بطاقة تعريف: مجلسي محمد باقربن محمدتقي 1037 - 1111ق.
عنوان واسم المؤلف: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار المجلد 20: تأليف محمد باقربن محمدتقي المجلسي.
عنوان واسم المؤلف: بيروت داراحياء التراث العربي [ -13].
مظهر: ج - عينة.
ملاحظة: عربي.
ملاحظة: فهرس الكتابة على أساس المجلد الرابع والعشرين، 1403ق. [1360].
ملاحظة: المجلد108،103،94،91،92،87،67،66،65،52،24(الطبعة الثالثة: 1403ق.=1983م.=[1361]).
ملاحظة: فهرس.
محتويات: ج.24.كتاب الامامة. ج.52.تاريخ الحجة. ج67،66،65.الإيمان والكفر. ج.87.كتاب الصلاة. ج.92،91.الذكر و الدعا. ج.94.كتاب السوم. ج.103.فهرست المصادر. ج.108.الفهرست.-
عنوان: أحاديث الشيعة — قرن 11ق
ترتيب الكونجرس: BP135/م3ب31300 ي ح
تصنيف ديوي: 297/212
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1680946
ص: 1
الآیات؛
الحشر: «كَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِیباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ»(15)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه: أی مثلهم فی اغترارهم بعددهم و قوتهم و بقول المنافقین كَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی المشركین الذین قتلوا ببدر و ذلك قبل غزاة بنی النضیر بستة أشهر عن الزهری و غیره و قیل إن الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِیباً هم بنو قینقاع عن ابن عباس و ذلك أنهم نقضوا العهد مرجع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من بدر فأمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یخرجوا و قال عبد اللّٰه بن أبی لا تخرجوا فإنی آتی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأكلمه فیكم أو أدخل معكم الحصن فكان هؤلاء أیضا فی إرسال عبد اللّٰه بن أبی إلیهم ثم تركه نصرتهم كأولئك (1) ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ أی عقوبة كفرهم وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فی الآخرة (2).
ص: 1
«1»-قب، المناقب لابن شهرآشوب عم، إعلام الوری لَمَّا رَجَعَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ مِنْ بَدْرٍ لَمْ یُقِمْ بِالْمَدِینَةِ إِلَّا سَبْعَ لَیَالٍ حَتَّی غَزَا بِنَفْسِهِ یُرِیدُ بَنِی سُلَیْمٍ حَتَّی بَلَغَ مَاءً مِنْ مِیَاهِهِمْ یُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ فَأَقَامَ عَلَیْهِ ثَلَاثَ لَیَالٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ لَمْ یَلْقَ كَیْداً (2) فَأَقَامَ بِهَا بَقِیَّةَ شَوَّالٍ وَ ذَا الْقَعْدَةِ وَ فَادَی فِی إِقَامَتِهِ جُلَّ أُسَارَی بَدْرٍ مِنْ قُرَیْشٍ.
ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ السَّوِیقِ (3) وَ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْیَانَ نَذَرَ أَنْ لَا یَمَسَّ رَأْسَهُ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّی یَغْزُوَ مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَ فِی مِائَةِ (4) رَاكِبٍ مِنْ قُرَیْشٍ لِیُبِرَّ یَمِینَهُ حَتَّی إِذَا كَانَ عَلَی بَرِیدٍ مِنَ الْمَدِینَةِ أَتَی بَنِی النَّضِیرِ لَیْلًا فَضَرَبَ عَلَی حُیَیِّ بْنِ أَخْطَبَ بَابَهُ فَأَبَی أَنْ یَفْتَحَ لَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ إِلَی سَلَامِ بْنِ مِشْكَمٍ وَ كَانَ سَیِّدَ بَنِی النَّضِیرِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَیْهِ فَأَذِنَ لَهُ وَ سَارَّهُ (5) ثُمَّ خَرَجَ فِی عَقِبِ لَیْلَتِهِ حَتَّی أَتَی أَصْحَابَهُ وَ بَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَیْشٍ إِلَی الْمَدِینَةِ فَأَتَوْا نَاحِیَةً یُقَالُ لَهَا الْعُرَیْضُ فَوَجَدُوا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ (6) وَ حَلِیفاً لَهُ فَقَتَلُوهُمَا ثُمَّ انْصَرَفُوا وَ نَذَرَ (7) بِهِمُ النَّاسُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی طَلَبِهِمْ حَتَّی بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ وَ رَجَعَ وَ قَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْیَانَ وَ رَأَوْا زَاداً مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا یَتَخَفَّفُونَ مِنْهَا لِلنَّجَاءِ. (8)
ص: 2
وَ كَانَ فِیهَا السَّوِیقُ فَسُمِّیَتْ غَزْوَةَ السَّوِیقِ وَ وَافَقُوا السُّوقَ وَ كَانَتْ لَهُمْ تِجَارَاتٌ (1) فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ حِینَ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِهِمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ نَطْمَعُ بِأَنْ تَكُونَ (2) لَنَا غَزْوَةٌ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله نَعَمْ.
ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ ذِی أَمَرٍ بَعْدَ مُقَامِهِ بِالْمَدِینَةِ بَقِیَّةَ ذِی الْحِجَّةِ وَ الْمُحَرَّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ غَزْوَةِ السَّوِیقِ (3) وَ ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ جَمْعاً مِنْ غَطَفَانَ قَدْ تَجَمَّعُوا یُرِیدُونَ أَنْ یُصِیبُوا مِنْ أَطْرَافِ الْمَدِینَةِ عَلَیْهِمْ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ دُعْثُورُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَارِبٍ فَخَرَجَ فِی أَرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ وَ خَمْسِینَ رَجُلًا وَ مَعَهُمْ أَفْرَاسٌ وَ هَرَبَ مِنْهُ الْأَعْرَابُ فَوْقَ ذُرَی الْجِبَالِ وَ نَزَلَ صلی اللّٰه علیه و آله ذَا أَمَرٍ وَ عَسْكَرَ بِهِ وَ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ كَثِیرٌ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِحَاجَةٍ فَأَصَابَهُ ذَلِكَ الْمَطَرُ فَبَلَّ ثَوْبَهُ وَ قَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَادِیَ أَمَرٍ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أَصْحَابِهِ ثُمَّ نَزَعَ ثِیَابَهُ فَنَشَرَهَا لِتَجُفَّ وَ أَلْقَاهَا عَلَی شَجَرَةٍ ثُمَّ اضْطَجَعَ تَحْتَهَا وَ الْأَعْرَابُ یَنْظُرُونَ إِلَی كُلِّ مَا یَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَتِ الْأَعْرَابُ لِدُعْثُورٍ وَ كَانَ سَیِّدَهُمْ وَ أَشْجَعَهُمْ قَدْ أَمْكَنَكَ مُحَمَّدٌ وَ قَدِ انْفَرَدَ مِنْ بَیْنِ أَصْحَابِهِ حَیْثُ إِنْ غَوَّثَ بِأَصْحَابِهِ لَمْ یُغَثْ حَتَّی تَقْتُلَهُ فَاخْتَارَ سَیْفاً مِنْ سُیُوفِهِمْ صَارِماً ثُمَّ أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَی السَّیْفِ حَتَّی قَامَ عَلَی رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالسَّیْفِ مَشْهُوراً فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ مَنْ یَمْنَعُكَ مِنِّی الْیَوْمَ قَالَ اللَّهُ وَ دَفَعَ جَبْرَئِیلُ فِی صَدْرِهِ فَوَقَعَ السَّیْفُ مِنْ یَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَامَ عَلَی رَأْسِهِ فَقَالَ مَنْ یَمْنَعُكَ مِنِّی قَالَ لَا أَحَدَ وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا
ص: 3
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَا أُكْثِرُ عَلَیْكَ جَمْعاً أَبَداً فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَیْفَهُ ثُمَّ أَدْبَرَ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ لَأَنْتَ خَیْرٌ مِنِّی قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ (1) فَأَتَی قَوْمَهُ فَقِیلَ لَهُ أَیْنَ مَا كُنْتَ تَقُولُ وَ قَدْ أَمْكَنَكَ وَ السَّیْفُ فِی یَدِكَ قَالَ قَدْ كَانَ وَ اللَّهِ ذَلِكَ وَ لَكِنِّی نَظَرْتُ إِلَی رَجُلٍ أَبْیَضَ طَوِیلٍ دَفَعَ فِی صَدْرِی فَوَقَعْتُ لِظَهْرِی فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مَلَكٌ وَ شَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَا أُكْثِرُ عَلَیْهِ وَ جَعَلَ یَدْعُو قَوْمَهُ إِلَی الْإِسْلَامِ وَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ یا أَیُّهَا الَّذِینَ (2) آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ یَبْسُطُوا إِلَیْكُمْ أَیْدِیَهُمْ فَكَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْكُمْ الْآیَةَ. (3) ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ (4) الْقَرَدَةِ (5) مَاءٌ مِنْ مِیَاهِ نَجْدٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله زَیْدَ بْنَ حَارِثَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ بَدْرٍ إِلَی الْمَدِینَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (6) فَأَصَابُوا عِیراً لِقُرَیْشٍ عَلَی الْقَرَدَةِ فِیهَا أَبُو سُفْیَانَ وَ مَعَهُ فِضَّةٌ كَثِیرَةٌ وَ ذَلِكَ لِأَنَّ قُرَیْشاً (7) قَدْ خَافَتْ طَرِیقَهَا الَّتِی كَانَتْ تَسْلُكُ إِلَی الشَّامِ حِینَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَسَلَكُوا طَرِیقَ الْعِرَاقِ وَ اسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ یُقَالُ لَهُ فُرَاتُ بْنُ حَیَّانَ یَدُلُّهُمْ عَلَی الطَّرِیقِ فَأَصَابَ زَیْدُ بْنُ حَارِثَةَ تِلْكَ الْعِیرَ وَ أَعْجَزَتْهُ الرِّجَالُ هَرَباً.
وَ فِی رِوَایَةِ الْوَاقِدِیِّ أَنَّ ذَلِكَ الْعِیرَ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَیَّةَ (8) وَ أَنَّهُمْ قَدِمُوا
ص: 4
بِالْعِیرِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَسَرُوا رَجُلًا أَوْ رَجُلَیْنِ وَ كَانَ فُرَاتُ بْنُ حَیَّانَ أَسِیراً فَأَسْلَمَ فَتُرِكَ مِنَ الْقَتْلِ.
ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِی قَیْنُقَاعَ یَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ (1) عَلَی رَأْسِ عِشْرِینَ شَهْراً مِنَ الْهِجْرَةِ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ جَمَعَهُمْ وَ إِیَّاهُ سُوقَ بَنِی قَیْنُقَاعَ فَقَالَ لِلْیَهُودِ احْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَیْشٍ مِنْ قَوَارِعِ اللَّهِ فَأَسْلِمُوا فَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ نَعْتِی وَ صِفَتِی فِی كِتَابِكُمْ فَقَالُوا یَا مُحَمَّدُ لَا یَغُرَّنَّكَ أَنَّكَ لَقِیتَ قَوْمَكَ فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فَإِنَّا وَ اللَّهِ لَوْ حَارَبْنَاكَ لَعَلِمْتَ أَنَّا خِلَافُهُمْ فَكَادَتْ تَقَعُ بَیْنَهُمُ الْمُنَاجَزَةُ (2) وَ نَزَلَتْ فِیهِمْ قَدْ كانَ لَكُمْ آیَةٌ فِی فِئَتَیْنِ الْتَقَتا إِلَی قَوْلِهِ لِأُولِی الْأَبْصارِ (3) وَ رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَاصَرَهُمْ سِتَّةَ أَیَّامٍ (4) حَتَّی نَزَلُوا عَلَی حُكْمِهِ
ص: 5
فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَوَالِیَّ وَ حُلَفَائِی وَ قَدْ مَنَعُونِی مِنَ الْأَسْوَدِ وَ الْأَحْمَرِ ثَلَاثُمِائَةِ دَارِعٍ وَ أَرْبَعُمِائَةِ حَاسِرٍ (1) تَحْصُدُهُمْ فِی غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إِنِّی وَ اللَّهِ لَا آمَنُ وَ أَخْشَی الدَّوَائِرَ وَ كَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ دُونَ الْأَوْسِ فَلَمْ یَزَلْ یَطْلُبُ فِیهِمْ حَتَّی وَهَبَهُمْ لَهُ فَلَمَّا رَأَوْا مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الذُّلِّ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِینَةِ وَ نَزَلُوا أَذْرِعَاتٍ (2) وَ نَزَلَتْ فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ نَاسٍ مِنْ بَنِی الْخَزْرَجِ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْیَهُودَ وَ النَّصاری أَوْلِیاءَ إِلَی قَوْلِهِ (3) فِی أَنْفُسِهِمْ نادِمِینَ (4).
«2»-فس، تفسیر القمی قُلْ لِلَّذِینَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلی جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ (5) فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ بَدْرٍ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ بَدْرٍ أَتَی بَنِی قَیْنُقَاعَ وَ هُمْ بِنَادِیهِمْ (6) وَ كَانَ بِهَا سُوقٌ یُسَمَّی سُوقَ النَّبَطِ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا مَعْشَرَ الْیَهُودِ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا نَزَلَ بِقُرَیْشٍ وَ هُمْ أَكْثَرُ عَدَداً وَ سِلَاحاً وَ كُرَاعاً مِنْكُمْ فَادْخُلُوا فِی الْإِسْلَامِ فَقَالُوا یَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَحْسَبُ حَرْبَنَا مِثْلَ حَرْبِ قَوْمِكَ وَ اللَّهِ لَوْ قَدْ لَقِیتَنَا لَلَقِیتَ رِجَالًا فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ قُلْ لِلَّذِینَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلی جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ قَدْ كانَ لَكُمْ آیَةٌ فِی فِئَتَیْنِ الْتَقَتا یَعْنِی فِئَةَ الْمُسْلِمِینَ وَ فِئَةَ الْكُفَّارِ إِنَّهَا عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ إِنَّهُ تَهْدِیدٌ لِلْیَهُودِ فِئَةٌ تُقاتِلُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ
ص: 6
وَ أُخْری كافِرَةٌ یَرَوْنَهُمْ مِثْلَیْهِمْ رَأْیَ الْعَیْنِ أَیْ كَانُوا مِثْلَیِ الْمُسْلِمِینَ وَ اللَّهُ یُؤَیِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ یَشاءُ یَعْنِی رَسُولَ اللَّهِ یَوْمَ بَدْرٍ (1) إِنَّ فِی ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِی الْأَبْصارِ (2).
«3»-أَقُولُ قَالَ فِی الْمُنْتَقَی، فِی وَقَائِعِ السَّنَةِ الثَّانِیَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ سَرِیَّةُ عُمَیْرِ بْنِ عَدِیِّ بْنِ خَرَشَةَ إِلَی عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ الْیَهُودِیِّ لِخَمْسِ لَیَالٍ مَضَیْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ (3) عَلَی رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً مِنَ الْهِجْرَةِ وَ كَانَتْ عَصْمَاءُ تُعَیِّبُ الْمُسْلِمِینَ وَ تُؤْذِی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ تَقُولُ الشِّعْرَ فَجَاءَ عُمَیْرٌ حَتَّی دَخَلَ عَلَیْهَا بَیْتَهَا وَ حَوْلَهَا نَفَرٌ مِنْ وُلْدِهَا أَیْتَامٌ مِنْهُمْ مَنْ تُرْضِعُهُ فِی صَدْرِهَا فَنَحَّی الصَّبِیَّ عَنْهَا وَ وَضَعَ سَیْفَهُ فِی صَدْرِهَا حَتَّی أَنْفَذَهُ مِنْ ظَهْرِهَا وَ صَلَّی الصُّبْحَ (4) مَعَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْمَدِینَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ قَتَلْتَ ابْنَةَ مَرْوَانَ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَا یَنْتَطِحُ فِیهَا عَنْزَانِ وَ كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَوَّلَ مَا سُمِعَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِی قَیْنُقَاعَ.
أقول: و ساق القصة نحو ما مر إلا أنه قال حاصرهم خمس عشرة لیلة قال ثم أمر بإجلائهم و غنم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمون ما كان لهم من مال و كان أول خمس خمّس فی الإسلام بعد بدر (5).
«4»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ وَ كَانَ الَّذِی تَوَلَّی إِخْرَاجَهُمْ عِبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ثُمَّ سَارُوا إِلَی أَذْرِعَاتٍ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ فَلَمْ یَلْبَثُوا إِلَّا قَلِیلًا حَتَّی هَلَكُوا وَ كَانَ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ أَبَا لُبَابَةَ وَ كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ مَعَ حَمْزَةَ (6) ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 7
وَ حَضَرَ الْأَضْحَی فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمُصَلَّی فَصَلَّی بِالْمُسْلِمِینَ وَ هِیَ أَوَّلُ صَلَاةِ عِیدٍ صَلَّاهَا وَ ضَحَّی فِیهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِشَاتَیْنِ وَ قِیلَ بِشَاةٍ وَ كَانَ أَوَّلُ أَضْحًی رَآهُ الْمُسْلِمُونَ وَ ضَحَّی مَعَهُ ذَوُو الْیَسَارِ (1) وَ كَانَتِ الْغَزْوَةُ فِی شَوَّالٍ بَعْدَ بَدْرٍ وَ قِیلَ كَانَتْ فِی صَفَرٍ سَنَةِ ثَلَاثٍ جَعَلَهَا بَعْدَ غَزْوَةِ الْكُدْرِ.
قال ابن إسحاق كانت فی شوال سنة اثنتین وَ قَالَ الْوَاقِدِیُّ كَانَتْ فِی مُحَرَّمٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَ كَانَ قَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اجْتِمَاعُ بَنِی سُلَیْمٍ فِی مَاءٍ لَهُمْ (2) یُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ بِضَمِّ الْكَافِ وَ سُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَی الْكُدْرِ فَلَمْ یَلْقَ كَیْداً وَ كَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَ عَادَ وَ مَعَهُ النَّعَمُ وَ الرِّعَاءُ وَ كَانَ قُدُومُهُ فِی قَوْلٍ لِعَشْرِ لَیَالٍ مَضَیْنَ مِنْ شَوَّالٍ وَ بَعْدَ قُدُومِهِ أَرْسَلَ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّیْثِیَّ فِی سَرِیَّةٍ إِلَی بَنِی سُلَیْمٍ وَ غَطَفَانَ فَقَتَلُوا فِیهِمْ وَ غَنِمُوا النَّعَمَ وَ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَ عَادُوا مُنْتَصَفَ شَوَّالٍ ثُمَّ كَانَ غَزْوَةُ السَّوِیقِ وَ فِی ذِی الْحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِیَةِ مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَدُفِنَ بِالْبَقِیعِ وَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی رَأْسِ قَبْرِهِ حَجَراً عَلَامَةً لِقَبْرِهِ (3).
ص: 8
«5»-وَ قَالَ فِی الْمُنْتَقَی فِی السَّنَةِ الثَّانِیَةِ مَاتَ أُمَیَّةُ بْنُ الصَّلْتِ وَ كَانَ قَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَ رَغِبَ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَ أُخْبِرَ أَنَّ نَبِیّاً یَخْرُجُ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ وَ كَانَ یُؤَمِّلُ أَنْ یَكُونَ ذَلِكَ النَّبِیَّ فَلَمَّا بَلَغَهُ خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ كَفَرَ بِهِ حَسَداً وَ لَمَّا أَنْشَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله شِعْرَهُ قَالَ آمَنَ لِسَانُهُ وَ كَفَرَ قَلْبُهُ (1) وَ ذَكَرَ غَزْوَةَ السَّوِیقِ فِی حَوَادِثِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَ ذَكَرَ أَنَّ غَیْبَتَهُ صلی اللّٰه علیه و آله فِیهَا كَانَتْ خَمْسَةَ أَیَّامٍ.
«6»-وَ قَالَ فِی الْكَامِلِ فِی الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّ جَمْعاً مِنْ بَنِی سَعْدِ بْنِ تَغْلِبَةَ (2) وَ بَنِی مُحَارِبِ بْنِ حَفْصَةَ (3) تَجَمَّعُوا لِیُصِیبُوا (4) فَسَارَ إِلَیْهِمْ فِی أَرْبَعِمِائَةٍ وَ خَمْسِینَ رَجُلًا فَلَمَّا صَارَ بِذِی الْقَصَّةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ لَقِیَ رَجُلًا مِنْ تَغْلِبَةَ (5) فَدَعَاهُ إِلَی الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِینَ أَتَاهُمْ خَبَرُهُ فَهَرَبُوا إِلَی رُءُوسِ الْجِبَالِ فَعَادَ وَ لَمْ یَلْقَ كَیْداً وَ كَانَ مُقَامُهُ اثْنَتَیْ عَشْرَةَ لَیْلَةً وَ فِی تِلْكَ السَّنَةِ فِی جُمَادَی الْأُولَی غَزَا بَنِی سُلَیْمٍ بِنَجْرَانَ (6) وَ سَبَبُ هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَنَّ جَمْعاً مِنْ بَنِی سُلَیْمٍ تَجَمَّعُوا بِنَجْرَانَ (7) مِنْ نَاحِیَةِ الْفُرْعِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَسَارَ إِلَیْهِمْ فِی ثَلَاثِمِائَةٍ فَلَمَّا صَارَ إِلَی نَجْرَانَ (8) وَجَدَهُمْ قَدْ تَفَرَّقُوا
ص: 9
فَانْصَرَفَ وَ لَمْ یَلْقَ كَیْداً وَ كَانَتْ غَیْبَتُهُ عَشْرَ لَیَالٍ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ (1).
«7»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ وَ الْكَازِرُونِیُّ دَخَلَ حَدِیثُ بَعْضِهِمْ فِی بَعْضٍ وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مِنْ طَیِ ءٍ (2) وَ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِی النَّضِیرِ وَ كَانَ قَدْ كَبُرَ عَلَیْهِ قَتْلُ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ مِنْ قُرَیْشٍ فَسَارَ إِلَی مَكَّةَ وَ حَرَّضَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَكَی عَلَی قَتْلَی بَدْرٍ وَ كَانَ یُشَبِّبُ (3) بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِینَ حَتَّی آذَاهُمْ فَلَمَّا عَادَ إِلَی الْمَدِینَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ لِی بِابْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَی اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ تُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْذَنْ لِی أَنْ أَقُولَ شَیْئاً قَالَ قُلْ فَاجْتَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَ سَلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ وَ قَیْسٌ (4) وَ هُوَ أَبُو نَائِلَةَ وَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ (5) وَ كَانَ أَخَا كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَ أَبُو عَبْسِ بْنُ جُبَیْرٍ (6) ثُمَّ قَدِمُوا إِلَی ابْنِ الْأَشْرَفِ فَجَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ یَا ابْنَ الْأَشْرَفِ (7) إِنِّی قَدْ جِئْتُكَ لِحَاجَةٍ فَاكْتُمْهَا عَلَیَّ قَالَ افْعَلْ قَالَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرَّجُلِ بَلَاءً عَادَتْنَا الْعَرَبُ وَ انْقَطَعَ عَنَّا السَّبِیلُ حَتَّی ضَاعَ عَنَّا الْعِیَالُ وَ جَهَدَتِ الْأَنْفُسُ (8) فَقَالَ كَعْبٌ قَدْ كُنْتُ أَخْبَرْتُكَ بِهَذَا قَالَ أَبُو نَائِلَةَ
ص: 10
وَ أُرِیدُ أَنْ تَبِیعَنَا طَعَاماً وَ نَرْهَنَكَ وَ نُوثِقَ لَكَ أَ تُحْسِنُ فِی ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ ارْهَنُونِی نِسَاءَكُمْ قَالُوا كَیْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَ أَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ فَارْهَنُونِی أَبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَیْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَیُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَیُقَالُ رَهْنٌ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَیْنِ هَذَا عَارٌ عَلَیْنَا وَ لَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ یَعْنِی السِّلَاحَ وَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا یُنْكِرَ السِّلَاحَ إِذَا أَتَوْهُ بِهِ فَوَاعَدَهُ أَنْ یَأْتِیَهُ فَأَتَی أَصْحَابَهُ وَ أَخْبَرَهُمْ فَأَخَذَ السِّلَاحَ وَ سَارُوا إِلَیْهِ وَ تَبِعَهُمُ (1) النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَقِیعِ الْغَرْقَدِ وَ دَعَا لَهُمْ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَی الْحِصْنِ هَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَ كَانَ كَعْبٌ قَرِیبَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَیْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ أَسْمَعُ صَوْتاً كَأَنَّهُ یَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ إِنَّمَا هُوَ أَخِی مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَ رَضِیعِی أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِیمَ إِذَا دُعِیَ إِلَی طَعْنَةٍ بِلَیْلٍ لَأَجَابَ فَنَزَلَ إِلَیْهِمْ وَ تَحَدَّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَ سَارُوا مَعَهُ إِلَی شِعْبِ الْعَجُوزِ ثُمَّ إِنَّ أَبَا نَائِلَةَ قَالَ مَا رَأَیْتُ كَالْیَوْمِ رِیحاً أَطْیَبَ أَ تَأْذَنُ لِی أَنْ أَشَمَّ رَأْسَكَ قَالَ فَشَمَّهُ حَتَّی فَعَلَ ذَلِكَ مِرَاراً فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ أَخَذَ بِرَأْسِهِ وَ قَالَ اضْرِبُوا عَدُوَّ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ عَلَیْهِ أَسْیَافُهُمْ فَلَمْ یُغْنِ شَیْئاً قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَدْ كُنْتُ مَشْغُولًا فَأَخَذْتُهُ وَ قَدْ صَاحَ (2) عَدُوُّ اللَّهِ صَیْحَةً لَمْ یَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إِلَّا أُوقِدَتْ عَلَیْهِ نَارٌ فَتَحَامَلْتُ عَلَیْهِ وَ قَتَلْتُهُ وَ قَدْ أَصَابَ (3) الْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ بَعْضُ أَسْیَافِنَا فَاحْتَمَلْنَاهُ وَ جِئْنَا بِهِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوِّ اللَّهِ فَتَفَلَ عَلَی جُرْحِ صَاحِبِنَا وَ عُدْنَا إِلَی أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَ قَدْ خَافَتِ الْیَهُودُ فَلَیْسَ بِهَا یَهُودِیٌّ إِلَّا وَ هُوَ یَخَافُ عَلَی نَفْسِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ یَهُودَ فَاقْتُلُوهُ فَوَثَبَ مُحَیِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَی ابْنِ سُنَیْنَةَ الْیَهُودِیِ
ص: 11
وَ هُوَ مِنْ تُجَّارِ الْیَهُودِ فَقَتَلَهُ (1) فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ خویصة حُوَیَّصَةُ وَ هُوَ مُشْرِكٌ یَا عَدُوَّ اللَّهِ قَتَلْتَهُ أَمَا وَ اللَّهِ لَرُبَّ شَحْمٍ فِی بَطْنِكَ مِنْ مَالِهِ (2) فَقَالَ مُحَیِّصَةُ لَوْ أَمَرَنِی بِقَتْلِكَ مَنْ أَمَرَنِی بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتُكَ قَالَ فَوَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَأَوَّلِ إِسْلَامِ خویصة حُوَیَّصَةُ ثُمَّ أَسْلَمَ عَبَسُ بْنُ جُبَیْرٍ (3) وَ كَانَ قَتْلُ كَعْبٍ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَیْلَةً مَضَتْ مِنْ رَبِیعٍ الْأَوَّلِ وَ فِی هَذَا الشَّهْرِ تَزَوَّجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَنَی بِهَا فِی جُمَادَی الْآخِرَةِ (4).
«8»-وَ قَالَ الْكَازِرُونِیُّ وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ فِی شَعْبَانَ وَ كَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ خُنَیْسِ بْنِ حُذَاقَةَ السَّهْمِیِّ فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَتُوُفِّیَ عَنْهَا وَ فِیهَا تَزَوَّجَ صلی اللّٰه علیه و آله زَیْنَبَ بِنْتَ خُزَیْمَةَ وَ كَانَتْ تُسَمَّی فِی الْجَاهِلِیَّةِ أُمَّ الْمَسَاكِینِ وَ كَانَتْ عِنْدَ الطُّفَیْلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا أَخُوهُ عُبَیْدَةُ فَقُتِلَ عَنْهَا یَوْمَ بَدْرٍ شَهِیداً فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَ أَصْدَقَهَا اثْنَتَیْ عَشْرَةَ أُوقِیَّةً وَ نَشّاً فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ ثَمَانِیَةَ أَشْهُرٍ وَ تُوُفِّیَتْ وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ وُلِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فِی النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ (5).
«9»-قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ وَ فِیهَا كَانَتْ غَزْوَةُ الْقَرَدَةِ (6) وَ فِیهَا فِی جُمَادَی الْآخِرَةِ قُتِلَ أَبُو رَافِعٍ سَلَّامُ بْنُ أَبِی الْحُقَیْقِ الْیَهُودِیُّ وَ كَانَ یُظَاهِرُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الْأَشْرَفِ فَكَانَ قَتْلُهُ مِنَ الْأَوْسِ قَالَتِ الْخَزْرَجُ وَ اللَّهِ
ص: 12
لَا یَذْهَبُونَ بِهَا عَلَیْنَا (1) عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَتَذَاكَرَ الْخَزْرَجُ مَنْ یُعَادِی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَابْنِ الْأَشْرَفِ فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِی الْحُقَیْقِ وَ هُوَ بِخَیْبَرَ فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی قَتْلِهِ فَأَذِنَ لَهُمْ فَخَرَجَ إِلَیْهِ مِنَ الْخَزْرَجِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِیكٍ وَ مَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَیْسٍ وَ أَبُو قَتَادَةَ وَ خُزَاعِیُّ بْنُ الْأَسْوَدِ حَلِیفٌ لَهُمْ وَ أَمَرَ عَلَیْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِیكٍ فَخَرَجُوا حَتَّی قَدِمُوا خَیْبَرَ فَأَتَوْا دَارَ أَبِی رَافِعٍ لَیْلًا فَلَمْ یَدَعُوا بَاباً فِی الدَّارِ إِلَّا أَغْلَقُوهُ عَلَی أَهْلِهِ وَ كَانَ فِی عِلِّیَّةٍ (2) فَاسْتَأْذَنُوا عَلَیْهِ فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتُمْ قَالُوا مِنَ الْعَرَبِ نَلْتَمِسُ الْمِیرَةَ قَالَ (3) قَالَتْ ذَاكَ صَاحِبُكُمْ فَادْخُلُوا عَلَیْهِ فَلَمَّا دَخَلُوا أَغْلَقُوا بَابَ الْعِلِّیَّةِ وَ بَدَرُوهُ عَلَی فِرَاشِهِ فَصَاحَتِ الْمَرْأَةُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ یُرِیدُ قَتْلَهَا فَیَذْكُرُ نَهْیَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله إِیَّاهُمْ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَ الصِّبْیَانِ فَیَكُفُّ عَنْهَا فَضَرَبُوهُ بِأَسْیَافِهِمْ وَ تَحَامَلَ عَلَیْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَیْسٍ بِسَیْفِهِ فِی بَطْنِهِ حَتَّی أَنْفَذَهُ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِیكٍ سَیِّئَ الْبَصَرِ فَوَقَعَ مِنَ الدَّرَجَةِ فَوَثَبَتْ رِجْلُهُ وَثْباً شَدِیداً (4) وَ احْتَمَلُوهُ وَ رَجَعُوا (5) وَ طَلَبَتْهُمُ الْیَهُودُ فِی كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ یَرَوْهُمْ فَرَجَعُوا إِلَی صَاحِبِهِمْ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ كَیْفَ نَعْلَمُ أَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ مَاتَ فَعَادَ بَعْضُهُمْ وَ دَخَلَ فِی النَّاسِ فَرَآهُ وَ النَّاسُ حَوْلَهُ وَ هُوَ یَقُولُ قَدْ عَرَفْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِیكٍ ثُمَّ صَاحَتِ امْرَأَتُهُ وَ قَالَتْ مَاتَ وَ اللَّهِ قَالَ فَمَا سَمِعْتُ كَلِمَةً أَلَذَّ إِلَی نَفْسِی مِنْهَا ثُمَّ عَادَ إِلَی أَصْحَابِهِ وَ أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَ سَمِعَ صَوْتَ النَّاعِی یَقُولُ أَنْعَی أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَ سَارُوا حَتَّی قَدِمُوا عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ اخْتَلَفُوا فِی قَتْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَاتُوا أَسْیَافَكُمْ فَجَاءُوا بِهَا فَنَظَرَ فِیهَا فَقَالَ لَسَیْفُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَیْسٍ هَذَا قَتَلَهُ أَرَی (6) أَثَرَ الطَّعَامِ (7).
ص: 13
الآیات؛
آل عمران: «وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِینَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ* إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَ اللَّهُ وَلِیُّهُما وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ* وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِینَ أَ لَنْ یَكْفِیَكُمْ أَنْ یُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِینَ* بَلی إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ یَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا یُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِینَ* وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْری لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْحَكِیمِ* لِیَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَوْ یَكْبِتَهُمْ فَیَنْقَلِبُوا خائِبِینَ* لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أَوْ یُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ»(121-128)
(و قال تعالی): «وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ* إِنْ یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَیَّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النَّاسِ وَ لِیَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ* وَ لِیُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَمْحَقَ الْكافِرِینَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ یَعْلَمَ الصَّابِرِینَ* وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَیْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ* وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاكِرِینَ* وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِی الشَّاكِرِینَ* وَ كَأَیِّنْ مِنْ نَبِیٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللَّهُ یُحِبُّ الصَّابِرِینَ»(139-146)
ص: 14
(إلی قوله تعالی): «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تُطِیعُوا الَّذِینَ كَفَرُوا یَرُدُّوكُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِینَ* بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَ هُوَ خَیْرُ النَّاصِرِینَ* سَنُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النَّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَی الظَّالِمِینَ* وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّی إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِی الْأَمْرِ وَ عَصَیْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الدُّنْیا وَ مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِیَبْتَلِیَكُمْ وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ* إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ یَدْعُوكُمْ فِی أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَیْلا تَحْزَنُوا عَلی ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ وَ اللَّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ* ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً یَغْشی طائِفَةً مِنْكُمْ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ یَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَیْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِیَّةِ یَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْ ءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ یُخْفُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ ما لا یُبْدُونَ لَكَ یَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِی بُیُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ وَ لِیَبْتَلِیَ اللَّهُ ما فِی صُدُورِكُمْ وَ لِیُمَحِّصَ ما فِی قُلُوبِكُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ* إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِیمٌ* یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِی الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّی لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا لِیَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِی قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ یُحْیِی وَ یُمِیتُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ* وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ* وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللَّهِ تُحْشَرُونَ* فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَی اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِینَ* إِنْ یَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ یَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِی یَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ* وَ ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَغُلَّ وَ مَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ ثُمَّ تُوَفَّی كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ»(149-161)
ص: 15
(إلی قوله تعالی): «أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها قُلْتُمْ أَنَّی هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ* وَ ما أَصابَكُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِیَعْلَمَ الْمُؤْمِنِینَ* وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ نافَقُوا وَ قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ یَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِیمانِ یَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یَكْتُمُونَ* الَّذِینَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ* وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ* فَرِحِینَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ یَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِینَ لَمْ یَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ* یَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِینَ *الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِیمٌ* الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِیماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ یَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِیمٍ* إِنَّما ذلِكُمُ الشَّیْطانُ یُخَوِّفُ أَوْلِیاءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ* وَ لا یَحْزُنْكَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ یَضُرُّوا اللَّهَ شَیْئاً یُرِیدُ اللَّهُ أَلَّا یَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِی الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ»(165-176)
النساء: «فَما لَكُمْ فِی الْمُنافِقِینَ فِئَتَیْنِ وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَ تُرِیدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِیلًا»(88)
(و قال تعالی): «وَ لا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ یَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا یَرْجُونَ وَ كانَ اللَّهُ عَلِیماً حَكِیماً»(104)
الأنفال: «إِنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ فَسَیُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ یُغْلَبُونَ»(36)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله تعالی: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ أی اذكر یا محمد إذ خرجت من المدینة غدوة تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِینَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ أی تهیّئ
ص: 16
للمؤمنین مواطن القتال أو تجلسهم و تقعدهم فی مواضع القتال لیقفوا فیها و لا یفارقوها و اختلف فی أیّ یوم كان ذلك فقیل یوم أحد عن ابن عباس و أكثر المفسرین (1) و هو المروی عن أبی جعفر علیه السلام و قیل كان یوم الأحزاب عن مقاتل و قیل یوم بدر عن الحسن وَ اللَّهُ سَمِیعٌ لما یقوله النبیّ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیمٌ بما یضمرونه إِذْ هَمَّتْ أی عزمت طائِفَتانِ مِنْكُمْ أی من المسلمین أَنْ تَفْشَلا أی تجبنا و هما بنو سلمة و بنو حارثة حیّان من الأنصار عن ابن عباس و أكثر المفسّرین (2) و عن أبی جعفر و أبی عبد اللّٰه علیه السلام و قال الجبائیّ نزلت فی طائفة من المهاجرین و طائفة من الأنصار و كان سبب همّهم بالفشل أن عبد اللّٰه بن أبی سلول دعاهما إلی الرجوع إلی المدینة عن لقاء المشركین یوم أحد فهما به و لم یفعلاه وَ اللَّهُ وَلِیُّهُما أی ناصرهما و یروی (3) عن جابر بن عبد اللّٰه أنه قال فینا نزلت و ما أحبّ أنها لم تكن لقوله وَ اللَّهُ وَلِیُّهُما و قال بعض المحقّقین هذا همّ خطرة لا همّ عزیمة لأن اللّٰه سبحانه مدحهما و أخبر أنه ولیهما و لو كان همّ عزیمة لكان ذمّهم أولی. (4) أقول ثم روی الطبرسیّ قصّة غزوة أحد عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام مثل ما سیأتی فی روایة علی بن إبراهیم ثم قال و روی أبو إسحاق (5) و السدّیّ و الواقدیّ و ابن جریح (6) و غیرهم قالوا كان المشركون نزلوا بأحد یوم الأربعاء فی شوال سنة
ص: 17
ثلاث من الهجرة و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلیهم یوم الجمعة و كان القتال یوم السبت للنصف من الشهر و كسرت رباعیّته صلی اللّٰه علیه و آله و شجّ وجهه (1) ثم رجع المهاجرون و الأنصار بعد الهزیمة و قد قتل من المسلمین سبعون و شدّ رسول اللّٰه بمن معه حتی كشفهم و كان الكفار مثّلوا بجماعة و كان حمزة أعظم مثلة و ضربت ید طلحة فشلّت. (2) و قال فی قوله أَ لَنْ یَكْفِیَكُمْ أَنْ یُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ هو إخبار بأن النبیّ صلی اللّٰه علیه و آله قال لقومه أ لن یكفیكم یوم بدر أن جعل ربكم ثلاثة آلاف من الملائكة مددا لكم و قیل إن الوعد بالإمداد بالملائكة كان یوم أحد وعدهم اللّٰه المدد إن صبروا مُنْزَلِینَ أی من السماء بَلی تصدیق بالوعد أی یفعل كما وعدكم و یزیدكم إِنْ تَصْبِرُوا أی علی الجهاد و علی ما أمركم اللّٰه وَ تَتَّقُوا معاصی اللّٰه و مخالفة رسوله وَ یَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا أی رجع المشركون إلیكم من جهتهم (3) هذا و قیل من غضبهم هذا و كانوا قد غضبوا یوم أحد لیوم بدر مما لقوا فهو من فور الغضب أی غلیانه یُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ أی یعطكم مددا لكم و نصرة و إنما قال ذلك لأن الكفار فی غزاة أحد ندموا بعد انصرافهم لم لم یعبروا علی المدینة (4) و همّوا بالرجوع فأوحی اللّٰه إلی نبیه أن یأمر أصحابه بالتهیّؤ للرجوع إلیهم و قال لهم إِنْ یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ثم قال إن صبرتم علی الجهاد و راجعتم الكفار أمدكم اللّٰه بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمین فأخذوا فی الجهاد و خرجوا یتبعون الكفار علی ما بهم من الجراح و أخبر المشركون من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أنه یتبعكم (5) فخاف المشركون
ص: 18
إن رجعوا أن تكون الغلبة للمسلمین و أن یكون قد التأم إلیهم من كان تأخّر عنهم و انضمّ إلیهم غیرهم فدسّوا نعیم بن مسعود الأشجعیّ حتی یصدّهم بتعظیم أمر قریش و أسرعوا فی الذهاب إلی مكة و كفی اللّٰه المسلمین أمرهم و لذلك قال قوم من المفسرین إن جمیعهم ثمانیة آلاف و قال الحسن إن جمیعهم خمسة آلاف منهم ثلاثة آلاف المنزلین علی أن الظاهر یقتضی أن الإمداد بثلاثة آلاف كان یوم بدر (1) ثم استأنف حكم یوم أحد فقال بَلی إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ یَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا أی إن رجعوا إلیكم بعد انصرافكم أمدكم رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِینَ و هذا قول البلخی رواه عن عكرمة (2) قال لم یمدوا یوم أحد و لا بملك واحد و علی هذا فلا تنافی بین الآیتین مُسَوِّمِینَ أی معلمین أو مرسلین وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْری لَكُمْ أی ما جعل اللّٰه الإمداد و الوعد به إلا بشارة لكم وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ فلا تخافوا كثرة عدد العدو وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ معناه أن الحاجة إلی اللّٰه سبحانه لازمة فی المعونة و إن أمدكم بالملائكة فلا استغناء لكم عن معونته طرفة عین. (3) و قال البیضاوی و هو تنبیه علی أنه لا حاجة فی نصرهم إلی مدد و إنما أمدهم و وعد لهم (4) بشارة لهم و ربطا علی قلوبهم من حیث إن نظر العامة إلی الأسباب أكثر و أحث علی أن لا یبالوا بمن تأخر عنهم. (5) لِیَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِینَ كَفَرُوا قال الطبرسی اختلف فی وجه اتصاله بما قبله فقیل یتصل بقوله وَ ما
ص: 19
النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أی أعطاكم اللّٰه هذا النصر لیقطع طائفة من الذین كفروا بالقتل و الأسر و قیل هو متصل بقوله وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ و قیل معناه ذلك التدبیر لِیَقْطَعَ طَرَفاً أی قطعه منهم و المعنی لیهلك طائفة منهم و قیل لیهدم ركنا من أركان الشرك بالأسر و القتل فأما الیوم الذی وقع فیه ذلك فیوم بدر (1) و قیل هو یوم أحد قتل فیه ثمانیة عشر رجلا أَوْ یَكْبِتَهُمْ أی یخزیهم بالخیبة مما أملوا من الظفر بكم و قیل یردهم عنكم منهزمین و قیل یصرعهم علی وجوههم و قیل یظفركم علیهم و قیل یلعنهم و قیل یهلكهم فَیَنْقَلِبُوا خائِبِینَ لم ینالوا مما أملوا شیئا لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ قیل هو متصل بقوله وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أی لیس لك و لا لغیرك من هذا النصر شی ء و قیل إنه اعتراض بین الكلامین و قوله أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ متصل بقوله لِیَقْطَعَ طَرَفاً فالتقدیر لیقطع طرفا منهم أو یكبتهم أو یتوب علیهم أو یعذبهم فإنهم قد استحقوا العقاب و لیس لك من هذه الأربعة شی ء و ذلك إلی اللّٰه تعالی.
و اختلف فی سبب نزوله فروی عن أنس بن مالك و ابن عباس و الحسن و قتادة و الربیع أنه لما كان من المشركین یوم أحد من كسر رباعیّة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و شجّه حتی جرت الدماء علی وجهه فقال كیف تفلح قوم نالوا هذا من نبیّهم و هو مع ذلك حریص علی دعائهم إلی ربّهم فأعلمه اللّٰه سبحانه أنه لیس إلیه فلاحهم و أنه لیس إلیه إلا أن یبلغ الرسالة و یجاهد حتی یظهر الدین و إنما ذلك إلی اللّٰه و كان الذی كسر رباعیّته و شجّه فی وجهه عتبة بن أبی وقاص فدعا علیه بأن لا یحول علیه الحول حتی یموت كافرا فمات كافرا قبل حول الحول (2) و أدمی وجهه رجل من هذیل یقال له عبد اللّٰه بن قمیئة فدعا علیه فكان حتفه أن سلط اللّٰه علیه تیسا فنطحه حتی قتله
وَ رُوِیَ أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ یَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَ
ص: 20
یَقُولُ اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِی فَإِنَّهُمْ لَا یَعْلَمُونَ.
فعلی هذا یمكن أن یكون صلی اللّٰه علیه و آله علی وجل من عنادهم و إصرارهم علی الكفر فأخبر سبحانه أنه لیس إلیه إلا ما أمر به من تبلیغ الرسالة و دعائهم إلی الهدی و ذلك مثل قوله تعالی لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا یَكُونُوا مُؤْمِنِینَ (1) و قیل إنه صلی اللّٰه علیه و آله استأذن ربه تعالی فی یوم أحد فی الدعاء علیهم فنزلت الآیة فلم یدع علیهم بعذاب الاستیصال و إنما لم یؤذن له فیه لما كان المعلوم من توبة بعضهم و قیل أراد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یدعو علی المنهزمین عنه من أصحابه یوم أحد فنهاه اللّٰه عن ذلك و تاب علیهم أی (2) لیس لك أن تلعنهم و تدعو علیهم و قیل
لَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (3) مَا فُعِلَ بِأَصْحَابِهِ وَ بِعَمِّهِ حَمْزَةَ مِنَ الْمُثْلَةِ مِنْ جَدْعِ الْأُنُوفِ وَ الْأُذُنِ وَ قَطْعِ الْمَذَاكِیرِ قَالَ (4) لَئِنْ أَدَالَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ لَنَفْعَلَنَّ بِهِمْ مِثْلَ مَا فَعَلُوا وَ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ یُمَثِّلْهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ بِأَحَدٍ قَطُّ.
فنزلت الآیة و قیل نزلت فی أهل بئر معونة و هم سبعون رجلا من قرّاء أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أمیرهم المنذر بن عمرو بعثهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی بئر معونة فی صفر سنة أربع من الهجرة علی رأس أربعة أشهر من أحد لیعلّموا الناس القرآن و العلم فقتلهم جمیعا عامر بن الطفیل و كان فیهم عامر بن فهیرة مولی أبی بكر فوجد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من ذلك وجدا شدیدا و قنت علیهم شهرا فنزلت و الأصحّ أنها نزلت فی أحد و إنما قال لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ مع أن له صلی اللّٰه علیه و آله أن یدعوهم إلی اللّٰه و یؤدی إلیهم ما أمره بتبلیغه لأن معناه لیس لك شی ء من أمر عقابهم أو استیصالهم أو الدعاء علیهم أو لعنهم حتی یقع (5) إنابتهم أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أی یلطف لهم بما یقع معه توبتهم أو یقبل توبتهم إذا تابوا
ص: 21
أَوْ یُعَذِّبَهُمْ إن لم یتوبوا فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ أی یستحقون العذاب بظلمهم. (1) و قال رحمه اللّٰه فی قوله تعالی وَ لا تَهِنُوا قیل نزلت الآیة تسلیة للمسلمین لما نالهم یوم أحد من القتل و الجراح عن الزهری و قتادة و ابن نجیح (2) و
قِیلَ لَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ فِی الشِّعْبِ وَ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ بِخَیْلِ الْمُشْرِكِینَ یُرِیدُ أَنْ یَعْلُوَ عَلَیْهِمُ الْجَبَلَ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لَا یَعْلُنَّ عَلَیْنَا (3) اللَّهُمَّ لَا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِكَ اللَّهُمَّ لَا یَعْبُدُكَ بِهَذِهِ البَلْدَةِ إِلَّا هَؤُلَاءِ النَّفَرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآیَةَ وَ ثَابَ نَفَرٌ رُمَاةٌ وَ صَعِدُوا الْجَبَلَ وَ رَمَوْا خَیْلَ الْمُشْرِكِینَ حَتَّی هَزَمُوهُمْ وَ عَلَا الْمُسْلِمُونَ الْجَبَلَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
و قیل نزلت الآیة بعد یوم أحد حین أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أصحابه بطلب القوم و قد أصابهم من الجراح ما أصابهم و قال صلی اللّٰه علیه و آله لا یخرج إلا من شهد معنا بالأمس فاشتد ذلك علی المسلمین فأنزل اللّٰه تعالی هذه الآیة عن الكلبی و دلیله قوله تعالی وَ لا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ الآیة.
وَ لا تَهِنُوا أی لا تضعفوا عن قتال عدوكم وَ لا تَحْزَنُوا بما یصیبكم فی أموالكم و أبدانكم و قیل لا تضعفوا بما نالكم من الجراح و لا تحزنوا علی ما نالكم من المصائب بقتل الإخوان أو لا تهنوا لما نالكم من الهزیمة و لا تحزنوا علی ما فاتكم من الغنیمة وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ أی الظافرون المنصورون (4) أو الأعلون فی المكان إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ معناه أن من كان مؤمنا یجب أن لا یهن و لا یحزن لثقته باللّٰه أو إن كنتم مصدقین بوعدی لكم بالنصرة و الظفر علی عدوكم إِنْ یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ أی جراح فقد أصاب القوم جراح مثله عن ابن عباس و قیل إن یصبكم ألم و جراحة یوم أحد فقد أصاب القوم ذلك یوم بدر.
ص: 22
و قال أنس بن مالك أتی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعلی علیه السلام یومئذ و علیه (1) نیّف و ستون جراحة من طعنة و ضربة و رمیة فجعل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یمسحها و هی تلتئم بإذن اللّٰه تعالی كأن لم تكن.
وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ أُحُدٍ صَعِدَ أَبُو سُفْیَانَ الْجَبَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَیْسَ لَهُمْ أَنْ یَعْلُونَا فَمَكَثَ أَبُو سُفْیَانَ سَاعَةً وَ قَالَ یَوماً بِیَوْمٍ إِنَّ (2) الْأَیَّامَ دُوَلٌ وَ إِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ (3) فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله أَجِیبُوهُ فَقَالُوا لَا سَوَاءٌ قَتْلَانَا فِی الْجَنَّةِ وَ قَتْلَاكُمْ فِی النَّارِ فَقَالَ
لَنَا عُزَّی وَ لَا عُزَّی لَكُمْ
فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله:
اللَّهُ مَوْلَانَا وَ لَا مَوْلَی لَكُمْ
فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ اعْلُ هُبَلُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُ أَعْلَی وَ أَجَلُّ.
وَ تِلْكَ الْأَیَّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النَّاسِ أی نصرفها مرّة لفرقة و مرّة علیها و إنما یصرّف اللّٰه سبحانه الأیام بین المسلمین و الكفار بتخفیف المحنة علی المسلمین أحیانا و تشدیدها أحیانا لا بنصرة الكفار علیهم لأن النصرة تدل علی المحبة و اللّٰه لا یُحِبُّ الْكافِرِینَ و إنما جعل اللّٰه الدنیا منقلبة (4) لكیلا یطمئن المسلم إلیها و لتقلّ رغبته فیها (5) إذ تفنی لذاتها و یظعن مقیمها و یسعی للآخرة التی یدوم نعیمها و إنما جعل الدولة مرّة للمؤمنین و مرّة علیهم لیدخل الناس فی الإیمان علی الوجه الذی یجب الدخول فیه لذلك (6) و هو قیام الحجة فإنه
ص: 23
لو كانت الدولة دائما للمؤمنین لكان الناس یدخلون فی الإیمان علی سبیل الیمن و الفأل علی أن كل موضع حضره النبی صلی اللّٰه علیه و آله لم یخل من ظفر إما فی ابتداء الأمر و إما فی انتهائه و إنما لم یستمر ذلك لما بیناه.
وَ لِیَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا تقدیره و تلك الأیام نداولها لوجوه من المصالح و لیعلم الذین آمنوا متمیزین بالإیمان عن غیرهم و علی هذا یكون (1) یعلم بمعنی یعرف لأنه لیس المعنی أنه یعرف الذوات بل المعنی أنه یعلم تمیزها بالإیمان و یجوز أن یكون المعنی لیعلم اللّٰه الذین آمنوا بما یظهر من صبرهم علی جهاد عدوهم أی یعاملهم معاملة من یعرفهم بهذه الحال و قیل معناه و لیعلم أولیاء اللّٰه الذین آمنوا و إنما أضاف إلی نفسه تفخیما وَ یَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ أی لیكرم منكم (2) بالشهادة من قتل یوم أحد أو یتخذ منكم شهداء علی الناس بما یكون منهم من العصیان لما لكم فی ذلك من جلالة القدر وَ لِیُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا أی و لیبتلی اللّٰه الذین آمنوا أو لینجیهم من الذنوب بالابتلاء وَ یَمْحَقَ الْكافِرِینَ أی ینقصهم أو یهلكهم.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ المراد به الإنكار أی أ ظننتم أیها المؤمنون أنكم تدخلون الجنة وَ لَمَّا یَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ یَعْلَمَ الصَّابِرِینَ أی و لما یجاهد المجاهدین منكم فیعلم اللّٰه جهادهم و یصبر الصابرون فیعلم صبرهم علی القتال وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ و ذلك أن قوما ممن فاتهم شهود بدر كانوا یتمنون الموت بالشهادة بعد بدر قبل أحد فلما رأوه یوم أحد أعرض كثیر منهم عنه فانهزموا فعاتبهم اللّٰه علی ذلك مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَیْتُمُوهُ الضمیران راجعان إلی الموت و المراد أسبابه كالحرب و قیل راجعان إلی الجهاد وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ تأكید للرؤیة أو النظر بمعنی التفكر و قیل معناه و أنتم تنظرون إلی محمد صلی اللّٰه علیه و آله و فیه حذف أی فلم انهزمتم.
وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ- قال أهل التفسیر سبب نزول هذه الآیة أنه
ص: 24
لما أرجف بأن النبی صلی اللّٰه علیه و آله قتل یوم أحد و أشیع ذلك قال الناس لو كان نبیا لما قتل و قال آخرون نقاتل علی ما قاتل علیه حتی نلحق به و ارتد بعضهم و انهزم بعضهم و كان سبب انهزامهم و تضعضعهم إخلال الرماة لمكانهم من الشعب و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نهاهم عن الإخلال به و أمر عبد اللّٰه بن جبیر و هو أخو خوات بن جبیر علی الرماة و هم خمسون رجلا و قال لا تبرحوا مكانكم فإنا لن نزال غالبین ما ثبتم بمكانكم و جاءت قریش علی میمنتهم خالد بن الولید و علی میسرتهم عكرمة بن أبی جهل و معهم النساء یضربن بالدفوف و ینشدون الأشعار فقالت هند:
نحن بنات طارق***نمشی علی النمارق
إن تقبلوا نعانق***أو تدبروا نفارق
فراق غیر وامق.
و كان أبو عامر عبد عمرو بن الصیفی أول من لقیهم بالأحابیش و عبید أهل مكة فقاتلهم قتالا شدیدا و حمیت الحرب. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ یَأْخُذُ بِهَذَا السَّیْفِ (1) بِحَقِّهِ وَ یَضْرِبُ بِهِ الْعَبِیدَ (2) حَتَّی یَنْحَنِیَ فَأَخَذَهُ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ الْأَنْصَارِیُّ فَلَمَّا أَخَذَ السَّیْفَ اعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ حَمْرَاءَ وَ جَعَلَ یَفْتَخِرُ (3) وَ یَقُولُ
أَنَا الَّذِی عَاهَدَنِی خَلِیلِی (4)*** أَنْ لَا أُقِیمَ الدَّهْرَ فِی الْكُبُولِ (5)
أَضْرِبُ بِسَیْفِ اللَّهِ وَ الرَّسُولِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهَا لَمِشْیَةٌ یُبْغِضُهَا اللَّهُ تَعَالَی (6) إِلَّا فِی هَذَا الْمَوْضِعِ
ص: 25
ثُمَّ حَمَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَصْحَابُهُ عَلَی الْمُشْرِكِینَ فَهَزَمُوهُمْ وَ قَتَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَصْحَابَ اللِّوَاءِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ نُصْرَتَهُ عَلَی الْمُسْلِمِینَ قال الزبیر فرأیت هندا و صواحبها هاربات مصعدات فی الجبال نادیة خدامهن ما دون أخذهن شی ء فلما نظرت الرماة إلی القوم قد انكشفوا و رأوا النبی صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه ینتهبون الغنیمة أقبلوا یریدون النهب و اختلفوا فقال بعضهم لا نترك أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (1) و قال بعضهم ما بقی من الأمر شی ء ثم انطلقوا عامتهم و ألحقوا (2) بالعسكر فلما رأی خالد بن الولید قلة الرماة و اشتغال المسلمین بالغنیمة و رأی ظهورهم خالیة صاح فی خیله من المشركین و حمل علی أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله من خلفهم فهزموهم و قتلوهم و رمی عبد اللّٰه بن قَمِیئَةَ الحارثی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بحجر فكسر أنفه و رباعیته و شجه فی وجهه فأثقله و تفرق عنه أصحابه و أقبل یرید قتله فذب مصعب بن عمیر و هو صاحب رایة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم بدر و یوم أحد و كان اسم رایته العقاب عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی قتل مصعب بن عمیر قتله ابن قَمِیئَةَ فرجع و هو یری أنه قتل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قال إنی قتلت محمدا و صاح صائح (3) ألا إن محمدا قد قتل و یقال إن الصائح (4) كان إبلیس لعنه اللّٰه فانكفأ الناس (5) و جعل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یدعو الناس و یقول إلی عباد اللّٰه إلی عباد اللّٰه فاجتمع إلیه ثلاثون رجلا فحموه حتی كشفوا عنه المشركین و رمی سعد بن أبی وقاص حتی اندقت سیة (6) قوسه و أصیبت ید طلحة بن عبید اللّٰه فیبست و أصیبت عین قَتَادَةَ بن النعمان یومئذ حتی وقعت علی وجنته فردها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مكانها فعادت كأحسن ما كانت فلما
ص: 26
انصرف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أدركه أبی بن خلف الجمحی و هو یقول لا نجوت إن نجوت فقال القوم یا رسول اللّٰه ألا یعطف علیه رجل منا فقال دعوه حتی إذا دنا منه و كان أبی قبل ذلك یلقی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فیقول عندی رمكة أعلفها كل یوم فرق ذرة أقتلك علیها فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بل أنا أقتلك إن شاء اللّٰه تعالی فلما كان یوم أحد و دنا منه تناول رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الحربة من الحرث بن الصمة ثم استقبله فطعنه فی عنقه فخدش خدشة فتدهدأ (1) عن فرسه و هو یخور خوار الثور و هو یقول قتلنی محمد فاحتمله أصحابه و قالوا لیس علیك بأس فقال بلی لو كانت هذه الطعنة بربیعة و مضر لقتلتهم (2) أ لیس قال لی أقتلك فلو بزق علی بعد تلك المقالة لقتلنی فلم یلبث إلا یوما حتی مات قال و فشا فی الناس أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قد قتل فقال بعض المسلمین لیت لنا رسولا إلی عبد اللّٰه بن أبی فیأخذ لنا أمانا من أبی سفیان و بعضهم جلسوا و ألقوا بأیدیهم و قال أناس من أهل النفاق فالحقوا بدینكم الأول و قال أنس بن النضر عم أنس بن مالك یا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم یقتل و ما تصنعون بالحیاة بعد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقاتلوا علی ما قاتل علیه رسول اللّٰه و موتوا علی ما مات علیه ثم قال اللّٰهم إنی أعتذر إلیك مما یقوله هؤلاء یعنی المنافقین (3) و أبرأ إلیك مما جاء به هؤلاء یعنی المنافقین ثم شد بسیفه فقاتل حتی قتل ثم إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله انطلق إلی الصخرة و هو یدعو الناس فأول من عرف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كعب بن مالك قال عرفت عینیه تحت المغفر تزهران فنادیت بأعلی صوتی یا معاشر المسلمین هذا رسول اللّٰه (4) فأشار إلی أن اسكت فانحازت إلیه طائفة من أصحابه فلامهم النبی صلی اللّٰه علیه و آله علی الفرار فقالوا یا رسول اللّٰه فدیناك بآبائنا و أمهاتنا أتانا الخبر أنك قتلت (5) فرعبت
ص: 27
قلوبنا فولینا مدبرین فأنزل اللّٰه تعالی هذه الآیة وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.
یعنی أنه بشر اختاره اللّٰه لرسالته و قد مضت (1) قبله رسل بعثوا فأدوا الرسالة و مضوا و ماتوا و قتل بعضهم و أنه یموت كما ماتت الرسل فلیس الموت بمستحیل علیه و لا القتل و قیل أراد أن أصحاب الأنبیاء لم یرتدوا عند موتهم أو قتلهم فاقتدوا بهم أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ فسمی الارتداد انقلابا علی العقب و هو الرجوع القهقری وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ أی من یرتدد عن دینه فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً بل مضرته عائدة علیه وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاكِرِینَ أی المطیعین. (2) قوله تعالی وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ قال البیضاوی أی بمشیة اللّٰه أو بإذنه لملك الموت (3) و المعنی أن لكل نفس أجلا مسمی فی علمه تعالی و قضائه لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً (4) وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ بالإحجام عن القتال و الإقدام علیه كِتاباً مصدر مؤكد أی كتب الموت كتابا مُؤَجَّلًا صفة له أی موقتا لا یتقدم و لا یتأخر وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها تعریض بمن شغلتهم الغنائم یوم أحد وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها أی من ثوابها وَ سَنَجْزِی الشَّاكِرِینَ الذین شكروا نعمة اللّٰه فلم یشغلهم شی ء من الجهاد وَ كَأَیِّنْ أصله أی دخلت الكاف علیها و صارت بمعنی كم و النون تنوین أثبت فی الخط علی غیر قیاس مِنْ نَبِیٍّ بیان له قاتَلَ (5) مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ ربانیون علماء أتقیاء أو عابدون لربهم و قیل جماعات و الربی منسوب إلی الربة و هی الجماعة للمبالغة فَما
ص: 28
وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فما فتروا و لم ینكسر جدهم (1) لما أصابهم من قتل النبی أو بعضهم وَ ما ضَعُفُوا عن العدو أو فی الدین وَ مَا اسْتَكانُوا و ما خضعوا للعدو وَ اللَّهُ یُحِبُّ الصَّابِرِینَ فینصرهم و یعظم أمرهم. (2)
قوله تعالی إِنْ تُطِیعُوا الَّذِینَ كَفَرُوا قال الطبرسی رحمه اللّٰه قیل نزلت فی المنافقین إذ قالوا للمؤمنین یوم أحد عند الهزیمة ارجعوا إلی إخوانكم و ارجعوا إلی دینهم- عن علی علیه السلام.
و قیل هم الیهود و النصاری و المعنی إن أصغیتم إلی قول الیهود و المنافقین أن محمدا صلی اللّٰه علیه و آله قتل فارجعوا إلی عشائركم یَرُدُّوكُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ أی یرجعوكم كفارا كما كنتم فَتَنْقَلِبُوا أی ترجعوا خاسِرِینَ لأنفسكم بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ أی هو أولی بأن تطیعوه و هو أولی بنصرتكم وَ هُوَ خَیْرُ النَّاصِرِینَ أی إن اعتد بنصر غیره فهو خیر ناصر سَنُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ كَفَرُوا قال السدی لما ارتحل أبو سفیان و المشركون یوم أحد متوجهین إلی مكة قالوا بئسما صنعنا قتلناهم حتی إذا لم یبق منهم إلا الشرید تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا علی ذلك ألقی اللّٰه فی قلوبهم الرعب حتی رجعوا عما هموا به فنزلت الآیة الرُّعْبَ أی الخوف بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ أی بشركهم به ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً أی برهانا و حجة وَ مَأْواهُمُ أی مستقرهم النَّارُ یعذبون بها وَ بِئْسَ مَثْوَی الظَّالِمِینَ أی النار و روی أن الكفار دخلوا مكة كالمنهزمین مخافة أن یكون لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الكرة علیهم و قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نصرت بالرعب مسیرة شهر. وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ أی وفی لكم بما وعدكم من النصر علی عدوكم فی قوله بَلی إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا الآیة و ذكر ابن عباس و غیره أن الوعد كان یوم أحد لأن المسلمین كانوا یقتلون المشركین حتی أخل الرماة لمكانهم الذی أمرهم الرسول بالقیام عنده فأتاهم خالد بن الولید من ورائهم و قتل عبد اللّٰه بن جبیر
ص: 29
و من معه و تراجع المشركون و قتل من المسلمین سبعون رجلا و نادی مناد قتل محمد ثم من اللّٰه علی المسلمین فرجعوا و فی ذلك نزلت الآیة
فَالْوَعْدُ قَوْلُ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله لِلرُّمَاةِ لَا تَبْرَحُوا هَذَا الْمَكَانَ فَإِنَّا لَا نَزَالُ غَالِبِینَ مَا ثَبَتُّمْ فِی مَكَانِكُمْ.
إِذْ تَحُسُّونَهُمْ أی تقتلونهم بِإِذْنِهِ أی بعلمه أو بلطفه حَتَّی إِذا فَشِلْتُمْ أی جبنتم عن عدوكم وَ تَنازَعْتُمْ فِی الْأَمْرِ أی اختلفتم وَ عَصَیْتُمْ أمر نبیكم فی حفظ المكان مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ من النصرة علی الكفار و هزیمتهم و الغنیمة و أكثر المفسرین علی أن المراد بالجمیع یوم أحد و قال الجبائی إذ تحسونهم یوم بدر حتی إذا فشلتم یوم أحد و الأول أولی و جواب إذا محذوف و تقدیره حتی إذا فعلتم ذلك ابتلاكم و امتحنكم و رفع النصرة عنكم مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الدُّنْیا یعنی الغنیمة و هم الذین أخلوا المكان الذی رتبهم النبی صلی اللّٰه علیه و آله فیه وَ مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الْآخِرَةَ أراد عبد اللّٰه بن جبیر و من ثبت مكانه ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ فیه وجوه أحدها أنهم كانوا فریقین منهم من عصی بانصرافه و منهم من لم یعص لأنهم قلوا بعد انهزام تلك الفرقة فانهزموا (1) بإذن اللّٰه لئلا یقتلوا لأن اللّٰه أوجب ثبات المائة للمائتین فإذا نقصوا لا یجب علیهم ذلك فجاز أن یذكر اللّٰه الفریقین بأنه صرفهم و عفا عنهم یعنی صرف بعضهم و عفا عن بعض عن الجبائی.
و ثانیها أن معناه رفع النصر عنكم و وكلكم إلی أنفسكم بخلافكم للنبی صلی اللّٰه علیه و آله فانهزمتم عن جعفر بن حرب. (2) و ثالثها أن معناه لم یأمركم بمعاودتهم من فورهم لِیَبْتَلِیَكُمْ بالمظاهرة فی الإنعام علیكم و التخفیف عنكم عن البلخی لِیَبْتَلِیَكُمْ أی یعاملكم معاملة المختبر وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ أی صفح عنكم بعد أن خالفتم أمر الرسول و قیل عفا عنكم تتبعهم بعد أن أمركم بالتتبع لهم عن البلخی قال لما بلغوا حمراء الأسد عفا عنهم
ص: 30
من ذلك وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أی ذو نعمة و من علیهم بنعم الدنیا و الدین
و روی الواقدی (1) عن سهل بن سعد الساعدی قال خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد و كسرت رباعیته و هشمت البیضة علی رأسه و كانت فاطمة بنته علیها السلام تغسل عنه الدم و علی بن أبی طالب علیه السلام یسكب علیها بالمجن فلما رأت فاطمة علیها السلام أن الماء لا یزید الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصیر فأحرقته حتی إذا صار رمادا ألزمته الجرح فاستمسك الدم.
إِذْ تُصْعِدُونَ قال البیضاوی متعلق بصرفكم أو لیبتلیكم أو بمقدر كاذكر و الإصعاد الذهاب و الإبعاد فی الأرض وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ لا یقف أحد لأحد و لا ینتظره وَ الرَّسُولُ یَدْعُوكُمْ
كَانَ یَقُولُ إِلَیَّ عِبَادَ اللَّهِ إِلَیَّ عِبَادَ اللَّهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَنْ یَكُرُّ فَلَهُ الْجَنَّةُ.
فِی أُخْراكُمْ فی ساقتكم و جماعتكم الآخرین فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَیْلا تَحْزَنُوا عَلی ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ عطف علی صرفكم و المعنی فجازاكم اللّٰه علی فشلكم و عصیانكم غما متصلا بغم من الاغتمام بالقتل و الجرح و ظفر المشركین و الإرجاف بقتل الرسول صلی اللّٰه علیه و آله أو فجازاكم غما بسبب غم أذقتموه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعصیانكم له لتتمرنوا علی الصبر فی الشدائد فلا تحزنوا فیما بعد علی نفع فائت و لا ضر لاحق و قیل لا مزیدة و المعنی لتأسفوا علی ما فاتكم من الظفر و الغنیمة و علی ما أصابكم من الجرح و الهزیمة عقوبة لكم و قیل الضمیر فی فَأَثابَكُمْ للرسول صلی اللّٰه علیه و آله أی واساكم فی الاغتمام فاغتم بما نزل علیكم كما اغتممتم بما نزل علیه و لم یثربكم (2) علی عصیانكم تسلیة لكم لِكَیْلا تَحْزَنُوا عَلی ما فاتَكُمْ من النصر وَ لا علی ما أَصابَكُمْ من الهزیمة وَ اللَّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ عالم بأعمالكم و بما قصدتم بها ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً أنزل اللّٰه علیكم الأمن حتی أخذكم النعاس و عن أبی طلحة غشینا النعاس فی المصاف حتی كان
ص: 31
السیف یسقط من ید أحدنا فیأخذه ثم یسقط فیأخذه و الأمنة الأمن نصب علی المفعول و نعاسا بدل منها أو هو المفعول و أمنة حال منه متقدمة أو مفعول له أو حال من المخاطبین بمعنی ذوی أمنة أو علی أنه جمع آمن یَغْشی طائِفَةً مِنْكُمْ أی النعاس. (1) قال الطبرسی رحمه اللّٰه و كان السبب فی ذلك توعد المشركین لهم بالرجوع إلی القتال فقعد المسلمون تحت الحجف (2) متهیئین للحرب فأنزل اللّٰه الأمنة علی المؤمنین فناموا دون المنافقین الذین أزعجهم الخوف بأن یرجع الكفار علیهم أو یغیروا علی المدینة لسوء الظن فطیر عنهم النوم. (3) و قال البیضاوی وَ طائِفَةٌ هم المنافقون قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أوقعتهم أنفسهم فی الهموم أو ما یهمهم إلا هم أنفسهم و طلب خلاصها یَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَیْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِیَّةِ صفة أخری لطائفة أو حال أو استئناف علی وجه البیان لما قبله و غَیْرَ الْحَقِّ نصب علی المصدر أی یظنون باللّٰه غیر ظن الحق الذی یحق أن یظن به و ظَنَّ الْجاهِلِیَّةِ بدله و هو الظن المختص بالملة الجاهلیة و أهلها یَقُولُونَ أی لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو بدل یظنون هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْ ءٍ هل لنا مما أمر اللّٰه و وعد من النصر و الظفر نصیب قط و قیل أخبر ابن أبی بقتل بنی الخزرج فقال ذلك و المعنی أنا منعنا تدبیر أنفسنا و تصریفها باختیارنا فلم یبق لنا من الأمر شی ء أو هل یزول عنا هذا القهر فیكون لنا من الأمر شی ء قل إن الأمر كله لله أی الغلبة الحقیقیة لله و لأولیائه فإن حزب اللّٰه هم الغالبون أو القضاء له (4) یفعل ما یشاء و یحكم ما یرید و هو اعتراض یُخْفُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ ما لا یُبْدُونَ لَكَ حال من ضمیر یقولون أی یقولون مظهرین أنهم مسترشدون طالبون للنصر
ص: 32
مبطنین الإنكار و التكذیب یَقُولُونَ فی أنفسهم أو إذا خلا بعضهم إلی بعض و هو بدل من یخفون أو استئناف علی وجه البیان له لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ كما وعد محمد صلی اللّٰه علیه و آله و زعم (1) أن الأمر كله لله و لأولیائه أو لو كان لنا اختیار و تدبیر لم نبرح كما كان رأی ابن أبی و غیره ما قُتِلْنا هاهُنا ما غلبنا و لما قتل من قتل منا فی هذه المعركة قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِی بُیُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ أی لخرج الذین قدر اللّٰه علیهم القتل و كتب فی اللوح المحفوظ إلی مصارعهم و لم تنفع الإقامة (2) بالمدینة و لم ینج منه أحد وَ لِیَبْتَلِیَ اللَّهُ ما فِی صُدُورِكُمْ لیمتحن ما فی صدوركم و یظهر سرائرها من الإخلاص و النفاق و هو علة فعل محذوف أی و فعل ذلك لیبتلی أو عطف علی محذوف أی لبرز لنفاذ القضاء أو لمصالح جمة و لابتلاء (3) أو علی قوله لِكَیْلا تَحْزَنُوا وَ لِیُمَحِّصَ ما فِی قُلُوبِكُمْ و لیكشفه و یمیزه أو یخلصه من الوساوس وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بخفیاتها قبل إظهارها و فیه وعد و وعید و تنبیه علی أنه غنی عن الابتلاء و إنما فعل ذلك لتمرین المؤمنین (4) و إظهار حال المنافقین إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا یعنی أن الذین انهزموا یوم أحد إنما كان السبب فی انهزامهم أن الشیطان طلب منهم الزلل فأطاعوه و اقترفوا ذنوبا (5) بترك المركز و الحرص علی الغنیمة أو الحیاة فمنعوا التأیید و قوة القلب لمخالفة النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قیل استزلال الشیطان تولیهم و ذلك بسبب ذنوب تقدمت لهم فإن المعاصی یجر بعضها بعضا كالطاعة و قیل استزلهم بذكر ذنوب سلفت منهم و كرهوا (6) القتل قبل إخلاص التوبة و الخروج
ص: 33
من المظلمة وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ لتوبتهم و اعتذارهم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للذنوب حَلِیمٌ لا یعاجل بعقوبة المذنب كی یتوب یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ كَفَرُوا یعنی المنافقین وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ لأجلهم و فیهم و معنی إخوتهم اتفاقهم فی النسب أو فی المذهب إِذا ضَرَبُوا فِی الْأَرْضِ إذا سافروا فیها و أبعدوا للتجارة أو غیرها أَوْ كانُوا غُزًّی جمع غاز لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا مفعول قالوا لِیَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِی قُلُوبِهِمْ متعلق بقالوا علی أن اللام لام العاقبة أو بلا تكونوا أی لا تكونوا مثلهم فی النطق بذلك القول و الاعتقاد لیجعله حسرة فی قلوبهم خاصة فذلك إشارة إلی ما دل علیه قولهم من الاعتقاد و قیل إلی ما دل علیه النهی أی لا تكونوا مثلهم لیجعل اللّٰه انتفاء كونكم مثلهم حسرة فی قلوبهم فإن مخالفتهم و مضادتهم مما یغمهم وَ اللَّهُ یُحْیِی وَ یُمِیتُ رد لقولهم أی هو المؤثر فی الحیاة و الممات لا الإقامة و السفر فإنه تعالی قد یحیی المسافر و الغازی و یمیت المقیم و القاعد وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ تهدید للمؤمنین علی أن یماثلوهم وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ أی فی سبیله لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ جواب القسم و هو ساد مسد الجزاء و المعنی أن السفر و الغزو لیس مما یجلب الموت و تقدم الأجل و إن وقع ذلك فی سبیل اللّٰه فما ینالون (1) من المغفرة و الرحمة بالموت خیر مما یجمعون من الدنیا و منافعها لو لم یموتوا (2) وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ علی أی وجه اتفق هلاككم لَإِلَی اللَّهِ تُحْشَرُونَ لإلی معبودكم الذی توجهتم إلیه و بذلتم مهجتكم لوجهه لا إلی غیره لا محالة تحشرون فیوفی أجوركم و یعظم ثوابكم فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ما مزیدة للتأكید و الدلیل علی أن لینه لهم ما كان إلا برحمة من اللّٰه و هو ربطه علی جأشه و توفیقه للرفق بهم حین اغتم لهم بعد أن خالفوه وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا سیئ الخلق جافیا غَلِیظَ الْقَلْبِ قاسیه لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ لتفرقوا عنك و لم یسكنوا إلیك فَاعْفُ عَنْهُمْ فیما یختص بك وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ
ص: 34
فیما لله وَ شاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ أی فی أمر الحرب إذ الكلام فیه أو فیما یصح أن یشاور فیه استظهارا برأیهم و تطییبا لنفوسهم و تمهیدا سنة المشاورة (1) للأمة فَإِذا عَزَمْتَ فإذا وطنت نفسك علی شی ء بعد الشوری. (2) و قال الطبرسی رحمه اللّٰه و رووا عن جعفر بن محمد علیهما السلام و عن جابر بن یزید فَإِذَا عُزِمْتَ بالضم فعلی هذا یكون معناه فإذا عزمت لك و وفقتك و أرشدتك فَتَوَكَّلْ عَلَی اللَّهِ (3) قال البیضاوی فی إمضاء أمرك علی ما هو أصلح لك فإنه لا یعلمه سواه (4) إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِینَ فینصرهم و یهدیهم إلی الصلاح إِنْ یَنْصُرْكُمُ اللَّهُ كما نصركم یوم بدر فَلا غالِبَ لَكُمْ فلا یغلبكم أحد (5) وَ إِنْ یَخْذُلْكُمْ كما خذلكم یوم أحد فَمَنْ ذَا الَّذِی یَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ من بعد خذلانه أو من بعد اللّٰه وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فلیخصوه بالتوكل علیه لما علموا أن لا ناصر سواه و آمنوا به. (6) وَ ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَغُلَّ قال الطبرسی روی عن ابن عباس و ابن جبیر أنها نزلت فی قطیفة حمراء فقدت یوم بدر من المغنم فقال بعضهم لعل النبی صلی اللّٰه علیه و آله أخذها.
و فی روایة الضحاك قال إن رجلا غل بمخیط أی بإبرة من غنائم هوازن یوم حنین فنزلت الآیة.
و
عَنْ مُقَاتِلٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِی غَنَائِمِ أُحُدٍ حِینَ تَرَكَتِ الرُّمَاةُ الْمَرْكَزَ طَلَباً لِلْغَنِیمَةِ
ص: 35
وَ قَالُوا نَخْشَی أَنْ یَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ أَخَذَ شَیْئاً فَهُوَ لَهُ وَ لَا یَقْسِمَ كَمَا لَمْ یَقْسِمْ یَوْمَ بَدْرٍ وَ وَقَعُوا فِی الْغَنَائِمِ فَقَالَ (1) صلی اللّٰه علیه و آله أَ ظَنَنْتُمْ أَنَّا نَغُلُّ وَ لَا نَقْسِمُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآیَةَ وَ قِیلَ إِنَّهُ قَسَمَ الْغَنِیمَةَ وَ لَمْ یَقْسِمْ لِلطَّلَائِعِ فَلَمَّا قَدِمَتِ الطَّلَائِعُ قَالُوا أَ قَسَمَ الْفَیْ ءَ وَ لَمْ یَقْسِمْ لَنَا فَعَرَّفَهُ اللَّهُ الْحُكْمَ فِیهِ وَ نَزَلَتِ الْآیَةُ وَ قِیلَ نَزَلَتْ فِی أَدَاءِ الْوَحْیِ كَانَ صلی اللّٰه علیه و آله (2) یَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَ فِیهِ عَیْبُ دِینِهِمْ وَ سَبُّ آلِهَتِهِمْ فَسَأَلُوهُ أَنْ یَطْوِیَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَنَزَلَتْ. (3).
و قال البیضاوی أی و ما صحّ لنبیّ أن یخون فی الغنائم فإن النبوّة تنافی الخیانة وَ مَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ یأت بالذی غلّه یحمله علی عنقه كما جاء فی الحدیث أو بما احتمل من وباله و إثمه ثُمَّ تُوَفَّی كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ یعطی (4) جزاء ما كسبت وافیا وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ فلا ینقص ثواب مطیعهم و لا یزاد فی عقاب عاصیهم. (5) أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها قال الطبرسی أی حین أصابكم القتل و الجرح و ذلك ما أصاب المسلمین یوم أحد فإنه قتل منهم سبعون رجلا و كانوا أصابوا من المشركین یوم بدر مثلیها فإنهم كانوا قتلوا من المشركین سبعین رجلا و أسروا سبعین و قیل قتلتم منهم ببدر سبعین و بأحد سبعین و هذا ضعیف فإنه لا خلاف بینهم أنه قتل منهم بأحد نفر یسیر قُلْتُمْ أَنَّی هذا أی من أی وجه أصابنا هذا و نحن مسلمون و فینا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و ینزل علیه الوحی و هم مشركون و قیل إنهم إنما استنكروا ذلك لأنه وعدهم بالنصر من اللّٰه إن أطاعوه قُلْ هُوَ مِنْ
ص: 36
عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ أی ما أصابكم من الهزیمة و القتل من عند أنفسكم بخلافكم أمر ربكم و ترككم طاعة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و فیه أقوال أحدها أن ذلك مخالفتهم الرسول صلی اللّٰه علیه و آله فی الخروج من المدینة للقتال یوم أحد و كان النبی صلی اللّٰه علیه و آله دعاهم أن یتحصنوا بها و یدعو المشركین إلی أن یقصدوهم فیها فقالوا كنا نمتنع من ذلك فی الجاهلیة و نحن الآن فی الإسلام و أنت یا رسول اللّٰه بیننا أحق بالامتناع و أعز.
و ثانیها
أَنَّ ذَلِكَ بِاخْتِیَارِهِمُ الْفِدَاءَ مِنَ الْأَسْرَی یَوْمَ بَدْرٍ وَ كَانَ الْحُكْمُ فِیهِمُ الْقَتْلَ وَ شَرَطَ عَلَیْهِمْ إِنْ قَبِلْتُمُ الْفِدَاءَ قُتِلَ مِنْكُمْ فِی الْقَابِلِ بِعِدَّتِهِمْ قَالُوا رَضِینَا فَإِنَّا نَأْخُذُ الْفِدَاءَ فَنَنْتَفِعُ بِهِ وَ إِذَا قُتِلَ مِنَّا فِیمَا بَعْدُ كُنَّا شُهَدَاءَ- عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ عَبِیدَةَ السَّلْمَانِیِّ وَ هُوَ الْمَرْوِیُّ عَنِ الْبَاقِرِ عَلَیْهِ السَّلَامُ.
و ثالثها أن ذلك بخلاف الرماة یوم أحد لما أمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله به من ملازمة مراكزهم.
إِنَّ اللَّهَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ أی فهو قادر علی نصركم فیما بعد و إن لم ینصركم فی الحال لمخالفتكم وَ ما أَصابَكُمْ أیها المؤمنون یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ جمع المسلمین و جمع المشركین یوم أحد بقتل من قتل منكم (1) فَبِإِذْنِ اللَّهِ أی بعلم اللّٰه و قیل بتخلیة اللّٰه بینكم و بینهم التی تقوم مقام الإطلاق فی الفعل برفع الموانع و التمكین من الفعل الذی یصح معه التكلیف و قیل بعقوبة اللّٰه لتركهم أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وَ لِیَعْلَمَ الْمُؤْمِنِینَ وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ نافَقُوا أی و لیمیز المؤمنین من المنافقین وَ قِیلَ لَهُمْ أی للمنافقین تَعالَوْا قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ قالوا إن عبد اللّٰه بن أبی و المنافقین معه من أصحابه انخذلوا یوم أحد بنحو (2) من ثلاثمائة رجل و قالوا علام نقتل أنفسنا و قال لهم عبد اللّٰه بن عمرو بن حرام (3) الأنصاری تعالوا قاتلوا فی سبیل اللّٰه و اتقوا اللّٰه و لا تخذلوا نبیكم أَوِ ادْفَعُوا عن حریمكم
ص: 37
و أنفسكم إن لم تقاتلوا فی سبیل اللّٰه و قیل معناه أقیموا معنا و كثروا سوادنا قالُوا أی المنافقون. (1) لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ قال البیضاوی أی لو نعلم مما یصلح أن یسمی (2) قتالا لاتبعناكم فیه لكن ما أنتم علیه لیس بقتال بل إلقاء بالأنفس إلی التهلكة أو لو نحسن قتالا لاتبعناكم و إنما قالوا ذلك دغلا و استهزاء هُمْ لِلْكُفْرِ یَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِیمانِ لانخزالهم (3) و كلامهم هذا فإنهما أول أمارة ظهرت منهم مؤذنة بكفرهم و قیل هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإیمان یَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ یظهرون خلاف ما یضمرون لا تواطئ قلوبهم ألسنتهم بالإیمان وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یَكْتُمُونَ من النفاق و بما یخلو به بعضهم إلی بعض الَّذِینَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ أی لأجلهم یرید من قتل یوم أحد من أقاربهم أو من جنسهم وَ قَعَدُوا مقدرا بقدر (4) أی قالوا قاعدین عن القتال لَوْ أَطاعُونا فی القعود ما قُتِلُوا كما لم نقتل قُلْ فَادْرَؤُا الآیة أی إن كنتم صادقین أنكم تقدرون علی دفع القتل عمن كتب علیه فادفعوا عن أنفسكم الموت و أسبابه فإنه أحری بكم و المعنی أن القعود غیر مغن (5) فإن أسباب الموت كثیرة و كما أن القتال یكون سببا للهلاك و القعود (6) سببا للنجاة قد یكون الأمر بالعكس. (7) وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا قال الطبرسی قیل نزلت فی شهداء بدر و قیل فی شهداء أحد و كانوا سبعین أربعة من المهاجرین حمزة و مصعب بن عمیر
ص: 38
و عثمان بن شماس و عبد اللّٰه بن جحش و سائرهم من الأنصار و قال الباقر علیه السلام و كثیر من المفسرین إنها تتناول قتلی بدر و أحد معا و قیل نزلت فی شهداء بئر معونة الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ قال رحمه اللّٰه لما انصرف أبو سفیان و أصحابه من غزاة أحد فبلغوا الروحاء ندموا علی انصرافهم عن المسلمین و تلاوموا قالوا (1) لا محمدا قتلتم و لا الكواعب أردفتم (2) قتلتموهم حتی إذا لم یبق إلا الشرید تركتموهم ارجعوا (3) فاستأصلوهم فبلغ ذلك الخبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأراد أن یرهب العدو و یریهم من نفسه و أصحابه قوة فندب أصحابه للخروج فی طلب أبی سفیان و قال ألا عصابة تشدد (4) لأمر اللّٰه تطلب عدوها فإنها إنكاء للعدو و أبعد للسمع فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من القرح و الجرح الذی أصابهم یوم أحد و نادی منادی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ألا لا یخرجن معنا أحد إلا من حضر یومنا (5) بالأمس و إنما خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لیرهب العدو و لیبلغهم أنه خرج فی طلبهم فیظنوا به قوة و أن الذی أصابهم لم یوهنهم عن عدوهم فینصرفوا فخرج فی سبعین رجلا حتی بلغ حمراء الأسد و هو من المدینة علی ثمانیة أمیال.
و روی محمد بن إسحاق بن یسار عن عبد اللّٰه بن خارجة (6) عن زید بن ثابت عن أبی السائب أن رجلا من أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله من بنی عبد الأشهل كان شهد أحدا قال شهدت أحدا أنا و أخ لی فرجعنا جریحین فلما أذن مؤذن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالخروج فی طلب العدو قلنا لا تفوتنا (7) غزوة مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 39
و اللّٰه ما لنا دابة نركبها و ما منا إلا جریح ثقیل فخرجنا مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و كنت أیسر جرحا من أخی فكنت إذا غلب حملته عقبة و مشی عقبة حتی بلغنا مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حمراء الأسد (1) فمر برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله معبد الخزاعی بحمراء الأسد و كانت خزاعة مسلمهم و كافرهم عینة (2) رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بتهامة صفقتهم معه لا یخفون عنه شیئا و معبد یومئذ مشرك فقال و اللّٰه یا محمد لقد عز علینا مصابك فی قومك و أصحابك و لوددنا أن اللّٰه كان أعفاك (3) فیهم ثم خرج من عند رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی لقی أبا سفیان و من معه بالروحاء و أجمعوا الرجعة إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قالوا قد أصبنا جل (4) أصحابه و قادتهم و أشرافهم ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم (5) فلما رأی أبو سفیان معبدا قال ما وراءك یا معبد قال محمد قد خرج فی أصحابه یطلبكم فی جمع لم أر مثله قط یتحرقون علیكم تحرقا و قد اجتمع علیه من كان تخلف عنه فی یومكم و ندموا علی ضیعتهم (6) و فیهم من الحنق (7) علیكم ما لم أر مثله قط قال ویلك ما تقول فقال و اللّٰه ما أراك ترتحل حتی تری نواصی الخیل قال فو اللّٰه لقد أجمعنا الكرة علیهم لنستأصلهم قال فو اللّٰه إنی لأنهاك عن ذلك فو اللّٰه لقد حملنی ما رأیت علی أن قلت أبیاتا فیه من شعر قال و ما قلت قال قلت
كادت تهد من الأصوات راحلتی***إذ سالت الأرض بالجرد الأبابیل
ص: 40
تردی (1) بأسد كرام لا تنابلة***عند اللقاء و لا خرق معاذیل(2)
فظلت عدوا أظن الأرض مائلة***لما سموا برئیس غیر مخذول
و قلت وی (3) لابن حرب من لقائكم***إذا تغطمطت البطحاء بالحیل
إنی نذیر لأهل السیر (4) ضاحیة***لكل ذی إربة منهم و معقول
من جیش أحمد لا وخش (5) تنابلة***و لیس یوصف ما أثبت بالقیل
قال فثنی ذلك أبا سفیان و من معه و مر به ركب من عبد القیس فقال أین تریدون قالوا نرید المدینة نرید المیرة فقال فهل أنتم مبلغون عنی محمدا رسالة أرسلكم بها إلیه و أحمل لكم إبلكم هذه زبیبا بعكاظ (6) غدا إذا وافیتمونا قالوا نعم قال إذا جئتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا الكرة إلیه و إلی أصحابه (7) لنستأصل بقیتهم و انصرف أبو سفیان و مر الركب برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو بحمراء الأسد فأخبروه بقول أبی سفیان فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ ثم انصرف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعد الثالثة إلی المدینة و قد ظفر فی وجهه
ص: 41
ذلك بمعاویة بن المغیرة بن العاص (1) و أبی غرة الجمحی (2).
هذا قول أكثر المفسرین
و قال مجاهد و عكرمة نزلت هذه الآیات فی غزاة بدر الصغری و ذلك أن أبا سفیان قال یوم أحد حین أراد أن ینصرف یا محمد موعدنا بیننا و بینك موسم بدر الصغری لقابل إن شئت (3) فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ذلك بیننا و بینك فلما كان العام المقبل خرج أبو سفیان فی أهل مكة حتی نزل مجنة من ناحیة من مر الظهران (4) ثم ألقی اللّٰه علیه الرعب فبدا له فی الرجوع فلقی نعیم بن مسعود الأشجعی و قد قدم معتمرا فقال له أبو سفیان إنی واعدت محمدا و أصحابه أن نلتقی بموسم بدر الصغری و إن هذه عام جدب فلا یصلح لنا إلا عام نرعی فیه الشجر و نشرب فیه اللبن و قد بدا لی أن لا أخرج إلیها و أكره أن یخرج محمد و لا أخرج أنا فیزیدهم ذلك جرأة فالحق بالمدینة فثبطهم و لك عندی عشرة من الإبل أضعها علی یدی سهیل بن عمرو فأتی نعیم المدینة فوجد الناس یتجهزون لمیعاد أبی سفیان فقال لهم بئس الرأی رأیتم أتوكم فی دیاركم و قراركم فلم یفلت منكم إلا شرید فتریدون أن تخرجوا و قد جمعوا لكم عند الموسم فو اللّٰه لا یفلت منكم أحد فكره أصحاب رسول اللّٰه الخروج فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و الذی نفسی بیده لأخرجن و لو وحدی فأما الجبان فإنه رجع و أما الشجاع فإنه تأهب للقتال و قال حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ فخرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی أصحابه حتی وافوا بدر الصغری و هو ماء لبنی كنانة و كان (5) موضع سوق لهم فی الجاهلیة یجتمعون إلیها فی كل عام ثمانیة أیام فأقام ببدر ینتظر أبا سفیان
ص: 42
و قد انصرف أبو سفیان من مجنة إلی مكة فسماهم أهل مكة جیش السویق و قالوا إنما خرجتم تشربون السویق و لم یلق رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه أحد من المشركین ببدر و وافقوا السوق و كانت لهم تجارات فباعوها و أصابوا الدرهم (1) درهمین و انصرفوا إلی المدینة سالمین غانمین- و قد روی ذلك أبو الجارود عن الباقر علیه السلام.
المعنی. (2) الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ أی أطاعوا اللّٰه فی أوامره و أطاعوا رسوله مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ أی نالهم الجراح یوم أحد لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ بطاعة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و إجابته إلی الغزو وَ اتَّقَوْا معاصی اللّٰه لهم أَجْرٌ عَظِیمٌ أی ثواب جزیل الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ فی المعنی بالناس الأول ثلاثة أقوال أحدها أنهم الركب الذین دسهم أبو سفیان إلی المسلمین لیجبنوهم عند منصرفهم من أحد لما أرادوا الرجوع إلیهم عن ابن عباس و ابن إسحاق و قد مضت قصتهم.
و الثانی أنه نعیم بن مسعود الأشجعی و هو قول أبی جعفر و أبی عبد اللّٰه علیهما السلام.
و الثالث أنهم المنافقون عن السدی.
إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ المعنی به أبو سفیان و أصحابه عند أكثر المفسرین أی جمعوا جموعا كثیرة لكم و قیل جمعوا الآلات و الرحال و إنما عبر بلفظ الواحد عن الجمع فی قوله قالَ لَهُمُ النَّاسُ لأمرین أحدهما أنه قد جاءهم من جهة الناس فأقیم كلامه مقام كلامهم و سمی باسمهم.
و الآخر أنه لتفخیم الشأن فَاخْشَوْهُمْ أی فخافوهم ثم بین سبحانه أن ذلك القول زادهم إیمانا و ثباتا علی دینهم و إقامة علی نصر نبیهم بأن قال
ص: 43
فَزادَهُمْ إِیماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ أی كافینا اللّٰه (1) و ولینا و حفیظنا و المتولی لأمرنا وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ أی نعم الكافی و المعتمد و الملجأ الذی یوكل إلیه الأمور فَانْقَلَبُوا أی فرجع النبی صلی اللّٰه علیه و آله و من معه من أصحابه بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ أی بعافیة من السوء و تجارة رابحة لَمْ یَمْسَسْهُمْ سُوءٌ أی قتل عن السدی و مجاهد و قیل النعمة هاهنا الثبوت علی الإیمان فی طاعة اللّٰه و الفضل الربح فی التجارة عن الزجاج و قیل أقل ما یفعله اللّٰه تعالی بالخلق فهو نعمة و ما زاد علی ذلك فهو الموصوف بأنه فضل و الفرق بین النعمة و المنفعة أن النعمة لا تكون نعمة إلا إذا كانت حسنة و المنفعة قد تكون حسنة و قد تكون قبیحة و هذا لأن النعمة تستحق بها الشكر و لا یستحق الشكر بالقبیح وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ بالخروج إلی لقاء العدو وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِیمٍ علی المؤمنین. (2) قوله تعالی فَما لَكُمْ فِی الْمُنافِقِینَ فِئَتَیْنِ أقول قد مر تفسیره فی باب جوامع الغزوات.
قوله وَ لا تَهِنُوا أی لا تضعفوا قال الطبرسی قیل نزلت فی الذهاب إلی بدر الصغری لموعد أبی سفیان یوم أحد و قیل نزلت یوم أحد فی الذهاب خلف أبی سفیان لموعد أبی سفیان و عسكره إلی حمراء الأسد.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ عِكْرِمَةُ لَمَّا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مَا أَصَابَهُمْ یَوْمَ أُحُدٍ وَ صَعِدَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْجَبَلَ جَاءَ أَبُو سُفْیَانَ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ لَنَا یَوْمٌ وَ لَكُمْ یَوْمٌ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله أَجِیبُوهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لَا سَوَاءٌ قَتْلَانَا فِی الْجَنَّةِ وَ قَتْلَاكُمْ فِی النَّارِ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ
لَنَا عُزَّی وَ لَا عُزَّی لَكُمْ
فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قُولُوا
اللَّهُ مَوْلَانَا وَ لَا مَوْلَی لَكُمْ
فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ
ص: 44
اعْلُ هُبَلُ.
فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قُولُوا اللَّهُ أَعْلَی وَ أَجَلُّ.
فقال أبو سفیان موعدنا و موعدكم بدر الصغری و نام المسلمون و بهم الكلوم و فیهم نزلت إِنْ یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ الآیة و فیهم نزلت إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ الآیة لأن اللّٰه تعالی أمرهم علی ما بهم من الجراح أن یتبعوهم و أراد بذلك إرهاب المشركین فخرجوا إلی حمراء الأسد و بلغ المشركین ذلك فأسرعوا حتی دخلوا مكة.
فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ أی فی طلب المشركین إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ مما ینالكم من الجراح منهم فَإِنَّهُمْ یعنی المشركین یَأْلَمُونَ أیضا مما ینالهم منكم من الجراح و الأذی كَما تَأْلَمُونَ من جراحهم و أذاهم وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ الظفر عاجلا و الثواب آجلا علی ما ینالكم منهم ما لا یَرْجُونَ علی ما ینالهم منكم. (1) قوله تعالی إِنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا یُنْفِقُونَ قد مر تفسیره فی باب قصة بدر.
توضیح: قمیئة كسفینة مهموز اعل هبل أی صر عالیا بغلبة عابدیك علی منكریك و الطارق النجم أی آباؤنا فی الشرف و العلو كالنجم و النمارق جمع النمرقة بضم النون و الراء و كسرها و هی الوسادة و الوامق المحب أی نفارقكم فراق المعادی لا فراق المحب و المراد المفارقة و المعانقة بعد الحرب إذا (2) كان الخطاب لأصحابه و إن كان للمسلمین فالمراد المعانقة عند الحرب و الأحابیش هم أحیاء من القارة انضموا إلی بنی لیث فی محاربتهم قریشا و التحبش التجمع و قیل حالفوا قریشا تحت جبل یسمی حبشیا فسمی بذلك و الكبول القصیر و فی بعض النسخ الدهر فی الكیول بالیاء المثناة التحتانیة و هو كعیوق
ص: 45
آخر الصفوف و هو أصوب أی أن لا أقیم فی جمیع دهری و عمری فی آخر الصفوف بل أتقدمها و الكواعب جمع الكاعب و هی الجاریة حین یبدو ثدیها للنهود أردفتم أی لم تأسروهن فتجعلوهن خلفكم علی الإبل لتذهبوا بهن و الشرید الطرید المتفرق المنهزم و یقال نكیت فی العدو إذا أكثرت فیهم الجراح و القتل فوهنوا لذلك و قد یهمز و أبعد للسمع أی یذهب الخبر به إلی البلاد البعید فیصیر سببا لرعبهم فكنت إذا غلب أی غلبه الوجع حملته عقبة أی نوبة عینة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أی جاسوسه و فی بعض النسخ بالباء الموحدة و فی القاموس العیبة من الرجل موضع سره و هو أظهر.
صفقتهم أی بیعتهم معه أعفاك فیهم أی لم یأمرك بقتالهم یتحرقون علیكم أی یلتهبون غیظا أو یحكون أسنانهم علیكم غضبا تهد راحلتی أی تقع و تخر من هد الحائط إذا وقع و الجرد بالضم جمع الجریدة و هی من الخیل جماعة جردت من سائرها لوجه أو هو جمع الأجرد یقال فرس أجرد إذا رقت شعرته و قصرت و هو مدح و الأبابیل الجماعات الكثیرة و یقال جاءت إبلك أبابیل أی فرقا تردی أی الجرد یقال ردی الفرس یردی إذا رجم الأرض بحوافره رجما بین العدو و المشی الشدید بأسد أی مع أسد و التنابلة جمع تنبل كدرهم أو تنبال بالكسر و هما القصیر و لعله استعیر للجبان أو الكسلان كما هو المعروف فی لغة العجم و الخرق بالضم جمع الأخرق و هو من لا یحسن العمل و المعاذیل جمع المعذال و قیل المعذول و هو الملوم.
و عدوا مصدر لفعل محذوف أی أعدو عدوا حال كونی أظن الأرض مائلة.
لما سموا أی علوا برئیس و هو الرسول و الغطمطة اضطراب موج البحر و غلیان الصدور و التغطمط صوت معه بحح و البطحاء مسیل واسع فیه دقاق الحصی و الجیل بالكسر الصنف من الناس و فی بعض النسخ بالخاء و یقال فعله ضاحیة أی علانیة و الإربة بالكسر الحیلة و المعقول العقل یقال عقل یعقل عقلا و معقولا و الوخش بفتح الواو و سكون الخاء المعجمة الردی
ص: 46
من كل شی ء و رذال الناس و سقاطهم للواحد و الجمع و المذكر و المؤنث و فی بعض النسخ بالحاء المهملة أی لیسوا بمستوحشین و الأول أظهر و القیل بالكسر القول.
«1»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَلَّی عَلَی حَمْزَةَ وَ كَفَّنَهُ لِأَنَّهُ كَانَ جُرِّدَ (1).
«2»-یه،من لا یحضره الفقیه اسْتُشْهِدَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِی عَامِرٍ الرَّاهِبُ بِأُحُدٍ فَلَمْ یَأْمُرِ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِغُسْلِهِ وَ قَالَ رَأَیْتُ الْمَلَائِكَةَ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بِمَاءِ الْمُزْنِ (2) فِی صِحَافٍ مِنْ فِضَّةٍ فَكَانَ یُسَمَّی غَسِیلَ الْمَلَائِكَةِ (3).
«3»-فس، تفسیر القمی وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِینَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (4)- فَإِنَّهُ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآیَةِ أَنَّ قُرَیْشاً خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ تُرِیدُ حَرْبَ رَسُولِ اللَّهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَبْتَغِی مَوْضِعاً لِلْقِتَالِ.
قَوْلُهُ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا (5) نَزَلَتْ فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اتَّبَعُوا رَأْیَهُ فِی تَرْكِ الْخُرُوجِ وَ الْقُعُودِ (6) عَنْ نُصْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ وَ كَانَ سَبَبُ غَزْوَةِ أُحُدٍ أَنَّ قُرَیْشاً لَمَّا رَجَعَتْ مِنْ بَدْرٍ إِلَی مَكَّةَ وَ قَدْ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَ الْأَسْرِ لِأَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَ أُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَی مَكَّةَ قَالَ أَبُو سُفْیَانَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ لَا تَدَعُوا نِسَاءَكُمْ یَبْكِینَ عَلَی قَتْلَاكُمْ (7) فَإِنَ
ص: 47
الْبُكَاءَ وَ الدَّمْعَةَ إِذَا خَرَجَتْ أَذْهَبَتِ (1) الْحُزْنَ وَ الْحُرْقَةَ وَ الْعَدَاوَةَ لِمُحَمَّدٍ وَ یَشْمَتُ بِنَا مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ فَلَمَّا غَزَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ أُحُدٍ أَذِنُوا لِنِسَائِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِی الْبُكَاءِ وَ النَّوْحِ فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ یَغْزُوا رَسُولَ اللَّهِ إِلَی أُحُدٍ سَارُوا فِی حُلَفَائِهِمْ مِنْ كِنَانَةَ وَ غَیْرِهَا فَجَمَعُوا الْجُمُوعَ وَ السِّلَاحَ وَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ فِی ثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ وَ أَلْفَیْ رَاجِلٍ وَ أَخْرَجُوا مَعَهُمُ النِّسَاءَ یُذَكِّرْنَهُمْ وَ یُحَثِّثْنَهُمْ عَلَی حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (2) وَ أَخْرَجَ أَبُو سُفْیَانَ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ وَ خَرَجَتْ مَعَهُمْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِیَّةُ (3) فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِكَ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ قُرَیْشاً قَدْ تَجَمَّعَتْ تُرِیدُ الْمَدِینَةَ وَ حَثَّ أَصْحَابَهُ عَلَی الْجِهَادِ وَ الْخُرُوجِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ وَ قَوْمٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَخْرُجْ مِنَ الْمَدِینَةِ حَتَّی نُقَاتِلَ فِی أَزِقَّتِهَا فَیُقَاتِلَ الرَّجُلُ الضَّعِیفُ وَ الْمَرْأَةُ وَ الْعَبْدُ وَ الْأَمَةُ عَلَی أَفْوَاهِ السِّكَكِ وَ عَلَی السُّطُوحِ فَمَا أَرَادَنَا قَوْمٌ قَطُّ فَظَفِرُوا بِنَا وَ نَحْنُ فِی حُصُونِنَا وَ دُورِنَا وَ مَا خَرَجْنَا إِلَی أَعْدَائِنَا قَطُّ إِلَّا كَانَ الظَّفَرُ لَهُمْ عَلَیْنَا فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَ غَیْرُهُ مِنَ الْأَوْسِ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا طَمِعَ فِینَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ وَ نَحْنُ مُشْرِكُونَ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ فَكَیْفَ یَطْمَعُونَ فِینَا وَ أَنْتَ فِینَا لَا حَتَّی نَخْرُجَ إِلَیْهِمْ (4) فَنُقَاتِلَهُمْ فَمَنْ قُتِلَ مِنَّا كَانَ شَهِیداً وَ مَنْ نَجَا مِنَّا كَانَ قَدْ جَاهَدَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ قَوْلَهُ وَ خَرَجَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ یَبْتَغُونَ مَوْضِعاً لِلْقِتَالِ (5) كَمَا قَالَ اللَّهُ وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی قَوْلِهِ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ
ص: 48
مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا (1) یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ وَ أَصْحَابَهُ (2) فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ عَسْكَرَهُ مِمَّا یَلِی طَرِیقَ الْعِرَاقِ (3) وَ قَعَدَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ وَ قَوْمُهُ (4) وَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ اتَّبَعُوا رَأْیَهُ وَ وَافَتْ قُرَیْشٌ إِلَی أُحُدٍ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَدَّ أَصْحَابَهُ وَ كَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ فَوَضَعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَیْرٍ فِی خَمْسِینَ مِنَ الرُّمَاةِ عَلَی بَابِ الشِّعْبِ وَ أَشْفَقَ أَنْ یَأْتِیَ كَمِینُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ وَ أَصْحَابِهِ إِنْ رَأَیْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ حَتَّی أَدْخَلْنَاهُمْ مَكَّةَ فَلَا تَبْرَحُوا مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَ إِنْ رَأَیْتُمُوهُمْ قَدْ هَزَمُونَا حَتَّی أَدْخَلُونَا الْمَدِینَةَ فَلَا تَبْرَحُوا وَ الْزَمُوا مَرَاكِزَكُمْ وَ وَضَعَ أَبُو سُفْیَانَ عَلَیْهِ اللَّعْنَةُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ عَلَیْهِ اللَّعْنَةُ فِی مِائَتَیْ فَارِسٍ كَمِیناً فَقَالَ لَهُ (5) إِذَا رَأَیْتُمُونَا قَدِ اخْتَلَطْنَا بِهِمْ فَاخْرُجُوا عَلَیْهِمْ مِنْ هَذَا الشِّعْبِ حَتَّی تَكُونُوا مِنْ وَرَائِهِمْ فَلَمَّا أَقْبَلَتِ الْخَیْلُ وَ اصْطَفُّوا وَ عَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَصْحَابَهُ دَفَعَ الرَّایَةَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَحَمَلَتِ (6) الْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ عَلَی مُشْرِكِی قُرَیْشٍ فَانْهَزَمُوا هَزِیمَةً قَبِیحَةً وَ وَقَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی سَوَادِهِمْ وَ انْحَطَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ فِی مِائَتَیْ فَارِسٍ فَلَقِیَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَیْرٍ فَاسْتَقْبَلُوهُمْ بِالسِّهَامِ فَرَجَعَ (7) وَ نَظَرَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ إِلَی أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَنْتَهِبُونَ (8) سَوَادَ الْقَوْمِ قَالُوا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ مَا یُقِیمُنَا هَاهُنَا وَ قَدْ غَنِمُوا أَصْحَابُنَا وَ نَبْقَی نَحْنُ بِلَا غَنِیمَةٍ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ تَقَدَّمَ إِلَیْنَا أَنْ لَا نَبْرَحَ فَلَمْ یَقْبَلُوا مِنْهُ وَ أَقْبَلَ یَنْسَلُّ رَجُلٌ فَرَجُلٌ حَتَّی أَخْلَوْا (9) مَرَاكِزَهُمْ
ص: 49
وَ بَقِیَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَیْرٍ فِی اثْنَیْ عَشَرَ رَجُلًا وَ قَدْ كَانَتْ رَایَةُ قُرَیْشٍ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِی طَلْحَةَ الْعَبْدَرِیِّ مِنْ بَنِی عَبْدِ الدَّارِ فَبَرَزَ وَ نَادَی یَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُجَهِّزُونَّا بِأَسْیَافِكُمْ إِلَی النَّارِ وَ نُجَهِّزُكُمْ بِأَسْیَافِنَا إِلَی الْجَنَّةِ فَمَنْ شَاءَ أَنْ یَلْحَقَ بِجَنَّتِهِ فَلْیَبْرُزْ إِلَیَّ فَبَرَزَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ هُوَ یَقُولُ.
