته سقطت الوصية، و لو لم يرجع- و لو للجهل بموته- انتقل المال الموصي به لوارثه. و لا أثر لرد الوارث حينئذ، بل هو يملك قهرا علي نحو ملكه للميراث.

(مسألة 8): استحقاق وارث الموصي له للوصية علي نحو استحقاقه لميراثه منه، فيقسم بين الورثة علي نحو قسمة الميراث، و لا ترث الزوجة منه إن كان أرضا، و توفي منه ديون الموصي له للميت، و تنفذ منه وصاياه، و غير ذلك.

(مسألة 9): لا فرق في ذلك بين الوصية التمليكية- كما لو قال: هذا لزيد بعد وفاتي- و الوصية العهدية، كما لو قال: أعطوا هذا لزيد بعد وفاتي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 305

الفصل الرابع في الوصي

و هو الذي يجعله الموصي متوليا لتنفيذ وصاياه، سواء كان واحدا أم متعددا. و يعتبر فيه أمور.

الأول: البلوغ، فلا تصح الوصية إلي الصبي منفردا، و لا منضما للغير، إذا أريد بها تصرفه حال صباه. أما إذا أريد تصرفه بعد البلوغ فالظاهر صحتها. كما أنه مع إطلاق الوصية له تصح، لكن ليس له التصرف قبل البلوغ.

نعم، التصرفات الفورية- كقضاء الدين و قسمة المال علي الورثة، و دفع الغائلة عن المال لو تعرض للخطر- يقوم بها غيره من الأوصياء لو كان، و مع عدمه يقوم بها غير الوصي، كما لو لم يكن للميت وصي، أو كان و فقد، أو تعذرت مراجعته علي ما يأتي.

(مسألة 1): إذا أوصي إلي الصبي و البالغ، فإن نصّ علي عدم التصرف إلا بعد بلوغ الصبي وجب الانتظار، و إن أطلق استقل البالغ بالتصرف، و لا ينتظر بلوغ الصبي، فإن بلغ الصبي لم

يكن له الاعتراض و التبديل فيما أمضاه البالغ، إلا أن يكون البالغ قد خالف وصية الميت، فإنه يرده إلي ما أوصي به.

(مسألة 2): إذا أوصي إلي الصبي و البالغ فمات الصبي قبل البلوغ أو بلغ مجنونا، أو نحو ذلك مما يتعذر معه قيامه بالوصية، فإن نص علي عدم التصرف إلا بعد بلوغ الصبي جري ما يأتي في حكم تعذر قيام أحد الوصيين بالوصية، و إلا استقل البالغ بالتصرف كما يستقل به قبل بلوغ الصبي علي ما تقدم.

الثاني: العقل، فلا تصح الوصية للمجنون، علي النحو المتقدم في الصبي.

(مسألة 3): إذا أوصي إلي عاقل فجنّ، فإن ظهر من الموصي الإعراض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 306

عن الوصية إليه بطلت وصايته، و لم تعد لو عاد إليه عقله، و إلا بقيت وصايته و عمل عليها لو عاد إليه عقله. و أظهر من ذلك ما لو صرح الموصي ببقائه علي الوصاية إذا عاد إليه عقله.

الثالث: الحرية، فلا تصح الوصية للمملوك إلا بإذن سيده، و إذا أذن كان له الرجوع عن إذنه ما دام الموصي حيا. و الأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك علي ما إذا أبلغ الموصي برجوعه في حال يسعه نصب غيره.

(مسألة 4): المشهور اشتراط الإسلام في الوصي إذا كان الموصي مسلما.

و لا يخلو عن إشكال، خصوصا إذا كانت متمحضة في الماليات الراجعة إليه، و لم تتضمن ولاية علي مسلم و لا علي ماله، بل الظاهر حينئذ صحتها.

(مسألة 5): لا تشترط العدالة في الوصي، بل و لا الوثوق، إلا إذا تضمنت الوصية الولاية علي الأطفال، فإنه لا يجوز للموصي جعلها لمن لا يثق به في مراعاة صلاحهم، و لو فعل كان خارجا عن مقتضي الولاية عليهم، فلا تصح

وصيته له، و يكون كما لو لم يوصّ بهم. أما إذا أوصي لمن يثق به فإنّ وصيته تنفذ، و لا ينعزل إلا بظهور تفريطه، علي ما يأتي في حكم تقصير الوصي.

(مسألة 6): تجوز الوصاية للمرأة علي كراهية.

(مسألة 7): يجوز للموصي أن يوصي إلي أكثر من واحد بنحو التشريك- بحيث لا ينفذ التصرف إلا باجتماعهم- أو بنحو الترتيب، أو بنحو يقتضي استقلال كل واحد عند سبقه للتصرف، أو عند حضوره، أو غير ذلك، أو بنحو يقتضي استقلال كل واحد في جهة خاصة أو قسم خاص من التركة. و المتبع في جميع ذلك تصريح الموصي أو ظهور كلامه، و لو بضميمة القرائن الحالية أو المقالية.

(مسألة 8): إذا أوصي لأكثر من واحد بنحو التشريك فسقط أحدهم عن مقام الولاية بموت أو مرض أو عجز أو غيرها، فإن استفيد من الوصية له مجرد تشريفه و تكريمه استقل الباقون بالولاية، و إن استفيد منها الاهتمام بإعمال نظره توثقا من الوصي لحسن التصرف و عدم اكتفائه برأي الوصي الآخر فالأحوط وجوبا الرجوع للحاكم الشرعي لتعيين من يقوم مقامه في ذلك. و كذا الحال لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 307

تردد الأمر بين الوجهين.

