سرشناسه : بحراني، هاشم بن سليمان، - 1107؟ق
عنوان و نام پديدآور : حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام/ تاليف هاشم البحراني؛ تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي
مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلاميه، [ 13] - 1415ق. = 1373.
مشخصات ظاهري : ج 5
فروست : (بنياد معارف اسلامي؛ 15، 16)
شابك : بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4)
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.
يادداشت : چاپ اول: 1372؛ 4200 ريال (ج. )3
يادداشت : جلد چهارم (1372)؛ بها: 600 ريال
يادداشت : ج. 1 (چاپ اول: 2200 :1369 ريال)
يادداشت : كتابنامه
موضوع : چهارده معصوم
شناسه افزوده : مولانا بروجردي، غلامرضا، مصحح
شناسه افزوده : بنياد معارف اسلامي
رده بندي كنگره : BP36/ب 3ح 8
رده بندي ديويي : 297/95
شماره كتابشناسي ملي : م 73-3586
ص :1
حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام
تاليف هاشم البحراني
تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي
ص :2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :3
ص :4
يجمع تراثنا الشيعي الخالد بين دفّتيه علوما جمّة و معارف قرآنية و إسلامية كثيرة قلّما نجدها لدى أقوام آخرين، فقد كان روّاد هذا التراث المقدّس، فحولا من أجلّة العلماء و المحققين الذين تخصّصوا في شتى العلوم و تبّحروا فيها و ربّوا أجيالا من خيرة العلماء و المثقفين.
و بالإضافة إلى ذلك، فقد سجّلوا عصارة نتاجهم الفكري و زبدة ما استزادوه من حكم و معارف على صورة كتب و رسائل و مقالات تحت ظروف شاقّة، مما يبعث بالإعجاب حقّا، ذلك لأن كثيرا من أولئك العظماء، ألّفوا- في سنّي أعمارهم القصيرة نسبيا-كتبا ضخمة لا يستطيع الواحد منّا أن يؤلف كتابا مثلها طوال عمره مهما أوتي من فرصة كافية و قلم مرن و تعبير سيّال.
و يمكن إيعاز ذلك إلى إحساسهم بضرورة الإبقاء على التراث و وجوب انتقال علوم أهل البيت سلام اللّه عليهم إلى الأجيال القادمة و بالتالي فكانوا لا يألون جهدا في هذا المجال و يصرفون كلّ وقتهم فيه، يضاف إليه، بركة من اللّه رافقتهم حتى يصدقوا ما عاهدوا اللّه عليه.
و يكفي مثالا عليه، شيخنا الصدوق-نوّر اللّه مرقده-و الذي ألّف قرابة ألف كتاب و رسالة في العقائد و الحديث و الكلام و غير ذلك، و العلامة المجلسي- قدّس سرّه-الذي يربو كتبه المطبوعة على ثلاثمائة مجلّد من تأليف و تصنيف و تحقيق و جمع أحاديث، و منهم العلاّمة المحقق السيد هاشم البحراني-رضوان
ص:5
اللّه عليه-الذي ألّف ما يقارب خمسين كتابا قيّما جلّها في سيرة العترة الطاهرة و مناقبهم و فضائلهم صلوات اللّه عليهم.
و هذا التراث الغنيّ المقدّس بقي قسم كبير منه دون تحقيق و حتى المطبوع منه، لم يحقق أكثره و لذلك تطوّع المحققون-و خاصّة في زماننا هذا-إمّا بصورة فردية أو بصورة جماعية لإكمال هذه الرسالة الهادفة و تحقيق الكتب القديمة، و «مؤسسة المعارف الإسلامية» -في قم أيضا تفتخر بأن تكون من ضمن تلك القائمة؛ فقد التزمت، بالإضافة إلى القيام بعملها الأساسي الذي أنشئت من أجله و هو تدوين التاريخ الإسلامي و التحقيق فيه و الذي كان الهم الشاغل لمؤسس المؤسسة، المرحوم العلاّمة آية اللّه السيد عباس المهري-قدّس سرّه- القيام بإحياء التراث المجيد.
و إحياء تراث أهل البيت و علماء الطائفة، ضرورة ملحة لا بد أن تكون ضمن أعمال جميع مؤسسات التحقيق، حتى يتسنّى للجميع، الإستفادة من الكتب القيّمة التي ألّفت في سبيل إعلاء كلمة اللّه و ترسيخ قواعد المذهب و تثبيت أعمدة الرّسالة البنّاءة. فكم من دماء زاكية طاهرة أريقت، و كم من عظماء تحمّلوا غياهب السجون و ضغوط الجبابرة و رفعوا فوق أعمدة المشانق و ضحّوا بالغالي و الثمين، حتى يحافظوا على التراث و يوصلوه إلينا نقيّا صافيّا، هذا التراث القيم لا يحتاج إلاّ إلى تحقيق في المصادر و المنابع و مراجعة مع سائر النسخ و طباعة أنيقة جذّابة؛ خدمة للإسلام و وفاء لأهله.
و في الختام، إذ تعتزّ المؤسسة بتقديم كتاب «حلية الأبرار» للمرحوم العلامة السيد هاشم البحراني «قدّس سرّه» إلى القراء الأعزاء، فإنها تقدم جزيل شكرها إلى سماحة حجّة الإسلام و المسلمين غلام رضا مولانا البروجردي الذي قبل الدعوة لإنجاز هذا العمل المثمر في المؤسسة و حقّق هذا الكتاب القيّم بكل دقة و اتقان و إلى جميع المساهمين في هذا المجال، نقدّم شكرنا و امتناننا، وفقهم اللّه و إيّانا لخدمة الإسلام و تراث أهل البيت عليهم صلوات اللّه و سلامه.
مؤسّسة المعارف الإسلامية قم المقدسة
ص:6
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الّذي نوّر قلوبنا بأنوار الشموس و الأقمار، و هدانا إلى التحلية بحلية الأبرار، و أنعم علينا بولاية أوليائه المصطفين الأخيار، و الصلاة و السلام على خير خلقه محمّد و آله الأطهار.
أمّا بعد: فإنّ الفطر السليمة، و الفكر المستقيمة تستشرق إلى معرفة البدايات، و تشرئبّ إلى إدراك المنشآت، و من تدبّر مجاري الأقدار، و مبادئ الليل و النهار صار كأنّه عاصر تلك العصور، و باشر تلك الأمور، و إليه وقعت الإشادة الإلهيّة إلى نبيّه بقوله: وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ اَلرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَ جاءَكَ فِي هذِهِ اَلْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (1).
و قال سبحانه: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ اَلْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَ حَصِيدٌ (2).
و قال عزّ من قائل: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي اَلْأَلْبابِ (3).
و أمر سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بتحديث القصص فقال:
فَاقْصُصِ اَلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (4).
ص:7
و قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام كما في «نهج البلاغة» : «أحي قلبك بالموعظة. . . إلى أن قال: و أعرض عليه أخبار الماضين، و ذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين، و سر في ديارهم و آثارهم، فانظر فيما فعلوا و ممّا انتقلوا، و أين حلّوا و نزلوا. . .» إلى أن قال عليه السلام: «أي بنيّ إنّي و إن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم، و فكّرت في أخبارهم. و سرت في آثارهم حتّى عدت كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره و نفعه من ضرره» (1).
قال القاضي الأرجاني أحمد بن محمد المتوفى سنة (544) :
إذا علم الإنسان أخبار ما مضى توهّمته قد عاش من أوّل الدهر
و تحسبه قد عاش آخر عمره إذا كان قد أبقى الجميل من الذكر
فقد عاش كلّ الدهر من كان عالما حليما كريما فاغتنم أطول العمر
ففوائد التاريخ كثيرة: فكرة، و تنبيه، و عبرة، لا سيّما إذا كان مرتبطا بحياة الأولياء الصالحين، و أحوال الأصفياء المقرّبين، فإنّ المعرفة بأحوالهم رفعة وزين، و الجهل بحياتهم و صمة و شين، و العلم بأقوالهم الرزينة و أفعالهم الوزينة جمّ المصالح و المراشد، و الجهل بها من جوالب المناقص و المفاسد، من حيث إنّهم حفظة الدين الّذي هو أسّ السعادة الباقية، و حملة القرآن الذي هو مرقاة إلى الرتب العالية، بل هم أساس الدين، و عماد اليقين، إليهم يفيىء الغالي، و بهم يلحق التالي، و لهم خصائص حقّ الولاية، و فيهم الوصيّة و الوراثة.
و لنعم ما قال الخطيب أبو الفضل الحصفكي يحيى بن سلامة المتوفى سنة (553) :
يا سائلي عن حبّ أهل البيت هل أقرّ إعلانا به أم أجحد
هيهات ممزوج بلحمي و دمي حبّهم و هو الهدى و الرشد
حيدرة و الحسنان بعده ثمّ عليّ و ابنه محمّد
ص:8
و جعفر الصادق و ابن جعفر موسى و يتلوه عليّ السيّد
أعني الرضا ثمّ ابنه محمّد ثمّ عليّ و ابنه المسدّد
الحسن التالي و يتلو تلوه الحجّة بن الحسن المفتقد
فإنّهم أئمّتي و سادتي و إن لحاني معشر و فنّدوا
هم حجج اللّه على عباده بهم إليه منهج و مقصد
هم النّهار صوّم لربّهم و في الدياجي ركّع و سجّد
قوم أتى في «هل أتى» مدحهم و هل يشكّ فيه إلاّ ملحد
قوم لهم فضل و مجد باذخ يعرفه المشرك و الموحّد
قوم لهم في كلّ أرض موطن لا بل لهم في كلّ قلب مشهد
يا أهل بيت المصطفى و عدّتي و من على حبّهم أعتمد
أنتم إلى اللّه غدا و سيلتي و كيف أخشى و بكم أعتضد
وليّكم في الخلد حيّ خالد و الضدّ في نار لظى مخلّد (1)
نعم، معرفة هؤلاء و التوجّه إلى حياتهم الخالدة تزيدنا إيمانا و رشدا فمن ثمّ توجّهت أنظار الفطاحل، و اتّجهت بصائر رجال الفضائل إلى التأليف و التنسيق حول حياتهم و ذكر مناقبهم و فضائلهم، فجادت جياد أقلامهم، بمئات بل ألوف من الزبر و الأسفار.
و ممّن حظى في ذلك بالسهم الوافر، و اصطفّ في زمرة المكثرين المجيدين العلاّمة و صفا و علما بالغلبة، خرّيت الحديث، و نابغة الرواية، الهمام المقدام، النجم المضيىء، عيلم الفضل، العالم الربّاني، السيّد هاشم البحراني، حشره اللّه مع أجداده الطاهرين، فإنّه لم يأل جهده في هذا الشأن، فكم له من تصنيف رائق، و تأليف فائق من كتاب و رسالة.
السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد بن علي بن سليمان بن السيّد ناصر الحسيني البحراني التوبلي الكتكاني.
ص:9
كان رضوان اللّه تعالى عليه من أولاد السيّد المرتضى (1)، و باقي نسبه إلى السيّد مذكور على ظهر بعض كتبه (2).
لم نجد تاريخ ولادته في المصادر الّتي نذكرها في الخاتمة إن شاء اللّه، و أما وفاته فكانت سنة (1107) أو (1109) من الهجرة في قرية نعيم، و نقل جثمانه الشريف إلى قرية توبلي و دفن بها و قبره اليوم مزار معظم معروف.
1-السيّد عبد العظيم بن السيّد عبّاس الأستر آبادي، كان من أجلّة تلاميذ الشيخ البهائي و المجازين منه، يروى عنه السيّد البحراني إجازة بالمشهد المقدّس الرضوي، كما نصّ عليه في آخر كتاب تفسيره الموسوم «بالهادي و مصباح النادي» و قال في وصفه: السيّد الفاضل التقي و السند الزكيّ (3)و نصّ أيضا في آخر «تفسير البرهان» على إجازته و قال: أخبرني بالإجازة عدّة من أصحابنا منهم: السيّد الفاضل التقي الزكي السيّد عبد العظيم بن السيّد عبّاس بالمشهد الشريف الرضوي على ساكنه و آبائه و أولاده أفضل التحيات و أكمل التسليمات، عن الشيخ المتبحّر المحقق مفيد الخاصّ و العامّ شيخنا الشهيد محمد العاملي الشهير ببهاء الدين. . .
و له من المصنفات رسالة في وجوب صلاة الجمعة عينا (4).
2-الشيخ فخر الدين الطريحي بن محمد علي بن أحمد النجفي الفقيه الأصولي اللغوي المحدث ولد بالنجف سنة (979) و توفي بالرماحية سنة (1085 ه) .
ص:10
قال السيّد البحراني في «مدينة المعاجز» : أدركته بالنجف ولي منه إجازة (1).
1-الشيخ أبو الحسن شمس الدين سليمان الماحوزي المعروف بالمحقّق البحراني، ولد ليلة النصف من شهر رمضان سنة (1075) و توفي في اليوم السابع عشر من رجب سنة (1121 ه) .
روى الشيخ علي البلادي عنه: أنّه قال في بعض فوائده: دخلت على شيخنا العلاّمة السيّد هاشم التوبلي زائرا مع والدي، فلمّا قمنا معه لنودّعه و صافحته لزم يدي و عصرها و قال لي: لا تفتر عن الاشتغال فإنّ هذه البلاد عن قريب ستحتاج إليك.
قال البلادي: و صدق رحمه اللّه فإنّه بعد برهة قليلة توفّي ذلك السيّد و انتقلت الرياسة الدينيّة إليه (2).
2-الشيخ علي بن عبد اللّه بن راشد المقابي البحراني المستنسخ لكتب استاذه، منها: «حلية الأبرار» و «حلية النظر» إستنسخهما سنة (1099 ه) و النسختان بخطّه موجودتان في الرضوية (3).
3-الشيخ محمد بن الحسن بن علي المشهور بالحرّ العاملي الفقيه المحدث الجليل صاحب «تفصيل وسائل الشيعة» ولد في قرية مشغرى من قرى دمشق سنة (1033) و توفي سنة (1104 ه) .
قال في «أمل الآمل» في ترجمة السيّد البحراني: رأيته و رويت عنه (4).
4-السيّد محمد العطّار بن السيّد علي البغدادي الأديب الشاعر ولد في
ص:11
بغداد سنة (1071 ه) و توفي سنة (1171 ه) .
قال الشيخ محمد حرز الدين في «معارف الرجال» : قرأ على علماء عصره منهم: السيّد هاشم البحراني (1).
5-الشيخ محمود بن عبد السلام المعني البحراني الصالح الورع، قد عمّر إلى ما يقرب مائة سنة، و كان حيّا في سنة (1128 ه) لأنّه في تلك السنة أجاز الشيخ عبد اللّه السماهيجي المتوفى سنة (1135 ه) .
قال البلادي في أنوار البدرين: هذا الشيخ يروى عن جملة من المشايخ العظام كالسيّد هاشم التوبلي و الشيخ الحرّ العاملي (2).
6-الشيخ هيكل الجزائري بن عبد علي الأسدي أجازه السيّد البحراني على نسخة من كتاب «الاستبصار» في تاسع ربيع الأوّل سنة (1100 ه) و عبّر عنه بالشيخ الفاضل العالم الكامل البهيّ الوفيّ (3).
أثنى عليه علماء الرجال قديما و حديثا من معاصريه و المتأخرين عنه، و وصفوه بالفضل و العلم و المعرفة بالعربيّة، و الرجال، و التفسير، و الفقه، و الحديث و الدقّة، و المهارة و الإحاطة بالأخبار و الروايات، و الإتصاف بالزهد و الورع، و الجهاد، و قمع الظالمين، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
أوّل من ترجمة هو الشيخ الجليل الحرّ العاملي المجاز عنه، قال في «أمل الآمل» : السيّد هاشم بن سليمان. . . فاضل، عالم، ماهر، مدقّق، فقيه، عارف بالتفسير، و العربيّة، و الرجال (4). . .
و قال المحقّق البحراني الشيخ سليمان تلميذه في «فهرست آل بابويه و علماء
ص:12
البحرين» : السيّد أبو المكارم السيّد هاشم بن السيّد سليمان محدّث، متتبّع، له التفسيران المشهوران (1).
و قال الأفندي (2)في رياض العلماء: السيّد هاشم بن سليمان. . .
الفاضل، الجليل، المحدث الفقيه المعاصر، الصالح الورع، العابد الزاهد، المعروف بالسيّد هاشم العلاّمة، صاحب المؤلّفات الغزيرة، و المصنّفات الكثيرة، رأيت أكثرها باصبهان عند ولده السيّد محسن (3).
و قال الشيخ يوسف (4)البحراني في «اللؤلؤة» : السيّد هاشم المعروف بالعلاّمة. . . كان فاضلا، محدّثا جامعا، متتّبعا للأخبار، بما لم يسبق إليه سابق سوى شيخنا المجلسيّ، و قد صنّف كتبا عديدة تشهد بشدّة تتبعه و إطّلاعه، إلاّ أنّي لم أقف له على كتاب فتاوى في الأحكام الشرعيّة بالكليّة، و لو في مسألة جزئيّة، و إنّما كتبه مجرّد جمع و تأليف، لم يتكلّم في شيء منها ممّا وقفت عليه على ترجيح في الأقوال، أو بحث أو اختيار مذهب و قول في ذلك المجال (5)، و لا أدري أنّ ذلك لقصور درجته عن مرتبة النظر و الإستدلال أم تورّعا عن ذلك كما نقل عن السيّد الزاهد العابد رضي الدين بن طاووس (6).
و انتهت رياسة البلد بعد الشيخ محمّد بن ماجد (7)إلى السيّد، فقام بالقضاء في البلاد، و تولّى الأمور الحسبيّة أحسن قيام، و قمع أيدي الظلمة
ص:13
و الحكام، و نشر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و بالغ في ذلك و أكثر، و لم تأخذه لومة لائم في الدين، و كان من الأتقياء المتوّرعين، شديدا على الملوك و السلاطين (1).
قال السيّد الأمين في أعيان الشيعة: السيّد هاشم بن سليمان. . .
البحراني. . . في تتمة «أمل الآمل» : كان من جبال العلم و بحوره، لم يسبقه سابق و لا لحقه لاحق في طول الباع و كثرة الاطلاع حتّى العلاّمة المجلسي، فإنه نقل عن كتب ليس لها ذكر مثل «كتاب ثاقب المناقب» و «بستان الواعظين» و «إرشاد المسترشدين» ، و «تفسير محمد بن العبّاس الماهيار» و «تحفة الأخوان» و «كتاب الجنة و النار» و «كتاب السيد الرضي» في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام و «أمالي» المفيد النيسابوري، و «كتاب مقيل الثاني» للشيخ علي بن طاهر الحلّي، و «كتاب المعراج للصدوق» و «كتاب تولّد أمير المؤمنين عليه السلام» لأبي مخنف و «تفسير السدّي» ، و غير ذلك (2).
قال الأفندي في «الرياض» : خلّف ابنين صالحين من طلبة العلم:
السيّد عيسى، و السيّد محسن (3).
و قال الطهراني في «الذريعة» : قال في الرياض: رأيت جميع كتب السيّد عند ولده السيّد علي شارح «زبدة الأصول» لمّا اجتمعت معه باصبهان (4)و لكن هذه العبارة ليست موجودة في الرياض المطبوع، بل الموجودة فيها كما مرّ هكذا: (له مؤلّفات كثيرة رأيت أكثرها باصبهان عند ولده السيّد محسن) .
و قال الطهراني أيضا في الذريعة: «شرح الزبدة» للسيّد محمد جواد بن العلاّمة السيّد هاشم التوبلي البحراني، كان موجودا عند الشيخ محمد صالح بن
ص:14
أحمد البحراني المعاصر كما حدّثني به (1).
و نسب الشيخ عليّ البلادي «شرح الزبدة» إلى السيّد عيسى، و قال في «أنوار البدرين» : و لهذا السيّد ولد فاضل محقّق اسمه السيّد عيسى له شرح على «زبدة شيخنا البهائي» ، إلاّ أنّ النسخة الّتي عندنا غير تامّة، و لم أقف له على ترجمة و لا رواية (2).
قال في الرياض: له قدّس سرّه من المؤلّفات ما يساوي خمسا و سبعين مؤلّفا ما بين كبير، و وسيط، و صغير، و أكثرها في العلوم الدينيّة، و سمعت ممّن أثق به من أولاده رضوان اللّه عليه أنّ بعض مؤلّفاته حيث كان يأخذه من كان ألّفه له لم يشتهر بل لم يوجد في بحرين (3).
و إليك فهرس مؤلّفاته التي وصلت إلينا:
1- «إثبات الوصيّة» و الظاهر اتحاده مع «البهجة المرضية» (4).
2- «احتجاج المخالفين على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، فرغ منه سنة (1105 ه) (5).
3- «إرشاد المسترشدين» أو «إيضاح المسترشدين» أورد فيه (253) رجلا ممّن تبصّر، فرغ منه سنة (1105 ه) (6).
4- «الأنصاف في النصّ على الأئمّة الأشراف» و يعرف بالنصوص أيضا
ص:15
يشمل على (308) حديثا، فرغ منه سنة (1097) ، نسخة منه موجودة في مكتبة المرحوم آية اللّه العظمى المرعشي في قم بخط النسخ في (117) ورقة (1).
5- «البرهان في تفسير القرآن» بالأحاديث المأثورة، طبع مرّات في سنة (1295 ه) و سنة (1302) و سنة (1375) و سنة (1394) .
6- «بهجة النظر في إثبات الوصاية و الإمامة للأئمة الاثني عشر» فرغ منه سنة (1099 ه) ، قال في الرياض: هو ملخّص من كتاب «حلية الأبرار» (2).
7-تبصرة الولي فيمن رأى المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف في زمان أبيه عليه السلام و في أيّام الغيبة الصغرى و الكبرى، فرغ منه سنة (1099 ه) طبع شطر منه (يشتمل على رؤية من رآه صلوات اللّه عليه في الغيبة الصغرى فقط) في ذيل «غاية المرام» في سنة (1272) (3).
و قد قامت بتحقيق هذا الكتاب و تصحيحه مؤسّسة المعارف الإسلامية في قم المحميّة، المؤسسة التي أسّسها السيّد الجليل، و المولى النبيل العلاّمة الراحل الحجّة السيّد عبّاس المهري رضوان اللّه تعالى عليه، و كان مندوبا للإمام الخميني قدّس اللّه نفسه الزكيّة.
8- «التحفة البهيّة في إثبات الوصية» لعليّ عليه السلام فرغ منه سنة (1099 ه) (4).
9- «ترتيب التهذيب» أورد فيه كل حديث في الباب المناسب له فرغ منه سنة (1079) و وقع الفراغ من تصحيحه في محضر المؤلّف سنة (1102) ثم شرحه بنفسه شرحا كما يأتي، و طبع الكتاب بالأفست في ثلاث مجلّدات سنة
ص:16
(1392) و قدّم له المرحوم آية اللّه العظمى المرعشي قدّس سره مقدّمة و قال فيها: و لعمري لقد أتعب نفسه الشريفة و أجاد فيما أفاد، و أتى فوق ما يؤمّل و يراد (1).
10- «تعريف رجال من لا يحضره الفقيه» هو شرح لمشيخة الكتاب (2).
11- «تفضيل الأئمة على الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين سوى الخاتم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (3).
12- «تفضيل عليّ عليه السلام على أولي العزم من الرسل» هو آخر كتاب ألّفه في مرض موته في أربعة عشر يوما، كان يملي الأحاديث و يكتبه الكاتب سنة (1107) (4).
13- «تنبيه الأريب في إيضاح رجال التهذيب» كتاب مبسوط في بيان أحوال رجال «التهذيب» و هذّبه الشيخ حسن بن محمد الدمستاني المتوفى سنة (1181) و نظمه على ترتيب الكتب الفقهية، و سمّاه «انتخاب الجيّد من تنبيهات السيّد و فرغ منه سنة (1173) و نسخة منه موجودة في مكتبة آية اللّه المرعشي بقم (5).
14- «التنبيهات في تمام الفقه من الطهارة إلى الديات» قال في «الرياض» : هو كتاب كبير مشتمل على الإستدلالات في المسائل إلى آخر أبواب الفقه و هو الآن موجود عند ورثة الأستاذ قدّس سرّه (6).
و المراد بالاستاذ هو العلاّمة المجلسي قدّس سرّه.
ص:17
15- «التيمية في بيان نسب التيمي» (1).
16- «حقيقة الإيمان المبثوث على الجوارح» (2)و فرغ من تأليفه سنة (1090) .
17- «حلية الأبرار في أحوال محمّد و آله الأطهار» صلوات اللّه عليهم، طبع في قم سنة (1397) و لمّا كان الطبع خاليا عن التحقيق فقامت مؤسّسة المعارف الإسلاميّة بتصحيحه و تحقيقه و طبعه.
18- «حلية النظر في فضل الأئمّة الاثنى عشر» فرغ من تأليفه سنة (1099) توجد نسخة منه في المكتبة الرضوية بخط تلميذ المؤلف علي بن عبد اللّه بن راشد المقابي البحراني إستنسخه في السنة المذكورة و قابله مع أصله (3).
19- «الدرّ النضيد في خصائص الحسين الشهيد» صلوات اللّه عليه، قال في الرياض: و لعلّه بعينه «كتاب مقتل الحسين» (4).
20- «الدرّة الثمينة» و تسمّى أيضا باليتيمة، تشتمل على اثني عشر بابا و كل باب يشتمل على اثني عشر حديثا في فضل الأئمّة عليهم السلام (5).
21- «روضة العارفين و نزهة الراغبين» و تسمى أيضا وصية العارفين في أسماء شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، نسخة منه موجودة في خزانة الشيخ علي كاشف الغطاء بالنجف، و نسخة في خزانة الصدر، قال الطهراني في الذريعة:
ذكر من الرجال (158) رجلا آخرهم في النسخة الّتي رأيتها قنبر مولى أمير المؤمنين عليه السلام، و أوّلهم أبان بن تغلب (6).
ص:18
22- «روضة الواعظين» في أحاديث الأئمّة الطاهرين عليهم السلام، نسخة منه موجودة في خزانة السيّد هبة الدين الشهرستاني بالكاظميّة، و نسخة في خزانة سپهسالار بطهران رقم (1866) (1).
23- «سلاسل الحديد» في تقييد أهل التقليد ممّا ذكره ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» في مسألة الإمامة، و سمّاه أيضا بكتاب «شفاء الغليل من تعليل العليل» فرغ منه سنة (1100) (2).
24- «سير الصحابة» و قد ألّفه سنة (1070) (3).
25- «شرح ترتيب التهذيب» (4).
26- «عمدة النظر» في بيان عصمة الأئمّة الاثني عشر ببراهين العقل و الكتاب و الأثر، مرتّب على ثلاثة مطالب: أولها في الأدلّة العقلية الاثني عشر، و ثانيها في الآيات القرآنية الاثني عشر، و ثالثها في الأخبار النبوية و الروايات الولوية الخمسة و الأربعين الدالّة كلّها على العصمة (5).
و نقل في الذريعة عن الرياض: أنّ «عمدة النظر» هي المسماة «ببهجة النظر» و لكن ما وجدنا المنقول في «الرياض» المطبوع، و اللّه العالم.
27- «غاية المرام و حجة الخصام» في تعيين الإمام من طريق الخاصّ و العامّ فرغ منه سنة (1100) و (1103) و طبع سنة (1272) ، و ترجمه الشيخ محمد تقي الدزفولي المتوفى سنة (1295) ، و فرغ من الترجمة سنة (1273) و طبع سنة (1277) .
و لغاية المرام «حواش» للميرزا نجم الدين جعفر الطهراني المتوفى سنة (1313) عيّن فيها مواضع الأحاديث التي نقلها المؤلّف عن كتب العامّة،
ص:19
و نقل أحاديث أخرى كثيرة عن كتبهم ممّا فات المؤلف ذكرها.
و لخّص «غاية المرام» للآقانجفي الأصفهاني المتوفى سنة (1332) (1).
28- «فضل الشيعة» أو «مناقب الشيعة» مشتمل على (118) حديثا نسخة منه موجودة في الخزانة الرضوية (2).
29- «اللباب المستخرج من كتاب الشهاب» استخرج المؤلّف الأخبار المرويّة في شأن أمير المؤمنين و الأئمّة الطاهرين عليهم السلام من كتاب «شهاب الأخبار في الحكم و الأمثال» للقاضي القضاعي سلامة بن جعفر الشافعي المتوفى سنة (454 ه) مختصر مطبوع (3).
30- «اللوامع النورانية في أسماء علي و أهل بيته القرآنيّة» يشتمل على (1156) اسما لأمير المؤمنين و أهل بيته المعصومين عليهم السلام فرغ من تأليفه سنة (1096) ، طبع سنة (1394) .
31- «المحجّة فيما نزل في القائم الحجة» عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف كتاب شريف لطيف يحتوي على (120) آية من القرآن، فرغ منه سنة (1097) ، طبع مع غاية المرام في سنة (1272) و طبع بعضه في آخر «الألفين» للعلامة سنة (1297) ، و طبع أخيرا بتحقيق محمد منير الميلاني في بيروت.
32- «مدينة المعاجز» في معجزات الأئمّة عليهم السلام، فرغ منه سنة (1090) و طبع في سنة (1271) و سنة (1291) و سنة (1300) ، و لكن كان محتاجا إلى التصحيح و التحقيق و لذلك قامت مؤسّسة المعارف الاسلامية في قم المحميّة بتحقيقه و سيطبع إن شاء اللّه.
33- «مصابيح الأنوار و أنوار الأبصار» في معاجز النبي المختار صلّى اللّه
ص:20
عليه و آله و سلّم (1).
34- «معالم الزلفى في معارف النشأة الأولى و الأخرى» قال في «رياض الجنان» : هو كتاب حسن حاو لفوائد جمّة، و ينقل فيها عن كتب غريبة ليست مذكورة في «البحار» (2).
طبع لمرّات: الأولى سنة (1271) و الثانية سنة (1288) ، و ثالثة مع نزهة الأبرار سنة (1289) .
35- «مناقب أمير المؤمنين عليه السلام» قال الطهراني في الذريعة: نسبه إليه و أكثر النقل عنه الشيخ أحمد بن سليمان البحراني في كتابه «عقد اللئال في مناقب النبي و الآل» عليهم السلام، و رأيت نسخة منه بالكاظمية فرغ الكاتب منه يوم الجمعة 28 ذي القعدة سنة (1120) ، و طبع بالكاظميّة سنة (1372 ه) (3)
36- «مولد القائم» عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف. قال الطهراني في الذريعة: عدّه في «الرياض» من تصانيفه الّتي رآها عند ولده باصبهان (4).
أقول: ما وجدته في الرياض المطبوع.
37- «الميثميّة» ذكره السيّد محسن الأمين في «الأعيان» في فهرس كتب السيّد (5).
38- «نزهة الأبرار» و منار الأفكار في خلق الجنّة و النار، فيها (251) حديثا، كتبه بعد «معالم الزلفى» و طبع معه سنة (1289 ه) .
39- «نهاية الآمال فيما يتمّ به تقبّل الأعمال» فرغ منه سنة
ص:21
(1090 ه) ، و هو في بيان الأصول الخمسة كما قال في «الرياض» ، و قال الطهراني في الذريعة: في بعض النسخ: اسمه «نهاية الأكحال» (بالحاء المهملة» و هو في الإمامة فرغ منه سنة (1102) ، نسخة منه موجودة في الرضوية، و أخرى في المكتبة التسترية (1).
40- «نور الأنوار» في تفسير القرآن، مقصور على روايات أهل البيت المعصومين عليهم السلام مثل «البرهان» ، نسخة منه عند السيّد محمد علي الروضاتي من سورة الحاقّة إلى الفلق (2).
41- «وفاة الزهراء» سلام اللّه عليها، صرّح غير واحد باسم هذا الكتاب في فهرس كتب السيّد (3).
42- «وفاة النبيّ» صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ذكره في فهرس كتب السيّد أكثر من ترجمه (4).
43- «الهادي و ضياء النادي» أو «مصباح النادي» تفسير القرآن بالأحاديث المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، فرغ من تأليفه سنة (1076 ه) نسخة منه بخطّ محمد بن حرز بن سليمان البحراني مؤرّخة بتاريخ سنة (1081) منقولة من خطّ المؤلّف موجودة في الرضوية، و نسخة أخرى بخط أحمد بن محمد البحراني فرغ منه سنة (1105) موجودة في خزانة محمّد أمين الكاظمي (5).
44- «الهداية القرآنية» في التفسير، ألّفها بعد «البرهان» و «نور الأنوار» و «اللباب» و «اللوامع» فإنّه قد صرّح بجميعها في «الهداية» ، فرغ من تأليفه سنة (1096) ، نسخة منه موجودة في الرضوية (6).
ص:22
45- «ينابيع المعاجز و أصول الدلائل» هو مختصر «مدينة المعاجز» فرغ منه سنة (1099) (1).
كتاب قيّم في أحوال النبيّ و أوصيائه الأطهار، عليهم صلوات اللّه و سلامه ما أقبل اللّيل و أضاء النهار، و هو مرتّب على (13) منهجا و في كلّ منهج أبواب، أدرج فيها حدود (2300) حديثا من المصادر المعتبرة التي تقرب نحو مائة كتاب، و فيها كتب قيّمة نادرة لم تطبع إلى الآن و سنذكرها إن شاء اللّه الموفّق. ألّفه للوزير العارف (إيماني بيك) و فرغ من تأليفه في اليوم الثامن عشر من شهر ربيع الثاني سنة (1099 ه)
و استنسخه في تلك السنة تلميذه الشيخ علي بن عبد اللّه بن راشد المقابي البحراني، و نسخته مذخورة في المكتبة الرضوية على صاحبها أفضل التحيات الزاكيات، و يوجد نسخة أخرى منه في كربلاء، مستنسخة عن خطّ المؤلّف تاريخها سنة (1283) ، و نسخة ثالثة في مكتبة الميرزا عبد الرزّاق المحمدي الحائري في همدان كما قال الأستاذ شيخنا الطهراني قدّس سرّه في «الذريعة» ج 7/80 و نسخة رابعة في مكتبة المدرسة الفيضية بقم استنسخها محمّد الحسيني و فرغ منها في اليوم السادس من شهر رمضان المبارك سنة (1301 ه) في (229) ورقا.
و طبع الكتاب في سنة (1397 ه) في المطبعة العلميّة بقم بتصحيح العالم الفاضل محمّد بن الحسن التفرشي الدرودي، و لكن مع الأسف وقعت فيه أخطاء كثيرة مطبعيّة، مضافا إلى أنّه يحتاج إلى تحقيق أكثر، فلذلك قامت مؤسّسة «المعارف الإسلامية» بتجديد طبعه، فطلب منّي المسؤولون في المؤسّسة أن أبذل جهدي لتحقيق الكتاب و تصحيحه، فمع الإعتراف بالعجز و القصور استقبلت مطلوبهم، و أقدّم شكري الجزيل إليهم أن تفضّلوا عليّ بذلك
ص:23
التكليف، و أرجو من اللّه المنّان أن يجعلنا ممّن هداه الثقلان، و أن يمنّ علينا بالتوفيق و القبول و الغفران.
قابلت النسخة المطبوعة على نسختين مخطوطتين:
1-نسخة استنسخها تلميذ المؤلّف و فرغ منها في سنة التأليف:
(1099 ه) كما مرّ، و هي مخزونة في المكتبة الرضوية.
2-نسخة أخرى كتبت في سنة (1301 ه) مخزونة في مكتبة المدرسة الفيضيّة.
ثمّ بعد ذلك قابلت الأحاديث على مصادرها الأصليّة المصحّحة فإن كان اختلاف في اللفظ أو زيادة أو نقص فيها بينتها في الهامش، و الأحاديث الّتي لم أظفر على مصادرها مثل كتاب «كشف البيان» لمحمّد بن الحسن الشيباني، و «تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان» و «الأربعين في الأربعين» و «المغازي» لابن إسحاق و «مسند فاطمة عليها السلام» لأبي جعفر الطبري:
و «بصائر الدرجات» لسعد بن عبد اللّه القميّ و أمثالها، عرفتها على المصادر الأخر في مظانها، و إن لم أظفر على مصدر لها تركتها بحالها.
و راعيت في تصحيح الألفاظ و الجمل القواعد الأدبيّة.
و حقّقت أعلام الأسناد و الأحاديث و ترجمتها موجزة في الهامش.
و أشرت إلى معاني الألفاظ الصعبة المحتاجة إلى التبيين.
و في ختام كلّ حديث ذكرت المصادر و التخريجات.
و ينبغي أن أقدّم ثنائي للصديقين الشفيقين المحقّقين: الشيخ عباد اللّه الطهراني و الشيخ عزّة اللّه المولائي الهمداني، فإنّهما ساعداني على استخراج المصادر، جزاهما اللّه خيرا. هذا و قد بذلت الوسع و الطاقة في تصحيح الكتاب و تحقيقه، و أرجو من العلماء الأفاضل الناظرين إلى الكتاب أن يتفضّلوا و يمنّوا عليّ بالتصحيح و النقد الصحيح فيما وقعت فيه من الزلّة و الخطأ، و اللّه هو العاصم.
ص:24
1-أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 10/250-258-294 الطبع الجديد.
2-أنوار البدرين للبلادي:138-139-140-148.
3-تفسير البرهان للمؤلّف: ج 4.
4-تراجم الرجال للسيّد أحمد الحسيني:242.
5-الذريعة للطهراني: ج 1-2-3-4-5-6-7-8-11-12- 13-14-15-21-22-23-24-25.
6-روضات الجنات للخوانساري: ج 8/182-183.
7-رياض العلماء للأفندي: ج 3/146-ج 5/998-299- 300-301-302-303.
8-فهرست آل بابويه للبحراني:17.
9-فهرس مخطوطات مكتبة المرعشي: ج 6/131.
10-لؤلؤة البحرين:63-65.
11-معارف الرجال لحرز الدين: ج 2/330.
12-معجم مؤلّفي الشيعة:62.
20 ربيع الأول/1411 ه
قم المقدسة
العبد غلام رضا مولانا البروجردي
ص:25
الصورة
ص:26
الصورة
ص:27
الصورة
ص:28
الصورة
ص:29
بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
الحمد لله و سلام على عباده الذين اصطفى أمّا بعد، فيقول، فقير اللّه الغني، عبده هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني: إنّي لمّا نظرت في كتب الحديث، ممّا عثرت عليه من القديم و الحديث، رأيت أحاديث كثيرة، تتضمّن حلية الأبرار: محمد و آله الأئمّة الاثني عشر الأطهار، عليهم أفضل الصلوات و أكمل التحيّات، صلوات و تحيّات لا يحصيها إلاّ الواحد القهّار.
و تلك الأحاديث متبدّدة لم يحوها سلك نظام، كأنّها عقد انفصم، فتناثرت لآليه، ففاته الانتظام.
أحببت أن أجمعها في كتاب يسهل تناولها على الطلاّب، لأنّ هذا المطلب من أجلّ المطالب، و من أنفس نفائس الرغائب، إذ صفاتهم و مزاياهم خارجة عن طوق البشر، و خصالهم في العلم و العمل لا تعدّ بقدر.
اصطفاهم اللّه جلّ جلاله من بريّاته، و اختارهم على علم على العالمين، و اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته، فهم أعلام الهدى، و مصابيح الدجى، يجب اتّباعهم في العلم و العمل، إذ طاعتهم مفروضة على الرعيّة كمّلا، إذ بهذه الآثار و الخواص يعلم أنّهم المقتدى بهم في الأفعال و الأقوال، و لا عن ذلك مناص.
و هذا الذي أذكر في هذا الكتاب من حليتهم و صفاتهم قليل من كثير،
ص :1
رشحة من ذلك البحر الغزير، لكن به يأنس الطالب، و يكتفي به المحبّ الراغب.
و خدمت به حضرة ذي النفس الزكية، و الروح القدسيّة، المكرم بالرئاسة الأنسية، و الكرامات السنيّة، و النفحات البهيّة، و المطالب العليّة، و الخصال الحميدة، و الصفات المجيدة، ناظورة (1)ديوان الوزارة، الفائز في الكمالات النفسيّة بالقدح المعلّى، المشهور في العوارف باليد الطولى، ظلّ اللّه على العالمين (إيماني بيك) ربط اللّه جلّ جلاله دولته بأوتاد الخلود، و لا زالت سعوده تتزايد بتزايد الدهور آمين.
و سمّيت الكتاب بحلية الأبرار: محمد و آله الأئمّة الأطهار، و هو مبنيّ على ثلاثة عشر منهجا:
المنهج الأوّل في حلية نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم و صفاته العليا، و فيه سبعون بابا:
الباب الأوّل في شأن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و أهل بيته صلى اللّه عليه و آله و سلم في أوّل الأمر.
الباب الثاني في مولده الشريف صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب الثالث في توحيده اللّه سبحانه في حال ولادته، و تيقّظه للإيمان باللّه سبحانه و تعالى في صغره.
الباب الرابع في معرفة أهل الكتاب له صلى اللّه عليه و آله و سلم في وقت ولادته أنّه النبيّ المبعوث و خاتم النبيّين.
الباب الخامس في معرفة أهل الكتاب له صلى اللّه عليه و آله و سلم بالنعت له في كتبهم، و ما ظهر لهم من دلائل النبوّة في صغره.
الباب السادس في دفاع اللّه سبحانه و تعالى عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم الكفّار من أهل الكتاب قبل البعثة لمّا عرفوه بنعته.
ص:2
الباب السابع في بعثته صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب الثامن في ثقل الوحي، و ما كان يأخذ رسول اللّه من الإغماء، إذا كان بغير واسطة جبرائيل عليه السلام.
الباب التاسع في كيفيّة تبليغه الكافة.
الباب العاشر في إظهاره صلى اللّه عليه و آله و سلم الدعوة إلى اللّه و نزوله الشعب.
الباب الحادي عشر في نزول الشعب و حماية أبي طالب عليه السلام و ما يدلّ على إيمانه من طريق العامّة.
الباب الثاني عشر في أذى المشركين له صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب الثالث عشر في قوله تعالى: إِنّا كَفَيْناكَ اَلْمُسْتَهْزِئِينَ (1)و إهلاكه سبحانه الفراعنة.
الباب الرابع عشر فيما عمله صلى اللّه عليه و آله و سلم بعد موت عمّه أبي طالب قبل الهجرة.
الباب الخامس عشر في الهجرة إلى المدينة.
الباب السادس عشر و هو من الباب الأوّل.
الباب السابع عشر في صفته صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب الثامن عشر في صفته صلى اللّه عليه و آله و سلم في الإنجيل.
الباب التاسع عشر في صفته و مدخله و مخرجه و مجلسه و سكنته صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب العشرون في مجلسه للعلم، و قسمته لحظاته صلى اللّه عليه و آله و سلم بين أصحابه و غيرها و تقديم السابق في السؤال.
الباب الحادي و العشرون في تواضعه لأهل بيته صلى اللّه عليه و آله و سلم:
عليّ، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السلام.
ص:3
الباب الثاني و العشرون في تواضعه و حسن خلقه صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب الثالث و العشرون في زهده صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب الرابع و العشرون في زهده صلى اللّه عليه و آله و سلم في المطعم و المشرب و الملبس.
الباب الخامس و العشرون و هو من الباب الأوّل.
الباب السادس و العشرون من الباب الأوّل من طريق المخالفين.
الباب السابع و العشرون في اجتهاده صلى اللّه عليه و آله و سلم في العبادة.
الباب الثامن و العشرون في اجتهاده صلى اللّه عليه و آله و سلم في العبادة من طريق المخالفين.
الباب التاسع و العشرون في كيفيّة صلاته صلى اللّه عليه و آله و سلم صلاة اللّيل.
الباب الثلاثون من الباب الأوّل من طريق المخالفين.
الباب الحادي و الثلاثون في خشوعه صلى اللّه عليه و آله و سلم و خوفه من اللّه تعالى.
الباب الثاني و الثلاثون في استغفاره و توبته صلى اللّه عليه و آله و سلم من غير ذنب في كلّ يوم.
الباب الثالث و الثلاثون فيما يقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم من التحميد إذا أصبح و أمسى.
الباب الرابع و الثلاثون فيما يقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا ورد عليه ما يسرّه و ما يغمّه، و عند دخول المسجد و خروجه، و إذا أصبح، و عند النوم و الانتباه، و عند هلال شهر رمضان، و عند إفطاره، و إذا أكل من عند أحد، و عند شرب الماء و اللبن، و عند الفاكهة الجديدة، و عند ركوب الدابّة.
الباب الخامس و الثلاثون في صيامه صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب السادس و الثلاثون في جوده صلى اللّه عليه و آله و سلم.
ص:4
الباب السابع و الثلاثون في جوده صلى اللّه عليه و آله و سلم من طريق المخالفين.
الباب الثامن و الثلاثون أنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أشجع الناس من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب التاسع و الثلاثون في عفوه صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب الأربعون في عفوه صلى اللّه عليه و آله و سلم من طريق المخالفين.
الباب الحادي و الأربعون في مداعبته و ضحكه صلى اللّه عليه و آله و سلم من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب الثاني و الأربعون في تعظيم الناس له صلى اللّه عليه و آله و سلم في الجاهليّة و الاسلام من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب الثالث و الأربعون في حيائه و كفه صلى اللّه عليه و آله و سلم عن المجازاة من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب الرابع و الأربعون في نصيحته صلى اللّه عليه و آله و سلم و شفقته من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب الخامس و الأربعون في أنّه كان صلى اللّه عليه و آله و سلم يعمل بيده.
الباب السادس و الأربعون في جلوسه صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب السابع و الأربعون في سجداته الخمس للشكر.
الباب الثامن و الأربعون في صبره صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب التاسع و الأربعون في صبره صلى اللّه عليه و آله و سلم من طريق المخالفين.
الباب الخمسون في استعماله صلى اللّه عليه و آله و سلم الطيب.
الباب الحادي و الخمسون في استعماله صلى اللّه عليه و آله و سلم الخضاب.
الباب الثاني و الخمسون في استعماله صلى اللّه عليه و آله و سلم الكحل.
الباب الثالث و الخمسون في استعماله صلى اللّه عليه و آله و سلم السدر و النورة.
ص:5
الباب الرابع و الخمسون في استعماله صلى اللّه عليه و آله و سلم السواك و الخلال.
الباب الخامس و الخمسون في استعماله صلى اللّه عليه و آله و سلم الحجامة.
الباب السادس و الخمسون في المفردات.
الباب السابع و الخمسون في أنّه أو لم عند التزويج.
الباب الثامن و الخمسون في حبّه صلى اللّه عليه و آله و سلم النساء، و أكله اللحم و العسل، و استعماله الطيب.
الباب التاسع و الخمسون في أنه كان صلى اللّه عليه و آله و سلم يحبّ من اللّحم الذراع.
الباب الستون في أكله صلى اللّه عليه و آله و سلم مع الضيف.
الباب الحادي و الستّون في أكله صلى اللّه عليه و آله و سلم الهريسة.
الباب الثاني و الستّون فيما أكله صلى اللّه عليه و آله و سلم من الفواكه و الرمّان و غيره.
الباب الثالث و الستّون في أنّه كان صلى اللّه عليه و آله و سلم يعجبه القرع.
الباب الرابع و الستّون في أنّه كان صلى اللّه عليه و آله و سلم يعجبه العسل.
الباب الخامس و الستّون في أكله صلى اللّه عليه و آله و سلم الخلّ و الزيت.
الباب السادس و الستّون في اجتنابه صلى اللّه عليه و آله و سلم الطعام الحارّ.
الباب السابع و الستّون في المفردات.
الباب الثامن و الستّون في قلانسه صلى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب التاسع و الستّون في خواتيمه صلى اللّه عليه و آله و سلم و حلية سيفه و درعه.
الباب السبعون في معراجه صلى اللّه عليه و آله و سلم.
ص:6
بسم الله الرحمن الرحيم
خاتم النبيّين و سيّد المرسلين، و صفوة ربّ العالمين صلى اللّه عليه و آله و سلم،
و فيه سبعون بابا.
ص:7
ص:8
في شأن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم السلام في أوّل الأمر
1-محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه 1قدّس اللّه روحه قال: حدّثنا الحسن (1)بن محمد بن سعيد الهاشمي (2)، قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (3)، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ الهمداني، قال: حدثني أبو الفضل العباس بن عبد اللّه البخاري، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: حدّثنا
ص:9
عبد السّلام بن صالح الهروي 1، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: ما خلق اللّه خلقا أفضل منّي، و لا أكرم عليه منّي.
قال عليّ عليه السلام: فقلت: يا رسول اللّه فأنت أفضل أم جبرائيل؟
فقال صلى اللّه عليه و آله و سلم: يا عليّ إنّ اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقرّبين، و فضّلني على جميع النبيّين و المرسلين، و الفضل بعدي لك يا علي، و للأئمّة من بعدك، و إنّ الملائكة لخدّامنا و خدّام محبّينا.
يا عليّ «الذين يحملون العرش و من حوله، يسبّحون بحمد ربّهم، و يستغفرون للذين آمنوا» 2بولايتنا.
يا عليّ لو لا نحن ما خلق اللّه آدم، و لا حوّاء، و لا الجنّة، و لا النار، و لا السماء، و لا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلى معرفة ربّنا، و تسبيحه، و تهليله، و تقديسه؟ !
لأنّ أوّل ما خلق اللّه عزّ و جلّ خلق أرواحنا، فأنطقنا بتوحيده و تحميده 3.
ثمّ خلق الملائكة فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا، فسبّحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون، و أنّه منزّه عن صفاتنا، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا و نزّهته عن صفاتنا.
ص:10
فلمّا شاهدوا عظم شأننا هلّلنا، لتعلم الملائكة أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّا عبيد، و لسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلاّ اللّه.
فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا، لتعلم الملائكة أن اللّه أكبر من أن ينال عظم المحلّ 1إلاّ به.
فلمّا شاهدوا ما جعله اللّه لنا من العزّ و القوّة قلنا: لا حول و لا قوّة إلاّ 2باللّه، لتعلم الملائكة أن لا حول و لا قوة إلاّ باللّه 3.
فلمّا شاهدوا ما أنعم اللّه به علينا، و أوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا:
الحمد للّه، لتعلم الملائكة ما يحق 4للّه تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته (1)، فقالت الملائكة: الحمد للّه، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد اللّه و تسبيحه و تهليله و تحميده و تمجيده.
ثم إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق آدم فأودعنا صلبة، و أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا و إكراما، و كان سجودهم للّه عزّ و جلّ عبوديّة، و لآدم إكراما و طاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون؟ !
و إنّه لمّا عرج بي إلى السماء أذّن جبرئيل مثنى مثنى، و أقام مثنى مثنى، ثم قال: تقدّم يا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقلت له: يا جبرئيل أتقدّم عليك؟ فقال: نعم لأنّ اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبيائه على ملائكته أجمعين، و فضّلك خاصّة، فتقدّمت فصلّيت بهم و لا فخر.
فلمّا انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرائيل: تقدّم يا محمّد و تخلّف عنّي، فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال: يا محمّد إنّ (2)انتهاء حدّي الذّي وضعني اللّه عزّ و جلّ فيه إلى هذا المكان، و إن تجاوزته
ص:11
احترقت أجنحتي بتعدّي حدود ربّي جلّ جلاله فزجّ بي في النور زجة 1حتى انتهيت إلى حيث ما شاء اللّه من علوّ ملكه 2، فنوديت فقلت: لبّيك ربي و سعديك تباركت و تعاليت، فنوديت: يا محمد أنت عبدي و أنا ربّك، فإيّاي فاعبد، و عليّ فتوكّل، فإنّك نوري في عبادي، و رسولي إلى خلقي، و حجّتي على 3بريّتي، لك و لمن تبعك خلقت جنّتي، و لمن خالفك خلقت ناري، و لأوصيائك أوجبت كرامتي، و لشيعتهم أوجبت ثوابي.
فقلت: يا ربّ و من أوصيائي؟ فنوديت: يا محمد أوصيائك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت و أنا بين يدي ربّي جلّ جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نورا، في كلّ نور سطر أخضر، عليه اسم وصيّ من أوصيائي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام و آخرهم مهديّ أمتي.
فقلت: يا ربّ هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت: يا محمّد هؤلاء أوليائي و أحبّائي و أصفيائي و حججي بعدك على بريّتي، و هم أوصياؤك و خلفاؤك، و خير خلقي بعدك.
و عزّتي و جلالي لأظهرنّ بهم ديني، و لأعلينّ بهم كلمتي، و لأطهّرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي، و لأمكّنة 4مشارق الأرض و مغاربها، و لأسخّرنّ له الرياح، و لأذلّلنّ له السحاب الصعاب، و لأرقينّه في الأسباب، و لأنصرنّه بجندي، و لأمدّنّه بملائكتي حتى تعلو (1)دعوتي، و يجمع الخلق على توحيدي، ثمّ لأديمنّ ملكه، و لأدلولنّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة (2).
ص:12
2-محمّد بن خالد الطيالسي 1، و محمّد بن عيسى بن عبيد 2، بإسنادهما عن جابر بن يزيد الجعفي 3، قال: قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام: كان اللّه و لا شيء غيره، و لا معلوم و لا مجهول، فأوّل ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلم، و خلقنا أهل البيت
ص:13
معه من نور عظمته، فأوقفنا أظلّة خضراء بين يديه، لا سماء 1، و لا أرض، و لا مكان، و لا ليل، و لا نهار، و لا شمس، و لا قمر، يفصل نورنا من نور ربّنا كشعاع الشمس من الشمس، نسبّح اللّه تعالى و نقدّسه، و نحمده و نعبده حقّ عبادته، ثمّ بدا للّه تعالى أن يخلق المكان فخلقه، و كتب على المكان: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، عليّ أمير المؤمنين وصيّه، به أيّدته، و به نصرته.
ثمّ خلق اللّه العرش، فكتب على سرادقات العرش مثل ذلك.
ثمّ خلق السموات، فكتب على أطرافها مثل ذلك، ثمّ خلق الجنّة و النار، فكتب عليهما مثل ذلك، ثمّ خلق اللّه الملائكة و أسكنهم السمآء، ثمّ 2تراءى لهم اللّه تعالى، و أخذ منهم الميثاق له بربوبيّته، و لمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم بالنبوّة، و لعليّ عليه السلام بالولاية، فاضطربت فرائص 3الملائكة، فسخط اللّه تعالى على الملائكة، و احتجب عنهم، فلاذوا بالعرش سبع سنين، يستجيرون اللّه من سخطه، و يقرّون بما أخذ عليهم، و يسألونه الرضا فرضي عنهم بعد ما أقرّوا بذلك، فأسكنهم بذلك الإقرار السماء، و اختصّهم لنفسه، و اختارهم لعبادته.
ثمّ أمر اللّه تعالى أنوارنا أن تسبّح فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا، و لو لا تسبيح أنوارنا ما دروا كيف يسبّحون اللّه، و لا كيف يقدّسونه.
ثمّ إنّ اللّه خلق الهواء فكتب عليه: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، عليّ أمير المؤمنين وصيّه، به أيّدته، و به نصرته.
ثمّ اللّه تعالى خلق الجنّ، فأسكنهم الهواء، و أخذ الميثاق منهم له
ص:14
بالربوبيّة، و لمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم بالنبّوة، و لعليّ عليه السلام بالولاية، فأقرّ منهم بذلك من أقرّ، و جحد منهم من جحد، فأوّل من جحد إبليس لعنه اللّه، فختم له بالشقاوة و ما صار إليه.
ثمّ أمر اللّه تعالى أنوارنا أن تسبّح فسبّحت، فسبّحوا بتسبيحنا، و لو لا ذلك ما دروا كيف يسبّحون اللّه.
ثمّ خلق اللّه الأرض فكتب على أطرافها: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، عليّ أمير المؤمنين وصيّه، به أيّدته، و به نصرته، فبذلك يا جابر قامت السموات بلا عمد، و ثبتت الأرض.
ثمّ خلق اللّه تعالى آدم عليه السلام من أديم الأرض، و نفخ فيه من روحه، ثمّ أخرج ذريّته من صلبه، فأخذ عليهم الميثاق له بالربوبيّة، و لمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم بالنبوّة، و لعليّ عليه السلام بالولاية، أقرّ منهم من أقرّ، و جحد منهم من جحد، فكنّا أوّل من أقرّ بذلك.
ثمّ قال لمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم: و عزّتي و جلالي و علوّ شأني لولاك و لو لا عليّ و عترتكما الهادون و المهديون الراشدون ما خلقت الجنّة، و لا النار، و لا المكان، و لا الأرض، و لا السماء، و لا الملائكة، و لا خلقا يعبدني.
يا محمّد أنت حبيبي و خليلي و صفييّ و خيرتي من خلقي، أحب الخلق إليّ، و أوّل من ابتدأت من خلقي.
ثم من بعدك الصديق عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وصيّك به أيّدتّك و نصرتك، و جعلته العروة الوثقى، و نور أوليائي، و منار الهدى، ثمّ هؤلاء الهداة المهتدون، من أجلكم ابتدأت خلق ما خلقت، فأنتم خيار خلقي و أحبّائي و كلماتي و أسمائي الحسنى، و أسبابي، و آياتي الكبرى، و حجّتي 1فيما بيني و بين خلقي، خلقتكم من نور عظمتي، و احتجبت بكم عن من سواكم من خلقي، أستقبل بكم و أسأل بكم، فكلّ شيء هالك إلاّ وجهي، و أنتم
ص:15
وجهي، لا تبيدون، و لا تهلكون، و لا يهلك، و لا يبيد من تولاّكم، و من استقبلني بغيركم فقد ضلّ و هوى، و أنتم خيار خلقي، و حملة سرّي، و خزّان علمي، و سادة أهل السموات و أهل الأرض.
ثم إنّ اللّه تعالى هبط إلى الأرض 1في ظلل من الغمام و الملائكة و أهبط أنوارنا أهل البيت معه، فأوقفنا صفوفا بين يديه، نسبّحه في أرضه، كما سبّحناه في سمائه، و نقدّسه في أرضه، كما قدّسناه في سمائه، و نعبده في أرضه، كما عبدناه في سمائه.
فلمّا أراد اللّه إخراج ذريّة آدم عليه السلام لأخذ الميثاق، سلك النور فيه، ثم أخرج ذريّته من صلبه يلبّون، فسبّحنا فسبّحوا بتسبيحنا، و لو لا ذلك لما دروا كيف يسبّحون اللّه عزّ و جلّ، ثم تراءى لهم لأخذ الميثاق منهم بالربوبيّة، فكنّا أوّل من قال: بلى عند قوله: الست بربّكم؟
ثمّ أخذ الميثاق منهم بالنبوّة لمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، و لعليّ عليه السلام بالولاية، فأقرّ من أقرّ، و جحد من جحد.
ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: فنحن أوّل خلق ابتدء اللّه، و أوّل خلق عبد اللّه، و سبّحه، و نحن سبب خلق الخلق، و سبب تسبيحهم و عبادتهم من الملائكة و الادميّين، فبنا عرف اللّه، و بنا وحّد اللّه، و بنا عبد اللّه. و بنا أكرم اللّه من أكرم من جميع خلقه، و بنا أثاب اللّه من أثاب، و عاقب من عاقب، ثمّ تلا قوله تعالى: وَ إِنّا لَنَحْنُ اَلصَّافُّونَ وَ إِنّا لَنَحْنُ اَلْمُسَبِّحُونَ 2و قوله تعالى:
قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ اَلْعابِدِينَ 3. فرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أوّل من عبد اللّه، و أوّل من أنكر أن يكون له ولد أو شريك، ثمّ
ص:16
نحن بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم.
ثمّ أودعنا بعد ذلك صلب آدم عليه السلام فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب و الأرحام، من صلب إلى صلب، و لا استقرّ في صلب إلاّ تبيّن عن الّذي انتقل منه انتقاله، و شرّف الّذي استقرّ فيه، حتى صار في عبد المطّلب، فوقع بأمّ عبد اللّه فاطمة، فافترق النور جزئين: جزء في عبد اللّه، و جزء في أبي طالب عليه السلام، فذلك قوله تعالى: وَ تَقَلُّبَكَ فِي اَلسّاجِدِينَ 1يعني في أصلاب النبيّين و أرحام نسائهم، فعلى هذا أجرانا اللّه تعالى في الأصلاب و الأرحام 2، حتى أخرجنا في أوان عصرنا و زماننا، فمن زعم أنّا لسنا ممّن جرى في الأصلاب و الأرحام، و ولّدنا الآباء و الأمّهات فقد كذب 3.
3-محمد بن يعقوب 4، عن الحسين بن محمّد الأشعري 5عن معلّى بن
ص:17
محمد 1، عن أبي الفضل عبد اللّه بن إدريس 2، عن محمّد بن سنان 3، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال:
يا محمّد إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يزل متفرّدا بوحدانيّته، ثمّ خلق محمّدا و عليّا و فاطمة عليهم السلام، فمكثوا ألف دهر 4، ثمّ خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها 5، و أجرى طاعتهم عليها، و فوّض أمورها إليهم فهم يحلّون ما يشاؤون، و يحرّمون ما يشاؤون 6، و لن يشاؤوا إلّآ أن يشاء اللّه تبارك و تعالى.
ثمّ قال: يا محمّد هذه الديانة التي من تقدّمها مرق (1)، و من تخلّف عنها محق (2)، و من لزمها لحق، خذها إليك يا محمّد (3).
ص:18
4-و عنه 1، عن الحسين 2، عن محمد بن عبد اللّه 3، عن محمد بن سنان، عن المفضّل 4، عن جابر بن يزيد، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا جابر إنّ اللّه تبارك و تعالى أوّل ما خلق، خلق محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلم و عترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي اللّه.
قلت: و ما الأشباح؟ قال: ظلّ النور، أبدان نورانيّة بلا أرواح، و كان مؤيّدا بروح واحدة، و هي روح القدس فيه كان يعبد اللّه، و عترته 5، و لذلك خلقهم حلماء علماء، بررة أصفياء، يعبدون اللّه بالصلوة و الصوم و السجود و التسبيح و التهليل، و يصلّون الصلوات، و يحجّون، و يصومون عليهم السلام (1).
ص:19
ص:20
في مولده الشريف صلى اللّه عليه و آله و سلم
1-الشيخ الطوسي 1في تهذيبه، عن أبي عبد اللّه بن عيّاش 2قال:
حدّثني أحمد بن زياد الهمداني 3، و عليّ بن محمّد التستري 4، قالا: حدّثنا محمّد بن اللّيث المكّي، قال: حدّثني أبو إسحاق بن عبد اللّه العريضي 5، قال: و حكّ في صدري ما الأيّام الّتي تصام؟ فقصدت مولانا أبا الحسن عليّ بن محمّد عليهما السلام، و هو بصريّا (1)، و لم أبد ذلك لأحد من خلق اللّه،
ص:21
فدخلت عليه فلمّا بصر بي، قال عليه السلام يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيّام التي يصام فيهنّ و هي الأربعة:
أوّلهنّ اليوم السابع و العشرون من رجب، يوم بعث اللّه تعالى محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى خلقه رحمة للعالمين، و يوم مولده بمكّة، و هو السابع عشر من شهر ربيع الأوّل، و يوم الخامس و العشرين من ذي القعدة، فيه دحيت الكعبة، و يوم الغدير، فيه أقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أخاه عليّا عليه السلام علما للناس، و إماما من بعده، قلت: صدقت جعلت فداك لذلك قصدت، أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه 1.
2-ابن بابويه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي 2، قال: حدّثني أبي، عن جدّه أحمد بن أبي عبد اللّه 3، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر 4، عن أبان بن عثمان 5، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان إبليس لعنه اللّه يخترق السموات السبع، فلمّا ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلث سموات، فلمّا ولد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حجب عن السبع كلّها، و رميت الشياطين بالنجوم، و قالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنّا نسمع أهل الكتب يذكرونه.
و قال عمرو بن أميّة: و كان من أزجر 6أهل الجاهليّة: أنظروا هذه النجوم التي تهتدى بها و تعرف بها أزمان الشتاء و الصيف، فإن كان رمي بها فهو
ص:22
هلاك كلّ شيء، و إن كانت ثبتت و رمي بغيرها فهو أمر حدث، و أصبحت الأصنام كلّها صبيحة ولد النبيّ ليس منهم صنم إلاّ و هو منكبّ على وجهه، و ارتجس 1في تلك اللّيلة أيوان كسرى، و سقطت منه أربع عشر شرفة (1)، و غاضت بحيرة ساوة، و فاض وادي السماوة، و خمدت نيران فارس، و لم تخمد قبل ذلك بألف عام، و رأى الموبذان (2)في تلك اللّيلة في المنام إبلا صغيرا تقود خيلا عرابا (3)قد قطعت دجلة، و انسربت في بلادهم.
و انفصم طاق الملك كسرى من وسطه، و انخرقت عليه دجلة العوراء (4)و انتشر في تلك اللّيلة نور من قبل الحجاز ثمّ استطار حتى بلغ المشرق، و لم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلاّ أصبح منكوسا، و الملك مخرسا، لا يتكلّم يومه ذلك، و انتزع علم الكهنة، و بطل سحر السحرة، و لم يبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها، و عظمت قريش في العرب، و سمّوا آل اللّه عزّ و جلّ.
قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنما سمّوا آل اللّه لأنّهم في بيت اللّه الحرام.
و قالت آمنة: إنّ ابني و اللّه سقط فاتقى الأرض بيده، ثمّ رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثمّ خرج منّي نور أضاء له كلّ شيء، و سمعت في الضوء قائلا يقول: إنّك قد ولدت سيد الناس فسمّيه محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلم و أتى به عبد المطّلب لينظر إليه، و قد بلغه ما قالت أمّه، فأخذه و وضعه في حجره ثمّ قال:
ص:23
الحمد للّه الذي أعطاني هذا الغلام الطيّب الأردان (1)
قد ساد في المهد على الغلمان
ثم عوّذه (2)بأركان الكعبة و قال فيه أشعارا.
قال: و صاح إبليس لعنه اللّه في أبالسته فاجتمعوا إليه، و قالوا: ما الّذي أفزعك يا سيدنا؟ فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السموات و الأرض منذ اللّيلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم، ما حدث مثله منذ رفع (3)اللّه عيسى بن مريم عليه السلام، فاخرجوا و انظروا ما هذا الحدث الّذي قد حدث؟ فافترقوا ثمّ اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئا.
فقال إبليس لعنه اللّه: أنا لهذا الأمر، ثمّ انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوفا بالملائكة، فذهب ليدخل، فصاحوا به، فرجع ثمّ صار مثل الصر (4)، و هو العصفور، فدخل من قبل حراء (5)و قال له جبرئيل: وراك لعنك اللّه، فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذ اللّيلة في الأرض؟ فقال له: ولد محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقال له: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا. قال: في أمّته؟ قال:
نعم، قال: رضيت (6).
ص:24
3-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل (1)رحمه اللّه، قال:
حدّثنا عليّ بن إبراهيم (2)، عن أبيه إبراهيم بن هاشم (3)، عن محمّد بن سنان، عن زياد بن المنذر (4)، عن ليث بن سعد (5)، قال: قلت لكعب (6)، و هو عند معاوية: كيف تجدون صفة مولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم و هل تجدون لعترته فضلا؟ فالتفت كعب إلى معاوية (7)لينظر كيف هواه، فأجرى اللّه
ص:25
على لسانه، فقال: هات يا أبا اسحاق رحمك اللّه ما عندك، فقال كعب: إنّي قرأت اثنين و سبعين كتابا كلّها أنزلت من السماء، و قرأت صحف دانيال كلّها، فوجدت في كلّها ذكر مولده، و ذكر مولد عترته، و أنّ إسمه لمعروف، و إنّه لم يولد نبيّ قطّ فنزلت عليه الملائكة ما خلا عيسى و أحمد صلوات اللّه عليهما، و ما ضرب على آدميّة حجب الجنّة غير مريم و آمنة أمّ أحمد، و ما وكّلت الملائكة بانثى حملت غير مريم أمّ المسيح، و آمنة أمّ أحمد عليهما السلام.
و كان من علامة حمله أنّه لمّا كانت اللّيلة التي حملت آمنة به عليه السلام نادى مناد في السموات السبع: أبشروا، فقد حمل اللّيلة بأحمد، و في الأرضين كذلك حتى في البحور، و ما بقي يومئذ في الأرض دابّة تدب و لا طاير يطير إلاّ علم بمولده، و لقد بني في الجنّة ليلة مولده سبعون ألف قصر من ياقوت أحمر، و سبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب، فقيل: هذه قصور الولادة.
و نجّدت الجنان و قيل لها: اهتزّي و تزيّني فإنّ نبيّ أوليائك قد ولد، فضحكت الجنّة يومئذ، فهي ضاحكة إلى يوم القيمة.
و بلغني أنّ حوتا من حيتان البحر يقال له طموسا، و هو سيّد الحيتان، له سبعمائة ألف ذنب يمشي على ظهره سبعمائة ألف ثور، الواحد منهم أكبر من الدنيا، لكلّ ثور سبعمائة ألف قرن من زمرّد أخضر، لا يشعر (1)بهنّ، إضطرب فرحا لمولده و لو لا أنّ اللّه تبارك و تعالى ثبّته لجعل عاليها سافلها.
و لقد بلغني أنّ يومئذ ما بقي جبل إلاّ نادى صاحبه بالبشارة و يقول: لا إله إلاّ اللّه، و لقد خضعت الجبال كلّها لأبي قبيس كرامة لمحمد صلى اللّه عليه
ص:26
و آله و سلم، و لقد قدّست الأشجار أربعين يوما بأنواع أفنانها (1)و ثمارها فرحا بمولده صلى اللّه عليه و آله و سلم، و لقد ضرب بين السماء و الأرض سبعون عمودا من أنواع الأنوار لا يشبه كلّ واحد صاحبه، و لقد بشّر آدم بمولده صلى اللّه عليه و آله و سلم فزيد في حسنه سبعين ضعفا، و قد كان وجد مرارة الموت و كان قد مسّه ذلك فسرّي (2)عنه ذلك، و لقد بلغني أنّ الكوثر اضطرب في الجنّة و اهتز، فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدرّ و الياقوت نثارا لمولد محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم.
و لقد زمّ (3)إبليس و كبّل (4)و ألقي في الحصن أربعين يوما و غرق عرشه أربعين يوما، و لقد تنكسّت الأصنام كلّها و صاحت و ولولت، و لقد سمعوا صوتا من الكعبة: يا آل قريش جاءكم البشير، جاءكم النذير، معه العزّ الأبد، و الربح الأكبر، و هو خاتم الأنبياء.
و نجد في الكتب أنّ عترته خير الناس بعده، و أنّه لا يزال الناس في أمان من العذاب ما دام من عترته في دار الدنيا خلق يمشي.
فقال معاوية: يا أبا اسحاق و من عترته؟ قال كعب: ولد فاطمة، فعبس وجهه، و عضّ على شفتيه، و أخذ يعبث بلحيته، فقال كعب: و إنّا نجد صفة الفرخين المستشهدين و هما فرخا فاطمة، يقتلهما شرّ البريّة، قال:
و من يقتلهما؟ قال: رجل من قريش، فقال معاوية: قوموا إن شئتم، فقمنا (5).
4-محمّد بن يعقوب، عن حميد بن زياد (6)، عن محمّد بن أيّوب (7)، عن
ص:27
محمّد بن زياد (1)، عن أسباط بن سالم (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان حيث طلقت (3)آمنة بنت وهب (4)و أخذها المخاض بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم حضرتها فاطمة (5)بنت أسد امرأة أبي طالب، فلم تزل معها حتى وضعت، فقالت إحديهما للأخرى: هل ترين ما أرى؟ قالت: و ما ترين؟ قالت: هذا النور الّذي قد سطع ما بين المشرق و المغرب، فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب، فقال لهما: ما لكما؟ من أيّ شيء تعجبان؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت، فقال لها أبو طالب: ألا أبشّرك؟ فقالت: بلى، فقال: أما إنّك ستلدين غلاما يكون وصيّ هذا المولود (6).
5-و عنه، عن محمّد بن يحيى (7)، عن سعد بن عبد اللّه (8)، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي (9)، عن عليّ بن المعلّى، عن أخيه محمّد، عن
ص:28
درست بن أبي منصور (1)، عن عليّ بن أبي حمزة (2)، عن أبي بصير (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لمّا ولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم، مكث أيّاما ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل اللّه فيه لبنا، فرضع منه أيّاما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها (4).
ص:29
ص:30
توحيده اللّه تعالى عند ولادته و تيقّظه للايمان باللّه سبحانه و تعالى في
صغره
1-الشيخ أحمد بن عليّ الطبرسي (1)في كتاب «الاحتجاج» قال: روي عن موسى بن جعفر عليهما السلام عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ عليهم السلام، قال: إنّ يهوديّا من يهود الشام و أحبارهم، كان قد قرأ التوراة و الانجيل و الزبور، و صحف الأنبياء عليهم السلام، و قد عرف دلائلهم، جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و فيهم عليّ بن أبي طالب، و ابن عباس، و ابن سعيد الجهني (2).
فقال: يا أمّة محمد ما تركتم لنبيّ درجة و لا لمرسل فضيلة إلاّ نحلتموها نبيّكم، فهل تجيبوني عمّا أسألكم عنه؟ فكاع (3)القوم عنه.
ص:31
فقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: نعم ما أعطى اللّه نبيّا درجة، و لا مرسلا فضيلة، إلاّ و قد جمعها لمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، و زاد محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلم على الأنبياء أضعافا مضاعفة.
و ساق الحديث مما ذكره اليهوديّ ممّا أعطى اللّه سبحانه الأنبياء، و أمير المؤمنين عليه السلام يذكر ما أعطى اللّه تعالى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و زاده عليهم إل أن قال اليهودي:
فإنّ هذا عيسى بن مريم، يزعمون أنّه تكلّم في المهد صبيّا.
قال له عليّ عليه السلام: لقد كان كذلك، و محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم سقط من بطن أمّه، واضعا يده اليسرى على الأرض، و رافعا يده اليمنى إلى السماء يحرّك شفتيه بالتوحيد.
فقال (1)له اليهوديّ: فإنّ هذا إبراهيم قد تيقّظ بالاعتبار على معرفة اللّه تعالى، و أحاطت دلالته بعلم الايمان به.
قال له عليّ عليه السلام: لقد كان كذلك، و أعطي محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم أفضل من ذلك، قد تيقّظ بالاعتبار على معرفة اللّه تعالى و أحاطت دلالته بعلم الايمان به، و تيقّظ إبراهيم و هو ابن خمس عشرة سنة، و محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم كان ابن سبع سنين، قدم تجّار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصّفا و المروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته و نعته، و خبر مبعثه و آياته.
فقالوا له: يا غلام ما اسمك؟ قال: محمّد، قالوا: ما اسم أبيك؟ قال: عبد اللّه، قالوا: ما اسم هذه؟ و أشاروا بأيديهم إلى الأرض، قال:
ص:32
الأرض، قالوا: فما اسم هذه؟ و أشاروا بأيديهم إلى السماء، قال: السماء، قالوا: فمن ربّهما؟ قال: اللّه، ثمّ انتهرهم و قال: أتشكّكوني في اللّه عزّ و جلّ؟ !
ويحك يا يهوديّ لقد تيقّظ بالاعتبار على معرفة اللّه عزّ و جلّ مع كفر قومه، إذ هو بينهم يستقسمون بالأزلام و يعبدون الأوثان، و هو يقول: لا إله إلاّ اللّه.
قال اليهوديّ (1): فهذا يحيى بن زكريّا يقال: إنّه أوتي الحكم صبيّا و الحلم و الفهم، و إنّه كان يبكي من غير ذنب، و كان يواصل الصوم (2).
قال له عليّ عليه السلام: لقد كان كذلك، و محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم أعطي ما هو أفضل من هذا، إنّ يحيى بن زكريّا كان في عصر لا أوثان فيه و لا جاهليّة، و محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم أوتي الحكم و الفهم صبيّا بين عبدة الأوثان و حزب الشيطان، فلم يرغب لهم في صنم قطّ، و لم ينشط لأعيادهم، و لم ير منه كذب قطّ، و كان أمينا صدوقا حليما، و كان يواصل صوم الأسبوع و الأقلّ و الأكثر، فيقال له في ذلك، فيقول: إنّي لست كأحدكم، إنّي أظلّ عند ربّي فيطعمني و يسقيني، و كان يبكي حتى يبتلّ مصلاّه خشية من اللّه عزّ و جلّ من غير جرم (3).
2-و ذكر ابن أبي الحديد (4): أنّه روي أنّ بعض أصحاب أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر سأله عن قول اللّه عزّ و جلّ: إِلاّ مَنِ اِرْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (5)فقال عليه السلام: يوكّل اللّه بأنبيائه ملائكة يحصون أعمالهم، و يؤدّون إليه تبليغهم الرسالة، و وكّل
ص:33
بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات و مكارم الأخلاق، و يصدّه عن الشرّ و مساوي الأخلاق، و هو الّذي كان يناديه: السّلام عليك يا محمّد يا رسول اللّه، و هو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد، فيظنّ أنّ ذلك من الحجر و الأرض، فيتأمّل فلا يرى شيئا (1).
3-و روى محمّد بن علي بن شهر اشوب (2)في كتاب «الفضائل» قال:
روى الشعبي (3)، و داود بن عامر (4): أنّ اللّه تعالى قرن جبرائيل بنبوّة محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم ثلاث سنين، يسمع حسّه و لا يرى شخصه، و يعلّمه الشيء بعد الشيء، و لا ينزل عليه القرآن، فكان في هذه المدّة مبشّرا بالنبوّة (5)غير مبعوث إلى الأمّة (6).
4-قال الشيخ المتكلم الفاضل أبو عليّ محمّد بن أحمد بن الفتّال (7)النيسابوري المعروف بابن الفارسي رضي اللّه عنه في «روضة الواعظين» : اعلم أنّ الطائفة قد اجتمعت على أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان رسولا نبيّا مستخفيا، يصوم و يصلّي على خلاف ما كانت قريش تفعله منذ كلّفه اللّه (8).
ص:34
في معرفة أهل الكتاب له في وقت ولادته
انه صلى اللّه عليه و آله و سلم النبي المبعوث خاتم النبيّين
1-محمّد بن عليّ بن بابويه، باسناده عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، رفعه باسناده قال: لمّا بلغ عبد اللّه بن عبد المطّلب (1)زوّجه عبد المطلب (2)آمنة بنت وهب الزهري، فلمّا تزوّج بها حملت برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم.
فروي عنها أنّها قالت: لمّا حملت به لم أشعر بالحمل، و لم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، و رأيت في نومي كان آتيا أتاني فقال لي: قد حملت بخير الأنام، فلمّا كان وقت الولادة خفّ عليّ ذلك حتى وضعته، و هو يتّقي الأرض بيديه و ركبتيه، و سمعت قائلا يقول: وضعت خير البشر فعوّذيه بالواحد الصمد، من شرّ كل باغ و حاسد.
فولد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عام الفيل لاثنتي عشرة مضت من شهر ربيع الأوّل يوم الاثنين.
فقالت آمنة: لمّا سقط إلى الأرض إتّقى الأرض بيديه و ركبتيه، و رفع يده
ص:35
إلى السماء، و خرج منّي نور أضاء ما بين السماء إلى الأرض، و رميت الشياطين بالنجوم و حجبوا عن السماء، و رأت قريش الشهب و النجوم تسير في السماء، ففزعوا لذلك و قالوا: هذا قيام الساعة، و اجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة (1)فأخبروه بذلك، و كان شيخا كبيرا مجرّبا، فقال: أنظروا إلى هذه النجوم الّذي يهتدى (2)بها في البرّ و البحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة، و إن كانت ثابتة فهو لأمر قد حدث.
و أبصرت الشياطين ذلك، فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه بأنّهم قد منعوا من السماء و رموا بالشهب، فقال: اطلبوا، فإنّ أمرا قد حدث، فجالوا في الدنيا و رجعوا و قالوا: لم نر شيئا.
فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق و المغرب، فلمّا انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفا بالملائكة، فلمّا أراد أن يدخل صاح به جبرئيل عليه السلام فقال له: إخسأ يا ملعون، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصرّ (3)قال: يا جبرئيل ما هذا؟ قال: هذا نبيّ قد ولد و هو خير الأنبياء، فقال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمّته؟ قال: بلى، قال: قد رضيت.
قال: و كان بمكّة يهوديّ، يقال له: يوسف، فلمّا رأى النجوم يقذف بها و تتحرّك، قال: هذا نبيّ قد ولد في هذه الليلة، و هو الذي نجده في كتبنا أنّه إذا ولد، و هو آخر الأنبياء، رجمت الشياطين، و حجبوا عن السماء، فلمّا أصبح
ص:36
جاء إلى نادي (1)قريش فقال: يا معشر قريش هل ولد فيكم اللّيلة مولود؟ قالوا: لا، قال: أخطأتم و التوراة (2): ولد إذا بفلسطين و هو آخر الأنبياء و أفضلهم، فتفرّق القوم، فلمّا رجعوا إلى منازلهم أخبر كلّ واحد منهم أهله بما قال اليهوديّ، فقالوا: لقد ولد لعبد اللّه بن عبد المطّلب ابن في هذه اللّيلة:
فأخبروا لذلك يوسف اليهوديّ.
فقال لهم: قبل أن أسألكم أو بعده؟ فقالوا: قبل ذلك، قال:
فأعرضوه عليّ فمشوا إلى باب بيت آمنة، فقالوا: أخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهوديّ، فأخرجته في قماطه، فنظر في عينيه و كشف عن كتفيه، فرأى شامة سوداء بين كتفيه، و عليها شعرات، فلمّا نظر إليه وقع على الأرض مغشيّا عليه، فتعجّب منه قريش و ضحكوا عليه، فقال: أتضحكون يا معشر قريش هذا نبيّ السيف ليبترنكم (3)و قد ذهبت النبوّة من بني إسرائيل إلى آخر الأبد، و تفرّق الناس و يتحدّثون بخبر اليهوديّ.
و نشأ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في اليوم كما ينشؤ غيره في الجمعة (4)، و ينشؤ في الجمعة كما ينشؤ غيره في الشهر (5).
2-محمّد بن يعقوب، بإسناده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لمّا ولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم جاء رجل من أهل الكتاب إلى ملأ من قريش، فيهم هشام بن المغيرة (6)، و الوليد بن المغيرة، و العاص بن
ص:37
هشام (1)، و أبو وحرة (2)بن أبي عمرو بن أميّة و عتبة بن ربيعة (3)فقال: أولد فيكم مولود اللّيلة؟ قالوا: لا، قال: فولد إذن بفلسطين (4)غلام اسمه أحمد، به شامة (5)كلون الخزّ الأدكن (6)و يكون هلاك أهل الكتاب و اليهود على يديه، قد أخطأتم (7)و اللّه يا معشر قريش.
فتفرّقوا و سألوا، فأخبروا أنّه قد ولد لعبد اللّه بن عبد المطلّب غلام، فطلبوا الرجل فلقوه، فقالوا: إنّه قد ولد فينا و اللّه غلام، قال: قبل أن أقول لكم أو بعد ما قلت لكم؟ قالوا: قبل أن تقول لنا، قال: فانطلقوا بنا إليه حتى ننظر إليه، فانطلقوا حتى أتوا أمّه، فقالوا: اخرجي ابنك حتى ننظر إليه، فقالت: إنّ ابني و اللّه لقد سقط و ما سقط كما يسقط الصبيان، لقد إتّقى
ص:38
الأرض بيديه و رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثمّ خرج منه نور حتى نظرت إلى قصور بصرى (1).
فسمعت هاتفا في الجوّ يقول: لقد ولدتيه سيّد الأمّة فإذا وضعتيه فقولي:
أعيذه بالواحد من شرّ كلّ حاسد و سمّيه محمّدا.
قال الرجل: فأخرجيه لنا، فأخرجته فنظر إليه، ثمّ قلّبه و نظر إلى الشامّة بين كتفيه، فخرّ مغشيّا عليه، فأخذوا الغلام فأدخلوه إلى أمّه، و قالوا: بارك اللّه لك فيه، فلمّا خرجوا أفاق، فقالوا له: مالك ويلك؟ قال: ذهبت نبوّة بني إسرائيل إلى يوم القيمة، هذا و اللّه يبيرهم، ففرحت قريش بذلك، فلمّا رآهم قد فرحوا قال: أفرحتم؟ ! أما و اللّه ليسطونّ بكم سطوة (2)يتحدّث بها أهل المشرق و المغرب، و كان أبو سفيان (3)يقول: يسطو بمصره (4)(5)
ص:39
ص:40
في معرفة أهل الكتاب له بالنعت له في كتبهم و ما ظهر لهم من دلائل النبوة
1-محمّد بن علي بن بابويه، باسناده عن ابن عباس (1)، عن أبيه العباس بن عبد المطّلب (2)، عن أبي طالب (3)، قال: خرجت إلى الشام تاجرا سنة ثمان من مولده النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم، و كان في أشدّ ما يكون من الحرّ، فلمّا أجمعت (4)على السير، قال لي رجال من قومي: ما تريد أن تفعل بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم و على من تخلّفه؟ فقلت: لا أريد أن أخلّفه
ص:41
على أحد من الناس، أريد أن يكون معي، فقيل لي: غلام صغير في حرّ مثل هذا تخرجه معك؟ فقلت: و اللّه لا يفارقني حيث ما توجّهت أبدا فإنّي لأوطيء له الرحل، فذهبت فحشوت له حشية (1)كساء (2)و كتانا.
و كنّا ركبانا (3)كثيرا، فكان و اللّه البعير الذي عليه محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم أمامي لا يفارقني فكان يسبق الركب كلّهم، فكان إذا اشتد الحرّ جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلّم عليه، فتقف على رأسه و لا تفارقه، و كانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه و هي تسير معنا، و ضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنّا لا نصيب قربة (4)إلاّ بدينارين، و كنّا حيث ما نزلنا تمتلىء الحياض، و يكثر الماء، و تخضرّ الأرض.
فكنّا في كلّ خصب و طيب من الخير، و كان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فمسّح يده عليها فسارت، فلمّا قربنا من بصرى الشام، إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابّة السريعة حتى قربت منّا و وقفت، و إذا فيها راهب، و كانت السحابة لا تفارق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ساعة واحدة، و كان الرّاهب لا يكلّم الناس و لا يدري ما الركب (5)و ما فيه من التجارة.
فلمّا نظر إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم عرفه، فسمعته يقول له: إن كان أحد فأنت أنت، قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الرّاهب، قليلة الأغصان ليس لها حمل، و كانت الركبان تنزل تحتها، فلمّا نزلها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم اهتزّت الشجرة و ألقت أغصانها على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و حملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة: فاكهتان للصيف، و فاكهة
ص:42
للشتاء، فتعجّب جميع من معنا من ذلك، فلمّا رأى بحيرا الراهب ذلك ذهب، فاتّخذ لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم طعاما بقدر ما يكفيه.
ثمّ جاء و قال: من يتولّى أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، فقال: أيّ شيء تكون منه؟ عليه السلام فقلت: أنا عمّه، فقال: يا هذا إنّ له أعماما، أيّ الأعمام أنت؟ فقلت أنا أخو أبيه من أمّ واحدة، فقال: إنّه هو، و إلاّ فلست بحيراء (1).
ثمّ قال لي: يا هذا أتأذن لي أن أقرّب هذا الطعام منه ليأكله؟ فقلت:
قرّبه إليه، و التفتّ إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فقلت: يا بنيّ رجل أحبّ أن يكرمك فكل، فقال: هو لي دون أصحابي؟ فقال بحيرا: نعم هو لك خاصّة، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم: فإنّي لا آكل دون هؤلاء، فقال بحيرا: إنّه لم يكن عندي أكثر من هذا، فقال: أفتأذن يا بحيرا أن يأكلوا معي؟ فقال: بلى فقال: كلوا بسم اللّه، فأكل و أكلنا معه، فو اللّه لقد كنّا مائة و سبعين رجلا و أكل كلّ واحد منّا حتى شبع و تجشّئ، قال: و بحيرا قائم على رأس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يذبّ عنه و يتعجّب من كثرة الرجال و قلّة الطعام، و في كلّ ساعة يقبّل رأسه و يافوخه (2)، و يقول: هو هو و ربّ المسيح، و الناس لا يفقهون، فقال له رجل من الركبان: إنّ لك لشأنا و قد كنّا نمرّ بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر؟ فقال بحيرا: و اللّه إنّ لي لشأنا و شأنا و إنّي لأرى ما لا ترون، و أعلم ما لا تعلمون، و إنّ تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردّوه إلى وطنه و اللّه ما أكرمتكم إلاّ له.
و لقد رأيت له و قد أقبل نورا أمامه ما بين السماء و الأرض، و لقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت و الزبرجد يروّحونه، و آخرون ينثرون عليه
ص:43
أنواع الفواكه، ثمّ هذه السحابة لا تفارقه، ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابّة على رجلها.
ثمّ هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان و لقد كثرت أغصانها و اهتزّت و حملت ثلاثة أنواع من الفواكه: فاكهتان للصيف، و فاكهة للشتاء.
ثمّ هذه الحياض قد غارت و ذهب ماؤها أيّام تمرّج (1)بني إسرائيل بعد الحواريّين حين وردوا عليهم، فوجدنا في كتاب شمعون الصفا: أنّه دعا عليهم فغارت و ذهب ماؤها.
ثمّ قال: متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنّه لأجل نبيّ يخرج في أرض تهامة مهاجرا إلى المدينة، اسمه في قومه محمّد (2)الأمين و في السماء أحمد صلى اللّه عليه و آله و سلم، و هو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه، فو اللّه إنّه لهو.
ثمّ قال بحيرا: يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحقّ اللاّت و العزّى إلاّ اخبرتنيها فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عند ذكر اللاّت و العزّى، و قال: لا تسألني بهما فو اللّه ما أبغضت شيئا كبغضهما، و إنّما هما صنمان من حجارة لقومي.
فقال بحيراء: هذه و اللّه واحدد، ثمّ قال: فباللّه إلاّ ما أخبرتني، فقال:
سل عمّا بدا لك، فإنّك قد سألتني بإلهي، و إلهك الذي ليس كمثله شيء.
فقال: أسألك عن نومك و هيأتك و أمورك و يقظتك، فأخبره عن نومه و هيأته و أموره و يقظته و جميع شأنه، فوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته الّتي عنده، فانكبّ عليه بحيرا فقبّل رجليه و قال: يا بنيّ ما أطيبك و أطيب ريحك؟ ! يا أكثر النبيّين أتباعا، يا من بهاء نور الدنيا من نوره، يا من بذكره
ص:44
تعمر المساجد، كأنّي بك قد قدت (1)الأجناد و الخيل الجياد، و قد تبعك العرب و العجم طوعا و كرها، و كأنّي باللاّت و العزّى و قد كسرتهما، و قد صار البيت العتيق لا يملكه أحد غيرك، تضع مفاتيحه حيث تريد، كم من بطل من قريش و العرب تصرعه! معك مفاتيح الجنان و النيران، معك الذبح الأكبر و هلاك الأصنام، أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلّها في دينك صاغرة قمئة (2)، فلم يزل يقبّل يديه مرّة و رجليه مرّة و يقول: لإن أدركت زمانك لأضربنّ بين يديك بالسيف ضرب الزند (3)بالزند، أنت سيّد ولد آدم، و سيّد المرسلين، و إمام المتّقين، و خاتم النبيّين، و اللّه لقد ضحكت الأرض يوم ولدت، فهي ضاحكة إلى يوم القيمة فرحا بك، و اللّه لقد بكت البيع و الأصنام و الشياطين، فهي باكية إلى يوم القيمة، أنت دعوة إبراهيم و بشرى عيسى، أنت المقدّس المطهّر من أنجاس الجاهليّة.
ثمّ التفت إلى أبي طالب فقال: ما يكون (4)هذا الغلام منك فإنّي أراك لا تفارقه؟ فقال أبو طالب: هو ابني، فقال: ما هو بابنك، و ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الّذي ولده حيّا و لا أمّه، فقال: إنّه ابن أخي، و قد مات أبوه و أمّه حاملة به، و ماتت أمّه و هو ابن ستّ سنين فقال: صدقت هكذا هو، و لكن أرى لك أن تردّه إلى بلده عن هذا الوجه، فإنّه ما بقي على ظهر الأرض يهوديّ و لا نصرانيّ و لا صاحب كتاب إلاّ و قد علم بولادة هذا الغلام و لئن رأوه و عرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغنّه شرّا و أكثر ذلك هؤلاء اليهود.
فقال أبو طالب: و لم ذلك؟ قال: لأنّه كاين لابن أخيك هذا النبوّة و الرسالة، و يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى و عيسى، فقال أبو
ص:45
طالب: كلاّ إن شاء اللّه لم يكن اللّه ليضيّعه.
ثمّ خرجنا به إلى الشام، فلمّا قربنا من الشام رأيت و اللّه قصور الشامات كلّها قد اهتزّت، و علا منها نور أعظم من نور الشمس، فلمّا توسطنا الشام، ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحم الناس و ينظرون إلى وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و ذهب الخبر في جميع الشامات، حتى ما بقي فيها حبر و لا راهب إلاّ اجتمع عليه.
فجاء حبر عظيم، كان اسمه نسطور، فجلس حذاه ينظر إليه و لا يكلّمه بشيء حتى فعل ذلك ثلثة أيّام متوالية، فلمّا كانت اللّيلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنّه يلتمس منه شيئا، فقلت له: يا راهب كأنّك تريد منه شيئا؟ فقال أجل إنّي أريد منه شيئا، ما اسمه عليه السلام؟ قلت: محمّد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فتغيّر و اللّه لونه، ثمّ قال: فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه؟ فكشف عن ظهره، فلمّا رأى الخاتم انكبّ عليه يقبّله و يبكي.
ثمّ قال: يا هذا اسرع بردّ هذا الغلام إلى موضعه الّذي ولد فيه، فإنّك لو تدري كم عدوّ له في أرضنا لم تكن بالّذي تقدّمه معك، فلم يزل يتعاهده في كلّ يوم و يحمل إليه الطعام، فلمّا خرجنا منها أتاه بقميص من عنده، فقال له:
ترى أن تلبس هذا القميص لتذكرني (1)به؟ فلم يقبله و رأيته كارها لذلك، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتمّ و قلت: أنا ألبسه، و عجّلت به حتى رددته إلى مكّة، فو اللّه ما بقي بمكّة يومئذ امرأة، و لا كهل و لا شابّ، و لا صغير، و لا كبير إلاّ استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبا جهل (2)لعنه اللّه فإنّه كان فاتكا (3)
ص:46
ماجنا (1)قد ثمل (2)من السكر (3)
2-و في حديث آخر: لما فارقه بحيرا بكى بكاء شديدا، و أخذ يقول:
يا ابن آمنة كأنّي بك و قد رمتك العرب بوترها، و قد قطعك الأقارب، و لو علموا لكنت عندهم بمنزلة الأولاد.
ثمّ التفت إليّ و قال: أمّا أنت يا عمّ فارع فيه قرابتك الموصولة، احفظ فيه وصيّة أبيك، فإنّ قريشا ستهجرك فيه فلا تبال فإنّي أعلم أنّك لا تؤمن به ظاهرا، و ستؤمن به باطنا، و لكن سيؤمن به ولد تلده، و سينصره نصرا عزيزا، اسمه في السماوات البطل (4)الهاصر (5)، و الشجاع الأنزع (6)، منه الفرخان المستشهدان و هو سيّد العرب و العجم، و رئيسها و ذو قرنيها، و هو في الكتب أعرف من أصحاب عيسى عليه السلام.
فقال أبو طالب: فقد رأيت و اللّه الذي وصفه بحيرا و أكثر (7).
3-و عنه باسناده عن ابن أبي عمير (8)، عن أبان بن عثمان (9)، يرفعه قال: لمّا بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أراد أبو طالب أن يخرج إلى الشام في عير (10)قريش، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و تشبّث بالزمام و قال يا عمّ على من تخلّفني؟ لا على أمّ و لا على أب، و قد كانت أمّه توفّيت، فرقّ له أبو طالب و رحمه و أخرجه معه، و كانوا إذا ساروا تسير على رأس
ص:47
رسول اللّه غمامة تظلّه من الشمس، فمرّوا في طريقهم برجل يقال له: بحيرا، فلمّا رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته، و اتّخذ لقريش طعاما، و بعث إليهم يسألهم أن يأتوه، و قد كانوا نزلوا تحت شجرة، فبعث إليهم يدعوهم إلى طعامه، فقالوا له: يا بحيرا و اللّه ما كنّا نعهد هذا منك، قال: قد أحببت أن تأتوني، فأتوه و خلّفوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في الرحل (1)، فنظر بحيرا إلى الغمامة قائمة، فقال لهم: هل بقي منكم أحد لم يأتني؟ فقالوا: ما بقي منّا إلاّ غلام حدث خلّفناه في الرحل، فقال: لا ينبغي أن يتأخّر عن طعامي أحد منكم، فبعثوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فلمّا أقبل أقبلت الغمامة، فلمّا نظر إليها بحيرا قال: من هذا الغلام؟ قالوا: ابن هذا، و أشاروا إلى أبي طالب، فقال له: بحيرا هذا ابنك؟ فقال أبو طالب: هذا ابن أخي، قال ما فعل أبوه؟ قال: توفّي و هو حمل، فقال بحيرا لأبي طالب: ردّ هذا الغلام إلى بلاده، فإنّه إن علمت اليهود ما أعلم منه قتلوه، فإنّ لهذا شأنا من الشأن، هذا نبيّ هذه الأمّة، هذا نبيّ السيف (2).
4-محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري (3)في «قرب الاسناد» (4)عن
ص:48
أبيه، عن الحسن بن ظريف (1)، عن معمّر (2)عن الرّضا، عن أبيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام ذات يوم و أنا طفل خماسي، إذ دخل عليه نفر من اليهود، فقالوا: أنت ابن محمّد نبيّ هذه الأمّة، و الحجّة على أهل الأرض؟ قال لهم: نعم.
قال: إنّا نجد في التوراة أنّ اللّه تبارك و تعالى آتى إبراهيم و ولده الكتاب و الحكمة و النبوّة، و جعل لهم الملك و الامامة، و هكذا وجدنا ورثة الأنبياء لا تتعدّاهم النبوّة و الخلافة، فما بالكم قد تعدّاكم ذلك و ثبت في غيركم، و نلقاكم مستضعفين لا ترقب فيكم ذمّة نبيّكم (3)؟
فدمعت عينا أبي عبد اللّه عليه السلام ثمّ قال: نعم لم تزل أنبياء اللّه مضطهدة (4)مقهورة مقتولة بغير حقّ، و الظلمة غالبة، و قليل من عبادي الشكور.
قالوا: فإنّ الأنبياء و أولادهم علموا من غير تعليم، و أوتوا العلم تلقينا، و كذلك ينبغي لأئمّتهم و خلفائهم و أوصيائهم، فهل أوتيتم ذلك؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ادنه يا موسى فدنوت فمسح يده على صدري ثم قال:
اللهم أيّده بنصرك بحق محمّد و آله.
ثمّ قال: سلوه عمّا بدا لكم، قالوا: كيف نسأل طفلا لا يفقه، قلت:
سلوني تفقها و دعوا العنت (5)، قالوا: أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسى بن عمران، قلت: العصا، و إخراجه يده من جيبه بيضاء، و الجراد،
ص:49
و القمّل، و الضفادع، و الدم، و رفع الطور، و المنّ و السلوى آية واحدة، و فلق البحر.
قالوا: صدقت فما أعطي نبيّكم من الآيات التي نفت الشك عمّن أرسل إليه: قلت: آيات كثيرة أعدّها إنشاء اللّه فاسمعوا وعوا و افقهوا.
و ذكر آيات كثيرة في الحديث مذكورة، إلى أن قال موسى بن جعفر عليه السلام في الآيات:
و من ذلك أنّه توجّه إلى الشام قبل مبعثه مع نفر من قريش، فلمّا كان بحيال بحيرا الراهب نزلوا بفناء ديره، و كان عالما بالكتب، و قد كان قرأ في التوراة مرور النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم به، و عرف أوان ذلك، فأمر فدعى إلى طعامه، فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها، فقال: هل بقي في رجالكم أحد؟ فقالوا: غلام يتيم، فقام بحيرا فاطلع، فإذا هو برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم نائم، و قد أظلّته سحابة، فقال للقوم: ادعوا هذا اليتيم، ففعلوا و بحيرا مشرف عليه، و هو يسير و السحابة قد أظلّته، فأخبر القوم بشأنه و أنّه سيبعث فيهم رسولا و ما يكون من حاله و أمره، فكان القوم بعد ذلك يهابونه و يبجّلونه فلمّا قدموا أخبروا قريشا بذلك، و كان معهم عبد خديجة بنت خويلد، فرغبت في تزويجه و هي سيّدة نساء قريش، و قد خطبها كلّ صنديد (1)و رئيس قد أبتهم، فزوّجته نفسها للذي بلغها من خبر بحيراء (2)
5-و في تفسير الامام العسكري الحسن بن عليّ (3)عليهما السلام، عن أبيه عليه السلام في حديث طويل، قال عليه السلام: أمّا الغمامة فإنّ رسول اللّه
ص:50
صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يسافر إلى الشام مضاربا لخديجة بنت خويلد، و كان من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر، و كانوا في حمارّة القيظ يصيبهم حرّ تلك البوادي، و ربّما عصفت عليهم فيها الرياح، و سفت عليهم الرمال و التراب، و كان اللّه تعالى في تلك الأحوال يبعث لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم غمامة تظلّه فوق رأسه، تقف لوقوفه و تزول لزواله، إن تقدّم تقدّمت، و إن تأخّر تأخّرت، و إن تيامن تيامنت، و إن تياسر تياسرت.
فكانت تكفّ عنه حرّ الشمس من فوقه، و كانت تلك الرياح المثيرة لتلك الرمال و التراب تسفيها في وجوه قريش و وجوه رواحلها، حتى إذا دنت من محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم هدأت و سكنت، و لم تحمل شيئا من رمل و لا تراب، و هبّت عليه ريح باردة لينة، حتى كانت قوافل قريش يقول قائلها: جوار محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم أفضل من جوار خيمة، فكانوا يلوذون به، و يتقرّبون إليه، فكان الروح يصيبهم بقربه، و إن كانت الغمامة مقصورة عليه.
و كان إذا اختلط بتلك القوافل غرباء فإذا الغمامة تسير في موضع بعيد منهم، قالوا: إلى من قرنت هذه الغمامة فقد شرّف و كرّم، فتخاطبهم أهل القافلة أنظروا إلى الغمامة تجدوا عليها اسم صاحبها، و اسم صاحبه و صفيّه و شقيقه، فينظرون فيجدون مكتوبا عليها: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، أيّدته بعليّ سيد الوصيين، و شرّفته بأصحابه الموالين، و لعلّي و أوليائهما و المعادين لأعدائهما، فيقرأ ذلك و يفهمه من يحسن أن يقرأ و يكتب، و من لا يحسن ذلك (1).
ص:51
6-الطبرسي في «الاحتجاج» في حديث طويل عن الامام موسى بن جعفر، عن أبيه عن آبائه، عن الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال له اليهوديّ: إنّ موسى عليه السلام قد ظلّل بالغمام، قال له عليّ عليه السلام: لقد كان كذلك، و قد فعل لموسى عليه السلام في التيه، و أعطي محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم أفضل من هذا، إنّ الغمامة تظّله من يوم ولد إلى يوم قبض في حضره و أسفاره فهذا أفضل ممّا أعطي موسى عليه السلام (1).
7-محمد بن عليّ بن بابويه، باسناده، عن يعلي النسابة، قال: خرج خالد بن أسيد بن أبي العيص (2)و طليق بن سفيان بن أميّة (3)، تجّارا إلى الشّام سنة خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فيها، فكانا معه و كانا يحكيان:
أنّهما رأيا في مسيره و ركوبه ممّا يصنع الوحش و الطير، فلمّا توسّطنا سوق بصرى، إذا نحن بقوم من الرّهبان قد جاؤوا متغيّري الألوان، كأنّ على وجوههم الزعفران، ترى منهم الرعدة، فقالوا: نحبّ أن تأتوا كبيرنا فإنّه ههنا قريب في الكنيسة العظمى، فقلنا: ما لنا و لكم؟ فقالوا: ليس يضرّكم من هذا شيء، و لعلّنا نكرمكم، و ظنّوا أنّ واحدا منّا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البنيان، فإذا كبيرهم قد توسّطهم و حوله تلامذته، و قد نشر كتابا في يديه، فأخذ ينظر إلينا مرّة و في الكتاب مرّة، فقال لأصحابه: ما صنعتم شيئا، لم تأتوني بالذي أريد، و هو الآن هيهنا.
ثمّ قال لنا: من أنتم؟ فقلنا: رهط من قريش، فقال: من أيّ قريش؟ فقلنا: من بني عبد شمس، فقال لنا: معكم غيركم؟ فقلنا: بلى معنا شابّ من بني هاشم نسمّيه يتيم بني عبد المطلب، فو اللّه لقد نخر (4)نخرة
ص:52
كاد أن يغشى عليه، ثمّ وثب فقال: أوّه أوّه هلكت النصرانيّة و المسيح، ثمّ قام و اتّكى على صليب من صلبانه و هو مفكّر، و حوله ثمانون رجلا من البطارقة و التلامذة، فقال لنا: فيخفّ عليكم أن ترونيه؟ فقلنا له: نعم، فجاء معنا فإذا نحن بمحمد صلى اللّه عليه و آله و سلم قائم في سوق بصرى، و اللّه لكأنّا لم نر وجهه إلاّ يومئذ، كأنّ هلالا يتلألأ من وجهه، قد ربح الكثير و اشترى الكثير، فأردنا أن نقول للقسّيس هو هذا فإذا هو سبقنا فقال: هو هو، قد عرفته و المسيح، فدنا منه، و قبّل رأسه، و قال له: أنت المقدّس.
ثمّ أخذ يسأله عن أشياء من علاماته، فأخذ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يخبره، فسمعناه يقول: لأن أدركت زمانك لأعطينّ السيف حقه، ثمّ قال لنا: أتعلمون ما معه؟ معه الحياة و الموت، من تعلق به حي طويلا، و من زاغ عنه مات موتا لا يحيى بعده أبدا. هو الذي معه الذبح الأعظم به (1)ثم قبّل وجهه و رجع راجعا (2).
8-و عنه باسناده، عن بكر بن عبد اللّه الأشجعي، عن آبائه، قالوا:
خرج سنة خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى الشام، عبد مناة بن كنانة (3)، و نوفل بن معوية بن عروة بن صخر بن نفاثة بن عدي (4)تجّارا إلى الشام، فلقيهما أبو المويهب الراهب، فقال لهما: من أنتما؟ قالا: نحن تجّار من أهل الحرم من قريش، فقال لهما: من أيّ قريش؟ فأخبراه، فقال لهما:
هل قدم معكما من قريش غيركما؟ قالا: نعم شابّ من بني هاشم اسمه محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقال أبو المويهب: إيّاه و اللّه أردت، فقالا: و اللّه ما في قريش أخمل ذكرا منه، إنّما يسمّونه يتيم قريش، و هو أجير لامرأة منّا يقال لها خديجة فما حاجتك إليه؟ فأخذ يحرّك رأسه و يقول: هو هو فقال لهما-: تدلاّني
ص:53
عليه؟ فقالا: تركناه في سوق بصرى بينما هو في الكلام! إذ طلع عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: هو هو، فخلي به ساعة يناجيه.
و يكلمه، ثمّ أخذ يقبّل بين عينيه، و أخرج شيئا من كمّه لا ندري ما هو؟ و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يأبى أن يقبله، فلمّا فارقه، قال لنا:
تسمعان مني؟ هذا و اللّه نبيّ آخر الزمان، و اللّه سيخرج إلى قريب فيدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، فإذا رأيتم ذلك فاتّبعوه.
ثمّ قال: و هل ولد لعمّه أبي طالب ولد يقال له عليّ فقلنا: لا، قال:
إمّا أن يكون قد ولد، أو سيولد في سنته، هو أوّل من يؤمن به، نعرفه، و إنّا لنجد صفته عندنا بالوصيّة، كما نجد صفة محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم:
بالنبوّة، و إنّه سيّد العرب و ربّانيها (1)و ذو قرنيها (2)، يعطي السيف حقّا، اسمه في الملاء الأعلى عليّ، و هو أعلى الخلايق يوم القيمة بعد الأنبياء ذكرا، و تسمّيه الملائكة البطل الأزهر المفلج، لا يتوجّه إلى وجه إلاّ أفلج و ظفر، و اللّه هو أعرف بين أصحابه في السموات من الشمس الطالعة (3).
9-و عنه باسناده، عن محمّد بن أبي عمير، و أحمد بن أبي نصر جميعا، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب (4)، عن عكرمة (5)، عن ابن
ص:54
عباس، قال: لمّا دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بكعب بن أسد (1)ليضرب عنقه فأخرج، و ذلك في غزوة بني قريظة، نظر إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال له: يا كعب أما نفعك وصيّة بن الحوّاش، الحبر الذي أقبل من الشام، فقال: تركت الخمر و الخمير و جئت إلى البؤس و التمور، لنبيّ يبعث، هذا أوان خروجه، يكون مخرجه بمكة، و هذه دار هجرته، و هو الضحوك القتال، يجتزي بالكسرة و التميرات، و يركب الحمار العاري، في عينيه حمرة، و بين كتفيه خاتم النبوّة، يضع السيف على عاتقه، لا يبالي بمن لاقى، يبلغ سلطانه منقطع الخفّ و الحافر؟
قال كعب: قد كان ذلك يا محمّد، لو لا أنّ اليهود تعيّرني أنّي خشيت (2)عند القتل لآمنت بك و صدّقتك، و لكنّي على دين اليهوديّة، عليه أحيا و عليه أموت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: قدّموه و اضربوا عنقه، فقدّم و ضربت عنقه (3).
قلت: قد ذكرت قصّة كعب بن أسد بزيادة عند ذكر قصّة الخندق و قصّة بني قريظة في كتاب معاجز النبيّ صلى اللّه عليه و آله.
10-و عنه باسناده، عن محمّد بن إسحاق بن يسار المدني (4)، قال: كان زيد بن عمرو بن نفيل (5)أجمع على الخروج من مكّة، يضرب في الأرض و يطلب الحنفية دين إبراهيم عليه السلام، و كانت امرأته صفيّة بنت الحضرمي كلما أبصرته قد نهض إلى الخروج و أراده آذنت به الخطّاب بن نفيل.
ص:55
فخرج زيد إلى الشام يلتمس و يطلب في أهل الكتاب الأوّل دين إبراهيم عليه السلام، و يسأل عنه، فلم يزل في ذلك فيما يزعمون حتى أتى الموصل و الجزيرة كلّها، ثمّ أقبل حتى أتى الشام فجال فيها حتى أتى راهبا من أهل البلقاء (1)فتبعه، كان ينتهي إليه علم النصرانيّة فيما يزعمون، فسأله عن الحنفية دين إبراهيم عليه السلام، فقال له الراهب: إنّك تسأل عن دين ما أنت بواجد له الآن، من يحملك عليه اليوم، لقد درس علمه، و ذهب من كان يعرفه و لكنّه قد أظلّك خروج نبيّ يبعث بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم الحنيفيّة، فعليك ببلادك فإنّه مبعوث الآن، هذا زمانه، و لقد كان شام (2)اليهوديّة و النصرانيّة فلم يرض شيئا منهما، فخرج سريعا حين قال له الراهب ما قال يريد مكة، حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه.
فقال ورقة بن نوفل (3)، و قد كان إتّبع مثل أثر زيد، و لم يفعل في ذلك مثل ما فعل، فبكاه ورقة و قال فيه شعرا:
رشدت و أنعمت ابن عمرو و إنّما تجنّبت تنّورا من النار حاميا
بدينك ربّا ليس ربّا كمثله و تركك أوثان الطواغي كما هيا
و قد تدرك الانسان رحمة ربّه و إن كان تحت الأرض ستّين (4)واديا (5)
11-و روي أنّ عمر بن الخطاب (6)، و سعيد بن زيد (7)قالا: يا
ص:56
رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أنستغفر لزيد؟ قال: نعم، فاستغفروا له، فإنّه يبعث أمّة واحدة (1).
12-و روي عن نفيل بن هشام، عن أبيه، عن جدّه سعيد بن زيد، سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عن أبيه زيد بن عمرو فقال: يا رسول اللّه إنّ أبي زيد بن عمرو كان كما رأيت و كما بلغك، فلو أدركك (2)كان آمن بك، فاستغفر له؟ قال: نعم فاستغفر له، و قال: إنّه يجيء يوم القيمة أمّة واحدة، و كان فيما ذكروا أنّه يطلب الدين فمات و هو في طلبه (3).
ص:57
ص:58
في دفاع اللّه سبحانه و تعالى عنه الكفّار من أهل الكتاب
قبل البعثة لمّا علموا بنعته صلى اللّه عليه و آله و سلم
1-الامام أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكري في تفسيره، عن أبيه عليّ بن محمد الهادي عليهما السلام، في حديث طويل قال: و أمّا دفاع اللّه القاصدين لمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى قتله، و إهلاكه إيّاهم كرامة لنبيّه، و تصديقه إيّاه فيه، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان و هو ابن سبع سنين بمكة، قد نشأ في الخير نشوءا لا نظير له في ساير صبيان قريش، حتى ورد مكّة قوم من يهود الشام فنظروا إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم و شاهدوا نعته و صفته.
فأسرّ بعضهم إلى بعض: هذا و اللّه محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم الخارج في آخر الزمان المدال (1)على اليهود و ساير أهل الأديان، يزيل اللّه به دولة اليهود، و يذلّهم، و يقمعهم (2)، و قد كانوا وجدوه في كتبهم النبيّ الأمّي الفاضل الصادق، فحملهم الحسد على أن كتموا ذلك، و تفاوضوا (3)في أنّه ملك يزال.
ص:59
ثمّ قال بعضهم لبعض: تعالوا نحتال (1)فنقتله، فإنّ اللّه يمحو ما يشاء و يثبت لعلّنا نصادفه ممّن يمحو، فهمّوا بذلك، ثمّ قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى نمتحنه و نجرّبه بأفعاله، فإنّ الحلية قد توافق الحلية، و الصورة قد تشاكل الصورة، و إنّما وجدناه في كتبنا أنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلم يجنّبه ربّه من الحرام، و الشبهات، فصادفوه و ألقوه و ادعوه إلى دعوة و قدّموا إليه الحرام و الشبهة، فإن انبسط فيهما أو في أحدهما فأكله، فاعلموا أنّه غير من تظنّون، و إنّما الحلية وافقت الحلية، و الصورة قد ساوت الصورة، و إن لم يكن الأمر كذلك و لم يأكل منهما، فاعلموا أنّه هو، فاحتالوا له في تطهير الأرض منه لتسلم لليهود دولتهم.
فجاؤوا إلى أبي طالب عليه السلام فصادفوه و دعوه إلى دعوة لهم فلمّا حضر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قدّموا إليه و إلى أبي طالب و الملأ من قريش دجاجة مسمنة كانوا قد و قذوها (2)و شووها، فجعل أبو طالب عليه السلام و ساير قريش يأكلون منها، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يمدّ يده نحوها فيعدل بها يمنة و يسرة، ثم أماما، ثم خلفا، ثم فوقا، ثم تحتا، لا تصيبها يده فقالوا مالك لا تأكل منها؟
فقال: يا معاشر اليهود قد جهدت أن أتناول منها، و هذه يدي يعدل بها عنها و ما أراها إلاّ حراما يصونني ربّي عنها، فقالوا: ما هي إلاّ حلال فدعنا نلقمك منها.
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: فافعلوا إن قدرتم فذهبوا ليأخذوا منها، و يطعموه فكانت أيديهم يعدل بها عنها إلى الجهات، كما كانت يد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم تعدل عنها.
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فهذه قد منعت منها، فأتوني بغيرها إن كانت لكم، فجاؤوه بدجاجة أخرى، مسمّة، مشويّة قد أخذوها لجار لهم
ص:60
غائب، لم يكونوا اشتروها و عملوها على أن يردّوا عليه ثمنها إذا حضر.
فتناول منها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لقمة، فلمّا ذهب أن يرفعها ثقلت عليه و فصلت (1)حتى سقطت من يده، و كلّما ذهب يرفع ما تناوله بعدها ثقلت و سقطت.
فقالوا: يا محمّد فما بال هذه لا تأكل منها؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: و هذه أيضا قد منعت منها، و ما أراها إلاّ من شبهة يصونني ربّي عزّ و جلّ عنها.
فقالوا: ما هي شبهة، دعنا نلقمك منها، قال: إفعلوا إن قدرتم عليه، فكلّما تناولوا لقمة ليلقموه، ثقلت كذلك في أيديهم و سقطت، و لم يقدروا أن يعلوها (2).
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: هو ما قلت لكم: شبهة يصونني ربّي عزّ و جلّ عنها، فتعجّب قريش من ذلك، و كان ذلك ممّا يقيمهم على اعتقاد عداوتهم إلى أن أظهروها لمّا أن أظهره اللّه عزّ و جلّ بالنبوّة و أغرتهم اليهود أيضا و قالت لهم اليهود: أيّ شيء يرد عليكم من هذا الطفل؟ ما نراه إلاّ سالبكم نعمكم و أرواحكم، و سوف يكون لهذا شأن عظيم.
و قال أمير المؤمنين عليه السلام: فتواطأت اليهود على قتله في (3)جبل حراء و هم سبعون، فعمدوا إلى سيوفهم فسمّوها، ثم قعدوا له ذات غلس في طريقه على جبل حرا، فلمّا صعد صعدوا و سلّوا سيوفهم، و هم سبعون رجلا من أشدّ اليهود و أجلدهم و ذوي النجدة منهم، فلمّا أهووا بها إليه ليضربوه بها التقى طرفا الجبل بينهم و بينه فانضّما، و صار ذلك حائلا بينهم و بين محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، و انقطع طمعهم عن الوصول إليه بسيوفهم،
ص:61
فغمدوها، فانفرج الطرفان بعد ما كانا انضمّا.
فسلّوا بعد سيوفهم و قصدوه، فلمّا همّوا بإرسالها عليه انضمّ طرفا الجبل، و حيل بينهم و بينه فغمدوها، ثم ينفرجان فيسلّونها إلى أن بلغ ذروة الجبل، و كان ذلك سبعا و أربعين مرة.
فصعدوا الجبل و داروا خلفه ليقصدوه بالقتل، فطال عليهم الطريق و مدّ اللّه عزّ و جلّ في الجبل، فأبطأوا عنه حتى فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من ذكره و ثنائه على ربّه و اعتباره بعبرة.
ثم انحدر عن الجبل و انحدروا خلفه و لحقوه و سلّوا سيوفهم ليضربوه بها فانضمّ طرفا الجبل و حال بينهم و بينه فغمدوها ثم انفرج فسلّوها، ثم انضمّ فغمدوها، و كان ذلك سبعا و أربعين مرة، كلّما انفرج سلّوها، فإذا انضمّ غمدوها.
فلمّا كان في آخر مرة و قد قارب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم القرار سلّوا سيوفهم فانضم طرفا الجبل، و ضغطهم الجبل، و رضّضهم، و ما زال يضغطهم حتى ماتوا جميعا.
ثم نودي يا محمد: انظر إلى خلفك إلى من بغى (1)عليك بالسوء ماذا صنع بهم ربك، فنظر فإذا طرفا الجبل مما يليه منضمان، فلما نظر انفرج الجبل، و سقط أولئك القوم و سيوفهم بأيديهم، و قد هشمت وجوههم و ظهورهم و جنوبهم و أفخاذهم، و سوقهم، و أرجلهم، و خرّوا موتى، تشخب أوداجهم دما.
و خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عن ذلك الموضع سالما مكفيّا مصونا محفوظا تناديه الجبال و ما عليها من الأحجار و الأشجار: هنيئا لك يا محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم نصرة اللّه عزّ و جلّ لك على أعدائك بنا، و سينصرك
ص:62
إذا ظهر أمرك على جبابرة أمّتك و عتاتهم (1)بعليّ بن أبي طالب، و تسديده لاظهار دينك و إعزازه، و إكرام أوليائك، و قمع أعدائك، و سيجعله تاليك و ثانيك، و نفسك الّتي بين جنبيك، و سمعك الّذي به تسمع، و بصرك الذي به تبصر، و يدك الّتي بها تبطش، و رجلك الّتي عليها تعتمد، و سيقضي عنك ديونك، و يفي عنك بعداتك، و سيكون جمال أمّتك، و زين أهل ملّتك، و سيسعد ربّك عزّ و جلّ به محبّيه، و يهلك به شانئيه (2).
2-و في تفسير العسكريّ عليه السلام في حديث ذكر فيه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ظهر منه ما ظهر من موسى على نبيّنا و آله عليه السلام من آيات التسع.
قال الامام عليه السلام: و أمّا الجراد المرسل على بني إسرائيل فقد فعل اللّه أعظم و أعجب منه بأعداء محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، فإنّه أرسل عليهم جرادا أكلهم، و لم يأكل جراد موسى رجال القبط، و لكنّه أكل زروعهم.
و ذلك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان في بعض أسفاره إلى الشام، و قد تبعه مائتان من يهودها في خروجه عنها، و إقباله نحو مكّة، يريدون قتله، مخالفة أن يزيل اللّه دولة اليهود على يده، فراموا قتله، و كان في القافلة فلم يجسروا عليه.
و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا أراد حاجة ابتعد، و استتر بأشجار تكنفه، أو بريّة بعيدة، فخرج ذات يوم لحاجته فابتعد و تبعوه، و أحاطوا به، و سلّوا سيوفهم عليه، فأثار اللّه من تحت رجل محمّد من ذلك الرمل جرادا، فاحتوشتهم و جعل تأكلهم فاشتغلوا بأنفسهم عنه، فلمّا فرغ رسول اللّه من حاجته، و هم يأكلهم الجراد، رجع إلى أهل القافلة.
فقالوا له: ما بال الجماعة خرجوا خلفك لم يرجع منهم أحد؟ فقال
ص:63
رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: جاؤوا يقتلونني فسلّط اللّه عليهم الجراد، فجاؤوا و نظروا إليهم فبعضهم قد مات، و بعضهم قد كاد يموت، و الجراد يأكلهم، فما زالوا ينظرون إليهم حتى أتى الجراد على أعيانهم فلم تبق منهم شيئا (1).
ص:64
في بعثته صلى اللّه عليه و آله و سلم
1-الامام أبو محمد الحسن بن عليّ عليهما السلام في تفسيره عن أبيه عليه السلام قال: و أمّا تسليم الجبال و الصخور و الأحجار عليه صلى اللّه عليه و آله و سلم فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لمّا ترك التجارة إلى الشام، و تصدّق بكلّ ما رزقه اللّه تعالى من تلك التجارات، كان يغدو كلّ يوم إلى حراء (1)، يصعده و ينظر من قلّته إلى آثار رحمة اللّه، و أنواع عجائب رحمته و بدائع حكمته، و ينظر إلى أكناف السماء، و أقطار الأرض، و البحار، و المفاوز (2)، و الفيافي (3)، فيعتبر بتلك الآثار و يتذكّر بتلك الآيات، و يعبد اللّه حقّ عبادته.
فلمّا استكمل أربعين سنة نظر اللّه إليه و إلى قلبه فوجده أفضل القلوب، و أجلّها، و أطوعها، و أخشعها و أخضعها، أذن لأبواب السموات ففتحت، و محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم ينظر إليها، و أذن للملائكة فنزلوا، و محمّد
ص:65
رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ينظر إليهم، و أمر بالرحمة فأنزلت عليه لدن ساق العرش إلى رأس محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم و غمرته، و نظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوّق بالنور، طاووس الملائكة فهبط إليه فأخذ بضبعه و هزه.
و قال: يا محمّد إقرأ، قال: و ما أقرأ؟ قال: يا محمّد اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ اَلَّذِي خَلَقَ خَلَقَ اَلْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اِقْرَأْ وَ رَبُّكَ اَلْأَكْرَمُ اَلَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ اَلْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (1).
ثمّ أوحي إليه ما أوحى إليه ربّه عزّ و جلّ، ثمّ صعد إلى العلو، و نزل محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم من الجبل، و قد غشيه من تعظيم جلال اللّه، و ورد عليه من كبير شأنه ما ركّبه الحمّى و النافض (2)و قد اشتدّ عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره، و نسبتهم إيّاه إلى الجنون و أنه يعتريه شيطان.
و كان من أوّل أمره أعقل خليقة اللّه، و أكرم براياه، و أبغض الأشياء إليه الشيطان و أفعال المجانين و أقوالهم، فأراد اللّه عزّ و جلّ أن يشرح صدره، و يشجّع قلبه، فأنطق اللّه الجبال و الصخور و المدر، و كلّما وصل إلى شيء منها ناداه: السّلام عليك يا محمد، السّلام عليك يا وليّ اللّه، السّلام عليك يا رسول اللّه، أبشر فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد فضّلك و جمّلك و زيّنك و أكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأوّلين و الآخرين، لا يحزنك أن تقول قريش: إنّك مجنون و عن الدين مفتون.
فإنّ الفاضل من فضّله ربّ العالمين، و الكريم من كرّمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيق صدرك من تكذيب قريش و عتاة العرب لك، فسوف يبلّغك ربّك أقصى منتهى الكرامات، و يرفعك ربّك إلى أرفع الدرجات.
و سوف ينعمّ اللّه و يفرّح أولياءك بوصيّك عليّ بن أبي طالب.
و سوف يبثّ علومك في العباد و البلاد بمفتاحك و باب مدينة حكمتك
ص:66
عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و سوف يقرّ عينك ببنتك فاطمة عليها السلام، و سوف يخرج منها و من علّي الحسن و الحسين عليهما السلام سيّدي شباب أهل الجنّة، و سوف ينشر في البلاد دينك.
و سوف يعظّم أجور المحبّين لك و لأخيك، و سوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك عليّ، فيكون تحته كلّ نبي و صدّيق، و شهيد، يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم.
فقلت في سرّي يا ربّ: من عليّ بن أبي طالب الذي وعدتني به؟ و ذلك بعد ما ولد عليّ بن أبي طالب عليه السلام و هو طفل، أو هو ولد عمّي؟ فقال بعد ذلك لمّا تحرّك عليّ قليلا و هو معه: أهو هذا؟ ففي كلّ مرّة من ذلك أنزل عليه ميزان الجلال فجعل محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم في كفّة منه، و مثّل له عليّ عليه السلام و ساير الخلايق من أمّته إلى يوم القيامة فوزن بهم فرجّح.
ثمّ أخرج محمّد عليه السلام من الكفّة، و ترك عليّ عليه السلام في كفّة محمّد الّتي كان فيها فوزن بسائر أمّته فرجّح بهم، فعرفه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بعينه و صفته و نودي في سرّه: يا محمّد هذا عليّ بن أبي طالب صفيّي الذي أؤيّد به هذا الدين يرجّح على جميع أمّتك بعدك، فذلك حين شرح اللّه صدري بأداء الرسالة، و خفّف عليّ مكافحة الأمّة و سهّل عليّ مبارزة العتاة الجبارة من قريش (1).
2-و عن ابن عبّاس قال: إنّ أوّل ما ابتدأ به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، و كان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت كفلق الصبح.
و لمّا تزوّج بخديجة عليها السلام و كمل له من العمر أربعون سنة، قال:
فخرج ذات يوم إلى جبل حراء، فهتف به جبرئيل و لم يبدو له، فغشي عليه، فحملوه مشركو قريش إليها، و قالوا: يا خديجة تزوّجت بمجنون، فوثبت
ص:67
خديجة من السرير، و ضمّته إلى صدرها، و وضعت رأسه في حجرها، و قبّلت عينيه، و قالت: تزوّجت نبيا مرسلا، فلمّا أفاق قالت: بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ما الّذي أصابك؟ قال: ما أصابني غير الخير و لكنّي سمعت صوتا أفزعني، و أظنّه جبرئيل فاستبشرت.
ثمّ قالت: إذا كان غداة غد فارجع إلى الموضع الذي رأيت فيه بالأمس، قال: نعم فخرج صلى اللّه عليه و آله و سلم و إذا هو بجبرئيل في أحسن صورة و أطيب رائحة، فقال: يا محمّد ربّك يقرئك السلام، و يخصّك بالتحيّة و الاكرام، و يقول لك: أنت رسولي إلى الثقلين، فادعهم إلى عبادتي، و أن يقولوا: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، و عليّ ولي اللّه، فضرب بجناحه الأرض فنبع عين ماء، فشرب منها صلى اللّه عليه و آله و سلم و توضّأ، و علّمه اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ اَلَّذِي خَلَقَ إلى آخرها.
و عرج جبرئيل إلى السماء، و خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من حراء، فما مرّ بحجر و لا مدر و لا شجر إلاّ و ناداه: السّلام عليك يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فأتي خديجة و هي بانتظاره و أخبرها بذلك، ففرحت به و بسلامته و بقائه (1).
3-و ذكر الشيخ عليّ بن إبراهيم بن هاشم، و هو من أجلّ رواة أصحابنا في كتابه أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم لمّا أتي له سبع و ثلاثون سنة، كان يرى في نومه كأنّ آتيا أتاه فيقول: يا رسول اللّه فينكر ذلك، فلمّا طال عليه الأمر و كان بين الجبال يرعى غنما لأبي طالب عليه السلام، فنظر إلى شخص يقول له: يا رسول اللّه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا جبرئيل أرسلني اللّه إليك ليتخذك رسولا، فأخبر رسول اللّه خديجة بذلك، و كانت خديجة قد انتهى إليها خبر اليهوديّ، و خبر بحيرا، و ما حدّثت به آمنة أمّه، فقالت: يا محمّد إنّي لأرجو أن يكون كذلك، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يكتم ذلك.
ص:68
فنزل عليه جبرئيل، و أنزل عليه ماءا من السماء، فقال له: يا محمّد قم توضّأ للصلوة فعلّمه جبرئيل الوضوء على الوجه و اليدين من المرفق، و مسح الرأس و الرجلين إلى الكعبين، و علّمه السجود و الركوع.
فلّما تمّ له أربعون سنة أمره بالصلوة، و علّمه حدودها، و لم ينزل عليه أوقاتها، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يصلّي ركعتين ركعتين في كلّ وقت، و كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يألفه، و يكون معه في مجيئه و ذهابه لا يفارقه.
فدخل عليّ عليه السلام إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و هو يصلّي، فلمّا نظر إليه يصلّي، قال: يا أبا القاسم ما هذا؟ قال: هذه الصلوة التي أمرني اللّه بها، فدعاه إلى الاسلام فأسلم، و صلّى معه، و أسلمت خديجة، و كان لا يصلّي إلاّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و عليّ و خديجة خلفه، فلمّا أتى لذلك أيّام: دخل أبو طالب إلى منزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و معه جعفر، فنظر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و عليّ بجنبه يصلّيان، فقال لجعفر: يا جعفر صل جناح ابن عمّك، فوقف جعفر بن أبي طالب من الجانب الآخر، فلمّا وقف على يساره بدر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من بينهما و تقدّم. و أنشأ أبو طالب في ذلك يقول:
إنّ عليا و جعفرا ثقتي عند ملّم الزمان و الكرب
و اللّه لا أخذل النبيّ و لا يخذله من بني ذوي حسب
لا تخذلا و انصرا ابن عمّكما أخي لأمّي من بينهم و أبي (1)
4-و الّذي ذكره و رواه الشيخ الفاضل محمّد بن الحسن بن علي بن أحمد بن عليّ المعروف بابن الفارسي في «روضة الواعظين» قال: إعلم أنّ الطائفة قد اجتمعت على أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان رسولا مستخفيا يصوم و يصلّي على خلاف ما كانت قريش تفعله مذ كلّفه اللّه تعالى.
ص:69
فلمّا أتت أربعون سنة أمر اللّه عزّ و جلّ جبرئيل أن يهبط إليه باظهار الرسالة، و ذلك في اليوم السابع و العشرين من شهر اللّه الأصمّ، فاجتاز بميكائيل، فقال: أين تريد؟ قال له: قد بعث اللّه عزّ و جلّ نبيّ الرحمة، و أمرني أن أهبط إليه بالرسالة، فقال له ميكائيل: فأجيء معك؟ قال له:
نعم، فنزلا و وجدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم نائما بالأبطح بين أمير المؤمنين و جعفر بن أبي طالب عليهم السلام.
فجلس جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه، و لم ينبّهه جبرئيل إعظاما له، فقال ميكائيل لجبرئيل: إلى أيّهم بعثت؟ قال: إلى الأوسط، فأراد ميكائيل أن ينّبهه فمنعه جبرئيل عليه السلام.
ثم انتبه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فأدّى إليه جبرئيل الرسالة عن اللّه تعالى، فلمّا نهض جبرئيل عليه السلام ليقوم، أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بثوبه فقال ما اسمك؟ قال له: جبرئيل، ثمّ نهض رسول اللّه ليلحق بغنمه فما مرّ بشجرة و لا مدرة إلاّ سلّمت عليه و هنأته.
ثمّ كان جبرئيل عليه السلام يأتيه، فلا يدنو منه إلاّ بعد أن يستأذن عليه، فأتاه يوما و هو بأعلى مكّة، فغمز بعقبه بناحية الوادي، فانفجرت عين فتوضّأ جبرئيل عليه السلام و توضّأ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، ثمّ صلّى الظهر، و هي أوّل صلوة فرضها اللّه عزّ و جلّ، و صلّى أمير المؤمنين عليه السلام تلك الصلوة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فرجع رسول اللّه من يومه فجاء إلى خديجة، فأخبرها، فتوضّأت و صلّت صلوة العصر من ذلك اليوم (1).
ثم أنزل اللّه تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ (2)فجمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بني هاشم و هم نحو أربعين رجلا، فأمر أمير المؤمنين
ص:70
عليه السلام، فانضجّ لهم رجل شاة، و خبز لهم صاعا من طعام، و جاء بعس (1)من لبن، ثمّ أدخل إليه منهم عشرة فأكلوا حتى صدروا، و أنّ منهم ليأكل الجذعة، و يشرب الفرق، ثمّ جعل يدخل إليه عشرة عشرة، حتى أكلوا جميعا و صدروا.
ثمّ قال لهم: إنّي بعثت إلى الأبيض، و الأسود، و الأحمر، و أنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، و أنّي لا أملك لكم من اللّه حظّا إلاّ أن تقولوا: لا إله إلاّ اللّه، فقال له أبو لهب لعنه اللّه: لهذا دعوتنا؟ ثمّ تفرّقوا عنه، فأنزل اللّه تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ إلى الآخر.
ثمّ دعاهم دفعة ثانية، فأطعمهم و سقاهم كالدفعة الأولى، ثمّ قال لهم:
يا بني عبد المطّلب، أطيعوني تكونوا ملوك الأرض و حكّامها، و ما بعث اللّه نبيّا إلاّ جعل له وصيّا و أخا و وزيرا، فأيّكم يكون أخي، و وزيري، و وصيّي، و وارثي، و قاضي ديني؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام، و هو أصغر القوم سنّا: أنا يا رسول اللّه، فلذلك كان وصيّه.
و روي أنّه جمعهم، و هم خمسة و أربعون رجلا، منهم أبو لهب، فظنّ أبو لهب أنّه يريد أن ينزع عمّا دعاهم إليه، فقام إليه فقال: يا محمّد هؤلاء عمومتك، و بنو عمّك قد اجتمعوا فتكلّم، و اعلم أنّ قومك ليست لهم بالعرب طاقة.
فقام صلى اللّه عليه و آله و سلم خطيبا، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال:
إنّ الرائد لا يكذب أهله، و اللّه الذي لا إله إلاّ هو، إنّي رسول اللّه إليكم حقّا خاصّة، و إلى الناس عامّة، و اللّه لتموتنّ كما تنامون، و لتبعثنّ كما تستيقظون، و لتحاسبنّ كما تعملون، و لتجزونّ بالاحسان إحسانا، و بالسوء سوءا، و إنّها الجنّة أبدا، و النار أبدا، إنّكم أوّل من أنذرتم (2).
ص:71
ثمّ آمن به قوم من عشيرته، و اجتمعت قريش إلى دار الندوة، و كتبوا الصحيفة على بني هاشم، ألاّ يكلّموهم، و لا يبايعوهم، أو يسلّموا إليهم رسول اللّه ليقتلوه، ثمّ أخرجوهم من بيوتهم حتى أنزلوا شعب أبي طالب، و وضعوا عليهم الحرس، فمكثوا بذلك ثلاث سنين.
ثم بعث اللّه الأرضة على الصحيفة فأكلتها و لم يزل صلى اللّه عليه و آله كذلك، يريهم الآيات، و يخبرهم بالمغيبات، و أنزل اللّه تعالى عليه وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ (1)و معناه لا تعجل بقراءة القرآن عليهم حتى أنزل عليك التفسير في أوقاته كما أنزل إليك التلاوة.
ثمّ أتاه جبرئيل عليه السلام ليلا، و هو بالأبطح، و معه البراق، و هو أصغر من البغل و أكبر من الحمار، فركبه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و أمسك جبرئيل عليه السلام بركابه، و مضى إلى بيت المقدس، ثمّ إلى السماء، فتلقّته الملائكة، فسلّمت عليه، و تطايرت بين يديه، حتى انتهى إلى السماء السابعة.
قال عكرمة: لمّا اجتمعت قريش على إدخال بني هاشم و بني عبد المطّلب شعب أبي طالب، كتبوا بينهم صحيفة، فدخل الشعب مؤمن بني هاشم و كافرهم، و مؤمن بني عبد المطّلب و كافرهم، ما خلا أبا لهب، و سفيان بن الحرث، فبقي القوم في الشعب ثلاث سنين، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا أخذ مضجعه، و نامت العيون، جاءه أبو طالب فأنهضه من مضجعه، و أنا عليّا مضجعه، فقال عليّ: يا أبتاه إنّي مقتول ذات ليلة فقال أبو طالب:
إصبرن يا عليّ، فالصبر أحجى كلّ حيّ مصيره لشعوب
قد بذلناك، و البلاء عسير لفداء النجيب و ابن النجيب
لفداء الأغرّ ذي الحسب الثاقب و الباع و الفناء الرحيب
إن رمتك المنون بالنبل فاصبر فمصيب منها و غير مصيب
ص:72
كلّ حيّ و إن تطاول حيّا آخذ من سهامها بنصيب
قال علي بن الحسين عليه السلام: كان أبو طالب يضرب عن رسول اللّه عليه و آله السلام بسيفه، و يقيه بنفسه، فلمّا حضرته الوفاة، و قد قويت دعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و علت كلمته، إلاّ أنّ قريشا على عداوتها و حسدها، فاجتمعوا إلى أبي طالب، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عنده، فقالوا: نسألك من ابن أخيك النصف قال: و ما النصف منه؟ قالوا:
يكفّ عنّا، و نكف عنه، و لا يكلّمنا، و لا نكلّمه، و لا يقاتلنا، و لا نقاتله، لأنّ هذه الدعوة قد بعّدت بين القلوب، و زرعت الشحناء، و أنبتت البغضاء.
فقال: يا ابن أخي، إنّ بني عمّك و عشيرتك يسألونك النصف، و أن تكفّ عنهم، و يكفّوا عنك، فقال: يا عم، لو أنصفني بنو عمّي لأجابوا دعوتي، و قبلوا نصيحتي، و أنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن أدعو إلى دين الحنيفية، ملّة إبراهيم، فمن أجابني، فله عند اللّه الرضوان، و الخلود في الجنان، و من عصاني، قاتلته حتى يحكم اللّه بيننا، و هو خير الحاكمين.
فقالوا: يا أبا طالب، سله، أرسله اللّه إلينا خاصّة، أم إلى الناس كافّة؟ فقال أبو طالب: يا ابن أخي، إلى الناس كافّة أرسلت، أم إلى قومك خاصّة؟ قال: بل أرسلت إلى الناس كافة، إلى الأبيض، و الأسود، و الأحمر، و العربي، و العجمي، و الّذي نفسي بيده، لأدعونّ إلى هذا الأمر، الأبيض، و الأسود، و من على رؤوس الجبال، و من في لجج البحار، و لأدعونّ ألسنة فارس و الروم.
فتجبّرت قريش، و استكبرت، و قالت: أما تسمع إلى ابن أخيك و ما يقول؟ و اللّه لو سمعت بهذا فارس و الروم، لاختطفتنا من أرضنا، و لقلعت الكعبة حجرا حجرا. فأنزل اللّه تعالى: وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ اَلْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ إلى آخر الآية (1).
ص:73
و أنزلت في قولهم: لقلعت الكعبة حجرا حجرا: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ اَلْفِيلِ (1)إلى آخرها.
فلمّا سمعوا ذلك من النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم، خرجوا من عند أبي طالب، فقالوا: ألا ترى محمدا لا يزداد إلاّ كبرا و تكبّرا و إن هو إلاّ ساحر أو مجنون.
و توعّدوه، و تحالفوا و تعاقدوا، لئن مات أبو طالب، لنجمعنّ قبائل قريش كلّها على قتله ما أمسكت أيدينا السياط.
و بلغ أبا طالب ذلك، فجمع بنيه و بني أبيه، و أحلافهم من قريش، فوصّاهم برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و قال: إنّ ابن أخي محمدا نبيّ، كما يقول بذلك، أخبرنا آباؤنا و علماؤنا إنّ ابن أخي محمدا نبيّ صادق، و أمين ناطق، و أنّ شأنه أعظم شأن، و مكانه من ربّه أعلى مكان، و أنّ يومي قد حضر، و أنتم الخلفاء النجب، فأجيبوا دعوته، و اجتمعوا على نصرته، و ارموا عدوّه من وراء حوزته، فإنّه الشرف الباقي لكم على الدهر، و أنشأ:
أوصي بنصر الأمين الخير مشهده بعدي عليّا و عمّ الخير عباسا
و حمزة الأسد المخشيّ صولته و جعفرا أن يذوقوا قبله البأسا
و هاشما كلّها أوصي بنصرته أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا
كونوا فداء لكم أمّي و ما ولدت من دون أحمد دون الروع أتراسا
بكلّ أبيض مصقول عوارضه تخاله في سواد اللّيل مقباسا
فلمّا سمع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: يا عمّ كلمة واحدة تجب لك بها شفاعتي يوم القيمة. فقال: يابن أخي، صدقت، أنت نبيّ حقّ، و ربّك إله حقّ، و دينك دين حقّ.
قال له: يا عمّ، إنّ اللّه عزّ و جلّ وعدني أنّ قريشا ستؤمن غدا بما تنكره اليوم، و أنّ اللّه تعالى سيفتح عليّ الأرض، و يظهر دينه على جميع الأديان،
ص:74
و أنّك راحل إلى يوم القيمة، فقل معي كلمة، تستوجب من اللّه رضوانه و رحمته، فقالوا: إنّ أبا طالب حرّك بها شفتيه، و أشار باصبعه، فسّر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بذلك، و استغفر له (1).
ص:75
ص:76
في ثقل الوحي و ما كان يأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من
الاغماء إذا كان بغير واسطة جبرئيل
1-عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا اَلْحَقَّ وَ هُوَ اَلْعَلِيُّ اَلْكَبِيرُ (1)و ذلك أنّ أهل السموات لم يسمعوا وحيا فيما بين أن بعث عيسى بن مريم عليه السلام إلى أن بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم.
فلمّا بعث اللّه جبرئيل إلى رسول اللّه، سمع أهل السموات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا، فصعق أهل السموات، فلمّا فرغ من الوحي، انحدر جبرئيل، كلّما مرّ بأهل السموات، فزع عن قلوبهم، يقول:
كشف عن قلوبهم، فقال بعضهم لبعض: ماذا قال ربّكم؟ قالوا الحق، و هو العليّ الكبير (2).
2-الشيخ الطوسي في مجالسه قال: أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن إبراهيم القزويني (3)، قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن وهبان النهدي
ص:77
البصري (1)، قال: حدّثني أحمد بن إبراهيم بن أحمد (2)قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن عليّ بن عبد الكريم الزعفراني، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في أبو جعفر، قال: حدّثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال له بعض أصحابنا: أصلحك اللّه، كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: قال جبرئيل، و هذا جبرئيل يأمرني، ثمّ يكون في حال أخرى يغمى عليه.
قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّه إذا كان الوحي من اللّه عزّ و جلّ إليه ليس بينهما جبرئيل أصابه ذلك، لثقل الوحي من اللّه، و إذا كان بينهما جبرئيل لم يصبه ذلك، فقال لي جبرئيل، و هذا جبرئيل (4).
ص:78
كيفيّة تبليغه صلى اللّه عليه و آله و سلم كافّة
1-عليّ بن إبراهيم بن هاشم في «تفسيره» قال: حدّثنا عليّ بن جعفر، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه الطائي، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، قال: حدّثنا حفص الكناسي (1)، قال: سمعت عبد اللّه بن بكر الأرّجاني (2)، قال: قال لي الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أخبرني عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان عامّا للناس، أليس قال اللّه في محكم كتابه:
وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ (3)لأهل المشرق و المغرب، و أهل السماء، و أهل الأرض، من الجنّ و الإنس، هل أبلغ رسالته إليهم كلّهم؟ قلت:
لا أدري، قال: يا ابن بكر، إنّ رسول اللّه لم يخرج من المدينة كيف أبلغ أهل الشرق و الغرب؟ قلت: لا أدري، قال: إنّ اللّه تعالى أمر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحه، و نصبها لرسول اللّه، فكانت بين يديه مثل راحته في كفّه، ينظر إلى أهل المشرق و المغرب، و يخاطب كلّ قوم بألسنتهم، و يدعوهم إلى اللّه، و إلى نبوّته بنفسه، فما بقيت قرية و لا مدينة إلاّ و دعاهم النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلم (4).
ص:79
ص:80
في إظهاره صلى اللّه عليه و آله و سلم الدعوة إلى اللّه تعالى و نزول الشعب
أبو عليّ الطبرسي (1)في كتاب «أعلام الورى» : أسري برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى بيت المقدس، و حمله جبرئيل على البراق، فأتى به بيت المقدس، و عرض عليه محاريب الأنبياء، و صلّى بهم، وردّه فمرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في رجوعه بعير لقريش، و إذا لهم ماء في آنية، فشرب منه، و أكفى ما بقي، و قد كانوا أضلّوا لهم بعيرا، و كانوا يطلبونه.
فلمّا أصبح قال لقريش: إنّ اللّه قد أسرى بي إلى بيت المقدس، فأراني آيات الأنبياء و منازلهم، و إنّي مررت بعير لقريش في موضع كذا و كذا، و قد أضلّوا بعيرا لهم، فشربت من مائهم، و أهرقت باقي ذلك.
فقال أبو جهل: قد أمكنتكم الفرصة منه، فسلوه كم فيها من الأساطين و القناديل؟ فقالوا: يا محمّد، إنّ هنا من قد دخل بيت المقدس، فصف كم أساطينه، و قناديله، و محاربيه؟ فجاء جبرئيل عليه السلام: فعلّق صورة بيت المقدس تجاه وجهه، فجعل يخبرهم بما سألوه عنه، فلمّا أخبرهم قالوا: حتى يجيء العير و نسألهم عمّا قلت، فقال لهم رسول اللّه: تصديق ذلك أنّ العير يطلع عليكم عند طلوع الشمس، يقدمها جمل أحمر، عليه عذارتان (2)، فلمّا
ص:81
كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة، و يقولون: هذه الشمس تطلع الساعة.
فبيناهم كذلك، إذ طلع عليهم العير حين طلع القرص، يقدمها جمل أحمر، فسألوهم عمّا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قالوا: لقد كان هذا ضالّ لنا في موضع كذا و كذا، وضعنا ماء فأصبحنا و قد أريق الماء، فلم يزدهم ذلك إلاّ عتوّا (1).
فاجتمعوا في دار الندوة، و كتبوا بينهم صحيفة، أن لا يؤاكلوا بني هاشم، و لا يكلّموهم، و لا يبايعوهم، و لا يزوّجوهم، و لا يتزوّجوا إليهم، و لا يحضروا معهم، حتّى يدفعوا محمّدا إليهم فيقتلونه، و إنّهم يد واحدة على محمّد، ليقتلوه غيلة أو صراحا.
فلمّا بلغ ذلك أبا طالب، مع بني هاشم، و دخل الشعب، و كانوا أربعين رجلا، فحلف لهم أبو طالب بالكعبة، و الحرم، و الركن، و المقام، لئن شاكت (2)محمدا شوكة لآتينّ عليكم يا بني هاشم، و حصّن الشعب، و كان يحرسه باللّيل و النهار، فإذا جاء اللّيل، يقوم بالسيف عليه، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مضطجع، ثمّ يقيمه و يضطجعه في موضع آخر، فلا يزال اللّيل كلّه هكذا، و وكّل ولده، و ولد أخيه به، يحرسونه بالنهار، و أصابهم الجهد، و كان من دخل من العرب مكّة، لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئا، و من باع منهم شيئا انتهبوا ماله.
و كان أبو جهل و العاص بن وائل (3)و النضر بن الحارث بن كلدة (4)،
ص:82
و عقبة بن أبي معيط (1)، يخرجون إلى الطرقات الّتي تدخل مكّة، فمن رأوه معه ميرة (2)نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا، و يحذّرونه إن باع شيئا أن ينهبوا ماله، و كانت خديجة لها مال كثير، فأنفقته على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في الشعب، و لم يدخل في حلف الصحيفة مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد المطّلب بن عبد مناف 3و قال: هذا ظلم.
و ختموا الصحيفة بأربعين خاتما، ختمها كلّ رجل من رؤساء قريش بخاتمه، و علّقوها في الكعبة، و تابعهم أبو لهب 4على ذلك، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يخرج في كلّ موسم، فيدور على قبائل العرب، فيقول لهم: تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربّي، و ثوابكم على اللّه الجنّة، و أبو لهب في أثره، فيقول: لا تقبلوا منه، فإنّه ابن أخي، و هو ساحر كذّاب.
فلم يزل هذه حاله، فبقوا في الشعب أربع سنين، لا يأمنون إلاّ من موسم إلى موسم، و لا يشترون، و لا يبايعون إلاّ في الموسم 5
و كان يقوم بمكّة موسمان في كلّ سنة: موسم للعمرة في رجب، و موسم للحجّ في ذي الحجّة، فكان إذا جاءت المواسم، يخرج بنو هاشم من الشعب، فيشترون
ص:83
و يبيعون، ثم لا يجسر أحد منهم أن يخرج إلى الموسم الثاني، فأصابهم الجهد و جاعوا، و بعثت قريش إلى أبي طالب: ادفع إلينا محمّدا حتى نقتله و نملّكك علينا فقال أبو طالب رضي اللّه عنه: قصيدته الطويلة اللامية التي يقول فيها.
فلمّا رأيت القوم لا ودّ فيهم و قد قطعوا كلّ العرى و الوسائل
ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذّب لدينا، و لا يعبأ بقول الأباطل
و أبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى، عصمة للأرامل
يطوف به الهلاّك من آل هاشم فهم عنده في نعمة و فواضل
كذبتم و بيت اللّه نبزي (1)محمّدا و لمّا نطاعن دونه و نقاتل
و نسلمه حتى نصرّع دونه و نذهل عن أبنائنا و الحلائل
لعمري لقد كلّفت وجدا بأحمد و أحببته حبّ الحبيب المواصل
وجدت بنفسي دونه و حميته و درأت عنه بالذرى (2)و الكلاكل (3)
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها و شينا لمن عادى، و زين المحافل
حليما، رشيدا، حازما، غير طائش يوالي إله الحقّ ليس بماحل
فأيّده ربّ العباد بنصره و أظهر دينا حقّه غير باطل
فلمّا سمعوا هذه القصيدة أيسوا منه، و كان أبو العاص بن الربيع (4)، و هو ختن (5)رسول اللّه، يجيء بالعير (6)بالليل، عليها البرّ و التمر إلى باب الشعب، ثمّ يصيح بها، فتدخل الشعب، فيأكلها بنو هاشم، و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: لقد صاهرنا أبو العاص، فأحمدنا صهره، لقد كان
ص:84
يعمد إلى العير و نحن في الحصار فيرسلها في الشعب ليلا.
فلمّا أتى لرسول اللّه في الشعب أربع سنين، بعث اللّه على صحيفتهم القاطعة دابّة الأرض، فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم و ظلم و جور، و تركت اسم اللّه باسمك اللّهم، و نزل جبرئيل على رسول اللّه، فأخبره بذلك، فأخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أبا طالب، فقام أبو طالب، فلبس ثيابه، ثمّ مضى حتى دخل المسجد على قريش، و هم مجتمعون فيه، فلمّا بصروا به قالوا: قد ضجر أبو طالب، و جاء الآن ليسلّم محمّدا ابن أخيه، فدنا منهم، و سلّم عليهم، فقاموا إليه، و عظّموه، و قالوا: يا أبا طالب، قد علمنا أنّك أردت مواصلتنا، و الرجوع إلى جماعتنا، و أن تسلّم إلينا ابن أخيك، قال:
و اللّه ما جئت لهذا، و لكن ابن أخي أخبرني-و لم يكذّبني-أنّ اللّه أخبره، أنّه بعث على صحيفتكم القاطعة دابّة الأرض، فلحست جميع ما فيها، من قطيعة رحم و ظلم و جور، و تركت اسم اللّه، فابعثوا إلى صحيفتكم، فإنّ كان حقّا، فاتّقوا اللّه، و ارجعوا عمّا أنتم عليه من الظلم و قطيعة الرحم، و إن كان باطلا، دفعته إليكم، فإن شئتم قتلتموه، و إن شئتم استحييتموه.
فبعثوا إلى الصحيفة، فأنزلوها من الكعبة، و عليها أربعون خاتما، فلمّا أتوا بها نظر كلّ رجل منهم إلى خاتمه، ثمّ فكّوها فإذا ليس فيها حرف واحد، إلاّ باسمك اللّهم.
فقال أبو طالب: يا قوم، اتّقوا اللّه، و كفّوا عمّا أنتم عليه، فتفرّق القوم، و لم يتكلّم أحد، و رجع أبو طالب إلى الشعب، و قال في ذلك قصيدته البائية، الّتي أوّلها:
ألا من لهم آخر الليل منصب و شعب العصا من قومك المتشعّب (1)
و قد كان في أمر الصحيفة عبرة متى ما يخبر غائب القوم يعجب
محا اللّه منها كفرهم و عقوقهم و ما نقموا من ناطق الحقّ معرب
ص:85
و أصبح ما قالوا من الأمر باطلا و من يختلق ما ليس بالحقّ يكذب
و أمسى ابن عبد اللّه فينا مصدّقا على سخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبونا مسلمين محمدا لذي عزّة منّا و لا متعرّب
ستمنعه منّا يد هاشميّة مركّبها في الناس خير مركّب (1)
و قال عند ذلك نفر من بني عبد مناف، و بني قصيّ، و رجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم: منهم مطعم بن عدي بن عامر بن لؤيّ، و كان شيخا كبيرا كثير المال له أولاد، و أبو البختري (2)بن هشام و زهير بن أبي أميّة المخزومي (3)، في رجال من أشرافهم: نحن برآة ممّا في هذه الصحيفة، فقال أبو جهل: هذا قد قضي بليل (4).
قال عليّ بن إبراهيم: قدم أسعد بن زرارة (5)و ذكوان بن عبد قيس (6)في موسم من مواسم العرب، و هما من الخزرج، و كان بين الأوس و الخزرج حرب، قد بقوا فيها دهرا طويلا، و كانوا لا يضعون السلاح، لا باللّيل و لا بالنهار، و كان آخر حرب بينهم يوم بعاث، و كانت للأوس على الخزرج، فخرج أسعد بن زرارة، و ذكوان إلى مكّة، في عمرة رجب، يسألون الحلف على الأوس، و كان أسعد بن زرارة صديقا لعتبة بن ربيعة (7)فنزل عليه،
ص:86
فقال له: إنّه كان بيننا و بين قومنا حرب، و قد جئناك نطلب الحلف عليهم، فقال له عتبة: بعدت دارنا عن داركم، و لنا شغل لا نتفرّغ لشيء، قال: و ما شغلكم و أنتم في حرمكم و أمنكم؟ قال له عتبة: خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول اللّه، سفّه أحلامنا، و سبّ آلهتنا، و أفسد شبابنا، و فرّق جماعتنا، فقال له أسعد: من هو منكم؟ قال: ابن عبد اللّه بن عبد المطّلب، من أوسطنا شرفا و أعظمنا بيتا.
و كان أسعد و ذكوان و جميع الأوس و الخزرج، يسمعون من اليهود، الذين كانوا بينهم، النضير (1)و قريضة (2)و قينقاع (3): أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة، يكون مهاجره بالمدينة، لنقتلنّكم به يا معشر العرب.
فلمّا سمع ذلك أسعد، وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود، قال:
فأين هو؟ قال: هو جالس في الحجر، و أنّهم لا يخرجون من شعبهم، إلاّ في الموسم. فلا تسمع منه، و لا تكلّمه، فإنّه ساحر، يسحرك كلامه، و كان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب، فقال له أسعد: فكيف أصنع و أنا معتمر؟ لا بدّ لي أن أطوف بالبيت، قال: ضع في أذنيك القطن فدخل أسعد المسجد وحشى أذنيه بالقطن فطاف بالبيت و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم: فنظر إليه نظرة فجازه، فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أحد أجهل مني أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أتعرفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم ثم أخذ القطن من أذنيه، و رمى به، و قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: أنعم صباحا، فرفع رسول اللّه
ص:87
صلى اللّه عليه و آله و سلم رأسه إليه و قال: أبدلنا اللّه به ما هو أحسن من هذا، تحيّة أهل الجنة، السلام عليكم.
فقال له أسعد: إنّ عهدك بهذا لقريب، إلى ما تدعو يا محمّد؟ قال:
إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّي رسول اللّه، و أدعوكم إلى أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيّاهُمْ وَ لا تَقْرَبُوا اَلْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ لا تَقْتُلُوا اَلنَّفْسَ اَلَّتِي حَرَّمَ اَللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَ لا تَقْرَبُوا مالَ اَلْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا اَلْكَيْلَ وَ اَلْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى وَ بِعَهْدِ اَللّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1).
فلمّا سمع أسعد هذا، قال له: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّك رسول اللّه، يا رسول اللّه بأبي أنت و أمّي، أنا من أهل يثرب، من الخزرج، و بيننا و بين إخواننا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها اللّه بك، فلا أجد أعزّ منّك، و معي رجل من قومي، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمّم اللّه لنا أمرنا فيك، و اللّه يا رسول اللّه لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك، و كانوا يبشّروننا بمخرجك، و يخبروننا بصفتك و أرجو أن تكون دارنا دار هجرتك عندنا، فقد أعلمنا اليهود ذلك فالحمد للّه الذي ساقني إليك، و اللّه ما جئت إلاّ لنطلب الحلف على قومنا. و قد آتانا اللّه بأفضل ممّا أتينا له.
ثمّ أقبل ذكوان. فقال له أسعد: هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الذي كانت اليهود تبشّرنا به و تخبرنا بصفته، فهلّم فأسلم، فأسلم ذكوان.
ثمّ قالا: يا رسول اللّه، إبعث معنا رجلا يعلّمنا القرآن، و يدعو الناس
ص:88
إلى أمرك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لمصعب بن عمير (1)و كان فتى حدثا، مترفا بين أبويه، يكرمانه، و يفضّلانه على أولادهم، و لم يخرج من مكّة، فلمّا أسلم، جفاه أبواه، و كان مع رسول اللّه في الشعب حتى تغيّر و أصابه الجهد، فأمره رسول اللّه بالخروج مع أسعد، و قد كان تعلّم من القرآن كثيرا، فجاءآ إلى المدينة، و معهما مصعب بن عمير، فقدموا على قومهم، و أخبروهم بأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و خبره، فأجاب من كلّ بطن الرجل و الرجلان، و كان مصعب نازلا على أسعد بن زرارة، و كان يخرج في كلّ يوم، فيطوف على مجالس الخزرج، يدعوهم إلى الاسلام، فيجيبه الأحداث.
و كان عبد اللّه بن أبيّ (2)شريفا في الخزرج، و قد كان الأوس و الخزرج اجتمعت على أن يملّكوه عليهم، لشرفه و سخائه، و قد كانوا اتخذوا له إكليلا، احتاجوا في إتمامه إلى واسطة كانوا يطلبونها، و ذلك أنّه لم يدخل مع قومه الخزرج في حرب بعاث (3)، و لم يعن على الأوس، و قال: هذا ظلم منكم للأوس، و لا أعين على الظلم، فرضيت به الأوس و الخزرج.
فلمّا قدم أسعد، كره عبد اللّه ما جاء به أسعد و ذكوان، و فتر أمره، فقال
ص:89
أسعد لمصعب: إنّ خالي سعد بن معاذ (1)من رؤساء الأوس، و هو رجل عاقل شريف مطاع في بني عمرو بن عوف، فإن دخل في هذا الأمر ثمّ لنا أمرنا، فهلّم نأتي محلّتهم، فجاء مصعب مع أسعد إلى محلّة سعد بن معاذ، فقعد على بئر من آبارهم، و اجتمع إليه قوم من أحداثهم، و هو يقرأ عليهم القرآن.
فبلغ ذلك سعد بن معاذ، فقال لأسيد بن حضير (2)-و كان من أشرافهم-: بلغني أنّ أبا أمامة أسعد بن زرارة قد جاء إلى محلّتنا مع هذا القرشي، يفسد شبّاننا، فأته و انهه عن ذلك.
فجاء أسيد بن حضير، فنظر إليه أسعد، فقال لمصعب: إنّ هذا رجل شريف، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمّ أمرنا، فاصدق اللّه فيه.
فلمّا قرب أسيد منهم قال: يا أبا أمامة يقول لك خالك: لا تأتنا في نادينا، و لا تفسد شبّابنا، و احذر الأوس على نفسك، فقال مصعب:
أو تجلس، فنعرض عليك أمرا، فإن أحببته دخلت فيه، و إن كرهته نحّينا عنك ما تكره؟ فجلس فقرأ عليه سورة من القرآن، فقال: كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟ قال: نغتسل، و نلبس ثوبين طاهرين، و نشهد الشهادتين، و نصلّي ركعتين، فرمى بنفسه مع ثيابه في البئر، ثمّ خرج، و عصر ثوبه.
ثمّ قال: اعرض عليّ فعرض عليه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا رسول اللّه، فقالها، ثمّ صلّى ركعتين، ثمّ قال لأسعد: يا أبا أمامة، أنا أبعث إليك الآن خالك، و احتال عليه في أن يجيبك، فرجع أسيد إلى سعد بن معاذ، فلمّا نظر إليه سعد قال: أقسم أنّ أسيدا قد رجع إلينا بغير الوجه الذي ذهب من عندنا.
ص:90
و أتاهم سعد بن معاذ، فقرأ عليه مصعب حم تَنْزِيلٌ مِنَ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ (1)فلمّا سمعها، قال مصعب: و اللّه لقد رأينا الاسلام في وجهه قبل أن يتكلّم فبعث إلى منزله، و أتى بثوبين طاهرين، و اغتسل، و شهد الشهادتين، و صلّى ركعتين.
ثمّ قام، و أخذ بيد مصعب، و حوّله إليه، و قال: أظهر أمرك، و لا تهابنّ أحدا، ثمّ جاء، فوقف في بني عمرو بن عوف، و صاح: يا بني عمرو بن عوف، لا يبقينّ رجل، و لا امرأة، و لا بكر، و لا ذات بعل، و لا شيخ، و لا صبيّ، إلاّ أن يخرج، فليس هذا يوم ستر، و لا حجاب، فلمّا اجتمعوا قال: كيف حالي عندكم؟ قالوا: أنت سيّدنا، و المطاع فينا، لا نردّ لك أمرا، فمرنا بما شئت، فقال: كلام رجالكم و نسائكم و صبيانكم عليّ حرام، حتى تشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا رسول اللّه، فالحمد اللّه الذي أكرمنا بذلك، و هو الّذي كانت اليهود تخبرنا به، فما بقي دار من دور بني عمرو بن عوف في ذلك اليوم إلاّ و فيها مسلم أو مسلمة.
و حوّل مصعب بن عمير إليه، و قال له: أظهر أمرك، و ادع الناس علانية، و شاع الاسلام بالمدينة، و كثر، و دخل فيه من البطنين أشرافهم، و ذلك لمّا كان عندهم من أخبار اليهود.
و بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّ الأوس و الخزرج قد دخلوا في الاسلام، و كتب إليه مصعب بذلك.
و كان كلّ من دخل في الاسلام من قريش ضربه قومه و عذّبوه، فكان رسول اللّه يأمرهم أن يخرجوا إلى المدينة، فكانوا يتسلّلون رجلا فرجلا، فيصيرون إلى المدينة، فينزلهم الأوس و الخزرج عليهم، و يواسونهم.
قال: فلمّا قدمت الأوس و الخزرج مكّة، جاءهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقال لهم: تمنعون لي جانبي، حتى أتلو عليكم كتاب ربّكم، و ثوابكم على اللّه الجنّة؟ قالوا: نعم يا رسول اللّه، فخذ لنفسك و لربّك ما
ص:91
شئت، فقال: موعدكم العقبة، في اللّيلة الوسطى من ليالي التشريق.
فلمّا حجّوا رجعوا إلى منى، و كان فيهم ممّن قد أسلم بشر كثير، و كان أكثرهم مشركين على دينهم، و عبد اللّه بن أبيّ فيهم، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في اليوم الثاني من أيّام التشريق (1): فاحضروا دار عبد المطّلب على العقبة، و لا تنبهوا نائما، و ليتسلل (2)واحد فواحد.
و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم نازلا في دار عبد المطّلب، و حمزة و عليّ و العبّاس معه، فجاءه سبعون رجلا من الأوس و الخزرج، فدخلوا الدار، فلمّا اجتمعوا قال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: تمنعون لي جانبي، حتى أتلو عليكم كتاب ربّي، و ثوابكم على اللّه الجنّة؟
فقال أسعد بن زرارة، و البراء بن معرور (3)، و عبد اللّه بن حرام (4):
نعم يا رسول اللّه فاشترط لنفسك و لربّك، فقال رسول اللّه: تمنعوني ممّا تمنعون أنفسكم، و تمنعون أهلي ممّا تمنعون أهليكم و أولادكم؟ قالوا: فما لنا على ذلك؟
قال: الجنّة، تملكون بها العرب في الدنيا، و تدين لكم العجم، و تكونون ملوكا، فقالوا: قد رضينا.
فقام العباس بن نضلة (5)و كان من الأوس فقال: يا معشر الأوس
ص:92
و الخزرج، تعلمون ما تقدّمون عليه؟ إنّما تقدّمون على حرب الأحمر و الأبيض، و على حرب ملوك الدنيا، فإن علمتم أنّه إذا أصابتكم المصيبة في أنفسكم، خذلتموه و تركتموه، فلا تغرّوه، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و إن كان قومه خالفوه، فهو في عزّة و منعة.
فقال عبد اللّه بن حرام، و أسعد بن زرارة، و أبو الهيثم بن التيهان (1):
ما لك و للكلام؟ يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، بل دمنا بدمك، و أنفسنا بنفسك، فاشترط لربّك و لنفسك ما شئت.
فقال رسول اللّه: اخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا، يكفلون عليكم بذلك، كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا، فقالوا: اختر من شئت، فأشار جبرئيل عليه السلام إليهم، فقال: هذا نقيب، و هذا نقيب، حتى اختار تسعة من الخزرج، و هم: أسعد بن زرارة، و البراء بن معرور، و عبد اللّه بن حزام أبو جابر بن عبد اللّه، و رافع بن مالك (2)، و سعد بن عبادة (3)، و المنذر بن عمرو (4)، و عبد اللّه بن رواحة (5)، و سعد بن الربيع (6)، و عبادة بن الصامت (7)، و ثلاثة من الأوس، و هم: أبو الهيثم بن التيهان،
ص:93
و كان رجلا من أهل اليمن حليفا في بني عمرو بن عوف، و أسيد بن حضير، و سعد بن خيثمة (1).
فلمّا اجتمعوا، و بايعوا رسول اللّه، صاح بهم إبليس: يا معشر قريش و العرب، هذا محمّد و الصباة من الأوس و الخزرج، على جمرة العقبة، يبايعونه على حربكم، فأسمع أهل منى، فهاجت قريش، و أقبلوا بالسلاح، و سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم النداء فقال لهم النبيّ تفرّقوا-فقالوا: يا رسول اللّه إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لم أومر بذلك و لم يأذن اللّه لي في محاربتهم-فقالوا: يا رسول اللّه فتخرج معنا؟ قال: أنتظر أمر اللّه.
فجاءت قريش على بكرة أبيها، قد أخذوا السلاح، و خرج حمزة، و معه السيف، فوقف على العقبة، هو و عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلمّا نظروا إلى حمزة قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم عليه؟ قال: ما اجتمعنا، و ما ههنا أحد، و اللّه لا يجوز أحد هذه العقبة إلاّ ضربته بسيفي، فرجعوا، و غدوا إلى عبد اللّه بن أبيّ. و قالوا له: قد بلغنا أنّ قومك بايعوا محمّدا على حربنا، فحلف لهم عبد اللّه إنّهم لم يفعلوا، و لا علم له بذلك، و إنّهم لم يطلعوه على أمرهم، فصدّقوه، و تفرّقت الأنصار، و رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى مكّة (2).
ص:94
في نزول الشعب و حماية أبي طالب
و ما يدلّ على إيمانه من طريق العامّة
1-محمّد بن إسحق، من الجزء الأوّل من كتاب «المغازي» بالاسناد عن عقيل بن أبي طالب (1)، قال: جاءت قريش إلى أبي طالب، قالوا: إنّ ابن أخيك هذا، آذانا في نادينا، و متحدّثنا، فانهه عن ذلك، فقال: يا عقيل، انطلق فأتني بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، فانطلقت إليه، فاستخرجته من كسر يقول من بيت صغير، فجاء به في الظهيرة في شدّة الحرّ، فجعل يطلب الفيء، يمشي فيه من شدّة الحرّ الرمض.
فلمّا أتاهم، قال أبو طالب: إنّ بني عمّك هؤلاء، قد زعموا أنّك تؤذيهم في ناديهم و متحدّثهم، فانته عن أذاهم.
فحلّق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ببصره إلى السماء، فقال:
أترون هذه الشمس، فقالوا: نعم، قال: فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم، على أن تشعلوا منها شعلا فقال أبو طالب: ما كذب ابن أخي قطّ، فارجعوا عنه.
ويليه من الجزء قال: حدّثنا بالاسناد عن أبي اسحق قال: ثمّ قال أبو طالب في شعر: قال: من أجمع على ذلك من نصره لرسول اللّه صلى اللّه عليه
ص:95
و آله و سلم، و الدفاع عنه، على ما كان من عداوة قومه له، قال:
و اللّه لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسّد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك، ما عليك غضاضة و أبشر بذاك، و قرّ منك عيونا
و دعوتني، و زعمت أنك ناصحي و لقد صدقت، و كنت قبل أمينا
و عرضت دينا لا محالة إنّه من خير أديان البريّة دينا
2-و من الجزء الأوّل من كتاب «المغازي» أيضا، بالاسناد قال: لمّا تعاورت قريش على بني هاشم، أن لا يناكحوهم، و لا ينازلوهم، لأجل منع أبي طالب عليه السلام منهم، قال أبو طالب رحمه اللّه:
ألا أبلغا عنّي على ذات (1)بيننا لويّا و خصّا من لوىّ بني كعب
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّدا نبيّا كموسى، خطّ في أوّل الكتب
و أنّ عليه في العباد محبّة و لا خير (2)ممّن خصّه اللّه بالحبّ
و أنّ الذي ألصقتم من كتابكم لكم كائن نحسا كراغية السقب (3)
أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى و يصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب
و لا تتبعوا أمر الوشاة لتقطعوا أو اصرنا (4)بعد المودّة و القرب
ص:96
و تستجلبوا حربا (1)عوانا و ربّما أمرّ على من ذاقه جلب الحرب
فلسنا و ربّ البيت نسلم أحمدا لعزّاء (2)من عضّ الزمان و لا كرب
أليس أبوانا هاشم شدّ أزره و أوصى بنيه بالطعان و بالضرب
و لسنا نملّ الحرب حتّى تملّنا و لا نشتكي ما قد ينوب من النكب
و لكنّنا أهل الحفائظ و النهى إذا طار أرواح الكماة (3)من الرعب (4)
و قال أبو طالب عليه السلام: (5)
ألا أبلغا عنّي لويّا رسالة بحقّ و ما تغني رسالة مرسل
بني عمّنا الأدنين تيما نخصّهم و إخواننا من عبد شمس و نوفل
يقولون لو أنّا قتلنا محمّدا أقّرت نواصي هاشم بالتذلّل
كذبتم و بيت اللّه يثلم (6)ركنه و مكّة و الإشعار (7)في كلّ معمل
و بالحجّ أو بالنيب (8)تدمى نحوره بمدماه و الركن العتيق المقبّل
تنالونه أو تعطفوا دون قتله صوارم تفري كلّ عظم و مفصل
و تدعوا بويل أنتم إذ ظلمتموا هنالك في يوم أغرّ محجّل (9)
ص:97
فمهلا و لمّا ينكح الحرب بكرها و تأتي تماما أو بآخر معجل (1)
فإنّا متى ما نمرها (2)بسيوفنا تجلجل (3)و نفرك من نشاء بكلكل
و تلقوا ربيع الأبطحين محمّدا على ربوة من رأس عنقاء عيطل (4)
و تأوي إليها هاشم إنّ هاشما عرانين (5)كعب آخرا بعد أوّل
فإن كنتموا ترجون قتل محمّد فروموا بما جمّعتموا نقل يذبل
فإنّا سنحميه بكلّ طمرّة (6) و ذي منعة نهد المراكل هيكل (7)
وكّل ردينيّ (8)ظماء كعوبه و عضب (9)كإيماض الغمامة مقصل (10)
بأيمان شمّ (11)من ذؤابة (12)هاشم مغاوير (13)بالأبطال في كلّ محفل
ص:98
و من الجزء المذكور أيضا، بالاسناد عن ابن إسحاق قال: فلمّا سمعت بذلك قريش و رأوا من أبي طالب الجدّ، و أيسوا منه، أمدّوا لبني عبد المطّلب الجفاء، و انطلق بهم أبو طالب، و قاموا بين أستار الكعبة، فدعوا اللّه على ظلم قومهم لهم، و في قطيعتهم أرحامهم و اجتماعهم على محاربتهم، و تناولهم سفك دمائهم.
فقال أبو طالب: اللّهمّ إنّ قومنا أبى النصر علينا فعجّل نصرنا، و حل بينهم و بين قتل ابن أخي، ثم أقبل إلى جمع قريش، و هم ينظرون إليه و إلى أصحابه.
فقال أبو طالب رحمه اللّه: ندعو ربّ هذا البيت على القاطع المنتهك للمحارم، و اللّه لتنهنّ عن الذي تريدون، أو لينزل اللّه بكم في قطيعتنا بعض الذي تكرهون، فأجابوه: إنّكم يا بني عبد المطّلب، لا صلح بيننا، و لا رحم، إلاّ على قتل هذا الصبيّ السفيه.
ثمّ عمد أبو طالب، فأدخل الشعب ابن أخيه، و بني أبيه، و من اتّبعهم: من بين مؤمن دخل لنصر اللّه و نصر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و من بين مشرك، فدخلوا شعبهم، و هو شعب أبي طالب، في ناحية من مكّة.
3-فلمّا قدم عمرو بن العاص (1)و عبد اللّه بن أبي ربيعة (2)، إلى قريش، فأخبروهم بالذي قال النجاشي (3)لمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم و أصحاب، إشتدّ
ص:99
وجدهم، و آذوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أصحابه أذى شديدا، و ضربوهم في ظلّ الطريق، و حصروهم في الشعب، و قطعوا عنهم المادّة من الأسواق، فلم يدعوا أحدا من الناس يدخل عليهم بطعام، و لا شيئا ممّا يرزقونهم، فكانوا يخرجون من الشعب إلى الموسم، فكانت قريش تبادرهم إلى الأسواق، فيشرونها و يغلونها عليهم، و نادى منادي الوليد في قريش: أيّما رجل وجدتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه.
4-و بالاسناد، و من الجزء المذكور، يليه بلا فاصلة، قال، عن ابن إسحاق في حديثه عن الوليد: فمن رأيتموه عند طعام يشتريه، فزيدوا عليه، و حوّلوا بينهم و بينه، و لم يكن عنده نقد فليشتر على النقد، ففعلوا ذلك ثلاث سنين، حتى بلغوا القوم الشديد، و حتى سمعوا أصوات صبيانهم يتصائحون من وراء الشعب، فكان المشركون يكرهون ما فيه بنو هاشم من البلاء، حتى كره عامّة قريش ما أصاب ببني هاشم، و أظهروا كراهيتهم لصحيفتهم القاطعة الظالمة، التي تعاهدوا فيها على محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم و رهطه، و حتى أراد رجل منهم أن يبرء منها.
و كان أبو طالب يخاف أن يغتالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ليلا و سرّا، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا أخذ مضجعه أو رقد، بعثه أبو طالب من فراشه، و جعله بينه و بين بنيه، خشية أن يغتالوه.
و تصبح قريش، فيسمعون من الليل أصوات صبيان بني هاشم الذين في الشعب يتصايحون من الجوع، فإذا أصبحوا، جلسوا عند الكعبة، فيسأل بعضهم بعضا، فيقول الرجل لصاحبه: كيف بات أهلك البارحة؟ فيقول:
بخير، لكن إخوانكم هؤلاء الذي في الشعب بات صبيانهم يتصايحون من الجوع حتى أصبحوا. فمنهم من يعجبه ما يلقى محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم و رهطه، و منهم من يكره ذلك.
فقال أبو طالب: و هو يذكر ما طلبوا من محمّد صلى اللّه عليه
ص:100
و آله و سلم، و ما حسدوهم، في كلّ موسم يمنعونهم أن يبتاعوا بعض ما يصحلهم، و ذكر ذلك شعرا:
ألا ما لهم في آخر الليل معتم طواني، و أخرى النجم لم يتفحم
طواني و قد نامت عيون كثيرة و سائر أخرى ساهم لم تنوم
لأحلام أقوام أرادوا محمّدا بسوء من لا يتّقي الظلم يظلم
سعوا سفها و اقتادهم سوء رأيهم على قائل من رأيهم غير محكم
رجال نووا ما لن ينالوا نظامها و إن حسدوا في كلّ نفر و موسم
أيرجون أن نسخى بقتل محمّد و لم تختضب سمر العوالي من الدم؟
أيرجون منّا خطّة دون نيلها ضراب و طعن بالوشيح المقوم؟
خزيتم-و بيت اللّه-لا تقتلونه جماجم نلقى بالحطيم و زمزم
و تقطع أرحام و تسبى حليلة و يغشى عليه مجرم بعد مجرم
و ينهض قوم بالدروع إليكم يذبّون عن أحسابهم كلّ مجرم
5-و من الجزء المذكور أيضا، بالاسناد أيضا، عن ابن إسحق قال: ثمّ إنّ اللّه عزّ و جلّ برحمته: أرسل على صحيفة قريش الّتي كتبوا فيها تظاهرهم على بني هاشم الأرضة، فلم يدع فيها اسما للّه تعالى إلاّ أكلته، و بقي فيها الظلم و القطيعة و البهتان، فأخبر اللّه عزّ و جلّ بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فأخبر أبا طالب.
فقال له أبو طالب: يا ابن أخي من حدّثك بهذا، و ليس يدخل علينا أحد، و لا تخرج أنت إلى أحد، و لست في نفسي من أهل الكذب؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: أخبرني ربّي بهذا. فقال له عمّه: إنّ ربّك الحقّ و أنا أشهد أنّك صادق.
فجمع أبو طالب رهطه، و لم يخبرهم بما أخبره به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، كراهية أن يفشوا ذلك الخبر، فيبلغ المشركين، فيحتالوا للصحيفة الخب و المكر.
فانطلق أبو طالب برهطه، حتى دخل المسجد، و المشركون من قريش في
ص:101
ظلّ الكعبة، فلمّا أبصروه تباشروا به، و ظنّوا أنّ الحصر و البلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فيقتلوه.
فلمّا انتهى إليهم أبو طالب و رهطه، رحّبوا به، فقالوا: قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل، في قتله صلاحكم و جماعتكم، و في حياته فرقتكم و فسادكم.
فقال أبو طالب: قد جئتكم في أمر، لعلّه يكون فيه صلاح و جماعة، فاقبلوا ذلك منّا، هلمّوا صحيفتكم الّتي فيها تظاهركم علينا، فجاءوا بها، و لا يشكّون إلاّ أنّهم يدفعون رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا نشروها، فلمّا جاؤوا بصحيفتهم، قال أبو طالب: بيني و بينكم، إنّ ابن أخي قد أخبرني- و لم يكذبنى-أنّ اللّه عزّ و جلّ قد بعث على صحيفتكم الأرضة (1)فلم تدع للّه تعالى إسما إلاّ أثبتته و نفت منها الظلم و القطعية و البهتان، فإن كان كاذبا، فلكم عليّ أن أدفعه إليكم تقتلونه، و إن كان صادقا، فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا؟ فأخذ عليهم المواثيق، و أخذوا عليه، فلمّا نشروها، فإذا هي كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و كانوا هم بالعذر أولى منهم فاستسرّ أبو طالب و أصحابه، و قالوا: أيّنا أولى بالسخر و القطيعة و البهتان.
فقام المطعم بن عدي بن نوفل بن مناف، و هشام بن عمرو أخو بني عامر بن لوّي بن حارثة، فقالوا: نحن براء من هذه الصحيفة القاطعة العادية الظالمة، و لن نمالي أحدا في فساد أمرنا و أشرافنا، و تتابع على ذلك ناس من أشراف قريش، فخرج أقوام من شعبهم، و قد أصابهم الجهد الشديد، فقال أبو طالب في ذلك أمر محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، و ما أرادوا من قتله:
تطاول ليلي بهمّ نصب و دمع كسح (2)السقاء (3)السرب (4)
ص:102
للعب قصىّ بأحلامها و هل يرجع الحلم بعد اللعب
و نفى قصىّ بني هاشم كنفي الطهاة (1)لطاف الحطب
و قالوا لأحمد أنت امرء خلوف الحديث ضعيف النسب
و إن كان أحمد قد جاءهم بحقّ و لم يأتهم بالكذب
على أنّ إخواننا و ازروا بني هاشم و بني المطّلب
هما أخوان كعظم اليمين أمرّا علينا بعقد الكرب (2)
فيا لقصىّ ألم تعلموا بما قد مضى من شؤون العرب
فلا تمسكنّ بأيديكم بعيد الأنوق (3)بعجم (4)الذنب
علام علام تلافيتم بأمر مراح و حلم عزب
و رمتم بأحمد ما رمتم على الآصرات (5)و قرب النسب
فأمّا و من حج من راكب و كعبة مكّة ذات الحجب
تنالون أحمد أو تصطلوا ظباة (6)الرماح و حدّ القضب (7)
و تفترفوا بين أبياتكم صدور العوالي (8)و خيل عصب (9)
تراهنّ ما بين ضافي (10)السبيب (11) قصير الحزام (12)طويل اللبب (13)
ص:103
و جرداء كالطير سمحوجة (1) طواها النقائع (2)بعد الحلب
عليها صناديد من هاشم هم الأنجبون مع المنتجب
و قال أبو طالب في شأن الصحيفة لمّا رأى من قومه لا يتناهون و قد رأوا ما فيها من العلم بما رأوا:
ألا من لهمّ أخر الليل منصب و شعب العصا من قومك المتشعّب
و حرب أتينا من لوىّ بن غالب متى ما تزاحمها الصحيفة تخرب
إذا قائم في القوم قام بخطبة ألدّوا (3)به ذنبا و ليس بمذنب
و قد جرّبوا فيما مضى غبّ (4)أمرهم و ما عالم أمرا كمن لم يجرّب
و قد كان في أمر الصحيفة عبرة متى ما يخبّر غائب القوم يعجب
محى اللّه منها كفرهم و عقوقهم و ما نقموا من ناطق الحقّ معرب
فأصبح ما قالوا من الأمر باطلا و من يختلق ما ليس بالحقّ يكذب
و أمسى ابن عبد اللّه فينا مصدقّا على سخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبونا مسلمين محمّدا لذي عزّة منّا و لا متعرّب
ستمنعه منّا يد هاشميّة مركّبها في الناس خير مركّب
و ما ذنب من يدعو إلى الربّ و التقى و من يستطع أن يرأب الشعيب (5)برأب
6-و بالاسناد، قال: فلمّا ماراهم أبو طالب بالعداوة، و باراهم بالحرب، عدت قريش على من منهم، فأوثقوه و آذوه، و اشتدّ البلاء عليهم، و عظمت الفتنة فيهم، و زلزلوا زلزالا شديدا، و عدت بنو جمح على عثمان بن مظعون (6)، و فرّ أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم (7)
ص:104
إلى أبي طالب ليمنعه، و كان خاله، فجاءت بنو مخزوم ليأخذوا به، فمنعه (1).
فقالوا: يا أبا طالب، منعت منّا ابن أخيك، أتمنع منّا ابن أخينا؟ فقال أبو طالب: أمنع منه ما أمنع ابن أخي، فقال أبو لهب، و لم يتكلّم بكلام خير قطّ ليس يومئذ: صدق أبو طالب، لا يسلّمه إليهم، و طمع فيه أبو طالب حين سمع منه ما سمع، و رجاء نصره و القيام معه.
7-قال: و حدّثنا يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: ما زالت قريش كافّين عني، حتى مات أبو طالب.
8-و عن أبي إسحق قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام، يرثي أبا طالب حين مات:
أرقت (2)لنوح (3)آخر الليل غرّدا (4) لشيخي ينعى و الرئيس المسوّدا
أبا طالب مأوى الصعاليك (5)ذا الندى و ذا الحلم لا خلفا (6)و لم يك قعددا (7)
أخا الملك خلا ثلمة سيسدّها بنو هاشم أو تستباح و تضهدا (8)
فأمست قريش يفرحون لفقده و لست أرى حبّا لشيء مخلّدا
أرادت أمورا ألزبتها (9)حلومها ستوردها يوما من الغيّ موردا
يرجون تكذيب النبيّ و قتله و أن يفتروا بهتا عليه و مجحدا
ص:105
كذبتم و بيت اللّه حتى نذيقكم صدور العوالي و الصفيح المهنّدا
فإمّا تبيدونا و إمّا نبيدكم و إمّا تروا سلم العشيرة أرشدا
و إلاّ فإنّ الحيّ دون محمّد بنو هاشم خير البريّة محتدا (1)
و إنّ له فيكم من اللّه ناصرا و ليس نبيّ صاحب اللّه أوحدا
نبيّ أتى من كلّ وحي بخطبة فسمّاه ربّي في الكتاب محمّدا
أغرّ كضوء البدر صورة وجهه جلا الغيم عنه ضوءه فتفرّدا
أمين على ما استودع اللّه قلبه و إن قال قولا كان فيه مسدّدا
و نقتصر في هذا الباب على ما ذكرنا هنا، من طريق العامة، من حماية أبي طالب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و ذكر غير ذلك يطول به الكتاب، و من أراد الوقوف على الزيادة على ما ذكرنا، فعليه بكتاب مستدرك يحيى بن الحسن بن البطريق (2)، فقد ذكر الكثير من طرق الجمهور، ما يدلّ على حماية أبي طالب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و ما يدلّ على إيمانه و الحمد للّه.
ص:106
في أذى المشركين له
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم (1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: بينا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم في المسجد الحرام، و عليه ثياب له جدد، فألقى المشركون عليه سلا (2)ناقة فملؤوا ثيابه بها، فدخله من ذلك ما شاء اللّه، فذهب إلى أبي طالب فقال له: يا عمّ كيف ترى حسبي فيكم؟ فقال له: و ما ذاك يا ابن أخي؟ فأخبره الخبر، فدعا أبو طالب حمزة، و أخذ السيف و قال لحمزة: خذ السلا.
ثمّ توجّه إلى القوم، و النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم معه، فأتى قريشا و هم حول الكعبة، فلمّا رأوه عرفوا الشرّ في وجهه، ثم قال لحمزة: أمرّ السلا على سبالهم (3)، ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم، ثمّ التفت أبو طالب إلى
ص:107
النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: يا ابن أخي هذا حسبك فينا (1).
2-و روى عمر بن ابراهيم الأوسي (2)في كتابه قال: نحر أبو جهل يوما جزورا، ثمّ أخذ سلاها، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ساجد، فغرسها بين كتفيه، و إذا بفاطمة عليها السلام طرحته عنه فلمّا فرغ، قال:
اللّهمّ عليك بأبي جهل بن هشام و بعتبة بن ربيعة، و بشيبة بن ربيعة (3)و بالوليد بن عتبة (4)، و بأمّية بن خلف (5)، و بعقبة بن أبي معيط، إنّهم أوهنوني.
قال ابن مسعود (6)رضي اللّه عنه و اللّه لقد رأيتهم قتلى في قليب بدر (7).
3-تفسير الامام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، في قوله تعالى وَ إِذا لَقُوا اَلَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا (8)كانوا إذا لقوا سلمان (9)، و المقداد (10)، و أباذر (11)، و عمارا (12)، قالوا: آمّنا كإيمانكم، آمنّا بنبوّة محمد صلى اللّه عليه
ص:108
و آله و سلم، مقرونا بالايمان بإمامة أخيه عليّ بن أبي طالب، و بأنه أخوه الهادي، و وزيره المواتي (1)، و خليفته على أمتّه، و منجز عدته، و الوافي بذمّته، و الناهض بأعباء (2)سياسته، و قيّم الخلق الذائذ (3)لهم عن سخط الرحمن، الموجب لهم إن أطاعوه رضا الرحمن، و أنّ خلفائه من بعده هم النجوم الزاهرة، و الأقمار المنيرة، و الشموس المضيئة الباهرة، و أنّ أولياؤهم أولياء اللّه، و أنّ أعداءهم أعداء اللّه.
و يقول بعضهم: نشهد أنّ محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلم صاحب المعجزات، و مقيم الدلالات الواضحات، هو الذي لمّا تواطئت قريش على قتله، و طلبوه فقدا لروحه، يبّس اللّه أيديهم فلم تعمل، و أرجلهم فلم تنهض، حتى رجعوا عنه خائبين مغلوبين، لو شاء محمد (4)قتلهم أجمعين، و هو الذي لمّا جاءته قريش، و أشخصته إلى هبل (5)، ليحكم عليه بصدقهم و كذبهم، خرّ هبل لوجهه، و شهد له بنبوّته، و لعليّ أخيه بامامته و بولايته من بعده بوراثته (6)، و القيام بسياسته و إمامته.
و هو الذي ألجأته قريش إلى الشعب، و وكّلوا ببابه من يمنع من إيصال قوت، و من خروج أحد عنه، خوفا أن يطلب لهم قوتا، غذّى هناك كافرهم و مؤمنهم أفضل من المنّ و السلوى، كلّ ما اشتهى كلّ واحد منهم من أنواع الأطعمة الطيّبات، و من أصناف الحلاوات، و كساهم أحسن الكسوات.
و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بين أظهرهم، إذ يراهم و قد
ص:109
ضاق بضيق فجّهم صدورهم، فشال بيده (1)هكذا بيمناه إلى الجبال، و هكذا بيسراه إلى الجبال، و قال لها اندفعي. فتندفع، و تتأخر حتى يصيروا بذلك في صحراء لا ترى أطرافها، ثمّ يقول بيده هكذا، يقول: اطلعي أيّتها المودعات لمحمّد و أنصاره، و ما أودعكها اللّه الأشجار و الأثمار و أنواع الزهر و النبات، فتطلع من الأشجار الباسقة (2)، و الرياحين المونقة، و الخضراوات النزهة، ما تتمتع به القلوب و الأبصار، و تنجلي به الهموم و الغموم و الأفكار، و يعلمون أنّه ليس لأحد من ملوك الأرض مثل صحرائهم، على ما تشتمل عليه من عجائب أشجارها، و تهدّل (3)أثمارها، و اطّراد أنهارها، و غضارة ناحيتها (4)و حسن نباتها.
و محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم هو الذي لمّا جاءه رسول أبي جهل يتهدّده و يقول: يا محمّد إنّ الخيوط (5)التي في رأسك هي التي ضيّقت عليك مكّة، و رمت بك إلى يثرب، و إنّها لا تزال بك، حتى تنفّرك و تحثّك على ما يفسدك و تبلغك، إلى أن تفسدها إلى أهلها، و تصليهم حرّ نارك، تعدّيك طورك (6)، و ما أرى ذلك إلاّ و سيؤول إلى أن تثور عليك قريش (7)ثورة رجل واحد، لقصد آثارك، و دفع ضررك و بلاءك، فتلقاهم بسفهاءك المغتّرين بك، و يساعدك على ذلك، من هو كافر بك، مبغض لك، فتلجأه إلى مساعدتك و مظافرتك خوفا لأن يهلك بهلاكك، و تعطب عياله بعطبك (8)، و يفتقر هو و من
ص:110
يليه فقرك و بفقر شيعتك (1)، إذ يعتقدون أنّ أعداءك إذا قهروك، و دخلوا ديارهم عنوة، لم يفرّقوا بين من والاك و عاداك، و اصطلموهم باصطلامهم (2)لك، و أتوا على عيالاتهم و أموالهم بالسبي و النهب، كما يأتون على أموالك و عيالك، و قد أعذر من أنذر، و بالغ من أوضح، و أدّيت هذه الرسالة إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، و هو بظاهر المدينة، بحضرة كافّة أصحابه، و عامّة الكفّار به، من يهود بني إسرائيل.
و هكذا أمر الرسول، ليجبّن المؤمنين، و يغري بالوثوب عليه، سائر من هناك من الكافرين، فقال رسول اللّه للرسول: قد اطردت مقالتك، و استكملت رسالتك؟ قال: بلى، قال: فاسمع الجواب، إنّ أبا جهل بالمكاره و العطب يهدّدني، و ربّ العالمين بالنصر و الظفر يعدني، و خبر رسول اللّه أصدق، و القبول من اللّه أحقّ، لن يضرّ محمّدا من خذله، أو يغضب عليه بعد أن ينصره اللّه، و يتفضّل بجوده و كرمه عليه، قل له: يا أبا جهل، إنّك راسلتني بما ألقاه في خلدك (3)الشيطان، و أنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن، إنّ الحرب بيننا و بينك كائنة إلى تسع و عشرين يوما، و إنّ اللّه سيقتلك فيها بأضعف أصحابي، و ستلقى أنت، و عتبة، و شيبة، و الوليد، و فلان و فلان و ذكر عددا من قريش، في قليب بدر مقتّلين، أقتل منك سبعين، و آسر سبعين، أحملهم على الفداء الثقيل.
ثمّ نادى جماعة من بحضرته، من المؤمنين، و اليهود، و سائر الأخلاط (4): ألا تحبّون أن أريكم مصرع كلّ واحد من هؤلاء؟ هلمّوا إلى بدر، فإنّ هناك الملتقى و المحشر، و هناك البلاء الأكبر، لأضع قدمي على مواضع مصارعهم، ثمّ ستجدونها لا تزيد و لا تنقص، و لا تتغيّر و لا تتقدّم و لا
ص:111
تتأخّر لحظة، و لا قليلا و لا كثيرا، فلم يخف ذلك على أحد، و لم يجبه إلاّ عليّ بن أبي طالب وحده، و قال: نعم، بسم اللّه.
قال الباقون: نحن نحتاج إلى مركوب و آلات و نفقات، فلا يمكننا الخروج إلى هناك، و هو مسيرة أيّام، فقالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لسائر اليهود: فأنتم ماذا تقولون؟ قالوا: نحن نريد أن نستقرّ في بيوتنا، و لا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادّعائه محيل. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: لا نصب عليكم في المسير إلى هناك، اخطو خطوة واحدة، فإنّ اللّه يطوي الأرض لكم، و يوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك.
و قال المؤمنون: صدق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فلنتشرّف بهذه الآية، و قال الكافرون و المنافقون: سوف نمتحن هذا الكذب ليقطع عذر محمد، و يصير دعواه حجّة عليه، و فاضحة له في كذبه قال: فخطا القوم خطوة، ثمّ الثانية، فإذا هم ببئر بدر، فعجبوا من ذلك، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: اجعلوا البئر علامة، و اذرعوا من عندها كذا ذراعا فذرعوا، فلمّا انتهوا إلى آخرها، قال: هذا مصرع أبي جهل، يجرحه فلان الأنصاري، و يجهز عليه عبد اللّه بن مسعود، أضعف أصحابي، ثمّ اذرعوا من البئر من جانب آخر، ثمّ جانب آخر كذا و كذا ذراعا، و ذكر أعداد الأذرع مختلفة.
فلمّا انتهى كلّ عدد إلى آخره، قال محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم: هذا مصرع عتبة، و ذاك مصرع شيبة، و هذا مصرع الوليد، و سيقتل فلان و فلان، إلى أن سمّى تمام سبعين منهم بأسمائهم، و سيؤسر فلان و فلان، إلى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم، و أسماء آباءهم، و صفاتهم، و نسب المنسوبين إلى الآباء منهم، و نسب الموالي منهم إلى مواليهم.
ثمّ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: أوقفتم على ما أخبرتكم به؟ قالوا: بلى، قال: إنّ ذلك لحقّ، كائن بعد ثمانية و عشرين يوما من اليوم التاسع و العشرين، وعدا من اللّه مفعولا، و قضاء حتما لازما.
ص:112
ثمّ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: يا معشر المسلمين و اليهود، أكتبوا بما سمعتم فقالوا: يا رسول اللّه، قد سمعنا، و وعينا، و لا ننسى.
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: الكتابة أذكر لكم. فقالوا يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و أين الدواة و الكتف؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: ذلك للملائكة: ثمّ قال: يا ملائكة ربّي، أكتبوا ما سمعتم من هذه «القصّة» في أكتاف و اجعلوا في كمّ كلّ واحد منهم كتفا من ذلك.
ثمّ قال: يا معاشر المسلمين تأمّلوا أكمامكم و ما فيها، و أخرجوه و أقرؤوه، فتأمّلوها فإذا في كمّ كلّ واحد منهم صحيفة، ثمّ قرأوها و إذا فيها ذكر ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في ذلك لا يزيد و لا ينقص، و لا يتقدّم و لا يتأخّر، فقال: أعيدوها في أكمامكم تكن حجّة عليكم، و شرفا للمؤمنين منكم، و حجّة على أعدائكم، فكانت معهم فلمّا كان يوم بدر جرت الأمور كلّها، و وجدوها كما قال لا تزيد و لا تنقص، قابلوا بها ما في كتبهم، فوجدوها كما كتبت الملائكة لا تزيد و لا تنقص، و لا تتقدّم و لا تتأخّر (1).
4-قال عمر بن إبراهيم الأوسي و غيره، و اللفظ له، قال: روي أنّ صفوان (2)لعنه اللّه ملأ سيفه سمّا و استأجر عمير بن وهب (3)على قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فأتى راكبا راحلته، و أناخها بباب المسجد، و دخل على رسول اللّه، و علاه بالسيف، و إذا بيده يبست، فنظر إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: مالك لا تفعل ما أمرت به؟ فولّى راجعا طائر الأعيان.
فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و أقسم عليه بدينه، فرجع، فقال له: جلست أنت و صفوان بن أميّة في الحجر، و ذكرتما أصحاب القليب من قريش، و أنت قلت لو لا دين عليّ و عيال لي أخاف عليهم الضعف بعدي
ص:113
لخرجت لقتل محمد، و تحمّل صفوان بدينك و عيالك، فجئت إليّ لتقتلني، لم لا تفعل؟ قال: مدّ يدك اشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنت محمّد رسول اللّه و عليّ وليّ اللّه.
5-و قال الأوسي: و قدم عامر بن طفيل (1)، يريد قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و قد أعطاه جعلا أربد بن قيس، و قال أنظره إلى أن يصلّي فاعله بالسيف، فلمّا قدما على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و هو في صلوته، فقدم عامر بن الطفيل، و هو في صلوته، فأتاه يريد الغدر به، فإذا به مصفدا، فصاح، فأتي الخبر إلى أربد بن قيس (2)، فأتى مسرعا بغيظه مجهرا، فلمّا وصل و إذا به مصفّدا، فجعلا يصيحان هذا و محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم بصلوته.
فلمّا فرغ نظر إليهما فقالا: فكنّا يا رسول اللّه: قال: تؤمنان باللّه؟ قالا:
نعم، ففكّهما فقال عامر: و اللّه لأملأنّها عليك خيلا و رجلا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: اللّهمّ اكفنا شرّه و ابتله بغدّة كغدّة البعير، فخرج بسفره، و إذا هي برقبته (3)كبندقة، فصاح و مات على البعير و انقلب على الأرض لا رحمه اللّه.
6-و عن جابر بن عبد اللّه: أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم نزل تحت شجرة، فعلّق بها سيفه، ثمّ نام فجاء أعرابيّ فأخذ السيف و قام على رأسه:
فاستيقظ عليه السلام فقال: يا محمّد من يعصمك الآن منّي؟ قال: اللّه تعالى، فرجف (4)، و سقط السيف من يده.
و في خبر أنّه بقي جالسا زمانا و لم يعاقبه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم.
7-حذيفة و أبو هريرة: جاء أبو جهل إلى النبيّ صلى اللّه عليه
ص:114
و آله و سلم-و هو يصلّي-ليطأ على رقبته فجعل ينكص على عقبيه، فقيل:
مالك؟ قال: إنّ بيني و بينه خندقا من نار مهولا، و رأيت الملائكة ذوي أجنحة فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم: لو دنا منّي لا خطفته الملائكة عضوا عضوا فنزل أَ رَأَيْتَ اَلَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى (1)الآيات (2).
8-محمّد بن إسحق لمّا خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم مهاجرا اتبعه سراقة بن جعشم مع خيله، فلمّا رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم دعا، فكان قوائم فرسه ساخت حتى تغيّبت، فتضرّع إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم حتى دعا و صار إلى الأرض، فقصد كذلك ثلثا و النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: يا أرض خذيه، فإذا تضرّع قال: دعيه، فحلف بعد الرابعة أن لا يعود إلى ما يسؤوه.
و هذا الحديث و القصّة مذكور من طرق الخاصّة و العامّة.
9-الطبرسي في «الاحتجاج» في حديث طويل عن الامام موسى بن جعفر عليهما السلام عن آبائه، عن الحسين بن علي، عن أبيه عليهم السلام، في حديث له مع يهوديّ، قال أمير المؤمنين عليه السلام: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يؤذي قريشا بالدعاء فقام يوما فسفّه أحلامهم، و عاب دينهم، و شتم أصنامهم، و ضلّل آباءهم، فاغتموا لذلك غمّا شديدا فقال أبو جهل: و اللّه للموت خير لنا من الحياة، فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا فيقتل به؟ فقالوا: لا. قال: فأنا أقتله، فإن شاءت بنو عبد المطلب قتلوني، و إلاّ تركوني، قالوا: فإنّك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به، قال: إنّه كثير السجود حول الكعبة، فإذا سجد و جاء أخذت حجرا فشدخته (3)به.
فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فطاف بالبيت أسبوعا، ثمّ
ص:115
صلّى و أطال السجود، فأخذ أبو جهل حجرا، فأتاه من قبل رأسه، فلمّا أن قرب منه أقبل فحل من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فاغرا (1)فاه نحوه، فلمّا أن رآه أبو جهل فزع منه، و ارتعدت يده، و طرح الحجر فشدخ رجله، فرجع مدميا متغيّر اللّون، يفيض عرقا فقال له أصحابه: ما رأيناك كاليوم؟ ! قال: ويحكم أعذروني، فإنّه أقبل من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبلعني، فرميت بالحجر فشدخت رجلي (2).
10-محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري (ره) في «قرب الاسناد» عن الحسن بن ظريف، عن معمّر، عن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عليهم السلام، في حديث طويل قال: إنّ أبا جهل عمرو بن هشام المخزومي أتاه، يعني النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم، و هو نائم خلف جدار، و معه حجر يريد أن يرميه به فالتصق بكّفه (3).
11-و في هذا الحديث أيضا: أنّ عامر بن الطفيل، و أربد (4)بن قيس أتيا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال عامر لأربد: إذا أتيناه فأنا أشاغله عنك، فاعله بالسيف، فلمّا دخلا عليه قال عامر: يا محمّد حائر (5)؟ قال:
لا حتى تقول: لا إله إلاّ اللّه، و إنّي رسول اللّه، و هو ينظر إلى أربد، و أربد لا يحير شيئا فلمّا طال ذلك نهض و خرج، و قال لأربد: ما كان أحد على وجه الأرض أخوف منك على نفسي فتكا منك، و لعمري لا أخافك بعد اليوم، فقال له أربد: لا تعجل فإنّي ما هممت بما أمرتني به إلاّ دخلت الرجال بيني و بينه حتى ما أبصر غيرك فأضربك (6).
12-و عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لمّا ظهرت نبوّة
ص:116
محمّد صلى اللّه عليه و آله و عظم على قريش أمره و نزول الوحي عليه و ما كان يخبرهم به قال بعضهم لبعض: ليس لنا إلاّ قتل محمّد، و قال أبو سفيان: أنا أقتله لكم، قالوا: و كيف تصنع؟ قال: بلغنا أنّه يظلّ كلّ ليلة في مغار جبل أو في واد و قد عرفت أنّه في هذه الليلة يمضي إلى جبل حراء فيظلّ فيه، قالوا:
ويحك يا أبا سفيان إنّه لا يمشي عليه أحد إلاّ قذفه حتى يقطعه، و كيف يمضي أحد إليه؟ !
و بعثوا إلى أرصاد (1)لهم على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال تجسّسوا لنا عليه اللّيلة، و دوروا من حول جبل حراء، فلعلّ محمّدا يعلوه فيقذفه، فتكفون مؤنته، فلمّا جنّ عليه اللّيل أخذ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ خرجا و أصحابه لا يشعرون، و أبو سفيان و جميع من في الرصّد مقنّعون (2)بالحديد من حول حراء، فما شعروا حتى وافى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين عليه السلام بين يديه، فصعدا جبل حراء فلمّا صارا عليه و في ذروته، اهتزّ الجبل و ماج (3)، ففزع أبو سفيان و من معه، فتباعدوا من الجبل، و قالوا: كفينا مؤنة محمّد و قد قذفه حراء و قطعه، فاطلبوه من حول الجبل، فسمعوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: أسكن حراء فما عليك إلاّ نبيّ و وصيّ نبيّ.
فقال أبو سفيان: فسمعت محمّدا، يقول: جبل حراء إن قرب منك أبو سفيان و من معه فأدمهم بهوامّك (4)حتى تنهشهم فتجعلهم حصيدا خامدين قال أبو سفيان: فسمعت حراء يلبّيه من كلّ جوانبه و يقول: سمعا و طاعة لك يا رسول اللّه و لوصيّك، فسعينا على وجوهنا خوفا أن نهلك بما قال محمّد صلى اللّه عليه و آله، و أصبحوا و اجتمعت قريش فقصّوا قصتهم و ما كان من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و ما خاطب به جبل حراء و ما أجابه، فقال أبو جهل لعنه
ص:117
اللّه: ماذا أنتم صانعون؟ فقالوا: رأيك فأنت سيّدنا و كبيرنا، فقال:
نكافح (1)محمّدا بالسيف علينا أم عليه، غلبنا أم غلبناه، ففي أحد الغلبين راحة، فقال أبو سفيان: و قد بقي لي كيدا أكيد به محمّدا، فقالوا له: و ما هو يا أبا سفيان؟ فقال: إنّه قد خبرت أنّه يستظلّ من حرّ الشمس تحت حجر عال في هذا اليوم، فآتي الحجر إذا استظلّ به محمّد فأهدهده (2)عليه بجمع ذي القوّة، فلعلّنا نكفي مؤنته، فقالوا له: فافعل يا أبا سفيان، قال: فبعث أبو سفيان رصدا على النبيّ صلى اللّه عليه و آله حتى عرف أنّه قد خرج هو و عليّ عليه السلام معه حتى أتيا الحجر و استظلّ تحته، و جعل رأسه في حجر عليّ صلوات اللّه عليهما، فقال: يا عليّ إنّي راقد و أبو سفيان يأتيك من وراء هذا الحجر في جمع ذي قوّة، فإذا صاروا في ظهر الحجر استصعب عليهم، و يمتنع من أن يعمل فيه أيديهم، فمر الحجر أن ينقلب عليهم فإنّه ينقلب، فيقتل القوم جميعا و يفلت (3)أبو سفيان وحده.
فقال أبو سفيان لأصحابه: لا تجزعوا من كلام محمّد، فإنّه ما قال هذا القول إلاّ ليسمعنا حتى لا ندنو من الحجر، ثمّ إنّه شجّعهم حتى صاروا في ظهر الحجر، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم راقد في حجر عليّ بن أبي طالب، فراموا (4)الحجر أن يستهدهدوه أو يقلعوه فيلقوه على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فاستصعب عليهم و امتنع منهم.
فقال أصحاب أبي سفيان: إنّا نظنّ محمّدا قد قال: حقا، إنّا نعهد هذا الحجر لو رامه بعض عدوّنا لدهدهه و قلعه، فما باله اليوم مع كثرتنا لا يهتّز! فقال أبو سفيان: اصبروا عليه.
و أحسّ بهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فصاح: يا حجر انقلب عليهم فأت عليهم غير صخر بن حرب، فما استتمّ كلامه حتى انقضّ الحجر عليهم
ص:118
فتفرّقوا، فامتدّ الحجر، و طال، حتى كبس القوم جميعا غير أبي سفيان، فإنّه أفلت و هو يضحك و يقول: يا محمّد، لو أحييت لي الموتى، و سيّرت الجبال، و أطاعك كلّ شيء لعصيتك وحدي، فسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كلامه فقال له: ويلك يا أبا سفيان، و اللّه لتؤمننّ بي، و لتطيعني مكرها مغلوبا، إذا فتح اللّه مكة.
فقال أبو سفيان: أمّا و قد أخبرت يا محمد بفتح مكّة و إيماني بك و طاعتي إيّاك قهرا لا يكون، ففتح اللّه على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مكّة، و أسر أبو سفيان، فآمن مكرها و أطاع صاغرا.
فقال أبو عبد اللّه صلوات اللّه عليه: و اللّه لقد دخل أبو سفيان بعد فتح مكّة على رسول اللّه و هو في مسجده على منبره، في يوم جمعة بالمدينة، فنظر أبو سفيان إلى أكابر ربيعة، و مضر، و اليمن، و ساداتهم في المسجد، يزاحم بعضهم بعضا، فوقف أبو سفيان متحيّرا، و قال في نفسه: يا محمّد قدرت أنّ هذه الجماجم تذل لك حتى تعلو أعوادك هذه و تقول ما تقول، فقطع النبيّ صلوات اللّه عليه و آله خطبته، و قال له: على رغم أنفك يا أبا سفيان، فجلس أبو سفيان خجلا ثمّ قال في نفسه: يا محمد، إن أمكنني اللّه منك لأملأنّ يثرب خيلا و رجلا و لأعفينّ آثارك.
فقطع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم خطبته ثمّ قال: يا أبا سفيان أمّا في حياتي فلا، و أمّا بعدي يتقدّمك من هو أشقى منك، ثم يكون منك و من أهل بيتك ما يكون، تقول في نفسك ما تقول، إلاّ أنّك لا تطفئ نوري و لا تقطع ذكري و لا يدوم ذلك لكم و يسلبنّكم اللّه إيّاه، و ليخلدنّكم في النار، و ليجعلنّكم شجرتها التي هي وقودها، فمن أجل ذلك قال اللّه: وَ اَلشَّجَرَةَ اَلْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ (1)إلى تمام الآية، و الشجرة هم بنو أميّة و هم أهل النار (2).
ص:119
13-ابن شهر اشوب، عن طارق المحاربي (1): رأيت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم في سويقة ذي المجاز، عليه حلّة حمراء و هو يقول: يا أيّها الناس، قولوا: لا إله إلاّ اللّه تفلحوا، و أبو لهب يتبعه و يرميه بالحجارة، و قد أدمى كعبيه و عرقوبيه (2)و هو يقول: يا أيّها الناس لا تطيعوه فإنّه كذّاب (3).
14-و عن ابن عباس: دخل النبيّ صلى اللّه عليه و آله الكعبة، و افتتح الصلاة، فقال أبو جهل: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري (4)و تناول فرثا (5)و دما و ألقى ذلك عليه، فجاء أبو طالب و قد سلّ سيفه، فلمّا رأوه جعلوا ينهضون، فقال أبو طالب: و اللّه لئن قام أحد حلأته (6)بسيفي، ثمّ قال: يا ابن أخي، من الفاعل بك هذا؟ قال: عبد اللّه، فأخذ أبو طالب فرثا و دما فألقى عليه.
ثمّ قال ابن شهر اشوب: و في روايات كثيرة متواترة، أنّه أمر عبيده: أن يلقوا السلا عن ظهره، و يغسلوه، ثمّ أمرهم أن يأخذوه فيمرّوا على سبال القوم بذلك (7).
و الروايات في أمثال ذلك لا تحصى، و اللّه يعلم حيث يجعل رسالاته.
ص:120
في قوله تعالى: إِنّا كَفَيْناكَ اَلْمُسْتَهْزِئِينَ و هلاك الفراعنة
1-محمّد بن عليّ بن بابويه رحمة اللّه في كتاب «الغيبة» (2)قال حدّثنا أبي (3)و محمّد بن الحسن (4)قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، و عبد اللّه بن جعفر الحميري (5)و محمّد بن يحيى العطّار و أحمد بن إدريس (6)جميعا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى (7)و محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب (8)و إبراهيم بن هاشم جميعا، عن الحسن بن محبوب (9)عن عليّ بن رئاب (10)، عن عبد اللّه بن علي
ص:121
الحلبي (1)قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: مكث رسول اللّه بمكّة بعد ما جاءه الوحي عن اللّه تبارك و تعالى ثلاث عشرة سنة، منها ثلاث سنين مختفيا خائفا لا يظهر حتى أمره اللّه عزّ و جلّ أن يصدع بما أمر به فأظهر حينئذ الدعوة (2).
2-و عنه قال: حدّثنا محمد بن الحسن (3)رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه و محمد بن الحسن الصفّار (4)جميعا، قالا: حدّثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، و محمّد بن عيسى العبيد، قالا: حدّثنا صفوان بن يحيى (5)، عن عبد اللّه بن مسكان (6)، عن محمّد بن علي الحلبي (7)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إكتتم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بمكّة مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره، و عليّ عليه السلام معه و خديجة، ثم أمره اللّه عزّ و جلّ أن يصدق بما أمر به فظهر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فأظهر أمره (8).
3-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (9)رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم، عن أبيه. عن محمد بن أبي عمير، عن أبان
ص:122
الأحمر (1)، رفعه، قال: المستهزءون برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله خمسة:
الوليد بن المغيرة المخزومي، و العاص بن وابل السهمي، و الأسود بن عبد يغوث الزهري (2)، و الأسود ابن المطلب (3)و الحارث بن الطلاطلة الثقفي (4)(5)
4-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان (6)، قال: حدّثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمّد الحسني (7)، قال: حدّثنا أبو العباس محمّد بن علي الخراساني، قال: حدّثنا أبو سعيد سهل بن صالح العباسي، عن أبيه، و إبراهيم بن عبد الرحمن الأبلي (8)، قال: حدّثنا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدّثني جعفر بن محمّد، قال: حدثني أبي محمّد بن علي، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي عليهم السلام: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال ليهودي من يهود الشام و أحبارهم فيما أجابه عنه من جواب مسائله:
ص:123
فأمّا المستهزءون فقال اللّه عزّ و جلّ: إِنّا كَفَيْناكَ اَلْمُسْتَهْزِئِينَ (1)فقتل اللّه خمستهم، قد قتل كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد.
أمّا الوليد بن المغيرة فإنّه مرّ بنبل (2)لرجل من بني خزاعة قد راشه (3)في الطريق فأصابته شظية (4)منه فانقطع أكحله (5)حتى أدماه فمات، و هو يقول:
قتلني ربّ محمد.
و أما العاص بن وائل السهمي فإنه خرج في حاجة له إلى كداء (6)فتدهده تحته حجر فسقط، فتقطع قطعة قطعة، فمات و هو يقول: قتلني ربّ محمّد.
و أمّا الأسود بن عبد يغوث فإنّه خرج يستقبل ابنه زمعة، و معه غلام له، فاستظلّ بشجرة تحت كدا فأتاه جبرئيل عليه السلام فأخذ رأسه، فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع عنّي هذا، فقال: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلاّ نفسك، فقتله و هو يقول: قتلني ربّ محمد.
ثم قال ابن بابويه: قال مصنّف هذا الكتاب رضي اللّه عنه: يقال في خبر آخر في الأسود: قول آخر، يقال: إنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كان قد دعا عليه أن يعمي اللّه بصره، و أن يثكله ولده، فلمّا كان في ذلك اليوم جاء حتى صار إلى كدا، فأتاه جبرئيل بورقة خضراء، فضرب بها وجهه، فعمي و بقي حتى أثلكه اللّه عزّ و جلّ يوم بدر، ثمّ مات.
و أمّا الحارث بن الطلاطلة، فإنّه خرج من بيته في السموم فتحوّل حبشيا، فرجع إلى أهله، فقال: أنا الحارث، فغضبوا عليه، فقتلوه، و هو
ص:124
يقول: قتلني رب محمد.
و أمّا الأسود بن الحارث فإنّه أكل حوتا مالحا، فأصابته غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتى انشقّ بطنه فمات، و هو يقول: قتلني ربّ محمد.
كلّ ذلك في ساعة واحدة، و ذلك أنّهم كانوا بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك و إلا قتلناك.
فدخل النبيّ صلى اللّه عليه و آله منزله، فاغلق عليه بابه مغتمّا بقولهم، فأتاه جبرئيل عليه السلام ساعته فقال له: يا محمد السلام يقرأ عليك السلام و هو يقول: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ (1)يعني أظهر أمرك لأهل مكة، وادع وَ أَعْرِضْ عَنِ اَلْمُشْرِكِينَ قال: يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين و ما أوعدوني؟ قال له: إِنّا كَفَيْناكَ اَلْمُسْتَهْزِئِينَ (2)قال: يا جبرئيل كانوا عندي الساعة بين يديّ؟ فقال: قد كفيتهم، فأظهر أمره عند ذلك (3).
5-الطبرسي في «الاحتجاج» عن الامام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن علي عليهما السلام عن أبيه عليه السلام، أنّه قال له يهودي: إنّ موسى بن عمران قد أرسله اللّه إلى فرعون، و أراه الآية الكبرى، قال له: لقد كان كذلك، و محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أرسل إلى فراعنة شتى: مثل أبي جهل بن هشام، و عتبة بن ربيعة، و شيبة، و أبي البختري، و النضر بن الحارث، و أبيّ بن خلف، و منّبه و نبيه ابني الحجّاج، و إلى الخمسة المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزومي، و العاص بن وائل السهمي، و الأسود بن يغوث الزهري، و الأسود بن المطّلب، و الحارث بن الطلاطلة، فأراهم الآيات في الآفاق و في
ص:125
أنفسهم، حتى يتبيّن لهم أنّه الحق.
قال له اليهودي: لقد انتقم اللّه عزّ و جلّ لموسى عليه السلام من فرعون.
قال له عليه السلام: لقد كان كذلك، و لقد انتقم اللّه جلّ اسمه لمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم من الفراعنة، فأمّا المستهزءون فقال اللّه عزّ و جلّ:
إِنّا كَفَيْناكَ اَلْمُسْتَهْزِئِينَ فقتل اللّه خمستهم، كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد.
فأمّا الوليد بن المغيرة فمرّ بنبل لرجل قد راشه، و وضعه في الطريق فأصابه شظيّة منه، فانقطع أكحله، حتى أدماه، فمات و هو يقول: قتلني ربّ محمد.
و أما العاص بن وائل السهمي فإنّه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده (1)تحته حجر، فتقطع قطعة قطعة، فمات و هو يقول: قتلني ربّ محمد.
و أمّا الأسود بن عبد يغوث فإنّه خرج يستقبل ابنه زمعة، فاستظلّ بشجرة، فأتاه جبرئيل عليه السلام، فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع هذا عني، فقال: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلاّ نفسك، فقتله و هو يقول: قتلني ربّ محمد.
و أمّا الأسود بن المطّلب فإنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم دعا عليه أن يعمي اللّه بصره، و أن يثكله ولده، فلمّا كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع فأتاه جبرئيل عليه السلام بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي، و بقي حتى أثكله اللّه عزّ و جلّ ولده.
و أمّا الحارث بن الطلاطلة فإنّه خرج من بيته في السموم (2)فتحوّل حبشيا فرجع إلى أهله فقال: أنا الحارث، فغضبوا عليه، فقتلوه و هو يقول: قتلني ربّ محمد.
ص:126
ثمّ قال الطبرسي: و روي أنّ الأسود بن المطلب أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتى انشقّ بطنه، فمات و هو يقول: قتلني ربّ محمد.
و كل ذلك في ساعة واحدة، و ذلك أنّهم كانوا بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك و إلاّ قتلناك.
فدخل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم منزله فأغلق عليه بابه مغتمّا لقولهم، فأتاه جبرئيل عليه السلام عن اللّه عزّ و جلّ من ساعته فقال: يا محمد السلام يقرأ عليك السلام و يقول لك: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ اَلْمُشْرِكِينَ (1)يعني أظهر أمرك لأهل مكة و ادعهم إلى الايمان.
قال: يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين و ما أوعدوني؟ قال له: إِنّا كَفَيْناكَ اَلْمُسْتَهْزِئِينَ قال: يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي، قال: و قد كفيتهم، فأظهر أمره عند ذلك، و أمّا بقيّتهم من الفراعنة (2)فقتلوا يوم بدر بالسيف، و هزم اللّه الجمع و ولّوا الدبر (3).
6-الشيخ في أماليه: باسناده عن ابن عباس قال: وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم على قتلى بدر، فقال: جزاكم اللّه من عصابة شرّا لقد كذّبتموني صادقا، و خوّنتم أمينا، ثم التفت إلى أبي جهل بن هشام فقال: إنّ هذا أعتى على اللّه من فرعون، إنّ فرعون لمّا أيقن بالهلاك وحّد اللّه، و هذا لمّا أيقن بالهلاك دعا بالّلات و العزى (4).
ص:127
ص:128
فيما عمله صلى اللّه عليه و آله بعد موت عمّه أبي طالب عليه السلام قبل
الهجرة
1-عمر بن إبراهيم الأوسي (1)في كتابه قال: قيل: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لمّا مات أبو طالب عليه السلام لجّ المشركون في أذيّته، فصار يعرض نفسه على القبايل بالاسلام و الايمان، فلم يأت أحد من القبائل إلاّ صدّه وردّه.
فقال بعضهم: أعلم أنه لا يقدر أن يصحلنا و هو قد أفسد قومه، فعمد إلى ثقيف بالطائف فوجد سادتهم جلوسا، و هم ثلاثة أخوة، فعرض عليهم الاسلام و حذّرهم من النار و غضب الجبار.
فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان اللّه بعثك نبيا.
و قال آخر: يا محمد عجز اللّه أن يرسل غيرك؟
ص:129
و قال آخر: لا تكلّموه إن كان رسولا من اللّه كما يزعم، هو أعظم قدرا أن يكلّمنا، و إن كان كاذبا على اللّه فهو أسرف بكلامه.
و جعلوا يستهزءون به، فجعل يمشى كلّما وضع قدما وضعوا له صخرة، فما فرغ من أرضهم إلاّ و قدماه تشخب دما، فعمد لحائط من كرومهم، و جلس مكروبا، فقال: اللهمّ إنّي أشكو إليك غربتي و كربتي و هواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين، أنت ربّ المكروبين، اللّهم إن لم يكن لك عليّ غضب فلا أبالي، و لكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بك من سخطك، و بمعافاتك من عقوبتك، و بك منك، لا أحصي الثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، لك الحمد حتى ترضى، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلّي العظيم.
قيل: و كان في الكرم عتبة بن ربيعة، و شيبة، فكره أن يأتيهما، لما يعلم من عداوتهما.
فقالا لغلام لهما يقال: عداس: خذ قطفين (1)من العنب، و قدحا من الماء، و اذهب بهما إلى ذلك الرجل، و إنّه سيسئلك أهديّة أم صدقة، فإن قلت: صدقة لم يقبلها، بل قل له: هدّية.
فمضى و وضعه بين يديه، فقال: هدّية أم صدقة؟ فقال: هدّية، فمدّ يده، و قال: بسم اللّه، و كان عداس نصرانيا، فلمّا سمعه عجب منه، و صار ينظره، فقال له: يا عداس من أين؟ قال: من أهل نينوى، قال: من مدينة الرّجل الصالح أخي يونس بن متّى، قال: و من أعلمك؟ فأخبره بقصّته، و بما أوحي إليه، فقال: و من قبله؟ فقال: نوح، و لوط، و حكاه بالقصّة، فخرّ ساجدا للّه، و جعل يقبّل قدميه، هذا و سيّداه ينظران إليه.
فقال أحدهما للآخر: سحر غلامك، فلمّا أتهما قالا له: ما شأنك سجدت و قبّلت يديه؟ فقال: يا أسيادي ما على وجه الأرض أشرف و لا ألطف و لا أخير منه، قالوا: و لم ذلك؟ قال: حدّثني بأنبياء ماضية، و نبيّنا يونس بن
ص:130
متّى، فقالا: يا ويلك فتنك عن دينك، فقال: و اللّه إنّه نبيّ مرسل، قال له: ويحك عزمت قريش على قتله، فقال: هو و اللّه يقتلهم و يسودهم و يشرفهم، إن تبعوه دخلوا الجنة، و خاب من لا يتبعه، فقاما يريدان ضربه فركض (1)للنبيّ و أسلم.
2-ابن شهر اشوب في كتاب «الفضائل» لمّا توفّي أبو طالب رحمة اللّه عليه و اشتدّ على النبي صلى اللّه عليه و آله البلاء و الأذى، عمد إلى ثقيف بالطائف، رجاء أن يؤوه سادتها: عبد يا ليل، و مسعود، و حبيب، بنو عمرو بن عمير الثقفي (2)، فلم يقبلوه، و تبعه سفهاؤهم بالأحجار، و أدموا رجليه، فخلص منهم، و استظلّ في ظلّ حبلة (3)منه، و قال: أللّهم إنّي أشكوا إليك من ضعف قوتي، و قلّة حيلتي و ناصري، و هواني على الناس، يا أرحم الراحمين.
فأنفذ عتبة و شيبة، إبنا ربيعة إليه بطبق عنب، على يد غلام يدعى عداسا و كان نصرانيا، فلمّا مدّ يده و قال: بسم اللّه، فقال: إنّ أهل هذا البلد لا يقولونها، فقال النبي صلى اللّه عليه و آله: من أين أنت؟ قال: من بلد نينوى، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلم: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متّى، قال: و من أين تعرفه (4)؟ قال: أنا رسول اللّه و اللّه أخبرني خبر يونس.
فخرّ عداس ساجدا للّه، و جعل يقبّل قدميه و هما يسيلان الدماء.
فقال عتبة لأخيه: قد أفسد عليك غلامك: و لمّا انصرف عند سيّده (5)قال: إنّه و اللّه نبيّ صادق، فقالوا: إنّه رجل خدّاع، لا يفتنك عن نصرانيتك (6).
ص:131
ص:132
في الهجرة إلى المدينة
1-الشيخ الطوسي في «أماليه» ، قال: أخبرنا جماعة: منهم الحسين بن عبيد اللّه (1)، و أحمد بن عبدون (2)، و أبو طالب بن عرفة (3)، و أبو الحسين الصفّار، و أبو علي الحسن بن إسماعيل بن أشناس (4)، قالوا. حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني (5)، قال: حدثنا أحمد بن سفيان بن العبّاس النحوي، قال: حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح (6)، قال: حدّثنا محمّد بن عمر بن واقد الأسلمي قاضي الشرقية (7)، قال: حدّثني إبراهيم بن
ص:133
إسماعيل بن أبي حبيبة، يعني الأشهلي (1)عن داود بن حصين (2)، عن أبي غطفان (3)، عن ابن عباس، قال: اجتمع المشركون في دار الندوة، ليتشاوروا في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و أتى جبرئيل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فأخبره الخبر، و أمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة.
فلمّا أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم المبيت أمر عليا عليه السلام أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات عليّ عليه السلام، و تغشّى ببرد أخضر حضرمي، كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ينام فيه، و جعل السيف إلى جنبه، فلمّا اجتمع أولئك النفر من قريش، يطوفون و يرصدونه يريدون قتله، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و هم جلوس على الباب خمسة و عشرون رجلا، فأخذ حفنة (4)من البطحاء (5)، ثم جعل يذرّها على، رؤوسهم، و هو يقرأ يس وَ اَلْقُرْآنِ اَلْحَكِيمِ (6)حتى بلغ فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (7).
فقال لهم قائل: ما تنتظرون؟ قالوا: محمّدا قال: خبتم و خسرتم قد و اللّه مرّ بكم، فما منكم رجل إلاّ و قد جعل على رأسه ترابا، قالوا: و اللّه ما أبصرناه، قال: فأنزل اللّه عزّ و جلّ وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اَللّهُ وَ اَللّهُ خَيْرُ اَلْماكِرِينَ (8)(9).
ص:134
2-و عنه قال: حدّثنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الامام بانطاكية (1)، قال: حدّثنا محفوظ بن بحر (2)قال: حدّثنا الهيثم بن جميل (3)قال: حدّثنا قيس بن ربيع (4)، عن حكيم بن جبير (5)، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه في قول اللّه عزّوجل وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ 6قال: نزلت في عليّ عليه السلام حين بات على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم 7.
3-و عنه قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن العباس اليزيدي النحوي 8: قال: حدّثنا الخليل بن أسد، أبو الأسود الموميحاني 9.
قال: حدثنا أبو زيد سعيد بن أوس يعني الأنصاري النحوي 10قال:
كان أبو عمرو بن العلاء 11إذا قرأ وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ
ص:135
مَرْضاتِ اَللّهِ (1)قال كرّم اللّه عليا عليه السلام: فيه نزلت هذه الآية (2).
4-عنه قال أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن محمّد بن سليمان الباغندي (3)، قال: حدّثنا محمّد بن الصباح الجرجاني (4)قال:
حدّثني محمّد بن كثير الملائي (5)، عن عوف الأعرابي (6)، من أهل البصرة، عن الحسن بن أبي الحسن (7)، عن أنس بن مالك، قال: لمّا توجّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى الغار، و معه أبو بكر، أمر النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم عليا عليه السلام أن ينام على فراشه، و يتغشّى (8)ببردته، فبات عليّ عليه السلام موطّنا نفسه على القتل.
و جاءت رجال من قريش من بطونها يريدون قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فلمّا أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكّون أنّه محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل، و يرى السيوف تأخذه، فلما أيقظوه فرأوه عليّا تركوه، و تفرّقوا في طلب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ وَ اَللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (9). (10)
ص:136
5-و عنه قال: أخبرنا جماعة، قالوا: أخبرنا أبو المفضّل، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن حفص الخثعمي (1)، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه المحاربي (2)، قال: حدّثنا أبو يحيى التميمي (3)، عن عبد اللّه بن جندب (4)، عن أبي ثابت، عن أبيه، عن مجاهد، قال: فخرت عايشة بأبيها و مكانه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في الغار، فقال عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد (5): و أين أنت من عليّ بن أبي طالب عليه السلام حيث نام في مكانه و هو يرى أنّه يقتل، فسكتت و لم تحر (6)جوابا 7.
6-و عنه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا أبو أحمد عبيد اللّه بن الحسين 8، عن إبراهيم العلوي النصيبيّ ببغداد، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن حمزة العلوي 9، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا الحسين بن
ص:137
زيد (1)، عن عبيد اللّه بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب (2)، عن أبيه، عن جده، عن جعدة بن هبيرة (3)، عن أمّه (4)أمّ هاني بنت أبي طالب عليه السلام (5)قالت: لمّا أمر اللّه تعالى نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بالهجرة و أنام عليا عليه السلام على فراشه، و سجّاه ببرد حضرمي، ثم خرج فإذا وجوه قريش على بابه، فأخذ حفنة من تراب، فذرّها على رؤوسهم فلم يشعر به أحد منهم، و دخل على بيتي، فلمّا أصبح أقبل عليّ و قال: أبشري يا أمّ هاني فهذا جبرئيل عليه السلام يخبرني: أن اللّه عزّ و جلّ قد أنجى عليا عليه السلام من عدوّه.
قالت: و خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مع جناح الصبح إلى غار ثور، فكان فيه ثلثا حتى سكن عنه الطّلب، ثم أرسل إلى عليّ عليه السلام و أمره بأمره و أداء الأمانة (6).
ص:138
7-و عنه قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار الثقفي (1)، سنة إحدى و عشرين و ثلثمائة، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي (2)، سنة خمسين و مأتين، قال حدّثني الحسن بن حمزة أبو محمد النوفلي (3)، قال: حدّثني أبي، و خالي:
يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن العبّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (4)، عن الزبير بن سعيد الهاشمي (5)، قال: حدّثنيه أبو عبيدة (6)بن محمّد بن عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه، بين القبر و الروضة عن أبيه، و عبيد اللّه بن أبي رافع (7)جميعا، عن عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه و أبي رافع (8)مولى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم.
قال أبو عبيدة: و حدّثنيه سنان بن أبي سنان الديلي (9): أنّ هند بن
ص:139
هند بن أبي هالة الأسيدي حدّثه، عن أبيه هند بن أبي هالة (1)-ربيب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و أمّه خديجة زوج النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و أخته لأمّه فاطمة صلوات اللّه عليها.
قال أبو عبيدة: و كان هؤلاء الثلاثة: هند بن أبي هالة، و أبو رافع، و عمّار بن ياسر جميعا يحدّثون عن هجرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بالمدينة، و مبيته قبل ذلك على فراشه.
قال: و صدر هذا الحديث عن هند بن أبي هالة، و اقتصاصه عن الثلاثة: هند، و عمار، و أبي رافع، و قد دخل حديث بعضهم في بعض.
قالوا: كان اللّه عزّ و جلّ ممّا يمنع نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بعمّه أبي طالب عليه السلام فما كان يخلص (2)إليه أمر يسوءه من قومه مدّة حياته، فلمّا مات أبو طالب عليه السلام نالت قريش من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بغيتها (3)، و أصابته بعظيم من الأذى حتى تركته لقى (4)، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم، وصلتك رحما، و جزيت خيرا يا عم.
ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب عليه السلام بشهر، و اجتمع بذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حزنان، حتى عرف ذلك فيه.
ص:140
قال هند: ثم انطلق ذوو الطول و الشرف من قريش إلى دار الندوة، ليرتأوا (1)و يأتمروا (2)في رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أسرّوا ذلك بينهم، فقال بعضهم: نبني له علما (3)و يترك برحا (4)نستودعه فيه فلا يخلص من الصباة (5)فيه إليه أحد و لا يزال في رنق (6)من العيش حتى يتضيّفه ريب المنون (7)، و صاحب هذه المشورة العاص بن وائل، و أميّة (8)و أبيّ ابنا خلف.
فقال قائل: كلاّ ما هذا لكم برأي (9)، و لئن صنعتم ذلك ليتنمرّن الحدب الحميم (10)و المولى الحليف، ثم ليأتينّ المواسم و الأشهر الحرم بالأمن، فلينتزعنّ من أنشوطتكم (11)قولوا: قولكم.
فقال عتبة، و شيبة (12)و شركهما أبو سفيان.
قالوا: فإنّا نرى نرحل بعيرا صعبا، و نوثّق محمّدا عليه كتافا و شدّا ثم
ص:141
نقصع (1)البعير بأطراف الرماح، فيوشك أن يقطعه بين الدكادك (2)إربا إربا (3).
فقال صاحب رأيهم: إنّكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا، أرأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق (4)، فأخذ بقلوبهم بسحره و بيانه و طلاقة لسانه فصبا القوم إليه، و استجابت القبائل له قبيلة فقبيلة فليسيرن (5)حينئذ إليكم بالكتائب (6)و المقانب (7)فلتهلكنّ كما هلكت إياد (8)و من كان قبلكم. قولوا: قولكم.
فقال له أبو جهل: لكنّي أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كلّ قبيلة منها رجلا نجدا (9)، ثم تسلّحوه حساما عضبا، و تمهّد الفتية حتى إذا غسق الليل و غوّر (10)بيّتوا بابن أبي كبشة (11)بياتا فيذهب دمه في قبايل قريش جميعا، فلا يستطيع بنو هاشم و بنو المطلب مناهضة (12)قبايل قريش في صاحبهم فيرضون حينئذ بالعقل (13)منهم.
ص:142
فقال صاحب رأيهم: أصبت يا أبا الحكم، ثم أقبل عليهم، فقال:
هذا الرأي، فلا تعدلنّ به رأيا، و أوكئوا (1)في ذلك أفواهكم حتى يستتب (2)أمركم، فخرج القوم عزين (3)و سبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل عليه السلام، فتلا هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اَللّهُ وَ اَللّهُ خَيْرُ اَلْماكِرِينَ (4).
فلمّا أخبره جبرئيل بأمر اللّه في ذلك و وحيه و ما عزم له من الهجرة دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه لوقته، فقال له: يا علي إنّ الروح هبط عليّ بهذه الآية آنفا، يخبرني أنّ قريش اجتمعت على المكر بي و قتلي، و أنّه أوحي إليّ عن ربّي (5)عزّ و جلّ أن أهجر دار قومي و أن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي و أنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي و مضجعي (6)لتخفي بمبيتك عليه أثري (7)، فما أنت قايل و صانع؟
فقال عليّ عليه السلام: أو تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبيّ اللّه؟ قال: نعم، فتبسّم عليّ صلوات اللّه عليه ضاحكا، و أهوى إلى الأرض ساجدا، شكرا لما أنبأه (8)رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من سلامته و كان (9)عليّ صلوات اللّه عليه أوّل من سجد للّه شكرا، و أوّل من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته
ص:143
من هذه الأمّة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم.
فلمّا رفع رأسه قال له: امض بما أمرت، فداك سمعي و بصري و سويداء قلبي، و مرني بما شئت أكن فيه كسيرتك (1)واقع بحيث مرادك، و إن توفيقي إلاّ باللّه.
قال: و أن ألقى عليك شبه مني، أو قال: شبهي؟ قال: إن يمنعني نعم، قال: فأرقد على فراشي و اشتمل ببردي الحضرمي.
ثم إنّي أخبرك يا عليّ أنّ اللّه تعالى يمتحن أوليائه على قدر إيمانهم و منازلهم من دينه فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل، و قد امتحنك يا ابن أمّي (2)و امتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم عليه السلام و الذبيح إسماعيل عليه السلام فصبرا صبرا فإنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين.
ثمّ ضمّه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى صدره و بكى إليه وجدا به، و بكى عليّ عليه السلام جشعا لفراق رسول اللّه، و استتبع رسول اللّه أبا بكر بن أبي قحافة، و هند بن أبي هالة، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار و لبث رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بمكانه مع عليّ عليه السلام يوصيه و يأمره في ذلك بالصبر حتى صلّى العشائين.
ثم خرج صلى اللّه عليه و آله و سلّم في فحمة (3)العشاء، و الرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون أن ينتصف اللّيل و تنام الأعين فخرج و هو يقرأ هذه الآية وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (4)و كان بيده قبضة من تراب، فرمى بها في رؤوسهم (5)فما شعر
ص:144
القوم به حتى تجاوزهم، و مضى حتى أتى إلى هند و أبي بكر، فنهضا معه (1)حتى و صلوا إلى الغار.
ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أبو بكر إلى الغار (2)
فلمّا خلق (3)الليل و انقطع الأثر أقبل القوم على عليّ صلوات اللّه عليه قذفا بالحجارة و الحلم (4)فلا يشكّون أنّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتى إذا برق الفجر، و أشفقوا أن يفضحهم الصبح، هجموا على عليّ، و كانت دور مكة يومئذ سوائب (5)لا أبواب لها، فلمّا بصر بهم عليّ عليه السلام قد انتضوا السيوف (6). و أقبلوا عليه بها، يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة، وثب به عليّ عليه السلام فختله (7)و همز يده (8)، فجعل خالد يقمص قماص
ص:145
البكر (1)، و إذا له رغاء فابذعرّ (2)الصبح، و هم في عرج الدار (3)من خلفه، و شدّ عليهم عليّ عليه السلام بسيفه يعني سيف خالد، فأجفلوا (4)أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار و تبصّروه، و إذا هو عليّ عليه السلام قالوا: إنك لعليّ؟ قال: أنا عليّ قالوا: فإنا لم نردك فما فعل صاحبك، قال: لا علم لي به.