یَا طَلْحُ إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُ***لَكُمْ خُیُولٌ وَ لَنَا نُصُولٌ. (1)
فَاثْبُتْ لِنَنْظُرَ أَیُّنَا الْمَقْتُولُ***وَ أَیُّنَا أَوْلَی بِمَا تَقُولُ
فَقَدْ أَتَاكَ الْأَسَدُ الصَّئُولُ
بِصَارِمٍ لَیْسَ بِهِ (2) فُلُولٌ*** یَنْصُرُهُ الْقَاهِرُ (3) وَ الرَّسُولُ
فَقَالَ طَلْحَةُ مَنْ أَنْتَ یَا غُلَامُ قَالَ أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ یَا قُضَمُ (4) أَنَّهُ لَا یَجْسُرُ عَلَیَّ أَحَدٌ غَیْرُكَ فَشَدَّ عَلَیْهِ طَلْحَةُ فَضَرَبَهُ فَاتَّقَاهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِالْحَجَفَةِ ثُمَّ ضَرَبَهُ (5) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی فَخِذَیْهِ فَقَطَعَهُمَا جَمِیعاً فَسَقَطَ عَلَی ظَهْرِهِ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ (6) فَذَهَبَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِیُجْهِزَ عَلَیْهِ فَحَلَّفَهُ بِالرَّحِمِ
ص: 50
فَانْصَرَفَ عَنْهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ أَ لَا أَجْهَزْتَ عَلَیْهِ قَالَ قَدْ ضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً لَا یَعِیشُ مِنْهَا أَبَداً ثُمَّ أَخَذَ الرَّایَةَ أَبُو سَعِیدِ (1) بْنُ أَبِی طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سَقَطَتْ رَایَتُهُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِی طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا مُسَافِعُ (2) بْنُ أَبِی طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِی طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا عُزَیْرُ بْنُ (3) عُثْمَانَ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَمِیلَةَ (4) بْنِ زُهَیْرٍ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَقَتَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ التَّاسِعَ (5) مِنْ بَنِی عَبْدِ الدَّارِ وَ هُوَ أَرْطَأَةُ بْنُ شُرَحْبِیلَ مُبَارَزَةً وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا مَوْلَاهُمْ صُؤَابٌ فَضَرَبَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی یَمِینِهِ فَقَطَعَهَا وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا بِشِمَالِهِ فَضَرَبَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی شِمَالِهِ فَقَطَعَهَا فَسَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَاحْتَضَنَهَا بِیَدَیْهِ الْمَقْطُوعَتَیْنِ ثُمَّ قَالَ یَا بَنِی عَبْدِ الدَّارِ هَلْ أَعْذَرْتُ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَكُمْ فَضَرَبَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی رَأْسِهِ فَقَتَلَهُ (6) وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَتْهَا عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِیَّةُ فَنَصَبَتْهَا وَ انْحَطَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ وَ قَدْ فَرَّ أَصْحَابُهُ وَ بَقِیَ فِی نَفَرٍ قَلِیلٍ فَقَتَلُوهُمْ عَلَی بَابِ الشِّعْبِ وَ اسْتَقْفُوا (7) الْمُسْلِمِینَ فَوَضَعُوا فِیهِمُ السَّیْفَ وَ نَظَرَتْ (8) قُرَیْشٌ
ص: 51
فِی هَزِیمَتِهَا إِلَی الرَّایَةِ قَدْ رُفِعَتْ فَلَاذُوا بِهَا وَ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ یَقْتُلُهُمْ (1) وَ انْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَزِیمَةً قَبِیحَةً وَ أَقْبَلُوا یَصْعَدُونَ فِی الْجِبَالِ وَ فِی كُلِّ وَجْهٍ فَلَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْهَزِیمَةَ كَشَفَ الْبَیْضَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ (2) إِلَیَّ إِنِّی (3) أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَی أَیْنَ تَفِرُّونَ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ.
وَ حَدَّثَنِی أَبِی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعْنَی قَوْلِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِی طَلْحَةَ لَمَّا بَارَزَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا قُضَمُ (4) قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ بِمَكَّةَ لَمْ یَجْسُرْ عَلَیْهِ أَحَدٌ لِمَوْضِعِ أَبِی طَالِبٍ وَ أَغْرَوْا بِهِ الصِّبْیَانَ وَ كَانُوا إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ یَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ وَ التُّرَابِ وَ شَكَا ذَلِكَ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِذَا خَرَجْتَ فَأَخْرِجْنِی مَعَكَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَعَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَتَعَرَّضَ الصِّبْیَانُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَعَادَتِهِمْ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ كَانَ یَقْضَمُهُمْ (5) فِی وُجُوهِهِمْ وَ آنَافِهِمْ وَ آذَانِهِمْ فَكَانَ الصِّبْیَانُ یَرْجِعُونَ بَاكِینَ إِلَی آبَائِهِمْ وَ یَقُولُونَ قَضِمَنَا عَلِیٌّ قَضِمَنَا عَلِیٌّ (6) فَسُمِّیَ لِذَلِكَ الْقُضَمَ (7).
وَ رُوِیَ عَنْ أَبِی وَاثِلَةَ (8) شَقِیقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ أُمَاشِی عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِذْ سَمِعْتُ مِنْهُ هَمْهَمَةً فَقُلْتُ لَهُ مَهْ یَا عُمَرُ فَقَالَ وَیْحَكَ أَ مَا تَرَی الْهِزَبْرَ الْقُثَمَ بْنَ الْقُثَمِ وَ الضَّارِبَ (9) بِالْبُهَمِ الشَّدِیدَ عَلَی مَنْ طَغَا وَ بَغَی (10) بِالسَّیْفَیْنِ وَ الرَّایَةِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا
ص: 52
هُوَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقُلْتُ لَهُ یَا عُمَرُ هُوَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ ادْنُ مِنِّی أُحَدِّثْكَ عَنْ شَجَاعَتِهِ وَ بَطَالَتِهِ (1) بَایَعْنَا النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ أُحُدٍ عَلَی أَنْ لَا نَفِرَّ وَ مَنْ فَرَّ مِنَّا فَهُوَ ضَالٌّ وَ مَنْ قُتِلَ مِنَّا فَهُوَ شَهِیدٌ وَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله زَعِیمُهُ إِذْ حَمَلَ عَلَیْنَا مِائَةُ صِنْدِیدٍ تَحْتَ كُلِّ صِنْدِیدٍ مِائَةُ رَجُلٍ أَوْ یَزِیدُونَ فَأَزْعَجُونَا عَنْ طَاحُونَتِنَا (2) فَرَأَیْتُ عَلِیّاً كَاللَّیْثِ یَتَّقِی الذَّرَّ (3) إِذْ قَدْ حَمَلَ كَفّاً (4) مِنْ حَصًی فَرَمَی بِهِ فِی وُجُوهِنَا ثُمَّ قَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ وَ قُطَّتْ وَ بُطَّتْ وَ لُطَّتْ إِلَی أَیْنَ تَفِرُّونَ إِلَی النَّارِ فَلَمْ نَرْجِعْ ثُمَّ كَرَّ عَلَیْنَا الثَّانِیَةَ وَ بِیَدِهِ صَفِیحَةٌ یَقْطُرُ مِنْهَا الْمَوْتُ فَقَالَ بَایَعْتُمْ ثُمَّ نَكَسْتُمْ فَوَ اللَّهِ لَأَنْتُمْ أَوْلَی بِالْقَتْلِ مِمَّنْ أَقْتُلُ فَنَظَرْتُ إِلَی عَیْنَیْهِ كَأَنَّهُمَا سَلِیطَانِ یَتَوَقَّدَانِ نَاراً أَوْ كَالْقَدَحَیْنِ الْمَمْلُوَّیْنِ دَماً فَمَا ظَنَنْتُ إِلَّا وَ یَأْتِی عَلَیْنَا كُلِّنَا فَبَادَرْتُ أَنَا إِلَیْهِ مِنْ بَیْنِ أَصْحَابِی فَقُلْتُ یَا أَبَا الْحَسَنِ اللَّهَ اللَّهَ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَفِرُّ وَ تَكُرُّ وَ إِنَّ الْكَرَّةَ تَنْفِی الْفَرَّةَ فَكَأَنَّهُ اسْتَحْیَا فَوَلَّی بِوَجْهِهِ (5) عَنِّی فَمَا زِلْتُ أُسَكِّنُ رَوْعَةَ فُؤَادِی فَوَ اللَّهِ مَا خَرَجَ ذَلِكَ الرُّعْبُ مِنْ قَلْبِی حَتَّی السَّاعَةِ وَ لَمْ یَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ كُلَّمَا حَمَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اسْتَقْبَلَهُمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَیَدْفَعُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ یَقْتُلُهُمْ حَتَّی انْقَطَعَ سَیْفُهُ وَ بَقِیَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَسِیبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِیَّةُ وَ كَانَتْ تَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی غَزَوَاتِهِ تُدَاوِی الْجَرْحَی وَ كَانَ ابْنُهَا مَعَهَا فَأَرَادَ أَنْ یَنْهَزِمَ وَ یَتَرَاجَعَ فَحَمَلَتْ عَلَیْهِ فَقَالَتْ یَا بُنَیَّ إِلَی أَیْنَ تَفِرُّ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ فَرَدَّتْهُ فَحَمَلَ عَلَیْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ فَأَخَذَتْ سَیْفَ ابْنِهَا فَحَمَلَتْ عَلَی الرَّجُلِ فَضَرَبَتْهُ (6) عَلَی فَخِذِهِ فَقَتَلَتْهُ فَقَالَ
ص: 53
رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَارَكَ اللَّهُ عَلَیْكِ یَا نَسِیبَةُ.
وَ كَانَتْ تَقِی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِصَدْرِهَا وَ ثَدْیَیْهَا (1) حَتَّی أَصَابَتْهَا جِرَاحَاتٌ كَثِیرَةٌ وَ حَمَلَ ابْنُ قَمِیئَةَ (2) عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ أَرُونِی مُحَمَّداً لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا فَضَرَبَهُ عَلَی حَبْلِ عَاتِقِهِ وَ نَادَی قَتَلْتُ مُحَمَّداً وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّی وَ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ قَدْ أَلْقَی تُرْسَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَ هُوَ فِی الْهَزِیمَةِ فَنَادَاهُ یَا صَاحِبَ التُّرْسِ أَلْقِ تُرْسَكَ وَ مُرَّ (3) إِلَی النَّارِ فَرَمَی بِتُرْسِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا نَسِیبَةُ خُذِی التُّرْسَ فَأَخَذَتِ التُّرْسَ وَ كَانَتْ تُقَاتِلُ الْمُشْرِكِینَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَقَامُ نَسِیبَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَقَامِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.
فَلَمَّا انْقَطَعَ سَیْفُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ جَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ یُقَاتِلُ بِالسِّلَاحِ وَ قَدِ انْقَطَعَ سَیْفِی فَدَفَعَ إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ فَقَالَ قَاتِلْ بِهَذَا وَ لَمْ یَكُنْ یَحْمِلُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَحَدٌ إِلَّا اسْتَقْبَلَهُ (4) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَإِذَا رَأَوْهُ رَجَعُوا فَانْحَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی نَاحِیَةِ أُحُدٍ فَوَقَفَ وَ كَانَ الْقِتَالُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَ قَدِ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَلَمْ یَزَلْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یُقَاتِلُهُمْ حَتَّی أَصَابَهُ فِی وَجْهِهِ وَ رَأْسِهِ وَ صَدْرِهِ وَ بَطْنِهِ وَ یَدَیْهِ وَ رِجْلَیْهِ تِسْعُونَ جِرَاحَةً فَتَحَامَوْهُ (5) وَ سَمِعُوا مُنَادِیاً (6) مِنَ السَّمَاءِ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (7) فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ هَذِهِ وَ اللَّهِ الْمُوَاسَاةُ
ص: 54
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَنِّی مِنْهُ وَ هُوَ مِنِّی فَقَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا.
وَ كَانَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ فِی وَسَطِ الْعَسْكَرِ فَكُلَّمَا انْهَزَمَ رَجُلٌ مِنْ قُرَیْشٍ دَفَعَتْ إِلَیْهِ مِیلًا وَ مُكْحُلَةً وَ قَالَتْ إِنَّمَا أَنْتَ امْرَأَةٌ فَاكْتَحِلْ بِهَذَا.
وَ كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ یَحْمِلُ عَلَی الْقَوْمِ فَإِذَا رَأَوْهُ انْهَزَمُوا وَ لَمْ یَثْبُتْ لَهُ أَحَدٌ وَ كَانَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ عَلَیْهَا اللَّعْنَةُ قَدْ أَعْطَتْ وَحْشِیّاً عَهْداً لَئِنْ قَتَلْتَ مُحَمَّداً أَوْ عَلِیّاً أَوْ حَمْزَةَ لَأَعْطَیْتُكَ (لَأُعْطِیَنَّكَ) (1) رِضَاكَ وَ كَانَ وَحْشِیٌّ عَبْداً لِجُبَیْرِ بْنِ مُطْعِمٍ حَبَشِیّاً فَقَالَ وَحْشِیٌّ أَمَّا مُحَمَّدٌ فَلَا أَقْدِرُ عَلَیْهِ وَ أَمَّا عَلِیٌّ فَرَأَیْتُهُ رَجُلًا حَذِراً كَثِیرَ الِالْتِفَاتِ فَلَمْ أَطْمَعْ فِیهِ فَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ فَرَأَیْتُهُ یَهُدُّ النَّاسَ هَدّاً فَمَرَّ بِی فَوَطِئَ عَلَی جُرُفِ (2) نَهَرٍ فَسَقَطَ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِی فَهَزَزْتُهَا وَ رَمَیْتُهُ فَوَقَعَتْ فِی خَاصِرَتِهِ وَ خَرَجَتْ مِنْ مَثَانَتِهِ (3) فَسَقَطَ فَأَتَیْتُهُ فَشَقَقْتُ بَطْنَهُ فَأَخَذْتُ كَبِدَهُ وَ جِئْتُ بِهَا إِلَی هِنْدٍ فَقُلْتُ لَهَا هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ فَأَخَذَتْهَا فِی فَمِهَا (4) فَلَاكَتْهَا فَجَعَلَهَا اللَّهُ فِی فِیهَا مِثْلَ الدَّاغِصَةِ (5) فَلَفَظَتْهَا وَ رَمَتْ (6) بِهَا فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكاً فَحَمَلَهُ وَ رَدَّهُ إِلَی مَوْضِعِهِ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَبَی اللَّهُ أَنْ یُدْخِلَ شَیْئاً مِنْ بَدَنِ حَمْزَةَ النَّارَ.
فَجَاءَتْ إِلَیْهِ هِنْدٌ فَقَطَعَتْ مَذَاكِیرَهُ (7) وَ قَطَعَتْ أُذُنَیْهِ وَ جَعَلَتْهُمَا خُرْصَیْنِ
ص: 55
وَ شَدَّتْهُمَا فِی عُنُقِهَا وَ قَطَعَتْ یَدَیْهِ وَ رِجْلَیْهِ وَ تَرَاجَعَ النَّاسُ فَصَارَتْ قُرَیْشٌ عَلَی الْجَبَلِ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ وَ هُوَ عَلَی الْجَبَلِ اعْلُ هُبَلُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ قُلْ لَهُ اللَّهُ أَعْلَی وَ أَجَلُّ.
فَقَالَ یَا عَلِیُّ إِنَّهُ قَدْ أُنْعِمَ عَلَیْنَا.
فَقَالَ عَلِیٌّ بَلِ اللَّهُ أَنْعَمَ عَلَیْنَا.
ثُمَّ قَالَ یَا عَلِیُّ أَسْأَلُكَ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّی هَلْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَهُ لَعَنَكَ اللَّهُ وَ لَعَنَ اللَّاتَ وَ الْعُزَّی مَعَكَ وَ اللَّهِ مَا قُتِلَ وَ هُوَ یَسْمَعُ كَلَامَكَ قَالَ أَنْتَ أَصْدَقُ لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ قَمِیئَةَ زَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَ مُحَمَّداً.
وَ كَانَ عَمْرُو بْنُ قَیْسٍ (1) قَدْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْحَرْبِ أَخَذَ سَیْفَهُ وَ تُرْسَهُ وَ أَقْبَلَ كَاللَّیْثِ الْعَادِی یَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ خَالَطَ الْقَوْمَ فَاسْتُشْهِدَ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَرَآهُ صَرِیعاً بَیْنَ الْقَتْلَی فَقَالَ یَا عَمْرُو وَ أَنْتَ عَلَی دِینِكَ الْأَوَّلِ قَالَ لَا وَ اللَّهِ إِنِّی أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَمْرَو بْنَ ثَابِتٍ (2) قَدْ أَسْلَمَ وَ قُتِلَ فَهُوَ شَهِیدٌ قَالَ إِی وَ اللَّهِ شَهِیدٌ مَا رَجُلٌ لَمْ یُصَلِّ لِلَّهِ رَكْعَةً دَخَلَ (3) الْجَنَّةَ غَیْرَهُ.
ص: 56
وَ كَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِی عَامِرٍ (1) رجل (رَجُلًا) مِنَ الْخَزْرَجِ تَزَوَّجَ فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ الَّتِی كَانَتْ صَبِیحَتَهَا حَرْبُ أُحُدٍ بِبِنْتِ (2) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیِّ بْنِ سَلُولٍ وَ دَخَلَ بِهَا فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ وَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یُقِیمَ عِنْدَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلی أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ یَذْهَبُوا حَتَّی یَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ (3) فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هَذِهِ الْآیَةُ فِی سُورَةِ النُّورِ وَ أَخْبَارُ أُحُدٍ فِی سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فَهَذَا الدَّلِیلُ عَلَی أَنَّ التَّأْلِیفَ عَلَی خِلَافِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ.
فَدَخَلَ حَنْظَلَةُ بِأَهْلِهِ وَ وَقَعَ عَلَیْهَا (4) فَأَصْبَحَ وَ خَرَجَ وَ هُوَ جُنُبٌ فَحَضَرَ الْقِتَالَ فَبَعَثَتِ امْرَأَتُهُ إِلَی أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمَّا أَرَادَ حَنْظَلَةُ أَنْ یَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهَا وَ أَشْهَدَتْ عَلَیْهِ أَنَّهُ قَدْ وَاقَعَهَا فَقِیلَ لَهَا لِمَ فَعَلْتِ ذَلِكِ قَالَتْ رَأَیْتُ فِی هَذِهِ اللَّیْلَةِ فِی نَوْمِی كَأَنَّ السَّمَاءَ قَدِ انْفَرَجَتْ فَوَقَعَ فِیهَا حَنْظَلَةُ ثُمَّ انْضَمَّتْ فَعَلِمْتُ أَنَّهَا الشَّهَادَةُ فَكَرِهْتُ أَنْ لَا أُشْهِدَ عَلَیْهِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَلَمَّا حَضَرَ (5) الْقِتَالَ نَظَرَ إِلَی أَبِی سُفْیَانَ عَلَی فَرَسٍ یَجُولُ بَیْنَ الْعَسْكَرِ (6) فَحَمَلَ عَلَیْهِ فَضَرَبَ (7) عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَاكْتَسَعَتِ الْفَرَسُ وَ سَقَطَ أَبُو سُفْیَانَ إِلَی الْأَرْضِ وَ صَاحَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ أَنَا أَبُو سُفْیَانَ وَ هَذَا (8)
ص: 57
حَنْظَلَةُ یُرِیدُ قَتْلِی وَ عَدَا أَبُو سُفْیَانَ وَ مَرَّ حَنْظَلَةُ فِی طَلَبِهِ فَعَرَضَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَطَعَنَهُ فَمَشَی إِلَی الْمُشْرِكِ فِی طَعْنِهِ (1) فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ وَ سَقَطَ حَنْظَلَةُ إِلَی الْأَرْضِ بَیْنَ حَمْزَةَ وَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حِزَامٍ وَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَأَیْتُ الْمَلَائِكَةَ تَغْسِلُ حَنْظَلَةَ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِی صَحَائِفَ (2) مِنْ ذَهَبٍ فَكَانَ یُسَمَّی غَسِیلَ الْمَلَائِكَةِ.
وَ رُوِیَ أَنَّ مُغِیرَةَ بْنَ الْعَاصِ كَانَ رَجُلًا أَعْسَرَ فَحَمَلَ (3) فِی طَرِیقِهِ إِلَی أُحُدٍ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ فَقَالَ بِهَذِهِ أَقْتُلُ مُحَمَّداً فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالَ نَظَرَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بِیَدِهِ السَّیْفُ فَرَمَاهُ (4) بِحَجَرٍ فَأَصَابَ بِهِ (5) رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَسَقَطَ السَّیْفُ مِنْ یَدِهِ فَقَالَ قَتَلْتُهُ وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّی فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَذَبَ لَعَنَهُ اللَّهُ فَرَمَاهُ بِحَجَرٍ آخَرَ فَأَصَابَ جَبْهَتَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ اللَّهُمَّ حَیِّرْهُ فَلَمَّا انْكَشَفَ النَّاسُ تَحَیَّرَ فَلَحِقَهُ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ فَقَتَلَهُ وَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَی ابْنِ قَمِیئَةَ الشَّجَرَ فَكَانَ یَمُرُّ بِالشَّجَرِ فَیَقَعُ فِی وَسَطِهَا فَتَأْخُذُ مِنْ لَحْمِهِ فَلَمْ یَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّی صَارَ مِثْلَ الصِّرِّ وَ مَاتَ لَعَنَهُ اللَّهُ.
وَ رَجَعَ الْمُنْهَزِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی رَسُولِهِ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْكُمْ (6) یَعْنِی وَ لَمَّا یَرَ لِأَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ یُجَاهِدُ وَ مَنْ لَا یُجَاهِدُ فَأَقَامَ الْعِلْمَ مَقَامَ الرُّؤْیَةِ لِأَنَّهُ یُعَاقِبُهُمْ (7) بِفِعْلِهِمْ لَا بِعِلْمِهِ.
ص: 58
قَوْلُهُ تَعَالَی وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ (1) الْآیَةَ- وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ (2) فَإِنَّ الْمُؤْمِنِینَ لَمَّا أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ بِالَّذِی فَعَلَ بِشُهَدَائِهِمْ یَوْمَ بَدْرٍ وَ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ رَغِبُوا فِی ذَلِكَ فَقَالُوا اللَّهُمَّ أَرِنَا قِتَالًا نَسْتَشْهِدُ فِیهِ فَأَرَاهُمُ اللَّهُ إِیَّاهُ یَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ یَثْبُتُوا إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْآیَةَ.
وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ (3) الْآیَةَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا خَرَجَ یَوْمَ أُحُدٍ وَ عَهِدَ الْعَاهِدُ بِهِ عَلَی تِلْكَ الْحَالِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ یَقُولُ لِمَنْ لَقِیَهُ (4) إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ قُتِلَ النِّجَاءَ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَی الْمَدِینَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَی قَوْلِهِ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ یَقُولُ إِلَی الْكُفْرِ.
قَوْلُهُ وَ كَأَیِّنْ مِنْ نَبِیٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ یَقُولُ كَأَیِّنْ مِنْ نَبِیٍّ قَبْلَ مُحَمَّدٍ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ وَ الرِّبِّیُّونَ الْجُمُوعُ الْكَثِیرَةُ وَ الرِّبَّةُ الْوَاحِدَةُ عَشَرَةُ آلَافٍ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ نَبِیِّهِمْ وَ ما ضَعُفُوا إِلَی قَوْلِهِ وَ إِسْرافَنا فِی أَمْرِنا (5) یَعْنُونَ خَطَایَاهُمْ.
قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی قَوْلِهِ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تُطِیعُوا الَّذِینَ كَفَرُوا یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ حَیْثُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ رَجَعَ یُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ سَنُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ كَفَرُوا الرُّعْبَ یَعْنِی قُرَیْشاً بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ (6).
قَوْلُهُ وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ یَعْنِی أَنْ یَنْصُرَكُمْ عَلَیْهِمْ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ إِذْ (7) تَقْتُلُونَهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ (8) أَیْ مَا كَانُوا أَحَبُّوا
ص: 59
وَ سَأَلُوا مِنَ الشَّهَادَةِ مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الدُّنْیا یَعْنِی أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ الَّذِینَ تَرَكُوا مَرَاكِزَهُمْ وَ مَرُّوا لِلْغَنِیمَةِ (1) وَ مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الْآخِرَةَ یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَیْرٍ وَ أَصْحَابَهُ الَّذِینَ بَقُوا (2) حَتَّی قُتِلُوا ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِیَبْتَلِیَكُمْ أَیْ یَخْتَبِرَكُمْ ثُمَّ (3) ذَكَرَ الْمُنْهَزِمِینَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ إِلَی قَوْلِهِ وَ اللَّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ فَأَمَّا الْغَمُّ الْأَوَّلُ فَالْهَزِیمَةُ وَ الْقَتْلُ وَ الْغَمُّ الْآخِرُ فَإِشْرَافُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ عَلَیْهِمْ یَقُولُ لِكَیْلا تَحْزَنُوا عَلی ما فاتَكُمْ مِنَ الْغَنِیمَةِ وَ لا ما أَصابَكُمْ یَعْنِی قَتْلَ إِخْوَانِهِمْ وَ اللَّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ قَالَ یَعْنِی الْهَزِیمَةَ وَ تَرَاجَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ الْمَجْرُوحُونَ وَ غَیْرُهُمْ فَأَقْبَلُوا یَعْتَذِرُونَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَحَبَّ اللَّهُ أَنْ یُعَرِّفَ رَسُولَهُ صلی اللّٰه علیه و آله مَنِ الصَّادِقُ مِنْهُمْ وَ مَنِ الْكَاذِبُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَیْهِمُ النُّعَاسَ فِی تِلْكَ الْحَالَةِ حَتَّی كَانُوا (4) یَسْقُطُونَ إِلَی الْأَرْضِ وَ كَانَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِینَ یَكْذِبُونَ لَا یَسْتَقِرُّونَ قَدْ طَارَتْ عُقُولُهُمْ وَ هُمْ یَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ لَا یُفْهَمُ عَنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَیْهِ یَغْشی طائِفَةً مِنْكُمْ یَعْنِی الْمُؤْمِنِینَ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ یَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَیْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِیَّةِ یَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْ ءٍ قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ یُخْفُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ ما لا یُبْدُونَ لَكَ یَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا یَقُولُونَ لَوْ كُنَّا فِی بُیُوتِنَا مَا أَصَابَنَا الْقَتْلُ قَالَ اللَّهُ لَوْ كُنْتُمْ فِی بُیُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ وَ لِیَبْتَلِیَ اللَّهُ ما فِی صُدُورِكُمْ وَ لِیُمَحِّصَ ما فِی قُلُوبِكُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5) فَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ مَا فِی قُلُوبِ الْقَوْمِ
ص: 60
وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُؤْمِناً وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُنَافِقاً كَاذِباً بِالنُّعَاسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَیْهِ ما كانَ اللَّهُ لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلی ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ حَتَّی یَمِیزَ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ (1) یَعْنِی الْمُنَافِقَ الْكَاذِبَ مِنَ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ بِالنُّعَاسِ الَّذِی مَیَّزَ بَیْنَهُمْ.
قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ أَیْ خَدَعَهُمْ حَتَّی طَلَبُوا الْغَنِیمَةَ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا قَالَ بِذُنُوبِهِمْ وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ كَفَرُوا یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ وَ أَصْحَابَهُ الَّذِینَ قَعَدُوا عَنِ الْحَرْبِ وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِی الْأَرْضِ إِلَی قَوْلِهِ بَصِیرٌ ثُمَّ قَالَ لِنَبِیِّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ أَیِ انْهَزَمُوا (2) وَ لَمْ یُقِیمُوا مَعَكَ ثُمَّ قَالَ تَأْدِیباً لِرَسُولِهِ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِلَی قَوْلِهِ وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ وَ ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَغُلَّ فَصَدَقَ اللَّهُ لَمْ یَكُنِ اللَّهُ لِیَجْعَلَ نَبِیّاً غَالًّا وَ مَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ مَنْ غَلَّ (3) شَیْئاً رَآهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فِی النَّارِ ثُمَّ یُكَلَّفُ أَنْ یَدْخُلَ إِلَیْهِ فَیُخْرِجَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ تُوَفَّی كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (4).
قَوْلُهُ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ (5) فَهَذِهِ الْآیَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ.
قَوْلُهُ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ یَقُولُ بِمَعْصِیَتِكُمْ (6) أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَكُمْ.
ص: 61
قَوْلُهُ وَ قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ مُنَافِقٍ رَجَعُوا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیِّ بْنِ سَلُولٍ فَقَالَ لَهُمْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ فِی نَبِیِّكُمْ وَ دِینِكُمْ وَ دِیَارِكُمْ فَقَالُوا وَ اللَّهِ لَا یَكُونُ الْقِتَالُ الْیَوْمَ وَ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّهُ یَكُونُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ یَقُولُ اللَّهُ هُمْ لِلْكُفْرِ یَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِیمانِ (1) الْآیَةَ.
فَلَمَّا سَكَنَ الْقِتَالُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِسَعْدِ بْنِ الرَّبِیعِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا أَطْلُبُهُ فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی مَوْضِعٍ فَقَالَ اطْلُبْهُ (2) هُنَاكَ فَإِنِّی قَدْ رَأَیْتُهُ فِی ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَدْ شُرِّعَتْ حَوْلَهُ اثْنَا عَشَرَ رُمْحاً قَالَ فَأَتَیْتُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِذَا هُوَ صَرِیعٌ بَیْنَ الْقَتْلَی فَقُلْتُ یَا سَعْدُ فَلَمْ یُجِبْنِی ثُمَّ قُلْتُ یَا سَعْدُ فَلَمْ یُجِبْنِی فَقُلْتُ یَا سَعْدُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ سَأَلَ عَنْكَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَانْتَعَشَ كَمَا یَنْتَعِشُ الْفَرْخُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَحَیٌّ قُلْتُ إِی وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَحَیٌّ وَ قَدْ أَخْبَرَنِی أَنَّهُ رَأَی حَوْلَكَ اثْنَیْ عَشَرَ رُمْحاً فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ طُعِنْتُ اثْنَتَیْ عَشْرَةَ (3) طَعْنَةً كُلُّهَا قَدْ جَافَتْنِی (4) أَبْلِغْ قَوْمِیَ الْأَنْصَارَ السَّلَامَ وَ قُلْ لَهُمْ وَ اللَّهِ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ أَنْ تَشُوكَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله شَوْكَةٌ وَ فِیكُمْ عَیْنٌ تَطْرِفُ ثُمَّ تَنَفَّسَ فَخَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ دَمِ الْجَزُورِ وَ قَدْ كَانَ احْتَقَنَ فِی جَوْفِهِ وَ قَضَی نَحْبَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ جِئْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ سَعْداً نَصَرَنَا حَیّاً وَ أَوْصَی بِنَا مَیِّتاً ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِعَمِّی حَمْزَةَ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ أَنَا أَعْرِفُ مَوْضِعَهُ فَجَاءَ حَتَّی وَقَفَ عَلَی حَمْزَةَ فَكَرِهَ أَنْ یَرْجِعَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَیُخْبِرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا عَلِیُّ اطْلُبْ عَمَّكَ فَجَاءَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَوَقَفَ عَلَی حَمْزَةَ فَكَرِهَ أَنْ یَرْجِعَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 62
حَتَّی وَقَفَ عَلَیْهِ فَلَمَّا رَأَی مَا فُعِلَ بِهِ بَكَی ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ مَا وَقَفْتُ مَوْقِفاً قَطُّ أَغْیَظَ عَلَیَّ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ لَئِنْ أَمْكَنَنِی اللَّهُ مِنْ قُرَیْشٍ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِینَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ وَ اصْبِرْ (1) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَلْ أَصْبِرُ فَأَلْقَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی حَمْزَةَ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَیْهِ فَكَانَتْ إِذَا مَدَّهَا عَلَی رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَ إِذَا مَدَّهَا عَلَی رِجْلَیْهِ بَدَا رَأْسُهُ فَمَدَّهَا عَلَی رَأْسِهِ وَ أَلْقَی عَلَی رِجْلَیْهِ الْحَشِیشَ وَ قَالَ لَوْ لَا أَنِّی أَحْذَرُ (2) نِسَاءَ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَتَرَكْتُهُ لِلْعِقْبَانِ (3) وَ السِّبَاعِ حَتَّی یُحْشَرَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ مِنْ بُطُونِ السِّبَاعِ وَ الطَّیْرِ.
وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْقَتْلَی فَجُمِعُوا فَصَلَّی عَلَیْهِمْ وَ دَفَنَهُمْ فِی مَضَاجِعِهِمْ وَ كَبَّرَ عَلَی حَمْزَةَ سَبْعِینَ تَكْبِیرَةً.
قَالَ وَ صَاحَ إِبْلِیسُ بِالْمَدِینَةِ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَلَمْ یَبْقَ أَحَدٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَ خَرَجَ (4) وَ خَرَجَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تَعْدُو عَلَی قَدَمَیْهَا حَتَّی وَافَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَعَدَتْ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ كَانَ (5) إِذَا بَكَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَكَتْ وَ إِذَا انْتَحَبَ انْتَحَبَتْ.
وَ نَادَی أَبُو سُفْیَانَ مَوْعِدُنَا وَ مَوْعِدُكُمُ فِی عَامٍ قَابِلٍ فَنَقْتَتِلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قُلْ نَعَمْ وَ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ دَخَلَ الْمَدِینَةَ وَ
ص: 63
اسْتَقْبَلَتْهُ النِّسَاءُ یُوَلْوِلْنَ (1) وَ یَبْكِینَ فَاسْتَقْبَلَتْهُ زَیْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله احْتَسِبِی فَقَالَتْ مَنْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَخَاكِ قَالَتْ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ هَنِیئاً لَهُ الشَّهَادَةُ ثُمَّ قَالَ لَهَا احْتَسِبِی قَالَتْ (2) مَنْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَتْ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ هَنِیئاً لَهُ الشَّهَادَةُ ثُمَّ قَالَ لَهَا احْتَسِبِی قَالَتْ (3) مَنْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ زَوْجَكِ مُصْعَبَ بْنَ عُمَیْرٍ قَالَتْ وَا حُزْنَاهْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ لِلزَّوْجِ عِنْدَ الْمَرْأَةِ لَحَدّاً مَا لِأَحَدٍ مِثْلُهُ فَقِیلَ لَهَا لِمَ قُلْتِ ذَلِكِ فِی زَوْجِكِ قَالَتْ ذَكَرْتُ یُتْمَ وُلْدِهِ.قَالَ وَ تَآمَرَتْ قُرَیْشٌ عَلَی أَنْ یَرْجِعُوا وَ یُغِیرُوا عَلَی الْمَدِینَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَیُّ رَجُلٍ (4) یَأْتِینَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَلَمْ یُجِبْهُ أَحَدٌ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَا آتِیكُمْ (5) بِخَبَرِهِمْ قَالَ اذْهَبْ فَإِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْخَیْلَ وَ جَنَبُوا الْإِبِلَ فَهُمْ (6) یُرِیدُونَ الْمَدِینَةَ وَ اللَّهِ لَئِنْ أَرَادُوا الْمَدِینَةَ لَأُنَازِلَنَّ اللَّهَ فِیهِمْ وَ إِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْإِبِلَ وَ جَنَبُوا الْخَیْلَ فَإِنَّهُمْ یُرِیدُونَ مَكَّةَ فَمَضَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی مَا بِهِ مِنَ الْأَلَمِ وَ الْجِرَاحَاتِ حَتَّی كَانَ قَرِیباً مِنَ الْقَوْمِ فَرَآهُمْ قَدْ رَكِبُوا الْإِبِلَ وَ جَنَبُوا الْخَیْلَ فَرَجَعَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَرَادُوا مَكَّةَ.
فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمَدِینَةَ نَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكَ أَنْ تَخْرُجَ فِی أَثَرِ الْقَوْمِ وَ لَا یَخْرُجُ مَعَكَ إِلَّا مَنْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُنَادِیاً یُنَادِی یَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ مَنْ كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَلْیَخْرُجْ وَ مَنْ لَمْ یَكُنْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَلْیُقِمْ فَأَقْبَلُوا یُضَمِّدُونَ (7) جِرَاحَاتِهِمْ وَ یُدَاوُونَهَا وَ أَنْزَلَ
ص: 64
اللَّهُ عَلَی نَبِیِّهِ وَ لا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ (1) الْآیَةَ فَهَذِهِ الْآیَةُ فِی سُورَةِ النِّسَاءِ وَ یَجِبُ (2) أَنْ تَكُونَ فِی هَذِهِ السُّورَةِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنْ یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ (3) الْآیَةَ فَخَرَجُوا عَلَی مَا بِهِمْ مِنَ الْأَلَمِ وَ الْجِرَاحِ فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَمْرَاءَ الْأَسَدِ وَ قُرَیْشٌ قَدْ نَزَلَتِ الرَّوْحَاءَ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِی جَهْلٍ وَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ نَرْجِعُ فَنُغِیرُ عَلَی الْمَدِینَةِ فَقَدْ قَتَلْنَا سَرَاتَهُمْ وَ كَبْشَهُمْ یَعْنُونَ (4) حَمْزَةَ فَوَافَاهُمْ رَجُلٌ خَرَجَ مِنَ الْمَدِینَةِ فَسَأَلُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ تَرَكْتُ مُحَمَّداً وَ أَصْحَابَهُ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ یَطْلُبُونَكُمْ أَحَدَّ الطَّلَبِ (5) فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ هَذَا النَّكَدُ وَ الْبَغْیُ قَدْ ظَفِرْنَا بِالْقَوْمِ وَ بَغَیْنَا (6) وَ اللَّهِ مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ قَطُّ بَغَوْا فَوَافَاهُمْ نُعَیْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِیُّ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ أَیْنَ تُرِیدُ قَالَ الْمَدِینَةَ لِأَمْتَارَ لِأَهْلِی طَعَاماً قَالَ هَلْ لَكَ أَنْ تَمُرَّ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَ تَلْقَی أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ وَ تُعْلِمَهُمْ أَنَّ حُلَفَاءَنَا وَ مَوَالِیَنَا قَدْ وَافَوْنَا مِنَ الْأَحَابِیشِ حَتَّی یَرْجِعُوا عَنَّا وَ لَكَ عِنْدِی عَشَرَةُ قَلَائِصَ أَمْلَؤُهَا تَمْراً وَ زَبِیباً قَالَ نَعَمْ فَوَافَی مِنْ غَدِ ذَلِكَ الْیَوْمِ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ فَقَالَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَیْنَ تُرِیدُونَ قَالُوا قُرَیْشاً قَالَ ارْجِعُوا فَإِنَّ قُرَیْشاً قَدِ اجْتَمَعَتْ إِلَیْهِمْ حُلَفَاؤُهُمْ وَ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ وَ مَا أَظُنُّ إِلَّا وَ أَوَائِلُ خَیْلِهِمْ یَطَّلِعُونَ (7) عَلَیْكُمُ السَّاعَةَ فَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ مَا نُبَالِی (8) وَ نَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ ارْجِعْ یَا مُحَمَّدُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرْعَبَ قُرَیْشاً وَ مَرُّوا لَا یَلْوُونَ عَلَی شَیْ ءٍ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی
ص: 65
الْمَدِینَةِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ (1) إِلَی قَوْلِهِ الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ یَعْنِی نُعَیْمَ بْنَ مَسْعُودٍ فَهَذَا لَفْظُهُ عَامٌّ وَ مَعْنَاهُ خَاصٌّ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الْآیَةَ.
فَلَمَّا دَخَلُوا الْمَدِینَةَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا هَذَا الَّذِی أَصَابَنَا وَ قَدْ كُنْتَ تَعِدُنَا النَّصْرَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ (2) الْآیَةَ وَ ذَلِكَ أَنَّ یَوْمَ بَدْرٍ قُتِلَ مِنْ قُرَیْشٍ سَبْعُونَ وَ أُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَ كَانَ الْحُكْمُ فِی الْأُسَارَی الْقَتْلَ فَقَامَتِ الْأَنْصَارُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْهُمْ لَنَا وَ لَا تَقْتُلْهُمْ حَتَّی نُفَادِیَهُمْ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبَاحَ لَهُمُ الْفِدَاءَ أَنْ یَأْخُذُوا مِنْ هَؤُلَاءِ وَ یُطْلِقُوهُمْ عَلَی أَنْ یُسْتَشْهَدَ مِنْهُمْ فِی عَامٍ قَابِلٍ بِقَدْرِ مَا یَأْخُذُونَ (3) مِنْهُ الْفِدَاءَ فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِهَذَا الشَّرْطِ فَقَالُوا قَدْ رَضِینَا بِهِ نَأْخُذُ الْعَامَ الْفِدَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَ نَتَقَوَّی بِهِ وَ یُقْتَلُ مِنَّا فِی عَامٍ قَابِلٍ بِعَدَدِ مَنْ نَأْخُذُ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ وَ نَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَأَخَذُوا مِنْهُمُ الْفِدَاءَ وَ أَطْلَقُوهُمْ فَلَمَّا كَانَ فِی هَذَا الْیَوْمِ وَ هُوَ یَوْمُ أُحُدٍ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَبْعُونَ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِی أَصَابَنَا وَ قَدْ كُنْتَ تَعِدُنَا النَّصْرَ (4) فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ إِلَی قَوْلِهِ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ بِمَا اشْتَرَطْتُمْ یَوْمَ بَدْرٍ. (5).
بیان: الشعب بالكسر الطریق فی الجبل و الكمین كأمیر القوم یكمنون فی الحرب و السواد المال الكثیر و انسلّ و تسلّل انطلق فی استخفاء قوله تجهّزونا إما من تجهیز المسافر بمعنی تهیئة أسبابه أو من قولهم أجهز علی الجریح إذا أثبت قتله و أسرعه و تمّم علیه قوله و لنا نصول أی سهام و سیوف و الصئول
ص: 66
فعول من قولهم صال علی قرنه إذا سطا و استطال و الصارم السیف القاطع و فلول السیف الكسور التی فی حدّه و الناصر هو اللّٰه تعالی.
و قال الجزری القضم الأكل بأطراف الأسنان
وَ مِنْهُ حَدِیثُ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَانَتْ قُرَیْشٌ إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ احْذَرُوا الْحُطَمَ احْذَرُوا الْقُضَمَ.
أی الذی یقضم الناس فیهلكهم انتهی.
قوله فقتل أمیر المؤمنین علیه السلام التاسع لعل الثامن ترك ذكره من النساخ أو الرواة و الهمهمة الكلام الخفیّ و تردّد الزئیر فی الصدر من الهمّ و نحو أصوات البقر و الفیلة و شبهها و كلّ صوت معه بحح و الهزبر الأسد و القثم كزفر الكثیر العطاء و الجموع للخیر و البهم بضم الباء و فتح الهاء جمع البهمة بالضم و هی الحیلة الشدیدة و الشجاع الذی لا یدری من أین یؤتی و الصخرة و الجیش و الأنسب هنا الأول و الآخر و البطالة بالفتح الشجاعة و الزعیم الكفیل و الصندید بالكسر السید الشجاع و الطاحونة استعیرت هنا لمجتمع القوم و مستقرّهم و فی القاموس الطحون كصبور الكتیبة العظیمة و الحرب و شاهت الوجوه أی قبحت و القطّ القطع و البطّ الشقّ و اللطّ المنع و الستر و إلصاق شی ء كالطین و نحوه و الصفیحة السیف العریض و السلیط الزیت أو دهن السمسم و یقال أتی علیه الدهر أی أهلكه و مازن أبو قبیلة من تمیم و یقال انحاز عنه عدل و انحاز القوم تركوا مراكزهم و تحاماه الناس توقّوه و اجتنبوه و الهدّ الهدم الشدید و الكسر و الجرف بالضم و بضمتین ما تجرفته السیول و أكلته من الأرض و الهز التحریك و اللوك مضغ الشی ء الصلب و إدارته فی الفم و الداغصة العظم المدور المتحرك فی وسط الركبة و الخرص بالضم و یكسر حلقة الذهب و الفضة أو حلقة القرط أو حلقة الصغیرة من الحلی.
و قال فی النهایة فی حدیث أحد قال أبو سفیان لما انهزم المسلمون و ظهروا علیهم اعل هبل فقال عمر اللّٰه أعلی و أجل فقال لعمر أنعمت فعال عنها
ص: 67
كان الرجل من قریش إذا أراد ابتداء أمر عمد إلی سهمین فكتب علی أحدهما نعم و علی الآخر لا ثم یتقدم إلی الصنم فیجیل سهامه فإن خرج سهم نعم أقدم و إن خرج سهم لا امتنع و كان أبو سفیان لما أراد الخروج إلی أحد استفتی هبل فخرج له سهم الإنعام فذلك قوله أنعمت فعال عنها أی تجاف عنها و لا تذكرها بسوء یعنی آلهتهم. (1) و العرقوب (2) من الدابة فی رجلها بمنزلة الركبة فی یدها و اكتسر الفحل خطر فضرب فخذیه بذنبه و الكلب بذنبه استثفر و كذا الخیل بأذنابها.
و المزن بالضم السحاب البیض أو ماء السماء كما سیأتی.
و الصحاف جمع الصحفة و هی القصعة و الأعسر هو الذی یعمل بیده الیسری یقال لیس شی ء أشد رمیا من الأعسر و الصر بالكسر طائر أصفر كالعصفور و یقال عهده و عهد به إذا لقیه.
و قال فی النهایة فی قولهم النجاء النجاء أی انجوا بأنفسكم و هو مصدر منصوب بفعل مضمر أی انجوا النجاء و النجاء السرعة.
و قال الفیروزآبادی الربة بالكسر و یضم عشرة آلاف.
قوله قد أجافتنی أی دخلت جوفی و یقال شاكتنی الشوكة أی أصابتنی.
و قال الجزری من مات له ولد فاحتسبه أی احتسب الأجر بصبره علی مصیبته انتهی.
و یقال جنبه أی قاده إلی جنبه فهو جنیب و مجنوب.
و قال الجزری فی الحدیث نازلت ربی فی كذا أی راجعته و سألته مرة بعد مرة و هو مفاعلة من النزول عن الأمر أو من النزال فی الحرب و هو تقابل القرنین انتهی.
و السراة بفتح السین و قد یضم الأشراف و الأحابیش الجماعة من الناس
ص: 68
لیسوا من قبیلة واحدة و القلائص جمع القلوص و هی الشابة من الإبل.
و قال الجزری فیه فانطلق الناس لا یلوی أحد علی أحد أی لا یلتفت و لا یعطف علیه و ألوی برأسه و لواه إذا أماله من جانب إلی جانب.
«4»-ل، الخصال بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ فِی خَبَرِ الشُّورَی قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ مَنْ قَالَ لَهُ جَبْرَئِیلُ یَا مُحَمَّدُ تَرَی هَذِهِ الْمُوَاسَاةَ مِنْ عَلِیٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا غَیْرِی قَالُوا اللَّهُمَّ لَا قَالَ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ قَتَلَ مِنْ بَنِی عَبْدِ الدَّارِ تِسْعَةً مُبَارِزَةً (1) كُلُّهُمْ یَأْخُذُ اللِّوَاءَ ثُمَّ جَاءَ صُؤَابٌ الْحَبَشِیُّ مَوْلَاهُمْ وَ هُوَ یَقُولُ وَ اللَّهِ لَا أَقْتُلُ بِسَادَتِی إِلَّا مُحَمَّداً قَدْ أَزْبَدَ شِدْقَاهُ وَ احْمَرَّتْ عَیْنَاهُ فَاتَّقَیْتُمُوهُ وَ حُدْتُمْ عَنْهُ وَ خَرَجْتُ إِلَیْهِ فَلَمَّا أَقْبَلَ كَأَنَّهُ قُبَّةٌ مَبْنِیَّةٌ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَ هُوَ ضَرْبَتَیْنِ فَقَطَعْتُهُ بِنِصْفَیْنِ وَ بَقِیَتْ رِجْلَاهُ وَ عَجُزُهُ وَ فَخِذَاهُ قَائِمَةً عَلَی الْأَرْضِ تَنْظُرُ إِلَیْهِ الْمُسْلِمُونَ وَ یَضْحَكُونَ مِنْهُ (2) قَالُوا اللَّهُمَّ لَا (3).
«5»-ج، الإحتجاج عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی خَبَرِ الشُّورَی قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ مَعَهُ یَوْمَ أُحُدٍ حِینَ ذَهَبَ النَّاسُ غَیْرِی قَالُوا لَا قَالَ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ سَقَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنَ الْمِهْرَاسِ غَیْرِی قَالُوا لَا (4).
بیان: قال
فی النهایة فی الحدیث إنه عطش یوم أحد فجاءه علی بماء من المهراس فعافه و غسل به الدم عن وجهه.
المهراس صخرة منقورة تسع كثیرا من الماء و قد یعمل منه حیاض للماء و قیل المهراس فی هذا الحدیث اسم ماء بأحد.
«6»-ل، الخصال فِیمَا عَدَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی رَأْسِ الْیَهُودِ مِنْ مِحَنِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی حَیَاةِ
ص: 69
النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَعْدَ فَوْتِهِ أَمَّا الرَّابِعَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ أَقْبَلُوا إِلَیْنَا عَلَی بَكْرَةِ أَبِیهِمْ قَدِ اسْتَحَاشُوا مَنْ یَلِیهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَ قُرَیْشٍ طَالِبِینَ بِثَأْرِ مُشْرِكِی قُرَیْشٍ فِی یَوْمِ بَدْرٍ فَهَبَطَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَنْبَأَهُ بِذَلِكَ فَذَهَبَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَسْكَرَ بِأَصْحَابِهِ فِی سَدِّ أُحُدٍ وَ أَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ إِلَیْنَا فَحَمَلُوا عَلَیْنَا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ مَنِ اسْتُشْهِدَ وَ كَانَ مِمَّنْ بَقِیَ مَا كَانَ مِنَ الْهَزِیمَةِ وَ بَقِیتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَضَی الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ إِلَی مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْمَدِینَةِ كُلٌّ یَقُولُ قُتِلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وُجُوهَ الْمُشْرِكِینَ وَ قَدْ جُرِحْتُ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَیِّفاً وَ سَبْعِینَ جَرْحَةً مِنْهَا هَذِهِ وَ هَذِهِ ثُمَّ أَلْقَی رِدَاءَهُ وَ أَمَرَّ یَدَهُ عَلَی جِرَاحَاتِهِ وَ كَانَ مِنِّی فِی ذَلِكَ (1) مَا عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثَوَابُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْخَبَرَ (2).
بیان: قال الجزری فی الحدیث جاءت هوازن علی بكرة أبیها هذه كلمة للعرب یریدون بها الكثرة و توفر العدد و أنهم جاءوا جمیعا لم یتخلف منهم أحد و لیس هناك بكرة حقیقة و هی التی یستقی علیها الماء فاستعیرت فی هذا الموضع انتهی و الحوش الجمع.
«7»-ع، علل الشرائع الْهَمَذَانِیُّ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ وَ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ مَعاً عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی لَمْ یَبْقَ مَعَهُ إِلَّا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أَبَا دُجَانَةَ (3) أَ مَا تَرَی قَوْمَكَ قَالَ بَلَی قَالَ الْحَقْ بِقَوْمِكَ قَالَ مَا عَلَی هَذَا بَایَعْتُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ فِی حِلٍّ قَالَ وَ اللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ قُرَیْشٌ بِأَنِّی خَذَلْتُكَ وَ فَرَرْتُ حَتَّی أَذُوقَ مَا تَذُوقُ فَجَزَاهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله خَیْراً وَ كَانَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ كُلَّمَا حَمَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اسْتَقْبَلَهُمْ وَ رَدَّهُمْ حَتَّی أَكْثَرَ فِیهِمُ الْقَتْلَ
ص: 70
وَ الْجِرَاحَاتِ حَتَّی انْكَسَرَ سَیْفُهُ فَجَاءَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ یُقَاتِلُ بِسِلَاحِهِ وَ قَدِ انْكَسَرَ سَیْفِی فَأَعْطَاهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ فَمَا زَالَ یَدْفَعُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی أُثِّرَ وَ أُنْكِرَ (1) فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ وَ قَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ مِنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَكَ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا وَ سَمِعُوا دَوِیّاً مِنَ السَّمَاءِ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
قال الصدوق رحمه اللّٰه قول جبرئیل و أنا منكما تمنی منه لأن یكون منهما فلو كان أفضل منه لم یقل ذلك و لم یتمن أن ینحط عن درجته إلی أن یكون ممن دونه و إنما قال و أنا منكما لیصیر ممن هو أفضل منه فیزداد محلا إلی محله و فضلا إلی فضله. (2) بیان قوله حتی أثر علی بناء المجهول أی أثر فیه الجراحة و أنكر أیضا علی بناء المجهول أی صار بحیث لم یكن یعرفه من یراه من قولهم أنكره إذا لم یعرفه.
«8»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی الْمُفِیدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الْبَزَّازِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَیْدٍ الْعَطَارُدِیِّ عَنْ أَبِی بِشْرِ بْنِ بُكَیْرٍ عَنْ زِیَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَی بَنِی هَاشِمٍ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ أُحُدٍ شُجَّ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی وَجْهِهِ وَ كُسِرَتْ رَبَاعِیَتُهُ فَقَامَ صلی اللّٰه علیه و آله رَافِعاً یَدَیْهِ یَقُولُ إِنَّ اللَّهَ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَی الْیَهُودِ أَنْ قَالُوا الْعُزَیْرُ (3) ابْنُ اللَّهِ وَ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَی النَّصَارَی أَنْ قَالُوا الْمَسِیحُ ابْنُ اللَّهِ وَ إِنَّ اللَّهَ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَی مَنْ أَرَاقَ دَمِی وَ آذَانِی فِی عِتْرَتِی (4).
«9»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی الْمُفِیدُ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَالِكٍ النَّحْوِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ
ص: 71
بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَشِیخَتِهِ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنْ أُحُدٍ نَاوَلَ فَاطِمَةَ سَیْفَهُ وَ قَالَ:
أَ فَاطِمُ هَاكِ السَّیْفَ غَیْرَ ذَمِیمٍ*** فَلَسْتُ بِرِعْدِیدٍ وَ لَا بِلَئِیمٍ
لَعَمْرِی لَقَدْ أَعْذَرْتُ فِی نَصْرِ أَحْمَدَ*** وَ مَرْضَاةِ رَبٍّ بِالْعِبَادِ رَحِیمٍ
قَالَ وَ سُمِعَ یَوْمَ أُحُدٍ وَ قَدْ هَاجَتْ رِیحٌ عَاصِفٌ كَلَامُ هَاتِفٍ یَهْتِفُ وَ هُوَ یَقُولُ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ (1) فَإِذَا نَدَبْتُمْ هَالِكاً فَابْكُوا الْوَفِیَّ أَخَا الْوَفِیِّ (2).
بیان: الرعدید بالكسر الجبان و المراد بالوفی حمزة و هو أخو الوفی أبی طالب علیه السلام.
«10»-أَقُولُ رُوِیَ فِی الدِّیوَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَیْهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ بَعْدَ الْبَیْتَیْنِ
أُرِیدُ ثَوَابَ اللَّهِ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ*** وَ رِضْوَانَهُ فِی جَنَّةٍ وَ نَعِیمٍ
وَ كُنْتُ امْرَأً أَسْمُو إِذِ الْحَرْبُ شَمَّرَتْ (3)*** وَ قَامَتْ عَلَی سَاقٍ بِغَیْرِ مَلِیمٍ
أَمَمْتُ ابْنَ عَبْدِ الدَّارِ حَتَّی ضَرَبْتُهُ*** بِذِی رَوْنَقٍ یَفْرِی الْعِظَامَ صَمِیمٍ
فَغَادَرْتُهُ بِالْقَاعِ فَارْفَضَّ جَمْعُهُ*** عَبَادِیدَ مِنْ ذِی قَانِطٍ وَ كَلِیمٍ
وَ سَیْفِی بِكَفِّی كَالشِّهَابِ أَهُزُّهُ*** أَجُزُّ بِهِ مِنْ عَاتِقٍ وَ صَمِیمٍ
فَمَا زِلْتُ حَتَّی فَضَّ رَبِّی جُمُوعَهُمْ*** وَ أَشْفَیْتُ مِنْهُمْ صَدْرَ كُلِّ حَلِیمٍ (4)
«11»-وَ قَالَ شَارِحُ الدِّیوَانِ لَمَّا أَنْشَدَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الْأَبْیَاتَ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله خُذِیهِ یَا فَاطِمَةُ فَقَدْ أَدَّی بَعْلُكِ مَا عَلَیْهِ وَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ صَنَادِیدَ قُرَیْشٍ بِیَدَیْهِ.
قَالَ وَ رَوَی زَیْدُ بْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْهَزَمَ النَّاسُ یَوْمَ أُحُدٍ إِلَّا عَلِیٌّ وَحْدَهُ فَقُلْتُ إِنَّ ثُبُوتَ عَلِیٍّ فِی ذَلِكَ الْمَقَامِ لَعَجَبٌ قَالَ إِنْ تَعَجَّبْتَ مِنْهُ
ص: 72
فَقَدْ تَعَجَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ جَبْرَئِیلَ قَالَ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ وَ هُوَ یَعْرُجُ إِلَی السَّمَاءِ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
وَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ لِیَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ أُحُدٍ أَ مَا تَسْمَعُ مَدِیحَكَ فِی السَّمَاءِ إِنَّ مَلَكاً اسْمُهُ رِضْوَانُ یُنَادِی لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
قَالَ: وَ یُقَالُ إِنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله نُودِیَ فِی هَذَا الْیَوْمِ:
نَادِ عَلِیّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِبِ*** تَجِدْهُ عَوْناً لَكَ فِی النَّوَائِبِ
كُلُّ غَمٍّ وَ هَمٍّ سَیَنْجَلِی*** بِوَلَایَتِكَ یَا عَلِیُّ یَا عَلِیُّ یَا عَلِیُّ (1)
و قال بعضهم الهم عبارة عن الفكر فی مكروه یخاف الإنسان حدوثه و یرجو فواته فیكون مركبا من الخوف و الرجاء و الغم لا فكر فیه لأنه إنما یكون فیما مضی انتهی كلام الشارح.
قوله یسمو أی یعلو و شمر فی الأمر خف علی ساق أی علی شدة بغیر ملیم أی بغیر فعل یوجب الملامة أممت أی قصدت و رونق السیف ماؤه و حسنه و الفری القطع و صمم السیف إذا مضی فی العظم و قطعه فغادرته أی تركته و الإفضاض التفرق و العبادید الفرق من الناس الذاهبون فی كل وجه من ذی قانط أی جمع فیهم قانطون و كلیم أی جریح و الصمیم العظم الذی به قوام العضو.
«12»-مع، معانی الأخبار أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَیْرٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: ذَهَبْتُ أَنَا وَ بُكَیْرٌ مَعَ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی الْمَشَاهِدِ حَتَّی انْتَهَیْنَا إِلَی أُحُدٍ فَأَرَانَا قُبُورَ الشُّهَدَاءِ ثُمَّ دَخَلَ بِنَا الشِّعْبَ فَمَضَیْنَا مَعَهُ سَاعَةً حَتَّی مَضَیْنَا إِلَی مَسْجِدٍ هُنَاكَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَلَّی فِیهِ فَصَلَّیْنَا فِیهِ ثُمَّ أَرَانَا
ص: 73
مَكَاناً فِی رَأْسِ جَبَلٍ فَقَالَ إِنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله صَعِدَ إِلَیْهِ فَكَانَ یَكُونُ فِیهِ مَاءُ الْمَطَرِ قَالَ زُرَارَةُ فَوَقَعَ فِی نَفْسِی أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمْ یَصْعَدْ إِلَی مَا ثَمَّ- (1) فَقُلْتُ أَمَّا أَنَا فَإِنِّی لَا أَجِی ءُ مَعَكُمْ أَنَا نَائِمٌ هَاهُنَا حَتَّی تَجِیئُوا فَذَهَبَ هُوَ وَ بُكَیْرٌ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَ جَاءُوا إِلَیَّ فَانْصَرَفْنَا جَمِیعاً حَتَّی إِذَا كَانَ الْغَدُ أَتَیْنَا أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَنَا أَیْنَ كُنْتُمْ أَمْسِ فَإِنِّی لَمْ أَرَكُمْ فَأَخْبَرْنَاهُ وَ وَصَفْنَا لَهُ الْمَسْجِدَ وَ الْمَوْضِعَ الَّذِی زَعَمَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله صَعِدَ إِلَیْهِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فِیهِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَا أَتَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِكَ الْمَكَانَ قَطُّ فَقُلْتُ لَهُ یُرْوَی (2) لَنَا أَنَّهُ كُسِرَتْ رَبَاعِیَتُهُ فَقَالَ لَا قَبَضَهُ اللَّهُ سَلِیماً وَ لَكِنَّهُ شُجَّ فِی وَجْهِهِ فَبَعَثَ عَلِیّاً فَأَتَاهُ بِمَاءٍ فِی حَجَفَةٍ فَعَافَهُ (3) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَشْرَبَ مِنْهُ وَ غَسَلَ وَجْهَهُ (4).
«13»-مع، معانی الأخبار الطَّالَقَانِیُّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ بِالرَّیِّ فِی رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَ أَرْبَعِینَ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَنْبَارِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یُونُسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (5) عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ قَیْسٍ عَنْ مخذمة (مَخْرَمَةَ) بْنِ بُكَیْرٍ (6) عَنْ أَبِی حَازِمٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَیْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ أُحُدٍ بَعَثَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی طَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِیعِ وَ قَالَ لِی إِذَا رَأَیْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّی السَّلَامَ وَ قُلْ لَهُ كَیْفَ تَجِدُكَ قَالَ فَجَعَلْتُ أَطْلُبُهُ بَیْنَ الْقَتْلَی حَتَّی وَجَدْتُهُ بَیْنَ ضَرْبَةٍ بِسَیْفٍ وَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَ رَمْیَةٍ بِسَهْمٍ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقْرَأُ عَلَیْكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ لَكَ كَیْفَ تَجِدُكَ فَقَالَ سَلِّمْ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قُلْ لِقَوْمِیَ الْأَنْصَارِ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
ص: 74
إِنْ وَصَلَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ فِیكُمْ شُفْرٌ یَطْرِفُ (1) وَ فَاضَتْ نَفْسُهُ.
قال الصدوق رحمه اللّٰه سمعت أبا العباس یقول قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباری قوله فیكم شفر یطرف الشفر واحد أشفار العین و هی حروف الأجفان التی تلتقی عند التغمیض و الأجفان أغطیة العینین من فوق و من تحت و الهدب الشعر النابت فی الأشفار و شفر العین مضموم الشین و یقال ما فی الدار شفر بفتح الشین یراد به أحد قال الشاعر:
فو اللّٰه ما تنفك منا عداوة*** و لا منهم ما دام من نسلنا شفر
و قوله فاضت نفسه معناه مات قال أبو العباس قال أبو بكر الأنباری حدثنا إسماعیل بن إسحاق القاضی عن نصر (2) بن علی عن الأصمعی عن أبی عمرو بن العلاء قال یقال فاظ الرجل إذا مات و لا یقال فاظت نفسه و لا فاضت نفسه و حدثنا أبو العباس عن ابن الأنباری عن عبد اللّٰه بن خلف قال حدثنا صالح بن محمد بن دراج قال سمعت أبا عمرو الشیبانی یقول یقال فاظ المیت و لا یقال فاظت نفسه و لا فاضت نفسه.
حدثنا أبو العباس قال حدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن یحیی عن سلمة بن عاصم عن الفراء قال أهل الحجاز و طی ء یقولون فاضت نفس الرجل و عكل و قیس و تمیم یقولون فاضت نفسه بالضاد و أنشد:
یرید رجال ینادونها*** و أنفسهم دونها فائضة
و حدثنا أبو العباس عن أبی بكر بن الأنباری عن أبیه عن أبی الحسن الطوسی عن أبی عبید عن الكسائی قال یقال فاضت نفسه و فاظ المیت و أفاظ اللّٰه نفسه. (3)
ص: 75
و بالإسناد عن أبی الحسن الطوسی و محمد بن الحكم عن الحسن اللحیانی (1) قال یقال فاظ المیت بالظاء و فاض المیت بالضاد.
و حدثنا أبو العباس عن أبی بكر عن أبیه عن عبد اللّٰه بن محمد القمی عن یعقوب بن السكیت قال یقال فاظ المیت یفوظ و فاظ یفیظ.
و حدثنا أبو العباس عن أبی بكر عن أبیه عن محمد بن الجهم عن الفراء قال یقال فاظ المیت نفسه بالظاء و نصب النفس.
و حدثنا أبو العباس قال أنشدنا أبو بكر قال أنشدنی أبی قال أنشدنا أبو عكرمة الضبی:
و فاظ ابن حصن غائیا (2) فی بیوتنا*** یمارس قدا فی ذراعیه مصحبا
(3) بیان قال الجوهری غنی بالمكان أی أقام و غنی أی عاش و قال القد الشق طولا و القد أیضا جلد السخلة الماعزة و بالكسر سیر تقد من جلد غیر مدبوغ و قال المصحب من الزق ما الشعر علیه و قد أصحبته إذا تركت صوفه أو شعره علیه و لم تعطنه.
«14»-فس، تفسیر القمی قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا مَرَّ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ الْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِی مُعَیْطٍ وَ هُمَا فِی حَائِطٍ یَشْرَبَانِ وَ یُغَنِّیَانِ بِهَذَا الْبَیْتِ فِی حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِینَ قُتِلَ:
كَمْ مِنْ حَوَارِیَّ تَلُوحُ عِظَامُهُ*** وَرَاءَ الْحَرْبِ عِنْدَ أَنْ یُجَرَّ (4) فَیُقْبَرَا
فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا وَ ارْكُسْهُمَا فِی الْفِتْنَةِ رَكْساً وَ دُعَّهُمَا إِلَی النَّارِ دَعّاً (5).
ص: 76
بیان: الحواری الناصر و الركس رد الشی ء مقلوبا و الدع الدفع.
«15»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ أُبَیَّ بْنَ خَلَفٍ قَالَ لِلنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَكَّةَ إِنِّی أَعْلِفَ الْعَوْرَاءَ (1) یَعْنِی فَرَساً لَهُ أَقْتُلُكَ عَلَیْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَكِنْ أَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَقِیَ یَوْمَ أُحُدٍ فَلَمَّا دَنَا تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ فَمَشَی إِلَیْهِ فَطَعَنَ وَ انْصَرَفَ فَرَجَعَ إِلَی قُرَیْشٍ وَ هُوَ یَقُولُ قَتَلَنِی مُحَمَّدٌ قَالُوا وَ مَا بِكَ بَأْسٌ قَالَ إِنَّهُ قَالَ لِی بِمَكَّةَ إِنِّی أَقْتُلُكَ لَوْ بَصَقَ عَلَیَّ لَقَتَلَنِی فَمَاتَ بِشَرَفٍ (2).
«16»-یج مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قُرَیْشٍ سَبْعِینَ رَجُلًا وَ أَسَرُوا مِنْهُمْ سَبْعِینَ فَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ بِقَتْلِ الْأُسَارَی وَ حَرْقِ الْغَنَائِمِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ إِنَّ الْأُسَارَی هُمْ قَوْمُكَ وَ قَدْ قَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِینَ فَأَطْلِقْ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ الْفِدَاءَ مِنَ الْأُسَارَی وَ الْغَنَائِمَ فَنَقْوَی (3) بِهَا عَلَی جِهَادِنَا فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَیْهِ إِنْ لَمْ تَقْتُلُوا یُقْتَلْ مِنْكُمْ فِی الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِی مِثْلِ هَذَا الْیَوْمِ عَدَدَ الْأُسَارَی فَأَنْزَلَ اللَّهُ ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَكُونَ لَهُ أَسْری حَتَّی یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا (4) فَلَمَّا كَانَ فِی الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ سَبْعُونَ بِعَدَدِ (5) الْأُسَارَی قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَعَدْتَنَا النَّصْرَ فَمَا هَذَا الَّذِی وَقَعَ بِنَا وَ نَسُوا الشَّرْطَ بِبَدْرٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها یَعْنِی مَا كَانُوا أَصَابُوا مِنْ قُرَیْشٍ بِبَدْرٍ وَ قَبِلُوا الْفِدَاءَ مِنَ الْأَسْرَی قُلْتُمْ أَنَّی هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ (6) یَعْنِی بِالشَّرْطِ الَّذِی شَرَطُوهُ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَنْ یُقْتَلَ مِنْهُمْ بِعَدَدِ الْأُسَارَی إِذَا هُوَ أَطْلَقَ لَهُمُ الْفِدَاءَ مِنْهُمْ وَ الْغَنَائِمَ فَكَانَ الْحَالُ فِی ذَلِكَ عَلَی حُكْمِ الشَّرْطِ وَ لَمَّا انْكَشَفَتِ الْحَرْبُ یَوْمَ أُحُدٍ سَارَ (7) أَوْلِیَاءُ
ص: 77
الْمَقْتُولِینَ لِیَحْمِلُوا قَتْلَاهُمْ إِلَی الْمَدِینَةِ فَشَدُّوهُمْ عَلَی الْجِمَالِ وَ كَانُوا إِذَا تَوَجَّهُوا بِهِمْ نَحْوَ الْمَدِینَةِ بَرَكَتِ الْجِمَالُ وَ إِذَا تَوَجَّهُوا بِهِمْ نَحْوَ الْمَعْرَكَةِ أَسْرَعَتْ فَشَكَوُا الْحَالَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ أَ لَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ اللَّهِ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِی بُیُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ (1) فَدُفِنَ كُلُّ رَجُلَیْنِ فِی قَبْرٍ إِلَّا حَمْزَةَ فَإِنَّهُ دُفِنَ وَحْدَهُ وَ كَانَ أَصَابَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی حَرْبِ أُحُدٍ أَرْبَعُونَ جِرَاحَةً فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمَاءَ عَلَی فَمِهِ فَرَشَّهُ عَلَی الْجِرَاحَاتِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ وَقْتِهَا وَ كَانَ أَصَابَ عَیْنَ قَتَادَةَ (2) سَهْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَسَالَتِ الْحَدَقَةُ فَأَمْسَكَهَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِیَدِهِ فَعَادَتْ كَأَحْسَنِ مَا كَانَتْ وَ مِنْهَا أَنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ انْقَطَعَ سَیْفِی یَوْمَ أُحُدٍ فَرَجَعْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقُلْتُ إِنَّ الْمَرْءَ یُقَاتِلُ بِسَیْفِهِ وَ قَدِ انْقَطَعَ سَیْفِی فَنَظَرَ إِلَی جَرِیدَةِ نَخْلٍ عَتِیقَةٍ یَابِسَةٍ مَطْرُوحَةٍ فَأَخَذَهَا بِیَدِهِ ثُمَّ هَزَّهَا فَصَارَتْ سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ فَنَاوَلَنِیهِ فَمَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا وَ قَدَّهُ بِنِصْفَیْنِ وَ مِنْهَا أَنَّ جَابِراً قَالَ كَانَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَكَّةَ وَ رَجُلٌ مِنْ قُرَیْشٍ یُرَبِّی (3) مُهْراً كَانَ إِذَا لَقِیَ مُحَمَّداً وَ الْمُهْرُ مَعَهُ یَقُولُ یَا مُحَمَّدُ عَلَی هَذَا الْمُهْرِ أَقْتُلُكَ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَقْتُلُكَ عَلَیْهِ قَالَ بَلْ أَقْتُلُكَ فَوَافَی أُحُداً فَأَخَذَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله حَرْبَةَ رَجُلٍ وَ خَلَعَ سِنَانَهُ وَ رَمَی بِهِ فَضَرَبَهَا عَلَی عُنُقِهِ فَقَالَ النَّارَ النَّارَ وَ سَقَطَ مَیِّتاً وَ مِنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله انْتَهَی إِلَی رَجُلٍ قَدْ فَوَّقَ سَهْماً لِیَرْمِیَ بَعْضَ الْمُشْرِكِینَ فَوَضَعَ صلی اللّٰه علیه و آله یَدَهُ فَوْقَ السَّهْمِ وَ قَالَ ارْمِهِ (4) فَرَمَی ذَلِكَ الْمُشْرِكَ بِهِ فَهَرَبَ الْمُشْرِكُ
ص: 78
مِنَ السَّهْمِ وَ جَعَلَ یَرُوغُ مِنَ السَّهْمِ یَمْنَةً وَ یَسْرَةً وَ السَّهْمُ یَتْبَعُهُ حَیْثُمَا رَاغَ حَتَّی سَقَطَ السَّهْمُ فِی رَأْسِهِ فَسَقَطَ الْمُشْرِكُ مَیِّتاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمی (1) وَ كَانَ أَبُو غُرَّةَ (2) الشَّاعِرُ حَضَرَ مَعَ قُرَیْشٍ یَوْمَ بَدْرٍ وَ یُحَرِّضُ قُرَیْشاً بِشِعْرِهِ عَلَی الْقِتَالِ فَأُسِرَ فِی السَّبْعِینَ الَّذِینَ أُسِرُوا فَلَمَّا وَقَعَ الْفِدَاءُ عَلَی الْقَوْمِ قَالَ أَبُو غُرَّةَ (3) یَا أَبَا الْقَاسِمِ تَعْلَمُ أَنِّی رَجُلٌ فَقِیرٌ فَامْنُنْ عَلَی بَنَاتِی فَقَالَ أُطْلِقُكَ (4) بِغَیْرِ فِدَاءٍ أَلَّا تُكْثِرَ عَلَیْنَا بَعْدَهَا قَالَ لَا وَ اللَّهِ فَعَاهَدَهُ عَلَی أَنْ لَا یَعُودَ فَلَمَّا كَانَ حَرْبُ أُحُدٍ دَعَتْهُ قُرَیْشٌ إِلَی الْخُرُوجِ مَعَهَا لِیُحَرِّضَ النَّاسَ بِشِعْرِهِ عَلَی الْقِتَالِ فَقَالَ إِنِّی عَاهَدْتُ مُحَمَّداً أَنْ لَا أُكْثِرَ عَلَیْهِ بَعْدَ مَا مَنَّ عَلَیَّ قَالُوا لَیْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ إِنَّ مُحَمَّداً لَا یَسْلَمُ مِنَّا فِی هَذِهِ الدَّفْعَةِ فَغَلَبُوهُ عَلَی رَأْیِهِ (5) فَلَمْ یُؤْسَرْ یَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قُرَیْشٍ غَیْرُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ لَمْ تُعَاهدْنِی قَالَ إِنَّهُمْ (6) غَلَبُونِی عَلَی رَأْیِی فَامْنُنْ عَلَی بَنَاتِی قَالَ لَا تَمْشِی بِمَكَّةَ وَ تُحَرِّكُ كَتِفَیْكَ وَ تَقُولُ سَخِرْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ مَرَّتَیْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمُؤْمِنُ لَا یُلْسَعُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَیْنِ یَا عَلِیُّ اضْرِبْ عُنُقَهُ (7).
بیان: راغ مال و حاد.17 شا، الإرشاد ثم تلت بدرا غزاة أحد و كانت رایة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بید أمیر المؤمنین
ص: 79
علیه السلام فیها كما كانت بیده یوم بدر فصار اللواء إلیه یومئذ دون صاحب الرایة و اللواء جمیعا و كان الفتح له فی هذه الغزاة كما كان له ببدر سواء و اختص بحسن البلاء فیها و الصبر و ثبوت القدم عند ما زلت من غیره الأقدام و كان له العناء برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (1) ما لم یكن لسواه من أهل الإسلام و قتل اللّٰه بسیفه رءوس أهل الشرك و الضلال و فرج اللّٰه به الكرب عن نبیه صلی اللّٰه علیه و آله و خطب بفضله فی ذلك المقام جبرئیل علیه السلام فی ملائكة الأرض و السماء و أبان نبی الهدی صلی اللّٰه علیه و آله من اختصاصه به ما كان مستورا عن عامة الناس.
فمن ذلك
ما رواه یحیی بن عمارة قال حدثنی الحسن بن موسی بن ریاح مولی الأنصار قال حدثنی أبو البختری القرشی قال كانت رایة قریش و لواؤها جمیعا بید قصی بن كلاب ثم لم تزل الرایة فی ید ولد عبد المطلب یحملها منهم من حضر الحرب حتی بعث اللّٰه رسوله فصارت رایة قریش و غیرها إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأقرها فی بنی هاشم فأعطاها (2) رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی بن أبی طالب علیه السلام فی غزاة ودان (3) و هی أول غزاة حمل (4) فیها رایة فی الإسلام مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله ثم لم تزل معه فی المشاهد ببدر و هی البطشة الكبری و فی یوم أحد و كان اللواء یومئذ فی بنی عبد الدار فأعطاها (5) رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مصعب بن عمیر فاستشهد و وقع اللواء من یده فتشوقته القبائل فأخذه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فدفعه إلی علی بن أبی طالب علیه السلام فجمع له یومئذ الرایة و اللواء فهما إلی الیوم فی بنی هاشم.
ص: 80
و روی المفضل بن عبد اللّٰه عن سماك عن عكرمة عن عبد اللّٰه بن العباس أنه قال لعلی بن أبی طالب علیه السلام أربع ما هن لأحد هو أول عربی و عجمی صلی مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو صاحب لوائه فی كل زحف و هو الذی ثبت معه یوم المهراس (1) یعنی یوم أحد و فر الناس و هو الذی أدخله قبره
وَ رَوَی زَیْدُ بْنُ وَهْبٍ الْجُهَنِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ الْحِمَّانِیِّ (2) عَنْ شَرِیكٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِیرَةِ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ وَجَدْنَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ یَوْماً طِیبَ نَفْسٍ فَقُلْنَا لَهُ لَوْ حَدَّثْتَنَا عَنْ یَوْمِ أُحُدٍ وَ كَیْفَ كَانَ فَقَالَ أَجَلْ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِیثَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی ذِكْرِ الْحَرْبِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اخْرُجُوا إِلَیْهِمْ عَلَی اسْمِ اللَّهِ فَخَرَجْنَا فَصَفَفْنَا لَهُمْ صَفّاً طَوِیلًا وَ أَقَامَ عَلَی الشِّعْبِ خَمْسِینَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَ أَمَّرَ عَلَیْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ وَ قَالَ لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ هَذَا وَ لَوْ قُتِلْنَا (3) عَنْ آخِرِنَا فَإِنَّمَا نُؤْتَی مِنْ مَوْضِعِكُمْ (4) قَالَ فَأَقَامَ أَبُو سُفْیَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ بِإِزَائِهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ وَ كَانَتِ الْأَلْوِیَةُ مِنْ قُرَیْشٍ فِی بَنِی عَبْدِ الدَّارِ (5) وَ كَانَ لِوَاءُ الْمُشْرِكِینَ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِی طَلْحَةَ وَ كَانَ یُدْعَی كَبْشَ الْكَتِیبَةِ قَالَ وَ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِوَاءَ الْمُهَاجِرِینَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ جَاءَ حَتَّی وَقَفَ تَحْتَ لِوَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ فَجَاءَ أَبُو سُفْیَانَ إِلَی أَصْحَابِ اللِّوَاءِ فَقَالَ یَا أَصْحَابَ الْأَلْوِیَةِ إِنَّكُمْ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنَّمَا یُؤْتَی الْقَوْمُ مِنْ قِبَلِ أَلْوِیَتِهِمْ وَ إِنَّمَا أُوتِیتُمْ (6) یَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قِبَلِ أَلْوِیَتِكُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ
ص: 81
تَرَوْنَ أَنَّكُمْ قَدْ ضَعُفْتُمْ عَنْهَا فَادْفَعُوهَا إِلَیْنَا نَكْفِكُمُوهَا قَالَ فَغَضِبَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِی طَلْحَةَ وَ قَالَ أَ لَنَا تَقُولُ هَذَا وَ اللَّهِ لَأُورِدَنَّكُمْ بِهَا الْیَوْمَ حِیَاضَ الْمَوْتِ قَالَ وَ كَانَ (1) طَلْحَةُ یُسَمَّی كَبْشَ الْكَتِیبَةِ قَالَ فَتَقَدَّمَ وَ تَقَدَّمَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ عَلِیٌّ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِی طَلْحَةَ كَبْشُ الْكَتِیبَةِ (2) فَمَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ تَقَارَبَا فَاخْتَلَفَتْ بَیْنَهُمَا ضَرْبَتَانِ فَضَرَبَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ ضَرْبَةً عَلَی مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَبَدَرَتْ عَیْنُهُ (3) وَ صَاحَ صَیْحَةً لَمْ یُسْمَعْ مِثْلُهَا قَطُّ وَ سَقَطَ اللِّوَاءُ مِنْ یَدِهِ فَأَخَذَهُ أَخٌ لَهُ یُقَالُ لَهُ مُصْعَبٌ فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ أَخٌ لَهُ یُقَالُ لَهُ عُثْمَانُ فَرَمَاهُ عَاصِمٌ أَیْضاً بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَأَخَذَهُ عَبْدٌ لَهُمْ یُقَالُ لَهُ صُؤَابٌ وَ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فَضَرَبَ (4) عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی یَدِهِ فَقَطَعَهَا فَأَخَذَ اللِّوَاءَ بِیَدِهِ الْیُسْرَی فَضَرَبَ عَلِیٌّ عَلَی یَدِهِ الْیُسْرَی فَقَطَعَهَا فَأَخَذَ اللِّوَاءَ عَلَی صَدْرِهِ وَ جَمَعَ یَدَیْهِ وَ هُمَا مَقْطُوعَتَانِ عَلَیْهِ فَضَرَبَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی أُمِّ رَأْسِهِ فَسَقَطَ صَرِیعاً فَانْهَزَمَ (5) الْقَوْمُ وَ أَكَبَّ الْمُسْلِمُونَ عَلَی الْغَنَائِمِ فَلَمَّا رَأَی أَصْحَابُ الشِّعْبِ النَّاسَ یَغْنِمُونَ قَالُوا یَذْهَبُ هَؤُلَاءِ بِالْغَنَائِمِ وَ نَبْقَی نَحْنُ فَقَالُوا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (6) بْنِ حَزْمٍ الَّذِی كَانَ رَئِیساً عَلَیْهِمْ نُرِیدُ أَنْ نَغْنَمَ كَمَا یَغْنَمُ (7) النَّاسُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَنِی أَنْ لَا أَبْرَحَ مِنْ مَوْضِعِی (8) هَذَا فَقَالُوا لَهُ إِنَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا وَ هُوَ لَا یَدْرِی أَنَّ الْأَمْرَ یَبْلُغُ إِلَی مَا تَرَی (9) وَ مَالُوا إِلَی الْغَنَائِمِ وَ تَرَكُوهُ وَ لَمْ یَبْرَحْ هُوَ
ص: 82
مِنْ مَوْضِعِهِ فَحَمَلَ عَلَیْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ جَاءَ مِنْ (1) ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُرِیدُهُ فَنَظَرَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی خِفٍّ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ دُونَكُمْ هَذَا الَّذِی تَطْلُبُونَ فَشَأْنَكُمْ بِهِ فَحَمَلُوا عَلَیْهِ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ضَرْباً بِالسُّیُوفِ وَ طَعْناً بِالرِّمَاحِ وَ رَمْیاً بِالنَّبْلِ وَ رَضْخاً بِالْحِجَارَةِ وَ جَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله یُقَاتِلُونَ عَنْهُ حَتَّی قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا وَ ثَبَتَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ لِلْقَوْمِ یَدْفَعُونَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَكَثُرَ (2) عَلَیْهِمُ الْمُشْرِكُونَ فَفَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَیْنَیْهِ وَ نَظَرَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَدْ كَانَ أُغْمِیَ عَلَیْهِ مِمَّا نَالَهُ فَقَالَ یَا عَلِیُّ مَا فَعَلَ النَّاسُ فَقَالَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَ وَلَّوُا الدُّبُرَ فَقَالَ لَهُ فَاكْفِنِی هَؤُلَاءِ الَّذِینَ قَدْ قَصَدُوا قَصْدِی فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَكَشَفَهُمْ (3) ثُمَّ عَادَ إِلَیْهِ وَ قَدْ حَمَلُوا عَلَیْهِ مِنْ نَاحِیَةٍ أُخْرَی فَكَرَّ عَلَیْهِمْ فَكَشَفَهُمْ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ قَائِمَانِ عَلَی رَأْسِهِ بِیَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَیْفٌ لِیَذُبَّ عَنْهُ وَ ثَابَ (4) إِلَیْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُنْهَزِمِینَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَ صَعِدَ الْبَاقُونَ الْجَبَلَ وَ صَاحَ صَائِحٌ بِالْمَدِینَةِ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَانْخَلَعَتْ لِذَلِكَ الْقُلُوبُ وَ تَحَیَّرَ الْمُنْهَزِمُونَ فَأَخَذُوا یَمِیناً وَ شِمَالًا وَ كَانَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ جَعَلَتْ لِوَحْشِیٍّ جُعْلًا عَلَی أَنْ یَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَوْ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَوْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهَا أَمَّا مُحَمَّدٌ فَلَا حِیلَةَ لِی فِیهِ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ یُطِیفُونَ بِهِ وَ أَمَّا عَلِیٌّ فَإِنَّهُ إِذَا قَاتَلَ كَانَ أَحْذَرَ مِنَ الذِّئْبِ وَ أَمَّا حَمْزَةُ فَإِنِّی أَطْمَعُ فِیهِ لِأَنَّهُ إِذَا غَضِبَ لَمْ یُبْصِرْ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ كَانَ حَمْزَةُ یَوْمَئِذٍ قَدْ أُعْلِمَ بِرِیشَةِ نَعَامَةٍ فِی صَدْرِهِ فَكَمَنَ لَهُ وَحْشِیٌّ فِی أَصْلِ شَجَرَةٍ فَرَآهُ حَمْزَةُ فَبَدَرَ بِالسَّیْفِ إِلَیْهِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَخْطَأَتْ رَأْسَهُ قَالَ وَحْشِیٌّ وَ هَزَزْتُ (5) حَرْبَتِی حَتَّی إِذَا تَمَكَّنْتُ مِنْهُ رَمَیْتُهُ فَأَصَبْتُهُ
ص: 83
فِی أُرْبِیَّتِهِ فَأَنْفَذْتُهُ وَ تَرَكْتُهُ حَتَّی إِذَا بَرَدَ صِرْتُ إِلَیْهِ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِی وَ شُغِلَ عَنِّی وَ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ بِهَزِیمَتِهِمْ وَ جَاءَتْ هِنْدٌ فَأَمَرَتْ بِشَقِّ بَطْنِ حَمْزَةَ وَ قَطْعِ كَبِدِهِ وَ التَّمْثِیلِ بِهِ فَجَدَعُوا أَنْفَهُ وَ أُذُنَیْهِ وَ مَثَّلُوا بِهِ وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَشْغُولٌ عَنْهُ لَا یَعْلَمُ بِمَا انْتَهَی (1) إِلَیْهِ الْأَمْرُ.
قَالَ الرَّاوِی لِلْحَدِیثِ وَ هُوَ زَیْدُ بْنُ وَهْبٍ قُلْتُ لِابْنِ مَسْعُودٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی لَمْ یَبْقَ مَعَهُ (2) إِلَّا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ فَقَالَ انْهَزَمَ النَّاسُ إِلَّا عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَحْدَهُ وَ ثَابَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَفَرٌ وَ كَانَ أَوَّلُهُمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَ أَبَا دُجَانَةَ (3) وَ سَهْلَ بْنَ حُنَیْفٍ وَ لَحِقَهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ لَهُ وَ أَیْنَ (4) كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ قَالَ كَانَا مِمَّنْ تَنَحَّی (5) قُلْتُ وَ أَیْنَ كَانَ عُثْمَانُ قَالَ جَاءَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ (6) مِنَ الْوَاقِعَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَقَدْ ذَهَبْتَ فِیهَا عَرِیضَةً.
قَالَ فَقُلْتُ لَهُ وَ أَیْنَ (7) كُنْتَ أَنْتَ قَالَ كُنْتُ مِمَّنْ تَنَحَّی (8) قُلْتُ لَهُ فَمَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا قَالَ عَاصِمٌ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ ثُبُوتَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی ذَلِكَ الْمَقَامِ لَعَجَبٌ فَقَالَ إِنْ تَعَجَّبْتَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ تَعَجَّبَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ جَبْرَئِیلَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ وَ هُوَ یَعْرُجُ إِلَی السَّمَاءِ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
ص: 84
قُلْتُ لَهُ (1) فَمِنْ أَیْنَ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ جَبْرَئِیلَ فَقَالَ سَمِعَ النَّاسُ صَائِحاً یَصِیحُ فِی السَّمَاءِ بِذَلِكَ فَسَأَلُوا النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْهُ فَقَالَ ذَلِكَ (2) جَبْرَئِیلُ.
وَ فِی حَدِیثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَیْنٍ قَالَ: لَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی یَوْمِ أُحُدٍ جَاءَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مُتَقَلِّداً سَیْفَهُ (3) حَتَّی قَامَ بَیْنَ یَدَیْهِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَأْسَهُ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ مَا بَالُكَ لَمْ تَفِرَّ مَعَ النَّاسِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْجِعُ كَافِراً بَعْدَ إِسْلَامِی فَأَشَارَ لَهُ إِلَی قَوْمٍ (4) انْحَدَرُوا مِنَ الْجَبَلِ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ فَهَزَمَهُمْ ثُمَّ أَشَارَ إِلَی قَوْمٍ آخَرِینَ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ فَهَزَمَهُمْ ثُمَّ أَشَارَ إِلَی قَوْمٍ آخَرِینَ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ فَهَزَمَهُمْ فَجَاءَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ (5) فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ عَجِبَتِ الْمَلَائِكَةُ وَ عَجِبْنَا مَعَهَا مِنْ حُسْنِ مُوَاسَاةِ عَلِیٍّ لَكَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَا یَمْنَعُهُ مِنْ هَذَا وَ هُوَ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا.
وَ رَوَی الْحَكَمُ بْنُ ظُهَیْرٍ عَنِ السُّدِّیِّ عَنْ أَبِی مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ أَبِی طَلْحَةَ خَرَجَ یَوْمَئِذٍ فَوَقَفَ بَیْنَ الصَّفَّیْنِ فَنَادَی یَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی یُعَجِّلُنَا بِسُیُوفِكُمْ إِلَی النَّارِ وَ یُعَجِّلُكُمْ (6) بِسُیُوفِنَا إِلَی الْجَنَّةِ فَأَیُّكُمْ یَبْرُزُ إِلَیَّ فَبَرَزَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَیْهِ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَا أُفَارِقُكَ هَذَا الْیَوْمَ حَتَّی أُعَجِّلَكَ بِسَیْفِی إِلَی النَّارِ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَیْنِ فَضَرَبَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ (7) عَلَی رِجْلَیْهِ فَقَطَعَهُمَا فَسَقَطَ (8) فَانْكَشَفَ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ یَا ابْنَ عَمِّ وَ الرَّحِمَ فَانْصَرَفَ عَنْهُ إِلَی مَوْقِفِهِ فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ أَ لَا أَجْهَزْتَ عَلَیْهِ فَقَالَ
ص: 85
نَاشَدَنِی اللَّهَ وَ الرَّحِمَ وَ اللَّهِ (1) لَا عَاشَ بَعْدَهَا أَبَداً فَمَاتَ طَلْحَةُ فِی مَكَانِهِ وَ بُشِّرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِذَلِكَ فَسَرَّ بِهِ وَ قَالَ هَذَا كَبْشُ الْكَتِیبَةِ.
وَ قَدْ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ یَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَحِقَنِی مِنَ الْجَزَعِ عَلَیْهِ مَا لَمْ یَلْحَقْنِی قَطُّ وَ لَمْ أَمْلِكْ نَفْسِی وَ كُنْتُ أَمَامَهُ أَضْرِبُ بِسَیْفِی بَیْنَ یَدَیْهِ فَرَجَعْتُ أَطْلُبُهُ فَلَمْ أَرَهُ فَقُلْتُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِیَفِرَّ وَ مَا رَأَیْتُهُ فِی الْقَتْلَی وَ أَظُنُّهُ رُفِعَ مِنْ بَیْنِنَا إِلَی السَّمَاءِ فَكَسَرْتُ جَفْنَ سَیْفِی وَ قُلْتُ فِی نَفْسِی لَأُقَاتِلَنَّ بِهِ عَنْهُ حَتَّی أُقْتَلَ وَ حَمَلْتُ عَلَی الْقَوْمِ فَأَفْرَجُوا عَنِّی وَ إِذَا (2) أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ وَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ مَغْشِیّاً عَلَیْهِ فَقُمْتُ عَلَی رَأْسِهِ فَنَظَرَ إِلَیَّ فَقَالَ (3) مَا صَنَعَ النَّاسُ یَا عَلِیُّ فَقُلْتُ كَفَرُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ وَلَّوُا الدُّبُرَ مِنَ الْعَدُوِّ وَ أَسْلَمُوكَ فَنَظَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی كَتِیبَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ إِلَیْهِ (4) فَقَالَ لِی رُدَّ عَنِّی یَا عَلِیُّ هَذِهِ الْكَتِیبَةَ فَحَمَلْتُ عَلَیْهَا أَضْرِبُهَا بِسَیْفِی یَمِیناً وَ شِمَالًا حَتَّی وَلَّوُا الْأَدْبَارَ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَ مَا تَسْمَعُ یَا عَلِیُّ مَدِیحَكَ (5) فِی السَّمَاءِ إِنَّ مَلَكاً یُقَالُ لَهُ رِضْوَانُ یُنَادِی لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
فَبَكَیْتُ سُرُوراً وَ حَمِدْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی عَلَی نِعْمَتِهِ.
وَ قَدْ رَوَی الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِیفٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ عَنْ آبَائِهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: نَادَی مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ یَوْمَ أُحُدٍ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
و روی مثل ذلك إبراهیم بن محمد بن میمون عن عمرو بن ثابت عن محمد بن عبید اللّٰه بن أبی رافع عن أبیه عن جده قال ما زلنا نسمع أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقولون نادی فی یوم أحد مناد من السماء لا سیف إلا ذو الفقار و لا فتی إلا علی.
ص: 86
و روی سلام بن مسكین عن قتادة عن سعید بن المسیب قال لو رأیت مقام علی یوم أحد لوجدته قائما علی میمنة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یذب عنه بالسیف و قد ولی غیره الأدبار.
وَ رَوَی الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَمِیلُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِی عُبَیْدَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ (1) عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ اللِّوَاءِ یَوْمَ أُحُدٍ تِسْعَةً قَتَلَهُمْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ آخِرِهِمْ وَ انْهَزَمَ الْقَوْمُ وَ طَارَتْ مَخْزُومٌ فَضَحَهَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَئِذٍ.
قَالَ: وَ بَارَزَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْحَكَمَ (2) بْنَ الْأَخْنَسِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ نِصْفِ الْفَخِذِ فَهَلَكَ مِنْهَا وَ لَمَّا جَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ أَقْبَلَ أُمَیَّةُ (3) بْنُ أَبِی حُذَیْفَةَ بْنِ الْمُغِیرَةِ وَ هُوَ دَارِعٌ وَ هُوَ یَقُولُ یَوْمٌ بِیَوْمِ بَدْرٍ فَعَرَضَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِینَ فَقَتَلَهُ أُمَیَّةُ وَ صَمَدَ لَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَضَرَبَهُ بِالسَّیْفِ عَلَی هَامَتِهِ فَنَشِبَ فِی بَیْضَةِ مِغْفَرِهِ فَضَرَبَهُ أُمَیَّةُ بِسَیْفِهِ فَاتَّقَاهَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِدَرَقَتِهِ فَنَشِبَ فِیهَا وَ نَزَعَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (4) سَیْفَهُ مِنْ مِغْفَرِهِ وَ خَلَّصَ أُمَیَّةُ سَیْفَهُ مِنْ دَرَقَتِهِ أَیْضاً ثُمَّ تَنَاوَشَا فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَنَظَرْتُ إِلَی فَتْقٍ تَحْتَ إِبْطِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّیْفِ فِیهِ فَقَتَلْتُهُ وَ انْصَرَفْتُ عَنْهُ.
وَ لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی یَوْمِ أُحُدٍ وَ ثَبَتَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَا لَكَ لَا تَذْهَبُ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ (5) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَذْهَبُ وَ أَدَعُكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَا بَرِحْتُ حَتَّی أُقْتَلَ أَوْ یُنْجِزَ اللَّهُ لَكَ مَا وَعَدَكَ مِنَ النُّصْرَةِ فَقَالَ
ص: 87
لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَبْشِرْ یَا عَلِیُّ فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَ لَنْ یَنَالُوا مِنَّا (1) مِثْلَهَا أَبَداً ثُمَّ نَظَرَ إِلَی كَتِیبَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ احْمِلْ (2) عَلَی هَذِهِ یَا عَلِیُّ فَحَمَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَیْهَا فَقَتَلَ مِنْهَا هِشَامَ بْنَ أُمَیَّةَ (3) الْمَخْزُومِیَّ وَ انْهَزَمَ الْقَوْمُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ كَتِیبَةٌ أُخْرَی فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله احْمِلْ عَلَی هَذِهِ فَحَمَلَ عَلَیْهَا فَقَتَلَ مِنْهَا عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْجُمَحِیَّ (4) وَ انْهَزَمَتْ أَیْضاً ثُمَّ أَقْبَلَتْ كَتِیبَةٌ أُخْرَی فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله احْمِلْ عَلَی هَذِهِ فَحَمَلَ عَلَیْهَا فَقَتَلَ مِنْهَا بِشْرَ بْنَ مَالِكٍ الْعَامِرِیَّ وَ انْهَزَمَتِ الْكَتِیبَةُ وَ لَمْ یَعُدْ (5) بَعْدَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَ تَرَاجَعَ الْمُنْهَزِمُونَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ إِلَی مَكَّةَ وَ انْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِیهِ مَاءٌ فَغَسَلَ بِهِ وَجْهَهُ وَ لَحِقَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَدْ خَضَبَ الدَّمُ یَدَهُ إِلَی كَتِفِهِ وَ مَعَهُ ذُو الْفَقَارِ فَنَاوَلَهُ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ قَالَ لَهَا خُذِی هَذَا السَّیْفَ فَقَدْ صَدَقَنِی الْیَوْمَ وَ أَنْشَأَ یَقُولُ:
أَ فَاطِمُ هَاكِ السَّیْفَ غَیْرَ ذَمِیمٍ***فَلَسْتُ بِرِعْدِیدٍ وَ لَا بِمَلِیمٍ
لَعَمْرِی لَقَدْ أَعْذَرْتُ فِی نَصْرِ أَحْمَدَ***وَ طَاعَةِ رَبٍّ بِالْعِبَادِ عَلِیمٍ
أَمِیطِی دِمَاءَ الْقَوْمِ عَنْهُ فَإِنَّهُ***سَقَی آلَ عَبْدِ الدَّارِ كَأْسَ حَمِیمٍ
وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خُذِیهِ یَا فَاطِمَةُ فَقَدْ أَدَّی بَعْلُكِ مَا عَلَیْهِ وَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ بِسَیْفِهِ صَنَادِیدَ قُرَیْشٍ.
و قد ذكر أهل السیر قتلی أحد من المشركین و كان (6) جمهورهم قتلی
ص: 88
أمیر المؤمنین علیه السلام فروی عبد الملك بن هشام قال حدثنا زیاد بن عبد اللّٰه عن محمد بن إسحاق قال كان صاحب لواء قریش یوم أحد طلحة بن أبی طلحة بن عبد العزی بن عثمان بن عبد الدار قتله علی بن أبی طالب علیه السلام و قتل ابنه أبا سعد بن طلحة (1) و قتل أخاه كلدة (2) بن أبی طلحة و قتل عبد اللّٰه بن حمید بن زهرة (3) بن الحارث بن أسد بن عبد العزی و قتل أبا الحكم بن الأخنس بن شریق الثقفی و قتل الولید بن أبی حذیفة بن المغیرة (4) و قتل أخاه أمیة بن أبی حذیفة بن المغیرة و قتل أرطأة بن شرحبیل و قتل هشام بن (5) أمیة و قتل عمرو بن عبد اللّٰه الجمحی (6) و (7) بشر بن مالك و قتل صوابا مولی بنی عبد الدار و كان الفتح له و رجوع الناس من هزیمتهم إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله بمقامه یذب عنه دونهم و توجه العتاب من اللّٰه تعالی إلی كافتهم لهزیمتهم یومئذ سواه و من ثبت معه من رجال الأنصار و كانوا ثمانیة نفر (8) و قیل أربعة أو خمسة و فی قتله علیه السلام من قتل یوم أحد و عنائه فی الحرب و حسن بلائه یقول الحجاج بن علاط السلمی
لله أی مذبب عن حزبه***(9) أعنی ابن فاطمة المعم المخولا
ص: 89
جادت یداك له (1) بعاجل طعنة*** تركت (2) طلیحة للجبین مجدلا
و شددت شدة باسل فكشفتهم*** بالسفح (3)إذ یهوون أسفل أسفلا. (4)
و عللت سیفك بالدماء و لم یكن(5)***لترده حران حتی ینهلا(6)
بیان: الخف بالكسر الجماعة القلیلة و الأربیة بالضم و التشدید أصل الفخذ.
و قال الجوهری المعم المخول الكثیر الأعمام و الأخوال الكریمهم و قد یكسران و قال طعنه فجدله أی رماه بالأرض و قال البسالة الشجاعة.
أسفل أسفلا أی كشفتهم عند هویهم من الجبل إلی أسفل الوادی و التكریر للمبالغة و فی بعض النسخ أخول أخولا.
قال الجوهری یقال تطایر الشرر أخول أخول أی متفرقا و هو الشرر الذی یتطایر من الحدید الحار إذا ضرب.
و العلل الشرب الثانی من الإبل یقال عله یعله و یعله إذا سقاه السقیة الثانیة و عل بنفسه یتعدی و لا یتعدی و النهل الشرب الأول و قد نهل كعلم و الحران العطشان فالمعنی حتی ینهل فقط من دون علل أو المراد بالنهل هنا الارتواء و الناهل الریان فالتقابل بحسب اللفظ فقط و علی التقدیرین هو من أحسن الكلام و ألطف الاستعارات.
«18»-شی، تفسیر العیاشی الْحُسَیْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَوْلِهِ أَ فَإِنْ ماتَ
ص: 90
أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ (1) الْقَتْلُ أَمِ الْمَوْتُ قَالَ یَعْنِی أَصْحَابَهُ الَّذِینَ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا (2).
«19»-شی، تفسیر العیاشی مَنْصُورُ بْنُ الْوَلِیدِ الصَّیْقَلُ إِنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَرَأَ وَ كَأَیِّنْ مِنْ نَبِیٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ قَالَ أُلُوفٌ وَ أُلُوفٌ ثُمَّ قَالَ إِی وَ اللَّهِ یُقْتَلُونَ (3).
بیان: قال الطبرسی رحمه اللّٰه قرأ أهل البصرة و ابن كثیر و نافع قُتِلَ بضم القاف بغیر ألف و هی قراءة ابن عباس و الباقون قاتَلَ بألف و هی قراءة ابن مسعود (4).
«20»-شی، تفسیر العیاشی الْحُسَیْنُ بْنُ أَبِی الْعَلَاءِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ ذَكَرَ یَوْمَ أُحُدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كُسِرَتْ رَبَاعِیَتُهُ إِنَّ النَّاسَ وَلَّوْا مُصْعِدِینَ فِی الْوَادِی وَ الرَّسُولُ یَدْعُوهُمْ فِی أُخْرَاهُمْ فَأَثَابَهُمْ غَمّاً بِغَمٍّ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْهِمُ النُّعَاسَ فَقُلْتُ النُّعَاسُ مَا هُوَ قَالَ الْهَمُّ فَلَمَّا اسْتَیْقَظُوا قَالُوا كَفَرْنَا وَ جَاءَ أَبُو سُفْیَانَ فَعَلَا فَوْقَ الْجَبَلِ بِإِلَهِهِ هُبَلَ فَقَالَ اعْلُ هُبَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَئِذٍ اللَّهُ أَعْلَی وَ أَجَلُّ فَكُسِرَتْ رَبَاعِیَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ اشْتَكَتْ لِثَتُهُ وَ قَالَ نَنْشُدُكَ یَا رَبِّ مَا وَعَدْتَنِی فَإِنَّكَ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ أَیْنَ كُنْتَ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَزِقْتُ الْأَرْضَ فَقَالَ ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ فَقَالَ یَا عَلِیُّ ائْتِنِی بِمَاءٍ أَغْسِلْ عَنِّی فَأَتَاهُ فِی صَحْفَةٍ (5) فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ عَافَهُ وَ قَالَ ائْتِنِی فِی یَدِكَ فَأَتَاهُ بِمَاءٍ
ص: 91
فِی كَفِّهِ فَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْ لِحْیَتِهِ صلی اللّٰه علیه و آله (1).
بیان: النعاس ما هو أی ما سببه قالوا كفرنا أی بما تكلموا فی نعاسهم من كلمة الكفر أو بتقصیرهم فی إعانة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله لزقت الأرض أی لم أفر و لم أتحرك عن مكانی.
«21»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا فَهُوَ عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ وَ عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ (2).
«22»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ أُحُدٍ نَادَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِی أَنْ یُظْهِرَنِی عَلَی الدِّینِ كُلِّهِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْمُنَافِقِینَ وَ سَمَّاهُمَا فَقَدْ هُزِمْنَا وَ یَسْخَرُ بِنَا (3).
«23»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا قَالَ هُمْ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ (4).
بیان: لعل المراد بأصحاب العقبة أصحاب الشعب الذین أمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بحفظه أو الأنصار الذین بایعوا فی العقبة أو المعنی أن الذین فروا یوم الأحد (5) وقفوا علی العقبة لینفروا ناقة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و الأول أنسب.
«24»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ أَصَابُوا بِبَدْرٍ مِائَةً وَ أَرْبَعِینَ رَجُلًا قَتَلُوا سَبْعِینَ رَجُلًا وَ أَسَرُوا سَبْعِینَ فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ أُحُدٍ أُصِیبَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ سَبْعُونَ رَجُلًا قَالَ فَاغْتَمُّوا بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها (6).
«25»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِی مَرْیَمَ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنَ
ص: 92
رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی عَشَرَةٍ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ إِلَی (1) أَجْرٌ عَظِیمٌ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (2).
«26»-قب، المناقب لابن شهرآشوب ابْنُ فَیَّاضٍ فِی شَرْحِ الْأَخْبَارِ مُحَمَّدُ بْنُ الْجُنَیْدِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِیدِ بْنِ الْمُسَیَّبِ قَالَ: أَصَابَتْ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَ أُحُدٍ سِتَّ عَشْرَةَ ضَرْبَةً (3) وَ هُوَ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَذُبُّ عَنْهُ كُلَّ ضَرْبَةٍ (4) یَسْقُطُ إِلَی الْأَرْضِ فَإِذَا سَقَطَ رَفَعَهُ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ.
خَصَائِصُ الْعَلَوِیَّةِ، قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَصَابَنِی یَوْمَ أُحُدٍ سِتَّ عَشْرَةَ ضَرْبَةً سَقَطْتُ إِلَی الْأَرْضِ فِی أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ فَأَتَانِی رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ اللِّمَّةِ طَیِّبُ الرِّیحِ فَأَخَذَ بِضَبْعِی (5) فَأَقَامَنِی ثُمَّ قَالَ أَقْبِلْ عَلَیْهِمْ فَإِنَّكَ فِی طَاعَةِ اللَّهِ وَ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَ هُمَا عَنْكَ رَاضِیَانِ قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَتَیْتُ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ یَا عَلِیُّ أَقَرَّ اللَّهُ عَیْنَكَ ذَاكَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ (6).
بیان: اللمة بالكسر الشعر یجاوز شحمة الأذن.
«27»-شی، تفسیر العیاشی عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ لَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا صُنِعَ بِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَ إِلَیْكَ الْمُشْتَكَی وَ أَنْتَ الْمُسْتَعَانُ عَلَی مَا أَرَی ثُمَّ قَالَ لَئِنْ ظَفِرْتُ لَأُمَثِّلَنَّ وَ لَأُمَثِّلَنَّ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَصْبِرُ أَصْبِرُ (7).
«28»-عم، إعلام الوری ثم كانت غزوة أحد علی رأس سنة من بدر و رئیس المشركین
ص: 93
یومئذ أبو سفیان بن حرب و كان أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یومئذ سبعمائة و المشركون ألفین و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعد أن استشار أصحابه و كان رأیه صلی اللّٰه علیه و آله أن یقاتل الرجال علی أفواه السكك و یرمی الضعفاء من فوق البیوت فأبوا إلا الخروج إلیهم فلما صار علی الطریق قالوا نرجع فقال ما كان لنبی إذا قصد قوما أن یرجع عنهم و كانوا ألف رجل فلما كانوا فی بعض الطریق انخزل عنهم عبد اللّٰه بن أبی بثلث الناس و قال (1) و اللّٰه ما ندری علی ما نقتل أنفسنا و القوم قومه و همت بنو حارثة و بنو سلمة بالرجوع ثم عصمهم اللّٰه جل و عز و هو قوله إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا (2) الآیة.