(مسألة 9): إذا أوصي لأكثر من واحد بنحو التشريك فتشاحّ الأوصياء لاختلاف نظرهم، فإن كان هناك شي ء يجتمعون علي صحته تعيّن، كما لو اختيار بعضهم إنفاق المال في وجوه البرّ علي الإطلاق و اختار الآخر إنفاقه علي خصوص الفقراء، و إن لم يكن هناك شي ء يجتمعون علي صحته- كما لو اختار بعضهم اتفاق المال علي الفقراء و اختار الآخر إنفاقه علي مجالس سيد الشهداء عليه السّلام- فالأحوط وجوبا الرجوع للحاكم الشرعي. و الأحوط وجوبا للحاكم- حينئذ- محاولة إقناع

الأطراف علي ما يجتمعون عليه، و مع تعذر ذلك يكون التصرف له، و لا يخرج عن أحد الوجوه التي اختلف الأوصياء فيها، فإن اتّضح له أولوية بعضها عمل عليه، و إلا فالأحوط وجوبا له الرجوع للقرعة في تعيين ما يعمل عليه منها.

(مسألة 10): إذا سقط الوصي عن مقام الولاية بموت أو عجز أو نحوهما فالأحوط وجوبا الاشتراك بين الورثة القابلين للولاية و الحاكم الشرعي في تنفيذ الوصية. و لا يشرع- حينئذ- نصب وصي يستقل بالتصرف نظير الوصي الذي عينه الموصي، بل لا بد من كون المتصرف وكيلا عنهم.

(مسألة 11): إذا قصّر الوصي في تنفيذ الوصية كان لكل أحد ردعه و خصوصا الورثة، فإن لم يرتدع أو تشاح مع الورثة كان لهم بالاشتراك مع الحاكم الشرعي الإشراف عليه، و مع تعذر إلزامه بتنفيذ الوصية فالحكم كما في المسألة السابقة.

(مسألة 12): الوصي أمين لا يضمن إلا بأمرين:

الأول: التعدي عما يجب عليه و الخروج عنه، سواء كان ذلك بالخروج عما اوصي إليه و تبديله- كما لو اوصي بالحج بالمال ففرقه في الفقراء- أم بالخروج عما يجب عليه بعد تعذر ما اوصي به- كما إذا نسي الوصي الأمر الذي عينه الموصي- فإنه يتعيّن عليه إنفاقه في وجوه البر- كما يأتي إن شاء اللّه تعالي- فإذا أنفقه في غيرها كان ضامنا.

الثاني: التفريط، سواء كان في الوصية- كما إذا أخر تنفيذها فتلف المال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 308

- أم في المال نفسه، كما إذا قصّر في حفظه فسرق.

(مسألة 13): إذا عيّن الموصي للوصي عملا خاصا وجب الاقتصار عليه، و إن أطلق فإن كان هناك انصراف إلي شي ء معين بسبب عرف أو عادة تعين، و إلا كان التصرف موكولا لنظر

الوصي، و كان عليه اختيار ما فيه صلاح الميت، و مع تعدد وجوه الصلاح يختار ما هو الأصلح له مع تيسر فعله بالنحو المتعارف، و ذلك يختلف باختلاف الأموات و الأوقات. نعم لا إشكال في تقديم الواجبات التي انشغلت بها ذمة الميت علي غيرها من وجوه البر.

(مسألة 14): إذا قيّد الوصاية بجهة معينة اقتصر الوصي عليها، و إن أطلق- كما لو اقتصر علي قوله: فلان وصيي- كان ظاهره في عرفنا قيام الوصي بإخراج الثلث، و صرفه في مصلحة الموصي، و أداء الحقوق التي عليه، و الأمانات المودعة عنده، و نحو ذلك. و في شموله للقيمومة علي القاصرين من أولاده إشكال، و الأحوط وجوبا لمن يدير شؤونهم الاستئذان منه.

(مسألة 15): لا يجوز للوصي تفويض الوصاية إلي غيره، بأن ينعزل هو عن الوصاية و يكون ذلك الغير هو الوصي مستقلا بالسلطنة، حتي لو كان ذلك الغير أعرف منه بنظره.

نعم له تفويض الأمر في الوصية إلي الغير ممن يراه مثله أو أعرف منه في تنفيذها أو تنفيذ بعض فقراتها، لكن مع بقائه هو علي الوصاية، و يكون ذلك الغير وكيلا عنه في إنفاذ الوصية مستمدا سلطنته من سلطنته.

و يترتب علي ذلك أن تسقط سلطنة المفوّض المذكور بموت الوصي أو نحوه مما يوجب بطلان توكيله، و حينئذ يجري ما تقدم في المسألة (10) من حكم موت الوصي.

نعم، إذا كان مراد الموصي من إيكال الأمر للوصي ليس خصوص تنفيذه، بل ما يعم تعيين من يتولي تنفيذه لم تسقط سلطنة الشخص المذكور بموت الوصي، لأنه ليس وكيلا محضا، بل متوليا من قبل الموصي بتوسط جعل الوصي.

و قد يفهم ذلك من الوصي بقرائن الأحوال، كما لعله كذلك في عصورنا حيث يتعارف عدم

معرفة الوصي بمواقع الصرف و عدم توليه ذلك بنفسه، بل يتعارف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 309

إيكاله لمن يثق به من أهل العلم و المعرفة، فيكون قد أدي وظيفته بذلك و حمّل الشخص الموكل إليه المسؤولية، فإن التعارف المذكور قد يكون قرينة علي عموم وصايته للتفويض بالنحو المذكور.

و كذا الحال إذا توفي الشخص الذي يوكل إليه الأمر، فإنه لو كان وكيلا محضا علي تفريغ ذمة الميت لزم بطلان وكالته بموته، فيلزم مراجعة دافع المال له، وصيا كان عن الميت أو متبرعا بتفريغ ذمته أو بدفع الخيرات عنه، إلا أن يفهم من دفع المال له تفويض الأمر إليه، بحيث له أن يوصي بتنفيذ ما كلّف به، كما لعله كذلك في عصورنا، حيث تعارف تكدس الأموال عند مراجع الدين و نحوهم ممن يتصدي للأمور العامة من أهل العلم، و بنحو يتوقع موتهم قبل تهيؤ صرف الأموال في مصارفها، مع بناء الدافع علي قطع علاقته بالمال عند دفعه، فإن ذلك قد يكون قرينة عامة علي عموم التفويض للإيصاء بالمال، و إن كان الأمر لا يخلو بعد عن الإشكال، فاللازم الاحتياط مهما أمكن.