و قد كان علم، يعني عليا عليه السلام، أنّ اللّه تعالى قد أنجى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما كان أخبره من مضيّه إلى الغار و اختبائه فيه فأذكت (5)قريش عليه العيون، و ركبت في طلبه الصعب و الذلول.
و أمهل عليّ صلوات اللّه عليه، حتى إذا أعتم (6)من اللّيلة القابلة، انطلق هو و هند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في الغار، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله هندا أن يبتاع له و لصاحبه بعيرين.
فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي و لك يا نبيّ اللّه راحلتين نرتحلهما إلى يثرب، فقال: إنّي لا آخذهما و لا أحدهما إلاّ بالثّمن، قال: فهي لك بذلك، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا فأقبضه الثمن.
ثمّ وصّاه بحفظ ذمّته و أداء أمانته، فكانت قريش تدعو محمدا صلى اللّه عليه و آله في الجاهلية الأمين، و كانت تستودعه و تستحفظه أموالها و أمتعتها، و كذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، و جاءته النبوّة و الرسالة و الأمر كذلك.
ص:146
فأمر عليا عليه السلام أن يقيم صارخا يهتف بالأبطح غدوة و عشيا:
من (1)كان له قبل محمد صلى اللّه عليه و آله أمانة أو وديعة فليأت فلنؤدّ إليه أمانته.
قال: فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّهم لن يصلوا من الآن إليك يا عليّ بأمر تكرهه حتى تقدم عليّ: فأدّ أمانتي على أعين الناس ظاهرا، ثم إنّي مستخلفك على فاطمة ابنتي، و مستخلف ربي عليكما، و مستحفظه فيكما، فأمره أن يبتاع رواحل له، و للفواطم، و من أزمع الهجرة (2)معه من بني هاشم.
قال أبو عبيدة: فقلت لعبيد اللّه، يعني ابن أبي رافع: أو كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال: إنّي سألت أبي عمّا سألتني، و كان يحدّث لي هذا الحديث (3)فقال: و أين يذهب بك عن مال خديجة عليها السلام قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: ما نفعني قطّ ما نفعني مال خديجة (4)عليها السلام.
و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يفكّ في مالها الغارم (5)و العاني و يحمل الكلّ، و يعطي في النائبة، و يرفد (6)فقراء أصحابه إذ كان بمكة، و يحمل من أراد منهم الهجرة، معه (7)و كانت قريش إذا رحلت عيرها في الرّحلتين، يعني رحلة الشتاء و الصيف، كانت طائفة من العير لخديجة، و كانت أكثر قريش مالا، و كان صلى اللّه عليه و آله و سلّم ينفق منه ما شاء في حياتها ثم
ص:147
ورثها هو و ولدها (1).
قال: و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام و هو يوصيه:
و إذا أبرمت (2)ما أمرتك من أمر، فكن على أهبة (3)الهجرة إلى اللّه و رسوله، و سر إليّ لقدوم كتابي إليك و لا تلبث (4).
و انطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لوجهه يؤمّ المدينة، و كان مقامه في الغار ثلثا، و مبيت علي عليه السلام على الفراش أوّل ليلة.
قال عبيد اللّه بن أبي رافع: و قد قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام يذكر مبيته (5)على الفراش و مقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في الغار:
وقيت بنفس خير من وطئ الحصا و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر
محمّد لمّا خاف أن يمكروا به فوقاه ربّي ذو الجلال من المكر
و بت أراعيهم متى يأسرونني (6) و قد وطنت (7)نفسي على القتل و الأسر (8)
و بات رسول اللّه في الغار آمنا هناك و في حفظ الإله و في ستر
أقام ثلثا ثم زمّت (9)قلائص (10) قلائص يفرين الحصا أينما يفري (11)
و لمّا ورد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله المدينة نزل في بني عمرو بن عوف
ص:148
بقباء، فأراده أبو بكر على دخوله المدينة، و ألاصه (1)في ذلك، فقال: ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي و ابنتي (2)يعني عليا و فاطمة.
قالا: قال أبو اليقظان (3)فحدّثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و نحن معه بقبا، عما أرادت قريش من المكر به، و مبيت عليّ عليه السلام على فراشه، قال: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى جبرائيل و ميكائيل عليهما السلام أنّي قد آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه، فأيّكما يؤثر أخاه؟ و كلاهما كرها الموت، فأوحى اللّه إليهما عبداي ألاّ كنتما مثل وليّي عليّ آخيت بينه و بين محمّد نبيّي، فآثره بالحياة على نفسه؟ ثم ظلّ، أو قال: رقد على فراشه يقيه بنفسه (4)إهبطا إلى الأرض جميعا (5)فاحفظاه من عدوه.
فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه، و ميكائيل عند رجليه، و جعل جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب؟ ! و اللّه عزّ و جلّ يباهي بك الملائكة.
قال: فأنزل اللّه عزّ و جلّ في عليّ عليه السلام و ما كان من مبيته على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم (6)وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ وَ اَللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (7).
قال أبو عبيدة: قال أبي: و ابن أبي رافع: ثم كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام كتابا يأمره بالمسير إليه، و قلة التلوّم (8)و كان الرسول إليه أبا واقد الليثي (9)فلما أتاه كتاب رسول اللّه صلى اللّه
ص:149
عليه و آله و سلّم تهيّئا للخروج و الهجرة، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين، فأمرهم أن يتسللّوا و يتخفّفوا إذا ملأ الليل بطن كل واد إلى ذي طوى، و خرج عليّ بفاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم، و فاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب، و قد قيل:
هي ضباعة (1)، و تبعهم أيمن (2)بن أمّ أيمن مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و أبو واقد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فجعل يسوق بالرواحل فاعنف بهم.
فقال عليّ عليه السلام: إرفق بالنسوة أبا واقد، إنّهن من الضعائف، قال: إنّي أخاف أن يدركنا الطالب، أو قال: الطلب، فقال عليّ عليه السلام أربع عليك (3)فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال لي: يا علي إنّهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه.
ثم جعل-يعني عليا عليه السلام-يسوق بهنّ سوقا رفيقا و هو يرتجز و يقول:
ليس إلاّ اللّه فارفع ظنكا يكفيك رب الناس ما أهمّكا (4)
و سار فلمّا شارف ضجنان (5)أدركه الطلب سبع فوارس من قريش مستلئمين (6)و ثامنهم مولى الحرب بن أميّة (7)يدعى جناحا، فأقبل عليّ
ص:150
عليه السلام على أيمن و أبي واقد و قد تراءى القوم فقال لهم: أنيخا الإبل و أعقلاها، و تقدّم حتى أنزل النسوة ودنا القوم، فاستقبلهم عليّ عليه السلام منتضيا سيفه، فأقبلوا عليه فقالوا: ظننت أنّك يا غدار ناج بالنسوة، إرجع لا أبا لك، قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: لترجعنّ راغما، أو لنرجعنّ بأكبرك سعرا (1)و أهون بك من هالك.
ودنا الفوارس من النسوة و المطايا ليثوروها، فحال عليّ عليه السلام بينهم و بينها، فأهوى إليه جناح بسيفه، فراغ (2)عليّ عليه السلام عن ضربته، و تختّله (3)عليّ عليه السلام فضربه على عاتقه، فأسرع السيف مضيا فيه حتى مس كاثبة (4)فرسه.
و كان علي عليه السلام يشتدّ على قدميه شدّ الفرس أو الفارس على فرسه، فشدّ عليهم بسيفه و هو يقول:
خلّوا سبيل الجاهد المجاهد آليت لا أعبد غير الواحد
فتصدّع القوم عنه فقالوا له: أغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب، قال:
فإنّي منطلق إلى ابن عمي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بيثرب فمن سرّه أن أفري (5)لحمه، أو أهريق دمه فليتبعني أو فليدن منّي.
ثم أقبل على صاحبيه أيمن و أبي واقد، فقال لهما: أطلقا مطاياكما، ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان فتلوّم بها (6)قدر يومه و ليلته، و لحق به نفر من المؤمنين المستضعفين (7)و فيهم أمّ أيمن (8)مولاة رسول اللّه صلى اللّه عليه
ص:151
و آله و سلّم فصلّى ليلته تلك هو و الفواطم: أمّه فاطمة بنت أسد رضي اللّه عنها، و فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و فاطمة بنت الزبير يصلّون ليلتهم، و يذكرون قياما و قعودا و على جنوبهم (1)فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلّى عليه السلام بهم صلاة الفجر.
ثم سار لوجهه، فجعل و هم يصنعون ذلك منزلا بعد منزل يعبدون اللّه عزّ و جلّ و يرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة (2).
و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم.
اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اَللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً إلى قوله تعالى: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى (3)الذكر عليّ عليه السلام، و الأنثى فاطمة (4)عليها السلام بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يقول:
عليّ من فاطمة أو قال: الفواطم، و هنّ من علي (5)فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اَللّهِ وَ اَللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ اَلثَّوابِ (6).
و تلا صلى اللّه عليه و آله: وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ
ص:152
اَللّهِ وَ اَللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (1)قال: و قال له: يا علي أنت أوّل هذه الأمّة إيمانا باللّه و رسوله، و أوّلهم هجرة إلى اللّه و رسوله، و آخرهم عهدا برسوله، لا يحبّك و الّذي نفسي بيده إلاّ مؤمن قد امتحن اللّه قلبه للايمان، و لا يبغضك إلاّ منافق أو كافر (2).
ص:153
ص:154
و هو من الباب السابق
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نصر، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري (1)، عن عبيد بن زرارة (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لمّا توفّي أبو طالب عليه السلام نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا محمد أخرج من مكة، فليس لك فيها ناصر، و ثارت قريش بالنّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فخرج هاربا حتى جاء إلى جبل بمكّة يقال الحجون (3)فصار إليه (4).
2-عنه، عن حميد بن زياد، عن محمّد بن أيّوب، عن عليّ بن أسباط (5)، عن الحكم بن مسكين (6)، عن يوسف بن صهيب (7)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ رسول اللّه
ص:155
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أقبل يقول لأبي بكر في الغار: أسكن فإنّ اللّه معنا، و قد أخذته الرعدة و هو لا يسكن. فلمّا رآى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حاله، قال: تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدّثون و أريك جعفرا و أصحابه في البحر يغوصون؟ قال: نعم، فمسح رسول اللّه بيده على وجهه، فنظر إلى الأنصار يتحدّثون، و نظر إلى جعفر رضي اللّه عنه و أصحابه في البحر يغوصون فأضمر تلك الساعة أنّه ساحر (1).
3-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لمّا خرج من الغار متوجها إلى المدينة، و قد كانت قريش جعلت لمن أخذه مائة من الابل، فخرج سراقة بن مالك بن جعشم فيمن يطلب، فلحق برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «اللّهمّ اكفني شرّ سراقة بما شئت» ، فساخت قوائم فرسه فثنى رجله ثمّ اشتدّ، فقال: يا محمّد إنّي علمت أنّ الذي أصاب قوائم فرسي إنّما هو من قبلك، فادع اللّه أن يطلق لي فرسي، فلعمري إن لم يصبكم منّي خير لم يصبكم منّي شرّ.
فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فأطلق اللّه عزّ و جلّ فرسه، فعاد في طلب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، حتى فعل ذلك ثلاث مرّات، كلّ ذلك يدعو رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فتأخذ الأرض قوائم فرسه.
فلمّا أطلقت في الثالثة، قال: يا محمّد هذه إبلي بين يديك فيها غلامي،
ص:156
و إن احتجت إلى ظهر أو لبن فخذ منه، و هذا سهم كنانتي علامة، و أنا أرجع فأردّ عنكّ الطلب، فقال لا حاجة لنا فيما عندك (1).
4-قال الزمخشري (2)في «ربيع الأبرار» : قال سراقة بن مالك بن جعشم الكناني (3)الذي تبع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في مهاجره فرسخت قوائم فرسه في الأرض، فدعا له فتخلّص يخاطب أبا جهل:
أبا حكم و اللّه لو كنت شاهدا لأمر جوادي إن تسوخ قوائمه
علمت و لم تشكك بأنّ محمدا رسول ببرهان فمن ذا يقاربه
و قال الزمخشري: كان عكرمة بن أبي جهل (4)إذا نشر المصحف غشي عليه و يقول: هذا كلام ربّي.
5-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة (5)، عن سعيد بن المسيّب (6)، قال: سألت عليّ بن الحسين عليه السلام ابن كم كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم أسلم؟ فقال: أو كان كافرا قطّ؟ إنّما كان لعليّ عليه السلام حيث بعث اللّه عزّ و جلّ رسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم عشر سنين، و لم يكن يومئذ كافرا.
و لقد آمن باللّه تبارك و تعالى و رسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و سبق
ص:157
الناس كلّهم إلى الايمان باللّه و برسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و إلى الصلاة ثلاث سنين، و كانت أوّل صلاة صلاّها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الظهر ركعتين، و كذلك فرضها اللّه تبارك و تعالى على من أسلم بمكّة ركعتين ركعتين، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يصلّيها بمكّة ركعتين، و يصلّيها عليّ عليه السلام معه بمكّة ركعتين مدّة عشر سنين، حتى هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلى المدينة، و خلّف عليّا عليه السلام في أمور لم يكن يقوم بها أحد غيره.
و كان خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من مكّة في أوّل يوم من ربيع الأوّل، و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث، و قدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل مع زوال الشمس، فنزل بقباء فصلّى الظهر ركعتين، و العصر ركعتين.
ثمّ لم يزل مقيما ينتظر عليا عليه السلام يصلّي الخمس صلوات ركعتين ركعتين، و كان نازلا على عمرو بن عوف (1)فأقام عندهم بضعة عشر يوما، يقولون له: أما تقيم عندنا فنتّخذ لك منزلا و مسجدا؟ فيقول: لا، إنّي أنتظر عليّ بن أبي طالب، و قد أمرته أن يلحقني، و لست مستوطنا منزلا حتى يقدم عليّ، و ما أسرعه إن شاء اللّه.
فقدم عليّ عليه السلام و النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم في بيت عمرو بن عوف فنزل معه، ثمّ إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا قدم عليّ عليه السلام من قبا إلى بني سالم بن عوف، و عليّ عليه السلام معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس، فخطّ لهم مسجدا، و نصب قبلته فصلّى بهم الجمعة ركعتين، و خطب خطبتين.
ثم راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها و عليّ عليه السلام معه لا يفارقه يمشي بمشيه.
ص:158
و ليس يمرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ببطن من بطون الأنصار إلاّ قاموا إليه، يسألونه أن ينزل عليهم فيقول لهم: خلّوا سبيل الناقة فإنّها مأمورة، فانطلقت به و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم واضع لها زمامها حتى إذا انتهت إلى الموضع الّذي ترى، و أشار بيده إلى باب مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الّذي يصلّي عنده بالجنائز، فوقفت عنده و بركت و وضعت جرانها (1)على الأرض، فنزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أقبل أبو أيّوب مبادرا حتى احتمل رحله، فأدخله منزله، و نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام معه حتى بنى له مسجده، و بنيت له مساكنه و منزل عليّ عليه السلام فتحوّلا إلى منازلهما.
فقال سعيد بن المسيّب لعليّ بن الحسين عليه السلام: جعلت فداك كان أبو بكر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حين أقبل إلى المدينة فأين فارقه؟ فقال: إنّ أبا بكر لمّا قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى قبا فنزل بهم ينتظر قدوم عليّ عليه السلام، فقال له أبو بكر: انهض بنا إلى المدينة فإنّ القوم قد فرحوا بقدومك، و هم يستريثون (2)إقبالك إليهم، فانطلق بنا و لا تقم بنا ههنا تنتظر قدوم عليّ، فما أظنّه يقدم عليك إلى شهر.
فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كلاّ ما أسرعه، و لست أريم (3)حتى يقدم ابن عمّي و أخي في اللّه عزّ و جلّ، و احبّ أهل بيتي إليّ، فقد وقاني بنفسه من المشركين، قال: فغضب عند ذلك أبو بكر و اشمأزّ، و داخله من ذلك حسد لعليّ عليه السلام، و كان أوّل عداوة بدت منه لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في عليّ عليه السلام، و أوّل خلاف على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فانطلق حتى دخل المدينة و تخلّف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بقبا ينتظر قدوم عليّ عليه السلام.
ص:159
قال فقلت لعليّ بن الحسين عليه السلام: متى زوّج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام من عليّ عليه السلام؟ فقال عليه السلام: في المدينة بعد الهجرة بسنة، و كان لها يومئذ تسع سنين.
قال عليّ بن الحسين عليه السلام: و لم يولد لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من خديجة عليها السلام على فطرة الاسلام إلاّ فاطمة عليها السلام و قد كانت خديجة عليها السلام ماتت قبل الهجرة بسنة، و مات أبو طالب رضي اللّه عنه بعد موت خديجة عليها السلام بسنة، فلمّا فقد هما رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله سئم المقام بمكّة، و دخله حزن شديد، و أشفق على نفسه من كفّار قريش، فشكا إلى جبرئيل عليه السلام ذلك، فأوحى اللّه عزّوجل إليه: أخرج من القرية الظالم أهلها، و هاجر إلى المدينة، فليس لك اليوم بمكّة ناصر، و انصب للمشركين حربا فعند ذلك توجّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله المدينة.
فقلت له: فمتى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم؟ فقال: بالمدينة حين ظهرت الدعوة، و قوي الاسلام، و كتب اللّه عزّ و جلّ على المسلمين الجهاد، زاد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في الصلاة سبع ركعات:
في الظهر ركعتين و في العصر ركعتين، و في المغرب ركعة، و في العشاء الآخرة ركعتين، و أقرّ الفجر على ما فرض: لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء، و لتعجيل عروج ملائكة اللّيل إلى السماء، و كان ملائكة اللّيل و ملائكة النهار يشهدون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة الفجر، فلذلك قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ قُرْآنَ اَلْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (1)يشهده المسلمون و تشهده ملائكة النهار و ملائكة اللّيل (2).
6-الشيخ المفيد (3)في كتاب «الاختصاص» عن إبراهيم بن محمّد
ص:160
الثقفي، عن عمرو بن سعيد الثقفي (1)، عن يحيى بن الحسن بن فرات، عن يحيى بن المساور (2)، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لمّا صعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الغار طلبه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و خشي أن يغتاله المشركون: و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على حرى و عليّ عليه السلام على ثبير (3)فبصر به النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: مالك يا علي؟ فقال: بأبي أنت و أمّي خشيت أن يغتالك المشركون فطلبتك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ناولني يدك يا عليّ فرجف (4)الجبل حتى تخطّى برجله إلى الجبل الآخر، ثمّ رجع الجبل إلى قراره (5).
7-السيد الرضي (6)في «الخصائص» باسناد مرفوع قال: قال ابن الكوّاء (7)لأمير المؤمنين عليه السلام: أين كنت حيث ذكر اللّه نبيّه، و أبا بكر: ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي اَلْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اَللّهَ مَعَنا (8)؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك يا ابن الكوّاء كنت على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد طرح عليّ ريطته (9)، فأقبلت قريش مع
ص:161
كلّ رجل منهم هراوة (1)فيها شوكها، فلم يبصروا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حيث خرج، فأقبلوا عليّ يضربونني بما في أيديهم، حتى تنفض (2)جسدي و صار مثل البيض، ثمّ انطلقوا بي يريدون قتلي، فقال بعضهم: لا تقتلوه اللّيلة و لكن أخّروه و اطلبوا محمّدا.
قال: فأوثقوني بالحديد، و جعلوني في بيت، و استوثقوا منّي و من الباب بقفل، فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتا من جانب البيت يقول: يا عليّ، فسكن الوجع الّذي كنت أجده-و ذهب الورم الذي كان في جسدي، ثمّ سمعت صوتا آخر يقول: يا عليّ، فإذا الحديد في رجلي قد تقطّع، ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا عليّ، فإذا الباب قد تساقط ما عليه، و فتح، فقمت و خرجت، و قد كانوا جاؤوا بعجوز كمهاء، لا تبصر و لا تنام تحرس الباب، فخرجت عليها و هي لا تعقل من النوم (3).
ص:162
في صفته صلى اللّه عليه و آله
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن الصلت (1)، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة (2)، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن بن فتني قراءة، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى العبيدي، قال: حدّثنا مولى عليّ بن موسى عن جدّه (3)، عن عليّ عليه السلام أنّهم قالوا: يا عليّ صف لنا نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم كأنّنا نراه فإنا مشتاقون إليه.
قال: كان نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله أبيض اللّون، مشربا حمرة، أدعج (4)العين، سبط (5)الشعر كثّ اللّحية (6)، ذا وفرة (7)، دقيق
ص:163
المسربة (1)، كأنّ عنقه ابريق فضّة، يجري في تراقيه (2)الذهب، له شعر من لبّته (3)إلى سرّته، كقضيب خيط إلى السرّة، و ليس في بطنه و لا صدره شعر غيره.
شئن (4)الكفّين و القدمين، شئن الكعبين، إذا مشى كأنّما يتقلع (5)من الصخر، إذا أقبل كأنّما ينحدر من صبب (6)، إذا التفت التفت جميعا (7)بأجمعه كلّه، ليس بالقصير المتردد (8)، و لا بالطويل الممغط (9)، و كان في الوجه تدوير، إذا كان في الناس غمرهم (10)، كأنّما عرقه في وجهه اللؤلؤ، عرقه أطيب من ريح المسك، ليس بالعاجز و لا باللئيم.
أكرم الناس عشرة، و ألينهم عريكة (11)، و أجودهم كفّا، من خالطه بمعرفة أحبّه، من رآه بديهة هابه، عزّه (12)بين عينيه، يقول باغته (13): لم أر
ص:164
قبله و لا بعده مثله، صلى اللّه عليه و آله (1).
2-محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا (2)، عن أحمد بن محمد (3)، عن عليّ بن سيف (4)، عن عمرو بن شمر (5)، عن جابر (6)قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: صف لي نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: كأنّ نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أبيض مشرب حمرة، أدعج العينين، مقرون الحاجبين، شئن الأطراف (7)، كأنّ الذهب أفرغ على براثنه (8)، عظيم مشاشة (9)المنكبين، إذا التفت يلتفت جميعا من شدة استرساله، سربته (10)سائلة من لبّته (11)إلى سرّته كأنّها وسط الفضّة المصفّاة، و كأنّ عنقه إلى كاهله (12)إبريق فضّة، يكاد أنفه إذا شرب أن يرد الماء، و إذا مشى تكفّأ (13)كأنّه ينزل في صبب، لم ير مثل نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قبله و لا بعده صلى اللّه عليه و آله و سلّم (14).
ص:165
ص:166
صفته في الانجيل
1-ابن بابويه في «أماليه» : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق (1)رحمه اللّه، قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي (2)قال: حدّثنا هشام بن جعفر (3)، عن حمّاد، عن عبد اللّه بن سليمان، و كان قارئا للكتب، قال:
قرأت في الانجيل: يا عيسى جدّ أمري، و لا تهزل، و اسمع و أطع، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول، أنت من غير فحل أنا خلقتك رحمة للعالمين، فإيّاي فاعبد، و عليّ فتوكّل، خذ الكتاب بقوّة، فسّر لأهل السوريا بالسريانية، بلّغ من بين يديك أنّي أنا اللّه الدائم الذي لا أزول، صدّقوا النبيّ الأميّ، صاحب الجمل، و المدرعة، و التاج، و هي العمامة، و النعلين، و الهراوة و هي القضيب.
الأنجل (4)العينين، الصلت (5)الجبين، الواضح الخدّين، الأقنى
ص:167
الأنف (1)، مفلّج الثنايا (2)، كأنّ عنقه إبريق فضّة، كأنّ الذهب يجري في تراقيه (3)، له شعرات من صدره إلى سرّته، ليس على بطنه و لا على صدره شعر.
أسمر اللّون، دقيق المسربة، شثن الكفّ و القدم (4)، إذا التفت التفت جميعا و إذا مشى كأنّما يتقلع من الصخرة، و ينحدر من صبب، و إذا جاء مع القوم بذّهم (5)، عرقه في وجهه كاللؤلؤ، و ريح المسك تنفخ منه، لم ير قبله مثله و لا بعده.
طيّب الريح، نكّاح النساء، ذو النسل القليل، إنّما نسله من مباركة لها بيت في الجنّة لا صخب (6)فيه، و لا نصب (7)، يكفّلها في آخر الزمان، كما كفّل زكريّا أمّك.
لها فرخان مستشهدان، كلامه القرآن، و دينه الاسلام «و أنا السلام» ، طوبى لمن أدرك زمانه، «شهد أيّامه» ، و سمع كلامه.
قال عيسى: يا ربّ، و ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنّة، أنا غرستها، تظلّ الجنان، أصلها من رضوان، و ماؤها من تسنيم، برده برد الكافور، و طعمه طعم الزنجبيل، من يشرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبدا.
فقال عيسى: «اللّهمّ اسقني منها» قال: حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبيّ، و حرام على الأمم أن يشربوا منها حتى
ص:168
تشرب أمّة ذلك النبيّ، أرفعك إليّ ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمّة ذلك النبيّ العجائب، و لتعينهم على اللعين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلّي معهم، إنّهم أمّة مرحومة (1).
ص:169
ص:170
في صفته صلى اللّه عليه و آله و مدخله و مخرجه و مسكنه صلى اللّه عليه
و آله
1-ابن بابويه في «عيون الأخبار» قال: أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري (1)قال أخبرنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز بن منيع (2)قال: حدّثني إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين (3)عليهم السلام بمدينة الرسول، قال: حدّثني عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد، عن أبيه موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين عليهم السلام قال: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب: سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و كان وصّافا للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر.
أطول من المربوع (4)، و أقصر من المشذّب (5)، عظيم الهامة (6)، رجل
ص:171
الشعر (1)إن تفرّقت عقيقته (2)فرق، و إلاّ فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذا هو وفرة.
أزهر اللون (3)، واسع الجبين، أزجّ الحواجب (4)، سوابغ في غير قرن (5)، بينهما له (6)عرق يدرّه الغضب (7).
أقنى العرنين (8)، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأملّه أشمّ (9)، كثّ اللّحية، سهل الخدّين ضليع الفم (10)، أشنب (11)مفلج الأسنان (12)، دقيق المسربة (13)، كأنّ عنقه جيّد دمية (14)في صفاء الفضّة معتدل الخلق، بادنا (15)متماسكا سواء البطن و الصدر (16)، بعيد ما بين المنكبين.
ص:172
ضخم الكراديس (1)، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبّة و السرّة بشعر يجري كالخطّ، عاري الثديين و البطن ممّا سوى ذلك.
أشعر الذراعين و المنكبين و أعالي الصدر، طويل الزندين (2)، رحب الراحة (3)شثن الكفّين و القدمين، سائل الأطراف (4)، سبط القصب (5)، خمصان الأخمصين (6)مسيح القدمين (7)، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا (8)، يخطو تكفؤا (9)و يمشي هونا (10)، ذريع المشية (11)، إذا مشى كأنّه ينحطّ في صبب (12)، و إذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، يبدر من لّقيه بالسلام.
قال: فقلت له: صف لي منطقه. قال: كأن صلى اللّه عليه و آله متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحة، و لا يتكلّم في غير حاجة، يفتتح الكلام و يختمه بالثناء (13)، يتكلّم بجوامع الكلم فصلا لا فضول فيه و لا
ص:173
تقصير، رؤوفا ليس بالجافي (1)و لا بالمهين (2)، تعظم عنده النعمة و إن دقّت، لا يذمّ منها شيئا، غير أنّه لا يذمّ ذواقا (3)و لا يمدحه، و لا تغضبه الدنيا و ما كان لها.
فإذا تعوطي الحقّ (4)لم يعرفه أحد، و لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، إذا أشار أشار بكفّه و إذا تعجّب قلّبها، و إذا تحدّث اتصل بها يضرب (5)براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، و إذا غضب أعرض و أشاح (6)، و إذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسم، يفتّر عن مثل حبّ الغمام (7).
قال الحسن عليه السلام فكتمتها (8)الحسين زمانا، ثمّ حدّثته، فوجدته قد سبقني إليه، و سألني عمّا سألته عنه، و وجدته قد سأل أباه عن مدخل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مخرجه، و مجلسه، و شكله، فلم يدع منه شيئا.
قال الحسين عليه السلام: سألت أبي عليه السلام عن مدخل رسول اللّه، فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، فإذا آوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء. للّه تعالى، و جزء لأهله، و جزء لنفسه.
ثمّ جزّء جزّءه بينه و بين الناس، فيردّ (9)ذلك بالخاصّة على العامّة، و لا
ص:174
يدّخر عنهم منه شيئا.
و كان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل باذنه، و قسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، و منهم ذو الحاجتين، و منهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، و يشغلهم فيما أصلحهم و الأمّة (1)من مسألته عنهم و إخبارهم بالذي ينبغي، و يقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، و أبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته، فإنّه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يقدر على إبلاغها ثبّت اللّه قدميه يوم القيمة، لا يذكر عنده إلاّ ذلك، و لا يقيد (2)من أحد عشرة، يدخلون روّادا (3)، و لا يفترقون إلاّ عن ذواق (4)، و يخرجون أذلّة (5)، فسألته عن مخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يخزن لسانه إلاّ عمّا يعنيه، و يؤلّفهم و لا ينفّرهم، و يكرم كريم كلّ قوم، و يولّيه عليهم، و يحذّر الناس و يحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد بشره و لا خلقه.
و يتفقّد أصحابه، و يسأل عمّا في الناس (6)، و يحسّن الحسن و يقوّيه، و يقبّح القبيح و يوهنه.
معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، و لا يقصر
ص:175
عن الحقّ و لا يجوزه الذين يلونه من الناس: خيارهم أفضلهم عنده و أعمّهم نصيحة للمسلمين، و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة و موازرة.
قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان عليه السلام لا يجلس فلا يقوم إلاّ على ذكر (1)، و لا يوطن الأماكن (2)، و ينهى عن إيطانها، و إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس و يأمر بذلك، و يعطي كلّ جلسائه نصيبه، و لا يحسب أحد من جلسائه أنّ أحدا أكرم عليه منه، من جالسه صابره (3)حتى يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرجع إلاّ بها (4)أو بميسور من القول.
قد وسع الناس منه خلقه، و صار لهم أبا (5)و صاروا عنده في الحقّ سواء.
مجلسه مجلس حلم و حياء و صدق و أمانة، لا ترفع فيه الأصوات، و لا تؤبن فيه الحرم (6)«و لا تنثى فلتاته» (7)، و لا يسيء جلسائه، متعادلون متواصون بالتقوى (8)، متواضعين يوقّرون الكبير، و يرحمون الصغير، و يؤثرون ذا الحاجة، و يحفظون الغريب.
فقلت: كيف كان سيرته في جلسائه؟ فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب: ليس بفظ (9)و لا غليظ و لا صخّاب (10)و لا فحّاش و لا
ص:176
عيّاب و لا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، فلا يؤيس منه و لا يخيّب مؤمّله.
قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، و الإكثار، و ما لا يعنيه، و ترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحدا، و لا يعيّره، و لا يطلب عثراته و لا عوراته، و لا يتكلّم إلاّ فيما رجا ثوابه، إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير (1)، و إذا سكت تكلّموا و لا يتنازعون عنده الحديث (2)، من تكلّم أنصتوا له حتى يفرغ (3)، حديثهم عنده حديث أولهم (4). يضحك ممّا يضحكون منه، و يتعجّب ممّا يتعجبون منه، و يصبر على الغريب (5)على الجفوة (6)في مسألته و منطقه حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم (7)، و يقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه (8)، و لا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ (9)، و لا يقطع على أحد
ص:177
كلامه حتى يجوز (1)فيقطعه بنهي أو قيام.
قال: فسألته عن سكوت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: كان سكوته على أربع: على الحلم، و الحذر، و التقدير، و التفكر، فأمّا التقدير:
ففي تسوية النظر و الاستماع بين الناس، و أمّا تفكّره فيما يبقى و يفنى، و جمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء و لا ينفّره (2).
و جمع له الحذر في أربع: أخذه الحسن ليقتدى به، و تركه القبيح لينتهى عنه، و اجتهاده الوافي في إصلاح أمته، و القيام فيما جمع لهم خير الدنيا و الآخرة، صلوات اللّه عليه و آله الطيبين الطاهرين و سلّم تسليما (3).
ص:178
في مجلسه في العلم و تسويته بين أصحابه في اللحظات
و غير ذلك و تقديم السابق
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء (1)، عن جميل بن درّاج (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقسّم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلى ذا و ينظر إلى ذا بالسويّة، قال: و لم يبسط رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم رجليه بين أصحابه قطّ، و إن كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يده من يده حتى يكون هو التارك، فلمّا فطنوا لذلك كان الرجل إذا صافحه قال (3)بيده فنزعها من يده (4).
2-و عنه قال: حدّثني محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن
ص:179
عبد العزيز (1)، عن جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقسّم لحظاته بين أصحابه، ينظر إلى ذا و ينظر إلى ذا بالسويّة (2).
3-و عنه بإسناده، عن إسماعيل بن مهران (3)، عن أيمن بن محرز (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما صافح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا قطّ فنزع يده حتى يكون هو الذي ينزع عنه (5).
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم (6)، عن معاوية بن وهب (7)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما أكل رسول اللّه متّكئا منذ بعثه اللّه عزّ و جلّ إلى أن قبضه، تواضعا للّه عزّ و جلّ، و لا رؤي ركبته أمام جليسه في مجلس قطّ، و لا صافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا قطّ فنزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الّذي ينزع يده (8).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن
ص:180
محبوب، عن ابن رئاب، عن محمّد بن قيس (1)قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: و هو يحدّث الناس بمكّة: صلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الفجر، ثمّ جلس مع أصحابه حتى طلعت الشمس، فجعل يقوم الرجل بعد الرجل حتى لم يبق معه إلاّ رجلان: أنصاري، و ثقفيّ.
فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: قد علمت أنّ لكما حاجة تريدان أن تسألاني عنها، فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني، و إن شئتما فسألا عنها، قالا: بل تخبرنا قبل أن نسألك عنها، فإنّ ذلك أجلى للعمى، و أبعد من الارتياب، و أثبت للايمان.
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أمّا أنت يا أخا ثقيف فإنّك جئت تسألني عن وضوءك و صلاتك ما لك في ذلك من الخير.
أمّا وضوءك، فإنّك وضعت يدك في إنائك ثمّ قلت: بسم اللّه تناثرت منها ما اكتسبت من الذنوب، فإذا غسلت وجهك تناثرت التي اكتسبتها عيناك بنظرهما وفوك، فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك و شمالك، و إذا مسحت رأسك و قدميك تناثرت الذنوب الّتي مشيت إليها على قدميك، فهذا لك في وضوءك (2).
6-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و محمّد بن إسماعيل (3)عن الفضل بن شاذان (4)، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي
ص:181
عبد اللّه عليه السلام قال: أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم رجلان: رجل من الأنصار، و رجل من ثقيف، فقال الثقفي: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حاجتي، فقال: سبقك أخوك الأنصاري، فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّي على ظهر سفر، و إنّي عجلان.
فقال الأنصاريّ: إنّي قد أذنت له، فقال: إن شئت سألتني و إن شئت نبّأتك، فقال: نبّئني يا رسول اللّه، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: جئت تسألني عن الصلاة، و عن الوضوء، و عن السجود، فقال الرجل: إي و الّذي بعثك بالحقّ، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أسبغ الوضوء، و املأ يديك من ركبتيك، و عفّر جبينك في الصلاة، و صلّ صلاة مودّع.
و قال الأنصاري يا رسول اللّه حاجتي، قال: إن شئت سألتني، و إن شئت نبّأتك، فقال: يا رسول اللّه نبّأني، قال: جئت تسألني عن الحجّ، و عن الطواف بالبيت، و عن السعي بين الصفا و المروة، و رمي الجمار، و حلق الرأس، و يوم عرفة.
فقال الرجل: إي و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا، قال: لا ترفع ناقتك خفّا إلاّ كتب اللّه به لك حسنة، و لا تضع خفّا إلاّ حطّ به عنك سيّئة، و طواف البيت، و السعي بين الصفا و المروة ينقّيك كما ولدتك أمّك من الذّنوب، و رمي الجمار ذخر يوم القيامة، و حلق الرأس لك بكلّ شعرة نور يوم القيامة، و يوم عرفة يوم يباهي اللّه عزّ و جلّ به الملائكة، فلو حضرت ذلك اليوم برمل عالج و قطر السماء و أيّام العالم ذنوبا، فإنّه تبت ذلك اليوم.
و في حديث آخر له بكلّ خطوة إليها يكتب له حسنة، و يمحى عنه سيّئة، و يرفع له بها درجة (1).
ص:182
في تواضعه لأهل بيته علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد (يعني المفيد) قال:
أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عمران المرزباني، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن عيسى المكّي (1)قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا هوذة (2)بن خليفة قال: حدّثنا عوف (3)عن عطيّة الطفاوي، عن أبيه، عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في بيتي إذ قال الخادم: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ عليّا و فاطمة بالسدة (4)، فقال: قومي فتنحّي لي عن (5)أهل
ص:183
بيتي، قالت: فقمت فتنحّيت في البيت قريبا، فدخل عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و هما صبيّان صغيران، فوضعهما النبي صلى اللّه عليه و آله في حجره و قبّلهما، و اعتنق عليّا عليه السلام بإحدى يديه، و فاطمة عليها السلام باليد الأخرى، و قبّل فاطمة عليها السلام و قال: اللّهمّ إليك أنا و أهل بيتي لا إلى النار (1).
2-و عنه قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد، قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن عمر (2)رحمه اللّه قال: حدّثني بن عيسى بن أبي موسى (3)بالكوفة، قال: حدّثني عبدوس بن محمد الحضرمي (4)، قال: حدّثنا محمّد بن فرات (5)، عن أبي إسحاق (6)، عن الحارث (7)، عن عليّ عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يأتينا كلّ غداة فيقول: الصلاة رحمكم اللّه الصلاة إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (8)(9).
ص:184
3-و عنه، عن أبي محمّد الفحّام (1)، قال: حدّثني عمر بن يحيى (2)، قال: حدّثني إبراهيم بن عبد اللّه البلخي (3)، حدّثنا أبو عاصم الضحّاك بن مخلّد النبيل (4)، قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: كنت عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله أنا من جانب، و عليّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه من جانب، إذ أقبل عمر بن الخطّاب، و معه رجل قد تلبب (5)به، فقال: ما باله؟ قال: حكي عنك يا رسول اللّه: أنّك قلت: من قال: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، دخل الجنّة، و هذا إذا سمعته الناس فرّطوا في الأعمال، أفأنت قلت ذلك يا رسول اللّه؟ قال: نعم إذا تمسّك بمحبّة هذا و ولايته (6).
4-و عنه باسناده، قال: أخبرنا أبو عمرو (7)، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد قال: حدّثنا الحسين بن عبد الرحمن بن محمّد الأزدي (8)، قال: حدّثنا
ص:185
أبي، قال: حدّثنا عبد النور بن عبد اللّه بن سنان (1)قال: حدّثنا سليمان بن قرم (2)، قال: حدّثني أبو الجحاف (3)، و سالم بن أبي حفصة (4)، عن نقيع أبي داود (5)، عن أبي الحمراء (6)، قال: شهدت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم أربعين صباحا يجيء إلى باب عليّ و فاطمة عليها السلام فيأخذ بعضادتي الباب ثم يقول: السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 78.
5-و عنه، قال: أخبرنا أبو عمرو قال: أخبرنا أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحسن 9، قال: حدّثنا موسى بن إبراهيم المروزي 10، قال: حدّثنا موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، عن
ص:186
جابر بن عبد اللّه، قال: لمّا زوّج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فاطمة من عليّ أتاه أناس من قريش، فقالوا: إنّك زوّجت عليّا بمهر خسيس، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أنا زوّجت عليّا. و لكنّ اللّه زوّجه ليلة أسري بي عنده سدرة المنتهى أوحى اللّه إلى السدرة أن انثري ما عليك، فنثرت الدرّ و الجوهر و المرجان، فابتدر الحور العين فالتقطن، فهنّ يتهادينه و يتفاخرن و يقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمّد عليهما السلام.
فلمّا كانت ليلة الزفاف أتى النبيّ ببغلته الشهباء، و ثنّى عليها قطيفة، و قال لفاطمة: اركبي، و أمر سلمان أن يقودها، و النبيّ صلى اللّه عليه و آله يسوقها.
فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم وجبة، فإذا هو جبرئيل في سبعين ألفا، و ميكائيل في سبعين ألفا، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أهبطكم إلى الأرض؟ قالوا: جئنا نزّفّ فاطمة إلى عليّ بن أبي طالب فكبّر جبرئيل، و كبّر ميكائيل، و كبّرت الملائكة، و كبّر محمد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة (1).
6-و عنه قال: أخبرنا أبو عبد اللّه حمّوية بن عليّ بن حمّوية البصري (2)، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن محمّد بن بكر الفراني (3)، قال: حدّثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي (4)، اقل: حةثننا أبو الفضل العبّاس بن الفرج الرياشي (5)، قال: حدّثنا عثمان بن عمر (6)، عن إسرائيل (7)، عن
ص:187
ميسرة بن حبيب (1)، عن المنهال بن عمرو (2)، عن عائشة بنت طلحة (3)، عن عايشة، قالت: ما رأيت من الناس أحدا أشبه كلاما و حديثا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من فاطمة عليها السلام كانت إذا دخلت عليه رحّب بها و قبّل يديها و أجلسها في مجلسه.
فإذا دخل عليها قامت إليه فرحّبت به و قبّلت يديه، و دخلت عليه في مرضه فسارّها فبكت، ثمّ سارّها فضحكت، فقلت: كنت أرى لهذه فضلا على النساء فإذا هي امرأة من النساء، فبينما هي تبكي إذ ضحكت، فسألتها، فقالت: إني كئيبة (4)فلمّا توفّي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم سألتها، فقالت: إنّه أخبرني أنّه يموت فبكيت، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقا به فضحكت (5).
7-و عنه قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل (6)قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني (7)، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى الصوفي (8)، قال:
ص:188
حدّثنا إسماعيل بن أبان (1)، قال: حدّثني جعفر بن ميسرة (2)، عن أبي عبد اللّه بن عبد الرحمن اليشكري (3)عن أنس بن مالك، قال: بينما أنا أوضّئ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذ دخل عليه عليّ عليه السلام فجعل يأخذ من وضوئه (4)فيغسل به وجهه ثمّ قال: أنت سيّد العرب، فقال:
يا رسول اللّه أنت رسول اللّه و سيّد العرب، قال: يا عليّ أنا رسول اللّه و سيّد ولد آدم، و أنت أمير المؤمنين و سيّد العرب (5)(6).
8-كتاب «المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة» (7)بالاسناد عن سليم بن قيس الهلالي (8)قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له:
أخبرني بأفضل مناقبك من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قال عليه السلام: كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لحاف (9)، و كنت مشتكيا، فأجلسني عنده ثم حطّ اللّحاف بين يدي عايشة، و قام يصلّي و يدعو، فبات ليلته على ذلك الحال، و يأتيني و يسألني و ينظر إليّ، فما زال دأبه
ص:189
حتى أصبح، فخرج يصلّي بأصحابه الغداة، فقال: اللّهمّ اشف عليّا و عافه فإنّه أسهرني اللّيلة.
قال عليّ عليه السلام: فكأنّما نشطت من عقال (1)، فقمت و خرجت إلى المسجد، فلمّا رآني قال: أبشر يا عليّ إنّي لم أسأل اللّه تعالى فيك شيئا إلاّ أعطيته (2).
9-و من «الكتاب» أيضا بالاسناد، عن الحسين بن علي، عن أمّه فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين سلام اللّه عليها، قالت: نزلت على سيّدي صلوات اللّه عليه قراءة هذه الآية لا تَجْعَلُوا دُعاءَ اَلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (3)قالت: فاطمة فجئت وهبت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم أن أقول له: يا أباه، فجعلت أقول: يا رسول اللّه فأقبل عليّ و قال: يا بنيّة لم تنزل فيك و لا في أهلك من قبل، قال: أنت منّي و أنا منك، و إنّما نزلت في أهل الجفاء، و إنّ قولك يا أباه أحبّ إلى القلب و أرضى للربّ.
ثم قال: أنت نعم الولد، و قبّل جبهتي و مسحني من ريقه، فما احتجت إلى الطيب بعده (4).
10-ابن بابويه في «أماليه» باسناده عن محمّد بن الفيض بن المختار (5)،
ص:190
عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و هو راكب (1)، و خرج عليّ عليه السلام و هو يمشي، فقال له: يا أبا الحسن إمّا أن تركب، و إمّا أن تنصرف.
فإنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن تركب إذا ركبت، و تمشي إذا مشيت، و تجلس إذا جلست، إلاّ أن يكون حدّ من حدود اللّه لا بدّ لك من القيام و القعود فيه، و ما أكرمني اللّه بكرامة إلاّ و قد أكرمك بمثلها. و خصّني بالنبوّة و الرسالة، و جعلك وليّي في ذلك تقوم في حدوده و في صعب أموره، و الّذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا ما أمن بي من أنكرك و لا أقرّ بي من جحدك، و لا آمن باللّه من كفر بك، و إنّ فضلك لمن فضلي، وإنّ فضلي لك لفضل اللّه، و هو قول ربّي عزّ و جلّ: قُلْ بِفَضْلِ اَللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ (2)، ففضل اللّه نبوّة نبيّكم، و رحمته ولاية علي بن أبي طالب، بالنبوّة و الولاية فليفرحوا يعني الشيعة.
فَبِذلِكَ قال: بالنبوّة و الولاية فَلْيَفْرَحُوا يعني الشيعة، هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يعني مخالفيهم من الأهل و المال و الولد في دار الدنيا، و اللّه يا عليّ ما خلقت إلاّ ليعبد ربّك، و لتعرف بك معالم الدين، و يصلح بك دارس السبل، و لقد ضلّ من ضلّ عنك، و لن يهتدي إلى اللّه عزّ و جلّ من لم يهتد إليك و إلى ولايتك، و هو قول ربّي عزّ و جلّ: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اِهْتَدى (3)يعني إلى ولايتك.
و لقد أمرني ربّي تبارك و تعالى أن أفترض من حقّك ما أفترضه من حقّي،
ص:191
و إنّ حقّك لمفروض على من آمن بي، و لولاك لم يعرف حزب اللّه، و بك يعرف عدو اللّه، و من لم يلقه بولايتك لم يلقه بشيء.
و لقد أنزل اللّه عزّ و جلّ يا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ -يعني في ولايتك يا عليّ- وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (1)و لو لم أبلّغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي.
و من لقى اللّه عزّ و جلّ بغير ولايتك فقد حبط عمله، و غدا (2)ينجز لي، و ما أقول إلاّ قول ربّي تبارك و تعالى، و إنّ الّذي أقول لمن اللّه عزّ و جلّ أنزله فيك (3).
11-الشيخ المفيد في «أماليه» قال: أخبرني الشريف أبو عبد اللّه محمّد بن الحسن الجواني (4)، قال: أخبرني المظفّر بن جعفر العلوي العمريّ (5)قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود (6)، عن أبيه، عن محمّد بن حاتم (7)،
ص:192
قال: حدّثنا سويد بن سعيد (1)، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه اليماني (2)عن ابن مينا (3)، عن أبيه عن عايشه، قالت: جاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام يستأذن على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فلم يأذن (4)له فأستأذن دفعه اخرى فقال النبي صلى اللّه عليه و آله: ادخل يا عليّ.
فلمّا دخل قام إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فاعتنقه، و قبّل بين عينيه و قال: بأبي الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد (5).
12-الشيخ في «أماليه» ، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد (6)، قال:
حدّثنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي (7)، قال حدّثني الحسين الهادي (8)بن حمزة أبو علي من أصل كتابه، قال: حدّثنا الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (9)،
ص:193
قال: حدّثنا محمّد بن سليمان الأصفهاني (1)، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (2)، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: دعاني النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أنا أرمد العين، فتفل في عيني، و شدّ العمامة على رأسي، و قال: اللّهمّ اذهب عنه الحرّ و البرد فما وجدت بعدها حرّا و لا بردا (3).
13-محمّد بن يعقوب، عن عدّة (4)من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه (5)، عن الحسن (6)بن عليّ العقيلي، عن عليّ بن أبي علي اللهبي (7)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: عمّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عليّا
ص:194
عليه السلام بيده، فسد لها (1)من بين يديه، و قصّرها من خلفه قدر أربع أصابع، ثم قال أدبر فأدبر، ثمّ قال: أقبل فأقبل، ثمّ قال: هكذا تيجان الملائكة صلوات اللّه عليهم (2).
ص:195
ص:196
في تواضعه صلى اللّه عليه و آله و حسن خلقه
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله متّكئا منذ بعثه اللّه عزّ و جلّ إلى أن قبضه تواضعا للّه عزّ و جلّ، و ما رؤي ركبتاه (1)أمام جليسه في مجلس قطّ.
و لا صافح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا قطّ فنزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده، و لا كافئ رسول اللّه بسيّئة قطّ قال اللّه له: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ اَلسَّيِّئَةَ (2)و ما منع سائلا قطّ، إن كان عنده أعطى، و إلاّ قال: يأتي اللّه عزّ و جلّ، و لا أعطي على اللّه عزّ و جلّ شيئا قطّ إلاّ أجازه اللّه، إنّه ليعطي الجنّة فيجيز اللّه، له ذلك.
و كان أخوه (3)من بعده و الّذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قطّ حتى خرج منها، و اللّه إنّه كان ليعرض له أمران كان كلاهما للّه عزّ و جلّ طاعة
ص:197
فيأخذ بأشدّهما على بدنه، و اللّه لقد أعتق ألف مملوك لوجه اللّه عزّ و جلّ، دبرت (1)فيهم يداه، و اللّه ما أطاق عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من بعده أحد غيره، و اللّه ما نزلت برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم نازلة قطّ إلاّ قدّمه فيها ثقة منه به، و إنّه كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ليبعثه برايته، فيقاتل جبرئيل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره، ثم ما يرجع حتى يفتح اللّه عزّ و جلّ له (2).
2-و عنه، عن عدّه من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى (3)، عن حريز بن عبد اللّه (4)، عن بحر السقاء (5)، قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: يا بحر حسن الخلق يسر، ثمّ قال: ألا أخبرك بحديث ما هو في أيدي أحد من أهل المدينة؟ قلت: بلى.
قال: بينا (6)رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم جالس في المسجد إذ جاءت جارية لبعض الأنصار، و هو قاعد، فأخذت بطرف ثوبه، فقام لها النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فلم تقل شيئا، و لم يقل لها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا، حتى فعل ذلك ثلاث مرّات، فقام لها النبيّ صلى اللّه عليه و آله في الرابعة و هي خلفه، فأخذت هدبة (7)من ثوبه ثمّ
ص:198
رجعت، فقال لها الناس: فعل اللّه بك (1)و فعل، حبست رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ثلاث مرّات لا تقولين له شيئا و لا هو يقول لك شيئا ما كانت حاجتك إليه؟ قالت: إنّ لنا مريضا فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه ليستشفى بها، فلمّا أردت أخذها رآني فقام، فاستحييت أن آخذها و هو يراني، و أكره أن أستأمره في أخذها فأخذتها (2).
3-الشيخ في «أماليه» قال: حدّثنا الحسين بن عبيد اللّه الغضائري (3)رحمه اللّه، عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري (4)، قال: حدّثنا محمّد بن همام (5)، قال: حدّثنا عليّ ابن الحسين الهمداني (6)قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن خالد البرقي (7)، عن أبي قتادة القمّي (8)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ للّه عزّ و جلّ وجوها خلقهم من خلقه و أرضه، لقضاء حوائج إخوانهم، يرون الحمد مجدا و اللّه عزّ و جلّ يحبّ مكارم الأخلاق، و كان فيما خاطب اللّه تعالى نبيّه صلى اللّه عليه و آله أن قال له يا محمد: وَ إِنَّكَ لَعَلى
ص:199
خُلُقٍ عَظِيمٍ (1)قال: السخاء و حسن الخلق (2).
4-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال:
حدّثني عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان الأحمر، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قد بلي ثوبه، فحمل إليه اثني عشر درهما فدفعها إلى عليّ عليه السلام قال: اشتر لي قميصا، فدخل عليّ عليه السلام السوق، و اشترى قميصا باثنتي عشرة درهما.
فلمّا رآه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
يا عليّ قميص دونه يكفيني، أترى صاحبه يقيلنا؟ فقال: لا أدري.
فقام النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و دخل معه السوق فاستقال التاجر، فأقاله، و أخذ الدراهم و انصرف، فوجد جارية على الطريق تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أعطاني أهلي أربعة دراهم لأشتري بها حاجة، و قد ضيّعتها، فأعطاها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أربعة دراهم.
ثم دخل السوق و اشترى قميصا بأربعة دراهم و لبسه، فانصرف فوجد رجلا على الطريق عريانا، و هو يقول: من كساني كساه اللّه تعالى من ثياب الجنّة، فأعطاه النبيّ صلى اللّه عليه و آله قميصه، و انصرف إلى السوق فاشترى قميصا بأربعة دراهم و لبسه، و انصرف فوجد الجارية تبكي فقال لها: مالك؟ فقالت يا رسول اللّه إنّ أهلي قد أبطأت عليهم فأخاف أن يضربوني.
فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: امضي أمامي و أرشديني إلى الطريق، فلمّا جاء إلى الباب قال: السلام عليكم فلم يجيبوه، ثمّ قال:
السلام عليكم فلم يجيبوه، ثم قال: السلام عليكم فقالوا: و عليك السلام يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته.
ص:200
فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم أسلّم عليكم فلا تجيبوني، فقالوا: سمعنا سلامك، فأحببنا أن نستكثر منه، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: هذه الجارية قد أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها، فقالوا: يا رسول اللّه هي حرّة لممشاك.
فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: ما رأيت اثنتي عشرة درهما أعظم بركة من هذا كسى اللّه جلّ جلاله بها عاريين و أعتق بها نسمة (1).
ص:201
5-و عنه، قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس (1)رضي اللّه عنه، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى (2)، قال: أخبرني محمد بن يحيى الخزّاز (3)قال: حدّثني موسى بن إسمعيل، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّ يهوديّا كان له على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهوديّ ما عندي ما أعطيك، فقال: فأنّي لا أفارقك يا محمّد صلى اللّه عليه و آله حتى تعطيني (4)فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا أجلس معك، فجلس صلى اللّه عليه و آله و سلّم معه، حتى صلّى في ذلك الموضع الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الغداة، و كان أصحاب رسول اللّه يتهدّدونه و يتواعدونه.
فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إليهم فقال: ما الّذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول اللّه يهوديّ يحبسك؟ فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لم يبعثني ربّي عزّ و جلّ بأن أظلم معاهدا و لا غيره.
فلمّا علا النهار قال اليهوديّ: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، و شطر مالي في سبيل اللّه، أما و اللّه ما فعلت بك الّذي فعلت إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإنّي قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد اللّه مولده بمكّة، و مهاجره بطيبة، و لا بفظّ، و لا غليظ، و لا سخّاب (5)، و لا
ص:202
متزيّن بالفحش (1)، و لا قول الخناء (2)، و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و هذا مالي فاحكم فيه بما أنزل اللّه عزّ و جلّ، و كان اليهوديّ كثير المال.
ثمّ قال عليه السلام: كان فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عبآءة، و كان مرفقته (3)أدم (4)حشوها ليف، فثنّيت له ذات ليلة، فلمّا أصبح قال: لقد منعني الفراش اللّيلة الصلوة، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يجعل بطاق واحد (5).
6-الكافي، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن إسماعيل بن مهران جميعا، عن سيف بن عميرة (6)، عن عبد اللّه بن (7)مسكان، عن عمّار بن حيّان (8)، قال: خبّرت أبا عبد اللّه عليه السلام ببرّ إسمعيل ابني بي، فقال: لقد كنت أحبّه فقد ازددت له حبّا، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتته أخت له من الرضاعة (9)فلمّا نظر إليها سرّ بها،
ص:203
و بسط ملحفته (1)لها، فأجلسها عليها، ثم أقبل يحدّثها و يضحك في وجهها.
ثمّ قامت و ذهبت و جاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له:
يا رسول اللّه صنعت بأخته ما لم تصنع به و هو رجل؟ فقال: لأنّها كانت أبرّ بوالديها منه (2).
7-و الذي رواه الحسين بن سعيد (3)، في كتاب «الزهد» عن فضالة بن أيّوب (4)، عن سيف بن عميرة، عن ابن مسكان، عن عمّار بن حيان، قال أخبرني أبو عبد اللّه عليه السلام ببرّ ابنه إسمعيل له و قال: و لقد كنت أحبّه و قد ازداد إليّ حبّا، إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أتته أخت له من الرضاعة.
و ساق إلى آخره الحديث إلاّ أنّ في آخره: فقال صلى اللّه عليه و آله: لأنّها كانت أبرّ بأبيها منه (5).
8-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة (6)عن زرارة (7)، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
دخل يهوديّ على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و عائشة عنده فقال:
ص:204
السام (1)عليكم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: عليك (2). ثمّ دخل آخر فقال مثل ذلك فردّ عليه كما ردّ على صاحبه ثمّ دخل آخر فقال: مثل ذلك، فردّ عليه كما ردّ على صاحبيه، فغضبت عايشة، فقالت: عليكم السام و الغضب و اللّعنة يا معشر اليهود، يا إخوة القردة و الخنازير.
فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عايشة إنّ الفحش لو كان ممثّلا لكان مثال سوء إنّ الرفق لم يوضع على شيء قطّ إلاّ زانه، و لم يوضع عنه قط إلاّ شانه.
قالت: يا رسول اللّه أما سمعت إلى قولهم السامّ عليكم؟ فقال: بلى أما سمعت ما رددت عليهم؟ قلت: عليكم، فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا:
السلام (3)عليكم، و إذا سلّم عليكم كافر فقولوا: عليك (4).
9-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى (5)، عن ربعي بن عبد اللّه (6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسلّم على النساء و يرددن عليه (7)، و كان أمير المؤمنين عليه السلام يسلّم على النساء، و كان يكره أن يسلّم على الشابّة منهنّ و يقول:
أتخوّف أن يعجبني صوتها، فيدخل عليّ أكثر ممّا أطلب من الأجر (8).
10-و عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
ص:205
معمّر بن خلاّد، قال: سألت أبا الحسن (1)عليه السلام فقلت: جعلت فداك الرجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون و يضحكون؟ فقال: لا بأس ما لم يكن، فظننت أنّه نهى عن الفحش.
ثمّ قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يأتيه الأعرابيّ فيهدي له الهديّة، ثمّ يقول مكانه: أعطنا ثمن هديّتنا، فيضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و كان إذا اغتّم يقول: ما فعل الأعرابي؟ ليته أتانا (2).
11-الحسين بن سعيد في كتاب «الزهد» عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، يعني عبد اللّه قال الحسن يعني الصيقل (3): سمعنا أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: مرّت برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله امرأة و هي بذيّة (4)، و هو يأكل، فقالت: يا محمد إنّك لتأكل أكل العبد، و تجلس جلوسه؟ ! فقال لها: ويحك و أيّ عبد أعبد منّي؟
فقالت: أما تناولني لقمة من طعامك؟ فناولها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لقمة من طعامه، فقالت: لا و اللّه إلاّ إلى فمي (5)من فيك.
قال: فأخرج اللّقمة من فيه فناولها إيّاها فأكلتها، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: فما أصابتها بذاء (6)حتى فارقت الدنيا (7).
ص:206
في زهده صلى اللّه عليه و آله
1-ابن بابويه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: أخبرني محمّد بن يحيى الخزّاز، قال: حدّثني موسى بن إسماعيل (1)، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله دخل على ابنته فاطمة، و إذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها، فقطعتها و رمت بها، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت منّي يا فاطمة.
ثمّ جاء سائل فناولته القلادة، ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اشتدّ غضب اللّه و غضبي على من أهرق دمي و آذاني في عترتي (2)
2-و عنه قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي، قال حدّثنا جعفر بن محمد العلوي الحسني (3)قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن
ص:207
خلف العطار (1)، قال: حدّثنا حسن بن صالح بن الأسود (2)، قال: حدّثنا أبو معشر (3)، عن محمّد بن قيس (4)، كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة فدخل عليها فأطال عندها المكث، فخرج مرّة في سفره، فصنعت فاطمة مسكتين (5)من ورق و قلادة و قرطين، و سترا لباب البيت لقدوم أبيها و زوجها عليهما السلام، فلمّا قدم رسول اللّه دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قد عرف الغضب في وجهه، حتى جلس عند المنبر، فظنّت فاطمة أنّه إنّما فعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما رأى من المسكتين و القلادة و القرطين و الستر، فنزعت قلادتها و قرطيها و مسكتيها. و نزعت الستر فبعثت به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و قالت للرسول: قل له: تقرأ عليك ابنتك السلام و تقول اجعل هذا في سبيل اللّه.
فلما أتاه قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فعلت، فداها أبوها ثلاث مرّات، ليست الدنيا من محمّد و لا من آل محمد، و لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه من الخير جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء، ثمّ قام فدخل عليها (6).
3-ابن شهر آشوب، عن أبي صالح المؤذّن في كتابه بالاسناد، عن عليّ
ص:208
عليه السلام أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله دخل على ابنته فاطمة، و إذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها، فقطعتها فرمت بها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أنت منّي يا فاطمة، ثمّ جاء سائل فناولته القلادة (1).
4-الحسين بن سعيد في كتاب «الزهد» عن النضر بن سويد (2)، عن عبد اللّه بن سنان (3)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: دخل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجل، و هو على حصير قد أثّر في جسمه، و وسادة ليف قد أثّرت في خدّه، فجعل يمسح (4)و يقول: ما رضي بهذا كسرى و لا قيصر، إنّهم ينامون على الحرير و الديباج، و أنت على هذا الحصير؟
قال: فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لأنّا خير منهما و اللّه، لأنّا أكرم منهما و اللّه، ما أنا و الدنيا، إنّما مثل الدنيا كمثل رجل راكب مرّ على شجرة و لها فيء، فاستظلّ تحتها، فلمّا أن مال الظلّ عنها ارتحل فذهب و تركها (5).
5-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أبو الحسن محمّد بن محمّد بن مخلد (6)، قال: حدّثني أبو محمد جعفر بن محمّد بن نصير بن القاسم المعروف بالخلدي (7)، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ القطّان، قال: حدّثنا عبّاد بن موسى الختّلي (8)، قال: حدّثنا أبو إسماعيل إبراهيم بن سليمان المؤدّب (9)، عن
ص:209
عبد اللّه بن مسلم (1)، عن سعيد بن جبير 2، عن ابن عبّاس، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجلس على الأرض، و يأكل على الأرض، و يعتقل الشاة، و يجيب دعوة المملوك على خبز الشّعير 3.
6-و عنه، قال: أخبرنا ابن مخلّد، قال: أخبرنا الرزّاز 4، قال:
حدّثنا حامد بن سهل الثغري 5قال: حدّثنا حامد أبو غسّان، قال: حدّثنا شريك 6، عن سمّاك 7، عن عكرمة 8، عن ابن عباس، عن ميمونة 9قالت: أجنبت أنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فاغتسلت من جفنة، و فضلت فيها فضلة، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فاغتسل منها، قلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إنّها فضلت منّي، أو قالت:
اغتسلت، فقال: ليس المآء جنابة 10.
7-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن عبد اللّه 11، عن أحمد بن أبي
ص:210
عبد اللّه (1)، عن عبدل بن مالك (2)، عن هارون بن الجهم (3)، عن الكاهلي (4)، عن معاذ بيّاع الأكسية قال: -قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحلب عنز (5)أهله (6).
8-ابن بابويه، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن إدريس رضي اللّه عنه، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: أخبرني محمّد بن يحيى الخزّاز، قال: حدّثني موسى بن إسمعيل، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام: كان فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عباءة، و كان مرفقته أدم حشوها ليف، فثنيت له ذات ليلة، فلمّا أصبح قال: لقد منعني الفراش اللّيلة الصلاة، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أن يجعل بطاق واحد (7).
9-الحسين بن سعيد (8)، في كتاب «التمحيص» عن عبد اللّه بن أبي
ص:211
يعفور (1)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ رجلا من الأنصار أهدى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم صاعا من رطب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم للخادم الّتي جاءت به: أدخلي فانظري هل تجدين في البيت قصعة أو طبقا فتأتيني به، فدخلت ثمّ خرجت إليه، فقالت ما أصبت قصعة و لا طبقا، فكنس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مكانا من الأرض، ثمّ قال لها: ضعيه ههنا على الحضيض، ثمّ قال: و الّذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه جناح بعوضة ما أعطى كافرا و لا منافقا منها شيئا (2).
10-محمّد بن يعقوب، بإسناده، عن أبي هارون (3)، عن أبي سعيد الخدري (4)، قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مكث بمكّة يوما و ليلة يطوي (5)(6).
11-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه (7)، عن محمّد بن عيسى (8)، عن عبد اللّه العلوي (9)عن أبيه، عن جدّه، قال: قال
ص:212
أمير المؤمنين عليه السلام لمّا قدم عدّي بن حاتم (1)إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، أدخله النبيّ بيته، و لم يكن في البيت غير خصفة (2)و وسادة أدم، فطرحها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لعديّ بن حاتم (3).
12-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد (4)، قال: أخبرنا أبو نصر محمّد بن الحسن المقري، قال: حدّثنا محمّد بن حسن بن سهل العطّار، قال: حدّثنا أحمد بن عمر الدهقان، قال: حدّثنا محمّد بن كثير مولى عمر بن عبد العزيز، قال: حدّثنا عاصم بن كليب (5)، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فشكا إليه الجوع فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى بيوت أزواجه، فقلن: ما عندنا إلاّ الماء، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من لهذا الرجل اللّيلة؟ فقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: أنا له يا رسول اللّه.
فأتى فاطمة عليها السلام فقال لها: ما عندك يا ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصبية، لكنا نؤثر ضيفنا، فقال عليّ عليه السلام: يا ابنة محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم نوّمي الصبية و اطفئي المصباح.
فلمّا أصبح عليّ عليه السلام غدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأخبره الخبر، فلم يبرح حتى أنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (6)(7).
ص:213
13-و عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن خثيش (1)قال: حدّثنا أحمد (2)، قال: حدّثنا سليمان بن أحمد الطبراني (3)بإصبهان، قال: حدّثنا عمرو بن ثور الخدامي (4)، قال: حدّثنا محمّد بن يوسف الفريابي (5)، قال:
حدّثنا سفيان الثوري (6)، عن عبد الرّحمن بن القاسم (7)، عن أبيه، عن عايشة، قالت: ما شبع آل محمّد عليهم السلام ثلاثة أيّام تباعا حتى لحق باللّه عزّ و جلّ (8).
14-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى (9)، عن أحمد بن محمّد (10)، عن محمّد بن يحيى الخثعمي (11)، عن طلحة بن زيد (12)، قال: ما أعجب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم شيء من الدنيا إلاّ أن يكون فيها جايعا خائفا (13).
15-ابن بابويه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي السمرقندي رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود (14)، عن
ص:214
أبيه أبي النضر محمّد بن مسعود العياشي (1)قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن علي بن فضال (2)قال: حدّثنا محمّد بن الوليد (3)، عن العبّاس بن هلال (4)، عن عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: خمس لا أدعهنّ حتى الممات: الأكل على الحضيض مع العبيد، و ركوب الحمار موكفا 5، و حلب العنزبيدي، و لبس الصوف و التسليم على الصبيان ليكون ذلك سنة من بعدي 6.
16-و روي عنه أنّه قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ما لي و للدنيا إنّما مثلي و الدنيا كراكب أدركه المقيل 7في أصل الشجرة فقال في أصلها ساعة و مضى 8.
ص:215
ص:216
في زهده في المطعم و الملبس
1-الشيخ الطوسي في «مجالسه» قال: قال: أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن وهبان الهناني البصري، قال: حدّثني أحمد بن إبراهيم بن أحمد قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن عليّ بن عبد الكريم الزعفراني، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن خالد البرقي أبو جعفر، قال: حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي أسامة (1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: بلغنا أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لم يشبع من خبز برّ ثلاثة أيّام قطّ، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما أكله قطّ، قلت: فأيّ شيء كان يأكل؟ قال: كان طعام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الشعير إذا وجده، و حلواه التمر، و وقوده السعف (2).
2-و عنه قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن وهبان الأزدي، قال: حدّثنا أبو علي محمّد بن أحمد بن زكريّا (3)، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضال، عن عليّ بن عقبة بن خالد
ص:217
الأسدي (1)، عن أبي كهمس (2)، عن عمرو بن سعيد بن هلال (3)قال:
قلت: لأبي عبد اللّه عليه السلام: أوصني، فقال: أوصيك بتقوى اللّه و الورع و الاجتهاد، و اعلم أنّه لا ينفع اجتهاد و لا ورع فيه، و انظر إلى ما دونك و لا تنظر إلى من فوقك، فكثيرا ما قال اللّه عزّ و جلّ لرسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ (4)و قال عزّ ذكره: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا (5).
فإن نازعتك نفسك إلى شيء من ذلك، فاعلم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان قوته الشعير و حلواه التمر، و وقوده السعف (6)، و إذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فإنّ الناس لم يصابوا بمثله و لن يصابوا بمثله أبدا (7).
3-و عنه، قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: أخبرنا محمّد بن وهبان، عن محمّد بن أحمد بن زكريّا، عن الحسن بن عليّ بن فضّال.
عن عليّ بن عقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي (8)، عن محمّد بن مسلم (9)، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ذات يوم، و هو يأكل متّكئا، و قد كان يبلغنا أنّ ذلك يكره، فجعلت أنظر إليه، فدعاني إلى طعامه، فلمّا فرغ قال:
يا محمّد لعلّك ترى أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم رأته عين و هو يأكل
ص:218
متّكئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه؟ ثم ردّ على نفسه فقال: لا و اللّه ما رأته عين و هو يأكل متكئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه (1)، ثمّ قال: يا محمّد لعلّك ترى أنّه شبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام متوالية منذ أن بعثه اللّه إلى أن قبضه؟ ، ثم إنّه ردّ على نفسه، ثم قال: لا و اللّه ما شبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام متوالية إلى أن قبضه اللّه، أما إنّي لا أقول: إنّه لم يجد، لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الابل، و لو أراد أن يأكل لأكل و لقد أتاه جبرئيل عليه السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرّات فخيّره من غير أن ينقصه اللّه تبارك و تعالى مما أعدّ له يوم القيامة شيئا، فيختار التواضع لربه جلّ و عز، و ما سئل شيئا قطّ فيقول: لا، إن كان أعطى، و إن لم يكن قال: يكون إن شاء اللّه، و ما أعطى على اللّه شيئا قطّ إلاّ سلّم اللّه له ذلك، حتى إن كان ليعطي الرجل الجنّة، فيسلّم اللّه ذلك له.
ثم تناولني بيده فقال: و إن كان صاحبكم (2)عليه السلام ليجلس جلسة العبد، و يأكل أكلة العبد، و يطعم الناس خبز البرّ و اللحم (3)، و يرجع إلى أهله (4)فيأكل الخلّ و الزيت، و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين، ثم يخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، و إن جاز كعبه حذفه.
و ما ورد عليه أمران قطّ كلاهما للّه رضا إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لقد ولّى الناس خمس سنين ما وضع آجرّة على آجرّة، و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعة (5)، و لا أورث بيضاء و لا حمراء إلاّ سبعمائة درهم، فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها لأهله خادما، و ما أطاق عمله منّا أحد، و لقد كان علي بن الحسين عليه السلام ينظر (6)في كتاب من كتب علي عليه السلام فيضرب به
ص:219
الأرض و يقول من يطيق هذا (1).
4-و عنه، بهذا الاسناد عن عليّ بن عقبة، عن عبد المؤمن الأنصاري (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: عرضت على بطحاء مكة ذهبا، فقلت: يا ربّ لا، و لكن أشبع يوما، و أجوع يوما، فإذا شبعت حمدتك و شكرتك، و إذا جعت دعوتك و ذكرتك (3).
5-المفيد أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان، قال: حدّثني: أبو حفص عمر بن محمد (4)، قال: حدّثنا عليّ بن مهرويه القزويني (5)، قال:
حدّثنا داود بن سليمان الغازي (6)، قال: حدّثنا الرضا عليّ بن موسى، قال:
حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن علي، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن علي، قال: حدّثني أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أتاني ملك فقال: يا محمد إنّ ربّك يقرئك السلام و يقول: إن شئت جعلت لك بطحاء مكّة ذهبا قال:
فرفعت رأسي إلى السماء و قلت: يا ربّ أشبع يوما فأحمدك و أجوع يوما فأسئلك (7).
ص:220
6-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار (1)رحمه اللّه، قال: حدّثني أبي عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن العيص بن القاسم (2)، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد عليهم السلام: حديث يروى عن أبيك عليه السلام أنّه قال: ما شبع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من خبز برّ، أهو صحيح؟ فقال عليه السلام: ما أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم خبز برّ قطّ، و لا شبع من خبز شعير قطّ (3).
7-و عنه، قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا أبو يوسف يعقوب بن محمّد البصري، قال: حدّثنا ابن عمارة (4)قال: حدّثنا عليّ بن الزعزع البرقي (5)قال: حدّثنا أبو ثابت الجزري، عن عبد الكريم الجزري (6)، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عبّاس، قال: جاع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم جوعا شديدا، فأتى الكعبة فتعلّق بأستارها، فقال: يا اللّه لا تجع محمّدا أكثر ممّا أجعته.
قال: فهبط جبرئيل عليه السلام، و معه لوزة، فقال: يا محمّد صلى اللّه عليه و آله إنّ اللّه جلّ جلاله يقرأ عليك السلام، و منه السلام و إليه يعود السلام، فقال: إنّ اللّه تعالى يأمرك أن تفكّ عن هذه اللوزة، ففكّ عنها فإذا فيها ورقة خضراء نضرة مكتوب عليها: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه،
ص:221
أيّدت محمّدا بعليّ، و نصرته به، ما أنصف اللّه من نفسه من اتّهم اللّه في قضائه و استبطأه في رزقه (1).
8-و روى هذا الحديث من طريق المخالفين أبو الحسن الفقيه عليّ بن محمّد المعروف بابن المغازلي الشافعي (2)، في «كتاب مناقب أمير المؤمنين عليه السلام» قال: أخبرنا أبو نصر الطحّان (3)، إجازة عن القاضي أبي الفرج الخيوطي (4)، حدّثنا، عمر بن الفتح البغدادي، حدّثنا أبو عمارة المستملي، حدّثنا ابن أبي الزعزاع الرقّي، عن عبد الكريم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه قال: جاع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم جوعا شديدا، فأتى الكعبة فأخذ بأستارها و قال: اللّهمّ لا تجع محمدا أكثر ممّا أجعته.
قال: فهبط جبرئيل عليه السلام و معه لوزة، فقال: إنّ اللّه تعالى يقرأ عليك السلام و يقول لك: فكّ عنها، ففك فإذا فيها ورقة خضراء مكتوب عليها:
لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، أيّدته بعليّ، و نصرته به، ما أنصف اللّه من نفسه من اتّهمه في قضائه، و استبطأه في رزقه (5).
9-الحسين بن سعيد في كتاب «الزهد» عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: يا ابن سنان إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان قوته الشعير من غير أدم، إنّ البرّ و حسن الخلق يعمران الديار، و يزيدان في الأعمار (6).
ص:222
10-و عنه عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا (1)، عن زيد الشحّام (2)، عن عمرو بن سعيد بن هلال (3)، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي لا ألقاك إلاّ في السنين، فأوصني بشيء حتى آخذ به، قال:
أوصيك بتقوى اللّه و الورع و الاجتهاد، إيّاك أن تطمح إلى من فوقك، و كفى بما قال اللّه عزّ و جلّ لرسوله: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ (4)و قال:
وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا (5).
فإن خفت شيئا من ذلك فاذكر عيش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فإنّما كان قوته من الشعير، و حلواه من التمر، و وقوده من السعف إذا وجده، و إذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فإنّ الخلايق لم يصابوا بمثله قطّ (6).
و رواه محمّد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي المغرا، عن زيد الشحّام، عن عمرو بن سعيد بن هلال.
قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي لا ألقاك إلاّ في السنين فأوصني بشيء آخذ به.
و ساق الحديث إلى قوله: قطّ.
ص:223
11-و عنه، عن النضر بن سويد، عن عاصم (1)، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: جاءني ملك فقال: يا محمّد ربّك يقرئك السلام و يقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكّة رضراض (2)ذهب، قال: فرفع النبيّ رأسه إلى السماء فقال:
يا ربّ أشبع يوما فأحمدك، و أجوع يوما فأسئلك (3).
12-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
أفطر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عشيّة خميس في مسجد قبا فقال: هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولي الأنصاري (5)بعس (6)مخيض بعسل، فلمّا وضعه على فيه نحّاه، ثمّ قال: شرابان يكتفي بأحدهما من صاحبه لا أشربه و لا أحرّمه، و لكن أتواضع للّه، فإنّ من تواضع للّه رفعه اللّه، و من تكبّر خفضه اللّه، و من اقتصد في معيشة رزقه اللّه، و من بذّر حرمه اللّه، و من أكثر ذكر الموت أحبّه اللّه (7).
13-رواه الحسين بن سعيد في كتاب «الزهد» قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: أفطر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عشيّة الخميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب.
ص:224
و ساق الحديث إلى آخره (1).
14-محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضال (2)، عن العلاء بن رزين (3)، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يذكر أنّه أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ملك فقال: إنّ اللّه تبارك و تعالى يخيّرك أن تكون عبدا رسولا متواضعا أو ملكا رسولا قال: فنظر إلى جبرئيل عليه السلام، و أومى بيده أن تواضع، فقال: عبدا رسولا متواضعا، فقال الرّسول (4)مع أنّه لا ينقصك ممّا عند ربّك شيئا، قال: و معه مفاتيح خزائن الأرض (5).
15-و عنه، عن عدّة، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن القاسم بن يحيى (6)، عن جدّه الحسن بن راشد (7)، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و هو محزون فأتاه ملك و معه مفاتيح خزائن الأرض، فقال: يا محمد صلى اللّه عليه و آله و سلّم هذه مفاتيح خزائن الأرض (8)يقول لك ربّك: افتح وخذ منها ما شئت من غير أن ينقص (9)شيئا عندي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه
ص:225
و آله و سلّم: الدنيا دار من لا دار له؟ و لها يجمع من لا عقل له، فقال الملك:
و الّذي بعثك بالحقّ (1)لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقول في السماء الرابعة حتى أعطيت المفاتيح (2).
16-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان (3)، عن زيد الشحّام، عن عمرو بن هلال (4)، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إيّاك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك، فكفى بما قال اللّه عزّ و جلّ لنبيّه صلى اللّه عليه و آله فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ (5)و قال: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا (6)فإن دخلك من ذلك شيء، فاذكر عيش رسول اللّه، فإنّما كان قوته الشعير، و حلواه التمر، و وقوده السعف إذا وجده (7).
17-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد (8)، و أبو عليّ الأشعري (9)، عن محمّد بن عبد الجبّار (10)، جميعا، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم، قال:
دخلت على أبي جعفر عليه السلام ذات يوم، و هو يأكل متّكئا قال: و كان يبلغنا
ص:226
أنّ ذلك يكره، فجعلت أنظر إليه
و ساق الحديث بطوله بنحو ما تقدّم (1)
18-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان (2)، قال: حدّثني عليّ بن المغيرة (3)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ جبرئيل أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخيّره، و أشار عليه بالتواضع، و كان له ناصحا، فكان رسول اللّه يأكل أكلة العبد، و يجلس جلسة العبد، تواضعا للّه تبارك و تعالى، ثمّ أتاه عند الموت بمفاتيح خزائن الدنيا، فقال: هذه مفاتيح خزائن الدنيا، بعث بها إليك ربّك ليكون لك ما أقلّت (4)الأرض، من غير أن ينقصك شيئا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: في الرفيق الأعلى (5)(6).
19-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن عليّ بن عقبة، عن عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: عرضت عليّ بطحاء مكّة ذهبا، و ساق الحديث بمثل ما تقدّم سواء (7).
20-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال كان رسول اللّه يعجبه العسل (8).
ص:227
21-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جعفر، عن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم بن عبد الحميد (1)، عن سكين (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل العسل و يقول:
آيات من القرآن، و مضغ اللبان 3يذيب البلغم 4.
22-الطبرسي، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما رفعت له مائدة قط و عليها طعام، و ما أكل خبز برّ قطّ، و لا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط.
23-و قال عمر بن إبراهيم الأوسي أنّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حلّة يمانيّة، و قيل شاميّة، لم يقدر يخرج ذراعيه من كمّه عند الوضوء، حتى أخرجهما من أسفلهما و توضّأ.
24-محمّد بن يعقوب، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن سالم 5، عن أحمد بن النضر 6، عن عمرو بن شمر، عن جابر 7، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لبس رسول اللّه الطاق، و الساج، و القمائص 8.
ص:228
و هو من الباب الأوّل
1-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد (1)، عن الحسن بن عليّ الوشّا، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أمّ سلمة رضي اللّه عنها، فقرّبت إليه كسرة (2)، فقال: هل عندك إدام؟ فقالت: لا يا رسول اللّه ما عندي إلاّ خلّ، فقال: نعم الإدام الخلّ ما أقفر (3)بيت فيه خلّ (4).
2-عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي (5)، عن السكوني (6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه
ص:229
و آله قبل الغداة، و معه كسرة قد غمسها في اللبن، و هو يأكل و يمشي، و بلال (1)يقيم الصلوة فصلّى بالناس صلى اللّه عليه و آله و سلّم (2).
3-و عنه بهذا الاسناد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ أحبّ الأصباغ (3)إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الخلّ و الزيت، و قال: هو طعام الأنبياء (4).
4-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن سنان (5)، عن إبراهيم بن مهزم (6)، عن عنبسة بن بجاد (7)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما قدّم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم طعام فيه تمر إلاّ بدأ بالتمر (8).
5-و عنه، عن حميد بن زياد، عن الخشاب (9)، عن ابن بقاح (10)، عن عمرو بن جميع (11)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على عايشة فرأى كسرة كاد أن يطأها، فأخذها و أكلها، ثمّ قال:
ص:230
يا حميراء أكرمي جوار نعم اللّه عزّ و جلّ عليك، فإنّها لم تنفر من قوم فكادت تعود إليهم (1).
6-و عنه بهذا الاسناد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يلطع القصعة و يقول: من لطع (2)قصعة فكأنّما تصدّق بمثلها (3).
7-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين (4)، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم (5)، عن أبي خديجة (6)عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان يجلس جلسة العبد، و يضع يده على الأرض، و يأكل بثلاث أصابع، و أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يأكل هكذا، ليس كما يفعل الجبّارون أحدهم يأكل بإصبعيه (7).
8-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: طوبى لمن أسلم و كان عيشه كفافا (8).
9-النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال
ص:231
رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: اللّهمّ ارزق محمدا و آل محمد و من أحبّ محمدا و آل محمد العفاف و الكفاف، و ارزق من أبغض محمدا و آل محمد المال و الولد (1).
10-و عنه، عن أبي علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و كان يأكل على الحضيض (2)و ينام على الحضيض (3).
11-و عنه، عن الحسين بن محمّد (4)، عن معلّى بن محمّد (5)، عن الحسن بن عليّ (6)عن أحمد بن عائذ (7)، عن أبي خديجة، قال: سأل بشير الدّهان (8)أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر، فقال: هل كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يأكل متكئا على يمينه و على يساره؟ فقال: ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يأكل متكئا على يمينه و لا على يساره، و لكن كان يجلس جلسة العبد، قلت: و لم ذلك؟ قال: تواضعا للّه عزّ و جلّ (9).
12-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما
ص:232
أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم متكئا منذ بعثه اللّه عزّ و جلّ إلى أن قبضه، و كان يأكل أكلة العبد، و يجلس جلسة العبد، قلت: و لم ذلك؟ قال: تواضعا للّه عزّ و جلّ (1).
13-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان (2)، عن ابن مسكان (3)، عن الحسن الصيقل، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: مرّت امرأة بذيّة برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يأكل، و هو جالس على الحضيض، فقالت: يا محمد إنّك لتأكل أكل العبد، و تجلس جلوسه، فقال لها: إنّي عبد، و أيّ عبد أعبد منّي؟ قالت: فناولني لقمة من طعامك فناولها (4)فأكلتها، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: فما أصابها بذاء حتى فارقت الدنيا (5).
14-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد (6)، عن عليّ بن الحكم، عن أبي المعزا (7)، عن هارون بن خارجة (8)، عن أبي عبد اللّه
ص:233
عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و يعلم أنّه عبد (1).
15-و عنه، عن أبي علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن معلّى أبي عثمان، عن المعلّى بن خنيس (2)، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما أكل نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و هو متّكئ منذ بعثه اللّه عزّ و جلّ، و كان يكره أن يتشبّه بالملوك، و نحن لا نستطيع أن نفعل (3).
ص:234
في عيشه صلى اللّه عليه و آله من طريق المخالفين
في كتاب «الصفوة» لبعض علماء الجمهور.
1-عن هبة اللّه بن محمّد، عن الحسن بن عليّ (1)عن أحمد بن جعفر (2)، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني محمّد بن فضيل (3)، قال: حدّثني أبي، عن عمارة بن القعقاع (4)، عن أبي زرعة (5)، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: اللّهمّ اجعل رزق آل محمّد قوتا.
أخرجاه في الصحيحين (6).
2-و عنه، قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد اللّه بن أحمد (7)، قال:
ص:235
حدّثني أبي، قال: حدّثنا يحيى بن سعيد (1)، عن يزيد بن كيسان (2)قال حدّثني أبو حازم (3)، قال: رأيت أبا هريرة يشير بأصبعه مرارا: و الذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أهله ثلاثة أيّام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا.
أخرجاه في الصحيحين (4).
3-و عنه، أخبرنا هبة اللّه، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال:
حدّثنا أبو معاوية (5)، قال: حدّثنا هشام بن عروة (6)، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان ضجاع النبيّ صلى اللّه عليه و آله الّذي ينام عليه باللّيل من أدم محشوا ليفا.
أخرجاه في الصحيحين (7).
4-و عنه، قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: حدثنا محمّد بن جعفر (8)، قال: حدّثنا شعبة (9)، عن
ص:236
سمّاك بن حرب (1)، قال: سمعت النعمان بن بشير (2)يخطب، قال: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول اللّه يظلّ اليوم يلتوي ما يجد دقلا (3)يملأ به بطنه.
انفرد بإخراجه البخاري (4).
5-و عنه، قال أخبرنا عبد الأوّل، قال: أخبرنا ابن المظفّر، قال:
أخبرنا ابن أعين، قال: حدثنا الفربري (5)قال: حدّثنا البخاري (6)، قال:
حدّثنا الهدبة (7)، قال: حدّثنا همام بن يحيى (8)، عن قتادة (9)، قال: كنّا نأتي أنس بن مالك (10)، و خبّازه قائم، قال: فقال يوما: كلوا فما أعلم رسول اللّه رآى رغيفا مرققا و لا شاة سميطا قط (11).
انفرد بإخراجه البخاري (12).
ص:237
6-و عنه، قال: أخبرنا عبد الأوّل، قال: أخبرنا ابن المظفّر، قال:
أخبرنا ابن أعين، قال: حدّثنا الفربري، قال: حدّثنا البخاري، قال:
حدّثنا إسحاق بن إبراهيم (1)، قال: حدّثنا روح بن عبادة (2)، قال: حدّثنا ابن أبي ذؤيب (3)، عن سعيد المقبري (4)، عن أبي هريرة (5)، أنّه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية (6)، فدعوه فأبى أن يأكل، و قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الدنيا و لم يشبع من خبز الشعير (7).
7-و قال البخاري: و حدّثنا قتيبة (8)، قال: حدّثنا جرير (9)، عن منصور (10)عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة (11)، قالت: ما شبع آل محمد عليهم السلام منذ قدم المدينة من طعام البرّ ثلاث ليال تباعا حتى قبض (12).
8-قال البخاري: و حدّثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدّثنا يعقوب، عن أبي حازم (13)، قال: سألت سهل بن سعد (14)فقلت له: هل أكل رسول اللّه
ص:238
النقيّ (1)؟ فقال سهل: ما رآى رسول اللّه النقيّ من حين ابتعثه اللّه حتى قبضه اللّه قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله منخلا من حين ابتعثه اللّه حتى قبضه قال: قلت: فكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنّا نطحنه و ننفخه، فيطير ما طار و ما بقي ثرّيناه (2)فأكلناه (3).
9-و عنه، قال: أخبرنا الكروخي (4)، قال: أخبرنا أبو عامر الأزدي (5)، و أبو بكر الغورجي (6)قالا أخبرنا الجرّاحي، قال: حدّثنا المحبوبي، قال: حدّثنا الترمذي (7)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن معاوية (8)الجمحي، قال: حدّثنا ثابت بن يزيد (9)، عن هلال بن خبّاب (10)، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يبيت اللّيالي المتتابعة طاويا و أهله لا يجدون عشاء، و كان أكثر خبزهم خبز الشعير (11).
10-و عنه، أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ (12)، قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك، قال: أخبرنا عبد اللّه بن أحمد (13)، قال:
ص:239
حدّثني أبي، قال: حدّثنا وكيع (1)، قال: حدّثنا عبد الواحد بن أيمن (2)، عن أبيه، عن جابر (3)قال لمّا حفر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أصحابه الخندق أصابهم جهد شديد، حتّى ربط النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم على بطنه حجرا من الجوع (4).
11-قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ، قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا حسين، يعني ابن محمد (5)، قال: حدّثنا محمّد بن مطرف (6)، عن أبي حازم (7)، عن عروة (8)، أنّه سمع عايشة تقول: كان يمرّ (9)هلال و هلال، ما توقد في بيت من بيوت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم نار، قال: قلت: يا خالة فعلى أيّ شيء كنتم تعيشون؟ قالت:
على الأسودين: التمر و المآء (10).
12-و عنه، قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن، قال: أخبرنا ابن مالك، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد: حدّثني أبي، قال:
حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قبض النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و إنّ درعه لمرهونة عند رجل من يهود على ثلاثين
ص:240
صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله (1).
13-و عنه، قال: أخبرنا أبو القاسم الحريري، قال: أخبرني أبو طالب العشاري، قال: أخبرني أبو الحسين بن سمعون، قال: حدّثنا أبو بكر المطري (2)قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن زياد، قال: حدّثنا بشر بن سهران (3)، قال: حدّثنا محمّد بن دينار (4)، عن هشام بن عروة، عن عائشة (5)، قالت: ما رفع النبيّ صلى اللّه عليه و آله قطّ غداء لعشاء و لا عشاء (6)لغداء، و لا اتّخذ من شيء زوجين، و لا قميصين، و لا ردائين، و لا إزارين (7)، و لا من النعال، و لا رؤي قطّ فارغا في بيته، إمّا يخصف نعلا لرجل مسكين، أو يخيط ثوبا لأرملة (8)(9).
14-و عنه، قال: أخبرني محمّد بن أبي طاهر البزّاز قال: أخبرني الحسن بن عليّ الجوهري، قال: أخبرني أبو عمر بن حيوية، قال: أخبرني أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدّثنا محمّد بن (10)سعد، قال:
ص:241
أخبرني هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي (1)، قال: حدّثنا أبو هاشم صاحب الزعفران، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه أنّ أنس بن مالك حدّثه: أنّ فاطمة عليها السلام جاءت بكسرة خبز إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله، فقال:
ما هذه الكسرة يا فاطمة؟ قالت: قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه، فقال: أما إنّه أوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيّام (2).
ص:242
في اجتهاده صلى اللّه عليه و آله في العبادة
1-محمّد بن يعقوب، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة (1)، عن وهيب بن حفص (2)، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عند عايشة ليلتها، فقالت: يا رسول اللّه لم تتعب نفسك، و قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟ قال: يا عايشة ألا أكون عبدا شكورا؟
قال: و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقوم على أطراف أصابع رجليه، فأنزل اللّه سبحانه طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقى (3)(4).
2-عليّ بن إبراهيم في «تفسيره» قال: حدّثني أبي، عن القاسم بن محمّد (5)، عن عليّ (6)عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه، و أبي جعفر
ص:243
عليهما السلام، قالا: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا صلّى قام على أصابع رجليه حتى تورّم، فأنزل اللّه تبارك و تعالى: طه بلغة (1)يا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (2)(3).
3-الطبرسي في «الاحتجاج» عن الامام موسى بن جعفر عليهما السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن الحسين عليه السلام، قال: إنّ يهوديّا من يهود الشام من أحبارهم، كان قد قرأ التوراة و الانجيل و الزبور و صحف الأنبياء عليهم السلام، و عرف دلائلهم، جاء المسجد فجلس و فيه (4)أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و فيهم عليّ بن أبي طالب، و ابن عباس، و ابن مسعود، و أبو معبد الجهني، فقال: يا أمّة محمد ما تركتم لنبيّ درجة و لا لمرسل فضيلة، إلاّ نحلتموها نبيّكم، فهل تجيبوني عمّا أسألكم عنه؟ فكاع (5)القوم عنه، فقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: نعم ما أعطى اللّه عزّ و جلّ نبيّا درجة و لا مرسلا فضيلة، إلاّ و قد جمعها لمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم و زاد محمدا صلى اللّه عليه و آله الأنبياء أضعافا مضاعفا.
فقال له اليهوديّ: فهل أنت مجيبي؟ قال له: نعم سأذكر لك اليوم من فضائل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، ما يقرّ اللّه به أعين المؤمنين، و يكون فيه إزالة لشكّ الشاكّين في فضائله صلى اللّه عليه و آله و سلّم، إنّه كان إذا ذكر لنفسه فضيلة قال: «و لا فخر» ، و أنا أذكر لك فضائله غير مزر بالأنبياء و لا منتقص لهم، و لكن شكرا للّه عزّ و جلّ على ما أعطى محمدا مثل ما أعطاهم، و ما زاده اللّه و ما فضّله عليهم.
ص:244
فقال له اليهوديّ: إنّي أسألك فأعدّ له جوابا، قال له عليه السلام:
هات. قال له اليهوديّ.
و ساق الحديث بما ذكره اليهوديّ ممّا أعطاه اللّه سبحانه الأنبياء، و أمير المؤمنين عليه السلام يسلّم له ما أعطاه الأنبياء و أعطى محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم مثل ما أعطاهم و ما زاده اللّه تعالى عليهم السلام إلى أن قال اليهوديّ: فإنّ هذا سليمان أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.
قاله له عليّ عليه السلام: لقد كان كذلك و محمدا أعطى اللّه تعالى ما هو أفضل من هذا، إنّه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله و هو ميكائيل، فقال له: يا محمّد عش ملكا متنعّما، و هذه مفاتيح خزائن الأرض معك، و تسير معك جبالها ذهبا و فضّه، و لا ينقص ممّا ادّخر لك في الآخرة شيء، فأومى إلى جبرئيل عليه السلام و كان خليله من الملائكة-فأشار إليه: أن تواضع، فقال له: بل أعيش نبيّا عبدا آكل يوما و لا آكل يومين، و ألحق بأخواني من الأنبياء، فزاده اللّه تبارك و تعالى الكوثر، و أعطاه الشفاعة و ذلك أعظم من ملك الدنيا من أوّلها إلى آخرها سبعين مرّة، و وعده المقام المحمود فإذا كان يوم القيامة أقعده اللّه تعالى على العرش، فهذا أفضل مما أعطي سليمان عليه السلام.
قال له اليهوديّ: فإنّ (1)هذا داود عليه السلام بكى على خطيئته حتى سارت الجبال معه لخوفه، قال له عليّ عليه السلام: لقد كان كذلك و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطى ما هو أفضل من هذا إنّه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره و جوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي (2)من شدة البكاء، و قد آمنه اللّه عزّ و جلّ من عقابه، فأراد أن يتخشّع لربّه ببكائه و يكون إماما لمن اقتدى به.
و لقد قام صلى اللّه عليه و آله و سلّم عشر سنين على أطراف أصابعه حتى
ص:245
تورّمت قدماه و اصفرّ وجهه يقوم اللّيل أجمع حتى عوتب في ذلك فقال اللّه عزّ و جلّ طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقى (1)بل لتسعد به.
و لقد كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول اللّه أليس اللّه عزّ و جلّ قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخّر؟ قال: بلى أفلا أكون عبدا شكورا (2).
4-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أبو عبد اللّه حمّويه بن عليّ بن حمّويه البصري، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن بكر الهذالي (3)، قال: حدّثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، قال: حدّثنا سلم، قال: حدّثنا أبو هلال (4)، قال: حدّثنا بكر بن عبد اللّه (5): أنّ عمر بن الخطاب دخل على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و هو موقوذ أو قال محموم، فقال له عمر: يا رسول اللّه ما أشدّ وعكك أو حماك؟ قال: ما منعني ذلك أن قرأت اللّيلة ثلاثين سورة فيهنّ السبع الطوال (6)فقال عمر: يا رسول اللّه غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر و أنت تجتهد هذا الاجتهاد؟ فقال: يا عمر أفلا أكون عبدا شكورا (7).
5-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال:
حدّثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد بن جعفر بن حسن العلوي الحسني، قال:
حدّثنا أبو نصر أحمد بن عبد المنعم بن الصيداوي، قال: حدّثنا حسين بن شدّاد (8)،
ص:246
عن أبيه شدّاد بن رشيد، عن عمرو بن عبد اللّه بن هند الجملي، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السلام: أنّ فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب لمّا نظرت إلى ما يفعل ابن أخيها عليّ بن الحسين بنفسه من الدأب في العبادة، أتت جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حرام الأنصاري.
فقالت له: يا صاحب رسول اللّه إنّ لنا عليكم حقوقا، من حقّنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكّروه اللّه و تدعوه إلى البقيا على نفسه، و هذا عليّ بن الحسين، بقيّة أبيه الحسين عليه السلام، قد انخرم أنفه، و ثفنت جبهته و ركبتاه و راحتاه إدآبا منه لنفسه في العبادة.
فأتى جابر بن عبد اللّه باب عليّ بن الحسين عليهما السلام، و بالباب أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام في أغيلمة من بني هاشم قد اجتمعوا هناك، فنظر جابر إليه مقبلا، فقال: هذه مشيّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و سجيّته، فمن أنت يا غلام؟ قال: فقال: أنا محمّد بن عليّ بن الحسين.
فبكى جابر رضي اللّه عنه ثمّ قال: أنت و اللّه الباقر عن العلم حقّا، ادن منّي بأبي أنت و أمّي، فدنا منه، فحلّ جابر أزراره، و وضع يده على صدره فقبّله، و جعل عليه خدّه و وجهه، و قال له: أقرئك عن جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم السلام، و قد أمرني أن أفعل بك ما فعلت، و قال لي: يوشك أن تعيش و تبقى حتى تلقى من ولدي من اسمه محمّد، يبقر العلم بقرا، و قال لي: إنّك تبقى حتى تعمى ثم يكشف لك عن بصرك.
ثم قال لي: إئذن لي على أبيك، فدخل أبو جعفر عليه السلام على أبيه فأخبره الخبر، و قال: إنّ شيخا بالباب و قد فعل بي كيت و كيت، فقال: يا بنيّ ذلك جابر بن عبد اللّه ثم قال: أمن بين ولدان أهلك قال لك ما قال و فعل بك ما فعل؟ قال: نعم، قال: أبى اللّه (1)أنّه لم يقصدك فيه بسوء و لقد أشاط بدمك.
ثم أذن لجابر فدخل عليه، فوجده في محرابه قد أنضته العبادة، فنهض
ص:247
عليّ عليه السلام فسأله عن حاله سؤالا حفيا (1)ثم أجلسه بجنبه، فأقبل جابر عليه يقول: يابن رسول اللّه أما علمت أنّ اللّه تعالى إنّما خلق الجنّة لكم و لمن أحبّكم، و خلق النار لمن أبغضكم و عاداكم، فما هذا الجهد الّذي كلّفته نفسك؟
قال له عليّ بن الحسين عليهما السلام: يا صاحب رسول اللّه أما علمت أنّ جدي رسول اللّه قد غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر فلم يدع الاجتهاد له، و تعبّد بأبي هو و أمّي حتى انتفح الساق و ورم القدم، و قيل له أتفعل هذا و قد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخّر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا.
فلمّا نظر جابر إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام و ليس يغني فيه قول من يستميله من الجهد و التعب إلى القصد، قال له: يابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم البقياء على نفسك، فإنّك لمن أسرة بهم يستدفع البلاء و يسأل كشف اللأواء، و بهم يستمطر السماء، فقال: يا جابر لا أزال على منهاج أبويّ مؤتسيا بهما صلوات اللّه عليهما حتى ألقاهما، فأقبل جابر على من حضر فقال لهم: و اللّه ما أرى في أولاد الأنبياء بمثل عليّ بن الحسين إلاّ يوسف بن يعقوب عليهما السلام و اللّه لذريّة عليّ بن الحسين أفضل من ذريّة يوسف بن يعقوب، إنّ منهم من يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (2).
6-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّا، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: صام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتى قيل: ما يفطر، ثم أفطر حتى قيل:
ما يصوم، ثمّ صام صوم داود عليه السلام يوما و يوما لا، ثمّ قبض صلى اللّه عليه و آله على صيام ثلاثة أيّام في الشهر و قال: يعدلن صوم الدهر و يذهبنّ بوحر الصدر.
قال حمّاد: فقلت ما الوحر؟ قال: الوحر: الوسوسة.
ص:248
قال حمّاد: فقلت: أيّ الأيّام هي؟ قال: أوّل خميس في الشهر، و أوّل أربعاء بعد العشر، و آخر خميس فيه، فقلت: لم صارت هذه الأيّام الّتي تصام؟ فقال: إنّ من قبلنا من الأمم كان إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيّام المخوفة (1).
7-الشيخ في «التهذيب» قال: أخبرني الشيخ أيّده اللّه، عن أحمد بن محمّد (2)، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى (3)، عن محمّد بن أحمد بن يحيى (4)، عن عليّ بن إسماعيل (5)، عن صفوان (6)، عن عبد اللّه بن مسكان (7)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أشدّ الناس توقّيا عن البول، كان إذا أراد البول تعمّد إلى مكان مرتفع من الأرض، و إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير، كراهية أن ينضح
ص:249
عليه البول (1).
ص:250
اجتهاده في العبادة من طريق المخالفين
1-صاحب كتاب «الصفوة» من أعيان علماء المخالفين من الجمهور قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرني الحسن بن علي، قال:
أخبرني أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال حدّثني أبي، قال: حدّثنا يحيى (1)، عن سفيان (2)، قال حدّثني منصور (3)، عن إبراهيم (4)، عن علقمة (5)قال: سألت عائشة أكان رسول اللّه يخصّ شيئا من الأيّام؟ قالت: لا كان عمله ديمة (6)، و أيّكم يطيق ما كان رسول اللّه يطيق؟
أخرجاه في الصحيحين (7).
2-و عنه، هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ، قال:
أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال:
ص:251
حدّثنا هارون بن معروف (1)، قال: حدّثنا ابن وهب (2)، قال: حدّثني أبو صخر (3)، عن ابن قسيط (4)، عن عروة (5)، عن عايشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا صلّى قام حتى تتفطر (6)رجلاه، قالت عايشة: يا رسول اللّه أتصنع هذا و قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟ ! قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عايشة أفلا أكون عبدا شكورا؟
أخرجاه في الصحيحين (7).
ص:252
في كيفية صلاته صلى اللّه عليه و آله صلوة الليل
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه و سواكه، يوضع عند رأسه مخمرا، فيرقد ما شاء اللّه، ثمّ يقوم فيستاك و يتوضّأ و يصلّي أربع ركعات، ثم يرقد، ثمّ يقوم فيستاك و يتوضّأ و يصلّي أربع ركعات، ثمّ يرقد، حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثمّ يصلّي الركعتين.
ثم قال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اَللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (1): قلت: متى كان يقوم؟ قال: بعد ثلث الليل، و قال في حديث آخر: بعد نصف اللّيل.
و في رواية أخرى: يكون قيامه و ركوعه و سجوده سواء، و يستاك في كلّ مرّة قام من نومه و يقرأ الآيات من آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ - إلى قوله- إِنَّكَ لا تُخْلِفُ اَلْمِيعادَ (2)(3).
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن
ص:253
فضال، عن ابن بكير (1)، عن زرارة (2)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي من اللّيل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر و ركعتا الفجر في السفر و الحضر (3).
3-الشيخ في «التهذيب» بإسناده في الصحيح، عن محمّد بن علي بن محبوب (4)، عن العبّاس بن معروف (5)، عن عبد اللّه بن المغيرة (6)، عن معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول و ذكر صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: كان يأتي (7)بطهور فيخمّر عند رأسه، و يوضع سواكه تحت فراشه، ثمّ ينام ما شاء اللّه، فإذا استيقظ جلس، ثمّ قلّب بصره في السماء، ثمّ تلى الآيات من آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ (8)الآية، ثمّ يستنّ (9)و يتطهّر ثم يقوم إلى المسجد، فيركع أربع ركعات على قدر قراءة ركوعه، و سجوده على قدر ركوعه، يركع حتى يقال: متى يرفع رأسه؟ و يسجد حتى يقال: متى يرفع رأسه؟ ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء اللّه.
ثمّ يستيقظ فيجلس، فيتلوا الآيات من آل عمران، و يقلّب بصره إلى السماء، ثمّ يستنّ و يتطهر، و يقوم إلى المسجد، فيصلّي أربع ركعات كما ركع
ص:254
قبل ذلك، ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء اللّه، ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران و يقلّب بصره في السماء ثمّ يستنّ و يتطهر، و يقوم إلى المسجد فيوتر و يصلّي الركعتين، ثمّ يخرج إلى الصلاة (1).
ص:255
ص:256
كيفيّة صلاته صلى اللّه عليه و آله صلاة اللّيل من طريق المخالفين
1-كتاب «الصفوة» قال: أخبرنا عبد الأوّل قال: أخبرنا ابن المظفّر، قال: أخبرنا ابن أعين، قال: حدّثنا الفربري؟ قال: حدّثنا البخاري، قال: حدّثنا قتيبة (1)، عن مالك (2)، عن مخرمة بن سليمان (3)، عن كريب (4)، عن أنس، عن ابن عباس، أخبره أنّه بات عند ميمونة زوج النبيّ صلى اللّه عليه و آله، و هي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، و اضطجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أهله في طولها، فنام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتى انتصف اللّيل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم (5)من سورة آل عمران، ثمّ قام إلى شنّ (6)معلق، فتوضّأ منها فأحسن وضوءه، ثمّ قام يصلّي.
ص:257
قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يده اليمنى على رأسي، و أخذ بأذني اليمنى ففتلها، فصلّى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين ثم أوتر، ثمّ اضطجع حتى جاء المؤذّن، فقام فصلّى ركعتين خفيفتين، ثمّ خرج فصلّى الصبح.
أخرجاه في الصحيحين (1).
2-و عنه، قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا هشيم (2)، قال: أخبرنا خالد (3)، عن عبد اللّه بن شقيق (4)، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من التطوّع، فقالت: كان يصلّي قبل الظهر أربعا في بيتي، ثمّ يخرج فيصلّي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلّى ركعتين، و كان يصلّي بالناس المغرب، ثم يرجع إلى بيتي فيصلّي ركعتين، فكان يصلّي بهم العشاء، ثمّ يدخل بيتي فيصلي ركعتين، و كان يصلّي من اللّيل تسع ركعات فيهنّ الوتر، و كان يصلّي ليلا طويلا قائما، و ليلا طويلا جالسا، فإذا قرأ و هو قائم، ركع و سجد و هو قائم، و إذا قرأ و هو قاعد، ركع و سجد و هو قاعد، و كان إذا طلع الفجر صلّى ركعتين، ثمّ يخرج فيصلّي بالناس صلاة الفجر.
انفر بإخراجه مسلم (5).
ص:258
3-و قد اختلفت الرواية في عدد الركعات اللّواتي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّيهن في الليل، فقال الترمذي: أقل ما روي عنه تسع ركعات، و أكثره ثلاث عشرة مع الوتر، و قد روي عنه أحد عشر ركعة (1).
4-قال المؤلف: (ره) قلت: قد روى البخاري من حديث مسروق (2)قال: سألت عائشة عن صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالليل، فقالت: سبع، و تسع، و إحدى عشر ركعة، سوى ركعتي الفجر.
و هذا غير ما قال الترمذي (3).
5-و عنه، قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: حدّثنا ابن أبي عدي (4)عن حميد (5)، قال: سئل أنس بن مالك عن صلوة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من الليل، فقال: ما كنّا شاء أن نراه من اللّيل مصلّيا إلاّ رأيناه، و ما كنّا نشاء أن نراه نائما إلاّ رأيناه، و كان يصوم من الشهر حتّى نقول: لا يفطر منه شيئا، و يفطر حتى نقول:
لا يصوم منه شيئا (6).
أخرجاه في الصحيحين (7).
6-و عنه، قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا ابن مالك، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا يحيى بن سعيد (8)، عن سفيان، قال: حدّثني سليمان (9)،
ص:259
عن أبي وائل (1)، عن عبد اللّه، قال: صلّيت مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ذات ليلة، فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء، قلنا: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس و أدعه.
أخرجاه في الصحيحين (2).
7-و عنه، قال: أخبرنا هبة اللّه، أخبرنا الحسن، قال: أخبرنا أنس بن مالك، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال حدّثني أبي، قال: حدّثنا ابن نمير (3)، قال: حدّثنا الأعمش، عن سعد بن عبيد (4)عن المستورد بن الأحنف (5)، عن صلة بن زفر (6)، عن حذيفة (7)قال: صلّيت مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، قال: ثم مضى، فقلت: يصلّي بها في ركعة، فمضى فقلت يركع بها، ثمّ افتتح النساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسّلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح، و إذا مرّ بسؤال سأل، و إذا مرّ بتعوّذ تعوّذ، ثمّ ركع، فجعل يقول: سبحان ربّي العظيم و بحمده (8)، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثمّ قال: سمع اللّه لمن حمده، ثمّ قام طويلا قريبا ممّا ركع، ثمّ سجد فقال: سبحان ربّي الأعلى، فكان سجوده قريبا من قيامه.
ص:260
انفرد باخراجه مسلم (1)و سورة النساء في هذا الحديث مقدّمة على آل عمران، و كذلك في مصحف ابن مسعود (2).
8-و روى شعبة (3)، عن أبي إسحاق (4)، عن حارثة بن مضرب (5)قال: سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: لقد حضرنا بدرا و ما فينا إلاّ من نام غير رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فإنّه كان منتصبا في أصل شجرة يصلّي و يدعو حتّى الصباح.
ص:261
ص:262
في خشوعه و خوفه صلى اللّه عليه و آله من اللّه سبحانه و تعالى
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن الصلت (1)، قال:
أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: أخبرنا محمّد بن عبد الملك (2)، قال: حدّثنا هارون بن عيسى، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد (3)، قال: حدّثني أبي، قال: أخبرني عليّ بن موسى، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهم السلام عن جابر بن عبد اللّه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال في خطبته: إنّ أحسن الحديث كتاب اللّه، و خير الهدى هدى محمّد، و شرّ الأمور محدثاتها، و كلّ محدّثة بدعة، و كلّ بدعة ضلالة.
و كان إذا خطب قال في خطبته: أمّا بعد، فإذا ذكر الساعة اشتدّ صوته و احمرّت و جنتاه، ثمّ يقول: صحبتكم الساعة، أو مسّتكم، ثمّ يقول: بعثت أنا و الساعة كهذه من هذه، و يشير بأصبعه (4)(5).
2-و عنه في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال:
ص:263
حدّثنا إبراهيم بن حفص بن عمر العسكري (1)، بالمصيصة من أصل كتابه قال: حدّثنا عبد اللّه بن الهيثم بن عبد اللّه الأنماطي البغدادي (2)، من ساكني حلب سنة ستّ و خمسين و مأتين، قال: حدّثني عمرو بن خالد الواسطي (3)، عن محمّد و زيد (4)ابني عليّ، عن أبيهما، عن أبيه الحسين عليهم السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يرفع يديه إذا ابتهل و دعا كما يستطعم المسكين (5).
3-و عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا قام إلى الصلاة، يسمع لصدره و جوفه أزيز كأزيز (6)المرجل (7)على الأثافي من شدّة البكاء، و قد آمنه اللّه عزّ و جلّ من عقابه، فأراد أن يتخشّع لربّه ببكائه، و يكون إماما لمن اقتدى به.
4-عليّ بن إبراهيم في «تفسيره» عن أبي ذر في تفسير قوله تعالى وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ (8)كان سبب نزولها في أبي ذر، و عثمان بن عفان (9)، لمّا أمر عثمان بنفي أبي ذرّ رحمه اللّه إلى الربذة، دخل عليه أبو ذرّ و كان عليلا متوكّيا على عصاه، و بين يدي عثمان مائة ألف درهم، قد حملت إليه من بعض النواحي، و أصحابه حوله ينظرون إليه، و يطمعون أن يقسّمها فيهم.
ص:264
فقال أبو ذرّ (ره) لعثمان: ما هذا المال؟ فقال عثمان: مائة ألف درهم حملت إليّ من بعض النواحي أريد أن أضمّ إليها مثلها ثمّ أرى فيها رأيي، فقال أبو ذرّ (ره) : يا عثمان أيّما أكثر، مائة ألف أو أربعة دنانير؟ فقال عثمان: بل مائة ألف درهم، فقال: أما تذكر أنا و أنت و قد دخلنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عشيّا، فرأيناه كئيبا حزينا فسلّمنا عليه، فلم يردّ علينا السلام، فلمّا أصبحنا أتيناه، فرأيناه ضاحكا مستبشرا، فقلنا له: بآبائنا و أمّهاتنا دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا، ثمّ عدنا إليك اليوم فرأيناك فرحا مستبشرا؟ فقال: نعم كان قد بقي عندي من فيء المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسّمتها، و خفت أن يدركني الموت و هي عندي، و قد قسّمتها اليوم فاسترحت منها (1).
و الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
5-أبو جعفر أحمد القمّي في كتاب «زهد النبيّ» صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنّ جبرئيل عليه السلام جاءه عند الزوال في ساعة لم يأته فيها، و هو متغيّر اللون، و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يسمع حسّه و جرسه فلم يسمعه يومئذ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا جبرائيل مالك جئتني في ساعة لم تكن تجيئني فيها؟ و أرى لونك متغيّرا، و كنت أسمع حسّك و جرسك فلم أسمعه؟ فقال: إنّي جئت حين أمر اللّه بمنافخ النار فوضعت على النار.
فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: فأخبرني عن النار يا أخي جبرئيل حين خلقها اللّه تعالى، فقال: إنّه سبحانه أوقد عليها ألف عام فاحمرّت، ثمّ أوقد عليها ألف عام فابيضّت، ثمّ أوقد عليها ألف عام فاسودّت، فهي سوداء مظلمة لا يضيء جمرها، و لا ينطفئ لهبها، و الّذي بعثك بالحق نبيّا، لو أنّ مثل خرق إبرة خرج منها على أهل الأرض لاحترقوا عن آخرهم، و لو أنّ رجلا
ص:265
دخل جهنّم ثم أخرج منها لهلك أهل الأرض جميعا حين ينظرون إليه لما يرون به، و لو أنّ ذراعا من السلسلة التي ذكرها اللّه في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن آخرها، و لو أنّ بعض خزّان جهنّم التسعة عشر نظر إليه أهل الأرض لماتوا حين ينظرون إليه، و لو أنّ ثوبا من ثياب أهل جهنّم أخرج إلى الأرض لمات أهل الأرض من نتن ريحه، فانكبّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أطرق يبكي، و كذلك جبرئيل، فلم يزالا يبكيان حتّى ناداهما ملك من السماء: يا جبرئيل و يا محمّد إنّ اللّه قد أمّنكما من أن تعصياه فيعذّبكما (1).
6-و قال الصادق عليه السلام: بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم قاعدا إذ نزل جبرئيل حزينا كئيبا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
يا أخي جبرئيل ما لي أراك كئيبا حزينا؟ فقال: و كيف لا أكون كذلك، و قد وضعت منافيخ جهنّم اليوم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: و ما منافيخ جهنّم؟ فقال: إنّ اللّه أمر النار فأوقد عليها ألف عام فاحمرّت ثم أوقد عليها ألف عام فابيضّت، ثم أوقد عليها ألف عام فاسودّت، فهي سوداء مظلمة، ظلمات بعضها فوق بعض، فلو أنّ حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الجبال لذابت من حرّها، و لو أنّ قطرة من الزقّوم و الضريع قطرت في شراب الدنيا لمات أهل الدنيا من نتنها، قال: فبكى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و بكى جبرئيل عليه السلام، فأوحى اللّه إليهما: أنّي قد أمّنتكما من أن تذنبا ذنبا تستحقّان به النار، و لكن كونا هكذا (2).
7-و روى هذا الحديث محمّد بن عليّ بن أحمد المعروف بابن الفارسي (3)في «روضة الواعظين» عن الصادق عليه السلام ببعض التغيير، و في آخر
ص:266
روايته: قال: فبكى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و بكى جبرئيل عليه السلام، فبعث اللّه ملكا فقال: إنّ ربّكما يقرئكما السلام، و يقول لكما:
إنّي قد أمّنتكما من أن تذنبا ذنبا أعذّبكما عليه (1).
ص:267
ص:268
في استغفاره و توبته صلى اللّه عليه و آله من غير ذنب
1-الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب «الزهد» عن صفوان بن يحيى، عن الحارث بن المغيرة (1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ اللّه يحبّ المقرّ التوّاب، قال: و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يتوب إلى اللّه في كلّ يوم سبعين مرّة من غير ذنب، قلت: يقول أستغفر اللّه و أتوب إليه؟ قال: كان يقول: أتوب إلى اللّه (2).
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار (3)، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يستغفر اللّه عزّ و جلّ في كلّ يوم سبعين مرّة، و يتوب إلى اللّه عزّ و جلّ سبعين مرة.
قال قلت: كان يقول: أستغفر اللّه و أتوب إليه؟ قال: كان يقول:
أستغفر اللّه، أستغفر اللّه، سبعين مرة، و أتوب إلى اللّه سبعين مرّة (4)(5).
ص:269
3-عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد (1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان لا يقوم من مجلس و إن خفّ، حتى يستغفر اللّه خمسا و عشرين مرّة (2).
4-الشيخ في «التهذيب» باسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن الحسين بن عثمان (3)، عن سماعة (4)، عن أبي بصير، قال: قلت له: المستغفرين بالأسحار؟ فقال: استغفر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في الوتر 5سبعين مرّة 6.
5-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتوب إلى اللّه في كلّ يوم سبعين مرّة من غير ذنب 7.
6-عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد 8، و عليّ بن
ص:270
إبراهيم، عن أبيه جميعا عن ابن محبوب (1)، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتوب إلى اللّه و يستغفره في كلّ يوم و ليلة مائة مرّة من غير ذنب (2).
7-و عنه، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد (3)، عن غير واحد، عن أبان (4)، عن زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يتوب إلى اللّه عزّ و جلّ في كلّ يوم سبعين مرة، قلت: أكان يقول: أستغفر اللّه و أتوب إليه؟ قال: لا، و لكن كان يقول: أتوب إلى اللّه عزّ و جلّ، قلت: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتوب و لا يعود، و نحن نتوب و نعود فقال: اللّه المستعان (5).
ص:271
ص:272
في ما يقوله صلى اللّه عليه و آله من التحميد إذا أصبح و أمسى
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي الحسن الأنباري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يحمد اللّه في كلّ يوم ثلاثمائة و ستين مرّة، عدد عروق الجسد، يقول: الحمد للّه كثيرا على كلّ حال (1).
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد، جميعا عن أحمد بن الحسن الميثمي (2)، عن يعقوب بن شعيب (3)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ في ابن آدم ثلاثمائة و ستّين عرقا: منها مائة و ثمانون متحركة، و منها مائة و ثمانون ساكنة، فلو سكن المتحرّك لم ينم، و لو تحرّك الساكن لم ينم، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أصبح قال:
ص:273
الحمد للّه ربّ العالمين كثيرا على كلّ حال، ثلاثمائة و ستين مرّة، و إذا أمسى قال مثل ذلك (1).
3-ابن بابويه قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد (2)، عن محمّد بن الحسن الميثمي، عن يعقوب بن شعيب، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ في بني آدم ثلاثمائة و ستّين عرقا: منها ثمانون و مائة متحرّكة، و ثمانون و مائة ساكنة، فلو سكن المتحرّك لم ينم، و لو تحرّك الساكن لم ينم، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أصبح قال: الحمد للّه ربّ العالمين كثيرا على كلّ حال، ثلاثمائة و ستّين مرّة، و إذا أمسى قال: مثل ذلك (3).
4-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال:
حدّثني أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسوي، في منزله بمكّة، قال:
حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن نهيك (4)، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن سبرة بن يعقوب بن شعيب، عن أبيه، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يحدّث عن آبائه عليهم السلام، عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ في ابن آدم ثلاثمائة و ستّين عرقا: منها مائة و ثمانون متحرّكة، و مائة و ثمانون ساكنة، فلو سكن المتحرّك لم يبق الانسان، و لو تحرّك الساكن لهلك الانسان.
ص:274
قال: و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله في كلّ يوم إذا أصبح و طلعت الشمس يقول: الحمد للّه ربّ العالمين كثيرا طيبا على كلّ حال، يقول:
ثلاثمائة و ستّين مرّة شكرا (1).
ص:275
ص:276
في ما يقوله إذا ورد ما يسرّه، و ما يغمّه، و عند دخوله المسجد،
و خروجه، و إذا أصبح، و عند النوم، و عند الانتباه، و عند رؤية هلال
شهر رمضان، و عند إفطاره، و عند الأكل، و إذا أكل عند أحد، و عند
شرب الماء، و عند الفاكهة الجديدة، و عند ركوب الدابّة.
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن مثنّى الحنّاط (1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا ورد عليه أمر يسّره قال: الحمد للّه على هذه النعمة (2).
2-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرني محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: حدّثني أبو حفص عمر بن محمّد بن عليّ الصيرفي (3)، قال حدّثنا أبو الحسن عليّ بن مهرويه القزويني، قال: حدّثني داود بن سليمان الغازي (4)، قال: حدّثنا الرّضا عليّ بن موسى عليهما السلام قال: حدّثني موسى بن جعفر العبد الصالح عليه السلام، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام، قال: حدّثني
ص:277
أبي عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، قال: حدّثنا أبي الحسين بن عليّ الشهيد عليه السلام، قال: حدّثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أتاه أمر يسرّه قال:
الحمد للّه الّذي بنعمته تتمّ الصالحات، و إذا أتاه أمر يكرهه قال: الحمد للّه على كلّ حال (1).
3-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أبو عبد اللّه حمّوية بن عليّ بن حمّوية البصري، قال: أخبرنا أبو الحسن (2)محمّد بن محمّد بن بكر الفراني، قال:
حدّثنا أبو الخليفة الفضل بن الحباب الجمحي، قال: حدّثنا مسدّد (3)، قال:
حدّثني عبد الوارث (4)، عن ليث بن أبي سليم (5)، عن عبد اللّه بن الحسن (6)، عن أمّه فاطمة (7)، عن جدّته فاطمة عليها السلام، قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا دخل المسجد يصلّي على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال: اللّهمّ اغفر لي ذنوبي، و افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج صلّى على النبيّ صلى اللّه عليه و آله، و قال: اللّهمّ اغفر لي ذنوبي، و افتح لي أبواب فضلك (8).
ص:278
4-محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن شريف بن سابق (1)، عن الفضل بن أبي قرّة (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: ثلاث تناسخها (3)الأنبياء من آدم حتى وصلن إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كان إذا أصبح يقول: اللّهمّ إنّي أسألك إيمانا تباشر به قلبي، و يقينا حتى أعلم أنّه لا يصيبني إلاّ ما كتبت لي، و رضّني بما قسمت لي (4).
5-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن محمّد بن مروان (5)، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
ألا أخبركم بما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقوله إذا أوى إلى فراشه؟ قلت: بلى، قال عليه السلام: كان يقرأ آية الكرسي، و يقول:
بسم اللّه، آمنت باللّه، و كفرت بالطاغوت، اللّهمّ احفظني في منامي و يقظتي (6).
6-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و أحمد بن محمّد جميعا، عن جعفر بن محمّد الأشعري (7)، عن ابن القدّاح (8)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أوى إلى فراشه قال: اللّهمّ باسمك أحيى و باسمك أموت، فإذا قام من نومته (9)قال:
«الحمد للّه الذي أحياني بعد ما أماتني، و إليه النشور» (10).
ص:279
7-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني (1)، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أهلّ هلال شهر رمضان، استقبل القبلة و رفع يديه فقال: أللّهمّ أهلّه علينا بالأمن و الايمان، و السلامة و الاسلام، و العافية المجلّلة، و الرزق الواسع، و دفع الأسقام، اللهمّ ارزقنا صيامه و قيامه، و تلاوة القرآن فيه، اللّهمّ سلّمه لنا و تسلّمه منّا و سلّمنا فيه (2).
8-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا أفطر قال: اللّهمّ لك صمنا، و على رزقك أفطرنا، فتقبّله منّا، ذهب الظمآء، و ابتلّت العروق، و بقي الأجر (3).
9-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن أحمد بن الحسن الميثمي، رفعه قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا وضعت المائدة بين يديه قال: سبحانك اللّهمّ ما أحسن ما ابتلينا به، سبحانك ما أكثر ما تعطينا، سبحانك ما أكثر ما تعافينا، اللهمّ أوسع علينا، و على فقراء المؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات (4).
10-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه
ص:280
و آله و سلّم إذا أطعم عند أهل البيت قال لهم: طعم عندكم الصائمون، و أكل عندكم الأبرار، و صلّت عليكم الملائكة الأخيار (1).
11-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد (2)، عن عليّ بن الحكم، عن الربيع بن محمّد بن المسلي (3)، عن عبد اللّه بن سليمان (4)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل طعاما و لا يشرب شرابا إلاّ قال: اللّهمّ بارك لنا فيه، و أبدلنا خيرا منه، إلاّ اللّبن فإنّه كان يقول: اللّهمّ بارك لنا فيه، و زدنا منه (5)
12-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا شرب اللبن قال: اللّهمّ بارك لنا فيه، وزدنا منه (6).
13-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن إبن القدّاح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا شرب الماء قال: الحمد للّه الذي سقانا عذبا زلالا، و لم يسقنا ملحا أجاجا، و لم يؤاخذنا بذنوبنا (7).
14-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه، قال:
ص:281
حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي (1)، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن وهب بن وهب (2)، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا رأى الفاكهة الجديدة قبّلها و وضعها على عينيه و فمه، ثمّ قال: اللّهم كما أريتنا أوّلها في عافية، فأرنا آخرها في عافية (3).
15-و عنه، عن الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه اللّه، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح (4)، عن سعد بن طريف (5)، عن الأصبغ بن نباتة (6)، قال: أمسكت لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بالركاب، و هو يريد أن يركب، فرفع رأسه و تبسّم، فقلت: يا أمير المؤمنين رأيت رفعت رأسك و تبسّمت، قال: نعم يا أصبغ أمسكت لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الشهباء فرفع رأسه و تبسّم، فقلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم رفعت رأسك إلى السماء و تبسّمت، فقال: يا عليّ إنّه ليس من أحد يركب، ثمّ يقرأ آية الكرسي، ثمّ يقول: استغفر اللّه الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم و أتوب إليه، اللّهمّ اغفر لي ذنوبي، إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت، إلا قال السيّد الكريم: يا ملائكتي عبدي يعلم أنّه لا يغفر الذنوب غيري،
ص:282
فاشهدوا أنّي غفرت له ذنوبه (1).
ص:283
ص:284
في صيامه صلى اللّه عليه و آله
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب (1)عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أوّل ما بعث يصوم حتى يقال: ما يفطر، و يفطر حتّى يقال: ما يصوم: ثمّ ترك ذلك و صام يوما و أفطر يوما، و هو صوم داود عليه السلام، ثمّ ترك ذلك و صام الثلاثة الأيّام الغر (2)، ثمّ ترك ذلك و فرّقها في كلّ عشرة أيّام يوما خميسين بينهما أربعاء، فقبض عليه و آله السلام و هو يعمل ذلك (3).
2-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: صام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى قيل: ما يفطر، و أفطر حتى قيل:
ما يصوم، ثمّ صام صوم داود يوما و يوما لا، ثمّ قبض على صيام ثلاثة أيّام في الشهر، قال: إنّهن يعدلن صوم الشهر، و في «نسخة» : صوم الدهر،
ص:285
و يذهبن بوحر الصدر-قال حماد: الوحر الوسوسة-.
قال حمّاد: فقلت: و أيّ الأيّام هي؟ قال: أوّل خميس في الشهر، و أوّل أربعاء بعد العشر منه، و آخر خميس منه، فقلت: كيف صارت هذه الأيّام التي تصام؟ فقال: لأنّ من قبلنا من الأمم كان إذا نزل على أحدهم العذاب نزلت في هذه الأيام، فصام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم هذه الأيّام لأنّها الأيّام المخوفة (1).
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح (2)، عن محمّد بن مروان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يصوم حتى يقال لا يفطر، ثمّ صام يوما و أفطر يوما، ثمّ صام الاثنين و الخميس، ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيّام في الشهر: الخميس في أوّل الشهر، و أربعاء في وسط الشهر، و خميس في آخر الشهر، و كان عليه السلام يقول: ذلك صوم الدهر، و قد كان أبي عليه السلام يقول: ما من أحد أبغض إليّ من رجل يقال له: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يفعل كذا و كذا فيقول: لا يعذّبني اللّه على أن أجتهد في الصلاة و الصوم، كأنّه يرى أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه (3).
ص:286
في جوده صلى اللّه عليه و آله
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ما منع سائلا قط، إن كان عنده أعطى، و إلاّ قال: يأتي اللّه به، و لا أعطى على اللّه عزّ و جلّ شيئا قطّ إلاّ أجازه اللّه، إنّه (1)ليعطي الجنّة فيجيز اللّه له ذلك (2).
2-عنه، عن عليّ بن محمّد بن عبد اللّه (3)، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن إسماعيل بن مهران، عن أيمن بن محرز، عن أبي أسامة زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما منع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم سائلا قطّ إن كان عنده أعطى و إلاّ قال يأتي اللّه به (4).
3-الطبرسي في «الاحتجاج» عن الامام موسى بن جعفر، عن آبائه، عن الحسين عليهم السلام، عن أبيه عليه السلام، قال له يهوديّ: فإنّ عيسى يزعمون أنّه كان زاهدا، قال له عليّ عليه السلام: لقد كان كذلك: و محمّد
ص:287
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أزهد الأنبياء عليهم السلام كان له ثلاث عشر زوجة، سوى من يطيف به من الأماء، ما رفعت له مائدة قطّ و عليها طعام، و لا أكل خبز برّ قطّ، و لا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قطّ، توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و درعه مرهونة عند يهوديّ بأربعة دراهم، ما ترك صفراء و لا بيضاء مع ما وطّئ (1)له من البلاد، و مكّن له من غنائم العباد، و لقد كان يقسم في اليوم الواحد ثلثمائة ألف و أربعمائة ألف، و يأتيه السائل بالعشيّ فيقول: و الّذي بعث محمدا بالحقّ ما أمسى في آل محمد (ص) صاع من شعير و لا صاع من تمر (2)و لا درهم و لا دينار.
قال له اليهوديّ: فإنّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أشهد أنّه ما أعطى اللّه عزّ و جلّ نبيّا درجة و لا مرسلا فضيلة إلاّ و قد جمعها لمحمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و زاد محمّدا على الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين أضعاف درجات.
فقال ابن عبّاس لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: أشهد يا أبا الحسن أنّك من الراسخين في العلم، فقال: ويحك و مالي ألاّ أقول: ما قلت في نفس من استعظمه اللّه عزّ و جلّ في عظمته جلّت قدرته فقال: وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (3)(4).
4-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرني الحسين بن إبراهيم القزويني (5)، قال: أخبرنا محمّد بن وهبان (6)، عن محمّد بن أحمد بن زكريا (7)عن الحسن بن
ص:288
عليّ بن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم: قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ذات يوم، و هو يأكل متّكئا، و قد كان يبلغنا أنّ ذلك يكره، فجعلت أنظر إليه فدعاني إلى طعامه فلمّا فرغ قال: يا محمّد لعلّك ترى أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم رأته عين و هو يأكل متكئا، منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه، ثمّ ردّ على نفسه، فقال: لا و اللّه ما رأته عين و هو يأكل متّكئا، منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه (1)ثمّ قال: يا محمّد لعلّك ترى أنّه شبع من خبز البرّ ثلاثة أيام متوالية منذ أن بعثه اللّه إلى أن قبضه؟ ثم أنه ردّ على نفسه، ثم قال: لا و اللّه ما شبع من خبز البرّ ثلاثة أيام متوالية إلى أن قبضه اللّه، أما أني لا أقول: إنه لم يجد، و لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الابل، و لو أراد أن يأكل لأكل، و لقد أتاه جبرئيل عليه السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرّات، فخيّره من غير أن ينقصه ممّا أعدّ له يوم القيامة شيئا، فيختار التواضع لربّه، و ما سئل شيئا فقال: لا، إن كان أعطى، و إن لم يكن قال: يكون إنشاء اللّه، و ما أعطى على اللّه شيئا قط إلاّ سلّم اللّه له ذلك، حتى أنّه (2)كان ليعطي الرجل الجنّة فيسلم اللّه ذلك.
ثم تناولني بيده، فقال: و إن كان صاحبكم عليه السلام ليجلس جلسة العبد، و يأكل أكل العبد، و يطعم الناس الخبز و اللّحم، و يرجع إلى رحله فيأكل الخلّ و الزيت، و إنّه ليشتري القميصين السنبلانيين ثم يخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، و إن جاز كعبيه حذفه، و ما ورد عليه أمران قطّ كلاهما للّه رضا إلاّ أخذ أشدّهما على بدنه، و لقد ولي الناس خمس سنين، ما وضع آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعة، و لا أورث بيضاء و لا حمراء إلاّ سبعمائة درهم، فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها لأهله خادما، و ما أطاق عمله منّا أحد، و أنّه كان عليّ بن الحسين عليهما السلام لينظر في كتاب من كتب عليّ عليه السلام فيضرب
ص:289
به الأرض و يقول: من يطيق هذا (1)؟
5-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم (2)، عن مسعدة بن صدقة (3)، عن الصادق عليه السلام قال: علّم اللّه جلّ اسمه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيف ينفق، و ذلك أنّه كانت عنده أوقية (4)من الذهب، فكره أن تبيت عنده فتصدّق بها، فأصبح و ليس عنده شيء، و جاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السائل، و اغتمّ هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه، و كان رحيما رقيقا صلى اللّه عليه و آله فأدّب اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بأمره فقال له: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ اَلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (5)يقول: إنّ النّاس قد يسألونك و لا يعذرونك، و إذا أعطيت جميع ما عندك من المال قد كنت قد حسرت من المال (6).
6-و عنه، عن عليّ بن محمد، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن موسى بن بكر (7)، عن عجلان (8)، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فجاءه سائل، فقام إلى مكتل (9)فيه تمر، فملأ يده فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقام فأخذ بيده فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقام فأخذ بيده فناوله ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذه بيده فناوله ثمّ جاء آخر،
ص:290
فقال عليه السلام: اللّه رازقنا و إيّاك.
ثمّ قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئا إلاّ أعطاه، فأرسلت إليه امرأة ابنا لها فقالت: انطلق إليه فاسأله، فإن قال: ليس عندنا شيء، فقل أعطني قميصك، قال: فأخذ قميصه فرماه إليه.
(و في نسخة أخرى: و أعطاه) فأدّبه اللّه تبارك و تعالى على القصد، فقال: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ اَلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (1)صلوات اللّه عليه و على آله الطاهرين (2).
7-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن إسماعيل بن مرار (3)، عن يونس (4)، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: لا بأس بالرجل يمرّ على الثمرة و يأكل منها و لا يفسد، قد نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أن تبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارّة، قال: و كان إذا بلغ نخلة أمر بالحيطان فخرقت لمكان المارّة (5).
8-سعد بن عبد اللّه القمّي، في «بصائر الدرجات» عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان (6)، عن الفضيل بن يسار (7)، عن أبي جعفر
ص:291
عليه السلام فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قد كان يتألّف الناس بالمائة ألف درهم ليكفّوا عنه (1).
9-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، عن محمّد بن جعفر الرزّاز أبي العبّاس الكوفي (2)، قال: حدّثنا أيّوب بن نوح بن درّاج (3)، قال: حدّثنا محمّد بن سعيد بن زائدة، عن أبي الجارود زياد بن المنذر (4)، عن محمّد بن عليّ، و عن زيد بن عليّ، كلاهما عن أبيهما عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام (في حديث مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عرضه وصيّته على عمّه العبّاس و البيت مملوّ من المهاجرين و الأنصار) (5)فقال له العبّاس: يا نبيّ اللّه أنا شيخ ذو عيال كثير، غير ذي مال ممدود، و أنت أجود من السحاب الهاطل، و الريح المرسلة، فلو صرفت ذلك عنّي إلى من هو أطوق له منّي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أما إنّي سأعطيها من يأخذها بحقّها و من لا يقول مثل ما تقول، يا عليّ هاكها خالصة (6).
10-ابن شهر اشوب في «الفضائل» ، و عليّ بن عيسى (7)في «كشف الغمّة» : روي عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله أنّه أعطى يوم هوازن من العطايا ما
ص:292
قوّم بخمسمائة ألف ألف (1).
11-ابن شهر اشوب، روي أنّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بذل جميع ماله حتى قميصه، و بقي في داره عريانا على حصير، إذ أتاه بلال و قال:
يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الصلاة فنزل وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ اَلْبَسْطِ (2)و أتاه بحلّة فردوسية (3).
12-و عن الباقر عليه السلام إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الابل، و ما سئل شيئا قطّ فقال: لا، فإن كان أعطى، و إن لم يكن قال: يكون إنشاء اللّه.
بيت ما قال لا قطّ إلاّ في تشهّده لو لا التشهد لم يسمع له لاء
و عن أنس، أنّ رجلا سأله صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأمر بالصعود في سفح و اختياره كيف شاء، فلمّا صعد الرجل قال: كم أسوق؟ قال: كلّه، فامتلأت بين جبلين، فلمّا رجع إلى قبيلته قال: يا قوم آمنوا بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم فإنّه يعطي عطاء لا يخاف معه الفقر.
و روى أنّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قسّم غنائم حنين في المؤلّفة قلوبهم، فأعطى أبا سفيان و ابنه معاوية، و حكيم بن حزام (4)، و النضر بن حارث، و عكرمة بن أبي جهل، و صفوان بن أميّة، و سهيل بن عمرو، و زهير بن أبي أميّة، و هشام بن المغيرة، و أعطى كلّ واحد منهم مائة واحدة و يقال: أعطى الأقرع بن حابس (5)، و عيينة بن حصن (6)مائة، و أعطى العباس بن
ص:293
مرداس (1)أربعا من الابل فسخط، و أنشأ يقول
أتجعل نهبي و نهب الخميس 2 بين عيينة و الأقرع
فقد كنت في الحرب ذا تدرء فلم أعط شيئا و لم أمنع
فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: اقطعوا لسانه عنّي، فقام رجل ليقطعه، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: قم يا عليّ إليه فاقطع لسانه، فأخذ عليّ عليه السلام بيده، و أدخله الحظائر، فقال: اعقل ما بين أربعة إلى مائة فقال العبّاس: ما أحكمكم و أكرمكم و أحلمكم و أعلمكم؟ ! فقال عليه السلام: إنّ رسول اللّه أعطاك أربعا و جعلك مع المهاجرين، فإن شئت خذها، و إن شئت فخذ المائة 3.
ص:294
جوده من طريق المخالفين
1-كتاب «الصفوة» لبعض علماء الجمهور، قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا عتاب (1)، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: أخبرنا يونس (2)، عن الزهري (3)، قال: حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه (4)، عن ابن عبّاس: قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أجود الناس، و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقى جبرئيل عليه السلام، و كان جبرئيل يلقاه في كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، قال: فلرسول اللّه أجود الناس بالخير من الريح المرسلة: أخرجاه في الصحيحين (5).
2-و عنه، قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال:
ص:295
حدّثني أبي، قال: حدّثنا ابن أبي عدي، عن حميد (1)، عن موسى بن أنس (2)، عن أنس، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لم يكن يسأل شيئا على الاسلام إلاّ أعطاه، قال: فأتاه رجل فسأله، فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة، قال: فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعطي عطاء ما يخشى الفاقة.
انفرد باخراجه مسلم (3).
3-و عنه، قال: أخبرنا عبد الأوّل (4)، قال: أخبرنا الداودي (5)، قال: أخبرنا ابن أعين (6)قال: حدّثنا الفربري، قال: حدّثنا البخاري، قال: حدّثنا عمرو بن عون (7)، قال: حدّثنا حمّاد بن زيد (8)، عن ثابت (9)، عن أنس، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أحسن الناس، و أشجع الناس، و أجود الناس (10).
4-و عنه، عن محمّد بن أبي القاسم، قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه (11)، قال: حدّثنا سليمان بن أحمد (12)، قال: حدّثنا أحمد بن خليد،
ص:296
قال: حدّثنا أبو توبة (1)قال: حدّثنا معاوية بن سلام (2)، عن زيد بن سلاّم (3)، أنّه سمع أبا سلاّم (4)يقول: حدّثني عبد اللّه الهوزني (5)، قال:
لقيت بلالا فقلت: يا بلال حدّثني كيف كانت نفقة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله؟ فقال: ما كان له شيء، كنت أنا الّذي آتي له ذلك، منذ بعثه اللّه تعالى حتى توفّي، و كان إذا أتاه الرجل المسلم فرآه عاريا، يأمرني فانطلق، فاستقرض و اشتري الرداء فاكسوه و أطعمه (6).
ص:297
ص:298
انّه صلى اللّه عليه و آله أشجع الناس من طريق الخاصّة و العامّة
1-محمّد بن يعقوب، بإسناده عن عليّ بن حديد (1)، عن مرازم (2)، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ اللّه كلّف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما لم يكلّف به أحدا (3)من خلقه، كلّفه أن يخرج على الناس كلّهم وحده بنفسه، و إن لم يجد فئة تقاتل معه، و لم يكلّف هذا أحدا من خلقه قبله و لا بعده، ثم تلا هذه الآية: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اَللّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاّ نَفْسَكَ (4)ثمّ قال:
و جعل اللّه له أن يأخذ ما أخذ لنفسه (5)، فقال عزّ و جلّ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (6)و جعلت الصلاة (7)على رسول اللّه صلى اللّه عليه
ص:299
و آله و سلّم بعشر حسنات (1). صلى اللّه عليه و آله الطاهرين المعصومين.
2-الشيخ عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» قال: قال عليّ عليه السلام: كنّا إذا أعزّ (2)البأس اتّقيناه برسول صلى اللّه عليه و آله، لم يكن أحد أقرب إلى العدّو منه، و ذلك مشهور من فعله صلى اللّه عليه و آله و سلّم يوم أحد، إذ ذهب القوم في سمع الأرض و بصرها، و يوم حنين إذ ولّوا مدبرين، و غير ذلك من آياته صلى اللّه عليه و آله و سلّم، حتى أذلّ بإذن اللّه صناديدهم، و قتل طواغيتهم و دوّحهم (3)و اصطلم (4)جماهيرهم، و كلفه اللّه القتال بنفسه، فقال: لا تُكَلَّفُ إِلاّ نَفْسَكَ فسمّي القتّال (5).
3-و من طريق العامّة كتاب «الصفوة» قال: أخبرنا عبد الأوّل، قال:
أخبرنا الداودي، قال: أخبرنا ابن أعين، قال: حدّثنا الفربري، قال:
حدّثنا البخاري، قال: حدّثنا عمرو بن عون، قال: حدّثنا حمّاد بن زيد:
عن ثابت، عن أنس، كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أحسن الناس و أشجع الناس، و أجود الناس، كان فزع بالمدينة فخرج الناس قبل الصوت، فاستقبلهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قد سبقهم، فاستبرأ (6)الفزع على فرس لأبي طلحة (7)، عرى ما عليه سرج في عنقه السيف، فقال: لم تراعوا (8)، و قال للفرس: وجدناه بحرا أو إنّه كبحر.
ص:300
أخرجاه الصحيحين (1).
4-و عنه، قال: أخبرنا ابن الحصين (2)، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك (3)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي اسحاق، قال: سمعت البراء (4)، و سأله رجل فقال: فررتم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم حنين؟ فقال البراء: و لكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لم يفرّ كانت هوازن قوما رماه و إنّا لمّا حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام، و لقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على بغلته البيضاء، و إن أبا سفيان بن الحارث (5)أخذ بلجامها و هو يقول.
أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب
أخرجاه في الصحيحين (6).
ص:301
ص:302
في عفوه صلى اللّه عليه و آله
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أتي باليهوديّة الّتي سمّت الشاة للنبيّ صلى اللّه عليه و آله، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيّا لم يضرّه، و إن كان ملكا أرحت الناس منه، قال: فعفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عنها (1).
2-و عن جابر بن عبد اللّه: إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم نزل تحت شجرة فعلّق بها سيفه، ثم نام، فجاء أعرابيّ فأخذ السيف، و قام على رأسه، فاستيقظ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا محمّد من يعصمك الآن منّي؟ قال: اللّه تعالى، فرجف، فسقط السيف من يده.
و في خبر: أنّه بقي جالسا و لم يعاقبه (2).
3-محمّد بن يعقوب، باسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في غزوة ذات
ص:303
الرقاع (1)تحت شجرة على شفير واد، فاقبل سيل، فحال بينه و بين أصحابه، فرآه رجل من المشركين و المسلمون قيام على شفير الوادي ينظرون متى ينقطع السيل، فقال رجل من المشركين لقومه: أنا أقتل محمّدا، فجاء فشدّ على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالسيف، ثم قال: من ينجيك منّي يا محمّد؟ فقال: ربّي و ربّك، فنسفه جبرئيل عليه السلام عن فرسه، فسقط عن (2)ظهره، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فأخذ السيف و جلس على صدره، فقال: من ينجيك منّي يا غورث (3)؟ فقال: جودك و كرمك، فتركه و قام.
قال: و اللّه لأنت خير منّي و أكرم (4).
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لمّا قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مكّة يوم افتتحها، فتح باب الكعبة و أمر بصور في الكعبة فطمست، ثمّ أخذ بعضادتي (5)الكعبة، فقال: لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، صدق وعده، و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده، ماذا تقولون و ماذا تظنّون؟ قالوا: نظنّ خيرا، و نقول خيرا، أخ كريم، و ابن أخ كريم، و قد قدرت.
قال: فإنّي أقول كما قال أخي يوسف عليه السلام: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اَلْيَوْمَ يَغْفِرُ اَللّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ اَلرّاحِمِينَ (6)ألاّ إنّ اللّه قد حرّم مكّة يوم خلق السموات و الأرض، فهي حرام بحرام اللّه إلى يوم القيامة، لا ينفر صيدها و لا
ص:304
يعضد شجرها، و لا يختلي (1)خلاها، و لا تحلّ لقطتها (2)، فقال العباس:
يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلاّ الإذخر (3)، فإنّه للقبر و البيوت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إلاّ الإذخر (4).
5-ابن شهر اشوب، عن فضيل بن عياض (5)، إنّ قريشا لمّا نالت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما نالت من الأذى أتى ملك فقال: يا محمّد صلى اللّه عليه و آله أنا الموكّل بالجبال أرسلني اللّه إليك أن أطبق عليهم الأخشبين (6)، فعلت فقال: لا إنّ قومي لا يعلمون (7).
و لمّا أسر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله زهير بن صرد الجشمي بقومه يوم حنين أو يوم هوازن و ذهب يفرّق السبي أنشد أبو صرد.
أمنن علينا رسول اللّه في كرم فإنّك المرء نرجوه و ننظره
إنّا نؤمّل عفوا منك تلبسه هذي البريّة إذ تعفو و تنتصر
عفوا عفا اللّه عمّا أنت واهبه يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر
في أبيات فلمّا سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم، فقالت قريش و الأنصار: ما كان لنا فللّه عزّ و جلّ و لرسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم (8).
ص:305
ص:306
عفوه صلى اللّه عليه و آله من طريق المخالفين
1-كتاب «الصفوة» قال: أخبرنا عبد الأوّل بن عيسى، قال: أخبرنا إبن المظفّر الداودي قال: أخبرنا ابن أعين السرخسي قال: حدّثنا محمّد بن يوسف الفربري قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البخاري، قال: حدّثنا إسماعيل (1)بن عبد اللّه، قال: حدّثنا مالك (2)، عن إسحاق بن عبد اللّه (3)عن أنس بن مالك، قال: كنت أمشي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عليه برد نجراني، غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ، فجذبه بردائه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قد أثّرت بها حاشية البرد من شدة جذبته، ثم قال: يا محمّد مر لي من مال اللّه الّذي عندك، فالتفت إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء.
أخرجاه في الصحيحين (4).
2-و عنه قال: أخبرنا عبد الأوّل، قال: أخبرنا ابن المظفر، قال:
أخبرنا ابن أعين قال: أخبرنا الفربري قال: حدّثنا البخاري، قال: حدثنا
ص:307
عثمان بن أبي شيبة (1)قال: حدثنا جرير (2)، عن منصور (3)، عن أبي وائل 3، عن عبد اللّه (4)قال: لمّا كان يوم حنين آثر النبيّ صلى اللّه عليه و آله أناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن (5)حابس (6)مائة من الإبل، و أعطى عيينة (7)مثل ذلك، و أعطى أناسا من أشراف العرب، و آثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: و اللّه إنّ هذا لقسمة ما عدل فيها و ما أريد بها وجه اللّه، فقلت: و اللّه لأخبرنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأتيته فأخبرته، فقال: من يعدل إذا لم يعدل اللّه و رسوله؟ رحم اللّه موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر.
أخرجاه في الصحيحين (8).
3-و عنه، قال: أخبرنا ابن الحصين (9)، قال: أخبرنا ابن المذهب (10)، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر (11)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا سفيان (12)، عن أبي الزناد (13)، عن
ص:308
الأعرج (1)، عن أبي هريرة قال: جاء الطفيل بن عمرو الدوسي (2)إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال: إنّ دوسا قد عصت و أبت، فادع اللّه عليهم، فاستقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله القبلة و رفع يديه، فقال الناس:
هلكوا، فقال: أللّهمّ اهد دوسا وائت بهم، أللهمّ اهد دوسا وائت بهم، أللهمّ اهد دوسا وائت بهم.
أخرجاه في الصحيحين (3).
4-و عنه، قال: أخبرنا عبد الأوّل بن عيسى، قال: أخبرنا الداودي، قال: أخبرنا ابن أعين، قال: حدثنا الفربري، قال: حدّثنا البخاري، قال: حدّثنا مسدّد، قال: حدّثنا يحيى بن سعيد (4)، عن عبيد اللّه (5)قال:
حدّثني نافع (6)، عن ابن عمر (7)، أنّ عبد اللّه بن أبيّ، لمّا توفيّ جاء إبنه إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: أعطني قميصك أكفّنه فيه، و صلّ عليه، و استغفر له، فأعطاه قميصه، و قال: آذنّي أصلّي عليه، فآذنه، فلمّا أراد أن يصلّي جذبه عمر فقال: أليس اللّه نهاك أن تصلّي على المنافقين؟ فقال: أنا بين خيرتين قال: اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ (8)فصلّى عليه، فنزلت:
وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (9)أخرجاه في الصحيحين (10).
ص:309
5-و عنه، قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد (1)، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الرحمن الطفاوي (2)قال: حدّثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم خادما له قطّ، و لا إمرأة له قطّ، و لا ضرب بيده إلاّ أن يجاهد في سبيل اللّه، و ما نيل منه شيء فانتقمه من صاحبه، إلاّ أن ينتهك محارم اللّه فينتقم للّه عزّ و جلّ، و ما عرض عليه أمران أحدهما أيسر من الآخر إلاّ أخذ بأيسرهما، إلاّ أن يكون مأثما، فإن كان مأثما، كان أبعد الناس منه (3).
ص:310
في حسن خلقه و ضحكه من طريق الخاصّة و العامّة
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلاّد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت:
جعلت فداك، الرجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون و يضحكون؟ فقال عليه السلام: لا بأس ما لم يكن، فظننت أنّه عنى الفحش، ثم قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يأتيه الأعرابيّ فيهدي له الهديّة، ثم يقول مكانه: أعطنا ثمن هديّتنا، فيضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و كان إذا إغتّم يقول: ما فعل الأعرابيّ؟ ليته أتانا (1).
2-و عنه بإسناده عن محمّد بن علي (2)، عن يحيى بن سلام (3)، عن يوسف بن يعقوب (4)، عن صالح بن عقبة (5)، عن يونس الشيباني (6)، قال:
قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كيف مداعبة بعضكم بعضا؟ قلت: قليل،
ص:311
قال: فلا تفعلوا فإنّ المداعبة من حسن الخلق، و إنّك لتدخل بها السرور على أخيك، و لقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يداعب الرجل يريد أن يسرّه (1).
3-ابن شهر اشوب قال: كان صلى اللّه عليه و آله و سلّم يمزح و لا يقول: إلاّ حقا.
قال: قال صلى اللّه عليه و آله لعجوز أشجعية: يا أشجعية لا تدخل العجوز الجنة، فرآها بلال باكية، فوصفها للنبي صلى اللّه عليه و آله فقال:
و الأسود كذلك، فجلسا يبكيان، فرآهما العبّاس فذكرهما له، فقال صلى اللّه عليه و آله و الشيخ كذلك، ثم دعاهم و طيّب قلوبهم، فقال: ينشئهم اللّه كأحسن ما كانوا، و ذكر أنّهم يدخلون الجنّة شبّانا منوّرين، و قال: إنّ أهل الجنّة جرد مرد (2)مكحّلون.
و قال له رجل: إحملني يا رسول اللّه، فقال: إنّا حاملوك على ولد ناقة فقال: و ما أصنع بولد ناقة؟ فقال صلى اللّه عليه و آله و هل تلد الإبل إلاّ النوق؟
قال: و قالت العجوز من الأنصار للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أدع لي بالجنّة، فقال صلى اللّه عليه و آله: إنّ الجنّة لا يدخلها، العجز، فبكت المرأة، فضحك صلى اللّه عليه و آله و قال: أما سمعت قول اللّه: إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (3)الآية (4).
و ذكر صاحب الكتاب في هذا الباب كثيرا رأيت الإضراب عنه للإختصار فيه.
ص:312
و من طريق العامّة ما رواه صاحب كتاب «الصفوة» قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا عبد الرزاق (1)، قال: حدّثنا معمّر (2)، عن ثابت (3)، عن أنس أنّ رجلا من أهل البادية إسمه زاهر (4)، و كان يهدي للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم الهديّة من البادية، فيجهّزه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أراد أن يخرج، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ زاهرا بادينا و نحن حاضروه، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يحبّه، و كان رجلا دميما فأتاه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يوما و هو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه، و لا يبصره الرجل، فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حين عرفه، و جعل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول اللّه إذن و اللّه تجدني كاسدا، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لكن عند اللّه عزّ و جلّ لست بكاسد، أو قال: لكن عند اللّه أنت غال (5).
قال المؤلّف: قال لنا محمد بن أبي منصور: قال لنا أبو زكريا: الدميم، بالدال المهملة في الخلق و بالذال المعجمة في الخلق.
ص:313
ص:314
في تعظيم الناس له صلى اللّه عليه و آله في الجاهليّة و الإسلام
من طريق الخاصّة و العامّة
1-ابن بابويه في «الفقيه» بإسناده الصحيح إلى سعيد بن عبد اللّه الأعرج (1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّ قريشا في الجاهليّة هدموا البيت، فلمّا أرادوا بنائه حيل بينه و بينهم، و ألقي في روعهم الرعب، حتى قال قائل منهم: ليأت كلّ رجل منكم بأطيب ما له، و لا تأتوا بمال إكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام، ففعلوه، فخلّي بينه و بين بنائه، فبنوه حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود، فتشاجروا فيه أيّهم يضع الحجر الأسود في موضعه، حتى كاد أن يكون بينهم شرّ، فحكّموا أوّل من يدخل من باب المسجد، فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا أتاهم أمر بثوب فبسط، ثمّ وضع الحجر في وسطه، ثمّ أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه، ثمّ تناوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوضعه في موضعه، فخصّه اللّه عزّ و جلّ به.
و رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد (2)، عن عليّ بن النعمان (3)، عن سعيد بن عبد اللّه الأعرج، عن أبي عبد اللّه
ص:315
عليه السلام، قال: إنّ قريشا في الجاهليّة هدموا البيت، و ساق الحديث إلى آخره. (1)
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، و ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كنت أطوف و سفيان الثوري قريب منّي، فقال: يا أبا عبد اللّه كيف كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يصنع بالحجر إذا انتهى إليه؟ فقلت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يستلمه في كلّ طواف فريضة و نافلة، قال:
فتخلّف عنّي قليلا، فلمّا إنتهيت إلى الحجر، جزت و مشيت فلم أستلمه، فلحقني، فقال: يا أبا عبد اللّه ألم تخبرني أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يستلم الحجر في كلّ طواف فريضة و نافلة؟ قلت: بلى، قال:
فقد مررت به فلم تستلم؟ فقلت: إنّ الناس كانوا يرون لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ما لا يرون لي، و كان إذا انتهى إلى الحجر فرّجوا حتى يستلمه، و إنّي أكره الزحام (2).
3-و عنه، عن أبي علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إحتجم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و حجمه مولى لبني بياضة، و أعطاه، و لو كان حراما ما أعطاه، فلمّا فرغ قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أين الدم؟ قال: شربته يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: ما كان ينبغي لك أن تفعل، و قد جعله اللّه عزّ و جلّ حجابا من النار فلا تعد (3).
ص:316
4-و من طريق العامّة ما رواه صاحب «الصفوة» قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال:
حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا سليمان بن حرب (1)، قال: حدّثنا سليمان بن المغيرة (2)، عن ثابت، عن أنس، قال:
رأيت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و الحلاّق يحلقه، و قد أطاف به أصحابه، ما يريدون أن تقع شعرة إلاّ في يد رجل. إنفرد بإخراجه مسلم (3).
5-و عنه، قال: أخبرنا عبد الأوّل، قال: أخبرنا الداودي، قال:
أخبرنا ابن أعين، قال: حدّثنا الفربري، قال: حدّثنا البخاري، قال: حدّثنا أبو معمر (4)، قال: حدّثنا عبد الوارث (5)، قال: حدّثنا عبد العزيز (6)، عن أنس، قال: لمّا كان يوم أحد، إنهزم الناس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و أبو طلحة (7)بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم مجوبّ عليه بحجفة (8)له، و كان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع، لقد كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، قال: و كان الرجل يمرّ معه بجعبة من النبل، فيقول أنثرها لأبي طلحة، قال: فأشرف النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ينظر إلى القوم، فقال أبو طلحة: يا نبيّ اللّه بأبي أنت و أمّي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم،
ص:317
نحري دون نحرك (1).
6-و في «الصحيحين» من حديث أبي جحيفة (2)قال: أتيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخرج بلال بوضوئه (3)فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء، فمن أصاب منه شيئا تمسّح به، و من لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه، و خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قام الناس، و جعلوا يأخذون يده، يمسحون بها وجوههم، فأخذت يده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج و أطيب من المسك (4).
7-و عنه، قال: أخبرنا المحمّدان: إبن ناصر (5)، و ابن عبد الباقي (6)، قالا: أخبرنا أحمد بن أحمد (7)، قال: أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ (8)، قال: حدّثنا محمّد بن حميد (9)، قال: حدّثنا محمّد بن هارون (10)، قال: حدّثنا محمّد بن حميد (11)، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مغرا (12)، قال: حدّثنا
ص:318
المفضّل بن فضالة (1)، عن ثابت (2)، عن أنس، قال: لمّا كان يوم أحد حاص (3)أهل المدينة حيصة، و قالوا: قتل محمّد، حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة، فخرجت إمرأة من الأنصار، فاستقبلت بأخيها و أبيها و زوجها و ابنها، لا أدري بأيّهم استقبلت أوّلا، فلمّا مرّت على آخرهم قالت: من هذا؟ قالوا: أخوك، و أبوك، و زوجك، و ابنك، قالت: فما فعل النبي صلى اللّه عليه و آله؟ فيقولون: أمامك، حتى ذهبت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فأخذت بناحية ثوبه، ثم جعلت تقول: بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لا أبالي إذا سلمت من عطب (4).
ص:319
ص:320
في حيائه و كفّه عن المجازاة من طريق الخاصّة و العامّة
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ أبا بكر و عمر أتيا أمّ سلمة (1)فقالا لها: يا أمّ سلمة إنّك قد كنت عند رجل قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فكيف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من ذلك في الخلوة؟ فقالت: ما هو إلاّ كسائر الرجال، ثمّ خرجا عنها، و أقبل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقامت إليه مبادرة فرقا (2)أن ينزل أمر من السماء، فأخبرته الخبر، فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى تربّد (3)وجهه، و التوى (4)عرق الغضب بين عينيه، و خرج و هو يجرّ رداءه حتى صعد المنبر، و بادرت الأنصار بالسلاح، و أمر بخيلهم أن تحضر، فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس ما بال أقوام يتبعون عيبي و يسألون عن غيبي؟ و اللّه إنّي لأكرمكم حسبا، و أطهركم مولدا، و أنصحكم للّه في الغيب، و لا يسألني أحد منكم عن أبيه إلاّ أخبرته، فقام إليه رجل فقال: من
ص:321
أبي؟ فقال: فلان الراعي، فقام إليه الآخر فقال: من أبي؟ فقال: غلامكم الأسود، و قام إليه الثالث، فقال: من أبي؟ فقال: الذي تنسب إليه، فقالت الأنصار: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أعف عنا عفى اللّه عنك، فإنّ اللّه بعثك رحمة، فاعف عنّا عفى اللّه عنك، فكان النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا كلّم استحيى و عرق و غضّ طرفه عن الناس حياء حين كلّموه، فنزل، فلمّا كان في السحر هبط عليه جبرئيل عليه السلام بصفحة (1)من الجنّة، فيها هريسة، فقال: يا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم هذه عملها لك حور العين، فكلها أنت و عليّ و ذريّتكما، فإنّه لا يصلح أن يأكلها غيركم، فجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام فأكلوا، فأعطي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في المباضعة من تلك الأكلة قوّة أربعين رجلا، فكان إذا شاء غشي نساءه كلّهنّ في ليلة واحدة (2).
2-و من طريق العامّة كتاب الصفوة، قال: أخبرنا عبد الأوّل قال:
أخبرنا الداودي قال: أخبرنا إبن أعين، قال: أخبرنا الفربري، قال حدّثنا البخاري، قال: حدّثنا مسدّد بن مسرهد قال: حدّثنا يحيى (3)، قال: حدّثنا شعبة، قال: أخبرنا قتادة، عن عبد اللّه بن أبي عتبة (4)، قال: سمعت أبا سعيد الخدري، يقول: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أشدّ حياء من عذراء في خدرها، و كان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.
أخرجاه في الصحيحين (5).
3-و عنه، قال: أخبرنا إبن الحصين، قال: أخبرنا إبن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني
ص:322
أبي، قال: حدّثنا أبو كامل (1)، قال: حدّثنا حمّاد بن زيد، عن سلم العلوي (2)، قال: سمعت أنس بن مالك أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم رآى على رجل صفرة فكرهها، و قال: لو أمرتم هذا أن يغسل هذه الصفرة، قال: و كان صلى اللّه عليه و آله لا يواجه أحدا في وجهه بشيء يكرهه (3).
4-و عنه، قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمد (4)، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ، قال: أخبرنا ابن حمدان (5)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: حدّثنا سريح بن النعمان (6)، قال: حدّثنا هشيم (7)، قال: أخبرنا مجالد (8)، عن الشعبي، عن جابر بن عبد اللّه، أنّ عمر بن الخطاب أتى النبي صلى اللّه عليه و آله بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي صلى اللّه عليه و آله قال: فغضب و قال: أمتهوّكون (9)فيها يابن الخطّاب؟ و الذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذّبوا به أو بباطل فتصدّقوا به، و الذي نفسي بيده لو أنّ موسى عليه السلام كان حيّا ما وسعه إلاّ أن يتبعني (10).
ص:323
ص:324
في نصيحته و شفقته من طريق الخاصّة و العامّة
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: مرّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم على رجل، و معه ثوب يبيعه، و كان الرجل طويلا و الثوب قصير، فقال له: إجلس فإنّه أنفق لسلعتك (1).
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد عن مصعب بن عبد اللّه النوفلي (2)عمّن رفعه قال: قدم أعرابيّ بإبل له على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال له: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بع لي إبلي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
لست ببيّاع في الأسواق قال: فأشر عليّ فقال له: بع هذا الجمل بكذا، و بع هذه الناقة بكذا، حتى وصف له كلّ بعير منها بكذا، فخرج الأعرابيّ إلى السوق فباعها، ثمّ جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: و الّذي بعثك بالحقّ ما زادت درهما و لا نقصت درهما ممّا قلت لي، فاستهدني (3)يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا، قال: بلى يا رسول اللّه صلى اللّه
ص:325
عليه و آله، فلم يزل يكلّمه حتّى قال له: اهد لنا ناقة و لا تجعلها و لهى (1)(2).
3-و عنه عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: صلّى رسول اللّه بالناس الظهر، فخفّف في الركعتين الأخيرتين، فلمّا انصرف قال له الناس:
هل حدث في الناس حدث؟ قال: و ما ذاك؟ قالوا: خفّفت في الركعتين فقال لهم: أما سمعتم صراخ الصبيّ (3).
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
من تخلّى على قبر، أو بال قائما، أو بال في ماء، أو مشى في حذاء واحد، أو شرب قائما، أو خلا في بيت وحده، و بات على غمر (4)فأصابه من الشيطان، لم يدعه إلاّ أن يشاء اللّه، و أسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان و هو على بعض هذه الحالات، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم خرج في سريّة، فأتى وادي مجنّة (5)فنادى أصحابه: ألا ليأخذ كلّ رجل منكم بيد صاحبه، و لا يدخلنّ رجل وحده، و لا يمضي رجل وحده، قال: فتقدّم رجل فانتهى إليه و قد صرع، فأخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك، فأخذ بأبهامه فغمزها، ثمّ قال: بسم اللّه أخرج خبيث، أنا رسول اللّه قال: فقام (6).
ص:326
5-و من طريق العامّة ما رواه صاحب «الصفوة» قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ، قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا ابن أبي عدي، عن سعيد (1)، عن قتادة، عن أنس، أنّ نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّي لأدخل الصلاة و أنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبيّ، فأتجاوز في صلاتي ممّا أعلم، من شدّة وجد أمّه من بكائه.
أخرجاه في الصحيحين (2).
ص:327
ص:328
في أنّه كان يعمل بيده صلى اللّه عليه و آله
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه (1)، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرّة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بالمرّ (2)و يستخرج الأرضين، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يمصّ النوى بفيه، و يغرسه فيطلع من ساعته، و أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من ماله و كدّ يده (3).
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن عمار السجستاني (4)، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السلام أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وضع حجرا على الطريق يردّ الماء على (5)أرضه فو اللّه ما نكب بعيرا (6)و لا إنسانا حتّى الساعة (7).
ص:329
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الجاموراني (1)، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة (2)، عن أبيه، قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت:
جعلت فداك أين الرجال؟ فقال: يا عليّ قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه و من أبي، فقلت: و من هو؟ قال: رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السلام كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم، و هو من عمل النبيّين و المرسلين و الأوصياء و الصالحين (3).
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، أنّ رجلا أتى أبا عبد اللّه عليه السلام، فقال: إنّني لا أحسن أن أعمل عملا بيدي، و لا أحسن أن أتّجر، و أنا محارف (4)محتاج، فقال:
إعمل فاجعل (5)على رأسك و استغن عن الناس، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قد حمل حجرا على عاتقه، فوضعه في حائط له من حيطانه، و إنّ الحجر لفي مكانه و لا يدري كم عمقه إلاّ أنّه ثمة (6).
5-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد (7)، عن عليّ بن الحكم، عن إسباط بن سالم، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام، فسألنا عن عمر بن مسلم (8)ما فعل؟ فقلت: صالح، و لكنّه قد ترك
ص:330
التجارة، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: عمل الشيطان ثلثا، أما علم أنّ رسول اللّه اشترى عيرا أتت من الشام، فاستفضل فيها ما قضى دينه و قسّم في قرابته، يقول اللّه عزّ و جلّ: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللّهِ (1)إلى آخر الآية، يقول القصّاص 2: إنّ القوم لم يكونوا يتّجرون، كذبوا، و لكنّهم لم يكونوا يدعون الصلاة في مواقيتها، و هو أفضل ممّن حضر الصلاة و لم يتّجر 3.
6-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني 4رحمة اللّه عليه قال: حدّثنا عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري 5، قال: حدّثنا زيد بن إسماعيل الصائغ 6قال: حدّثنا معاوية بن هشام 7، عن سفيان 8، عن عبد الملك بن عمير 9، عن خالد بن ربعي، في حديث طويل أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لسلمان: يا أبا عبد اللّه إعرض الحديقة الّتي غرسها
ص:331
رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لي على التّجار، فدخل سلمان إلى السوق و عرض الحديقة فباعها باثني عشر ألف درهما (1).
و الحديث بتمامه إن شاء اللّه في المطلب الثاني في أمير المؤمنين عليه السلام.
ص:332
في جلوسه صلى اللّه عليه و آله
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن النوفلي، عن عبد العظيم بن عبد اللّه بن الحسن العلوي (1)، رفعه قال: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يجلس ثلاثا: القرفصاء (2)و هو أن يقيم ساقيه و يستقبلهما بيديه، و يشدّ يده على ذراعه، و كان يجثو على ركبتيه، و كان يثني رجلا واحدة و يبسط عليها الأخرى، و لم ير صلى اللّه عليه و آله و سلّم متربّعا قطّ (3).
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن بعض أصحابه، عن طلحة بن زيد (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه
ص:333
و آله و سلّم أكثر ما يجلس تجاه القبلة (1).
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل (2).
ص:334
في سجداته صلى اللّه عليه و آله الخمس للشكر
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان بن عيسى (1)عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان في سفر يسير على ناقته إذ نزل، فسجد خمس سجدات، فلمّا ركب قالوا: يا رسول اللّه إنّا رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه، فقال: نعم إستقبلني جبرئيل عليه السلام فبشّرني ببشارات من اللّه عزّ و جلّ، فسجدت للّه شكرا لكلّ بشرى سجدة (2).
2-الشيخ المفيد في «أماليه» قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه (3)رحمه اللّه، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر (4)، عن أحمد بن علوية (5)، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي (6)، قال: أخبرنا توبة بن الخليل (7)،
ص:335
قال: أخبرنا عثمان بن عيسى، قال: حدّثنا أبو عبد الرحمن (1)، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في سفر، إذ نزل فسجد خمس سجدات، فلمّا ركب قال بعض أصحابه: رأيناك يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم صنعت ما لم تكن تصنعه؟ ! قال: نعم أتاني جبرئيل، فبشّرني أنّ عليّا عليه السلام في الجنّة فسجدت للّه شكرا، فلمّا رفعت رأسي قال: و فاطمة عليها السلام في الجنّة، فسجدت شكرا للّه تعالى، فلمّا رفعت رأسي قال: و الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، فسجدت للّه تعالى شكرا، فلمّا رفعت رأسي قال: و من يحبّهم في الجنّة، فسجدت شكرا للّه تعالى، فلمّا رفعت رأسي قال: و من يحبّ محبّهم في الجنّة (2).
3-و في كتاب «المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة» : حدّثنا القاضي أبو الحسن محمّد بن إدريس الشافعي (3)، قال: حدّثني أبو الحسن عليّ بن الحسن بن الطيّب، عن أبي الحسن عليّ بن إبراهيم (4)، عن عمر الفقيه، عن إبراهيم بن محمّد الشيظي، عن محمد بن زكريّاء الغلابي (5)، قال: حدّثنا حريز، عن عمير بن عمران الحنفي، عن بشر بن إبراهيم الأنصاري (6)عن يحيى بن أبي كثير (7)، عن أبي سلمة (8)، عن أبي هريرة، عن أبي العلاء العبدي، عن أبي صالح (9)، عن عبد اللّه بن العبّاس رحمه اللّه، قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد سجد خمس سجدات بلا ركوع،
ص:336
فقلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم سجود بلا ركوع! فقال: نعم أتاني جبرئيل عليه السلام و قال لي: يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ عليّا عليه السلام فسجدت و رفعت رأسي، فقال: إن اللّه يحب الحسن عليه السلام، فسجدت و رفعت رأسي، فقال لي: إن اللّه يحب الحسين عليه السلام، فسجدت و رفعت رأسي، فقال: إن اللّه يحبّ فاطمة عليها السلام، فسجدت و رفعت رأسي، فقال: إنّ اللّه يحبّ من أحبّهم، فسجدت و رفعت رأسي (1).
4-ابن شهر اشوب، قال في كتاب «المحاضرات» روى أبو هريرة أنّه سجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله خمس سجدات بلا ركوع، فقلنا له في ذلك، فقال: أتاني جبرئيل عليه السلام فقال: إنّ اللّه يحبّ عليّا عليه السلام، فسجدت و رفعت رأسي، فقال: إنّ اللّه يحبّ الحسن و الحسين فسجدت (2)، ثمّ قال: إنّ اللّه يحبّ فاطمة عليها السلام فسجدت (3)، ثمّ قال: إنّ اللّه يحبّ من أحبّهم فسجدت (4).
5-عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» قال: نقلت من مسند أحمد بن حنبل (5)، عن عبد الرحمن بن عوف (6)، قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه
ص:337
و آله و سلّم فأتبعته حتى دخل نخلا، فسجد و أطال السجود، حتى خفت أو خشيت أن يكون اللّه عزّ و جلّ قد توفّاه و قبضه إليه، فجئت أنظر فرفع رأسه فقال: مالك عبد الرحمن؟ فذكرت ذلك له، قال: فقال: إنّ جبرئيل عليه السلام قال لي: ألا أبشّرك أنّ اللّه عزّ و جلّ يقول لك: من صلّى عليك صلّيت عليه، و من سلّم عليك سلّمت عليه، فسجدت للّه شكرا (1).
ص:338
في صبره صلى اللّه عليه و آله
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و عليّ بن محمّد القاساني (1)جميعا، عن القاسم بن محمد الأصبهاني (2)، عن سليمان بن داود المنقري (3)، عن حفص بن غياث (4)، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: يا حفص إنّ من صبر صبر قليلا، و إنّ من جزع جزع قليلا، ثم قال: عليك بالصبر في جميع أمورك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ بعث محمدا صلى اللّه عليه و آله، فأمره بالصبر و الرفق فقال: وَ اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اُهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَ ذَرْنِي وَ اَلْمُكَذِّبِينَ أُولِي اَلنَّعْمَةِ (5)و قال تبارك و تعالى: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا اَلَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَ ما يُلَقّاها إِلاَّ اَلَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما
ص:339
يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (1).
فصبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حتّى نالوه بالعظائم، و رموه بها، فضاق صدره، فأنزل اللّه عزّ و جلّ وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ اَلسّاجِدِينَ (2).
ثمّ كذّبوه و رموه، فحزن لذلك، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ اَلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ اَلظّالِمِينَ بِآياتِ اَللّهِ يَجْحَدُونَ وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتّى أَتاهُمْ نَصْرُنا (3)فألزم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم نفسه الصبر، فتعدّوا فذكروا اللّه تبارك و تعالى و كذّبوه، فقال: قد صبرت في نفسي و أهلي و عرضي، و لا صبر لي على ذلك إلهي، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ (4).
فصبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم في جميع أحواله، ثمّ بشّر في عترته بالأئّمة عليهم السلام و وصفوا بالصبر فقال جلّ ثناؤه: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (5)فعند ذلك قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فشكر اللّه عزّ و جلّ ذلك له فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ اَلْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ (6)فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّه بشرى و انتقام فأباح اللّه عزّ و جلّ له قتال المشركين، فأنزل اللّه: فَاقْتُلُوا اَلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ اُحْصُرُوهُمْ وَ اُقْعُدُوا لَهُمْ
ص:340
كُلَّ مَرْصَدٍ (1) وَ اُقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (2)فقتلهم اللّه على يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أحبّآئه، و جعل له ثواب صبره، مع ما ادّخر له في الآخرة، فمن صبر و احتسب لم يخرج من الدّنيا حتى يقرّ اللّه له عينه في أعدائه، مع ما يدخّر له في الآخرة (3).
2-ابن بابويه، عن أبيه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة (4)، عن حمدان بن سليمان (5)، عن نوح بن شعيب (6)، عن محمّد بن إسماعيل (7)، عن صالح بن عقبة (8)، عن علقمة (9)، قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام في حديث له: ألم ينسبوه يعني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الكذب في قوله: إنّه رسول من اللّه إليهم، حتّى أنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتّى أَتاهُمْ نَصْرُنا (10)(11)
ص:341
3-و عنه بهذا الإسناد، عن علقمة، عن الصادق عليه السلام في حديث طويل: ألم ينسبوا نبيّنا محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أنّه يوم بدر أخذ من المغنم قطيفة حمراء، حتى أظهره اللّه على القطفة، و برأ نبيّه من الخيانة، و أنزل في كتابه: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ (1)(2).
4-الطبرسي في «الإحتجاج» عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن الحسين عليه السلام عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام، في حديثه مع اليهوديّ قال اليهودي: فهذا نوح عليه السلام صبر في ذات اللّه، و أعذر قومه إذ كذّب، قال له عليّ عليه السلام: لقد كان كذلك، و محمّد صلى اللّه عليه و آله صبر في ذات اللّه عزّ و جلّ، و أعذر قومه إذ كذّب و ردّ و شرّد و حصب بالحصبى، و علاه أبو لهب بسلا ناقة (3)و شاة، فأوحى اللّه تبارك و تعالى إلى جابيل ملك الجبال: أن شقّ الجبال و انته إلى أمر محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فأتاه فقال له: إنّي أمرت لك بالطاعة، فإن أمرت أطبقت (4)عليهم الجبال، فأهلكتهم بها.
قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّما بعثت رحمة، ربّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون، ويحك يا يهوديّ إنّ نوحا لمّا شاهد غرق قومه رقّ عليهم رقة القرابة، و أظهر عليهم شفقة، فقال: رَبِّ إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي (5)فقال تبارك و تعالى:
إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ (6)أراد جلّ ذكره أن يسلّيه بذلك، و محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا علنت من قومه المعاندة شهر عليهم
ص:342
سيف النقمة، و لم تدركه فيهم رقة القرابة، و لم ينظر إليهم بعين مقة (1).
5-و عن الفضيل بن عياض (2)، أنّ قريشا لمّا نالت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما نالت من الأذى، أتى ملك فقال: يا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنا الموكّل بالجبال، أرسلني اللّه إليك إن أحببت أن أطبق عليهم الأخشبين (3)فعلت، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لا إنّ قومي لا يعلمون (4).
و قد تقدّم في الباب الثاني عشر من ذلك الكثير.
ص:343
ص:344
في صبره صلى اللّه عليه و آله من طريق المخالفين
1-صاحب كتاب «الصفوة» قال: كان أبو طالب عليه السلام يدافع عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فلمّا أتت لرسول اللّه تسع و أربعون سنة، و ثمانية أشهر، و أحد عشر يوما، مات عمّه أبو طالب عليه السلام للنصف من شوّال في السنة العاشرة من المبعث و هو إبن بضع و ثمانين سنة، و توفّيت بعده خديجة بشهر و خمسة أيّام، و يقال: بثلاثة أيّام فحسب، و هي إبن خمس و ستّين سنة، و كانت قريش تكفّ بعض أذاها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، حتّى مات أبو طالب عليه السلام، فلمّا مات بالغوا في أذاه، فلمّا ماتت خديجة أقام بعدها ثلاثة أشهر، ثم خرج هو و زيد بن حارثة إلى الطائف، فأقام بها شهرا، ثمّ رجع إلى مكّة في جوار المطعم بن عدي، و ما زال يلقى الشدائد (1).
2-ثمّ قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا وهب بن جرير (2)، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي
ص:345
إسحاق (1)، عن عمرو بن ميمون (2)، عن عبد اللّه (3): ما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله دعا على قريش غير يوم واحد، فإنّه كان يصلّي و رهط من قريش جلوس، و سلا جزور قريب منه، فقالوا: من يأخذ هذا السلا فيلقيه على ظهره؟ قال: فقال عقبة بن أبي معيط: أنا، فأخذه فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجدا حتى جاءت فاطمة عليهما السلام فأخذته عن ظهره، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أللهمّ عليك الملأ من قريش، أللهمّ عليك بعتبة بن ربيعة، أللهمّ عليك بشيبة بن ربيعة، أللّهم عليك بأبي جهل بن هشام، أللّهم عليك بعقبة بن أبي معيط، أللهمّ عليك بأبيّ بن خلف، و أميّة بن خلف.
قال عبد اللّه: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعا، ثم سحبوا إلى القليب، غير أبيّ بن خلف، أو أميّة، فإنّه كان رجلا ضخما فتقطع.
أخرجاه في الصحيحين (4).
3-و عنه، أخبرنا عبد الأوّل بن عيسى، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مظفر، قال: أخبرنا إبن أعين، قال: حدّثنا الفربري، قال: حدّثنا البخاري، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف (5)، قال: أخبرنا ابن وهب (6)، قال: أخبرني يونس (7)، عن ابن شهاب (8)، قال: أخبرني عروة (9): أنّ عائشة زوج النبيّ صلى اللّه عليه و آله حدّثته أنّها قالت للنبيّ صلى اللّه عليه
ص:346
و آله و سلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لقد لقيت من قومك و كان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على إبن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت و أنا مهموم على وجهي، و لم أستفق إلاّ و أنا بقرن الثعالب (1)، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبرئيل، فناداني: أنّ اللّه قد سمع قول قومك لك، و ما ردّوا عليك، و قد بعث إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ، ثم قال: يا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، قال النبي صلى اللّه عليه و آله: بل أرجو أن يخرج اللّه من أصلابهم من يعبد اللّه وحده لا يشرك به شيئا.
أخرجاه في الصحيحين (2).
4-و عنه قال: أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا إبن المذهب، قال:
أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه (3)، و هو ابن المديني، قال: حدّثنا الوليد بن مسلم (4)، قال: حدثني الأوزاعي (5)، قال: حدّثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي (6)، قال: حدّثني عروة بن زبير، قال: قلت لعبد اللّه بن عمرو بن العاص (7): أخبرني بأشدّ شيء صنعه
ص:347
المشركون برسول اللّه، قال: بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بفناء الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فأخذ منكب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و لوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقا شديدا، و أقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه، و دفعه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال: أتقتلون رجلا يقول: ربّي اللّه و قد جائكم بالبيّنات من ربّكم (1)؟ !
5-و عنه، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمّد الجوهري (2)، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيّويه (3)، قال: أنبأنا أبو الحسن بن معروف (4)، قال: أنبأنا الحسين بن فهم (5)، قال: حدّثنا محمّد بن سعد الكاتب (6)قال: أنبأنا إسحاق بن يوسف الأزرق (7)، قال: حدّثنا القاسم بن عثمان البصري (8)، عن أنس بن مالك، قال: خرج عمر متقلّدا بالسيف، فلقيه رجل (9)من بني زهرة، فقال أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: و كيف تأمن في بني هاشم و بني زهرة، و قد قتلت محمدا؟ فقال له عمر: ما أراك إلاّ و قد صبأت، و تركت دينك الذي
ص:348
أنت عليه، قال: أفلا أدلّك على العجيب يا عمر، إنّ أختك و ختنك (1)قد صبوا و تركا دينك الّذي أنت عليه، فمشى عمر ذامرا (2)حتى أتاهما، و عندهما رجل من المهاجرين يقال له: خبّاب (3)، فلمّا سمع خبّاب حسّ عمر توارى في البيت، فدخل عليهما، فقال: ما هذه الهينمة (4)التي سمعتها عندكم؟
قال: و كانوا يقرأون «طه» فقالا: ما عدا (5)حديثا تحدّثناه بيننا، قال:
فلعلّكما قد صبوتما، فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحقّ في غير دينك، فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها، فنفحها (6)نفحة بيده فدمى وجهها (7)، فقالت و هي غضبي: يا عمر إن كان الحقّ في غير دينك أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: فلمّا يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الّذي عندكم فأقرأه، و كان عمر يقرأ الكتب، فقالت أخته: إنّك رجس و لا يمسّه إلاّ المطهّرون، فقم فاغتسل أو توضّأ، فقام فتوضّأ ثمّ أخذ الكتاب، فقرأ «طه» حتى انتهى إلى قوله: إِنَّنِي أَنَا اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ اَلصَّلاةَ لِذِكْرِي (8).
فقال عمر: دلّوني على محمّد صلى اللّه عليه و آله قال: فخرج، و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم على الصفا داخل الدار يوحى إليه، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل
ص:349
السيف، فقال: أما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل اللّه بك يعني من الخزي و النكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة، أللّهمّ هذا عمر بن الخطاب، أللهمّ أعزّ الدين بعمر بن الخطاب فقال عمر: أشهد أنّك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فأسلم، و قال: أخرج يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله (1).
قال مؤلّف هذا الكتاب: أنظر ما ترويه العامّة من مكابدة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المشركين الذين عمر في سلكهم و من أحزابهم، و كيف فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم به بعد ما قال له ما قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتى أسلم.
6-و عنه، قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي (2)، قال:
حدّثنا أبو عامر الأزدي (3)، و أبو بكر الغورجي (4)، قالا: حدّثنا أبو محمد الجرّاحي (5)، قال: حدّثنا أبو العباس المحبوبي (6)، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه الترمذي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عبد الرحمن (7)، قال: أخبرني روح بن أسلم (8)، قال: أنبأنا ثابت (9)، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه
ص:350
عليه و آله و سلّم: لقد أخفت في اللّه و ما يخاف أحد، و لقد أوذيت في اللّه و ما يؤذى أحد، و لقد أتت عليّ ثلاثون ما بين ليلة و يوم (1)ما لي و لبلال طعام يأكله ذو كبد إلاّ شيء يواريه إبط بلال (2).
ص:351
ص:352
في استعماله الطيب
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن أبي البختري (1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتطيّب بالمسك حتى يرى و بيصه (2)في مفارقه (3).
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ممسكة (4)، إذا هو توضّأ أخذها بيده، و هي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا أنّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم برائحته (5).
ص:353
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن نوح بن شعيب، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:
كان يرى و بيص المسك في مفرق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم (1).
4-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن موسى بن الفرات، عن عليّ بن مطر (2)، عن السكن الخزّاز، قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: حقّ على كلّ محتلم (3)في كلّ جمعة أخذ شاربه و أظفاره، و مسّ الشيء من الطيّب، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا كان يوم الجمعة و ليس (4)عنده طيب، دعا ببعض خمر نسائه فبلّها بالماء، ثم وضعها على وجهه صلى اللّه عليه و آله و سلّم (5).
5-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن سليمان بن محمّد الخثعمي، عن إسحاق الطويل العطّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ينفق في الطيب أكثر ممّا ينفق في الطعام (6).
6-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن هلال (7)، عن عيسى بن عبد اللّه (8)، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ صلوات
ص:354
اللّه عليه: أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله كان لا يردّ الطيب و الحلواء (1).
7-و عنه، عن حميد بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن المبارك (2)، عن عبد اللّه بن جبلّة (3)، عن إسحاق بن عمّار (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أوتي بطيب يوم الفطر بدأ بنسائه (5).
8-و عنه، عن عليّ بن محمّد (6)، و غيره، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي (7)، عن مالك بن إسماعيل النهدي (8)، عن عبد السلام بن حارث، عن سالم بن أبي حفصة (9)العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في رسول اللّه ثلاثة لم تكن في أحد غيره: لم يكن له فيء، و كان لا يمرّ في طريق فيمرّ فيه بعد يومين إلى ثلثة إلاّ عرف أنّه قد مرّ فيه لطيب عرفه (10)، و كان لا يمرّ بحجر و لا بشجر إلاّ سجد له (11).
ص:355
9-ابن شهر اشوب قال: أتت فاطمة عليها السلام بماء ورد، فسألت أمّ سلمة عن ذلك، فقالت: هذا عرق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كنت أجده عند قيلولة النبيّ صلى اللّه عليه و آله عندي.
ص:356
في استعماله الخضاب
1-ابن بابويه بإسناده عن الأصبغ بن نباتة، قال: قلت لأمير المؤمنين عليه السلام: ما منعك من الخضاب؟ و قد اختضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: أنتظر أشقاها أن يخضب لحيتي من دم رأسي بعهد معهود أخبرني به حبيبي (1).
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن خضاب الشعر، فقال: قد خضب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و الحسين بن عليّ، و أبو جعفر عليهم السلام بالكتم (2)(3).
3-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: خضب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و لم يمنع عليّا إلاّ قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم تخضب هذه من هذه، و قد خضب الحسين، و أبو جعفر
ص:357
عليهما السلام (1)
4-ابن بابويه، بإسناده في «الفقيه» و سأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام، فقال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يختضب، و هذا شعره عندنا (2).
5-و روي أنّه كان عليه السلام في رأسه و لحيته سبع عشر شيبة (3).
6-الشيخ في أماليه عن ابن مخلد قال: أخبرنا أبو عمرو (4)قال: حدّثنا حمّاد بن سهل الثوري، قال: حدّثنا أبو نعيم (5)، قال: حدّثنا سفيان (6)، عن ربيعة (7)قال: سمعت أنسا يقول: ما كان في رأس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و لحيته عشرون طاقة بيضاء (8).
7-و من طريق المخالفين صاحب كتاب «الصفوة» قال: حدّثنا هبة اللّه بن أحمد، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ التميمي (9)، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان، قال: أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، قال:
حدّثني أبي، قال: حدّثني أبو سلمة (10)، قال: حدّثنا سليمان بن بلال (11)، قال:
ص:358
حدّثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنّه سمع أنس بن مالك، أنّه قال: ليس 1في رأس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و لحيته عشرون شعرة بيضاء.
أخرجاه في الصحيحين 2.
ص:359
ص:260
في استعماله الكحل
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا، عن ابن أبي عمير، عن سليم الفرّاء (1)عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يكتحل بالإثمد (2)إذا أوى إلى فراشه وترا وترا (3).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن موسى بن القاسم (4)عن صفوان (5)، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يكتحل قبل أن ينام، أربعا في اليمنى، و ثلاثا في اليسرى (6).
3-و في كتاب «طبّ الأئمّة» عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام،
ص:361
قال: كان للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم مكحلة يكتحل في كلّ ليلة ثلاث مراود (1)في كلّ عين عند نومه (2).
ص:362
في استعماله السدر و النورة
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عليّ، عن عبيد بن يحيى الثوري العطّار، عن محمّد بن الحسين العلوي (1)، عن أبيه، عن جدّه عليّ عليه السلام، قال: لمّا أمر اللّه عزّ و جلّ رسوله بإظهار الإسلام، و ظهر الوحي، رأى قلّة المسلمين، و كثرة المشركين، فاهتمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله همّا شديدا، فبعث اللّه إليه جبرائيل بسدر من سدرة المنتهى، فغسل به رأسه فجلى به همّه (2).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن حذيفة بن منصور (3)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يطلي العانة، و ما تحت الأنثيين (4)في كلّ جمعة (5).
ص:363
ص:364
في استعماله السواك و الخلال
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من سنن (1)الأنبياء السواك (2).
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد، و الحسين بن سعيد جميعا، عن القاسم بن عروة (3)، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: السواك من سنن النبيّين (4)(5).
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى
ص:365
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أوصاني جبرئيل بالسواك، حتى خفت على أسناني (3).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال (4)، عن أبي جميلة، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: نزل جبرئيل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالسواك و الخلال و الحجامة (5).
6-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: نزل جبرئيل عليّ بالخلال (6).
7-و عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن وهب بن
ص:366
عبد ربّه (1)، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يتخلّل فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتخلّل و هو يطيب الفم (2).
8-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى، عن الدهقان (3)، عن درست، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يتخلّل بكلّ ما أصاب ما خلا الخوص (4)و القصب (5).
9-و في كتاب «طبّ الأئمة» لابني بسطام (6)، عن بعضهم عليهم السلام لا تخلّلوا بعود الريحان و لا بقضيب الرمّان، فإنّهما يفتتحان عرق الجذام، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يتخلّل بكلّ ما أصاب ما خلا الخوص و القصب (7).
ص:367
ص:368
في استعماله الحجامة
1-محمّد بن يعقوب، عن أبي عليّ الأشعري (1)، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إحتجم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حجمة مولى لبني بياضة و أعطاه، و لو كان حراما ما أعطاه فلمّا فرغ قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أين الدم، قال: شربته يا رسول اللّه، فقال عليه السلام: ما كان ينبغي لك أن تفعل، و قد جعله اللّه عزّ و جلّ لك حجابا من النار فلا تعد (2).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حنّان بن سدير (3)، قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام، و معنا فرقد الحجّام (4)، فقال له: جعلت فداك إنّي أعمل عملا
ص:369
و قد سألت عنه غير واحد و لا إثنين، فزعموا أنّه عمل مكروه، و أنا أحبّ أن أسألك عنه فإن كان مكروها إنتهيت عنه، و عملت غيره من الأعمال، فإنّي منته في ذلك إلى قولك، قال: و ما هو؟ قال: حجّام، قال عليه السلام: كل من كسبك يا ابن أخ، و تصدّق و حجّ منه و تزوّج، فإنّ نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قد احتجم، و أعطى الأجر، و لو كان حراما ما أعطاه قال: جعلني اللّه فداك إنّ لي تيسا (1)أكريه فما تقول في كسبه؟ فقال عليه السلام: كل كسبه، فإنّه لك حلال، فالناس يكرهونه، فقال حنّان: قلت لأيّ شيء يكرهونه و هو حلال؟ قال: قال: لتعيير الناس بعضهم بعضا (2).
3-كتاب «طبّ الأئمة» للحسين بن بسطام، عن محمّد بن الحسين (3)، قال: حدّثنا فضالة بن أيّوب، عن إسماعيل (4)، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: ما اشتكى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم وجعا إلاّ كان مفزعه إلى الحجامة.
و قال أبو طيبة (5): حجمت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فأعطاني دينارا، و شربت دمه، فقال صلى اللّه عليه و آله: أشربته؟ قلت: نعم قال:
و ما حملك على ذلك؟ قلت: أتبرّك به، قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أخذت أمانا من الأوجاع، و الأسقام، و الفقر، و الفاقة، و اللّه ما تمسّك النار أبدا (6).
4-و عنه، عن الزبير بن بكار (7)، قال: حدّثنا عبد العزيز بن
ص:370
محمد (1)، عن محمّد بن إسحاق بن عمّار (2)، عن فضيل الرسان (3)، قال:
قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من دواء الأنبياء الحجامة (4).
5-و عنه، عن الخضر بن محمّد (5)، قال: حدّثنا الجراذيني (6)، عن أبي محمّد البردعيني (7)، قال: حدّثنا صفوان (8)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يحتجم ثلاثا: واحدة في الرأس، يسمّيها المنقذة (9)، و واحدة في الكتفين يسمّيها النافعة، و واحدة بين الوركين يسمّيها المغيثة (10)(11).
6-و عنه، عن أبي زكرياء يحيى بن آدم (12)، قال: حدّثنا صفوان بن
ص:371
يحيى بيّاع السابري، قال: حدّثنا عبد اللّه بن بكير، عن شعيب العقرقوقي (1)، قال: حدّثنا أبو إسحاق الأزدي، عن أبي إسحاق السبيعي، عمّن ذكره أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يغتسل من الحمّام و الحجامة، قال شعيب: فذكرته لأبي عبد اللّه الصادق عليه السلام فقال: إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا إحتجم هاج به الدم و تبيّغ إغتسل بالماء البارد، لتسكن عنه حرارة الدم، و أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا دخل الحمّام هاجت به الحرارة، صبّ عليه ماء باردا، فتسكن عنه الحرارة (2).
7-و عنه، عن الحارث بن محمّد بن الحارث، من ولد الحارث الأعور الهمداني، قال: حدّثني سعيد بن محمّد، عن أبي بصير قال (3)كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحتجم في الأخدعين (4)فأتاه جبرئيل عن اللّه تبارك و تعالى بحجامة الكاهل (5).
ص:372
في المفردات
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: حدّثنا أبو الطيّب الحسين بن محمّد التمّار (1)، قال: حدّثنا محمّد بن أشكاب (2)، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام بن شريح (3)، عن أبيه، عن عائشة: أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا رأى ناشيا ترك كلّ شيء، و إن كان في صلاة، و قال: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ ما فيه و إن ذهب، حمد اللّه، و إن أمطر قال: اللّهم اجعله ناشئا نافعا.
الناشيء السحاب، و المخيلة أيضا السحابة (4).
2-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبو الحسين محمّد بن المظفر البزّاز (5)، قال: حدّثنا أحمد بن عبيد العطاردي (6)، قال:
ص:373
حدّثنا بشر بن بكر (1)قال: حدّثنا زياد بن المنذر، قال: حدّثني أبو عبد اللّه مولى بني هاشم، قال: حدّثنا أبو سعيد الخدري، قال: لمّا كان يوم أحد شجّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم في وجهه، و كسرت رباعيّته فقام صلى اللّه عليه و آله و سلّم رافعا يديه، يقول: إنّ اللّه اشتدّ غضبه على اليهود، إذ قالوا: إنّ العزير ابن اللّه، و اشتدّ غضبه على النصارى، إذ قالوا: المسيح ابن اللّه، و إنّ اللّه تعالى اشتدّ غضبه على من أراق دمي و آذاني في عترتي (2).
3-المفيد في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن عليّ (3)، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن محمّد بن مروان (4)، عن زيد بن أبان بن عثمان (5)، عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: لمّا حضر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم الوفاة، نزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول اللّه هل لك في الرجوع؟ قال: لا قد بلّغت رسالات ربي، ثم قال له: تريد الرجوع إلى الدنيا؟ قال: لا بل الرفيق الأعلى.
ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله للمسلمين، و هم مجتمعون حوله:
يا أيّها (6)الناس لا نبيّ بعدي، و لا سنّة بعد سنتي، فمن إدّعى ذلك فدعواه في النار، و من إدّعى ذلك فاقتلوه، و من اتّبعه فإنّه في النار، أيّها الناس أحيوا القصاص، و أحيوا الحق، و لا تفرّقوا و أسلموا و سلّموا تسلموا كَتَبَ اَللّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اَللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (7)(8).
ص:374
4-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد، قال:
أخبرني أبو عبد اللّه محمّد بن عليّ بن رياح القرشي إجازة، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبو علي الحسن بن محمد (1)، قال: حدّثنا الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: إنّ أبا ذر و سلمان خرجا في طلب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقيل لهما: إنّه توجّه إلى ناحية قبا، فاتبعاه فوجداه ساجدا تحت شجرة، فجلسا ينتظرانه حتى ظنّا أنّه نائم، فإذا هو باليقظان (2)فرفع رأسه إليهما، ثم قال: رأيت مكانكما، و سمعت مقالتكما، و لم أكن راقدا، إنّ اللّه بعث كلّ نبيّ قبلي إلى أمّته بلسان قومه، و بعثني إلى كلّ أسود و أحمر بالعربيّة، و أعطاني في أمّتي خمس خصال لم يعطها نبيّا كان قبلي، نصرني بالرعب ليسمع بي القوم، و بيني و بينهم مسيرة شهر، فيؤمنون بي، و أحلّ لي المغنم، و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا، أينما كنت منها أتيمّم من تربتها و أصلّي عليها، و جعل لكلّ نبيّ مسألة فسألوه إيّاها فأعطاهم ذلك في الدنيا و أعطاني مسألة فأخّرت مسألتي لشفاعة المؤمنين من أمّتي يوم القيامة، ففعل ذلك، و أعطاني جوامع العلم، و مفاتيح الكلام، و لم يعط ما أعطاني نبيّا قبلي، فمسألتي بالغة إلى يوم القيامة لمن لقي اللّه لا يشرك به شيئا، مؤمنا بي، مواليا لوصيّي، محبّا لأهل بيتي (3).
5-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في سفره إذا هبط سبّح، و إذا صعد كبّر (4).
ص:375
6-عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن أبيه، أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام سئل أكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقوت عياله قوتا معروفا؟ قال: نعم إنّ النفس إذا عرفت قوتها قنعت، و ينبت عليه اللحم (1).
7-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد (2)، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كانت له ملحفة مورسة (3)يلبسها في أهله، حتى يردع 4على جسده قال: و قال أبو جعفر عليه السلام: كنّا نلبس المعصفر في البيت 5.
8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن موسى بن جعفر البغدادي 6، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه 7، عن واصل بن سليمان 8، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان للنبيّ صلى اللّه عليه و آله خليط في الجاهلية، فلمّا بعث لقيه خليطه، فقال للنبيّ: جزاك اللّه من خليط خيرا، فقد كنت تواتي و لا تماري 9، فقال له النبي صلى اللّه عليه و آله: و أنت فجزاك
ص:376
اللّه من خليط خيرا، فإنّك لم تكن تردّ ربحا، و لا تمسك ضرسا (1).
9-و عنه، عن أحمد بن محمّد العاصمي (2)، عن محمّد بن أحمد النهدي (3)، عن محمّد بن علي (4)، عن شريف بن سابق (5)، عن الفضل بن أبي قرة (6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: أتت الموالي أمير المؤمنين عليه السلام، فقالوا: نشكوا إليك هؤلاء العرب، إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يعطينا معها العطايا بالسويّة، و زوّج سلمان، و بلال، و صهيبا (7)، و أبوا علينا هؤلاء، و قالوا: لا نفعل، فذهب إليهم أمير المؤمنين عليه السلام، فكلّمهم فيهم، فصاح الأعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن، أبينا ذلك، فخرج، و هو مغضب يجرّ رداءه، و هو يقول: يا معشر الموالي إنّ هؤلاء قد صيّروكم بمنزلة اليهود و النصارى، يتزوّجون إليكم، و لا يزوّجونكم، و لا يعطونكم مثل ما يأخذون، فاتّجروا بارك اللّه، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى
ص:377
اللّه عليه و آله يقول: الرزق عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة (1).
10-و عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يستحبّ إذا دخل و إذا خرج في الشتاء أن يكون ذلك في ليلة الجمعة.
و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ اللّه اختار من كلّ شيء شيئا، فاختار من الأيّام يوم الجمعة (2).
11-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة (3)، عن زرارة، عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسّمها بينهم بالسويّة، إنّما يقسّمها على قدر ما يحضرها منهم، و ما يرى، و ليس في ذلك شيء مؤقت (5).
12-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عنبسة بن مصعب (6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: سمعته يقول: أتي النبيّ
ص:378
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بشيء، فقسّمه، فلم يسع أهل الصفة جميعا، فخصّ به أناسا منهم، فخاف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يكون قد دخل قلوب الآخرين شيء فخرج إليهم فقال: معذرة إلى اللّه و إليكم يا أهل الصفة، إنّا أوتينا بشيء فأردنا أن نقسّمه فيكم، فلم يسعكم فخصّصنا به أناسا منكم، خشينا جزعهم و هلعهم (1).
13-الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب «التمحيص» رفعه إلى أبي سعيد الخدري، إنّه وضع يده على رسول اللّه و عليه حمّى، فوجدها من فوق اللّحاف، فقال: ما أشدّ ما عليك يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال: إنّا كذلك يشتدّ علينا البلاء، و يضعّف لنا الأجر، قال: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أيّ الناس أشدّ بلاء؟ قال: الأنبياء، قال: ثمّ من؟ قال: ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلي بالفقر حتى لا يجد إلاّ العبادة، و إن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء (2).
14-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثمّ الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل (3).
15-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: ذكر عند أبي عبد اللّه عليه السلام البلاء، و ما يخصّ اللّه عزّ و جلّ به المؤمن، فقال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من أشدّ الناس بلاء في الدنيا؟ قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: النبيّون، ثم الأمثل فالأمثل، و يبتلي المؤمن على قدر إيمانه و حسن
ص:379
أعماله، فمن صحّ إيمانه و حسن عمله اشتدّ بلاؤه، و ذلك أنّ اللّه تعالى لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن، و لا عقوبة لكافر (1)، و من سخف إيمانه و ضعف عمله قلّ بلاؤه (2).
16-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل (3)، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الأوصياء، ثم الأماثل فالأماثل (4).
17-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن عبد اللّه، عن نوح بن شعيب، عن أبي داود المسترق (5)، رفعه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
دعي النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى طعام، فلمّا دخل منزل الرجل، نظر إلى دجاجة، فوق حائط قد باضت، فتقع البيضة على وتد في حائط، فثبتت عليه، و لم تسقط، و لم تنكسر، فتعجّب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم منها، فقال له الرجل: أعجبت من هذه البيضة؟ فو الّذي بعثك بالحقّ ما رزئت (6)شيئا قطّ، فنهض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و لم يأكل من طعامه شيئا، و قال: من لم يرزء فما للّه فيه من حاجة (7).
18-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن
ص:380
سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ في كتاب عليّ عليه السلام أنّ أشدّ الناس بلاءا النبيّون، ثمّ الوصيّون، ثم الأمثل فالأمثل، و إنّما يبتلي المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صحّ دينه، و حسن عمله، اشتدّ بلاؤه، و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن، و لا عقوبة لكافر، و من سخف دينه، و ضعف عمله، قلّ بلاؤه، و إنّ البلاء أسرع إلى المؤمن التقيّ من المطر إلى قرار الأرض (1).
19-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: جاء رجل موسر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، نقيّ الثوب، فجلس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فجاء رجل معسر، درن الثوب، فجلس إلى جنب الموسر، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أخفت أن يمسّك من فقره شيء؟ قال: لا، قال:
فخفت أن يصيبه من غناك شيء؟ قال: لا، قال: فخفت أن يوسخ ثيابك؟ قال: لا، قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ لي قرينا يزيّن لي كلّ قبيح، و يقبّح لي كلّ حسن، و قد جعلت له نصف مالي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم للمعسر: أتقبل؟ قال: لا، فقال له الرجل: و لم؟ قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك (2).
20-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه؛ و عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا عن ابن محبوب، عن محمّد بن النعمان الأحول (3)، عن سلام بن المستنير (4)، قال: كنت عند
ص:381
أبي جعفر عليه السلام، فدخل عليه حمران بن أعين (1)، و سأله عن أشياء، فلمّا همّ حمران بالقيام، قال لأبي جعفر عليه السلام: أخبرك أطال اللّه تعالى بقاءك لنا، و أمتعنا بك: إنّا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترقّ قلوبنا، و تسلو أنفسنا عن الدنيا، و يهوّن علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثمّ نخرج من عندك، فإذا صرنا مع الناس و التّجار أحببنا الدنيا، قال:
فقال أبو جعفر عليه السلام: إنّما هي القلوب، مرّة تصعب و مرّة تسهل.
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: أما إنّ أصحاب محمد صلى اللّه عليه و آله قالوا: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نخاف علينا النفاق، قال: فقال: و لم تخافون ذلك؟ قالوا: إذا كنا عندك فذكّرتنا و رغّبتنا، و جلنا، و نسينا الدنيا، و زهدنا حتى كأنّا نعاين الآخرة و الجنّة و النار، و نحن عندك، فإذا خرجنا من عندك، و دخلنا هذه البيوت، و شممنا الأولاد، و رأينا العيال و الأهل، يكاد أن نحوّل عن الحالة التي كنّا عليها عندك، و حتى كأنّا لم نكن على شيء، أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟ فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: كلاّ إنّ هذه خطوات الشيطان، فيرغّبكم في الدنيا، و اللّه لو تدومون على الحالة الّتي وصفتم أنفسكم بها، لصافحتكم الملائكة، و مشيتم على الماء، و لو لا أنّكم تذنبون فتستغفرون اللّه، لخلق اللّه خلقا حتى يذنبوا ثمّ يستغفروا اللّه فيغفر لهم، إنّ المؤمن مفتّن توّاب، أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ اَللّهَ يُحِبُّ اَلتَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ اَلْمُتَطَهِّرِينَ (2)و قال: اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (3)(4).
ص:382
21-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي (1)، عن معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّه ذكر لنا أنّ رجلا من الأنصار مات و عليه ديناران دينا: فلم يصلّ عليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال: صلّوا على صاحبكم، حتى ضمنها عنه بعض قرابته، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:
ذلك الحقّ.
ثم قال: إنّ رسول اللّه (ص) إنّما فعل ذلك ليتّعظوا، و ليردّ بعضهم على بعض، و لئلاّ يستخفّوا بالدين، و قد مات رسول اللّه (ص) و عليه دين، و قتل أمير المؤمنين عليه السلام و عليه دين، و مات الحسن عليه السلام و عليه دين، و قتل الحسين عليه السلام و عليه دين (2).
22-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عمرو بن سعيد (3)، عن عليّ بن عبد اللّه (4)، قال: سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام، يقول:
لمّا قبض إبراهيم بن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله جرت فيه ثلاث سنن: أمّا واحدة فإنّه لمّا مات إنكسفت الشمس، فقال الناس: إنكسفت الشمس لفقد ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فصعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه، يجريان بأمر اللّه، مطيعان لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته، فإن
ص:383
انكسفتا، أو واحدة منهما فصلّوا.
ثم نزل عن المنبر فصلّى بالناس صلاة الكسوف، فلمّا سلّم قال: يا عليّ قم فجهّز إبني، فقام عليّ عليه السلام، فغسّل إبراهيم و حنّطه و كفّنه ثمّ خرج به، و مضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حتى انتهى إلى قبره، فقال الناس:
إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نسي أن يصلّي على إبراهيم لمّا دخله من الجزع عليه، فانتصب قائما ثمّ قال: أيّها الناس أتاني جبرئيل بما قلتم: زعمتم أنّي نسيت أن أصلّي على إبني لمّا دخلني من الجزع، ألا و إنّه ليس كما ظننتم، و لكنّ اللّطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات، و جعل لموتاكم من كلّ صلاة تكبيرة، و أمرني أن لا أصلّي إلاّ على من صلّى.
ثم قال: يا علي إنزل فالحد إبني، فنزل فألحد إبراهيم في لحده، فقال الناس: إنّه لا ينبغي لأحد أن ينزل في قبر ولده إذ لم يفعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أيّها الناس إنّه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم، و لكنّي لست آمن إذا حلّ أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان، فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره، ثم انصرف صلى اللّه عليه و آله و سلّم (1).
23-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن سالم (2)، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: هل يكره الجماع في وقت من الأوقات و إن كان حلالا؟ قال: نعم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، و من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق، و في اليوم الذي تنكسف فيه الشمس، و في اللّيلة التي ينخسف فيها القمر، و في اللّيلة و اليوم اللّذين تكون فيهما الريح السوداء، أو الريح الحمراء، أو الريح الصفراء، و اليوم و اللّيلة اللّذين تكون فيهما الزلزلة، و لقد بات رسول اللّه صلى
ص:384
اللّه عليه و آله عند بعض أزواجه في ليلة إنكسف فيها القمر، فلم يكن منه في تلك الليلة ما كان يكون منه في غيرها حتى أصبح، فقالت له: يا رسول اللّه ألبغض كان هذا منك في هذه الليلة؟ ! قال: لا، و لكن هذه الآية ظهرت في هذه اللّيلة، فكرهت أن أتلذّذ و ألهو فيها، فقد عيّر اللّه أقواما فقال جلّ و عز:
وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ اَلسَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ اَلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (1)ثم قال أبو جعفر عليه السلام: و أيم اللّه لا يجامع أحد في هذه الأوقات التي نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عنها، و قد انتهى إليه الخبر فيرزق ولدا، فيرى في ولده ذلك ما يحبّ (2).
24-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا إبن مخلد، قال ابن السماك (3):
أخبرنا أحمد بن بشر المرثدي (4)قال: حدّثنا موسى بن محمّد بن حسّان البصري (5)، قال: حدّثنا إبراهيم بن أبي العزيز، عن عثمان بن أبي الكنان عن ابن أبي مليكة (6)، عن عائشة، قالت: لمّا مات إبراهيم بكى النبيّ صلى اللّه عليه و آله حتى جرت دموعه على لحيته، فقيل له: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله تنهى عن البكاء و أنت تبكي؟ فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ليس هذا بكاء، إنّما هذا رحمة من اللّه، و من لا يرحم لا يرحم (7).
ص:385
ص:386
في أنّه صلى اللّه عليه و آله أو لم عند التزويج
1-محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين تزوّج ميمونة بنت الحرث أو لم عليها و أطعم الناس الحيس (1)(2).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و الحسين بن محمّد (3)، عن معلّى بن محمّد جميعا، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سمعته يقول: إنّ النجاشي (4)لمّا خطب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أمّ حبيبة (5)بنت أبي سفيان فزوّجه دعا بطعام و قال: إنّ من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج (6).
ص:387
ص:388
في حبّه النساء و أكله اللحم و العسل [و استعماله]و الطيب
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من أخلاق الأنبياء حبّ النساء (1).
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلاّد، قال: سمعت عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، يقول:
ثلاث من سنن المرسلين: العطر، و إحفاء الشعر، و كثرة الطروقة (2).
3-و عنه، عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن سكين النخعي، و كان تعبّد، و ترك النساء، و الطيب، و الطعام، فكتب إلى أبي عبد اللّه عليه السلام يسأله عن ذلك، فكتب إليه: أمّا قولك في النساء، فقد علمت ما كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من النساء، و أمّا قولك في الطعام، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل اللحم
ص:389
و العسل (1).
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أحببت (3)من دنياكم إلاّ النساء و الطيب (4).
5-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ (5)، عن حمّاد بن عثمان، عن عمر بن يزيد (6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: قرّة عيني في الصلاة، و لذّتي في الدنيا النساء (7).
6-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن بكّار بن كردم (8)، و غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: جعل قرّة عيني في الصلاة، و لذتي في النساء (9).
7-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أبي داود المسترق (10)، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ ثلاث
ص:390
نسوة أتين رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقالت إحداهن: إنّ زوجي لا يأكل اللّحم، و قالت الأخرى: إنّ زوجي لا يشمّ الطيب، و قالت الأخرى:
إنّ زوجي لا يقرب النساء، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يجرّ ردائه حتى صعد المنبر، و حمد اللّه و أثنى عليه (1)و قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللّحم، و لا يشمّون الطيب، و لا يأتون النساء؟ أما إنّي آكل اللّحم، و أشمّ الطيب، و آتي النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي (2).
ص:391
ص:392
أنّه صلى اللّه عليه و آله يحب من اللحم الذراع
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن احمد بن محمّد، عن عليّ بن حكم، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لحما (1)يحبّ اللحم (2).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّا معاشر قريش قوم لحمون (3).
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الريّان (4)، رفعه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: لم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحبّ الذراع أكثر من حبّه لسائر أعضاء الشاة؟ فقال عليه السلام: لأنّ آدم قرّب قربانا عن الأنبياء من ذريّته، فسمّى لكلّ
ص:393
نبيّ من ذريّته عضوا، و سمّى لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الذراع، فمن ثمّ كان صلى اللّه عليه و آله و سلّم يحبّها و يشتهيها و يفضلها (1).
4-و رواه ابن بابويه في «العلل» قال: حدّثنا محمّد بن الحسن (2)رحمه اللّه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد (3)، عن عليّ بن الريّان، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه الواسطي، عن واصل بن سليمان، أو عن درست، يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: لم كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يحبّ الذراع أكثر من حبّه لسائر أعضاء الشاة؟ و ساق الحديث إلى آخره.
ثمّ قال: و في حديث آخر إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يحبّ الذراع لقربها من المرعى، و بعدها من المبال (4).
5-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يعجبه الذراع (5).
6-و عنه، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن قدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمّت اليهوديّة النبيّ في ذراع، و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يحبّ الذراع، و الكتف، و يكره الورك لقربها من المبال (6).
ص:394
في أكله صلى اللّه عليه و آله مع الضيف
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أكل مع القوم طعاما كان أوّل من يضع يده، و آخر من يرفعها ليأكل القوم (1).
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أكل مع القوم طعاما كان أوّل من يضع يده، و آخر من يرفعها ليأكل القوم (2).
3-و عنه بإسناده عن سليمان بن حفص (3)، عن علي بن جعفر (4)، عن أخيه، موسى أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان إذا أتاه الضيف، أكل
ص:395
معه، و لم يرفع يده من الخوان حتى يرفع الضيف يده (1).
4-و عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز (2)، عن رجل، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: أكلنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام فأوتينا بقصعة من أرز، فجعلنا نعذّر (3)فقال عليه السلام: ما صنعتم شيئا، إنّ أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا، قال عبد الرحمن: فرفعت كسحة المائدة (4)، فأكلت، فقال: نعم الآن، و أنشأ يحدّثنا أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أهدي إليه قصعة أرز من ناحية الأنصار، فدعا سلمان، و المقداد، و أبا ذر، رحمة اللّه عليهم، فجعلوا يعذّرون، فقال لهم: ما صنعتم شيئا، أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا، فجعلوا يأكلون أكلا جيّدا، ثم قال: أبو عبد اللّه عليه السلام: رحمهم اللّه، و رضي اللّه عنهم، و صلّى عليهم (5).
5-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن عليّ بن إبراهيم الجعفري، عن محمّد بن الفضيل، رفعه عنهم عليهم السلام قالوا: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أكل لقم من بين عينيه، و إذا شرب سقى من على يمينه (6).
ص:396
في أكله صلى اللّه عليه و آله الهريسة
1-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن بسطام بن مرّة الفارسي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عمر بن يزيد الفارسي (1)، عن محمّد بن معروف (2)، عن صالح بن رزين (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: عليكم بالهريسة، فإنّها تنشط للعبادة أربعين يوما، و هي من المائدة التي أنزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم (4).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عيسى، عن الدهقان، عن درست بن أبي منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ نبيّا من الأنبياء شكى إلى اللّه عزّ و جلّ الضعف و قلّة الجماع، فأمره بأكل الهريسة (5).
ص:397
3-و في خبر آخر، رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ رسول اللّه شكى إلى ربّه عزّ و جلّ وجع الظهر فأمره بأكل الحبّ باللّحم يعني الهريسة (1).
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن منصور الصيقل (2)، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى أهدى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم هريسة من هرايس الجنّة غرست في رياض الجنّة، و فركها الحور العين، فأكلها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فزاد في قوّته بضع أربعين رجلا، و ذلك شيء أراد اللّه عزّ و جلّ أن يسرّ به نبيّه محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم (3).
5-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ أبا بكر و عمر أتيا أمّ سلمة، فقالا لها: يا أمّ سلمة إنّك قد كنت عند رجل قبل رسول اللّه، فكيف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من ذاك في الخلوة، فقالت: ما هو إلاّ كسائر الرجال، ثم خرجا عنها، و أقبل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقامت إليه مبادرة فرقا (4)أن ينزل من السماء، فأخبرته الخبر، فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتى تربّد وجهه (5)و التوى عرق الغضب بين عينيه، و خرج و هو يجرّ ردائه حتى صعد المنبر، و بادرت الأنصار بالسلاح، و أمر بخيلهم أن تحضر، فصعد المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه.
ثمّ قال: يا أيّها الناس ما بال أقوام يتبعون غيبي و يسألون عن عيبي؟ و اللّه إنّي لأكرمكم حسبا، و أطهركم مولدا، و أنصحكم للّه في الغيب، و لا
ص:398
يسألني أحد منكم عن أبيه إلاّ أخبرته، فقام إليه رجل فقال: من أبي؟ فقال:
فلان الراعي، فقام إليه الآخر، فقال: من أبي؟ فقال: غلامكم الأسود، فقام إليه الثالث، فقال: من أبي؟ فقال: الذي تنسب إليه، فقالت الأنصار: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أعف عنّا عفا اللّه عنك، فإن اللّه بعثك رحمة فاعف عنّا عفا اللّه عنك، و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا كلّم إستحيا، و عزف و غضّ طرفه عن الناس حياء حين كلّموه، فنزل فلمّا كان في السحر هبط عليه جبرئيل بصحفة من الجنة فيها هريسة، فقال: يا محمد هذه عملها لك الحور العين، فكلها أنت و عليّ و ذرّيّتكما فإنّه لا يصلح أن يأكلها غيركم، فجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام فأكلوا، و أعطي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في المباضعة من تلك الأكلة قوّة أربعين رجلا فكان إذا شاء غشى نساءه كلّهنّ في ليلة واحدة (1).
ص:399
ص:400
فيما أكله رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من الفواكه و الرمّان و غيره
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه عن فضالة بن أيوب، عن عمر بن أبان الكلبي (1)، قال:
سمعت أبا جعفر، و أبا عبد اللّه عليهما السلام يقولان: ما على وجه الأرض ثمرة كانت أحبّ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من الرمّان، و كان و اللّه إذا أكلها أحبّ أن لا يشركه فيها أحد (2).
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضال، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل الرطب بالخربز (3).
3-و عنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل البطيخ بالتمر (4).
ص:401
4-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يعجبه الرطب بالخربز (1).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه الدهقان، عن درست، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام، قال: أكل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم البطيخ بالكسر، و أكل البطيخ بالرطب (2).
6-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال (3)، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل القثاء بالملح (4).
7-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
كان يعجب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من البقول الحوك (5)(6).
8-إبن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه،
ص:402
عن وهب بن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عن عليّ عليهم السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا رأى الفاكهة الجديدة قبّلها و وضعها على عينيه و فمه، ثمّ قال: اللّهمّ كما أريتنا في عافية أوّلها، فأرنا آخرها في عافية (1).
ص:403
ص:404
في أنّه كان يعجبه القرع
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان النبي صلى اللّه عليه و آله يعجبه الدباء و يلتقطه من الصفحة (1).
2-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن السيّاري (2)، رفعه، قال: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يعجبه الدباء و كان يأمر نساءه إذا طبخن قدرا يكثرن فيها من الدباء و هو القرع (3).
3-و عنه، بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يعجبه الدباء في القدور و هو القرع (4).
ص:405
ص:406
كان صلى اللّه عليه و آله يعجبه العسل
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعجبه العسل (1).
2-عن محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جعفر، عن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن سكين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل العسل، و يقول: آيات من القرآن، و مضغ اللبان يذيب البلغم (2).
و قد مضى في ذلك في الباب الثامن و الخمسين.
ص:407
ص:408
في أكله الخلّ و الزيت
1-محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ أحبّ الأصباغ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الخلّ و الزيت، و قال هو طعام الأنبياء عليهم السلام (1).
2-و عنه بهذا الإسناد، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما افتقر أهل بيت يأتدمون بالخلّ و الزيت و ذلك إدام (2)الأنبياء (3).
3-و عنه، بهذا الإسناد، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أحبّ الأصباغ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الخلّ (4).
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الحميد الواسطي (5)، عن عجلان، قال: تعشّيت مع أبي عبد اللّه
ص:409
عليه السلام بعد عتمة (1)، و كان يتعشّى بعد عتمة، و أتي بخلّ و زيت و لحم بارد، فجعل ينتف اللحم فيطعمنيه، و يأكل هو الخلّ و الزيت، و يدع اللّحم، فقال: إنّ هذا طعامنا و طعام الأنبياء عليهم السلام (2).
5-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:
دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أمّ سلمة رضي اللّه عنها، فقرّبت إليه كسرة، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: هل عندك ادام؟ فقالت: لا يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ما عندي إلاّ خلّ، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: نعم الادام الخلّ، ما أفقر بيت فيه الخلّ (3).
ص:410
في اجتنابه صلى اللّه عليه و آله الطعام الحارّ
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أقرّوا الحارّ حتى يبرد، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قرّب إليه طعام حارّ، فقال: أقرّوه حتى يبرد، ما كان اللّه عزّ و جلّ ليطعمنا النار، و البركة في البارد (1).
2-و عنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم اتي بطعام حارّ جدا، فقال: ما كان اللّه عزّ و جلّ ليطعمنا النار، أقرّوه حتى يبرد و يمكن، فإنّه طعام ممحوق البركة، و للشيطان فيه نصيب (2).
3-و عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن فضّال، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: أتي النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بطعام حارّ، فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يطعمنا النار، نحّوه حتى
ص:411
يبرد، فتركه حتى برد (1).
ص:412
في المفردات
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن أبيه و عمرو بن إبراهيم (1)جميعا، عن خلف بن حماد (2)، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: لدغت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عقرب، فنفضها، و قال: لعنك اللّه فما يسلم منك مؤمن و لا كافر، ثمّ دعا بملح، فوضعه على موضع اللدغة، ثمّ عصره بأبهامه حتى ذاب، ثمّ قال: لو يعلم الناس ما في الملح ما احتاجوا معه إلى درياق (3)(4).
2-و عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي (5)، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام،
ص:413
قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يشرب في الأقداح الشامية يجاء بها من الشام و تهدى إليه (1).
3-و عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن إبراهيم، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يعجبه أن يشرب في الإناء الشامي و كان يقول:
هو أنظف آنيتكم (2).
ص:414
في قلانسه
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يلبس من القلانس (1)اليمنيّة و البيضاء و المصرية (2)، و ذوات الأذنين في الحرب، و كانت عمامته السحاب (3)، و كان له برنس يتبرنس به (4).
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يلبس قلنسوة بيضاء مضربة، و كان يلبس في الحرب قلنسوة لها أذنان (5).
ص:415
ص:416
في خواتيمه و حلية سيفه و درعه
1-محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان خاتم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من ورق (1)(2).
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، و معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان خاتم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من ورق، قال: قلت له: كان له فصّ؟ قال: لا (3).
3-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة، قال: الفصّ مدور، و قال:
هكذا كان خاتم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم (4).
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن
ص:417
عليّ بن عطية (1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: ما تختّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ يسيرا حتى تركه (2).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتختّم في يمينه (3).
6-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، قال: كان نقش خاتم النبيّ صلى اللّه عليه و آله: محمّد رسول اللّه، و كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام: اللّه الملك، و كان نقش خاتم أبي عليه السلام: العزّة للّه (4).
7-و عنه، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابه، عن واصل بن سليمان، عن عبد اللّه بن سنان، قال: ذكرنا خاتم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: تحبّ أن أريكه؟ فقلت: نعم، فدعا بحقّ مختوم، ففتحه، فأخرجه في قطنة، فإذا حلقة فضّة، و فيه فصّ أسود مكتوب عليه:
سطران: محمّد رسول اللّه، قال: ثمّ قال: إنّ فصّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أسود (5).
8-و عنه، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن الحسين بن خالد (6)، عن أبي الحسن الثاني عليه السلام، قال: قلت له: إنّا روينا في
ص:418
الحديث أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يستنجي و خاتمه في إصبعه، و كذلك كان يفعل أمير المؤمنين عليه السلام، و كان نقش خاتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: محمّد رسول اللّه، قال: صدقوا، قلت: فينبغي لنا أن نفعل؟ فقال: إنّ أولئك كانوا يتختّمون في اليد اليمنى، و إنّكم أنتم تتختمون في اليسرى، قال: فسكت، فقال: أفتدري ما كان نقش خاتم آدم؟ فقلت: لا، فقال: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و كان نقش خاتم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و خاتم أمير المؤمنين عليه السلام: اللّه الملك، و خاتم الحسن عليه السلام: العزة للّه، و خاتم الحسين عليه السلام: إنّ اللّه بالغ أمره، و عليّ بن الحسين عليه السلام خاتم أبيه، و أبو جعفر الأكبر عليه السلام خاتم جدّه الحسين عليه السلام، و خاتم جعفر عليه السلام: اللّه وليّي و عصمتي من خلقه، و أبو الحسن الأوّل عليه السلام: حسبي اللّه، و أبو الحسن الثاني عليه السلام: ما شاء اللّه (1)لا قوة إلاّ باللّه قال الحسين بن خالد:
و مدّ يده إليّ و قال: خاتمي خاتم أبي أيضا (2).
9-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان نعل سيف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قائمته فضّة، و كان بين ذلك حلق من فضّة، و لبست درع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فكنت أسحبها (3)و فيها ثلاث حلقات:
ص:419
فضّة من بين يديها، و ثنتان من خلفها (1).
10-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمد، عن الوشّاء، عن مثنّى، عن حاتم بن إسماعيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّ حلية سيف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كلّها كانت فضّة قائمته و قباعه (2)(3).
ص:420
في المعراج بالإسناد الحسن و الصحيح من طريق الخاصّة
و العامّة و هو من أكرم الكرامات
1-محمّد بن الحسن الصفّار في «بصائر الدرجات» عن عليّ بن محمّد بن سعد (1)، عن حمدان بن سليمان (2)، عن عبد اللّه بن محمد اليماني، عن منيع (3)، عن صباح المزني (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: عرج بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله مائة و عشرين مرّة، ما من مرّة إلاّ و قد أوصى اللّه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بولاية عليّ عليه السلام و الأئمّة من بعده أكثر ممّا أوصاه بالفرائض (5).
2-محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال: ما تروي
ص:421
هذه الناصبة؟ فقلت جعلت فداك فيماذا؟ فقال: في أذانهم و ركوعهم و سجودهم، فقلت: إنّهم يقولون: إنّ أبي بن كعب رآه في النوم فقال: كذبوا و اللّه (1)فإنّ دين اللّه عزّ و جلّ أعزّ من أن يرى في النوم.
قال: فقال له سدير الصيرفي: جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكرا، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا عرج بنبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم سمواته السبع أمّا أوليهن فبارك عليه، و الثانية علّمه فرضه، فأنزل اللّه محملا من نور فيه أربعون نوعا من أنواع النور، كانت محدقة بعرش اللّه تغشى أبصار الناظرين.
أمّا واحد منها فأصفر، فمن أجل ذلك اصفرّت الصفرة، و واحد منها أحمر، و من أجل ذلك احمرّت الحمرة، و واحد منها أبيض، فمن أجل ذلك ابيضّ البياض، و الباقي على عدد سائر الخلق من النور، فالألوان في ذلك المحمل حلق و سلاسل من فضّة.
ثمّ عرج به إلى السماء فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء، و خرّت سجّدا و قالت: سبّوح قدّوس، ما أشبه هذا النور بنور ربّنا! فقال جبرئيل: اللّه أكبر، اللّه أكبر.
ثم فتحت أبواب السماء، و اجتمعت الملائكة، فسلّمت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفواجا، و قالت: يا محمّد كيف أخوك؟ إذا نزلت فاقرأه السلام، قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: أفتعرفونه؟ قالوا: و كيف لا نعرفه و قد أخذ ميثاقك و ميثاقه منّا، و ميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا، و إنّا لنتصفّح وجوه شيعته في كلّ يوم و ليلة خمسا، يعنون في وقت كلّ صلاة، و إنّا لنصلّي عليك و عليه.
ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور، لا يشبه الأنوار (2)الأوّل
ص:422
و زادني حلقا و سلاسل، و عرج بي إلى السماء الثانية، فلمّا قربت من باب السماء الثانية، نفرت الملائكة إلى أطراف السماء و خرّت سجدا، و قالت: سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة و الروح، ما أشبه هذا النور بنور ربّنا! فقال جبرئيل:
أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، فاجتمعت الملائكة، و قالت: يا جبرئيل من هذا معك؟ قال: هذا محمّد، قالوا: و قد بعث؟ قال: نعم، قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: فخرجوا إليّ شبه المعانيق (1)، فسلّموا عليّ، و قالوا: إقرأ أخاك السلام، قلت: أتعرفونه؟ قالوا: و كيف لا نعرفه و قد أخذ ميثاقك و ميثاقه و ميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا، و إنّا لنتصفّح وجوه شيعته في كلّ يوم و ليلة خمسا، يعنون في وقت الصلاة.
قال: ثم زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور لا يشبه الأنوار الأوّل، ثمّ عرج بي إلى السماء الثالثة، فنفرت الملائكة و خرّت سجّدا، و قالت: سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة و الروح، ما هذا النور الذي يشبه نور ربّنا؟ فقال جبرئيل: أشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فاجتمعت الملائكة و قالت: مرحبا بالأوّل، و مرحبا بالآخر، و مرحبا بالحاشر (2)، و مرحبا بالناشر (3)، محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خير النبيّين، و عليّ عليه السلام خير الوصيّين.
قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ثم سلّموا عليّ، و سألوني عن أخي، قلت: هو في الأرض أفتعرفونه؟ قالوا: و كيف لا نعرفه، و قد نحجّ البيت المعمور كلّ سنة، و عليه رقّ أبيض فيه اسم محمد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و اسم عليّ عليه السلام، و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السلام، و شيعتهم إلى يوم القيامة، و إنّا لنبارك عليهم كلّ يوم و ليلة
ص:423
خمسا، يعنون في وقت كلّ صلاة، و يمسحون رؤوسهم بأيديهم، قال: ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور، لا يشبه تلك الأنوار الأوّل.
ثمّ عرج بي حتى انتهيت إلى السماء الرابعة، فلم تقل الملائكة شيئا، و سمعت دويّا كأنّه في الصدور، فاجتمعت الملائكة، ففتحت أبواب السماء، و خرجت إليّ شبه المعانيق، فقال جبرئيل عليه السلام: حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، فقالت الملائكة: صوتان مقرونان معروفان، فقال جبرئيل عليه السلام: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فقالت الملائكة: هي لشيعته إلى يوم القيامة.
ثمّ اجتمعت الملائكة، و قالت: كيف تركت أخاك؟ فقلت لهم: أو تعرفونه؟ قالوا: نعرفه و شيعته، و هم نور حول عرش اللّه، و إنّ في البيت المعمور لرقّا من نور، فيه كتاب من نور، فيه اسم محمد و عليّ و الحسن و الحسين و الأئمّة عليهم السلام و شيعتهم إلى يوم القيامة، لا يزيد فيهم رجل و لا ينقص منهم رجل، و إنّه لميثاقنا و إنّه ليقرأ علينا كلّ يوم جمعة.
ثم قيل: إرفع رأسك يا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فرفعت رأسي فإذا أطباق السماء قد خرقت، و الحجب قد رفعت، ثم قال لي: طأطأ رأسك انظر ما ترى، فطأطأت رأسي، فنظرت إلى بيت مثل بيتكم هذا، و حرم مثل حرم هذا البيت، لو ألقيت شيئا (1)بين يدي لم يقع إلاّ عليه، فقيل لي: يا محمّد صلى اللّه عليه و آله إنّ هذا الحرم، و أنت الحرام، و لكلّ مثل مثال.
ثمّ أوحى اللّه إليّ: يا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أدن من صاد، فاغسل مساجدك و طهّرها، و صلّ لربّك، فدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من صاد (2)، و هو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن، فتلقّى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار
ص:424
الوضوء باليمنى (1).
ثم أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه أن أغسل وجهك، فإنّك تنظر إلى عظمتي، ثم اغسل ذراعيك اليمنى و اليسرى، فإنّك تلقى بيدك كلامي، ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يديك من الماء، و رجليك إلى كعبيك، فإنّي أبارك عليك، و أوطئك موطئا لم يطأه أحد غيرك، فهذا علّة الأذان و الوضوء.
ثم أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: يا محمّد إستقبل الحجر الأسود، و كبّرني على عدد حجبي، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعا، لأنّ الحجب سبع، فافتتح عند انقطاع الحجب، فمن أجل ذلك صار الإفتتاح سنّة، و الحجب متطابقة بينهنّ بحار النور، و ذلك النور الذي أنزله اللّه تعالى على محمّد، فمن أجل ذلك صار الإفتتاح ثلاث مرّات، لأنّ افتتاح الحجب ثلاث مرات، فصار التكبير سبعا، و الإفتتاح ثلاثا، فلمّا فرغ من التكبير و الإفتتاح أوحى اللّه إليه:
سمّ باسمي، فمن أجل ذلك جعل بسم اللّه الرحمن الرحيم في أوّل السورة.
ثمّ أوحى اللّه إليه: أن أحمدني، فلمّا قال: الحمد للّه ربّ العالمين، قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم في نفسه شكرا، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه:
قطعت حمدي، فسمّ باسمي، فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرّتين، فلمّا بلغ و لا الضالّين، قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: الحمد للّه ربّ العالمين شكرا، فأوحى اللّه إليه قطعت ذكري، فسمّ باسمي، فمن ذلك جعل بسم اللّه الرحمن الرحيم في أوّل السورة.
ثمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: إقرأ يا محمّد نسبة ربّك تبارك و تعالى:
قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ اَللّهُ اَلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ثم أمسك عنه الوحي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: الواحد الأحد الصمد، فأوحى اللّه إليه: لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، ثم أمسك عنه الوحي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: كذلك اللّه ربّنا، كذلك اللّه
ص:425
ربّنا، فلمّا قال ذلك أوحى اللّه تعالى إليه: اركع لربّك يا محمّد، فركع، فأوحى اللّه إليه و هو راكع: قل: سبحان ربّي العظيم، ففعل ذلك ثلاثا.
ثمّ أوحى اللّه إليه: أن ارفع رأسك يا محمّد، ففعل رسول اللّه، فقام منتصبا، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: أن اسجد لربّك يا محمّد، فخرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ساجدا، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: قل: سبحان ربّي الأعلى، ففعل صلى اللّه عليه و آله ذلك ثلاثا، ثم أوحى إليه: أن استو جالسا يا محمّد، ففعل، فلمّا رفع رأسه من سجوده و استوى جالسا، نظر إلى عظمته تجلّت له، فخرّ ساجدا من تلقاء نفسه، لا لأمر أمر به، فسبّح أيضا ثلاثا، فأوحى اللّه إليه: أن انتصب قائما، ففعل، فلم ير ما كان رأى من العظمة، فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة و سجدتين.
ثم أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: إقرأ بالحمد للّه ربّ العالمين، فقرأها مثل ما قرأ أوّلا ثمّ أوحى اللّه إليه: إقرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر، فإنّها نسبتك و نسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة، و فعل في الركوع ما فعل في المرّة الأولى، ثم سجد سجدة واحدة، فلمّا رفع رأسه تجلّت له العظمة، فخرّ ساجدا من تلقاء نفسه، لا لأمر أمر به فسبّح أيضا.
ثم أوحى اللّه إليه: إرفع رأسك يا محمّد ثبتك اللّه، فلمّا ذهب ليقوم قيل: يا محمّد إجلس، فجلس، فأوحى اللّه إليه: يا محمّد إذا ما أنعمت عليك فسّم باسمي، فألهم أن قال: بسم اللّه و باللّه و لا إله إلاّ اللّه و الأسماء الحسنى كلّها للّه.
ثمّ أوحى اللّه: يا محمّد صلّ على نفسك و على أهل بيتك، فقال: صلّى اللّه عليّ و على أهل بيتي.
ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة و المرسلين و النبيّين، فقيل: يا محمّد سلّم عليهم، فقال: السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته، فأوحى اللّه إليه: أنّ السلام و التحيّة و الرحمة، و البركات أنت و ذريّتك.
ص:426
ثمّ أوحى اللّه إليه: أن لا يلتفت يسارا، و أوّل آية سمعها بعد قل هو اللّه أحد، و إنّا أنزلناه آية أصحاب اليمين و أصحاب الشمال، فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تجاه القبلة، و من أجل ذلك كان التكبير في السجود شكرا، و قوله: سمع اللّه لمن حمده، لأنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم سمع ضجة الملائكة بالتسبيح و التحميد و التهليل، فمن أجل ذلك قال: سمع اللّه لمن حمده، و من أجل ذلك صارت الركعتان الأوليان كلّما أحدث فيهما حدث كان على صاحبهما إعادتهما، فهذا الفرض الأوّل في صلاة الزوال يعني صلاة الظهر (1).