و أصبح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله متهیئا للقتال و جعل علی رایة المهاجرین علیا علیه السلام و علی رایة الأنصار سعد بن عبادة و قعد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی رایة الأنصار ثم مر صلی اللّٰه علیه و آله علی الرماة و كانوا خمسین رجلا و علیهم عبد اللّٰه بن جبیر فوعظهم و ذكرهم و قال اتقوا اللّٰه و اصبروا و إن رأیتمونا یخطفنا الطیر (3) فلا تبرحوا مكانكم حتی أرسل إلیكم و أقامهم عند رأس الشعب و كانت الهزیمة علی المشركین و حسهم المسلمون بالسیوف حسا فقال أصحاب عبد اللّٰه بن جبیر الغنیمة ظهر أصحابكم (4) فما تنتظرون فقال عبد اللّٰه أ نسیتم قول رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أما أنا فلا أبرح موقفی الذی عهد إلی فیه رسول اللّٰه ما عهد فتركوا أمره و عصوه بعد ما رأوا ما یحبون و أقبلوا علی الغنائم فخرج كمین المشركین علیهم خالد بن الولید فانتهی إلی عبد اللّٰه بن جبیر فقتله ثم أتی الناس من أدبارهم و وضع فی المسلمین السلاح فانهزموا و صاح إبلیس لعنه اللّٰه قتل محمد و رسول اللّٰه یدعوهم فی أخراهم أیها الناس إنی رسول اللّٰه (5) إن اللّٰه قد وعدنی النصر فإلی أین الفرار فیسمعون الصوت
ص: 94
وَ لَا یَلْوُونَ عَلَی شَیْ ءٍ وَ ذَهَبَتْ صَیْحَةُ إِبْلِیسَ حَتَّی دَخَلَتْ بُیُوتَ الْمَدِینَةِ فَصَاحَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ لَمْ تَبْقَ هَاشِمِیَّةٌ وَ لَا قُرَشِیَّةٌ إِلَّا وَضَعَتْ یَدَهَا عَلَی رَأْسِهَا وَ خَرَجَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ تَصْرُخُ.
قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَغَضِبَ غَضَباً شَدِیداً وَ كَانَ إِذَا غَضِبَ انْحَدَرَ مِنْ وَجْهِهِ وَ جَبْهَتِهِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ مِنَ الْعَرَقِ فَنَظَرَ فَإِذَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی جَنْبِهِ فَقَالَ مَا لَكَ لَمْ تَلْحَقْ بِبَنِی أَبِیكَ فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْفُرُ بَعْدَ إِیمَانٍ (1) إِنَّ لِی بِكَ أُسْوَةً فَقَالَ أَمَّا لَا فَاكْفِنِی هَؤُلَاءِ فَحَمَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَضَرَبَ أَوَّلَ مَنْ لَقِیَ مِنْهُمْ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ یَا مُحَمَّدُ قَالَ إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ قَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا.
وَ ثَابَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ أُصِیبَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَیْرٍ وَ شَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِیدِ وَ الْبَاقُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ.
قَالَ وَ أَقْبَلَ یَوْمَئِذٍ أُبَیُّ بْنُ خَلَفٍ وَ هُوَ عَلَی فَرَسٍ لَهُ وَ هُوَ یَقُولُ هَذَا ابْنُ أَبِی كَبْشَةَ بُؤْ بِذَنْبِكَ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَیْنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ وَ سَهْلِ بْنِ حُنَیْفٍ یَعْتَمِدُ عَلَیْهِمَا فَحَمَلَ عَلَیْهِ فَوَقَاهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَیْرٍ بِنَفْسِهِ فَطَعَنَ مُصْعَباً فَقَتَلَهُ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَنَزَةً كَانَتْ فِی یَدِ سَهْلِ بْنِ حُنَیْفٍ ثُمَّ طَعَنَ أُبَیّاً فِی جِرِبَّانِ الدِّرْعِ فَاعْتَنَقَ فَرَسُهُ فَانْتَهَی إِلَی عَسْكَرِهِ وَ هُوَ یَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ وَیْلَكَ مَا أَجْزَعَكَ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ لَیْسَ بِشَیْ ءٍ فَقَالَ وَیْلَكَ یَا ابْنَ حَرْبٍ أَ تَدْرِی مَنْ طَعَنَنِی إِنَّمَا طَعَنَنِی مُحَمَّدٌ وَ هُوَ قَالَ لِی بِمَكَّةَ إِنِّی سَأَقْتُلُكَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَاتِلِی وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ مَا بِی كَانَ بِجَمِیعِ أَهْلِ الْحِجَازِ لَقَضَتْ عَلَیْهِمْ فَلَمْ یَزَلْ یَخُورُ الْمَلْعُونُ حَتَّی صَارَ إِلَی النَّارِ.
وَ فِی كِتَابِ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ صَفِیَّةُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ نَظَرَتَا إِلَیْهِ قَالَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَمَّا عَمَّتِی فَاحْبِسْهَا عَنِّی وَ أَمَّا فَاطِمَةُ
ص: 95
فَدَعْهَا فَلَمَّا دَنَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ رَأَتْهُ قَدْ شُجَّ فِی وَجْهِهِ وَ أُدْمِیَ فُوهُ إِدْمَاءً صَاحَتْ وَ جَعَلَتْ تَمْسَحُ الدَّمَ وَ تَقُولُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَی مَنْ أَدْمَی وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَانَ یَتَنَاوَلُ فِی یَدِهِ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا یَسِیلُ مِنَ الدَّمِ فَیَرْمِیهِ (2) فِی الْهَوَاءِ فَلَا یَتَرَاجَعُ مِنْهُ شَیْ ءٌ.
قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ اللَّهِ لَوْ سَقَطَ (3) مِنْهُ شَیْ ءٌ عَلَی الْأَرْضِ لَنَزَلَ الْعَذَابُ.
قَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِی بِذَلِكَ عَنْهُ الصَّبَّاحُ بْنُ سَیَابَةَ قَالَ: قُلْتُ كُسِرَتْ رَبَاعِیَتُهُ كَمَا یَقُولُهُ هَؤُلَاءِ قَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَّا سَلِیماً وَ لَكِنَّهُ شُجَّ فِی وَجْهِهِ قُلْتُ فَالغَارُ فِی أُحُدٍ الَّذِی یَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَارَ إِلَیْهِ قَالَ وَ اللَّهِ مَا بَرِحَ مَكَانَهُ وَ قِیلَ لَهُ أَ لَا تَدْعُو عَلَیْهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِی. (4) وَ رَمَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ابْنُ قَمِیئَةَ (5) بِقَذَّافَةٍ فَأَصَابَ كَفَّهُ حَتَّی نَدَرَ السَّیْفُ مِنْ یَدِهِ وَ قَالَ خُذْهَا مِنِّی وَ أَنَا ابْنُ قَمِیئَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَذَلَّكَ اللَّهُ وَ أَقْمَأَكَ (6) وَ ضَرَبَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ بِالسَّیْفِ حَتَّی أَدْمَی فَاهُ وَ رَمَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شِهَابٍ بِقُلَاعَةٍ فَأَصَابَ مِرْفَقَهُ وَ لَیْسَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مَاتَ مِیتَةً سَوِیَّةً فَأَمَّا ابْنُ قَمِیئَةَ فَأَتَاهُ تَیْسٌ وَ هُوَ نَائِمٌ بِنَجْدٍ فَوَضَعَ قَرْنَهُ فِی مَرَاقِّهِ ثُمَّ دَعَسَهُ فَجَعَلَ یُنَادِی وَا ذُلَّاهْ حَتَّی أَخْرَجَ قَرْنَیْهِ مِنْ تَرْقُوَتِهِ.
وَ كَانَ وَحْشِیٌّ یَقُولُ قَالَ لِی جُبَیْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَ كُنْتُ عَبْداً لَهُ إِنَّ عَلِیّاً قَتَلَ عَمِّی یَوْمَ بَدْرٍ یَعْنِی طُعَیْمَةَ فَإِنْ قَتَلْتَ مُحَمَّداً فَأَنْتَ حُرٌّ وَ إِنْ قَتَلْتَ عَمَّ مُحَمَّدٍ فَأَنْتَ حُرٌّ وَ إِنْ قَتَلْتَ ابْنَ عَمِّ مُحَمَّدٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَخَرَجْتُ بِحَرْبَةٍ لِی مَعَ قُرَیْشٍ إِلَی أُحُدٍ أُرِیدُ الْعِتْقَ
ص: 96
لَا أُرِیدُ غَیْرَهُ وَ لَا أَطْمَعُ فِی مُحَمَّدٍ وَ قُلْتُ لَعَلِّی أُصِیبُ مِنْ عَلِیٍّ أَوْ حَمْزَةَ غِرَّةً فَأَزْرُقَهُ وَ كُنْتُ لَا أُخْطِئُ فِی رَمْیِ الْحِرَابِ تَعَلَّمْتُهُ مِنَ الْحَبَشَةِ فِی أَرْضِهَا وَ كَانَ حَمْزَةُ یَحْمِلُ حَمَلَاتِهِ ثُمَّ یَرْجِعُ إِلَی مَوْقِفِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ زَرَقَهُ وَحْشِیٌّ فَوْقَ الثَّدْیِ فَسَقَطَ وَ شَدُّوا عَلَیْهِ فَقَتَلُوهُ فَأَخَذَ وَحْشِیٌّ الْكَبِدَ فَشَدَّ بِهَا إِلَی هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ فَأَخَذَتْهَا فَطَرَحَتْهَا فِی فِیهَا فَصَارَتْ مِثْلَ الدَّاغِصَةِ فَلَفَظَتْهَا.
قَالَ وَ كَانَ الْحُلَیْسُ بْنُ عَلْقَمَةَ (1) نَظَرَ إِلَی أَبِی سُفْیَانَ وَ هُوَ عَلَی فَرَسٍ وَ بِیَدِهِ رُمْحٌ یَجَأُ بِهِ فِی شِدْقِ حَمْزَةَ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ بَنِی كِنَانَةَ انْظُرُوا إِلَی مَنْ یَزْعُمُ أَنَّهُ سَیِّدُ قُرَیْشٍ مَا یَصْنَعُ بِابْنِ عَمِّهِ الَّذِی قَدْ صَارَ لَحْماً وَ أَبُو سُفْیَانَ یَقُولُ ذُقْ عُقَقُ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ صَدَقْتَ إِنَّمَا كَانَتْ مِنِّی زَلَّةٌ اكْتُمْهَا عَلَیَّ.
قَالَ وَ قَالَ أَبُو سُفْیَانَ فَنَادَی بَعْضُ الْمُسْلِمِینَ أَ حَیٌّ ابْنُ أَبِی كَبْشَةَ فَأَمَّا ابْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَدْ رَأَیْنَاهُ مَكَانَهُ فَقَالَ عَلِیٌّ إِی وَ الَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَیَسْمَعُ كَلَامَكَ قَالَ إِنَّهُ قَدْ كَانَتْ فِی قَتْلَاكُمْ مُثْلَةٌ وَ اللَّهِ مَا أَمَرْتَ وَ لَا نَهَیْتَ إِنَّ مِیعَادَنَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَكُمْ مَوْسِمُ بَدْرٍ فِی قَابِلِ هَذَا الشَّهْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قُلْ نَعَمْ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ لِعَلِیٍّ إِنَّ ابْنَ قَمِیئَةَ أَخْبَرَنِی أَنَّهُ قَتَلَ مُحَمَّداً وَ أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِی مِنْهُ وَ أَبَرُّ ثُمَّ وَلَّی إِلَی أَصْحَابِهِ وَ قَالَ اتَّخِذُوا اللَّیْلَ جَمَلًا وَ انْصَرِفُوا.
ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً فَقَالَ اتَّبِعْهُمْ فَانْظُرْ أَیْنَ یُرِیدُونَ فَإِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْخَیْلَ وَ سَاقُوا الْإِبِلَ فَإِنَّهُمْ یُرِیدُونَ الْمَدِینَةَ وَ إِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْإِبِلَ وَ سَاقُوا الْخَیْلَ فَهُمْ مُتَوَجِّهُونَ إِلَی مَكَّةَ.
وَ قِیلَ إِنَّهُ بَعَثَ لِذَلِكَ سَعْدَ بْنَ أَبِی وَقَّاصٍ.
فَرَجَعَ فَقَالَ رَأَیْتُ خَیْلَهُمْ تَضْرِبُ بِأَذْنَابِهَا مَجْنُوبَةً مُدْبِرَةً وَ رَأَیْتُ الْقَوْمَ قَدْ تَجَمَّلُوا سَائِرِینَ فَطَابَتْ أَنْفُسُ الْمُسْلِمِینَ بِذَهَابِ الْعَدُوِّ فَانْتَشَرُوا یَتَتَبَّعُونَ قَتْلَاهُمْ فَلَمْ یَجِدُوا قَتِیلًا إِلَّا وَ قَدْ مَثَّلُوا بِهِ إِلَّا حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِی عَامِرٍ كَانَ أَبُوهُ مَعَ الْمُشْرِكِینَ فَتُرِكَ لَهُ وَ وَجَدُوا حَمْزَةَ قَدْ شُقَّ بَطْنُهُ وَ جُدِعَ أَنْفُهُ وَ قُطِعَتْ أُذُنَاهُ وَ أُخِذَ كَبِدُهُ
ص: 97
فَلَمَّا انْتَهَی إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ وَ قَالَ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِینَ مِنْ قُرَیْشٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ (1) بِهِ الْآیَةَ فَقَالَ بَلْ أَصْبِرُ وَ قَالَ مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِی تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ فِی سَفْحِ الْجَبَلِ فَسَأَلُوا امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ إِنَّهُ خَرَجَ وَ هُوَ جُنُبٌ وَ هُوَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِی عَامِرٍ الْغَسِیلُ.
قَالَ أَبَانٌ وَ حَدَّثَنِی أَبُو بَصِیرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ یُقَالُ لَهُ قُزْمَانُ بِحُسْنِ مَعُونَتِهِ لِإِخْوَانِهِ وَ ذُكُوِّهِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأُتِیَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قِیلَ إِنَّ قُزْمَانَ اسْتُشْهِدَ فَقَالَ یَفْعَلُ اللَّهُ مَا یَشَاءُ (2) ثُمَّ أُتِیَ فَقِیلَ إِنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَ كَانَ قُزْمَانُ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِیداً وَ قَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحُ فَاحْتَمَلَ إِلَی دُورِ بَنِی ظَفَرٍ فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ أَبْشِرْ یَا قُزْمَانُ فَقَدْ أَبْلَیْتَ الْیَوْمَ فَقَالَ بِمَ تُبَشِّرُونِ فَوَ اللَّهِ مَا قَاتَلْتُ إِلَّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِی وَ لَوْ لَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ فَلَمَّا اشْتَدَّتْ عَلَیْهِ الْجِرَاحَةُ جَاءَ إِلَی كِنَانَتِهِ فَأَخَذَ مِنْهَا مِشْقَصاً (3) فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ..
قَالَ: وَ كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِی النَّجَّارِ قُتِلَ أَبُوهَا وَ زَوْجُهَا وَ أَخُوهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَدَنَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْمُسْلِمُونَ قِیَامٌ عَلَی رَأْسِهِ فَقَالَ (4) لِرَجُلٍ أَ حَیٌّ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ أَسْتَطِیعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَیْهِ قَالَ نَعَمْ فَأَوْسَعُوا لَهَا فَدَنَتْ مِنْهُ وَ قَالَتْ كُلُّ مُصِیبَةٍ جَلَلٌ بَعْدَكَ ثُمَّ انْصَرَفَتْ.
قَالَ وَ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ حِینَ دُفِنَ الْقَتْلَی فَمَرَّ بِدُورِ بَنِی الْأَشْهَلِ وَ بَنِی ظَفَرٍ فَسَمِعَ بُكَاءَ النَّوَائِحِ عَلَی قَتْلَاهُنَّ فَتَرَقْرَقَتْ عَیْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَكَی ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِیَ لَهُ الْیَوْمَ فَلَمَّا سَمِعَهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ
ص: 98
وَ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ قَالا (1) لَا تَبْكِیَنَّ امْرَأَةٌ حَمِیمَهَا حَتَّی تَأْتِیَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَتُسْعِدَهَا فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْوَاعِیَةَ عَلَی حَمْزَةَ وَ هُوَ عِنْدَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ عَلَی بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ ارْجِعْنَ رَحِمَكُنَّ اللَّهُ فَقَدْ آسَیْتُنَّ بِأَنْفُسِكُنَّ.
ثم كانت غزوة حمراء الأسد قَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ لَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ مِنْ یَوْمِ أُحُدٍ نَادَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْمُسْلِمِینَ فَأَجَابُوهُ فَخَرَجُوا عَلَی عِلَّتِهِمْ وَ عَلَی مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَرْحِ وَ قَدَّمَ عَلِیّاً بَیْنَ یَدَیْهِ بِرَایَةِ الْمُهَاجِرِینَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی الْمَدِینَةِ فَهُمُ الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ وَ خَرَجَ أَبُو سُفْیَانَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی الرَّوْحَاءِ فَأَقَامَ بِهَا وَ هُوَ یَهُمُّ بِالرَّجْعَةِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یَقُولُ قَدْ قَتَلْنَا صَنَادِیدَ الْقَوْمِ فَلَوْ رَجَعْنَا اسْتَأْصَلْنَاهُمْ فَلَقِیَ مَعْبَداً الْخُزَاعِیَّ فَقَالَ مَا وَرَاءَكَ یَا مَعْبَدُ قَالَ قَدْ وَ اللَّهِ تَرَكْتُ مُحَمَّداً وَ أَصْحَابَهُ وَ هُمْ یُحْرِقُونَ عَلَیْكُمْ (2) وَ هَذَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَی مُقَدِّمَتِهِ فِی النَّاسِ وَ قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ وَ قَدْ دَعَانِی ذَلِكَ إِلَی أَنْ قُلْتُ شِعْراً قَالَ أَبُو سُفْیَانَ وَ مَا ذَا قُلْتَ قَالَ قُلْتُ:
كَانَتْ تَهُدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِی*** إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِیلِ
تُرْدِی بِأُسْدٍ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ***عِنْدَ اللِّقَاءِ وَ لَا خُرْقٍ مَعَاذِیلِ
الْأَبْیَاتَ.
فَثَنَّی ذَلِكَ أَبَا سُفْیَانَ وَ مَنْ مَعَهُ ثُمَّ مَرَّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَیْسِ یُرِیدُونَ الْمِیرَةَ مِنَ الْمَدِینَةِ فَقَالَ لَهُمْ أَبْلِغُوا مُحَمَّداً أَنِّی قَدْ أَرَدْتُ الرَّجْعَةَ إِلَی أَصْحَابِهِ لِأَسْتَأْصِلَهُمْ وَ أُوقِرَ لَكُمْ رِكَابَكُمْ زَبِیباً إِذَا وَافَیْتُمْ عُكَاظَ فَأَبْلَغُوا ذَلِكَ إِلَیْهِ وَ هُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ وَ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ یَوْمَ الْجُمُعَةِ.
ص: 99
قَالَ وَ لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَمْرَاءَ الْأَسَدِ وَثَبَتْ فَاسِقَةٌ مِنْ بَنِی حَطْمَةَ (1) یُقَالُ لَهَا الْعَصْمَاءُ أُمُّ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُنْذِرِ تَمْشِی فِی مَجَالِسِ الْأَوْسِ وَ الْخَزْرَجِ وَ تَقُولُ شِعْراً تُحَرِّضُ عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَیْسَ فِی بَنِی حَطْمَةَ (2) یَوْمَئِذٍ مُسْلِمٌ إِلَّا وَاحِدٌ یُقَالُ لَهُ عُمَیْرُ بْنُ عَدِیٍّ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله غَدَا عَلَیْهَا عُمَیْرٌ فَقَتَلَهَا ثُمَّ أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ إِنِّی قَتَلْتُ أُمَّ الْمُنْذِرِ لِمَا قَالَتْهُ مِنْ هُجْرٍ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَی كَتِفِهِ وَ قَالَ هَذَا رَجُلٌ نَصَرَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ بِالْغَیْبِ أَمَا إِنَّهُ لَا یَنْتَطِحُ فِیهَا عَنْزَانِ.
قَالَ عُمَیْرُ بْنُ عَدِیٍّ فَأَصْبَحْتُ فَمَرَرْتُ بِبَنِیهَا وَ هُمْ یَدْفِنُونَهَا فَلَمْ یَعْرِضْ لِی أَحَدٌ مِنْهُمْ وَ لَمْ یُكَلِّمْنِی. (3).
بیان: بؤ بذنبك أی اعترف أو ارجع به جربان القمیص بالضم و التشدید لبته (4) معرب كریبان و یقال ضربه فقضی علیه أی قتله و التأنیث بتأویل الضربة أو الجراحة و ندر الشی ء كنصر سقط و القذافة بالفتح و التشدید الذی یرمی به الشی ء فیبعد و أقمأه بالهمز صغره و أذله و القلاعة بالضم الحجر أو المدر یقتلع من الأرض فیرمی به و المراق بتشدید القاف ما دق من أسفل البطن و لان و الدعس الطعن و المزراق رمح قصیر و زرقه به رماه به قوله یجأ به هو من قولهم وجأه بالسكین كوضعه أی ضربه.
و قال الجزری فیه إن أبا سفیان مر بحمزة قتیلا فقال له ذق عقق أراد ذق القتل یا عاق قومه كما قتلت یوم بدر من قومك یعنی كفار قریش و عقق منقول من عاق للمبالغة كغدر من غادر و فسق من فاسق و قال یقال للرجل إذ أسری لیلته جمعاء أو أحیاها بصلاة أو غیرها من العبادات اتخذ اللیل جملا كأنه ركبه و لم ینم فیه.
قوله قد تجملوا أی ركبوا الجمل و الإبلاء الإنعام و الإحسان و الجلل
ص: 100
بالتحریك الأمر العظیم و الهین و هو من الأضداد و المراد هنا الثانی أی كل مصیبة سهلة هینة بعد سلامتك و بقائك.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله لا ینتطح فیها عنزان أی یذهب هدرا لا ینازع فی دمها رجلان ضعیفان أیضا لأن النطاح من شأن التیوس و الكباش.
«29»-كشف، كشف الغمة قَالَ الْوَاقِدِیُّ فِی الْمَغَازِی إِنَّهُ لَمَّا فَرَّ النَّاسُ یَوْمَ أُحُدٍ مَا زَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله شِبْراً وَاحِداً یَرْمِی مَرَّةً عَنْ قَوْسِهِ وَ مَرَّةً بِالْحِجَارَةِ وَ صَبَرَ (1) مَعَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا سَبْعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ سَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَبُو بَكْرٍ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ وَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ الزُّبَیْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَ مِنَ الْأَنْصَارِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَ الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ وَ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ وَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَ یُقَالُ ثَبَتَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَجَعَلُوهُمَا مَكَانَ أُسَیْدِ بْنِ حُضَیْرٍ وَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ (2) وَ بَایَعَهُ یَوْمَئِذٍ ثَمَانِیَةٌ عَلَی الْمَوْتِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الزُّبَیْرُ وَ طَلْحَةُ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ فَلَمْ یُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَ أُصِیبَتْ یَوْمَئِذٍ عَیْنُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ حَتَّی وَقَعَتْ عَلَی وَجْنَتِهِ قَالَ فَجِئْتُ
ص: 101
إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ تَحْتِی امْرَأَةً شَابَّةً جَمِیلَةً أُحِبُّهَا وَ تُحِبُّنِی فَأَنَا أَخْشَی أَنْ تُقَذِّرَ (1) مَكَانَ عَیْنِی فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَرَدَّهَا فَأَبْصَرَتْ وَ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَمْ تُؤْلِمْهُ سَاعَةً مِنْ لَیْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَكَانَ یَقُولُ بَعْدَ أَنْ أَسَنَّ هِیَ أَقْوَی عَیْنِی وَ كَانَتْ أَحْسَنَهُمَا وَ بَاشَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَ رَمَی حَتَّی فَنِیَتْ نَبْلُهُ وَ أَصَابَ شَفَتَیْهِ وَ رَبَاعِیَتَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ وَ وَقَعَ صلی اللّٰه علیه و آله فِی حُفْرَةٍ وَ ضَرَبَهُ ابْنُ قَمِیئَةَ فَلَمْ یَصْنَعْ سَیْفُهُ شَیْئاً إِلَّا وَهْنَ الضَّرْبَةِ بِثِقْلِ السَّیْفِ وَ انْتَهَضَ وَ طَلْحَةُ تَحْمِلُهُ (2) مِنْ وَرَائِهِ وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَخَذَ بِیَدَیْهِ حَتَّی اسْتَوَی قَائِماً.
وَ عَنْ أَبِی بَشِیرٍ الْحَارِثِیِّ (3) حَضَرْتُ یَوْمَ أُحُدٍ وَ أَنَا غُلَامٌ فَرَأَیْتُ ابْنَ قَمِیئَةَ عَلَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالسَّیْفِ فَوَقَعَ عَلَی رُكْبَتَیْهِ فِی حُفْرَةٍ أَمَامَهُ حَتَّی تَوَارَی فَجَعَلْتُ أَصِیحُ وَ أَنَا غُلَامٌ حَتَّی رَأَیْتُ النَّاسَ ثَابُوا إِلَیْهِ.
وَ یُقَالُ الَّذِی شَجَّهُ فِی جَبْهَتِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَ الَّذِی أَشْظَی رَبَاعِیَتَهُ وَ أَدْمَی شَفَتَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ وَ الَّذِی أَدْمَی وَجْنَتَیْهِ حَتَّی غَابَ الْحَلْقُ (4) فِی وَجْنَتِهِ ابْنُ قَمِیئَةَ وَ سَالَ الدَّمُ مِنْ جَبْهَتِهِ حَتَّی أَخْضَلَ لِحْیَتَهُ وَ كَانَ سَالِمٌ مَوْلَی أَبِی حُذَیْفَةَ یَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَ هُوَ یَقُولُ كَیْفَ یُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِیِّهِمْ وَ هُوَ یَدْعُوهُمْ إِلَی اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ (5) الْآیَةَ.
وَ ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِی مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِی حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ بِأَیِّ شَیْ ءٍ دُووِیَ جُرْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ كَانَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَجِی ءُ بِالْمَاءِ فِی تُرْسِهِ وَ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ
ص: 102
تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَ أَخَذَ حَصِیراً فَأَحْرَقَ وَ حَشَی بِهِ جُرْحَهُ (1).
وَ قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ لَقَدْ رَأَیْتُنِی وَ انْفَرَدَتْ یَوْمَئِذٍ مِنْهُمْ فِرْقَةٌ خَشْنَاءُ فِیهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِی جَهْلٍ فَدَخَلْتُ وَسْطَهُمْ بِالسَّیْفِ فَضَرَبْتُ بِهِ وَ اشْتَمَلُوا عَلَیَّ حَتَّی أَفْضَیْتُ إِلَی آخِرِهِمْ ثُمَّ كَرَّرْتُ فِیهِمُ الثَّانِیَةَ حَتَّی رَجَعْتُ مِنْ حَیْثُ جِئْتُ وَ لَكِنَّ الْأَجَلَ اسْتَأْخَرَ وَ یَقْضِی اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا (2) قَالَ وَ كَانَ عُثْمَانُ مِنَ الَّذِینَ تَوَلَّی یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ
وَ قَالَ ابْنُ أَبِی نَجِیحٍ (3) نَادَی فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ مُنَادٍ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ (4).
بیان: قال فی النهایة التشظی التشعب و التشقق و منه الحدیث فانشظت رباعیة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أی انكسرت.
«30»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ حَمَّادٍ مُعَنْعَناً عَنْ حُذَیْفَةَ الْیَمَانِیِّ (5) رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ
ص: 103
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَ بِالْجِهَادِ یَوْمَ أُحُدٍ فَخَرَجَ النَّاسُ سِرَاعاً یَتَمَنَّوْنَ لِقَاءَ عَدُوِّهِمْ وَ بَغَوْا فِی مَنْطِقِهِمْ وَ قَالُوا وَ اللَّهِ لَئِنْ لَقِینَا عَدُوَّنَا (1) لَا نُوَلِّی حَتَّی یُقْتَلَ عَنْ آخِرِنَا رَجُلٌ أَوْ یَفْتَحَ اللَّهُ لَنَا قَالَ فَلَمَّا أَتَوْا إِلَی (2) الْقَوْمِ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالَّذِی كَانَ مِنْهُمْ وَ مِنْ بَغْیِهِمْ فَلَمْ یَلْبَثُوا إِلَّا یَسِیراً حَتَّی انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَّا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ الْأَنْصَارِیُّ فَلَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا قَدْ نَزَلَ بِالنَّاسِ مِنَ الْهَزِیمَةِ وَ الْبَلَاءِ رَفَعَ الْبَیْضَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَ جَعَلَ یُنَادِی أَیُّهَا النَّاسُ أَنَا لَمْ أَمُتْ وَ لَمْ أُقْتَلْ وَ جَعَلَ النَّاسُ یَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً لَا یَلْوُونَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَا یَلْتَفِتُونَ (3) إِلَیْهِ فَلَمْ یَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّی دَخَلُوا الْمَدِینَةَ فَلَمْ یَكْتَفُوا بِالْهَزِیمَةِ حَتَّی قَالَ أَفْضَلُهُمْ رَجُلًا فِی أَنْفُسِهِمْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا آیَسَ الرَّسُولُ مِنَ الْقَوْمِ رَجَعَ إِلَی مَوْضِعِهِ الَّذِی كَانَ فِیهِ فَلَمْ یَرَ إِلَّا عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِیَّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أَبَا دُجَانَةَ ذَهَبَ النَّاسُ فَالْحَقْ بِقَوْمِكَ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَی هَذَا بَایَعْنَاكَ وَ بَایَعْنَا اللَّهَ وَ لَا عَلَی هَذَا خَرَجْنَا یَقُولُ اللَّهُ تَعَالَی إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَكَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ (4) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أَبَا دُجَانَةَ أَنْتَ فِی حِلٍّ مِنْ بَیْعَتِكَ فَارْجِعْ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تُحَدِّثُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ فِی الْخُدُورِ أَنِّی أَسْلَمْتُكَ وَ رَغِبْتُ بِنَفْسِی عَنْ نَفْسِكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا خَیْرَ فِی الْعَیْشِ بَعْدَكَ قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَلَامَهُ وَ رَغْبَتَهُ فِی الْجِهَادِ انْتَهَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی صَخْرَةٍ فَاسْتَتَرَ بِهَا لِیَتَّقِیَ بِهَا مِنَ السِّهَامِ سِهَامِ الْمُشْرِكِینَ فَلَمْ یَلْبَثْ أَبُو دُجَانَةَ إِلَّا یَسِیراً حَتَّی أُثْخِنَ (5) جِرَاحَةً فَتَحَامَلَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 104
فَجَلَسَ إِلَی جَنْبِهِ وَ هُوَ مُثْخَنٌ لَا حَرَاكَ بِهِ.
قَالَ وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَا یُبَارِزُ فَارِساً وَ لَا رَاجِلًا إِلَّا قَتَلَهُ اللَّهُ عَلَی یَدَیْهِ حَتَّی انْقَطَعَ سَیْفُهُ فَلَمَّا انْقَطَعَ سَیْفُهُ جَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله انْقَطَعَ سَیْفِی وَ لَا سَیْفَ لِی فَخَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ فَقَلَّدَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ مَشَی إِلَی جَمْعِ الْمُشْرِكِینَ فَكَانَ لَا یَبْرُزُ لَهُ أَحَدٌ (1) إِلَّا قَتَلَهُ فَلَمْ یَزَلْ عَلَی ذَلِكَ حَتَّی وَهَنَتْ ذِرَاعُهُ (2) فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِكَ فِیهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَ رَسُولُكَ جَعَلْتَ لِكُلِّ نَبِیٍّ وَزِیراً مِنْ أَهْلِهِ لِتَشُدَّ بِهِ عَضُدَهُ وَ تُشْرِكَهُ فِی أَمْرِهِ وَ جَعَلْتَ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ أَخِی فَنِعْمَ الْأَخُ وَ نِعْمَ الْوَزِیرُ اللَّهُمَّ وَعَدْتَنِی أَنْ تُمِدَّنِی بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِینَ اللَّهُمَّ وَعْدَكَ وَعْدَكَ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِیعادَ وَعَدْتَنِی أَنْ تُظْهِرَ دِینَكَ عَلَی الدِّینِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ فَبَیْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَدْعُو رَبَّهُ وَ یَتَضَرَّعُ إِلَیْهِ إِذْ سَمِعَ دَوِیّاً مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی كُرْسِیٍّ مِنْ ذَهَبٍ وَ مَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِینَ وَ هُوَ یَقُولُ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ وَ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ. (3) فَهَبَطَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی الصَّخْرَةِ وَ حَفَّتِ الْمَلَائِكَةُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَسَلَّمُوا عَلَیْهِ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ صلی اللّٰه علیه و آله یَا رَسُولَ اللَّهِ بِالَّذِی (4) أَكْرَمَكَ بِالْهُدَی لَقَدْ عَجِبَتِ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ لِمُوَاسَاةِ هَذَا الرَّجُلِ لَكَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ یَا جَبْرَئِیلُ وَ مَا یَمْنَعُهُ یُوَاسِینِی بِنَفْسِهِ وَ هُوَ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا حَتَّی قَالَهَا ثَلَاثاً ثُمَّ حَمَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ حَمَلَ جَبْرَئِیلُ وَ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی هَزَمَ جَمْعَ الْمُشْرِكِینَ وَ تَشَتَّتَ (5) أَمْرُهُمْ فَمَضَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی
ص: 105
طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ مَعَهُ اللِّوَاءُ قَدْ خَضَبَهُ بِالدَّمِ وَ أَبُو دُجَانَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ خَلْفَهُ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ فَإِذَا نِسَاءُ الْأَنْصَارِ یَبْكِینَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (1) فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اسْتَقْبَلَهُ أَهْلُ الْمَدِینَةِ بِأَجْمَعِهِمْ وَ مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَسْجِدِ وَ نَظَرَ إِلَی النَّاسِ (2) فَتَضَرَّعُوا إِلَی اللَّهِ وَ إِلَی رَسُولِهِ وَ أَقَرُّوا بِالذَّنْبِ وَ طَلَبُوا التَّوْبَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِمْ قُرْآناً یَعِیبُهُمْ بِالْبَغْیِ الَّذِی كَانَ مِنْهُمْ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَی وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَیْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ یَقُولُ قَدْ عَایَنْتُمُ الْمَوْتَ وَ الْعَدُوَّ فَلِمَ نَقَضْتُمُ الْعَهْدَ وَ جَزِعْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ وَ قَدْ عَاهَدْتُمُ اللَّهَ أَنْ لَا تَنْهَزِمُوا حَتَّی قَالَ بَعْضُكُمْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَی قَوْلِهِ وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاكِرِینَ (3) یَعْنِی عَلِیّاً وَ أَبَا دُجَانَةَ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ رَغِبْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ عَنِّی وَ وَازَرَنِی عَلِیٌّ وَ وَاسَانِی فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَنِی وَ مَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَانِی وَ فَارَقَنِی فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ قَالَ فَقَالَ حُذَیْفَةُ لَیْسَ یَنْبَغِی لِأَحَدٍ یَعْقِلُ أَنْ یَشُكَّ فَمَنْ (4) لَمْ یُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّنْ أَشْرَكَ بِهِ وَ مَنْ لَمْ یَنْهَزِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَفْضَلُ مِمَّنِ انْهَزَمَ وَ إِنَّ السَّابِقَ إِلَی الْإِیمَانِ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ أَفْضَلُ وَ هُوَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ (5).
فر، تفسیر فرات بن إبراهیم الْحُسَیْنُ بْنُ سَعِیدٍ مُعَنْعَناً عَنْ حُذَیْفَةَ مِثْلَهُ (6).
«31»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَفَّنَ حَمْزَةَ بِثِیَابِهِ (7) وَ لَمْ یَغْسِلْهُ وَ لَكِنَّهُ صَلَّی عَلَیْهِ (8).
ص: 106
«32»-یب، تهذیب الأحكام الْمُفِیدُ عَنِ ابْنِ قُولَوَیْهِ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِیزٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ جَابِرٍ وَ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: دَفَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَمَّهُ حَمْزَةَ فِی ثِیَابِهِ بِدِمَائِهِ الَّتِی أُصِیبَ فِیهَا وَ زَادَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بُرْداً فَقَصُرَ عَنْ رِجْلَیْهِ فَدَعَا لَهُ بِإِذْخِرٍ فَطَرَحَهُ عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَیْهِ سَبْعِینَ صَلَاةً وَ كَبَّرَ عَلَیْهِ سَبْعِینَ تَكْبِیرَةً (1).
«33»-كا، الكافی حُمَیْدُ بْنُ زِیَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِیثَمِیِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نُعْمَانَ الرَّازِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: انْهَزَمَ النَّاسُ یَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَغَضِبَ غَضَباً شَدِیداً قَالَ وَ كَانَ إِذَا غَضِبَ انْحَدَرَ عَنْ جَبِینَیْهِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ مِنَ الْعَرَقِ قَالَ فَنَظَرَ فَإِذَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی جَنْبِهِ فَقَالَ لَهُ الْحَقْ بِبَنِی أَبِیكَ مَعَ مَنِ انْهَزَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لِی بِكَ أُسْوَةٌ قَالَ (2) فَاكْفِنِی هَؤُلَاءِ فَحَمَلَ فَضَرَبَ أَوَّلَ مَنْ لَقِیَ مِنْهُمْ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ (3) جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی جَبْرَئِیلَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی كُرْسِیٍّ مِنْ ذَهَبٍ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ یَقُولُ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ (4).
«34»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْعَلَاءِ الْخَفَّافِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ یَوْمَ أُحُدٍ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله انْصَرَفَ إِلَیْهِمْ بِوَجْهِهِ وَ هُوَ یَقُولُ أَنَا مُحَمَّدٌ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقْتَلْ وَ لَمْ أَمُتْ فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ فَقَالا الْآنَ یَسْخَرُ بِنَا أَیْضاً وَ قَدْ هُزِمْنَا وَ بَقِیَ مَعَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَدَعَاهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا بَا دُجَانَةَ (5) انْصَرِفْ
ص: 107
وَ أَنْتَ فِی حِلٍّ مِنْ بَیْعَتِكَ فَأَمَّا عَلِیٌّ فَهُوَ أَنَا وَ أَنَا هُوَ فَتَحَوَّلَ وَ جَلَسَ بَیْنَ یَدَیِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَكَی وَ قَالَ لَا وَ اللَّهِ وَ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ لَا وَ اللَّهِ لَا جَعَلْتُ نَفْسِی فِی حِلٍّ مِنْ بَیْعَتِی إِنِّی بَایَعْتُكَ فَإِلَی مَنْ أَنْصَرِفُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَی زَوْجَةٍ تَمُوتُ أَوْ وَلَدٍ یَمُوتُ أَوْ دَارٍ تَخْرَبُ وَ مَالٍ یَفْنَی وَ أَجَلٍ قَدِ اقْتَرَبَ فَرَقَّ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمْ یَزَلْ یُقَاتِلُ حَتَّی أَثْخَنَتْهُ الْجِرَاحَةُ وَ هُوَ فِی وَجْهٍ وَ عَلِیٌّ فِی وَجْهٍ فَلَمَّا أُسْقِطَ احْتَمَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَجَاءَ بِهِ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَوَضَعَهُ عِنْدَهُ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ وَفَیْتُ بِبَیْعَتِی قَالَ نَعَمْ وَ قَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله خَیْراً وَ كَانَ النَّاسُ یَحْمِلُونَ عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله الْمَیْمَنَةَ فَیَكْشِفُهُمْ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَإِذَا كَشَفَهُمْ أَقْبَلَتِ الْمَیْسَرَةُ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمْ یَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّی تَقَطَّعَ سَیْفُهُ بِثَلَاثِ قِطَعٍ فَجَاءَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَطَرَحَهُ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ قَالَ هَذَا سَیْفِی قَدْ تَقَطَّعَ فَیَوْمَئِذٍ أَعْطَاهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ذَا الْفَقَارِ فَلَمَّا رَأَی النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله اخْتِلَاجَ سَاقَیْهِ مِنْ كَثْرَةِ الْقِتَالِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَی السَّمَاءِ وَ هُوَ یَبْكِی وَ قَالَ یَا رَبِّ وَعَدْتَنِی أَنْ تُظْهِرَ دِینَكَ وَ إِنْ شِئْتَ لَمْ یُعْیِكَ فَأَقْبَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْمَعُ دَوِیّاً شَدِیداً وَ أَسْمَعُ أَقْدِمْ حَیْزُومُ وَ مَا أَهُمُّ أَضْرِبُ أَحَداً إِلَّا سَقَطَ مَیِّتاً قَبْلَ أَنْ أَضْرِبَهُ فَقَالَ هَذَا جَبْرَئِیلُ وَ مِیكَائِیلُ وَ إِسْرَافِیلُ وَ الْمَلَائِكَةُ (1) ثُمَّ جَاءَ جَبْرَئِیلُ فَوَقَفَ إِلَی جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ هِیَ الْمُوَاسَاةُ فَقَالَ إِنَّ عَلِیّاً مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا ثُمَّ انْهَزَمَ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا عَلِیُّ امْضِ بِسَیْفِكَ حَتَّی تُعَارِضَهُمْ فَإِنْ رَأَیْتَهُمْ قَدْ رَكِبُوا الْقِلَاصَ وَ جَنَبُوا الْخَیْلَ فَإِنَّهُمْ یُرِیدُونَ مَكَّةَ وَ إِنْ رَأَیْتَهُمْ قَدْ رَكِبُوا الْخَیْلَ وَ هُمْ یَجْنُبُونَ الْقِلَاصَ فَإِنَّهُمْ یُرِیدُونَ الْمَدِینَةَ فَأَتَاهُمْ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَكَانُوا عَلَی الْقِلَاصِ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا عَلِیُّ مَا تُرِیدُ هُوَ ذَا نَحْنُ ذَاهِبُونَ إِلَی مَكَّةَ فَانْصَرِفْ إِلَی صَاحِبِكَ فَأَتْبَعَهُمْ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَكُلَّمَا سَمِعُوا.
ص: 108
وَقْعَ حَوَافِرِ (1) فَرَسِهِ جَدُّوا فِی السَّیْرِ وَ كَانَ یَتْلُوهُمْ فَإِذَا ارْتَحَلُوا قَالَ (2) هُوَ ذَا عَسْكَرُ مُحَمَّدٍ قَدْ أَقْبَلَ فَدَخَلَ أَبُو سُفْیَانَ مَكَّةَ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَ جَاءَ الرُّعَاةُ وَ الْحَطَّابُونَ فَدَخَلُوا مَكَّةَ فَقَالُوا رَأَیْنَا عَسْكَرَ مُحَمَّدٍ كُلَّمَا رَحَلَ أَبُو سُفْیَانَ نَزَلُوا یَقْدُمُهُمْ فَارِسٌ عَلَی أَشْقَرَ یَطْلُبُ آثَارَهُمْ فَأَقْبَلَ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَی أَبِی سُفْیَانَ یُوَبِّخُونَهُ وَ رَحَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الرَّایَةُ مَعَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ هُوَ بَیْنَ یَدَیْهِ فَلَمَّا أَنْ أَشْرَفَ بِالرَّایَةِ مِنَ الْعَقَبَةِ وَ رَآهُ النَّاسُ نَادَی عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَیُّهَا النَّاسُ هَذَا مُحَمَّدٌ لَمْ یَمُتْ وَ لَمْ یُقْتَلْ فَقَالَ صَاحِبُ الْكَلَامِ الَّذِی قَالَ الْآنَ یَسْخَرُ بِنَا وَ قَدْ هُزِمْنَا هَذَا عَلِیٌّ وَ الرَّایَةُ بِیَدِهِ حَتَّی هَجَمَ عَلَیْهِمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ فِی أَفْنِیَتِهِمْ عَلَی أَبْوَابِ دُورِهِمْ وَ خَرَجَ الرِّجَالُ إِلَیْهِ یَلُوذُونَ بِهِ وَ یَثُوبُونَ (3) إِلَیْهِ وَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ قَدْ خَدَشْنَ الْوُجُوهَ وَ نَشَرْنَ الشُّعُورَ وَ جَزَزْنَ النَّوَاصِیَ وَ خَرَقْنَ الْجُیُوبَ وَ حَزَمْنَ (4) الْبُطُونَ عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا رَأَیْنَهُ قَالَ لَهُنَّ خَیْراً وَ أَمَرَهُنَّ أَنْ یَتَسَتَّرْنَ (5) وَ یَدْخُلْنَ مَنَازِلَهُنَّ وَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَعَدَنِی أَنْ یُظْهِرَ دِینَهُ عَلَی الْأَدْیَانِ كُلِّهَا وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً الْآیَةَ (6).
بیان: قوله أثخنته الجراحة أی أوهنته و أثرت فیه.
قوله فلما أسقط هذا لا یدل علی أنه قتل فی تلك الوقعة فلا ینافی ما هو المشهور بین أرباب السیر و الأخبار أنه بقی بعد النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقیل إنه قتل
ص: 109
بالیمامة و قیل شهد مع أمیر المؤمنین علیه السلام بعض غزواته كما ذكر فی الاستیعاب و الأول أشهر.
قوله علیه السلام لم یعیك أی لا یشكل علیك و لا تعجز عنه.
و قال الجزری فی حدیث بدر أقدم حیزوم جاء فی التفسیر أنه اسم فرس جبرئیل أراد أقدم یا حیزوم فحذف حرف النداء.
قوله فإذا ارتحلوا قال القائل إما جبرئیل أو أبو سفیان قوله فقالوا رأینا إنما قالوا ذلك لما رأوا من عسكر الملائكة المتمثلین بصور المسلمین و كان تعییر أهل مكة لأبی سفیان لهربهم عن ذلك العسكر.
قوله هذا علی لعل مراده تصدیق كلامه الأول أی أتی علی و لم یأت النبی صلی اللّٰه علیه و آله فلو كان حیا لأتی قوله علیه السلام و یثوبون بالثاء المثلثة أی یرجعون و فی بعض النسخ بالمثناة أی یتوبون و یعتذرون من الهزیمة قوله و حزمن البطون فی أكثر النسخ بالحاء المهملة و الزاء المعجمة أی كن شددن بطونهن لئلا تبدوا عوراتهن لشق الجیوب من قولهم حزمت الشی ء أی شددته و فی بعضها حرصن بالحاء و الصاد المهملتین أی شققن و خرقن و فی بعضها بالحاء المهملة و الضاد المعجمة علی بناء التفعیل یقال أحرضه المرض إذا فسد بدنه و أشفی علی الهلاك.
«35»-تَفْسِیرُ النُّعْمَانِیِّ، بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فِی كِتَابِ الْقُرْآنِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِیماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ (1) نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ فِی نُعَیْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِیِّ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَجَعَ (2) مِنْ غَزَاةِ أُحُدٍ وَ قَدْ قُتِلَ عَمُّهُ حَمْزَةُ وَ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ مَنْ قُتِلَ وَ جُرِحَ مَنْ جُرِحَ وَ انْهَزَمَ مَنِ انْهَزَمَ وَ لَمْ یَنَلْهُ الْقَتْلُ وَ الْجُرْحُ أَوْحَی اللَّهُ تَعَالَی إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنِ اخْرُجْ فِی وَقْتِكَ هَذَا لِطَلَبِ قُرَیْشٍ وَ لَا تُخْرِجْ مَعَكَ مِنْ أَصْحَابِكَ
ص: 110
إِلَّا مَنْ كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ فَخَرَجُوا مَعَهُ عَلَی مَا كَانَ بِهِمْ مِنَ الْجِرَاحِ حَتَّی نَزَلُوا مَنْزِلًا یُقَالُ لَهُ حَمْرَاءُ الْأَسَدِ وَ كَانَتْ قُرَیْشٌ قَدْ جَدَّتِ السَّیْرَ فَرَقاً فَلَمَّا بَلَغَهُمْ خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی طَلَبِهِمْ خَافُوا فَاسْتَقْبَلَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ یُقَالُ لَهُ نُعَیْمُ بْنُ مَسْعُودٍ یُرِیدُ الْمَدِینَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْیَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ یَا نُعَیْمُ هَلْ لَكَ أَنْ أَضْمَنَ لَكَ عَشْرَ قَلَائِصَ وَ تَجْعَلَ (1) طَرِیقَكَ عَلَی حَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَتُخْبِرَ مُحَمَّداً أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مَدَدٌ كَثِیرٌ مِنْ حُلَفَائِنَا مِنَ الْعَرَبِ كِنَانَةَ وَ عَشِیرَتِهِمْ وَ الْأَحَابِیشِ وَ تُهَوِّلَ عَلَیْهِمْ مَا اسْتَطَعْتَ فَلَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ عَنَّا فَأَجَابَهُ إِلَی ذَلِكَ وَ قَصَدَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِذَلِكَ وَ قَالَ إِنَّ قُرَیْشاً یُصْبِحُونَ (2) بِجَمْعِهِمُ الَّذِی لَا قِوَامَ لَكُمْ بِهِ فَاقْبَلُوا نَصِیحَتِی وَ ارْجِعُوا فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ اعْلَمْ أَنَّا لَا نُبَالِی بِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَی رَسُولِهِ الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ إِلَی قَوْلِهِ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ وَ إِنَّمَا كَانَ الْقَائِلُ نُعَیْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فَسَمَّاهُ اللَّهُ بِاسْمِ جَمِیعِ النَّاسِ (3)
«36»- ع، علل الشرائع أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ حُكَیْمٍ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: كَانَ مِمَّا مَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی رَسُولِهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ كَانَ یَقْرَأُ وَ لَا یَكْتُبُ فَلَمَّا تَوَجَّهَ أَبُو سُفْیَانَ إِلَی أُحُدٍ كَتَبَ الْعَبَّاسُ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَجَاءَهُ الْكِتَابُ وَ هُوَ فِی بَعْضِ حِیطَانِ الْمَدِینَةِ فَقَرَأَهُ وَ لَمْ یُخْبِرْ أَصْحَابَهُ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یَدْخُلُوا الْمَدِینَةَ فَلَمَّا دَخَلُوا الْمَدِینَةَ أَخْبَرَهُمْ (4).
«37»-ب، قرب الإسناد السِّنْدِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ الْفَتْحِ بِقَتْلِ فرتنا (5) وَ أُمِّ سَارَةَ قَالَ
ص: 111
وَ كَانَتَا قَیْنَتَیْنِ تَزْنِیَانِ وَ تُغَنِّیَانِ بِهِجَاءِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ تُحَضِّضَانِ یَوْمَ أُحُدٍ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (1).
«38»-مع، معانی الأخبار ابْنُ إِدْرِیسَ عَنِ ابْنِ أَبِی الْخَطَّابِ وَ غَیْرِهِ ذَكَرَهُمْ جَمِیعاً عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِیهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ مُنَادِیاً نَادَی فِی السَّمَاءِ یَوْمَ أُحُدٍ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ فَعَلِیٌّ أَخِی وَ أَنَا أَخُوهُ (2).
«39»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام هَانِئُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ عَنْ أَبِیهِ بِإِسْنَادِهِ رَفَعَهُ إِلَی مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ وَ سَاقَ حَدِیثَهُ مَعَ الرَّشِیدِ إِلَی أَنْ قَالَ إِنَّ الْعُلَمَاءَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَی أَنَّ جَبْرَئِیلَ قَالَ یَوْمَ أُحُدٍ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ مِنْ عَلِیٍّ قَالَ لِأَنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا یَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ فَكَانَ كَمَا مَدَحَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ خَلِیلَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِذْ یَقُولُ فَتًی یَذْكُرُهُمْ یُقالُ لَهُ إِبْراهِیمُ الْخَبَرَ (3).
«40»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ وَ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِیِّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ الْبَلْخِیِّ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ لِیَ الْحَجَّاجُ وَ سَأَلَنِی عَنْ خُرُوجِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی مَشَاهِدِهِ فَقُلْتُ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَدْراً فِی ثَلَاثِمِائَةٍ وَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَ شَهِدَ أُحُداً فِی سِتِّمِائَةٍ وَ شَهِدَ الْخَنْدَقَ فِی تِسْعِمِائَةٍ فَقَالَ عَمَّنْ قُلْتُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فَقَالَ ضَلَّ وَ اللَّهِ مَنْ سَلَكَ غَیْرَ سَبِیلِهِ (4).
«41»-ل، الخصال ع، علل الشرائع ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام سَأَلَ الشَّامِیُّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ یَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ وَ التَّطَیُّرِ مِنْهُ فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ آخِرُ أَرْبِعَاءَ فِی الشَّهْرِ إِلَی أَنْ قَالَ وَ یَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ شُجَّ النَّبِیُّ (5)
ص: 112
صلی اللّٰه علیه و آله وَكُسِرَت رَبَاعِیَتُهُ(1)
«42»-ص، قصص الأنبیاء علیهم السلام بِالْإِسْنَادِ إِلَی الصَّدُوقِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ الْعَلَوِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِیِّ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ سَهْلِ بْنِ صَالِحٍ الْعَبَّاسِیِّ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَی عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ عَنْ آبَائِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ وَ سَاقَ الْحَدِیثَ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی أَجْوِبَتِهِ عَنْ مَقَالَةِ الْیَهُودِیِّ إِلَی أَنْ قَالَ إِنَّ أَبَا قَتَادَةَ (2) بْنَ رِبْعِیٍّ الْأَنْصَارِیَّ شَهِدَ وَقْعَةَ أُحُدٍ فَأَصَابَتْهُ طَعْنَةٌ فِی عَیْنِهِ فَبَدَرَتْ حَدَقَتُهُ فَأَخَذَهَا بِیَدِهِ ثُمَّ أَتَی بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ امْرَأَتِی الْآنَ تُبْغِضُنِی فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ یَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا مَكَانَهَا فَلَمْ تَكُ تُعْرَفُ إِلَّا بِفَضْلِ حُسْنِهَا عَلَی الْعَیْنِ الْأُخْرَی وَ لَقَدْ بَادَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِیكٍ فَأُبِینَ یَدُهُ فَجَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَیْلًا وَ مَعَهُ الْیَدُ الْمَقْطُوعَةُ فَمَسَحَ عَلَیْهَا فَاسْتَوَتْ یَدُهُ (3).
«43»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ یُوسُفَ رَفَعَهُ إِلَی ابْنِ عَبَّاسٍ (4) فِی قَوْلِهِ إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ یَدْعُوكُمْ قَالَ فَلَمْ یَبْقَ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ یَوْمَ أُحُدٍ غَیْرُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ قَدْ صَنَعَ النَّاسُ مَا تَرَی فَقَالَ لَا وَ اللَّهِ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْأَلُ عَنْكَ الْخَبَرَ مِنْ وَرَاءٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَّا لَا فَاحْمِلْ عَلَی هَذِهِ الْكَتِیبَةِ فَحَمَلَ عَلَیْهَا فَفَضَّهَا فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِنِّی مِنْهُ وَ هُوَ مِنِّی فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا (5).
«44»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُوسَی بْنِ بَكْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ آخَرُونَ
ص: 113
مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ (1) قَالَ قَوْمٌ كَانُوا مُشْرِكِینَ فَقَتَلُوا مِثْلَ حَمْزَةَ وَ مِثْلَ (2) جَعْفَرٍ وَ أَشْبَاهَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِینَ ثُمَّ إِنَّهُمْ دَخَلُوا فِی الْإِسْلَامِ فَوَحَّدُوا اللَّهَ وَ تَرَكُوا الشِّرْكَ وَ لَمْ یَعْرِفُوا (3) الْإِیمَانَ بِقُلُوبِهِمْ فَیَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فَتَجِبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ وَ لَمْ یَكُونُوا عَلَی جُحُودِهِمْ فَیَكْفُرُوا فَتَجِبَ لَهُمُ النَّارُ فَهُمْ عَلَی تِلْكَ الْحَالِ إِمَّا أَنْ یُعَذِّبَهُمْ وَ إِمَّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ (4).
كا، الكافی العدة عن سهل عن علی بن حسان عن موسی بن بكر عن رجل عن أبی جعفر علیه السلام مثله (5).
«45»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی الْحُسَیْنُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ الْقَزْوِینِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الزَّعْفَرَانِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ بَیْنَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ أَصْحَابٌ لَهُ عَلَی شَرَابٍ لَهُمْ یُقَالُ لَهُ السُّكُرْكَةُ (6) قَالَ فَتَذَاكَرُوا السَّدِیفَ (7) قَالَ فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ كَیْفَ لَنَا بِهِ قَالَ فَقَالُوا لَهُ هَذِهِ نَاقَةُ ابْنِ أَخِیكَ عَلِیٍّ فَخَرَجَ إِلَیْهَا فَنَحَرَهَا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ كَبِدِهَا وَ سَنَامِهَا فَأَدْخَلَهُ عَلَیْهِمْ قَالَ وَ أَقْبَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَبْصَرَ نَاقَتَهُ فَدَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا لَهُ عَمُّكَ حَمْزَةُ صَنَعَ هَذَا قَالَ فَذَهَبَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَشَكَا ذَلِكَ إِلَیْهِ قَالَ فَأَقْبَلَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقِیلَ لِحَمْزَةَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ أَقْبَلَ الْبَابَ قَالَ فَخَرَجَ وَ هُوَ مُغْضَبٌ قَالَ فَلَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْغَضَبَ فِی وَجْهِهِ انْصَرَفَ (8) قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
ص: 114
عَزَّ وَ جَلَّ تَحْرِیمَ الْخَمْرِ قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِآنِیَتِهِمْ فَكُفِئَتْ وَ نُودِیَ (1) فِی النَّاسِ بِالْخُرُوجِ إِلَی أُحُدٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (2) صلی اللّٰه علیه و آله وَ خَرَجَ حَمْزَةُ فَوَقَفَ نَاحِیَةً مِنَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ فَلَمَّا تَصَافُّوا حَمَلَ حَمْزَةُ فِی النَّاسِ حَتَّی غَابَ فِیهِمْ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی مَوْقِفِهِ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ اللَّهَ اللَّهَ یَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ تَذْهَبَ وَ فِی نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَیْكَ شَیْ ءٌ قَالَ ثُمَّ حَمَلَ الثَّانِیَةَ حَتَّی غُیِّبَ فِی النَّاسِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی مَوْقِفِهِ فَقَالُوا (3) اللَّهَ اللَّهَ یَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ تَذْهَبَ وَ فِی نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَیْكَ شَیْ ءٌ قَالَ فَأَقْبَلَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا رَآهُ مُقْبِلًا نَحْوَهُ أَقْبَلَ إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَانَقَهُ وَ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا بَیْنَ عَیْنَیْهِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَی النَّاسِ فَاسْتُشْهِدَ حَمْزَةُ فَكَفَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی نَمِرَةٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ نَحْوٌ مِنْ سِتْرِ بَابِی هَذَا فَكَانَ إِذَا غَطَّی بِهِ (4) وَجْهَهُ انْكَشَفَتْ رِجْلَاهُ وَ إِذَا غَطَّی رِجْلَیْهِ انْكَشَفَتْ وَجْهُهُ قَالَ فَغَطَّی بِهِ (5) وَجْهَهُ وَ جَعَلَ عَلَی رِجْلَیْهِ إِذْخِراً قَالَ وَ انْهَزَمَ النَّاسُ وَ بَقِیَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا صَنَعْتَ یَا عَلِیُّ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَزِمْتُ الْأَرْضَ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْشُدُكَ یَا رَبِّ (6) مَا وَعَدْتَنِی فَإِنَّكَ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ (7).
شی، تفسیر العیاشی عن هشام مثله (8). بیان: قال الجزری السكركة بضم السین و الكاف و سكون الراء نوع من الخمور یتخذ من الذرة قال الجوهری هی خمر الحبش و هی لفظة حبشیة
ص: 115
و قد عربت فقیل السقرقع و قال الهروی و فی حدیث الهروی و خمرة السكركة (1) انتهی.
و السدیف كأمیر شحم السنام قاله الفیروزآبادی و قال النمرة كفرحة الحبرة و شملة فیها خطوط بیض و سود أو بردة من صوف تلبسها الأعراب.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله فإنك إن شئت لم تعبد لعل المعنی إن شئت مغلوبیتنا و استیصالنا لم یعبدك أحد بعد ذلك أو المعنی إن شئت أن لا تعبد فالأمر إلیك.
أقول فی هذا الخبر ما ینافی الأخبار المتواترة الدالة علی رفعة شأن حمزة علیه السلام و سمو مكانه ظاهرا و إن أمكن توجیهه و اللّٰه یعلم.
«46»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ هَارُونَ عَنِ ابْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِیَّ اعْتَمَّ یَوْمَ أُحُدٍ بِعِمَامَةٍ وَ أَرْخَی عَذَبَةَ الْعِمَامَةِ بَیْنَ كَتِفَیْهِ حَتَّی جَعَلَ یَتَبَخْتَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ هَذِهِ لَمِشْیَةٌ یُبْغِضُهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا عِنْدَ الْقِتَالِ فِی سَبِیلِ اللَّهِ (2).
بیان: العذب بالتحریك طرف كل شی ء.
«47»-قب، المناقب لابن شهرآشوب وَ فِی شَوَّالٍ غَزْوَةُ أُحُدٍ وَ هُوَ یَوْمُ الْمِهْرَاسِ- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ مُجَاهِدٌ وَ قَتَادَةُ وَ الرَّبِیعُ وَ السُّدِّیُّ وَ ابْنُ إِسْحَاقَ نَزَلَ فِیهِ قَوْلُهُ وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ وَ هُوَ الْمَرْوِیُّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.
زید بن وهب إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ فقالوا لم انهزمنا و قد وعدنا بالنصر فنزل وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ
ابْنُ مَسْعُودٍ وَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَصَدَ أَبُو سُفْیَانَ فِی ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ قُرَیْشٍ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یُقَالُ فِی أَلْفَیْنِ مِنْهُمْ مِائَتَا فَارِسٍ وَ الْبَاقُونَ رَكْبٌ وَ لَهُمْ سَبْعُمِائَةِ دِرْعٍ وَ هِنْدٌ تَرْتَجِزُ
ص: 116
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقٍ***نَمْشِی عَلَی النَّمَارِقِ
وَ الْمِسْكُ فِی الْمَفَارِقِ***وَ الدُّرُّ فِی الْمَخَانِقِ
وَ كَانَ اسْتَأْجَرَ أَبُو سُفْیَانَ یَوْمَ أُحُدٍ أَلْفَیْنِ مِنَ الْأَحَابِیشِ یُقَاتِلُ بِهِمُ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله.
قوله إِنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ فخرج النبی صلی اللّٰه علیه و آله مع أصحابه و كانوا ألف رجل (1) و یقال سبعمائة فانعزل عنهم ابن أبی بثلث الناس فهمت بنو حارثة و بنو سلمة بالرجوع و هو قوله إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ قال الجبائی هما به و لم یفعلاه و ساق الخبر إلی أن قال و أقبل خالد من الشعب بخیل المشركین و جاء من ظهر النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قال دونكم هذا الطلیق الذی تطلبونه فشأنكم به فحملوا علیه حملة رجل واحد حتی قتل منهم خلق و انهزم الباقون فی الشعب و أقبل خالد بخیله (2) كما قال تعالی إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ و رسول اللّٰه یدعوهم فی أخراهم یا أیها الناس إنی رسول اللّٰه إن اللّٰه قد وعدنی النصر فأین الفرار وَ كَانَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَرْمِی وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِی فَإِنَّهُمْ لَا یَعْلَمُونَ فرماه ابن قمیئة بقذافة فأصاب كفه و عبد اللّٰه بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه و ضربه عتبة بن أبی وقاص أخو سعد علی وجهه فشج رأسه فنزل من فرسه و نهبه ابن قمیئة و قد ضرب به علی جنبه و صاح إبلیس من جبل أحد ألا إن محمدا قد قتل فصاحت فاطمة علیها السلام و وضعت یدها علی رأسها و خرجت تصرخ و سائر هاشمیة و قرشیة. (3)
ص: 117
فَلَمَّا حَمَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی أُحُدٍ نَادَی الْعَبَّاسُ (1) وَ هُوَ جَهْوَرِیُّ الصَّوْتِ فَقَالَ یَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَیْنَ تَفِرُّونَ إِلَی النَّارِ تَهْرُبُونَ.
وَ أَنْشَأَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّی الْخَالِقِ الصَّمَدِ*** فَلَیْسَ یَشْرَكُهُ فِی حُكْمِهِ أَحَدٌ
هُوَ الَّذِی عَرَّفَ الْكُفَّارَ مَنْزِلَهُمْ*** وَ الْمُؤْمِنُونَ سَیَجْزِیهِمْ بِمَا وُعِدُوا
وَ یَنْصُرُ اللَّهُ مَنْ وَالاهُ إِنَّ لَهُ*** نَصْراً وَ یُمْثِلُ بِالْكُفَّارِ إِذْ عَنَدُوا
قَوْمِی وَقَوُا الرَّسُولَ (2) وَ احْتَسَبُوا*** شُمُّ الْعَرَانِینِ مِنْهُمْ حَمْزَةُ الْأَسَدُ
وَ أَنْشَأَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:
رَأَیْتُ الْمُشْرِكِینَ بَغَوْا عَلَیْنَا***وَ لَجُّوا فِی الْغَوَایَةِ وَ الضَّلَالِ
وَ قَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ إِذْ نَفَرْنَا***غَدَاةَ الرَّوْعِ بِالْأَسَلِ الطِّوَالِ
فَإِنْ یَبْغُوا وَ یَفْتَخِرُوا عَلَیْنَا***بِحَمْزَةَ وَ هُوَ فِی الْغُرَفِ الْعَوَالِی
فَقَدْ أَوْدَی بِعُتْبَةَ یَوْمَ بَدْرٍ***وَ قَدْ أَبْلَی وَ جَاهَدَ غَیْرَ آلٍ
وَ قَدْ غَادَرْتُ كَبْشَهُمُ جِهَاراً***بِحَمْدِ اللَّهِ طَلْحَةَ فِی الْمَجَالِ
فَخَرَّ لِوَجْهِهِ (3) وَ رَفَعْتُ عَنْهُ*** رَقِیقَ الْحَدِّ حُودِثَ بِالصِّقَالِ (4)
بیان: ذكر عباس هنا لعله سهو.
«48»-وَ أَقُولُ رُوِیَ فِی الدِّیوَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ
أَتَانِی أَنَّ هِنْداً حَلَّ صَخْرٍ*** دَعَتْ دَرَكاً وَ بَشَّرَتِ الْهُنُودَا
ص: 118
فَإِنْ تَفْخَرْ بِحَمْزَةَ حِینَ وَلَّی*** مَعَ الشُّهَدَاءِ مُحْتَسِباً شَهِیداً
فَإِنَّا قَدْ قَتَلْنَا یَوْمَ بَدْرٍ*** أَبَا جَهْلٍ وَ عُتْبَةَ وَ الْوَلِیدَا
وَ قَتَّلْنَا سَرَاةَ النَّاسِ طُرّاً*** وَ غَنَّمْنَا الْوَلَائِدَ وَ الْعَبِیدَا
وَ شَیْبَةَ قَدْ قَتَلْنَا یَوْمَ ذَاكُمْ*** عَلَی أَثْوَابِهِ عَلَقاً حَسِیدَا
فَبُوِّئَ مِنْ جَهَنَّمَ شَرَّ دَارٍ*** عَلَیْهَا لَمْ یَجِدْ عَنْهَا مَحِیدَا
وَ مَا سِیَّانِ مَنْ هُوَ فِی جَحِیمٍ*** یَكُونُ شَرَابُهُ فِیهَا صَدِیداً
وَ مَنْ هُوَ فِی الْجِنَانِ یَدِرُّ فِیهَا*** عَلَیْهِ الرِّزْقُ مُغْتَبِطاً (1) حَمِیداً (2)
وَ فِیهِ أَیْضاً بَعْدَ قَتْلِ طَلْحَةَ
أَصُولُ بِاللَّهِ الْعَزِیزِ الْأَمْجَدِ*** وَ فَالِقِ الْإِصْبَاحِ رَبِّ الْمَسْجِدِ
أَنَا عَلِیٌّ وَ ابْنُ عَمِّ الْمُهْتَدِی (3)
وَ فِیهِ أَیْضاً
اللَّهُ حَیٌّ قَدِیمٌ قَادِرٌ صَمَدٌ ***وَ لَیْسَ یَشْرَكُهُ فِی مُلْكِهِ أَحَدٌ
هُوَ الَّذِی عَرَّفَ الْكُفَّارَ مَنْزِلَهُمْ*** وَ الْمُؤْمِنُونَ سَیَجْزِیهِمْ كَمَا وُعِدُوا (4)
فَإِنْ یَكُنْ دَوْلَةٌ كَانَتْ لَنَا (5) عِظَةً***فَهَلْ عَسَی أَنْ یُرَی فِی غَیِّهَا رَشَدٌ
وَ یَنْصُرُ اللَّهُ مَنْ وَالاهُ إِنَّ لَهُ***نَصْراً وَ یُمْثِلُ بِالْكُفَّارِ إِذْ عَنَدُوا
فَإِنْ نَطَقْتُمْ بِفَخْرٍ لَا أَباً لَكُمُ***فِیمَنْ تَضَمَّنَ مِنْ إِخْوَانِنَا اللَّحَدُ
فَإِنَّ طَلْحَةَ غَادَرْنَاهُ مُنْجَدِلَا***وَ لِلصَّفَائِحِ نَارٌ بَیْنَنَا تَقِدُ
وَ الْمَرْءُ عُثْمَانُ أَرْدَتْهُ أَسِنَّتُنَا***فَجَیْبُ زَوْجَتِهِ إِذْ خُبِّرَتْ قِدَدٌ
فِی تِسْعَةٍ إِذْ تَوَلَّوْا بَیْنَ أَظْهُرِهِمْ***لَمْ یَنْكُلُوا مِنْ حِیَاضِ الْمَوْتِ إِذْ وَرَدُوا (6)
ص: 119
كَانُوا الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَ أَكْرَمَهَا*** شُمُّ الْأُنُوفِ وَ حَیْثُ الْفَرْعِ وَ الْعَدَدُ (1)
وَ أَحْمَدُ الْخَیْرِ قَدْ أَرْدَی عَلَی عَجَلٍ***تَحْتَ الْعَجَاجِ أُبَیّاً وَ هُوَ مُجْتَهِدٌ
وَ ظَلَّتِ الطَّیْرُ وَ الضَّبْعَانُ تَرْكَبُهُ***فَحَامِلٌ قِطْعَةً مِنْهُمْ وَ مُقْتَعِدٌ
وَ مَنْ قَتَلْتُمْ عَلَی مَا كَانَ مِنْ عَجَبٍ***مِنَّا فَقَدْ صَادَفُوا خَیْراً وَ قَدْ سُعِدُوا
لَهُمْ جِنَانٌ مِنَ الْفِرْدَوْسِ طَیِّبَةً***لَا یَعْتَرِیهِمْ بِهَا حَرٌّ وَ لَا صَرَدٌ
صَلَّی الْإِلَهُ عَلَیْهِمْ كُلَّمَا ذَكَرُوا***فَرُبَّ مَشْهَدِ صِدْقٍ قَبْلَهُ شَهِدُوا
قَوْمٌ وَفَوْا لِرَسُولِ اللَّهِ وَ احْتَسَبُوا***شُمُّ الْعَرَانِینَ مِنْهُمْ حَمْزَةُ الْأَسَدُ
وَ مُصْعَبٌ ظَلَّ لَیْثاً دُونَهُ حَرَداً (2)حَتَّی تَزَمَّلَ مِنْهُ ثَعْلَبٌ جَسَدٌ
لَیْسُوا كَقَتْلَی مِنَ الْكُفَّارِ أَدْخَلَهُمْ***نَارَ الْجَحِیمِ عَلَی أَبْوَابِهَا الرَّصَدُ (3)
وَ فِیهِ أَیْضاً:
رَأَیْتُ الْمُشْرِكِینَ بَغَوْا عَلَیْنَا
إِلَی قَوْلِهِ
وَ قَدْ أَوْدَی وَ جَاهَدَ غَیْرَ آلٍ
وَ قَدْ فَلَّلْتُ خَیْلَهُمُ بِبَدْرٍ*** وَ أَتْبَعْتُ الْهَزِیمَةَ بِالرِّجَالِ
إِلَی قَوْلِهِ بِالصِّقَالِ
كَأَنَّ الْمِلْحَ خَالَطَهُ إِذَا مَا*** تَلَظَّی كَالْعَتِیقَةِ فِی الظِّلَالِ (4)
ص: 120
«49»-وَ فِی شَرْحِ الدِّیوَانِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِی طَلْحَةَ ارْتَجَزَ یَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ
أَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّارِ ذِی الْفُضُولِ*** وَ إِنَّكَ عِنْدِی یَا عَلِیُّ مَقْبُولٌ
أَوْ هَارِبٌ خَوْفُ الرَّدَی مَفْلُولٌ
فَأَجَابَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِمَا فِی الدِّیوَانِ:
هَذَا مَقَامِی مُعْرَضٌ مَبْذُولٌ ***مَنْ یَلْقَ سَیْفِی فَلَهُ الْعَوِیلُ
وَ لَا أَخَافُ (2) الصَّوْلَ بَلْ أَصُولُ*** إِنِّی عَنِ الْأَعْدَاءِ لَا أَزُولُ
یَوْماً لَدَی الْهَیْجَاءِ وَ لَا أَحُولُ*** وَ الْقَرْنُ عِنْدِی فِی الْوَغَی مَقْتُولٌ
أَوْ هَالِكٌ بِالسَّیْفِ أَوْ مَغْلُولٌ
وَ قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی جَوَابِ رَجَزِ عُمَرَ بْنِ أَخْنَسِ بْنِ شَرِیقٍ
اخْسَأْ عَلَیْكَ اللَّعْنُ مِنْ جَاهِدٍ*** یَا ابْنَ لَعِینٍ لَاحَ بِالْأَرْذَلِ
الْیَوْمَ أَعْلُوكَ بِذِی رَوْنَقٍ*** كَالْبَرْقِ فِی الْمُخْلَوْلِقِ الْمُسْبِلِ
یَفْرِی شُئُونَ الرَّأْسِ لَا یَنْثَنِی (4)*** بَعْدَ فِرَاشِ الْحَاجِبِ الْأَجْزَلِ
أَرْجُو بِذَلِكَ الْفَوْزَ فِی جَنَّةٍ*** عَالِیَةٍ فِی أَكْرَمِ الْمَدْخَلِ
وَ فِیهِ أَیْضاً مُخَاطِباً لِأُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ (6) فِی تِلْكَ الْغَزْوَةِ
لَسْتُ أَرَی مَا بَیْنَنَا حَاكِماً*** إِلَّا الَّذِی بِالْكَفِّ تَبَّارٌ
وَ صَارِماً أَبْیَضَ مِثْلَ الْمَهَا*** یَبْرُقُ فِی الرَّاحَةِ ضَرَّارٌ
مَعِی حُسَامٌ قَاطِعٌ بَاتِرٌ*** تَسْطَعُ مِنْ تِضْرَابِهِ النَّارُ
ص: 121
إِنَّا أُنَاسٌ دِینُنَا صَادِقٌ*** إِنَّا عَلَی الْحَرْبِ لَصَبَّارٌ
(1) وَ فِیهِ أَیْضاً مُخَوِّفاً لَهُ
سَوْفَ یَرَی الْجَمْعُ ضِرَابَ الْفَاتِكِ الْحَلَابِسِ (2)*** وَ طَعْنَةً قَدْ شَدَّهَا لِكَبْوَةِ الْفَوَارِسِ
الْیَوْمَ أُضْرِمُ نَارَهَا بِجَذْوَةٍ لِقَابِسٍ ***حَتَّی تَرَی فُرْسَانَهَا تَخِرُّ لِلْمَعَاطِسِ (3)
بیان: دعت دركا أی لنفسها درك الجحیم أو الناس إلیها و الدرك أیضا اللحاق و التبعة و بشرت قوما كالهنود فی الكفر أو قومها المنسوبین إلیها و التقتیل إكثار القتل و السراة الأشراف قوله غنمنا بالتشدید أی جعلناهم غنائم علی أثوابه كأن تقدیره تركنا علی أثوابه علقا بالتحریك أی دما غلیظا أو جامدا و الجسید من قولهم جسد به الدم إذا لصق به قوله تقد أی تلتهب قوله قدد أی قطع و القد قطع الشی ء طولا قوله كانوا الذوائب أی الرؤساء و الأشراف و فهر بالكسر أبو قبیلة من قریش و الشم بالضم جمع الأشم و الشمم ارتفاع قصبة الأنف و استواء أعلاها و إشراف الأرنبة قلیلا و هو كنایة عن الرفعة و العلو و شرف الأنفس یقال شمخ بأنفه إذا تكبر و الفرع الولد و العجاج الغبار.
قوله فحامل قطعة أی بعضها تحمل منه قطعة و بعضها تركبه و تأكل منه و الصرد البرد و العرانین الأنوف و رمله بالدم لطخه و فی بعض النسخ بالزای من تزمل أی تلفف به و الثعلب طرف الرمح الداخل فی السنان.
قوله غیر آل أی غیر مقصر و الأسل الرماح و فللت الجیش هزمته و التشدید للمبالغة و التكثیر قوله حودث أی جلی و عقیقة البرق ما انعق منه أی تضرب فی السحاب و یقال عرضت الشی ء فأعرض أی أظهرته فظهر و خسأ بعد و رونق السیف ماؤه و حسنه و المخلولق البالی الدارس و الأسبال الإرسال
ص: 122
و الفری القطع و الشئون ملتقی عظام الرأس و فراش الرأس عظام رقاق تلی القحف و الجزل القطع و بتار بتقدیم الموحدة علی المثناة أی قطاع و فی بعض النسخ بالعكس من التبار و هو الهلاك و المها البلور و الباتر السیف القاطع و التضراب مبالغة فی الضرب و الفاتك الجری ء و الحلابس بالضم الشجاع و فی بعض النسخ الخنابس و هو الكریه المنظر و یقال الأسد حنابس و كبا لوجهه كبوا سقط و ضمیر نارها للحرب و الجذوة مثلثة الجمرة و قبست منه نارا طلبته و المعطس كالمجلس الأنف.
«50»-أقول قال عبد الحمید بن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة لما رجع من حضر بدرا من المشركین إلی مكة وجدوا العیر التی قدم بها أبو سفیان موقوفة فی دار الندوة فاتفقوا علی أن یحتبسوها أو أرباحها لیجهزوا بها جیشا إلی محمد صلی اللّٰه علیه و آله فبعثوا إلی العرب و استنصروهم فخرجوا و هم ثلاثة آلاف بمن ضوی إلیهم بعده و سلاح كثیر و قادوا مائتی فرس و كان فیهم سبعمائة دارع و ثلاثة آلاف بعیر فلما أجمعوا المسیر (1) كتب العباس بن عبد المطلب كتابا و ختمه و استأجر رجلا من بنی غفار و شرط علیه أن یسیر ثلاثا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یخبره أن قریشا قد أجمعت إلیك (2) فما كنت صانعا إذ أحلوا بك فاصنعه.
فَلَمَّا شَاعَ الْخَبَرُ فِی النَّاسِ ظَهَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْمِنْبَرَ (3) فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَأَیْتُ فِی مَنَامِی كَأَنِّی فِی دِرْعٍ حَصِینَةٍ وَ رَأَیْتُ كَأَنَّ سَیْفِی ذَا الْفَقَارِ انْقَصَمَ (4) مِنْ عِنْدِ ظُبَتِهِ (5) وَ رَأَیْتُ بَقَراً تُذْبَحُ وَ رَأَیْتُ كَأَنِّی مُرْدِفٌ كَبْشاً
ص: 123
قَالَ النَّاسُ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا أَوَّلْتَهَا قَالَ أَمَّا الدِّرْعُ الْحَصِینَةُ فَالْمَدِینَةُ فَامْكُثُوا فِیهَا وَ أَمَّا انْقِصَامُ سَیْفِی مِنْ عِنْدَ ظُبَتِهِ فَمُصِیبَةٌ فِی نَفْسِی وَ أَمَّا الْبَقَرُ الْمَذْبَحُ فَقَتْلَی فِی أَصْحَابِی وَ أَمَّا أَنِّی مُرْدِفٌ كَبْشاً فَكَبْشُ الْكَتِیبَةِ نَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَ رُوِیَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: أَمَّا انْقِصَامُ سَیْفِی فَقَتْلَةُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی.
وَ رُوِیَ أَنَّهُ قَالَ: وَ رَأَیْتُ فِی سَیْفِی فَلًّا فَكَرِهْتُهُ هو الذی أصاب وجهه.
قَالَ الْوَاقِدِیُّ فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَشِیرُوا عَلَیَّ وَ رَأَی صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ لَا یَخْرُجَ مِنَ الْمَدِینَةِ لِهَذِهِ الرُّؤُیَا فقام عبد اللّٰه بن أبی فقال یا رسول اللّٰه كنا نقاتل فی الجاهلیة فی هذه المدینة و نجعل النساء و الذراری فی هذه الصیاصی و نجعل معهم الحجارة یا رسول اللّٰه إن مدینتنا عذراء ما فضت (1) علینا قط و ما خرجنا إلی عدو منها قط إلا أصاب منا و ما دخل علینا قط إلا أصبناهم فكان رأی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مع رأیه و كان ذلك رأی الأكابر من المهاجرین و الأنصار فقام فتیان أحداث لم یشهدوا بدرا و طلبوا من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الخروج إلی عدوهم و رغبوا فی الشهادة و قال رجال من أهل التیه (2) و أهل السن منهم حمزة و سعد بن عبادة و النعمان بن مالك فی غیرهم (3) من الأوس و الخزرج إنا نخشی یا رسول اللّٰه أن یظن عدونا أنا كرهنا الخروج إلیهم جبنا عن لقائهم فیكون هذا جرأة منهم علینا (4) فقال حمزة و الذی أنزل علیه الكتاب لا أطعم الیوم طعاما حتی أجالدهم بسیفی خارجا من
ص: 124
المدینة و كان یقال كان حمزة یوم الجمعة صائما و یوم السبت صائما فلاقاهم و هو صائم.
و قام خیثمة أبو سعد بن خیثمة فقال یا رسول اللّٰه إن قریشا مكثت حولا تجمع الجموع و تستجلب العرب فی بوادیها ثم جاءونا و قد قادوا الخیل حتی نزلوا بساحتنا فیحضروننا (1) فی بیوتنا و صیاصینا ثم یرجعون وافرین لم یكلموا فیجرئهم ذلك علینا حتی یشنوا الغارات علینا و یضع الإرصاد و العیون علینا و عسی اللّٰه أن یظفرنا بهم فتلك عادة اللّٰه عندنا أو یكون الأخری (2) فهی الشهادة لقد أخطأتنی وقعة بدر و قد كنت علیها حریصا لقد بلغ من حرصی أن ساهمت ابنی فی الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة و قد رأیت ابنی البارحة فی النوم فی أحسن صورة یسرع فی ثمار الجنة و أنهارها و هو یقول الحق بنا ترافقنا فی الجنة فقد وجدت ما وعدنی ربی حقا و قد و اللّٰه یا رسول اللّٰه أصبحت مشتاقا إلی مرافقته فی الجنة و قد كبرت سنی و رق عظمی و أحببت لقاء ربی فادع اللّٰه أن یرزقنی الشهادة فدعا له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بذلك فقتل بأحد شهیدا فقال كل منهم مثل ذلك فقال إنی أخاف علیكم الهزیمة فلما أبوا إلا الخروج صلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الجمعة بالناس ثم وعظهم و أمرهم بالجد و الاجتهاد و أخبرهم أن لهم النصر ما صبروا ثم صلی العصر و لبس السلاح و خرج و كان مقدم قریش یوم الخمیس لخمس خلون من شوال و كانت الوقعة یوم السبت لسبع خلون من شوال و باتت وجوه الأوس و الخزرج لیلة الجمعة علیهم السلاح فی المسجد بباب النبی صلی اللّٰه علیه و آله خوفا من تبییت المشركین و حرست المدینة تلك اللیلة حتی أصبحوا.
قال فَلَمَّا سَوَّی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الصُّفُوفَ بِأُحُدٍ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ
ص: 125
أَیُّهَا النَّاسُ أُوصِیكُمْ بِمَا أَوْصَانِی بِهِ اللَّهُ فِی كِتَابِهِ مِنَ الْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ وَ التَّنَاهِی عَنْ مَحَارِمِهِ ثُمَّ إِنَّكُمُ الْیَوْمَ بِمَنْزِلِ أَجْرٍ وَ ذُخْرٍ لِمَنْ ذَكَرَ الَّذِی عَلَیْهِ ثُمَّ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَی الصَّبْرِ وَ الْیَقِینِ وَ الْجِدِّ وَ النَّشَاطِ فَإِنَّ جِهَادَ الْعَدُوِّ شَدِیدٌ كَرِیهٌ قَلِیلٌ مَنْ یَصْبِرُ عَلَیْهِ إِلَّا مَنْ عَزَمَ لَهُ عَلَی رُشْدِهِ (1) إِنَّ اللَّهَ مَعَ مَنْ أَطَاعَهُ وَ إِنَّ الشَّیْطَانَ مَعَ مَنْ عَصَاهُ فَاسْتَفْتِحُوا (2) أَعْمَالَكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَی الْجِهَادِ وَ الْتَمِسُوا بِذَلِكَ مَا وَعَدَكُمُ اللَّهُ وَ عَلَیْكُمْ بِالَّذِی أَمَرَكُمْ بِهِ فَإِنِّی حَرِیصٌ (3) عَلَی رُشْدِكُمْ إِنَّ الِاخْتِلَافَ وَ التَّنَازُعَ وَ التَّثَبُّطَ (4) مِنْ أَمْرِ الْعَجْزِ وَ الضَّعْفِ وَ هُوَ مِمَّا لَا یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ لَا یُعْطِی عَلَیْهِ النَّصْرَ وَ الظَّفَرَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ قُذِفَ فِی قَلْبِی أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَی حَرَامٍ فَرَغِبَ عَنْهُ ابْتِغَاءَ مَا عِنْدَ اللَّهِ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ (5) وَ مَنْ صَلَّی عَلَیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ مَلَائِكَتُهُ عَشْراً وَ مَنْ أَحْسَنَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ فِی عَاجِلِ دُنْیَاهُ وَ فِی (6) آجِلِ آخِرَتِهِ وَ مَنْ كَانَ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَیْهِ الْجُمُعَةُ (7) یَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا صَبِیّاً أَوِ امْرَأَةً أَوْ مَرِیضاً أَوْ عَبْداً مَمْلُوكاً وَ مَنِ اسْتَغْنَی عَنْهَا اسْتَغْنَی اللَّهُ عَنْهُ وَ اللَّهُ غَنِیٌّ حَمِیدٌ مَا أَعْلَمُ مِنْ عَمَلٍ یُقَرِّبُكُمْ إِلَی اللَّهِ إِلَّا وَ قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَ لَا أَعْلَمُ مِنْ عَمَلٍ یُقَرِّبُكُمْ إِلَی النَّارِ إِلَّا وَ قَدْ نَهَیْتُكُمْ عَنْهُ وَ إِنَّهُ قَدْ نَفَثَ (8) الرُّوحُ الْأَمِینُ فِی رُوعِی أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّی تَسْتَوْفِیَ أَقْصَی رِزْقِهَا لَا یَنْقُصُ مِنْهُ شَیْ ءٌ وَ إِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَ أَجْمِلُوا فِی طَلَبِ الرِّزْقِ وَ لَا یَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاؤُهُ عَلَی أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِیَةِ
ص: 126
رَبِّكُمْ فَإِنَّهُ لَنْ یُقْدَرَ (1) عَلَی مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ قَدْ بَیَّنَ لَكُمُ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ غَیْرَ أَنَّ بَیْنَهُمَا شَبَهاً مِنَ الْأَمْرِ لَمْ یَعْلَمْهَا كَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَنْ عُصِمَ فَمَنْ تَرَكَهَا حَفِظَ عِرْضَهُ وَ دِینَهُ وَ مَنْ وَقَعَ فِیهَا كَانَ كَالرَّاعِی إِلَی جَنْبِ الْحِمَی أَوْشَكَ أَنْ یَقَعَ فِیهِ وَ مَا (2) مِنْ مَلَكٍ إِلَّا وَ لَهُ حِمًی أَلَا وَ إِنَّ حِمَی اللَّهِ مَحَارِمُهُ وَ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَی تَدَاعَی عَلَیْهِ (3) سَائِرُ جَسَدِهِ وَ السَّلَامُ عَلَیْكُمْ (4).
قال الواقدی و برز طلحة بن أبی طلحة فصاح من یبارز فقال علی علیه السلام هل لك فی مبارزتی قال نعم فبرز (5) بین الصفین و رسول اللّٰه جالس تحت الرایة علیه درعان و مغفر و بیضة فالتقیا فبدره علی علیه السلام بضربة علی رأسه فمضی السیف حتی فلق هامته إلی أن انتهی إلی لحیته فوقع و انصرف علی علیه السلام فقیل له هلا دففت (6) علیه قال إنه لما صرع استقبلتنی عورته (7) فعطفتنی علیه الرحم و قد علمت أن اللّٰه سیقتله هو كبش الكتیبة فسر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و كبر تكبیرا عالیا و كبر المسلمون.
و ساق القصة إلی أن قال ثم حمل اللواء أرطأة بن عبد شرحبیل فقتله علی علیه السلام ثم حمله صواب غلام بنی عبد الدار فقیل قتله علی علیه السلام و قیل سعد بن أبی وقاص و قیل قزمان.
قال الواقدی و قالوا ما ظفر اللّٰه نبیه فی موطن قط ما ظفره و أصحابه یوم أحد حتی عصوا الرسول و تنازعوا فی الأمر لقد قتل أصحاب اللواء و انكشف
ص: 127
المشركون و نساؤهم یدعون بالویل بعد ضرب الدفوف فلما ترك أصحاب عبد اللّٰه بن جبیر مراكزهم و نظر خالد بن الولید إلی خلاء الجبل و قلة أهله فكر بالخیل و تبعه عكرمة بالخیل و انطلقا إلی موضع الرماة فحملوه علیهم فراماهم القوم حتی أصیبوا و رامی (1) عبد اللّٰه بن جبیر حتی فنیت نبله ثم طاعن بالرمح حتی انكسر ثم كسر جفن سیفه فقاتل حتی قتل.
فروی رافع بن خدیج قال لما قتل خالد الرماة أقبل بالخیل و عكرمة یتلوه فخالطنا و قد انتقضت صفوفنا و نادی إبلیس و تصور فی صورة جعال بن سراقة أن محمدا قد قتل ثلاث صرخات فابتلی یومئذ جعال ببلیة عظیمة حین تصور إبلیس فی صورته و إن جعالا لیقاتل مع المسلمین أشد القتال و إنه إلی جنب أبی بردة و خوات بن جبیر قال رافع فو اللّٰه ما رأینا دولة كانت أسرع من دولة المشركین علینا و أقبل المسلمون علی جعال یریدون قتله فشهد له خوات و أبو بردة أنه كان إلی جنبهما حین صاح الصائح و أن الصائح غیره قال رافع أتینا من قبل أنفسنا و معصیة نبینا و اختلط المسلمون و صاروا یقتلون و یضرب بعضهم بعضا ما یشعرون (2) بما یصنعون من الدهش و العجل. (3).
و روی أبو عمر محمد بن عبد الواحد اللغوی و رواه أیضا محمد بن حبیب فی أمالیه أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لما فر معظم أصحابه عنه یوم أحد كثرت علیه كتائب المشركین و قصدته كتیبة من بنی كنانة ثم من بنی عبد مناف (4) بن كنانة فیها بنو سفیان بن عویف و هم خالد بن ثعلب (5) و أبو الشعشاء بن سفیان و أبو الحمراء بن سفیان و غراب بن سفیان فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یا علی اكفنی هذه الكتیبة فحمل علیها
ص: 128
و إنها لتقارب خمسین فارسا و هو علیه السلام راجل فما زال یضربها بالسیف حتی تتفرق عنه ثم تجتمع علیه هكذا مرارا حتی قتل بنی سفیان بن عویف الأربعة و تمام العشرة منها ممن لا یعرف أسماؤهم فقال جبرئیل علیه السلام لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (1) إن هذه للمواساة (2) لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتی فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و ما یمنعه و هو منی و أنا منه فقال جبرئیل و أنا منكما قال و سمع ذلك الیوم صوت من قبل السماء لا یری شخص الصارخ به ینادی مرارا لا سیف إلا ذو الفقار و لا فتی إلا علی.
فسئل رسول اللّٰه عنه فقال هذا جبرئیل.
قلت و قد روی هذا الخبر جماعة من المحدثین و هو من الأخبار المشهورة و وقفت علیه فی بعض نسخ مغازی محمد بن إسحاق و سألت شیخی عبد الوهاب بن سكینة عن هذا الخبر فقال خبر صحیح فقلت له فما بال الصحاح لم تشتمل علیه قال و كل (3) ما كان صحیحا تشتمل علیه كتب الصحاح كم قد أهمل (4) جامعوا الصحاح من الأخبار الصحیحة. (5).
قال الواقدی و قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یومئذ من یأخذ هذا السیف بحقه فقال عمر أنا فأعرض عنه فقام الزبیر فأعرض عنه ثم عرضه الثالثة فقال أبو دجانة أنا یا رسول اللّٰه آخذه بحقه فدفعه إلیه فما رئی أحد قاتل أفضل من قتاله و كان حین أعطاه مشی بین الصفین و اختال فی مشیته فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إن هذه لمشیة یبغضها اللّٰه تعالی إلا فی مثل هذا الموطن.
ص: 129
قال و كان مخیریق الیهودی من أحبار الیهود فقال یوم السبت و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بأحد یا معشر الیهود و اللّٰه إنكم لتعلمون أن محمدا نبی و أن نصره علیكم حق فقالوا ویحك الیوم یوم السبت فقال لا سبت ثم أخذ سلاحه و حضر مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأصیب فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مخیریق خیر یهود.
قال و كان قال حین خرج إلی أحد إن أصبت فأموالی لمحمد یضعها حیث أراه اللّٰه فهی عامة صدقات النبی صلی اللّٰه علیه و آله قال و كان عمرو بن الجموح رجلا أعرج فلما كان یوم أحد و كان له بنون أربعة یشهدون مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله المشاهد أمثال الأسد أراد قومه أن یحبسوه و قالوا أنت رجل أعرج و لا حرج علیك و قد ذهب بنوك مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله قال بخ یذهبون إلی الجنة و أجلس أنا عندكم فقالت هند بنت عمرو بن حرام امرأته كأنی أنظر إلیه مولیا قد أخذ درقته و هو یقول اللّٰهم لا تردنی إلی أهلی فخرج و لحقه بعض قومه یكلمونه فی القعود فأبی و جاء إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال یا رسول اللّٰه إن قومی یریدون أن یحبسونی هذا الوجه (1) و الخروج معك و اللّٰه إنی لأرجو أن أطأ بعرجتی هذه فی الجنة فقال له أما أنت فقد عذرك (2) اللّٰه و لا جهاد علیك فأبی فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله لقومه و بنیه لا علیكم أن لا تمنعوه لعل اللّٰه یرزقه الشهادة فخلوا عنه فقتل یومئذ شهیدا قال فحملته هند بعد شهادته و ابنها خلاد و أخاها عبد اللّٰه علی بعیر فلما بلغت منقطع الحرة برك البعیر فكان كلما توجهه إلی المدینة برك و إذا وجهته إلی أحد أسرع فرجعت إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأخبرته بذلك فقال صلی اللّٰه علیه و آله إن الجمل لمأمور هل قال عمرو شیئا قالت نعم إنه لما توجه إلی أحد استقبل القبلة ثم قال اللّٰهم لا تردنی إلی أهلی و ارزقنی الشهادة فقال صلی اللّٰه علیه و آله فلذلك الجمل لا یمضی إن منكم یا معشر الأنصار من لو أقسم علی اللّٰه لأبره منهم عمرو بن الجموح
ص: 130
یا هذه (1) ما زالت الملائكة مظلة علی أخیك من لدن قتل إلی الساعة فینظرون (2) أین یدفن ثم مكث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی قبرهم ثم قال یا هند قد ترافقوا فی الجنة جمیعا بعلك و ابنك و أخوك فقالت هند یا رسول اللّٰه فادع لی عسی أن یجعلنی معهم.
قال و كان جابر یقول لما استشهد أبی جعلت عمتی تبكی فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله ما یبكیها ما زالت الملائكة تظل علیه بأجنحتها حتی دفن.
و قال عبد اللّٰه بن عمرو بن حرام رأیت فی النوم قبل یوم أحد بأیام مبشر بن عبد المنذر أحد الشهداء ببدر یقول لی أنت قادم علینا فی أیام فقلت فأین أنت قال فی الجنة نسرح منها حیث نشاء فقلت له أ لم تقتل یوم بدر قال بلی ثم أحییت فذكر ذلك لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال هذه الشهادة یا با جابر.
قال و قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد ادفنوا عبد اللّٰه بن عمرو و عمرو بن الجموح فی قبر واحد و یقال إنهما وجدا و قد مثل بهما كل مثلة قطعت آرابهما (3) عضوا عضوا فلا یعرف أبدانهما فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله ادفنوهما فی قبر واحد و یقال إنما دفنهما فی قبر واحد لما كان بینهما من الصفاء فقال ادفنوا هذین المتحابین فی الدنیا فی قبر واحد فدخل السیل علیهما و كان قبرهما مما یلی السیل (4) فحفر عنهما و علیهما نمرتان و عبد اللّٰه قد أصابه جرح فی وجهه فیده علی وجهه فأمیطت (5) یده عن جرحه فثعب (6) الدم فردت إلی مكانها فسكن الدم.
قال الواقدی و كان جابر یقول رأیته (7) فی حفرته كأنه نائم ما تغیر
ص: 131
من حاله قلیل و لا كثیر فقیل أ فرأیت أكفانه قال إنما كفن فی نمرة خمر بها وجهه و علی رجلیه الحرمل (1) فوجدنا النمرة كما هی و الحرمل علی رجلیه كهیئته و بین ذلك و بین دفنه ست و أربعون سنة فشاورهم (2) جابر فی أن یطیبه بمسك فأبی ذلك أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قالوا لا تحدثوا فیهم (3) شیئا.
قال و یقال إن معاویة لما أراد أن یجری العین التی أحدثها بالمدینة و هی كظامة نادی منادیه بالمدینة من كان له قتیل بأحد فلیشهد فخرج الناس إلی قتلاهم فوجدوهم رطابا یتثنون فأصابت المسحاة رجل رجل منهم فثعبت (4) دما فقال أبو سعید الخدری لا ینكر بعد هذا منكر أبدا.
قال و وجد عبد اللّٰه بن عمرو بن حرام و عمرو بن الجموح فی قبر و خارجة بن زید و سعید بن الربیع فی قبر فأما قبر عبد اللّٰه و عمرو فحول و ذلك أن القناة كانت تمر علی قبرهما و أما قبر خارجة و سعد فترك لأن مكانه كان معتزلا و لقد كانوا یحفرون التراب فكلما حفروا قترة (5) من تراب فاح علیهم المسك.
قال الواقدی و كانت نسیبة بنت كعب قد شهدت أحدا و ابناها عمارة بن غزیة و عبد اللّٰه بن زید و زوجها غزیة و خرجت و معها شن لها فی أول النهار ترید تسقی الجرحی فقاتلت یومئذ و أبلت بلاء حسنا فجرحت اثنی عشر جرحا بین طعنة برمح أو ضربة بسیف فكانت أم سعد تحدث فتقول دخلت علیها فقلت لها یا خالة حدثینی خبرك فقالت خرجت أول النهار إلی أحد و أنا أنظر ما یصنع الناس و معی سقاء فیه ماء فانتهیت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو فی الصحابة و الدولة و الریح للمسلمین فلما انهزم المسلمون انحزت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فجعلت أباشر القتال
ص: 132
و أذب عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالسیف و أرمی بالقوس حتی خلصت إلی الجراح فرأیت علی عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت یا أم عمارة من أصابك بهذا قالت أقبل ابن قمیئة و قد ولی الناس عن رسول اللّٰه یصیح دلونی علی محمد لا نجوت إن نجا فاعترض له مصعب بن عمیر و ناس معه فكنت فیهم فضربنی هذه الضربة و لقد ضربته علی ذاك ضربات و لكن عدو اللّٰه كان علیه درعان فقلت لها یدك ما أصابها قال أصیبت یوم الیمامة لما جعلت الأعراب تهزم بالناس نادت الأنصار أخلصونا فأخلصت الأنصار فكنت معهم حتی انتهینا إلی حدیقة الموت فاقتتلنا علیها ساعة حتی قتل أبو دجانة علی باب الحدیقة و دخلتها و أنا أرید عدو اللّٰه مسیلمة فتعرض لی رجل فضرب یدی فقطعها فو اللّٰه ما كانت لی ناهیة و لا عرجت علیها حتی وقفت علی الخبیث مقتولا و ابنی عبد اللّٰه بن زید یمسح سیفه بثیابه فقلت أ قتلته قال نعم فسجدت شكرا لله عز و جل و انصرفت.
قال و كان ضمرة بن سعید یحدث عن آبائه عن جدته و كانت قد شهدت أحدا تسقی الماء قالت سمعت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقول یومئذ لمقام نسیبة بنت كعب الیوم خیر من مقام فلان و فلان و كان یراها یومئذ تقاتل أشد القتال حتی جرحت ثلاثة عشر جرحا.
قال ابن أبی الحدید قلت لیت الراوی لم یكن هذه الكنایة و كان یذكر من هما بأسمائهما حتی لا یترامی الظنون إلی أمور مشتبهة و من أمانة الحدیث (1) أن یذكر الحدیث علی وجهه و لا یكتم منه شیئا فما باله كتم اسم هذین الرجلین. (2)
أقول: إن الراوی لعله كان معذورا فی التكنیة باسم الرجلین تقیة و كیف كان یمكنه التصریح باسم صنمی قریش و شیخی المخالفین الذین كانوا یقدمونهما علی أمیر المؤمنین علیه السلام مع أن كنایته أبلغ من الصریح إذ ظاهر أن الناس كانوا
ص: 133
لا یبالون بذكر أحد من الصحابة بما كان واقعا إلا بذكرهما و ذكر ثالثهما و أما سائر بنی أمیة و أجداد سائر خلفاء الجور فلم یكونوا حاضرین فی هذا المشهد فی عسكر المسلمین حتی یكنی بذكرهم تقیة من أولادهم و أتباعهم و قد تقدم فی روایة علی بن إبراهیم ذكر الثالث أیضا معهما و ذكره كان أولی لأن فراره كان أعرض و سیأتی القول فی ذلك.
رجعنا إلی كلام ابن أبی الحدید.
قال روی الواقدی بإسناده عن عبد اللّٰه بن زید قال شهدت أحدا مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما تفرق الناس عنه دنوت منه و أمی تذب عنه فقال ابن أم عمارة قلت نعم قال ارم فرمیت بین یدیه رجلا من المشركین بحجر و هو علی فرس فأصیب عین الفرس فاضطرب الفرس حتی وقع هو و صاحبه و جعلت أعلوه بالحجارة حتی نضدت علیه منها وقرا (1) و النبی صلی اللّٰه علیه و آله ینظر إلی و یتبسم فنظر إلی جرح بأمی علی عاتقها فقال أمك أمك اعصب جرحها بارك اللّٰه علیكم من أهل بیت لمقام أمك خیر من مقام فلان و فلان و مقام ربیبك یعنی زوج أمه خیر من مقام فلان و فلان و مقامك خیر من مقام فلان و فلان رحمكم اللّٰه أهل البیت فقالت أمی ادع اللّٰه لنا یا رسول اللّٰه أن نرافقك فی الجنة فقال اللّٰهم اجعلهم رفقائی فی الجنة قالت فما أبالی ما أصابنی من الدنیا.
قال الواقدی و أقبل وهب بن قابوس المزنی و معه ابن أخیه الحارث بن عقبة بغنم لهما من جبل جهینة (2) فوجدا المدینة خلوا فسألا أین الناس قالوا بأحد خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقاتل المشركین من قریش فقالا لا نبتغی أثرا بعد عین فخرجا حتی أتیا النبی صلی اللّٰه علیه و آله بأحد فوجدا القوم یقتتلون و الدولة لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه فأغارا مع المسلمین فی النهب و جاءت الخیل من ورائهم خالد و عكرمة فاختلط الناس فقاتلا أشد
ص: 134
القتال فانفرقت فرقة من المشركین فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من لهذه الفرقة فقال وهب أنا فقام فرماهم بالنبل حتی انصرفوا ثم رجع فانفرقت فرقة أخری فقال صلی اللّٰه علیه و آله من لهذه الكتیبة فقال المزنی أنا یا رسول اللّٰه فقام فذبها بالسیف حتی ولت ثم رجع فطلعت كتیبة أخری فقال صلی اللّٰه علیه و آله من یقوم لهؤلاء فقال المزنی أنا یا رسول اللّٰه فقال قم و أبشر بالجنة فقام مسرورا یقول و اللّٰه لا أقیل و لا أستقیل فجعل یدخل فیهم و یضرب بالسیف و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ینظر إلیه و المسلمون حتی خرج من أقصی الكتیبة و رسول اللّٰه یقول اللّٰهم ارحمه ثم یرجع فیهم فما زال كذلك و هم محدقون به حتی اشتملت علیه أسیافهم و رماحهم فقتلوه فوجد به یومئذ عشرون طعنة بالرماح كلها قد دخلت إلی مقتل (1) و مثل به أقبح المثل یومئذ ثم قام ابن أخیه فقاتل كنحو قتاله حتی قتل.
و قال سعد بن أبی وقاص أشهد لرأیت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله واقفا علی المزنی و هو مقتول و هو یقول رضی اللّٰه عنك فإنی عنك راض ثم رأیت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قام علی قدمیه و قد ناله من ألم الجراح ما ناله علی قبره (2) حتی وضع فی لحده و علیه بردة لها أعلام حمر فمد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله البردة علی رأسه فخمره و أدرجه فیها طولا فبلغت نصف ساقیه فأمرنا فجمعنا الحرمل فجعلناه علی رجلیه و هو فی لحده ثم انصرف.
قال الواقدی و أقبل ضرار بن الخطاب فضرب عمر بن الخطاب لما جال المسلمون تلك الجولة بالقناة و قال یا ابن الخطاب إنها نعمة مشكورة ما كنت لأقتلك.
قال و قال علی علیه السلام لما كان یوم أحد و جال الناس تلك الجولة أقبل أمیة بن أبی حذیفة بن المغیرة و هو دارع مقنع فی الحدید ما یری منه إلا عیناه و هو یقول یوم بیوم بدر فعرض له رجل من المسلمین فقتله أمیة فصمدت له
ص: 135
فضربته بالسیف علی هامته و علیه بیضة و تحت البیضة مغفر فنبا سیفی (1) و كنت رجلا قصیرا فضربنی بسیفه فاتقیت بالدرقة فلحج (2) سیفه فضربته و كان درعه مشمرة (3) فقطعت رجلیه فوقع و جعل یعالج سیفه حتی خلصه من الدرقة و جعل یناوشنی و هو بارك حتی نظرت إلی فتق إبطه (4) فضربته فمات..
قال الواقدی بینا عمر بن الخطاب یومئذ فی رهط من المسلمین قعودا (5) إذ مر بهم أنس بن النضر فقال ما یقعدكم قالوا قتل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال فما تصنعون بالحیاة بعده قوموا فموتوا علی ما مات علیه ثم قام (6) فجالد بسیفه حتی قتل و قالوا إن مالك بن الدخشم مر علی خارجة بن زید و هو قاعد و فی حشوته (7) ثلاثة عشر جرحا كلها قد خلصت إلی مقتل فقال مالك أ علمت أن محمدا قد قتل قال خارجة فإن كان محمد قتل فإن اللّٰه حی لا یقتل و لا یموت و أن محمدا قد بلغ فاذهب أنت فقاتل عن دینك قال و مر مالك بن الدخشم أیضا علی سعد بن الربیع و به اثنا عشر جرحا كلها قد خلص إلی مقتل فقال أ ما علمت أن محمدا قد قتل فقال سعد أشهد أن محمدا قد بلغ رسالة ربه فقاتل أنت عن دینك فإن اللّٰه حی لا یموت. (8).
ص: 136
قال ابن أبی الحدید قد روی كثیر من المحدثین أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال لعلی علیه السلام حین سقط ثم أقیم اكفنی هؤلاء لجماعة قصدت نحوه فحمل علیهم فهزمهم و قتل منهم عبد اللّٰه بن حمید ثم حملت علیهم (1) طائفة أخری فقال له اكفنی هؤلاء فحمل علیهم فانهزموا من بین یدیه و قتل منهم أمیة بن حذیفة المخزومی (2).
و قال جمیع من قتل یوم أحد من المشركین ثمانیة و عشرون قتل علی علیه السلام منهم ما اتفق علیه و ما اختلف فیه اثنی عشر و هو إلی جملة القتلی كعدة من قتل ببدر إلی جملة القتلی یومئذ و هو قریب من النصف. (3).