(مسألة 16): تعارف في عصورنا أن يجعل الموصي ناظرا علي الوصي، فإن رجع ذلك إلي الوصية إليهما معا بحيث يوكل إليهما معا أمر تنفيذ الوصية مع تقديم أحدهما علي الآخر عند الاختلاف فالظاهر نفوذه، و إن رجع إلي قصر الوصاية علي أحدهما بحيث يكون هو المتولي لتنفيذ الوصية، و ليس للآخر إلا إعمال نظره ففي نفوذه إشكال، بل منع. نعم يمكن للموصي تكليف الوصي باستشارة شخص ما و العمل برأيه في تنفيذ الوصية، لكن لا يجب علي الشخص المذكور إبداء نظره حينئذ.

هذا، و لو مات المستشار

في هذا الفرض أو تعذر الرجوع إليه فإن استفيد من الأمر باستشارته مجرد الاهتمام بتكريمه استقل الوصي بالوصية، و إن استفيد منه الاهتمام برأيه توثقا لحسن التصرف و عدم الاكتفاء برأي الوصي فالأحوط وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي، لتعيين من يقوم مقامه في ذلك، و كذا الحال مع التردد بين الوجهين. و يجري ذلك في صورة اشراكه في الوصية، علي ما يظهر مما تقدم في المسألة (8).

(مسألة 17): إذا تضمنت الوصية أن للوصي أخذ أجرة المثل في مقابل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 310

قيامه بتنفيذ الوصية فذاك، أما إذا ابتنت علي المجانية، أو تضمنت تعيين ما دون اجرة المثل فلذلك صورتان.

الاولي: أن لا يكون ذلك مجحفا بالوصي، لعدم كون تنفيذ الوصية مقابلا بالمال، أو كان مقابلا بمال لا يكون عدم أخذه مجحفا به، و حينئذ يجب علي الوصي تنفيذ الوصية مجانا.

الثانية: أن يكون ذلك مجحفا بالوصي و منشأ للحرج المعتد به عليه، لكثرة المال بنحو معتد به، أو لكون الوصي محتاجا للتفرغ لسدّ حاجاته المعاشية.

و حينئذ إن كان قد قبل بالوصية ملتفتا لذلك مقدما عليه كان عليه تنفيذ الوصية مجانا أيضا، و إن لم يكن قد قبل بالوصية أو كان قد قبل بها بتخيل عدم لزوم الإجحاف و الحرج منها كان له الامتناع عن تنفيذ الوصية، و حينئذ فالأحوط وجوبا الرجوع للورثة و الحاكم الشرعي معا من أجل تنفيذ الوصية، فإن وسعهم تنفيذها مجانا أو بأجرة دون اجرة المثل فذاك، و إلا كان عليهم بذل اجرة المثل للوصي، فيجب علي الوصي حينئذ تنفيذ الوصية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 311

الفصل الخامس في الموصي به

تقدم في الفصل الأول أن الوصية تمليكية و عهدية. و الموصي به في الوصية

التمليكية هو كل مال له نفع محلل معتد به، سواء كان عينا موجودة أو معدومة متوقعة الحصول- كحمل الدابة و ثمرة الشجرة- أم كان منفعة لعين موجودة أو معدومة متوقعة الوجود، أم كان حقا من الحقوق القابلة للنقل، كحق التحجير، دون ما لا يقبله، كحق الشفعة.

أما في الوصية العهدية فالموصي به في التركة كل تصرف محلل، سواء كان خارجيا- كما لو أوصي بعلف حمام الحرم من حبّ مملوك له- أم اعتباريا، كما لو أوصي بالصدقة بماله، أو باستئجار من يصلي عنه أو يحج عنه، أو غير ذلك من التصرفات الصحيحة شرعا. أما في غير التركة فقد سبق في أوائل الفصل الأول صحة الوصية بالولاية علي أطفاله القاصرين، و الإشكال في صحة الوصية بتجهيزه.

(مسألة 1): يصح لكل من الأب و الجد للأب الوصية بالولاية علي أولاده القاصرين، و لا يصح من غيرهم الوصية بها.

(مسألة 2): لا يصح لكل من الأب و الجد الوصية بالولاية علي القاصرين مع وجود الآخر بنحو يساويه في الولاية و يزاحمه فيها. أما مع عدم المزاحمة كما لو أوصاه بالولاية عليهم علي تقدير عجز الآخر أو موته فالظاهر جوازه، خصوصا إذا كانت من الأب، و كذا إذا كانت الوصية من أحدهما حال عجز الآخر، لغيبة أو مرض أو نحوهما. و قد تقدم في كتاب البيع ما ينفع في المقام.

(مسألة 3): لا تجوز و لا تنفذ الوصية بما تكون منفعته المقصودة منه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 312

نوعا محرمة، كالخمر و نحوها، و كذا إذا لزم منها الحرام، كترويج الباطل و التشجيع علي المنكر.

نعم، لا بأس بالوصية بالخمر القابلة للتخليل، و التي لها منفعة مقصودة نوعا غير الشرب محللة، و كذا الحال

في غيرها من المحرمات. و لا فرق في جميع ذلك بين الوصية التمليكية و العهدية.

(مسألة 4): ما كان المقصود منه نوعا محرما بهيئته، كآلات القمار و الموسيقي و هياكل العبادة المبتدعة، إذا كان لمادته منفعة مقصودة محللة تجوز الوصية به بلحاظ مادته، لكنها لا تقتضي احترام هيئته فيجوز تغييرها، بل قد يجب.

(مسألة 5): لا تصح الوصية بالمعصية، كترويج الباطل و معونة الظالمين و مجالس الغناء و غير ذلك.

(مسألة 6): ليس للميت من تركته إلا الثلث، فله أن يوصي فيه بما شاء، وصية تمليكية أو عهدية. و الأفضل الاقتصار علي الربع، و أفضل منه الاقتصار علي الخمس.

(مسألة 7): إذا لم يكن للميت وارث من طبقات الميراث غير الإمام فأوصي بماله كله في وجوه الخير نفذ في الثلث، و الأحوط وجوبا في الثلثين الباقيين الجمع في مصرفهما بين ما أوصي به و مصرف ميراث من لا وارث له.