3-و من طريق العامّة ما رواه صاحب «الصفوة» قال: أخبرنا هبة اللّه بن محمد الشيباني، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي، قال أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا عفان (2)، قال: حدّثنا همام بن يحيى، قال: سمعت قتادة يحدّث عن أنس بن مالك: أنّ مالك بن صعصعة حدّثه أنّ نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حدّثهم عن ليلة أسري به، قال: بينما أنا في الحطيم، و ربّما قال قتادة: في الحجر، مضطجعا، إذ أتاني آت، فجعل يقول لصاحبه: الأوسط بين الثلاثة، قال: فأتاني و قعد.
قال: فقد سمعت قتادة يقول: فشقّ ما بين هذه إلى هذه.
قال قتادة: فقلت للجارود و هو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، و قد سمعته يقول: من قصّه إلى شعرته.
قال: فاستخرج قلبي، ثمّ أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا و حكمة، فغسل قلبي، ثم حشي ثمّ أعيد، ثم أتيت بدابّة دون البغل و فوق الحمار أبيض.
ص:427
قال: فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم يقع يضع خطوه عند أقصى طرفه.
قال: فحملت عليه، فانطلق بي جبرئيل عليه السلام حتى أتى بي إلى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبرئيل عليه السلام، قيل:
و من معك؟ قال: محمّد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، قال: ففتح، فلمّا خلصت فإذا فيها آدم صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: هذا أبوك آدم، فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ السلام، ثمّ قال: مرحبا بالإبن الصالح، و النبيّ الصالح.
ثم صعد حتى أتى بي إلى السماء الثانية فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبرئيل، قيل: و من معك؟ قال: محمد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، و نعم المجيء جاء، قال: ففتحت، فلمّا خلصت إذا يحيى و عيسى، و هما إبنا الخالة، قال: هذا يحيى و عيسى فسلّم عليهما، قال: فسلّمت عليهما، فردّا السلام، ثمّ قالا:
مرحبا بالأخ الصالح، و النبيّ الصالح.
ثمّ صعد بي حتّى أتى السماء الثالثة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال:
جبرئيل، قيل: و من معك؟ قال: محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قيل:
أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، مرحبا به، و نعم المجيء جاء، فقال: ففتح، فلمّا خلصت إذا يوسف عليه السلام، قال: هذا يوسف فسلّم عليه، قال:
فسلّمت عليه، فردّ السلام، ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصالح، و النبيّ الصالح.
ثمّ صعد حتّى أتى السماء الرابعة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال:
جبرئيل، قيل: و من معك؟ قال: محمّد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال:
نعم، قيل: مرحبا به، و نعم المجيء جاء، قال: ففتح، فلمّا خلصت إذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ السلام، ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصالح، و النبيّ الصالح.
ص:428
قال: ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبرئيل، قيل: و من معك؟ قال: محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، و نعم المجيء جاء، ففتح، فلمّا خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلّم عليه، قال:
فسلّمت عليه، فردّ السلام، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، و النبيّ الصالح.
ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال:
جبرئيل، قيل: و من معك؟ قال: محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قيل:
أوقد أرسل عليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به و نعم المجيء جاء، ففتح، فلمّا خلصت فإذا أنا بموسى، قال: هذا موسى فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ السلام، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، و النبيّ الصالح، قال: فلمّا تجاوزت بكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنّ غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمّته أكثر ممّا يدخلها من أمّتي.
قال: ثمّ صعد حتى أتى السماء السابعة، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبرئيل، قيل: و من معك؟ قال: محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، قيل: أوقد أرسل (1)إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء قال: ففتح فلمّا خلصت فإذا إبراهيم، فقال: هذا إبراهيم أبوك عليه السلام فسلّم عليه، قال: فسلّمت عليه، فردّ السلام، قال: مرحبا بالإبن الصالح، و النبيّ الصالح.
قال: ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، و اذن أوارقها مثل آذان الفيلة، فقلت: ما هذا يا جبرئيل؟ قال: فهذه سدرة المنتهى، قال: و إذا أربعة أنهار: نهران باطنان، و نهران ظاهران، فقلت ما هذان يا جبرئيل؟ قال: أمّا الباطنان فنهران في الجنّة، و أمّا الظاهران فالنيل و الفرات، ثمّ رفع إلى البيت المعمور.
ص:429
قال قتادة: و حدّثنا الحسين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه أري البيت المعمور يدخله كلّ يوم سبعين ألف ملك ثمّ لا يعودون فيه. ثم رجع إلى حديث أنس.
قال: ثمّ أتيت بإناء من خمر، و إناء من لبن، و إناء من عسل، قال:
فأخذت اللبن قال: هذه الفطرة التي أنت عليها و أمّتك.
قال: ثمّ فرضت عليّ الصلاة خمسين صلاة كلّ يوم، قال: فرجعت، فمررت على موسى فقال: بم امرت؟ قلت: امرت بخمسين صلاة كلّ يوم، فقال: إنّ امّتك لا تستطيع لخمسين صلاة كلّ يوم، و إنّي و اللّه لقد جرّبت الناس من قبلك، و عالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة فارجع إلى ربّك عزّ و جلّ، فسله التخفيف لأمّتك قال: فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: بأربعين صلاة كلّ يوم، قال: إنّ امّتك لا تستطيع أربعين صلاة كلّ يوم، و إنّي قد خبرت الناس قبلك، و عالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك، فسله التخفيف لأمّتك، فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال: بما امرت؟ فقلت: امرت بثلاثين صلاة كلّ يوم، قال: إنّ امّتك لا تستطيع لثلاثين صلاة كلّ يوم، و إنّي قد خبرت الناس قبلك، و عالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فسله التخفيف لأمّتك، قال: فرجعت فوضع عنّي عشرا آخر فرجعت إلى موسى.
فقال: بما امرت؟ قلت: امرت بعشرين صلاة كلّ يوم، قال: إنّ امّتك لا تستطيع لعشرين صلاة كلّ يوم، و إنّي قد خبرت الناس قبلك، و عالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك، فسله التخفيف لامّتك، قال: فرجعت فامرت بعشر صلوات كلّ يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بما امرت؟ قلت: امرت بعشر صلوات كلّ يوم؟ قال: إنّ امّتك لا تستطيع لعشر صلوات كلّ يوم، و إنّي قد خبرت الناس قبلك، و عالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فسله التخفيف لامّتك، قال: فرجعت فامرت
ص:430
بخمس صلوات كلّ يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بم أمرت؟ قلت:
أمرت بخمس صلوات كلّ يوم، قال: إنّ أمّتك لا تستطيع بخمس صلوات كلّ يوم و إنّي قد خبرت الناس و عالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فسله التخفيف لأمّتك.
قال: قلت: قد سألت ربّي حتى استحييت، و لكنّي أرضي و اسلّم، فلمّا نفدت ناداني مناد قد أمضيت فريضتي، و خفّفت عن عبادي.
أخرجاه في الصحيحين (1).
و الأحاديث في خبر المعراج بالغ حدّ التواتر، منقول من طرق كثيرة من الفريقين، و حديث تخفيف الصلاة و سؤال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ربّه، و رجوع الخمسين الصلاة إلى خمس صلوات حين قال له موسى عليه السلام: إرجع إلى ربّك، و سله التخفيف حديث منقول عن أئمتنا عليهم السلام بطرق عديدة: تركت ذكر بعضها خوف الإطالة، و هو أيضا مشهور بين العلماء متكرر في كتب الحديث، لأنّ هذا الكتاب مبنيّ على الإختصار و ترك التطويل و الإكثار، و اللّه سبحانه و تعالى الموفّق للصواب، و إليه المرجع و المآب، و على هذا نقطع الكلام، و تمّ المراد و المرام، بعون الملك العلام.
و قد فرغ من هذا الجزء الأوّل مؤلّفه فقير اللّه الغنيّ عبده هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني، يوم الجمعة السادس و العشرين من شهر جمادى الأخرى، سنة الثامنة و التسعين و الألف، و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلى اللّه عليه و آله الطاهرين.
ص:431
ص:432
الموضوع الصفحة مقدّمة المؤلّف 1
المنهج الأوّل في رسول اللّه محمد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه و آله 7
الباب الأوّل: في شأن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام في أوّل الأمر 9
الباب الثاني: في مولده الشريف صلى اللّه عليه و آله 21
الباب الثالث: توحيده اللّه تعالى عند ولادته و تيقّظه للإيمان باللّه سبحانه و تعالى في صغره 31
الباب الرابع: في معرفة أهل الكتاب له في وقت ولادته أنّه صلى اللّه عليه و آله النبيّ المبعوث خاتم النبيّين 35
الباب الخامس: في معرفة أهل الكتاب له بالنعت له في كتبهم و ما ظهر لهم من دلائل النبوّة 41
الباب السادس: في دفاع اللّه سبحانه و تعالى عنه الكفّار من أهل الكتاب قبل البعثة لمّا علموا بنعته صلى اللّه عليه و آله 59
الباب السابع: في بعثته صلى اللّه عليه و آله 65
الباب الثامن: في ثقل الوحي و ما كان يأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من الإغماء إذا كان بغير واسطة جبرئيل 77
الباب التاسع: كيفيّة تبليغه صلى اللّه عليه و آله كافّة 79
الباب العاشر: في إظهاره صلى اللّه عليه و آله الدعوة إلى اللّه تعالى و نزول الشعب 81
ص:433
الباب الحادي عشر: في نزول الشعب و حماية أبي طالب و ما يدل على إيمانه من طريق العامّة 95
الباب الثاني عشر: في أذى المشركين له 107
الباب الثالث عشر: في قوله تعالى «إنّا كفيناك المستهزئين» و هلاك الفراعنة 121
الباب الرابع عشر: فيما عمله صلى اللّه عليه و آله بعد موت عمّه أبي طالب عليه السلام قبل الهجرة 129
الباب الخامس عشر: في الهجرة إلى المدينة 133
الباب السادس عشر: و هو من الباب السابق 155
الباب السابع عشر: في صفته صلى اللّه عليه و آله 163
الباب الثامن عشر: صفته في الإنجيل 167
الباب التاسع عشر: في صفته صلى اللّه عليه و آله و مدخله و مخرجه و مسكنه صلّى اللّه عليه و آله 171
الباب العشرون: في مجلسه في العلم و تسويته بين أصحابه في اللحظات و غير ذلك، و تقديم السابق 179
الباب الحادي و العشرون: في تواضعه لأهل بيته علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام 183
الباب الثاني و العشرون: في تواضعه صلى اللّه عليه و آله و حسن خلقه 197
الباب الثالث و العشرون: في زهده صلى اللّه عليه و آله 207
الباب الرابع و العشرون: في زهده في المطعم و الملبس 217
الباب الخامس و العشرون: و هو من الباب الأوّل 229
الباب السادس و العشرون: في عيشه صلى اللّه عليه و آله من طريق المخالفين 235
الباب السابع و العشرون: في اجتهاده صلى اللّه عليه و آله في العبادة 243
الباب الثامن و العشرون: اجتهاده في العبادة من طريق المخالفين 251
الباب التاسع و العشرون: في كيفيّة صلاته صلى اللّه عليه و آله صلاة الليل 253
ص:434
الباب الثلاثون: كيفيّة صلاته صلى اللّه عليه و آله صلاة الليل من طريق المخالفين 257
الباب الحادي و الثلاثون: في خشوعه و خوفه صلى اللّه عليه و آله من اللّه سبحانه و تعالى 263
الباب الثاني و الثلاثون: في استغفاره و توبته صلى اللّه عليه و آله من غير ذنب 269
الباب الثالث و الثلاثون: في ما يقوله صلى اللّه عليه و آله من التحميد إذا أصبح و أمسى 273
الباب الرابع و الثلاثون: في ما يقوله إذا ورد ما يسرّه، و ما يغمّه، و عند دخوله المسجد، و خروجه، و إذا أصبح، و عند النوم، و عند الإنتباه، و عند رؤية هلال شهر رمضان، و عند إفطاره، و عند الأكل، و إذا أكل عند أحد، و عند شرب الماء، و عند الفاكهة الجديدة، و عند ركوب الدابة 277
الباب الخامس و الثلاثون: في صيامه صلى اللّه عليه و آله 285
الباب السادس و الثلاثون: في جوده صلى اللّه عليه و آله 287
الباب السابع و الثلاثون: جوده من طريق المخالفين 295
الباب الثامن و الثلاثون: أنّه صلى اللّه عليه و آله أشجع الناس من طريق الخاصّة و العامّة 299
الباب التاسع و الثلاثون: في عفوه صلى اللّه عليه و آله 303
الباب الأربعون: عفوه صلى اللّه عليه و آله من طريق المخالفين 307
الباب الحادي و الأربعون: في حسن خلقه و ضحكه من طريق الخاصّة و العامّة 311
الباب الثاني و الأربعون: في تعظيم الناس له صلى اللّه عليه و آله في الجاهليّة و الإسلام من طريق الخاصّة و العامّة 315
الباب الثالث و الأربعون: في حيائه و كفّه عن المجازات من طريق الخاصّة و العامّة 321
الباب الرابع و الأربعون: في نصيحته و شفقته من طريق الخاصّة و العامّة 325
ص:435
الباب الخامس و الأربعون: في أنّه كان يعمل بيده صلى اللّه عليه و آله 329
الباب السادس و الأربعون: في جلوسه صلى اللّه عليه و آله 333
الباب السابع و الأربعون: في سجداته صلى اللّه عليه و آله الخمس للشكر 335
الباب الثامن و الأربعون: في صبره صلى اللّه عليه و آله 339
الباب التاسع و الأربعون: في صبره صلى اللّه عليه و آله من طريق المخالفين 345
الباب الخمسون: في استعماله الطيب 353
الباب الحادي و الخمسون: في استعماله الخضاب 357
الباب الثاني و الخمسون: في استعماله الكحل 361
الباب الثالث و الخمسون: في استعماله السدر و النورة 363
الباب الرابع و الخمسون: في استعماله السواك و الخلال 365
الباب الخامس و الخمسون: في استعماله الحجامة 369
الباب السادس و الخمسون: في المفردات 373
الباب السابع و الخمسون: في أنّه صلى اللّه عليه و آله أولم عند التزويج 387
الباب الثامن و الخمسون: في حبّه النساء، و أكله اللحم و العسل، و استعماله الطيب 389
الباب التاسع و الخمسون: أنّه صلى اللّه عليه و آله يحبّ من اللحم الذراع 393
الباب الستّون: في أكله صلى اللّه عليه و آله مع الضيف 395
الباب الحادي و الستّون: في أكله صلى اللّه عليه و آله الهريسة 397
الباب الثاني و الستّون: فيما أكله رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من الفواكه و الرمّان و غيره 401
الباب الثالث و الستّون: في أنّه كان يعجبه القرع 405
الباب الرابع و الستّون: كان صلى اللّه عليه و آله يعجبه العسل 407
الباب الخامس و الستّون: في أكله الخلّ و الزيت 409
الباب السادس و الستّون: في اجتنابه صلى اللّه عليه و آله الطعام الحارّ 411
الباب السابع و الستّون: في المفردات 413
ص:436
الباب الثامن و الستّون: في قلانسه 415
الباب التاسع و الستّون: في خواتيمه و حلية سيفه و درعه 417
الباب السبعون: في المعراج بالإسناد الحسن و الصحيح من طريق الخاصّة و العامّة و هو من أكرم الكرامات 421
ص:437
سرشناسه : بحراني، هاشم بن سليمان، - 1107؟ق
عنوان و نام پديدآور : حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام/ تاليف هاشم البحراني؛ تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي
مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلاميه، [ 13] - 1415ق. = 1373.
مشخصات ظاهري : ج 5
فروست : (بنياد معارف اسلامي؛ 15، 16)
شابك : بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4)
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.
يادداشت : چاپ اول: 1372؛ 4200 ريال (ج. )3
يادداشت : جلد چهارم (1372)؛ بها: 600 ريال
يادداشت : ج. 1 (چاپ اول: 2200 :1369 ريال)
يادداشت : كتابنامه
موضوع : چهارده معصوم
شناسه افزوده : مولانا بروجردي، غلامرضا، مصحح
شناسه افزوده : بنياد معارف اسلامي
رده بندي كنگره : BP36/ب 3ح 8
رده بندي ديويي : 297/95
شماره كتابشناسي ملي : م 73-3586
ص: 1
حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام
تاليف هاشم البحراني
تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص:3
الحمدلله رب العالمین و الصلاه و السلام علی اشرف الخلق اجمعین محمد و آله الطیبین الطاهرین
ص:4
و فيه خمسون بابا الباب الأول: في شأنه عليه السلام في الأمر الأول.
الباب الثاني: و هو من الباب الأول.
الباب الثالث: في مولده الشريف و كلامه عليه السلام في بطن أمه و حال ولادته (ع) .
الباب الرابع: في تربية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له عليه السلام و اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب الخامس: في أنه عليه السلام أول من أسلم و صلى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو صغير.
الباب السادس: في أنه عليه السلام أول من أسلم و صلى مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من طريق المخالفين.
الباب السابع: فيما أجاب به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين قيل في إسلامه طفلا.
الباب الثامن: في شدة يقينه و إيمانه.
الباب التاسع: فيما ذكره الحسن عليه السلام من سوابق أبيه عليه السلام.
الباب العاشر: في ترتيب أحواله عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
ص:5
الباب الحادي عشر: في صبره و تورّطه في صعب الأمور رضا للّه عزّ و جلّ و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب الثاني عشر: في مبيته على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فيه نزل قوله تعالى وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ .
الباب الثالث عشر: من الأول من طريق المخالفين.
الباب الرابع عشر: في فضل سوابقه عليه السلام وسعتها.
الباب الخامس عشر: و هو من الباب الأول من طريق المخالفين.
الباب السادس عشر: في حديث الأعمش مع المنصور، و أنّه كان يحفظ في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام عشرة آلاف فضيلة، و هو مذكور أيضا من طريق المخالفين.
الباب السابع عشر: في تضاعف ثوابه عليه السلام من طريق الخاصة و العامة.
الباب الثامن عشر: في قوّته عليه السلام.
الباب التاسع عشر: في شجاعته عليه السلام.
الباب العشرون: في عبادته عليه السلام.
الباب الحادي و العشرون: في بكائه من خشية اللّه و خشوعه عليه السلام.
الباب الثاني و العشرون: في خوفه من اللّه تعالى.
الباب الثالث و العشرون: في أدعية له مختصرة في السجود، و عند النوم، و إذا أصبح، و إذا أمسى عليه السلام.
الباب الرابع و العشرون: في تصوير الدنيا له عليه السلام و إعراضه عنها و طلاقه عليه السلام لها ثلاثا.
الباب الخامس و العشرون: في زهده في الدنيا، و هو من الباب الأول من طرق الخاصة و العامة.
الباب السادس و العشرون: في زهده عليه السلام في الملبس و المطعم و المشرب.
ص:6
الباب السابع و العشرون: و هو من الباب الأول.
الباب الثامن و العشرون: في زهده في المطعم و المشرب و الملبس من طريق المخالفين.
الباب التاسع و العشرون: في عمله عليه السلام بيده، و عتقه ألف مملوك من كدّ يده.
الباب الثلاثون: في عمله عليه السلام في البيت و تواضعه عليه السلام.
الباب الحادي و الثلاثون: في جوده عليه السلام، و فيه نزلت وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (1) .
الباب الثاني و الثلاثون: و هو من الباب الأول.
الباب الثالث و الثلاثون: في أنّه عليه السلام لا تأخذه في اللّه لومة لاثم.
الباب الرابع و الثلاثون: في تظلّمه ممن تقدّم عليه في الخطبة الشقشقية.
الباب الخامس و الثلاثون: في تظلّمه، و هو من الباب الأول.
الباب السادس و الثلاثون: في احتجاجه على أبي بكر في إمامته عليه السلام و أنّه عليه السلام الإمام دونه، و إقرار أبي بكر له عليه السلام باستحقاقه الإمامة دونه.
الباب السابع و الثلاثون: في احتجاجه على أبي بكر و عمر حين دعي إلى البيعة و اعتراف عمر له عليه السلام.
الباب الثامن و الثلاثون: في احتجاجه على أهل الشورى و فيهم عثمان و إقرارهم له عليه السلام.
الباب التاسع و الثلاثون: في علّة تركه مجاهدة من تقدّم عليه.
الباب الأربعون: في تركه مؤاخذة عدوه مع قدرته عليه.
الباب الحادي و الأربعون: في عدله عليه السلام و قسمته بالسوية.
الباب الثاني و الأربعون: في صبره و امتحانه عليه السلام قبل وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و بعده.
الباب الثالث و الأربعون: في طلبه تعجيل الشهادة حين بشّر بها.
الباب الرابع و الأربعون: في صفته عليه السلام.
ص:7
الباب الخامس و الأربعون: إنّ أمير المؤمنين و بنيه الأئمة عليهم السلام أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
الباب السادس و الأربعون: أنّه عليه السلام خير البرية من طريق الخاصة و العامة.
الباب السابع و الأربعون: في حسن خلقه، و إكرامه الضيف، و الحياء، و غير ذلك.
الباب الثامن و الأربعون: في المفردات.
الباب التاسع و الأربعون: في أنّه عليه السلام لم يفرّ من زحف، و مصابرته في القتال.
الباب الخمسون: انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أوصى إليه عليه السلام من طريق الخاصة و العامة.
ص:8
«في شأنه عليه السلام في الأمر الأول»
1-روى السيّد الفاضل وليّ بن نعمة اللّه الحسيني الرضوي الحائري (1)رحمه اللّه تعالى في كتاب «منهج الحق و اليقين في تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على الأنبياء و المرسلين» ما عدا نبيّنا.
قال: روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: لمّا خلق اللّه سبحانه و تعالى آدم و حوّاء تبخترا في الجنّة، فقال آدم لحواء: ما خلق اللّه تعالى أحسن منّا فأوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل عليه السلام أن آت عبدي إلى الفردوس الأعلى، فلمّا دخل الفردوس نظر إلى جارية على درنوك (2)من درانيك الجنّة، على رأسها تاج من نور، و في أذنيها قرطان من النور، قد أشرقت الجنان من نور وجهها، فقال: هذه فاطمة بنت محمّد من ولدك يكون في آخر الزمان، قال:
فما هذا التاج الذي على رأسها؟ قال. بعلها عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال
ص:9
فما هذان القرطان؟ قال: ولداها الحسن و الحسين عليهما السلام قال آدم:
حبيبي أخلقوا قبلي؟ قال: هم موجودون في غامض علم اللّه قبل أن تخلق بأربعين ألف سنة.
2-كتاب «در النظيم» (1)عن سليمان الأنصاري (2)قال: كنّا جلوسا في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبل عليّ عليه السلام فتحفّى (3)له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ضمّه إلى صدره، و قبّل ما بين عينيه، و كان له عشرة أيّام منذ دخل بفاطمة عليها السلام فقال: ألا أخبرك عن عرسك شيئا؟ قال: إن شئت فافعل صلّى اللّه عليك، قال: هذا جبرئيل عليه السلام، قال: تشاجر آدم و حوّاء في الجنّة، فقال آدم: يا حوّاء ما هذه المشاجرة؟ فقالت: يقع لنا ما خلق اللّه أحسن منّي و منك فأوحى اللّه إليه يا آدم طف الجنّة فانظر ماذا ترى.
قال: فبينما آدم يطوف في الجنّة إذ نظر إلى قبّة بلا علاقة من فوقها و لا دعامة من تحتها، داخل القبّة شخص على رأسه تاج، في عنقه خناق (4)، في أذنيه قرطان، فخرّ آدم ساجدا للّه، فأوحى اللّه إليه: يا آدم ما هذا السجود و ليس موضعك موضع سجود و لا عبادة؟
فقال آدم: يا جبرئيل ما هذه القبة الّتي رأيتها ما رأيت أحسن منها؟
ص:10
فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ قال لها: كوني فكانت، قال: فمن هذا الشخص الّذي داخلها؟ قال: شخص جارية حوراء إنسيّة تخرج من ظهر نبيّ يقال له:
محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: فما هذا التاج الّذي على رأسها؟ قال:
هو أبوها محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: فما هذا الخناق الذي في عنقها؟ قال: بعلها عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: ما هذان القرطان اللّذان في أذنيها؟ قال: هما قرطا العرش و ريحانتا الجنة، ولداها الحسن و الحسين عليهما السّلام.
قال: فكيف ترد القيامة هذه الجارية؟ قال: إنّ اللّه يقول: ترد على ناقة ليست من نوق دار الدنيا، رأسها من بهاء اللّه، و مؤخّرها من عظمة اللّه، و خطامها (1)من رحمة اللّه، و قوائمها من خشية اللّه، و لحمها و جلدها معجونان بماء الحيوان، قال اللّه: كن فكانت، يقود زمام الناقة سبعون ألف صفّ من الملائكة، كلّهم يقولون غضّوا أبصاركم يا أهل الموقف حتى تجوز الصديقة سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام (2).
3-الشّيخ الفاضل شرف الدين النجفي (3)في «تأويل الآيات الباهرة في العترة الطّاهرة» قال: روى مرفوعا إلى محمد بن زياد (4)، قال: سأل ابن مهران (5)عبد اللّه بن العباس رضي اللّه عنه عن تفسير قوله تعالى: وَ إِنّا لَنَحْنُ اَلصَّافُّونَ وَ إِنّا لَنَحْنُ اَلْمُسَبِّحُونَ (6)فقال ابن عبّاس: إنّا كنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلما رآه النبيّ
ص:11
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تبسّم في وجهه و قال: مرحبا بمن خلقه اللّه قبل آدم بأربعين ألف عام، فقلت: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أكان الإبن قبل الأب؟ قال: نعم إنّ اللّه تعالى خلقني و خلق عليّا من قبل أن يخلق آدم بهذه المدّة، خلق نورا فقسّمه نصفين، فخلقني من نصفه و خلق عليّا من النصف الآخر قبل الأشياء كلّها ثم خلق الأشياء فكانت مظلمة، فنورها من نوري و نور عليّ، ثمّ جعلنا عن يمين العرش.
ثم خلق الملائكة فسبّحنا و سبّحت الملائكة، و هلّلنا و هلّلت الملائكة، فكبّرنا فكبّرت الملائكة، فكان ذلك من تعليمي و تعليم عليّ، و كان ذلك في علم اللّه السابق أن لا يدخل النار محبّ لي و لعليّ، و لا يدخل الجنّة مبغض لي و لعليّ ألا و إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق ملائكة بأيديهم أباريق اللجين مملوءة من ماء الحياة من الفردوس، فما من أحد من شيعة عليّ إلاّ و هو طاهر الوالدين تقيّ مؤمن باللّه، فإذا أراد أبو أحدهم أن يواقع أهله، جاء ملك من الملائكة الّذين بأيديهم أباريق من ماء الجنّة، فيطرح ذلك الماء في آنيته التي يشرب منها، فيشرب ذلك الماء فينبت الإيمان في قلبه، كما ينبت الزرع فهم على بيّنة من ربّهم و من نبيّهم و من وصيّه عليّ، و من إبنتي الزهراء ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليهم السلام، فقلت يا رسول اللّه و من هم؟ قال: الأئمّة أحد عشر منّي، و أبوهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثمّ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: الحمد للّه الّذي جعل محبّة عليّ و الإيمان سببين يعني سببا لدخول الجنّة و سببا للفوز من النار (1).
4- «الرّوضة و الفضائل» عن ابن عباس قال: قد أقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)فقال له (3): يا رسول اللّه صلى اللّه عليك و آلك جاء
ص:12
أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: إنّ عليّا سمّي بأمير المؤمنين من قبلي (1)، قيل: قبلك يا رسول اللّه؟ قال: و من قبل عيسى، و موسى (2)، قيل: و من قبل عيسى و موسى؟ قال: و من قبل سليمان بن داود (3)، و لم يزل حتى عدد الأنبياء كلّهم (4)إلى آدم عليه السلام ثمّ قال: إنّه لمّا خلق اللّه آدم طينا خلق بين عينيه درّة (5)تسبّح اللّه و تقدّسه، فقال عزّ و جلّ: لأسكننك رجلا أجعله أمير الخلق أجمعين فلمّا خلق عليّ بن أبي طالب عليه السلام أسكن الدرّة فيه فسمّي أمير المؤمنين قبل خلق آدم عليه السلام (6).
ص:13
ص:14
«و هو من الباب الأول»
1-الشيخ البرسي في كتابه قال: روى أصحاب التواريخ أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان جالسا و عنده جنّي يسأله عن قضايا مشكلة، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فتصاغر الجنّي حتى صار كالعصفور، ثمّ قال:
أجرني يا رسول اللّه فقال: ممّن؟ فقال: من هذا الشابّ المقبل، فقال: و ما ذاك؟ فقال الجنّي: أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان فلمّا تناولتها ضربني هذا فقطع يدي، ثمّ أخرج يده مقطوعة، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هو ذاك (1).
2-قال: و من ذلك الإسناد أنّ جنيّا كان جالسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فاستغاث الجنّيّ و قال: أجرني يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هذا الشابّ المقبل، قال: و ما فعل بك؟ قال: تمرّدت على سليمان فأرسل إليّ نفرا من الجنّ و طلت عليهم، فجاءني هذا الفارس فأسرني و جرحني و هذا مكان الضربة إلى الآن لم يندمل (2).
3-و قال أيضا: أما سمعت قصّة الجنّي، إذ كان عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جالسا، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام، فجعل الجنّي يتصاغر
ص:15
لديه (1)فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من هذا الذي تتصاغر لديه تعظيما له و خوفا منه (2)؟ فقال: يا رسول اللّه إنّي كنت أطير مع المردة إلى السّماء قبل خلق آدم بخمسمائة عام، فرأيت هذا في السّماء فجرحني (3)و ألقاني في الأرض، فهربت إلى الأرض (4)السابعة منها، فرأيته هناك كما رأيته في السماء (5).
4-و قال أيضا: و من كراماته ما روي أنّ فرعون-لعنه اللّه-لمّا ألحق هارون بأخيه موسى عليه السلام دخلا عليه يوما، و أوجسا خيفة منه، فإذا فارس يقدمهما، و لباسه من ذهب، و بيده سيف من ذهب، و كان فرعون يحبّ الذّهب، فقال لفرعون: أجب هذين الرجلين، و إلاّ قتلتك، فانزعج فرعون لذلك، و قال: عودا إليّ غدا.
فلمّا خرجا دعا البوّابين و عاقبهم، و قال: كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفوا بعزّة فرعون إنّه ما دخل إلاّ هذان الرجلان، و كان الفارس مثال عليّ عليه السلام، الّذي أيّد اللّه تعالى به النبيّين سرّا، و أيّد به محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جهرا، لأنّه كلمة اللّه الكبرى التي أظهرها اللّه لأوليائه فيما شاء من الصور، فينصرهم (6)بها، و بتلك الكلمة يدعون فيجيبهم اللّه و ينجيهم (7)، و إليه الإشارة بقوله: وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا (8)قال ابن عباس: كانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس (9).
ص:16
5-و قال أيضا: قولهم: الحقّ أنّ ميتنا إذا مات لم يمت، و إنّ غائبنا إذا غاب لم يغب (1).
لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام ليست حقيقته بهذا الجسد المحدث الذي ظهر مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيّام حياته، لا غير، بل أمير المؤمنين لمن عرفه؛ هو الآية الكبرى التي عليها وقعت الإشارة من قوله: ما عرفك إلاّ اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنا النور القديم (2)الذي يتقلب في الصور كيف شاء اللّه، الذي كان قبل خلق الخلق في لباس الظلمة في عالم النور، و على العرش قبل خلق السموات و الأرض في لباس الظهور، و مع الملائكة في عالم الأرواح، و مع النبيين في عالم الأشباح، و له قوّة الظهور فيما شاء من الصور، لأنّه كان سرّ النبيّين في ظهورهم و ظهوره، و بذلك جاء الكتاب و السنّة.
أما الكتاب: فقوله سبحانه حكاية عن موسى و هارون: وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا (3)قال المفسرون: كانت الآية و السلطان صورة عليّ عليه السلام، و كذا كان لسائر النبيّين.
و أما السنّة: فقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا علي إنّ اللّه أيّد بك النبيّين سرّا، و أيّدني بك جهرا و من أنكر ما جاء به الكتاب و السنّة، فقد كفر، فمن أنكر أنّ عليّا كان مع النبيّين سرا و مع محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جهرا، فقد كفر، فلا تطع المكذّبين المرتابين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام.
6-و قال أيضا: رويت حكاية سلمان عليه السلام و أنّه لمّا خرج عليه الأسد قال: يا فارس الحجاز أدركني، فظهر إليه فارس و خلّصه منه، و قال
ص:17
للأسد: أنت دابّته من الآن، فعاد يحمل عليه الحطب إلى باب المدينة امتثالا لأمر عليّ عليه السلام إنتهى كلام البرسي (1)(2).
ص:18
«في مولده الشريف عليه السلام و كلامه في بطن أمّه
و حال ولادته»
1-الشيخ الفاضل محمّد بن عليّ بن شهر اشوب، في كتاب «المناقب» عن شيخ السنّة القاضي أبي عمرو عثمان بن أحمد في خبر طويل: إنّ فاطمة بنت أسد رأت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يأكل تمرا، له رائحة يزداد على كلّ الأطايب من المسك و العنبر، من نخلة لا شماريخ (1)لها، فقالت: ناولني أنل منها، قال: لا تصلح إلاّ أن تشهدي معي أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فشهدت الشهادتين، فناولها فأكلت فازدادت رغبتها، و طلبت أخرى لأبي طالب فعاهدها أن لا تعطيه إلاّ بعد الشهادتين، فلمّا جنّ عليهما الليل (2)اشتمّ أبو طالب نسيما (3)ما اشتمّ قطّ مثله، فأظهرت ما معها، فالتمسه منها، فأبت عليه إلاّ أن يشهد الشهادتين، فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين، غير أنّه سألها أن تكتم عليه لئلاّ تعيّره قريش، فعاهدته على ذلك، فأعطته ما معها، و آوى إلى زوجته فعلقت بعليّ عليه السلام في تلك الليلة، و لمّا حملت بعليّ عليه السلام ازداد حسنها، و كان يتكلّم في بطنها.
فكانت في الكعبة يوما فتكلّم عليّ عليه السلام مع جعفر فغشي عليه،
ص:19
فالتفتت (1)فإذا الأصنام قد خرّت على وجوهها، فمسحت على بطنها، و قالت: يا قرّة العين تخدمك (2)الأصنام فيّ داخلا فكيف شأنك خارجا؟ و ذكرت ذلك لأبي طالب فقال: هو الذي قال لي أسد في طريق الطائف (3).
2-الشيخ الطوسي، في «مجالسه» قال: أخبرنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان (4)، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن أيوب (5)، قال: حدّثنا عمر بن الحسن القاضي (6)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد (7)قال: حدّثني أبو حبيبة (8)قال: حدّثني سفيان بن عيينة (9)عن الزهري، عن عائشة.
قال محمّد بن أحمد بن شاذان: و حدّثني سهل بن أحمد (10)قال: حدّثني أحمد بن عمر الربيقي (11)، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى (12)، قال: حدّثنا أبو داود (13)، قال: حدثنا شعبة (14)عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن العبّاس بن عبد المطّلب.
ص:20
قال ابن شاذان: و حدّثني إبراهيم بن عليّ، بإسناد (سقط من النسخة المأخوذ منها الحديث) عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام عن آبائه عليهم السلام قال: كان العبّاس بن عبد المطلب، و يزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت اللّه الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين عليهما السلام، و كانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر (1)و كان يوم التمام.
قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، و قد أخذها الطّلق، فرمت بطرفها نحو السماء، و قالت: أي ربّ إنّي مؤمنة بك، و بما جاء به من عندك الرسول، و بكلّ نبيّ من أنبيائك، و بكلّ كتاب أنزلته، و إنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، و إنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت و من بناه، و بهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني و يؤنسني بحديثه، و أنا موقنة أنّه إحدى آياتك و دلائلك، لما يسّرت عليّ ولادتي.
قال العبّاس بن عبد المطّلب، و يزيد بن قعنب: فلمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، و دخلت فاطمة فيه، و غابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة و التزقت بإذن اللّه، فرمنا (2)أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نساءنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر اللّه تعالى، و بقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام، قال: و أهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك و تتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.
قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة و عليّ (3)على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس إنّ اللّه عزّ و جلّ اختارني من خلقه، و فضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي (4)، و قد
ص:21
اختار اللّه آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت اللّه عزّ و جلّ سرّا في موضع لا يحبّ أن يعبد اللّه فيه إلاّ اضطرارا، و إنّ مريم بنت عمران اختارها اللّه حيث يسّر (1)عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطبا جنيّا.
و إنّ اللّه تعالى اختارني و فضّلني عليهما و على كلّ من مضى قبلي من نساء العالمين لأنّي ولدت في بيته العتيق، و بقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة و أرزاقها (2).
فلمّا أردت أن أخرج و ولدي على يديّ هتف بي هاتف، و قال: يا فاطمة سميّه عليّا، فأنا العليّ الأعلى، و إنّي خلقته من قدرتي و عزّ جلالي و قسط عدلي، و اشتققت اسمه من إسمي و أدّبته بأدبي (3)و هو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، و يكسر الأصنام و يرميها على وجوهها (4)، و يعظّمني، و يمجّدني، و يهلّلني، و هو الإمام بعد حبيبي و نبيّي و خيرتي من خلقي محمّد رسولي، و وصيّه، فطوبى لمن أحبّه و نصره، و الويل لمن عصاه و خذله، و جحد حقّه.
فلمّا رآه أبو طالب سرّ، و قال عليّ عليه السلام: السلام عليك يا أبة و رحمة اللّه و بركاته، ثمّ قال: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا دخل اهتزّ له أمير المؤمنين عليه السلام و ضحك في وجهه و قال: السلام عليك يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رحمة اللّه و بركاته، ثم تنحنح بإذن اللّه تعالى، و قال: بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (5)فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد أفلحوا بك. و قرأ تمام الآيات إلى قوله أُولئِكَ هُمُ اَلْوارِثُونَ اَلَّذِينَ يَرِثُونَ اَلْفِرْدَوْسَ
ص:22
هُمْ فِيها خالِدُونَ (1)فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت و اللّه أميرهم تميرهم (2)من علومك (3)فيمتارون، و أنت و اللّه دليلهم و بك يهتدون.
ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة: اذهبي إلى عمّه حمزة، فبشّريه به، فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟ قال: أنا أرويه، فقالت فاطمة: أنت ترويه؟ قال: نعم. فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لسانه في فيه، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اِثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً (4)قال: فسمّي ذلك اليوم يوم التروية.
فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد، رأت نورا قد ارتفع من عليّ إلى أعنان السّماء، قالت (5): ثم شددته، و قمطته قماطا، فبتر القماط (6)، ثم جعلته (7)قماطين، فبترهما، فجعلته ثلاثة، فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رقّ (8)مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستّة من ديباج، و واحد من الأدم فتمطّى (9)فيها فقطعها كلّها بإذن اللّه، ثمّ قال بعد ذلك: يا أمّه لا تشدّي يديّ فإنّي أحتاج إلى أن أبصبص (10)لربّي باصبعي.
قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنّه سيكون له شأن و نبأ، قال (11):
فلمّا كان من غدّ، دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على فاطمة، فلمّا
ص:23
بصر عليّ عليه السلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، سلّم عليه، و ضحك في وجهه، و أشار إليه؛ أن خذني إليك و اسقني مما سقيتني بالأمس، قال: فأخذه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقالت فاطمة: عرفه و ربّ الكعبة، قال: فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة، تعني أنّ أمير المؤمنين عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فلمّا كان اليوم الثالث، و كان العاشر من ذي الحجّة، أذّن أبو طالب في الناس أذانا جامعا، و قال: هلمّوا إلى وليمة ابني عليّ، قال: و نحر ثلثمائة من الإبل و ألف رأس من البقر و الغنم، و اتّخذ وليمة عظيمة، و قال: معاشر النّاس! ألا من أراد من طعام عليّ ولدي فهلمّوا و طوفوا بالبيت سبعا سبعا (1)، و ادخلوا، و سلّموا على ولدي عليّ فإنّ اللّه شرّفه و لفعل أبي طالب شرّف يوم النحر (2).
و روى ابن شهر اشوب هذا الحديث، عن الحسن بن محبوب، عن الصادق عليه السلام مختصرا معترفا باختصاره (3).
3-و من طريق المخالفين: ما رواه أبو الحسن الفقيه عليّ بن محمد الشافعي المعروف بابن المغازلي في كتاب «مناقب أمير المؤمنين» عليه السلام قال: أخبرنا أبو طاهر محمّد بن عليّ بن محمّد بن البيّع (4)، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن خالد الكاتب (5)، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي (6)، قال: حدّثني عمر بن أحمد بن روح الساجيّ، حدّثني أبو طاهر يحيى بن الحسن العلويّ، قال: حدّثني محمد بن
ص:24
سعيد الدارميّ (1)، حدّثنا موسى بن جعفر، عن أبيه، عن محمد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: كنت جالسا مع أبي و نحن زائرون (2)قبر جدّنا عليه السلام، و هناك نسوان كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهنّ، فقلت لها: من أنت رحمك (3)اللّه؟ فقالت: أنا زبدة بنت فريبة العجلان (4)من بني ساعدة، فقلت لها: فهل عندك شيء تحدّثينا؟
فقالت: إي و اللّه حدّثتني أمّي أمّ عمارة بنت عمارة (5)بنت نضلة بن مالك بن العجلان الساعديّ: أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيبا حزينا، فقالت له: ما شأنك؟ يا أبا طالب! فقال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض، ثمّ وضع يده (6)على وجهه، فبينا هو كذلك إذ أقبل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: ما شأنك؟ يا عم! فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيده، و جاء (7)و هي معه فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال اجلسي على اسم اللّه.
قالت: فطلقت طلقة، فولدت غلاما مسرورا نظيفا منظفا لم أر كحسن وجهه، فسمّاه أبو طالب عليّا، و حمله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتّى أدّاه إلى منزلها.
قال عليّ بن الحسين عليه السلام: فو اللّه ما سمعت شيئا قطّ إلاّ و هذا أحسن منه (8).
ص:25
4-ابن شهر اشوب قال: أجمع أهل البيت أنّه عليه السلام ولد في زاوية البيت الأيمن من ناحية الباب (1)، فالولد الطاهر من النسل الطاهر، ولد في الموضع الطاهر، فأين توجد هذه الكرامة لغيره؟ فأشرف البقاع الحرم، و أشرف الحرم المسجد، و أشرف بقاع المسجد الكعبة، و لم يولد مولود فيه (2)سواه، فالمولود فيه يكون في غاية الشرف، فليس المولود في سيّد الأيّام (3)، في الشهر الحرام، في البيت الحرام، سوى أمير المؤمنين عليه السلام (4).
و الروايات في خبر مولده عليه السلام متكرّرة في الكتب، بل صنّف كتاب (5)في مولده مشهور بين الناس، و اقتصرت على ما ذكرت مخافة الإطالة، إذ الكتاب مبنيّ على الإختصار، و اللّه سبحانه الموفّق.
ص:26
«في تربية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له عليه السلام
و اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن يحيى بن الحسن بن عبيد اللّه بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)، قال: حدّثني جدّي يحيى بن الحسن (2)، قال: حدّثني عبد اللّه بن عبيد اللّه الطلحي، قال:
حدّثني أبي عن ابن هانىء مولى بني مخزوم، عن محمد بن إسحق، قال: حدّثني ابن أبي نجيح (3)، عن مجاهد بن جبر أبي الحجّاج (4)، قال: كان من نعم اللّه عزّ و جلّ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام ما صنع اللّه له و أراد به من الخير، أنّ قريشا أصابتهم أزمة (5)شديدة، و كان أبو طالب في عيال كثير.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّه العبّاس و كان من أيسر بني هاشم: يا أبا الفضل إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، و قد أصاب الناس ما
ص:27
ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه فنخفّف عنه عياله، آخذ من بنيه رجلا و تأخذ رجلا فنكفيه.
فقال العباس: قم، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا: إنّا نريد أن نخفّف عنك عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه من هذه الأزمة، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا، فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السلام، و أخذ العبّاس جعفرا، فلم يزل عليّ عليه السلام مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى بعثه اللّه عزّ و جلّ نبيّا، فآمن به و اتّبعه و صدّقه، و لم يزل جعفر مع العباس حتّى أسلم و استغنى عنه (1).
و روى هذا الحديث من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفق بن أحمد (2)بإسناده عن أبي الحجّاج (3).
2-و قال ابن شهر اشوب: كان أبو طالب و فاطمة بنت أسد، ربّيا النبيّ صلى اللّه عليه و آله، و ربّى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خديجة عليّا عليه السلام.
ثم نقل عن «تاريخ الطبري» ، و البلاذري، و تفسير الثعلبي، و الواحدي، و «شرف المصطفى» ، و «الأربعين» للخوارزمي، و «درجات محفوظ» البستي، و «مغازي» محمد بن إسحق، و «معرفة» أبي يوسف النسوي أنّه قال مجاهد: كان من نعمة اللّه على عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أنّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذا عيال كثيرة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لحمزة (4)و العباس: إنّ أبا طالب كثير العيال و قد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة، فانطلق (5)بنا نخفّف من عياله،
ص:28
فدخلوا عليه، فطالبوه (1)بذلك فقال: إذا تركتم لي عقيلا فافعلوا ما شئتم، فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب ثمّ بقي وحده (2)إلى أن أخذ يوم بدر، و أخذ حمزة جعفرا، فلم يزل معه في الجاهليّة و الإسلام إلى أن قتل حمزة، و أخذ العباس طالبا و كان معه إلى يوم بدر، ثمّ فقد و لم يعرف له خبر، و أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السلام و هو ابن ستّ سنين كسنّه يوم أخذه أبو طالب، فربّته خديجة و المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن جاء الإسلام، و تربيتهما أحسن من تربية أبي طالب و فاطمة بنت أسد، فكان مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن مضى و بقي عليّ بعده.
و في رواية انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: اخترت من ولّى اللّه (3)عليكم عليّا.
قال: و ذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق، إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله حين تزوّج خديجة، قال لعمّه أبي طالب: إنّي أحبّ أن تدفع إليّ بعض ولدك يعينني على أمري و يكفيني و أشكر لك بلاءك عندي، فقال أبو طالب: خذ أيّهم شئت، فأخذ عليا عليه السلام (4).
3-و في الحديث انّ أمير المؤمنين عليه السلام يوم ولد كان يومئذ لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من العمر ثلاثون سنة، فأحبّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حبا شديدا، و قال لأمّه اجعلي مهده بقرب فراشي، و كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتولّى أكثر تربيته (5)، و كان يطهّر عليا عليه السلام في وقت غسله، و يوجره (6)اللّبن عند شربه، و يحرّك مهده عند نومه، و يناغيه في يقظته،
ص:29
و يحمله على صدره (1)، و يقول هذا أخي، و وليّي، و ناصري، و صفيّي، و ذخري و كهفي، و صهري (2)، و وصيّي، و زوج كريمتي، و أميني على وصيّتي، و خليفتي.
و كان يحمله على كتفه دائما، و يطوف به جبال (3)مكّة، و شعابها و أوديتها (4).
4- «نهج البلاغة» : و قد علمتم بموضعي (5)من رسول اللّه بالقرابة القريبة، و المنزلة الخصيصة، وضعني في حجره و أنا وليد (6)يضمّني إلى صدره، و يلفّني (7)في فراشه، و يمسّني جسده، و يشمّني عرفه (8)و كان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه، و ما وجد لي كذبة في قول، و لا خطلة (9)في فعل، و لقد قرن اللّه به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من لدن (10)كان فطيما أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، و محاسن أخلاق العالم، ليله و نهاره، و لقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل (11)أثر أمّه، يرفع لي في كلّ يوم علما من أخلاقه (12)، و يأمرني بالإقتداء به (13).
ص:30
5-أبو عليّ الطبرسيّ في «إعلام الورى» : روى عباد بن يعقوب (1)و يحيى بن عبد الحميد الحماني (2)، قال: حدّثنا عليّ بن هاشم، عن محمد بن عبيد اللّه (3)، عن أبيه عبيد اللّه بن أبي رافع عن جدّه أبي رافع، قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا جلس ثمّ أراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير عليّ عليه السلام.
و قال الحمّاني في حديثه: كان إذا جلس اتّكى على عليّ عليه السلام، و إذا قام وضع يده على عليّ عليه السلام (4).
ص:31
ص:32
«في أنه عليه السلام أوّل من أسلم، و صلّى
مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و هو صغير»
1-محمد بن يعقوب بإسناده، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن سعيد بن المسيّب، قال: سألت عليّ بن الحسين عليه السلام، كم كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم أسلم؟ فقال: أو كان كافرا قطّ؟ إنّما كان لعلي عليه السلام حيث بعث (1)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عشر سنين، و لم يكن يومئذ كافرا، و لقد آمن باللّه تبارك و تعالى و رسوله (2)صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و سبق النّاس كلّهم إلى الإيمان باللّه و رسوله (3)، و إلى الصلاة بثلاث سنين، و كانت أوّل صلاة صلاّها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الظهر ركعتين، و كذلك فرضها اللّه تبارك و تعالى على من أسلم بمكّة ركعتين ركعتين، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّيها بمكّة ركعتين، و يصلّيها عليّ عليه السلام بمكة ركعتين مدّة عشر سنين حتّى هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلى المدينة و خلّف عليّا عليه السلام في أمور، لم يكن يقوم بها أحد غيره.
و كان خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مكّة في أوّل يوم من ربيع الأول، و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث، و قدم المدينة
ص:33
لإثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول (1)فنزل بقبا فصلّى الظّهر ركعتين و العصر ركعتين الحديث (2).
2-الشيّخ المفيد (3)في «الإرشاد» قال: أخبرني أبو الجيش المظفّر بن محمد البلخي (4)قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الثّلج (5)قال:
حدّثنا أبو الحسن أحمد بن القاسم البرتي (6)، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن صالح الأزدي (7)، قال: حدّثنا سعد بن خثيم (8)، قال: حدّثنا أسد بن عبيدة (9)، عن يحيى بن عفيف (10)، عن أبيه، قال: كنت جالسا مع العبّاس بن عبد المطّلب (11)قبل أن يظهر أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فجاء شابّ فنظر إلى السّماء حين تحلقت الشّمس ثمّ استقبل الكعبة فقام يصلّي، فجاء غلام فقام عن يمينه، ثم جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشّابّ فركع الغلام و المرأة، ثمّ رفع الشّابّ فرفعا، ثم سجد الشّابّ فسجدا.
ص:34
فقلت: يا عبّاس أمر عظيم! فقال العبّاس: أمر عظيم، أتدري من هذا الشّابّ؟ هذا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب ابن أخي، أتدري من هذا الغلام؟ هذا عليّ بن أبي طالب ابن أخي، أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد، إنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربّه ربّ السماوات و الأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، و لا و اللّه ما على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة (1).
3-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثنا الحسين بن عليّ بن شعيب الجوهري رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان، قال:
حدثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب (2)، قال: حدثنا الفضل بن الصّقر العبدي، قال أبو معاوية: عن الأعمش، عن الصادق جعفر بن محمد (3)عليهما السلام، قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عليه خميصة (4)قد اشتمل بها، فقيل (5): من كساك هذه الخميصة؟ فقال: كساني حبيبي، و صفيّي، و خاصّتي، و خالصتي، و المؤدّي عنّي، و وصيّي، و وارثي، و أخي، و أوّل المؤمنين إسلاما، و أخلصهم إيمانا، و أسمح الناس كفّا سيّد الناس بعدي، قائد الغر المحجّلين، إمام أهل الأرض، عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلم يزل يبكي حتّى ابتلّ الحصى من دموعه شوقا إليه (6).
4-و عنه قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي، قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن معمّر، قال: قال:
أحمد بن عليّ الرملي، قال: حدّثنا محمد بن موسى، قال: حدّثنا يعقوب بن
ص:35
إسحاق المروزي، قال: حدّثنا عمرو بن منصور، و قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان، عن يحيى بن أبي كثير (1)، عن أبيه، عن أبي هارون العبدي (2)، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
عليّ بن أبي طالب أقدم أمتي سلما، و أكثرهم علما، و أصحّهم دينا و أفضلهم يقينا، و أكملهم (3)حلما، و أسمحهم كفّا، و أشجعهم قلبا، و هو الإمام و الخليفة بعدي (4).
5-و عنه قال: حدّثنا محمد بن عليّ (5)رحمه اللّه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم (6)، عن محمد بن عليّ الكوفي (7)، عن محمد بن سنان، عن المفضّل، عن جابر بن يزيد، عن أبي الزبير المكّي (8)، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه تبارك و تعالى اصطفاني، و اختارني، و جعلني رسولا، و أنزل عليّ سيّد الكتب، فقلت:
إلهي و سيّدي إنّك أرسلت موسى إلى فرعون، فسألك أن تجعل معه أخاه هرون وزيرا، تشدّ به عضده، و تصدّق به قوله، و إنّي أسألك يا سيّدي و إلهي أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشدّ به عضدي.
فجعل اللّه لي عليّا وزيرا، و أخا، و جعل الشجاعة في قلبه، و ألبسه الهيبة على عدوّه، و هو أوّل من آمن بي، و صدّقني، و أوّل من وحّد اللّه معي،
ص:36
و إنّي سألت ذلك ربّي عزّ و جلّ، فأعطانيه، فهو سيّد الأوصياء، اللحوق به سعادة، و الموت في طاعته شهادة، و اسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، و زوجته الصديقة الكبرى ابنتي، و ابناه سيّدا شباب أهل الجنّة ابناي، و هو و هما و الأئمة بعدهم حجج اللّه على خلقه بعد النبيّين، و هم أبواب العلم في أمّتي، من تبعهم نجا من النار، و من اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم، لم يهب اللّه عزّ و جلّ محبّتهم لعبد، إلاّ أدخله اللّه الجنّة (1).
6-و عنه، قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (2)رحمه اللّه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الهمداني (3)، قال: حدثنا أحمد بن صالح، عن حكيم بن عبد الرحمن، قال: حدّثني مقاتل بن سليمان (4)، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا عليّ أنت منّي بمنزلة هبة اللّه من آدم، و بمنزلة سام من نوح، و بمنزلة إسحاق من إبراهيم، و بمنزلة هارون من موسى، و بمنزلة شمعون من عيسى، إلاّ أنّه لا نبيّ من بعدي (5).
يا عليّ أنت وصيّي، و خليفتي، فمن جحد وصيّتك و خلافتك فليس منّي و لست منه، و أنا خصمه يوم القيمة.
يا عليّ أنت أفضل أمّتي فضلا، و أقدمهم سلما، و أكثرهم علما، و آمنهم (6)حلما، و أشجعهم قلبا، و أسخاهم كفّا.
ص:37
يا علي (1)أنت قسيم الجنّة و النار، بمحبّتك يعرف الأبرار، و يميّز بين الأشرار و الأخيار و بين المؤمنين و الكفّار (2).
7-محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى (3)، عن البرقي (4)، عن أحمد بن زيد النيشابوري، قال: حدّثني عمر بن إبراهيم الهاشمي (5)عن عبد الملك (6)بن عمير، عن أسيد بن صفوان (7)صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: لمّا كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السلام، ارتجّ (8)الموضع بالبكاء، و دهش الناس كيوم قبض فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و جاء رجل باكيا، و هو مسرع مسترجع، و هو يقول اليوم انقطعت خلافة النبوّة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: رحمك اللّه يا أبا الحسن كنت أوّل القوم إسلاما، و أخلصهم إيمانا، و أشدّهم يقينا، و أخوفهم للّه عزّ و جلّ، و أعظمهم عناء، و أحوطهم (9)على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و آمنهم على أصحابه و أفضلهم مناقب، و أكرمهم سوابق، و أرفعهم درجة، و أقربهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أشبههم به
ص:38
هديا، و خلقا، و سمتا (1)و فعلا، و أشرفهم منزلة و أكرمهم عليه، فجزاك اللّه عن الإسلام، و عن رسوله، و عن المسلمين خيرا.
قويت حين ضعف أصحابه، و برزت حين استكانوا، و نهضت حين وهنوا، و لزمت منهاج رسوله صلى اللّه عليه و آله إذ همّ أصحابه، و كنت خليفته حقا لم تنازع، و لم تضرع (2)برغم المنافقين، و غيظ الكافرين، و كره الحاسدين، و ضغن (3)الفاسقين.
فقمت بالأمر حين فشلوا، و نطقت حين تتعتعوا (4)، و مضيت بنور اللّه إذ وقفوا، فاتّبعوك (5)فهدوا، و كنت أخفضهم صوتا، و أعلاهم قنوتا (6)، و أقلّهم كلاما، و أصوبهم نطقا، و أكبرهم رأيا، و أشجعهم قلبا، و أشدّهم يقينا، و أحسنهم عملا، و أعرفهم بالأمور.
كنت و اللّه يعسوب (7)الدين أوّلا و آخرا: الأوّل حين تفرّق الناس، و الآخر حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، و حفظت ما أضاعوا، و رعيت ما أهملوا، و شمّرت إذ اجتمعوا، و علوت إذ هلعوا، و صبرت إذ أسرعوا (8)، و أدركت أوتار ما طلبوا (9)، و نالوا بك ما لم يحتسبوا.
كنت على الكافرين عذابا صبّا و نهبا، و للمؤمنين عمدا (10)و حصنا،
ص:39
فطرت و اللّه بنعمائها (1)، و فزت بحبائها (2)، و أحرزت سوابقها، و ذهبت بفضائلها، لم تفلّ حجتك (3)، و لم يزغ قلبك، و لم تضعف بصيرتك، و لم تجبن نفسك، و لم تخن (4).
كنت كالجبل لا تحركه العواصف (5)، و كنت كما قال صلى اللّه عليه و آله: أمن النّاس في صحبتك و ذات يدك.
و كنت كما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ضعيفا في بدنك، قويّا في أمر اللّه، متواضعا في نفسك، عظيما عند اللّه، كبيرا في الأرض، جليلا عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، و لا لقائل فيك مغمز (6)، و لا لأحد فيك مطمع، و لا لأحد عندك هوادة (7)، الضعيف الذليل عندك قويّ عزيز حتّى تأخذ له بحقّه، و القويّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتّى تأخذ منه الحقّ، و القريب و البعيد عندك في ذلك سواء: شأنك الحقّ و الصدق و الرفق، و قولك حكم و حتم، و أمرك حلم و حزم، و رأيك علم و عزم فيما فعلت، و قد نهج السبيل، و سهل العسير، و اطفئت النيران، و اعتدل بك الدين، و قوي بك الإسلام، و ظهر أمر اللّه و لو كره الكافرون، و ثبت بك الإسلام و المؤمنون، و سبقت سبقا بعيدا، و أتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البكاء؛ و عظمت رزيّتك في السماء، و هدّت مصيبتك الأنام فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون، رضينا عن اللّه قضاءه، و سلّمنا للّه أمره، فو اللّه لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا.
ص:40
كنت للمؤمنين كهفا و حصنا، و قنّة (1)راسيا، و على الكافرين غلظة و غيظا، فألحقك اللّه بنبيّه، و لا أحرمنا (2)أجرك، و لا أضلّنا بعدك، و سكت القوم حتّى انقضى كلامه و بكى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ طلبوه فلم يصادفوه (3).
8-عليّ بن إبراهيم بن هاشم، انّ النبوّة نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم الاثنين، و أسلم علي عليه السلام يوم الثلاثاء، ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4).
و الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام، بأنّه عليه السلام أوّل من أسلم لا تحصى اقتصرنا على ذلك، مخافة الإطالة.
ص:41
ص:42
«في أنّه عليه السلام أوّل من أسلم، و صلّى
مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله من طريق المخالفين»
1-من «مسند» أحمد بن حنبل، حدّث عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: حدّثنا عبد الرزاق، قال: حدّثني معمر، و أخبرني عثمان الجزري (1)، عن مقسم (2)، عن ابن عباس، انّ عليا عليه السلام أوّل من أسلم (3).
2-حدّث عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: حدّثنا معمر، عن قتادة، عن الحسن (4)، و غيره انّ عليّا أوّل من أسلم بعد خديجة (5).
ص:43
3-و عنه، عن أبيه، قال: حدّثنا محمد بن جعفر (1)، قال: حدّثنا شعبة، عن سلمة (2)بن كهيل، قال: سمعت حبّة العرني (3)يقول: سمعت عليّا عليه السلام يقول: أنا أوّل من صلّى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4).
4-و عنه، عن أبيه، عن أحمد بن حنبل قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن (5)مرّة، عن أبي حمزة (6)، عن زيد بن أرقم (7)، قال: أوّل من أسلم مع النبيّ (8)صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ عليه السلام (9).
5-و عنه، عن أبيه أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا يزيد بن هارون (10)، قال: أخبرنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت حبّة العرني، يقول: سمعت عليّا عليه السلام يقول أنا أوّل رجل صلى مع
ص:44
رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله (1).
6-و عنه، قال: حدّثني أبي أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال:
أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال:
سمعت أبا حمزة يحدّث، عن زيد بن أرقم قال: أوّل من صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عليّ عليه السلام (2).
7-و عنه، قال: حدّثنا إبراهيم (3)قال: حدّثنا أبو الوليد (4)، قال:
حدّثنا شعبة، عن عمرو يعني ابن مرّة قال: سمعت أبا حمزة يقول: سمعت زيد بن أرقم يقول: أوّل من صلّى مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ بن أبي طالب عليه السلام (5).
8-و عنه، قال: حدّثنا أبو الفضل الخراساني (6)قال: حدّثنا أبو غسان (7)، عن إسرائيل (8)، عن جابر، عن عبد اللّه بن نجيي (9)، عن عليّ عليه السلام قال: صلّيت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثلاث سنين قبل
ص:45
أن يصلّي معه أحد (1).
9-و عنه، قال: سمعت محمد بن عليّ بن الحسن بن شقيق (2)، قال:
سمعت أبي، قال: حدّثنا أبو حمزة (3)، عن جابر الجعفي، عن عبد اللّه بن نجيي، قال: سمعت عليّا عليه السلام يقول: لقد صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثلاث سنين قبل أن يصلّي معه أحد من الناس (4).
10-و عنه، أعني عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا الأزرق بن علي (5)، و داود بن عمرو (6)، قالا: حدّثنا حسّان بن إبراهيم (7)، حدّثنا محمد بن سلمة (8)، عن أبيه، عن حبّة العرني قال: رأيت عليّا عليه السلام يضحك (9)يوما لم أره ضحك أكثر منه حتى بدت نواجذه، قال: بينما أنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و ذكر الحديث قال: ثم قال: اللّهمّ إنّي لا أعرف أنّ عبدا لك من هذه الأمّة عبدك قبلي غير نبيّك صلى اللّه عليه و آله قال: فقال ذلك: ثلاث مرّات، ثمّ قال: لقد صلّيت قبل أن يصلّي أحد (10).
11-أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (11)في تفسيره، قال الكلبي (12):
ص:46
أسلم عليّ عليه السلام و هو ابن تسع سنين.
و قال مجاهد، و ابن إسحاق (1): أسلم عليّ عليه السلام و هو ابن عشر سنين (2).
12-و قال ابن إسحاق: حدّثني عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان من نعم (3)اللّه على عليّ بن أبي طالب عليه السلام و ما صنع اللّه له، و أراده من الخير، أنّ قريشا أصابتهم أزمة (4)شديدة، و كان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للعبّاس عمّه، و كان من أيسر بني هاشم: يا عبّاس أخوك أبو طالب كثير العيال، و قد أصاب النّاس ما تراه (5)من هذه الأزمة فانطلق بنا فلنخفّف عنه من عياله، آخذ (6)من بنيه رجلا، و تأخذ من بنيه رجلا، فنكفهما (7)عنه، فقال العباس رضي اللّه عنه:
نعم. فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب، فقالا: إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه.
فقال لهما أبو طالب: إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا فضمّه إليه، و أخذ العباس جعفرا و ضمّه إليه، فلم يزل عليّ عليه السلام مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى بعثه اللّه نبيّا فأتبعه عليّ فآمن به و صدّقه، و لم يزل جعفر عند العباس حتّى أسلم و استغنى عنه (8).
ص:47
13-قال: و روى إسماعيل بن إياس بن عفيف (1)، عن أبيه، عن جدّه عفيف (2)، قال: كنت امرءا تاجرا، فقدمت مكّة أيّام الحجّ، فنزلت على العباس بن عبد المطّلب، و كان العباس لي صديقا، و كان يختلف إلى اليمن، يشتري العطر، فيبيعه أيّام الموسم، فبينما أنا و العباس بمنى، إذا رجل شابّ حين حلقت الشمس في السماء فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة، فقام مستقبلها، فلم يلبث حتّى جاء غلام، فقام عن يمينه فلم يلبث أن جاءت امرأة، فقامت خلفه فركع الشابّ و ركع الغلام و المرأة فخرّ الشابّ ساجدا فسجدا معه، فرفع الشابّ و رفع الغلام و المرأة فقلت: يا عباس أمر عظيم! فقال: أمر عظيم، فقلت: ويحك ما هذا؟ ! فقال: هذا ابن أخي محمد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب، يزعم أنّ اللّه بعثه رسولا، و أنّ كنوز كسرى و قيصر ستفتح على يديه، و هذا الغلام ابن أخي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و هذه خديجة بنت خويلد زوجته تابعاه على دينه، و أيم اللّه ما على ظهر الأرض كلّها أحد على هذا الدين غير هؤلاء.
قال عفيف الكندي: ما أسلم و رسخ الإسلام في قلبه غيرهم، يا ليتني كنت رابعا (3).
14-قال: و يروى أنّ أبا طالب قال لعليّ عليه السلام: أي بنيّ! ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ قال: يا أبت آمنت باللّه و رسوله، و صدّقته فيما جاء به، و صلّيت معه للّه، فقال له: أما إنّ محمدا ما يدعو إلاّ إلى خير فألزمه (4).
15-و روى عبيد اللّه بن محمد، عن العلاء بن المنهال بن عمرو، عن
ص:48
عبادة بن عبد اللّه قال: سمعت عليّا عليه السلام يقول: أنا عبد اللّه و أخو رسوله، و أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مفتر، صلّيت قبل النّاس بسبع سنين (1).
قال يحيى بن الحسين بن البطريق في «العمدة» : و هذا الخبر دليل على إيمان أبي طالب، لأنّه أمر ولده عليه السلام بلزومه و إقراره بأنّه لا يدعو إلاّ إلى خير تسليم، و اعتراف بصحّة دعواه.
و حقيقة الإيمان هو التسليم و التصديق بما أتى به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
16-ابن المغازلي الفقيه الشافعي الواسطي في كتاب «مناقب أمير المؤمنين عليه السلام» في قوله تعالى وَ اَلسّابِقُونَ اَلسّابِقُونَ (2)عنه، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب (3)إجازة، أخبرنا عمر بن عبد اللّه بن شوذب (4)، حدّثنا محمد بن أحمد بن منصور، قال: حدّثنا أحمد بن الحسين، قال: حدّثنا زكريّا، قال: حدّثنا أبو صالح بن الضحاك، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، في قول اللّه تعالى:
وَ اَلسّابِقُونَ اَلسّابِقُونَ ، قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى و صاحب يس إلى عيسى (5)و سبق عليّ عليه السلام إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (6).
ص:49
17-و عنه، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر البغدادي (1)قدم علينا واسطا، قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن محمد بن عرفة بن لؤلؤ، قال: حدّثني عمر بن محمّد الباقلاني قال: حدّثني محمد بن خلف الحدّادي (2)قال: حدّثني عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية، قال:
حدّثني عمرو بن ثابت (3)، عن يزيد بن أبي (4)زياد، عن عبد الرحمن بن سعيد: مولى أبي أيّوب عن أبي أيوب الأنصاري (5)، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: صلّت الملائكة عليّ و على عليّ عليه السلام سبع سنين، و ذلك أنّه لم يصلّ معي أحد غيره (6).
18-و عنه قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن عليّ بن العبّاس البزّار، قال: حدّثنا أبو القاسم عبيد اللّه بن محمّد بن أحمد بن أسد البزّار، إملاء، قال: حدّثنا محمّد أبو مقاتل (7)، حدّثنا الحسن بن أحمد بن منصور، قال:
حدّثنا سهل بن صالح المروزي، قال: سمعت أبا معمر عبّاد بن عبد الصمد، يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
صلّت الملائكة عليّ و على عليّ سبعا، و ذلك أنّه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، إلاّ منّي و منه (8).
19-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن موسى بن الطحّان إجازة عن القاضي أبي
ص:50
الفرج الخيوطي، حدّثنا ابن عبادة حدّثنا جعفر بن محمّد الخلدي (1)، حدّثنا عبد السلام بن صالح، حدّثنا عبد الرزّاق، عن الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن عليم بن قيس الكندي، عن سلمان، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أوّل الناس ورودا عليّ الحوض أوّلهم إسلاما علي بن أبي طالب عليه السلام (2).
قلت: الروايات من المؤالف و المخالف متواترة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو أوّل من أسلم، خصوصا الروايات عن أهل البيت عليهم السلام، فإنّها متفقة على أنّه أوّل من أسلم على سبيل الإطلاق و لم يستثن فيها خديجة (3)في كلّ ما وقفت عليه من روايات أهل البيت، و هو أيضا كثير في روايات المخالفين، انّه أيضا أوّل من أسلم على سبيل الإطلاق.
20-قال ابن شهر اشوب: قد استفاضت الروايات أنّ أوّل من أسلم عليّ عليه السلام ثمّ خديجة ثمّ جعفر (4).
21- «تاريخ» الطبري، و «تفسير» الثعلبي و هو من أعيان المخالفين قال: قال محمد بن المنكدر (5)و ربيعة بن أبي عبد الرحمن، و أبو حازم المدني، و محمد بن إسحاق و محمد بن السائب الكلبي، و قتادة، و مجاهد، و ابن عباس، و جابر بن عبد اللّه، و زيد بن أرقم، و عمرو بن مرّة، و شعبة بن الحجّاج: عليّ أوّل من أسلم (6).
ص:51
قال ابن شهر اشوب: و قد رواه وجوه الصحابة و خيار التابعين و أكثر المحدّثين ذلك، منهم سلمان، و أبوذر، و المقداد، و عمّار، و زيد بن صوحان (1)، و حذيفة، و أبو الهيثم و خزيمة (2)، و أبو أيّوب، و أبو سعيد الخدري، و أبيّ (3)، و أبو رافع، و أمّ سلمة، و سعد بن أبي وقاص (4)، و أبو موسى الأشعري (5)، و أنس بن مالك، و أبو الطفيل (6)، و جبير بن مطعم (7)، و عمرو بن الحمق (8)، و حبّة العرني، و جابر الحضرمي (9)، و الحارث الأعور، و عباية الأسدي (10)، و مالك بن الحويرث (11)، و قثم بن العبّاس (12)، و سعيد بن قيس (13)، و مالك الأشتر (14)و هاشم بن عتبة (15)، و محمد بن
ص:52
كعب (1)، و أبو مجلز (2)، و الشعبي، و الحسن البصري، و أبو البختري، و الواقدي، و عبد الرزاق، و معمّر، و السدي (3)، و الكتب برواياتهم مشحونة.
الحميري (4)(ره) :
من فضله أنّه قد كان أوّل من صلّى و آمن بالرحمن إذ كفروا
سنين سبعا و أيّاما محرّمة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على خوف و ما شعروا
و قد روى المخالف، و المؤالف عن طرق متعدّدة منها: عن أبي صبرة، و مصقلة (5)بن عبد اللّه، عن عمر بن الخطاب، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: لو وزن إيمان عليّ بإيمان أمّتي لرجّح.
و في رواية: و إيمان أمّتي لرجح إيمان عليّ على إيمان أمّتي إلى يوم القيمة (6)إلى هنا انتهى كلام ابن شهر اشوب.
و اعلم أنّ المؤالف و المخالف اتّفقوا على أنه أوّل من أسلم من الذكور، و رواية أهل البيت عليهم السلام على الإطلاق، و قال به الجمّ الغفير من العامّة، و ربما رووا تقديم إسلام خديجة على إسلامه عليه السلام، و الرواية عن أهل البيت عليهم السلام خالية عن ذلك، و قولهم عليهم السلام حجّة، ألا ترى إلى قوله عليه السلام الذي نقله الشيخ الفاضل ابن الفارسي في «روضة الواعظين» و غيره، و هو مشهور من قوله عليه السلام في عدة أبيات:
ص:53
سبقتكم إلى الإسلام طرّا غلاما ما بلغت أوان حلمي
و هذا البيت في جملة أبيات مذكورة في الديوان المنسوب إليه عليه السلام أيضا.
ص:54
«فيما أجاب به النبيّ صلى اللّه عليه و آله حين قيل في
إسلامه عليه السلام طفلا»
1-الشيخ الفاضل المتكلّم الفقيه أبو علي محمد بن أحمد بن عليّ الفتّال النيشابوري المعروف بابن الفارسي، في كتاب روضة الواعظين، و رواه غيره، و اللفظ له، قال: روي عن مجاهد، عن أبي عمرو (1)، و أبي سعيد الخدري، قالا: كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إذ دخل سلمان الفارسي، و أبو ذر الغفاري، و المقداد بن الأسود، و أبو الطفيل عامر بن واثلة، فجثوا (2)بين يديه، و الحزن ظاهر في وجوههم، فقالوا: فديناك بالآباء و الأمّهات يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّا نسمع من قوم في أخيك و ابن عمّك ما يحزننا و إنّا نستأذنك في الردّ عليهم.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و ما عساهم يقولون في أخي و ابن عمّي عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا: يقولون: أيّ فضل لعليّ في سبقه إلى الإسلام؟ و إنّما أدركه الإسلام طفلا، و نحو هذا القول؟ فقال صلى اللّه عليه و آله: أفهذا يحزنكم؟ قالوا: إي و اللّه.
فقال: باللّه أسألكم هل علمتم من الكتب السالفة، أنّ إبراهيم
ص:55
عليه السلام هرب به أبوه من الملك الطاغي، فوضعته أمّه بين أثلاث (1)بشاطىء نهر يتدفّق يقال له: حرزان (2)، بين غروب الشمس و إقبال الليل، فلمّا وضعته و استقرّ على وجه الأرض، قام من تحتها، يمسح وجهه و رأسه، و يكثر من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، ثمّ أخذ ثوبا فامتسح به، و أمّه تراه فذعرت منه ذعرا شديدا، ثمّ مضى يهرول بين يديها مادّا عينيه إلى السماء، فكان منه ما قال اللّه عزّ و جلّ: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي إلى قوله:
إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ (3).
و علمتم أن موسى بن عمران عليه السلام كان فرعون في طلبه يبقر بطون النساء الحوامل، و يذبّح الأطفال، ليقتل موسى عليه السلام، فلمّا ولدته أمّه، أمرت أن تأخذه من تحتها و تقذفه في التّابوت، و تلقي التابوت في اليمّ، فبقيت حيرانة حتّى كلّمها موسى عليه السلام، و قال لها: يا أمّ اقذفيني في التابوت، و ألقي التابوت في اليمّ.
فقالت و هي ذعرة من كلامه: يا بنيّ إنّي أخاف عليك من الغرق، فقال لها: لا تحزني إنّ اللّه رادّي (4)إليك، ففعلت ما أمرت به، فبقي في التابوت (5)و اليمّ إلى أن قذفه في الساحل، وردّه إلى أمّه برمّته (6)، لا يطعم طعاما، و لا يشرب شرابا، معصوما.
و روي أنّ المدة كانت سبعين يوما، و روي سبعة أشهر.
ص:56
و قال اللّه عزّ و جلّ في حال طفوليّته: وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ اَلْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ و قال تعالى: وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ الآية (1).
هذا عيسى بن مريم قال اللّه عزّ و جلّ فيه: فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا إلى قوله إِنْسِيًّا (2)فكلّم أمّه وقت مولده و قال حين أشارت إليه قالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي اَلْمَهْدِ صَبِيًّا إِنِّي عَبْدُ اَللّهِ آتانِيَ اَلْكِتابَ (3)إلى آخر الآية.
فتكلّم عليه السلام وقت ولادته، و أعطي الكتاب و النبوّة، و أوصي بالصلاة و الزكاة في ثلاثة أيّام من مولده، و كلّمهم في اليوم الثاني من مولده.
و قد علمتم جميعا أنّ اللّه خلقني و عليّا من نور (4)واحد، و إنّا كنّا في صلب آدم، نسبّح اللّه تعالى، ثم نقلنا إلى أصلاب الرجال و أرحام النساء، يسمع تسبيحنا في الظهور و البطون في كلّ عهد و عصر إلى عبد المطّلب، و إنّ نورنا كان يظهر في وجوه آبائنا و أمّهاتنا حتّى تبيّن أسمائنا مخطوطة بالنور على جباههم.
ثمّ افترق نورنا، فصار نصفه في عبد اللّه، و نصفه في أبي طالب عمّي، و كان يسمع تسبيحنا من ظهورهما، و كان أبي و عمّي إذا جلسا في ملاء من قريش، و قد تبيّن نوري من صلب أبي و نور عليّ من صلب أبيه إلى أن خرجنا من أصلاب أبوينا و بطون أمهاتنا، و لقد هبط حبيبي جبرئيل عليه السلام في وقت ولادة عليّ عليه السلام فقال (5): يا حبيب اللّه اللّه يقرئك (6)السلام
ص:57
و يهنّئك بولادة أخيك عليّ، و يقول: هذا أوان ظهور نبوّتك و إعلان وحيك، و كشف رسالتك، إذ أيدتك بأخيك، و وزيرك، و صنوك، و خليفتك و من شددت به أزرك، و أعليت (1)به ذكرك، فقمت مبادرا، فوجدت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ عليه السلام قد جاءها المخاض و هي بين النساء، و القوابل حولها، فقال حبيبي جبرائيل: يا محمّد أسجف بينها و بينك (2)سجفا، فإذا وضعت بعليّ فتلقّاه، ففعلت ما أمرت به.
ثمّ قال لي: أمدد يدك يا محمّد فإنّه صاحبك اليمين، فمددت يدي نحو أمّه، فإذا بعليّ مائلا على يديّ واضعا يده اليمنى في أذنه اليمنى و هو يؤذّن، و يقيم بالحنيفيّة، و يشهد بوحدانيّة اللّه عزّ و جلّ و برسالتي (3)، ثم انثنى إليّ و قال: السلام عليك يا رسول اللّه (4).
ثمّ قال لي: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أقرأ؟ قلت: إقرأ، فوالّذي نفس محمّد بيده لقد ابتدأ بالصحف الّتي أنزلها اللّه عزّ و جلّ على آدم عليه السلام فقام بها شيث، فتلاها من أوّل حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتّى لو حضر بها شيث عليه السلام، لأقرّ له بأنّه أحفظ لها منه (5).
ثمّ قرأ توراة موسى عليه السلام، حتّى لو حضر موسى عليه السلام، لأقرّ بأنّه أحفظ لها منه، ثمّ قرأ زبور داود، حتّى لو حضر داود عليه السلام، لأقرّ بأنّه أحفظ لها منه.
ثمّ قرأ إنجيل عيسى، حتى لو حضر عيسى عليه السلام، لأقرّ بأنّه أحفظ له منه.
ص:58
ثمّ قرأ القرآن الذي أنزل اللّه تعالى عليّ من أوّله إلى آخره، فوجدته يحفظه كحفظي له الساعة من غير أن أسمع منه آية، ثمّ خاطبني و خاطبته بما يخاطب به الأنبياء و الأوصياء، ثمّ عاد إلى حال طفوليّته، و هكذا أحد عشر إماما من نسله يفعل في ولادته مثل ما فعل الأنبياء (1)فلم تحزنون و ماذا عليكم من قول أهل الشك و الشرك باللّه تعالى؟ هل تعلمون أنّي أفضل النبيّين و أنّ وصيّي أفضل الوصيّين؟
و أنّ أبي آدم عليه السلام لما رآى إسمي و اسم عليّ و اسم ابنتي فاطمة و الحسن و الحسين و أسماء أولادهم مكتوبة على ساق العرش بالنور، قال: إلهي و سيّدي هل خلقت خلقا هو أكرم عليك منّي؟ فقال: يا آدم لو لا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنيّة، و لا أرضا مدحيّة، و لا ملكا مقرّبا، و لا نبيّا مرسلا، و لا خلقتك يا آدم.
فلمّا عصى آدم ربّه سأله بحقّنا أن يقبل توبته، و يغفر خطيئته، فأجابه، و كنّا الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه عزّ و جلّ فتاب عليه، و غفر له، و قال له: يا آدم أبشر، فإنّ هذه الأسماء من ذرّيتك و ولدك، فحمد آدم ربّه عزّ و جلّ، و افتخر على الملائكة (2)، و إنّ هذا من فضلنا، و فضل اللّه علينا.
فقام سلمان و من معه و هم يقولون: نحن الفائزون فقال لهم (3)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنتم الفائزون، و لكم خلقت الجنّة، و لأعدائنا و أعدائكم خلقت النار (4).
ص:59
ص:60
«في شدة يقينه عليه السلام و إيمانه»
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد الشحّام (1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، جلس إلى حائط مايل يقضي بين الناس، فقال بعضهم:
لا تقعد تحت هذا الحائط، فإنّه معوّر (2)، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
حرس امرءا (3)أجله، فلمّا قام سقط الحائط، قال: و كان أمير المؤمنين عليه السلام ممّا يفعل هذا و أشباهه، و هذا اليقين (4).
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي حمزة، عن سعيد بن قيس الهمداني (5)قال: نظرت يوما في الحرب إلى رجل، عليه ثوبان فحرّكت فرسي، فإذا هو
ص:61
أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع 1؟ فقال: نعم، يا سعيد بن قيس، إنّه ليس من عبد إلاّ و له من اللّه عزّ و جلّ حافظ و واقية، معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خلّيا بينه و بين كلّ شيء 2.
3-و عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الرحمن العرزمي 3، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان قنبر 4غلام عليّ عليه السلام يحبّ عليّا عليه السلام حبّا شديدا، فإذا خرج عليّ عليه السلام خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة، فقال: يا قنبر مالك؟ فقال: جئت لأمشي خلفك فإنّ الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين فخفت عليك 5يا أمير المؤمنين قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض؟ فقال: لا بل من أهل الأرض، فقال: إنّ أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلاّ بإذن اللّه من السماء فارجع، فرجع 6.
4-و منه الحديث المشهور المرويّ عنه عليه السلام، «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» 7.
5-ابن شهر اشوب، من طريق المخالفين، عن أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن سميّ 8، عن أبي صالح 9عن أبي هريرة، و ابن عباس
ص:62
في قوله تعالى: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (1)يقول: يا محمّد لا يكذّبك عليّ بن أبي طالب بعد ما آمن بالحساب (2).
قلت: و هو المرويّ عن الصادق عليه السلام في تفسير عليّ بن إبراهيم (3).
6-ابن شهر اشوب: كان عليه السلام يطرق بين الصفّين بصفّين في غلالة (4)فقال الحسن عليه السلام: ما هذا زيّ الحرب فقال: يا بني إنّ أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه.
و لمّا ضربه ابن ملجم قال: فزت و ربّ الكعبة (5).
7-السيد الرضي في «الخصائص» عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
ما شككت في الحقّ منذ أريته (6).
8-و قال عليه السلام: عجبت لمن شكّ في اللّه و هو يرى خلق اللّه، و عجبت لمن أنكر النشأة الأخرى و هو يرى النشأة الأولى (7).
9-كتاب سليم بن قيس الهلالي (8)قال: قال ابن قيس (9): يا ابن أبي
ص:63
طالب ما منعك حين بويع (1)أخو بني تيم بن مرّة، و أخو عدي، و أخو بني أميّة بعدهما أن تقاتل و تضرب بسيفك؟ فإنّك لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلاّ قلت فيها (2): و اللّه إنّي أولى النّاس بالنّاس، و ما زلت مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟ قال (3): قد قلت فاستمع الجواب، لم يمنعني من ذلك الجبن و لا كراهة للقاء ربّي و أن لا أكون أعلم بأن ما عند اللّه خير لي من الدنيا بما فيها، و لكنّي منعني من ذلك أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عهده إليّ، أخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما الأمّة صانعة بعده فلم أك بما صنعوا حين عاينته بأعلم، و لا أشدّ يقينا به منّي قبل ذلك، بل أنا بقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أشدّ يقينا بما عاينت و شاهدت، فقلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فما تعهد إليّ إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم، و جاهدهم، و إن لم تجد أعوانا، فكفّ يدك و احقن دمك حتّى تجد على إقامة كتاب اللّه و سنّتي أعوانا.
و أخبرني: أنّ الأمّة ستخذلني و تبايع غيري، و تتّبع غيري، و أخبرني صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنّي منه بمنزلة هارون من موسى، و أنّ الأمّة سيصيرون بعده بمنزلة هارون و من تبعه و منزلة العجل و من تبعه. إذ قال له موسى: يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي (4)قال يا اِبْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي (5)و قال يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (6)و إنما يعني أنّ موسى أمّر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلّوا ثمّ
ص:64
وجد أعوانا أن يجاهدهم، و إن لم يجد أعوانا أن يكفّ يده، و يحقن دمه، و لا يفرّق بينهم، و إنّي خشيت أن يقول ذلك أخي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
فرّقت بين الأمّة، و لم ترقب قولي، و قد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا فكفّ يدك، و احقن دمك و دم أهل بيتك و شيعتك.
فلمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قام (1)الناس إلى أبي بكر فبايعوه، و أنا مشغول بغسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ شغلت بالقرآن و آليت (2)على نفسي أن لا أرتدي برداء إلاّ للصلاة حتّى أجمعه في كتاب (3)، ثمّ حملت فاطمة، و أخذت بيد ابنيّ الحسن و الحسين عليهما السلام، فلم أدع أحدا من أهل بدر، و أهل السابقة، من المهاجرين و الأنصار إلاّ ناشدتهم اللّه في حقي، و دعوتهم إلى نصرتي، فلم يستجب لي من الناس (4)إلاّ أربعة رهط: الزبير، و سلمان، و أبو ذر، و المقداد، و لم يبق معي من أهل بيتي أحد أصول به، و لا أقوّي به (5).
قال مؤلّف هذا الكتاب: أنظر إلى كلام أمير المؤمنين عليه السلام في قوله عليه السلام: «بل أنا بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أشدّ يقينا بما عاينت، و شاهدت» ففيه العجب العجيب من شدّة اليقين.
10-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال:
حدّثنا صالح بن أحمد بن أبي مقاتل القيراطي (6)، و محمد بن القاسم بن زكريّا
ص:65
المحاربيّ (1)قال: حدّثنا أبو طاهر محمّد بن تسنيم الحضرمي (2)الورّاق، قال:
حدّثنا جعفر بن محمّد بن حكيم الخثعمي (3)، عن إبراهيم بن عبد الحميد (4)، عن رقبة بن مصقلة بن عبد اللّه بن خوتعة (5)، عن ابيه، عن جدّه عبد اللّه قال: قدمنا وفد عبد القيس (6)في إمارة عمر بن الخطّاب فسأله رجلان عن طلاق الأمة فقام معهما و قال: انطلقا فجاء إلى حلقة فيها رجل أصلع، فقال:
يا أصلع كم (7)طلاق الأمة؟ قال: فأشار بإصبعه: هكذا، يعني اثنتين.
قال: فالتفت عمر إلى الرجلين، فقال: طلاقها اثنتان، فقال له أحدهما: سبحان اللّه! جئناك و أنت أمير المؤمنين فسألناك، فجئت إلى رجل و اللّه ما كلّمك، فقال عمر: ويلك أتدري من هذا؟ هذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لو أنّ السموات و الأرض وضعتا في كفّة و وضع إيمان عليّ في كفة لرجّح إيمان عليّ (8).
11-و رواه من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفّق بن أحمد (9)من أعيان علماء المخالفين قال: أنبأني مهذّب الأئمة أبو المظفّر عبد الملك بن عليّ بن محمد الهمداني (10)نزيل بغداد إجازة، أخبرنا أبو سعد أحمد بن عبد الجبار
ص:66
الصيرفي (1)، حدّثنا أبو محمّد الحسن بن محمّد (2)إذنا، حدّثنا أبو الحسن عليّ بن عمر بن مهدي الدارقطني (3)، حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي (4)، حدّثنا عليّ بن الحسن التيميّ (5)حدّثنا جعفر بن محمد بن حكيم، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن رقبة بن مصقلة العبدي، عن أبيه، عن جدّه، عن عمر بن الخطّاب، قال: أشهد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سمعته و هو يقول: لو أنّ السموات السبع و الأرضين السبع، وضعت في كفّة ميزان و وضع إيمان علي بن أبي طالب في كفّه ميزان لرجّح إيمان عليّ عليه السلام (6).
12-و عنه، قال: أخبرنا العلاّمة فخر خوارزم أبو القاسم محمود الزمخشريّ (7)، أخبرنا الأستاذ الأمين أبو الحسن عليّ بن مردك الرازيّ (8)، أخبرنا الحافظ أبو سعد إسماعيل بن عليّ بن الحسين السّمان (9)، أخبرنا أبو القسم عليّ بن الحسين الغروي بالكوفة، أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن عليّ المرهبي، حدّثنا عليّ بن العبّاس، حدّثنا محمّد بن تسنيم أبو الطاهر الورّاق، حدّثنا جعفر بن محمّد بن حكيم الخثعمي، حدّثنا إبراهيم بن عبد الحميد، عن رقبة بن مصقلة بن عبد اللّه بن خوتعة بن صبرة، عن أبيه، عن جدّه، قال:
جاء رجلان إلى عمر، فقالا له: ما ترى في طلاق الأمة؟ فقام إلى حلقة فيها رجل أصلع، فقال: ما ترى في طلاق الأمة؟ فقال بيده (10): اثنتان.
ص:67
فالتفت (1)إليهما فقال: اثنتان. فقال أحدهما (2): جئناك و أنت أمير المؤمنين، فسألناك عن طلاق الأمة فجئت إلى رجل، فسألته، فو اللّه ما كلّمك، فقال عمر: ويلك أتدري من هذا؟ هذا عليّ بن طالب رضي اللّه عنه، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لو أنّ السموات و الأرض وضعت في كفّة، و وزن إيمان عليّ بن أبي طالب عليه السلام لرجّح إيمان عليّ (3).
13-و عنه، قال: أخبرنا سيّد الحفاظ أبو منصور بن شهردار بن شيرويه الديلميّ (4)فيما كتب إليّ من همدان، أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد اللّه بن عبدوس الهمدانيّ (5)كتابة، حدّثني الشيخ أبو طاهر الحسين بن عليّ بن سلمة (6)(رض) عن «مسند» (7)زيد بن علي عليهما السلام حدّثنا الفضل بن الفضل بن العبّاس (8)، حدّثنا أبو عبد اللّه محمد (9)بن سهل، حدّثنا عبد اللّه بن محمد البلوي (10)حدثنا إبراهيم بن عبيد اللّه بن العلاء (11)، حدّثني
ص:68
أبي، عن زيد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يوم فتحت خيبر: لو لا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالا بحيث لا تمرّ على ملاء من المسلمين إلاّ و أخذوا من تراب رجليك (1)، و فضل طهورك يستشفون به، و لكن حسبك أن تكون منّي، و أنا منك، ترثني وارثك، و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.
يا عليّ أنت تؤدّي ديني، و تقاتل على سنّتي، و أنت في الآخرة أقرب الناس منّي، و إنّك غدا على الحوض خليفتي، تذود عنه المنافقين، و أنت (2)أوّل من يرد عليّ الحوض، و أنت أوّل داخل في الجنّة من أمّتي، و أنّ شيعتك على منابر من نور، رواء، مرويّون مبيضّة وجوههم حولي، أشفع لهم فيكونون غدا جيراني (3)، و إنّ أعدائك غدا ظماء مظمؤون، مسودّة وجوههم، مفحمون (4)، حربك حربي و سلمك سلمي، و سرّك سرّي، و علانيتك علانيتي و سريرة صدرك كسريرة صدري.
و أنت باب علمي و أنّ ولدك ولدي، و لحمك لحمي و دمك دمي و أنّ الحقّ معك و الحقّ على لسانك (5)، و في قلبك و بين عينيك، و الإيمان مخالط لحمك و دمك، كما خالط لحمي و دمي.
و إنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن أبشرّك: أنّك و عترتك في الجنّة (6)، و أنّ
ص:69
عدوّك في النار، لا يرد عليّ الحوض مبغض لك، و لا يغيب عنه محبّ لك قال: قال عليّ عليه السلام: فخررت ساجدا للّه تعالى و حمدته على ما أنعم به عليّ من الإسلام و القرآن و حبّبني إلى خاتم النبيّين و سيّد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1).
ص:70
«فيما ذكره الحسن عليه السلام من سوابق أبيه عليه السلام»
1-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل قال: حدّثني أبو العبّاس: أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمدانيّ بالكوفة قال:
حدّثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعريّ (1)قال: حدّثنا عليّ بن حسّان الواسطي (2)قال: حدّثنا عبد الرحمن بن كثير (3)، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه: عليّ بن الحسين عليهم السلام قال: لمّا أجمع الحسن بن عليّ عليهما السلام على صلح معاوية، خرج حتّى لقيه، فلمّا اجتمعا قام معاوية خطيبا، فصعد المنبر و أمر الحسن عليه السلام أن يقوم أسفل منه بدرجة، ثمّ تكلّم معاوية فقال: أيّها الناس هذا الحسن بن علي عليه السلام و ابن فاطمة عليها السلام رآنا للخلافة أهلا و لم ير نفسه لها أهلا و قد أتانا ليبايع طوعا.
ثمّ قال: قم يا حسن فقام الحسن عليه السلام فخطب فقال: الحمد للّه المستحمد بالآلاء و تتابع النعماء و صارف الشدائد و البلاء عند الفهماء و غير الفهماء، المذعنين من عباده، لامتناعه بجلاله، و كبريائه و علوّه عن لحوق
ص:71
الأوهام ببقائه، المرتفع عن كنه طيّات (1)المخلوقين من أن تحيط بمكنون غيبه رويّات عقول الرائين، و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده في ربوبيّته و وحدانيّته، صمدا لا شريك له، فردا لا ظهير له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله اصطفاه و انتجبه، و ارتضاه، و بعثه داعيا إلى الحقّ و سراجا منيرا، و للعباد ممّا يخافون نذيرا، و لما يأملون بشيرا، فنصح للأمّة و صدع بالرسالة، و أبان لهم درجات العمّالة، شهادة عليها أموت و أحشر، و بها في الآجلة أقرّب و أحبر، و أقول:
معشر الخلائق فاسمعوا، و لكم أفئدة و أسماع فعوا، إنّا أهل بيت أكرمنا اللّه بالإسلام، و اختارنا و اصطفانا و اجتبانا فأذهب عنّا الرّجس و طهرنا تطهيرا، و الرجس هو الشكّ، فلا نشكّ في اللّه الحقّ و دينه أبدا، و طهّرنا من كلّ أفن و غيّة (2)مخلصين إلى آدم نعمة منه، لم يفترق الناس قطّ فرقتين إلاّ جعلنا اللّه في خيرهما فأدّت الأمور و أفضت الدهور إلى أن بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للنبوّة، و اختاره للرسالة، و أنزل عليه كتابه (3)، ثمّ أمره بالدعاء إلى اللّه عزّ و جلّ.
فكان أبي عليه السلام أوّل من استجاب للّه تعالى و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أوّل من آمن و صدّق اللّه و رسوله، و قد قال اللّه في كتابه المنزل على نبيّه المرسل: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (4)فرسول اللّه الذي على بيّنة من ربّه، و أبي الذي يتلوه و هو شاهد منه.
و قد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين أمره أن يسير إلى مكّة و الموسم ببرائة: سر بها يا علي فانّي أمرت أن لا يسير بها إلاّ أنا أو رجل منّي، و أنت هو (5)، فعليّ عليه السلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رسول اللّه منه.
ص:72
و قال له نبيّ (1)اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين قضى بينه و بين أخيه جعفر بن أبي طالب (2)عليه السلام و مولاه زيد بن حارثة (3)في ابنة حمزة: أمّا أنت يا عليّ فمنّي و أنا منك، و أنت وليّ كلّ مؤمن من بعدي، فصدّق أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سابقا، و وقاه بنفسه، ثمّ لم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في كلّ موطن يقدّمه، و لكلّ شديدة يرسله، ثقة منه به و طمأنينة إليه، لعلمه بنصيحة للّه و رسوله، و أنّه أقرب المقرّبين من اللّه و رسوله و قد قال اللّه عزّ و جلّ: وَ اَلسّابِقُونَ اَلسّابِقُونَ أُولئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ (4)و كان أبي سابق السابقين إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى رسوله صلى اللّه عليه و آله، و أقرب الأقربين، فقد قال اللّه تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ اَلْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً (5).
فأبي كان أوّلهم إسلاما و إيمانا، و أوّلهم إلى اللّه و رسوله هجرة و لحوقا، و أوّلهم على وجده (6)و وسعه نفقة، قال سبحانه: وَ اَلَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (7).
فالناس من جميع الأمم، يستغفرون له، سبقه إيّاهم إلى الإيمان بنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ذلك أنّه لم يسبقه إلى الإيمان به أحد، و قد قال اللّه تعالى: وَ اَلسّابِقُونَ اَلْأَوَّلُونَ مِنَ اَلْمُهاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصارِ وَ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ،
ص:73
بِإِحْسانٍ رَضِيَ اَللّهُ عَنْهُمْ (1)فهو سابق جميع السابقين، فكما أنّ اللّه عزّ و جلّ فضّل السّابقين على المتخلّفين و المتأخّرين، فكذلك فضّل السابقين على السابقين.
و قد قال اللّه عزّ و جلّ: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ اَلْحاجِّ وَ عِمارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اَللّهِ (2)فهو المؤمن (3)باللّه و المجاهد في سبيل اللّه حقا، و فيه نزلت هذه الآية، و كان ممّن استجاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، عمّه حمزة، و جعفر ابن عمّه، فقتلا شهيدين رضي اللّه عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فجعل اللّه تعالى حمزة سيّد الشهداء من بينهم، و جعل لجعفر جناحين، يطير بهما مع الملائكة، كيف يشاء من بينهم، و ذلك لمكانهما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و منزلتهما و قرابتهما منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و صلّى رسول اللّه على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه، و كذلك جعل اللّه تعالى لنساء النبيّ صلى اللّه عليه و آله للمحسنة منهنّ أجرين، و للمسيئة منهنّ و زرين ضعفين، لمكانهنّ من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.
و جعل الصلاة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بألف صلاة في سائر المساجد إلا مسجد الحرام (4)و مسجد إبراهيم خليله عليه السلام بمكّة، و ذلك لمكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ربّه و فرض اللّه عزّ و جلّ الصلاة على نبيّه صلى اللّه عليه و آله على كافّة المؤمنين، فقالوا: يا رسول اللّه كيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: اللّهم صل على محمد و آل محمد، فحقّ
ص:74
على كلّ مسلم أن يصلّي علينا مع الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فريضة واجبة.
و أحلّ اللّه تعالى خمس الغنيمة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أوجبها له في كتابه، و أوجب لنا من ذلك ما أوجب له، و حرّم عليه الصدقة و حرّمها علينا معه، فأدخلنا فله الحمد فيما أدخل فيه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أخرجنا و نزّهنا ممّا أخرجه منه و نزّهه، كرامة أكرمنا اللّه عزّ و جلّ بها، و فضيلة فضّلنا بها على سائر العباد، فقال اللّه تعالى لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين جحده كفرة أهل الكتاب و حاجّوه: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّهِ عَلَى اَلْكاذِبِينَ (1).
فأخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الأنفس معه أبي، و من البنين أنا و أخي، و من النساء أمّي فاطمة من الناس جميعا، فنحن أهله، و لحمه، و دمه، و نفسه، و نحن منه و هو منّا و قد قال اللّه تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2)فلمّا نزلت آية التطهير، جمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا و أخي و أمّي و أبي فجعلنا و نفسه في كساء لأمّ سلمة خيبريّ، و ذلك في حجرتها و في يومها، فقال: أللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، و هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا، فقالت أمّ سلمة رضي اللّه عنها: أنا أدخل معهم يا رسول اللّه؟ ! فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يرحمك اللّه أنت على خير و إلى خير، و ما أرضاني عنك! و لكنّها خاصّة لي و لهم.
ثمّ مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد ذلك بقيّة عمره، حتى قبضه اللّه إليه يأتينا (في) كلّ يوم عند طلوع الفجر فيقول: الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .
ص:75
و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بسدّ الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا، فكلّموه في ذلك، فقال: أما إنّي لم أسدّ أبوابكم، و أفتح باب عليّ من تلقاء نفسي، و لكن أتّبع ما يوحى إليّ، إنّ اللّه أمر بسدّها و فتح بابه، فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و يولد فيه الأولاد، غير رسول اللّه و أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام تكرمة من اللّه تعالى لنا، و تفضّلا (1)اختصّنا به على جميع الناس.
و هذا باب أبي، قرين باب رسول اللّه في مسجده، و منزلنا بين منازل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و ذلك إنّ اللّه أمر نبيّه صلى اللّه عليه و آله أن يبني مسجده، فبنا فيه عشرة أبيات تسعة لبنيه و أزواجه، و عاشرها، و هو متوسّطها، لأبي، فها هو بسبيل مقيم، و البيت هو المسجد المطهّر، و هو الذي قال اللّه تعالى: «أهل البيت» فنحن أهل البيت، و نحن الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.
أيّها الناس إنّي لو قمت حولا فحولا، أذكر الذي أعطانا اللّه عزّ و جلّ و خصّنا به من الفضل في كتابه و على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لم أحصه، و أنا ابن النبيّ النذير البشير و السراج المنير، الذي جعله اللّه رحمة للعالمين، و أبي عليّ عليه السلام وليّ المؤمنين و شبيه هارون، و إنّ معاوية بن صخر زعم أنّي رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لها أهلا، فكذب معاوية.
و أيم اللّه لأنّا أولى الناس بالناس في كتاب اللّه، و على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، غير أنّا لم نزل أهل البيت، مخيفين مظلومين مضطهدين (2)، منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فاللّه بيننا و بين من ظلمنا حقّنا، و نزل على رقابنا، و حمل الناس عى أكتافنا، و منعنا سهمنا في كتاب اللّه من الفيء و الغنائم، و منع أمّنا فاطمة عليها السلام إرثها من أبيها، إنّا لا نسمّي أحدا و لكن أقسم باللّه قسما تأليّا، لو أنّ الناس سمعوا قول اللّه
ص:76
عزّ و جلّ و رسوله صلى اللّه عليه و آله لأعطتهم السماء قطرها، و الأرض بركتها، و لما اختلف في هذه الأمّة سيفان، و لأكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة، و إذا ما طمعت فيها، يا معاوية و لكنّها لمّا أخرجت سالفا من معدنها، و زحزحت عن قواعدها، تنازعتها قريش بينها، و ترامتها كترامي الكرة، حتّى طمعت فيها أنت يا معاوية و أصحابك من بعدك.
و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما ولّت أمة أمرها رجلا قط، و فيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا، و قد تركت بنو إسرائيل، و كان أصحاب موسى، هارون أخاه و خليفته و وزيره، و عكفوا على العجل و أطاعوا فيه سامريّهم، و يعلمون أنّه خليفة موسى عليه السلام: و قد سمعت هذه الأمّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول ذلك لأبي عليه السلام: إنه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنّه لا نبيّ بعدي.
و قد رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين نصبه لهم بغدير خم، و سمعوه و نادى له بالولاية، ثم أمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب، و قد خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حذرا من قومه إلى الغار، لمّا أجمعوا أن يمكروا به، و هو يدعوهم لمّا لم يجد عليهم أعوانا، و لو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم، و قد كفّ أبي يده، و ناشدهم و استغاث أصحابه، فلم يغث، و لم ينصر، و لو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم، و قد جعل في سعة كما جعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سعة، و قد خذلتني الأمّة و بايعتك يابن حرب و لو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك، و قد جعل اللّه عزّ و جلّ هارون في سعة حين استضعفه قومه و عادوه، كذلك أنا و أبي في سعة من اللّه حين تركتنا الأمّة و بايعت غيرنا، و لم نجد عليهم أعوانا و إنّما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا.
أيّها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق و المغرب رجلا، جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أبوه وصيّ رسول اللّه لم تجدوا غيري و غير أخي،
ص:77
فاتّقوا اللّه و لا تضلّوا بعد البيان، و كيف بكم و أنّى ذلك لكم (1)؟ ألا و إنّي قد بايعت هذا، و أشار بيده إلى معاوية، و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين.
أيّها الناس إنّه لا يعاب أحد بترك حقّه، و إنّما يعاب أن يأخذ ما ليس له، و كلّ صواب نافع، و كلّ خطأ ضارّ لأهله، و قد كانت القضيّة ففهّمها سليمان فنفعت سليمان و لم تضرّ داود.
و أمّا القرابة، فقد نفعت المشرك، و هي و اللّه للمؤمن أنفع، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّه أبي طالب و هو في الموت: قل: لا إله إلاّ اللّه أشفع لك بها يوم القيامة، و لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول له و يعد إلاّ ما يكون منه على يقين، و ليس ذلك لأحد من الناس كلّهم غير شيخنا، أعني أبا طالب (2)، يقول اللّه عزّ و جلّ: وَ لَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ اَلْآنَ وَ لاَ اَلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (3).
أيّها الناس اسمعوا، وعوا، و اتّقوا اللّه، و راجعوا، و هيهات منكم الرجعة إلى الحقّ و قد صارعكم النكوص (4)و خامركم (5)الطغيان و الجحود، أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (6)و السلام على من اتبع الهدى.
ص:78
قال: فقال معاوية: و اللّه ما نزل الحسن عليه السلام حتى أظلمت عليّ الأرض و هممت أن أبطش (1)به، ثم علمت أنّ الإغضاء (2)أقرب إلى العافية (3).
2-و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللّه العرزمي (4)، عن أبيه، عن عمّار أبي اليقظان، عن أبي عمر زاذان (5)، قال: لمّا وادع الحسن بن عليّ عليه السلام معاوية، صعد معاوية المنبر، و جمع الناس فخطبهم، و قال: إنّ الحسن بن عليّ عليه السلام رآني للخلافة أهلا، و لم ير نفسه لها أهلا، و كان الحسن عليه السلام أسفل منه بمرقاة، فلمّا فرغ من كلامه، قام الحسن عليه السلام، فحمد اللّه تعالى بما هو أهله، ثمّ ذكر المباهلة فقال: فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الأنفس بأبي، و من الأبناء بي و بأخي، و من النّساء بأمّي، و كنّا أهله، و نحن آله و هو منّا و نحن منه.
و لمّا نزلت آية التطهير، جمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كساء لأمّ سلمة رضي اللّه عنها خيبريّ، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و عترتي، فاذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا، فلم يكن أحد في الكساء غيري و أخي و أبي و أمّي، و لم يكن أحد يجنب في المسجد و يولد له فيه إلاّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أبي، تكرمة من اللّه تعالى بنا و تفضيلا منه لنا، و قد رأيتم مكان منزلنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و أمر بسدّ الأبواب فسدّها و ترك بابنا، فقيل له في ذلك فقال: أما إنّي لم
ص:79
أسدّها و أفتح بابه، و لكنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن أسدّها و أفتح بابه، و أنّ معاوية زعم لكم أنّي رأيته للخلافة أهلا، و لم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب اللّه و على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض اللّه تعالى نبيّه صلى اللّه عليه و آله، فاللّه بيننا و بين من ظلمنا حقّنا، و توثّب على رقابنا، و حمل الناس علينا، و منعنا سهمنا من الفيء، و منع أمّنا ما جعل لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و أقسم باللّه، لو أنّ الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأعطتهم السماء قطرها، و الأرض بركتها، و ما طمعت فيها يا معاوية فلمّا خرجت من معدنها، تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء و أبناء الطلقاء: أنت و أصحابك، و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما ولّت أمّة أمرها رجلا و فيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا.
فقد تركت بنو إسرائيل هارون، و هم يعلمون أنّه خليفة موسى فيهم و اتّبعوا السامريّ، و قد تركت هذه الأمّة أبي و بايعوا غيره، و قد سمعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة، و قد رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصب أبي يوم غدير خمّ و أمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب.
و قد هرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من قومه و هو يدعوهم إلى اللّه تعالى حتّى دخل الغار، و لو وجد أعوانا ما هرب، و قد كفّ أبي يده حين ناشدهم و استغاث فلم يغث، فجعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه، و جعل اللّه النبيّ صلى اللّه عليه و آله في سعة حين دخل الغار و لم يجد أعوانا، و كذلك أبي و أنا في سعة من اللّه حين خذلتنا هذه الأمّة و بايعوك يا معاوية، و إنّما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا.
أيّها الناس إنّكم لو التمستم فيما بين المشرق و المغرب أن تجدوا رجلا ولّده
ص:80
نبيّ غيري و أخي لم تجدوا، و إنّي قد بايعت هذا «و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين» (1)(2).
ص:81
ص:82
«في ترتيب أحواله عليه السلام عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله»
1-الشيخ في «أماليه» قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه اللّه قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ، عن إبراهيم بن هاشم، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عذافر (1)، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحزور (2)، عن القاسم (3)، عن أبي سعيد قال: أتت فاطمة عليها السلام (4)النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فذكرت عنده ضعف الحال، فقال لها: أما تدرين ما منزلة عليّ عندي؟ كفاني أمري و هو ابن اثني عشرة سنة، و ضرب بين يديّ بالسيف و هو ابن ست عشرة سنة، و قتل الأبطال و هو ابن تسع عشرة سنة، و فرّج همومي و هو ابن عشرين سنة، و رفع باب خيبر و هو ابن اثنتين و عشرين سنة (5)، و كان قد لا يرفعه خمسون رجلا.
قال: فأشرق لون فاطمة عليها السلام و لم تقرّ قدماها على الأرض حتّى
ص:83
أتت عليّا عليه السلام، فأخبرته، فقال: كيف و لو حدّثك بفضل اللّه كلّه عليّ (1)(2).
و هذا الحديث مرويّ بهذا الإسناد في «أمالي» ابن بابويه، عن أبي سعيد الخدريّ.
2-محمد بن يعقوب، قال: حدّثنا محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ (3)، عن صفوان (4)، عن محمد بن زياد بن عيسى (5)، عن الحسين بن مصعب (6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كنت (7)أنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على اليسر و العسر و البسط و الكره إلى أن كثر الإسلام و كثف (8).
قال: و أخذ عليهم (9)عليّ عليه السلام أن يمنعوا محمدا و ذرّيته ممّا يمنعون منه أنفسهم و ذراريهم، فأخذتها عليهم، نجا من نجا، و هلك من هلك (10).
3- «كشف الغمّة» عن الأصبغ بن نباتة قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب ذات يوم، فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلّى على النبيّ
ص:84
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم قال: أيّها الناس اسمعوا مقالتي وعوا كلامي، إنّ الخيلاء (1)من التجبّر، و النخوة من الكبر، و أنّ الشيطان عدوّ حاضر يعدكم الباطل.
ألا إنّ المسلم أخو المسلم فلا تنابزوا، و لا تجادلوا (2)، فإنّ شرائع الدين واحدة، و سبله قاصدة، من أخذ بها لحق و من تركها مرق (3)، و من فارقها محق (4)، ليس المسلم بالخائن إذا ائتمن، و لا بالمخلف إذا وعد، و لا بالكذوب إذا نطق.
نحن أهل بيت الرحمة، و قولنا الحقّ، و فعلنا القسط، و منّا خاتم النبيّين، و فينا قادة الإسلام و أمناء الكتاب، ندعوكم إلى اللّه و رسوله و إلى جهاد عدوّه، و الشدة في أمره، و ابتغاء رضوانه و إلى إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و حجّ البيت، و صيام شهر رمضان، و توفير الفيء لأهله.
ألا و إنّ أعجب العجب أنّ معاوية بن أبي سفيان الأموي، و عمرو بن العاص السهمي يحرّضان الناس على طلب الدين بزعمهما، و إنّي و اللّه لم أخالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قطّ، و لم أعصه في أمر قطّ، أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، و ترعد فيها الفرائص (5)بقوّة، أكرمني اللّه بها، فله الحمد، و لقد قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إنّ رأسه لفي حجري، و لقد ولّيت غسله بيدي، تقلّبه الملائكة المقرّبون معي، و أيم اللّه ما اختلفت أمّة بعد نبيّها إلاّ ظهر باطلها على حقّها إلاّ ما شاء اللّه (6).
ص:85
ص:86
«في تورطه في صعب الأمور رضا للّه عزّ و جلّ و لرسوله»
1-الشيخ في «مجالسه» أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل قال: حدّثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني بالكوفة قال: حدّثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري، قال: حدّثنا عليّ بن حسان الواسطي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن كثير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن الحسين، عن الحسن عليهما السلام في حديث له، و صدّق أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سابقا، و وقاه بنفسه، ثمّ لم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كلّ موطن يقدّمه، و لكلّ شديدة يرسله ثقة منه به، و طمأنينة إليه، لعلمه بنصيحته للّه عزّ و جلّ (1).
2-و عنه في «أماليه» ، قال: أخبرنا محمد بن محمد، يعني المفيد، قال:
أخبرني محمد بن أحمد بن عبيد اللّه المنصوري (2)قال: حدّثنا سلمان بن سهل (3)، قال: حدّثنا عيسى بن إسحاق القرشي، قال: حدّثنا حمدان بن عليّ الخفاف، قال: حدّثنا عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر
ص:87
محمد بن عليّ عليهما السلام، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهما السلام، عن محمّد بن عمّار بن ياسر (1)عن أبيه عمّار رضي اللّه عنه أنّه قال أي العباس بن عبد المطّلب: لم يولد لعبد المطّلب مولود أعظم بركة من عليّ عليه السلام إلاّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إنّ عليّا عليه السلام لم يزل أسبقهم إلى كلّ مكرمة و أعلمهم لكلّ قضيّة، و أشجعهم في الكريهة، و أشدّهم جهادا للأعداء في نصرة الحنيفيّة، و أوّل من آمن باللّه و رسوله (2).
3-ابن بابويه في «أماليه» ، قال: حدّثنا محمد بن معقل القرميسيني، عن جعفر الوراق، قال: حدّثنا محمد بن الحسن الأشج، عن يحيى بن زيد بن عليّ (3)، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام، قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم، و صلّى الفجر، ثمّ قال: معاشر الناس أيّكم ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلوا باللاّت و العزّى ليقتلوني، و قد كذبوا و ربّ الكعبة؟ قال:
فأحجم الناس و ما تكلّم أحد، فقال: ما أحسب عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيكم.
فقام إليه عامر بن قتادة فقال: إنّه وعك في هذه الليلة، و لم يخرج يصلّي معك أفتأذن لي أن أخبره عليه السلام؟ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
شأنك فمضى إليه، فأخبره فخرج أمير المؤمنين عليه السلام كأنّه نشط من عقال، و عليه إزار قد عقد طرفيه على ردائه فقال: يا رسول اللّه ما هذا الخبر؟ قال: هذا رسول ربّي يخبرني عن ثلاثة نفر قد نهضوا إليّ لقتلي، و قد كذبوا و ربّ الكعبة.
فقال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه أنا لهم سرية وحدي، هوذا ألبس
ص:88
عليّ ثيابي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بل هذه ثيابي، و هذا درعي، و هذا سيفي، فدرّعه و عمّمه و قلّده و أركبه فرسه، و خرج أمير المؤمنين عليه السلام فمكث ثلاثة أيّام، لا يأتيه جبرئيل بخبره، و لا خبر من الأرض، و أقبلت فاطمة عليها السلام و الحسن و الحسين عليهما السلام على و ركيها، تقول: أوشك أن يؤتم هذان الغلامان، فأسبل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عينه يبكي، قال: معاشر الناس من يأتيني بخبر عليّ أبشّره بالجنة، و افترق الناس في الطلب، لعظيم ما رأوا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و خرج العواتق، فأقبل عامر بن قتادة، يبشّر بعليّ عليه السلام.
و هبط جبرئيل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأخبره بما كان فيه، و أقبل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، معه أسيران و رأس، و ثلاثة أبعرة، و ثلاثة أفراس، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله تحبّ أن أخبرك بما كنت فيه يا أبا الحسن؟ فقال المنافقون: هو منذ ساعة قد أخذه المخاض، و هو الساعة يريد أن يحدّثه! فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بل تحدّث أنت يا أبا الحسن لتكون شهيدا على القوم.
فقال: نعم يا رسول اللّه، لمّا صرت في الوادي، رأيت هؤلاء ركبانا على الأباعر، فنادوني، من أنت؟ فقلت: أنا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقالوا: ما نعرف للّه من رسول، سواء علينا وقعنا عليك أو على محمد، و شدّ عليّ هذا المقتول، و دار بيني و بينه ضربات، و هبّت ريح حمراء، سمعت صوتك فيها يا رسول اللّه و أنت تقول: قد قطعت لك جربّان (1)درعه، فاضرب حبل عاتقه، فضربته، فلم أحفه (2)، ثمّ هبّت ريح صفراء (3)، سمعت صوتك فيها يا رسول اللّه و أنت تقول: قد قلبت لك الدرع عن فخذه فاضرب فخذه، فضربته و وكزته (4)و قطعت رأسه، و رميت به،
ص:89
و قال لي: هذان الرجلان: بلغنا أنّ محمدا رفيق شفيق رحيم، فأحملنا إليه و لا تعجل علينا، و صاحبنا كان يعدّ بألف فارس.
فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا علي أمّا الصوت الأوّل الّذي صكّ مسامعك فصوت جبرئيل، و أمّا الآخر، فصوت ميكائيل، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قدم إليّ أحد الرجلين، فقدّمه فقال: قل: لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أنّي رسول اللّه، فقال: لنقل جبل أبي قبيس، أحبّ إليّ من أن أقول هذه الكلمة، فقال: يا علي أخّره، و اضرب عنقه.
ثم قال: قدّم الآخر، فقال: قل: لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّي رسول اللّه، فقال: ألحقني بصاحبي، قال: يا علي أخّره و اضرب عنقه، فأخّره، و قام أمير المؤمنين عليه السلام ليضرب عنقه، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: يا محمد إنّ ربّك يقرئك السلام و يقول لك لا تقتله، لأنّه حسن الخلق، سخيّ في قومه، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا علي أمسك فإنّ هذا رسول ربّي يخبرني أنّه حسن الخلق، سخيّ في قومه، فقال اليهوديّ تحت السيف: هذا رسول ربّك يخبرك؟ قال: نعم. قال: و اللّه ما ملكت درهما مع أخ لي قطّ، و لا قطبت (1)وجهي في الحرب و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّك رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: هذا ممّن جرّه حسن خلقه و سخائه إلى جنّات النعيم (2).
4-و عن زيد بن علي، عن جدّه عليهم السلام، قال: كسرت يد عليّ عليه السلام يوم أحد، و في يده لواء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فحاماه المسلمون أن يأخذوه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ضعوه في يده الشمال، فإنّه صاحب لوائي في الدنيا و الآخرة.
5-و من طريق المخالفين، ما رواه موفّق بن أحمد، قال: أخبرنا الشيخ
ص:90
الإمام الحافظ الزاهد صفيّ الدين ثقة الحفاظ أبو داود محمد بن سليمان بن محمد الخيّام الهمداني (1)فيما كتب إليّ من همدان، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد (2)، و يحيى بن الحسن بن أحمد بن عبد اللّه البنّاء (3)ببغداد، قال: أخبرنا القاضي الشريف أبو الحسين محمد بن عليّ بن محمّد بن عبيد اللّه بن عبد الصمد بن المهتدي باللّه (4)قراءة عليه، أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين الواعظ (5)سنة ثلاث و ثلاثين و ثلاثمائة، حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث (6)، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم شاذان (7)، حدّثنا سعد بن الصلت (8)، حدّثنا أبو الجارود، عن أبي إسحاق (9)، عن الحارث، عن عليّ عليه السلام، قال: لمّا كان ليلة بدر قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من يستقي لنا من الماء؟ فأحجم الناس عنه، فقام عليّ عليه السلام: فاحتضن قربة (10)ثمّ أتى بئرا بعيدة القعر مظلمة، فانحدر فيها.
فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى جبرئيل، و ميكائيل، و إسرافيل عليهم السلام:
تأهّبوا لنصر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حزبه، فهبطوا من السماء لهم
ص:91
لغط (1)يذعر من يسمعه، فلمّا مرّوا بالبئر (2)سلّموا عليه (أعني أمير المؤمنين) من أولهم إلى آخرهم إكراما له و تبجيلا (3).
6-ابن شهر اشوب، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عبد اللّه بن الحارث (4)، عن أبيه، عن ابن عباس، و أبو عمرو عثمان بن أحمد (5)، عن محمد بن هارون (6)، بإسناده إلى ابن عبّاس في خبر طويل أنّه أصاب الناس عطش شديد في الحديبيّة، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هل من رجل يمضي مع السقاة إلى بئر ذات العلم، فيأتينا بالماء، و أضمن له على اللّه الجنة؟ فذهب جماعة فيهم سلمة بن الأكوع (7)، فلمّا دنوا من الشجرة و البئر، سمعوا حسّا و حركة شديدة، و قرع طبول، و رأوا نيرانا تتقد بغير حطب، فرجعوا خائفين، ثمّ قال: هل من رجل يمضي مع السقاة فيأتينا بالماء، أضمن له على اللّه الجنّة؟ فمضى رجل من بني سليم و هو يرتجز:
أمن عزيف (8)ظاهر نحو السّلم ينكل (9)من وجّهه خير الأمم
من قبل أن يبلغ آبار العلم فيستقي و الليل مبسوط بالظلم
و يأمن الذم و توبيخ الكلم
ص:92
فلمّا و صلوا إلى الحسّ رجعوا وجلين، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله:
هل من رجل يمضي مع السّقاة إلى البئر ذات العلم فيأتينا بالماء أضمن له على اللّه الجنّة؟ فلم يقم أحد، و اشتدّ بالناس العطش، و هم صيام، ثمّ قال لعليّ عليه السلام: سر مع هؤلاء السّقاة حتى ترد بئر ذات العلم، و تستقي، و تعود إن شاء اللّه، فخرج عليّ عليه السلام قائلا:
أعوذ بالرحمن أن أميلا من عزف جنّ أظهروا تأويلا
و أوقدت نيرانها تغويلا و قرّعت مع عزفها الطبولا
قال: فداخلنا الرعب، فالتفت عليّ عليه السلام إلينا، و قال: اتّبعوا أثري، و لا يفز عنكم ما ترون، و تسمعون، فليس بضائركم إن شاء اللّه، ثمّ مضى فلمّا دخلنا الشجر، فإذا بنيران تضرم من غير حطب، و أصوات هائلة و رؤوس مقطعة، لها ضجّة، و هو يقول: اتّبعوني و لا خوف عليكم، و لا يلتفت أحد منكم يمينا، و لا شمالا، فلمّا جاوزنا الشجرة، وردنا الماء، فأدلى البراء بن عازب دلوه في البئر، فاستقى دلوا أو دلوين، ثمّ انقطع الدلو فوقع في القليب، و القليب ضيق مظلم، بعيد القعر، فسمعنا في أسفل القليب قهقهة، و ضحكا شديدا.
فقال عليّ عليه السلام: من يرجع إلى عسكرنا فيأتينا بدلو و رشاء؟ فقال أصحابه: من يستطيع ذلك (1)؟ فاتزر بمئزر و نزل في القليب، و ما تزداد القهقهة إلاّ علوا، و جعل ينحدر في مراقي القليب إذ زلّت رجله، فسقط فيه، ثمّ سمعنا وجبة شديدة، و اضطرابا و غطيطا كغطيط المخنوق (2)ثمّ نادى علي عليه السلام اللّه أكبر اللّه أكبر، أنا عبد اللّه و أخو رسول اللّه هلموا قربكم، فافعمها (3)و اصعدها على عنقه شيئا فشيئا، و مضى بين أيدينا فلم نر شيئا، فسمعنا صوتا.
ص:93
أيّ فتى ليل أخي روعات و أيّ سبّاق إلى الغايات
للّه در الغرر السادات من هاشم الهامات و القامات
مثل رسول اللّه ذي الآيات أو كعليّ كاشف الكربات
كذا يكون المرء في الحاجات
فارتجز أمير المؤمنين عليه السلام:
الليل هول يرهب المهيبا و يذهل المشجّع اللبيبا
و إنّني أهول منه ذيبا و لست أخشى الروع و الخطوبا
إذا هززت الصارم القضيبا أبصرت منه عجبا عجيبا
و انتهى إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و له زجل (1)، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ماذا رأيت في طريقك يا عليّ؟ فأخبره بخبره كلّه، فقال: إنّ الذي رأيته مثل ضربه اللّه لي و لمن حضر معي في وجهي هذا قال عليّ عليه السلام: اشرحه لي يا رسول اللّه:
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أمّا الرؤوس التي رأيتهم لها ضجّة، و لألسنتها لجلجة، فذلك مثل قوم معي يقولون بأفواههم: ما ليس في قلوبهم، و لا يقبل اللّه منهم صرفا و لا عدلا، و لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا.
و أمّا النيران بغير حطب، ففتنة تكون في أمّتي بعدي، القائم فيها و القاعد سواء، لا يقبل اللّه لهم عملا، و لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا.
و أمّا الهاتف الذي هتف بك، فذاك سلقعة و هو سملعة بن عزّاف الذي قتل عدوّ اللّه مسعرا، شيطان الأصنام الذي كان يكلّم قريشا منها، و يشرع في هجائي.
عبد اللّه بن سالم (2)، انّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بعث سعد بن مالك (3)
ص:94
بالرّوايا يوم الحديبيّة، فرجع رعبا من القوم، ثمّ بعث آخر، فنكص فزعا، ثمّ بعث عليّا عليه السلام فاستسقى، ثمّ أقبل بها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فكبّر و دعا له بخير (1).
7-كتاب «هواتف الجنّ» (2): محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عبد اللّه بن الحارث، عن أبيه، قال: حدّثني سلمان الفارسي في خبر قال:
كنّا مع رسول اللّه في يوم مطير، و نحن ملتفّون نحوه، فهتف هاتف: السلام عليك يا رسول اللّه فردّ عليه السلام، و قال: من أنت؟ قال: عرفطة بن شمراخ أحد بني نجاح، قال: أظهر لنا رحمك اللّه في صورتك. قال سلمان:
فظهر لنا شيخ، أذب (3)أشعر، قد لبس وجهه شعر غليظ متكاثف قد واراه، و عيناه مشقوقتان طولا، و فمه في صدره فيه أنياب بادية طوال، و أظفاره كمخالب السباع، فقال الشيخ: يا نبيّ اللّه ابعث معي من يدعو قومي إلى الإسلام، و أنا أردّه إليك سالما.
فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله أيّكم يقوم معه فيبلّغ الجنّ عنّي، و له الجنّة؟ فلم يقم أحد، فقال ثانية و ثالثة: فقال عليّ: أنا يا رسول اللّه فالتفت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الشيخ فقال: وافني إلى الحرّة في هذه الليلة أبعث معك رجلا، يفصل حكمي، و ينطق بلساني، و يبلّغ الجنّ عنّي قال:
فغاب الشيخ، ثمّ أتى في الليل، و هو على بعير كالشأة، و معه بعير آخر كارتفاع الفرس، فحمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السلام، و حملني خلفه و عصب عيني، و قال: لا تفتح عينيك حتى تسمع عليّا يؤذّن، و لا
ص:95
يروعك ما تسمع (1)فإنّك آمن.
فسار (2)البعير فدفع سائرا يدفّ كدفيف (3)النعام، و عليّ عليه السلام يتلو القرآن، فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر، أذّن عليّ عليه السلام، و أناخ البعير، و قال: انزل يا سلمان فحللت عيني، و نزلت، فإذا أرض قوراء (4)، فأقام الصلاة، و صلّى بنا و لم أزل أسمع الحسّ حتى إذا سلّم عليّ عليه السلام التفت، فإذا خلق عظيم، و أقام عليّ عليه السلام يسبح ربّه حتّى طلعت الشمس.
ثمّ قام خطيبا، فخطبهم فاعترضته مردة منهم، فأقبل عليّ عليه السلام، فقال أبالحقّ تكذبون، و عن القرآن تصدفون، و بآيات اللّه تجحدون، ثمّ رفع طرفه إلى السماء، فقال: اللّهمّ بالكلمة العظمى و الأسماء الحسنى، و العزائم الكبرى، و الحيّ القيّوم، و محيي الموتى، و مميت الأحياء، و ربّ الأرض و السماء، يا حرسة الجن، و رصدة الشياطين، و خدام اللّه الشرهاليين، و ذوي الأرواح الطاهرة، اهبطوا بالجمرة التي لا تطفىء، و الشهاب الثاقب، و الشّواظ المحرق، و النّحاس القاتل، بكهيعص، و الطواسين، و الحواميم، و يس، و نون و القلم و ما يسطرون، و الذاريات، و النجم إذا هوى، و الطور و كتاب مسطور في رقّ منشور، و البيت المعمور، و الأقسام العظام، و مواقع النجوم لما أسرعتم الإنحدار إلى المردة المتولّعين و المتكبّرين الجاحدين آثار ربّ العالمين.
قال سلمان: فأحسست بالأرض من تحتي ترتعد، و سمعت في الهواء دويّا شديدا، ثمّ نزلت نار من السماء، صعق كلّ من رآها من الجنّ، و خرّت على وجوهها مغشيّا عليها، و سقطت أنا على وجهي، فلمّا أفقت إذا دخان يفور من الأرض، فصاح بهم عليّ عليه السلام: ارفعوا رؤوسكم فقد أهلك اللّه
ص:96
الظالمين، ثمّ عاد إلى خطبته، فقال: يا معشر الجنّ و الشياطين و الغيلان، و بني شمراخ، و آل نجاح و سكّان الآجام و الرمال و القفار، و جميع شياطين البلدان اعلموا أنّ الأرض قد ملئت عدلا، كما كانت مملوءة جورا، هذا هو الحقّ فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال، فأنّى تصرفون؟ فقالوا: آمنّا باللّه و رسوله و برسول رسوله، فلمّا دخلنا المدينة، قال النبي صلى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام: ماذا صنعت؟ قال: أجابوا و أذعنوا و قصّ عليه خبرهم، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: لا يزالون كذلك هائبين إلى يوم القيامة (1).
8-و من كتاب «الأنوار» (2)، خبر عطرفة الجنيّ بالاسناد، عن زاذان (3)، عن سلمان رضي اللّه عنه، قال: كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم جالسا بالأبطح، و عنده جماعة من أصحابه، و هو مقبل علينا بالحديث، إذ نظرنا إلى زوبعة (4)قد ارتفعت فأثارت الغبار، و ما زالت تدنو، و الغبار يعلو، إلى أن وقفت بحذاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم برز منها شخص كان فيها، ثم قال: يا رسول اللّه إنّي وافد قومي، و قد استجرنا بك فأجرنا، و ابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا، فإنّ بعضهم قد بغي علينا، ليحكم بيننا و بينهم بحكم اللّه و كتابه، و خذ عليّ العهود و المواثيق المؤكدة، أن أردّه إليك سالما في غداة غد، إلاّ أن تحدث عليّ حادثة من عند اللّه.
فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أنت و من قومك؟ قال:
أنا عطرفة بن شمراخ أحد بني نجاح، و أنا و جماعة من أهلي، كنّا نسترق
ص:97
السمع، فلمّا منعنا من ذلك آمنّا، و لمّا بعثك اللّه نبيّا، آمنّا بك على ما علمته و قد صدّقناك، و قد خالفنا بعض القوم، و أقاموا على ما كانوا عليه، فوقع بيننا و بينهم الخلاف، و هم أكثر منّا عددا و قوّة، و قد غلبوا على الماء و المراعي و أضرّوا بنا و بدوابّنا، فابعث معي من يحكم بيننا بالحقّ فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فاكشف لنا عن وجهك حتى نراك على هيئتك التي أنت عليها، قال: فكشف لنا عن صورته، فنظرنا فإذا شخص عليه شعر كثير، و إذا رأسه طويل، طويل العينين، عيناه في طول رأسه، صغير الحدقتين، له أسنان كأسنان السباع، ثمّ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخذ عليه العهد و الميثاق على أن يردّ عليه في غد، من يبعث به معه.
فلمّا فرغ من ذلك التفت إلى أبي بكر، فقال له: سر مع أخينا عطرفة، و انظر إلى ما هم عليه، و احكم بينهم بالحقّ، فقال، يا رسول اللّه و أين هم؟ قال: هم تحت الأرض. فقال أبو بكر: فكيف أطيق النزول تحت الأرض و كيف أحكم بينهم و لا أحسن كلامهم؟
ثمّ التفت إلى عمر بن الخطّاب، فقال له مثل قوله لأبي بكر، فأجاب مثل جواب أبي بكر.
ثمّ أقبل على عثمان، و قال له مثل قوله لهما فأجابه كجوابهما.
ثم استدعى بعليّ عليه السلام و قال له: يا عليّ سر مع أخينا عطرفة، و تشرف على قومه و تنظر إلى ما هم عليه، و تحكم بينهم بالحقّ، فقام أمير المؤمنين عليه السلام مع عطرفة، و قد تقلّد سيفه، قال سلمان رضي اللّه عنه:
فتبعتهما إلى أن صارا إلى الوادي، فلمّا توسطاه، نظر إليّ أمير المؤمنين و قال: قد شكر اللّه تعالى سعيك يا أبا عبد اللّه فارجع، فوقفت أنظر إليهما فانشقّت الأرض، و دخلا فيها و عادت (1)إلى ما كانت، و رجعت و تداخلني من الحسرة، ما اللّه أعلم به، كلّ ذلك إشفاقا على أمير المؤمنين عليه السلام.
ص:98
و أصبح النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و صلّى بالناس الغداة، و جاء و جلس على الصفا، و حفّ به أصحابه، و تأخّر أمير المؤمنين عليه السلام، و ارتفع النهار، و أكثر الناس الكلام، إلى أن زالت الشمس، و قالوا إنّ الجنيّ احتال على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد أراحنا اللّه من أبي تراب، و ذهب عنّا افتخاره بابن عمّه علينا، و أكثروا الكلام إلى أن صلّى النبيّ صلى اللّه عليه و آله صلاة الأولى و عاد إلى مكانه و جلس على الصفا، و ما زال يحدث أصحابه إلى أن وجبت صلاة العصر، و أكثر القوم الكلام و أظهروا اليأس من أمير المؤمنين عليه السلام فصلّى النبيّ صلى اللّه عليه و آله، و جاء و جلس على الصفا و أظهر الفكر في أمير المؤمنين عليه السلام و ظهرت شماتة المنافقين بأمير المؤمنين، و كادت الشمس تغرب.
فتيقّن القوم أنّه قد هلك، و إذا قد انشقّ الصفا، و طلع أمير المؤمنين منه و سيفه يقطر دما، و معه عطرفة (1)، فقام إليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قبّل ما بين عينيه و جبينه، و قال له: ما الّذي حبسك عنّي إلى هذا الوقت؟
فقال عليه السلام: صرت إلى جنّ كثير قد بغوا على عطرفة، و قومه من المنافقين، فدعوتهم إلى ثلاث خصال، فأبوا عليّ، و ذلك إنّي دعوتهم إلى الإيمان باللّه، و الإقرار بنبوّتك و رسالتك، فأبوا، فدعوتهم إلى أداء الجزية، فأبوا، فسألتهم أن يصالحوا عطرفة و قومه، فيكون بعض المرعى لعطرفة و قومه، و كذلك الماء، فأبوا ذلك كلّه، فوضعت سيفي فيهم، و قتلت منهم زهاء (2)ثمانين ألفا.
فلمّا نظروا إلى ما حلّ بهم، طلبوا الأمان و الصلح، ثم آمنوا و صاروا إخوانا (3)و زال الخلاف، و ما زلت معهم إلى الساعة، فقال عطرفة: يا
ص:99
رسول اللّه جزاك اللّه تعالى و أمير المؤمنين عنّا خيرا (1).
9-و روي في تفسير أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و أيّكم وقى بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة؟ فقال عليّ عليه السلام: أنا يا رسول اللّه وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شمّاس الأنصاري (2)، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: حدّث بالقصّة إخوانك المؤمنين، و لا تكشف عن اسم المنافقين المكايدين (3)لنا، فقد كفا كما اللّه شرّهم، و أخّرهم للتوبة لعلّهم يتذكّرون أو يخشون (4).
فقال عليّ عليه السلام: إنّي بينما أسير (5)في بني فلان بظاهر المدينة، و بين يديّ بعيدا منيّ ثابت بن قيس، إذ بلغ بئرا عادية، عميقة، بعيدة القعر، و هناك رجال (6)من المنافقين، فدفعوه ليرموه في البئر (7)، فتماسك ثابت ثمّ عاد فدفعه و الرجل لا يشعر بي حتّى وصلت إليه، و قد اندفع ثابت في البئر، فكرهت أن أشتغل بطلب المنافقين (8)خوفا على ثابت، فوقعت في البئر لعلّي آخذه، فنظرت فإذا أنا قد سبقته إلى قرار البئر.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و كيف لا تسبقه و أنت أرزن (9)منه؟ و لو لم يكن من رزانتك إلاّ ما في جوفك من علم الأوّلين
ص:100
و الآخرين الذي أودع اللّه رسوله (1)لكان من حقّك أن تكون أرزن من كل شيء، فكيف كان حالك و حال ثابت؟ قال: يا رسول اللّه! صرت إلى قرار البئر و استقررت قائما، و كان ذلك أسهل عليّ و أخفّ على رجلي من خطاي التي أخطوها رويدا رويدا.
ثم جاء ثابت فانحدر فوقع على يديّ، و قد بسطتها له، فخشيت أن يضرّني سقوطه عليّ أو يضرّه، فما كان إلاّ كباقة ريحان تناولتها بيدي، ثم نظرت فإذا ذلك المنافق و معه آخران على شفير البئر، و هو يقول لهما: أردنا واحدا فصار اثنين! فجاؤوا بصخرة فيها مائتا (2)منّ فأرسلوها علينا فخشيت أن تصيب ثابتا فاحتضنته، و جعلت رأسه إلى صدري، و انحنيت عليه، فوقعت الصخرة على مؤخّر رأسي، فما كانت إلا كترويحة مروحة تروحت بها في حمارة القيظ.
ثم جاؤوا بصخرة أخرى قدر ثلاثمائة منّ فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي، فكان كماء صببته على رأسي و بدني في يوم شديد الحرّ.
ثم جاؤوا بصخرة ثالثة فيها قدر خمسمائة منّ، يديرونها على الأرض لا يمكنهم أن يقلّبوها، فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخّر رأسي و ظهري، فكانت كثوب ناعم صببته (3)على بدني و لبسته، فتنعّمت به، فسمعتهم (4)يقولون: لو أنّ لابن أبي طالب و ابن قيس مائة ألف روح ما نجت واحدة منها من بلاء هذه الصخور.
ثم انصرفوا، فدفع اللّه عنا شرّهم، فأذن اللّه لشفير البئر فانحطّ، و لقرار البئر قد ارتفع، فاستوى القرار و الشفير بعد بالأرض، فخطونا و خرجنا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا أبا الحسن إنّ اللّه عزّ و جلّ
ص:101
أوجب لك من الفضائل (1)و الثواب ما لا يعرفه غيره، ينادي مناد يوم القيامة أين محبو عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ فيقوم قوم من الصالحين، فيقال لهم: خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة فأدخلوهم الجنة، فأقلّ رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف رجل.
ثمّ ينادي مناد: أين البقيّة من محبّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ فيقومون قوم مقتصدون (2)، فيقال لهم: تمنّوا على اللّه تعالى ما شئتم، فيتمنّون، فيفعل بكلّ واحد منهم ما تمنّى، ثم يضعّف له مائة ألف ضعف، ثم ينادي مناد: أين البقيّة من محبّي عليّ بن أي طالب عليه السلام؟ فيقوم قوم ظالمون لأنفسهم معتدون عليها.
فيقال: أين المبغضون لعليّ بن أبي طالب؟ فيؤتى بهم جمّ غفير و عدد كثير (3)فيقال: ألا نجعل كلّ ألف من هؤلاء فداء، لواحد من محبّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ليدخلوا الجنّة، فينجّي اللّه عزّ و جلّ محبّيك، و يجعل أعداءهم (4)فداءهم، ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هذا الأفضل الأكرم، محبّه محبّ اللّه و محبّ رسوله، و مبغضه مبغض اللّه و مبغض رسوله، هم خيار خلق اللّه من أمّة محمد صلى اللّه عليه و آله (5).
ص:102
«في مبيته عليه السلام على فراش رسول اللّه
صلى اللّه عليه و آله و فيه نزل قوله تعالى: وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ
1-الشيخ في «أماليه» بإسناده، عن ابن عبّاس، قال: اجتمع المشركون في دار الندوة، ليتشاوروا في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فأتى جبرئيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أخبره الخبر، و أمره أن لا ينام في مضجعه تلك اللّيلة، فلمّا أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المبيت، أمر عليّا عليه السلام أن يبيت في مضجعه تلك اللّيلة، فبات عليّ عليه السلام، و تغشىّ ببرد أخضر، حضرميّ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ينام فيه، و جعل السيف إلى جنبه، فلمّا اجتمع أولئك النفر من قريش، يطوفون و يرصدونه يريدون قتله، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هم جلوس على الباب، عددهم خمسة و عشرون رجلا، فأخذ حفنة (1)من البطحاء، ثم جعل يذرّها على رؤوسهم، و هو يقرأ: يس وَ اَلْقُرْآنِ اَلْحَكِيمِ حتّى بلغ فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (2)فقال لهم قائل: ما تتنظرون؟ قد و اللّه خبتم و خسرتم، و اللّه لقد مرّ بكم، و ما منكم رجل إلاّ و قد جعل على رأسه ترابا قالوا: و اللّه ما أبصرناه قال: فأنزل اللّه عزّ و جلّ وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اَللّهُ
ص:103
وَ اَللّهُ خَيْرُ اَلْماكِرِينَ (1) (2).
2-و عنه قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الإمام بأنطاكية قال: حدّثنا محفوظ بن بحر قال:
حدّثنا الهيثم بن جميل قال: حدّثنا قيس بن الربيع، عن حكيم بن جبير، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه في قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (3)قال عليه السلام: نزلت في عليّ عليه السلام حين بات على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4).
3-و عنه قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن العبّاس اليزيديّ النحويّ قال: حدّثنا الخليل بن أسد أبو الأسود النوشجاني (5)قال: حدّثنا أبو زيد سعيد بن أوس، يعني الأنصاريّ النحويّ قال: كان أبو عمرو بن العلاء إذا قرأ: وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (6)قال كرّم اللّه عليّا عليه السلام نزلت فيه هذه الآية (7).
4-و عنه قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل قال: حدّثنا محمّد بن محمد ابن سليمان الباغندي، قال: حدّثنا محمّد بن الصباح الجرجانيّ (8)قال: حدّثني محمد بن كثير الملاءي (9)، عن عوف الأعرابيّ من أهل البصرة، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أنس بن مالك، قال لمّا توجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص:104
و آله و سلّم إلى الغار و معه أبو بكر، أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السلام أن ينام على فراشه و يتغشّى (1)ببردته، فبات عليّ عليه السلام موطّنا نفسه على القتل، و جاءت رجال من قريش من بطونها يريدون قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكّون أنّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل، و يرى السيوف تأخذه، فلمّا أيقظوه و رأوه عليّا عليه السلام تركوه، و تفرّقوا في طلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأنزل اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ وَ اَللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (2).
5-و عنه قال: أخبرنا جماعة قال: أخبرنا أبو المفضّل قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن الحفص الخثعميّ قال: حدّثنا محمد بن عبد اللّه المحاربي (3)قال: حدّثنا أبو يحيى التميميّ (4)، عن عبد اللّه بن جندب، عن أبي ثابت، عن أبيه، عن مجاهد قال: فخرت عائشة بأبيها و مكانه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الغار، فقال عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد (5): و أين أنت من عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ حيث نام في مكانه و هو يرى أنّه يقتل، فسكتت و لم تحر (6)جوابا (7).
6-و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل قال: حدثنا أبو أحمد
ص:105
عبيد اللّه بن الحسين، عن إبراهيم العلويّ النصيبيّ ببغداد قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن حمزة العلويّ قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا الحسين بن زيد، عن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عن أبيه، عن جعدة بن هبيرة، عن أمّه أمّ هاني بنت أبي طالب عليه السلام، قالت: لمّا أمر اللّه تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالهجرة، و أنام عليّا عليه السلام على فراشه، و سجاه ببرد حضرميّ.
ثمّ خرج فإذا وجوه قريش على بابه، فأخذ حفنة (1)من تراب فذرّها على رؤوسهم فلم يشعر به أحد منهم، و دخل على بيتي، فلمّا أصبح أقبل عليّ و قال: أبشري يا أمّ هانيء فهذا جبرائيل عليه السلام، يخبرني أنّ اللّه عزّ و جلّ، قد أنجى عليّا عليه السلام من عدوّه، قالت: و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع جناح الصبح إلى غار ثور، فكان فيه ثلاثا، حتى سكن عنه الطلب، ثمّ أرسل إلى عليّ عليه السلام، و أمره بأمره و أداء الأمانة (2).
7-و عنه، عن جماعة، عن أبي المفضّل، بالإسناد في حديث الهجرة، ذكر في حديث هند بن أبي هالة، و فيه ذكر القوم الذين من قريش الذين اجتمعوا في دار الندوة، ليمكروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال في الحديث:
فخرج القوم، يعني من دار الندوة، عزين، و سبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل عليه السلام، فتلا هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اَللّهُ وَ اَللّهُ خَيْرُ اَلْماكِرِينَ (3).
فلمّا أخبره جبرئيل عليه السلام بأمر اللّه في ذلك، و وحيه، و ما عزم له من الهجرة، دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه
ص:106
عليه لوقته، فقال له: يا علي إنّ الروح هبط عليّ بهذه الآية آنفا يخبرني أنّ قريشا اجتمعت على المكر بي و قتلي، و إنّه أوحى إليّ (1)عن ربّي عزّ و جلّ أن أهجر دار قومي، و أن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، و أنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي، أو قال: مضجعيّ، ليخفي بمبيتك عليه (2)أثري، فما أنت قائل و صانع؟ فقال عليّ عليه السلام، أو تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبيّ اللّه! ؟ قال: نعم. فتبسّم عليّ صلوات اللّه عليه ضاحكا، و أهوى إلى الأرض ساجدا شكرا لما أنبأه صلى اللّه عليه و آله من سلامته (3).
فكان عليّ صلوات اللّه عليه أوّل من سجد للّه شكرا، و أوّل من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا رفع رأسه، قال له: امض لما (4)أمرت فداك سمعي و بصري و سويداء قلبي، و مرني بما شئت أكن فيه لمشيئتك (5)، و أقع منه بحيث مرادك، و إن توفيقي (6)إلاّ باللّه و قال: و أن ألقي عليك شبه مني، أو قال: شبهي قال: إن يمنعني نعم، قال: فارقد على فراشي و اشتمل ببردي الحضرميّ.
ثمّ إنّي أخبرك يا عليّ إنّ اللّه تعالى، يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم، و منازلهم من دينه، فاشدّ بلاء الأنبياء (7)ثمّ الأمثل (8)فالأمثل، و قد امتحنك يا ابن (9)أمّ و امتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم عليه السلام، و الذبيح إسماعيل عليه السلام، فصبرا صبرا فإنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين،
ص:107
ثم ضمّه النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى صدره، و بكى إليه وجدا، و بكى عليّ عليه السلام جشعا لفراق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و استتبع رسول اللّه أبا بكر ابن أبي قحافة، و هند ابن أبي هالة، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار، و لبث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكانه من (1)علي عليه السلام يوصيه و يأمره في ذلك بالصبر حتّى صلّى العشائين.
ثمّ خرج صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في فحمة (2)العشاء و الرصد من قريش قد أطافوا بداره، ينتظرون أن ينتصف اللّيل، و تنام الأعين، فخرج و هو يقرأ هذه الآية وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (3)و كان بيده قبضة من تراب، فرمى بها في رؤوسهم (4)، فما شعر القوم به، حتّى تجاوزهم، و مضى حتّى أتى إلى هند، و أبي بكر فنهضا (5)معه حتّى و صلوا إلى الغار.
ثم رجع هند إلى مكّة بما أمره به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و أبو بكر إلى (6)الغار، فلمّا خلق الليل (7)و انقطع الأثر، أقبل القوم على عليّ صلوات اللّه عليه، قذفا بالحجارة و الحلم (8)، فلا يشكّون أنّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، حتّى إذا برق الفجر، و أشفقوا أن يفضحهم الصبح، هجموا على عليّ صلوات اللّه عليه،
ص:108
و كانت دور مكّة يومئذ سوائب (1)، لا أبواب لها، فلمّا بصر بهم عليّ عليه السلام قد انتضّوا (2)السيوف، و أقبلوا عليه بها، يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة (3)، وثب به عليّ عليه السلام فختله (4)، و همز يده (5)، فجعل خالد يقمص قماص (6)البكر و إذا له رغاء و ابذعرّ (7)الصبح، و هم في عرج الدار (8)من خلفه، و شدّ عليهم عليّ عليه السلام بسيفه، يعني: سيف خالد، فأجفلوا (9)أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار و تبصّروه، فإذا هو عليّ عليه السلام، فقالوا: إنّك لعليّ؟ ! قال: أنا عليّ، قالوا: فإنّا لم نردك، فما فعل صاحبك؟ قال: لا علم لي به، و قد كان علم يعني: عليّا إنّ اللّه تعالى قد أنجى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما كان أخبره من مضيّه إلى الغار، و اختبائه فيه، الحديث. و فيه طول تقدّم بإسناده في الباب الخامس عشر من المنهاج الأوّل في رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فليؤخذ من هناك (10).
8-السيد الرضيّ قدّس اللّه سرّه في «الخصائص» ، بإسناد مرفوع، قال: قال ابن الكواء لأمير المؤمنين: أين كنت حيث ذكر اللّه نبيّه و أبا بكر ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي اَلْغارِ، إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اَللّهَ مَعَنا (11)فقال
ص:109
أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك يا ابن الكوّاء كنت على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و قد طرح عليّ ريطته (1)، فأقبلت قريش مع كلّ رجل منهم، هراوة (2)فيها شوكها، فلم يبصروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث خرج، فأقبلوا عليّ يضربونني بما في أيديهم حتّى تنفّط (3)جسدي، و صار مثل البيض، ثمّ انطلقوا بي يريدون قتلي، فقال بعضهم: لا تقتلوه اللّيلة، و لكن أخّروه و اطلبوا محمّدا.
قال: فأوثقوني بالحديد، و جعلوني في بيت، و استوثقوا منّي و من الباب بقفل، فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتا من جانب البيت، يقول: يا علي فسكن الوجع الذي كنت أجده، و ذهب الورم الذي كان في جسدي.
ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا عليّ فإذا الحديد في رجلي قد تقطّع، ثمّ سمعت صوتا آخر يقول: يا عليّ فإذا الباب قد تساقط ما عليه و فتح، فقمت و خرجت، و قد كانوا جاؤوا بعجوز كمهاء (4)لا تبصر، و لا تنام تحرس الباب، فخرجت عليها، فاذا هي لا تعقل من النوم (5).
ص:110
«من الأوّل من طريق المخالفين»
1-عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، عن مسند أبيه أحمد بن حنبل قال:
حدّثنا يحيى بن حمّاد (1)قال: حدّثنا أبو عوانة (2)، قال: حدّثنا أبو بلج (3)قال: حدّثنا عمرو بن ميمون، قال: إنّي لجالس إلى ابن عباس رضي اللّه عنه، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عبّاس إمّا أن تقوم معنا و إمّا أن تخلو بنا عن هؤلاء، قال ابن عباس: بل أنا أقوم (4)معكم، و هو (5)يومئذ صحيح قبل أن يعمى.
قال: فابتدأوا فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا، فجاء ينفض ثوبه و هو يقول: أفّ و تفّ وقعوا في رجل له عشر خصال، وقعوا في رجل، قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لأبعثنّ رجلا لا يخزيه اللّه أبدا يحبّ اللّه و رسوله.
قال: فاستشرف لها من استشرف، فقال: أين عليّ؟ قالوا: هو في
ص:111
الرحا يطحن قال: و ما كان أحدكم ليطحن؟ قال: فجاء و هو أرمد لا يكاد يبصر، قال: فتفل (1)في عينه فبرأ، ثمّ هزّ الراية ثلاثا، فأعطاها إيّاه، فجاء بصفيّة بنت حيّي.
و قال: ثمّ بعث فلانا بسورة التوبة، فبعث عليّا عليه السلام خلفه فأخذها منه، و قال: لا يذهب بها إلاّ رجل هو منّي و أنا منه.
قال: و قال لبني عمّه: أيّكم يواليني في الدنيا و الآخرة؟ قال: و عليّ عليه السلام جالس معهم فأبوا، فقال عليّ عليه السلام: أنا أواليك في الدنيا و الآخرة، فقال: أنت وليّي في الدنيا و الآخرة.
ثمّ أقبل على رجل منهم، فقال: أيّكم يواليني في الدنيا و الآخرة.
فأبوا، قال عليّ: أنا أواليك في الدنيا و الآخرة، فقال: أنت وليّي في الدنيا و الآخرة. قال: و كان عليّ عليه السلام أوّل من أسلم من الناس (2)قال:
و أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثوبه، فوضعه على عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3).
قال: و شرى عليّ نفسه، لبس ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ نام مكانه، قال: و كان المشركون يرمون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فجاء أبو بكر و عليّ عليه السلام نائم.
ثم قال: و أبو بكر يحسب أنّه نبيّ اللّه فقال: يا نبيّ اللّه قال: فقال له عليّ عليه السلام: إنّ نبيّ اللّه قد انطلق نحو بئر ميمون، فأدركه، قال:
فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال: و جعل عليّ عليه السلام يرمى
ص:112
بالحجارة كما كان يرمى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يتضوّر (1)قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتّى أصبح، ثمّ كشف عن رأسه، فقالوا: كان (2)صاحبك نرميه فلا يتضوّر و قد استنكرنا ذلك.
قال: و خرج (3)الناس في غزوة تبوك قال: فقال له عليّ عليه السلام:
أخرج معك (4)؟ فقال له نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لا، فبكى عليّ عليه السلام، فقال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنّك لست بنبيّ لا ينبغي أن أذهب إلاّ و أنت خليفتي.
قال: و قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي.
قال: و سدّ أبواب المسجد غير باب عليّ عليه السلام، قال: فيدخل المسجد جنبا و هو طريقه ليس له طريق غيره.
قال: و قال: من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ (5).
2-و من «تفسير الثعلبي» في الجزء الأوّل في تفسير سورة البقرة، في قوله تعالى وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (6)إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لمّا أراد الهجرة، خلّف عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه بمكّة، لقضاء ديونه، و ردّ الودائع الّتي كانت عنده، و أمره ليلة خرج إلى الغار، و قد أحاط المشركون بالدار: أن ينام على فراشه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال له: يا عليّ اتّشح (7)ببردي الحضرمي الأخضر ثمّ نم
ص:113
على فراشي، فإنّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء اللّه عزّ و جلّ، ففعل ذلك عليه السلام، و أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى جبرئيل و ميكائيل عليهما السلام إنّي آخيت (1)بينكما، و جعلت عمر أحدكما أطول من الاخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليهما ألاّ كنتما مثل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، آخيت بينه و بين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فنام على فراشه يفديه بنفسه، و يؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض، فاحفظاه من عدوّه، فنزلا، فكان جبرئيل عليه السلام عند رأسه، و ميكائيل عند رجليه، فقال جبرئيل: بخّ بخّ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي اللّه بك الملائكة فأنزل اللّه تعالى على رسوله و هو متوجّه إلى المدينة في شأن عليّ بن أبي طالب عليه السلام وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (2).
3-قال: و دليل ذلك ما رواه محمّد بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه القائني قال: حدّثني أبو الحسين محمّد بن عثمان بن الحسن النصيبيّ (3)ببغداد قال: حدّثني أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السبيعي بحلب، حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد (4)قال: حدّثني محمد بن منصور، قال: حدّثني أحمد بن عبد الرحمن، حدّثني الحسن بن محمد بن فرقد، قال: حدّثني الحكم بن ظهير (5)قال: حدثنا السدي في قوله عزّ و جلّ وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (6)قال: قال ابن عباس: نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام حين هرب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المشركين
ص:114
إلى الغار مع أبي بكر، و نام عليّ عليه السلام على فراش النبيّ صلى اللّه عليه و آله (1).
4-أبو المؤيّد موفّق بن أحمد قال: أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي الخوارزمي، أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ (2)، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (3)، أخبرنا أبو عليّ عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، أخبرنا أبي، حدّثنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، حدّثنا أبو بلج، حدّثنا عمرو بن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عباس رضي اللّه عنه، إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا بن العباس إمّا أن تقوم معنا، و إمّا أن تخلو بنا من بين هؤلاء، و ذكر الحديث السابق (4).
5-ثمّ قال موفّق بن أحمد: و بهذا الإسناد، عن أحمد بن الحسين (5)هذا، أخبرنا محمد بن عبد اللّه الحافظ (6)، حدّثنا أبو بكر أحمد بن حمدان بمرو، حدّثنا عبيد بن قنفذ (7)البزّاز بالكوفة، حدّثني يحيى بن عبد الحميد الحماني، حدّثنا قيس بن الربيع، حدّثنا حكيم بن جبير، عن عليّ بن الحسين، قال:
إنّ أوّل من شرى نفسه ابتغاء رضوان اللّه تعالى، عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه، و قال عليّ عليه السلام عند مبيته على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
وقيت بنفسي خير من وطي الثرى و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر
رسول إله خاف أن يمكروا به فنجّاه ذو الطول الإله من المكر
و بات رسول اللّه في الغار آمنا موفى و في حفظ الإله و في ستر
ص:115
و بتّ أراعيهم و ما يثبتونني و قد وطنت نفسي على القتل و الأسر (1)
6- «كتاب الصفوة» حدّثنا هبة اللّه بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن عليّ (2)قال: أخبرنا أحمد بن جعفر (3)قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال:
حدّثني أبي قال: حدّثنا عبد الرزاق، قال: حدّثني معمر، قال: و أخبرني عثمان الجزري، أنّ مقسما مولى ابن عباس أخبره عن ابن عبّاس في قوله وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ (4)قال: تشاورت قريش ليلة بمكّة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال بعضهم: بل اقتلوه، و قال بعضهم: بل اخرجوه، فاطّلع اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك، فبات عليّ عليه السلام على فراش النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تلك الليلة و خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله حتى لحق بالغار، و بات المشركون يحرسون عليا، يحسبونه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا أصبحوا ثاروا إليه، فلمّا رأوا عليّا عليه السلام ردّ اللّه مكرهم، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري فاقتصّوا أثره (5).
7-كتاب فضائل الصحابة للسمعاني (6): بالإسناد، عن القيس بن الربيع، عن حكيم بن جبير، عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: أول من شرى نفسه للّه عزّ و جلّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام. كان المشركون يطلبون رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فقام من فراشه، و انطلق هو و أبو بكر،
ص:116
و اضطجع عليّ على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فجاء المشركون فوجدوا عليا و لم يجدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).
ص:117
ص:118
«في فضل سوابقه عليه السلام وسعتها»
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مخلد قال: أخبرنا الرزاز (1)قال: حدّثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي قال: حدّثنا يزيد بن هارون (2)، قال: أخبرنا فطر (3)قال: سمعت (4)أبا الطفيل يقول:
قال بعض أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله: لقد كان لعليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و آله من السوابق ما لو أنّ سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيرا (5)(6).
2-ابن بابويه قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا إبراهيم بن عمروس الهمدانيّ قال: حدثنا أبو عليّ الحسن بن إسماعيل القحطبي قال:
حدّثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم (7)، عن أبيه، عن الأوزاعي، عن
ص:119
يحيى بن أبي كثير، عن عبد اللّه بن مرّة (1)، عن سلمة بن قيس (2)قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: عليّ في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الأرض، و في السماء الدنيا كالقمر بالليل في الأرض، أعطى اللّه عليّا من الفضل جزءا لو قسّم على أهل الأرض لوسعهم، و أعطاه اللّه من الفهم جزءا لو قسّم على أهل الأرض لوسعهم: شبّهت لينه بلين لوط، و خلقه بخلق يحيى، و زهده بزهد أيّوب، و سخاؤه بسخاء إبراهيم، و بهجته ببهجة سليمان بن داود، و قوّته بقوّة داود، و له اسم مكتوب على كلّ حجاب في الجنّة بشّرني به ربّي، و كانت له البشارة عندي، عليّ محمود عند الحقّ، مزكّى عند الملائكة، و خاصّتي و خالصتي و ظاهرتي و مصباحي و حبيبي و رفيقي، آنسني به ربّي، فسألت ربّي ألاّ يقبضه قبلي، و سألته أن يقبضه شهيدا، أدخلت الجنّة فرأيت حور عليّ عليه السلام أكثر من ورق الشجر، و قصور عليّ كعدد البشر، عليّ منّي و أنا من عليّ، من تولّى عليّا فقد تولاّني.
حبّ علي نعمة، و اتّباعه فضيلة، دان به الملائكة، و حفّت به الجنّ الصالحون، لم يمش على الأرض ماش بعدي إلاّ كان هو أكرم منه عزّا و فخرا و منهاجا، لم يك فظّا عجولا، و لا مسترسلا لفساد، و لا متعنّدا.
حملته الأرض فأكرمته لم يخرج من بطن أنثى أحد بعدي كان أكرم خروجا منه، و لم ينزل منزلا إلاّ كان ميمونا.
أنزل اللّه عليه الحكمة وردّاه (3)بالفهم، تجالسه الملائكة و لا يراها، و لو أوحي إلى أحد بعدي لأوحي إليه، فزيّن اللّه به المحافل، و أكرم به العساكر، و أخصب به البلاد، و أعزّ به الأجناد. مثله كمثل بيت اللّه الحرام يزار و لا يزور، و مثله كمثل القمر الطالع إذا طلع أضاء الظلمة، و مثله كمثل الشمس إذا طلعت أنارت، وصفه اللّه في كتابه، و مدحه بآياته و وصف فيه آثاره،
ص:120
و أجرى منازله، فهو الكريم حيّا و الشهيد ميّتا (1).
3-و عنه قال: حدّثنا علي بن أحمد بن موسى (2)، قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زكرياء القطّان، قال: حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب (3)، قال: حدّثنا عبد الرحيم بن علي بن سعيد الجبلي، قال: حدّثنا الحسن بن نضر الخزّاز قال: حدثنا عمرو بن طلحة (4)، عن أسباط بن نصر (5)، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، قال: أتيت عبد اللّه بن عبّاس، فقلت له: يا ابن عمّ رسول اللّه جئتك (6)أسألك عن عليّ بن أبي طالب و اختلاف الناس فيه، فقال ابن عبّاس: يا ابن جبير جئتني تسألني عن خير خلق اللّه من الأمّة بعد محمّد نبيّ اللّه صلوات اللّه عليهما، جئتني تسألني عن رجل كانت له ثلاثة آلاف منقبة في ليلة واحدة و هي ليلة القربة، جئتني (7)تسألني عن وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و وزيره و خليفته، و صاحب حوضه و لوائه و شفاعته، و الّذي نفس ابن عبّاس بيده لو كانت بحار الدنيا مدادا، و أشجارها (8)أقلاما، و أهلها كتّابا، فكتبوا مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام و فضائله من يوم خلق اللّه عزّ و جلّ الدنيا إلى أن يفنيها ما بلغوا معشار ما آتاه اللّه تبارك و تعالى (9).
4-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق (10)رحمه اللّه قال:
ص:121
حدّثنا عبد العزيز بن يحيى البصري (1)، عن يحيى البصري، قال: حدّثنا محمد بن زكريا الجوهريّ (2)، عن محمد بن عمارة (3)، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمد بن عليّ، عن آبائه الصادقين عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا يحصي عددها [غيره]، فمن ذكر فضيلة من فضائله مفرّا بها، غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر، و لو جاء في القيامة بذنوب الثقلين.
و من كتب فضيلة من فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، و من استمع إلى فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالإستماع.
و من نظر إلى كتابة في فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر؛ ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: النظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عبادة (4)و لا يقبل إيمان عبد إلاّ بولايته و البراءة من أعدائه (5).
5-كتاب البرسي: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو كانت البحار مدادا، و الرياض (6)أقلاما و السموات صحفا، و الإنس و الجنّ كتّابا لنفد المداد، وكلّت الثقلان أن يكتبوا معشار عشر فضائل علي عليه السلام (7)إمام
ص:122
يوم الغدير، و كيف يكتبون و أنّى يهتدون (1).
6-و روى البرسي في كتابه قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان جالسا ذات يوم و عنده الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذ دخل عليه الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأخذه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أجلسه في حجره، و قبّل بين عينيه، و قبّل شفتيه، و كان للحسين عليه السلام ستّ سنين، فقال عليه السلام: يا رسول اللّه! أتحبّ ولدي الحسين عليه السلام؟ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و كيف لا أحبّه و هو عضو من أعضائي؟ فقال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه أيّنا أحبّ إليك أنا أم الحسين؟ فقال الحسين: يا أبت من كان أعلى شرفا كان أحبّ إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أقرب إليه منزلة، قال عليّ عليه السلام لولده:
أتفاخرني يا حسين؟ قال: نعم يا أبتاه إن شئت، فقال له الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا حسين أنا أمير المؤمنين، أنا لسان الصادقين. أنا وزير المصطفى. أنا خازن علم اللّه و مختاره من خلقه. أنا قائد السابقين إلى الجنّة.
أنا قاضي الدين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنا الّذي عمّه سيّد الشهداء في الجنّة. أنا الذي أخوه جعفر الطيّار في الجنّة عند الملائكة.
أنا قاضي الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنا آخذ له باليمين، أنا حامل سورة التوبة إلى أهل مكّة بأمر اللّه تعالى، أنا الذي اختارني اللّه تعالى من خلقه.
أنا حبل اللّه المتين الذي أمر اللّه تعالى خلقه أن يعتصموا به، في قوله تعالى: وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّهِ جَمِيعاً (2)أنا نجم اللّه الزاهر، أنا الذي تزوره ملائكة السموات.
أنا لسان اللّه الناطق، أنا حجّة اللّه تعالى على خلقه، أنا يد اللّه القويّ.
ص:123
أنا وجه اللّه تعالى في السموات، أنا جنب اللّه الظاهر، أنا الذي قال اللّه سبحانه و تعالى فيّ و في حقّي: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (1).
أنا عروة اللّه الوثقى التي لا انفصام لها و اللّه سميع عليم، أنا باب اللّه الذي يؤتي منه، أنا علم اللّه على الصراط، أنا بيت اللّه الذي من دخله كان آمنا، فمن تمسّك بولايتي و محبّتي، أمن من النار، و أنا قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين.
أنا قاتل الكافرين، أنا أبو اليتامى، أنا كهف الأرامل.
أنا عمّ يتساءلون عن ولايتي يوم القيامة، و قوله تعالى ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ اَلنَّعِيمِ (2).
أنا نعمة اللّه تعالى التي أنعم اللّه بها على خلقه.
أنا الّذي قال اللّه تبارك و تعالى فيّ، و في حقّي: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلامَ دِيناً (3)فمن أحبّني كان مسلما مؤمنا كامل الدين.
أنا الّذي بي اهتديتم، أنا الّذي قال اللّه تبارك و تعالى فيّ و في عدوّي:
وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (4)أي عن ولايتي يوم القيامة، أنا النبأ العظيم، أنا الذي أكمل اللّه تعالى به الدين يوم غدير خمّ و خيبر، أنا الّذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه، أنا صلاة المؤمن، أنا حيّ على الصلاة.
أنا حيّ على الفلاح، أنا حيّ على خير العمل، أنا الذي نزل على أعدائي سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اَللّهِ ذِي
ص:124
اَلْمَعارِجِ (1)يعني من أنكر ولايتي و هو النعمان بن الحارث اليهوديّ لعنه اللّه تعالى.
أنا داعي الأنام على الحوض، فهل داعي المؤمنين على الحوض غيري؟
أنا أبو الأئمة الطاهرين من ولدي، أنا موازين القسط ليوم القيامة.
أنا يعسوب الدين، أنا قائد المؤمنين إلى الخيرات و الغفران إلى ربّي.
أنا الذي أصحابي يوم القيامة، و أوليائي المبرؤون من أعدائي، و عند الموت لا يخافون و لا يحزنون، و في قبورهم لا يعذّبون، و هم الشّهداء و الصّدّيقون، و عند ربّهم يفرحون، أنا الذي لشيعتي الأمان و هم مهتدون (2).
أنا الذي شيعتي متوثّقون أن لا يوادّوا من حادّ اللّه و رسوله، و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم.
أنا الذي شيعتي يدخلون الجنّة بغير حساب، أنا الذي بيدي (3)ديوان الشيعة بأسمائهم، أنا عون المؤمنين، و شفيع لهم عند ربّ العالمين.
أنا الضارب بالسيفين، أنا الطاعن بالرمحين، أنا قاتل الكافرين يوم بدر و حنين، أنا مردي الكماة يوم أحد، أنا ضارب عمرو بن عبدود لعنه اللّه تعالى يوم الأحزاب، أنا قاتل عنترة و مرحب، أنا قاتل فرسان خيبر.
أنا الذي قال فيّ الأمين جبرئيل عليه السلام:
لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ
أنا صاحب فتح مكّة، أنا كاسر اللاّت و العزّى، أنا هادم الهبل الأعلى، و مناة الثالثة الأخرى، أنا علوت على كتف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كسرت الأصنام.
أنا الذي كسرت يغوث و يعوق و نسرا عليهم لعنة اللّه.
ص:125
أنا الذي قاتلت الكافرين في سبيل اللّه، أنا الذي تصدّقت بالخاتم.
أنا الذي نمت على فراش النبيّ صلى اللّه عليه و آله و وقيته من المشركين.
أنا الذي يخاف الجنّ من بأسي، أنا الذي به يعبد اللّه، أنا ترجمان اللّه تعالى.
أنا خازن علم اللّه تعالى، أنا [عيبة]علم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أنا قاتل الجمل و صفين بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنا قسيم الجنّة و النار، فعندها سكت عليّ عليه السلام.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للحسين عليه السلام: أسمعت يا أبا عبد اللّه ما قاله أبوك، و هو عشر عشير معشار من فضائله و من ألف ألف فضيلة، و هو فوق ذلك و أعلى.
فقال الحسين عليه السلام: الحمد للّه الذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين، و على جميع المخلوقين، و خصّ جدّنا بالتنزيل و التأويل، و الصدق و مناجاة الأمين جبرئيل عليه السلام، و جعلنا خيار من اصطفاه الجليل، و رفعنا على الخلق أجمعين.
ثمّ قال الحسين عليه السلام: أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين فأنت فيه صادق أمين، قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: اذكر أنت يا ولدي فضائلك.
فقال الحسين عليه السلام: يا أبت أنا الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و أمّي فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، و جدّي محمّد المصطفى سيّد بني آدم أجمعين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لا ريب فيه، يا عليّ أمّي أفضل من أمّك، و أفضل عند اللّه و عند الناس أجمعين، و جدّي خير من جدّك و أفضل عند اللّه و عند الملائكة و الناس أجمعين (1).
و أنا في المهد ناغاني جبرئيل، و تلقّاني إسرافيل، يا عليّ أنت عند اللّه تعالى
ص:126
أفضل منّي، و أنا أفخر منك بالآباء، و الأمّهات و الأجداد.
قال: ثمّ إنّ الحسين عليه السلام اعتنق أباه و جعل يقبله و أقبل عليّ عليه السلام يقبّل ولده الحسين بن عليّ بن أبي طالب (1)عليهما الصلاة و السلام، و هو يقول: زادك اللّه تعالى شرفا، و فخرا، و علما (2)، و لعنة اللّه تعالى على ظالميك (3)يا أبا عبد اللّه (4).
7-البرسي في كتابه، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا يعذّب اللّه هذا الخلق إلاّ بذنوب العلماء الذين يكتمون الحقّ من فضل عليّ و عترته، ألا و إنّه لم يمش فوق الأرض بعد النبيّين و المرسلين، أفضل من شيعة عليّ و محبّيه الذين يظهرون أمره، و ينشرون فضله، أولئك تغشّاهم الرحمة، و تستغفر لهم الملائكة، و الويل كل الويل لمن يكتم فضائله، و ينكر أمره، فما أصبرهم على النار (5).
و لنختم الباب بحديث في فضل الشيعة.
8-البرسي روى ميسر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام (6)قال: ما تقول يا ميسر فيمن لم يعص اللّه طرفة عين في أمره و نهيه، لكنه ليس منّا و يجعل هذا الأمر في غيرنا؟ قال ميسر: و ما أقول و أنا بحضرتك يا سيّدي؟ فقال: هو في النار.
ثمّ قال: و ما تقول فيمن يدين اللّه بما تدين، و يبرأ من أعدائنا، لكن به من الذنوب ما بالناس، إلاّ أنّه يجتنب الكبائر. قال: فقلت: و ما أقول يا سيّدي و أنا بحضرتك (7)؟ فقال: إنّه في الجنّة و إنّ اللّه قد ذكر ذلك في آية من
ص:127
كتابه فقال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ -و هو حبّ فرعون و هامان، نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (1)و هو حبّ عليّ عليه السلام (2).
ص:128
«و هو من الباب الأوّل من طريق المخالفين»
1-أبو المؤيّد موفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي في كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، و هو من أعيان علماء المخالفين، قال: أخبرني السيّد الامام الأجلّ المرتضى، شرف الدين، عزّ الاسلام، علم الهدى، نقيب نقباء الشرق و الغرب، أبو الفضل محمد بن عليّ بن المطهّر بن المرتضى الحسيني (1)، في كتابه إليّ من مدينة الري، جزاه اللّه عنّي خيرا، قال: أخبرنا السيّد أبو الحسن عليّ بن أبي طالب الحسيني (2)السيلقي بقراءتي عليه، أخبرنا الشيخ العالم أبو النجم محمد بن عبد الوهاب بن عيسى (3)السمّان الرازي، أخبرنا الشيخ العالم أبو سعيد محمد بن أحمد بن الحسين النيسابوري الخزاعي (4)، أخبرنا محمد ابن عليّ بن جعفر الأديب بقراءتي عليه، حدّثني المعافى بن زكريا أبو الفرج (5)، عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج، عن الحسن بن محمد بن بهرام، عن
ص:129
يوسف بن موسى القطّان (1)، عن جرير (2)، عن ليث (3)، عن مجاهد، عن ابن عباس، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
لو أنّ الغياض أقلام، و البحر مداد، و الجنّ حسّاب، و الانس كتّاب، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام (4).
2-ثم قال أبو المؤيّد: و ذكر ابن شاذان (5)، قال: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمّد المجلدي (6)من كتابه، قال: حدثني الحسين بن محمد بن اسحاق، قال: حدثني محمّد بن زكريا (7)، عن جعفر بن محمد بن عمّار (8)، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام. قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه تعالى جعل لأخي علي فضائل لا تحصى كثرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّا بها غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر، و من كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لذلك الكتاب رسم، و من استمع فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب الّتي اكتسبها بالسماع، و من نظر
ص:130
إلى فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب الّتي اكتسبها (1)بالنظر ثم قال عليه السلام: النظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام عبادة، و ذكره عبادة، و لا يقبل اللّه إيمان عبد إلاّ بولايته و البراءة من أعدائه (2).
3-أبو المؤيّد موفّق بن أحمد، قال: أنباني أبو العلا الحافظ الحسن بن أحمد الهمداني (3)، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المقري (4)، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ (5)، حدّثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان (6)حدّثنا عليّ بن محمد النخعي (7)القاضي قال: حدّثنا الحسين بن (8)الحكم، حدّثنا الحسن بن الحسين (9)، عن عيسى بن عبد اللّه (10)عن أبيه، عن جدّه قال: قال رجل لابن عباس: سبحان اللّه، ما أكثر مناقب عليّ بن أبي طالب و فضائله إني لأحسبها ثلاثة آلاف، فقال ابن عباس: أو لا تقول: إنّها إلى ثلاثين ألفا أقرب (11).
ص:131
قال رضي اللّه عنه: و يدلّك على ذلك أيضا، ما يروى عن الامام الحافظ أحمد بن حنبل، و هو كما عرف أصحاب الحديث في علم الحديث، قريع (1)أقرانه، و إمام زمانه، و المقتفى به في هذا الفن إبانة، و الفارس الذي يكبو فرسان الحفاظ في ميدانه، و روايته فيه رضي اللّه عنه مقبولة، و على كاهل التصديق محمولة، لما علم إنّ الامام أحمد بن حنبل و من احتذى على مثاله، و نسج على منواله، و حطب في حبله، و انضوى إلى حقله، مالو إلى تفضيل الشيخين رضي اللّه عنهما، و أرضاهما، و أظلّنا يوم القيامة بظلّ رضاهما، فجاءت روايته فيه كعمود الصباح، لا يمكن ستره بالراح.
4-و هو ما أخبرنا الشيخ الامام الزاهد فخر الأئمّة أبو الفضل بن عبد الرحمن الخفر (2)بيدي الخوارزمي جزاه اللّه خيرا، أخبرنا الشيخ الامام أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي قال: حدّثنا أبو القسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبدان العطّار (3)و اسماعيل بن أبي نصر عبد الرحمن الصابوني (4)، و أحمد بن الحسين البيهقي، قالوا جميعا: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ (5)قال: سمعت القاضي الامام أبا الحسن عليّ بن الحسن و أبا الحسين بن المظفر الحافظ (6)، يقولون: سمعنا أبا حامد محمد بن هارون
ص:132
الحضرمي (1)، يقول: سمعت محمد بن منصور الطوسيّ (2)يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الفضائل، ما جاء لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه (3).
5-محمد بن عمر الواقدي، قال: كان هارون الرشيد، يقعد للعلماء في يوم عرفة، فقعد ذات يوم و حضره الشافعي، و كان هاشميّا فقعد إلى جنبه، و حضر محمد بن الحسن، و أبو يوسف، فقعدا بين يديه، و غصّ المجلس بأهله: فيهم سبعون رجلا من أهل العلم، كلّ منهم يصلح أن يكون إمام صقع من الأصقاع، قال الواقدي: فدخلت في آخر الناس، فقال الرشيد: لما تأخّرت؟ فقلت: ما كان لا ضاعة حقّ و لكنّي شغلت بشغل عاقني عما أحببت، قال: فقربني حتى أجلسني بين يديه، و قد خاض الناس في كل فن من العلم.
فقال الرشيد للشافعي: يا ابن عمّ كم تروي في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال: أربعمائة حديث و أكثر، فقال له: قل و لا تخف، قال: يبلغ خمسمائة و تزيد، ثمّ قال لمحمّد بن الحسن كم تروي يا كوفي من فضائله؟ قال: ألف حديث.
فأقبل على أبي يوسف، فقال: كم تروي أنت يا كوفي من فضائله؟ أخبرني و لا تخش، قال: يا أمير المؤمنين لو لا الخوف، لكانت روايتنا في فضائله أكثر من أن تحصى، قال: ممّ تخاف؟ قال: منك، و من عمّالك، و أصحابك، قال: أنت آمن فتكلّم و أخبرني كم فضيلة تروي فيه؟ فقال: خمسة عشر ألف خبر مسند و خمسة عشر ألف حديث مرسل.
قال الواقدي: فأقبل عليّ فقال: ما تعرف في ذلك أنت؟ فقلت مثل مقالة أبي يوسف، قال الرشيد: لكنّي أعرف له فضيلة رأيتها بعيني، و سمعتها
ص:133
بأذني أجلّ من كلّ فضيلة تروونها أنتم، و إنّي لتائب إلى اللّه تعالى ممّا كان منّي من أمر الطالبيّة و نسلهم.
فقلنا بأجمعنا: وفّق اللّه أمير المؤمنين، و أصلحه إن رأيت أن تخبرنا بما عندك؟ قال: نعم ولّيت عاملي يوسف بن الحجّاج بدمشق، و أمرته بالعدل في الرعيّة و الانصاف في القضيّة، فاستعمل ما أمرته، فرفع إليه أنّ الخطيب الذي يخطب بدمشق يشتم عليّا عليه السلام في كلّ يوم، و ينقصه، قال: فأحضره، و سأله عن ذلك، فأقرّ له بذلك، فقال له: و ما حملك على ما أنت عليه؟ قال: لأنّه قتل آبائي، و سبى الذراري، فلذلك الحقد له في قلبي، و لست أفارق على ما أنا عليه.
فقيده، و غلقه، و حبسه، و كتب إليّ بخبره، فأمرته أن يحمله على حالته من القيود، فلمّا مثل بين يدي، زبرته، و صحت به، و قلت: أنت الشاتم لعليّ بن أبي طالب عليهما السلام؟ فقال: نعم، قلت: ويلك قتل من قتل و سبى من سبى بأمر اللّه تعالى، و أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: ما أفارق ما أنا عليه و لا تطيب نفسي إلاّ به.
فدعوت بالسياط و العقابين، فأقمته بحضرتي ههنا، و ظهره إليّ فأمرت الجلاّد و جلده مائة سوط فأكثر الصياح و الغياث، فبال في مكانه فأمرت به، فنحى عن العقابين و أدخل ذلك البيت و أومى بيده إلى بيت في الايوان و أمرت أن يغلق الباب عليه، ففعل ذلك، و مضى النهار، و أقبل الليل، و لم أبرح من موضعي هذا، حتى صلّيت العتمة، ثمّ بقيت ساهرا أفكّر في قتله، و في عذابه، و بأيّ شيء أعذّبه؟ مرّة أقول أعذّبه على علاوته، و مرّة أقول أقطع أمعائه، و مرّة أفكّر في تفريقه، أو قتله بالسوط، و استمرّ الفكر في أمره، حتّى غلبتني عيني في آخر الليل، فإذا أنا بباب السماء قد انفتح، و إذا النبيّ صلى اللّه عليه و آله قد هبط، و عليه خمس حلل.
ثمّ هبط عليّ عليه السلام، و عليه ثلاث حلل، ثمّ هبط الحسن عليه السلام، و عليه ثلاث حلل، ثمّ هبط الحسين عليه السلام و عليه حلتان.
ص:134
ثمّ نزل جبرئيل، و عليه حلّة واحدة، فإذا هو من أحسن الخلق في نهاية الوصف، و معه كأس فيه ماء، كأصفى ما يكون من الماء، و أحسنه، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أعطني الكأس، فأعطاه، فنادى بأعلا صوته يا شيعة محمد و آله! و أجابوه من حاشيتي و غلماني و من أهل الدار، أربعون نفسا، أعرفهم كلّهم، و كان في داري أكثر من خمسمائة ألف إنسان فسقاهم من الماء، و صرفهم.
ثمّ قال: أين الدمشقي؟ فكان الباب قد انفتح، فأخرج إليه، فلمّا رآه عليّ عليه السلام قال: يا رسول اللّه هذا يظلمني، و يشتمني، و من غير سبب أوجب ذلك، فقال صلى اللّه عليه و آله: خلّه يا أبا الحسن ثمّ قبض النبيّ صلى اللّه عليه و آله على زنده بيده، و قال: أنت الشاتم عليّ بن أبي طالب؟ فقال:
نعم، قال: اللّهم امسخه، و امحقه، و انتقم منه، قال: فتحوّل، و أنا أراه كلبا، وردّ إلى البيت، كما كان، و صعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و جبرئيل عليه السلام و عليّ عليه السلام و من كان معهم، فانتبهت فزعا، مذعورا، فدعوت الغلام، و أمرت بإخراجه إليّ فأخرج و هو كلب، فقلت له:
كيف رأيت عقوبة ربّك؟ فأومى برأسه كالمعتذر، و أمرت بردّه و ها هو ذا في البيت.
ثمّ نادى و أمر باخراجه، فأخرج و قد أخذ الغلام بأذنه، فإذا أذناه كآذان الناس و هو في صورة الكلب، فوقف بين أيدينا يلوك بلسانه و يحرّك شفتيه كالمعتذر.
قال الشافعيّ للرشيد: هذا مسخ، و لست آمن أن يحلّ العذاب به، فأمر بإخراجه عنّا، فأمر به فردّ به إلى البيت، فما كان بأسرع من أن سمعنا وحيه (1)و صيحته، فإذا صاعقة، قد سقطت على سطح البيت، فأحرقته و أحرقت البيت، فصار رمادا و عجّل بروحه إلى نار جهنّم.
ص:135
قال الواقدي: فقلت للرشيد: يا أمير المؤمنين هذه معجزة وعظة و عظت بها فاتّق اللّه في ذريّة هذا الرجل، قال الرشيد: أنا تائب إلى اللّه تعالى ممّا كان منّي و أحسنت توبتي (1).
6-و قد أنصف الشافعي: محمد بن ادريس، إذ قيل له: ما تقول: في عليّ؟ فقال: و ما ذا أقول في رجل أخفت أوليائه فضائله خوفا، و أخفت أعداؤه فضائله حسدا، و شاع من بين ذين ما ملأ الخافقين.
كتاب مردويه: قال نافع بن الأزرق لعبد اللّه بن عمر: إنّي أبغض عليّا، فقال له: أبغضك اللّه، أتبغض رجلا سابقة من سوابقه، خير من الدنيا و ما فيها؟ (2)
ص:136
«في حديث الأعمش مع المنصور، و انّه كان يحفظ في فضائل أمير المؤمنين
عليه السلام عشرة آلاف فضيلة، و هو مذكور من طريق الفريقين»
1-فمن طرق الخاصّة: محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه في أماليه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطّان (1)، و عليّ بن أحمد بن موسى الدقاق (2)، و محمد بن أحمد السناني (3)، و عبد اللّه بن محمد الصائغ (4)، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان (5)، قال: حدّثنا أبو محمد بكر بن عبد اللّه بن حبيب (6)، قال: حدثني عليّ بن محمد، قال: حدّثنا الفضل بن العباس، قال: حدّثنا عبد القدّوس الورّاق، قال: حدّثنا محمد بن كثير، عن الأعمش، و حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المكتّب (7)رضي اللّه عنه، قال:
ص:137
حدّثنا أحمد بن يحيى القطان، قال: حدّثني بكر بن عبد اللّه بن حبيب، قال:
حدّثني عبد اللّه بن محمد بن باطويه، عن محمد بن كثير، عن الأعمش و حدّثنا سليمان بن أحمد بن أيّوب اللخمي 1، فيما كتب إلينا من أصبهان، قال:
حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري 2سنة 286 قال: حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي 3، قال: حدّثنا مندل بن عليّ العنزي 4، عن الأعمش، و حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن عليّ العدوي 5، قال: حدّثنا عليّ بن عيسى الكوفيّ 6، قال:
حدّثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، و زاد بعضهم على بعض في اللفظ، و قال بعضهم: ما لم يقل بعض، و ساق الحديث بمندل بن العنزي، عن الأعمش، قال بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي. . الحديث 7.
2-و رواه من طريق العامّة أبو المؤيّد أخطب خوارزم موفّق بن أحمد، قال: أخبرنا الشيخ الامام برهان الدين أبو الحسين عليّ بن الحسين الغزنوي بمدينة السلام في داره، سلخ شهر ربيع الأوّل سنة أربع و أربعين و خمسمائة،
ص:138
أخبرنا الإمام أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي (1)أخبرنا أبو القاسم بن سعد الاسمعيلي، في شعبان سنة اثنتين و تسعين و أربعمائة، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي (2)الرجل الصالح، أخبرنا أبو أحمد عبد اللّه بن عدي بن عبد اللّه بن محمد الحافظ (3)، أخبرنا أبو عليّ الحسين بن عفير بن حمّاد بن زياد العطّار بمصر، أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن عدي بن زريق بن إسماعيل الكوفي التميمي (4)-حدّثني جرير بن عبد الحميد الضبّي (5)، حدّثني سليمان بن مهران الأعمش، قال: بينا أنا نائم في الليل إذ انتبهت بالحرس (6)على بابي، فقلت: من هذا؟ قال: رسول أبي جعفر أمير المؤمنين، و كان إذ ذاك خليفة، قال: فنهضت من نومي فزعا مرعوبا، فقلت للرسول:
ما وراك هل علمت لم بعث إليّ أمير المؤمنين في هذا الوقت؟ قال: لا أعلم، قال: فقمت متفكّرا لا أدري على ماذا أنزل الأمر؟ أفكّر بيني و بين نفسي إلى ماذا أصير إليه؟ و أقول: لم بعث إليّ في هذا الوقت و قد نامت العيون و غارت النجوم؟ ففكرت ساعة فقلت: إنّما بعث إليّ في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام فإن أنا أخبرته فيه بالحقّ أمر بقتلي و صلبي، فأيست و اللّه من نفسي، و كتبت وصيتي و الرسل يزعجوني، و لبست كفني، و تحنّطت بحنوطي، و ودّعت أهلي و صبياني و نهضت إليه و ما أعقل، فلمّا دخلت عليه سلمت عليه السلام مخاف وجل، فأومأ إليّ أن اجلس، فجلست (7)، و عنده عمرو بن عبيد وزيره و كاتبه، فحمدت اللّه عزّ و جلّ إذ رأيت من رأيت عنده، فرجع إليّ ذهني (8)و أنا قائم. فسلّمت سلاما ثانيا
ص:139
فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته، ثم جلست فعلم أني قد رعبت (1)منه، فلم يقل لي شيئا، و كان أول كلمة قالها أن قال لي: يا سليمان، قلت: لبيّك يا أمير المؤمنين، قال: يا ابن مهران ادن منّي فدنوت منه، فشمّ منّي رائحة الحنوط، فقال: يا أعمش و اللّه لتصدقني أمرك و إلا صلبتك حيّا، فقلت: سلني يا أمير المؤمنين عمّا بدالك فأنا و اللّه (2)أصدقك، و لا أكذبك، فو اللّه لإن كان الكذب ينجيني، فإنّ الصدق لأنجى لي منه.
فقال لي: ويحك يا سليمان إنّي أجد منك رائحة الحنوط، فأخبرني عمّا حدّثتك به نفسك، و لم فعلت ذلك؟ فقلت: إنّي أخبرك يا أمير المؤمنين و أصدقك، لمّا أتاني رسلك في بعض الليل، فقالوا لي: أجب أمير المؤمنين، فقمت متفكّرا، خائفا وجلا، مرعوبا، فقلت بيني و بين نفسي: ما بعث إليّ أمير المؤمنين في هذه الساعة، و قد غارت النجوم، و نامت العيون، إلاّ ليسألني عن فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإن أنا أخبرته بالحقّ، أمر بقتلي أو بصلبي حيّا، فصلّيت ركعتين، و كتبت وصيّتي، و الرسل يزعجوني، و تحنّطت، و لبست كفني، و ودّعت أهلي، و صبياني (3)، و جئتك يا أمير المؤمنين سامعا، مطيعا آيسا من الحياة، خائفا، راجيا، أن يسعني عفوك.
قال: فلمّا سمع مقالتي علم أنّي صادق، و كان متكئا فاستوى جالسا، و قال: لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم. فلمّا سمعته قالها، سكن قلبي و ذهب عنّي بعض ما كنت أجد من رعبي، و ما كنت أخاف من سطوته عليّ، فقال الثانية: لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم، أسألك باللّه يا سليمان إلاّ أخبرتني كم من حديث ترويه في فضائل علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و صهر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و زوج حبيبته؟ قلت:
يسيرا، قال: كم؟ قلت: يسيرا يا أمير المؤمنين، قال: ويحك كم تحفظ؟ قلت: عشرة آلاف حديثا، أو ألف حديث، فلمّا قلت: أو ألف حديث
ص:140
استقلّها فقال: ويحك يا سليمان بل هي عشرة آلاف حديث كما قلت أوّلا، ثم قال: فجثا أبو جعفر على ركبتيه، و هو فرح مسرور (1)، لأحدّثنك (2)يا سليمان بحديثين في فضائل عليّ عليه السلام، فإن يكونا معا سمعت و وعيت فعرّفني و إن لم يكونا ممّا لم تسمع، فاسمع، و افهم، قلت: نعم، يا أمير المؤمنين فاخبرني قال: نعم، أنا أخبرك إنّي كنت (3)أيّاما و ليالي هاربا من بني مروان، و لا تسعني منهم دار و لا قرار، و لا بلد، أدور في البلدان، فكلمّا دخلت بلدا، خالفت أهل ذلك البلد فيما يحبّون، و أتقرّب إلى جميع الناس بفضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و كانوا يطعمونني، و يكسونني و يزودونني إذا خرجت من عندهم، من بلد إلى بلد، حتى قدمت إلى بلاد الشام (4)، و عليّ كساء لي خلق ما يواريني.
قال: فبينما أنا كذلك، إذ سمعت الأذان فدخلت المسجد، فإذا سجادة و متوضأ، فتوضأت للصلاة، و دخلت المسجد، فركعت ركعتين فيه، و أقمت الصلاة، فصلّيت معهم الظهر و العصر، و قلت في نفسي: إذا أتى الليل طلبت من القوم عشاء أتعشّى به ليلتي تلك (5).
فلمّا سلّم الشيخ من صلاة العصر جلس، و هو شيخ كبير. له وقار و سمت حسن و نعمة ظاهرة (6)إذ أقبل صبيّان، و هما أبيضان نبيلان، و لهما جمال و نور ساطع، عيناهما تتلألئان فدخلا المسجد، فسلّما فلمّا نظر إليهما إمام
ص:141
المسجد، قال لهما: مرحبا بكما و بمن سميّتما على اسمهما (1)، قال: و كنت جالسا و إلى جنبي فتى شابّ، فقلت له: يا شابّ من هذان الصبيان؟ و من هذا الشيخ الامام؟ فقال: هو جدّهما، و ليس في هذه المدينة رجل يحبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام غير هذا الشيخ، فقلت: اللّه أكبر و من أين علمت، قال: علمت أنّ من حبّه لعليّ عليه السلام، سمّى ولداه باسم ولدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، سمّى أحدهما الحسن، و الآخر الحسين (2).
قال: فقمت فرحا مسرورا، حتّى أتيت الشيخ، فقلت له: أيّها الشيخ أريد أحدّثك بحديث حسن، يقرّ اللّه به عينك، قال: نعم، ما أكره ذلك فحدّثني يرحمك اللّه و إن أقررت عيني، أقررت عينك (3).
فقلت: أخبرني والدي، عن أبيه، عن جدّه (4)، قال: كنّا ذات يوم جلوسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إذ أقبلت فاطمة ابنته رضي اللّه عنها، فدخلت على أبيها، فقالت: يا أبت إنّ الحسن و الحسين، خرجا من عندي آنفا، و ما أدري أين هما؟ و قد طار عقلي و قلق فؤادي و قلّ صبري، ثمّ بكت و شهقت، حتّى علا بكاؤها، فلمّا رآها رحمها ورقّ لها، و قال لها: أتبكين يا فاطمة فوالّذي نفسي بيده، الذي خلقهما، هو ألطف بهما منك، و أرحم بصغرهما منك (5).
ص:142
قال: ثمّ قام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ساعته، و رفع يديه إلى السماء، و قال اللّهم إنّهما ولداي و قرة عيني و ثمرة فؤادي، و أنت أرحم بهما منّي، و أعلم بموضعهما يا لطيف بلطفك الخفيّ، أنت عالم الغيب و الشهادة، إن كانا أخذا برّا أو بحرا، فاحفظهما و سلّمهما حيث كانا و حيثما توجّها، قال: فلمّا دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ما استتمّ دعاؤه إلاّ و قد هبط جبرئيل عليه السلام من السماء، و معه عظماء الملائكة، و هم يؤمنّون على دعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال له جبرئيل: يا حبيبي يا محمد لا تحزن و لا تغتمّ، و أبشر فإن ولديك فاضلان في الدنيا و الآخرة، و أبوهما خير منهما، و هما نائمان في حظيرة بني النجّار و قد وكّل اللّه بهما عزّ و جلّ ملكا يحفظهما، فلمّا قال له جبرئيل عليه السلام ذلك الكلام، سرى عينه (1).
ثمّ قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو و أصحابه، و هو فرح مسرور حتّى أتوا حضيرة بني النّجار فإذا الحسن، و الحسين عليهما السلام نائمان، و هما متعانقان و إذا الملك الموكّل بهما قد وضع أحد جناحيه بالأرض، و وطأ به تحتهما يقيهما حرّ الأرض و الجناح الآخر قد جلّلهما به يقيهما حرّ الشمس (2).
ص:143
قال: فانكبّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقبّلهما واحدا بعد واحد، و يمسحهما بيده حتّى أيقظهما من نومهما، قال: فلمّا استيقظا حمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحسن على عاتقه، و حمل جبرئيل الحسين على ريشة من جناحه الأيمن، حتى خرج بهما من الحظيرة و هو يقول: و اللّه لأشرّفكما كما شرّفكما اللّه في سمواته (1).
فبينما هو و جبرئيل عليه السلام يمشيان، إذ تمثل جبرئيل في صورة دحية الكلبي (2)فأقبل أبو بكر فقال له: يا رسول اللّه ناولني أحد الصبيّين أخفّف عنك و عن صاحبك و أنا أحفظه حتّى أؤدّيه إليك، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: جزاك اللّه خيرا يا أبا بكر عنهما، فنعم الحاملان نحن، و نعم الراكبان هما، و أبوهما خير منهما، فحملاهما و أبو بكر معهما حتى أتوا بهما إلى مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (3).
فأقبل بلال، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا بلال هلمّ عليّ بالناس، فناد فيهم و اجمعهم لي في المسجد، فقام النبيّ صلى اللّه عليه و آله على قدميه خطيبا، ثمّ خطب الناس بخطبة بليغة، فحمد اللّه و أثنى عليه، و ذكر نفسه، فنعاها، ثمّ قال: معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس بعدي جدا وجدة (4)؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: عليكم بالحسن و الحسين
ص:144
فإن جدّهما محمد المصطفى، وجدتهما خديجة بنت خويلد، سيّدة نساء أهل الجنّة، و هي أوّل من سارعت إلى تصديق ما أنزل اللّه على نبيّه، و إلى الايمان باللّه و رسوله.
ثمّ قال: يا معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس أبا و أما؟ قالوا:
بلى يا رسول اللّه قال: عليكم بالحسن و الحسين، فإنّ أباهما (1)يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله، و أمّهما فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد شرّفهما اللّه في سمواته و أرضه.
ثمّ قال: معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس عمّا و عمّة؟ قالوا:
بلى يا رسول اللّه قال: عليكم بالحسن و الحسين، فإن عمّهما جعفر ذو الجناحين الطّيار مع الملائكة في الجنّة، و عمّتهما أم هاني بنت أبي طالب.
ثمّ قال: يا معاشر المسلمين هل أدلكم على خير الناس خالا و خالة؟ قالوا بلى يا رسول اللّه قال: عليكم بالحسن و الحسين، فإنّ خالهما القاسم (2)ابن رسول اللّه و خالتهما زينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.
ثمّ قال: اللّهمّ إنّك تعلم إنّ الحسن و الحسين في الجنّة، و جدّهما و جدّتهما في الجنة و أمهما في الجنّة، و أباهما في الجنة، و خالهما في الجنة، و خالتهما في الجنّة، و عمّهما في الجنّة، و عمّتهما في الجنّة، و من يحبّهما في الجنّة و من يبغضهما في النّار (3).
ص:145
قال: فلمّا قلت ذلك للشيخ، و فهم قولي، قال: أيّدك اللّه من أين أنت (1)؟ قلت: أنا من أهل الكوفة، قال: أعربيّ أنت أم مولى؟ قال:
قلت: بل عربيّ شريف، فقال لي: إنّك تحدّث بمثل هذا الحديث و أنت في هذا الكساء الرث؟ قلت: نعم، لي قصّة لا أحبّ أن أبديها لأحد، قال:
أبدها لي بأمانة، فقلت: أنا هارب من بني مروان على هذه الحال الذي ترى، لئلاّ أعرف، و لو غيّرت حالي لعرفت، و لو أردت أن أعرّف نفسي لفعلت، و لكنّي أخاف على نفسي القتل، فقال لي: لا خوف عليك و أقم عندي.
و كساني خلعتين خلعهما عليّ و حملني على بغلة (2)و ثمن البغلة في ذلك اليوم في تلك البلدة مائة دينار.
ثمّ قال: يا فتى أقررت عيني أقرّ اللّه عينك، فو اللّه لأرشدنّك إلى فتى يقرّ اللّه به عينك، قال: فقلت أرشدني رحمك اللّه، قال فأرشدني إلى باب دار، فأتيت الدار التي وصف لي و أنا راكب على البغلة، و عليّ الخلعتان، فقرعت الباب، و ناديت الخادم، فأذن لي بالدخول، فدخلت عليه، فإذا أنا بفتى قاعد على سرير منجد (3)، صبيح الوجه حسن الجسم، فسلّمت عليه (4)فردّ عليّ السلام بأحسن مردّ.
ثمّ أخذ بيدي مكرما حتّى أجلسني إلى جانبه (5)، قال لي: و اللّه يا فتى لأعرف هذه الكسوة التي خلعت عليك، و أعرف هذه البغلة، و واللّه ما كان أبو محمد، و كان اسمه الحسن، ليكسوك خلعتيه هاتين و يركبك على بغلته هذه، إلاّ إنّك تحبّ اللّه و رسوله و ذرّيته و جميع عترته.
فأحبّ رحمك اللّه أن تحدّثني بفضائل عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه،
ص:146
فقلت له: نعم ما (1)تحبّ و الكرامة.
حدّثني والدي عن أبيه، عن جدّه قال: كنّا يوما عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قعودا (2)، إذ أقبلت فاطمة عليها السلام و قد حملت الحسن و الحسين على كتفيها، و هي تبكي بكاء شديدا، و تشهق في بكائها.
فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما يبكيك يا فاطمة لا أبكى اللّه عينك (3)؟ قالت: يا أبت و كيف لا أبكي (4)و نساء قريش قد عيّرتني، و قلن لي: إنّ أباك قد زوّجك برجل (5)فقير معدم لا مال له.
فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تبكي يا فاطمة فو اللّه ما أنا زوّجتك (6)بل اللّه عزّ و جلّ زوّجك من فوق سبع سمواته، و شهد على ذلك جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل.
ثمّ إنّ اللّه عزّ و جلّ فاختار من الخلائق عليّا، فزوّجك إيّاه، و اتّخذته وصيّا، و عليّ منّي و أنا منه، و عليّ أشجع الناس قلبا، و أعلم الناس علما، و أحلم الناس حلما، و أقدم الناس سلما (7).
و الحسن و الحسين ابناه، سيّدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين و الآخرين،
ص:147
و سمّاهم (1)اللّه في التوراة، على لسان موسى عليه السلام، شبرا و شبيرا، لكرامتهما على اللّه تعالى، يا فاطمة لا تبكي، فإنّي إذا دعيت غدا إلى ربّ العالمين، فيكون عليّ معي، و إذا بعثت غدا، بعث عليّ معي يا فاطمة لا تبكي فإنّ عليّا و شيعته غدا، هم الفائزون، يدخلون الجنّة (2).
قال: فلمّا قلت ذلك للفتى، قال: أنشدك اللّه و باللّه عزّ و جلّ من أنت؟ قال: قلت: أنا رجل من أهل الكوفة، فقال أعربيّ أم مولى؟ قال:
قلت: بل عربيّ شريف.
قال: فكساني ثلاثين ثوبا في تخت، و أعطاني عشرة آلاف درهم في كيس، ثمّ قال لي: أقررت عيني يا فتى أقر اللّه عينك و لم يسألني غير ذلك (3).
ص:148
ثمّ قال لي إليك حاجة؟ فقلت له: تقضى إن شاء اللّه تعالى؟ فقال:
إذا أصبحت غدا، فأت مسجد بني فلان، حتى ترى أخي الشقي.
قال أبو جعفر: فو اللّه لقد طالت عليّ تلك اللّيلة، حتّى خشيت أن لا أصبح، حتّى أفارق الدنيا، قال: فلمّا أصبحت، أتيت المسجد الذي وصف لي و حضرت الصلاة، فقمت في الصفّ الأوّل لفضله، و إلى جانبي على يساري شابّ معتم بعمامة-فذهب ليركع، فسقطت عمامته من رأسه، فنظرت إليه فإذا رأسه رأس خنزير، و وجهه وجه خنزير (1).
قال أبو جعفر: فو الّذي أحلف به، ما علمت ما أنا فيه، و لا عقلت أنا في الصلاة أم في غير صلاة تعجّبا، و دهشت حتّى ما أدري ما أقول في صلاتي إلى أن فرغ الامام من التشهّد، فسلّم و سلّمت (2).
ثمّ قلت: ما هذا الذي أرى بك؟ فقال لي: لعلّك صاحب أخي الذي أرسلك إليّ لتراني؟ قال: قلت: نعم، فأخذ بيدي و أقامني و هو يبكي بكاء شديدا ثمّ شهق في مكانه حتّى كادت نفسه أن تزهق (3).
ثمّ أتى بي إلى منزله، فقال لي: انظر إلى هذين البيتين، فنظرت إليه،
ص:149
ثمّ قال: أدخل، فدخلت، ثمّ قال لي: انظر إلى الدن فنظرت إلى الدن فقال لي: اعلم يا أخي إنّي كنت أؤذّن و أؤمّ بالناس، و كنت ألعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، بين الأذان و الاقامة ألف مرّة، و إنّه كان قد لعنته في يوم الجمعة، بين الأذان و الاقامة أربعة آلاف مرّة، و خرجت من المسجد و أتيت الدار، فاتّكأت على هذا الموضع الذي أريتك، فذهب بي النوم، فنمت، فرأيت في منامي كأنّي قد أقبلت باب الجنّة، و رأيت فيها قبّة من زمردة خضراء، قد زخرفت، و نجدت و نضدت بالاستبرق، و الديباج و إذا حول القبّة كرسيّ من لؤلؤة، و زبرجد و إذا عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، متّكىء فيها، و إذا أبو بكر الصديق و عمر و عثمان، جلوس يتحدّثون فرحين مسرورين مستبشرين بعضهم ببعض (1).
ثم التفتّ فإذا أنا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد أقبل و على يمينه الحسن عليه السلام، و معه كأس فضّة و عن يساره الحسين عليه السلام و في يده كأس فضّة، قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للحسين: اسقني فسقاه ثمّ شرب (2).
ثمّ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يا حسين اسق الجماعة، فسقى أبا بكر و عمر و عثمان وسقا عليّا عليه السلام، و كأنّما قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله للحسين: يا حسين اسق هذا المتكىء الذي على هذا الدكان، فقال الحسين
ص:150
عليه السلام للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا جدّاه أتأمرني أن أسقي هذا و هو يلعن والدي عليّا في كلّ يوم ألف مرّة؟ و قد لعنه في هذا اليوم، و هو يوم الجمعة أربعة آلاف مرّة.
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند ذلك لي كالمغضب: مالك تلعن عليّا عليه السلام؟ لعنك اللّه لعنك اللّه لعنك اللّه ثلاث مرات، ويحك أتشتم عليا و هو مني و أنا منه؟ عليك غضب اللّه عليك غضب اللّه عليك غضب اللّه حتى قالها ثلاثا و قال: غيّر اللّه ما بك من نعمة، و سوّد وجهك و خلقك حتى تكون عبرة لمن سواك، قال فانتبهت من نومي و إذا رأسي رأس خنزير و وجهي وجه خنزير على ما ترى (1).
فقال سليمان بن مهران:
فقال أبو جعفر: يا سليمان هذان الحديثان كانا في حفظك؟ قلت:
لا يا أمير المؤمنين فقال: هذان من ذخائر الحديث و جواهره ثم قال: ويحك يا سليمان حبّ عليّ إيمان و بغضه نفاق (2).
فقلت: الأمان الأمان يا أمير المؤمنين فقال: لك الأمان يا سليمان، قلت:
فما تقول في قاتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ قال: في النار أبعده اللّه، قلت: و كذلك من يقتل من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحدا فهو في النار.
فحرّك أمير المؤمنين أبو جعفر رأسه طويلا، ثم قال: ويحك يا سليمان الملك عقيم، ثم قالها ثلاث مرات، ثم قال: يا سليمان اخرج فحدّث الناس
ص:151
في تضاعف ثوابه عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة
1-بالاسناد، عن الامام أبي محمد العسكري عليه السلام، في تفسير قوله تعالى أُولئِكَ اَلَّذِينَ اِشْتَرَوُا اَلضَّلالَةَ بِالْهُدى الآية (1)قال: قال العالم عليه السلام: أُولئِكَ اَلَّذِينَ اِشْتَرَوُا اَلضَّلالَةَ : باعوا دين اللّه و اعتاضوا منه الكفر باللّه «فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ» أي ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة، لأنّهم اشتروا النار و أصناف عقابها بالجنّة كانت معدّة لهم لو آمنوا «وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ» إلى الحقّ و الصواب، فلمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ هذه الآية، حضر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوم، فقالوا: يا رسول اللّه سبحان الرزاق! ألم تر فلانا، كان يسير البضاعة، خفيف ذات اليد، خرج مع قوم يخدمهم في البحر، فرعوا له حقّ خدمته، و حملوه معهم إلى الصين، و عيّنوا يسيرا من مالهم، قسطوه على أنفسهم له، و جمعوه، فاشتروا له به بضاعة من هناك، فسلمت فربح الواحدة عشرة، فهو اليوم من مياسير أهل المدينة؟
و قال قوم آخرون بحضرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ألم تر فلانا كان حسنة حاله، كثيرة أمواله، جميلة أسبابه، خيراته وافرة (2)، و شمله مجتمع (3)، أبي إلاّ طلب الأموال الجمّة، فحمله الحرص على أن تهوّر، فركب
ص:153
البحر في وقت هيجانه، و السفينة غير وثيقة، و الملاحون غير فارهين، إلى أن توسّط البحر، حتّى لعبت (1)سفينته ريح عاصف، فأزعجتها إلى الشاطىء، و فتقتها في ليل مظلم و ذهبت أمواله، و سلم بحشاشته فقيرا و قيرا ينظر إلى الدنيا حسرة؟ !
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ألا أخبركم بأحسن من الأوّل حالا، و بأسوأ من الثاني حالا؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أمّا أحسن من الأوّل حالا فرجل اعتقد صدقا بمحمّد رسول اللّه و صدقا بإعظام عليّ أخي رسول اللّه و وليّه. و ثمرة قلبه و محض طاعته، فشكر له ربّه، و نبيّه، و وصيّ نبيه، فجمع اللّه له بذلك خير الدنيا و الآخرة، و رزقه لسانا لآلاء اللّه ذاكرا، و قلبا لنعمائه شاكرا، و بأحكامه راضيا، و على احتمال مكاره أعداء اللّه و أعداء محمد و آله نفسه موطّنا، لا جرم أنّ اللّه عزّ و جلّ سمّاه عظيما في ملكوت أرضه و سمواته، و حباه برضوانه و كراماته، فكانت تجارة هذا أربح، و غنيمته أكثر و أعظم.
و أمّا أسوأ حالا من الثاني فرجل أعطى أخا محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بيعته و أظهر له موافقته، و موالاة أوليائه، و معاداة أعدائه، ثم نكث بعد ذلك و خالف و والى عليه أعدائه، فختم له بسوء أعماله، فصار إلى عذاب لا يبيد و لا ينفد، قد خسر الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: معاشر عباد اللّه عليكم بخدمة من أكرمه اللّه بالارتضاء و حباه بالاصطفاء، و جعله أفضل أهل الأرض و السماء بعد محمد سيد الأمناء (2)علي بن أبي طالب عليه السلام و بموالاة أوليائه و معاداة أعدائه، و قضاء حقوق إخوانكم الذين هم في موالاته و معاداة أعدائه شركائكم فإنّ رعاية عليّ صلوات اللّه عليه أحسن من رعاية هؤلاء التجار
ص:154
الخارجين بصاحبكم الذي ذكرتموه إلى الصين الذي عرضوه للغنى، و أعانوه بالثراء.
أما إنّ من شيعة علي عليه السلام لمن يأتي يوم القيامة و قد وضع اللّه (1)له في كفه سيئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي و البحار التيارة، يقول الخلايق: هلك هذا العبد، فلا يشكّون أنه من الهالكين و في عذاب اللّه من الخالدين.
فيأتيه النداء من قبل اللّه عزّ و جلّ: يا أيها العبد الخاطىء (2)هذه الذنوب الموبقات، فهل بازائها حسنات تكافئها و تدخل جنة اللّه برحمته أو تزيد عليها فتدخلها بوعد اللّه؟ فيقول العبد: لا أدري، فيقول منادي ربنا عزّ و جلّ: إنّ ربي تعالى يقول: ناد في عرصات القيامة ألا أنّي فلان بن فلان من أهل بلد كذا و كذا و قرية كذا و كذا قد رهنت بسيأتي (3)كأمثال الجبال و البحار و لا حسنات بازائها (4)فأيّ أهل هذا المحشر كان لي عنده يد أو عارفة: فليغثني بمجازاتي عنها، فهذا أوان شدة حاجتي إليها.
فينادي الرجل بذلك، فأوّل من يجيبه عليّ بن أبي طالب عليه السلام:
لبيك لبيك لبّيك أيها الممتحن في محبتي المظلوم بعداوتي.
ثم يأتي هو و من معه عدد كثير و جمّ غفير و إن كانوا أقلّ عددا من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات فيقول ذلك العدد: يا أمير المؤمنين نحن اخوانه المؤمنون كان بنا بارّا و لنا مكرما، و في معاشرته إيّانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا، و قد نزلنا له عن جميع طاعتنا (5)و بذلناها له.
فيقول عليّ عليه السلام: فبماذا تدخلون جنة ربكم؟ فيقولون: برحمته
ص:155
الواسعة التي لا يعدمها من والاك و والى آلك يا أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيأتي النداء من قبل اللّه عزّ و جلّ يا أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هؤلاء اخوانه المؤمنون قد بذلوا له فأنت ماذا تبذل له؟ فإنّي أنا الحكم، ما بيني و بينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إياك، و ما بينه و بين عبادي من الظلامات فلا بد من فصل الحكم بينه و بينهم (1).
فيقول عليّ عليه السلام: يا رب أفعل ما تأمرني، فيقول اللّه عزّ و جلّ:
يا علي اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله، فيضمن لهم علي عليه السلام ذلك، و يقول لهم: اقترحوا عليّ ما شئتم أعطكموه (2)عوضا من ظلاماتكم قبله، فيقولون: يا أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تجعل لنا بازاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتتك على فراش محمد صلى اللّه عليه و آله فيقول علي عليه السلام قد وهبت ذلك لكم.
فيقول اللّه عزّ و جلّ: فانظروا يا عبادي الآن إلى ما نلتموه من علي عليه السلام فداء لصاحبه من ظلاماتكم (3)و يظهر لكم (4)ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها و خيراتها، فيكون ذلك ما يرضي اللّه عزّ و جلّ به خصمائه المؤمنين (5).
ثم يريهم بعد ذلك من الدرجات و المنازل ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.
يقولون: يا ربنا هل بقي من جنّاتك (6)شيء إذا كان هذا كله لنا فأين يحلّ ساير عبادك المؤمنين و الأنبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين؟ و يخيّل إليهم
ص:156
عند ذلك أنّ الجنة بأسرها قد جعلت لهم.
فيأتي النداء من قبل اللّه عزّ و جلّ: يا عبادي هذا ثواب نفس من أنفاس علي بن أبي طالب عليه السلام الذي اقترحتموه (1)عليه قد جعله لكم فخذوه و انظروا فيصيرون هم و هذا المؤمن الذي عوضهم عليّ عنه إلى تلك الجنان (2).
ثم يرون ماذا يضيفه اللّه عزّ و جلّ إلى ممالك عليّ عليه السلام في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليّه الموالي له ممّا يشاء (3)من الأضعاف التي لا يعرفها غيره.
ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ اَلزَّقُّومِ (4)، المعدّة لمخالفة (5)أخي و وصيّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام (6).
2-و روى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا أبا الحسن لو وضع إيمان الخلائق و أعمالهم في كفّة (7)و وضع عملك يوم أحد في (8)كفّة أخرى لرجح عملك على جميع (9)الخلايق، و اللّه تعالى باهى بك يوم أحد ملائكته المقربين، و رفع الحجاب (10)من السماء،
ص:157
و أشرقت بك (1)الجنة و ما فيها، و ابتهج بفعلك العالمون (2)، و إن اللّه تعالى يعوّضك بذلك اليوم ما يغبطك (3)به كلّ نبي و رسول و صديق و شهيد (4).
3-و روى ذلك أيضا في يوم الخندق الذي فضّل النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيه ضربة أمير المؤمنين عليه السلام على جميع أعمال الثقلين إلى يوم القيامة (5).
4-ابن شهر اشوب عن أبي يوسف يعقوب بن سفيان، و أبو عبيد القاسم بن سلاّم في تفسيرهما عن الأعمش، عن مسلم بن البطين، عن أبي جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (6)أي لتقعدنّ ليلة المعراج من سماء إلى سماء.
ثم قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا كانت ليلة المعراج كنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى فقال لي ربي: يا محمّد السّلام عليك مني، اقرأ مني عليّ بن أبي طالب السلام و قل له فإني أحبّه و أحبّ من يحبّه يا محمّد من حبّي لعلي بن أبي طالب اشتققت له اسما من اسمي فأنا العلي العظيم و هو علي، و أنا المحمود و أنت محمّد، يا محمّد لو عبدني عبد ألف سنة إلاّ خمسين عاما، قال ذلك أربع مرات: لقيني يوم القيامة و له عندي حسنة واحدة من حسنات علي بن أبي طالب عليه السلام قال اللّه تعالى: فَما لَهُمْ يعني المنافقين لا يُؤْمِنُونَ يعني لا يصدّقون بهذه الفضيلة لعلي بن أبي طالب عليه السلام (7).
5-عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» عن ربيعة السعدي (8)قال أتيت
ص:158
حذيفة بن اليمان (1)فقلت له: يا أبا عبد اللّه إنا لنتحدث (2)عن عليّ عليه السلام و مناقبه فيقول أهل البصرة (3): إنّكم لتفرطون في عليّ (4)فهل أنت محدّثي بحديث (5)فيه؟ فقال حذيفة: يا ربيعة و ما تسألني (6)عن علي؟ و الذي نفسي (7)بيده لو وضع جميع أعمال أصحاب (8)محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كفّة الميزان منذ بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه و آله إلى يوم (9)القيامة، و وضع عمل (10)علي عليه السلام في الكفة الأخرى لرجح عمل عليّ عليه السلام على جميع أعمالهم.
فقال ربيعة: هذا الذي (11)لا يقام له و لا يقعد، فقال حذيفة: يا لكع و كيف لا يحمل؟ و أين كان أبو بكر و عمر و حذيفة و جميع أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله يوم عمرو بن عبدود و قد دعا إلى المبارزة فأحجم (12)الناس كلهم ما خلا عليا عليه السلام فإنّه برز إليه فقتله اللّه على يده، و الذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل (13)أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى يوم القيامة (14).
ص:159
6-و من طريق المخالفين أو المؤيّد الموفق بن أحمد قال: أخبرنا الامام الحافظ أبو الفتح عبد الواحد بن الحسن الباقرجي، أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد الجويني (1)قال: قرأت على أبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي، أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان السعدي قال: حدثنا لؤلؤ القصري (2)أخبرنا أبو اسحق إبراهيم بن محمد بن خضر الصوفي، حدثنا أبو عبد اللّه الحسين بن حسن بن شدّاد، أخبرنا محمّد بن سنان الحنطي 3، أخبرنا اسحاق بن بشر القرشي، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال يوم الخندق: لمبارزة علي بن أبي طالب عليه السلام لعمرو بن عبدود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة 4.
7-قال الحسن بن أبي الحسن الديلمي: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لمبارزة عليّ عليه السلام لعمرو بن عبدود العامري كانت اثنتين و سبعين مبارزة، فإذا فكّر العاقل أنّ قسما واحدا من أصل اثنتين و سبعين قسما من أصل خمسة أقسام، و هي العبادات الخمس من أصل قسمين. و هي العلم و العمل، لأنّ العلم أيضا عمل نفساني أفضل من عمل الأمّة إلى يوم القيامة:
عرف من ذلك أنّه مجهول القدر، فإذا كان أعبد الناس كان أفضلهم فتعيّن أنّه يكون هو الامام بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 5.
8-و من كتاب «فضائل الصحابة» لأبي المظفر السمعاني، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ لعلي عليه السلام من الثواب ما لو قسم على أهل الأرض لوسعهم.
ص:160
في قوته عليه السلام
1-البرسي روي أنّ في يوم خيبر لمّا جائت صفية إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و كانت من أحسن الناس وجها، فراى في وجهها شجّة، فقال: ما هذه و أنت ابنة الملوك؟ فقالت: إنّ عليا عليه السلام لمّا قدم (1)الحصن هزّ الباب فاهتز الحصن، و سقط من كان عليه من النّظارة (2)و ارتجف بي السرير، فسقطت لوجهي فشجّني جانب السرير، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا صفية إنّ عليا عليه السلام عظيم عند اللّه، و إنّه لمّا هزّ الباب اهتزّ الحصن، فاهتزّت السموات السبع و الأرضون السبع، و اهتزّ عرش الرحمن غضبا لعلي عليه السلام.
و في ذلك اليوم لمّا سأله عمر فقال: يا أبا الحسن لقد اقتلعت منيعا (3)و أنت ثلاثة أيّام خميصا، فهل قلعتها بقوة بشرية؟ فقال عليه السلام: ما قلعتها بقوة بشريّة، و لكن قلعتها بقوة إلهيّة و نفس بقضاء (4)ربها مطمئنة مرضية.
و في ذلك اليوم لمّا شطّر مرحب شطرين، و ألقاه مجدّلا جاء جبرئيل من السماء
ص:161
متعجّبا، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ممّ تتعجب؟ فقال: إنّ الملائكة تنادي في مواضع (1)جوامع السموات:
لا فتى إلا عليّ لا سيف إلا ذو الفقار
و أمّا إعجابي فإنّي لما أمرني (2)ربّي أن أدمّر قوم لوط حملت مدائنهم، و هي سبع مدائن، من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا على ريشة من جناحي، و رفعتها حتى سمع حملة العرش صياح ديكتهم، و بكاء أطفالهم و وقفت بها إلى الصبح انتظر الأمر و لم أنتقل بها، و اليوم لمّا ضرب عليّ عليه السلام ضربته الهاشمية، و كبّر أمرت أن أقبض فاضل سيفه، حتى لا يشقّ الأرض، و يصل إلى الثور الحامل لها فيشطره شطرين فتنقلب الأرض بأهلها، فكان فاضل سيفه عليّ أثقل من مداين لوط، هذا و اسرافيل، و ميكائيل قد قبضا عضده في الهواء (3).
2-تفسير أبي محمد العسكري عليه السلام عن أبيه عليّ بن محمد عليهما السلام قال: إنّ رجلا من ثقيف كان أطبّ الناس يقال له:
الحارث بن كلدة الثقفي، جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:
يا محمّد جئت أداويك من جنونك، فقد داويت مجانين كثيرة فشفوا على يدي.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا حارث أنت تفعل أفعال المجانين و تنسبني إلى الجنون؟ ! فقال الحارث: و ماذا فعلته من أفعال المجانين؟ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نسبتك إيّاي إلى الجنون من غير محنة (4)منك و لا تجربة و لا نظر في صدقي أو كذبي، فقال الحارث: أو ليس قد عرفت كذبك و جنونك بدعواك النبوة التي لا تقدر لها؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
ص:162
و قولك: لا تقدر لها فعل (1)المجانين.
فقال الحارث: صدقت أنا أمتحن أمرك بآية أطالبك بها: إن كنت نبيّا فادع تلك الشجرة (2)العظيمة البعيدة عنقها (3)، فإن أتتك علمت أنّك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و شهدت لك بذلك، و إلاّ فأنت ذلك المجنون الذي قيل لي.
فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يديه (4)إلى تلك الشجرة و أشار إليها أن تعالي، فانقلعت الشجرة بأصولها و عروقها، و جعلت تخدّ في الأرض أخدودا (5)عظيما كالنهر حتى دنت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وقفت بين يديه، و نادت بصوت فصيح: ها أنا ذا يا رسول اللّه ما تأمرني؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لها: دعوتك لتشهدي لي بالنبوّة بعد شهادتك للّه بالتوحيد.
ثم تشهدي بعد ذلك لعليّ عليه السلام هذا بالامامة و أنّه سندي و ظهري و عضدي و فخري و لولاه ما خلق اللّه شيئا مما خلق.
فنادت أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّك (6)عبده و رسوله، أرسلك بالحق بشيرا و نذيرا و داعيا إلى اللّه باذنه و سراجا منيرا، و أشهد أنّ عليا ابن عمّك، و هو أخوك في دينك، أوفر خلق اللّه من الدين حظّا، و أجز لهم من الاسلام نصيبا، و أنّه سندك، و ظهرك، قامع أعدائك، ناصر أوليائك، باب علومك، و أمينك (7)و أشهد أنّ أوليائك الذين يوالونه،
ص:163
و يعادون أعدائه حشو الجنة، و أنّ أعداءك الذين يوالون أعداءه، و يعادون أوليائه حشو النار.
فنظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الحارث بن كلدة و قال:
يا حارث أو مجنون (1)من هذا حاله و آياته؟ ! فقال الحارث بن كلدة: لا و اللّه يا رسول اللّه، و لكنّي أشهد أنّك رسول ربّ العالمين، و سيد الخلق أجمعين، و حسن إسلامه (2).
3-قال عليّ بن الحسين عليه السلام: و لأمير المؤمنين عليه السلام نظيرها: كان عليه السلام قاعدا ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة و الطب، فقال له: يا أبا الحسن بلغني خبر صاحبك و أنّ به جنونا فجئت لأعاجله؟ فلحقته قد مضى لسبيله، وفاتني ما أردت من ذلك.
و قد قيل لي إنّك ابن عمّه و صهره، و أرى اصفرارا (3)قد علاك، و ساقين دقيقين ما أراهما يقلاّنك (4)، فأمّا الصفار فعندي دواؤه، و أمّا الساقان الدقيقان فلا حيلة لي لتغليظهما، و الوجه أن ترفق بهما و بنفسك في المشي تقلّله و لا تكثره، و فيما تحمله على ظهرك و تحضنه (5)بصدرك أن تقلّلهما و لا تكثرهما، فإنّ ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل الثقيل انقصافهما (6).
و أمّا الصفار فدواؤك عندي، و هو هذا، و أخرج دواء، و قال: هذا لا يؤذيك و لا يخيسك (7)و لكنه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا، ثم يزيل صفارك.
ص:164
فقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري فهل تعرف شيئا يزيد منه صفاري (1)فقال الرجل: بلى حبّة من هذا، و أشار إلى دواء معه، و قال: إن تناوله الإنسان و به صفار أماته من ساعته، و إن كان لا صفار فيه صار به صفرة (2)حتى يموت في يومه.
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: فأرني هذا الضارّ، فأعطاه إياه، فقال له: كم قدر هذا؟ فقال: قدر مثقالين سمّ ناقع، قدر حبّة منه يقتل رجلا، فتناوله عليّ عليه السلام فقمحه و عرق عرقا خفيفا، و جعل الرجل يرتعد و يقول في نفسه: الآن أوخذ بابن أبي طالب عليه السلام و يقال: قتله و لا يقبل مني قولي: إنّه هو الجاني على نفسه.
فتبسّم عليّ بن أبي طالب عليه السلام و قال: يا عبد اللّه اصحّ ما كنت بدنا الآن، لم يضرّني ما زعمت أنّه سمّ، فغمّض عينيك فغمض، ثمّ قال:
افتح عينيك، ففتح و نظر إلى وجه عليّ عليه السلام فإذا هو أبيض أحمر مشرب بحمرة فارتعد الرجل ممّا رآه، و تبسّم عليّ عليه السلام و قال: أين الصفار الذي زعمت أنّه بي؟ فقال: و اللّه كأنّك لست من رأيت، قبل كنت مصفارا فأنت الآن مورّد، قال عليّ عليه السلام: فزال عنّي الصفار بسمّك الذي تزعمه أنّه قاتلي.
و أمّا ساقاي هاتان، و مدّ رجليه و كشف عن ساقيه، فإنّك زعمت أنّي أحتاج أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان، و أنا أدلّك على أنّ طبّ اللّه عزّ و جلّ خلاف طبّك، و ضرب بيده إلى أستوانة خشب عظيمة على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه، و فوقه حجرتان أحدهما فوق الأخرى، و حرّكها و احتملها فارتفع السطح و الحيطان و فوقهما الغرفتان، فغشي على اليوناني، فقال علي عليه السلام: صبّوا عليه الماء فأفاق، و هو يقول: و اللّه ما رأيت كاليوم عجبا، فقال له عليّ عليه السلام: هذه قوّة الساقين الدقيقين
ص:165
و احتمالها في ظنك هذا يا يوناني.
فقال اليوناني: أمثلك كان محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال عليّ عليه السلام: و هل علمي إلاّ من علمه؟ و عقلي إلاّ من عقله؟ و قوّتي إلاّ من قوّته؟ لقد أتاه ثقفي (1).
و ساق الحديث بطوله معجزة لأمير المؤمنين عليه السلام، و الحديث بتمامه مذكور في كتاب «مدينة المعاجز» .
ص:166
في شجاعته و قوته عليه السلام
1-الشيخ البرسي في كتابه قال: روى صاحب كتاب «المقامات» مرفوعا إلى ابن عباس، قال: رأيت عليا يوما في سكك المدينة يسلك طريقا لم يكن له منفذ، فجئت فأعلمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: إنّ عليا عليه السلام علم الهدى، و الهدى طريقه، قال: فمضى على ذلك ثلاثة أيام، فلمّا كان في اليوم الرابع أمرنا أن ننطلق في طلبه.
قال ابن عباس: فذهبت في الدرب الذي رأيته فيه، و إذا بياض درعه في ضوء الشمس، قال: فأتيت فأعلمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقدومه، فقام إليه، فلاقاه و اعتنقه و حلّ عنه الدرع بيده، و جعل يتفقد جسده.
فقال عمر: كأنّك يا رسول اللّه تتوهّم أنّه كان في الحرب، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عمر بن الخطاب و اللّه لقد ولي أربعين ألف ملك، و قتل أربعين ألف عفريت و أسلم على يده أربعون ألف عفريت و أسلم على يده أربعون ألف قبيلة من الجن، و انّ الشجاعة عشرة أجزاء، تسعة منها في عليّ عليه السلام، و واحد منها في سائر الناس.
و الفضل و الشرف عشرة أجزاء، تسعة منها في عليّ عليه السلام، و واحد في سائر الناس، و إنّ عليا منّي بمنزلة الذراع من اليد، و زرّي في قميصي،
ص:167
و يدي التي أصول بها، و سيفي الذي أجالد به الأعداء، و انّ المحبّ له مؤمن، و المخالف له كافر، و المقتفي لأثره لا حق (1).
2-كتاب «المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة» عن جرير بن عبد اللّه (2)، قال: صلّيت مع عمر في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا فرغنا أخذ بيدي نحو منزله لأمر أراده، فاجتزنا بعليّ عليه السلام و هو ببابه، و بين يديه بعيران مناخان و معه مولى له يقال له نباح، متأهّب للسفر، و أمير المؤمنين عليه السلام يقول له: نباح سر على بركات اللّه و حسن توفيقه، زوّدك اللّه التقوى، و رزقك اللّه خير الآخرة و الدنيا، بعيران هذان أوصيك فيهما خيرا توخ بهما السهول، و تنكّب بهما الحزون، و اسقهما الماء عند الماء، و انزل عنهما عند الغايات، و لا تتخّذ ظهورهما مجلسا و لا متحدّثا، و لا تضربهما و أنت تجد السبيل إلى التراضي عنهما.
قال جرير: فالتفتّ إلى عمر و قلت: تسمع وصية عليّ عليه السلام لعبده، و حسن سيرته مع الخلق؟ فقال لي: ويحك يا جرير أو ليس هذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام معدن الحكم، و مقرّ الكرم، و مجمع الايمان؟ أما و اللّه لو لا حداثة سنّه و خصال أورثته عجبا ما كان للخلافة غيره.
فقلت: يا عمر أمّا الحداثة فقد عرفتها، و أمّا الخصال الّتي اجتمعن فيه و أورثته عجبا فلست أعرفها، فقال: شجاعة لا ترام، و قوّة لا يدخل عليها النقص، و سيف في الاسلام، وجود موصوف، و عقل أرزن من الجبال، و رأي أعلى من الأفق، و قلب أثبت من أحد، و أنّه زوج سيدة نساء العالمين، و أبو سيّدي شباب أهل الجنة. و يكفيك من هذه الخصال واحدة في الفخر.
قال جرير: فأجزت منصرفي، و أتيت إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بما جرى قال: يا جرير فهلاّ قلت له: أكان على حين قدّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر، و يوم حنين، و يوم الخندق أصغر سنا أو
ص:168
اليوم؟ قال جرير: ما كنت آمن أن يعلوني بالدرّة (1).
3-ابن الفارسي في «روضة الواعظين» روى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في رسالته إلى سهل بن حنيف (2): و اللّه ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية و لا حركة غذائية، و لكنّي أيّدت بقوة ملكوتية، و نفس بنور ربّها مضيئة، و أنا من أحمد كالضوء من الضوء، و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت، و لو أمكنني الفرصة من رقابها لما بقيت، و من لم يبال متى حتفه عليه ساقط، فجنانه في الملمّات رابط.
و رواه عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» (3).
4-و ابن شهر اشوب في «الفضائل» قال فيما كتب عليه السلام إلى عثمان بن حنيف (4)لو تظاهرت العرب عليّ لما ولّيت عنها، و لو أمكنت الفرصة لسارعت إليها (5).
5-جابر بن عبد اللّه أنّ عليا عليه السلام حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها (6).
7-ابن جرير الطبري (7)صاحب «المسترشد» أنّه عليه السلام حمل باب خيبر بشماله-و هو أربعة أذرع في خمسة أشبار عمقا حجرا صلدا-دون يمينه، فأثّر فيه أصابعه و حمله بغير مقبض، يتترّس به فضارب الأقران بسيفه (8)حتى
ص:169
هجم عليهم، ثم زجّه (1)من ورائه أربعين ذراعا.
و في رواية (2)أنّه كان طول الباب خمسة (3)عشر ذراعا، و عرض الخندق عشرون ذراعا، فوضع جانبا على طرف الخندق، و ضبط بيده جانبا حتى عبر عليه العسكر، و كانوا ثمانية ألف و سبعمائة رجل، و فيهم من كان يتردد و يجف (4)عليه.
أبو عبد اللّه الجدي (5)قال له عمر: لقد حملت منه ثقلا، فقال: ما كان إلاّ مثل جنّتي (6)التي في يدي (7).
ص:170
في عبادته عليه السلام
1-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال:
أخبرنا محمّد بن وهبان (1)عن محمّد بن أحمد بن زكريا، عن الحسن بن علي بن فضال (2)، عن علي بن عقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ذات يوم، و هو يأكل متكئا، و قد كان يبلغنا أنّ ذلك يكره، فجعلت أنظر إليه، فدعاني إلى طعامه، فلمّا فرغ قال: يا محمد لعلّك ترى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأته عين و هو يأكل متكئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه.
ثم ردّ على نفسه قال: لا و اللّه ما رأته عين و هو يأكل متكئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه (3).
ثم قال: يا محمّد لعلّك ترى أنّه شبع من خبز برّ (4)لا و اللّه، ما شبع من خبز برّ ثلاثة أيام متوالية إلى أن قبضه اللّه، أما إنّي لا أقول: إنّه لم يجد، لقد
ص:171
كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الابل، و لو أراد أن يأكل لأكل.
و لقد أتاه جبرئيل عليه السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرّات (1)فخيّره من غير أن ينقصه اللّه مما أعدّ له يوم القيامة شيئا، فيختار التواضع لربّه، و ما سئل شيئا قطّ فقال (2): لا، إن كان أعطى، و إن لم يكن قال:
يكون إن شاء اللّه، و ما أعطى على اللّه شيئا قطّ إلاّ سلّم اللّه له ذلك (3)، حتى أن كان ليعطي الرجل الجنّة فيسلّم اللّه ذلك له.
ثم تناولني بيده فقال: و إن كان صاحبكم (4)عليه السلام ليجلس جلسة العبد، و يأكل أكلة العبد، و يطعم الناس الخبز (5)و اللحم، و يرجع إلى رحله (6)فيأكل الخلّ و الزيت.
و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين (7)ثم يخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، و إن جاز كعبه حذفه، و ما ورد عليه أمران قطّ كلاهما للّه رضا إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه.
و لقد ولّى الناس خمس سنين ما وضع آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعة، و لا أورث بيضاء و لا حمراء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها لأهله خادما، و ما أطاق عمله منّا أحد، و إن كان عليّ بن الحسين عليهما السلام لينظر في كتاب من كتب عليّ عليه السلام، فيضرب به الأرض و يقول: من يطيق هذا؟ (8)
ص:172
2-ابن بابويه «في أماليه» قال: حدثني أبي رحمه اللّه قال: حدثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران (1)، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال: و اللّه إن كان (2)عليّ عليه السلام ليأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه، و إذا جاز كعبه حذفه. و لقد ولّي خمس سنين ما وضع آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعة (3)، و لا أورث بيضاء و لا حمراء، و إنّه ليطعم الناس من (4)خبز البر و اللحم، و ينصرف إلى منزله و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخل.
و ما ورد عليه أمران كلاهما للّه رضى إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لقد أعتق ألف مملوك من كدّ يده، تربت فيه يداه و عرق فيه وجهه، و ما أطاق عمله أحد من الناس و إن (5)كان ليصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و إن كان أقرب الناس شبها به عليّ بن الحسين عليه السلام و ما أطاق عمله أحد من الناس بعده (6).
3-الشيخ في «التهذيب» عليّ بن (7)حاتم، عن محمّد بن جعفر المؤدب (8)قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن الحسين، عن
ص:173
النضر بن شعيب، عن جميع بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن استطعت أن تصلّي في شهر رمضان و غيره، في اليوم و الليلة ألف ركعة فافعل، فإنّ عليا عليه السلام كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة (1).
4-و عنه باسناده عن الحسين بن سعيد، عن القاسم عن عليّ بن أبي حمزة، قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له أبو بصير: ما تقول في الصلاة في شهر رمضان؟ فقال له: إنّ لرمضان حرمة و حقا لا يشبهه شيء من الشهور، صلّ ما استطعت في شهر رمضان تطوّعا بالليل و النهار، فإن استطعت أن تصلّي في كل يوم و ليلة ألف ركعة فصلّ، فإنّ عليا عليه السلام كان في آخر عمره يصلّي في كلّ يوم و ليلة ألف ركعة فصلّ يا أبا محمّد زيادة في رمضان.
فقال: كم جعلت فداك؟ قال في عشرين ليلة تمضي في كل ليلة عشرين ركعة، ثماني ركعات قبل العتمة، و اثنتي عشرة بعدها، سوى ما كنت تصلّي قبل ذلك، و إذا دخل العشر الأواخر فصلّ ثلاثين ركعة، في كل ليلة، ثماني ركعات قبل العتمة، و اثنين و عشرين ركعة بعد العتمة، سوى ما كنت تفعل قبل ذلك (2).
و رواه محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام و ساق الحديث إلى آخره.
5-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار الساباطي (3)قال:
سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِذا مَسَّ اَلْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ
ص:174
مُنِيباً إِلَيْهِ (1)قال: نزلت في أبي الفصيل أنّه كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنده ساحرا و كان إذا مسّه الضرّ يعني السقم دعا ربّه منيبا إليه (2)من قوله في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يقول.
ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً (يعني العافية) نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ يعني نسي التوبة إلى اللّه عزّ و جلّ ممّا كان يقول في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّه ساحر، و لذلك قال اللّه عزّ و جلّ: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ اَلنّارِ (3)يعني إمرتك على الناس بغير حقّ من اللّه عزّ و جلّ و من رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال: ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثم عطف القول من اللّه عزّ و جلّ في عليّ عليه السلام يخبر بحاله و فضله عند اللّه تبارك و تعالى أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اَللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ اَلْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ (أنّ محمدا رسول اللّه) وَ اَلَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أنّ محمدا رسول اللّه، بل يقولون: إنه ساحر كذّاب إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا اَلْأَلْبابِ (4)قال: ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: في هذا تأويله يا عمّار (5).