ثم قال القول فیمن ثبت من المسلمین مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد قال الواقدی حدثنی موسی بن یعقوب عن عمته عن أمها عن المقداد قال لما تصاف القوم للقتال یوم أحد جلس رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تحت رایة مصعب بن عمیر فلما قتل أصحاب اللواء هزم المشركون الهزیمة الأولی و أغار المسلمون علی معسكرهم ینهبونه ثم كر المشركون علی المسلمین فأتوهم عن خلفهم فتفرق الناس و نادی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی أصحاب الألویة فقتل مصعب حامل لوائه و أخذ رایة الخزرج سعد بن عبادة فقام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تحتها و أصحابه محدقون به و دفع لواء المهاجرین إلی أبی الردم أحد بنی عبد الدار آخر نهار ذلك الیوم و نظرت إلی لواء الأوس مع أسید بن حضیر فناوشوا المشركین ساعة و اقتتلوا علی اختلاط من الصفوف و نادی المشركون بشعارهم یا للعزی یا لهبل فأوجعوا (4) و اللّٰه فینا قتلا ذریعا (5) و نالوا من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ما نالوا لا و الذی بعثه بالحق ما زال
ص: 137
شبرا واحدا إنه لفی وجه العدو تثوب إلیه طائفة من أصحابه مرة و تتفرق عنه مرة فربما رأیته قائما یرمی حتی تحاجزوا (1) و كانت العصابة التی ثبتت مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرین و سبعة من الأنصار فأما المهاجرون فعلی علیه السلام و أبو بكر و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبی وقاص و طلحة بن عبید اللّٰه و أبو عبیدة بن الجراح و الزبیر بن العوام و أما الأنصار فالحباب بن المنذر و أبو دجانة و عاصم بن ثابت و الحارث بن الصمة و سهل بن حنیف و سعد بن معاذ و أسید بن حضیر.
قال الواقدی و قد روی أن سعد بن عبادة و محمد بن مسلمة ثبتا یومئذ و لم یفرا و من روی ذلك جعلهما مكان سعد بن معاذ و أسید بن حضیر.
قال الواقدی و بایعه یومئذ علی الموت ثمانیة ثلاثة من المهاجرین علی و طلحة و الزبیر و خمسة من الأنصار أبو دجانة و الحارث بن الصمة و الحباب بن المنذر و عاصم بن ثابت و سهل بن حنیف و لم یقتل منهم ذلك الیوم أحد و أما باقی المسلمین ففروا و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یدعوهم فی أخراهم حتی انتهی من انتهی (2) منهم إلی قریب من المهراس.
قال الواقدی و حدثنی عتبة بن جبیرة عن یعقوب بن عمر بن قتادة (3) قال ثبت یومئذ بین یدیه ثلاثون رجلا كلهم یقول وجهی دون وجهك و نفسی دون نفسك و علیك السلام غیر مودع.
قلت قد اختلف فی عمر بن الخطاب هل ثبت یومئذ أم لا مع اتفاق الرواة كافة علی أن عثمان لم یثبت فالواقدی ذكر أنه لم یثبت و أما محمد بن إسحاق و البلاذری فجعلاه مع من ثبت و لم یفر و اتفقوا كلهم علی أن ضرار بن الخطاب الفهری قرع رأسه بالرمح و قال إنها نعمة مشكورة یا ابن الخطاب إنی آلیت
ص: 138
أن لا أقتل رجلا من قریش روی ذلك محمد بن إسحاق و غیره و لم یختلفوا فی ذلك و إنما اختلفوا هل قرعه بالرمح و هو فار هارب أم مقدم ثابت (1) و لم تختلف (2) الرواة من أهل الحدیث أن أبا بكر لم یفر یومئذ و أنه ثبت فیمن ثبت و إن لم یكن نقل عنه قتل أو قتال (3) و الثبوت جهاد و فیه وحده كفایة و أما روایة الشیعة (4) فإنهم یروون أنه لم یثبت إلا علی و طلحة و الزبیر و أبو دجانة و سهل بن حنیف و عاصم بن ثابت و فیهم من یروی أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا من المهاجرین و الأنصار (5) و لا یعدون أبا بكر و عمر بینهم (6) و روی كثیر من أصحاب الحدیث أن عثمان جاء بعد ثالثة إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فسأله إلی أین انتهیت فقال إلی الأعوص فقال لقد ذهبت (7) فیها عریضة (8)
ص: 139
قال ابن أبی الحدید و حضرت عند محمد بن معد العلوی علی رأی الإمامیة (1) و قارئ یقرأ عنده مغازی الواقدی فقرأ حدثنا الواقدی عن ابن أبی سبرة عن خالد بن ریاح عن أبی سفیان مولی ابن أبی أحمد عن محمد بن مسلمة قال سمعت أذنای و أبصرت عینای رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقول یوم أحد و قد انكشف الناس إلی الجبل و هو یدعوهم و هم لا یلوون علیه سمعته یقول إلی یا فلان إلی یا فلان أنا رسول اللّٰه فما عرج علیه واحد منهما و مضیا.
فأشار ابن معد إلی أی اسمع فقلت و ما فی هذا قال هذه كنایة عنهما فقلت و یجوز أن لا یكون عنهما لعله عن غیرهما قال لیس فی الصحابة من یحتشم من ذكره بالفرار (2) و ما شابهه من العیب فیضطر القائل إلی الكنایة إلا هما قلت له هذا ممنوع (3) فقال دعنا من جدلك و منعك ثم حلف أنه ما عنی الواقدی غیرهما و أنه لو كان غیرهما لذكرهما صریحا.
قال الواقدی و كان ممن ولی عمر و عثمان و الحارث بن حاطب و ثعلبة بن حاطب و سواد بن غزیة و سعد بن عثمان و عقبة بن عثمان و خارجة بن عامر (4) و أوس بن قبطی فی نفر من بنی حارثة. (5) و احتج أیضا من قال بفرار عمر
بما رواه الواقدی فی قصة الحدیبیة قال قال عمر یومئذ یا رسول اللّٰه أ لم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام و
ص: 140
تأخذ مفتاح الكعبة و تعرف (1) مع المعرفین و هدینا لم یصل إلی البیت و لا نحر فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أ قلت لكم فی سفركم هذا قال عمر لا قال أما إنكم ستدخلونه و آخذ مفتاح الكعبة و أحلق رأسی و رءوسكم ببطن مكة و أعرف مع المعرفین ثم أقبل علی عمر و قال أ نسیتم یوم أحد إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ و أنا أدعوكم فی أخراكم أ نسیتم یوم الأحزاب إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ أ نسیتم یوم كذا و جعل یذكرهم أمورا أ نسیتم یوم كذا فقال المسلمون صدق اللّٰه و رسوله أنت یا رسول اللّٰه أعلم باللّٰه منا فلما دخل عام القضیة و حلق رأسه قال هذا الذی كنت وعدتكم به فلما كان یوم الفتح و أخذ مفتاح الكعبة قال ادعوا لی عمر بن الخطاب فجاء فقال هذا الذی كنت قلت لكم.
قالوا فلو لم یكن فر یوم أحد لما قال له أ نسیتم یوم أحد إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ.
هذا آخر ما أردنا نقله من كلام ابن أبی الحدید. (2) أقول و العجب منه أنه ادعی هنا اتفاق الرواة علی أنه ثبت أبو بكر و لم یفر مع أنه قال عند ذكر أجوبة شیخه أبی جعفر الإسكافی عما ذكره الجاحظ فی فضل إسلام أبی بكر علی إسلام علی علیه السلام حیث قال الجاحظ و قد ثبت أبو بكر مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد كما ثبت علی فلا فخر لأحدهما علی صاحبه فی ذلك الیوم قال شیخنا أبو جعفر أما ثباته یوم أحد فأكثر المؤرخین و أرباب السیرة ینكرونه و جمهورهم یروی أنه لم یبق مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله إلا علی علیه السلام و طلحة و الزبیر و أبو دجانة و قد روی عن ابن عباس أنه قال و لهم خامس و هو عبد اللّٰه بن مسعود و منهم من أثبت سادسا و هو المقداد بن عمرو و روی یحیی بن سلمة بن كهیل قال قلت لأبی كم ثبت مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد كل منهم یدعیه فقال اثنان
ص: 141
قلت من هما قال علی و أبو دجانة انتهی. (1) فقد ظهر أن ثبات أبی بكر أیضا لیس مما أجمعت علیه رواتهم و اتفقت روایاتهم مع اتفاق روایات الشیعة علی عدمه و هی محفوفة بالقرائن الظاهرة إذ من المعلوم أن مع ثباته لا بد أن ینقل منه إما ضرب أو طعن و العجب منه أنه حیث لم یكن من الطاعنین كیف لم یصر من المطعونین و لما لم یكن من الجارحین لم لم یكن من المجروحین و إن لم یتحرك لقتال مع كونه بمرأی من المشركین و مسمع لم لم یذكر فی المقتولین إلا أن یقال إن المشركین كانوا یرونه منهم باطنا فلذا لم یتعرضوا له كما لم یقتل ضرار عمر و لعمری یمكن أن یقال لو كان حضر میت تلك الوقعة لكان یذكر منه بعض ما ینسب إلی الأحیاء و لا یدعی مثل ذلك إلا من لیس له حظ من العقل و الحیاء.
و لنوضح بعض ما ربما اشتبه فیما نقلنا عنه ضوی إلیهم كرمی انضم ما فضت أی كسرت و التیه بالكسر الكبر و الصیاصی الحصون لم یكلموا علی بناء المفعول أی لم یجرحوا و الرصد بالتحریك الذین یرقبون العدو و الجمع أرصاد.
و فی النهایة فیه كمثل الجسد إذا اشتكی بعضه تداعی سائره بالسهر و الحمی كأنه بعضا دعا بعضا و منه قولهم تداعت الحیطان أی تساقطت أو كادت و منه تداعت إلیكم الأمم أی اجتمعوا و دعا بعضكم بعضا انتهی.
و ثعب الماء و الدم كمنع فجره فانثعب ذكره الفیروزآبادی و قال القترة بالفتح الغبرة و القتر بالضم الناحیة و الجانب و القتر القدر و یحرك و قال الریح الغلبة و القوة و النصرة انتهی.
انحزت أی عدلت عما كنت فیه متوجها إلیه و الأعوص موضع قرب المدینة.
ص: 142
ثم قال ابن أبی الحدید فی ذكر أسماء من قتل من المسلمین بأحد قال الواقدی ذكر سعید بن المسیب و أبو سعید الخدری أنه قتل من الأنصار خاصة أحد و سبعون (1) و بمثله قال مجاهد قال فأربعة من قریش و هم حمزة قتله وحشی و عبد اللّٰه بن جحش قتله الأخنس (2) بن شریق و شماس بن عثمان قتله أبی بن خلف و مصعب بن عمیر قتله ابن قمیئة قال و قد زاد قوم خامسا و هو سعد مولی حاطب من بنی أسد و قال قوم أیضا إن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومی جرح یوم أحد و مات من تلك الجراحة بعد أیام.
قال الواقدی و قال قوم قتل ابنا الهیت من بنی سعد و هما عبد اللّٰه و عبد الرحمن و رجلان من مزینة و هما وهب بن قابوس و ابن أخیه الحارث بن عتبة بن قابوس فیكون جمیع من قتل من المسلمین ذلك الیوم أحدا و ثمانین رجلا انتهی. (3)
أقول: الأصوب ما مر فی الأخبار المعتبرة من أن المقتولین من المسلمین بأحد سبعون و یحتمل أن یكون السبعون من المهاجرین و الأنصار و الباقون ممن لحقهم من خارج المدینة كما عرفت.
«51»-أَقُولُ وَ رَوَی الْكَازِرُونِیُّ فِی الْمُنْتَقَی عَنْ رَبِیعَةَ بْنِ الْحَارِثِ (4) قَالَ: أَعْطَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُصْعَبَ بْنَ عُمَیْرٍ اللِّوَاءَ یَوْمَ أُحُدٍ فَقُتِلَ مُصْعَبٌ فَأَخَذَهُ مَلَكٌ فِی صُورَةِ
ص: 143
مُصْعَبٍ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ فِی آخِرِ النَّهَارِ تَقَدَّمْ یَا مُصْعَبُ فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ الْمَلَكُ وَ قَالَ لَسْتُ بِمُصْعَبٍ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ مَلَكٌ أُیِّدَ بِهِ (1).
«52»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی كَامِلِ التَّوَارِیخِ كَانَ الَّذِی قَتَلَ أَصْحَابَ اللِّوَاءِ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَهُ أَبُو رَافِعٍ قَالَ فَلَمَّا قَتَلَهُمْ أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله جَمَاعَةً مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَقَالَ لِعَلِیٍّ احْمِلْ عَلَیْهِمْ فَحَمَلَ فَفَرَّقَهُمْ وَ قَتَلَ مِنْهُمْ ثُمَّ أَبْصَرَ جَمَاعَةً أُخْرَی فَقَالَ لَهُ فَاحْمِلْ عَلَیْهِمْ فَحَمَلَ وَ فَرَّقَهُمْ وَ قَتَلَ مِنْهُمْ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الْمُوَاسَاةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا قَالَ فَسَمِعُوا صَوْتاً لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ (2) قَالَ وَ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِأُحُدٍ قِتَالًا شَدِیداً فَرَمَی بِالنَّبْلِ حَتَّی فَنِیَ نَبْلُهُ وَ انْكَسَرَتْ سِیَةُ قَوْسِهِ وَ انْقَطَعَ وَتَرُهُ وَ لَمَّا جُرِحَ رَسُولُ اللَّهِ جَعَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَنْقُلُ لَهُ الْمَاءَ فِی دَرَقَتِهِ مِنَ الْمِهْرَاسِ (3) وَ یَغْسِلُهُ فَلَمْ یَنْقَطِعِ الدَّمُ فَأَتَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ جَعَلَتْ تُعَانِقُهُ وَ تَبْكِی وَ أَحْرَقَتْ حَصِیراً وَ جَعَلَتْ عَلَی الْجُرْحِ مِنْ رِمَادِهِ فَانْقَطَعَ الدَّمُ وَ قَالَ وَ انْتَهَتِ الْهَزِیمَةُ بِجَمَاعَةٍ فِیهِمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَ غَیْرُهُ إِلَی الْأَعْوَصِ فَأَقَامُوا بِهِ ثَلَاثَةً ثُمَّ أَتَوُا النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُمْ حِینَ رَآهُمْ لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِیهَا عَرِیضَةً (4) وَ قَالَ فِی ذِكْرِ غَزْوَةِ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَ ظَفَرَ فِی طَرِیقِهِ بِمُعَاوِیَةَ بْنِ الْمُغِیرَةِ بْنِ أَبِی الْعَاصِ وَ بِأَبِی غُرَّةَ (5) الْجُمَحِیِّ وَ كَانَ أَبُو غُرَّةَ (6) أُسِرَ یَوْمَ بَدْرٍ فَأَطْلَقَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَنَّهُ شَكَا إِلَیْهِ فَقْراً وَ كَثْرَةَ الْعِیَالِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَیْهِ الْعُهُودَ أَنْ لَا یُقَاتِلَهُ وَ لَا یُعِینَ عَلَی قِتَالِهِ فَخَرَجَ مَعَهُمْ یَوْمَ أُحُدٍ وَ حَرَّضَ عَلَی الْمُسْلِمِینَ فَلَمَّا أُتِیَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ یَا مُحَمَّدُ امْنُنْ عَلَیَّ قَالَ الْمُؤْمِنُ لَا یُلْدَغُ مِنْ
ص: 144
جُحْرٍ مَرَّتَیْنِ وَ أَمَرَ بِهِ فَقَتَلَهُ وَ أَمَّا مُعَاوِیَةُ وَ هُوَ الَّذِی جَدَعَ أَنْفَ حَمْزَةَ وَ مَثَّلَ بِهِ مَعَ مَنْ مَثَّلَ بِهِ وَ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِیقَ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَی دَارَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَهْلَكْتَنِی وَ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ فَقَالَ أَنْتَ أَقْرَبُهُمْ مِنِّی رَحِماً وَ قَدْ جِئْتُكَ لِتُجِیرَنِی فَأَدْخَلَهُ عُثْمَانُ دَارَهُ وَ صَیَّرَهُ فِی نَاحِیَةٍ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله لِیَأْخُذَ لَهُ مِنْهُ أَمَاناً فَسَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ إِنَّ مُعَاوِیَةَ فِی الْمَدِینَةِ وَ قَدْ أَصْبَحَ بِهَا فَاطْلُبُوهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا كَانَ لِیَعْدُوَ مَنْزِلَ عُثْمَانَ فَاطْلُبُوهُ فَدَخَلُوا مَنْزِلَ عُثْمَانَ فَأَشَارَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ إِلَی الْمَوْضِعِ الَّذِی صَیَّرَهُ فِیهِ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْ تَحْتِ حِمَارَةٍ لَهُمْ فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ عُثْمَانُ حِینَ رَآهُ وَ الَّذِی بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ إِلَّا لِأَطْلُبَ لَهُ الْأَمَانَ فَهَبْهُ لِی فَوَهَبَهُ لَهُ وَ أَجَّلَهُ ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ وَ أَقْسَمَ لَئِنْ وُجِدَ بَعْدَهَا یَمْشِی فِی أَرْضِ الْمَدِینَةِ وَ مَا حَوْلَهَا لَیَقْتُلَنَّهُ فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَجَهَّزَهُ وَ اشْتَرَی لَهُ بَعِیراً ثُمَّ قَالَ لَهُ ارْتَحِلْ وَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی حَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَ أَقَامَ مُعَاوِیَةُ إِلَی الْیَوْمِ الثَّالِثِ لِیَعْرِفَ أَخْبَارَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یَأْتِیَ بِهَا قُرَیْشاً فَلَمَّا كَانَ فِی الْیَوْمِ الرَّابِعِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ مُعَاوِیَةَ أَصْبَحَ قَرِیباً لَمْ یَبْعُدْ فَاطْلُبُوهُ فَأَصَابُوهُ وَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِیقَ فَأَدْرَكُوهُ وَ كَانَ اللَّذَانِ أَسْرَعَا فِی طَلَبِهِ زَیْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ فَوَجَدَاهُ بِالْحِمَاءِ فَضَرَبَهُ زَیْدٌ بِالسَّیْفِ فَقَالَ عَمَّارٌ إِنَّ لِی فِیهِ حَقّاً فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَی الْمَدِینَةِ بِخَبَرِهِ وَ رَوَی هَذَا الْخَبَرَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ أَیْضاً وَ أَكْثَرَ اللَّفْظَ لَهُ ثُمَّ قَالَ وَ یُقَالُ إِنَّهُ أُدْرِكَ عَلَی ثَمَانِیَةِ أَمْیَالٍ مِنَ الْمَدِینَةِ فَلَمْ یَزَلْ زَیْدٌ وَ عَمَّارٌ یَرْمِیَانِهِ بِالنَّبْلِ حَتَّی مَاتَ وَ هَذَا كَانَ جَدُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ لِأُمِّهِ انْتَهَی (1).
أقول: هذه القصة كانت سبب قتل عثمان ابنة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كما سیأتی شرحه إن شاء اللّٰه فی مثالبه و باب أحوال أولاد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و غیرهما.
ص: 145
و قال ابن الأثیر و فیها یعنی السنة الثالثة من الهجرة قیل ولد الحسن بن علی علیهما السلام فی النصف من شهر رمضان و فیها علقت فاطمة بالحسین علیه السلام و كان بین ولادتها و حملها خمسون یوما (1).
«53»-وَ فِی الدِّیوَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ صِمَّةَ بَعَثَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی أُحُدٍ لِحَاجَةٍ فَأَبْطَأَ فَأَنْشَأَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:
لَاهُمَّ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ صِمَّةَ*** كَانَ وَفِیّاً وَ بِنَا ذَا ذِمَّةٍ
أَقْبَلَ فِی مَهَامِهَ مُهِمَّةٍ*** فِی لَیْلَةٍ لَیْلَاءَ مُدْلَهِمَّةٍ (2)
بَیْنَ رِمَاحٍ وَ سُیُوفٍ جَمَّةٍ***یَبْغِی رَسُولَ اللَّهِ فِیهَا ثَمَّةَ
لَا بُدَّ مِنْ بَلِیَّةٍ مُلِمَّةٍ (3)
ص: 146
الآیات؛
آل عمران: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً»(الآیة)(169)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه: قیل: نزلت فی شهداء بئر معونة و كان سبب ذلك علی ما رواه محمد بن إسحاق بن یسار بإسناده عن أنس و غیره قال قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة و كان سید بنی عامر بن صعصعة علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المدینة و أهدی له هدیة فأبی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یقبلها و قال یا أبا براء لا أقبل هدیة مشرك فأسلم إن أردت أن أقبل هدیتك و قرأ علیه القرآن فلم یسلم و لم یبعد و قال یا محمد إن أمرك هذا الذی تدعو إلیه حسن جمیل فلو بعثت رجالا من أصحابك إلی أهل نجد فدعوهم إلی أمرك رجوت أن یستجیبوا لك فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إنی أخشی علیهم أهل نجد فقال أبو براء أنا لهم جار فابعثهم فلیدعوا الناس إلی أمرك فبعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المنذر بن عمرو أخا بنی ساعدة فی سبعین (1) رجلا من خیار المسلمین منهم الحارث بن الصمة و حرام بن ملحان و عروة بن أسماء بن الصلت السلمی و نافع بن بدیل بن ورقاء الخزاعی و عامر بن فهیرة مولی أبی بكر و ذلك فی صفر سنة أربع من الهجرة علی رأس أربعة أشهر من أحد فساروا حتی نزلوا بئر معونة (2) فلما نزلوا قال بعضهم لبعض أیكم یبلغ رسالة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أهل هذا الماء فقال حرام بن ملحان أنا فخرج بكتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی عامر بن الطفیل فلما أتاهم لم ینظر عامر فی كتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال
ص: 147
حرام یا أهل بئر معونة إنی رسول رسول اللّٰه إلیكم و إنی أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أشهد أن محمدا رسول اللّٰه فآمنوا باللّٰه و رسوله فخرج إلیه رجل من كسر (1) البیت برمح فضرب به فی جنبه حتی خرج من الشق الآخر فقال اللّٰه أكبر فزت و رب الكعبة ثم استصرخ عامر بن الطفیل بنی عامر علی المسلمین فأبوا أن یجیبوه إلی ما دعاهم إلیه و قالوا لن نخفر أبا براء و قد عقد لهم عقدا و جوارا فاستصرخ علیهم قبائل من بنی سلیم عصیة و رعلا و ذكوان (2) فأجابوه إلی ذلك فخرجوا حتی غشوا القوم فأحاطوا بهم فی رحالهم فلما رأوهم أخذوا السیوف فقاتلوهم حتی قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زید فإنهم تركوه و به رمق فارتث من بین القتلی فعاش حتی قتل یوم الخندق و كان فی سرح القوم عمرو بن أمیة الضمری (3) و رجل من الأنصار أحد بنی عمرو بن عوف (4) فلم ینبئهما (5) بمصاب أصحابهما إلا الطیر تحوم حول العسكر فقالوا و اللّٰه إن لهذا الطیر لشأنا فأقبلا لینظرا إلیه فإذا القوم فی دمائهم و إذا الخیل التی أصابتهم واقفة فقال الأنصاری لعمرو بن أمیة ما ذا تری فقال أری أن نلحق برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فنخبره الخبر فقال الأنصاری لكنی ما كنت لأرغب بنفسی عن موطن قتل فیه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتی قتل و أخذوا عمرو بن أمیة أسیرا فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفیل و جز ناصیته و أعتقه عن رقبة زعم أنها كانت علی أبیه (6) فقدم عمرو بن أمیة علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أخبره الخبر فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 148
هذا عمل أبی براء قد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ ذلك أبا براء فشق علیه إخفار عامر إیاه و ما أصاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بسببه (1) فقال حسان بن ثابت یحرض أبا براء علی عامر بن الطفیل:
بنی أم البنین أ لم یرعكم***و أنتم من ذوائب أهل نجد
تهكم عامر بأبی براء***لیخفره و ما خطأ كعمد
ألا أبلغ ربیعة ذا المساعی*** فما أحدثت فی الحدثان بعدی
أبوك أبو الحروب أبو براء***و خالك ماجد حكم بن سعد
و قال كعب بن مالك:
لقد طارت شعاعا كل وجه***خفارة ما أجار أبو براء
بنی أم البنین أ ما سمعتم***دعاء المستغیث مع النساء
و تنویه الصریخ بلی و لكن*** عرفتم أنه صدق اللقاء
فلما بلغ ربیعة بن أبی براء قول حسان و قول كعب حمل علی عامر بن الطفیل فطعنه فخر عن فرسه فقال هذا عمل أبی براء إن مت فدمی لعمی فلا یبتعن سوای و إن أعش فساری فیه الرأی (2) قال فأنزل اللّٰه فی شهداء بئر معونة قرآنا بلغوا عنا قومنا بأنا لقینا (3) ربنا فرضی عنا و رضینا عنه ثم نسخت و رفعت بعد ما قرأناها و أنزل اللّٰه وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ الآیة.
بیان: و لم یبعد أی لم ینكر كثیرا و فی القاموس بئر معونة بضم العین قرب المدینة و قال الكسر و یكسر جانب البیت و قال خفره و به خفرا و خفورا نقض عهده و غدره كأخفره و عصیة كسمیة بطن من بنی سلیم یقال ارتث فلان علی بناء المجهول أی حمل من المعركة جریحا و به رمق قوله فی سرح القوم أی عند دوابهم حیث ذهبت للرعی و التحریض الحث و راعه أفزعه و
ص: 149
الذؤابة من كل شی ء أعلاه و التهكم الاستهزاء و ما خطأ كعمد أی لم یفعل ذلك خطأ لیعفی عنه بل فعله عمدا و فی القاموس المسعاة المكرمة و المعلاة فی أنواع المجد.
فما أحدثت استفهام علی التعجب و یحتمل النفی.
و فی القاموس ذهبوا شعاعا متفرقین و طار فؤاده شعاعا تفرقت همومه و قال الخفارة بالضم الذمة و قال نوهه و به دعاه و قال الصریخ المغیث و المستغیث و قال الصدق الصلب المستوی من الرماح و الرجال و الكامل من كل شی ء و هی صدقة و قوم صدقون و نساء صدقات و رجل صدق اللقاء و النظر انتهی.
و ضمیر أنه لعامر.
أقول: روی مثل هذه القصة فی إعلام الوری (1) و ابن شهرآشوب فی المناقب (2) و فی الأول فبعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المنذر بن عمرو فی بضعة و عشرین رجلا و قیل فی أربعین رجلا و قیل فی سبعین رجلا من خیار المسلمین.
و فیه فشق علیه إخفار عامر إیاه و ما أصاب من أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و نزل به الموت فحمل ربیعة بن أبی براء علی عامر بن طفیل و هو فی نادی قومه فأخطأ مقاتله فأصاب فخذه فقال عامر هذا عمل عمی أبی براء إن مت فدمی لعمی لا تطلبوه به.
«1»-قب، المناقب لابن شهرآشوب كَانَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ غَزْوَةُ الرَّجِیعِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَرْثَدَ بْنَ أَبِی مَرْثَدٍ الْغَنَوِیَّ حَلِیفَ حَمْزَةَ وَ خَالِدَ بْنَ الْبُكَیْرِ وَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ الْأَفْلَجِ وَ خُبَیْبَ بْنَ عَدِیٍّ وَ زَیْدَ بْنَ دَثِنَةَ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَارِقٍ وَ أَمِیرُ الْقَوْمِ مَرْثَدٌ لَمَّا قَدِمَ عَلَیْهِ رَهْطٌ مِنْ عَضَلٍ وَ الدِّیشِ وَ قَالُوا ابْعَثْ مَعَنَا نَفَراً مِنْ قَوْمِكَ یُعَلِّمُونَنَا الْقُرْآنَ وَ یُفَقِّهُونَنَا فِی الدِّینِ فَخَرَجُوا مَعَ الْقَوْمِ إِلَی بَطْنِ الرَّجِیعِ وَ هُوَ مَاءٌ لِهُذَیْلٍ فَقَتَلَهُمْ حَیٌ
ص: 150
مِنْ هُذَیْلٍ یُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْیَانَ وَ أُصِیبُوا جَمِیعاً وَ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ (1) أَنَّ هُذَیْلًا حِینَ قَتَلَتْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ أَرَادُوا رَأْسَهُ لِیَبِیعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ وَ قَدْ كَانَتْ نَذَرَتْ حِینَ أُصِیبَ ابْنَاهَا بِأُحُدٍ لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَی رَأْسِهِ لَتَشْرَبَنَّ فِی قِحْفِهِ (2) الْخَمْرَ فَمَنَعَتْهُمُ الدَّبَرُ فَلَمَّا حَالَتْ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهُ قَالُوا دَعُوهُ حَتَّی نُمْسِیَ فَتَذْهَبَ عَنْهُ فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِیَ فَاحْتَمَلَ عَاصِماً فَذَهَبَ بِهِ وَ قَدْ كَانَ عَاصِمٌ أَعْطَی اللَّهَ عَهْداً أَنْ لَا یَمَسَّ مُشْرِكاً وَ لَا یَمَسَّهُ مُشْرِكٌ أَبَداً فِی حَیَاتِهِ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِمَّا امْتَنَعَ مِنْهُ فِی حَیَاتِهِ (3).
بیان: الدبر بالفتح جماعة النحل.
«2»-أَقُولُ قَالَ الْكَازِرُونِیُّ رَوَی ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَشْیَاخِهِ أَنَّ قَوْماً مِنَ الْمُشْرِكِینَ قَدِمُوا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا إِنَّ فِینَا إِسْلَاماً فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَراً مِنْ أَصْحَابِكَ یُفَقِّهُونَنَا وَ یُقْرِءُونَنَا الْقُرْآنَ وَ یُعَلِّمُونَنَا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ مَعَهُمْ عَشَرَةً مِنْهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَ مَرْثَدُ بْنُ أَبِی مَرْثَدٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ وَ خُبَیْبُ بْنُ عَدِیٍّ وَ زَیْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ وَ خَالِدُ بْنُ أَبِی الْبُكَیْرِ (4) وَ مُعَقِّبُ بْنُ عُبَیْدٍ وَ أَمَّرَ عَلَیْهِمْ مَرْثَداً وَ قِیلَ عَاصِماً فَخَرَجُوا حَتَّی إِذَا كَانُوا بِالرَّجِیعِ وَ هُوَ مَاءٌ لِهُذَیْلٍ غَدَرُوا بِالْقَوْمِ وَ اسْتَصْرَخُوا عَلَیْهِمْ هُذَیْلًا فَخَرَجَ بَنُو لِحْیَانَ فَلَمْ یَرْعَ الْقَوْمَ إِلَّا رِجَالٌ بِأَیْدِیهِمُ السُّیُوفُ فَأَخَذَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سُیُوفَهُمْ فَقَالُوا لَهُمْ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا نُرِیدُ قِتَالَكُمْ إِنَّمَا نُرِیدُ أَنْ نُصِیبَ بِكُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَ لَكُمُ الْعَهْدُ وَ الْمِیثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَكُمْ فَأَمَّا عَاصِمٌ وَ مَرْثَدٌ وَ خَالِدٌ وَ مُعَقِّبٌ فَقَالُوا وَ اللَّهِ لَا نَقْبَلُ مِنْ مُشْرِكٍ عَهْداً فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّی قُتِلُوا وَ أَمَّا زَیْدٌ وَ خُبَیْبٌ وَ ابْنُ طَارِقٍ فَاسْتَأْسَرُوا وَ أَمَّا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ نَثَرَ كِنَانَتَهُ وَ فِیهَا سَبْعَةُ أَسْهُمٍ فَقَتَلَ بِكُلِ
ص: 151
سَهْمٍ رَجُلًا مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِینَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّی حَمَیْتُ دِینَكَ صَدْرَ النَّهَارِ فَارْحَمْ لَحْمِی آخِرَ النَّهَارِ ثُمَّ أَحَاطَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَقَتَلُوهُ وَ أَرَادُوا رَأْسَ عَاصِمٍ لِیَبِیعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ وَ كَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَشْرَبَ فِی قِحْفِهِ الْخَمْرَ لِأَنَّهُ قَتَلَ ابْنَیْهَا یَوْمَ أُحُدٍ فَحَمَتْهُ الدَّبَرُ فَقَالُوا أَمْهِلُوهُ حَتَّی یُمْسِیَ فَتَذْهَبَ عَنْهُ فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِیَ فَاحْتَمَلَهُ فَسُمِّیَ حِمَی الدَّبَرِ وَ خَرَجُوا بِالنَّفَرِ الثَّلَاثَةِ حَتَّی إِذَا كَانُوا بِمُرِّ الظَّهْرَانِ انْتَزَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ یَدَهُ مِنْهُمْ وَ أَخَذَ سَیْفَهُ وَ اسْتَأْخَرَ عَنْهُ الْقَوْمُ فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّی قَتَلُوهُ فَقُبِرَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَ قَدَّمُوا بِخُبَیْبٍ وَ زَیْدٍ مَكَّةَ فَابْتَاعَ حُجَیْرُ بْنُ أَبِی إِهَابٍ خُبَیْباً لِابْنِ أُخْتِهِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ لِیَقْتُلَهُ بِأَبِیهِ وَ ابْتَاعَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَیَّةَ زَیْداً لِیَقْتُلَهُ بِأَبِیهِ فَحَبَسُوهُمَا حَتَّی خَرَجَتِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ثُمَّ أَخْرَجُوهُمَا إِلَی التَّنْعِیمِ فَقَتَلُوهُمَا وَ قَالَ قَائِلٌ لِزَیْدٍ عِنْدَ قَتْلِهِ أَ تُحِبُّ أَنَّكَ الْآنَ فِی أَهْلِكَ وَ أَنَّ مُحَمَّداً مَكَانَكَ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّداً یُشَاكُ بِشَوْكَةٍ وَ إِنِّی جَالِسٌ فِی أَهْلِی فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ وَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ مِنْ قَوْمٍ قَطُّ أَشَدَ حُبّاً لِصَاحِبِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ.
وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَشَرَةَ عَیْناً وَ أَمَّرَ عَلَیْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ حَتَّی إِذَا كَانُوا بِالْهَدَةِ بَیْنَ عُسْفَانَ وَ مَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَیٍّ مِنْ هُذَیْلٍ یُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْیَانَ فَنَفَرُوا إِلَیْهِمْ بِقَرِیبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَ أَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَی مَوْضِعٍ فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمُ انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَیْدِیكُمْ وَ لَكُمُ الْعَهْدُ وَ الْمِیثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَداً فَقَالَ عَاصِمٌ أَیُّهَا الْقَوْمُ أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِی ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِیَّكَ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِماً فَنَزَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ عَلَی الْعَهْدِ مِنْهُمْ خُبَیْبٌ وَ زَیْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ وَ رَجُلٌ آخَرُ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِیِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا قَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هَذَا وَ اللَّهِ أَوَّلُ الْغَدْرِ وَ اللَّهِ لَا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِی بِهَؤُلَاءِ أُسْوَةً یُرِیدُ الْقَتْلَی فَجَرُّوهُ وَ عَالَجُوهُ فَأَبَی أَنْ یَصْحَبَهُمْ فَقَتَلُوهُ وَ انْطَلَقُوا بِخُبَیْبٍ وَ زَیْدٍ حَتَّی بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَلَبِثَ خُبَیْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِیراً حَتَّی أَجْمَعُوا عَلَی قَتْلِهِ فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ (1) الْحَارِثِ مُوسَی
ص: 152
یَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ فَدَرَجَ بُنَیٌّ (1) لَهَا وَ هِیَ غَافِلَةٌ حَتَّی أَتَاهُ فَوَجَدَتْهُ جَالِساً عَلَی فَخِذِهِ وَ الْمُوسَی بِیَدِهِ قَالَ فَفَزِعَتْ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَیْبٌ فَقَالَ أَ تَخْشَیْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ إِنَّ الْغَدْرَ لَیْسَ مِنْ شَأْنِنَا قَالَتْ وَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ أَسِیراً قَطُّ خَیْراً مِنْ خُبَیْبٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ یَوْماً یَأْكُلُ قِطْفاً مِنْ عِنَبٍ فِی یَدِهِ وَ إِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِیدِ وَ مَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ وَ كَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَیْباً فَلَمَّا أَخْرَجُوهُ مِنَ الْحَرَمِ لِیَقْتُلُوهُ فِی الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَیْبٌ دَعُونِی أصلی (أُصَلِ) رَكْعَتَیْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَیْنِ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَوْ لَا أَنْ تَحْسَبُوا أَنَّ مَا بِی جَزَعٌ لَزِدْتُ اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً وَ اقْتُلْهُمْ بَدَداً وَ لَا تُبْقِ (2) مِنْهُمْ أَحَداً وَ قَالَ
فَلَسْتُ أُبَالِی حِینَ أُقْتَلُ مُسْلِماً***عَلَی أَیِّ جَنْبٍ (3) كَانَ فِی اللَّهِ مَصْرَعِی
وَ ذَلِكَ فِی ذَاتِ الْإِلَهِ وَ إِنْ یَشَأْ***یُبَارِكْ عَلَی أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعٍ(4)
فَصَلَبُوهُ حَیّاً فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَیْسَ لِی أَحَدٌ حَوَالَیَّ یُبْلِغُ سَلَامِی رَسُولَكَ فَأَبْلِغْهُ سَلَامِی (5) ثُمَّ قَامَ إِلَیْهِ أَبُو عُقْبَةَ بْنُ الْحَارِثِ (6) فَقَتَلَهُ فَكَانَ خُبَیْبٌ هُوَ
ص: 153
سَنَّ الصَّلَاةَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ (1) صَبْراً قَالَ مُعَاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ وَ لَقَدْ رَأَیْتُ أَبَا سُفْیَانَ یُلْقِینِی إِلَی الْأَرْضِ فَرَقاً مِنْ دَعْوَةِ خُبَیْبٍ وَ كَانُوا یَقُولُونَ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُعِیَ عَلَیْهِ فَاضْطَجَعَ زَلَّتْ عَنْهُ الدَّعْوَةُ فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله هَذَا الْخَبَرُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَیُّكُمْ یَخْتَزِلُ خُبَیْباً عَنْ خَشَبَتِهِ فَقَالَ الزُّبَیْرُ أَنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ صَاحِبِی الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَخَرَجَا یَمْشِیَانِ بِاللَّیْلِ وَ یَكْمُنَانِ بِالنَّهَارِ حَتَّی أَتَیَا التَّنْعِیمَ لَیْلًا وَ إِذَا حَوْلَ الْخَشَبَةِ أَرْبَعُونَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ نِیَامٌ نَشَاوَی (2) فَأَنْزَلَاهُ فَإِذَا هُوَ رَطْبٌ یَتَثَنَّی لَمْ یُنْتِنْ مِنْهُ شَیْ ءٌ بَعْدَ أَرْبَعِینَ یَوْماً وَ یَدُهُ عَلَی جِرَاحَتِهِ وَ هِیَ تَبِضُّ دَماً اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَ الرِّیحُ رِیحُ الْمِسْكِ فَحَمَلَهُ الزُّبَیْرُ عَلَی فَرَسِهِ وَ سَارُوا فَانْتَبَهَ الْكُفَّارُ وَ قَدْ فَقَدُوا خُبَیْباً فَأَخْبَرُوا قُرَیْشاً فَرَكِبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ فَلَمَّا لَحِقُوهُمْ قَذَفَ الزُّبَیْرُ خُبَیْباً فَابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ فَسُمِّیَ بَلِیعَ الْأَرْضِ فَقَالَ الزُّبَیْرُ مَا جَرَّأَكُمْ عَلَیْنَا یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ ثُمَّ رَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ أَنَا الزُّبَیْرُ بْنُ عَوَّامٍ (3) وَ أُمِّی صَفِیَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ صَاحِبِی الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَسَدَانِ رَابِضَانِ یَدْفَعَانِ عَنْ أَشْبَالِهِمَا فَإِنْ شِئْتُمْ نَاضَلْتُكُمْ وَ إِنْ شِئْتُمْ نَازَلْتُكُمْ وَ إِنْ شِئْتُمُ انْصَرَفْتُمْ فَانْصَرَفُوا إِلَی مَكَّةَ وَ قَدِمَا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله. (4).
بیان مرثد كمسكن و خبیب كزبیر و الدثنة ككلمة و الموسی بضم المیم و فتح السین ما یحلق به و الاستحداد الاحتلاق بالحدید و الشلو بالكسر العضو و الجسد من كل شی ء و التمزیع التفریق و تمزعوه بینهم اقتسموه
ص: 154
و المزعة بالضم و الكسر القطعة من اللحم أو الشقة منه و بض الماء یبض بضا سال قلیلا قلیلا.
«3»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی الْكَامِلِ لَمَّا قُتِلَ عَاصِمٌ وَ أَصْحَابُهُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَمْرَو بْنَ أُمَیَّةَ الضَّمْرِیَّ إِلَی مَكَّةَ مَعَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَ أَمَرَهُمَا بِقَتْلِ أَبِی سُفْیَانَ قَالَ عَمْرٌو فَخَرَجْتُ أَنَا وَ صَاحِبِی وَ مَعِی بَعِیرٌ لِی وَ بِرِجْلِ صَاحِبِی عِلَّةٌ فَكُنْتُ أَحْمِلُهُ عَلَی بَعِیرِی حَتَّی إِذَا جِئْنَا بِبَطْنِ أَحَجَّ (1) فَعَقَلْنَا بَعِیرَنَا فِی الشِّعْبِ وَ قُلْتُ لِصَاحِبِی انْطَلِقْ بِنَا إِلَی أَبِی سُفْیَانَ لِنَقْتُلَهُ فَإِنْ خَشِیتَ شَیْئاً فَالْحَقْ بِالْبَعِیرِ فَارْكَبْهُ وَ الْحَقْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخْبِرْهُ الْخَبَرَ وَ خَلِّ عَنِّی فَدَخَلْنَا مَكَّةَ وَ مَعِی خَنْجَرٌ إِنْ عَانَقَنِی إِنْسَانٌ ضَرَبْتُهُ (2) بِهِ فَقَالَ صَاحِبِی هَلْ لَكَ أَنْ تَبْدَأَ فَتَطُوفَ وَ تُصَلِّیَ رَكْعَتَیْنِ (3) فَقُلْتُ إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ یَجْلِسُونَ بِأَفْنِیَتِهِمْ وَ أَنَا أَعْرَفُ بِهَا فَلَمْ یَزَلْ حَتَّی أَتَیْنَا الْبَیْتَ فَطُفْنَا (4) ثُمَّ خَرَجْنَا فَمَرَرْنَا بِمَجْلِسٍ لَهُمْ فَعَرَفَنِی بَعْضُهُمْ فَصَرَخَ بِأَعْلَی صَوْتِهِ هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَیَّةَ فَثَارَ أَهْلُ مَكَّةَ إِلَیْنَا وَ قَالُوا مَا جَاءَ إِلَّا لِشَرٍّ وَ كَانَ فَاتِكاً مُتَشَیْطِناً فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَقُلْتُ لِصَاحِبِی النَّجَاءَ هَذَا الَّذِی كُنْتُ أَحْذَرُ أَمَّا أَبُو سُفْیَانَ فَلَیْسَ إِلَیْهِ سَبِیلٌ فَانْجُ بِنَفْسِكَ فَعُدْنَا حَتَّی صَعِدْنَا الْجَبَلَ فَدَخَلْنَا فِی غَارٍ فَبَیْنَا نَحْنُ فِیهِ لَیْلَتَنَا (5) نَنْتَظِرُ أَنْ یَسْكُنَ الطَّلَبُ قَالَ فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَفِیهِ إِذْ أَقْبَلَ عُثْمَانُ بْنُ مَالِكٍ التَّیْمِیُّ بِفَرَسٍ لَهُ (6) فَقَامَ عَلَی بَابِ الْغَارِ فَخَرَجْتُ إِلَیْهِ فَضَرَبْتُهُ بِالْخَنْجَرِ فَصَاحَ صَیْحَةً أَسْمَعَ أَهْلَ مَكَّةَ فَأَقْبَلُوا إِلَیْهِ وَ رَجَعْتُ إِلَی مَكَانِی فَوَجَدُوهُ وَ بِهِ رَمَقٌ فَقَالُوا مَنْ ضَرَبَكَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ
ص: 155
أُمَیَّةَ ثُمَّ مَاتَ وَ لَمْ یَقْدِرْ أَنْ یُخْبِرَهُمْ بِمَكَانِی وَ شَغَلَهُمْ قَتْلُ صَاحِبِهِمْ عَنْ طَلَبِی فَاحْتَمَلُوهُ وَ مَكَثْنَا فِی الْغَارِ یَوْمَیْنِ حَتَّی سَكَنَ (1) الطَّلَبُ ثُمَّ خَرَجَا إِلَی التَّنْعِیمِ فَإِذَا خَشَبَةُ خُبَیْبٍ وَ حَوْلَهُ حَرَسٌ فَصَعِدْتُ خَشَبَتَهُ فَاحْتَمَلْتُهُ عَلَی ظَهْرِی فَمَا مَشَیْتُ إِلَّا نَحْواً مِنْ أَرْبَعِینَ خُطْوَةً حَتَّی بَدَرُوا بِی فَطَرَحْتُهُ فَاشْتَدُّوا فِی أَثَرِی فَأَعْیَوْا وَ رَجَعُوا وَ انْطَلَقَ صَاحِبِی فَرَكِبَ الْبَعِیرَ وَ أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخْبَرَهُ وَ أَمَّا خُبَیْبٌ فَلَمْ یُرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَأَنَّ الْأَرْضَ ابْتَلَعَتْهُ قَالَ وَ سِرْتُ حَتَّی دَخَلْتُ غَارَ الضَّجْنَانِ (2) وَ مَعِی قَوْسِی وَ أَسْهُمِی فَبَیْنَا أَنَا فِیهِ إِذْ دَخَلَ مِنْ بَنِی أَعْوَرَ طَوِیلٌ (3) یَسُوقُ غَنَماً لَهُ فَقَالَ مَنِ الرَّجُلُ فَقُلْتُ مِنْ بَنِی الدُّئِلِ فَاضْطَجَعَ مَعِی وَ رَفَعَ عَقِیرَتَهُ (4) یَتَغَنَّی وَ یَقُولُ:
وَ لَسْتُ بِمُسْلِمٍ مَا دُمْتُ حَیّاً*** وَ لَسْتُ أَدِینُ دِینَ الْمُسْلِمِینَا
ثُمَّ نَامَ فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ سِرْتُ فَإِذَا رَجُلَانِ بَعَثَهُمَا قُرَیْشٌ یَتَجَسَّسَانِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَرَمَیْتُ أَحَدَهُمَا بِسَهْمٍ فَقَتَلْتُهُ وَ اسْتَأْسَرْتُ الْآخَرَ فَقَدِمْتُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَضَحِكَ وَ دَعَا لِی بِخَیْرٍ (5).
ص: 156
الآیات؛
الحشر: «هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِیارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ یَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ یُخْرِبُونَ بُیُوتَهُمْ بِأَیْدِیهِمْ وَ أَیْدِی الْمُؤْمِنِینَ فَاعْتَبِرُوا یا أُولِی الْأَبْصارِ* وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَیْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِی الدُّنْیا وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ یُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ* ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلی أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِیُخْزِیَ الْفاسِقِینَ»(2)
(إلی قوله تعالی): «أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ نافَقُوا یَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِیعُ فِیكُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لَئِنْ أُخْرِجُوا لا یَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لا یَنْصُرُونَهُمْ وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَیُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا یُنْصَرُونَ* لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِی صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ* لا یُقاتِلُونَكُمْ جَمِیعاً إِلَّا فِی قُریً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَیْنَهُمْ شَدِیدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِیعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّی ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَعْقِلُونَ* كَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِیباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ* كَمَثَلِ الشَّیْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّی بَرِی ءٌ مِنْكَ إِنِّی أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِینَ *فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِی النَّارِ خالِدَیْنِ فِیها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِینَ»(11-17)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه: هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ قیل نزلت السورة فی إجلاء بنی النضیر من الیهود فمنهم من خرج إلی خیبر و منهم من خرج إلی الشام
ص: 157
عن مجاهد و قتادة و ذلك
أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله لما دخل المدینة صالحه بنو النضیر علی أن لا یقاتلوه و لا یقاتلوا معه فقبل ذلك منهم فلما غزا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بدرا و ظهر علی المشركین قالوا و اللّٰه إنه للنبی (1) الذی وجدنا نعته فی التوراة لا ترد له رایة فلما غزا صلی اللّٰه علیه و آله غزاة أحد و هزم المسلمون ارتابوا و نقضوا العهد فركب كعب بن الأشرف فی أربعین راكبا من الیهود إلی مكة فأتوا قریشا و حالفوهم و عاقدوهم علی أن تكون كلمتهم واحدة علی محمد صلی اللّٰه علیه و آله ثم دخل أبو سفیان فی أربعین و كعب فی أربعین من الیهود المسجد و أخذ بعضهم علی بعض المیثاق بین الأستار و الكعبة ثم رجع كعب بن الأشرف و أصحابه إلی المدینة و نزل جبرئیل و أخبر النبی صلی اللّٰه علیه و آله بما تعاقد علیه كعب و أبو سفیان و أمره بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة الأنصاری و كان أخاه من الرضاعة.
قال محمد بن إسحاق خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی بنی النضیر یستعینهم فی دیة القتیلین من بنی عامر اللذین قتلهما عمرو بن أمیة الضمری و كان بین بنی النضیر و بین عامر عقد و حلف فلما أتاهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یستعینهم فی الدیة قالوا نعم یا أبا القاسم نعینك علی ما أحببت ثم خلا بعضهم ببعض فقال (2) إنكم لن تجدوا الرجل علی مثل حالته هذه و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی جانب جدار من بیوتهم قاعد فقالوا من رجل یعلو علی هذا البیت و یلقی علیه صخرة و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی نفر من أصحابه فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم فقام و قال لأصحابه لا تبرحوا فخرج راجعا إلی المدینة و لما استبطئوا النبی صلی اللّٰه علیه و آله قاموا فی طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدینة فسألوه عنه فقال رأیته داخلا المدینة فأقبل أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله حتی انتهوا إلیه فأخبرهم الخبر بما أرادت الیهود من الغدر و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله محمد بن مسلمة بقتل كعب بن الأشرف فخرج و معه سلكان بن سلامة و ثلاثة من بنی الحارث و خرج النبی صلی اللّٰه علیه و آله علی أثرهم (3) و جلس فی موضع ینتظر رجوعهم فذهب محمد بن
ص: 158
مسلمة مع القوم إلی قرب قصره و أجلس قومه عند جدار و ناداه یا كعب فانتبه و قال من أنت قال أنا محمد بن مسلمة أخوك جئتك أستقرض منك دراهم فإن محمدا یسألنا الصدقة و لیس معنا الدراهم فقال كعب لا أقرضك إلا بالرهن قال معی رهن انزل فخذه و كانت له امرأة بنی بها تلك اللیلة عروسا فقالت لا أدعك تنزل لأنی أری حمرة الدم فی ذلك الصوت فلم یلتفت إلیها و خرج فعانقه محمد بن مسلمة و هما یتحادثان حتی تباعدا من القصر إلی الصحراء ثم أخذ رأسه و دعا بقومه و صاح كعب فسمعت امرأته فصاحت و سمع بنو النضیر صوتها فخرجوا نحوه فوجدوه قتیلا و رجع القوم سالمین إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما أسفر الصبح أخبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أصحابه بقتل كعب ففرحوا و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بحربهم و السیر إلیهم فسار بالناس حتی نزل بهم فتحصنوا منه فی الحصن و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بقطع النخل و التحریق فیها فنادوه یا محمد قد كنت تنهی عن الفحشاء فما بالك تقطع النخل و تحرقها فأنزل اللّٰه سبحانه ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها الآیة و هی البؤیرة فی قول حسان
و هان علی سراة بنی لؤی***حریق بالبؤیرة مستطیر
و البؤیرة تصغیر بؤرة و هی إرة النار أی حفرتها و قال ابن عباس كان النبی صلی اللّٰه علیه و آله حاصرهم حتی بلغ منهم كل مبلغ فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم علی أن یحقن لهم دماءهم و أن یخرجهم من أرضهم و أوطانهم و أن یسیرهم إلی أذرعات بالشام و جعل لكل ثلاثة منهم بعیرا و سقاء فخرجوا إلی أذرعات و أریحا (1) إلا أهل بیتین منهم آل أبی الحقیق و آل حیی بن أخطب فإنهم لحقوا بخیبر و لحقت طائفة منهم بالحیرة و كان ابن عباس یسمی هذه السورة سورة بنی النضیر
ص: 159
و عن محمد بن مسلمة أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعثه إلی بنی النضیر و أمره أن یؤجلهم فی الجلاء ثلاث (1) لیال.
و عن محمد بن إسحاق كان إجلاء بنی النضیر مرجع النبی صلی اللّٰه علیه و آله من أحد و كان فتح قریظة مرجعه من الأحزاب و بینهما سنتان و كان الزهری یذهب إلی أن إجلاء بنی النضیر كان قبل أحد علی رأس ستة أشهر من وقعة بدر.
الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ یعنی یهود بنی النضیر مِنْ دِیارِهِمْ بأن سلط اللّٰه المؤمنین علیهم و أمر نبیه صلی اللّٰه علیه و آله بإخراجهم من منازلهم و حصونهم و أوطانهم لِأَوَّلِ الْحَشْرِ اختلف فی معناه فقیل كان جلاؤهم ذلك أول حشر الیهود إلی الشام ثم یحشر الناس یوم القیامة إلی أرض الشام أیضا و ذلك الحشر الثانی عن ابن عباس و الزهری و الجبائی قال ابن عباس قال لهم النبی صلی اللّٰه علیه و آله اخرجوا قالوا إلی أین قال إلی أرض المحشر و قیل معناه لأول الجلاء لأنهم كانوا أول من أجلی من أهل الذمة من جزیرة العرب ثم أجلی إخوانهم من الیهود لئلا یجتمع فی بلاد العرب دینان و قیل إنما قال لِأَوَّلِ الْحَشْرِ لأن اللّٰه فتح علی نبیه صلی اللّٰه علیه و آله فی أول ما قاتلهم ما ظَنَنْتُمْ أَنْ یَخْرُجُوا أی لم تظنوا أیها المؤمنون أنهم یخرجون من دیارهم لشدتهم و شوكتهم. وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ أی و ظن بنو النضیر أن حصونهم لوثاقتها تمنعهم من سلطان اللّٰه و إنزال العذاب بهم علی ید رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حیث حصنوها و هیئوا آلات الحرب فیها فَأَتاهُمُ اللَّهُ أی أتاهم أمر اللّٰه و عذابه مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا أی لم یتوهموا أنه یأتیهم لما قدروا فی أنفسهم من المنعة وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ بقتل سیدهم كعب بن الأشرف یُخْرِبُونَ بُیُوتَهُمْ بِأَیْدِیهِمْ وَ أَیْدِی الْمُؤْمِنِینَ أی یهدمون بیوتهم بأیدیهم من داخل لیهربوا لأنهم خربوا ما استحسنوا منها حتی لا یكون للمسلمین و یخربها المؤمنون من خارج لیصلوا إلیهم و قیل
ص: 160
إن معنی تخریبها بأیدی المؤمنین أنهم عرضوها لذلك و قیل إنهم كانوا یخربون بیوتهم بأیدیهم بنقض الموادعة و بأیدی المؤمنین بالمقاتلة.
فَاعْتَبِرُوا یا أُولِی الْأَبْصارِ فیما نزل بهم و المراد (1) استدلوا بذلك علی صدق الرسول إذ كان وعدهم ذلك (2) وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَیْهِمُ الْجَلاءَ أی حكم علیهم أنهم یجلون عن دیارهم و ینقلون عن أوطانهم لَعَذَّبَهُمْ فِی الدُّنْیا بعذاب الاستیصال أو بالقتل و السبی كما فعل ببنی قریظة وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ مع الجلاء عَذابُ النَّارِ لأن أحدا منهم لم یؤمن ذلِكَ الذی فعلنا بهم بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ أی خالفوا اللّٰه وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ یُشَاقِّ اللَّهَ أی یخالفه فَإِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ یعاقبهم علی مشاقتهم أشد العقاب ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَةٍ أی نخلة كریمة و قیل كل نخلة سوی العجوة أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلی أُصُولِها فلم تقطعوها و لم تقلعوها فَبِإِذْنِ اللَّهِ أی بأمره كل ذلك سائغ لكم وَ لِیُخْزِیَ الْفاسِقِینَ من الیهود و یهینهم به. (3) أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ نافَقُوا فأبطنوا الكفر و أظهروا الإیمان یَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ فی الكفر یعنی یهود بنی النضیر لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ من دیاركم و بلادكم لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ مساعدین لكم وَ لا نُطِیعُ فِیكُمْ أی فی قتالكم و مخاصمتكم أَحَداً أَبَداً یعنون محمدا و أصحابه وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ و لندفعن عنكم وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فیما یقولونه من الخروج معهم و الدفاع عنهم.
ص: 161
قوله لَیُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ أی ینهزمون أو یسلمونهم ثُمَّ لا یُنْصَرُونَ أی لو كان لهم هذه القوة و فعلوا لم ینتفع أولئك بنصرتهم نزلت الآیة قبل إخراج بنی النضیر و أخرجوا بعد ذلك و قوتلوا فلم یخرج معهم منافق و لم ینصروهم كما أخبر اللّٰه تعالی بذلك و قیل أراد بقوله لإخوانهم بنی النضیر و بنی قریظة فأخرج بنو النضیر و لم یخرجوا معهم و قوتل بنو قریظة فلم ینصروهم لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً أی خوفا فِی صُدُورِهِمْ أی فی قلوب هؤلاء المنافقین مِنَ اللَّهِ المعنی أن خوفهم منكم أشد من خوفهم من اللّٰه ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ الحق و لا یعلمون عظمة اللّٰه و شدة عقابه لا یُقاتِلُونَكُمْ جَمِیعاً معاشر المؤمنین إِلَّا فِی قُریً مُحَصَّنَةٍ أی ممتنعة حصینة أی لا یبرزون لحربكم و إنما یقاتلونكم متحصنین بالقری أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ أی یرمونكم من وراء الجدران بالنبل و الحجر بَأْسُهُمْ بَیْنَهُمْ شَدِیدٌ أی عداوة بعضهم لبعض شدیدة أی لیسوا بمتفقی القلوب أو قوتهم فیما بینهم شدیدة فإذا لاقوكم جبنوا و فزعوا (1) منكم بما قذف اللّٰه فی قلوبهم من الرعب تَحْسَبُهُمْ جَمِیعاً أی مجتمعین فی الظاهر وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّی أی مختلفة متفرقة خذلهم اللّٰه باختلاف كلمتهم و قیل إنه عنی بذلك قلوب المنافقین و أهل الكتاب ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَعْقِلُونَ ما فیه الرشد مما فیه الغی (2) كَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِیباً أی مثلهم فی اغترارهم بعددهم و قوتهم كمثل الذین من قبلهم یعنی المشركین الذین قتلوا ببدر و ذلك قبل غزاة بنی النضیر بستة أشهر عن الزهری و غیره و قیل یعنی بنی قینقاع عن ابن عباس و ذلك أنهم نقضوا العهد مرجع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من بدر فأمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یخرجوا فقال عبد اللّٰه بن أبی لا تخرجوا فإنی آتی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأكلمه فیكم أو أدخل معكم الحصن فكان هؤلاء أیضا فی إرسال عبد اللّٰه بن أبی إلیهم
ص: 162
ثم تركه (1) نصرتهم كأولئك ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ أی عقوبة كفرهم وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فی الآخرة كَمَثَلِ الشَّیْطانِ أی مثل المنافقین فی غرورهم بنی النضیر (2) و خذلانهم إیاهم كمثل الشیطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ و هو عابد (3) بنی إسرائیل فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّی بَرِی ءٌ مِنْكَ فكذلك بنو النضیر اغتروا بالمنافقین ثم تبرءوا منهم عند الشدة و أسلموهم و قیل كمثل الشیطان یوم بدر إذ دعا إلی حرب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما رأی الملائكة رجع القهقری و قال إِنِّی أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِینَ فَكانَ عاقِبَتَهُما أی الداعی و المدعو. (4) بیان و هی البؤیرة أی قصة التحریق هی المشار إلیها فی هذا البیت قال الجوهری البؤرة الحفرة بأرت أبأر بأرا حفرت بؤرة یطبخ فیها و هی الإرة و قال الإرة موضع النار و أصله أری و الهاء عوض من الیاء و السراة بالفتح جمع سری و هی الشریف و أذرعات بكسر الراء موضع بالشام.
«1»-عم، إعلام الوری ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِی النَّضِیرِ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَشَی إِلَی كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ یَسْتَقْرِضُهُ فَقَالَ مَرْحَباً بِكَ یَا أَبَا الْقَاسِمِ وَ أَهْلًا فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَصْحَابُهُ فَقَامَ كَأَنَّهُ یَصْنَعُ لَهُمْ طَعَاماً وَ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنْ یَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا هَمَّ بِهِ الْقَوْمُ مِنَ الْغَدْرِ فَقَامَ صلی اللّٰه علیه و آله كَأَنَّهُ یَقْضِی حَاجَةً وَ عَرَفَ أَنَّهُمْ لَا یَقْتُلُونَ أَصْحَابَهُ وَ هُوَ حَیٌّ فَأَخَذَ صلی اللّٰه علیه و آله الطَّرِیقَ نَحْوَ الْمَدِینَةِ فَاسْتَقْبَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ كَعْبٍ الَّذِینَ كَانَ أَرْسَلَ إِلَیْهِمْ یَسْتَعِینُ بِهِمْ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرَ كَعْباً بِذَلِكَ فَسَارَ الْمُسْلِمُونَ رَاجِعِینَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِیَا وَ كَانَ أَعْلَمَ الْیَهُودِ إِنَّ رَبَّهُ (5) أَطْلَعَهُ عَلَی مَا أَرَدْتُمُوهُ مِنَ الْغَدْرِ وَ لَا یَأْتِیكُمْ وَ اللَّهِ
ص: 163
أَوَّلَ مَا یَأْتِیكُمْ (1) إِلَّا رَسُولُ مُحَمَّدٍ یَأْمُرُكُمْ عَنْهُ بِالْجَلَاءِ فَأَطِیعُونِی فِی خَصْلَتَیْنِ لَا خَیْرَ فِی الثَّالِثَةِ أَنْ تُسْلِمُوا فَتَأْمَنُوا عَلَی دِیَارِكُمْ وَ أَمْوَالِكُمْ وَ إِلَّا فَإِنَّهُ یَأْتِیكُمْ مَنْ یَقُولُ لَكُمْ اخْرُجُوا مِنْ دِیَارِكُمْ فَقَالُوا هَذِهِ أَحَبُّ إِلَیْنَا قَالَ أَمَا إِنَّ الْأُولَی خَیْرٌ لَكُمْ مِنْهَا وَ لَوْ لَا أَنِّی أَفْضَحُكُمْ لَأَسْلَمْتُ ثُمَّ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ إِلَیْهِمْ یَأْمُرُهُمْ بِالرَّحِیلِ وَ الْجَلَاءِ عَنْ دِیَارِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ وَ أَمَرَهُ أَنْ یُؤَجِّلَهُمْ فِی الْجَلَاءِ ثَلَاثَ لَیَالٍ (2).
«2»-أَقُولُ قَالَ الْكَازِرُونِیُّ وَ غَیْرُهُ فِی شَرْحِ تِلْكَ الْقِصَّةِ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِی النَّضِیرِ فِی رَبِیعٍ الْأَوَّلِ (3) وَ كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بِنَاحِیَةِ الْفَرْعِ وَ مَا وَالاهَا بِقَرْیَةٍ یُقَالُ لَهَا زُهْرَةُ وَ إِنَّهُمْ لَمَّا نَقَضُوا الْعَهْدَ وَ عَاقَدُوا الْمُشْرِكِینَ عَلَی حَرْبِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله خَرَجَ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ السَّبْتِ وَ صَلَّی فِی مَسْجِدِ قُبَاءَ وَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ (4) ثُمَّ أَتَی بَنِی النَّضِیرِ فَكَلَّمَهُمْ أَنْ یُعِینُوهُ فِی دِیَةِ رَجُلَیْنِ كَانَ قَدْ آمَنَهُمَا فَقَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَیَّةَ وَ هُوَ لَا یَعْلَمُ فَقَالُوا نَفْعَلُ وَ هَمُّوا بِالْغَدْرِ بِهِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الحجاش (5) أَنَا أَظْهَرُ عَلَی الْبَیْتِ فَأَطْرَحُ عَلَیْهِ صَخْرَةً فَقَالَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ لَا تَفْعَلُوا فَوَ اللَّهِ لَیُخْبَرَنَّ بِمَا هَمَمْتُمْ (6) فَجَاءَ جَبْرَئِیلُ فَأَخْبَرَهُ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَ رَاجِعاً إِلَی الْمَدِینَةِ ثُمَّ دَعَا عَلِیّاً وَ قَالَ لَا تَبْرَحْ مِنْ مَكَانِكَ فَمَنْ خَرَجَ عَلَیْكَ مِنْ أَصْحَابِی فَسَأَلَكَ عَنِّی فَقُلْ تَوَجَّهَ إِلَی الْمَدِینَةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَحِقُوا بِهِ فَبَعَثَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ إِلَیْهِمْ وَ أَمَرَهُمْ بِالْجَلَاءِ
ص: 164
وَ قَالَ لَا تُسَاكِنُونِی (1) وَ قَدْ هَمَمْتُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ وَ قَدْ أَجَّلْتُكُمْ عَشْراً فَأَرْسَلَ (2) إِلَیْهِمُ ابْنُ أُبَیٍّ لَا تَخْرُجُوا فَإِنَّ مَعِی أَلْفَیْنِ مِنْ قَوْمِی وَ غَیْرِهِمْ یَدْخُلُونَ حُصُونَكُمْ فَیَمُوتُونَ مِنْ آخِرِهِمْ وَ یُمِدُّكُمْ قُرَیْظَةُ وَ حُلَفَاؤُهُمْ مِنْ غَطَفَانَ فَطَمِعَ حُیَیٌّ (3) فِیمَا قَالَ ابْنُ أُبَیٍّ فَخَرَجَ إِلَیْهِمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَصَلَّی الْعَصْرَ بِفِنَاءِ (4) بَنِی النَّضِیرِ وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَحْمِلُ رَایَتَهُ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَامُوا عَلَی حُصُونِهِمْ مَعَهُمُ النَّبْلُ وَ الْحِجَارَةُ فَاعْتَزَلَتْهُمْ قُرَیْظَةُ وَ خَفَرَهُمْ ابْنُ أُبَیٍّ (5) فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَطَعَ نَخْلَهُمْ وَ كَانَتِ النَّخْلَةُ مِنْ نَخِیلِهِمْ ثَمَنَ وَصِیفٍ وَ أَحَبَّ إِلَیْهِمْ مِنْ وَصِیفٍ وَ قِیلَ قَطَعُوا نَخْلَةً وَ أَحْرَقُوا نَخْلَةً وَ قِیلَ كَانَ جَمِیعُ مَا قَطَعُوا وَ أَحْرَقُوا سِتَّ نَخَلَاتٍ فَقَالُوا نَحْنُ نَخْرُجُ مِنْ بِلَادِكَ فَأَجْلَاهُمْ عَنِ الْمَدِینَةِ وَ وَلَّی إِخْرَاجَهُمْ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَ حَمَلُوا النِّسَاءَ وَ الصِّبْیَانَ وَ تَحَمَّلُوا عَلَی سِتِّمِائَةِ
ص: 165
بَعِیرٍ وَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اخْرُجُوا وَ لَكُمْ دِمَاؤُكُمْ وَ مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ إِلَّا الْحَلْقَةَ وَ هِیَ السِّلَاحُ فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْأَمْوَالَ وَ الْحَلْقَةَ فَوَجَدَ مِنَ الْحَلْقَةِ خَمْسِینَ دِرْعاً وَ خَمْسِینَ بَیْضَةً وَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ أَرْبَعِینَ سَیْفاً (1) وَ كَانَتْ غَنَائِمُ بَنِی النَّضِیرِ صَفِیّاً لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَالِصَةً لَمْ یَخْمُسْهَا وَ لَمْ یُسْهِمْ مِنْهَا لِأَحَدٍ وَ قَدْ أَعْطَی نَاساً مِنْهَا وَ رُوِیَ أَنَّهُ حَاصَرَهُمْ إِحْدَی وَ عِشْرِینَ لَیْلَةً (2).
«3»-فس، تفسیر القمی یا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْكَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْكُفْرِ مِنَ الَّذِینَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِینَةِ بُطْنَانٌ مِنَ الْیَهُودِ مِنْ بَنِی هَارُونَ وَ هُمُ النَّضِیرُ وَ قُرَیْظَةُ وَ كَانَتْ قُرَیْظَةُ سَبْعَمِائَةٍ وَ النَّضِیرُ أَلْفاً وَ كَانَتِ النَّضِیرُ أَكْثَرَ مَالًا وَ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ قُرَیْظَةَ وَ كَانُوا حُلَفَاءَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ فَكَانَ إِذَا وَقَعَ بَیْنَ قُرَیْظَةَ وَ النَّضِیرِ قَتِیلٌ وَ كَانَ الْقَتِیلُ مِنْ بَنِی النَّضِیرِ قَالُوا لِبَنِی قُرَیْظَةَ لَا نَرْضَی أَنْ یَكُونَ قَتِیلٌ مِنَّا بِقَتِیلٍ مِنْكُمْ فَجَرَی بَیْنَهُمْ فِی ذَلِكَ مُخَاطَبَاتٌ كَثِیرَةٌ حَتَّی كَادُوا أَنْ یَقْتَتِلُوا (3) حَتَّی رَضِیَتْ قُرَیْظَةُ وَ كَتَبُوا بَیْنَهُمْ كِتَاباً عَلَی أَنَّهُ أَیُّ رَجُلٍ مِنَ الْیَهُودِ مِنَ النَّضِیرِ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِی قُرَیْظَةَ أَنْ یُجَنِّیَهُ (4) وَ
ص: 166
یُحَمِّمَ (1) وَ التَّجْنِیَةُ (2) أَنْ یُقْعَدَ عَلَی جَمَلٍ وَ یُوَلَّی وَجْهُهُ إِلَی ذَنَبِ الْجَمَلِ وَ یُلَطَّخَ وَجْهُهُ بِالْحَمْأَةِ (3) وَ یَدْفَعَ نِصْفَ الدِّیَةِ وَ أَیُّمَا رَجُلٍ مِنْ بَنِی قُرَیْظَةَ قَتَلَ رَجُلًا مِنَ النَّضِیرِ أَنْ یَدْفَعَ إِلَیْهِ الدِّیَةَ كَامِلَةً وَ یُقْتَلَ بِهِ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ وَ دَخَلَ الْأَوْسُ وَ الْخَزْرَجُ فِی الْإِسْلَامِ ضَعُفَ أَمْرُ الْیَهُودِ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی قُرَیْظَةَ رَجُلًا مِنْ بَنِی النَّضِیرِ فَبَعَثُوا إِلَیْهِمْ بَنُو النَّضِیرِ ابْعَثُوا إِلَیْنَا بِدِیَةِ الْمَقْتُولِ وَ بِالْقَاتِلِ حَتَّی نَقْتُلَهُ فَقَالَتْ قُرَیْظَةُ لَیْسَ هَذَا حُكْمَ التَّوْرَاةِ وَ إِنَّمَا هُوَ شَیْ ءٌ غَلَبْتُمُونَا عَلَیْهِ فَإِمَّا الدِّیَةُ وَ إِمَّا الْقَتْلُ وَ إِلَّا فَهَذَا مُحَمَّدٌ بَیْنَنَا وَ بَیْنَكُمْ فَهَلُمُّوا نَتَحَاكَمْ إِلَیْهِ فَمَشَتْ بَنُو النَّضِیرِ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ قَالُوا سَلْ مُحَمَّداً أَنْ لَا یَنْقُضَ شَرْطَنَا فِی هَذَا الْحُكْمِ الَّذِی بَیْنَنَا وَ بَیْنَ قُرَیْظَةَ فِی الْقَتْلِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ ابْعَثُوا (4) رَجُلًا یَسْمَعْ كَلَامِی وَ كَلَامَهُ فَإِنْ حَكَمَ لَكُمْ بِمَا تُرِیدُونَ وَ إِلَّا فَلَا تَرْضَوْا بِهِ فَبَعَثُوا مَعَهُ رَجُلًا فَجَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قُرَیْظَةَ وَ النَّضِیرَ قَدْ كَتَبُوا بَیْنَهُمْ كِتَاباً وَ عَهْداً وَثِیقاً تَرَاضَوْا بِهِ وَ الْآنَ فِی قُدُومِكَ یُرِیدُونَ نَقْضَهُ وَ قَدْ رَضُوا بِحُكْمِكَ فِیهِمْ فَلَا تَنْقُضْ عَلَیْهِمْ كِتَابَهُمْ وَ شَرْطَهُمْ فَإِنَّ بَنِی النَّضِیرِ لَهُمُ الْقُوَّةُ وَ السِّلَاحُ وَ الْكُرَاعُ وَ نَحْنُ نَخَافُ الدَّوَائِرَ (5) فَاغْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ ذَلِكَ وَ لَمْ یُجِبْهُ بِشَیْ ءٍ فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ بِهَذِهِ الْآیَاتِ یا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْكَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْكُفْرِ مِنَ الَّذِینَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِینَ هادُوا یَعْنِی الْیَهُودَ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِینَ لَمْ یَأْتُوكَ یُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ وَ بَنِی النَّضِیرِ
ص: 167
یَقُولُونَ إِنْ أُوتِیتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ حَیْثُ قَالَ لِبَنِی النَّضِیرِ إِنْ لَمْ یَحْكُمْ لَكُمْ بِمَا تُرِیدُونَهُ فَلَا تَقْبَلُوا وَ مَنْ یُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً أُولئِكَ الَّذِینَ لَمْ یُرِدِ اللَّهُ أَنْ یُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِی الدُّنْیا خِزْیٌ وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ یَضُرُّوكَ شَیْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ (1) إِلَی قَوْلِهِ وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (2) قَوْلُهُ نَخْشی أَنْ تُصِیبَنا دائِرَةٌ (3) هُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا تَنْقُضْ حُكْمَ بَنِی النَّضِیرِ فَإِنَّا نَخَافُ الدَّوَائِرَ (4).
بیان: أن یجنیه بالجیم و النون كذا فی أكثر النسخ و كأنه من الجنایة أی یظهر علیه أثر الجنایة و فی بعضها بالحاء المهملة و الظاهر أن یحممه من التحمیم بدون و یحمم كما سیأتی.
و قال فی النهایة فیه مر یهودی محمم مجلود أی مسود الوجه من الحممة الفحمة و جمعها حمم انتهی.
و كذا الظاهر بالحممة و فی أكثر النسخ بالحمأة و هی الطین الأسود المنتن.
«4»-فس، تفسیر القمی هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِیارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ یَخْرُجُوا (5) قَالَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِینَةِ ثَلَاثَةُ أَبْطُنٍ مِنَ الْیَهُودِ بَنِی النَّضِیرِ (6) وَ قُرَیْظَةَ وَ قَیْنُقَاعَ وَ كَانَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَهْدٌ وَ مُدَّةٌ
ص: 168
فَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ وَ كَانَ سَبَبَ ذَلِكَ فِی بَنِی النَّضِیرِ فِی نَقْضِ عَهْدِهِمْ أَنَّهُ أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَسْتَسْلِفُهُمْ دِیَةَ رَجُلَیْنِ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ غِیلَةً یَعْنِی یَسْتَقْرِضُ وَ كَانَ قَصَدَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَی كَعْبٍ قَالَ مَرْحَباً یَا أَبَا الْقَاسِمِ وَ أَهْلًا وَ قَامَ كَأَنَّهُ یَصْنَعُ لَهُ الطَّعَامَ وَ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنْ یَقْتُلَ (1) رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یُتْبِعَ (2) أَصْحَابَهُ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ وَ قَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِیِّ اذْهَبْ إِلَی بَنِی النَّضِیرِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَخْبَرَنِی بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنَ الْغَدْرِ فَإِمَّا أَنْ تَخْرُجُوا مِنْ بَلَدِنَا وَ إِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ (3) فَقَالُوا نَخْرُجُ مِنْ بِلَادِكَ (4) فَبَعَثَ إِلَیْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ أَلَّا تَخْرُجُوا وَ تُقِیمُوا (5) وَ تُنَابِذُوا مُحَمَّداً (6) الْحَرْبَ فَإِنِّی أَنْصُرُكُمْ أَنَا وَ قَوْمِی وَ حُلَفَائِی فَإِنْ خَرَجْتُمْ خَرَجْتُ مَعَكُمْ وَ إِنْ قَاتَلْتُمْ قَاتَلْتُ مَعَكُمْ فَأَقَامُوا وَ أَصْلَحُوا حُصُونَهُمْ وَ تَهَیَّئُوا لِلْقِتَالِ وَ بَعَثُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّا لَا نَخْرُجُ فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَبَّرَ وَ كَبَّرَ أَصْحَابُهُ وَ قَالَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ تَقَدَّمْ إِلَی بَنِی النَّضِیرِ فَأَخَذَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ الرَّایَةَ وَ تَقَدَّمَ وَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَحَاطَ بِحِصْنِهِمْ وَ غَدَرَ بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِذَا ظَفِرَ بِمُقَدَّمِ بُیُوتِهِمْ حَصَّنُوا مَا یَلِیهِمْ وَ خَرَّبُوا مَا یَلِیهِ وَ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مِمَّنْ كَانَ لَهُ بَیْتٌ حَسَنٌ خَرَّبَهُ وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَ بِقَطْعِ نَخْلِهِمْ فَجَزِعُوا مِنْ ذَلِكَ وَ قَالُوا یَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكَ بِالْفَسَادِ إِنْ كَانَ لَكَ هَذَا فَخُذْهُ وَ إِنْ كَانَ لَنَا فَلَا تَقْطَعْهُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا یَا مُحَمَّدُ نَخْرُجُ مِنْ بِلَادِكَ فَأَعْطِنَا (7)
ص: 169
مَالَنَا فَقَالَ لَا وَ لَكِنْ تَخْرُجُونَ وَ لَكُمْ مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ فَلَمْ یَقْبَلُوا ذَلِكَ فَبَقُوا أَیَّاماً ثُمَّ قَالُوا نَخْرُجُ وَ لَنَا مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ فَقَالَ لَا وَ لَكِنْ تَخْرُجُونَ وَ لَا یَحْمِلُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَیْئاً فَمَنْ وَجَدْنَا مَعَهُ شَیْئاً مِنْ ذَلِكَ قَتَلْنَاهُ فَخَرَجُوا عَلَی ذَلِكَ وَ وَقَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ إِلَی فَدَكٍ وَ وَادِی الْقُرَی وَ خَرَجَ قَوْمٌ مِنْهُمْ إِلَی الشَّامِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِمْ هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِیارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ یَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا إِلَی قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ (1) وَ أَنْزَلَ عَلَیْهِ فِیمَا عَابُوهُ مِنْ قَطْعِ النَّخْلِ ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلی أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِیُخْزِیَ الْفاسِقِینَ إِلَی قَوْلِهِ رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ (2) وَ أَنْزَلَ عَلَیْهِ فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ أَصْحَابِهِ أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ نافَقُوا یَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِیعُ فِیكُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ إِلَی قَوْلِهِ ثُمَّ لا یُنْصَرُونَ (3) ثُمَّ قَالَ كَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یَعْنِی بَنِی قَیْنُقَاعَ قَرِیباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ثُمَّ ضَرَبَ فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ بَنِی النَّضِیرِ مَثَلًا فَقَالَ كَمَثَلِ الشَّیْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّی بَرِی ءٌ مِنْكَ إِنِّی أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِینَ قَوْلُهُ (4) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِی النَّارِ خالِدَیْنِ فِیها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِینَ (5).
فِیهِ (6) زِیَادَةُ أَحْرُفٍ لَمْ یَكُنْ (7) فِی رِوَایَةِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ
حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ (8) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِیثَمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی
ص: 170
حَمْزَةَ- عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ- عَنْ أَبِی بَصِیرٍ فِی غَزْوَةِ بَنِی النَّضِیرِ وَ زَادَ فِیهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِلْأَنْصَارِ إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إِلَیْكُمُ (1) الْمُهَاجِرِینَ وَ قَسَمْتُهَا فِیهِمْ وَ إِنْ شِئْتُمْ قَسَمْتُهَا بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ وَ تَرَكْتُهُمْ مَعَكُمْ قَالُوا قَدْ شِئْنَا أَنْ تَقْسِمَهَا فِیهِمْ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَیْنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ دَفَعَهُمْ عَنِ الْأَنْصَارِ وَ لَمْ یُعْطِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَّا رَجُلَیْنِ وَ هُمَا سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ وَ أَبُو دُجَانَةَ فَإِنَّهُمَا ذَكَرَا حَاجَةً (2).
بیان ظاهر الخبر أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله لما جعل المهاجرین مع الأنصار و ضمنهم نفقاتهم خیر الأنصار فی هذا الوقت بین أن یقسم غنائم بنی النضیر بین الجمع و یكون المهاجرون مع الأنصار كما كانوا و بین أن یخص بها المهاجرین و لا یكونوا بعد ذلك مع الأنصار فاختاروا الأخیر (3).
«5»-وَ رَوَی الطَّبْرِسِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی مَجْمَعِ الْبَیَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
ص: 171
اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ بَنِی النَّضِیرِ لِلْأَنْصَارِ إِنْ شِئْتُمْ قَسَمْتُمْ لِلْمُهَاجِرِینَ مِنْ دِیَارِكُمْ وَ أَمْوَالِكُمْ وَ تُشَارِكُونَهُمْ فِی هَذِهِ الْغَنِیمَةِ وَ إِنْ شِئْتُمْ كَانَتْ لَكُمْ دِیَارُكُمْ وَ أَمْوَالُكُمْ وَ لَمْ یُقْسَمْ لَكُمْ شَیْ ءٌ مِنَ الْغَنِیمَةِ فَقَالَ الْأَنْصَارُ بَلْ نَقْسِمُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا (1) وَ نُؤْثِرُهُمْ بِالْغَنِیمَةِ وَ لَا نُشَارِكُهُمْ فِیهَا فَنَزَلَ وَ یُؤْثِرُونَ عَلی أَنْفُسِهِمْ (2) الْآیَةَ.
«6»-قب، المناقب لابن شهرآشوب شا، الإرشاد وَ لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَنِی النَّضِیرِ عَمَدَ (3) عَلَی حِصَارِهِمْ فَضَرَبَ قُبَّةً (4) فِی أَقْصَی بَنِی حَطْمَةَ مِنَ الْبَطْحَاءِ فَلَمَّا أَقْبَلَ (5) اللَّیْلُ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِی النَّضِیرِ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ الْقُبَّةَ (6) فَأَمَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ تُحَوَّلَ قُبَّتُهُ (7) إِلَی السَّفْحِ وَ أَحَاطَ بِهَا الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَلَمَّا اخْتَلَطَ الظَّلَامُ فَقَدُوا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ النَّاسُ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَرَی (8) عَلِیّاً فَقَالَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ أَرَاهُ فِی بَعْضِ مَا یُصْلِحُ شَأْنَكُمْ فَلَمْ یَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِرَأْسِ الْیَهُودِیِّ الَّذِی رَمَی النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَانَ یُقَالُ لَهُ عَزُورَا (9) فَطَرَحَهُ بَیْنَ یَدَیِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله كَیْفَ صَنَعْتَ فَقَالَ إِنِّی رَأَیْتُ هَذَا الْخَبِیثَ جَرِیّاً شُجَاعاً فَكَمَنْتُ لَهُ وَ قُلْتُ مَا أَجْرَأَهُ أَنْ یَخْرُجَ إِذَا اخْتَلَطَ اللَّیْلُ (10) یَطْلُبُ مِنَّا غِرَّةً فَأَقْبَلَ مُصْلِتاً بِسَیْفِهِ فِی تِسْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْیَهُودِ فَشَدَدْتُ عَلَیْهِ وَ قَتَلْتُهُ فَأَفْلَتَ أَصْحَابُهُ وَ لَمْ یَبْرَحُوا قَرِیباً فَابْعَثْ مَعِی نَفَراً فَإِنِّی أَرْجُو أَنْ أَظْفَرَ بِهِمْ
ص: 172
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَعَهُ عَشَرَةً فِیهِمْ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ فَأَدْرَكُوهُمْ قَبْلَ أَنْ یَلِجُوا (1) الْحِصْنَ فَقَتَلُوهُمْ وَ جَاءُوا بِرُءُوسِهِمْ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَمَرَ أَنْ تُطْرَحَ فِی بَعْضِ آبَارِ بَنِی حَطْمَةَ (2) وَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبُ فَتْحِ حُصُونِ بَنِی النَّضِیرِ وَ فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ قُتِلَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَ اصْطَفَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمْوَالَ بَنِی النَّضِیرِ وَ كَانَتْ أَوَّلُ صَافِیَةٍ قَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَیْنَ الْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ وَ أَمَرَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فَحَازَ مَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْهَا فَجَعَلَهُ صَدَقَةً وَ كَانَ فِی یَدِهِ مُدَّةَ (3) حَیَاتِهِ ثُمَّ فِی یَدِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بَعْدَهُ وَ هُوَ فِی وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ حَتَّی الْیَوْمَ وَ فِیمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی هَذِهِ الْغَزَاةِ وَ قَتْلِهِ الْیَهُودِیَّ وَ مَجِیئِهِ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله بِرُءُوسِ التِّسْعَةِ (4) النَّفَرِ یَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
لِلَّهِ أَیُّ كَرِیهَةٍ أَبْلَیْتُهَا*** بِبَنِی قُرَیْظَةَ (5) وَ النُّفُوسُ تُطْلِعُ
أَرْدَی رَئِیسَهُمْ وَ آبَ بِتِسْعَةٍ* طَوْراً یُشِلُّهُمْ وَ طَوْراً یَدْفَعُ (6)
بیان: قوله طورا أی تارة و قال الجوهری مر فلان یشلهم بالسیف یكسؤهم (7) و یطردهم (8).
ص: 173
الآیات؛
النساء: «وَ إِذا كُنْتَ فِیهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (إلی قوله): كِتاباً مَوْقُوتاً»(102-103)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه بعد تفسیر الآیات فی صلاة الخوف: و فی الآیة
ص: 174
دلالة علی صدق النبی صلی اللّٰه علیه و آله و صحة نبوته و ذلك أنها نزلت و النبی صلی اللّٰه علیه و آله بعسفان و المشركون بضجنان فتوافقوا فصلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله بأصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع و السجود فهم المشركون أن یغیروا علیهم فقال بعضهم إن لهم صلاة أخری أحب إلیهم من هذه یعنون صلاة العصر فأنزل اللّٰه علیه هذه الآیة فصلی بهم العصر صلاة الخوف و كان ذلك سبب إسلام خالد بن الولید.
و ذكر أبو حمزة الثمالی فی تفسیره أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله غزا محاربا و بنی أنمار (1) فهزمهم اللّٰه و أحرزوا الذراری و الأموال فنزل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمون و لا یرون من العدو أحدا فوضعوا أسلحتهم و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لبعض حاجته (2) و قد وضع سلاحه فجعل بینه و بین أصحابه الوادی فأتی قبل أن یفرغ من حاجته السیل فی الوادی (3) و السماء ترش فحال الوادی بین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و بین أصحابه و جلس فی ظل سمرة (4) فبصر به غورث بن الحارث المحاربی فقال له أصحابه یا غورث هذا محمد قد انقطع من أصحابه فقال قتلنی اللّٰه إن لم أقتله و انحدر من الجبل و معه السیف و لم یشعر به رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلا و هو قائم علی رأسه و معه السیف قد سله من غمده و قال یا محمد من یعصمك منی الآن فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله اللّٰه فانكب عدو اللّٰه لوجهه فقام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأخذ سیفه و قال یا غورث من یمنعك منی الآن قال لا أحد قال أ تشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أنی عبد اللّٰه و رسوله قال لا و لكنی أعهد أن لا أقاتلك أبدا و لا أعین علیك عدوا فأعطاه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله سیفه فقال له غورث و اللّٰه لأنت خیر منی قال صلی اللّٰه علیه و آله إنی أحق بذلك و خرج غورث إلی أصحابه فقالوا یا غورث لقد رأیناك قائما علی رأسه
ص: 175
بالسیف فما منعك منه قال اللّٰه أهویت له بالسیف لأضربه فما أدری من زلخنی بین كتفی فخررت لوجهی و خر سیفی و سبقنی إلیه محمد فأخذه و لم یلبث الوادی أن سكن فقطع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی أصحابه فأخبرهم الخبر و قرأ علیهم إِنْ كانَ بِكُمْ أَذیً مِنْ مَطَرٍ الآیة. (1).
بیان: فی القاموس الزلخ المزلة تزل منها الأقدام لندوته أو ملاسته و زلخه بالرمح زجه و زلخه تزلیخا ملسه.
«1»-عم، إعلام الوری ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ غَزْوَةٍ بَنِی النَّضِیرِ غَزْوَةُ بَنِی لِحْیَانَ (2) وَ هِیَ الْغَزْوَةُ الَّتِی صَلَّی فِیهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ حِینَ أَتَاهُ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا هَمَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَ قِیلَ إِنَّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ كَانَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِی قُرَیْظَةَ ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِی النَّضِیرِ بِشَهْرَیْنِ قَالَ الْبُخَارِیُّ إِنَّهَا (3) كَانَتْ بَعْدَ خَیْبَرَ لَقِیَ بِهَا جَمْعاً مِنْ غَطَفَانَ وَ لَمْ یَكُنْ بَیْنَهُمَا حَرْبٌ وَ قَدْ خَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّی صَلَّی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ انْصَرَفَ بِالنَّاسِ (4) وَ قِیلَ إِنَّمَا سُمِّیَتْ ذَاتَ الرِّقَاعِ لِأَنَّهُ جَبَلٌ فِیهِ بُقَعُ حُمْرَةٍ وَ سَوَادٍ وَ بَیَاضٍ فَسُمِّیَ ذَاتَ الرِّقَاعِ وَ قِیلَ إِنَّمَا سُمِّیَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَقْدَامَهُمْ نَقِبَتْ فِیهَا فَكَانُوا
ص: 176
یَلُفُّونَ عَلَی أَرْجُلِهِمُ الْخِرَقَ (1).
«2»-أَقُولُ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی الْكَامِلِ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْمَدِینَةِ بَعْدَ بَنِی النَّضِیرِ شَهْرَیْ رَبِیعٍ ثُمَّ غَزَا نَجْداً یُرِیدُ بَنِی مُحَارِبٍ وَ بَنِی ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ وَ هِیَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَلَقِیَ الْمُشْرِكِینَ وَ لَمْ یَكُنْ قِتَالٌ وَ خَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَنَزَلَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ وَ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَ كَانَ زَوْجُهَا غَائِباً فَلَمَّا أَتَی أَهْلَهُ أُخْبِرَ الْخَبَرَ فَحَلَفَ لَا یَنْتَهِی حَتَّی یُهَرِیقَ فِی أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَ یَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ مَنْ یَحْرُسُنَا اللَّیْلَةَ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (2) فَأَقَامَا بِفَمِ شِعْبٍ نَزَلَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِیُّ وَ حَرَسَ الْأَنْصَارِیُّ أَوَّلَ اللَّیْلِ وَ قَامَ یُصَلِّی وَ جَاءَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ فَرَأَی شَخْصَهُ (3) فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِیهِ فَانْتَزَعَهُ وَ ثَبَتَ قَائِماً یُصَلِّی ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَأَصَابَهُ فَنَزَعَهُ وَ ثَبَتَ یُصَلِّی ثُمَّ رَمَاهُ الثَّالِثَ (4) فَوَضَعَهُ فِیهِ فَانْتَزَعَهُ ثُمَّ رَكَعَ وَ سَجَدَ ثُمَّ أَیْقَظَ صَاحِبَهُ وَ أَعْلَمَهُ فَوَثَبَ فَلَمَّا رَآهُمَا الرَّجُلُ عَرَفَ أَنَّهُمَا عَلِمَا بِهِ فَلَمَّا رَأَی الْمُهَاجِرِیُّ مَا بِالْأَنْصَارِیِّ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَ لَا أَیْقَظْتَنِی أَوَّلَ مَا رَمَاكَ قَالَ كُنْتُ فِی سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا (5) فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا فَلَمَّا تَتَابَعَ عَلَیَّ الرَّمْیُ وَ رَكَعْتُ أَعْلَمْتُكَ وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ لَا خَوْفُ أَنْ أُضَیِّعَ ثَغْراً أَمَرَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفَسِی قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا وَ قِیلَ إِنَّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ كَانَتْ فِی الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ (6).
«3»-قب، المناقب لابن شهرآشوب غَزْوَةُ بَنِی لِحْیَانَ فِی جُمَادَی الْأُولَی وَ كَانَ بَیْنَهُمَا الرَّمْیُ بِالْحِجَارَةِ
ص: 177
وَ صَلَّی فِیهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ وَ یُقَالُ فِی ذَاتِ الرِّقَاعِ مَعَ غَطَفَانَ وَ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ النَّضِیرِ بِشَهْرَیْنِ وَ قَالَ الْبُخَارِیُّ بَعْدَ خَیْبَرَ وَ لَمْ یَكُنْ حَرْبٌ (1).
«4»-أَقُولُ قَالَ الْكَازِرُونِیُّ فِی حَوَادِثِ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَ فِیهَا كَانَتْ غَزَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَ كَانَ سَبَبُهَا أَنَّ قَادِماً قَدِمَ الْمَدِینَةَ بِجَلَبٍ (2) لَهُ فَأُخْبِرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّ أَنْمَاراً وَ ثَعْلَبَةَ قَدْ جَمَعُوا لَهُمُ الْجُمُوعَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَ لَیْلَةَ السَّبْتِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ (3) فِی أَرْبَعِمِائَةٍ وَ قِیلَ فِی سَبْعِمِائَةٍ (4) فَمَضَی حَتَّی أَتَی مَحَالَّهُمْ بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَ هِیَ جَبَلٌ فَلَمْ یَجِدْ إِلَّا نِسْوَةً فَأَخَذَهُنَّ وَ فِیهِنَّ جَارِیَةٌ وَضِیئَةٌ وَ هَرَبَتِ الْأَعْرَابُ إِلَی رُءُوسِ الْجِبَالِ وَ خَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ یُغِیرُوا عَلَیْهِمْ فَصَلَّی بِهِمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله صَلَاةَ الْخَوْفِ وَ كَانَ أَوَّلَ مَا صَلَّاهَا وَ انْصَرَفَ رَاجِعاً إِلَی الْمَدِینَةِ فَابْتَاعَ مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ جَمَلًا بِأُوقِیَّةٍ وَ شَرَطَ لَهُ ظَهْرَهُ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ سَأَلَهُ عَنْ دِینِ أَبِیهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ إِذَا قَرُبْتَ الْمَدِینَةَ وَ أَرَدْتَ أَنْ تَجُدَّ (5) نَخْلَكَ فَآذِنِّی وَ اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (6) فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ خَمْساً وَ عِشْرِینَ مَرَّةً وَ فِی التِّرْمِذِیِّ سَبْعِینَ مَرَّةً.
وَ فِی مُسْلِمٍ (7) مِنْ حَدِیثِ أَبِی نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ تَبِیعُنِیهِ بِكَذَا وَ كَذَا وَ اللَّهُ یَغْفِرُ لَكَ فَمَا زَالَ یَزِیدُنِی وَ اللَّهُ یَغْفِرُ لَكَ قَالَ أَبُو نَضْرَةَ وَ كَانَتْ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْمُسْلِمُونَ افْعَلْ كَذَا وَ اللَّهُ یَغْفِرُ لَكَ وَ كَانَتْ غَیْبَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَیْلَةً (8).
ص: 178
«5»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی جُمَادَی الْأُولَی مِنَ السَّنَةِ السَّادِسَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَنِی لِحْیَانَ یَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرَّجِیعِ خُبَیْبِ بْنِ عَدِیٍّ وَ أَصْحَابِهِ وَ أَظْهَرَ أَنَّهُ یُرِیدُ الشَّامَ لِیُصِیبَ مِنَ الْقُوَّةِ غِرَّةً وَ أَسْرَعَ السَّیْرَ حَتَّی نَزَلَ عَلَی مَنَازِلِ بَنِی لِحْیَانَ (1) بَیْنَ أَثَحٍ (2) وَ عُسْفَانَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا وَ تَمَنَّعُوا فِی رُءُوسِ الْجِبَالِ فَلَمَّا أَخْطَأَهُ مَا أَرَادَ مِنْهُمْ خَرَجَ فِی مِائَتَیْ رَاكِبٍ حَتَّی نَزَلَ عُسْفَانَ تَخْوِیفاً لِأَهْلِ مَكَّةَ وَ أَرْسَلَ فَارِسَیْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ حَتَّی بَلَغَا كُرَاعَ الْغَمِیمِ ثُمَّ عَادَ (3).
«6»-كا، الكافی حُمَیْدُ بْنُ زِیَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ (4) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَیُّوبَ وَ عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ جَمِیعاً عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ تَحْتَ شَجَرَةٍ عَلَی شَفِیرِ وَادٍ فَأَقْبَلَ سَیْلٌ فَحَالَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أَصْحَابِهِ فَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ وَ الْمُسْلِمُونَ قِیَامٌ عَلَی شَفِیرِ الْوَادِی یَنْتَظِرُونَ مَتَی یَنْقَطِعُ السَّیْلُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ لِقَوْمِهِ أَنَا أَقْتُلُ مُحَمَّداً فَجَاءَ وَ شَدَّ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالسَّیْفِ ثُمَّ قَالَ مَنْ یُنْجِیكَ مِنِّی یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ رَبِّی وَ رَبُّكَ فَنَسَفَهُ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ فَرَسِهِ فَسَقَطَ عَلَی ظَهْرِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ فَأَخَذَ (5) السَّیْفَ وَ جَلَسَ عَلَی صَدْرِهِ وَ قَالَ مَنْ یُنْجِیكَ مِنِّی یَا غَوْرَثُ فَقَالَ جُودُكَ وَ كَرَمُكَ یَا مُحَمَّدُ فَتَرَكَهُ وَ قَامَ (6) وَ هُوَ یَقُولُ وَ اللَّهِ لَأَنْتَ خَیْرٌ مِنِّی وَ أَكْرَمُ (7).
عم، إعلام الوری مرسلا مثله (8) بیان النسف القلع (9).
5- قال البلاذری: و فی سنة اربع من الهجرة حرمت الخمر.
ص: 179
الآیات؛
النساء: «فَقاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَسَی اللَّهُ أَنْ یَكُفَّ بَأْسَ الَّذِینَ كَفَرُوا وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِیلًا»(84)
(و قال تعالی): «وَ لا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ یَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا یَرْجُونَ وَ كانَ اللَّهُ عَلِیماً حَكِیماً»(104)
ص: 180
تفسیر:
قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله تعالی: فَقاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ قال الكلبی إن أبا سفیان لما رجع إلی مكة یوم أحد و أعد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله موسم بدر الصغری و هی سوق یقوم فی ذی القعدة فلما بلغ المیعاد (1) قال للناس اخرجوا إلی المیعاد فتثاقلوا و كرهوا ذلك كراهة شدیدة أو بعضهم فأنزل اللّٰه عز و جل
ص: 181
هذه الآیة فحرض النبی صلی اللّٰه علیه و آله المؤمنین فتثاقلوا عنه و لم یخرجوا فخرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی سبعین (1) راكبا حتی أتی موسم بدر فكفاهم اللّٰه بأس العدو و لم یوافهم أبو سفیان و لم یكن قتال یومئذ و انصرف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بمن معه سالمین.
لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أی إلا فعل نفسك وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ علی القتال أی و حثهم علیه عَسَی اللَّهُ أَنْ یَكُفَّ بَأْسَ الَّذِینَ كَفَرُوا أی یمنع شدة الكفار و عسی من اللّٰه موجب (2) وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أی أشد نكایة فی الأعداء وَ أَشَدُّ تَنْكِیلًا أی عقوبة و قیل التنكیل الشهرة بالأمور الفاضحة. (3) و فی قوله تعالی وَ لا تَهِنُوا قیل نزلت فی الذهاب إلی بدر الصغری لموعد أبی سفیان یوم أحد (4).
«1»-عم، إعلام الوری ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأَخِیرَةُ فِی شَعْبَانَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَدْرٍ لِمِیعَادِ أَبِی سُفْیَانَ فَأَقَامَ عَلَیْهَا ثَمَانَ لَیَالٍ وَ خَرَجَ أَبُو سُفْیَانَ فِی أَهْلِ تِهَامَةَ فَلَمَّا نَزَلَ الظَّهْرَانَ بَدَا لَهُ فِی الرُّجُوعِ وَ وَافَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَصْحَابُهُ السُّوقَ فَاشْتَرَوْا وَ بَاعُوا وَ أَصَابُوا بِهَا رِبْحاً حَسَناً (5).
«2»-أقول قال فی المنتقی فی سیاق حوادث السنة الرابعة و فیها ولد الحسین علیه السلام لثلاث لیال خلون من شعبان و فیها كانت غزوة بدر الصغری لهلال ذی القعدة و ذلك
أن أبا سفیان لما أراد أن ینصرف یوم أحد نادی الموعد بیننا و بینكم بدر الصغری رأس الحول نلتقی بها و نقتتل فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قولوا نعم إن شاء اللّٰه فافترق الناس علی ذلك و تهیأت قریش للخروج فلما دنا الموعد كره
ص: 182
أبو سفیان الخروج و قدم نعیم بن مسعود الأشجعی مكة فقال له أبو سفیان إنی قد واعدت محمدا و أصحابه أن نلتقی ببدر و قد جاء ذلك الوقت و هذا عام جدب و إنما یصلحنا عام خصب و أكره أن یخرج محمد و لا أخرج فیجترئ علینا فنجعل لك فریضة (1) یضمنها لك سهیل بن عمرو علی أن تقدم المدینة و تعوقهم عن الخروج فقدم المدینة و أخبرهم بجمع أبی سفیان و ما معه من العدة و السلاح فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و الذی نفسی بیده لأخرجن و إن لم یخرج معی أحد و استخلف علی المدینة عبد اللّٰه بن رواحة و حمل لواءه علی علیه السلام و سار معه ألف و خمسمائة و الخیل عشرة أفراس و خرجوا ببضائع لهم و تجارات و كانت بدر الصغری مجتمعا تجتمع فیه العرب و سوقا یقوم لهلال ذی القعدة إلی ثمان تخلو منه ثم تتفرق الناس إلی بلادهم فانتهوا إلی بدر لیلة هلال ذی القعدة و قامت السوق صبیحة الهلال فأقاموا بها ثمانیة أیام و باعوا تجارتهم فربحوا للدرهم درهما و انصرفوا و قد سمع الناس بمسیرهم و خرج أبو سفیان من مكة فی قریش و هم ألفان و معه خمسون فرسا حتی انتهوا إلی مر الظهران ثم قال ارجعوا فإنه لا یصلحنا إلا عام خصب یرعی فیه الشجر و یشرب فیه اللبن و هذا عام جدب فسمی أهل مكة ذلك الجیش جیش السویق یقولون خرجوا یشربون السویق.
فقال صفوان بن أمیة لأبی سفیان قد نهیتك أن تعد القوم قد اجترءوا علینا و رأونا قد أخلفناهم ثم أخذوا فی الكید و التهیؤ لغزوة الخندق و فیها رجم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الیهودی و الیهودیة فی ذی القعدة و نزل قوله تعالی وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ و فیها حرمت الخمر و جملة القول فی تحریم الخمر أن اللّٰه تعالی أنزل فی الخمر أربع آیات نزلت بمكة وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً (2) فكان المسلمون یشربونها و هی لهم حلال یومئذ ثم نزلت فی مسألة عمر و معاذ بن جبل یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ
ص: 183
الْمَیْسِرِ (1) الآیة فتركها قوم لقوله إِثْمٌ كَبِیرٌ و شربها قوم لقوله وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ إلی أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أتاهم بخمر فشربوا و سكروا فحضرت صلاة المغرب فقدموا بعضهم لیصلی بهم فقرأ قُلْ یا أَیُّهَا الْكافِرُونَ (2) أعبد ما تعبدون هكذا إلی آخر السورة بحذف لا فأنزل اللّٰه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری (3) الآیة فحرم السكر فی أوقات الصلوات فلما نزلت فی هذه الآیة تركها قوم و قالوا لا خیر فی شی ء یحول بیننا و بین الصلاة و تركها قوم فی أوقات الصلاة و شربوها فی غیر حین الصلاة حتی كان الرجل یشرب بعد صلاة العشاء فیصبح و قد زال عنه السكر و یشرب بعد الصبح فیصحو إذا جاء وقت الظهر و دعا عتبان بن مالك رجالا من المسلمین فیهم سعد بن أبی وقاص و كان قد شوی لهم رأس بعیر فأكلوا منه و شربوا الخمر حتی سكروا منها ثم إنهم افتخروا عند ذلك و انتسبوا و تناشدوا الأشعار فأنشد سعد قصیدة فیها هجاء الأنصار و فخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحی (4) البعیر فضرب به رأس سعد فشجه موضحة (5) فانطلق سعد إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و شكا إلیه الأنصاری فقال عمر اللّٰهم بین لنا رأیك فی الخمر بیانا شافیا فأنزل اللّٰه تعالی إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ (6) الآیة و فیها سرق ابن أبیرق. (7)
أقول: سیأتی شرح القصة فی باب أحوال أصحابه صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 184
ثم قال و فیها تزوج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أم سلمة فی شوالها و اسمها هند بنت أمیة بن المغیرة بن عبد اللّٰه بن عمر بن مخزوم و كانت قبله صلی اللّٰه علیه و آله عند أبی سلمة عبد اللّٰه بن عبد الأسد فولدت له سلمة و عمر و زینب ثم توفی فخلف علیها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله. (1)
رُوِیَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ جَاءَ إِلَی أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَدِیثاً أَحَبَّ إِلَیَّ مِنْ كَذَا وَ كَذَا سَمِعْتُهُ یَقُولُ لَا یُصَابُ أَحَدٌ بِمُصِیبَةٍ فَیَسْتَرْجِعُ عِنْدَ ذَلِكَ وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِیبَتِی هَذِهِ اللَّهُمَّ اخْلُفْنِی فِیهَا خَیْراً مِنْهَا إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا أُصِبْتُ بِأَبِی سَلَمَةَ قُلْتُ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِیبَتِی وَ لَمْ تَطِبْ نَفْسِی أَنْ أَقُولَ اللَّهُمَّ اخْلُفْنِی فِیهَا خَیْراً مِنْهَا ثُمَّ قُلْتُ مَنْ خَیْرٌ مِنْ أَبِی سَلَمَةَ أَ لَیْسَ أَ لَیْسَ ثُمَّ قُلْتُ ذَلِكَ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَرْسَلَ إِلَیْهَا أَبُو بَكْرٍ یَخْطُبُهَا فَأَبَتْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَیْهَا عُمَرُ یَخْطُبُهَا فَأَبَتْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَیْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَتْ مَرْحَباً بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله.
و قال الهیثم بن عدی أول من هلك من أزواج النبی صلی اللّٰه علیه و آله زینب (2) هلكت فی خلافة عمر و آخر من هلك منهن أم سلمة هلكت زمن یزید بن معاویة سنه ثنتین و ستین.
و فیها توفت (توفیت) زینب بنت خزیمة أم المؤمنین و توفی عبد اللّٰه بن عثمان من رقیة بنت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ولد فی الإسلام فاكتنی به عثمان فبلغ ست سنین فنقره دیك فی عینه فمرض فمات فی جمادی الأولی و صلی علیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و فیها توفی أبو سلمة عبد اللّٰه بن عبد الأسد بن هلال و فیها توفت (توفیت) فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علی علیه السلام و كانت صالحة (3) و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یزورها و یقیل فی بیتها و لما توفیت نزع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قمیصه فألبسها إیاه (4).