(مسألة 8): لا فرق في نفوذ الوصية من الثلث بين الوصية بحصة مشاعة من التركة و الوصية بعين خاصة، كالدار و الفرس، و الوصية بكلي كمائة دينار.

(مسألة 9): لا يعتبر في نفوذ الوصية قصد الموصي أنها من الثلث الذي له الوصية به، فإذا غفل عن الثلث، أو جهل نفوذ الوصية فيه دون غيره فأوصي بشي ء فصادف عدم تجاوزه الثلث نفذت الوصية به.

(مسألة 10): المعيار في الثلث علي الثلث حين وفاة الموصي، فإذا أوصي بشي ء زائد علي الثلث حين الوصية نفذ إذا صار ذلك الشي ء حين الموت بقدر الثلث أو دونه، إما لنزول قيمته، أو لارتفاع قيمة بقية أموال الموصي، أو لزيادة أمواله. و إذا أوصي بشي ء لا يزيد علي الثلث حين الوصية إلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 313

أنه

تجاوزه حين الموت لارتفاع سعره مثلا لم تنفذ الوصية في الزائد علي الثلث.

(مسألة 11): إذا تجدد بعد الموت مال تابع لعمل الميت لحقه حكم مال الميت، فتنفذ الوصية من ثلث المجموع، كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته، أو فتح طريقا للماء ليحوزه فصار الماء في حوزته بعد موته، فإن الصيد و الماء المذكورين يكونان بحكم ماله.

(مسألة 12): إذا قتل الموصي خطأ كانت ديته بحكم ماله، فتنفذ الوصية من ثلث المجموع، و كذا إذا قتل عمدا فصالح أولياؤه علي الدية. و أما ديات الجروح و نحوها، فإن كانت قبل موته كانت له في حياته كسائر تركته، و إن كانت بعد موته فليست بحكم ماله في الميراث و نحوه، بل تنفق عنه في وجوه البر، و توفي منها ديونه لأنه أفضل البر له، و لا تخرج منها وصاياه إلا أن تكون من وجوه البر فيجوز إنفاذها منه، بل هو الأحوط وجوبا.

(مسألة 13): إنما يحسب الثلث بعد استثناء ما يخرج من أصل التركة، من مؤن التجهيز الواجب- علي التفصيل المذكور في محله- و الديون المالية، و ما الحق بها.

(مسألة 14): إذا كان علي الموصي دين فأبرأه الدائن بعد وفاته، أو تبرع شخص بأدائه لم يكن مستثني من التركة و كان بمنزلة عدمه، و كذا إذا تبرع متبرع بمؤن التجهيز.

(مسألة 15): إذا كان بعض التركة ضائعا أو مغصوبا أو نحو ذلك مما لا يسلم للوارث كان المدار في الثلث علي الباقي، لا بمعني عدم تعلق الوصية بما لا يسلم للوارث، بل بمعني عدم تنفيذ الوصية فعلا إلا في ثلث ما يسلم للوارث، فإذا كانت التركة بمجموعها عشرة آلاف دينار- مثلا- قد غصب منها أربعة آلاف و

كان قد أوصي بما يساوي ثلاثة آلاف دينار وجب تنفيذ الوصية فعلا في ألفي دينار، و بقي ألف منها معلقة في المغصوب، فإذا استوفي الورثة بعد ذلك ثلاثة آلاف من المغصوب وجب تنفيذ الوصية في ألف منها.

(مسألة 16): إذا سلمت التركة للوارث بحيث صارت في قبضته، ثم طرأ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 314

عليها قبل القسمة و تنفيذ الوصية تلف أو سرقة أو نحوهما، فإن كانت الوصية في عين خارجية شخصية لا تزيد علي ثلث المجموع فالتلف يختص بمورده، فإن كان مورده العين المذكورة لم يلحق الميراث نقص، و إن كان مورده غيرها لم يلحق الوصية نقص، بل تنفذ في تمام العين، و إن كانت الوصية في حصة مشاعة- كالثلث و الربع- نقص من الوصية بنسبة التالف للتركة، فإن كان التالف ربع التركة نقص من الوصية الربع، و إن كان نصف التركة نقص من الوصية النصف، و هكذا. نعم إذا كان التالف مضمونا كان الضمان مشتركا بين الوصية و حصة الورثة. و إن كان الوارث مفرطا في عدم تنفيذ الوصية كان ضامنا للتلف الوارد عليها.

و هكذا الحال إذا كانت الوصية كليا في التركة- كألف دينار- و هي لا تزيد علي الثلث، فإنها و إن نفذت بموت الوصي إلا أن النقص يلحقها كما يلحق حصة الوارث، و يتعلق بالتالف، فإن كان التالف مضمونا لحق الوصية نصيبها من الضمان.

(مسألة 17): إذا أوصي بثلث ماله أو ربعه أو نصفه أو نحوها فالظاهر منه إرادة التركة التي تنفذ منها الوصية، و هي التي سبق تحديدها، إلا أن تقوم القرينة علي إرادة معني آخر، كالمال الموجود حال الوصية، أو النقود، أو ما يقابل الدين الذي له علي الناس، أو

مجموع التركة من غير إخراج المستثنيات المتقدمة، أو غير ذلك، و حينئذ لا تنفذ الوصية المذكورة إلا في مقدار ثلث التركة بالمعني الذي سبق تحديده.

(مسألة 18): الواجبات المالية التي تخرج من الأصل هي الأموال التي اشتغلت بها الذمة، كالمال المقترض، و المبيع الذي باعه سلفا، و ثمن ما اشتراه نسيئة، و عوض المضمونات، و أروش الجنايات، و العمل الذي اشتغلت به ذمته بإجارة أو نحوها، و الشرط الذي جعل عليه في ضمن العقد إذا لم تعتبر فيه مباشرته بنفسه.

(مسألة 19): من جملة الواجبات المالية الحقوق الشرعية التي في ذمته، كالزكاة و الخمس، إلا أن الظاهر عدم وجوب أداء الخمس من تركته إذا لم يكن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 315

بانيا علي أدائه، سواء كان متعلقا بعين التركة، أم لم يكن بل انشغلت ذمته به.