6-و عنه عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، و حفص بن البختري، و سلمة بيّاع السابري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا أخذ كتاب عليّ عليه السلام فنظر فيه قال: من يطيق هذا من يطيق ذا؟ قال: ثم يعمل به، و كان إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه حتى يعرف ذلك في وجهه، و ما أطاق أحد عمل عليّ
ص:175
عليه السلام من بعده إلاّ عليّ بن الحسين عليهما السلام (1).
7-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن الحسن (2)الصيقل، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ وليّ علي عليه السلام لا يأكل إلاّ الحلال (3)، لأنّ صاحبه كان كذلك، و إنّ وليّ عثمان لا يبالي أحلالا أكل أو حراما لأنّ صاحبه كذلك.
ثم عاد إلى ذكر عليّ عليه السلام فقال: أما و الّذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قليلا و لا كثيرا حتى فارقها، و لا عرض له أمران كلاهما للّه طاعة إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لا نزلت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شديدة قطّ إلاّ وجّهه فيها ثقة به، و لا أطاق أحد من هذه الأمّة عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بعده غيره، و لقد كان يعمل عمل رجل كأنّه ينظر إلى الجنّة و النار.
و لقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله، كلّ ذلك تحفى (4)فيه يداه و تعرّق فيه جبينه التماس وجه اللّه عزّ و جلّ و الخلاص من النار، و ما كان قوته إلاّ الخلّ و الزيت و حلواه التمر إذا وجده، و ملبوسه الكرابيس، فإذا فضل من ثيابه شيء دعا بالجلم (5)فجزّه (6).
8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما أكل
ص:176
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متّكئا منذ بعثه اللّه عزّ و جلّ إلى أن قبضه تواضعا للّه عزّ و جلّ، و ما رأى ركبتيه (1)أمام جليسه في مجلس قطّ و لا صافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا قطّ فنزع يده من يده، حتى يكون الرّجل هو الذي ينزع يده، و لا كافأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسيّئة قط قال اللّه اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ اَلسَّيِّئَةَ (2)و ما منع سائلا قطّ، إن كان عنده أعطى و إلاّ قال: يأتي اللّه به، و لا أعطي على اللّه عزّ و جلّ شيئا قطّ إلاّ أجازه اللّه، إنّه (3)كان ليعطي الجنة فيجيز اللّه عزّ و جلّ له ذلك و كان أخوه (4)من بعده و الّذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قطّ حتى خرج منها، و اللّه إنّه (5)كان ليعرض له أمران كان كلاهما للّه طاعة، فيأخذ بأشدّهما على بدنه، و اللّه لقد أعتق ألف مملوك لوجه اللّه دبرت (6)فيهم يداه، و اللّه ما أطاق عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من بعده أحد غيره، و اللّه ما نزلت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نازلة قطّ إلاّ قدّمه فيها ثقة منه به، و إنّه كان رسول اللّه ليبعثه برايته، فيقاتل جبرئيل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره، ثم ما يرجع حتى يفتح اللّه عزّ و جلّ له (7).
9-قال الحسن بن أبي الحسن الديلمي (8): اعلم أنّه إذا نظرت إلى
ص:177
العبادة وجدته أعبد الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، منه تعلم الناس صلاة الليل و التهجّد و الأدعية المأثورة، و لقد كان يفرش له في الصفّين بين الصفّين، و السهام تتساقط حوله، و لا يلتفت عن ربه، و لا يغيّر عادته و لا يفتر عن عبادته (1).
10-ابن شهر اشوب جاء أنّه لم يقدر أحد يحكي صلاة رسول اللّه إلاّ عليّ عليه السلام و لا صلاة عليّ عليه السلام إلاّ عليّ بن الحسين عليهما السلام (2).
11-و روى أبو يعلى (3)، في «المسند» أنّه عليه السلام قال: ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: صلاة الليل نور، فقال ابن الكوّاء: و لا ليلة الهرير؟ قال: و لا ليلة الهرير (4).
12- «إبانة» العكبري (5): سليمان بن المغيرة (6)، عن أمّه قالت: سألت أمّ سعيد سرّية عليّ عليه السلام عن صلاة عليّ عليه السلام في شهر رمضان فقالت: رمضان و شوّال سواء، يحيي الليل كلّه (7).
13-و أخذ زين العابدين عليه السلام بعض صحف عباداته فقرأ فيه يسيرا، ثم تركها من يده تضجّرا، و قال عليه السلام: من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام (8)؟ !
14-و روي عنه عليه السلام كان إذا حضر (9)وقت الصلاة تزلزل و تلوّن،
ص:178
فقيل له مالك يا أمير المؤمنين عليه السلام؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها اللّه سبحانه و تعالى على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الانسان (1)، فلا أدري أحسن أداء ما حملت أم لا؟ ! (2)
15-النيسابوري في «روضة الواعظين» أنّه قال عروة بن الزبير: سمع بعض التابعين أنس بن مالك يقول: نزلت في عليّ عليه السلام أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اَللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ اَلْآخِرَةَ (3).
قال الرجل: فأتيت عليّا عليه السلام وقت المغرب فوجدته يصلّي و يقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثم جدّد وضوءه و خرج إلى المسجد، و صلّى بالناس صلاة الفجر، ثم قعد في التعقيب إلى أن طلعت الشمس، ثم قصده الناس، فجعل يقضي بينهم إلى أن قام إلى صلاة الظهر فجدّد الوضوء، ثم صلّى بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلى أن صلّى بهم العصر، ثم كان يحكم بين الناس و يفتيهم إلى أن غابت الشمس (4).
16-محمّد بن جرير (5)الطبري في «مسند فاطمة» قال: كان عليّ بن الحسين حسن الصلاة يصلّي في كلّ يوم و ليلة ألف ركعة سوى الفريضة، فيقال له: أين هذا العمل من عمل عليّ جدك؟ فقال: مه إنّني نظرت في عمل عليّ يوما واحدا عدلت من الحول إلى الحول (6).
17-قال الحسن بن أبي الحسن الديلمي: اعلم أنّه إذا نظرت إلى العبادة وجدته (7)أعبد الناس من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، منه تعلّم الناس صلاة الليل و التهجد و الأدعية المأثورة، و لقد كان يفرش له بين
ص:179
الصفّين و السهام تتساقط حوله، و هو لا يلتفت عن ربّه، و لا يغيّر عادته.
و كان إذا توجّه إلى اللّه تعالى توجّه بكلّيته و انقطع نظره عن الدنيا و ما فيها، حتى أنّه لا يبقى يدرك الألم لأنّهم كانوا إذا أرادوا إخراج الحديد و النشّاب من جسده الشريف تركوه حتى يصلّي فإذا اشتغل بالصلاة و أقبل على اللّه أخرجوا الحديد من جسده و لم يحسّ به، فإذا فرغ من صلاته يرى ذلك، فيقول لولده الحسن عليه السلام: إن هي إلاّ فعلتك يا حسن، و لم يترك صلاة الليل قطّ في ليلة الهرير، و كان عليه السلام يوما في حرب صفّين مشتغلا بالحرب و القتال، و هو مع ذلك بين الصفّين يراقب الشمس، فقال له ابن عباس: و هل هذا وقت صلاة؟ و إنّ عندنا لشغلا بالقتال عن الصلاة، فقال عليه السلام: على ما نقاتلهم، إنّما نقاتلهم على الصلاة.
و بالجملة إنّ العبادات فقد أتى بها جميعا، و بلغ الغاية القصوى في كلّ واحدة منها، و مقاماته الحميدة في التهجّد، و الخشوع و الخوف من اللّه تعالى لم يسبقه إليها سوى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، حتى أنّه عليه السلام قال:
الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنّة فإنّ الجنة فيها رضى نفسي، و الجامع فيها رضى ربّي (1): انتهى كلامه رفع مقامه.
ص:180
في بكائه من خشية اللّه و خشوعه عليه السلام
1-الشيخ في «مجالسه» أخبرنا أبو عبد اللّه أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد بن الزبير القرشي (1)قال: أخبرنا عليّ بن الحسن بن فضّال: قال حدثنا العبّاس بن عامر (2)قال: حدثنا أحمد بن رزق (3)عن محمّد بن عبد الرحمان (4)قال: سمعت يحيى بن العلاء الرازي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل عليّ عليه السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو في منزل أمّ سلمة فلما رآه قال: كيف أنت يا عليّ إذا اجتمعت الأمم، و وضعت الموازين، و برز لعرض خلقه، و دعى الناس إلى ما لا بدّ منه؟
قال: فدمعت عين أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما يبكيك يا عليّ؟ تدعى و اللّه أنت و شيعتك غرّا محجلين،
ص:181
رواءا مرويّين، مبيضّة وجوهكم، و يدعى بعدوّك مسودّة وجوههم أشقياء معذّبين: أما سمعت إلى قول اللّه: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ أنت و شيعتك و اَلَّذِينَ كَفَرُوا بآياتنا أُولئِكَ هُمْ شَرُّ اَلْبَرِيَّةِ (1)عدوّك يا عليّ (2).
2-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن معروف بن خرّبوذ (3)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: صلّى أمير المؤمنين عليه السلام بالناس الصبح بالعراق، فلمّا انصرف وعظهم فبكى، و أبكاهم من خوف اللّه.
ثم قال أما و اللّه لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إنّهم ليصبحون و يمسون شعثا غبرا خمصا (4)، بين أعينهم كركب المعزى (5)، يبيتون لربّهم سجّدا و قياما، يراوحون (6)بين أقدامهم وجباهم، يناجون ربهم، و يسألون فكاك رقابهم من النار، و اللّه لقد رأيتهم مع هذا و هم خائفون مشفقون (7).
3-و عنه عن السندي بن محمد (8)، عن محمد بن الصلت (9)، عن أبي
ص:182
حمزة، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: صلّى أمير المؤمنين عليه السلام الفجر، ثمّ لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد (1)رمح: فأقبل على الناس بوجهه، فقال: و اللّه لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجّدا و قياما، يخالفون بين جباههم و ركبهم، كأن زفير النار في آذانهم، إذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر، كأنّما القوم باتوا غافلين، قال: ثم قال: فما رئي ضاحكا حتى قبض صلوات اللّه عليه (2).
4-الحسن بن أبي الحسن الديلمي قال: روى الحكم بن مروان، عن جبير بن حبيب، نزلت بعمر بن الخطاب نازلة قام لها، و قعد، و ترنّح (3)، و تقطّر (4)ثم قال: يا معاشر المهاجرين ما عندكم فيها؟ قالوا: يا أمير المؤمنين أنت المفزع و المنزع (5)، فغضب عمر، ثم قال: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (6)أما و اللّه إنّا و إيّاكم لنعرف ابن بجدتها و الخبير بها.
قالوا: كأنّك أردت ابن أبي طالب؟ قال: و أنّى يعدل بي عنه، و هل طفحت (7)حرّة بمثله؟ قالوا: فلو بعثت إليه، قال: هيهات هناك شيخ من بني هاشم، و لحمة (8)من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و أثرة (9)من علم يؤتى لها و لا يأتي، افضوا إليه، فأفضوا إليه و هو في حائط له، عليه ثياب يتوكّأ على مسحاته (10)، و هو يقول: أَ يَحْسَبُ اَلْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً
ص:183
مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّى (1)و دموعه تجري على خدّيه، فأجهش القوم لبكائه، ثم سكن و سكنوا، و سأله عمر عن مسألته، فأصدر جوابها و لوى عمر يده.
ثم قال: أما و اللّه لقد أرادك الحقّ، و لكن أبى قومك، فقال له: يا أبا حفص خفّض (2)عليك من هنا إِنَّ يَوْمَ اَلْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (3)فانصرف و قد أظلم وجهه، فكأنّما ينظر من ليل مظلم (4).
5-ابن شهر اشوب: عروة بن الزبير، قال: تذاكرنا صالح الأعمال، فقال أبو الدرداء: أعبد الناس عليّ بن أبي طالب عليه السلام، سمعته قائلا بصوت حزين، و نغمة شجية، في موضع خال: إلهي كم من موبقة (5)حملتها عنّي فقابلتها بنعمك، و كم من جريرة تكرّمت عليّ عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، و عظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمّل غير غفرانك، و لا أنا براج غير رضوانك، ثم ركع ركعات، فأخذ في الدعاء و البكاء.
فمن مناجاته: إلهي أفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليتي.
ثم قال: آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، و أنت محصيها فتقول: خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، و لا تنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء.
آه من نار تنضج الأكباد و الكلى (6)، آه من نار نزّاعة للشوى، آه من
ص:184
غمرة من متلهبات (1)لظى، ثم انغمر (2)في البكاء فلم أسمع له حسّا فقلت غلب عليه النوم، أوقظه لصلاة الفجر، فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحرّكته فلم يتحرّك (3)، فقلت: إنا للّه و إنّا إليه راجعون، مات و اللّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
قال: فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليها السلام:
ما كان من شأنه؟ فأخبرتها، فقالت: هي و اللّه الغشية الّتي تأخذه من خشية اللّه.
ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق، و نظر إليّ و أنا أبكي، فقال:
ممّ بكاؤك يا أبا الدرداء؟ فكيف و لو رأيتني دعي بي إلى الحساب، و أيقن أهل الجرائم بالعذاب، و احتوتني (4)ملائكة غلاظ و زبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبّار، قد أسلمني (5)الأحباء، و رحمني أهل الدنيا أشدّ رقة 6لي، بين يدي من لا تخفى عليه خافية 7.
6-و أخذ زين العابدين عليه السلام بعض صحف عباداته، فقرأ فيه يسيرا ثم تركها من يده تضجّرا، و قال: من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب؟ ! 8
7-و عن الباقر عليه السلام و ابن عبّاس في قوله تعالى وَ اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
ص:185
وَ اَلصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى اَلْخاشِعِينَ (1)و الخاشع: الذليل في صلاته، المقبل عليها (2)يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السلام.
و قال ابن شهر اشوب: فيه نزلت: قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (3)(4).
ص:186
في خوفه عليه السلام من اللّه تعالى
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد (يعني المفيد) قال:
حدّثنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا جعفر بن محمّد بن مروان (1)، قال: حدّثنا إبراهيم بن الحكم المسعودي، قال: حدّثنا الحارث بن حصيرة (2)، عن عمران بن الحصين (3)، قال: كنت أنا و عمر بن الخطّاب جالسين عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام جالس إلى جنبه إذ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أَمَّنْ يُجِيبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ اَلسُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ اَلْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اَللّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (4).
قال: فانتفض (5)عليّ عليه السلام انتفاض العصفور، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ما شأنك تجزع؟ فقال: مالي لا أجزع و اللّه يقول: إنّه يجعلنا خلفاء الأرض؟ فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: لا تجزع و اللّه لا يحبّك إلاّ
ص:187
مؤمن، و لا يبغضك إلاّ منافق (1).
2-محمّد بن العبّاس بن ماهيار (2)الثقة في «تفسيره» قال: حدّثنا إسحاق بن محمّد بن مروان (3)، عن أبيه، عن عبيد اللّه بن خنيس، عن صباح المزني (4)، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي داود (5)، عن بريدة (6)قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام إلى جنبه: أَمَّنْ يُجِيبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ اَلسُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ اَلْأَرْضِ (7).
قال: فانتفض عليّ عليه السلام انتفاض العصفور، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لم تجزع يا عليّ؟ فقال: لم لا أجزع و أنت تقول:
و يجعلكم خلفاء الأرض؟ فقال: لا تجزع فو اللّه لا يبغضك مؤمن و لا يحبّك كافر (8).
3-و عن عثمان بن هاشم بن الفضل، عن محمّد بن كثير (9)، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي داود السبيعي، عن عمران بن حصين، قال:
ص:188
كنت جالسا عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام إلى جنبه إذ قرأ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أَمَّنْ يُجِيبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ اَلسُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ اَلْأَرْضِ (1).
قال: فارتعد عليّ عليه السلام فضرب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يده على كتفه، فقال: مالك يا عليّ؟ فقال: يا رسول اللّه قرأت هذه الآية، فخشيت أن نبتلى بها فأصابني ما رأيت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
يا عليّ لا يحبّك إلاّ مؤمن، و لا يبغضك إلاّ كافر منافق إلى يوم القيامة (2).
4-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام اشتكى عينه، فعاده النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإذا هو يصيح، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: أجزعا أم وجعا، فقال: يا رسول اللّه ما وجعت وجعا قطّ أشد منه.
فقال: يا عليّ إنّ ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفّود (3)من نار، فنزع (4)روحه به، فتصيح جهنّم، فاستوى عليّ عليه السلام جالسا، فقال: يا رسول اللّه أعد عليّ حديثك فلقد أنساني وجعي ما قلت، ثم قال: هل يصيب ذلك أحد من أمّتك؟ قال: نعم حاكم جائر، و آكل مال اليتيم ظلما، و شاهد زور (5).
5-و من طريق المخالفين عن سفيان بن عيينة (6)، عن الزهري، عن
ص:189
مجاهد (1)، عن ابن عباس: فَأَمّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ اَلْحَياةَ اَلدُّنْيا (2)هو علقمة بن الحارث بن عبد الدار وَ أَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ (3)عليّ بن أبي طالب عليه السلام خاف و انتهى عن المعصية، و نهى عن الهوى نفسه، فَإِنَّ اَلْجَنَّةَ هِيَ اَلْمَأْوى (4)خاصّا لعليّ عليه السلام، و من كان على منهاج عليّ هكذا عاما. . . (5).
6-تفسير أبي يوسف (6)يعقوب بن سفيان، عن مجاهد، و ابن عباس إِنَّ اَلْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَ عُيُونٍ (7)من اتّقى الذنوب عليّ بن أبي طالب، و الحسن، و الحسين في ظلال من الشجر، و الخيام من اللؤلؤ، طول كل خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ.
ثم ساق الحديث. إلى قوله: إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ (8)المطيعين للّه أهل بيت محمّد في الجنّة (9).
7-ابن بطة (10)في «الابانة» و أبو بكر بن عيّاش (11)و «الأمالي» عن أبي داود السبيعي (12)عن عمران بن حصين، قال: كنت عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السلام إلى جنبه، إذ قرأ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذه الآية:
ص:190
أَمَّنْ يُجِيبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ اَلسُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ اَلْأَرْضِ (1)قال: فارتعد عليّ عليه السلام فضرب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على كتفه (2)و قال: مالك يا عليّ؟ قال قرأت يا رسول اللّه هذه الآية، فخشيت أن أبتلى بها فأصابني ما رأيت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يحبّك إلاّ مؤمن، و لا يبغضك إلاّ منافق إلى يوم القيامة (3).
ابن شهر اشوب: و في زهده عليه السلام كتاب كبير روته الشيعة (4).
8-و عن أنس بن مالك قال: لمّا نزلت الآيات الخمس في طس: أَمَّنْ جَعَلَ اَلْأَرْضَ قَراراً (5)انتفض عليّ عليه السلام انتفاض العصفور، فقال له صلّى اللّه عليه و آله: مالك يا عليّ؟ قال: عجبت يا رسول اللّه من كفرهم و حلم اللّه عنهم! فمسحه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بيده ثم قال: أبشر فإنّه لا يبغضك مؤمن، و لا يحبّك منافق، و لو لا أنت لم يعرف حزب اللّه (6).
ص:191
ص:192
في أدعية له عليه السلام مختصرة في السجود و عند النوم و إذا أصبح
و إذا أمسى
1-ابن بابويه في «أماليه» قال حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور (1)رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر (2)، عن عمّه عبد اللّه بن عامر (3)عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول في سجوده: أناجيك يا سيّدي كما يناجي العبد الذّليل مولاه، و أطلب إليك طلب من يعلم أنّك تعطي و لا ينقص ممّا عندك شيء، و أستغفرك استغفار من يعلم أنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت، و أتوكل عليك توكّل من يعلم أنّك على كلّ شيء قدير (4).
2-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن ميمون (5)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: اللّهم إنّي أعوذ بك من الاحتلام و سوء (6)الأحلام،
ص:193
و أن يلعب بي الشيطان في اليقظة و المنام (1).
3-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ عليا عليه السلام كان يقول إذا أصبح: «سبحان (2)الملك القدّوس-ثلاثا-اللّهم إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، و من تحويل عافيتك، و من فجأة نقمتك، و من درك الشقاء، و من شرّ ما سبق في الليل و النهار (3)، اللّهم إنّي أسألك بعزّة ملكك، و شدّة قوّتك، و بعظيم سلطانك، و بقدرتك على خلقك» ثمّ سل حاجتك (4).
4-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما من يوم يأتي على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم: يا بن آدم أنا يوم جديد، و أنا عليك شهيد، فقل فيّ خيرا، و اعمل فيّ خيرا، أشهد لك به يوم القيامة، فإنّك لن تراني بعدها أبدا قال: و كان عليّ عليه السلام إذا أمسى يقول: مرحبا بالليل الجديد، و الكاتب الشهيد، اكتب (5)على اسم اللّه، ثم يذكر اللّه عزّ و جلّ (6).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ (7)رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان يقول: اللّهم إنّي و هذا النهار خلقان من خلقك، أللّهمّ لا تبتلني به، و لا تبتله بي (8)، اللّهمّ و لا
ص:194
تره منّي جرأة منّي على معاصيك، و لا ركوبا لمحارمك، اللّهمّ اصرف عنّي الأزل (1)و اللأوآء (2)، و البلوى، و سوء القضاء، و شماتة الأعداء، و منظر السوء في نفسي و مالي.
قال: و ما من عبد يقول حين يمسي و يصبح: رضيت باللّه ربّا و بالاسلام دينا، و بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبيّا و بالقرآن بلاغا، و بعلي عليه السلام إماما-ثلاثا-إلاّ كان حقّا على اللّه العزيز الجبّار أن يرضيه يوم القيامة.
قال: و كان يقول عليه السلام إذا أمسى: أصبحنا للّه شاكرين، و أمسينا للّه حامدين، فلك الحمد، كما أمسينا لك مسلمين سالمين.
قال: و إذا أصبح قال: أمسينا للّه شاكرين، و أصبحنا للّه حامدين، و الحمد للّه كما أصبحنا لك مسلمين سالمين (3).
ص:195
ص:196
في تصوير الدنيا له عليه السلام و إعراضه عنها و طلاقه عليه السلام لها
ثلاثا و عدالته و خوفه
1-في «رسالة الأهوازية» (1)للصادق عليه السلام قال أبي: قال عليّ بن الحسين: سمعت أبا عبد اللّه الحسين عليه السلام يقول: حدّثني أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّي كنت بفدك في بعض حيطانها، و قد صارت لفاطمة عليها السلام قال: فإذا أنا بامرأة قد قحمت (2)عليّ و في يدي مسحاة و أنا أعمل بها، فلمّا نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها، فشبّهتها ببثينة بنت عامر الجمحي و كانت من أجمل نساء قريش فقالت يا بن أبي طالب: هل لك أن تتزوّج بي فأغنيك عن هذه (3)، و أدلك على خزائن الأرض، فيكون لك الملك ما بقيت و لعقبك من بعدك؟
فقلت لها: من أنت حتى أخطبك من أهلك؟ قالت: أنا الدنيا، قلت (4): فارجعي و اطلبي زوجا غيري، و أقبلت على مسحاتي و أنشأت أقول:
لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة و ما هي إن غرّت قرونا بطائل
ص:197
أتتنا على زيّ العزير بنينة و زينتها في مثل تلك الشمائل
فقلت لها: غرّي سواي فإنّني عزوف (1)عن الدّنيا و لست بجاهل
و ما أنا و الدّنيا فإنّ محمّدا أحلّ صريعا بين تلك الجنادل (2)
وهبها أتتنا بالكنوز و درّها و أموال قارون و ملك القبائل
أليس جميعا للفناء مصيرها (3) و يطلب من خزّانها بالطوائل (4)
فغرّي سواي إنّني غير راغب بما فيك من ملك و عزّ و نائل
فقد قنعت نفسي بما قد رزقته فشأنك يا دنيا و أهل الغوايل (5)
فإنّي أخاف اللّه يوم لقائه و أخشى عذابا دائما غير زائل
فخرج عليه السلام من الدنيا و ليس في عنقه تبعة لأحد حتى لقي اللّه محمودا غير ملوم و لا مذموم، ثمّ اقتدت به الأئمة عليهم السلام من بعده بما قد بلغكم لم يتلطّخوا بشيء من بوائقها، صلّى اللّه عليهم أجمعين و أحسن مثواهم (6).
2-ابن شهر اشوب، و غيره، و اللفظ له، قال معاوية لضرار بن ضمرة (7): صف لنا عليا فقال: كان و اللّه صوّاما بالنهار، قوّاما بالليل، يحبّ من اللباس أخشنه، و من الطعام أجشبه (8)، و كان يجلس فينا، و يبتدىء إذا سكتنا، و يجيب إذا سألنا، يقسّم بالسويّة، و يعدل في الرعيّة، لا يخاف
ص:198
الضعيف من جوره، و لا يطمع القويّ في ميله، و اللّه لقد رأيته ليلة من الليالي و قد أسبل (1)الظلام سدوله، و غارت نجومه، و هو يتململ في المحراب تململ السليم، و يبكي بكاء الحزين.
و لقد رأيته مسبلا (2)للدموع، قابضا على لحيته، يخاطب دنياه فيقول:
يا دنيا أبي تشوّقت ولي تعرّضت؟ لا حان حينك، فقد بتلتك (3)بتالا لا رجعة لي فيك، فعيشك قصير، و خطرك (4)يسير، آه من قلّة الزاد، و بعد السفر، و وحشة الطريق (5).
3-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن جرير الطبري (6)، قال: حدّثنا الحسن بن محمد (7)، قال: حدّثني محمّد بن عبد الرحمن المخزومي (8)، قال: حدّثني محمد بن أبي يعفور، عن موسى بن أبي أيّوب التميمي، عن موسى بن المغيرة، عن الضحّاك بن مزاحم (9)، قال: ذكر عليّ عليه السلام عند ابن عبّاس بعد وفاته عليه السلام فقال: و أسفاه على أبي الحسن، مضى و اللّه ما غيّر، و ما بدّل و ما قصّر، و لا جمع، و لا منع، و لا آثر إلاّ اللّه، و اللّه لقد كانت الدنيا أهون عليه من شسع نعله. ليث في الوغى، بحر في المجالس، حكيم في الحكماء، هيهات قد مضى إلى الدّرجات العلى (10).
ص:199
4-و عنه، قال: حدّثني أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن الأصبغ بن نباتة، أنّه كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذا أتي بالمال أدخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقّين، ثم ضرب يده في المال، فنثره يمنة و يسرة، و هو يقول: يا صفراء يا بيضاء لا تغرّيني؛ غرّي غيري.
هذا جناي و خياره فيه إذ كلّ جان يده إلى فيه
ثم لا يخرج حتى يفرّق ما في بيت مال المسلمين، و يؤتي كلّ ذي حقّ حقّه، ثمّ يأمر أن يكنس و يرشّ، ثم يصلّي فيه ركعتين، ثم يطلّق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم: لا تتعرّضيني و لا تتشوّقيني و لا تغرّيني، فقد طلّقتك ثلاثا لا رجعة لي عليك (1).
5- «نهج البلاغة» قال عليّ عليه السلام لأخيه عقيل: و اللّه لأن أبيت على حسك (2)السعدان (3)مسهّدا (4)، أو أجرّ في الأغلال مصفّدا (5)، أحبّ إليّ من أن ألقى اللّه و رسوله ظالما لبعض العباد، أو غاصبا لشيء من الحطام (6)، و كيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها (7)و يطيل في الثرى حلولها.
و اللّه لقد رأيت عقيلا و قد أملق (8)حتى استماحني من برّكم صاعا،
ص:200
و رأيت صبيانه شعث (1)الشعور، غبر (2)الألوان من فقرهم، فكأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم (3)، و عاودني مؤكّدا، و كرّر عليّ مردّدا، فأصغيت إليه سمعي، فظنّ أنّي أبيعه ديني، و أتّبع قياده مفارقا طريقتي، فأحميت له حديدة، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دنف (4)من ألمها، و كاد أن يحترق من ميسمها (5)، فقلت له: ثكلتك الثّواكل يا عقيل أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه، و تجرّني إلى نار سجرها جبّارها لغضبه؟ أتئن من الأذى و لا أئنّ من لظى؟ !
و أعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها، و معجونة شنئتها، كأنّها عجنت بريق حيّة أو قيئها، فقلت: أصلة، أم زكاة، أم صدقة؟ فذاك محرّم علينا أهل البيت، فقال: لا ذا و لا ذاك، و لكنّها هديّة، فقلت: هبلتك الهبول، أعن دين اللّه أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أم ذو جنّة أم تهجر؟ فو اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه تعالى في نملة أسلبها جلب (6)شعيرة ما فعلته، و إنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها (7)، ما لعليّ و نعيم يفنى، و لذة لا تبقى، نعوذ باللّه من سبات (8)العقل، و قبح الزلل، و به نستعين (9).
6-و روي معلوما أنّ أبا بكر توفي و عليه لبيت مال المسلمين نيّف
ص:201
و أربعون ألف درهم، و عمر مات و عليه نيّف و ثمانون ألف درهم، و عثمان مات و عليه ما لا يحصى كثرة، و عليّ عليه السلام مات و ما ترك إلاّ سبعمائة درهم فضلا عن عطائه أعدّها لخادم (1).
7-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى الدقّاق رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الطاري قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الخشّاب، قال: حدّثنا محمّد بن محسن، عن المفضّل بن عمر، عن الصّادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: و اللّه ما دنياكم عندي إلاّ كسفر (2)على منهل (3)حلّوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا، و لا لذاذتها في عيني إلاّ كحميم أشربه غساقا (4)، و علقم (5)أتجرّعه زعاقا (6)، و سمّ أفعى (7)أسقاه دهاقا (8)، و قلادة من نار أوهقها (9)خناقا، و لقد رقعت مدرعتي (10)هذه، حتى استحييت من راقعها، و قال لي: أقذف الأتن (11)لا يرتضيها ليراقعها، فقلت له: اعزب عنّي، فعند الصباح (12)يحمد القوم السري، و تنجلي عنهم علالات (13)
ص:202
الكرى (1)، و لو شئت لتسربلت بالعبقري (2)المنقوش من ديباجكم، و لأكلت لباب هذا البرّ بصدور دجاجكم، و لشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم.
و لكني أصدّق اللّه جلّت عظمته، حيث يقول: مَنْ كانَ يُرِيدُ اَلْحَياةَ اَلدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ، أُولئِكَ اَلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ إِلاَّ اَلنّارُ (3)، فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشررة إلى الأرض لأحرقت نبتها، و لو اعتصمت نفس بقلّة لأنضجها وهج (4)النار في قلّتها، و إنّما خيّر لعليّ أن يكون عند ذي العرش مقرّبا، أو يكون في لظى خسيئا (5)مبعّدا، مسخوطا عليه بجرمه مكذّبا.
و اللّه لأن أبيت على حسك السعدان مرقّدا، و تحتي أطمار (6)على سفاها (7)ممدّدا أو أجرّ في أغلال (8)مصفّدا، أحبّ إليّ من أن ألقى في القيامة محمّدا خائنا في ذي يتمة أظلمه بفلسة متعمّدا، و لم أظلم اليتيم و غير اليتيم لنفس تسرع إلى البلى قفولها، و يمتدّ في أطباق الثرى حلولها، و إن عاشت رويدا (9)فبذي العرش نزولها.
معاشر شيعتي احذروا فقد عضّتكم (10)الدنيا بأنيابها تختطف منكم نفسا بعد نفس كذئابها (11)، و هذه مطايا الرّحيل، قد أنيخت لركّابها، إلاّ أنّ
ص:203
الحديث ذو شجون (1)فلا يقولنّ قائلكم: إنّ كلام عليّ متناقض، لأنّ الكلام عارض، و لقد بلغني أنّ رجلا (2)من قطّان (3)المداين تبع بعد الحنيفيّة علوجه، و لبس من نالة (4)دهقانه منسوجه، و تضمّخ (5)بمسك هذه النوافج (6)صباحه و تبخّر بعود الهند رواحه (7)، و حوله ريحان حديقة يشمّ تفاحه، و قد مدّ له مفروشات الرّوم على سرره، تعسا له بعد ما ناهز السبعين من عمره، و حوله شيخ يدبّ على أرضه من هرمه، و ذا يتمة تضوّر (8)من ضرّه و قرمه (9)فما واساهم بفاضلات من علقمه.
لأن أمكنني اللّه منه لأخضمنّه خضم (10)البرّ، و لأقيمنّ عليه حدّ المرتدّ، و لأضربنّه الثمانين (11)بعد حدّ، و لأسدنّ من جهله كل مسدّ (12)، تعسا له أفلا شعر، أفلا صوف، أفلا وبر، أفلا رغيف قفار (13)الليل، إفطار مقدم أفلا عبرة على خدّ في ظلمة ليال تنحدر؟ و لو كان مؤمنا لاتّسقت له الحجّة إذا ضيّع ما لا يملك.
و اللّه لقد رأيت عقيلا و قد أملق حتى استماحني (14)من برّكم صاعه،
ص:204
و عاودني في عشر وسق من شعيركم يطعمه جياعه، و كاد يلوي (1)ثالث أيّامه خامصا ما استطاعه، و رأيت أطفاله شعث الألوان من ضرّهم، كأنّما اشمأزّت وجوههم من ضرّهم (2)فلمّا عاودني في قوله، و كرّره أصغيت إليه سمعي فغرّه، فظنّني أوتغ (3)ديني فأتبع ما سرّه، أحميت له حديدة لينزجر إذ لا يستطيع مسّها (4)و لا يصطبر.
ثمّ أدنيتها من جسده، فضجّ من ألمه ضجيج ذي دنف يأنّ من سقمه، فكاد يسبّني سفها من كظمه، و حرقة في لظى أطفاله (5)من عدمه (6)، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتإنّ من حديدة أحماها إنسانها لمدعبه، و تجرّني إلى نار سجرها جبّارها من غضبه أتإنّ من الأذى و لا أئنّ من لظى؟ !
و اللّه لو سقطت المكافاة عن الأمم، و تركت في مضاجعها باليات في الرمم (7)، لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الأوزار تنّسخ (8)فصبرا على دنيا تمرّ بلأوائها (9)، كليلة بأحلامها (10)تنسلخ (11)كم (12)بين نفس
ص:205
في خيامها ناعمة، و بين أثيم في جحيم يصطرخ (1)، و لا تعجّب من هذا.
و أعجب بلا صنع منّا من (2)طارق طرقنا بملفوفات زمّلها (3)في وعائها، و معجونة بسطها على إنائها فقلت له: أصدقة أم نذر أم زكاة؟ و كلّ ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوة. و عوّضنا اللّه منه خمس ذي القربى في الكتاب و السنّة، فقال لي: لا ذاك و لا ذاك و لكنّه هديّة، فقلت له: ثكلتك الثواكل أفعن دين اللّه تخدعني بمعجونة عرّقتموها (4)بقندكم و خبيصة (5)صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم، أمختبط أم ذو جنّة أم تهجر؟ أليس النفوس عن مثقال حبّة من خردل مسؤلة؟ فماذا أقول في معجونة أتزقّمها (6)معمولة؟
و اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، و استرقّ لي قطّانها مذعنة بإملاكها (7)، على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها شعيرة فألوكها (8)ما قبلت، و لا أردت، و لدنياكم أهون عندي من ورقة في فم (9)جرادة تقضمها و أقذر عندي من عراقة (10)خنزير يقذف بها أجذمها، و أمرّ على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها (11)، فكيف أقبل ملفوفات عكمتها (12)في طيّها (13)، و معجونة كأنها عجنت بريق حيّة أو قيئها.
ص:206
اللّهم إنّي نفرت عنها نفار المهرة من كيّها، «أريه السها و يريني القمر» (1)أأمتنع من وبرة قلوصها (2)ساقطة، و أبتلع إبلا في مبركها رابطة؟ أدبيب العقارب من وكرها (3)التقط؟ أم قواتل الرقش (4)في بيتي أرتبط؟
فدعوني أكتفي من دنياكم بملحي و أقراصي، فبتقوى اللّه أرجو خلاصي، ما لعليّ و نعيم يفنى، و لذّة تنتجها (5)المعاصي سألقى و شيعتي ربّنا بعيون سامرة (6)و بطون خماص، لِيُمَحِّصَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ اَلْكافِرِينَ (7)و نعوذ باللّه من سيّئات الأعمال (8).
ص:207
ص:208
«في زهده في الدنيا و هو من الباب الأول
من طرق الخاصة و العامة»
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد يعني المفيد قال:
أخبرنا أبو الحسن عليّ بن خالد المراغي، قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن صالح، قال: حدّثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي عن محمود بن إبراهيم، عن عليّ بن حزور، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه، يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السلام: يا عليّ إنّ اللّه قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إلى اللّه منها.
زيّنك بالزهد في الدنيا، و جعلك لا ترزأ (1)منها شيئا، و لا ترزأ منك شيئا، و وهب لك حبّ المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعا و يرضون بك إماما، فطوبى لمن أحبّك و صدق فيك، و ويل لمن أبغضك و كذب عليك، فأمّا من أحبّك و صدق فيك فأولئك جيرانك في دارك، و شركاءك في جنّتك، و أمّا من أبغضك و كذب عليك فحقّ على اللّه أن يوقفه موقف الكذّابين يوم (2)القيامة (3).
ص:209
2-و رواه من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفّق بن أحمد من أعيان المخالفين قال: أخبرنا الإمام عين الأئمّة أبو الحسن عليّ بن أحمد الكرباسي الخوارزمي رحمه اللّه، حدّثنا القاضي الأجلّ شمس القضاة جمال الدين أحمد بن عبد الرحمن بن إسحاق، أخبرني الشيخ الفقيه أبو سهل محمد بن إبراهيم بن إسحاق، أخبرنا القاضي الإمام أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد بن الحسين البيهقي الجعفي النهرواني، حدثني أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن خالد بن يعقوب الحميري، حدّثنا القاسم بن خليفة بن سواد، حدّثنا داود بن سواد (1)عن عيسى بن عبد الرحمن، عن عليّ بن حزور، عن أبي مريم، قال: سمعت عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يا عليّ إنّ اللّه زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة هي أحبّ إليه منها، زهدك فيها، و بغضها إليك، و حبّب إليك الفقراء فرضيت بهم أتباعا و رضوا بك إماما، يا عليّ طوبى لمن أحبّك و صدق عليك، و الويل لمن أبغضك و كذب عليك.
أمّا من أحبّك و صدق عليك فإخوانك في الدين، و شركاؤك في الجنّة، و أمّا من أبغضك و كذب عليك فحقيق على اللّه يوم القيامة أن يقيمه 2مقام الكذابين 3.
3-و من طريق المخالفين أيضا ما رواه أبو نعيم الحافظ أحمد بن عبد اللّه الإصفهاني في كتاب «حلية الأولياء» في الجزء الأول بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ إنّ اللّه عزّ و جلّ زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ
ص:210
إلى اللّه تعالى منها، و هي زينة الأبرار عند اللّه تعالى، الزهد في الدنيا، فجعلك لا ترزء من الدنيا و لا ترزء الدنيا منك شيئا، و وهب لك حبّ المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعا و رضوا بك إماما (1).
4-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل (رض) قال:
حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب قال: حدّثنا محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل ضرار بن ضمرة بن ضرار النهشلي على معاوية بن أبي سفيان، فقال له: صف لي عليّا قال: أو تعفيني؟ قال: لا بل صفه لي، فقال ضرار: رحم اللّه عليّا كان و اللّه فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، و يجيبنا إذا سألناه، و يقرّبنا إذا زرناه، فلا يغلق له دوننا باب، و لا يحجبنا عنه حاجب، و نحن و اللّه مع تقريبه لنا و قربه منّا لا نكلّمه لهيبته، و لا نبتديه لعظمته، فإذا تبسّم فعن مثل اللؤلؤة المنظوم.
فقال معاوية: زدني من صفته، فقال ضرار: رحم اللّه عليا كان و اللّه طويل السهاد (2)، قليل الرقاد، يتلو كتاب اللّه آناء الليل و أطراف النهار، يجود للّه بمهجته، و يبوء إليه بعبرته، لا تغلق له الستور، و لا يدّخر عنّا البدور (3)، و لا يستلين الإتّكاء، و لا يستخشن الجفاء، و لو رأيته إذ مثل في محرابه، و قد أرخى الليل سدوله، و غارت نجومه، و هو قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، و يبكي بكاء الحزين، و يقول: يا دنيا ألي (4)تعرضت أم إليّ تشوقت؟ هيهات هيهات لا حاجة لي فيك، أبنتك ثلاثا لا رجعة لي عليك، ثم يقول:
واه واه لبعد السفر، و قلّة الزاد، و خشونة الطريق، قال: فبكى معاوية
ص:211
و قال: حسبك يا ضرار، كذلك كان و اللّه عليّ رحم اللّه أبا الحسن (1).
5-و قال السيّد الرضيّ قدّس اللّه روحه في كتاب «الخصائص» : ذكروا أنّ ضرار بن ضمرة الضبابي دخل على معاوية بن أبي سفيان لعنه اللّه و هو بالموسم، فقال له: صف عليّا، قال: أو تعفيني؟ قال: لا بدّ أن تصفه لي، قال: كان و اللّه أمير المؤمنين عليه السلام طويل المدى، شديد القوى، كثير الفكرة، غزير العبرة، يقول فصلا، و يحكم عدلا، ينفجر العلم من جوانبه، و تنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا و زهرتها، و يأنس من الليل و وحشته، و كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا دعوناه، و يعطينا إذا سألناه.
نحن و اللّه مع قربه لا نكلّمه لهيبته، و لا ندنو تعظيما له، فإن تبسّم فعن غير أشر و لا إختيال، و إن نطق فعن الحكمة و فصل الخطاب، يعظّم أهل الدين و يحب المساكين و لا يطمع الغنيّ في باطله، و لا يؤيس الضعيف من حقّه، أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله (2)، و هو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السّليم (3)، و يبكي بكاء الحزين، و يقول: يا دنيا يا دنيا إليك عنّي، أبي تعرّضت، أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك (4)، هيهات غرّي غيري لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير، و خطرك يسير، و أملك حقير، آه من قلّة الزاد، و طول المجاز، و بعد السفر و عظم المورد (5).
قال فوكفت دموع معاوية ما يملكها، و هو يقول: هكذا كان عليّ عليه السلام فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزني عليه و اللّه حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقى دمعتها، و لا تسكن حرارتها (6).
ص:212
6-صاحب كتاب «الصفوة» من علماء العامّة قال: أخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال: حدّثنا أبو سعيد بن أبي صادق الحيري، قال:
أنبأنا أبو عبد اللّه بن باكويه الشيرازي (1)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن فهد، قال: حدّثنا فهد بن إبراهيم الساجي، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا بن دينار (2)، قال: حدّثنا العبّاس بن بكّار (3)، قال: حدّثنا عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي، عن الكلبي (4)، عن أبي صالح (5)، قال: قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة: صف لي عليّا، قال: أو تعفيني (6)؟ قال: لا أعفيك، قال: أمّا إذ لا بدّ فإنّه و اللّه كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، و يحكم عدلا، ينفجر العلم من جوانبه، و تنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا و زهرتها، و يستأنس بالليل و ظلمته.
كان و اللّه غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلّب كفيّه، و يخاطب نفسه، يعجبه من اللّباس ما خشن، و من الطّعام ما جشب، كان و اللّه فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، و يبتدئنا إذا أتيناه، و يأتينا إذا دعوناه، و نحن و اللّه مع تقريبه لنا و قربه منا لا نكلّمه هيبة، و لا نبتديه لعظمته، فإن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، و يحبّ المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، و لا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد باللّه لقد رأيته في بعض مواقفه، و قد أرخى
ص:213
الليل سدوله (1)، و غارت نجومه، و قد مثل في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السّليم، و يبكي بكاء الحزين، و كأنّي أسمعه الآن و هو يقول:
يا دنيا يا دنيا أبي تعرّضت أم لي تشوّقت؟ هيهات هيهات غرّي غيري قد أبنتك (2)ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، و عيشك حقير، و خطرك كبير، آه من قلّة الزاد، و بعد السفر، و وحشة الطريق.
قال: فذرفت دموع معاوية على لحيته (3)، فما يملكها، و هو ينشفها بكمّه، و قد اختنق القوم بالبكاء، ثمّ قال معاوية: رحم اللّه أبا الحسن، كان و اللّه كذلك فكيف (4)كان حبّك إيّاه؟ قال: كحبّ أمّ موسى لموسى، و أعتذر إلى اللّه من التقصير، قال: فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقى عبرتها، و لا يسكن حزنها.
ثم قام (5)و خرج و هو باك، فقال معاوية: أما لو أنّكم فقدتموني لما كان فيكم من يثني عليّ مثل هذا الثناء، فقال له بعض من كان حاضرا: الصاحب على قدر صاحبه (6).
و هذا الخبر من مشاهير الأخبار، متكرّر في الكتب و الأسفار.
ص:214
«في زهده في الملبس و المطعم و المشرب»
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن حمّاد، عن حميد، و جابر (1)العبدي، قالا:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ اللّه جعلني إماما لخلقه، ففرض عليّ التقدير في نفسي و مطعمي و مشربي و ملبسي كضعفاء الناس، كي يقتدي الفقير بفقري، و لا يطغي الغنيّ غناه (2).
2-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن صالح (3)بن أبي حمّاد، و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، و غيرهما، بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على عاصم بن زياد، حين لبس العباء، و ترك الملاء، و شكاه أخوه الرّبيع بن زياد إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قد غم أهله و أحزن ولده بذلك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: عليّ بعاصم بن زياد، فجيىء به، فلما رآه عبّس في وجهه، فقال له: أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى اللّه أحلّ لك الطيبات و هو يكره أخذك منها؟ أنت أهون على اللّه
ص:215
من ذلك، أو ليس اللّه يقول: وَ اَلْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ وَ اَلنَّخْلُ ذاتُ اَلْأَكْمامِ (1)أو ليس يقول: مَرَجَ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (2)إلى قوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اَللُّؤْلُؤُ وَ اَلْمَرْجانُ (3)فباللّه لابتذال نعم اللّه بالفعال أحبّ إليه من ابتذاله لها بالمقام، و قد قال عزّ و جلّ: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (4)فقال عاصم: يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة، و في ملبسك على الخشونة؟
فقال: ويحك إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيغ (5)بالفقير فقره، فألقى عاصم بن زياد العباء و لبس الملاء (6).
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى الخزّاز، عن حمّاد بن عثمان، قال: حضرت أبا عبد اللّه عليه السلام و قال له رجل: أصلحك اللّه ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم و ما أشبه ذلك، و نرى عليك اللباس الجديد! فقال عليه السلام له: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر، و لو لبس مثل ذلك اليوم شهر به، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا أهل البيت عليهم السلام إذا قام لبس ثياب عليّ عليه السلام و سار بسيرة عليّ عليه السلام (7).
4-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن
ص:216
عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ عليا عليه السلام كان عندكم، فأتى بني ديوان، فاشترى ثلاثة أثواب بدينار، القميص إلى فوق الكعب، و الإزار إلى نصف الساق، و الرداء من بين يديه إلى ثدييه، و من خلفه إلى الييه (1)، ثم رفع يده إلى السماء فلم يزل يحمد اللّه على ما كساه حتى دخل منزله.
ثم قال: هذا اللباس الّذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: و لكن لا تقدرون أن تلبسوا هذا اليوم و لو فعلنا لقالوا:
مجنون، و لقالوا: مراء، و اللّه تعالى يقول: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (2)قال:
و ثيابك ارفعها و لا تجرّها، و إذا قام قائمنا كان هذا اللباس (3).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا لبس القميص مدّ يدّه، فإذا طلع على أطراف الأصابع قطعه (4).
6-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن الحسن الصيقل، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: تريد أن أريك (5)قميص عليّ عليه السلام الّذي ضرب فيه، و أريك دمه؟ قال: قلت: نعم، فدعا به و هو في سفط (6)، فأخرجه و نشره، فإذا هو قميص كرابيس السنبلاني (7)، فإذا موضّع الجيب (8)إلى الأرض، و إذا
ص:217
أثر دم أبيض شبه اللبن، شبه شطيب السيف (1)فقال: هذا قميص عليّ عليه السلام الّذي ضرب فيه، و هذا أثر دمه فشبّرت بدنه، فإذا هو ثلاثة أشبار، و شبرت أسفله فإذا هو اثنا عشر شبرا (2).
7-و عنه، عن أبي علي الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا عن الحجّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين، قال: رأيت قميص عليّ عليه السلام الّذي قتل فيه عند أبي جعفر عليه السلام فإذا أسفله اثنا عشر شبرا، و بدنه ثلاثة أشبار، و رأيت فيه نضح دم (3).
8-الشيخ في «أماليه» بإسناده، عن الحسين بن عليّ عليهما السلام قال:
أتى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أصحاب القمص، فساوم شيخا منهم، فقال: يا شيخ بعني قميصا بثلاثة دراهم، فقال الشيخ: حبّا و كرامة، فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم، فلبسه ما بين الرسغين (4)إلى الكعبين و أتى المسجد فصلّى فيه ركعتين.
ثم قال: الحمد للّه الّذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في الناس، و أؤدّي فيه فريضتي، و أستر به عورتي، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أعنك نروي هذا، أو شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: بل شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول ذلك عند الكسوة (5).
ص:218
9-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد بن مخلّد (1)قال: حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد اللّه بن يزيد الدقّاق المعروف بابن السّماك قال: حدثنا أبو قلابة الرقاشي (2)قال: حدثنا عارم بن الفضل أبو النعمان (3)قال: حدّثنا مرجى أبو يحيى (4)صاحب السفط، قال: و قد ذكرته لحمّاد بن زيد، فعرفه عن معمر بن زياد، أنّ أبا مطر حدّثه قال: كنت بالكوفة فمرّ عليّ رجل، فقالوا:
هذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فتبعته، فوقف على خيّاط، فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه، فقال: الحمد للّه الّذي ستر عورتي و كساني الرياش، ثم قال: هكذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول إذا لبس قميصا (5).
10-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و أبو عليّ الأشعري عن محمّد بن عبد الجبّار جميعا، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ذات يوم و هو يأكل متكئا، و قد كان يبلغنا أنّ ذلك يكره، فجعلت أنظر إليه، فدعاني إلى طعامه؛ فلمّا فرغ، قال: يا محمّد لعلّك ترى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأته عين يأكل و هو متكىء منذ أن بعثه اللّه إلى أن قبضه، ثم ردّ على نفسه و قال: لا و اللّه ما رأته عين يأكل و هو متكىء منذ أن بعثه اللّه إلى أن قبضه.
ثم قال: يا محمّد لعلّك ترى أنّه شبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام متوالية منذ بعثه اللّه تعالى إلى أن قبضه، ثم إنه ردّ على نفسه ثم قال: لا و اللّه ما شبع من خبز البرّ ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه اللّه تعالى إلى أن قبضه، أما إنّي لا أقول:
كان لا يجد، لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الإبل، فلو أراد أن يأكل
ص:219
لأكل، و لقد أتاه جبرئيل عليه السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرّات يخيّره من غير أن ينقص اللّه تبارك و تعالى ممّا أعدّ له يوم القيامة شيئا، فيختار التواضع لربّه جلّ و عزّ، و ما سئل شيئا قطّ فيقول: لا، إن كان أعطى و إن لم يكن قال: يكون، و ما أعطى على اللّه شيئا قطّ إلاّ سلّم ذلك إليه حتّى أن كان ليعطى الرجل الجنّة فيسلّم اللّه ذلك له.
ثمّ تناولني بيده و قال: و إن كان صاحبكم ليجلس جلسة العبد، و يأكل أكلة العبد، و يطعم الناس خبز البرّ و اللحم، و يرجع إلى أهله فيأكل الخبز و الزيت، و إن كان ليشتري القميصين السنبلاني، ثم يخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الباقي، فإذا جاز أصابعه قطعه، و إذا جاز كعبه حذفه، و ما ورد عليه أمران قطّ كلاهما للّه رضا إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لقد ولي الناس خمس سنين، فما وضع آجرّة على آجرّة، و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعة، و لا أورث بيضاء و لا حمراء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع لأهله بها خادما، و لا أطاق أحد عمله، و إن كان عليّ بن الحسين عليه السلام لينظر في الكتاب من كتب عليّ عليه السلام فيضرب به الأرض و يقول من يطيق هذا (1)؟ !
11-و رواه الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: أخبرنا محمّد بن وهبان، عن محمّد بن أحمد بن زكريّاء، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ذات يوم، و هو يأكل متّكئا، و قد كان يبلغنا أنّ ذلك يكره.
و ساق الحديث إلى آخره إلاّ أنّ في رواية الشيخ: (و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين ثم يخيّر غلامه) و تقدّم بتمامه في الباب العشرين (2).
12-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن
ص:220
عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن الحسن الصيقل، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ وليّ عليّ عليه السلام لا يأكل إلاّ الحلال، لأنّ صاحبه كذلك، و إنّ وليّ عثمان لا يبالي أحلالا أكل أم حراما (1)؟ لأنّ صاحبه كذلك.
ثم عاد إلى ذكر عليّ عليه السلام فقال: أما و الّذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قليلا و لا كثيرا حتى فارقها، و لا عرض له أمران كلاهما للّه طاعة إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لا نزلت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شديدة قطّ إلاّ وجّهه فيها ثقة به، و لا أطاق أحد من هذه الأمّة عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعده غيره، و لقد كان يعمل عمل رجل كأنّه ينظر إلى الجنّة و النار.
و لقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله، كلّ ذلك تحفّى فيه يداه، و يعرق فيه جبينه إلتماس وجه اللّه عزّ و جلّ و الخلاص من النار، و ما كان قوته إلاّ الخلّ و الزيت، و حلواه التمر إذا وجده، و ملبوسه الكرابيس: فإذا فضل عن ثيابه شيء دعا بالجلم (2)فجزّه (3).
13-عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن مرازم بن حكيم، عن عبد الأعلى مولى آل سام (4)، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ الناس يروون أنّ لك مالا كثيرا، فقال: ما يسوؤني ذاك، إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ ذات يوم على أناس شتّى من قريش، و عليه قميص مخرق (5)، فقالوا: أصبح عليّ عليه السلام لا مال له، فسمعها أمير المؤمنين عليه السلام فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمره، و لا
ص:221
يبعث إلى إنسان شيئا و أن يوفّره.
ثم قال له: بعه الأوّل فالأوّل و اجعلها دراهم، ثم اجعلها حيث تجعل التمر، و اكبسه (1)معه حيث لا يرى و قال للّذي يقوم عليه: إذا دعوت بالتمر فاصعد، و انظر المال، فاضربه به برجلك، كأنك لا تعمد الدراهم حتى تنثرها، ثم بعث إلى رجل رجل منهم يدعوهم، ثم دعا بالتمر، فلمّا صعد ينزل بالتمر، ضرب برجله فانتثرت الدراهم، فقالوا: ما هذا يا أبا الحسن؟ فقال: هذا مال من لا مال له، ثم أمر بذلك المال، فقال: انظروا أهل كلّ بيت كنت أبعث إليهم، فانظروا ما له و ابعثوا إليه (2).
14-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن ربعي بن عبد اللّه، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:
كان عليّ عليه السلام ليقطع ركابه في طريق مكّة فيشدّه بخوصه ليهوّن الحجّ على نفسه (3).
15-الشيخ المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني أبو محمّد الأنصاري، قال: حدّثني محمّد بن ميمون البزّاز قال: حدّثنا الحسين بن علوان، عن أبي عليّ زياد بن رستم، عن سعيد بن كلثوم، قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأطراه و مدحه بما هو أهله.
ثم قال: و اللّه ما أكل عليّ بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا حراما قطّ حتى مضى لسبيله، و ما عرض له أمران فظنّ أنّهما رضى للّه (4)إلاّ أخذ بأشدّهما عليه في بدنه، و ما نزلت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نازلة إلاّ دعاه ثقة به، و ما أطاق عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من هذه الأمّة غيره،
ص:222
و إنّه كان (1)ليعمل عمل رجل كأنّ وجهه بين الجنة و النار، يرجو ثواب هذه، و يخاف عقاب هذه، و لقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه اللّه و النجاة من النار مما كدّ بيده، و رشح منه جبينه.
و إن كان ليقوت أهله بالزيت و الخل و العجوة، و ما كان لباسه إلاّ الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمّه دعا بالجلم فقصّه، و ما أشبهه من ولده و لا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه و فقهه من عليّ بن الحسين عليهما السلام و لقد دخل أبو جعفر عليه السلام ابنه عليه، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر، و رمضت عيناه من البكاء، و دبرت جبهته، و انخرم أنفه من السجود، و ورمت ساقاه و قدماه من القيام إلى الصلاة.
فقال أبو جعفر عليه السلام: فلم أملك، حين رأيته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمة عليه، و إذا هو يفكّر، فالتفت (2)بعد هنيئة من دخولي فقال يا بنيّ أعطني بعض تلك الصحف الّتي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا، ثم تركها من يده تضجّرا، و قال عليه السلام: من يقوى على عبادة عليّ عليه السلام (3)؟ !
16-ابن بابويه قال: حدّثنا صالح بن عيسى العجلي (4)، قال حدّثنا محمّد بن عليّ بن عليّ قال: حدّثنا محمّد بن مندة الإصفهاني (5)، قال: حدّثنا محمّد بن حميد (6)، قال: حدّثنا جرير (7)، عن الأعمش، عن أبي سفيان (8)،
ص:223
عن أنس، قال: كنت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رجلان من أصحابه في ليلة ظلماء. مكفهرّة، إذ قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ايتوا باب عليّ عليه السلام، فأتينا باب عليّ عليه السلام فنقر أحدنا الباب نقرا خفيفا، إذ خرج علينا عليّ بن أبي طالب عليه السلام متزّرا بإزار من صوف، مرتديا بمثله في كفّه سيف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذ جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا عليّ قال: لبيك قال: أخبر أصحابي بما أصابك البارحة.
قال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه إنّي لأستحيي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، قال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه أصابتني جنابة البارحة من فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فطلبت في البيت ماء فلم أجد الماء، فبعثت الحسن كذا و الحسين كذا، فأبطأ عليّ، فاستلقيت على قفائي، فإذا أنا بهاتف من سواد البيت قم يا عليّ و خذ السطل و اغتسل، فإذا أنا بسطل من ماء مملوء، عليه منديل من سندس، فأخذت السطل و اغتسلت و مسحت بدني بالمنديل، ورددت المنديل على رأس السطل، فقام السطل في الهواء، فسقط من السطل جرعة فأصابت هامتي، فوجدت بردها على فؤادي.
فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت و خادمك جبرئيل عليه السلام كذا أخبرني جبرئيل، كذا أخبرني جبرئيل (1).
ص:224
«و هو من الباب الأول»
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن حمّاد بن عثمان، عن زيد بن الحسن (1)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كان أمير المؤمنين عليه السلام أشبه الناس طعمة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كان يأكل الخبز و الخلّ و الزيت، و يطعم الناس الخبز و اللحم (2).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن (3)يعقوب بن سالم (4)قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كان أمير المؤمنين عليه السلام يأكل الخلّ و الزيت، و يجعل نفقته تحت (5)طنفسته (6).
ص:225
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن ربيع المسلي، عن معروف بن خرّبوذ، عمّن رأى أمير المؤمنين عليه السلام يأكل الخبز بالعنب (1).
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنّان (2)قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام على المائدة، فمال على البقل، و امتنعت أنا منه لعلّة كانت بي، فالتفت إليّ و قال: يا حنّان أما علمت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يؤت بطبق إلاّ و عليه بقل؟ قلت: و لم؟ جعلت فداك، قال: لأنّ قلوب المؤمنين خضرة هي تحنّ إلى أشكالها (3).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن بعض أصحابه رفعه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يأكل الكراث (4)بالملح الجريش (5)(6).
6-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن فاطمة بنت عليّ عليه السلام، عن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، و أمّها (7)بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قالت: أتاني أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في شهر رمضان، فأتي بعشاء و تمر و كمأة، فأكل عليه السلام، و كان يحبّ الكمأة (8)(9).
ص:226
7-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن زياد القندي عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: كان دواء أمير المؤمنين عليه السلام السعتر 1، و كان يقول عليه السلام: إنّه يصير للمعدة خملا كخمل القطيفة 2.
8-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي هاشم بن يحيى المدايني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قام أمير المؤمنين إلى إداوة 3فشرب منها و هو قائم 4.
9-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن ابن العزرمي 5، عن حاتم بن إسماعيل المدني 6، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يشرب الماء و هو قائم، ثمّ شرب من فضل وضوئه قائما، ثم التفت إلى الحسين عليه السلام فقال له: يا بنيّ إنّي رأيت جدّك رسول اللّه صنع هكذا 7.
ص:227
10-المفيد في «أماليه» قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن بلال المهلّبي (1)قال: حدّثنا عبد اللّه بن راشد الإصفهاني (2)قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرنا أحمد بن شمر (3)قال: حدّثنا عبد اللّه بن ميمون (4)المكّي، مولى بني مخزوم، عن جعفر الصادق بن محمّد الباقر عليهما السلام، عن أبيه، أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام اتي بخبيص (5)، فأبى أن يأكل، فقالوا له: أتحرمه؟ قال: لا، و لكن أخشى أن تتوق (6)إليه نفسي فأطلبه، ثم تلا هذه الآية: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا وَ اِسْتَمْتَعْتُمْ بِها (7)(8).
11-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: و اللّه إن كان عليّ عليه السلام ليأكل (9)أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين، فيخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه، و إذا جاز كعبه حذفه، و لقد ولي خمس سنين ما وضع
ص:228
آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعة (1)، و لا أورث بيضاء و لا حمراء.
و إنّه كان ليطعم الناس (2)من خبز البرّ و اللحم، و ينصرف إلى منزله، و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخلّ، و ما ورد للّه عليه أمران كلاهما للّه رضا إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لقد أعتق ألف مملوك من كدّ يده، و تربت فيه يداه، و عرق فيه وجهه، و ما أطاق عمله أحد من الناس، و إن (3)كان ليصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و إن كان أقرب الناس شبها به عليّ بن الحسين عليهما السلام، و ما أطاق عمله أحد من الناس بعده (4).
12-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن موسى (5)بن عمر، عن جعفر بن بشير (6)، عن إبراهيم بن مهزم عن أبي مريم، عن الأصبغ بن نباتة قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام، و بين يديه شواء، فقال لي: أدن فكل، فقلت: يا أمير المؤمنين هذا لي ضارّ، فقال: أدن، أما أعلّمك كلمات لا يضرّك معهنّ شيء مما تخاف؟ قل: بسم اللّه خير الأسماء ملأ الأرض و السماء الرحمن الرحيم الّذي لا يضرّ مع اسمه شيء و لا داء، تغدّ معنا (7).
ص:229
13-أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو بكر، أخبرنا الحسن بن معاذ (1)أخبرنا سفيان بن وكيع (2)، أخبرنا أبي، عن الأعمش عن إبراهيم (3)، عن الأسود (4)، عن علقمة (5)، قال: دخلنا على أمير المؤمنين عليه السلام و بين يديه طبق من خوص، عليه قرص أو قرصان من خبز شعير نخالته بيّن في الخبز، و هو يكسره على ركبته و يأكله على جريش، فقلنا لجارية له سوداء يقال لها: فضة: ألاّ نخلت هذا الدقيق لأمير المؤمنين؟ فقالت: يأكل هو المهنّىء و يكون الوزر في عنقي، فتبسّم عليه السلام فقال: أنا آمرها أن لا تنخله، فقلنا: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: ذلك أحرى أن يذلّ النفس، و يقتدي بي المؤمنون، و ألحق بأصحابي (6).
14-ابن شهر اشوب: عن الأصبغ، و أبي مسعدة، و الباقر عليه السلام أنّه أتى البزّازين فقال لرجل: بعني ثوبين، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، فلمّا عرفه مضى عنه، فوقف على غلام و أخذ ثوبين، أحدهما بثلاثة دراهم و الآخر بدرهمين، فقال: يا قنبر خذ الذي بثلاثة، قال: فأنت أولى به، تصعد المنبر و تخطب الناس، قال: و أنت شابّ فلك شره (7)الشباب، و أنا أستحيي من ربّي أن أتفضّل عليك، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: البسوهم ممّا تلبسون، و أطعموهم ممّا تأكلون.
ص:230
فلمّا لبس القميص مدّ كمّ القميص فأمر بقطعه و اتّخاذه قلانس (1)للفقراء، فقال الغلام: هلّم أكفّه (2)قال: دعه كما هو، فإنّ الأمر أسرع من ذلك، فجاء أبو الغلام فقال: إنّ ابني لم يعرفك، و هذان درهمان ربحهما، فقال عليه السلام: ما كنت لأفعل، قد ماكست و ماكسني و اتفقنا على رضى (3).
15-الأصبغ بن نباتة: قال عليّ عليه السلام: دخلت بلادكم بأشمالي هذه، و رحلي و راحلتي ها هي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنّني من الخائنين.
و في رواية: يا أهل البصرة ما تنقمون منّي إنّ هذا لمن غزل أهلي؟ و أشار إلى قميصه (4).
16-و رآه سويد بن غفلة، و هو يأكل رغيفا يكسره بركبته، و يلقيه في لبن حازر (5)أجد ريحه من شدّة حموضته، و في يده رغيف، أرى قشار الشعير في وجهه، و هو يكسر بيده أحيانا، فإذا غلبه كسره بركبته و طرحه فيه، فقال:
أدن فأصب من طعامنا هذا، فقلت: إنّي صائم، فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: من منعه الصوم من طعام يشتهيه كان حقّا على اللّه أن يطعمه من طعام الجنة و يسقيه من شرابها، قال: فقلت لجاريته، و هي قائمة بقريب منه: ويحك يا فضّة، أما تتقون (6)اللّه في هذا الشيخ فتنخلون له طعاما لما أرى (7)فيه من النخالة، فقالت: لقد تقدّم إلينا أن لا ننخل له طعاما، قال: ما قلت لها فأخبرته (8)فقال أمير المؤمنين عليه السلام: بأبي و أمّي
ص:231
من لم ينخل له طعام، و لم يشبع من خبز الشعير حتى قبضه اللّه تعالى (1).
17-و قال لعقبة بن علقمة: يا أبا الخبوب (2)أدركت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل أيبس من هذا، و يلبس أخشن من هذا، فإن أنا لم آخذ به عليه السلام خفت أن لا ألحق به (3).
18-و ترصّد غداه عمرو بن حريث، فأتت فضّة بجراب (4)مختوم فأخرج منه خبز شعير (5)خشنا، فقال عمرو: يا فضّة لو نخلت هذا الدقيق و طيّبته؟ فقالت: كنت أفعل فنهاني، و كنت أضع في جرابه طعاما طيّبا فيختم (6)جرابه، ثم إنّ أمير المؤمنين عليه السلام فتّه في قصعة وصبّ عليه الماء، ثم درّ عليه الملح، و حسر عن ذراعيه (7)، فلمّا فرغ قال: يا عمرو لقد خابت (8)هذه، و مدّ يده إلى محاسنه، و خسرت هذه أن أدخلها النار من أجل الطعام، و هذا يجزيني (9).
19-و رآه عدي بن حاتم، و بين يديه شنّة (10)فيها قراح ماء و كسيرات من خبز شعير و ملح، فقال: إنّي لا أرى لك يا أمير المؤمنين لتظلّ نهارك طاويا
ص:232
مجاهدا، و بالليل ساهرا مكابدا، ثمّ هذا فطورك، فقال عليه السلام:
علّل النفس بالقنوع و إلاّ طلبت منك فوق ما يكفيها (1)
20-و قال الأحنف (2)بن قيس: دخلت على معاوية فقدّم إليّ من الحلو و الحامض ما كثر تعجّبي منه، ثم قدّم ألوانا ما أدري ما هو فقلت: ما هذا؟ فقال: مصارين البطّ محشوّة بالمخ، قد قلي بدهن الفستق، و ذرّ عليه الطبرزد، فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: ذكرت عليا عليه السلام بينا أنا عنده فحضر وقت افطاره، فسألني المقام إذ دعا بجراب مختوم، فقلت: ما هذا الجراب؟ قال: سويق الشعير، فقلت: خفت عليه أن يؤخذ أو بخلت به؟ قال: لا و لا أحدهما لكنّي خفت أن يليته الحسن و الحسين عليهما السلام بسمن أو زيت، قلت: محرّم هو؟ قال: لا و لكن يجب على أئمة الحقّ أن يقتدوا بالقسم من ضعفة الناس، كيلا يطغي الفقير فقره، فقال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله.
21-العرني: وضع خوان من فالوذج (3)بين يديه فوجأ (4)باصبعه حتى بلغ أسفله، و لم يأخذ منه شيئا و تلمّظ (5)باصبعه و قال: طيّب طيب و ما هو بحرام، و لكن أكره أن أعوّد نفسي بما لم أعودها.
و في خبر عن الصادق عليه السلام أنّه مدّ يده إليه ثم قبضها، فقيل له في ذلك، فقال: ذكرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه لم يأكله قطّ، فكرهت أن آكله.
و في خبر آخر عن الصادق عليه السلام قالوا له: أتحرّمه؟ قال: لا،
ص:233
و لكنّي أخشى أن تتوق إليه نفسي، ثم تلا أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا (1).
و عن الباقر عليه السلام في خبر كان عليه السلام ليطعم الناس خبز البرّ و اللحم، و ينصرف إلى منزله، و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخلّ (2).
22-عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» عن أبي (3)مطر قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي ارفع إزارك فإنّه أبقى لثوبك و أنقى لك، و خذ من رأسك إن كنت مسلما، فمشيت خلفه، و هو مؤتزر بإزار و مرتد برداء، و معه الدرّة، كأنه أعرابي بدوي، فقلت من هذا؟ فقال لي رجل:
أراك غريبا بهذا البلد؟ فقلت أجل، رجل من أهل البصرة، قال: هذا عليّ أمير المؤمنين عليه السلام حتى انتهى إلى دار بني معيط، و هو سوق الابل، فقال: بيعوا و لا تحلفوا فإنّ اليمين ينفق. (4)السلعة، و يمحق البركة.
ثمّ أتى أصحاب التمر فإذا خادمة تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت:
باعني هذا الرجل تمرا بدرهم، فردّه مولاي و أبى أن يقبله، فقال: خذ تمرك و اعطها درهمها، فإنّها خادمة ليس لها أمر، فدفعه، فقلت: أتدري من هذا؟ قال: لا، قلت: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام، فصبّ تمره و أعطاه درهمها، و قال: أحبّ أن ترضى عنّي فقال: ما أرضاني عنك إذا وفيتهم (5)حقوقهم.
ثمّ مرّ مجتازا بأصحاب التمر، فقال: يا أصحاب التمر أطعموا المساكين يربو كسبكم، ثم مرّ مجتازا و معه المسلمون حتى أتى أصحاب السمك، فقال:
ص:234
لا يباع في سوقنا طاف (1).
ثم أتى دار فرات و هو سوق الكرابيس، فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم، فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئا، ثم أتى آخر فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئا، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم، و لبسه ما بين الرّسغين (2)إلى الكعبين.
و قال حين لبسه: «الحمد للّه الذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في الناس و أواري به عورتي، فقيل له: يا أمير المؤمنين هذا شيء ترويه عن نفسك أو شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال: بل شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول عند الكسوة فجاء أبو الغلام صاحب الثوب، فقيل: يا فلان قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم، قال (3): أفلا أخذت منه درهمين؟ فأخذ أبوه درهما و جاء به إلى أمير المؤمنين عليه السلام، و هو جالس على باب الرحبة و معه المسلمون، فقال: أمسك هذا الدرهم يا أمير المؤمنين، قال: ما شأن هذا الدرهم؟ قال: كان ثمن قميصك درهمين، فقال: باعني برضاي و أخذ رضاه (4).
23-أبو عمرو الزاهد: (5)قال أمير المؤمنين عليه السلام و قد أمر بكنس بيت المال و رشّه فقال: يا صفراء غرّي غيري يا بيضاء غرّي غيري ثم تمثل عليه السلام:
هذا جناي و خياره فيه إذ كلّ جان يده إلى فيه
و عنه قال ابن الأعرابي (6): إنّ عليا صلوات اللّه عليه دخل السوق، و هو
ص:235
أمير المؤمنين، فاشترى قميصا بثلاثة دراهم و نصف، و لبسه في السوق، فطال أصابعه، فقال للخياط: قصّه، قال: فقصّه، فقال الخيّاط: أخوصه يا أمير المؤمنين؟ قال: لا و مشى، و الدرّة على كتفه، و هو يقول: شرعك ما بلّغك المحل و شرعك حسبك أي كفاك (1).
24-السيد الرضي قال: روي عن مولى لبني الأشتر النخعي (رض) :
رأيت أمير المؤمنين عليه السلام و أنا غلام، و قد أتى السوق بالكوفة، فقال لبعض بايعة الثياب: أتعرفني؟ قال: نعم أنت أمير المؤمنين، فتجاوزه و سأل آخر، فأجاب بمثل ذلك إلى أن سأل واحدا فقال: ما أعرفك، فاشترى منه قميصا فلبسه، ثم قال: الحمد للّه الّذي كسى عليّ بن أبي طالب و إنّما ابتاع ممّن لا يعرفه خوفا من المحاباة في إرخاص ما ابتاعه (2).
25-قال: و قال عليه السلام يوما على المنبر: من يشتري سيفي هذا؟ و لو أنّ لي قوت ليلة ما بعته، و غلّة صدقته تشمل حينئذ على أربعة آلاف دينار في كلّ سنة (3).
ص:236
في زهده في المطعم و المشرب و الملبس من طريق المخالفين
1-أبو المؤيّد موفّق بن أحمد قال: أنبأني مهذّب الأئمة أبو المظفّر عبد الملك بن عليّ بن محمّد الهمداني نزيل بغداد، أخبرني أبو بكر محمّد بن عليّ الحاج، أخبرني أبو بكر (1)محمّد بن عليّ بن محمّد بن موسى المقري الخيّاط أخبرني أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن يوسف العلاّف، حدّثنا أبو عليّ الحسين بن صفوان بن إسحق بن إبراهيم البردعي (2)، أخبرنا أبو بكر عبد اللّه بن محمّد بن أبي الدنيا (3)القرشي، أخبرنا الفضل بن (4)سهل، أخبرنا أبو نعيم (5)، أخبرنا سفيان (6)، عن الأجلح (7)، عن عبد اللّه بن (8)أبي الهذيل، قال: رأيت عليّا عليه السلام و عليه قميص زري (9). إذا مدّه بلغ الظفر، و إذا أرسله كان مع
ص:237
نصف الذراع (1).
2-و عنه قال: أخبرنا شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد اللّه الهمداني المعروف بالمروزي، فيما كتب إليّ من همدان، قال: أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد (2)بأصبهان، فيما أذن لي في الرواية عنه، أخبرني الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ثلاث و سبعين و أربعمائة، أخبرنا الإمام طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه (3).
ح أخبرنا أبو النجيب سعد بن عبد اللّه الهمداني المعروف بالمروزي، أخبرنا بهذا الحديث عاليا الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الإصبهاني (4)في كتابه إليّ من إصبهان سنة ثمان (5)و ثمانين و أربعمائة، عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه، أخبرنا عبد اللّه (6)بن محمّد بن جعفر، أخبرنا الحسن (7)بن محمد أبو زرعة، أخبرنا إسماعيل بن موسى (8)أخبرنا أبو معاذ صالح بن ميثم، عن الحرث بن حصين (9)قال: قال عمر بن (10)عبد العزيز: ما علمنا أنّ أحدا كان في هذه الأمّة بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أزهد من عليّ بن أبي طالب (رض) (11).
ص:238
3-و عنه أخبرنا الشيخ الحافظ الزاهد أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي الخوارزمي، أخبرنا الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (1)أخبرنا أبو الحسين بن (2)بشران، أخبرنا أبو عمرو بن السمّاك، أخبرنا سهل بن إسحق قال: قال أبو نعيم (3):
سمعت سفيان (4)، يقول: إذا جاءكم عن عليّ كرّم اللّه وجهه شيء أثبت لك فخذ به: ما بنى لبنة على لبنة و لا بنى قصبة على قصبة و لقد كان يؤتى بحبوته في جراب من المدينة رحمه اللّه تعالى (5).
4-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ (6)، أخبرنا أبو بكر بن أبي نصر الداربردي (7)بمرو، أخبرنا موسى (8)بن يوسف، أخبرنا الحسين بن (9)عيسى بن ميسرة، أخبرنا عبد الرحمن بن مغراء (10)، قال: أخبرنا أبو سعيد البقّال، عن عمران بن مسلم (11)، عن سويد بن غفلة (12)، قال: دخلت على عليّ بن أبي طالب (رض) القصر، فوجدته جالسا بين يديه صحفة، فيها لبن حازر، أجد ريحه من شدّة
ص:239
حموضته، و في يده رغيف أرى آثار قشار الشعير في وجهه، و هو يكسره بيده أحيانا، فإذا أعيا عليه كسره بركبته فيطرحه فيه (1)فقال عليه السلام: أدن فاصب من طعامنا هذا، قلت: إنّي صائم، فقال: سمعت صلى اللّه عليه و آله يقول: من منعه الصيام من طعام يشتهيه كان حقّا على اللّه أن يطعمه من طعام الجنّة و يسقيه من شرابها.
قال: فقلت لجاريته، و هي قائمة بقرب منه: ويحك يا فضّة ألا تتقين اللّه في هذا الشيخ ألاّ تنخلون له طعاما مما أرى فيه من النخالة، فقالت: لقد تقدّم إلينا ألاّ ننخل له طعاما، قال: ما قلت لها فأخبرته، فقال عليه السلام:
بأبي و أمّي من لم ينخل له طعام، و لم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه اللّه عزّ و جلّ.
قال (رض) : الحازر اللبن الحامض جدّا، و في المثل: عدى القارص فحزر، أي جاوز القارص حدّه-مثل يضرب في تفاقم الأمر لأنّ القارص يحذى اللسان و الحازر فوقه (2).
5-و عنه، بهذا الإسناد، عن أحمد بن الحسين (3)هذا، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن محمود الإصبهاني (4)، أخبرنا أبو الحسن (5)بن أحمد بن محمّد بن حبش الإصبهاني، أخبرنا الحسن (6)بن محمد الداركي أخبرنا أبو
ص:240
زرعة (1)، أخبرنا يحيى (2)بن سليمان، أخبرنا أسباط (3)بن محمد أبو محمد، أخبرنا عمرو بن قيس الملائي (4)، عن عدي (5)بن ثابت قال: أتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام بفالوذج فأبى أن يأكل منه، و قال: كلّ شيء لم يأكل منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا أحب أن آكل منه (6).
6-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا: أخبرنا أبو زكريا (7)بن أبي إسحق، أخبرنا أبو عبد اللّه بن يعقوب (8)، أخبرنا محمد بن (9)عبد الوهاب، أخبرنا جعفر (10)بن عون أخبرنا مسعر (11)، عن عثمان بن (12)المغيرة، عن علي (13)بن ربيعة، قال: رأيت عليا يأتزر، و رأيت عليه تبّانا.
قال (رض) : التبّان سراويل الملاح و هو سروال قصير صغير، و تبّنه أي
ص:241
ألبسه إيّاه (1).
7-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو عبد اللّه 2الحافظ، أخبرنا أبو العبّاس 3محمّد بن يعقوب، أخبرنا العبّاس بن 4محمّد، أخبرنا يحيى بن 5معين، أخبرنا القاسم 6بن مالك، عن ليث 7، عن معاوية 8، عن رجل من بني كاهل قال: رأيت على عليّ عليه السلام تبّانا و قال: نعم الثوب ما أستره للعورة و أكفّه للأذى 9.
8-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين 10هذا، أخبرنا أبو عبد اللّه 11، حدّثنا أبو العبّاس 12، أخبرنا يحيى 13، أخبرنا القاسم بن مالك 14، عن إسماعيل بن سميع 15، عن أبي رزين 16قال: إنّ أفضل ثوب رأيته على عليّ القميص من قهر، و بردين قطريين.
ص:242
قال العباس (1): كلّ ثوب يضرب إلى السواد من ثياب اليمن يسمّى قطريا.
قال (رض) : القهر ضرب من الثياب يتخذ من صوف، هكذا ذكره في «ديوان الأدب» (2)«و المهذب» .
و قال الغوري (3): القهر (بكسر القاف) ثياب بيض، و قطر بلد ينسب إليه البرود.
قال أبو النجم (4): «و هبطوا السند بجنبي قطرا» (5)(6)
9-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل (7)أخبرنا عبد اللّه بن جعفر (8)، أخبرنا يعقوب بن سفيان (9)، أخبرنا أبو
ص:243
بكر الحميدي (1)، حدثني سفيان (2)حدثني أبو حيّان (3)، عن مجمّع التيمي (4)قال: خرج عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه بسيفه إلى السوق فقال:
من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزارا ما بعته (5).
10-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، و أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي (6)، قالا: حدّثنا أبو العبّاس بن محمّد بن يعقوب، أخبرنا العباس بن محمد (7)، حدثني محمد بن عبيد (8)، حدثني المختار، و هو ابن نافع (9)، عن أبي مطر (10)، قال: خرجت من المسجد، فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك، فإنّه أبقى لثوبك و أنقى لك، و خذ من رأسك إن كنت مسلما، فمشيت خلفه و هو مؤتزر بإزار، و مرتد برداء، و معه الدّرة، كأنّه أعرابي بدوي، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل:
أراك غريبا بهذا البلد، قلت: أجل، أنا رجل من أهل البصرة، قال: هذا
ص:244
عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام، حتى انتهى إلى دار بني أبي معيط.
و ذكر الحديث إلى آخر ما تقدم (1)في الباب السابق إلى قوله: باعني برضاي و أخذ برضاه (2).
11-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو الحسين بن بشران (3)أخبرنا الحسين بن صفوان (4)، عن ابن (5)أبي الدنيا، عن أحمد بن حاتم الطويل (6)أخبرنا محمّد بن الحجّاج (7)، عن مجالد (8)، عن الشعبي (9)، عن قبيصة بن جابر (10)، قال: ما رأيت في الدنيا أزهد من عليّ بن أبي طالب عليه السلام (11).
12-صاحب كتاب الصفوة قال: أنبأنا محمّد بن أبي القاسم (12)، قال:
أنبأنا حمد بن (13)أحمد بن الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ (14)،
ص:245
قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم (1)قال: حدثنا أحمد (2)بن الحسن الصوفي، قال: حدّثنا يحيى بن يوسف (3)الزمّي قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام (4)، عن هارون (5)بن عنترة، عن أبيه، قال: دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام بالخورنق (6)، و هو يرعد تحت سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه قد جعل لك و لأهل بيتك في هذا المال ما يتنعّم، و أنت تصنع بنفسك ما تصنع! فقال: و اللّه ما أرزاكم من مالكم شيئا و إنّها لقطيفتي الّتي خرجت بها من منزلي، أو قال: من المدينة (7).
13-و عنه قال: أنبأنا محمّد بن أبي منصور، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد (8)قال: أخبرنا الحسن بن عليّ التميمي (9)، قال: أنبأنا أبو بكر بن مالك (10)، قال: أنبأنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: أنبأنا محمّد بن عبيد، قال: أنبأنا مختار بن رافع، عن أبي مطر، قال: رأيت عليا عليه السلام مؤتزرا بإزار، مرتديا برداء، و معه الدرّة، كأنّه أعرابي بدوي، حتى بلغ سوق الكرابيس، فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة
ص:246
دراهم، فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئا، فأتى (1)آخر فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئا، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم، ثم جاء أبو الغلام فأخبره، فأخذ أبوه درهما ثم جاء به، فقال: هذا الدرهم يا أمير المؤمنين، قال:
ما شأن هذا الدرهم؟ قال: كان قميصنا ثمن درهمين قال: باعني رضاي و أخذ رضاه (2).
14-و عنه قال: أنبأنا عبد الوهّاب (3)، قال: أنبأنا محمّد بن عبد الرحمن السكري، قال: أنبأنا أبو بكر بن عبيد، قال: أنبأنا خلف بن سالم (4)، قال: نبأنا وكيع (5)، عن سفيان (6)، عن عمرو بن قيس (7)، أنّ عليا عليه السلام عليه إزار مرقوع، فعوتب في لبسه، فقال: يقتدي بي المؤمن، و يخشع له القلب (8).
15-و عنه، قال: أنبأنا ابن ناصر (9)، قال: نبأنا المبارك بن عبد الجبّار (10)، و عبد القادر بن محمّد (11)قالا: أنبأنا أبو إسحاق البرمكي (12)،
ص:247
قال: أنبأنا أبو بكر بن بخيت (1)قال: نبأنا أبو جعفر بن ذريح (2)قال: نبأنا هنّاد (3)، قال: نبأنا وكيع، عن مطير بن ثعلبة (4)، عن أبي النوار، قال:
رأيت عليا عليه السلام اشترى ثوبين غليظين، خيّر قنبرا أحدهما (5).
16-و عنه قال: حدّثنا وكيع، عن عبيد اللّه بن الوليد، عن فضيل بن مسلم، عن أبيه أنّ عليا اشترى قميصا؛ ثمّ قال: اقطعه لي من ههنا مع أطراف الأصابع.
و في رواية أخرى أنّه لبسه فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فأمر به فقطع ما فضل عن أطراف الأصابع (6).
17-و عنه، قال: أنبأنا محمد بن أبي القاسم (7)قال: أنبأنا حمد بن أحمد (8)، قال: نبأنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ، قال: حدّثنا محمد بن عمر بن سلم (9)، قال: حدّثنا موسى بن عيسى، قال: أنبأنا أحمد بن محمد العمي، قال: حدّثنا بشر بن إبراهيم (10)قال: حدّثنا مالك بن مغول (11)، و شريك (12)،
ص:248
عن علي بن الأقمر (1)، عن أبيه، قال: رأيت عليا عليه السلام و هو يبيع سيفا له في السوق، و يقول: من يشتري منّي هذا السيف؟ فو الّذي فلق الحبّة لطال ما كشفت به الكرب عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لو كان عندي ثمن إزار ما بعته (2).
18-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن أبي القاسم قال: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ الوراق (3)قال: حدثنا محمّد بن أحمد بن عيسى (4)، قال: حدّثنا عمرو بن تميم، قال: حدّثنا أبو نعيم (5)قال: حدّثنا إسماعيل (6)بن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت عبد الملك بن عمير (7)، يقول: حدّثني رجل من ثقيف أنّ عليا عليه السلام استعمله على عكبرا (8)، قال: قال لي: إذا كان عند الظهر فرح إليّ، فرحت إليه، فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه، فوجدته جالسا، و عنده قدح، و كوز من مآء. فدعا بظبية (9)، فقلت في نفسي لقد أمنني حين يخرج إليّ جوهرا، و لا أدري فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم فإذا فيها سويق (10)، فأخرج منها فصبّ في القدح، و صبّ عليه ماء فشرب و سقاني، فلم أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق، و طعام أهل العراق أكثر من ذلك؟ قال عليه السلام: أما و اللّه ما أختم عليه بخلا عليه،
ص:249
و لكنّي ابتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى، فيصنع من غيره، و إنّما حفظي لذاك، و أكره أن أدخل بطني إلاّ طيّبا (1).
19-و عنه أخبرنا أبو القاسم (2)بن الحصين، قال: حدّثنا ابن المذهب (3)، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر (4)، قال: حدثنا عبد اللّه بن أحمد (5)، قال:
حدّثني أبي قال: حدثنا إسماعيل (6)، قال: أخبرنا أيّوب (7)، عن مجاهد (8)قال: قال عليّ عليه السلام: جعت مرّة بالمدينة جوعا شديدا، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بإمرأة قد جمعت مدرا، فظننتها تريد بلّه، فأتيتها فقاطعتها كلّ ذنوب على تمرة، فمددت ستة عشر ذنوبا، حتى مجلت (9)يداي، ثمّ أتيت الماء، فأصبت منه، ثم أتيتها، فقلت بكفّي هكذا بين يديها، و بسط إسماعيل يديه و جمعهما، فعدت له ستة عشر تمرة، فأتيت النبي صلى اللّه عليه و آله، فأخبرته فأكل معي منها (10).
ص:250
في عمله عليه السلام بيده و عتقه ألف مملوك من كدّ يده
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد (1)بن أبي عبد اللّه، عن شريف بن سابق (2)، عن الفضل بن أبي قرّة (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بالمر (4)و يستخرج الأرضين و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يمصّ النوى بفيه و يغرسه، فيطلع من ساعته، و إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من ماله و كدّ يده (5).
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم (6)، عن أبيه، عن ابن أبي عمير (7)،
ص:251
عن سيف بن عميرة (1)، و سلمة صاحب السابري، عن أبي أسامة زيد (2)الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من ماله (3)و كدّ يده (4).
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد (5)، عن ابن محبوب (6)، عن عبد اللّه بن سنان (7)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يخرج أحمال (8)النوى فيقال له: يا أبا الحسن ما هذا معك؟ فيقول: نخل إن شاء اللّه فيغرسه، فما (9)يغادر عنه واحدة (10).
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى (11)، عن أحمد بن محمّد (12)، عن ابن فضّال (13)، عن ابن بكير (14)عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لقي
ص:252
رجل أمير المؤمنين عليه السلام و تحته وسق (1)من نوى، فقال له: ما هذا يا أبا الحسن تحتك؟ فقال: ألف (2)عذق إن شاء اللّه، قال: فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة (3).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الجاموراني (4)عن الحسن بن علي بن أبي حمزة (5)عن أبيه قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه من العرق، فقلت: جعلت فداك أين الرجال؟ فقال: يا عليّ قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه و من أبي، فقلت (6): و من هو؟ قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السلام، كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم، و هو من عمل النبيّين، و المرسلين، و الأوصياء، و الصالحين (7).
6-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن النعمان (8)، عن ابن مسكان (9)، عن الحسن الصيقل (10)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ وليّ عليّ عليه السلام لا يأكل إلاّ الحلال، لأنّ صاحبه كان كذلك، و إنّ وليّ عثمان لا يبالي حلالا أكل أو حراما، لأنّ صاحبه كان كذلك.
ص:253
قال: ثمّ عاد إلى ذكر عليّ عليه السلام فقال: أما و الذي ذهب بنفسه ما أكل من الدّنيا حراما، لا قليلا و لا كثيرا، حتى فارقها، و لا عرض له أمران، كلاهما للّه طاعة، إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لا نزلت برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم شديدة قطّ إلاّ وجّهه فيها ثقة به، و لا أطاق أحد من هذه الأمّة عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعده غيره، و لقد كان يعمل عمل رجل كأنّه ينظر إلى الجنّة و النّار.
و لقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله، كلّ ذلك تحفّى (1)فيه يداه، و تعرّق فيه جبينه، التماس وجه اللّه عزّ و جلّ و الخلاص من النار، و ما كان قوته إلاّ الخلّ (2)، و حلواه التمر إذا وجده، و ملبوسه الكرابيس، فإذا فضل من ثيابه شيء دعا بالجلم (3)فجزّه (4).
7-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم (5)، عن معاوية بن وهب (6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله متّكئا منذ بعثه اللّه عزّ و جلّ إلى أن قبضه تواضعا للّه عزّ و جلّ، و ما رأى (7)ركبتيه أمام جليسه في مجلس قطّ، و لا صافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا قطّ فنزع يده، حتّى يكون الرجل هو الذي ينزع يده، و لا كافأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسيّئة قطّ.
ص:254
قال: و قد قال اللّه له: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ اَلسَّيِّئَةَ (1)ففعل، و ما منع سائلا قطّ إن كان عنده أعطى، و إلاّ قال: يأتي اللّه به، و لا أعطى على اللّه عزّ و جلّ شيئا قطّ إلاّ أجازه اللّه، إن كان ليعطي الجنّة فيجيز اللّه له ذلك.
قال: و كان أخوه (2)من بعده و الّذي ذهب بنفسه ما أكل من الدّنيا حراما قطّ حتّى خرج منها، و اللّه إنّه كان ليعرض له أمران كان كلاهما للّه عزّ و جلّ طاعة فيأخذ بأشدّهما على بدنه، و اللّه لقد أعتق ألف مملوك لوجه اللّه عزّ و جلّ دبرت (3)فيهم يداه، و اللّه ما أطاق عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من بعده أحد غيره، و اللّه ما نزلت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نازلة قطّ إلا قدّمه فيها ثقة منه به، و إنّه كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليبعثه برايته فيقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره، ثم ما يرجع حتّى يفتح اللّه عزّ و جلّ له (4).
8-و عنه عن أحمد بن محمّد بن أحمد الكوفي (5)، عن عليّ بن الحسن التيمي (6)، عن عليّ (7)بن أسباط، عن عليّ بن جعفر (8)قال: حدثني معتب (9)، أو غيره، قال: بعث عبد اللّه (10)بن الحسن إلى أبي
ص:255
عبد اللّه عليه السلام يقول لك أبو محمد: أنا أشجع منك، و أنا أسخى منك، و أنا أعلم منك.
فقال لرسوله: أمّا الشجاعة فواللّه ما كان لك موقف يعرف به جبنك من شجاعتك، و أما السخاء فهو الّذي يأخذ الشيء من جهته فيضعه في حقّه، و أمّا العلم فقد أعتق أبوك عليّ بن أبي طالب عليه السلام ألف مملوك فسمّ لنا خمسة منهم و أنت عالم، فعاد إليه فأعلمه، ثم عاد إليه فقال له: يقول لك: إنّك رجل صحفي (1)، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام قل له: إي و اللّه صحف إبراهيم، و موسى، و عيسى، ورثتها من آبائي (2).
9-ابن بابويه قال: حدثني أبي (رض) قال: حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران (3)، عن عاصم (4)بن حميد، عن محمّد بن قيس (5)، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال: و اللّه إن كان عليّ عليه السلام ليأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين، فيخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، و إذا جاز كعبه حذفه، و لقد وليّ خمس سنين ما وضع آجرّة على آجرّة، و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعا، و لا أورث بيضاء و لا حمراء، و إنّه ليطعم الناس من خبز البرّ و اللحم، و ينصرف إلى منزله، و يأكل خبز الشعير، و الزيت، و الخلّ، و ما ورد عليه أمران كلاهما للّه رضا إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لقد أعتق ألف مملوك من كدّ يده، و تربت (6)فيه يداه، و عرق فيه وجهه، و ما أطاق عمله أحد من الناس، و إن كان ليصلّي
ص:256
في اليوم و الليلة ألف ركعة، و إنّه كان أقرب الناس شبها به عليّ بن الحسين عليهما السلام و ما أطاق عمله أحد من الناس بعده (1).
10-كتاب «الخرائج و الجرائح» روي عن عيسى (2)بن عبد اللّه الهاشمي، عن أبيه عن جدّه عن علي عليه السلام، قال: لمّا رجع الأمر إليه أمر أبا الهيثم بن التيهان، و عمّار بن ياسر، عبيد اللّه بن أبي رافع (3)، فقال:
اجمعوا الناس ثم انظروا إلى ما في بيت مالهم فاقسموا بينهم بالسويّة، فوجدوا نصيب كلّ واحد منهم ثلاثة دنانير، فأمرهم يقعدون للناس و يعطونهم.
قال: و أخذ مكتله و مسحاته، ثم انطلق إلى بئر الملك، يعمل فيها فأخذ الناس ذلك القسم، حتى بلغوا الزبير، و طلحة، و عبد اللّه بن عمر، أمسكوا بأيديهم، و قالوا: هذا منكم أو من صاحبكم؟ قالوا: بل هذا أمره، و لا نعمل إلا بأمره، قالوا: فاستأذنوا لنا عليه، قالوا: ما عليه إذن هو ذا ببئر الملك يعمل.
فركبوا دوابّهم حتى جاؤوا إليه، فوجدوه في الشمس، و معه أجير له يعينه فقالوا له: إنّ الشمس حارّة فارتفع معنا إلى الظلّ، فارتفع معهم إليه، قالوا:
لنا قرابة من نبيّ اللّه و سابقة و جهاد، إنّك أعطيتنا بالسويّة، و لم يكن عمر و لا عثمان يعطوننا بالسويّة، كانوا يفضّلوننا على غيرنا، فقال عليه السلام أيّهما عندكم أفضل؟ ! عمر أو أبو بكر؟ قالوا: أبو بكر، قال: فهذا قسم أبي بكر، و إلاّ فدعوا أبا بكر و غيره، فهذا كتاب اللّه فانظروا ما لكم من حقّ فخذوه، قالوا: فسابقتنا قال عليه السلام: أنتما أسبق منّي بسابقتي؟ قالوا:
لا، قالوا: فجهادنا قال عليه السلام: جهادكم أعظم من جهادي؟ قالوا:
ص:257
لا، قال: فو اللّه ما أنا في هذا المال و أجيري هذا إلاّ بمنزلة سواء، قالا: أفتأذن لنا في العمرة؟ قال: ما العمرة تريدان، و إنّي أعلم أمركم و شأنكم، فاذهبا حيث شئتما، فلمّا وليّا قال عليه السلام: فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه (1).
11-و من طريق المخالفين ما رواه صاحب كتاب «الصفوة» قال:
أخبرنا ابن الحصين، قال: أنبأنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا إسماعيل (2)، قال: أخبرنا أيّوب (3)، عن مجاهد، قال: قال عليّ عليه السلام: جعت مرّة بالمدينة جوعا شديدا، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة (4). و الحديث في آخر الباب الثامن و العشرين تقدّم بتمامه (5).
ص:258
في عمله عليه السلام في البيت و تواضعه
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب، و يستقي، و يكنس، و كانت فاطمة صلوات اللّه عليها تطحن، و تعجن، و تخبز (1).
2-ابن شهر اشوب روى ذلك عن الصادق عليه السلام ثم قال: و عن الباقر عليه السلام و إن صاحبكم ليجلس جلسة العبد، و يأكل أكل العبد (2).
3- «الابانة» عن ابن بطة (3)«و الفضائل» عن أحمد: إنّه عليه السلام اشترى تمرا بالكوفة فحمله في طرف ردائه، فتبادر الناس إلى حمله، و قالوا: يا أمير المؤمنين نحن نحمله، فقال: ربّ العيال أحقّ بحمله (4).
4- «قوة القلوب» عن أبي طالب المكّي (5)إنّه كان عليه السلام يحمل التمر و الملح بيده و يقول:
ص:259
لا ينقص الكامل من كماله ما جرّ من نفع إلى عياله (1)
5-زيد بن عليّ عليه السلام إنّه كان عليّ عليه السلام يمشي في خمسة حافيا، و يعلّق نعليه بيده اليسرى: يوم الفطر، و النحر، و الجمعة، و عند العيادة، و تشييع الجنازة، و يقول: إنّها مواضع اللّه تعالى، و أحبّ أن أكون فيها حافيا (2).
6-زاذان (3)إنّه عليه السلام كان يمشي في الأسواق وحده، و هو ذاك يرشد الضالّ، و يعين الضعيف، و يمرّ بالبيّاع و البقّال فيفتح عليه و يقرأ:
تِلْكَ اَلدّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (4) (5).
7-(الصادق عليه السلام) خرج أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه، و هو راكب، فمشوا معه، فالتفت إليهم فقال: ألكم حاجة؟ قالوا: لا و لكنّا نحبّ أن نمشي معك، فقال لهم: انصرفوا و ارجعوا، النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى (6)(7).
8-و نزل (8)له دهاقين الأنبار و اشتدّوا بين يديه، فقال: ما هذا الذي صنعتموه؟ قالوا: خلق خلق منا نعظّم به أمرائنا، فقال: و اللّه ما ينتفع بهذا أمراءكم، و إنّكم لتشقّون به على أنفسكم، و تشقون به في آخرتكم، و ما أخسر المشقّة ورائها العقاب؟ ! و ما أربح الراحة معها الأمان من النار؟ ! (9)
ص:260
9-الحسن العسكريّ عليه السلام في خبر طويل إنّ رجلا و ابنه وردا عليه، و قام إليهما و أجلسهما في صدر مجلسه، و جلس بين أيديهما، ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه، ثم أخذ الإبريق ليصبّ على يد الرّجل، فتمرّغ الرّجل في التراب، فقال: يا أمير المؤمنين كيف اللّه يراني و أنت تصبّ على يدي، قال: أقعد و اغسل فإنّ اللّه تعالى يراني أخاك (1)الذي لا يتميّز منك و لا يتفضّل عليك يخدمك و يريد بذلك في خدمته في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا و على حسب ذلك في مماليكه فيها، فقعد الرّجل و غسل يده، فلمّا فرغ ناول الإبريق محمّد بن الحنفية، و قال: يا بنيّ لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، و لكنّ اللّه يأبى أن يسوّي بين ابن و أبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صبّ الأب على الأب فليصبّ الابن على الابن (2).
10-الباقر عليه السلام في خبر إنّه رجع عليه السلام إلى داره في وقت القيظ، و إذا امرأة قائمة تقول: إنّ زوجي ظلمني و أخافني، و تعدّى عليّ، و حلف ليضربني فقال عليه السلام: يا أمة اللّه اصبري حتّى يبرد النهار ثم أذهب معك إن شاء اللّه، فقالت: يشتدّ غضبه و حرده (3)عليّ فطأطأ رأسه ثم رفعه، و هو يقول: لا و اللّه أو يؤخذ للمظلوم حقّه غير متعتع (4)أين منزلك؟ فمضى إلى بابه، فوقف فقال: السّلام عليك (5)، فخرج شابّ، فقال عليّ عليه السلام: يا عبد اللّه اتّق اللّه فإنّك قد أخفتها و أخرجتها، فقال الفتى: و ما أنت و ذاك؟ لأحرقتها لكلامك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: آمرك بالمعروف، و أنهاك عن المنكر و تستقبلني بالمنكر و تنكر المعروف؟
قال: فأقبل النّاس من الطرق، و يقولون: السّلام عليك (6)يا أمير
ص:261
المؤمنين، فسقط الرّجل في يديه فقال: أقلني عثرتي، فو اللّه لأكوننّ لها أرضا تطأني، فأغمد عليّ سيفه و قال: يا أمة اللّه ادخلي منزلك، و لا تلجئي زوجك إلى مثل هذا و شبهه (1).
11-الباقر عليه السلام: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام و هو في المسجد، فقال: يا أمير المؤمنين امرأة بيني و بينها خصومة، و بها العلّة، و هي على باب المسجد لا تستطيع الدخول، فقام معه، و قضى بينهما ثم دخل عليه السلام.
ص:262
في جوده عليه السلام و فيه نزلت وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ
1-الشيخ الثقة محمّد بن العباس بن ماهيار، «فيما نزل في أهل البيت» قال: حدّثنا سهل بن محمّد العطّار (1)، عن أحمد بن عمر الدهقان (2)، عن محمّد بن كثير (3)، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة، قال: إنّ رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى بيوت أزواجه، فقلن:
ما عندنا شيء إلاّ الماء، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من لهذا الرجل الليلة؟ فقال عليّ عليه السلام: أنا يا رسول اللّه، فأتى فاطمة عليها السلام فأعلمها، فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصبية (4)، و لكنّا نؤثر به ضيفنا، فقال عليه السلام: يا ابنة محمد صلّى اللّه عليه و آله نوّمي الصبية و أطفئي السراج.
فلمّا أصبح عليّ عليه السلام غدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
ص:263
فأخبره الخبر، فلم يبرح حتى نزلت هذه الآية: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (1)(2).
2-و رواه الشيخ في «الأمالي» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: أخبرنا أبو نصر محمّد بن الحسين المقري، قال: حدّثنا محمّد بن سهل العطّار، قال: حدّثنا أحمد بن عمر الدهقان، قال: حدّثنا محمّد بن كثير مولى عمر بن عبد العزيز، قال: حدّثنا عاصم (3)بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى بيوت أزواجه، فقلن:
ما عندنا إلاّ الماء (4).
و ساق الحديث إلى قوله: المفلحون.
و رواه ابن شهر اشوب من طريق المخالفين من تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان، و عليّ بن حرب الطائي (5)، و مجاهد، بأسانيدهم عن ابن عباس، و أبي هريرة (6).
و روى جماعة عن عاصم بن كليب، و اللفظ له، عن أبي هريرة أنّه جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فشكى إليه الجوع و ذكر الحديث (7).
3-محمد بن العباس أيضا قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن
ص:264
محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن كليب (1)بن معاوية الأسدي، عن أبي عبد اللّه في قوله تعالى: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (2)قال: بينما عليّ عليه السلام عند فاطمة عليها السلام إذ قالت له: يا عليّ اذهب إلى أبي فأبغنا (3)منه شيئا، فقال: نعم، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأعطاه دينارا، و قال يا عليّ: اذهب فابتع لأهلك طعاما، فخرج من عنده، فلقيه المقداد بن الأسود رحمه اللّه، و قاما ما شاء اللّه أن يقوما، و ذكر له حاجته، فأعطاه الدينار، و انطلق إلى المسجد، فوضع رأسه فنام، فانتظره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم يأت، ثم انتظره فلم يأت.
فخرج يدور في المسجد، فإذا هو بعليّ عليه السلام نائم في المسجد، فحرّكه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقعد، فقال له: يا عليّ ما صنعت؟ فقال: يا رسول اللّه خرجت من عندك فلقيني المقداد بن الأسود فذكر لي ما شاء اللّه أن يذكر، فأعطيته الدينار، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أما إنّ جبرئيل عليه السلام فقد أنبأني بذلك، و قد أنزل اللّه فيك كتابا: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (4).
4-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت، عن القاسم بن إسماعيل، عن محمّد بن سنان، عن سماعة بن مهران، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوتي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بمال و حلل، و أصحابه حوله جلوس، فقسّمه عليهم حتى لم يبق منه حلة و لا دينار، فلمّا فرغ منه جاء رجل من فقراء المهاجرين، و كان غائبا رآه رسول اللّه صلى اللّه
ص:265
عليه و آله و سلّم قال: أيّكم يعطي هذا نصيبه و يؤثره على نفسه؟ فسمعه عليّ عليه السلام فقال: نصيبي فأعطاه إيّاه، فأخذه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فأعطاه الرجل.
ثم قال: يا عليّ إنّ اللّه جعلك سبّاقا للخير، سخّاء بنفسك من المال، أنت يعسوب المؤمنين (1)و المال يعسوب الظلمة، و الظلمة هم يحسدونك، و يبغون عليك، و يمنعونك حقّك بعدي (2).
5-و عنه بالإسناد عن القاسم بن إسماعيل، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان جالسا ذات يوم، و أصحابه جلوس حوله، فجاء عليّ عليه السلام، و عليه سمل (3)ثوب مخرق عن بعض جسده، فجلس قريبا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنظر إليه ساعة، ثم قرأ:
وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (4).
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السلام: أما إنّك رأس الّذين نزلت فيهم هذه الآية و سيّدهم و إمامهم، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السلام: أين حلّتك التي كسوتها (5)يا عليّ؟
ص:266
فقال: يا رسول اللّه إنّ بعض أصحابك أتاني يشتكي عراه و عرى أهل بيته، فرحمته و آثرته بها على نفسي، و عرفت أنّ اللّه سيكسوني خيرا منها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: صدقت، أما إنّ جبرئيل فقد أتاني يحدّثني أنّ اللّه اتخذ لك مكانها في الجنة حلّة خضراء من استبرق، و صبغتها (1)من ياقوت و زبرجد، فنعم الجواز جواز ربّك بسخاوة نفسك، و صبرك على سملتك هذه المنخرقة، فأبشر يا عليّ، فانصرف عليّ عليه السلام فرحا مسرورا بما أخبره به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2).
6-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل (3)، قال:
حدّثنا عبد الرزّاق بن سليمان بن غالب الأزدي بأرتاج، قال: حدّثنا أبو عبد الغني (4)الحسن بن عليّ الأزدي المعاني، قال: حدّثنا عبد الوهّاب (5)بن الهمام الحميري، قال: حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي البصريّ (6)، قدم علينا من اليمن، قال: حدّثنا أبو هارون العبدي عن ربيعة السعدي، قال: حدّثني حذيفة بن اليمان، قال: لمّا خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قدم جعفر رحمه اللّه، و النبي صلى اللّه عليه و آله بأرض خيبر، فأتاه بالفرع (7)من الغالية و القطيفة، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: لأدفعنّ هذه القطيفة إلى رجل يحبّ اللّه و رسوله، و يحبّه اللّه و رسوله، فمدّ أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله أعناقهم إليها، فقال النبيّ
ص:267
صلى اللّه عليه و آله أين علي؟ فوثب عمّار بن ياسر (رض) فدعا عليا عليه السلام.
فلمّا جاءه قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ هذه القطيفة إليك، فأخذها عليّ عليه السلام و أمهل حتّى قدم المدينة، فانطلق إلى البقيع، و هو سوق المدينة، فأمر صائغا (1)ففصّل القطيفة سلكا سلكا، فباع الذهب و كان ألف مثقال، ففرّقه عليّ عليه السلام في فقراء المهاجرين و الأنصار، ثم رجع إلى منزله و لم يترك له من الذهب قليلا و لا كثيرا فلقيه النبيّ صلى اللّه عليه و آله من غد، في نفر من أصحابه فيهم حذيفة، و عمّار، فقال: يا عليّ إنّك أخذت بالأمس ألف مثقال، فاجعل غدائي اليوم و أصحابي هؤلاء عندك، و لم يكن عليّ عليه السلام يرجع يومئذ إلى شيء من العروض ذهب أو فضّة، فقال حياء منه و تكرّما: نعم يا رسول اللّه و في الرحب و السعة، ادخل أنت يا نبيّ اللّه و من معك.
قال: فدخل النبيّ صلى اللّه عليه و آله، ثم قال لنا: ادخلوا، قال حذيفة: و كنّا خمسة نفر: أنا، و عمار، و سلمان، و أبو ذر، و المقداد، رضي اللّه عنهم، فدخلنا و دخل عليّ عليه السلام على فاطمة عليها السلام، يبتغي عندها شيئا من زاد، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور، و عليها عراق كثير، و كأنّ رائحتها المسك، فحملها عليّ عليه السلام حتّى وضعها بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من حضر معه، فأكلنا منها حتى تملّأنا، و لا ينقص منها قليل و لا كثير.
و قام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى دخل على فاطمة عليها السلام و قال: أنى لك هذا الطعام يا فاطمة؟ فردّت عليه و نحن نسمع قولهما، فقالت: هو من عند اللّه يرزق من يشاء بغير حساب، فخرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلينا مستعبرا، و هو يقول: الحمد للّه الذي لم يمتني حتّى رأيت لابنتي ما رأى زكريا لمريم، كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا
ص:268
فيقول: يا مريم أنّى لك هذا؟ فتقول: هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب (1).
7-أبو سعيد الخدري قال: أصبح عليّ عليه السلام ذات يوم ساغبا (2)فقال: يا فاطمة عندك شيء تغدّينيه؟ قالت: لا و الّذي أكرم أبي بالنبوة، و أكرمك بالوصية، ما أصبح اليوم (3)عندي شيء أغدّيكه و ما كان عندي منذ يومين إلاّ شيء كنت أوثرك به على نفسي و على ابنيّ هذين: حسن و حسين، فقال عليّ عليه السلام: يا فاطمة ألاّ كنت أعلمتني فأبغيكم شيئا؟ فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحيي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر عليه، فخرج عليّ من عند فاطمة عليها السلام واثقا باللّه حسن الظن به عزّ و جلّ، فاستقرض دينارا، فأخذه ليشتري لعياله ما يصلحهم، فعرض له المقداد بن الأسود في يوم شديد الحرّ قد لوّحته الشمس من فوقه، و آذته من تحته، فلمّا رآى عليّ عليه السلام أنكر شأنه، فقال: يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك؟ فقال: يا أبا الحسن خلّ سبيلي و لا تسألني عمّا ورائي، قال عليه السلام:
يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك، فقال: يا أبا الحسن رغبت إلى اللّه عزّ و جلّ، و إليك أن تخلّي سبيلي، و لا تكشفني عن حالي، قال: يا أخي لا يسعك أن تكتمني حالك.
فقال: يا أبا الحسن أمّا إذا أبيت فو الّذي أكرم محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالنبوّة، و أكرمك بالوصيّة ما أزعجني من رحلي إلاّ الجهد، و قد تركت عيالي جياعا، فلمّا سمعت بكائهم لم تحملني الأرض، فخرجت مهموما راكبا رأسي، هذه حالي و قصّتي، فانهملت عينا عليّ عليه السلام بالبكاء، حتى بلّت دموعه لحيته، فقال: أحلف بالّذي حلفت به ما أزعجني إلاّ الذي أزعجك، و قد اقترضت دينارا فهاكه فقد آثرتك على نفسي، فدفع الدينار إليه، و رجع حتّى دخل المسجد، فصلّى الظهر، و العصر، و المغرب.
ص:269
فلمّا قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المغرب مرّ بعليّ و هو في الصفّ الأوّل، فغمزه برجله فقام عليّ عليه السلام فلحقه في باب المسجد و سلّم عليه، فردّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: يا أبا الحسن هل عندك عشاء تعشّيناه فنميل معك؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا حياء من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و عرف ما كان من أمر الدينار و من أين أخذ و أين وجّهه بوحي من اللّه إلى نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أمره أن يتعشّى عند عليّ تلك الليلة.
فلمّا نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلى سكوته قال: يا أبا الحسن مالك لا تقول: لا فانصرف، أو نعم فأمضي معك؟ فقال حياء و تكرّما:
فاذهب بنا، فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بيد عليّ، فانطلقا حتّى دخلا على فاطمة عليها السلام، و هي في مصلاّها قد قضت صلاتها، و خلفها جفنة تفور دخانا، فلمّا سمعت كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم خرجت من مصلاّها فسلّمت عليه، و كانت أعزّ الناس عليه، فردّ السلام و مسح بيديه على رأسها، و قال لها: يا بنتاه كيف أمسيت رحمك اللّه؟ قالت: بخير، قال:
عشّينا رحمك اللّه وقعد، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عليّ (رض) .
فلمّا نظر عليّ عليه السلام إلى الطعام و شمّ ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا، قالت له فاطمة: سبحان اللّه ما أشحّ نظرك و أشدّه! هل أذنبت فيما بيني و بينك ذنبا استوجبت به منك السخط؟ فقال: و أيّ ذنب أعظم من ذنب أصبتيه؟ أليس عهدي بك اليوم الماضي و أنت تحلفين باللّه مجتهدة ما طعمت طعاما منذ يومين؟
قال: فنظرت إلى السماء، و قالت: إلهي يعلم، في سمائه و أرضه أنّي لم أقل إلاّ حقّا، فقال لها: يا فاطمة أنّى لك هذا الطعام الّذي لم أنظر إلى مثل لونه قطّ، و لم أشمّ مثل رائحته قطّ، و لم آكل أطيب منه.
قال: فوضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كفّه الطيّبة المباركة بين كتفي عليّ عليه السلام فغمزها، ثم قال: يا عليّ هذا بدل عن دينارك، هذا
ص:270
جزاء دينارك، إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب، ثمّ استعبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم باكيا ثمّ قال: الحمد للّه الّذي أبى لكما أن تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما أو يجريك يا عليّ مجرى زكريّا عليه السلام و يجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران عليها السلام (1).
8-ابن شهر اشوب قال: سأل أعرابيّ أمير المؤمنين عليه السلام شيئا فأمر بألف، فقال الوكيل: من ذهب أو فضة؟ فقال: كلاهما عندي حجران، فأعط الأعرابيّ أنفعهما إليه (2).
ص:271
ص:272
و هو من الباب الأول
1-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمة اللّه عليه، قال: حدثنا عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري قال: حدّثنا زيد بن إسماعيل الصائغ، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن خالد بن ربعي قال: إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام دخل مكّة في بعض حوائجه، فوجد أعرابيا متعلّقا بأستار الكعبة، و هو يقول: البيت (1)بيتك، و الضيف ضيفك، و لكلّ ضيف من مضيفه قرى (2)، فاجعل قراي منك الليلة المغفرة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه: أما تسمعون كلام الأعرابي؟ قالوا: نعم، فقال: اللّه أكرم (3)أن يردّ ضيفه.
قال: فلما كانت اللّيلة الثانية وجده متعلّقا بذلك الركن، و هو يقول:
يا عزيزا في عزّك، فلا أعزّ منك في عزك، أعزّني بعزّ عزك، في عزّ لا يعلم أحد كيف هو، أتوجّه إليك و أتوسّل إليك بحقّ محمّد و آل محمّد عليك، أعطني ما لا يعطيني أحد غيرك، فاصرف عنّي ما لا يصرفه أحد غيرك، قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا و اللّه الاسم الأكبر بالسريانية، أخبرني حبيبي
ص:273
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، سأله الجنّة فأعطاه، و سأله صرف النار و قد صرفها.
قال: فلمّا كان اللّيلة الثالثة وجده و هو متعلّق بذلك الرّكن، و هو يقول:
يا من لا يحويه مكان، و لا يخلو منه مكان، بلا كيف (1)كان، ارزق الأعرابيّ أربعة آلاف درهم.
قال: فتقدّم إليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أعرابيّ سألت ربّك القرى فقراك، و سألت الجنّة فأعطاك، و سألت أن يصرف عنك النار و قد صرفها عنك، و في هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم، قال الأعرابي: من أنت؟ قال: أنا عليّ بن أبي طالب، قال الأعرابي: أنت و اللّه بغيتي، و بك أنزلت حاجتي، قال: سل يا أعرابي، قال: أريد ألف درهم للصداق، و ألف درهم أقضي به ديني، و ألف درهم أشتري به دارا، و ألف درهم أعيش منه (2).
قال: أنصفت يا أعرابي، فإذا خرجت من مكة فسل عن داري بمدينة الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و أقام الأعرابي بمكة أسبوعا، و خرج في طلب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى مدينة الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و نادى من يدلّني على دار أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام من بين الصبيان: أنا أدلّك على دار أمير المؤمنين عليه السلام و أنا ابنه الحسين بن علي، فقال الأعرابي من أبوك؟ قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: من أمّك؟ قال:
فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين عليها السلام قال: من جدك؟ قال: محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بن عبد اللّه بن عبد المطلب، قال: من جدتك؟ قال: خديجة بنت خويلد، قال: من أخوك؟ قال: أبو محمّد الحسن بن علي عليهما السلام قال: أخذت (3)الدنيا بطرفيها، امش إلى أمير المؤمنين و قل (4):
ص:274
إنّ الأعرابي صاحب الضمان بمكّة على الباب.
قال: فدخل الحسين بن عليّ عليهما السلام فقال: يا أبت أعرابيّ بالباب يزعم أنّه صاحب الضّمان بمكة، قال: فقال: يا فاطمة عندك شيء يأكله الأعرابي؟ قالت: اللّهم لا، فتلبّس أمير المؤمنين عليه السلام و خرج، و قال:
ادعوا لي أبا عبد اللّه سلمان الفارسي، قال: فدخل إليه سلمان الفارسي فقال:
يا أبا عبد اللّه اعرض الحديقة الّتي غرسها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لي على التجّار.
قال: فدخل سلمان إلى السوق، و عرض الحديقة، فباعها بإثني عشر ألف درهم، و أحضر المال، و أحضر الأعرابي، فأعطاه أربعة آلاف درهم و أربعين درهما نفقة، و وقع الخبر إلى سؤّال المدينة فاجتمعوا، و مضى رجل من الأنصار إلى فاطمة الزهراء عليها السلام فأخبرها بذلك، فقالت آجرك اللّه في ممشاك، فجلس عليّ عليه السلام و الدراهم مصبوبة بين يديه، حتى اجتمع إليه أصحابه، فقبض قبضة قبضة، و جعل يعطي رجلا رجلا، حتّى لم يبق درهم واحد، فلمّا أتى المنزل قالت له فاطمة عليها السلام: يا ابن عمّ بعت الحائط الّذي غرسه لك والدي؟ قال: نعم بخير منه عاجلا و آجلا، قالت: فأين الثمن؟ قال: دفعته إلى أعين استحييت أن أذلّها بذلّ المسألة قبل أن تسألني، قالت فاطمة: أنا جائعة، و ابناي جائعان، و لا أشك أنّك مثلنا في الجوع، لم يكن لنا منه درهم؟ و أخذت بطرف ثوب عليّ عليه السلام، فقال عليّ عليه السلام: يا فاطمة خلّيني، قالت: لا و اللّه أو يحكم بيني و بينك أبي.
فهبط جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال:
يا محمّد السلام يقرئك السلام و يقول: اقرأ عليّا منّي السلام، و قل لفاطمة:
ليس لك أن تضربي على يديه، و لا تلزمي (1)بثوبه، فلمّا أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم منزل عليّ عليه السلام وجد فاطمة ملازمة لعليّ عليه السلام، فقال لها: يا بنيّة مالك ملازمة لعليّ عليه السلام؟ قالت: يا
ص:275
أبت باع الحائط الّذي غرست له باثني عشر ألف درهم لم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما.
فقال: يا بنيّة إنّ جبرئيل يقرأني من ربّي السّلام و يقول: اقرأ عليا من ربّه السلام، و أمرني أن أقول: ليس لك أن تضربي على يديه، و لا تلزمي بثوبه، قالت فاطمة: فإنّي أستغفر اللّه، و لا أعود أبدا.
قالت فاطمة: فخرج أبي عليه السلام في ناحية، و زوجي في ناحية، فما لبث أن أتى أبي و معه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: يا فاطمة أين ابن عمّي؟ قلت له: خرج فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: هاك هذه الدراهم فإذا جاء ابن عمّي فقولي يبتاع لكم طعاما، فما لبثت إلاّ يسيرا حتّى جاء عليّ عليه السلام، فقال: رجع ابن عمّي، فإنّي أجد رائحة طيّبة، قلت: نعم (1)، و دفع إليّ شيئا تبتاع لنا به طعاما، قال عليّ عليه السلام:
هاتيه، فدفعت إليه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: بسم اللّه، و الحمد للّه كثيرا طيّبا، و هذا من رزق اللّه.
ثم قال: يا حسن قم معي، فأتيا السوق، فإذا هما برجل واقف، و هو يقول: من يقرض المليّ الوفي؟ قال يا بنيّ نعطيه؟ قال: اي و اللّه يا أبت، فأعطاه علي عليه السلام الدّراهم، فقال الحسن عليه السلام: يا أبتاه أعطيته الدراهم كلّها؟ قال: نعم يا بنيّ، إنّ الّذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير.
قال: فمضى علي عليه السلام بباب رجل يستقرض منه شيئا، فلقيه أعرابيّ، و معه ناقة فقال: يا عليّ اشتر منّي هذه الناقة، قال: ليس معي ثمنها، قال: إنّي أنظرك به إلى القيظ، قال: بكم يا أعرابي؟ قال: بمائة درهم، قال عليّ: خذها يا حسن، فمضى عليّ عليه السلام فلقيه أعرابي آخر، المثال واحد، و الثياب مختلفة، فقال: يا عليّ تبيع الناقة؟ قال عليّ عليه السلام: و ما تصنع بها؟ قال: أغزو عليها أوّل غزوة يغزوها ابن عمك،
ص:276
قال: إن قبلتها فهي لك بلا ثمن، قال معي ثمنها و بالثمن أشتريها، فبكم اشتريتها؟ قال: بمائة درهم، قال الأعرابي: فلك سبعون و مائة درهم، قال علي عليه السلام للحسن: خذ السبعين و المائة و سلّم الناقة، و المائة للأعرابي الّذي باعنا و السبعين لنا نبتاع بها شيئا، فأخذ الحسن عليه السلام الدّراهم و سلّم الناقة.
قال عليّ عليه السلام: فمضيت أطلب الأعرابي الّذي ابتعت منه الناقة لأعطيه ثمنها، فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جالسا في مكان لم أره فيه قبل ذلك و لا بعده، على قارعة الطريق، فلمّا نظر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إليّ تبسّم ضاحكا بدت نواجده، قال عليّ عليه السلام أضحك اللّه سنّك و بشّرك ليومك، فقال: يا أبا الحسن (1)تطلب الأعرابي الّذي باعك الناقة لتوفيه الثمن، فقلت: إي و اللّه فداك أبي و أمّي، فقال: يا أبا الحسن الّذي باعك الناقة جبرئيل، و الّذي اشتراها منك ميكائيل، و الناقة من نوق الجنة، و الدراهم من عند رب العالمين عزّ و جلّ، فأنفقها في خير و لا تخف إقتارا (2).
2-ابن بابويه في «العلل» أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا الحسن (3)بن عرفة بسر من رأى، قال: حدّثنا وكيع، قال:
حدثنا محمّد بن إسرائيل (4)قال: حدّثنا أبو صالح (5)، عن أبي ذر (رض) قال: كنت أنا و جعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة، فأهديت لجعفر بن أبي طالب عليه السلام جارية قيمتها أربعة آلاف درهم، فلمّا قدمنا المدينة أهداها لعليّ عليه السلام تخدمه، فجعلها عليّ عليه السلام في منزل
ص:277
فاطمة، فدخلت فاطمة عليها السلام يوما فنظرت إلى رأس عليّ عليه السلام في حجر الجارية، فقالت: يا أبا الحسن فعلتها، فقال: لا و اللّه يا بنت محمّد ما فعلت شيئا، فما الّذي تريدين؟ قالت: تأذن لي في المصير إلى منزل أبي رسول اللّه، فقال لها: قد أذنت. فتجلببت بجلبابها و تبرقعت (1)، و أرادت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فهبط جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمّد إنّ اللّه يقرئك السلام، و يقول لك: إنّ هذه فاطمة قد أقبلت تشكو عليا عليه السلام فلا تقبل منها في عليّ شيئا، فدخلت فاطمة عليها السلام، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: جئت تشكين عليّا؟ قالت: إي و ربّ الكعبة، فقال لها: ارجعي إليه، فقولي له: رغم أنفي لرضاك.
فرجعت إلى عليّ عليه السلام، فقالت له: يا أبا الحسن رغم أنفي لرضاك، تقولها ثلاثا، فقال لها عليّ عليه السلام: شكوتني إلى خليلي و حبيبي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و اسواتاه من رسول اللّه، أشهد (2)يا فاطمة أنّ الجارية حرّة لوجه اللّه، و أنّ الأربعمائة درهم الّتي فضلت من عطائي صدقة على فقراء المدينة.
ثم تلبّس و انتعل و أراد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فهبط جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام، و يقول لك:
قل لعليّ عليه السلام: قد أعطيتك الجنة بعتقك الجارية في رضا فاطمة، و النّار للأربعمائة درهم الّتي تصدّقت بها فأدخل الجنة من شئت برحمتي، و أخرج من النار من شئت بعفوي، فعندها قال عليّ عليه السلام: أنا قسيم اللّه بين الجنّة و النار (3).
3-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن (4)محمّد الهاشمي، عن أبيه، عن أحمد بن
ص:278
عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اَللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا قال: إنّما يعني أولى بكم أي أحقّ بكم و بأموركم و أنفسكم و أموالكم، اللّه و رسوله وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا يعني عليا و أولاده الأئمّة عليهم السلام إلى يوم القيامة.
ثم وصفهم اللّه عزّ و جلّ فقال: اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (1)و كان أمير المؤمنين عليه السلام في صلوة الظهر، و قد صلّى ركعتين و هو راكع، و عليه حلّة قيمتها ألف دينار، و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم كساه إيّاها، و كان النجاشي أهداها له.
فجاء سائل فقال: السّلام عليك يا وليّ اللّه و أولى بالمؤمنين من أنفسهم تصدّق على مسكين: فطرح الحلّة إليه، و أومى بيده أن احملها: فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيه هذه الآية، و صيّر نعمة أولاده (2)بنعمته، فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة (3)مثله، فيتصدّقون و هم راكعون، و السائل الّذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام من الملائكة، و الذين يسألون الأئمّة من أولاده يكونون من الملائكة (4).
ص:279
ص:280
في أنه عليه السلام لا تأخذه في اللّه لومة لائم
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الكاتب (1)قال: أخبرنا أبو محمد الحسن (2)بن علي بن عبد الكريم، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرني عبيد اللّه بن (3)هاشم قال: حدّثنا عمرو بن ثابت (4)، عن جبلة بن سحيم (5)، عن أبيه، قال: لمّا بويع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بلغه أنّ معاوية قد توقّف عن إظهار البيعة له، و قال: إن أقرّني على الشام و أعمالي الّتي ولاّنيها عثمان بايعته، فجاء المغيرة (6)إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: يا أمير المؤمنين إنّ معاوية من قد عرفت، و قد ولاّه
ص:281
الشام من كان قبلك، فولّه أنت كيما تتّسق عرى الأمور، ثم اعزله إن بدا لك.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه؟ قال: لا، قال: لا يسألني اللّه عزّ و جلّ عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا: وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ اَلْمُضِلِّينَ عَضُداً (1)لكن أبعث إليه و أدعوه إلى ما في يدي من الحقّ، فإن أجاب فرجل من المسلمين، له ما لهم و عليه ما عليهم، و إن أبى حاكمته إلى اللّه، فولّى المغيرة، و هو يقول: فحاكمه إذا، فحاكمه إذا، فأنشأ يقول:
نصحت عليا في ابن حرب نصيحة فردّ فما منّي له الدهر ثانية
و لم يقبل النصح الّذي جئته به و كانت له تلك النصيحة كافية
و قالوا له: ما أخلص النصح كلّه فقلت له: إنّ النصيحة عالية (2)
فقام قيس بن (3)سعد رحمه اللّه، فقال يا أمير المؤمنين: إنّ المغيرة أشار عليك بأمر لم يرد اللّه به، فقدّم فيه رجلا و أخّر فيه أخرى، و إن كان لك الغلبة تقرّب إليك بالنصيحة، و إن كانت لمعاوية تقرّب إليه بالمشورة، ثمّ أنشأ يقول:
يكاد و من أرسى ثبيرا مكانه مغيرة أن يقوى عليك معاوية
و كنت بحمد اللّه فيها موفقا و تلك التي راأكها (4)غير كافية
فسبحان من أعلى السماء مكانها و الأرض دحاها فاستقرّت كماهيه (5)
ص:282
2-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: حدّثنا أبو الحسن (1)عليّ بن بلال المهلّبي، قال أخبرنا عليّ بن عبد اللّه بن أسد الإصفهاني (2)، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن (3)عثمان، قال: حدّثني عليّ بن أبي سيف (4)عن عليّ بن حباب (5)، عن ربيعة (6)، و عمارة، أنّ طائفة من أصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام مشوا إليه عند تفرّق الناس عنه، و فرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين اعط هذه الأموال، و فضّل هذه الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم، و من تخاف عليه من الناس و فراره إلى معاوية.
فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمرونيّ (7)أن أطلب النصر بالجور، لا و اللّه لا أفعل (8)ما طلعت شمس، و ما لاح في السماء نجم، و اللّه لو كان ما لهم لي لواسيت بينهم، و كيف و إنّما هو (9)أموالهم، قال: ثم أزم (10)
ص:283
أمير المؤمنين عليه السلام طويلا ساكتا ثم قال: من كان له مال فإيّاه و الفساد، فإنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو و إن كان ذكرا لصاحبه في الدّنيا، فهو يضيّعه عند اللّه عزّ و جلّ، و لم يضع رجل ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلاّ حرمه اللّه شكرهم، و كان لغيره ودّهم، فإن بقي معه من يودّه و يظهر له الشكر فإنّما هو ملق و كذب يريد التقرّب به إليه لينال منه مثل الّذي كان يأتي إليه من قبل، فإن زلّت بصاحبه النعل (1)فاحتاج إلى معونته أو مكافاته فشرّ خليل و ألأم خدين (2).
و من صنع المعروف فيما آتاه اللّه فليصل به القرابة، و ليحسن فيه الضّيافة، و ليفكّ به العاني، و ليعن به الغارم، و ابن السبيل و الفقراء و المجاهدين في سبيل اللّه، و ليصبر نفسه على النوائب و الحقوق فإنّ الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا و درك فضائل الآخرة (3).
3-ابن بابويه في «أماليه» حدّثنا أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:
كان عليه السلام كلّ بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا، و معه الدرّة على عاتقه، و كان لها طرفان، و كانت تسمّى السبيبة (4)فيقف سوقا (5)و سوقا فينادي يا معشر التجّار قدّموا الإستخارة (6)، و تبرّكوا بالسهولة،
ص:284
و اقتربوا (1)من المبتاعين و تزيّنوا بالحلم و تناهوا عن الكذب (2)و اليمين و تجافوا عن الظلم، و أنصفوا المظلومين، و لا تقربوا الرّبا، وَ أَوْفُوا اَلْكَيْلَ وَ اَلْمِيزانَ ، وَ لا تَبْخَسُوا اَلنّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي اَلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (3)يطوف في جميع أسواق الكوفة فيقول: هذا، ثم يقول:
تفنى اللّذاذة ممّن نال صفوتها من الحرام و يبقى الإثم و العار
تبقى عواقب سوء في مغبّتها لا خير في لذة من بعدها النار (4)
4-السيّد الرضي في الخصائص قال: ذكر أنّ بعض عمّال أمير المؤمنين أنفذ إليه في عرض ما أنفذ من جباية مال الفيء أقطفا غلاظا، و كان عليه السلام يفرّق كلّ شيء يحمل إليه من مال الفيء لوقته و لا يؤخّره، و كانت هذه القطف قد جاءته مساء، فأمر بعدّها و وضعها في الرحبة ليفرّقها من الغد.
فلمّا أصبح عدّها فنقصت واحدة، فسأل عنها، فقيل له: إنّ الحسن بن عليّ عليهم السلام استعارها في ليلته، على أن يردّها اليوم، فهرول عليه السلام مغضبا إلى منزل الحسن عليه السلام، و كان من عادته أن يستأذن على منزله إذ جاء، فهجم بغير إذن، فوجد القطيفة في منزله فأخذها بطرفها يجرّها و هو يقول: النار يا أبا محمد، النار يا أبا محمّد حتى خرج (5).
5-قال السيّد الرضي أيضا: ذكروا أنّ بعض العمّال أيضا حمل إليه في جملة الجباية حبّات من اللؤلؤ فسلّمها إلى بلال، و هو خازنه على بيت المال، إلى أن ينضاف إليها غيرها فيفرّقها، فدخل يوما إلى منزله فوجد في أذن إحدى بناته الأصاغر حبة من تلك الحبّات، فلمّا رآها اتّهمها بالسرقة، فقبض على يدها،
ص:285
فقال و اللّه لئن وجب عليك حدّ لأقيمنّه فيك، فقالت: يا أمير المؤمنين إنّ بلالا أعارنيها ليفرحني بها إلى أن تقرن مع أخواتها، فجذبها إلى بلال جذبا عنيفا، و هو مغضب، فسأله عن صدق قولها، فقال: هو كما ذكرت يا أمير المؤمنين، فقال: و اللّه لا ولّيت لي عملا أبدا، و خلّى يد الجارية (1).
6-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن عليّ بن إبراهيم، عن الحجّال، عن صالح بن السندي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن غالب (2)، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، عن عليّ بن أبي رافع (3)، قال كنت على بيت مال عليّ بن أبي طالب عليه السلام و كاتبه، و كان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة، قال: فأرسلت إليّ بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقالت لي: بلغني أنّ في بيت مال أمير المؤمنين عليه السلام عقد لؤلؤ، و هو في يدك، و أنا أحبّ أن تعيرنيه أتجمّل به في أيّام عيد الأضحى، فأرسلت إليها عارية مضمونة مردودة يا بنت أمير المؤمنين؟ فقالت: نعم عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام، فدفعته إليها، و أنّ أمير المؤمنين عليه السلام رآه عليها فعرفه، فقال لها: من أين صار هذا العقد إليك؟ فقالت: استعرته من عليّ بن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين عليه السلام لأتزيّن به في العيد ثم أردّه.
قال: فبعث إليّ أمير المؤمنين عليه السلام فجئته، فقال لي: أتخون المسلمين يا ابن أبي رافع؟ فقلت له: معاذ اللّه أن أخون المسلمين، فقال:
كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الّذي في بيت مال المسلمين بغير إذني و رضاهم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنّها ابنتك، و إنّها سألتني أن أعيرها إيّاها تتزيّن به فأعرتها إيّاه عارية مضمونة مردودة، فضمنته في مالي و عليّ أن أرده سليما إلى موضعه، قال: فردّه من يومك و إيّاك أن تعود لمثل هذا فتنا لك عقوبتي.
ص:286
ثم أولى لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة لكانت إذا أوّل هاشمية قطعت يدها في سرقة، قال: فبلغ مقالته ابنته، فقالت له: يا أمير المؤمنين أنا ابنتك و بضعة منك، فمن أحقّ بلبسه منّي؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا بنت عليّ بن أبي طالب لا تذهبنّ بنفسك عن الحق، أكل نساء المهاجرين تتزيّن في هذا العيد بمثل هذا؟ قال: فقبضته منها ورددته إلى موضعه (1).
7-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن محمّد العاصمي (2)، عن محمّد بن أحمد النهدي (3)عن محمّد بن عليّ، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرّة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: أتت الموالي أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: نشكوا إليك هؤلاء العرب، إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يعطينا معهم العطايا بالسويّة، و زوّج سلمان، و بلالا، و صهيبا، و أبوا علينا هؤلاء، و قالوا: لا نفعل، فذهب إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فكلّمهم فيهم، فصاح الأعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن، أبينا ذلك، فخرج و هو مغضب يجرّ رداءه، و هو يقول: يا معشر الموالي إنّ هؤلاء قد صيّروكم بمنزلة اليهود و النصارى، يتزوّجون إليكم و لا يزوّجونكم، و لا يعطونكم مثل ما يأخذون، فاتّجروا بارك اللّه، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: الرزق عشرة أجزاء: تسعة أجزاء في التجارة، و واحدة في غيرها (4).
8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن (5)فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام
ص:287
يقول: أقيم عبيد اللّه بن عمر، و قد شرب الخمر فأمر به عمر أن يضرب فلم يتقدّم إليه أحد يضربه حتى قام عليّ عليه السلام بنسعة (1)مثنية فضربه أربعين (2).
ص:288
في تظلّمه عليه السلام ممن تقدّم عليه في الخطبة الشقشقية
1-الشيخ في «أماليه» قال أخبرنا أبو الفتح (1)هلال بن محمّد بن جعفر الحفّار، قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن (2)عليّ بن عليّ الدعبلي، قال:
حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أخي دعبل (3)، قال: حدّثنا محمّد بن سلامة الشامي، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، عن ابن عباس، و عن محمد (4)عن أبيه عن جدّه، قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
فقال: و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحا، ينحدر عنّي السيل، و لا يرقى إليّ الطير، و لكنّي سدلت دونها ثوبا، و طويت عنها كشحا و قد طفقت عنها برهة بين أن أصول بيد جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يضيع فيها الصغير، و يدبّ فيها الكبير (5)
ص:289
فرأيت الصبر على هاتى أحجى لي، و في العين قذى، و في الحلق شجا، بين أن أرى تراث محمّد صلى اللّه عليه و آله نهبا، إلى أن حضرته الوفاة، فأدلى بها إلى عمر، فيا عجبا، بينما هو يستقيلها في حياته، إذ عهد بها و عقدها لآخر بعد وفاته، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها، ثم تمثّل:
شتّان ما يومي على كورها و يوم حيّان أخي جابر
فعقدها و اللّه في ناحية خشناء، يخشن مسّها و يغلظ كلمها، و يكثر العثار و الاعتذار فيها، فصاحبها منها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، و إن أسلس لها عسفت به.
فمني الناس لعمر اللّه بخبط و شماس، و تلوّن و اعتراض إلى أن مضى لسبيله، فجعلها شورى بين ستّة زعم أنّي أحدهم، فيا للشورى و للّه، متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّلين فأنا الآن أقرن إلى هذه النظائر، و لكن أسففت مع القوم حيث أسفّوا، و طرت مع القوم حيث طاروا، و أصبر لطول المحنة و انقضاء المدّة، فمال رجل لضغنه، و أصغى آخر إلى صهره، مع هن وهن، إلى أن قام الثالث، نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه منها، و أسرع معه بنو أبيه في مال اللّه، يخضمونه خضم الإبل نبتة الربيع، حتى انتكثت به بطانته، و أجهز عليه عمله.
فما راعني من الناس إلاّ و هم رسل كعرف الضبع، يسألوني أبايعهم و أبى ذلك و انثالوا عليّ حتّى لقد وطيء الحسنان، و شقّ عطفا رداي، فلمّا نهضت بها و بالأمر فيها، نكثت طائفة، و مرقت طائفة، و قسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا اللّه يقول: تِلْكَ اَلدّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (1)بلى و اللّه لقد سمعوها، و لكن راقهم دنياهم، و أعجبهم زبرجها.
أما و الّذي خلق الحبّة، و برأ النسمة، لو لا حضور الحاضر، و لزوم
ص:290
صحة الحجّة بوجود الناصر، و ما أخذ اللّه من أوليائه أن لا يقارّوا على كظّة ظالم، و لا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها، و لألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة عنز.
فناوله رجل من أهل السواد كتابا فانقطع كلامه فما أسفت على شيء كأسفي على ما فات من كلامه، فلمّا فرغ من قرائته، قلت له: يا أمير المؤمنين عليه السلام لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت إليه منها؟ فقال: هيهات يا بن عبّاس كانت شقشقة هدرت ثم قرّت (1).
2-و رواه ابن بابويه في «العلل» قال: حدّثنا محمّد (2)بن علي ماجيلويه، عن محمّد بن أبي القاسم (3)، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال (أما) و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة أخو تيم، و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحا، ينحدر عنّي السيل، و لا يرقى إليّ الطير، فسدلت دونها ثوبا، و طويت عنها كشحا، و طفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يشيب فيها الصغير، و يهرم الكبير، فيكدح مؤمن حتى يلقى ربّه، فرأيت أنّ الصبر على هاتى أحجى، فصبرت و في العين قذى، و في الحلق شجى، أرى تراثي نهبا.
حتّى إذا مضى لسبيله، فأدلى بها إلى فلان بعده، عقدها لأخي عديّ بعده، فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته! فصيّرها و اللّه في حوزة خشناء يخشن مسّها، و يغلظ كلمها، و يكثر العثار و الإعتذار
ص:291
منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن عنف بها حرن، و إن أسلس غسق، فمني الناس لعمر اللّه بخبط و شماس، و تلوّن و اعتراض، و هو مع هن و هن، فصبرت على طول المدّة و شدة المحنة.
حتى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنّي منهم، فياللّه و للشورى متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر فمال رجل لضغنه، و أصغى آخر لصهره.
و قام ثالث القوم نافجا حضنيه، بين نثيله و معتلفه، و قاموا معه بنو أميّة يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبت الربيع، حتى أجهز عليه عمله، و كبّت به مطيته، فما راعني إلاّ و الناس إليّ كعرف الضبع، قد انثالوا عليّ من كلّ جانب، حتى لقد وطيء الحسنان، و شقّ عطفاي، حتى إذا نهضت بالأمر، نكثت طائفة، و فسقت أخرى، و مرق آخرون، كأنّهم لا يسمعون اللّه تبارك و تعالى يقول: تِلْكَ اَلدّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (1)بلى و اللّه لقد سمعوها و وعوها، لكن احلولت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها.
أما و الّذي فلق الحبة، و برىء النسمة، لو لا حضور الحاضر، و قيام الحجّة بوجود الناصر، و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يصبروا على كظّة ظالم، و لا لسغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها، و لألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عفطة عنز.
قال: و ناوله رجل من أهل السواد كتابا، فقطع كلامه و تناول الكتاب، فقلت: يا أمير المؤمنين: لو اطّردت مقالتك إلى حيث بلغت؟ فقال: هيهات يا بن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرّت (2).
قال ابن بابويه عقيب الحديث: سألت الحسن بن عبد اللّه (3)بن سعيد
ص:292
العسكري عن تفسير هذا الخبر ففسّره لي قال: تفسير الخبر.
قوله عليه السلام: «لقد تقمّصها» أي لبسها مثل القميص، يقال:
تقمّص الرجل، و تدرّع، و تردّى، و تمندل.
قوله عليه السلام: «محلّ القطب من الرحى» أي تدور عليّ كما تدور الرّحى على قطبها.
قوله عليه السلام: «ينحدر عنّي السيل و لا يرقى إليّ الطير» ، يريد أنّها ممتنعة على غيري، لا يتمكّن منها، و لا يصلح لها.
قوله عليه السلام: «فسدلت دونها ثوبا» أي أعرضت عنها، و لم أكشف وجوبها لي، و الكشح، و الجنب، و الخاصرة بمعنى.
قوله عليه السلام: «طويت عنها كشحا» أي أعرضت عنها، و الكاشح: الذي يولّيك كشحه، أي جنبه.
قوله: «و طفقت أرتأي» أفكّر و أستعمل الرأي، و أنظر في أن أصولها بيد جذّاء، و هي المقطوعة، و أراد قلّة الناصر.
قوله: «أو أصبر على طخية» ، فللطخية موضعان، فأحدهما الظلمة، و الآخر الغمّ و الحزن يقال: أخذ على قلبي طخياء، أي حزنا و غمّا، و هو ههنا يجمع الظلمة، و الغم، و الحزن.
قوله عليه السلام: «يكدح مؤمن» أي يدأب و يكسب لنفسه، و لا يعطي حقه.
قوله عليه السلام: «أحجى» أي أولى من هذا، و أخلق، و أحرى، و أوجب، كلّه قريب المعنى.
قوله عليه السلام: «في حوزة» أي في ناحية، يقال: حزت الشيء
ص:293
أحوزه حوزا، إذا جمعته، و الحوزة ناحية الدار، و غيرها.
قوله عليه السلام: «كراكب الصعبة» يعني: الناقة التي لم ترض إن عنف بها، و العنف ضد الرّفق.
قوله عليه السلام: «حرن» ، أي وقف، و لم يمش و إنّما يستعمل الحران في الدّواب فأمّا في الإبل، فيقال: خلت الناقة و بها خلا، و هو مثل حران الدواب، إلاّ أنّ العرب إنّما تستعيره في الإبل.
قوله: «أسلس بها غسق» أي أدخله في الظلمة.
قوله: «مع هن و هن» يعني الأدنياء من الناس تقول العرب: فلان هني، و هو تصغير هن أي دون الناس، و يريدون تصغير أموره.
قوله: «فمال رجل بضغنه» و يروى بضيعه، و هما قريب، و هو أن يميل بهواه و نفسه إلى رجل بعينه.
قوله: «و أصغى آخر لصهره» فالصغو: الميل، يقال صغوك مع فلان، أي ميلك معه.
قوله: «نافجا حضنيه» فيقال في الطعام و الشراب و ما أشبههما: قد انتفج بطنه بالجيم، و يقال في داء يعتري الناس: قد انتفخ بطنه بالخاء، و الحضنان: جانبا الصدر.
قوله: «بين نثيله و معتلفه» فالنثيل: قضيب الجمل، و إنّما استعاره للرجل هيهنا، و المعتلف: الموضع الذي يعتلف فيه، أي يأكل، و معنى الكلام: أي بين مطعمه و منكحه.
قوله: «يخضمون» أي يكسرون و ينقضون، و منه قوله: هضمني الطعام، أي نقض.
قوله: «أجهز» أي أتى عليه و قتله، يقال: أجهزت على الجريح، إذا كانت به جراحة فقتله.
قوله عليه السلام: «كعرف الضبع» شبّههم به لكثرته، و العرف:
ص:294
الشعر الذي يكون على عنق الفرس، فاستعاره للضبع.
قوله عليه السلام: «و قد انثالوا» أي انصبّوا عليّ، و كثروا، و يقال:
انثلت ما في كنانتي من السهام، إذا أصببته.
قوله عليه السلام: «وراقهم زبرجها» أي أعجبهم حسنها، و أصل الزبرج: النقش، و هو ههنا زهرة الدنيا و حسنها.
و قوله عليه السلام: «أن لا يقرّوا على كظّة ظالم» و الكظّة: الامتلاء، يعني أنّهم لا يصبرون على امتلاء الظالم من المال الحرام، و لا يقارّوه على ظلمه.
قوله: «و لا سغب مظلوم» فالسغب: الجوع، و معناه منعه من حقّ الواجب.
قوله: «لألقيت حبلها على غاربها» هذا مثل، تقول العرب: ألقيت حبل البعير على غاربه ليرعى كيف شاء.
و معنى قوله: «لسقيت آخرها بكأس أولها» أي لتركتهم في ضلالتهم و عماهم.
قوله عليه السلام: «أزهد عندي» فالزهيد: القليل.
قوله عليه السلام: «من جيفة عنز» فالجيفة تخرج من دبر العنز من الريح، و العفطة: ما تخرج من أنفها.
قوله عليه السلام: «تلك شقشقة هدرت ثم قرّت» فالشقشقة ما يخرجه البعير من جانب فيه، إذا هاج و سكر.
ثم قال ابن بابويه: فحدثنا بهذا الحديث محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه اللّه، قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن عمّار بن خالد، قال: حدّثنا يحيى (1)بن عبد الحميد الحماني، قال: حدّثنا عيسى بن راشد، عن عليّ بن حذيفة، عن عكرمة، عن ابن عبّاس مثله سواء.
ص:295
و الخطبة الشقشقية ذكرها السيّد الرضي قدّس اللّه سرّه في كتاب «نهج البلاغة» و الخبر بها مستفيض (1).
ص:296
في تظلمه عليه السلام و هو من الباب الأول
1-الشيخ في «أماليه» قال: حدّثنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال أبو الحسن عليّ بن محمّد الكاتب: قال: حدّثنا الحسن بن عليّ الزعفراني، قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفيّ قال: حدّثنا المسعوديّ (1):
قال: حدّثنا محمّد بن كثير، عن يحيى بن حمّاد القطّان، قال: حدّثنا أبو محمّد الحضرميّ، عن أبي (2)عليّ الهمداني، أنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إنّي سائلك لآخذ عنك، و قد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله، ألا تحدّثنا من أمرك هذا؟ أكان بعهد من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أو لشيء رأيته؟ فإنّا قد أكثرنا فيك الأقاويل، و أوثقه عندنا ما قبلناه عنك و سمعناه من فيك، إنّا كنّا نقول: لو رجعت (3)إليكم بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لم ينازعكم فيها أحد، و اللّه ما أدري إذا سئلت ما أقول؟ أزعم أنّ القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك، فإن قلت:
ذلك، فعلى-م-نصبك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعد حجّة
ص:297
الوداع؟ فقال: «أيها الناس من كنت مولاه فعليّ مولاه» (1)و إن كنت أولى منهم بما كانوا فيه فعلى م نتولاّهم؟
فقال عليه السلام: يا عبد الرّحمن إنّ اللّه تعالى قبض نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنا يوم قبضه صلى اللّه عليه و آله أولى بالناس منّي بقميصي هذا، و قد كان من نبيّ اللّه إليّ عهد لو خرمتموني (2)بأنفي لأقررت سمعا للّه و طاعة، و إنّ أوّل ما انتقصنا بعده إبطال حقّنا في الخمس، فلما رقّ أمرنا طمعت رعيان (3)قريش فينا، و قد كان لي على النّاس حقّ لو ردّوه إليّ عفوا (4)قبلته و قمت به، و كان إلى أجل معلوم، و كنت كرجل له على النّاس حقّ إلى أجل، فإن عجّلوا له ماله أخذه و حمدهم عليه، و إن أخّروه أخذه غير محمودين، و كنت كرجل يأخذ السّهولة و هو عند النّاس محزون (5)، و إنّما يعرف الهدى بقلّة من يأخذه من الناس، فإذا سكتّ فاعفوني، فإنّه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلى الجواب أجبتكم، فكفّوا عنّي ما كففت عنكم.
فقال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين فأنت لعمرك كما قال الأول:
ص:298
لعمري لقد أيقظت من كان نائما و أسمعت من كانت له أذنان (1)
2-عنه قال: أخبرنا محمّد بن محمّد قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن محمّد الكاتب، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ بن عبد الكريم، قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرني أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدّثنا أبو عاصم (2)عن قيس (3)بن مسلم، قال: سمعت طارق بن شهاب (4)يقول: لمّا نزل عليّ عليه السلام بالربذة، سألت عن قدومه إليها، فقيل: خالف عليه طلحة، و الزّبير، و عائشة، و صاروا إلى البصرة، فخرج يريدهم، فصرت إليه فجلست حتّى صلّى الظّهر و العصر، فلمّا فرغ من صلاته، قام إليه ابنه الحسن بن عليّ عليهما السلام، فجلس بين يديه، ثم بكى و قال: يا أمير المؤمنين إنّي لا أستطيع أن أكلّمك و بكى، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبك يا بنيّ و تكلّم، و لا تحنّ حنين الجارية، فقال يا أمير المؤمنين إنّ القوم حصروا عثمان يطلبونه بما يطلبونه، إمّا ظالمون أو مظلومون، فسألتك أن تعتزل النّاس و تلحق بمكة حتى تؤب العرب و تعود إليها أحلامها و يأتيك وفودها: فو اللّه لو كنت في جحر ضبّ لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى تستخرجك منه، ثم خالفك طلحة و الزبير، فسألتك ألاّ تتبعهما و تدعهما، فإن اجتمعت الأمّة فذاك، و إن اختلفت رضيت بما قسم اللّه (5)، و أنا اليوم أسألك أن لا تقدم العراق، و أذكّرك باللّه أن لا تقتل بمضيعة.
ص:299
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أمّا قولك: إنّ عثمان حصر فما ذاك و ما عليّ منه، و قد كنت بمعزل عن حصره، و أمّا قولك: إيت مكة، فو اللّه ما كنت لأكون الرجل الّذي يستحلّ به مكة، و أمّا قولك: اعتزل العراق ودع طلحة و الزّبير، فو اللّه ما كنت لأكون كالضبع ينتظر حتّى يدخل عليها طالبها، فيضع الحبل في رجلها حتى يقطع عرقوبها (1)، ثمّ يخرجها فيمزّقها إربا إربا، و لكنّ أباك يا بنيّ يضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه، و بالسامع المطيع العاصي المخالف أبدا، حتى يأتي عليّ يومي، فو اللّه ما زال أبوك مدفوعا عن حقّه مستأثرا عليه، منذ قبض اللّه نبيّه حتّى يوم النّاس هذا.
فكان طارق بن شهاب أيّ وقت حدّث بهذا الحديث بكى (2).
3-المفيد في أماليه قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب قال:
أخبرني الحسن بن عليّ الزعفراني، قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفيّ، قال: حدّثني المسعودي، قال: حدّثنا الحسن بن حمّاد (3)، عن أبيه، قال: حدّثني رزين (4)بيّاع الأنماط، قال: سمعت زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام، يقول: حدّثني أبي، عن أبيه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يخطب النّاس، قال في خطبته: و اللّه لقد بايع الناس أبا بكر، و أنا أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا، فكظمت غيظي، و انتظرت أمر
ص:300
ربّي، و ألصقت كلكلي (1)بالأرض.
ثم إنّ أبا بكر هلك و استخلف عمر، و قد علم اللّه أنّي أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا، فكظمت غيظي، و انتظرت أمر ربّي.
ثم إنّ عمر هلك و قد جعلها شورى، فجعلني سادس ستة، كسهم الجدّة، و قال: اقتلوا الأقلّ، و ما أراد غيري، فكظمت غيظي، و انتظرت أمر ربي، و ألصقت كلكلي بالأرض، ثم كان من أمر القوم من بعد بيعتهم لي ما كان، ثم لم أجد إلاّ قتالهم أو الكفر باللّه عزّ و جلّ (2)(3).
4-و عنه، قال: أخبرني أبو القاسم جعفر (4)بن محمّد بن قولويه رحمه اللّه، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن (5)علوية، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرنا محمّد بن (6)عمرو الرازي، قال:
حدّثنا الحسين (7)بن مبارك، قال: حدّثنا الحسن بن (8)سلمة، قال: لمّا بلغ
ص:301
أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه مسير طلحة، و الزبير، و عائشة من مكّة إلى البصرة، نادى: الصلاة جامعة، فلمّا اجتمع الناس حمد اللّه و أثنى عليه.
ثم قال: أمّا بعد فإنّ اللّه تبارك و تعالى لمّا قبض نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قلنا: نحن أهل بيته و عصبته، و ورثته، و أوليائه، و أحقّ خلائق اللّه به، لا تنازع حقّه و سلطانه، فبينما نحن على ذلك، إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم منّا، و ولّوه غيرنا، فبكت لذلك و اللّه العيون و القلوب منّا جميعا، و خشّنت و اللّه الصدور، و أيم اللّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلى الكفر، و يعوّر الدين لكنّا قد غيّرنا ذلك ما استطعناه، و قد ولّى ذلك ولاة و مضوا لسبيلهم، و ردّ اللّه الأمر إلينا و قد بايعاني (1)، و قد نهضا إلى البصرة ليفرّقا جماعتكم، و يلقيا بأسكم بينكم، اللّهم فخذهما بغشّهما بهذه الأمّة، و سوء نظرهما للعامّة.
فقام أبو الهيثم بن التيهان رحمه اللّه، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ حسد قريش إيّاك على وجهين: أمّا خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل، و ارتفاعا في الدرجة، و أمّا شرارهم فحسدوك حسدا أحبط اللّه به أعمالهم، و أثقل به أوزارهم، و ما رضوا أن يساووك حتى أرادوا أن يتقدّموك، فبعدت عليهم الغاية، و أسقطهم المضمار، و كنت أحقّ قريش بقريش، نصرت نبيّهم حيّا، و قضيت عنه الحقوق ميّتا، و اللّه ما بغيهم إلاّ على أنفسهم، و نحن ناصروك و أعوانك، فمرنا بأمرك، ثم أنشأ يقول:
إنّ قوما بغوا عليك و كادوك و عابوك بالأمور القباح
ليس من عيبها جناح بعوض فيك حقا و لا كعشر جناح
أبصروا نعمة عليك من اللّه و قرما (2)يدقّ قرن النطاح
و إماما تأوي الأمور إليه و لجاما يلين غرب (3)الجماح
ص:302
حاكما تجمع الإمامة فيه هاشميّا له عراض (1)البطاح
حسدا للذي أتاك من اللّه و عادوا إلى قلوب قراح (2)
و قلوب (3)هناك أوعية البغض على الخير للشقاء شحاح
من مسرّ يكنّه حجب الغيب و من مظهر العداوة لاح
يا وصيّ النبيّ نحن من الحق على مثل بهجة الإصباح
فخّذ (4)الأوس و القبيل من الخز رج بالطعن في الوغا و الكفاح
ليس منّا من لم يكن لك في اللّه وليّا على الهدى و الفلاح
فجزاه أمير المؤمنين عليه السلام خيرا، ثم قام الناس بعده فتكلّم كلّ واحد بمثل مقاله (5).
ص:303
ص:304
في احتجاجه على أبي بكر في إمامته و أنّه عليه السلام صاحب الأمر و الإمام
دونه، و إقرار أبي بكر له عليه السلام باستحقاق الإمامة دونه
1-محمد بن علي بن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان (1)قال:
حدّثنا عبد الرّحمن بن محمد الحسيني، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن حفص الخثعمي، قال: حدّثنا الحسن بن عبد الواحد (2)، قال: حدّثني أحمد بن التغلبي (3)قال: حدّثني محمّد (4)بن عبد الحميد، قال: حدّثني حفص بن منصور العطّار، قال: حدّثني أبو سعيد الورّاق، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، قال: لمّا كان من أمر أبي بكر، و بيعة الناس له، و فعلهم بعليّ بن أبي طالب عليه السلام ما كان، لم يزل أبو بكر يظهر له الإنبساط، و يرى منه عليه السلام انقباضا، فكبر ذلك على أبي بكر فأحبّ لقائه و استخراج ما عنده، و المعذرة إليه ممّا اجتمع النّاس عليه، و تقليدهم إيّاه أمر الأمّة، و قلّة رغبته في ذلك، و زهده فيه.
ص:305
أتاه في وقت غفلة، و طلب منه الخلوة.
و قال له: و اللّه يا أبا الحسن ما كان هذا الأمر مواطاة مني، و لا رغبة فيما وقعت فيه، و لا حرصا عليه، و لا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمّة، و لا قوة لي بمال. و لا كثرة العشيرة، و لا ابتزاز له دون غيري (1)فما لك تضمر عليّ ما لا أستحقه منك، و تظهر لي الكراهة فيما صرت إليه، و تنظر إليّ بعين السأمة (2)منّي؟
فقال له عليّ عليه السلام: فما حملك عليه إذا لم ترغب فيه، و لا حرصت عليه، و لا وثقت بنفسك في القيام به و ما يحتاج منك فيه؟ !
فقال أبو بكر: حديث سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«إنّ اللّه لا يجمع أمّتي على ضلال» ، و لمّا رأيت اجتماعهم (3)اتّبعت حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أحلت أن يكون اجتماعهم (4)على خلاف الهدى، و أعطيتهم قود الإجابة، و لو علمت أنّ أحدا يتخلّف لا متنعت.
قال: فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أمّا ما ذكرت من حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّ اللّه لا يجمع أمّتي على ضلال» أفكنت من الأمّة أو لم أكن؟ قال: بلى قال: و كذلك العصابة الممتنعة عليك: من سلمان، و عمّار، و أبي ذرّ، و المقداد، و ابن عبادة، و من معه من الأنصار؟ قال: كلّ من الأمّة.
فقال علي عليه السلام: و كيف تحتجّ بحديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمثال هؤلاء قد تخلّفوا عنك؟ و ليس للأمّة فيهم طعن، و لا في صحبة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نصيحته منهم تقصير، قال:
ما علمت بتخلّفهم إلاّ من بعد إبرام الأمر، و خفت إن دفعت (5)عنّي الأمر أن
ص:306
يتفاقم (1)إلى أن يرجع الناس مرتدّين عن الدين، و كان ممارستكم (2)إليّ إن أجبتم أهون مؤنة على الدين و أبقى له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفارا، و علمت أنّك لست بدوني في الإبقاء عليهم و على أديانهم.
قال عليّ عليه السلام: أجل، ولكن أخبرني عن الّذي يستحقّ هذا الأمر بما يستحقّ (3)؟ فقال أبو بكر: بالنصيحة و الوفاء، و رفع المداهنة، و المحاباة، و حسن السيرة، و إظهار العدل، و العلم بالكتاب و السنة، و فصل الخطاب، مع الزّهد في الدنيا، و قلّة الرغبة فيها، و إنصاف المظلوم من الظالم، القريب و البعيد، ثم سكت.
فقال عليّ عليه السلام: و السابقة و القرابة.
فقال أبو بكر: و السابقة و القرابة (4).
فقال عليّ عليه السلام: أنشدك باللّه يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أوفيّ؟ قال: بل فيك يا أبا الحسن.
قال: أنشدك باللّه أنا المجيب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قبل ذكران المسلمين أم أنت؟ قال: بل أنت.
قال: أنشدك باللّه أنا الأذان (5)لأهل الموسم و لجميع الأمّة بسورة براءة أم أنت؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أنا وقيت رسول اللّه بنفسي يوم الغار أم أنت؟ قال:
بل أنت.
ص:307
قال: أنشدك باللّه ألي الولاية من اللّه مع رسول اللّه في آية زكاة الخاتم (1)أم لك؟ قال: بل لك.
قال: أنشدك باللّه أنا المولى لك و لكلّ مسلم بحديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم الغدير أم أنت؟ قال: بل أنت.
قال: أنشدك باللّه ألي الوزارة من رسول اللّه و المثل من هارون من موسى أم لك؟ قال: بل لك.
قال: فأنشدك باللّه أبي برز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بأهل بيتي و ولدي في مباهلة المشركين من النصارى أم بك و بأهلك و ولدك؟ قال: بل بكم.
قال: فأنشدك باللّه ألي و لأهلي و ولدي آية التطهير من الرّجس أم لك و لأهل بيتك؟ قال: بل لك، و لأهل بيتك.
قال: فأنشدك باللّه أنا صاحب دعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أهلي و ولدي يوم الكساء «اللّهمّ هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار» أم أنت؟ قال: بل أنت و أهلك و ولدك.
قال: فأنشدك باللّه أنا صاحب الآية: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (2)أم أنت؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أنت الفتى الّذي نودي من السّماء: «لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ» أم أنا؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أنت الذي ردّت له الشّمس لوقت صلاته فصلاّها، ثمّ توارت أم أنا؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي حباك رسول اللّه برايته يوم خيبر ففتح اللّه له أم أنا؟ قال: بل أنت.
ص:308
قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي نفّست عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كربته، و عن المسلمين بقتل عمرو بن عبدود أم أنا؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي ائتمنك رسول اللّه على رسالته إلى الجنّ فأجابت أم أنا؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أنت الذي طهّرك رسول اللّه من السفاح من آدم إلى أبيه بقوله: «خرجت أنا و أنت من نكاح لا من سفاح من آدم إلى عبد المطّلب» أم أنا؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أنا الّذي اختارني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و زوّجني ابنته فاطمة عليها السلام و قال: «اللّه زوّجك إيّاها في السماء» أم أنت؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أنا والد الحسن و الحسين ريحانتيه الّذين يقول (1)فيهما:
«هذان سيّدا شباب أهل الجنّة و أبوهما خير منهما» أم أنت؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أخوك المزيّن بجناحين في الجنّة ليطير بهما مع الملائكة أم أخي؟ قال: بل أخوك.
قال: فأنشدك باللّه أنا ضمنت دين رسول اللّه و ناديت في المواسم بإنجاز موعده أم أنت؟ قال: بل أنت (2).
قال: فأنشدك باللّه أنا الذي دعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لطير عنده يريد أكله فقال: «اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك بعدي يأكل معي من هذا الطير» فلم يأته غيري أم أنت (3)؟ قال: بل أنت.
ص:309
قال: فأنشدك باللّه أنا الذي بشّرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بقتل الناكثين و القاسطين و المارقين على تأويل القرآن أم أنت؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أنا الّذي شهدت آخر كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و ولّيت غسله و دفنه، أم أنت؟ قال: بل أنت (1).
قال: فأنشدك باللّه أنا الّذي دلّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعلم القضاء (2)بقوله: «عليّ أقضاكم» أم أنت؟ قال: بل أنت (3).
قال: فأنشدك باللّه أنا الّذي أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أصحابه بالسلام عليه بالإمرة في حياته أم أنت؟ قال: بل أنت؟ (4).
قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي سبقت له القرابة من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أم أنا؟ قال: بل أنت (5).
قال: فأنشدك باللّه أنت الذي حباك اللّه عزّ و جلّ بالدّينار عند حاجته، و باعك جبرئيل عليه السلام و أضفت محمدا، و أطعمت ولده (6)أم أنا، قال:
فبكى أبو بكر، و قال: بل أنت.
قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي حملك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم على كتفه في طرح صنم الكعبة و كسره حتى لو شاء أن ينال أفق السماء لنا لها أم أنا؟ قال: بل أنت (7).
قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه
ص:310
و آله و سلّم: أنت صاحب لوائي في الدّنيا و الآخرة أم أنا؟ قال: بل أنت (1).
قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بفتح بابه في مسجده حين أمر بسدّ جميع أبواب أصحابه و أهل بيته، فأحلّ له فيه ما أحلّه اللّه له أم أنا؟ قال: بل أنت (2).
قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي قدّم بين يدي نجواه (3)لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله صدقة فناجاه أم أنا؟ فناجيته إذ عاتب اللّه قوما فقال:
أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ (4)قال: بل أنت (5).
قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة عليها السلام زوّجتك أوّل الناس إيمانا، و أرجحهم إسلاما في كلام له، أم أنا؟ قال: بل أنت (6).
قال: فلم يزل (7)عليه السلام يعدّ مناقبه الّتي جعل اللّه عزّ و جلّ له دونه، و دون غيره، و يقول له أبو بكر: بل أنت، قال: فبهذا و شبهه يستحقّ القيام بأمور أمّة محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال له عليّ عليه السلام: فما الّذي غرّك عن اللّه و عن رسوله و عن دينه، و أنت خلو مما يحتاج إليه أهل دينه.
فبكى أبو بكر و قال: صدقت يا أبا الحسن أنظرني يومي هذا، فأدبّر ما
ص:311
أنا فيه و ما سمعت منك، قال: فقال له عليّ عليه السلام: لك ذلك يا أبا بكر، فرجع من عنده و خلا (1)بنفسه يومه، و لم يأذن لأحد إلى الليل، و عمر يتردد في النّاس لما بلغه من خلوته بعليّ عليه السلام، فبات في ليلته فرأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في منامه، متمثّلا له في مجلسه، فقام إليه أبو بكر ليسلّم عليه، فولّى وجهه.
فقال أبو بكر يا رسول اللّه هل أمرت بأمر فلم أفعله؟ فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم أردّ عليك السلام و قد عاديت اللّه و رسوله (2)، ردّ الحقّ إلى أهله، قال: قلت: فمن أهله؟ قال: من عاتبك عليه و هو عليّ عليه السلام، قال:
فقد رددت عليه يا رسول اللّه بأمرك (3).
قال: فأصبح و بكّر إلى (4)عليّ و قال: أبسط يدك، فبايعه، و سلّم إليه الأمر، و قال له: اخرج إلى مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فأخبر النّاس بما رأيت في ليلتي، و ما جرى بيني و بينك فأخرج نفسي من هذا الأمر، و أسلّم عليك بالإمرة، قال: فقال له عليّ عليه السلام: نعم، فخرج من عنده متغيّرا لونه (5)فصادفه عمر، و هو في طلبه، فقال: مالك يا خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله؟ فأخبره بما كان منه، و ما راى، و ما جرى بينه و بين عليّ عليه السلام، فقال له عمر: أنشدك باللّه يا خليفة رسول اللّه أن تغترّ بسحر بني هاشم، و ليس هذا بأوّل سحر منهم، فما زال به حتى ردّه عن رأيه، و صرفه عن عزمه، و رغّبه فيما هو فيه، و أمره بالثبات عليه و القيام به.
قال: فأتى عليّ عليه السلام المسجد للميعاد، فلم ير فيه أحدا فأحسّ بالشرّ منهم، فقعد إلى قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فمرّ به عمر،
ص:312
فقال له: يا عليّ دون ما تروم (1)خرط القتاد (2)، فعلم بالأمر، و قام و رجع إلى بيته (3).
2-و روى من طريق المخالفين عامر الشعبي، عن عروة بن الزّبير بن العوّام، قال: لمّا قال المنافقون: إنّ أبا بكر تقدّم عليا عليه السلام و هو يقول:
أنا أولى بالمكان منه، قام أبو بكر خطيبا، فقال: صبرا على من ليس يؤل إلى دين، و لا يحتجب برعاية، و لا يرعوي (4)لولاية أظهر الإيمان ذلّة، و أسرّ النفاق علّة، هؤلاء عصبة الشيطان، و جمع الطغيان يزعمون أنّي أقول: أنّي أفضل من عليّ عليه السلام، و كيف أقول ذلك، و ما لي سابقته و لا قرابته و لا خصوصيته؟ عبد اللّه و أنا ملحده، و عبده قبل أن أعبده، و والى الرسول و أنا عدوّه، و سبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شاوه (5)و لم أقطع غباره، إنّ ابن أبي طالب فاز (6)من اللّه بمحبّة، و من الرسول بقرابة، و من الإيمان برتبة، لو جهد الأوّلون و الآخرون إلاّ النبيّين لم يبلغوا درجته، و لم يسلكوا منهجه، بذل للّه (7)مهجته، و لابن عمّه مودّته، كاشف الكرب، و دافع (8)الريب، و قاطع السبب، إلاّ سبب الرشاد، و قامع الشرك، و مظهر ما تحت سويداء حبة
ص:313
النفاق، محنة لهذا العالم، لحق قبل أن يلاحق و برز قبل أن يسابق، جمع العلم و الحلم و الفهم، فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا لا يدّخر منها مثقال ذرة إلاّ أنفقه في بابه، فمن ذا يأمل (1)أن ينال درجته؟ و قد جعله اللّه و رسوله للمؤمنين وليّا، و للنبيّ صلى اللّه عليه و آله وصيّا، و للخلافة راعيا، و بالإمامة قائما، أفيغتر (2)بمقام قمته إذ أقامني و أطعته إذ أمرني، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: الحقّ مع عليّ عليه السلام و عليّ مع الحقّ من أطاع عليّا رشد، و من عصى عليّا فسد، و من أحبّه سعد، و من أبغضه شقي.
و اللّه لو لم نحبّ ابن أبي طالب إلاّ لأجل أنّه لم يواقع للّه محرّما، و لا عبد من دونه صنما، و لحاجة الناس إليه بعد نبيّهم لكان في ذلك ما يجب، فكيف لأسباب أقلّها موجب، و أهونها مرغّب، له الرحم المماسة (3)بالرسول، و العلم بالدقيق و الجليل، و الرضا بالصبر الجميل، و المواساة في الكثير و القليل، و خلال لا يبلغ عدّها و لا يدرك مجدها، ودّ المتمنّون أن لو كانوا تراب أقدام ابن أبي طالب عليه السلام أليس هو صاحب لواء الحمد؟ و الساقي يوم الورود جامع كلّ كرم، و عالم كلّ علم، و الوسيلة إلى اللّه و إلى رسوله (4).
ص:314
في احتجاجه على أبي بكر و عمر حين دعي للبيعة و اعتراف عمر له
عليه السلام
1-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل (1)قال:
حدّثني أبو عليّ أحمد بن عليّ بن مهدي بن صدقة البرقي (2)أملأه عليّ إملاءا من كتابه قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا الرّضا أبو الحسن عليّ بن موسى عليه السلام قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر عليه السلام قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد عليه السلام قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ عليه السلام قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين عليه السلام قال: حدّثني الحسين بن عليّ عليهما السلام، قال: لمّا أتى أبو بكر و عمر إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام و خاطباه في أمر البيعة، و خرجا من عنده، خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد، فحمد
ص:315
اللّه و أثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت، إذ بعث فيهم رسولا منهم، و أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.
ثم قال: إنّ فلانا و فلانا أتياني و طالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا ابن عمّ النبيّ و أبو ابنيه (1)، و الصدّيق الأكبر، و أخو رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لا يقولها أحد غيري إلاّ كاذب، و أسلمت و صلّيت قبل كلّ أحد، و أنا وصيّه و زوج ابنته سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و أبو حسن و حسين سبطي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و نحن أهل بيت الرّحمة، بنا هداكم اللّه، و بنا استنقذكم اللّه من الضّلالة، و أنا صاحب يوم الدّوح (2)، و فيّ نزلت سورة (3)من القرآن، و أنا الوصيّ على الأموات من أهل بيته صلى اللّه عليه و آله، و أنا بقيّة (4)على الأحياء من أمّته، فاتّقوا اللّه يثبّت أقدامكم، و يتمّ نعمته عليكم، ثم رجع عليه السلام إلى بيته (5).
2-و من طريق المخالفين ابن أبي الحديد في شرح «نهج البلاغة» قال أبو بكر (6):
ص:316
قال: حدّثنا أبو زيد عمر بن شبة (1)، بإسناد رفعه إلى ابن عبّاس، قال: إنّي لأماشي عمر في سكّة من سكك المدينة (2)، فقال: يا بن عباس ما أظنّ صاحبك إلاّ مظلوما، فقلت (3): يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته:
فانتزع يده من يدي ثم مرّ يهمهم ساعة، ثم وقف، فلحقته، فوقف فقال:
يا بن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم استصغروه فقلت (4):
و اللّه ما استصغره اللّه عزّ و جلّ حين أمره بأخذ سورة براءة من أبي بكر (5).
3-و قال ابن أبي الحديد في شرح «نهج البلاغة» أيضا قال أبو بكر (6):
حدّثنا أبو زيد (7)، قال: حدّثنا محمّد بن حاتم (8)، قال: حدّثنا الخزامي (9)، قال: حدّثنا الحسين (10)بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال: مرّ عمر بعليّ عليه السلام: و عنده ابن عباس (11)، بفناء داره،
ص:317
فسلّم، فسألاه أين تريد؟ قال: مالي بينبع، قال عليّ عليه السلام: أفلا نصل جناحك و نقيم معك؟ قال: بلى، فقال لابن عبّاس: قم معه، قال:
فشبّك أصابعه في أصابعي و مضى حتى إذا خلّفنا البقيع، قال: يا بن عباس أما و اللّه إنّ صاحبكم هذا لأولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلا أنا خفنا على اثنين.
قال ابن عبّاس: فجاء بمنطق لم أجد بدّا معه من مسألته عنه قلت: ما هما؟ قال: خشيناه على حداثة السنّ و حبّه بني عبد المطلب (1).
4-ثم قال ابن أبي الحديد: قال أبو بكر: و حدّثنا أبو زيد، قال:
حدّثني هارون (2)بن عمر، بإسناد رفعه إلى ابن عبّاس (رض) ، قال: تفرّق الناس ليلة الجابية (3)عن عمر، فسار كلّ واحد مع إلفه (4)، ثمّ صادفت عمر تلك اللّيلة في مسيرنا، فحادثته، فشكا إليّ تخلّف عليّ عليه السلام عنه، فقلت: ألم يعتذر إليك؟ قال: بلى، قلت: فهو على ما اعتذر به، فقال:
يا ابن عبّاس إنّ أوّل من ريّثكم (5)عن هذا الأمر أبو بكر، إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة و النبوّة، قلت: لم ذاك يا أمير المؤمنين؟ ألم ننلهم خيرا؟ قال: بلى، و لكنّهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفا (6)جحفا (7).
5-ثم قال ابن أبي الحديد: قال أبو بكر: و أخبرنا أبو زيد، قال:
ص:318
حدّثنا عبد العزيز بن الخطّاب (1)، قال: حدّثنا عليّ بن هاشم (2)، مرفوعا إلى عاصم بن عمر بن قتادة (3)قال: لقي عليّ عليه السلام عمر، فقال له عليّ:
أنشدك اللّه هل استخلفك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال: لا، قال: كيف تصنع أنت و صاحبك؟ قال: أمّا صاحبي فقد مضى لسبيله، و أمّا أنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك، فقال جدع (4)اللّه أنف من ينقذك منها! و لكن جعلني اللّه تعالى علما، فإذا قمت فمن خالفني ضلّ (5).
قال مؤلف هذا الكتاب: انظر إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام في استدراكه: «و لكن جعلني اللّه علما» الخ بعد سؤاله لعمر: «استخلفك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال عمر: لا.
يعطي كلامه عليه السلام: أنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن اللّه جلّ جلاله، و أنّه عليه السلام هو العلم المنصوب من اللّه تعالى إماما بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و هذا واضح بيّن من الحديث، فالعامّة في هذه المسألة لا يعقلون شيئا و لا يهتدون.
ثم قال ابن أبي الحديد عقيب هذه الأحاديث شعرا (6).
و قال بعض شعراء الشيعة:
حملوها يوم السقيفة أوزارا تضيّق عن حملهنّ الجبال
ص:319
و أتوا بعدها يستقيلون و هيهات تلك عثرة لا تقال
6-ثم قال ابن أبي الحديد: فأمّا امتناع عليّ عليه السلام عن البيعة حتى أخرج على الوجه الّذي أخرج عليه، فقد ذكره المحدّثون، و رواة السير، منه ما قاله الجوهري (1)في هذا الباب، و هو من رجال الحديث، و من الثقات المأمونين (2).
قال مؤلف هذا الكتاب: لم أذكر هنا الأحاديث الّتي أشار إليها ابن أبي الحديد في إخراج علي عليه السلام للبيعة على الوجه الّذي أخرج عليه، إذ يطول بذلك الكتاب، و في ذلك العجب العجاب، و من أراد الوقوف عليها فليطلبها من «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد و هو من أعيان علماء المعتزلة.
7-ابن أبي الحديد أيضا في «الشرح» نقله من كتاب «تاريخ بغداد» لأحمد (3)بن أبي طاهر، بسنده عن ابن عبّاس، قال: دخلت على عمر في أوّل خلافته، و قد ألقي له صاع من تمر على خصفة (4)، فدعاني إلى الأكل، فأكلت تمرة واحدة، و أقبل يأكل حتى أتى عليه، ثم شرب من جرّة (5)كانت عنده،
ص:320
و استلقى على مرفقته (1)، و طفق يحمد اللّه، و يكرّر ذلك، ثم قال: من أين جئت يا عبد اللّه؟ قلت: من المسجد، قال: كيف خلّفت ابن عمّك؟ فظننته، يعني عبد اللّه بن جعفر، فقلت: خلّفته يلعب مع أترابه، قال: لم أعن ذاك، إنّما عنيت عظيمكم أهل البيت، قلت: خلّفته يمتح بالغرب (2)على نخيلات له (3)و هو يقرأ القرآن.
فقال: يا عبد اللّه عليك دماء البدن إن كتمتنيها أبقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم، قال: أيزعم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم نصّ عليه؟ قلت: نعم و أزيدك، سألت أبي عمّا يدّعيه، فقال:
صدق، قال عمر: لقد كان من رسول اللّه في أمره ذرو من قول لا يثبت حجّة، و لا يقطع عذرا، و قد كان يربع في أمره وقتا ما، و لقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا و حيطة على الإسلام، لا و ربّ هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا، و لو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّي علمت ما في نفسه فأمسك، و أبى اللّه إلاّ إمضاء ما حتم (4).
قلت: يشير إلى اليوم الذي قال: إيتوني بدواة و بيضاء كتف، الحديث.
فقال عمر: إنّ الرجل ليهجر.
8-صاحب «كتاب الأربعين في الأربعين» (5)و هو الحديث الثاني قال:
أخبرنا أبو الفتوح محمود بن محمّد بن عبد الجبّار المذكّر الهرمزدياري السروي ثمّ الجرجاني، قدم علينا الرّي قراءة عليه، أخبرنا القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني (6)من لفظه، أخبرنا أبو محمّد
ص:321
عبد الملك بن أحمد الفقاعي بالريّ، حدّثنا أبو محمّد عبد اللّه بن سعيد الإصطخري (1)الأنصاري، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن أدران الخيّاط بشيراز، حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري (2)وصي المأمون الخليفة، حدّثنا أمير المؤمنين المأمون، حدّثنا أمير المؤمنين الرّشيد، حدّثنا أمير المؤمنين المهدي، حدّثنا أمير المؤمنين المنصور، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب، و عنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، يقول: أمّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: فيه ثلاث خصال، لوددت أنّ لي واحدة منهنّ و كانت أحبّ إليّ من الدّنيا و ما فيها (3)، و كنت أنا، و أبو بكر، و أبو عبيدة، و جماعة من الصحابة، إذ ضرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بيده (4)على منكب عليّ عليه السلام فقال: يا عليّ أنت أوّل المؤمنين إيمانا، و أوّل المسلمين إسلاما و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى (5).
ص:322
في احتجاجه على أهل الشورى و فيهم عثمان و إقرارهم له عليه السلام
1-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال:
حدّثنا الحسن بن علي (1)بن زكريّا العاصمي، قال: حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه العداني (2)، قال: حدّثنا الربيع بن يسار، قال: حدّثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد (3)يرفعه إلى أبي ذر رضي اللّه عنه، أنّ عليا عليه السلام، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و عبد الرحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقاص أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا، و يغلقوا عليهم بابه، و يتشاورون في أمرهم، و أجّلهم ثلاثة أيّام، فإن توافق خمسة على قول واحد، و أبى رجل منهم، قتل ذلك الرجل، و إن توافق أربعة و أبى إثنان قتل الإثنان، فلمّا توافقوا جميعا على رأي واحد قال لهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام: إنّي أحب أن تسمعوا منّي ما أقول لكم، فإن يكن حقا فاقبلوه، و إن يكن باطلا فأنكروه، قالوا: قل.
قال: أنشدكم باللّه، أو قال: أسألكم باللّه الّذي يعلم سرائركم،
ص:323
و يعلم صدقكم إن صدقتم، و يعلم كذبكم إن كذبتم، هل فيكم أحد آمن قبلي باللّه و رسوله، و صلّى القبلتين قبلي؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: فهل فيكم من يقول اللّه عزّ و جلّ فيه: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (1)سواي؟ قالوا: اللّهم لا.
قال: فهل فيكم أحد نصر أبوه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و كفّله غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: فهل فيكم أحد زيّن أخوه بالجناحين في الجنّة غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: فهل فيكم أحد وحّد اللّه قبلي، و لم يشرك باللّه عزّ و جلّ شيئا؟ قالوا: اللّهمّ لا.
قال: فهل فيكم أحد عمّه حمزة سيد الشّهداء غيري؟ قالوا: اللّهم لا.
قال: فهل فيكم أحد زوجته سيدة نساء أهل الجنة غيري؟ قالوا: اللّهم لا.
قال: فهل فيكم أحد ابناه سيّدا شباب أهل الجنّة غيري؟ قالوا: اللّهم لا.
قال: فهل فيكم أحد أعلم بناسخ القرآن، و منسوخه، و السنّة مني؟ قالوا: اللّهمّ لا.
قال: فهل فيكم أحد سمّاه اللّه عزّ و جلّ في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.
قال: فهل فيكم أحد ناجى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عشر مرّات يقدّم بين يدي نجواه صدقة غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، ليبلغ الشاهد الغائب ذلك» غيري؟ قالوا: لا.
ص:324
قال: فهل فيكم رجل قال له رسول اللّه: لأعطينّ الراية رجلا يحبّ اللّه و رسوله، و يحبّه اللّه و رسوله، كرّارا غير فرار، لا يولّي الدبر، يفتح اللّه على يديه، و ذلك حيث رجع أبو بكر و عمر منهزمين، فدعاني و أنا أرمد، فتفل في عيني، و قال: اللّهمّ أذهب عنه الحرّ و البرد، فما وجدت بعدها حرّا و لا بردا يؤذياني، ثم أعطاني الرّاية، فخرجت بها ففتح اللّه على يدي خيبر، فقتلت مقاتليهم، و فيهم مرحب، و سبيت ذراريهم، فهل كان ذلك غيري؟ قالوا:
لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: اللّهمّ إيتني بأحبّ الخلق إليك، و إليّ و أشدّهم حبّا لي و لك، يأكل معي من هذا الطائر، فأتيت و أكلت معه غيري قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لتنهنّ يا بني وليعة (1)أو لأبعثنّ عليكم رجلا نفسه كنفسي، طاعته كطاعتي، و معصيته كمعصيتي، يعصاكم (2)أو يقصعكم (3)بالسيف غيري قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
«كذب من زعم أنّه يحبّني و يبغض عليّا» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم من سلّم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف ملك من الملائكة، و فيهم جبرئيل، و ميكائيل، و إسرافيل ليلة القليب، لمّا جئت بالماء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له جبرئيل عليه السلام: هذا هو المواساة، و ذلك يوم أحد، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّه مني و أنا منه،
ص:325
فقال جبرئيل: و أنا منكما غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد نودي (1)من السماء لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم من يقاتل الناكثين، و القاسطين، و المارقين على لسان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّي قاتلت على تنزيل القرآن، و ستقاتل أنت يا عليّ على تأويله، غيري؟ قالوا:
لا.
قال: فهل فيكم أحد غسّل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مع الملائكة المقرّبين بالروح و الريحان، تقلّبه لي الملائكة، و أنا أسمع قولهم، و هم يقولون: «استروا عورة نبيّكم ستركم اللّه» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم من كفّن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و وضعه في حفرته غيري؟ قالوا: لا.
قال عليه السلام: فهل فيكم أحد بعث اللّه عزّ و جلّ إليه بالتعزية، حيث قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و فاطمة عليها السلام تبكيه، إذ سمعنا حسّا على الباب، و قائلا يقول نسمع صوته، و لا نرى شخصه، و هو يقول: «السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته، ربّكم عزّ و جلّ يقرئكم السلام، و يقول لكم: إن في اللّه خلفا من كل مصيبة، و عزاء من كل هالك، و دركا من كل فوت، فتعزوا بعزاء اللّه، و اعلموا أنّ أهل الأرض يموتون، و أنّ أهل السماء لا يبقون، و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» ، و أنا في البيت، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، أربعة، لا خامس لنا إلاّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مسجّى بيننا غيرنا؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد ردّت عليه الشمس بعد ما غربت أو كادت، حتّى
ص:326
صلّى العصر في وقتها غيري؟ قالوا: لا (1).
قال: فهل فيكم أحد أمره رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أن يأخذ براءة بعد ما انطلق أبو بكر بها، فقبضها منه، فقال أبو بكر بعد ما رجع، يا رسول اللّه أنزل فيّ شيء؟ فقال له: «لا إنّه لا يؤدّي عنّي إلاّ علي» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم من قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، و لو كان نبيّ بعدي لكنته يا علي» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن، و لا يبغضك إلاّ كافر» غيري؟ قالوا: لا.
قال: أتعلمون أنّه أمر بسد أبوابكم و فتح بابي، فقلتم في ذلك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «ما أنا سددت أبوابكم، و لا أنا فتحت بابه، بل اللّه سدّ أبوابكم و فتح بابه» ؟ قالوا: نعم.
قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ناجاني يوم الطّائف دون الناس، فأطال ذلك، فقال بعضكم: يا رسول اللّه إنّك انتجيت عليا دوننا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أنا انتجيته، بل اللّه عزّ و جلّ انتجاه؟ قالوا: نعم.
قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «الحقّ بعدي مع عليّ و عليّ عليه السلام مع الحقّ، يزول الحقّ معه حيث ما زال» ؟ قالوا: نعم.
ص:327
قال: فهل تعلمون أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، و عترتي أهل بيتي، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، و إنّكم لن تضلّوا ما اتّبعتموهما و استمسكتم بهما؟ ، قالوا:
نعم.
قال: فهل فيكم أحد وقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بنفسه، و ردّ به كيد المشركين، و اضطجع مضجعه، و شرى بذلك من اللّه نفسه؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم حيث آخا رسول اللّه بين أصحابه أحد كان له صلى اللّه عليه و آله و سلّم أخا غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد ذكره اللّه عزّ و جلّ بما ذكرني إذ قال: وَ اَلسّابِقُونَ اَلسّابِقُونَ أُولئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ (1)غيري؟ فهل سبقني منكم أحد إلى اللّه و رسوله؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد آتى الزكاة و هو راكع، فنزلت فيه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اَللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (2)غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد برز لعمرو بن عبدود، حيث عبر خندقكم وحده، و دعا جميعكم (3)إلى البراز، فنكصتم عنه، و خرجت إليه فقتلته، و فتّ اللّه بذلك في أعضاد المشركين و الأحزاب، غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد ترك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بابه مفتوحا في المسجد، يحلّ له ما يحلّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و يحرم عليه ما يحرم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فيه غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد أنزل اللّه فيه آية التطهير حيث يقول اللّه تعالى:
ص:328
إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)غيري و زوجتي، و ابنيّ؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنا سيّد ولد آدم، و علي سيّد العرب» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «ما سألت اللّه عزّ و جلّ لي شيئا إلاّ سألت اللّه عزّ و جلّ لك مثله» غيري قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد كان صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في المواطن كلّها غيري؟ قالوا: لا.
قال فهل فيكم أحد ناوله رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قبضة من تراب من تحت قدميه فرمى بها في وجوه الكفّار فانهزموا غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قضى دين رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أنجز عداته غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد اشتاقت الملائكة إلى رؤيته فاستأذنت اللّه تعالى في زيارته غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد ورث سلاح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أداته غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد استخلفه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في أهله و جعل أمر أزواجه إليه من بعده غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد حمله رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم على كتفه حتّى كسر الأصنام الّتي كانت على الكعبة غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد اضطجع هو و رسول اللّه في لحاف واحد إذ كفّلني غيري؟ قالوا: لا.
ص:329
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
«أنت صاحب رايتي و لوائي في الدنيا و الآخرة» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد كان أوّل داخل على رسول اللّه، و آخر خارج من عنده لا يحجب عنه غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه و في زوجته و ولده: وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (1)إلى سائر ما اقتصّ اللّه تعالى من ذكرنا في هذه السورة غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ اَلْحاجِّ وَ عِمارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اَللّهِ (2)غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد أنزل اللّه تعالى فيه: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (3)إلى آخر ما اقتص اللّه تعالى من خبر المؤمنين غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.
قال: فهل فيكم أحد أنزل اللّه عزّ و جلّ فيه، و زوجته، و ولده: آية المباهلة، و جعل اللّه عزّ و جلّ نفسه نفس رسوله غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (4)لمّا وقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ليلة الفراش غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد سقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من المهراس (5)لمّا اشتدّ ظماؤه و أحجم (6)عن ذلك أصحابه، غيري؟ قالوا: لا.
ص:330
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: اللهمّ إنّي أقول كما قال عبدك (1)موسى: رَبِّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي . . .
وَ اِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (2)إلى آخر دعوة موسى عليه السلام إلاّ النبوة، غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد أدنى الخلائق برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يوم القيامة، و أقرب إليه منّي، كما أخبركم بذلك صلى اللّه عليه و آله، غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّ من شيعتك رجلا يدخل في شفاعته الجنّة مثل ربيعة و مضر» غيري؟ قالوا:
لا.
قال: فهل فيكم أحد (3)قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «أنت و شيعتك هم الفائزون تردون يوم القيامة رواء مرويين، و يرد عدوّك ظماء مقحمين» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «من أحبّ هذه الشعرات فقد أحبّني، و من أحبّني فقد أحبّ اللّه تعالى، و من أبغضها أو آذاها فقد أبغضني، و آذاني، و من آذاني فقد آذى اللّه تعالى، و من آذى اللّه لعنه اللّه، و أعدّ له جهنّم و ساءت مصيرا، فقال أصحابه: و ما شعراتك هذه يا رسول اللّه؟ قال: عليّ، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السلام» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
«أنت يعسوب المؤمنين، و المال يعسوب الظالمين، و أنت الصدّيق الأكبر، و أنت الفاروق الأعظم الّذي يفرّق بين الحقّ و الباطل» غيري؟ قالوا: لا.
ص:331
قال: فهل فيكم أحد طرح عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ثوبه، و أنا تحت الثوب، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السلام ثم قال:
«اللهم أنا و أهل بيتي هؤلاء إليك لا إلى النار» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: بالجحفة بالشجيرات من خمّ: «من أطاعك فقد أطاعني، و من أطاعني فقد أطاع اللّه، و من عصاك فقد عصاني، و من عصاني فقد عصى اللّه تعالى» غيري؟ قالوا:
لا.
قال: فهل فيكم أحد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بينه و بين زوجته، و جلس بين رسول اللّه و بين زوجته قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
«لأستر دونك يا عليّ» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد احتمل باب خيبر يوم فتحت حصنها، ثمّ مشى به ساعة ثمّ ألقاه، فعالجه بعد ذلك أربعون رجلا فلم يقلبوه من الأرض؟ قالوا:
لا.
قال: فهل فيكم من (1)قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
«أنت معي في قصري، و منزلك تجاه منزلي في الجنة» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
«أنت أولى الناس بأمّتي من بعدي، والى اللّه من والاك، و عادى اللّه من عاداك، و قاتل (2)من قاتلك بعدي» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قبل الناس سبع سنين و أشهرا، غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
«إنّك عن يمين العرش يا عليّ يوم القيامة، يكسوك اللّه عزّ و جلّ بردين:
ص:332
أحدهما الأحمر و الآخر الأخضر» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد أطعمه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من فاكهة الجنّة لمّا هبط بها جبرئيل، و قال: «لا ينبغي أن يأكله في الدنيا إلا نبيّ، أو وصيّ نبيّ» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «أنت أقومهم بأمر اللّه، و أوفاهم بعهد اللّه، و أعلمهم بالقضية، و أقسمهم بالسوية، و أرأفهم بالرعية» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أنت قسيم النار تخرج منها من (1)أقرّ و تدع فيها من كفر» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال للعين و قد غاضت: «انفجري» فانفجرت، فشرب منها القوم، و أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و المسلمون معه، فشرب و شربوا، و شربت خيلهم و ملؤوا رواياهم (2)، غيري؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد أعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حنوطا من حنوط الجنّة، فقال: اقسم هذا أثلاثا: «ثلثا حنّطني به، و ثلثا لابنتي، و ثلثا لك» غيري؟ قالوا: لا.
قال: فما زال يناشدهم، و يذكر لهم (3)ما أكرمه اللّه تعالى، و أنعم عليه، حتى قام قائم الظهيرة، و دنت الصلاة.
ثم أقبل عليهم، فقال: أمّا إذا أقررتم على أنفسكم، و بان لكم من نسبي الّذي ذكرت، فعليكم بتقوى اللّه وحده، و أنهاكم عن سخط اللّه، فلا تعرّضوا، و لا تضيّعوا أمري، و ردّوا الحقّ إلى أهله، و اتّبعوا سنة نبيّكم صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و سنّتي من بعده، فإنكم إن خالفتموني خالفتم نبيكم
ص:333
صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقد سمع ذلك منه جميعكم، و سلّموها إلى من هو لها أهل، و هي له أهل، أما و اللّه ما أنا بالرّاغب في دنياكم، و لا قلت ما قلت لكم افتخارا و لا تزكية لنفسي، و لكن حدّثت بنعمة ربّي، و أخذت عليكم بالحجّة.
ثم نهض إلى الصلوة، قال فتوامر القوم فيما بينها، و تشاوروا، فقالوا:
قد فضّل اللّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام بما ذكر لكم، و لكنّه رجل لا يفضّل أحدا على أحد، و يجعلكم و مواليكم سواء، و إن ولّيتموه إيّاها ساوى بين أسودكم و أبيضكم، و لو وضع السيف على عنقه، و لكن ولّوها عثمان، فهو أقدمكم ميلادا، و ألينكم عريكة، و أجدر أن يتبع مسيرتكم، و اللّه غفور رحيم (1).
و الروايات في طرق الحديث كثيرة أعرضت عن ذكرها مخافة الإطالة.
2-ابن بابويه قال: حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد العلوي (2)قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الكوفي (3)قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمدون (4)، قال: حدّثنا الحسين بن النصر، قال: حدّثنا خالد بن حصين، عن يحيى (5)بن عبد اللّه بن الحسن، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمّي، حتّى أن كان عقيل ليصيبه رمد فيقول: لا تذرّوني (6)حتى تذرّوا عليّا، فيذرّوني، و ما بي من رمد (7).
ص:334
3-و من طريق المخالفين أبو المؤيّد صدر الأئمّة عند المخالفين في كتابه في فضائل علي عليه السلام قال: أخبرني العلاّمة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزّمخشري، أخبرنا الأستاذ الأمين أبو الحسن عليّ بن الحسين بن مردك الرازي، أخبرنا الشيخ الزّاهد الحافظ أبو سعد إسماعيل بن عليّ بن الحسين السمّان (1)، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد اللّه المحمودي 2، بقرائتي عليه سنة ست و ثمانين و ثلاثمائة، حدّثني أبو محمد 3عبد الرحمن بن حمدان بن عبد الرّحمن بن المرزبان الجلاّب، حدّثني أبو بكر محمّد بن إبراهيم السوسي البصري، نزيل حلب، حدّثني عثمان 4بن عبد اللّه القرشي الشامي بالبصرة قدم علينا، حدّثنا يوسف 5بن أسباط، عن محل 6الضبّي، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة 7، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه قال: لمّا كان أول يوم في البيعة لعثمان لِيَقْضِيَ اَللّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً 8، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ 9.
ص:335
فاجتمع المهاجرون و الأنصار في المسجد، فنظرت إلى أبي محمّد عبد الرحمن بن عوف، و قد اعتجر (1)بريطة، و قد اختلفوا. و كثرت المناجزة (2)إذ جاء ابو الحسن عليه السلام بأبي هو و أمّي، قال: فلمّا بصروا بأبي الحسن عليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه سرّ القوم طرّا، فأنشأ عليّ عليه السلام يقول:
إنّ أحسن ما ابتدأ به المبتدئون، و نطق به الناطقون، و تفوّه به القائلون، حمد اللّه و ثناء اللّه بما هو أهله، و الصلاة على النبيّ محمّد و آله، الحمد للّه المتفرد بدوام البقاء، المتوحّد بالملك، الذي له الفخر و المجد و الثناء (خضعت له الآلهة بحاله، و وجلت القلوب من مخافته، فلا عدل له و لا ندّ، و لا يشبهه أحد من خلقه، و نشهد له بما شهد لنفسه، و أولوا العلم من خلقه، أن لا إله إلا اللّه، ليس له صفة و لا حدّ يضرب له الأمثال، المدرّ صوب الغمام.
و ساق الخطبة في الثناء على اللّه جلّ جلاله بما هو أهله إلى أن قال عليه السلام: و سبحان الذي ليس لصفته نعت موجود، و لا حدّ محدود، و نشهد أنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم عبده المرتضى، و نبيه المصطفى، و رسوله المجتبى، أرسله اللّه إلينا كافّة، و الناس أهل عبادة الأوثان و جميع الضلالة، يسفكون دمائهم، و يقتلون أولادهم، و يخيفون سبيلهم، غشاهم الظلم و أمنهم الخوف و عزّهم الذلّ مع عنجهية (3)و عمياء و حميّة، حتّى استنقذنا اللّه بمحمّد صلى اللّه عليه و آله من الضلالة، و هدانا من الجهالة، و أنشأنا بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم من الهلكة.
و نحن معشر العرب أضيق الأمم معاشا و أخشنهم رياشا، جعل طعامنا الهبيد (4)و لباسنا الوبر و الجلود، مع عبادة الأوثان و النيران، فهدانا اللّه بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى صالح الأديان، ثمّ أنقذنا من عبادة الأوثان، بعد
ص:336
أن أمكنه من شعلة النور، فأضاء بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم مشارق الأرض و مغاربها، فقبضه اللّه إليه، فإنا للّه و إنّا إليه راجعون، فما أجلّ رزيته، و أعظم مصيبة المؤمنين فيه طرّا مصيبتهم واحدة) (1).
ثم قال عليّ كرّم اللّه وجهه: فأنشدتكم (2)اللّه يا معشر المهاجرين و الأنصار هل تعلمون أنّ جبرئيل أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: يا محمد (3).
لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ
هل تعلمون كان هذا؟ قالوا: اللّهم نعم.
قال: فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جبرئيل نزل على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال: يا محمد إنّ اللّه يأمرك أن تحبّ عليا و تحبّ من يحبّه فإنّ اللّه تعالى يحبّ عليّا و يحبّ من يحبّه قالوا: اللّهم نعم.
قال: فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال:
لما أسري بي إلى السماء السابعة رفعت إلى رفارف من نور، ثم رفعت إلى حجب من نور فوعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم الجبّار لا إله إلاّ هو بأشياء، فلمّا رجع من عنده نادى مناد من وراء الحجب: نعم الأب أبوك إبراهيم، و نعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب و استوص به، أتعلمون معاشر المهاجرين و الأنصار كان هذا؟ فقال أبو محمد من بينهم، يعني عبد الرّحمن بن عوف: سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و إلاّ صمتا:
ثم قال: أتعلمون أنّ أحدكم كان يدخل المسجد جنبا غيري؟ قالوا:
اللهم لا.
ص:337
قال: فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ أبواب المسجد سدّها و ترك بابي (1)؟ قالوا: اللّهمّ نعم.
قال: هل (2)تعلمون أنّي كنت إذا قاتلت أكون عن يمين رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي؟ قالوا: نعم (3).
قال: هل (4)تعلمون أنّ رسول اللّه أخذ الحسن و الحسين، فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إيها (5)يا حسن، فقالت فاطمة عليها السلام: يا أباه إنّ الحسين أصغر و أضعف ركنا منه، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة ألا ترضين أنا أقول إيها يا حسن، و يقول جبرئيل عليه السلام: إيها يا حسين؟ فهل لأحدكم مثل هذا الفضل و هذه المنزلة؟ نحن الصّابرون ليقضي اللّه أمرا مفعولا في هذه البيعة (6).
ص:338
في علة تركه عليه السلام مجاهدة من تقدم عليه
1-ابن بابويه، عن أبيه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن الهيثم (1)بن أبي مسروق النّهدي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّما سار عليّ عليه السلام بالكفّ عن عدوّه، من أجل شيعتنا، لأنّه كان يعلم أنّه سيظهر عليهم بعده، فأحبّ أن يقتدي به من جاء بعده يسير فيهم بسيرته، و يقتدي بالكفّ عنهم بعده (2).
2-عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور (3)، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد (4)بن عامر، عن عمّه (5)ابن أبي عمير، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قلت له: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل فلانا
ص:339
و فلانا و فلانا؟ قال عليه السلام: لآية في كتاب اللّه عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (1)قال: قلت: و ما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع المؤمنين في أصلاب قوم كافرين، و كذلك القائم عليه السلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع اللّه عزّ و جلّ، فإذا خرجت، ظهر على من ظهر من أعداء اللّه، فقتلهم (2).
3-و عنه، قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفر العلوي رحمه اللّه، قال: حدّثنا جعفر (3)بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن عليّ بن محمّد (4)، عن أحمد بن محمّد (5)، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخي (6)، قال قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام: أصلحك اللّه ألم يكن عليّ عليه السلام قويا في دين اللّه عزّ و جل؟ قال: بلى، قلت: كيف ظهر عليه القوم و لم يمنعهم، و كيف لم يدفعهم و ما منعهم من ذلك؟ قال: آية في كتاب اللّه عزّ و جلّ منعته، قال: قلت: و أيّ آية؟ قال: قوله تعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (7)إنّه كان للّه عزّ و جلّ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين و منافقين، فلم يكن عليّ عليه السلام ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع، فلمّا خرج الودائع ظهر من ظهر فقاتله، و كذلك قائمنا أهل البيت عليهم السلام، لن يظهر أبدا حتى يظهر ودائع اللّه عزّ و جلّ فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقتله (8).
ص:340
4-و عنه حدّثنا المظفر بن جعفر العلوي (رض) قال: حدّثنا جعفر بن مسعود، عن أبيه، قال: حدّثنا جبرئيل (1)بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن منصور بن حازم (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: في قول اللّه عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً قال: لو أخرج اللّه ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين، و ما في أصلاب الكافرين من المؤمنين، لعذّب الّذين كفروا (3).
5-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رض) ، قال: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي (4)، قال: حدّثنا الهيثم بن عبد اللّه الرماني (5)، قال: سألت عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام، فقلت له: يا بن رسول اللّه أخبرني عن علي بن أبي طالب، لم لم يجاهد أعدائه خمسا و عشرين سنة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم جاهد في أيّام ولايته؟ فقال: لأنّه اقتدى برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في ترك جهاد المشركين بمكّة ثلاث عشر سنة بعد النبوة، بالمدينة تسعة عشر شهرا، و ذلك لقلّة أعوانه عليهم، و كذلك عليّ عليه السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم، فلمّا لم تبطل نبوّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة و تسعة عشر شهرا، كذلك لم تبطل إمامة عليّ عليه السلام مع ترك الجهاد خمسا و عشرين سنة إذا كانت العلّة المانعة لهما من الجهاد واحدة (6).
6-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه
ص:341
قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السلام ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتلهم؟ قال: الّذي سبق في علم اللّه أنّه يكون، و ما كان له أن يقاتلهم و ليس معه إلاّ ثلاثة رهط من المؤمنين (1).
7-و عنه قال: حدّثنا حمزة بن محمّد العلوي (2)، قال: أخبرنا أحمد بن (3)محمّد بن سعيد قال: حدّثني الفضل (4)بن الحبّاب الجمحي، قال:
حدّثنا محمّد بن إبراهيم الحمصي، قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن موسى الطائي، عن أبيه، عن ابن مسعود (5)قال: احتجّوا في مسجد الكوفة، فقالوا: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة، و الزبير، و عائشة، و معاوية؟ فبلغ ذلك عليّا عليه السلام فأمر أن ينادى:
الصلاة الجامعة (6)، فلمّا اجتمعوا صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال:
معاشر الناس إنّه بلغني عنكم كذا و كذا، قالوا: صدق أمير المؤمنين قد قلنا ذلك، قال: إنّ لي بستة من الأنبياء أسوة فيما فعلت، قال اللّه تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اَللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (7)قالوا: و من هم يا أمير المؤمنين؟
قال: أولهم إبراهيم عليه السلام إذ قال لقومه: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ
ص:342
مِنْ دُونِ اَللّهِ (1)فإن قلتم: إنّ إبراهيم اعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم فقد كفرتم، و إن قلتم اعتزلهم لمكروه رآه منهم فالوصيّ أعذر.
ولي بابن خالة لوط أسوة إذ قال لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (2)فإن قلتم: إنّ لوطا كانت له بهم قوّة فقد كفرتم، و إن قلتم:
لم يكن له بهم قوّة فالوصيّ أعذر.
ولي بيوسف عليه السلام أسوة إذ قال: رَبِّ اَلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (3)فإن قلتم: إنّ يوسف دعا ربّه و سأله السجن لسخط ربّه فقد كفرتم، و إن قلتم: إنّه أراد بذلك لئلاّ يسخط ربّه عليه فاختار السجن، فالوصي أعذر.
ولي بموسى عليه السلام أسوة إذ قال: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ (4)فإن قلتم: إنّ موسى فرّ من قومه بلا خوف كان له منهم فقد كفرتم، و إن قلتم: إنّ موسى خاف منهم، فالوصيّ أعذر.
ولي بأخي هارون عليه السلام أسوة إذ قال لأخيه: يا اِبْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي (5)فإن قلتم: لم يستضعفوه و لم يشرفوا على قتله فقد كفرتم، و إن قلتم: استضعفوه و أشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم، فالوصيّ أعذر.
ولي بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أسوة حين فرّ من قومه، و لحق بالغار من خوفهم، و أنا مني على فراشه، فإن قلتم: فرّ من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم، و إن قلتم: خافهم و أنا مني على فراشه و لحق هو بالغار من خوفهم، فالوصيّ أعذر (6).
ص:343
8-و عنه، قال: أخبرني عليّ بن حاتم، قال: حدّثنا أحمد (1)بن محمّد بن موسى النوفلي، قال: حدّثنا محمّد بن حمّاد السائي (2)، عن الحسن بن راشد (3)، عن عليّ بن إسماعيل الميثمي (4)، قال: حدّثنا ربعي (5)، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما منع أمير المؤمنين عليه السلام أن يدعو الناس إلى نفسه؟ قال: خوفا أن يرتدّوا.
قال عليّ بن حاتم: و أحسب في الحديث: و لا يشهدوا أنّ محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم (6).
9-و عنه قال: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن جعفر الرازي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس بن عبد الرحمن، عن بكار (7)بن أبي بكر الحضرمي، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لسيرة عليّ بن أبي طالب في أهل البصرة كانت خيرا لشيعته ممّا طلعت عليه الشّمس، إنّه علم أنّ للقوم دولة، فلو سباهم لسبيت شيعته، قال: قلت: فأخبرني عن القائم عليه السلام يسير بسيرته؟ قال:
لا، إنّ عليا عليه السلام سار فيهم بالمنّ لما علم من دولتهم، و إنّ القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة، لأنّه لا دولة لهم (8).
ص:344
10-و عنه قال: حدّثنا أبي (ره) ، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال:
حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن بريد (1)بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إنّ عليا لم يمنعه من أن يدعو الناس إلى نفسه إلاّ أنّهم إن يكونوا ضلالا لا يرجعون عن الإسلام، أحب إليه من أن يدعوهم فيأبون عليه فيصيرون كفّارا كلّهم.
قال حريز: حدّثني زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو لا أنّ عليا عليه السلام سار في أهل حربه بالكفّ عن السّبي و الغنيمة، للقيت شيعته من الناس بلاء عظيما، ثمّ قال: و اللّه لسيرته كانت خيرا لكم مما طلعت عليه الشّمس (2).
11-و عنه-قال: حدّثنا محمد بن الحسن (ره) (3)، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى (4)، عن ربعي، عن فضيل بن يسار، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أو لأبي عبد اللّه عليه السلام حين قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لمن كان الأمر من بعده؟ فقال: لنا أهل البيت، قلت: فكيف صار في غيركم؟ قال: إنّك قد سألت فافهم الجواب، إنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا علم أن يفسد في الأرض و تنكح الفروج الحرام، و يحكم بغير ما أنزل اللّه تبارك و تعالى أراد أن يلي ذلك غيرنا (5).
ص:345
ص:346
في تركه عليه السلام مؤاخذة عدوه مع قدرته عليه
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد الكاتب، قال: أخبرني الحسن (1)بن عليّ الزعفراني، قال: حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال:
حدّثني إبراهيم (2)بن عمرو، قال: حدثني أبي، عن أخيه، عن بكر بن عيسى (3)، قال: لمّا اصطفّ الناس للحرب بالبصرة، خرج طلحة، و الزبير في صف أصحابهما، فنادى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الزّبير بن العوّام، فقال له: يا أبا عبد اللّه ادن منّي لأفضي إليك بسرّ عندي، فدنا منه حتى اختلف أعناق فرسيهما، فقال له أمير المؤمنين: نشدتك باللّه (4)إن ذكرتك شيئا فذكرته، أما تعترف به؟ فقال له: نعم.
فقال عليه السلام: أما تذكر يوما كنت مقبلا عليّ بالمدينة تحدّثني، إذ خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فرآك معي، و أنت تبسم إليّ؟ فقال
ص:347
لك: يا زبير أتحبّ عليا؟ فقلت: و كيف لا أحبه و بيني و بينه من النسب و المودّة في اللّه ما ليس لغيره؟ فقال: إنّك ستقاتله و أنت له ظالم، فقلت: أعوذ باللّه من ذلك، فنكس الزبير رأسه، ثم قال: إنّي نسيت هذا المقام، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: دع هذا، أفلست بايعتني طائعا، قال: بلى، قال:
أفوجدت منّي حدثا يوجب مفارقتي؟ فسكت.
ثم قال: لا جرم و اللّه لا قاتلتك، و رجع متوجّها نحو البصرة، فقال له طلحة: ما لك يا زبير تنصرف عنّا؟ سحرك ابن أبي طالب؟ فقال: لا، و لكن ذكّرني ما كان أنسانيه الدهر، و احتجّ عليّ بيعتي له، فقال له طلحة:
لا، و لكن جبنت، و انتفخ سحرك، فقال الزبير: لم أجبن، و لكن أذكرت فذكرت.
فقال له عبد اللّه: يا أبت جئت بهذين العسكرين العظيمين، حتى إذا اصطفّا للّه للحرب، قلت: أتركهما و انصرف، فما تقول قريش غدا بالمدينة؟ اللّه اللّه يا أبت لا تشمت الأعداء، و لا تشمّر (1)نفسك بالهزيمة قبل القتال، قال: يا بنيّ ما أصنع و قد حلفت له باللّه أن لا أقاتله؟ قال له: فكفّر عن يمينك، و لا تفسد أمرنا، فقال الزبير: عبدي مكحول حرّ لوجه اللّه كفّارة ليميني، ثم عاد معهم للقتال.
فقال همّام الثقفي في فعل الزبير ما فعل، و عتقه عبده في قتال عليّ عليه السلام:
أيعتق مكحولا و يعصي نبيّه لقد تاه عن قصد الهدى ثم عوق
أينوي بهذا الصدق و البرّ و التقى سيعلم يوما من يبرّ و يصدق
لشتّان ما بين الضلالة و الهدى و شتّان من يعصي النبيّ و يعتق
و من هو في ذات الإله مشمّر يكبّر برا ربّه و يصدّق
أفي الحقّ أن يعصى النبي سفاهة و يعتق عن عصيانه و يطلّق
ص:348
كدافق ماء للسراب يؤمّه ألا في ضلال من يصبّ و يدفق (1)
2-و من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفّق بن أحمد من أعيان المخالفين في كتاب فضائل أمير المؤمنين قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزّاهد الحافظ أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي الخوارزمي، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، حدّثني والدي شيخ السنّة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ، حدّثنا أبو عبد اللّه الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب (2)، حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامري (3)، حدثنا عبيد اللّه بن موسى (4)، حدّثنا أبو ميمونة (5)، عن أبي بشير الشيباني قال: لمّا قتل عثمان اختلف الناس إلى علي عليه السلام يقولون له: نبايعك، و معهم طلحة، و الزبير، و المهاجرون، و الأنصار، فقال: لا حاجة لي في الإمارة (6)، أنظروا إلى من تختارون أكون معكم، قال: فاختلفوا إليه أربعين ليلة، فأبوا عليه إلاّ أن يكون يفعل، و قالوا: نحن منذ أربعين ليلة ليس أحد يأخذ على سفهنا (7)، فقال علي عليه السلام أصلّي بكم، و يكون مفتاح بيت المال بيدي، و ليس بأمري دونكم (8)أترضون بهذا؟ قالوا: نعم، قال: و ليس لي أن أعطي أحدا درهما دونكم؟ قالوا: نعم. (فجعل يقول لهم ذلك ثلاثة أيّام، و يقولون:
نعم) (9).
فصعد (10)المنبر و بايعه النّاس و نزل، فأعطى كلّ ذي حقّ حقّه، و سكن
ص:349
الناس و هدؤا، قال: فلم يكن إلاّ يسيرا حتى دخل عليه طلحة، و الزبير فقالا: يا أمير المؤمنين إنّ أرضنا أرض شديدة، و عيالنا كثير، و نفقتنا قليلة، قال: ألم أقل لكم: إنّي لا أعطي أحدا دون أحد؟ قالا: بلى (1)، قال:
فأتيا (2)بأصحابكم، فإن رضوا بذلك أعطيتكما، و إلاّ لم اعطكما دونهم، و لو كان عندي شيء لنفسي أعطيتكما من الذي لي، و لو انتظرتم حتى يخرج عطائي أعطيتكما من عطائي، قالا: ما نريد من مالك شيئا، و خرجا من عنده، فلم يلبثا إلاّ قليلا حتى دخلا عليه، فقالا: ائذن (3)لنا في العمرة، فقال:
ما تريدان العمرة، و لكن تريدان الغدرة، قالا: كلاّ، قال: قد أذنت لكما اذهبا.
قال: فخرجا حتّى أتيا مكة، و كانت أمّ سلمة، و عائشة بمكة، فدخلا على أمّ سلمة رضي اللّه عنها، و قالا لها و شكيا إليها، فوقعت فيهما، و قالت:
أنتما تريدان الفتنة، و نهتهما عن ذلك نهيا شديدا، قال: فخرجا من عندها حتّى أتيا عائشة، فقالا لها مثل ذلك و قالا: نريد أن تخرجي معنا نقاتل هذا الرجل؟ قالت: نعم.
قال: فكتب أمير مكّة إلى عليّ (رض) : أنّ طلحة، و الزبير جاءا فأخرجا عائشة، و لا نعلم (4)أين خرجا بها، قال: فصعد المنبر، و دعا الناس، و قال: أنا كنت أعلم بكم فأبيتم، قالوا: و ما ذاك؟ قال عليه السلام: إنّ طلحة، و الزبير أتياني و ذكرا حالهما، فقلت لهما: ليس عندي شيء، فاستأذناني في العمرة، و أذنت (5)لهما، و قد أخرجا عائشة إلى البصرة تقاتلكم، قالوا: نحن معك، فمرنا بأمرك، قال: إنّ هؤلاء يجتمعون عليكم، و أرضكم شديدة، فسيروا أنتم إليهم، و كتب إلى أمير الكوفة يستنفر
ص:350
الناس، قال: فاجتمعوا بالبصرة فقال عليه السلام: من يأخذ المصحف ثم يقول لهم: ماذا تنقمون تريقون دماءنا و دمائكم؟ فقال رجل: أنا يا أمير المؤمنين أمضي إليهم، قال: إنّك مقتول، قال: لا أبالي، قال عليه السلام:
خذ المصحف، قال: فذهب إليهم، فقتلوه.
ثم قال من الغد مثل ما قال بالأمس، فقال رجل: أنا، فقال: إنّك مقتول، كما قتل صاحبك بالأمس، فقال: لا أبالي، قال: فذهب، ثم قتل، و ذهب آخر في اليوم الثّالث، فقتل، فقال عليّ عليه السلام: قد حلّ لكم الآن قتالهم، فبرز هؤلاء، و هؤلاء، فاقتتلوا قتالا شديدا.
قال: و قتل طلحة في المعركة، و انهزم أصحاب الجمل، قال: و عائشة واقفة على بعيرها ليس عندها أحد، فقال عليّ عليه السلام لمحمّد (1): خذ بزمام بعير أختك، قال: فأتاها، قالت: من أنت؟ قال أنا أخوك من أبيك، قالت: كلاّ، قال: بلى و لو كرهت.
قال: و قد كان عليّ عليه السلام قبل ذلك قال: أين الزبير؟ قالوا: هو ذا واقف، فأرسل إليه رسولا فأتى إليه (2)فقال له: ادن منّي حتّى أخبرك، و هو في السّلاح، و عليّ عليه السلام عليه قباطاق و برنس، و سيف و قلنسوة، فقال له الحسن: يا أمير المؤمنين ذاك في السلاح، و ليس عليك إلاّ ما أرى؟ فقال له علي عليه السلام: إنته عنّي، قال: فدنا كلّ واحد منهما إلى صاحبه حتى اختلفت رؤوس دابّتيهما، فقال له عليّ عليه السلام: تذكر يوم كنت أنا و أنت في مكان كذا و كذا فمرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال لك: لتقاتلنّ هذا و أنت ظالم له، فقال له الزبير: ذكّرتني ما نسيت (3)فلن أسلّ عليك سيفا و أدبر.
فقال له عبد اللّه ابنه: ما هذا الّذي ذكر لك عليّ؟ فقال: ذكّرني شيئا
ص:351
كنت ناسيته (1)، فقال: بعد ما أخرجت القوم تتركهم و تذهب.
قال أبو بشير: (فردّ عليهم ما كان أخذ في العسكر حتى القدر) (2).
و روي (3)أنّ ابنه عبد اللّه و بّخه بترك القتال و قال له: لعلّك رأيت الموت الأحمر تحت رايات ابن أبي طالب، و اللّه لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها رؤوسنا أبدا، فغضب الزبير من ذلك، و صاح صيحة بفرسه، و حمل على أصحاب عليّ عليه السلام حملة منكرة، فقال عليّ عليه السلام لأصحابه افرجوا له فإنّ الشيخ موبّخ، فأوسعوا له، فشقّ الصفوف حتى خرج منها، ثم رجع فشقّها ثانية، و لم يطعن أحدا، و لم يضرب أحدا.
ثم رجع إلى ابنه عبد اللّه بن الزبير فقال: هذه حملة جبان؟ فقال له:
فلم تنصرف عنّا الآن و قد التقت حلقتا البطان؟ (4)فقال الزبير: يا بنيّ ارجع لأخبار كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم عهدها إليّ ثم نسيتها حتّى أذكرنيها عليّ عليه السلام، فعرفتها.
قال: ثم خرج الزّبير من عسكرهم تائبا ممّا كان منه و هو ينشد و يقول:
ترك الأمور الّتي نخشى عواقبها للّه أجمل في الدّنيا و في الدّين
نادى عليّ بأمر لست أنكره (5) قد كان عمر أبيك اليوم مذ حين
فاخترت عارا على نار مؤجّجة أنّى يقوم لها خلق من الطين
إخال طلحة وسط القوم منجدلا ركن الضعيف و مأوى كل مسكين
قد كنت أنصره حينا و ينصرني في النّائبات و يرمي من يراميني
حتى ابتلينا بأمر ضاق مذهبه (6) فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني
ص:352
قال: ثم مضى الزّبير منفردا، و تبعه خمسة من الفرسان، فحمل عليهم ففرّقهم و مضى حتى سار إلى وادي السباع، فنزل على قوم من بني تميم، فقام إليه عمرو بن جرموز المجاشعي، فقال: يا أبا عبد اللّه كيف تركت الناس؟ قال: تركتهم و اللّه و قد عزموا على القتال، و لا شك أنّهم قد التقوا، قال:
فسكت عنه عمرو بن جرموز، و أمر له بطعام و شيء من لبن، فأكل و شرب، ثم قام فصلّى، و أخذ مضجعه، فلمّا علم ابن جرموز أنّ الزبير قد نام، وثب عليه فضربه بسيفه ضربة على أمّ رأسه فقتله (1).
3-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبو عبيد اللّه محمّد بن عمران المرزباني (2)قال: حدّثني محمّد بن إسحاق الأشعري النحوي، قال: حدّثني الوليد بن محمّد بن إسحاق الحضرمي، عن أبيه، قال: استأذن عمرو بن العاص على معاوية بن أبي سفيان، فلمّا دخل عليه استضحك معاوية، فقال له عمرو: و ما أضحكك يا معاوية؟ قال: ذكرت ابن أبي طالب، و قد غشيك بسيفه فاتّقيته و ولّيت، فقال: أتشمت بي يا معاوية؟ و أعجب من هذا اليوم دعاك إلى البراز فالتمع لونك، و أطّت (3)أضلاعك و انتفخ سحرك (4)و اللّه لو بارزته لأوجع قذالك (5)و أيتم عيالك، و نزل سلطانك و أنشأ عمرو يقول:
معوي لا تشمت بفارس بهمة لقى فارسا لا تعتليه الفوارس
معاوي لو أبصرت في الحرب مقبلا أبا حسن يهوي عليك الوساوس
و أيقنت أنّ الموت حقّ و أنّه لنفسك إن لم تمعن الركض خالس
ص:353
دعاك فصمّت دونه الأذن إن دعا (1) و نفسك قد ضاقت عليها الأمالس
أتشمت بي أن نالني حدّ رمحه و عضضني ناب من الحرب ناهس
فأيّ امرء لا قاه لم يلق شلوه بمعترك تسفى عليه الروامس
أبى اللّه إلاّ أنّه ليث غابة أبو أشبل تهدى إليه الفرائس
فإن كنت في شكّ فأوهج عجاجه و إلاّ فتلك الترّهات البسابس
فقال معاوية: مهلا يا أبا عبد اللّه و لا كلّ هذا، قال: أنت استدعيته (2).
4-و عنه قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الكاتب، قال: أخبرني الحسن بن عليّ الزعفراني، قال: أخبرني إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثني أبو المؤيّد الضّبي، قال: حدّثنا أبو بكر الهذلي قال: دخل الحارث بن حوط اللّيثي على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين ما أرى طلحة، و الزبير، و عائشة أضحوا إلاّ على حقّ، فقال: يا حارث إنّك إن نظرت تحتك و لم تنظر فوقك جزت عن الحق، إنّ الحقّ و الباطل لا يعرفان بالناس، و لكن اعرف الحقّ باتباع من اتّبعه، و الباطل باجتناب من اجتنبه.
قال: فهلا أكون كعبد اللّه بن عمر (3)، و سعد بن مالك (4)، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ عبد اللّه بن عمر، و سعدا خذلا الحقّ، و لم ينصرا الباطل، متى كانا إمامين في الخير فيتبعان؟ (5)
ص:354
في عدله عليه السلام في الرعية و قسمته بالسوية
1-المفيد في «أماليه» قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن بلال المهلّبي، قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه بن أسد الإصفهاني (1)، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عثمان، قال: حدّثني عليّ بن أبي سيف، عن عليّ (2)بن أبي حباب، عن ربيعة (3)، و عمارة (4)، و غيرهما أنّ طائفة من أصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام مشوا إليه عند تفرّق الناس عنه، و فرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يده من الدنيا، فقالوا له: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال، و فضّل هؤلاء الأشراف من العرب، و قريش على الموالي و العجم، و من تخاف خلافه عليك من النّاس و فراره إلى معاوية، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟ لا و اللّه لا أفعل ما طلعت شمس، و لاح في السماء نجم، و اللّه
ص:355
لو كان ما لهم لي (1)لواسيت بينهم، فكيف و إنّما هي أموالهم؟ !
قال: ثم ازم (2)أمير المؤمنين عليه السلام طويلا ساكتا، ثم قال: من كان له مال فإيّاه و الفساد، فإنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو و إن كان ذكرا لصاحبه في الدّنيا فهو يضيّعه عند اللّه عزّ و جلّ (3)، و لم يضع رجل ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلاّ حرمه اللّه تعالى شكرهم، و كان لغيره ودهم فإن بقى معه من يودّه، و يظهر له الشكر فإنّما هو ملق و كذب، يريد (4)التقرّب به إليه لينال منه مثل الّذي كان يأتي إليه من قبل، فإن زلّت (5)بصاحبه النعل و احتاج إلى معونته و مكافاته فشرّ خليل، و ألأم خدين (6)، و من صنع المعروف فيما أتاه فليصل به القرابة، و ليحسن فيه الضيافة، و ليفكّ به العاني (7)، و ليعن به الغارم، و ابن السبيل، و الفقراء، و المجاهدين في سبيل اللّه، و ليصبر على النوائب و الخطوب، فإنّ الفوز بهذه الخصال أشرف مكارم الدنيا، و درك فضائل الآخرة (8).
2-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن علي، عن أحمد بن عمرو بن سليمان البجلي، عن إسماعيل (9)بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار، عن إبراهيم بن
ص:356
إسحاق المديني، عن رجل، عن أبي مخنف (1)الأزدي، قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام رهط من الشيعة، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الأموال ففرّقتها في هؤلاء الرؤساء و الأشراف، و فضّلتهم علينا حتى إذا استوسقت الأمور عدت إلى أفضل ما عودك اللّه من القسم بالسوية و العدل في الرعية؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمروني و يحكم أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه من أهل الإسلام؟ لا و اللّه لا يكون ذلك ما سمر السمير، و ما رأيت في السماء نجما، و اللّه لو كانت أموالهم لي لساويت بينهم، فكيف و إنّما هي أموالهم؟ قال: ثمّ أزم ساكتا طويلا، ثمّ رفع رأسه، فقال: من كان فيكم له مال فإيّاه و الفساد، فإنّ إعطاءه من غير حقّه تبذير و إسراف، و هو يرفع ذكر صاحبه في النّاس و يضعه عند اللّه، و لم يضع امرء ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلاّ حرمه اللّه شكرهم، و كان لغيره ودّهم، فإن بقي معه منهم بقيّة ممن يظهر الشكر له و يريه النصح فإنّما ذلك ملق منه و كذب، فإن زلّت بصاحبهم النعل ثمّ احتاج إلى معونتهم و مكافأتهم فالأم خليل و شرّ خدين، و لم يضع امرء ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلاّ لم يكن له من الحظّ فيما أتى إلا محمدة اللئام و ثناء الأشرار مادام عليه منعما مفضلا، و مقالة الجاهل ما أجوده، و هو عند اللّه بخيل، فأيّ حظّ أبور و أخسّ من هذا الحظّ؟ و أيّ فائدة معروف أقل من هذا المعروف؟ فمن كان منكم له مال فليصل به القرابة، و ليحسن منه الضيافة، و ليفكّ به العاني و الأسيروا من السبيل، فإنّ الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا و شرف الآخرة (2).
3-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد (3)بن جعفر العقبي، رفعه، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس إنّ آدم لم يلد عبدا و لا
ص:357
أمة، و إنّ الناس كلهم أحرار، ولكنّ اللّه خوّل بعضكم بعضا، فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمنّ به على اللّه عزّ و جلّ، ألا و قد حضر شيء و نحن مسوّون فيه بين الأسود و الأحمر.
فقال مروان (1)لطلحة (2)و الزبير (3): ما أراد بهذا غيركما، قال: فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير، و أعطى رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير، و جاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير، فقال الأنصاري: يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني و إيّاه سواء؟ فقال عليه السلام: إنّي نظرت في كتاب اللّه عزّ و جلّ فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا (4).
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن الحسن (5)بن صالح الثوري، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر قنبر أن يضرب رجلا حدّا، فغلظ قنبر فزاده ثلاثة أسواط، فأقاده عليّ عليه السلام من قنبر ثلاثة أسواط (6).
ص:358
في صبره و امتحانه عليه السلام قبل وفاة النبي و بعده صلى اللّه عليه
و آله و سلّم
1-ابن بابويه، قال: حدّثني أبي (رض) ، و محمّد بن الحسن (رض) ، قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسين بن سعيد (1)، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد النوفلي (2)، عن يعقوب بن يزيد (3)قال: قال أبو عبد اللّه بن جعفر بن أحمد بن محمّد بن عيسى بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، قال: حدّثنا يعقوب بن عبد اللّه الكوفي قال: حدّثنا موسى بن عبيد (4)، عن عمرو بن أبي المقدام (5)، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن محمّد بن حنفية (رض) ، و عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى رأس اليهود عليّ بن أبي طالب عليه السلام عند منصرفه من وقعة النهروان، و هو جالس في مسجد الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلاّ نبيّ
ص:359
أو وصيّ نبيّ، فإن شئت سألتك، و إن شئت أعفيتك (1)، قال: سل عما بدا لك يا أخا اليهود.
قال: إنّا نجد في الكتاب أن اللّه عزّ و جلّ إذا بعث نبيا أوحى إليه أن يتّخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمّته من بعده، و أن يعهد إليهم عهدا فيه يحتذى (2)عليه، و يعمل به في أمّته من بعده، و أنّ اللّه عزّ و جلّ يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء، و يمتحنهم بعد وفاتهم، فأخبرني كم يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء؟ و كم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرّة؟ و إلى ما يصير آخر الأوصياء إذا رضي محنتهم؟ فقال له عليّ عليه السلام: و اللّه الذي لا إله غيره الّذي فلق البحر لبني إسرائيل، و أنزل التوراة على موسى لئن أخبرتك بحقّ عمّا تسأل عنه لتقرّن به؟ قال: نعم، قال: و الّذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة على موسى عليه السلام لئن أجبتك لتسلمنّ؟ قال: نعم.
فقال عليّ عليه السلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم، فإذا رضي طاعتهم و محنتهم أمر الأنبياء أن يتّخذوهم أولياء في حياتهم، و أوصياء بعد وفاتهم، و يصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممّن يقول بطاعة الأنبياء، ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء عليهم السلام في سبعة مواطن، ليبلوا صبرهم، فإذا رضي محنتهم ختم لهم بالسعادة ليلحقهم بالأنبياء، و قد أكمل لهم السعادة.
قال له رأس اليهود: صدقت يا أمير المؤمنين فأخبرني كم امتحنك اللّه في حياة محمّد من مرّة؟ و كم امتحنك بعد وفاته من مرّة؟ و إلى ما يصير آخر أمرك؟
فأخذ عليّ عليه السلام بيده و قال: انهض بنا أنبئك بذلك يا أخا اليهود، فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك معه، فقال:
ص:360
إنّي أخاف أن لا تحتمله قلوبكم، قالوا: و لم ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: لأمور بدت لي من كثير منكم.
فقام إليه الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين أنبئنا فو اللّه إنّا لنعلم أنّه ما على ظهر الأرض وصيّ نبي سواك، و إنّا لنعلم أنّ اللّه لا يبعث بعد نبيّنا نبيّا سواه، و أنّ طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبيّنا.
فجلس عليّ عليه السلام و أقبل على اليهودي فقال: يا أخا اليهود إنّ اللّه عزّ و جلّ امتحنني في حياة نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم في سبعة مواطن، فوجدني فيهنّ-من غير تزكية لنفسي-بنعمة اللّه له مطيعا، قال: فيم و فيم يا أمير المؤمنين؟
قال: أمّا أوّلهنّ فإنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى نبيّنا عليه الصلاة و السلام، و حمله الرسالة و أنا أحدث أهل بيتي سنّا، أخدمه في بيته، و أسعى بين يديه (1)في أمره، فدعا صغير بني عبد المطّلب و كبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أنّه رسول اللّه، فامتنعوا من ذلك و أنكروه عليه، و هجروه، و نابذوه (2)، و اعتزلوه، و اجتنبوه، و سائر الناس مقصين له، و مخالفين عليه، قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم تحتمله قلوبهم، و لم تدركه عقولهم، فأجبت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وحدي إلى ما دعا إليه مسرعا مطيعا موقنا، لم يتخالجني في ذلك شكّ، فمكثنا بذلك ثلاث حجج، و ما على وجه الأرض خلق يصلّي أو يشهد لرسول اللّه بما آتاه اللّه غيري، و غير ابنة خويلد رحمها اللّه و قد فعل ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه، فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
و أمّا الثانية يا أخا اليهود فإنّ قريشا لم تزل تخيّل الآراء و تعمل الحيل في قتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك في يوم الدار دار الندوة و إبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف، فلم تزل
ص:361
تضرب أمرها ظهر البطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كلّ فخذ (1)من قريش رجل، ثم يأخذ كلّ رجل منهم سيفه، ثم يأتي النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و هو نائم على فراشه، فيضربونه جميعهم بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها و لم تسلمها فيمضي دمه هدرا، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأنبأه بذلك، و أخبره بالليلة التي يجتمعون فيها، و الساعة التي يأتون فراشه فيها، و أمره بالخروج في الوقت الّذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالخبر، و أمرني أن أضطجع في مضجعه، و أقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن أقتل دونه، فمضى عليه السلام لوجهه، و اضطجعت في مضجعه، و أقبلت رجالات قريش موقنة في نفسها أن تقتل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا استوى بي و بهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي، و دفعتهم عن نفسي بما قد علمه اللّه و الناس، ثمّ أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: و أما الثالثة يا أخا اليهود فإنّ ابني ربيعة و ابن عتبة كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر، فلم يبرز لهم خلق من قريش فأنهضني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مع صاحبيّ رضي اللّه عنهما (و قد فعل) و أنا أحدث أصحابي سنّا و أقلهم للحرب تجربة، فقتل اللّه عزّ و جلّ بيدي وليدا و شيبة، سوى من قتلت من جحاجحة (2)قريش في ذلك اليوم، و سوى من أسرت، و كان منّي أكثر ممّا كان من أصحابي و استشهد ابن عمّي في ذلك اليوم-رحمة اللّه عليه-ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا:
بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: و أمّا الرابعة يا أخا اليهود فإنّ أهل مكّة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم (3)قد استحاشوا (4)من يليهم من قبائل العرب و قريش طالبين بثأر
ص:362
مشركي قريش في يوم بدر، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأنبأه بذلك فذهب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و عسكر بأصحابه في سدّ أحد، و أقبل المشركون إلينا فحملوا علينا حملة رجل واحد، و استشهد من المسلمين من استشهد، و كان ممّن بقي ما كان من الهزيمة، و بقيت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و مضى المهاجرون و الأنصار إلى منازلهم في المدينة كلّ يقول: قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم (1)و قتل أصحابه، ثم ضرب اللّه عزّ و جلّ وجوه المشركين، و قد جرحت بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نيّفا و سبعين جراحة، منها هذه و هذه ثم ألقى عليه السلام ردائه، و أمرّ يده على جراحاته، و كان منّي في ذلك اليوم ما على اللّه عزّ و جلّ ثوابه إن شاء اللّه، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: و أمّا الخامسة يا أخا اليهود فإنّ قريشا و العرب تجمّعت و عقدت عقدا و ميثاقا لا ترجع عن وجهها حتى تقتل رسول اللّه و تقتلنا معه معاشر بني عبد المطّلب، ثم أقبلت بحدّها و حديدها حتّى أناخت علينا بالمدينة واثقة بأنفسها فيما توجّهت له.
فهبط جبرئيل عليه السلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأنبأه بذلك، فخندق (2)على نفسه و من معه من المهاجرين و الأنصار، فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا، فترى في أنفسها القوة وفينا الضّعف، ترعد و تبرق (3)، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يدعوها إلى اللّه عزّ و جلّ و يناشدها بالقرابة و الرحم، فتأبى و لا يزيدها ذلك إلاّ عتوا، و فارسها فارس
ص:363
العرب يومئذ عمرو بن عبدودّ، يهدر (1)كالبعير المغتلم (2)، يدعو إلى البراز، و يرتجز و يخطر (3)برمحه مرّة و بسيفه مرّة، لا يقدم عليه مقدم، و لا يطمع فيه طامع، و لا حميّة تهيّجه، و لا بصيرة تشجّعه، فأنهضني إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و عمّمني بيده و أعطاني سيفه هذا، و ضرب بيده إلى ذي الفقار، فخرجت إليه و نساء أهل المدينة بواك إشفاقا عليّ من ابن عبدودّ، فقتله اللّه عزّ و جلّ بيدي و العرب لا تعدّ لها فارسا غيره، و ضربني هذه الضربة و أومأ بيده إلى هامته فهزم اللّه قريشا، و العرب بذلك و بما كان منّي فيهم من النكاية، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه، فقال: أليس كذلك، قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: و أمّا السادسة يا أخا اليهود فإنا وردنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود و فرسانها من قريش و غيرها، فتلقّونا بأمثال الجبال من الخيل و الرّجال و السلاح، و هم في أمنع دار، و أكثر عدد، كلّ ينادي و يدعو و يبادر إلى القتال، فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلاّ قتلوه، حتى إذا احمّرت الحدق و دعيت إلى النزال، و أهمّت كلّ امرىء نفسه، فالتفت بعض أصحابي إلى بعض، و كلّ يقول: يا أبا الحسن انهض، فأنهضني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى دارهم، فلم يبرز إليّ منهم أحد إلاّ قتلته، و لا يثبت لي فارس إلاّ طحنته.