ص: 185
الآیات؛
البقرة: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّی یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتی نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ»(214)
آل عمران: «قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِی الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِیَدِكَ الْخَیْرُ إِنَّكَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ* تُولِجُ اللَّیْلَ
ص: 186
فِی النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَیْرِ حِسابٍ»(27)
الأنفال: «الَّذِینَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ یَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِی كُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لا یَتَّقُونَ* فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِی الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَذَّكَّرُونَ* وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِیانَةً فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ عَلی سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْخائِنِینَ»(56-58)
الأحزاب: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً* إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنالِكَ ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِیداً* وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً* وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ یا أَهْلَ یَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَ یَسْتَأْذِنُ فَرِیقٌ مِنْهُمُ النَّبِیَّ یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِیَ بِعَوْرَةٍ إِنْ یُرِیدُونَ إِلَّا فِراراً* وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَیْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا یَسِیراً* وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا یُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَ كانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا* قُلْ لَنْ یَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِیلًا* قُلْ مَنْ ذَا الَّذِی یَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَ لا یَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِیًّا وَ لا نَصِیراً* قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِینَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنا وَ لا یَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِیلًا* أَشِحَّةً عَلَیْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَیْتَهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْكَ تَدُورُ أَعْیُنُهُمْ كَالَّذِی یُغْشی عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَی الْخَیْرِ أُولئِكَ لَمْ یُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَی اللَّهِ یَسِیراً* یَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ یَذْهَبُوا وَ إِنْ یَأْتِ الْأَحْزابُ یَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِی الْأَعْرابِ یَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَ لَوْ كانُوا فِیكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِیلًا* لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِیراً* وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِیماناً وَ تَسْلِیماً* مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی
ص: 187
نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلًا* لِیَجْزِیَ اللَّهُ الصَّادِقِینَ بِصِدْقِهِمْ وَ یُعَذِّبَ الْمُنافِقِینَ إِنْ شاءَ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِیماً*وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِینَ كَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ لَمْ یَنالُوا خَیْراً وَ كَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ وَ كانَ اللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزاً* وَ أَنْزَلَ الَّذِینَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَیاصِیهِمْ وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِیقاً* تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِیقاً وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِیارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَ كانَ اللَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیراً»(9-27)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله تعالی: أَمْ حَسِبْتُمْ قیل نزلت یوم الخندق لما اشتدت المخافة و حوصر المسلمون فی المدینة فدعاهم اللّٰه إلی الصبر و وعدهم بالنصر و قیل نزلت فی حرب أحد لما قال عبد اللّٰه بن أبی لأصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی متی تقتلون أنفسكم لو كان محمد صلی اللّٰه علیه و آله نبیا لما سلط اللّٰه علیه الأسر و القتل و قیل نزلت فی المهاجرین من أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله إلی المدینة إذ تركوا دیارهم و أموالهم و مستهم الضراء وَ لَمَّا یَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ أی و لما تمتحنوا و تبتلوا بمثل ما امتحنوا به فتصبروا كما صبروا مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ البأساء نقیض النعماء و الضراء نقیض السراء (1) وَ زُلْزِلُوا أی حركوا بأنواع البلایا (2) حَتَّی یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتی نَصْرُ اللَّهِ قیل استعجال للموعود و إنما قاله الرسول استبطاء للنصر علی جهة التمنی و قیل إن معناه الدعاء لله بالنصر أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ قیل إن هذا من كلامهم فإنهم قالوا عند الإیاس متی نصر اللّٰه ثم تفكروا فعلموا أن اللّٰه منجز وعده فقالوا ذلك و قیل إن الأول كلام المؤمنین و الثانی كلام الرسول. (3) و قال فی قوله تعالی قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ قیل لما فتح رسول اللّٰه
ص: 188
صلی اللّٰه علیه و آله مكة و وعد أمته ملك فارس و الروم قالت المنافقون و الیهود هیهات من أین لمحمد ملك فارس و الروم أ لم تكفه المدینة و مكة حتی طمع فی الروم و فارس فنزلت هذه الآیة عن ابن عباس و أنس
و قیل إن النبی صلی اللّٰه علیه و آله خط الخندق عام الأحزاب و قطع لكل عشرة أربعین ذراعا فاحتج المهاجرون و الأنصار فی سلمان و كان رجلا قویا فقال المهاجرون سلمان منا و قالت الأنصار سلمان منا فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ.
قال عمرو بن عوف كنت أنا و سلمان و حذیفة و النعمان بن مقرن المزنی و ستة من الأنصار فی أربعین ذراعا فحفرنا حتی إذا كنا بجب ذی باب (1) أخرج اللّٰه من باطن (2) الخندق صخرة مروة (3) كسرت حدیدنا و شقت علینا فقلنا یا سلمان ارق إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أخبره خبر هذه الصخرة فإما أن نعدل عنها فإن المعدل قریب و إما أن یأمرنا فیه بأمره فإنا لا نحب أن نتجاوز خطه قال فرقی سلمان إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو ضارب علیه قبة تركیة فقال یا رسول اللّٰه خرجت صخرة بیضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حدیدنا و شقت علینا حتی ما یحیك (4) فیها قلیل و لا كثیر فمرنا فیها بأمرك فإنا لا نحب أن نتجاوز خطك قال فهبط رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مع سلمان الخندق و التسعة علی شفة الخندق فأخذ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المعول من ید سلمان فضربها به ضربة صدعها و برق منها برق أضاء ما بین لابتیها حتی لكأن مصباحا فی جوف بیت مظلم فكبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تكبیرة فتح و كبر المسلمون ثم ضربها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثانیة فبرق منها برق أضاء ما بین لابتیها حتی لكأن مصباحا فی جوف بیت مظلم فكبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تكبیرة فتح و كبر المسلمون
ص: 189
ثم ضرب بها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثالثة فكسرها و برق منها برق أضاء ما بین لابتیها حتی لكأن مصباحا فی جوف بیت مظلم فكبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تكبیرة فتح و كبر المسلمون و أخذ بید سلمان و رقی فقال سلمان بأبی أنت و أمی یا رسول اللّٰه لقد رأیت منك شیئا ما رأیته منك قط فالتفت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی القوم وَ قَالَ رَأَیْتُمْ مَا یَقُولُ سَلْمَانُ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِیَ الْأُولَی فَبَرَقَ الَّذِی رَأَیْتُمْ أَضَاءَتْ لِی مِنْهَا قُصُورُ الْحِیرَةِ وَ مَدَائِنُ كِسْرَی كَأَنَّهَا أَنْیَابُ الْكِلَابِ فَأَخْبَرَنِی جَبْرَئِیلُ أَنَّ أُمَّتِی ظَاهِرَةٌ عَلَیْهَا ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِیَ الثَّانِیَةَ فَبَرَقَ الَّذِی رَأَیْتُمْ أَضَاءَتْ لِی مِنْهَا قُصُورُ الحمر (1) مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فَكَأَنَّهَا أَنْیَابُ الْكِلَابِ فَأَخْبَرَنِی جَبْرَئِیلُ أَنَّ أُمَّتِی ظَاهِرَةٌ عَلَیْهَا ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِیَ الثَّالِثَةَ فَبَرَقَ لِی مَا رَأَیْتُمْ أَضَاءَتْ لِی مِنْهَا قُصُورُ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْیَابُ الْكِلَابِ وَ أَخْبَرَنِی جَبْرَئِیلُ أَنَّ أُمَّتِی ظَاهِرَةٌ عَلَیْهَا فَأَبْشِرُوا فاستبشر المسلمون و قالوا الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون أ لا تعجبون یمنیكم و یعدكم الباطل و یعلمكم أنه یبصر من یثرب قصور الحیرة و مدائن كسری و أنها تفتح لكم و أنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق (2) و لا تستطیعون أن تبرزوا فنزل القرآن إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً و أنزل اللّٰه تعالی فی هذه القصة قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ الآیة- رواه الثعلبی بإسناده عن عمرو بن عوف.
قوله مالِكَ الْمُلْكِ أی مالك كل مِلك و مُلك و قیل مالك العباد و ما ملكوا و قیل مالك أمر الدنیا و الآخرة و قیل مالك النبوة تُؤْتِی الْمُلْكَ أی تؤتی المُلك و أسباب الدنیا محمدا و أصحابه و أمته و تنزعه من صنادید قریش و من الروم و فارس فلا تقوم الساعة حتی یفتحها أهل الإسلام و قیل تؤتی النبوة و الإمامة من تشاء من عبادك و تولیه التصرف فی خلقك و بلادك و تنزع المُلك علی
ص: 190
هذا الوجه من الجبارین وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ بالإیمان و الطاعة وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بالكفر و المعاصی و قیل تعز المؤمن بتعظیمه و الثناء علیه و تذل الكافر بالجزیة و السبی و قیل تعز محمدا و أصحابه و تذل أبا جهل و أضرابه من المقتولین یوم بدر فی القلیب و قیل تعز من تشاء من أولیائك بأنواع العزة فی الدنیا و الدین و تذل من تشاء من أعدائك فی الدنیا و الآخرة لأنه سبحانه لا یذل أولیاءه و إن أفقرهم و ابتلاهم فإن ذلك لیس علی سبیل الإذلال بل لیكرمهم بذلك فی الآخرة بِیَدِكَ الْخَیْرُ أی الخیر كله فی الدنیا و الآخرة. (1) و قال فی قوله تعالی الَّذِینَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ أی من جملتهم أو عاهدتهم قال مجاهد أراد به یهود بنی قریظة فإنهم كانوا قد عاهدوا النبی صلی اللّٰه علیه و آله علی أن لا یضروا به و لا یمالوا علیه عدوا ثم مالوا (2) علیه الأحزاب یوم الخندق و أعانوهم علیه بالسلاح و عاهدوا مرة بعد أخری فنقضوا فانتقم اللّٰه منهم ثُمَّ یَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِی كُلِّ مَرَّةٍ أی كلما عاهدتهم نقضوا العهد و لم یفوا به وَ هُمْ لا یَتَّقُونَ نقض العهد أو عذاب اللّٰه فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ أی تصادفنهم فِی الْحَرْبِ أی ظفرت بهم فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ أی فنكل بهم تنكیلا یشرد بهم من بعدهم و یمنعهم من نقض العهد و التشرید التفریق لَعَلَّهُمْ یَذَّكَّرُونَ أی لكی یتذكروا و ینزجروا وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِیانَةً أی إن خفت یا محمد من قوم بینك و بینهم عهد خیانة فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ عَلی سَواءٍ أی فألق ما بینك و بینهم من العهد و أعلمهم بأنك نقضت ما شرطت لهم لتكون أنت و هم فی العلم بالنقض علی استواء و قیل معنی عَلی سَواءٍ علی عدل قال الواقدی هذه الآیة نزلت فی بنی قینقاع و بهذه الآیة سار النبی صلی اللّٰه علیه و آله إلیهم. (3) و قال رحمه اللّٰه فی قوله تعالی إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ و هم الذین تحزبوا علی
ص: 191
رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أیام الخندق فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً و هی الصبا أرسلت علیهم حتی أكفأت قدورهم فنزعت فساطیطهم وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها الملائكة و قیل إن الملائكة لم یقاتلوا یومئذ و لكن كانوا یشجعون المؤمنین و یجبنون الكافرین وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً إِذْ جاؤُكُمْ أی اذكروا حین جاءكم جنود المشركین مِنْ فَوْقِكُمْ أی من فوق الوادی قبل المشرق قریظة و النضیر و غطفان وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ أی من المغرب من ناحیة مكة أبو سفیان فی قریش و من تبعه وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ أی مالت عن كل شی ء فلم تنظر إلا عدوها مقبلا من كل جانب أو عدلت الأبصار عن مقرها من الدهش و الحیرة كما یكون الجبان فلا یعلم ما یبصر وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ الحنجرة جوف الحلقوم أی شخصت القلوب من مكانها فلو لا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت عن قتادة
و قال أبو سعید الخدری قلنا یوم الخندق یا رسول اللّٰه هل من شی ء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر فقال قولوا اللّٰهم استر عوراتنا و آمن روعاتنا قال فقلناها فضرب وجوه أعداء اللّٰه بالریح فهزموا.
قال الفراء المعنی أنهم جبنوا و جزع أكثرهم و سبیل الجبان إذا اشتد خوفه أن ینتفخ سحره و السحر الریة فإذا انتفخت الریة رفعت القلوب إلی الحنجرة وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا أی اختلفت الظنون فظن بعضهم النصر و بعضهم أیس و قنط (1) و قیل ظن المنافقون أنه یستأصل محمد صلی اللّٰه علیه و آله و ظن المؤمنون أنه ینصر و قیل ظن بعضهم أن الكفار تغلبهم و ظن بعضهم أنهم یستولون علی المدینة و ظن بعضهم أن الجاهلیة تعود كما كانت و ظن بعضهم أن ما وعد اللّٰه و رسوله من نصرة الدین و أهله غرور فأقسام الظنون كثیرة خصوصا ظن الجبناء. (2) هُنالِكَ ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ أی اختبروا و امتحنوا وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِیداً
ص: 192
أی حركوا بالخوف تحریكا شدیدا وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أی شك ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً قال ابن عباس إن المنافقین قالوا یعدنا محمد أن یفتح مدائن كسری و قیصر و نحن لا نأمن أن نذهب إلی الخلاء هذا و اللّٰه الغرور وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ یعنی عبد اللّٰه بن أبی و أصحابه و قیل هم بنو سالم من المنافقین و قیل القائل أوس بن قبطی و من وافقه علی رأیه یا أَهْلَ یَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا أی لا إقامة لكم هاهنا أو لا مكان لكم تقومون فیه للقتال إذا فتح المیم فارجعوا إلی منازلكم بالمدینة و أرادوا الهرب من عسكر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وَ یَسْتَأْذِنُ فَرِیقٌ مِنْهُمُ النَّبِیَّ فی الرجوع إلی المدینة و هم بنو حارثة و بنو سلمة یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَةٌ لیست بحریزة مكشوفة لیست بحصینة أو خالیة من الرجال نخشی علیها السراق و قیل قالوا بیوتنا مما یلی العدو لا نأمن علی أهلینا وَ ما هِیَ بِعَوْرَةٍ بل هی رفیعة السمك حصینة عن الصادق علیه السلام إِنْ یُرِیدُونَ أی ما یریدون إِلَّا فِراراً و هربا من القتال و نصرة المؤمنین وَ لَوْ دُخِلَتْ البیوت أو المدینة عَلَیْهِمْ أی لو دخل هؤلاء الذین یریدون القتال و هم الأحزاب علی الذین یقولون إن بیوتنا عورة و هم المنافقون مِنْ أَقْطارِها من نواحی المدینة أو البیوت ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها أی ثم دعوا هؤلاء إلی الشرك لأشركوا وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا یَسِیراً أی و ما احتبسوا عن الإجابة إلی الكفر إلا قلیلا أو لما أقاموا بعد إعطائهم الكفر إلا قلیلا حتی یعاجلهم اللّٰه بالعذاب وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أی من قبل الخندق لا یُوَلُّونَ الْأَدْبارَ أی بایعوا النبی صلی اللّٰه علیه و آله و حلفوا له أنهم ینصرونه و یدفعون عنه كما یدفعون عن نفوسهم و لا یرجعون عن مقاتلة العدو و لا ینهزمون قال مقاتل یرید لیلة العقبة وَ كانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا یسألون عنه فی الآخرة قُلْ لَنْ یَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ إن كان حضر آجالكم (1) فإنه لا بد من واحد منهما و إن هربتم فالهرب لا یزید فی آجالكم وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِیلًا أی و إن لم یحضر آجالكم (2) و سلمتم من الموت أو
ص: 193
القتل فی هذه الوقعة (1) لم تمتعوا فی الدنیا إلا أیاما قلائل قُلْ مَنْ ذَا الَّذِی یَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ أی یدفع عنكم قضاء اللّٰه إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أی عذابا و عقوبة أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً أی نصرا و عزا فإن أحدا لا یقدر علی ذلك وَ لا یَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِیًّا یلی أمورهم وَ لا نَصِیراً ینصرهم و یدفع عنهم قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْكُمْ و هم الذین یعوقون غیرهم عن الجهاد مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و یثبطونهم و یشغلونهم لینصرفوا عنه و ذلك بأنهم قالوا لهم ما محمد و أصحابه إلا أكلة رأس و لو كانوا لحما لالتهمهم (2) أبو سفیان و هؤلاء الأحزاب وَ الْقائِلِینَ لِإِخْوانِهِمْ یعنی الیهود قالوا لإخوانهم المنافقین هَلُمَّ إِلَیْنا أی تعالوا و أقبلوا إلینا و دعوا محمدا و قیل القائلون هم المنافقون قالوا لإخوانهم من ضعفة المسلمین لا تحاربوا و خلوا محمدا فإنا نخاف علیكم الهلاك وَ لا یَأْتُونَ الْبَأْسَ أی و لا یحضرون القتال فی سبیل اللّٰه إِلَّا قَلِیلًا یخرجون ریاء و سمعة قدر ما یوهمون أنهم معكم و قیل لا یحضرون القتال إلا كارهین یكون (3) قلوبهم مع المشركین أَشِحَّةً عَلَیْكُمْ أی یأتون البأس بخلا بالقتال معكم و قیل بخلا بالنفقة فی سبیل اللّٰه و النصرة كَالَّذِی یُغْشی عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ و هو الذی قرب من حال الموت و غشیته أسبابه فیذهل و یذهب عقله و یشخص بصره فلا یطرف فكذلك هؤلاء تشخص أبصارهم و تحار أعینهم من شدة خوفهم فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ و جاء الأمن و الغنیمة سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أی آذوكم بالكلام و خاصموكم سلیطة ذربة و قیل معناه بسطوا ألسنتهم فیكم وقت قسمة الغنیمة یقولون أعطونا فلستم بأحق بها منا عن قتادة قال فأما عند البأس فأجبن قوم و أخذله للحق (4) و أما عند الغنیمة فأشح قوم و هو قوله أَشِحَّةً عَلَی الْخَیْرِ أی بخلا بالغنیمة یشاحون
ص: 194
المؤمنین عند القسمة و قیل بخلا بأن یتكلموا بكلام فیه خیر أُولئِكَ لَمْ یُؤْمِنُوا و إلا لما فعلوا ذلك فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ لأنها لم تقع علی الوجوه التی یستحق علیها الثواب وَ كانَ ذلِكَ أی الإحباط أو نفاقهم عَلَی اللَّهِ یَسِیراً أی هینا یَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ یَذْهَبُوا أی یظنون أن الجماعات من قریش و غطفان و أسد و الیهود الذین تحزبوا علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لم ینصرفوا و قد انصرفوا و إنما ظنوا ذلك لجبنهم و فرط حبهم قهر المسلمین وَ إِنْ یَأْتِ الْأَحْزابُ أی و إن یرجع الأحزاب إلیهم ثانیة للقتال یَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِی الْأَعْرابِ یَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أی یود هؤلاء المنافقون أن یكونوا فی البادیة مع الأعراب یسألون الناس عن أخباركم و لا یكونوا معكم حذرا من القتل و تربصا للدوائر وَ لَوْ كانُوا فِیكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِیلًا أی و لو كانوا معكم لم یقاتلوا إلا یسیرا لیوهموا أنهم فی جملتكم لَقَدْ كانَ لَكُمْ معاشر المكلفین فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أی قدوة صالحة أی كان لكم برسول اللّٰه اقتداء لو اقتدیتم به فی نصرته و الصبر معه فی مواطن القتال لِمَنْ كانَ یَرْجُوا اللَّهَ بدل من قوله لكم یعنی أن الأسوة برسول اللّٰه إنما یكون لمن یرجو ما عند اللّٰه من الثواب و النعیم وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِیراً أی ذكرا كثیرا وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ مع كثرتهم قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ قیل إن النبی صلی اللّٰه علیه و آله كان أخبرهم أنه یتظاهر علیهم الأحزاب و وعدهم الظفر بهم فلما رأوهم تبین لهم مصداق قوله و كان ذلك معجزا له و قیل إن اللّٰه وعدهم فی سورة البقرة بقوله أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا إلی قوله إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ (1) ما سیكون من الشدة التی تلحقهم من عدوهم فلما رأوا الأحزاب یوم الخندق قالوا هذه المقالة علما منهم أنه لا یصیبهم إلا ما أصاب الأنبیاء و المؤمنین قبلهم وَ ما زادَهُمْ مشاهدة عدوهم إِلَّا إِیماناً أی تصدیقا باللّٰه و رسوله وَ تَسْلِیماً لأمره مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ أی بایعوا أن لا یفروا فصدقوا فی لقائهم العدو فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی
ص: 195
نَحْبَهُ أی مات أو قتل فی سبیل اللّٰه فأدرك ما تمنی فذلك قضاء النحب و قیل قضی نحبه معناه فرغ من عمله و رجع إلی ربه یعنی من استشهد یوم أحد وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وعد اللّٰه من نصرة أو شهادة علی ما مضی علیه أصحابه وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلًا أی ما غیروا العهد الذی عاهدوا ربهم كما غیر المنافقون لِیَجْزِیَ اللَّهُ الصَّادِقِینَ بِصِدْقِهِمْ فی عهودهم وَ یُعَذِّبَ الْمُنافِقِینَ بنقض العهد إِنْ شاءَ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إن تابوا وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِینَ كَفَرُوا یعنی الأحزاب أبا سفیان و جنوده و غطفان و من معهم من قبائل العرب بِغَیْظِهِمْ أی بغمهم الذی جاءوا به و حنقهم لم یشفوا بنیل ما أرادوا لَمْ یَنالُوا خَیْراً أملوه و أرادوه من الظفر بالنبی و المؤمنین و إنما سماه خیرا لأن ذلك كان خیرا عندهم و قیل أراد بالخیر المال وَ كَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ أی مباشرة القتال بما أنزل علی المشركین من الریح الشدیدة الباردة التی أزعجتم عن أماكنهم و بما أرسل من الملائكة و بما قذف فی قلوبهم من الرعب و قیل بعلی بن أبی طالب علیه السلام و قتله عمرو بن عبد ود و كان ذلك سبب هزیمة القوم عن عبد اللّٰه بن مسعود و هو المروی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام وَ كانَ اللَّهُ قَوِیًّا أی قادرا علی ما یشاء عَزِیزاً لا یمتنع علیه شی ء من الأشیاء. (1) ثم ذكر سبحانه ما فعل بالیهود من بنی قریظة فقال وَ أَنْزَلَ الَّذِینَ ظاهَرُوهُمْ أی عاونوا المشركین من الأحزاب و نقضوا العهد بینهم و بین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن لا ینصروا علیه عدوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ یعنی من الیهود و اتفق المفسرون علی أنهم بنو قریظة إلا الحسن فإنه قال هم بنو النضیر و الأول أصح (2) مِنْ صَیاصِیهِمْ أی من حصونهم وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أی الخوف من النبی صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه فَرِیقاً تَقْتُلُونَ یعنی الرجال وَ تَأْسِرُونَ فَرِیقاً یعنی الذراری و النساء وَ أَوْرَثَكُمْ أی أعطاكم أَرْضَهُمْ وَ دِیارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها أی و أورثكم أرضا لم
ص: 196
تطئوها بأقدامكم بعد و سیفتحها اللّٰه علیكم و هی خیبر (1) و قیل هی الروم و فارس و قیل هی كل أرض یفتح (2) إلی یوم القیامة و قیل هی ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مما لم یوجف علیه بخیل و لا ركاب. (3)
أقول: قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی سیاق غزوة الخندق: ذكر محمد بن كعب القرظی و غیره من أصحاب السیر قالوا كان من حدیث الخندق أن نفرا من الیهود منهم سلام بن أبی الحقیق و حیی بن أخطب فی جماعة من بنی النضیر الذین أجلاهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خرجوا حتی قدموا علی قریش بمكة فدعوهم إلی حرب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قالوا إنا سنكون معكم علیهم حتی نستأصلهم فقال لهم قریش یا معشر الیهود إنكم أهل الكتاب الأول فدیننا خیر أم دین محمد قالوا بل دینكم خیر من دینه فأنتم أولی بالحق منهم فهم الذین أنزل اللّٰه فیهم أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیباً مِنَ الْكِتابِ یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ یَقُولُونَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدی مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا سَبِیلًا إلی قوله وَ كَفی بِجَهَنَّمَ سَعِیراً فسر قریشا ما قالوا و نشطوا لما دعوهم إلیه فأجمعوا لذلك و اتعدوا له ثم خرج أولئك النفر من الیهود حتی جاءوا غطفان فدعوهم إلی حرب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أخبروهم أنهم سیكونون معهم علیه صلی اللّٰه علیه و آله و أن قریشا قد بایعوهم علی ذلك فأجابوهم فخرجت قریش و قائدهم أبو سفیان بن حرب و خرجت غطفان و قائدها عیینة بن حصین فی فزارة و الحارث بن عوف فی بنی مرة و مسعر بن جبلة الأشجعی فیمن تابعه من أشجع و كتبوا إلی حلفائهم من بنی أسد فأقبل طلیحة فیمن اتبعه من بنی أسد و هما حلیفان أسد و غطفان و كتب قریش إلی رجال من بنی سلیم فأقبل أبو الأعور السلمی فیمن اتبعه من بنی سلیم مددا لقریش فلما علم بذلك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ضرب الخندق علی المدینة و كان الذی أشار علیه بذلك سلمان الفارسی و كان
ص: 197
أول مشهد شهده سلمان مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو یومئذ حر قال یا رسول اللّٰه إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علینا فعمل فیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمون حتی أحكموه.
فمما ظهر من دلائل النبوة فی حفر الخندق ما
رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (1) الْحَافِظُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ كَثِیرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِیِّ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ أَبِیهِ قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله الْخَنْدَقَ عَامَ الْأَحْزَابِ أَرْبَعِینَ ذِرَاعاً بَیْنَ عَشَرَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فِی سَلْمَانَ وَ كَانَ رَجُلًا قَوِیّاً فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ سَلْمَانُ مِنَّا وَ قَالَتِ الْمُهَاجِرُونَ سَلْمَانُ مِنَّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ.
أقول: و ساق الحدیث فی كسر الصخرة و ظهور البرق مثل ما مر بروایة الثعلبی.
ثم قال و مما ظهر أیضا من آیات النبوة
ما رواه أبو عبد اللّٰه الحافظ بالإسناد عن عبد الواحد بن أیمن المخزومی قال حدثنی أیمن المخزومی قال سمعت جابر بن عبد اللّٰه قال كنا یوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فیه كدیة (2) و هی الجبل فقلنا یا رسول اللّٰه إن كدیة (3) عرضت فیه فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله رشوا علیها ماء ثم قام فأتاها و بطنه معصوب بحجر من الجوع فأخذ المعول أو المسحاة فسمی ثلاثا ثم ضرب فعادت كثیبا أهیل (4) فقلت له ائذن لی یا رسول اللّٰه إلی المنزل ففعل فقلت للمرأة هل عندك من شی ء فقالت عندی صاع من شعیر و عناق فطحنت الشعیر و عجنته و ذبحت (5) العناق و سلختها و خلیت بین المرأة و بین ذلك ثم أتیت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فجلست عنده ساعة ثم قلت ائذن لی یا
ص: 198
رسول اللّٰه ففعل فأتیت المرأة فإذا العجین و اللحم قد أمكنا فرجعت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقلت إن عندنا طعیما لنا فقم یا رسول اللّٰه أنت و رجلان من أصحابك فقال و كم هو قلت صاع من شعیر و عناق فقال للمسلمین جمیعا قوموا إلی جابر فقاموا فلقیت من الحیاء ما لا یعلمه إلا اللّٰه فقلت جاء بالخلق علی صاع شعیر و عناق فدخلت علی المرأة و قلت قد افتضحت جاءك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالخلق (1) فقالت هل كان سألك كم طعامك قلت نعم فقالت اللّٰه و رسوله أعلم قد أخبرناه ما عندنا فكشفت عنی غما شدیدا فدخل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال خذی و دعینی من اللحم فجعل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یثرد و یفرق اللحم ثم یحم هذا و یحم هذا (2) فما زال یقرب إلی الناس حتی شبعوا أجمعین و یعود التنور و القدر أملأ ما كانا ثم قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كلی و اهدی فلم نزل نأكل و نهدی قومنا أجمع- أورده البخاری فی الصحیح (3)..
وَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ یَوْمَ الْأَحْزَابِ وَ قَدْ وَارَی التُّرَابُ بَیَاضَ بَطْنِهِ وَ هُوَ یَقُولُ:
لَاهُمَّ (4) لَوْلَا أَنْتَ لَمَا اهْتَدَیْنَا***وَ لَا تَصَدَّقْنَا وَ لَا صَلَّیْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِینَةً عَلَیْنَا*** وَ ثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَیْنَا
إِنَّ الْأُولَی (5) قَدْ بَغَوْا عَلَیْنَا*** إِذَا (6) أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَیْنَا
ص: 199
یَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ- رواه البخاری أیضا فی الصحیح عن أبی الولید (1) عن شعبة عن أبی إسحاق عن البراء.
قالوا و لما فرغ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من الخندق أقبلت قریش حتی نزلت بین الجرف و الغابة (2) فی عشرة آلاف من أحابیشهم و من تابعهم من بنی كنانة و أهل تهامة و أقبلت غطفان و من تابعهم من أهل نجد حتی نزلوا إلی جانب أحد و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمون حتی جعلوا ظهورهم إلی سلع (3) فی ثلاثة آلاف من المسلمین فضرب هناك عسكره و الخندق بینه و بین القوم و أمر بالذراری و النساء فرفعوا فی الآطام و خرج عدو اللّٰه حیی بن أخطب النضیری حتی أتی كعب بن أسد القرظی صاحب بنی قریظة و كان قد وادع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی قومه و عاهده علی ذلك فلما سمع كعب صوت ابن أخطب أغلق دونه حصنه فاستأذن علیه فأبی أن یفتح له فناداه یا كعب افتح لی فقال ویحك یا حیی إنك رجل مشئوم إنی قد عاهدت محمدا و لست بناقض ما بینه و بینی و لم أر منه إلا وفاء و صدقا قال ویحك
ص: 200
افتح لی أكلمك قال ما أنا بفاعل قال إن أغلقت دونی إلا علی جشیشة (1) تكره أن نأكل منها معك فأحفظ الرجل ففتح له فقال ویحك یا كعب جئتك بعز الدهر و ببحر طام جئتك بقریش علی سادتها و قادتها و بغطفان علی سادتها و قادتها قد عاهدونی أن لا یبرحوا حتی یستأصلوا محمدا و من معه فقال كعب جئتنی و اللّٰه بذل الدهر بجهام قد أهراق ماؤه برعد و ببرق (2) و لیس فیه شی ء فدعنی و محمدا و ما أنا علیه فلم أر من محمد إلا صدقا و وفاء فلم یزل حیی بكعب یفتل منه فی الذروة و الغارب (3) حتی سمح له علی أن أعطاه عهدا و میثاقا لئن رجعت قریش و غطفان و لم یصیبوا محمدا أن أدخل معك فی حصنك حتی یصیبنی ما أصابك فنقض كعب عهده و بر مما كان علیه فیما بینه و بین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما انتهی الخبر إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعث سعد بن معاذ بن النعمان بن إمرئ القیس أحد بنی عبد الأشهل و هو یومئذ سید الأوس و سعد بن عبادة أحد بنی ساعدة بن كعب بن الخزرج و هو یومئذ سید الخزرج و معهما عبد اللّٰه بن رواحة و خوات بن جبیر فقال انطلقوا حتی تنظروا أ حق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فإن كان حقا فالحنوا لنا لحنا نعرفه و لا تفتوا أعضاد الناس و إن كانوا علی الوفاء فاجهروا به للناس فخرجوا حتی أتوهم فوجدوهم علی أخبث مما بلغهم عنهم قالوا لا عقد بیننا و بین محمد و لا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة (4) و شاتموه فقال سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فإن ما بیننا و بینهم أعظم من المشاتمة ثم أقبلوا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قالوا عضل و القارة لغدر (5) عضل و القارة بأصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خبیب بن عدی و أصحابه أصحاب الرجیع فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله اللّٰه أكبر أبشروا یا معشر المسلمین.
ص: 201
و عظم عند ذلك البلاء و اشتد الخوف و أتاهم عدوهم من فوقهم و من أسفل منهم حتی ظن المؤمنون كل ظن و ظهر النفاق (1) من بعض المنافقین فأقام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أقام المشركون علیه بضعا و عشرین لیلة لم یكن بینهم قتال إلا الرمی بالنبل إلا أن فوارس من قریش منهم عمرو بن عبد ود (2) أخو بنی عامر بن لؤی و عكرمة بن أبی جهل و ضرار بن الخطاب (3) و هبیرة بن أبی وهب و نوفل بن عبد اللّٰه قد تلبسوا للقتال و خرجوا علی خیولهم حتی مروا بمنازل بنی كنانة فقالوا تهیئوا للحرب یا بنی كنانة فستعلمون الیوم من الفرسان ثم أقبلوا تعنق (4) بهم خیولهم حتی وقفوا علی الخندق فقالوا و اللّٰه إن هذه لمكیدة ما كانت العرب تكیدها ثم تیمموا مكانا ضیقا من الخندق فضربوا خیولهم فاقتحموا فجالت بهم فی السبخة بین الخندق و سلع و خرج علی بن أبی طالب فی نفر من المسلمین حتی أخذ منهم الثغرة (5) التی منها اقتحموا و أقبلت الفرسان نحوهم و كان عمرو بن عبد ود فارس قریش و كان قد قاتل یوم بدر حتی ارتث (6) و أثبته الجراح فلم یشهد أحدا فلما كان یوم الخندق خرج معلما لیری مشهده و كان یعد بألف فارس و كان یسمی فارس یلیل لأنه أقبل فی ركب من قریش حتی إذا هو بیلیل (7) و هو واد قریب من بدر عرضت لهم بنو بكر فی عدد فقال لأصحابه امضوا فمضوا فقام فی وجوه بنی بكر حتی منعهم من أن یصلوا إلیه فعرف بذلك و كان اسم
ص: 202
الموضع الذی حفر فیه الخندق المداد و كان أول من طفره عمرو و أصحابه فقیل فی ذلك
عمرو بن عبد كان أول فارس*** جزع المداد و كان فارس یلیل
و ذكر ابن إسحاق أن عمرو بن عبد ود كان ینادی من یبارز فقام علی علیه السلام و هو مقنع فی الحدید فقال أنا له یا نبی اللّٰه فقال إنه عمرو اجلس و نادی عمرو أ لا رجل و یؤنبهم و یسبهم و یقول أین جنتكم التی تزعمون أن من قتل منكم دخلها فقام علی علیه السلام فقال أنا له یا رسول اللّٰه ثم نادی الثالثة فقال
و لقد بححت من النداء*** بجمعكم هل من مبارز
و وقفت إذ جبن المشجع***موقف البطل المناجز
إن السماحة و الشجاعة*** فی الفتی خیر الغرائز
فقام علی علیه السلام فقال یا رسول اللّٰه أنا فقال إنه عمرو فقال و إن كان عمرا فاستأذن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأذن له.
و فیما رواه لنا السید أبو محمد الحسینی القائنی عن الحاكم أبی القاسم الحسكانی بالإسناد عن عمرو بن ثابت عن أبیه عن جده عن حذیفة قال فألبسه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله درعه ذات الفضول و أعطاه سیفه ذا الفقار و عممه عمامة (1) السحاب علی رأسه تسعة أكوار (2) ثم قال له تقدم فقال لما ولی اللّٰهم احفظه من بین یدیه و من خلفه و عن یمینه و عن شماله و من فوق رأسه و من تحت قدمیه.
قال ابن إسحاق فمشی إلیه و هو یقول:
لا تعجلن فقد أتاك***مجیب صوتك غیر عاجز
ذو نیة و بصیرة***و الصدق (3) منجی كل فائز
ص: 203
إنی لأرجو أن أقیم*** (1) علیك نائحة الجنائز
من ضربة (2) نجلاء یبقی***ذكرها عند (3) الهزاهز
قال له عمرو من أنت قال أنا علی قال ابن عبد مناف فقال أنا علی بن أبی طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقال غیرك (4) یا ابن أخی من أعمامك من هو أسن منك فإنی أكره أن أهریق دمك فقال (5) لكنی و اللّٰه ما أكره أن أهریق دمك فغضب و نزل و سل سیفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علی مغضبا فاستقبله علی بدرقته فضربه عمرو فی الدرقة فقدها (6) و أثبت فیها السیف و أصاب رأسه فشجه و ضربه علی علی حبل العاتق فسقط.
و فی روایة حذیفة و تسیف علی رجلیه بالسیف من أسفل فوقع علی قفاه و ثارت بینهما عجاجة فسمع علی یكبر فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قتله و الذی نفسی بیده فكان أول من ابتدر العجاج عمر بن الخطاب فإذا علی علیه السلام یمسح سیفه بدرع عمرو فكر عمر بن الخطاب و قال یا رسول اللّٰه قتله فجز علی رأسه و أقبل نحو رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و وجهه یتهلل فقال (7) عمر بن الخطاب هلا استلبته درعه فإنه لیس للعرب درع خیرا منها (8) فقال ضربته فاتقانی (9) بسوأته فاستحییت من ابن عمی أن أستلبه. (10)
ص: 204
قال حذیفة فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله أبشر یا علی فلو وزن الیوم عملك بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم (1) و ذلك أنه لم یبق بیت من بیوت المشركین إلا و قد دخله وهن بقتل عمرو و لم یبق بیت من بیوت المسلمین إلا و قد دخله عز بقتل عمرو.
و عن الحاكم أبی القاسم أیضا بالإسناد عن سفیان الثوری عن زبید الشامی (2) عن مرة عن عبد اللّٰه بن مسعود قال كان یقرأ و كفی اللّٰه المؤمنین القتال بعلی.
و خرج أصحابه منهزمین حتی طفرت خیولهم الخندق و تبادر المسلمون فوجدوا نوفل بن عبد العزی جوف الخندق فجعلوا یرمونه بالحجارة فقال لهم قتلة أجمل من هذه ینزل بعضكم أقاتله فقتله الزبیر بن العوام.
وَ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ عَلِیّاً طَعَنَهُ فِی تَرْقُوَتِهِ حَتَّی أَخْرَجَهَا مِنْ مَرَاقِّهِ فَمَاتَ فِی الْخَنْدَقِ وَ بَعَثَ الْمُشْرِكُونَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَشْتَرُونَ جِیفَتَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله هُوَ لَكُمْ لَا نَأْكُلُ ثَمَنَ الْمَوْتَی.
وَ ذَكَرَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَبْیَاتاً مِنْهَا:
نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْیِهِ***وَ نَصَرْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابٍ.
ص: 205
فَضَرَبْتُهُ وَ تَرَكْتُهُ (1) مُتَجَدِّلًا*** كَالْجِذْعِ بَیْنَ دَكَادِكَ وَ رَوَابِیَ (2)
وَ عَفَفْتُ (3) عَنْ أَثْوَابِهِ وَ لَوْ أَنَّنِی***كُنْتُ الْمُقَطَّرَ بَزَّنِی أَثْوَابِی. (4)
و روی عمرو بن عبید عن الحسن البصری قال إن علیا علیه السلام لما قتل عمرو بن عبد ود حمل رأسه فألقاه بین یدی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقام أبو بكر و عمر فقبلا رأس علی علیه السلام.
وَ رُوِیَ عَنْ أَبِی بَكْرِ بْنِ عَیَّاشٍ أَنَّهُ قَالَ: ضَرَبَ عَلِیٌّ ضَرْبَةً مَا كَانَ فِی الْإِسْلَامِ أَعَزُّ مِنْهَا یَعْنِی ضَرْبَةَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ وَ ضُرِبَ عَلِیٌّ ضَرْبَةً مَا كَانَ فِی الْإِسْلَامِ أَشْأَمُ مِنْهَا یَعْنِی ضَرْبَةَ ابْنِ مُلْجَمٍ عَلَیْهِ لَعَائِنُ اللَّهِ.
قال ابن إسحاق و رمی حیان بن قیس بن العرقة (5) سعد بن معاذ بسهم
ص: 206
و قال خذها و أنا ابن العرقة (1) فقطع أكحله فقال سعد عرق (2) اللّٰه وجهك فی النار اللّٰهم إن كنت أبقیت من حرب قریش شیئا فأبقنی لها فإنه لا قوم أحب إلی أن أجاهد من قوم آذوا رسولك و كذبوه و أخرجوه و إن كنت وضعت الحرب بیننا و بینهم فاجعله لی شهادة و لا تمتنی حتی تقر عینی من بنی قریظة.
قال و جاء نعیم بن مسعود الأشجعی إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال یا رسول اللّٰه إنی قد أسلمت و لم یعلم بی أحد من قومی فمرنی بأمرك فقال له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إنما أنت فینا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإنما الحرب خدعة فانطلق نعیم بن مسعود حتی أتی بنی قریظة فقال لهم إنی لكم صدیق و اللّٰه ما أنتم و قریش و غطفان من محمد بمنزلة واحدة إن البلد بلدكم و به أموالكم و أبناؤكم و نساؤكم و إنما قریش و غطفان بلادهم غیرها و إنما جاءوا حتی نزلوا معكم فإن رأوا فرصة انتهزوها و إن رأوا غیر ذلك رجعوا إلی بلادهم و خلوا بینكم و بین الرجل و لا طاقة لكم به فلا تقاتلوا حتی تأخذوا رهنا من أشرافهم تستوثقون به أن لا یبرحوا حتی یناجزوا محمدا فقالوا له قد أشرت برأی ثم ذهب فأتی أبا سفیان و أشراف قریش فقال یا معشر قریش إنكم قد عرفتم ودی إیاكم و فراقی محمدا و دینه و إنی قد جئتكم بنصیحة فاكتموا علی فقالوا نفعل ما أنت عندنا بمتهم فقال تعلمون أن بنی قریظة قد ندموا علی ما صنعوا فیما بینهم و بین محمد فبعثوا إلیه أنه لا یرضیك عنا إلا أن نأخذ من القوم رهنا من أشرافهم و ندفعهم إلیك فتضرب أعناقهم ثم نكون معك علیهم حتی نخرجهم من بلادك فقال بلی فإن بعثوا إلیكم یسألونكم نفرا من رجالكم فلا تعطوهم رجلا واحدا و احذروا ثم جاء غطفان فقال یا معشر غطفان إنی رجل منكم ثم
ص: 207
قال لهم ما قال لقریش فلما أصبح أبو سفیان و ذلك یوم السبت فی شوال سنة خمس من الهجرة بعث إلیهم أبو سفیان عكرمة بن أبی جهل فی نفر من قریش إن أبا سفیان یقول لكم یا معشر الیهود إن الكراع و الخف قد هلكتا و إنا لسنا بدار مقام فاخرجوا إلی محمد حتی نناجزه (1) فبعثوا إلیه أن الیوم السبت و هو یوم لا نعمل فیه شیئا و لسنا مع ذلك بالذی (2) نقاتل معكم حتی تعطونا رهنا من رجالكم نستوثق بهم لا تذهبوا و تدعونا حتی نناجز محمدا فقال أبو سفیان قد حذرنا و اللّٰه هذا نعیم فبعث إلیهم أبو سفیان أنا لا نعطیكم رجلا واحدا فإن شئتم أن تخرجوا و تقاتلوا و إن شئتم فاقعدوا فقالت الیهود هذا و اللّٰه الذی قال لنا نعیم فبعثوا إلیهم أنا و اللّٰه لا نقاتل حتی تعطونا رهنا و (3) خذل اللّٰه بینهم و بعث (4) سبحانه علیهم الریح فی لیال شاتیة باردة شدیدة البرد حتی انصرفوا راجعین..
قال محمد بن كعب قال حذیفة الیمانی (5) و اللّٰه لقد رأینا یوم الخندق و بنا من الجهد و الجوع و الخوف ما لا یعلمه إلا اللّٰه و قام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فصلی (6) ما شاء اللّٰه من اللیل ثم قال أ لا رجل یأتینا بخبر القوم یجعله اللّٰه رفیقی فی الجنة قال حذیفة فو اللّٰه ما قام منا أحد مما بنا من الخوف و الجهد و الجوع فلما لم یقم أحد دعانی فلم أجد بدا من إجابته قلت لبیك قال اذهب فجئنی بخبر القوم و لا تحدثن شیئا حتی ترجع قال و أتیت القوم فإذا ریح اللّٰه و جنوده یفعل بهم ما یفعل ما یستمسك لهم بناء و لا یثبت لهم نار و لا یطمئن لهم قدر فإنی لكذلك إذ خرج أبو سفیان من رحله ثم قال یا معشر (7) قریش لینظر أحدكم
ص: 208
من جلیسه قال حذیفة فبدأت بالذی عن یمینی فقلت من أنت قال أنا فلان قال ثم (1) عاد أبو سفیان براحلته فقال یا معشر (2) قریش و اللّٰه ما أنتم بدار مقام هلك الخف و الحافر و أخلفتنا بنو قریظة و هذه الریح لا یستمسك لنا معها شی ء ثم عجل فركب راحلته و إنها لمعقولة ما حل عقالها إلا بعد ما ركبها قال قلت فی نفسی لو رمیت عدو اللّٰه فقتلته كنت قد صنعت شیئا فوترت قوسی ثم وضعت السهم فی كبد القوس و أنا أرید أن أرمیه فأقتله فذكرت قول رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لا تحدثن شیئا حتی ترجع قال فحططت (3) القوس ثم رجعت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو یصلی فلما سمع حسی فرج بین رجلیه فدخلت تحته و أرسل علی طائفة من مرطه (4) فركع و سجد ثم قال ما الخبر فأخبرته.
وَ رَوَی الْحَافِظُ بِالْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی أَوْفَی قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی الْأَحْزَابِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ مُنْزِلُ الْكِتَابِ سَرِیعُ الْحِسَابِ اهْزِمِ الْأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَ زَلْزِلْهُمْ.
وَ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ یَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ (5) أَعَزَّ جُنْدَهُ وَ نَصَرَ عَبْدَهُ وَ غَلَبَ (6) الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ فَلَا شَیْ ءَ بَعْدَهُ.
و عن سلمان بن صرد قال قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حین أجلی عنه الأحزاب الآن نغزوهم و لا یغزونا (7) فكان كما قال صلی اللّٰه علیه و آله فلم یغزهم قریش بعد ذلك و كان هو یغزوهم حتی فتح اللّٰه علیهم مكة. (8).
ص: 209
ثم قال فی غزوة بنی قریظة روی الزهری عن عبد الرحمن بن عبد اللّٰه بن كعب بن مالك عن أبیه قال لما انصرف النبی صلی اللّٰه علیه و آله مع المسلمین عن الخندق و وضع عنه اللأمة و اغتسل و استحم تبدی (1) له جبرئیل فقال عذیرك من محارب (2) ألا أراك قد وضعت عنك اللأمة و ما ضعناها بعد فوثب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فزعا فعزم علی الناس أن لا یصلوا صلاة العصر حتی یأتوا قریظة فلبس الناس السلاح فلم یأتوا بنی قریظة حتی غربت الشمس و اختصم الناس فقال بعضهم إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عزم علینا أن لا نصلی حتی نأتی قریظة و إنما نحن فی عزمة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلیس علینا إثم و صلی طائفة من الناس احتسابا و تركت طائفة منهم الصلاة حتی غربت الشمس فصلوها حین جاءوا من بنی قریظة احتسابا فلم یعنف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله واحدا من الفریقین.
و ذكر عروة أنه بعث علی بن أبی طالب علیه السلام علی المقدم و دفع إلیه اللواء و أمره أن ینطلق حتی یقف بهم علی حصن بنی قریظة ففعل و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی آثارهم فمر علی مجلس من أنصار فی بنی غنم ینتظرون رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فزعموا أنه قال مر بكم الفارس آنفا فقالوا مر بنا دحیة الكلبی علی بغلة شهباء تحته قطیفة دیباج فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لیس ذلك بدحیة و لكنه جبرئیل علیه السلام أرسل إلی بنی قریظة لیزلزلهم و یقذف فی قلوبهم الرعب قالوا و سار علی علیه السلام حتی إذا دنا من الحصن سمع منهم مقالة قبیحة لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فرجع حتی لقی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالطریق فقال یا رسول اللّٰه لا علیك أن تدنو من هؤلاء الأخابث قال أظنك سمعت لی منهم أذی فقال نعم یا رسول اللّٰه فقال لو قد رأونی لم یقولوا من ذلك شیئا فلما دنا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من حصنهم قال یا إخوة القردة و الخنازیر هل أخزاكم اللّٰه و أنزل بكم نقمته قالوا یا أبا القاسم ما كنت جهولا و حاصرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خمسا و عشرین لیلة حتی
ص: 210
أجهدهم الحصار و قذف اللّٰه فی قلوبهم الرعب و كان حیی بن أخطب دخل مع بنی قریظة فی حصنهم حین رجعت قریش و غطفان فلما أیقنوا أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله غیر منصرف عنهم حتی یناجز (1) قال كعب بن أسد یا معشر الیهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون و إنی عارض علیكم خلالا ثلاثا فخیروا (2) أیها شئتم قالوا ما هن قال نبایع هذا الرجل و نصدقه فو اللّٰه لقد تبین لكم أنه نبی مرسل و أنه الذی تجدونه فی كتابكم فتأمنوا علی دمائكم و أموالكم و نسائكم فقالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا و لا نستبدل به غیره قال فإذا أبیتم علی هذا فهلموا فلنقتل أبناءنا و نساءنا ثم نخرج إلی محمد رجالا مصلتین بالسیوف لم نترك وراءنا ثقلا یهمنا حتی یحكم اللّٰه بیننا و بین محمد فإن نهلك لم نترك وراءنا نسلا یهمنا (3) و إن نظهر لنجدن النساء و الأبناء فقالوا نقتل هؤلاء المساكین فلا خیر فی العیش بعدهم قال فإذا أبیتم علی هذه فإن اللیلة لیلة السبت و عسی أن یكون محمد و أصحابه قد أمنوا فیها (4) فانزلوا فلعلنا نصیب منهم غرة فقالوا نفسد سبتنا و نحدث فیها ما أحدث من كان قبلنا فأصابهم ما قد علمت من المسخ فقال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه لیلة واحدة من الدهر حازما.
قال الزهری و قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حین سألوه أن یحكم فیهم رجلا اختاروا من شئتم من أصحابی فاختاروا سعد بن معاذ فرضی بذلك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و نزلوا علی حكم سعد بن معاذ فأمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بسلاحهم فجعل فی قبة (5) و أمر بهم فكتفوا و أوثقوا و جعلوا فی دار أسامة و بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی سعد
ص: 211
بن معاذ فجی ء به فحكم فیهم بأن یقتل مقاتلیهم و یسبی ذراریهم و نساءهم و یغنم أموالهم و أن عقارهم للمهاجرین دون الأنصار و قال للأنصار إنكم ذوو عقار و لیس للمهاجرین عقار فكبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قال لسعد لقد حكمت فیهم بحكم اللّٰه عز و جل.
و فی بعض الروایات لقد حكمت فیهم بحكم اللّٰه من فوق سبعة أرقعة.
و أرقعة جمع رقیع اسم سماء الدنیا.
فقتل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مقاتلیهم و كانوا فیما زعموا ستمائة مقاتل و قیل قتل منهم أربعمائة و خمسین رجلا و سبی سبعمائة و خمسین.
و روی أنهم قالوا لكعب بن أسد و هم یذهب بهم إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أرسالا یا كعب ما تری یصنع بنا فقال كعب أ فی كل موطن تقولون (1) أ لا ترون أن الداعی لا ینزع و من یذهب منكم لا یرجع هو و اللّٰه القتل.
و أتی بیحیی بن أخطب عدو اللّٰه علیه حلة فاختیة (2) قد سفقها علیه (3) من كل ناحیة كموضع الأنملة لئلا یسلبها مجموعة یداه إلی عنقه بحبل فلما بصر برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال أما و اللّٰه ما لمت نفسی علی عداوتك و لكنه من یخذل اللّٰه یخذل ثم قال أیها الناس إنه لا بأس بأمر اللّٰه كتاب اللّٰه و قدره و ملحمة كتبت علی بنی إسرائیل (4) ثم جلس فضرب عنقه ثم قسم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نساءهم و أبناءهم علی المسلمین و بعث سبایا منهم إلی نجد مع سعد بن زید الأنصاری فابتاع بهم خیلا و سلاحا.
قال فلما انقضی شأن بنی قریظة انفجر جرح سعد بن معاذ فرجعه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی خیمته التی ضربت علیه فی المسجد.
ص: 212
و روی عن جابر قال جاء جبرئیل إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال من هذا العبد الصالح الذی مات فتحت له أبواب السماء و تحرك (1) له العرش فخرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فإذا سعد بن معاذ قد قبض. (2).
بیان: الكدیة بالضم قطعة غلیظة صلبة لا تعمل فیها الفأس (3) ذكره الجزری و فی بعض النسخ كذانة بفتح الكاف و الذال المعجمة و النون قال الجزری الكذان حجارة رخوة إلی البیاض و قال فی حدیث المغیرة فإذا أنا معصوب الصدر كان من عادتهم إذا جاع أحدهم أن یشد جوفه بعصابة و ربما جعل تحته حجرا و قال فعادت كثیبا أهیل أی رملا سائلا.
و فی القاموس ثرد الخبز فته و قال حم له ذلك قدر و حم حمه قصد قصده و ارتحال البعیر عجله و اللّٰه له كذا قضاه له كأحمه و احتم دنا و حضر و الأمر فلانا أهمه كحمه.
و فی المصباح حم الشی ء كضرب قرب و دنا و أحمه غیره انتهی.
و أقول الأظهر عندی أنه كان یخمر فی الموضعین فصحف أی كان یستر القدر و التنور بثوب لئلا یطلع الناس علی ما فیهما و كیف یبارك اللّٰه علیهما و كان هذا دأبه صلی اللّٰه علیه و آله فی سائر ما ظهرت فیه هذه المعجزة و یؤیده أن فی روایات العامة (4) فجعل یكسر الخبز و یجعل علیه اللحم و یخمر البرمة (5) و التنور إذا أخذ منه و یقرب إلی أصحابه.
و الآطام جمع أطم بالضم و هو البناء المرتفع الأعلی جشیشة فی أكثر النسخ
ص: 213
بالجیم المفتوحة و الشین المكسورة و هی أن تطحن الحنطة طحنا جلیلا ثم تجعل فی القدور و یلقی علیها لحم أو تمر و تطبخ ذكره الجزری.
و فی بعضها بالخاء المعجمة و هو كزبیر الغزال الصغیر و أحفظه حمله علی الحفیظة و هی الحمیة و الغضب و طمی الماء ارتفع و الجهام بالفتح السحاب لا ماء فیه.
قوله یفتل منه قال الجزری (1) جعل فتل وبر ذروة البعیر و غاربه مثلا لإزالته عن رأیه كما یفعل بالجمل النفور إذا أرید تأنیسه و إزالة نفاره و الغارب مقدم السنام و الذروة أعلاه.
و فی القاموس لحن له قال قولا یفهمه عنه و یخفی علی غیره و قال الفت الدق و الكسر بالأصابع و فت فی ساعده أضعفه و قال الرجیع ماء لهذیل علی سبعة أمیال من الهدة (2) و به غدر بمرثد بن أبی مرثد و سریته لما بعثها صلی اللّٰه علیه و آله مع رهط عضل و القارة فغدروا بهم انتهی.
و یلیل بفتح الیاءین و سكون اللام وادی بینبع و الطفرة الوثبة فی ارتفاع.
و فی القاموس جزع الأرض و الوادی كمنع قطعه و قال مراق البطن ما رق منه و لان.
و فی النهایة فیه الحرب خدعة یروی بفتح الخاء و ضمها و سكون الدال و بضمها مع فتح الدال فالأول معناه أن الحرب ینقضی أمرها بخدعة واحدة من الخداع أی إن المقاتل إذ خدع مرة واحدة لم یكن لها إقالة و هو أفصح الروایات و أصحها و معنی الثانی هو الاسم من الخداع و معنی الثالث أن الحرب تخدع
ص: 214
الرجال و تمنیهم و لا تفی لهم كما یقال فلان رجل لعبة و ضحكة للذی یكثر اللعب و الضحك انتهی و الكراع كغراب اسم لجمع الخیل.
«1»-كَنْزُ الْكَرَاجُكِیِّ عَنْ أَسَدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ السُّلَمِیِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِیٍّ الْعَتَكِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْعَلَوِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ صَبَّاحِ بْنِ یَحْیَی عَنْ خَالِدِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَنْ آبَائِهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ الْأَحْزَابِ اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَخَذْتَ مِنِّی عُبَیْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ یَوْمَ بَدْرٍ وَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ یَوْمَ أُحُدٍ وَ هَذَا أَخِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ رَبِّ لا تَذَرْنِی فَرْداً وَ أَنْتَ خَیْرُ الْوارِثِینَ (1).
«2»-أَقُولُ وَ رَوَی الْكَرَاجُكِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قِصَّةَ قَتْلِ عَمْرٍو نَحْواً مِمَّا مَرَّ وَ ذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَیُّكُمْ یَبْرُزُ إِلَی عَمْرٍو وَ أَضْمَنُ لَهُ عَلَی اللَّهِ الْجَنَّةَ وَ فِی كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ یَقُومُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الْقَوْمُ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ فَاسْتَدْنَاهُ وَ عَمَّمَهُ بِیَدِهِ فَلَمَّا بَرَزَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله بَرَزَ الْإِیمَانُ كُلُّهُ إِلَی الشِّرْكِ كُلِّهِ وَ كَانَ عَمْرٌو یَقُولُ:
وَ لَقَدْ بَحَحْتُ مِنَ النِّدَاءِ*** بِجَمْعِهِمْ (2) هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ(3)
إِلَی قَوْلِهِ
إِنَّ الشَّجَاعَةَ فِی الْفَتَی وَ الْجُودَ*** مِنْ كَرَمِ الْغَرَائِزِ
إِلَی قَوْلِهِ فَمَا كَانَ أَسْرَعَ أَنْ صَرَعَهُ (4) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ جَلَسَ عَلَی صَدْرِهِ فَلَمَّا هَمَّ أَنْ یَذْبَحَهُ وَ هُوَ یُكَبِّرُ اللَّهَ وَ یُمَجِّدُهُ قَالَ لَهُ عَمْرٌو یَا عَلِیُّ قَدْ جَلَسْتَ
ص: 215
مِنِّی مَجْلِساً عَظِیماً فَإِذَا قَتَلْتَنِی فَلَا تَسْلُبْنِی حُلَّتِی فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ هِیَ أَهْوَنُ عَلَیَّ مِنْ ذَلِكَ وَ ذَبَحَهُ وَ أَتَی بِرَأْسِهِ وَ هُوَ یَخْطِرُ (1) فِی مِشْیَتِهِ فَقَالَ عُمَرُ أَ لَا تَرَی یَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَی عَلِیٍّ كَیْفَ یَمْشِی (2) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهَا لَمِشْیَةٌ لَا یَمْقُتُهَا اللَّهُ فِی هَذَا الْمَقَامِ فَتَلَقَّاهُ وَ مَسَحَ الْغُبَارَ عَنْ عَیْنَیْهِ وَ قَالَ لَوْ وُزِنَ الْیَوْمَ عَمَلُكَ بِعَمَلِ جَمِیعِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ لَرَجَحَ عَمَلُكَ عَلَی عَمَلِهِمْ وَ ذَاكَ أَنَّهُ لَمْ یَبْقَ بَیْتٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ إِلَّا وَ قَدْ دَخَلَهُ ذُلٌّ بِقَتْلِ عَمْرٍو وَ لَمْ یَبْقَ بَیْتٌ مِنَ الْمُسْلِمِینَ إِلَّا وَ قَدْ دَخَلَهُ عِزٌّ بِقَتْلِ عَمْرٍو (3) وَ لَمَّا قَتَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَمْراً سَمِعَ مُنَادِیاً یُنَادِی وَ لَا یُرَی شَخْصُهُ:
قَتَلَ عَلِیٌّ عَمْراً*** قَصَمَ عَلِیٌّ ظَهْراً
أَبْرَمَ عَلِیٌّ أَمْراً
وَ وَقَعَتِ الْجَفْلَةُ (4) بِالْمُشْرِكِینَ فَانْهَزَمُوا أَجْمَعِینَ وَ تَفَرَّقَتِ الْأَحْزَابُ خَائِفِینَ مَرْعُوبِینَ (5).
«3»-فس، تفسیر القمی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ الآیة.
فإنها نزلت فی قصة الأحزاب من قریش و العرب الذین تحزبوا علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال و ذلك أن قریشا قد تجمعت فی سنة خمس من الهجرة و
ص: 216
ساروا فی العرب و جلبوا و استنفروهم (1) لحرب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فوافوا فی عشرة آلاف و معهم كنانة و سلیم و فزارة و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حین أجلا بنی النضیر و هم بطن من الیهود من المدینة و كان رئیسهم حیی بن أخطب و هم یهود من بنی هارون علیه السلام فلما أجلاهم من المدینة صاروا إلی خیبر و خرج حیی بن أخطب (2) إلی قریش بمكة (3) و قال لهم إن محمدا قد وتركم و وترنا و أجلانا من المدینة من دیارنا و أموالنا و أجلی بنی عمنا بنی قینقاع فسیروا فی الأرض و اجمعوا حلفاءكم و غیرهم حتی نسیر إلیهم فإنه قد بقی من قومی بیثرب سبعمائة مقاتل و هم بنو قریظة و بینهم و بین محمد عهد و میثاق و أنا أحملهم علی نقض العهد بینهم و بین محمد و یكونون معنا علیهم فتأتونه أنتم من فوق و هم من أسفل و كان موضع بنی قریظة من المدینة علی قدر میلین و هو الموضع الذی یسمی ببئر بنی المطلب فلم یزل یسیر معهم حیی بن أخطب فی قبائل العرب حتی اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قریش و كنانة و الأقرع بن حابس فی قومه و عباس بن مرداس فی بنی سلیم (4) فبلغ ذلك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 217
و استشار أصحابه و كانوا سبعمائة رجل (1) فقال سلمان یا رسول اللّٰه إن القلیل لا یقاوم الكثیر فی المطاولة قال فما نصنع قال نحفر خندقا یكون بیننا (2) و بینهم حجابا فیمكنك منعهم (3) فی المطاولة و لا یمكنهم أن یأتونا من كل وجه فإنا كنا معاشر العجم فی بلاد فارس إذا دهمنا دهم (4) من عدونا نحفر الخنادق فیكون الحرب من مواضع معروفة فنزل جبرئیل علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال أشار بصواب فأمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بمسحه (5) من ناحیة أحد إلی راتج و جعل علی كل عشرین خطوة و ثلاثین خطوة قوم (6) من المهاجرین و الأنصار یحفرونه فأمر فحملت المساحی و المعاول و بدأ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أخذ معولا فحفر فی موضع المهاجرین بنفسه و أمیر المؤمنین علیه السلام ینقل التراب من الحفرة حتی عرق رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و عی (7) و قال لا عیش إلا عیش الآخرة اللّٰهم اغفر للأنصار و المهاجرین فلما نظر الناس إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یحفر اجتهدوا فی الحفر و نقلوا التراب فلما كان فی الیوم الثانی بكروا إلی الحفر و قعد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی مسجد الفتح فبینا المهاجرون
ص: 218
و الأنصار یحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فیه فبعثوا جابر بن عبد اللّٰه الأنصاری إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یعلمه ذلك قال جابر فجئت إلی المسجد و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مستلقی علی قفاه و رداؤه تحت رأسه و قد شد علی بطنه حجرا فقلت یا رسول اللّٰه إنه قد عرض لنا جبل لا تعمل (1) المعاول فیه فقام مسرعا حتی جاءه ثم دعا بماء فی إناء و غسل وجهه و ذراعیه و مسح علی رأسه و رجلیه ثم شرب و مج ذلك الماء فی فیه ثم صبه علی ذلك الحجر ثم أخذ معولا فضرب ضربة فبرقت برقة فنظرنا فیها إلی قصور الشام ثم ضرب أخری فبرقت برقة فنظرنا فیها إلی قصور المدائن ثم ضرب أخری فبرقت برقة (2) فنظرنا فیها إلی قصور الیمن فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أما إنه سیفتح اللّٰه علیكم هذه المواطن التی برقت فیها البرق (3) ثم انهال علینا الجبل كما ینهال الرمل.
فَقَالَ جَابِرٌ فَعَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مقوی (مُقْوٍ) أَیْ جَائِعٌ لَمَّا رَأَیْتُ عَلَی بَطْنِهِ الْحَجَرَ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِی الْغَدَاءِ (4) قَالَ مَا عِنْدَكَ یَا جَابِرُ فَقُلْتُ عَنَاقٌ وَ صَاعٌ مِنْ شَعِیرٍ فَقَالَ تَقَدَّمْ وَ أَصْلِحْ مَا عِنْدَكَ قَالَ جَابِرٌ فَجِئْتُ إِلَی أَهْلِی فَأَمَرْتُهَا فَطَحَنَتِ الشَّعِیرَ وَ ذَبَحْتُ الْعَنْزَ وَ سَلَخْتُهَا وَ أَمَرْتُهَا أَنْ تَخْبِزَ و تَطْبِخَ وَ تَشْوِیَ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ ذَلِكَ جِئْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقُلْتُ بِأَبِی وَ أُمِّی أَنْتَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَرَغْنَا فَاحْضُرْ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ فَقَامَ (5) صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی شَفِیرِ الْخَنْدَقِ ثُمَّ قَالَ یَا مَعْشَرَ (6) الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ أَجِیبُوا جَابِراً وَ كَانَ فِی الْخَنْدَقِ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ ثُمَّ لَمْ یَمُرَّ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ إِلَّا قَالَ أَجِیبُوا جَابِراً
ص: 219
قَالَ جَابِرٌ فَتَقَدَّمْتُ وَ قُلْتُ لِأَهْلِی قَدْ وَ اللَّهِ أَتَاكَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَا لَا قِبَلَ لَكَ بِهِ فَقَالَتْ أَعْلَمْتَهُ أَنْتَ مَا عِنْدَنَا (2) قَالَ نَعَمْ قَالَتْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا أَتَی قَالَ جَابِرٌ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَنَظَرَ فِی الْقِدْرِ ثُمَّ قَالَ اغْرِفِی وَ أَبْقِی ثُمَّ نَظَرَ فِی التَّنُّورِ ثُمَّ قَالَ أَخْرِجِی وَ أَبْقِی ثُمَّ دَعَا بِصَحْفَةٍ فَثَرَدَ فِیهَا وَ غَرَفَ فَقَالَ یَا جَابِرُ أَدْخِلْ عَلَیَّ عَشَرَةً فَأَدْخَلْتُ عَشَرَةً فَأَكَلُوا حَتَّی نَهِلُوا وَ مَا یُرَی فِی الْقَصْعَةِ إِلَّا آثَارُ أَصَابِعِهِمْ ثُمَّ قَالَ یَا جَابِرُ عَلَیَّ بِالذِّرَاعِ فَأَتَیْتُهُ بِالذِّرَاعِ فَأَكَلُوهُ ثُمَّ قَالَ أَدْخِلْ عَلَیَّ عَشَرَةً فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّی نَهِلُوا (3) وَ مَا یُرَی فِی الْقَصْعَةِ إِلَّا آثَارَ أَصَابِعِهِمْ ثُمَّ قَالَ یَا جَابِرُ عَلَیَّ بِالذِّرَاعِ فَأَتَیْتُهُ فَأَكَلُوا وَ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ أَدْخِلْ عَلَیَّ عَشَرَةً فَأَدْخَلْتُهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّی نَهِلُوا وَ مَا یُرَی (4) فِی الْقَصْعَةِ إِلَّا آثَارُ أَصَابِعِهِمْ ثُمَّ قَالَ یَا جَابِرُ عَلَیَّ بِالذِّرَاعِ فَأَتَیْتُهُ بِالذِّرَاعِ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ (5) قَالَ ذِرَاعَانِ فَقُلْتُ وَ الَّذِی بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِیّاً لَقَدْ أَتَیْتُكَ بِثَلَاثَةٍ فَقَالَ أَمَا لَوْ سَكَتَّ یَا جَابِرُ لَأَكَلُوا (6) كُلُّهُمْ مِنَ الذِّرَاعِ قَالَ جَابِرٌ فَأَقْبَلْتُ أُدْخِلُ (7) عَشَرَةً عَشَرَةً فَیَأْكُلُونَ حَتَّی أَكَلُوا كُلُّهُمْ وَ بَقِیَ وَ اللَّهِ لَنَا مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ مَا عِشْنَا بِهِ أَیَّاماً.
قال و حفر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الخندق و جعل له ثمانیة أبواب و جعل علی كل باب رجلا من المهاجرین و رجلا من الأنصار مع جماعة یحفظونه و قدمت قریش و كنانة و سلیم و هلال فنزلوا الزغابة ففرغ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من حفر
ص: 220
الخندق قبل قدوم قریش بثلاثة أیام و أقبلت قریش و معهم حیی بن أخطب فلما نزلوا العقیق جاء حیی بن أخطب إلی بنی قریظة فی جوف اللیل و كانوا فی حصنهم قد تمسكوا بعهد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فدق باب الحصن فسمع كعب بن أسید (1) قرع الباب فقال لأهله هذا أخوك قد شأم قومه و جاء الآن یشأمنا و یهلكنا و یأمرنا بنقض العهد بیننا و بین محمد (2) و قد وفی لنا محمد (3) و أحسن جوارنا فنزل إلیه من غرفته فقال له من أنت قال حیی بن أخطب قد جئتك بعز الدهر فقال كعب بل جئتنی بذل الدهر فقال یا كعب هذه قریش فی قادتها و سادتها قد نزلت بالعقیق مع حلفائهم من كنانة (4) و هذه فزارة مع قادتها و سادتها قد نزلت الزغابة و هذه سلیم و غیرهم قد نزلوا حصن بنی ذبیان و لا یفلت (5) محمد و أصحابه من هذا الجمع أبدا فافتح الباب و انقض العهد بینك و بین محمد فقال كعب لست بفاتح لك الباب ارجع من حیث جئت فقال حیی ما یمنعك من فتح الباب إلا جشیشتك (6) التی فی التنور تخاف أن أشركك (7) فیها فافتح فإنك آمن من ذلك فقال له كعب لعنك اللّٰه لقد دخلت علی من باب دقیق ثم قال افتحوا له الباب ففتحوا (8) له فقال ویلك یا كعب انقض العهد بینك و بین محمد و لا ترد رأیی فإن محمدا لا یفلت من هذا الجمع أبدا فإن فاتك هذا الوقت لا تدرك (9) مثله أبدا قال و اجتمع كل من كان فی الحصن من رؤساء الیهود مثل
ص: 221
غزال بن شمول (1) و یاسر بن قیس (2) و رفاعة بن زید (3) و الزبیر بن باطا (4) فقال لهم كعب ما ترون قالوا أنت سیدنا و المطاع فینا و صاحب عهدنا و عقدنا فإن نقضت نقضنا معك و إن أقمت أقمنا معك و إن خرجت خرجنا معك قال الزبیر بن باطا (5) و كان شیخا كبیرا مجربا قد ذهب بصره قد قرأت التوراة التی أنزلها اللّٰه فی سفرنا بأنه یبعث نبیا (6) فی آخر الزمان یكون مخرجه بمكة و مهاجره (7) فی هذه البحیرة یركب الحمار العری و یلبس الشملة و یجتزئ بالكسیرات (8) و التمیرات و هو الضحوك القتال فی عینیه الحمرة (9) و بین كتفیه خاتم النبوة یضع سیفه علی عاتقه لا یبالی من لاقی یبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر فإن كان هذا هو فلا یهولنه هؤلاء و جمعهم و لو نأوی (10) علی هذه الجبال الرواسی لغلبها فقال حیی لیس هذا ذاك ذلك النبی من بنی إسرائیل و هذا من العرب من ولد إسماعیل و لا یكونوا بنی إسرائیل (11) أتباعا لولد إسماعیل أبدا لأن اللّٰه قد فضلهم علی الناس جمیعا و جعل منهم (12) النبوة و الملك و قد عهد إلینا موسی أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّی یَأْتِیَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ
ص: 222
و لیس مع محمد آیة و إنما جمعهم جمعا و سحرهم و یرید أن یغلبهم بذلك فلم یزل یقلبهم عن رأیهم حتی أجابوه فقال لهم أخرجوا الكتاب الذی بینكم و بین محمد فأخرجوه فأخذه حیی بن أخطب و مزقه و قال قد وقع الأمر فتجهزوا و تهیئوا للقتال و بلغ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ذلك فغمه غما شدیدا و فزع أصحابه فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لسعد بن معاذ و أسید بن حصین (1) و كانا من الأوس و كانت بنو قریظة حلفاء الأوس ائتیا بنی قریظة فانظرا ما صنعوا فإن كانوا نقضوا العهد فلا تعلما أحدا إذا رجعتما إلی و قولا عضل و القارة فجاء سعد بن معاذ و أسید بن حصین (2) إلی باب الحصن فأشرف علیهما كعب من الحصن فشتم سعدا و شتم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال له سعد إنما أنت ثعلب فی حجر لتولین قریش و لیحاصرنك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و لینزلنك (3) علی الصغر و القمأ (4) و لیضربن عنقك ثم رجعا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقالا له عضل و القارة فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لُعِنَا نحن أمرناهم بذلك و ذلك أنه كان علی عهد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عیون لقریش یتجسسون خبره و كانت عضل و القارة قبیلتان من العرب دخلا فی الإسلام ثم غدرا و كان إذا غدر أحد ضرب بهما المثل فیقال عضل و القارة.
و رجع حیی بن أخطب إلی أبی سفیان و قریش فأخبرهم بنقض بنی قریظة العهد بینهم و بین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ففرحت قریش بذلك فلما كان فی جوف اللیل جاء نعیم بن مسعود الأشجعی إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قد كان أسلم قبل قدوم قریش بثلاثة أیام فقال یا رسول اللّٰه قد آمنت باللّٰه و صدقتك و كتمت إیمانی عن الكفرة فإن أمرتنی أن آتیك بنفسی و أنصرك بنفسی فعلت و إن أمرت أن أخذل بین
ص: 223
الیهود و بین قریش فعلت حتی لا یخرجوا من حصنهم فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خذل (1) بین الیهود و بین قریش فإنه أوقع عندی قال فتأذن لی أن أقول فیك ما أرید قال قل ما بدا لك فجاء إلی أبی سفیان فقال له تعرف مودتی لكم و نصحی و محبتی أن ینصركم اللّٰه علی عدوكم و قد بلغنی أن محمدا قد وافق الیهود أن یدخلوا بین عسكركم و یمیلوا علیكم و وعدهم إذا فعلوا ذلك أن یرد علیهم جناحهم الذی قطعه بنی النضیر و قینقاع فلا أری أن تدعوهم یدخلوا عسكركم (2) حتی تأخذوا منهم رهنا تبعثوا بهم إلی مكة فتأمنوا مكرهم و غدرهم فقال له أبو سفیان وفقك اللّٰه و أحسن جزاءك مثلك أهدی (3) النصائح و لم یعلم أبو سفیان بإسلام نعیم و لا أحد من الیهود ثم جاء من فوره ذلك إلی بنی قریظة فقال له یا كعب تعلم مودتی لكم و قد بلغنی أن أبا سفیان قال نخرج هؤلاء الیهود فنضعهم فی نحر محمد فإن ظفروا كان الذكر لنا (4) و إن كانت علینا كانوا هؤلاء مقادیم الحرب فلا أری لكم أن تدعوهم یدخلوا عسكركم حتی تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم یكونون فی حصنكم أنهم إن لم یظفروا بمحمد لم یبرحوا حتی یردوا علیكم عهدكم و عقدكم بین محمد و بینكم لأنه إن ولت قریش و لم یظفروا بمحمد غزاكم محمد فیقتلكم (5) فقالوا أحسنت و أبلغت فی النصیحة لا نخرج من حصننا حتی نأخذ منهم رهنا یكونون فی حصننا.
و أقبلت قریش فلما نظروا إلی الخندق قالوا هذه مكیدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك فقیل لهم هذا من تدبیر الفارسی الذی معه (6) فوافی عمرو بن
ص: 224
عبد ود و هبیرة بن وهب (1) و ضرار بن الخطاب إلی الخندق و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قد صف أصحابه بین یدیه فصاحوا بخیلهم حتی طفروا الخندق إلی جانب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فصاروا أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كلهم خلف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قدموا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بین أیدیهم و قال رجل من المهاجرین و هو فلان لرجل بجنبه من إخوانه أ ما تری هذا الشیطان عمرا لا و اللّٰه (2) ما یفلت من یدیه أحد فهلموا ندفع إلیه محمدا لیقتله و نلحق نحن بقومنا فأنزل اللّٰه علی نبیه فی ذلك الوقت قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِینَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنا وَ لا یَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِیلًا إلی قوله أَشِحَّةً عَلَی الْخَیْرِ أُولئِكَ لَمْ یُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَی اللَّهِ یَسِیراً (3) و ركز عمرو بن عبد ود رمحه فی الأرض و أقبل یجول جولة و یرتجز و یقول
و لقد بَحِحْتُ من النداء***بجمعكم هل من مبارز
و وقفت إذ جبن الشجاع***مواقف القرن المناجز
إنی كذلك لم أزل*** متسرعا نحو الهزاهز
إن الشجاعة فی الفتی***و الجود من خیر الغرائز
ص: 225
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ لِهَذَا الْكَلْبِ فَلَمْ یُجِبْهُ أَحَدٌ فَوَثَبَ (1) إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ أَنَا لَهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ یَا عَلِیُّ هَذَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ فَارِسَ یَلْیَلَ قَالَ أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ادْنُ مِنِّی فَدَنَا مِنْهُ فَعَمَّمَهُ بِیَدِهِ وَ دَفَعَ إِلَیْهِ سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ وَ قَالَ لَهُ اذْهَبْ وَ قَاتِلَ بِهَذَا (2) اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ یَمِینِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ وَ مِنْ فَوْقِهِ وَ مِنْ تَحْتِهِ فَمَرَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یُهَرْوِلُ فِی مِشْیَتِهِ وَ هُوَ یَقُولُ:
لَا تَعْجَلَنَّ فَقَدْ أَتَاكَ*** مُجِیبُ صَوْتِكَ غَیْرَ عَاجِزٍ
ذُو نِیَّةٍ وَ بَصِیرَةٍ***وَ الصِّدْقُ مُنْجِی كُلِّ فَائِزٍ
إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ أُقِیمَ***عَلَیْكَ نَائِحَةَ الْجَنَائِزِ
مِنْ ضَرْبَةٍ نَجْلَاءَ یَبْقَی*** صَوْتُهَا (3) بَعْدَ الْهَزَاهِزِ(4)
فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ وَ خَتَنُهُ فَقَالَ وَ اللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ كَانَ لِی صَدِیقاً وَ نَدِیماً (5) وَ إِنِّی أَكْرَهُ أَنْ أَقْتُلَكَ مَا أَمِنَ ابْنُ عَمِّكَ حِینَ بَعَثَكَ إِلَیَّ أَنْ أَخْتَطِفَكَ بِرُمْحِی هَذَا فَأَتْرُكَكَ شَائِلًا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَا حَیٌّ وَ لَا مَیِّتٌ فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَدْ عَلِمَ ابْنُ عَمِّی أَنَّكَ إِنْ قَتَلْتَنِی دَخَلْتُ الْجَنَّةَ وَ أَنْتَ فِی النَّارِ وَ إِنْ قَتَلْتُكَ فَأَنْتَ فِی النَّارِ وَ أَنَا فِی الْجَنَّةِ فَقَالَ عَمْرٌو كِلْتَاهُمَا لَكَ یَا عَلِیُّ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِیزی (6) فَقَالَ عَلِیٌّ دَعْ هَذَا
ص: 226
یَا عَمْرُو إِنِّی سَمِعْتُ مِنْكَ وَ أَنْتَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ تَقُولُ لَا یَعْرِضُ عَلَیَّ أَحَدٌ فِی الْحَرْبِ ثَلَاثَ خِصَالٍ إِلَّا أَجَبْتُهُ إِلَی وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَ أَنَا أَعْرِضَ عَلَیْكَ ثَلَاثَ خِصَالٍ فَأَجِبْنِی إِلَی وَاحِدَةٍ قَالَ هَاتِ یَا عَلِیُّ قَالَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَحِّ عَنِّی هَذَا قَالَ فَالثَّانِیَةُ (1) أَنْ تَرْجِعَ وَ تَرُدَّ هَذَا الْجَیْشَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنْ یَكُ صَادِقاً فَأَنْتُمْ أَعْلَی بِهِ عَیْناً وَ إِنْ یَكُ كَاذِباً كَفَتْكُمْ ذُؤْبَانُ (2) الْعَرَبِ أَمْرَهُ فَقَالَ إِذاً تَتَحَدَّثَ (3) نِسَاءُ قُرَیْشٍ بِذَلِكَ وَ یُنْشِدُ (4) الشُّعَرَاءُ فِی أَشْعَارِهَا أَنِّی جَبَنْتُ وَ رَجَعْتُ عَلَی عَقِبِی مِنَ الْحَرْبِ وَ خَذَلْتُ قَوْماً رَأَسُونِی عَلَیْهِمْ فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَالثَّالِثَةَ أَنْ تَنْزِلَ إِلَیَّ فَإِنَّكَ رَاكِبٌ وَ أَنَا رَاجِلٌ حَتَّی أُنَابِذَكَ فَوَثَبَ عَنْ فَرَسِهِ وَ عَرْقَبَهُ (5) وَ قَالَ هَذِهِ خَصْلَةٌ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً مِنَ الْعَرَبِ یَسُومُنِی عَلَیْهَا ثُمَّ بَدَأَ فَضَرَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِالسَّیْفِ عَلَی رَأْسِهِ فَاتَّقَاهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِالدُّرْقَةِ فَقَطَعَهَا وَ ثَبَتَ السَّیْفُ عَلَی رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ یَا عَمْرُو أَ مَا كَفَاكَ أَنِّی بَارَزْتُكَ وَ أَنْتَ فَارِسُ الْعَرَبِ حَتَّی اسْتَعَنْتَ عَلَیَّ بِظَهِیرٍ فَالْتَفَتَ عَمْرٌو إِلَی خَلْفِهِ فَضَرَبَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ مُسْرِعاً عَلَی سَاقَیْهِ فَأَطَنَّهُمَا (6) جَمِیعاً وَ ارْتَفَعَتْ بَیْنَهُمَا عَجَاجَةٌ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ قُتِلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ثُمَّ انْكَشَفَتِ الْعَجَاجَةُ وَ نَظَرُوا فَإِذَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی صَدْرِهِ قَدْ أَخَذَ بِلِحْیَتِهِ یُرِیدُ أَنْ یَذْبَحَهُ ثُمَّ أَخَذَ
ص: 227
رَأْسَهُ وَ أَقْبَلَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الدِّمَاءُ تَسِیلُ عَلَی رَأْسِهِ مِنْ ضَرْبَةِ عَمْرٍو وَ سَیْفُهُ یَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ وَ هُوَ یَقُولُ وَ الرَّأْسُ بِیَدِهِ
أَنَا عَلِیُّ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ***(1) الْمَوْتُ خَیْرٌ لِلْفَتَی مِنَ الْهَرَبِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ یَا عَلِیُّ مَاكَرْتَهُ قَالَ نَعَمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَرْبُ خَدِیعَةٌ و بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الزبیر إلی هبیرة فضربه علی رأسه ضربة فلق هامته و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عمر بن الخطاب أن یبارز ضرار بن الخطاب فلما برز إلیه ضرار انتزع له عمر سهما فقال ضرار ویلك یا ابن صُهاك أ رمی (2) فی مبارزة و اللّٰه لئن رمیتنی لا تركت عدویا بمكة إلا قتلته فانهزم عنه (3) عمر و مر نحوه ضرار و ضرب بالقناة علی رأسه ثم قال احفظها یا عمر فإنی آلیت أن لا أقتل قرشیا ما قدرت علیه فكان عمر یحفظ له ذلك بعد ما ولی و ولاه. فبقی رسول اللّٰه یحاربهم فی الخندق خمسة عشر یوما (4) فقال أبو سفیان لحیی بن أخطب ویلك یا یهودی أین قومك فصار حیی بن أخطب إلیهم فقال ویلكم اخرجوا فقد (5) نابذتم محمدا الحرب فلا أنتم مع محمد و لا أنتم مع قریش فقال كعب لسنا خارجین حتی یعطینا قریش عشرة من أشرافهم رهنا یكونون فی حصننا أنهم إن لم یظفروا بمحمد لم یبرحوا حتی یرد علینا محمد عهدنا و عقدنا فإنا لا نأمن أن تمر (6) قریش و نبقی نحن فی عقر دارنا و یغزونا محمد فیقتل رجالنا و یسبی نساءنا و ذرارینا و إن لم نخرج لعله یرد علینا عهدنا فقال له حیی بن أخطب تطمع فی غیر مطمع فقد نابذت محمدا الحرب فلا أنتم مع محمد و لا أنتم مع قریش فقال
ص: 228
كعب هذا من شؤمك إنما أنت طائر تطیر مع قریش غدا و تتركنا فی عقر دارنا و یغزونا محمد فقال له لك (1) اللّٰه علی و عهد موسی أنه إن لم تظفر قریش بمحمد أنی أرجع معك إلی حصنك یصیبنی ما یصیبك فقال كعب هو الذی قد قلته لك إن أعطتنا قریش رهنا یكونون عندنا و إلا لم نخرج فرجع حیی بن أخطب إلی قریش فأخبرهم فلما قال یسألون الرهن فقال أبو سفیان هذا و اللّٰه أول الغدر قد صدق نعیم بن مسعود لا حاجة لنا فی إخوان القردة (2) و الخنازیر فلما طال علی أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الأمر و اشتد علیهم الحصار و كانوا فی وقت برد شدید و أصابتهم مجاعة و خافوا من الیهود خوفا شدیدا و تكلم المنافقون بما حكی اللّٰه عنهم و لم یبق أحد من أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلا نافق إلا القلیل و قد كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أخبر أصحابه أن العرب تتحزب علی و یجیئونا من فوق تغدر الیهود و نخافهم من أسفل و أنه یصیبهم جهد شدید و لكن تكون العاقبة لی علیهم فلما جاءت قریش و غدرت الیهود قال المنافقون ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً و كان قوم (3) لهم دور فی أطراف المدینة (4) فقالوا یا رسول اللّٰه تأذن لنا أن نرجع إلی دورنا فإنها فی أطراف المدینة و هی عورة و نخاف الیهود أن یغیروا
ص: 229
علیها و قال قوم هلموا فنهرب و نصیر فی البادیة و نستجیر بالأعراب فإن الذی كان یعدنا محمد كان باطلا كله و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أمر أصحابه أن یحرسوا المدینة باللیل و كان أمیر المؤمنین علیه السلام علی العسكر كله باللیل یحرسهم فإن تحرك أحد من قریش نابذهم و كان أمیر المؤمنین علیه السلام یجوز الخندق و یصیر إلی قرب قریش حیث یراهم فلا یزال اللیل كله قائم وحده یصلی فإذا أصبح رجع إلی مركزه و مسجد أمیر المؤمنین علیه السلام هناك معروف یأتیه من یعرفه فیصلی فیه و هو من مسجد الفتح إلی العقیق أكثر من غلوة نشاب فلما رأی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلی مسجد الفتح و هو الجبل الذی علیه مسجد الفتح الیوم فدعا اللّٰه و ناجاه فیما وعده و قال (1) یا صریخ المكروبین و یا مجیب المضطرین (2) و یا كاشف الكرب العظیم أنت مولای و ولیی و ولی آبائی الأولین اكشف عنا غمنا و همنا و كربنا و اكشف عنا كرب (3) هؤلاء القوم بقوتك و حولك و قدرتك فنزل (4) جبرئیل علیه السلام فقال یا محمد إن اللّٰه قد سمع مقالتك و أجاب دعوتك و أمر الدبور (5) مع الملائكة أن تهزم قریشا و الأحزاب و بعث اللّٰه علی قریش الدبور فانهزموا و قلعت أخبیتهم و نزل جبرئیل فأخبره بذلك فنادی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حذیفة بن الیمان و كان قریبا منه فلم یجبه ثم ناداه ثانیا فلم یجبه ثم ناداه ثالثا (6) فقال لبیك یا رسول اللّٰه فقال أدعوك فلا تجیبنی قال یا رسول اللّٰه بأبی أنت و أمی من الخوف و البرد و الجوع فقال
ص: 230
ادخل فی القوم و آتنی بأخبارهم و لا تحدثن حدثا حتی ترجع إلی فإن اللّٰه قد أخبرنی أنه قد أرسل الریاح علی قریش و هزمهم قال حذیفة فمضیت و أنا أنتفض من البرد فو اللّٰه ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتی كأنی فی حمام فقصدت خباء عظیما فإذا نار تخبو و توقد و إذا خیمة فیها أبو سفیان قد دلا خصیتیه علی النار و هو ینتفض (1) من شدة البرد و یقول یا معشر قریش إن كنا نقاتل أهل السماء بزعم محمد فلا طاقة لنا بأهل السماء و إن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر علیهم ثم قال لینظر كل رجل منكم إلی جلیسه لا یكون لمحمد عین فیما بیننا قال حذیفة فبادرت أنا فقلت للذی عن یمینی من أنت قال أنا عمرو بن العاص ثم قلت للذی عن یساری من أنت قال أنا معاویة و إنما بادرت إلی ذلك لئلا یسألنی أحد من أنت ثم ركب أبو سفیان راحلته و هی معقولة و لو لا أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال لا تحدث حدثا حتی ترجع إلی لقدرت أن أقتله ثم قال أبو سفیان لخالد بن الولید یا أبا سلیمان لا بد من أن أقیم أنا و أنت علی ضعفاء الناس ثم قال ارتحلوا إنا مرتحلون ففروا منهزمین (2) فلما أصبح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال لأصحابه لا تبرحوا فلما طلعت الشمس دخلوا المدینة و بقی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی نفر یسیر و كان ابن عرقة الكنانی رمی سعد بن معاذ رحمه اللّٰه بسهم فی الخندق فقطع أكحله فنزفه الدم فقبض سعد علی أكحله بیده ثم قال اللّٰهم إن كنت أبقیت من حرب (3) قریش شیئا فأبقنی (4) لها فلا أحد أحب إلی محاربتهم من قوم
ص: 231
حاربوا (1) اللّٰه و رسوله و إن كانت الحرب قد وضعت أوزارها بین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و بین قریش فاجعلها لی شهادة و لا تمتنی حتی تقر عینی من بنی قریظة فأمسك الدم و تورمت یده فضرب له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی المسجد خیمة و كان یتعاهده بنفسه فأنزل اللّٰه یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً إلی قوله (2) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ بنی قریظة حین غدروا و خافوهم أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ إلی قوله إِنْ یُرِیدُونَ إِلَّا فِراراً و هم الذین قالوا لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تأذن لنا نرجع إلی منازلنا فإنها فی أطراف المدینة و نخاف الیهود علیها فأنزل اللّٰه فیهم إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِیَ بِعَوْرَةٍ إِنْ یُرِیدُونَ إِلَّا فِراراً إلی قوله وَ كانَ ذلِكَ عَلَی اللَّهِ یَسِیراً و نزلت هذه الآیة فی الثانی لما قال لعبد الرحمن بن عوف هلم ندفع محمدا إلی قریش و نلحق نحن بقومنا یَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ یَذْهَبُوا إلی قوله وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِیراً ثم وصف اللّٰه المؤمنین المصدقین بما أخبرهم رسول اللّٰه ما یصیبهم فی الخندق من الجهد فقال وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ إلی قوله وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِیماناً یعنی ذلك البلاء و الجهد و الخوف إلا إیمانا وَ تَسْلِیماً.
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ أَلَّا یَفِرُّوا أَبَداً فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ أَیْ أَجَلَهُ وَ هُوَ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ أَجَلَهُ (3) یَعْنِی عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ اللَّهُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلًا لِیَجْزِیَ اللَّهُ الصَّادِقِینَ بِصِدْقِهِمْ وَ یُعَذِّبَ الْمُنافِقِینَ إِنْ شاءَ الْآیَةَ.
ص: 232
وَ قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی قَوْلِهِ وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِینَ كَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ لَمْ یَنالُوا خَیْراً وَ كَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ بِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ كانَ اللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزاً وَ نَزَلَ فِی بَنِی قُرَیْظَةَ وَ أَنْزَلَ (1) الَّذِینَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَی قَوْلِهِ وَ كانَ اللَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیراً
فلما دخل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المدینة و اللواء معقود أراد أن یغتسل من الغبار فناداه جبرائیل عذیرك من محارب و اللّٰه ما وضعت الملائكة لأمتها كیف (2) تضع لأمتك إن اللّٰه یأمرك أن لا تصلی العصر إلا ببنی قریظة فإنی متقدمك و مزلزل بهم حصنهم إنا كنا فی آثار القوم نزجرهم زجرا حتی بلغوا حمراء الأسد فخرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فاستقبله حارثة بن نعمان فقال له ما الخبر یا حارثة (3) فقال بأبی و أمی (4) یا رسول اللّٰه هذا دحیة الكلبی ینادی فی الناس ألا لا یصلین العصر أحد إلا فی بنی قریظة فقال ذاك جبرئیل ادعوا علیا فجاء علی علیه السلام فقال له ناد فی الناس أن لا یصلین أحد العصر إلا فی بنی قریظة (5) فجاء أمیر المؤمنین علیه السلام فنادی فیهم فخرج الناس فبادروا إلی بنی قریظة و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و علی علیه السلام بین یدیه مع الرایة العظمی (6) و كان حیی بن أخطب لما انهزمت قریش جاء فدخل حصن بنی قریظة فجاء أمیر المؤمنین علیه السلام فأحاط بحصنهم فأشرف علیهم كعب بن أسید (7) من الحصن یشتمهم و یشتم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأقبل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 233
علی حمار فاستقبله أمیر المؤمنین علیه السلام فقال بأبی و أمی (1) یا رسول اللّٰه لا تدنو من الحصن (2) فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یا علی لعلهم شتمونی (3) إنهم لو رأونی (4) لأذلهم اللّٰه ثم دنا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من حصنهم فقال یا إخوة القردة و الخنازیر و عبدة الطاغوت أ تشتمونی إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم فأشرف علیهم كعب بن أسید (5) من الحصن فقال و اللّٰه یا أبا القاسم ما كنت جهولا فاستحیا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی سقط الرداء من ظهره حیاء مما قاله و كان حول الحصن نخل كثیر فأشار إلیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بیده فتباعد عنه و تفرق فی المفازة و أنزل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله العسكر حول حصنهم فحاصرهم (6) ثلاثة أیام فلم یطلع أحد منهم رأسه فلما كان بعد ثلاثة أیام نزل إلیه غزال بن شمول (7) فقال یا محمد (8) تعطینا ما أعطیت إخواننا من بنی النضیر احقن دماءنا و نخلی لك البلاد و ما فیها و لا نكتمك شیئا فقال لا أو تنزلون علی حكمی فرجع و بقوا أیاما فبكی النساء و الصبیان إلیهم و جزعوا جزعا شدیدا فلما اشتد علیهم الحصار نزلوا علی حكم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالرجال فكتفوا و كانوا سبعمائة و أمر بالنساء فعزلوا (9) و قامت الأوس إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقالوا یا رسول اللّٰه حلفاؤنا و موالینا
ص: 234
من دون الناس نصرونا علی الخزرج فی المواطن كلها و قد وهبت لعبد اللّٰه بن أبی سبعمائة دراع و ثلاثمائة حاسر فی صبیحة واحدة و لیس نحن بأقل من عبد اللّٰه بن أبی فلما أكثروا علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال لهم أ ما ترضون أن یكون الحكم فیهم إلی رجل منكم فقالوا بلی فمن هو قال سعد بن معاذ قالوا قد رضینا بحكمه فأتوا به فی محفة (1) و اجتمعت الأوس حوله یقولون له یا أبا عمرو (2) اتق اللّٰه و أحسن فی حلفائك و موالیك فقد نصرونا ببغاث (3) و الحدائق و المواطن كلها فلما أكثروا علیه قال قد آن (4) لسعد أن لا تأخذه فی اللّٰه لومة لائم فقالت (5) الأوس وا قوماه ذهب و اللّٰه بنو قریظة (6) و بكی (7) النساء و الصبیان إلی سعد فلما سكتوا (8) قال لهم سعد یا معشر الیهود أ رضیتم بحكمی فیكم قالوا بلی قد رضینا بحكمك و اللّٰه قد رجونا نصفك و معروفك و حسن نظرك فأعاد (9) علیهم القوم فقالوا بلی یا أبا عمرو (10) فالتفت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إجلالا له فقال ما تری بأبی أنت و
ص: 235
أمی (1) فقال احكم فیهم یا سعد فقد رضیت بحكمك فیهم فقال قد حكمت یا رسول اللّٰه أن تقتل رجالهم و تسبی نساءهم و ذراریهم و تقسم غنائمهم و أموالهم بین المهاجرین و الأنصار فقام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال حكمت (2) بحكم اللّٰه من فوق سبعة أرقعة (3) ثم انفجر جرح سعد بن معاذ فما زال ینزفه الدم حتی مضی (4) رحمه اللّٰه و ساقوا الأساری إلی المدینة و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بأخدود فحفرت بالبقیع فلما أمسی أمر بإخراج رجل رجل و كان یضرب عنقه فقال حیی بن أخطب لكعب بن أسید (5) ما تری یصنع (6) بهم فقال له ما یسوؤك أ ما تری الداعی لا یقلع و الذی یذهب لا یرجع فعلیكم بالصبر و الثبات علی دینكم فأخرج كعب بن أسید (7) مجموعة یدیه إلی عنقه و كان جمیلا وسیما فلما نظر إلیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال (8) له یا كعب أ ما نفعك وصیة ابن الحواس (9) الحبر الذكی (10)
ص: 236
الذی قدم علیكم من الشام فقال تركت الخمر و الحمیر (1) و جئت إلی البؤس و التمور (2) لنبی یبعث مخرجه بمكة (3) و مهاجره فی هذه البحیرة یجتزئ بالكسر (4) و التمیرات و یركب الحمار العری فی عینیه حمرة و بین كتفیه خاتم النبوة یضع سیفه علی عاتقه لا یبالی من لاقی (5) یبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر فقال قد كان ذلك یا محمد و لو لا أن الیهود یعیرونی أنی جزعت عند القتل لآمنت بك و صدقتك و لكنی علی دین الیهود علیه أحیا و علیه أموت فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قدموه و اضربوا (6) عنقه فضربت ثم قدم حیی بن أخطب فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یا فاسق كیف رأیت اللّٰه صنع بك فقال و اللّٰه یا محمد ما ألوم نفسی فی عداوتك و لقد قلقلت كل مقلقل و جهدت كل الجهد و لكن من یخذل اللّٰه یخذل (7) ثم قال حین قدم للقتل. (8)
لعمری ما لام ابن أخطب نفسه. و لكنه من یخذل اللّٰه یخذل.
فقدم و ضرب عنقه فقتلهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی البردین بالغداة و العشی فی
ص: 237
ثلاثة أیام و كان یقول اسقوهم العذب و أطعموهم الطیب و أحسنوا إسارهم (1) حتی قتلهم كلهم و أنزل اللّٰه علی رسوله فیهم وَ أَنْزَلَ الَّذِینَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَیاصِیهِمْ أی من حصونهم وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ إلی قوله وَ كانَ اللَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیراً (2).
بیان: الموتور الذی قتل له قتیل فلم یدرك بدمه تقول منه وتره یتره وترا و ترة.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله لا عیش أقول فی بعض روایات المخالفین:
اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَیْشَ عَیْشُ الْآخِرَةَ***فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَ الْمُهَاجِرَةِ
(3) و فی بعضها كانت الأنصار تقول
نحن الذین بایعوا محمدا*** علی الجهاد ما بقینا أبدا
فَأَجَابَهُمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله
اللَّهُمَّ لَا عَیْشَ إِلَّا عَیْشُ الْآخِرَةِ*** فَأَكْرِمِ الْأَنْصَارَ وَ الْمُهَاجِرَةَ
(4) و فی بعضها
اللَّهُمَّ لَا خَیْرَ إِلَّا خَیْرُ الْآخِرَةِ*** فَبَارِكْ فِی الْأَنْصَارِ وَ الْمُهَاجِرَةِ
و یقال مج الشراب من فیه إذا رمی به و لعل المراد هنا المضمضة و یقال هال علیه التراب فانهال أی صبه فانصب و أقوی الرجل أی فنی زاده و منه قوله تعالی وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِینَ (5) و قوی كرضی جاع شدیدا و العناق كسحاب
ص: 238
الأنثی من أولاد المعز و یقال ما لی به قبل بكسر القاف و فتح الباء أی طاقة و النهل محركة أول الشرب و من الطعام ما أكل و الناهل الریان و المراد هنا الشبع و الزغابة بالضم موضع بقرب المدینة و یقال شأمهم و علیهم كمنع أی صار شؤما علیهم. (1) و قال الجزری البحیرة مدینة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و هی تصغیر البحرة و قد جاء فی روایة مكبرا و العرب تسمی المدن و القری البحار انتهی.
و المناوءة بالهمز المعاداة و قد یترك الهمز و القمأ الذل و الصغار.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله لعنا علی بناء المجهول أی لعن العضل و القارة و المراد كل من غدر ثم قال صلی اللّٰه علیه و آله علی سبیل التوریة نحن أمرناهم بذلك أی نحن أمرنا بنی قریظة أن یظهروا الغدر للمصلحة و هم موافقون لنا فی الباطن و إنما قال ذلك لئلا یكون هناك عین من عیون قریش فیعلموا بالغدر فیصیر سببا لجرأتهم و یقال خذل عنه أصحابه تخذیلا أی حملهم علی خذلانه.
قوله و قال رجل من المهاجرین أی عمر و الرجل الذی بجنبه عبد الرحمن بن عوف كما سیأتی آنفا و یقال بححت بالكسر إذا أخذته بحة و خشونة و غلظ فی صوته و المناجزة فی الحرب المبارزة و المقاتلة و الهزاهز تحریك البلایا و الحروب بین الناس و الغریزة الطبیعة.
وَ فِی الدِّیوَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:
یَا عَمْرُو وَیْحَكَ قَدْ أَتَاكَ***مُجِیبٌ صَوْتَكَ غَیْرَ عَاجِزٍ
إِلَی قَوْلِهِ
وَ لَقَدْ دَعَوْتَ إِلَی الْبِرَازِ ***فَتًی یُجِیبُ إِلَی الْمُبَارِزِ
یَعْلِیكَ أَبْیَضَ صَارِماً ***كَالْمِلْحِ حَتْفاً لِلْمُنَاجِزِ (2)
ص: 239
و یقال طعنة نجلاء أی واسعة قوله شائلا أی مرتفعا قوله كلتاهما لك قاله لعنه اللّٰه علی سبیل الاستهزاء قوله قسمة ضیزی أی جائرة قوله أعلی به عینا أی أبصر به و أعلم بحاله و ذؤبان العرب لصوصها و قد یترك الهمز و یقال سام فلانا الأمر كلفه إیاه أو أولاه إیاه كسومه و أكثر ما یستعمل فی العذاب و الشر و سوم فلانا خلاه و سومه لما یریده فی ماله حكمه و قال الجوهری الطنین صوت الذباب و ضربه فأطن ساقه أی قطعه یراد بذلك صوت القطع و العجاج كسحاب الغبار.
قوله انتزع له أی السهم و المنابذة المكاشفة و المقاتلة و الغلوة بالفتح مقدار رمیة و النشاب بالضم و التشدید السهام الواحد نشابة و الأكحل عرق فی الید أو هو عرق الحیاة و نزفه الدم أی سال كثیرا حتی أضعفه و قال الجزری یقال عذیرك من فلان بالنصب أی هات من یعذرك فیه فعیل بمعنی فاعل انتهی و اللأمة الدرع و كتف فلانا كضرب شد یدیه إلی خلف بالكتاف و هو حبل یشد به و الحاسر الذی لا مغفر علیه و لا درع.
و قال الجزری فی قوله سبعة أرقعة (1) یعنی سبع سماوات و كل سماء یقال لها رقیع و الجمع أرقعة و قیل الرقیع اسم سماء الدنیا فأعطی كل سماء اسمها انتهی.
و الأخدود الحفرة المستطیلة قوله ما یسوؤك أی لا تحزن من ذلك أو ما استفهامیة أی أی شی ء یعتریك من السوء فصرت بحیث لا تعقل مثل هذا الأمر الواضح أو موصولة (2) أی الذی یسوؤك و هو القتل.
قوله لا یقلع أی لا یكف عن دعوتهم و إذهابهم یذهب بواحد بعد واحد
ص: 240
و الوسیم الحسن الوجه و یقال قلقله فتقلقل إذ حركه فتحرك و الأبردان و البردان الغداة و العشی.
«4»-ل، الخصال لی، الأمالی للصدوق مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَاذِیُّ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ بْنِ أَحْمَدَ اللَّیْثِیُّ (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ الشُّرُوطِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَزِیدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ عَنْ أَبِی أُسَامَةَ عَنْ عَوْفٍ عَنْ مَیْمُونٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ عَرَضَتْ لَهُ صَخْرَةٌ عَظِیمَةٌ شَدِیدَةٌ فِی عَرْضِ الْخَنْدَقِ لَا تَأْخُذُ مِنْهَا الْمَعَاوِلُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا رَآهَا وَضَعَ ثَوْبَهُ وَ أَخَذَ الْمِعْوَلَ وَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ (2) ثُلُثَهَا وَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِیتُ مَفَاتِیحَ الشَّامِ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحَمْرَاءَ السَّاعَةَ ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِیَةَ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَفَلَقَ ثُلُثاً آخَرَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِیتُ مَفَاتِیحَ فَارِسَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْیَضَ ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ فَفَلَقَ بَقِیَّةَ الْحَجَرِ وَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِیتُ مَفَاتِیحَ الْیَمَنِ وَ اللَّهِ إِنِّی لِأُبْصِرُ أَبْوَابَ الصَّنْعَاءِ مَكَانِی هَذَا (3).
«5»-فس، تفسیر القمی أَبِی رَفَعَهُ قَالَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَانَ النِّكَاحُ وَ الْأَكْلُ مُحَرَّمَیْنِ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ بِاللَّیْلِ بَعْدَ النَّوْمِ یَعْنِی كُلُّ مَنْ صَلَّی الْعِشَاءَ وَ نَامَ وَ لَمْ یُفْطِرْ ثُمَّ انْتَبَهَ حُرِّمَ (4) عَلَیْهِ الْإِفْطَارُ وَ كَانَ النِّكَاحُ حَرَاماً بِاللَّیْلِ (5) وَ النَّهَارِ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله یُقَالُ لَهُ خَوَّاتُ بْنُ جُبَیْرٍ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ الَّذِی كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَكَّلَهُ بِفَمِ الشِّعْبِ فِی یَوْمِ أُحُدٍ فِی خَمْسِینَ مِنَ الرُّمَاةِ فَفَارَقَهُ أَصْحَابُهُ وَ بَقِیَ فِی اثْنَیْ عَشَرَ رَجُلًا فَقُتِلَ عَلَی بَابِ الشِّعْبِ وَ كَانَ أَخُوهُ هَذَا خَوَّاتُ
ص: 241
بْنُ جُبَیْرٍ شَیْخاً ضَعِیفاً (1) وَ كَانَ صَائِماً فَأَبْطَأَتْ (2) عَلَیْهِ أَهْلُهُ بِالطَّعَامِ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ یُفْطِرَ فَلَمَّا انْتَبَهَ قَالَ لِأَهْلِهِ قَدْ حُرِّمَ (3) عَلَیَّ الْأَكْلُ فِی هَذِهِ اللَّیْلَةِ فَلَمَّا أَصْبَحَ حَضَرَ حَفْرَ الْخَنْدَقِ فَأُغْمِیَ عَلَیْهِ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَرَقَّ لَهُ وَ كَانَ قَوْمٌ مِنَ الشَّبَابِ یَنْكِحُونَ بِاللَّیْلِ سِرّاً فِی شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أُحِلَّ لَكُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ الرَّفَثُ إِلی نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَیْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَكُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیْلِ فَأَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی النِّكَاحَ بِاللَّیْلِ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ الْأَكْلَ بَعْدَ النَّوْمِ إِلَی طُلُوعِ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَكُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ قَالَ هُوَ بَیَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّیْلِ (4).
«6»-فس، تفسیر القمی فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ یَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً قَالَ هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ حِینَ عَرَضَ عَلَیْهِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْإِسْلَامَ یَوْمَ الْخَنْدَقِ وَ قَالَ فَأَیْنَ مَا أَنْفَقْتُ فِیكُمْ مَالًا لُبَداً وَ كَانَ أَنْفَقَ مَالًا فِی الصَّدِّ عَنْ (5) سَبِیلِ اللَّهِ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (6).
بیان: مالا لبدا أی كثیرا من تلبد الشی ء إذ اجتمع.
ص: 242
«7»-فس، تفسیر القمی یَمُنُّونَ عَلَیْكَ أَنْ أَسْلَمُوا نَزَلَتْ فِی عثكن (1) یَوْمَ الْخَنْدَقِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِعَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ وَ هُوَ یَحْفِرُ الْخَنْدَقَ وَ قَدِ ارْتَفَعَ الْغُبَارُ مِنَ الْحَفْرِ فَوَضَعَ عثكن كُمَّهُ عَلَی أَنْفِهِ وَ مَرَّ فَقَالَ عَمَّارٌ:
لَا یَسْتَوِی مَنْ یَبْتَنِی (2) الْمَسَاجِدَا*** یَظَلُّ (3) فِیهَا رَاكِعاً وَ سَاجِداً
كَمَنْ یَمُرُّ بِالْغُبَارِ حَائِداً*** یُعْرِضُ عَنْهُ جَاحِداً مُعَانِداً
فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ عثكن فَقَالَ یَا ابْنَ السَّوْدَاءِ إِیَّایَ تَعْنِی ثُمَّ أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُ لَمْ نَدْخُلْ مَعَكَ (4) لِتُسَبَّ أَعْرَاضُنَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ أَقَلْتُكَ إِسْلَامَكَ فَاذْهَبْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یَمُنُّونَ عَلَیْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَیَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِیمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ أَیْ لَیْسَ هُمْ صَادِقِینَ (5) إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ غَیْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بَصِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ (6).
بیان: قوله فی عثكن المراد به عثمان كما هو المصرح فی بعض النسخ و سائر الأخبار.