نعم، يبقي مطالبا به في الآخرة، فإذا أراد الوارث تفريغ ذمته و تفريج كربته و التخفيف عنه أدّاه. كما أنه إذا كان قد أوصي بمال يصرف في مصالحه علي نحو الإطلاق كان إخراج الخمس من أظهر مصاديق ذلك.

أما إذا كان بانيا علي أدائه فالأحوط وجوبا إخراجه من أصل التركة، علي ما تقدم في كتاب الخمس. و حينئذ يلزم مراعاة الاحتياط في حق القاصرين، فيخرج الخمس من غير حصتهم. نعم لو تسامح الوارث في أداء الخمس حينئذ جاز لغيره التصرف بإذنه في عين التركة التي ورثها. و الأحوط وجوبا ضمان الوارث للخمس حينئذ.

(مسألة 20): من جملة الواجبات المالية الديون التي لا يعلم صاحبها و لا يقدر عليه. و قيل: يجب التصدق بمقدار تلك الديون عن صاحبها، و هو المعروف في عصورنا برد المظالم، و يترتب علي ذلك لزوم إخراجه بعد وفاة المدين

من أصل التركة و التصدق به. لكن الظاهر عدم وجوب التصدق به علي المدين، و لا علي وارثه، و لا يجزي ذلك في وفاء الدين. بل يكفي المدين و وارثه أن يعلم اللّه تعالي منهما نية الوفاء لو قدر عليه، من دون أن يمنع الوارث من التصرف في التركة، كما لا يمنع من تنفيذ الوصية منه. نعم يحسن الاحتياط بالتصدق المذكور لاحتمال تفريغ الذمة به من أموال الورثة أو من الثلث مع إطلاق مصرفه، فينوي به التصدق عمن انشغلت ذمة الميت له إن كان مجزيا في تفريغ ذمة الميت من الدين و إلّا فعن الميت نفسه برّا به.

(مسألة 21): يجب التصدق في كثير من الموارد، كفدية إفطار شهر رمضان، و جملة من كفارات الإحرام، و غيرها. و في كونها من الواجبات المالية التي تخرج من أصل التركة إشكال، و الأظهر العدم. و أظهر منها في ذلك الكفارات المخيرة بين الصدقة و غيرها كالعتق و الصيام.

(مسألة 22): في كون النذور التي لم تؤخذ فيها المباشرة من الواجبات المالية التي تخرج من أصل التركة إشكال، و الأظهر العدم. و أما بقية الواجبات التي تنشغل بها ذمة الميت و يشرع أداؤها عنه- كالصلاة و الصيام- فالظاهر عدم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 316

إخراجها من الأصل، عدا حجة الإسلام فإنها من الواجبات المالية التي تخرج من أصل التركة، بل هي مقدمة علي بقية الديون التي للّه تعالي- كالزكاة- و التي للناس، إلا أن يوصي بإخراجها من الثلث فتخرج منه حينئذ.

(مسألة 23): إذا طرأ علي شي ء من التركة تلف أو سرقة أو نحوهما لم يدخل النقص علي الواجبات المالية، بل يجب قضاؤها من الباقي، و يقع النقص علي الوصية

و الميراث.

(مسألة 24): إذا امتنع بعض الورثة من وفاء الواجبات المالية- عصيانا أو لعدم ثبوت الدين عنده- وجب علي الباقين وفاؤها و لا يجوز لهم التصرف في حصتهم قبل ذلك. و حينئذ إن كان للميت وصي و أمكن استئذانه في الوفاء تعيّن استئذانه، ليستحق بذلك المؤدي للدين الرجوع علي من لم يؤده من تمام التركة، و لا يستحق الرجوع عليه مع عدم استئذانه، و إن لم يكن للميت وصي أو لم يمكن استئذانه كان له الاستقلال بالوفاء، و يستحق الرجوع علي الورثة في بقية التركة، إلا أن يؤديه بنيّة التبرع فلا يستحق حينئذ.

(مسألة 25): إذا أوصي بأكثر من الثلث- بالمعني المتقدم- نفذت الوصية في الثلث، و توقف نفوذها في الزائد علي إجازة الوارث في حياة الموصي أو بعد وفاته. و إذا أجاز بعضهم دون بعض نفذت الوصية في حصة المجيز خاصة، كما أنهم إذا أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذ ما أجازوه خاصة.

(مسألة 26): لا بد في إجازة الوارث للوصية الزائدة علي الثلث من إنشاء إمضاء الوصية، و لو بفعل ما يظهر في الإمضاء كالعمل بالوصية. بل يكفي السكوت بعد العلم إذا كان ملازما عرفا لإقرار الوصية، كما لو ترك الوصي يعمل بالوصية و ينفذها و هو قادر علي الرد. نعم لا يكفي الرضا النفساني المجرد عن ذلك.

(مسألة 27): ليس للمجيز الرجوع عن إجازته حال حياة الموصي و لا بعد وفاته. كما أن الرد لا يمنع من تعقب الإجازة و نفوذها.

(مسألة 28): إذا تضمنت الوصية حرمان بعض الورثة أو جميعهم من الميراث فذلك يقع علي أحد وجهين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 317

الأول: أن يتمحض في الوصية بحصة ذلك الوارث لغيره لغناه عن المال،

أو لحاجة ذلك الغير، أو لحاجة الموصي للوصية المذكورة، لكونها من وجوه البر التي تنفعه بعد موته إلي غير ذلك مما لا يرجع إلي حرمان الوارث من الميراث، بل إلي التعدي علي ميراثه. و حينئذ إن أجاز الوارث ذلك نفذت الوصية بتمامها و إن لم يجز نفذت في الثلث خاصة.

الثاني: أن يرجع إلي حرمان الوارث من الميراث تشكيكا في نسبه، أو عقوبة له علي سيّئ فعله معه، أو نحو ذلك. و الظاهر هنا عدم صحة الوصية و عدم نفوذها حتي في الثلث، أجاز ذلك الوارث أم لم يجز. نعم لو أوصي مع ذلك بحصة ذلك الوارث بجهة خاصة- كما إذا قال: لا تورثوا ولدي فلانا و ادفعوا ميراثه للفقراء- فإن أجاز الوارث نفذت وصيته بتمامها، و إن لم يجز نفذت في الثلث خاصة.