ثم شددت عليهم شدّة اللّيث على فريسته، حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسدّدا عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتّى دخلت عليهم مدينتهم وحدي، أقتل من يظهر فيها من رجالها، و أسبي من أجد من نسائها، حتّى فتحتها وحدي و لم يكن لي فيها معاون إلاّ اللّه وحده، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال عليه السلام: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
ص:364
فقال عليه السلام: و أمّا السابعة يا أخا اليهود فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لمّا توجّه لفتح مكّة أحبّ أن يعذر إليهم و يدعوهم إلى اللّه عزّ و جلّ آخرا كما دعاهم أوّلا، فكتب إليهم كتابا يحذّرهم فيه، و ينذرهم عذاب اللّه، و يعدهم الصفح و يمنّيهم مغفرة ربهم، و نسخ لهم في آخره سورة براءة لتقرأ عليهم، ثم عرض على جميع أصحابه المضيّ به فكلّهم يرى التثاقل فيه، فلمّا رأى ذلك ندب منهم رجلا فوجّهه به.
فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك، فأنبأني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك، و وجّهني بكتابه و رسالته إلى أهل مكة فأتيت مكة، و أهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلاّ و لو قدر أن يضع على كلّ جبل مني إربا لفعل، و لو أن يبذل في ذلك نفسه و أهله و ولده و ماله، فبلّغتهم رسالة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قرأت عليهم كتابه، فكلّهم يلقاني بالتهدّد و الوعيد، و يبدي إليّ البغضاء، و يظهر لي الشحناء من رجالهم و نسائهم، فكان منّي في ذلك ما قد رأيتم، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: يا أخا اليهود هذه المواطن الّتي امتحنني فيهنّ ربي عزّ و جلّ مع نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فوجدني فيها كلّها بمنّه مطيعا، و ليس لأحد فيها مثل الّذي لي، و لو شئت لوصفت ذلك، و لكنّ اللّه عزّ و جلّ نهى عن التّزكية.
فقالوا: يا أمير المؤمنين صدقت و اللّه، لقد أعطاك اللّه عزّ و جلّ الفضيلة بالقرابة من نبيّنا، و أسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، و فضّلك بالمواقف الّتي باشرتها، و الأهوال الّتي ركبتها، و ذخر لك الّذي ذكرت و أكثر منه ممّا لم تذكره، و مما ليس لأحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منّا مع نبيّنا و من شهدك بعده، فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك اللّه عزّ و جلّ به بعد نبيّنا فاحتملته و صبرت عليه، فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علما منّا به، و ظهورا منّا عليه، إلاّ أنّا نحبّ أن نسمع منك ذلك، كما سمعنا منك ما امتحنك اللّه به في حياته فأطعته فيها.
ص:365
فقال عليه السلام: يا أخا اليهود إنّ اللّه عزّ و جلّ امتحنني بعد وفاة نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بمنّه و نعمته صبورا.
أمّا أوّلهنّ يا أخا اليهود فإنّه لم يكن لي خاصّة دون المسلمين عامّة أحد آنس به، أو اعتمد عليه، أو استنيم (1)إليه، أو أتقرّب به غير رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، هو ربّاني صغيرا، و بوّأني كبيرا، و كفاني العيلة، و جبرني من اليتم، و أغناني عن الطلب، و وقاني المكسب، و عال (2)لي النفس و الولد و الأهل، هذا في تصاريف أمر الدنيا، مع ما خصّني به من الدّرجات الّتي قادتني إلى معالي الحظوة (3)عند اللّه عزّ و جلّ، فنزل بي من وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما لم أكن أظنّ الجبال لو حملته عنوة (4)كانت تنهض به.
فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، و لا يضبط نفسه، و لا يقوى على حمل فادح (5)ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره، و أذهل عقله، و حال بينه و بين الفهم، و الإفهام، و القول، و الاستماع، و سائر الناس من غير بني عبد المطّلب بين معزّ يأمر بالصبر، و بين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم، و حملت نفسي على الصّبر عند وفاته، بلزوم الصمت و الاشتغال بما أمرني به: من تجهيزه، و تغسيله و تحنيطه و تكفينه، و الصلاة عليه، و وضعه في حفرته، و جمع كتاب اللّه و عهده إلى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر (6)دمعة، و لا هائج زفرة، و لا لاذع حرقة، و لا جزيل مصيبة، حتى أدّيت في ذلك الحقّ الواجب للّه عزّ و جلّ و لرسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ، و بلّغت
ص:366
منه الّذي أمرني به، و احتملته صابرا محتسبا، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه، فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: و أمّا الثانية يا أخا اليهود فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أمّرني في حياته على جميع أمّته، و أخذ على جميع من حضره منهم البيعة و السمع و الطاعة لأمري، و أمرهم أن يبلّغ الشّاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدّي إليهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أمره إذا حضرته، و الأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شيء من الأمر في حياة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و لا بعد وفاته.
ثم أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بتوجيه الجيش الّذي وجّهه مع أسامة (1)بن زيد عند الّذي أحدث اللّه به من المرض الّذي توفّاه فيه، فلم يدع النبي صلى اللّه عليه و آله أحدا من أبناء (2)العرب و لا من الأوس و الخزرج و غيرهم من سائر الناس ممّا يخاف على نقضه و منازعته، و لا أحدا ممن يراني بعين البغضاء ممّن قد و ترته بقتل أبيه و أخيه أو حميمه إلاّ وجّهه في ذلك الجيش، و لا من المهاجرين و الأنصار و المسلمين و غيرهم من المؤلّفة قلوبهم و المنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، و لئلاّ يقول قائل شيئا مما أكرهه، و لا يدفعني دافع من الولاية و القيام بأمر رعيته من بعده.
ثمّ كان آخر ما تكلّم به في شيء من أمر أمّته أن يمضي جيش أسامة و لا يختلف عنه أحد ممّن أنهض معه، و تقدّم في ذلك أشدّ التقدّم، و أوعز فيه أبلغ الإيعاز (3)، و أكد فيه أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد أن قبض النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ برجال من بعث أسامة بن زيد و أهل عسكره قد تركوا مراكزهم، و أخلوا (4)مواضعهم، و خالفوا أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فيما
ص:367
أنهضهم له و أمرهم به، و تقدّم إليهم من ملازمة أميرهم، و السّير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الّذي أنفذه إليه.
فخلّفوا أميرهم مقيما في عسكره، و أقبلوا يتبادرون على الخيل إلى حلّ عقدة عقدها اللّه عزّ و جلّ لي و لرسوله في أعناقهم فحلّوها، و عهد عاهدوا اللّه و رسوله فنكثوه، و عقدوا لأنفسهم عقدا ضجّت به أصواتهم و اختصّت به آراؤهم، من غير مناظرة لأحد منّا بني عبد المطّلب، أو بمشاركة في رأي، أو في استقالة (1)لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك و أنا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مشغول، و بتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود (2)، فإنّه كان أهمّها و أحقّ ما بدىء به منها.
فكان هذا يا أخا اليهود أقرح (3)ما ورد على قلبي مع الّذي أنا فيه من عظيم الرزيّة، و فاجع المصيبة، و فقد من لا خلف منه إلاّ اللّه تبارك و تعالى، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها و سرعة اتصالها، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: و أما الثّالثة يا أخا اليهود فإنّ القائم بعد النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يلقاني معتذرا في كلّ أيامه، و يلزم (4)غيره ما ارتكبه من أخذ حقّي و نقض بيعتي، و يسألني تحليله! فكنت أقول: تنقضي أيّامه ثم يرجع إليّ حقّي الّذي جعله اللّه لي عفوا (5)هنيئا من غير أن أحدث في الإسلام مع حدوثه، و قرب عهده بالجاهلية حدثا في طلب حقّي بمنازعة، لعلّ فلانا يقول فيها: نعم، و فلانا يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل، و جماعة من خواصّ أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أعرفهم بالنصح للّه
ص:368
و لرسوله و لكتابه و دينه الإسلام يأتوني عودا (1)و بدءا و علانية و سرّا فيدعوني إلى آخر حقّي، و يبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدّوا إليّ بذلك بيعتي في أعناقهم، فأقول: رويدا و صبرا قليلا لعلّ اللّه يأتيني بذلك عفوا بلا منازعة، و لا إراقة الدماء.
فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و طمع في الأمر بعده من ليس له بأهل، فقال كلّ قوم: منّا أمير، و ما طمع القائلون في ذلك إلاّ لتناول غيري الأمر، فلمّا دنت وفاة القائم (2)، و انقضت أيّامه صيّر الأمر بعده لصاحبه، و لكانت هذه أخت أختها، و محلّها منّي مثل محلّها، و أخذا منّي ما جعل اللّه لي، فاجتمع إليّ من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله ممّن مضى، و ممّن بقي ممّن أخره (3)اللّه من اجتمع، فقالوا فيها مثل الّذي قالوا في أختها، فلم يعد قولي الثاني قولي الأوّل صبرا و احتسابا و يقينا و إشفاقا من أن تفنى عصبة تألّفهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم باللين مرّة و بالشدّة أخرى، و بالبذل (4)مرّة و بالسيف أخرى.
حتّى لقد كان من تألّفه لهم أن كان النّاس في الكرّ و الفرار (5)و الشبع و الريّ و اللباس و الوطأ (6)و الدثار، و نحن أهل بيت محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم لا سقوف لبيوتنا، و لا أبواب و لا ستور إلاّ الجرائد و ما أشبهها، و لا وطاء و لا دثار علينا، يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، و تطوي اللّيالي و الأيّام جوعا عامّتنا، و ربّما أتانا الشيء ممّا أفاء اللّه علينا، و صيّره لنا خاصّة دون غيرنا، و نحن على ما وصفت من حالنا، فيؤثر به رسول اللّه أرباب النعم
ص:369
و الأموال تألّفا منه لهم، فكنت أحقّ من لم يفرّق هذه العصبة الّتي ألّفها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يحملها على الخطّة (1)الّتي لا خلاص لنا منها دون بلوغها أو فناء آجالها.
لأنّي لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا منّي و في أمري على إحدى منزلتين: إمّا متّبع مقاتل و إمّا مقتول إن لم يتّبع الجميع، و إما خاذل يكفر إن قصرّ في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، و قد علم أنّي منه بمنزلة هارون من موسى، يحلّ به في مخالفتي و الإمساك عن نصرتي ما أحلّ قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون و ترك طاعته، و رأيت تجرّع الغصص وردّ أنفاس الصعداء (2)و لزوم الصبر حتى يفتح اللّه أو يقضي بما أحبّ أزيد لي في حظّي و أرفق بالعصابة الّتي و صفت أمرهم، وَ كانَ أَمْرُ اَللّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (3).
و لو لم أتّق هذه الحالة-يا أخا اليهود-ثمّ طلبت حقّي لكنت أولى ممّن طلبه، لعلم من مضى من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و من بحضرتك منهم بأنّي كنت أكثر عددا و أعزّ عشيرة و أمنع رجالا و أطوع أمرا و أوضح حجة و أكثر في هذا الدين مناقب و آثارا، لسوابقي و قرابتي و وراثتي، فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية الّتي لا مخرج للعباد منها و البيعة المتقدّمة في أعناقهم ممّن تناولها، و قد قبض محمّد صلى اللّه عليه و آله و إنّ ولاية الأمّة في يده و في بيته، لا في يد الأولى (4)تناولوا، و لا في بيوتهم، و لأهل بيته الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: و أمّا الرّابعة يا أخا اليهود فإنّ القائم بعد صاحبه كان
ص:370
يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري، و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحدا و لا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري، و لا يطمع في الأمر بعده سواي، فلمّا أن أتته منيّته على فجأة بلا مرض كان قبله، و لا أمر كان أمضاه في صحّة من بدنه، لم أشكّ أنّي قد استرجعت (1)حقّي في عافية بالمنزلة الّتي كنت أطلبها، و العاقبة الّتي كنت ألتمسها، و أنّ اللّه سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت، و أفضل ما أمّلت.
فكان من فعله أن ختم أمره بأن سمّى قوما أنا سادسهم و لم يسوّني (2)بواحد منهم، و لا ذكر لي حالا في وراثة الرّسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا قرابة و لا صهر و لا نسب، و لا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي، و لا أثر من آثاري، و صيّرها شورى بيننا، و صيّر ابنه فيها حاكما علينا، و أمره أن يضرب أعناق النفر السّتة الّذين صيّر الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره و كفى بالصبر على هذا-يا أخا اليهود-صبرا، فمكث القوم أيّامهم كلّها، كلّ يخطب لنفسه، و أنا ممسك عن أن سألوني عن أمري (3)فناظرتهم في أيّامي و أيّامهم، و آثاري و آثارهم، و أوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم، و ذكّرتهم عهد رسول اللّه إليهم، و تأكيد ما أكّده من البيعة لي في أعناقهم، فدعاهم (4)حبّ الإمارة و بسط الأيدي و الألسن في الأمر و النهي و الركون إلى الدّنيا و الاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل اللّه لهم.
فإذا خلوت بالواحد ذكّرته أيام اللّه و حذّرته ما هو قادم عليه و صائر إليه،
ص:371
التمس منّي شرطا أن أصيّرها له بعدي (1)! فلمّا لم يجدوا عندي إلاّ المحجّة البيضاء، و الحمل على كتاب اللّه عزّ و جلّ و وصية الرسول، و إعطاء كلّ امرىء منهم ما جعله اللّه له، و منعه ما لم يجعل اللّه له، أزالها (2)عني إلى ابن عفّان طمعا في الشحيح معه فيها، و ابن عفّان رجل لم يستو به و بواحد ممن حضره حال قطّ فضلا عمّن دونهم لا ببدر (3)التي هي سنام فخرهم، و لا غيرها من المآثر التي أكرم اللّه بها رسوله و من اختصّه معه من أهل بيته.
ثمّ لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتّى ظهرت ندامتهم، و نكصوا على أعقابهم، و أحال بعضهم على بعض، كلّ يلوم نفسه و يلوم أصحابه، ثم لم تطل الأيّام بالمستبدّ بالأمر ابن عفّان حتى أكفروه و تبرّؤوا منه، و مشى إلى أصحابه خاصّة و سائر أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم على (4)هذه، يستقيلهم من بيعته، و يتوب إلى اللّه من فلتته، فكانت هذه-يا أخا اليهود-أكبر من أختها، و أفظع (5)و أحرى أن لا يصبر عليها، فنالني منها الّذي لا يبلغ وصفه، و لا يحدّ وقته، و لم يكن عندي فيها إلاّ الصبر على ما أمضّ (6)و أبلغ منها.
و لقد أتاني الباقون من السّتة من يومهم كلّ راجع عمّا كان ركب منّي! يسألني خلع ابن عفّان، و الوثوب عليه، و أخذ حقّي، و يعطيني صفقته و بيعته على الموت تحت رايتي، أو يردّ اللّه عزّ و جلّ عليّ حقّي.
فو اللّه-يا أخا اليهود-ما منعني منها إلاّ الذي منعني من أختيها قبلها،
ص:372
و رأيت الإبقاء على من بقي من الطّائفة أبهج لي و آنس لقلبي من فنائها، و علمت أنّي إن حملتها على دعوة الموت ركبته، فأمّا نفسي فقد علم من حضر ممّن ترى و ممّن غاب من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ الموت عندي بمنزلة الشّربة الباردة في اليوم الشديد الحرّ من ذي العطش الصدى (1).
و لقد كنت عاهدت اللّه عزّ و جلّ و رسوله أنا و عمّي حمزة، و أخي جعفر، و ابن عمّي عبيدة على أمر وفينا به للّه عزّ و جلّ و لرسوله، فتقدّمني أصحابي، و تخلّفت بعدهم لما أراد اللّه عزّ و جلّ، فأنزل اللّه فينا: مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اَللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (2)حمزة، و جعفر، و عبيدة (3)، و أنا و اللّه المنتظر-يا أخا اليهود-و ما بدّلت تبديلا.
و ما سكّتني عن ابن عفّان و حثّني على الإمساك إلاّ أنّي عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتى يستدعي الأباعد إلى قتله و خلعه، فضلا عن الأقارب، و أنا في عزلة، فصبرت حتّى كان ذلك، لم أنطق فيه بحرف من «لا» و لا «نعم» ثمّ أتاني القوم، و أنا-علم اللّه-كاره، لمعرفتي بما يطمعون (4)به من اعتقال (5)الأموال و المرح (6)في الأرض، و علمهم بأنّ تلك ليست لهم عندي، و شديد (7)عادة منتزعة، فلمّا لم يجدوا عندي تعلّلوا
ص:373
الأعاليل، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا:
بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: و أمّا الخامسة-يا أخا اليهود-فإنّ المتابعين لي لمّا لم يطمعوا في تلك منّي و ثبوا بالمرأة عليّ، و أنا وليّ أمرها و الوصيّ عليها، فحملوها على الجمل و شدّوها على الرحال، و أقبلوا بها تخبط (1)الفيافي و تقطع البراري و تنبح عليها كلاب الحوأب (2)، و تظهر لهم علامات الندم في كل ساعة و عند كلّ حال، في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، حتى أتت أهل بلدة، قصيرة أيديهم، طويلة لحاهم، قليلة عقولهم، عاذبة آراؤهم، و هم جيران بدو، و ورّاد بحر، فأخرجتهم، يخبطون بسيوفهم من غير علم، و يرمون بسهامهم بغير فهم، فوقفت من أمرهم على اثنتين، كلتاهما في محلّة المكروه ممّن إن كففت لم يرجع و لم يعقل، و إن أقمت كنت قد صرت إلى الّتي (3)كرهت.
فقدّمت الحجّة بالإعذار و الإنذار، و دعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، و القوم الّذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي، و الترك لنقضهم عهد اللّه عزّ و جلّ فيّ، و أعطيتهم من نفسي كلّ الّذي قدرت عليه، و ناظرت بعضهم فرجع و ذكّرت فذكر، ثمّ أقبلت على الناس بمثل ذلك، فلم يزدادوا إلاّ جهلا و تماديا و غيّا، فلمّا أبوا إلاّ هي، ركبتها منهم، فكانت عليهم الدبرة (4)، و بهم الهزيمة، و لهم الحسرة، و فيهم الفناء و القتل، و حملت نفسي على التي لم أجد منها بدّا، و لم يسعني إذ فعلت ذلك و أظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أوّلا من الإعطاء و الإمساك، و رأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم عليّ بإمساكي على ما صاروا إليه و طمعوا فيه من تناول الأطراف، و سفك الدّماء، و قتل الرعية، و تحكيم النساء
ص:374
النّواقص العقول و الحظوظ على كلّ حال، كعادة بني الأصفر (1)و من مضى من ملوك سبأ و الأمم الخالية، فأصبر (2)على ما كرهت أوّلا و آخرا، و قد أهملت المرأة و جندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من النّاس، و لم أهجم على الأمر إلاّ بعد ما قدّمت و أخّرت، فتأنّيت و راجعت، و أرسلت و سافرت، و أعذرت و أنذرت، و أعطيت القوم كلّ شيء التمسوه بعد أن أعرضت عليهم كلّ شيء لم يلتمسوه.
فلما أبوا إلاّ تلك أقدمت عليها، فبلغ اللّه بي و بهم ما أراد، و كان لي عليهم بما كان منّي إليهم شهيدا، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: و أمّا السادسة-يا أخا اليهود-فتحكيمهم الحكمين و محاربة ابن آكلة الأكباد، و هو طليق بن طليق، معاند للّه و لرسوله و للمؤمنين منذ بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن فتح اللّه عليه مكّة عنوة، فأخذت بيعته و بيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم و في ثلاثة مواطن بعده، و أبوه بالأمس أوّل (3)من سلّم عليّ بإمرة المؤمنين، و جعل يحثّني على النهوض في أخذ حقّي من الماضين قبلي، يجدّد لي بيعته كلّما أتاني.
و أعجب العجب أنّه لمّا رأى ربي تبارك و تعالى قد ردّ إليّ حقي، و أقرّه في معدنه، و انقطع طمعه أنّ يصير في دين اللّه رابعا، و في أمانة حمّلناها حاكما، كرّ على العاصي بن العاص فاستماله، فمال إليه، ثم أقبل به بعد أن أطمعه مصر، و حرام عليه أن يأخذ من الفيء دون قسمه درهما، و حرام على الرّاعي إيصال درهم إليه فوق حقّه، فأقبل يخبط البلاد بالظلم، و يطأها بالغشم (4)، فمن بايعه أرضاه، و من خالفه ناواه.
ص:375
ثم توجّه إليّ ناكثا علينا، مغيرا في البلاد شرقا و غربا و يمينا و شمالا، و الأنباء تأتيني و الأخبار ترد عليّ بذلك، فأتاني أعور ثقيف، فأشار إليّ أن أولّيه البلاد الّتي هو بها لأداريه بما أولّيه منها! و في الّذي أشار به الرأي في أمر الدنيا، لو وجدت عند اللّه عزّ و جلّ في توليته لي مخرجا، و أصبت لنفسي في ذلك عذرا، فأعلمت (1)الرأي في ذلك، و شاورت من أثق بنصيحته للّه عزّ و جلّ و لرسوله ولي و للمؤمنين، فكان رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي، ينهاني عن توليته، و يحذّرني أن أدخل في أمر المسلمين يده، و لم يكن اللّه ليراني لأتّخذ المضلّين عضدا، فوجهت إليه أخا (2)بجيلة مرّة، و أخا الأشعريين مرّة، كلاهما (3)ركن إلى الدنيا، و تابع هواه فيما أرضاه.
فلمّا لم أره (4)يزداد فيما انتهك من محارم اللّه إلا تماديا، فشاورت من معي من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم البدريّين، و الّذين ارتضى اللّه عزّ و جلّ أمرهم، و رضي عنهم بعد بيعتهم، و غيرهم من صلحاء المسلمين و التابعين، فكلّ يوافق رأيه رأيي في غزوه و محاربته، و منعه مما نالت يده، و إنّي نهضت إليه بأصحابي، أنفذ إليه من كلّ موضع كتبي، و أوجّه إليه رسلي، أدعوه إلى الرجوع عمّا هو فيه، و الدخول فيما فيه الناس معي، فكتب يتحكّم عليّ و يتمنّى عليّ الأماني، و يشترط عليّ شروطا لا يرضاها اللّه عزّ و جلّ و رسوله، و لا المسلمون، و يشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أبرارا فيهم عمّار بن ياسر، و أين مثل عمّار؟
و اللّه لقد رأينا (5)مع النبي و ما تقدّمنا (6)خمسة إلاّ كان سادسهم، و لا
ص:376
أربعة إلاّ كان خامسهم، اشترط دفعهم إليه ليقتلهم و يصلبهم و انتحل دم عثمان و لعمر اللّه ما ألب (1)على عثمان، و لا جمع الناس على قتله إلاّ هو و أشباهه من أهل بيته، أغصان الشّجرة الملعونة في القرآن.
فلمّا لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كرّ مستعليا في نفسه بطغيانه و بغيه، بحمير لا عقول لهم و لا بصائر، فموّه (2)لهم أمرا فاتّبعوه، و أعطاهم من الدّنيا ما أمالهم به إليه فناجزناهم و حاكمناهم إلى اللّه عزّ و جلّ بعد الإعذار و الإنذار، فلمّا لم يزده ذلك إلاّ تماديا و بغيا لقيناه بعادة اللّه الّتي عوّدنا من النصر على أعدائه و عدوّنا، و راية رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بأيدينا، لم يزل اللّه تبارك و تعالى يفلّ حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه، و هو معلم رايات أبيه الّتي لم أزل أقاتلها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في كلّ المواطن، فلم يجد من الموت منجا إلاّ الهرب.
فركب فرسه و قلّب رايته! لا يدري كيف يحتال؟ فاستعان برأي ابن العاص، فأشار إليه بإظهار المصاحف و رفعها على الأعلام، و الدّعاء إلى ما فيها، و قال: إنّ ابن أبي طالب و حزبه أهل بصائر و رحمة و بقيا (3)، و قد دعوك إلى كتاب اللّه أوّلا و هم مجيبوك إليه آخرا، فأطاعه فيما أشار به عليه، إذ رأى أنه لا منجا له من القتل أو الهرب غيره.
فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه، فمالت إلى المصاحف قلوب من بقي من أصحابي بعد فناء خيارهم (4)و جهدهم في جهاد أعداء اللّه و أعدائهم على بصائرهم، فظنّوا أنّ ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه، فأصغوا إلى دعوته، و أقبلوا بأجمعهم في إجابته، فأعلمتهم أنّ ذلك منه مكر، و من ابن العاص معه، و أنّهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء، فلم يقبلوا قولي و لم يطيعوا أمري، و أبوا إلاّ إجابته كرهت أم هويت، شئت أو أبيت، حتّى أخذ
ص:377
بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفّان أو ادفعوه إلى ابن هند برمّته (1)! فجهدت-علم اللّه-جهدي، و لم أدع علّة (2)في نفسي إلاّ بلّغتها في أن يخلّوني و رأيي فلم يفعلوا، و راودتهم على الصبر على مقدار فواق (3)الناقة أو ركضة (4)الفرس، فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ-و أومأ بيده إلى الأشتر- و عصبة من أهل بيتي.
فو اللّه ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلاّ مخافة أن يقتل هذان-و أومأ بيده إلى الحسن و الحسين-فينقطع نسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و ذريّته من أمّته و مخافة أن يقتل هذا و هذا-و أومأ بيده إلى عبد اللّه بن جعفر، و محمّد بن الحنفية رضي اللّه عنهما-فإنّي أعلم لو لا مكاني لم يقفا ذلك الموقف، فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم اللّه عزّ و جلّ.
فلمّا رفعنا عن القوم سيوفنا، تحكّموا في الأمور، و تخيّروا الأحكام و الآراء، و تركوا المصاحف، و ما دعوا إليه من حكم القرآن، و ما كنت أحكّم في دين اللّه أحدا إذا كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شكّ فيه و لا امتراء.
فلمّا أبوا إلاّ ذلك أردت أن أحكّم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممّن أرضى رأيه و عقله، و أثق بنصيحته و مودّته و دينه، و أقبلت لا أسمّي أحدا إلاّ امتنع منه ابن هند، و لا أدعوه إلى شيء من الحقّ إلاّ أدبر عنه، و أقبل ابن هند يسومنا عسفا (5)و ما ذاك إلا باتّباع أصحابي له على ذلك، فلمّا أبوا إلاّ غلبتي على التحكّم تبرّأت إلى اللّه عزّ و جلّ منهم، و فوّضت ذلك إليهم، فقلّدوه امرءا فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض و غربها، و أظهر المخدوع عليها ندما، ثم أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير
ص:378
المؤمنين.
فقال عليه السلام: و أمّا السّابعة فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان عهد إليّ أن أقاتل في آخر الزّمان من أيّامي قوما من أصحابي يصومون النهار، و يقومون الليل، و يتلون الكتاب، يمرقون بخلافهم علي و محاربتهم إيّاي من الدّين، كما (1)يمرق السهم من الرمية، فيهم ذو الثديّة (2)، يختم لي بقتلهم بالسعادة، فلمّا انصرفت إلى موضعي هذا-يعني بعد الحكمين-أقبل بعض (3)باللائمة، فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين، فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا إلاّ أن قالوا: كان ينبغي لأميرنا أن لا يتابع من أخطأ و أن يقضي بحقيقة رأيه على قتل نفسه و قتل من خالفه منّا، فقد كفر بمتابعته إيّانا و طاعته لنا في الخطأ، و أحلّ لنا بذلك قتله و سفك دمه، فتجمّعوا على ذلك، و خرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى صوتهم لا حكم إلا للّه.
ثمّ تفرّقوا فرقة بالنخيلة (4)، و أخرى بحروراء (5)، و أخرى راكبة رأسها تخبط الأرض شرقا حتّى عبرت دجلة، فلم تمرّ بمسلم إلاّ امتحنه، فمن تابعها استحيته، و من خالفها قتلته، فخرجت إلى الأوليين واحدة بعد أخرى، أدعوهم إلى طاعة اللّه عزّ و جلّ و الرجوع إليه، فأبيا إلاّ السيف لا يقنعهما غير ذلك، فلمّا أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى اللّه عزّ و جلّ فقتل اللّه هذه و هذه.
و كانوا-يا أخا اليهود-لو لا ما فعلوا لكانوا ركنا قويّا و سدّا منيعا، فأبى
ص:379
اللّه إلاّ ما صاروا إليه، ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة، و وجّهت رسلي تترى (1)و كانوا من جلّة (2)أصحابي و أهل التعبّد منهم و الزّهد في الدنيا، فأبت إلاّ اتّباع أختيها و الاحتذاء على مثالهما، و أسرعت (3)في قتل من خالفها من المسلمين، و تتابعت إليّ الأخبار بفعلهم.
فخرجت حتّى قطعت إليهم دجلة، أوجّه السفراء و النصحاء، و أطلب العتبى (4)بجهدي بهذا مرّة و بهذا مرّة-و أومأ بيده إلى الأشتر، و الأحنف بن قيس، و سعيد بن قيس الأرحبي، و الأشعث بن قيس الكندي-فلمّا أبوا إلاّ تلك ركبتها منهم فقتلهم اللّه-يا أخا اليهود-عن آخرهم، و هم أربعة آلاف أو يزيدون، حتّى لم يفلت منهم مخبر، فاستخرجت ذا الثديّة من قتلاهم بحضرة من ترى، له ثدي كثدي المرأة، ثمّ التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال:
أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام: قد وفيت سبعا و سبعا-يا أخا اليهود-و بقيت الأخرى و أوشك بها فكان قد (5)فبكى أصحاب عليّ عليه السلام و بكى رأس اليهود.
و قالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالأخرى فقال عليه السلام: الأخرى أن تخضب هذه-و أومأ بيده إلى لحيته-من هذه-و أومأ بيده إلى هامته-قال:
و ارتفعت أصوات النّاس في المسجد الجامع بالضجّة و البكاء حتّى لم يبق بالكوفة دار إلاّ خرج أهلها فزعا، و أسلم رأس اليهود على يدي عليّ عليه السلام من ساعته.
و لم يزل مقيما حتّى قتل أمير المؤمنين عليه السلام و أخذ (6)ابن ملجم لعنه
ص:380
اللّه، فأقبل رأس اليهود حتّى وقف على الحسن عليه السلام، و النّاس حوله و ابن ملجم لعنه اللّه بين يديه، فقال له: يا أبا محمّد اقتله قتله اللّه، فإنّي رأيت (1)في الكتب الّتي أنزلت على موسى (2)أنّ هذا أعظم عند اللّه عزّ و جلّ جرما من ابن آدم قاتل أخيه، و من القدار عاقر ناقة ثمود (3).
ص:381
ص:382
في طلبه تعجيل الشهادة حين بشرّ بها
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا أحمد (1)بن هارون قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان الأحمر، عن سعد الكناني، عن الأصبغ بن نباتة، عن عبد اللّه بن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
يا عليّ أبشر بالشهادة، فإنّك مظلوم بعدي و مقتول، فقال علي عليه السلام:
يا رسول اللّه و ذلك في سلامة من ديني؟ قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: في سلامة من دينك، يا عليّ لن تضلّ و لن تزلّ، و لولاك لم يعرف حزب اللّه بعدي (2).
2-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن بلال المهلّبي، قال: حدّثني أبو العبّاس أحمد (3)بن الحسين
ص:383
البغدادي، قال: حدّثنا الحسين بن عمر المقري (1)، عن عليّ بن الأزهر (2)، عن عليّ بن صالح المكّي (3)، عن محمّد بن (4)عمر بن علي، عن أبيه، عن جدّه، قال: لمّا نزلت على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إِذا جاءَ نَصْرُ اَللّهِ وَ اَلْفَتْحُ قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ لقد جاء نصر اللّه و الفتح، فإذا رَأَيْتَ اَلنّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اَللّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اِسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّاباً يا عليّ إن اللّه تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي، كما كتب عليهم جهاد المشركين معي، فقلت: يا رسول اللّه و ما الفتنة الّتي كتب علينا فيها الجهاد؟ قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّي رسول اللّه، و هم مخالفون لسنّتي، و طاعنون في ديني.
فقلت: فعلى م نقاتلهم يا رسول اللّه و هم يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه و أنّك رسول اللّه؟ فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: على إحداثهم في دينهم، و فراقهم لأمري، و استحلالهم دماء عترتي، قال: فقلت: يا رسول اللّه إنّك كنت وعدتني الشّهادة فسل اللّه تعجيلها لي، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
أجل، قد كنت وعدتك الشهادة، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا؟ - و أومى إلى رأسي و لحيتي-فقلت: يا رسول اللّه أمّا إذا ثبت لي ما ثبت (5)فليس بموطن صبر، و لكنّه موطن بشرى و شكر، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم:
أجل، فأعدّ للخصومة فإنّك تخاصم أمتي.
قلت: يا رسول اللّه أرشدني الفلح، قال: إذا رأيت قومك قد عدلوا
ص:384
عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم، فإن الهدى من اللّه، و الضلال من الشيطان، يا عليّ إنّ الهدى هو اتّباع أمر اللّه، دون الهوى و الرّأي و كأنّك بقوم قد تأوّلوا القرآن، و أخذوا بالشبهات، و استحلّوا الخمر بالنبيذ، و البخس بالزكاة، و السحت بالهدية.
قلت: يا رسول اللّه فما هم إذا فعلوا ذلك، أهم أهل فتنة أم أهل ردّة؟ فقال: هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل، فقلت: يا رسول اللّه العدل منّا أم من غيرنا؟ فقال: بل منّا، بنا فتح اللّه، و بنا يختم اللّه، و بنا ألّف اللّه بين القلوب بعد الشرك، و بنا يؤلّف بين القلوب بعد الفتنة، فقلت: الحمد للّه على ما وهب لنا من فضله.
و رواه الشيخ المفيد في «أماليه» قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن بلال المهلّبي-و ساق الحديث بالسند و المتن إلاّ أنّ فيه-: فقلت: يا رسول اللّه إذا بيّنت لي ما بيّنت فليس موضع صبر، لكن موطن بشرى و شكر.
و في نسخة من نسخ الشيخ في «أماليه» فقلت: يا رسول اللّه أمّا إذا شئت لي ما شئت فليس بموطن صبر، لكنّه موطن بشرى و شكر (1).
3-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد (2)بن محمّد، عن الحارث بن جعفر، عن عليّ بن إسماعيل بن يقطين، عن عيسى (3)بن المستفاد أبي موسى الضرير، قال: حدّثني موسى بن جعفر، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أليس كان أمير المؤمنين
ص:385
عليه السلام كاتب الوصية، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم المملي عليه، و جبرئيل و الملائكة المقرّبون عليهم السلام شهود؟ قال: فأطرق طويلا (1)ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، و لكن حين نزل برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الأمر نزلت الوصيّة من عند اللّه كتابا مسجّلا، نزل به جبرئيل مع أمناء اللّه تبارك و تعالى من الملائكة، فقال جبرئيل: يا محمّد مر بإخراج من عندك إلاّ وصيّك، ليقبضها منّا، و لتشهدنا بدفعك إيّاها إليه ضامنا لها-، يعني عليّا عليه السلام-، فأمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بإخراج من كان في البيت ما خلا عليّا عليه السلام، و فاطمة عليها السلام فيما بين الستر و الباب.
فقال جبرئيل: يا محمّد ربّك يقرؤك السلام و يقول: هذا كتاب ما كنت عهدت إليك، و شرطت عليك و شهدت به عليك، و أشهدت به عليك ملائكتي و كفى بي يا محمد شهيدا، قال فارتعدت مفاصل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال: يا جبرئيل ربّي هو السلام، و منه السلام، و إليه يعود السلام، صدق عزّ و جلّ و برّ، هات الكتاب، فدفعه إليه و أمره بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: اقرأه، فقرأه حرفا حرفا فقال: يا عليّ هذا عهد ربّي تبارك و تعالى إليّ، و شرطه عليّ، و أمانته، و قد بلّغت، و نصحت، و أدّيت.
فقال عليّ عليه السلام: و أنا أشهد لك-بأبي أنت و أمّي-بالبلاغ، و النصيحة، و التصديق على ما قلت، و يشهد لك به سمعي و بصري و لحمي و دمي، فقال جبرئيل: و أنا لكما على ذلك من الشاهدين.
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ أخذت وصيتي، و عرفتها، و ضمنت للّه ولي الوفاء بما فيها؟ فقال عليّ عليه السلام: نعم-بأبي أنت و أمّي-عليّ ضمانها، و على اللّه عوني و توفيقي على أدائها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا عليّ إني أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة، فقال عليّ عليه السلام: نعم أشهد، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: إنّ جبرئيل و ميكائيل عليهما السلام فيما بيني و بينك الآن، و هما حاضران، معهما
ص:386
الملائكة المقرّبون لأشهدهم عليك، فقال: ليشهدوا و أنا-بأبي أنت و أمّي- أشهدهم، فأشهدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و كان فيما اشترط عليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بأمر جبرئيل عليه السلام فيما أمر (1)اللّه عزّ و جلّ أن قال له: يا عليّ؛ تفي بما فيها من موالاة من والى اللّه و رسوله، و البراءة، و العداوة لمن عادى اللّه و رسوله، و البراءة منهم على الصبر منك، و على كظم الغيظ، و على ذهاب حقّك و غصب خمسك و انهتاك (2)حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول اللّه.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: و الّذي فلق الحبّة، و برء النسمة لقد سمعت جبرئيل يقول للنبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا محمّد؛ عرّفه (3)أنّه ينهتك الحرمة، و هي حرمة اللّه و حرمة رسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم و على أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط (4)، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتّى سقطت على وجهي، و قلت: نعم قبلت و رضيت، و إن انهتكت (5)الحرمة، و عطّلت السنن، و مزّق الكتاب، و هدمت الكعبة، و خضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط، صابرا محتسبا أبدا حتى أقدم عليك.
ثمّ دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السلام، و أعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا مثل قوله، فختمت الوصيّة بخواتيم من فضة (6)لم تمسّه (7)النار، و دفعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
ص:387
فقلت لأبي الحسن عليه السلام: بأبي أنت و أمّي ألا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: سنن اللّه و سنن رسوله، فقلت: أكان في الوصية توثّبهم (1)و خلافهم على أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم، و اللّه شيء بعد شيء و حرف بحرف (2)أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ: إِنّا نَحْنُ نُحْيِ اَلْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (3)و اللّه لقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين و فاطمة عليهما السلام: أليس قد فهمتما ما قدّمت (4)به إليكما فقبلتماه؟ فقالا: بلى، و صبرنا على ما ساءنا و غاضنا.
و في نسخة الصفواني (ره) زيادة (5)(6).
4-الشيخ ورّام (7)في كتابه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن القصباني (8)، عن إبراهيم بن محمّد بن مسلم الثقفي قال: حدّثني عبد اللّه بن بلج المنقري، عن شريك، عن جابر، عن أبي حمزة اليشكري، عن قدامة الأودي، عن إسماعيل بن عبد اللّه الصلعي، و كانت له صحبة، قال: لمّا كثر الاختلاف بين
ص:388
أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و قتل عثمان بن عفّان تخوّفت على نفسي الفتنة، فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحّيت إلى ساحل البحر، فأقمت فيه حينا لا أدري ما فيه النّاس، (معتزلا لأهل البحر (1)و الإرجاف (2)) (3).
فخرجت من بيتي لبعض حوائجي، و قد هدأ (4)الليل و نام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجي ربّه و يتضرّع إليه بصوت شجي (5)و قلب حزين فنصتّ (6)له و أصغيت (7)إليه من حيث لا يراني، فسمعته يقول: يا حسن الصحبة، يا خليفة النبيّين، أنت أرحم الرّاحمين، البديء البديع الذي ليس كمثلك شيء، و الدائم غير الغافل، و الحيّ الّذي لا يموت، أنت كلّ يوم في شأن، أنت خليفة محمّد، و ناصر محمّد، و مفضّل محمّد، أنت الّذي (8)أسألك أن تنصر وصيّ محمّد، و القائم بالقسط بعد محمّد، اعطف عليه نصرك أو توفّني برحمة.
قال: ثم رفع رأسه، فقعد (9)مقدار التشهد، ثم إنّه سلّم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثمّ مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلّمني يرحمك اللّه، فلم يلتفت، و قال: الهادي خلفك، فاسأله عن أمر دينك، قال:
قلت: من هو؟ قال: وصيّ محمّد من بعده، فخرجت متوجّها إلى الكوفة، فأمسيت دونها، فبتّ قريبا من الحيرة، فلمّا أجنّني الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية (10)ثم صفّ قدميه، فأطال المناجاة، و كان فيما قال: اللهمّ إنّي
ص:389
سرت فيهم بما أمرني به رسولك وصفيك، فظلموني، و قتلت من المنافقين كلّما أمرتني فجهلوني، و قد مللتهم و ملّوني، و أبغضتهم و أبغضوني، و لم يبق لي خلّة أنتظرها إلاّ المراديّ، اللّهمّ فاجعل له (1)الشقاء، و تغمّدني بالسعادة، اللّهمّ قد وعدني نبيّك أن تتوفّاني إليك إذ سألتك، اللّهم و قد رغبت إليك في ذلك، ثم مضى فقفوته (2)، فدخل منزله، فإذا هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلم ألبث أن نادى المنادي بالصلاة، فخرج و تبعته، حتى دخل المسجد، فغمصه ابن ملجم لعنه اللّه بالسيف (3).
5-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، قال: حدّثنا أبو عوانة موسى بن يوسف القطّان الكوفيّ، قال:
حدّثنا محمّد بن سليمان المنقريّ (4)الكندي، عن عبد الصمد بن عليّ النوفلي، عن أبي إسحق السبيعي عن الأصبغ بن نباتة العبدي، قال: لمّا ضرب ابن ملجم لعنه اللّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام غدونا عليه نفر من أصحابنا: أنا، و الحارث، و سويد بن غفلة، و جماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء، فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن عليّ عليه السلام، فقال: يقول لكم أمير المؤمنين عليه السلام: انصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري، فاشتدّ البكاء من منزله، فبكيت، فخرج الحسن عليه السلام، و قال: ألم أقل لكم انصرفوا؟ فقلت: لا و اللّه يا بن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ما تتابعني نفسي، و لا تحملني رجلي أن أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين عليه السلام.
قال: و بكيت، فدخل، و لم يلبث أن خرج، فقال لي: ادخل،
ص:390
فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام، و هو إذا مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف (1)، و اصفرّ وجهه ما أدري وجهه أصفرّ أم العمامة، فأكببت عليه فقبّلته، فقال لي: لا تبك يا أصبغ فإنّها و اللّه الجنة، فقلت له: جعلت فداك إنّي أعلم و اللّه إنّك تصير إلى الجنّة، و إنّما أبكي لفقداني إيّاك يا أمير المؤمنين جعلت فداك (2).
6-السيّد الرضي (رض) في «الخصائص» و ابن شهر اشوب في «الفضائل» رحمهما اللّه تعالى: لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه قال عليه السلام:
فزت و ربّ الكعبة (3).
ص:391
ص:392
في صفته عليه السلام
1-قال الشيخ عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» : صفة عليّ عليه السلام قال الخطيب أبو المؤيّد الخوارزمي: عن أبي إسحق، قال: لقد رأيت عليّا عليه السلام أبيض الرأس و اللحية، ضخم البطن، ربعة (1)من الرجال.
و ذكر ابن مندة (2): أنّه كان شديد الأدمة، ثقيل العينين، عظيمهما، ذا بطن و هو إلى القصر أقرب، أبيض الرأس و اللحية، صلوات اللّه عليه و آله الطاهرين.
و زاد محمّد بن (3)حبيب البغدادي صاحب «المحبّر الكبير» آدم اللون، حسن الوجه، ضخم الكراديس (4)، و اشتهر عليه السلام بالأنزع البطين.
أمّا في الصورة فيقال: رجل أنزع: بيّن النزع، و هو الّذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته، و موضعه النزعة، و هما النزعتان، و لا يقال لامرأة:
نزعاء، و لكن زعراء، و البطين: الكبير البطن.
ص:393
و أمّا المعنى فإنّ نفسه نزعت (يقال: نزع إلى أهله ينزع نزاعا: اشتاق، و نزع عن الأمور نزوعا: انتهى عنها) (1)عن ارتكاب الشهوات فاجتنبها، و نزعت إلى اجتناب السيئات فسدّ عليه مذهبها، و نزعت إلى اكتساب الطاعات فأدركها حين طلبها، و نزعت إلى استصحاب الحسنات فارتدى بها و تحلاّها.
و امتلأ علما فلقّب بالبطين، و أظهر بعضا و أبطن بعضا حسب ما اقتضاه علمه الّذي عرف به الحقّ اليقين.
أمّا ما ظهر من علمه فأشهر من الصباح، و أسير في الآفاق من سري الرياح.
و أمّا ما بطن فقال: «بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطّوى البعيدة.
و ممّا ورد في صفته عليه السلام ما أورده صديقنا العزّ المحدّث (2)و ذلك حين طلب منه السعيد بدر الدين لؤلؤ صاحب (3)الموصل أن يخرج أحاديث صحاحا و شيئا ممّا ورد في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام و صفاته، و كتب على أتوار الشمع (4)الإثني عشر التي حملت إلى مشهده عليه السلام و أنا رأيتها، قال: كان ربعة من الرجال، أدعج (5)العينين، حسن الوجه، كأنّه القمر ليلة البدر، حسنا، ضخم البطن، عريض المنكبين، شثن الكفين (6)أغيد (7)كأنّ
ص:394
عنقه إبريق فضّة، أصلع، كثّ اللحية، لمنكبيه مشاش (1)كمشاش السبع الضاري، لا يبين عضده من ساعده، و قد أدمجت إدماجا، إن أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه، فلم يستطع أن ينفّس، شديد الساعد و اليد، إذا مشى إلى الحرب هرول، ثبت الجنان، قويّ، شجاع، منصور على من لاقاه، انتهى كلام علي بن عيسى رحمه اللّه (2).
2-كتاب «الصفوة» لبعض العامّة قال: صفته كان أبيض طويلا، و يقال: لم يكن بالطويل و لا بالقصير، إلى الجف في اللحم ما هو، و يقال:
كان أسمر اللون، خفيف العارضين.
ص:395
ص:396
أنّ أمير المؤمنين عليه السلام و بنيه الأئمّة عليهم السلام أفضل
الخلق بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله
1-ابن بابويه قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعد الهاشمي (1)، قال حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ الهمداني قال: حدّثني أبو الفضل العبّاس بن عبد اللّه البخاري، قال: حدّثنا محمّد ابن القاسم بن إبراهيم بن عبد اللّه بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر، قال: حدّثنا عبد السلام بن صالح الهرويّ، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ما خلق اللّه خلقا أفضل منّي، و لا أكرم عليه منّي، قال عليّ عليه السلام: فقلت: يا رسول اللّه فأنت أفضل أم جبرئيل؟ .
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ إنّ اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقرّبين، و فضّلني على جميع النبيّين و المرسلين، و الفضل بعدي لك يا عليّ و للأئمة من بعدك، فإنّ الملائكة لخدّامنا و خدّام محبينا، يا عليّ الّذين يحملون العرش و من حوله يسبّحون بحمد ربهم، و يستغفرون للّذين
ص:397
آمنوا بولايتنا (1).
يا عليّ لو لا نحن ما خلق اللّه آدم، و لا حوّاء، و لا الجنّة، و لا النار، و لا السماء، و لا الأرض، و كيف لا نكون أفضل من الملائكة؟ و قد سبقناهم إلى معرفة ربّنا و تسبيحه و تهليله و تقديسه، لأنّ أوّل ما خلق اللّه عزّ و جلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده و تحميده، ثمّ خلق الملائكة فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا، فسبّحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون، و أنّه منزّه عن صفاتنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا و نزّهته عن صفاتنا، فلمّا شاهدوا عظم شأئننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلاّ اللّه و انّا عبيد و لسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلاّ اللّه.
فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا لتعلم الملائكة أنّ اللّه أكبر من أن ينال عظم المحل (2)إلاّ به فلمّا شاهدوا ما جعله اللّه لنا من العزّة و القوة، قلنا: لا حول و لا قوة إلاّ باللّه (3)، لتعلم الملائكة أن لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه، فلمّا شاهدوا ما أنعم اللّه به علينا و أوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد للّه، لتعلم الملائكة ما يحقّ (4)للّه تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته، فقالت الملائكة: الحمد للّه، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد اللّه و تسبيحه و تهليله و تحميده و تمجيده.
ثمّ إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق آدم فأودعنا صلبه، و أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا و إكرما، و كان سجودهم للّه عزّ و جلّ عبودية، و لآدم إكراما و طاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون (5)؟ و أنّه لمّا عرج بي إلى السماء أذّن جبرئيل مثنى مثنى، و أقام مثنى مثنى ثمّ قال: تقدم يا محمّد فقلت له: يا جبرئيل أتقدّم عليك؟ فقال: نعم لأنّ
ص:398
اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين و فضّلك (1)خاصة، فتقدّمت فصليت بهم و لا فخر.
فلمّا انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل: تقدّم يا محمّد، و تخلّف عنّي فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال: يا محمّد إنّ انتهاء حدّي الّذي وضعني اللّه عزّ و جلّ فيه إلى هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدّي حدود ربّي جلّ جلاله فزخّ (2)بي في النور زخّة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء اللّه من علوّ ملكه، فنوديت يا محمّد، فقلت: لبيك ربي و سعديك تباركت و تعاليت فنوديت: يا محمّد أنت عبدي و أنا ربّك فإيّاي فاعبد، و عليّ فتوكل، فإنّك نوري في عبادي، و رسولي إلى خلقي، و حجّتي على بريتي، لك و لمن اتّبعك خلقت جنّتي، و لمن خالفك خلقت ناري، و لأوصيائك أوجبت كرامتي، و لشيعتهم أوجبت ثوابي، فقلت: يا ربّ و من أوصيائي؟ فنوديت يا محمّد أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت و أنا بين يدي ربّي جلّ جلاله إلى ساق العرش فرأيت أثنى عشر نورا، في كلّ نور سطر أخضر عليه اسم وصيّ من أوصيائي أوّلهم: عليّ بن أبي طالب، و آخرهم مهديّ أمّتي.
فقلت: يا ربّ هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت: يا محمّد هؤلاء أوليائي و أحبّائي و أصفيائي و حججي بعدك على بريّتي، و هم أوصياؤك و خلفاؤك و خير خلقي بعدك، و عزّتي و جلالي لأظهرنّ بهم ديني، و لأعلينّ بهم كلمتي، و لأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي، و لأمكّننّه مشارق الأرض و مغاربها، و لأسخّرنّ له الرياح، و لأذلّلنّ له السحاب الصعاب، و لأرقينّه في الأسباب، و لأنصرنّه بجندي، و لأمدّنّه بملائكتي حتّى تعلو دعوتي، و يجمع الخلق على
ص:399
توحيدي، ثم لأديمنّ ملكه، و لأداولنّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة (1).
2-ابن بابويه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر ابن أذينة، عن أبان بن أبي عيّاش (2)، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم ابن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان الفارسي يقول: كنت جالسا بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في مرضته الّتي توفّي فيها، و دخلت فاطمة عليها السلام و رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتّى جرت دموعها على خديها فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: و ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا رسول اللّه أخشى على نفسي و ولدي الضيعة بعدك، فاغر ورقت عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالبكاء.
ثم قال: يا فاطمة أما علمت أنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدّنيا و أنّه حتم الفناء على جميع خلقه، و أنّ اللّه تبارك و تعالى اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فاختارني من خلقه و جعلني نبيّا، ثم اطّلع (3)اطّلاعة ثانية فاختار منها زوجك، و أوحي إليّ أن أزوّجك إيّاه، و أن أتّخذه وليّا و وزيرا، و أن أجعله خليفتي في امّتي فأبوك خير أنبياء اللّه و رسله، و بعلك خير الأوصياء، و أنت أوّل من يلحق بي من أهلي.
ثمّ اطّلع إلى الأرض ثالثة فاختارك و ولديك، و أنت سيّدة نساء أهل الجنّة و ابناك حسن و حسين سيّدا شباب أهل الجنّة، و أنا و بعلك و أوصيائي إلى يوم القيامة كلّهم هادون مهديّون، أوّل الأوصياء بعدي أخي عليّ، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي، و ليس في الجنة درجة أقرب إلى
ص:400
اللّه من درجتي و درجة أخي، أما تعلمين يا بنتي (1)أنّ من كرامة اللّه إيّاك أن زوّجك خير أمّتي و خير أهل بيتي، و أقدمهم سلما، و أعظمهم حلما، و أكثرهم علما، فاستبشرت فاطمة عليها السلام و فرحت بما قال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم
ثم قال: يا بنيّة إنّ لبعلك مناقب؛ إيمانه باللّه و رسوله قبل كلّ أحد، لم يسبقه إلى ذلك أحد من أمّتي، و علمه بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّتي، فليس أحد من أمّتي يعلم جميع علمي غير عليّ عليه السلام.
و إنّ اللّه عزّ و جلّ علّمني علما لا يعلمه غيره، و علّم ملائكته و رسله علما، فكلّما علمه ملائكته و رسله فأنا أعلمه، و أمرني اللّه أن أعلّمه إيّاه ففعلت، فليس لأحد من أمّتي يعلم جميع علمي و فهمي و حكمتي غيره، و إنّك يا بنيّة زوجته، و ابناه سبطاي حسن و حسين، و هما سبطا أمّتي و أمره بالمعروف، و نهيه عن المنكر فإن اللّه عزّ و جلّ آتاه الحكمة و فصل الخطاب.
يا بنيّة إنّا أهل بيت أعطانا اللّه عزّ و جلّ ستّ خصال لم يعطها أحدا من الأوّلين كان قبلكم، و لا يعطها أحدا من الآخرين غيرنا، نبيّنا سيّد الأنبياء و المرسلين و هو أبوك، و وصيّنا سيّد الأوصياء و هو بعلك، و شهيدنا سيّد الشهداء و هو حمزة بن عبد المطّلب، و هو عمّ أبيك، قالت: يا رسول اللّه هو سيّد الشهداء الّذين قتلوا معك (2)؟ قال: لا، بل سيّد شهداء الأوّلين و الآخرين ما خلا الأنبياء و الأوصياء، و جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيّار في الجنّة مع الملائكة، و ابناك حسن و حسين سبطا أمتي و سيّدا شباب أهل الجنّة.
و منّا و الّذي نفسي بيده مهديّ هذه الأمّة الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، قالت: و أيّ هؤلاء الّذين سمّيتهم أفضل؟ قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: عليّ بعدي أفضل أمّتي، و حمزة و جعفر أفضل أهل بيتي بعد عليّ
ص:401
و بعدك و بعد ابنيّ و سبطيّ حسن و حسين و بعد الأوصياء من ولد ابني هذا، - و أشار بيده إلى الحسين-، منهم المهديّ عليه السلام.
و إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدّنيا، ثم نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليها و إلى بعلها و إلى ابنيها فقال: يا سلمان أشهد اللّه أنّي سلم لمن سالمهم، و حرب لمن حاربهم، أما إنّهم في الجنّة معي.
ثم أقبل على عليّ عليه السلام فقال: يا أخي أنت ستبقى بعدي، و ستلقى من قريش شدّة، و من تظاهرهم عليك و ظلمهم، فإن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم، و قاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعوانا فاصبر و كفّ يدك و لا تلق بها إلى التهلكة، فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى، و لك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه، و كادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش و تظاهرهم عليك، فإنّك بمنزلة هارون و من تبعه، و هم بمنزلة العجل و من تبعه، يا عليّ إنّ اللّه تبارك و تعالى قد قضى الفرقة و الاختلاف على هذه الأمّة، فلو شاء اللّه لجمعهم على الهدى حتّى لا يختلف اثنان من هذه الأمّة، و لا ينازع في شيء من أمره، و لا يجحد المفضول لذوي الفضل فضله، و لو شاء اللّه لعجّل النقمة، و كان منه التغيير حتى يكذّب الظالم، و يعلم الحقّ إلى مصيره، و لكنه جعل الدنيا دار الأعمال، و جعل الآخرة دار القرار، لِيَجْزِيَ اَلَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ اَلَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (1)فقال عليه السلام: الحمد للّه شكرا على نعمائه و صبرا على بلائه (2).
3-الشيخ في «أماليه» قال أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال:
حدّثنا الشريف الصالح أبو محمّد الحسن بن حمزة (3)قال: حدّثنا أبو القاسم نصر
ص:402
ابن الحسن الوراميني قال: حدّثنا أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي، قال: حدّثنا محمّد بن الوليد المعروف بشاب الصيرفي مولى بني هاشم، قال: حدّثنا سعيد الأعرج، قال: دخلت أنا و سليمان بن خالد (1)على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام، فابتدأني فقال: يا سليمان ما جاء عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يؤخذ به، و ما نهى عنه ينتهى عنه، جرى له من الفضل ما جرى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لرسوله الفضل على جميع من خلق اللّه.
العائب على أمير المؤمنين عليه السلام في شيء كالعائب على اللّه عزّ و جلّ و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و الرادّ عليه في صغير أو كبير على حدّ الشرك باللّه كان أمير المؤمنين عليه السلام باب اللّه الذي لا يؤتى إلاّ منه، و سبيله الّذي من تمسّك بغيره هلك، كذلك جرى حكم الأئمة عليهم السلام بعده واحد بعد واحد، جعلهم اللّه أركان الأرض، و هم الحجّة البالغة على من فوق الأرض و من تحت الثرى، أما علمت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: أنا قسيم اللّه بين الجنّة و النار، و أنا الصادق (2)الأكبر، و أنا صاحب العصا و الميسم (3)و لقد أقر لي جميع الملائكة و الروح بمثل ما أقرّوا لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لقد حملت (4)مثل حمولة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي حمولة الرّب، و أنّ محمّدا
ص:403
يدعى فيكسي، و يستنطق فينطق، و أدعى فأكسي و أستنطق فأنطق، و لقد أعطيت خصالا لم يعطها أحد قبلي، علمت البلايا و القضايا و فصل الخطاب (1)
4-و من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفّق بن أحمد، قال: أخبرني شهردار (2)إجازة، أخبرني عبدوس كتابة، أخبرني أبو طالب (3)، حدّثني ابن مردويه، حدّثني أحمد بن محمّد بن عاصم (4)، حدّثني عمران بن عبد الرحيم (5)، حدّثني أبو الصلت الهرويّ، حدّثني الحسين بن الحسن الأشقر (6)، حدّثني قيس، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن أبي أيوب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرض مرضة فأتته فاطمة عليها السلام تعوده، فلمّا رأت ما برسول اللّه من الجهد و التعب و الضّعف استعبرت، فبكت حتّى سالت دموعها على خدّيها.
فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة إنّ لكرامة اللّه تعالى إيّاك زوّجتك من أقدمهم سلما، و أكثرهم علما، و أعظمهم حلما، إنّ اللّه تعالى اطّلع إلى أهل الأرض اطّلاعة فاختارني منهم، فبعثني نبيّا مرسلا، ثمّ اطّلع اطّلاعة فاختار منهم بعلك، فأوحى إليّ أن أزوّجه إيّاك 7و أتّخذه وصيّا و أخا 8.
ص:404
و حديث الإطّلاعة في عدّة أسانيد مذكورة في كتاب «الإنصاف» (1)في النّص على الأئمة الإثني عشر صلوات اللّه عليهم أجمعين.
ص:405
ص:406
انه عليه السلام خير البرية من طرق الخاصة و العامة و هو من الباب
الأول
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أبو عمر، قال: أخبرنا أحمد، يعني بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحسن القطواني، قال: حدّثنا إبراهيم بن أنس الأنصاري، قال: حدّثنا إبراهيم (1)بن جعفر بن عبد اللّه بن محمّد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: كنّا عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قد أتاكم أخي، ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمّ قال: و الّذي نفسي بيده إنّ هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة.
ثمّ قال: إنّه أوّلكم إيمانا معي، و أوفاكم بعهد اللّه، و أقومكم بأمر اللّه، و أعدلكم في الرعية، و أقسمكم بالسويّة، و أعظمكم عند اللّه مزيّة، قال:
فنزلت: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (2)قال: فكان أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أقبل عليّ عليه السلام قالوا: قد جاء خير البريّة (3).
ص:407
2-محمّد بن العبّاس بن ماهيار، المعروف بابن الجحام الثقة، في تفسيره «فيما نزل في أهل البيت عليهم السلام» عن أحمد بن الهيثم (1)، عن الحسن بن عبد الواحد، عن حسن بن حسين، عن يحيى بن مساور، عن إسماعيل بن زياد، عن إبراهيم بن مهاجر (2)، عن يزيد بن شراحيل (3)كاتب عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت عليّا عليه السلام يقول: حدّثني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أنا مسنده إلى صدري، و عائشة من أذني (4)، فأصغت عائشة لتسمع إلى ما يقول، فقال: أي أخي ألم تسمع قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (5)؟ ثم التفت إليّ فقال: أنت يا عليّ و شيعتك موعدي و موعدكم الحوض إذا جئت بالأمم تدعون غرّا محجّلين، متوّجين، شباعا مرويّين (6).
3-و عنه، عن أحمد بن هوذة (7)، عن إبراهيم بن إسحاق (8)، عن عبد اللّه بن حمّاد (9)، عن عمرو بن شمر، عن أبي مخنف (10)، عن يعقوب بن ميثم، أنّه وجد في كتب أبيه أنّ عليا عليه السلام قال: سمعت رسول اللّه
ص:408
صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (1)ثمّ التفت إليّ فقال: أنت يا عليّ و شيعتك، و ميعادك و ميعادهم الحوض، تأتون غرّا محجلين متوّجين.
قال يعقوب: فحدّثت به أبا جعفر عليه السلام فقال: هكذا هو عندنا في كتاب عليّ صلوات اللّه عليه و آله (2).
4-و عنه، عن أحمد بن (3)محمّد الورّاق، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن أبي عبد اللّه، عن مصعب (4)بن سلاّم، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة عليها السلام: يا بنيّة بأبي أنت و أمّي أرسلي إلى بعلك فادعيه لي، فقالت فاطمة للحسن عليه السلام: انطلق إلى أبيك فقل له: إن جدي يدعوك، فانطلق إليه الحسن فدعاه، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام حتّى دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و فاطمة عنده، و هي تقول: و اكرباه لكربك يا أبتاه.
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لا كرب على أبيك بعد هذا اليوم يا فاطمة، إنّ النبي لا يشقّ عليه الجيب، و لا يخمش عليه الوجه، و لا يدعى عليه بالويل، و لكن قولي كما قال أبوك على ابنه إبراهيم: العين تدمع و قد يوجع القلب و لا نقول ما يسخط الرب، و أنا بك يا إبراهيم لمحزون، و لو عاش إبراهيم لكان نبيّا، ثم قال: يا عليّ ادن منّي، فدنا منه، فقال: ادخل أذنك في فمي، ففعل، فقال: يا أخي ألم تسمع يقول اللّه عزّ و جلّ في كتابه:
ص:409
إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (1)؟ قال: بلى يا رسول اللّه، فقال: هم أنت و شيعتك، تجيئون غرّا محجّلين شباعا مرويين، ألم تسمع قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ وَ اَلْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ اَلْبَرِيَّةِ (2)؟ قال: بلى يا رسول اللّه، قال: هم أعداؤك و شيعتهم، يجيئون يوم القيامة مسودّة وجوههم، ظماء مظمئين، أشقياء معذّبين، كفّارا منافقين، ذاك لك و لشيعتك، و هذا لعدوك و شيعتهم (3).
5-و عنه، عن جعفر بن محمد الحسني (4)و محمد بن أحمد الكاتب، قالا: حدّثنا محمد بن عليّ بن خلف، عن أحمد بن عبد اللّه، عن معاوية (5)بن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبيه، عن جدّه، أنّ عليا عليه السلام قال لأهل الشورى: أنشدكم باللّه هل تعلمون يوم أتيتكم، و أنتم جلوس مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: هذا أخي قد أتاكم، ثم التفت إلى الكعبة قال: و رب الكعبة المبنيّة إنّ هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة؟
ثم أقبل عليكم و قال: أما إنّه أولكم إيمانا، و أقومكم بأمر اللّه، و أوفاكم بعهد اللّه، و أقضاكم بحكم اللّه، و أعدلكم في الرعية، و أقسمكم بالسويّة، و أعظمكم عند اللّه مزيّة فأنزل اللّه سبحانه: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (6)فكبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و كبّرتم، و هنّأتموني بأجمعكم، فهل تعلمون أنّ ذلك كذلك؟ قالوا: اللّهمّ
ص:410
نعم (1).
6-و من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفّق بن أحمد، و هو من أعيان المخالفين في كتابه المعمول في فضائل عليّ عليه السلام قال: أنبأني أبو العلا الحسن بن أحمد، أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر الأشعثي، أخبرنا أبو القاسم (2)إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الجرجاني ببغداد، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، أخبرنا أبو أحمد عبد اللّه بن عديّ الحافظ، حدّثنا الحسن بن علي الأهوازي، حدّثنا معمر بن سهل، حدّثني أبو سمرة أحمد بن سالم (3)حدّثني شريك، عن الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «عليّ خير البريّة» (4).
7-و عنه قال: أنبأني سيّد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إليّ من همدان، أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد اللّه بن عبدوس الهمداني كتابة، حدّثنا أبو الحسن (5)محمد بن أحمد البزّاز ببغداد، حدّثنا القاضي أبو عبد اللّه الحسين بن هارون بن محمد الضبيّ (6)، حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، أن محمّد بن أحمد القطواني (7)قال: حدّثنا إبراهيم بن أنس الأنصاري، حدّثنا إبراهيم بن
ص:411
جعفر بن عبد اللّه بن محمّد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كنّا عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأقبل عليّ بن أبي طالب (رض) ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: قد أتاكم أخي، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده.
ثم قال: و الّذي نفسي بيده إنّ هذا و شيعته الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنّه أوّلكم إيمانا معي، و أوفاكم بعهد اللّه، و أقومكم بأمر اللّه، و أعدلكم في الرعية، و أقسمكم بالسويّة، و أعظمكم عند اللّه مزيّة.
قال: في ذلك الوقت نزلت فيه: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (1)قال: و كان أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا أقبل عليّ عليه السلام قالوا: قد جاء خير البريّة (2).
ص:412
في حسن خلقه و إكرام الضيف و الحياء و غير ذلك
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن القداح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: دخل رجلان على أمير المؤمنين عليه السلام فألقى لكلّ واحد منهما وسادة، فقعد عليها أحدهما و أبى الآخر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اقعد عليها، فإنّه لا يأبى الكرامة إلاّ حمار، ثم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (1).
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صاحب رجلا ذميّا فقال له الذمي: أين تريد يا عبد اللّه فقال:
أريد الكوفة، فلمّا عدل الطّريق بالذمي عدل معه أمير المؤمنين عليه السلام فقال الذّمي: ألست زعمت أنّك تريد الكوفة؟ فقال له: بلى، فقال له الذمي:
فقد تركت الطريق؟ فقال له: قد علمت ذلك، قال: فلم عدلت معي و قد علمت ذلك؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، و كذلك أمرنا نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم،
ص:413
فقال له الذّمي: هكذا قال؟ قال: نعم، قال الذّمي: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، فأنا أشهدك أنّي على دينك و رجع الذّمي مع أمير المؤمنين عليه السلام فلمّا عرفه أسلم (1).
3-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، بإسناد له ذكره عن الحارث الهمداني، قال: سامرت (2)أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين عرضت لي حاجة، قال: فرأيتني لها أهلا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: جزاك اللّه عنّي خيرا، ثمّ قام إلى السراج فأغشاها و جلس، ثم قال: إنّما أغشيت السراج لئلاّ أرى ذلّ حاجتك في وجهك، فتكلّم، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: الحوائج أمانة من اللّه في صدور العباد، فمن كتمها كتبت له عبادة، و من أفشاها كان حقّا على من سمعها أن يعينه (3)(4).
4-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن عيسى العبيدي، عن الحسن (5)بن علي، عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا أراد قضاء الحاجة وقف على باب المذهب (6)ثم التفت يمينا و شمالا إلى ملكيه فيقول: أميطاعنّي (7)فلكما اللّه عليّ ألاّ أحدث حدثا حتّى أخرج إليكما (8).
ص:414
5-و عنه في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال:
أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عمران المرزباني، قال: أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا أحمد بن سعيد، قال: حدّثني الزبير بن بكّار، قال: حدّثنا عليّ بن محمد، قال: كان عمرو بن العاص يقول: إنّ في عليّ دعابة، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: زعم ابن النابغة (1)أنّي تلعابة (2)مزّاحة ذو دعابة أعافس (3)و أمارس، هيهات يمنع من العفاس و المراس ذكر الموت و خوف البعث و الحساب، و من كان له قلب ففي هذا عن هذا له واعظ و زاجر، أما و شرّ القول الكذب، إنّه ليحدّث فيكذب، و يعد فيخلف، فإذا كان يوم البأس فأيّ زاجر و آمر هو ما لم يأخذ السيوف هام الرجال (4)؟ فإذا كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم (5)إسته (6).
6-و من طريق المخالفين ما رواه في مسند أحمد بن حنبل، رواه عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا وكيع، قال:
حدّثنا عليّ بن صالح (7)، عن أبيه، عن سعيد بن عمرو القرشي (8)، عن
ص:415
عبد اللّه بن عيّاش (1)، قال: قلت له: أخبرنا عن هذا الرجل، يعني عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: إنّ لنا أخطارا و أحسابا، و نحن نكره أن نقول:
ما يقول بنو عمّنا: قال: كان عليّ عليه السلام رجلا تلعابة يعني مزّاحا، قال: و كان إذا قرع قرع إلى ضرس من حديد، قال: قلت: و ما ضرس حديد؟ قال: قراءة القرآن، و فقه في الدين، و شجاعة، و سماحة (2).
ص:416
في المفردات
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر البغيبغة (1)و كان الرّجل ممّن يرجو نوافله و يؤمّل نائله و رفده، و كان لا يسأل عليّا عليه السلام و لا غيره شيئا، فقال رجل لأمير المؤمنين: و اللّه ما سألك فلان، و لقد كان يجزيه من الخمسة الأوساق وسق واحد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا كثّر اللّه في المؤمنين ضربك، أعطي أنا و تبخل أنت للّه أنت إذا أنا لم أعط الّذي يرجوني إلاّ بعد المسألة ثمّ أعطيه بعد المسألة فلم أعطه ثمن ما أخذت منه، و ذلك لأنّي عرضته أن يبذل لي وجهه الّذي يعفره في التراب لربّي و ربّه عند تعبّده له و طلب حوائجه إليه
فمن فعل هذا بأخيه المسلم و قد عرف أنّه موضع لصلته و معروفه فلم يصدق اللّه في دعائه له، حيث يتمنّى له الجنّة بلسانه و يبخل عليه بالحطام من ماله، و ذلك أنّ العبد قد يقول في دعائه: اللّهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات، فإذا دعا لهم بالمغفرة فقد طلب لهم الجنّة فما أنصف من فعل هذا بالقول و لم
ص:417
يحققه بالفعل (1).
2-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: أتي أمير المؤمنين عليه السلام بدهن و قد كان ادّهن فادّهن و قال إنّا لا نردّ الطيب (2).
3-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن مرازم بن حكيم، عمّن رفعه إليه، قال: إن حارثا الأعور أتى أمير المؤمنين عليه السلام و قال: يا أمير المؤمنين أحبّ أن تكرمني بأن تأكل عندي، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: على أن لا تتكلّف لي شيئا و دخل، فأتاه الحارث بكسرة، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يأكل، فقال له الحارث: إنّ معي دراهم، و أظهرها فإذا هي في كمّه، فإن أذنت لي اشتريت لك شيئا غيرها، فقال لي أمير المؤمنين عليه السلام: هذه ممّا في بيتك (3).
4-و عنه، عن جماعة، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن حفص الأعور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ صلوات اللّه عليه إذا سجد يتخوّى (4)كما يتخوّى البعير الضامر، يعني بروكه (5).
5-و عنه، عن محمّد بن إسماعيل (6)، عن الفضل بن شاذان، عن
ص:418
حمّاد بن عيسى، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه قال:
كان عليّ عليه السلام إذا هاله شيء فزع إلى الصلاة ثمّ تلا هذه الآية:
وَ اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ اَلصَّلاةِ 1 (1).
6-الشيخ في «أماليه» أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا أبو أحمد عبيد اللّه بن الحسين بن إبراهيم العلويّ النصيبيّ رحمه اللّه ببغداد، قال: سمعت جدي إبراهيم بن عليّ، يحدّث عن أبيه عليّ بن عبد اللّه، قال:
حدّثني شيخان برّان من أهلنا سيّدان عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه.
و حدّثنيه الحسين بن زيد بن عليّ ذو الدمعة، قال: حدّثني عمّي عمر (2)بن عليّ قال: حدثني أخي محمّد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه الحسين صلوات اللّه عليهم.
قال أبو جعفر عليه السلام: حدّثني عبد اللّه بن العبّاس، و جابر بن عبد اللّه الأنصاري، و كان بدريا أحديا شجريا، و ممن يحظّ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في مودّة أمير المؤمنين عليه السلام قالوا: بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في مسجده في رهط من أصحابه فيهم: أبو بكر و أبو عبيدة، و عمر، و عثمان، و عبد الرحمن، و رجلان من قرّاء الصحابة من المهاجرين: عبد اللّه بن أمّ عبد، و من الأنصار: أبيّ بن كعب و كانا بدريين، فقرأ عبد اللّه من السّورة الّتي يذكر فيها لقمان حتّى أتى على هذه الآية:
وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً (3)الآية، و قرأ أبيّ من السّورة الّتي يذكر
ص:419
فيها إبراهيم عليه السلام: وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اَللّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ (1)قالوا: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أيّام اللّه نعماؤه و بلائه و مثلاته سبحانه.
ثمّ أقبل صلى اللّه عليه و آله و سلّم على من شهده من الصحابة فقال: إنّي لأتخوّ لكم بالموعظة تخوّلا مخافة السأمة عليكم، و قد أوحى إليّ ربّي جلّ و تعالى أن أذكّركم بأنعمه و أنذركم بما اقتصّ (2)عليكم من كتابه، و تلى: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ الآية (3).
ثم قال لهم قولوا: الآن قولكم ما أوّل نعمة رغّبكم اللّه فيها و بلاكم بها؟ فخاض القوم جميعا، فذكروا نعم اللّه الّتي أنعم عليهم و أحسن إليهم من المعاش و الرّياش و الذّرية و الأزواج إلى سائر ما بلاهم اللّه عزّ و جلّ من أنعمه الظاهرة فلمّا أمسك القوم أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم على عليّ عليه السلام، فقال: يا أبا الحسن قل فقد قال أصحابك فقال: و كيف لي بالقول فداك أبي و أمّي و إنّما هدانا اللّه بك، قال: و مع ذلك فهات قل ما أوّل نعمة بلاك اللّه عزّ و جلّ و أنعم عليك بها؟ قال: أن خلقني جلّ ثناؤه و لم أك شيئا مذكورا.
قال: صدقت فما الثانية؟ قال: أن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيّا لا مواتا (4).
قال: صدقت فما الثالثة؟ قال: أن أنشأني فله الحمد في أحسن صورة و أعدل تركيب.
قال: صدقت فما الرابعة؟ قال: أن جعلني متفكّرا واعيا (5)لا بلها
ص:420
ساهيا.
قال: صدقت فما الخامسة؟ قال: أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها و جعل لي سراجا منيرا.
قال: صدقت فما السّادسة؟ قال: أن هداني لدينه، و لم يضلّني عن سبيله.
قال: صدقت فما السّابعة؟ قال: أن جعل لي مردّا في حياة لا انقطاع لها.
قال: صدقت فما الثّامنة؟ قال: أن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا.
قال: صدقت فما التّاسعة؟ قال: سخّر لي سمائه و أرضه و ما فيهما و ما بينهما من خلقه.
قال: صدقت فما العاشرة؟ قال: أن جعلنا سبحانه ذكرانا (1)قوّاما على حلائلنا لا إناثا.
قال: صدقت فما بعد هذا قال: كثرت نعم اللّه يا نبيّ اللّه فطابت (2)، وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اَللّهِ لا تُحْصُوها (3)فتبسّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم يا أبا الحسن، و أنت وارث علمي، و المبيّن لأمّتي ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبّك لدينك و أخذ بسبيلك فهو ممّن هدي إلى صراط مستقيم، و من رغب عن هداك و أبغضك و تخلاّك لقي اللّه يوم القيامة لا خلاق له (4).
7-و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر (5)الرّزاز القرشي رحمه اللّه قال: حدّثنا الحسن بن موسى
ص:421
الخشّاب، قال: حدّثني محمّد بن المثنّى الحضرمي (1)، عن زرعة (2)، يعني ابن محمّد الحضرمي، عن المفضّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام رفعه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه عزّ و جلّ نصب عليا عليه السلام علما بينه و بين خلقه، فمن عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من جهله كان ضالاّ، و من عدل بينه و بين غيره كان مشركا، و من جاء بولايته دخل الجنّة، و من جاء بعداوته دخل النّار 3.
8-و عنه، بإسناده عن الشعبيّ، عن صعصعة 4بن صوحان، قال:
عادني أمير المؤمنين عليه السلام في مرض، ثمّ قال: أنظر فلا تجعلنّ عيادتي إيّاك فخرا على قومك، و إذا رأيتهم في أمر فلا تخرج منه، فإنّه ليس بالرّجل غنى عن قومه، إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه أيدي كثيرة، فإذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه، و إذا رأيتهم في شرّ فلا تخذلنّهم، و ليكن تعاونكم على طاعة اللّه، فإنّكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة اللّه تعالى و تناهيتم عن معاصيه 5.
9-و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل قال: أخبرنا أبو جعفر
ص:422
محمّد بن جرير الطبري، قراءة، قال: حدّثنا أبو كريب (1)محمّد بن العلاء.
و حدّثنا عبد الرحمن (2)بن أبي حاتم الرازي بالري، قال: حدّثني أبو زرعة عبيد اللّه (3)بن عبد الكريم، قال: حدّثنا عمرو (4)بن حمّاد بن طلحة القنّاد قال: حدّثنا أسباط بن نصر، عن سماك، يعني ابن حرب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس رحمه اللّه أنّ عليا عليه السلام كان يقول في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ (5)و اللّه لا نقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه، و لئن مات أو قتل قاتلت على ما قاتل عليه حتى أموت، و اللّه إنّي لأخوه و ابن عمّه و وارثه فمن أحقّ به منّي؟ (6).
10-و عنه، قال: أخبرنا الحفّار، قال: حدّثنا عبد اللّه (7)بن محمّد، قال: حدّثنا محمّد بن أبي بكر الواسطي، قال: حدّثنا أحمد (8)بن محمّد بن زيد، قال: حدّثنا حسين (9)بن حسن، قال: حدّثنا قيس (10)بن الربيع، عن أبي هاشم 11الرمّاني، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال
ص:423
رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى، و رأسي من بدني 1.
11-و من طريق المخالفين، ما رواه ابن المغازلي الشافعي في كتاب «مناقب» عليّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن عليّ بن العبّاس البزّار رفعه 2إلى إسماعيل 3بن أبي خالد، عن قيس، قال: سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإنّه أعلم، فقال: يا أمير المؤمنين قولك فيها أحب إليّ من قول عليّ عليه السلام فقال: بئس ما قلت، و لؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يغرّه بالعلم غرّا 4و لقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، و لقد كان عمر بن الخطّاب يسأله فيأخذ عنه، و لقد شهدت عمر إذا أشكل عليه شيء قال: هاهنا عليّ؟
قم لا أقام اللّه رجليك، و محى اسمه من الديوان 5.
ص:424
12-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: حدّثني أبو جعفر (1)محمّد بن عثمان الصيرفيّ قال: أخبرني أبو بكر محمّد بن عبد اللّه العلاّف المعروف بالمستعين (2)، قراءة عليه، قال: حدّثنا محمّد بن أبي يعقوب الدينوري، قال: حدّثنا عبد اللّه (3)بن محمّد البلوي، قال: حدّثنا عمارة (4)بن زيد، قال: حدّثني بكر بن حارثة الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد اللّه، قال: سمعت عليّا عليه السلام ينشد و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يسمع:
أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي معه ربيت و سبطاه هما ولدي
جدّي و جدّ رسول اللّه منفرد و فاطم زوجتي لا قول ذي فند
فالحمد للّه شكرا لا شريك له البرّ بالعبد و الباقي بلا أمد
قال: فتبسّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: صدقت يا عليّ (5).
ص:425
ص:426
في أنه عليه السلام لم يفرّ من زحف و مصابرته في القتال
1-ابن شهر اشوب عن النطنزي (1)في «الخصائص» (2)شقيق بن سلمة (3)قال: كان عمر يمشي فالتفت إلى ورائه وعدى، فسألته عن ذلك، فقال: ويحك أما ترى الهزبر بن الهزبر (4)القثم (5)بن القثم، الفلاق للبهم (6)، الضارب على هامة من طغى و ظلم، ذا السيفين ورائي؟ فقلت:
هذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: تكلتك أمّك إنّك تحقره، بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يوم أحد أنّ من فرّ منا فهو ضالّ، و من قتل فهو شهيد و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يضمن له الجنّة، فلمّا التقى الجمعان هزمونا. و هذا كان يحاربهم وحيدا حتى انسل نفس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و جبرئيل، ثم قال: عاهدتموه و خالفتموه، و رمى بقبضة رمل، و قال: شاهت الوجوه فو اللّه ما كان منا إلاّ من أصابت عينه رملة و رجعنا نمسح
ص:427
وجوهنا قائلين: اللّه اللّه أقلنا يا أبا الحسن أقلنا أقالك اللّه، فالكرّ و الفرّ عادة العرب فاصفح، و قلّ ما أراه وحيدا إلاّ خفت منه (1).
2-تفسير عليّ بن إبراهيم، و أبان بن عثمان: أنه أصاب عليّا عليه السلام يوم أحد أحد و ستون جراحة (2).
3-تفسير القشيري قال أنس بن مالك: إنّه أتي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بعليّ عليه السلام و عليه نيّف و ستون جراحة، قال أبان: أمر النبي أمّ سليم (3)و أمّ عطية (4)أن تداوياه، فقالتا: قد خفنا عليه، فدخل النبيّ عليه الصلوة و السلام، و المسلمون يعودونه، و هو قرحة واحدة، فجعل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يمسحه بيده، و يقول: إن رجلا لقي هذا في اللّه لقد أبلي (5)و أعذر، و كان يلتأم.
فقال علي عليه السلام: الحمد للّه الذي لم يراني أفرّ و لم أوّل الدبر، فشكر اللّه تعالى له ذلك في موضعين من القرآن: و هو قوله: وَ سَيَجْزِي اَللّهُ اَلشّاكِرِينَ (6)وَ سَنَجْزِي اَلشّاكِرِينَ (7)(8).
4-قال ابن شهر اشوب: قد تصفّحنا كتاب المغازلي فما وجدنا لأبي بكر و عمر فيه أثرا البتّة، و قد أجمعت الأمّة أنّ عليّا كان المجاهد في سبيل اللّه
ص:428
و الكاشف الكرب عن وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله المقدّم في سائر الغزوات إذا لم يحضره النبيّ صلى اللّه عليه و آله فإذا حضر فهو تاليه، و صاحب للراية و اللواء معا، و ما كان قطّ تحت لواء أحد، و لا فرّ من زحف، و إنّهما فرّا في غير موضع، و كانا تحت لواء جماعة و وقوفه يوم حنين في وسط أربعة و عشرين ألفا، يضارب بسيفه إلى أن ظهر المدد من السماء قال: و لا إشكال في هزيمة عمر و عثمان (1).
5-و في حديث طويل أنّه قال أبو بكر لعمر: إنّ هذه الدنيا أهون على عليّ عليه السلام من لقاء أحدنا للموت، أنسيت يوم أحد؟ و قد فررنا بأجمعنا و صعدنا الجبل، و قد أحاطت به ملوك القوم، و صناديد قريش، موقنين بقتله، لا يجد محيصا للخروج من أوساطهم، فلمّا أن شدّ عليه القوم برماحهم نكس نفسه عن دابّته حتّى جاوزه طعان القوم، ثمّ قام في ركابه، و قد مرق عن سرجه، و هو يقول: يا اللّه يا اللّه، يا جبرئيل يا جبرئيل، يا محمّد يا محمّد، النجاة النجاة، ثمّ عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربة بالسيف فبقي على فكّ و لسان.
ثمّ عمد إلى صاحب الرّاية فضربه على جمجمته، يدقّ بعضهم بعضا، و جعل يمسحهم بالسيف مسحا، حتّى تركهم جراثيم جمودا على تلعة من الأرض، يتجرّعون كؤوس الموت، قد اختطف أرواحهم بسيفه، و نحن نتوقّع منه أكثر من ذلك، و لم نكن نضبط من أنفسنا من مخافته، حتّى التفت إليك التفاتة، و كان منه إليك ما تعلم، و لو لا آية في كتاب اللّه لكنّا من الهالكين، و هو قوله تعالى: وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ (2)فاترك هذا الرجل ما تركك، و لا يغرنّك خالد (3)بن الوليد أنّه يقتله، فإنّه لا يجسر على ذلك و إن رامه كان أوّل مقتول، فإنّه من ولد عبد مناف إذا هاجوا هيّبوا، و إن غضبوا أدموا، و لا سيّما
ص:429
عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإنّه بابها الأكبر، و سنامها الأطول، و همامها الأعظم، و شجاعها الأسبل (1).
قال: ثمّ إنّ عمر و أبا بكر أرسلا لخالد بن الوليد، و سألا أن يقتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأجابهما إلى ذلك.
و ساق الحديث، و هو مشهور، و هو مرويّ عن الصادق عليه السلام (2).
6-عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» قال: روي عن عكرمة، قال:
سمعت عليّا عليه السلام يقول: لمّا انهزم الناس عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم يوم أحد لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي، و كنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ليفرّ، و ما رأيته في القتلى، و أظنّه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي، و قلت: لأقاتلنّ به حتّى أقتل، و حملت على القوم فأفرجوا عنّي فإذا بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قد وقع على الأرض مغشيّا عليه (3)، فقمت على رأسه فنظر إليّ.
و قال: ما فعل الناس يا عليّ؟ فقلت: كفروا يا رسول اللّه و ولّوا الدبر من العدوّ (4)و أسلموك، فنظر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى كتيبة قد أقبلت إليه، فقال لي: ردّهم (5)عنّي، فحملت عليهم أضربهم يمينا و شمالا حتّى فرّوا، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أما تسمع مديحا (6)في السماء.
إنّ ملكا اسمه رضوان يقول (7): لا سيف إلاّ ذو الفقار-و لا فتى إلاّ عليّ
ص:430
فبكيت سرورا، و حمدت اللّه تعالى على نعمته.
و هذه المناداة بهذا قد نقلوها الرواة و تداولها الأخبار (1)و لم ينفرد بها الشيعة بل وافقهم على ذلك الجمّ الغفير (2)(3).
7-قال: و روي عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام عن أبيه قال: كان أصحاب اللواء (4)تسعة كلّهم قتلهم عليّ عليه السلام (5)عن آخرهم، و انهزم القوم، و بارز الحكم (6)بن الأخنس، فضربه فقطع رجله من نصف الفخذ فهلك منها، و أقبل أميّة بن أبي حذيفة (7)و هو دارع، و هو يقول:
يوم بيوم بدر، و عرض له رجل من المسلمين فقتله أميّة فعمد (8)له عليّ عليه السلام و ضربه على هامته، فنشب السّيف في بيضته (9)، و سيفه في درقة (10)عليّ عليه السلام، فنزعا سيفهما و تناوشا (11).
قال عليّ عليه السلام و لمّا انهزم الناس و ثبت قال صلى اللّه عليه
ص:431
و آله و سلّم: مالك لا تذهب مع القوم؟ فقال عليه السلام: أذهب و أدعك يا رسول اللّه؟ و اللّه لا برحت حتى أقتل أو ينجز اللّه لك ما وعدك من النصر، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أبشر يا عليّ فإن اللّه ينجز (1)وعده و لن ينالوا منّا مثلها أبدا.
ثمّ نظر إلى كتيبة قد أقبلت إليه، فقال: احمل على هؤلاء يا عليّ فحملت، فقتلت منها هشام (2)بن أميّة المخزومي، و انهزموا، و أقبلت كتيبة أخرى فقال: احمل على هذه فحملت فقتلت منها عمرو بن عبد اللّه الجمحي (3)، و انهزمت أيضا، و عادت أخرى فحملت عليها فقتلت بشر بن مالك العامري، و انهزمت فلم يعد بعدها أحد، و تراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و انصرف المشركون إلى مكّة، و انصرف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى المدينة فاستقبلته فاطمة عليها السلام و معها إناء فيه ماء، فغسل به وجهه، و لحق به أمير المؤمنين عليه السلام و قد خضّب الدم يده إلى كتفه و معه ذو الفقار، فناوله فاطمة عليها السلام و قال لها: خذي هذا السيف فقد صدّقني اليوم، و قال:
أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديد (4)و لا بمليم (5)
أميطي دماء الكفر عنه فإنّه سقى آل عبد الداركاس حميم
لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد و طاعة ربّ بالعباد عليم
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خذيه يا فاطمة فقد أدّى بعلك ما عليه، و قتل اللّه صناديد قريش (6).
ص:432
8-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رض) قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن محمّد بن أبي عمير جميعا عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لمّا كان يوم أحد انهزم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حتّى لم يبق معه إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام و أبو دجانة (1)سماك بن خرشة، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أبا دجانة أما ترى قومك؟ قال: بلى قال: الحق بقومك، قال: ما على هذا بايعت اللّه و رسوله، قال: أنت في حلّ قال: و اللّه لا تتحدّث قريش بأنّي خذلتك و فررت، أذوق ما تذوق، فجزاه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم جزاء (2).
و كان عليّ عليه السلام كلّما حملت طائفة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم استقبلهم وردّهم حتّى أكثر فيهم القتل و الجراحات حتّى انكسر سيفه، فجاء إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إنّ الرجل يقاتل بسلاحه و قد انكسر سيفي فأعطاه صلّى اللّه عليه و آله سيفه ذو الفقار فما زال يدفع به عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حتى أثر و أنكر (3)، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام و قال: يا محمّد إنّ هذه لهي المواساة من عليّ لك، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: إنّه منّي و أنا منه، فقال جبرئيل: و أنا منكما، و سمعوا دويّا من السماء: لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ علي (4).
9-الشيخ المفيد في «الاختصاص» في حديث سبعين منقبة لأمير المؤمنين
ص:433
عليه السلام دون الصحابة عن ابن دأب (1)و ذكر مناقب عليّ عليه السلام إلى أن قال:
ثم ترك الوهن و الاستكانة، إنّه انصرف من أحد و به ثمانون جراحة، تدخل الفتائل في موضع و تخرج من موضع، فدخل عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عائدا، و هو مثل المضغة على نطع، فلمّا رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بكى، فقال له: إنّ رجلا يصيبه هذا في اللّه لحقّ على اللّه أن يفعل به و يفعل، فقال مجيبا له و بكى: بأبي أنت و أمّي الحمد للّه الّذي لم يرني ولّيت عنك و لا فررت، بأبي أنت و أمّي كيف حرمت الشهادة؟ قال: إنّها من ورائك إن شاء اللّه.
قال: فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ أبا سفيان قد أرسل موعده (2)بيننا و بينكم حمراء الأسد، فقال: بأبي أنت و أمّي و اللّه لو حملت على أيدي الرجال ما تخلّفت عنك، قال: فنزل القرآن: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اَللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اِسْتَكانُوا وَ اَللّهُ يُحِبُّ اَلصّابِرِينَ (3)و نزلت الآية فيه قبلها: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اَللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ اَلدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها، وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ اَلْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي اَلشّاكِرِينَ (4).
ثم ترك الشكاية في ألم الجراحة شكت المرأتان (5)إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ما يلقى، و قالتا: يا رسول اللّه خشينا عليه مما تدخل الفتائل في موضع الجراحات من موضع إلى موضع، و كتمانه ما يجد من الألم.
ص:434
قال: فعد ما به أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا فكانت ألف جراحة من قرنه إلى قدمه صلوات اللّه عليه (1).
ص:435
ص:436
انّ رسول اللّه أوصى إليه عليه السلام من طرق الخاصة و العامة
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحق الطّالقاني (رض) قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أفضل الكلام قول لا إله إلاّ اللّه، و أفضل الخلق أوّل من قال: لا إله إلاّ اللّه، فقيل له: يا رسول اللّه و من أوّل من قال: لا إله إلاّ اللّه؟ قال: أنا، و أنا نور بين يدي اللّه جلّ جلاله أوحّده و أسبّحه و أكبّره و أقدّسه و أمجّده، و يتلوني (1)شاهد منّي.
فقيل: يا رسول اللّه و من الشّاهد منك؟ قال: عليّ بن أبي طالب أخي (2)و وصيّي و وزيري و وارثي و خليفتي و إمام أمّتي، و صاحب حوضي، و حامل لوائي، فقيل: يا رسول اللّه فمن يتلوه؟ قال: الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة (3).
ص:437
2-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه اللّه، قال: حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد (1)بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عبّاس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: معاشر الناس من أحسن من اللّه قيلا و أصدق حديثا؟ معاشر الناس إنّ ربّكم جلّ جلاله أمرني أن أقيم لكم عليّا علما و إماما و خليفة و وصيّا، و أن أتّخذه أخا و وزيرا، معاشر الناس إنّ عليّا باب الهدى بعدي، و الداعي إلى ربي، و هو صالح المؤمنين، و من أحسن قولا ممّن دعا إلى اللّه و عمل صالحا و قال: إنّني من المسلمين؟
معاشر الناس إنّ عليا منّي، ولده ولدي، و هو زوج حبيبتي، أمره أمري، و نهيه نهيي، معاشر الناس عليكم بطاعته و اجتناب معصيته، فإنّ طاعته طاعتي، و معصيته معصيتي، معاشر الناس إنّ عليا صدّيق هذه الأمّة و فاروقها و محدّثها: إنّه هارونها و يوشعها، و آصفها و شمعونها، إنّه باب حطّتها، و سفينة نجاتها، إنّه طالوتها و ذو قرنيها.
معاشر الناس إنّه محنة الورى، و الحجّة العظمى، و الآية الكبرى و إمام (2)الهدى و العروة الوثقى، معاشر الناس إنّ عليا مع الحقّ و الحقّ معه، و عليّ لسانه، معاشر الناس إنّ عليّا قسيم النار، لا يدخل النار وليّ له، و لا ينجو منها عدوّ له، و إنّه قسيم الجنّة لا يدخلها عدوّ له، و لا يتزحزح (3)عنها وليّ له معاشر أصحابي قد نصحت لكم و بلّغتكم رسالة ربّي ولكن لا تحبّون الناصحين، أقول قولي هذا، و أستغفر اللّه لي و لكم (4).
3-و عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن الهيثم بن أبي مسروق
ص:438
النهدي، عن الحسين (1)بن علوان، عن عمرو (2)بن ثابت، عن أبيه، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم على منبر الكوفة: أنا سيّد الوصيين، و وصيّ سيّد النبيّين، أنا إمام المسلمين، و قائد المتّقين، و وليّ المؤمنين، و زوج سيّدة نساء العالمين، أنا المتختّم باليمين، و المعفّر للجبين، أنا الّذي هاجرت الهجرتين، و بايعت البيعتين، أنا صاحب بدر و حنين، أنا الضّارب بالسيفين (3)، و الحامل على فرسين، أنا وارث علم الأوّلين، و حجة اللّه على العالمين بعد الأنبياء و محمد بن عبد اللّه خاتم النبيّين.
أهل موالاتي مرحومون، و أهل عداوتي ملعونون، و لقد كان حبيبي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كثيرا ما يقول لي: يا عليّ حبك تقوى و إيمان، و بغضك كفر و نفاق، و أنا بيت الحكمة و أنت مفتاحه، كذب من زعم أنّه يحبّني و يبغضك (4).
4-و عنه، قال: حدّثنا محمد بن عليّ رحمه اللّه، عن عمّه: محمّد بن أبي القاسم عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل، عن جابر بن يزيد، عن أبي الزّبير المكّي، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه تبارك و تعالى اصطفاني و اختارني و جعلني رسولا و أنزل عليّ سيّد الكتب، فقلت: إلهي و سيّدي إنّك
ص:439
أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا تشدّ به عضده، و يصدّق به قوله، و إنّي أسألك يا سيّدي و إلهي أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشدّ به عضدي فاجعل لي عليّا وزيرا و أخا، و اجعل الشجاعة في قلبه، و اكسه الهيبة على عدوّه، و هو أوّل من آمن بي و صدقني، و أوّل من وحّد اللّه معي، و إنّي سألت ذلك ربّي عزّ و جلّ فأعطانيه فهو سيّد الأوصياء، اللحوق به سعادة، و الموت في طاعته شهادة، و اسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، و زوجته الصدّيقة الكبرى ابنتي، و ابناه سيّدا شباب أهل الجنة ابناي، و هو و هما و الأئمّة من بعدهم حجج اللّه على خلقه بعد النبيين، و هم أبواب العلم، من تبعهم نجى من النار، و من اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم، لم يهب اللّه محبّتهم لعبد إلاّ أدخله اللّه الجنة (1).
5-و عنه، قال: حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: أخبرنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن (2)معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، و يستمسك بالعروة، و يعتصم بحبل اللّه المتين فليوال عليا بعدي و ليعاد عدوّه، و ليأتمّ بالأئمة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي و أوصيائي، و حجج اللّه على الخلق بعدي، و سادة أمّتي، و قادة الأتقياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي، و حزبي حزب اللّه، و حزب أعدائهم حزب الشيطان (3).
6-و عنه، قال: حدّثنا أحمد (4)بن محمّد، قال أخبرنا محمّد (5)بن
ص:440
علي بن يحيى قال: حدّثنا أبو بكر (1)بن نافع، قال: حدّثنا أميّة (2)بن خالد قال: حدثنا حماد بن سلمة (3)، قال: حدّثنا عليّ بن (4)زيد، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يا عليّ و الّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّك لأفضل الخليقة بعدي، يا عليّ أنت وصيّي، و إمام أمّتي، من أطاعك أطاعني، و من عصاك عصاني (5).
7-و عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه اللّه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: المخالف على عليّ بن أبي طالب بعدي كافر، و المشرك به مشرك، و المحبّ له مؤمن، و المبغض له منافق، و المقتفي لأثره لا حق، و المحارب له مارق، و الرادّ عليه زاهق.
عليّ نور اللّه في بلاده، و حجّته على عباده، عليّ سيف اللّه على أعدائه، و وارث علم أنبيائه، عليّ كلمة اللّه العليا، و كلمة أعدائه السفلى، عليّ سيد الأوصياء، و وصيّ سيّد الأنبياء، عليّ أمير المؤمنين، و قائد الغرّ المحجّلين، و إمام المسلمين، لا يقبل اللّه الإيمان إلاّ بولايته و طاعته (6).
8-و عنه، قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عبد اللّه (7)بن الحسن المؤدّب، عن أحمد بن عليّ الإصفهاني، عن إبراهيم بن محمّد
ص:441
الثقفي، قال: حدّثنا مخوّل بن إبراهيم (1)، قال: حدّثنا عبد الرحمن (2)بن الأسود اليشكري، عن محمّد بن عبيد اللّه (3)، عن سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه، قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من وصيّك من أمّتك؟ فإنّه لم يبعث نبيّ إلاّ كان له وصيّ من أمّته، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لم يبيّن لي بعد، فمكثت ما شاء اللّه أن أمكث، ثمّ دخلت المسجد، فناداني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: يا سلمان سألتني عن وصيّي من أمّتي، فهل تدري من كان وصيّ موسى من أمّته؟ فقلت: كان يوشع بن نون فتاه، فقال: هل تدري لم كان أوصى إليه؟ قلت: اللّه و رسوله أعلم، قال: أوصى إليه لأنّه كان أعلم أمّته بعده، و وصيّي و أعلم أمّتي بعدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام (4).
9-و من طريق المخالفين ما رواه عبد اللّه بن أحمد بن حنبل في «مسند» أبيه أحمد بن حنبل، عن الهيثم (5)بن خلف، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمر الدوري (6)قال: حدّثنا شاذان (7)، قال: حدّثنا جعفر بن (8)زياد، عن
ص:442
مطر (1)، عن أنس، يعني ابن مالك، قال: قلنا لسلمان: سل النبيّ صلى اللّه عليه و آله من وصيّه؟ فقال له سلمان: يا رسول اللّه من وصيّك؟ فقال صلى اللّه عليه و آله: يا سلمان من كان وصيّ موسى؟ فقال يوشع بن نون، قال: قال صلى اللّه عليه و آله: وصيّي و وارثي من يقضي ديني، و ينجز موعدي، عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2).
10-الثعلبي، قال: أخبرني الحسين (3)بن محمّد بن الحسين، حدّثنا موسى بن محمّد، حدّثنا الحسن بن عليّ بن شبيب المعبري (4)حدّثنا عبّاد بن يعقوب، حدّثنا عليّ بن هاشم، عن صبّاح بن يحيى المزني، عن زكريّا بن ميسرة (5)، عن أبي إسحق، عن البرآء، قال لمّا نزلت:
وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ (6)جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بني عبد المطلب، و هم يومئذ أربعون رجلا، الرّجل منهم يأكل المسنّة، و يشرب العسّ (7)، فأمر عليّا أن يدخل شاة فأدمها (8).
ثمّ قال: ادنوا بسم اللّه، فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدورا ثمّ دعا بقعب (9)من لبن فجرع منه جرعة، ثم قال لهم: هلموا اشربوا
ص:443
بسم اللّه، فشربوا حتى رووا، فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرّجل، فسكت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يومئذ فلم يتكلّم، ثمّ دعاهم من الغد إلى مثل ذلك الطعام و الشراب، ثم أنذرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: يا بني عبد المطلب إنّي أنا النذير إليكم من اللّه عزّ و جلّ، و البشير لما لم يجيء به أحد، جئتكم بالدّنيا و الآخرة فأسلموا و أطيعوني تهتدوا.
ثمّ قال: من يواخيني و يوازرني و يكون ولييّ و وصيّي بعدي و خليفتي في أهلي و يقضي ديني؟ فسكت القوم، و أعاد ذلك ثلاثا كلّ ذلك يسكت القوم، و يقول عليّ عليه السلام: أنا، فقال في المرّة الثالثة: أنت، فقام القوم و هم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمّر عليك (1).
11-أبو الحسن الفقيه ابن المغازلي الشافعي الواسطي في كتاب «المناقب» قال: أخبرنا أبو طالب محمّد بن أحمد بن عثمان، قال: أخبرنا أبو عمر محمّد بن العباس بن حيّويه الخزّاز إذنا، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ الدهّان المعروف بأخي (2)حمّاد، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن الخليل بن هارون البصري، قال: حدّثنا محمّد بن الخليل الجهني، قال:
حدثنا هشيم عن أبي بشر (3)، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنه، قال: كنت جالسا مع فتية من بني هاشم عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذ انقضّ كوكب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: من انقضّ هذا النجم في منزله فهو الوصيّ من بعدي! فقام فتية من بني هاشم، فنظروا فإذا الكوكب قد انقضّ في منزل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قالوا:
يا رسول اللّه غويت في حبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأنزل اللّه تعالى:
وَ اَلنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى إلى قوله: بِالْأُفُقِ
ص:444
اَلْأَعْلى (1).
12-صدر الأئمّة موفّق بن أحمد من أعيان علماء الجمهور، قال: أنبأني الإمام الحافظ صدر الحفّاظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطّار الهمداني إجازة، حدّثنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر الحافظ، أخبرنا أبو الحسين (2)أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد اللّه، أخبرنا أبو القاسم (3)عيسى بن عليّ بن عيسى بن داود الجرّاح، أخبرنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز البغوي، قال: حدّثنا محمّد بن حميد الرازي حدّثنا عليّ بن (4)مجاهد، حدّثنا محمّد بن إسحق، عن شريك بن عبد اللّه، عن أبي ربيعة (5)الأيادي، عن ابن بريدة (6)، عن أبيه عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لكلّ نبيّ وصيّ و وارث، و إنّ عليا وصييّ و وارثي (7).
13-و عنه قال: أنبأني أبو العلا هذا، أخبرنا الحسن بن أحمد المقري، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ، حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد (8)بن أحمد بن عليّ بن مخلد، حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة (9)، حدثنا
ص:445
إبراهيم (1)بن محمّد بن ميمون، حدّثنا عليّ بن 2عابس، عن الحارث بن حصين، عن القاسم بن جندب، عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أنس اسكب لي وضوء ثم قام فصلّى ركعتين.
ثمّ قال: يا أنس أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، و سيّد المسلمين، و قائد الغرّ المحجّلين، و خاتم الوصيين.
قال: قلت: اللّهمّ اجعله رجلا من الأنصار، و كتمته، إذ جاء عليّ عليه السلام فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: من هذا يا أنس؟ فقلت: عليّ عليه السلام، فقام مستبشرا فاعتنقه، ثمّ جعل يمسح عرق وجهه، و يمسح عرق وجه عليّ عن وجهه، فقال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعته بي من قبل؟ قال: و ما يمنعني و أنت تؤدّي عنّي، و تسمعهم صوتي، و تبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي 3.
14-و عنه، قال: أخبرني شهردار إجازة، أخبرنا عبدوس هذا كتابة، أخبرنا أبو طالب 4، عن ابن مردويه، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عاصم، حدّثنا عمران بن عبد الرحيم، قال: حدّثنا أبو الصلت الهروي، حدّثنا حسين بن حسن الأشقر، حدّثنا قيس، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن أبي أيوب، أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله مرض مرضا فأتته فاطمة عليها السلام تعوده، فلمّا رأت ما برسول اللّه من الجهد و التعب و الضعف استعبرت، فبكت حتّى سالت دموعها على خدّيها، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة إنّ لك لكرامة على اللّه زوّجك من هو أقدمهم
ص:446
سلما (1)، و أكثرهم علما، و أعظمهم حلما، إنّ اللّه تعالى اطّلع إلى أهل الأرض اطّلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيّا مرسلا، ثمّ اطّلع اطّلاعة فاختار منهم بعلك، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليّ أن أزوّجه إيّاك (2)و أتّخذه وصيّا و أخا.
15-و عنه، قال: أخبرني شهردار هذا إجازة، أخبرنا عبدوس هذا كتابة، حدّثنا الشيخ أبو الفرج محمّد بن سهل، حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن تركان، حدّثني زكريا بن عثمان أبو القاسم ببغداد، حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابي حدّثنا الحسن بن موسى بن محمّد بن عبّاد الجزّار، حدّثنا عبد الرحمن بن القاسم الهمداني، حدّثنا أبو حاتم محمّد بن محمّد الطالقاني أبو مسلم، عن الخالص الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن الناصح عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن الثقة محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن الرّضا عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن الأمين موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام عن الصادق جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام عن الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام عن الزكيّ زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن البر الحسن (3)بن عليّ بن أبي طالب، عن المرتضى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، عن المصطفى محمّد الأمين سيّد المرسلين من الأوّلين و الآخرين صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لعليّ بن أبي طالب: يا أبا الحسن كلّم الشمس فإنّها تكلمك، قال عليّ رضي اللّه عنه:
السّلام عليك أيّها العبد الصالح، المطيع للّه تعالى، فقالت الشمس:
ص:447
و عليك السلام يا أمير المؤمنين، و إمام المتقين، و قائد الغرّ المحجّلين، يا عليّ أنت و شيعتك في الجنة، يا عليّ أوّل ما تنشقّ الأرض عن محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ أنت، و أوّل من يكسى محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم ثم أنت.
قال: فانكبّ عليّ ساجدا، و عيناه تذرفان دموعا، فانكبّ عليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: يا أخي و حبيبي ارفع رأسك، فقد باهى اللّه بك أهل سبع سموات (1).
قال المؤلف: انظر أيّها الأخ إلى هذه الأحاديث، و هذا الحديث في فضله عليه السلام و أنّه وصيّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بالنصّ عليه من اللّه سبحانه و تعالى و من رسوله صلى اللّه عليه و آله، و الأحاديث من طرق الخاصّة و العامّة في النصّ بأنّه وصيّ رسول اللّه ما لا تحصى، و قد صنّف في ذلك العلماء، و جملة من الفضلاء، و أنا أذكر لك هنا جملة ممّن صنّف في ذلك.
كتاب الوصية للشيخ الجليل إبراهيم بن محمّد بن سعيد بن هلال المتوفى سنة (283) ه.
كتاب الوصية للشيخ الجليل أحمد بن محمّد بن خالد البرقي المتوفى سنة (264) ه.
كتاب الوصية للشيخ الجليل عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفى سنة (332) .
كتاب الوصية للشيخ الجليل عليّ بن الحسين المسعودي صاحب مروج الذهب. . . توفّي (346) .
كتاب الوصية (و الإمامة) للشيخ الجليل عليّ بن رئاب أبي الحسن الطحّان الكوفي الراوي عن الصادق عليه السلام.
كتاب الوصية للشيخ الجليل عيسى بن المستفاد أبو موسى الضرير الراوي
ص:448
عن الجواد عليه السلام.
كتاب الوصية للشيخ الجليل محمّد بن أحمد المعروف بالصابوني. أدرك الغيبتين.
كتاب الوصية للشيخ الجليل محمّد بن الحسن بن الفرّوخ، عدّه الشيخ من أصحاب العسكري عليه السلام.
كتاب الوصية للشيخ الجليل محمّد بن يعقوب الكليني. المتوفى سنة (329) ه.
كتاب الوصية للشيخ الجليل محمّد بن الحسن الطوسي. المتوفى سنة (460) ه.
كتاب الوصية للشيخ الصدوق محمّد بن بابويه القمي المتوفى سنة (381) ه.
كتاب الوصايا للشيخ الجليل محمّد بن عليّ بن الفضل بن تمام سمع منه التلعكبري سنة (340) ه.
كتاب الأوصياء و ذكر الوصايا تأليف السعيد عليّ بن محمّد بن زياد الصيمري و هو ممن لحق الإمام علي بن محمد الهادي و الإمام الحسن العسكري عليهما السلام وجد الكتاب بعد وفاة مصنفه سنة (288) .
كتاب الوصايا للشيخ الجليل محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى القرشي أبي سمينة يرويه عنه النجاشي.
كتاب للشيخ محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر المقتول سنة (322) .
كتاب الوصايا للشيخ الجليل موسى بن الحسن بن عامر الأشعري القمي.
كتاب الوصايا للشيخ الجليل هشام بن الحكم الكوفي المتوفى سنة (199) .
كتاب الوصيّة للشيخ الجليل الحسين بن سعيد بن حماد الأهوازي المتوفى بقم.
ص:449
كتاب الوصايا للشيخ الجليل الحكم بن مسكين أبي محمد الكوفي المكفوف الراوي عن الصادق عليه السلام.
كتاب الوصايا للشيخ الجليل عليّ بن أبي المغيرة الراوي عن الباقر و الصادق عليهما السلام.
كتاب الوصايا للشيخ علي بن الحسن بن علي بن فضال ذكره الشيخ في أصحاب الهادي و العسكري عليهما السلام.
كتاب الحجج القوية لم يحضرني اسم مصنفه و هو كتاب حسن (1).
كتاب التحفة البهيّة في إثبات الوصيّة لمصنّف هذا الكتاب هاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسيني قد اشتمل على أربعمائة و خمسين حديثا من طرق الخاصة، منها ما يزيد على خمسين حديثا من طرق العامّة.
و إثبات وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و بنيه الأحد عشر الأئمة عليهم السلام ممّا تظافرت به الأخبار و تواترت به الآثار، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين.
ص:450
الموضوع الصفحة المنهج الثاني في حلية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و صفاته، و فيه خمسون بابا.5
الباب الأوّل في شأنه عليه السلام في الأمر الأوّل.9
الباب الثاني و هو من الباب الأوّل.15
الباب الثالث في مولده الشريف عليه السلام، و كلامه في بطن امّه، و حال ولادته.19
الباب الرابع في تربية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له عليه السلام و اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.27
الباب الخامس في أنّه عليه السلام أوّل من أسلم، و صلّى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو صغير.33
الباب السادس في أنّه عليه السلام أوّل من أسلم، و صلّى مع النبي صلّى اللّه عليه و آله من طريق المخالفين.43
الباب السابع فيما أجاب به النبى صلّى اللّه عليه و آله حين قيل في إسلامه عليه السلام طفلا.55
الباب الثامن في شدّة يقينه عليه السلام و إيمانه.61
الباب التاسع فيما ذكره الحسن عليه السلام من سوابق أبيه عليه السلام.71
ص:451
الباب العاشر في ترتيب أحواله عليه السلام عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.83
الباب الحادي عشر في تورّطه في صعب الامور رضا للّه عزّ و جلّ و لرسوله.87 الباب الثاني عشر في مبيته عليه السلام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فيه نزل قوله تعالى وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ .103
الباب الثالث عشر من الأوّل من طريق المخالفين.111
الباب الرابع عشر في فضل سوابقه عليه السلام وسعتها.119
الباب الخامس عشر و هو من الباب الأوّل من طريق المخالفين.129
الباب السادس عشر في حديث الأعمش مع المنصور، و انّه كان يحفظ في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام عشرة آلاف فضيلة، و هو مذكور من طريق الفريقين.137
الباب السابع عشر في تضاعف ثوابه عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة.153
الباب الثامن عشر في قوّته عليه السلام.161
الباب التاسع عشر في شجاعته و قوّته عليه السلام.167
الباب العشرون في عبادته عليه السلام.171
الباب الحادي و العشرون في بكائه من خشية اللّه و خشوعه عليه السلام.181
الباب الثاني و العشرون في خوفه عليه السلام من اللّه تعالى.187
الباب الثالث و العشرون في أدعية له عليه السلام مختصرة في السجود، و عند النوم، و إذا أصبح، و إذا أمسى.193
الباب الرابع و العشرون في تصوير الدنيا له عليه السلام و إعراضه عنها و طلاقه عليه السلام لها ثلاثا و عدالته و خوفه.197
الباب الخامس و العشرون في زهده في الدنيا و هو من الباب الأوّل من
ص:452
طرق الخاصّة و العامّة.209
الباب السادس و العشرون في زهده عليه السلام في الملبس و المطعم و المشرب.215
الباب السابع و العشرون و هو من الباب الأوّل.225
الباب الثامن و العشرون في زهده في المطعم و المشرب و الملبس من طريق المخالفين.237
الباب التاسع و العشرون في عمله عليه السلام بيده و عتقه ألف مملوك من كدّ يده.251
الباب الثلاثون في عمله عليه السلام في البيت و تواضعه.259
الباب الحادي و الثلاثون في جوده عليه السلام، و فيه نزلت وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ .263
الباب الثاني و الثلاثون و هو من الباب الأوّل.273
الباب الثالث و الثلاثون في أنّه عليه السلام لا تأخذه في اللّه لومة لأئم.281
الباب الرابع و الثلاثون في تظلّمه عليه السلام ممّن تقدّم عليه في الخطبة الشقشقيّة.289
الباب الخامس و الثلاثون في تظلّمه عليه السلام و هو من الباب الأوّل.297
الباب السادس و الثلاثون في احتجاجه على أبي بكر في إمامته و أنّه عليه السلام صاحب الأمر و الإمام دونه، و إقرار أبي بكر له عليه السلام باستحقاق الإمامة دونه.305
الباب السابع و الثلاثون في احتجاجه على أبي بكر و عمر حين دعي للبيعة، و اعتراف عمر له عليه السلام.315
الباب الثامن و الثلاثون في احتجاجه على أهل الشورى و فيهم عثمان، و إقرارهم له عليه السلام.323
الباب التاسع و الثلاثون في علّة تركه عليه السلام مجاهدة من تقدّم عليه.339
ص:453
الباب الأربعون في تركه عليه السلام مؤاخذة عدوّه مع قدرته عليه.347
الباب الحادي و الأربعون في عدله عليه السلام في الرعيّة، و قسمته بالسويّة.355
الباب الثاني و الأربعون في صبره و امتحانه عليه السلام قبل وفاة النبي و بعده صلّى اللّه عليه و آله.359
الباب الثالث و الأربعون في طلبه تعجيل الشهادة حين بشّر بها.383
الباب الرابع و الأربعون في صفته عليه السلام.393
الباب الخامس و الأربعون أنّ أمير المؤمنين عليه السلام و بنيه الأئمّة عليهم السلام أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.397
الباب السادس و الأربعون أنّه عليه السلام خير البريّة من طرق الخاصّة و العامّة و هو من الباب الأوّل.407
الباب السابع و الأربعون في حسن خلقه، و إكرام الضيف، و الحياء، و غير ذلك.413
الباب الثامن و الأربعون في المفردات.417
الباب التاسع و الأربعون في أنّه عليه السلام لم يفرّ من زحف، و مصابرته في القتال.427
الباب الخمسون أنّ رسول اللّه أوصى إليه عليه السلام من طرق الخاصّة و العامّة.437
ص:454
سرشناسه : بحراني، هاشم بن سليمان، - 1107؟ق
عنوان و نام پديدآور : حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام/ تاليف هاشم البحراني؛ تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي
مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلاميه، [ 13] - 1415ق. = 1373.
مشخصات ظاهري : ج 5
فروست : (بنياد معارف اسلامي؛ 15، 16)
شابك : بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4)
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.
يادداشت : چاپ اول: 1372؛ 4200 ريال (ج. )3
يادداشت : جلد چهارم (1372)؛ بها: 600 ريال
يادداشت : ج. 1 (چاپ اول: 2200 :1369 ريال)
يادداشت : كتابنامه
موضوع : چهارده معصوم
شناسه افزوده : مولانا بروجردي، غلامرضا، مصحح
شناسه افزوده : بنياد معارف اسلامي
رده بندي كنگره : BP36/ب 3ح 8
رده بندي ديويي : 297/95
شماره كتابشناسي ملي : م 73-3586
ص: 1
حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام
تاليف هاشم البحراني
تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي
ص :2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :3
الحمدلله رب العالمین و الصلاه و السلام علی اشرف الخلق اجمعین محمد و آله الطیبین الطاهرین
ص :4
بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّاهرين.
امّا بعد فهذا المنهج الثّالث في الإمام الثّاني أبي محمّد الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام و فيه خمسة عشر بابا.
الباب الأوّل-في شأنه في الأمر الأوّل.
الباب الثاني-في ميلاده عليه السلام.
الباب الثالث-في تسميته بالحسن، و أخيه بالحسين عليهما السّلام من اللّه عزّ و جلّ.
الباب الرابع-في غزارة علمه عليه السلام في صغره.
الباب الخامس-في علمه عليه السلام بما سأله عنه ملك الرّوم.
الباب السادس-في علمه بغوامض العلم و جوابه السديد.
الباب السابع-في معرفته بلغات المدينتين.
الباب الثامن-في جواباته مع أبيه عليه السلام من طريق المخالفين.
الباب التاسع-في عبادته عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب العاشر-في جوده عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب الحادي عشر-في هيبته في أعين النّاس و سؤدده عليه السلام.
الباب الثاني عشر-في أنّه و أخاه الحسين عليهما السلام يشبهان رسول اللّه
ص:5
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب الثالث عشر-في محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له عليه السلام.
الباب الرابع عشر-في النصّ عليه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالإمامة و الوصاية في جملة الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام.
الباب الخامس عشر-في النصّ عليه من أبيه بالوصاية و الإمامة.
ص:6
في شأنه في الأمر الأوّل
1-السيّد الأجلّ السيّد الرضيّ في كتاب «المناقب الفاخرة في العترة الطّاهرة» قال: قال الأمين أبو عبد اللّه محمّد بن عليّ بن محمّد الجلابي المغازلي، قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه، قال: أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين (1)بن عليّ، عن عليّ بن محمّد بن مخلّد، عن جعفر بن حفص، عن سواد بن محمّد، عن عبد اللّه ابن نجيح، عن محمّد بن مسلم البطائحي، عن محمّد بن يحيى الأنصاري، عن عمّه حارثة، عن زيد بن عبد اللّه بن مسعود، عن أبيه، قال: دخلت يوما على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقلت: يا رسول اللّه أرني الحقّ حتّى أتّبعه فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا ابن مسعود لج إلى المخدع (2)، فولجت فرأيت أمير المؤمنين عليه السلام راكعا و ساجدا، و هو يقول عقيب صلاته: اللّهمّ بحرمة محمّد عبدك و رسولك اغفر للخاطئين من شيعتي.
قال ابن مسعود: فخرجت لاخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك، فوجدته راكعا و ساجدا و هو يقول: اللّهمّ بحرمة عبدك عليّ عليه السلام
ص:7
اغفر للعاصين من أمّتي، قال ابن مسعود: فأخذني الهلع (1)، حتّى غشي عليّ فرفع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأسه (2)، و قال: يا ابن مسعود أكفر بعد الإيمان (3)؟ فقلت: معاذ اللّه، و لكنّي رأيت عليّا يسأل اللّه تعالى بك، و أنت تسأل اللّه تعالى به.
فقال: يا ابن مسعود إنّ اللّه تعالى خلقني، و عليّا، و الحسن، و الحسين من نور عظمته، قبل الخلق بألفي عام، حين لا تسبيح و لا تقديس، و فتق نوري فخلق منه السّماوات و الأرض، و أنا أفضل من السّماوات و الأرض، و فتق نور عليّ، فخلق منه العرش و الكرسيّ، و عليّ أفضل من العرش و الكرسيّ (4).
و فتق نور الحسن، فخلق منه اللّوح، و القلم، و الحسن أجلّ من اللوح و القلم (5)، و فتق نور الحسين، فخلق منه الجنان، و الحور العين، و الحسين افضل منها (6)، فأظلمت المشارق و المغارب، فشكت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ الظلمة (7)، و قالت: اللّهمّ بحقّ هؤلاء الاشباح التي خلقت إلاّ ما فرّجت عنّا هذه الظلمة! فخلق (8)اللّه عزّ و جلّ روحا، و قرنها بأخرى، فخلق منها نورا، ثمّ أضاف النور إلى الروح، فخلق منها الزّهراء عليها السلام فمن ذلك سمّيت
ص:8
الزهراء، فأضاء منها المشرق و المغرب.
يا ابن مسعود إذا كان يوم القيامة يقول اللّه عزّ و جلّ لي و لعليّ: أدخلا الجنّة من شئتما، و أدخلا النار من شئتما، و ذلك قول اللّه تعالى: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ (1)و الكفّار من جحد نبوّتي، و العنيد من عاند عليّا عليه السلام، و أهل بيته، و شيعته (2).
2-الشّيخ الطّوسي في كتاب «المصباح» ، عن أنس بن مالك، قال:
صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في بعض الأيّام، صلاة الفجر.
و ذكر حديثا يدخل في هذا السلك مثله، يأتي إن شاء اللّه تعالى عند ذكر الإمام أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام (3).
3-أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبري في كتابه، قال: حدّثنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريّا بن حميد بن داود الجريري، قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن أبي الثلج، قال: حدّثنا عيسى بن مهران (4)، قال: حدّثنا منذر السرّاج، قال: حدّثنا إسماعيل بن عليّة قال: أخبرني أسلم بن ميسرة العجلاني، عن سعيد، عن أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل (5)أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ خلقني، و عليّا، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، قبل أن يخلق الدّنيا بسبعة آلاف عام.
ص:9
قلت: فأين كنتم يا رسول اللّه؟ قال: قدّام العرش، نسبّح اللّه، و نحمده، و نقدّسه، و نمجّده، قال: قلت: على أيّ مثال؟ قال: أشباح نور حتى إذا أراد اللّه عزّ و جلّ أن يخلق صورنا، صيّرنا عمود نور، ثمّ قذفنا في صلب آدم، ثمّ أخرجنا إلى أصلاب الآباء، و أرحام الأمّهات، و لا يصيبنا نجس الشّرك، و لا سفاح الكفر، يسعد بنا قوم و يشقى بنا آخرون، فلمّا صيّرنا في صلب عبد المطّلب، أخرج ذلك النور، فشقّه نصفين، فجعل نصفه في عبد اللّه و نصفه في أبي طالب، ثمّ أخرج النّصف الذي لي إلى آمنة، و النصف الآخر إلى فاطمة بنت أسد، فأخرجتني آمنة، و أخرجت فاطمة عليّا عليه السّلام.
ثمّ أعاد اللّه عزّ و جلّ العمود إليّ فخرجت مني فاطمة، ثم أعاد اللّه عزّ و جلّ العمود إليه (1)فخرج منه الحسن و الحسين، يعني النصفين جميعا، فما كان من نور عليّ فصار في ولد الحسن، و ما كان من نوري صار في ولد الحسين، فهو ينتقل في الأئمّة من ولده إلى يوم القيامة (2).
4-و رواه ابن بابويه في «العلل» قال: حدثنا إبراهيم بن هارون الهيتي قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن أبي الثلج، قال: حدّثنا عيسى بن مهران، قال: حدّثنا منذر الشراك، قال: حدّثنا إسماعيل بن عليّة، قال: أخبرني أسلم ابن ميسرة العجلي، عن أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ خلقني و عليّا و فاطمة، و الحسن، و الحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام، قلت: فأين كنتم يا رسول اللّه؟ قال: قدّام العرش، نسبّح اللّه عزّ و جلّ، و نحمده، و نقدّسه، و نمجّده.
قلت: على أيّ مثال؟ قال: أشباح نور، حتّى إذا أراد اللّه عزّ و جلّ أن
ص:10
يخلق صيّرنا عمود نور، ثمّ قذفنا في صلب آدم، ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء و أرحام الأمّهات، و لا يصيبنا نجس الشّرك و لا سفاح الكفر، يسعد بنا قوم، و يشقى بنا آخرون.
فلمّا صيّرنا إلى صلب عبد المطّلب أخرج ذلك النور فشقّه نصفين، فجعل نصفه في عبد اللّه، و نصفه في أبي طالب، ثمّ أخرج الذي (1)لي إلى آمنة، و النصف الذي لعلي إلى فاطمة بنت أسد، فأخرجتني آمنة، و أخرجت فاطمة عليّا، ثمّ أعاد اللّه عزّ و جلّ العمود إليّ فخرجت منّي فاطمة، ثمّ أعاد اللّه عزّ و جلّ العمود إلى عليّ عليه السلام فخرج منه الحسن و الحسين «يعني من النّصفين جميعا» فما كان من نور عليّ صار في ولد الحسن، و ما كان من نوري صار في ولد الحسين، فهو ينتقل في الأئمّة من ولده إلى يوم القيامة (2).
5-الشيخ أبو جعفر الطوسي، عن رجاله، عن الفضل بن شاذان، ذكره في كتاب «مسائل البلدان» يرفعه إلى سلمان الفارسي رضي اللّه عنه، قال دخلت على فاطمة عليها السلام و الحسن و الحسين يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحا شديدا، فلم ألبث حتّى دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقلت: يا رسول اللّه أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حبّا فقال: يا سلمان ليلة أسري بي إلى السّماء، و أدارني جبرائيل في سماواته و جنانه، فبينما أنا أدور في قصورها، و بساتينها، و مقاصيرها إذ شممت رائحة طيّبة فأعجبتني تلك الرّائحة فقلت: يا حبيبي ما هذه الرائحة التي غلبت على رائحة (3)الجنّة كلها؟ فقال:
يا محمّد تفّاحة خلقها اللّه تبارك و تعالى بيده، منذ ثلاثمائة الف عام، ما ندري ما يريد بها.
ص:11
فبينما أنا كذلك إذ رأيت ملائكة، و معهم تلك التّفاحة، فقالوا: يا محمّد ربّنا السّلام يقرأ عليك السّلام، و قد أتحفك بهذه التّفاحة، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فأخذت تلك التّفاحة، فوضعتها تحت جناح جبرئيل عليه السلام، فلمّا هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التّفاحة، فجمع اللّه ماءها في ظهري، فغشيت خديجة بنت خويلد، فحملت بفاطمة عليها السلام من ماء التّفاحة، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليّ أن قد ولد لك حوراء إنسيّة، فزوّج النّور من النّور، فاطمة من عليّ، فإني قد زوّجتهما في الجنة (1)، و جعلت خمس الأرض مهرها، و ستخرج فيما بينهما ذريّة طيّبة، و هما (2)سراجا أهل الجنّة الحسن و الحسين (3)، و أئمة يقتلون، و يخذلون، فالويل لقاتلهم، و خاذلهم (4).
و قد تقدّم من ذلك في أول المنهج الأوّل و الثاني، و يأتي من ذلك في أوّل المنهج الرابع، عند ذكر أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام.
ص:12
في ميلاده عليه السلام
1-السيّد المرتضى في «عيون المعجزات» قال: قام المولى أبو محمّد صلوات اللّه عليه بأمر اللّه و اتّبعه المؤمنون، و كان مولده بعد مبعث رسول اللّه بخمس عشرة سنة و أشهر، و ولدت فاطمة عليها السلام أبا محمّد عليه السلام و لها أحد عشر سنة كاملة، و كانت ولادته مثل ولادة جدّه و أبيه صلّى اللّه عليهما و آلهما، و كان طاهرا مطهّرا، يسبّح و يهلّل في حال ولادته، و يقرأ القرآن، على ما رواه أصحاب الحديث عن رسول اللّه أنّ جبرائيل ناغاه (1).
2-ثم قال السيّد: و روي أنّ فاطمة عليها السلام ولدت الحسن و الحسين من فخذها الأيسر.
قال: و روي أنّ مريم عليها السلام ولدت المسيح عليه السلام من فخذها الأيمن، قال: و حديث هذه الحكاية في كتاب «الأنوار» و في كتب كثيرة (2).
ص:13
ص:14
في أنّ تسميته بالحسن عليه السلام و أخاه بالحسين عليه السلام من
اللّه عزّ و جلّ
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشميّ الكوفي قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ الزعفراني (1)، قال: حدّثنا سهل بن بشّار (2)، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ الطائفي (3)، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه، مولى بني هاشم، عن محمّد ابن إسحاق، عن الواقدي، عن الهذيل (4)، عن مكحول (5)، عن طاوس (6)عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: لمّا خلق اللّه عزّ ذكره آدم عليه السلام، و نفخ فيه من روحه،
ص:15
و أسجد له ملائكته و أسكنه جنّته و زوّجه حواء أمته، فرفع طرفه نحو العرش، فإذا هو بخمسة سطور مكتوبات.
قال آدم عليه السلام: يا ربّ بحقّ قدرهم عندك ما اسمهم؟ فقال عزّ و جلّ:
أمّا الأوّل فأنا المحمود، و هو محمّد.
و أما الثّاني فأنا العالي، و هذا عليّ.
و أما الثّالث فأنا فاطر السماوات، و هذه فاطمة.
و أمّا الرابع فأنا المحسن، و هذا حسن.
و أمّا الخامس فإنّي ذو الإحسان، و هذا الحسين، كلّ يحمد اللّه عزّ و جلّ (1).
2-و عنه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان، قال: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن عليّ بن الحسين السكري (2)، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن زكريّا ابن دينار الغلابي، قال: حدّثنا عليّ بن حكيم، قال: حدّثنا الربيع بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن الحسن، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه عليهما السلام عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري.
قال الغلاّبي: و حدّثني شعيب بن واقد، قال: حدّثني إسحاق بن جعفر ابن محمّد بن عيسى (3)، عن الحسين بن زيد عن زيد بن عليّ، عن أبيه عليّ عليه السلام، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري.
ص:16
قال الغلابي: حدّثنا العبّاس بن بكّار، قال: حدّثنا حرب بن ميمون (1)عن أبي حمزة الثمالي، عن زيد بن عليّ، عن أبيه عليه السلام، قال: لمّا ولدت فاطمة الحسن عليه السلام قالت لعلي: سمّه، قال: ما كنت لأسبق باسمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاخرج إليه في خرقة صفراء، فقال: أ لم أنهكم أن تلفّوه في صفراء، ثم رمى بها و أخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها.
ثم قال لعليّ عليه السلام: هل سمّيته؟ فقال عليه السلام: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و ما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّ و جلّ فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى جبرائيل: أنّه ولد لمحمّد ابن فاهبط فأقرأه السلام و هنّئه، و قل له: إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل فهنّأه من اللّه تعالى، ثمّ قال: إنّ اللّه جلّ جلاله يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال: و ما كان اسمه؟ قال: شبّر (2)قال: لساني عربيّ قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن.
فلما ولد الحسين عليه السلام أوحى اللّه جلّ ذكره إلى جبرائيل أنّه ولد لمحمّد ابن فاهبط إليه و هنّئه و قل له: إنّ عليا منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون فهبط جبرائيل عليه السلام فهنّأه من اللّه تعالى، ثمّ قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون فقال: و ما كان اسمه؟ قال:
شبير، قال: لساني عربيّ، قال: سمّه الحسين عليه السلام (3).
ص:17
3-و بهذا الاسناد عن الغلابي، قال: حدّثنا العبّاس بن بكّار، قال:
حدّثنا حرب بن ميمون، عن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن عباس (1)، عن أبيه عن جدّه عبد اللّه بن عبّاس قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة اسم الحسن و الحسين في ابني هارون: شبر و شبير لكرامتهما على اللّه عزّ و جلّ 2.
4-و عنه بهذا الإسناد، عن العبّاس بن بكّار، قال: حدّثنا عبّاد بن كثير 3، و أبو بكر الهذلي 4، عن ابن الزّبير، عن جابر قال: لمّا حملت فاطمة عليها السلام بالحسن فولدت، و قد كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء، فلفّوه في صفراء، و قالت فاطمة: يا عليّ سمّه فقال:
ما كنت لأسبق باسمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فجاء النبيّ فأخذه، و قبّله، و أدخل لسانه في فيه، فجعل الحسن عليه السلام يمصّه.
ثم قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أ لم أتقدّم إليكم أن لا تلفّوه في خرقة صفراء فدعا بخرقة بيضاء فلفّه فيها، و رمى بالصفراء، و أذّن في أذنه اليمنى، و أقام في اليسرى، ثمّ قال لعليّ عليه السلام: ما سميته؟ قال: ما كنت لأسبقك باسمه، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى جبرائيل عليه السلام أنّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط إليه و اقرأه السلام، و هنّئه منيّ و منك، و قل له: إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل فهنّأه من اللّه تعالى، ثمّ قال: إنّ اللّه جلّ جلاله يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال:
ص:18
ما كان اسمه؟ قال: شبّر، قال: لساني عربيّ، قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن.
فلمّا ولد الحسين عليه السلام جاء إليهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام و هبط جبرائيل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام، و يقول لك: إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون، قال: و ما كان اسمه؟ قال شبيرا قال: لساني عربيّ، قال: فسمّه الحسين، فسمّاه الحسين (1).
5-و عنه، بهذا الإسناد عن الغلابي، قال: حدّثنا الحكم بن أسلم (2)، قال: حدّثنا وكيع، عن الأعمش، عن سالم، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّي سمّيت ابنيّ هذين باسم ابني هارون: شبّر، و شبير (3).
6-و عنه، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن يحيى العلوي (4)رحمه اللّه، قال: حدّثني جدّي، قال: حدّثني أحمد بن صالح التميمي (5)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عيسى (6)، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، قال:
أهدى جبرئيل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اسم الحسن بن عليّ عليهما السلام، و خرقة حرير من ثياب الجنّة و اشتقّ اسم الحسين من اسم الحسن عليهما
ص:19
السلام (1).
7-و عنه، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن يحيى العلوي رحمه اللّه، قال حدّثنا جدّي، قال: حدّثنا داود بن القاسم (2)، قال: أخبرنا عيسى، قال:
أخبرنا يوسف بن يعقوب، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار (3)، عن عكرمة، قال: لمّا ولدت فاطمة عليها السلام الحسن جاءت به إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسمّاه حسنا فلمّا ولدت الحسين عليه السلام جاءت به إليه فقالت: يا رسول اللّه هذا أحسن من هذا فسمّاه حسينا (4).
8-و من طريق المخالفين ما رواه أبو الحسن محمّد بن أحمد بن شاذان، يرفعه إلى جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: سمّي الحسن حسنا لأنّ بإحسان اللّه قامت السّماوات و الأرض، و الحسن مشتقّ من الإحسان، و عليّ و الحسن اسمان من أسماء اللّه تعالى، و الحسين تصغير الحسن (5).
ص:20
في غزارة علمه في صغره عليه السلام
1-كتاب «ثاقب المناقب» عن الباقر عليه السلام عن آبائه صلوات اللّه عليهم، عن حذيفة، قال: بينا رسول صلّى اللّه عليه و آله على جبل احد في جماعة من المهاجرين و الأنصار إذ أقبل الحسن بن عليّ عليه السلام يمشي على هدوء و وقار فنظر إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرمقه (1)من كان معه، فقال له بلال: يا رسول اللّه أ ما ترى أخذه؟ فقال صلوات اللّه عليه و آله: إنّ جبرئيل يهديه، و ميكائيل يسدّده، و هو ولدي، و الطاهر من نفسي، و ضلع من أضلاعي و هذا سبطي، و قرّة عيني، بأبي هو، و قام و قمنا معه، و هو يقول: أنت تفّاحتي و أنت حبيبي، و مهجة قلبي، و أخذ بيده، و نحن نمشي حتّى جلس و جلسنا حوله، فنظرنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو لا يرفع بصره عنه.
ثم قال: إنّه سيكون بعدي هاديا مهديا هذا هديّة من ربّ العالمين لي ينبئ عنّي، و يعرّف الناس آثاري، و يحيي سنّتي، و يتولّى أموري في فعله، ينظر اللّه إليه و يرحمه، رحم اللّه من عرف ذلك، و برّني و أكرمني فيه.
فما قطع كلامه صلوات اللّه عليه و آله حتّى أقبل علينا أعرابيّ يجرّ هراوة (2)له
ص:21
فلمّا نظر إليه صلوات اللّه عليه و آله قال: قد جاءكم رجل يتكلّم بكلام غليظ تقشعرّ منه جلودكم، و إنّه ليسألكم عن امور إلاّ أنّ لكلامه جفوة، فجاء الأعرابي فلم يسلّم، فقال: أيّكم محمّد؟ قلنا: و ما تريد؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
مهلا، فقال: يا محمّد لقد كنت ابغضك و لم ارك، و الآن قد ازددت بغضا.
فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و غضبنا لذلك، فأردنا الأعرابيّ إرادة، فأومى إلينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن أمسكوا (1)فقال الأعرابي إنّك تزعم أنّك نبيّ و أنّك قد كذبت على الأنبياء، و ما معك من دلالتهم شيء (2)قال له: يا أعرابي و ما يدريك؟ قال: فخبّرني ببراهينك.
قال: إن أحببت اخبرك كيف خرجت، و كيف كنت في نادي قومك؟ و إن أردت أخبرك عضو منّي فيكون ذلك أوكد لبرهاني؟ قال: أو يتكلّم العضو قال: نعم، يا حسن قم، فازدرى الأعرابي نفسه (3)و قال: يأتي و هو صبيّ يكلّمني (4)؟ ! قال: إنّك ستجده عالما بما تريد، فابتدره الحسن عليه السلام و قال مهلا يا أعرابيّ.
ما غبيّا سألت و ابن غبيّ بل فقيها إذن و أنت الجهول
فإن تك قد جهلت فإنّ عندي شفاء الجهل ما سأل السئول
و بحرا لا تقسّمه الدوالي تراثا كان أورثه الرسول
لقد بسطت لسانك، و عدوت طورك، و خادعك نفسك، غير أنّك لا تبرح حتى تؤمن إن شاء اللّه تعالى، فتبسّم الأعرابي، و قال: هيه (5).
ص:22
فقال الحسن صلوات اللّه عليه: نعم قد اجتمعتم في نادي قومك، و تذاكرتم ما جرى بينكم على جهل و خرق منكم، و زعمتم أنّ محمّدا صنبور (1)، و العرب قاطبة تبغضه، و لا طالب له بثاره، و زعمت أنّك قاتله، و كاف قومك مئونته (2)فحملت نفسك على ذلك، و قد أخذت قناتك بيدك و ترومه (3)و تريد قتله فعسر عليك مسلكك، و عمي عليك بصرك، و أتيت إلى ذلك (4)و أتيتنا خوفا من أن نستهزئ بك (5).
و إنّما جئت لخير يراد بك، انبئك عن سفرك، خرجت في ليلة صحياء إذ عصفت ريح شديدة اشتدّ منها ظلماؤها، و أطبقت سماؤها، و أعصر سحابها، و بقيت متجرما (6)كالأشقر (7)إن تقدّم نحر، و إن تأخّر عقر، لا يسمع لواطئ حسّا، و لا لنافخ نار خرسا، تداكّت (8)عليك غيومها، و توارت عنك نجومها، فلا تهتدي بنجم طالع، و لا بعلم لامع، تقطع محجة، و تهبط لجّة بعد لجّة في ديمومة قفر، بعيدة القعر، مجحفة بالسفر، إذا علوت مصعدا ازددت بعدا، الريح تخطفك، و الشوك تخبطك، في ريح عاصف، و برق خاطف، قد أوحشتك قفارها (9)و قطعك سلامها، فانصرفت (10)فإذا أنت عندنا، فقرّت عينك و ظهرت زينتك، و ذهب أنينك.
ص:23
قال: من أين قلت يا غلام هذا؟ كأنّك قد كشفت عن سويداء قلبي، و كأنّك كنت شاهدي و ما خفي عليك شيء من أمري، و كأنّك عالم الغيب، يا غلام لقّني الإسلام، فقال الحسن صلوات اللّه عليه: اللّه أكبر، قل: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله، فأسلم و حسن إسلامه و سرّ رسول اللّه، و سرّ المسلمون، و علّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا من القرآن، فقال: يا رسول اللّه أرجع إلى قومي و اعرّفهم ذلك؟ فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فانصرف، ثم رجع و معه جماعة من قومه، فدخلوا في الإسلام، و كان الحسن صلوات اللّه عليه إذا نظر إليه الناس قالوا:
لقد أعطي هذا ما لم يعط أحدا من العالمين (1).
2-الطّبرسي في «الاحتجاج» قال: روى محمّد بن قيس، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام في الرحبة، و الناس عليه متراكمون، فمن بين مستفت، و من بين مستعدّ، إذ قام إليه رجل فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته، فقال: و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته من أنت؟ فقال: أنا رجل من رعيّتك و أهل بلادك، فقال ما أنت من رعيّتي و أهل بلادي، و لو سلّمت عليّ يوما واحدا ما خفيت عليّ، فقال الأمان يا أمير المؤمنين، فقال: هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا؟ قال:
لا، قال: فلعلك من رجال الحرب؟ قال: نعم قال: إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس، فقال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفّلا لك، أسألك عن شيء بعث به ابن الأصفر إليه، فقال له: إن كنت أحقّ بهذا الأمر و الخليفة بعد محمّد فأجبني عمّا أسألك، فإنّك إذا فعلت ذلك اتّبعتك، و بعثت إليك بالجائزة فلم يكن عنده جواب، و قد أقلقه ذلك، و بعثني إليك لأسألك عنها.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قاتل اللّه ابن آكلة الأكباد ما أضلّه و أعماه
ص:24
و من معه، حكم اللّه بيني و بين هذه الأمّة، قطعوا رحمي، و أضاعوا أيّامي، و دفعوا حقّي، و صغّروا عظيم منزلتي، و أجمعوا على منازعتي، يا قنبر عليّ بالحسن و الحسين و محمّد، فأحضروا، فقال: يا شامي هذان ابنا رسول اللّه، و هذا ابني فسل أيّهم أحببت، فقال: أسأل ذا الوفرة، يعني الحسن بن عليّ عليه السلام.
فقال له الحسن عليه السلام: سلني عمّا بدا لك، فقال الشامي: كم بين الحقّ و الباطل؟ و كم بين السماء و الأرض، و كم بين المشرق و المغرب؟ و ما قوس قزح؟ و ما العين الّتي تأوي إليها أرواح المشركين؟ و ما العين الّتي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟ و ما المؤنث؟ و ما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟
فقال الحسن عليه السلام: بين الحقّ و الباطل أربع أصابع، فما رأيته بعينك فهو الحقّ، و قد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا، فقال الشامي: صدقت.
و قال: بين السماء و الأرض دعوة المظلوم و مدّ البصر، فمن قال لك: غير هذا فكذّبه، قال: صدقت يا ابن رسول اللّه.
و قال: و بين المشرق و المغرب مسيرة يوم للشّمس، تنظر إليها حين تطلع من مشرقها، و تنظر إليها حين تغيب من مغربها (1).
قال الشامي: صدقت فما قوس قزح؟ قال: و يحك لا تقل: قوس قزح فإن قزح اسم الشيطان، و هو قوس اللّه، و هذه علامة الخصب، و أمان لأهل الأرض من الغرق.
و امّا العين التي تأوي إليها أرواح المشركين، فهي عين يقال لها: برهوت.
و أمّا العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين، فهي عين يقال لها: سلمى.
و أمّا المؤنّث فهو الذي لا يدرى أذكر أم انثى، فإنّه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم، و إن كان أنثى حاضت و بدا ثديها، و إلاّ قيل له: بل على الحائط، فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر، و إن انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة.
ص:25
و أمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض، فأشدّ شيء خلقه اللّه الحجر، و أشدّ من الحجر الحديد يقطع به الحجر، و أشدّ من الحديد النّار تذيب الحديد، و أشدّ من النّار الماء يطفئ النّار، و أشدّ من الماء السحاب يحمل الماء، و أشد من السّحاب الرّيح تحمل السحاب، و أشدّ من الرّيح الملك الذي يرسلها، و أشدّ من الملك ملك الموت الذي يميت الملك، و أشدّ من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت، و أشد من الموت أمر اللّه الذي يميت الموت.
فقال الشامي: أشهد أنّك ابن رسول اللّه حقّا، و أنّ عليّا أولى بالأمر من معاوية، ثمّ كتب هذه الجوابات، و ذهب بها إلى معاوية، فبعثها معاوية إلى ابن الأصفر.
فكتب إليه ابن الأصفر: يا معاوية تكلّمني بغير كلامك، و تجيبني بغير جوابك؟ اقسم بالمسيح ما هذا جوابك! و ما هو إلاّ من معدن النّبوة، و موضع الرسالة، و أمّا أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك (1).
ص:26
في علمه عليه السلام بما سأله عنه ملك الروم
1-عليّ بن إبراهيم بن هاشم، في تفسيره قال: حدّثني الحسين بن عبد اللّه السكيني، عن أبي سعيد البجلي، عن عبد الملك بن هارون، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: لمّا بلغ أمير المؤمنين أمر معاوية، و إنّه في مائة ألف، قال: من أيّ القوم؟ قالوا: من أهل الشام، قال: لا تقولوا من أهل الشام، و لكن قولوا: من أهل الشوم، من أهل مصر لعنوا على لسان داود (1)، فجعل اللّه منهم القردة و الخنازير.
ثمّ كتب عليه السلام إلى معاوية: لا تقتل الناس بيني و بينك، و لكن هلّم إلى المبارزة فإن أنا قتلتك فإلى النار أنت، و تستريح الناس منك و من ضلالتك، و إن أنت قتلتني فأنا في الجنة، و يغمد عنك السّيف الذي لا يسعني غمده حتى أردّ مكرك و خديعتك و بدعتك، و أنا الذي ذكر اللّه اسمه في التوراة، و الانجيل بموازرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنا أوّل من بايع رسول اللّه تحت الشجرة في قوله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اَللّهُ عَنِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ اَلشَّجَرَةِ (2)فلمّا قرأ معاوية كتابه عليه السلام، و عنده جلساؤه، قالوا: قد و اللّه
ص:27
أنصفك، قال معاوية: و اللّه ما أنصفني، و اللّه لأرمينّه بمائة ألف سيف من أهل الشام، من قبل أن يصل إليّ، و اللّه ما أنا من رجاله، و لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: و اللّه يا عليّ لو بارزك أهل المشرق و المغرب لقتلتهم أجمعين.
فقال رجل من القوم: فما يحملك يا معاوية على قتال من تعلم و تخبر فيه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما تخبر؟ ما أنت و نحن في قتاله إلاّ على الضلالة، فقال معاوية: إنّما هذا بلاغ من اللّه و رسالاته، و اللّه ما أستطيع أنا و أصحابي ردّ ذلك حتّى يكون ما هو كائن.
قال: و بلغ ذلك ملك الروم، و أخبر أنّ رجلين قد خرجا يطلبان الملك، فقال: من أين خرجا؟ فقيل له: رجل بالكوفة، و رجل بالشام، قال: و أمر الملك وزراءه، فقال: تخلّلوا هل تصيبون التّجار من المغرب من يصفهما لي؟ فاتي برجلين من تجّار الشام، و رجلين من تجّار مكة، فسألهم عن صفتهما فوصفاهما له.
ثمّ قال لخزّان بيوت خزائنه: أخرجوا إليّ الأصنام، فأخرجوها، فنظر إليها، فقال: الشّاميّ ضالّ، و الكوفيّ هاد.
ثم كتب الى معاوية: أن ابعث إليّ أعلم أهل بيتك، و كتب إلى أمير المؤمنين أن ابعث إليّ أعلم أهل بيتك، فأسمع منهما، ثمّ أنظر في الإنجيل كتابنا ثمّ أخبركما بمن هو أحقّ بهذا الأمر و خشي على ملكه، فبعث معاوية يزيد ابنه و بعث أمير المؤمنين عليه السلام الحسن ابنه.
فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده و قبّلها ثمّ قبّل رأسه.
ثم دخل عليه الحسن بن علي، فقال: الحمد للّه الذي لم يجعلني يهوديّا، و لا نصرانيّا و لا مجوسيّا، و لا عابدا للشمس، و لا للقمر، و لا للصنم، و لا للبقر و جعلني حنيفا مسلما، و لم يجعلني من المشركين، و تبارك اللّه ربّ العرش العظيم و الحمد للّه ربّ العالمين، ثم جلس لا يرفع بصره.
ص:28
فلما نظر ملك الروم إلى الرّجلين أخرجهما ثمّ فرّق بينهما، ثمّ بعث إلى يزيد و أحضره، ثمّ أخرج من خزائنه ثلاثمائة و ثلاثة عشر صندوقا، فيها تماثيل الأنبياء عليهم السلام و قد زيّنت بزينة، كلّ نبيّ مرسل، فأخرج صنما، فعرضه على يزيد فلم يعرفه، ثمّ عرض عليه صنما صنما، فلا يعرف منها شيئا، و لا يجيب منها بشيء.
ثمّ سأله عن أرزق الخلائق، و عن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟ و عن أرواح الكفّار أين تكون إذا ماتوا؟ فلم يعرف من ذلك شيئا.
ثم دعا الملك الحسن بن عليّ عليهما السلام فقال: إنّما بدأت بيزيد بن معاوية لكي يعلم أنّك تعلم ما لا يعلم، و يعلم أبوك ما لا يعلم أبوه، فقد وصف لي أبوك و أبوه، و نظرت في الإنجيل فرأيت فيه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رسول اللّه و الوزير عليا، و نظرت في الأوصياء فرايت فيها أباك وصيّ محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال له الحسن عليه السلام: سلني عمّا بدا لك ممّا تجده في الإنجيل، و عمّا في التوراة، و عمّا في القرآن اخبرك به إن شاء اللّه.
فدعا الملك بالأصنام، فأوّل صنم عرض عليه في صفة القمر، فقال الحسن عليه السلام: هذه صفة آدم أبي البشر.
ثمّ عرض عليه آخر في صفة الشمس، فقال الحسن عليه السلام: هذه صفة حوّاء أمّ البشر.
ثمّ عرض عليه آخر في صفة حسنة، فقال: هذه صفة شيث بن آدم، و كان أوّل من بعث، و بلغ عمره في الدّنيا ألف سنة و أربعين عاما.
ثمّ عرض عليه صنم آخر، فقال: هذه صفة نوح صاحب السّفينة، و كان عمره ألف سنة و أربعمائة سنة، و بعث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما.
ثمّ عرض عليه صنم آخر، فقال: هذه صفة إبراهيم عليه السلام، عريض الصدر، طويل الجبهة.
ص:29
ثمّ عرض عليه صنم آخر، فقال: هذه صفة إسرائيل، و هو يعقوب.
ثمّ عرض عليه صنم آخر، فقال: هذه صفة إسماعيل.
ثمّ أخرج إليه صنم آخر، فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم.
ثمّ أخرج صنم آخر، فقال: هذه صفة موسى بن عمران، و كان عمره مأتين و أربعين سنة، و كان بينه و بين إبراهيم خمسمائة عام.
ثمّ أخرج إليه صنم آخر، فقال: هذه صفة داود، صاحب الحرب.
ثمّ أخرج إليه صنم آخر، فقال: هذه صفة شعيب، ثمّ زكريا، ثمّ يحيى ثمّ عيسى بن مريم روح اللّه و كلمته، و كان عمره في الدنيا ثلاثة و ثلاثين سنة ثمّ رفعه اللّه إلى السماء، و يهبط إلى الأرض بدمشق، و هو الذي يقتل الدجّال ثمّ عرض عليه صنم صنم، فيخبر باسم نبيّ نبيّ.
ثمّ عرض عليه الأوصياء و الوزراء، فكان يخبر باسم وصيّ وصيّ، و وزير وزير.
ثمّ عرض عليه أصنام بصفة الملوك، فقال الحسن عليه السلام: هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة، و لا في الإنجيل، و لا في الزبور، و لا في القرآن فلعلّها من صفة الملوك، فقال الملك: أشهد عليكم يا أهل بيت رسول اللّه أنكم قد اعطيتم علم الأوّلين و الآخرين و علم التوراة، و الإنجيل، و الزبور، و صحف إبراهيم، و ألواح موسى عليه السلام.
ثم عرض عليه صنما يلوح، فلمّا رآه الحسن عليه السلام بكى بكاء شديدا فقال له الملك ما يبكيك؟ فقال عليه السلام هذه صفة جدّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كثيف اللّحية عريض الصّدر، طويل العنق، عريض الجبهة، أقنى الأنف، أبلج (1)الأسنان، حسن الوجه، قطط الشّعر، طيّب الرّيح،
ص:30
حسن الكلام، فصيح اللّسان، كان يأمر بالمعروف، و ينهى عن المنكر، بلغ عمره ثلاث و ستين سنة، و لم يخلّف بعده إلاّ خاتما مكتوب عليه لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، و كان يتختّم به في يمينه، و خلّف سيفه ذا الفقار، و قضيبه، و جبّة صوف، و كساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه و لم يخطه حتّى لحق باللّه.
فقال الملك: إنا نجد في الإنجيل أنّه يكون له ما يتصدّق به على سبطيه، فهل كان ذلك؟ فقال له الحسن عليه السلام: قد كان ذلك، فقال الملك:
فبقي لكم ذلك؟ فقال: لا فقال الملك لهذه أوّل فتنة هذه الأمّة غلبا أباكما، و هما الأوّل و الثّاني، على ملك نبيّكم، و اختيار هذه الأمّة على ذرية نبيّهم، منكم القائم بالحقّ، الآمر بالمعروف، و الناهي عن المنكر.
قال: ثمّ سأل الملك الحسن بن عليّ عليه السلام عن سبعة أشياء خلقها اللّه لم تركض في رحم، فقال الحسن عليه السلام أوّل هذا آدم، ثمّ حوّاء، ثمّ كبش إبراهيم، ثمّ ناقة صالح، ثمّ إبليس اللعين، ثمّ الحيّة، ثمّ الغراب الذي ذكره اللّه في القرآن.
ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق، فقال الحسن عليه السلام: أرزاق الخلائق في السّماء الرابعة ينزل بقدر، و يبسط بقدر، ثمّ سأله عن أرواح المؤمنين أين تكون إذا ماتوا؟ قال: تجتمع عند صخرة بيت المقدّس في كلّ ليلة جمعة، و هو عرش اللّه الأدنى، منها يبسط اللّه الأرض، و إليها يطويها، و منها المحشر، و منها استوى ربّنا إلى السّماء، أي استولى على السّماء و الملائكة.
ثمّ سأله عن أرواح الكفّار أين تجتمع؟ قال: في وادي حضر موت، من وراء مدينة اليمن، ثمّ يبعث اللّه نارا من المشرق، و نارا من المغرب، و يتبعهما بريحين شديدين، فيحشر النّاس عند صخرة بيت المقدّس، فيحشر أهل الجنّة عن يمين الصخرة، و يزلف (1)المتّقين، و تصير جهنّم عن يسار الصخرة، في تخوم
ص:31
الأرضين السّابعة، و فيها الفلق و السّجين، فتفرّق الخلائق عند الصخرة فمن وجبت له الجنّة دخلها، و من وجبت له النّار دخلها، و ذلك قوله تعالى: فَرِيقٌ فِي اَلْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي اَلسَّعِيرِ (1).
فلمّا أخبر الحسن عليه السلام بصفة ما عرض عليه من الأصنام، و تفسير ما سأله، التفت الملك إلى يزيد بن معاوية، فقال: أشعرت أنّ ذلك علم لا يعلمه إلاّ نبيّ مرسل، أو وصيّ موازر، قد أكرمه اللّه بموازرة نبيّه أو عترة نبيّ مصطفى، و غيره المعادي فقد طبع اللّه على قلبه، و آثر دنياه على آخرته، و هواه على دينه، و هو من الظّالمين.
قال: فسكت يزيد و خمد، قال: فأحسن الملك جائزة الحسن عليه السلام و أكرمه، و قال له: ادع ربّك حتى يرزقني دين نبيّك، فإنّ حلاوة الملك قد حالت بيني و بين ذلك، فأظنّه شقاء (2)مرديا، و عذابا أليما.
قال: فرجع يزيد إلى معاوية، و كتب إليه الملك كتابا: إنّ من آتاه اللّه العلم بعد نبيّكم، و حكم بالتوراة (3)و ما فيها، و الإنجيل و ما فيه، و الزّبور و ما فيه، و القرآن و ما فيه، فالحقّ و الخلافة له، و كتب إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام إن الحقّ و الخلافة لك، و بيت النبوّة فيك، و في ولدك، فقاتل من قاتلك يعذّبه اللّه بيدك، ثم يخلده نار جهنّم، فإنّ من قاتلك نجده عندنا في الإنجيل أنّ عليه لعنة اللّه و ملائكته و النّاس أجمعين، و عليه لعنة أهل السّماوات و الأرضين (4).
ص:32
في علمه عليه السلام بغوامض العلم و جوابه السديد
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا أبي، و محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه، يعني ابن أحمد بن الوليد، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، و عبد اللّه بن جعفر الحميري و محمد بن يحيى العطّار، و أحمد بن إدريس جميعا، قالوا: حدّثنا أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، قال: حدّثنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن محمّد ابن عليّ الثّاني عليه السلام (1)قال: أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم و معه الحسن بن عليّ عليهما السلام، و سلمان الفارسي رضي اللّه عنه، و أمير المؤمنين (2)متّكئ على يد سلمان رضي اللّه عنه، فدخل المسجد الحرام، فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة و اللباس، فسلم على أمير المؤمنين عليه السلام فردّ عليه السلام فجلس، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنّ
ص:33
علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما أقضى عليهم (1)أنّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم و لا في آخرتهم، و إن تكن الأخرى علمت أنّك و هم شرع سواء (2).
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: سلني عمّا بدا لك، قال: أخبرني عن الرّجل إذا نام أين تذهب روحه؟ و عن الرّجل كيف يذكر و ينسى؟ و عن الرّجل كيف يشبه ولده الأعمام و الأخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين الى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام فقال: يا أبا محمّد أجبه.
فقال: أمّا ما سألت عنه من أمر الإنسان (3)إذا نام أين تذهب روحه؟
فإن روحه معلّقة بالريح (4)و الريح معلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة، فإن أذن اللّه بردّ تلك الروح إلى صاحبها (5)، جذبت تلك الرّوح الرّيح و جذبت تلك الريح الهواء، فرجعت الرّوح، فأسكنت في بدن صاحبها، و إن لم يأذن اللّه عزّ و جلّ بردّ تلك الروح إلى صاحبها (6)جذبت الهواء الريح، و جذبت الريح الروح، فلم ترد على صاحبها إلاّ إلى وقت ما يبعث.
و أمّا ما ذكرت من أمر الذّكر و النسيان فإنّ قلب الرّجل في حقّ (7)و على الحقّ طبق، فإن صلّى الرجل (8)عند ذلك على محمّد و آل محمّد انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحقّ و ذكر الرّجل ما كان نسي، و إن هو لم يصلّ على محمّد و آل محمّد، أو
ص:34
نقص من الصلاة عليهم، انطبق ذلك الطّبق على ذلك الحقّ، و أظلم القلب، و نسي الرّجل ما كان ذكره، و أمّا ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه و أخواله فإنّ الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن، و عروق هادئة (1)و بدن غير مضطرب استكنت تلك النطفة في جوف الرحم، خرج الولد يشبه أباه و أمّه، و إن هو أتاها بقلب غير ساكن، و عروق غير هادئة و بدن مضطرب اضطربت النطفة فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق، فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، و إن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.
فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا اللّه، و لم أزل أشهد بها و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، و لم أزل أشهد بها، و أشهد أنّك وصيّه، و القائم بحجته بعده، و أشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام و لم أزل أشهد بها، و أشهد أنّ ابنك هو القائم بحجّتك بعدك، و أشار إلى الحسن عليه السلام، و أشهد أنّ الحسين بن عليّ، و هو ابنك، القائم بأمر الحسن بعده، بحجتك بعدك، و أشهد أنّ عليّ بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده، و أشهد على محمّد بن عليّ أنه القائم بأمر عليّ بن الحسين، و أشهد على جعفر بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد بن عليّ، و أشهد على موسى بن جعفر أنّه القائم بأمر جعفر بن محمّد، و أشهد على عليّ بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر، و أشهد على محمّد بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن موسى، و أشهد على عليّ بن محمّد، أنّه القائم بأمر محمّد بن عليّ، و أشهد على الحسن بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن محمّد، و أشهد على رجل من ولد الحسن بن عليّ لا يسمّى و لا يكنّى حتى يظهر 2أمره فيملأ الأرض عدلا كما ملئت
ص:35
جورا، و السلام عليكم يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته، ثمّ قام و مضى.
فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمد اتّبعه و انظر أين يقصد؟ فخرج الحسن عليه السلام في أثره، قال: فما كان إلاّ أن وضع رجله خارج المسجد، فما دريت أين أخذ من أرض اللّه، فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأعلمته، فقال: يا أبا محمّد أتعرفه؟ فقلت: اللّه و رسوله و أمير المؤمنين أعلم، فقال عليه السلام:
هو الخضر عليه السلام 1.
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، قال: أخبرني بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: اتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل وجد في خربة، و بيده سكين ملطّخ بالدّم، و إذا رجل مذبوح يتشحّط في دمه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما تقول؟ قال يا أمير المؤمنين أنا قتلته، قال اذهبوا به فاقتلوه به.
فلمّا ذهبوا به ليقتلوه به، أقبل رجل مسرع 2، فقال: لا تعجلوا و ردّوه إلى أمير المؤمنين عليه السلام فردّوه، فقال: و اللّه يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه أنا قتلته.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام للأوّل: ما حملك على إقرارك على نفسك فقال: يا أمير المؤمنين و ما كنت أستطيع أن أقول، و قد شهد عليّ أمثال هؤلاء الرّجال، و أخذوني و بيدي سكّين ملطّخ بالدم، و الرّجل يتشحّط في دمه، و أنا قائم عليه، و خفت الضّرب و أقررت، و أنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة
ص:36
شاة، و أخذني البول، فدخلت الخربة، فرأيت الرّجل يتشحّط في دمه، فقمت متعجّبا فدخل عليّ هؤلاء فأخذوني.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن عليه السلام (1)و قولوا له: ما الحكم فيهما؟ قال: فذهبوا الى الحسن عليه السلام و قصّوا عليه قصّتهما، فقال الحسن عليه السلام قولوا لأمير المؤمنين إنّ هذا إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا، و قد قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا اَلنّاسَ جَمِيعاً (2)يخلّى عنهما، و يخرج دية المذبوح من بيت المال (3).
3-الشيخ في «التهذيب» قال: روي أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين إنّي خرجت محرما فوطئت ناقتي بيض نعام (4)، فكسرته، فهل عليّ كفارة؟ فقال له: امض فاسأل ابني الحسن عنها، و كان يحبّ يسمع كلامه (5)، فتقدم إليه الرّجل فسأله، فقال له الحسن عليه السلام: يجب عليك أن ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض، فما نتج فهو هدي لبيت اللّه، فقال له أمير المؤمنين: يا بنيّ كيف قلت ذلك؟ و أنت تعلم أنّ الإبل ربما ازلقت (6)، أو كان فيها ما يزلق، فقال: يا أمير المؤمنين و البيض ربّما أمرق (7)أو كان فيها ما يمرق، فتبسّم أمير المؤمنين عليه
ص:37
السلام و قال: صدقت يا بنيّ، ثمّ تلا هذه الآية ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)(2).
4-ابن بابويه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان، و عليّ بن أحمد بن موسى الدقّاق، و محمّد بن أحمد السناني (3)قالوا: حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى ابن زكريا القطّان، قال: حدّثنا محمّد بن العبّاس (4)، قال: حدّثني محمّد بن أبي السري (5)، قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس، عن سعد بن طريف الكناني، عن الأصبغ بن نباتة، قال: لمّا جلس عليّ عليه السلام في الخلافة و بايعه النّاس خرج إلى المسجد متعمّما بعمامة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا بسا بردة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، متنعّلا نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، متقلّدا سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصعد المنبر فجلس عليه متمكّنا، ثمّ شبّك بين اصابعه، فوضعها أسفل بطنه، ثم قال يا معاشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني هذا سفط العلم (6)، هذا لعاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، هذا ما زقّني رسول اللّه زقّا زقّا، سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين و الآخرين.
ص:38
أما و اللّه لو ثنيت لي و سادة فجلست عليها، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتّى تنطق التوراة فتقول: صدق عليّ و ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ و أفتيت أهل الإنجيل بانجيلهم، حتّى ينطق الإنجيل فيقول: صدق عليّ و ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ.
و أفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتّى ينطق القرآن فيقول: صدق عليّ و ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ، و أنتم تتلون القرآن ليلا و نهارا، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ و لو لا آية فى كتاب اللّه عزّ و جلّ لأخبرتكم بما كان و بما هو كائن إلى يوم القيامة و هي هذه الآية يَمْحُوا اَللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ اَلْكِتابِ (1).
ثم قال عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فو اللّه الذي فلق الحبّة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل انزلت أم في نهار انزلت، مكّيها و مدنيّها، سفريّها و حضريّها، ناسخها و منسوخها، محكمها و متشابهها، و تأويلها و تنزيلها، لأخبرتكم، فقام إليه رجل يقال له: ذعلب (2).
و ساق حديثه معه، و هو مشهور.
ثم قال للحسن عليه السلام: يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا يجهلك قريش بعدي، فيقولون: إنّ الحسن لا يحسن شيئا، قال الحسن: يا أبة كيف أصعد و أتكلّم و أنت في الناس تسمع و ترى؟ قال له: بأبي و أمّي أواري نفسي عنك، و أسمع و أرى و لا تراني.
فصعد الحسن عليه السلام المنبر، فحمد اللّه بمحامد بليغة شريفة،
ص:39
و صلّى على النبيّ و آله صلاة موجزة، ثمّ قال: أيّها النّاس سمعت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أنا مدينة العلم و عليّ بابها، و هل تدخل المدينة إلاّ من بابها؟ ثمّ نزل فوثب إليه عليّ عليه السلام فتحمّله و ضمّه إلى صدره
ثمّ قال للحسين عليه السلام: يا بنيّ قم فاصعد، و تكلّم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إنّ الحسين بن عليّ لا يبصر شيئا، و ليكن كلامك تبعا لكلام أخيك، فصعد الحسين عليه السلام فحمد اللّه، و أثنى عليه، و صلّى على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة واحدة موجزة.
ثمّ قال: معاشر النّاس سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول إنّ عليّا مدينة هدى فمن دخلها نجا، و من تخلّف عنها هلك، فوثب إليه عليّ عليه السلام فضمّه إلى صدره فقبّله، ثمّ قال: معاشر الناس اشهدوا أنّهما فرخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و وديعته التي استودعنيها و أنا استودعكموهما معاشر النّاس و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سائلكم عنهما (1).
5-و من طريق المخالفين ما رواه عليّ بن محمّد المالكي في «الفصول المهمّة» و كمال الدين بن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» قالا: كان الحسن عليه السلام يجلس في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فيجتمع الناس حوله، فيتكلّم بما يشفي غليل السائلين، و يقطع حجج القائلين (2).
6-قالا: و قد روى الإمام أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي في تفسيره المسمّى «بالوسيط» ما يرفعه بسنده أنّ رجلا قال: دخلت مسجد المدينة، و اذا أنا برجل يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و النّاس مجتمعون حوله
ص:40
فقلت له: أخبرني عن «شاهد و مشهود» (1)فقال: نعم أما الشّاهد فيوم الجمعة، و أمّا المشهود فيوم عرفة.
فجزته إلى آخر يحدّث، فقلت: أخبرني عن «شاهد و مشهود» فقال:
نعم أمّا الشاهد فيوم الجمعة، و أمّا المشهود فيوم النحر.
فجزتهما إلى غلام كأنّ وجهه الدينار، و هو يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقلت: أخبرني عن «شاهد و مشهود» فقال: نعم أمّا الشاهد فمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أمّا المشهود فيوم القيامة، أ ما سمعته عزّ و جلّ يقول: إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً (2)و قال اللّه تعالى: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ اَلنّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (3).
فسألت عن الرجل الأوّل فقالوا: ابن عبّاس، و سألت عن الثّاني فقالوا:
ابن عمر، و سألت عن الثّالث فقالوا: الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام و كان قول الحسن أحسن (4).
7-و رويا أيضا في كتابيهما: أنّ الحسن عليه السلام اغتسل يوما، و خرج من داره في حلية فاخرة، و بردة طاهرة (5)و محاسن سافرة، و قسمات ظاهرة (6)، و نفحات ناشرة (7)و وجهه يشرق حسنا، و شكله قد كمل صورة و معنى،
ص:41
و الإقبال (1)يلوح من اعطافه (2)، و نضرة النعيم تعرف في أطرافه، و قاضي القدر قد حكم أنّ السعادة من أوصافه.
ثمّ ركب بغلة فارهة (3)غير قطوف (4)، و سار مكتنفا من حاشيته و غاشيته بصفوف (5)، فلو شاهده عبد مناف لأرغم بمفاخرته به معاطس انوف، و عدّه (6)و أباه و جدّه في أحراز خصل الفخار يوم التفاخر بألوف.
فعرض له في طريقه من محاويج اليهود همّ (7)في هدم (8)قد أنهكته العلّة، و ارتكبته الذّلة، و أهلكته القلّة، و جلده يستر عظامه، و ضعفه يقيّد أقدامه، و ضرّه قد ملك زمامه، و سوء حاله قد حبّب إليه حمامه (9)، و شمس الظهيرة (10)قد شوت شواه (11)، و هو حامل جرّة (12)على قفاه (13).
ص:42
فاستوقف الحسن عليه السلام، و قال: يا ابن رسول اللّه أنصفني (1)، فقال عليه السلام له: في أيّ شيء؟ فقال: يقول جدك «الدنيا سجن المؤمن، و جنّة الكافر» و أنت مؤمن و أنا كافر، فما أرى الدّنيا إلاّ جنّة لك تتنعم فيها و تستلذّ بها، و ما أراها إلاّ سجنا لي قد أهلكني ضرّها (2)، و أتلفني فقرها.
فلمّا سمع الحسن عليه السلام كلامه أشرق عليه نور التأييد، و استخرج الجواب الحقّ بفهمه من خزانة علمه، و أوضح لليهودي خطأ ظنّه و خطل زعمه و قال: يا شيخ لو نظرت إلى ما أعدّ اللّه لي و للمؤمنين في الدّار الآخرة ممّا لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، لعلمت أنّ هذه الحالة بالنسبة إلى تلك سجن (3)، و لو نظرت إلى ما أعدّ اللّه لك و لكلّ كافر في الدّار الآخرة من العذاب الأليم و النكال المقيم لرايت أنّك الآن في جنّة واسعة و نعمة سابغة.
فانظر إلى هذا الجواب الصادع بالصّواب (4)(5).
ص:43
ص:44
في معرفته عليه السلام بلغات المدينتين
1-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن محمّد (1)، و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير، عن رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ الحسن بن عليّ قال: إنّ للّه مدينتين:
إحداهما بالمشرق، و الأخرى بالمغرب، عليهما سوران من حديد، و على كلّ واحد منهما ألف ألف مصراع، و فيها ألف ألف لغة (2)تتكلّم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبها، و أنا أعرف جميع اللغات، و ما فيهما و ما بينهما، و ما عليهما حجة غيري و غير الحسين أخي (3).
2-و رواه محمّد بن الحسن الصفّار في «بصائر الدرجات» عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، يرفع الحديث إلى الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليه و على آبائه، أنّه قال: إنّ للّه مدينتين: إحداهما بالمشرق، و الأخرى بالمغرب عليهما سور من حديد و ذكر الحديث (4).
ص:45
3-و رواه سعد بن عبد اللّه في «بصائر الدرجات» عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، رفعه إلى الحسن بن عليّ عليهما السلام قال: إنّ للّه عزّ و جلّ مدينتين إحداهما بالمشرق، و الأخرى بالمغرب عليهما سوران من حديد و ذكر الحديث.
و رواه الشيخ المفيد في كتاب «الاختصاص» عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه، الحديث (1).
4-سعد بن عبد اللّه في «بصائر الدرجات» قال: حدّثنا سلمة بن الخطّاب (2)، عن سليمان بن سماعة 3، و عبد اللّه بن محمّد 4، عن عبد اللّه بن القاسم 5، عن سماعة بن مهران، عمّن حدّثه عن الحسن بن حيّ 6، و أبي الجارود، و ذكراه عن أبي سعيد عقيصاء الهمداني 7، قال: قال الحسن بن عليّ عليه السلام: إنّ للّه مدينة بالمشرق، و مدينة بالمغرب، على كلّ واحدة سور من حديد، في كلّ سور سبعون ألف مصراع ذهب، يدخل في كلّ مصراع سبعون ألف لغة آدمي، ليس منها لغة إلاّ و هي مخالفة للأخرى، و ما منها لغة إلاّ و قد علمناها
ص:46
و ما فيهما و ما بينهما ابن نبيّ غيري، و غير أخي، و أنا الحجّة عليهم (1).
ص:47
ص:48
في جواباته مع أبيه عليهما السلام من طريق المخالفين
ذكر المالكي في «الفصول المهمة» و ابن طلحة في «مطالب السئول» عن أبي نعيم في «حليته» بسنده فيها أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سأل ابنه الحسن عليه السلام عن أشياء من أمر المروة:
فقال: يا بنيّ ما السّداد؟ فقال: يا أبة السداد دفع المنكر بالمعروف.
قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة و حمل الجريرة.
قال: فما المروءة؟ قال: العفاف، و إصلاح المال.
قال: فما الرغبة (1)؟ قال: النظر في اليسير، و منع الحقير.
قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز المرء نفسه، و بذله عرسه.
و في «الفصول المهمة» قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز المرء ماله، و بذل عرضه.
قال: فما السماح؟ قال: البذل في العسر و اليسر.
قال: و ما الشحّ؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفا، و ما أنفقته تلفا.
قال: فما الإخاء؟ قال: المواساة في الشدّة و الرخاء.
ص:49
قال: فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصّديق، و النكول عن العدوّ.
قال: فما الغنيمة؟ قال: الرغبة في التقوى، و الزهادة في الدنيا، هي الغنيمة الباردة.
قال: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ، و ملك النفس.
قال: فما الغنى؟ قال: رضاء النفس بما قسم اللّه تعالى لها و إن قلّ، و إنّما الغنى غنى النفس.
قال: فما الفقر؟ قال: شره النّفس في كلّ شيء.
قال: فما المنعة؟ قال: شدّة البأس، و منازعة أعزّاء النّاس.
قال: فما الذلّ؟ قال: الفزع عند المصدوقة.
قال: فما العيّ (1)؟ قال: عبث باللّحية، و كثرة البزق عند المخاطبة.
قال: فما الجرأة؟ قال: مواقفة الأقران.
قال: فما الكلفة؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك.
قال: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم، و تعفو عن الجرم.
قال: فما العقل؟ قال: حفظ القلب كلّما استوعيته.
قال: فما الخرق؟ قال: معاداتك إمامك، و رفعك عليه كلامك.
قال: فما الثناء؟ قال: إتيان الجميل، و ترك القبيح.
قال: فما الحزم؟ قال: طول الأناة، و الرفق بالولاة.
قال: فما السفه؟ قال: اتّباع الدّناة، و مصاحبة الغواة.
قال: فما الغفلة؟ قال: تركك المسجد، و طاعتك المفسد.
قال: فما الحرمان؟ قال: تركك حظّك، و قد عرض عليك.
قال: فمن السيّد (2)؟ قال: الأحمق في ماله، و المتهاون في عرضه، يشتم
ص:50
فلا يجيب، و المهتم بأمر عشيرته (1).
قال ابن طلحة عقيب الحديث في «مطالب السئول» : فهذه الأجوبة الصادرة منه، على البديهة من غير رويّة شاهدة له عليه السلام لبصيرة باصرة، و بديهة حاضرة، و مادّة فضل وافرة، و فكرة على استخراج الغوامض قادرة (2).
ص:51
ص:52
في عبادته عليه السلام من طريق الخاصة و العامة
1-ابن بابويه «في أماليه» قال: حدّثنا عليّ بن أحمد، رحمه اللّه، قال حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي، قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، قال: قال الصادق عليه السلام: حدّثني أبي، عن أبيه عليه السلام، أنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان أعبد الناس في زمانه، و أزهدهم و أفضلهم، و كان إذا حجّ حجّ ماشيا، و ربما مشى حافيا، و كان إذا ذكر الموت بكى، و إذا ذكر القبر بكى، و إذا ذكر البعث في النشور بكى، و إذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، و إذا ذكر العرض على اللّه تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها، و كان إذا قام إلى صلاته (1)ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ و جلّ.
و كان إذا ذكر الجنّة و النار اضطرب اضطراب السليم، و سأل اللّه الجنّة، و تعوّذ به من النّار.
و كان عليه السلام لا يقرأ آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إلاّ قال: لبّيك اللهمّ لبّيك، و لم ير في شيء من أحواله إلاّ ذاكرا للّه تعالى
ص:53
سبحانه، و كان أصدق الناس لهجة، و أفصحهم منطقا.
و لقد قيل لمعاوية ذات يوم: لو أمرت الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيصعد المنبر، فيخطب، ليبين (1)للناس نقصه، فدعاه، فقال له:
اصعد المنبر و تكلّم بكلمات تعظنا بها.
فقام عليه السلام فصعد المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، و ابن سيدة النساء فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
أنا ابن خير خلق اللّه، أنا ابن رسول اللّه، أنا ابن صاحب الفضائل، أنا ابن المعجزات و الدّلائل.
أنا ابن أمير المؤمنين، أنا المدفوع عن حقّي، أنا و أخي الحسين سيّدا شباب أهل الجنة.
أنا ابن الرّكن و المقام، أنا ابن مكة و منى، أنا ابن المشعر و عرفات.
فقال له معاوية: يا أبا محمّد خذ في نعت الرطب، ودع هذا، فقال عليه السلام: الرّيح تنفخه، و الحرور ينضجه، و البرد يطيّبه.
ثم عاد في كلامه: أنا إمام خلق اللّه، و ابن محمّد رسول اللّه، فخشي معاوية أن يتكلّم بعد ذلك بما يفتتن به النّاس، فقال: يا أبا محمّد انزل، فقد كفى ما قد جرى فنزل (2).
2-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد (3)، عن محمّد بن عليّ بن النعمان (4)، عن صندل (5)، عن أبي
ص:54
أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: خرج الحسن بن عليّ عليه السلام إلى مكّة (1)سنة ماشيا، فورمت قدماه، فقال له بعض مواليه: لو ركبت لسكن عنك هذا الورم، فقال: كلاّ إذا أتينا هذا المنزل، فإنّه يستقبلك أسود و معه دهن فاشتر منه و لا تماكسه.
فقال له مولاه: بأبي أنت و أمي ما قدّامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء، فقال: بلى إنّه أمامك دون المنزل؛ فسارا ميلا فإذا هو بالأسود، فقال الحسن عليه السلام لمولاه: دونك الرّجل، فخذ منه الدهن و أعطه الثمن.
فقال الأسود: يا غلام لمن أردت هذا الدهن؟ فقال: للحسن بن عليّ عليه السلام فقال: انطلق بي إليه، فانطلق فأدخله إليه، فقال له: بأبي أنت و أمي لم أعلم أنّك تحتاج إلى هذا أو ترى ذلك و لست آخذ له ثمنا إنّما أنا مولاك، و لكن ادع اللّه أن يرزقني ذكرا سويّا يحبّكم أهل البيت، فإنّي خلّفت أهلي تمخض فقال عليه السلام: انطلق إلى منزلك، فقد وهب اللّه لك ذكرا سويّا و هو من شيعتنا (2).
3-و عنه، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان، عمّن سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: لمّا حضرت الحسن بن عليّ عليه السلام
ص:55
الوفاة بكى، فقيل له: يا ابن رسول اللّه تبكي و مكانك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي أنت به، و قد قال فيك ما قال؟ و قد حججت عشرين حجّة ماشيا، و قد قاسمت مالك ثلاث مرّات، حتّى النعل بالنعل؟ قال: إنّما أبكي لخصلتين: لهول المطّلع (1)، و فراق الأحبة (2).
4-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن موسى بن القاسم، عن صفوان عن عبد اللّه بن بكير (3)، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّا نريد الخروج إلى مكة مشاة فقال: لا تمشوا و اركبوا، فقلت: أصلحك اللّه إنّه بلغنا أنّ الحسن بن عليّ حجّ عشرين حجة ماشيا، فقال: إنّ الحسن بن عليّ كان يمشي و تساق معه محامله و رحاله (4).
5-عنه، بإسناده عن موسى بن القاسم، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن فضل المشي، فقال:
الحسن بن عليّ قاسم ربّه ثلاث مرّات حتّى نعلا و نعلا و ثوبا و ثوبا، و دينارا و دينارا و حجّ عشرين حجّة على قدميه (5).
6-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه موسى
ص:56
ابن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السلام قال: لمّا حضرت الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام الوفاة بكى، فقيل له: يا بن رسول اللّه أ تبكي و مكانك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي أنت به، و قد قال رسول اللّه فيك ما قال؟ و قد حججت عشرين مرّة ماشيا، و قد قاسمت ربك مالك ثلاث مرّات حتّى النعل بالنعل فقال عليه السلام: إنّما أبكي لخصلتين: هول المطّلع، و فراق الأحبة (1).
7-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّا نريد أن نخرج إلى مكّة، فقال: لا تمشوا و اخرجوا ركبانا، قلت: أصلحك اللّه إنّه بلغنا عن الحسن بن عليّ عليه السلام أنّه كان يحجّ ماشيا، قال: عليه السلام كان الحسن بن عليّ يحجّ ماشيا، و يساق معه المحامل و الرّحال (2).
8-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة (3)، و ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن الحجّ ماشيا أفضل أو راكبا؟ قال: بل راكبا.
و سألته عن مشي الحسن عليه السلام من مكّة أو من المدينة؟ قال: من مكّة، و سألته إذا زرت البيت أركب أو أمشي؟ فقال: الحسن عليه السلام يزور راكبا، و سألته عن الرّكوب قلت: الرّكوب أفضل من المشي؟ فقال: نعم، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ركب (4).
ص:57
9-ابن بابويه في «العلل» عن عليّ بن حاتم، عن محمّد بن أبي عبد اللّه قال: حدّثنا موسى بن عمران، عن الحسين بن سعيد، عن الفضل بن يحيى عن سليمان، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّا نريد أن نخرج إلى مكّة مشاة، فقال: لا تمشوا، اخرجوا ركبانا، فقلنا: أصلحك اللّه إنّا بلغنا عن الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليه أنّه حجّ عشرين حجّة ماشيا، فقال: إنّ الحسن ابن علي عليه السلام كان يحجّ، و تساق معه الرّحال (1).
10-الحسين بن سعيد في كتاب «الزهد» عن النّضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان، عمّن سمع أبا جعفر عليه السلام، قال: لمّا حضرت الحسن ابن عليّ الوفاة، بكى فقيل له: يا ابن بنت رسول اللّه تبكي، و مكانك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما قال؟ و قد حججت عشرين حجّة راكبا، و عشرين حجّة ماشيا، و قد قاسمت ربك مالك ثلاث دفعات حتى النعل بالنعل فقال: أبكي من خصلتين: هول المطّلع، و فراق الأحبة (2).
11-و من طريق المخالفين، أبو نعيم في «حلية الأولياء» من الجزء الأوّل قال: عن محمّد بن عليّ، قال: قال الحسن بن عليّ: إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه و لم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه (3).
12-و يليه أيضا من الجزء المذكور قال: عن شهاب بن عامر، أنّ الحسن ابن عليّ قاسم اللّه تعالى ماله مرّتين، حتّى تصدّق بفرد نعله صلوات اللّه عليه (4).
ص:58
13-و يليه أيضا بالإسناد، قال: عن عليّ بن زيد بن جدعان، قال:
خرج الحسن بن عليّ عليهما السلام من ماله مرّتين، و قاسم اللّه تعالى ماله ثلاث مرّات، حتّى أنّه كان ليعطي نعلا و يمسك نعلا و يعطيه خفّا، و يمسك خفّا
114-صاحب كتاب «الصفوة» بسنده عن عليّ بن زيد بن جدعان، أنّه قال: حجّ الحسن عليه السلام خمس عشرة حجّة ماشيا، و أنّ الجنائب لتقاد بين يديه 2.
15-و من طريق الأصحاب، محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه جميعا 3عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود عن أبي سعيد عقيصا، قال: مررت بالحسن و الحسين عليهما السلام، و هما في الفرات مستنقعان في إزارين، فقلت لهما: يا ابني رسول اللّه صلى اللّه عليكما أفسدتما الإزارين، فقال لي: يا با سعيد فسادنا للإزارين أحبّ إلينا من فساد الدين، إنّ للماء أهلا، و سكّانا كسكّان الارض 4.
16-و عنه عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان ابن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: ما رأيت النّاس أخذوا عن الحسن و الحسين إلاّ الصلاة بعد العصر، و بعد الغداة في طواف الفريضة 5.
ص:59
ص:60
في جوده عليه السلام من طريق الخاصة و العامة
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عمّن حدّثه، عن عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السلام و هما جالسان على الصّفا فسألهما، فقالا: إنّ الصدقة لا تحلّ إلاّ في دين موجع، أو في غرم مفظع (1)أو فقر مدقع (2)ففيك شيء من هذه؟ قال: نعم فأعطياه.
و قد كان الرّجل سأل عبد اللّه بن عمر، و عبد الرحمن بن أبي بكر (3)، فأعطياه و لم يسألاه عن شيء (4)فقال لهما: ما لكما لم تسألاني عمّا سألني عنه الحسن و الحسين عليهما السلام؟ و أخبرهما بما قالا، فقالا: إنّهما غذّيا بالعلم غذاء (5).
2-و عنه: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن عبد الكريم (6)، عن الحلبي، عن
ص:61
أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّ الحسن بن عليّ عليه السلام متّع امرأة له بأمة، و لم يطلّق امرأة إلا متّعها (1).
3-و عنه، عن حميد، عن ابن سماعة، عن محمّد بن زياد، عن عبد اللّه بن سنان، و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ الحسن بن عليّ عليه السلام متّع امرأة طلّقها بأمة، و لم يكن يطلّق امرأة إلاّ يمتّعها (2).
4-و عنه، عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن محمّد بن زياد، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان الحسن بن عليّ عليه السلام يمتّع نسائه بالأمة (3).
5-روي: أنّه طلّق خمسين امرأة، روى ذلك محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن جعفر ابن بشير، عن يحيى بن أبي العلاء (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ الحسن بن عليّ عليه السلام طلق خمسين امرأة (5).
ص:62
6-و من طريق المخالفين ما رواه صاحب «الفصول المهمة» ، و صاحب «مطالب السئول» عن سعيد بن عبد العزيز (1)، قال: إنّ الحسن سمع رجلا يسأل ربّه تعالى أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف الحسن عليه السلام إلى منزله فبعث بها إليه (2).
7-و رويا أيضا أنّ رجلا جاء إليه عليه السلام و سأله حاجة، فقال له:
يا هذا حقّ سؤالك إيّاي يعظم لديّ، و معرفتي بما يجب لك يكبر عليّ، و يدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، و الكثير في ذات اللّه عزّ و جلّ قليل، و ما في ملكي وفاء لشكرك، فإن قبلت الميسور و رفعت عنّي مئونة الاحتيال (3)و الاهتمام لما (4)أتكلّفه من واجبك فعلت.
فقال: يا بن رسول اللّه أقبل القليل، و أشكر العطيّة، و أعذر على المنع فدعا الحسن عليه السلام بوكيله و جعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها، فقال: هات الفاضل من الثلاثمائة ألف درهم فأحضر خمسين ألفا، قال: فما فعل الخمسمائة دينار؟ قال: هي عندي، قال: أحضرها، فأحضرها، فدفع الدّراهم و الدّنانير إلى الرّجل، فقال: هات من يحملها لك، فأتاه بحمّالين، فدفع الحسن عليه السلام إليهم رداءه لكراء الحمل (5)، فقال له مواليه: و اللّه ما عندنا درهم، فقال عليه السلام: لكنّي أرجو أن يكون لي عند اللّه عزّ و جلّ أجر عظيم (6).
ص:63
8-و رويا أيضا قالا: روى أبو الحسن المدائني (1)، قال: خرج الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر رضي اللّه عنهم حجاجا، ففاتتهم أثقالهم، فجاعوا و عطشوا فمرّوا بعجوز في خباء لها، فقالوا: هل من شراب؟ قالت: نعم، فأناخوا بها، و ليس لها إلاّ شويهة في كسر الخيمة، فقالت: احلبوها و امتذقوا لبنها ففعلوا ذلك، و قالوا لها: هل من طعام؟ قالت: لا إلا هذه الشاة فليذبحها أحدكم حتى أهيّئ لكم ما تأكلون، فقام إليها أحدهم فذبحها و كشطها، ثم هيأت لهم طعاما، فأكلوا، ثمّ أقاموا حتى أبردوا، فلمّا ارتحلوا قالوا لها: نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه، فإذا رجعنا سالمين فألمي (2)بنا فإنّا صانعون إليك خيرا.
ثمّ ارتحلوا و أقبل زوجها، فأخبرته عن القوم و الشاة، فغضب الرّجل، و قال: ويحك تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم، ثمّ تقولين: نفر من قريش، ثمّ بعد مدّة ألجأتهما الحاجة الى دخول المدينة، فدخلاها و جعلا ينقلان البعير إليها، و يبيعان و يعيشان منه، فمرّت العجوز في بعض سكك المدينة، فإذا الحسن عليه السلام على باب داره جالس فعرف العجوز، و هي له منكرة، فبعث الحسن عليه السلام غلامه فردّها، فقال لها: يا أمة اللّه تعرفيني قالت: لا قال: أنا ضيفك يوم كذا و كذا، فقالت العجوز: بأبي أنت و أمي، فأمر الحسن عليه السلام فاشترى لها من شاء الصدقة ألف شاة، و أمر لها بألف دينار، و بعث بها مع غلامه إلى أخيه الحسين عليه السلام، فقال: بكم وصلك أخي الحسن؟ فقالت: بألف شاة و ألف دينار، فأمر لها الحسين عليه السلام بمثل ذلك.
ص:64
ثمّ بعث بها مع غلامه إلى عبد اللّه بن جعفر، فقال: بكم وصلك الحسن و الحسين عليهما السلام؟ فقالت: بألفي دينار، و ألفي شاة، فأمر لها عبد اللّه بألفي شاة، و ألفي دينار و قال: لو بدأت بي لا تبعتهما (1)، فرجعت العجوز إلى زوجها بأربعة آلاف شاة و أربعة آلاف دينار (2).
9-قال الفاضل عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» بعد أن أورد هذا الحديث: قلت: هذه القصة مشهورة، و في دواوين جودهم مسطورة، و عنهم عليهم السلام مأثورة، و كنت نقلتها على غير هذه الرواية.
قيل: إنّه كان معهم رجل آخر من أهل المدينة، و أنّها أتت عبد اللّه بن جعفر، فقال: ابدئي بسيّديّ: الحسن و الحسين عليهما السلام، فأتت الحسن عليه السلام فأمر لها بمائة بعير، و أعطاها الحسين عليه السلام ألف شاة، فعادت إلى عبد اللّه بن جعفر، فسألها، فأخبرته فقال: كفاني سيّداي أمر الإبل و الشّاة و أمر لها بمائة ألف درهم، و قصدت المدنيّ الذي كان معهم، فقال لها: أنا لا اجازي اولئك الأجواد في مدى، و لا أبلغ عشر عشيرهم في الندى، و لكن اعطيك شيئا من دقيق و زبيب. فأخذته و انصرفت (3).
10-و روى أيضا المالكي (4)في «الفصول المهمّة» و صاحب (5)«مطالب السئول» قالا: روي عن ابن سيرين (6)، قال: تزوّج الحسن امرأة، فأرسل إليها بمائة جارية، مع كلّ جارية ألف درهم (7).
ص:65
11-و رويا أيضا أنّه عليه السلام متّع امرأتين من نسائه بعد طلاقهما بعشرين ألف درهم و زقاقا من عسل، قال صاحب «الفصول المهمة» في آخر روايته: فقالت إحداهما، و أراها الحنفية: متاع قليل من حبيب مفارق (1).
ص:66
في هيبته في أعين الناس و سؤدده
1-المفيد في «ارشاده» و الطبرسي في «اعلام الورى» عن إبراهيم بن عليّ الرافعي (1)، عن أبيه عن جدّته زينب بنت أبي رافع، قالت: أتت فاطمة بابنيها الحسن و الحسين عليهما السلام إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في شكواه الذي توفّي فيه، فقالت: يا رسول اللّه هذان ابناك فورّثهما شيئا، فقال:
أمّا الحسن فإنّ له هيبتي و سؤددي، و أمّا الحسين فإنّ له جودي و شجاعتي (2).
إلاّ أنّ المفيد رواه عن إبراهيم بن عليّ الرافعي، عن أبيه، عمّن حدّثه، و شبيب بن أبي رافع، قال: أتت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحديث (3).
2-قال الطبرسي: و يصدّق هذا الخبر ما رواه محمّد بن إسحاق قال: ما
ص:67
بلغ أحد من الشرف بعد رسول اللّه ما بلغ الحسن بن عليّ عليهما السلام، كان يبسط له على باب داره، فإذا خرج و جلس انقطع الطريق، فما مرّ أحد من خلق اللّه تعالى إجلالا له فإذا علم قام، و دخل بيته، فمرّ الناس، و لقد رايته في طريق مكّة، و قد نزل عن راحلته فمشى، فما من خلق اللّه أحد إلاّ نزل و مشى، حتّى رأيت سعد بن أبي وقاص قد نزل و مشى إلى جنبه (1).
ص:68
في أنّه و أخاه الحسين عليهما السلام يشبهان رسول اللّه صلّى اللّه
عليه و آله و سلّم من طريق الخاصة و العامة
1-المفيد في «الارشاد» قال: روى جماعة، منهم أحمد بن صالح النهمي عن عبد اللّه بن عيسى، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام: كان الحسن عليه السلام أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خلقا و هديا و سؤددا (1).
2-ثمّ قال المفيد: روى ذلك جماعة، منهم معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: لم يكن أحد أشبه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الحسن بن عليّ عليهما السلام.
و في «اعلام الورى» عن أنس بن مالك الحديث بعينه (2).
3-و يليه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ الحسن ابني أشبه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما بين الصدر إلى الرأس، و الحسين أسفل من ذلك (3).
ص:69
4-و من طريق المخالفين من «صحيح البخاري» قال: حدّثنا إبراهيم ابن موسى (1)، قال: أخبرنا هشام بن يوسف (2)، عن معمر، عن الزّهري، عن أنس، قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الحسن ابن عليّ عليهما السلام (3).
5-و عنه، قال: حدّثنا عبدان (4)، قال: أخبرنا عبد اللّه (5)، قال:
أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حسين (6)، عن ابن أبي مليكة (7)، عن عقبة بن الحارث (8)، قال: رأيت أبا بكر، و هو يحمل الحسن عليه السلام، و هو يقول:
بأبي شبيها بالنبيّ ليس شبيها بعليّ
و عليّ عليه السلام يضحك (9).
ص:70
6-و من «صحاح الستة» لرزين العبدري (1)و من «صحيح» أبي داود من «صحيح» الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنة (2).
7-و به قال: عن أنس: لم يكن أحد أشبه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الحسن بن عليّ عليه السلام قال: و لقد سمعت عليا عليه السلام يقول:
حسن أشبه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما بين الصدر إلى الرّأس و الحسين أشبه فيما كان أسفل من ذلك (3).
8-و من كتاب «الجمع بين الصّحيحين» للحميدي (4)في الجزء الأوّل في أوّل كراسته منه، الحديث الخامس من افراد البخاري، من مسند ابي بكر، عن عقبة بن حارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، يكنّى أبا سروعة، له صحبة قال: صلّى أبو بكر العصر، ثمّ خرج يمشي، و معه عليّ، فرأى الحسن يلعب مع الصّبيان فحمله على عاتقه، و قال:
بأبي شبيها بالنبيّ ليس شبيها بعليّ (5)
ص:71
9-و من «الجمع بين الصحيحين» أيضا عن الزهري، عن أنس، قال لم يكن أحد أشبه بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الحسن بن عليّ عليهما السلام (1).
10-و من «الجمع بين الصّحاح الستة» بإسناده، عن عقبة، قال:
رأيت أبا بكر، و قد حمل الحسن عليه السلام و هو يقول:
بأبي شبيها بالنبيّ ليس شبيها بعليّ
و عليّ عليه السلام يضحك (2).
11-و من كتاب «فضائل الصحابة» للسمعاني، قال: عن هانئ بن هانئ (3)، عن عليّ عليه السلام قال: الحسن عليه السلام أشبه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما بين الصّدر إلى الرأس، و الحسين عليه السلام أشبه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما أسفل من ذلك (4).
12-الترمذي (بسنده) في «صحيحه» يرفعه إلى أبي جحيفة، قال:
رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كان الحسن بن عليّ عليه السلام يشبهه (5).
ص:72
في محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إيّاه من طريق
المخالفين
1-من «مسند» أحمد بن حنبل (1)، قال: حدّثنا صدقة (2)، قال: أخبرنا ابن عيينة، قال: أخبرنا أبو موسى (3)، عن الحسن، أنّه سمع أبا بكرة (4)، قال: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على المنبر، و الحسن إلى جنبه، ينظر إلى الناس مرّة و إلى الحسن عليه السلام مرّة، و يقول: ابني هذا سيّد (5).
2-و عنه، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال 6، قال: حدّثنا شعبة، قال
ص:73
أخبرني عديّ، قال: سمعت البراء بن عازب، قال: رأيت النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عاتقه الحسن، يقول: اللّهمّ إنّي احبّه فأحبّه 1.
3-و من «صحيح مسلم» في آخر الجزء الرّابع على حدّ عشرين قائمة [قال]و عن أحمد بن حنبل، حدّثنا سفيان بن عيينة، قال: حدّثني عبيد بن أبي يزيد 2، عن نافع بن جبير 3، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال الحسن: إنّي احبّه اللّهمّ فأحبّه و أحبّ من يحبّه 4.
4-و عنه، قال: حدّثنا ابن أبي عمر 5، حدّثنا سفيان، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي هريرة، قال: خرجت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طائفة من النهار 6: لا يكلّمني و لا اكلّمه، حتى جاء سوق بني قينقاع، ثم انصرف حتّى أتى خباء 7فاطمة عليها السلام
ص:74
فقال: أ ثمّ لكع أ ثمّ لكع (1)؟ «يعني حسنا» فظننّا أنّما تحبسه (2)امّه لأن تغسله و تلبسه سخابا (3)، فلم يلبث أن جاء يسعى، حتّى اعتنق كلّ منهما صاحبه، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اللّهمّ انّي أحبّه (4)و أحبّ من يحبّه (5).
5-و عنه، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن معاذ (6)، حدّثنا أبي، حدّثنا شعبة عن عديّ، و هو ابن ثابت، حدّثنا البراء بن عازب، قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، واضعا الحسن بن عليّ على عاتقه، و هو يقول: اللّهمّ إنّي احبّه فأحبّه (7).
6-و عنه، قال: حدّثنا محمّد بن بشار (8)، عن البراء بن عازب (9)قال:
ص:75
رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، واضعا الحسن بن عليّ على عاتقه، و هو يقول: اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه (1).
7-و من كتاب «الجمع بين الصحيحين» للحميدي، قال: عن الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحسن بن عليّ، و عنده الأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال الأقرع ابن حابس: إنّ لي عشرة من الولد، ما قبّلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال: من لا يرحم لا يرحم (2).
8-و من «الجمع بين الصّحاح الستة» في الجزء الثالث، قال: عن نافع ابن جبير، عن أبي هريرة، انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال للحسن اللّهم إنّي احبّه و احبّ من يحبّه (3).
9-و عنه، بإسناده، عن البراء بن عازب، قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الحسن عليه السلام على عاتقه، و يقول: اللّهمّ إني احبّه فأحبّه (4).
10-و عنه، عن أبي هريرة، قال: خرجت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في طائفة من النّهار و لا يكلّمني و لا اكلّمه إلى آخر ما تقدّم من صحيح مسلم
ص:76
[في ح 4] (1).
11-و عنه بالإسناد، عن عقبة، قال: رأيت أبا بكر، و قد حمل الحسن عليه السلام و هو يقول:
بأبي شبيها بالنبيّ ليس شبيها بعليّ
و عليّ صلى اللّه عليه يضحك، و قد تقدّم أيضا و هو متكرّر في كتب العامة (2)
12-كتاب «حلية الاولياء» لأبي نعيم في الجزء الأوّل قال: عن عدي ابن ثابت، قال: سمعت البراء، يقول: رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم واضعا الحسن عليه السلام على عاتقه، و قال: من يحبّني فليحبّه (3).
13-و عنه بالإسناد، قال أبو نعيم: عن أبي هريرة، قال: ما رأيت الحسن قطّ إلاّ فاضت عيناي دموعا، و ذلك أنّه أتى يوما يشتدّ حتى قعد في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و رسول اللّه يفتح فمه و يدخل يده في فمه (4)و يقول اللّهمّ إنّي احبّه فأحبّه و أحبّ من يحبّه، يقولها ثلاث مرات (5).
14-أبو نعيم أيضا بالإسناد، قال: عن أبان بن الطفيل، يقول:
سمعت عليا عليه السلام يقول للحسن عليه السلام: أنت في الدنيا ببدنك، و في الآخرة بقلبك (6).
ص:77
15-و عن الجزء المذكور من «الحلية» قال أبو نعيم: قال: عن المقدام ابن معدي (1)، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الحسن منّي، و الحسين من عليّ (2).
16-كتاب «فضائل الصحابة» للسمعاني، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: كان الحسن عليه السلام عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كان يحبّه حبّا شديدا، فقال: اذهب إلى امّك، فقلت:
أذهب معه؟ قال: لا، فجاءت برقة من السماء، فمشى في ضوئها حتى وصل إلى امّه (3).
17-و من الكتاب أيضا قال: عن أبي هريرة، قال: خرجت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يكلّمني و لا اكلّمه حتى أتى سوق بني قينقاع، ثمّ انصرف حتى أتى فاطمة عليها السلام فجلس، ثمّ قال: أ ثمّ-أ ثمّ لكع؟ يعني حسنا عليه السلام قال أبو هريرة: فظننت أنّما تحبسه امّه لتغسله و تلبسه سخابا، فلم يلبث أن جاء يسعى، حتى يعتنق كلّ واحد منهما صاحبه، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّي أحبّه فأحبّه، و أحبّ من يحبّه (4).
ص:78
و قد تقدّم الحديث، و هو متكرّر في كتب العامّة.
18-و من الكتاب المذكور، قال: عن عديّ بن ثابت، قال: سمعت البراء، يقول: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، حاملا الحسن على عاتقه، و هو يقول: اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه (1).
19-و من الكتاب أيضا، قال السمعاني: عن جعفر بن عون عن اسامة بن زيد، عن عبد الرحمن (2)الأصفهاني، قال: جاء الحسن بن عليّ إلى أبي بكر، و هو على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: انزل عن مجلس ابي، فقال: صدقت، و إنّه مجلس أبيك، ثمّ أجلسه في حجره، ثمّ بكى فقال عليّ عليه السلام: و اللّه ما كان هذا عن أمري، قال: صدقت، و اللّه ما اتّهمتك (3).
قال مؤلف هذا الكتاب: انظر إلى هذا الحديث الذي ترويه العامّة من قول الحسن عليه السلام: انزل عن مجلس أبي، و بكى أبو بكر، فإنّه لا شكّ إنّه مجلس أبيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام و قوله الحقّ، و لهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما كان هذا عن أمري، قال: صدقت، و ما اتّهمتك، و هذا الحديث يعطي أنّ هذا مجلس لأمير المؤمنين عليه السلام، و هو مقام الخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و أبو بكر جلس في غير مجلسه، و هو مجلس أمير المؤمنين عليه السلام و العامّة ما زالوا يروون ما يوافق الحقّ من مذهب الإمامية رضوان اللّه عليهم، لكنّ العامّة لا يفقهون حديثا.
ص:79
ص:80
في النص عليه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالامامة
و الوصاية في جملة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام
1-محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه (1)رضي اللّه عنه، في كتاب «النصوص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام» قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بن سالم بن لا حق اللاحقي البصري في سنة (250) ، قال: حدّثنا محمّد ابن عمارة السكري، عن إبراهيم بن عاصم، عن عبد اللّه بن هارون الكرخي، قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يزيد بن سلامة، عن حذيفة بن اليمان، قال صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم أقبل بوجهه الكريم علينا، ثم قال: معاشر اصحابي أوصيكم بتقوى اللّه، و العمل بطاعته، فمن عمل بها فاز و نجح و غنم، و من تركها حلّت عليه الندامة، فالتمسوا بالتقوى السلامة من أهوال يوم القيامة، فكأنّي ادعى فاجيب و إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه،
ص:81
و عترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا و من تمسّك بعترتي من بعدي كان من الفائزين، و من تخلّف عنهم كان من الهالكين.
فقلت: يا رسول اللّه على من تخلّفنا؟ قال: على من خلّف موسى بن عمران قومه؟ قلت: على وصيّه يوشع بن نون، قال: إنّ (1)وصيّي و خليفتي من بعدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام قائد البررة، و قاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله.
قلت: يا رسول اللّه فكم تكون الأئمّة من بعدك؟ قال: عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين، أعطاهم اللّه تعالى علمي و فهمي، خزّان (2)علم اللّه، و معادن وحي اللّه تعالى.
قلت: فما لأولاد الحسن؟ قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل الامامة في عقب الحسين، و ذلك قوله عزّ و جلّ وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (3).
قلت: أ فلا تسمّيهم لي يا رسول اللّه؟ قال: نعم إنّه لمّا عرج بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش، فرأيت مكتوبا بالنور: لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه، أيّدته بعليّ، و نصرته به، و رأيت أنوار الحسن، و الحسين، و فاطمة، و رأيت في ثلاثة مواضع: عليّا، عليّا، عليّا، و محمدا، محمدا، و جعفر، و موسى، و الحسن، و الحجّة يتلألأ من بينهم كأنّه كوكب دري.
فقلت: يا رب من هؤلاء الذين قرنت أسماءهم باسمك؟ قال: يا محمّد إنّهم هم الأوصياء (4)و الأئمة بعدك، خلقتهم من طينتك، فطوبى لمن أحبّهم،
ص:82
و الويل لمن أبغضهم فبهم (1)انزل الغيث، و بهم اثيب و اعاقب، ثمّ رفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يده إلى السماء، و دعا بدعوات، سمعته يقول:
اللّهمّ اجعل العلم و الفقه في عقبي، و عقب عقبي، و في زرعي، و زرع زرعي (2)
2-محمّد بن إبراهيم النعماني (3)، روى عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، و محمّد بن همام بن سهل، و عبد العزيز (4)، و عبد الواحد (5)ابنا عبد اللّه ابن يونس، عن رجالهم، عن عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، عن أبان بن أبي عيّاش (6)، عن سليم بن قيس الهلالي.
و أخبرنا به من غير هذه الطرق هارون بن محمّد، قال: حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن جعفر المعلّى الهمداني عن أبي الحسن عمر بن جامع بن عمر بن حرب الكندي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن مبارك، شيخ لنا كوفيّ ثقة، قال: حدّثنا عبد الرزّاق بن همام، عن معمر، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي و ذكر أبان أنّه سمعه أيضا عن عمر بن أبي سلمة (7).
ص:83
قال معمر و ذكر أبو هارون العبدي أنّه سمعه أيضا من عمر بن أبي سلمة عن سليم، أنّ معاوية لمّا دعا أبا الدرداء، و أبا هريرة، و نحن مع أمير المؤمنين بصفّين فحمّلهما الرسالة إلى أمير المؤمنين عليه السلام و أدّيا إليه، قال: بلّغتماني ما أرسلكما به معاوية، فاسمعا منّي و بلّغاه عنّي، قالا: نعم، فأجابه عليّ عليه السلام الجواب بطوله، حتّى انتهى إلى نصب رسول اللّه إيّاه بغدير خمّ بأمر اللّه عزّ و جلّ لمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ عليه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اَللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (1)فقال الناس: يا رسول اللّه أ خاصّة لبعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يعلمهم ولاية من أمر اللّه به، و أن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم، و زكاتهم، و صومهم، و حجّهم.
و قال عليّ عليه السلام: فنصبني رسول اللّه بغدير خمّ، و قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ أرسلني برسالة ضاق بها صدري، و ظننت أنّ الناس مكذّبي، فأوعدني لأبلغنها أو ليعذّبني، ثم قال: قم يا عليّ، ثمّ نادى بأعلى صوته، بعد أن أمر أن ينادى بالصلاة جامعة، فصلّى بهم الظهر.
ثم قال: أيّها الناس إنّ اللّه مولاي، و أنا مولى المؤمنين، و أنا أولى بهم من أنفسهم، و من كنت مولاه فعلي مولاه، و الى اللّه من والاه، و عادى اللّه من عاداه فقام إليه سلمان الفارسي، فقال: يا رسول اللّه ولاه (2)ما ذا؟ فقال: من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه، فأنزل اللّه: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلامَ دِيناً (3)فقال سلمان الفارسي يا رسول اللّه الآيات في عليّ خاصة؟ فقال: بل فيه، و في أوصيائي إلى يوم
ص:84
(القيامة) ، فقال: يا رسول اللّه سمّهم لي.
فقال: عليّ وصيي، و وزيري، و وارثي، و خليفتي في أمّتي، و وليّ كلّ مؤمن و مؤمنة من بعدي، و أحد عشر إماما من بعدي، من ولدي أوّلهم حسن، ثم ابني حسين، ثم تسعة من ولد الحسين، واحد بعد واحد، هم مع القرآن، و القرآن معهم، لا يفارقونه حتى يردوا عليّ حوضي.
فقام اثنا عشر رجلا من البدريّين، فقالوا شهدنا أنّا سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما قلت يا أمير المؤمنين، سواء لم تزد و لم تنقص، و قال بقية السبعين الذين شهدوا مع عليّ عليه السلام صفين: قد حفظنا جلّ ما قلت، و لم نحفظه كلّه، و هؤلاء الاثنا عشر خيارنا و أفاضلنا، فقال عليه السلام صدقتم ليس كلّ الناس يحفظ، بعضهم أفضل من بعض.
و قام من الاثنى عشر أربعة أبو الهيثم بن التيهان، و أبو أيّوب، و عمّار، و خزيمة ذو الشهادتين، فقالوا: شهدنا أنّا حفظنا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال يومئذ، و عليّ عليه السلام قائم إلى جنبه: يا أيّها الناس إنّ اللّه أمرني أن أنصب إليكم إمامكم، و وصيّي فيكم، و خليفتي في أهلي و في أمّتي من بعدي، و الذي فرض اللّه طاعته على المؤمنين في كتابه و أمركم فيه بولايته، فقلت يا ربّ خشيت طعن أهل النفاق (1)و تكذيبهم، فأوعدني لأبلّغنّها أو ليعاقبني.
أيّها الناس إنّ اللّه جلّ ذكره أمركم في كتابه بالصلاة، و قد بيّنتها لكم، و الزكاة، و الصوم، و الحجّ، فبيّنه و فسّره لكم (2)، و أمركم في كتابه بولايته، و إنّي اشهدكم أيّها الناس أنّها خاصّة لعليّ و أوصيائي من ولدي و ولده، أوّلهم حسن، ثم ابني حسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين عليه السلام، لا يفارقون الكتاب حتّى يردوا عليّ الحوض.
ص:85
أيّها الناس قد أعلمتكم المهديّ بعدي، و وليّكم، و إمامكم، و هاديكم بعدي، و هو أخي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و هو فيكم بمنزلتي، فقلّدوه دينكم، و أطيعوه في جميع أموركم، فإنّ عنده جميع ما علّمني اللّه جلّ و عزّ، أمرني اللّه أن أعلّمه إيّاه، و أن اعلمكم أنّه عنده، فاسألوه، و تعلّموا منه، و من أوصيائه و لا تعلّموهم، و لا تتقدّموهم، و لا تخلفوا عنهم، فإنّهم مع الحقّ، و الحقّ معهم، لا يزايلونه، و لا يزايلهم.
ثم قال عليّ عليه السلام لأبي الدرداء (1)، و أبي هريرة، و من حوله: يا أيها الناس إنّ اللّه أنزل في كتابه: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2)فجمعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و فاطمة، و حسنا، و حسينا في كساء، فقال: اللّهمّ هؤلاء لحمتي، و عترتي و ثقلي، و حامتي و أهل بيتي، فأذهب عنهم الرّجس، و طهّرهم تطهيرا، فقالت أمّ سلمة: و أنا فقال لها: و أنت إلى خير، إنّما نزلت: فيّ و في أخي، و في ابنتي: فاطمة، و في ابنيّ: حسن و حسين، و في تسعة من ولد الحسين خاصّة، ليس معنا غيرنا فقام جلّ القوم فقالوا: نشهد أنّ أمّ سلمة حدّثتنا بذلك، فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فحدثتنا أم سلمة.
(قال عليّ عليه السلام انشدكم اللّه هل تعلمون أنّ اللّه جلّ اسمه أنزل يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّادِقِينَ (3)؟ فقال سلمان: يا رسول اللّه أ عامّة أم خاصّة؟ فقال: أمّا المؤمنون فعامّة، لأنّ جماعة أمروا بذلك، و أمّا الصادقون فخاصّة عليّ بن أبي طالب و أوصيائي من بعده إلى يوم القيامة، و قلت
ص:86
لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في غزوة تبوك: يا رسول اللّه لم خلّفتني؟ فقال: إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي و بك، و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النّبوة، فإنه لا نبيّ بعدي، فقام رجال ممّن معه من المهاجرين و الأنصار فقالوا:
نشهد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في غزوة تبوك، فقال عليّ انشدكم اللّه-خ م) .
فقال عليّ عليه السلام: أ لستم تعلمون أن اللّه عزّ و جلّ أنزل في سورة الحجّ: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِرْكَعُوا وَ اُسْجُدُوا وَ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ اِفْعَلُوا اَلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَ جاهِدُوا فِي اَللّهِ حَقَّ جِهادِهِ*هُوَ اِجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ اَلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى اَلنّاسِ (1).
فقام سلمان عند نزولها فقال: يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أنت شهيد عليهم، و هم شهداء على الناس؟ فقال: الذين اختارهم اللّه، و لم يجعل عليهم في الدّين من حرج ملّة إبراهيم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عنى بذلك ثلاثة عشر إماما (2)أنا، و أخي عليّ، و أحد عشر من ولده، فقالوا: اللّهمّ نعم، قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال عليّ عليه السلام: أنشدتكم اللّه أ تعلمون أنّ رسول اللّه قام خطيبا ثمّ لم يخطب بعد ذلك فقال: أيّها الناس إنّي قد تركت فيكم أمرين، لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما: كتاب اللّه، و عترتي أهل بيتي، فإنّ اللطيف الخبير قد أخبرني و عهد إليّ أنّهما لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض؟ قالوا: اللّهمّ قد شهدنا ذلك
ص:87
كلّه من رسول اللّه.
فقام اثنا عشر من الجماعة، فقالوا: نشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين خطب في اليوم الذي قبض فيه، قام عمر بن الخطاب شبه المغضب، فقال: يا رسول اللّه لكلّ أهل بيتك؟ فقال: لا، و لكنّ الأوصياء منهم: عليّ أخي، و وزيري، و وارثي، و خليفتي في أمّتي، و وليّ كلّ مؤمن بعدي، و هو أوّلهم، و خيرهم، ثم وصيّي ابني هذا و أشار الى الحسن، ثم وصيّه ابني هذا، و أشار الى الحسين، ثمّ وصيّه ابني سميّ أخي، ثمّ وصيّه بعده سميّي ثمّ سبعة بعده، من ولده واحدا بعد واحد، حتى يردوا عليّ الحوض، شهداء اللّه في أرضه، و حججه على خلقه، من أطاعهم أطاع اللّه، و من عصاهم عصى اللّه.
فقام السبعون البدريّون، و نحوهم من المهاجرين، فقالوا: ذكّرتمونا ما كنّا نسيناه، نشهد أنّا قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فانطلق أبو هريرة و أبو الدرداء فحدّثا معاوية بكلّ ما قال عليّ عليه السلام، و استشهد عليه و ما ورد على الناس، و ما سمعوا به (1).
قال مؤلّف هذا الكتاب: الروايات في النصّ على الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام بأنّهم أوصياء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كثيرة، بالنصّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يطول الكتاب بذكرها، من أراد الوقوف عليها فعليه بكتاب «الانصاف في النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام» و كتاب «التحفة البهية» في إثبات الوصية لأمير المؤمنين و ولده الأئمة الأحد عشر الذين أوّلهم الحسن إلى المهديّ عليهم السلام، و في هذين الكتابين ما لا مزيد
ص:88
عليه، فقد أكثرت الرواية في ذلك بالنّص من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من طريق الخاصّة و العامّة، و بذلت جهدي في تأليفهما، ففيهما ما يقرّ عين الودود و يكبب الجاحد الحسود، لأنّ هذا الكتاب مبنيّ على الاختصار، مجتنبا فيه الإطناب و الإكثار.
ص:89
ص:90
في النص عليه من أبيه عليه السلام بالوصاية
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، و عمر بن اذينة، عن أبان، عن سليم ابن قيس، قال: شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام، و أشهد على وصيّته الحسين عليه السلام و محمّدا و جميع ولده و رؤساء شيعته، و أهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب، و السلاح، و قال لابنه الحسن عليه السلام: يا بنيّ أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن اوصي إليك، و أن أدفع إليك كتبي، و سلاحي، كما أوصى إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و دفع إليّ كتبه، و سلاحه، و أمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين عليه السلام، ثمّ أقبل إلى ابنه الحسين عليه السلام فقال: و أمرك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين، ثمّ قال لعليّ بن الحسين عليه السلام:
و أمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن عليّ، و اقرأه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و منّي السلام (1).
ص:91
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الصمد بن بشير (1)عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لمّا حضره الذي حضره، قال لابنه الحسن: ادن منّي حتى اسرّ إليك ما أسرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليّ و آتمنك على ما ائتمنني عليه ففعل (2).
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي (3)، قال: حدّثني الأجلح (4)، و سلمة بن كهيل، و داود بن أبي يزيد (5)، و زيد اليماني، قالوا:
حدّثنا شهر بن حوشب (6)أنّ عليا عليه السلام حين سار إلى الكوفة استودع أمّ سلمة كتبه و الوصية، فلمّا رجع الحسن عليه السلام دفعتها إليه (7).
4-و في نسخة الصفواني: أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف، عن أبي بكر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّ عليّا عليه السلام حين سار إلى الكوفة استودع أمّ سلمة كتبه و الوصية، فلمّا رجع الحسن عليه السلام
ص:92
دفعتها إليه (1).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوصى أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن، و أشهد على وصيّته الحسين عليه السلام، و محمّدا (2)، و جميع ولده، و رؤساء شيعته، و أهل بيته، ثمّ دفع إليه الكتاب و السلاح (3).
ثم قال لابنه الحسن: يا بنيّ أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن اوصي إليك، و أن أدفع إليك كتبي و سلاحي، كما أوصى إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و دفع إليّ كتبه و سلاحه، و أمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين، ثمّ أقبل على ابنه الحسين، و قال: أمرك رسول اللّه أن تدفعه إلى ابنك هذا، ثمّ أخذ بيد ابن ابنه عليّ بن الحسين عليهما السلام ثمّ قال لعليّ بن الحسين: يا بنيّ و أمرك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن تدفعه إلى ابنك محمّد بن عليّ، و اقرأه (4)من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و منّي السلام (5).
ص:93
6-و عنه، عن الحسين بن الحسن، رفعه، و محمّد بن الحسن، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه، قال: لمّا ضرب أمير المؤمنين عليه السلام حفّ به العوّاد، و قيل له: يا أمير المؤمنين أوص، فقال: اثنوا لي و سادة، ثمّ قال: الحمد للّه الذي حقّ قدره، متّبعين أمره، أحمده كما أحبّ، و لا إله إلاّ اللّه الواحد الأحد الصّمد كما انتسب، أيّها الناس كلّ امرئ لاق في فراره ما منه يفرّ، و الأجل مساق النفس إليه، و الهرب منه موافاته، كم اطّردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر، فأبي اللّه عزّ ذكره إلاّ إخفائه، هيهات علم مكنون.
أمّا وصيّتي فأن لا تشركوا باللّه جلّ ثناؤه شيئا، و محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا تضيّعوا سنّته، أقيموا هذين العمودين، و أوقدوا هذين المصباحين، و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا، و حمّل كلّ امرئ منكم مجهوده، و خفّف عن الجهلة، ربّ رحيم، و إمام عليم، و دين قويم.
أنا بالأمس صاحبكم، و اليوم عبرة لكم، و غدا مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلّة فذاك المراد، و إن تدحض القدم فإنّا كنا في أفياء أغصان، و ذرى رياح، و تحت ظلّ غمامة، اضمحلّ في الجوّ متلفّقها، و عفا في الأرض مخطّها.
و ساق الحديث، ثم قال في آخره: ثمّ أقبل على الحسن عليه السلام، فقال: يا بنيّ ضربة مكان ضربة و لا تأثم (1).
قلت: إنّ الحسن عليه السلام وصيّ أبيه عليه السلام معلوم بين الخاصّة و العامّة مسطور في كتبهم، و الحمد للّه أوّلا و آخرا.
ص:94
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلى اللّه على محمّد و آله الطاهرين أمّا بعد فهذا المنهج الرابع في الإمام الثالث أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، و فيه أحد و عشرون بابا.
الباب الأوّل في شأنه في الأمر الأوّل.
الباب الثاني، و هو من الباب الأوّل.
الباب الثالث في مولده عليه السلام.
الباب الرابع في اشتقاق اسمه عليه السلام من اسم اللّه جلّ جلاله.
الباب الخامس في أنّه لم يجعل اللّه عزّ و جلّ له من قبل سميّا.
الباب السّادس في ارتضاعه من إبهام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
الباب السابع فيما جاء فيه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مناقبه و محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب الثامن فيما جاء فيه و في أخيه الحسن عليهما السلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب التاسع في شبهه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب العاشر-في أنّه اعطي علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جملة الأئمّة الاثنى عشر عليهم السلام.
ص:95
الباب الحادي عشر-في علمه عليه السلام بلغات المدينتين ألف ألف لغة الباب الثاني عشر في أدبه عليه السلام مع جدّه و أبيه و أمّه و أخيه عليهم السلام.
الباب الثالث عشر-في صلاته عليه السلام على الناصب.
الباب الرابع عشر في عبادته عليه السلام و محافظته على الصلاة و حجّه.
الباب الخامس عشر-في جوده عليه السلام.
الباب السادس عشر-في ذكره عليه السلام ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أبيه و أمه و أخيه و نفسه عليهم السلام بعد اندراسها.
الباب السابع عشر في حديثه مع معاوية و خلاصه من مكروهه.
الباب الثامن عشر-في أنّه وصيّ أخيه عليهما السلام.
الباب التاسع عشر-في إقدامه على الشهادة مع علمه عليه السلام.
الباب العشرون-في احتجاجه على القوم الظالمين.
الباب الحادي و العشرون-في صبره عليه السلام.
ص:96
في شأنه في الأمر الأوّل
1-الشيخ أبو جعفر الطوسي في «مصباح الأنوار» عن أنس بن مالك، قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في بعض الأيّام صلاة الفجر ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم، فقلت: يا رسول اللّه إن رأيت أن تفسّر لنا قول اللّه عزّ و جلّ: فَأُولئِكَ مَعَ اَلَّذِينَ أَنْعَمَ اَللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلنَّبِيِّينَ وَ اَلصِّدِّيقِينَ وَ اَلشُّهَداءِ وَ اَلصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (1)فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
أمّا النبيّون فأنا، و أمّا الصدّيقون فأخي عليّ بن أبي طالب، و أمّا الشهداء فعمّي حمزة، و أمّا الصالحون فابنتي فاطمة، و أولادها الحسن، و الحسين عليهم السلام.
قال: و كان العبّاس حاضرا، فوثب و جلس بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال: ألسنا أنا، و أنت، و عليّ، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السلام من نبعة (2)واحدة؟ قال: و كيف ذلك يا عمّ (3)؟ قال
ص:97
العبّاس: لأنّك تعرّف بعليّ، و فاطمة، و الحسن، و الحسين دوننا، فتبسّم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال: أمّا قولك يا عمّ: ألسنا من نبعة واحدة؟ فصدقت، و لكن يا عمّ إنّ اللّه خلقني و عليّا، و فاطمة، و الحسن، و الحسين قبل أن يخلق آدم، حيث لاسماء مبنيّة (1)و لا أرض مدحيّة، و لا ظلمة، و لا نور، و لا جنّة، و لا نار، و لا شمس، و لا قمر.
قال العباس: و كيف كان بدؤ خلقكم يا رسول اللّه؟ قال: يا عمّ لمّا أراد اللّه أن يخلقنا تكلّم بكلمة، فخلق منها نورا، ثمّ تكلّم بكلمة، فخلق منها روحا فمزج الروح بالنور، فخلقني، و أخي عليّا (2)و فاطمة، و الحسن، و الحسين، فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح، و نقدّسه حين لا تقديس، فلمّا أراد اللّه أن ينشىء الصنعة، فتق نوري، فخلق منه العرش، فنور العرش من نوري، و نوري خير من نور العرش (3).
ثمّ فتق نور أخي عليّ بن أبي طالب، فخلق منه نور الملائكة، فنور الملائكة من نور عليّ فنور عليّ أفضل من الملائكة (4).
ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة، فخلق منه نور السّماوات و الأرض، فنور ابنتي فاطمة أفضل من نور السّماوات و الأرض (5).
ثمّ فتق نور ولدي الحسن، فخلق منه الشّمس و القمر، فنور ولدي الحسن أفضل من الشّمس و القمر (6).
ص:98
ثمّ فتق نور ولدي الحسين، فخلق منه الجنّة و الحور العين، فنور ولدي الحسين أفضل من الجنّة و الحور العين (1).
ثمّ أمر اللّه الظّلمات أن تمرّ على السموات (2)، فأظلمت السموات على الملائكة، فضجت الملائكة بالتسبيح و التقديس، و قالت: إلهنا و سيّدنا منذ خلقتنا و عرّفتنا هذه الأشباح لم نر بؤسا (3)، فبحقّ هذه الأشباح إلاّ كشفت عنّا هذه الظلمة، فأخرج اللّه من نور ابنتي فاطمة قناديل معلّقة في بطنان العرش، فأزهرت السموات و الأرض، ثم أشرقت بنورها، فلأجل ذلك سمّيت الزهراء.
فقالت الملائكة: إلهنا و سيّدنا لمن هذا النور الزاهر الّذي قد أزهرت (4)منه السموات و الأرض؟ فأوحى اللّه إليهم: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي، و زوجة وليّي، و أخي نبيّي، و أبي حججي على عبادي أشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم لهذه المرأة و شيعتها ثم لمحبّيها إلى يوم القيامة 5، فلمّا سمع العبّاس من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك وثب قائما، و قبّل بين عيني عليّ عليه السلام و قال: و اللّه يا عليّ أنت الحجّة البالغة لمن آمن باللّه و اليوم الآخر 6.
ص:99
ص:100
و هو من الباب الأوّل
1-الشيخ فخر الدين النجفي (1)في كتابه قال: حكى عروة البارقي (2)حججت في بعض السنين، فدخلت مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوجدت رسول اللّه جالسا و حوله غلامان يافعان (3)و هو يقبّل هذا مرّة، و هذا أخرى فإذا رآه الناس يفعل ذلك أمسكوا عن كلامه، حتّى يقضي وطره منهما، و ما يعرفون لأيّ سبب حبّه إيّاهما، فجئته، و هو يفعل ذلك بهما، فقلت: يا رسول اللّه هذان ابناك؟ فقال انهما: ابنا ابنتي، و ابنا أخي، و ابن عمّي، و أحبّ الرجال إليّ و من هو سمعي و بصري، و من نفسه نفسي (4)، و من أحزن لحزنه، و يحزن لحزني.
ص:101
فقلت له: لقد عجبت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من فعلك بهما و حبّك لهما! فقال لي: أحدّثك أيّها الرجل إنّه لمّا عرج بي إلى السماء، و دخلت الجنّة انتهيت إلى شجرة في رياض الجنّة، فعجبت من طيب رائحتها، فقال لي جبرائيل: يا محمّد لا تعجب من هذه الشجرة فثمرها أطيب من رائحتها، فجعل جبرائيل يتحفني من ثمرها، و يطعمني من فاكهتها و أنا لا أملّ منها.
ثمّ مررنا بشجرة أخرى من شجر الجنّة، فقال جبرائيل: يا محمّد كل من هذه الشجرة، فإنّها تشبه الشجرة الّتي أكلت منها الثمر، فهي أطيب طعما، و أذكى رائحة، قال: فجعل جبرائيل يتحفني بثمرها، و يشمّني من رائحتها، و أنا لا أملّ منها، فقلت: يا أخي جبرائيل ما رأيت في الأشجار أطيب، و لا أحسن من هاتين الشجرتين، فقال لي: يا محمّد أ تدري ما اسم هاتين الشجرتين فقلت: لا أدري، فقال: إحداها الحسن، و الأخرى الحسين، فإذا هبطت يا محمّد إلى الأرض من فورك، فأت زوجتك خديجة و واقعها من وقتك و ساعتك فإنّه يخرج منك طيب رائحة الثمرة الّتي أكلت (1)من هاتين الشجرتين فتلد لك فاطمة الزهراء ثمّ زوّجها أخاك عليّا فتلد لك ابنين فسمّ أحدهما الحسن، و الآخر الحسين.
قال رسول اللّه: ففعلت ما أمرني به أخي جبرائيل، فكان الأمر كما كان (2).
فنزل جبرائيل بعد ما ولد الحسن و الحسين عليهما السلام فقلت له: يا جبرائيل ما أشوقني إلى تينك الشجرتين! فقال: يا محمّد إذا اشتقت إلى الأكل من ثمرة تلك الشجرتين فشمّ الحسن و الحسين عليهما السلام.
فجعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلّما اشتاق إلى الشجرتين يشمّ الحسن و الحسين و يلثمهما، و هو يقول: يا أصحابي إنّي أودّ أنّي أقاسمهما حياتي
ص:102
لحبّي لهما، فهما ريحانتاي من الدّنيا.
فتعجب الرّجل من وصف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و الحسين عليهما السلام فكيف من سفك دماءهم (1)، و قتل رجالهم، و دفع اطفالهم، و نهب أموالهم، و سبى حريمهم، فويل لهم من عذاب يوم القيامة و بئس المصير (2)
ص:103
ص:104
في مولده عليه السلام
1-ابن بابويه في كتاب «النصوص» قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه قال: حدّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي قال: حدّثني محمّد بن عليّ القرشي (1)، قال: حدّثني أبو الربيع الزهراني (2)، قال: حدّثنا جرير (3)، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد قال: قال ابن عبّاس سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّ للّه تعالى ملكا يقال له دردائيل، كان له ستّة عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح هواء، و الهواء كما بين السماء و الأرض، فجعل يوما يقول في نفسه: أ فوق ربّنا جلّ جلاله شيء؟ فعلم اللّه تبارك و تعالى ما قاله، فزاده أجنحة مثلها، فصار له اثنان و ثلاثون ألف جناح.
ص:105
ثمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: أن طر، فطار مقدار خمسين عاما فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش، فلمّا علم اللّه عزّ و جلّ إتعابه، أوحى إليه أيّها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم فوق كلّ عظيم، و ليس فوقي شيء، و لا أوصف بمكان فسلبه اللّه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة.
فلمّا ولد الحسين بن عليّ عليه السلام، و كان مولده عشيّة الخميس ليلة الجمعة أوحى اللّه جلّ جلاله إلى مالك، خازن النيران: أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أوحى إلى رضوان، خازن الجنان: أن زخرف الجنان، و طيبها لكرامة مولود ولد لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الدار الدنيا، و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى الحور العين: أن تزيّنّ و تزاورن لكرامة مولود ولد لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الدار الدّنيا، و أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى الملائكة: أن قوموا صفوفا بالتسبيح، و التحميد، و التمجيد، و التكبير، لكرامة مولود ولد لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و أوحى اللّه تعالى إلى جبرائيل: أن اهبط إلى نبيّي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ألف قبيل، و القبيل ألف ألف من الملائكة، على خيول بلق، مسرّجة ملجّمة، عليها قباب الدر و الياقوت، و معهم ملائكة يقال لهم: الروحانيون، بأيديهم أطباق من نور، أن هنّؤا محمّدا بمولوده و أخبره يا جبرائيل بأنّي قد سمّيته الحسين، و هنّئه و عزّه، و قل له: يا محمّد يقتله شرّ أمّتك على شرّ الدوابّ (1)، فويل للقاتل، و ويل للسائق، و ويل للقائد، قاتل الحسين أنا منه بريء و هو منّي بريء، لأنّه لا يأتي أحد يوم القيامة إلاّ و قاتل الحسين أعظم جرما منه، قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الّذين يزعمون أنّ مع اللّه إلها آخر، و النار أشوق إلى قاتل الحسين ممّن أطاع اللّه إلى الجنّة.
قال: فبينما جبرائيل يهبط من السماء إلى الدنيا إذ مرّ بدردائيل، فقال له
ص:106
دردائيل: يا جبرائيل ما هذه الليلة في السماء؟ هل قامت القيامة على أهل الدنيا قال: لا، و لكن ولد لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مولود في الدار الدنيا، و قد بعثني اللّه إليه لأهنّئه به، فقال الملك: يا جبرائيل بالذي خلقني و خلقك إذا هبطت إلى محمّد فاقرأه منّي السلام، فقل له: بحقّ هذا المولود عليك إلاّ ما سألت ربّك عزّ و جلّ أن يرضى عنّي، و يردّ عليّ أجنحتي و مقامي من صفوف الملائكة.
فهبط جبرائيل عليه السلام على النبيّ و هنّأه كما أمره اللّه عزّ و جلّ و عزّاه، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تقتله أمّتي؟ فقال له: نعم يا محمّد، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما هؤلاء بأمّتي، أنا منهم بريء و اللّه عزّ و جلّ بريء منهم، قال جبرائيل: و أنا بريء منهم يا محمّد.
فدخل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على فاطمة عليها السلام فهنّأها و عزّاها، فبكت فاطمة عليها السلام ثمّ قالت: يا ليتني لم ألده، قاتل الحسين في النار (1)، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و أنا أشهد بذلك يا فاطمة، و لكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام يكون منه الأئمّة الهادية بعده.
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الأئمّة بعدي الهادي، و المهتدي، و الناصر، و المنصور، و الشفّاع، و النفّاع، و الأمين، و المؤتمن، و الإمام، و الفعّال، و العلاّم، و من يصلّي خلفه عيسى بن مريم (2).
فسكتت فاطمة من البكاء.
ص:107
ثمّ أخبر جبرائيل النبيّ بقصّة الملك، و ما أصيب به، قال ابن عباس:
فأخذ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحسين عليه السلام و هو ملفوف في خرقة من صوف فأشار به إلى السماء ثم قال: اللّهمّ بحقّ هذا المولود عليك لا بل بحقّك عليه، و على جده محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إبراهيم، و اسماعيل، و اسحاق، و يعقوب، إن كان للحسين بن عليّ بن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل، و تردّ عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة، فاستجاب اللّه دعاءه و غفر للملك (1)، فالملك لا يعرف في الجنّة إلاّ بأن يقال: هذا مولى الحسين ابن عليّ بن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2).
2-و عن ابن عبّاس قال: لمّا أراد اللّه تعالى أن يهب لفاطمة الزهراء الحسين عليه السلام كان مولده في رجب في ثاني عشرة ليلة خلت منه، فلمّا وقعت في طلقها أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى لعياء، و هي حوراء من حور الجنّة، و أهل الجنان إذا أرادوا أن ينظروا إلى شيء حسن نظروا إلى لعيا.
قال: و لها سبعون ألف و صيفة، و سبعون ألف قصر، و سبعون ألف مقصورة، و سبعون ألف غرفة، مكلّلة بأنواع الجواهر و المرجان، و قصر لعيا أعلى من تلك القصور، و من كلّ قصر في الجنة، إذا أشرفت على الجنة نظرت جميع ما في الجنّة، و أضاءت الجنّة من ضوء خدّها و جبينها، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليها أن اهبطي إلى دار الدنيا إلى بنت حبيبي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأنسي لها و أوحى اللّه إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنّة و زيّنها كرامة لمولود يولد في الدار الدنيا، فأوحى اللّه إلى الملائكة أن قوموا صفوفا بالتسبيح، و التقديس، و الثناء على اللّه تعالى، و أوحى اللّه إلى جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل عليهم السلام
ص:108
أن اهبطوا إلى الأرض في قنديل من الملائكة، قال ابن عباس: القنديل ألف ألف ملك.
فبينا هم قد هبطوا من سماء إلى سماء و إذا في السماء الرابعة ملك، يقال له صرصائيل، له سبعون ألف جناح قد نشرها من المشرق إلى المغرب، و هو شاخص نحو العرش، لأنّه قد ذكر في نفسه فقال: ترى اللّه يعلم ما في قرار هذا البحر! و ما يسير في ظلمة الليل وضوء النهار؟ ! فعلم اللّه ما في نفسه فأوحى اللّه تعالى إليه أن أقم في مكانك لا تركع و لا تسجد عقوبة لك لما فكّرت.
قال: و هبطت لعيا على فاطمة عليها السلام، و قالت لها: مرحبا بك يا بنت محمّد كيف حالك؟ قالت: بخير، و لحق فاطمة عليها السلام الحياء من لعيا، لم تدر ما تفرش لها، فبينما هي متفكّرة إذ هبطت حوراء من الجنة، و معها درنوك (1)من درانيك الجنة، فبسطته في منزل فاطمة فجلست عليه لعيا.
ثمّ إنّ فاطمة عليها السلام ولدت الحسين عليه السلام في وقت الفجر، فقبّلتها لعيا، و قطّعت سرّته، و نشفته بمنديل من مناديل الجنّة، و قبّلت عينه، و تفلت في فيه، و قالت له: بارك اللّه فيك من مولود، و بارك في والديك.