أقول نسب فی الدیوان الأبیات إلی أمیر المؤمنین علیه السلام هكذا:
لَا یَسْتَوِی مَنْ یَعْمُرُ الْمَسَاجِدَا***وَ مَنْ یَبِیتُ رَاكِعاً وَ سَاجِداً
یَدْأَبُ فِیهَا قَائِماً وَ قَاعِداً***وَ مَنْ یَكُرُّ هَكَذَا مُعَانِداً
وَ مَنْ یَرَی عَنِ الْغُبَارِ حَائِداً
«8»-ل، الخصال فِی خَبَرِ الْیَهُودِیِّ الَّذِی سَأَلَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ خِصَالِ الْأَوْصِیَاءِ فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِیمَا قَالَ وَ أَمَّا الْخَامِسَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ قُرَیْشاً وَ الْعَرَبَ تَجَمَّعَتْ وَ
ص: 243
عَقَدَتْ بَیْنَهَا عَقْداً وَ مِیثَاقاً لَا تَرْجِعُ مِنْ وَجْهِهَا حَتَّی تَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ تَقْتُلَنَا مَعَهُ مَعَاشِرَ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ أَقْبَلَتْ بِحَدِّهَا وَ حَدِیدِهَا (1) حَتَّی أَنَاخَتْ عَلَیْنَا بِالْمَدِینَةِ وَاثِقَةً بِأَنْفُسِهَا فِیمَا تَوَجَّهَتْ لَهُ فَهَبَطَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَنْبَأَهُ بِذَلِكَ فَخَنْدَقَ عَلَی نَفْسِهِ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فَقَدِمَتْ قُرَیْشٌ فَأَقَامَتْ عَلَی الْخَنْدَقِ مُحَاصِرَةً لَنَا تَرَی فِی أَنْفُسِهَا الْقُوَّةَ وَ فِینَا الضَّعْفَ تُرْعِدُ وَ تُبْرِقُ وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَدْعُوهَا إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ یُنَاشِدُهَا بِالْقَرَابَةِ وَ الرَّحِمِ فَتَأْبَی وَ لَا یَزِیدُهَا ذَلِكَ إِلَّا عُتُوّاً وَ فَارِسُهَا وَ فَارِسُ الْعَرَبِ یَوْمَئِذٍ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ یَهْدِرُ كَالْبَعِیرِ الْمُغْتَلِمِ یَدْعُو إِلَی الْبِرَازِ وَ یَرْتَجِزُ وَ یَخْطِرُ بِرُمْحِهِ مَرَّةً وَ بِسَیْفِهِ مَرَّةً (2) لَا یُقْدِمُ عَلَیْهِ مُقْدِمٌ وَ لَا یَطْمَعُ فِیهِ طَامِعٌ لَا حَمِیَّةٌ (3) تُهَیِّجُهُ وَ لَا بَصِیرَةٌ تُشَجِّعُهُ فَأَنْهَضَنِی إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَمَّمَنِی بِیَدِهِ وَ أَعْطَانِی سَیْفَهُ هَذَا وَ ضَرَبَ بِیَدِهِ إِلَی ذِی الْفَقَارِ فَخَرَجْتُ إِلَیْهِ وَ نِسَاءُ أَهْلِ الْمَدِینَةِ بَوَاكِی إِشْفَاقاً عَلَیَّ مِنِ ابْنِ عَبْدِ وُدٍّ فَقَتَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِیَدِی وَ الْعَرَبُ لَا تَعُدُّ لَهَا فَارِساً غَیْرَهُ وَ ضَرَبَنِی هَذِهِ الضَّرْبَةَ وَ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَی هَامَتِهِ فَهَزَمَ اللَّهُ قُرَیْشاً وَ الْعَرَبَ بِذَلِكَ وَ بِمَا كَانَ مِنِّی فِیهِمْ مِنَ النِّكَایَةِ ثُمَّ الْتَفَتَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَ لَیْسَ كَذَلِكَ قَالُوا بَلَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ (4).
بیان: رعد و برق و أرعد و أبرق إذا توعد و تهدد ذكره الجزری و هدر البعیر یهدر هدرا و هدیرا صوت فی غیر شقشقة و اغتلام البعیر هیجانه من شهوة الضراب و یقال نكیت فی العدو أنكی نكایة إذا أكثرت فیهم الجراح و القتل.
«9»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی أَبُو عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ یَحْیَی عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (5) عَنْ
ص: 244
أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (1) عَنْ یَحْیَی بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِی الزُّبَیْرِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ صَفِیَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهَا قَالَتْ كُنَّا مَعَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِی حِصْنٍ فَارِعٍ وَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْخَنْدَقِ فَإِذَا یَهُودِیٌّ یَطُوفُ بِالْحِصْنِ فَخِفْنَا أَنْ یَدُلَّ عَلَی عَوْرَتِنَا (2) فَقُلْتُ لِحَسَّانَ لَوْ نَزَلْتَ إِلَی هَذَا الْیَهُودِیِّ فَإِنِّی أَخَافُ أَنْ یَدُلَّ عَلَی عَوْرَتِنَا قَالَ یَا بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا قَالَتْ فَتَحَزَّمْتُ (3) ثُمَّ نَزَلْتُ وَ أَخَذْتُ عَمُوداً وَ قَتَلْتُهُ (4) بِهِ ثُمَّ قُلْتُ لِحَسَّانَ اخْرُجْ فَاسْلُبْهُ قَالَ لَا حَاجَةَ لِی فِی سَلْبِهِ (5).
بیان: فی القاموس فارع حصن بالمدینة.
«10»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام بِالْأَسَانِیدِ الثَّلَاثَةِ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی حَفْرِ الْخَنْدَقِ إِذْ جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ وَ مَعَهَا كَسِیرَةٌ (6) مِنْ خُبْزٍ فَدَفَعَتْهَا إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَا هَذِهِ الْكَسِیرَةُ قَالَتْ قُرْصاً (7) خَبَزْتُهُ لِلْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ جِئْتُكَ مِنْهُ بِهَذِهِ الْكَسِیرَةِ (8) فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَا إِنَّهُ أَوَّلُ طَعَامٍ دَخَلَ فَمَ أَبِیكَ مُنْذُ ثَلَاثٍ (9).
ص: 245
صح: عنه علیه السلام مثله(1).
«11»-ب، قرب الإسناد أَبُو الْبَخْتَرِیِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَدِیثاً فَوَ اللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ یَخْطَفَنِی الطَّیْرُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِّی فَإِنَّمَا الْحَرْبُ خُدْعَةٌ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَلَغَهُ أَنَّ بَنِی قُرَیْظَةَ بَعَثُوا إِلَی أَبِی سُفْیَانَ أَنَّكُمْ إِذَا الْتَقَیْتُمْ أَنْتُمْ وَ مُحَمَّدٌ (2) أَمْدَدْنَاكُمْ وَ أَعَنَّاكُمْ فَقَامَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَطَبَنَا فَقَالَ إِنَّ بَنِی قُرَیْظَةَ بَعَثُوا إِلَیْنَا أَنَّا إِذَا الْتَقَیْنَا نَحْنُ وَ أَبُو سُفْیَانَ أَمْدَدُونَا وَ أَعَانُونَا فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا سُفْیَانَ فَقَالَ غَدَرَتْ یَهُودُ فَارْتَحَلَ عَنْهُمْ (3).
«12»-ب، قرب الإسناد أَبُو الْبَخْتَرِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَ بَنِی قُرَیْظَةَ بِالرَّایَةِ وَ كَانَتْ سَوْدَاءَ تُدْعَی الْعُقَابَ وَ كَانَ لِوَاؤُهُ أَبْیَضَ (4).
بیان: الرایة العلم الكبیر و اللواء أصغر منها قال فی المصباح لواء الجیش علمه و هو دون الرایة.
«13»-ب، قرب الإسناد عَنْهُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: عَرَضَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَئِذٍ یَعْنِی بَنِی قُرَیْظَةَ عَلَی الْعَانَاتِ فَمَنْ وَجَدَهُ أَنْبَتَ قَتَلَهُ وَ مَنْ لَمْ یَجِدْهُ أَنْبَتَ أَلْحَقَهُ بِالذَّرَارِیِّ (5).
«14»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی ابْنُ مَخْلَدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَیْرٍ (6) عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ كُمَیْتٍ عَنِ الْمُعَلَّی بْنِ مَهْدِیٍّ عَنْ أَبِی شِهَابٍ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَرَ (7)
ص: 246
عَنْ عَطِیَّةَ رَجُلٍ مِنْ بَنِی قُرَیْظَةَ قَالَ: عُرِضْنَا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَمَنْ كَانَتْ لَهُ عَانَةٌ قَتَلَهُ وَ مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَانَةٌ تَرَكَهُ فَلَمْ تَكُنْ لِی عَانَةٌ فَتَرَكَنِی (1).
«15»-ك، إكمال الدین أَبِی عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ وَ الْبَزَنْطِیِّ مَعاً عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ لِیَضْرِبَ عُنُقَهُ فَأُخْرِجَ (2) وَ ذَلِكَ فِی غَزْوَةِ بَنِی قُرَیْظَةَ نَظَرَ إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُ یَا كَعْبُ أَ مَا نَفَعَكَ وَصِیَّةُ ابْنِ حَوَّاشٍ الْحَبْرِ الْمُقْبِلِ مِنَ الشَّامِ (3) فَقَالَ تَرَكْتُ الْخَمْرَ وَ الْحَمِیرَ وَ جِئْتُ إِلَی الْبُؤْسِ وَ التَّمَوُّرِ لِنَبِیٍّ یُبْعَثُ هَذَا أَوَانُ خُرُوجِهِ یَكُونُ مَخْرَجُهُ بِمَكَّةَ وَ هَذِهِ دَارُ هِجْرَتِهِ وَ هُوَ الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ یَجْتَزِئُ بِالْكِسْرَةِ وَ التُّمَیْرَاتِ وَ یَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِی فِی عَیْنَیْهِ حُمْرَةٌ وَ بَیْنَ كَتِفَیْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ یَضَعُ سَیْفَهُ عَلَی عَاتِقِهِ لَا یُبَالِی بِمَنْ لَاقَی یَبْلُغُ سُلْطَانُهُ مُنْقَطَعَ الْخُفِّ وَ الْحَافِرِ قَالَ كَعْبٌ قَدْ كَانَ ذَلِكَ یَا مُحَمَّدُ وَ لَوْ لَا أَنَّ الْیَهُودَ تُعَیِّرُنِی أَنِّی جَبُنْتُ (4) عِنْدَ الْقَتْلِ لَآمَنْتُ بِكَ وَ صَدَّقْتُكَ وَ لَكِنِّی عَلَی دِینِ الْیَهُودِیَّةِ عَلَیْهِ أَحْیَا وَ عَلَیْهِ أَمُوتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدِّمُوهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَقُدِّمَ وَ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ (5).
«16»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ عَامَ الْخَنْدَقِ أَصَابَ أَصْحَابَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله مَجَاعَةٌ لِمَا حَاصَرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَدَعَا بِكَفٍّ مِنْ تَمْرٍ وَ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُسِطَ وَ أَلْقَی ذَلِكَ التَّمْرَ عَلَیْهِ وَ أَمَرَ مُنَادِیاً یُنَادِی فِی النَّاسِ هَلُمُّوا إِلَی الْغَدَاءِ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْمَدِینَةِ فَأَكَلُوا وَ صَدَرُوا وَ التَّمْرُ تَبِضُّ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ.
ص: 247
بیان: بض الماء سال قلیلا قلیلا.
«17»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ الْحِصَارَ لَمَّا اشْتَدَّ عَلَی الْمُسْلِمِینَ فِی حَرْبِ الْخَنْدَقِ وَ رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْهُمُ الضَّجَرَ لِمَا كَانَ فِیهِ مِنَ الضُّرِّ (1) صَعِدَ عَلَی مَسْجِدِ الْفَتْحِ فَصَلَّی رَكْعَتَیْنِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَمْ تُعْبَدْ (2) بَعْدَهَا فِی الْأَرْضِ فَبَعَثَ اللَّهُ رِیحاً قَلَعَتْ خِیَمَ الْمُشْرِكِینَ وَ بَدَّدَتْ رَوَاحِلَهُمْ وَ أَجْهَدَتْهُمْ بِالْبَرْدِ وَ سَفَتِ الرِّمَالَ وَ التُّرَابَ عَلَیْهِمْ وَ جَاءَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنَا بِالطَّاعَةِ لَكَ فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ قَالَ (3) زَعْزِعِی الْمُشْرِكِینَ وَ أَرْعِبِیهِمْ وَ كُونُوا مِنْ وَرَائِهِمْ (4) فَفَعَلَتْ بِهِمْ ذَلِكَ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ یَعْنِی أَحْزَابَ الْمُشْرِكِینَ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ أَیْ أَحْزَابُ الْعَرَبِ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ (5) یَعْنِی بَنِی قُرَیْظَةَ حِینَ نَقَضُوا عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ صَارُوا مَعَ الْأَحْزَابِ عَلَی الْمُسْلِمِینَ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ مَسْجِدِ الْفَتْحِ إِلَی مُعَسْكَرِهِ فَصَاحَ بِحُذَیْفَةَ بْنِ الْیَمَانِ وَ كَانَ قَدْ نَادَاهُ (6) ثَلَاثاً فَقَالَ فِی الثَّالِثَةِ لَبَّیْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَسْمَعُ صَوْتِی وَ لَا تُجِیبُنِی فَقَالَ مَنَعَنِی شِدَّةُ الْبَرْدِ فَقَالَ اعْبُرِ الْخَنْدَقَ فَاعْرِفْ خَبَرَ قُرَیْشٍ وَ الْأَحْزَابِ وَ ارْجِعْ وَ لَا تُحْدِثْ حَدَثاً حَتَّی تَرْجِعَ إِلَیَّ قَالَ فَقُمْتُ وَ أَنَا أَنْتَفِضُ مِنَ الْبَرْدِ فَعَبَرْتُ الْخَنْدَقَ وَ كَأَنِّی فِی الْحَمَّامِ فَصِرْتُ إِلَی مُعَسْكَرِهِمْ فَلَمْ أَجِدْ هُنَاكَ إِلَّا خَیْمَةَ أَبِی سُفْیَانَ وَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ قُرَیْشٍ وَ بَیْنَ أَیْدِیهِمْ نَارٌ تَشْتَعِلُ مَرَّةً وَ تَخْبُو أُخْرَی فَانْسَلَلْتُ فَجَلَسْتُ (7) بَیْنَهُمْ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ إِنْ كُنَّا نُقَاتِلُ أَهْلَ الْأَرْضِ فَنَحْنُ بِالْقُدْرَةِ عَلَیْهِ وَ إِنْ كُنَّا
ص: 248
نُقَاتِلُ أَهْلَ السَّمَاءِ كَمَا یَقُولُ مُحَمَّدٌ فَلَا طَاقَةَ لَنَا بِأَهْلِ السَّمَاءِ انْظُرُوا بَیْنَكُمْ لَا یَكُونُ لِمُحَمَّدٍ عَیْنٌ بَیْنَنَا فَلْیَسْأَلْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً قَالَ حُذَیْفَةُ فَبَادَرْتُ إِلَی الَّذِی عَنْ یَمِینِی فَقُلْتُ مَنْ أَنْتَ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ وَ قُلْتُ لِلَّذِی عَنْ یَسَارِی مَنْ أَنْتَ قَالَ فُلَانٌ فَلَمْ یَسْأَلْنِی أَحَدٌ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْیَانَ لِخَالِدٍ إِمَّا أَنْ تَتَقَدَّمَ أَنْتَ فَتَجْمَعَ (1) النَّاسَ لِیَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَأَكُونَ عَلَی السَّاقَةِ وَ إِمَّا أَنْ أَتَقَدَّمَ أَنَا وَ تَكُونَ عَلَی السَّاقَةِ قَالَ بَلْ أَتَقَدَّمُ أَنَا وَ تَتَأَخَّرُ أَنْتَ فَقَامُوا جَمِیعاً فَتَقَدَّمُوا وَ تَأَخَّرَ أَبُو سُفْیَانَ فَخَرَجَ مِنَ الْخَیْمَةِ وَ اخْتَفَیْتُ فِی ظِلِّهَا فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَ هِیَ مَعْقُولَةٌ مِنَ الدَّهَشِ الَّذِی كَانَ بِهِ فَنَزَلَ یَحِلُّ الْعِقَالَ فَأَمْكَنَنِی قَتْلَهُ فَلَمَّا هَمَمْتُ بِذَلِكَ تَذَكَّرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا تُحْدِثَنَّ حَدَثاً حَتَّی تَرْجِعَ إِلَیَّ فَكَفَفْتُ وَ رَجَعْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ صَلَّی بِالنَّاسِ الْفَجْرَ وَ نَادَی مُنَادِیهِ لَا یَبْرَحَنَّ أَحَدٌ مَكَانَهُ إِلَی أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَمَا أَصْبَحَ إِلَّا وَ قَدْ تَفَرَّقَ عَنْهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا نَفَراً یَسِیراً فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَلَمَّا دَخَلَ مَنْزِلَهُ أَمَرَ فَنُودِیَ أَلَا لَا یُصَلِّی أَحَدٌ إِلَّا فِی بَنِی قُرَیْظَةَ فَسَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَیْهِمْ فَوَجَدُوا النَّخْلَ مُحْدِقاً بِقَصْرِهِمْ وَ لَمْ یَكُنْ لِلْمُسْلِمِینَ مُعَسْكَرٌ یَنْزِلُونَ فِیهِ وَ وَافَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ مَا لَكُمْ لَا تَنْزِلُونَ فَقَالُوا مَا لَنَا مَكَانٌ فَنَزَلَ مِنِ اشْتِبَاكِ النَّخْلِ فَدَخَلَ فِی طَرِیقٍ بَیْنَ النَّخْلِ فَأَشَارَ بِیَدِهِ یَمْنَةً فَانْضَمَّ النَّخْلُ بَعْضُهُ إِلَی بَعْضٍ وَ أَشَارَ بِیَدِهِ یَسْرَةً فَانْضَمَّ النَّخْلُ كَذَلِكَ وَ اتَّسَعَ لَهُمُ الْمَوْضِعُ فَنَزَلُوا.
«18»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَتَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ أَعْطَی سَیْفَهُ الْحَسَنَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَالَ قُلْ لِأُمِّكَ تَغْسِلُ هَذَا الصَّیْقَلَ فَرَدَّهُ وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ عِنْدَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ فِی وَسَطِهِ نُقْطَةٌ لَمْ تُنَقَّ قَالَ أَ لَیْسَ قَدْ غَسَلَتْهُ الزَّهْرَاءُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا هَذِهِ النُّقْطَةُ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ سَلْ ذَا الْفَقَارِ یُخْبِرْكَ فَهَزَّهُ وَ قَالَ أَ لَیْسَ قَدْ غَسَلَتْكَ الطَّاهِرَةُ مِنْ دَمِ الرِّجْسِ النِّجْسِ فَأَنْطَقَ اللَّهُ السَّیْفَ فَقَالَ بَلَی
ص: 249
وَ لَكِنَّكَ مَا قَتَلْتَ بِی أَبْغَضَ إِلَی الْمَلَائِكَةِ مِنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ فَأَمَرَنِی رَبِّی فَشَرِبْتُ هَذِهِ النُّقْطَةَ مِنْ دَمِهِ وَ هُوَ حَظِّی مِنْهُ فَلَا تَنْتَضِینِی یَوْماً إِلَّا وَ رَأَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَ صَلَّتْ عَلَیْكَ (1).
بیان: نضا السیف و انتضاه سله.
«19»-شا، الإرشاد كانت غزاة الأحزاب بعد بنی النضیر و ذلك أن جماعة من الیهود منهم سلام بن أبی الحقیق النضیری و حیی بن أخطب و كنانة بن الربیع و هوذة بن قیس الوالبی و أبو عمارة (2) الوالبی فی نفر من بنی والبة خرجوا حتی قدموا مكة فصاروا إلی أبی سفیان صخر بن حرب لعلمهم بعداوته لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و تسرعه إلی قتاله فذكروا له ما نالهم منه و سألوه المعونة لهم علی قتاله فقال لهم أبو سفیان أنا لكم حیث تحبون فاخرجوا إلی قریش فادعوهم إلی حربه و اضمنوا النصرة لهم و الثبوت معهم حتی تستأصلوه فطافوا علی وجوه قریش و دعوهم إلی حرب النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قالوا لهم أیدینا مع أیدیكم و نحن معكم حتی نستأصله فقالت لهم قریش یا معشر الیهود أنتم أهل الكتاب الأول و العلم السابق و قد عرفتم الدین الذی جاء به محمد و ما نحن علیه من الدین فدیننا خیر من دینه أم هو أولی بالحق منا فقالوا لهم بل دینكم خیر من دینه (3) فنشطت قریش لما دعوهم إلیه من حرب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و جاءهم أبو سفیان فقال لهم قد مكنكم اللّٰه من عدوكم و هذه الیهود تقاتله معكم و لن تنفك (4) عنكم حتی یؤتی علی جمیعها أو نستأصله (5)
ص: 250
و من اتبعه فقویت عزائمهم إذ ذاك فی حرب النبی صلی اللّٰه علیه و آله (1) ثم خرج الیهود حتی جاءوا غطفان و قیس غیلان (2) فدعوهم إلی حرب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و ضمنوا لهم النصرة و المعونة و أخبروهم باتباع قریش لهم علی ذلك فاجتمعوا (3) معهم و خرجت قریش و قائدها إذ ذاك أبو سفیان صخر بن حرب و خرجت غطفان و قائدها عیینة بن حصن فی بنی فزارة و الحارث بن عوف فی بنی مرة و وبرة بن طریف فی قومه من أشجع (4) و اجتمعت قریش معهم فلما سمع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله اجتماع الأحزاب (5) علیه و قوة عزیمتهم فی حربه استشار أصحابه فأجمع (6) رأیهم علی المقام بالمدینة و حرب القوم إن جاءوا إلیهم علی أنقابها (7) فأشار (8) سلمان الفارسی رحمه اللّٰه علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالخندق فأمر بحفره و عمل فیه بنفسه و عمل فیه المسلمون و أقبلت الأحزاب إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (9) فهال المسلمین أمرهم و ارتاعوا من كثرتهم و جمعهم فنزلوا ناحیة من الخندق و أقاموا بمكانهم بضعا و عشرین
ص: 251
لیلة لم یكن بینهم حرب إلا الرمی بالنبل و الحصی فلما رأی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ضعف قلوب أكثر المسلمین (1) من حصارهم لهم و وهنهم فی حربهم بعث إلی عیینة بن حصن و الحارث بن عوف و هما قائدا غطفان یدعوهما إلی صلحه و الكف عنه و الرجوع بقومهما عن حربه علی أن یعطیهما ثلث ثمار المدینة و استشار سعد بن عبادة (2) فیما بعث به إلی عیینة و الحارث فقال (3) یا رسول اللّٰه إن كان هذا الأمر لا بد لنا من العمل به لأن اللّٰه أمرك فیه بما صنعت و الوحی جاءك به فافعل ما بدا لك و إن كنت تختار (4) أن تصنعه لنا كان لنا فیه رأی فقال صلی اللّٰه علیه و آله لم یأتنی وحی به و لكنی رأیت (5) العرب قد رمتكم عن قوس واحدة و جاءوكم (6) من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلی أمر ما فقال سعد بن معاذ قد كنا نحن و هؤلاء القوم علی الشرك باللّٰه و عبادة الأوثان لا نعرف اللّٰه و لا نعبده و نحن لا نطعمهم من ثمرنا إلا قری أو بیعا و الآن حین (7) أكرمنا اللّٰه بالإسلام و هدانا به (8) و أعزنا بك نعطیهم أموالنا ما بنا (9) إلی هذا من حاجة و اللّٰه لا نعطیهم إلا السیف حتی یحكم اللّٰه بیننا و بینهم فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الآن قد عرفت ما عندكم فكونوا علی ما أنتم علیه فإن اللّٰه تعالی لن یخذل نبیه و لن یسلمه حتی ینجز له ما وعده.
ثم قام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی المسلمین (10) یدعوهم إلی جهاد العدو و یشجعهم و
ص: 252
یعدهم النصر من اللّٰه فانتدبت فوارس من قریش للبراز منهم عمرو بن عبد ود بن أبی قیس بن عامر بن لؤی بن غالب و عكرمة بن أبی جهل و هبیرة بن أبی وهب المخزومیان و ضرار بن الخطاب و مرداس الفهری (1) فلبسوا للقتال ثم خرجوا علی خیلهم حتی مروا بمنازل بنی كنانة فقالوا تهیئوا یا بنی كنانة للحرب ثم أقبلوا تعنق بهم خیلهم حتی وقفوا علی الخندق فلما تأملوه قالوا و اللّٰه إن هذه مكیدة ما كانت العرب تكیدها ثم تیمموا مكانا من الخندق فیه ضیق فضربوا خیلهم فاقتحمته و جاءت بهم فی السبخة بین الخندق و سلع و خرج أمیر المؤمنین علی علیه السلام (2) فی نفر معه من المسلمین حتی أخذوا علیهم الثغرة التی اقتحموها فتقدم عمرو بن عبد ود الجماعة الذین خرجوا معه و قد أعلم لیری مكانه فلما رأی المسلمین وقف هو و الخیل التی معه و قال هل من مبارز (3) فبرز له (4) أمیر المؤمنین علیه السلام فقال له عمرو ارجع یا ابن الأخ فما أحب أن أقتلك فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام قد كنت یا عمرو عاهدت اللّٰه أن لا یدعوك رجل من قریش إلی إحدی خصلتین إلا اخترتها منه قال (5) أجل فما ذاك قال إنی أدعوك إلی اللّٰه و رسوله و الإسلام قال لا حاجة لی إلی ذلك (6) قال فإنی أدعوك إلی النزال فقال ارجع فقد كان بینی و بین أبیك خلة و ما أحب أن أقتلك فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام لكننی و اللّٰه أحب أن أقتلك ما دمت آبیا للحق فحمی (7) عمرو عند ذلك (8)
ص: 253
و قال أ تقتلنی و نزل عن فرسه فعقره و ضرب وجهه حتی نفر و أقبل علی علی علیه السلام (1) مصلتا بسیفه (2) و بدره بالسیف فنشب سیفه فی ترس علی علیه السلام فضربه (3) أمیر المؤمنین ضربة فقتله فلما رأی عكرمة بن أبی جهل و هبیرة بن أبی وهب و ضرار بن الخطاب عمرا صریعا ولوا بخیلهم منهزمین حتی اقتحموا الخندق لا یلوون إلی شی ء و انصرف أمیر المؤمنین علیه السلام إلی مقامه الأول و قد كادت نفوس القوم الذین خرجوا معه إلی الخندق تطیر جزعا وَ هُوَ یَقُولُ:
نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْیِهِ***وَ نَصَرْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ (4) بِصَوَابٍ
فَضَرَبْتُهُ وَ تَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلًا(5)*** كَالْجِذْعِ بَیْنَ دَكَادِكَ وَ رَوَابِیَ
وَ عَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَ لَوْ أَنَّنِی***كُنْتُ الْمُقَطَّرَ بَزَّنِی أَثْوَابِی
لَا تَحْسَبُنَّ اللَّهَ خَاذِلَ دِینِهِ***وَ نَبِیِّهِ یَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ
و قد روی محمد بن عمر الواقدی قال حدثنی عبد اللّٰه بن جعفر عن أبی عون عن الزهری قال جاء عمرو بن عبد ود و عكرمة بن أبی جهل و هبیرة بن أبی وهب و نوفل بن عبد اللّٰه بن المغیرة و ضرار بن الخطاب فی یوم الأحزاب إلی الخندق فجعلوا یطوفون به یطلبون مضیقا منه فیعبرون حتی انتهوا إلی مكان أكرهوا خیولهم فیه فعبرت و جعلوا یجیلون خیلهم (6) فیما بین الخندق و سلع و المسلمون وقوف لا یقدم منهم أحد علیهم و جعل عمرو بن عبد ود یدعو إلی البراز و یعرض للمسلمین (7) و یقول
ص: 254
و لقد بححت من النداء***بجمعهم هل من مبارز
و فی كل ذلك یقوم علیُّ بن أبی طالب علیه السلام (1) لیبارزه فیأمره رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالجلوس انتظاراً منه لیتحرك غیره و المسلمون كأن علی رءوسهم الطیر لمكان عمرو بن عبد ودّ و الخوف منه و ممن معه و وراءه (2) فلما طال نداء عمرو بالبراز و تتابع قیام أمیر المؤمنین علیه السلام قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ادْنُ مِنِّی یَا عَلِیُّ فَدَنَا مِنْهُ فَنَزَعَ عِمَامَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ وَ عَمَّمَهُ بِهَا وَ أَعْطَاهُ سَیْفَهُ وَ قَالَ لَهُ امْضِ لِشَأْنِكَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَعِنْهُ فسعی نحو عمرو و معه جابر بن عبد اللّٰه الأنصاری رحمه اللّٰه لینظر ما یكون منه و من عمرو فلما انتهی أمیر المؤمنین علیه السلام إلیه قال له یا عمرو إنك كنت فی الجاهلیة تقول لا یدعونی أحد إلی ثلاث و اللات و العزی إلا قبلتها أو واحدة منها قال أجل قال فإنی أدعوك إلی شهادة أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا رسول اللّٰه و أن تسلم لرب العالمین قال یا ابن أخ (3) أخر هذه عنی فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام أما إنها خیر لك لو أخذتها ثم قال فهاهنا أخری قال و ما هی قال ترجع من حیث جئت قال لا تحدث نساء قریش بهذا أبدا قال فهاهنا أخری قال و ما هی قال تنزل فتقاتلنی فضحك عمرو و قال إن هذه الخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب یرومنی علیها إنی لأكره أن أقتل الرجل الكریم مثلك و قد كان أبوك لی ندیما قال علی علیه السلام لكنی أحب أن أقتلك فانزل إن شئت فأسف عمرو و نزل و ضرب وجه فرسه حتی رجع فقال جابر رحمه اللّٰه فثارت بینهما قترة فما رأیتهما فسمعت (4) التكبیر تحتها فعلمت أن علیا قد قتله فانكشف أصحابه حتی طفرت خیولهم الخندق و تبادروا (5)
ص: 255
أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله حین سمعوا التكبیر ینظرون ما صنع القوم فوجدوا نوفل بن عبد اللّٰه فی جوف الخندق لم ینهض به فرسه فجعلوا یرمونه بالحجارة فقال لهم قتلة أجمل من هذه ینزل إلی بعضكم أقاتله فنزل إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام فضربه حتی قتله و لحق هبیرة فأعجزه و ضرب (1) قربوس سرجه و سقطت درع كانت علیه (2) و فر عكرمة و هرب ضرار بن الخطاب فقال جابر فما شبهت قتل علی عمرا إلا بما قص اللّٰه من قصة داود و جالوت حیث یقول جل شأنه فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ (3).
و قد روی قیس بن الربیع قال حدثنا أبو هارون العبدی عن ربیعة السعدی قال أتیت حذیفة بن الیمان فقلت له یا أبا عبد اللّٰه إنا لنتحدث عن علی و مناقبه فیقول لنا أهل البصرة إنكم تفرطون فی علی فهل أنت محدثی بحدیث فیه فقال حذیفة یا ربیعة و ما تسألنی عن علی فو الذی نفسی بیده لو وضع جمیع أعمال أصحاب محمد فی كفة المیزان منذ بعث اللّٰه محمدا إلی یوم القیامة (4) و وضع عمل علی علیه السلام فی الكفة الأخری لرجح عمل علی علیه السلام علی جمیع أعمالهم فقال ربیعة هذا الذی لا یقام له و لا یقعد و لا یحمل فقال حذیفة یا لكع و كیف لا یحمل
ص: 256
و أین كان أبو بكر و عمر و حذیفة و جمیع أصحاب محمد صلی اللّٰه علیه و آله یوم عمرو بن عبد ود و قد دعا إلی المبارزة فأحجم الناس كلهم ما خلا علیا علیه السلام فإنه برز إلیه و قتله اللّٰه علی یده (1) و الذی نفس حذیفة بیده لعمله ذلك الیوم أعظم أجرا من عمل (2) أصحاب محمد صلی اللّٰه علیه و آله إلی یوم القیامة.
وَ قَدْ رَوَی (3) هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذٍ قَالَ قَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فِی یَوْمِ الْخَنْدَقِ:
أَ عَلَیَّ تَقْتَحِمُ الْفَوَارِسُ هَكَذَا***عَنِّی وَ عَنْهَا خَبَّرُوا (4) أَصْحَابِی
الْیَوْمَ یَمْنَعُنِی (5) الْفِرَارُ حَفِیظَتِی*** وَ مُصَمِّمٌ فِی الرَّأْسِ لَیْسَ بِنَابِی(6)
أَرْدَیْتُ عَمْراً إِذْ طَغَی بِمُهَنَّدٍ***صَافِی الْحَدِیدِ مُجَرَّبٍ قَضَّابٍ(7)
فَصَدَدْتُ (8) حِینَ تَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلًا*** كَالْجِذْعِ بَیْنَ دَكَادِكَ وَ رَوَابِیَ
وَ عَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَ لَوْ أَنَّنِی*** كُنْتُ الْمُقَطَّرَ بَزَّنِی أَثْوَابِی
(9).
وَ رَوَی یُونُسُ بْنُ بُكَیْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا قَتَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَمْراً أَقْبَلَ نَحْوَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ وَجْهُهُ یَتَهَلَّلُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هَلَّا سَلَبْتَ یَا عَلِیُّ دِرْعَهُ فَإِنَّهَا لَیْسَ (10) فِی الْعَرَبِ دِرْعٌ مِثْلُهَا فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ
ص: 257
إِنِّی اسْتَحْیَیْتُ (1) أَنْ أَكْشِفَ سَوْءَةَ ابْنِ عَمِّی. (2).
و روی عمر بن (3) الأزهر عن عمرو بن عبید عن الحسن أن علیا علیه السلام لما قتل عمرو بن عبد ود اجتز رأسه و حمله فألقاه بین یدی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقام أبو بكر و عمر فقبلا رأس علی علیه السلام.
و روی علی بن الحكیم الأودی قال سمعت أبا بكر بن عیاش یقول لقد ضرب علی ضربة ما كان فی الإسلام (4) أعز منها یعنی ضربة عمرو بن عبد ود و لقد ضرب علیه السلام ضربة ما ضرب (5) فی الإسلام أشأم منها یعنی ضربة ابن ملجم لعنه اللّٰه.
و فی الأحزاب أنزل اللّٰه تعالی إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِیداً وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً إلی قوله وَ كَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ وَ كانَ اللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزاً فتوجه العتب إلیهم و التوبیخ و التقریع (6) و لم ینج من ذلك أحد بالاتفاق إلا أمیر المؤمنین علیه السلام إذ كان الفتح له و علی یدیه و كان قتله عمرا و نوفل بن عبد اللّٰه سبب هزیمة المشركین و قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعد قتله هؤلاء النفر الآن نغزوهم و لا یغزونا و قد روی یوسف بن كلیب عن سفیان بن زید عن قرة و
ص: 258
غیره عن عبد اللّٰه بن مسعود أنه كان یقرأ و كفی اللّٰه المؤمنین القتال بعلی و كان اللّٰه قویا عزیزا. (1) و فی قتل عمرو بن عبد ود یقول حسان بن ثابت:
أمسی الفتی عمرو بن عبد یبتغی*** بجنوب (2) یثرب غارة لم تنظر (3)
و لقد (4) وجدت سیوفنا مشهورة***و لقد وجدت جیادنا لم تقصر
و لقد رأیت غداة بدر عصبة***ضربوك ضربا غیر ضرب المحسر(5)
أصبحت لا تدعی لیوم عظیمة***یا عمرو أو لجسیم أمر منكر
و یقال إنه لما بلغ شعر حسان بن ثابت بنی عامر أجابه فتی منهم فقال یرد علیه فی افتخاره بالأنصار (6)
كذبتم و بیت اللّٰه لا تقتلوننا(7)*** و لكن بسیف الهاشمیین فافخروا.
بسیف ابن عبد اللّٰه أحمد فی الوغی***بكف علی نلتم ذاك فاقصروا
و لم تقتلوا (8) عمرو بن عبد ببأسكم*** و لكنه الكفو الهزبر الغضنفر
علی الذی فی الفخر طال بناؤه(9)*** و لا تكثروا الدعوی علینا فتحقروا
ببدر خرجتم للبراز فردكم*** شیوخ قریش جهرة و تأخروا
فلما أتاهم حمزة و عبیدة*** و جاء علی بالمهند یخطر
ص: 259
فقالوا نعم أكفاء صدق فأقبلوا***إلیهم سراعا إذ بغوا و تجبروا
فجال علی جولة هاشمیة*** فدمرهم لما عتوا و تكبروا
فلیس لكم فخر علینا بغیرنا***و لیس لكم فخر یعد و یذكر
و قد روی أحمد بن عبد العزیز قال حدثنا سلیمان بن أیوب عن أبی الحسن المدائنی قال لما قتل علی بن أبی طالب علیه السلام عمرو بن عبد ود نعی إلی أخته فقالت من ذا الذی اجترأ علیه فقالوا ابن أبی طالب علیه السلام فقالت لم یعد موته (1) علی ید كفو كریم لا رقأت دمعتی إن هرقتها علیه قتل الأبطال و بارز الأقران و كانت منیته (2) علی ید كفو كریم من قومه ما سمعت بأفخر من هذا یا بنی عامر.
ثم أنشأت تقول:
لو كان قاتل عمرو غیر قاتله*** لكنت أبكی علیه آخر الأبد
لكن قاتل عمرو (3) لا یعاب به*** من كان یدعی قدیما بیضة البلد(4)
و قالت أیضا فی قتل أخیها و ذكر علی بن أبی طالب صلوات اللّٰه و سلامه علیه
أسدان فی ضیق المكر (5) تصاولا***و كلاهما كفو كریم باسل
ص: 260
فتخالسا مهج النفوس كلاهما***وسط المدار مخایل و مقاتل.
و كلاهما حضر القراع حفیظة*** لم یثنه (1) عن ذاك شغل شاغل.
فاذهب علی فما ظفرت بمثله*** قول سدید لیس فیه تحامل. (2) و الثأر (3)
عندی یا علی فلیتنی***أدركته و العقل منی كامل
ذلت قریش بعد مقتل (4) فارس***فالذل مهلكها و خزی شامل
ثم قالت و اللّٰه لا ثأرت قریش بأخی ما حنت النیب.
و لما انهزم الأحزاب و ولوا عن المسلمین الدبر عمل رسول اللّٰه علی قصد بنی قریظة و أنفذ أمیر المؤمنین (5) علیه السلام إلیهم فی ثلاثین من الخزرج و قال له انظر بنی قریظة هل نزلوا حصونهم فلما شارف سورهم سمع منهم الهجر فرجع إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأخبره فقال دعهم فإن اللّٰه سیمكن منهم إن الذی أمكنك من عمرو بن عبد ود لا یخذلك فقف حتی یجتمع الناس إلیك و أبشر بنصر من عند اللّٰه فإن اللّٰه تعالی قد نصرنی بالرعب من بین یدی مسیرة شهر قال علی علیه السلام فاجتمع الناس إلی و سرت حتی دنوت من سورهم فأشرفوا علی فلما رأونی (6) صاح صائح منهم قد جاءكم قاتل عمرو و قال آخر (7) قد أقبل إلیكم قاتل عمرو و جعل بعضهم یصیح ببعض و یقولون ذلك و ألقی اللّٰه فی قلوبهم الرعب و سمعت راجزا یرتجز:
قتل علی عمرا***صاد علی صقرا
ص: 261
قصم علی ظهرا***أبرم علی أمرا
هتك علی سترا
فقلت الحمد لله الذی أظهر الإسلام و قمع الشرك و كان النبی صلی اللّٰه علیه و آله قال لی حین توجهت إلی بنی قریظة سر علی بركة اللّٰه تعالی فإن اللّٰه قد وعدكم أرضهم و دیارهم فسرت متیقنا لنصر اللّٰه (1) عز و جل حتی ركزت الرایة فی أصل الحصن فاستقبلونی (2) فی صیاصیهم یسبون رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما سمعت سبهم له كرهت أن یسمع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ذلك فعملت علی الرجوع إلیه فإذا به صلی اللّٰه علیه و آله قد طلع و سمع سبهم له فناداهم یا إخوة القردة و الخنازیر إنا إذا حللنا (3) بساحة قوم فساء صباح المنذرین فقالوا له یا أبا القاسم ما كنت جهولا و لا سبابا فاستحیا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و رجع القهقری قلیلا ثم أمر فضربت (4) خیمته بإزاء حصونهم فأقام (5) النبی صلی اللّٰه علیه و آله حاصرا (6) لبنی قریظة خمسا و عشرین لیلة حتی سألوه النزول علی حكم سعد بن معاذ فحكم فیهم سعد بقتل الرجال و سبی الذراری و النساء و قسمة الأموال فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله یا سعد لقد حكمت فیهم بحكم اللّٰه (7) من فوق سبعة أرقعة و أمر النبی صلی اللّٰه علیه و آله بإنزال الرجال منهم و كانوا تسعمائة (8) رجل فجی ء بهم إلی المدینة و قسم الأموال و استرق الذراری و النسوان و لما جی ء بالأساری إلی المدینة حبسوا فی دار من دور بنی النجار (9) و خرج رسول
ص: 262
اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی موضع السوق الیوم فخندق فیه خنادق (1) و حضر أمیر المؤمنین علیه السلام و معه المسلمون و أمر بهم أن یخرجوا و تقدم إلی أمیر المؤمنین علیه السلام أن یضرب أعناقهم فی الخندق فأخرجوا أرسالا و فیهم حیی بن أخطب و كعب بن أسد و هما إذ ذاك رئیسا القوم فقالوا لكعب بن أسد و هم یذهب بهم إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یا كعب ما تراه یصنع بنا فقال فی كل موطن لا تعقلون أ لا ترون الداعی لا ینزع و من ذهب منكم لا یرجع هو و اللّٰه القتل و جی ء بحیی بن أخطب مجموعة یداه إلی عنقه فلما نظر إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال أما و اللّٰه ما لمت نفسی علی عداوتك و لكن من یخذل اللّٰه یخذل ثم أقبل علی الناس فقال أیها الناس إنه لا بد من أمر اللّٰه كتاب و قدر و ملحمة كتبت علی بنی إسرائیل ثم أقیم بین یدی أمیر المؤمنین علیه السلام و هو یقول قتلة شریفة بید شریف فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام إن خیار الناس یقتلون شرارهم و شرارهم (2) یقتلون خیارهم فالویل لمن قتله الأخیار الأشراف و السعادة لمن قتله الأرذال الكفار فقال صدقت لا تسلبنی حلتی فقال هی أهون علی من ذاك فقال سترتنی سترك اللّٰه و مد عنقه فضربها علی علیه السلام و لم یسلبه من بینهم ثم قال أمیر المؤمنین علیه السلام لمن جاء به ما كان یقول حیی و هو یقاد إلی الموت قال (3) كان یقول (4)
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه*** و لكنه من یخذل اللّٰه یخذل
فجاهد حتی بلغ النفس جهدها*** و حاول یبقی العز كل مقلقل
(5) فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ
ص: 263
لَقَدْ كَانَ ذَا جِدٍّ وَ جَدَّ (1) بِكُفْرِهِ*** فَقِیدَ إِلَیْنَا فِی الْمَجَامِعِ (2) یُعْتَلُ. (3)
فَقَلَّدْتُهُ بِالسَّیْفِ ضَرْبَةَ مُحْفِظٍ (4)***فَصَارَ إِلَی قَعْرِ (5) الْجَحِیمِ یُكَبَّلُ(6)
فَذَاكَ مَآبُ الْكَافِرِینَ وَ مَنْ یُطِعْ*** لِأَمْرِ إِلَهِ الْخَلْقِ فِی الْخُلْدِ یَنْزِلُ
(7) و اصطفی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من نسائهم بنت عمرة خناقة (8) و قتل من نسائهم امرأة واحدة كانت أرسلت علیه حجرا و قد جاء (9) بالیهود یناظرهم قبل مباینتهم له فسلمه اللّٰه تعالی من ذلك الحجر (10) و كان الظفر ببنی قریظة و فتح اللّٰه علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله بأمیر المؤمنین علیه السلام و ما كان من قتله من قتل منهم و ما ألقاه اللّٰه عز و جل فی قلوبهم من الرعب فیه (11) و ماثلت هذه الفضیلة ما تقدمها من فضائله و شابهت هذه المنقبة ما سلف ذكره من مناقبه علیه السلام. (12).
بیان: قوله إلا قری أی ضیافة قوله تعنق بهم من باب الإفعال أی تسرع و العنق بالتحریك ضرب من سیر الدابة و سلع جبیل بالمدینة قوله علیه السلام نصر الحجارة أقول
فی الدیوان المنسوب إلیه علیه السلام زیادة و تغییر
أَ عَلَیَّ تَقْتَحِمُ الْفَوَارِسُ هَكَذَا***عَنِّی وَ عَنْهُمْ أَخِّرُوا أَصْحَابِی
ص: 264
الْیَوْمَ تَمْنَعُنِی الْفِرَارُ حَفِیظَتِی***وَ مُصَمِّمٌ فِی الْهَامِ لَیْسَ بِنَابِی (1)
آلَی ابْنُ عَبْدٍ حِینَ شَدَّ إِلَیَّةً***وَ حَلَفْتُ فَاسْتَمِعُوا مَنِ الْكَذَّابُ
أَنْ لَا یَصُدَّ (2) وَ لَا یُهَلِّلَ فَالْتَقَی***رَجُلَانِ یَضْطَرِبَانِ كُلَّ ضِرَابٍ فَصَدَدْتُ حِینَ رَأَیْتُهُ مُتَقَطِّراً***كَالْجِذْعِ بَیْنَ دَكَادِكَ وَ رَوَابِیَ
وَ عَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَ لَوْ أَنَّنِی***كُنْتُ الْمُقَطَّرَ بَزَّنِی أَثْوَابِی
عَبَدَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ (3) رَأْیِهِ***وَ عَبَدْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابٍ
عَرَفَ ابْنُ عَبْدٍ حِینَ أَبْصَرَ صَارِماً***یَهْتَزُّ أَنَّ الْأَمْرَ غَیْرُ لِعَابٍ
أَرْدَیْتُ عَمْراً إِذْ طَغَی بِمُهَنَّدٍ***صَافِی الْحَدِیدِ مُهَذَّبٍ قَضَّابٍ
لَا تَحْسَبُوا الرَّحْمَنَ خَاذِلَ دِینِهِ***وَ نَبِیِّهِ یَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ(4).
قوله علیه السلام أخروا أصحابی أی أخروا أنفسكم یا أصحابی و یحتمل أن یكون أصحابی مفعولا و الحفیظة الغضب و الحمیة و صمم السیف أی مضی فی العظم و قطعه و یقال نبا السیف إذا لم یعمل فی الضریبة قوله آلی أی حلف و الإلیة بكسر اللام و تشدید الیاء الیمین و شد علیه أی حمل علیه قوله أن لا یصد أی لا یعرض عن الحرب و لا یرجع و لا یهلل أی لا یسلم و الاضطراب التضارب و قطره تقطیرا أی ألقاه علی أحد جنبیه فتقطر و الدكادك جمع الدكداك و هو ما التبد من الرمل بالأرض و لم یرتفع و الرابیة ما ارتفع من الأرض و یقال طعنه فجدله أی رماه بالأرض فانجدل أی سقط و بزه ثوبه أی سلبه (5) و الصارم السیف القاطع و الاهتزاز التحرك قوله غیر لعاب أی ملاعبة و المهند السیف المطبوع من حدید الهند و القضب القطع قوله
ص: 265
كأن علی رءوسهم الطیر أی لا یتحركون للخوف فإن الطیر إنما یجلس علی شی ء ساكن أو لأن من كان علی رأسه طیر یرید أن یصیده لا یتحرك و أسف علیه كعلم غضب و القترة بالتحریك الغبار و أحجم عن الأمر كف و تأخر و خطر الرجل بسیفه رفعه مرة و وضعه أخری قولها لم یعد موته أی لم یتجاوز موته عن أن كان علی ید كفو كریم و قولها لا رقأت دمعتی دعاء علی نفسها علی وجه الحلف أی لا سكنت دمعتی أبدا إن صببتها علیه بعد سماع هذا الخبر و بیضة البلد واحده الذی یجتمع إلیه و یقبل قوله و التصاول التواثب و الباسل الشجاع قولها وسط المدار أی علیهما یدور أمر الحرب أو كل أمر و المخاتلة المخادعة و قال الجوهری الناب المسنة من النوق و الجمع النیب و فی المثل لا أفعل ذلك ما حنت النیب (1) و قال عتلت الرجل أعتِله و أعتُله إذا جذبته جذبا عنیفا.
«20»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ مُعَنْعَناً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ (2) قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنَ الْأَحْزَابِ قَالَ لَهُ جَبْرَئِیلُ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ وَضَعْتَ السِّلَاحَ مَا زِلْتُ بِمَنْ مَعِی مِنَ الْمَلَائِكَةِ نَسُوقُ الْمُشْرِكِینَ حَتَّی نَزَلْنَا بِهِمْ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ اخْرُجْ وَ قَدْ أُمِرْتَ بِقِتَالِهِمْ وَ إِنِّی غَادٍ بِمَنْ مَعِی فَنُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ حَتَّی تَلْحَقُونَا فَأَعْطَی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ الرَّایَةَ وَ خَرَجَ فِی أَثَرِ (3) جَبْرَئِیلَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ تَخَلَّفَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ لَحِقَهُمْ فَجَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِأَحَدٍ فَقَالَ مَرَّ بِكُمُ الْفَارِسُ فَقَالُوا مَرَّ بِنَا دِحْیَةُ بْنُ خَلِیفَةَ وَ كَانَ جَبْرَئِیلُ یُشْبِهُ بِهِ قَالَ فَخَرَجَ یَوْمَئِذٍ عَلَی فَرَسٍ وُكِفَ (4) بِقَطِیفَةِ أُرْجُوَانٍ أَحْمَرَ (5) فَلَمَّا نَزَلَتْ بِهِمْ جُنُودُ اللَّهِ نَادَی مُنَادِیهِمْ
ص: 266
یَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ (1) مَا لَكَ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله هَذَا یَدْعُونَ فَأْتِهِمْ وَ قُلْ مَعْرُوفاً فَلَمَّا اطَّلَعَ عَلَیْهِمْ انْتَحَبُوا فِی وَجْهِهِ یَبْكُونَ وَ قَالُوا یَا أَبَا لُبَابَةَ لَا طَاقَةَ لَنَا الْیَوْمَ بِقِتَالِ مَنْ وَرَاءَكَ (2).
«21»-مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ وَ أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِیسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِیعاً عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أُحِلَّ لَكُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ الرَّفَثُ إِلی نِسائِكُمْ (3) الْآیَةَ فَقَالَ نَزَلَتْ فِی خَوَّاتِ بْنِ جُبَیْرٍ الْأَنْصَارِیِّ وَ كَانَ مَعَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْخَنْدَقِ وَ هُوَ صَائِمٌ فَأَمْسَی وَ هُوَ عَلَی تِلْكَ الْحَالِ وَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ هَذِهِ الْآیَةُ إِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ حُرِّمَ عَلَیْهِ الطَّعَامُ وَ الشَّرَابُ فَجَاءَ خَوَّاتٌ إِلَی أَهْلِهِ حِینَ أَمْسَی فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ فَقَالُوا لَا تَنَمْ (4) حَتَّی نُصْلِحَ لَكَ طَعَاماً فَاتَّكَأَ فَنَامَ فَقَالُوا لَهُ قَدْ فَعَلْتَ قَالَ نَعَمْ فَبَاتَ عَلَی تِلْكَ الْحَالِ فَأَصْبَحَ ثُمَّ غَدَا إِلَی الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ یُغْشَی عَلَیْهِ فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا رَأَی الَّذِی بِهِ أَخْبَرَهُ كَیْفَ كَانَ أَمْرُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِیهِ الْآیَةَ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَكُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (5).
«22»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: تَأْتِی مَسْجِدَ الْأَحْزَابِ فَتُصَلِّی فِیهِ وَ تَدْعُو اللَّهَ فِیهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله دَعَا فِیهِ یَوْمَ الْأَحْزَابِ وَ قَالَ یَا صَرِیخَ الْمَكْرُوبِینَ وَ یَا مُجِیبَ (6) الْمُضْطَرِّینَ وَ یَا مُغِیثَ الْمَهْمُومِینَ اكْشِفْ هَمِّی وَ كَرْبِی (7) فَقَدْ تَرَی
ص: 267
حَالِی وَ حَالَ أَصْحَابِی (1).
«23»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی التَّلِّ الَّذِی عَلَیْهِ مَسْجِدُ الْفَتْحِ فِی غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ فِی لَیْلَةٍ ظَلْمَاءَ قَرَّةٍ فَقَالَ مَنْ یَذْهَبُ فَیَأْتِیَنَا بِخَبَرِهِمْ وَ لَهُ الْجَنَّةُ فَلَمْ یَقُمْ أَحَدٌ ثُمَّ أَعَادَهَا فَلَمْ یَقُمْ أَحَدٌ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِیَدِهِ وَ مَا أَرَادَ الْقَوْمُ أَرَادُوا أَفْضَلَ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ قَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ حُذَیْفَةُ فَقَالَ أَ مَا تَسْمَعُ كَلَامِی مُنْذُ اللَّیْلَةِ وَ لَا تَكَلَّمُ اقْتَرِبْ (2) فَقَامَ حُذَیْفَةُ وَ هُوَ یَقُولُ الْقُرُّ وَ الضُّرُّ جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاكَ مَنَعَنِی أَنْ أُجِیبَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله انْطَلِقْ حَتَّی تَسْمَعَ كَلَامَهُمْ وَ تَأْتِیَنِی بِخَبَرِهِمْ فَلَمَّا ذَهَبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ یَمِینِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ حَتَّی تَرُدَّهُ وَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا حُذَیْفَةُ لَا تُحْدِثْ شَیْئاً حَتَّی تَأْتِیَنِی فَأَخَذَ سَیْفَهُ وَ قَوْسَهُ وَ حَجَفَتَهُ (3) قَالَ حُذَیْفَةُ فَخَرَجْتُ وَ مَا لِی (4) مِنْ ضُرٍّ وَ لَا قُرٍّ فَمَرَرْتُ عَلَی بَابِ الْخَنْدَقِ وَ قَدِ اعْتَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْكُفَّارُ فَلَمَّا تَوَجَّهَ حُذَیْفَةُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ نَادَی یَا صَرِیخَ الْمَكْرُوبِینَ وَ یَا مُجِیبَ الْمُضْطَرِّینَ اكْشِفْ هَمِّی وَ غَمِّی وَ كَرْبِی فَقَدْ تَرَی حَالِی وَ حَالَ أَصْحَابِی فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ سَمِعَ مَقَالَتَكَ وَ دُعَاءَكَ وَ قَدْ أَجَابَكَ وَ كَفَاكَ هَوْلَ عَدُوِّكَ فَجَثَا (5) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی رُكْبَتَیْهِ وَ بَسَطَ یَدَیْهِ وَ أَرْسَلَ عَیْنَیْهِ ثُمَّ قَالَ شُكْراً شُكْراً كَمَا رَحِمْتَنِی وَ رَحِمْتَ أَصْحَابِی ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْهِمْ رِیحاً مِنْ سَمَاءِ الدُّنْیَا فِیهَا حَصًی وَ رِیحاً مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فِیهَا جَنْدَلٌ قَالَ حُذَیْفَةُ فَخَرَجْتُ فَإِذَا أَنَا بِنِیرَانِ الْقَوْمِ وَ أَقْبَلَ جُنْدُ اللَّهِ الْأَوَّلُ
ص: 268
رِیحٌ فِیهَا حَصًی فَمَا تَرَكْتُ لَهُمْ نَاراً إِلَّا أَذْرَتْهَا وَ لَا خِبَاءً إِلَّا طَرَحَتْهُ وَ لَا رُمْحاً إِلَّا أَلْقَتْهُ حَتَّی جَعَلُوا یَتَتَرَّسُونَ مِنَ الْحَصَی فَجَعَلْنَا نَسْمَعُ وَقْعَ الْحَصَی فِی الْأَتْرِسَةِ فَجَلَسَ حُذَیْفَةُ بَیْنَ رَجُلَیْنِ مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَقَامَ إِبْلِیسُ فِی صُورَةِ رَجُلٍ مُطَاعٍ (1) فِی الْمُشْرِكِینَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ قَدْ نَزَلْتُمْ بِسَاحَةِ هَذَا السَّاحِرِ الْكَذَّابِ أَلَا وَ إِنَّهُ لَنْ یَفُوتَكُمْ مِنْ أَمْرِهِ شَیْ ءٌ فَإِنَّهُ لَیْسَ سَنَةَ مُقَامٍ قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَ الْحَافِرُ فَارْجِعُوا فَلْیَنْظُرْ (2) كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَنْ جَلِیسُهُ قَالَ حُذَیْفَةُ فَنَظَرْتُ عَنْ یَمِینِی فَضَرَبْتُ بِیَدِی فَقُلْتُ مَنْ أَنْتَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ فَقُلْتُ لِلَّذِی عَنْ یَسَارِی مَنْ أَنْتَ فَقَالَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حُذَیْفَةُ وَ أَقْبَلَ جُنْدُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فَقَامَ أَبُو سُفْیَانَ إِلَی رَاحِلَتِهِ ثُمَّ صَاحَ فِی قُرَیْشٍ النَّجَاءَ النَّجَاءَ وَ قَالَ طَلْحَةُ الْأَزْدِیُّ لَقَدْ رَادَّكُمْ (3) مُحَمَّدٌ بِشَرٍّ ثُمَّ قَامَ إِلَی رَاحِلَتِهِ وَ صَاحَ فِی بَنِی أَشْجَعَ النَّجَاءَ النَّجَاءَ وَ فَعَلَ عُیَیْنَةُ بْنُ حِصْنٍ مِثْلَهَا ثُمَّ فَعَلَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِیُّ مِثْلَهَا ثُمَّ فَعَلَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ مِثْلَهَا وَ ذَهَبَ الْأَحْزَابُ وَ رَجَعَ حُذَیْفَةُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنَّهُ كَانَ لَیُشْبِهُ (4) بِیَوْمِ الْقِیَامَةِ (5).
ص: 269
بیان: القر بالضم البرد و الضر بالضم سوء الحال و الجندل الحجارة و هی أكبر من الحصی قوله النجاء قال الجزری هو مصدر منصوب بفعل مضمر أی أنجو النجاء و تكراره للتأكید و النجاء السرعة و نجا من الأرض خلص و أنجاه غیره و الرود الطلب.
«24»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ سَهْلٍ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا حَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْخَنْدَقَ مَرُّوا بِكُدْیَةٍ فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمِعْوَلَ مِنْ یَدِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَوْ مِنْ یَدِ سَلْمَانَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَرَبَ بِهَا ضَرْبَةً فَتَفَرَّقَ بِثَلَاثِ فِرْقٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَقَدْ فُتِحَ عَلَیَّ فِی ضَرْبَتِی هَذِهِ
ص: 270
كُنُوزُ كِسْرَی وَ قَیْصَرَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ یَعِدُنَا كُنُوزَ كِسْرَی وَ قَیْصَرَ وَ مَا یَقْدِرُ أَحَدُنَا یَخْرُجُ یَتَخَلَّی.
بیان: الكدیة بالضم الأرض الصلبة و الضمیر فی أحدهما راجع إلی أبی بكر و عمر.
أقول قد مضی كثیر من أخبار تلك الواقعة فی أبواب المعجزات.
و ذكر الطبرسی فی إعلام الوری و ابن شهرآشوب فی المناقب نحوا مما مر و قالا كان غزوة الخندق فی شوال سنة خمس (1).
ص: 271
«25»-وَ قَالَ ابْنُ شَهْرَآشُوبَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ ثَمَانِیَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ وَ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَی الْخَمْرِ وَ الْغِنَاءِ وَ الْمَدَدِ وَ الشَّوْكَةِ وَ الْمُسْلِمُونَ كَأَنَّ عَلَی رُءُوسِهِمُ الطَّیْرَ لِمَكَانِ عَمْرٍو وَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله جَاثٍ عَلَی رُكْبَتَیْهِ بَاسِطٌ یَدَیْهِ بَاكٍ عینیه (عَیْنَاهُ) یُنَادِی بِأَشْجَی صَوْتٍ یَا صَرِیخَ الْمَكْرُوبِینَ یَا مُجِیبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّینَ اكْشِفْ هَمِّی وَ كَرْبِی فَقَدْ تَرَی حَالِی وَ دَعَا عَلَیْهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِیعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الْأَحْزَابَ وَ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِی قُرَیْظَةَ فِی ذِی الْقَعْدَةِ (1).
«26»-وَ قَالَ الطَّبْرِسِیُّ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ وَ دَخَلَ الْمَدِینَةَ ضَرَبَتْ لَهُ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ غَسُولًا فَهِیَ تَغْسِلُ رَأْسَهُ إِذْ أَتَاهُ جَبْرَئِیلُ عَلَی بَغْلَةٍ مُعْتَجِراً بِعِمَامَةٍ بَیْضَاءَ عَلَیْهِ قَطِیفَةٌ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ مُعَلَّقٌ عَلَیْهَا الدُّرُّ وَ الْیَاقُوتُ عَلَیْهِ الْغُبَارُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَمَسَحَ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِیلُ رَحِمَكَ رَبُّكَ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَ لَمْ یَضَعْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ مَا زِلْتُ أَتَّبِعُهُمْ حَتَّی بَلَغْتُ الرَّوْحَاءَ ثُمَّ قَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ انْهَضْ إِلَی إِخْوَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَوَ اللَّهِ لَأُدِقَّنَّهُمْ دَقَّ الْبَیْضَةِ عَلَی الصَّخْرَةِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً فَقَالَ قَدِّمْ رَایَةَ الْمُهَاجِرِینَ إِلَی بَنِی قُرَیْظَةَ وَ قَالَ عَزَمْتُ عَلَیْكُمْ أَنْ لَا تُصَلُّوا الْعَصْرَ إِلَّا فِی بَنِی قُرَیْظَةَ فَأَقْبَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَ بَنُو النَّجَّارِ كُلُّهَا لَمْ یَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَ جَعَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یُسَرِّبُ (2) إِلَیْهِ الرِّجَالَ فَمَا صَلَّی بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ إِلَّا بَعْدَ الْعِشَاءِ فَأَشْرَفُوا عَلَیْهِ وَ سَبُّوهُ وَ قَالُوا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ وَ بِابْنِ عَمِّكَ وَ هُوَ وَاقِفٌ لَا یُجِیبُهُمْ فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ تَلَقَّاهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَالَ لَا تَأْتِهِمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاكَ فَإِنَّ اللَّهَ سَیَجْزِیهِمْ (3) فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ص
ص: 272
أَنَّهُمْ قَدْ شَتَمُوهُ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُمْ لَوْ رَأَوْنِی مَا قَالُوا شَیْئاً مِمَّا سَمِعْتَ وَ أَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ یَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِینَ یَا عِبَادَ الطَّوَاغِیتِ اخْسَئُوا أَخْسَأَكُمُ اللَّهُ فَصَاحُوا یَمِیناً وَ شِمَالًا یَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْتَ فَحَّاشاً فَمَا بَدَا لَكَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَسَقَطَتِ الْعَنَزَةُ مِنْ یَدِهِ وَ سَقَطَ رِدَاؤُهُ مِنْ خَلْفِهِ وَ رَجَعَ یَمْشِی إِلَی وَرَائِهِ حَیَاءً مِمَّا قَالَ لَهُمْ (1).
«27»-أَقُولُ قَالَ عَبْدُ الْحَمِیدِ بْنُ أَبِی الْحَدِیدِ فِی شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ، فَأَمَّا الْجِرَاحَةُ الَّتِی جَرَحَهَا یَوْمَ الْخَنْدَقِ إِلَی عَمْرِو بْنِ عَبْدٍ (2) فَإِنَّهَا أَجَلُّ مِنْ أَنْ یُقَالَ جَلِیلَةٌ وَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ یُقَالَ عَظِیمَةٌ وَ مَا هِیَ إِلَّا كَمَا قَالَ شَیْخُنَا أَبُو الْهُذَیْلِ وَ قَدْ سَأَلَهُ سَائِلٌ أَیُّمَا أَعْظَمُ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ عَلِیٌّ أَمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ یَا ابْنَ أَخِی وَ اللَّهِ لَمُبَارَزَةُ عَلِیٍّ عَمْراً یَوْمَ الْخَنْدَقِ تَعْدِلُ أَعْمَالَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ طَاعَاتِهِمْ كُلَّهَا فَضْلًا عَنْ أَبِی بَكْرٍ وَحْدَهُ.
وَ قَدْ رُوِیَ عَنْ حُذَیْفَةَ بْنِ الْیَمَانِ مَا یُنَاسِبُ هَذَا بَلْ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرَ حُذَیْفَةَ كَمَا مَرَّ فِی رِوَایَةِ الْمُفِیدِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ ذَكَرَ أَكْثَرَ الرِّوَایَاتِ الَّتِی رَوَاهَا الْمُفِیدُ فِی هَذَا الْبَابِ.
وَ قَالَ وَ جَاءَ فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ ذَلِكَ الْیَوْمُ حِینَ بَرَزَ إِلَیْهِ بَرَزَ الْإِیمَانُ كُلُّهُ إِلَی الشِّرْكِ كُلِّهِ.
وَ فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ عِنْدَ قَتْلِ عَمْرٍو ذَهَبَ رِیحُهُمْ وَ لَا یَغْزُونَنَا بَعْدَ الْیَوْمِ وَ نَحْنُ نَغْزُوهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (3) ثُمَّ سَاقَ الْقِصَّةَ إِلَی أَنْ قَالَ فَقَالَ عَمْرٌو مَنْ أَنْتَ وَ كَانَ شَیْخاً كَبِیراً قَدْ جَاوَزَ
ص: 273
الثَّمَانِینَ وَ كَانَ نَدِیمَ أَبِی طَالِبٍ فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَانْتَسَبَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَهُ وَ قَالَ أَنَا ابْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ أَجَلْ لَقَدْ كَانَ أَبُوكَ نَدِیماً لِی وَ صَدِیقاً فَارْجِعْ فَإِنِّی لَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ وَ كَانَ شَیْخُنَا أَبُو الْخَیْرِ مُصَدِّقُ بْنُ شَبِیبٍ النَّحْوِیُّ یَقُولُ إِذَا مَرَرْنَا فِی الْقِرَاءَةِ عَلَیْهِ بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَ اللَّهِ مَا أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ إِبْقَاءً عَلَیْهِ بَلْ خَوْفاً مِنْهُ فَقَدْ عَرَفَ قَتْلَاهُ بِبَدْرٍ وَ أُحُدٍ وَ عَلِمَ أَنَّهُ إِنْ نَاهَضَهُ قَتَلَهُ فَاسْتَحْیَا أَنْ یُظْهِرَ الْفَشَلَ فَأَظْهَرَ الْإِبْقَاءَ وَ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ فِیهَا ثُمَّ سَاقَ الْقِصَّةَ إِلَی أَنْ قَالَ لَمَّا قُتِلَ عَمْرٌو فَرَّ أَصْحَابُهُ لِیَعْبُرُوا الْخَنْدَقَ فَطَفَرَتْ بِهِمْ خَیْلُهُمْ إِلَّا نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَصَرَ فَرَسُهُ فَوَقَعَ فِی الْخَنْدَقِ فَنَزَلَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَتَلَهُ وَ نَاوَشَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ضِرَارَ بْنَ عَمْرٍو فَحَمَلَ عَلَیْهِ ضِرَارٌ حَتَّی إِذَا وَجَدَ عُمَرُ مَسَّ الرُّمْحِ رَفَعَهُ عَنْهُ وَ قَالَ إِنَّهَا لَنِعْمَةٌ مَشْكُورَةٌ فَاحْفَظْهَا یَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّی كُنْتُ آلَیْتُ أَنْ لَا یُمْكِنَنِی یَدَایَ مِنْ قَتْلِ قُرَشِیٍّ فَأَقْتُلَهُ وَ انْصَرَفَ ضِرَارٌ رَاجِعاً إِلَی أَصْحَابِهِ وَ قَدْ كَانَ جَرَی لَهُ مَعَهُ مِثْلُ هَذِهِ فِی یَوْمِ أُحُدٍ- ذَكَرَهُمَا الْوَاقِدِیُّ فِی كِتَابِ الْمَغَازِی (1).
«28»-أقول و قال الكازرونی إن بنی قریظة لما حوصروا بعثوا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن ابعث إلینا أبا لبابة عبد المنذر أخا بنی عمرو بن عوف و كانوا حلفاء الأوس نستشیره فی أمورنا فأرسله صلی اللّٰه علیه و آله إلیهم فلما رأوه قام إلیه الرجال و جهش (2) إلیه الصبیان
ص: 274
و النساء یبكون فی وجهه فَرَقَّ لهم فقالوا یا با لبابة أ تری أن ننزل علی حكم محمد قال نعم و أشار بیده إلی حلقه أنه الذبح قال أبو لبابة فو اللّٰه ما زالت قدمای حتی عرفت أنی قد خنت اللّٰه و رسوله ثم انطلق أبو لبابة علی وجهه و لم یأت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی ارتبط فی المسجد إلی عمود من عمده قال لا أبرح مكانی حتی یتوب اللّٰه علی مما صنعت و عاهد اللّٰه لا یطأ بنی قریظة أبدا و لا یرانی (1) اللّٰه فی بلد خنت اللّٰه و رسوله فیه أبدا (2) فلما بلغ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خبره و أبطأ علیه (3) قال أما إنه لو جاءنی لاستغفرت له فأما إذا فعل (4) ما فعل ما أنا بالذی أطلقه عن مكانه حتی یتوب اللّٰه علیه ثم إن اللّٰه أنزل توبة أبی لبابة علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (5) و هو فی بیت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یضحك فقلت مم تضحك یا رسول اللّٰه أضحك اللّٰه سنك قال تیب علی أبی لبابة فقلت أ لا أبشره بذلك یا رسول اللّٰه قال بلی إن شئت قال فقامت علی باب حجرتها و ذلك قبل أن یضرب علیهن الحجاب فقالت یا با لبابة أبشر فقد تاب اللّٰه علیك قال فثار الناس علیه لیطلقوه قال لا و اللّٰه حتی یكون رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله هو الذی یطلقنی بیده فلما مر علیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خارجا إلی الصبح أطلقه. (6).
ص: 275
قال ثم إن ثعلبة بن سعیة و أسید بن سعیة (1) و أسید بن عبید (2) و هم نفر من بنی هذیل (3) لیسوا من بنی قریظة و لا النضیر نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك اللیلة التی نزلت فیها بنو قریظة علی حكم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله.
و خرج فی تلك اللیلة عمرو بن سعدی القرظی فمر بحرس رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و علیها محمد بن مسلمة الأنصاری تلك اللیلة فلما رآه قال من هذا قال عمرو بن سعدی و كان عمرو قد أبی أن یدخل مع بنی قریظة فی غدرهم برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قال لا أغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حین عرفه اللّٰهم لا تحرمنی عثرات الكرام (4) ثم خلی سبیله فخرج علی وجهه حتی بات فی مسجد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالمدینة تلك اللیلة ثم ذهب فلا یدری أین ذهب من أرض اللّٰه (5) فذكر لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله شأنه فقال ذاك رجل قد نجاه اللّٰه بوفائه و بعض الناس یزعم أنه كان قد أوثق برمته (6) فیمن أوثق من بنی قریظة حین نزلوا (7) فأصبحت رمته ملقاة لا یدری أین ذهب فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تلك المقالة.
و روی محمد بن إسحاق عن الزهری أن الزبیر بن باطا كان قد مر علی ثابت
ص: 276
بن قیس بن شماس فی الجاهلیة یوم بغاث (1) فأخذه فجز ناصیته ثم خلی سبیله فجاء یوم قریظة و هو شیخ كبیر فقال یا با عبد الرحمن هل تعرفنی قال و هل یجهل مثلی مثلك قال إنی أرید أن أجزیك بیدك عندی قال إن الكریم یجزی بجزاء (2) الكریم قال ثم أتی ثابت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال یا رسول اللّٰه قد كان للزبیر عندی ید و له علی منة و قد أحببت أن أجزیه بها فهب لی دمه فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله هو لك فأتاه فقال له إن رسول اللّٰه قد وهب لی دمك (3) فقال شیخ كبیر لا أهل له و لا ولد فما یصنع بالحیاة فأتی ثابت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال یا رسول اللّٰه أهله و ولده قال هم لك فأتاه فقال إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أعطانی امرأتك و ولدك (4) قال أهل بیت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم علی ذلك فأتی ثابت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال ماله یا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال هو لك فأتاه فقال إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قد أعطانی مالك فهو لك وفاء فقال أی ثابت ما فعل الذی كان وجهه مرآة (5) حسنة تتراءی فیه عذاری الحی كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سید الحاضر و البادی حیی بن أخطب قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا و حسامنا (6) إذا كررنا غزال بن شمول قال قتل (7) قال فإنی أسألك بیدی عندك یا ثابت إلا ما ألحقتنی بالقوم فو اللّٰه ما فی العیش بعد هؤلاء من خیر فما أنا بصابر حتی ألقی الأحبة (8) فقدمه ثابت فضرب عنقه
ص: 277
ثم قسم النبی صلی اللّٰه علیه و آله أموال بنی قریظة و نساءهم (1) علی المسلمین ثم بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله سعد بن زید الأنصاری بسبایا بنی قریظة إلی نجد فابتاع له بهم خیلا و سلاحا.
و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قد اصطفی لنفسه من نسائهم ریحانة بنت عمرو بن خناقة (2) إحدی نساء بنی عمرو بن قریظة فكانت عند رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی توفی عنها و هی فی ملكه و قد كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یحرص (3) علیها أن یتزوجها و یضرب علیها الحجاب فقالت یا رسول اللّٰه بل تتركنی فی ملكك فهو أخف علی و علیك فتركها و قد كانت حین سباها كرهت الإسلام (4) و أبت إلا الیهودیة فعزلها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و وجد فی نفسه بذلك (5) من أمرها فبینا هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلین خلفه فقال إن هذا لثعلبة بن سعیة یبشرنی بإسلام ریحانة فجاءه فقال یا رسول اللّٰه قد أسلمت ریحانة فبشر بذلك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله. (6).
أقول: سیأتی بعض أخبار غزوة الخندق فی باب أحوال أولاد النبی صلی اللّٰه علیه و آله.
«29»-وَ فِی الدِّیوَانِ، فِی وَصْفِ الظَّفَرِ فِی الْخَنْدَقِ:
ص: 278
وَ كَانُوا عَلَی الْإِسْلَامِ أَلْباً ثَلَاثَةً ***فَقَدْ خَرَّ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ
وَ فَرَّ أَبُو عَمْرٍو هُبَیْرَةُ لَمْ یَعُدْ ***وَ لَكِنْ أَخُو الْحَرْبِ الْمُجَرَّبِ عَائِدٌ
نَهَتْهُمْ سُیُوفُ الْهِنْدِ أَنْ یَقِفُوا لَنَا (1)*** غَدَاةَ الْتَقَیْنَا وَ الرِّمَاحُ مَصَائِدُ (2)
بیان: الضمیر فی كانوا (3) راجع إلی بنی قریظة و غطفان و قریش و ألبت الجیش جمعته و هم ألب بالفتح و الكسر إذا كانوا مجتمعین و الذی خر قریش إذ قتل منهم ابن عبد ود و نوفل بن عبد اللّٰه و غداة مضاف إلی الجملة.
وَ مِنْهُ فِی مِثْلِهِ قَالَهُ یَوْمَ الْخَنْدَقِ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْجَمِیلِ الْمُفْضِلِ***الْمُسْبِغِ الْمُولِی الْعَطَاءِ الْمُجْزِلِ
شُكْراً عَلَی تَمْكِینِهِ لِرَسُولِهِ*** بِالنَّصْرِ مِنْهُ عَلَی الْغُوَاةِ الْجُهَّلِ
كَمْ نِعْمَةٍ لَا أَسْتَطِیعُ بُلُوغَهَا***جَهْداً وَ لَوْ أَعْمَلْتُ طَاقَةَ مِقْوَلٍ
لِلَّهِ أَصْبَحَ فَضْلُهُ مُتَظَاهِراً*** مِنْهُ عَلَیَّ سَأَلْتُ أَمْ لَمْ أَسْأَلِ
قَدْ عَایَنَ الْأَحْزَابُ مِنْ تَأْیِیدِهِ***جُنْدَ النَّبِیِّ وَ ذِی الْبَیَانِ الْمُرْسَلِ
مَا فِیهِ مَوْعِظَةٌ لِكُلِّ مُفَكِّرٍ*** إِنْ كَانَ ذَا عَقْلٍ وَ إِنْ لَمْ یَعْقِلِ(4)
بیان: المقول بالكسر اللسان و اللام فی لله للقسم و الجند مفعول التأیید و ما فیه مفعول عاین.
وَ مِنْهُ مُخَاطِباً لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ
یَا عَمْرُو قَدْ لَاقَیْتَ فَارِسَ بُهْمَةٍ***عِنْدَ اللِّقَاءِ مُعَاوِدَ الْأَقْدَامِ
مِنْ آلِ هَاشِمٍ مِنْ سَنَاءٍ بَاهِرٍ*** وَ مُهَذَّبِینَ مُتَوَّجِینَ كِرَامٍ
یَدْعُو إِلَی دِینِ الْإِلَهِ وَ نَصْرِهِ*** وَ إِلَی الْهُدَی وَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ
ص: 279
بِمُهَنَّدٍ عَضْبٍ (1) رَقِیقٍ حَدُّهُ*** ذِی رَوْنَقٍ یقری (یَفْرِی) الْفِقَارَ حُسَامٍ
وَ مُحَمَّدٌ فِینَا كَأَنَّ جَبِینَهُ*** شَمْسٌ تَجَلَّتْ مِنْ خِلَالِ (2) غَمَامٍ
وَ اللَّهُ نَاصِرُ دِینِهِ وَ نَبِیِّهِ*** وَ مُعِینُ كُلِّ مُوَحِّدٍ مِقْدَامٍ
شَهِدَتْ قُرَیْشٌ وَ الْقَبَائِلُ كُلُّهَا*** أَنْ لَیْسَ فِیهَا مَنْ یَقُومُ مَقَامِی(3)
بیان: قال الجوهری البهمة بالضم الفارس الذی لا یدری من أین یؤتی من شدة بأسه و یقال أیضا للجیش بهمة و منه قولهم فلان فارس بهمة و لیث غابة و معاود الأقدام أی معاود فیه و یقال الشجاع معاود.
ص: 280
(1) و سائر الغزوات و الحوادث إلی غزوة الحدیبیة
الآیات؛
سورة المنافقین (2) إلی آخرها.
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله تعالی: وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ نزلت الآیات فی عبد اللّٰه بن أبی المنافق و أصحابه و ذلك أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بلغه أن بنی المصطلق یجمعون لحربه و قائدهم الحارث بن أبی ضرار أبو جویریة زوج النبی صلی اللّٰه علیه و آله فلما سمع بهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خرج إلیهم (3) حتی لقیهم علی ماء من میاههم یقال له المریسیع من ناحیة قدید إلی الساحل فتزاحف الناس و اقتتلوا فهزم اللّٰه بنی المصطلق و قتل منهم من قتل و نفل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أبناءهم و نساءهم و أموالهم (4) فبینا الناس علی ذلك الماء إذ وردت واردة الناس و مع عمر بن الخطاب أجیر له من بنی غفار یقال له جهجاه بن سعید (5) یقود له فرسه فازدحم جهجاه و سنان الجهنی من بنی عوف
ص: 281
بن الخزرج علی الماء فاقتتلا فصرخ الجهنی یا معشر الأنصار و صرخ الغفاری یا معشر المهاجرین فأعان الغفاری رجل من المهاجرین یقال له جعال و كان فقیرا فقال عبد اللّٰه بن أبی لجعال و إنك لهناك (1) فقال و ما یمنعنی أن أفعل ذلك و اشتد لسان جعال علی عبد اللّٰه فقال عبد اللّٰه و الذی یحلف به لأذرنك (2) و یهمك (3) غیر هذا و غضب ابن أبی و عنده رهط من قومه فیهم زید بن أرقم حدیث السن فقال ابن أبی قد نافرونا و كاثرونا فی بلادنا و اللّٰه (4) ما مثلنا و مثلهم إلا كما قال القائل سمن كلبك یأكلك أما و اللّٰه لَئِنْ رَجَعْنا إِلَی الْمَدِینَةِ لَیُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ یعنی بالأعز نفسه و بالأذل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثم أقبل علی من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم و قاسمتموهم أموالكم أما و اللّٰه لو أمسكتم عن جعال و ذویه فضل الطعام لم یركبوا رقابكم و لأوشكوا أن یتحولوا من بلادكم و یلحقوا بعشائرهم و موالیهم فقال زید بن أرقم أنت و اللّٰه الذلیل القلیل المبغض فی قومك و محمد فی عز من الرحمن و مودة من المسلمین و اللّٰه لا أحبك بعد كلامك هذا فقال عبد اللّٰه اسكت فإنما كنت ألعب فمشی زید بن أرقم إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و ذلك بعد فراغه من الغزو فأخبره الخبر فأمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالرحیل و أرسل إلی عبد اللّٰه فأتاه فقال ما هذا الذی بلغنی عنك فقال عبد اللّٰه و الذی أنزل علیك الكتاب ما قلت شیئا من ذلك قط و إن زیدا
ص: 282
لكاذب (1) و قال من حضر من الأنصار یا رسول اللّٰه شیخنا و كبیرنا لا تصدق علیه كلام غلام من غلمان الأنصار عسی أن یكون هذا الغلام وهم فی حدیثه فعذره صلی اللّٰه علیه و آله و فشت الملامة من الأنصار لزید و لما استقل رسول اللّٰه فسار لقیه أسید بن حضیر فحیاه بتحیة النبوة ثم قال یا رسول اللّٰه لقد رحت فی ساعة منكرة ما كنت تروح فیها فقال له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أ و ما بلغك ما قال صاحبكم زعم أنه إن رجع إلی المدینة أخرج الأعز منها الأذل فقال أسید فأنت و اللّٰه یا رسول اللّٰه تخرجه إن شئت هو و اللّٰه الذلیل و أنت العزیز ثم قال یا رسول اللّٰه ارفق به فو اللّٰه لقد جاء اللّٰه بك (2) و إن قومه لینظمون له الخرز لیتوجوه و إنه لیری أنك قد استلبته ملكا و بلغ عبد اللّٰه بن عبد اللّٰه بن أبی ما كان من أمر أبیه فأتی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال یا رسول اللّٰه إنه قد بلغنی أنك ترید قتل أبی فإن كنت لا بد فاعلا فمرنی به فأنا أحمل إلیك رأسه فو اللّٰه لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالدیه منی و إنی أخشی أن تأمر به غیری فیقتله فلا تدعنی نفسی أن أنظر إلی قاتل عبد اللّٰه بن أبی (3) أن یمشی فی الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال صلی اللّٰه علیه و آله بل ترفق به و تحسن صحبته ما بقی معنا. (4) قالوا و سار رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالناس یومهم ذلك حتی أمسی و لیلتهم حتی أصبح و صدر یومهم ذلك حتی آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم یكن إلا أن
ص: 283
وجدوا مس الأرض وقعوا نیاما و إنما فعل ذلك لیشتغل الناس عن الحدیث الذی خرج من ابن أبی ثم راح بالناس حتی نزل علی ماء بالحجاز فویق البقیع یقال له بقعاء فهاجت ریح شدیدة آذتهم و تخوفوها و ضلت ناقة رسول اللّٰه و ذلك لیلا فقال صلی اللّٰه علیه و آله مات الیوم منافق عظیم النفاق بالمدینة قیل من هو قال رفاعة فقال رجل من المنافقین كیف یزعم أنه یعلم الغیب و لا یعلم مكان ناقته أ لا یخبره الذی یأتیه بالوحی فأتاه جبرئیل فأخبره بقول المنافق و بمكان الناقة و أخبر رسول اللّٰه بذلك أصحابه و قال ما أزعم أنی أعلم الغیب و ما أعلمه و لكن اللّٰه تعالی أخبرنی بقول المنافق و بمكان ناقتی هی فی الشعب فإذا هی كما قال فجاءوا بها و آمن ذلك المنافق فلما قدموا المدینة وجدوا رفاعة بن زید فی التابوت (1) أحد بنی قینقاع و كان من عظماء الیهود قد مات ذلك (2) الیوم.
قال زید بن أرقم فلما وافی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المدینة جلست فی البیت لما بی من الهم و الحیاء فنزلت سورة المنافقین فی تصدیق زید و تكذیب عبد اللّٰه ثم أخذ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بأذن زید فرفعه عن الرحل ثم قال یا غلام صدق فوك و وعت أذناك و وعی قلبك (3) و قد أنزل اللّٰه فیما قلت قرآنا.
و كان عبد اللّٰه بن أبی بقرب المدینة فلما أراد أن یدخلها جاء ابنه عبد اللّٰه بن عبد اللّٰه حتی أناخ علی مجامع طرق المدینة فقال ما لك ویلك قال و اللّٰه (4) لا تدخلها إلا بإذن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و لتعلمن الیوم من الأعز و من الأذل فشكا عبد اللّٰه ابنه إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأرسل إلیه أن خل عنه یدخل فقال أما إذا جاء أمر رسول اللّٰه فنعم فدخل فلم یلبث إلا أیاما قلائل حتی اشتكی و مات فلما نزلت هذه الآیات و بان كذب عبد اللّٰه قیل له إنه نزل فیك آی شداد فاذهب إلی
ص: 284
رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یستغفر لك فلوی رأسه ثم قال أمرتمونی أن أومن فقد آمنت و أمرتمونی أن أعطی زكاة مالی فقد أعطیت فما بقی إلا أن أسجد لمحمد فنزل وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا أی هلموا یَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ أی أكثروا تحریكها استهزاء و قیل أمالوها إعراضا عن الحق وَ رَأَیْتَهُمْ یَصُدُّونَ عن سبیل الحق وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ مظهرون (1) أنه لا حاجة لهم إلی استغفاره سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ أی یتساوی الاستغفار لهم و عدمه لَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ لأنهم یبطنون الكفر إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ أی لا یهدی القوم الخارجین عن الدین و الإیمان إلی طریق الجنة قال الحسن أخبره سبحانه أنهم یموتون علی الكفر فلم یستغفر لهم هُمُ الَّذِینَ یَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلی مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ من المؤمنین المحتاجین حَتَّی یَنْفَضُّوا أی یتفرقوا عنه وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و ما بینهما من الأرزاق و الأموال و الأعلاق فلو شاء لأغناهم و لكنه تعالی یفعل ما هو الأصلح لهم و یمتحنهم بالفقر و یتعبدهم بالصبر لیصبروا فیؤجروا و ینالوا الثواب و كریم المآب وَ لكِنَّ الْمُنافِقِینَ لا یَفْقَهُونَ ذلك لجهلهم بوجوه الحكمة یَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَی الْمَدِینَةِ من غزوة بنی المصطلق لَیُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ یعنون نفوسهم مِنْهَا الْأَذَلَّ یعنون رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المؤمنین وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ بإعلاء اللّٰه كلمته و إظهار دینه علی الأدیان وَ لِلْمُؤْمِنِینَ بنصرته إیاهم فی الدنیا و إدخالهم الجنة فی العقبی وَ لكِنَّ الْمُنافِقِینَ لا یَعْلَمُونَ فیظنون أن العزة لهم (2).
«1»-فس، تفسیر القمی إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِینَ لَكاذِبُونَ قَالَ نَزَلَتْ فِی غَزْوَةِ (3) الْمُرَیْسِیعِ وَ هِیَ غَزْوَةُ (4) بَنِی الْمُصْطَلِقِ فِی سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَرَجَ إِلَیْهَا
ص: 285
فَلَمَّا رَجَعَ مِنْهَا نَزَلَ عَلَی بِئْرٍ وَ كَانَ الْمَاءُ قَلِیلًا فِیهَا وَ كَانَ أَنَسُ بْنُ سَیَّارٍ (1) حَلِیفَ الْأَنْصَارِ وَ كَانَ جَهْجَاهُ بْنُ سَعِیدٍ الْغِفَارِیُّ أَجِیراً لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاجْتَمَعُوا عَلَی الْبِئْرِ فَتَعَلَّقَ دَلْوُ سَیَّارٍ (2) بِدَلْوِ جَهْجَاهٍ فَقَالَ سَیَّارٌ دَلْوِی وَ قَالَ جَهْجَاهٌ دَلْوِی فَضَرَبَ جَهْجَاهٌ یَدَهُ عَلَی وَجْهِ سَیَّارٍ (3) فَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ فَنَادَی سَیَّارٌ (4) بِالْخَزْرَجِ وَ نَادَی جَهْجَاهٌ بِالْقُرَیْشِ وَ أَخَذَ النَّاسُ السِّلَاحَ وَ كَادَ أَنْ تَقَعَ الْفِتْنَةُ فَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ النِّدَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ (5) فَغَضِبَ غَضَباً شَدِیداً ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْتُ كَارِهاً لِهَذَا الْمَسِیرِ إِنِّی لَأُذِلُّ الْعَرَبَ مَا ظَنَنْتُ أَنِّی (6) أَبْقَی إِلَی أَنْ أَسْمَعَ مِثْلَ هَذَا فَلَا یَكُونُ (7) عِنْدِی تَغْیِیرٌ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی أَصْحَابِهِ فَقَالَ هَذَا عَمَلُكُمْ أَنْزَلْتُمُوهُمْ مَنَازِلَكُمْ وَ وَاسَیْتُمُوهُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَ وَقَیْتُمُوهُمْ بِأَنْفُسِكُمْ وَ أَبْرَزْتُمْ نُحُورَكُمْ لِلْقَتْلِ فَأَرْمَلَ نِسَاءَكُمْ وَ أَیْتَمَ صِبْیَانَكُمْ وَ لَوْ أَخْرَجْتُمُوهُمْ لَكَانُوا عِیَالًا عَلَی غَیْرِكُمْ (8) ثُمَّ قَالَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَی الْمَدِینَةِ لَیُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ كَانَ فِی الْقَوْمِ زَیْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَ كَانَ غُلَامٌ قَدْ رَاهَقَ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی ظِلِّ شَجَرَةٍ فِی وَقْتِ الْهَاجِرَةِ (9) وَ عِنْدَهُ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فَجَاءَ زَیْدٌ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَعَلَّكَ وَهَمْتَ یَا غُلَامُ قَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا وَهَمْتُ فَقَالَ فَلَعَلَّكَ غَضِبْتَ عَلَیْهِ قَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا غَضِبْتُ عَلَیْهِ قَالَ فَلَعَلَّهُ سَفِهَ عَلَیْكَ قَالَ (10) لَا وَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 286
لِشُقْرَانَ مَوْلَاهُ احْدِجْ فَحَدَجَ رَاحِلَتَهُ وَ رَكِبَ وَ تَسَامَعَ النَّاسُ بِذَلِكَ فَقَالُوا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِیَرْحَلَ فِی مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ فَرَحَلَ النَّاسُ وَ لَحِقَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ فَقَالَ وَ عَلَیْكُمُ السَّلَامُ فَقَالَ مَا كُنْتَ لِتَرْحَلَ فِی مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ فَقَالَ أَ وَ مَا سَمِعْتَ قَوْلًا قَالَ صَاحِبُكُمْ قَالَ وَ أَیُّ صَاحِبٍ لَنَا غَیْرُكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ زَعَمَ أَنَّهُ إِنْ رَجَعَ إِلَی الْمَدِینَةِ لَیُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَنْتَ وَ أَصْحَابُكَ الْأَعَزُّ وَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ الْأَذَلُّ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ یَوْمَهُ كُلَّهُ لَا یُكَلِّمُهُ أَحَدٌ فَأَقْبَلَتِ الْخَزْرَجُ عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ یَعْذِلُونَهُ فَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ یَقُلْ شَیْئاً مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا فَقُمْ بِنَا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی تَعْتَذِرَ إِلَیْهِ فَلَوَّی عُنُقَهُ فَلَمَّا جَنَّ اللَّیْلُ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَیْلَهُ كُلَّهُ وَ النَّهَارَ (1) فَلَمْ یَنْزِلُوا إِلَّا لِلصَّلَاةِ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ نَزَلَ أَصْحَابُهُ وَ قَدْ أَمْهَدَهُمُ الْأَرْضُ مِنَ السَّهَرِ الَّذِی أَصَابَهُمْ فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَحَلَفَ لَهُ (2) أَنَّهُ لَمْ یَقُلْ ذَلِكَ وَ إِنَّهُ لَیَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ إِنَّ زَیْداً قَدْ كَذَبَ عَلَیَّ فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْهُ وَ أَقْبَلَتِ الْخَزْرَجُ عَلَی زَیْدِ بْنِ أَرْقَمَ یَشْتِمُونَهُ وَ یَقُولُونَ لَهُ كَذَبْتَ عَلَی عَبْدِ اللَّهِ سَیِّدِنَا فَلَمَّا رَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ زَیْدٌ مَعَهُ یَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّی لَمْ أَكْذِبْ عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ فَمَا سَارَ إِلَّا قَلِیلًا حَتَّی أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا كَانَ یَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْیِ عَلَیْهِ فَثَقُلَ حَتَّی كَادَتْ نَاقَتُهُ تَبَرَّكَ مِنْ ثِقَلِ الْوَحْیِ فَسُرِّیَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ یَسْلِتُ (3) الْعَرَقَ عَنْ جَبْهَتِهِ (4) ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِ زَیْدٍ فَرَفَعَهُ مِنَ الرَّحْلِ ثُمَّ قَالَ یَا غُلَامُ صَدَقَ قَوْلُكَ وَ وَعَی قَلْبُكَ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِیمَا قُلْتَ قُرْآناً فَلَمَّا نَزَلَ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَ قَرَأَ عَلَیْهِمْ سُورَةَ الْمُنَافِقِینَ
ص: 287
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِینَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَیْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا یَعْمَلُونَ إِلَی قَوْلِهِ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِینَ لا یَعْلَمُونَ فَفَضَحَ اللَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِیثَمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْماً وَ لَیْلَةً وَ مِنَ الْغَدِ حَتَّی ارْتَفَعَ الضُّحَی فَنَزَلَ وَ نَزَلَ النَّاسُ فَرَمَوْا بِأَنْفُسِهِمْ نِیَاماً وَ إِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَكُفَّ النَّاسَ عَنِ الْكَلَامِ وَ إِنَّ وَلَدَ عَبْدِ اللَّهِ (1) بْنِ أُبَیٍّ أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ عَزَمْتَ عَلَی قَتْلِهِ فَمُرْنِی أَنْ أَكُونَ أَنَا الَّذِی أَحْمِلُ إِلَیْكَ رَأْسَهُ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْأَوْسُ وَ الْخَزْرَجُ أَنِّی أَبَرُّهُمْ وَلَداً بِوَالِدٍ فَإِنِّی أَخَافُ (2) أَنْ تَأْمُرَ غَیْرِی فَیَقْتُلَهُ فَلَا تَطِیبَ نَفْسِی أَنْ أَنْظُرَ إِلَی قَاتِلِ عَبْدِ اللَّهِ (3) فَأَقْتُلَ مُؤْمِناً بِكَافِرٍ فَأَدْخُلَ النَّارَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَلْ نَحْنُ لَكَ صَاحِبُهُ (4) مَا دَامَ مَعَنَا- وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ یَقُولُ لَا یَسْمَعُونَ وَ لَا یَعْقِلُونَ قَوْلُهُ یَحْسَبُونَ كُلَّ صَیْحَةٍ عَلَیْهِمْ یَعْنِی كُلَّ صَوْتٍ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّی یُؤْفَكُونَ فَلَمَّا نَعَتَهُمُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ وَ عَرَفَهُ مَشَی إِلَیْهِمْ عَشَائِرُهُمْ (5) فَقَالُوا لَهُمْ قَدِ افْتَضَحْتُمْ وَیْلَكُمْ فَأْتُوا نَبِیَّ اللَّهِ یَسْتَغْفِرْ لَكُمْ فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَ زَهِدُوا فِی الِاسْتِغْفَارِ
ص: 288
یَقُولُ اللَّهُ (1) وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا یَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ (2).
بیان: قال الفیروزآبادی المریسیع مصغر مرسوع بئر أو ماء لخزاعة علی یوم من الفرع و إلیه تضاف غزوة بنی المصطلق و قال الجزری الحدج شد الأحمال و توثیقها و شد الحداجة و هی القتب بأداته و العذل الملامة كالتعذیل قوله و قد أمهدهم الأرض أی صارت لهم مهادا فلما وقعوا علیها ناموا و برحاء الحمی و غیرها شدة الأذی و سری عنه الهم علی بناء المجهول مشددا و انسری انكشف و یقال سلت الدم أماطه (3).
«2»-شا، الإرشاد ثُمَّ كَانَ مِنْ بَلَائِهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِبَنِی الْمُصْطَلِقِ مَا اشْتَهَرَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَ كَانَ الْفَتْحُ لَهُ فِی هَذِهِ الْغَزَاةِ بَعْدَ أَنْ أُصِیبَ یَوْمَئِذٍ نَاسٌ مِنْ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَتَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ رَجُلَیْنِ مِنَ الْقَوْمِ وَ هُمَا مَالِكٌ وَ ابْنُهُ وَ أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْهُمْ سَبْیاً كَثِیراً وَ قَسَمَهُ (4) فِی الْمُسْلِمِینَ وَ كَانَ مِمَّنْ أُصِیبَ یَوْمَئِذٍ مِنَ السَّبَایَا جُوَیْرِیَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَبِی ضِرَارٍ وَ كَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِینَ یَوْمَ بَنِی الْمُصْطَلِقِ یَا مَنْصُورُ أَمِتْ وَ كَانَ الَّذِی سَبَی جُوَیْرِیَةَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَجَاءَ بِهَا إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَاصْطَفَاهَا النَّبِیُّ (5) صلی اللّٰه علیه و آله فَجَاءَ أَبُوهَا إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله بَعْدَ إِسْلَامِ بَقِیَّةِ الْقَوْمِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِی لَا تُسْبَی لِأَنَّهَا امْرَأَةٌ كَرِیمَةٌ فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَخَیِّرْهَا قَالَ أَحْسَنْتَ (6)
ص: 289
وَ أَجْمَلْتَ وَ جَاءَ إِلَیْهَا أَبُوهَا فَقَالَ لَهَا یَا بُنَیَّةِ لَا تَفْضَحِی قَوْمَكِ فَقَالَتْ (1) قَدِ اخْتَرْتُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَالَ لَهَا أَبُوهَا فَعَلَ اللَّهُ بِكِ وَ فَعَلَ فَأَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ جَعَلَهَا فِی جُمْلَةِ (2) أَزْوَاجِهِ (3).
«3»-عم، إعلام الوری كانت بعد غزوة بنی قریظة غزوة بنی المصطلق من خزاعة و رأسهم الحارث بن أبی ضرار و قد تهیأ للمسیر إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هی غزوة المریسیع و هو ماء وقعت فی شعبان سنة خمس و قیل فی شعبان سنة ست و اللّٰه أعلم قالت جویریة بنت الحارث زوجة الرسول أتانا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و نحن علی المریسیع فأسمع أبی و هو یقول أتانا ما لا قبل لنا به قالت و كنت أری من الناس و الخیل و السلاح ما لا أصف من الكثرة فلما أن أسلمت و تزوجنی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و رجعنا جعلت أنظر إلی المسلمین فلیسوا كما كنت أراه فعرفت أنه رعب من اللّٰه عز و جل یلقیه فی قلوب المشركین قالت و رأیت قبل قدوم النبی صلی اللّٰه علیه و آله بثلاث لیال كأن القمر یسیر من یثرب حتی وقع فی حجری فكرهت أن أخبر بها أحدا من الناس فلما سبینا رجوت الرؤیا فأعتقنی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و تزوجنی و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أصحابه أن یحملوا علیهم حملة رجل واحد فما أفلت منهم إنسان و قتل عشرة منهم و أسر سائرهم و كان شعار المسلمین یومئذ یا منصور أمت (4) و سبی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الرجال و النساء و الذراری و النعم و الشاء فلما بلغ الناس أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تزوج جویریة بنت الحارث قالوا أصهار رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأرسلوا (5) ما كان فی أیدیهم من بنی المصطلق فما علم (6) امرأة أعظم بركة علی قومها منها.
ص: 290
و فی هذه الغزوة قال عبد اللّٰه بن أبی لَئِنْ رَجَعْنا إِلَی الْمَدِینَةِ لَیُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ و أنزلت الآیات.
و فیها كانت قصة إفك عائشة.
و بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی سنة ست فی شهر ربیع الأول عكاشة بن محصن فی أربعین رجلا إلی الغمرة (1) و بكر القوم فهربوا و أصاب مائتی بعیر لهم فساقها إلی المدینة.
و فیها بعث أبا عبیدة بن الجراح إلی القصة (2) فی أربعین رجلا فأغار علیهم و أعجزهم هربا فی الجبال و أصابوا رجلا واحدا فأسلم. (3)
ص: 291
و فیها كانت سریة زید بن حارثة إلی الجموم من أرض بنی سلیم فأصابوا نعما و شاء و أسری.
و فیها كانت سریة زید بن حارثة إلی العیص (1) فی جمادی الأولی.
و فیها سریة زید بن حارثة إلی الطرف (2) إلی بنی ثعلبة فی خمسة عشر رجلا فهربوا و أصاب منهم عشرین بعیرا.
ص: 292
و فیها كانت غزوة (1) علی بن أبی طالب علیه السلام إلی بنی عبد اللّٰه بن سعد من أهل فدك و ذلك أنه بلغ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن لهم جمعا یریدون أن یمدوا یهود خیبر.
و فیها سریة عبد الرحمن بن عوف إلی دومة الجندل فی شعبان (2) و قال له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إن أطاعوا فتزوج ابنة ملكهم فأسلم القوم و تزوج عبد الرحمن
ص: 293
تماضر بنت الأصبغ و كان أبوها رأسهم و ملكهم.
و فیها بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی قول الواقدی إلی العرینین الذین قتلوا راعی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و استاقوا الإبل عشرین فارسا فأتی بهم فأمر بقطع أیدیهم و أرجلهم و سمل أعینهم (1) و تركوا بالحرة حتی ماتوا.
و عن جابر بن عبد اللّٰه أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله دعا علیهم فقال اللّٰهم أعم علیهم الطریق قال فعمی علیهم الطریق.
و فیها أخذت أموال أبی العاص بن الربیع و قد خرج تاجرا إلی الشام و معه بضائع قریش (2) فلقیته سریة لرسول اللّٰه و استاقوا عیره و أفلت و قدموا علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقسمه بینهم و أتی أبو العاص فاستجار بزینب بنت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و سألها أن تطلب من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله رد ماله علیه و ما كان معه من أموال الناس فدعا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله السریة و قال إن هذا الرجل منا بحیث قد علمتم فإن رأیتم تردوا علیه فافعلوا فردوا علیه ما أصابوا ثم خرج و قدم مكة و رد علی الناس بضائعهم ثم قال أما و اللّٰه ما منعنی أن أسلم قبل أن أقدم علیكم إلا توقیا
ص: 294
أن تظنوا أنی أسلمت لأذهب بأموالكم و إنی أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا عبده و رسوله (1)
أقول: قال الكازرونی فی حوادث السنة الخامسة فی هذه السنة كانت غزاة المریسیع و ذلك أن بنی المصطلق كانوا ینزلون علی بئر یقال لها المریسیع و كان سیدهم الحارث بن أبی ضرار فسار فی قومه و من قدر علیه فدعاهم إلی حرب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأجابوه و تهیئوا للمسیر معه فبلغ ذلك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأرسل بریدة بن الحصیب لیعلم علم ذلك فأتاهم و لقی الحارث بن أبی ضرار و كلمه و رجع إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأخبره فندب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الناس إلیهم فأسرعوا الخروج و معهم ثلاثون فرسا و خرج معهم جماعة من المنافقین و استخلف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی المدینة زید بن حارثة و خرج یوم الإثنین للیلتین خلتا من شعبان و بلغ الحارث بن أبی ضرار و من معه مسیر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أنه قتل عینه الذی كان یأتیه بخبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فسی ء بذلك و خاف و تفرق من معه من العرب و انتهی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی المریسیع و ضرب علیه قبته و معه عائشة و أم سلمة فتهیئوا للقتال و صف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فقتل عشرة من العدو و أسر الباقون و سبی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الرجال و النساء و الذریة و النعم و الشاء و كانت الإبل ألفی بعیر و الشاء خمسة آلاف و السبی مائتی أهل بیت سوی رجل واحد و لما رجع
ص: 295
المسلمون بالسبی قدم أهالیهم فافتدوهم و خلصت جویرة (1) بنت الحارث فی سهم ثابت بن قیس و ابن عم له فكاتباها فسألت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی كتابتها فأدی عنها و تزوجها و سماها برة و قیل إنه جعل صداقها عتق أربعین من قومها و بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أبا نضلة الطائی بشیرا إلی المدینة بفتح المریسیع.
و روی عن عائشة أنها قالت أصاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نساء بنی المصطلق فأخرج الخمس منه ثم قسمه بین الناس فأعطی الفارس سهمین فوقعت جویریة بنت الحارث فی سهم ثابت بن قیس و كانت تحت ابن عم لها یقال له صفوان بن مالك فقتل عنها و كاتبها ثابت بن قیس علی تسع أواق و كانت امرأة حلوة لا یكاد یراها أحد إلا أخذت بنفسه فبینا النبی صلی اللّٰه علیه و آله عندی إذ دخلت علیه جویریة تسأله فی كتابتها فو اللّٰه ما هو إلا أن رأیتها فكرهت دخولها علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و عرفت أنه سیری منها مثل الذی رأیت فقالت یا رسول اللّٰه أنا جویریة بنت الحارث سید قومه و قد أصابنی من الأمر ما قد علمت فوقعت فی سهم ثابت بن قیس و كاتبنی علی تسع أواق فأعنی فی فكاكی فقال أ و خیر من ذلك (2) فقالت و ما هو فقال أؤدی عنك (3) كتابتك و أتزوجك فقالت نعم یا رسول اللّٰه فقال قد فعلت و خرج الخبر إلی الناس فقالوا أصهار رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یسترقون فأعتقوا ما كان فی أیدیهم من نساء بنی المصطلق فبلغ عتقهم مائة أهل بیت بتزویجه إیاها و لا أعلم امرأة أعظم بركة علی قومها منها. (4).
ص: 296
و فی هذه الغزاة نزلت آیة التیمم.
و فیها كان حدیث الإفك.
و فیها تزوج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله زینب بنت جحش بن رباب و أمها أمیمة بنت عبد المطلب و كانت ممن هاجر مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فخطبها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لزید فقالت لا أرضاه لنفسی قال فإنی قد رضیته لك فتزوجها زید بن حارثة ثم تزوجها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لهلال ذی القعدة سنة خمس (1) من الهجرة و هی یومئذ بنت خمس و ثلاثین سنة.
ص: 297
أقول: ستأتی قصتها فی أبواب أحوال أزواجه صلی اللّٰه علیه و آله.
ثم قال و فی هذه السنة فی ذی الحجة ركب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فرسا إلی الغابة فسقط عنه فجحش فخذه الأیمن فأقام فی البیت خمسا یصلی قاعدا.
و فی هذه السنة نزلت فریضة الحج و أخره رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من غیر مانع فإنه خرج إلی مكة سنة سبع لقضاء العمرة و لم یحج و فتح مكة سنة ثمان و بعث أبا بكر علی الحاج سنة تسع و حج رسول اللّٰه سنة عشر. (1) و قال عند ذكر حوادث السنة السادسة فیها زار رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أمه (2) مرجعه من غزاة بنی لحیان و كانوا بناحیة عسفان و كانت فی ربیع الأول سنة ست فسمعت بنو لحیان فهربوا فی رءوس الجبال فلم یقدروا علی أحد منهم فجاز علی قبر أمه.
و فیها كانت غزاة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الغابة و هی علی برید من المدینة بطریق الشام فی ربیع الأول روی عن سلمة بن الأكوع قال خرجت قبل أن یؤذن بالأولی و كانت لقاح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ترعی بذی قرد قال فلقینی غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال أخذت لقاح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقلت من أخذها قال غطفان قال فصرخت ثلاث صرخات یا صباحاه فأسمعت ما بین لابتی المدینة ثم اندفعت علی وجهی حتی أدركتهم و قد أخذوا یستقون من الماء فجعلت أرمیهم بنبل و كنت رامیا و أقول
أنا ابن (3) الأكوع *** و الیوم یوم الرضع
و أرتجز حتی استنقذت اللقاح منهم و استلبت منهم ثلاثین بردة قال و جاء النبی صلی اللّٰه علیه و آله و الناس فقلت یا رسول اللّٰه قد حمیت الماء (4) و هم عطاش فابعث إلیهم
ص: 298
الساعة فقال یا ابن الأكوع إذا ملكت فأسجح قال ثم رجعنا و یردفنی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی ناقته حتی دخلنا المدینة. (1) و فی هذه السنة صلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله صلاة الاستسقاء
بالإسناد عن الزهری عن أنس قال قحل الناس علی عهد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأتاه المسلمون فقالوا یا رسول اللّٰه قحط المطر و یبس الشجر و هلكت المواشی و أسنت الناس فاستسق لنا ربك عز و جل فقال إذا كان یوم كذا و كذا فاخرجوا و أخرجوا معكم بصدقات قال فلما كان ذلك الیوم خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و الناس معه یمشی و یمشون علیهم السكینة و الوقار حتی أتوا المصلی فتقدم النبی صلی اللّٰه علیه و آله فصلی بهم ركعتین یجهر فیهما بالقراءة و كان صلی اللّٰه علیه و آله یقرأ فی العیدین و الاستسقاء فی الأولی بفاتحة الكتاب و الأعلی و فی الثانیة بفاتحة الكتاب و الغاشیة فلما قضی صلاته استقبل القوم بوجهه و قلب رداءه لكی ینقلب القحط إلی الخصب ثم جثا علی ركبتیه و رفع یدیه و كبر تكبیرة قبل أن یستسقی ثم قال اللّٰهم اسقنا و أغثنا غیثا مغیثا (2) و حیا ربیعا و جدا طبقا غدقا مغدقا عاما هنیئا مریئا مریعا (3) وابلا شاملا (4) مسبلا مجلجلا (5) دائما دررا نافعا غیر ضار عاجلا غیر رائث غیثا اللّٰهم تحیی به البلاد و تغیث به العباد و تجعله بلاغا للحاضر منا و الباد اللّٰهم أنزل فی أرضنا (6) زینتها و أنزل علیها سكنها اللّٰهم أنزل علینا من السماء ماء طهورا تحیی به بلدة میتا و اسقه مما خلقت أَنْعاماً وَ أَناسِیَّ كَثِیراً قال فما برحنا حتی أقبل قزع من السحاب فالتأم بعضه إلی بعض ثم مطرت علیهم سبعة أیام و لیالیهن لا تقلع عن المدینة فأتاه
ص: 299
المسلمون فقالوا یا رسول اللّٰه قد غرقت الأرض و تهدمت البیوت و انقطعت السبل فادع اللّٰه تعالی أن یصرفها عنها فضحك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو علی المنبر حتی بدت نواجذه تعجبا لسرعة ملالة ابن آدم ثم رفع یدیه ثم قال حوالینا و لا علینا اللّٰهم علی رءوس الظراب و منابت الشجر و بطون الأودیة و ظهور الآكام فتصدعت عن المدینة حتی كانت فی مثل الترس علیها كالفسطاط تمطر مراعیها و لا تمطر فیها قطرة.