(مسألة 29): إذا قال: لا تورثوا ولدي فلانا و ادفعوا الميراث لباقي الورثة، أو: لا تورثوا ولدي و ادفعوا الميراث لإخوتي، و نحو ذلك مما كان مفاد الوصية الثانية فيه مطابقا لحرمانه من الميراث، فإن قصد بالوصية الثانية تأكيد حرمانه من الميراث- كما لعله الظاهر- بطلت الوصية مطلقا، و إن قصد بها أمرا زائدا علي حرمانه من الميراث، و هو الوصية بدفع الحصة المذكورة لبقية الورثة، نظير وصيته بدفعها للفقراء نفذت بإجازة الوارث أو في الثلث.

(مسألة 30): من زني بأم ولد أبيه أو امرأة أبيه فأوصي أبوه بإخراجه من الميراث ففي بطلان الوصية إشكال، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 31): إذا عيّن الموصي ثلثه في عين مخصوصة تعيّن، و إذا فوض التعيين إلي الوصي فعيّنه في عين مخصوصة تعين أيضا بلا حاجة إلي رضا الوارث. و يكفي في التفويض ظهور حال الموصي في ذلك، كما

إذا ابتنت وصيته في الثلث علي عزله و بقائه مدة، مثلما لو أوصي بالاتجار بثلثه مدة من الزمن و إنفاق ربحه في وجوه البر، فإن الظاهر من إطلاقه ذلك إيكال عزل الثلث للوصي. أما في غير ذلك- كما إذا أوصي بإنفاق ثلثه- فالظاهر عدم ولاية الوصي و لا غيره علي عزل الثلث و تعيينه في عين مخصوصة، بل يبقي الثلث مشاعا في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 318

التركة، فإن زادت في الاستمناء و نحوه زاد الثلث، و إن نقصت لتلف و نحوه نقص الثلث.

(مسألة 32): إذا أوصي بجزء من ماله أو من ثلثه أو غيرهما، أو بسهم منه، أو بشي ء منه، فإن كان هناك قرينة علي إرادة مقدار معين عمل عليها، و مع عدمها يحمل إطلاق الجزء علي العشر، و إطلاق السهم علي الثمن، و إطلاق الشي ء علي السدس، بمعني عدم النقص عن هذه المقادير. أما في غير ذلك من العناوين المطلقة كالقسم و المقدار و نحوهما فالعمل علي الإطلاق، فيكفي ما يصدق عليه عرفا. و حينئذ إن كان موضوع الوصية المذكورة الثلث الموصي به كان المرجع في تعيين المقدار من له القيام بتنفيذ الوصية من وصي أو وارث أو غيرهما، و إن كان موضوعها مال الميت لزم الاقتصار علي أقل أفراد الإطلاق العرفية، إلا أن يرضي الوارث بالزيادة.

(مسألة 33): إذا أوصي لجماعة حمل علي التوزيع بالسوية. نعم إذا أوصي بمال لأعمامه و أخواله كان لأعمامه الثلثان يوزع عليهم بالسوية و لأخواله الثلث يوزع عليهم بالسوية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 319

الفصل السادس في أحكام الوصية

(مسألة 1): للموصي الرجوع عن وصيته ما دام حيّا، و يتحقق الرجوع بكل ما دل عليه من قول أو فعل.

(مسألة 2):

يجوز الرجوع عن بعض الوصية، فتبطل في خصوص ذلك البعض، و يجب العمل عليها في الباقي.

(مسألة 3): إنكار الوصية ليس رجوعا عنها، سواء كان عن نسيان لها، أم مع الالتفات إليها. نعم إذا ورد لبيان عدم الرضا بالعمل بها كان رجوعا عنها، من دون فرق أيضا بين نسيانها و عدمه.

(مسألة 4): إذا أوصي بوصية ثمّ أوصي بما يضادها كان ذلك رجوعا عن الاولي و عملا بالثانية، كما إذا أوصي بشي ء لزيد ثم أوصي به لعمرو. و لو كان التضاد في بعض الاولي كان رجوعا في ذلك البعض لا غير، كما إذا أوصي بداره لزيد ثم اوصي بنصفها لعمرو، من دون فرق في جميع ذلك بين نسيان الوصية الاولي و عدمه.

(مسألة 5): إذا أوصي بوصية ثمّ أوصي بوصية أخري لا تضادها، بل تجتمع معها لم يكن رجوعا عن الاولي، بل يجب العمل بهما معا إذا وسعهما المال، كما إذا أوصي بحجة ثم أوصي بأن يخرج عنه عشر سنين صلاة. نعم إذا ظهر منه حين الوصية الثانية أنها هي تمام وصيته التي يعمل عليها كان ذلك رجوعا عن الاولي و وجب العمل بالثانية لا غير.

(مسألة 6): إذا اختلفت الوصيتان بالإطلاق و التقييد مع اتحاد موضوعهما كانتا متضادتين، و وجب العمل بالثانية لأنها تكون رجوعا عن الاولي، كما إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 320

أوصي بصرف ثلثه في الحج و العمرة و أوصي بصرفه في وجوه البر.

(مسألة 7): إذا أوصي بوصايا متعددة لا تضادّ بينها إلا أنها متزاحمة- بأن لا يسعها المال الذي تنفذ فيه الوصية- و كان فيها واجب قدم الواجب علي غيره، سواء كان الواجب ماليا كالحج أم بدنيا كالصلاة، و سواء كانت الوصية بالكل

دفعة، أم بنحو الترتيب، مع تقدم الواجب في الذكر أو تأخره. نعم لا بد في الترجيح المذكور من كون الوصية بالواجب لوجوبه و لو ظاهرا، أما إذا كان لمجرد الاحتياط غير اللازم فلا مجال لترجيحه، بل يكون كالوصايا التبرعية.