و هنّئت الملائكة و جبرائيل محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبعة أيّام بلياليها فلمّا كان في اليوم السابع، قال جبرائيل: يا محمّد ائتنا بابنك حتّى نراه، قال فدخل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على فاطمة، و أخذ الحسين عليه السلام و هو ملفوف بقطعة صفراء، فأتى به إلى جبرائيل، فحطّه و قبّل بين عينيه، و تفل في فيه، و قال: بارك اللّه فيك من مولود، و بارك اللّه في والديك يا صريع كربلاء، و نظر إلى الحسين عليه السلام و بكى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و بكت الملائكة، و قال له جبرائيل: اقرأ فاطمة ابنتك منّي السلام، و قل
ص:109
لها: تسمّيه الحسين، فقد سمّاه اللّه جلّ اسمه، و إنّما سمّي الحسين لأنّه لم يكن في زمانه أحسن منه وجها.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا جبرائيل تهنّئني و تبكي؟ قال نعم آجرك اللّه في مولودك هذا، فقال: يا حبيبي جبرائيل و من يقتله؟ قال:
شرّ أمّة من أمّتك يرجون شفاعتك، لا أنالهم اللّه ذلك، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خابت أمّة قتلت ابن بنت نبيّها، قال جبرائيل: خابت ثمّ خابت من أمر اللّه، و خاضت في عذاب اللّه.
و دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على فاطمة عليها السلام فأقراها من اللّه السلام، و قال لها: يا بنيّة سمّيه الحسين، فقد سمّاه اللّه الحسين، فقالت:
من مولاي السلام، و إليه يعود السلام، و السلام على جبرائيل، و هنّأها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بكى فقالت: يا أبتاه تهنئني و تبكي؟ قال: نعم يا بنيّة آجرك اللّه في مولودك هذا، فشهقت شهقة، و أخذت في البكاء، و ساعدتها لعيا و وصايفها، و قالت: يا أبتاه من يقتل ولدي و قرّة عيني و ثمرة فؤادي؟ قال: شرّ أمّة من أمّتي يرجون شفاعتي، لا أنا لهم اللّه ذلك.
قالت فاطمة عليها السلام: خابت أمّة قتلت ابن بنت نبيّها، قالت لعيا خابت من رحمة اللّه و خاضت في عذابه فقالت فاطمة: يا أبا اقرأ جبرائيل عنّي السلام، و قل له: في أيّ موضع يقتل؟ قال: في موضع يقال له: كربلاء، فإذا نادى الحسين لم يجبه أحد منهم، فعلى القاعد عن نصرته لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين، إلاّ أنّه لن يقتل حتّى يخرج من صلبه إمام يكون منه الأئمّة، ثم سمّاهم بأسمائهم إلى آخرهم، و هو الّذي يخرج في آخر الزمان مع عيسى بن مريم، فهؤلاء مصابيح الرحمن، و عروة الاسلام، محبّهم يدخل الجنّة، و مبغضهم يدخل النار.
قال: و عرج جبرائيل، و عرج الملائكة، و عرجت لعيا، فلقيهم الملك
ص:110
صرصائيل (1)، فقال: يا حبيبي أقامت القيامة على أهل الارض؟ قال: لا و لكن هبطنا إلى الأرض فهنّئنا محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بولده الحسين، قال:
حبيبي جبرائيل، فاهبط إلى الأرض فقل له: يا محمّد اشفع إلى ربّك في الرضا عنّي، فإنّك صاحب الشفاعة، قال: فقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و دعا بالحسين عليه السلام، فرفعه بكلتا يديه إلى السماء، و قال: اللّهمّ بحقّ مولودي هذا عليك إلاّ رضيت على الملك، فإذا النداء من قبل العرش: يا محمّد قد فعلت و قدرك عندي عظيم.
قال ابن عباس: و الّذي بعث محمّدا بالحقّ نبيا إنّ صرصائيل يفتخر على الملائكة أنّي عتيق الحسين عليه السلام، و لعيا تفتخر على الحور العين بأنّها قابلة الحسين.
لهف نفسي على الذي قد نعاه جبرائيل الأمين يوم ولاد
و بكاه كذا الملائك جمعا و بكاه ذخيرة للمعاد
و بكاه محمّد و عليّ صفوة اللّه من جميع العباد
و بكته البتول يا لك رزء لا يرى مثله بكلّ البلاد (2)
ص:111
ص:112
في اشتقاق اسمه عليه السلام من اسم اللّه جلّ جلاله
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي الكوفي، قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن الحسين بن محمّد، قال: حدّثنا إبراهيم بن الفضل بن جعفر بن عليّ بن إبراهيم بن سليمان بن عبد اللّه بن عبّاس، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ الزعفراني البصري، قال: حدّثنا سهل بن بشّار، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ الطائفي (1)، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه، مولى بني هاشم، عن محمّد بن إسحاق (2)، عن الواقدي، عن الهذيل، عن مكحول، عن طاوس، عن ابن عباس (3)، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: لمّا خلق اللّه تعالى ذكره آدم عليه السلام و نفخ فيه من روحه، و أسجد له ملائكته، و أسكنه جنّته و زوّجه حوّاء أمته، فرفع طرفه نحو العرش، فإذا هو بخمسة سطور مكتوبات، قال آدم عليه السلام: يا ربّ ما هؤلاء (4)؟ قال اللّه
ص:113
عزّ و جلّ: هؤلاء الّذين إذا تشفّع بهم إليّ خلقي شفّعتهم.
فقال آدم عليه السلام: يا ربّ بحقّ قدرهم عندك ما اسمهم؟ فقال عزّ و جلّ: أمّا الأوّل فأنا المحمود، و هو محمّد، و الثّاني فأنا العالي (1)، و هذا عليّ (2)و الثالث فأنا فاطر السموات (3)، و هذه فاطمة (4)، و أمّا الرابع فأنا المحسن، و هذا حسن (5)، و الخامس فإنّي ذو الإحسان (6)، و هذا حسين (7)، كلّ يحمد اللّه تعالى (8).
و قد مرّت الروايات بزيادة في ذلك في الباب الثالث من المنهج الثاني في الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
ص:114
في أنّه عليه السلام ممّن لم يجعل اللّه عزّ و جلّ له من قبل سميّا
1-أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، في «كامل الزيارات» قال:
حدّثني أبي رحمه اللّه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن عبد الخالق بن عبد ربّه (1)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «لم نجعل له من قبل سميّا» (2)الحسين بن عليّ لم يكن له من قبل سميّا و يحيى بن زكريّا لم يكن له من قبل سميّا، و لم تبك السماء إلاّ عليهما أربعين صباحا.
قال: قلت: ما بكاؤها؟ قال: كانت تطلع حمراء و تغرب حمراء (3).
2-عليّ بن إبراهيم، عن ابيه، عن محمّد بن خالد، عن عبد اللّه بن بكير عن زرارة، عن عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام، يقول:
في قول اللّه عزّ و جلّ: «لم نجعل له من قبل سميّا» (4)فقال: الحسين عليه
ص:115
السلام لم يكن له من قبل سميّا، و يحيى بن زكريا لم يكن له من قبل سميّا، و لم تبك السماء إلاّ عليهما أربعين صباحا.
قال: قلت: فما بكاؤها؟ قال: كانت الشمس تطلع حمراء، و تغيب حمراء، و كان قاتل الحسين عليه السلام ولد زنا، و قاتل يحيى بن زكريّا ولد زنا (1).
3-محمّد بن العبّاس، قال: حدّثنا حميد بن زياد، عن أحمد (2)بن الحسين بن بكر قال: حدّثنا الحسن بن علي بن فضّال، بإسناده إلى عبد الخالق قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في قول اللّه عزّ و جلّ: «لم نجعل له من قبل سميّا» قال: ذلك يحيى بن زكريا لم يكن له من قبل سميّا، و كذلك الحسين عليه السلام لم يكن له من قبل سميّا، و لم تبك السماء إلاّ عليهما أربعين صباحا، قلت: فما بكاؤها؟ قال: تطلع الشمس حمراء، قال: و كان قاتل الحسين عليه السلام ولد زنا، و قاتل يحيى بن زكريا عليه السلام ولد زنا (3).
ص:116
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن عليّ بن إسماعيل (1)، عن محمّد بن عمرو الزيّات (2)، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث، قال: لم يرتضع الحسين عليه السلام من فاطمة عليها السلام و لا من أنثى، كان يؤتى به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين و الثلاث، فنبت لحم الحسين عليه السلام من لحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و دمه، و لم يولد لستّة أشهر إلاّ عيسى بن مريم عليه السلام و الحسين بن عليّ عليه السلام (3).
2-و في رواية اخرى، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يؤتى به الحسين عليه السلام فيلقمه لسانه، فيمصّه
ص:117
فيجتزي به، و لم يرتضع من أنثى (1).
3-ابن بابويه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن رحمه اللّه، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى، قال: حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب، قال: حدّثنا تميم ابن بهلول (2)، قال: حدّثنا عليّ بن حسّان الواسطي (3)، عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأتي الحسين عليه السلام في كل يوم فيضع لسانه الشريف في فم الحسين عليه السلام فيمصّه حتى يروى، فأنبت اللّه عزّ و جلّ لحمه من لحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لم يرضع من فاطمة عليها السلام و لا من غيرها لبنا قطّ (4).
ص:118
فيما جاء فيه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مناقبه
و محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له من طريق الخاصّة
و العامّة
1-ابن بابويه في «الفقيه» بإسناده، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الصلاة، و قد كان الحسين عليه السلام أبطأ عن الكلام، حتى تخوّفوا أن لا يتكلّم، و أن يكون به خرس (1)، فخرج به عليه السلام حامله على عاتقه (2)و صفّ الناس خلفه، فأقامه على يمينه، فافتتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الصلاة، فكبّر الحسين عليه السلام، فلمّا سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تكبيره عاد فكبّر، و كبّر الحسين عليه السلام حتّى كبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبع تكبيرات، و كبّر الحسين عليه السلام، فجرت السنّة بذلك (3).
2-و من طريق المخالفين من كتاب «الفردوس» لابن شيرويه (4)، من باب الحاء بالإسناد قال: عن يعلى بن مرّة 5، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه
ص:119
عليه و آله و سلّم: الحسين منّي، و أنا من الحسين، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا، حسين سبط من الأسباط 1.
3-و يليه بلا فاصلة بالإسناد، قال: عن حذيفة رضي اللّه عنه، قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الحسين بن عليّ أعطي من الفضل ما لم يعط أحد من ولد آدم ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، خليل الرحمن، صلّى اللّه عليه 2.
4-و من الجزء الثاني من كتاب «الفردوس» في باب القاف بالإسناد، قال عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قال لي جبرئيل قال عزّ ذكره: إنّي قتلت بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفا، و إنّي قاتل بدم ابنك الحسين سبعين ألفا و سبعين ألفا 3.
5-و عنه أيضا في باب القاف بإسناده، قال: عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا 4.
ص:120
6-و من كتاب «فضائل الصحابة» قال: عن عبد الرحمن بن سابط 1، عن جابر، أنّه قال: طلع الحسين بن علي عليه السلام من باب المسجد، فقال جابر بن عبد اللّه: من أحبّ أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا، سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 2.
7-و منه بالإسناد أيضا، قال يزيد بن أبي زياد: قال خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من بيت عائشة فمرّ على بيت فاطمة عليها السلام، فسمع حسينا يبكي، فقال: أ ما علمت 3أنّ بكائه يؤذيني 4.
ص:121
8-و منه بالإسناد قال: عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ موسى بن عمران عليه السلام سأل ربه زيارة قبر الحسين ابن عليّ عليهما السلام، فأذن له، فزاره في سبعين ألفا من الملائكة (1).
9-و منه بالإسناد أيضا، قال: عن عمّار الدهني (2)، قال: مرّ عليّ عليه السلام على كعب الأحبار فقال: يخرج من ولد هذا الرجل رجل في عصابة لا يجفّ عرق خيولهم حتى يردوا على محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فمرّ الحسن عليه السلام فقالوا: هذا يا أبا إسحاق؟ قال: لا، قال فمرّ الحسين عليه السلام، فقالوا: هذا؟ قال: نعم (3).
10-و بالإسناد أيضا، عن عبد اللّه بن يحيى (4)عن أبيه، أنّه سار مع أمير
ص:122
المؤمنين عليّ أبي طالب عليه السلام، و كان صاحب ممطرته (1)، فحاذى نينوى و هو منطلق إلى صفّين فنادى عليّ عليه السلام: صبرا يا أبا عبد اللّه بشطّ الفرات، قلت: و من أبو عبد اللّه؟ قال: دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عيناه تفيضان، فقلت: يا نبيّ اللّه أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بلى قام من عندي جبرائيل عليه السلام قبل، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات، و قال: هل لك أن أشمّك من تربته؟ قال: قلت نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني حتى فاضتا (2)
11-و منه بالإسناد أيضا، قال: عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها، قالت:
كان جبرائيل عليه السلام عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الحسين عليه السلام معي فبكى، و تركته، فذهب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال له جبرائيل عليه السلام: أ تحبّه يا محمّد؟ قال: نعم، قال: أما إنّ أمّتك ستقتله و إن شئت أريتك تربة الأرض الّتي يقتل فيها؟ فبسط جناحه إلى الأرض، فأراه أرضا يقال لها: كربلاء (3).
ص:123
12-و بالإسناد قال: عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: استأذن ملك القطر 1أن يزور النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأذن له و كان في يوم أمّ سلمة رضي اللّه عنها، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد، فبينا أنا في الباب إذ جاء الحسين بن عليّ عليهما السلام فطفر فاقتحم، فدخل، فوثب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فجعل رسول اللّه يلثمه و يقبّله.
فقال له الملك: أ تحبّه؟ قال: نعم، قال: أما إنّ أمّتك ستقتله، و ان شئت أريتك المكان الّذي يقتل فيه؟ قال: نعم، فأراه إيّاه، فجاء بسهلة أو تراب أحمر، فأخذته أمّ سلمة رضي اللّه عنها، فجعلته في ثوبها، قال ثابت:
يقول أنس: إنّها كربلاء 2.
ص:124
13-و من الكتاب أيضا بالإسناد عن إسماعيل بن رجا (1)، عن أبيه، قال كنت في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حلقة، فيها أبو سعيد الخدري، و عبد اللّه بن عمرو بن العاص، فمرّ بنا الحسين بن عليّ عليه السلام ثمّ أقبل، فقال: أ لا اخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قالوا: بلى، قال: هو الماشي، ما كلّمني كلمة منذ ليالي صفين، و أن يرضى عنّي أحبّ إليّ من أن يكون لي حمر النعم، فقال أبو سعيد: أ لا تعتذر إليه؟ قال: بلى، قال فتواعدوا أن يغدوا إليه، فغدوت معهما، فاستأذن أبو سعيد، فأذن له، فلمّا دخل قال أبو سعيد: يا ابن رسول اللّه مررت بنا أمس، فأخبره بالّذي كان من قول عبد اللّه بن عمرو، فقال له الحسين: علمت يا أبا عبد اللّه أنّي أحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قال: إي و ربّ الكعبة، فقال: فما حملك على أن تقاتل أبي يوم صفّين؟ فو اللّه لأبي كان خيرا منّي، فقال له: أجل، و لكن عمرو شكاني إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه إنّ عبد اللّه يقوم الليل و يصوم النهار، فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عبد اللّه بن عمرو صلّ، و نم، و صم، و أطع عمرا قال: فلمّا كان يوم صفين أقسم عليّ فخرجت أما و اللّه ما كثّرت لهم سوادا، و لا اخترطت لهم سيفا، و لا طعنت برمح، و لا
ص:125
رميت بسهم، قال: فكانه (1).
14-و بالإسناد أيضا قال: عن البراء بن عازب، أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأى الحسين بن عليّ عليه السلام، فقال: اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه (2).
15-و بالإسناد، عن أبي هريرة، أنّه لقي الحسين عليه السلام، فقال أرني الموضع الّذي قبّله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فرفع الحسين عليه السلام فقبّل سرته (3).
ص:126
16-و بالإسناد، عن رزين (1)قال: حدّثتني سلمى (2)قالت: دخلت على أمّ سلمة رضي اللّه عنها، و هي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، تعني في المنام، و على رأسه و لحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا (3).
17-و من كتاب «المصابيح» تصنيف أبي محمّد الحسين بن مسعود الفرّاء (4)في آخر كراس من الكتاب، قال صاحب الكتاب: بإسناده، عن يعلى بن مرّة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حسين منّي، و أنا من حسين أحبّ اللّه من أحبّ حسينا، حسين سبط من الأسباط (5).
و هذا الحديث متكرّر في كتب الخاصّة (6)و العامّة، و الأحاديث في ذلك من
ص:127
طرق الخاصّة و العامّة كثيرة يطول بذكرها الكتاب، فهذا فيه كفاية، و محبة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأهل بيته أوضح من الشمس في رابعة النهار، و الكتب مشحونة بذلك و الحمد للّه تعالى.
ص:128
فيما جاء فيه و في أخيه عليهما السلام و أنهما سيّدا شباب أهل الجنة
من طريق العامّة
1-من «مسند» أحمد بن حنبل، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: حدّثنا نصر بن عليّ الجهضمي (1)، قال: أخبرني عليّ بن جعفر بن محمّد ابن عليّ بن الحسين بن عليّ، قال: أخبرنا أخي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخذ بيد الحسن و الحسين عليهما السلام، و قال: من أحبّني و أحبّ هذين، و أباهما، و أمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة (2).
ص:129
2-و من الكتاب عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا معاذ بن معاذ 1، قال: حدّثنا قيس بن الربيع، عن أبي المقدام 2، عن عبد الرحمن الأزرق 3، عن عليّ عليه السلام قال:
ص:130
دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنا نائم على المنامة، فاستسقى الحسن و الحسين عليهما السلام، قال: فقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى شاة لنا بكيء (1)فحلبها، فدرّت فجاء الحسن عليه السلام فسقاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت فاطمة عليها السلام: يا رسول اللّه كأنّه أحبّهما إليك؟ قال: لا، و لكنّه استسقى قبله، ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّي و إيّاك و ابنيك، و هذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة (2).
3-و من «صحيح البخاري» في الجزء الرابع منه، قال: حدّثنا عثمان ابن أبي شيبة قال: حدّثنا جرير، عن منصور، عن المنهال، عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه، قال: كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعوّذ
ص:131
الحسن و الحسين عليهما السلام، و يقول: إنّ أباكما إبراهيم كان يعوّذ بها إسماعيل و إسحاق، فقال: أعيذكما بكلمات اللّه التامّة من كلّ شيطان و هامّة (1)، من كلّ عين لامة (2).
4-و من الجزء المذكور، قال: حدّثنا مسدّد، قال: حدّثنا معتمر (3)، قال: سمعت أبي، قال: حدّثنا أبو عثمان (4)، عن اسامة بن زيد، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إنّه كان يأخذ الحسن، و الحسين، و يقول: اللّهمّ إنّي احبّهما فأحبّهما أو كما قال (5). (6)
5-و عنه أيضا، حدّثني محمّد بن بشّار، حدّثنا غندر، قال: حدّثنا
ص:132
شعبة، عن محمّد بن أبي يعقوب (1)، قال: سمعت ابن أبي نعم (2)، سمعت عبد اللّه بن عمر و سأله رجل عن المحرم، قال شعبة (3): أحسبه يقتل الذباب، فقال: أهل العراق يسألوني عن الذباب، و قد قتلوا ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيهما: هما ريحانتاى من الدنيا (4).
6-و من «صحيح مسلم» قال: حدّثنا عبد اللّه بن الرومي اليمامي (5)، و عبّاس بن عبد العظيم العنبري (6)، قال: حدّثنا النضر بن محمّد (7)، حدّثنا
ص:133
عكرمة (1)، و هو ابن عمّار، حدّثنا إياس (2)، عن أبيه (3)، قال: لقد قدت بنبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الحسن و الحسين عليهما السلام بغلته الشهباء، حتى أدخلتهم حجرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذا قدامه، و هذا خلفه (4).
7-و عنه، قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة (5)، حدّثنا عبد الرحيم بن سليمان (6)، عن عاصم (7)، حدّثني مورّق (8)، حدّثني عبد اللّه بن جعفر (9)، قال:
كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا قدم من سفر تلقي بنا، فتلقي بي و بالحسن و الحسين عليهما السلام، قال: فحمل أحدهما (10)بين يديه، و الآخر خلفه حتّى دخلنا المدينة (11).
ص:134
8- «تفسير الثعلبي» قال: أخبرني الحسين بن محمّد بن الحسين الدينوري، حدّثنا موسى بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه، قال: قرأ أبي على أبي محمّد الحسن بن علويّة القطّان من كتابه، و أنا أسمع، حدّثنا بعض أصحابنا حدّثني رجل من أهل مصر يقال له: طسم، حدّثنا أبو حذيفة، عن أبيه، عن سفيان الثوري، في قول اللّه عزّ و جلّ: مَرَجَ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (1)قال: فاطمة، و عليّ عليهما السلام يَخْرُجُ مِنْهُمَا اَللُّؤْلُؤُ وَ اَلْمَرْجانُ قال: الحسن، و الحسين عليهما السلام (2).
9-قال الثعلبي (3): و روي هذا القول أيضا عن سعيد بن جبير، قال بَيْنَهُما بَرْزَخٌ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4).
ص:135
10-و ذكر الثعلبي في تفسير قوله تعالى: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (1)قال الثعلبي: و يروى أنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام كان يجالس المساكين ثمّ يقول: إِنَّهُ لا يُحِبُّ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ 23
11-و من «الجمع بين الصحيحين» للحميدي، الحديث السابع، من افراد مسلم، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: قدت بنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الحسن و الحسين عليهما السلام بغلته الشهباء، حتّى أدخلتهم حجرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، هذا قدامه، و هذا خلفه 4.
12-و من «الجمع بين الصحيحين» أيضا للحميدي، قال: عن عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي، قال: كنت شاهدا لا بن عمر، و سأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممّن أنت؟ قال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض، و قد قتلوا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: هما ريحانتاي من الدنيا 5.
ص:136
13-و في حديث شعبة قال: و أحسبه سأله عن المحرم يقتل الذباب، فقال: يا أهل العراق تسألوني عن محرم قتل ذبابا، و قد قتلتم ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «هما ريحانتي من الدنيا» 1.
14-و من الصحاح الستة للعبدري من «صحيح الترمذي» عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنة 2.
ص:137
15-عن الترمذي، حدّثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، قال: أخبرنا يحيى بن معين قال: حدّثنا هشام بن يوسف (1)، عن عبد اللّه بن سليمان النوفلي (2)، عن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس، عن أبيه، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أحبّوا اللّه تعالى لما يغذوكم به من نعمة، و أحبّوني لحبّ اللّه تعالى، و أحبّوا أهل بيتي لحبّي (3).
16-و عنه، عن «سنن أبي داود» عن عليّ عليه السلام قال: كنت إذا سألت رسول اللّه أعطاني، و إذا سكتّ ابتدأني، قال: و أخذ بيد حسن، و حسين، و قال: من أحبّني، و أحبّ هذين، و أباهما، و امّهما، و مات متّبعا لسنّتي كان معي في درجتي (4).
ص:138
17-و عنه، قال: عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: لقد قدت بنبيّ اللّه، و الحسن، و الحسين عليهم السلام، بغلته الشهباء حتّى أدخلتهم حجرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، هذا أمامه، و هذا خلفه (1).
18-و عنه قال: سأل رجل من أهل العراق ابن عمر عن المحرم يقتل الذباب، قال: ما أسألهم عن صغيرة، و ما أجرأهم على كبيرة؟ يسألون عن الذباب، و قد قتلوا ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هما ريحانتاي من الدنيا، و هما سيّدا شباب أهل الجنة (2).
ص:139
19-و من كتاب «المغازي» لمحمّد بن إسحاق المدني، بالإسناد، عن هانئ 1بن هانئ، عن عليّ عليه السلام قال: لمّا ولد الحسن عليه السلام سمّته أمّه حربا، فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: أروني ابني ما ذا سمّيتموه؟ فقالت: سمّيته حربا، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و لكن اسمه حسن، قال: و ولد الحسين عليه السلام، سمّته حربا، فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: أروني ابني ما سمّيته؟ فقالت: قد سمّيته حربا، قال: و لكن اسمه حسين، ثم قال: إنّي سمّيتهما باسمي ابني هارون: شبرا و شبيرا، يقول: حسنا و حسينا 2.
ص:140
20-و من الجزء الخامس من كتاب «حلية الأولياء» لأبي نعيم، قال:
عن علقمة، عن عبد اللّه، قال: كنّا جلوسا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إذ مرّ به الحسن و الحسين، و هما صبيان، فقال: هات ابنيّ، أعوّذهما بما عوّذ به إبراهيم ابنيه: إسماعيل و إسحاق، فقال: أعيذكما بكلمات اللّه التامة من كلّ عين لامّة (1)، و من كل شيطان و هامّة.
غريب من حديث منصور، عن ابراهيم (2)عن علقمة، و مشهوره ما رواه الثوري، و أبو حفص الأبّار (3)، عن منصور (4).
21-و من الجزء الخامس من «حلية الأولياء» أيضا، قال: حدّثنا فاروق الخطابي (5)، قال: حدّثنا هشام بن علي السيرافي (6)، قال: حدّثنا عبد الحميد
ص:141
ابن بحر أبو سعيد الكوفي (1)، قال: حدّثنا منصور بن أبي الأسود (2)، عن الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الحسن و الحسين عليهما السلام سيّدا شباب اهل الجنة (3).
22-و قال أبو نعيم في الجزء الخامس من «الحلية» أيضا: حدّثنا عبد اللّه ابن محمّد (4)، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى المروزي (5)، قال: حدّثنا عاصم بن عليّ (6)، قال: حدّثنا مهديّ بن ميمون (7)، قال: حدّثنا محمّد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن بن أبي نعم، قال: كنت جالسا عند ابن عمر، و جاءه رجل
ص:142
يسأله عن دم البراغيث، و قال ابن عمر: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض و قد قتلوا ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: هما ريحانتاي من الدنيا.
حديث صحيح متفق عليه من حديث شعبة، و مهدي (1).
23-و من «حلية الأولياء» أيضا: حدّثنا سليمان بن أحمد، قال:
حدّثنا عليّ بن عبد العزيز (2)، قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم (3)، عن أبيه، قال حدّثنا أبو سعيد الخدري، قال:
قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنة» (4)
24-و فيه أيضا: حدّثنا أبو بكر بن خلاّد (5)، قال: حدّثنا الحارث بن أبي اسامة (6)، قال: حدّثنا خلف بن الوليد الجوهري، قال: حدّثنا إسماعيل ابن زكريا، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد
ص:143
الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حسن و حسين سيّدا شباب أهل الجنة» (1).
25-و من الجزء الأوّل من كتاب «الفردوس» (2)في باب الحاء قال: عن أبي سعيد رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الحسن و الحسين سيّدا شباب اهل الجنة (3).
26-و منه أيضا قال: عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الحسن و الحسين هما ريحانتاي من الدّنيا (4).
27-و من باب الحاء أيضا قال: عن مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الحسن و الحسين يوم القيامة عن جنبي عرش الرّحمن بمنزلة الشنفين في الوجه، الشنف: القرط (5).
28-و من الجزء أيضا في باب الألف قال: عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه: إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل ذريّة كلّ نبيّ في صلبه و إنّ اللّه جعل ذريّتي في صلب عليّ بن أبي طالب عليه السلام (6).
29-و منه في باب القاف قال: عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قاتل الحسين في تابوت من نار، عليه نصف عذاب أهل الدّنيا (7).
ص:144
30-و من احاديث «العلل» لابن عمار الموصلي (1)، ذكره بالإسناد، قال عن دينار (2)، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السلام: يا عليّ إذا كان يوم القيامة أقوم أنا من قبري و أنت كهاتين-و أشار باصبعيه السبّابة، و الوسطى، و حرّكهما و صفّهما-أنت عن يميني، و فاطمة من ورائي، و الحسن و الحسين قدّامي حتّى نأتي الموقف، ثم ينادي مناد من قبل اللّه تعالى: ألا إنّ عليا و شيعته هم الآمنون يوم القيامة (3).
31-و بالإسناد، قال: عن عليّ بن جعفر بن محمّد، عن أخيه موسى ابن جعفر، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه عن جدّه عليّ عليهم السلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه أخذ الحسن و الحسين عليهما السلام و قال: من أحبّ هذين، و اباهما، و امّهما كان معي في درجتي يوم القيامة (4).
32-و في «حلية الأولياء» لأبي نعيم، قال: حدّثنا أبو بكر بن خلاّد، حدّثنا محمّد بن غالب بن حرب (5)، حدّثنا الحسن بن عطية البزّار (6)، حدّثنا
ص:145
إسرائيل بن يونس، عن ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن زرّين حبيش (1)، عن حذيفة بن اليمان، قال: قالت امّي: متى عهدك بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قلت: ما لي به عهد منذ كذا و كذا، فنالت منّي قلت لها:
دعيني فإنّي آتيه فاصلّي معه المغرب، و أسأله أن يستغفر لي و لك، فأتيته و هو يصلّي المغرب، فصلّى، حتّى صلّى العشاء، ثمّ انصرف، و خرج من المسجد، فسمعته يعرض عارض له في الطريق، فتأخّرت، ثمّ دنوت، فسمع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نقيضي (2)من خلفه، فقال: من هذا؟ قلت: حذيفة، قال ما جاء بك يا حذيفة؟ فأخبرته، فقال: غفر اللّه لك و لامّك يا حذيفة، أ ما رأيت العارض الذي عرض لي؟ قلت: بلى، قال: ذلك ملك لم يهبط إلى الأرض قبل الساعة، فاستأذن اللّه في السلام عليّ و بشرني بأنّ الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنة، و أنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنة (3).
33-و من كتاب «فضائل الصحابة» للسمعاني عن عليّ عليه السلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخذ بيد الحسن و الحسين، و قال: من أحبّ هذين و أباهما و امّهما كان معي في درجتي يوم القيامة (4).
ص:146
34-و بالإسناد، قال: عن عبد اللّه بن عبّاس رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنة (1).
35-و بالإسناد، قال: عن سعيد بن راشد (2)، عن يعلى (3)، قال:
جاء الحسن و الحسين يمشيان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأخذ أحدهما فضمّه إلى إبطه، و أخذ الآخر و ضمّه إلى إبطه الآخر ثمّ قال: هذان ريحانتاي في الدنيا من أحبّني فليحبّهما، ثمّ قال: الولد مجبنة (4)مجهلة مبخلة (5).
36-و بالإسناد أيضا قال: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، أنّ الحسن و الحسين كانا يصطرعان، فاطلع عليّ عليه السلام على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يقول: ويها ويها (6)الحسن، فقال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه على الحسين؟ فقال: إنّ جبرئيل عليه السلام يقول: ويها الحسين (7).
ص:147
37-و بالإسناد، عن يزيد بن جابر عن عمر بن الخطّاب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ابناي هذان سيّدا شباب أهل الجنة، و أبوهما خير منهما (1).
38-و بالإسناد قال: عن عمر بن عبد العزيز، قال: قالت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم 2: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خرج محتضنا أحد ابني ابنته حسنا و حسينا و هو يقول: و اللّه إنّكم لتبخلون و تجبنون و تجهلون و إنّكم لمن ريحان اللّه 3.
ص:148
39-بالإسناد قال: عن أبي هريرة قال: رسول اللّه: من أحبّهما فقد أحبّني و من أبغضهما فقد أبغضني، يعني الحسن و الحسين عليهما السلام 1.
40-و بالإسناد عن زرّ، عن عبد اللّه قال: كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي فإذا سجد وثب الحسن و الحسين عليهما السلام على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلمّا صلّى وضعهما في حجره، ثمّ قال: من أحبّني فليحبّ هذين 2.
ص:149
41-و من الكتاب المذكور عن المستظل بن الحصين 1، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كلّ بني أب عصبتهم أبوهم ما خلا بني فاطمة فأنا عصبتهم، و في بعض الروايات: و أنا أبوهم 2.
ص:150
42-و بالإسناد قال: عن زيد بن أسلم (1)، عن أبيه، عن عمر، قال رأيت الحسن و الحسين على عاتقي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقلت:
نعم الفرس تحتكما فقال: نعم الفارسان هما (2).
43-و بالإسناد قال: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جابر رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لعليّ عليه السلام: أبا
ص:151
الريحانتين من الدنيا، فعن قليل يذهب ركناك، و اللّه خليفتي عليك، قال: فلما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: هذا أحد الركنين، فلمّا ماتت فاطمة صلّى اللّه عليها، قال: هذا الرّكن الثاني (1).
44-و بالإسناد، عن ابن أبي إسحاق، عن هانئ (2)، عن عليّ عليه السلام، قال: لمّا ولد الحسن عليه السلام سمّيناه حربا، فجاء رسول اللّه فقال أروني ابني ما سمّيتموه؟ قلنا: سمّيناه حربا، قال: بل هو حسن، فلمّا ولد
ص:152
الحسين عليه السلام سمّيناه حربا، قال: لا بل هو حسين، ثم قال: إنّي سمّيتهما بأسماء ولد هارون: شبيرا و شبرا (1).
45-و بالإسناد، قال: عن الحسن بن اسامة (2)، قال: أخبرنا اسامة ابن زيد، قال: طرقت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج إليّ، و هو مشتمل على شيء لا أدري ما هو، فلمّا فرغت من حاجتي، قلت: ما هذا الّذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه فإذا هو حسن و حسين عليهما السلام على وركيه (3)، فقال: هذان ابناي و ابنا ابنتي، اللّهمّ إنّي احبّهما، و احبّ من يحبّهما (4).
ص:153
46-و بالإسناد، عن محمّد بن يعقوب، قال: سمعت ابن أبي نعم، يقول: سمعت عبد اللّه بن عمر، و سأله رجل عن المحرم، قال شعبة: أحسبه يقتل الذباب، فقال: أهل العراق يسألون عن الذباب، و قد قتلوا ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هما ريحانتاي من الدنيا (1).
47-و بالإسناد، قال: عن عبد اللّه بن بريدة (2)، قال: سمعت أبي بريدة، يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخطب بنا، إذ جاء الحسن و الحسين، و عليهما قميصان أحمران، يمشيان و يعثران، فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المنبر، و وضعهما بين يديه، و قال: صدق اللّه:
أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ 3نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران، فلم أجد حتّى قطعت حديثي و رفعتهما 4.
ص:154
قال مؤلّف هذا الكتاب: الروايات في فضل الحسن و الحسين عليهما السلام لا تحصى، و الأحاديث في شرفهم لا تستقصى من جدّهما و أبيهما، من طرق الخاصّة و العامّة، أعرضت عن ذكر الزيادة على ما هاهنا خوف الإطالة من طرق العامّة فضلا عن طرق الخاصة ففيها ما لا مزيد عليه، حتّى أنّ في بعض النصوص ما في كلّ منهما عليهما من الفضل و الشرف نصّا بذكر أحدهما عليه السلام و في بعضها الاشتراك بينهما صلّى اللّه عليهما.
ص:155
ص:156
في شبهه عليه السلام برسول اللّه من طريق العامة
1-من «صحيح البخاري» قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن ابراهيم (1)، قال: حدّثني حسين بن محمّد (2)، قال: حدّثني جرير (3)، عن محمّد (4)، عن أنس بن مالك، قال: اتي عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه برأس الحسين بن عليّ عليه السلام فجعله في طست فجعل ينكته، و قال في حسنه شيئا، فقال أنس: كان اشبههم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (5).
ص:157
قلت: قد تقدّمت الروايات في شبهه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الباب الثاني عشر من المنهج الثالث، من أبواب أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام.
ص:158
في أنّه عليه السلام اعطي علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
في جملة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام
1-محمّد بن عليّ بن بابويه في كتاب «النصوص على الأئمة الاثني عشر» عليهم السلام قال: أخبرنا محمّد بن عبد اللّه الشيباني، قال: حدّثنا الحسين ابن عليّ البزوفري (1)، قال: حدّثنا يحيى بن عبّاد (2)، قال: حدّثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم (3)، عن إبراهيم بن سعد بن مالك (4)، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام قال: قال رسول اللّه: ما من أهل بيت منهم (5)من اسمه اسم ابني إلاّ بعث اللّه عزّ و جلّ إليهم ملكا يسدّدهم، و إنّ من الأئمّة من بعدي من ذريّتك من اسمه اسمي و من هو سمّي موسى بن عمران عليه السلام، و إنّ الأئمّة بعدي
ص:159
كعدد نقباء بني إسرائيل، أعطاهم اللّه علمي و فهمي فمن خالفهم فقد خالفني و من ردّهم و أنكرهم فقد ردّني و أنكرني، و من أحبّهم في اللّه فهو من الفائزين يوم القيامة (1).
2-أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزّاز القميّ (2)في «كفاية الاثر» :
أخبرنا محمّد بن عبد اللّه (3)، قال: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عيسى العرّاد (4)الكبير سنة (310) ، قال: حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن عمرو اللاحقي (5)بالبصرة سنة (250) عن محمّد بن عمارة اليشكري (6)عن إبراهيم ابن عاصم، عن عبد اللّه بن هارون الكرخي، قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يزيد بن سلامة، عن حذيفة بن اليمان، قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا، ثمّ قال: معاشر أصحابي اوصيكم بتقوى اللّه، و العمل بطاعته، فمن عمل بها فاز و نجح و غنم، و من تركها حلّت عليه الندامة، فالتمسوا بالتقوى السلامة من أهوال يوم القيامة.
فكأنّي أدعى فأجيب، و إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، و عترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، و من تمسّك بعترتي من بعدي كان من الفائزين، و من تخلّف عنهم كان من الهالكين.
ص:160
فقلت: يا رسول اللّه على من تخلّفنا؟ قال: على من خلّف موسى بن عمران قومه؟ قلت؛ على وصيّه يوشع بن نون، قال: فإنّ وصيّي و خليفتي من بعدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام قائد البررة، و قاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله.
فقلت: يا رسول اللّه فكم يكون الأئمّة من بعدك؟ قال: عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين، أعطاهم اللّه علمي و فهمي و هم خزّان علم اللّه، و معادن وحي (1)اللّه، قلت: يا رسول اللّه فما لأولاد الحسن عليه السلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل الإمامة في عقب الحسين، و ذلك قوله عزّ و جلّ وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (2).
قلت: أ فلا تسمّيهم لي يا رسول اللّه؟ قال: نعم إنّه لمّا عرج بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش، فرأيت مكتوبا بالنور لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، أيدته بعليّ و نصرته به، و رأيت أنوار الحسن و الحسين و فاطمة، و رأيت في ثلاثة مواضع عليا عليّا عليّا، و محمّدا محمّدا و جعفرا و موسى و الحسن، و الحجّة يتلألأ من بينهم كأنّه كوكب درّي.
فقلت: يا ربّ من هؤلاء الذين قرنت أسمائهم باسمك؟ فقال: يا محمّد هم الأوصياء و الأئمّة بعدك، خلقتهم من طينتك، فطوبى لمن أحبّهم، و الويل لمن أبغضهم، فبهم انزل الغيث، و بهم اثيب و اعاقب، ثمّ رفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يده إلى السماء، و دعا بدعوات، سمعته يقول: اللّهم اجعل العلم و الفقه في عقبي و عقب عقبي، و في زرعي (3)و زرع زرعي (4).
ص:161
3-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: حدّثنا عليّ بن الحسين عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن الرازي، عن محمّد بن عليّ الكوفي قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن يوسف، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى، عن عبد الرزاق، عن زيد الشّحام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
و قال: محمّد بن الحسن الرازي: و حدّثنا به محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشحّام، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أيّما أفضل الحسن أم الحسين؟ قال: إنّ فضل أوّلنا يلحق فضل آخرنا، و فضل آخرنا يلحق فضل أوّلنا، و كلّ له فضل.
قال: فقلت له: جعلت فداك وسّع عليّ في الجواب، فإنّي و اللّه ما أسألك إلاّ مرتادا، فقال: نحن من شجرة طيّبة برأنا اللّه من طينة واحدة، فضلنا من اللّه، و علمنا من عند اللّه، و نحن أمناء اللّه على خلقه، و الدعاة إلى دينه، و الحجّاب فيما بينه و بين خلقه، أزيدك يا زيد؟ فقلت: نعم قال: خلقنا واحد و علمنا واحد، و فضلنا واحد، و كلّنا واحد عند اللّه عزّ و جلّ، فقلت: أخبرني بعدّتكم، فقال: نحن اثنا عشر، هكذا حول عرش ربّنا عزّ و جلّ في مبدأ خلقنا أوّلنا محمّد، و أوسطنا محمّد، و آخرنا محمّد (1).
قال مؤلّف هذا الكتاب: الأحاديث في أنّ أهل البيت عليهم السلام معدن العلم و الحكم، بذكرها و شهرتها بين الأمّة كاشتهار الشمس بالنهار، معلومة عند الخاصّ و العامّ، شائع نورها في كلّ الأعصار و الأمصار.
و لقد أحسن الشيخ الفاضل عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» حيث قال
ص:162
في أبواب ذكر أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام: السادس في علمه، و شجاعته و شرف نفسه عليه السلام، أقول و اللّه الموفق للصواب: اعلم أنّ علوم أهل البيت عليهم السلام لا يتوقّف على التكرار و الدرس، و لا يزيد يومهم فيها على ما كان في الأمس، و لا يعلمونها بالقياس و الفكر و الحدس، لأنّهم المخاطبون في أسرارهم المتكلّمون بما يسألونه قبل ارتداد النفس، فسماء معارفهم و علومهم بعيدة عن الإدراك و اللمس، فمن أراد ستر فضائلهم كان كمن أراد ستر وجه الشمس، و هذا ممّا يجب أن يكون مقرّرا ثابتا في النفس، فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة، و يقفون على حقائق المعارف في خلوات العبادة، و تناجيهم أفكارهم في أوقات أذكارهم بما تسنّموا به غارب الشرف و السيادة، و يحصلون بصدق توجّههم إلى جناب القدس ما بلغوا منتهى السؤال و الإرادة.
فهم كما في نفوس أوليائهم و محبّيهم و زيادة، فما يزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمان الولادة، فهم خيرة الخير، و زبدة الحقب، و واسطة القلادة.
و هذه أمور تثبت لهم بالقياس و النظر، و مناقب واضحة الحجول، بادية الغرور، و مزايا تشرق إشراق الشمس و القمر، و سجايا تزين عنوان التاريخ و عيون السير، فما سألهم مستفيد أو ممتحن فوقفوا، و لا أنكر منكر أمرا من أمور الدين إلاّ علموا و عرفوا، و لا جروا مع غيرهم في مضمار شرف إلاّ سبقوا و قصر مجاريهم، و تخلفوا، سنّة جرى عليها الذين تقدّموا، و أحسن اتباعهم الذين تخلّفوا.
و كم عابوا في الجدال و الجلاد امورا فتلقّوها بالرأي الأصيل و الصبر الجميل فما استكانوا و لا ضعفوا، فلهذا و أمثاله سموا على الأمثال، و شرفوا، فأيّهم اعتبرت أحواله و تدبّرت أقواله، و شاهدت جلاده و جداله، وجدته فريدا في مآثره وحيدا في مزاياه و مفاخره مصدّقا قديم أوّل بحديث آخره، فقد أفرغوا في قالب الكمال، و تفرّدوا بجميل الخلال، و ارتدوا مطارف المجد و الجلال.
ص:163
و قالوا فأبانوا، و بيّنوا تقصير كل من قال، و أتوا بالإعجاز الباهر في الجواب و السؤال، تقر الشقاشق (1)اذا هدرت شقاشقهم، و تصغي الأسماع اذا قال قائلهم او نطق ناطقهم، و يكثف الهواء اذا قيست به خلايقهم، و يقف كل ساع عن شأوهم، فلا يدرك غايتهم، و لا ينال طرائقهم، و سجايا منحهم بها خالقهم و أخبر بها صادقهم، فسرّ بها أولياؤهم و أصدقاؤهم، و حزن لها مباينهم و مفارقهم، فإنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أزال الشبهة و الالتباس، و صرّح بفضلهم لئلا يفتقر في إيضاحه إلى الدليل و القياس، و نطق معلنا بشرفهم الداني الثمار، و الزاكي الغراس.
فقال لو سمع مقاله: إنّا بني عبد المطلب سادات الناس، صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم أجمعين صلاة دائمة باقية إلى يوم الدين، و قد حلّ الحسين عليه السلام من هذا البيت الشريف في أوجه يفاعه (2)، و علا محلّه فيه علوّا اطمأنّت النجوم عن ارتفاعه، و طلع بصفاء سرّه على غوامض المعارف فكشف الحقائق عند اطّلاعه، و سار صيته بالفواضل و الفضائل فاستوى الصديق و العدوّ في اسمائه، فلمّا انقسمت غنائم المجد حصل على صفاياه و مرباعه، فقد اجتمع فيه و في أخيه عليهما السلام من خلال الفضل ما لا خلاف في اجتماعه، و كيف لا يكونان كذلك، و هما ابنا عليّ و فاطمة عليهم السلام بلا فصل، و سبطا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاكرما بالفرع و الأصل، و السيّدان الإمامان قاما أو قعدا فقد استوليا على الأمّة و حازا الخصال، و الحسين عليه السلام هو الذي أرضى عزب السنان و حدّ النصل و غادر جيش الأعداء فأركب الكتائب بالهجير (3).
ص:164
في علمه عليه السلام بلغات المدينتين ألف ألف لغة
1-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن محمّد، و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد (1)، عن ابن أبي عمير، عن رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ الحسن بن علي، قال: إنّ للّه مدينتين:
إحداهما بالمشرق، و الأخرى بالمغرب (2)، عليهما سور من حديد، و على كلّ واحد منهما ألف ألف مصراع، و فيها ألف ألف (3)لغة، يتكلّم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبها، و أنا أعرف جميع اللغات، و ما فيهما و ما بينهما، و ما عليهما حجة غيري
ص:165
و غير الحسين أخي (1).
2-سعد بن عبد اللّه القمي، في «بصائر الدرجات» قال: حدّثنا سلمة ابن الخطاب (2)، عن سليمان بن سماعة (3)، و عبد اللّه بن محمّد (4)، عن عبد اللّه ابن القاسم (5)، عن سماعة بن مهران، عمّن حدّثه، عن الحسن بن حي (6)، و أبي الجارود، ذكره عن أبي سعيد (7)عقيصا الهمداني، قال: قال الحسن بن علي عليه السلام: إنّ للّه مدينة بالمشرق، و مدينة بالمغرب، على كلّ واحدة سور من حديد، في كلّ سور سبعون ألف مصراع ذهبا، يدخل في كلّ مصراع سبعون ألف ألف آدمي، ليس فيها لغة إلاّ و هي مخالفة للاخرى، و ما منها لغة إلاّ و قد علمناها، و ما فيهما و ما بينهما ابن نبي غيري، و غير أخي، و أنا الحجّة عليهم (8).
ص:166
3-الشيخ المفيد في «الارشاد» : روى محمّد بن أبي عمير، عن رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال الحسن بن علي عليهما السلام لاصحابه إنّ للّه مدينتين: إحداهما في المشرق، و الاخرى في المغرب، فيهما خلق للّه تعالى لم يهمّوا بمعصية له قطّ، و اللّه ما فيهما و بينهما حجّة للّه على خلقه غيري، و غير أخي الحسين (1).
4-قال المفيد عقيب هذه الرواية: و جاءت الرواية بمثل ذلك عن الحسين عليه السلام أنّه قال يوم الطفّ لأصحاب ابن زياد (2): ما لكم تناصرون عليّ أم و اللّه لإن قتلتموني لتثقلن حجّة اللّه عليكم، لا و اللّه ما بين جابرقا و جابرصا ابن نبي احتجّ اللّه به عليكم غيري.
يعني بجابرقا و جابرصا المدينتين اللتين ذكرهما الحسن و أخوه عليهما السلام.
و قد تقدّمت طريق أخرى للمدينتين في الباب السابع من أبواب الحسن عليه السلام عن محمّد بن الحسن الصفّار (3).
ص:167
ص:168
في أدبه مع جدّه و أبيه و أمّه و أخيه عليهم السلام
1-الفخري (1)قدّس اللّه سره قال روى جمع من الصحابة قالوا دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دار فاطمة فقال لها: يا فاطمة إنّ أباك اليوم ضيفك، فقالت: إنّ الحسن و الحسين يطلباني بشيء من الزاد فلم أجد لهما شيئا يقتاتان به، ثمّ إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دخل و جلس مع عليّ و الحسن و الحسين. و فاطمة متحيرة ما تدري كيف تصنع؟
ثمّ إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نظر إلى السماء ساعة و إذا بجبرائيل قد نزل، و قال: يا محمّد العليّ الأعلى يقرئك السلام، و يخصّك بالتحية و الإكرام و يقول لعلي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام: أيّ شيء يشتهون من فواكه الجنة؟ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ و يا فاطمة و يا حسن و يا حسين إنّ ربّ العزة علم أنّكم جياع، فأيّ شيء تشتهون من فواكه الجنة؟ فأمسكوا عن الكلام، و لم يردّوا جوابا حياء من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال الحسين عليه السلام: عن إذن منك يا أباه يا أمير المؤمنين، و عن إذنك يا أمّاه يا سيّدة نساء العالمين، و عن إذنك يا أخاه الحسن الزكي أختار لكم من فواكه
ص:169
الجنة؟ فقالوا جميعا: قل يا حسين ما شئت فقد رضينا بما تختاره لنا، فقال: يا رسول اللّه قل لجبرائيل: إنّا نشتهي رطبا في غير أوانه، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد علم اللّه ذلك.
ثم قال: يا فاطمة قومي و ادخلي البيت فأحضري لنا ما فيه فدخلت فرأت طبقا من البلّور مغطّى بمنديل من السندس الأخضر، و فيه رطب جنيّ، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة عليها السلام و هي حاملة المائدة: (أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب) (1)كما قالت مريم بنت عمران. .
فقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تناوله منها، و قدّمه بين أيديهم، ثمّ قال: بسم اللّه الرحمن الرحيم. ثمّ أخذ رطبة، فوضعها في فم الحسين عليه السلام، فقال: هنيئا مريئا لك يا حسين، ثمّ أخذ رطبة ثانية، فوضعها في فم الحسن عليه السلام، فقال هنيئا مريئا لك يا حسن، ثمّ أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة عليها السلام و قال هنيئا مريئا لك يا فاطمة الزهراء، ثمّ أخذ رطبة رابعة، فوضعها في فم عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و قال: هنيئا مريئا لك يا عليّ، و تناول رطبة أخرى، و رطبة أخرى، و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: هنيئا مريئا لك يا عليّ.
ثمّ وثب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قائما، ثم جلس، ثمّ أكلوا جميعا من ذلك الرطب، فلمّا اكتفوا و شبعوا ارتفعت المائدة إلى السماء باذن اللّه تعالى، فقالت فاطمة: يا أبت لقد رأيت اليوم منك عجبا.
فقال: يا فاطمة أمّا الرطبة الأولى الّتي وضعتها في فم الحسين، و قلت:
هنيئا مريئا لك يا حسين، فإنّي سمعت ميكائيل، و إسرافيل يقولان: هنيئا لك يا حسين، فقلت موافقا لهما بالقول: هنيئا لك يا حسين.
ص:170
ثمّ أخذت الثانية، فوضعتها في فم الحسن، سمعت جبرائيل و ميكائيل يقولان: هنيئا لك يا حسن، فقلت موافقا لهما في القول.
ثمّ أخذت الثالثة، فوضعتها في فمك يا فاطمة، فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان، و هنّ يقلن: هنيئا لك يا فاطمة، فقلت موافقا لهنّ.
و لمّا أخذت الرطبة الرابعة و وضعتها في فم عليّ بن أبي طالب عليه السلام سمعت النداء من الحقّ سبحانه و تعالى يقول: هنيئا مريئا لك يا عليّ، فقلت موافقا لقول اللّه تعالى، ثمّ ناولت عليّا رطبة أخرى، ثم ناولته رطبة أخرى، و أنا أسمع صوت الحق سبحانه و تعالى يقول: هنيئا مريئا لك يا عليّ، ثم قمت إجلالا لربّ العزة جلّ جلاله فسمعته يقول: يا محمّد و عزّتي و جلالي لو ناولت عليّا من هذه الساعة إلى يوم القيامة لقلت: هنيئا مريئا بغير انقطاع (1).
2-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان، و عليّ ابن أحمد بن موسى الدقّاق، و محمّد بن أحمد السناني رضي اللّه عنهم قالوا:
حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان، قال: حدّثني محمّد بن العبّاس، قال: حدّثني محمّد بن أبي السري، قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس (2)، عن سعد بن طريف الحنظلي، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال للحسن عليه السلام: يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا يجهلك قريش بعدي فيقولون: إنّ الحسن لا يحسن شيئا، قال الحسن عليه السلام: يا أبت كيف أصعد و أتكلّم و أنت في الناس تسمع و ترى؟ قال له: بأبي و أمّي اواري نفسي عنك و أسمع و أرى و لا تراني.
فصعد الحسن عليه السلام المنبر، فحمد اللّه بمحامد بليغة شريفة،
ص:171
و صلّى على النبيّ و آله صلاة موجزة، ثمّ قال: أيّها الناس سمعت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أنا مدينة العلم و عليّ بابها، و هل يدخل المدينة إلاّ من بابها؟ ثمّ نزل فوثب إليه عليّ عليه السلام فتحمّله و ضمّه إلى صدره،
ثمّ قال للحسين عليه السلام: يا بنيّ قم فاصعد و تكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي فيقولون: إنّ الحسين بن عليّ لا يبصر شيئا، و ليكن كلامك تبعا لكلام أخيك.
فصعد الحسين عليه السلام فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلّى على نبيّه صلاة واحدة موجزة، ثمّ قال: معاشر الناس سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّ عليّا مدينة هدى فمن دخلها نجى، و من تخلّف عنها هلك، فوثب إليه علي عليه السلام فضمّه إلى صدره فقبّله، ثم قال: معاشر الناس اشهدوا أنّهما فرخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وديعته التي استودعنيها، و أنا أستودعكموها معاشر الناس و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سائلكم عنهما (1).
3-و من طريق المخالفين الموفّق بن أحمد قال: أخبرنا الإمام الحافظ زين الدين شهردار بن شيرويه الديلمي، فيما كتب إليّ من همدان: أخبرنا أبو عليّ الحسن بن عليّ بن أحمد الحدّاد، أخبرنا الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصبهاني، قال: اخبرت عن الحسين بن الحكم الحيري، حدّثنا الحسن بن الحسين العرني (2)، حدّثنا عيسى بن عبد اللّه بن محمّد بن عمر بن علي، عن أبيه
ص:172
عن جدّه، عن عليّ رضي اللّه عنه، قال: ما سمّاني الحسن و الحسين يا أبة حتّى توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كانا يقولان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أبة، و كان الحسن يقول لي: يا أبا الحسين، و كان الحسين يقول يا أبا الحسن (1).
ص:173
ص:174
في صلاته عليه السلام على الناصب
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن زياد بن عيسى (1)، عن عامر بن السّمط (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن عليّ عليه السلام يمشي معه، فلقيه مولى له: فقال له الحسين عليه السلام: أين تذهب يا فلان؟ قال: فقال له مولاه أفرّ من جنازة هذا المنافق أن اصلّي عليه (3)فقال له الحسين عليه السلام: انظر أن تقوم على يميني فما سمعتني (4)أقول فقل مثله، فلمّا أن كبّر وليّه (5)، قال الحسين عليه
ص:175
السلام: اللّه اكبر اللّهم العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، اللّهمّ اخز عبدك في عبادك و بلادك، و أصله حرّ نارك، و أذقه أشدّ عذابك، فإنّه كان يتولّى أعداءك، و يعادي أولياءك، و يبغض أهل بيت نبيّك (1).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل عن ابن أبي نجران، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: مات رجل من المنافقين، فخرج الحسين عليه السلام يمشي معه فلقي مولى له، فقال له: إلى أين تذهب فقال: أفرّ من جنازة هذا المنافق أن أصلّي عليه، فقال الحسين عليه السلام:
قم إلى جنبي فما سمعتني أقول فقل مثله.
قال: فرفع يديه، فقال: اللّهمّ أخز عبدك في عبادك و بلادك، اللّهمّ أصله حرّ نارك، اللّهمّ أذقه أشدّ عذابك، فإنّه كان يتولّى أعداءك، و يعادي أولياءك، و يبغض أهل بيت نبيّك (2).
ص:176
في عبادته و محافظته على الصلاة و حجه
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، قال: حدّثني النضر، و فضالة، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكبّر و يعالج الحسين عليه السلام التكبير، فلم يحر حتّى أكمل سبع تكبيرات، فأحار الحسين عليه السلام التكبير في السابعة، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: و صارت سنّة (1).
2-و عنه بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الصلاة، و قد كان الحسين عليه السلام أبطأ عن الكلام (2)حتّى تخوّفوا أن لا يتكلّم و أن يكون به خرس، فخرج به رسول اللّه صلّى
ص:177
اللّه عليه و آله و سلّم إلى الصلاة حامله على عنقه، و صفّ الناس خلفه، فأقامه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على يمينه، فافتتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الصلاة، فكبّر الحسين عليه السلام (1)حتى كبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبع تكبيرات و كبّر الحسين عليه السلام، فجرت السنّة بذلك.
قال زرارة: فقلت لأبي جعفر عليه السلام: فكيف نصنع؟ قال: تكبّر سبعا، و تحمد سبعا، و تسبّح سبعا، و تحمد اللّه و تثني عليه، ثمّ تقرأ (2).
3-و روى من طريق العامّة ابن المغازلي أبو الحسن عليّ بن محمّد الطيّب الشافعي في كتاب «مناقب أمير المؤمنين عليه السلام» يرفعه إلى جابر، قال:
كان الحسين بن عليّ عليه السلام (3)أبطأ لسانه، فصلّى خلف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في يوم عيد، فكبّر رسول اللّه فقال: اللّه أكبر، فقال الحسين عليه السلام: اللّه أكبر، فسرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اللّه أكبر، فقال الحسين عليه السلام: اللّه أكبر، حتّى كبّر سبعا، فسكت الحسين عليه السلام فقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ قام في الثانية فقال: اللّه أكبر، فقال الحسين عليه السلام: اللّه أكبر حتّى كبّر خمسا، فسكت الحسين عليه السلام، فقرأ رسول اللّه، فسبب فاضل التكبير في العيدين ذلك (4).
ص:178
4-و روى أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي في «إعلام الورى» عن عليّ بن الحسين عليهما السلام انّه في الليلة التي قتل أبوه في غدها، قال عليه السلام: إنّ أباه عليه السلام قام الليل كلّه يصلّي، و يستغفر، و يدعو، و قام أصحابه كذلك، يدعون، و يصلّون، و يستغفرون 1.
5-و قال كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي 2في كتاب «مطالب السئول» و هو من رجال العامّة: كان الحسين عليه السلام في العبادة مقتديا بمن تقدّم، حتّى نقل أنّه عليه السلام حجّ خمسا و عشرين حجّة إلى الحرم، و جنائبه تقاد معه، و هو ماش على القدم 3.
ص:179
ص:180
في جوده عليه السلام
1-قال كمال الدين بن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» : قد تقدّم في هذا الفصل المعقود لذلك كرم أخيه الحسن عليه السلام، قصة المرأة الّتي ذبحت الشاة و ما وصلها به، لمّا جاءته بعد أخيه الحسن عليه السلام، و أنّه أعطاها ألف دينار، و اشترى لها ألف شاة (1).
و قد اشتهر النقل عنه عليه السلام أنّه كان يكرم الضيف، و يمنح الطالب و يصل الرحم، و ينيل الفقير، و يسعف السائل، و يكسو العاري، و يشبع الجائع، و يعطي الغارم (2)، و يسدّ على الضعيف، و يشفق على اليتيم، و يعين ذا الحاجة، و قلّ أن وصله مال إلاّ فرّقه.
و نقل أنّ معاوية لمّا قدم مكّة وصله بمال كثير، و ثياب وافرة، و كسوات وافية فردّ الجميع عليه، و لم يقبل منه، و هذه سجيّة الجواد، و شنشنة الكريم،
ص:181
و شيمة ذي السماحة (1)، و صفة من قد حوى مكارم الأخلاق فأفعاله المتلوة، شاهدة له بوصف الكرم، ناطقة له بأنّه متّصف بمحاسن الشيم. الى هنا كلامه (2).
2-و قال المالكي في «الفصول المهمّة» : قال أنس رضي اللّه عنه: كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية، فجاءته (3)بطاقة ريحان، فقال لها (4): أنت حرّة لوجه اللّه تعالى، فقلت: تحيّيك (5)بطاقة ريحان، لا خطر لها و لا مال فتعتقها (6)؟ فقال: أ ما سمعت (7)قول اللّه تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها (8)فكان أحسن منها عتقها (9).
و كتب إليه أخوه الحسن عليه السلام يلومه (10)على إعطائه الشعراء، فكتب إليه: أنت أعلم منّي أنّ خير المال ما وقى العرض (11).
3-و روي عن شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي، أنّه قال: لمّا قتل الحسين
ص:182
عليه السلام في طفّ كربلاء وجد في ظهره أثر، فسئل زين العابدين عليه السلام ما هذا الأثر الذي نراه في ظهر أبيك؟ فبكى طويلا و قال: هذا أثر ممّا كان يحمل قوتا على ظهره إلى منازل الفقراء (1).
4-و جنى بعض أرقائه (2)جناية توجب التأديب، فأمر بضربه، فقال:
يا مولاي قال اللّه تعالى: وَ اَلْكاظِمِينَ اَلْغَيْظَ قال عليه السلام: خلّوا سبيله قد كظمت غيظي، قال: وَ اَلْعافِينَ عَنِ اَلنّاسِ قال عليه السلام: قد عفوت عنك، قال: وَ اَللّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ (3)قال عليه السلام: أنت حرّ لوجه اللّه تعالى (4)، و أمر له بجائزة حسنة إلى هنا كلام العامي المالكي (5).
5-و روى الشيخ فخر الدين النجفي و كان من الفضلاء و الزهّاد، قال:
روي أنّ رجلا يسمّى عبد الرحمن (6)كان معلّما للأولاد في المدينة، فعلّم ولدا للحسين عليه السلام يقال له: جعفر، فعلّمه اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ فلمّا
ص:183
قرأ على أبيه الحسين عليه السلام استدعى المعلّم و أعطاه ألف دينار، و ألف حلّة وحشى فاه درّا فقيل له في ذلك؟ فقال عليه السلام: و أنّى تساوي عطيّتي هذا بتعليمه ولدي اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ (1).
6-و روي أنّ الحسين عليه السلام لمّا رأى اشتداد الأمر عليه، و كثرة العساكر عاكفة عليه، كلّ منهم يريد قتله، أرسل إلى عمر بن سعد لعنه اللّه يستعطفه، و يقول: أريد أن ألقاك فأخلو معك ساعة، فخرج عمر بن سعد من الخيمة، و جلس مع الحسين عليه السلام ناحية من الناس فتناجيا طويلا.
فقال له الحسين عليه السلام: و يحك يا بن سعد أ ما تتّقي اللّه الّذي إليه معادك؟ أراك تقاتلني و تريد قتلي، و أنا ابن من قد علمت، دون هؤلاء القوم و اتركهم و كن معي، فإنّه أقرب لك إلى اللّه تعالى، فقال له: يا حسين إنّي أخاف أن تهدم داري بالكوفة، و تنهب أموالي، فقال له الحسين عليه السلام أنا أبني لك خيرا من دارك، فقال: أخشى أن تؤخذ ضياعي بالسواد، فقال له الحسين عليه السلام: أنا أعطيك من مالي البغيبغة، و هي عين عظيمة بأرض الحجاز، و كان معاوية أعطاني في ثمنها ألف ألف دينار من الذهب، فلم أبعه إيّاها، فلم يقبل عمر بن سعد لعنه اللّه شيئا من ذلك.
فانصرف عنه الحسين عليه السلام، و هو غضبان عليه، و هو يقول:
ذبحك اللّه في فراشك عاجلا، و لا غفر اللّه لك يوم حشرك و نشرك، فو اللّه إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيرا فقال له عمر بن سعد مستهزئا: يا
ص:184
حسين إنّ في الشعير عوضا عن البرّ (1).
قال مؤلّف هذا الكتاب: إعطاؤه عليه السلام عمر بن سعد لعنه اللّه هذا المبلغ الجزيل مع علمه عليه السلام أنّ إعطاءه ذلك له ليس بدافع عنه عليه السلام القتل، لعلمه عليه السلام إنّه يقتل، و أيضا إنّه لو رضي ابن سعد بأخذ هذا المال الجزيل، و رضي بعزل نفسه عن قتاله، كان عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه يجعل أميرا سواه في قتال الحسين عليه السلام، و إنّما عمر بن سعد واحد من جملة الألوف و العساكر: فإعطاؤه عليه السلام ذلك للذي حقّت عليه كلمة العذاب إنّما هو من جملة جوده الواسع، و هذا واضح بيّن.
ص:185
ص:186
ذكره عليه السلام ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في
أبيه و أخيه و نفسه عليهم السلام
1-سليم بن قيس الهلالي في كتابه، و الحديث عن سليم بن قيس، و عمر ابن أبي سلمة، حديثهما واحد، شهد ذلك سليم و عمر، قالا: قدم معاوية حاجّا في إمارته، بعد ما قتل عليّ عليه السلام، و بايعه الحسن عليه السلام، و استقبله أهل المدينة، فنظر فإذا الّذين قد استقبلوه من قريش أكثر من الانصار فسأل عن ذلك (1)، فقالوا: إنّهم احتاجوا ليس لهم دوابّ، قال: فأين نواضحهم.
قال قيس بن سعد بن عبادة، و كان سيّد الأنصار و ابن سيّدهم: أفنوها يوم بدر و احد و ما بعدهما من مشاهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين ضربوك و أباك على الإسلام حتى ظهر أمر اللّه و أنتم كارهون، قال معاوية: اللّهمّ غفرا (2)، قال قيس: أما إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال سترون بعدي أثرة (3)ثم قال: يا معاوية تعيّرنا بنواضحنا، أما و اللّه لقد لقيناكم عليها يوم
ص:187
بدر و أنتم جاهدون على إطفاء نور اللّه، و أن تكون كلمة الشيطان هي العليا، ثم دخلت أنت و أبوك في الدين كرها كما ضربناكم عليه.
فقال معاوية: كأنك تمنّ علينا بنصرتكم إيّانا، فللّه و لقريش بذلك المنّ و الطول، أ لستم تمنّون علينا يا معشر الأنصار بنصرتكم رسول اللّه و هو من قريش و هو ابن عمّنا و منّا، فلنا المنّ و الطول إذا جعلكم أنصارنا و أتباعنا فهداكم اللّه بنا.
قال قيس: إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافّة إلى الإنس و الجنّ و الأحمر و الأسود و الأبيض و اختاره لنبوّته و اختصّه برسالته فكان أوّل من صدّقه و آمن به ابن عمّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و كان عمّه أبو طالب يذبّ عنه و يمنعه و يحول بين كفّار قريش و بين أن يردعوه و يؤذوه، و أمره بتبليغ رسالات ربّه، فلم يزل ممنوعا من الضيم و الأذى حتى مات عمّه أبو طالب، و أمر ابنه عليّ بن أبي طالب بمؤازرته و نصرته، فآزره (1)عليّ و نصره، و جعل نفسه دونه في كل شدّة و كلّ ضيق و كل خوف، فاختصّ بذلك عليّا عليه السلام من بين قريش و أكرمه من بين جميع العرب.
فجمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جميع بني عبد المطّلب منهم (2)أبو لهب، و أبو طالب و هم يومئذ أربعون رجلا، فدعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خادمهم يومئذ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يومئذ في حجر عمّه أبي طالب.
فقال: أيّكم لينتدب أن يكون أخي، و وزيري، و وصيّي، و خليفتي،
ص:188
في أمّتي، و وليّ كلّ مؤمن بعدي؟ فسكت القوم حتّى أعادها ثلاث مرّات.
فقال عليّ عليه السلام: أنا يا رسول اللّه، فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يده على رأس عليّ عليه السلام، فوضع رأسه في حجره، ثمّ تفل في فيه، و قال: اللّهمّ املأ جوفه حكما، و علما، و فهما، فقال أبو لهب: يا أبا طالب اسمع الآن و أطع لابنك عليّ.
فجعله من نبيّه بمنزلة هارون من موسى، و آخا بين الناس، و آخا بينه و بين نفسه (1)، و لم يدع قيس بن سعد شيئا من مناقبه إلاّ ذكرها، و احتجّ بها.
و قال: منهم أهل البيت (2)جعفر بن أبي طالب الطيّار في الجنة بجناحين اختصّه اللّه بذلك من بين الناس، و منهم حمزة سيّد الشهداء، و منهم سيّدة نساء أهل الجنّة الطاهرة المطهّرة الطيّبة المباركة.
فنحن و اللّه خير منكم، يا معشر قريش، و أحبّ إلى اللّه، و إلى رسوله، و أهل بيته منكم، لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاجتمعت الأنصار إلى أبي بكر، فقالوا: نبايع سعدا، فجاءت قريش فخاصموا بحجّة عليّ عليه السلام و أهل بيته عليهم السلام و خاصمونا بحقّه و قرابته، فأقعدت قريش (3)أن يكونوا ظلموا الأنصار و آل محمّد عليهم السلام.
و لعمري ما لأحد من الأنصار، و لا من قريش، و لا من العرب، و لا من العجم في الخلافة حقّ و لا نصيب مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام و ولده من بعده عليهم السلام.
فغضب معاوية و قال: يا بن سعد عمّن أخذت هذا و عمّن رويته و عمّن سمعته؟ أبوك حدّث بهذا و عنه أخذته؟ فقال له قيس بن سعد: أخذته عمّن هو خير من أبي و أعظم عليّ حقّا من أبي، قال: من هو؟ قال: عليّ بن أبي طالب
ص:189
عليه السلام، أخذته عن عالم هذه الامّة و ربّانيّها و صدّيقها الّذي أنزل اللّه فيه ما أنزل قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلْكِتابِ (1)فلم يدع آية أنزلت فيه إلاّ ذكرها.
فقال معاوية: إنّ صدّيقها أبو بكر، و فاروقها عمر، و الّذي عنده علم الكتاب عبد اللّه بن سلام (2).
قال قيس: أحقّ بهذه الاشياء (3)و أولى بها الّذي أنزل اللّه فيه: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (4)و الّذي أنزل اللّه فيه: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (5)و الذي نصبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بغدير خم، فقال: «من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه» .
و قال في غزاة تبوك: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي هذا و كان معاوية يومئذ بالمدينة فعند ذلك نادى منادي معاوية، و كتب بذلك نسخة إلى جميع عمّاله: ألا برئت الذمة ممّن يروي حديثا من مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام أو فضل أهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة، و على كلّ منبر بلعن عليّ عليه السلام و التبرّي منه، و الوقيعة فيه و في أهل بيته، و العيب لهم بما ليس فيهم.
قال و مرّ معاوية بحلقة من قريش فلمّا رأوه قاموا إليه غير عبد اللّه بن عبّاس فقال له: يا بن عبّاس ما منعك من القيام إليّ كما قام أصحابك إلاّ للموجدة على قتالي لكم يوم صفّين، يا بن عبّاس ما منعك؟ إنّ ابن عمي عثمان قتل مظلوما
ص:190
قال ابن عباس: فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما فسلّم لولده الأمر و هذا ابنه.
قال: إنّ عمر قتله مشرك، قال ابن عبّاس فمن قتل عثمان؟ قال:
المسلمون، قال: ذلك أضعف لحجّتك (1)و أحلّ لدمه إن كان المسلمون قتلوه و خذلوه فما كان إلاّ بحقّ.
قال معاوية: فإنّا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن مناقب عليّ و أهل بيته فكفّ لسانك يا بن عبّاس و اربع على نفسك (2)، قال: أ تنهانا عن قراءة القرآن، قال لا، قال: أ تنهانا عن تأويله، قال: نعم، قال: فنقرأه و لا نسأل عمّا عنى اللّه به، و ما أنزل علينا؟ قال: نعم تسأل عن ذلك من يتأوّله على غير ما تقول أنت و أهل بيتك.
قال: إنّما انزل على أهل بيتي، فأسأل عنه آل أبي سفيان، و آل أبي معيط أو اليهود أو النصارى، أو المجوس؟ قال: فقد عدّلتنا بهم، قال: لعمري ما أعدّلكم بهم و إن نهيت الامّة ألا تعبدوا اللّه بالقرآن، و ما فيه من أمر أو نهي، أو حلال أو حرام، أو ناسخ أو منسوخ، أو عامّ أو خاص، أو محكم أو متشابه و إن لم تسأل الامّة عن ذلك ضلّوا و تاهوا و اختلفوا، قال: فاقرأ القرآن و لا ترو شيئا مما أنزل اللّه فيكم، و ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيكم و ارو ما سوى ذلك.
قال: فإنّ في القرآن: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اَللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اَللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكافِرُونَ (3)قال معاوية: يا بن عبّاس اعص نفسك (4)و كفّ عنّي لسانك، و إن كنت لا بدّ فاعلا فليكن ذلك سرّا لا تسمع أحدا
ص:191
علانية، ثمّ رجع إلى منزله، و بعث إليه بمائة ألف درهم، و اشتدّ الأمر في الأمصار على شيعة آل عليّ عليه السلام و أهل بيته، و كان أشدّ الناس عليه أهل الكوفة، لكثرة من فيهم من الشيعة، و استعمل عليهم زيادا (1)، و ضمّ إليه البصرة، و جمع له العراقين، و كان زياد يتبع الشيعة، و هو بهم عالم لأنّه كان فيهم و قد عرفهم، و سمع كلامهم، فقتلهم تحت كلّ كوكب، و تحت كل حجر و مدر و أخافهم و قطع الأيدي و الأرجل منهم، و صلبهم على جذوع النخل، و سمل أعينهم، و ردّهم و شردهم حتى نفاهم عن العراق و لم يبق أحد معروف مشهور إلاّ قتل أو طرد أو ضرب.
و كتب معاوية إلى قضاته و ولاته في جميع الأرضين أن لا تجيزوا لأحد من شيعة عليّ و أهل بيته و لا أهل ولايته شهادة، و انظروا من قبلكم من شيعة عثمان أو محبّيه و أهل ولايته الّذين يروون فضله، و يتحدّثون بمناقبه فأدنوا مجالسهم و أكرموهم و قرّبوهم و شرّفوهم، و اكتبوا إليّ بما يروي كلّ رجل منهم، و له مائة درهم، و ممّن هو (2).
ففعلوا ذلك حتّى كثر في عثمان الحديث، و بعث إليهم بالصلات و الكسى و اللحامات و أكثر لهم القطائع من العرب و الموالي، و كثروا في كلّ مصر، فتنافسوا في المنازل و الضياع، و اتّسعت عليهم الدنيا، فليس أحد يأتي على مصر (3)أو قرية فيروي في عثمان شيئا في مناقبه و فضله إلاّ كتب اسمه و شفّع، فلبثوا في ذلك ما شاء اللّه.
ثم كتب إلى عمّاله: أنّ الحديث في عثمان كثر و فشا في كلّ قرية و مصر
ص:192
و ناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا إلى الرواية في أبي بكر و عمر فإنّ فضلهما و سوابقهما أحبّ إليّ و أقرّ لعيني و أدحض لحجّة أهل البيت و أشدّ عليهم من مناقب عثمان و فضله فقرأ كلّ أمير و قاض (1)كتابه على الناس فقال الناس بالروايات و المناقب فيهما (2).
ثم كتب نسخة جمع فيها جميع ما روي فيهم من المناقب و الفضائل و أنفذها إلى عمّاله، و أمرهم بقراءتها على المنابر، و في كلّ كورة، و في كلّ مسجد و أمرهم أن ينفذوا إلى معلّمي الكتاتيب أن يعلّموها صبيانهم، حتّى يرووها و يتعلّموها كما يتعلّمون القرآن، حتّى علّموها بناتهم، و نساءهم، و خدمهم، و حشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.
ثمّ كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع عمّاله إلى جميع البلدان أن أنظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليا و أهل بيته فامحوه من الديوان، و لا تجيزوا له شهادة.
ثمّ كتب كتابا آخر: انظروا من قبلكم من شيعة عليّ و اتّهموه بحبّه و إن لم تقم عليه بيّنة أنّه منهم فاقتلوه، فقتلوهم على التهم و الظنون و الشبه، تحت كلّ كوكب، حتى لقد كان الرجل يسقط بكلمة فيضربون عنقه، و لم يكن ذلك البلاء في بلد أشدّ منه و لا أكثر بالعراق، و سيّما بالكوفة، حتّى أنه كان الرجل من شيعة عليّ عليه السلام أو ممّن بقى من أصحابه من أهل المدينة و غيرها يأتيه من يثق به فيدخل بيته، و يلقى عليه ستره، و يخاف من خادمه أو مملوكه، و لا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان المغلّظة ليتمكّن عليه، و جعل الأمر لا يزداد إلاّ شدّة و كثر عدوّهم، و أظهروا الأحاديث الكاذبة عن أصحابهم من الزور و البهتان، فلبّسوا على الناس، و لا يتعلّمون إلاّ منهم، و مضى عليه قضاتهم و ولاتهم.
ص:193
و كان أعظم الناس في ذلك فتنة و بلية القرّاء المراءون المبغضون الّذين يظهرون الكذب، و ينتحلون الأحاديث، ليحضوا بذلك عندهم و عند ولاتهم و يدانوا مجالسهم، و يصيبوا بذلك الأموال و القطائع و المنازل، حتّى صارت أحاديثهم و رواياتهم بيد من يحسبها أنّها حقّ و أنّها صدق، و رووها و قبلوها و تعلّموها و علّموها و أحبّوا عليها، و بغضوا من ردّها و شكّ فيها، فتجمّعت على ذلك جماعتهم، فصارت بيد الّذين لا يستحلّون الكذب و يبغضون عليه أهله، فقبلوها و هم يرون أنّها حقّ، و لو علموا أنّها باطلة لم يرووها و لم يدينوا بها و لم يبغضوا من خالفهم.
و صار الصدق كذبا و الكذب صدقا، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لتشملكم بعدي فتنة يربو فيها الوليد، و ينشأ عليها الكبير، يجري عليها الناس يتّخذونها سنّة فإذا غيّر منها شيء قيل: أتى الناس منكرا غيرّت به السنّة.
فلمّا مات الحسن عليه السلام لم تزل الفتنة تعظم و البلاء يشتدّ حتّى لم يبق للّه وليّ إلاّ خائفا على دمه و لا عدوّ إلاّ ظاهرا بحجّته، مستكبرا ببدعته و ضلالته.
فلمّا كان قبل فوت معاوية بسنة حجّ الحسين بن عليّ عليه السلام، و عبد اللّه بن العبّاس، و عبد اللّه بن جعفر، فجمع الحسين بن عليّ عليهما السلام بني هاشم رجالهم و نساءهم و مواليهم و شيعتهم من حجّ منهم، و من لم يحجّ بالأمصار ممّن يعرف الحسين عليه السلام و أهل بيته.
ثم أرسل رسولا فقال: لا تدعنّ أحدا حجّ العام من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من خير التابعين و أبناء الأنصار المعروفين بالصلاح
ص:194
و النسك إلاّ جمعتموهم لي فاجتمع إليه اكثر من سبعمائة رجل (1)و هو في سرادقه، عامّتهم التابعون و نحو من مائة رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقام فيهم خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد فإنّ هذا الطاغية قد صنع بنا و شيعتنا ما قد رأيتم و علمتم و شهدتم، و إني أريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدّقوني و إن كذبت فكذّبوني.
أسألكم بحقّ اللّه و حقّ رسوله و حقّ قرابتي من نبيّكم لما سترتم مقامي و كتمتم مقالي و دعوتم في أمصاركم و قبائلكم من اتّبع (2)من الناس، و رددتموه إلى ما تعلمون من حقّنا و إنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ و يمحق و يذهب الحقّ و يغلب، و اللّه متمّ نوره و لو كره الكافرون.
ثم ما ترك شيئا أنزل اللّه عزّ و جلّ فيهم إلاّ قاله، و ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أبيه و أخيه و نفسه إلاّ رواه، كلّ ذلك تقول الصحابة:
اللّهمّ نعم، و يقول التابع: اللّهمّ قد حدّثنيه و اصدّقه فأتّبعه، فقال: أنشدتكم اللّه إلاّ رجعتم و حدّثتم به من تثقون به و بدينه (3).
ص:195
ص:196
في حديثه مع معاوية و خلاصه من مكروهه
1-روي أنّه جرى بين عبد اللّه بن زبير (1)، و بين الحسين عليه السلام، في مناظرة كانت بينهما فأربى الحسين عليه السلام على ابن الزبير، فغضب ابن الزبير، و حلف بالعتاق لا يكلّمه إلاّ أن يجيء إليه و يعتذر، و حلف (2)الحسين عليه السلام بالعتاق و الطلاق أن لا يجيء إليه و لا يعتذر إليه.
فكتب مروان بن الحكم بما كان منهما إلى معاوية، فأجابه معاوية، أمّا بعد فإذا أتاك كتابي هذا فانظر إلى ابن الزبير فارس الإسلام، و كاشف الكرب عن
ص:197
وجه نبي اللّه، و ابن صفية الطاهرة، و من به و بأبيه تأسّس لنا الأمر، فحكّمه في بيت المال يفعل فيه ما يشاء.
و انظر إلى الحسين بن علي فادعه إلى البيعة ليزيد، فإن بايعك سرّا فلا ترض منه حتى يبايعك علانية، و إن أبى العلانية، فاطرح في رجليه قيد ذهب و أحسن به، و احفظ قرابته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ابعث به إليّ.
فأرسل مروان لعنه اللّه إلى ابن الزبير فحكّمه في بيت المال، فأخذ منه ما أحبّ، و أعطى الناس منه ما أحبّ و أخذ منه لنفسه ما أحبّ و اخوته و نظرائه على ما رأى، و أعطى الحسين عليه السلام ضعفي ما أخذ.
فقال مروان: يا بن حواري رسول اللّه أنت في قريش، و تفضّل الحسين على نفسك فقال له ابن الزبير: ما أنت و ذاك يا ابن الزرقاء؟ الحسين و اللّه خير منك، و من الّذي كتب.
ثمّ أرسل مروان لعنه اللّه إلى الحسين عليه السلام و قال: هذا كتاب معاوية فقال له الحسين عليه السلام: ما أراك ترضى ببيعتي سرّا حتّى أبايعك علانية قال: صدقت، قال: فإن لم أفعل؟ قال: إذا اطرحك في قيد و غلّ، و أبعث بك إلى معاوية، قال: فإن منعك غطارفة قريش (1)ما أنت فاعل؟ قال أضرب عنقك و أبعث برأسك إلى معاوية.
قال: أخرج بنا إذن إلى المسجد أبايعك، فخرجا فلمّا صار الحسين عليه السلام بازاء رأس جدّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صاح بأعلى صوته يا معاشر المسلمين من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي أنا الحسين بن عليّ عليه السلام. و أمّي فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، يا معاشر قريش و جماعة الناس إنّكم بالأمس في حياة جدي تحملونني على رقابكم و على أيديكم، و اليوم تخذلوني و تسلّموني للقتل، قالوا: و ما الذي دهاك
ص:198
يا ابن رسول اللّه؟ فقال لهم: كيت و كيت.
فالتفت الناس إلى ابن الزبير و هو يصلّي فلما رآهم قد رمقوه بأبصارهم قطع الصلاة، و أقبل إلى الحسين عليه السلام، و هو ناشر يديه يقول يا بن سيّدتي فاطمة الزكية عليها السلام قد جئتك معتذرا إليك، و قد عتقت ما أملك و اللّه لارينّ ابن هند عزّك عليّ.
ثم قال لابنه: عليّ بنجيب النبيّ محمّد الرغوم و عليّ بالمهر الذي وهبه لأبي يوم أحد، فلمّا حضرا قال له ابن الزبير: اركب الرغوم، و ركب ابن الزبير المهر و خرجا إلى معاوية و خرج معهما جماعة من المهاجرين و الأنصار و غيرهم من الناس.
فقدموا على معاوية، و هو بالشام، و إذا هو على سرير ذهب، أهداه إليه الطاغية، و هو مادّ رجله، فضرب ابن الزبير رجله برجله، و قال: اضمم إليك رجلك يا ابن هند فقد دخل إليك اثنان أحسن منك جدّين، و أكرم منك جدّين فقال: و من هما يا ابن الزبير؟ فقال: هذا الحسين بن عليّ ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ابن فاطمة الزكيّة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنا عبد اللّه بن الزبير ابن حواري رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ابن صفية الطاهرة عمّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال معاوية: هيهات هيهات أنت و اللّه يا ابن الزبير تجول في طلاك (1)كما تجول الحقب (2)في قتب البعير، أحررت الطروقة و اللّه قبل هياج الإبل، فقال ابن الزبير: إنّما يخرج من القتال ضعفاء الرجال و ستعلم يا ابن هند.
فقام معاوية و دخل مغضبا، و أرسل إلى جماعة قريش، و وجوه أهل الشام فقال لهم: أ لم أذلّ لكم صعاب العرب، أ لم أصل أرحامكم؟ قالوا: بلى، قال: فما فيكم واحد يكفيني ابن الزبير، فما لي لا أريد أمرا إلاّ بادرني فيه؟
ص:199
فسكتوا كلّهم، فأعاد عليهم القول، فقال سعيد بن العاص، و هو إذ ذاك سيّد بني أميّة: أنا أضمن لك يا أمير المؤمنين بتليين عريكته، و بذهاب نخوته، و إخراس لسانه، حتّى أتركه ألين من الرداء، و أذلّ من الحذاء.
فقال له معاوية: إنّه ابن الزبير، قال: و أنا ابن العاص، قال: و كيف تصنع؟ قال: إذا كان غداة غد فأمرنا الإذن، و اجمع وجوه قريش و جماهير العرب ثمّ أذن له، فإنّي أقرعه بما لا يقوم له.
ففعل معاوية ذلك، و أقبل الحسين عليه السلام و ابن الزبير و من معهما، فأخذ ابن الزبير بعضد الحسين، فأجلسه مع معاوية على السرير و قال: هذا موضعك يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قعد ابن الزبير نحوه تحتهما.
و أقبل عليه سعيد بن العاص (1)و هو يقول:
و إنّي لنار لا يطاق اصطلائها لدى كلّ أمر معضل متفاقم
فأجابه ابن الزبير و هو يقول:
و إنّي لبحر قد تسامى عبابه متى تلق بحري حرّ نارك تخمد
ثم قال له: يا ابن الزبير ما زلت متجلببا بجلابيب التيه، مبارزا برصائد التهتّك، تتعاطى (2)الاقودين (3)و لست من قريش في مونق جوهرها، و لا مكنون حسبها، فقال له ابن الزبير: يا عاص بن العاص لقد حضرنا و اياك النظراء
ص:200
العارفون بي و بك، ثمّ أنشأ يقول:
هلم فإنّ العلم عند ذوي النهى كالصاق باد في الأنام حجولها
نعاطيهم بالحقّ حتى تبيّنوا على أيّنا تبدي الحقوق فضولها
أمّا ما ذكرت أنّي متجلبب بجلابيب التيه معاذ اللّه ذلك، قد عرفني من عرفني ما الكبر منّي سجيّة، و لا البغى منّي طبيعة، و إنّك لأنت التيه في وادي الضلالة.
و أما ما ذكرت أنّي مبارز برصائد التهتّك فكذبت، لكنّني أسمو عليك بأنف حميّ و قلب ذكي، و صارم مشرفي عند انتفاخ سحرك، و طيرورة قلبك.
و أمّا ما ذكرت أنّني لست من قريش في مونق جوهرها، و من مكنون حسبها فاسألكم باللّه يا معشر قريش و جماعة العرب أيّهما خير أبي حواري رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أم أبوه؟ قالوا: بل أبوك، قال: فأيّهما خير امّي ذات النطاقين أم أمّه؟ قالوا: امّك، قال: فأيّهما خير جدّتي صفيّة عمّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أم جدّته؟ قالوا: جدّتك، قال: أيّهما خير عمّتي خديجة زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الّتي أرسل اللّه تعالى إليها بالسلام أم عمّته قالوا: عمّتك، قال: فأيّهما خير خالي حمزة أسد اللّه و أسد رسوله أم خاله؟ قالوا: خالك، قال فأيّهما خير خالتي أمّ المؤمنين أم خالته؟ قالوا: خالتك، قال فأيّهما الساعة خير أنا أم هو؟ قالوا: أنت، فانشأ ابن الزبير يقول:
فاصبر لحرّ حكومتها (1)و قضائها فاذا جريت فلا تجارى مطفرا
و بد الجياد لدى احتفال جوابها
ص:201
ثمّ أقبل على معاوية، و قال: و اللّه لو أنّ الّذي واجهني به لقصرت من سامي طرفه، و تركته يتجرّع الغيظ في جوفه، فقد لجأ إلى غير كهف، و استغاث بغير عضد، و أيم اللّه يا بن هند لئن لم تعط ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم النصف لتأتينّك مني ضربة وجيعة، يتسامع بها أهل المشرق و المغرب، و ما بيني و بينكم إلاّ هذا ما دام فيه قائمة، و ضرب بيده إلى سيف و كادت يكون من العرب فتنة.
فقام معاوية فأخذ يلبّب نفسه إلى الحسين عليه السلام و قال: يا با عبد اللّه بجدّك و أبيك أدركت الشرف فإمّا أن تعاقب و إمّا أن تعفو، فإن عفوت عن ابن عمك فبفضلك، فقال له الحسين عليه السلام: عفى اللّه عنك يا ابن عمّ، فخرّ معاوية يقبّل الحسين عليه السلام و اصطلحا، فقال له ابن الزبير: رحمك اللّه يا عبد الرحمن حيّا و ميتا، فإنا نسفّهك و أنت أحملنا، و إنّا نجبّنك و أنت أشجعنا، و إنّا نبخلك و أنت أجودنا، و اللّه لوددت أنّك أقمت علينا واليا ما دام أبو قبيس، ثمّ أمر لهما معاوية بصلات و جوائز، و لمن كان معهما من قريش و انصرفوا للحجاز (1).
ص:202
في أنّه عليه السلام وصيّ أخيه الحسن عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح (1)، قال الكليني (2): و عدّة من أصحابنا، عن ابن زياد، عن محمّد بن سليمان الديلمي (3)، عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم، قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لمّا حضر الحسن بن عليّ الوفاة قال للحسين عليه السلام: يا أخي إنّي اوصيك بوصيّة فاحفظها، إذا أنا متّ فهيّئني، ثمّ وجّهني إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأحدث به عهدا، ثمّ اصرفني إلى امّي، ثمّ ردّني (4)فادفنّي بالبقيع.
ص:203
و اعلم أنّه سيصيبني من عائشة ما يعلم اللّه و الناس، بغضها (1)و عداوتها للّه و لرسوله و عداوتها لنا أهل البيت.
فلمّا قبض الحسن، و وضع على السرير ثمّ انطلقوا (2)به الى مصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الّذي كان يصلّي فيه على الجنائز فصلّى عليه الحسين عليه السلام، و حمل و أدخل إلى المسجد.
فلما اوقف على قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذهب ذو العوينين 3إلى عائشة فقال لها: إنّهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخرجت مبادرة على بغل بسرج، فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا، فقالت: نحّوا ابنكم عن بيتي فإنّه لا يدفن في بيتي و يهتك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجابه، فقال لها الحسين عليه السلام: قديما هتكت أنت و أبوك حجاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أدخلت عليه بيته من لا يحبّ قربه، و إنّ اللّه تعالى سائلك عن ذلك يا عائشة 4.
2-و عنه، عن محمّد بن الحسن 5، و عليّ بن محمّد 6، عن سهل بن زياد
ص:204
عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن بعض أصحابنا، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: لمّا حضرت الحسن بن عليّ عليه السلام الوفاة قال: يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد؟ فقال اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم به منّي، قال ادع لي محمّد بن علي (1)، فأتيته فلمّا دخلت عليه، فقال: هل حدث إلاّ خير؟ قلت: أجب أبا محمّد فعجّل على شسع نعله فلم يسوّه و خرج معي يعدو.
فلما قام بين يديه سلّم، فقال له الحسن بن عليّ عليه السلام: اجلس فإنّه ليس مثلك يغيب عن أن يسمع كلاما (2)يحيا به (3)الاموات و يموت به الأحياء كونوا أوعية العلم، و مصابيح الهدى، فإنّ ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض (4).
ص:205
أ ما علمت ان اللّه تبارك و تعالى جعل ولد إبراهيم عليه السلام أئمّة، و فضّل بعضهم على بعض، و آتى داود زبورا، و قد علمت بما استأثر به محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، يا محمّد بن عليّ إنّي أخاف عليك الحسد، و إنّما وصف اللّه به الكافرين، فقال اللّه عزّ و جلّ: كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ اَلْحَقُّ (1)و لم يجعل اللّه عزّ و جلّ للشيطان عليك سبيلا 2.
يا محمّد بن عليّ أ لا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟ قال: بلى قال:
سمعت أباك عليه السلام يقول يوم البصرة: من أحبّ أن يبرّني في الدنيا و الآخرة فليبرّ 3محمّدا ولدي: يا محمّد بن عليّ لو شئت أن أخبرك و أنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا محمّد بن عليّ أ ما علمت أنّ الحسين بن عليّ عليه السلام بعد وفاة نفسي و مفارقة روحي جسمي، إمام من بعدي؟ و عند اللّه 4جلّ اسمه في الكتاب، وراثة من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أضافها اللّه عزّ و جلّ له في وراثة أبيه و أمّه عليهما السلام فعلم اللّه أنّكم خيرة خلقه، فاصطفى منكم محمّدا و اختار محمّد
ص:206
عليّا عليه السلام، و اختارني عليّ عليه السلام بالإمامة و اخترت أنا الحسين عليه السلام.
فقال له محمّد بن عليّ: أنت إمام و أنت وسيلتي إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و اللّه لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام (1)، ألا و إنّ في رأسي كلاما (2)لا تنزفه الدلاء، و لا تغيّره نغمة الرياح، كالكتاب المعجم في الرقّ المنمنم، أهمّ بإبدائه (3)فأجدني 4سبقت 5إليه سبق الكتاب
ص:207
المنزل، أو ما جاءت به الرسل، و إنّه لكلام يكلّ به لسان الناطق و يد الكاتب حتى لا يجد قلما، و يؤتوا بالقرطاس حمما فلا يبلغ فضلك، و كذلك يجزي اللّه المتّقين، و لا قوّة إلاّ باللّه.
الحسين أعلمنا علما (1)، و أثقلنا حلما (2)، و أقربنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رحما، كان فقيها قبل أن يخلق (3)، و قرأ الوحي قبل أن ينطق (4)و لو علم اللّه في أحد خيرا ما اصطفى اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا اختار اللّه محمّدا، و اختار محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا و اختارك عليّ عليه السلام إماما، و اخترت الحسين، سلّمنا و رضينا، من بغيره يرضى (5)؟ و من كنّا نسلم به (6)من مشكلات أمرنا (7).
3-و عنه، بهذا الإسناد، عن سهل، عن محمّد بن سليمان، عن هارون ابن الجهم، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
لمّا احتضر (8)الحسن بن عليّ عليهما السلام قال للحسين: يا أخي إنّي أوصيك
ص:208
بوصيّة فاحفظها، فإذا أنا متّ فهيّئني ثمّ وجّهني إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لاحدث به عهدا، ثم اصرفني إلى امّي فاطمة عليها السلام، ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع، و اعلم أنّه سيصيبني من الحميراء (1)ما يعلم اللّه (2)من صنيعها و عداوتها للّه و لرسوله و عداوتها لنا أهل البيت.
فلمّا قبض الحسن عليه السلام وضع على سريره، و انطلقوا به إلى مصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الّذي كان يصلّي فيه على الجنائز، فصلّى عليه الحسين (3)عليه السلام، فلمّا أن صلّى (4)عليه حمل فادخل المسجد، فلمّا اوقف على قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلغ عائشة الخبر و قيل لها: إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن عليّ عليهما السلام ليدفنوه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخرجت مبادرة على بغل بسرج-فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا- فوقفت و قالت: نحّوا ابنكم عن بيتي، فإنّه لا يدفن فيه شيء، و لا يهتك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجابه.
فقال الحسين بن عليّ عليه السلام قديما هتكت أنت و أبوك حجاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أدخلت بيته من لا يحبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قربه، و إنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة، إنّ أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليحدث به عهدا.
و اعلمي أنّ أخي أعلم الناس باللّه و رسوله، و أعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ستره، لأنّ اللّه تبارك و تعالى يقول:
يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ اَلنَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ (5)و قد أدخلت أنت
ص:209
بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الرجال بغير إذنه.
و قد قال اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اَلنَّبِيِّ (1)ألا و لعمري قد ضربت أنت لأبيك، و فاروقه عند أذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المعاول، و قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ اَلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اَللّهِ أُولئِكَ اَلَّذِينَ اِمْتَحَنَ اَللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى (2)و لعمري لقد أدخل أبوك، و فاروقه على رسول اللّه بقربهما منه الأذى، و ما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء، و تاللّه يا عائشة لو كان هذا الّذي كرهتيه (3)من دفن الحسن عند أبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جائزا فيما بيننا و بين اللّه لعلمت أنّه سيدفن و إن رغم معطسك (4).
قال: ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفيّة و قال: يا عائشة يوما على بغل، و يوما على جمل، فلا تملكين نفسك و لا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم.
قال: فأقبلت عليه، فقالت: يا ابن الحنفيّة هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين عليه السلام: و أنّى تبعدين محمّدا من الفواطم؟ فو اللّه لقد ولدته ثلاث فواطم: فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، و فاطمة بنت أسد بن هاشم، و فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر ابن عبد معيص بن عامر فقالت عائشة للحسين عليه السلام: نحّوا ابنكم و اذهبوا به فإنّكم قوم خصمون، قال: فمضى الحسين عليه السلام إلى قبر أمّه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع (5).
ص:210
في اقدامه على الشهادة مع علمه عليه السلام
1-سعد بن عبد اللّه القمي في «بصائر الدرجات» عن أيّوب بن نوح عن مروان بن إسماعيل (1)، عن حمزة بن حمران (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ذكرت خروج الحسين بن عليّ عليهما السلام، و تخلّف ابن الحنفية عنه، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّي احدّثك في هذا الحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا، إنّ الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما لمّا فصل (3)متوجّها دعا بقرطاس فكتب فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى بني هاشم أمّا بعد فإنّه من لحق بي منكم استشهد، و من تخلّف لم يدرك (4)الفتح و السلام (5).
ص:211
2-و هذا الحديث الّذي رواه سعد رواه أيضا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، قال: روى أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن أبي إسماعيل (1)، عن حمزة بن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: ذكرنا خروج الحسين عليه السلام و تخلّف ابن الحنفية عنه، فقال: يا حمزة إنّي سأحدثك عن هذا الحديث بما لا تشك فيه بعد مجلسنا هذا، إنّ الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما لما فصل متوجها دعا بقرطاس و كتب بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى بني هاشم، أمّا بعد فإنّه من لحق بي استشهد و من تخلّف عنّي لم يبلغ الفتح و السلام (2).
3-كتاب «ثاقب المناقب» (3)عن الباقر عليه السلام قال: لمّا أراد الحسين عليه السلام الخروج إلى العراق بعثت إليه أمّ سلمة، و هي الّتي كانت ربّته، و كان أحبّ الناس إليها، و كانت أرقّ الناس عليه و كانت تربة الحسين عندها في قارورة دفعها إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ص:212
فقالت: يا بنيّ إلى أين تريد أن تخرج (1)؟ فقال لها: يا أمّه أريد أن أخرج إلى العراق، ثمّ قال (2): و لم ذاك يا أمّه؟ قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يقتل ابني الحسين بالعراق، و عندي يا بنيّ تربتك في قارورة مختومة دفعها إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال عليه السلام يا أمّه و اللّه إنّي لمقتول، و إنّي لا أفرّ من القدر المقدور، و القضاء المحتوم و الأمر الواجب من اللّه تعالى.
فقالت: و اعجبا فأنّى (3)تذهب و أنت مقتول؟ فقال: يا أمّاه إن لم أذهب اليوم ذهبت غدا، و إن لم أذهب غدا ذهبت بعد غد، و ما من الموت يا أمّه و اللّه بد و إنّي لأعرف اليوم و الموضع الذي اقتل فيه، و الساعة الّتي اقتل فيها، و الحفرة الّتي ادفن فيها، كما أعرفك و أنظر إليها كما أنظر إليك.
قالت: قد رأيتها؟ قال: نعم؟ و إن أحببت أن اريك مضجعي، و مكاني و مكان أصحابي فعلت؟ قالت: أرنيها (4)فما زاد أن تكلّم بسم اللّه (و في رواية أخرى) : بسم اللّه الرحمن الرحيم، فخفضت الأرض حتى أراها مضجعه، و مكانه، و مكان أصحابه، و أعطاها من تلك التربة، فخلطتها مع التربة الّتي كانت معها، ثمّ خرج الحسين صلوات اللّه عليه و قد قال: إنّي مقتول يوم عاشورا.
فلمّا كانت تلك الليلة الّتي صبيحتها قتل الحسين بن عليّ عليه السلام أتاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المنام أشعث مغبّرا باكيا، فقالت: يا رسول اللّه مالي أراك باكيا أشعث مغبّرا؟ قال: دفنت ابني الحسين عليه السلام و أصحابه الساعة، و انتبهت أمّ سلمة رضي اللّه عنها، فصرخت بأعلى صوتها،
ص:213
فقالت: وا ابناه، فاجتمع أهل المدينة، و قالوا لها: ما الّذي دهاك؟ فقالت:
قتل ابني الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما.
فقالوا لها: و ما علمك؟ قالت: رأيت في المنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باكيا أشعث أغبر، فأخبرني أنّه دفن الحسين عليه السلام و أصحابه الساعة، فقالوا: أضغاث أحلام قالت: مكانكم، فإنّ عندي تربة الحسين عليه السلام، و أخرجت لهم القارورة فإذا هي دم (1)عبيط (2).
4-ابن بابويه بإسناده، عن الصادق عليه السلام أنّ الحسين عليه السلام قام في أصحابه خطيبا فقال: اللّهم إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ، و لا أزكى و لا أطهر من أهل بيتي، و لا أصحابا هم خير من أصحابي، و قد نزل بي ما ترون (3)و أنتم في حلّ من تبعتي (4)ليست لي في أعناقكم بيعة، و لا لي عليكم ذمّة، و هذا اللّيل قد غشيكم فاتخذوه جملا (5)و تفرّقوا في سواده، فإنّ القوم إنّما يطلبوني و لو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري.
فقام إليه عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما ذا يقول الناس إن نحن خذلنا شيخنا و كبيرنا و سيّدنا و ابن سيد الأعمام و ابن سيدنا (6)سيد الأنبياء، لم نضرب معه بسيف، و لم نقاتل معه برمح؟ لا و اللّه أو نرد موردك، و نجعل أنفسنا دون نفسك و دمائنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك قضينا (7)ما علينا و خرجنا ممّا لزمنا.
ص:214
و قام إليه رجل يقال له: زهير بن القين البجلي، فقال: يا ابن رسول اللّه وددت أنّي قتلت ثمّ نشرت، ثم قتلت ثمّ نشرت فيك و في الّذين معك مائة قتلة و أنّ اللّه تعالى دفع بي عنكم أهل البيت، فقال عليه السلام له و لاصحابه:
جزيتم خيرا (1).
ص:215
ص:216
في احتجاجه على القوم الظالمين
1-ابن بابويه بإسناده في «أماليه» عن الصادق عليه السلام قال وثب الحسين عليه السلام متوكّئا على سيفه، فنادى بأعلى صوته، فقال: انشدكم اللّه هل تعرفوني؟ قالوا: نعم أنت ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سبطه فقال: انشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قالوا: اللّهمّ نعم، قال: انشدكم اللّه هل تعلمون أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام أبي؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: انشدكم اللّه هل تعلمون أنّ أمّي فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: انشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة بنت خويلد أوّل نساء هذه الأمّة إسلاما؟ قالوا:
اللّهمّ نعم.
قال: انشدكم اللّه هل تعلمون أنّ حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟ قالوا:
اللّهمّ نعم، قال: هل تعلمون أنّ جعفر الطيّار في الجنة عمّي؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: انشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنا متقلّده؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: انشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا لابسها؟ قالوا: اللّهمّ: نعم.
قال: أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ أبي (1)كان أوّلهم إسلاما، و أعلمهم
ص:217
علما، و أعظمهم حلما، و أنّه وليّ كلّ مؤمن و مؤمنة؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال:
فبم تستحلّون دمي و أبي الذائد عن الحوض غدا، يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء، و لواء الحمد في يد جدي يوم القيامة؟ قالوا: علمنا ذلك كلّه و إنّا غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشا.
فأخذ عليه السلام بطرف لحيته، و هو يومئذ ابن سبع و خمسين سنة، ثمّ قال: اشتدّ غضب اللّه على اليهود حين قالوا: عزير ابن اللّه، و اشتدّ غضب اللّه على النصارى حين قالوا: المسيح ابن اللّه، و اشتدّ غضب اللّه على المجوس حين عبدوا النار من دون اللّه، و اشتدّ غضب اللّه على قوم قتلوا نبيّهم، و اشتدّ غضب اللّه على هذه العصابة الّذين يريدون قتل ابن نبيّهم (1).
ص:218
في صبره عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد ابن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال قتل الحسين بن علي عليه السلام، و عليه جبّة خزّ دكناء (1)فوجدوا فيها ثلاثة و ستين، من بين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم (2).
2-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه محمّد بن خالد البرقي عن داود بن أبي يزيد، عن أبي الجارود، و ابن بكير، و بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: أصيب الحسين عليه السلام و وجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح، أو ضربة بسيف، أو رمية بسهم، فروي أنّها كلّها في مقدّمه، لأنّه عليه السلام كان لا يولّي (3)صلوات اللّه عليه، و روحي فداك بأبي أنت و أمّي.
ص:219
ص:220
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين أمّا بعد فهذا المنهج الخامس في الإمام الرابع أبي محمّد عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب زين العابدين عليهم السلام و فيه أحد و عشرون بابا.
الباب الأوّل-في شأنه عليه السلام في الأمر الأوّل.
الباب الثاني-في أنّه ابن الخيرتين.
الباب الثالث-في أنّه عليه السلام ينادى يوم القيامة ليقم زين العابدين.
الباب الرابع-في إقباله على اللّه سبحانه و تعالى في العبادة.
الباب الخامس-في أنّه عليه السلام السجاد و ذو الثفنات.
الباب السادس-في عبادته عليه السلام.
الباب السابع-في جوده عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب الثامن-في حديث السائل الذي أعطاه القرصين و حديث البلخي زوج المرأة و حديث الكابلي.
الباب التاسع-في حلمه من طريق الخاصّة و العامّة.
الباب العاشر-في خوفه من اللّه سبحانه و تعالى و انقطاعه له من طريق الخاصّة و العامّة.
ص:221
الباب الحادي عشر-في وقت دعائه و أدعية له عليه السلام.
الباب الثاني عشر-في خوفه عليه السلام من اللّه سبحانه و تعالى مخافة القصاص.
الباب الثالث عشر-في أفضليته من طريق الخاصّة.
الباب الرابع عشر-من الباب الأوّل من طريق العامّة.
الباب الخامس عشر-في تواضعه عليه السلام.
الباب السادس عشر-في أنّه وصي أبيه عليهما السلام.
الباب السابع عشر-في أنّه عليّ بن الحسين الباقي بعد أبيه عليهما السلام هو الكبير.
الباب الثامن عشر-في لباسه عليه السلام.
الباب التاسع عشر-في استعماله عليه السلام الطيب.
الباب العشرون-في حسن قراءته عليه السلام القرآن و حسن هيئته عليه السلام.
الباب الحادي و العشرون-في المفردات.
ص:222
في شأنه في الأمر الأوّل
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ (1)بن محمّد، عن عبد اللّه بن إسحاق العلوي، عن محمد بن زيد الرزامي (2)، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: حججنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه السلام، فلمّا نزلنا الأبواء (3)، وضع لنا الغداء (4)، و كان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر و أطاب (5)، قال: فبينا نحن نأكل (6)إذ أتاه رسول حميدة فقال له: إنّ حميدة تقول: قد أنكرت نفسي و قد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي و قد أمرتني أن لا نستبقك بابنك هذا فقام أبو عبد اللّه عليه
ص:223
السلام فانطلق (1)مع الرسول، فلمّا انصرف قال أصحابه: سرّك اللّه و جعلنا فداك فما أنت صنعت من (2)حميدة؟ قال: سلّمها اللّه تعالى، و قد ذهب لي غلاما و هو خير (3)من برأ اللّه في خلقه و لقد أخبرتني حميدة عنه بأمر ظنّت أني لا أعرفه و لقد كنت أعلم به منها.
فقلت: جعلت فداك فما الذي أخبرتك به حميدة عنه؟ قال: ذكرت أنّه سقط من بطنها حين سقط، واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء فأخبرتها أنّ ذلك أمارة (4)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أمارة الوصيّ من بعده فقلت: جعلت فداك و ما هذا (5)من أمارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمارة الوصيّ من بعده؟ فقال لي: إنّه لمّا كانت الليلة التي علق (6)فيها بجدّي (7)أتى آت جدّ أبي بكأس فيه شربه أرقّ من الماء و ألين من الزبد (8)و أحلى من الشهد (9)، و أبرد من الثلج، و أبيض (10)من اللبن، فسقاه إياه (11)و أمره بالجماع، فقام فجامع فعلق بجدّي.
ص:224
فلمّا أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدّي فسقاه كما سقى جدّ أبي و أمره بمثل الذي أمره، فقام فجامع فعلق بأبي، و لمّا أن كانت الليلة التي علق فيها بي أتى آت أبي، فسقاه بما سقاهم، و أمره بالذي أمرهم به، فقام فجامع فعلق بي، فلمّا أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم، فقمت بعلم (1)اللّه و إنّي مسرور بما يهب اللّه لي، فجامعت فعلق بابني هذا المولود، فدونكم و هو و اللّه صاحبكم من بعدي، و إنّ نطفة الإمام ممّا أخبرتك.
و إذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر و أنشئ فيها الروح بعث اللّه تبارك و تعالى ملكا يقال له: حيوان: فكتب (2)على عضده الأيمن وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (3)و إذا وقع من بطن امّه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء فأمّا (4)وضعه يديه على الأرض فانّه يقبض كلّ علم للّه أنزله من السماء إلى الأرض، و أمّا رفع رأسه إلى السماء فانّ مناديا ينادي به من بطنان (5)العرش من قبل (6)ربّ العزة من الافق الأعلى باسمه
ص:225
و اسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان أثبت (1)تثبت فلعظيم (2)ما خلقتك، أنت صفوتي من خلقي، و موضع سرّي، و عيبة (3)علمي، و أميني على وحيي، و خليفتي في أرضي، لك و لمن تولاّك أوجبت رحمتي و منحت (4)جناني و أحللت جواري، ثمّ و عزّتي و جلالي لأصلينّ (5)من عاداك أشدّ عذابي، و إن وسّعت عليه في دنياه من سعة رزقي، فاذا انقطع الصوت (6)-صوت المنادي-أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السماء يقول: شَهِدَ اَللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ اَلْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ (7)قال: فإذا قال ذلك أعطاه اللّه العلم الأول (8)و الآخر و استحقّ زيارة الروح في ليلة القدر، قلت: جعلت فداك الروح ليس هو جبرئيل؟ قال: الروح أعظم من جبرئيل، إنّ جبرئيل من الملائكة، و إنّ الروح هو خلق أعظم من الملائكة عليهم السلام أ ليس يقول اللّه تبارك و تعالى:
تَنَزَّلُ اَلْمَلائِكَةُ وَ اَلرُّوحُ (9). (10)
ص:226
و عنه عن محمّد بن يحيى، و احمد بن محمد، عن محمد بن الحسين، عن احمد ابن الحسن (1)، عن المختار بن زياد (2)، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير مثله.
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان (3)عن عبد اللّه بن القاسم، عن الحسن بن راشد، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إن اللّه تبارك و تعالى إذا أحبّ أن يخلق الإمام أمر ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش، فيسقيها أباه، فمن ذلك يخلق الإمام، فيمكث أربعين يوما و ليلة في بطن امّه لا يسمع الصوت، ثم يسمع بعد ذلك الكلام، فإذا ولد بعث اللّه ذلك الملك فيكتب بين عينيه: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (4)فإذا مات (5)الامام الذي كان قبله رفع لهذا منار من نور ينظر به الى أعمال الخلائق (6)فبهذا يحتجّ اللّه على خلقه. (7)
3-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد،
ص:227
عن منصور بن يونس (1)، عن يونس بن ظبيان (2)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ عزّ و جلّ إذا أراد أن يخلق الإمام من الإمام بعث ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش ثمّ أوقعها أو دفعها إلى الإمام فشربها، فيمكث في الرحم أربعين يوما لا يسمع الكلام، ثم يسمع الكلام بعد ذلك، فإذا وضعته امّه بعث اللّه إليه ذلك الملك الذي أخذ الشربة، فكتب على عضده الأيمن: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ (3)فإذا قام بهذا الأمر رفع اللّه له في كلّ بلدة منارا ينظر به إلى أعمال العباد (4).
ص:228
انّه عليه السلام ابن الخيرتين
1-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن الحسن الحسيني (1)رحمه اللّه، و عليّ ابن محمّد بن عبد اللّه (2)جميعا، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد الرحمن ابن عبد اللّه الخزاعي (3)، عن نصر بن مزاحم (4)، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لمّا أقدمت بنت يزدجرد على عمر أشرف لها
ص:229
عذارى (1)المدينة و أشرق المسجد بضوئها لمّا دخلته، فلمّا نظر إليها عمر غطّت وجهها، و قالت: أف بيروج (2)بادا هرمز فقال عمر: أ تشتمني هذه؟ و همّ بها (3)، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ليس ذلك لك، خيّرها رجلا من المسلمين و أحسبها بفيئه، فخيّرها، فجاءت حتّى وضعت يدها على رأس الحسين عليه السلام، فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: ما اسمك؟ فقالت: جهانشاه، فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: بل شهربانويه (4)، ثم قال للحسين: يا أبا عبد اللّه لتلدنّ لك منها خير أهل الأرض، فولدت عليّ بن الحسين عليهما السلام، و كان يقال لعليّ بن الحسين عليه السلام: ابن الخيرتين، فخيرة اللّه من العرب هاشم، و من العجم فارس.
و روى أنّ أبا الأسود (5)الدؤلي قال فيه:
و إنّ غلاما بين كسرى و هاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم (6)
ص:230
في أنه عليه السلام ينادى يوم القيامة: ليقم زين العابدين
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، قال: حدّثنا العبّاس بن المعروف، عن محمّد بن سهل البحراني (1)، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: ينادي مناد يوم القيامة: أين زين العابدين؟ فكأنّي أنظر إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام يخطو بين الصفوف. (2)
2-و عنه قال: حدّثنا عبد اللّه بن النضر بن سمعان التميمي الخرقاني (3)، قال:
حدّثنا أبو القاسم جعفر بن محمّد المكّي قال: حدّثنا أبو الحسن عبد اللّه بن محمّد بن عمر الاطروش الحرّاني (4)، قال حدّثنا صالح بن زياد أبو سعيد الشوقي (5)،
ص:231
قال: حدّثنا أبو عثمان عبد اللّه بن ميمون السكري (1)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن معن الأزدي (2)قال: حدّثنا عمران بن سليم (3)، قال كان الزهري إذا حدّث عن عليّ بن الحسين قال: حدّثني زين العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام فقال له سفيان بن عيينة: و لم تقول: زين العابدين؟ قال: لأنّي سمعت سعيد بن المسيّب يحدّث عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين زين العابدين؟ فكأنّي أنظر إلى ولدي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب يخطو بين الصفوف. (4)
3-و عنه، بإسناده، عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي (5)، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين زين العابدين؟ فكأنّي أنظر إلى ولدي عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام يخطو (6)بين الصفوف (7).
ص:232
4-و من طريق المخالفين كمال الدين (1)بن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» عن أبي الزبير محمّد بن مسلم المكّي، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لجابر: يولد لا بني الحسين ابن يقال له: عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيّد العابدين، فيقوم عليّ بن الحسين. (2)
ص:233
ص:234
في إقباله عليه السلام على اللّه سبحانه و تعالى في العبادة
1-روي، عن عليّ بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: دخلت عليه طائفة من شيعة الكوفة، فقالوا: يا بن رسول اللّه كلّهم عبيد اللّه؟ فكيف سمّي جدّك عليّ بن الحسين زين العابدين؟ قال لهم الصادق عليه السلام: و يحكم أ ما سمعتم اللّه عزّ و جلّ يقول: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اَللّهِ (1)و يقول: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ (2)وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ اَلنَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ (3)فقالوا: بلى يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: فما أنكرتم؟ قالوا:
أحببنا أن نعلم ما سألنا عنه، قال: و يحكم إنّ إبليس ناجى ربّه فقال: ربّ إنّي قد رأيت العابدين لك من عبادك منذ أوّل الدهر إلى عهد عليّ بن الحسين عليه السلام فلم أر منهم أعبد لك و لا أخشع منه، فأذن لي يا إلهي أن أكيده و أبتليه لأعلم كيف صبره، فنهاه اللّه عنه فلم ينته، و تصوّر لعليّ بن الحسين عليه السلام و هو يصلّي في صورة أفعى لها عشرة أرؤس، محدّدة الأنياب، منقلبة الأعين بالحمرة، و طلع عليه من الأرض من موضع سجوده ثمّ تطاول في قبلته، فلم يرعه
ص:235
ذلك، و لم يكسر طرفه إليه، فانخفض إلى الأرض إبليس في صورة الأفعى و قبض على أنامل رجلي عليّ بن الحسين عليهما السلام فأقبل يكدمهما (1)بأنيابه و ينفخ عليهما من نار جوفه، و كلّ ذاك لا يكسر طرفه إليه، و لا يحوّل قدميه عن مقامه، و لا يختلجه شكّ و لا وهم في صلاته و لا قراءته.
فلم يلبث إبليس لعنه اللّه حتى انقضّ عليه شهاب محرق من السماء فلمّا أحسّ به صرخ، و قام إلى جانب عليّ بن الحسين عليه السلام في صورته الاولى، ثم قال: يا سيّد العابدين كما سمّيت، و أنا إبليس و اللّه لقد شهدت عبادة النبيين و المرسلين من عهد أبيك إليك فما رأيت مثلك و لا مثل عبادتك، و لوددت أنّك استغفرت لي اللّه فإنّ اللّه كان يغفر لي، ثمّ تركه و ولّى و هو في صلاته و لا يشغله كلامه حتى قضى صلاته على تمامها (2).
2-و بهذا الإسناد إلى أبي عبد اللّه عليه السلام إنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان قائما في صلاته حتى زحف (3)ابنه محمّد عليه السلام إلى بئر كانت في داره بعيدة القعر فسقط فيها، فنظرت إليه امّه فصرخت و أقبلت تضرب بنفسها من حول البئر و تستغيث به و تقول: يا بن رسول اللّه غرق ابنك محمّد و هو يسمع قولها و لا ينثني عن صلاته، و هو يسمع اضطراب ابنه محمّد في قعر البئر في الماء، فلمّا أطال عليها ذلك قالت جزعا (4)على ابنها: ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت النبوة؟ ! فأقبل على صلاته فلم يخرج عنها إلاّ عن كمالها، ثم أقبل عليها و قد جلس على البئر و مدّ يده إلى قعرها، و كانت لا تنال إلاّ برشاء طويل، و أخرج ابنه محمّدا
ص:236
على يده يناغي (1)و يضحك، و لم يبتلّ له ثوب و لا جسد، فقال: هاك يا ضعيفة اليقين باللّه، فضحكت لسلامة ابنها، و بكت لقوله: يا ضعيفة اليقين، فقال: لا تثريب عليك أ ما علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه، أ فمن ترين راحمي بعده (2)؟ (3)
3-كمال الدين بن طلحة الشافعي من رجال العامّة في كتاب «مطالب السئول» قيل: كان سبب لقبه بزين العابدين عليه السلام أنّه كان ليلة في محرابه قائما في تهجّده فتمثّل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادة ربّه فلم يلتفت إليه، فجاء إلى إبهام رجليه فآلمه فلم يقطع صلاته، فلمّا فرغ منها و قد كشف اللّه فعلم أنّه شيطان فسبّه و لعنه و قال: اخسأ يا ملعون، فذهب و قام إلى إتمام ورده، فسمع صوتا، و لا يرى قائله، و هو يقول: أنت زين العابدين-ثلاثا-فظهرت هذه الكرامة و اشتهرت لقبا له.
ثم قال أبو طلحة العامي: إنّه كان إذا مشى لا يجاوز يده فخذه و لا يخطر بيده و عليه السكينة و الوقار و الخشوع، و إذا قام إلى الصلاة أخذته الرعدة، و يقول: اريد أن أقوم بين يدي ربيّ و اناجيه فلهذا تأخذني الرعدة (4).
4-و وقع الحريق و النار في البيت الذي هو فيه، و كان ساجدا في صلاته، فجعلوا يقولون: يا بن رسول اللّه النار يا بن رسول اللّه النار، فما رفع رأسه من السجود حتى اطفيت، فقيل له: يا بن رسول اللّه ما الذي ألهاك عنها؟ فقال: نار
ص:237
الآخرة (1).
5-و من طريق المخالفين أيضا من الجزء الثاني من كتاب «حلية الأبرار» لأبي نعيم في آخر الجزء قال: عن العتبي (2)عن أبيه، قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا فرغ من وضوئه لصلاته أخذته رعدة و نفضة (3)، فقيل له في ذلك:
فقال: أ تدرون إلى من أقوم؟ و من اريد أن اناجي (4)؟
ص:238
6-المفيد في «إرشاده» قال: روى محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد القرشي، قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا توضّأ اصفرّ لونه فيقول له أهله: ما هذا الذي يغشاك؟ فيقول: أ تدرون لمن أتأهب للقيام بين يديه (1).
7-قال المفيد: و روى عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و كانت الريح تميله بمنزلة السنبلة (2).
ص:239
8-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، و أبي داود (1)جميعا عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن أبي جهمة (2)، عن جهم بن حميد 3، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أبي يقول: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا قام إلى الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرّك منه شيء إلاّ ما حرّكت الريح منه 4.
9-و عنه، عن محمّد بن إسماعيل 5، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن
ص:240
عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه إذا قام في الصلاة تغيّر لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا (1).
10-ابن بابويه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه اللّه قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار، عن علي بن إسماعيل، عن محمّد بن عمرو (2)، عن أبيه، عن عليّ بن المغيرة، عن أبان بن تغلب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي رأيت عليّ بن الحسين عليه السلام إذا قام في الصلاة غشي لونه لون آخر، فقال لي: و اللّه إنّ عليّ بن الحسين كان يعرف الذي يقوم بين يديه (3).
ص:241
11-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان (1)، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، قال:
حدّثني بعض أصحابنا عن أبي حمزة الثمالي، قال: رأيت عليّ بن الحسين عليه السلام يصلّي فسقط رداؤه عن أحد منكبيه قال فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته، قال: فسألته عن ذلك فقال: ويحك أ تدري بين يدي من كنت؟ إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقبله.
و كان عليّ بن الحسين عليهما السلام ليخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب، فيه الضرر من الدراهم و الدنانير حتى يأتي بابا بابا فيقرعه ثم يناول من يخرج إليه فلمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السلام فقدوا ذلك، فعلموا أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام الذي كان يفعل ذلك (2).
12-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، و حفص بن البختري، و سلمة بيّاع السابري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا أتاه كتاب عليّ فنظر فيه قال:
من يطيق هذا، من يطيق ذا؟ قال: ثم يعمل به، و كان إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه حتّى يعرف ذلك في وجهه، و ما أطاق أحد عمل عليّ عليه السلام من بعده
ص:242
إلاّ عليّ بن الحسين عليهما السلام (1).
13-و عن جعفر بن محمّد الصادق (2)عليهما السلام قال: كان أبي عليّ بن الحسين رضي اللّه عنه إذا حضرت الصلاة يقشعرّ جلده، و يصفرّ لونه، و ترتعد فرائصه، و يقف تحت السماء و دموعه على خدّيه و هو يقول: لو علم العبد من يناجي ما انفتل (3).
و لقد برز يوما إلى الصحراء فتبعه مولى له، فوجده و قد سجد على حجارة خشنة.
قال مولاه: فوقفت و أنا أسمع شهيقه و بكائه فأحصيت ألف مرّة و هو يقول: لا إله إلاّ اللّه تعبّدا ورقا، لا إله إلاّ اللّه إيمانا و صدقا، ثمّ رفع من سجوده و إنّ وجهه و لحيته قد غمرا بالتراب (4)، و دموع عينيه منحدرة على خدّيه، فقال له مولاه: أ ما آن لحزنك أن ينقضي، و لبكائك أن يقلّ؟ فقال: إنّ يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم عليه السلام كان نبيّا ابن نبيّ، كان له أحد (5)عشر ابنا فغيّب اللّه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن، و احدودب (6)ظهره من الحزن، و ذهب بصره
ص:243
من البكاء، و ابنه حيّ في دار الدنيا و أنا رأيت أبي و أخي و سبعة عشر (1)من أهلي مقتولين صرعى، فكيف ينقضي حزني و يقل بكائي (2).
ص:244
في أنّه عليه السلام السجّاد و ذو الثفنات
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكليني (1)، قال:
حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا الحسين بن الحسن الحسيني، و عليّ بن محمّد بن عبد اللّه جميعا، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه الخزاعي، عن نصر بن مزاحم المنقري، عن عمرو ابن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام: إن أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام ما ذكر نعمة للّه عليه إلاّ سجد، و لا قرأ آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ فيها سجود إلاّ سجد. و لا دفع اللّه عزّ و جلّ عنه سوءا يخشاه، أو كيد كائد إلاّ سجد، و لا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ
ص:245
سجد، و لا وفّق لإصلاح بين اثنين إلاّ سجد، و كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسمّي السجّاد لذلك (1).
2-و عنه، حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكليني رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد، عن أبي عليّ محمّد (2)ابن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام عن أبيه، عن آبائه، عن محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام قال:
كان لأبي عليه السلام في موضع سجوده آثار ناتئة، و كان يقطعها في السنة مرّتين، في كلّ مرة خمس ثفنات، فسمّي ذا الثفنات لذلك (3).
ص:246
في عبادته عليه السلام
1-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد بن جعفر بن حسن العلوي الحسني، قال: حدّثنا أبو نصر أحمد بن عبد المنعم بن نصر الصيداوي (1)، قال: حدّثنا حسين بن شدّاد الجعفي، عن أبيه شدّاد بن رشيد، عن عمرو بن عبد اللّه بن هند الحملي (2)، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام أنّ فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمّا نظرت إلى ما يفعل ابن أخيها عليّ بن الحسين بنفسه من الدأب في العبادة (3)أتت جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حزام الأنصاري، فقالت له: يا صاحب رسول اللّه إنّ لنا عليكم حقوقا، من حقّنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكّروه اللّه و تدعوه إلى البقيا على نفسه، و هذا عليّ بن الحسين بقية أبيه الحسين عليهما السلام قد انخرم أنفه، و ثفنت جبهته و ركبتاه
ص:247
و راحتاه، إدآبا (1)منه لنفسه في العبادة.
فأتى جابر بن عبد اللّه باب عليّ بن الحسين، و بالباب أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام في اغيلمة من بني هاشم قد اجتمعوا هناك، فنظر جابر إليه مقبلا فقال: هذه مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سجيّته، فمن أنت يا غلام، قال: فقال: أنا محمّد بن عليّ بن الحسين، فبكى جابر رضي اللّه عنه، ثم قال: أنت و اللّه الباقر عن العلم حقّا ادن منّي بأبي أنت، فدنا منه فحلّ جابر أزراره و وضع يده على صدره فقبّله و جعل عليه خدّه و وجهه و قال له: أقرئك عن جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم السلام، و قد أمرني أن أفعل بك ما فعلت و قال لي: يوشك أن تعيش و تبقى حتّى تلقى من ولدي من اسمه محمّد يبقر العلم بقرا، و قال لي: إنّك تبقى حتّى تعمى ثم يكشف لك عن بصرك.
ثم قال: ائذن لي على أبيك، فدخل أبو جعفر على أبيه فأخبره الخبر، و قال: إنّ شيخا بالباب و قد فعل بي كيت كيت، فقال: يا بنيّ ذلك جابر بن عبد اللّه، ثمّ قال: أمن بين ولدان أهلك قال لك ما قال، و فعل بك ما فعل؟ قال: نعم، قال: إنا للّه لم يقصدك فيه بسوء، و لقد أشاط (2)بدمك.
ثمّ أذن لجابر فدخل عليه فوجده في محرابه قد أنضته (3)العبادة فنهض عليّ عليه السلام فسأله عن حاله سؤالا خفيا، ثمّ أجلسه جنبه، فأقبل جابر عليه يقول: يا بن رسول اللّه أ ما علمت أنّ اللّه تعالى إنّما خلق الجنّة لكم و لمن أحبّكم، و خلق النار لمن أبغضكم و عاداكم، فما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك؟ قال له عليّ بن الحسين عليهما السلام: يا صاحب رسول اللّه أ ما علمت أنّ جدّي رسول اللّه قد غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر فلم يدع الاجتهاد له، و تعبّد بأبي هو و امّي حتّى انتفخ الساق و ورم القدم، و قيل له أ تفعل هذا و قد غفر اللّه لك ما تقدّم
ص:248
من ذنبك و ما تأخّر؟ قال: أ فلا أكون عبدا شكورا؟ .
فلمّا نظر جابر إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام و ليس يغني فيه قول من يستميله من الجهد و التعب إلى القصد، قال له: يا بن رسول اللّه البقيا (1)على نفسك، فإنّك لمن اسرة بهم يستدفع البلاء، و يسأل كشف اللأواء (2)، و بهم يستمطر السماء، فقال: يا جابر لا أزال على منهاج أبوي تأسّيا بهما صلوات اللّه عليهما حتى ألقاهما.
فأقبل جابر على من حضر فقال لهم: و اللّه ما أرى في أولاد الأنبياء بمثل عليّ بن الحسين إلاّ يوسف بن يعقوب عليهم السلام و اللّه لذريّة عليّ بن الحسين أفضل من ذريّة يوسف بن يعقوب، إنّ منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (3).
2-المفيد في «ارشاده» قال: أخبرني أبو محمّد الأنصاري (4)، قال:
ص:249
حدّثني محمّد بن ميمون البزّاز، قال: حدّثنا الحسين بن علوان، عن أبي عليّ بن زياد بن رستم، عن سعيد بن كلثوم (1)، قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام فذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأطراه، و مدحه بما هو أهله ثم قال: و اللّه ما أكل عليّ بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا حراما قطّ حتّى مضى لسبيله، و ما عرض له أمران فظنّ أنّهما رضى للّه إلاّ أخذ بأشدّهما عليه في دينه، و ما نزلت معه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نازلة إلاّ دعاه ثقة به، و ما أطاق عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من هذه الامة غيره، و أنّه كان يعمل عمل رجل كأنّ وجهه بين الجنّة و النار، يرجو ثواب هذه و يخاف عقاب هذه، و لقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه اللّه و النجاة من النار ممّا كدّ بيده و رشح منه جبينه، و أنّه كان ليقوت أهله بالزيت و الخلّ و العجوة (2)، و ما كان لباسه إلاّ الكرابيس. إذا فضل شيء من يده من كمّه دعا بالجلم (3)فقصّه، و ما أشبهه من ولده و لا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه و فقهه من عليّ بن الحسين عليهما السلام، و لقد دخل أبو جعفر ابنه عليه فإذا هو قد بلغ من عبادته ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفرّ لونه من السهر، و رمضت (4)عيناه من البكاء،
ص:250
و دبرت (1)جبهته، و انخرم أنفه من السجود، و ورمت ساقاه و قدماه من القيام إلى الصلاة.
فقال أبو جعفر عليه السلام: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء فبكيت رحمة عليه و إذا هو يفكّر فالتفت بعد هنيئة من دخولي فقال: يا بنيّ أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأعطيته، فقرأ فيها شيئا يسيرا، ثمّ تركها من يده تضجّرا و قال: من يقوى على عبادة علي عليه السلام (2).
و رواه أبو علي الطبرسي في «إعلام الورى» عن الحسين بن علوان، عن أبي عليّ زياد بن رستم، قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام و ذكر أمير المؤمنين عليه السلام و ذكر الحديث (3).
3-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي (4)، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي (5)، قال:
حدّثنا الحسين بن الهيثم، قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب، قال: حدّثنا الحسن بن
ص:251
عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: سألت مولاة لعليّ بن الحسين عليهما السلام بعد موته فقلت: صفي لي امور عليّ بن الحسين عليهما السلام فقالت: اطنب أو أختصر؟ فقلت اختصري، قالت: ما أتيته بطعام نهارا قطّ، و لا فرشت له فراشا بليل قطّ (1).
4-و عنه، حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا محمّد بن حاتم قال:
حدّثنا أبو معمر (2)إسماعيل بن إبراهيم بن معمر، قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم (3)قال: سمعت أبا حازم يقول: ما رأيت هاشميّا أفضل من عليّ بن الحسين عليهما السلام، و كان عليه السلام يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة حتّى خرج بجبهته و آثار سجوده مثل كركرة (4)البعير (5).
5-المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد، عن جدّه، عن سلمة بن شبيب (6)، عن عبد اللّه بن محمّد التيمي (7)، قال: سمعت شيخا من عبد القيس، يقول: قال طاوس 8: دخلت الحجر في الليل فإذا عليّ بن
ص:252
الحسين عليه السلام قد دخل، فقام يصلّي فصلّى ما شاء اللّه ثمّ سجد، قال:
قلت: رجل صالح من أهل بيت الخير لاصغينّ إلى دعائه، فسمعته يقول في سجوده: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك.
قال طاوس: فما دعوت بهنّ في كرب إلاّ فرّج عنّي 1.
6-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن أبي حمزة 2، عن أبيه، قال: رأيت عليّ بن الحسين عليه السلام في فناء الكعبة في الليل، و هو يصلّي، فأطال القيام حتّى جعل مرّة يتوكّأ على رجله اليمنى و مرّة على رجله اليسرى ثمّ سمعته يقول بصوت كأنّه باك: يا سيّدي تعذّبني و حبّك في قلبي؟ أما و عزّتك لئن فعلت لتجمعنّ بيني و بين قوم طال ما عاتبتهم 3فيك 4.
7-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و عليّ بن محمّد القاساني،
ص:253
جميعا، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود (1)، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال: قال عليّ بن الحسين عليه السلام: لو مات من بين المشرق و المغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي، و كان إذا قرأ مالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ يكرّرها حتّى كاد أن يموت (2).
8-و عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحسين، عن محمد بن عبيد، عن عبيد بن هارون، قال: حدّثنا أبو يزيد، عن حصين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا كان شهر رمضان لم يتكلّم إلاّ بالدعاء و التسبيح و الاستغفار و التكبير، فإذا أفطر قال: اللهمّ إن شئت أن تفعل فعلت (3).
9-و روي من طريق الخاصّة و العامّة أنّه كان عليه السلام لا يحبّ أن يعينه على طهوره أحد، و كان يستقي الماء لطهوره، و يخمره قبل أن ينام، فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثمّ توضأ ثمّ يأخذ في صلاته، و كان عليه السلام يقضي ما فاته من صلاة نافلة النهار بالليل، و يقول: يا بنيّ ليس هذا عليكم بواجب، و لكن احبّ لمن عوّد منكم نفسه عادة من الخير يدوم عليها (4).
10-عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» قال: كان عليه السلام يصلّي في كلّ يوم و ليلة ألف ركعة، فإذا أصبح سقط مغشيّا عليه، و كان الريح تميله
ص:254
كالسنبلة (1).
11-روى عبد اللّه بن عليّ بن الحسين (2)عليه السلام عن أبيه، أنّه كان عليه السلام يصلّي ليلا حتّى أنّه ليزحف (3)إلى فراشه (4).
ص:255
ص:256
في جوده عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الأسترآبادي (1)قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبي يحيى محمّد بن يزيد المنقري، عن سفيان بن عيينة، قال: رأى الزهري عليّ بن الحسين عليه السلام ليلة باردة مطيرة، و على ظهره دقيق و حطب و هو يمشي فقال له: يا بن رسول اللّه ما هذا؟ قال: أريد سفرا اعدّ له زادا و أحمله إلى موضع حريز، فقال الزهري: فهذا غلامي يحمله عنك فأبى قلت: فأنا أحمله عنك فإني أرفعك عن حمله، فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: لكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري، و يحسن ورودي على ما أرد عليه، أسألك بحقّ اللّه لما مضيت بحاجتك و تركتني، فانصرفت عنه، فلمّا كان بعد أيام رآه و قال (2)له: يا بن رسول اللّه لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا، قال: بلى يا زهري ليس ما ظننت، و لكنّه الموت و له أستعدّ إنّما الاستعداد للموت
ص:257
تجنّب الحرام، و بذل الندى و الخير (1).
2-و عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه اللّه، قال:
حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عليّ بن أسباط، عن إسماعيل بن منصور (2)، عن بعض أصحابنا قال: لمّا وضع عليّ بن الحسين عليهما السلام على السرير ليغسل نظر إلى ظهره، و عليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء و المساكين (3).
3-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن يوسف ابن السخت (4)، عن عليّ بن محمّد بن سليمان، عن أبيه عن عيسى بن عبد اللّه قال: احتضر عبد اللّه فاجتمع إليه غرماؤه و طالبوه بدين لهم، فقال: لا مال عندي فاعطيكم و لكن ارضوا بمن شئتم من بني عمّي عليّ بن الحسين عليهما السلام أو عبد اللّه بن جعفر، فقال الغرماء: عبد اللّه بن جعفر مليّ مطول، و عليّ بن الحسين عليهما السلام رجل لا مال له صدوق و هو أحبّهما إلينا فأرسل إليه فأخبره الخبر فقال: أضمن لكم المال غلّة، و لم تكن له غلة تحملا (5)فقال له القوم: قد رضينا، فلمّا أن أتت الغلّة أتاح (6)اللّه عزّ و جلّ له المال فأدّاه (7).
ص:258
4-و عنه عن أحمد بن محمّد (1)، عن عليّ بن أسباط، عن سيابة (2)، عن ضريس (3)، عن حمزة بن حمران (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ ابن الحسين عليه السلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاة فتذبح و تقطّع أعضاؤها و تطبخ، فإذا كان عند المساء أكبّ على القدور حتى يجد ريح المرق و هو صائم، ثمّ يقول هاتوا القصاع (5)اغرفوا لآل فلان و اغرفوا لآل فلان حتّى يأتي على آخر القدور، ثم يؤتى بخبز و تمر فيكون ذلك عشاؤه صلّى اللّه عليه و آله و على آبائه (6).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن غالب الأسدي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، قال:
حضرت عليّ بن الحسين عليهما السلام يوما حين صلّى الغداة، فإذا سائل بالباب، فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام: أعطوا السائل و لا تردّوا سائلا (7).
6-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن عليّ بن حديد، عن مرازم بن
ص:259
حكيم، عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: إنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام اشتدّت حاله حتّى تحدّث بذلك أهل المدينة، فبلغه ذلك فتعيّن الف درهم، ثم بعث بها إلى صاحب المدينة، و قال: هذه صدقة مالي (1).
7-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: حدّثني أبو جعفر عليه السلام أنّ أباه كانت عنده امرأة من الخوارج أظنه قال: من بني حنيفة، فقال له مولى له:
يا بن رسول اللّه إنّ عندك امرأة تبرء من جدّك فقضى لأبي أنّه طلّقها، فادّعت عليه صداقها، فجاءت به الى أمير المدينة تستعديه، فقال له أمير المدينة: يا عليّ إمّا أن تحلف و إمّا أن تعطيها، فقال لي: قم يا بنيّ فأعطها أربعمائة دينار، فقلت:
يا أبت جعلت فداك أ لست محقا؟ قال: بلى يا بنيّ و لكنّي أجللت اللّه أن أحلف به يمين صبر (2).
8-و روى ابن بابويه في حديث أنّه لمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السلام نظروا فإذا يعول في المدينة أربعمائة بيت من حيث لم يقف الناس عليه.
9-و روي أنّ يزيد قال له زين العابدين عليه السلام: إنّما طلبنا ما أخذ منّا لأنّ فيه مغزل فاطمة عليها السلام و مقنعتها و قلادتها و قميصها، فأمر بردّ ذلك و زاد من عنده مأتي ألف مثقال من الذهب الأحمر، فما فارق عليّ بن الحسين عليهما السلام دمشق حتّى فرّق ذلك على الفقراء و المساكين، و باقيه على أهل المدينة (3).
10-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن أحمد بن
ص:260
إسحاق بن سعد (1)، عن سعدان (2)بن مسلم، عن أبي عمارة، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير و الدراهم حتّى يأتي بابا بابا فيقرعه، ثم ينيل من يخرج إليه، فلمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السلام فقدوا ذلك، فعلموا أنّ عليا عليه السلام كان يفعله (3).
11-المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى قال: حدّثنا جدّي قال: حدّثنا أبو نصر، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن صالح، قال: حدّثنا يونس بن بكير (4)، عن ابن إسحاق، قال: كان بالمدينة كذا و كذا أهل بيت يأتيهم رزقهم و ما يحتاجون إليه، لا يدرون من أين يأتيهم، فلمّا مات عليّ ابن الحسين عليهما السلام فقدوا ذلك (5).
12-و عنه أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد، قال: حدّثني جدّي قال:
حدّثنا أبو نصر، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن عبد اللّه، قال حدّثني أبي، قال:
ص:261
حدّثنا عبد اللّه بن هارون، قال: حدّثني عمرو بن دينار، قال: حضرت محمّد بن اسامة بن زيد (1)الوفاة فجعل يبكي، فقال له عليّ بن الحسين عليهما السلام: ما يبكيك؟ قال: يبكيني أنّ عليّ خمسة عشر ألف دينار، و لم أترك لها وفاء فقال له عليّ ابن الحسين عليهما السلام: لا تبك فهي عليّ و أنت منها بريء، فقضاها عنه (2).
13-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان (3)، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، قال: حدّثني بعض أصحابنا عن أبي حمزة الثمالي، قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام ليخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب فيه الصرر من الدراهم و الدنانير، حتى يأتي بابا بابا فيقرعه، ثمّ يناول من يخرج إليه فلمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السلام فقدوا ذلك، فعلموا أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام الذي كان يفعل ذلك (4).
14-و روي أنّ يزيد لعنه اللّه أرسل جيشا إلى المدينة فأباحها ثلاثة أيّام حتّى نتج من ذلك عشرة آلاف ولدا لا يعرف لهم أب، و عليّ بن الحسين عليهما السلام ضمّ له أربعمائة امرأة هاشمية أو قرشية في بيت (5)و أعالهنّ في ذلك الوقت، إذ لم يتعرّض لبيته عليه السلام.
15- «كشف الغمّة» قال ابن الأعرابي: لمّا وجّه يزيد بن معاوية عسكره
ص:262
لاستباحة أهل المدينة ضمّ عليّ بن الحسين عليهما السلام إلى نفسه أربعمائة بيت (1)يعولهنّ، فلمّا انقرض (2)عليه السلام انقطعت.
قال: و حكي لنا مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير بني اميّة من الحجاز (3).
16-و من طريق العامّة من الجزء الثاني من «حلية الأولياء» لأبي نعيم الأصفهاني عن عمرو بن ثابت (4)، قال: لمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السلام و غسّلوه جعلوا ينظرون لآثار سود في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: إنّه كان ليحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره، يعطيه فقراء أهل المدينة (5).
17-و من الجزء المذكور قال أبو نعيم: عن محمّد بن إسحاق، قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السلام فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل (6).
18-و عنه، بإسناده، قال أبو نعيم، عن محمّد بن زكريا، قال: سمعت ابن عائشة (7)يقول: قال أبي: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتّى مات عليّ بن الحسين عليهما السلام (8).
19-كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السئول و هو من رجال
ص:263
العامّة قال: لما مات علي بن الحسين عليهما السلام وجدوه يقوت مائة بيت من أهل المدينة كان يحمل إليهم ما يحتاجون إليه (1).
20-قال: و قال محمّد بن إسحاق كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم، فلمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السلام فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل (2).
21-و قال أيضا: قال أبو حمزة الثمالي: كان عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل، فيتصدّق به و يقول: إنّ صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ.
22-و لمّا مات عليه السلام و غسّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ قيل: كان يحمل جرب الدقيق على ظهره و يوصلها إلى فقراء المدينة.
23-قال: و قال ابن عائشة: قال أبي: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتّى مات عليّ بن الحسين عليهما السلام (3).
24-قال: و قال سفيان (4): أراد عليّ بن الحسين الخروج إلى الحجّ فاتّخذت له سكينة بنت الحسين (5)عليه السلام اخته زادا أنفقت عليه ألف درهم، فلمّا كان
ص:264
بظهر الحرّة سيّرت إليه ذلك، فلمّا نزل فرّقه على المساكين (1).
25-قال: و قال سعيد بن مرجانة (2)يوما عند عليّ بن الحسين: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق اللّه بكل إرب منها إربا منه من النار، حتى أنّه ليعتق باليد اليد، و بالرجل الرجل، و بالفرج الفرج، فقال عليّ عليه السلام: سمعت هذا من أبي هريرة؟ فقال سعيد: نعم، فقال لغلام له أفره غلمانه، و كان عبد اللّه بن جعفر قد أعطاه بهذا الغلام ألف درهم فلم يبعه: أنت حرّ لوجه اللّه (3).
26-و قال: قال طاوس: رأيت عليّ بن الحسين عليهما السلام ساجدا في الحجر، فقلت: رجل صالح من أهل بيت طيّب لأسمعنّ ما يقول فأصغيت إليه فسمعته يقول (4). . .
و قد تقدّم الحديث في الباب السادس (5)من طريق الشيخ المفيد.
27-و في آخر حديث ابن طلحة، و كان يصلّي في كلّ يوم و ليلة ألف ركعة و تهيج الريح فيسقط مغشيا عليه (6).
28-و من «حلية الأولياء» لأبي نعيم الأصفهاني قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن كيسان، حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا عبد اللّه بن هارون بن أبي عيسى، أخبرني أبي، عن حاتم بن أبي صغيرة،
ص:265
عن عمرو بن دينار، قال: دخل عليّ بن الحسين عليهما السلام على محمّد بن اسامة بن زيد في مرضه، فجعل يبكي فقال عليّ عليه السلام: ما شأنك؟ قال:
عليّ دين، قال: كم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، قال: فهي عليّ (1).
ص:266
في حديث السائل الذي أعطاه عليه السلام القرصين، و حديث
البلخي زوج المرأة، و حديث الكابلي
1-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الأسترآبادي، قال: حدّثنا جعفر بن أحمد (1)، قال: حدّثنا أبو يحيى محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري (2)، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال: كنت عند عليّ بن الحسين عليهما السلام فجاءه رجل من أصحابه، فقال له عليّ بن الحسين عليهما السلام: ما خبرك أيّها الرجل؟ فقال له الرجل؟ خبري يا ابن رسول اللّه أنّي أصبحت و عليّ أربعمائة دينار دين لا قضاء عندي لها، ولي عيال ثقال، ليس لي ما أعود عليهم به، قال: فبكى عليّ بن الحسين عليهما السلام بكاء شديدا فقيل له (3)ما يبكيك يا ابن رسول اللّه؟ فقال: و هل يعدّ البكاء إلا للمصائب و المحن الكبار؟ ! قالوا: كذلك يا بن رسول اللّه (4)فايّة محنة و مصيبة أعظم على حرّ مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خلّة فلا يمكنه سدّها و يشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها قال: فتفرّقوا عن مجلسهم ذلك، فقال بعض المخالفين، و هو يطعن
ص:267
على عليّ بن الحسين عليهما السلام: عجبا لهؤلاء يدّعون مرّة أنّ السماء و الأرض و كلّ شيء يطيعهم، و أنّ اللّه لا يردّهم عن شيء من طلباتهم، ثمّ يعترفون اخرى بالعجز عن إصلاح حال خواصّ إخوانهم.
فاتّصل ذلك بالرجل صاحب القصة فجاء إلى عليّ بن الحسين عليه السلام فقال له: يا بن رسول اللّه بلغني عن فلان كذا و كذا، و كان هذا أغلظ عليّ من محنتي، فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام: فقد أذن اللّه في فرجك يا فلان احمل سحوري و فطوري (1)فحملت قرصين، فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما، فإنّ اللّه يكشف عنك بهما، و ينيلك خيرا واسعا منهما، فأخذهما الرجل و دخل السوق لا يدري ما يصنع بهما، يتفكّر في ثقل دينه و سوء حال عياله، و يوسوس إليه الشيطان: أين موقع هاتين من حاجتك، فمرّ بسمّاك قد بارت عليه سمكة قد أراحت (2)فقال له: سمكتك هذه بائرة عليك، و إحدى قرصتيّ هاتين بائرة عليّ فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة و تأخذ قرصتي هذه البائرة؟ فقال: نعم فأعطاه السمكة و أخذ القرصة.
ثم مرّ برجل معه ملح قليل مزهود فيه، فقال: هل لك أن تعطيني ملحك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها؟ قال: نعم ففعل، فجاء الرجل بالسمكة و الملح فقال: اصلح هذه بهذا، فلمّا شقّ بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين، فحمد اللّه عليهما، فبينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه، فخرج ينظر من بالباب فإذا صاحب السمكة و صاحب الملح قد جاءا يقول كلّ واحد منهما له:
يا عبد اللّه جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا، و ما نظنّك إلاّ و قد تناهيت في سوء الحال و مرنت (3)على الشقاء، قد رددنا إليك هذا الخبز و طيّبنا لك ما أخذته منّا، فأخذ القرصين منهما فلمّا استقرّ بعد
ص:268
انصرافهما عنه، قرع الباب فإذا رسول عليّ بن الحسين عليهما السلام فدخل، فقال: انه عليه السلام يقول لك: إنّ اللّه قد أتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا، فإنّه لا يأكله غيرنا، و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى عنه دينه و حسنت بعد ذلك حاله.
فقال بعض المخالفين: ما أشدّ هذا التفاوت بينا علي بن الحسين عليهما السلام لا يقدر أن يسدّ منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم؟ كيف يكون هذا و كيف يعجز عن سدّ الفاقة من يقدر في هذا الغناء العظيم؟ ! فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام: هكذا قالت قريش للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كيف يمضي إلى بيت المقدس و يشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكّة و يرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلاّ في اثني عشر يوما؟ ! و ذلك حين هاجر منها.
ثم قال عليّ بن الحسين عليهما السلام: جهلوا و اللّه أمر اللّه و أمر أوليائه معه، إنّ المراتب الرفيعة لا تنال إلاّ بالتسليم للّه جلّ ثناؤه، و ترك الاقتراح عليه، و الرضا بما يدبرهم (1)به، إنّ أولياء اللّه صبروا على المحن و المكاره صبرا لم يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم اللّه عزّ و جلّ عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم، لكنّهم مع ذلك لا يريدون منه إلاّ ما يريده لهم (2).
2-قال الشيخ الفاضل الزاهد فخر الدين النجفي، و شافهته و أجاز لي الرواية عنه، قال: روي أنّ رجلا مؤمنا من أكابر بلاد بلخ كان يحجّ بيت اللّه الحرام، و يزور قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أكثر الأعوام، و كان يأتي إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام فيزوره و يحمل إليه الهدايا و التحف، و يأخذ مصالح دينه منه، ثمّ يرجع إلى بلاده، فقالت له زوجته: أراك تهدي تحفا كثيرة، و لا أراه
ص:269
يجازيك عنها بشيء، فقال: إنّ هذا الرجل الذي نهدي إليه هدايانا هو ملك الدنيا و الآخرة، و جميع ما في أيدي الناس تحت ملكه لأنّه خليفة اللّه في أرضه و حجّته على عباده، و هو ابن رسول اللّه، و هو إمامنا و مولانا و مقتدانا، فلمّا سمعت ذلك منه أمسكت عن ملامته.
قال: ثمّ إنّ الرجل تهيّأ للحج مرّة اخرى في السنة القابلة، و قصد دار عليّ ابن الحسين عليهما السلام فاستأذن عليه بالدخول فاذن له، و دخل و سلّم عليه و قبّل يديه، و وجد بين يديه طعاما فقرّبه إليه و أمره بالأكل معه، فأكل الرجل حسب كفايته، ثم استدعى بطست و إبريق فيه ماء، فقام الرجل فأخذ الإبريق و صبّ الماء على يدي الإمام، فقال الإمام عليه السلام: يا شيخ أنت ضيفنا فكيف تصبّ على يديّ الماء؟ فقال: إنّي احبّ ذلك، فقال الإمام عليه السلام:
حيث إنّك أحببت (1)ذلك فو اللّه لارينّك ما تحبّ و ترضى به و تقرّ به عيناك، فصبّ الرجل الماء على يديه حتى امتلأ ثلث الطست، فقال الإمام عليه السلام للرجل:
ما هذا؟ قال: ماء، فقال الإمام: بل يا قوت أحمر، فنظر الرجل إليه فإذا هو قد صار ياقوتا أحمر باذن اللّه تعالى، ثمّ قال الإمام عليه السلام: يا رجل صبّ الماء أيضا فصبّ على يدي الإمام عليه السلام مرّة اخرى الماء حتّى امتلأ ثلثا الطست، فقال عليه السلام له: ما هذا؟ قال: هذا ماء، فقال الإمام عليه السلام: بل هذا زمرّد أخضر، فنظر الرجل فإذا هو زمرّد أخضر، ثمّ قال الإمام عليه السلام: صبّ الماء يا رجل، فصبّ الماء على يدي الإمام حتّى امتلأ الطست، فقال للرجل: ما هذا؟ فقال: هذا ماء، فقال عليه السلام: بل هو درّ أبيض، فنظر الرجل إليه فإذا هو درّ أبيض بإذن اللّه تعالى و صار الطست ملئانا من ثلاثة ألوان درّ و ياقوت و زمرّد فتعجّب الرجل غاية العجب، و انكبّ على يدي الإمام عليه السلام يقبّلهما، فقال له الإمام: يا شيخ لم يكن عندنا شيء نكافئك
ص:270
على هداياك إلينا، فخذ هذه الجواهر، فإنّها عوض هديّتك إلينا، و اعتذر لنا عند زوجتك لأنّها عتبت علينا، فأطرق الرجل رأسه خجلا، و قال: يا سيّدي و من أنبأك بكلام زوجتي؟ فلا شكّ أنّك من أهل بيت النبوّة.
ثمّ إنّ الرجل ودّع الإمام و أخذ الجواهر، و سار بها إلى زوجته و حدّثها بالقصّة، فقالت و من أعلمه بما قلت؟ فقال: أ لم أقل لك: إنّه من بيت العلم و الآيات الباهرات؟ فسجدت للّه شكرا، و أقسمت على بعلها باللّه العظيم أن يحملها معه إلى زيارته و النظر إلى طلعته، فلمّا تجهّز بعلها للحجّ في السنة القابلة أخذها معه، فمرضت المرأة في الطريق و ماتت قريبا من مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فجاء الرجل إلى الإمام عليه السلام باكيا حزينا و أخبره بموت زوجته و أنّها كانت قاصدة إلى زيارته و إلى زيارة جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقام الإمام و صلّى ركعتين و دعا اللّه سبحانه و تعالى بدعوات لم تحجب عن ربّ السماوات ثمّ التفت إلى الرجل فقال له: قم و ارجع إلى زوجتك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد أحياها بقدرته و حكمته، و هو يحيي العظام و هي رميم، فقام الرجل مسرعا و هو فرح مصدّق، فدخل إلى خيمته فرأى زوجته جالسة في الخيمة على حال الصحّة فزاد سروره و اعتقد ضميره، و قال لها: كيف أحياك اللّه تعالى؟ فقالت: و اللّه لقد جاءني ملك الموت و قبض روحي، و همّ أن يصعد بها و إذا أنا برجل صفته كذا و كذا و جعلت تعدّ أوصافه الشريفة عليه السلام، و بعلها يقول لها: نعم صدقت هذه صفة سيّدي و مولاي عليّ بن الحسين عليه السلام.
قالت فلمّا رآه ملك الموت مقبلا انكبّ على قدميه يقبّلهما و يقول: السلام عليك يا حجة اللّه في أرضه، السلام عليك يا زين العابدين، فردّ عليه السلام و قال له: يا ملك الموت أعد روح هذه المرأة إلى جسدها فإنّها قاصدة إلينا، و إنّي قد سألت ربّي أن يبقيها ثلاثين سنة اخرى و يحييها حياة طيبة لقدومها إلينا زائرة إلينا، فإنّ للزائر علينا حقّا واجبا فقال له الملك: سمعا و طاعة لك يا وليّ اللّه، ثمّ
ص:271
أعاد روحي إلى جسدي و أنا أنظر إلى ملك الموت قد قبّل يده الشريفة عليه السلام و خرج عنّي.
فأخذ الرجل بيد زوجته و أتى بها إلى مجلس الإمام عليه السلام و هو بين أصحابه و انكبّت على ركبتيه تقبّلهما، و هي تقول: هذا و اللّه سيدي و مولاي، و هذا هو الذي أحياني اللّه ببركة دعائه، قال: و لم تزل المرأة مع بعلها مجاورين عند الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام بقيّة أعمارهما بمعيشة طيّبة في البلدة الطيّبة إلى أن ماتا رحمة اللّه عليهما (1).
3-الراوندي، قال: روي عن أبي الصباح الكناني (2)قال: سمعت الباقر عليه السلام يقول انّ الكابلي (3)خدم عليّ بن الحسين عليهما السلام برهة من الزمان، ثمّ شكى شدّة شوقه إلى والدته، و سأله الإذن في الخروج إليها، فقال له عليه السلام: يا كنكر إنّه يقدم علينا غدا رجل من أهل الشام له قدر، و جاه و مال، و ابنته قد أصابها عارض من الجنّ و هو يطلب من يعالجها و يبذل في ذلك ماله، فاذا قدم فصر إليه في أوّل الناس و قل له: أنا اعالج ابنتك بعشرة آلاف درهم، فإنّه يطمئنّ إلى قولك و يبذل لك ذلك.
فلمّا كان من الغد قدم الشامي و معه ابنته و طلب معالجا، فقال له أبو خالد:
أنا اعالجها على أن تعطيني عشرة آلاف درهم و لن يعود إليها أبدا، فضمن أبوها له ذلك، فقال زين العابدين عليه السلام لأبي خالد: إنّه سيغدر بك، ثمّ قال:
فانطلق فخذ بأذن الجارية اليسرى و قل: يا خبيث يقول لك عليّ بن الحسين:
اخرج من بدن هذه الجارية لا تعد إليها، ففعل كما أمره فخرج عنها، و قامت
ص:272
الجارية من جنونها فطالبه بالمال فدافعه، فرجع إلى زين العابدين عليه السلام فعرّفه، فقال له: يا أبا خالد أ لم أقل لك إنّه يغدر بك؟ و لكن سيعود إليها فإذا أتاك فقل: إنّما عاد إليها لأنّك لم تف بما ضمنت، فإن وضعت عشرة آلاف درهم على يد عليّ بن الحسين عليهما السلام فإنّي اعالجها و لا يعود إليها أبدا، ففعل ذلك، و ذهب أبو خالد إلى الجارية و قال في اذنها كما قال أوّلا ثمّ قال: إن عدت إليها احرقتك بنار اللّه، فخرج و أفاقت الجارية و لم يعد إليها، فأخذ أبو خالد المال و اذن له في الخروج إلى والدته و مضى بالمال حتى قدم عليها.
و رواه الحضيني في «هدايته» بإسناده إلى أبي الصباح الكوفي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام.
و رواه أيضا ابن شهر اشوب في «الفضائل» عن أبي جعفر الباقر عليه السلام. (1)
ص:273
ص:274
في حلمه من طريق الخاصّة و العامّة
1-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن يحيى بن الحسن ابن جعفر بن عبيد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدّثني يحيى بن الحسن بن جعفر، قال: حدّثني شيخ من أهل اليمن يقال له: عبد اللّه بن محمّد، قال: سمعت عبد الرزاق يقول: جعلت جارية لعليّ بن الحسين عليهما السلام تسكب الماء عليه و هو يتوضّأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجّه (1)فرفع عليّ بن الحسين عليهما السلام رأسه إليها، فقالت الجارية: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ اَلْكاظِمِينَ اَلْغَيْظَ (2)قال لها: قد كظمت غيظي، قالت: وَ اَلْعافِينَ عَنِ اَلنّاسِ قال لها:
لقد عفى اللّه عنك، قالت: وَ اَللّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ قال: اذهبي فأنت حرّة (3).
2-المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد، قال:
حدّثني جدّي قال: حدّثني محمّد بن جعفر، و غيره قالوا: وقف على عليّ بن الحسين
ص:275
عليهما السلام رجل من أهل بيته فأسمعه و شتمه فلم يكلّمه، فلمّا انصرف قال لجلسائه: لقد سمعتم ما قال هذا الرجل، و أنا احب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردّي عليه، قال: فقالوا له: نفعل، و لقد كنّا نحبّ أن يقول له و يقول، قال: و أخذ نعليه و مشى و هو يقول: وَ اَلْكاظِمِينَ اَلْغَيْظَ وَ اَلْعافِينَ عَنِ اَلنّاسِ وَ اَللّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ (1)فعلمنا أنّه لا يقول شيئا.
قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ، و قال: قولوا له: هذا عليّ بن الحسين، قال: فخرج إلينا متوثّبا للشر، و هو لا يشكّ أنّه إنّما جاء مكافئا له، فقال له عليّ بن الحسين عليه السلام: يا أخي إنّك كنت قد وقفت عليّ آنفا فقلت و قلت، فإن كنت قلت ما فيّ فإنّي أستغفر اللّه منه، و إن كنت قلت ما ليس فيّ فغفر اللّه لك، قال: فقبّل الرجل بين عينيه، و قال: بل قلت فيك ما ليس فيك، و أنا أحقّ به.
قال الراوي للحديث: و الرجل هو الحسن بن الحسن عليه السلام (2).
3-و عنه قال: أخبرني الحسن بن محمّد، عن جدّه، قال: حدّثني شيخ من أهل اليمن قد أتت عليه بضع و سبعون سنة، قال: أخبرني رجل يقال له: عبد اللّه ابن محمّد، قال: سمعت عبد الرزّاق، يقول: جارية لعليّ بن الحسين عليهما السلام تسكب عليه الماء ليتهيّأ للصلاة، فنعست فسقط الإبريق من يد الجارية فشجّه، فرفع رأسه إليها، فقالت له الجارية: إنّ اللّه يقول: وَ اَلْكاظِمِينَ اَلْغَيْظَ (3)قال عليه السلام: قد كظمت غيظي، قالت: وَ اَلْعافِينَ عَنِ اَلنّاسِ قال لها: عفا اللّه عنك، قالت: وَ اَللّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ قال: اذهبي فأنت حرّة لوجه اللّه (4).
ص:276
4-و عنه، قال: روى الواقديّ، قال: حدّثني عبد اللّه بن محمّد بن عمر ابن عليّ، قال: كان هشام (1)بن إسماعيل يسيئ جوارنا، و لقي منه عليّ بن الحسين عليهما السلام أذى شديدا فلمّا اعتزل أمر به الوليد أن يوقف للناس، قال: فمرّ به عليّ بن الحسين عليهما السلام و قد اوقف عند دار مروان، قال: فسلّم عليه، قال: و كان عليّ بن الحسين عليهما السلام قد تقدّم إلى خاصّته أن لا يعرض له أحد (2).
5-قال: و روي أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه، ثمّ دعاه فأجابه في الثالثة، فقال له: يا بنيّ أ ما سمعت صوتي؟ فقال له:
بلى، قال: فمالك لا تجيبني؟ قال: أمنتك، قال: الحمد للّه الذي جعل مملوكي يأمنني (3).
6-شرف الدين النجفي (4)، قال: روي أنّ الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام أراد أن يضرب غلاما له فقرأ: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اَللّهِ (5)و وضع السوط من يده، فبكى الغلام، فقال عليه السلام له: ما يبكيك؟ قال: و إنّي عندك يا مولاي ممّن لا يرجو أيام اللّه، فقال له: أنت ممّن يرجو أيّام اللّه، قم (6)فأت قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قل: اللهم اغفر
ص:277
لعليّ بن الحسين خطيئته يوم الدين، و أنت حرّ لوجه اللّه (1).
7-و الذي في «كشف الغمّة» عن عبد اللّه بن عطا (2)أذنب غلام لعلي بن الحسين عليهما السلام ذنبا استحقّ به العقوبة، فأخذ له السوط ليضربه، فقال قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اَللّهِ فقال الغلام: و ما أنا كذلك، إنّي لأرجو رحمة اللّه، و أخاف عذابه، فألقى السوط و قال: أنت عتيق (3).
8-قال: و استطال رجل على عليّ بن الحسين عليهما السلام فتغافل عنه، فقال له الرجل: إيّاك أعني، فقال له عليه السلام: و عنك اغضي.
و قال عليه السلام: إنّما التوبة العمل و الرجوع عن الأمر و ليست التوبة بالكلام (4).
9-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان في المدينة رجل بطّال يضحك الناس منه، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن اضحكه، يعني عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: فمرّ عليّ عليه السلام، و خلفه موليان له، فجاء الرجل حتى انتزع رداءه من رقبته، ثمّ مضى، فلم يلتفت إليه عليّ عليه السلام فاتّبعوه، و أخذوا الرداء منه، فجاءوا به فطرحوه عليه، فقال عليه السلام لهم: من هذا؟ فقالوا: هذا رجل بطّال يضحك أهل المدينة فقال عليه السلام: قولوا له: إنّ للّه يوما يخسر فيه المبطلون (5).
ص:278
10-و من طريق المخالفين محمّد بن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» و المالكي في «الفصول المهمة» قالا: نقل سفيان، قال: جاء رجل إلى عليّ بن الحسين، فقال له: إنّ فلانا قد وقع فيك و آذاك، فقال له: فانطلق بنا اجبه (1)فانطلق معه، و هو يرى أنّه سينتصر لنفسه فلمّا أتاه قال له: يا هذا إن كان ما قتله فيّ حقا فاللّه تعالى يغفره لي، و إن كان ما قتله فيّ باطلا فاللّه تعالى يغفر لك (2).
11-و كان بينه و بين ابن عمّه حسن بن الحسن شيء من المنافرة، فجاء حسن الى عليّ عليه السلام و هو في المسجد مع أصحابه، فما ترك شيئا إلاّ قاله له من الأذى و هو ساكت، ثمّ انصرف حسن، فلمّا كان الليل أتاه في منزله، فقرع عليه الباب، فخرج حسن إليه و قال له: يا أخي إن كنت صادقا فيما قلت يغفر اللّه لي، و إن كنت كاذبا فيه فيغفر اللّه لك، و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته، ثمّ ولّى، فأتبعه حسن و ألزمه من خلفه و بكى حتى رقّ له، ثمّ قال له: و اللّه لا عدت لأمر تكرهه، فقال له عليّ عليه السلام: و أنت في حلّ ممّا قلته (3).
12-و كان عليه السلام يوما خارجا من المسجد فلقيه رجل فسبّه فثارت إليه العبيد و الموالي، فقال لهم عليّ عليه السلام: مهلا كفّوا، ثمّ أقبل على ذلك الرجل فقال له: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، أ لك حاجة نعينك عليها؟ فاستحى الرجل و رجع إلى نفسه، فألقى عليه السلام خميصته (4)كانت عليه و أمر له بألف درهم فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنّك من أولاد الرسل (5).
13-و كان عنده عليه السلام قوم أضياف فاستعجل خادما له بشواء كان
ص:279
في التنّور، فأقبل به الخادم مسرعا فسقط السفّود (1)من يده على راس ابن لعليّ بن الحسين عليهما السلام تحت الدرجة، فأصاب رأسه فقتله، فقال عليّ عليه السلام للغلام و قد تحيّر الغلام و اضطرب: أنت حرّ فإنّك لم تتعمّده و أخذ في جهاز ابنه و دفنه (2).
14-عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» قال: كان لعليّ بن الحسين عليهما السلام ابن عمّ يأتي بالليل (3)متنكّرا فيناوله شيئا من الدنانير، فيقول: لكن عليّ ابن الحسين لا يواصلني لا جزاه اللّه خيرا، فيسمع كلامه و يتحمّله و يصبر عليه و لا يعرّفه بنفسه، فلمّا مات عليه السلام فقدها، فحينئذ علم أنّه هو كان، فجاء إلى قبره و بكى عليه (4).
15-و قال رجل لرجل من آل الزبير كلاما أقذع (5)فيه فأعرض الزبيري عنه ثمّ دار الكلام، فسبّ الزبيري عليّ بن الحسين عليهما السلام فأعرض عنه و لم يجبه، فقال له الزبيري: ما يمنعك من جوابي؟ قال عليه السلام: ما يمنعك من جواب الرجل (6).
ص:280
في خوفه عليه السلام من اللّه سبحانه و تعالى و انقطاعه له من
طريق الخاصّة و العامّة
1-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثني عبد اللّه بن النضر بن سمعان التميمي (1)رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أبو القاسم جعفر بن محمّد المكّي (2)، قال:
حدّثنا أبو الحسن عبد اللّه بن محمّد بن عمرو الاطروش الحرّاني قال: حدّثنا صالح ابن زياد أبو سعيد السوسي (3)قال: حدّثنا أبو عثمان السكري، و اسمه عبد اللّه بن ميمون، قال: حدّثنا عبد اللّه بن معزّ الأودي، قال: حدّثنا عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة، عن طاوس اليماني، قال: مررت بالحجر فإذا أنا بشخص راكع و ساجد، فتأمّلته فإذا هو عليّ بن الحسين عليهما السلام، فقلت: يا نفس رجل صالح من أهل بيت النبوّة و اللّه لأغتنمنّ دعائه فجعلت أرقبه حتّى فرغ من صلاته، و رفع باطن كفّيه إلى السماء و جعل يقول:
ص:281
سيّدي سيّدي هذه يداي قد مددتها إليك بالذنوب مملوّة، و عيناي بالرجاء ممدودة، و حقّ لمن دعاك بالندم تذللا أن تجيبه بالكرم تفضّلا سيّدي أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي؟ أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي؟ سيّدي أ لضرب المقامع خلقت أعضائي؟ أم لشرب الحميم خلقت أمعائي، سيّدي لو أنّ عبدا استطاع الهرب من مولاه لكنت أوّل الهاربين منك، لكنّي أعلم أنّي لا أفوتك، سيّدي لو أنّ عذابي ممّا يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه غير أني أعلم أنّه لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين، و لا ينقص منه معصية العاصين.
سيّدي ما أنا و ما خطري، هب لي بفضلك، و جلّلني بسترك، و اعف عن توبيخي بكرم وجهك، إلهي و سيّدي ارحمني مصروعا على الفراش تقلّبني أيدي أحبّتي، و ارحمني مطروحا على المغتسل يغسّلني صالح جيرتي، و ارحمني محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، و ارحم في ذلك البيت المظلم وحشتي و وحدتي و غربتي.
قال طاوس: فبكيت حتّى علا نحيبي فالتفت إليّ فقال: ما يبكيك يا يماني أو ليس هذا مقام المذنبين؟ ! قلت: حبيبي حقيق على اللّه أن لا يردّك و جدّك محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: فبينما نحن كذلك إذ أقبل نفر من أصحابه فالتفت إليهم، فقال معاشر أصحابي أوصيكم بالآخرة و لست اوصيكم بالدنيا فإنّكم بها مستوصون و عليها حريصون و بها مستمسكون.
معاشر أصحابي إنّ الدنيا دار ممرّ و الآخرة دار مقرّ فخذوا من ممرّكم لمقرّكم، و لا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، و أخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن يخرج منها أبدانكم، أ ما رأيتم و سمعتم ما استدرج به من كان قبلكم من الامم السالفة و القرون الماضية؟ أ لم تروا كيف فضح مستورهم و أمطروا مواطر الهوان عليهم بتبديل سرورهم بعد خفض عيشهم و لين رفاهيتهم، صاروا حصائد النقم و مدارج المثلات، أقول قولي هذا و أستغفر اللّه لي و لكم. (1)
ص:282
2-و عنه، قال: حدّثنا عبد اللّه بن النضر بن سمعان التميمي، بهذا الإسناد، عن عمران بن مسلم، عن طاوس، قال: كان عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام يدعو بهذا الدعاء: إلهي و عزّتك و جلالك و عظمتك لو أنّ منذ بدعت فطرتي (1)من أوّل الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيّتك بكلّ شعرة في كلّ طرفة عين سرمد الأبد، بحمد الخلائق و شكرهم أجمعين لكنت مقصّرا في بلوغ أداء شكر أخفى نعمة من نعمك عليّ، و لو أنّي كريت (2)معادن حديد الدنيا بأنيابي، و حرثت أرضيها بأشفار عيني، و بكيت من خشيتك مثل بحور (3)السماوات و الأرضين دما صديدا لكان ذلك قليلا في كثير ما يحبّ من حقّك عليّ، و لو أنّك إلهي عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلائق أجمعين، و جعلت للنار خلقي و جسمي و ملأت جهنّم و أطباقها منّي حتّى لا يكون في النار معذّب غيري، و لا يكون لجهنّم حطب سوائي لكان ذلك بعدلك قليلا في كثير ما أستوجبه من عقوبتك (4).
3-و عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن الفضل الكوفي (5)رحمه اللّه، قال:
أخبرنا أبو جعفر محمّد بن عمار القطان (6)، قال: حدّثني الحسين بن عليّ بن الحكم
ص:283
الزعفراني (1)، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم العبدي، قال: حدّثني سهل بن زياد الآدمي، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، قال: دخلت مسجد الكوفة فإذا أنا برجل عند الاسطوانة السابعة قائم يصلّي، يحسن ركوعه و سجوده فجئت لأنظر إليه فسبقني إلى السجود و سمعته يقول في سجوده: اللهمّ إن كنت قد عصيتك فقد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك و هو الإيمان بك، منّا به عليّ منك لا منّا به منّي عليك، و لم أعصك في أبغض الأشياء إليك لم أدّع لك ولدا و لم أتّخذ لك شريكا، منّا منك عليّ لا منّا منّي عليك.
و عصيتك في أشياء على غير مكابرة منّي و لا مكاثرة، و لا استكبارا عن عبادتك، و لا جحودا لربوبيّتك، و لكن اتّبعت هواي و أزلني الشيطان بعد الحجّة و البيان، فإن تعذّبني فبذنبي، غير ظالم لي، و إن ترحمني فبجودك و رحمتك يا أرحم الراحمين.
ثمّ انفتل و خرج من باب كنده، فتبعته حتّى أتى مناخ الكلبيّين فمرّ بأسود فأمره بشيء لم أفهمه، فقلت: من هذا؟ فقال: عليّ بن الحسين عليهما السلام فقلت: جعلني اللّه فداك ما أقدمك هذا الموضع؟ فقال: الذي رأيت (2).
4-و من طريق المخالفين كمال الدين بن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك أن يحسن في لوائح العيون علانيتي، و يقبح سريرتي، اللهمّ كما أسأت و أحسنت عليّ فإذا عدت فعد عليّ (3).
5-و كان يقول: إنّ قوما عبدوا اللّه رهبة، فتلك عبادة العبيد، و آخرين عبدوه رغبة، فتلك عبادة التجّار، و قوما عبدوا اللّه عزّ و جلّ شكرا فتلك عبادة
ص:284
الاحرار (1).
6-و كان يقول: عجبت للمتكبّر الفخور الذي كان بالأمس نطفة، ثمّ هو عاد جيفة، و عجبت كلّ العجب لمن شكّ في اللّه و هو يرى خلقه، و عجبت كلّ العجب لمن أنكر النشأة الآخرة و هو يرى النشأة الاولى، و عجبت كلّ العجب لمن عمل لدار الفناء و ترك العمل لدار البقاء، و كان إذا أتاه السائل يقول: مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة (2).
7-و كان الزهري إذا ذكر عليّ بن الحسين عليهما السلام بكى و يقول: زين العابدين (3).
8-و قال أبو حمزة الثمالي: أتيت باب عليّ بن الحسين فكرهت أن أصوت، فقعدت حتّى خرج، فسلّمت عليه، و دعوت له، فردّ عليّ، ثم انتهى إلى حائط فقال لي: يا أبا حمزة أ لا ترى هذا الحائط؟ فقلت: بلى يا بن رسول اللّه قال: فإنّي اتّكأت عليه يوما و أنا حزين، فإذا رجل حسن الوجه، حسن الثياب، ينظر في تجاه وجهي ثم قال لي: يا عليّ بن الحسين مالي أراك كئيبا حزينا؟ أعلى الدنيا؟ فهو رزق حاضر يأكل منه البرّ و الفاجر، فقلت: ما عليها أحزن فإنّ القول كما تقول، فقال: أعلى الآخرة فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر؟ .
قال: قلت: ما على هذا أحزن و إنّه كما تقول، فقال: و ما حزنك يا عليّ؟ فقلت: إنّما أتخوّف من فتنة ابن الزبير، فقال لي: يا عليّ هل رأيت أحدا سأل اللّه فلم يعطه؟ قلت: لا، قال: فخاف اللّه فلم يكفه؟ قلت: لا، فغاب عنّي، فقيل لي: يا عليّ بن الحسين هذا الخضر عليه السلام (4).
ص:285
و الحديث الأخير رواه أيضا المالكي في «الفصول المهمّة» (1).
9-المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا جدّي، قال: حدّثني إدريس بن محمّد بن يحيى بن عبد اللّه بن حسن ابن حسن (2)، و أحمد بن عبد اللّه بن موسى، و إسماعيل بن يعقوب جميعا، قال:
حدّثنا عبد اللّه بن موسى (3)، عن أبيه، عن جدّه قال: كانت امّي فاطمة بنت الحسين تأمرني أن أجلس إلى خالي عليّ بن الحسين عليهما السلام فما جلست إليه قطّ إلاّ قمت بخير قد أفدته 4، إمّا خشية للّه تحدث للّه في قلبي لما أرى من خشيته للّه، أو علم قد استفدته منه عليه السلام 5.
10-و روى حديث أبي حمزة الثمالي المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى، قال: حدّثني جدّي قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد 6، قال: حدّثنا ابن أبي عمير، عن أبي حفص الأعشى 7، عن أبي حمزة
ص:286
الثمالي، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: خرجت حتّى انتهيت إلى هذا الحائط، فاتّكأت عليه، فإذا برجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في تجاه وجهي، ثمّ قال: يا عليّ بن الحسين مالي أراك كئيبا حزينا أعلى الدنيا حزنك؟ فرزق اللّه حاضر للبرّ و الفاجر، قال: قلت: ما على هذا أحزن و إنّه لكما تقول، فقال: أ فعلي الآخرة؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر، قال: فقلت: ما على هذا أحزن، و إنّه لكما تقول، فقال: فعلام حزنك؟ قال: قلت أتخوّف من فتنة ابن الزبير، قال: فضحك، ثمّ قال: يا عليّ بن الحسين هل رأيت أحدا قطّ خاف اللّه فلم ينجه؟ قلت: لا، قال: يا عليّ بن الحسين هل رأيت أحدا سأل اللّه فلم يعطه؟ قلت: لا، ثمّ نظرت فإذا ليس قدّامي أحد (1).
11-المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى، عن جدّه قال: حدّثني داود بن القاسم، قال: حدّثنا الحسين بن زيد (2)، عن عمّه عمر بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهما السلام أنّه كان يقول: لم أر شيئا مثل التقدّم في الدعاء، فإنّ العبد ليس يحضره الإجابة كلّ وقت، و كان ممّا حفظ عنه من الدعاء حين بلغه توجّه مسرف بن عقبة (3)إلى المدينة: «فكم من نعمة أنعمت بها عليّ قلّ لك عندها شكري و كم من بليّة ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري و كم من معصية أتيتها فسترتها و لم تفضحني، فيا من قلّ عند نعمته شكري فلم يحرمني، و قلّ عند بلائه صبري فلم يخذلني و يا من رآني على المعاصي فلم
ص:287
يفضحني، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، و يا ذا النعماء التي لا تحصى عددا صلّ على محمّد و آل محمّد، و ادفع عنّي شرّه فإنّي أدرأ بك في نحره و أستعيذ بك من شرّه.
فقدم مسرف بن عقبة إلى المدينة و كان يقال: لا يريد غير عليّ بن الحسين عليهما السلام فسلم منه و أكرمه و حباه و وصله.
و جاء الحديث من غير وجه أنّ مسرف بن عقبة لمّا قدم المدينة أرسل إلى عليّ ابن الحسين عليهما السلام فأتاه، فلمّا صار إليه قرّبه و أكرمه، و قال له: وصّاني أمير المؤمنين ببرّك و صلتك و تميّزك عن غيرك، فجزاه خيرا، ثمّ قال لمن حوله: أسرجوا له بغلتي و قال له: انصرف إلى أهلك، فإنّي أرى أن قد أفزعناهم و أتعبناك بمشيك إلينا، و لو كان بأيدينا ما نقوى به على صلتك بقدر حقّك لوصلناك، فقال له عليّ ابن الحسين عليهما السلام: ما أعذرني (1)للأمير و ركب، فقال مسرف لجلسائه:
هذا الخير الذي لا شرّ فيه، مع موضعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مكانته منه (2).
12-عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» قال: سقط لعليّ بن الحسين عليهما السلام ابن في بئر فتفزّع أهل المدينة لذلك حتى أخرجوه، و كان قائما يصلّي فما زال في محرابه فقيل له في ذلك، فقال: ما شعرت، إنّي كنت اناجي ربّا عظيما (3).
13-عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» قال: عن يوسف بن أسباط، قال:
حدّثني أبي قال: دخلت مسجد الكوفة، فإذا شابّ ينادي و يناجي ربّه و يقول في سجوده: سجد وجهي متعفّرا بالتراب لخالقي و حقّ له، فقمت إليه فإذا هو عليّ ابن الحسين عليهما السلام فلمّا انفجر الفجر نهضت إليه، فقلت له: يا بن رسول
ص:288
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تعذّب نفسك و قد فضّلك بما فضّلك؟ فبكى.
ثمّ قال: حدّثني عمرو بن عثمان (1)، عن اسامة بن زيد، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ أربعة أعين: عين بكت من خشية اللّه، و عين فقئت في سبيل اللّه، و عين غضّت عن محارم اللّه، و عين باتت ساهرة ساجدة، يباهي بها اللّه الملائكة و يقول: انظروا إلى عبدي، روحه عندي و جسده في طاعتي حتّى جافى بدنه عن المضاجع يدعوني خوفا من عذابي، و طمعا في رحمتي، اشهدوا أنّي قد غفرت له (2).
14-قال: و مات له عليه السلام ابن فلم ير له جزع، فسئل عن ذلك، فقال: أمر كنّا نتوقّعه: فلمّا وقع لم ننكره (3).
15-قال: قال طاوس: رأيت رجلا يصلّي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو و يبكي في دعائه، فجئته حين فرغ من صلاته، فإذا هو عليّ بن الحسين عليهما السلام، فقلت له: يا بن رسول اللّه رأيتك على حالة كذا و لك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من (4)الخوف: أحدها أنّك ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الثاني شفاعة جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الثالثة رحمة اللّه تعالى، فقال: يا طاوس أمّا انّي ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا يؤمنني لأنّ اللّه (5)تعالى يقول: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ (6)و أمّا شفاعة جدّي فلا تؤمنني لأنّ اللّه تعالى يقول: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ اِرْتَضى (7)و أمّا رحمة اللّه
ص:289
فإنّ اللّه تعالى يقول: إِنَّ رَحْمَتَ اَللّهِ قَرِيبٌ مِنَ اَلْمُحْسِنِينَ (1)و لا أعلم أنّي محسن (2).
ص:290
في وقت دعائه و أدعية له عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن عبد اللّه بن عطا، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان أبي إذا كان له إلى اللّه حاجة طلبها في هذه الساعة، يعني زوال الشمس (1).
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام كان إذا أصبح قال: أبتدئ يومي هذا بين يدي نسياني و عجلتي بسم اللّه و ما شاء اللّه، فإذا فعل ذلك العبد أجزأه ممّا نسي في يومه (2).
3-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن مالك بن عطيّة (3)، عن أبي حمزة الثمالي، قال: أتيت باب عليّ بن الحسين عليهما السلام فوافقته حين خرج من الباب، فقال: بسم اللّه آمنت باللّه،
ص:291
توكّلت على اللّه، ثمّ قال: يا أبا حمزة إنّ العبد إذا خرج من منزله عرض له الشيطان، فاذا قال: بسم اللّه قال الملكان: كفيت، فإذا قال: آمنت باللّه، قالا:
هديت، فإذا قال: توكّلت على اللّه، قالا: وقيت، فيتنحّى الشيطان فيقول بعضهم لبعض: كيف لنا بمن هدي و كفي و وقي؟ .
ثم قال: اللهمّ إنّ عرضي لك اليوم (1)، ثمّ قال: يا أبا حمزة إن تركت الناس لم يتركوك، و إن رفضتهم لم يرفضوك، قلت: فما أصنع؟ قال: أعطهم عرضك (2)ليوم فقرك و فاقتك (3).
4-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد العطّار (4)، عن يونس بن يعقوب (5)، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يدعو بهذا الدعاء: اللهمّ إنّي أسألك حسن المعيشة، معيشة أتقوّى بها على جميع حوائجي و أتوسّل بها في الحياة إلى آخرتي، من غير أن تترفني فيها فأطغى أو تقتر بها عليّ فأشقى، أوسع عليّ من حلال رزقك، و أفضل عليّ من سيب فضلك، نعمة منك سابغة و عطاء غير ممنون، ثم لا تشغلني عن شكر نعمتك بإكثار منها تلهيني بهجته و تفتنّي زهرات زهوته (6)و لا بإقلال عليّ منها يقصر بعملي كدّه، و يملأ صدري همّه، أعطني من ذلك يا إلهي غناء عن شرار خلقك، و بلاغا أنال به رضوانك.
و أعوذ بك يا إلهي من شرّ الدنيا و شرّ ما فيها لا تجعل الدنيا عليّ سجنا و لا
ص:292
فراقها عليّ حزنا، أخرجني من فتنتها مرضيا عنّي، مقبولا فيها عملي، إلى دار الحيوان و مساكن الأخيار، و أبدلني بالدنيا الفانية نعيم الدار الباقية، اللهمّ إني أعوذ بك من أزلها (1)و زوالها (2)و سطوات شياطينها و سلاطينها و نكالها، و من بغي من بغي عليّ فيها، اللهمّ من كادني فكده، و من أرادني فأرده، و فلّ عنّي حدّ من نصب لي حدّه، و أطف عنّي نار من شبّ لي وقوده، و اكفني مكر المكرة، و افقأ عنّي عيون الكفرة، و اكفني همّ من أدخل عليّ همّه، و ادفع شرّ الحسدة، و اعصمني من ذلك بالسكينة، و ألبسني درعك الحصينة، و اخبأني (3)في سترك الواقي، و أصلح لي حالي، و صدّق قولي بفعالي، و بارك في أهلي و مالي (4).
5-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد ابن أعين (5)، عن بشر بن مسلمة (6)عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: ما ابالي إذا قلت هذه الكلمات لو اجتمعت عليّ الإنس و الجن: بسم اللّه، و باللّه، و من اللّه، و إلى اللّه، و في سبيل اللّه، و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، اللهمّ إليك أسلمت نفسي، و إليك وجّهت وجهي، و إليك ألجأت ظهري، و إليك فوّضت أمري، اللهمّ احفظني بحفظ الإيمان من بين يديّ، و من خلفي، و عن يميني، و عن شمالي، و من فوقي، و من تحتي، و ما قبلي (7)و ادفع عنّي بحولك و قوّتك، فإنّه لا حول و لا قوّة إلاّ بك (8).
ص:293
6-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، قال: سمعت عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول لابنه: يا بنيّ من أصابه منكم مصيبة أو نزلت به نازلة فليتوضّأ و ليسبغ الوضوء، ثم يصلّي ركعتين أو أربع ركعات، ثمّ يقول في آخرهنّ: يا موضع كلّ شكوى، و يا سامع كلّ نجوى، و يا شاهد كلّ ملاء، و عالم كلّ خفيّة، و يا دافع ما يشاء من بليّة، يا خليل إبراهيم، و يا نجيّ موسى، و يا مصطفى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أدعوك دعاء من اشتدّت فاقته، و قلّت حيلته، و ضعفت قوّته، دعاء الغريب الغريق المضطرّ الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلاّ أنت يا أرحم الراحمين، فإنّه لا يدعو به أحد إلاّ كشف اللّه عنه إن شاء اللّه (1).
7-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن أبان لا اعلمه إلاّ ذكره عن أبي حمزة، قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا رأى جنازة قد أقبلت قال: الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم (2)(3).
8-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر ابن عاصم (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا بلغ الحجر، قبل أن يبلغ الميزاب يرفع رأسه ثمّ يقول: اللهمّ أدخلني الجنة برحمتك، و هو ينظر إلى الميزاب، و أجرني برحمتك من النار، و عافني من السقم، و أوسع عليّ من الرزق الحلال، و ادرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ و الإنس، و شرّ فسقة العرب و العجم (5).
ص:294
9-المفيد في «إرشاده» و من العامّة كمال الدين بن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» و اللفظ للمفيد، قال، جاءت الرواية أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام كان في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم، إذ سمع قوما يشبّهون اللّه بخلقه، ففزع لذلك و ارتاع له و نهض حتى أتى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فوقف عنده و رفع صوته يناجي ربّه، فقال في مناجاته له: إلهي بدت قدرتك و لم تبد هيئة جلالك فجهلوك، و قدّروك بالتقدير على غير ما أنت به شبّهوك و أنا بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس مثلك شيء، إلهي و لم يدركوك و ظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك لو عرفوك، و في خلقك يا إلهي مندوحة أن يتأولوك، بل سوّوك بخلقك فمن ثمّ لم يعرفوك، و اتّخذوا بعض آياتك ربّا فبذلك و صفوك، فتعاليت يا إلهي عمّا به المشبّهون نعتوك (1).
ص:295
ص:296
في خوفه من اللّه سبحانه و تعالى مخافة القصاص
1-الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب «الزهد» قال: حدّثنا القاسم، عن عليّ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ أبي ضرب غلاما له قرعة واحدة بسوط، و كان بعثه في حاجة فأبطأ عليه، فبكى الغلام، و قال: اللّه يا عليّ بن الحسين تبعثني في حاجتك ثم تضربني، قال: فبكى أبي و قال: يا بنيّ اذهب إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصلّ ركعتين، ثمّ قل: اللهمّ اغفر لعليّ بن الحسين خطيئته يوم الدين، ثم قال للغلام: اذهب فأنت حرّ لوجه اللّه، قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك كأنّ العتق كفّارة الضرب؟ فسكت (1)! .
2-و عنه، عن الحسن بن عليّ، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: إنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام ضرب مملوكا له ثم دخل إلى منزله فأخرج السوط ثم تجرّد له ثم قال: اجلد عليّ بن الحسين، فأبى عليه فأعطاه خمسين دينارا (2).
ص:297
3-المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد، عن جدّه، عن أحمد بن محمد الرافعي (1)، عن إبراهيم بن عليّ (2)، عن أبيه، قال: حججت مع عليّ بن الحسين عليه السلام فالتاثت (3)الناقة عليه في سيرها، فأشار إليها بالقضيب ثم قال: آه لو لا القصاص، و ردّ يده عنها (4).
4-و عنه بهذا الإسناد قال: حجّ عليّ بن الحسين عليهما السلام ماشيا فسار عشرين يوما من المدينة إلى مكّة (5).
5-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان لعليّ بن الحسين عليه السلام ناقة حجّ عليها اثنتين و عشرين حجّة، ما قرعها قرعة قطّ، قال: فجاءت بعد موته و ما شعرنا بها إلاّ و قد جاءني بعض خدمنا أو بعض الموالي، فقال: إنّ الناقة قد خرجت فأتت قبر عليّ بن الحسين عليهما السلام فانبركت عليه، فدلكت بجرانها (6)-على-القبر و هي ترغو، فقلت:
أدركوها أدركوها و جيئوني بها قبل أن يعلموا بها أو يروها، و ما كانت رأت القبر قطّ (7).
6-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى،
ص:298
عن حفص بن البختري، عمّن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام قال: لمّا مات أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام جاءت ناقة له من الرعي حتّى ضربت بجرانها على القبر، و تمرّغت عليه، فأمرت بها فردّت إلى مرعاها، و إنّ أبي عليه السلام كان يحجّ عليها و يعتمر و لم يقرعها قرعة قطّ (1).
7-و عنه ابن بابويه (2)، عن الحسين بن محمّد بن عامر، عن أحمد بن إسحاق بن عبد اللّه بن سعد، عن سعدان بن مسلم، عن أبي عمارة، عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لمّا كان الليلة التي وعد فيها عليّ بن الحسين، قال لمحمّد: يا بنيّ ابغني وضوء، قال: فقمت فجئته بوضوء قال: لا أبغي هذا فإنّ فيه شيئا ميتا.
قال: فخرجت فجئت بالمصباح فإذا فيه فارة ميتة، فجئته بوضوء غيره، فقال: يا بنيّ هذه الليلة التي وعدتها، فأوصى بناقته أن يحضر لها حظار (3)و ان يقام لها علف، فجعلت فيه. قال: فلم تلبث أن خرجت حتّى أتت القبر فضربت بجرانها و رغت و هملت عيناها، فأتي محمّد بن عليّ عليهما السلام فقيل له: إنّ الناقة قد خرجت، فأتاها فقال، صه الآن قومي بارك اللّه فيك، فلم تفعل، فقال: و ان كان ليخرج عليها إلى مكّة فيعلّق السوط على الرحل، فما يقرعها حتى يدخل المدينة.
قال: و كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير و الدراهم حتى يأتي بابا بابا فيقرعه ثم ينيل من يخرج إليه، فلمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السلام فقدوا ذلك، فعلموا أنّ عليا عليه السلام كان يفعله.
ص:299
و هذا الحديث في الناقة متكرّر في الكتب، رواه سعد بن عبد اللّه في «بصائر الدرجات» و الحضيني، و أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، و غيرهم (1).
ص:300
في أفضليّته عليه السلام من طريق الخاصّة
1-الشيخ المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد العلوي، عن جدّه، عن محمّد بن ميمون البزّاز (1)، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن شهاب الزهري، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين، و كان أفضل هاشمي أدركناه، قال: أحبّونا حبّ الإسلام فما زال حبّكم لنا حتّى صار شينا علينا (2)(3).
2-قال: و روى أبو معمر (4)، عن عبد العزيز بن أبي حازم قال: سمعت أبي يقول: ما رأيت هاشميا أفضل من عليّ بن الحسين عليهما السلام (5).
ص:301
3-و روى سفيان الثوري، عن عبيد اللّه بن عبد الرحمن بن موهب (1)، قال: ذكر لعليّ بن الحسين عليهما السلام فضله فقال: حسبنا أن نكون من صالحي قومنا (2).
4-و عنه، قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد، قال: حدّثني جدّي، قال: حدّثنا عمّار بن أبان، قال: حدّثنا عبد اللّه بن بكير، عن زرارة بن أعين، قال: سمع سائل في جوف الليل و هو يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته و لا يرى شخصه: ذاك عليّ بن الحسين عليهما السلام (3).
5-قال: و روى عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهري، قال: لم ادرك أحدا من أهل هذا البيت يعني بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل من عليّ ابن الحسين عليهما السلام (4).
6-و عنه، قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد، قال: حدّثني جدّي قال حدّثنا أبو يونس محمّد بن أحمد (5)، قال: حدّثني أبي و غير واحد من أصحابنا أنّ فتى من قريش جلس إلى سعيد بن المسيّب فطلع عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال القرشي لابن المسيّب: من هذا يا أبا محمّد؟ قال: هذا سيّد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام (6).
ص:302
7-و عنه، قال: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد، قال: حدّثنا جدّي، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل، قال: حجّ عليّ بن الحسين عليهما السلام، فاستجهر الناس من حاله 1و تشوّقوا إليه، و جعلوا يقولون: من هذا؟ من هذا؟ تعظيما له و إجلالا لمرتبته، و كان الفرزدق 2هناك فأنشأ يقول:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء و يغضى من مهابته فما يكلّم إلاّ حين يبتسم
ايّ الخلائق 3ليست في رقابهم لأولية هذا أوله نعم
من يعرف اللّه يعرف أولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الامم
إذا رأته قريش قال قائلها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرم 4
8-و روى الشيخ المفيد أيضا في كتاب «الاختصاص» قال: «حديث قصيدة الفرزدق لعليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما» .
ثم قال: حدّثنا جعفر بن الحسين المؤمن 5، عن حيدر بن محمد بن
ص:303
نعيم (1)، و يعرف بأبي أحمد السمرقندي تلميذ أبي النصر محمّد بن مسعود، عن محمّد بن مسعود قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبو الفضل محمّد بن أحمد بن مجاهد، قال: حدّثنا الغلابي محمّد بن زكريّا بالبصرة، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن محمّد بن عائشة (2)، قال: حدّثني أبي أنّ هشام بن عبد الملك (3)حجّ في خلافة عبد الملك (4)أو الوليد (5)فطاف بالبيت و أراد أن يستلم الحجر، فلم يقدر عليه من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه، و أطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين عليهما السلام و عليه إزار و رداء من أحسن الناس وجها و أطيبهم رائحة، بين عينيه سجّادة كأنها ركبة بعير فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له و إجلالا فغاظ هشاما.
فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة و أفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام: لا أعرفه لئلاّ يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق و كان حاضرا: لكنّي أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟ فقال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته فالبيت يعرفه و الحلّ و الحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم هذا التّقي النقيّ الطاهر العلم
هذا عليّ رسول اللّه والده أمسى بنور هداه تهتدي الظلم
ص:304
إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت عن نيلها عرب الإسلام و العجم
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء و يغضى من مهابته و لا يكلّم إلاّ حين يبتسم
ينشقّ نور الدجى عن نور غرّته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكفّه خيزران ريحه عبق من كفّ أروع (1)في عرنينه (2)شمم (3)
مشتقّة من رسول اللّه نبعته طابت عناصره و الخيم (4)و الشيم (5)
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا (6) حلو الشمائل يحلو عنده نعم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا
هذا ابن فاطمة الغرّاء نسبته في جنّة الخلد يجري باسمه القلم
اللّه فضّله قدما و شرّفه جرى بذاك له في لوحه القلم
من جدّه دان فضل الأنبياء له و فضل امّته دانت لها الامم
عمّ البريّة بالإحسان فانقشعت (7) عنها الغيابة (8)و الإملاق و الظلم
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما يستوكفان (9)و لا يعروهما العدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره (10) يزينه اثنان حسن الخلق و الشيم
ص:305
لا يخلف الوعد ميمون نقيبته (1) رحب الفناء اريب حين يعترم (2)
من معشر حبّهم دين و بغضهم كفر و قربهم منجى و معتصم
يستدفع السوء و البلوى بحبّهم و يستزاد به الإحسان و النعم
مقدّم بعد ذكر اللّه ذكرهم في كلّ يوم (3)و مختوم به الكلم
إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل: من خير أهل الأرض قيل: هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم و لا يدانيهم قوم و إن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة (4)أزمت و الاسد اسد الشرى (5)و النار تحتدم (6)
يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم خيم (7)كرام، و أيد بالندى هضم (8)
لا ينقص العسر شيئا من أكفهم سيّان ذلك إن أثروا (9)و إن عدموا
أيّ الخلائق ليست في رقابهم لأوّلية هذا أوله النعم
من يعرف اللّه يعرف أوّلية ذا و الدين من بيت هذا ناله الامم
قال: فذهب هشام و أمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان بين مكّة و المدينة فبلغ ذلك عليّ بن الحسين عليهما السلام فبعث إليه باثنتي عشرة ألف درهم،
ص:306
و قال: اعذرنا يا أبا فراس لو كان عندنا أكثر لوصلناك به، فردّها و قال: يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما قلت إلاّ غضبا للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ما كنت لأرزأ عليه شيئا (1)فردّها إليه و قال له: بحقّي لما قبلتها فقد أنار اللّه مكانك.
و في نسخة: أزاد اللّه، و في رواية: قد رأى اللّه مكانك و علم نيتك، فقبلها.
فجعل الفرزدق يهجو هشاما و هو في الحبس، فكان ممّا هجاه به قوله.
أ يحبسني بين المدينة و التي إليها قلوب الناس تهوى منيبها
يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد
و عينا له حولاء باد عيوبها (2)
9-ثمّ قال المفيد: و حدّثنا عليّ بن الحسن بن يوسف، عن محمّد بن جعفر العلوي (3)، عن الحسن بن محمّد بن جمهور العمي (4)، قال: حدّثنا أبو عثمان
ص:307
المازني (1)، قال حدّثني كيسان (2)، عن جويرية بن أسماء (3)، عن هشام بن عبد الأعلى، قال: حدّثني فرعان و كان من رواة الفرزدق، و قال: حججت سنة مع عبد الملك بن مروان، فنظر إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فأراد أن يصغّر منه، فقال: من هو؟ فقال الفرزدق: فقلت على البديهة القصيدة المعروفة.
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
حتى أتمّها، و كان عبد الملك يصله في كلّ سنة بألف دينار، فحرمه تلك السنة فشكى ذلك إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام و سأله أن يكلّمه، فقال: أنا أصلك من مالي بمثل الذي كان يصلك به عبد الملك، و صنّ (4)عن كلامه فقال:
و اللّه يا بن رسول اللّه لارزأتك (5)شيئا، و ثواب اللّه عزّ و جلّ في الآجل أحبّ إليّ من ثواب الدنيا في العاجل، فاتّصل ذلك بمعاوية بن عبد اللّه بن جعفر الطيار (6)، و كان أحد سمحاء بني هاشم لفضل عنصره، و أحد ادبائها و ظرفائها، فقال: يا أبا فراس كم تقدّر الذي بقي من عمرك؟ قال: قدر عشرين سنة، قال: فهذه عشرون ألف دينار أعطيتكها من مالي و اعف أبا محمد أعزّه اللّه عن المسألة في أمرك، فقال: لقد لقيت أبا محمّد، و بذل لي ماله، فأعلمته أني أخّرت ثواب ذلك
ص:308
لأجر الآخرة (1).
10-قلت: الذي في كتاب «الخرائج و الجرائح» للراوندي: أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام حجّ في السنة التي حجّ فيها هشام بن عبد الملك، فاستجهر الناس منه عليه السلام و قالوا لهشام: من هو هذا؟ فقال هشام: لا أعرفه لئلاّ يرغب فيه فقال الفرزدق: أنا و اللّه أعرفه.
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم
و أنشد القصيدة إلى آخرها، فأخذه هشام، و حبسه و محى اسمه من الديوان، فبعث إليه عليّ بن الحسين عليهما السلام دنانير فردّها، و قال: ما قلت ذلك إلاّ ديانة، فبعث بها إليه أيضا و قال عليه السلام: قد شكر اللّه لك ذلك، فلمّا طال الحبس عليه، و كان توعّده القتل شكا إلى الإمام عليه السلام، فدعا له فخلّصه اللّه، فجاء إليه و قال: يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّه محى اسمي من الديوان، فقال عليه السلام له: كم كان عطاؤك؟ قال: كذا، فأعطاه لأربعين سنة، و قال عليه السلام: لو علمت أنّك تحتاج إلى اكثر من هذا لأعطيتك، فمات الفرزدق لمّا انتهت الأربعين سنة (2).
ص:309
ص:310
و هو من الباب الأوّل من طريق العامّة
1-أبو نعيم في «حلية الأولياء» بإسناده، قال رجل لسعيد بن المسيّب: ما رأيت رجلا أورع من فلان، قال: هل رأيت عليّ بن الحسين عليهما السلام؟ قال: لا، قال: ما رأيت أحدا أورع منه (1).
2-و عنه، بالإسناد قال: عن سفيان بن عيينة، قال: قال الزهري: لم أر هاشميّا أفضل من عليّ بن الحسين عليهما السلام (2).
3-و يليه بلا فصل بالإسناد قال: عن ابن أبي حازم (3)قال: سمعت أبا حازم يقول ما رأيت هاشميّا أفضل من عليّ بن الحسين عليهما السلام (4).
4-و من الجزء الثاني من «حلية الأولياء» أيضا، قال أبو نعيم: عن فضيل
ص:311
ابن غزوان (1)، قال: قال لي عليّ بن الحسين: من ضحك ضحكة مجّ مجة (2)من العلم (3).
5-و من الجزء الثاني أيضا من «حلية الأولياء» لأبي نعيم، قال: عن ابن شهاب الزهري قال: شهدت عليّ بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديدا، و وكّل به حفّاظا في عدّة و جمع، فاستاذنتهم بالتسليم عليه و التوديع له، فأذنوا لي فدخلت عليه، و هو في قبّة و الأقياد في رجليه، و الغلّ في يديه، فبكيت و قلت: وددت أنّي مكانك و أنت سالم، فقال: يا زهري أ تظنّ هذا ممّا ترى عليّ و في عنقي يكربني؟ أمّا لو شئت ما كان، فإنّه و إن بلغ منك و من أمثالك ليذكّرني عذاب اللّه، ثمّ أخرج يديه من الغلّ و رجليه من القيد.
ثمّ قال: يا زهري لا جزت معهم على ذا منزلين من المدينة، قال: فما لبثنا إلاّ أربع ليال حتّى قدم الموكّلون به يطلبونه بالمدينة، فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنّا نراه متبوعا إنّه لن نزل (4)و نحن حوله، لا ننام نرصده، إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلاّ حديدة، قال الزهري: فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان، فسألني عن عليّ بن الحسين عليهما السلام فأخبرته، فقال:
إنّه جاءني في يوم فقدته الأعوان، فدخل عليّ، فقال: ما أنا و أنت؟ فقلت أقم عندي، فقال: لا احبّ، ثمّ خرج فو اللّه لقد امتلأ ثوبي منه خيفة (5).
ص:312
قلت: و روى هذا الحديث أيضا من العامّة كمال الدين بن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» (1).
6-أبو نعيم في «حلية الأولياء» عن محمّد بن زكريا، قال سمعت ابن عائشة، يقول: إنّي سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتّى مات عليّ بن الحسين عليهما السلام (2).
7-و يليه من الكتاب أيضا قال أبو نعيم: عن جعفر بن محمد، قال: سئل عليّ بن الحسين عليهما السلام عن كثرة بكائه، فقال: لا تلوموني، فإنّ يعقوب فقد سبطا من ولده، فبكى حتّى ابيضّت عيناه و لم يعلم أنّه مات، و قد نظرت إلى أربعة عشر من أهل بيتي قتلوا في غداة واحدة أ فترون حزنهم يذهب عن قلبي (3)؟
8-و يليه بالإسناد، عن ابن عائشة عن أبيه، قال: حجّ هشام بن عبد الملك، فاجتهد في أن يستلم الحجر فلم يمكنه، و جاء عليّ بن الحسين عليهما السلام فوقف له الناس، و تنحّوا حتى استلم الحجر، قال: و نصب لهشام منبر يقعد عليه، فقال له أهل الشام: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال لا أعرفه، فقال الفرزدق: لكنّي أعرفه، هذا عليّ بن الحسين عليهما السلام و قال:
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم
و ذكر القصيدة (4).
ص:313
9-و قال كمال الدين بن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» : لمّا حجّ هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة فاجتهد أن يستلم الحجر الاسود فلم يمكنه، و جاء عليّ بن الحسين عليهما السلام فوقف (1)الناس و تنحّوا حتى استلم، فقال جماعة هشام لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه، فسمعه الفرزدق فقال:
لكنّي أعرفه، قال: هذا عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام و أنشد هشاما من الأبيات التي قالها في أبيه الحسين عليه السلام و قد تقدّم ذكرها:
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم
و ذكر القصيدة، فزاد فيها أبياتا لمخاطبته هشاما بذلك، فحبسه هشام، فقال و هو (2)داخل الحبس: شعرا:
أ تحبسني بين المدينة و التي إليها قلوب الناس تهوي منيبها (3)
يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد و عينا له حولاء يبدو عيوبها
فأخرجه من الحبس، فوجّه إليه عليّ بن الحسين عليهما السلام عشرة آلاف درهم، و قال: اعذرنا يا أبا فراس، لو كان عندنا في الوقت أكثر من ذلك لوصلناك به، فردّها الفرزدق، و قال: ما قلت: ما كان إلاّ للّه، و لا أرزأ عليه شيئا، فقال عليه السلام: قد رأى اللّه مكانك و شكرك، و لكنّا أهل البيت (4)إذا أنفذنا شيئا لم نرجع فيه و أقسم عليه فقبلها (5).
10-و ذكر عليّ بن محمّد المالكي في «الفصول المهمّة» قال: إنّه لمّا حجّ
ص:314
هشام بن عبد الملك في حياة أبيه، دخل إلى الطواف و جهد أنّه يستلم الحجر الأسود فلم يصل إليه، لكثرة زحام الناس عليه، فنصب له منبر إلى جانب زمزم في الحطيم، و جلس عليه ينظر إلى الناس، و حوله جماعة من أهل الشام، فبينما هم كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام يريد الطواف، فلمّا انتهى إلى الحجر الأسود تنحّى له الناس حتى استلم فقال رجل من أهل الشام:
من هذا الذي هابه الناس هذه المهابة، فتنحّوا عنه يمينا و شمالا؟ فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام.
و كان الفرزدق حاضرا، فقال للشامي: أنا أعرفه، فقال: من هو يا أبا فراس؟ فقال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
و ذكر القصيدة.
قال: فلمّا سمع هذه القصيدة غضب، ثمّ إنّه أخذ الفرزدق و حبسه ما بين مكّة و المدينة، و بلغ عليّ بن الحسين عليهما السلام امتداحه له فبعث بعشرة آلاف درهم فردّها، و قال: و اللّه ما مدحته إلاّ للّه تعالى لا للعطاء، فقال: قد عرف اللّه لك ذلك، و لكنّا أهل بيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده، فقبلها منه، و قال الفرزدق من قصيدة يهجو هشاما في حبسه له و أنشأ يقول:
أ يحبسني بين المدينة و التي. . .
و البيتان إلى آخر ما قال، و قد تقدّما غير مرّة. (1)
11-و قال عبد الرحمن السبط (2)في كتابه: قال أبو الفرج الأصفهاني
ص:315
حدّثني أحمد بن محمّد بن جعفر بن الجعد (1)، و محمد بن يحيى، قالا: حدّثنا محمّد ابن زكريا البغدادي، قال: حدّثنا ابن عائشة، قال: حجّ هشام بن عبد الملك في خلافة أخيه الوليد، و معه رؤساء أهل الشام، فجهد أن يستلم فلم يقدر من ازدحام الناس فنصب له منبر، فجلس عليه ينظر إلى الناس، و أقبل عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، و هو أحسن الناس وجها، و أنظفهم ثوبا، و أطيبهم رائحة، و طاف بالبيت، فلمّا بلغ الحجر تنحّى الناس كلّهم، و خلّوا الحجر ليستلم هيبة له و إجلالا، فغاظ ذلك هشاما فبلغ منه.
فقال رجل لهشام: من هذا أصلح اللّه الأمير؟ ، قال: لا أعرفه، و كان به عارفا و لكنّه خاف أن يرغب فيه أهل الشام و يسمعوا منه، فقال الفرزدق و كان لذلك كلّه حاضرا: أنا أعرفه فاسألني عنه يا شامي من هو؟ قال: و من هو؟ فقال:
يا سائلي أين حلّ الجود و الكرم عندي بيان إذا طلاّبه قدموا
إذا أتاني فتى يستامني خبرا فإنّ فضل عليّ ليس ينكتم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
لو يعلم البيت من قد جاء يلثمه لخرّ يلثم منه ما وطىء القدم
يغضي حياء و يغضى من مهابته و لا يكلّم إلاّ حين يبتسم
حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا حلو الشمائل بل يحلو عنده نعم
ينجاب نور الهدى من نور غرّته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
ص:316
مشتقّة من رسول اللّه نبعته طابت عناصره و الخيم و الشيم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء اللّه قد ختموا
و ليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت و العجم
اللّه شرّفه قدما و فضله جرى بذلك في اللوح و القلم
من جدّه دان فضل الأنبياء له و فضل أمّته دانت له الأمم
من معشر حبّهم دين و بغضهم كفر و قربهم أمن و معتصم
مقدّم بعد ذكر اللّه ذكرهم في كلّ برّ (1)و مختوم به الكلم
يستدفع الضرّ و البلوى بحبّهم و يستربّ به الإحسان و النعم
في كفّه خيزران ريحه عبق في كفّ أروع في عرنينه شمم
ما قال: لا قطّ إلاّ في تشهده لو لا التشهّد كانت لاؤه نعم
إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل: هم
كلتا يديه غمام عمّ نفعهما يستوكفان و لا يعروهما العدم
لا يخلف الوعد ميمون نقيبته رحب الذراع أريب حين يعترم (2)
لا يستطيع جواد بعد غايتهم و لا يدانيهم قوم و إن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة (3)أزمت و الاسد اسد الشرى (4)و الناس محتدم (5)
لا يقبض البسط عسر من أكفّهم (6) سيّان ذلك و إن أثروا و إن عدموا
من يشكر اللّه يشكر أوليته و الدين من بيت هذا ناله الأمم
إن تنكروه فإنّ اللّه خالقه و اللّه يعرفه و اللوح و القلم
هذا ابن فاطمة الزهراء و يحكم و ابن الوصيّ عليّ خيرهم قدم
ص:317
فلمّا أنشدها على الفور و البديهة قال له هشام: لم ما قلت فيّ (1)كما قلت فيه؟ قال له الفرزدق: هات لك أبا مثل أبيه، و جدّا مثل جده، و أمّا مثل أمّه حتى أقول-فيك مثل ما قلت-فيه، فأخذه هشام و أمر بحبسه و بقي في الحبس أربعة أشهر، فبذل فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أربعمائة دينار حمراء، و أطلقه من الحبس ثم استأذن على الإمام عليه السلام فأذن له فسلّم عليه فردّ عليه بأحسن ردّ، و قال له: جزاك اللّه عنّا أحسن الجزاء، و وصله بعشرة آلاف درهم، فقال الفرزدق: ما قلت ما كان إلا للّه، و ما كنت أرجو عليه، قال له عليّ بن الحسين عليه السلام: قد رأى اللّه مكانك فشكرك، و لكنّا أهل بيت إذا نفدنا شيئا لم نرجع فيه فاقسم فقبلها.
ص:318
في تواضعه عليه السلام
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا الحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقي (1)قال: حدّثني محمّد بن يحيى الصولي (2)، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابي، قال: حدّثنا أحمد بن عيسى بن زيد بن عليّ، و كان مستترا ستين سنة، قال:
حدّثنا عمّي، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام قال: كان عليّ ابن الحسين عليهما السلام لا يسافر إلاّ مع رفقة لا يعرفونه، و يشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرّة مع قوم، فرآه رجل فعرفه، فقال لهم: أ تدرون من هذا؟ فقالوا: لا، قال: هذا عليّ بن الحسين، فوثبوا و قبّلوا يده و رجله، و قالوا: يا بن رسول اللّه أردت أن تصلينا نار جهنّم، لو بدرت منّا إليك يد أو لسان أ ما كنا قد هلكنا آخر الدهر، فما الذي حملك على هذا؟ فقال:
انّي كنت سافرت مرّة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول اللّه ما لا أستحقّ له، فأنا أخاف أن تعطوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحبّ إليّ (3).
ص:319
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: مرّ عليّ بن الحسين على المجذومين، و هو راكب حمار، و هم يتغذّون، فدعوه إلى الغذاء، فقال: أما لو لا أنّي صائم لفعلت، فلمّا صار إلى منزله أمر بطعام فصنع، و أمر أن يتنوّقوا (1)فيه، ثم دعاهم فتغذّوا عنده، و تغذّى معهم (2).
3-الشيخ الطوسي في «مجالسه» قال: أخبرنا أبو عبد اللّه أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الزبيري القرشي، قال: أخبرنا عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: حدّثنا العبّاس بن عامر، قال:
حدّثنا أحمد بن رزق الغمشاني، عن أبي اسامة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: ما تجرّعت جرعة غيظ قطّ أحبّ إليّ من جرعة غيظ اعقبها صبرا، و ما أحبّ أن لي بذلك حمر النعم.
قال: و كان يقول: الصدقة تطفئ غضب الربّ، قال: و كان لا تسبق يمينه شماله.
قال: و كان يقبّل الصدقة قبل أن يعطيها السائل، قيل له: ما يحملك على هذا؟ قال: فقال: لست اقبّل يد السائل، إنّما اقبّل يد ربّي، إنّها تقع في يد ربّي قبل أن تقع في يد السائل.
قال: و لقد كان يمرّ على المدرة في وسط الطريق فينزل عن دابّته حتى ينحّيها بيده عن الطريق.
قال: و لقد مرّ بمجذومين فسلّم عليهم و هم يأكلون، فمضى ثمّ قال: إنّ اللّه لا يحبّ المتكبّرين فرجع إليهم، فقال: إنّي صائم، و قال: ائتوني بهم في المنزل، قال: فأتوه فأطعمهم ثم أعطاهم (3).
ص:320
4-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن نوح بن شعيب، رفعه، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام كان عليّ ابن الحسين عليهما السلام إذا أتاه ختنه على ابنته و على أخته بسط له ردائه ثم أجلسه، ثمّ يقول: مرحبا بمن كفى المؤنة و ستر العورة (1).
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عبد الرحمن بن محمّد (2)، عن يزيد بن حاتم، قال: كان لعبد الملك بن مروان عين بالمدينة يكتب إليه بأخبار ما يحدث فيها، و أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام أعتق جارية له ثمّ تزوّجها، فكتب العين إلى عبد الملك.
فكتب عبد الملك إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام أمّا بعد فقد بلغني تزويجك مولاتك، و قد علمت أنّه كان في أكفائك من قريش من تمجّد به في الصهر و تستنجبه في الولد، فلا لنفسك نظرت، و لا على من ولدت أبقيت، و السلام.
فكتب إليه عليّ بن الحسين عليهما السلام أمّا بعد فقد بلغني كتابك تعنّفني بتزويجي مولاتي، و تزعم أنّه قد كان في نساء قريش من أتمجّد به في الصهر، و أستنجبه في الولد، و أنّه ليس فوق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرتقى في مجد، و لا مستزاد في كرم: و إنّما كانت ملك يميني خرجت منّي، أراد اللّه عزّ و جلّ منّي بأمر التمست به ثوابه ثمّ ارتجعتها على سنّة، و من كان زكيّا في دين اللّه فليس يخلّ به شيء من أمره، و قد رفع اللّه بالإسلام الخسيسة، و تمّم به النقيصة، و أذهب اللؤم، فلا لؤم على امرئ مسلم، إنّما اللؤم لؤم الجاهلية، و السلام.
فلمّا قرأ الكتاب رمى به إلى ابنه سليمان، فقرأه فقال: يا أمير المؤمنين لشدّ ما فخر عليك عليّ بن الحسين عليهما السلام، فقال: يا بنيّ لا تقل: ذلك، فإنّها ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر، و تغرف من بحر، إنّ عليّ بن الحسين يا بنيّ
ص:321
يرتفع من حيث يتضع الناس (1).
6-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون (2)عمّن يروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام تزوّج سريّة كانت للحسن بن عليّ عليهما السلام، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فكتب إليه في ذلك كتابا: إنّك صرت بعل الإماء، فكتب إليه عليّ بن الحسين عليهما السلام: إنّ اللّه رفع بالإسلام الخسيسة، و أتمّ به الناقصة، و أكرم به من اللؤم، فلا لؤم على مسلم، إنّما اللؤم لؤم الجاهليّة، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنكح عبده، و نكح أمته، فلمّا انتهى الكتاب إلى عبد الملك قال لمن عنده: خبّروني عن رجل إذا أتى ما يضع الناس لم يزده إلاّ شرفا؟ قالوا: ذاك أمير المؤمنين، قال: لا و اللّه ما هو ذاك، قالوا: ما نعرف إلاّ أمير المؤمنين، قال:
لا و اللّه ما هو بأمير المؤمنين، و لكنّه عليّ بن الحسين عليهما السلام (3).
7-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن محمّد ابن عبد اللّه بن زرارة، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: لمّا زوّج عليّ بن الحسين عليهما السلام امّه مولاه (4)، و تزوّج هو مولاته كتب إليه عبد الملك بن مروان كتابا يلومه فيه و يقول
ص:322
له: قد وضعت شرفك و حسبك.
فكتب إليه عليّ بن الحسين عليهما السلام إنّ اللّه تعالى رفع بالإسلام كلّ خسيسة، و أتمّ به الناقصة، و أذهب به اللؤم، فلا لؤم على مسلم، و إنّما اللؤم لؤم الجاهلية، و أمّا تزويج امّي فإنّي إنّما أردت بذلك برّها، فلمّا انتهى الكتاب إلى عبد الملك، قال: لقد صنع عليّ بن الحسين عليهما السلام أمرين، ما كان يصنعهما أحد إلاّ عليّ بن الحسين عليهما السلام: فإنّ بذلك ازداد شرفا (1).
8-الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب «الزهد» عن نضر بن السويد (2)، عن الحسين بن موسى (3)، عن زرارة، عن أحدهما عليهما السلام قال: إنّ عليّ ابن الحسين عليهما السلام تزوّج أمّ ولد عمّه الحسن عليه السلام و زوّج امّه مولاه، فلمّا بلغ ذلك عبد الملك بن مروان كتب إليه: يا عليّ بن الحسين كأنّك لا تعرف موضعك من قومك و قدرك عند الناس، تزوّجت مولاة، و زوّجت مولاك بامّك، فكتب إليه عليّ بن الحسين عليهما السلام: فهمت كتابك، و لنا اسوة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقد زوّج زينب بنت عمّه زيدا مولاه و تزوّج مولاته صفيّة
ص:323
أنّه وصيّ أبيه عليهما السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، و أحمد ابن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل (1)، عن منصور بن يونس (2)، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ الحسين بن عليّ عليه السلام لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا و وصية ظاهرة، و كان عليّ بن الحسين عليهما السلام مبطونا (3)معهم لا يرون أنّه يبقى بعده، فدفعت فاطمة الكتاب إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام، ثم صار و اللّه ذلك الكتاب إلينا يا زياد، قال: قلت: ما في ذلك الكتاب جعلني اللّه فداك؟ قال: و اللّه ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق اللّه آدم إلى أن تنقضي الدنيا (4)، و اللّه إنّ فيه الحدود حتّى أنّ فيه أرش الخدش (5).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن
ص:325
سعيد عن ابن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لمّا حضر الحسين عليه السلام ما حضره دفع وصيته إلى ابنته فاطمة ظاهرة في كتاب مدرّج، فلمّا كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان، دفعت ذلك إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام، قلت له: فما فيه يرحمك اللّه؟ فقال: ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى (1).
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام لمّا سار إلى العراق استودع أمّ سلمة رضي اللّه عنها الكتب و الوصيّة، فلمّا رجع عليّ بن الحسين عليهما السلام دفعتها إليه (2).
ص:326
في أنّ عليّ بن الحسين الباقي بعد أبيه عليهما السلام هو الكبير
1-شرف الدين النجفي قال: روى الشيخ محمّد بن جعفر الحائري (1)في كتاب «ما اتّفق فيه من الأخبار في فضل الأئمّة الأطهار» حديثا مسندا يرفعه إلى مولانا عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: كنت امشي خلف عمي الحسن و أبي الحسين عليهما السلام في بعض طرق المدينة و أنا يومئذ غلام قد باهرت الحلم، فلقيهما جابر بن عبد اللّه الأنصاري و معه أنس بن مالك، و جماعة من قريش و الأنصار. فسلّم هنالك حتى انكبّ على أيديهما و أرجلهما يقبّلهما، فقال له رجل من قريش كان نسيبا لمروان: أتصنع هذا يا أبا عبد اللّه و أنت في سنّك و موضعك من صحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ ، و كان جابر قد شهد بدرا، فقال له: إليك عنّي، فلو علمت يا أخا قريش من فضلهما و مكانهما ما أعلم لقبّلت ما تحت أقدامهما من التراب.
ثمّ أقبل جابر على أنس فقال: يا أبا حمزة أخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص:327
و آله و سلّم فيهما بأمر ما ظننت أنّه يكون في بشر، فقال له أنس: و ما الذي أخبرك به يا أبا عبد اللّه؟ .
قال عليّ بن الحسين عليهما السلام: فانطلق الحسن و الحسين عليهما السلام و وقفت أنا أسمع محاورة القوم، فأنشأ جابر يحدّث قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم في المسجد و قد حفّ به من حوله إذ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا جابر ادع لي ابنيّ: حسنا و حسينا، و كان شديد الكلف (1)بهما، فانطلقت فدعوتهما. و أقبلت أحمل هذا مرّة و هذا مرّة حتّى جئته بهما.
فقال: و أنا أعرف السرور في وجهه لمّا رأى من حنوي (2)قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أ تحبّهما يا جابر؟ قلت: و ما يمنعني من ذلك فداك أبي و امّي و مكانهما منك؟ فقال: أ لا أخبرك من فضلهما؟ قلت: بلى فداك أبي و أمّي، قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى لمّا أحبّ أن يخلقني خلق نطفة بيضاء (3)، فأودعها صلب آدم، فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر إلى نوح و إبراهيم، ثمّ كذلك إلى عبد المطّلب لم يصبني من دنس الجاهلية شيء، ثم افترقت تلك النطفة شطرين: إلى أبي: عبد اللّه و أبي طالب، فولدني عبد اللّه (4)فختم اللّه بي النبوّة، و ولد عمّي أبو طالب عليّا، فختمت به الوصيّة.
ثمّ اجتمعت النطفتان منّي و من عليّ و فاطمة، فولدنا الجهر و الجهير فختم (5)بهما أسباط النبوة، و جعل ذريّتي منهما و أمر (6)ربّي بفتح مدينة-أو قال مدائن الكفر- و اقسم (7)به ليظهرنّ منهما ذريّة طيبة، تملأ الأرض عدلا بعد ما ملئت جورا فهما
ص:328
طهران مطهرّان، و هما سيّدا شباب أهل الجنّة، طوبى لمن أحبّهما و أباهما و امّهما، و ويل لمن عاداهم و أبغضهم (1).
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس.
و محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة.
و علي بن محمّد عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس قال: سمعت عبد اللّه بن جعفر الطيّار، يقول: كنّا عند معاوية، أنا و الحسن و الحسين، و عبد اللّه بن عبّاس، و عمر بن أمّ سلمة، و اسامة بن زيد، فجرى بيني و بين معاوية كلام، فقلت لمعاوية: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أخي عليّ ابن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فاذا استشهد فالحسن بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فاذا استشهد فابنه عليّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم و ستدركه يا حسين، ثم تكلّمه اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين.
قال عبد اللّه بن جعفر: و استشهدت الحسن و الحسين عليهما السلام و عبد اللّه بن عبّاس، و عمر بن أمّ سلمة، و اسامة بن زيد، فشهدوا لي عند معاوية، قال سليم: و قد سمعت ذلك من سلمان و أبي ذر، و المقداد و ذكروا أنّهم سمعوا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2).
ص:329
قلت: هذا الحديث و ما يوجد في الروايات في أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام كان مولودا في زمن جدّه عليّ عليه السلام و أنّه عليه السلام نصّ عليه عليه السلام بالإمامة، و الحديث مذكور في كتب العلم و تاريخ وفاة أمير المؤمنين عليه السلام و وقت ولادته يعطي أنّه في زمانه.
3-قال الشيخ المفيد في «إرشاده» : كان مولد عليّ بن الحسين عليهما السلام بالمدينة سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة، فبقي مع جدّه أمير المؤمنين عليه السلام سنتين و مع عمّه الحسن عليه السلام اثنتي عشرة سنة و مع أبيه عليه السلام ثلاثا و عشرين سنة، و بعد أبيه عليه السلام أربعا و ثلاثين سنة، و توفّي بالمدينة سنة خمس و تسعين للهجرة، و له يومئذ سبع و خمسون سنة فكانت إمامته أربعا و ثلاثين سنة، و دفن بالبقيع مع عمّه الحسن عليهما السلام (1).
4-و قال أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب «إعلام الورى» :
إنّه عليه السلام ولد بالمدينة يوم الجمعة، و يقال: يوم الخميس في النصف من جمادى الآخرة، و قيل لتسع خلون من شعبان سنة ثمان و ثلاثين، و قيل: سنة ست و ثلاثين من الهجرة، و قيل: سنة سبع و ثلاثين (2).
5-و قال الشيخ محمّد بن يعقوب في «الكافي» : ولد عليّ بن الحسين عليه السلام في سنة ثمان و ثلاثين، و قبض في سنة خمس و تسعين و له سبع و خمسون سنة (3).
قلت: و هذا الذي ذكرناه يقتضي أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام ولد في حياة جدّه أمير المؤمنين عليه السلام و أنّه في زمن جدّه عليه السلام وقت وفاته عليه
ص:330
السلام لعلي بن الحسين عليه السلام سنتين أو اكثر كما عرفت ممّا ذكرناه، لأنّ وقت وفاة أمير المؤمنين عليه السلام سنة أربعين من الهجرة كما هو معلوم، حتّى أنّ العامّة موافقون على ذلك.
6-قال جمال الدين بن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» قال: ولادة عليّ بن الحسين عليهما السلام بالمدينة في الخميس الخامس من شعبان من سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة في أيّام جدّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قبل وفاته بسنتين (1).
7-قلت: قال الشيخ المفيد في «إرشاده» : كان للحسين عليه السلام ستّة أولاد: عليّ بن الحسين الأكبر، كنيته أبو محمّد، و امّه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد، و عليّ بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه بالطف، امّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفية، و ساق ذكر الأولاد (2).
8-و قال أبو عليّ الطبرسي في كتاب «إعلام الورى» كان للحسين عليه السلام ستّة أولاد: عليّ بن الحسين الأكبر زين العابدين عليه السلام، امّه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد بن شهريار، و عليّ الأصغر قتل مع أبيه، امّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّة، و الناس يغلطون فيقولون: إنّه عليّ الأكبر (3).
9-و قال عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» عن أعين بن حريث (4)قال:
كنت عند عبد اللّه بن العبّاس فأتاه عليّ بن الحسين عليه السلام فقال: مرحبا بالحبيب بن الحبيب. و قال ابن سعد: كان علي بن الحسين مع أبيه عليهما السلام و هو ابن ثلاث و عشرين سنة، و كان مريضا نائما على فراشه، فلمّا قتل الحسين عليه
ص:331
السلام قال شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا، فقال رجل من أصحابه: يا سبحان اللّه أ تقتل فتى حدثا مريضا لم يقاتل (1).
10-و عنه، قال ابن سعد: اخبرنا عبد الرحمن بن يونس، عن سفيان، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: مات عليّ بن الحسين و هو ابن ثمان و خمسين سنة.
قال ابن عمر: و هذا يدلّ على أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام كان مع أبيه و هو ابن ثلاث «أو أربع» و عشرين سنة، و ليس قول من قال: إنّه قد كان صغيرا بشيء، و لكنّه كان مريضا و لم يقاتل، و كيف يكون صغيرا و قد ولد له أبو جعفر الباقر عليه السلام و قد لقي أبو جعفر عليه السلام جابر بن عبد اللّه، و روى عنه، و مات جابر بن عبد اللّه سنة ثماني و سبعين (2).
قلت: سيأتي إن شاء اللّه تعالى في المنهج السادس أنّ الباقر عليه السلام ولد في حياة جدّه الحسين عليه السلام.
11-فقد نقل عليّ بن عيسى-رحمه اللّه-في «كشف الغمّة» أنّ للحسين عليه السلام ثلاثة أولاد كلّ واحد يسمّى عليّا: أكبر و كبير و صغير، فأمّا عليّ الأكبر فإنّه قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيدا، و أمّا عليّ الأصغر فجاءه سهم و هو طفل فقتله، و الأوسط هو عليّ بن الحسين زين العابدين.
نقله عن كمال الدين بن طلحة الشافعي، و نقله أيضا عن ابن الخشّاب (3)، ثم قال: و الصحيح أنّ العليّين من أولاده ثلاثة كما ذكره كمال الدين، و زين العابدين: هو الأوسط، قال: و المشهور أنّهم ثلاثة و نقل عن المفيد، و عبد العزيز ابن الأخضر (4)أنّهما اثنان، و منع أن يكون الصغير منهم الإمام عليّ زين العابدين
ص:332
عليه السلام (1).
ص:333
ص:334
في لباسه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: كان عليّ بن الحسين عليه السلام يلبس ثوبين في الصيف يشتريان بخمسمائة درهم (1).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يلبس الجبّة الخزّ بخمسين دينارا، و المطرف الخزّ بخمسين دينارا (2).
3-و عنه، عن عدّة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: كان عليّ بن الحسين عليه السلام يلبس في الشتاء الجبة الخزّ، و المطرف الخز، و القلنسوة الخزّ فيشتو (3)فيه، و يبيع المطرف في الصيف و يتصدّق بثمنه، ثم يقول: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ (4)(5).
ص:335
4-الشيخ في «التهذيب» بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن الحلبي قال: سألته عن لبس الخزّ فقال: لا بأس به إنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام كان يلبس الكساء الخزّ في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه و تصدّق بثمنه، و كان يقول: إنّي لأستحيي من ربّي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت اللّه فيه (1).
و سيأتي ذلك في الباب الآتي.
ص:336
في استعماله الطيب
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: كان لعليّ بن الحسين عليهما السلام اسبيدانة (1)رصاص معلّقة فيها مسك، فإذا أراد أن يخرج و لبس ثيابه تناولها فأخرج منها فتمسّح به (2).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عليّ، عن مولى لبني هاشم، عن محمّد بن جعفر بن محمّد، قال: خرج عليّ بن الحسين عليهما السلام ليلة و عليه جبّة خزّ و كساء خزّ قد غلف (3)لحيته بالغالية، فقالوا: في هذه الساعة في هذه الهيئة؟ ! فقال: إنّي اريد أن أخطب الحور العين إلى اللّه في هذه الليلة (4).
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسين بن
ص:337
يزيد، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام استقبله مولى له في ليلة باردة و عليه جبّة خزّ، و مطرف (1)خزّ، و عمامة خزّ و هو متغلّف بالغالية، فقال له: جعلت فداك في هذه الساعة (2)على هذه الهيئة إلى أين؟ قال: فقال: إلى مسجد جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخطب الحور العين إلى اللّه تعالى (3).
ص:338
في حسن قراءته القرآن و حسن هيأته عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون (1)، قال: حدّثني عليّ بن محمّد النوفلي، عن أبي الحسن عليه السلام قال: ذكرت الصوت عنده، فقال: إنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام كان يقرأ فربّما مرّ به المارّ فصعق من حسن صوته، و إنّ الإمام عليه السلام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس من حسنه، قلت: أو لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي بالناس و يرفع صوته بالقرآن؟ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يحمل الناس خلفه (2)ما يطيقون (3).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحجّال، عن عليّ بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن، و كان السقّاءون يمرّون فيقفون ببابه يسمعون قراءته (4).
ص:339
3-و عنه، عن محمّد بن جعفر الرزّاز، عن أيّوب بن نوح، و أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن حريز، عن حمزة ابن حمران، عن عبد اللّه بن سليمان عن أبيه، قال: كنت في المسجد فدخل عليّ بن الحسين عليهما السلام و لم اثبته (1)، و عليه عمامة سوداء و قد أرسل طرفيها بين كتفيه، فقلت لرجل قريب المجلس منّي: من هذا الشيخ؟ فقال: ما لك لم تسألني عن أحد دخل المسجد غير هذا الشيخ؟ قال: فقلت: لم أر أحدا دخل المسجد أحسن هيئة في عيني من هذا الشيخ فلذلك سألتك عنه، فقال: فإنّه عليّ ابن الحسين عليهما السلام قال: فقمت و قام الرجل و غيره فاكتنفناه (2)و سلّمنا عليه، فقال له الرجل: ما ترى أصلحك اللّه في رجل سمّى امرأة بعينها و قال يوم يتزوّجها: فهي طالق (3)ثلاثا، ثم بدا له أن يتزوّجها، أ يصلح له ذلك؟ قال: فقال له: إنّما الطلاق بعد النكاح.
قال عبد اللّه: فدخلت أنا و أبي على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام فحدّثه أبي بهذا الحديث، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام أنت تشهد على عليّ بن الحسين عليهما السلام بهذا الحديث (4)؟ قال: نعم (5).
ص:340
في المفردات
1-الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب «الزهد» عن النضر بن سويد، عن أبي سيّار (1)، عن مروان (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال عليّ بن الحسين عليهما السلام: ما عرض لي قطّ أمران أحدهما للدنيا و الآخر للآخرة فآثرت الدنيا إلاّ رأيت ما أكره قبل أن امسي، ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام لبني أميّة: إنّهم يؤثرون الدنيا على الآخرة ثمانين سنة و ليس يرون شيئا يكرهونه (3).
2-ابن بابويه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس-رحمه اللّه-قال:
حدّثنا أبي قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدّثنا العبّاس بن معروف، عن محمّد بن سهل البحراني رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
البكّاءون خمسة: آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ بن الحسين عليهما السلام أمّا آدم فبكى على الجنّة حتّى صار في خدّيه
ص:341
أمثال الأودية، و أمّا يعقوب: فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، و حتى قيل له:
تَاللّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ اَلْهالِكِينَ (1).
و أمّا يوسف: فبكى على يعقوب حتى تأذّى به أهل السجن فقالوا له: إمّا أن تبكي بالنهار و تسكت بالليل، و إمّا أن تبكي بالليل و تسكت بالنهار، فصالحهم على واحد منهما، و أمّا فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فبكت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى تأذّى بها أهل المدينة، و قالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتّى تقضي حاجتها ثم تنصرف، و أمّا عليّ بن الحسين عليهما السلام فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة (2)و ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتّى قال مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بثّي و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني لذلك عبرة (3).
3-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كانت لعليّ بن الحسين وسائد و أنماط فيها تماثيل يجلس عليها (4).
4-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عبد اللّه، عن عمرو المتطبّب، عن أبي يحيى الصنعاني (5)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا وضع الطعام بين يديه قال:
ص:342
اللهمّ هذا منك و من فضلك و عطائك فبارك لنا فيه و سوغناه و ارزقنا خلفا إذا أكلناه، و ربّ محتاج إليه رزقت فأحسنت، اللهمّ و اجعلنا من الشاكرين.
فإذا رفع الخوان قال: الحمد للّه الذي حملنا في البرّ و البحر و رزقنا من الطيّبات و فضّلنا على كثير من خلقه تفضيلا (1).
5-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: رأيت عليّ بن الحسين عليهما السلام قاعدا واضعا إحدى رجليه على فخذه، فقلت: إنّ الناس يكرهون هذه الجلسة و يقولون: إنّها جلسة الربّ، فقال: إنّي إنّما جلست هذه الجلسة للملالة، و الربّ لا يملّ و لا تأخذه سنة و لا نوم (2).
6-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن عثمان بن عيسى، عن عمرو ابن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا همّ بأمر حجّ أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق تطهّر ثم صلّى ركعتي الاستخارة فقرأ فيها سورة الحشر، و سورة الرحمن، ثم يقرأ المعوذّتين، و قل هو اللّه أحد إذا فرغ و هو جالس في دبر الركعتين، ثمّ يقول: اللهمّ إن كان كذا و كذا خيرا لي في ديني و دنياي و عاجل أمري و آجله فصلّ على محمّد و آله و يسرّه لي على أحسن الوجوه و أجملها اللهمّ و إن كان كذا و كذا شرّا لي في دنياي و آخرتي و عاجل أمري و آجله فصلّ على محمّد و آله و اصرفه عنّي، ربّ صلّ على محمّد و آل محمّد و اعزم لي على رشدي و إن كرهت ذلك أو أبته نفسي (3).
7-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن الصلت، عن زرعة بن محمّد، عن المفضّل بن عمر، عن أبي
ص:343
عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام يصل ما بين شعبان و رمضان، و يقول: صوم شهرين متتابعين توبة من اللّه (1).
8-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن سفيان بن إبراهيم الجريري، عن الحارث بن حصيرة الأسدي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كنت دخلت مع أبي الكعبة، فصلّى على الرخامة الحمراء بين العمودين، فقال: في هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو قتل ألا يردّوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبدا، قال: قلت:
و من كان؟ قال: كان الأوّل و الثاني، و أبو عبيدة الجرّاح، و سالم بن الحبيبة (2).