و فی بعض الروایات أنه لما صارت المدینة كالفسطاط ضحك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی بدت نواجذه ثم قال لله أبی طالب لو كان حیا قرت عیناه من الذی ینشدنا قوله فقام علی بن أبی طالب علیه السلام فقال یا رسول اللّٰه كأنك أردت
و أبیض یستسقی الغمام بوجهه*** ثمال الیتامی عصمة للأرامل
یلوذ به الهلاك من آل هاشم*** فهم عنده فی نعمة (1) و فواضل
كذبتم و بیت اللّٰه یبزی محمد***و لما نقاتل دونه و نناضل. (2)
و نسلمه حتی نصرع حوله***رو نذهل عن أبنائنا و الحلائل
فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أجل فقام رجل من كنانة فقال
لك الحمد و الشكر ممن شكر*** سقینا بوجه النبی المطر
دعا اللّٰه خالقه دعوة***إلیه و أشخص منه البصر
فلم یك إلا كإلقا (3) الردا*** و أسرع حتی رأینا المطر
دفاق العزائل جم البعاق*** أغاث به اللّٰه علیا مضر
و كان كما قاله عمه*** أبو طالب أبیض ذو غرر
ص: 300
به اللّٰه یسقی صوب الغمام***و هذا العیان لذاك الخبر
فمن یشكر اللّٰه یلقی المزید*** و من یكفر اللّٰه یلقی الغیر
فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إن یك شاعر أحسن فقد أحسنت. (1).
بیان الجحش سحج الجلد أی تقشره قوله یوم الرضع بضم الراء و تشدید الضاد جمع راضع و هو اللئیم أی خذ الرمیة و الیوم یوم هلاك اللئام قوله فأسجح أی فسهل و أحسن العفو قوله قحل الناس قال الجزری أی یبسوا من شدة القحط و قد قحل یقحل قحلا إذا التزق جلده بعظمه من الهزال.
و أسنت الناس أی دخلوا فی السنة و هی القحط و الحیا مقصورا المطر و قیل الخصب و ما یحیا به الناس و الجدا بالقصر أیضا المطر العام و الطبق الذی یطبق الأرض أی یعم وجهها و الغدق الكبیر القطر.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله مریعا أی عاما یغنی عن الارتیاد و النجعة فالناس یربعون حیث شاءوا أی یقیمون و لا یحتاجون إلی الانتقال فی طلب الكلإ أو من أربع الغیث إذا أنبت الربیع و یروی مرتعا بالتاء المثناة من فوق من رتعت الإبل إذا رعت و أرتعها اللّٰه أی أنبت لها ما ترتع فیه و الوابل المطر الشدید الكبیر القطر و المسبل من السبل و هو المطر أیضا و المجلل (2) الذی یستر الأرض بمائه أو بالنبات الذی ینبت بمائه كأنه یكسوها ذلك قوله صلی اللّٰه علیه و آله دائما و فی بعض النسخ دیما و هی جمع دیمة و هی مطر یدوم فی سكون و الدرر جمع الدرة و درة السحاب صبه و الرائث البطی ء.
قوله بلاغا أی ما یكفی أهل حضرنا و بدونا و زینة الأرض حیاتها بنباتها و السكن القوت الذی یسكن به فی الدار كالنزل و هو الطعام الذی ینزل علیه و یكتفی به.
ص: 301
قوله حوالینا فی موضع نصب أی أمطر حوالینا و لا تمطر علینا و الظراب جمع ظرب ككتف و هی الجبال الصغار و القزع بالتحریك قطع من السحاب رقیقة الواحدة قزعة و هو ما یفرق بین جمعه و واحده بالتاء كما یقال سحاب و سحابة و قوله علیها أی علی المدینة و كلمة فی كأنها زائدة أی حتی كانت المدینة أو السماء مثل الترس وسط السحاب و السحاب علیها كالفسطاط و هی الخیمة و الثمال بالكسر الملجأ و الغیاث أو المطعم فی الشدة و عصمة للأرامل أی یمنعهن من الضیاع و الحاجة و یبزی أی یقهر و یغلب.
قوله ممن شكر أی الذی یحمد اللّٰه إنما یشكره بما أولاه من نعمه أو الحمد بتوفیق اللّٰه الذی شكر من عباده العمل الیسیر فی جنب النعمة الكثیرة قوله إلیه أی إلی إنزال الغیث قوله كإلقا الرداء هذا من الممدود الذی قصر لأجل الشعر كما یمد المقصور للشعر و الدفاق المطر الواسع الكثیر المندفق و العزائل مقلوب من العزالی جمع العزلاء و هی فم المزادة شبه ما یمطر من السحاب بما یتدفق من فم المزادة و البعاق بالضم السحاب الذی یتبعق بالماء أی یتصبب و قیل البعاق المطر العظیم و الجم الكثیر قوله به اللّٰه یسقی فیه انكسار اللفظ و الوزن و یرویه بعضهم به اللّٰه أنزل و الصوب نزول المطر و الغیر التغیر و من یكفر اللّٰه فی نعمه تغیر حاله.
قال و فی هذه السنة كانت سریة عبد اللّٰه بن عتیك لقتل أبی رافع عبد اللّٰه بن أبی الحقیق و قیل سلام بن أبی الحقیق
بإسنادی فی سماع البخاری إلیه بإسناده عن البراء قال بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی أبی رافع الیهودی جماعة من الأنصار و أمر علیهم عبد اللّٰه و كان أبو رافع یؤذی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و یعین علیه و كان فی حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا منه و قد غربت الشمس و راح الناس بسرحهم قال عبد اللّٰه لأصحابه اجلسوا مكانكم فإنی منطلق و متلطف للبواب لعلی أدخل فأقبل حتی دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه یقضی حاجته و قد دخل الناس فهتف به البواب
ص: 302
یا عبد اللّٰه إن كنت ترید أن تدخل فادخل فإنی أرید أن أغلق الباب فدخلت فكمنت فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق الأغالیق علی ود (1) قال فقمت علی الأقالید (2) فأخذتها ففتحت الباب و كان أبو رافع یسمر عنده و كان فی علالی (3) فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إلیه فجعلت كلما فتحت بابا أغلق (4) علی من داخل فقلت إن القوم نذروا بی لم یخلصوا إلی حتی أقتله فانتهیت إلیه فإذا هو فی بیت مظلم وسط عیاله لا أدری أین هو من البیت قلت أبا رافع (5) قال من هذا فأهویت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسیف و أنا دهش فما أغنیت شیئا و صاح فخرجت من البیت فأمكث غیر بعید ثم دخلت إلیه فقلت ما هذا الصوت یا با رافع فقال لأمك الویل إن معی رجلا فی البیت ضربنی قبل بالسیف قال فأضربه ضربة أثخنته و لم أقتله ثم وضعت ظبة (6) السیف فی بطنه حتی أخذ فی ظهره فعرفت أنی قتلته فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتی انتهیت إلی درجة له فوضعت رجلی و أنا أری أنی قد انتهیت إلی الأرض فوقعت فی لیلة مقمرة فانكسرت ساقی فعصبتها بعمامتی ثم انطلقت حتی جلست علی الباب فقلت لا أخرج اللیلة حتی أعلم أ قتلته فلما صاح الدیك قام الناعی علی السور فقال أنعی أبا رافع تاجر أهل الحجاز فانطلقت إلی أصحابی فقلت النجاء فقد قتل اللّٰه أبا رافع فانتهیت إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فحدثته فقال ابسط رجلك فبسطت رجلی فمسحها
ص: 303
و كأنما (1) لم أشتكها قط. (2).
السرح (3) الإبل و المواشی تسرح للرعی بالغداة و الأغالیق المفاتیح و الأقالید جمع إقلید و هو المفتاح فی لغة الیمن و الود بفتح الواو الوتد و هی لغة تمیم و العلالی جمع علیة و هی الغرفة قوله نذروا بكسر الذال أی علموا.
و فی هذه السنة كان قصة العرنیین (4) فی شوالها قالوا قدم نفر من عرنیة ثمانیة علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأسلموا و اجتووا (5) المدینة فأمر بهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی لقاحه و قال لو خرجتم إلی ذود لنا فشربتم من ألبانها فقتلوا الراعی و قطعوا یده و رجله و غرسوا الشوك فی لسانه و عینیه حتی مات و بلغ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الخبر فبعث فی أثرهم عشرین فارسا و استعمل علیهم كرز بن جابر الفهری فأدركهم فأحاطوا بهم (6) و أسروهم و ربطوهم حتی قدموا بهم المدینة و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالغابة فخرجوا بهم نحوه فأمرهم فقطعت أیدیهم و أرجلهم و سمل أعینهم (7) و صلبوا هناك و كانت اللقاح خمس عشرة لقحة فردوها إلا واحدة نحروها (8).
ص: 304
«5»-أَقُولُ وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی الْكَامِلِ فِی حَوَادِثِ السَّنَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِی لِحْیَانَ فِی جُمَادَی الْأُولَی مِنْهَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَنِی لِحْیَانَ یَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرَّجِیعِ خُبَیْبِ بْنِ عَدِیٍّ وَ أَصْحَابِهِ وَ أَظْهَرَ أَنَّهُ یُرِیدُ الشَّامَ لِیُصِیبَ مِنَ الْقَوْمِ غِرَّةً وَ أَغَذَّ السَّیْرَ (1) حَتَّی نَزَلَ عَلَی عِرَارٍ (2) مَنَازِلِ بَنِی لِحْیَانَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا وَ تَمَنَّعُوا فِی رُءُوسِ الْجِبَالِ فَلَمَّا أَخْطَأَهُ مَا أَرَادَ مِنْهُمْ خَرَجَ فِی مِائَتَیْ رَاكِبٍ حَتَّی نَزَلَ عُسْفَانَ تَخْوِیفاً لِأَهْلِ مَكَّةَ وَ أَرْسَلَ فَارِسَیْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ (3) حَتَّی بَلَغَا كُرَاعَ الْغَمِیمِ ثُمَّ عَادُوا (4).
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ غَزْوَةَ ذِی قَرَدٍ كَمَا ذَكَرْنَاهَا سَابِقاً وَ قَالَ وَ الرِّوَایَةُ الصَّحِیحَةُ عَنْ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِینَةَ مُنْصَرِفاً مِنَ الْحُدَیْبِیَةِ.
«6»-فس وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً إِلَی قَوْلِهِ وَ لا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِیًّا وَ لا نَصِیراً فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِی أَشْجَعَ وَ بَنِی ضَمْرَةَ وَ كَانَ خَبَرُهُ (5) أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَدْرٍ (6) لِمَوْعِدٍ مَرَّ قَرِیباً مِنْ بِلَادِهِمْ وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَادَرَ (7) بَنِی ضَمْرَةَ وَ وَادَعَهُمْ (8) قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ بَنُو ضَمْرَةَ قَرِیباً مِنَّا وَ نَخَافُ أَنْ یُخَالِفُونَا إِلَی الْمَدِینَةِ أَوْ یُعِینُوا عَلَیْنَا قُرَیْشاً فَلَوْ بَدَأْنَا بِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَلَّا إِنَّهُمْ أَبَرُّ الْعَرَبِ بِالْوَالِدَیْنِ
ص: 305
وَ أَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ وَ أَوْفَاهُمْ بِالْعَهْدِ وَ كَانَ أَشْجَعُ بِلَادُهُمْ قَرِیباً مِنْ بِلَادِ بَنِی ضَمْرَةَ وَ هُمْ بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ وَ كَانَتْ أَشْجَعُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ بَنِی ضَمْرَةَ حِلْفٌ بِالْمُرَاعَاةِ (1) وَ الْأَمَانِ فَأَجْدَبَتْ بِلَادُ أَشْجَعَ وَ أَخْصَبَتْ بِلَادُ بَنِی ضَمْرَةَ فَصَارَتْ أَشْجَعُ إِلَی بِلَادِ بَنِی ضَمْرَةَ فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ مَسِیرُهُمْ إِلَی بَنِی ضَمْرَةَ تَهَیَّأَ لِلْمَسِیرِ (2) إِلَی أَشْجَعَ فَیَغْزُوهُمْ (3) لِلْمُوَادَعَةِ (4) الَّتِی كَانَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ بَنِی ضَمْرَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا الْآیَةَ ثُمَّ اسْتَثْنَی بِأَشْجَعَ فَقَالَ إِلَّا الَّذِینَ یَصِلُونَ إِلی قَوْمٍ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ یُقاتِلُوكُمْ أَوْ یُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ إِلَی قَوْلِهِ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَیْهِمْ سَبِیلًا وَ كَانَتْ أَشْجَعُ مَحَالُّهَا الْبَیْضَاءُ وَ الْحِلُّ (5) وَ الْمُسْتَبَاحُ وَ قَدْ كَانُوا قَرُبُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَهَابُوا لِقُرْبِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَبْعَثَ إِلَیْهِمْ مَنْ یَغْزُوهُمْ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ خَافَهُمْ أَنْ یُصِیبُوا مِنْ أَطْرَافِهِ (6) شَیْئاً فَهَمَّ بِالْمَسِیرِ إِلَیْهِمْ فَبَیْنَا هُوَ عَلَی ذَلِكَ إِذْ جَاءَتْ أَشْجَعُ وَ رَئِیسُهَا مَسْعُودُ بْنُ رُجَیْلَةَ (7) وَ هُمْ سَبْعُمِائَةٍ فَنَزَلُوا (8) شِعْبَ سَلْعٍ وَ ذَلِكَ فِی شَهْرِ رَبِیعٍ الْآخِرِ سَنَةَ سِتٍّ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أُسَیْدَ بْنَ حُصَیْنٍ (9) فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فِی نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِكَ حَتَّی تَنْظُرَ مَا أَقْدَمَ أَشْجَعَ فَخَرَجَ أُسَیْدٌ وَ مَعَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَوَقَفَ عَلَیْهِمْ فَقَالَ مَا أَقْدَمَكُمْ فَقَامَ إِلَیْهِ مَسْعُودُ بْنُ رُجَیْلَةَ (10) وَ هُوَ رَئِیسُ أَشْجَعَ فَسَلَّمَ عَلَی أُسَیْدٍ وَ عَلَی أَصْحَابِهِ وَ قَالُوا
ص: 306
جِئْنَا لِنُوَادِعَ (1) مُحَمَّداً فَرَجَعَ أُسَیْدٌ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَافَ الْقَوْمُ أَنْ أَغْزُوَهُمْ فَأَرَادُوا الصُّلْحَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ بَعَثَ إِلَیْهِمْ بِعَشَرَةِ أَحْمَالِ تَمْرٍ (2) فَقَدَّمَهَا أَمَامَهُ ثُمَّ قَالَ نِعْمَ الشَّیْ ءُ الْهَدِیَّةُ أَمَامَ الْحَاجَةِ ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ أَشْجَعَ مَا أَقْدَمَكُمْ قَالُوا قَرُبَتْ دَارُنَا مِنْكَ وَ لَیْسَ فِی قَوْمِنَا أَقَلُّ عَدَداً مِنَّا فَضِقْنَا بِحَرْبِكَ لِقُرْبِ دَارِنَا مِنْكَ وَ ضِقْنَا لِحَرْبِ قَوْمِنَا (3) لِقِلَّتِنَا فِیهِمْ فَجِئْنَا لِنُوَادِعَكَ فَقَبِلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِكَ مِنْهُمْ وَ وَادَعَهُمْ فَأَقَامُوا یَوْمَهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَی بِلَادِهِمْ وَ فِیهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ إِلَّا الَّذِینَ یَصِلُونَ إِلی قَوْمٍ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ الْآیَةَ (4).
«7»-قب، المناقب لابن شهرآشوب ثُمَّ بَعْدَ غَزَاةِ بَنِی قُرَیْظَةَ (5) بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِیكٍ إِلَی خَیْبَرَ فَقَتَلَ أَبَا رَافِعِ بْنَ أَبِی الْحُقَیْقِ بَنُو الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَ هُوَ الْمُرَیْسِیعُ غَزَاهُمْ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی شَعْبَانَ وَ رَأْسُهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِی ضِرَارٍ وَ أُصِیبَ یَوْمَئِذٍ نَاسٌ مِنْ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَتَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَالِكاً وَ ابْنَهُ فَأَصَابَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله سَبْیاً كَثِیراً وَ كَانَ سَبَی عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ جُوَیْرِیَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِی ضِرَارٍ فَاصْطَفَاهَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَجَاءَ أَبُوهَا إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ فَسَأَلَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْ جَمَلَیْنِ خَبَأَهُمَا فِی شِعْبِ كَذَا فَقَالَ الرَّجُلُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ (6) وَ اللَّهِ مَا عَرَفَهُمَا أَحَدٌ سِوَایَ ثُمَّ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِی لَا تُسْبَی إِنَّهَا امْرَأَةٌ كَرِیمَةٌ قَالَ فَاذْهَبْ فَخَیِّرْهَا قَالَ قَدْ أَحْسَنْتَ وَ أَجْمَلْتَ وَ جَاءَ إِلَیْهَا أَبُوهَا فَقَالَ لَهَا یَا بُنَیَّةِ لَا تَفْضَحِی قَوْمَكِ فَقَالَتْ
ص: 307
قَدِ اخْتَرْتُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَدَعَا عَلَیْهَا أَبُوهَا فَأَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ جَعَلَهَا فِی جُمْلَةِ أَزْوَاجِهِ.
وَ فِی هَذِهِ الْغَزَاةِ نَزَلَتْ إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْكِ (1) وَ فِیهَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَی الْمَدِینَةِ (2)
«8»-قب، المناقب لابن شهرآشوب سَنَةَ سِتٍّ فِی شَهْرِ رَبِیعٍ الْأَوَّلِ بَعَثَ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ فِی أَرْبَعِینَ رَجُلًا إِلَی الْغَمْرَةِ فَهَرَبُوا وَ أَصَابَ مِائَتَیْ بَعِیرٍ وَ فِیهَا بَعَثَ أَبَا عُبَیْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَی الْقَصَّةِ فِی أَرْبَعِینَ رَجُلًا فَأَغَارَ عَلَیْهِمْ وَ فِیهَا سَرِیَّةُ زَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَی الْجَمُومِ مِنْ أَرْضِ بَنِی سُلَیْمٍ فَأَصَابُوا وَ وَصَلُوا إِلَی بَنِی ثَعْلَبَةَ فِی خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَهَرَبُوا وَ أَصَابَ مِنْهُمْ عِشْرِینَ بَعِیراً وَ غَزْوَةُ زَیْدٍ إِلَی الْعِیصِ فِی جُمَادَی الْأُولَی وَ غَزْوَةُ بَنِی قَرَدٍ وَ ذَلِكَ أَنَّ أُنَاساً مِنَ الْأَعْرَابِ قَدِمُوا وَ سَاقُوا الْإِبِلَ فَخَرَجَ إِلَیْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَدَّمَ أَبَا قَتَادَةَ الْأَنْصَارِیَّ مَعَ جَمَاعَةٍ فَاسْتَرَدَّ مِنْهُمْ (3) وَ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ إِلَی قَوْمٍ مِنْ هَوَازِنَ فَكَمَنَ الْقَوْمُ لَهُمْ وَ أَفْلَتَ مُحَمَّدٌ وَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ ذَاتَ السَّلَاسِلِ (4) وَ هُوَ حِصْنٌ وَ ذَلِكَ أَنَّ أَعْرَابِیّاً جَاءَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ إِنَّ لِی نَصِیحَةً قَالَ وَ مَا نَصِیحَتُكَ قَالَ اجْتَمَعَ بَنُو سُلَیْمٍ بِوَادِی الرَّمْلِ عِنْدَ الْحَرَّةِ عَلَی أَنْ یُبِیتُوكَ بِهَا الْقَصَّةَ وَ فِیهَا غَزْوَةُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی بَنِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ مِنْ أَهْلِ فَدَكَ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَهُمْ جَمْعاً یُرِیدُونَ أَنْ یُمِدُّوا یَهُودَ خَیْبَرَ
ص: 308
وَ فِیهَا سَرِیَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَی دُومَةِ الْجَنْدَلِ فِی شَعْبَانَ وَ سَرِیَّةُ الْعُرَنِیِّینَ (1) الَّذِینَ قَتَلُوا رَاعِیَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ اسْتَاقُوا الْإِبِلَ وَ كَانُوا عِشْرِینَ فَارِساً وَ فِیهَا أُخِذَتْ أَمْوَالُ أَبِی الْعَاصِ بْنِ الرَّبِیعِ وَ فِیهَا غَزْوَةُ الْغَابَةِ (2)
الآیات؛
النور: «إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَیْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَ الَّذِی تَوَلَّی كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِیمٌ* لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَیْراً وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِینٌ* لَوْ لا جاؤُ عَلَیْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ یَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ* وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِیما أَفَضْتُمْ فِیهِ عَذابٌ عَظِیمٌ* إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَیْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَیِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِیمٌ *وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما یَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ* یَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ وَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآیاتِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ *إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ* یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّیْطانِ وَ مَنْ یَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّیْطانِ فَإِنَّهُ یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ ما زَكی مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَ لكِنَّ
ص: 309
اللَّهَ یُزَكِّی مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ *وَ لا یَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ یُؤْتُوا أُولِی الْقُرْبی وَ الْمَساكِینَ وَ الْمُهاجِرِینَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لْیَعْفُوا وَ لْیَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ *إِنَّ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ *یَوْمَ تَشْهَدُ عَلَیْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَیْدِیهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا یَعْمَلُونَ* یَوْمَئِذٍ یُوَفِّیهِمُ اللَّهُ دِینَهُمُ الْحَقَّ وَ یَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِینُ* الْخَبِیثاتُ لِلْخَبِیثِینَ وَ الْخَبِیثُونَ لِلْخَبِیثاتِ وَ الطَّیِّباتُ لِلطَّیِّبِینَ وَ الطَّیِّبُونَ لِلطَّیِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا یَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ»(11-26)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْكِ
روی الزهری عن عروة بن الزبیر و سعید بن المسیب و غیرهما عن عائشة أنها قالت كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إذا أراد سفرا أقرع بین نسائه فأیتهن خرج سهمها خرج بها فأقرع بیننا فی غزوة غزاها فخرج فیها سهمی و ذلك بعد ما أنزل الحجاب فخرجت مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی فرغ من غزوه و قفل.
و روی أنها كانت غزوة بنی المصطلق من خزاعة.
قالت و دنونا من المدینة فقمت حین آذنوا بالرحیل فمشیت حتی جاوزت الجیش فلما قضیت شأنی أقبلت إلی الرحل فلمست صدری فإذا بعقد (1) من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدی فحبسنی ابتغاؤه.
و أقبل الرهط الذین كانوا یرحلونی فحملوا هودجی علی بعیری الذی كنت أركب و هم یحسبون أنی فیه و كانت النساء إذ ذاك خفافا و لم یهبلهن (2) اللحم و إنما یأكلن العلفة من الطعام فبعثوا الجمل و ساروا و وجدت عقدی و جئت منازلهم و لیس بها داع و لا مجیب فدنوت من منزلی (3) الذی كنت فیه و ظننت
ص: 310
أن القوم سیفقدوننی فیرجعون إلی فبینا أنا جالسة إذ غلبتنی عینای فنمت و كان صفوان بن المعطل السلمی قد عرس (1) من وراء الجیش فأصبح عند منزلی فرأی سواد إنسان نائم فعرفنی حین رآنی فخمرت وجهی بجلبابی و و اللّٰه ما كلمنی بكلمة حتی أناخ راحلته فركبتها فانطلق یقود الراحلة حتی أتینا الجیش بعد ما نزلوا موغرین فی حر الظهیرة فهلك من هلك فی و كان الَّذِی تَوَلَّی كِبْرَهُ مِنْهُمْ عبد اللّٰه بن أبی سلول فقدمنا المدینة فاشتكیت حین قدمتها شهرا و الناس یفیضون فی قول أهل الإفك و لا أشعر بشی ء من ذلك و هو یربینی (2) فی وجعی غیر أنی لا أعرف من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله اللطف الذی كنت أری منه حین اشتكی إنما یدخل و یسلم و یقول كیف تیكم فذلك یحزننی و لا أشعر بالشر حتی خرجت بعد ما نقهت و خرجت معی أم مسطح قبل المصانع (3) و هو متبرزنا و لا نخرج إلا لیلا إلی لیل و ذلك قبل أن یتخذ الكنف و أمرنا أمر العرب الأول فی التنزه و كنا نتأذی بالكنف أن نتخذها عند بیوتنا فانطلقت أنا و أم مسطح و أمها بنت صخر بن عام (4) خالة أبی فعثرت أم مسطح فی مرطها فقالت تعس (5) مسطح فقلت لها بئس ما قلت أ تسبین رجلا قد شهد بدرا قالت أی هنتاه أ لم تسمعی ما قال قلت و ما ذا قال فأخبرتنی بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلی مرضی فلما رجعت إلی منزلی دخل علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثم قال كیف تیكم قلت (6) تأذن لی أن آتی أبوی قالت و أنا أرید أتیقن الخبر من قبله فأذن لی رسول اللّٰه فجئت أبوی و قلت لأمی یا أمه ما ذا یتحدث الناس فقالت أی بنیة هونی علیك
ص: 311
فو اللّٰه لعل (1) ما كانت امرأة قط و صبیة (2) عند رجل یحبها و لها ضرائر إلا أكثرن علیها قلت سبحان اللّٰه أ و قد تحدث الناس (3) بهذا قالت نعم فمكثت تلك اللیلة حتی أصبحت لا یرقأ لی (4) دمع و لا أكتحل بنوم حتی أصبحت أبكی و دعا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أسامة بن زید و علی بن أبی طالب علیه السلام حین استلبث (5) الوحی یستشیرهما فی فراق أهله فأما أسامة فأشار علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالذی علم من براءة أهله بالذی یعلم فی نفسه من الود (6) فقال یا رسول اللّٰه هم أهلك و لا نعلم إلا خیرا و أما علی بن أبی طالب علیه السلام فقال لم یضیق اللّٰه علیك و النساء سواها كثیر (7) و إن تسأل الجاریة تصدقك فدعا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بریرة فقال یا بریرة هل رأیت شیئا یریبك من عائشة قالت بریرة و الذی بعثك بالحق إن رأیت علیها أمرا قط أغمصه علیها أكثر من أنها جاریة حدیثة السن تنام عن عجین أهلها (8) قالت و أنا و اللّٰه أعلم أنی بریئة و ما كنت أظن أن ینزل فی شأنی وحی یتلی و لكنی كنت أرجو أن یری رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله رؤیا یبرئنی اللّٰه بها فأنزل اللّٰه علی نبیه و أخذه ما كان یأخذه من برحاء الوحی حتی أنه لینحدر عنه مثل الجمان من العرق و هو فی الیوم الشاتی من القول الذی أنزل علیه فلما سری عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال أبشری یا عائشة أما و اللّٰه فقد برأك اللّٰه فقالت أمی قومی إلیه فقلت و اللّٰه لا أقوم إلیه و لا أحمد إلا اللّٰه و هو الذی برأنی فأنزل اللّٰه تعالی إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْكِ (9)
ص: 312
بیان: الجزع بالفتح الحرز الیمانی و ظفار بلد بالیمن.
و قال الجزری فی حدیث الإفك و النساء یومئذ لم یهبلوه اللحم (1) أی لم یكثر علیهن یقال هبله اللحم إذا كثر علیه و ركب بعضه بعضا.
و العلقة بالضم البلغة من الطعام.
و قال موغرین فی نحر الظهیرة أی فی وقت الهاجرة وقت توسط الشمس السماء یقال وغرت الهاجرة وغرا و أوغر الرجل دخل فی ذلك الوقت و قال نحر الظهیرة هو حین تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع كأنها وصلت إلی النحر و هو أعلی الصدر.
و قال الجوهری تا اسم یشار به إلی المؤنث مثل ذا للمذكر فإن خاطبت جئت بالكاف فقلت تیك و تلك و تاك.
و قال الجزری فی حدیث الإفك و كان متبرز النساء بالمدینة قبل أن تبنی الكنف فی الدور المناصع هی المواضع التی یتخلی فیها لقضاء الحاجة واحدها منصع لأنه یبرز إلیها و یظهر قال الأزهری أراها مواضع مخصوصة خارج المدینة و قال تنزه تنزها بعد و قال یا هنتاه أی یا هذه و تفتح النون و تسكن و تضم الهاء الأخیرة و تسكن و قال الداجن هو الشاة التی یعلفها الناس فی منازلهم و قد یقع علی غیر الشاة من كل ما یألف البیوت من الطیر و غیرها و فی حدیث الإفك یدخل الداجن فیأكل عجینها.
و الغمص العیب و الطعن علی الناس و الجمان كغراب اللؤلؤ أو هنوات أشكال اللؤلؤ من فضة.
و قال البیضاوی فی قوله تعالی بالإفك أی بأبلغ ما یكون من الكذب عصبة منكم جماعة منكم و هی من العشرة إلی الأربعین یرید عبد اللّٰه بن أبی و زید بن رفاعة و حسان بن ثابت و مسطح بن أثاثة و حمنة بنت جحش و من ساعدهم و هی خبر إن و قوله لا تحسبوه شرا لكم مستأنف و الخطاب للرسول صلی اللّٰه علیه و آله و أبی
ص: 313
بكر و عائشة و صفوان و الهاء للإفك بَلْ هُوَ خَیْرٌ لَكُمْ لاكتسابكم به الثواب لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ لكل جزاء ما اكتسب بقدر ما خاض فیه مختصا به وَ الَّذِی تَوَلَّی كِبْرَهُ معظمه مِنْهُمْ من الخائضین و هو ابن أبی فإنه بدأ به و أذاعه عداوة لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أو هو و حسان و مسطح فإنهما شایعاه فی التصریح به و الذی بمعنی الذین لَهُ عَذابٌ عَظِیمٌ فی الآخرة أو فی الدنیا بأن جلدوا و صار ابن أبی مطرودا مشهورا بالنفاق و حسان أعمی أشل الیدین و مسطح مكفوف البصر لَوْ لا هلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَیْراً بالذین منهم من المؤمنین و المؤمنات وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِینٌ كما یقول المستیقن المطلع علی الحال لَوْ لا جاؤُ إلی قوله الْكاذِبُونَ من جملة المقول تقریرا لكونه كذبا فإن ما لا حجة علیه فكذب عند اللّٰه أی فی حكمه و لذلك رتب علیه الحد وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْكُمْ فی الدنیا بأنواع النعمة التی من جملتها الإمهال للتوبة وَ رَحْمَتُهُ فی الآخرة بالعفو و المغفرة المقدران لكم لَمَسَّكُمْ عاجلا فِیما أَفَضْتُمْ خضتم فِیهِ عَذابٌ عَظِیمٌ یستحقر دونه اللوم و الجلد.
إِذْ ظرف لمسكم أو أفضتم تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ یأخذ (1) بعضكم من بعض بالسؤال عنه وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ بلا مساعدة من القلوب ما لَیْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ لأنه لیس تعبیرا عن علم به فی قلوبكم وَ تَحْسَبُونَهُ هَیِّناً سهلا لا تبعة له وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِیمٌ فی الوزر وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما یَكُونُ لَنا ما ینبغی و ما یصح لنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا إشارة إلی القول المخصوص أو إلی نوعه سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ تعجب من ذلك (2) و أصله أن یذكر عند كل متعجب تنزیها لله تعالی من أن یصعب علیه مثله ثم كثر فاستعمل لكل متعجب أو تنزیه لله تعالی من أن یكون حرم نبیه فاجرة فإن فجورها تنفیر عنه بخلاف كفرها یَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ كراهة أن تعودوا أو فی أن تعودوا أَبَداً ما دمتم أحیاء مكلفین إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ
ص: 314
فإن الإیمان یمنع منه وَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآیاتِ الدالة علی الشرائع و محاسن الآداب كی تتعظوا و تتأدبوا وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بالأحوال كلها حَكِیمٌ فی تدابیره إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ یریدون أَنْ تَشِیعَ أن تنتشر الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ الحد و السعیر (1) إلی غیر ذلك وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما فی الضمائر وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فعاقبوا فی الدنیا علی ما دل علیه الظاهر و اللّٰه سبحانه یعاقب علی ما فی القلوب من حب الإشاعة وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ تكریر للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للدلالة علی عظم الجریمة و لذا عطف (2) وَ أَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ علی حصول فضله و رحمته علیهم و حذف الجواب و هو مستغنی (مستغن) عنه لذكره مرة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّیْطانِ بإشاعة الفاحشة وَ مَنْ یَتَّبِعْ إلی قوله بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ الفحشاء ما أفرط قبحه و المنكر ما أنكره الشرع وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ بتوفیق التوبة الماحیة للذنوب و شرع الحدود المكفرة لها ما زَكی ما طهر من دنسها مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً آخر الدهر وَ لكِنَّ اللَّهَ یُزَكِّی مَنْ یَشاءُ بحمله علی التوبة و قبولها وَ اللَّهُ سَمِیعٌ لمقالهم عَلِیمٌ بنیاتهم.
وَ لا یَأْتَلِ و لا یحلف أو و لا یقصر روی أنه نزل فی أبی بكر و قد حلف أن لا ینفق علی مسطح بعد و كان ابن خالته و كان من فقراء المهاجرین أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ فی المال أَنْ یُؤْتُوا علی أن لا یؤتوا أو فی أن یؤتوا أُولِی الْقُرْبی وَ الْمَساكِینَ وَ الْمُهاجِرِینَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ صفات لموصوف واحد أی ناسا جامعین لها لأن الكلام فیمن كان كذلك أو لموصوفات أقیمت مقامها فیكون أبلغ فی تعلیل المقصود وَ لْیَعْفُوا ما فرط منهم وَ لْیَصْفَحُوا بالإغماض عنهم أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ علی عفوكم و صفحكم و إحسانكم إلی من أساء إلیكم وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ مع كمال قدرته فتخلقوا بأخلاقه إِنَّ الَّذِینَ یَرْمُونَ
ص: 315
الْمُحْصَناتِ العفائف الْغافِلاتِ مما قذفن به الْمُؤْمِناتِ باللّٰه و رسوله استباحة لعرضهن و طعنا فی الرسول كابن أبی لُعِنُوا فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ لما طعنوا (1) فیهن وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ لعظم ذنوبهم.
قوله دِینَهُمُ الْحَقَّ أی جزاؤهم المستحق قوله الْخَبِیثاتُ لِلْخَبِیثِینَ أی الخبیثات یتزوجن الخبائث و بالعكس و كذا أهل الطیب فیكون كالدلیل علی قوله أُولئِكَ أی أهل بیت النبی صلی اللّٰه علیه و آله أو الرسول أو عائشة و صفوان مُبَرَّؤُنَ مِمَّا یَقُولُونَ إذ لو صدق لم تكن زوجته و لم تقرر علیه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ یعنی الجنة (2).
«1»- فس، تفسیر القمی قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْكِ إِنَّ الْعَامَّةَ رَوَتْ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِی عَائِشَةَ وَ مَا رُمِیَتْ بِهِ فِی غَزْوَةِ بَنِی الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَ أَمَّا الْخَاصَّةُ فَإِنَّهُمْ رَوَوْا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِی مَارِیَةَ الْقِبْطِیَّةِ وَ مَا رَمَتْهَا بِهِ عَائِشَةُ (3)
أقول: سیأتی ذكر القصة فی باب أحوال إبراهیم و ماریة.
«2»- وَ فِی تَفْسِیرِ النُّعْمَانِیِّ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ مِنْهُ الْحَدِیثُ فِی أَمْرِ عَائِشَةَ وَ مَا رَمَاهَا بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی سَلُولٍ (4) وَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْكِ الْآیَةَ فَكُلَّمَا كَانَ مِنْ هَذَا وَ شِبْهِهِ فِی كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ مِمَّا تَأْوِیلُهُ قَبْلَ تَنْزِیلِهِ (5).
ص: 316
الآیات؛
البقرة: «وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ یُذْكَرَ فِیهَا اسْمُهُ وَ سَعی فِی خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ یَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِینَ»(114)
(و قال سبحانه): «وَ قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ الَّذِینَ یُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ* وَ اقْتُلُوهُمْ حَیْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَیْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّی یُقاتِلُوكُمْ فِیهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِینَ* فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ* وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ یَكُونَ الدِّینُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَی الظَّالِمِینَ* الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِینَ.
(إلی قوله تعالی): وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ»(190-196)
المائدة: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَیَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَیْ ءٍ مِنَ الصَّیْدِ تَنالُهُ أَیْدِیكُمْ وَ رِماحُكُمْ لِیَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ یَخافُهُ بِالْغَیْبِ فَمَنِ اعْتَدی بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِیمٌ»(94)
الأنفال: «وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَ هُمْ یَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ ما كانُوا أَوْلِیاءَهُ إِنْ أَوْلِیاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ»(34)
الحج: «إِنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِی جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِیهِ وَ الْبادِ وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ»(25)
ص: 317
الفتح: «إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَكَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما یَنْكُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً* سَیَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ یَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً* بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ یَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلی أَهْلِیهِمْ أَبَداً وَ زُیِّنَ ذلِكَ فِی قُلُوبِكُمْ وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً* وَ مَنْ لَمْ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِینَ سَعِیراً* وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً* سَیَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلی مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَیَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا یَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِیلًا* قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلی قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِیعُوا یُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّیْتُمْ مِنْ قَبْلُ یُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِیماً* لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْمَرِیضِ حَرَجٌ وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَنْ یَتَوَلَّ یُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِیماً* لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِینَةَ عَلَیْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً* وَ مَغانِمَ كَثِیرَةً یَأْخُذُونَها وَ كانَ اللَّهُ عَزِیزاً حَكِیماً *وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِیرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَ كَفَّ أَیْدِیَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَ لِتَكُونَ آیَةً لِلْمُؤْمِنِینَ وَ یَهْدِیَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِیماً*
(إلی قوله تعالی): وَ لَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا یَجِدُونَ وَلِیًّا وَ لا نَصِیراً* سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِیلًا* وَ هُوَ الَّذِی كَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَیْهِمْ وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً* هُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْیَ مَعْكُوفاً أَنْ یَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِیبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَیْرِ عِلْمٍ لِیُدْخِلَ
ص: 318
اللَّهُ فِی رَحْمَتِهِ مَنْ یَشاءُ لَوْ تَزَیَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً* إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ كَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجاهِلِیَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِینَتَهُ عَلی رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوی وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیماً* لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِینَ مُحَلِّقِینَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِینَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِیباً»(10-27)
الممتحنة: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِیمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَی الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ یَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَ لا جُناحَ عَلَیْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَیْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْیَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ یَحْكُمُ بَیْنَكُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ *وَ إِنْ فاتَكُمْ شَیْ ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَی الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِینَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ»(10-11)
تفسیر: قال الطبرسی رضی اللّٰه عنه فی قوله تعالی: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ اختلفوا فی المعنی بهذه الآیة فقال ابن عباس و مجاهد إنهم الروم غزوا بیت المقدس و سعوا فی خرابه حتی كان أیام عمر فأظهر اللّٰه المسلمین علیهم و صاروا لا یدخلونها إلا خائفین و قال الحسن و قتادة هو بختنصر خرب بیت المقدس و أعانه علیه النصاری
وَ رُوِیَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّهُمْ قُرَیْشٌ حِینَ مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله دُخُولَ مَكَّةَ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامَ.
وَ بِهِ قَالَ الْبَلْخِیُّ وَ الرُّمَّانِیُّ وَ الْجُبَّائِیُّ (1) و قال فی قوله تعالی وَ قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ عن ابن عباس نزلت هذه الآیة فی صلح الحدیبیة و ذلك أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لما خرج هو و أصحابه فی العام الذی
ص: 319
أرادوا فیه العمرة و كانوا ألفا و أربعمائة فساروا حتی نزلوا الحدیبیة فصدهم المشركون عن البیت الحرام فنحروا الهدی بالحدیبیة ثم صالحهم المشركون علی أن یرجع فی عامه (1) و یعود العام القابل و یخلوا له مكة ثلاثة أیام فیطوف بالبیت و یفعل ما یشاء فیرجع إلی المدینة من فوره فلما كان العام المقبل تجهز النبی صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه لعمرة القضاء و خافوا أن لا تفی لهم قریش بذلك و أن یصدوهم عن البیت الحرام و یقاتلوهم فكره رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قتالهم فی الشهر الحرام فی الحرم فأنزل اللّٰه هذه الآیة و عن الربیع بن أنس و عبد الرحمن بن زید بن أسلم هذه أولی آیة (2) نزلت فی القتال فلما نزلت كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقاتل من قاتله و یكف عمن كف عنه حتی نزلت فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فنسخت هذه الآیة وَ لا تَعْتَدُوا أی لا تجاوزوا (3) من قتال من هو أهل القتال إلی قتال من لم تؤمروا بقتاله و قیل معناه لا تعتدوا بقتال من لم یبدأكم بقتال إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ و اختلف فی الآیة فقال بعضهم منسوخة كما ذكرنا و روی عن ابن عباس و مجاهد أنها غیر منسوخة بل هی خاصة فی النساء و الذراری و قیل أمر بقتال أهل مكة و روی عن أئمتنا علیهم السلام أن هذه الآیة ناسخة لقوله تعالی كُفُّوا أَیْدِیَكُمْ وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ (4) و كذلك قوله وَ اقْتُلُوهُمْ حَیْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ناسخ لقوله وَ لا تُطِعِ الْكافِرِینَ وَ الْمُنافِقِینَ وَ دَعْ أَذاهُمْ (5) وَ اقْتُلُوهُمْ أی الكفار حَیْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أی وجدتموهم وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَیْثُ أَخْرَجُوكُمْ یعنی أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ أی شركهم باللّٰه و برسوله أعظم من القتل فی الشهر الحرام و ذلك أن رجلا (6)
ص: 320
من الصحابة قتل رجلا من الكفار فی الشهر الحرام فعابوا المؤمنین بذلك فبین اللّٰه سبحانه أن الفتنة فی الدین و هو الشرك أعظم من قتل المشركین فی الشهر الحرام و إن كان غیر جائز وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّی یُقاتِلُوكُمْ فِیهِ نهی عن ابتدائهم بقتال أو قتل فی الحرم حتی یبتدئ المشركون بذلك فَإِنْ قاتَلُوكُمْ أی بدءوكم بذلك فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِینَ أن یقتلوا حیث ما وجدوا فَإِنِ انْتَهَوْا أی امتنعوا من كفرهم بالتوبة فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لهم رَحِیمٌ بهم وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَكُونَ فِتْنَةٌ أی شرك عن ابن عباس و هو المروی عن أبی جعفر علیه السلام (1) وَ یَكُونَ الدِّینُ لِلَّهِ أی و حتی تكون الطاعة لله و الانقیاد لأمره أو حتی یكون الإسلام لله فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَی الظَّالِمِینَ أی فلا عقوبة علیهم و إنما العقوبة بالقتل علی الكافرین المقیمین علی الكفر فسمی القتل عدوانا من حیث كان عقوبة علی العدوان و هو الظلم الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ المراد به هاهنا ذو القعدة و هو شهر الصد عام الحدیبیة و الأشهر الحرم أربعة ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب كانوا یحرمون فیها القتال و إنما قیل ذو القعدة لقعودهم فیه عن القتال و قیل فی تقدیره وجهان أحدهما قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام (2) فحذف المضاف (3) و قیل إنه الشهر الحرام علی جهة العوض لما فات فی السنة الأولی و معناه الشهر الحرام ذو القعدة الذی دخلتم فیه مكة و اعتمرتم و قضیتم منها وطركم فی سنة سبع بالشهر الحرام ذی القعدة الذی صددتم فیه عن البیت و منعتم من مرادكم سنة ست (4) و الحرمات قصاص فیه قولان أحدهما أن الحرمات قصاص بالمراغمة بدخول البیت فی الشهر الحرام قال مجاهد لأن قریشا فخرت بردها رسول اللّٰه عام الحدیبیة
ص: 321
محرما فی ذی القعدة عن البلد الحرام فأدخله اللّٰه تعالی مكة فی العام المقبل فی ذی القعدة و قضی عمرته و روی ذلك عن أبی جعفر علیه السلام و الثانی أن الحرمات قصاص بالقتل (1) فی الشهر الحرام أی لا یجوز للمسلمین إلا قصاصا قال الحسن إن مشركی العرب قالوا لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أ نهیت عن قتالنا فی الشهر الحرام قال نعم و إنما أراد المشركون أن یغیروه (2) فی الشهر الحرام فیقاتلوه فأنزل اللّٰه سبحانه هذا أی إن استحلوا منكم فی الشهر الحرام شیئا فاستحلوا منهم مثل ما استحلوا منكم و إنما جمع الحرمات لأنه أراد حرمة الشهر و حرمة البلد و حرمة الإحرام و قیل أراد كل حرمة تستحل فلا تجوز إلا علی وجه المجازاة (3) فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْكُمْ أی ظلمكم فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْكُمْ أی فجازوه باعتدائه و قابلوه بمثله وَ اتَّقُوا اللَّهَ فیما أمركم به و نهاكم عنه وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِینَ بالنصرة لهم وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ أی أتموهما بمناسكهما و حدودهما و اقصدوا بهما التقرب إلی اللّٰه (4) فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أی إن منعكم خوف أو عدو أو مرض فامتنعتم لذلك و هو المروی عن أئمتنا علیهم السلام فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ أی فعلیكم ما سهل من الهدی أو فاهدوا ما تیسر من الهدی إذا أردتم الإحلال وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ أی لا تتحللوا من إحرامكم حتی یبلغ الهدی محله و ینحر أو یذبح و اختلف فی محل الهدی فقیل إنه الحرم و قیل إنه الموضع الذی یصد فیه لأن النبی صلی اللّٰه علیه و آله نحر هدیه بالحدیبیة و أمر أصحابه ففعلوا ذلك و لیست الحدیبیة من الحرم و أما علی مذهبنا فالأول حكم المحصر بالمرض و الثانی حكم المحصور بالعدو
ص: 322
و إن كان الإحرام بالحج فمحله منی یوم النحر و إن كان الإحرام بالعمرة فمحله مكة. (1) قوله تعالی لَیَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَیْ ءٍ مِنَ الصَّیْدِ قال البیضاوی نزلت عام الحدیبیة ابتلاهم اللّٰه بالصید و كانت الوحوش تغشاهم فی رحابهم (2) بحیث یتمكنون من صیدها أخذا بأیدیهم و طعنا برماحهم و هم محرمون و التقلیل و التحقیر فی بشی ء للتنبیه علی أنه لیس من العظائم التی تدحض الإقدام كالابتلاء ببذل الأنفس و الأموال فمن لم یثبت عنده كیف یثبت عند ما هو أشد منه لِیَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ یَخافُهُ بِالْغَیْبِ لیتمیز الخائف من عقابه و هو غائب منتظر لقوة إیمانه ممن لا یخافه لضعف قلبه و قلة إیمانه فذكر العلم و أراد وقوع المعلوم و ظهوره أو تعلق العلم فَمَنِ اعْتَدی بَعْدَ ذلِكَ بعد ذلك الابتلاء بالصید. (3) قوله تعالی وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ قال البیضاوی أی و ما لهم مما یمنع تعذیبهم متی ذلك (4) و كیف لا یعذبون وَ هُمْ یَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و حالهم ذلك و من صدهم عنه إلجاء الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و المؤمنین إلی الهجرة و إحصارهم عام الحدیبیة وَ ما كانُوا أَوْلِیاءَهُ مستحقین ولایة أمره مع شركهم و هو رد لما كانوا یقولون نحن ولاة البیت و الحرم فنصد من نشاء و ندخل من نشاء إِنْ أَوْلِیاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ من الشرك الذین لا یعبدون فیه غیره و قیل الضمیران لله وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ أن لا ولایة لهم علیه. (5) إِنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ لا یرید به حالا و لا استقبالا و إنما یرید استمرار الصد منهم و لذلك حسن عطفه علی الماضی وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
ص: 323
عطف علی اسم اللّٰه الَّذِی جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِیهِ وَ الْبادِ أی المقیم و الطارئ وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ مما ترك مفعوله لیتناول كل متناول بِإِلْحادٍ عدول عن القصد بِظُلْمٍ بغیر حق و هما حالان مترادفان أو الثانی بدل من الأول بإعادة الجار أو صلة له أی ملحدا بسبب الظلم كالإشراك و اقتراف الآثام نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ جواب لمن. (1) و قال الطبرسی رحمه اللّٰه قیل إن الآیة نزلت فی الذین صدوا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عام الحدیبیة. (2) و قال رحمه اللّٰه فی قوله تعالی إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَكَ المراد بالبیعة هنا بیعة الحدیبیة و هی بیعة الرضوان بایعوا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی الموت إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یعنی أن المبایعة معك تكون مبایعة مع اللّٰه لأن طاعتك طاعة اللّٰه و إنما سمیت بیعة لأنها عقدت علی بیع أنفسهم بالجنة للزومهم فی الحرب النصرة یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ أی عقد اللّٰه فی هذه البیعة فوق عقدهم لأنهم بایعوا اللّٰه ببیعة نبیه فكأنهم بایعوه من غیر واسطة و قیل معناه قوة اللّٰه فی نصرة نبیه فوق نصرتهم إیاه أی ثق بنصرة اللّٰه لك لا بنصرتهم و إن بایعوك و قیل نعمة اللّٰه علیهم بنبیه فوق أیدیهم بالطاعة و المبایعة و قیل ید اللّٰه بالثواب و ما وعدهم علی بیعتهم من الجزاء فوق أیدیهم بالصدق و الوفاء فَمَنْ نَكَثَ أی نقض ما عقد من البیعة فَإِنَّما یَنْكُثُ عَلی نَفْسِهِ أی یرجع ضرر ذلك النقض علیه و لیس له الجنة و لا كرامة وَ مَنْ أَوْفی أی ثبت علی الوفاء بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ من البیعة فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً أی ثوابا جزیلا سَیَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ أی الذین تخلفوا عن صحبتك فی وجهتك و عمرتك و ذلك أنه صلی اللّٰه علیه و آله لما أراد المسیر إلی مكة عام الحدیبیة معتمرا و كان فی ذی القعدة من سنة ست من الهجرة استنفر من حول المدینة من الأعراب إلی الخروج معه و هم غفار و أسلم و مزینة و جهینة و
ص: 324
أشجع و الدئل حذرا من قریش أن یعرضوا له بحرب أو بصد و أحرم بالعمرة و ساق معه الهدی لیعلم الناس أنه لا یرید حربا فتثاقل عنه كثیر من الأعراب فقالوا نذهب معه إلی قوم قد جاءوه و قتلوا أصحابه فتخلفوا عنه و اعتلوا بالشغل فقال سبحانه إنهم یقولون لك إذا انصرفت إلیهم فعاتبتهم علی التخلف عنك شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا عن الخروج معك فَاسْتَغْفِرْ لَنا فی قعودنا عنك فكذبهم اللّٰه تعالی فقال یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ أی لا یبالون استغفر لهم النبی أم لا قُلْ فَمَنْ یَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً أی غنیمة (1) و ذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله یدفع عنهم الضر أو یعجل لهم النفع بالسلامة فی أنفسهم و أموالهم فأخبرهم سبحانه أنه إن أراد بهم شیئا من ذلك لم یقدر أحد علی دفعه عنهم بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً أی عالما بما كنتم تعملون فی تخلفكم بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ یَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلی أَهْلِیهِمْ أَبَداً أی ظننتم أنهم لا یرجعون إلی من خلفوا بالمدینة من الأهل و الأولاد لأن العدو یستأصلهم و یصطلمهم وَ زُیِّنَ ذلِكَ فِی قُلُوبِكُمْ أی زین الشیطان ذلك الظن فی قلوبكم وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ فی هلاك النبی صلی اللّٰه علیه و آله و المؤمنین و كل هذا من الغیب الذی لا یطلع علیه أحد إلا اللّٰه فصار معجزا لنبینا صلی اللّٰه علیه و آله وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً أی هلكی لا تصلحون لخیر و قیل قوما فاسدین.
سَیَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ یعنی هؤلاء إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلی مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها یعنی غنائم خیبر ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ أی اتركونا نجی ء معكم و ذلك أنهم لما انصرفوا من الحدیبیة بالصلح وعدهم اللّٰه سبحانه فتح خیبر و خص بغنائمها من شهد الحدیبیة فلما انطلقوا إلیها قال هؤلاء المخلفون ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ فقال سبحانه یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ أی مواعید اللّٰه لأهل الحدیبیة بغنیمة خیبر خاصة أرادوا تغییر ذلك بأن یشاركوهم فیها و قیل یرید أمر اللّٰه لنبیه أن لا یسیر معه منهم أحد قُلْ
ص: 325
لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ أی قال اللّٰه بالحدیبیة قبل خیبر و قبل مرجعنا إلیكم أن غنیمة خیبر لمن شهد الحدیبیة لا یشركهم فیها غیرهم فَسَیَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا أن نشارككم فی الغنیمة بَلْ كانُوا لا یَفْقَهُونَ الحق إِلَّا قَلِیلًا أی إلا فقها قلیلا أو شیئا قلیلا. (1) قوله تعالی إِلی قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ قد مر تفسیره فی باب نوادر الغزوات لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ أی ضیق فی ترك الحضور (2) مع المؤمنین فی الجهاد قال مقاتل عذر اللّٰه أهل الزمانة و الآفات الذین تخلفوا عن المسیر إلی الحدیبیة بهذه الآیة.
قوله تعالی إِذْ یُبایِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ یعنی بیعة الحدیبیة تحت الشجرة المعروفة و هی شجرة السمرة و تسمی بیعة الرضوان لهذه الآیة و رضی اللّٰه سبحانه عنهم هو إرادته تعظیمهم و إثابتهم فَعَلِمَ ما فِی قُلُوبِهِمْ من صدق النیة فی القتال و الكراهة له لأنه بایعهم علی القتال و قیل ما فی قلوبهم من الصبر و الیقین و الوفاء فَأَنْزَلَ السَّكِینَةَ عَلَیْهِمْ و هی اللطف المقوی لقلوبهم و الطمأنینة وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً یعنی فتح خیبر و قیل فتح مكة وَ مَغانِمَ كَثِیرَةً یَأْخُذُونَها یعنی غنائم خیبر فإنها كانت مشهورة بكثرة المال و العقار و قیل یعنی غنائم هوازن بعد فتح مكة. (3)
أقول: قد مضی تفسیر بقیة الآیات فی باب نوادر الغزوات.
قوله تعالی وَ هُوَ الَّذِی كَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْكُمْ أی بالرعب قیل سبب نزوله أن المشركین بعثوا أربعین رجلا عام الحدیبیة لیصیبوا من المسلمین فأتی بهم إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله أساری فخلی سبیلهم عن ابن عباس و قیل إنهم كانوا ثمانین رجلا من أهل مكة هبطوا من جبل التنعیم عند صلاة الفجر عام الحدیبیة لیقتلوهم
ص: 326
فأخذهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أعتقهم عن أنس و قیل كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله جالسا فی ظل شجرة و بین یدیه علی علیه السلام یكتب كتاب الصلح فخرج ثلاثون شابا علیهم السلاح فدعا علیهم النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأخذ اللّٰه تعالی بأبصارهم فقمنا فأخذناهم فخلی صلی اللّٰه علیه و آله سبیلهم فنزلت هذه الآیة عن عبد اللّٰه بن المغفل وَ أَیْدِیَكُمْ عَنْهُمْ بالنهی مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَیْهِمْ ذكر اللّٰه تعالی منته علی المؤمنین بحجزه بین الفریقین حتی لم یقتتلا و حتی اتفق بینهم الصلح الذی كان أعظم من الفتح وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أن تطوفوا و تحلوا من عمرتكم یعنی قریشا وَ الْهَدْیَ مَعْكُوفاً أَنْ یَبْلُغَ مَحِلَّهُ أی و صدوا الهدی و هی البدن التی ساقها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله معه و كانت سبعین بدنة حتی بلغ ذا الحلیفة فقلد البدن التی ساقها و أشعرها و أحرم بالعمرة حتی نزل بالحدیبیة و منعه المشركون و كان الصلح فلما تم الصلح نحروا البدن و ذلك قوله مَعْكُوفاً أی محبوسا من أَنْ یَبْلُغَ مَحِلَّهُ (1) أی منحره یعنی مكة وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ یعنی المستضعفین الذین كانوا بمكة بین الكفار من أهل الإیمان لَمْ تَعْلَمُوهُمْ بأعیانهم لاختلاطهم بغیرهم أَنْ تَطَؤُهُمْ بالقتل و توقعوا بهم فَتُصِیبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ أی إثم و جنایة أو عیب یعیبكم المشركون بأنهم قتلوا أهل دینهم و قیل هی غرم الدیة و الكفارة فی قتل الخطإ عن ابن عباس و ذلك أنهم لو كبسوا (2) مكة و فیها قوم مؤمنون لم یتمیزوا من الكفار و لم یأمنوا أن یقتلوا المؤمنین فتلزمهم الكفارة و تلحقهم السیئة بقتل من علی دینهم فهذه المعرة التی صان اللّٰه المؤمنین عنها و جواب لو لا محذوف و تقدیره لو لا المؤمنون الذین لم تعلموهم لوطئتم رقاب المشركین بنصرنا إیاكم و قوله بِغَیْرِ عِلْمٍ موضعه التقدیم لأن التقدیر لو لا أن تطئوهم بغیر علم و قوله لِیُدْخِلَ اللَّهُ فِی رَحْمَتِهِ مَنْ یَشاءُ اللام متعلق بمحذوف دل علیه معنی الكلام تقدیره فحال بینكم و بینهم لیدخل اللّٰه فی رحمته من یشاء یعنی من أسلم من الكفار بعد الصلح و قیل لیدخل اللّٰه فی رحمته أولئك
ص: 327
بسلامتهم من القتل و یدخل هؤلاء فی رحمته بسلامتهم من الطعن و العیب لَوْ تَزَیَّلُوا أی لو تمیز المؤمنون من الكافرین لَعَذَّبْنَا الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْهُمْ أی من أهل مكة عَذاباً أَلِیماً بالسیف و القتل بأیدیكم و لكن اللّٰه یدفع بالمؤمنین عن الكفار إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ كَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّةَ إذ یتعلق بقوله لَعَذَّبْنَا أی لعذبنا الذین كفروا و أذنا لك فی قتالهم حین جعلوا فی قلوبهم الأنفة التی تحمی الإنسان أی حمیت قلوبهم بالغضب ثم فسر تلك الحمیة فقال حَمِیَّةَ الْجاهِلِیَّةِ أی عادة آبائهم فی الجاهلیة أن لا یذعنوا لأحد و لا ینقادوا له و ذلك أن كفار مكة قالوا قد قتل محمد و أصحابه آباءنا و إخواننا و یدخلون علینا فی منازلنا فتتحدث العرب أنهم دخلوا علینا علی رغم أنفنا و اللات و العزی لا یدخلونها علینا فهذه حمیة الجاهلیة التی دخلت قلوبهم و قیل هی أنفتهم من الإقرار لمحمد صلی اللّٰه علیه و آله بالرسالة و الاستفتاح ببسم اللّٰه الرحمن الرحیم حیث أراد أن یكتب كتاب العهد بینهم عن الزهری فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِینَتَهُ إلی قوله كَلِمَةَ التَّقْوی و هی قول لا إله إلا اللّٰه وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها قیل إن فیه تقدیما و تأخیرا و التقدیر كانوا أهلها و أحق بها أی كان المؤمنون أهل تلك الكلمة و أحق بها من المشركین و قیل كانوا أحق بنزول السكینة علیهم و أهلا لها و قیل كانوا أحق بمكة أن یدخلوها و أهلها وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیماً لما ذم الكفار بالحمیة و مدح المؤمنین بلزوم الكلمة و السكینة بین علمه ببواطن سرائرهم و ما ینطوی علیه عقد ضمائرهم لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا بِالْحَقِّ قالوا إن اللّٰه تعالی أری نبیه فی المنام بالمدینة قبل أن یخرج إلی الحدیبیة أن المسلمین دخلوا المسجد الحرام فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا و حسبوا أنهم دخلوا مكة عامهم ذلك فلما انصرفوا و لم یدخلوا مكة قال المنافقون ما حلقنا و لا قصرنا و لا دخلنا المسجد الحرام فأنزل اللّٰه هذه الآیة و أخبر أنه أری رسوله الصدق فی منامه لا الباطل و أنهم یدخلونه و أقسم علی ذلك فقال لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ یعنی العام المقبل إِنْ شاءَ اللَّهُ قال أبو العباس (1) استثنی اللّٰه فیما یعلم
ص: 328
لیستثنی الناس فیما لا یعلمون و قیل إن الاستثناء من الدخول و كان بین نزول الآیة و الدخول سنة و قد مات منهم ناس فی السنة فیكون تقدیره لیدخلن كلكم إن شاء اللّٰه إذ علم أن منهم من یموت قبل السنة أو یمرض فلا یدخلها فأدخل الاستثناء لئلا یقع فی الخبر خلف و قیل إن الاستثناء داخل علی الخوف و الأمن فأما الدخول فلا شك فیه و تقدیره لتدخلن (1) آمنین من العدو إن شاء اللّٰه و قیل إن إن هاهنا بمعنی إذ أی إذ شاء اللّٰه حین أری رسوله ذلك عن أبی عبیدة مُحَلِّقِینَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِینَ أی محرمین یحلق بعضكم رأسه و یقصر بعض و هو أن یأخذ بعض الشعر لا تَخافُونَ مشركا فَعَلِمَ من الصلاح فی صلح الحدیبیة ما لَمْ تَعْلَمُوا و قیل علم فی تأخیر دخول المسجد الحرام من الخیر و الصلاح ما لم تعلموا أنتم (2) و هو خروج المؤمنین من بینهم و غیر ذلك فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ أی قبل الدخول فَتْحاً قَرِیباً یعنی فتح خیبر أو صلح الحدیبیة. (3).
ثم قال رحمه اللّٰه قصة فتح الحدیبیة قال ابن عباس إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خرج یرید مكة فلما بلغ الحدیبیة وقفت ناقته و زجرها فلم تنزجر و بركت الناقة فقال أصحابه خلأت الناقة (4) فقال صلی اللّٰه علیه و آله ما هذا لها عادة و لكن حبسها حابس الفیل و دعا عمر بن الخطاب لیرسله إلی أهل مكة لیأذنوا له بأن یدخل مكة و یحل من عمرته و ینحر هدیه فقال یا رسول اللّٰه ما لی بها حمیم و إنی أخاف قریشا لشدة (5) عداوتی إیاها و لكن أدلك علی رجل هو أعز بها منی عثمان بن عفان فقال صدقت فدعا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عثمان فأرسله إلی أبی سفیان و أشراف قریش یخبرهم أنه لم یأت لحرب و إنما جاء زائرا لهذا البیت معظما لحرمته (6) فاحتبسته
ص: 329
قریش عندها فبلغ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمین أن عثمان قد قتل فقال صلی اللّٰه علیه و آله لا نبرح حتی نناجز القوم فدعا الناس إلی البیعة فقام (1) رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی الشجرة فاستند إلیها و بایع الناس (2) علی أن یقاتلوا المشركین و لا یفروا قال عبد اللّٰه بن مغفل كنت قائما علی رأس رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ذلك الیوم و بیدی غصن من السمرة أذب عنه و هو یبایع الناس فلم یبایعهم علی الموت و إنما بایعهم علی أن لا یفروا.
و روی الزهری و عروة بن الزبیر و المسور بن مخرمة قالوا خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من المدینة فی بضع عشرة مائة من أصحابه حتی إذا كانوا بذی الحلیفة قلد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الهدی و أشعره و أحرم بالعمرة و بعث بین یدیه عینا له من خزاعة یخبره عن قریش و سار رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی إذا كان بغدیر الأشطاط قریبا من عسفان أتاه عینه الخزاعی فقال إنی تركت كعب بن لؤی و عامر بن لؤی قد جمعوا لك الأحابیش و جمعوا لك جموعا و هم قاتلوك أو مقاتلوك و صادوك عن البیت فقال صلی اللّٰه علیه و آله روحوا فراحوا حتی إذا كانوا ببعض الطریق قال النبی صلی اللّٰه علیه و آله إن خالد بن الولید بالغمیم فی خیل القریش (3) طلیعة فخذوا ذات الیمین و سار صلی اللّٰه علیه و آله حتی إذا كان بالثنیة بركت راحلته فقال صلی اللّٰه علیه و آله ما خلأت القصوی (4) و لكن حبسها حابس الفیل ثم قال و اللّٰه لا یسألونی (5) خطة یعظمون فیها حرمات اللّٰه
ص: 330
إلا أعطیتهم إیاها ثم زجرها فوثبت به قال فعدل حتی نزل بأقصی الحدیبیة علی ثمد قلیل الماء إنما یتبرضه الناس تبرضا فشكوا إلیه العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن یجعلوه فی الماء فو اللّٰه ما زال یجیش لهم بالری حتی صدروا عنه فبینما هم كذلك إذ جاءهم بدیل بن ورقاء الخزاعی فی نفر من خزاعة و كانوا (1) عیبة نصح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من أهل تهامة فقال إنی تركت كعب بن لؤی و عامر بن لؤی و معهم العوذ المطافیل و هم مقاتلوك و صادوك عن البیت فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إنا لم نجئ لقتال أحد و لكنا جئنا معتمرین و إن قریشا قد نهكتهم الحرب و أضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدة و یخلوا بینی و بین الناس و (2) إن شاءوا أن یدخلوا فیما دخل فیه الناس فعلوا و إلا فقد جموا و إن أبوا فو الذی نفسی بیده لأقاتلنهم علی أمری هذا حتی تنفرد سالفتی أو لینفذن اللّٰه تعالی أمره فقال بدیل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتی أتی قریشا فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل و إنه یقول كذا و كذا فقام عروة بن مسعود الثقفی فقال إنه قد عرض علیكم خطة رشد فاقبلوها و دعونی آته فقالوا ائته فأتاه فجعل یكلم النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قال له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نحوا من قوله لبدیل فقال عروة عند ذلك أی محمد أ رأیت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح (3) أصله قبلك و إن تكن الأخری فو اللّٰه إنی لأری وجوها و أری أوباشا (4) من الناس خلقا (5) أن یفروا و یدعوك فقال له أبو بكر امصص بظر اللات (6) أ نحن نفر عنه و ندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر قال أما و الذی نفسی بیده لو لا ید كانت لك عندی لم أجزك
ص: 331
بها لأجبتك قال و جعل یكلم النبی صلی اللّٰه علیه و آله و كلما كلمه أخذ بلحیته و المغیرة بن شعبة قائم علی رأس النبی صلی اللّٰه علیه و آله و معه السیف و علیه المغفر فكلما أهوی عروة بیده إلی لحیة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ضرب یده بنعل السیف و قال أخر یدك عن لحیة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قبل أن لا ترجع إلیك فقال من هذا قالوا المغیرة بن شعبة قال (1) أی غدر أ و لست أسعی فی غدرتك (2) قال و كان المغیرة صحب قوما فی الجاهلیة فقتلهم و أخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله أما الإسلام فقد قبلنا و أما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فیه.
ثم إن عروة جعل یرمق صحابة النبی صلی اللّٰه علیه و آله (3) إذا أمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ابتدروا أمره و إذا توضأ ثاروا (4) یقتتلون علی وضوئه و إذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده و ما یحدون إلیه النظر تعظیما له قال فرجع عروة إلی أصحابه و قال أی قوم و اللّٰه لقد وفدت علی الملوك و وفدت علی قیصر و كسری و النجاشی و اللّٰه إن رأیت ملكا قط یعظمه أصحابه ما یعظم أصحاب محمد محمدا إذا أمرهم ابتدروا أمره و إذا توضأ كادوا یقتتلون علی وضوئه و إذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده و ما یحدون إلیه النظر تعظیما له و إنه قد عرض علیكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بنی كنانة دعونی آته فقال (5) ائته فلما أشرف علیهم قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله هذا فلان و هو من قوم یعظمون البدن فابعثوها فبعثت له و استقبله القوم یلبون فلما رأی ذلك قال (6) سبحان اللّٰه ما ینبغی لهؤلاء أن یصدوا عن البیت فقام رجل
ص: 332
منهم یقال له مكرز بن حفص فقال دعونی آته فقالوا ائته فلما أشرف علیهم قال النبی صلی اللّٰه علیه و آله هذا مكرز و هو رجل فاجر فجعل یكلم النبی صلی اللّٰه علیه و آله فبینا هو یكلمه إذ جاء سهیل بن عمرو فقال صلی اللّٰه علیه و آله قد سهل اللّٰه علیكم أمركم فقال اكتب بیننا و بینك كتابا (1) فدعا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی بن أبی طالب علیه السلام فقال له اكتب بسم اللّٰه الرحمن الرحیم فقال سهیل أما الرحمن فو اللّٰه ما أدری ما هو و لكن اكتب باسمك اللّٰهم فقال المسلمون و اللّٰه لا نكتبها إلا بسم اللّٰه الرحمن الرحیم فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله اكتب باسمك اللّٰهم هذا ما قاضی (2) علیه محمد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال سهیل لو كنا نعلم أنك رسول اللّٰه ما صددناك عن البیت و لا قاتلناك و لكن اكتب محمد بن عبد اللّٰه فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله إنی لرسول اللّٰه و إن كذبتمونی ثم قال لعلی علیه السلام امح رسول اللّٰه فقال یا رسول اللّٰه إن یدی لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة فأخذه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فمحاه ثم قال اكتب هذا ما قاضی علیه (3) محمد بن عبد اللّٰه
ص: 333
سهیل بن عمرو و اصطلحا علی وضع الحرب عن الناس عشر سنین یأمن فیهن الناس و یكف بعضهم عن بعض و علی أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجا أو معتمرا أو یبتغی من فضل اللّٰه فهو آمن علی دمه و ماله و من قدم المدینة من قریش مجتازا إلی مصر أو الشام فهو آمن علی دمه و ماله فإن بیننا عیبة مكفوفة (1) و أنه لا إسلال و لا إغلال و أنه من أحب أن یدخل فی عقد محمد و عهده دخل فیه و من أحب أن یدخل فی عقد قریش و عهدهم دخل فیه.
فتواثبت خزاعة فقالوا نحن فی عقد محمد و عهده و تواثبت بنو بكر فقالوا نحن فی عقد قریش و عهدهم فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی أن یخلو (2) بیننا و بین البیت فنطوف فقال سهیل و اللّٰه ما تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة و لكن ذلك من العام المقبل فكتب فقال سهیل علی أنه لا یأتیك منا رجل و إن كان علی دینك إلا رددته إلینا و من جاءنا ممن معك لم نرده علیك فقال المسلمون سبحان اللّٰه كیف یرد إلی المشركین و قد جاء مسلما فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من جاءهم منا فأبعده اللّٰه و من جاءنا منهم رددناه إلیهم فلو علم اللّٰه الإسلام من قلبه جعل له مخرجا فقال سهیل و علی أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علینا مكة فإذا كان عام قابل خرجنا عنها لك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا و لا تدخلها بالسلاح إلا السیوف فی القراب و سلاح الراكب و علی أن هذا الهدی حیث ما حبسناه محله لا تقدمه علینا فقال صلی اللّٰه علیه و آله نحن نسوق و أنتم تردون فبینا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهیل بن عمرو یرسف فی قیوده قد خرج من أسفل مكة حتی رمی بنفسه بین أظهر المسلمین فقال سهیل هذا یا محمد أول ما أقاضیك علیه أن ترده فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله إنا لم (3) نرض بالكتاب بعد قال و اللّٰه إذا لا أصالحك علی
ص: 334
شی ء أبدا فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأجره (1) لی قال ما أنا بمجیره لك قال بلی فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلی قد أجرناه قال أبو جندل بن سهیل معاشر المسلمین أرد إلی المشركین و قد جئت مسلما أ لا ترون ما قد لقیت (2) و كان قد عذب عذابا شدیدا فقال عمر بن الخطاب و اللّٰه ما شككت منذ أسلمت إلا یومئذ فأتیت النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقلت أ لست نبی اللّٰه قال بلی قلت أ لسنا علی الحق و عدونا علی الباطل قال بلی قلت فلم نعطی الدنیة فی دیننا إذا قال إنی رسول اللّٰه و لست أعصیه و هو ناصری قلت أ و لست تحدثنا أنا سنأتی البیت و نطوف حقا قال بلی أ فأخبرتك أنا نأتیه (3) العام قلت لا قال فإنك تأتیه و تطوف به فنحر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بدنة و دعا بحالقه فحلق شعره ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل اللّٰه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ الآیة.
قال محمد بن إسحاق بن بشار (4) و حدثنی بریدة بن سفیان عن محمد بن كعب أن كاتب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی هذا الصلح كان علی بن أبی طالب علیه السلام فقال له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله اكتب هذا ما صالح علیه محمد بن عبد اللّٰه سهیل بن عمرو فجعل علی علیه السلام یتلكأ و یأبی أن یكتب إلا محمد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فإن لك مثلها تعطیها و أنت مضطهد (5) فكتب ما قالوا ثم رجع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی المدینة فجاءه أبو بصیر رجل من قریش و هو مسلم فأرسلوا فی طلبه رجلین فقالوا
ص: 335
العهد الذی جعلت لنا فدفعه إلی الرجلین فخرجا به حتی بلغا ذا الحلیفة فنزلوا یأكلون (1) من تمر لهم فقال أبو بصیر لأحد الرجلین إنی لأری سیفك هذا جیدا (2) فاستله (3) و قال أجل إنه لجید و جربت به ثم جربت فقال أبو بصیر أرنی أنظر إلیه فأمكنه منه فضربه به حتی برد و فر الآخر حتی بلغ المدینة فدخل المسجد یعدو فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حین رآه لقد رأی هذا ذعرا فلما انتهی إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله قال قتل و اللّٰه صاحبی و إنی لمقتول قال فجاء أبو بصیر فقال یا نبی (4) اللّٰه قد أوفی اللّٰه ذمتك و رددتنی إلیهم ثم أنجانی اللّٰه منهم فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله ویل أمه مسعر حرب لو كان له أحد (5) فلما سمع ذلك عرف أنه سیرده إلیهم فخرج حتی أتی سیف البحر و انفلت منهم أبو جندل بن سهیل فلحق بأبی بصیر فلا یخرج من قریش رجل قد أسلم إلا لحق بأبی بصیر حتی اجتمعت (6) علیه عصابة قال فو اللّٰه لا یسمعون بعیر لقریش قد خرجت إلی الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم و أخذوا أموالهم فأرسلت قریش إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله تناشده اللّٰه و الرحم لما أرسل إلیهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل صلی اللّٰه علیه و آله إلیهم فأتوه. (7).
ثم قال رحمه اللّٰه فی ذكر عمرة القضاء و كذلك جری الأمر فی عمرة القضاء فی السنة التالیة للحدیبیة و هی سنة سبع من الهجرة فی ذی القعدة و هو الشهر الذی صده فیه المشركون عن المسجد الحرام فخرج النبی صلی اللّٰه علیه و آله و دخل مكة مع أصحابه معتمرین و أقاموا بمكة ثلاثة أیام ثم رجعوا إلی المدینة.
و عن الزهری قال بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله جعفر بن أبی طالب بین یدیه إلی
ص: 336
میمونة بنت الحارث العامریة فخطبها صلی اللّٰه علیه و آله فجعلت أمرها إلی العباس بن عبد المطلب و كانت تحته أختها أم الفضل بنت الحارث فزوجها العباس من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما قدم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أمر أصحابه فقال اكشفوا عن المناكب و اسعوا فی الطواف لیری المشركون جلدهم و قوتهم فاستكف أهل مكة الرجال و النساء و الصبیان ینظرون إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه و هم یطوفون بالبیت و عبد اللّٰه بن رواحة یرتجز بین یدی رسول اللّٰه متوشحا بالسیف یقول:
خلوا بنی الكفار عن سبیله***قد أنزل الرحمن فی تنزیله
فی صحف تتلی علی رسوله***الیوم نضربكم علی تأویله
كما ضربناكم علی تنزیله*** ضربا یزیل الهام عن مقیله
و یذهل الخلیل عن خلیله*** یا رب إنی مؤمن بقیله
إنی رأیت الحق فی قبوله
و یشیر بیده إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أنزل اللّٰه فی تلك العمرة الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ و هو أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله اعتمر فی الشهر الحرام الذی صد فیه (1).
و قال فی قوله تعالی إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ قال ابن عباس صالح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالحدیبیة مشركی مكة علی أن من أتاه من أهل مكة رده علیهم و من أتی أهل مكة من أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فهو لهم و لم یردوه علیه و كتبوا بذلك كتابا و ختموا علیه فجاءت سبیعة بنت الحارث الأسلمیة مسلمة بعد الفراغ من الكتاب و النبی صلی اللّٰه علیه و آله بالحدیبیة فأقبل زوجها مسافر من بنی مخزوم و قال مقاتل هو صیفی بن الراهب فی طلبها و كان كافرا فقال یا محمد اردد علی امرأتی فإنك قد شرطت لنا أن ترد علینا من أتاك منا و هذه طینة الكتاب لم تجف بعد فنزلت الآیة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ من دار الكفر إلی دار الإسلام فَامْتَحِنُوهُنَّ قال ابن عباس امتحانهن أن یستحلفن ما خرجن
ص: 337
من بغض زوج (1) و لا رغبة عن أرض إلی أرض و لا التماس دنیا و لا خرجت (2) إلا حبا لله و لرسوله فاستحلفها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ما خرجت بغضا لزوجها و لا عشقا لرجل منا و ما خرجت إلا رغبة فی الإسلام فحلفت باللّٰه الذی لا إله إلا هو علی ذلك فأعطی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله زوجها مهرها و ما أنفق علیها و لم یردها علیه فتزوجها عمر بن الخطاب فكان رسول اللّٰه یرد من جاءه من الرجال و یحبس من جاءه من النساء إذا امتحن و یعطی أزواجهن مهورهن.
قال الزهری و لما نزلت هذه الآیة و فیها قوله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ طلق عمر بن الخطاب امرأتین كانتا له بمكة مشركتین قریبة بنت أمیة بن المغیرة (3) فتزوجها بعده معاویة بن أبی سفیان و هما علی شركهما بمكة و الأخری أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعیة (4) أم عبد اللّٰه بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حذافر بن (5) غانم رجل من قومه و هما علی شركهما و كانت عند طلحة بن عبید اللّٰه أروی بنت ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب ففرق بینهما الإسلام حین نهی القرآن عن التمسك بعصم الكوافر و كان طلحة قد هاجر و هی بمكة عند قومها كافرة ثم تزوجها فی الإسلام بعد طلحة خالد بن سعید بن العاص بن أمیة و كانت ممن فر إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من نساء الكفار فحبسها و زوجها خالدا و أمیمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الدحداحة (6) ففرت منه و هو یومئذ كافر إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فزوجها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله سهل بن حنیف فولدت عبد اللّٰه بن سهل.
ص: 338
قال الشعبی و كانت زینب بنت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله امرأة أبی العاص بن الربیع فأسلمت و لحقت بالنبی صلی اللّٰه علیه و آله فی المدینة و أقام أبو العاص مشركا بمكة ثم أتی المدینة فأمنته زینب ثم أسلم فردها علیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله.
و قال الجبائی لم یدخل فی شرط صلح الحدیبیة إلا رد الرجال دون النساء و لم یجر للنساء ذكر و إن أم كلثوم بنت عقبة بن أبی معیط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة فجاء أخواها إلی المدینة فسألا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ردها علیهما فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إن الشرط بیننا فی الرجال لا فی النساء فلم یردها علیهما قال الجبائی و إنما لم یجر هذا الشرط فی النساء لأن المرأة إذا أسلمت لم تحل لزوجها الكافر فكیف ترد علیه و قد وقعت الفرقة بینهما فَامْتَحِنُوهُنَّ بالإیمان أی استوصفوهن الإیمان و سماهن مؤمنات قبل أن یؤمن لأنهن اعتقدن الإیمان اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِیمانِهِنَّ أی كنتم تعلمون بالامتحان ظاهر إیمانهن و اللّٰه یعلم حقیقة إیمانهن فی الباطن ثم اختلفوا فی الامتحان علی وجوه أحدها أن الامتحان أن یشهدن أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا رسول اللّٰه عن ابن عباس.
و ثانیها ما روی عن ابن عباس أیضا فی روایة أخری أن امتحانهن أن یحلفن ما خرجن إلا للدین و الرغبة فی الإسلام و لحب اللّٰه و رسوله و لم یخرجن لبغض زوج و لا لالتماس دنیا و روی ذلك عن قتادة.
و ثالثها أن امتحانهن بما فی الآیة التی بعد و هو أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ الآیة عن عائشة ثم قال سبحانه فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ یعنی فی الظاهر فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَی الْكُفَّارِ أی لا تردوهن إلیهم لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ یَحِلُّونَ لَهُنَّ و هذا یدل علی وقوع الفرقة بینهما لخروجها مسلمة و إن لم یطلق المشرك وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا أی و آتوا أزواجهن الكفار ما أنفقوا علیهن من المهر عن ابن عباس و مجاهد و قتادة قال الزهری لو لا الهدنة لم یرد إلی المشركین الصداق كما كان یفعل قبل وَ لا جُناحَ عَلَیْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَیْتُمُوهُنَ
ص: 339
أُجُورَهُنَّ أی و لا جناح علیكم معاشر المسلمین أن تنكحوا المهاجرات إذا أعطیتموهن مهورهن التی یستحل بها فروجهن لأنهم بالإسلام قد بن (1) من أزواجهن وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ أی لا تتمسكوا (2) بنكاح الكافرات و أصل العصمة المنع و سمی النكاح عصمة لأن المنكوحة تكون فی حبالة الزوج و عصمته وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ أی إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدة فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا منعوها و لم یدفعوها إلیكم كما یسألونكم مهور نسائهم إذا هاجرن إلیكم و هو قوله وَ لْیَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ یعنی ما ذكر اللّٰه فی هذه الآیة حُكْمُ اللَّهِ یَحْكُمُ بَیْنَكُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بجمیع الأشیاء حَكِیمٌ فیما یفعل و یأمر به قال الحسن كان فی صدر الإسلام تكون المسلمة تحت الكافر و الكافرة تحت المسلم فنسخته هذه الآیة قال الزهری و لما نزلت هذه الآیة آمن المؤمنون بحكم اللّٰه و أدوا ما أمروا به من نفقات (3) المشركین علی نسائهم و أبی المشركون أن یقروا بحكم اللّٰه فیما أمرهم به من أداء نفقات المسلمین فنزل وَ إِنْ فاتَكُمْ شَیْ ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ أی أحد من أزواجكم إِلَی الْكُفَّارِ فلحقن بهم مرتدات فَعاقَبْتُمْ معناه فغزوتم و أصبتم من الكفار عقبی و هی الغنیمة و ظفرتم و كانت العاقبة لكم و قیل معناه فخلفتم من بعدهم و صار الأمر إلیكم و قیل إن عقب و عاقب مثل صغر و صاغر بمعنی و قیل عاقبتم بمصیر أزواج الكفار إلیكم إما من جهة سبی أو مجیئهن مؤمنات فَآتُوا الَّذِینَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ أی نساؤهم من المؤمنین مِثْلَ ما أَنْفَقُوا من المهور علیهن من رأس الغنیمة و كذلك من ذهبت زوجته إلی من بینكم و بینه عهد فنكث فی إعطاء المهر فالذی ذهب زوجته (4) یعطی المهر من الغنیمة و لا ینقص شی ء من حقه بل یعطی كملا عن ابن عباس و الجبائی و قیل معناه إن فاتكم أحد من
ص: 340
أزواجكم إلی الكفار الذین بینكم و بینهم عهد فغنمتم فأعطوا زوجها صداقها الذی كان ساق إلیها من الغنیمة ثم نسخ هذا الحكم فی براءة فنبذ إلی كل ذی عهد عهده عن قتادة و قال علی بن عیسی معناه فأعطوا الذین ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من المهور كما علیهم أن یردوا علیكم مثل ما أنفقتم لمن ذهب من أزواجكم وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ أی اجتنبوا معاصی اللّٰه الذی أنتم تصدقون به و لا تجاوزوا أمره (1) و قال الزهری فكان جمیع من لحق بالمشركین من نساء المؤمنین المهاجرین راجعات عن الإسلام ست نسوة (2) أم الحكم بنت أبی سفیان كانت تحت عیاض بن شداد الفهری و فاطمة (3) بنت أبی أمیة بن المغیرة أخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر أن یهاجر أبت و ارتدت و یروع (4) بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان و عبدة (5) بنت عبد العزی بن فضلة (6) و زوجها عمرو بن عبد ود و هند بنت أبی جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل و كلثوم (7) بنت جرول كانت تحت عمر فأعطاهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مهور نسائهم من الغنیمة انتهی. (8) و لنوضح بعض ما ربما یشتبه علی بعض من اللغات قال الجزری الحدیبیة قریة قریبة من مكة سمیت ببئر هناك و هی مخففة و كثیر من المحدثین یشددونها.
ص: 341
و قال الجوهری خلأت الناقة أی حرنت و بركت من غیر علة.
و قال الجزری الخطة بالضم الحال و الأمر و الخطب و قال الثمد بالتحریك الماء القلیل و قال یتبرضه الناس تبرضا أی یأخذونه قلیلا قلیلا و البرض الشی ء القلیل و قال یجیش أی یفور ماؤه و یرتفع.
قوله عیبة نصح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال فی جامع الأصول یقال عیبة نصح فلان إذا كان موضع سره و ثقته فی ذلك.
قوله معهم العوذ المطافیل قال الجزری یرید النساء و الصبیان و العوذ فی الأصل جمع عائذ و هی الناقة إذا وضعت و بعد ما تضع أیاما حتی یقوی ولدها و المطافیل الإبل مع أولادها و المطفل الناقة القریب العهد بالنتاج معها طفلها یقال أطفلت فهی مطفل و مطفلة و الجمع مطافل و مطافیل بالإشباع یرید أنهم جاءوا بأجمعهم كبارهم و صغارهم.
قوله قد نهكتهم الحرب أی أضرت بهم و أثرت فیهم قوله ماددتهم أی جعلت بینی و بینهم أمدا طویلا أصالحهم فیه و هو فاعل من المد قوله فقد جموا أی استراحوا و الجمام الراحة بعد التعب أو كثروا من الجم الغفیر قوله صلی اللّٰه علیه و آله حتی تنفرد سالفتی السالفة صفحة العنق و هما سالفتان من جانبیه كنی بانفرادها عن الموت لأنها لا تنفرد عما یلیها إلا بالموت و قیل أراد حتی یفرق بین رأسی و جسدی ذكره الجزری و قیل السالفة حبل العنق و هو العرق الذی بینه و بین الكتف قوله أوباشا أی أخلاطا و سفلة فی بعض النسخ أشوابا بمعناه و فی بعضها أشابا و فی بعضها أوشابا و المعنی واحد.
قوله امصص ببظر اللات قال الجزری البظر بفتح الباء الهنة التی تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان و منه الحدیث یا ابن المقطعة البظور و دعاه بذلك لأن أمه كانت تختن النساء و العرب تطلق هذا اللفظ فی معرض الذم و إن لم تكن أم من یقال له خاتنة انتهی.
ص: 342
و قیل البظر هنة بین ناحیتی الفرج و هی ما تبقیه الخافضة عند القطع و اللات المراد بها الصنم.
و قال الفیروزآبادی هو یمصه و یبظره أی قاله له امصص بظر فلانة.
و قال الجزری فیه قال عروة بن مسعود للمغیرة یا غدر و هل غسلت غدرتك (1) إلا بالأمس غدر معدول عن غادر للمبالغة یقال للذكر غدر و للأنثی غدار كقطام و هما مختصان بالنداء فی الغالب انتهی.
و فی جامع الأصول ثم إن عروة جعل یرمق أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله بعینه قال فو اللّٰه ما تنخم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نخامة إلا وقعت فی كف رجل منهم فدلك بها وجهه و جلده و إذا أمرهم ابتدروا أمره إلی آخر القصة.
قوله هذا ما قضی و فی بعض النسخ قاضی قال الجزری فی صلح الحدیبیة هذا ما قاضی علیه محمد هو فاعل من القضاء الفصل و الحكم لأنه كان بینه و بین أهل مكة. قوله عیبة مكفوفة قال الجزری أی بینهم صدر نقی من الغل و الخداع مطوی علی الوفاء بالصلح و المكفوفة المشرجة المشدودة و قیل أراد أن بینهم موادعة و مكافة عن الحرب تجریان مجری المودة التی تكون بین المتصافین الذین یثق بعضهم إلی بعض و قال فی مكفوفة أی مشرجة علی ما فیها مقفلة ضربها مثلا للصدور و إنها نقیة من الغل و الغش فیما اتفقوا علیه من الصلح و الهدنة و قیل معناه أن یكون الشر بینهم مكفوفا كما تكف العیبة علی ما فیها من المتاع یرید أن الذحول التی كانت بینهم اصطلحوا علی أن لا ینشروها فكأنهم قد جعلوها فی وعاء و أشرجوا علیه و قال الإسلال السرقة الخفیة یقال سل البعیر أو غیره فی جوف اللیل إذا انتزعه من بین الإبل و هی السلة و أسل أی صار ذا سلة و یقال الإسلال الغارة الظاهرة و الإغلال الخیانة أو السرقة الخفیة یقال غل یغل فأما أغل و أسل فمعناه صار ذا غلول و ذا سلة و یكون أیضا أن یعین غیره علیهما
ص: 343
و قیل الإغلال لبس الدروع و الإسلال سل السیوف.
قوله ضغطة قال الجزری أی قهرا یقال أخذت فلانا ضغطة بالضم إذا ضیقت علیه لتكرهه علی الشی ء.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله نحن نسوق الظاهر أنه علی الاستفهام الإنكاری قوله یرسف بضم السین و كسرها الرسف مشی المقید إذا جاء یتحامل برجله مع القید قوله أجزه (1) لی فی جامع الأصول بالزاء المعجمة من الإجازة أی اجعله جائزا غیر ممنوع أو أطلقه أو بالراء المهملة من الإجارة بمعنی الحمایة و الحفظ و الأمان و كان سهیلا لم یجز أمان مكرز أو كان أراد مكرز إجارته من التعذیب و فی بعض روایاتهم بعد ذلك ثم جعل سهیل یجره لیرده إلی قریش.
و قال الجزری الدنیة الخصلة المذمومة و الأصل فیه الهمز و قد یخفف و قال تلكأت أی توقفت و تباطأت و قال سعرت النار و الحرب أوقدتهما و سعرتهما بالتشدید للمبالغة و المسعر و المسعار ما تحرك به النار من آلة الحدید یصفه بالمبالغة فی الحرب و النجدة.
أقول:
رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ عِنْدَ سِیَاقِ قِصَّةِ الْحُدَیْبِیَةِ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ الْحُدَیْبِیَةِ خَرَجَ إِلَیْنَا نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ مِنْهُمْ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو وَ أُنَاسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمُشْرِكِینَ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَرَجَ إِلَیْكَ نَاسٌ مِنْ أَبْنَائِنَا وَ إِخْوَانِنَا وَ أَرِقَّائِنَا وَ لَیْسَ بِهِمْ فِقْهٌ فِی الدِّینِ وَ إِنَّمَا خَرَجُوا فِرَاراً مِنْ أَمْوَالِنَا وَ ضِیَاعِنَا فَارْدُدْهُمْ إِلَیْنَا فَإِنْ لَمْ یَكُنْ فِقْهٌ فِی الدِّینِ سَنُفَقِّهُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ لَتَنْتَهِیَنَّ (2) أَوْ لَیَبْعَثَنَّ اللَّهُ عَلَیْكُمْ مَنْ یَضْرِبُ رِقَابَكُمْ بِالسَّیْفِ عَلَی الدِّینِ قَدِ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (3) عَلَی الْإِیمَانِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ مَنْ هُوَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُوَ خَاصِفُ النَّعْلِ (4) وَ كَانَ
ص: 344
قَدْ أَعْطَی عَلِیّاً نَعْلَهُ یَخْصِفُهَا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَیْنَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَنْ كَذَبَ عَلَیَّ مُتَعَمِّداً فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ .
قوله فاستكف أهل مكة یقال استكفوا حوله أی أحاطوا به ینظرون إلیه.
أقول: قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله تعالی: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً قیل المراد بالفتح هنا صلح الحدیبیة و كان فتحا بغیر قتال و قال الزهری لم یكن فتح أعظم من صلح الحدیبیة و ذلك أن المشركین اختلطوا بالمسلمین فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام فی قلوبهم و أسلم فی ثلاث سنین خلق كثیر و كثر بهم سواد الإسلام (1)و قال الشعبی بویع بالحدیبیة بیعة الرضوان و أطعم نخیل خیبر و ظهرت الروم علی فارس و فرح المسلمون بظهور أهل الكتاب و هم الروم علی المجوس إذ كان فیه مصداق قوله تعالی أنهم سیغلبون (2)و بلغ الهدی محله و الحدیبیة بئر و روی أنه نفد ماؤها فظهر فیها من أعلام النبوة ما اشتهرت به الروایات قال البراء بن عازب تعدون أنتم الفتح فتح مكة و قد كان فتح مكة فتحا و نحن نعد الفتح بیعة الرضوان یوم الحدیبیة كنا مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله أربع عشر مائة و الحدیبیة بئر فنزحناها فما ترك منها قطرة فبلغ ذلك النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأتاها فجلس علی شفیرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض و دعا ثم صبه فیها و تركها ثم إنها أصدرتنا نحن و ركابنا.
و فی حدیث سلمة بن الأكوع إما دعا أو بصق (3)فیها فجاشت فسقینا و استقینا (4).
و عن محمد بن إسحاق عن الزهری عن عروة بن الزبیر عن مسور بن مخرمة
ص: 345
أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خرج لزیارة البیت لا یرید حربا فذكر الحدیث إلی أن قال قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله انزلوا فقالوا یا رسول اللّٰه ما بالوادی ماء فأخرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من كنانته سهما فأعطاه رجلا من أصحابه فقال له انزل فی بعض هذه القلب فاغرزه فی جوفه ففعل فجاش بالماء الرواء حتی ضرب الناس بعطن.
و عن عروة و ذكر خروج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال و خرجت قریش من مكة فسبقوه إلی بلد حینئذ و إلی الماء فنزلوا علیه فلما رأی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أنه قد سبق نزل علی الحدیبیة و ذلك فی حر شدید و لیس فیها إلا بئر واحدة فأشفق القوم من الظمأ و القوم كثیر فنزل فیها رجال یمیحونها (1) و دعا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بدلو من ماء فتوضأ من الدلو و مضمض فاه ثم مج فیه و أمر أن یصب فی البئر و نزع سهما من كنانته و ألقاه فی البئر و دعا اللّٰه تعالی ففارت بالماء حتی جعلوا یغترفون بأیدیهم منها و هم جلوس علی شفیرها. (2) و روی سالم بن أبی الجعد قال قلت لجابر كم كنتم یوم الشجرة قال كنا ألفا و خمسمائة و ذكر عطشا أصابهم قال فأتی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بماء فی تور (3) فوضع یده فیه فجعل الماء یخرج من بین أصابعه كأنه العیون قال فشربنا و وسعنا (4) و كفانا قال قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا ألفا و خمسمائة (5).
«1»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَمَّادٍ وَ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَیَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَیْ ءٍ مِنَ الصَّیْدِ تَنالُهُ أَیْدِیكُمْ
ص: 346
وَ رِماحُكُمْ قَالَ حُشِرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی عُمْرَةِ الْحُدَیْبِیَةِ الْوُحُوشُ حَتَّی نَالَتْهَا أَیْدِیهِمْ وَ رِمَاحُهُمْ (1).
شی، تفسیر العیاشی عَنْ مُعَاوِیَةَ مِثْلَهُ وَ فِی آخِرِهِ لِیَبْلُوَهُمُ اللَّهُ بِهِ (2)
«2»- كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِیِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَیَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَیْ ءٍ مِنَ الصَّیْدِ تَنالُهُ أَیْدِیكُمْ وَ رِماحُكُمْ قَالَ حُشِرَ عَلَیْهِمُ الصَّیْدُ فِی كُلِّ مَكَانٍ حَتَّی دَنَا مِنْهُمْ لِیَبْلُوَهُمُ اللَّهُ بِهِ (3).
شی، تفسیر العیاشی عن الحلبی مثله (4).
«3»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ لَیَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَیْ ءٍ مِنَ الصَّیْدِ قَالَ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالْوَحْشِ فَرَكِبَتْهُمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ (5).
«4»-فس، تفسیر القمی إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً- قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِی أَبِی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ (6) عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: كَانَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ وَ هَذَا الْفَتْحِ الْعَظِیمِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (7) فِی النَّوْمِ أَنْ یَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَ یَطُوفَ وَ یَحْلِقَ مَعَ الْمُحَلِّقِینَ فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ وَ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجُوا فَلَمَّا نَزَلَ ذَا الْحُلَیْفَةِ أَحْرَمُوا (8) بِالْعُمْرَةِ وَ سَاقُوا الْبُدْنَ وَ سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سِتّاً
ص: 347
وَ سِتِّینَ بَدَنَةً وَ أَشْعَرَهَا عِنْدَ إِحْرَامِهِ وَ أَحْرَمُوا مِنْ ذِی الْحُلَیْفَةِ مُلَبِّینَ (1) بِالْعُمْرَةِ وَ قَدْ سَاقَ مَنْ سَاقَ مِنْهُمُ الْهَدْیَ مُعَرَّاتٍ (2) مُجَلَّلَاتٍ فَلَمَّا بَلَغَ قریش (قُرَیْشاً) ذَلِكَ بَعَثُوا خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ فِی مِائَتَیْ فَارِسٍ كَمِیناً لِیَسْتَقْبِلَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَكَانَ (3) یُعَارِضُهُ عَلَی الْجِبَالِ فَلَمَّا كَانَ فِی بَعْضِ الطَّرِیقِ حَضَرَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ فَأَذَّنَ بِلَالٌ وَ صَلَّی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالنَّاسِ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَیْهِمْ فِی الصَّلَاةِ لَأَصَبْنَاهُمْ (4) فَإِنَّهُمْ لَا یَقْطَعُونَ صَلَاتَهُمْ وَ لَكِنْ یَجِی ءُ (5) لَهُمُ الْآنَ صَلَاةٌ أُخْرَی أَحَبُّ إِلَیْهِمْ مِنْ ضِیَاءِ أَبْصَارِهِمْ فَإِذَا دَخَلُوا فِی الصَّلَاةِ أَغَرْنَا عَلَیْهِمْ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِصَلَاةِ الْخَوْفِ فِی قَوْلِهِ وَ إِذا كُنْتَ فِیهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (6) الْآیَةَ فَلَمَّا كَانَ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْحُدَیْبِیَةَ وَ هِیَ عَلَی طَرَفِ الْحَرَمِ (7) وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَسْتَنْفِرُ الْأَعْرَابَ فِی طَرِیقِهِ مَعَهُ فَلَمْ یَتَّبِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَ یَقُولُونَ أَ یَطْمَعُ مُحَمَّدٌ (8) وَ أَصْحَابُهُ أَنْ یَدْخُلُوا الْحَرَمَ وَ قَدْ غَزَتْهُمْ قُرَیْشٌ فِی عُقْرِ دِیَارِهِمْ فَقَتَلُوهُمْ إِنَّهُ لَا یَرْجِعُ مُحَمَّدٌ (9) وَ أَصْحَابُهُ إِلَی الْمَدِینَةِ أَبَداً فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْحُدَیْبِیَةَ خَرَجَتْ قُرَیْشٌ یَحْلِفُونَ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّی لَا یَدَعُونَ مُحَمَّداً (10) یَدْخُلُ مَكَّةَ وَ فِیهِمْ عَیْنٌ تَطْرِفُ فَبَعَثَ إِلَیْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنِّی لَمْ آتِ لِحَرْبٍ وَ إِنَّمَا (11)
ص: 348
جِئْتُ لِأَقْضِیَ نُسُكِی وَ أَنْحَرَ بُدْنِی وَ أُخَلِّیَ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَ لَحَمَاتِهَا (1) فَبَعَثُوا عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِیَّ وَ كَانَ عَاقِلًا لَبِیباً وَ هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ (2) هذَا الْقُرْآنُ عَلی رَجُلٍ مِنَ الْقَرْیَتَیْنِ عَظِیمٍ فَلَمَّا أَقْبَلَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَظَّمَ ذَلِكَ (3) وَ قَالَ یَا مُحَمَّدُ تَرَكْتَ قَوْمَكَ وَ قَدْ ضَرَبُوا الْأَبْنِیَةَ وَ أَخْرَجُوا الْعُوذَ الْمَطَافِیلَ یَحْلِفُونَ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّی لَا یَدَعُوكَ تَدْخُلُ حَرَمَهُمْ (4) وَ فِیهِمْ عَیْنٌ تَطْرِفُ أَ فَتُرِیدُ أَنْ تُبِیرَ (5) أَهْلَكَ وَ قَوْمَكَ یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا جِئْتُ لِحَرْبٍ وَ إِنَّمَا جِئْتُ لِأَقْضِیَ نُسُكِی (6) فَأَنْحَرَ بُدْنِی وَ أُخَلِّیَ بَیْنَكُمْ (7) وَ بَیْنَ لَحَمَاتِهَا فَقَالَ عُرْوَةُ بِاللَّهِ مَا رَأَیْتُ كَالْیَوْمِ أَحَداً صُدَّ عَمَّا صُدِدْتَ (8) فَرَجَعَ إِلَی قُرَیْشٍ وَ أَخْبَرَهُمْ فَقَالَتْ قُرَیْشٌ وَ اللَّهِ لَئِنْ دَخَلَ مُحَمَّدٌ مَكَّةَ وَ تَسَامَعَتْ بِهِ الْعَرَبُ لَنَذِلَّنَّ وَ لَتَجْتَرِئَنَّ عَلَیْنَا الْعَرَبُ فَبَعَثُوا حَفْصَ بْنَ الْأَحْنَفِ وَ سُهَیْلَ بْنَ عَمْرٍو فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ وَیْحَ قُرَیْشٍ قَدْ نَهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ أَلَا خَلُّوا بَیْنِی وَ بَیْنَ الْعَرَبِ فَإِنْ أَكُ صَادِقاً فَإِنَّمَا أَجُرُّ الْمُلْكَ (9) إِلَیْهِمْ مَعَ النُّبُوَّةِ وَ إِنْ أَكُ كَاذِباً كَفَتْهُمْ (10) ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ لَا یَسْأَلُ الْیَوْمَ امْرُؤٌ مِنْ قُرَیْشٍ خُطَّةً لَیْسَ لِلَّهِ فِیهَا سَخَطٌ إِلَّا أَجَبْتُهُمْ إِلَیْهِ قَالَ فَوَافَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا یَا مُحَمَّدُ إِلَی أَنْ نَنْظُرَ إِلَی مَا ذَا یَصِیرُ أَمْرُكَ وَ أَمْرُ الْعَرَبِ عَلَی أَنْ تَرْجِعَ مِنْ عَامِكَ
ص: 349
هَذَا (1) فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسَامَعَتْ بِمَسِیرِكَ فَإِنْ دَخَلْتَ بِلَادَنَا وَ حَرَمَنَا اسْتَذَلَّتْنَا الْعَرَبُ وَ اجْتَرَأَتْ عَلَیْنَا وَ نُخْلِی لَكَ الْبَیْتَ فِی (2) الْقَابِلِ فِی هَذَا الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ حَتَّی تَقْضِیَ نُسُكَكَ وَ تَنْصَرِفَ عَنَّا فَأَجَابَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی ذَلِكَ وَ قَالُوا لَهُ وَ تَرُدُّ (3) إِلَیْنَا كُلَّ مَنْ جَاءَكَ مِنْ رِجَالِنَا وَ نَرُدُّ إِلَیْكَ كُلَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْ رِجَالِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ جَاءَكُمْ مِنْ رِجَالِنَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِیهِ وَ لَكِنْ عَلَی أَنَّ الْمُسْلِمِینَ بِمَكَّةَ لَا یُؤْذَوْنَ فِی إِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ وَ لَا یُكْرَهُونَ وَ لَا یُنْكَرُ عَلَیْهِمْ شَیْ ءٌ یَفْعَلُونَهُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَقَبِلُوا ذَلِكَ فَلَمَّا أَجَابَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الصُّلْحِ أَنْكَرَ عَلَیْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَ أَشَدُّ مَا كَانَ إِنْكَاراً عُمَرُ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لَسْنَا عَلَی الْحَقِّ وَ عَدُوُّنَا عَلَی الْبَاطِلِ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَنُعْطِی الدَّنِیَّةَ فِی دِینِنَا (4) فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِی وَ لَنْ یُخْلِفَنِی قَالَ لَوْ أَنَّ (5) مَعِی أَرْبَعِینَ رَجُلًا لَخَالَفْتُهُ وَ رَجَعَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو وَ حَفْصُ بْنُ الْأَحْنَفِ إِلَی قُرَیْشٍ فَأَخْبَرَاهُمْ بِالصُّلْحِ فَقَالَ عُمَرُ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لَمْ تَقُلْ لَنَا أَنْ نَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (6) وَ نَحْلِقَ مَعَ الْمُحَلِّقِینَ فَقَالَ أَ مِنْ عَامِنَا هَذَا وَعَدْتُكَ
ص: 350
قُلْتُ (1) لَكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ وَعَدَنِی (2) أَنْ أَفْتَحَ مَكَّةَ وَ أَطُوفَ وَ أَسْعَی وَ أَحْلِقَ مَعَ الْمُحَلِّقِینَ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَیْهِ قَالَ لَهُمْ إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا (3) الصُّلْحَ فَحَارِبُوهُمْ فَمَرُّوا نَحْوَ قُرَیْشٍ وَ هُمْ مُسْتَعِدُّونَ لِلْحَرْبِ وَ حَمَلُوا عَلَیْهِمْ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَزِیمَةً قَبِیحَةً وَ مَرُّوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ قَالَ یَا عَلِیُّ خُذِ السَّیْفَ وَ اسْتَقْبِلْ قُرَیْشاً فَأَخَذَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ سَیْفَهُ وَ حَمَلَ عَلَی قُرَیْشٍ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ تَرَاجَعُوا وَ قَالُوا (4) یَا عَلِیُّ بَدَا لِمُحَمَّدٍ فِیمَا أَعْطَانَا قَالَ لَا فَرَجَعَ (5) أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُسْتَحْیِینَ وَ أَقْبَلُوا یَعْتَذِرُونَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِی یَوْمَ بَدْرٍ إِذْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِیكُمْ إِذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّی مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِینَ (6) أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِی یَوْمَ أُحُدٍ إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ یَدْعُوكُمْ فِی أُخْراكُمْ (7) أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِی یَوْمَ كَذَا أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِی یَوْمَ كَذَا (8) فَاعْتَذَرُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ نَدِمُوا عَلَی مَا كَانَ مِنْهُمْ وَ قَالُوا (9) اللَّهُ أَعْلَمُ وَ رَسُولُهُ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ وَ رَجَعَ حَفْصُ بْنُ الْأَحْنَفِ وَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالا یَا مُحَمَّدُ قَدْ أَجَابَتْ قُرَیْشٌ إِلَی مَا اشْتَرَطْتَ مِنْ إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَ أَنْ لَا یُكْرَهَ أَحَدٌ عَلَی دِینِهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْمُكْتِبِ وَ دَعَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ (10) لَهُ اكْتُبْ فَكَتَبَ
ص: 351
أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ قَالَ (1) سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ اكْتُبْ كَمَا كَانَ (2) یَكْتُبُ آبَاؤُكَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَإِنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ ثُمَّ كَتَبَ هَذَا مَا تَقَاضَی (3) عَلَیْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْمَلَأُ مِنْ قُرَیْشٍ فَقَالَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو وَ لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا حَارَبْنَاكَ اكْتُبْ هَذَا مَا تَقَاضَی (4) عَلَیْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَ تَأْنَفُ مِنْ نَسَبِكَ یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَ إِنْ لَمْ تُقِرُّوا ثُمَّ قَالَ امْحُ یَا عَلِیُّ وَ اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَا أَمْحُو اسْمَكَ مِنَ النُّبُوَّةِ أَبَداً فَمَحَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِیَدِهِ ثُمَّ كَتَبَ هَذَا مَا تَقَاضَی (5) عَلَیْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ الْمَلَأُ مِنْ قُرَیْشٍ وَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو اصْطَلَحُوا عَلَی وَضْعِ الْحَرْبِ بَیْنَهُمْ عَشْرَ سِنِینَ عَلَی أَنْ یَكُفَّ بَعْضُنَا عَنْ بَعْضٍ وَ عَلَی أَنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَ لَا إِغْلَالَ وَ أَنَّ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ عَیْبَةً مَكْفُوفَةً وَ أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ یَدْخُلَ فِی عَهْدِ مُحَمَّدٍ وَ عَقْدِهِ فَعَلَ وَ أَنَّهُ (6) مَنْ أَحَبَّ أَنْ یَدْخُلَ فِی عقد (عَهْدِ) قُرَیْشٍ وَ عَقْدِهَا فَعَلَ وَ أَنَّهُ مَنْ أَتَی مُحَمَّداً (7) بِغَیْرِ إِذْنِ وَلِیِّهِ یَرُدُّهُ (8) إِلَیْهِ وَ أَنَّهُ مَنْ أَتَی قُرَیْشاً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ لَمْ یَرُدُّوهُ إِلَیْهِ (9) وَ أَنْ یَكُونَ الْإِسْلَامُ ظَاهِراً بِمَكَّةَ لَا یُكْرَهُ أَحَدٌ عَلَی دِینِهِ وَ لَا یُؤْذَی وَ لَا یُعَیَّرُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً یَرْجِعُ عَنْهُمْ عَامَهُ هَذَا وَ أَصْحَابَهُ ثُمَّ یَدْخُلُ عَلَیْنَا فِی الْعَامِ الْقَابِلِ مَكَّةَ فَیُقِیمُ فِیهَا ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ وَ لَا یَدْخُلُ عَلَیْنَا (10) بِسِلَاحٍ إِلَّا سِلَاحِ الْمُسَافِرِ السُّیُوفُ فِی الْقُرُبِ وَ كَتَبَ
ص: 352
عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ شَهِدَ عَلَی الْكِتَابِ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ (1) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ إِنَّكَ أَبَیْتَ أَنْ تَمْحُوَ اسْمِی مِنَ النُّبُوَّةِ فَوَ الَّذِی (2) بَعَثَنِی بِالْحَقِّ نَبِیّاً لَتُجِیبَنَّ أَبْنَاءَهُمْ إِلَی مِثْلِهَا وَ أَنْتَ مَضِیضٌ مُضْطَهَدٌ فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ صِفِّینَ وَ رَضُوا بِالْحَكَمَیْنِ كَتَبَ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ مُعَاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ مَا حَارَبْنَاكَ وَ لَكِنِ اكْتُبْ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَیْهِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ مُعَاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ صَدَقَ اللَّهُ وَ صَدَقَ رَسُولُهُ صلی اللّٰه علیه و آله أَخْبَرَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِذَلِكَ ثُمَّ كَتَبَ الْكِتَابَ قَالَ فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ قَامَتْ خُزَاعَةُ فَقَالَتْ نَحْنُ فِی عَهْدِ مُحَمَّدٍ وَ عَقْدِهِ وَ قَامَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالَتْ نَحْنُ فِی عَهْدِ قُرَیْشٍ وَ عَقْدِهَا وَ كَتَبُوا نُسْخَتَیْنِ نُسْخَةً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ نُسْخَةً عِنْدَ سُهَیْلِ بْنِ عَمْرٍو وَ رَجَعَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو وَ حَفْصُ بْنُ الْأَحْنَفِ إِلَی قُرَیْشٍ فَأَخْبَرَاهُمْ (3) وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَصْحَابِهِ انْحَرُوا بُدْنَكُمْ وَ احْلِقُوا رُءُوسَكُمْ فَامْتَنَعُوا وَ قَالُوا كَیْفَ نَنْحَرُ وَ نَحْلِقُ وَ لَمْ نَطُفْ بِالْبَیْتِ وَ لَمْ نَسْعَ بَیْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَاغْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ ذَلِكَ وَ شَكَا ذَلِكَ إِلَی أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ انْحَرْ أَنْتَ وَ احْلِقْ فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ حَلَقَ فَنَحَرَ الْقَوْمُ عَلَی خُبْثِ (4) یَقِینٍ وَ شَكٍّ وَ ارْتِیَابٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تَعْظِیماً لِلْبُدْنِ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِینَ وَ قَالَ قَوْمٌ لَمْ یَسُوقُوا الْبُدْنَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ الْمُقَصِّرِینَ لِأَنَّ مَنْ لَمْ یَسُقْ هَدْیاً لَمْ یَجِبْ عَلَیْهِ الْحَلْقُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ثَانِیاً رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِینَ الَّذِینَ
ص: 353
لَمْ یَسُوقُوا الْهَدْیَ فَقَالُوا (1) یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ الْمُقَصِّرِینَ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُقَصِّرِینَ ثُمَّ رَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَحْوَ الْمَدِینَةِ فَرَجَعَ إِلَی التَّنْعِیمِ وَ نَزَلَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَجَاءَ أَصْحَابُهُ الَّذِینَ أَنْكَرُوا عَلَیْهِ الصُّلْحَ وَ اعْتَذَرُوا وَ أَظْهَرُوا النَّدَامَةَ عَلَی مَا كَانَ مِنْهُمْ وَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَنَزَلَ آیَةُ الرِّضْوَانِ وَ قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی قَوْلِهِ هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ السَّكِینَةَ الْآیَةَ (2) فَهُمُ الَّذِینَ لَمْ یُخَالِفُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَمْ یُنْكِرُوا عَلَیْهِ الصُّلْحَ ثُمَّ قَالَ لِیُدْخِلَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ إِلَی قَوْلِهِ الظَّانِّینَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ (3) هُمُ الَّذِینَ أَنْكَرُوا الصُّلْحَ وَ اتَّهَمُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (4) وَ نَزَلَتْ فِی بِیعَةِ الرِّضْوَانِ لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ اشْتَرَطَ عَلَیْهِمْ أَنْ لَا یُنْكِرُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله شَیْئاً یَفْعَلُهُ وَ لَا یُخَالِفُوهُ فِی شَیْ ءٍ یَأْمُرُهُمْ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَعْدَ نُزُولِ آیَةِ الرِّضْوَانِ إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَكَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما یَنْكُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً وَ إِنَّمَا رَضِیَ عَنْهُمْ بِهَذَا الشَّرْطِ أَنْ یَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ مِیثَاقِهِ وَ لَا یَنْقُضُوا عَهْدَهُ وَ عَقْدَهُ فَبِهَذَا الْعَقْدِ رَضِیَ عَنْهُمْ (5) فَقَدْ قَدَّمُوا (6) فِی التَّأْلِیفِ آیَةَ الشَّرْطِ عَلَی بَیْعَةِ الرِّضْوَانِ وَ إِنَّمَا نَزَلَتْ أَوَّلًا بَیْعَةُ الرِّضْوَانِ ثُمَّ آیَةُ الشَّرْطِ عَلَیْهِمْ فِیهَا
ص: 354
ثُمَّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ الَّذِینَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ سَیَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ إِلَی قَوْلِهِ وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (1) أَیْ قَوْمَ سَوْءٍ وَ هُمُ الَّذِینَ اسْتَنْفَرَهُمْ فِی الْحُدَیْبِیَةِ وَ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ مِنَ الْحُدَیْبِیَةِ غَزَا خَیْبَراً فَاسْتَأْذَنَهُ الْمُخَلَّفُونَ (2) أَنْ یَخْرُجُوا مَعَهُ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ سَیَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ (3) ثُمَّ قَالَ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِیرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ یَعْنِی فَتْحَ خَیْبَرَ (4) ثُمَّ قَالَ وَ هُوَ الَّذِی كَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَیْهِمْ أَیْ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَمَمْتُمْ مِنَ الْمَدِینَةِ إِلَی الْحَرَمِ وَ طَلَبُوا مِنْكُمُ الصُّلْحَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا یَغْزُونَكُمْ بِالْمَدِینَةِ صَارُوا یَطْلُبُونَ الصُّلْحَ بَعْدَ إِذْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ تَطْلُبُونَ الصُّلْحَ مِنْهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَ (5) بِعِلَّةِ الصُّلْحِ وَ مَا أَجَازَ اللَّهُ (6) لِنَبِیِّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ هُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ إِلَی قَوْلِهِ (7) وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ یَعْنِی بِمَكَّةَ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ عِلَّةَ الصُّلْحِ (8) إِنَّمَا كَانَ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ الَّذِینَ كَانُوا بِمَكَّةَ وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ صُلْحٌ وَ كَانَتِ الْحَرْبُ لَقُتِلُوا فَلَمَّا كَانَ الصُّلْحُ آمَنُوا وَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ وَ یُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ الصُّلْحَ كَانَ أَعْظَمَ فَتْحاً عَلَی الْمُسْلِمِینَ مِنْ غَلَبِهِمْ ثُمَّ قَالَ
ص: 355
لَوْ تَزَیَّلُوا (1) یَعْنِی هَؤُلَاءِ الَّذِینَ كَانُوا بِمَكَّةَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ یَعْنِی لَوْ زَالُوا عَنْهُمْ وَ خَرَجُوا مِنْ بَیْنِهِمْ (2) ثُمَّ قَالَ إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ كَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجاهِلِیَّةِ یَعْنِی قُرَیْشاً وَ سُهَیْلَ بْنَ عَمْرٍو حِینَ قَالُوا (3) لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ الرَّحِیمَ وَ قَوْلَهُمْ (4) وَ لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا حَارَبْنَاكَ فَاكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ (5) وَ نَزَلَ فِی تَطْهِیرِ (6) الرُّؤْیَا الَّتِی رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا بِالْحَقِّ إِلَی قَوْلِهِ (7) فَتْحاً قَرِیباً یَعْنِی فَتْحَ خَیْبَرَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْحُدَیْبِیَةِ غَزَا خَیْبَراً (8).