(مسألة 8): إذا أوصي بوصايا متعددة لا تضادّ بينها، كلّها واجبات، أو ليس فيها واجب، و كانت متزاحمة- بأن لا يسعها المال الذي تنفذ فيه الوصية- فإن كانت الوصية بها جملة واحدة من دون ترتيب بينها دخل النقص علي الجميع بالنسبة، كما إذا قال: أدّوا عني ما علي من العبادات الواجبة، و كان عليه صوم و صلاة، أو قال: زوروا عني الأئمة عليهم السلام في مشاهدهم المشرفة كل إمام عشر زيارات. و إن كانت الوصية بها علي نحو الترتيب بدئ بالأسبق فالأسبق و وقع النقص علي اللاحق، كما إذا قال: أدّوا عني ما فاتني من الصوم و ما فاتني من الصلاة، أو قال: زوروا عني أمير المؤمنين عليه السّلام مرتين و الحسين عليه السّلام مرتين و تصدقوا عني بمائة دينار و ادفعوا لزيد مائة دينار و أخرجوا عني عشر ختمات للقرآن الكريم.

(مسألة 9): إذا أوصي بإخراج الواجب المالي من الثلث اخرج منه إلا أن يقصر عنه، فيتيمم من أصل التركة. و كذا إذا أوصي بإخراج جملة أمور من ثلثه، منها واجب مالي، و لم يف الثلث بها جميعا، فوقع النقص عليها جميعا أو علي الواجب المالي، فإن الواجب المالي يتمم من أصل التركة، و يبقي النقص علي غيره بلا تدارك.

(مسألة 10): إذا أوصي بوصايا متعددة لا تضادّ بينها إلا أنها متزاحمة و ظهر منه أن بعضها ليس من الثلث الذي له كان النقص علي ذلك البعض و

إن كان مقدما في الذكر، كما إذا كان مجموع تركته ثلاثين ألف دينار فقال: ادفعوا لولدي الصغير مائة دينار و أخرجوا ثلثي و هو عشرة آلاف دينار و أنفقوه في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 321

وجوه البر عني، فإن النقص يقع علي المائة دينار التي أوصي بها لولده الصغير، فلا تنفذ الوصية بها إلا بإجازة الورثة. كما أنه لو ظهر منه أن بعض وصاياه يخرج من أصل التركة فإنه لا ينفذ من تلك الوصية إلا ثلثها، و يحتاج نفوذ باقيها لإذن الورثة، كما إذا قال: ادفعوا لزيد مائة دينار و أخرجوا ثلثي من الباقي فأنفقوه عني في وجوه البر.

نعم إذا صادف أن لم يوص بالثلث نفذت الوصية بذلك الشي ء ما لم يزد علي الثلث، كما لو قال: ادفعوا لولدي الصغير مائة دينار أما ثلثي من الباقي أو من مجموع التركة فإني سوف اوصي به فيما أريد، و صادف أن مات قبل أن يوصي بالثلث المذكور، فإن الوصية المذكورة بالمائة دينار تنفذ ما لم تتجاوز ثلث التركة فيتوقف نفوذها في الزائد علي إجازة الورثة.

(مسألة 11): إذا أوصي بشي ء فلم يكف المال الذي تنفذ منه الوصية لذلك الشي ء، فإن كان قابلا للتبعيض تعيّن، كما إذا أوصي بأن يتصدق بعشرة دنانير و كان المال خمسة، و إن لم يكن قابلا له تعيّن صرف المال في وجوه البر، كما إذا أوصي بأن يحج عنه فلم يكف المال للحج حتي من الميقات، سواء كان نقص المال عن ذلك الشي ء ابتدائيا، أم كان بسبب تزاحم الوصايا و وقوع النقص علي ذلك الأمر الموصي به.

(مسألة 12): حيث تقدم أنه مع تعدد الوصايا و تضادها يعمل علي اللاحقة، و مع تزاحمها من

دون تضاد يعمل علي السابقة، فلو اشتبه السابق و اللاحق في المقامين، فإن كان الاختلاف بينهما بالإطلاق و التقييد وجب العمل علي المقيد، كما إذا أوصي بصرف ثلثه في الصدقة و أوصي أيضا بصرفه في وجوه البر، أو أوصي بصرف مائة دينار في الصدقة و صرف مائة أخري في وجوه البر، و ظهر أن الثلث مائة دينار لا غير. أما إذا كان الاختلاف بينهما بالتباين فاللازم الرجوع للقرعة.

(مسألة 13): إذا نسي الوصي أو غيره ممن يوكل إليه التنفيذ بعض مصارف الوصية، و عجز عن معرفته فإن تردد بين المطلق و المقيد اقتصر علي المقيد، و إن تردد بين أمور متباينة محصورة فالمرجع القرعة، و إن تردد بين أمور

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 322

غير محصورة تعيّن صرف المال في وجوه البر.

(مسألة 14): إذا ترددت الوصية بين الأقل و الأكثر اقتصر علي الأقل، كما لو تردد المال الموصي به بين ألف دينار و ألفين. أما إذا كان التردد بين مالين معينين متباينين أحدهما أقل من الآخر فالمرجع القرعة.

(مسألة 15): حيث تقدم عدم جواز الوصية في وجوه الحرام، فالظاهر أن الوصية بها لا تبطل رأسا، بحيث يكون المال ميراثا، بل يجب علي الوصي أو غيره ممن يقوم بتنفيذ الوصية صرف المال في سبل الخير.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 323

الفصل السابع فيما تثبت به الوصية

إذا شك في الوصية من دون حجة عليها بني علي عدمها، و إذا علم بالوصية و شك في العدول عنها من دون حجة عليه بني علي عدمه، و وجب إنفاذ الوصية.

(مسألة 1): تثبت الوصية بالعلم، و بإقرار الموصي، و بالبينة، و هي شهادة رجلين مؤمنين عادلين. و مع عدمها يكتفي بشهادة رجلين من أهل الكتاب،

و في اشتراط كونهما ذميين إشكال. و إذا ارتاب بهما الوارث كان له أن يطلب من الحاكم الشرعي إحلافهما، فيحلفهما بعد الصلاة علي صحة شهادتهما.