9-و عنه، عن عليّ بن محمّد بن عبد اللّه القمي، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن إسماعيل (3)القصير، عمّن ذكره، عن أبي حمزة الثمالي قال: ذكر عند عليّ بن الحسين عليهما السلام غلاء السعر فقال: و ما عليّ من غلائه إن غلا فهو عليه (4)، و إن رخص فهو عليه (5).
10-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن يوسف بن السخت، عن عليّ بن محمّد بن سليمان، عن الفضل بن سليمان، عن العبّاس ابن عيسى، قال: ضاق على عليّ بن الحسين ضيقة فأتى مولى له فقال له: اقرضني عشرة آلاف درهم إلى ميسرة فقال: لا لأنّه ليس عندي، و لكنّي اريد وثيقة، قال:
فشقّ له من ردائه هدبة (6)فقال له: هذه الوثيقة، قال: فكأنّ مولاه كره ذلك
ص:344
فغضب، و قال: أنا أولى بالوفاء أم حاجب (1)بن زرارة فقال: أنت أولى بذلك منه، قال: فكيف صار حاجب بن زرارة يرهن قوسا و إنّما هي خشبة على مائة درهم حمالة (2)، و هو كافر فيفي، و أنا لا أفي بهدبة رداء؟ قال: فأخذها الرجل منه و أعطاه الدراهم، و جعل الهدبة في حقّ فسهّل اللّه عزّ و جلّ له المال فحمله إلى الرجل، ثمّ قال له: قد أحضرت المال فهات وثيقتي، فقال له: جعلت فداك ضيّعتها، فقال له: اذن لا تأخذ مالك منّي، ليس مثلي من استخفّ بذمّته، قال:
فأخرج الرجل الحقّ فإذا فيه الهدبة فأعطاه عليّ بن الحسين عليهما السلام الدراهم و أخذ الهدبة فرمى بها و انصرف (3).
11-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و الذي نفسي بيده لو أنّ رجلا غشي امرأته و في البيت صبيّ مستيقظ يراهما و يسمع كلامهما و نفسهما ما أفلح أبدا، إن (4)كان غلاما كان زانيا، أو جارية كانت زانية، و كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا أراد أن يغشي أهله أغلق الباب و أرخى الستور و أخرج الخدم (5).
ص:345
12-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام كان ليبتاع الراحلة بمائة دينار، يكرم بها نفسه صلوات اللّه عليه و على آبائه و أبنائه المعصومين (1).
13-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عبد الرحمن بن محمّد العرزمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام إنّ عليّ ابن الحسين عليهما السلام كان يتختم في يمينه (2).
14-و عنه، بإسناده عن صالح بن عقبة، عن فضيل بن عثمان، عن ربيعة الرأي، قال: رأيت في يد عليّ بن الحسين عليهما السلام فصّ عقيق، فقلت له:
ما هذا الفصّ؟ فقال: عقيق رومي و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«من تختّم بالعقيق قضيت حوائجه» (3).
15-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن يحيى، عن أحمد ابن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، جميعا، عن حنّان بن سدير، عن أبيه، قال: دخلت أنا و أبي و جدّي و عمّي حمّاما بالمدينة فإذا رجل في بيت المسلخ، فقال لنا: من القوم؟ فقلنا: من أهل العراق، فقال: و أيّ العراق؟ قلنا:
كوفيّون، فقال: مرحبا بكم يا أهل الكوفة، أنتم الشعار (4)دون الدثار، فقال: ما يمنعكم من الإزار؟ فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام، فبعث إلى أبي كرباسة، فشقّها بأربعة، ثمّ أخذ كلّ واحد منّا واحدا ثمّ دخلنا فيها، فلمّا كنّا في البيت الحارّ صمد (5)لجدّي فقال: يا كهل ما يمنعك من الخضاب؟ قال له جدّي: أدركت من هو خير منّي و منك لا يختضب،
ص:346
قال: فغضب لذلك حتّى عرفنا غضبه في الحمّام، قال: و من ذلك الذي هو خير منّي و منك؟ قال: أدركت عليّ بن أبي طالب عليه السلام و هو لا يختضب، قال:
فنكس رأسه و تصابّ عرقا فقال: صدقت و بررت.
ثم قال: يا كهل إن تختضب فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد خضب و هو خير من عليّ عليه السلام فإن تترك فلك بعليّ سنّة (1)قال: فلمّا خرجنا من الحمّام سألنا عن الرجل فإذا هو عليّ بن الحسين و معه ابنه محمّد بن عليّ عليهما السلام (2).
16-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن جعفر، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي حمزة قال: دخلت على عليّ بن الحسين عليهما السلام و هو جالس على نمرقة (3)فقال: يا جارية هاتي النمرقة (4).
ص:347
ص:348
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله المنهج السادس في الإمام الخامس أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الباقر عليه السلام و فيه ثمانية عشر بابا.
الباب الاول: في شأنه عليه السلام في الأمر الأول.
الباب الثاني: في أنّه عليه السلام ولد في زمن جدّه الحسين عليه السلام و تسميته الباقر عليه السلام من جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اقرأه عليه السلام على لسان أبيه عليه السلام و جابر بن عبد اللّه، و النصّ على إمامته في جملة الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام.
الباب الثالث: في أن نشره العلم و الفتيا بأمر اللّه سبحانه و تعالى.
الباب الرابع: في أن علمه عليه السلام عن اللّه عزّ و جلّ و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
الباب الخامس: في مجلسه للعلم و الفتيا و صغار العلماء بحضرته و مرجعهم إليه عليه السلام.
الباب السادس: و هو من الباب الأوّل في الرواية بالعدد عنه عليه السلام.
الباب السابع: في أنّه و الأئمة عليهم السلام موضع سرّ اللّه جلّ جلاله.
الباب الثامن: في شدّة يقينه و خوفه و خشوعه للّه سبحانه من طريق الخاصّة و العامّة.
ص:349
الباب التاسع: في جوده عليه السلام.
الباب العاشر: في المطعم و المشرب.
الباب الحادي عشر: في استعماله الخضاب.
الباب الثاني عشر: في ملبسه عليه السلام.
الباب الثالث عشر: في الاخذ من اللحية و التمشط.
الباب الرابع عشر: في دخوله الحمّام و عمله فيه.
الباب الخامس عشر: في مجلسه و تواضعه عليه السلام.
الباب السادس عشر: في نصيحته و حسن مجلسه و تواضعه عليه السلام.
الباب السابع عشر: في أنّه وصيّ أبيه عليه السلام.
الباب الثامن عشر: في المفردات.
ص:350
في شأنه في الأمر الأوّل
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن عبد اللّه بن إسحاق العلوي، عن محمّد بن زيد الرزامي، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل قال:
انه لما كانت الليلة التي علق فيها بجدّي أتى آت جدّ أبي بكأس فيه شربة أرقّ من الماء و ألين من الزبد (1)و أحلى من الشهد، و أبرد من الثلج، و أبيض من اللبن، فسقاه إيّاه و أمره بالجماع، فقام فجامع فعلق بجدّي.
و لمّا أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدّي فسقاه كما سقى جد أبي و أمره بمثل الذي أمره، فقام فجامع فعلق بأبي.
و لمّا أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم و أمره بالذي أمرهم، فقام فجامع فعلق بي.
و لمّا كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم، فقمت و يعلم اللّه أنّي مسرور بما يهب اللّه لي، فجامعت فعلق بابني هذا المولود فدونكم فهو و اللّه صاحبكم من بعدي (2)«يعني موسى عليه السلام» (3).
ص:351
و هذا الحديث بتمامه قد تقدم و غيره من الأحاديث في الباب الاول من المنهج الخامس في أبي الحسن عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام فيؤخذ من هناك (1).
ص:352
في أنّه عليه السلام ولد في زمن جدّه الحسين عليه السلام و تسميته
الباقر من جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أقرأ السلام
عليه على لسان أبيه و جابر و النصّ على إمامته في جملة الأئمّة الاثنى
عشر
1-محمّد بن عليّ بن بابويه، في كتاب «كمال الدين و تمام النعمة» و محمّد ابن إبراهيم النعماني في كتاب «الغيبة» و السند و المتن لمحمّد بن إبراهيم النعماني:
بإسناده عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أبان عن سليم بن قيس الهلالي، قال:
قلت لعليّ عليه السلام: إنّي سمعت من سلمان، و من المقداد، و من أبي ذرّ أشياء من تفسير القرآن و من الأحاديث عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غير ما في أيدي الناس.
ثمّ سمعت منك تصديق (1)ما سمعت منهم، و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن و من الأحاديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنتم تخالفونهم فيها، و تزعمون أنّ ذلك كان كلّه باطلا، أ فتراهم (2)أنّهم يكذبون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمّدين، و يفسرون القرآن برأيهم (3).
قال: فأقبل عليّ عليه السلام عليّ فقال: سألت فافهم الجواب، إنّ في أيدي الناس حقّا و باطلا، و صدقا و كذبا، و ناسخا و منسوخا، و خاصّا و عامّا، و محكما و متشابها، و حفظا و وهما؛ و قد كذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:353
و سلّم على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيّها الناس قد كثرت عليّ الكذّابة فمن كذب علي متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار، ثمّ كذب عليه من بعده.
و إنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر للايمان، متصنّع للاسلام (1)لا يتأثّم و لا يتحرّج (2)أن يكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمّدا.
فلو علم (3)المسلمون بأنّه منافق كذب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوه و لكنّهم قالوا: هذا قد صحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد رآه و سمع منه فأخذوا منه، و هم لا يعرفون حاله، و قد أخبرك اللّه عن المنافقين بما خبّرك و وصفهم بما وصفهم، فقال عزّ و جلّ: وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ (4).
ثمّ بقوا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تقرّبوا إلى أئمّة الضلال و الدعاة إلى النار بالزور و الكذب و البهتان فولوّهم (5)الأعمال و حملوهم (6)على رقاب الناس، و أكلوا بهم الدنيا و إنّما الناس مع الدنيا و الملوك إلاّ من عصم اللّه جلّ و عزّ فهذا أحد الأربعة.
و رجل سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا و لم يحفظه على وجهه فوهم (7)فيه و لم يتعمّده كذبا فهو في يديه يقول به و يعمل به و يرويه و يقول:
أنا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلو علم المسلمون أنّه إنّما و هم فيه لم يقبلوه و لو علم هو أنّه و هم لرفضه.
ص:354
و رجل ثالث سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا يأمر به (1)ثم ينهى عنه و هو لا يعلم، أو سمعه ينهى (2)عن شيء ثم أمر به و هو لا يعلم فحفظ المنسوخ و لم يحفظ الناسخ فلو علم أنّه منسوخ لرفضه، و لو علم الناس أو سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.
و رجل رابع لم يكذب على اللّه و لا على رسوله، بغضا (3)للكذب، و خوفا من اللّه و تعظيما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يتوهّم، بل حفظ الحديث كما سمع على وجهه، فجاء به كما سمعه، و لم يزد فيه و لم ينقص منه، فحفظ (4)الناسخ و المنسوخ، فعمل بالناسخ و رفض المنسوخ.
و إنّ أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نهيه مثل القرآن ناسخ و منسوخ، و عامّ و خاصّ و محكم و متشابه، قد كان يكون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الكلام له و جهان: كلام عامّ و كلام خاصّ مثل القرآن قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه: ما آتاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (5)يسمعه من لا يعرفه و لم يدر ما عنى اللّه عزّ و جلّ و لا ما عنى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يسأله عن الشيء فيفهم، و كان منهم من يسأله و لا يستفهمه، حتّى أنّهم كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي أو الطاري (6)فيسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى يسمعوا.
و قد كنت أنا أدخل على رسول اللّه كلّ يوم دخلة (7)و كلّ ليلة دخلة،
ص:355
فيخليني (1)فيها أدور معها حيثما دار، و قد علم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري فربما كان ذلك في بيتي، يأتيني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أكثر من ذلك في بيتي، و كنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني و أقام عنّي نساءه، فلا يبقى عنده غيري، و اذا أتاني للخلوة معي في بيتي لم تقم عنّي فاطمة و لا أحد من بنيّ (2)و كنت إذا سألت أجابني و إذا سكت ابتدأني (3)و دعا اللّه أن يحفظني و يفهمني، فما نسيت شيئا أبدا منذ دعا لي (4).
و إنّي قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا نبي اللّه إنّك منذ دعوت اللّه لي بما دعوت لم أنس شيئا ممّا تعلّمني، فلم تمليه عليّ و تأمرني بكتبه، أ تتخوف عليّ النسيان؟ .
فقال: يا أخي لست أتخوّف عليك النسيان و لا الجهل، و قد أخبرني اللّه عزّ و جلّ أنّه قد استجاب لي فيك و في شركائك الذين يكونون من بعدك (5)فإنّما تكتبه لهم، قلت: يا رسول اللّه و من شركائي؟ .
فقال: الذين قرنهم اللّه بنفسه و بي، فقال: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (6)قلت: يا نبيّ اللّه و من هم؟ .
قال: الأوصياء منّي إلى أن يردوا عليّ حوضي، كلّهم هاد مهتد، لا يضرّهم خذلان من خذلهم: هم مع القرآن و القرآن معهم، لا يفارقونه و لا يفارقهم، بهم تنصر أمّتي و يمطرون و يدفع عنهم البلاء بمستجابات دعواتهم.
ص:356
قلت: يا رسول اللّه سمّهم لي، فقال: ابني هذا، و وضع يده على رأس الحسن عليه السلام، ثم ابني هذا، و وضع يده على رأس الحسين، ثمّ ابن له علي اسمه اسمك يا عليّ، ثم ابن له اسمه محمّد بن عليّ ثمّ أقبل على الحسين عليه السلام فقال: سيولد محمّد بن عليّ في حياتك فأقرأه منّي السلام ثمّ تكلمه اثني عشر إماما.
قلت: يا نبيّ اللّه سمّهم لي فسمّاهم رجلا رجلا، منهم و اللّه يا أخا بني هلال مهديّ أمة محمّد، الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا (1).
2-ابن بابويه في كتاب النصوص على الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام قال: حدّثنا أحمد بن سليمان بن إسماعيل السليماني (2)، و محمّد بن عبد اللّه الشيباني قالا: حدّثنا محمّد بن همام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري (3)قال: حدّثني الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدّثني أحمد بن الحارث (4)، قال حدّثني المفضّل ابن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر ابن عبد اللّه الأنصاري يقول: لمّا أنزل اللّه تبارك و تعالى على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (5)قلت: يا رسول اللّه قد عرفنا اللّه و رسوله فمن اولوا الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم
ص:357
بطاعتك؟ .
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خلفائي يا جابر و أئمّة المسلمين بعدي، أوّلهم علي بن أبي طالب ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد ابن علي المعروف في التوراة بالباقر، و ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرأه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد ابن علي، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثم سميي و كنيّي حجة اللّه في أرضه، و بقيّته في بلاده (1)ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح اللّه على يديه مشارق الأرض و مغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان.
قال جابر: يا رسول اللّه فهل يقع (2)لشيعته الانتفاع به حال غيبته؟ فقال:
أي و الذي بعثني بالنبوة إنّهم ليستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته (3)في غيبته كانتفاع الناس بالشمس و ان سترها (4)سحاب، يا جابر هذا من مكنون (5)سرّ اللّه و مخزون علم اللّه فاكتمه إلاّ عن أهله.
قال جابر بن يزيد (6): فدخل جابر بن عبد اللّه الأنصاري على علي بن الحسين عليهما السلام فبينا هو يحدّثه إذ خرج محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام من عند نسائه، و على رأسه ذؤابة (7)و هو غلام فلمّا نظره جابر ارتعدت فرائصه (8)
ص:358
و قامت كلّ شعرة على رأسه و بدنه و نظر إليه مليّا، ثم قال: يا غلام أقبل فأقبل، ثمّ قال: أدبر فأدبر.
فقال جابر: شمائل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ربّ الكعبة، ثمّ قام فدنا منه فقال له: ما اسمك يا غلام؟ .
فقال: اسمي محمّد، فقال: ابن من؟ فقال: عليّ بن الحسين.
فقال: يا بنيّ فدتك نفسي فأنت إذا الباقر؟ قال: نعم فأبلغني ما حمّلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال جابر: يا مولاي إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بشّرني بالبقاء إلى أن القاك، و قال: إذا لقيته فاقرأه منّي السلام، فرسول اللّه يا مولاي يقرئك السلام.
فقال أبو جعفر عليه السلام: يا جابر و على رسول اللّه السلام ما قامت السموات و الأرض و عليك يا جابر كما بلّغت السلام.
فكان جابر بعد ذلك يختلف إليه و يتعلّم منه، فسأله محمّد بن عليّ عن شيء فقال له جابر: و اللّه لا دخلت في نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لقد أخبرني أنّكم الأئمّة الهداة من أهل بيته بعده، و أحلم (1)الناس صغارا و أعلمهم (2)و قال: لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.
قال أبو جعفر: صدق جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اللّه إنّي لأعلم منك بما سألتك عنه و لقد أوتيت الحكم صبيّا، كلّ ذلك بفضل اللّه علينا و رحمته لنا أهل البيت (3).
ص:359
3-و عنه قال: أخبرنا أبو المفضّل، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد العلوي قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليه السلام قال: حدّثني الحسين بن زيد بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن عمّه عمر بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين قال: كان يقول صلوات اللّه عليه: «أدعوا لي ابني الباقر» و قلت لابني الباقر، يعني محمّدا، فقلت له: يا أبت و لم تسمّيه باقرا؟ .
قال: فتبسّم و ما رأيته تبسم (1)قبل ذلك ثم سجد للّه تعالى طويلا فسمعته يقول في سجوده: اللهمّ لك الحمد سيّدي على ما أنعمت به علينا أهل البيت، يعيد ذلك مرارا.
ثم قال: يا بني إنّ الإمامة في ولده إلى أن يقوم قائمنا أهل البيت عليه السلام فيملؤها قسطا و عدلا 2و إنّه الإمام و أبو الأئمة، معدن الحلم و موضع العلم، يبقره بقرا، و اللّه لهو أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقلت: فكم الأئمّة بعده؟ .
فقال: سبعة و منهم المهديّ الذي يقوم بالدين في آخر الزمان. 3.
4-و عنه، قال: حدّثنا أبو المفضّل رحمه اللّه قال: حدّثني محمّد بن عليّ بن شاذان بن حباب الأزدي الخلاّل 4بالكوفة، قال: حدّثني الحسن بن محمد بن
ص:360
عبد الواحد (1)قال: حدّثنا الحسن بن الحسين العرني قال: حدّثني يحيى بن يعلى الأسلمي (2)، عن عمر بن موسى الوجيهي (3)، عن زيد بن علي، قال: كنت عند أبي: عليّ بن الحسين عليه السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد اللّه الأنصاري فبينما هو يحدّثه إذ خرج أخي محمّد من بعض الحجر فأشخص (4)جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال: يا غلام أقبل فأقبل، ثمّ قال: أدبر فأدبر.
فقال: شمائل كشمائل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما اسمك يا غلام؟ قال: محمّد، قال: ابن من؟ قال: ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.
قال: إذا أنت الباقر (5)، فانكبّ عليه و قبّل رأسه و يديه ثمّ قال: يا محمّد إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقرؤك السلام.
قال: على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل السلام و عليك يا جابر بما بلّغت. (6)
ثمّ عاد إلى مصلاّه فاقبل يحدّث أبي و يقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال يوما (7): يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فأقرئه منّي السلام، أما إنّه سمّيي (8)و أشبه الناس بي علمه علمي و حكمه حكمي، سبعة (9)من ولده أمناء
ص:361
معصومون أئمّة أبرار السابع (1)مهديّهم الذي يملأ الأرض (2)قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
ثمّ تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ اَلْخَيْراتِ وَ إِقامَ اَلصَّلاةِ وَ إِيتاءَ اَلزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ (3). (4)
5-و عنه قال: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى البصري بالبصرة، قال: حدّثني المغيرة بن محمّد (5)قال: حدّثنا رجاء بن سلمة (6)، عن عمرو بن شمر، قال:
سألت جابر بن يزيد الجعفي فقلت له: لم سمّي الباقر باقرا.
قال: لأنّه بقر العلم بقرا أي شقّه شقّا و أظهره إظهارا.
و لقد حدّثني جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يا جابر إنّك ستبقى حتى تلقى ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب المعروف في التوراة بباقر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، فلقيه جابر بن عبد اللّه في بعض سكك المدينة فقال له: يا غلام من أنت؟ .
قال: أنا محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.
ص:362
فقال له جابر: يا بنيّ أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر فقال له: شمائل رسول اللّه و ربّ الكعبة.
ثم قال له: يا بنيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقرؤك السلام.
فقال: على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم السلام ما دامت السموات و الأرض، و عليك يا جابر بما بلّغت السلام.
فقال له جابر: يا باقر! يا باقر! أنت الباقر حقّا أنت الذي تبقر العلم بقرا.
ثمّ كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلّمه و ربما غلط جابر فيما يحدّث به عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيردّ عليه و يذكّره فيقبل ذلك منه و يرجع إلى قوله، و كان يقول: يا باقر يا باقر يا باقر أشهد باللّه أنّك قد اوتيت الحكم صبيّا. (1)
6-و من طريق المخالفين كمال الدين طلحة الشامي في «مطالب السئول» قال: نقل عن أبي الزبير محمّد بن مسلم المكّي أنّه قال: كنّا عند جابر بن عبد اللّه فأتاه عليّ بن الحسين عليهما السلام و معه محمّد (2)و هو صبّي فقال عليّ عليه السلام لابنه: قبّل رأس عمّك (3)فقال جابر: من هذا؟ و كان قد كفّ بصره، فقال له عليّ عليه السلام: هذا ابني محمّد، فضمّه جابر إليه فقال: يا محمّد، محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقرأ عليك السلام.
فقالوا لجابر: كيف ذلك يا با عبد اللّه؟ .
فقال: كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الحسين في حجره و هو يلاعبه، فقال: يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له: عليّ إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيّد العابدين، فيقوم عليّ بن الحسين، و يولد لعلىّ بن الحسين ابن
ص:363
يقال له: محمّد، يا جابر إذا رأيته فأقرئه منّي السلام و اعلم أنّ بقائك بعد رؤيته يسير، فلم يعش بعد ذلك إلاّ قليلا و مات.
و هذه و إن كانت منقبة واحدة فهي عظيمة تعادل جملا من المناقب انتهى كلامه. (1).
7-المفيد في «إرشاده» قال: روى ميمون القدّاح (2)عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، قال: دخلت على جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه فسلّمت عليه فردّ علىّ السلام، ثمّ قال لي: من أنت؟ و ذلك بعد أن كفّ بصره، فقلت:
محمّد بن عليّ بن الحسين، فقال: يا بنيّ ادن منّي، فدنوت منه فقبّل يدي ثم أهوى إلى رجلي يقبّلها فتنحّيت عنه.
ثمّ قال لي: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقرئك السلام، فقلت: و على رسول اللّه السلام و رحمة اللّه و بركاته و كيف ذلك يا جابر؟ .
فقال: كنت معه ذات يوم فقال لي: يا جابر لعلّك تبقى حتّى تلقى رجلا من ولدي يقال له: محمّد بن عليّ بن الحسين، يهب اللّه له النور و الحكمة فأقرأه منّي السلام. (3)
8-الشيخ الطوسي في «أماليه» قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل قال:
حدّثنا محمّد بن محمّد بن سليمان الباغندي، و الحسن بن محمّد بن بهرام البزاز قالا: حدّثنا سويد بن سعيد الحدثاني قال: أخبرنا مفضّل بن عبد اللّه (4)عن أبان ابن تغلب، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام قال: دخل عليّ جابر بن
ص:364
عبد اللّه و أنا في الكتاب، فقال: اكشف عن بطنك، فقال: فكشفت له فألصق بطنه ببطني و قال: أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن اقرئك السلام. (1)
9-قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد بن جعفر بن الحسن العلوي الحسني قال: حدّثنا أبو نصر أحمد بن عبد المنعم بن نصر الصيداوي، قال: حدّثنا حسين بن شدّاد الجعفي، عن أبيه شدّاد ابن رشيد، عن عمرو بن عبد اللّه بن هند الجملي قال: أتى جابر بن عبد اللّه باب علي بن الحسين عليهما السلام، و بالباب أبو جعفر محمّد بن علي عليهما السلام في اغيلمة من بني هاشم، قد اجتمعوا هناك فنظر جابر إليه مقبلا فقال: هذه مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سجيّته فمن أنت يا غلام؟
قال: فقال: أنا محمّد بن عليّ بن الحسين فبكى جابر رضي اللّه عنه.
ثمّ قال: أنت و اللّه الباقر عن العلم حقّا ادن منّي بأبي أنت، فدنا منه فحلّ جابر أزراه، و وضع يده على صدره فقبّله و جعل عليه خدّه و وجهه و قال له:
أقرئك عن جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم السلام و قد أمرني أن أفعل بك ما فعلت و قال لي: يوشك أن تعيش و تبقى حتى تلقى من ولدي من اسمه محمّد يبقر العلم بقرا و قال لي: إنّك تبقى حتّى تعمى ثم يكشف لك عن بصرك.
ثمّ قال لي: ائذن لي على أبيك، فدخل أبو جعفر على أبيه فاخبره الخبر و قال: إنّ شيخا بالباب و قد فعل بي كيت و كيت فقال: يا بنيّ ذلك جابر بن عبد
ص:365
اللّه، ثمّ قال: أمن بين ولدان أهلك قال لك ما قال، و فعل بك ما فعل؟ .
قال: نعم قال: إنّا للّه إنّه لم يقصدك فيه بسوء، و لقد أشاط (1)بدمك. (2)
ص:366
في أنّ نشره عليه السلام للعلم و الفتيا بأمر اللّه سبحانه و تعالى
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، و الحسين بن محمد، عن جعفر ابن محمّد (1)، عن عليّ بن الحسين بن علي (2)، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي جميلة، عن معاذ بن كثير (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن الوصيّة نزلت من السماء على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كتابا (4)لم ينزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كتاب مختوم إلاّ الوصية.
فقال جبرائيل عليه السلام: يا محمّد هذه وصيّتك في أمتك عند أهل بيتك.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيّ أهل بيتي يا جبرائيل؟
قال: نجيب اللّه منهم (5)و ذريّته ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم عليه
ص:367
السلام و ميراثه لعليّ عليه السلام و ذريتك من صلبه.
قال: و كان عليها خواتيم، قال: ففتح عليّ عليه السلام الخاتم الأوّل و مضى لما فيها (1)، ثم فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني و مضى لما امر به فيها، فلمّا توفّي الحسن عليه السلام و مضى فتح الحسين عليه السلام الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل و تقتل و اخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم الا معك.
ففعل عليه السلام، فلمّا مضى دفعها الى علي بن الحسين عليه السلام قبل ذلك، ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت و أطرق (2)لما حجب العلم.
فلمّا توفي و مضى دفعها الى محمّد بن عليّ عليه السلام ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها أن فسّر كتاب اللّه و صدّق اباك و ورّث ابنك و اصطنع الامّة (3)و قم بحقّ اللّه عزّ و جلّ و قل الحقّ في الخوف و الأمن و لا تخش إلاّ اللّه، ففعل، ثمّ دفعها إلى الذي يليه.
قال: قلت له: جعلت فداك فأنت هو؟ قال: فقال: ما بي إلاّ أن تذهب يا معاذ فتروي عليّ (4).
قال: فقلت: أسأل اللّه الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات، قال: قد فعل اللّه ذلك يا معاذ.
قال: فقلت: فمن هو جعلت فداك؟ قال: هذا الراقد-و اشار بيده إلى العبد الصالح عليه السلام (5)و هو راقد-. (6)
2-و عنه، عن أحمد بن محمّد، و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين،
ص:368
عن أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الكناني، عن جعفر بن نجيح الكندي، عن محمّد بن أحمد بن عبيد اللّه العمري، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كتابا قبل وفاته، فقال: يا محمّد هذه وصيّتك الى النجبة (1)من أهلك قال: و ما النجبة يا جبرائيل؟ .
فقال: عليّ بن أبي طالب عليه السلام و ولده و كان على الكتاب خواتيم (2)من ذهب، فدفعه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى أمير المؤمنين و أمره أن يفكّ خاتما منه و يعمل بما فيه، ثم فكّ أمير المؤمنين عليه السلام خاتما و عمل بما فيه.
ثمّ دفعه الى ابنه الحسن عليه السلام ففكّ خاتما و عمل بما فيه.
ثمّ دفعه الى الحسين عليه السلام ففكّ خاتما فوجد فيه أن اخرج بقوم الى الشهادة فلا شهادة لهم إلاّ معك واشر (3)نفسك للّه عزّ و جلّ، ففعل.
ثمّ دفعه الى عليّ بن الحسين عليه السلام ففكّ خاتما فوجد فيه أن أطرق و اصمت و الزم منزلك و اعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين، ففعل.
ثمّ دفعه الى ابنه محمّد بن عليّ ففكّ خاتما فوجد فيه حدّث الناس و أفتهم و لا تخافنّ إلا اللّه عزّ و جلّ فإنّه لا سبيل لأحد عليك، (ففعل) .
ثمّ دفعه الى ابنه جعفر ففكّ خاتما فوجد فيه حدّث الناس و أفتهم و انشر علوم أهل بيتك و صدّق آبائك الصالحين و لا تخافنّ إلاّ اللّه عزّ و جلّ و أنت في حرز و أمان ففعل.
ص:369
ثمّ دفعه الى ابنه موسى عليه السلام و كذلك يدفعه موسى عليه السلام الى الذي بعده، ثمّ كذلك الى قيام المهديّ عليه السلام. (1)
و رواه الشيخ في أماليه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الحسين الكناني (2)عن جدّه عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام إنّ اللّه جلّ اسمه أنزل على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كتابا قبل أن يأتيه الموت فقال: يا محمّد هذا كتاب وصيّتك الى النجيب من أهلك.
قال: و من النجيب من أهلي يا جبرائيل؟ .
فقال: عليّ بن أبي طالب، و كان على الكتاب خواتيم من ذهب، و ساق الحديث الى آخره. (3)
3-ابن بابويه قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن أبي القاسم الهاشمي، عن عبيد بن قيس الأنصاري (4)قال: حدّثنا الحسن ابن سماعة عن جعفر بن سماعة (5)عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: نزل جبرائيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بصحيفة من السماء لم ينزل اللّه كتابا قبلها و لا بعدها (6)فيه خواتيم من الذهب فقال له: يا محمّد هذه وصيّتك الى النجيب
ص:370
من أهلك، فقال له: يا جبرائيل من النجيب من أهلي؟ قال: عليّ بن أبي طالب، مره اذا توفّيت أن يفكّ خاتما (1)و يعمل بما فيه.
فلمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فكّ عليّ عليه السلام خاتما ثمّ عمل بما فيه و ما تعدّاه.
ثمّ دفعها (2)الى الحسن بن عليّ عليه السلام ففكّ خاتما و عمل به و ما تعدّاه.
ثمّ دفعها الى الحسين بن عليّ عليه السلام ففك خاتما فوجد فيه اخرج بقوم الى الشهادة لا شهادة لهم إلاّ معك و اشر نفسك للّه فعمل بما فيها و ما تعدّاه.
ثمّ دفعها الى رجل بعده ففكّ خاتما فوجد فيه أطرق و اصمت و الزم منزلك و اعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين.
ثمّ دفعها الى رجل بعده ففكّ خاتما فوجد فيه أن حدّث الناس و أفتهم و انشر علم آبائك، ففعل بما فيه، ما تعداه.
ثمّ دفعها الى رجل بعده ففكّ خاتما فوجد فيه أن حدّث الناس و أفتهم و صدّق آبائك و لا تخافن إلاّ اللّه فإنّك في حرز من اللّه و ضمان (3)و هو يدفعها الى رجل بعده و يدفعها من بعده الى من بعده إلى يوم القيامة. (4)
ص:371
ص:372
في أنّ علمه عليه السلام عن اللّه عزّ و جلّ و عن رسوله صلّى اللّه
عليه و آله و سلّم
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن محمّد ابن سنان، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت و كان يقعد في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو معتجر بعمامة سوداء و كان ينادي يا باقر العلم يا باقر العلم فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول: لا و اللّه ما أهجر و لكنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّك ستدرك رجلا منّي اسمه اسمي، و شمائله شمائلي، يبقر العلم بقرا فذاك الذي دعاني الى ما أقول.
قال: فبينا جابر يتردّد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مرّ بطريق في ذاك الطريق كتاب فيه محمّد بن علي عليه السلام فلمّا نظر إليه قال: يا غلام أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فادبر.
ثمّ قال: شمائل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الذي نفسي بيده، يا غلام ما اسمك؟ .
قال: اسمي محمّد بن عليّ بن الحسين، فأقبل عليه يقبّل رأسه و يقول: بأبي أنت و امّي أبوك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقرئك السلام و يقول ذلك.
قال: فرجع محمّد بن عليّ بن الحسين الى أبيه و هو ذعر فأخبره الخبر، فقال
ص:373
له: يا بنيّ و قد فعلها جابر؟ قال: نعم، قال: الزم بيتك يا بنيّ، فكان جابر يأتيه طرفي النهار و كان أهل المدينة يقولون: و اعجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار و هو آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم يلبث أن مضى عليّ بن الحسين.
فكان محمّد بن عليّ عليه السلام يأتيه على وجه الكرامة لصحبته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1)قال: فجلس يحدّثهم عن اللّه تبارك و تعالى.
فقال أهل المدينة: ما رأينا أحدا أجرأ من هذا، فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال أهل المدينة: ما رأينا أحدا قطّ أكذب من هذا يحدّثنا عمن لم يره، فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه قال: فصدّقوه و كان جابر بن عبد اللّه يأتيه فيتعلّم منه. (2)
2-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد يعني المفيد، قال:
أخبرني المظفّر بن أحمد البلخي، قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام الاسكافي، قال: أخبرني أبو جعفر أحمد بن مابنداذ (3)انّ منصور بن العبّاس (4)القصباني (5)، حدّثهم عن الحسن بن عليّ الخزّاز، عن عليّ بن عقبة، عن سالم بن أبي حفصة،
ص:374
قال: لمّا هلك أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام قلت لأصحابي:
انتظروني حتى أدخل على أبي عبد اللّه جعفر بن محمد فأعزّيه به، فدخلت عليه فعزّيته به.
ثم قلت: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، ذهب و اللّه من كان يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا يسأل عن من بينه و بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لا و اللّه لا يرى مثله أبدا.
قال: فسكت أبو عبد اللّه عليه السلام ساعة، ثم قال: قال اللّه تعالى: إنّ من عبادي من يتصدّق بشقّ تمرة فاربّيها له كما يربّي أحدكم فلوه (1)حتى أجعلها له مثل جبل احد، فخرجت الى أصحابي فقلت: ما رأيت أعجب من هذا، كنّا نستعظم قول أبي جعفر عليه السلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلا واسطة، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: قال اللّه تعالى، بلا واسطة. (2)
و رواه المفيد في «أماليه» عن سالم بن أبي حفصة عن الصادق عليه السلام الحديث بعينه بالسند و المتن.
3-عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» انّ الصادق عليه السلام كان يقول:
حديثي حديث أبي، و حديث أبي حديث جدّي، و حديث جدّي حديث عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، و حديث عليّ حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و حديث رسول اللّه قول اللّه عزّ و جلّ. (3)
و رواه أبو عليّ الطبرسي في كتاب «إعلام الورى» . (4)
ص:375
4-الشيخ المفيد في «أماليه» قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد القميّ، رحمه اللّه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن عليّ بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام: إذا حدّثتني بحديث فاسنده لي.
قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، عن جبرائيل عليه السلام، عن اللّه عزّ و جلّ، و كلّما أحدّثك بهذا الإسناد، و قال:
يا جابر لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا و ما فيها. (1)
5-و في «روضة الواعظين» لابن الفارسي قال: إنّ الباقر عليه السلام سئل عن الحديث يرسله و لا يسنده، فقال له: إذا حدّثت الحديث و لم اسنده فسندي فيه أبي، عن جدّي عن جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، عن جبرائيل عن اللّه تعالى.
و ذكره المفيد في «إرشاده» أيضا. (2)
6-و قال أبو عليّ الطبرسي في «إعلام الورى» : روى ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة عنه عليه السلام، قال: لو أنّ حديثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا، و لكن حديثنا ببيّنة كان ربّنا بيّنها لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فبيّنها لنا. (3)
7-قال: و سئل عليه السلام عن الحديث يرسله و لا يسنده، فقال: إذا حدّثت بالحديث فلم اسنده فسندي فيه أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين الشهيد، عن أبيه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، عن رسول اللّه عليهم السلام، عن جبرائيل، عن اللّه عزّ و جلّ. (4)
ص:376
في مجلسه للعلم و الفتيا و صغارة العلماء عنده و بحضرته و مرجعهم
إليه عليه السلام
1-محمّد بن عمرو بن عبد العزيز الكشي (1)قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن قتيبة النيشابوري، قال: حدّثني أبو عبد اللّه بن أحمد الرازي الخواري (2)من قرية أسترآباد، عن محمّد بن خالد، أظنّه البرقي، عن محمّد بن سنان، عن زياد بن المنذر أبي الجارود، عن القاسم بن عوف (3)، قال: كنت أتردّد بين عليّ بن الحسين عليه السلام و بين محمّد بن الحنفية (4)و كنت آتي هذا مرّة و هذا مرّة.
قال: و لقيت عليّ بن الحسين عليه السلام قال: فقال لي: يا هذا إيّاك أن تأتي أهل العراق فتخبرهم أنا استودعناك علما فإنّا و اللّه ما فعلنا ذلك، و إيّاك أن تترايس بنا فيضعك اللّه و إيّاك أن تستأكل بنا فيزيدك اللّه فقرا.
ص:377
و اعلم أنّك إن تكن ذنبا في الخير خير لك من أن تكون رأسا في الشر، و اعلم أنّه من يحدّث عنا بحديث سألناه يوما، فإن حدّث صدقا كتبه اللّه صدّيقا، و ان حدّث كذبا كتبه اللّه كذّابا، و إيّاك أن تشدّ راحلة ترحلها تأتي هاهنا تطلب العلم حتى يمضي لك (1)بعد موتي سبع حجج ثم يبعث اللّه لكم غلاما من ولد فاطمة صلوات اللّه عليها تنبت الحكمة في صدره كما ينبت الطلّ (2)الزرع.
قال: فلمّا مضى عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما حسبنا الأيّام و الجمع و الشهور و السنين فما زادت يوما و لا نقصت يوما حتّى تكلّم محمّد بن عليّ بن الحسين باقر العلم عليهم السلام. (3)
2-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن علي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت جالسا في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبل رجل فسلّم فقال: من أنت يا عبد اللّه؟ .
فقلت: رجل من أهل الكوفة (4)، فقلت: فما حاجتك؟ .
فقال لي: أ تعرف أبا جعفر محمد بن عليّ عليه السلام، فقلت: نعم، فما حاجتك إليه؟ .
قال: هيّأت له أربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حقّ أخذته و ما كان من باطل تركته.
قال أبو حمزة: فقلت له: هل تعرف ما بين الحق و الباطل؟ .
قال: نعم، قلت: فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق و الباطل؟ .
ص:378
فقال لي: يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون (1)، إذا رأيت أبا جعفر عليه السلام فأخبرني، فما انقطع كلامي معه حتى أقبل أبو جعفر عليه السلام و حوله أهل خراسان و غيرهم يسألونه عن مناسك الحجّ فمضى حتّى جلس مجلسه و جلس الرجل قريبا منه.
قال أبو حمزة: فجلست حيث أسمع الكلام، و حوله عالم من الناس.
فلمّا قضى حوائجهم و انصرفوا، التفت الى الرجل فقال له: من أنت؟ قال: أنا قتادة بن دعامة البصري، فقال أبو جعفر عليه السلام: أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: نعم، فقال له أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق خلقا من خلقه فجعلهم حججا فهم أوتاد في أرضه، قوّام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه، أظلّة عن يمين عرشه.
قال: فسكت قتادة طويلا ثمّ قال: أصلحك اللّه و اللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء و قدّام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك! فقال أبو جعفر عليه السلام: ما تدري أين أنت (2)، أنت بين يدي «بيوت أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ و الآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه، و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة» (3)فأنت ثمّ و نحن اولئك، فقال له قتادة: صدقت و اللّه جعلني اللّه فداك و اللّه ما هي بيوت حجارة و لا طين.
قال قتادة: فأخبرني عن الجبن، فتبسم أبو جعفر عليه السلام (4)و قال:
رجعت مسائلك الى هذا؟ فقال: ضلّت عنّي، فقال: لا بأس به، فقال: إنّه ربما
ص:379
جعلت فيه إنفحة (1)الميت، فقال: ليس بها بأس إنّ الإنفحة ليس فيها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم، إنّما تخرج من بين فرث و دم، ثمّ قال: و إنمّا الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة اخرجت منها بيضة فهل تؤكل تلك البيضة؟ .
فقال قتادة: لا و لا آمر بأكلها، فقال له أبو جعفر عليه السلام: و لم؟ قال:
لأنّها من الميتة، قال له: فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أ تأكلها؟ قال: نعم، قال: فما حرّم عليك البيضة و حلّل لك الدجاجة؟ .
ثم قال: فكذلك الإنفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلّين و لا تسأل عنه إلاّ أن يأتيك من يخبرك عنه. (2)
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن ابن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، و أبي منصور، عن أبي الربيع (3)قال: حججنا مع أبي جعفر عليه السلام في السنة التي حجّ فيها هشام بن عبد الملك، و كان معه نافع (4)مولى عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب فنظر نافع إلى أبي
ص:380
جعفر عليه السلام في ركن البيت و قد اجتمع عليه الناس.
فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداكّ (1)عليه الناس؟ فقال:
هذا نبيّ أهل الكوفة، هذا محمّد بن عليّ، فقال: أشهد لآتينّه فلأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلاّ نبيّ أو ابن نبيّ، أو وصيّ نبيّ قال: فاذهب إليه و اسأله لعلّك تخجله.
فجاء نافع حتى اتّكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا محمّد بن عليّ إنّي قرأت التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان و قد عرفت حلالها و حرامها و قد جئت أسألك عن مسائل لا يجيبني فيها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ أو ابن نبيّ.
قال: فرفع أبو جعفر عليه السلام رأسه فقال: سل عمّا بدا لك، فقال:
أخبرني كم بين عيسى و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من سنة؟ فقال: اخبرك بقولي أو بقولك (2)، قال: أخبرني بالقولين جميعا، قال: أمّا في قولي (3)فخمس مائة سنة (4)، و أمّا في قولك فستّمائة سنة، قال: فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ لنبيّه:
وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ اَلرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (5)من الذي سأل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان بينه و بين عيسى خمسمائة سنة؟ .
قال: فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية: سُبْحانَ اَلَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ
ص:381
لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى اَلَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا (1)فكان من الآيات التي أراها اللّه تبارك و تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث اسري به الى بيت المقدس أن حشر اللّه عزّ ذكره الأولين و الآخرين من النبيّين و المرسلين.
ثم أمر جبرائيل عليه السلام فأذّن شفعا و أقام شفعا و قال في أذانه: حيّ على خير العمل ثمّ تقدّم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصلّى بالقوم فلمّا انصرف قال لهم: على ما تشهدون و ما كنتم تعبدون؟
قالوا: نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّك لرسول اللّه أخذ على ذلك عهودنا و مواثيقنا.
فقال نافع: صدقت يا با جعفر و أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: أَ وَ لَمْ يَرَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما (2).
قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى لمّا أهبط آدم الى الأرض و كانت السموات رتقا لا تمطر شيئا و كانت الأرض رتقا لا تنبت شيئا، فلمّا تاب اللّه عزّ و جلّ على آدم عليه السلام أمر السماء فتفطّرت بالغمام، ثم أمرها فأرخت عزاليها، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار و أثمرت الثمار و تفهّقت (3)بالأنهار فكان ذلك رتقها و هذا فتقها.
فقال نافع: صدقت يا بن رسول اللّه.
فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّماواتُ (4)أيّ أرض تبدّل يومئذ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ اللّه عزّ و جلّ من الحساب.
فقال نافع: إنّهم عن الأكل لمشغولون.
ص:382
فقال أبو جعفر عليه السلام: أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟ .
فقال نافع: بل إذ هم في النار، قال: و اللّه ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقّوم، و دعوا بالشراب فسقوا الحميم.
فقال: صدقت يا بن رسول اللّه و لقد بقيت مسألة واحدة، قال: و ما هي؟
قال: أخبرني عن اللّه تعالى متى كان؟
قال: ويلك و متى لم يكن حتى اخبرك متى كان، سبحان من لم يزل و لا يزال فردا صمدا لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا، ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه.
قال: و ما هو؟ قال: ما تقول في أصحاب النهروان؟
فإن قلت: إنّ أمير المؤمنين قتلهم بحقّ قد ارتددت (1)، و إن قلت: قتلهم باطلا فقد كفرت، قال: فولّى من عنده و هو يقول: و اللّه أنت أعلم الناس حقّا حقّا، فأتى هشاما فقال له: ما صنعت؟ .
قال: دعني من كلامك، هذا و اللّه أعلم الناس حقّا حقّا و هو ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حقّا و يحقّ لأصحابه أن يتخذوه نبيّا. (2)
و رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي الربيع، قال: حججت مع أبي جعفر عليه السلام في السنة التي حجّ هشام بن عبد الملك، و كان معه نافع مولى عمر بن الخطّاب و ساق الحديث.
و في رواية محمّد بن يعقوب زيادة، و في رواية عليّ بن إبراهيم في كلام نافع
ص:383
لأبي جعفر عليه السلام: فأخبرني عن قول اللّه تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّماواتُ (1)أيّ أرض تبدّل غير الأرض و السماوات؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: بخبزة بيضاء يأكلون منها حتى يفرغ اللّه من حساب الخلائق.
4-محمّد بن يعقوب بإسناده عن إسماعيل بن أبان، عن عمر بن عبد اللّه الثقفي (2)، قال: أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر عليه السلام من المدينة الى الشام فأنزله معه (3)، فكان يقعد مع الناس في مجالسهم.
فبينا هو قاعد و عنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر الى النصارى يدخلون في جبل هناك، فقال عليه السلام: ما لهؤلاء؟ ألهم عيد اليوم؟
قالوا: لا يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لكنّهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل كلّ سنة في هذا اليوم فيخرجونه و يسألونه عمّا يريدون و عمّا يكون في عامهم.
فقال أبو جعفر عليه السلام: و له علم؟ فقالوا: هو من أعلم الناس، قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى عليه السلام.
قال: فهل نذهب إليه؟
قالوا: ذلك إليك يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال: فقنّع أبو جعفر عليه السلام رأسه بثوبه و مضى هو و أصحابه و اختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل، فقعد أبو جعفر عليه السلام وسط النصارى هو و أصحابه، و أخرج النصارى بساطا ثمّ وضعوا عليه الوسائد، ثمّ دخلوا
ص:384
فأخرجوه ثمّ ربطوا عينيه (1)، فقلّب عينيه كأنّهما عينا افعى.
ثمّ قصد أبا جعفر عليه السلام (2)فقال: يا شيخ أمنّا أنت أم من الامة المرحومة؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: بل من الامّة المرحومة.
فقال: أ فمن علمائهم أنت أم من جهّالهم.
فقال: لست من جهّالهم.
فقال النصراني: إنّي أسألك أم تسألني؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: سلني.
فقال النصراني: يا معشر النصارى رجل من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: سلني، إنّ هذا لمليء بالمسائل (3).
ثم قال: يا عبد اللّه أخبرني عن ساعة ما هي من الليل و لا من النهار، أيّ ساعة هي؟
قال أبو جعفر عليه السلام: ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس.
فقال النصراني: فإذا لم تكن من ساعات الليل و لا من ساعات النهار فمن أيّ الساعات هي؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: من ساعات الجنّة، و فيها تفيق (4)مرضانا.
فقال النصراني: فأسألك أو تسألني.
فقال أبو جعفر عليه السلام: سلني.
فقال النصراني: يا معشر النصارى إنّ هذا لمليء بالمسائل، أخبرني عن أهل
ص:385
الجنة كيف صاروا يأكلون و لا يتغوّطون؟ أعطني مثله في الدنيا.
فقال أبو جعفر عليه السلام: هذا الجنين في بطن أمّه يأكل ممّا تأكل امّه و لا يتغوّط.
فقال النصراني: أ لم تقل ما أنا من علمائهم؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: إنّما قلت لك: ما أنا من جهّالهم.
فقال النصراني: أسألك أو تسألني؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: سلني.
فقال: يا معشر النصارى و اللّه لأسألنه عن مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل.
فقال له: سل.
قال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت باثنين، حملتهما جميعا في ساعة واحدة، و ولدتهما في ساعة واحدة، و ماتا في ساعة واحدة، و دفنا في قبر واحد، فعاش أحدهما مائة و خمسين سنة و عاش الآخر خمسين سنة من هما؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: هما عزير و عزرة، كان حمل امّهما على ما وصفت و وضعتهما على ما وصفت، عاش عزرة و عزير كذا و كذا سنة، ثم أمات اللّه تبارك و تعالى عزير مائة سنة، ثمّ بعث فعاش مع عزرة هذه الخمسين سنة و ماتا كلاهما في ساعة واحدة.
فقال النصراني: يا معشر النصارى ما رأيت بعيني قطّ رجلا أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف و هذا بالشام، ردّوني، فردّوه الى كهفه و رجع النصارى مع أبي جعفر عليه السلام. (1)
5-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، ، عن
ص:386
الفضل بن شاذان، جميعا عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن زكريا بن يحيى الشعيري (1)عن الحكم بن عتيبة (2)، قال: كنّا على باب أبي جعفر عليه السلام، و نحن جماعة ننتظر أن يخرج إذ جاءت امرأة، فقالت: أيّكم أبو جعفر؟
فقال لها القوم: ما تريدين منه؟
قالت: اريد أن أسأله عن مسألة، فقالوا لها: هذا فقيه أهل العراق فسليه.
فقالت: إنّ زوجي مات و ترك ألف درهم و كانت لي عليه من صداقي خمسمائة درهم، فأخذت صداقي و أخذت ميراثي، ثمّ جاء رجل فادّعى عليه ألف درهم فشهدت له.
فقال الحكم: فبينا أنا أحسب إذ خرج أبو جعفر عليه السلام فقال: ما هذا الذي أراك تحرّك به أصابعك يا حكم؟
فقلت: إنّ هذه المرأة ذكرت أنّ زوجها مات و ترك ألف درهم، و كان لها عليه من صداقها خمسمائة درهم، فأخذت صداقها و أخذت ميراثها، ثمّ جاء رجل فادّعى عليه ألف درهم فشهدت له.
فقال الحكم: فو اللّه ما أتممت الكلام حتّى قال: أقرّت بثلث ما في يديها و لا ميراث لها.
قال الحكم: فما رأيت و اللّه أفهم من أبي جعفر عليه السلام قطّ.
قال ابن أبي عمير: تفسير ذلك أنّه لا ميراث لها حتّى تقضي الدين، و إنّما ترك ألف درهم و عليه من الدين ألف و خمسمائة درهم لها و للرجل، فلها ثلث الألف
ص:387
و للرجل ثلثاها. (1)
6-و عنه، عن عدّة من اصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشحّام، قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، فقال أبو جعفر عليه السلام: بلغني أنّك تفسّر القرآن؟ قال له قتادة: نعم.
فقال له أبو جعفر عليه السلام: بعلم تفسّره أم بجهل؟ قال: لا بل بعلم.
فقال له أبو جعفر عليه السلام: فإن كنت تفسّره بعلم فأنت أنت (2)، و أنا أسألك؟ قال قتادة: سل، قال: أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ في سبأ: وَ قَدَّرْنا فِيهَا اَلسَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (3).
فقال قتادة: ذاك من خرج من بيته بزاد حلال و راحلة وكرا حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله.
فقال أبو جعفر عليه السلام: نشدتك باللّه (4)يا قتادة هل تعلم أنّه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال و راحلة وكرا حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته، و يضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه (5)؟
قال قتادة: اللهمّ نعم.
فقال أبو جعفر عليه السلام: يا قتادة إن كنت قد (6)فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت و أهلكت، و إن كنت قد أخذته من الرجال، فقد هلكت
ص:388
و أهلكت، ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد و راحلة وكرا حلال يروم هذا البيت عارفا بحقّنا يهوانا قلبه كما قال اللّه عزّ و جلّ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ اَلنّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (1)و لم يعن البيت فيقول: إليه، فنحن و اللّه دعوة إبراهيم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التي من هوانا قلبه قبلت حجته و إلاّ فلا، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنّم يوم القيامة.
قال قتادة: لا جرم و اللّه لا فسّرتها إلاّ هكذا.
فقال أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة إنّما يعرف القرآن من خوطب به. (2)
7-محمّد بن العبّاس بن ماهيار في «تفسيره» عن أحمد بن هوذة الباهلي، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل الحسن البصري على محمّد ابن عليّ عليهما السلام فقال له: يا أخا أهل البصرة بلغني أنّك فسّرت آية من كتاب اللّه على غير ما انزلت، فإن كنت فعلت فقد هلكت و استهلكت؟ قال: و ما هي جعلت فداك؟
قال: قول اللّه عزّ و جلّ: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ اَلْقُرَى اَلَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِيهَا اَلسَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (3)ويحك كيف يجعل اللّه لقوم أمانا و متاعهم يسرق بمكة و المدينة و ما بينهما؟ و ربّما اخذ عبدا أو قتل و فاتت نفسه! .
ثمّ مكث مليّا ثم أومأ بيده الى صدره و قال: نحن القرى التي بارك اللّه فيها.
ص:389
قال: جعلت فداك أوجدت هذا في كتاب اللّه أنّ القرى رجال؟
قال: نعم قوله عزّ و جلّ: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (1)فمن العاتي على اللّه عزّ و جلّ الحيطان أم البيوت أم الرجال.
ثم قال: جعلت فداك زدني، قال: قوله عزّ و جلّ في سورة يوسف:
وَ سْئَلِ اَلْقَرْيَةَ اَلَّتِي كُنّا فِيها وَ اَلْعِيرَ اَلَّتِي أَقْبَلْنا فِيها (2)لمن أمروه أن يسأل؟ القرية و العير، أم الرجال؟
فقال: جعلت فداك فأخبرني عن القرى الظاهرة.
قال: هم شيعتنا، يعني العلماء منهم. (3)
8-الشيخ أحمد بن عليّ بن أبي طالب أبو منصور الطبرسي في «الاحتجاج» عن أبي حمزة الثمالي قال: أتى الحسن البصري أبا جعفر عليه السلام فقال: يا با جعفر أسألك عن أشياء من كتاب اللّه (4).
فقال له أبو جعفر عليه السلام: أ لست فقيه أهل البصرة؟
قال: قد يقال ذلك.
فقال أبو جعفر عليه السلام: هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟
قال: لا، قال: فجميع أهل البصرة يأخذون عنك؟ قال: نعم.
فقال أبو جعفر عليه السلام: سبحان اللّه لقد تقلّدت عظيما من الأمر بلغني عنك أمر فما أدري أ كذلك أنت أم يكذب عليك؟
قال: ما هو؟
ص:390
قال: زعموا أنّك تقول: إنّ اللّه خلق العباد و فوّض إليهم أمورهم.
قال: فسكت الحسن.
فقال: أ رأيت من قال اللّه له في كتابه: إنّك آمن، هل عليه خوف بعد هذا منه؟
فقال الحسن: لا.
فقال أبو جعفر عليه السلام: إني أعرض عليك آية و انهى إليك خطبا (1)و لا أحسبك إلاّ و قد فسّرته على غير وجهه، فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت و أهلكت، فقال له: ما هو؟ قال: أ رأيت اللّه حيث يقول: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ اَلْقُرَى اَلَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِيهَا اَلسَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (2)يا حسن بلغني أنّك أفتيت الناس فقلت: هي مكة.
فقال أبو جعفر عليه السلام: فهل يقطع على من حجّ مكة و هل يخاف أهل مكة؟ و هل تذهب أموالهم؟ فمتى يكونون آمنين (3)؟ بل فينا ضرب اللّه الأمثال في القرآن، فنحن القرى التي بارك اللّه فيها، فذلك قول اللّه عزّ و جلّ، فمن أقرّ بفضلنا حيث أمرهم اللّه أن يأتونا (4)فقال: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ اَلْقُرَى اَلَّتِي بارَكْنا فِيها أي جعلنا بينهم و بين شيعتهم القرى التي باركنا فيها «قرى ظاهرة» و القرى الظاهرة الرسل و النقلة عنّا إلى شيعتنا، و فقهاء شيعتنا الى شيعتنا.
و قوله تعالى: وَ قَدَّرْنا فِيهَا اَلسَّيْرَ فالسير مثل للعلم سير به لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ مثل لما يسير من العلم في الليالي و الأيّام عنّا إليهم في الحلال و الحرام و الفرائض و الأحكام، آمنين فيها إذا أخذوا من معدنها الذي امروا أن يأخذوا منه، آمنين من الشكّ و الضلال و النقلة من الحرام الى الحلال، لأنّهم أخذوا العلم ممّن
ص:391
وجب لهم بأخذهم إيّاه عنهم المغفرة (1)، لأنّهم أهل ميراث العلم من آدم الى حيث انتهوا، ذريّة مصطفاة بعضها من بعض، فلم ينته الاصطفاء إليكم، بل إلينا انتهى، و نحن تلك الذرية (2)لا أنت و لا أشباهك يا حسن، فلو قلت لك حين ادّعيت ما ليس لك و ليس إليك: يا جاهل أهل البصرة لم أقل فيك إلاّ ما علمته منك، و ظهر لي عنك، و إيّاك أن تقول بالتفويض، فإنّ اللّه جلّ و عزّ لم يفوّض الأمر الى خلقه و هنا منه و ضعفا و لا أجبرهم على معاصيه ظلما. (3)
9-المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني الشريف أبو محمّد الحسن بن محمّد، قال: حدّثني جدّي قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الشيباني قال: حدّثنا عبد الرحمن ابن صالح الأزدي عن أبي مالك الجهني (4)، عن عبد اللّه بن عطاء المكّي، قال:
ما رأيت العلماء عند أحد قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام و لقد رايت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنّه صبيّ بين يدي معلّمه.
و كان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمّد بن عليّ الباقر شيئا قال:
حدّثني وصيّ الأوصياء و وارث علم الأنبياء محمّد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام. (5)
10-و رواه من طريق المخالفين أبو نعيم الأصفهاني في الجزء الثالث من «حلية الاولياء» بإسناده، قال: عن عبد اللّه بن عطاء، قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر عليه السلام، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه متعلّم. (6)
ص:392
و روى ذلك بعينه من طريقهم أيضا كمال الدين بن طلحة في «مطالب السئول» .
11-و عنه، قال: أخبرني الشريف أبو محمّد الحسن بن محمّد، قال:
حدّثني جدّي قال: حدّثني شيخ من أشياخ أهل الري قد علت سنّه، فقال:
حدّثني يحيى بن عبد الحميد الحمّاني، عن معاوية بن عمّار الدهني، عن محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام في قوله جلّ اسمه: فَسْئَلُوا أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (1)قال: نحن أهل الذكر.
قال الشيخ الرازي: و قد سألت محمّد بن مقاتل (2)عن هذا فتكلّم فيه برأيه، و قال: أهل الذكر العلماء كافّة، فذكرت ذلك لأبي زرعة فبقي متعجّبا من قوله و أوردت عليه ما حدّثني به يحيى بن عبد الحميد.
قال: صدق محمّد بن عليّ إنّهم عليهم السلام أهل الذكر، و لعمري إنّ أبا جعفر عليه السلام لمن أكبر العلماء. (3)
12-و قد روى أبو جعفر عليه السلام أخبار المبتداء و أخبار الأنبياء و كتب عنه الناس المغازي، و أثروا عنه السنن، و اعتمدوا عليه في مناسك الحجّ رواها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كتبوا عنه تفسير القرآن، و روت عنه الخاصّة و العامة الأخبار، و ناظر من كان يرد من أهل الآراء و حفظ عنه الناس كثيرا من علم الكلام. (4)
13-و عنه قال: أخبرني الشريف أبو محمّد الحسن بن محمّد، قال: حدّثني
ص:393
جدّي، قال: حدّثني الزبير بن أبي بكر، قال: حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزهري، قال: حجّ هشام بن عبد الملك، فدخل المسجد الحرام متّكئا على يد سالم مولاه، و محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام جالس في المسجد، فقال له سالم: يا أمير المؤمنين هذا محمّد بن عليّ بن الحسين! .
قال هشام: المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم، قال: اذهب إليه و قل له:
يقول لك أمير المؤمنين: ما الذي يأكل الناس و يشربون الى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ .
قال أبو جعفر عليه السلام: يحشر الناس على مثل قرص النقيّ (1)فيها أنهار متفجّرة (2)ياكلون و يشربون حتى يفرغ من الحساب.
قال: فرأى هشام أنّه قد ظفر به فقال: اللّه اكبر اذهب إليه فقل له: يقول لك: ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟ .
فقال له أبو جعفر عليه السلام: هم في النار أشغل و لم يشغلوا عن أن قالوا:
أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ اَلْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اَللّهُ (3)فسكت هشام لا يرجع كلاما. (4)
14-و جاءت الأخبار أنّ نافع بن الأزرق (5)جاء الى محمّد بن عليّ عليهما
ص:394
السلام فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال و الحرام.
فقال أبو جعفر عليه السلام في عرض كلامه: قل لهذه المارقة: بما استحللتم فراق أمير المؤمنين عليه السلام و قد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته و القربة الى اللّه بنصرته؟ فيقولون لك: إنّه حكّم في دين اللّه، فقل لهم: قد حكّم اللّه تعالى في شريعة نبيّه عليه و آله السلام رجلين من خلقه.
قال: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اَللّهُ بَيْنَهُما 1و حكّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكّم فيهم بما أمضاه اللّه، أو ما علمتم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام إنّما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن و لا يتعدّياه و اشترط ردّ ما خالف القرآن من أحكام الرجال، و قال: حين قالوا له حكّمت على نفسك من حكم عليك. فقال: ما حكّمت مخلوقا، و إنّما حكّمت كتاب اللّه فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن و اشترط ردّ ما خالفه لو لا ارتكابهم في بدعتهم البهتان؟ !
فقال نافع بن الأزرق: هذا «و اللّه» كلام ما مرّ بسمعي قطّ، و لا خطر على بالي و هو الحقّ إن شاء اللّه. 2
15-و روى العلماء أنّ عمرو بن عبيد 3وفد على محمّد بن عليّ بن الحسين
ص:395
عليهما السلام ليمتحنه بالسؤال، فقال له: جعلت فداك ما معنى قوله تعالى:
أَ وَ لَمْ يَرَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما (1)ما هذا الرتق و الفتق؟ .
فقال له أبو جعفر عليه السلام: كانت السماء رتقا لا تنزل القطر، و كانت الأرض رتقا لا تخرج النبات، فانقطع عمرو و لم يجد اعتراضا و مضى.
ثم عاد إليه فقال له: أخبرني جعلت فداك عن قوله عزّ و جلّ: وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (2)ما غضب اللّه؟ .
فقال أبو جعفر عليه السلام: غضب اللّه عقابه يا عمرو، و من ظنّ أنّ اللّه يغيّره شيء فقد كفر (3).
و كان مع ما وصفناه به من الفضل في العلم و السؤدد و الرئاسة و الإمامة ظاهر الجود في الخاصّة و العامّة، مشهور الكرم في الكافّة معروفا بالفضل و الإحسان مع كثرة عياله و توسّط حاله (4). الى هنا كلام المفيد.
ص:396
و هو من الباب الأوّل في الرواية بالعدد عنه عليه السلام
1-المفيد في «الاختصاص» قال: حدّثني محمّد بن الحسن، يعني ابن أحمد ابن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال:
حدّثني أبو جعفر عليه السلام سبعين ألف حديث، لم احدّث بها أحدا أبدا قطّ، و لا احدّث بها أحدا أبدا.
قال جابر: فقلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك إنّك حمّلتني وقرا (1)عظيما بما تحدّثني به (2)من سركم الذي لا أحدّث به أحدا، و ربما جاش في صدري حتى يأخذني منه شبيه الجنون.
قال: يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج الى الجبّان (3)فاحفر حفيرة و دلّ رأسك فيها ثم قل: حدّثني محمّد بن عليّ بكذا و كذا. (4)
ص:397
2-الكشيّ (1)قال: حدّثني حمدويه بن نصير (2)، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى، عن ياسين الضرير البصري (3)، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، قال: ما شجر في رأيي شيء قطّ إلاّ سألت عنه أبا جعفر عليه السلام حتّى سألته عن ثلاثين ألف حديثا، و سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ستّة عشر ألف حديث. (4)
ص:398
أنّه و الأئمة عليهم السلام موضع سرّ اللّه جلّ جلاله
1-محمّد بن الحسن الصفّار في «بصائر الدرجات» عن أحمد بن موسى (1)، عن يعقوب بن يزيد، عمّن رواه، عن عبد الصمد بن بشير عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دعا عليا عليه السلام في مرضه الذي توفّي فيه فقال: يا عليّ ادن منّي حتّى اسرّ إليك ما أسرّه اللّه إليّ، و آتمنك على ما ائتمنني اللّه عليه، ففعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعليّ عليه السلام، و فعله عليّ بالحسن عليه السلام، و فعله الحسن بالحسين عليه السلام، و فعله الحسين عليه السلام بأبي، و فعله أبي عليه السلام بي. (2)
ص:399
ص:400
في عبادته عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
ما من شيء إلاّ و له حدّ ينتهي إليه إلاّ الذكر فليس له حدّ ينتهى إليه، فرض اللّه عزّ و جلّ الفرائض فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ، و شهر رمضان فمن صامه فهو حدّه، و الحجّ فمن حجّ فهو حدّه. إلاّ الذكر فإن اللّه عزّ و جلّ لم يرض بالقليل، و لم يجعل له حدّا ينتهي إليه، ثم تلا يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا اَللّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً (1).
فقال: لم يجعل اللّه عزّ و جلّ له حدّا ينتهي إليه.
قال: و كان أبي عليه السلام كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه و إنّه ليذكر اللّه، و آكل معه الطعام و إنّه ليذكر اللّه، و لقد كان يحدّث القوم ما يشغله ذلك عن ذكر اللّه، و كنت أرى لسانه لازقا بحنكه. يقول: لا إله إلاّ اللّه، و كان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، و يأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا، و من كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر.
و البيت الذي يقرأ فيه القرآن و يذكر اللّه عزّ و جلّ فيه تكثر بركته، و تحضره
ص:401
الملائكة، و تهجره الشياطين، و يضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدرّي لأهل الأرض، و البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر اللّه فيه تقلّ بركته و تهجره الملائكة و تحضره الشياطين، و قد قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أ لا اخبركم بخير أعمالكم لكم، أرفعها في درجاتكم، و أزكاها عند مليككم، و خير لكم من الدينار و الدرهم، و خير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتقتلوهم و يقتلوكم؟ .
فقالوا: بلى.
قال: ذكر اللّه عزّ و جلّ كثيرا.
ثمّ قال: جاء رجل الى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: من خير أهل المسجد؟
فقال: أكثرهم للّه ذكرا.
و قال رسول اللّه: من اعطي لسانا ذاكرا فقد اعطي خير الدنيا و الآخرة.
و قال في قوله تعالى: وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (1).
قال: لا تستكثر ما عملت من خير للّه. (2)
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي حمزة، قال: استاذنت على أبي جعفر عليه السلام، فخرج إليّ و شفتاه تتحرّكان فقال: أفطنت لذلك يا ثمالي؟
قلت: نعم جعلت فداك.
قال: إنّي و اللّه تكلّمت بكلام ما تكلّم به أحد قطّ إلاّ كفاه اللّه ما أهمّه من أمر دنياه و آخرته.
قال: قلت له: أخبرني به، قال: نعم من قال حين يخرج من منزله: «بسم
ص:402
اللّه، حسبي اللّه، توكّلت على اللّه، اللهم إنّي أسألك خير اموري كلّها، و أعوذ بك من خزي الدنيا و عذاب الآخرة كفاه اللّه ما أهمّه من دنياه و آخرته» . (1)
3-و عنه، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد عن غير واحد، عن أبان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه كان إذا خرج من البيت قال:
«بسم اللّه خرجت، و على اللّه توكّلت، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه» . (2)
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن أبي عبيدة الحذّاء، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول و هو ساجد: أسألك بحقّ حبيبك محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ بدّلت (3)سيئاتي حسنات و حاسبتني حسابا يسيرا.
ثمّ قال في الثانية: أسألك بحقّ حبيبك محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ كفيتني مئونة الدنيا و كلّ هول دون الجنة
و قال في الثالثة: أسألك بحقّ حبيبك محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا (4)غفرت لي الكثير من الذنوب و القليل و قبلت من عملي اليسير.
ثمّ قال في الرابعة: أسألك بحقّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما أدخلتني الجنّة و جعلتني من سكانها و لمّا نجّيتني من سفعات النار (5)برحمتك و صلّى اللّه على محمّد و آله. (6)
5-و عنه، عن أحمد بن ادريس، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب،
ص:403
عن اسحاق بن عمّار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّي كنت أمهّد لأبي فراشه فأنتظره حتى يأتي، فإذا آوى الى فراشه و نام قمت الى فراشي، و إنّه أبطأ عليّ ذات ليلة، فأتيت المسجد في طلبه، و ذلك بعد ما هدء (1)الناس، فإذا هو في المسجد ساجد، و ليس في المسجد غيره، فسمعت حنينه و هو يقول: سبحانك اللهمّ أنت ربّي حقّا حقّا، سجدت لك يا ربّ تعبّدا و رقّا، اللهمّ إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي، اللهمّ قني عذابك يوم تبعث عبادك، و تب عليّ إنّك أنت التواب الرحيم. (2)
6-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن أبي جرير القمي (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقضي عشرين وترا في ليلة. (4)
7-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحسن بن عليّ، عن ابن سنان عن أبي شعيب المحاملي (5)، عن حمّاد بن عثمان (6)، عن الفضيل بن يسار، قال: كان أبو جعفر عليه السلام إذا كان ليلة إحدى و عشرين ثلاث (7)و عشرين أخذ في الدعاء حتّى يزول الليل فاذا زال الليل صلّى. (8)
ص:404
8-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القراءة في الوتر، فقال كان بيني و بين أبي باب، فكان إذا صلّى يقرأ في الوتر بقل هو اللّه أحد في ثلاثهنّ، و كان يقرأ: قل هو اللّه أحد في الوتر، فإذا فرغ منها قال: كذلك اللّه أو كذلك اللّه ربّي (1). (2)
9-و عنه بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن الحلبي (3)، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أبي عليه السلام يقول: قل هو اللّه أحد تعدل ثلث القرآن، و كان يحبّ أن يجمعها في الوتر. (4)
ص:405
ص:406
في شدّة يقينه و خوفه و خشوعه عليه السلام للّه سبحانه من طريق
الخاصّة و العامّة
1-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن عليّ بن محمّد ابن سعد (1)، عن محمّد بن سالم بن أبي سلمة (2)، عن محمّد بن سعيد بن غزوان (3)، عن محمّد بن سنان، عن أبي مريم (4)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أبي يوما و عنده أصحابه: من منكم تطيب نفسه أن يأخذ جمرة في كفّه
ص:407
فيمسكها حتّى تطفأ؟ فكاع (1)الناس كلّهم و نكلوا، فقمت و قلت: يا أبت أ تأمر أن أفعل؟
فقال: ليس إيّاك عنيت. إنّما أنت منّي و أنا منك، بل إيّاهم أردت، [قال:]و كرّرها ثلاثا. ثمّ قال: ما أكثر الوصف و أقل الفعل! إنّ أهل الفعل قليل ان أهل الفعل لقليل، ألا و إنّا لنعرف أهل الفعل و الوصف معا، و ما كان منّا هذا تعاميا عليكم، بل لنبلو أخباركم، و نكتب آثاركم.
فقال: و اللّه لكأنّما مادت (2)بهم الأرض حياء ممّا قال، حتى أنّي لأنظر الى الرجل منهم يرفض عرقا (3)ما يرفع عينيه من الأرض فلمّا رأى ذلك منهم قال:
رحمكم اللّه فما أردت إلاّ خيرا إنّ الجنّة درجات، فدرجة أهل الفعل لا يدركها أحد من أهل القول، و درجة أهل القول لا يدركها غيرهم.
قال: فو اللّه لكأنّما نشطوا من عقال. (4)
2-و من طريق المخالفين: كمال الدين بن طلحة الشامي في «مطالب السئول» قال: روى جابر الجعفي قال: قال لي محمّد بن عليّ عليه السلام يوما:
يا جابر إنّي لمشتغل القلب، قلت له: و ما شغل قلبك (5)؟
قال: يا جابر إنّه من دخل قلبه دين اللّه الخالص شغله عمّا سواه.
يا جابر ما الدنيا و ما عسى أن تكون؟ هل هي إلاّ مركب ركبته، أو ثوبا لبسته، أو امرأة أصبتها.
يا جابر إنّ المؤمنين لم يطمئنّوا إلى الدنيا لبقاء فيها، و لم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم، و لم يصمّهم عن ذكر اللّه تعالى ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، و لم يعمهم
ص:408
عن نور اللّه ما رأوا بأعينهم من الزينة، ففازوا بثواب الأبرار إنّ أهل التقى أيسر أهل الدنيا مئونة، و أكثرهم لك معونة، إن نسيت ذكّروك، و إن ذكرت أعانوك، قوّالين بحق اللّه، قوّامين بأمر اللّه، فاجعل الدنيا كمنزل نزلت به، و ارتحلت عنه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت و ليس معك منه شيء، فاحفظ اللّه فيما استرعاك من دينه و حكمته. (1)
و رواه عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» ببعض الزيادة. (2)
3-و قال ابن طلحة أيضا: قال أفلح مولى أبي جعفر عليه السلام: خرجت مع محمّد بن عليّ عليهما السلام حاجّا فلمّا دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتّى علا صوته، فقلت: بأبي أنت و امّي إنّ الناس ينظرون إليك، فلو رفقت بصوتك قليلا؟
فقال لي: ويحك يا أفلح و لم لا أبكي؟ لعلّ اللّه تعالى أن ينظر إليّ منه برحمة فأفوز بها عنده غدا.
قال: ثمّ طاف بالبيت، ثمّ جاء حتى ركع عند المقام، فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتلّ من كثرة دموع عينيه.
و كان إذا ضحك قال: اللهمّ لا تمقتني. (3)
4-قال: و روى عنه ولده جعفر عليهما السلام قال: كان أبي عليه السلام يقول في جوف الليل في تضرعه: أمرتني فلم آتمر، و نهيتني فلم أنزجر، و ها أنا عبدك بين يديك أعتذر. (4)
ص:409
5-و قال أيضا: قال جعفر عليه السلام: فقد أبي بغلة له، فقال: لئن ردّها اللّه تعالى لأحمدنّه بمحامد يرضاها، فما لبث أن اتي بها بسرجها و لجامها، فركبها، فلمّا استوى عليها و ضمّ إليه ثيابه رفع رأسه الى السماء فقال: الحمد للّه، فلم يزد.
ثمّ قال: ما تركت و ما بقيت شيئا، جعلت جميع أنواع المحامد للّه عزّ و جلّ، فما من حمد إلاّ هو داخل فيما قلت. 1
قال عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» بعد أن ذكر هذا الحديث: أقول:
صدق و برّ عليه السلام، فإنّ الألف و اللام في قوله: الحمد للّه تستغرق الجنس، و تفرّده تعالى بالحمد.
6-و قال ابن طلحة أيضا: نقل عنه عليه السلام أنّه قال: ما من عبادة أفضل من عفّة بطن أو فرج، و لا من شيء أحبّ إلى اللّه من أن يسأل، و ما يدفع القضاء إلاّ الدعاء، و إنّ أسرع الخير ثوابا البرّ، و أسرع الشرّ عقوبة البغي، و كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، و أن يأمر الناس بما لا يفعله، و أن ينهى الناس عمّا لا يستطيع التحوّل عنه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه. 2
ص:410
في جوده عليه السلام
1-المفيد في «إرشاده» قال: حدّثني الشريف أبو محمّد الحسن بن محمّد، قال: حدّثني جدّي قال: حدّثني أبو نصر، قال: حدّثني محمّد بن الحسين، قال:
حدّثنا أسود بن عامر (1)، قال: حدّثنا حبّان بن عليّ (2)، عن الحسن بن كثير (3)، قال: شكوت إلى أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام الحاجة و جفاء الإخوان.
قال: بئس الأخ أخ يرعاك غنيّا و يقطعك فقيرا، ثمّ أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم، و قال استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني. (4)
2-قال: و روى محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزبير، قال:
ص:411
حدّثونا عن عمرو بن دينار، و عبد اللّه بن عبيد بن عمير (1)، أنّهما قالا: ما لقينا أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام إلاّ و حمل إلينا النفقة و الصلة و الكسوة، و يقول:
هذه معدّة لكم قبل أن تلقوني. (2)
3-و قال: و روى أبو نعيم النخعي (3)، عن معاوية بن هشام، عن سليمان ابن قرم قال: كان أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام يجيزنا بالخمسمائة درهم الى الستمائة الى الألف درهم و كان لا يملّ من صلة إخوانه و قاصديه و مؤمّليه و راجيه. (4)
4-و قال: و روي عنه عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول: أشدّ الأعمال ثلاثة: مواساة الإخوان في المال، و إنصاف الناس من نفسك، و ذكر اللّه على كلّ حال. (5)
5-و من طريق المخالفين كمال الدين بن طلحة الشامي في «مطالب السئول» قال: قال عبد اللّه بن الوليد (6): قال لنا أبو جعفر عليه السلام يوما:
ص:412
أ يدخل أحدكم يده كمّ صاحبه فيأخذ ما يريد؟
قلنا: لا، قال: فلستم إخوانا كما تزعمون.
6-و قالت سلمى مولاة أبي جعفر: كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيّب، و يكسوهم الثياب الحسنة، و يهب لهم الدراهم، فاقول له في ذلك ليقلّ منه، فيقول: يا سلمى ما حسنة الدنيا إلاّ صلة الإخوان و المعارف، و كان يجيزنا بالخمسمائة و الستّمائة الى الألف، و كان لا يملّ من مجالس إخوانه. (1)
7-و قال: قال الأسود بن كثير: شكوت إلى أبي جعفر عليه السلام الحاجة و جفاء الإخوان، فقال عليه السلام: بئس الأخ أخ يرعاك غنيّا، و يقطعك فقيرا، ثمّ أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم، فقال: استنفق هذه فاذا فرغت فأعلمني.
و قال: اعرف المودّة لك في قلب أخيك بماله في قلبك (2)الى هنا كلام ابن طلحة.
8-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن أبان، عن محمّد بن مروان، عن الشيخ (3)، أنّ أبا جعفر عليه السلام مات و ترك ستّين مملوكا، فأعتق ثلثهم، فأقرعت بينهم و أخرجت
ص:413
الثلث. (1)
9-قال الشيخ المفيد في «إرشاده» : و كان مع ما وصفناه به من الفضل في العلم و السؤدد و الرئاسة و الإمامة ظاهر الجود في الخاصة و العامّة، مشهور الكرم في الكافّة معروفا بالفضل و الإحسان مع كثرة عياله و توسّط حاله. (2)
ص:414
في المطعم و المشرب
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن الحارث بن حريز، عن سدير الصيرفي (1)، عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فدعا بالغداء فأكلت معه طعاما ما أكلت طعاما قطّ أطيب منه و لا أنظف.
فلمّا فرغنا من الطعام قال: يا أبا خالد كيف رأيت طعامك؟ أو قال طعامنا.
قلت: جعلت فداك ما رأيت أطيب منه قطّ، و لا أنظف، و لكن ذكرت الآية التي في كتاب اللّه عزّ و جلّ: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ اَلنَّعِيمِ (2).
فقال أبو جعفر عليه السلام: لا إنّما تسألون عمّا أنتم عليه من الحقّ. (3)
ص:415
2-محمّد بن العبّاس بن ماهيار الشيخ الثقة، قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن إسماعيل بن بشار (1)، عن عليّ بن عبد اللّه بن غالب (2)، عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على محمّد بن عليّ عليهما السلام فقدّم طعاما لم آكل اطيب منه، فقال لي يا أبا خالد: كيف رايت طعامنا؟
قلت: جعلت فداك ما أطيبه غير أني ذكرت آية في كتاب اللّه فنغصته (3)فقال: و ما هي؟
قلت: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ اَلنَّعِيمِ (4)فقال: و اللّه لا تسأل عن هذا الطعام أبدا، ثمّ ضحك حتى افترّ ضاحكتاه (5)و بدت أضراسه، و قال: أ تدري ما النعيم؟
قلت: لا.
قال: نحن النعيم. (6)
3-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بن بندار (7)و غيره، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن علي، عن الحسن بن علي بن يوسف، عن زكريا بن محمّد الأزدي (8)، عن عبد الأعلى مولى آل سام (9)قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه
ص:416
السلام: إنّا نروي عندنا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: إنّ اللّه تبارك يبغض البيت اللحم.
فقال: كذبوا (1)إنّما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: البيت الذي يغتابون فيه الناس و يأكلون لحومهم، و قد كان أبي عليه السلام لحما (2)، و لقد مات يوم مات و في كمّ أم ولده ثلاثون درهما للحم. (3)
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن الحسن بن هارون (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ترك أبو جعفر عليه السلام ثلاثين درهما للحم يوم توفّي، و كان رجلا لحما. (5)
5-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المعزاء، عن بعض أصحابه، عن عقبة بن بشير (6)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: دخلنا عليه فاستدعى بتمر فأكلنا، ثم ازدادنا منه، ثمّ قال: قال رسول اللّه
ص:417
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّي لاحبّ (1)الرجل إذا كان تمريّا. (2)
6-و عنه، عن أحمد، عن يحيى بن إبراهيم (3)، عن محمّد بن يحيى، عن أبي البلاد (4)، عن أبيه، عن بزيع بن عمرو بن بزيع، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو يأكل خلاّ و زيتا في قصعة سوداء، مكتوب في وسطها: قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ فقال لي: ادن يا بزيع، فدنوت فأكلت معه ثم حسا (5)من الماء ثلاث حسيات، حتّى لم يبق من الخبز شيء، ثمّ ناولنيها فحسوت البقيّة. (6)
7-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن هشام ابن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أبي عليه السلام يقول: الحمد للّه الذي أشبعنا في جائعين، و أروانا في ضامئين، و آوانا في ضائعين، و أرحلنا في راحلين (7)، و آمننا في خائفين، و أخدمنا في عانين (8). (9)
8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن عبد اللّه بن سليمان، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقال لي: قد سألتني عن طعام يعجبني، ثمّ أعطى الغلام
ص:418
درهما فقال: يا غلام ابتع لنا جبنا، فدعا بالغداء فتغدينا معه، و أتى بالجبن فأكل و أكلنا.
فلمّا فرغنا من الغداء قلت له: ما تقول في الجبن (1)؟ فقال لي: أو لم ترني أكلته؟
قلت: بلى و لكنّي احبّ أن أسمعه منك فقال: سأخبرك عن الجبن و غيره، كلّ ما كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه. (2)
9-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن عمرو بن أبي المقدام قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام أنا و أبي فأتي بقدح خزف فيه ماء، فشرب منه و هو قائم، ثمّ ناوله أبي، فشرب منه و هو قائم، ثمّ ناولنيه فشربت منه و أنا قائم. (3)
10-و عنه، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد ابن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن أبي المقدام، قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام و هو يشرب في قدح من خزف. (4)
ص:419
ص:420
في ملبسه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال: خرج أبو جعفر عليه السلام يصلّي على بعض أطفالهم، و عليه جبة خزّ صفراء و مطرف (1)خزّ أصفر. (2)
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن ميسرة (3)، عن الحكم بن عتيبة، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في بيت منجّد (4)و عليه قميص رطب و ملحفة مصبوغة قد أثّر الصبغ على عاتقه، فجعلت أنظر الى البيت و أنظر الى هيئته.
فقال: يا حكم ما تقول في هذا؟ فقلت: و ما عسيت أن أقول و أنا أراه عليك، و أمّا عندنا فإنّما يفعله الشابّ المرهّق (5).
ص:421
فقال لي: يا حكم من حرّم زينة اللّه التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق، و هذا ممّا أخرج اللّه لعباده، فأمّا هذا البيت الذي ترى فهو بيت المرأة، و أنا قريب العهد بالعرس، و بيتي البيت الذي تعرف. (1)
3-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن محمّد بن حمران (2)، و جميل بن درّاج، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: لا بأس بلبس المعصفر. (3)
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن زرارة قال: رأيت على أبي جعفر عليه السلام ثوبا معصفرا (4)، فقال: إنّي تزوّجت امرأة من قريش. (5)
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان (6)، عن جراح المدائني (7)عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّا نلبس المعصفرات و المضرجات (8). (9)
6-و عنه، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان،
ص:422
عن بريد، عن مالك بن اعين (1)قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و عليه ملحفة حمراء شديدة الحمرة، فتبسّمت حين دخلت عليه، فقال: كأنّي أعلم لم ضحكت، ضحكت من هذا الثوب الذي هو عليّ إنّ الثقفيّة أكرهتني عليه و أنا احبّها، فأكرهتني على لبسها.
ثمّ قال: إنّا لا نصلّي في هذا، و لا تصلّوا في المشبع المضرّج، قال: ثمّ دخلت عليه و قد طلّقها فقال: سمعتها تبرأ من عليّ عليه السلام فلم يسعني أن امسكها و هي تبرأ منه. (2)
7-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود قال: كان أبو جعفر عليه السلام يلبس المعصفر و المنيّر (3). (4)
8-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: كنّا نلبس المعصفر في البيت. (5)
9-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان ابن عيسى، عن عبد اللّه بن مسكان، عن الحسن الزيّات البصري (6)، قال:
دخلت على أبي جعفر عليه السلام أنا و صاحب لي، فإذا هو في بيت منجّد، و عليه ملحفة وردية، و قد حفّ لحيته، و اكتحل فسألناه عن مسائل، فلمّا قمنا، قال لي:
يا حسن قلت: لبّيك.
ص:423
قال: إذا كان غدا فأتني أنت و صاحبك، فقلت: نعم جعلت فداك.
فلمّا كان من الغد دخلت عليه و إذا هو في بيت ليس فيه إلاّ حصير، و إذا عليه قميص غليظ، ثمّ أقبل على صاحبي، فقال: يا أخا أهل البصرة إنّك دخلت عليّ أمس، و أنا في بيت المرأة، و كان أمس يومها، و البيت بيتها، و المتاع متاعها، فتزيّنت لي على أن أتزيّن لها كما تزيّنت لي، فلا يدخل قلبك شيء، فقال له صاحبي: جعلت فداك قد كان و اللّه دخل في قلبي شيء، فأمّا الآن فلا، فقد و اللّه أذهب اللّه ما كان (1)، و علمت أنّ الحقّ فيما قلت. (2)
10-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر ابن اذينة، عن زرارة، قال: في حديث قال: مات ابن لأبي عبد اللّه عليه السلام في حياة أبي جعفر عليه السلام فاخرج في سفط (3)الى البقيع فخرج أبو جعفر عليه السلام و عليه جبّة خز صفراء و عمامة خزّ صفراء و مطرف خزّ أصفر. (4)
11-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن شعيب أبي صالح (5)، عن خالد أبي العلا الخفّاف (6)، قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام و عليه برد أخضر و هو محرم. (7)
ص:424
12-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد ابن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي مريم الأنصاري (1)، قال: صلّى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة.
فلمّا انصرف قلت له: عافاك اللّه صلّيت بنا في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة.
فقال: إنّ قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار و لا رداء و إنّي مررت بجعفر و هو يؤذّن، و يقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك. (2)
13-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي مالك الجهني (3)، عن عبد اللّه ابن عطا، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فرأيت في منزله بسطا و وسائد، و أنماطا، و مرافق فقلت: ما هذا؟ قال: متاع المرأة. (4)
14-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن عليّ بن إسماعيل الميثمي، عن أبي الجارود قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو جالس على متاع، فجعلت ألمس المتاع بيدي (5)، فقال: هذا الذي
ص:425
تلمسه بيدك أرمنيّ، فقلت له: و ما أنت و الأرمني؟ فقال: هذا متاع جاءت به أمّ علي-امرأة له-فلمّا كان من قابل دخلت عليه فجعلت ألمس ما تحتي، فقال:
كأنّك تريد أن تنظر ما تحتك؟ قلت: لا و لكنّ الأعمى يعبث.
فقال لي: إنّ ذلك المتاع كان لأمّ عليّ و كانت ترى رأي الخوارج فأدرتها (1)ليلة الى الصبح أن ترجع عن رأيها، و تتولّى أمير المؤمنين عليه السلام فامتنعت عليّ، فلمّا أصبحت طلّقتها. (2)
ص:426
في استعماله عليه السلام الخضاب
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن العبّاس بن موسى الورّاق (1)، عن أبي الحسن عليه السلام قال: دخل قوم على أبي جعفر عليه السلام فرأوه مختضبا، فسألوه؟ فقال: إنّي رجل احبّ النساء فإنّما أتصنّع لهنّ. (2)
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن فضالة ابن أيّوب، عن معاوية بن عمّار قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام يختضب بالحنّاء خضابا قانيا. (3)
3-و عنه، عن أبي العباس محمّد بن جعفر، عن محمّد بن عبد الحميد (4)،
ص:427
عن سيف بن عميرة عن أبي شيبة الأسدي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن خضاب الشعر؟ .
فقال: خضب الحسين و أبو جعفر عليه السلام بالحنّاء و الكتم. (1)
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: كمنت مع أبي علقمة، و الحارث بن المغيرة، و أبي حسان عند أبي عبد اللّه عليه السلام، و علقمة مختضب بالحنّاء، و الحارث مختضب بالوسمة، و أبو حسّان لا يختضب، فقال كلّ رجل منهم: ما ترى في هذا رحمك اللّه يشير الى لحيته؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما أحسنه قالوا: أ كان أبو جعفر عليه السلام مختضبا بالوسمة؟
فقال: نعم ذلك حين تزوّج الثقفية أخذته جواريها فخضّبته. (2)
5-و عنه، بإسناده، عن ابن محبوب، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام يمضغ علكا (3)فقال: يا محمّد نقضت الوسمة أضراسي فمضغت هذا العلك لأشدّها قال: كانت استرخت فشدّها بالذهب. (4)
6-و عنه عن أبي عليّ الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال عن ثعلبة بن ميمون، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام:
نقضت الوسمة أضراسي. (5)
ص:428
في الحمّام و عمله فيه
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن منصور بن العبّاس (1)، عن حمزة بن عبد اللّه (2)، عن ربعي، عن عبيد اللّه الرافقي (3)، قال: دخلت حمّاما بالمدينة و اذا شيخ كبير و هو قيّم الحمّام، فقلت: يا شيخ لمن هذا الحمّام؟
فقال: لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ عليهما السلام فقلت:
كان يدخله؟ فقال: نعم، فقلت: كيف كان يصنع؟
قال: كان يدخل يبدأ فيطلي عانته و ما يليها، ثم يلفّ على أطراف إحليله
ص:429
و يدعوني فأطلي سائر بدنه، فقلت له يوما من الأيّام: الذي تكره أن أراه قد رأيته، فقال: كلاّ إنّ النورة سترة. (1)
2-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن اسماعيل بن يسار (2)، عن عثمان بن عفّان الدوسي (3)، عن بشير النبّال (4)، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحمّام فقال: تريد الحمام؟ قلت: نعم.
قال: فأمر بإسخان الحمّام، ثم دخل فاتّزر بإزار و غطّى ركبتيه و سرّته، ثم أمر صاحب الحمّام فطلى ما كان خارج الإزار، ثمّ قال: اخرج عنّي، فطلى ما هو تحته بيده، ثمّ قال: هكذا فافعل. (5)
3-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن عمر بن عليّ بن عمر بن يزيد (6)، عن عمّه محمّد بن عمر (7)، عن بعض من حدّثه أن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يدخل الحمّام إلاّ بمئزر.
ص:430
قال: فدخل ذات يوم هو الحمّام، فتنوّر، فلمّا أن أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر، فقال له مولى له: بأبي أنت و أمي إنّك لتوصينا بالمئزر و لزومه، و قد القيته عن نفسك؟
فقال: أ ما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة. (1)
4-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن فضالة، عن جميل بن درّاج، عن محمّد بن مسلم قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام جائيا من الحمّام و بينه و بين داره قذر، فقال: لو لا ما بيني و بين داري ما غسلت رجليّ و لا تجنّبت (2)ماء الحمّام. (3)
5-و عنه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن ابن بكير، عن زرارة قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام يخرج من الحمّام فيمضي كما هو لا يغسل رجليه حتى يصلّي. (4)
6-محمد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن ميسرة، عن الحكم بن عتيبة (5)قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام و قد أخذ الحنّاء و جعله على أظافيره، فقال: يا حسن ما تقول في هذا؟
فقلت: ما عسيت أن أقول فيه و أنت تفعله فإنّ عندنا يفعله الشبّان.
ص:431
فقال: يا حكم إنّ الأظافير إذا أصابتها النورة غيّرتها حتى تشبه أظافير الموتى فغيرها بالحنّاء. (1)
ص:432
في الأخذ من اللحية و التمشّط
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن المثنى (1)، عن سدير الصيرفي، قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام يأخذ عارضه و يبطّن لحيته (2). (3)
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان ابن عيسى، عن عبد اللّه بن مسكان، عن الحسن الزيّات، قال: رأيت أبا جعفر و قد خفّف لحيته. (4)
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن بعض أصحابه، عن أبي أيّوب الخرّاز، عن محمّد بن
ص:433
مسلم قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام و الحجّام يأخذ من لحيته فقال: دوّرها. (1)
4-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عبد اللّه بن سليمان، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام: عن العاج.
فقال: لا بأس به و إنّ لي منه مشطا (2). (3)
ص:434
في نصيحته و حسن مجلسه و تواضعه
1-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه اللّه، عن محمّد بن همّام، عن عبد اللّه بن العلا (1)، عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن حمّاد بن عيسى، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: جمعنا أبو جعفر عليه السلام فقال: يا بنيّ إيّاكم و التعرّض للحقوق، و اصبروا على النوائب، و إن دعاكم بعض قومكم الى أمر ضرره عليكم أكثر من نفعه لكم فلا تجيبوه. (2)
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، و عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا عن ابن محبوب، عن محمّد بن النعمان الأحول، عن سلاّم بن المستنير قال: كنت عند أبي جعفر
ص:435
عليه السلام فدخل عليه حمران بن أعين و سأله عن أشياء.
فلمّا همّ حمران بالقيام قال لأبي جعفر عليه السلام: اخبرك-أطال اللّه بقاءك لنا و أمتعنا بك-أنّا نأتيك فما نخرج من عندك حتّى ترقّ قلوبنا، و تسلوا (1)أنفسنا عن الدنيا، و يهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثمّ نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس و التجّار أحببنا الدنيا؟
قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إنّما هي القلوب مرّة تصعب و مرّة تسهل.
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: أما انّ أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قالوا: يا رسول اللّه نخاف علينا النفاق.
قال: فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و لم تخافون ذلك؟ قالوا: إذا كنّا عندك فذكّرتنا و رغّبتنا وجلنا و نسينا الدنيا، و زهدنا حتّى كأنّا نعاين الآخرة و الجنّة و النار، و نحن عندك، فإذا خرجنا من عندك و دخلنا هذه البيوت و شممنا الأولاد و رأينا العيال و الأهل يكاد أن نحوّل عن الحالة التي كنّا عليها عندك حتّى كأنّا لم نكن على شيء؟ أ فتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟
فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كلاّ إنّ هذه خطوات الشيطان فيرغّبكم في الدنيا، و اللّه لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة و مشيتم على الماء، و لو لا أنكم تذنبون فتستغفرون اللّه لخلق اللّه خلقا حتى يذنبوا، ثم يستغفروا اللّه فيغفر (اللّه) لهم: إنّ المؤمن مفتّن (2)تواب أ ما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ اَللّهَ يُحِبُّ اَلتَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ اَلْمُتَطَهِّرِينَ (3)و قال:
ص:436
اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (1). (2)
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن يحيى بن زكريّا، عن أبي عبيدة قال: كنت زميل (3)أبي جعفر عليه السلام و كنت أبدأ بالركوب، ثمّ يركب هو، فإذا استوينا سلّم وسائل مسائلة رجل لا عهد له بصاحبه و صافح.
قال: و كان إذا نزل نزل قبلي، فإذا استويت أنا و هو على الأرض سلّم وسائل مسائلة من لا عهد له بصاحبه.
فقلت: يا بن رسول اللّه إنّك لتفعل شيئا ما يفعله أحد من قبلنا، و إن فعل مرّة فكثير، فقال: أ ما علمت ما في المصافحة؟ إنّ المؤمنين يلتقيان فيصافح أحدهما صاحبه فلا تزال الذنوب تتحاتّ (4)عنهما كما تتحاتّ الورق عن الشجر، و اللّه ينظر إليهما حتّى يفترقا. (5)
4-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن أبي نصر، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: زاملت أبا جعفر عليه السلام في شقّ محمّل من المدينة الى مكة فنزل في بعض الطريق فلمّا قضى حاجته و عاد، قال: هات يدك يا أبا عبيدة، فناولته يدي فغمزها حتّى وجدت الأذى في أصابعي.
ثمّ قال: يا أبا عبيدة ما من مسلم لقي أخاه المسلم فصافحه و شبّك أصابعه في أصابعه إلاّ تناثرت عنهما ذنوبهما كما يتناثر الورق عن الشجر في اليوم
ص:437
5-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمر ابن عبد العزيز، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة، قال: زاملت أبا جعفر عليه السلام فحططنا الرحل، ثمّ مشى قليلا ثمّ جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة، فقلت: جعلت فداك أو ما كنت معك في المحمل؟
فقال: أو ما علمت أنّ المؤمن إذا جال جولة ثمّ أخذ بيد أخيه نظر اللّه إليهما بوجهه، فلم يزل مقبلا عليهما بوجهه و يقول للذنوب: تحاتّ عنهما فتتحاتّ يا ابا حمزة كما يتحاتّ الورق عن الشجر، فيفترقان و ما عليهما من ذنب. (3)
ص:438
في أنّه وصيّ أبيه عليهما السلام
1-ابن بابويه في كتاب «النصوص» على الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام، قال: حدّثني الحسين بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن الحسين البزوفري (1)، قال:
حدّثنا محمّد بن عليّ بن معمر (2)، قال: حدّثني عبد اللّه بن معبد (3)، قال: حدّثني محمّد بن عليّ بن طريف الحجري (4)، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن معمر، عن الزهري، قال: دخلت على عليّ بن الحسين عليهما السلام في المرض الذي توفّي فيه، إذ قدّم إليه طبق فيه خبز و الهندباء (5)فقال لي: كله.
ص:439
فقلت: قد أكلت يا ابن رسول اللّه.
قال: إنّه الهندباء.
قلت: و ما فضل الهندباء؟
قال: ما من ورقة من الهندباء إلاّ و عليها قطرة من ماء الجنة، فيه شفاء من كلّ داء.
قال: ثمّ رفع الطعام و أتي بالدهن، ثمّ قال: ادّهن (1)يا أبا عبد اللّه.
قلت: ادّهنت.
قال: إنّه هو البنفسج.
قلت: و ما فضل البنفسج على سائر الأدهان؟
قال: كفضل الاسلام على سائر الأديان.
قال: ثمّ دخل عليه محمّد ابنه فحدّثه طويلا بالسرّ فسمعته يقول فيما يقول: عليك بحسن الخلق.
قلت: يا بن رسول اللّه إن كان من أمر اللّه ما لا بدّ لنا منه، -و وقع في نفسي أنّه قد نعي نفسه-فإلى من يختلف بعدك؟
فقال: يا أبا عبد اللّه الى ابني هذا-و اشار الى محمّد ابنه-إنّه وصيّي و وارثي و عيبة علمي، معدن العلم، و باقر العلم.
قلت: يا بن رسول اللّه ما معنى باقر العلم؟
قال: سوف يختلف إليه خلاّص شيعتي، و يبقر العلم عليهم بقرا.
قال: ثم أرسل محمّدا ابنه في حاجة له الى السوق، فلمّا جاء محمّد قلت:
يا بن رسول اللّه هلاّ أوصيت الى أكبر أولادك؟
فقال: يا أبا عبد اللّه ليست الإمامة بالصغر و الكبر، هكذا عهد إلينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هكذا وجدناه مكتوبا في اللوح و الصحيفة.
ص:440
قلت: يا بن رسول اللّه فكم عهد إليكم نبيّكم أن يكون الأوصياء من بعده؟
قال: وجدنا في الصحيفة و اللوح اثني عشر إماما مكتوبة إمامتهم و أسامي آبائهم و امّهاتهم، ثمّ قال: يخرج من صلب محمّد ابني سبعة من الأوصياء فيهم المهديّ عليهم السلام. (1)
2-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن ادريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أبي القاسم الكوفي، عن محمّد بن سهل، عن ابراهيم بن أبي البلاد (2)، عن اسماعيل بن محمّد بن عبد اللّه بن عليّ بن الحسين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لمّا حضرت عليّ بن الحسين الوفاة، قبل ذلك أخرج سفطا أو صندوقا عنده، فقال: يا محمد احمل هذا الصندوق.
قال: فحمل بين أربعة، فلمّا توفّي جاء إخوته يدّعون ما في الصندوق، فقالوا: أعطنا نصيبنا في الصندوق.
فقال: و اللّه ما لكم فيه شيء و لو كان لكم فيه شيء ما دفعه إليّ و كان في الصندوق سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كتبه. (3)
3-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن عمران بن موسى (4)، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللّه، عن عيسى بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه
ص:441
قال: التفت عليّ بن الحسين عليهما السلام إلى ولده، و هو في الموت و هم مجتمعون عنده، ثمّ التفت الى محمّد بن علي فقال: يا محمّد هذا الصندوق اذهب به الى بيتك.
فقال: أما إنّه لم يكن فيه درهم و لا دينار و لكن كان مملوءا علما (1). (2)
4-و عنه، عن محمّد بن الحسن، عن سهل عن محمّد بن عيسى، عن فضالة بن أيّوب، عن الحسين بن أبي العلاء (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: إنّ عمر بن عبد العزيز كتب الى ابن حزم (4)أن يرسل إليه بصدقة عليّ عليه السلام و عمر و عثمان، و إنّ ابن حزم بعث الى زيد بن الحسن (5)عليه السلام و كان أكبرهم فسأله الصدقة فقال زيد: إنّ الوالي (6)كان بعد عليّ الحسن، و بعد الحسن الحسين، و بعد الحسين عليّ بن الحسين، و بعد عليّ بن الحسين محمّد بن عليّ، فابعث إليه.
فبعث ابن حزم الى أبي عليه السلام فأرسلني أبي بالكتاب إليه حتّى دفعته الى ابن حزم، فقال له بعضنا: يعرف هذا ولد الحسن عليه السلام؟
ص:442
قال: نعم كما يعرفون أنّ هذا ليل، و لكنّهم يحملهم الحسد و لو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيرا لهم، و لكنّهم يطلبون الدنيا.
و عنه، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عبد الكريم بن عمرو، عن ابن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان عمر بن عبد العزيز كتب الى ابن حزم، ثم ذكر مثله إلاّ أنّه قال: بعث ابن حزم الى زيد بن الحسن و كان أكبر من أبي عليه السلام.
و عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء مثله. (1)
ص:443
ص:444
في المفردات
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم (1)قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: إنّ الانسان إذا أدخل طعام سنة خفّ ظهره و استراح، و كان أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السلام لا يشتريان عقدة (2)حتّى يحرزا طعام سنتهما. (3)
2-و عنه، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، و محمّد بن اسماعيل عن الفضل ابن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ محمّد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام يدع خلفا أفضل منه حتى رأيت ابنه محمّد بن علي عليهما السلام فأردت أن أعظه فوعظني.
فقال له أصحابه: بأيّ شيء وعظك؟
قال: خرجت الى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيني أبو جعفر محمّد
ص:445
ابن علي عليهما السلام و كان رجلا بادنا ثقيلا، و هو متّكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذا الحال في طلب الدنيا أما لأعظنّه فدنوت منه فسلّمت عليه، فردّ عليّ السلام بنهر (1)و هو يتصابّ عرقا فقلت: أصلحك اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أ رأيت لو جاء أجلك و أنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟
فقال: لو جاءني الموت و أنا على هذه الحال جاءني و أنا في طاعة من طاعة اللّه عزّ و جلّ أكفّ بها على نفسي و عيالي عنك و عن الناس و إنّما كنت أخاف أن لو جاءني الموت و أنا على معصية من معاصي اللّه، فقلت: صدقت يرحمك اللّه أردت أن أعظك فوعظتني. (2)
و رواه المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني الشريف أبو محمّد الحسن بن محمّد قال: حدّثني جدّي، عن يعقوب بن يزيد، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ محمّد بن المنكدر، و ساق الحديث. (3)
و رواه أيضا من طريق المخالفين المالكي في «الفصول المهمة» . (4)
3-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن موسى بن الحسن (5)، عن
ص:446
أبي الحسن النهدي، رفعه قال: كان أبو جعفر عليه السلام إذا رأى جنازة قال:
الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم (1). (2)
4-و عنه، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة قال: حضر أبو جعفر عليه السلام جنازة رجل من قريش و أنا معه، و كان فيها عطاء (3)فصرخت صارخة فقال عطا لتسكتنّ أو لنرجعن قال:
فلم تسكت فرجع.
قال: فقلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّ عطاء قد رجع، قال: و لم؟
قلت: صرخت هذه الصارخة فقال لها: لتسكتنّ أو لنرجعنّ فلم تسكت فرجع.
فقال: امض بنا فلو أنّا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحقّ لم نقض حقّ مسلم.
فلمّا صلّى على الجنازة قال وليّها لأبي جعفر عليه السلام: ارجع مأجورا رحمك اللّه، فإنّك لا تقوى على المشي، فأبي أن يرجع.
قال: فقلت له: قد أذن لك في الرجوع و لي حاجة اريد أن أسألك عنها، قال: امض فليس بإذنه جئنا و لا بإذنه نرجع، إنّما هو فضل و أجر طلبناه بقدر ما يتبع الجنازة الرجل يوجر على ذلك. (4)
5-و عنه، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد، عن غير واحد، عن أبان، عن عبد اللّه بن عجلان (5)، قال: قام أبو جعفر عليه السلام على قبر رجل
ص:447
من الشيعة فقال: اللهمّ صل وحدته، و آنس وحشته، و أسكن إليه من رحمتك ما يستغني بها عن رحمة من سواك. (1)
6-و عن عدّة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة قال: كنت مع أبي جعفر عليه السلام في جنازة لبعض قرابته فلمّا أن صلّى على الميّت قال وليّه لأبي جعفر عليه السلام: ارجع يا أبا جعفر مأجورا و لا تعنّ لأنّك تضعف عن المشي.
فقلت: أنا لأبي جعفر عليه السلام: قد أذن لك في الرجوع فارجع، و لي حاجة أريد أن أسألك عنها، فقال لي أبو جعفر عليه السلام إنّما هو فضل و أجر فبقدر ما يمشي مع الجنازة يؤجر الذي يتبعها فأما بإذنه فليس باذنه جئنا و لا باذنه نرجع. (2)
7-و عنه، عن عليّ بن ابراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة قال: رأيت ابنا لأبي عبد اللّه عليه السلام في حياة أبي جعفر عليه السلام يقال له عبد اللّه فطيم (3)قد درج فقلت له يا غلام: من ذا الذي إلى جنبك لمولى لهم-؟
فقال: هذا مولاي، فقال له المولى يمازحه: لست لك بمولى، فقال: ذاك شرّ لك (4)، فطعن في جنانة الغلام (5)فمات فأخرج في سفط الى البقيع، فخرج أبو جعفر عليه السلام و عليه جبّة خزّ صفراء و عمامة خزّ صفراء، و مطرف خزّ أصفر، فانطلق يمشي الى البقيع و هو معتمد عليّ، و الناس يعزّونه على ابن ابنه.
ص:448
فلمّا انتهى الى البقيع تقدّم أبو جعفر عليه السلام فصلّى عليه، و كبّر عليه أربعا ثم أمر به فدفن، ثمّ أخذ بيدي فتنحّى بي ثمّ قال: إنّه لم يكن يصلّي على الأطفال إنّما كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يأمر بهم فيدفنون من وراء (1)و لا يصلّي عليهم و إنّما صلّيت عليه من أجل أهل المدينة كراهية أن يقولوا: لا يصلّون على أطفالهم. (2)
8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد ابن خالد و الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران (3)، عن ابن مسكان، عن زرارة قال: مات ابن لأبي جعفر عليه السلام فأخبر بموته فأمر به فغسّل و كفّن و مشى معه و صلّى عليه، و طرحت خمرة (4)فقام عليها ثم قام على قبره حتّى فرغ منه ثم انصرف و انصرفت معه حتّى أنّي لأمشي معه.
فقال: أما إنّه لم يكن يصلّي على مثل هذا و كان ابن ثلاث سنين كان عليّ عليه السلام يأمر به، فيدفن و لا يصلّي عليه، و لكنّ الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله، قال: قلت: فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال: إذا عقل الصلاة و كان ابن ستّ سنين.
قال قلت: فما تقول في الولدان (5)؟
فقال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنهم فقال: اللّه أعلم بما كانوا عاملين. (6)
ص:449
9-و عنه، عن محمّد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اتي أبي بالخمرة يوم الفطر فأمر بردّها ثمّ قال: هذا يوم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحب أن ينظر الى آفاق السماء و يضع وجهه على الأرض. (1)
10-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن الحارث بن محمّد الأحول (2)، عن بريد بن معاوية العجلي قال: كان أبو جعفر عليه السلام إذا أراد سفرا جمع عياله في بيت ثمّ قال: اللهم إنّي أستودعك نفسي و أهلي و مالي، و ولدي الشاهد منّا و الغائب.
اللهمّ احفظنا و احفظ علينا.
اللهمّ اجعلنا في جوارك.
اللهمّ لا تسلبنا نعمتك، و لا تغيّر ما بنا من عافيتك و فضلك. (3)
11-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السندي (4)، عن حمّاد بن عيسى، عن حسين بن المختار (5)، عن أبي عبيدة، قال: زاملت أبا جعفر عليه السلام فيما بين مكة و المدينة فلمّا انتهى الى الحرم اغتسل و أخذ نعليه بيده، ثمّ مشى في الحرم ساعة. (6)
ص:450
12-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض اصحابه قال: عطس رجل عند أبي جعفر عليه السلام فقال: الحمد للّه فلم يسمّته أبو جعفر عليه السلام و قال عليه السلام نقصنا حقّنا.
ثمّ قال: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و أهل بيته.
قال: فقال الرجل، فسمّته أبو جعفر عليه السلام. (1)
ص:451
ص:452
فهرس الموضوعات الموضوع الصفحة
المنهج الثالث في الإمام الثاني أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام 5
الباب الأوّل في شأنه في الأمر الأوّل 7
الباب الثاني في ميلاده عليه السلام 13
الباب الثالث في أنّ تسميته بالحسن عليه السلام و أخاه بالحسين عليه السلام من اللّه عزّ و جلّ 15
الباب الرابع في غزارة علمه في صغره عليه السلام 21
الباب الخامس في علمه عليه السلام بما سأله عنه ملك الروم 27
الباب السادس في علمه عليه السلام بغوامض العلم و جوابه السديد 33
الباب السابع في معرفته عليه السلام بلغات المدينتين 45
الباب الثامن في جواباته مع أبيه عليهما السلام من طريق المخالفين 49
الباب التاسع في عبادته عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة 53
الباب العاشر في جوده عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة 61
الباب الحادي عشر في هيبته في أعين الناس و سؤدده 67
ص:453
الباب الثاني عشر في أنّه و أخاه الحسين عليهما السلام يشبهان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من طريق الخاصّة و العامّة 69
الباب الثالث عشر في محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إيّاه من طريق المخالفين 73
الباب الرابع عشر في النصّ عليه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالإمامة و الوصاية في جملة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام 81
الباب الخامس عشر في النصّ عليه من أبيه عليه السلام بالوصاية 91
المنهج الرابع في الإمام الثالث أبي عبد اللّه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام 95
الباب الأوّل في شأنه في الأمر الأوّل 97
الباب الثاني و هو من الباب الأوّل 101
الباب الثالث في مولده عليه السلام 105
الباب الرابع في اشتقاق اسمه عليه السلام من اسم اللّه جلّ جلاله 113
الباب الخامس في أنّه عليه السلام ممّن لم يجعل اللّه عزّ و جلّ له من قبل سميّا 115
الباب السادس في ارتضاعه من إبهام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 117
الباب السابع فيما جاء فيه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مناقبه و محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له من طريق الخاصّة و العامّة 119
الباب الثامن فيما جاء فيه و في أخيه عليهما السلام و أنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة من طريق العامّة 129
الباب التاسع في شبهه عليه السلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من
ص:454
طريق العامّة 157
الباب العاشر في أنّه عليه السلام اعطي علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جملة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام 159
الباب الحادي عشر في علمه عليه السلام بلغات المدينتين ألف ألف لغة 165
الباب الثاني عشر في أدبه مع جدّه و أبيه و امّه و أخيه عليهم السلام 169
الباب الثالث عشر في صلاته عليه السلام على الناصب 175
الباب الرابع عشر في عبادته و محافظته على الصلاة و حجّه 177
الباب الخامس عشر في جوده عليه السلام 181
الباب السادس عشر ذكره عليه السلام ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أبيه و أخيه و نفسه عليهم السلام 187
الباب السابع عشر في حديثه مع معاوية و خلاصه من مكروهه 197
الباب الثامن عشر في أنّه عليه السلام وصيّ أخيه الحسن عليه السلام 203
الباب التاسع عشر في إقدامه على الشهادة مع علمه عليه السلام 211
الباب العشرون في احتجاجه على القوم الظالمين 217
الباب الحادي و العشرون في صبره عليه السلام 219
المنهج الخامس في الإمام الرابع أبي محمد علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب زين العابدين عليهم السلام 221
الباب الأوّل في شأنه في الأمر الأوّل 223
الباب الثاني أنّه عليه السلام ابن الخيرتين 229
الباب الثالث في أنّه عليه السلام ينادى يوم القيامة: ليقم زين العابدين 231
الباب الرابع في إقباله عليه السلام على اللّه سبحانه و تعالى في العبادة 235
الباب الخامس في أنّه عليه السلام السجّاد و ذو الثفنات 245
ص:455
الباب السادس في عبادته عليه السلام 247
الباب السابع في جوده عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة 257
الباب الثامن في حديث السائل الّذي أعطاه عليه السلام القرصين، و حديث البلخي زوج المرأة، و حديث الكابلي 267
الباب التاسع في حلمه من طريق الخاصّة و العامّة 275
الباب العاشر في خوفه عليه السلام من اللّه سبحانه و تعالى و انقطاعه له من طريق الخاصّة و العامّة 281
الباب الحادي عشر في وقت دعائه و أدعية له عليه السلام 291
الباب الثاني عشر في خوفه من اللّه سبحانه و تعالى مخافة القصاص 297
الباب الثالث عشر في أفضليّته عليه السلام من طريق الخاصّة 301
الباب الرابع عشر و هو من الباب الأوّل من طريق العامّة 311
الباب الخامس عشر في تواضعه عليه السلام 319
الباب السادس عشر أنّه وصيّ أبيه عليهما السلام 325
الباب السابع عشر في أنّ علي بن الحسين الباقي بعد أبيه عليهما السلام هو الكبير 327
الباب الثامن عشر في لباسه عليه السلام 335
الباب التاسع عشر في استعماله الطيب 337
الباب العشرون في حسن قراءته و حسن هيأته 339
الباب الحادي و العشرون في المفردات 341
المنهج السادس في الإمام الخامس أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الباقر عليه السلام 349
الباب الأوّل في شأنه في الأمر الأوّل 351
ص:456
الباب الثاني في أنّه عليه السلام ولد في زمن جدّه الحسين عليه السلام، و تسميته الباقر من جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أقرأ السلام عليه على لسان أبيه و جابر، و النصّ على إمامته في جملة الأئمّة الاثنى عشر 353
الباب الثالث في أنّ نشره عليه السلام للعلم و الفتيا بأمر اللّه سبحانه و تعالى 367
الباب الرابع في أنّ علمه عليه السلام عن اللّه عزّ و جلّ و عن رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 373
الباب الخامس في مجلسه للعلم و الفتيا و صغارة العلماء عنده و بحضرته و مرجعهم إليه عليه السلام 377
الباب السادس و هو من الباب الأوّل في الرواية بالعدد عنه عليه السلام 397
الباب السابع أنّه و الأئمّة عليهم السلام موضع سرّ اللّه جلّ جلاله 399
الباب الثامن في عبادته عليه السلام 401
الباب التاسع في شدّة يقينه و خوفه و خشوعه عليه السلام للّه سبحانه من طريق الخاصّة و العامّة 407
الباب العاشر في جوده عليه السلام 411
الباب الحادي عشر في المطعم و المشرب 415
الباب الثاني عشر في ملبسه عليه السلام 421
الباب الثالث عشر في استعماله عليه السلام الخضاب 427
الباب الرابع عشر في الحمّام و عمله فيه 429
الباب الخامس عشر في الأخذ من اللحية و التمشّط 433
الباب السادس عشر في نصيحته و حسن مجلسه و تواضعه 435
الباب السابع عشر في أنّه وصيّ أبيه عليهما السلام 439
الباب الثامن عشر في المفردات 445
ص:457
الكتب التي صدرت عن مؤسّسة المعارف الإسلاميّة 1-معجم أحاديث الإمام المهدي-عليه السلام-: ج 1-5.
2-تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي-عليه السلام-للسيّد هاشم البحراني.
3-آنگاه هدايت شدم (فارسي) -ترجمة ثمّ اهتديت-للدكتور التيجاني.
4-پيشينۀ سياسى فكرى وهابيت (فارسي) لمحمد إبراهيم الأنصاري اللاري.
5-كتاب الغيبة للشيخ الطوسي.
6-همراه با راستگويان (فارسي) -ترجمة لأكون مع الصادقين-للدكتور التيجاني.
7-حلية الأبرار للسيّد هاشم البحراني: ج 1-3.
8-در جستجوى حقيقت (فارسي) -ترجمة حقيقة الشيعة-للدكتور أسعد وحيد القاسم.
9-مدينة معاجر الأئمّة الاثني عشر للسيّد هاشم البحراني: ج 1،2.
10-از آگاهان بپرسيد (فارسي) -ترجمة فاسألوا أهل الذكر-للدكتور التيجاني.
11-شرح خطبۀ متّقين در نهج البلاغة (فارسي) -للسيّد مجتبى علوي تراكمه اي.
12-مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام للشهيد الثاني: ج 1.
ص:458
قيد الطبع 1-مدينة معاجز الأئمّة الاثنى عشر للسيّد هاشم البحراني: ج 3.
2-مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام للشهيد الثاني: ج 2،3.
3-تناسب الآيات (فارسي) -ترجمة لبعض كتاب التمهيد للشيخ محمد هادي معرفة.
ص:459
قيد التحقيق و الترجمة 1-الأحاديث الغيبية.
2-الأئمّة اثنا عشر-عليهم السلام-كلّهم من قريش.
3-فهارس معجم أحاديث الامام المهدي-عليه السلام-.
4-مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام للشهيد الثاني: ج 4.
5-حلية الأبرار للسيّد هاشم البحراني: ج 4.
6-مدينة معاجز الأئمّة الاثنى عشر للسيّد هاشم البحراني: ج 4.
7-خطب النبيّ-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-.
8-نظام سياسى در اسلام (فارسي) -ترجمة النظام السياسي في الإسلام- للمحامي أحمد حسين يعقوب.
ص:460
سرشناسه : بحراني، هاشم بن سليمان، - 1107؟ق
عنوان و نام پديدآور : حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام/ تاليف هاشم البحراني؛ تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي
مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلاميه، [ 13] - 1415ق. = 1373.
مشخصات ظاهري : ج 5
فروست : (بنياد معارف اسلامي؛ 15، 16)
شابك : بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4)
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.
يادداشت : چاپ اول: 1372؛ 4200 ريال (ج. )3
يادداشت : جلد چهارم (1372)؛ بها: 600 ريال
يادداشت : ج. 1 (چاپ اول: 2200 :1369 ريال)
يادداشت : كتابنامه
موضوع : چهارده معصوم
شناسه افزوده : مولانا بروجردي، غلامرضا، مصحح
شناسه افزوده : بنياد معارف اسلامي
رده بندي كنگره : BP36/ب 3ح 8
رده بندي ديويي : 297/95
شماره كتابشناسي ملي : م 73-3586
ص: 1
حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام
تاليف هاشم البحراني
تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي
ص :2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :3
جمیع حقوق الطبع والنشر محفوظه
لموسسه المعارف الاسلامیه
ایران - قم المقدسه
ص.ب.27185/768
تلفون 32009
ص :4
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّاهرين.
و بعد فهذا المنهج السّابع في الإمام السادس أبي عبد اللّه الصادق جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام و فيه ثلاثون بابا.
الباب الأوّل-في شأنه عليه السلام في الأمر الأوّل.
الباب الثاني-في علّة تسميته الصادق عليه السلام.
الباب الثالث-في شدّة يقينه و تعظيمه للّه جل جلاله.
الباب الرّابع-في أنّ علمه عليه السلام عن اللّه سبحانه و عن رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
الباب الخامس-في أنّ نشره للعلوم و الفتيا بأمر اللّه جل و عزّ إسمه و شأنه.
الباب السّادس-في سعة مجلسه للعلم و أخذ علماء الأمّة عنه و رجوعهم إليه عليه السلام.
ص:5
الباب السابع-في مجلس له عليه السلام مع أبي حنيفة و غيره من المخالفين.
الباب الثامن و هو من الباب الأوّل من طريق المخالفين.
الباب التاسع-في الرّواية عنه عليه السلام بالعدد.
الباب العاشر-في أنّ مجلسه عليه السلام أنبل المجالس.
الباب الحادي عشر-في حلمه عليه السلام و عفوه.
الباب الثّاني عشر-في أمره مع المنصور.
الباب الثّالث عشر-في إبتلائه بالمرض.
الباب الرّابع عشر-في عبادته عليه السلام.
الباب الخامس عشر-في جوده عليه السلام.
الباب السّادس عشر-في صدقته و كيفيّة إعطاء السائل.
الباب السابع عشر-في مطعمه مشربه عليه السلام.
الباب الثامن عشر-في آداب المائدة من ذكر اللّه تعالى عزّ و جلّ و غير ذلك.
الباب التاسع عشر-في إكرامه عليه السلام الضيف.
الباب العشرون-في عمله عليه السلام بيده و تعرضه للرزق و حسن تقدير المعيشة.
الباب الحادي و العشرون-في لباسه عليه السلام.
الباب الثاني و العشرون-فيما يقوله من الدعاء عند قرائة القرآن، و عند رؤية هلال شهر رمضان، و عند النوم و الإنتباه، و إذا أصبح و إذا خرج من المنزل و غير ذلك.
ص:6
الباب الثالث و العشرون-فيما يقوله عليه السلام إذا خرج إلى مكة، و عند نحر الهدي و في الكعبة و الخروج منها و عند دخوله على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و دعاؤه لزوّار الحسين عليه السلام.
الباب الرابع و العشرون-في تعظيم الناس له عليه السلام و قبول شفاعته.
الباب الخامس و العشرون-في الأخذ من الشارب و التمشّط.
الباب السادس و العشرون-في الحمّام و عمله عليه السلام فيه و التنوّر و أخذ الإبط.
الباب السابع و العشرون-في أنّه عليه السلام لا تأخذه في اللّه تعالى لومة لائم في إظهار الحق.
الباب الثامن و العشرون-في أنّه عليه السلام وصيّ أبيه عليه السلام.
الباب التاسع و العشرون-في صبره عليه السلام و رضاه بقضاء اللّه تعالى بأحسن القبول.
الباب الثلاثون-في حديثه عليه السلام مع القدري.
ص:7
ص:8
في شأنه عليه السلام في الأمر الأوّل
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن عبد اللّه بن إسحق العلوي، عن محمّد بن زيد الرّزامي، عن محمّد بن سليمان الدّيلمي، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل، قال: إنّه لمّا كانت الليلة الّتي علق فيها بجدّي أتى آت جدّ أبي بكاس فيه شربة أرقّ من الماء، و ألين من الزبد، و أحلى من الشهد، و أبرد من الثّلج و أبيض من اللبن، فسقاه إيّاه و أمره بالجماع، فقام فجامع فعلق بجدّي و لمّا أن كانت الليلة الّتي علق فيها بأبي أتى آت جدّي فسقاه كما سقى جدّ أبي و أمره بمثل الّذي أمره، فقام فجامع فعلق بأبي، و لمّا أن كانت الليلة التي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم، و أمره بالّذي أمرهم به فقام فجامع فعلق بي، و لمّا أن كانت الليلة الّتي علق فيها بإبني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم، فقمت و يعلم اللّه أنّي مسرور (1)بما يهب اللّه لي، فجامعت فعلق بإبني هذا المولود، فدونكم فهو و اللّه صاحبكم من بعدي يعني موسى عليه السلام.
ص:9
و هذا الحديث بتمامه قد تقدّم و غيره من الأحاديث في هذا المعنى في الباب الأوّل من المنهج الخامس في أبي الحسن عليّ بن الحسين عليه السلام فتؤخذ الأحاديث من هناك. (1)
ص:10
في علة تسميته عليه السلام بالصادق
1-إبن بابويه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن هرون الصوفي، قال: حدّثنا أبو بكر عبيد اللّه بن موسى الحبّال الطبري، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الخشّاب، قال:
حدّثنا محمّد بن الحصين، قال: حدّثنا المفضّل إبن عمر، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، عن علي، بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذ ولد إبني جعفر ابن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فسمّوه الصادق، فإنّه سيكون في ولده سمي له يدّعي الإمامة بغير حقّها و يسمى كذّابا. (1)
2-و عنه، قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق، قال: حدّثنا محمّد ابن هارون الصوفي، عن عبد اللّه بن موسى، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا صفوان بن يحيى عن إبراهيم (2)بن أبي زياد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت
ص:11
على سيّدي عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام فقلت له: يابن رسول اللّه أخبرني بالّذين فرض اللّه عزّ و جلّ طاعتهم و مودّتهم و أوجب على عباده الإقتداء بهم بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال لي يا كابلي (1)إنّ اولي الأمر الّذين جعلهم اللّه عزّ و جلّ أئمّة للناس و أوجب عليهم طاعتهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام «ثمّ الحسن، ثم الحسين إبناء عليّ بن أبي طالب» ثم انتهى الأمر إلينا ثمّ سكت.
فقلت يا سيّدي (2)روي لنا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه جلّ و عزّ على عباده، فمن الحجّة و الإمام بعدك؟
فقال: إبني محمّد و إسمه في التوراة باقر يبقر العلم بقرا، هو الحجّة و الإمام بعدي، و من بعد محمّد إبنه جعفر، و إسمه عند أهل السماء الصّادق.
فقلت له: يا سيّدي فكيف صار إسمه الصّادق، و كلكم صادقون.
قال: حدّثني أبي عن أبيه عليه السلام: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إذا ولد إبني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام فسمّوه الصّادق، فإنّ الخامس من ولده الّذي إسمه جعفر يدّعي الإمامة إجتراء على اللّه عزّ و جلّ و كذبا عليه، فهو عند اللّه جعفر الكذّاب المفتري على اللّه و المدّعي لما ليس له
ص:12
بأهل، المخالف على أبيه، و الحاسد على (1)أخيه الّذي (2)يروم كشف سرّ اللّه عند غيبة وليّ اللّه عزّ و جل.
ثمّ بكى عليّ بن الحسين عليه السلام بكاءا شديدا ثمّ قال: كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ اللّه و المغيّب في حفظ اللّه، و الموكّل بحرم أبيه، جهلا منه بولادته، و حرصا منه على قتله إن ظفر به، طمعا في ميراث أخيه (3)حتى يأخذه بغير حقّ.
قال أبو خالد: فقلت له: يابن رسول اللّه و إنّ ذلك لكائن؟ فقال: إيّ و ربّي إنّه لمكتوب عندنا في الصحيفة الّتي فيها ذكر المحن الّتي تجري علينا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال أبو خالد: (فقلت:) يا ابن رسول اللّه ثمّ ماذا يكون؟ قال: تمتدّ الغيبة بولّي اللّه عزّ و جلّ الثّاني عشر من أوصياء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة بعده عليهم السلام.
يا أبا خالد إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، و المنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنّ اللّه تبارك و تعالى أعطاهم من العقول و الأفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالسيف، أولئك هم المخلصون حقّا و شيعتنا
ص:13
صدقا، و الدعاة إلى دين اللّه عزّ و جلّ سرّا و جهرا و قال عليّ بن الحسين عليه السلام: إنتظار الفرج من أفضل العمل. (1)
ص:14
في شدّة يقينه عليه السلام و تعظيمه للّه جلّ جلاله و لرسوله
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خشوعه و خوفه
1-إبن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي اللّه قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، قال: حدّثنا أبو أحمد (1)محمّد بن زياد الأزدي قال:
سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يقول: كنت أدخل على الصّادق عليه السلام جعفر بن محمّد عليهما السلام فيقدّم لي مخدّة و يعرف لي قدرا و يقول: يا مالك إنّي احبك فكنت اسّر بذلك و أحمد اللّه عزّ و جلّ عليه قال: و كان عليه السلام لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إمّا صائما و إمّا قائما، و إمّا ذاكرا، و كان من عظماء العبّاد و أكابر، الزهّاد الذين يخشون اللّه عزّ و جلّ، و كان كثير الحديث، طيّب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إخضرّ مرة و إصفرّ مرة اخرى حتى ينكره من يعرفه، و لقد حججت معه سنة فلمّا إستوت به
ص:15
راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية إنقطع الصوت في حلقه و كاد أن يخرّ من راحتله فقلت: قل يابن رسول اللّه، و لا بدّ لك من أن تقول.
فقال: يا بن أبي عامر كيف أجسر أن أقول: لبيّك أللهمّ لبيّك و أخشى أن يقول عزّ و جلّ: لا لبيّك و لا سعديك (1).
2-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن (2)بن علي بن يقطين، عن أسد (3)بن أبي العلاء عن محمّد بن الفضيل، عمّن رأى أبا عبد اللّه عليه السلام و هو محرم، قد كشف عن ظهره حتّى أبداه للشمس، و هو يقول: لبيّك في المذنبين لبيّك (4).
3-ابن بابويه قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال:
حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدّثنا محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، قال كان الصادق عليه السلام يدعو بهذا الدعاء:
إلهي كيف أدعوك و قد عصيتك! و كيف لا أدعوك و قد عرفتك! حبّك في قلبي و إن كنت عاصيا، مددت إليك يدا بالذنوب مملوّة، و عيناي بالرجاء ممدودة، مولاي أنت عظيم العظماء و أنا أسير الاسراء، أنا
ص:16
أسير بذنبي، مرتهن بجرمي، إلهي لئن طالبتني بذنبي لاطالبنّك بكرمك، و لئن طالبتني بجريرتي لاطالبنّك بعفوك، و لئن أمرت بي إلى النار لاخبرنّ أهلها أنّي كنت أقول: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أللّهمّ إن الطاعة تسرّك و المعصية لا تضرّك، فهب لي ما يسرّك و إغفر لي ما لا يضرّك يا أرحم الراحمين (1).
4-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن إبراهيم بن إسحق الأحمر، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن عمر بن يزيد، قال: أتى رجل أبا عبد اللّه عليه السلام يقتضيه، و أنا عنده حاضر، فقال له: ليس عندنا اليوم شيء و لكن يأتينا خطر و وسمة (2). فتباع و نعطيك إن شاء اللّه.
فقال له الرّجل: عدني.
فقال له: كيف أعدك و أنا لما لا أرجو أرجى منّي لما أرجو (3).
5-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن سنان، عن أبي هارون مولى آل جعدة (4)قال: كنت جليسا لأبي عبد اللّه عليه السلام بالمدينة ففقدني أيّاما، ثمّ إنّي جئت إليه، فقال لي: لم أرك منذ أيّام يا أبا هارون؟
ص:17
فقلت: ولد لي غلام.
فقال: بارك اللّه لك فيه فما سميّته؟
قلت: سمّيته محمّدا قال: فأقبل بخدّه نحو الأرض و هو يقول:
محمّد محمّد محمّد حتّى كاد يلصق خدّه بالأرض، ثمّ قال: بنفسي و بولدي و بأهلي و بأبوي و بأهل الأرض كلّهم جميعا الفداء لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لا تسبّه، و لا تضربه و لا تسيء إليه، و إعلم أنّه ليس في الأرض دار فيها إسم فيها إسم محمّد إلاّ و هي تقدّس كلّ يوم (1).
6-و عنه عن أبي علي الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا عن إبن (2)فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبيد بن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول و ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: أللهمّ إنّك تعلم أنّه أحبّ إلينا من الآباء و الامّهات و الماء البارد (3).
7-و عنه عن عليّ بن إبراهيم، عن صالح (4)بن السندي، عن جعفر ابن بشير، عن صباح (5)الحذّاء، عن أبي اسامة، قال: زاملت أبا عبد اللّه
ص:18
عليه السلام قال: فقال لي: إقرء، قال: فافتتحت سورة من القرآن فقرأتها فرّق و بكى.
ثمّ قال: يا أبا اسامة أرعوا (1)قلوبكم بذكر اللّه عزّ و جلّ، و إحذروا النكت، فإنّه يأتي على القلب تارات أو ساعات الشك من صباح، ليس فيه إيمان و لا كفر، شبه الخرقة البالية أو العظم النخر.
يا أبا أسامة أليس ربما تفقّدت قلبك فلا تذكر به خيرا و لا شرا و لا تدري أين هو؟
قال: قلت له: بلى إنّه ليصيبني و أراه يصيب الناس، قال: أجل ليس يعرى منه أحد.
قال: فإذا كان ذلك فاذكروا اللّه عزّ و جل و إحذروا النكت، فإنّه إذا أراد بعبد خيرا نكت إيمانا، و إذا أراد به غير ذلك نكت غير ذلك.
قال: قلت: ما غير ذلك جعلت فداك ما هو؟
قال: إذا أراد كفرا نكت كفرا (2).
ص:19
ص:20
في أنّ علمه عليه السلام عن اللّه سبحانه و عن رسول اللّه
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: أخبرني المظفّر (1)بن أحمد البلخي، قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام الإسكافي، قال: أخبرني أبو جعفر أحمد (2)بن مابندار، أنّ منصور بن العبّاس القصباني حدّثهم عن الحسن بن علي الخزّاز، عن عليّ بن عقبة، عن سالم بن أبي حفصة، قال: لمّا هلك أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام قلت لأصحابي: أنظروني حتى أدخل علي أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام فاعزّيه به، فدخلت عليه فعزّيته، ثمّ قلت: إنّا للّه و إنا إليه راجعون، ذهب و اللّه من كان يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا يسئل عن من بينه و بين رسول اللّه
ص:21
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و اللّه لا يرى مثله أبدا.
قال: فسكت أبو عبد اللّه عليه السلام ساعة ثمّ قال: قال اللّه تعالى:
إنّ من عبادي من يتصدّق بشقّ من تمرة فأربيّها له كما يرّبي أحدكم فلوه حتى أجعلها له مثل جبل أحد فخرجت إلى أصحابي، فقلت: ما رأيت أعجب من هذا، كنّا نستعظم قول أبي جعفر عليه السلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلا واسطة، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:
قال اللّه تعالى بلا واسطة (1).
و رواه المفيد في «أمالية» عن سالم بن أبي حفصة عن الصّادق عليه السلام بالسند و المتن.
2-ابو عليّ الطبرسي في «إعلام الورى» و عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» إن الصادق عليه السلام كان يقول: حديثي حديث أبي، و حديث أبي حديث جدّي، و حديث جدّي حديث عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، و حديث عليّ حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حديث رسول اللّه قول اللّه عزّ و جلّ (2).
ص:22
في أنّ نشره عليه السلام للعلم و الفتيا
بأمر اللّه جلّ جلاله
1-الشيخ في «أماليه» قال: حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه الغضايري، قال: أخبرنا أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الحسين الكناني، عن جدّه عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام إنّ اللّه جلّ إسمه أنزل على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كتابا قبل أن يأتيه الموت، فقال: يا محمّد هذا الكتاب وصيّتك الى النجيب من أهلك.
قال: و من النجيب من أهلي يا جبرائيل؟
فقال: عليّ بن أبي طالب عليه السلام و كان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى عليّ عليه السلام و أمره أن يفكّ خاتما منها و يعمل بما فيه ففكّ عليّ عليه السلام خاتما منها و عمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى إبنه الحسن عليه السلام ففكّ خاتما و عمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى اخيه الحسين عليه السلام ففكّ خاتما و عمل بما فيه، فوجد فيه: أن اخرج بقوم إلى الشهادة و لا شهادة لهم إلاّ
ص:23
معك و إشر نفسك للّه عزّ و جلّ ففعل: ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليه السلام، ففكّ خاتما فوجد فيه: أصمت و إلزم منزلك و أعبد ربك حتى ياتيك اليقين، ففعل، ثمّ دفعه إلى محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام ففكّ خاتما فوجد فيه: حدّث الناس و أفتهم و لا تخافنّ أحدا إلاّ اللّه فإنّه لا سبيل لأحد عليك، ثم دفعه إليّ ففككت خاتما فوجدت فيه: حدّث الناس و أفتهم و انشر علوم أهل بيتك و صدّق آبائك الصالحين و لا تخافنّ أحدا إلاّ اللّه، فأنت في حرز و أمان، ففعلت ثم أدفعه إلى موسى ابن جعفر، و كذلك يدفعه إلى من بعده، ثمّ كذلك إلى القائم (1)المهدي (2).
و الروايات في معنى هذا الحديث تقدّم ذكرها في الباب الثالث من منهج السّادس في أبي جعفر عليه السلام.
ص:24
في سعة مجلسه عليه السلام للعلم و أخذ علماء
العامّة منه و رجوعهم اليه
1-محمّد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عليّ بن الحكم عن معاوية بن وهب عن زكريا بن إبراهيم، قال:
كنت نصرانيّا فأسلمت و حججت، فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام بمنى، و الناس حوله كأنّه معلّم صبيان، هذا يسأله و هذا يسأله (1).
2-و قال الشيخ المفيد في «إرشاده» : نقل الناس عن الصادق عليه السلام من العلوم ما سارت به الركبان و إنتشر ذكره في البلدان. و لم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه، و كذا أهل الآثار و نقلة الأخبار، و لا نقلوا عنهم ما نقلوا عن أبي عبد اللّه عليه السلام، فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على إختلافهم في الآراء و المقالات فكانوا أربعة آلاف رجل، و كان له عليه السلام من الدلائل الواضحة في إمامته ما بهرت القلوب و أخرست المخالف عن
ص:25
الطعن فيها بالشبهات (1).
3-و قال الشيخ الفاضل محمّد بن عليّ بن شهراشوب في كتاب «الفضائل» : أخذ من مشهوري أهل العلم من جعفر بن محمّد عليهما السلام أربعة آلاف إنسان فيهم أبو حنيفة، و مالك، و محمّد، و قد روى عنه الشافعي، و احمد، و صنّف من جواباته مأة كتاب و هي معروفة بكتب الاصول (2).
4-و قال الشيخ أبو علي الطبرسي في كتاب «إعلام الورى» قال:
كان الصّادق عليه السلام أعلم أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في زمانه بالإتّفاق و أنبئهم ذكرا و أعلاهم قدرا و أعظمهم مقاما عند الخاصّة و العامّة، و لم ينقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه، و إنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقاة على اختلافهم في المقالات و الديانات فكانوا أربعة آلاف رجل (3).
5-و ذكر الشيخ الطوسي في «الفهرست» و النجاشي في كتاب «الرجال» أن لأحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة «كتاب الرجال» فيمن روى عن الصادق عليه السلام (4).
6-و قال كمال الدين محمّد بن طلحة الشامي في كتاب «مطالب السؤل» و هو من أعيان علماء العامّة: أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد
ص:26
الصادق بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ذو علوم جمّة، و عبادة موفورة، و أوراد متواصلة، و زهادة بيّنة، و تلاوة كثيرة و يتبع معاني القرآن الكريم، و يستخرج من بحره جواهره، و يستنتج عجائبه، و يقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة و إستماع كلامه يزهد في الدنيا، و الإقتداء بهداه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، و طهارة أفعاله يصدع أنّه من ذرية الرسالة، نقل عنه الحديث و إستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمة و أعلامهم، مثل يحيى (1)بن سعيد الأنصاري و إبن جريح (2)، و مالك بن انس، و الثوري، و إبن عيينة، و أبي حنيفة، و شعبة، و أبي أيوب السجستاني، و غيرهم، و أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها و فضيلة إكتسبوها (3).
7-و من أعيان العامّة المالكي في «فصول المهمّة» قال: كان جعفر ابن محمّد الصّادق عليهما السلام من بين أخوته خليفة أبيه و وصيّه و القائم بالإمامة من بعده، برز على جماعة بالفضل، و كان أنبههم ذكرا و أجلّهم قدرا، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان و إنتشر صيته، و ذكره في سائر البلدان، و لم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث، روى عنه جماعة من أعيان الامّة و أعلامهم
ص:27
مثل يحيى بن سعيد، و إن جريح، و مالك بن أنس، و الثوري، و إن عيينة، و أبي حنيفة، و شعبة، و أبي أيّوب السجستاني و غيرهم، وصّي إليه أبو جعفر بالإمامة و غيرها (1).
8-و من أعيان العامّة الشهرستاني في كتاب «الملل و النحل» قال:
أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق رضي اللّه عنه، و هو ذو علم غريز في الدين، و أدب كامل في الحكمة، و زهد بالغ في الدنيا، و ورع تامّ عن الشهوات، و قد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه و يفيض على الموالين له أسرار العلوم (2).
قال مؤلّف هذا الكتاب: العجب كلّ العجب من المخالفين حيث ذكروا أنّ أئمّتهم و هو أبو حنيفة و مالك و غيرهما من أئمّتهم أخذوا العلم عن الصادق عليه السلام و يعدّون ذلك شرفا و فضيلة إكتسبوها و مع ذلك كلّه تركوا الهادي و العالم! و إتّبعوا طالب الهداية و المتعلّم، و اللّه سبحانه و تعالى قال في كتابة هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (3)و قال سبحانه أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى (4).
و انظر أيّها الأخ إلى ما ذكر هؤلاء المخالفون في صفات سيّدنا و إمامنا و مقتدانا الصادق عليه السلام من الصفات الحسنى التي لم
ص:28
يذكروها لأئمّتهم، و لم يصلها ساداتهم، و كبرائهم الّذين بهم ضلّوا السبيل بعد ما عاينوا الحق فضلّوا أيّ تضليل فنعوذ باللّه سبحانه من العمى بعد الإستبصار، و الغواية بعد الاستظهار، و تراهم وافقونا على الحقّ و خالفونا بعد البيان، و إتّبعوا الشيطان بوساوس الخسران، و الحمد للّه ربّ العالمين و العاقبة للمتقين، و ما أشبه رجوع هؤلاء المخالفين الى هذا الإمام المنصوب من جهة اللّه جلّ جلاله الصادق عليه السلام برجوع أبي بكر و عمر إلى الإمام عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام كما هو مسطور في كتب المخالفين.
ص:29
ص:30
في مجلس له عليه السلام مع أبي حنيفة
و غيره من المخالفين
1-ابن بابويه عن أبيه و محمّد بن الحسن قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، قال: حدّثنا أبو زهير (1)بن شبيب إبن أنس عن بعض (2)أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه غلام من كندة فإستفتاه في مسألة فأفتاه فيها، فعرفت الغلام و المسألة فقدمت الكوفة، فدخلت على أبي حنيفة فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه فيها أبو عبد اللّه عليه السلام، فقمت إليه فقلت: ويلك يا أبا حنيفة إنّي كنت العام حاجّا فأتيت أبا عبد اللّه عليه السلام مسلّما عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته.
فقال: و ما يعلم جعفر بن محمّد، أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال و سمعت من أفواههم، و جعفر بن محمّد صحفي، أخذ العلم من الكتب
ص:31
فقلت في نفسي: و اللّه لأحجّن و لو حبوا (1)قال: فكنت في طلب حجّة فجائتني حجّة فحججت فأتيت أبا عبد اللّه عليه السلام فحكيت له الكلام، فضحك ثمّ قال عليه السلام: عليه لعنة اللّه أمّا في قوله: إنّي رجل صحفي فقد صدق، قرأت صحف آبائي إبراهيم و موسى فقلت له: و من له بمثل تلك الصحف؟
قال: فما لبثت أن طرق الباب طارق و كان عنده جماعة من أصحابه فقال للغلام: انظر من ذا؟ فرجع الغلام فقال: أبو حنيفة.
قال: أدخله، فدخل و سلّم على أبي عبد اللّه عليه السلام فردّ عليه، ثمّ قال: أصلحك اللّه أتاذن لي في القعود؟ فأقبل على أصحابه يحدّثهم و لم يلتفت اليه ثمّ قال الثانية و الثالثة فلم يلتفت إليه، فجلس أبو حنيفة من غير اذنه.
فلمّا علم أنّه قد جلس إلتفت إليه فقال: أين أبو حنيفة؟
فقال: هو ذا أصلحك اللّه.
فقال: أنت فقيه أهل العراق؟
قال: نعم، قال: فبما تفتيهم؟
قال: بكتاب اللّه و سنّة نبيّه.
قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب اللّه حق معرفته و تعرف الناسخ و المنسوخ؟ قال: نعم.
قال: يا ابا حنيفة لقد إدّعيت علما ويلك ما جعله اللّه ذلك إلاّ عند
ص:32
أهل الكتاب الذين انزل عليهم، ويلك و لا هو إلاّ عند الخاصّ من ذريّة نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما ورثك اللّه من كتابه حرفا، فإن كنت كما تقول: و لست كما تقول، فأخبرني عن قول اللّه عز و جل: سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (1)أين ذلك من الأرض؟
قال: أحسبه ما بين مكّة و المدينة، فإلتفت أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابه فقال: تعلمون أنّ الناس يقطع عليهم بين المدينة و مكّة فتؤخذ أموالهم و لا يؤمنون على أنفسهم و يقتلون؟
قالوا: نعم.
قال: فسكت أبو حنيفة.
فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (2)اين ذلك من الأرض؟
قال: الكعبة.
قال: أفتعلم أنّ الحجّاج (3)بن يوسف حين وضع المنجنيق على إبن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها؟
قال: فسكت، ثمّ قال له: يا أبا حنيفة إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب اللّه و لم يات به خبر و لا أثر (4)كيف تصنع؟
فقال: أصلحك اللّه أقيس و أعمل فيه برأيي قال: يا أبا حنيفة إنّ
ص:33
أوّل من قاس إبليس الملعون، قاس على ربّنا تبارك و تعالى، فقال أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (1)فسكت أبو حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة أيّما أرجس البول أو الجنابة؟
فقال: البول؟
فقال: فما بال الناس يغتسلون من الجنابة و لا يغتسلون من البول؟
فسكت، فقال: يا أبا حنيفة أيّما أفضل الصّلوة أم الصّوم.
قال: الصلوة.
قال: فما بال الحائض تقضي صومها و لا تقضي صلوتها؟
فسكت.
فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن رجل كانت له امّ ولد و له منها إبنة و كانت له حرّة لا تلد فزارت الصبيّة بنت أم الولد أباها فقام الرجل بعد فراغه من صلوة الفجر فواقع أهله التي لا تلد و خرج إلى الحمام فأرادت الحرّة ان تكيد امّ الولد و إبنتها عند الرجل فقامت إليها بحرارة ذلك الماء فوقعت عليها و هي نائمة فعالجتها كما يعالج الرجل المراة فعلقت، أي شيء عندك فيها قال: لا و اللّه ما عندي فيها شيء.
فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن رجل كانت له جارية فزوّجها من مملوك له و غاب المملوك فولد له من أهله مولود و ولد للمملوك مولود من امّ ولد له فسقط البيت على الجاريتين و مات المولى من الوارث؟
فقال: جعلت فداك لا و اللّه ما عندي فيها شيء.
ص:34
فقال أبو حنيفة: أصلحك اللّه إنّ عندنا قوما بالكوفة يزعمون أنّك تأمرهم البراءة من فلان و فلان و فلان.
فقال: ويلك يا أبا حنيفة لم يكن هذا معاذ اللّه، فقال: أصلحك اللّه إنّهم يعظّموه الأمر فيهما.
قال: فما تأمرني؟
قال: تكتب إليهم، قال: بماذا؟
قال: تسألهم الكفّ عنهما.
قال: لا يطيعوني.
قال: بلى أصلحك اللّه إذا كنت أنت الكاتب و أنا الرسول أطاعوني.
فقال: يا أبا حنيفة أبيت إلاّ جهلا، كم بيني و بين الكوفة من الفراسخ؟
قال: أصلحك اللّه ما لا يحصى.
فقال: كم بيني و بينك؟
قال: لا شيء.
قال: أنت دخلت علي في منزلي فاستأذنت في الجلوس ثلاث مرّات فلم آذن لك فجلست بغير إذن خلافا عليّ كيف يطيعوني أولئك و هم هناك و أنا ههنا؟ !
قال: فقبل رأسه و خرج و هو يقول: أعلم الناس و لم نره عند عالم.
فقال: أبو بكر الحضرمي: جعلت فداك الجواب في المسئلتين الاوليين.
ص:35
فقال عليه السلام: يا أبا بكر سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ فقال: مع قائمنا أهل البيت، و أمّا قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً فمن بايعه و دخل معه و مسح على يده و دخل في عقد أصحابه كان آمنا (1).
2-و عنه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه الرازي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن سفيان (2)الجريري، عن معاذ (3)بن بشر، عن يحيى العامري، عن إبن أبي ليلى (4)قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و معي النّعمان (5)، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: من الّذي معك؟ فقلت: جعلت فداك هذا.
رجل من أهل الكوفة له نظر و نقاد (6)و رأي يقال له: النعمان، قال:
فلعلّ هذا الّذي يقيس الأشياء برأيه.
فقلت: نعم، فقال: يا نعمان هل تحسن أن تقيس رأسك؟
فقال: لا.
فقال: ما أراك أن تحسن شيئا و لا فرضك إلاّ من عند غيرك، فهل
ص:36
عرفت كلمة أوّلها كفر و آخرها إيمان؟
قال: لا.
قال: فهل عرفت ما الملوحة في العينين، و المرارة في الاذنين، و البرودة في المنخرين، و العذوبة في الشفتين؟
قال: لا.
قال إبن أبي ليلى: فقلت: جعلت فداك فسّر لنا جميع ما وصفت.
قال: حدّثني أبي عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ اللّه تبارك و تعالى خلق عيني إبن آدم من شحمتين فجعل فيهما الملوحة، و لولا ذلك لذابتا، فالملوحة تلفظ ما يقع في العين من القذى، و جعل المرارة في الاذنين حجابا من الدماغ، فليس من دابّة تقع فيه إلاّ إلتمست الخروج، و لولا ذلك لوصلت إلى الدماغ، و جعلت العذوبة في الشفتين منّا من اللّه عزّ و جلّ على إبن آدم فيجد بذلك عذوبة الريق و طعم الطعام و الشراب، و جعل البرودة في المنخرين لئلاّ تدع في الرأس شيئا إلاّ اخرجته، قلت: فما الكلمة التي أوّلها كفر و آخرها إيمان؟
قال: قول الرجل لا إله إلاّ اللّه فأولها كفر و آخرها إيمان.
ثمّ قال: يا نعمان إيّاك و القياس فقد حدّثني أبي عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: من قاس شيئا من دين اللّه بشيء قرنه اللّه عزّ و جلّ مع إبليس في النار، فإنّه أوّل من قاس على ربّه فدع الرأي و القياس، فإنّ الدين لم يوضع بالقياس و الرأي (1).
ص:37
3-و عنه عن أبيه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا محمد ابن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم، عن أحمد بن عبد اللّه العقيلي القرشي، عن عيسى بن عبد اللّه القرشي، رفع الحديث قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له: يا أبا حنيفة بلغني عنك أنّك تقيس؟
قال: نعم أنا أقيس.
قال: لا تقس فإنّ أوّل من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار و خلقته من طين، فقاس ما بين النار و الطين، و لو قاس (1)نوريّة آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين و صفاء أحدهما على الآخر، و لكن قس لي رأسك: أخبرني عن اذنيك ما لهما مرّتان؟
قال: لا أدري.
قال: فأنت لا تحسن أن تقيس رأسك فكيف تقيس الحلال و الحرام قال: يا بن رسول اللّه أخبرني ما هو؟ .
قال: إنّ اللّه عز و جل جعل الاذنين مرّتين لئلا يدخلهما شيء إلاّ مات و لولا ذلك لقتل ابن آدم الهوامّ، و جعل الشفتين عذبتين ليجد إبن آدم طعم الحلو و المرّ، و جعل العينين مالحتين لأنّهما شحمتان و لولا ملوحتهما لذابتا، و جعل الأنف باردا سائلا لئلا يدع في الرأس داء إلاّ أخرجه و لولا ذلك لثقل الدماغ و تدود (2).
ص:38
4-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدّثنا أبو زرعة، قال: حدثنا هشام (1)بن عمار قال: حدّثنا محمد بن عبد اللّه القرشي، عن إبن شبرمة (2)قال:
دخلت انا و أبو حنيفة على جعفر بن محمّد عليهما السلام فقال لأبي حنيفة: إتّق اللّه و لا تقس الدين برأيك، فإنّ أوّل من قاس إبليس، أمره اللّه عز و جل بالسجود لآدم فقال: أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين، ثمّ قال: أتحسن ان تقيس رأسك من بدنك؟
قال: لا، قال جعفر عليه السلام: فأخبرني لأيّ شيء جعل اللّه الملوحة في العينين، و المرارة في الاذنين، و الماء المنتن في المنخرين، و العذوبة في الشفتين؟
قال: لا أدري، قال جعفر عليه السلام: لأنّ اللّه تبارك و تعالى خلق العينين فجعلهما شحمتين و جعل الملوحة فيهما منّا منه على إبن آدم، و لولا ذلك لذابتا، و جعل الاذنين مرّتين و لولا ذلك لهجمت الدوابّ و أكلت دماغه، و جعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفس و ينزل و يجد منه الريح الطيبة من الخبيثة و جعل العذوبة في الشفتين ليجد إبن آدم لذّة مطعمه و مشربه.
ثمّ قال جعفر عليه السلام لأبي حنيفة: أخبرني عن كلمة أوّلها شرك و آخرها إيمان.
قال: لا أدري.
ص:39
قال: هي كلمة لا إله إلا اللّه لو قال لا إله كان شرك (و لو قال: إلاّ اللّه كان إيمان) .
ثمّ قال جعفر عليه السلام: ويحك أيّهما أعظم قتل النفس او الزنا؟
قال: قتل النفس، قال: فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد قبل في قتل النفس شاهدين و لم يقبل في الزنا إلاّ أربعة، ثم قال عليه السلام: أيّهما أعظم الصلوة أم الصوم؟
قال: الصلوة.
قال: فيما بال الحائض تقضي الصيام و لا تقضي الصلوة فكيف يقوم لك القياس، فاتق اللّه و لا تقس (1).
5-و عنه عن أبيه (ره) قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن محمّد بن علي، عن عيسى بن عبد اللّه القرشي، رفعه قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له: يا أبا حنيفة بلغني أنّك تقيس؟
قال: نعم أنا أقيس.
فقال: ويلك لا تقس إنّ أوّل من قاس إبليس.
قال: خلقتني من نار، و خلقته من طين، قاس ما بين النار و الطين، و لو قاس نورية آدم بنور النار عرف فضل ما بين النورين و صفاء أحدهما على الاخر، و لكن قس لي رأسك من جسدك، أخبرني عن اذنيك مالهما
ص:40
مرّتان و عن عينيك مالهما مالحتان و عن شفتيك مالهما عذبتان، و عن أنفك ماله بارد؟
فقال: لا أدري فقال له: أنت لا تحسن أن تقيس رأسك فكيف تقيس الحلال و الحرام؟
فقال يابن رسول اللّه أخبرني كيف ذلك؟ فقال: انّ اللّه تبارك و تعالى جعل الاذنين مرّتين لئلا يدخلهما شيء إلا مات، و لو لا ذلك لقتلت الدوابّ إبن آدم، و جعل العينين مالحتين لأنّهما شحمتان، و لولا ملوحتهما لذابتا، و جعل الشفتين عذبتين ليجد إبن آدم طعم الحلو و المرّ، و جعل الأنف باردا سائلا لئلاّ يدع في الرأس داء إلاّ أخرجه و لولا ذلك لثقل الدماغ و تدوّد.
قال أحمد بن أبي عبد اللّه: و روي بعضهم أنّه قال: في الاذنين لامتناعهما من العلاج، و قال: في موضع ذكر الشفتين: فان عذب الريق ليميّز به بين الطعام و الشراب و قال في ذكر الأنف: لولا برد ما في الأنف و إمساكه الدماغ لسال الدماغ من حرارته (1).
6-و قال أحمد بن أبي عبد اللّه: و رواه معاذ بن عبد اللّه، عن بشير بن يحيى العامري، عن إبن أبي ليلى قال: دخلت أنا و النّعمان على جعفر بن محمّد عليه السلام فرحّب بنا و قال: يابن أبي ليلى من هذا الرجل؟
قلت: جعلت فداك هذا رجل من أهل الكوفة له رأي و نظر و نقاد.
قال: فلعلّه الذي يقيس الأشياء برأيه، ثم قال له: يا نعمان هل
ص:41
تحسن تقيس رأسك؟
قال: لا قال عليه السلام: فما أراك تحسن تقيس شيئا و لا تهتدي إلاّ من عند غيرك، فهل عرفت ممّا الملوحة في العينين، و المرارة في الاذنين و البرودة في المنخرين و العذوبة في الفم؟
قال: لا.
فقال عليه السلام: فهل عرفت كلمة أوّلها كفر و آخرها إيمان قال:
لا.
قال إبن أبي ليلى: فقلت: جعلت فداك لا تدعنا في عمى ممّا وصفت لنا.
قال: نعم حدّثني أبي عن آبائه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق عيني إبن آدم شحمتين، فجعل فيهما الملوحة، و لو لا ذلك لذابتا و لم يقع فيهما شيء من القذى إلاّ أذابهما، و الملوحة تلقط ما يقع في العينين من القذى، و جعل المرارة في الاذنين حجابا للدماغ فليس من دابّة تقع في الاذنين إلاّ إلتمست الخروج و لو لا ذلك لوصلت إلى الدماغ، و جعل البرودة في المنخرين حجابا للدماغ و لو لا ذلك لسال الدماغ، و جعل اللّه العذوبة في الفم منّا من اللّه على إبن آدم ليجد لذّة الطعام و الشراب و أمّا كلمة أوّلها كفر و آخرها إيمان فقول لا إله إلاّ اللّه، أوّلها كفر و آخرها إيمان.
ثم قال: يا نعمان إيّاك و القياس، فإنّ أبي حدّثني عن آبائه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من قاس شيئا من الدين برأيه قرنه اللّه مع إبليس في النار، فإنّه أوّل من قاس حين قال: خلقتني من نار و خلقته
ص:42
من طين، فدعوا الرأي و القياس، و ما قال قوم ليس له في دين اللّه برهان، فإنّ دين اللّه لم يوضع بالأراء و المقاييس (1).
7-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل (ره) ، قال:
حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس ابن عبد الرحمان، عن داود (2)بن فرقد عن إبن شبرمة قال: ما ذكرت حديثا سمعته من جعفر بن محمّد عليه السلام إلاّ كاد أن يتصدّع له قلبي، سمعته يقول: حدّثني أبي، عن جدّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال إبن شبرمة: و اقسم باللّه ما كذب على أبيه، و لا كذب أبوه على جدّه، و لا كذب جدّه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من عمل بالمقاييس فقد هلك و أهلك، و من أفتى الناس و هو لا يعلم الناسخ من المنسوخ و المحكم من المتشابه فقد هلك و أهلك (3).
8-إبن بابويه في «الفقيه» قال: روي عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت أنّه قال: لو لا جعفر بن محمّد عليه السلام ما علم الناس مناسك حجّهم (4).
ص:43
9-الشيخ أحمد بن عليّ الطبرسي في «الإحتجاج» قال: روي أنّ الصادق عليه السلام قال لأبي حنيفة لمّا دخل عليه: من أنت؟
قال: أبو حنيفة.
قال عليه السلام: مفتي أهل العراق؟
قال: نعم.
قال: بما تفتيهم؟
قال: بكتاب اللّه، قال عليه السلام: و إنّك لعالم بكتاب اللّه ناسخه و منسوخه، و محكمه و متشابهه؟
قال: نعم، قال فأخبرني عن قول اللّه عز و جل: وَ قَدَّرْنا فِيهَا اَلسَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (1)أيّ موضع هو؟ قال أبو حنيفة: هو ما بين مكة و المدينة.
فالتفت أبو عبد اللّه إلى جلسائه و قال: نشدتكم باللّه هل تسيرون بين مكّة و المدينة و لا تأمنون على دمائكم من القتل و لا على أموالكم من السرق؟ فقالوا: أللهمّ نعم.
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ويحك يا أبا حنيفة إنّ اللّه لا يقول إلاّ حقا أخبرني عن قول اللّه عز و جل وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (2)أيّ موضع هو؟
قال: ذلك بيت اللّه الحرام فالتفت أبو عبد اللّه إلى جلسائه و قال:
نشدتكم باللّه هل تعلمون أنّ عبد اللّه بن الزبير، و سعيد بن جبير دخلاه
ص:44
فلم يأمنا القتل قالوا: أللّهم نعم.
فقال أبو عبد اللّه: ويحك يا أبا حنيفة إنّ اللّه لا يقول إلاّ حقا.
فقال أبو حنيفة: ليس لي علم بكتاب اللّه إنّما أنا صاحب قياس.
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فانظر في قياسك إن كنت مقيسا أيّما أعظم عند اللّه القتل أو الزنا؟
قال: بل القتل.
قال: فكيف رضي في القتل بشاهدين و لم يرض في الزنا إلاّ بأربعة؟
ثم قال له: الصلوة أفضل أم الصوم؟ قال بل الصّلوة أفضل؟
قال عليه السلام: فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلوة في حال حيضها دون الصيام، و قد أوجب اللّه تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلوة.
ثم قال له: ألبول أقذر أم المني؟
قال: البول أقذر قال عليه السلام: يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني و قد أوجب اللّه تعالى الغسل من المني دون البول.
قال: إنّما أنا صاحب رأى قال عليه السلام: فما ترى في رجل كان له عبد فتزوّج و زوّج عبده في ليلة واحدة، فدخلا بإمرأتيهما في ليلة واحدة ثم سافرا و جعلا إمرأتيهما في بيت واحد، و ولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين و بقي الغلامان أيّهما في رأيك المالك و أيّهما المملوك و أيّهما الوارث و أيّهما الموروث؟
ص:45
قال: إنّما أنا صاحب حدود قال: فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح، و أقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحدّ؟
قال: إنّما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء.
قال: فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جل لموسى و هرون حين بعثهما إلى فرعون لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (1)و لعلّ منك شكّ قال: نعم.
قال: فكذلك من اللّه شكّ إذ قال: لعلّه.
قال أبو حنيفة: لا علم لي، قال عليه السلام: تزعم أنّك تفتي بكتاب اللّه و لست ممّن ورثه، و تزعم أنّك صاحب قياس فأوّل من قاس إبليس و لم يبن دين الاسلام على القياس، و تزعم أنّك صاحب رأي و كان الرأي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صوابا، و من دونه خطأ، لأنّ اللّه تعالى قال فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ (2)و لم يقل ذلك لغيره، و تزعم أنّك صاحب حدود و من انزلت عليه أولى بعلمها منك، و تزعم أنّك عالم بمباعث الأنبياء، و خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعلم بمباعثهم منك و لولا أن يقال: دخل على إبن رسول اللّه فلم يسأله عن شيء مما سألتك عن شيء فقس ان كنت مقيسا.
قال أبو حنيفة: لا أتكلّم بالرأي و القياس في دين اللّه بعد هذا المجلس قال: كلا إن حبّ الرياسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك
ص:46
تمام الخبر (1).
10-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل، قال:
حدّثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة بن أبي هراسة الباهلي بالنهروان من كتابه، قال: حدّثنا إبراهيم إبن إسحق بن أبي بشر الأحمري بنهاوند، قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري عن عبد العزيز بن محمّد الدراوردي قال: دخل سفيان الثوري على أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام و أنا عنده فقال له جعفر عليه السلام: يا سفيان إنّك رجل مطلوب، و أنا رجل تسرّع إلي الالسن، فسل عمّا بدا لك فقال: ما أتيتك يابن رسول اللّه إلاّ لأستفيد منك خيرا.
قال: يا سفيان إنّي رأيت المعروف لا يتمّ إلاّ بثلاث: تعجيله، و ستره، و تصغيره فإنّك إذا عجّلته هنّأته، و اذا سترته أتممته، و إذا أصغرته عظم عند من تسديه اليه، يا سفيان إذا أنعم اللّه على أحدكم بنعمة فليحمد اللّه عزّ و جلّ، و إذا إستبطأ الرزق فليستغفر اللّه، و إذا أحزنه أمر قال: لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه، يا سفيان ثلاث أيّما ثلاث:
نعمة الهديّة، نعمة العطيّة، الكلمة الصالحة يسمعها المؤمن فينطوي عليها حتى يهديها إلى أخيه المؤمن.
و قال عليه السلام المعروف كاسمه و ليس شيء أعظم من المعروف إلاّ ثوابه، و ليس كلّ من يحب أن يصنع المعروف يصنعه، و لا كلّ من يرغب فيه يقدر عليه، و لا كلّ من يقدر عليه يؤذن له فيه، فإذا
ص:47
إجتمعت الرغبة و القدرة و الإذن فهنالك تمّت السعادة للطالب و المطلوب اليه (1).
قال مؤلف هذا الكتاب: انظر إلى هذا الكلام الذي لا يصدر إلاّ عن ينبوع الحكمة و معدن الوحي و العصمة.
ص:48
و هو من الباب الاول
1-من طريق المخالفين من الجزء الرابع من «حلية الاولياء» لأبي نعيم الإصفهاني بالإسناد قال: عن «عمرو بن أبي المقدام» قال كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد عليهما السلام علمت أنّه من سلالة النبيين (1).
2-و يليه قال الحافظ أبو نعيم: قال: عن مالك بن أنس، عن جعفر ابن محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام، قال: لمّا قال له السفيان الثوري لا أقوم حتى تحدّثني، قال له جعفر عليه السلام، أما إنّي احدّثك و ما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان إذا أنعم اللّه عليك بنعمة فأحببت بقاءها و داومها فأكثر من الحمد و الشكر عليها فإنّ اللّه عزّ و جلّ قال في كتابه: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (2)و إذا إستبطأت الرزق فأكثر من الإستغفار فإنّ اللّه تعالى قال في كتابه: اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً يُرْسِلِ اَلسَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ (3)يعني في
ص:49
الدنيا و الآخرة يجعل لكم جنات و يجعل لكم أنهارا، يا سفيان إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه فإنّها مفتاح الفرج و كنز من كنوز الجنة، فعقد سفيان بيده و قال: ثلاث و أيّ ثلاث قال جعفر، عقلها و اللّه أبو عبد اللّه و لينفعه اللّه بها (1).
3-قال أبو نعيم قال بالإسناد عن سفيان الثوري قال: دخلت على جعفر بن محمّد عليه السلام و عليه جبّة خز دكناء و كساء خز إيرجاني، فجعلت أنظر اليه تعجبّا فقال لي: يا ثوري مالك تنظر إلينا لعلّك تعجّبت ممّا ترى؟
قال: قلت: يابن رسول اللّه ليس هذا من لباسك و لا لباس آبائك.
فقال لي: يا ثوري كان ذلك زمان تقتّر فكانوا يعملون على قدر إقتاره و إفتقاره، و هذا زمان قد أسبل كلّ شيء فيه عزاليه، ثمّ حسر عن ردن (2)جبّته فإذا تحتها جبّة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل و الردن عن الردن.
فقال لي: يا ثوري لبسنا هذا للّه و هذا لكم، فما كان للّه أخفيناه و ما كان لكم أبديناه (3).
4-و من الكتاب أيضا قال أبو نعيم: قال بالإسناد عن بشر، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: أوحى اللّه تعالى إلى الدنيا أن
ص:50
أخدمي من خدمني و أتعبي من خدمك (1).
5-و يليه من الكتاب أيضا بالإسناد قال: عن عمرو بن جميع، قال:
دخلت على جعفر بن محمّد عليهما السلام أنا و إبن أبي ليلى، و أبو حنيفة، و عبد اللّه بن شبرمة بالإسناد الآتي قال: دخلت أنا و أبو حنيفة على جعفر بن محمّد عليهما السلام فقال لابن أبي ليلى: من هذا معك؟
قال: هذا رجل له بصر و نفاذ في أمر الدين فقال له يقيس أمر الدين برأيه؟
قال: نعم.
قال: فقال جعفر عليه السلام لأبي حنيفة: ما إسمك؟
قال: نعمان.
قال: يا نعمان هل قست رأسك بعد؟
قال: كيف أقيس رأسي.
قال: ما أراك تحسن شيئا هل علمت ما الملوحة في العينين، و المرارة في الاذنين، و الحرارة في المنخرين، و العذوبة في الشفتين؟
قال: لا، قال: ما أراك تحسن شيئا.
قال: فهل علمت كلمة أوّلها كفر و آخرها إيمان؟
قال: لا يابن رسول اللّه أخبرني عن ذلك.
قال: أخبرني أبي عن جدّي عليّ عليه السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ص:51
قال: إن اللّه بفضله و منّه و رحمته جعل المرارة في الاذنين حجابا من الدوابّ ما دخلت في الرأس دابّة إلا إلتمست الوصول إلى الدماغ، فإذا ذاقت المرارة إلتمست الخروج، و إنّ اللّه بفضله و منّه و رحمته جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح و لولا ذلك لأنتن الدماغ و إنّ اللّه بمنّه و فضله و رحمته لابن آدم جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما طعم كلّ شيء و يسمع الناس حلاوة منطقه.
قال: فأخبرني عن الكلمة الّتي أولها كفر و آخرها ايمان.
قال: إذا قال العبد لا إله فهو كفر، و إذا قال إلاّ اللّه فهو إيمان، حدّثني أبي عن جدّي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أوّل من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال اللّه تعالى له: اسجد لآدم قال: أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين، فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه اللّه يوم القيامة بأبليس لأنه أتبعه بالقياس.
و زاد ابن شبرمة في حديثه:
ثم قال جعفر عليه السلام أيّهما أعظم قتل النفس أو الزنا؟
قال: قتل النفس، قال: فإنّ اللّه عز و جل قبل في قتل النفس شاهدين و لم يقبل في الزنا إلاّ أربعة، ثمّ قال: أيّهما أعظم الصلاة أم الصوم؟
قال: الصلاة.
قال: فما بال الحائض تقضي الصوم و لا تقضي الصلوة، فكيف
ص:52
ويحك يقوم لك قياسك إتّق اللّه و لا تقس الدين برأيك (1).
و الرواية عن الصادق عليه السلام من طريق المخالفين كثيرة من أرادها وقف عليها من كتبهم مثل كتاب «مطالب السئول» لكمال الدين ابن طلحة و غيره.
ص:53
ص:54
في الرواية عنه عليه السلام بالعدد
1-النجاشي (1)في «كتاب الرجال» قال: أخبرنا أبو الحسين عليّ ابن أحمد (2)قال؛ حدّثنا محمّد بن الحسن عن الحسن بن متيل (3)، عن محمّد بن الحسين الزيّات، عن صفوان بن يحيى، و غيره، عن أبان بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أبان بن تغلب روى عنّي ثلاثين ألف حديث فاروها عنه (4).
2-و عنه عن محمّد (5)بن عبد اللّه بن غالب قال: حدّثني محمّد بن
ص:55
الوليد، عن يونس بن يعقوب، عن عبد اللّه بن خفقة (1)، قال: قال لي أبان ابن تغلب: مررت بقوم يعيبون عليّ روايتي عن جعفر عليه السلام قال:
فقلت لهم: كيف تلوموني في روايتي عن رجل ما سألته عن شيء إلاّ قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ !
قال: فمرّ صبيان و هم ينشدون: ألعجب كلّ العجب بين جمادى و رجب، فسألته عنه، فقال: لقاء الأحياء بالأموات (2).
3-قال: ثمّ قال سلامة (3)بن محمّد الأرزني: حدّثنا أحمد (4)بن عليّ بن أبان، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن صالح (5)بن السندي، عن اميّة بن عليّ (6)، عن سليم بن أبي حيّة (7)، قال: كنت عند أبي عبد اللّه
ص:56
عليه السلام فلمّا أردت أن افارقه ودّعته و قلت: احبّ أنّ تزوّدني.
فقال: إيت أبان بن تغلب فإنّه قد سمع منّي حديثا كثيرا فما روى لك فاروه عنّي (1).
4-الكشّي قال: حدّثني حمدويه بن نصير (2)، قال: حدّثنا محمّد ابن عيسى، عن ياسين الضرير البصري (3)، عن حريز، عن محمّد بن مسلم قال: ما شجر في رأسي (رأيي) شيء قط إلاّ سألت عنه أبا جعفر عليه السلام حتّى سألته ثلثين ألف حديث، و سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ستة عشر ألف حديث (4).
5-الكشّي أيضا قال: قال محمّد بن مسعود: حدّثني عليّ بن محمّد، عن محمّد بن احمد، عن عبد اللّه بن أحمد الرازي (5)، عن بكر ابن صالح، عن إبن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: أقام محمّد بن مسلم بالمدينة أربع سنين يدخل على أبي جعفر عليه السلام يسئله ثمّ كان يدخل على جعفر بن محمّد عليهما السلام يسأله قال أبو أحمد:
فسمعت عبد الرّحمان بن الحجّاج، و حمّاد بن عثمان يقولان: ما كان
ص:57
أحد من الشيعة أفقه من محمّد بن مسلم.
قال: فقال محمّد بن مسلم: سمعت من أبي جعفر عليه السلام ثلاثين ألف حديث، ثم لقيت جعفرا إبنه عليهما السلام فسمعت منه أو قال: سألته عن ستة عشر ألف حديث أو قال: مسئلة (1).
6-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد (2)بن محمّد، قال:
أخبرني أبو الحسن (3)أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، قال:
حدّثني أبي، قال: حدّثني محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن معيد، عن هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام بمنى عن خمسمأة حرف من الكلام.
قال: فأقبلت أقول: يقولون: كذا و كذا، قال: فتقول: يقال لهم كذا (4)فقلت: هذا الحلال و الحرام و القرآن أعلم أنّك صاحبه، و أعلم الناس به، فهذا الكلام من أين؟
قال: فقال لي: و تشكّ (5)يا هشام يحتج اللّه على خلقه بحجّة لا
ص:58
يكون عالما بكلّ ما يحتاج إليه الناس (1)؟
7-إبن بابويه في «الفقيه» باسناده عن بكير (2)بن أعين، عن أخيه زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلني اللّه فداك أسألك في الحجّ منذ أربعين عاما فتفتيني فيه!
فقال: يا زرارة بيت يحجّ قبل آدم بألفي عام تريد أن تفني مسائله في أربعين عاما (3).
ص:59
ص:60
في أنّ مجلسه عليه السلام أنبل المجالس
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد (1)، عن بعض أصحابه رواه عن رجل من العامّة قال: كنت اجالس أبا عبد اللّه عليه السلام فلا و اللّه ما رأيت مجلسا أنبل من مجلسه (2)قال:
فقال لي ذات يوم: من أين تخرج العطسة؟
فقلت: من الأنف.
فقال لي: أصبت الخطاء.
فقلت: جعلت فداك من أين تخرج؟
فقال: من جميع البدن، كما أنّ النطفة تخرج من جميع البدن و مخرجها من الإحليل ثمّ قال: أما رأيت الإنسان إذا عطس نفض (3)أعضاؤه، و صاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيّام (4).
2-و عنه عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، و محمّد بن يحيى، عن موسى بن الحسن، عن عمر بن (5)علي بن
ص:61
عمر بن يزيد، عن محمّد بن عمر، عن أخيه الحسين (1)، عن أبيه عمر بن يزيد، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده رجل فقال له:
جعلت فداك إنّي احبّ الصبيان.
فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: فتصنع ماذا؟
قال أحملهم على ظهري، فوضع أبو عبد اللّه عليه السلام يده على جبهته و ولّى وجهه عنه، فبكى الرّجل فنظر إليه أبو عبد اللّه عليه السلام كأنّه رحمه، فقال: إذا أتيت بلدك فاشتر جزورا سمينا و أعقله عقالا شديدا و أخذ السّيف فاضرب السنام ضربة تقشّر عنه الجلدة و إجلس عليه بحرارته.
فقال عمر: فقال الرجل: فأتيت بلدي فاشتريت جزورا فعقلته عقالا شديدا و أخذت السيف فضربت به السنام ضربة و قشرت عنه الجلد، و جلست عليه بحرارته، فسقط منّي شيء على ظهر البعير شبه الوزغ أصغر من الوزغ و سكن ما بي 2.
3-و عنه، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد ابن النضر، عن عمرو بن النعمان الجعفي 3، قال: كان لأبي عبد اللّه عليه السلام صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكانا، فبينما هو يمشي معه في
ص:62
الحذّائين (1)و معه غلام له سندي يمشي خلفهما إذا إلتفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلمّا نظر في الرابعة، قال: يا بن الفاعلة أين كنت؟
قال فرفع أبو عبد اللّه عليه السلام يده فصكّ بها جبهة نفسه، ثمّ قال: سبحان اللّه تقذف امّه قد كنت أرى أنّ لك ورعا فإذا ليس لك ورع.
فقال: جعلت فداك إنّ امه سنديّة مشركة، فقال: أما علمت أنّ لكل قوم نكاحا، تنحّ عنّي.
قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما.
و في رواية اخرى أنّ لكلّ امّة نكاحا يحتجزون به من الزنا (2).
4-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن بعض أصحابه عن أبي المغرا، عن الحلبي (3)عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تسفهوا فإنّ أئمتكم ليسوا بسفهاء و قال أبو عبد اللّه عليه السلام (4): من كافىء السفيه بالسفه (5)فقد رضي بما أتى إليه حيث
ص:63
إحتذى مثاله 1.
5-و عنه عن الحسين بن محمّد، عن معلّى، عن أحمد بن غسّان 2، عن سماعة قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال لي مبتدئا: يا سماعة ما هذا الّذي كان بينك و بين جمّالك؟ ! إيّاك أن تكون فحّاشا أو سخّابا 3أو لعّانا.
فقلت: و اللّه لقد كان ذلك إنّه ظلمني فقال: إن كان ظلمك لقد أربيت عليه 4إنّ هذا ليس من فعالي و لا آمر به شيعتي إستغفر ربّك و لا تعد، قلت: أستغفر اللّه و لا أعود 5.
6-المفيد في «أماليه» قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير عن الحارث بن بهرام 6، عن
ص:64
عمرو بن جميع، قال: قال لي أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام: من جائنا يلتمس الفقه و القرآن و التفسير فدعوه، و من جائنا يبدي عورة قد سترها اللّه فنحّوه.
فقال له رجل من القوم: جعلت فداك أذكر حالي لك؟
قال إن شئت، قال: و اللّه إنّي لمقيم على ذنب منذ دهر، اريد أن اتحول عنه إلى غيره فما أقدر عليه.
قال له: إن تكن صادقا فإنّ اللّه يحبّك و ما يمنعك من الإنتقال عنه إلاّ أن تخافه (1).
ص:65
ص:66
في حلمه و عفوه
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عبد اللّه الحجال، عن حفص (1)بن أبي عايشة، قال: بعث أبو عبد اللّه عليه السلام غلاما له في حاجة فأبطأ، فخرج أبو عبد اللّه عليه السلام على أثره لمّا أبطأ، فوجده نائما، فجلس عند رأسه يروّحه حتّى إنتبه، فلمّا إنتبه قال له أبو عبد اللّه: يا فلان و اللّه ما ذلك لك، تنام الليل و النهار؟ لك الليل و لنا منك النهار (2).
2-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن صفوان الجمّال، قال: وقع بين أبي عبد اللّه عليه السلام و بين عبد اللّه بن الحسن كلام حتى وقعت الضوضاء بينهم و إجتمع الناس، فافترقا عشيّتهما بذلك، و غدوت في حاجة، فإذا أنا بأبي عبد اللّه عليه السلام على باب عبد اللّه بن الحسن و هو يقول: يا جارية قولي لأبي محمد: (يخرج) قال: فخرج فقال: يا أبا عبد اللّه ما بكّر بك (3)؟
ص:67
قال: إنّي تلوت آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ البارحة فأقلقتني.
قال: و ما هي؟
قال: قول اللّه جلّ و عزّ ذكره: اَلَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اَللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ اَلْحِسابِ (1)فقال: صدقت لكأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب اللّه قطّ فاعتنقا و بكيا (2).
3-و عنه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن محمد بن مرازم (3)، عن أبيه قال: خرجنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام حيث خرج من عند أبي جعفر (4)من الحيرة (5)فخرج ساعة اذن له و إنتهى إلى السالحين (6)في أوّل الليل، فعرض له عاشر (7)، كان يكون في السالحين في أوّل الليل، فقال له: لا أدعك أن تجوز فألحّ عليه فطلب اليه (8)فأبى إباء، و أنا و مصادف (9)معه.
ص:68
فقال له مصادف: جعلت فداك إنّما هذا كلب قد آذاك، و أخاف أن يردّك و ما أدري ما يكون من أمر أبي جعفر، و أنا و مرازم (1)أتأذن لنا أن نضرب عنقه ثمّ نطرحه في النهر؟ فقال: كيف (2)يا مصادف؟ فلم يزل يطلب إليه حتّى ذهب من اللّيل أكثره، فأذن له فمضى.
فقال: يا مرازم هذا خير أم الذي قلتماه؟
قلت: هذا جعلت فداك.
فقال: يا مرازم إنّ الرجل يخرج من الذلّ الصغير فيدخله ذلك في الذلّ الكبير (3).
ص:69
ص:70
في أمره عليه السلام مع المنصور
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن إبن جمهور (1)، عن أبيه، عن سليمان بن سماعة، عن عبد اللّه بن قاسم، عن المفضّل بن عمر، قال: وجّه أبو جعفر المنصور إلى الحسن بن زيد (2)، و هو واليه على الحرمين أن أحرق على جعفر بن محمّد داره، فألقى النار في دار أبي عبد اللّه عليه السلام، فأخذت النار في الباب و الدهليز، فخرج أبو عبد اللّه يتخطّى النّار و يمشي فيها و يقول: أنا ابن أعراق الثرى، أنا إبن إبراهيم خليل اللّه عليه السلام (3).
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن أيّوب بن نوح، عن العبّاس بن عامر، عن داود بن الحصين، عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال و هو بالحيرة في زمان أبي العباس (4): إنّي دخلت عليه و قد شكّ الناس في الصوم، و هو و اللّه من
ص:71
شهر رمضان، فسلّمت عليه فقال: يا أبا عبد اللّه عليه السلام أصمت اليوم؟
فقلت: لا، و المائدة بين يديه.
قال: فادن فكل.
قال: فدنوت و أكلت.
قال: و قلت: الصوم معك و الفطر معك.
فقال الرّجل لأبي عبد اللّه عليه السلام: تفطر يوما من شهر رمضان؟
فقال: إي و اللّه ان افطر يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي (1).
3-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن محمّد، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن خلاّد بن عمارة (2)، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: دخلت على أبي العباس في يوم شكّ و أنا أعلم أنّه من شهر رمضان فهو يتغدّى فقال: يا أبا عبد اللّه ليس هذا من أيامّك.
فقلت: لم يا أمير المؤمنين؟ ما صومي إلاّ بصومك و لا إفطاري إلاّ بإفطارك.
ص:72
قال: فقال: أدن.
قال: فدنوت فأكلت، و أنا و اللّه أعلم أنّه من شهر رمضان (1).
4-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن عليّ بن ميسرة (2)قال: لمّا قدم أبو عبد اللّه عليه السلام على أبي جعفر أقام أبو جعفر مولى له على رأسه، و قال له: اذا دخل عليّ فاضرب عنقه، فلمّا دخل أبو عبد اللّه عليه السلام نظر إلى أبي جعفر و أسرّ شيئا فيما بينه و بين نفسه لا يدرى ما هو، ثمّ أظهر: يا من يكفي خلقه كلّهم و لا يكفيه أحد إكفني شرّ عبد اللّه بن عليّ.
قال: فصار أبو جعفر لا يبصر مولاه، و صار مولاه لا يبصره، فقال أبو جعفر: يا جعفر بن محمّد لقد عييّتك في هذا الحرّ فانصرف، فخرج أبو عبد اللّه عليه السلام من عنده، فقال أبو جعفر لمولاه: ما منعك أن تفعل ما أمرتك به؟ فقال: لا و اللّه ما أبصرته و لقد جاء شيء فحال بيني و بينه، فقال أبو جعفر له: و اللّه لئن حدّثت بهذا الحديث أحدا لأقتلنّك (3).
5-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن إبراهيم بن إسحق الأحمر، عن أبي القاسم الكوفي، عن محمّد بن إسماعيل، عن معاوية بن عمّار،
ص:73
و العلاء بن سيابة (1)، و ظريف بن ناصح (2)قال: لمّا بعث أبو الدوانيق (3)إلى أبي عبد اللّه عليه السلام رفع يده إلى السماء ثم قال:
أللّهمّ إنّك حفظت الغلامين بصلاح أبويهما فاحفظني بصلاح آبائي محمّد، و عليّ، و الحسن، و الحسين و عليّ بن الحسين، و محمّد بن علي عليهم السلام أللهم إنّي أدرء بك في نحره، و أعوذ بك من شرّه، ثم قال للجمّال: سر، فلمّا إستقبله الربيع (4)بباب أبي الدوانيق قال له: يا أبا عبد اللّه ما أشدّ باطنه عليك! لقد سمعته يقول: و اللّه لا تركت لهم نخلا إلاّ عقرته، و لا مالا إلاّ نهبته، و لا ذرية إلاّ سبيتها، قال: فهمس (5)بشي خفي و حرّك شفتيه، فلمّا دخل سلّم و قعد فردّ عليه السلام، ثمّ قال: أما و اللّه لقد هممت أن لا أترك لك نخلا إلاّ عقرته، و لا مال إلاّ أخذته.
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه إبتلى أيوب فصبر، و أعطى داود فشكر، و قدّر يوسف فغفر، و أنت من ذلك النسل، و لا يأتي ذلك النسل إلاّ بما يشبهه فقال: صدقت فقد عفوت عنكم، فقال له: يا أمير المؤمنين إنّه لم ينل منّا أهل البيت أحد دما إلاّ سلبه اللّه
ص:74
ملكه، فغضب لذلك و إستشاط (1)فقال: على رسلك (2)يا أمير المؤمنين إنّ هذا الملك كان في آل أبي سفيان فلمّا قتل يزيد (3)حسينا سلبه اللّه ملكه، فورثه اللّه آل مروان، فلمّا قتل هشام زيدا سلبه اللّه ملكه، فورثه مروان بن محمد (4)، فلمّا قتل مروان إبراهيم (5)سلبه اللّه ملكه، فأعطاكموه فقال: صدقت هات ارفع حوائجك فقال: الإذن، فقال: هو في يدك متى شئت، فخرج فقال له الرّبيع: قد أمر لك بعشرة آلاف درهم، قال: لا حاجة لي فيها، قال: إذن تغضبه فخذها ثمّ تصدّق بها (6).
6-و عنه باسناده عن سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن رفاعة عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخلت على أبي العباس بالحيرة، فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الامام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام عليّ بالمائدة فأكلت معه، و أنا أعلم و اللّه أنّه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما
ص:75
و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد (1)اللّه (2).
7-الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي في كتاب «إعلام الورى» قال: إشتهر في الرواية أنّ المنصور أمر الربيع بإحضار أبي عبد اللّه عليه السلام فأحضره فلمّا بصر به قال: قتلني اللّه إن لم أقتلك أتلحد في سلطاني؟ و تبغيني الغوائل؟ فقال له أبو عبد اللّه: و اللّه ما فعلت و لا أردت، فإن كان بلغك فمن كاذب، و لو كنت فعلت لقد ظلم يوسف فغفر، و ابتلى أيوّب فصبر، و اعطي سليمان فشكر، فهؤلاء أنبياء اللّه و إليهم يرجع نسبك.
فقال له المنصور: أجل إرتفع ههنا فارتفع، فقال له: إنّ فلان بن فلان أخبرني عنك بما ذكرت، فقال له جعفر عليه السلام: أحضره يا أمير المؤمنين ليوافقني على ذلك فأحضر الرّجل المذكور، فقال له المنصور: أنت سمعت ما حكيت عن جعفر؟ قال: نعم، قال له أبو عبد اللّه عليه السلام: فاستحلفه على ذلك، قال المنصور: أتحلف؟ قال:
نعم فابتدأ باليمين فقال أبو عبد اللّه دعني يا أمير المؤمنين احلّفه أنا، فقال له: إفعل، فقال أبو عبد اللّه للساعي: قل: برئت من حول اللّه و قوّته و إلتجأت إلى حولي و قوّتي لقد فعل كذا و كذا جعفر، فامتنع منها هنيئة ثمّ حلف بها فما برح حتى ضرب برجله فقال أبو جعفر: جرّوا برجله فأخرجوه لعنه اللّه.
ص:76
قال الربيع: و كنت رأيت أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام حين دخل على المنصور يحرّك شفتيه فكلّما حرّكهما سكن غضب المنصور، حتى أدناه منه و قد رضي عنه فلمّا خرج أبو عبد اللّه من عند أبي جعفر تبعته فقلت له: إنّ هذا الرجل كان أشدّ الناس غضبا عليك فلمّا دخلت عليه و حرّكت شفتيك سكن غضبه فبأيّ شيء كنت تحرّكهما؟ قال: بدعاء جدّي الحسين بن عليّ عليهما السلام فقلت:
جعلت فداك و ما هذا الدعاء؟ قال: يا عدّتي عند شدّتي و يا «غوثي» عند كربتي احرسني بعينك الّتي لا تنام و اكنفني بركنك الّذي لا يرام.
فقال الربيع: فحفظت هذا الدعاء، فما نزلت بي شدة قطّ فدعوت به الاّ فرّج اللّه عنّي قال: و قلت لجعفر بن محمّد عليهما السلام: لم منعت الساعي أن يحلف باللّه تعالى؟ قال: كرهت أن يراه اللّه تعالى يوحّده و يمجّده فيحلم عنه و يؤخّر عقوبته فاستحلفته بما سمعت فأخذه اللّه أخذة رابية (1).
و امثال ذلك كثيرة مذكورة من طريق الخاصّة و العامّة.
ص:77
ص:78
في ابتلائه عليه السلام بالمرض
1-الشيخ المفيد في «اماليه» قال: أخبرني أبو غالب أحمد بن محمّد الزراري (1)، قال: حدّثنا أبو القاسم حميد بن زياد، قال: حدثنا الحسن بن محمّد، عن محمّد بن الحسن بن زياد العطّار (2)، عن أبيه الحسن بن زياد (3)، قال: لمّا قدم زيد بن عليّ الكوفة دخل قلبي من ذلك بعض ما يدخل، قال: فخرجت إلى مكّة و مررت بالمدينة فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و هو مريض فوجدته على سرير مستلقيا عليه، و ما بين جلده و عظمه شيء، فقلت: إنّي احبّ أن أعرض عليك ديني فانقلب على جنبه ثمّ نظر إليّ فقال: يا حسن ما كنت أحسبك إلاّ و قد إستغنيت عن هذا.
ثم قال: هات فقلت: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،
ص:79
و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله (1)فقال عليه السلام: معي مثلها.
فقلت: و أنا مقرّ بجميع ما جاء به محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
قال: فسكت.
قلت: و أشهد أنّ عليّا إمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرض طاعته، من شكّ فيه كان ضالاّ، و من جحده كان كافرا.
قال: فسكت.
قلت: و أشهد أنّ الحسن و الحسين عليهما السلام بمنزلته، حتى إنتهيت إليه عليه السلام فقلت: و أشهد أنّك بمنزلة الحسن و الحسين عليهما السلام و من تقدّم من الأئمّة عليهم السلام، فقال: كفّ، قد عرفت الذي تريد، ما تريد إلاّ أن أتولاّك على هذا.
قال: قلت: فإذا تولّيتني على هذا فقد بلغت الذي أردت.
قال: تولّيتك عليه.
فقلت: جعلت فداك إنّي قد هممت بالمقام.
قال: و لم؟
قال: قلت: إن ظفر زيد و أصحابه فليس أحد أسوء حالا عندهم منّا، و إن ظفر أحد من بني اميّة فنحن عندهم بتلك المنزلة.
قال: فقال لي: إنصرف فليس عليك بأس من الى (2)و لا من الى (3).
ص:80
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد (1)، عن محمّد بن خالد، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان، و سيف بن عميرة، عن فضيل بن يسار، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام في مرضة مرضها لم يبق منه إلا رأسه (2)، فقال: يا فضيل إننّي كثيرا ما أقول: ما (3)على رجل عرّفه اللّه هذا الأمر لو كان في رأس جبل حتّى يأتيه الموت.
يا فضيل بن يسار إنّ الناس أخذوا يمينا و شمالا و إنّا و شيعتنا هدينا الصّراط المستقيم.
يا فضيل بن يسار إنّ المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق و المغرب كان ذلك خيرا له.
و لو أصبح مقطّعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له، يا فضيل بن يسار إنّ اللّه لا يفعل بالمؤمن إلاّ ما هو خير له، يا فضيل بن يسار لو عدلت الدنيا عند اللّه عزّ و جلّ جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء.
يا فضيل بن يسار إنّه من كان همّه همّا واحدا كفاه اللّه همّه، و من كان همّه في كلّ واد (4)لم يبال اللّه (5)بأيّ واد هلك.
ص:81
و رواه الحسين بن سعيد الأهوازي أيضا في كتاب «التمحيص» (1).
3-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل (2)، عن الربيع بن خثيم (3)، قال: شهدت أبا عبد اللّه عليه السلام و هو يطاف به حول الكعبة في محمل، و هو شديد المرض، فكان كلّما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه بالأرض، فأخرج يده من كوّة المحمل حتّى يجرّها على الأرض، ثم يقول: إرفعوني فلما فعل ذلك مرارا في كلّ شوط قلت له:
جعلت فداك يا بن رسول اللّه إنّ هذا يشقّ عليك فقال: إنّي سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ (4)فقلت: منافع الدّنيا أو منافع الآخرة؟ فقال: ألكلّ (5).
ص:82
في عبادته عليه السلام
1-عليّ بن إبراهيم، في تفسيره قال: حدّثني أبي، عن الفضل بن أبي قرّة، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يطوف من أول الليل إلى الصباح و هو يقول: أللهم قني شحّ نفسي، فقلت: جعلت فداك ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء؟
فقال عليه السلام: و أيّ شيء أشدّ من شحّ النفس، إنّ اللّه يقول:
وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (1) (2).
2-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى، عن إبن فضّال، عن الحسن بن الجهم، عن منصور، عن أبي بصير (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: مرّبي أبي عليه السلام و أنا بالطواف و أنا حدث (4)، و قد إجتهدت في العبادة فرآني و أنا أتصابّ عرقا، فقال لي: يا جعفر يا بنيّ إنّ اللّه إذا أحبّ عبدا أدخله الجنة
ص:83
و رضي عنه باليسير (1).
3-الشيخ في «التهذيب» باسناده عن أحمد بن محمّد، عن إبن فضّال، عن إبن بكير عن حمزة بن حمران، و الحسن بن زياد (2)، قالا:
دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده قوم فصلّى بهم العصر، و قد كنّا صلّينا فعددنا له في الركوع (في ركوعه) سبحان ربّي العظيم أربعا أو ثلاثا و ثلاثين مرّة.
و قال أحدهما في حديثة و بحمده في الركوع و السجود (3).
4-و عنه باسناده، عن محمّد بن عبد الحميد، عن إبن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن عمر بن يزيد، قال: كان أبو عبد اللّه عليه السلام يصلّي عن ولده في كّل ليلة ركعتين، و عن والديه في كلّ ليلة ركعتين، قلت له: جعلت فداك و كيف صار للولد الليل؟
قال لأنّ الفراش للولد، قال: و كان يقرء فيهما إنّا أنزلناه في ليلة القدر، و إنّا أعطيناك الكوثر (4).
5-إبن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمّد بن
ص:84
خالد، عن أبيه، قال: حدّثنا أبو أحمد محمّد بن زياد الأزدي، قال:
سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يقول: كنت أدخل على الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السلام فيقدّم لي مخدّة و يعرف لي قدرا و يقول:
يا مالك إنّي احبّك فكنت أسرّ بذلك و أحمد اللّه عزّ و جلّ عليه.
قال: و كان عليه السلام لا يخلو عن إحدى ثلاث خصال: إمّا صائما، و إمّا قائما، و إمّا ذاكرا، و كان من عظماء العبّاد و أكابر الزهّاد الذين يخشون اللّه عز و جل، و كان كثير الحديث طيّب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إخضر مرّة، و إصفر اخرى حتّى ينكره من يعرفه.
و لقد حججت معه سنة فلما إستوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما هم بالتلبية إنقطع الصوت في حلقه، و كاد أن يخر من راحلته، فقلت: قل يا بن رسول اللّه و لا بدلك من أن تقول.
فقال: يا بن أبي عامر كيف أجسر أن أقول: لبيّك أللّهم لبيّك، و أخشى أن يقول عزّ و جلّ لي: لا لبيّك و لا سعديك! (1).
6-محمّد بن يعقوب عن أبي عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن أبي المغراء، عن سلمة بن محرز (2)، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ جائه رجل يقال له: أبو الورد (3)فقال
ص:85
لأبي عبد اللّه عليه السلام: رحمك اللّه إنّك لو كنت أرحت (1)بدنك من المحمل؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: يا أبا الورد إنّي احبّ أن أشهد المنافع التي قال اللّه عزّ و جلّ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ 2انه لا يشهدها أحد إلاّ نفعه اللّه، أمّا أنتم فترجعون مغفورا لكم، و أمّا غيركم فيحفظون في أهليهم و أموالهم 3.
7-و عنه، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه عن القاسم بن إبراهيم 4، عن أبان بن تغلب، قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام مزامله فيما بين مكّة و المدينة، فلمّا إنتهى إلى الحرم نزل و إغتسل و أخذ نعليه بيده، ثمّ دخل الحرم حافيا، فصنعت مثل ما صنع.
فقال: يا أبان من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا للّه محى اللّه عنه مأة ألف سيّئة، و كتب له مأة ألف حسنة، و بنى اللّه له مأة ألف درجة، و قضى له مأة ألف حاجة 5.
ص:86
8-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن عمر بن يزيد (1)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: حجّة أفضل من عتق سبعين رقبة.
فقلت: ما يعدل الحجّ شيء؟
قال: ما يعد له شيء، و لدرهم واحد في الحجّ أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من سبيل اللّه.
ثمّ قال له: خرجت على نيّف و سبعين بعيرا و بضع (2)عشرة دابّة و لقد إشتريت سودا (3)أكثر بها العدد، و لقد آذاني أكل الخلّ و الزيت حتّى أنّ حميدة (4)أمرت بدجاجة فشويت فرجعت إلى نفسي (5).
ص:87
ص:88
في جوده عليه السلام
1-الشيخ في «أماليه» عن أبي محمّد الفحّام، قال: حدّثنا أبو الحسن (1)محمّد بن أحمد بن عبيد اللّه الهاشمي المنصوري قال:
حدّثني عمّ أبي أبو موسى (2)عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور، قال: حدّثني الإمام عليّ بن محمّد العسكري قال: حدّثني أبي محمّد، ابن عليّ قال: حدّثني أبي عليّ بن موسى، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: كنت عند سيّدنا الصادق عليه السلام إذ دخل عليه أشجع (3)السلمي يمدحه، فوجده عليلا فجلس و أمسك، فقال له سيّدنا الصادق عليه السلام: عد عن العلّة و اذكر ما جئت له، فقال له:
ألبسك اللّه منه عافية في نومك المعتري و في أرقك
ص:89
يخرج من جسمك السقام كما أخرج ذلّ السؤال من عنقك
فقال يا غلام إيش معك؟
قال: أربعمائة درهم.
قال: أعطها للأشجع.
قال: فأخذها و شكر و ولّى فقال ردّوه.
فقال: يا سيّدي سألت فأعطيت، و أغنيت فلم رددتني؟
قال: حدّثني أبي عن آبائه، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: خير العطاء ما أبقى نعمة باقية، و إنّ الذي أعطيتك لا يبقي لك نعمة باقية و هذا خاتمي، فإن اعطيت به عشرة آلاف درهم و إلاّ فعد إليّ وقت كذا و كذا اوفك إيّاها.
قال: يا سيدي قد أغنيتني و أنا كثير الأسفار و أحصل في المواضع المفزعة فعلّمني ما آمن به على نفسي.
قال: إذا خفت أمرا فاترك يدك (1)على امّ رأسك و اقرأ برفيع صوتك: أَ فَغَيْرَ دِينِ اَللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (2).
قال أشجع: فحصلت في دار تعبث فيه الجنّ، فسمعت قائلا يقول: خذوه، فقرأتها، فقال قائل: كيف نأخذه و قد إحتجز بآية طيبة (3).
ص:90
2-محمّد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن مسمع بن عبد الملك قال: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام بمنى و بين أيدينا عنب نأكله، فجاء سائل فسأله فأمر بعنقود (1)فأعطاه.
فقال السائل: لا حجة لي في هذا إن كان درهم.
قال: يسع اللّه عليك، فذهب ثمّ رجع.
فقال: ردّوا العنقود، فقال: يسع اللّه لك و لم يعطه شيئا.
ثم جاء سائل آخر فأخذ أبو عبد اللّه عليه السلام ثلاث حبّات عنب فناولها إيّاه، فأخذ السائل من يده، ثم قال: ألحمد للّه ربّ العالمين الّذي رزقني.
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام «مكانك فحشا ملأ كفّيه عنبا فناولها إيّاه، فأخذه السائل من يده، ثمّ قال: الحمد للّه ربّ العالمين الذي رزقني.
فقال أبو عبد اللّه: مكانك، يا غلام أيّ شيء معك من الدراهم؟ فإذا معه نحو من عشرين درهما فيما حزرنا (2)أو نحوها، فناولها إيّاه فأخذها ثم قال: ألحمد للّه هذا منك وحدك لا شريك لك.
فقال أبو عبد اللّه: مكانك، فخلع قميصا كان عليه، فقال: إلبس هذا
ص:91
فلبسه، ثم قال: ألحمد للّه الذي كساني و سترني يا أبا عبد اللّه، أو قال:
جزاك اللّه خيرا، لم يدع لأبي عبد اللّه عليه السلام إلاّ بهذا ثم انصرف فذهب.
قال: فظننا أنّه لو لم يدع له لم يزل يعطيه، لأنّه كلّما كان يعطيه حمد اللّه عز و جل أعطاه (1).
3-و عنه، عن عليّ بن محمّد، و أحمد بن محمّد، عن علي بن الحسن، عن العبّاس بن عامر، عن محمّد بن إبراهيم الصيرفي (2)، عن مفضّل (3)بن رمّانة، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فذكرت له بعض حالي فقال: يا جارية هاتي ذلك الكيس، هذه أربعمأة دينار وصلني بها أبو جعفر (4)، فخذها و تفرّج بها.
قال: قلت: لا و اللّه جعلت فداك ما هذا دهري (5)ولكن أحببت أن تدعو اللّه لي.
قال: فقال لي: إنّي سأفعل، و لكن إيّاك أن تخبر الناس بكلّ حالك فتهون عليهم (6).
ص:92
4-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عبد اللّه ابن محمّد الحجّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن سعيد بن عمرو الجعفي، قال: خرجت إلى مكة و أنا من أشدّ الناس حالا فشكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فقال (1): أما إنّك حيث شكوت إليّ أمرنا لك بثلاثين دينارا، يا جارية هاتيها، فأخذتها و أنا من أحسن قومي حالا 2.
5-و عنه عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن أبي إسحاق الخفّاف 3، عن محمّد بن أبي زيد 4عن أبي هارون المكفوف، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام أيسرك أن يكون لك قائد يا أبا هارون؟
ص:93
قال: قلت: نعم جعلت فداك.
قال: فأعطاني ثلاثين دينارا فقال إشتر خادما كسوميّا (1)فاشتراه، فلمّا أن حجّ دخل عليه فقال له: كيف رأيت قائدك يا أبا هارون.
فقال خيرا، فأعطاه خمسة و عشرين دينارا فقال له: إشتر له جارية شبانية (2)فإنّ أولادهنّ قرّة (3)، فاشتريت جارية شبانية فزوّجتها منه فأصبت ثلاث بنات فأهديت واحدة منهن إلى بعض ولد أبي عبد اللّه عليه السلام و أرجو أن يجعل ثوابي منها الجنّة، و بقيت بنتان ما يسرّني بهن الوف (4).
6-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن أبي حنيفة (5)السائق قال: مرّ بنا المفضّل و أنا و ختني نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة، ثم قال: تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربع مأة درهم، و دفعها إلينا من عنده حتى إستوثق كلّ واحد منّا من صاحبه، ثمّ قال: أما إنّها ليست من مالي، ولكن أبو عبد اللّه عليه السلام أمرني إذا تنازع الرجلان من أصحابنا في شيء أن اصلح بينهما و أفتديهما من ماله، فهذا مال أبي عبد اللّه عليه السلام (6).
ص:94
و رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل، عن أبي حنيفة سائق الحاج، فقال: مرّ بنا المفضّل.
و ساق الحديث إلى آخره.
7-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن سعد بن عبد اللّه، عن أبي جعفر، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد، قال: رأيت أبا سيّار مسمع بن عبد الملك بالمدينة و قد كان حمل إلى أبي عبد اللّه عليه السلام مالا في تلك السنة فردّه أبو عبد اللّه عليه السلام عليه.
فقلت له: لم ردّ عليك أبو عبد اللّه عليه السلام المال الذي حملته إليه؟
قال: فقال: إنّي قلت له حين حملت اليه المال: إنّي كنت ولّيت الغوص فأصبت أربعمأة ألف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، و كرهت أن أحبسها عنك و أعرض (1)لها و هي حقك الّذي جعله اللّه لك في أموالنا.
فقال: و مالنا في الأرض و ما أخرج اللّه منها إلاّ الخمس؟
يا أبا سيّار الأرض كلّها لنا فما أخرج اللّه منها من شيء فهو لنا.
قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه.
فقال لي: يا أبا سيّار قد طيبّناه لك و أحللناك منه فضمّ اليك مالك، و كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللّون يحلّ لهم ذلك
ص:95
إلى أن يقوم قائمنا عليه السلام فيجبيهم (1)طسق (2)ما كان في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم، و أمّا ما كان في أيدي سواهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم عنها صغرة (3).
8-و من طريق المخالفين ما رواه كمال الدين بن طلحة الشامي في «مطالب السئول» قال الهياج (4)بن بسطام: كان جعفر بن محمّد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء و كان يقول عليه السلام: لا يتمّ المعروف إلاّ بثلاثة: تعجيله، و تصغيره، و ستره (5)انتهى كلامه.
ص:96
في صدقته عليه السلام و كيفية اعطاء السائل
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: كان أبو عبد اللّه عليه السلام إذا أعتم (1)و ذهب من الليل شطره أخذ جرابا فيه خبز و لحم و الدراهم فحمله على عنقه، ثم ذهب به إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم و لا يعرفونه، فلمّا مضى أبو عبد اللّه عليه السلام فقدوا ذلك، فعلموا أنّه كان أبا عبد اللّه صلوات اللّه عليه (2).
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمد إبن خالد، عن سعدان بن مسلم، عن معلّى بن خنيس قال: خرج أبو عبد اللّه عليه السلام في ليلة قد رشّت السّماء (3)و هو يريد ظلّة بني ساعدة، فاتّبعته فإذا هو قد سقط منه شيء، فقال: بسم اللّه أللهم ردّه علينا.
قال: فأتيته فسلّمت عليه.
فقال: معلّى؟
قلت: نعم جعلت فداك.
فقال: إلتمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه إليّ فإذا أنا بخبز
ص:97
منتشر كثير، فجعلت أدفع إليه ما وجدت فاذا أنا بجراب أعجز عن حمله من خبز.
فقلت: جعلت فداك أحمله على رأسي (عاتقي) فقال: لا أنا أولى به منك ولكن إمض معي.
قال: فأتينا ظلّة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدسّ (1)الرغيف و الرغيفين حتى أتى على آخرهم ثمّ إنصرفنا، فقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء الحقّ؟
فقال: لو عرفوه لواسيناهم بالدقّة و الدقة (2)هي الملح إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق شيئا إلاّ و له خازن يخزنه إلاّ الصدقة فإنّ الربّ يليها بنفسه، و كان أبي إذا تصدّق بشيء وضعه في يد السائل ثم إرتدّه منه فقبّله و شمّه ثمّ ردّه في يد السائل، إنّ صدقة الليل تطفيء غضب الربّ، و تمحق (3)الذنب العظيم، و تهوّن الحساب، و صدقة النهار تثمر المال، و تزيد في العمر، إنّ عيسى بن مريم عليهما السلام لمّا مرّ على شاطىء البحر رمى بقرص من قوته في الماء، فقال له بعض الحواريين: يا روح اللّه و كلمته لم فعلت هذا و إنّما هو من قوتك؟
قال: فقال: فعلت هذا لدابّة تأكله من دوابّ الماء و ثوابه عند اللّه 1 عظيم (4).
ص:98
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن شعيب (1)، عن الحسين بن الحسن (2)، عن عاصم، عن يونس، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان يتصدق بالسكر، فقيل له:
أتتصدق بالسكر؟
فقال: نعم إنّه ليس شيء أحبّ إليّ منه فأنا احبّ أن أتصدق بأحبّ الأشياء إلي (3).
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن مرازم، عن مصادف، قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في أرض له و هم يصرمون، فجاء سائل يسئل فقلت: اللّه يرزقك.
فقال: مه ليس ذلك لكم حتى تعطوا ثلاثة، فإذا أعطيتم ثلاثة، فإن أعطيتم فلكم و إن أمسكتم فلكم (4).
5-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن أبي نصر، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ:
ص:99
وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا (1)، قال: كان أبي عليه السلام يقول: من الإسراف في الحصاد و الجداد (2)أن يتصدّق الرجل بكفّيه جميعا، و كان أبي عليه السلام إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدّق بكفّيه صاح به: أعط بيد واحدة القبضة بعد القبضة، و الضغث بعد الضغث من السنبل (3). (4)
6-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن الوليد بن صبيح (5)، قال:
كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فجائه سائل فأعطاه، ثمّ جائه آخر فأعطاه، ثم جائه آخر فأعطاه، ثمّ جاءه الآخر فقال: يسع اللّه عليك ثمّ قال: إنّ رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألف درهم ثمّ شاء أن لا يبقي منها إلاّ وضعها في حقّ لفعل فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يردّ دعائهم.
قلت: من هم؟
قال: أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في غير وجهه ثمّ قال: يا ربّ
ص:100
ارزقني فيقال له: ألم أجعل (1)لك سبيلا إلى طلب الرزق؟ (2)
7-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن موسى بن بكر، عن عجلان، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فجائه سائل فقام إلى مكتل (3)فيه تمر، فملأ يده فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله، ثمّ جاء آخر فقال: رزقنا اللّه و إيّاك.
ثمّ قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئا إلاّ أعطاه، فأرسلت إليه إمرأة ابنا لها فقالت: إنطلق إليه فاسئله فإن قال لك: ليس عندنا شيء فقل: أعطني قميصك، قال: فأخذ قميصه فرمى به إليه.
ص:101
و في نسخة اخرى: و أعطاه، فأدبّه اللّه تبارك و تعالى على القصد فقال: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ اَلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (1). (2)
8-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن مرازم، عن مصادف، قال: كنت عند (3)أبي عبد اللّه عليه السلام بين مكّة و المدينة، فمررنا على رجل في أصل شجرة و قد ألقى بنفسه، فقال: مل بنا إلى هذا الرّجل فإنّي أخاف أن يكون قد أصابه عطش، فملنا فإذا رجل من الفراسين (4)طويل الشعر، فسأله أعطشان أنت؟
فقال: نعم.
فقال لي: انزل يا مصادف فاسقه، فنزلت فسقيته، ثمّ ركبت و سرنا فقلت: هذا نصرانيّ تتصدّق على نصراني؟
فقال: نعم إذا كانوا في مثل هذا الحال. (5)
9-و عنه عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حسين بن مختار، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال صحبته بين مكّة و المدينة فجاء سائل فأمر أن يعطى، ثم جاء آخر فأمر أن يعطى، ثمّ جاء آخر فأمر أن يعطى، ثم جاء الرّابع، فقال أبو عبد اللّه
ص:102
عليه السلام: يشبعك اللّه، ثمّ إلتفت إلينا فقال: أما عندنا (1)ما نعطيه و لكن نخشى أن نكون كأحد الثلاثة الّذين لا يستجاب لهم دعوة: رجل أعطاه اللّه مالا فأنفقه في غير حقّه، ثم قال: أللهمّ ارزقني فلا يستجاب له، و رجل يدعو على إمرأته أن يريحه منها و قد جعل اللّه عزّ و جلّ أمرها إليه، و رجل يدعو على جاره و قد جعل اللّه عزّ و جلّ له السبيل إلى أن يتحوّل عن جواره و يبيع داره (2).
10-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن أحمد، عن الحسين (3)، عن القاسم بن الحسين (4)، عن الحسين بن عاصم بن يونس، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان يتصدّق بالسكر فقيل له أتتصدّق بالسكر؟
فقال: ليس شيء أحبّ إليّ منه، فأنا احبّ أن أتصدق بأحبّ الأشياء إليّ (5).
11-و عنه في «مجالسه» قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم
ص:103
القزويني، قال: أخبرنا محمّد بن وهبان قال: حدّثنا أبو عيسى (1)محمّد ابن إسماعيل بن حيّان الورّاق في دكانه بسكة الموالي، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن الحسين بن حفص الخثعمي الأسدي، قال: حدّثنا أبو سعيد عبّاد بن يعقوب الأسدي قال: حدّثنا خلاّد أبو علي (2)، عن رجل، قال: كنّا جلوسا عند جعفر عليه السلام فجائه سائل فأعطاه درهما، ثم جاء آخر فأعطاه درهما، ثم جاء آخر فأعطاه درهما ثم جاء الّرابع فقال له: يرزقك ربّك.
ثمّ أقبل علينا فقال: لو أنّ أحدكم كان عنده عشرون ألف درهم و أراد أن يخرجها في هذا الوجه لأخرجها ثمّ بقي ليس عنده شيء كان من الثلاثة الّذين دعوا فلم يستجب لهم دعوة:
رجل آتاه اللّه مالا فمزّقه فلم يحفظه فدعا اللّه أن يرزقه، فقال: ألم أرزقك؟ فلم يستجب له دعوة وردّت عليه دعوته.
و رجل جلس في بيته و سئل اللّه أن يرزقه، قال: أفلم أجعل لك إلى طلب الرزق سبيلا أن تسير في الأرض و تبتغي من فضلي؟ فردّت عليه دعوته.
و رجل دعا على إمرأته فقال: ألم أجعل أمرها في يدك؟ فردّت عليه دعوته (3).
ص:104
في مطعمه و مشربه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن محمّد، عن منصور بن العبّاس، عن سليمان بن رشيد (1)، عن أبيه، عن مفضّل بن عمر، قال: أكلت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فأتي بلون فقال: كل من هذا فأمّا انا فما شيء أحب إلي من الثريد، و لوددت الإسفناجات (سفاناجات) حرّمت (2).
2-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معوية بن وهب، عن أبي اسامة زيد الشحّام قال: دخلت على سيّدي أبي عبد اللّه عليه السلام و هو يأكل سكباجا (3)بلحم البقر (4).
3-و عنه، عن عليّ بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن سعدان بن مسلم، عن اسماعيل بن جابر (5)قال: كنت عند
ص:105
أبي عبد اللّه عليه السلام فدعا بالمائدة فاتي بثريد و لحم، و دعا بزيت و صبّ على اللحم فأكلت معه (1).
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الأعلى 2، قال: أكلت مع أبي عبد اللّه عليه السلام يوما فاتي بدجاجة محشوّة خبيصا 3ففككناها و أكلناها 4.
5-و عنه بهذا الإسناد عن إبن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كنّا بالمدينة فأرسل إلينا: إصنعوا لنا فالوذج و أقلّوا، فأرسلنا إليه في قصعة صغيرة 5.
6-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن محبوب، عن يونس بن يعقوب، عن سليمان بن خالد، قال: حضرت
ص:106
عشاء أبي عبد اللّه عليه السلام في الصيف فأتي بخوان عليه خبز، و أتي بقصعة ثريد و لحم، فقال: هلم الطعام (1)فدنوت، فوضع يده فيه و رفعها، و هو يقول عليه السلام: أستجير باللّه من النار أعوذ باللّه من النار، أعوذ باللّه من النار، هذا ما لا نصبر عليه فكيف النّار، هذا ما لا نقوى عليه فكيف النار؟ ! هذا ما لا نطيقه فكيف النار؟ !
قال: و كان عليه السلام يكرّر ذلك حتى أمكن الطعام فأكل و أكلت معه (2).
7-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير عن عبيدة الواسطي (3)، عن عجلان قال تعشيّت مع أبي عبد اللّه عليه السلام بعد عتمة، و كان يتعشّى بعد عتمة فأتي بخلّ و زيت، و لحم بارد، فجعل ينتف اللحم فيطعمنيه، و يأكل هو الخلّ و الزيت، و يدع اللحم فقال: إنّ هذا طعامنا و طعام الأنبياء (4).
8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن إبن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الأعلى قال: أكلت مع أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: يا جارية إيتينا بطعامنا المعروف فأتي بقصعة فيها
ص:107
خلّ و زيت فأكلنا (1).
9-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح (2)، قال: كنت أفطر مع أبي عبد اللّه عليه السلام و مع أبي الحسن الأوّل عليه السلام في شهر رمضان، فكان أوّل ما يؤتى به قصعة من ثريد خلّ و زيت، فكان أوّل ما يتناول منها ثلاث لقم ثم يؤتى بالجفنة (3). (4)
10-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبان (5)بن عبد الملك عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّا لنبدء بالخلّ عندنا كما تبدؤن بالملح عندكم، فإنّ الخلّ ليشدّ العقل (6).
11-و عنه عن عليّ، عن أبيه عن حنان عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه
ص:108
السلام قال: ذكر عنده خلّ الخمر (1)فقال: إنّه ليقتل دوابّ البطن و يشدّ الفم (2).
12-و عنه عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبي سليمان (3)الحذّاء الجبلي، عن محمّد بن الفيض، قال: تغدّيت مع أبي عبد اللّه عليه السلام و على الخوان بقل و معنا شيخ فجعل يتنكّب الهندباء (4)فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: أمّا أنتم فتزعمون أنّ الهندباء بارد، و ليست كذلك، و لكنّها معتدلة و فضلها على البقول كفضلنا على الناس (5).
13-و عنه، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمّد البصري عن أبي داود المسترقّ، عمنّ حدّثه، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدعا بتمر فأكل و أقبل يشرب عليه الماء.
فقلت له: جعلت فداك لو أمسكت عن الماء.
فقال: إنّما آكل التمر لأستطيب عليه الماء (6).
ص:109
14-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن إبن فضّال، عن إبن بكير، عن بعض أصحابنا قال: كان أبو عبد اللّه عليه السلام ربّما أطعمنا الفراني (1)و الأخبصة ثمّ يطعم الخلّ (2)و الزيت، فقيل له: لو دبّرت أمرك حتّى تعتدل.
فقال: إنّما نتدبّر بأمر اللّه عزّ و جلّ فإذا وسّع علينا وسّعنا، و إذا قتّر علينا قتّرنا (3).
15-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي سعيد (4)، عن أبي حمزة، قال: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام جماعة، فدعا بطعام مالنا عهد بمثله لذاذة و طيبا و أوتينا بتمر ننظر فيه إلى وجوهنا من صفائه و حسنه فقال رجل: لتسألنّ عن هذا النعيم الذي تنعمتم به عند إبن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ أكرم و أجلّ من أن يطعمكم طعاما فيسوغّكموه ثمّ يسألكم عنه و لكن يسألكم اللّه عمّا أنعم عليكم بمحمّد و آل محمّد عليهم السلام (5).
ص:110
16-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن عمرو بن شمر، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّي لألحس أصابعي من الادم حتّى أخاف أن يراني خادمي فيرى أنّ ذلك من التجشّع (1)و ليس ذلك كذلك، إنّ قوما افرغت عليهم النعمة و هم أهل الثرثار 2فعمدوا إلى مخّ الحنطة فجعلوها خبزا هجاء 3و جعلوا ينجون به صبيانهم حتّى إجتمع من ذلك جبل عظيم.
قال: فمرّ بهم رجل صالح و إذا إمرأة تفعل ذلك بصبي لها، فقال لهم: و يحكم إتقوا اللّه عزّ و جلّ و لا تغيّروا ما بكم من نعمة.
فقالت له: كأنّك تخوّفنا بالجوع؟ أمّا ما دام ثرثارنا يجري فإنّا لا نخاف الجوع.
قال: فأسف 4اللّه عزّ و جلّ و أضعف لهم الثرثار، و حبس عنهم قطر السماء و نبات الأرض قال: فاحتاجوا إلى ذلك الجبل، و إنّه كان
ص:111
يقسّم بينهم بالميزان (1).
17-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد ابن علي، عن يونس بن يعقوب، عن أخيه يوسف قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام بالحجر فاستسقى ماء فأتي بقدح من صفر.
فقال رجل: إنّ عبّاد بن (2)كثير يكره الشرب في الصفر.
فقال: لا بأس، و قال عليه السلام للرجل: ألاّ سالته أذهب هو أم فضة (3)؟
18-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر ابن بشير، عن عمرو بن أبي المقدام، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام قد اتي بقدح من ماء فيه ضبّة (4)من فضّة فرأيته ينزعها بأسنانه (5).
ص:112
في آداب المائدة من ذكر اللّه تعالى و غير ذلك
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير، عن أبي إسماعيل البصري (1)عن الفضيل بن يسار، قال: كان عبّاد البصري عند أبي عبد اللّه عليه السلام يأكل فوضع أبو عبد اللّه عليه السلام يده على الأرض، فقال له عبّاد: أصلحك اللّه أما تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن هذا، فرفع يده فأكل، ثمّ أعادها أيضا، فقال له أيضا، فرفعها ثم أكل فأعادها، فقال له عبّاد أيضا.
فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: لا و اللّه ما نهى رسول اللّه عن هذا قطّ (2).
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي إبن أبي شعبة قال: أخبرني إبن أبي أيوب (3)أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام كان يأكل متربّعا قال: و رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام
ص:113
كان يأكل متكئا (1).
3-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن محمّد (2)بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان يجلس جلسة العبد، و يضع يده على الأرض، و يأكل بثلاث أصابع، و إنّ رسول اللّه كان يأكل هكذا، ليس كما يفعل الجبّارون لأحدهم (3)ياكل باصبعيه (4).
4-و عنه عن أبي عبد اللّه الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، قال: جلس أبو عبد اللّه متورّكا رجله اليمنى على فخذه اليسرى فقال له رجل: جعلت فداك هذه جلسة مكروهة.
فقال: لا إنّما هو شيء قالت اليهود لمّا أن فرغ اللّه عزّ و جلّ من خلق السموات و الأرض و استوى على العرش جلس هذه الجلسة ليستريح فأنزل اللّه عزّ و جلّ: اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا
ص:114
نَوْمٌ (1)و بقي أبو عبد اللّه عليه السلام متورّكا كما هو (2).
5-الحسين بن سعيد، في «الكتاب الزهد» عن إبن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسى، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يأكل متّكئا، ثمّ ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: ما أكل متّكئا حتّى مات (3).
6-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد:
عن إبن فضّال، عن إبن بكير، عن عبيد بن زرارة قال: أكلت مع أبي عبد اللّه عليه السلام طعاما فما احصي كم مرّة قال: ألحمد للّه الذي جعلني أشتهيه (4).
7-و عنه عن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبيس بن هشام (5)، عن الحسين بن أحمد المنقري (6)، عن يونس بن ظبيان قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام فحضر وقت العشاء
ص:115
فذهبت أقوم، فقال: إجلس يا أبا عبد اللّه فجلست حتى وضع الخوان فسمّى حين وضع، فلمّا فرغ قال: ألحمد للّه هذا منك و من محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1).
8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن إبن بكير قال: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فأطعمنا ثمّ رفعنا أيدينا فقلنا: ألحمد للّه.
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: أللّهم هذا منك و من محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رسولك أللّهم لك الحمد صلّ على محمّد و آل محمّد (2).
9-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن إسماعيل المدائني (3)، عن عبد اللّه بن بكير، عن رجل قال:
أمر أبو عبد اللّه عليه السلام بلحم فبرّد، ثم أتى به من بعده فقال: ألحمد للّه الذي جعلني أشتهيه، ثمّ قال: النعمة في العافية أفضل من النعمة على القدرة (4).
10-و عنه عن عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن
ص:116
بشير، عن أبان بن عثمان، عن داود بن كثير (1)، قال: تعشّيت عند أبي عبد اللّه عليه السلام عتمة فلمّا فرغ من عشائه حمد اللّه عز و جل و قال: هذا عشائي و عشاء آبائي فلمّا رفع الخوان تقمّم (2)ما سقط منه ثمّ ألقاه إلى فيه (3).
11-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن منصور بن العباس، عن الحسن بن معاوية (4)، عن أبيه، قال: أكلنا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فلمّا رفع الخوان لقط ما وقع منه فأكله ثم قال لنا: إنّه ينفي الفقر و يكثر الولد (5).
12-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن الأصمّ (6)عن عبد اللّه الأرّجاني، قال: كنت عند
ص:117
أبي عبد اللّه عليه السلام و هو يأكل 1من آنية فرأيته يتتبّع مثل السمسم من الطعام ما سقط من الخوان فقلت جعلت فداك تتبع هذا؟
فقال يا أبا عبد اللّه هذا رزقك فلا تدعه أما إنّ فيه شفاء من كل داء 2.
13-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن وهب بن عبد ربّه، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يتخلّل فنظرت إليه فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتخلّل و هو يطيب الفم. 3
ص:118
في اكرامه الضيف
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: دخلنا مع إبن أبي يعفور على أبي عبد اللّه عليه السلام و نحن جماعة فدعا بالغداء فتغدّينا و تغدّى معنا و كنت أحدث القوم سنّا فجعلت أقصر و أنا آكل، فقال لي: كل أما علمت أنّه تعرف مودّة الرجل لأخيه بأكله من طعامه. (1)
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن رجل، عن عبد الرحمان بن الحجّاج، قال: أكلنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام فاوتينا بقصعة من أرزّ فجعلنا نعذر (2)فقال عليه السلام: ما صنعتم شيئا، إنّ أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا.
قال عبد الرحمان: فرفعت كسحة المائدة (3)فأكلت.
ص:119
فقال: نعم الان ثمّ أنشأ يحدّثنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اهدي إليه قصعة أرزّ من ناحية الأنصار فدعا سلمان و المقداد و ابا ذرّ رحمة اللّه عليهم (1)فجعلوا يعذرون في الأكل فقال لهم: ما صنعتم شيئا، أشدّكم حبّا لنا أحسنكم اكلا عندنا فجعلوا يأكلون أكلا جيّدا.
ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: رحمهم اللّه و رضي اللّه عنهم و صلّى عليهم. (2)
3-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن يونس بن يعقوب، عن عيسى بن أبي منصور (3)، قال:
أكلت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فجعل يلقي بين يديّ الشواء ثمّ قال:
يا عيسى إنّه يقال: إعتبر حبّ الرجل بأكله من طعام أخيه. (4)
4-و عنه، عن عليّ بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عدّة من أصحابنا عن يونس بن يعقوب، عن عبد اللّه بن سليمان الصيرفي (5)قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقدّم إلينا طعاما فيه شواء و أشياء بعده، ثمّ جاء بقصعة فيها أرزّفأ فأكلت معه، فقال: كل.
ص:120
قلت: قد أكلت.
قال: كل فإنّه يعتبر حبّ الرجل لأخيه بانبساطه في طعامه، ثمّ حاز لي حوزا (1)بأصبعه من القصعة فقال لي: لتأكلنّ ذا بعد ما قد أكلت، فأكلته. (2)
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي المغرا العجلي، قال:
حدّثني عنبسة بن مصعب، قال: أتينا أبا عبد اللّه عليه السلام و هو يريد الخروج إلى مكة فأمر بسفرة فوضعت بين أيدينا فقال: كلوا فأكلنا.
فقال: أثبتّم أثبتّم (3)إنّه كان يقال: إعتبر حبّ القوم بأكلهم، قال:
فأكلنا و قد ذهبت الحشمة. (4)
6-و عنه، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن ابن علي، عن يونس، عن أبي الربيع، قال: دعا أبو عبد اللّه عليه السلام بطعام فأتي بهريسة، و قال لنا: ادنوا فكلوا.
قال: فأقبل القوم يقصرون، فقال عليه السلام: كلوا فإنّما يتبين مودّة الرّجل لأخيه في أكله.
ص:121
قال: فأقبلنا نغصّ أنفسنا (1)كما تغصّ الإبل. (2)
7-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن موسى (3)، عن ذبيان بن حكيم (4)، عن موسى النميري (5)، عن ابن أبي يعفور قال: رأيت عند أبي عبد اللّه عليه السلام ضيفا و قام يوما في بعض الحوائج، فنهاه عن ذلك و قام بنفسه إلى تلك الحاجة و قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن أن يستخدم الضيف (6).
ص:122
في عمله عليه السلام بيده و تعرضه للرزق
و حسن تقدير المعيشة
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن سنان، عن إسماعيل بن جابر، قال: أتيت أبا عبد اللّه عليه السلام فإذا هو في حائط له بيده مسحاة و هو يفتح بها الماء، و عليه قميص شبه الكرابيس كأنّه مخيط عليه من ضيقه. (1)
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن عذافر (2)، عن أبيه قال (3): أعطى أبو عبد اللّه عليه السلام أبي ألفا و سبعمائة دينار، فقال له: إتّجر بها، ثمّ قال: أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها و إن كان الربح مرغوب فيه، و لكنّي أحببت أن يراني اللّه عزّ و جلّ متعرّضا لفوائده.
قال: فربحت له فيها مأة دينار، ثمّ لقيته فقلت له: قد ربحت لك فيها مأة دينار.
ص:123
قال: ففرح أبو عبد اللّه عليه السلام بذلك فرحا شديدا ثم قال لي:
أثبتها في رأس مالي.
قال: فمات أبي و المال عنده، فأرسل إلي أبو عبد اللّه عليه السلام فكتب: عافانا اللّه و إيّاك إنّ لي عند أبي محمّد ألفا و ثمانمأة دينار أعطيته يتّجر بها فادفعها إلى عمر بن يزيد.
قال: فنظرت في كتاب أبي فإذا فيه لأبي عبد اللّه (1)عندي ألف و سبعمأة دينار و أتّجر له فيها مأة دينار، و عبد اللّه بن سنان، و عمر بن يزيد يعرفانه. (2)
3-و عنه عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، قال: حدّثني جميل بن صالح، عن أبي عمرو الشيباني (3)قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام و بيده مسحاة و عليه إزار غليظ يعمل في حائط له و العرق يتصابّ عن ظهره، فقلت: جعلت فداك أعطني أكفك.
فقال لي: إنّي احبّ أن يتاذّى الرّجل بحرّ الشمس في طلب المعيشة. (4)
ص:124
4-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّي لأعمل في بعض ضياعي حتى أعرق، و إنّ لي من يكفيني ليعلم اللّه جلّ و عزّ أني أطلب الرزق الحلال. (1)
5-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن عذافر، عن أبيه قال: دفع إليّ أبو عبد اللّه عليه السلام سبعمأة دينار و قال: يا عذافر إصرفها في شيء أما ما بي شره (2)و لكنّي أحببت أن يراني اللّه عزّ و جلّ متعرّضا لفوائده.
قال عذافر: فربحت فيها مأة دينار، فقلت له في الطواف (3):
جعلت فداك قد رزق اللّه جلّ و عزّ فيها مأة دينار.
فقال: أثبتها في رأس مالي. (4)
6-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن إبن فضّال، عن داود بن سرحان (5)، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يكيل تمرا بيده، فقلت: جعلت فداك لو أمرت بعض ولدك أو بعض مواليك فيكفيك.
ص:125
فقال: يا داود إنّه لا يصلح المرء المسلم إلاّ ثلاثة التفقّه (1)في الدين، و الصبر على النائبة، و حسن التقدير في المعيشة. (2)
7-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن فضّال، عن الحسن بن الجهم، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: إنّ الإنسان إذا أدخل طعام سنته خفّ ظهره و إستراح، و كان أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السلام لا يشتريان عقدة (3)حتّى يحرزا طعام سنتهما. (4)
8-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلاّد قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: إنّ رجلا أتى جعفرا عليه السلام شبيها بالمستنصح له، فقال له: يا أبا عبد اللّه كيف صرت إتّخذت الأموال قطعا متفرّقة؟ و لو كانت في موضع واحد كان أيسر لمؤنتها و أعظم لمنفعتها.
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إتّخذتها متفرّقة فإذا أصاب هذا المال شيء سلم هذا المال، و الصرّة تجمع هذا كلّه. (5)
9-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن
ص:126
حفص بن البختري قال: إستقرض قهرمان (1)لأبي عبد اللّه عليه السلام من رجل طعاما لأبي عبد اللّه عليه السلام فألحّ في التقاضي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: ألم أنهك أن تستقرض لي ممّن لم يكن له فكان. (2)
10-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن حمّاد بن عثمان، قال: أصاب أهل المدينة غلاء و قحط حتى أقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير و يأكله، و يشتري ببعض الطعام و كان عند أبي عبد اللّه عليه السلام طعام جيّد قد اشتراه أوّل السنة، فقال لبعض مواليه: إشتر لنا شعيرا فاخلطه بهذا الطعام أو بعه فإنّا نكره أن نأكل جيّدا و يأكل الناس رديّا. (3)
11-و عنه عن محمد بن يحيى، عن عليّ بن إسماعيل، عن عليّ بن الحكم عن جهم بن أبي جهم (4)عن معتّب، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام و قد يزيد السعر بالمدينة: كم عندنا من طعام؟
قال: قلت: عندنا ما يكفينا أشهرا كثيرة.
قال: أخرجه و بعه.
قال: قلت له: و ليس بالمدينة طعام.
ص:127
قال: بعه، فلمّا بعته قال: إشتر مع الناس يوما بيوم، و قال: يا معتّب إجعل قوت نصفا شعيرا و نصفا حنطة فإنّ اللّه عزّ و جلّ يعلم أنّي واجد أن اطعمهم الحنطة على وجهها، و لكنّي احبّ أن يراني اللّه جلّ إسمه قد أحسنت تقدير المعيشة. (1)
12-و عنه، عن أبي علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أحمد بن النضر، عن أبي جعفر الفزاري (2)، قال: دعا أبو عبد اللّه عليه السلام مولى له يقال له: مصادف فأعطاه ألف دينار فقال له: تجهّز حتى تخرج إلى مصر فإنّ عيالي قد كثروا.
قال: فتجهّز بمتاع، و خرج مع التجّار إلى مصر فلمّا دنوا من مصر إستقبلتهم قافلة خارجة من مصر، فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة و كان متاع (3)العامّة فأخبروهم أنّه ليس بمصر منه شيء فتحالفوا و تعاقدوا على أن لا ينقصوا متاعهم من ربح الدينار دينارا، فلمّا قبضوا أموالهم و إنصرفوا إلى المدينة دخل مصادف على أبي عبد اللّه عليه السلام و معه كيسان في كلّ واحد ألف دينار فقال:
ص:128
جعلت فداك هذا رأس المال و هذا الآخر الربح.
فقال: إنّ هذا الرّبح كثير و لكن ما صنعتم في المتاع؟ فحدّثه كيف صنعوا و كيف تحالفوا.
فقال: سبحان اللّه تحلفون على قوم مسلمين ألاّ تبيعوهم إلاّ بربح الدينار دينارا؟ ! ثم أخذ أحد الكيسين فقال: هذا رأس مالي و لا حاجة لنا في هذا الربح، ثمّ قال: يا مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال. (1)
ص:129
ص:130
في لباسه
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: دخل سفيان الثّوري على أبي عبد اللّه عليه السلام فرأى عليه ثياب بيض كانها غرقىء (1)البيض فقال له: إنّ هذا اللّباس ليس من لباسك.
فقال له: إسمع منّي وع ما أقول لك، فإنّه خير لك عاجلا و آجلا إن أنت متّ على السنّة و الحق، و لم تمت على بدعة (2)، اخبرك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان في زمان مقفر جدب (3)، فأمّا إذا أقبلت الدنيا فأحقّ أهلها بها (4)أبرارها لا فجّارها و مؤمنوها لا فسّاقها (5)و مسلموها لا كفّارها، فما أنكرت يا ثوريّ فوا اللّه إنّني لمع ما ترى ما أتي عليّ منذ عقلت صباح و لا مساء و للّه في مالي حقّ أمرني أن أضعه
ص:131
موضعا إلاّ وضعته. (1)
2-و عنه عن عليّ بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عليّ (2)رفعه قال: مرّ سفيان الثوري في المسجد الحرام فرأى أبا عبد اللّه عليه السلام و عليه ثياب كثيرة القيمة حسان، فقال: و اللّه لآتينّه و لأوبخنّه فدنا منه فقال: يا بن رسول اللّه ما لبس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثل هذا اللباس و لا عليّ عليه السلام و لا أحد من آبائك.
فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: كان رسول اللّه في زمان قتر مقتر (3)، و كان يأخذ لقتره و إقتاره و إن الدّنيا بعد ذلك أرخت عزاليها (4)فأحق أهلها أبرارها ثم تلا قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ (5)فنحن أحقّ من أخذ منها ما أعطاه اللّه غير أني يا ثوري ما ترى عليّ من ثوب إنّما ألبسه للناس.
ثمّ إجتذب بيد سفيان فجرّها إليه، ثم رفع الثوب الأعلى و أخرج ثوبا تحت ذلك على جلده غليظا فقال: هذا ألبسه لنفسي و ما رأيته للناس ثمّ جذب ثوبا على سفيان أعلاه غليظ خشن، و داخل ذلك ثوب
ص:132
ليّن فقال: لبست هذا الأعلى للناس و لبست هذا لنفسك تسرّها. (1)
3-و عنه عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشاء، عن عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: بينا أنا في الطواف فإذا برجل يجذب ثوبي و اذا هو عبّاد بن كثير البصري، فقال:
يا جعفر بن محمّد تلبس مثل هذه الثياب؟ و أنت في هذا الموضع مع المكان الذي أنت فيه من عليّ عليه السلام؟ !