بیان: قوله معرات أی كانت بعضها عرات و بعضها مجللات و المكتب (9) علی بناء الإفعال الذی یعلم الكتابة و قراب السیف بالكسر جفنته و هو وعاء یكون فیه السیف بغمده و حمالته و مضه الشی ء مضا و مضیضا بلغ من قلبه الحزن به و مضض كفرح ألم و اضطهده قهره.
«5»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ عَنْ عِیسَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمَ الْقَضِیَّةِ (10) حِینَ رَدَّ الْمُشْرِكُونَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَنْ مَعَهُ وَ
ص: 356
دَافَعُوهُ عَنِ الْمَسْجِدِ أَنْ یَدْخُلُوهُ هَادَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَكَتَبُوا بَیْنَهُمْ كِتَاباً قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَكُنْتُ أَنَا الَّذِی كَتَبَ فَكَتَبْتُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ هَذَا كِتَابٌ بَیْنَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَیْنَ قُرَیْشٍ فَقَالَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو لَوْ أَقْرَرْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ یُنَازِعْكَ أَحَدٌ فَقُلْتُ بَلْ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَ إِنَّكَ رَاغِمٌ (1) فَقَالَ لِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اكْتُبْ لَهُ مَا أَرَادَ سَتُعْطَی یَا عَلِیُّ بَعْدِی مِثْلَهَا قَالَ فَلَمَّا كَتَبْتُ الصُّلْحَ بَیْنِی وَ بَیْنَ أَهْلِ الشَّامِ كَتَبْتُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ هَذَا كِتَابٌ بَیْنَ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ بَیْنَ مُعَاوِیَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ لَمْ نُنَازِعْكَ فَقَالَ (2) اكْتُبُوا مَا رَأَیْتُمْ فَعَلِمْتُ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ حَقٌّ (3) قَدْ جَاءَ (4).
«6»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ بِالْحُدَیْبِیَةِ شَكَا إِلَیْهِ النَّاسُ قِلَّةَ الْمَاءِ فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَ مَجَّ فِی الدَّلْوِ وَ أَخْرَجَ مِنْ كِنَانَتِهِ سَهْماً ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ یُصَبَّ فِی الْبِئْرِ تِلْكَ الدَّلْوُ وَ أَنْ یُغْرَزَ ذَلِكَ السَّهْمُ فِی أَسْفَلِ الْبِئْرِ فَعَمِلُوا فَفَارَتِ الْبِئْرُ بِالْمَاءِ إِلَی شَفِیرِهَا وَ اغْتَرَفَ النَّاسُ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ أَوْسُ بْنُ خَوَلِیٍّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی سَلُولٍ (5) أَ بَعْدَ هَذَا شَیْ ءٌ أَ مَا آنَ لَكَ أَنْ تُبْصِرَ.
«7»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا أَصَابَ النَّاسَ بِالْحُدَیْبِیَةِ جُوعٌ شَدِیدٌ وَ قَلَّتْ أَزْوَادُهُمْ لِأَنَّهُمْ أَقَامُوا بِهَا بَضْعَةَ عَشَرَ یَوْماً فَشَكَوْا إِلَیْهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِالنَّطْعِ أَنْ یُبْسَطَ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یَأْتُوا بِبَقِیَّةِ أَزْوَادِهِمْ فَیَطْرَحُوا فَأَتَوْا بِدَقِیقٍ (6) قَلِیلٍ وَ تُمَیْرَاتٍ فَقَامَ وَ دَعَا بِالْبَرَكَةِ فِیهَا وَ أَمَرَهُمْ بِأَنْ یَأْتُوا بِأَوْعِیَتِهِمْ فَمَلَئُوهَا حَتَّی لَمْ یَجِدُوا لَهَا مَحَلًّا (7).
ص: 357
«8»-یج، الخرائج و الجرائح مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِلْعُمْرَةِ سَنَةَ الْحُدَیْبِیَةِ مَنَعَتْ قُرَیْشٌ مِنْ دُخُولِهِ مَكَّةَ وَ تَحَالَفُوا أَنَّهُ لَا یَدْخُلُهَا وَ مِنْهُمْ عَیْنٌ تَطْرِفُ وَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا جِئْتُ مُحَارِباً لَكُمْ إِنَّمَا جِئْتُ مُعْتَمِراً قَالُوا لَا نَدَعُكَ تَدْخُلُ مَكَّةَ عَلَی هَذِهِ الْحَالِ فَتَسْتَذِلَّنَا الْعَرَبُ وَ تُعَیِّرَنَا وَ لَكِنِ اجْعَلْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَكَ هُدْنَةً لَا تَكُونُ لِغَیْرِنَا فَاتَّفَقُوا عَلَیْهِ وَ قَدْ نَفِدَ مَاءُ الْمُسْلِمِینَ وَ كَظَّهُمْ وَ بَهَائِمَهُمُ الْعَطَشُ فَجِی ءَ بِرَكْوَةٍ فِیهَا قَلِیلٌ مِنَ الْمَاءِ فَأَدْخَلَ یَدَهُ فِیهَا فَفَاضَتِ الرَّكْوَةُ وَ نُودِیَ فِی الْعَسْكَرِ مَنْ أَرَادَ الْمَاءَ فَلْیَأْتِهِ فَسَقَوْا وَ اسْتَقَوْا (1) وَ مَلَئُوا الْقِرَبَ (2).
بیان: یقال كظنی هذا الأمر أی جهدنی من الكرب 9 شا، الإرشاد ثم تلا بنی المصطلق الحدیبیة و كان اللواء یومئذ إلی أمیر المؤمنین علیه السلام كما كان إلیه فی المشاهد قبلها و كان من بلائه فی ذلك الیوم عند صف القوم فی الحرب و القتال ما ظهر خبره و استفاض ذكره و ذلك بعد البیعة التی أخذها النبی صلی اللّٰه علیه و آله علی أصحابه و العهود علیهم فی الصبر و كان أمیر المؤمنین علیه السلام المبایع للنساء عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله فكانت (3) بیعته لهن یومئذ أن طرح ثوبا بینهن و بینه ثم مسحه بیده فكانت مبایعتهن للنبی صلی اللّٰه علیه و آله بمسح الثوب و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یمسح ثوب علی علیه السلام مما یلیه و لما رأی سهیل بن عمرو توجه الأمر علیهم ضرع إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی الصلح (4) و نزل علیه الوحی بالإجابة إلی ذلك و أن یجعل أمیر المؤمنین علیه السلام كاتبه یومئذ و المتولی لعقد الصلح بخطه فقال له النبی صلی اللّٰه علیه و آله اكتب یا علی بسم اللّٰه الرحمن الرحیم فقال سهیل بن عمرو هذا كتاب (5) بیننا و بینك یا محمد فافتتحه بما نعرفه
ص: 358
و اكتب باسمك اللّٰهم فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله لأمیر المؤمنین علیه السلام امح ما كتبت و اكتب باسمك اللّٰهم فقال أمیر المؤمنین علیه السلام لو لا طاعتك یا رسول اللّٰه ما محوت بسم اللّٰه الرحمن الرحیم ثم محاها و كتب باسمك اللّٰهم فقال (1) النبی صلی اللّٰه علیه و آله اكتب هذا ما قاضی علیه محمد رسول اللّٰه سهیل بن عمرو فقال سهیل لو أجبتك فی الكتاب الذی بیننا إلی هذا لأقررت لك بالنبوة فسواء شهدت (2) علی نفسی بالرضا بذلك أو أطلقته من لسانی امح هذا الاسم و اكتب هذا ما قاضی علیه محمد بن عبد اللّٰه فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام إنه و اللّٰه لرسول اللّٰه (3) علی رغم أنفك فقال سهیل اكتب اسمه یمضی الشرط فقال له أمیر المؤمنین ویلك یا سهیل كف عن عنادك فقال له النبی صلی اللّٰه علیه و آله امحها یا علی فقال یا رسول اللّٰه إن یدی لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة قال له فضع یدی علیها (4) فمحاها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بیده و قال لأمیر المؤمنین علیه السلام ستدعی إلی مثلها فتجیب و أنت علی مضض ثم تمم أمیر المؤمنین علیه السلام الكتاب و لما تم الصلح نحر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله هدیه فی مكانه فكان نظام تدبیر هذه الغزاة معلقا (5) بأمیر المؤمنین و كان ما جری فیها من البیعة و صف الناس للحرب ثم الهدنة و الكتاب كله لأمیر المؤمنین علیه السلام و كان فیما (6) هیأه اللّٰه له من ذلك حقن الدماء و صلاح أمر الإسلام و قد روی الناس له فی هذه الغزاة بعد الذی ذكرناه فضیلتین اختص بهما و انضافتا إلی فضائله العظام و مناقبه الجسام.
فروی إبراهیم بن عمر عن رجاله عن قائد مولی عبد اللّٰه بن سالم قال لما
ص: 359
خرج رسول لله صلی اللّٰه علیه و آله فی غزوة الحدیبیة (1) نزل الجحفة فلم یجد فیها (2) ماء فبعث سعد بن مالك بالروایا حتی إذا كان غیر بعید رجع سعد بالروایا و قال یا رسول اللّٰه ما أستطیع أن أمضی لقد وقفت قدمای رعبا من القوم فقال له النبی صلی اللّٰه علیه و آله اجلس ثم بعث رجلا آخر فخرج بالروایا حتی إذا كان بالمكان الذی انتهی إلیه الأول رجع فقال له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لم رجعت فقال یا رسول اللّٰه و الذی بعثك بالحق نبیا ما استطعت أن أمضی رعبا فدعا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أمیر المؤمنین علیه السلام فأرسله بالروایا و خرج السقاة و هم لا یشكون فی رجوعه لما رأوا من جزع (3) من تقدمه فخرج علی علیه السلام بالروایا حتی ورد الحرار و استسقی (4) ثم أقبل بها إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و لها زجل (5) فلما دخل كبر النبی صلی اللّٰه علیه و آله و دعا له بخیر.
وَ فِی هَذِهِ الْغَزَاةِ أَقْبَلَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ أَرِقَّاءَنَا لَحِقُوا بِكَ فَارْدُدْهُمْ عَلَیْنَا فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی تَبَیَّنَ الْغَضَبُ فِی وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ لَتَنْتَهُنَّ یَا مَعَاشِرَ (6) قُرَیْشٍ أَوْ لَیَبْعَثَنَّ اللَّهُ عَلَیْكُمْ رَجُلًا (7) امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِالْإِیمَانِ یَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَی الدِّینِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَالَ لَا قَالَ فَعُمَرُ قَالَ لَا وَ لَكِنَّهُ خَاصِفُ النَّعْلِ فِی الْحُجْرَةِ فَتَبَادَرَ النَّاسُ إِلَی الْحُجْرَةِ یَنْظُرُونَ مَنِ الرَّجُلُ فَإِذَا هُوَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام.
و قد روی هذا الحدیث جماعة (8) عن أمیر المؤمنین علیه السلام و قالوا فیه إن علیا
ص: 360
قص هذه القصة
ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ مَنْ كَذَبَ عَلَیَّ مُتَعَمِّداً فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.
و كان الذی أصلحه أمیر المؤمنین علیه السلام من نعل النبی صلی اللّٰه علیه و آله شسعها فإنه كان انقطع فخصف موضعه و أصلحه (1).
«10»-عم، إعلام الوری فِی سَنَةِ خَمْسٍ كَانَتْ غَزْوَةُ الْحُدَیْبِیَةِ فِی ذِی الْقَعْدَةِ وَ خَرَجَ فِی نَاسٍ كَثِیرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ یُرِیدُ الْعُمْرَةَ وَ سَاقَ مَعَهُ سَبْعِینَ بَدَنَةً وَ بَلَغَ ذَلِكَ الْمُشْرِكِینَ مِنْ قُرَیْشٍ فَبَعَثُوا خَیْلًا لِیَصُدُّوهُ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ كَانَ صلی اللّٰه علیه و آله یَرَی أَنَّهُمْ لَا یُقَاتِلُونَهُمْ (2) لِأَنَّهُ خَرَجَ فِی الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَ كَانَ مِنْ أَمْرِ سُهَیْلِ بْنِ عَمْرٍو وَ أَبِی جَنْدَلٍ ابْنِهِ وَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا شَكَّ بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَا شَكَّ إِلَّا یَوْمَئِذٍ فِی الدِّینِ (3) وَ أَتَی بُدَیْلُ بْنُ وَرْقَاءَ إِلَی قُرَیْشٍ فَقَالَ لَهُمْ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ خَفِّضُوا عَلَیْكُمْ وَ إِنَّهُ لَمْ یَأْتِ یُرِیدُ قِتَالَكُمْ وَ إِنَّمَا یُرِیدُ زِیَارَةَ هَذَا الْبَیْتِ فَقَالُوا وَ اللَّهِ لَا نَسْمَعُ مِنْكَ وَ لَا تُحَدِّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَنْوَةً وَ لَا نَقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا أَنْ یَرْجِعَ عَنَّا ثُمَّ بَعَثُوا إِلَیْهِ بِكُرْزِ بْنِ حَفْصٍ (4) وَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ وَ صَدُّوا الْهَدْیَ وَ بَعَثَ صلی اللّٰه علیه و آله عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَی أَهْلِ مَكَّةَ یَسْتَأْذِنُهُمْ فِی أَنْ یَدْخُلَ (5) مَكَّةَ مُعْتَمِراً فَأَبَوْا أَنْ یَتْرُكُوهُ وَ احْتُبِسَ عُثْمَانُ فَظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ أَ تُبَایِعُونِّی عَلَی الْمَوْتِ فَبَایَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَی أَنْ لَا یَفِرُّوا عَنْهُ أَبَداً ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعَثُوا سُهَیْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ یَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ مَكَّةَ حَرَمُنَا وَ عِزُّنَا وَ قَدْ تَسَامَعَتِ الْعَرَبُ بِكَ أَنَّكَ قَدْ غَزَوْتَنَا وَ مَتَی مَا تَدْخُلُ عَلَیْنَا مَكَّةَ عَنْوَةً تَطْمَعُ فِینَا فَنُتَخَطَّفُ وَ إِنَّا نَذْكُرُكَ الرَّحِمَ فَإِنَّ مَكَّةَ بَیْضَتُكَ الَّتِی تَفَلَّقَتْ عَنْ رَأْسِكَ (6) قَالَ فَمَا تُرِیدُ قَالَ أُرِیدُ أَنْ أَكْتُبَ بَیْنِی وَ بَیْنَكَ هُدْنَةً عَلَی أَنْ أُخَلِّیَهَا
ص: 361
لَكَ فِی قَابِلٍ فَتَدْخُلَهَا وَ لَا تَدْخُلَهَا بِخَوْفٍ وَ لَا فَزَعٍ وَ لَا سِلَاحٍ إِلَّا سِلَاحِ الرَّاكِبِ السَّیْفُ فِی الْقِرَابِ وَ الْقَوْسُ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَخَذَ أَدِیماً أَحْمَرَ فَوَضَعَهُ عَلَی فَخِذِهِ ثُمَّ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ فَقَالَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو هَذَا كِتَابٌ بَیْنَنَا وَ بَیْنَكَ یَا مُحَمَّدُ فَافْتَتِحْهُ بِمَا نَعْرِفُهُ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَقَالَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ وَ امْحُ مَا كَتَبْتَ فَقَالَ لَوْ لَا طَاعَتُكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَمَا مَحَوْتُ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَی عَلَیْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سُهَیْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ سُهَیْلٌ لَوْ أَجَبْتُكَ فِی الْكِتَابِ إِلَی هَذَا لَأَقْرَرْتُ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ فَامْحُ هَذَا الِاسْمَ وَ اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنَّهُ وَ اللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ عَلَی رَغْمِ أَنْفِكَ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله امْحُهَا یَا عَلِیُّ فَقَالَ لَهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ یَدِی لَا تَنْطَلِقُ لِمَحْوِ اسْمِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ قَالَ فَضَعْ یَدِی عَلَیْهَا فَمَحَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِیَدِهِ وَ قَالَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ سَتُدْعَی إِلَی مِثْلِهَا فَتُجِیِبُ وَ أَنْتَ عَلَی مَضَضٍ ثُمَّ كَتَبَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ هَذَا مَا قَاضَی عَلَیْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِینَ سُهَیْلَ بْنَ عَمْرٍو وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَی أَنَّ الْحَرْبَ مَكْفُوفَةٌ فَلَا إِغْلَالَ وَ لَا إِسْلَالَ وَ لَا قِتَالَ وَ عَلَی أَنْ لَا یُسْتَكْرَهَ أَحَدٌ عَلَی دِینِهِ وَ عَلَی أَنْ یُعْبَدَ اللَّهُ بِمَكَّةَ عَلَانِیَةً وَ عَلَی أَنَّ مُحَمَّداً یَنْحَرُ الْهَدْیَ مَكَانَهُ وَ عَلَی أَنْ یُخَلِّیَهَا (1) لَهُ فِی قَابِلٍ ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ فَیَدْخُلَهَا بِسِلَاحِ الرَّاكِبِ وَ یَخْرُجَ (2) قُرَیْشٌ كُلُّهَا مِنْ مَكَّةَ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْ قُرَیْشٍ یُخَلِّفُونَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَ أَصْحَابِهِ وَ مَنْ لَحِقَ مُحَمَّداً وَ أَصْحَابَهُ مِنْ قُرَیْشٍ فَإِنَّ مُحَمَّداً یَرُدُّهُ إِلَیْهِمْ وَ مَنْ رَجَعَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ إِلَی قُرَیْشٍ بِمَكَّةَ فَإِنَّ قُرَیْشاً لَا تَرُدُّهُ إِلَی مُحَمَّدٍ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِذَا سَمِعَ كَلَامِی ثُمَّ جَاءَكُمْ فَلَا حَاجَةَ لِی فِیهِ وَ إِنَّ قُرَیْشاً لَا یُعِینُ (3) عَلَی مُحَمَّدٍ وَ أَصْحَابِهِ أَحَداً بِنَفْسٍ وَ لَا سِلَاحٍ إِلَی آخِرِهِ فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی جَلَسَ إِلَی جَنْبِهِ فَقَالَ أَبُوهُ سُهَیْلٌ رُدَّهُ
ص: 362
عَلَیَّ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لَا نَرُدُّهُ فَقَامَ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخَذَ بِیَدِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ إِنَّ أَبَا جَنْدَلٍ لَصَادِقٌ فَاجْعَلْ لَهُ فَرَجاً وَ مَخْرَجاً ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی النَّاسِ وَ قَالَ إِنَّهُ لَیْسَ عَلَیْهِ بَأْسٌ إِنَّمَا یَرْجِعُ إِلَی أَبِیهِ وَ أُمِّهِ وَ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أُتِمَّ لِقُرَیْشٍ شَرْطَهَا وَ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِی الطَّرِیقِ سُورَةَ الْفَتْحِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَمَا انْقَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ حَتَّی كَادَ الْإِسْلَامُ یَسْتَوْلِی عَلَی أَهْلِ مَكَّةَ وَ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ انْفَلَتَ أَبُو بَصِیرِ بْنُ أُسَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ الثَّقَفِیُّ مِنَ الْمُشْرِكِینَ وَ بَعَثَ الْأَخْنَسُ بْنُ شُرَیْقٍ فِی أَثَرِهِ رَجُلَیْنِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا وَ أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُسْلِماً مُهَاجِراً فَقَالَ مُسْعِرُ (1) حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ وَاحِدٌ ثُمَّ قَالَ شَأْنَكَ بِسَلْبِ (2) صَاحِبِكَ وَ اذْهَبْ حَیْثُ شِئْتَ فَخَرَجَ أَبُو بَصِیرٍ وَ مَعَهُ خَمْسَةُ نَفَرٍ كَانُوا قَدِمُوا مَعَهُ مُسْلِمِینَ حَتَّی كَانُوا بَیْنَ الْعِیصِ وَ ذِی الْمَرْوَةِ مِنْ أَرْضِ جُهَیْنَةَ عَلَی طَرِیقِ عِیرَاتِ قُرَیْشٍ مِمَّا یَلِی سِیفَ الْبَحْرِ وَ انْفَلَتَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ عَمْرٍو فِی سَبْعِینَ رَاكِباً (3) أَسْلَمُوا فَلَحِقَ بِأَبِی بَصِیرٍ وَ اجْتَمَعَ إِلَیْهِمْ نَاسٌ مِنْ غِفَارٍ وَ أَسْلَمَ وَ جُهَیْنَةَ حَتَّی بَلَغُوا ثَلَاثَمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَ هُمْ مُسْلِمُونَ لَا یَمُرُّ بِهِمْ عِیرٌ لِقُرَیْشٍ إِلَّا أَخَذُوهَا وَ قَتَلُوا أَصْحَابَهَا فَأَرْسَلَتْ قُرَیْشٌ أَبَا سُفْیَانَ بْنَ حَرْبٍ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَسْأَلُونَهُ وَ یَتَضَرَّعُونَ إِلَیْهِ أَنْ یَبْعَثَ إِلَی أَبِی بَصِیرٍ وَ أَبِی جَنْدَلٍ وَ مَنْ مَعَهُمْ فَیَقْدَمُوا عَلَیْهِ وَ قَالُوا مَنْ خَرَجَ مِنَّا إِلَیْكَ فَأَمْسِكْهُ غَیْرَ حَرَجٍ أَنْتَ فِیهِ فَعَلِمَ الَّذِینَ كَانُوا أَشَارُوا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَمْنَعَ أَبَا جَنْدَلٍ مِنْ أَبِیهِ بَعْدَ الْقِصَّةِ أَنَّ طَاعَةَ- (4) رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَیْرٌ لَهُمْ فِیمَا أَحَبُّوا وَ فِیمَا
ص: 363
كَرِهُوا وَ كَانَ أَبُو بَصِیرٍ وَ أَبُو جَنْدَلٍ وَ أَصْحَابُهُمَا هُمُ الَّذِینَ مَرَّ بِهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِیعِ مِنَ الشَّامِ فِی نَفَرٍ مِنْ قُرَیْشٍ فَأَسَرُوهُمْ فَأَخَذُوا مَا مَعَهُمْ (1) وَ لَمْ یَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَداً لِصِهْرِ أَبِی الْعَاصِ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ خَلَّوْا سَبِیلَ أَبِی الْعَاصِ فَقَدِمَ الْمَدِینَةَ عَلَی امْرَأَتِهِ وَ كَانَ أَذِنَ لَهَا حِینَ خَرَجَ إِلَی الشَّامِ أَنْ تَقْدَمَ الْمَدِینَةَ فَتَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَبُو الْعَاصِ هُوَ ابْنُ أُخْتِ خَدِیجَةَ بِنْتِ خُوَیْلِدٍ (2).
بیان: قال فی النهایة فی حدیث الإفك و رسول اللّٰه یخفضهم أی یسكنهم و یهون علیهم الأمر من الخفض الدعة و السكون و منه حدیث أبی بكر قال لعائشة فی شأن الإفك خفضی علیك أی هونی الأمر علیك و لا تحزنی له و قال عنوة أی قهرا و غلبة و قال الخطف استلاب الشی ء و أخذه بسرعة.
«11»-عم، إعلام الوری رِبْعِیُّ بْنُ خِرَاشٍ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: أَقْبَلَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو وَ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ مَعَهُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْحُدَیْبِیَةِ فَقَالُوا لَهُ إِنَّهُ یَأْتِیكَ قَوْمٌ مِنْ سَفَلَتِنَا وَ عُبْدَانِنَا فَارْدُدْهُمْ عَلَیْنَا فَغَضِبَ حَتَّی احْمَارَّ وَجْهُهُ وَ كَانَ إِذَا غَضِبَ صلی اللّٰه علیه و آله یَحْمَارُّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ لَتَنْتَهُنَّ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ أَوْ لَیَبْعَثَنَّ اللَّهُ عَلَیْكُمْ رَجُلًا امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِیمَانِ یَضْرِبُ رِقَابَكُمْ وَ أَنْتُمْ مُجْفِلُونَ عَنِ الدِّینِ (3) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا هُوَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا قَالَ عُمَرُ أَنَا هُوَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا وَ لَكِنَّهُ ذَلِكُمْ خَاصِفُ النَّعْلِ فِی الْحُجْرَةِ وَ أَنَا أَخْصِفُ نَعْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله (4) مَنْ كَذَبَ عَلَیَّ مُتَعَمِّداً فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (5).
بیان: فی القاموس العبد الإنسان حرا كان أو رقیقا و المملوك و الجمع عبدون و عبید و أعبد و عباد و عبدان و عبدان عبدان بكسرتین مشددة الدال و قال
ص: 364
جفل الظلیم جفولا أسرع و ذهب فی الأرض كأجفل.
«12»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ حُكَیْمٍ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الصَّیْرَفِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی عُمْرَةِ الْقَضَاءِ شَرَطَ عَلَیْهِمْ أَنْ یَرْفَعُوا الْأَصْنَامَ مِنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَتَشَاغَلَ رَجُلٌ حَتَّی تَرَكَ السَّعْیَ حَتَّی انْقَضَتِ الْأَیَّامُ وَ أُعِیدَتِ الْأَصْنَامُ فَجَاءُوا إِلَیْهِ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَاناً لَمْ یَسْعَ بَیْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ قَدْ أُعِیدَتِ الْأَصْنَامُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما (1) أَیْ وَ عَلَیْهِمَا الْأَصْنَامُ (2).
«13»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ وَ غَیْرِهِ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی غَزْوَةِ (3) الْحُدَیْبِیَةِ خَرَجَ فِی ذِی الْقَعْدَةِ فَلَمَّا انْتَهَی إِلَی الْمَكَانِ الَّذِی أَحْرَمَ فِیهِ أَحْرَمُوا وَ لَبِسُوا السِّلَاحَ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِینَ قَدْ أَرْسَلُوا إِلَیْهِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ لِیَرُدَّهُ قَالَ ابْغُونِی (4) رَجُلًا یَأْخُذُنِی عَلَی غَیْرِ هَذَا الطَّرِیقِ فَأُتِیَ بِرَجُلٍ مِنْ مُزَیْنَةَ أَوْ جُهَیْنَةَ فَسَأَلَهُ فَلَمْ یُوَافِقْهُ قَالَ ابْغُونِی (5) رَجُلًا غَیْرَهُ فَأُتِیَ بِرَجُلٍ آخَرَ إِمَّا مِنْ مُزَیْنَةَ وَ إِمَّا مِنْ جُهَیْنَةَ قَالَ فَذَكَرَ لَهُ فَأَخَذَهُ مَعَهُ حَتَّی انْتَهَی إِلَی الْعَقَبَةِ فَقَالَ مَنْ یَصْعَدْهَا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا حَطَّ اللَّهُ عَنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ فَقَالَ لَهُمْ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِیئاتِكُمْ قَالَ فَابْتَدَرَهَا خَیْلُ الْأَنْصَارِ الْأَوْسُ وَ الْخَزْرَجُ قَالَ وَ كَانُوا أَلْفاً وَ ثَمَانَمِائَةٍ قَالَ فَلَمَّا هَبَطُوا إِلَی الْحُدَیْبِیَةِ إِذَا امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنُهَا عَلَی الْقَلِیبِ فَسَعَی ابْنُهَا هَارِباً فَلَمَّا أَثْبَتَتْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَرَخَتْ بِهِ هَؤُلَاءِ الصَّابِئُونَ لَیْسَ عَلَیْكَ مِنْهُمْ بَأْسٌ فَأَتَاهَا
ص: 365
رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَمَرَهَا فَاسْتَقَتْ دَلْواً مِنْ مَاءٍ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَشَرِبَ وَ غَسَلَ وَجْهَهُ فَأَخَذَتْ فَضْلَتَهُ فَأَعَادَتْهُ فِی الْبِئْرِ فَلَمْ تَبْرَحْ حَتَّی السَّاعَةِ وَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ الْمُشْرِكُونَ أَبَانَ بْنَ سَعِیدٍ (1) فِی الْخَیْلِ فَكَانَ بِإِزَائِهِ ثُمَّ أَرْسَلُوا الْجَیْشَ (2) فَرَأَی الْبُدْنَ وَ هِیَ تَأْكُلُ بَعْضُهَا أَوْبَارَ بَعْضٍ فَرَجَعَ وَ لَمْ یَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ لِأَبِی سُفْیَانَ یَا بَا سُفْیَانَ أَمَا وَ اللَّهِ مَا عَلَی هَذَا حَالَفْنَاكُمْ عَلَی أَنْ تَرُدُّوا الْهَدْیَ عَنْ مَحِلِّهِ فَقَالَ اسْكُتْ فَإِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِیٌّ فَقَالَ أَ مَا وَ اللَّهِ لَتُخَلِّیَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَ مَا أَرَادَ أَوْ لَأَنْفَرِدَنَّ فِی الْأَحَابِیشِ (3) فَقَالَ اسْكُتْ حَتَّی نَأْخُذَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَلْثاً فَأَرْسَلُوا إِلَیْهِ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَ قَدْ كَانَ جَاءَ إِلَی قُرَیْشٍ فِی الْقَوْمِ الَّذِینَ أَصَابَهُمُ الْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ كَانَ خَرَجَ مَعَهُمْ مِنَ الطَّائِفِ وَ كَانُوا تُجَّاراً فَقَتَلَهُمْ وَ جَاءَ بِأَمْوَالِهِمْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَبَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَقْبَلَهَا وَ قَالَ هَذَا غَدْرٌ وَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِیهِ فَأَرْسَلُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ أَتَاكُمْ وَ هُوَ یُعَظِّمُ الْبُدْنَ قَالَ فَأَقِیمُوهَا فَأَقَامُوهَا فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ مَجِی ءَ مَنْ جِئْتَ قَالَ جِئْتُ أَطُوفُ بِالْبَیْتِ وَ أَسْعَی بَیْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ أَنْحَرُ هَذِهِ الْإِبِلَ وَ أُخَلِّی عَنْكُمْ وَ عَنْ لُحْمَانِهَا قَالَ لَا وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّی فَمَا رَأَیْتُ مِثْلَكَ رُدَّ عَمَّا جِئْتَ لَهُ إِنَّ قَوْمَكَ یُذَكِّرُونَكَ اللَّهَ وَ الرَّحِمَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَیْهِمْ بِلَادَهُمْ بِغَیْرِ إِذْنِهِمْ وَ أَنْ تَقْطَعَ أَرْحَامَهُمْ وَ أَنْ تُجَرِّئَ عَلَیْهِمْ عَدُوَّهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا أَنَا بِفَاعِلٍ حَتَّی أَدْخُلَهَا قَالَ وَ كَانَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حِینَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تَنَاوَلَ لِحْیَتَهُ وَ الْمُغِیرَةُ قَائِمٌ عَلَی رَأْسِهِ فَضَرَبَ بِیَدِهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ هَذَا ابْنُ أَخِیكَ الْمُغِیرَةُ فَقَالَ یَا غُدَرُ وَ اللَّهِ مَا جِئْتُ إِلَّا فِی غَسْلِ سَلْحَتِكَ (4) قَالَ فَرَجَعَ إِلَیْهِمْ فَقَالَ لِأَبِی سُفْیَانَ وَ أَصْحَابِهِ لَا وَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ مِثْلَ مُحَمَّدٍ رُدَّ عَمَّا جَاءَ لَهُ
ص: 366
فَأَرْسَلُوا إِلَیْهِ سُهَیْلَ بْنَ عَمْرٍو وَ حُوَیْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّی فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأُثِیرَتْ فِی وُجُوهِهِمُ الْبُدْنُ فَقَالا مَجِی ءَ مَنْ جِئْتَ قَالَ جِئْتُ لِأَطُوفَ بِالْبَیْتِ وَ أَسْعَی بَیْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ أَنْحَرَ الْبُدْنَ وَ أُخَلِّیَ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَ لُحْمَانِهَا فَقَالا إِنَّ قَوْمَكَ یُنَاشِدُونَكَ اللَّهَ وَ الرَّحِمَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَیْهِمْ بِلَادَهُمْ بِغَیْرِ إِذْنِهِمْ وَ تُقَطِّعَ أَرْحَامَهُمْ وَ تُجَرِّئَ عَلَیْهِمْ عَدُوَّهُمْ قَالَ فَأَبَی عَلَیْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَّا أَنْ یَدْخُلَهَا وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَرَادَ أَنْ یَبْعَثَ عُمَرَ (1) فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَشِیرَتِی قَلِیلٌ وَ إِنِّی فِیهِمْ عَلَی مَا تَعْلَمُ وَ لَكِنِّی أَدُلُّكَ عَلَی عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ انْطَلِقْ إِلَی قَوْمِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فَبَشِّرْهُمْ بِمَا وَعَدَنِی رَبِّی مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ (2) فَلَمَّا انْطَلَقَ عُثْمَانُ إِلَی أَبَانِ بْنِ سَعِیدٍ فَتَأَخَّرَ عَنِ السَّرْجِ (3) فَحَمَلَ (4) عُثْمَانَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ دَخَلَ عُثْمَانُ فَأَعْلَمَهُمْ وَ كَانَتِ الْمُنَاوَشَةُ فَجَلَسَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ جَلَسَ عُثْمَانُ فِی عَسْكَرِ الْمُشْرِكِینَ وَ بَایَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمُسْلِمِینَ وَ ضَرَبَ بِإِحْدَی یَدَیْهِ عَلَی الْأُخْرَی لِعُثْمَانَ وَ قَالَ الْمُسْلِمُونَ طُوبَی لِعُثْمَانَ قَدْ طَافَ بِالْبَیْتِ وَ سَعَی بَیْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ أَحَلَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَا كَانَ لِیَفْعَلَ فَلَمَّا جَاءَ عُثْمَانُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ طُفْتَ بِالْبَیْتِ فَقَالَ مَا كُنْتُ لِأَطُوفَ بِالْبَیْتِ وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمْ یَطُفْ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْقَضِیَّةَ (5) وَ مَا كَانَ فِیهَا
ص: 367
فَقَالَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ فَقَالَ سُهَیْلٌ مَا أَدْرِی مَا الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ إِلَّا أَنِّی أَظُنُّ هَذَا الَّذِی بِالْیَمَامَةِ وَ لَكِنِ اكْتُبْ كَمَا یُكْتَبُ (1) بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ قَالَ وَ اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سُهَیْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ سُهَیْلٌ فَعَلَی مَا نُقَاتِلُكَ یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّاسُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ اكْتُبْ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَی عَلَیْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّاسُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَانَ فِی الْقَضِیَّةِ إِنْ كَانَ (2) مِنَّا أَتَی إِلَیْكُمْ رَدَدْتُمُوهُ إِلَیْنَا وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله غَیْرُ مُسْتَكْرَهٍ عَنْ دِینِهِ وَ مَنْ جَاءَ إِلَیْنَا مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ إِلَیْكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا حَاجَةَ لَنَا فِیهِمْ وَ عَلَی أَنْ یُعْبَدَ اللَّهُ (3) فِیكُمْ عَلَانِیَةً غَیْرَ سِرٍّ وَ إِنْ كَانُوا لَیَتَهَادَوْنَ السُّیُورَ (4) فِی الْمَدِینَةِ إِلَی مَكَّةَ وَ مَا كَانَتْ قَضِیَّةٌ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا لَقَدْ كَادَ أَنْ یَسْتَوْلِیَ عَلَی أَهْلِ مَكَّةَ الْإِسْلَامُ فَضَرَبَ (5) سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَی أَبِی جَنْدَلٍ ابْنِهِ فَقَالَ أَوَّلُ مَا قَاضَیْنَا عَلَیْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هَلْ قَاضَیْتُ عَلَی شَیْ ءٍ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ مَا كُنْتَ بِغَدَّارٍ قَالَ فَذَهَبَ بِأَبِی جَنْدَلٍ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ تَدْفَعُنِی إِلَیْهِ قَالَ وَ لَمْ أَشْتَرِطْ لَكَ قَالَ وَ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِأَبِی جَنْدَلٍ مَخْرَجاً (6).
بیان: قال الجزری یقال ابغنی كذا بهمزة الوصل أی اطلب لی و أبغنی بهمزة القطع أی أعنی علی الطلب قوله أو من جهینة التردید من الراوی فی الموضعین و یقال أثبته أی عرفه حق المعرفة و یقال صبأ فلان إذا خرج من
ص: 368
دین إلی غیره (1) قوله علیه السلام فلم تبرح أی لم یزل الماء من تلك البئر قوله علیه السلام فكان بإزائه أی أتی حتی قام بحذاء النبی صلی اللّٰه علیه و آله أو المراد أنه كان قائد عسكر المشركین كما أنه صلی اللّٰه علیه و آله كان قائد عسكر المسلمین قوله و هی تأكل كنایة عن كثرتها و ازدحامها و اجتماعها قوله حالفناكم لأنهم كان وقع بینهم الحلف علی معاداة النبی صلی اللّٰه علیه و آله أو علی تعاونهم مطلقا.
قوله أو لأنفردن فی الأحابیش أی أعتزل معهم عنكم و أمنعهم عن معاونتكم.
قال الجزری فی حدیث الحدیبیة أن قریشا جمعوا لك الأحابیش هی أحیاء من القارة انضموا إلی بنی لیث فی محاربتهم قریشا و التحبش التجمع و قیل حالفوا قریشا تحت جبل یسمی حبشیا فسموا بذلك.
و قال الفیروزآبادی حبشی بالضم جبل بأسفل مكة و منه أحابیش قریش لأنهم تحالفوا باللّٰه إنهم لید علی غیرهم ما سجا لیل و وضح نهار و ما رسا حبشی انتهی.
و الولث العهد بین القوم یقع من غیر قصد أو یكون غیر مؤكد.
قوله و قد كان جاء كانت هذه القصة علی ما ذكره الواقدی أنه ذهب المغیرة مع ثلاثة عشر رجلا من بنی مالك إلی مقوقس سلطان الإسكندریة و فضل مقوقس بنی مالك علی المغیرة فی العطاء فلما رجعوا و كانوا فی الطریق شرب بنو مالك ذات لیلة خمرا و سكروا فقتلهم المغیرة حسدا و أخذ أموالهم و أتی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و أسلم فقبل صلی اللّٰه علیه و آله إسلامه و لم یقبل من ماله شیئا و لم یأخذ منه الخمس لغدره فلما بلغ ذلك أبا سفیان أخبر عروة بذلك فأتی عروة رئیس بنی مالك و هو مسعود بن عمرة فكلمه فی أن یرضی بالدیة فلم یرض بنو مالك بذلك و طلبوا القصاص من عشائر المغیرة و اشتعلت بینهم نائرة الحرب فأطفأها عروة بلطائف حیله و ضمن دیة
ص: 369
الجماعة من ماله فضمیر الفاعل فی قوله جاء راجع إلی عروة و قوله فی القوم أی لأن یتكلم و یشفع فی الأمر المقتولین و الضمیر فی خرج راجع إلی المغیرة قوله فأرسلوا أی قریش عروة إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لذلك فقالوا أی الصحابة أو ضمیر أرسلوا أیضا راجع إلی الصحابة أی الذین كانوا بإزاء العدو قوله ما رأیت مثلك هذا تعجب منه أی كیف یكون مثلك فی الشرافة و عظم الشأن مردودا عن مثل هذا المقصد الذی لا ینبغی أن یرد عنه أحد.
قوله إلا فی غسل سلحتك قال فی المغرب السلح التغوط أقول الظاهر أن جئت بصیغة المتكلم أی جئت الآن أو قبل ذلك عند إطفاء نائرة الفتنة لإصلاح قبائح أعمالك و یمكن أن یقرأ بصیغة الخطاب أی لم یكن مجیئك إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله للإسلام بل للهرب مما صنعت من الخیانة و أتیت من الجنایة. (1) قوله و كانت المناوشة المناوشة المناولة فی القتال أی كان المشركون فی تهیئة القتال قوله و ضرب بإحدی یدیه لعله صلی اللّٰه علیه و آله إنما فعل ذلك لتتأكد علیه الحجة و العهد و المیثاق فیستوجب بنكثه أشد العذاب كما قال تعالی فیه و فی أخویه و أضرابهم فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما یَنْكُثُ عَلی نَفْسِهِ (2) قوله ثم ذكر لعله كلام الراوی أی ثم ذكر الصادق القضیة و كتابة الكتاب و ما جری فیها و ترك الراوی ذكرها اختصارا و یحتمل أن یكون كلامه أی ثم ذكر عثمان ما جری بینه و بین قریش من حبسه و منعه عن الرجوع أو من طلبهم الصلح أو إصرارهم فی عدم دخوله صلی اللّٰه علیه و آله فی تلك السنة.
قوله هذا الذی بالیمامة إنهم كانوا یقولون لمسیلمة رحمان الیمامة.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله و إن كانوا لیتهادون الستور فی بعض النسخ بالتاء المثناة الفوقانیة و فی بعضها بالمثناة التحتانیة فعلی الأول هو جمع الستر المعلق علی الأبواب و غیرها و علی الثانی إما المراد السیر المعروف المتخذ من الجلود أو نوع من الثیاب قال
ص: 370
الفیروزآبادی السیر بالفتح الذی یقد من الجلود و الجمع سیور و قال الجوهری السیر من الثیاب الذی فیه خطوط كالسیور و علی التقادیر هذا كلام الصادق علیه السلام لبیان ثمرة تلك المصالحة و كثرة فوائدها بأنها صارت موجبة لأمن المسلمین بحیث كانوا یبعثون الهدایا من المدینة إلی مكة من غیر منع و رعب و رغب أهل مكة فی الإسلام و أسلم جم غفیر منهم من غیر حرب قوله صلی اللّٰه علیه و آله و هل قاضیت علی شی ء أی لم یتم الصلح و لم یكتب الكتاب بعد فلیس هذا داخلا فیما نقاضی علیه قوله صلی اللّٰه علیه و آله و لم أشترط لك أی لیس هذا شرطا یخصك بل هذا ما قاضینا علیه لمصلحة عامة المسلمین و لا بد من ذلك أو لم تكن داخلا فیه لمجیئك قبل تمام الكتاب لكن هؤلاء یجبروننا علیه أو ما كنت اشترطت لك علیهم أن تكون مستثنی من ذلك و لا یمكننا الغدر معهم و لعله أظهر و یحتمل علی بعد أن یكون استفهاما إنكاریا أی أ لم أشترط لك و أعدك بالنجاة منهم قریبا.
أقول: إنما أوردت آیات عمرة القضاء و أخبارها فی هذا الباب لاشتراك بعض الآیات و الأخبار و شدة الارتباط بینهما و سیأتی لها ذكر فی موضعه إن شاء اللّٰه تعالی (1).
«14»-وَ رُوِیَ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ مِنْ صِحَاحِهِمْ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی ذِی الْقَعْدَةِ فَأَبَی أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ یَدَعُوهُ یَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّی قَاضَاهُمْ عَلَی أَنْ یَدْخُلَ یَعْنِی مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ یُقِیمُ فِیهَا ثَلَاثَةً فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَی عَلَیْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالُوا مَا نُقِرُّ بِهَا فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ وَ لَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ امْحُ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَا وَ اللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَداً فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَیْسَ یُحْسِنُ یَكْتُبُ
ص: 371
فَكَتَبَ (1) هَذَا مَا قَاضَی عَلَیْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا یُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلَاحَ إِلَّا السَّیْفَ فِی الْقِرَابِ وَ أَنْ لَا یَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ یَتْبَعَهُ (2) وَ أَنْ لَا یَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَداً إِنْ أَرَادَ أَنْ یُقِیمَ بِهَا فَلَمَّا دَخَلَهَا وَ مَضَی الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِیّاً (3) فَقَالُوا قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَی الْأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَتَبِعَتْهُ (4) ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِی یَا عَمِّ یَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِیٌّ وَ قَالَ لِفَاطِمَةَ دُونَكَ بِنْتُ عَمِّكَ فَحَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِیهَا (5) عَلِیٌّ وَ زَیْدٌ وَ جَعْفَرٌ قَالَ عَلِیٌّ أَنَا أَخَذْتُهَا
ص: 372
قَالَ الْحُمَیْدِیُّ أَنَا أَحَقُّ (1) بِهَا وَ هِیَ بِنْتُ عَمِّی وَ قَالَ جَعْفَرٌ بِنْتُ عَمِّی وَ خَالَتُهَا تَحْتِی وَ قَالَ زَیْدٌ بِنْتُ أَخِی فَقَضَی بِهَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لِخَالَتِهَا وَ قَالَ الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَ قَالَ لِعَلِیٍّ أَنْتَ مِنِّی وَ أَنَا مِنْكَ وَ قَالَ لِجَعْفَرٍ أَشْبَهْتَ خَلْقِی وَ خُلُقِی وَ قَالَ لِزَیْدٍ أَنْتَ أَخُونَا وَ مَوْلَانَا (2).
«15»-أقول ذكر ابن الأثیر فی الكامل فی حوادث السنة السادسة فیها نزلت سورة الفتح و هاجر إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نسوة مؤمنات فیهن أم كلثوم ابنة عقبة بن أبی معیط فجاء أخواها عمارة و الولید یطلبانها فأنزل اللّٰه فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَی الْكُفَّارِ (3) فلم یرسل امرأة مؤمنة إلی مكة و أنزل اللّٰه وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ (4) فطلق عمر بن الخطاب امرأتین له.
و فیها كانت سریة عكاشة بن محصن فی أربعین رجلا إلی الغمر فنذر القوم (5) بهم فهربوا فسعت الطلائع فوجدوا مائتی بعیر فأخذوها إلی المدینة و كانت فی ربیع الآخر.
و فیها كانت سریة محمد بن مسلمة أرسله رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی عشرة فوارس فی ربیع الأول إلی بنی ثعلبة بن سعد فكمن القوم له حتی نام هو و أصحابه فظهروا علیهم فقتل أصحابه و نجا هو وحده جریحا.
ص: 373
و فیها كانت سریة أبی عبیدة بن الجراح إلی ذی القصة فی ربیع الآخر فی أربعین رجلا فهرب أهله منهم و أصابوا نعما و رجلا فأسلم فتركه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله.
و فیها كانت سریة زید بن حارثة بالجموم فأصاب امرأة من مزینة اسمها حلیمة فدلتهم علی محلة من محال بنی سلیم فأصابوا نعما و شاء و أسراء فیهم زوجها فأطلقها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و زوجها معها.
و فیها سریة زید أیضا إلی العیص فی جمادی الأولی.
و فیها أخذت الأموال التی كانت مع أبی العاص بن الربیع و استجار بزینب بنت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأجارته كما تقدم.
و فیها سریة زید أیضا إلی الطرف فی جمادی الآخرة فی بنی تغلبة (1) فی خمسة عشر رجلا فهربوا منه و أصاب من تمیم (2) عشرین بعیرا.
و فیها سریة زید بن حارثة إلی خمس (3) فی جمادی الآخرة و سببها أن رفاعة بن زید الجدلی (4) ثم الضبی قدم علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی هدنة الحدیبیة و أهدی لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله غلاما و أسلم فحسن إسلامه و كتب له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كتابا إلی قومه یدعوهم إلی الإسلام فأسلموا ثم ساروا إلی الحرة (5) ثم إن دحیة بن خلیفة أقبل من الشام من عند قیصر (6) حتی إذا كان بأرض حذام أغار إلیه الهنید و ابنه العوص الصلیعیان (7) و هو بطن من حذام فأخذا كل شی ء معه فبلغ ذلك
ص: 374
نفرا من بنی الضب (1) قوم رفاعة ممن كان أسلم فنفروا إلی الهنید و ابنه فلقوهم فاقتتلوا فظفر بنو الضب (2) و استنقذوا كل شی ء كان أخذ من دحیة و ردوه علیه فخرج دحیة حتی لقی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و طلب منه دم الهنید و ابنه العوص فبعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلیهم (3) زید بن حارثة فی جیش فأغاروا (4) و جمعوا ما وجدوا من مال و قتلوا الهنید و ابنه فلما سمع ذلك بنو الضب (5) رهط رفاعة سار بعضهم إلی زید بن حارثة فقالوا إنا قوم مسلمون فقال زید نادوا (6) فی الجیش أن اللّٰه حرم علینا ما أخذ من طریق القوم الذین جاءوا منها (7) و أراد أن یسلم إلیهم سبایاهم فأخبره بعض أصحابه عنهم بما أوجب أن یحتاط فتوقف فی تسلیم السبایا و قال هم فی حكم اللّٰه تعالی و نهی الجیش أن یهبطوا وادیهم و عاد أولئك الركب إلی رفاعة بن زید لم یشعر (8) بشی ء من أمرهم فقال له بعضهم إنك لجالس تحلب المعزی و نساء حذام (9) أساری فسار رفاعة و القوم معه إلی المدینة و عرض كتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علیه فقال كیف أصنع بالقتیل فقالوا لنا من كان حیا و من قتل فهو تحت أقدامنا (10) فأجابهم إلی ذلك و أرسل معهم علی بن أبی طالب إلی زید بن حارثة فرد علی القوم ما لهم حتی كانوا ینتزعون لبد المرأة من تحت الرجل. (11)
ص: 375
و فیها سریة زید أیضا إلی وادی القری فی رجب. (1) و فیها سریة عبد الرحمن بن عوف إلی دومة الجندل فی شعبان فأسلموا فتزوج عبد الرحمن تمامة بنت الإصبع (2) رئیسهم و هی أم أبی سلمة.
و فیها سریة علی بن أبی طالب علیه السلام إلی فدك فی شعبان فی مائة رجل و ذلك أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بلغه أن حیا من بنی سعد قد تجمعوا له یریدون أن یمدوا أهل خیبر فسار إلیهم علی علیه السلام فأصاب عینا لهم فأخبره أنهم ساروا إلی أهل خیبر یعرضون علیهم نصرهم علی أن یجعلوا لهم تمر خیبر (3).
«16»-أَقُولُ ذَكَرَ فِی رَوْضَةِ الْأَحْبَابِ أَنَّهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ سَارَ بِاللَّیْلِ وَ كَمَنَ بِالنَّهَارِ حَتَّی أَتَی الْهَمَجَ فَأَصَابَ عَیْناً لَهُمْ فَذَهَبَ بِعَسْكَرِ الْمُسْلِمِینَ إِلَیْهِمْ فَأَغَارُوا عَلَیْهِمْ (4) فَانْهَزَمَ بَنُو سَعْدٍ وَ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ مِائَةَ بَعِیرٍ وَ أَلْفَیْ شَاةٍ فَاصْطَفَی عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِلنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله عِدَّةً مِنَ الْإِبِلِ وَ قَسَمَ سَائِرَ الْمَالِ عَلَی أَهْلِ السَّرِیَّةِ وَ رَجَعَ قَالَ وَ فِیهَا أَجْدَبَ النَّاسُ جَدْباً شَدِیداً فَاسْتَسْقَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالنَّاسِ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ (5) وَ فِیهَا سَرِیَّةُ زَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَی وَادِی الْقُرَی وَ ذَلِكَ أَنَّ زَیْداً كَانَ یَذْهَبُ إِلَی الشَّامِ فِی تِجَارَةٍ وَ مَعَهُ بَضَائِعُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ وَادِی الْقُرَی
ص: 376
أَغَارَ عَلَیْهِمْ قَوْمٌ مِنْ فَزَارَةَ فَقَتَلُوا الْمُسْلِمِینَ وَ هَرَبَ زَیْدٌ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ فِی رِوَایَةٍ ارْتُثَّ (1) زَیْدٌ مِنْ بَیْنِ الْقَتْلَی فَنَذَرَ أَنْ لَا یَمَسَّ طِیباً وَ لَا مَاءً مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّی یَغْزُوَ فَزَارَةَ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَنِی فَزَارَةَ فَلَقِیَهُمْ بِوَادِی الْقُرَی فَأَصَابَ مِنْهُمْ وَ قَتَلَ وَ أَسَرَ أُمَّ فَرْوَةَ وَ هِیَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِیعَةَ فَقَتَلَهَا (2).
«1»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ كِسْرَی كَتَبَ إِلَی فَیْرُوزَ الدَّیْلَمِیِّ (3) وَ هُوَ مِنْ بَقِیَّةِ أَصْحَابِ سَیْفِ بْنِ ذِی یَزَنَ أَنِ احْمِلْ إِلَیَّ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِی یَبْدَأُ بِاسْمِهِ قَبْلَ اسْمِی فَاجْتَرَأَ عَلَیَّ وَ دَعَانِی إِلَی غَیْرِ دِینِی فَأَتَاهُ فَیْرُوزُ وَ قَالَ لَهُ إِنَّ رَبِّی أَمَرَنِی أَنْ آتِیَهُ بِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ رَبِّی خَبَّرَنِی أَنَّ رَبَّكَ قُتِلَ الْبَارِحَةَ فَجَاءَ الْخَبَرُ أَنَّ ابْنَهُ شِیرَوَیْهِ وَثَبَ عَلَیْهِ فَقَتَلَهُ فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ فَأَسْلَمَ فَیْرُوزُ وَ مَنْ مَعَهُ فَلَمَّا خَرَجَ الْكَذَّابُ الْعَبْسِیُّ أَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِیَقْتُلَهُ فَتَسَلَّقَ سَطْحاً فَلَوَّی عُنُقَهُ فَقَتَلَهُ (4).
بیان: فتسلق أی صعد.
ص: 377
«2»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ هِرَقْلَ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ غَسَّانَ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَأْتِیَهُ بِخَبَرِ مُحَمَّدٍ وَ قَالَ لَهُ احْفَظْ لِی مِنْ أَمْرِهِ ثَلَاثاً انْظُرْ عَلَی أَیِّ شَیْ ءٍ تَجِدُهُ جَالِساً وَ مَنْ عَلَی یَمِینِهِ وَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَی خَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَافْعَلْ فَخَرَجَ الْغَسَّانِیُّ حَتَّی أَتَی النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَوَجَدَهُ جَالِساً عَلَی الْأَرْضِ وَ وَجَدَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ یَمِینِهِ وَ جَعَلَ رِجْلَیْهِ فِی مَاءٍ یَفُورُ فَقَالَ مَنْ هَذَا عَلَی یَمِینِهِ قِیلَ ابْنُ عَمِّهِ فَكَتَبَ ذَلِكَ وَ نَسِیَ الْغَسَّانِیُّ الثَّالِثَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تَعَالَ فَانْظُرْ إِلَی مَا أَمَرَكَ بِهِ صَاحِبُكَ فَنَظَرَ إِلَی خَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ (1) إِلَی هِرَقْلَ قَالَ (2) مَا صَنَعْتَ قَالَ وَجَدْتُهُ جَالِساً عَلَی الْأَرْضِ وَ الْمَاءُ یَفُورُ تَحْتَ قَدَمَیْهِ وَ وَجَدْتُ عَلِیّاً ابْنَ عَمِّهِ عَنْ یَمِینِهِ وَ أُنْسِیتُ مَا قُلْتَ لِی فِی الْخَاتَمِ فَدَعَانِی فَقَالَ هَلُمَّ إِلَی مَا أَمَرَكَ بِهِ صَاحِبُكَ فَنَظَرْتُ إِلَی خَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا الَّذِی بَشَّرَ بِهِ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ أَنَّهُ یَرْكَبُ الْبَعِیرَ فَاتَّبِعُوهُ وَ صَدِّقُوهُ ثُمَّ قَالَ لِلرَّسُولِ اخْرُجْ إِلَی أَخِی فَأَعْرِضْ عَلَیْهِ فَإِنَّهُ شَرِیكِی فِی الْمُلْكِ فَقُلْتُ لَهُ فَمَا طَابَ نَفْسُهُ عَنْ ذَهَابِ مُلْكِهِ.
بیان: قوله فقلت له لعله من كلام الراوی قال للإمام (3) علیه السلام إنما قال هرقل شریكی لأنه لم یطب نفسه أن یذهب ملكه و یحتمل أن یكون فی الأصل فقال أی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و الأظهر أن المراد أن هرقل قال لرسوله اخرج إلی أخی فأعرض علیه الإسلام فإن أسلم أسلمت و كان أخوه شریكه فی السلطنة و قوله فقلت كلام الرسول علی الالتفات و ضمیر له للأخ و كذا ضمیر نفسه.
«3»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ دِحْیَةَ الْكَلْبِیَّ قَالَ: بَعَثَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِكِتَابٍ إِلَی قَیْصَرَ فَأَرْسَلَ إِلَی الْأُسْقُفِّ فَأَخْبَرَهُ بِمُحَمَّدٍ وَ كِتَابِهِ فَقَالَ هَذَا النَّبِیُّ الَّذِی كُنَّا نَنْتَظِرُهُ
ص: 378
بَشَّرَنَا بِهِ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ وَ قَالَ الْأُسْقُفُّ أَمَّا أَنَا فَمُصَدِّقُهُ وَ مُتَّبِعُهُ فَقَالَ قَیْصَرُ أَمَّا أَنَا إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ذَهَبَ مُلْكِی ثُمَّ قَالَ قَیْصَرُ الْتَمِسُوا لِی مِنْ قَوْمِهِ هَاهُنَا أَحَداً أَسْأَلُهُ عَنْهُ وَ كَانَ أَبُو سُفْیَانَ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَیْشٍ دَخَلُوا الشَّامَ تُجَّاراً فَأَحْضَرَهُمْ وَ قَالَ لِیَدْنُ مِنِّی أَقْرَبُكُمْ نَسَباً بِهِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْیَانَ فَقَالَ أَنَا سَائِلٌ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِی یَقُولُ إِنَّهُ نَبِیٌّ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ قَالَ أَبُو سُفْیَانَ لَوْ لَا حَیَائِی (1) أَنْ یَأْثِرَ أَصْحَابِی عَنِّی الْكَذِبَ لَأَخْبَرْتُهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَیْهِ فَقَالَ كَیْفَ نَسَبُهُ فِیكُمْ قُلْتُ ذُو نَسَبٍ قَالَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ (2) أَحَدٌ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلُ قُلْتُ لَا قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَوْ ضُعَفَاؤُهُمْ قُلْتُ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ فَهَلْ یَزِیدُونَ أَوْ یَنْقُصُونَ قُلْتُ یَزِیدُونَ قَالَ یَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخَطاً لِدِینِهِ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ یَغْدِرُ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَكَیْفَ حَرْبُكُمْ وَ حَرْبُهُ قُلْتُ ذُو سِجَالٍ مَرَّةً لَهُ وَ مَرَّةً عَلَیْهِ قَالَ هَذَا (3) آیَةُ النُّبُوَّةِ قَالَ فَمَا یَأْمُرُكُمْ قُلْتُ یَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَیْئاً وَ یَنْهَانَا عَمَّا كَانَ یَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَ یَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْعَفَافِ وَ الصِّدْقِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ قَالَ هَذِهِ صِفَةُ نَبِیٍّ وَ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ یَخْرُجُ وَ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ یُوشِكُ أَنْ یَمْلِكَ مَا تَحْتَ قَدَمَیَّ هَاتَیْنِ وَ لَوْ أَرْجُو أَنْ أُخْلِصَ إِلَیْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقْیَاهُ (4) وَ لَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَیْهِ (5) وَ إِنَّ النَّصَارَی اجْتَمَعُوا عَلَی الْأُسْقُفِّ لِیَقْتُلُوهُ فَقَالَ اذْهَبْ إِلَی صَاحِبِكَ فَاقْرَأْ عَلَیْهِ السَّلَامَ (6) وَ أَخْبِرْهُ أَنِّی أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ أَنَّ النَّصَارَی أَنْكَرُوا ذَلِكَ
ص: 379
عَلَیَّ ثُمَّ خَرَجَ إِلَیْهِمْ فَقَتَلُوهُ (1).
بیان: قال الجوهری تقول أثرت الحدیث آثره إذا ذكرته عن غیرك و قال الجزری السجل الدلو الملأی ماء و یجمع علی سجال و منه حدیث أبی سفیان و هرقل و الحرب بیننا سجال أی مرة لنا و مرة علینا و أصله أن المستقین بالسجل یكون لكل واحد منهم سجل و قال تجشمت الأمر تكلفته.
«4»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صلی اللّٰه علیه و آله بِالنُّبُوَّةِ بَعَثَ كِسْرَی رَسُولًا إِلَی بَاذَانَ عَامِلِهِ فِی أَرْضِ الْمَغْرِبِ بَلَغَنِی أَنَّهُ خَرَجَ رَجُلٌ قِبَلَكَ یَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِیٌّ فَلْتَقُلْ لَهُ فَلْیَكْفُفْ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَیْهِ مَنْ یَقْتُلُهُ وَ یَقْتُلُ قَوْمَهُ فَبَعَثَ بَاذَانُ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله بِذَلِكَ فَقَالَ لَوْ كَانَ شَیْ ءٌ قُلْتُهُ مِنْ قِبَلِی لَكَفَفْتُ عَنْهُ وَ لَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِی وَ تَرَكَ رُسُلَ بَاذَانَ وَ هُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفَراً لَا یُكَلِّمُهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ یَوْماً ثُمَّ دَعَاهُمْ فَقَالَ اذْهَبُوا إِلَی صَاحِبِكُمْ فَقُولُوا لَهُ إِنَّ رَبِّی قَتَلَ رَبَّهُ اللَّیْلَةَ إِنَّ رَبِّی قَتَلَ كِسْرَی اللَّیْلَةَ وَ لَا كِسْرَی بَعْدَ الْیَوْمِ وَ قَتَلَ قَیْصَرَ وَ لَا قَیْصَرَ بَعْدَ الْیَوْمِ فَكَتَبُوا قَوْلَهُ فَإِذَا هُمَا قَدْ مَاتَا فِی الْوَقْتِ الَّذِی حَدَّثَهُ (2) مُحَمَّدٌ صلی اللّٰه علیه و آله.
«5»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ عَنْ جَرِیرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِیِّ قَالَ: بَعَثَنِی النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِكِتَابِهِ إِلَی ذِی الْكَلَاعِ وَ قَوْمِهِ فَدَخَلْتُ عَلَیْهِ فَعَظَّمَ كِتَابَهُ وَ تَجَهَّزَ وَ خَرَجَ فِی جَیْشٍ عَظِیمٍ وَ خَرَجْتُ مَعَهُ نَسِیرُ إِذْ رُفِعَ لَنَا دَیْرُ رَاهِبٍ فَقَالَ أُرِیدُ هَذَا الرَّاهِبَ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَیْهِ سَأَلَهُ أَیْنَ تُرِیدُ قَالَ هَذَا النَّبِیَّ الَّذِی خَرَجَ فِی قُرَیْشٍ وَ هَذَا رَسُولُهُ قَالَ الرَّاهِبُ لَقَدْ مَاتَ هَذَا الرَّسُولُ فَقُلْتُ مِنْ أَیْنَ عَلِمْتَ بِوَفَاتِهِ قَالَ إِنَّكُمْ قَبْلَ أَنْ تَصِلُوا إِلَیَّ كُنْتُ أَنْظُرُ فِی كِتَابِ دَانِیَالَ مَرَرْتُ بِصِفَةِ مُحَمَّدٍ وَ نَعْتِهِ وَ أَیَّامِهِ وَ أَجَلِهِ فَوَجَدْتُ أَنَّهُ تُوُفِّیَ (3) فِی هَذِهِ السَّاعَةِ فَقَالَ ذُو الْكَلَاعِ أَنَا أَنْصَرِفُ قَالَ جَرِیرٌ فَرَجَعْتُ فَإِذَا رَسُولُ
ص: 380
اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تُوُفِّیَ (1) ذَلِكَ الْیَوْمَ (2).
«6»-قب، المناقب لابن شهرآشوب الزُّهْرِیُّ عَنْ أَبِی سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ إِلَی كِسْرَی مَلَكاً وَقْتَ الْهَاجِرَةِ وَ قَالَ یَا كِسْرَی تُسْلِمُ أَوْ أَكْسِرُ هَذِهِ الْعَصَا فَقَالَ بهل بهل فَانْصَرَفَ عَنْهُ فَدَعَا حُرَّاسَهُ وَ قَالَ مَنْ أَدْخَلَ هَذَا الرَّجُلَ عَلَیَّ فَقَالُوا مَا رَأَیْنَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ فِی الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَ وَقْتِهِ فَكَانَ كَمَا كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ أَتَاهُ فِی الْعَامِ الثَّالِثِ فَقَالَ تُسْلِمُ أَوْ أَكْسِرُ هَذِهِ الْعَصَا فَقَالَ بهل بهل فَكَسَرَ الْعَصَا ثُمَّ خَرَجَ فَلَمْ یَلْبَثْ أَنْ وَثَبَ عَلَیْهِ ابْنُهُ فَقَتَلَهُ (3).
«7»-قب، المناقب لابن شهرآشوب ابْنُ مَهْدِیٍّ الْمَامَطِیرِیُّ (4) فِی مَجَالِسِهِ أَنَّ النَّبِیَّ كَتَبَ إِلَی كِسْرَی مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَی كِسْرَی بْنِ هُرْمُزْدَ أَمَّا بَعْدُ فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ وَ إِلَّا فَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ السَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی (5) فَلَمَّا وَصَلَ إِلَیْهِ الْكِتَابُ مَزَّقَهُ وَ اسْتَخَفَّ بِهِ وَ قَالَ مَنْ هَذَا الَّذِی یَدْعُونِی إِلَی دِینِهِ وَ یَبْدَأُ بِاسْمِهِ قَبْلَ اسْمِی وَ بَعَثَ إِلَیْهِ بِتُرَابٍ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ كَمَا مَزَّقَ كِتَابِی أَمَا إِنَّهُ (6) سَتُمَزِّقُونَ مُلْكَهُ وَ بَعَثَ إِلَیَّ بِتُرَابٍ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَمْلِكُونَ أَرْضَهُ فَكَانَ كَمَا قَالَ.
ص: 381
الْمَاوَرْدِیُّ فِی أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ إِنَّ كِسْرَی كَتَبَ فِی الْوَقْتِ إِلَی عَامِلِهِ بِالْیَمَنِ بَاذَانَ وَ یُكَنَّی أَبَا مِهْرَانَ أَنِ احْمِلْ إِلَیَّ هَذَا الَّذِی یَذْكُرُ أَنَّهُ نَبِیٌّ وَ بَدَأَ بِاسْمِهِ قَبْلَ اسْمِی وَ دَعَانِی إِلَی غَیْرِ دِینِی فَبَعَثَ إِلَیْهِ فَیْرُوزَ الدَّیْلَمِیَّ فِی جَمَاعَةٍ مَعَ كِتَابٍ یَذْكُرُ فِیهِ مَا كَتَبَ بِهِ كِسْرَی فَأَتَاهُ فَیْرُوزُ بِمَنْ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ كِسْرَی أَمَرَنِی أَحْمِلُكَ إِلَیْهِ (1) فَاسْتَنْظَرَهُ لَیْلَةً فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ حَضَرَ فَیْرُوزُ مُسْتَحِثّاً فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَخْبَرَنِی رَبِّی أَنَّهُ قَتَلَ رَبَّكَ الْبَارِحَةَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَیْهِ ابْنَهُ شِیرَوَیْهِ عَلَی سَبْعِ سَاعَاتٍ مِنَ اللَّیْلِ فَأَمْسِكْ حَتَّی یَأْتِیَكَ الْخَبَرُ فَرَاعَ ذَلِكَ فَیْرُوزَ وَ هَالَهُ وَ عَادَ إِلَی بَاذَانَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ بَاذَانُ كَیْفَ وَجَدْتَ نَفْسَكَ حِینَ دَخَلْتَ عَلَیْهِ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا هِبْتُ أَحَداً كَهَیْبَةِ هَذَا الرَّجُلِ فَوَصَلَ الْخَبَرُ بِقَتْلِهِ فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ فَأَسْلَمَا جَمِیعاً وَ ظَهَرَ الْعَبْسِیُّ (2) وَ مَا افْتَرَاهُ مِنَ الْكَذِبِ فَأَرْسَلَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی فَیْرُوزَ اقْتُلْهُ قَتَلَهُ اللَّهُ فَقَتَلَهُ (3).
«8»-أقول قال الكازرونی فی المنتقی، فی حوادث السنة السادسة فیها اتخذ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الخاتم و ذلك أنه قیل إن الملوك لا یقرءون كتابا إلا مختوما.
و فیها بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ستة نفر فخرجوا مصطحبین فی ذی الحجة حاطب بن أبی بلتعة إلی المقوقس (4) و دحیة بن خلیفة الكلبی إلی قیصر (5) و عبد اللّٰه بن حذافة إلی كسری (6) و عمرو بن أمیة الضمیری (7) إلی النجاشی و شجاع
ص: 382
بن وهب إلی الحارث بن أبی شمر الغسانی (1) و سلیط بن عمرو العامری إلی هوذة بن علی النخعی (2) أما المقوقس فإنه لما وصل إلیه حاطب أكرمه و أخذ كتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (3) و كتب فی جوابه قد علمت أن نبیا قد بقی و قد أكرمت رسولك (4) و أهدی إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أربع جوار منهن ماریة أم إبراهیم و أختها سیرین و حمارا یقال له عفیر و قیل یعفور و بغلة یقال لها الدلدل و لم یسلم فقبل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله هدیته و قال ضن الخبیث بملكه و لا بقاء لملكه و اصطفی ماریة لنفسه و أما سیرین فوهبها لحسان بن وهب و أما الحمار
ص: 383
فنفق (1) منصرفه من حجة الوداع و أما البغلة فبقیت إلی زمان معاویة.
و أما قیصر و هو هرقل ملك الروم فإنه أصبح یوما مهموما فقالت له بطارقته (2) فی ذلك فقال أجل أریت فی هذه اللیلة أن ملك الختان صار ظاهرا قالوا ما نعلم أمة تختتن إلا یهود و هم فی سلطانك و سألوه أن یقتلهم جمیعا فیستریح فبینا هم فی ذلك من رأیهم إذ أتاهم (3) رسول صاحب بصری برجل من العرب یقوده فقال أیها الملك إن هذا من العرب یحدث عن أمر حدث ببلاده عجب فقال هرقل لترجمانه سله ما هذا الحدث الذی كان ببلاده فسأله فقال خرج من بین أظهرنا رجل یزعم أنه نبی فاتبعه ناس و خالفه الآخرون و كانت بینهم ملاحم فتركتهم علی ذلك قال جردوه فجردوه فإذا هو مختون فقال هرقل هذا و اللّٰه الذی رأیت أعطوه ثوبه انطلق (4) ثم دعا صاحب شرطته فقال قلب لی الشام ظهرا و بطنا حتی تأتینی برجل من قوم هذا الرجل یعنی النبی صلی اللّٰه علیه و آله قال أبو سفیان و كنت قد خرجت فی تجارة فی زمن الهدنة فهجم علینا صاحب شرطته فقال أنتم من قوم هذا الرجل فقلنا نعم فدعانا.
و بإسنادی فی سماع البخاری إلیه بإسناده عن عبد اللّٰه بن عباس أن أبا سفیان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إلیه فی ركب من قریش و كانوا تجارا بالشام فی المدة التی كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ماد فیها أبا سفیان و كفار قریش فأتوهم بإیلیا (5) فدعاهم فی مجلسه و حوله عظماء الروم ثم دعاهم و دعا ترجمانه فقال أیكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذی یزعم أنه نبی فقال أبو سفیان فقلت أنا أقربهم نسبا فقال أدنوه منی و قربوا أصحابه فاجعلوه (6) عند ظهره ثم قال لترجمانه قل
ص: 384
لهم إنی سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبنی فكذبوه قال أبو سفیان فو اللّٰه لو لا الحیاء من أن یأثروا علی كذبا لكذبت عنه ثم كان أول ما سألنی عنه أن قال كیف نسبه فیكم قلت هو فینا ذو نسب قال فهل قال هذا القول منكم أحد قبله قط قلت لا قال فهل كان فی آبائه من ملك قلت لا قال فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم قال أ یزیدون أم ینقصون قلت بل یزیدون قال فهل یرتد منهم أحد سخطه لدینه بعد أن یدخل فیه قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن یقول ما قال قلت لا قال فهل یغدر قلت لا و نحن فی مدة لا ندری ما هو فاعل فیها قال و لم یمكنی كلمة أدخل فیها شیئا غیر هذه الكلمة قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكیف كان قتالكم إیاه قلت الحرب بیننا و بینه سجال ینال منا و ننال منه قال فما ذا یأمركم قلت یقول اعبدوا اللّٰه وحده و لا تشركوا به شیئا و اتركوا ما یقول آباؤكم و یأمرنا بالصلاة و الصدقة و العفاف و الصلة فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه ذو نسب و كذلك الرسل تبعث فی نسب قومها و سألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أنه لا (1) فقلت لو قال أحد هذا القول قبله لقلت رجل یأتینی بقول قیل قبله (2) و سألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا قلت فلو كان من آبائه من ملك لقلت رجل یطلب ملك أبیه و سألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن یقول ما قال فذكرت أن لا فقد علمت أنه لم یكن لیذر الكذب علی الناس و یكذب علی اللّٰه و سألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه و هم أتباع الرسل و سألتك أ یزیدون أم ینقصون فذكرت أنهم یزیدون و كذلك أمر الإیمان حتی یتم و سألتك أ یرتد أحد سخطه
ص: 385
لدینه بعد أن یدخل فیه فذكرت أن لا و كذلك الإیمان حین یخالط بشاشة القلوب و سألتك هل یغدر فذكرت أن لا و كذلك الرسل لا تغدر و سألتك بما یأمركم فذكرت أنه یأمركم أن تعبدوا اللّٰه و لا تشركوا به شیئا و ینهاكم عن عبادة الأوثان و یأمركم بالصلاة و الصدقة و العفاف فإن كان ما تقول حقا فسیملك موضع قدمی هاتین و قد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أنی أعلم أنی أخلص إلیه لتجشمت لقاه و لو كنت عنده لغسلت قدمه
ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الَّذِی بَعَثَ بِهِ دِحْیَةَ إِلَی عَظِیمِ بُصْرَی (1) فَدَفَعَهُ إِلَی هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِیهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ عَبْدِهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی هِرَقْلَ عَظِیمِ الرُّومِ وَ سَلَامٌ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أَدْعُوكَ بِدِعَایَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ أَسْلِمْ (2) یُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَیْنِ فَإِنْ تَوَلَّیْتَ فَإِنَّ عَلَیْكَ إِثْمَ الْیَرِیسِینَ (3) وَ یا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلی كَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَیْئاً وَ لا یَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
قال أبو سفیان فلما قال ما قال و فرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب و ارتفعت الأصوات فأخرجنا فقلت لأصحابی حین أخرجنا لقد أمر أمر ابن أبی كبشة أنه یخافه ملك بنی الأصفر فما زلت موقنا أنه سیظهر حتی أدخل اللّٰه علی الإسلام. (4)
ص: 386
هرقل عظیم الروم (1) ملك إحدی و ثلاثین سنة و فی ملكه توفی النبی صلی اللّٰه علیه و آله.
ماد فیها أی ضرب لهم مدة فی الهدنة إلی انقضاء المدة و إیلیا بیت المقدس و معناه بیت اللّٰه و حكی فیه القصر و بلغة ثالثة إلیاء بحذف الیاء الأولی و سكون اللام و المد و الترجمان بفتح التاء و ضم الجیم و روی بضمهما و هو المفسر لغة بلغة قوله أن یأثروا علی أی عنی و السخطة الكراهیة للشی ء و عدم الرضاء به قوله سجال أی مرة علی هؤلاء و مرة علی هؤلاء من مساجلة المستقین علی البئر بالدلاء و بشاشة القلوب أنسها و لطفها قوله لتجشمت أی تكلفت ما فیه من مشقة و بصری مدینة فیصاریة من الشام و الدعایة الدعوة و هی من دعوت كالشكایة من شكیت قوله یؤتك اللّٰه أجرك مرتین مرة لاتباع عیسی أو غیره و مرة لاتباعه صلی اللّٰه علیه و آله قوله إثم الأریسیین (2) هكذا أورده جل الرواة و روی الیریسین و روی الأریسین قیل هم الأكارون و قیل الخدم و الأعوان معناه إن علیك إثم رعایاك ممن صددته عن الإسلام فاتبعوك علی كفرك أی إن علیك مثل إثمهم (3)
ص: 387
قوله أمر أمر ابن أبی كبشة أی عظم و أبو كبشة اسم الحارث بن عبد العزی رجل من خزاعة خالف قریشا فی عبادة الأصنام و عبد الشعری و قد مر ذكره فی آباء النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قیل هو زوج حلیمة مرضعة النبی صلی اللّٰه علیه و آله و بنو الأصفر الروم و جدهم الأصفر بن روم بن إسحاق و قیل بل لأن جیشا من الحبش غلب علیهم فی الزمان الأول فوطئ نساؤهم فولدوا أولادا صفرا نسبوا إلیهم. (1)
ص: 388
و أما كسری فلما بلغه كتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قرأه فمزقه فدعا علیهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یمزقوا كل ممزق.
وَ رُوِیَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ بْنِ قَیْسٍ إِلَی كِسْرَی بْنِ هُرْمُزَ مَلِكِ فَارِسَ وَ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَی كِسْرَی عَظِیمِ فَارِسَ سَلَامٌ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی وَ آمَنَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَدْعُوكَ بِدَاعِیَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنِّی أَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی النَّاسِ كَافَّةً لِأُنْذِرَ مَنْ كانَ حَیًّا وَ یَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَی الْكافِرِینَ فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ فَإِنْ أَبَیْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ (1) عَلَیْكَ.
فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله شَقَّقَهُ (2) وَ قَالَ یَكْتُبُ إِلَیَّ بِهَذَا الْكِتَابِ وَ هُوَ عَبْدِی فَبَلَغَنِی أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ حِینَ بَلَغَهُ أَنَّهُ شَقَّقَ كِتَابَهُ ثُمَّ كَتَبَ كِسْرَی إِلَی بَاذَانَ وَ هُوَ عَلَی الْیَمَنِ أَنِ ابْعَثْ إِلَی هَذَا الرَّجُلِ الَّذِی بِالْحِجَازِ مِنْ عِنْدِكَ رَجُلَیْنِ جَلَدَیْنِ فَلْیَأْتِیَانِی بِهِ.
و فی روایة كتب إلی باذان أن بلغنی أن فی أرضك رجلا یتنبأ فاربطه و ابعث
ص: 389
به إلی فبعث باذان قهرمانه و هو بانوبه (1) و كان كاتبا حاسبا و بعث معه برجل من الفرس یقال له خرخسك (2) فكتب معهما إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یأمره أن ینصرف معهما إلی كسری و قال لبانوبه (3) ویلك انظر ما الرجل و كلمه و أتنی بخبره فخرجا حتی قدما المدینة علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و كلمه بانوبه (4) و قال إن شاهنشاه (5) ملك الملوك كسری كتب إلی الملك باذان یأمره أن یبعث إلیك من یأتیه بك و قد بعثنی إلیك لتنطلق معی فإن فعلت كتبت فیك إلی ملك الملوك بكتاب ینفعك و یكف عنك به و إن أبیت فهو من قد علمت فهو مهلكك و مهلك قومك و مخرب بلادك و كانا قد دخلا علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قد حلقا لحاهما و أعفیا شواربهما فكره النظر إلیهما و قال ویلكما من أمركما بهذا قالا أمرنا بهذا ربنا یعنیان كسری فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لكن ربی أمرنی بإعفاء لحیتی و قص شاربی ثم قال لهما ارجعا حتی تأتیانی غدا و أتی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الخبر من السماء أن اللّٰه عز و جل قد سلط علی كسری ابنه شیرویه فقتله فی شهر كذا و كذا لكذا و كذا من اللیل فلما أتیا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال لهما إن ربی قد قتل ربكما لیلة كذا و كذا من شهر كذا و كذا بعد ما مضی من اللیل كذا و كذا (6) سلط علیه شیرویه فقتله فقالا هل تدری ما تقول إنا قد نقمنا منك ما هو أیسر من هذا فنكتب بها عنك و نخبر الملك قال نعم أخبراه ذلك عنی و قولا له إن دینی و سلطانی سیبلغ ما بلغ ملك كسری و ینتهی إلی منتهی الخف و الحافر
ص: 390
و قولا له إنك إن أسلمت أعطیتك ما تحت یدیك و ملكتك علی قومك. (1) ثم أعطی خرخسك منطقة فیها ذهب و فضة كان أهداها له بعض الملوك فخرجا من عنده حتی قدما علی باذان و أخبراه الخبر فقال و اللّٰه ما هذا بكلام ملك و إنی لأری الرجل نبیا كما یقول و لننظر (2) ما قد قال فلئن كان ما قد قال حقا ما فیه كلام أنه نبی مرسل و إن لم یكن فستری (3) فیه رأینا فلم یلبث باذان أن قدم علیه كتاب شیرویه أما بعد فإنی قد قتلت كسری و لم أقتله إلا غضبا لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم فإذا جاءك كتابی هذا فخذ لی الطاعة ممن قبلك و انظر الرجل الذی كان كسری كتب إلیك فیه فلا تهجه حتی یأتیك أمری فیه.
فلما انتهی كتاب شیرویه باذان (4) قال إن هذا الرجل لرسول فأسلم و أسلمت الأبناء من فارس من كان منهم بالیمن.
وَ أَمَّا النَّجَاشِیُّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَیَّةَ إِلَیْهِ فِی شَأْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ أَصْحَابِهِ وَ كَتَبَ (5)
ص: 391
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَی النَّجَاشِیِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ إِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْكَ اللَّهَ الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ السَّلَامَ الْمُهَیْمِنَ (1) وَ أَشْهَدُ أَنَّ عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ رُوحُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلی مَرْیَمَ الْبَتُولِ الطَّیِّبَةِ فَحَمَلَتْ بِعِیسَی وَ إِنِّی أَدْعُوكَ إِلَی اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ فَإِنْ تَبِعْتَنِی وَ تُؤْمِنْ بِالَّذِی جَاءَنِی فَإِنِّی رَسُولُ اللَّهِ وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَیْكَ ابْنَ عَمِّی جَعْفَراً وَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِینَ وَ السَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی فَكَتَبَ النَّجَاشِیُّ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ إِلَی مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ النَّجَاشِیِّ سَلَامٌ عَلَیْكَ یَا نَبِیَّ اللَّهِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِی هَدَانِی إِلَی الْإِسْلَامِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِی كِتَابُكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فِیمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ عِیسَی فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ عِیسَی مَا یَزِیدُ عَلَی مَا ذَكَرْتَ ثُفْرُوقاً إِنَّهُ كَمَا قُلْتَ وَ قَدْ عَرَفْنَا مَا بَعَثْتَ بِهِ إِلَیْنَا وَ قَدِمَ ابْنُ عَمِّكَ وَ أَصْحَابُكَ (2) وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَ قَدْ بَایَعْتُكَ وَ بَایَعْتُ ابْنَ عَمِّكَ وَ أَسْلَمْتُ عَلَی یَدَیْهِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَیْكَ یَا نَبِیَّ (3) اللَّهِ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ آتِیَكَ فَعَلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّی أَشْهَدُ أَنَّ مَا تَقُولُ حَقٌّ وَ السَّلَامُ عَلَیْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.
قال ابن إسحاق فذكر لی أنه بعث ابنه فی ستین من الحبشة فی سفینة حتی إذا توسطوا البحر غرقت بهم السفینة فهلكوا.
ص: 392
قال الواقدی عن أشیاخه كتب رسول اللّٰه إلی النجاشی كتابین یدعوه فی أحدهما إلی الإسلام و یتلو علیه القرآن فأخذ كتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فوضعه علی عینه و نزل من سریره ثم جلس علی الأرض تواضعا ثم أسلم و شهد شهادته الحق و قال لو كنت أستطیع أن آتیه لآتینه (1) و كتب إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بإجابته و تصدیقه و إسلامه علی ید جعفر بن أبی طالب.
و فی الكتاب الآخر یأمره أن یزوجه أم حبیبة بنت أبی سفیان و كانت قد هاجرت إلی الحبشة مع زوجها عبد اللّٰه بن جحش الأسدی فتنصر هناك و مات و أمره فی الكتاب أن یبعث إلیه بمن قبله من أصحابه ففعل ذلك و هذه الأخبار دالة علی أن النجاشی هو الذی كانت الهجرة إلی أرضه و روی أنه غیر ذلك.
و أما الحارث بن أبی الشمر (2) الغسانی فقال شجاع بن وهب انتهیت بكتاب رسول اللّٰه و هو بغوطة دمشق و هو مشغول بتهیة الأنزال و الألطاف لقیصر و هو جاء من حمص إلی إیلیا فأقمت علی بابه یومین أو ثلاثة فقلت لحاجبه إنی رسول رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال لا تصل إلیه حتی یخرج یوم كذا و كذا و جعل حاجبه و كان رومیا یسألنی عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فكنت أحدثه عن صفة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و ما یدعو إلیه فیرق حتی یغلبه البكاء و یقول إنی قرأت الإنجیل و أجد صفة هذا النبی بعینه و أنا أومن به و أصدقه و أخاف من الحارث أن یقتلنی و كان یكرمنی و یحسن ضیافتی فخرج الحارث یوما فجلس و وضع التاج علی رأسه و أذن لی علیه فدفعت إلیه كتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (3) فقرأه ثم رمی به و قال من
ص: 393
ینتزع منی ملكی أنا سائر إلیه و لو كان بالیمن جئته علی بالناس فلم یزل یعرض حتی قام و أمر بالخیول تنعل (1) ثم قال أخبر صاحبك بما تری و كتب إلی قیصر یخبره خبری و ما عظم علیه فكتب إلیه قیصر أن لا تسر إلیه و اله عنه و وافنی بإیلیا فلما جاءه جواب كتابه دعانی فقال متی ترید أن تخرج إلی صاحبك فقلت غدا فأمر لی بمائة مثقال ذهب و وصلنی حاجبه بنفقة و كسوة فقال (2) اقرأ علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله منی السلام فقدمت علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأخبرته فقال باد ملكه و مات الحارث بن أبی الشمر (3) عام الفتح.
و أما هوذة بن علی فإنه كان من الملوك العقلاء إلا أن التوفیق عزیز.
قال الواقدی عن أشیاخه بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله سلیط بن عمرو العامری إلی هوذة بن علی الحنفی یدعوه إلی الإسلام و كتب معه كتابا فقدم علیه فأنزله و حیاه و قرأ كتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (4) و كتب إلیه و أجمله (5) و أنا شاعر قومی و خطیبهم و العرب تهاب مكانی فاجعل لی بعض الأمر (6) أتبعك.
و أجاز سلیط بن عمرو بجائزة و كساه أثوابا من نسج هجر فقدم بذلك كله علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أخبره عنه بما قال فقرأ كتابه و قال لو سألنی سبابة من
ص: 394
الأرض ما فعلت باد و باد ما فی یده (1) فلما انصرف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من الفتح جاءه جبرئیل فأخبره أنه قد مات.
بیان قال الجزری البش فرح الصدیق بالصدیق و اللطف فی المسألة و الإقبال علیه و منه حدیث قیصر و كذلك الإیمان إذا خالط بشاشة القلوب بشاشة اللقاء الفرح بالمرئی و الانبساط إلیه و الأنس به.
و قال فی كتابه إلی هرقل أدعوك بدعایة الإسلام أی بدعوته و هی كلمة الشهادة یدعی إلیها أهل الملل الكافرة و فی روایة بداعیة الإسلام و هی مصدر بمعنی الدعوة كالعافیة و العاقبة و قال أمر أی كثر و ارتفع شأنه و قال كان المشركون ینسبون النبی صلی اللّٰه علیه و آله إلی أبی كبشة و هو رجل من خزاعة خالف قریشا فی عبادة الأوثان و عبد الشعری العبور فلما خالفهم النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی عبادة الأوثان شبهوه به و قیل إنه كان جد النبی صلی اللّٰه علیه و آله من قبل أمه فأرادوا أنه نزع فی الشبه إلیه.
و قال فی كتاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله إلی هرقل فإن أبیت فعلیك إثم الأریسین قد اختلف فی هذه اللفظة صفة (2) و معنی فروی الأریسین بوزن الكریمین و روی الأریسیین بوزن الشریبیین (3) فقال أبو عبید هم الخدم و الخول یعنی بصدهم إیاهم عن الدین كما قال ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا (4) أی علیك مثل إثمهم و قال ابن الأعرابی أرس یأرس أرسا فهو أریس و أرس یؤرس تأریسا فهو أریس و جمعها أریسون و إریسون و آرارسة هم الأكارون و إنما قال ذلك لأن الأكارین كانوا عندهم من الفرس و هم عبدة النار فجعل علیه إثمهم و قال أبو عبیدة أصحاب الحدیث یقولون الأریسیین منسوبا مجموعا و الصحیح الأریسین
ص: 395
یعنی بغیر نسب و رده الطحاوی علیه و قال بعضهم إن فی رهط هرقل فرقة تعرف بالأروسیة فجاء علی النسب إلیهم و قیل إنهم أتباع عبد اللّٰه بن أریس رجل كان فی الزمن الأول قتلوا نبیا بعث اللّٰه إلیهم و قیل الأریسون الملوك واحدهم أریس و قیل هم العشارون انتهی. (1) قوله ثفروقا أی شیئا قال الفیروزآبادی الثفروق بالضم قمع التمرة أو ما یلتزق به قمعها و ما له ثفروق أی شی ء.
أقول ثم قال الكازرونی و فی هذه السنة جاءت خولة بنت ثعلبة و كان زوجها أوس بن الصامت فأخبرت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بأنه ظاهر منها.
أقول سیأتی شرح القصة فی باب ما جری بینه صلی اللّٰه علیه و آله و بین أصحابه.
ثم قال و فیها ماتت أم رومان أم عائشة و فیها أسلم أبو هریرة (2).
«9»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ وَ أَرْسَلَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِیِّ إِلَی الْمُنْذِرِ بْنِ شَادِیٍّ (3) أَخِی عَبْدِ الْقَیْسِ وَ قِیلَ إِنَّ إِرْسَالَهُ كَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ فَلَمَّا أَتَاهُ الْعَلَاءُ (4) یَدْعُوهُ
ص: 396
وَ مَنْ مَعَهُ بِالْبَحْرَیْنِ إِلَی الْإِسْلَامِ أَوِ الْجِزْیَةِ وَ كَانَتْ وِلَایَةُ الْبَحْرَیْنِ لِلْفُرْسِ فَأَسْلَمَ الْمُنْذِرُ وَ أَسْلَمَ جَمْعٌ مِنَ الْعَرَبِ (1) فَأَمَّا أَهْلُ الْبِلَادِ مِنَ الْیَهُودِ وَ النَّصَارَی وَ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُمْ صَالَحُوا الْعَلَاءَ وَ الْمُنْذِرَ عَلَی الْجِزْیَةِ (2) وَ لَمْ یَكُنْ بِالْبَحْرَیْنِ قِتَالٌ إِنَّمَا بَعْضُهُمْ أَسْلَمَ وَ بَعْضُهُمْ صَالَحَ (3).
«10»-نُقِلَ مِنْ خَطِّ الشَّهِیدِ رَحِمَهُ اللَّهُ قِیلَ كَتَبَ النَّجَاشِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كِتَاباً إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ اكْتُبْ جَوَاباً وَ أَوْجِزْ فَكَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ أَمَّا بَعْدُ فَكَأَنَّكَ مِنَ الرِّقَّةِ عَلَیْنَا مِنَّا وَ كَأَنَّا مِنَ الثِّقَةِ بِكَ مِنْكَ لِأَنَّا لَا نَرْجُو شَیْئاً مِنْكَ إِلَّا نِلْنَاهُ وَ لَا نَخَافُ مِنْكَ أَمْراً إِلَّا أَمِنَّاهُ وَ بِاللَّهِ التَّوْفِیقُ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی جَعَلَ مِنْ أَهْلِی مِثْلَكَ وَ شَدَّ أَزْرِی بِكَ (4).
ص: 397
بسم اللّٰه الرحمن الرحیم و الحمد للّٰه ربّ العالمین و الصلاة علی سیّدنا محمّد و آله الطاهرین
اما بعد: فقد وفّقنا اللّٰه تعالی- و له الشكر و المنّة- لتصحیح الكتاب و تنمیقه و تحقیق نصوصه و أسانیده و مراجعة مصادره و مآخذه، مزداناً بتعالیق مختصرة لا غنی عنها و كان مرجعنا فی المقابلة و التصحیح مضافاً إلی أصول الكتاب و النسخة المطبوعة المشهورة بطبعة أمین الضرب، الطبعة الحروفیّة عدّة نسخ مخطوطة جیّدة فی غایة الدقّة و الإتقان:
منها النسخة الثمینة الأصلیّة التی هی بخطّ المؤلّف رضوان اللّٰه علیه تفضّل بها العالم العامل حجّة الإسلام الحاجّ السیّد مهدیّ الصدر العاملیّ الأصبهانیّ صاحب الوعظ و إمام الجماعة فی عاصمة طهران و هی ممّا ورثه من أبیه الفقید السعید الخطیب المشهور الحاجّ السیّد صدر الدین العاملیّ رحمة اللّٰه علیه.
و منها نسخة مخطوطة بخطّ نعمة اللّٰه بن محمّد مهدیّ الإصطهباناتیّ استكتبها عام 1278 ه و قد رمزنا إلیها ب «ألف».
و منها نسخة مخطوطة أخری مصحّحة بتصحیح محمّد محسن ابن أبی تراب مؤرّخة بعام 1226 و قد رمزنا إلیها ب «ب»
تفضّل بهما الفاضل البارع الأستاذ المعظّم السیّد جلال الدین الأرمویّ الشهیر بالمحدّث و یأتی مزید توضیح بالنسبة إلی هاتین النسختین فی الجزء الثانی و العشرون الذی یتمّ به تاریخ نبیّنا الأكرم صّلی الّله علیه و آله إنشاء اللّٰه تعالی.
و كان مرجعنا فی تخریج أحادیثه و تعالیقه كتباً أوعزنا إلیها فی المجلّدات السابقة
قم المشرفة- عبد الرحیم الربانیّ الشیرازیّ
ص: 398
تصویر
صورة فتوغرافیّة من نسخة «ألف» و هی الصحیفة التی یختتم بها هذا الجزء و یبتدء بها الجزء 21
لخزانة كتب الأستاذ السید جلال الأرموی الشهیر بالمحدّث.
ص: 399
تصویر
صورة فتوغرافیّة من نسخة المؤلّف قدسّ سرّه و هی الصحیفة التی یبتدء بها هذا الجزء.
ص: 400
بسمه تعلی و له الحمد
إلی هنا انتهی الجزء المتمم للعشرون من كتاب بحار الأنوار من هذه الطبعة النفیسة و هو الجزء السادس من المجلد السادس فی تاریخ نبیّنا الأكرم صّلی الّله علیه و آله حسب تجزئة المصنّف أعلی اللّٰه مقامه.
و قد قابلناه و صحّحناه عند طبعها طبقاً للنسخة التی صحّحها الفاضل المكرّم الشیخ عبد الرحیم الربّانیّ الشیرازیّ المحترم بما فیها من التعلیق و التنمیق و اللّٰه ولیّ التوفیق.
محمد باقر البهبودیّ من لجنة التحقیق و التصحیح لدار الكتب الإسلامیّة
ص: 401
الموضوع/ الصفحه
الباب 11 ذكر جمل غزواته و أحواله صّلی الّله علیه و آله بعد غزوة بدر الكبری إلی غزوة أحد 13- 1
الباب 12 غزوة أحد و غزوة حمراء الأسد 146- 14
الباب 13 غزوة الرجیع و غزوة معونة 156- 147
الباب 14 غزوة بنی النضیر 173- 157
الباب 15 غزوة ذات الرقاع و غزوة عسفان 179- 174
الباب 16 غزوة بدر الصغری و سائر ما جری فی تلك السنة إلی غزوة الخندق 185- 180
الباب 17 غزوة الأحزاب وبنی قریظة 280- 186
الباب 18 غزوة بنی المصطلق فی المریسیع و سائر الغزوات و الحوادث إلی غزوة الحدیبیة 309- 281
الباب 19 باب آخر فی قصة الإفك 316- 309
الباب 20 غزوة الحدیبیة وبیعة الرضوان و عمرة القضاء و سائر الوقائع 377- 317
الباب 21 مراسلاته صّلی الّله علیه و آله إلی ملوك العجم و الروم و غیرهم و ما جری بینه و بینهم و بعض ما جری إلی غزوة خیبر 397- 377
ص: 402
ب: لقرب الإسناد.
بشا: لبشارة المصطفی.
تم: لفلاح السائل.
ثو: لثواب الأعمال.
ج: للإحتجاج.
جا: لمجالس المفید.
جش: لفهرست النجاشیّ.
جع: لجامع الأخبار.
جم: لجمال الأسبوع.
جُنة: للجُنة.
حة: لفرحة الغریّ.
ختص: لكتاب الإختصاص.
خص: لمنتخب البصائر.
د: للعَدَد.
سر: للسرائر.
سن: للمحاسن.
شا: للإرشاد.
شف: لكشف الیقین.
شی: لتفسیر العیاشیّ
ص: لقصص الأنبیاء.
صا: للإستبصار.
صبا: لمصباح الزائر.
صح: لصحیفة الرضا (علیه السلام).
ضا: لفقه الرضا (علیه السلام).
ضوء: لضوء الشهاب.
ضه: لروضة الواعظین.
ط: للصراط المستقیم.
طا: لأمان الأخطار.
طب: لطبّ الأئمة.
ع: لعلل الشرائع.
عا: لدعائم الإسلام.
عد: للعقائد.
عدة: للعُدة.
عم: لإعلام الوری.
عین: للعیون و المحاسن.
غر: للغرر و الدرر.
غط: لغیبة الشیخ.
غو: لغوالی اللئالی.
ف: لتحف العقول.
فتح: لفتح الأبواب.
فر: لتفسیر فرات بن إبراهیم.
فس: لتفسیر علیّ بن إبراهیم.
فض: لكتاب الروضة.
ق: للكتاب العتیق الغرویّ
قب: لمناقب ابن شهر آشوب.
قبس: لقبس المصباح.
قضا: لقضاء الحقوق.
قل: لإقبال الأعمال.
قیة: للدُروع.
ك: لإكمال الدین.
كا: للكافی.
كش: لرجال الكشیّ.
كشف: لكشف الغمّة.
كف: لمصباح الكفعمیّ.
كنز: لكنز جامع الفوائد و تأویل الآیات الظاهرة معا.
ل: للخصال.
لد: للبلد الأمین.
لی: لأمالی الصدوق.
م: لتفسیر الإمام العسكریّ (علیه السلام).
ما: لأمالی الطوسیّ.
محص: للتمحیص.
مد: للعُمدة.
مص: لمصباح الشریعة.
مصبا: للمصباحین.
مع: لمعانی الأخبار.
مكا: لمكارم الأخلاق.
مل: لكامل الزیارة.
منها: للمنهاج.
مهج: لمهج الدعوات.
ن: لعیون أخبار الرضا (علیه السلام).
نبه: لتنبیه الخاطر.
نجم: لكتاب النجوم.
نص: للكفایة.
نهج: لنهج البلاغة.
نی: لغیبة النعمانیّ.
هد: للهدایة.
یب: للتهذیب.
یج: للخرائج.
ید: للتوحید.
یر: لبصائر الدرجات.
یف: للطرائف.
یل: للفضائل.
ین: لكتابی الحسین بن سعید او لكتابه و النوادر.
یه: لمن لا یحضره الفقیه.
ص: 403