(مسألة 2): تثبت الوصية التمليكية بشهادة رجل واحد عادل و امرأتين عادلتين. و كذا تثبت بشهادة رجل واحد عادل أو امرأتين عادلتين، لكن مع يمين صاحب الحق. و لا تثبت بذلك الوصية العهدية.

(مسألة 3): تثبت الوصية التمليكية بتمامها بشهادة أربع نساء عادلات و ثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث نساء عادلات، و نصفها بشهادة امرأتين عادلتين، و ربعها بشهادة امرأة واحدة عادلة. و كذا الوصية العهدية إذا كانت تقبل التبعيض، كالوصية بالمال، دون مثل القيومة علي الأطفال القاصرين.

(مسألة 4): تثبت الوصية التمليكية و الوصية العهدية بالمال بإقرار الورثة بأجمعهم إذا كانوا عقلاء بالغين و إن لم يكونوا عدولا، و إذا أقرّ بعضهم دون بعض ثبتت بالنسبة إلي حصة المقرّ دون المنكر. و كما يثبت بإقرارهم أصل الوصية بالمال يثبت به ولاية الوصي عليه لو أقروا بوصايته أيضا. و إذا كان المقر منهم عدلا جري علي إقراره حكم الشهادة المتقدم في المسائل السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 324

(مسألة 5): يثبت الرجوع عن الوصية بالعلم، و بإقرار الموصي، و بالبينة، و هي شهادة رجلين عادلين. كما يثبت الرجوع عن الوصية السابقة بالشهادة علي الوصية اللاحقة بالوجه المتقدم في المسائل السابقة. نعم لا يثبت بإقرار الورثة أو بعضهم بالوصية اللاحقة إذا لم يكن عدولا. أما إذا كانوا عدولا فيجري علي إقرارهم حكم الشهادة، كما تقدم.

(مسألة 6): إذا دفع إنسان مالا لآخر و أوصاه بإنفاقه في وجه من الوجوه بعد وفاته وجب علي آخذ المال إنفاقه فيما أوصاه به إن احتمل صحة الوصية المذكورة منه،

لكون المال دون الثلث، أو لكون الوجه المذكور من الواجبات المالية التي تخرج من الأصل، أو لعدم ملك الدافع للمال، بل هو مال معيّن للمصرف الذي ذكره، أما إذا علم بعدم صحتها فيجب عليه مراجعة الورثة إن احتمل كونه ملكا للدافع، و إن علم بعدم ملكيته له جري عليه حكم مجهول المالك.

خاتمة: في التصرفات المنجزة

للإنسان أن يتصرف في ماله ما دام حيا، تصرفا منجزا بما يشاء، سواء أضر بالورثة- كما في الإبراء من الدين، و في التمليك المجاني، و المعاوضي المبني علي المحاباة، و نحوها- أم لا، و سواء كان مريضا مرض الموت أو غيره أم صحيحا.

(مسألة 1): لا يكفي في التصرف المنجز التسجيل الرسمي في دائرة الطابو و نحوها، بل لا بد فيه من تحقق التمليك المعاوضي أو المجاني بشروطه، بحيث لو أراد الثاني أن يستقل بالمال و يمنع الأول منه لم يكن ظالما له. نعم لو شك في أن التمليك الرسمي تابع أو مقارن لتمليك شرعي حقيقي أو لا، بل هو تمليك صوري لزم البناء ظاهرا علي تحقق التمليك الحقيقي، و يبقي الحكم الواقعي فيما بينه و بين اللّه تعالي تابعا لحصول التمليك واقعا. أما لو علم بأنه حين وقع لم يكن هناك تمليك حقيقي، لكن احتمل إيقاع التمليك الحقيقي بعد ذلك فاللازم البناء ظاهرا علي عدمه ما لم يثبت بطريق شرعي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 325

(مسألة 2): إذا أقر الإنسان بدين أو عين لوارث أو لغيره نفذ عليه في حياته مطلقا، فللمقر له مطالبته به. كما ينفذ بعد موته في حق وارثه إذا كان المقر مأمونا مرضيا، و إن لم يكن مأمونا لم ينفذ إلا من الثلث، و يقدم علي الوصية. هذا

إذا كان مبني الإقرار علي الوصية بدفع الدين بعد موته، لصدوره حال حضور الموت أو حال المرض أو في مقام الوصية، أما إذا لم يكن كذلك، بل حصل اعتباطا فالظاهر نفوذه مطلقا، و إن لم يكن مأمونا.

(مسألة 3): ليس للإنسان التصرف في ماله تصرفا معلقا علي موته إلا في الوصية و العتق، و هو المسمي بالتدبير، و لا يصح غير ذلك من التصرفات، كالوقف و الصدقة و إبراء المدين من الدين و غيرها. بل ليس له إلا إيقاعها منجزة فيكون ملزما بها في حياته، أو الوصية بها فتنفذ بشروط الوصية، فلو أوقع شيئا من ذلك معلقا علي موته بطل، و لم ينفذ حتي من الثلث، كما لا ينفع في نفوذه إجازة الورثة.

نعم، في الإبراء إذا رجعت إجازة الورثة إلي إبرائهم المدين بأنفسهم صح إبراؤهم له، أما إذا لم ترجع لذلك، بل الي مجرد إمضائهم لإبراء مورثهم له فلا يترتب الأثر علي إجازتهم، و لا سيما إذا صدرت منهم الإجازة بعد تحقق الوفاء من المدين، حيث لا موضوع معه لإبرائهم له بأنفسهم، و إن كان موضوعه متحققا حين إبراء مورثهم. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

و الحمد للّه رب العالمين.

انتهي الكلام في كتاب الوصية ضحي الثلاثاء الرابع و العشرين من شهر ربيع الأول عام ألف و أربعمائة و ستة عشر للهجرة النبوية علي صاحبها و آله أفضل الصلوات و أزكي التحيات، في النجف الأشرف، ببركة المشهد المشرف علي مشرفه الصلاة و السلام، و به ختام الجزء الثاني من رسالتنا (منهاج الصالحين) المشتمل علي القسم الأول من أحكام المعاملات. و نسأل اللّه تعالي العون و التوفيق و التأييد و التسديد و هو حسبنا و نعم الوكيل.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.