فقلت ثوب فرقبيّ (2)إشتريته بدينار، و كان عليّ عليه السلام في زمان يستقيم له ما لبس فيه، و لو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا لقال الناس: هذا مراء مثل عبّاد. (3)
4-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح قال: كان أبو عبد اللّه عليه السلام متّكئا عليّ أو قال على أبي فلقيه عبّاد بن كثير البصري، و عليه ثياب مرويّة حسان (4)فقال: يا أبا عبد اللّه إنّك من أهل بيت النبوّة، و كان أبوك و كان (5)فما هذه الثياب المرويّة عليك؟ فلو لبست دون هذه الثياب؟
فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: ويلك يا عباد مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللّهِ
ص:133
اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ (1)ان اللّه عزّ و جلّ إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يراها عليه، ليس بها بأس ويلك يا عبّاد إنما أنا بضعة من رسول اللّه فلا تؤذني، و كان عبّاد يلبس ثوبين قطريين (2). (3)
5-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى، عن حمّاد بن عثمان قال كنت حاضرا عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ قال له رجل: أصلحك اللّه ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم و ما أشبه ذلك و نرى عليك اللباس الجيّد؟ قال: فقال له: إنّ علي بن أبي طالب كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر، و لو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله غير أنّ قائمنا عليه السلام إذا قام لبس لباس عليّ عليه السلام و سار بسيرته (4).
6-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن بعض أصحابه، عن صفوان الجمّال، قال: حملت أبا عبد اللّه عليه السلام الحملة الثانية إلى الكوفة و أبو جعفر المنصور بها، فلمّا أشرف على الهاشميّة (5)مدينة أبي جعفر، أخرج رجله من غرز الرجل (6)ثمّ
ص:134
نزل و دعا ببغلة شهباء، و لبس ثياب بيض و كمة (1)بيضاء، فلمّا دخل عليه قال له أبو جعفر: لقد تشبّهت بالأنبياء؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: و أنّى تبعدني من أبناء الأنبياء؟
قال: لقد هممت أن أبعث إلى المدينة من يعقر نخلها و يسبي ذريّتها فقال: و لم ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: رفع إليّ أنّ مولاك المعلّى يدعو إليك و يجمع لك الأموال فقال: و اللّه ما كان، فقال: لست أرضى منك إلاّ بالطلاق و العتاق و الهدي و المشي، فقال عليه السلام أبا لأنداد من دون اللّه تأمرني أن أحلف؟ إنّه من لم يرض باللّه فليس من اللّه في شيء، فقال: أتتفقّه عليّ؟ فقال: و أنّي تبعدني من الفقة، و أنا إبن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: فإنّي أجمع بينك و بين من سعى بك، قال: فافعل فجاء الرّجل الذي سعى به، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: يا هذا فقال: نعم و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشّهادة الرّحمن الرّحيم لقد فعلت، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: ويلك تمجّد اللّه فيستحيي من تعذيبك، و لكن قل: برئت من حول اللّه و قوّته و ألجأت إلى حولي و قوّتي، فحلف بها الرّجل فلم يستتمّها حتى وقع ميّتا، فقال له أبو جعفر: لا اصدّق بعدها عليك أبدا و أحسن جايزته وردّه. (2)
7-و عنه عن أبي عليّ الأشعري، عن بعض أصحابه، عن محمّد بن
ص:135
سنان، عن حذيفة بن منصور (1)، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام بالحيرة، فأتاه رسول أبي جعفر الخليفة يدعوه فدعا بممطر (2)أحد وجهيه أسود و الآخر أبيض فلبسه ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: أما إنّي ألبسه، و أنا أعلم أنّه لباس أهل النار (3). (4)
8-و عنه عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن إبن فضّال، عن محمّد بن الحسين بن كثير الخزّاز (5)، عن أبيه قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام و عليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه، و فوقها جبّة صوف، و فوقها قميص غليظ، فمسستها فقلت: جعلت فداك إنّ الناس يكرهون لباس الصوف؟ فقال: كلاّ كان أبي محمّد بن علي عليهما السلام يلبسها، و كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يلبسها، و كانوا يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلوة، و نحن نفعل ذلك. (6)
9-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن
ص:136
عيسى، عن حفص بن عمرو أبي محمّد مؤذّن عليّ بن يقطين، قال رأيت على أبي عبد اللّه عليه السلام و هو يصلّي في الروضة جبة خزّ سفر جلية. (1)
10-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب عن عبد اللّه بن يعقوب، عن عبد اللّه بن هلال (2)قال: أمرني أبو عبد اللّه عليه السلام أن أشتري له إزارا فقلت له:
إنّي لست اصيب إلاّ واسعا قال: إقطع منه و كفّه (3)قال: ثم قال: إن أبي قال: و ما جاوز الكعبين ففي النار. (4)
11-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه عن محمّد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدعا بأثواب فذرع منها فعمد إلى خمسة أذرع فقطعها ثم شبّر عرضها ستة أشبار ثم شقّه و قال: شدّوا صنفته (5)و هدّبوا طرفيه. 6
ص:137
12-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن محمّد بن عليّ عن رجل عن سلمة 1بيّاع القلانس، قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام إذ دخل عليه أبو عبد اللّه عليه السلام فقال أبو جعفر يا بني ألا تطهّر قميصك؟ فذهب و ظننّا أنّ ثوبه قد أصابه شيء فرجع فقال: إنّه هكذا فقلنا: جعلنا اللّه فداك ما لقميصه؟ قال: كان قميصه طويلا و أمرته أن يقصّره إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ 2. 3
13-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن الفضل بن كثير 4المدائني عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل عليه بعض أصحابه فرأى عليه قميصا فيه قبّ 5قد رقعه فجعل ينظر اليه فقال له أبو عبد اللّه: ما لك تنظر؟ فقال: قبّ ملقى في قميصك، قال: فقال له: إضرب بيدك إلى هذا الكتاب فاقرأ ما فيه، و كان بين يديه كتاب أو قريب منه فنظر الرجل فيه فإذا فيه: لا إيمان لمن لا حياء له، و لا مال لمن لا تقدير له، و لا جديد لمن لا خلق له. 6
ص:138
فيما يقوله عليه السلام من الدعاء عند قرائة القرآن،
و عند رؤية هلال شهر رمضان، و عند النّوم و الإنتباه
و إذا أصبح و إذا خرج من المنزل و غير ذلك
1-محمّد بن يعقوب في «الكافي» قال (1): كان أبو عبد اللّه عليه السلام يدعو عند قرائة كتاب اللّه عزّ و جلّ: «أللّهم ربّنا لك الحمد، أنت المتوحّد بالقدرة و السلطان المتين، و لك الحمد، أنت المتعال بالعزّ و الكبرياء و فوق السموات و العرش العظيم ربّنا و لك الحمد أنت المكتفي بعلمك و المحتاج إليك كلّ ذي علم، ربّنا و لك الحمد يا منزل الآيات و الذكر العظيم، ربّنا فلك الحمد بما علّمتنا من الحكمة و القرآن العظيم. (2)
أللّهم أنت علّمتناه قبل رغبتنا في تعليمه، و اختصصتنا به قبل رغبتنا بنفعه، أللّهم فإذا كان ذلك منّا منك و فضلا وجودا و لطفا بنا و رحمة لنا و إمتنانا علينا من غير حولنا و لا حيلتنا و لا قوّتنا.
أللّهم فحبّب إلينا حسن تلاوته، و حفظ آياته، و إيمانا بمتشابهه و عملا بمحكمه و سبيلا في تاويله، و هدي في تدبيره، و بصيرة بنوره،
ص:139
أللّهم و كما أنزلته شفاء لأوليائك و شقاء على أعدائك و عمى على أهل معصيتك و نورا لأهل طاعتك.
أللّهم فاجعله لنا حصنا من عذابك، و حرزا من غضبك، و حاجزا عن معصيتك، و عصمة من سخطك، و دليلا على طاعتك، و نورا يوم نلقاك، نستضيء به في خلقك، و نجوز به على صراطك، و نهتدي به إلى جنّتك.
أللّهم إنّا نعوذ بك من الشقوة في حمله، و العمى عن عمله، و الجور عن حكمه، و الغلق عن قصده (1)و التقصير دون حقّه.
أللّهم إحمل عنّا ثقله، و أوجب لنا أجره، و أوزعنا شكره، و اجعلنا نراعيه و نحفظه.
أللّهم إجعلنا نتّبع حلاله، و نجتنب حرامه، و نقيم حدوده، و نؤدّي فرائضه.
أللّهم ارزقنا حلاوة في تلاوته، و نشاطا في قيامه، و وجلا في ترتيله، و قوّة في إستعماله في آناء الليل و أطراف النهار.
أللّهم واشفنا من النوم باليسير، و أيقظنا في ساعة الليل من رقاد الراقدين، و نبّهنا عند الأحايين التي يستجاب فيها الدعاء من سنة الوسنانين (2)أللّهم اجعل لقلوبنا ذكاء عند عجائبه التي لا تنقضي، و لذاذة عند ترديده، و عبرة عند ترجيعه، و نفعا بيّنا عند إستفهامه.
ص:140
أللّهم إنّا نعوذ بك من تخلّفه في قلوبنا، و توسّده عند رقادتنا (1)و نبذه وراء ظهورنا، و نعوذ بك من قساوة قلوبنا لمّا به وعظتنا.
أللّهم إنفعنا بما صرّفت فيه من الآيات و ذكّرنا بما ضربت فيه من المثلات، و كفّر عنا بتأويله السيئات، و ضاعف لنا به جزاء في الحسنات و ارفعنا به ثوابا في الدرجات، و لقنّا به البشرى بعد الممات.
أللّهم إجعله لنا زادا تقوّينا به في الموقف بين يديك، و طريقا واضحا نسلك به إليك، و علما نافعا نشكر به نعمائك، يقينا صادقا (2)نسبّح به أسمائك فإنّك إتّخذت به علينا حجّة قطعت به عذرنا، و إصطنعت به عندنا نعمة قصر عنها شكرنا.
اللّهم إجعله لنا وليا يثبتنا من الزلل، و دليلا يهدينا لصالح العمل، و عونا و هاديا يقوّمنا من الميل (3)، و عونا يقوّينا من الملل، حتى يبلغ بنا أفضل الأمل.
أللّهم اجعله لنا شافعا يوم اللقاء، و سلاحا يوم الإرتقاء، و حجيجا لنا يوم القضاء، و نورا يوم الظلماء، يوم لا أرض و لا سماء، يوم يجزى كل ساع بما سعى.
أللّهم إجعله لنا ريّا يوم الظمأ و نورا يوم الجزاء من نار حامية قليلة البقيا (4)على من بها إصطلى و بحرّها تلظّى.
ص:141
أللّهم إجعله لنا برهانا على رؤوس الملأ يوم يجمع فيه أهل الأرض و أهل السماء.
أللّهم ارزقنا منازل الشهداء، و عيش السعداء، و مرافقة الانبياء، إنّك سميع الدعاء. (1)
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل ابن مرار، عن يونس، عن معوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:
إنّه كان إذا أهل هلال شهر رمضان قال: أللّهم أدخله علينا بالسّلامة و الإسلام و اليقين و الإيمان، و البرّ و التوفيق لما تحبّ و ترضى. (2)
3-و عنه عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان يقول عند منامه: آمنت باللّه، و كفرت بالطاغوت، أللّهم إحفظني في منامي و في يقظتي. (3)
4-و عنه، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، و محمّد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمان بن الحجّاج، قال: كان أبو عبد اللّه عليه السلام إذا قام آخر الليل يرفع صوته حتّى يسمع أهل الدار و يقول: أللّهم أعنّي على هول المطّلع، و وسّع عليّ ضيق المضجع، و ارزقني خير ما قبل الموت،
ص:142
و ارزقني خير ما بعد الموت. (1)
5-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي حمزة، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يحرّك شفتيه حين أراد أن يخرج و هو قائم على الباب، فقلت: إنّي رأيتك تحرّك شفتيك حين خرجت فهل قلت شيئا؟
قال: نعم إنّ الإنسان إذا خرج من منزله قال حين يريد أن يخرج:
اللّه أكبر اللّه أكبر ثلاثا «باللّه أخرج و باللّه أدخل و على اللّه أتوكل» ثلاث مرّات «أللّهم إفتح لي في وجهي هذا بخير، و إختم لي بخير، و قني شرّ كلّ دابة أنت آخذ بناصيتها، إنّ ربّي على صراط مستقيم» لم يزل في ضمان اللّه عزّ و جلّ حتّى يردّه إلى المكان الذي كان فيه. (2)
و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي حمزة مثله. (3)
6-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد ابن علي، عن عبد الرحمن إبن أبي هاشم، عن أبي خديجة قال: كان أبو عبد اللّه عليه السلام إذا خرج يقول: أللّهم بك خرجت، و لك أسلمت، و بك آمنت، و عليك توكّلت.
أللّهم بارك لي في يومي هذا و ارزقني فوزه و فتحه و نصره و طهوره و هداه و بركته، و إصرف عنّي شرّه و شرّ ما فيه، بسم اللّه و باللّه و اللّه أكبر،
ص:143
و الحمد للّه رب العالمين، أللّهم إنّي قد خرجت فبارك لي في خروجي و إنفعني به.
قال: و إذا دخل في منزله قال ذلك. (1)
7-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن محمّد الجعفي (2)، عن أبيه قال: كنت كثيرا ما أشتكي عيني، فشكوت ذلك إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: ألا اعلمّك دعاء لدنياك و آخرتك و بلاغا لوجع عينيك؟
قلت: بلى.
قال: تقول في دبر الفجر و دبر المغرب: أللهم إنّي أسئلك بحقّ محمّد و آل محمد (3)و اجعل النور في بصري، و البصيرة في ديني، و اليقين في قلبي، و الإخلاص في عملي، و السلامة في نفسي، و السعة في رزقي، و الشكر لك أبدا ما ابقيتني. (4)
ص:144
و رواه الشيخ المفيد في «أماليه» قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد رحمه اللّه، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، و ساق الحديث إلى آخره سندا و متنا.
8-الشيخ في «أماليه» بإسناده عن موسى بن جعفر قال: سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول إذا أمسى: أمسينا و أمسى الملك للّه الواحد القهار و الحمد للّه رب العالمين الذي ذهب بالنهار و جاء بالليل و نحن في عافية منه.
أللّهم هذا خلق جديد قد غشّانا (1)فما عملت فيه من خير فسهّله و قيّضه (2)و اكتبه أضعافا مضاعفة، و ما عملت فيه من شرّ فتجاوز عنه برحمتك، أمسيت لا أملك ما أرجو، و لا أدفع شرّ ما أخشى أمسى الامر لغيري، و أمسيت مرتهنا بكسبي، و أمسيت لا فقير أفقر منّي، فسع لفقري من سعتك ممّا كتبت على نفسك و أسئلك التقوى ما أبقيتني، و الكرامة إذا توفّيتني، و الصبر على ما إبتليتني، و البركة فيما رزقتني، و العزم على طاعتك فيما بقي من عمري، و الشكر لك فيما أنعمت به عليّ.
و قال: إذا خرجت من منزلك فقل: بسم اللّه، توكّلت على اللّه، ما شاء اللّه لا قوة إلاّ باللّه، أللّهم إنّي أسئلك خير ما خرجت له، و أعوذ بك من شرّ ما خرجت له، أللّهم أوسع عليّ من فضلك، و أتمّ عليّ نعمتك،
ص:145
و إستعملني في طاعتك، و اجعلني راغبا فيما عندك، و توفّني في سبيلك و على ملّتك و ملّة رسولك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و كان يقول إذا خرج إلى الصلوة: أللّهم إنّي أسئلك بحقّ السائلين لك، و بحقّ مخرجي عن هذا فإنّي لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا رياء و لا سمعة، و لكن خرجت إبتغاء رضوانك، و إجتناب سخطك، فعافني بعافيتك من النار. (1)
9-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحق (2)، عن سعدان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
تقول في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإفطار إلى آخره: ألحمد للّه الّذي أعاننا فصمنا، و رزقنا فأفطرنا، أللّهم تقبّل منّا، و أعنّا عليه، و سلّمنا فيه، و تسلّمه منّا في يسر منك و عافية، ألحمد للّه الّذي قضى (3)عنّا يوما من شهر رمضان. (4)
ص:146
فيما يقوله اذا خرج الى مكة، و مسحه الحجر و التزامه
الركن و ما يقوله عند نحر الهدي و في الكعبة
و الخروج منها و عند دخوله على النبي-صلّى اللّه عليه و آله-
و دعاؤه لزوار الحسين-عليه السلام-
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه عن محمّد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، قال: صحبت أبا عبد اللّه عليه السلام و هو متوجّه إلى مكّة فلمّا صلّى قال: أللّهم خلّ سبيلنا و أحسن مسيرنا (1)و أحسن عافيتنا.
و كلّما صعد آكمة (2)قال: أللّهم لك الشرف (3)على كلّ شرف. (4)
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن عمر بن اذينة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول لمّا إنتهى إلى
ص:147
ظهر الكعبة حين يجوز الحجر: ياذا المنّ و الطول و الجود و الكرم إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي و تقبّله مني إنّك أنت السميع العليم. (1)
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن إبن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول: ما بال هذين الركنين يستلمان و لا يستلم هذان (2)؟
فقلت: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إستلم هذين و لم يتعرّض لهذين فلا تعرّض لهما إذ لم يتعرّض لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال جميل: و رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يستلم الأركان كلها. (3)
4-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن محمّد، عن البرقي رفعه عن زيد الشحام أبي اسامة عن أبي عبد اللّه قال: كنت أطوف مع أبي عبد اللّه عليه السلام و كان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده و قبّله و إذا إنتهى إلى الركن اليماني إلتزمه.
فقلت: جعلت فداك تمسح الحجر بيدك و تلتزم اليماني؟
فقال: قال رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أتيت الركن اليماني
ص:148
إلاّ وجدت جبرئيل قد سبقني إليه يلتزمه. (1)
5-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم البجلي، عن أبي خديجة، قال: رأيت أبا عبد اللّه و هو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى ثمّ يقوم من جانب يدها اليمنى و يقول: بسم اللّه و اللّه أكبر هذا منك و لك أللّهم تقبّله منّي ثمّ يطعن في لبّتها ثمّ يخرج السكّين بيده، فإذا وجبت قطع موضع الذّبح بيده. (2)
6-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين ابن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام و هو خارج من الكعبة و هو يقول: أللّه اكبر اللّه أكبر، حتّى قالها ثلاثا ثمّ قال: أللّهم لا تجهد بلائنا ربنّا و لا تشمت بنا أعدائنا فإنّك أنت الضارّ النافع ثمّ هبط فصلّى إلى جانب الدرجة (3)جعل الدرجة عن يساره مستقبل الكعبة ليس بينه و بينها أحد ثم خرج إلى منزله. (4)
7-و عنه بهذا الإسناد عن إبن فضّال، عن يونس بن يعقوب، قال:
رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام قد دخل الكعبة ثمّ أراد بين العمودين فلم يقدر عليه فصلّى دونه، ثمّ خرج فمضى حتى خرج من المسجد؟ (5)
8-و عنه عن أبي عليّ الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي 6،
ص:149
عن علي بن مهزيار 1عن حماد بن عيسى عن محمّد بن مسعود 2قال:
رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام إنتهى إلى قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوضع يده عليه و قال: أسال اللّه الّذي إجتباك و إختارك و هداك و هدى بك أن يصلّي عليك، ثمّ قال: إِنَّ اَللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً 3. 4
9-و عنه، عن محمّد بن يحيى، و غيره عن محمّد بن أحمد، و محمّد بن الحسن جميعا، عن موسى بن عمر، عن غسّان البصري 5، عن معاوية بن وهب، و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن بعض أصحابنا، عن إبراهيم بن عقبة 6، عن معاوية بن وهب، قال: إستأذنت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقيل لي: ادخل، فدخلت فوجدته في مصلاّه في بيته،
ص:150
فجلست حتّى قضى صلوته فسمعته و هو يناجي ربّه و يقول: «يا من خصنّا بالكرامة، و خصّنا بالوصية، و وعدنا الشفاعة، و أعطانا علم ما مضى و ما بقي، و جعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، إغفر لي و لإخواني و لزوارّ قبر أبي عبد اللّه الحسين صلّى اللّه عليه، الّذين أنفقوا أموالهم و أشخصوا ابدانهم رغبة في بّرنا، و رجاء لما عندك في صلتنا، و سرورا أدخلوه على نبيّك صلواتك عليه و آله و إجابة منهم لأمرنا و غيظا أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضاك فكافئهم عنّا بالرضوان، و أكلأهم باللّيل و النهار و اخلف على أهاليهم و أولادهم الّذين خلّفوا بأحسن الخلف و إصحبهم و إكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد، و كلّ ضعيف من خلقك أو شديد، و شرّ شياطين الإنس و الجنّ، و أعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم و ما آثرونا به على أبنائهم و أهلهم و قراباتهم.
أللّهم إنّ أعدائنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا و خلافا منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه الّتي قد غيّرتها الشمس، و إرحم تلك الخدود الّتي تقلّبت على حفرة أبي عبد اللّه عليه السلام و إرحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها رحمة لنا، و إرحم تلك القلوب الّتي جزعت و إحترقت لنا، و إرحم تلك الصرخة التي كانت لنا.
أللّهم إنّي أستودعك تلك الأنفس و تلك الأبدان حتّى توافيهم على الحوض يوم العطش.
فما زال و هو ساجد يدعو بهذا الدّعاء، فلمّا إنصرف قلت: جعلت
ص:151
فداك لو أنّ هذا الّذي سمعت منك كان لمن لا يعرف اللّه لظننت أنّ النار لا تطعم منه شيئا، و اللّه لقد تمنّيت أن كنت زرته و لم أحجّ.
فقال لي: ما أقربك منه فما الّذي يمنعك من إتيانه؟
ثمّ قال: يا معاوية لم تدع ذلك؟
قلت: جعلت فداك لم أدر أنّ الأمر يبلغ هذا كلّه.
قال: يا معاوية من يدعو لزوارّه في السماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض. (1)
ص:152
في تعظيم الناس له عليه السلام و قبول شفاعته
1-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن البرقي عن أبيه عمّن ذكره عن رفيد مولى يزيد بن عمر بن هبيرة (1)قال: سخط عليّ إبن هبيرة و حلف عليّ ليقتلني، فهربت منه و عذت بأبي عبد اللّه عليه السلام فأعلمته خبري، فقال لي: إنصرف و أقرئه منّي السلام و قل له: إنّي قد أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء.
فقلت له: جعلت فداك شاميّ خبيث الرأي.
فقال: إذهب إليه كما أقول لك، فأقبلت.
فلمّا كنت في بعض البوادي إستقبلني أعرابي فقال: أين تذهب إنّي أرى وجه مقتول؟ ثمّ قال لي: أخرج يدك، ففعلت فقال: يد مقتول.
ثمّ قال لي: أبرز رجلك فأبرزت رجلي، فقال: رجل مقتول.
ثم قال لي: أبرز جسدك ففعلت، فقال؛ جسد مقتول.
ثمّ قال لي: أخرج لسانك ففعلت، فقال لي: إمض فلا بأس عليك
ص:153
فإنّ في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرّواسي لانقادت لك.
قال: فجئت حتّى وقفت على باب إبن هبيرة فاستأذنت، فلمّا دخلت عليه قال أتتك بخائن رجلاه (1)يا غلام النّطع و السيف ثمّ أمرني، فكتّفت (2)و شدّ رأسي وقام عليّ السيّاف ليضرب عنقي فقلت: أيّها الأمير لم تظفر بي عنوة و إنّما جئتك من ذات نفسي و ههنا أمر أذكره لك ثمّ أنت و شأنك.
فقال: قل، قلت: أخلني فأمر من حضرني فخرجوا.
فقلت له: جعفر بن محمّد عليه السلام يقرئك السلام و يقول لك قد أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء.
فقال: اللّه أكبر لقد قال لك جعفر بن محمّد: هذه المقالة و أقرأني السلام؟ فحلفت ثلاثا فردّها عليّ ثلاثا ثمّ حلّ أكتافي، ثمّ قال لا يقنعني منك حتّى تفعل بي ما فعلت بك.
قلت: ما تنطلق يدي بذاك و لا تطيب به نفسي.
فقال: و اللّه ما يقنعني إلاّ ذاك ففعلت به كما فعل بي فأطلقته فناولني خاتمه قال: اموري في يدك فدبّر فيها ما شئت. (3)
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد عن السيّاري عن محمّد بن جمهور (4)قال: كان النجاشي و هو رجل من الدهاقين
ص:154
عاملا على الأهواز و فارس، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراجا و هو مؤمن يدين بطاعتك، فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتابا؟
قال: فكتب إليه أبو عبد اللّه: بسم اللّه الرحمن الرحيم سرّ أخاك يسرّك اللّه.
قال: فلمّا ورد الكتاب عليه، دخل عليه و هو في مجلسه؛ فلمّا خلانا و له الكتاب و قال: هذا كتاب أبي عبد اللّه عليه السلام فقبّله و وضعه على عينيه، و قال له: ما حاجتك؟
قال: خراج عليّ في ديوانك.
فقال له: و كم هو؟
قال: عشرة آلاف درهم، فدعا كاتبه و أمره بأدائها عنه، ثمّ أخرجه منها و أمر أن يثبتها له لقابل، ثمّ قال له: سررتك؟
فقال: نعم جعلت فداك ثمّ أمر له بمركب و جارية و غلام و أمر له بتخت ثياب (1)، في كلّ ذلك يقول: هل سررتك؟ فيقول: نعم جعلت فداك، فكلّما قال: نعم زاده حتّى فرغ.
ثم قال له: إحمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إليّ كتاب مولاي الّذي ناولتني فيه، و ارفع اليّ حوائجك.
قال: ففعل.
ص:155
و خرج الرّجل فصار إلى أبي عبد اللّه عليه السلام بعد ذلك فحدّثه بالحديث على جهته فجعل يسرّ بما فعل.
فقال الرّجل: يا بن رسول اللّه كأنّه قد سرّك ما فعل بي؟
قال: إي و اللّه لقد سر اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. (1)
3-و عنه، عن عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن خالد عمنّ ذكره عن الوليد بن أبي العلاء (2)، عن معتّب قال: دخل محمّد ابن بشر الوشّاء (3)على أبي عبد اللّه عليه السلام يسأله أن يكلّم شهابا (4)أن يخفّف عنه حتّى ينقضي الموسم، و كان له عليه ألف دينار، فأرسل إليه فأتاه.
فقال له: قد عرفت حال محمّد و إنقطاعه إلينا و قد ذكر أنّ لك عليه ألف دينار، لم تذهب في بطن و لا فرج، و إنّما ذهبت دينا على الرّجال و وضايع وضعها، و أنا احبّ أن تجعله في حلّ.
فقال: لعلّك ممّن يزعم أنّه يقبض من حسناته (5)و تعطاها؟
ص:156
فقال: كذلك في أيدينا.
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: اللّه أكرم و أعدل من أن يتقرّب إليه عبده فيقوم في الليلة القرّة 1أو يصوم في اليوم الحارّ أو يطوف بهذا البيت ثمّ يسلبه ذلك فتعطاه و لكن للّه فضل كثير يكافيء المؤمن، فقال:
هو في حلّ. 2
ص:157
ص:158
في الأخذ من الشارب و التمشّط
1-محمّد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن بعض أصحابنا عن عليّ بن أسباط، عن عبد اللّه بن عثمان (1)، أنّه رأى أبا عبد اللّه أحفى (2)شاربه حتى ألصقه بالعسيب. (3)
2-و عنه عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي (4)، عن محمّد بن إسحق، عن عمّار النوفلي (5)، عن أبيه قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: المشط يذهب بالوباء، و كان لأبي عبد اللّه عليه السلام مشط في المسجد يتمشّط به إذا فرغ من صلوته. (6)
ص:159
3-و عنه، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن الحسين بن الحسن بن عاصم، عن أبيه قال: دخلت على أبي إبراهيم، و في يده مشط عاج يتمشّط به فقلت له: جعلت فداك إنّ عندنا بالعراق من يزعم أنّه لا تحلّ التمشّط بالعاج.
فقال: و لم؟ فقد كان لأبي عليه السلام منها مشط أو مشطان.
ثمّ قال: تمشّطوا بالعاج فإنّ العاج يذهب بالوباء. 1
4-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عبد الحميد بن سعيد 2، قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن عظام الفيل أيحل بيعه و شراؤه الّذي يجعل منه الأمشاط؟
فقال: لا باس قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط. 3
5-و عنه بإسناده، عن محمّد بن يعقوب، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الحميد بن سعد، قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن عظام الفيل يحلّ بيعه و شراؤه الذي يجعل منه الأمشاط؟
ص:160
فقال: لا بأس قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط. (1)
ص:161
ص:162
في الحمام و عمله فيه و التنّور و اخذ الابط
1-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن رفاعة بن موسى، عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان إذا أراد دخول الحمّام تناول شيئا فأكله.
قال قلت له: إنّ النّاس عندنا يقولون: إنّه على الريق أجود ما يكون.
قال: لا بل يأكل شيئا قبله يطفيء المرارة و يسكّن حرارة الجوف. (1)
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن أبي حمزة قال: دخلت مع أبي بصير الحمّام، فنظرت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قد أطلى و أطلى إبطيه بالنورة، قال: فخبّرت أبا بصير.
قال: أرشدني إليه لأسأله عنه.
فقلت: قد رأيته، أنا.
فقال أنت قد رايته و أنا لم أره أرشدني إليه.
قال: فأرشدته إليه، فقال له: جعلت فداك أخبرني قائدي أنّك قد
ص:163
أطليت إبطيك بالنورة.
قال: نعم يا أبا محمّد إنّ نتف الإبطين يضعّف البصر أطل يا أبا محمّد فقال: أطليت منذ أيام.
فقال: أطل فإنّه طهور. (1)
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عبد العزيز (2)، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن التدلّك بالدقيق بعد النورة.
فقال: لا باس.
قلت: يزعمون أنه إسراف.
قال: ليس فيما أصلح البدن إسراف، إنّي ربما أمرت بالنقى (3)فبلّت بالزيت فأتدلّك به، إنّما الإسراف فيما أتلف المال و أضرّ بالبدن. (4)
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن محمّد بن أسلم الجبلي (5)، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبان بن تغلب، قال: قلت
ص:164
لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّا لنسافر و لا يكون معنا نخالة فنتدلّك بالدقيق.
فقال: لا بأس إنّما الفساد فيما أضرّبا لبدن و أتلف المال، و أمّا ما أصلح البدن فإنّه ليس بفساد، إنّي ربما أمرت غلامي فلتّ لي النقي بالزيت ثمّ أتدلّك به. (1)
5-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، قال: خرج أبو عبد اللّه عليه السلام من الحمّام فتلبّس و تعمّم فقال لي: إذا خرجت من الحمّام فتعمّم قال: ما تركت العمامة عند خروجي من الحمّام شتاء و لا صيفا 2. 3
6-و عنه، عن محمّد بن يحيى، رفعه عن عبد اللّه بن مسكان، قال:
كنّا جماعة من أصحابنا دخلنا الحمّام فلمّا خرجنا لقينا أبو عبد اللّه عليه السلام فقال لنا: من اين أقبلتم؟
فقلنا له: من الحمّام.
فقال: أنقى اللّه غسلكم 4.
فقلنا له: جعلنا اللّه فداك و إنّا جئنا معه حتّى دخل الحمّام،
ص:165
فجلسنا له حتّى خرج فقلنا له: أنقى اللّه غسلك.
فقال: طهّركم اللّه. (1)
7-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الرحمن (2)بن أبي عبد اللّه، قال: دخلت مع أبي عبد اللّه عليه السلام الحمّام فقال لي: يا عبد الرحمن أطل.
فقلت: إنّما أطليت منذ أيّام فقال: أطل فإنّه طهور. (3)
8-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عمّن رواه قال: بعث أبو عبد اللّه إبن أخيه في حاجة فجاء و أبو عبد اللّه قد أطلى بالنورة فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: أطل.
فقال: إنّما عهدي بالنورة منذ ثلاثة أيّام.
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ النورة طهور. (4)
9-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: كنت معه أقوده فأدخلته الحمّام، فرأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يتنوّر، فدنا منه أبو بصير فسلّم عليه، فقال: يا أبا بصير تنوّر، فقال: إنّما تنوّرت أوّل من
ص:166
أمس و اليوم الثالث (1).
فقال: أما علمت أنّه طهور فتنوّر. (2)
10-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي كهمس، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: نتف الإبط يضعّف المنكبين و كان أبو عبد اللّه عليه السلام يطلي إبطيه. (3)
11-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن إبن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن حفص بن البختري، أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام كان يطلي إبطيه (4). (5)
12-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن ابيه، و محمّد بن إسماعيل جميعا عن إبن أبي عمير عن هشام بن الحكم، عن حفص بن البختري أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام كان يطلي إبطيه بالنورة في الحمّام. (6)
13-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن علي، عن سعدان قال: كنت مع أبي بصير في الحمّام فرأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يطلي إبطيه فأخبرت بذلك أبا بصير فقال له: جعلت فداك أيّما أفضل نتف الإبط أو حلقه.
ص:167
قال: يا أبا محمّد إنّ نتف الابط يوهي أو يضعّف إحلقه. (1)
14-و عنه، عن بعض أصحابنا عن ابن جمهور، عن محمد بن القاسم، و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن يوسف بن السخت البصري، عن محمّد بن سليمان، عن ابراهيم بن يحيى بن أبي البلاد، عن الحسن بن علي بن مهران جميعا عن عبد اللّه بن أبي يعفور، قال: كنّا بالمدينة فلاحاني (2)زرارة في نتف الابط و حلقه، فقلت: حلقه أفضل، و قال زرارة: نتفه أفضل، فاستاذنّا على ابي عبد اللّه عليه السلام فأذن لنا و هو في الحمّام يطلي و قد أطلى إبطيه، فقلت لزرارة: يكفيك؟
قال: لا لعله فعل هذا لما لا يجوز لي أن أفعله، فقال: فيما أنتما.
فقلت: لاحاني زرارة في نتف الإبط و حلقه فقلت: حلقه أفضل، و قال زرارة: نتفه أفضل، فقال: أصبت السنة و أخطأها زرارة، حلقه أفضل من نتفه، و طليه أفضل من حلقه، ثمّ قال لنا: أطليا فقلنا: فعلنا ذلك منذ ثلاث.
فقال عليه السلام أعيدا فإنّ الإطلاء طهور. (3)
15-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن محبوب، عن يونس بن يعقوب، أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام كان يدخل الحمّام فيطلي إبطه وحده إذا إحتاج إلى ذلك وحده. (4)
ص:168
16-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن يونس بن يعقوب، قال: بلغني أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام ربّما دخل الحمّام متعمّدا يطلي إبطه وحده إذا إحتاج إلى ذلك وحده. (1)
17-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن العباس، عن علي بن اسماعيل، عن محمّد بن حكيم (2)، قال الميثمي: لا أعلمه إلاّ قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام أو من رآه متجرّدا و على عورته ثوب، فقال: إنّ الفخذ ليست من العورة. 3
18-و عنه بإسناده عن عليّ بن مهزيار، عن عمرو بن إبراهيم، عن خلف بن حمّاد، عن هرون بن حكيم 4الأرقط خال أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أتيته في حاجة فأصبته في الحمّام يطلي فذكرت له
ص:169
حاجتي، فقال: ألا تطلي؟
فقلت: إنّما عهدي به أول من أمس فقال: اطل فإنّ النورة طهور. (1)
19-و عنه بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن إبن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، و حفص، أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام كان يطلي إبطيه بالنورة في الحمّام. (2)
20-و عنه بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أبي إسحق النهاوندي، عن أبي عبد اللّه البرقي، عن عثمان بن عيسى، عن إسحق بن عبد العزيز، عن رجل ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: إنّا نكون في طريق مكة نريد الإحرام و لا يكون معنا نخالة نتدلّك به من النورة فنتدلّك بالدقيق فيدخلني من ذلك ما اللّه به عليم، قال: مخافة الإسراف به؟
فقلت: نعم، فقال: ليس فيما أصلح البدن إسراف، أنا ربّما أمرت بالنقى بلّت بالزيت فأتدلّك به، و إنما الإسراف فيما أتلف المال و أضرّ بالبدن. (3)
21-و عنه بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن إبن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمّد بن مسلم، قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الحمّام يغتسل فيه الجنب و غيره أغتسل من مائه؟
ص:170
قال: نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب، و لقد إغتسلت فيه ثمّ جئت فغسلت رجلي و ما غسلتهما إلاّ ممّا لزق بهما من التراب. (1)
ص:171
ص:172
في انه عليه السلام لا تاخذه في اللّه تعالى
لومة لائم في اظهار الحق
1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد يعني المفيد، قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه اللّه، قال:
حدّثني أبو علي محمّد بن همّام الإسكافي رحمه اللّه قال: حدّثني أحمد بن موسى النوفلي، قال: حدّثني محمّد (1)بن عبد اللّه بن مهران، عن معوية بن حكيم (2)، قال: حدّثني عبد اللّه بن سليمان التميمي (3)،
ص:173
قال: لمّا قتل محمّد (1)و إبراهيم (2)إبنا عبد اللّه بن الحسن بن الحسن عليه السلام صار إلى المدينة رجل يقال له: شبه (3)غفّال، ولاه المنصور على أهلها، فلمّا قدمها، و حضرت الجمعة، صار إلى مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرقى المنبر و حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد فإنّ عليّ إبن أبي طالب شقّ عصا المسلمين، و حارب المؤمنين، و أراد الأمر لنفسه، و منعه من أهله فحرّمه اللّه عليه أمنيته و أماته بغصّته، و هؤلاء ولده يتبعون أثره في الفساد و طلب الأمر بغير إستحقاق لهم فهم في نواحي الأرض مقتولون و بالدماء مضرّجون.
قال: فعظم هذا الكلام منه على الناس و لم يجسر أحد منهم أن ينطق بحرف، فقام إليه رجل عليه إزار قومسيّ (4)سخين فقال: و نحن نحمد اللّه و نصلّي على محمّد خاتم النبيين و سيّد المرسلين و على رسل اللّه و أنبيائه اجمعين، أمّا ما قلت من خير فنحن أهله، و ما قلت من سوء فأنت و صاحبك به أولى و أحرى يا من ركب غير راحلته و أكل غير زاده
ص:174
إرجع مأزورا، ثمّ أقبل على الناس فقال: ألا انبّئكم بأخلى (1)الناس ميزانا يوم القيامة و أبينهم خسرانا، من باع آخرته بدنيا غيره و هو هذا الفاسق، فأسكت الناس و خرج الوالي من المسجد لم ينطق بحرف، فسألت عن الرّجل؟
فقيل لي: هذا جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم. (2)
2-محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن الحسين بن موسى (3)، عن محمّد بن صباح (4)، عن بعض أصحابنا قال: أتى الربيع أبا جعفر المنصور و هو خليفة في الطواف، فقال له: يا أمير المؤمنين مات فلان مولاك البارحة، فقطع فلان مولاك رأسه بعد موته، قال:
و استشاط (5)و غضب.
قال: فقال لابن شبرمة، و إبن أبي ليلى، و عدّه معه من القضاة و الفقهاء ما تقولون في هذا؟ فكلّ قال: ما عندنا في هذا شيء.
قال: فجعل يردّد المسئلة في هذا و يقول: أقتله أم لا.
فقالوا: ما عندنا في هذا شيء.
ص:175
قال: فقال له بعضهم: قد قدم رجل السّاعة فإن كان عند أحد شيء فعنده الجواب في هذا و هو جعفر بن محمّد و قد دخل المسعى، قال للربيع: إذهب إليه فقل له: لولا معرفتنا بشغل ما أنت فيه لسألناك أن تأتينا و لكن أجبنا في كذا و كذا.
قال: فأتاه الرّبيع و هو على المروة فأبلغه الرّسالة فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: قد ترى شغل ما أنا فيه و قبلك العلماء و الفقهاء فاسئلهم، فقال له: قد سألهم و لم يكن عندهم فيه شيء.
قال: فردّه إليه، فقال: أسئلك إلاّ أجبتنا فيه فليس عند القوم في هذا شيء، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: حتّى أفرغ ممّا أنا فيه.
قال: فلمّا فرغ فجاء فجلس في جانب المسجد الحرام.
فقال للربيع: إذهب فقل: له عليه مأة دينار، قال: فأبلغه ذلك، فقالوا له: إسأله كيف صار عليه مأة دينار؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: في النطفة عشرون، و في العلقة عشرون، و في المضغة عشرون، و في العظم عشرون، و في اللحم عشرون ثم أنشأناه خلقا آخر، و هذا هو ميّت بمنزلته قبل أن ينفخ فيه الروح في بطن امّه جنينا.
قال: فرجع إليه و أخبره بالجواب فأعجبهم ذلك و قالوا إرجع إليه فاسئله الدنانير لمن هي لورثته أم لا؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ليس لورثته منها شيء إنّما هذا شيء أتى إليه في بدنه بعد موته، يحجّ بها عنه أو يتصدّق بها عنه، أو يصير في سبيل من سبل الخير قال: فزعم الرّجل أنهم ردّوا الرسول إليه
ص:176
فأجاب فيها أبو عبد اللّه بستة و ثلاثين مسئلة و لم يحفظ الرّجل إلاّ قدر هذا الجواب. (1)
ص:177
ص:178
في أنه وصيّ أبيه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي الصباح قال: نظر أبو جعفر إلى أبي عبد اللّه عليه السلام يمشي فقال: ترى هذا؟ من الّذين قال اللّه عز و جل وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ (1). (2)
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لمّا حضرت أبي الوفاة قال: يا جعفر اوصيك بأصحابي خيرا، قلت: جعلت فداك و اللّه لأدعنّهم (3)و الرجل يكون منهم في المصر-فلا يسأل
ص:179
أحدا. (1)
3-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن هشام بن المثنّى (2)عن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ من سعادة الرّجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبه خلقه و خلقه و شمائله، و إنّي لأعرف من ابني هذا شبه خلقي و خلقي و شمائلي يعني أبا عبد اللّه عليه السلام. (3)
4-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن طاهر (4)قال: كنت، عند أبي جعفر عليه السلام فأقبل جعفر عليه السلام فقال أبو جعفر عليه السلام: هذا خير البرية. (5)
5-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن محبوب، عن هشام بن سالم، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سئل عن القائم عليه السلام فضرب بيده على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: و اللّه هذا قائم آل محمد صلّى اللّه عليه و آله
ص:180
و سلّم.
قال عنبسة: فلمّا قبض أبو جعفر عليه السلام دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فأخبرته بذلك فقال: صدق جابر، ثمّ قال: لعلّكم ترون أن ليس كلّ أمام هو القائم بعد الامام الذي كان قبله. (1)
6-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ أبي عليه السلام إستودعني ما هناك فلمّا حضرته الوفاة، قال: ادع لي شهودا، فدعوت له أربعة من قريش، فيهم نافع مولى عبد اللّه بن عمر، فقال: اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه يا بَنِيَّ إِنَّ اَللّهَ اِصْطَفى لَكُمُ اَلدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (2)و أوصى محمّد بن علي إلى جعفر بن محمّد، و أمره أن يكفنّه في برده الّذي كان يصلّي فيه الجمعة، و أن يعمّمه بعمامته، و أن يربّع قبره، و يرفعه أربع أصابع، و أن يحلّ عنه أطماره عند دفنه، ثمّ قال للشهود: إنصرفوا رحمكم اللّه.
فقلت له: يا أبت (بعد ما إنصرفوا) ما كان في هذا بأن تشهد عليه (3)فقال: يا بنيّ كرهت أن تغلب و أن يقال: إنّه لم يوص إليه، فأردت أن تكون لك الحجة. (4)
ص:181
7-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ أبي قال لي ذات يوم في مرضه: يا بنيّ أدخل اناسا من قريش من أهل المدينة حتى اشهدهم.
قال: فأدخلت عليه اناسا منهم، فقال: يا جعفر إذا أنا متّ فغسلّني و كفّني و إرفع قبري أربع أصابع و رشّه بالماء، فلمّا خرجوا قلت: يا أبة لو أمرتني بهذا لصنعته، و لم ترد أن ادخل عليك قوما تشهدهم.
فقال: يا بني أردت أن لا تنازع (1). (2)
8-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن عبد الحميد (3)بن أبي جعفر الفرّاء، قال: إنّ أبا جعفر عليه السلام إنقلع ضرس من أضراسه فوضعه في كفّه، ثم قال:
ألحمد للّه، ثمّ قال: يا جعفر اذا أنا متّ و دفنتني فادفنه معي، ثمّ مكث بعد حين ثمّ إنقلع أيضا آخر، فوضعه على كفّه ثمّ قال: ألحمد للّه يا جعفر إذا متّ فادفنه معي. (4).
ص:182
في صبره و رضائه بقضاء اللّه تعالى باحسن القبول
1-إبن بابويه، حدّثنا أبو الحسن بن محمّد بن القاسم المفسّر الجرجاني رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الحسيني (1)، عن الحسن بن علي (أي العسكري عليه السلام) عن أبيه، عن محمّد بن علي، عن أبيه الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال: نعي إلى الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام إسماعيل بن جعفر، و هو أكبر أولاده، و هو يريد أن يأكل و قد إجتمع ندماؤه، فتبسّم ثمّ دعا بطعامه و قعد مع ندمائه، و جعل يأكل أحسن من أكله سائر الأيّام، و يحثّ ندمائه و يضع بين أيديهم، و يعجبون منه أن لا يروا للحزن في وجهه أثرا.
فلمّا فرغ قالوا: يا بن رسول اللّه لقد رأينا عجبا، أصبت بمثل هذا الإبن و أنت كما ترى؟
قال: و مالي لا أكون كما ترون، و قد جائني خبر أصدق الصادقين
ص:183
أنّي ميّت و إيّاكم إنّ قوما عرفوا الموت فجعلوه نصب أعينهم و لم ينكروا من يخطفه الموت منهم و سلّموا الأمر خالقهم عزّ و جلّ (1).
2-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن عبد اللّه بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسن بن محمد بن مهزيار، عن قتيبة الأعشى (2)، قال: أتيت أبا عبد اللّه عليه السلام أعود إبنا له، فوجدته على الباب فإذا هو مهتّم حزين.
فقلت: جعلت فداك كيف الصبي؟
فقال: و اللّه إنه لما به (3)ثمّ دخل فمكث ساعة.
ثم خرج إلينا و قد اسفر وجهه (4)و ذهب التغيّر و الحزن.
قال: فطمعت أن يكون قد صلح الصبي.
فقلت: كيف الصبي جعلت فداك؟
فقال: قد مضى لسبيله.
فقلت: جعلت فداك لقد كنت و هو حي مهتمّا حزينا (5)و قد رأيت حالك الساعة و قد مات غير تلك الحال فكيف هذا؟
ص:184
فقال: إنّا أهل بيت إنّما نجزع قبل المصيبة، فإذا وقع أمر اللّه رضينا بقضائه و سلّمنا لأمره. (1)
3-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن العلاء بن كامل، قال: كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فصرخت صارخة من الدار فقام أبو عبد اللّه عليه السلام ثم جلس فاسترجع و عاد في حديثه حتّى فرغ منه ثم قال: إنّا لنحبّ أن نعافى أنفسنا و أموالنا و أولادنا، فاذا وقع القضاء فليس لنا أن نحبّ مالم يحبّ اللّه لنا. (2)
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا قال: حدّثني يعقوب الأحمر قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام نعزّيه بإسماعيل، فترحّم عليه ثم قال: إن اللّه عزّ و جلّ نعى الى نبيه صلّى اللّه عليه و آله نفسه فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (3)و قال كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ اَلْمَوْتِ (4)ثمّ أنشأ يحدّث، فقال: إنه يموت أهل الارض حتى لا يبقى أحد، ثم يموت أهل السماء حتّى لا يبقى أحد إلاّ ملك الموت و حملة العرش و جبرائيل و ميكائيل.
قال: فجيء ملك الموت حتى يقوم بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيقال
ص:185
له: من بقي؟ و هو أعلم فيقول: يا رب لم يبق إلاّ ملك الموت و حملة العرش، و جبرئيل، و ميكائيل فيقال له: قل لجبرائيل و ميكائيل:
فليموتا، فتقول الملائكة عند ذلك: رسوليك و أمينيك فيقول: إنّي قد قضيت على كلّ نفس فيها الروح الموت ثمّ يجيء ملك الموت حتى يقف بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيقال له: من بقي؟ و هو أعلم، فيقول: يا رب لم يبق إلاّ ملك الموت و حملة العرش، فيقول: قل لحملة العرش:
فليموتوا.
قال: ثمّ يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقال: من بقي؟ فيقول: يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت، فيقال له: مت يا ملك الموت فيموت، ثم يأخذ الأرض بيمينه و السموات بيمينه (1)و يقول: أين الذين كانوا يدعون معي شريكا؟ أين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر؟ ! (2)
ص:186
حديثه مع القدري
1-العيّاشي في «تفسيره» بإسناده عن الحسن بن محمّد الجمّال، عن بعض أصحابنا قال: بعث عبد الملك بن مروان إلى عامل المدينة أن وجّه الى محمّد بن علي بن الحسين و لا تهيجّه و لا تروعّه و اقض له حوائجه و قد كان ورد على عبد الملك رجل من القدرية فحضر جميع من كان بالشام فأعياهم جميعا فقال: ما لهذا إلاّ محمّد بن عليّ، فكتب إلى صاحب المدينة أن يحمل محمّد بن علي إليه، فأتاه صاحب المدينة بكتابه فقال له أبو جعفر عليه السلام: إنّي شيخ كبير لا أقوى على الخروج و هذا جعفر إبني يقوم مقامي فوجّهه إليه.
فلمّا قدم على الأموي أزراه لصغره و كره أن يجمع بينه و بين القدري مخافة أن يغلبه و تسامع الناس بالشام بقدوم جعفر لمخاصمة القدري، فلمّا كان من الغد إجتمع الناس بخصومتهما فقال الأموي لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّه قد أعيانا أمر هذا القدري و إنّما كتبت إليك لأجمع بينك و بينه فانّه لم يدع أحدا إلاّ خصمه فقال: إنّ اللّه يكفيناه.
قال: فلمّا إجتمعوا قال القدري لأبي عبد اللّه عليه السلام: سل عمّا شئت فقال له: إقرأ سورة الحمد.
قال: فقرأها، و قال الأموي و أنا معه: ما في سورة الحمد علينا! إنّا
ص:187
للّه و إنّا إليه راجعون.
قال فجعل القدري يقرء سورة الحمد حتى بلغ قول اللّه تبارك و تعالى إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ فقال له جعفر عليه السلام: قف من تستعين و ما حاجتك الى المعونة ان الامر إليك؟ فَبُهِتَ اَلَّذِي كَفَرَ وَ اَللّهُ لا يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلظّالِمِينَ (1). (2)
قال مؤلّف هذا الكتاب: توجيه ذلك أنّ القدري يقول: إنّ فعل العبد من العبد مفوّض إليه أمره من اللّه سبحانه و تعالى، و ليس للّه سبحانه مشيّة في فعله، بل هو مهمل، و نفسه مستقلّ في أفعاله، و هذا القول خلاف الجبر، و القول الصحيح هو المنزلة بين المنزلتين لا جبر و لا تفويض، و الجبر هو قول المجبرة، و التفويض هو قول القدرية.
و قول المجبرة بأنّ العباد مجبورون على أفعالهم و أن أفعال العباد من اللّه سبحانه مخلوقة منه تعالى الطاعات و المعاصي.
و التفويض هو قول القدرية و هو أنّ فعل العبد مفوّض الى العبد حسب ما قررّناه سابقا فقال الامام أبو عبد اللّه عليه السلام في ردّه على القدري من سورة الفاتحة في قوله تعالى: وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ (3)من نستعين إذا كنت في زعمك الأمر إليك في أفعالك مفوّض إليّك بالإستقلال لست محتاجا إلى غيرك فيه، فكيف تطلب المعونة فيما أنت فيه مستقّلا غير محتاج؟ فلمّا تطلب المعونة على افعالك من اللّه سبحانه
ص:188
و تعالى دلّ على الحاجة في افعالك و طلب المعونة من اللّه تعالى على أفعالك و لست بمفوّض إليك في أفعالك و مهمل، كما زعمت فَبُهِتَ اَلَّذِي كَفَرَ وَ اَللّهُ لا يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلظّالِمِينَ . (1)
ص:189
ص:190
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين أما بعد فهذا المنهج الثامن في الامام السابع أبي الحسن الاول موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام و فيه اثنان و عشرون بابا.
الباب الأول-في مولده عليه السلام.
الباب الثاني-في حديثه عليه السلام مع أبي حنيفة.
الباب الثالث-في معرفة الشيعة له عليه السلام لما علموا من غزارة علمه عليه السلام.
الباب الرابع-حديثه عليه السلام مع النصرانية و ما في ذلك من سرائر العلوم.
الباب الخامس-حديثه عليه السلام مع الراهب و الراهبة و ما في ذلك من سرائر العلوم.
الباب السادس-حديثه عليه السلام مع الشقيق البلخي من طريق
ص:191
الخاصة و العامة و ما فيه من العمل الصالح و البرهن الواضح و هو من مشاهير الاحاديث.
الباب السابع-في عبادته عليه السلام.
الباب الثامن-في جوده عليه السلام و يدرء بالحسنة السيئة.
الباب التاسع-في مقامات له عليه السلام مع الرشيد.
الباب العاشر-في اعتراف الرشيد لابي الحسن موسى عليه السلام بالامامة و الخلافة.
الباب الحادي عشر-في منطقه الصادع بالصواب.
الباب الثاني عشر-في أنّه عليه السلام كاظم الغيظ.
الباب الثالث عشر-في قرائته عليه السلام القرآن.
الباب الرابع عشر-في مجلسه عليه السلام و من يجالس.
الباب الخامس عشر-في ورعه عليه السلام.
الباب السادس عشر-في ادعية له شتى.
الباب السابع عشر-في طعامه عليه السلام و اطعامه و آداب المائدة.
الباب الثامن عشر-في استعماله عليه السلام الطيب.
الباب التاسع عشر-في الخضاب و التمشط.
الباب العشرون-في الحمام.
الباب الحادي و العشرون-في عمله بيده و لبسه عليه السلام.
الباب الثاني و العشرون-في أنه وصي ابيه عليه السلام.
ص:192
في مولده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن عبد اللّه بن إسحاق العلوي (1)، عن محمّد إبن زيد الرزامي عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: حججنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام في السّنة الّتي ولد فيها ابنه موسى عليه السلام، فلمّا نزلنا بالأبواء (2)وضع لنا الغداء (3)و كان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر و أطاب.
قال: فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة فقال له: إنّ حميدة تقول: قد أنكرت نفسي، و قد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي، و قد أمرتني أن لا أستبقك بابنك هذا.
فقام أبو عبد اللّه عليه السلام فانطلق مع الرّسول فلمّا إنصرف قال له أصحابه: سرّك اللّه و جعلنا فداك فما أنت صنعت مع حميدة؟
قال: سلّمها اللّه و قد وهب لي غلاما و هو خير من برأ اللّه في خلقه،
ص:193
و لقد أخبرتني حميدة (1)عنه بأمر ظنّت أنّي لا أعرفه، و لقد كنت أعلم به منها.
فقلت: جعلت فداك فما الّذي أخبرتك به حميدة عنه؟
قال: ذكرت أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا يده على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأخبرتها أنّ ذلك أمارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمارة الوصيّ من بعده «فقلت: جعلت فداك و ما هذا من أمارة رسول اللّه و أمارة الوصي من بعده؟» .
فقال لي: إنّه لمّا كانت الليلة التي علق فيها بجدّي أتى آت جدّ أبي بكأس فيه شربة أرقّ من الماء و ألين من الزبد (2)و أحلى من الشهد، و أبرد من الثلج و أبيض من اللبن، فسقاه إيّاه و أمره بالجماع فقام فجامع فعلق بجدّي فلمّا أن كانت الليلة الّتي علق فيها بأبي أتى آت جدّي فسقاه كما سقا جدّ أبي و أمره بمثل الّذي أمره فقام فجامع فعلق بأبي، و لمّا أن كانت الليلة الّتي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم و أمره بالّذي أمرهم به فقام فجامع فعلق بي.
و لما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم و فعل بي كما فعل بهم فقمت و يعلم اللّه أني مسرور بما يهب اللّه لي، فجامعت
ص:194
فعلق بابني هذا المولود فدونكم فهو و اللّه صاحبكم من بعدي، و إنّ نطفة الامام ممّا أخبرتك و اذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر و أنشأ فيها الروح بعث اللّه تبارك و تعالى ملكا يقال له: حيوان فكتب على عضده الأيمن وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (1).
و إذا وقع من بطن امّه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء «فأمّا وضع يديه على الأرض فإنّه يقبض كل علم للّه أنزله من السماء إلى الأرض، و أمّا رفعه رأسه إلى السماء» فإنّ مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة من الافق الأعلى باسمه و إسم أبيه، يقول: يا فلان بن فلان إثبت تثبت فلعظيم ما خلقتك: أنت صفوتي من خلقي و موضع سرّي و عيبة علمي و أميني على وحيي و خليفتي في أرضي لك، و لمن تولاك أوجبت رحمتي و منحت جناني و احللت جواري ثمّ و عزتي و جلالي لأصلينّ من عاداك أشدّ عذابي و إن وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي، فاذا إنقضى الصوت-صوت المنادي- أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السماء يقول: شَهِدَ اَللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ اَلْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ (2).
قال: فإذا قال ذلك أعطاه اللّه العلم الأوّل و العلم الآخر و استحق زيارة الروح في ليلة القدر، قلت: جعلت فداك الروح ليس هو جبرئيل؟
ص:195
قال: الروح أعظم من جبرئيل، إنّ جبرئيل من الملائكة و إن الروح هو خلق أعظم من الملائكة أليس يقول اللّه تبارك و تعالى: تَنَزَّلُ اَلْمَلائِكَةُ وَ اَلرُّوحُ (1). (2)
2-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند (3)فاطمة عليها السلام» ، باسناده عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام في السنة التي ولد فيها موسى بن جعفر عليه السلام بالأبواء فبينا نحن نأكل معه إذ أتاه الرسول أنّ حميدة قد أتاها الطلق فقام فرحا مسرورا و مضي، فلم يلبث إذ عاد الينا حاسرا من ذراعيه ضاحكا مستبشرا، فقلنا: أضحك اللّه سنّك و أقرّ عينك ما صنعت حميدة؟
فقال: وهب اللّه لي غلاما و هو خير أهل زمانه و لقد خبرتني امه عنه بما كنت أعلم به منها.
فقلت: جعلت فداك فما الذي أخبرتك به حميدة؟
قال: إنّه لمّا خرج من أحشائها و وقع إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء قد إتّقى الأرض بيده يشهد أن لا إله إلاّ اللّه فقلت لها: إنّ ذلك من أمارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمارة الائمّة من بعده.
فقلت: جعلت فداك و ما الأمارة؟
ص:196
فقال: العلامة يا أبا بصير إنّه لما كانت في الليلة التي علق فيها أتاني آت بكأس فيه شربة من الماء أبيض من اللبن و أحلى من العسل و أشدّ و أبرد من الثلج، فسقانيه، فشربته و أمرني بالجماع، ففعلت فرحا مسرورا و كذلك يفعل بكلّ واحد منّا، فهو و اللّه صاحبكم.
إنّ نطفة الإمام حين تكون في الرحم أربعين يوما و ليلة نصب له عمود من نور في بطن امّه ينظر به مدّ بصره، فإذا تمّت أربعة أشهر أتاه ملك يقال له: الخير فكتب على عضده الأيمن وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً الاية (1)فإذا وضعته امّه إتّقى الأرض بيده رافعا رأسه إلى السماء و يشهد أن لا إله إلاّ اللّه و ينادي مناد من قبل العرش من الافق العرش باسمه و إسم أبيه يا فلان بن فلان يقول الجليل: أبشر فإنّك صفوتي و خيرتي من خلقي و موضع سري، و عيبة علمي، لك و لمن تولاّك أوجبت رحمتي و أسكنه جنّتي و احللّه جواري، ثمّ و عزّتي و جلالي لاصلينّ من عاداك ناري و أشدّ عذابي و إن أوسعت عليه في دنياه.
فإذا انقطع المنادي أجابه الإمام: شَهِدَ اَللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ اَلْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ (2)فإذا قالها أعطاه اللّه علم الأوّلين و علم الآخرين و استوجب الزيادة من الجليل ليلة القدر، فقلت: جعلت فداك أليس الروح هو جبرئيل؟
فقال: جبرئيل من الملائكة و الروح خلق أعظم منه و هو مع الإمام
ص:197
حيث كان. (1)
3-و عنه عن أبي المفضّل محمّد بن عبد اللّه قال: حدّثني أبو النجم (2)بدر بن عمّار الطبرستاني، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي (3)، رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ حميدة أخبرتني بشيء ظنّت أنّي لا أعرفه و كنت أعلم به منها.
قلنا له: و ما أخبرتك به؟
قال: ذكرت أنه لمّا سقط من الأحشاء سقط واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء فأخبرتها أنّ ذلك أمارة رسول اللّه و الوصّي إذا خرج من بطن امّه أن تقع يداه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء يقول: شَهِدَ اَللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ اَلْمَلائِكَةُ (4)الاية، أعطاه اللّه العلم الأوّل و العلم الآخر، و استحق زيارة الروح في ليلة القدر، و هو أعظم خلقا من جبرئيل (5).
ص:198
و قد تقدّم من الروايات ما يدخل في هذا الباب في المنهج الخامس في مولد عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام.
ص:199
ص:200
في حديثه عليه السلام مع أبي حنيفة مع صغر سنّه
1-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، قال: حدّثني أبو المفضل محمّد بن عبد اللّه قال حدّثني أبو النجم بدر بن الطبرستاني قال: حدّثني أبو جعفر محمّد بن علي الشلمغاني قال: إنّ أبا حنيفة صار إلى باب أبي عبد اللّه عليه السلام ليسأله عن مسألة فلم يؤذن له فجلس ينتظر الإذن فخرج أبو الحسن عليه السلام و سنّه خمس سنين فدعاه و قال: يا غلام أين يضع المسافر خلاه في بلدكم هذا؟ فاستند أبو الحسن عليه السلام إلى الحائط و قال: يا شيخ يتوقّى شطوط الأنهار، و مساقط الأثمار، و منازل النزّال و أفنية المساجد و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها و يتوارى خلف جدار و يضعه حيث شاء، فانصرف أبو حنيفة في تلك السنة و لم يدخل على أبي عبد اللّه عليه السلام (1). (2)
ص:201
2-و في كتاب ثاقب المناقب (1): إشتهر عند الخاصّ و العامّ من حديث أبي حنيفة حين دخل دار الصادق عليه السلام فرأى موسى صلوات اللّه عليه في دهليز داره و هو صبيّ فقال في نفسه: إنّ هؤلاء يزعمون أنّهم يعطون العلم صبيّا و أنا أسنّ (2)ذلك.
فقال له: يا غلام إذا دخل الغريب بلدة أين يحدث؟ فنظر إليه مغضب و قال: يا شيخ أسأت الأدب فاين السلام قال: فخجلت و رجعت حتّى خرجت من الدار و قد نبل في عيني، ثمّ رجعت إليه و سلّمت عليه، و قلت: يا بن رسول اللّه الغريب إذا دخل بلدة أين يحدث؟
فقال عليه السلام يتوقّى شطوط البلد، و مشارع الماء، و فيء النزّال، و مسقط الثمار، و أفنية الدور، و جوادّ الطرق و مجاري المياه و رواكدها، ثم يحدث أين يشاء.
قال: قلت: يا بن رسول اللّه ممّن المعصية؟ فنظر إليّ و قال: إمّا أن تكون من اللّه أو من العبد أو منهما معا، فإن كانت من اللّه فهو أكرم من أن يؤاخذه بما لم يكتسبه، فإن كانت منهما فهو أعدل من أن يأخذ العبد بما هو شريك فيه، فلم يبق إلاّ أن تكون من العبد، فإن عفى فبفضله و إن عاقب فبعدله، قال أبو حنيفة فاغرورقت عيناي و قرأت: ذُرِّيَّةً
ص:202
بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1). (2)
3-و روى الحديث الشيخ المفيد في كتاب «العيون و المحاسن» و أبو عليّ الطبرسي في كتاب «اعلام الورى» و اللفظ للطبرسي قال:
روي عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام: فسلّمت عليه و خرجت من عنده فرأيت إبنه موسى عليه السلام في دهليزه قاعدا في مكتبة و هو صغير السّن فقلت له: يا غلام أين يضع الغريب إذا كان عندكم إذا أراد ذلك؟
فنظر إليّ ثم قال: يجتنب شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و أفنية الدار، و الطرق النافذة و المساجد، و يضع بعد ذلك أين شاء.
فلمّا سمعت هذا القول منه نبل في عيني و عظم في قلبي و قلت:
جعلت فداك ممّن المعصية؟
فقال: إجلس حتى اخبرك فجلست فقال: إنّ المعصية لا بدّ أن تكون من العبد أو من ربه أو منهما جميعا، فإن كانت من الربّ فهو أعدل و أنصف من أن يظلم عبده و يأخذه بما لم يفعله، و إن كانت منهما جميعا فهو شريكه، فالقويّ أولى بإنصاف عبده الضعيف، و إن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر و إليه توجّه النهي و له حق الثواب و عليه العقاب، و لذلك وجبت له الجنة و النار، فلمّا سمعت ذلك قلت ذُرِّيَّةً بَعْضُها
ص:203
مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) (2)
و نظم بعضهم في هذا المعنى شعرا فقال:
لم تخل أفعالنا اللاتي نذمّ بها (3)
إحدى ثلاث خلال حين نأتيها
إمّا تفرّد بارينا بصنعتها
فيسقط اللوم عنّا حين ننشيها
(4) أو كان يشركنا فيها فيلحقه
ما سوف يلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لإلهي في جنايتها
ذنب فما الّذنب إلاّ ذنب جانيها
(5) (6)4-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم رفعه قال خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه عليه السلام و أبو الحسن موسى عليه السلام قائم و هو غلام، فقال له أبو حنيفة يا غلام أين يضع (7)الغريب ببلدكم؟
فقال: إجتنب أفنية المساجد، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار،
ص:204
و منازل النزّال، و لا تستقبل القبلة بغايط و لا بول، و ارفع ثوبك، وضع حيث شئت. (1)
ص:205
ص:206
في معرفة الشيعة له لما علموا من غزارة علمه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي (1)، عن هشام بن سالم، قال: كنّا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد اللّه عليه السلام أنا و صاحب الطاق و الناس مجتمعون على عبد اللّه بن جعفر (2)أنّه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا و صاحب الطاق و النّاس عنده، و ذلك أنّهم رووا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: إنّ الأمر في الكبير ما لم يكن به، عاهة، فدخلنا عليه
ص:207
نسأله عمّا كنّا نسأل عنه أباه فسألناه عن الزكوة في كم تجب؟
فقال: في مأتين خمسة، فقلنا: في مأة؟
فقال: درهمان و نصف فقلنا: و اللّه ما تقول المرجئة (1)هذا! .
قال: فرفع يده الى السماء فقال: و اللّه ما أدري ما تقول المرجئة.
قال: فخرجنا من عنده ضلاّلا لا ندري إلى أين نتوجّه أنا و أبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقّه المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجّه و إلى من نقصد؟ و نقول: إلى المرجئة؟ إلى القدريّة (2)؟ إلى الزّيديّة؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟ فنحن كذلك إذ رأيت رجلا شيخا لا أعرفه يوميء إليّ بيده فخفت أن يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور، و ذلك أنّه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى من أتفقت شيعة جعفر عليه السلام عليه فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم.
فقلت للأحول: تنحّ فإنّي خائف على نفسي و عليك، و إنّما يريدني لا يريدك، فتنحّ عني لا تهلك و تعين على نفسك، فتنحّى غير بعيد، و تبعت الشيخ و ذلك أنّي ظننت أنّي لا أقدر على التخلّص منه، فما زلت أتبعه و قد عزمت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن عليه السلام ثمّ خلاّني و مضى، فإذا خادم بالباب فقال لي:
أدخل رحمك اللّه، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى عليه السلام فقال لي
ص:208
إبتداء منه: لا إلى المرجئة و لا إلى القدريّة و لا إلى الزيدية و لا إلى المعتزلة و لا إلى الخوارج إليّ إليّ.
فقلت: جعلت فداك مضى أبوك؟
قال: نعم.
قلت: مضى موتا؟
قال: نعم.
قلت: فمن لنا من بعده؟
فقال: إنشاء اللّه أن يهديك هداك.
«قال:» قلت: جعلت فداك إنّ عبد اللّه يزعم أنّه من بعد أبيه.
قال: يريد عبد اللّه أن لا يعبد اللّه.
قال: قلت: جعلت فداك فمن لنا من بعده؟
قال: إنشاء اللّه أن يهديك هداك.
قال: قلت: فأنت هو؟
قال: لا، ما أقول ذلك، قال: فقلت في نفسي: لم اصب طريق المسئلة.
ثمّ قلت له: جعلت فداك أعليك إمام؟
قال: لا، فداخلني شيء لا يعلمه إلاّ اللّه عزّ و جلّ إعظاما له و هيبة أكثر ممّا كان يحلّ بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثمّ قلت له: جعلت فداك أسألك عمّا كنت أسأل أباك؟
فقال: سل تخبر و لا تذع فإن أذعت فهو الذّبح، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف.
ص:209
قلت: جعلت فداك شيعتك و شيعة أبيك ضلاّل فالقي إليهم و أدعوهم إليك؟ فقد أخذت عليّ الكتمان.
قال: من آنست منهم (1)رشدا فألق إليه و خذ عليه الكتمان فإذا أذاعوا به فهو الذبح، و أشار بيده إلى حلقه.
قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي: ما ورائك؟
قلت: الهدى، فحدّثته بالقصّة ثمّ لقينا الفضيل و أبا بصير، فدخلا عليه و سمعا كلامه و سائلاه و قطعا عليه بالإمامة، ثم لقينا الناس أفواجا فكلّ من دخل عليه قطع إلاّ طائفة عمّار و أصحابه و بقي عبد اللّه لا يدخل إليه إلاّ قليل من الناس، فلمّا رأى ذلك قال: ما حال الناس؟ فأخبر أنّ هشاما صدّ عنك الناس، قال هشام: فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني. (2)
2-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن هبة اللّه (3)، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن
ص:210
أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: دخلت على عبد اللّه بن جعفر بن محمّد بعد موت أبي عبد اللّه عليه السلام و كان إدّعى الإمامة فسألته عن شيء من الزكوة، فقلت له: كم في المأة؟
فقال: خمسة دراهم قلت: و كم في نصف المأة؟ قال درهمين و نصف.
فقلت: ما قال بهذا أحد من الامّة فخرجت من عنده إلى قبر رسول اللّه مستغيثا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت: يا رسول اللّه إلى من؟ إلى القدرية؟ إلى الحروريّة؟ إلى المرجئة؟ إلى الزيدية؟ فإنّي كذلك إذ أتاني رسول أبي الحسن عليه السلام غلام صغير دون الخماسي.
فقال: أجب مولاك موسى بن جعفر عليه السلام فأتيته فلمّا بصر بي من صحن الدار إبتدأني فقال: يا هشام قلت: لبيك.
قال: لا إلى القدرية و لا إلى الحروريّة و لا إلى المرجئة و لا إلى الزيدية و لكن إلينا.
فقلت: أنت صاحبي فسألته فأجابني عن كلّ ما أردت. (1)
3-محمّد بن الحسن الصفّار في «بصائر الدرجات» عن يعقوب بن
ص:211
يزيد، عن محمّد بن الحسن بن زياد الميثمي (1)قال حدّثنا الحسن الواسطي، عن هشام بن سالم، قال: لما دخلت على عبد اللّه بن أبي عبد اللّه فسألته فلم أر عنده شيئا، فدخلني من ذلك ما اللّه أعلم به (2)و خفت أن لا يكون أبو عبد اللّه عليه السلام ترك خلفا، فأتيت قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فجلست عند رأسه أدعو اللّه و أستغيث به.
ثمّ فكّرت فقلت: أصير إلى قوم الزنادقة، ثمّ فكّرت فيما يدخل عليهم و رأيت قولهم يفسد ثمّ قلت: لابل قول الخوارج، آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر و أضرب بسيفي حتى أموت، ثمّ فكّرت في قولهم و ما يدخل عليهم فوجدته يفسد، ثمّ قلت أصير إلى القدرية (المرجئة) ثمّ فكّرت فيما يدخل عليهم فإذا قولهم يفسد، فبينا أنا افكّر في نفسي و أمشي إذ مرّ بي بعض موالي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال لي: أتحبّ أن أستأذن لك على أبي الحسن عليه السلام قلت: نعم، فذهب فلم يلبث إلى أن عاد إليّ فقال: قم و ادخل عليه، فلمّا نظر إلى أبو الحسن عليه السلام قال لي: مبتدئا لا إلى الزنادقة، و لا إلى الخوارج، و لا إلى المرجئة، و لا إلى القدرية، و لكن إلينا.
قلت: أنت صاحبي، ثم سألته فأجابني عمّا أردت. (3)
4- «ثاقب المناقب» عن هشام بن سالم قال: لمّا قبض أبو عبد اللّه
ص:212
عليه السلام إختلف أصحابه من بعده و مالوا إلى عبد اللّه بن جعفر فتبيّن لهم منه أنه ليس بصاحب الأمر من بعد أبيه فمالوا إلى محمد بن جعفر (1)، فوجدوا فيه مثل ما وجدوا في عبد اللّه، فاغتمّوا لذلك غمّا شديدا فدخلنا مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و صلّى كلّ واحد منا ركعتين، ثمّ رفعنا أيدينا إلى السماء باكية أعيننا حيرة منّا في أمرنا، و نحن نقول: اللّهم إلى من؟ إلى المرجئة؟ إلى الخوارج؟ إلى المعتزلة؟ فجائنا مولى لأبي عبد اللّه عليه السلام فدعا إلى أبي الحسن عليه السلام فمضينا إليه فاستأذن لنا عليه، فأذن لنا فدخلنا فلمّا بصر بنا قال من قبل أن نتكلّم: إلي لا إلى الخوارج، و لا إلى المعتزلة، و لا إلى المرجئة، فعلمنا أنّه صاحب الأمر عليه السلام. (2)
5-و رواه أيضا إبن شهر آشوب في «المناقب» (3)و الراوندي (4)في «الخرايج» (5)و الاختلاف بالزيادة و النقصان لا يضعف الحديث بل يقويه لان توافر الدواعي على نقله لا يؤمن فيه الاختلاف من الرواة
ص:213
الكثيرين مع سلامة المطلوب و الاتفاق على المقصود.
6-محمّد بن يعقوب بإسناده عن خلف بن حمّاد، عن أبي الحسن موسى عليه السلام و قد سأله عن دم العذرة (1)و الحيض، فقال عليه السلام يا خلف سر اللّه فلا تذيعوه، و لا تعلّموا هذا الخلق اصول دين اللّه بل إرضوا لهم ما رضي اللّه لهم من ضلال (2)، قال: ثمّ عقد بيده اليسرى تسعين (3)ثمّ قال: تستدخل قطنة ثم تدعها مليّا ثم تخرجها اخراجا رقيقا فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة و إن كان مستنقعا (4)في القطنة فهو من الحيض.
قال خلف: فاستخفّني الفرح، فبكيت فلمّا سكن بكائي.
قال: ما أبكاك؟
قلت: جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك؟
ص:214
قال: فرفع يده إلى السماء و قال: و اللّه اني ما اخبرك إلاّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن جبرئيل عن اللّه تعالى. (1)
7-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن محمّد الهاشمي (2)في حديث له مع المأمون (3): يا عبد اللّه يلومونني (4)أهل بيتي و أهل بيتك أن نصبت أبا الحسن الرّضا عليه السلام علما و اللّه لاحدثنّك بحديث تتعجّب منه، جئته يوما فقلت له: جعلت فداك إنّ آبائك موسى بن جعفر، و جعفر بن محمد، و محمد بن علي، و علي بن الحسين عليهم السلام كان عندهم علم ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة و أنت وصيّ القوم و وارثهم و عندك علمهم و قد بدت لي إليك حاجة و ذكر الحديث. (5)
ص:215
ص:216
حديثه مع النصرانيين و ما في ذلك من سرائر العلوم
1-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن مهران (1)، و عليّ بن إبراهيم جميعا عن محمّد بن علي، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم (2)، قال: كنت عند أبي الحسن موسى عليه السلام إذ أتاه رجل نصرانيّ و نحن معه بالعريض (3)فقال له النصراني: إنّي أتيتك من بلد بعيد و سفر شاقّ، و سألت ربّي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني إلى خير الأديان و إلى خير العباد و أعلمهم، و أتاني آت في النوم فوصف لي رجلا بعليا دمشق، فإنطلقت حتى أتيته فكلّمته.
فقال: أنا أعلم أهل ديني و غيري أعلم منّي.
فقلت له: أرشدني إلى من هو أعلم منك، فإنّي لا أستعظم السفر و لا تبعد عليّ الشقّة، و اللّه لقد قرأت الإنجيل كلّها و مزامير داود، و لقد
ص:217
قرأت أربعة أسفار من التوراة، و قرأت ظاهر القرآن حتى إستوعبته كله.
فقال لي العالم: إن كنت تريد علم النصرانيّة فأنا أعلم العرب و العجم بها و إن كنت تريد علم اليهودية فباطى بن شرحبيل السامري أعلم الناس بها أليوم، و إن كنت تريد علم الإسلام و علم التوراة و علم الإنجيل و علم الزبور و كتاب هود و كلّما انزل على نبيّ من الأنبياء في دهرك و ما انزل من السماء من خبر فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد، فيه تبيان كلّ شيء، و شفاء للعالمين، و روح لمن إستروح إليه، و بصيرة لمن أراد اللّه به خيرا، و انس إلى الحق، فأرشدك إليه فأته و لو مشيا على رجليك فإن لم تقدر فحبوا على ركبتيك، فإن لم تقدر فزحفا على إستك، فإن لم تقدر فعلى وجهك، فقلت: لا بل أنا أقدر على المسير في البدن و المال.
قال: فانطلق من فورك حتّى تأتي يثرب، فقلت: لا أعرف يثرب، قال: فانطلق حتّى تاتي مدينة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الّذي بعث في العرب، و هو النبيّ العربيّ الهاشميّ فإذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجّار، و هو عند باب مسجدها و أظهر بزة (1)النصرانية و حليتها، فإنّ واليها يتشدّد عليهم و الخليفة أشدّ، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول و هو ببقيع الزبير، ثم تسأل عن موسى بن جعفر عليه السلام و أين منزله و أين هو؟ مسافر أم حاضر، فإن كان مسافرا فألحقه فإنّ سفره أقرب مما ضربت إليه، ثمّ أعلمه أنّ مطران عليا الغوطة (2)
ص:218
دمشق هو الّذي أرشدني إليك، و هو يقرئك السلام كثيرا و يقول لك:
إنّي لاكثر مناجات ربّي أن يجعل إسلامي على يديك، فقصّ هذه القصّة، و هو قائم معتمد على عصاه ثمّ قال لي: إن أذنت لي يا سيّدي كفّرت لك (1)و جلست، فقال: آذن لك أن تجلس و لا آذن لك أن تكفّر فجلس، ثمّ ألقى عنه برنسه، ثمّ قال: جعلت فداك تأذن لي في الكلام؟
قال: نعم ما جئت إلاّ له.
فقال له النصراني: اردد على صاحبي السّلام أو ما تردّ السلام عليه؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: على صاحبك السلام أن هداه اللّه، فأمّا التسليم فذلك إذا صار في ديننا.
فقال النصراني: إنّي أسئلك أصلحك اللّه قال: سل.
قال: أخبرني عن الكتاب الّذي انزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و نطق به ثمّ وصفه بما وصفه فقال: حم وَ اَلْكِتابِ اَلْمُبِينِ إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (2)ما تفسيرها في الباطن.
فقال: أمّا حم فهو محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو في كتاب هود الّذي انزل عليه و هو منقوص الحروف، و أمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، و أمّا اللّيلة ففاطمة صلوات اللّه عليها، و أما قوله فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ يخرج منها خير كثير، فرجل
ص:219
حكيم، و رجل حكيم، و رجل حكيم.
فقال الرجل: صف لي الأوّل و الأخر من هؤلاء الرجال.
فقال: إنّ الصفات تشتبه و لكنّ الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله و أنّه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم إن لم تغيّروا و تحرّفوا و تكفروا و قديما ما فعلتم.
فقال له النصراني: لا أستر عنك ما علمت و لا اكذبّك و أنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول و كذبه، و اللّه لقد أعطاك اللّه من فضله و قسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون، و لا يستره الساترون و لا يكذّب فيه من كذب، فقولي لك في ذلك الحقّ كما ذكرت فهو كما ذكرت.
فقال له أبو ابراهيم عليه السلام: اعجلك أيضا خبرا لا يعرفه إلاّ قليل ممن قرء الكتب أخبرني ما إسم امّ مريم و أيّ يوم نفخت فيه مريم؟ و لكم من ساعة من النهار؟ و أيّ يوم وضعت مريم فيه عيسى؟ و لكم من ساعة من النهار؟
فقال النصراني لا أدري.
فقال أبو إبراهيم عليه السلام أمّا امّ مريم فإسمها مرثا و هي و هيبة بالعربيّة، و أما اليوم الّذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال، و هو اليوم الّذي هبط فيه الرّوح الأمين و ليس للمسلمين عيد كان أولى منه، عظّمه اللّه تبارك و تعالى، و عظّمه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأمره أن يجعله عيدا فهو يوم الجمعة، و أمّا اليوم الذي ولدت فيه مريم، فهو يوم الثلاثاء لأربع ساعات و نصف من النهار.
و النهر الّذي ولدت عليه مريم عيسى عليهما السلام هل تعرفه؟
ص:220
قال: لا.
قال: هو الفرات و عليه شجر النخل و الكرم، و ليس يساوي بالفرات شيء للكروم و النخيل، فأمّا اليوم الذى حجبت فيه لسانها و نادى قيدوس ولده و أشياعه فأعانوه و أخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم فقالوا لها: ما قصّ اللّه عليك في كتابه و علينا في كتابه، فهل فهمته؟
قال: نعم و قرأته اليوم الأحدث.
قال: إذا لا تقوم من مجلسك حتى يهديك اللّه.
قال النصراني: ما كان إسم امّي بالسريانية و العربية؟
فقال: كان إسم امّك بالسريانية عنقالية، و عنقورة كانت جدتك لأبيك (1)و أمّا إسم امّك بالعربية فهو ميّة و أمّا إسم أبيك فعبد المسيح، و هو عبد اللّه بالعربية، و ليس للمسيح عبد.
قال: صدقت و بررت فما كان إسم جدّي.
قال: كان إسم جدك جبرئيل و هو عبد الرحمان سمّيته في مجلسي هذا.
قال: أما إنّه كان مسلما؟
قال أبو إبراهيم عليه السلام: نعم و قتل شهيدا دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة و الأجناد من أهل الشام.
قال: فما كان إسمي قبل كنيتي!
ص:221
قال: كان إسمك عبد الصليب.
قال: فما تسمّيني؟
قال: اسمّيك عبد اللّه.
قال: إنّي آمنت باللّه العظيم، و شهدت أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له فردا صمدا ليس كما تصفه النصارى و ليس كما تصفه اليهود و لا جنس من أجناس الشرك، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالحق فأبان به لأهله و عمي المبطلون، و إنّه كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الناس كافة إلى الأحمر و الأسود و كلّ فيه مشترك، فأبصر من أبصر و إهتدى من إهتدى و عمى المبطلون و ضلّ عنهم ما كانوا يدّعون، و أشهد أنّ وليّه نطق بحكمته و أنّ من كان من قبله من الأنبياء نطقوا بالحكمة البالغة و توازروا على الطاعة للّه و فارقوا الباطل و أهله و الرجس و أهله و هجروا سبيل الضلالة، و نصرهم اللّه بالطاعة له و عصمهم من المعصية فهم للّه أولياء و للدين أنصار، يحثّون على الخير، و يأمرون به آمنت بالصغير و بالكبير (1)و من ذكرت منهم و من لم أذكر و آمنت باللّه تبارك و تعالى ربّ العالمين، ثمّ قطع زنّاره و قطع صليبا كان في عنقه من ذهب.
ثمّ قال: مرني حتّى أضع صدقتي (2)حيث تأمرني.
فقال: ههنا أخ لك كان على مثل دينك و هو رجل من قومك من
ص:222
قيس بن ثعلبة و هو في نعمة (1)كنعمتك فتواسيا و تجاورا و لست أدع أن اورد عليكما حقّكما (2)في الإسلام فقال: و اللّه أصلحك اللّه إنّي لغنّي و لقد تركت ثلثمأة طروق (3)بين فرس و فرسة و تركت ألف بعير فحقّك (4)فيها أوفر من حقّي، فقال له: أنت مولى (5)اللّه و رسوله و أنت في حد نسبك (6)على حالك فحسن إسلامه و تزوّج إمرأة من بني فهر و أصدقها أبو إبراهيم عليه السلام خمسين دينارا من صدقة عليّ بن أبي طالب عليه السلام و أخدمه و بوّأه و أقام حتّى اخرج أبو إبراهيم (7)عليه السلام فمات بعد مخرجه بثمانية و عشرين ليلة. (8)
2-و عنه عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم (9)، عن يونس، عن هشام بن الحكم، في حديث برية (10)أنّه لمّا جاء معه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام فحكى له هشام الحكاية، فلمّا فرغ قال أبو الحسن عليه السلام لبرية كيف علمك بكتابك؟
ص:223
قال: أنا به عالم، ثم قال: كيف ثقتك (1)بتأويله؟
قال: ما أوثقني (2)بعلمي فيه.
قال: فابتدأ أبو الحسن عليه السلام بقرائة الإنجيل فقال بريه: إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك.
فقال: آمن بريه و حسن إيمانه و آمنت المرأة التي كانت معه.
فدخل هشام و بريه و المرأة على أبي عبد اللّه عليه السلام فحكى له هشام الكلام الّذي جرى بين أبي الحسن موسى عليه السلام و بين بريه فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (3)فقال بريه: أنّى لكم التوراة و الإنجيل و كتب الأنبياء؟
قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرأها كما قرأوها (4)إنّ اللّه لا يجعل حجّة في أرضه يسأل عن شيء فيقول: لا أدري. (5)
ص:224
حديثه عليه السلام مع الراهب و الراهبة
و ما في ذلك من اسرار العلوم
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، و أحمد بن مهران جميعا، عن محمد بن علي عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر (1)، قال: كنت عند أبي إبراهيم و أتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرهبان، و معه راهبة فاستأذن لهما الفضل بن سوار، فقال له: إذا كان غدا فأت بهما عند بئر أمّ خير.
قال: فوافينا من الغد، فوجدنا القوم قد وافوا، فأمر بخصفة (2)بواري ثم جلس و جلسوا فبدأت الراهبة بالمسائل فسألت عن مسائل كثيرة، كلّ ذلك يجيبها، و سألها أبو إبراهيم عليه السلام عن أشياء لم يكن عندها فيه شيء ثمّ أسلمت، ثمّ أقبل الراهب يسأله فكان يجيبه في
ص:225
كلّ ما يسأله.
قال الراهب: قد كنت قويّا على ديني و ما خلّفت أحدا من النصارى في الأرض يبلغ مبلغي في العلم، و لقد سمعت برجل في الهند، اذا شاء حجّ إلى بيت المقدس في يوم و ليلة، ثم يرجع إلى منزله بأرض الهند، فسألت عنه بأيّ أرض هو؟ فقيل لي: إنّه بسندان، و سئلت الذي أخبرني فقال: هو علم الإسم الذي ظفر به آصف صاحب سليمان لمّا أتى بعرش سبأ و هو الذي ذكر اللّه لكم في كتابكم و لنا معشر الأديان في كتبنا.
فقال له أبو إبراهيم عليه السلام: فكم للّه من الاسم لا يردّ (1)؟
فقال الراهب: الأسماء كثيرة فأمّا المحتوم منها الّذي لا يردّ سائله فسبعة.
فقال له أبو الحسن عليه السلام: فأخبرني عمّا تحفظ منها.
قال الراهب: لا و اللّه الذي أنزل التوراة على موسى، و جعل عيسى عبرة (2)للعالمين و فتنة لشكر اولي الألباب، و جعل محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بركة و رحمة، و جعل عليّا عليه السلام عبرة و بصيرة، و جعل الأوصياء من نسله و نسل محمّد صلّى اللّه عليه و آله ما أدري (3)، و لو دريت ما احتجت فيه إلى كلامك و لا جئتك و لا سألتك.
ص:226
فقال له أبو إبراهيم عليه السلام عد إلي حديث الهنديّ.
فقال له الراهب: سمعت بهذه الأسماء و لا أدري ما بطانتها (1)و لا شرايحها و لا أدري ما هي و لا كيف هي و لا بدعائها، فانطلقت حتّى قدمت سندان الهند (2)فسألت عن الرّجل فقيل لي: إنّه بني ديرا في جبل فصار لا يخرج و لا يرى إلاّ في كلّ سنة مرّتين، و زعمت الهند أنّ اللّه فجرّ له عينا في ديره، و زعمت الهند أنّه يزرع له من غير زرع يلقيه، و يحرث له من غير حرث يعمله، فانتهيت إلى بابه فأقمت ثلاثا، لا أدقّ الباب و لا اعالج الباب، فلمّا كان اليوم الرّابع فتح اللّه الباب، و جائت بقرة عليها حطب تجرّ ضرعها يكاد يخرج ما في ضرعها من اللبن، فدفعت الباب فانفتح فتبعتها و دخلت، و وجدت الرّجل قائما ينظر إلى السماء فيبكي ، و ينظر إلى الأرض فيبكي، و ينظر إلى الجبال فيبكي فقلت: سبحان اللّه ما أقلّ ضربك (3)في دهرنا هذا! .
فقال لي: و اللّه ما أنا إلاّ حسنة من حسنات رجل خلّفته وراء ظهرك.
فقلت له: اخبرت أنّ عندك إسم من أسماء اللّه تبلغ به في كلّ يوم و ليلة بيت المقدس و ترجع إلى بيتك.
فقال لي: و هل تعرف بيت المقدس؟
قلت: لا أعرف إلاّ بيت المقدس الذي بالشام.
ص:227
قال: ليس بيت (1)المقدس و لكنّه البيت المقدّس و هو بيت آل محمّد عليه السلام.
فقلت له: أمّا ما سمعته إلى يومي هذا فهو بيت المقدّس.
فقال لي: تلك محاريب الأنبياء، و إنّما كان يقال لها حظيرة (2)المحاريب حتى جائت الفترة التي كانت بين محمّد و بين عيسى صلوات اللّه عليهما، و قرب البلاء من أهل الشرك و حلّت النقمات في دور الشياطين، فحوّلوا و بدّلوا و نقلوا تلك الأسماء، و هو قول اللّه تبارك و تعالى (البطن (3)لآل محمّد، و الظهر مثل) : إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اَللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ . (4)
فقلت له: إنّي قد ضربت إليك من بلد بعيد تعرّضت (5)إليك بحارا و غموما و هموما و خوفا، و أصبحت و أمسيت مؤيسا ألاّ أكون (6)ظفرت بحاجتي.
ص:228
فقال لي: ما أرى امّك حملت بك إلاّ و قد حضرها ملك كريم، و لا أعلم أنّ أباك حين أراد الوقاع بامّك إلاّ و قد إغتسل و جائها على طهر، و لا أزعم إلاّ أنّه قد كان درس السفر الرابع من شهره ذلك فختم له ذلك بخير، إرجع من حيث جئت، فانطلق حتّى تنزل مدينة محمّد صلّى اللّه عليه و آله الّتي يقال لها: طيبة، و قد كان إسمها في الجاهلية يثرب، ثمّ إعمد إلى موضع منها يقال له: البقيع، ثمّ سل عن دار يقال لها: دار مروان، فانزلها و أقم ثلاثا ثمّ سل الشيخ الأسود الذي يكون على بابها يعمل البواري، و هي في بلادهم تسمّى الخصف، فالطف بالشيخ و قل له: بعثني إليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع، ثم سله عن فلان (1)بن فلان الفلاني، و سأصفه لك، و سله أيّ ساعة يمرّ فيها فليريكاه (2)أو يصفه لك فتعرفه بالصفة و سأصفه لك، قلت: فإذا لقيته فأصنع ماذا؟
قال: سله عمّا كان و عمّا يكون و سله عن معالم دين من مضى و من بقي. (3)
قال له أبو إبراهيم عليه السلام قد نصحك الذي لقيت.
فقال الراهب: ما إسمه جعلت فداك؟
قال هو متمم بن فيروز، و هو من أبناء الفرس، و هو ممّن آمن باللّه وحده لا شريك له، و عبده بالإخلاص و الإيقان، و فرّ من قومه لمّا
ص:229
خافهم، فوهب له ربّه حكما و هداه سبيل الرشاد، و جعله من المتقين، و عرّف بينه و بين عباده المخلصين، و ما من سنة إلاّ و هو يزور فيها مكّة حاجّا و يعتمر في رأس كلّ شهر مرة و يجيء من موضعه من الهند إلى مكة، فضلا من اللّه و عونا، و كذلك يجزى اللّه الشاكرين، ثمّ سأله الراهب عن مسائل كثيرة كلّ ذلك يجيبه فيها و سأل الراهب عن أشياء لم يكن عند الراهب فيها شيء فأخبره بها.
ثمّ إنّ الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبيّن (1)في الأرض منها أربعة و بقي (2)في الهواء منها أربعة على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء و من يفسّرها؟
قال: ذاك قائمنا ينزله اللّه عليه فيفسّره، و ينزل عليه ما لم ينزل على الصديّقين و الرسل و المهتدين.
ثمّ قال الراهب: فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هي؟
قال: اخبرك بالأربعة كلّها أمّا أوّلهن فلا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له باقيا (3)، و الثانية محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مخلصا، و الثالثة نحن (4)أهل البيت، و الرابعة شيعتنا منّا، و نحن من رسول اللّه صلّى اللّه
ص:230
عليه و آله و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من اللّه بسبب 1، فقال له الراهب: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا رسول اللّه، و أن كلّ ما جاء به من عند اللّه حقّ، و أنّكم صفوة اللّه من خلقه، و أنّ شيعتكم المطهّرون المستذلّون 2، و لهم عاقبة اللّه و الحمد للّه ربّ العالمين، فدعا أبو إبراهيم عليه السلام بجبّة خزّ و قميص قوهي 3و طيلسان و خفّ و قلنسوة فأعطاه إيّاها و صلّى الظهر و قال له: إختتن، فقال: قد إختتنت في سابعي. 4
ص:231
ص:232
حديثه عليه السلام مع شقيق البلخي من طريق الخاصة
و العامة و ما فيه من العمل الصالح و البرهان
الواضح و هو من مشاهير الأحاديث
1-الشيخ الفاضل أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة» عليها السلام قال: حدّثني أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه، قال:
حدّثنا محمّد بن عليّ بن زبير البلخي ببلخ، قال: حدّثنا حسام بن حاتم الأصمّ، قال: حدّثني أبي، قال لي شقيق (1)بن إبراهيم البلخي: خرجت حاجّا إلى بيت اللّه الحرام في سنة تسع و أربعين و مأة، فنزلنا القادسيّة.
قال شقيق: فنظرت إلى الناس في زيّهم بالقباب و العماريات و الخيم و المضارب، و كلّ إنسان منهم قد تزيأ على قدره، فقلت: أللّهم إنّهم قد خرجوا إليك فلا تردّهم خائبين.
فبينما أنا قائم و زمام راحلتي بيدي و أنا أطلب موضعا أنزل فيه منفردا عن الناس إذ نظرت إلى فتى حدث السنّ، حسن الوجه، شديد
ص:233
السمرة، عليه سيماء العبادة و شواهدها، و بين عينيه سجّادة كأنّها كوكب درّي، و عليه من فوق ثوبه شملة من صوف، و في رجله نعل عربيّ، و هو منفرد في عزلة من الناس.
فقلت في نفسي: هذا الفتى من هؤلاء الصوفية المتوكلّة، يريد أن يكون كلاّ على الناس في هذا الطريق، و اللّه لأمضينّ عليه و لاوبّخنّه، قال: فدنوت منه فلمّا رآني مقبلا نحوه قال لي يا شقيق: اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ اَلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ اَلظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا (1)و قرء الآية ثمّ تركني و مضى، فقلت في نفسي: قد تكلّم هذا الفتى على سرّي، و نطق بما في نفسي و سمّاني باسمي، ما فعل هذا إلاّ و هو وليّ اللّه، الحقه و أسأله أن يجعلني في حلّ، فأسرعت ورائه فلم الحقه و غاب عن عيني فلم أره، و إرتحلنا حتّى نزلنا واقصة، فنزلت ناحية من الحاجّ و نظرت فإذا صاحبي قائم يصلّي على كثيب رمل و هو راكع و ساجد، و أعضاؤه تضطرب، و دموعه تجري من خشية اللّه عزّ و جلّ، فقلت: هذا صاحبي لأمضيّن إليه.
ثم لأسألنّه أن يجعلني في حلّ، فأقبلت نحوه، فلمّا نظر إليّ مقبلا قال لي يا شقيق وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اِهْتَدى (2)ثم غاب عن عيني فلم أره، فقلت: هذا رجل من الأبدال و قد تكلّم على سرّي مرّتين، و لو لم يكن عند اللّه فاضلا ما تكلّم على سرّي.
و رحل الحاجّ و أنا معهم حتّى نزلنا زبالة، فإذا أنا بالفتى قائم على
ص:234
البئر و بيده ركوة يستقي بها ماء، فانقطعت الركوة في البئر، فقلت صاحبي و اللّه فرأيته قد رمق السماء بطرفه: و هو يقول: أنت ربّي إذا ظمأت من الماء، و قوتي إذا أردت الطعام، إلهي و سيّدي مالي سواها فلا تعدمنيها.
قال شقيق: و اللّه لقد رأيت البئر و قد فاض ماؤها حتى جرى على وجه الأرض فمدّ يده فتناول الركوة فملأها ماء، ثمّ توضّأ و أسبغ الوضوء و صلّى ركعات، ثمّ مال إلى كثيب رمل أبيض فجعل يقبض بيده من الرمل و يطرحه في الركوة ثمّ يحرّكها و يشرب.
فقلت في نفسي: أتراه قد تحوّل الرمل سويقا! فدنوت منه فقلت له: أطعمني رحمك اللّه من فضل ما أنعم اللّه به عليك، فنظر و قال لي: يا شقيق لم تزل نعمة اللّه علينا أهل البيت سابقة، و أياديه إلينا جميلة، فأحسن ظنّك بربّك فإنّه لا يضيع أجر من أحسن به ظنّا، فأخذت الركوة من يده فشربت، فإذا سويق و سكر، فو اللّه ما شربت شيئا قطّ ألذّ منه و لا أطيب رائحة منه فشبعت و رويت و أقمت أياما لا أشتهي طعاما و لا شرابا فدفعت إليه الركوة.
ثمّ غاب عن عيني فلم أره حتى دخلت مكّة، و قضيت حجّي، فإذا أنا بالفتى في هدأت من الليل و قد زهرت النجوم و هو إلى جانب بيت فيه الشراب راكعا ساجدا لا يزيد مع اللّه سواه، فجعلت أراه و أنظر إليه و هو يصلّي بخشوع و أنين و بكاء، و يرتّل القرآن ترتيلا فكلّما مرت آية فيها وعد و وعيد رددّها على نفسه و دموعه تجري على خدّه، حتّى إذا دنا الفجر جلس في مصلاّه يسبّح ربّه و يقدّسه، ثمّ قام فصلّى الغداة، و طاف
ص:235
بالبيت اسبوعا و قد خرج من باب المسجد، فخرجت فرأيت له حاشية و موالي و إذا عليه لباس خلاف الذي شاهدت، و إذا الناس من حوله يسألونه عن مسائلهم و يسلّمون عليه، فقلت لبعض الناس، أحسبه من مواليه: من هذا الفتى؟
فقال لي: هذا أبو إبراهيم عالم آل محمّد عليهم السلام.
قلت: و من أبو إبراهيم؟
قال: موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين إبن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
فقلت: لقد عجبت أن توجد هذه الشواهد إلاّ في هذه الذريّة. (1)
2-و من طريق المخالفين ما رواه المالكي في «الفصول المهمّة» و كمال الدين بن طلحة الشامي في «مطالب السؤول» عن حسام بن حاتم الأصمّ، قال لي أبي حاتم (2)، قال: قال لي شقيق البلخي رضي اللّه عنه:
خرجت حاجّا في سنة تسع و أربعين و مأة، فنزلت القادسيّة (3)فبينما أنا أنظر إلى الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت إلى فتى حسن الوجه، شديد السمرة، ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، و قد جلس منفردا.
فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلاّ على
ص:236
الناس في طريقهم، و اللّه لأمضينّ إليه و لاوبخنّه فدنوت منه، فلمّا رآني مقبلا قال: يا شقيق اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ اَلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ اَلظَّنِّ إِثْمٌ (1)ثمّ تركني و مضى.
فقلت في نفسي: إنّ هذا الأمر عظيم قد تكلّم بما في نفسي، و نطق باسمي، و ما هذا إلاّ عبد صالح لألحقنه و لأسئلنّه أن يحلّلني فأسرعت في أثره فلم الحقه و غاب عن عيني، فلمّا نزلنا واقصة (2)فإذا به يصلّي و أعضاؤه تضطرب، و دموعه تجري، فقلت: هذا صاحبي أمضي إليه و أستحلّه، فصبرت حتّى جلس و أقبلت نحوه.
فلمّا رآني مقبلا قال لي: يا شقيق اتل: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اِهْتَدى (3)ثمّ تركني و مضى، فقلت: إنّ هذا الفتى لمن الأبدال لقد تكلّم على سرّي مرّتين.
فلمّا نزلنا زبالة (4)إذا بالفتى قائم على البئر و بيده ركوة (5)يريد «أن» يستقي فسقطت الركوة من يده في البئر و أنا أنظر إليه، فرأيته قد رمق (6)إلى السماء و سمعته يقول: أنت ربّي إذا ظمأت إلى الماء و قوتي إذا أردت الطعام (7)، أللّهم سيّدي مالي سواها (8)فلا تعدمنيها.
ص:237
قال شقيق: فو اللّه لقد رأيت البئر و قد إرتفع ماؤها فمدّ يده و أخذ الركوة و ملؤها ماء، فتوضّأ و صلّى أربع ركعات، ثمّ مال إلى كثيب رمل (1)فجعل يقبض الرمل بيده و يطرحه في الركوة و يحرّكه و يشرب.
فأقبلت إليه فسلّمت عليه فرّد عليّ السلام، فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم اللّه عليك، فقال: يا شقيق لم تزل نعمة اللّه علينا ظاهرة و باطنة، فأحسن ظنّك باللّه، ثمّ ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق و سكّر، فو اللّه ما شربت قطّ ألذّ منه و لا أطيب ريحا، فشبعت و رويت أيّاما لا أشتهي طعاما و لا شرابا.
ثمّ لم أره حتّى دخلنا مكّة فرأيته ليلة إلى جنب قبّة الشراب في نصف الليل قائما يصلّي بخشوع و أنين و بكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلمّا رأى الفجر جلس في مصلاّه يسبّح، ثمّ قام فصلّى الغداة، و طاف بالبيت أسبوعا، و خرج فتبعته فإذا غاشية (2)و موالي، و هو على خلاف ما رأيته في الطريق، و دار به الناس من حوله يسلّمون عليه.
فقلت لبعض من رأيته: من هذا الفتى؟
فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، فقلت: قد عجبت أن يكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيّد.
و لقد نظم بعض المتقدّمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة
ص:238
إقتصرت على ذكر بعضها.
سل شقيق البلخيّ عنه و ما شاهد (1)عنه و ما الّذي كان أبصر
قال لمّا حججت عاينت شخصا شاحب اللون ناحل الجسم أسمر
سائرا وحده و ليس له زاد فما زلت دائما أتفكّر
و توهمت أنّه يسأل الناس و لم أدر أنّه الحجّ الأكبر
ثمّ عاينته و نحن نزول فوق فيد (2)على الكثيب الأحمر
يضع الرمل في الإناء و يشربه فناديته و عقلي محيّر
إسقني شربة فناولني منه فعاينته سويقا و سكّر
فسألت الحجيج من يك هذا؟ قيل هذا الإمام موسى بن جعفر
فهذه الكرامات العالية الأقدار الخارقة للعوائد، و هي على التحقيق حلية المناقب و زينة المزايا و غرر الصفات و لا يؤتاها إلاّ من أفاضت عليه العناية الربّانية و أنوار التأييد و مرت له أخلاف التوفيق و ازلفته من مقام التطهير و التقديس وَ ما يُلَقّاها إِلاَّ اَلَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (3). (4)
3-ثمّ قال العامي كمال الدين بن طلحة الشامي بعد هذا الذي ذكرته عنه قال: و لقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة ذكرها بعض صدور
ص:239
أهل العراق أثبتت لموسى عليه السلام أشرف منقبة، و شهدت له بعلوّ مقامه عند اللّه تعالى و زلفى منزلته لديه، و ظهرت بها كراماته بعد وفاته، و لا شك أنّ ظهور الكرامة بعد الموت أكثر منها دلالة حال الحياة، و هي أنّ من عظماء الخلفاء مجّدهم اللّه تعالى من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الأعيان و كان في ولاية عامّة، طالت فيها مدّته، و كان ذا سطوة و جبروت، فلمّا إنتقل إلى اللّه تعالى أمر الخليفة له أن يقدم بدفنه (1)في ضريح مجاور لضريح الامام موسى بن جعفر عليهما السلام بالمشهد المطهّر و كان بالمشهد المطهر نقيب معروف و مشهود له بالصلاح كثير التردد و الملازمة للضريح و الخدمة له قائم بوظائفها.
فذكر هذا النقيب أنّه بعد دفن هذا المتوفّى في ذلك القبر بات بالمشهد فرآى في منامه أنّ القبر قد إنفتح و النار تشعل فيه، و قد انتشر منه دخان و رائحة قتار (2)هذا المدفون فيه إلى أن ملأت المشهد، و أنّ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام واقف فصاح لهذا النقيب باسمه و قال له: تقول للخليفة: يا فلان-و سمّاه بأسمه-لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم و قال: كلاما خشنا.
فاستيقظ ذلك النقيب و هو يرتعد فزعا «فرقا» و خوفا فلم يلبث أن كتب ورقة و سيّرها الى الخليفة منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها فلمّا جنّ الليل جاء الخليفة إلى المشهد المطهّر بنفسه و إستدعى النقيب
ص:240
و دخلوا إلى الضريح، و أمر بكشف ذلك القبر و نقل ذلك المدفون إلى موضع آخر خارج المشهد، فلمّا كشفوه وجدوا فيه رماد الحريق و لم يجدوا للميت أثرا، و في هذه الفضيلة زيادة إستغناء عن تعداد بقيّة مناقبه و إكتفاء عن بسط القول فيها. (1)
و قال المالكي في كتابه «الفصول المهمة» عقيب ذكره قصّة شقيق البلخي مع الإمام عليه السلام: و هذه الحكاية رواها جماعة من أهل التأليف و المحدّثين، رواها إبن الجوزي (2)في كتابيه «مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن» وصفة الصفوة (3)و رواها الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي (4)في كتابه «معالم العترة النبويّة» و رواها الرامهرمزي (5)قاضي القضاة في كتابه «كرامات الاولياء» (6)إنتهى كلام المالكي. (7)
ص:241
ص:242
في عبادته عليه السلام
1-إبن بابويه في «عيون الأخبار» قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن علي بن محمّد بن حاتم (1)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن بحر الشيباني، قال:
حدّثني الخرزي أبو العبّاس بالكوفة، قال: حدّثنا الثوباني (2)قال: كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بضع عشرة سنة كلّ يوم سجدة بعد إنقضاض الشمس إلى وقت الزوال، فكان هارون ربما صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه أبو الحسن عليه السلام فكان يرى أبا الحسن عليه السلام ساجدا فقال للربيع: يا ربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع؟
قال: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب، و إنّما هو موسى بن جعفر عليه السلام له كلّ يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال.
قال الربيع: فقال لي هارون: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم.
ص:243
قلت: فما لك قد ضيّقت عليه الحبس؟
قال: هيهات لابدّ من ذلك. (1)
2-و عنه قال: حدّثني أبي رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسى اليقطيني، عن أحمد بن عبد اللّه القروي، عن أبيه قال: دخلت على الفضل بن ربيع (2)، و هو جالس على سطح، فقال لي: ادن، فدنوت حتّى حاذيته، ثمّ قال لي: أشرف إلى بيت في الدار، فأشرفت، فقال: ما ترى في البيت؟
فقلت: ثوبا مطروحا.
فقال: انظر حسنا فتأمّلت و نظرت فتيقّنت.
فقلت: رجل ساجد.
فقال لي: تعرفه؟
قلت: لا.
قال: هذا مولاك.
قلت: و من مولاي؟
فقال: تتجاهل عليّ؟
فقلت: ما أتجاهل و لكنّي لا أعرف لي مولى.
فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام إنّي أتفقّده في
ص:244
الليل و النهار فلا أجده في وقت من الأوقات إلاّ على الحال التي اخبرك بها إنّه يصلّي الفجر فيعقّب ساعة في دبر الصلوة إلى أن تطلع الشمس، ثمّ يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتّى تزول الشمس، و قد و كلّ من يترصّد له الزّوال فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت الشمس إذ يثب فيبتديء في الصلوة من غير أن يحدث (1)حدثا فأعلم أنّه لم ينم في سجوده و لا أغفى.
و لا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلوة العصر فإذا صلّى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثا و لا يزال في صلوته و تعقيبه إلى أن يصلّي العتمة (2)فإذا صلّى العتمة أفطر على شويّ يؤتى به، ثمّ يجدّد وضوئه ثم يسجد ثم يرفع رأسه، فينام نومة خفيفة، ثمّ يقوم فيجدّد الوضوء، ثم يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل، حتى يطلع الفجر فلست أدري متى يقول الغلام: إنّ الفجر قد طلع إذ قد وثب هو لصلوة الفجر فهذا دأبه منذ حوّل إليّ.
فقلت: إتّق اللّه و لا تحدّثن في أمره حدثا يكون فيه زوال النعمة فقد تعلم أنّه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا إلاّ كانت نعمته زائلة.
فقال: قد أرسلوا إليّ في غير مرّة يأمرونني بقتله فلم اجبهم إلى ذلك و أعلمتهم أنّي لا أفعل ذلك و لو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني.
ص:245
فلمّا كان بعد ذلك حوّل إلى الفضل بن يحيى (1)البرمكي فحبس عنده أيّاما، و كان الفضل بن الربيع يبعث اليه في كل ليلة مائدة، و منع أن يدخل اليه من عنده غيره، فكان لا يأكل و لا يفطر إلا على المائدة التي يؤتى بها حتى مضى على تلك الحال ثلاثة أيّام ولياليها، فلمّا كانت الليلة الرابعة قدّمت إليه مائدة للفضل بن يحيى فرفع عليه السلام يده الى السماء فقال: يا ربّ إنّك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي فأكل فمرض فلمّا كان من الغد جائه (2)الطبيب فعرض عليه خضرة في بطن راحته، و كان السمّ الذي سمّ به قد إجتمع في ذلك الموضع فانصرف الطبيب إليهم فقال: و اللّه لهو أعلم بما فعلتم به منكم، ثمّ توفّي. (3)
3-و روي أنّ بعض عيون عيسى بن جعفر (4)رفع إليه أنّه يسمعه
ص:246
كثيرا يقول في دعائه و هو محبوس عنده: أللّهم إنّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللّهم و قد فعلت ذلك، فلك الحمد، فوجّه الرشيد من يتسلّمه من عيسى بن جعفر و صيّر به إلى بغداد فسلّمه إلى الفضل بن الربيع، فبقي عنده مدة طويلة فأراده الرشيد على شيء من أمره فأبى، فكتب إليه بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلّمه منه و جعله في بعض حجر داره و وضع عليه الرصد.
و كان عليه السلام مشغولا بالعبادة يحيى الليل كلّه صلوة و قرائة للقرآن و دعاء و إجتهادا و يصوم النهار في أكثر الأيّام و لا يصرف وجهه عن المحراب، فوسّع عليه الفضل بن يحيى و أكرمه فاتّصل ذلك بالرّشيد و هو في الرقّة فكتب إليه ينكر عليه توسيعه على موسى بن جعفر عليه السلام و يأمره بقتله و توقّف عن ذلك و لم يقدم عليه فاغتاظ الرشيد لذلك و دعا مسرورا الخادم و قال له: اخرج على الرقّة في هذا الوقت إلى بغداد و أدخل من فورك على موسى بن جعفر فإن وجدته في دعة و رفاهية فأوصل هذا الكتاب إلى العباس بن محمّد (1)و مره بامتثال ما فيه. الحديث. (2)
4-المفيد في «إرشاده» قال: كتب عيسى بن جعفر إلى الرشيد يقول له: إنّه قد طال أمر موسى بن جعفر و مقامه في حبسي و قد إختبرت
ص:247
حاله و وضعت عليه العيون طول هذه المدّة فما وجدته يفتر عن العبادة. (1)
5-إبن بابويه بإسناده عن سفيان بن نزار، عن المأمون قال: رأيت موسى بن جعفر عليه السلام إذ دخل على أبي إذ هو شيخ مسخّد (2)قد أنهكته العبادة و كأنّه شنّ (3)بال قد كلم (4)السجود وجهه و أنفه. (5)
6-و عنه باسناده عن الفضل بن ربيع حاجب الرشيد قال: أرسلني الرشيد إلى موسى عليه السلام فقلت لغلامه: إستأذن لي على مولاك يرحمك اللّه.
فقال لي: لج ليس له حاجب و لا بوّاب، فولجت إليه فأذن بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة سجوده. (6)
7-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن عليّ بن عطية عن هشام بن أحمر (7)قال: كنت أسير مع أبي
ص:248
الحسن عليه السلام في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابّته فخرّ ساجدا فأطال و أطال ثمّ رفع رأسه و ركب دابّته، فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود؟
فقال: إنّني ذكرت نعمة أنعم اللّه بها عليّ فأحببت أن أشكر ربّي. (1)
8-قال الشيخان: المفيد في «إرشاده» و أبو علي الطبرسي في «أعلام الورى» قالا: قد إشتهر في الناس أنّ أبا الحسن موسى عليه السلام كان أجلّ ولد الصادق عليه السلام شأنا و أعلاهم في الدين مكانا و أسخاهم بنانا و أفصحهم لسانا، و كان أعبد أهل زمانه و أعلمهم و أفقههم و أكرمهم نفسا.
قال: و روي أنّه كان يصلّي نوافل الليل و يصلها بصلوة الصبح، ثمّ يعقّب حتى تطلع الشمس ثم يخرّ للّه ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء و التحميد حتى يقرب زوال الشمس، و كان عليه السلام يدعو كثيرا فيقول: اللّهم إني أسئلك الراحة عند الموت و العفو عند الحساب، و يكرّر ذلك، و كان من دعائه عليه السلام: عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك، و كان يبكي من خشية اللّه حتى تخضلّ لحيته بالدموع، و كان يتفقّد فقراء المدينة فيحمل إليهم في الليل العين و الورق
ص:249
و الأدقة و التمور و غير ذلك فيوصلها إليهم و هم لا يعرفون من أيّ وجه هو انتهى كلامهما. (1)
ص:250
في جوده عليه السلام و يدرء بالحسنة السيئة
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، عن عليّ بن جعفر، قال: جاءني محمّد بن إسماعيل و قد إعتمرنا عمرة رجب و نحن يومئذ بمكة؛ فقال: يا عمّ إنّي اريد بغداد و قد أحببت أن اودّع عمّي أبا الحسن يعني موسى بن جعفر عليهما السلام و أحببت أن تذهب معي إليه فخرجت معه نحو أخي، و هو في داره التي بالحوبة، و ذلك بعد المغرب بقليل، فضربت الباب فأجابني أخي، فقال: من هذا؟ فقلت: عليّ.
فقال: هو ذا أخرج و كان بطييء الوضوء.
فقلت: العجل.
قال: و أعجل و خرج و عليه إزار ممشّق (1)قد عقده في عنقه حتى قعد تحت عتبة الباب.
فقال عليّ بن جعفر: فانكببت عليه فقبّلت رأسه و قلت قد جئتك في أمر إن تره صوابا فاللّه وفّق له، و إن يكن غير ذلك فما أكثر ما نخطيء.
قال عليه السلام: و ما هو؟
ص:251
قلت: هذا إبن أخيك يريد أن يودّعك و يخرج إلى بغداد.
فقال له: ادعه فدعوته، و كان متنحّيا فدنا منه فقبّل رأسه و قال:
جعلت فداك أوصني.
فقال: اوصيك أن تتقي اللّه في دمي.
فقال مجيبا له: من أرادك بسوء فعل اللّه به و فعل، و جعل يدعو على من يريده بسوء.
ثمّ عاد فقبّل رأسه، ثم قال: يا عمّ أوصني، فقال: أوصيك أن تتقي اللّه في دمي فقال: من أرادك بسوء فعل اللّه به و فعل.
ثمّ عاد فقبّل رأسه ثم قال: يا عمّ أوصني، فقال: اوصيك أن تتقي اللّه في دمي، فدعا على من أراده بسوء.
ثم تنحّى عنه و مضيت معه، فقال لي أخي: يا عليّ مكانك فقمت مكاني فدخل منزله ثمّ دعاني، فدخلت إليه فتناول صرّة فيها مأة دينار فأعطانيها، و قال: قل لإبن أخيك يستعين بها على سفره.
قال عليّ: فأخذتها و أدرجتها في حاشية ردائي ثمّ ناولني مأة اخرى و قال: أعطه أيضا ثمّ ناولني صرّة أخرى فقال: أعطه أيضا.
فقلت: جعلت فداك إذا كنت تخاف منه مثل الّذي ذكرت فلم تعينه على نفسك؟
فقال: إذا وصلته و قطعني قطع اللّه أجله.
ثمّ تناول مخدّة أدم فيها ثلاثة آلاف درهم وضح (1)فقال: أعطه
ص:252
هذه أيضا قال: فخرجت إليه فأعطيته المأة الاولى ففرح بها فرحا شديدا و دعا لعمّه، ثمّ أعطيته المأة الثانية و الثالثة ففرح بها حتّى ظننت أنّه سيرجع و لا يخرج، ثم أعطيته الثلاثة آلاف درهم فمضى على وجهه حتى دخل على هارون فسلّم عليه بالخلافة، و قال: ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتّى رأيت عمّي موسى بن جعفر يسلّم عليه بالخلافة، فأرسل هارون إليه بمأة ألف درهم، فرماه اللّه بالذبحة (1)فما نظر منها إلى درهم و لا مسّة. (2)
2-ابن بابويه، عن محمّد بن إبراهيم بن إسحق الطالقاني رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمد بن يحيى الصولي (3)، قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عبد اللّه، عن عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي، عن صالح بن علي بن عطية (4)، قال: كان السبب في وقوع موسى بن جعفر عليه السلام إلى بغداد، و ذكر حديثا طويلا قال: فيه و كان سبب ذلك أنّ يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مريم: ألا تدلّني على رجل من آل أبي طالب «له رغبة في الدنيا فاوسّع له منها قال: بلى أدلّك على رجل بهذه الصفة و هو عليّ بن اسماعيل بن جعفر بن محمّد، فأرسل إليه يحيى، فقال: أخبرني
ص:253
عن عمّك و عن شيعته، و المال الذي يحمل إليه، فقال له عندي الخبر و سعى بعمّه، و كان سعايته أنّه قال: من كثرة المال عنده أنّه إشترى ضيعة تسمى البشرية (1)بثلاثين ألف دينار فلما أحضر المال قال البايع:
لا أريد هذا النقد اريد نقد كذا و كذا، فأمر بها فصبّت في بيت ماله و اخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد و وزنه في ثمن الضيعة.
قال النوفلي: قال أبي: و كان موسى بن جعفر عليهما السلام يأمر لعليّ بن إسماعيل بالمال ويثق به حتّى ربما خرج الكتاب منه إلى بعض شيعته بخطّ عليّ بن إسماعيل ثم إستوحش منه، فلمّا أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر عليه السلام أنّ عليّا إبن أخيه يريد الخروج مع السّلطان، يعني الرشيد إلى العراق، فأرسل إليه مالك و السلطان و الخروج مع السلطان؟ قال: لأنّ عليّ دينا.
قال: دينك عليّ.
قال: فتدبير عيالي.
قال: أنا أكفيهم، فأبى إلاّ الخروج، فأرسل إليه مع أخيه محمّد بن اسماعيل بن جعفر بثلاثماة دينار و أربعة آلاف درهم فقال: إجعل هذا في جهازك و لا تؤتم ولدي. (2)
3-الشيخ المفيد في «إرشاده» قال: كان السبب في قبض الرشيد على أبي الحسن موسى عليه السلام و حبسه و قتله ما ذكره أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، عن عليّ بن محمّد النوفلي عن أبيه، و أحمد بن محمّد
ص:254
ابن سعيد، و أبو محمّد الحسن بن يحيى (1)، عن مشايخهم قالوا: كان السبب في أخذ موسى بن جعفر أنّ الرشيد جعل إبنه في حجر جعفر بن محمّد بن الأشعث (2)، فحسده يحيى بن خالد (3)بن برمك على ذلك، و قال: إن أفضت إليه الخلافة زالت دولتي و دولة ولدي، فاحتال على جعفر بن محمّد، و كان يقول بالإمامة حتّى داخله و أنس اليه، و كان يكثر غشيانه في منزله، و يقف على أمره و يرفعه إلى الرشيد و يزيد على ذلك بما يقدح في قلبه.
ثمّ قال يوما لبعض ثقاته: أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال فيعرّفني ما أحتاج إليه؟ فدلّ على عليّ بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد عليه السلام فحمل إليه يحيى بن خالد مالا و كان موسى ابن جعفر عليهما السلام يأنس بعليّ بن إسماعيل بن جعفر عليه السلام
ص:255
و يصله و يبرّه.
ثمّ أنفذ إليه يحيى بن خالد يرغّبه في قصد الرشيد و يعده بالإحسان إليه فعمل على ذلك فأحسّ به موسى عليه السلام فدعاه فقال: إلى أين تريد يا بن أخي؟
قال: إلى بغداد.
قال: و ما تصنع؟
قال: عليّ دين و أنا مملق.
فقال له موسى عليه السلام: فأنا اقضي دينك و أفعل بك و أصنع فلم يلتفت إلى ذلك و عمد على الخروج فاستدعاه أبو الحسن عليه السلام فقال له: أنت خارج؟
قال: نعم: لا بدّ لي من ذلك.
فقال له: انظر يا بن أخي و اتق اللّه و لا تؤتم أولادي، و أمر له بثلاث مأة دينار و أربعة آلاف درهم فلمّا قام بين يديه قال أبو الحسن عليه السلام لمن حضره: و اللّه ليسعينّ في دمي و ليؤتمنّ أولادي.
فقالوا له: جعلنا اللّه فداك فأنت تعرف و تعلم هذا من حاله و تعطيه و تصله؟
قال لهم: نعم حدّثني أبي عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ الرحم إذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها اللّه و إنّي أردت أن أصله بعد قطعه لي حتّى إذا قطعني قطعه اللّه.
قالوا: فخرج عليّ بن إسماعيل حتى أتى على يحيى بن خالد فتعرّف منه خبر موسى بن جعفر عليهما السلام و رفعه إلى الرشيد و زاد
ص:256
عليه ثمّ أوصله إلى الرشيد فسأله عن عمّه فسعى به إليه، ثمّ قال له: إنّ الأموال تحمل إليه من المشرق و المغرب و إنّه إشترى ضيعة سمّاها اليسيرة بثلاثين ألف دينار فقال له صاحبها و قد احضر المال: لا آخذ هذا النقد و لا آخذ إلاّ النقد الذي أسأله بعينه فسمع ذلك منه الرشيد و أمر له بمأتي ألف درهم تسبيبا على بعض النواحي (1)فاختار بعض كور المشرق و مضت رسله لقبض المال و أقام ينتظرهم فدخل في بعض تلك الأيّام إلى الخلاء فزحر زحرة (2)خرجت منه حشوته (3)كلها فسقط و جهدوا في ردّها فلم يقدروا فوقع لما به، و جائه المال و هو ينزع فقال و ما أصنع به و أنا في الموت؟ !
و خرج الرشيد في تلك السنة الى الحجّ و بدأ بالمدينة فقبض بها على أبي الحسن موسى عليه السلام و يقال: إنّه لما ورد المدينة إستقبله موسى عليه السلام في جماعة من الأشراف و إنصرفوا من استقباله، و مضى أبو الحسن عليه السلام إلى المسجد على رسمه و قام الرشيد إلى الليل و صار إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال: يا رسول اللّه إنّي أعتذر إليك من شيء اريد أن افعله أريد أن أحبس موسى بن جعفر فإنّه يريد التشتّت بين امتّك و سفك دمائها.
ثم أمر به فأخرج من المسجد فادخل عليه، و قيّده و إستدعى قبّتين فجعله في إحديهما على بغل، و جعل القبّة الاخرى على بغل
ص:257
آخر، و أخرج البغلان من داره و عليهما القبّتان مستورتان، و مع كلّ واحدة منهما خيل، فافترقت الخيل فمضى بعضها مع إحدى القبّتين على طريق البصرة، و الاخرى على طريق الكوفة، و كان أبو الحسن عليه السلام في القبّة التي مضى بها على طريق البصرة، و إنّما فعل ذلك الرشيد ليعمي على الناس الأمر في باب أبي الحسن عليه السلام و أمر القوم الذي كانوا مع قبّة أبي الحسن عليه السلام أن يسلّموه إلى عيسى ابن جعفر بن المنصور، و كان على البصرة حينئذ، فسلّم إليه فحبسه عنده سنة.
و كتب إليه الرشيد في دمه و إستدعى عيسى بن جعفر بعض خاصّته و ثقاته فاستشارهم فيما كتب اليه الرشيد فأشاروا عليه بالتوقّف عن ذلك و الإستعفاء منه، فكتب عيسى بن جعفر إلى الرشيد يقول له: إنّه قد طال أمر موسى بن جعفر عليهما السلام و مقامه في حبسي و قد اختبرت حاله و وضعت عليه العيون طول هذه المدّة فما وجدته يفتر عن العبادة و وضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه فما دعا عليك و لا عليّ و لا ذكرنا بسوء و ما يدعو لنفسه إلاّ بالمغفرة و الرحمة، و إن أنت أنفذت من يتسلّمه منّي و إلاّ خليت سبيله فإنيّ متحرّج من حبسه. (1)
4-تفسير الامام أبي محمّد العسكري عليه السلام قال: قال
ص:258
موسى بن جعفر عليه السلام و قد حضرة فقير مؤمن يسأله سدّ فاقته فضحك في وجهه و قال: أسألك بمسألة فإن أصبتها أعطيتك ما طلبت عشرة أضعاف ما طلبت، و إن لم تصبها أعطيتك ما طلبت، و كان قد طلب منه مأة درهم يضعها في بضاعته يتعيش بها.
فقال الرجل: سل فقال موسى عليه السلام: لو جعل إليك التمنّي في نفسك في الدّنيا ماذا كنت تتمنّى؟
قال: كنت أتمنّى أن ارزق التقية في ديني و قضاء حقوق إخواني.
قال: فما لك لا تسأل الولاية لنا أهل البيت؟
قال: ذلك قد اعطيته و هذا لم نعطه فأنا أشكر اللّه تعالى على ما اعطيت و أسأل ربّي عزّ و جلّ ما منعت.
فقال: أحسنت أعطوه ألفي درهم، و قال: إصرفها في كذا يعني العفص (1)فإنّه متاع بائر (2)، و سيقبل بعد ما أدبر فانتظر به سنة، و اختلف إلى دارنا و خذ الأجر في كلّ يوم، ففعل فلمّا تمّت له سنة إذ قد (3)زاد في ثمن العفص للواحد خمسة عشر فباع ما كان إشترى بألفي درهم بثلاثين ألف درهم. (4)
5-أبو عليّ الطبرسي في «إعلام الورى» و المفيد في «إرشاده»
ص:259
قالا: ذكر جماعة من أهل العلم أنّ أبا الحسن عليه السلام كان يصل بمأتي دينار إلى ثلاثمأة دينار، و كانت صرار موسى مثلا. (1)
6-المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني الشريف أبو محمّد بن محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا جدّي يحيى بن الحسن بن جعفر (2)، قال:
حدّثنا إسماعيل بن يعقوب، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه البكري، قال: قدمت المدينة أطلب بها دينا فأعياني، فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام فشكوت إليه فأتيته بنقمى (3)في ضيعته فخرج إلي و معه غلام بمنسف (4)فيه قديد مجزع (5)ليس معه غيره فأكل و أكلت معه، ثم سألني عن حاجتي، فذكرت له قصّتي، فدخل و لم يقم إلاّ يسيرا حتّى خرج إليّ فقال لغلامه: إذهب، ثمّ مدّ يده إليّ صرّة فيها ثلاث مأة دينار ثمّ قام فولّى، فقمت و ركبت دابّتي و إنصرفت. (6)
ص:260
في مقامات له عليه السلام مع الرشيد
1-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (1)قال: حدّثنا أبو محمّد سفيان قال: حدّثنا وكيع، عن الاعمش (2)قال: رأيت كاظم الغيظ عليه السلام عند الرشيد و قد خضع له فقال له عيسى بن أبان (3)يا أمير المؤمنين لم تخضع له؟
قال: رأيت من ورائه أفعى تضرب بأنيابها و تقول: أجبه بالطاعة و إلاّ بلعتك ففزعت منها فأجبته. (4)
2-إبن بابويه في «عيون الأخبار» قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه اللّه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال:
ص:261
حدّثنا محمّد بن الحسن المدني (1)عن أبي محمّد عبد اللّه بن الفضل عن أبيه قال: كنت أحجب الرشيد، فأقبل عليّ يوما غضبانا و بيده سيف يقلّبه فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لئن لم تأتني بابن عمّي الآن لأخذنّ الذي فيه عيناك.
فقلت: بمن أجيئك؟
فقال: بهذا الحجازي.
قلت: و أيّ الحجازي؟
قال: موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.
قال الفضل: فخفت من اللّه عزّ و جلّ أن أجىء به إليه، ثمّ فكرّت في النقمة فقلت له: أفعل فقال: إيتني بسوطين و سمارين (2)و جلاّدين قال: فأتيته بذلك، و أمضيت إلى منزل ابي إبراهيم موسى بن جعفر فأتيت إلى خربة فيها كوخ (3)من جرائد النخل فإذا أنا بغلام أسود فقلت له: إستأذن لي على مولاك يرحمك اللّه، فقال لي: لج ليس له حاجب و لا بوّاب، فولجت إليه فإذا بغلام أسود بيد مقصّ (4)يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة سجوده، فقلت له: السّلام عليك يا بن رسول اللّه أجب الرشيد.
ص:262
فقال: ما للرشيد و مالي؟ أما تشغله نعمته عنّي؟ ثمّ وثب مسرعا و هو يقول: لولا أنّي سمعت في خبر عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ طاعة السلطان للتقية واجبة إذا ما جئت.
فقلت له: إستعدّ للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك اللّه، فقال عليه السلام: أليس معي من يملك الدنيا و الآخرة، و لن يقدر اليوم على سوء بي إنشاء اللّه تعالى.
قال الفضل بن الربيع: فرأيته و قد أدار يده يلوّح (1)بها على رأسه ثلاث مرّات فدخلت على الرشيد فإذا كأنّه إمرأة ثكلى قائم حيران فلمّا رآني قال لي: يا فضل فقلت: لبّيك.
فقال: جئتني بابن عمّي؟
قلت: نعم.
قال: لا تكون أزعجته (2)؟
فقلت: لا.
قال: لا تكون أعلمته أنّي عليه غضبان؟ و أنّي قد هيّجت على نفسي ما لم أرده، أئذن له بالدخول فأذنت له.
فلما رآه وثب إليه قائما و عانقه، و قال له: مرحبا بابن عمّي، و أخي و وارث نعمتي، ثمّ أجلسه على فخذيه و قال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟
فقال: سعة مملكتك و حبّك للدنيا.
ص:263
فقال: إيتوني بحقّة الغالية فاتي بها فغلّفه بيده ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتا (1)دنانير.
فقال موسى بن جعفر عليه السلام: لولا أنّي أرى أن ازوجّ بها (2)من عزّاب بني أبي طالب لئلاّ ينقطع نسله أبدا ما قبلتها، ثمّ تولّى عليه السلام و هو يقول: ألحمد للّه رب العالمين.
فقال الفضل (3): أردت أن تعاقبه فخلعت عليه و أكرمته؟
فقال لي: يا فضل إنّك لمّا مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا (4)بداري بأيديهم حراب (5)قد غرسوها في أصل الدار يقولون:
إن آذى إبن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خسفنا به، و إن أحسن إليه إنصرفنا عنه و تركناه.
فتبعته (6)عليه السلام فقلت له: ما الّذي قلت حتى كفيت أمر الرشيد؟ !
قال: دعاء جدّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلاّ هزمه، و لا إلى فارس إلاّ قهره و هو دعاء كفاية البلاء.
قلت: و ما هو.
ص:264
قال: قلت: اللهم بك أساور، و بك احاول، و بك أجاور، و بك اصول و بك أنتصر و بك أموت و بك أحيا أسلمت نفسي إليك و فوّضت أمري إليك لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم اللّهم إنّك خلقتني و رزقتني و سترتني عن العباد بلطف (1)ما خوّلتني (2)و أغنيتني، و إذا هويت رددتني، و إذا عثرت قوّمتني، و إذا مرضت شفيتني، و إذا دعوت أجبتني يا سيدي إرض عنّي فقد أرضيتني. (3)
3-و عنه قال حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال:
حدّثني عليّ بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن صالح (4)، قال:
حدّثنا صاحب (5)الفضل بن الربيع، عن الفضل الربيع قال: كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواريّ فلمّا كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني (6)ذلك، فقالت الجارية: لعلّ هذا من الريح، فلم يمض إلاّ يسير حتى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح، و إذا مسرور الكبير قد دخل علي، فقال لي أجب الأمير و لم يسلّم عليّ.
فآيست في نفسي و قلت: هذا مسرور و دخل عليّ (7)بلا إذن و لم يسلّم، ما هو إلاّ القتل و كنت جنبا و لم أجسر أن أسأله إنظاري حتى
ص:265
أغتسل، فقالت لي الجارية: لمّا رأت تحيّري و تبلّدي ثق باللّه عزّ و جلّ و إنهض فنهضت و لبست ثيابي، و خرجت معه حتى أتيت الدار، فسلّمت على أمير المؤمنين و هو في مرقده، فردّ عليّ السلام فسقطت، فقال: تداخلك رعب؟
قلت: نعم يا أمير المؤمنين فتركني ساعة حتى سكنت، ثمّ قال لي: صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر بن محمّد و إدفع اليه ثلاثين ألف درهم، فأخلع عليه خمس خلع، و إحمله على ثلاث مراكب و خيّره بين المقام معنا أو الرحيل عنّا إلى أي بلد أراد و أحبّ.
فقلت: يا أمير المؤمنين تأمر بإطلاق موسى بن جعفر؟
قال: نعم فكرّرت ذلك عليه ثلاث مرّات فقال لي: نعم و يلك أتريد أن أنكث العهد؟
فقلت يا أمير المؤمنين و ما العهد؟
قال بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني (1)أسد ما رأيت من السودان أعظم منه فقعد على صدري و قبض على حلقي و قال لي: حبست موسى بن جعفر ظالما له؟
فقلت: و أنا اطلقه و أهب له، و أخلع عليه، فأخذ على عهد اللّه عزّ و جلّ و ميثاقه و قام عن صدري و قد كادت نفسي تخرج.
فخرجت من عنده فوافيت موسى بن جعفر عليه السلام و هو في حبسه فرأيته قائما يصلّي فجلست حتى سلّم، ثمّ أبلغته سلام أمير
ص:266
المؤمنين، و أعلمته بالذي أمرني به في أمره و إنّي قد أحضرت ما أوصله به، فقال: إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله، فقلت: لا و حقّ جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما امرت إلاّ بهذا فقال: لا حاجة لي في الخلع و الحملان و المال إذا كانت فيه حقوق الامّة.
فقلت: ناشدتك باللّه أن لا تردّه فيغتاظ.
فقال: أعمل به ما أحببت و أخذت (1)بيده و أخرجته من السجن.
ثمّ قلت له: يا بن رسول اللّه أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل فقد وجب حقّي عليك لبشارتي إيّاك و لما أجراه اللّه تعالى على يدي من هذا الأمر.
فقال عليه السلام: رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليلة الأربعاء في النوم فقال لي: يا موسى أنت محبوس مظلوم؟
فقلت: نعم يا رسول اللّه محبوس مظلوم، فكرّر عليّ ذلك ثلاثا ثم قال: وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ (2)أصبح غدا صائما فأتبعه بصيام الخميس و الجمعة، فإذا كانت وقت الإفطار فصلّ إثنتى عشر ركعة تقرء في كلّ ركعة الحمد مرّة و إثنتى عشر مرّة قل هو اللّه أحد ، فإذا صلّيت منها أربع ركعات فاسجد، ثمّ قل: يا سابق الفوت، يا سامع كلّ صوت، يا محيي العظام و هي رميم بعد الموت، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلّي على محمّد عبدك و رسولك و على أهل بيته الطاهرين عليهم السلام و أن تجعل لي الفرج ممّا أنا فيه، ففعلت فكان
ص:267
الذي رأيت. (1)
4-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن يحيى (2)المكتّب، قال: حدّثنا أبو الطيّب أحمد بن محمّد الوراق، قال حدّثنا عليّ بن هرون الحميري، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي قال: حدّثني أبي، عن علي بن يقطين (3)، قال: أنهى الخبر إلى ابي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، و عنده جماعة من أهل بيته، بما عزم عليه موسى بن المهدي (4)في امره، فقال لأهل بيته: ما تشيرون؟
قالوا: نرى أن تباعد عنه و أن تغيّب شخصك، فإنّه لا يؤمن شره، فتبسّم أبو الحسن عليه السلام ثمّ قال: شعرا.
زعمت سخينة (5)أن ستغلب ربّها و ليغلبنّ مغالب الغلاّب
(6)ثمّ رفع عليه السلام يده إلى السماء، فقال: اللّهم كم من عدوّ
ص:268
شحذ (1)لي ظنة مديته، و أرهف (2)لي شبا حدّه، و داف لي (3)قواتل سمومه، و لم تنم عنّي عين حراسته فلمّا رأيت ضعفي عن إحتمال الفوادح، و عجزي عن ملمّات الجوانح، صرفت ذلك عنّي بحولك و قوّتك، لا بحولي و قوّتي، فألقيته في الحفير الذي إحتفره لي، خائبا ممّا أمّله في دنياه، متباعدا عمّا رجاه في آخرته، فلك الحمد على ذلك قدر إستحقاقك سيّدي.
اللّهم فخذه بعزّتك و افلل (4)حدّه عنّي بقدرتك، و إجعل له شغلا فيما يليه و عجزا عمّن يناويه اللّهم و أعدني (5)عليه من عدوّي حاضرة لتكون من غيظي شفاء، و من حقّي عليه وقاء، و صل اللّهم دعائي بالإجابة، و انظم شكايتي بالتغيير، و عرّفه عمّا قليل ما وعدت الظالمين، و عرّفني ما وعدت في إجابة المضطرين إنّك ذو الفضل العظيم و المنّ الكريم.
قال: ثمّ تفرّق القوم فما إجتمعوا إلاّ لقرائة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي، ففي ذلك يقول بعض من حضر موسى عليه السلام من أهل بيته:
و سارية لم تسر في الأرض تبتغي
محلاّ و لم يقطع بها البعد قاطع
ص:269
سرت حيث لم تحد الركبان و لم تنخ
لورد و لم يقصر لها العبد مانع
تمرّ وراء الليل و الليل ضارب
بجثمانه فيه سمير و هاجع
تفتّح أبواب السماء و دونها
إذا قرع الأبواب منهنّ قارع
إذا وردت لم يردد اللّه وفدها
على أهلها و اللّه راء و سامع
و إنّي لأرجو اللّه حتّى كأنّما
أرى بجميل الظنّ ما اللّه صانع
5-و عنه، قال: حدّثني محمّد بن علي ما جيلويه رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول: لمّا حبس الرشيد موسى بن جعفر عليهما السلام جنّ
ص:270
عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله فجدّد موسى عليه السلام طهوره، فاستقبل بوجهه القبلة، و صلّى (1)أربع ركعات، ثمّ دعا بهذه الدعوات فقال: يا سيّدي نجّني من حبس هارون، و خلّصني من يده، يا مخلّص الشجر من بين رمل و طين و ماء، و يا مخلّص اللبن من بين فرث و دم، و يا مخلّص الولد من بين مشيمة (2)و رحم، و يا مخلّص النار من بين الحديد و الحجر، و يا مخلّص الروح من بين الأحشاء و الأمعاء فخلّصني من يد (3)هارون.
قال: فلمّا دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات رأى هارون رجلا أسود في منامه و بيده سيف قد سلّه، فوقف على رأس هارون و هو يقول: يا هارون أطلق عن موسى بن جعفر و إلاّ ضربت علاوتك (4)بسيفي هذا، فخاف هارون من هيبته ثمّ دعا الحاجب فجآء الحاجب فقال له: إذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر.
قال (5): فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن فقال: من ذا؟
قال: إنّ الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك
ص:271
و أطلق عنه، فصاح السجّان يا موسى إنّ الخليفة يدعوك.
فقام موسى عليه السلام مذعورا (1)فزعا و هو يقول: لا يدعوني في جوف هذا الليل إلاّ لشرّ يريده بي فقام باكيا حزينا مغموما آيسا من حياته فجاء إلى هارون و هو ترتعد فرائصه (2)، فقال: سلام على هارون فردّ عليه السلام، ثم قال له هارون: ناشدتك باللّه هل دعوت في جوف الليل بدعوات (3)فقال: نعم.
قال: و ما هنّ قال: جدّدت طهورا و صلّيت للّه عزّ و جلّ أربع ركعات، و رفعت طرفي إلى السماء و قلت: يا سيّدي خلّصني من يد هارون و شرّه، و ذكر له ما كان من دعائه.
فقال هارون: قد إستجاب اللّه دعوتك، يا حاجب أطلق عن هذا، ثمّ دعا بخلع فخلّع عليه ثلاثا، و حمله على فرسه، و أكرمه و صيّره نديما لنفسه، ثم قال: هات الكلمات فعلّمه حتّى اثبتها ثمّ دعا بدواة و قرطاس و كتب هذه الكلمات.
قال: فأطلق عنه و سلّمه إلى الحاجب ليسلّمه إلى الدار و يكون معه فصار موسى بن جعفر عليه السلام كريما شريفا عند هارون، و كان يدخل عليه في كلّ خميس إلى أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتى
ص:272
سلّمه إلى السّندي (1)بن شاهك و قتله بالسم. (2)
6-و روي في حديث أنّ الرشيد قال: لكني أفعل فعلا إن تمّ لم يبق لي غيره في موسى، و كتب إلى عمّاله في الأطراف أن التمسوا إليّ قوما غتما (3)لا دين لهم و لا يعرفون اللّه و لا رسوله فأقدم عليه منهم طائفة فلمّا نظر إليهم فإذا هم قوم يقال لهم: الغيدة و كانوا خمسين رجلا.
قال عليّ بن أحمد البزّاز: فلمّا قدموا عليه أمر أن ينزلوا في حجرة في دار الرشيد، فجعل لهم هارون الكسي و الحلي و المال و الجواهر و الطيب و الجواري و الخدم ملا يحلّ ذكره، و غدوا بأطيب الطعام، و سقوا أفضل الشراب و ادخلوا على الرشيد بعد ثلاثة ايام.
فقال لترجمانهم: قل لهم: من ربّكم؟
قالوا: لا نعرف ربّا و ما ندري ما هذه الكلمة.
فقال: قل لهم: من أنا؟
فقالوا له: قل: إنّك ما شئت
فقال: أنا أقدر أن أجيعكم و أعريكم و أقتلكم و أحرقكم بالنار؟
ص:273
فقالوا: لا ندري ما تقول إلا أن نطيعك و لو في قتل أنفسنا، و كان الرشيد قد مثّل لهم صورة ابي الحسن عليه السلام حتى لو رآه من عرفه لحلف باللّه إنّ ذلك المثال أبو الحسن موسى عليه السلام.
فأمر الرشيد فنصب لهم موائد و هو جالس، و الخادم معه في مستشرف له و ينقل إليهم الطعام الذي لا يعقلونه، و خرجت عليهم الجواري و العيدان و النأيات و الطبول فوقفن صفوفا حولهم يغنّين و الكأسات تأخذهم من كل جانب، و الخلع تطرح عليهم و الأموال تنثر عليهم، فلما سكروا قال لترجمانهم: قل لهم: قوموا فخذوا سيوفكم فادخلوا على عدوّلي في هذه الحجرة فاقتلوه.
و كان الرشيد قد أمر بذلك المثال فجعل في تلك الحجرة و قال:
إن كان هؤلاء في معرفة موسى مثل البعر عر الّذين عرفوا صورة جعفر بن محمد عند جدي المنصور فإذا رأوا صورته سيفعلون فعلهم، و ان لم يعرفوه فسيقتلون صورته، فاذا قتلوا صورته أليوم قتلوا نفسه غدا، فأخذوا سيوفهم و دخلوا الحجرة، فلمّا رأوا المثال تبادروا إليه و وضعوا سيوفهم عليه فرضّوه فقال الرشيد: الحمد للّه قتلت موسى بهؤلاء القوم بلا شكّ، فخلع عليهم خلعا أخرى، و حمل إليهم الأموال و ردّهم إلى دورهم و لم يزل الرشيد يمثّل لهم ذلك المثال سبع مرّات و هم يقتلونه.
فلمّا رأى ذلك منهم أمر باحضار موسى عليه السلام و جعل في حجرة مثل تلك الحجرة على سبيل تلك التماثيل ثم أحضرهم، و قال:
لترجمانهم: قل لهم: ما بقي لي عدّو من أعدائي إلاّ واحد فاقتلوه، و قد
ص:274
سلّمت إليكم المملكة فأخذوا سيوفهم و دخلوا على أبي الحسن موسى عليه السلام، و الرشيد و خادم مستشرف له على تلك الحجرة يقول للخادم: أين موسى؟
قال: جالس في وسط الدار على بساط.
قال: فماذا يصنع؟
قال: مستقبل القبلة مادّا يديه إلى السماء يحرّك شفتيه.
فقال الرشيد: إنّا للّه ليته لا يكفي ما نريده.
ثمّ قال للخادم: هل دخل القوم عليه؟
قال: قد دخل أوّلهم و رمى بسيفه، و دخل جميعهم و رموا سيوفهم و خرّوا سجدا حوله و هو يمرّ يده على رؤسهم و يخاطبهم بمثل لغتهم و هم يخاطبونه على وجوههم.
قال: فغشى على الرشيد و قال للخادم: خذ باب المستشرف الذي نحن فيه كي لا يأمرهم موسى بقتلنا، و قل لترجمانهم حتى يقول لهم:
اخرجوا و أقبل يتململ و يقول: يا فضيحتاه كدت موسى كيدا ما نفعني فيه شيء و صاح الخادم بترجمانهم: قل لهم أمير المؤمنين يقول لكم:
اخرجوا فخرجوا مكتّفين الأيدي على ظهورهم يمشون القهقرى حتى غابوا عنه ثم جاؤا إلى منازلهم و أخذوا كلّ ما فيها و ركبوا من ساعتهم و خرجوا فأمر الرشيد بترك التعرّض لهم.
قال عليّ بن أحمد: و لقد تبعهم خلق كثير من شيعة أبي الحسن
ص:275
عليه السلام فما وجدوا لهم أثرا و لا علموا أيّ طريق أخذوا. (1)
ص:276
في اعترف الرشيد لابي الحسن موسى عليه السلام
بالامامة و الخلافة
1-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق (1)، و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب، و أحمد بن جعفر بن زياد الهمداني، و الحسين بن إبراهيم بن تاتانة (2)و أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم (3)و محمّد بن عليّ ماجيلويه، و محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي اللّه عنهم جميعا قالوا: حدّثنا علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه عن عثمان ابن عيسى، عن سفيان بن نزار قال: كنت يوما على رأس المأمون فقال:
أتدرون من علّمني التشيّع؟
فقال القوم جميعا: لا و اللّه ما نعلم.
قال: علّمنيه الرشيد.
قيل له: و كيف ذلك؟ و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟
ص:277
قال: كان يقتلهم على الملك لأنّ الملك عقيم.
و لقد حججت معه سنة فلمّا صار إلى المدينة تقدّم إلى حجّابه و قال: لا يدخلنّ عليّ رجل من أهل المدينة و مكّة من أبناء المهاجرين و الأنصار و بني هاشم و سائر بطون قريش إلاّ نسب نفسه، و كان الرّجل إذا دخل عليه قال: أنا فلان بن فلان حتّى ينتهى إلى جده من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري، فيصله من المال بخمسة آلاف دينار و ما دونها إلى مأتي دينار على قدر شرفه و هجرة آبائه.
فانا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن ربيع، فقال: يا أمير المؤمنين على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فأقبل علينا، و نحن قيام على رأسه، و الأمين و المؤتمن و سائر القوّاد.
فقال: إحفظوا على أنفسكم، ثم قال: لآذنه إئذن له، و لا ينزل إلاّ على بساطي، فإنّا كذلك إذ دخل عليه شيخ مسخّد (1)قد أنهكته العبادة، كانه شنّ (2)بال قد كلم السجود وجهه و أنفه.
فلمّا رأى الرشيّد رمى بنفسه عن حمار كان راكبه فصاح الرّشيد لا و اللّه إلاّ على بساطي، فمنعه الحجّاب من الترجّل، و نظرنا إليه بأجمعنا بالإجلال و الإعظام فما زال يسير على حماره حتى صار إلى البساط، و الحجّاب و القوّاد محدقون به؛ فنزل فقام إليه الرشيد و إستقبله إلى آخر البساط، و قبّل وجهه و عينيه، و أخذ بيده حتى صيره في صدر
ص:278
المجلس، و أجلسه معه فيه، و جعل يحدّثه و يقبل بوجهه عليه، و يسأله عن أحواله.
ثم قال له: يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟
فقال: يزيدون على الخمسمأة.
قال: أولاد كلّهم؟
قال: لا أكثرهم موالى و حشم، و أمّا الولد فلي نيّف (1)و ثلاثون، الذكران منهم كذا، و النسوان منهم كذا.
قال: فلم لا تزوّج النسوان من بني عمومتهنّ و أكفائهن؟
قال: اليد تقصر عن ذلك.
قال: فما حال الضيعة؟
قال: تعطي في وقت و تمنع في آخر.
قال فهل عليك دين؟
قال: نعم.
قال: كم؟
قال: نحوا من عشرة آلاف دينار.
فقال الرشيد: يا إبن عمّ انا اعطيك من المال ما تزوّج به الذكران و النسوان و تقضي الدين و تعمر الضياع.
فقال له: و صلتك رحم يا إبن عمّ (2)و شكر اللّه لك هذه النيّة
ص:279
الجميلة، و الرحم ماسّة (1)، و القرابة و اشجة (2)و النسب واحد و العبّاس عمّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وصنو (3)أبيه و عمّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام و صنو أبيه، و ما أبعدك اللّه من أن تفعل ذلك و قد بسط يدك و أكرم عنصرك و أعلى محتدك (4).
فقال: أفعل ذلك يا أبا الحسن و كرامة.
فقال: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه عزّ و جلّ قد فرض على ولاة عهده أن ينعشوا (5)فقراء الامّة، و يقضوا عن الغارمين، و يؤدّوا عن المثقل، و يكسوا العاري و يحسنوا إلى العاني (6)، و أنت أولى من يفعل ذلك.
فقال أفعل يا أبا الحسن، ثمّ قام فقام الرشيد لقيامه و قبّل عينيه و وجهه، ثمّ أقبل عليّ و على الأمين و المؤتمن فقال: يا عبد اللّه و يا محمّد و يا إبراهيم إمشوا بين يدي عمّكم و سيّدكم، خذوا بركابه، و سوّوا عليه ثيابه، و شيّعوه إلى منزله.
فأقبل عليّ أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام سرّا بيني و بينه فبشرّني بالخلافة و قال لي: إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي، ثمّ إنصرفنا و كنت أجرء ولد أبي عليه.
فلمّا خلا المجلس قلت: يا أمير المؤمنين من هذا الرّجل الّذي
ص:280
عظّمته و أجللته، و قمت من مجلسك إليه فاستقبلته، و أقعدته في صدر المجلس و جلست دونه ثمّ أمرتنا بأخذ الركاب له؟
قال: هذا إمام الناس و حجّة اللّه على خلقه و خليفته على عباده.
فقلت: يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلّها لك و فيك؟
فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة و القهر، و موسى بن جعفر إمام حقّ، و اللّه يا بنّي إنّه لأحقّ بمقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منّي و من الخلق جميعا و و اللّه لو نازعتني في هذا الأمر لأخذت الّذي فيه عيناك فإنّ الملك عقيم (1).
فلمّا أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرّة سوداء فيها مأتا دينار، ثمّ أقبل على الفضل بن الربيع فقال له: إذهب بهذه إلى موسى بن جعفر و قل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيق و سيأتيك برّنا بعد هذا الوقت.
فقمت في صدره (2)فقلت: يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار و سائر قريش و بني هاشم و من لا يعرف حسبه و لا نسبه خمسة آلاف دينار إلى ما دونها و تعطي موسى بن جعفر و قد أعظمته و أجللته مأتي دينار؟ أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس؟
فقال: اسكت لا أمّ لك فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمأة ألف سيف من شيعته و مواليه، و فقر
ص:281
هذا و أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم و أعينهم.
فلمّا نظر إلى ذلك مخارق المغنّي (1)دخله من ذلك غيظ فقام إلى الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة و أكثر أهلها يطلبون منّي شيئا، فإن خرجت فلم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم تفضّل أمير المؤمنين عليّ و منزلتي عنده.
فأمر له بعشرة آلاف دينار.
فقال له: يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة و عليّ دين أحتاج أن أقضيه.
فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى.
فقال له: يا أمير المؤمنين بناتي أريد أن أزوجّهنّ و أنا محتاج إلى جهازهنّ.
فأمر له بعشرة آلاف دينار اخرى.
فقال له: يا أمير المؤمنين لابدّ من غلة تعطينيها تردّ عليّ و على عيالي و بناتي و أزواجهن بقوت، فأمر له بأقطاع ما يبلغ غلّته في كلّ سنة عشرة آلاف دينار و أمر أن يعجّل ذلك له من ساعته.
ثمّ قام مخارق من فوره و قصد موسى بن جعفر عليهما السلام، و قال له: قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون و ما أمر لك به، و قد
ص:282
إحتلت عليه لك و أخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار و أقطاعا تغلّ في السنة عشرة آلاف دينار و لا و اللّه يا سيّدي ما أحتاج إلى شيء من ذلك و ما أخذته إلاّ لك، و أنا أشهد لك بهذا الأقطاع و قد حملت المال إليك.
فقال: بارك اللّه لك و في مالك، و أحسن جزاك ما كنت لاخذ منه درهما واحدا و لا من هذه الأقطاع شيئا و قد قبلت صلتك و برّك فانصرف راشدا، و لا تراجعني في ذلك فقبّل يده و إنصرف. (1)
2-و عنه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه: قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه عن الريّان بن شبيب (2)قال: سمعت المأمون يقول ما زلت احب أهل البيت و أظهر للرشيد بغضهم تقرّبا إليه فلمّا حجّ الرشيد كنت أنا و محمّد (3)و القاسم (4)معه، فلمّا كان بالمدينة إستأذن
ص:283
عليه الناس و كان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليه السلام فدخل فلمّا نظر إليه الرشيد تحرّك و مدّ بصره و عنقه إليه حتّى دخل البيت الّذي كان فيه.
فلما قرب منه جثا (1)الرشيد على ركبتيه و عانقه، ثمّ أقبل عليه فقال له: كيف أنت يا أبا الحسن؟ و كيف عيالك و عيال أبيك؟ كيف أنتم؟ ما حالكم؟ فما زال يسأله عن هذا و أبو الحسن عليه السلام يقول:
خير خير (2)، فلمّا قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبو الحسن عليه السلام فقعد 3و عانقه و سلّم عليه و ودّعه.
قال المأمون و كنت أجرأ ولد أبي عليه.
فلمّا خرج أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قلت لأبي: يا أمير المؤمنين لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين و الأنصار و لا ببني هاشم فمن هذا الرجل؟
فقال: يا بنيّ هذا وارث علم النبيين هذا موسى بن جعفر بن محمد إن أردت العلم الصحيح فعند هذا، قال المأمون: فحينئذ انغرس في قلبي حبّهم. 4
ص:284
في منطقه الصادع بالصواب
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن حسّان، عن بعض أصحابنا قال: حضرت أبا الحسن الأوّل عليه السلام و هارون الخليفة، و عيسى بن جعفر، و جعفر بن يحيى بالمدينة قد جاءوا إلى قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال هارون لأبي الحسن عليه السلام: تقدّم فأبى، فتقدّم هارون فسلّم و قام ناحية.
و قال عيسى بن جعفر لأبي الحسن عليه السلام: تقدّم فأبى فتقدّم عيسى فسلّم و وقف مع هارون، فقال جعفر لأبي الحسن عليه السلام:
تقدّم فأبى فتقدّم جعفر فسلّم و وقف مع هارون، و تقدّم أبو الحسن عليه السلام فقال: السلام عليك يا أبة أسال اللّه الذي إصطفاك و إجتباك و هداك و هدا بك أن يصلّي عليك.
فقال هارون لعيسى: سمعت ما قال؟
قال: نعم.
فقال هارون: أشهد أنّه أبوه حقّا. (1)
ص:285
2-أبو علي الطبرسي في «اعلام الورى» قال: إنّ الرشيد لمّا خرج إلى الحجّ و قرب من المدينة إستقبله وجوه أهلها يقدمهم موسى بن جعفر على بغلة فقال له الربيع: ما هذه الدابّة التي تلقّيت عليها أمير المؤمنين و أنت إن طلبت عليها لم تدرك و إن طلبت لم تفت.
فقال عليه السلام: إنّها تطأطأت عن خيلاء الخيل و إرتفعت عن ذلّة العير، و خير الامور أوسطها.
قالوا: و لمّا دخل هارون المدينة وزار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: السّلام عليك يا رسول اللّه، السّلام عليك يا بن عمّ مفتخرا بذلك على غيره، فتقدّم أبو الحسن عليه السلام و قال: السّلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يا أبة، فتغيّر وجه الرشيد و تبيّن فيه الغضب. (1)
3-ثم قال أبو عليّ أيضا: و روى الشريف الأجلّ المرتضى (2)قدس اللّه روحه العزيزة عن أبي عبد اللّه المرزباني مرفوعا إلى أيّوب بن الحسين الهاشمي، قال: كان نقيع رجل من الأنصار حضر باب الرشيد- و كان عرّيضا- (3)و حضر معه عبد العزيز (4)بن عمر بن عبد العزيز، و حضر موسى بن جعفر عليه السلام على حمار له، فتلقّاه الحاجب
ص:286
بالبشر (1)و الإكرام، و أعظمه من كان هناك، و عجّل له بالإذن، فقال نفيع لعبد العزيز بن عمرة من هذا الشيخ؟
قال: شيخ آل أبي طالب، شيخ آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله، هذا موسى بن جعفر.
قال: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم! يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير! أما لإن خرج لأسوءنّه.
قال له عبد العزيز: لا تفعل، فإنّ هؤلاء أهل بيت قلّ من تعرّض لهم في الخطاب إلاّ و سموه بالجواب سمّة يبقى عارها عليه مدى الدهر.
قال: و خرج موسى بن جعفر عليه السلام فقام إليه نفيع الأنصاري فأخذ بلجام حماره، ثمّ قال: من أنت يا هذا؟
فقال يا هذا إن كنت تريد النسب فأنا إبن محمّد حبيب اللّه إبن إسماعيل ذبيح اللّه إبن إبراهيم خليل اللّه، و إن كنت تريد البلد فهو الّذي فرض اللّه عزّ و جلّ على المسلمين و عليك إن كنت منهم الحجّ إليه، و ان كنت تريد المفاخرة فو اللّه ما رضى مشركو قومي مسلمي قومك أكفاءا لهم حتّى قالوا: يا محمد أخرج الينا أكفائنا من قريش، و إن كنت تريد الصيت و الإسم فنحن الذين أمر اللّه بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة تقول اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد فنحن آل محمّد خلّ عن الحمار، فخلّى عنه و يده ترعد و إنصرف مخزيا، فقال له عبد
ص:287
العزيز: ألم أقل لك؟ (1).
ص:288
في انه عليه السلام كاظم الغيظ
1-إبن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن ربيع بن عبد الرّحمان (1)قال: كان و اللّه موسى بن جعفر عليه السلام من المتوسّمين (2)يعلم من يقف عليه بعد موته و يجحد الإمام بعد (3)إمامته، و كان يكظم غيظه عليهم، و لا يبدي لهم ما يعرفه منهم فسمّي الكاظم لذلك. (4)
2-المفيد في «الارشاد» قال: أخبرني الشريف أبو محمّد الحسن ابن محمّد، عن جدّه، عن غير واحد من أصحابه و مشايخه أنّ رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى عليه السلام
ص:289
و يسبّه إذا رآه و يشتم عليا عليه السلام.
قال له بعض جلسائه يوما: دعنا نقتل هذا الفاجر، فنهاهم عنه أشدّ نهي و زجرهم أشدّ زجر (1)و سال عن العمري فذكر أنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة. فركب إليه فوجده في مزرعة فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمريّ: ألا لا توطيء زرعنا، فتوطاه أبو الحسن عليه السلام بالحمار حتّى وصل إليه، فنزل و جلس عنده و باسطه و ضاحكه، و قال له: كم غرمت في زرعك هذا؟
فقال له: مأة دينار.
قال: و كم ترجو أن تصيب فيه؟
قال: لست أعلم الغيب.
قال له إنّما قلت: كم ترجو أن يجيئك فيه؟
قال: أرجو فيه مأتي دينار. (2)
قال: فأخرج له أبو الحسن عليه السلام صرّة فيها ثلثمأة دينار، و قال: هذا زرعك على حاله، و اللّه يرزقك فيه ما ترجو.
قال: فقام العمري فقبّل رأسه و سأله أن يصفح عن فارطه، فتبسّم إليه أبو الحسن عليه السلام و إنصرف.
قال: و راح إلى المسجد فوجد العمري جالسا فلمّا نظر إليه قال:
اللّه أعلم حيث يجعل رسالته.
قال: فوثب أصحابه إليه فقالوا له: ما قصتّك؟ قد كنت تقول غير
ص:290
هذا.
قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن، و جعل يدعو لأبي الحسن عليه السلام فخاصموه و خاصمهم، فلمّا رجع أبو الحسن إلى داره قال لحاشيته الذين سألوه في قتل العمري: أيمّا كان خيرا ما أردتم؟ أو ما أردت؟ إنّني أصلحت أمره بالمقدار الّذي عرفتم و كفيت به شرّه. (1)
3-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن سعدان، عن معتّب قال: كان أبو الحسن موسى عليه السلام في حائط له يصرم (2)فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة (3)من تمر فرمى بها وراء الحائط، فأتيته فأخذته و ذهبت به إليه، فقلت له: جعلت فداك إنّي وجدت هذا و هذه الكارة.
فقال للغلام: يا فلان!
قال: لبيك.
قال أتجوع؟
قال: لا سيّدي.
قال: فتعرى؟
قال: لا سيّدي.
قال: فلايّ شيء أخذت هذه؟
ص:291
قال: إشتهيت ذلك قال: إذهب فهي لك، و قال: خلّوا عنه. (1)
ص:292
في قرائته عليه السلام القرآن
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم (1)، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص قال: سمعت موسى بن جعفر عليه السلام يقول لرجل: أتحبّ البقاء في الدنيا؟
فقال: نعم.
فقال و لم؟
قال: لقرائة قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ فمكث عنه فقال لي بعد ساعة: يا حفص من مات من أوليائنا و شيعتنا و لم يحسن القرآن علّم في قبره ليرفع اللّه به من درجته فإنّ درجات الجنّة على قدر عدد آيات القرآن، يقال: إقرء و إرق، فيقرء ثم يرقى.
قال حفص: فما رأيت أحدا أشدّ خوفا على نفسه من موسى بن جعفر و لا أرجى الناس منه، و كانت قرائته حزنا فاذا قرء فكأنه يخاطب
ص:293
إنسانا. (1)
2-المفيد في «إرشاده» قال: و قد روى الناس عن أبي الحسن موسى عليه السلام فأكثروا و كان أفقه أهل زمانه و أحفظهم لكتاب اللّه و أحسنهم صوتا بالقرآن، و كان اذا قرأه يحزن و يبكى السامعون لتلاوته، و كان الناس بالمدينة يسمّونه زين المتهجدين. (2)
ص:294
في مجلسه و من يجالس
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن محمّد (1)، عن الجعفري (2)قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام (3)يقول: ما لي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب؟
فقال: إنّه خالي.
فقال: إنه يقول في اللّه قولا عظيما، يصف اللّه و لا يوصف: فإمّا جلست معه و تركتنا، و إمّا جلست معنا و تركته.
فقلت: هو يقول: ما شاء، أيّ شيء عليّ منه إذا لم أقل ما يقول؟
ص:295
فقال أبو الحسن عليه السلام: أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا؟ أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى عليه السلام و كان أبوه من أصحاب فرعون فلمّا لحقت خيل فرعون موسى تخلّف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه و هو يراغمه (1)حتى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا، فأتى موسى عليه السلام الخبر، فقال: هو في رحمة اللّه، و لكنّ النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمّن قارب المذنب دفاع. (2)
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن اسباط، عن محمّد بن الصباح، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن عبد اللّه ابن مصعب الزبيري (3)، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام و جلسنا إليه في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتذاكرنا أمر النساء فأكثرنا الخوض و هو ساكت لا يدخل في حديثنا بحرف.
فلمّا سكتنا قال: أمّا الحرائر فلا تذكروهنّ، و لكن خير الجواري ما كان لك فيها هوى، و كان لها عقل و أدب، فلست تحتاج إلى أن تأمر و لا تنهى، و دون ذلك ما كان لك فيها هوى و ليس لها أدب فأنت تحتاج إلى الأمر و النهى.
و دونها ما كان لك فيها هوى، و ليس لها عقل و لا أدب فتصبر
ص:296
عليها لمكان هواك فيها، و جارية ليس لك فيها هوى، و ليس لها عقل و لا أدب فتجعل فيما بينك و بينها البحر الأخضر.
قال: فأخذت بلحيتي أريد أن أضرط فيها لكثرة خوضنا لما لم نقم فيه على شيء و لجمعه الكلام فقال لي: مه إن فعلت لم اجالسك. (1)
ص:297
ص:298
في ورعه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن محمّد بن يحيى، عن حمّاد بن عثمان قال بينا موسى بن عيسى (1)في داره الّتي في المسعى تشرف على المسعى إذ رآى أبا الحسن موسى عليه السلام مقبلا من المروة على بغلة، فأمر ابن هيّاج- رجلا من همدان منقطعا إليه-أن يتعلّق بلجامه و يدّعي البغلة، فأتاه فتعلّق باللجام و إدّعى البغلة.
فثنّى أبو الحسن عليه السلام رجله فنزل عنها و قال لغلمانه:
خذوا سرجها و إدفعوها إليه.
فقال: و السرج أيضا لي.
فقال أبو الحسن عليه السلام: كذبت عندنا البيّنة بأن السرج سرج محمّد بن عليّ عليه السلام، و أما البغلة فإنّا إشتريناها (2)منذ قريب و أنت أعلم و ما قلت. (3)
ص:299
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه محمّد بن إسماعيل، عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: أوصى إسحق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن يبعن و يحمل ثمنهن إلى أبي الحسن عليه السلام.
قال إبراهيم: فبعت الجواري بثلاثمأة ألف درهم، و حملت الثمن إليه، فقلت له: إنّ مولى لك يقال له: إسحق بن عمر قد أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات و حمل الثمن إليك، و قد فعلت و بعتهن و هذا الثمن ثلاثمأة ألف درهم.
فقال: لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سحت، و تعليمهنّ كفر، و الإستماع منهنّ نفاق، و ثمنهن سحت. (1)
3-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و أحمد بن محمّد جميعا، عن إبن محبوب، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الحميد بن سعيد، قال: بعث أبو الحسن عليه السلام غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها فلمّا أتى به أكله، قال له مولى له: إنّ فيه من القمار.
قال: فدعا بطشت فقاءه فتقيّأه. (2)
4-الشيخ في «التهذيب» عن موسى بن بكر، قال: كنّا عند أبي
ص:300
الحسن عليه السلام فإذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلى دينار فأخذه بيده ثم قطعه نصفين ثم قال: لي ألقه في البالوعة حتى لا يباع شيء فيه غشّ. (1)
و رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن موسى بن بكر، قال: كنّا عند أبي الحسن عليه السلام فإذا دنانير مصبوبة، الحديث بعينه. (2)
5-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محسن بن أحمد (3)، عن يونس بن يعقوب، عن معتّب، قال: كان أبو الحسن عليه السلام يأمرنا إذا أدركت الثمرة أن نخرجها و نبيعها، و نشتري مع المسلمين يوما بيوم. (4)
ص:301
ص:302
في أدعية له عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن الرضا عليه السلام قال: كان أبي عليه السلام إذا خرج من منزله قال: « بسم اللّه الرّحمن الرّحيم » خرجت بحول اللّه و قوته لا بحول منّي و لا قوّتي بل بحولك و قوّتك يا ربّ متعرضا لرزقك فأتني به في عافية. (1)
2-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن عبد اللّه بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام يركع ركوعا أخفض من ركوع كلّ من رأيته يركع فكان إذا ركع جنّح بيديه. (2)
3-و عنه بهذا الإسناد عن محمّد بن إسماعيل، قال رأيت أبا الحسن عليه السلام إذا سجد يحرّك ثلاث أصابع من أصابعه واحدة بعد
ص:303
واحدة تحريكا خفيفا كأنّه يعدّ التسبيح ثمّ رفع رأسه. (1)
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن جعفر بن عليّ، قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام و قد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه على الأرض و ألصق جؤجؤه (2)بالأرض في دعائه. (3)
5-و عنه، عن عليّ بن محمد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن عبد العزيز (4)قال: حدّثني بعض أصحابنا قال: كان أبو الحسن الأوّل عليه السلام إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: «هذا مقام من حسناته نعمة منك، و شكره ضعيف، و ذنبه عظيم، و ليس له إلاّ دفعك و رحمتك، فإنّك قلت في كتابك المنزل على نبيّك المرسل: كانُوا قَلِيلاً مِنَ اَللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (5)طال هجوعي (6)و قلّ قيامي، و هذا السّحر، و أنا أستغفرك لذنبي إستغفار من لا يجد لنفسه ضرّا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا» ثمّ يخرّ ساجدا صلوات اللّه عليه. (7)
6-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى،
ص:304
عن عليّ بن الحكم، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه قال: خرجت مع أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إلى بعض أمواله، فقام إلى صلاة الظهر، فلمّا فرغ خرّ للّه ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين و تغرغر (1)دموعه: ربي عصيتك بلساني و لو شئت و عزّتك لأخرستني، و عصيتك ببصري و لو شئت و عزتّك لأكمهتني (2)و عصيتك بسمعي و لو شئت و عزّتك لأصممتني، و عصيتك بيدي، و لو شئت و عزتّك لكنعتني (3)، و عصيتك برجلي و لو شئت و عزتّك لجذمتني، و عصيتك بفرجي، و لو شئت و عزّتك لأعقمتني، و عصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها عليّ و ليس هذا جزاؤك منّي.
قال: ثمّ أحصيت له ألف مرّة و هو يقول: «العفو العفو» .
قال: ثمّ ألصق خدّه الأيمن بالأرض فسمعته و هو يقول بصوت حزين: «بؤت إليك بذنبي، عملت سوء و ظلمت نفسي، فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي» ثلاث مرّات ثمّ ألصق خدّه الأيسر بالأرض و هو يقول: «إرحم من أساء و إقترف و إستكان و إعترف» ثلاث مرّات ثمّ رفع رأسه. (4)
7-و عنه، عن عليّ بن محمد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن أحمد ابن الجهم الخزّاز، عن محمّد بن عمر بن يزيد، عن بعض أصحابه قال:
ص:305
كنت مع أبي الحسن عليه السلام (1)على الصفا أو على المروة و هو لا يزيد على حرفين: أللّهم إنّي أسألك حسن الظنّ بك في كلّ حال، و صدق النيّة في التوكّل عليك. (2)
8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين ابن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن معوية بن عمّار، قال رأيت العبد الصالح عليه السلام دخل الكعبة فصلّى ركعتين على الرخامة الحمراء، ثمّ قام فاستقبل الحائط بين الرّكن اليماني و الغربي، فوقع يده عليه و لزق به و دعا، ثمّ تحوّل إلى الرّكن اليماني فلصق به و دعا، ثمّ أتى الركن الغربيّ ثمّ خرج. (3)
ص:306
في طعامه و اطعامه عليه السلام و آداب المائدة
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن عليّ بن حسّان، عن موسى بن بكر، قال: كان أبو الحسن الأول عليه السلام كثيرا ما يأكل السكر عند النوم. (1)
2-و عنه بإسناده عن موسى بن بكر، قال: حدّثني من رأى أبا الحسن عليه السلام يأكل الكرّاث في المشارة (2)و يغسله بالماء و يأكله. (3)
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب، قال رأيت أبا الحسن عليه السلام يقطع الكرّاث بأصوله فيغسله بالماء و يأكله. (4)
4-و عنه، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن
ص:307
هارون (1)، عن موفّق المديني عن أبيه، عن جدّه قال: بعث إلي الماضي عليه السلام يوما فأجلسني للغداء، فلمّا جاءوا بالمائدة لم يكن عليها بقل، فأمسك يده، ثمّ قال للغلام: أما علمت أنّي لا آكل على مائدة ليس عليه (2)خضرة فأتني بالخضرة.
قال: فذهب الغلام فجاء بالبقل فألقاه على المائدة فمدّ يده عليه السلام حينئذ فأكل. (3)
5-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن بكر بن محمّد، و محمد بن أبي عمير جميعا، عن الفضل بن يونس (4)، قال: تغدّى أبو الحسن عليه السلام عندي بمنى و معه محمّد بن زيد (5)فأتينا بسكرجات (6)و فيها الربيثا.
فقال له محمّد بن زيد: هذه الرّبيثا (7).
ص:308
قال: فأخذ لقمة فغمسها فيه ثمّ أكلها. (1)
6-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم عن بعض أصحابنا قال: أولم أبو الحسن موسى صلوات اللّه عليه وليمة على بعض ولده، فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيّام الفالوذجات في الجفان في المساجد و الأزقّة، فعابه بذلك بعض أهل المدينة فبلغه عليه السلام ذلك.
فقال: ما آتى اللّه عزّ و جلّ نبيّا من أنبيائه شيئا إلاّ و قد آتى محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثله وزاده ما لم يؤتهم، قال لسليمان عليه السلام: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (2).
و قال لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله: وَ ما آتاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (3). (4)
ص:309
7-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الفضل بن مبارك (1)، عن الفضل بن يونس، قال: لمّا تغدّى عندي أبو الحسن عليه السلام و جييء بالطست بدأ به عليه السلام و كان في صدر المجلس.
فقال عليه السلام: إبدء بمن على بمينك فلمّا أن توضّأ واحد أراد الغلام أن يرفع الطست.
فقال له أبو الحسن عليه السلام: دعها فاغسلوا أيديكم فيها. 2
8-الكشي في «الرجال» قال: وجدت بخط محمّد بن الحسن بن بندارالقمي في كتابه: حدّثني عليّ بن إبراهيم، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن سالم قال: لمّا حمل سيّدي موسى بن جعفر عليهما السلام إلى هارون، جاء إليه هشام بن إبراهيم العبّاسي 3، و قال له: يا سيّدي تركب إلى الفضل بن يونس 4تسأله أن يروّج أمري؟
ص:310
قال: فركب إليه أبو الحسن عليه السلام فدخل عليه حاجبه.
فقال: يا سيّدي أبو الحسن موسى عليه السلام بالباب.
فقال: إن كنت صادقا فأنت حرّ و لك كذا و كذا، فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو حتّى خرج إليه فوقع على قدميه يقبّلهما ثمّ سأله أن يدخل فدخل، فقال له: إقض حاجة هشام بن إبراهيم فقضاها.
ثمّ قال: يا سيّدي قد حضر الغداء فتكريمي أن تتغدّى عندي، فقال: هات فجاء بالمائدة و عليها البوارد، فأجال عليه السلام يده في البارد، ثمّ قال: البارد تجال اليد فيه، فلمّا رفع البارد و جاءوا بالحارّ.
فقال أبو الحسن عليه السلام: الحار حمى (1). (2)
9-محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام إذا توضّأ قبل الطعام لم يمسّ المنديل، و إذا توضّأ بعد الطعام مسّ المنديل. (3)
10-و عنه، عن علي بن محمّد بن بندار، و غيره عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن عبد اللّه بن الفضل النوفلي، عن الفضل بن يونس، قال: تغدّى عندي أبو الحسن صلوات اللّه عليه فجيىء بقصعة و تحتها خبز.
فقال: أكرموا الخبز أن لا يكون تحتها، و قال لي: مر الغلام أن
ص:311
يخرج الرغيف من تحت القصعة. (1)
ص:312
في استعماله عليه السلام الطيب
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم، قال: أخرج إليّ أبو الحسن عليه السلام مخزنة فيها مسك من عتيدة (1)آبنوس فيها بيوت كلّها ممّا يتّخذها النساء. (2)
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن موسى بن القاسم، عن عليّ بن أسباط، عن الحسن بن جهم، قال: خرج إليّ أبو الحسن عليه السلام فوجدت فيه رائحة التجمير (3). (4)
3-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، قال دخلت مع أبي الحسن عليه السلام إلى الحمّام فلمّا خرج إلى المسلخ، دعا بمجمرة فتجمّر بها ثمّ قال: جمّروا مرازما.
ص:313
في الخضاب و التمشط
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن فضّال، عن الحسن بن جهم، قال: دخلت على أبي الحسن موسى ابن جعفر عليه السلام و قد اختضب بالسواد فقلت: أراك قد اختضبت بالسواد؟
فقال: إنّ في الخضاب أجرا و الخضاب و التهيئة ممّا يزيد اللّه عزّ و جلّ في عفّة النساء، و لقد ترك النّساء العفّة بترك أزواجهن لهنّ التهيئة.
قال: قلت له: بلغنا أنّ الحنّاء يزيد في الشيب.
قال: أيّ شيء يزيد في الشيب؟ الشيب يزيد في كل يوم. (1)
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن الحسن بن عاصم، عن أبيه، قال: دخلت على أبي إبراهيم عليه السلام و في يده مشط عاج يتمشّط به، فقلت له: جعلت فداك إنّ عندنا بالعراق من يزعم أنّه لا يحلّ التمشّط بالعاج.
قال: و لم؟ فقد كان لأبي منها مشط أو مشطان، ثم قال: تمشّطوا
ص:315
بالعاج فإنّ العاج يذهب بالوباء (1). (2)
3-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن موسى بن بكر، قال: رأيت ابا الحسن عليه السلام يتمشّط بمشط عاج و إشتريته له. (3)
ص:316
في الحمام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بن بندار، و محمد بن الحسن جميعا، عن إبراهيم بن إسحق الأحمر، عن الحسين بن موسى (1)، قال: كان أبي موسى بن جعفر عليه السلام إذا أراد دخول الحمّام أمر أن يوقد له عليه ثلاثا، و كان لا يمكنه دخوله حتى يدخله السودان فيلقون له اللبود فإذا دخله فمرّة قاعد و مرّة قائم، فخرج يوما من الحمّام فاستقبله رجل من آل الزبير يقال له: كنيد، و بيده أثر حنّاء فقال: ما هذا الأثر بيدك؟
فقال: أثر حنّاء.
فقال: و يلك يا كنيد حدّثني أبي-و كان أعلم أهل زمانه-عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من دخل الحمّام فأطلى ثمّ أتبعه بالحنّاء من قرنه إلى قدميه كان أمانا له من الجنون و الجذام و البرص و الإكلة (2)الى مثله من النورة. (3)
ص:317
2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن عبد الرحمن الحجّاج، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يطلي بالنورة، فيجعل له الدقيق بالزيت يلتّ به، فيتمسّح به بعد النورة ليقطع ريحها عنه.
قال: لا بأس. (1)
3-و في حديث آخر لعبد الرحمن، قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام، و قد تدلّك بدقيق ملتوت بالزيت، فقلت له: إنّ الناس يكرهون ذلك.
قال: لا باس به. (2)
ص:318
في عمله عليه السلام بيده و لبسه
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد (1)، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة عن أبيه قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام يعمل في أرض له قد إستنقعت قدماه في العرق فقلت: جعلت فداك أين الرجال؟
فقال يا عليّ! قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه و من أبي.
فقلت: و من هو؟
فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام و آبائي كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم، و هو من عمل النبييّن و المرسلين و الأوصياء و الصالحين. (2)
2-و عنه، عن عليّ بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي جرير القمي (3)، قال: سألت
ص:319
الرّضا عليه السلام عن الريش أذكيّ هو؟
فقال: كان أبي يتوسّد الريش. (1)
3-و عنه، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال سأل الحسين بن قياما (2)أبا الحسن عليه السلام عن الثوب الملحم بالقزّ و القطن و القزّ أكثر من النصف، أيصلّى فيه؟
قال: لا باس و قد كان لأبي الحسن عليه السلام منه جبّات كذلك. (3)
ص:320
في أنه وصي أبيه عليهما السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن عبد اللّه القلا، عن الفيض بن المختار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: خذ بيدي من النار، من لنا بعدك؟
فدخل عليه أبو إبراهيم عليه السلام، و هو يومئذ غلام، فقال: هذا صاحبكم فتمسّكوا به. (1)
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي ايوب الخزّاز، عن ثبيت (2)عن معاذ بن كثير (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: أسأل اللّه الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها.
فقال: قد فعل اللّه ذلك.
ص:321
قال: قلت: من هو جعلت فداك؟ فأشار إلى العبد الصالح (1)و هو راقد فقال: هذا الراقد و هو غلام. (2)
3-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن محمّد، قال: حدّثني أبو عليّ الأرجاني الفارسي، عن عبد الرحمان بن الحجّاج، قال: سألت عبد الرحمن في السنة التي اخذ فيها أبو الحسن الماضي عليه السلام فقلت له: إنّ هذا الرجل قد صار في يد هذا و ما ندري إلى ما يصير، فهل بلغك عنه في أحد من ولده شيء؟
فقال لي: ما ظننت أنّ أحدا يسألني عن هذه المسألة، دخلت على جعفر بن محمّد عليه السلام في منزله فإذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له، و هو يدعو و على يمينه موسى بن جعفر عليهما السلام يؤمّن على دعائه، فقلت له: جعلت فداك قد عرفت إنقطاعي إليك و خدمتي لك فمن وليّ الأمر (3)بعدك؟
فقال: إنّ موسى قد لبس الدرع و ساوى عليه.
فقلت له: لا أحتاج بعد هذا إلى شيء. (4)
4-و عنه عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن موسى الصيقل، عن المفضّل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام
ص:322
فدخل أبو إبراهيم عليه السلام و هو غلام، فقال عليه السلام: إستوص به وضع أمره عند من تثق به من أصحابك. (1)
5-و عنه عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، قال: حدّثني إسحق بن جعفر (2)، قال: كنت عند أبي يوما فسأله عليّ بن عمر (3)بن علي فقال: جعلت فداك إلى من نفزع و يفزع الناس بعدك؟
فقال: إلى صاحب الثوبين الاصفرين و الغديرتين (4)، يعني الذؤابتين، و هو الطالع عليك من هذا الباب، يفتح البابين بيديه جميعا، فما لبثنا أن طلعت علينا كفّان آخذة بالبابين ففتحهما، ثمّ دخل علينا أبو إبراهيم عليه السلام. (5)
ص:323
6-و عنه عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي نجران، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال له منصور بن حازم: بأبي أنت و امّي إنّ الأنفس يغدى عليها و يراح، فاذا كان ذلك فمن؟
فقال أبو عبد اللّه: إذا كان ذلك فهو صاحبكم، فضرب بيده على منكب أبي الحسن الأيمن-فيما أعلم-و هو يومئذ خماسيّ و عبد اللّه بن جعفر عليه السلام جالس معنا. (1)
7-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: إن كان كون-و لا أراني اللّه ذلك-فبمن أئتمّ؟
قال: فأومأ إلى إبنه موسى عليه السلام.
قلت: فإن حدث بموسى حدث فبمن أئتم؟
قال: بولده.
قلت: فإن حدث بولده حدث و ترك أخا كبيرا و إبنا صغيرا فبمن أئتّم؟
قال: بولده ثمّ قال: هكذا أبدا.
ص:324
قلت: فإن لم أعرفه و لا أعرف موضعه؟
قال: تقول: أللّهم إنّي أتولّى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي، فإنّ ذلك يجزيك إن شاء اللّه. (1)
8-و عنه عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن عبد اللّه القلا، عن المفضّل بن عمر، قال: ذكر أبو عبد اللّه عليه السلام أبا الحسن موسى، و هو يومئذ غلام.
فقال: هذا المولود الّذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه، ثمّ قال: لا تجفوا إسماعيل. (2)
9-و عنه، عن محمّد بن يحيى، و أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن الحسين، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن فيض بن المختار (3)، في حديث طويل في أمر أبي الحسن عليه السلام حتّى قال أبو عبد اللّه عليه السلام: هو صاحبك الّذي سألت عنه، فقم إليه فأقرّ له بحقّه، فقمت حتّى قبلّت يده و رأسه، و دعوت اللّه عزّ و جلّ له.
ص:325
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: أما إنّه لم يؤذن لنا في أوّل منك (1).
قال: قلت: جعلت فداك فأخبر به أحدا؟
فقال: نعم أهلك و ولدك، و كان معي أهلي و ولدي و رفقائي، و كان يونس بن ظبيان من رفقائي فلمّا أخبرتهم حمدوا اللّه عزّ و جلّ و قال يونس: لا و اللّه حتّى أسمع ذلك منه، و كانت به عجلة، فخرج فأتبعته فلمّا إنتهيت الى الباب سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول له: و قد سبقني إليه يا يونس، الأمر كما قال لك فيض.
قال: فقال: سمعت و أطعت.
فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: خذه اليك يا فيض. (2)
10-و عن عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن فضيل عن طاهر (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أبو عبد اللّه يلوم عبد اللّه و يعاتبه و يعظه، و يقول: ما منعك أن تكون مثل أخيك؟ فو اللّه إنّي لأعرف النور في وجهه!
فقال عبد اللّه: لم أليس أبي و أبوه واحد، و أمّي و أمه (4)واحدة؟
فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّه من نفسي و أنت إبني. (5)
ص:326
11-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن محمّد بن سنان، عن يعقوب السرّاج 1، قال دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و هو واقف على رأس أبي الحسن موسى عليه السلام و هو في المهد، فجعل يسارّه طويلا، فجلست حتّى فرغ، فقمت إليه فقال لي: أدن من مولاك فسلّم عليه.
فدنوت فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام بلسان فصيح، ثمّ قال لي:
إذهب فغيّر إسم إبنتك التّي سميتها أمس، فإنّه إسم يبغضه اللّه و كان ولدت لي ابنة سمّيتها بالحميراء.
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنته إلى أمره ترشد فغيّرت إسمها. 2
12-و عنه عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن إبن مسكان، عن سليمان بن خالد، قال: دعا أبو عبد اللّه عليه السلام أبا الحسن عليه السلام يوما و نحن عنده، فقال لنا: عليكم بهذا فهو و اللّه صاحبكم بعدي. 3
ص:327
13-و عنه عن عليّ بن محمّد، عن سهل أو غيره، عن محمّد بن الوليد، عن يونس، عن داود بن زربي 1، عن أبي أيّوب النحوي، قال:
بعث إليّ أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته فدخلت عليه، و هو جالس على كرسيّ و بين يديه شمعة و في يده كتاب.
قال: فلمّا سلّمت عليه رمى بالكتاب إليّ و هو يبكي، فقال لي: هذا كتاب محمّد بن سليمان يخبرنا أنّ جعفر بن محمّد عليه السلام قد مات، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون ثلاثا و اين مثل جعفر عليه السلام؟
ثمّ قال لي: اكتب.
قال: فكتبت صدر الكتاب، ثمّ قال: اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدّمه و إضرب عنقه.
قال: فرجع إليه الجواب أنّه قد أوصى إلى خمسة: واحدهم أبو جعفر المنصور، و محمّد بن سليمان، و عبد اللّه، و موسى، و حميدة. 2
14-و عنه عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، بنحو من هذا إلاّ أنّه ذكر أنّه أوصى إلى أبي جعفر المنصور، و عبد اللّه، و موسى، و محمّد بن جعفر، و مولى لأبي عبد اللّه عليه السلام قال: فقال أبو
ص:328
جعفر: ليس إلى قتل هؤلاء سبيل. (1)
15-و عنه عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عليّ بن الحسن، عن صفوان الجمّال، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صاحب الأمر.
فقال: إنّ صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب.
و أقبل أبو الحسن موسى عليه السلام و هو صغير و معه عناق مكيّة و هو يقول لها: اسجدي لربّك، فأخذه أبو عبد اللّه عليه السلام و ضمّه إليه و قال: بأبي و امّي من لا يلهو و لا يلعب. (2)
16-و عنه عن عليّ بن محمّد عن بعض أصحابنا، عن عبيس بن هشام، قال: حدّثني عمر الرمّاني (3)عن فيض بن المختار، قال: إنّي لعند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ أقبل أبو الحسن موسى عليه السلام و هو غلام فالتزمته و قبّلته.
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: انتم السفينة و هذا ملاّحها.
قال: فحججت من قابل و معي ألفا دينار، فبعثت بألف إلى أبي عبد اللّه عليه السلام و ألف إليه، فلمّا دخلت على أبي عبد اللّه عليه
ص:329
السلام قال: يا فيض عدلته بي؟
قلت: إنّما فعلت ذلك لقولك.
فقال: أما و اللّه ما أنا فعلت ذلك، بل اللّه عزّ و جلّ فعله به. (1)
17-و عنه، عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن أبي الحكم الأرمني قال: حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم (2)بن عليّ بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، عن يزيد بن سليط (3)قال أبو الحكم: و أخبرني عبد اللّه بن محمد بن عمارة الجرمي، عن يزيد بن سليط قال: لقيت أبا إبراهيم عليه السلام و نحن نريد العمرة في بعض الطريق، فقلت: جعلت فداك هل تثبّت هذا الموضع (4)الذي نحن فيه؟
قال: نعم فهل تثبتّه أنت؟
قلت: نعم أنا و أبي لقيناك هيهنا و أنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام و معه إخوتك.
فقال له أبي: بأبي أنت و امّي أنتم كلكم أئمّة مطهرون و الموت لا يعري منه أحد فأحدث إليّ شيئا احدّث به من يخلّفني من بعدي فلا يضلّ.
ص:330
قال: نعم يا أبا عبد اللّه هؤلاء ولدي و هذا سيّدهم-و أشار إليك- و قد علم الحكم و الفهم و السخاء و المعرفة بما يحتاج إليه الناس و ما اختلفوا فيه من أمر دينهم و دنياهم، و فيه حسن الخلق و حسن الجواب، و هو باب من أبواب اللّه عزّ و جلّ. (1)
ص:331
ص:332
بسم اللّه الرحمن الرحيم المنهج التاسع في الامام الثامن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
و فيه احد و عشرون بابا:
الباب الاول-في مولده عليه السلام.
الباب الثاني-في تسميته الرضا عليه السلام.
الباب الثالث-في علمه عليه السلام.
الباب الرابع-في دخوله عليه السلام نيشابور و لقاء العامة و طلبهم منه الحديث من طريق الخاصة و العامة.
الباب الخامس-في عبادته عليه السلام.
الباب السادس-في جوده عليه السلام.
الباب السابع-فيما اعطاه الشعراء من دعبل و غيره.
ص:333
الباب الثامن-في ذكر قصيدة دعبل بطولها.
الباب التاسع-في قصة دعبل من طريق العامة.
الباب العاشر-في ذكر العهد من المأمون الى الامام أبي الحسن الرضا عليه السلام بخطهما.
الباب الحادي عشر-في خروجه عليه السلام الى صلوة العيد.
الباب الثاني عشر-في مقامات له عليه السلام مع المأمون.
الباب الثالث عشر-و هو من الباب الأول من طريق الخاصة و العامة.
الباب الرابع عشر-في مطعمه عليه السلام.
الباب الخامس عشر-في ملبسه عليه السلام.
الباب السادس عشر-في استعماله الطيب.
الباب السابع عشر-في تواضعه عليه السلام.
الباب الثامن عشر-في ورعه عليه السلام.
الباب التاسع عشر-في ادعية له عليه السلام.
الباب العشرون-في النص عليه من ابيه عليه السلام بالوصاية و الامامة.
الباب الحادي و العشرون-و هو من الباب الاول.
ص:334
في مولده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين (1)عن موسى بن سعدان (2)عن عبد اللّه بن القاسم (3)، عن الحسن بن راشد، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إن اللّه تبارك و تعالى إذا أحبّ أن يخلق الإمام أمر ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش فيسقيها أباه، فمن ذلك يخلق الإمام، فيمكث أربعين يوما و ليلة في بطن امّه لا يسمع الصوت، ثم يسمع بعد ذلك الكلام، فإذا ولد بعث اللّه ذلك الملك فيكتب بين عينيه: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (4).
فإذا مضى الإمام الّذي كان قبله رفع لهذا منار من نور ينظر به إلى
ص:335
أعمال الخلائق فبهذا يحتجّ اللّه على خلقه (1).
2-و عنه عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن منصور بن يونس (2)، عن يونس بن ظبيان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد أن يخلق الإمام من الإمام بعث ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش، ثمّ أوقعها أو دفعها إلى الإمام فشربها، فيمكث في الرحم أربعين يوما لا يسمع الكلام، ثم يسمع الكلام بعد ذلك.
فإذا وضعته امّه بعث اللّه إليه ذلك الملك الّذي أخذ الشربة فكتب على عضده الأيمن: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ (3)فإذا قام بهذا الأمر رفع اللّه له في كل بلدة منارا ينظر به إلى أعمال العباد. (4)
3-ابن بابويه قال: حدّثنا تميم (5)بن عبد اللّه بن تميم القرشي رضي اللّه عنه قال: حدّثني أبي، عن أحمد بن عليّ الأنصاري، قال: حدّثني
ص:336
علي بن ميثم (1)، عن أبيه، قال: لمّا إشترت الحميدة امّ موسى بن جعفر عليه السلام أمّ الرضا عليه السلام نجمة، ذكرت حميدة: أنّها رأت في المنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لها: يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى فإنّه سيولد له منها خير أهل الأرض فوهبتها له.
فلمّا ولدت له الرّضا عليه السلام سمّاها الطاهرة، و كانت لها أسماء: منها نجمة، و أروى، و سكن، و سمان (2)، و تكتم، و هو آخر أسمائها.
قال عليّ بن ميثم: سمعت أبي يقول: كانت نجمة بكرا لمّا إشترتها حميدة. (3)
4-و عنه، قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد اللّه، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب ابن اسحق، عن أبي زكريا الواسطي عن هشام بن أحمر (4)قال: قال أبو الحسن الأوّل عليه السلام: هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم؟ .
قلت: لا.
فقال عليه السلام: بلى قد قدم رجل فانطلق بنا إليه، فركب و ركبنا
ص:337
معه حتّى إنتهينا إلى الرّجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق (1)، فقال له: أعرض علينا فعرض علينا تسع جوار كلّ ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام: لا حاجة لي فيها ثمّ قال له: أعرض علينا.
قال: لا و اللّه ما عندي إلاّ جارية مريضة.
فقال له: ما عليك أن تعرضها؟ فأبي عليه، ثمّ إنصرف عليه السلام.
ثمّ إنّه أرسلني من الغد إليه، فقال لي: قل له: كم غايتك فيها؟ فاذا قال: كذا و كذا فقل: قد أخذتها.
فأتيته فقال: ما أريد أن أنقصها من كذا.
قلت: قد أخذتها و هو لك.
فقال: هي لك، و لكن من الرّجل الّذي كان معك بالأمس؟
فقلت: رجل من بني هاشم.
فقال: من أيّ بني هاشم (2)؟
فقلت: ما عندي أكثر من هذا.
فقال: أخبرك عن هذه الوصيفة (3)إني إشتريتها من أقصى بلاد المغرب، فلقيتني إمرأة من أهل الكتاب، فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟
فقلت: إشتريتها لنفسي.
ص:338
فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك، إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلاّ قليلا حتى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض و غربها.
قال: فأتيته بها فلم تلبث عنده إلاّ قليلا حتى ولدت له عليّا عليه السلام. (1)
ثم قال إبن بابويه: و حدّثني بهذا الحديث محمد بن علي بن ماجيلويه رضي اللّه عنه قال: حدّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن خالد، عن هشام بن أحمر مثله سواء. (2)
5-و عنه، حدّثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي رضي اللّه عنه، قال: حدّثني أبي، عن أحمد بن عليّ الأنصاري، عن عليّ بن ميثم، عن أبيه، قال: سمعت امّي تقول: سمعت نجمة امّ الرضا عليه السلام تقول:
لمّا حملت بابني عليّ لم أشعر بنقل الحمل، و كنت أسمع في منامي تسبيحا و تهليلا و تمجيدا من بطني فيفزعني ذلك و يهولني، فإذا إنتبهت لم أسمع شيئا.
فلمّا وضعته وقع على الأرض واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء يحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم فدخل إليّ أبوه موسى بن
ص:339
جعفر عليه السلام فقال لي: هنيئا لك يا نجمة كرامة ربك، فناولته إيّاه في خرقة بيضاء فأذّن في اذنه اليمنى و أقام في اليسرى، و دعا بماء الفرات فحنّكه به، ثمّ ردّه إليّ و قال: خذيه فإنّه بقية اللّه في أرضه. (1)
ص:340
في تسميته عليه السلام الرضا
1-إبن بابويه قال: حدّثنا أبي، و محمّد بن موسى بن المتوكّل، و محمّد بن علي بن ما جيلويه، و أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم، و الحسين بن إبراهيم بن تاتانة، و أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، و الحسين بن ابراهيم بن احمد بن هشام المكتّب، و عليّ بن عبد اللّه الورّاق رضي اللّه عنهم أجمعين قالوا: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، قال: قلت لأبي جعفر محمّد ابن عليّ بن موسى عليهم السلام إنّ قوما من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك عليه السلام إنّما سمّاه المأمون الرّضا لمّا رضيه لولاية عهده؟
فقال عليه السلام: كذبوا و اللّه و فجروا بل اللّه تعالى و تبارك سمّاه الرّضا لأنّه كان رضى للّه عزّ و جلّ في سمائه، و رضى لرسوله و الأئمّة بعده عليهم السلام في أرضه.
قال: فقلت له: ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين عليهم السلام رضى للّه عزّ و جلّ و لرسوله و الأئمّة بعده عليهم السلام؟
فقال: بلى.
فقلت: فلم سمّي أبوك من بينهم الرّضا؟
قال: لأنّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون
ص:341
من أوليائه، و لم يكن ذلك لأحد من آبائه عليهم السلام فلذلك سمّي من بينهم الرضا عليه السلام. (1)
2-و عنه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمد (2)بن ابي عبد اللّه الكوفي، عن سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن سليمان بن حفص المروزي، قال: كان موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السلام يسمّي ولده عليّا عليه السلام الرضا و كان يقول:
ادعوا لي ولدي الرّضا، و قلت لولدي الرّضا، و قال لي ولدي الرّضا، و إذا خاطبه قال: يا أبا الحسن صلوات اللّه عليهما. (3)
ص:342
في علمه عليه السلام
1-إبن بابويه، قال: حدّثنا الحاكم (1)أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي (2)قال: حدّثنا أبو ذكوان (3)قال: سمعت إبراهيم بن العبّاس (4)، يقول ما رأيت الرضا عليه السلام يسأل عن شيء قطّ إلاّ علمه، و لا رأيت أعلم منه بما كان في الزّمان الأوّل إلى وقته و عصره، و كان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء فيجيب فيه، و كان كلامه كلّه و جوابه و تمثّله انتزاعات من القرآن،
ص:343
و كان يختمه في كلّ ثلاثة، و يقول: لو أردت أن أختمه في اقرب من ثلاثة لختمت، و لكنّي ما مررت بآية قطّ إلاّ فكّرت فيها، و في أيّ شيء أنزلت، و في أيّ وقت، فلذلك صرت أختمه في كلّ ثلاثة أيام. (1)
2-و عنه: قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن محمّد الهاشمي في حديث له مع المأمون، قال المأمون: يا عبد اللّه أيلومونني (2)أهل بيتي و أهل بيتك أن نصبت أبا الحسن الرّضا عليه السلام علما و اللّه لاحدثنّك بحديث تتعجب منه، جئته يوما فقلت له:
جعلت فداك إنّ آباءك موسى و جعفرا و محمّدا و عليّ بن الحسين عليهم السلام كان عندهم علم ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة، و أنت وصيّ القوم و وارثهم، و عندك علمهم، و قد بدت لي إليك حاجة و ذكر حديث (3)الزاهرية و قد ذكرته في كتاب «مدينة المعاجز» (4)في معاجز
ص:344
الرضا عليه السلام. (1)
3-و عنه قال: حدّثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي رضي اللّه عنه، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أحمد بن علي الأنصاري، عن الحسن بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما و عنده عليّ بن موسى الرضا عليه السلام و قد إجتمع الفقهاء و أهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم فقال له: يا ابن رسول اللّه بأيّ تصحّ الإمامة لمدّعيها؟
قال: بالنصّ و الدليل.
قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟
قال: في العلم و إستجابة الدعوة.
قال: فما وجه إخباركم بما يكون؟
قال: ذلك بعهد معهود الينا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟
قال عليه السلام له: أما بلغك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إتقّوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه؟
قال: بلى.
قال: و ما من مؤمن إلاّ و له فراسة ينظر بنور اللّه على قدر أيمانه و مبلغ إستبصاره و علمه، و قد جمع اللّه في الأئمّة منا ما فرّقه في جميع المؤمنين و قال تعالى في كتابه العزيز: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ
ص:345
لِلْمُتَوَسِّمِينَ (1)فأوّل المتوسمين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ أمير المؤمنين عليه السلام من بعده، ثمّ الحسن و الحسين و الائمة من ولد الحسين عليهم السلام إلى يوم القيمة.
قال: فنظر إليه المأمون فقال له: يا أبا الحسن زدنا ممّا جعل اللّه لكم أهل البيت.
فقال الرضا عليه السلام: إنّ اللّه تعالى قد أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ليست بملك لم تكن مع أحد ممّن مضى إلاّ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي مع الأئمّة منا تسدّدهم و توفقهم و هو عمود من نور بيننا و بين اللّه تعالى.
فقال له المأمون: يا أبا الحسن قد بلغني أنّ قوما يغلون فيكم و يتجاوزون فيكم الحدّ.
فقال الرضا عليه السلام حدّثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا ترفعوني فوق حقّي فإنّ اللّه تعالى إتّخذني عبدا قبل أن يتخذّني نبيا قال اللّه تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اَللّهُ اَلْكِتابَ وَ اَلْحُكْمَ وَ اَلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اَللّهِ وَ لكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ اَلْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا اَلْمَلائِكَةَ وَ اَلنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ
ص:346
مُسْلِمُونَ . (1)
قال عليّ عليه السلام: يهلك فيّ إثنان و لا ذنب لي، محبّ مفرط، و مبغض مفرط و إنّا لنبرأ (2)إلى اللّه ممّن يغلوا فينا و يرفعنا فوق حدّنا كبرائة عيسى بن مريم عليه السلام من النصارى، قال اللّه جل ثناؤه:
وَ إِذْ قالَ اَللّهُ يا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اِتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اَللّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ اَلْغُيُوبِ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اُعْبُدُوا اَللّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ اَلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (3).
و قال تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ اَلْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ وَ لاَ اَلْمَلائِكَةُ اَلْمُقَرَّبُونَ (4)و قال تعالى: مَا اَلْمَسِيحُ اِبْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ اَلطَّعامَ (5)و معناه أنّهما كانا يتغوّطان، فمن إدّعى للانبياء ربوبيّة أو لغيرهم نبوة «و ادّعى للائمة ربوبية او نبوة» او لغير الائمة أمامة فنحن منهم براء في الدّنيا و الآخرة.
فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في الرجعة؟
ص:347
فقال الرضا عليه السلام: إنّها لحقّ قد كانت في الامم السالفة و نطق بها القرآن، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكون في هذه الامّة كلّما كان في الامم السالفة حذو النعل بالنعل، و القذّة بالقذّة. (1)
و قال عليه السلام: إذا خرج المهديّ من ولدي نزل عيسى بن مريم عليهما السلام فصلّى خلفه.
و قال عليه السلام: إنّ الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا فطوبى للغرباء.
قيل: يا رسول اللّه ثمّ يكون ماذا؟
قال: ثمّ يرجع الحقّ إلى أهله.
فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في القائلين بالتناسخ؟
فقال الرضا عليه السلام: من قال بالتناسخ فهو كافر باللّه العظيم، مكذّب باللّه و بالجنّة و النار.
قال المأمون: ما تقول في المسوخ؟
قال الرّضا عليه السلام أولئك قوم غضب اللّه عليهم فمسخهم، فعاشوا ثلاثة أيّام ثمّ ماتوا و لم يتناسلوا، فما يوجد في الدنيا من القردة و الخنازير و غير ذلك ممّا وقع عليهم اسم المسوخية فهو مثلها، لا يحلّ أكلها و الانتفاع بها.
قال المأمون: لا ابقاني اللّه بعدك يا أبا الحسن فو اللّه ما يوجد العلم
ص:348
الصحيح إلاّ عند أهل هذا البيت و إليك إنتهى علوم آبائك فجزاك اللّه عن الإسلام و أهله خيرا.
قال الحسن بن الجهم (1): فلمّا قام الرضا عليه السلام تبعته فانصرف إلى منزله فدخلت إليه و قلت له: يا بن رسول اللّه ألحمد للّه الّذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك و قبوله لقولك.
فقال: يا بن الجهم لا يغرنّك ما ألفيته «عليه من اكرامي و الإستماع منّي فإنّه سيقتلني بالسمّ و هو ظالم لي إنّي أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من آبائي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاكتم عليّ هذا ما دمت حيّا.
قال الحسن بن الجهم: فما حدّثت أحدا بهذا الحديث إلى أن مضى الرّضا عليه السلام بطوس مقتولا بالسم و دفن في دار حميد بن قحطبة (2)الطائي في القبة التي فيها قبر هارون الرشيد جانبه. (3)
4-أبو عليّ الطبرسي في «اعلام الورى» قال: روى الحاكم (4)أبو
ص:349
عبد اللّه الحافظ باسناده عن الفضل بن العباس، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال: ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى الرضا عليه السلام و لا رآه عالم الا شهد له بمثل شهادتي.
و لقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان و فقهاء الشريعة و المتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقى أحد منهم إلاّ أقرّ له بالفضل و أقرّ على نفسه بالقصور.
و لقد سمعت عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يقول: كنت أجلس بالروضة و العلماء بالمدينة متوافرون، فاذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليّ باجمعهم و بعثوا إليّ بالمسائل فأجيب عنها.
قال أبو الصلت: و لقد حدّثني محمّد بن إسحق بن موسى بن جعفر، عن أبيه أنّ موسى بن جعفر عليهما السلام كان يقول لبنيه: هذا أخوكم عليّ بن موسى الرضا عالم آل محمد عليهم السلام فاسألوه عن أديانكم و احفظوا ما يقول لكم فإنّي سمعت أبي جعفر بن محمّد عليهما السلام غير مرة يقول: إنّ عالم آل محمد لفي صلبك و ليتني أدركته فإنّه سميّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام. (1)
ص:350
في دخوله عليه السلام نيسابور و لقاء العلماء له و طلبهم
منه الحديث من طرق الخاصة و العامة
1-الشيخ الطوسي في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل قال: حدّثنا أبو نصر (1)الليث بن محمّد بن الليث العنبري إملاء من كتابه، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الصمّد بن مزاحم الهروي سنة احدى و ستين و مأتين قال: حدّثني خالي أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: كنت مع الرّضا عليه السلام لمّا دخل نيسابور و هو راكب بغلة شهباء، و قد خرج علماء نيسابور في إستقباله، فلمّا صاروا إلى المرتعة تعلّقوا بلجام بغلته و قالوا: يا بن رسول اللّه حدّثنا بحق آبائك الطاهرين حديثا عن آبائك صلوات اللّه عليهم أجمعين.
فأخرج رأسه من الهودج و عليه مطرف خز فقال: حدّثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ سيد شباب أهل الجنة عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
ص:351
قال: أخبرني جبرئيل الروح الأمين عن اللّه عزّ و جلّ تقدّست أسماؤه و جلّ وجهه قال: إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي، عبادي فاعبدوني و ليعلم من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه مخلصا بها أنّه قد دخل حصني، و من دخل حصني أمن من عذابي.
قالوا: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما إخلاص الشهادة للّه؟
قال: طاعة اللّه و طاعة رسوله و ولاية أهل بيته عليهم السلام. (1)
2-ابن بابويه قال: حدثنا أبو سعيد محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحق المذكّر بنيسابور، قال: حدّثنا أبو علي الحسين بن علي الخزرجي الأنصاري السعدي، قال: حدّثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي قال: كنت مع عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام حين رحل من نيسابور، و هو راكب بغلة شهباء، فإذا محمد بن رافع (2)، و احمد بن الحارث (3)، و يحيى بن يحيى (4)، و اسحق بن راهويه (5)و عدّة
ص:352
من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في المربعة، فقالوا: بحقّ آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك.
فاخرج رأسه من العمارية، و عليه مطرف خزّ ذو وجهين، و قال:
حدّثني أبي العبد الصّالح موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي الصّادق جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي أبو جعفر محمّد بن علي باقر علم (1)الأنبياء، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين زين العابدين (2)قال: حدّثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين، قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب قال: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: سمعت جبرئيل عليه السلام يقول: قال اللّه جلّ جلاله: إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أن لا اله إلا اللّه بالإخلاص دخل في حصني و من دخل حصني أمن من عذابي. (3)
3-قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن عليّ بن الشاه الفقيه المروروذي في منزله بمروالروذ، قال (4): حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن العامر الطّائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عليّ بن موسى الرّضا، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن علي، قال: حدّثني أبي
ص:353
عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يقول اللّه جلّ جلاله: لا إله إلاّ اللّه حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي. (1)
4-و عنه قال: حدّثنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الضبّي، قال: حدّثنا أبو القاسم محمّد بن عبد اللّه بن بابويه الرّجل الصالح، قال: حدّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم الحافظ، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر أبو السيد المحجوب إمام عصره بمكّة، قال: حدّثني أبي عليّ بن محمّد النقي، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ التقي، قال: حدّثني أبي عليّ بن موسى الرضا، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر الكاظم، قال:
حدّثني أبي جعفر بن محمّد الصادق، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ الباقر، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين السجّاد زين العابدين، قال:
حدّثني أبي الحسين بن عليّ سيّد شباب أهل الجنة، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب سيّد الأوصياء عليه السلام قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه سيد الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله قال: حدّثني جبرئيل سيّد الملائكة عليه السلام قال: قال اللّه سيّد السادات جلّ جلاله: إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا من أقرّ لي بالتوحيد دخل حصني و من دخل حصني أمن من
ص:354
عذابي. (1)
5-و عنه، قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا أبو الحسين (2)محمد بن جعفر الأسدي قال: حدّثنا محمد ابن الحسين الصوفي (3)، قال: حدّثنا يوسف بن عقيل، عن إسحق بن راهويه، قال: لمّا وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور و أراد أن يخرج منها إلى المأمون إجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا بن رسول اللّه ترحل عنّا و لا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟
و كان قد قعد في العمارية فأطلع رأسه و قال عليه السلام: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول: سمعت أبي محمّد بن عليّ، يقول: سمعت أبي عليّ بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن عليّ يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:
سمعت جبرئيل عليه السلام يقول: سمعت اللّه جلّ جلاله يقول: لا إله إلاّ اللّه حصني فمن دخل أمن من عذابي.
قال: فلمّا مرّت الراحلة نادانا: بشروطها و أنا من شروطها. (4)
ص:355
6-قال إبن بابويه بعد أن ذكر هذا الحديث: قال مصنّف هذا الكتاب رحمه اللّه: من شروطها الإقرار للرضا عليه السلام بأنّه إمام من قبل اللّه تعالى على العباد مفترض الطاعة عليهم.
و يقال: إنّ الرضا عليه السلام لمّا دخل نيسابور نزل في محلّة يقال لها الفرويني فيها حمام و هو الحمّام المعروف اليوم بحمّام الرضا عليه السلام.
و كانت هناك عين قد قلّ ماؤها، فأقام عليها من أخرج ماءها حتى توفّر و كثر و إتّخذ عن خارج الدرب حوضا ينزل إليه بالمراقي إلى هذه العين فدخله الرّضا عليه السلام و إغتسل فيه ثمّ خرج منه فصلّى على ظهره، و الناس ينتابون (1)ذلك الحوض و يغتسلون فيه و يشربون منه إلتماسا للبركة و يصلّون على ظهره و يدعون اللّه تعالى في حوائجهم فتقضى لهم، و هي العين المعروفة بعين كهلان يقصدها الناس إلى يومنا هذا. (2)
7-و من طريق المخالفين ما ذكره عليّ بن محمّد المالكي في كتاب «الفصول المهمة» قال: قال المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمّد بن أبي سعد عبد الكريم الوزان (3)في محرّم من سنة ستّ و تسعين و خمسمائة، قال: أورد صاحب «كتاب نيسابور» في كتابه أنّ عليّ بن
ص:356
موسى الرضا عليه السلام لمّا دخل نيسابور في سفره التي حظي بها بفضيلة الشهادة كان في قبّة مستورة بالسقلاط (1)على بغلة شهباء و قد شقّ نيسابور فعرض له الإمامان الحافظان للاحاديث النبوية و المثابران (2)على السنّة المحمدية أبو زرعة الرازي (3)، و محمد بن أسلم الطوسي (4)، و معهما خلايق لا يحصون من طلبة العلم و الحديث و اهل الرواية و الدراية.
فقالوا (5): أيّها السيّد الجليل إبن السادة الأئمّة بحق آبائك الأطهرين و أسلافك الأكرمين إلاّ ما أريتنا وجهك الميمون المبارك، و رويت لنا حديثا عن آبائك و عن جدّك محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نذكرك به، فاستوقف البغلة و أمر غلمانه بكشف المظلّة عن القبّة و أقرّ
ص:357
عيون تلك الخلايق برؤية طلعته المباركة فكانت له ذؤابتان مدليّتان على عاتقه و الناس كلّهم قيام على طبقاتهم ينظرون إليه، و هم بين صارخ و باك و متمرّغ في التراب و مقبّل لحافر بغلته، و علا الضجيج، فصاح الفقهاء و العلماء (1): معاشر الناس إسمعوا و عوا و أنصتو السماع ما ينفعكم، و لا تؤذونا بكثرة صراخكم و بكائكم، و كان المستملي أبو زرعة الرازي، و محمّد بن أسلم الطوسي.
فقال عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام حدّثني أبي موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمّد الباقر، عن أبيه عليّ زين العابدين، عن أبيه الحسين الشّهيد بكربلا، عن أبيه عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه و رضوان اللّه عليهم، أنّه قال: حدّثني حبيبي و قرّة عيني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة سبحانه و تعالى يقول: كلمة لا إله إلاّ اللّه حصني فمن قالها دخل حصني و من دخل حصني أمن من عذابي ثمّ أرخى الستر على القبّة و سار.
قال: فعدّ أهل المحابر و الدفتر الّذين كانوا يكتبون فأنافوا (2)على عشرين الفا. (3)
قال الاستاذ أبو القاسم القشيري (4): إتّصل هذا الحديث بهذا
ص:358
السند ببعض امراء السامانية فكتبه بالذهب و أوصى أن يدفن معه في قبره فرئي في النوم بعد موته فقيل له: ما فعل اللّه بك؟
قال: غفر اللّه لي بتلفّظي بلا اله إلاّ اللّه و تصديقي بأنّ محمّدا رسول اللّه.
و دخل عليّ بن موسى نيسابور فجاءه قوم من الصوفية فقالوا له: إنّ أمير المؤمنين المأمون لمّا نظر فيما ولاّه اللّه تعالى من الامور فرآكم أهل البيت أولى من قام بأمر الناس، ثمّ نظر في أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس من كلّ واحد منهم فردّ هذا الأمر إليك و الامّة تحتاج إلى من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يركب الحمار، و يعود المريض و يشيّع الجنازة.
قال: فكان الرضا عليه السلام متّكئا فاستوى جالسا ثمّ قال: كان يوسف الصديق بن يعقوب نبيا فلبس أقببة الديباج المزورة بالذهب و القباطي المنسوجة بالذهب و جلس على متّكئات آل فرعون و حكم و أمر و نهى، و إنّما يراد من الإمام قسط و عدل إذا قال صدق، و اذا حكم عدل، و إذا وعد أنجز، إنّ اللّه لم يحرّم ملبوسا و لا مطعوما و تلا قوله تعالى و تقدّس: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ 1انتهى كلام المالكي. 2
ص:359
ص:360
في عبادته عليه السلام
1-إبن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه اللّه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: جئت إلى باب الدّار التي حبس فيها أبو الحسن الرضا عليه السلام بسرخس و قد قيد، فاستأذنت عليه السجّان، فقال: لا سبيل لك إليه.
فقلت: و لم؟
قال: لأنّه ربّما صلّى في يومه و ليلته ألف ركعة، و إنّما ينفتل من صلوته ساعة في صدر النهار، و قبل الزوال و عند إصفرار الشمس، فهو في هذه الأوقات قاعد في مصلاّة و يناجي ربّه.
قال: فقلت له: فاطلب لي منه إذنا عليه في هذه الأوقات فاستأذن لي فدخلت عليه و هو قاعد في مصلاّه متفكّرا.
قال أبو الصلت: فقلت له: يا بن رسول اللّه ما شيء يحكيه عنكم الناس؟
قال: و ما هو؟
قلت: يقولون: إنّكم تدّعون أنّ الناس لكم عبيد.
فقال: «أللّهم فاطر السموات و الأرض عالم الغيب و الشهادة»
ص:361
أنت شاهد بأنّي لم أقل ذلك قطّ، و لا سمعت أحدا من آبائي عليهم السلام قاله قطّ، و أنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الامّة و إنّ هذه منها.
ثم أقبل عليّ فقال: يا عبد السلام إذا كان الناس كلّهم عبيدنا على ما حكوه عنا فممّن نبيعهم؟
قلت: صدقت يا بن رسول اللّه، ثمّ قال عليه السلام: يا عبد السلام أمنكر أنت لما أوجب اللّه تعالى لنا من الولاية كما ينكره غيرك؟
قلت: معاذ اللّه بل أنا مقرّ بولايتكم. (1)
2-و عنه، قال: حدّثنا الحاكم أبو محمّد جعفر بن نعيم بن شاذان رضي اللّه عنه قال حدّثنا أحمد بن إدريس، عن إبراهيم بن هاشم، عن إبراهيم بن العبّاس، قال: ما رأيت أبا الحسن الرّضا جفا أحدا بكلامه (2)قطّ، و لا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، و ما ردّ أحدا عن حاجة يقدر عليها، و لا مدّ رجليه (3)بين يدي جليس له قطّ، و لا إتّكى بين يدي جليس له قطّ، و لا رأيته شتم أحدا من مواليه و مماليكه قطّ، و لا رأيته تفل قطّ، و لا رأيته يقهقه في ضحكه قطّ، بل كان ضحكه التبسّم.
و كان إذا خلا و نصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه
ص:362
و مواليه حتى البّواب و السائس، و كان عليه السلام قليل النوم بالليل كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أولّها إلى الصبح، و كان كثير الصيام، و لا يفوته صيام ثلاثة أيّام في الشهر و يقول: ذلك صوم الدهر، و كان عليه السلام كثير المعروف و الصدقة في السر و أكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنّه رآى مثله في فضله فلا تصدّقه. (1)
3- «النجاشي» (2)في كتاب «الرجال» عن عثمان بن أحمد الواسطي (3)، و أبي محمد عبد اللّه (4)بن محمّد الدعلجي قالا: حدّثنا أحمد بن عليّ (5)قال: حدثنا إسماعيل (6)بن عليّ بن عليّ بن رزين أبو القاسم قال: حدّثنا أبي أبو الحسن (7)الرضا عليه السلام بطوس سنة
ص:363
ثمان و تسعين و مائة، و كنّا قصدناه على طريق البصرة، و دخلناها فصادفنا بها عبد الرحمن (1)بن مهدي عليلا فأقمنا عليه أيّاما و مات عبد الرحمن، و حضرنا جنازته و صلّى عليه.
و دخلنا إلى الرضا عليه السلام أنا و أخي دعبل، فأقمنا عنده إلى آخر سنة مأتين، و خرجنا إلى قم بعد أن خلع الرضا عليه السلام على أخي دعبل قميص خزّ أخضر و أعطاه خاتما فصّه عقيق، و دفع إليه دراهم رضويه، و قال له: يا دعبل مرّ على قم فإنّك تستفيد بها (2)و قال له:
إحتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه ألف ليلة كلّ ليلة ألف 3ركعة، و ختمت فيه القرآن ألف ختمة.
قال: حدّثنا بالكتاب الذي أولّه حديث الزبيب الأحمر و آخره حديثه عن آبائه عن جابر بن عبد اللّه إنّ اللّه حرّم لحم ولد فاطمة على النار. 4
4-إبن بابويه قال: حدّثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي رضي اللّه عنه قال: حدّثني أبي عن أحمد بن عليّ الأنصاري، قال: سمعت
ص:364
رجاء (1)بن أبي الضحّاك، يقول: بعثني المأمون في اشخاص عليّ بن موسى الرّضا عليهما السلام من المدينة و قد أمرني أن آخذ به على طريق البصرة و الأهواز و فارس، و لا آخذ به على طريق قم، و أمرني أن أحفظه بنفسي في الليل و النهار حتى أقدم به عليه، فكنت معه من المدينة إلى مرو، فو اللّه ما رأيت رجلا كان أتقى للّه منه و لا أكثر ذكرا له في جميع أوقاته و لا أشدّ خوفا للّه تعالى منه.
و كان إذا أصبح صلّى الغداة فإذا سلّم جلس في مصلاه يسبّح اللّه و يحمده و يكبّره و يهلّله و يصلّي على النبيّ و آله حتّى تطلع الشمس، ثمّ يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثمّ أقبل على الناس يحدّثهم و يعظهم إلى قرب الزوال.
ثمّ جدّد وضوءه و عاد الى مصلاّه فإذا زالت الشمس قام فصلّى ست ركعات يقرأ في الركعة الاولى الحمد و الجحد، و في الثانية الحمد و التوحيد، و يسلّم (2)في كل ركعتين و يقنت فيهما في الثانية قبل الركوع و بعد القرائة، ثمّ يؤذّن و يصلّي ركعتين، ثمّ يقيم و يصلّي الظهر.
فإذا سلّم سبّح اللّه و حمده و كبّره و هلّله ما شاء اللّه، ثمّ سجد سجدة الشكر يقول فيها مائة مرة شكرا للّه، فإذا رفع رأسه قام فصلّى ست ركعات يقرأ في كلّ ركعة: الحمد و التوحيد، و يسلّم في كل
ص:365
ركعتين، و يقنت في ثانية كلّ ركعتين قبل الرّكوع و بعد القراءة، ثمّ يؤذّن ثم يصلّي ركعتين و يقنت في الثانية، فإذا سلّم قام و صلّى العصر، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبّح اللّه و يحمده و يكبّره و يهلّله ما شاء اللّه، ثم سجد سجدة الشكر يقول فيها مائة مرة: حمدا للّه.
فإذا غابت الشمس توضّأ و صلّى المغرب ثلاثا بأذان و اقامة و قنت في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبّح اللّه و يحمده و يكبّره و يهلّله ما شاء اللّه، ثمّ يسجد سجدة الشكر ثم يرفع رأسه و لم يتكلّم حتى يقوم و يصلّي أربع ركعات بتسليمتين، و يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة، و كان يقرأ في الاولى من هذه الأربع الحمد و الجحد، و في الثانية الحمد و التوحيد، و يقرأ في الركعتين الباقيتين الحمد و التوحيد، ثمّ يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء اللّه «حتى يمسي» (1)ثم يفطر.
ثمّ يلبث حتّى يمضي من الليل قريب من الثلث ثم يقوم فيصلّي العشاء الآخرة أربع ركعات و يقنت في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يذكر اللّه تعالى و يسبّحه و يحمده و يكبّره و يهلّله ما شاء اللّه و يسجد بعد التعقيب سجدة الشكر، ثمّ يأوي إلى فراشه.
فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتّسبيح و التّحميد و التّكبير و التهليل و الإستغفار فاستاك ثمّ توضأ ثمّ قام إلى صلوة الليل
ص:366
فيصلّي ثماني ركعات يسلّم في كلّ ركعتين يقرأ في الاوليين منها في كلّ ركعة ألحمد مرّة و التوحيد ثلاثين مرّة ثمّ يصلّي صلوة جعفر بن أبي طالب عليه السلام أربع ركعات يسلّم في كل ركعتين و يقنت في كلّ ركعتين في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة و يحتسب بها من صلوة الليل ثمّ يقوم فيصلّي الركعتين الباقيتين يقرأ في الاولى: الحمد و سورة الملك، و في الثانية الحمد و هل أتى على الإنسان.
ثمّ يقوم فيصلّي ركعتي الشفع يقرأ في كلّ ركعة منهما: الحمد مرّة و التوحيد ثلاث مرات، و يقنت في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة فإذا سلّم قام و صلّى ركعة الوتر يتوجّه فيها و يقرء فيها: الحمد و التوحيد ثلاث مرّات و الفلق مرّة واحدة و الناس مرّة واحدة و يقنت فيها قبل الركوع و بعد القراءة و يقول في قنوته: ألّلهم صلّ على محمّد و آل محمّد ألّلهم إهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولّنا فيمن تولّيت، و بارك لنا فيما أعطيت و قنا شرّ ما قضيت فإنّك تقضي و لا يقضى عليك إنّه لا يذلّ من واليت و لا يعزّ من عاديت تباركت ربّنا و تعاليت.
ثمّ إستغفر (1)اللّه و سأله التوبة سبعين مرّة فإذا سلّم جلس في التعقيب. ما شاء اللّه فإذا قرب من الفجر قام فصلّى ركعتي الفجر يقرء في الاولى: الحمد و قل يا أيّها الكافرون، و في الثانية الحمد و قل هو اللّه احد.
فإذا طلع الفجر أذّن و أقام و صلّى الغداة ركعتين فإذا سلّم جلس
ص:367
في التعقيب حتى تطلع الشمس ثمّ يسجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار.
و كانت قراءته في جميع المفروضات في الاولى الحمد و القدر، و في الثانية الحمد و التوحيد إلاّ في صلاة الغداة و الظهر و العصر يوم الجمعة فإنه كان يقرأ فيها بالحمد و سورة الجمعة و المنافقين.
و كان يقرء في صلوة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الاولى الحمد و سورة الجمعة و في الثانية الحمد و سبّح اسم ربك الأعلى.
و كان يقرأ في صلوة الغداة يوم الإثنين و يوم الخميس في الاولى الحمد و هل أتى على الإنسان، و في الثانية الحمد و هل أتاك حديث الغاشية.
و كان يجهر بالقراءة في المغرب و العشاء و صلوة الليل و الشفع و الوتر و الغداة و يخفي القراءة في الظهر و العصر كان يسبّح في الاخراوين يقول: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه اكبر» ثلاث مرات، و كان قنوته في جميع صلواته ربّ إغفر و إرحم و تجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الأعزّ الأجلّ الأكرم.
و كان إذا أقام في بلدة عشرة أيام صائما لا يفطر، فإذا جنّ الليل بدأ بالصلوة قبل الإفطار، و كان في الطريق يصلّي فرائضه ركعتين إلاّ المغرب فإنّه كان يصلّيها ثلاثا، و لا يدع نافلتها، و لا يدع صلوة الليل و الشفع و الوتر و ركعتي الفجر في سفر و لا حضر.
و كان لا يصلّي من نوافل النّهار في السفر شيئا، و كان يقول بعد كلّ صلوة يقصرها: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر» ثلاثين
ص:368
مرة، و يقول: هذا تمام الصلوة، و ما رأيته صلّى الضحى في سفر و لا حضر، و كان لا يصوم في السفر شيئا و كان يبدأ في دعائه بالصلوة على محمّد و آله، و يكثر من ذلك في الصلوة و غيرها و كان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فاذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى و سأل اللّه الجنّة و تعوّذ به من النار.
و كان عليه السلام يجهر ب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في جميع صلوته بالليل و النهار و كان إذا قرأ قل هو اللّه احد قال سرا: اللّه أحد، فإذا فرغ منها قال: «كذلك اللّه ربنا» ثلاثا.
و كان إذا قرأ سورة الجحد قال في نفسه سرا: «يا أيها الكافرون» فإذا فرغ منها قال: «ربي اللّه و ديني الإسلام» ثلاثا.
و كان إذا قرأ: و التين و الزيتون قال: عند الفراغ منها: «بلى و أنا على ذلك من الشاهدين» .
و كان إذا قرأ: لا اقسم بيوم القيامة قال عند الفراغ منها: سبحانك اللهم بلى.
و كان يقرأ في سورة الجمعة: قُلْ ما عِنْدَ اَللّهِ خَيْرٌ مِنَ اَللَّهْوِ وَ مِنَ اَلتِّجارَةِ وَ اَللّهُ خَيْرُ اَلرّازِقِينَ (1).
و كان إذا فرغ من الفاتحة قال: ألحمد للّه ربّ العالمين، و إذا قرأ:
سبّح اسم ربّك الأعلى قال سرّا: سبحان ربّي الأعلى، و إذا قرأ: يا أيها الذين آمنوا قال: لبيّك أللّهم لبيّك» سرّا.
ص:369
و كان عليه السلام لا ينزل بلدا إلاّ قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم و يحدّثهم الكثير عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا وردت به على المأمون سألني عن حاله في طريقه فأخبرته بما شاهدت منه في ليله و نهاره و ظعنه و إقامته فقال لي: يا بن أبي الضحّاك هذا خير أهل الأرض و أعلمهم و أعبدهم فلا تخبر أحدا بما شاهدت منه لئلاّ يظهر فضله إلاّ على لساني و باللّه أستعين على ما أنوي من الرفع منه و الإشارة به (1). (2)
5-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن إسحق الأحمر عن الحسن بن عليّ الوشّاء، قال: دخلت على الرضا عليه السلام و بين يديه إبريق يريد ان يتهيأ منه للصلوة، فدنوت منه لأصبّ عليه، فأبى ذلك و قال: مه يا حسن.
فقلت له: لم تنهاني أن أصبّ على يدك تكره أن اوجر؟
قال: توجر أنت و أوزر أنا.
فقلت له: و كيف ذلك؟
فقال: أما سمعت اللّه عز و جل يقول فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (3)و ها أنا ذا أتوضا للصلوة و هي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد. (4)
ص:370
الكشي في «الرجال» قال: حدّثني محمّد بن مسعود (1)قال:
أخبرنا عليّ بن الحسن بن فضّال (2)قال: حدّثني معمّر بن خلاّد قال: قال أبو الحسن الرّضا عليه السلام: إنّ رجلا من أصحاب عليّ عليه السلام يقال له: قيس (3)كان يصلّي فلمّا صلى ركعة أقبل أسود «سالخ» فصار في موضع السجود، فلمّا نحّى جبينه عن موضعه تطوّق الأسود في عنقه، ثمّ إنساب في قميصه، و إنّي أقبلت يوما من الفرع (4)فحضرت الصلوة فصرت إلى ثمامة (5)فلمّا صلّيت ركعة أقبل أفعى نحوي فأقبلت على صلاتي لم أخفّفها و لم ينتقص منها شيء، فدنا منّي ثمّ رجع إلى ثمامة، فلمّا فرغت من صلوتي، و لم أخفّف دعائي، دعوت بعض من معي فقلت: دونك الأفعى تحت الثمامة، و من لم يخف إلاّ اللّه تعالى كفاه. (6)
ص:371
ص:372
في جوده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد، عن إبن جمهور، عن إبراهيم بن عبد اللّه، عن أحمد بن عبد اللّه، عن الغفاري (1)قال: كان لرجل من آل أبي رافع مولى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقال له: طيس عليّ حق، فتقاضاني و ألحّ عليّ و أعانه الناس، فلما رأيت ذلك صلّيت الصبح في مسجد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ توجّهت نحو الرّضا عليه السلام و هو يومئذ بالعريض، فلما قربت من بابه إذا هو قد طلع على حمار، و عليه قميص ورداء، فلمّا نظرت إليه إستحييت منه فلمّا لحقني وقف و نظر إليّ فسلّمت عليه و كان شهر رمضان.
فقلت جعلني اللّه فداك: إنّ لمولاك طيس عليّ حقا و قد و اللّه شهرني و أنا أظنّ في نفسي أنّه يأمره بالكفّ عنّي و و اللّه ما قلت له: كم له عليّ و لا سمّيت له شيئا فأمرني بالجلوس إلى رجوعه، فلم أزل حتّى صلّيت المغرب و أنا صائم، فضاق صدري و أردت أن انصرف فإذا هو قد طلع عليّ و الناس حوله و قد قعد له السؤّال و هو يتصدّق عليهم،
ص:373
فمضى و دخل بيته ثمّ خرج و دعاني فقمت إليه و دخلت معه، فجلس و جلست، فجعلت احدّثه عن إبن المسيب و كان أمير المدينة و كان كثيرا ما احدّثه عنه، فلمّا فرغت قال: لا أظنّك أفطرت بعد؟
فقلت: لا فدعا لي بطعام فوضع بين يدّي، و أمر الغلام أن يأكل معي فأصبت و الغلام من الطعام.
فلمّا فرغنا قال لي: إرفع الوسادة و خذ ما تحتها فرفعتها و إذا دنانير، فأخذتها و وضعتها في كمّي و أمر أربعة من عبيده أن يكونوا معي حتى يبلغوني منزلي.
فقلت: جعلت فداك إنّ طايف إبن المسيّب يدور و أكره أن يلقاني و معي عبيدك.
فقال لي: أصبت أصاب اللّه بك الرّشاد، و أمرهم أن ينصرفوا إذا رددتهم، فلمّا قربت من منزلي و أمنت رددتهم، فصرت إلى منزلي و دعوت بالسراج و نظرت إلى الدنانير و إذا هي ثمانية و أربعون دينارا، و كان حقّ الرجل عليّ ثمانية و عشرين دينارا و كان فيها دينار يلوح فأعجبني حسنه، فأخذته و قرّبته من السراج فإذا عليه نقش واضح حقّ الرجل ثمانية و عشرون دينارا و ما بقي فهو لك و لا و اللّه ما عرّفت ماله عليّ و الحمد للّه ربّ العالمين الّذي أعزّ وليّه. (1)
2-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن صندل، عن ياسر (2)،
ص:374
عن اليسع بن حمزة قال: كنت في مجلس أبي الحسن الرّضا عليه السلام أحدّثه و قد إجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال و الحرام، إذ دخل عليه رجل طوال آدم (1)فقال: السّلام عليك يا بن رسول اللّه رجل من محبّيك و محبّي آبائك و أجدادك عليهم السلام، مصدري من الحجّ و قد إفتقدت نفقتي و ما معي ما أبلغ به مرحلة، فإن رأيت ان تنهضني إلي بلدي و للّه عليّ نعمة فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالّذي توليني عنك، فلست موضع صدقة.
فقال له: إجلس رحمك اللّه و أقبل على النّاس يحدّثهم حتّى تفرّقوا و بقي هو و سليمان الجعفري (2)، و خيثمة، و أنا.
فقال: أتأذنون لي في الدّخول؟
فقال له سليمان: قدّم اللّه أمرك فقام فدخل الحجرة و بقي ساعة، ثمّ خرج وردّ الباب، و أخرج يده من أعلى الباب و قال: أين الخراساني؟
فقال: ها أنا ذا.
فقال: خذ هذه مأتي دينار واستعن بها في مؤنتك و نفقتك و تبرّك بها و لا تصدّق بها عنّي، و اخرج فلا أراك و لا تراني.
ثمّ خرج، فقال له سليمان: جعلت فداك لقد أجزلت و رحمت، فلماذا سترت وجهك عنه؟
ص:375
فقال: مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته أما سمعت حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة، و المذيع بالسيئة مخذول، و المستتر بها مغفور له أما سمعت قول الاول (1).
متى آته يوما لأطلب حاجة
رجعت إلى أهلي و وجهي بمائه
(2)3-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعا عن إبن أبي نصر قال: قرأت في كتاب أبي الحسن الرّضا عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلام يا أبا جعفر بلغني أنّ الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير فإنّما ذلك من بخل منهم لئلاّ ينال منك أحد خيرا، و أسألك بحقّي عليك لا يكن مدخلك و مخرجك إلاّ من الباب الكبير، فإذا ركبت فليكن معك ذهب و فضة ثمّ لا يسألك أحد شيئا إلاّ أعطيته، و من سألك من عمومتك أن تبرّه فلا تعطه أقل من خمسين دينارا، و الكثير إليك (و من سألك من عمّاتك فلا تعطها أقل من خمسة و عشرين دينارا و الكثير إليك إنّي) إنّما أريد بذلك أن يرفعك اللّه فأنفق و لا تخش من ذي العرش إقتارا. (3)
ص:376
و رواه إبن بابويه في «عيون الأخبار» قال: حدّثنا أبي و محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى اللّه عنهما، قالا: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرّضا عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلام: يا أبا جعفر بلغني أنّ الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغيره (1)و ذكر الحديث بعينه.
4-إبن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق قال: حدّثني محمّد بن جعفر (2)بن بطّة قال: حدّثني محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عبد الرحمن الهمداني (3)، قال: حدّثني أبو محمّد الغفاري قال: لزمني دين ثقيل، فقلت ما لقضاء ديني غير سيّدي و مولاي أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام فلمّا أصبحت أتيت منزله فاستأذنت فأذن لي فلمّا دخلت قال لي إبتداء: يا أبا محمّد قد عرفنا حاجتك و علينا قضاء دينك، فلمّا أمسينا أتى بطعام للافطار فأكلنا فقال: يا أبا محمّد تبيت أو تنصرف؟
فقلت: يا سيّدي إن قضيت حاجتي فالإنصراف أحبّ إليّ.
ص:377
قال: فتناول عليه السلام من تحت البساط قبضة فدفعها إليّ، فخرجت و دنوت من السراج فإذا هي دنانير حمر و صفر، فأوّل دينار وقع بيدي و رأيت نقشه كان عليه يا أبا محمد الدنانير خمسون، ستة و عشرون منها لقضاء دينك و أربعة و عشرون لنفقة عيالك، فلمّا أصبحت فتشت الدنانير فلم أجد ذلك الدينار و إذا هي لا تنقص شيئا. (1)
5-و عنه عن الحسين بن أحمد بن إدريس، قال: حدّثني أبي عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن معمّر بن خلاّد قال: قال لي الريّان (2)بن الصلت بمرو، و قد كان الفضل بن سهل بعثه إلى بعض كور (3)خراسان، فقال لي: احبّ أن تستأذن لي على أبي الحسن عليه السلام فاسلّم عليه، و احبّ أن يكسوني من ثيابه، و أن يهب لي من الدراهم الّتي ضربت باسمه، فدخلت على أبي الحسن عليه السلام فقال لي مبتدئا: إنّ الريّان بن الصلت يريد الدخول علينا و الكسوة من ثيابنا و العطيّة من دراهمنا فأذنت له، فدخل و سلّم فأعطاه ثوبين و ثلاثين درهما من الدّراهم المضروبة باسمه. (4)
ص:378
و رواه الكشي في الرّجال بإسناده عن معمّر بن خلاّد.
ص:379
ص:380
فيما اعطاه عليه السلام الشعراء من دعبل و غيره
1-إبن بابويه قال حدّثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي، قال: حدّثني محمّد بن يحيى الصولي قال حدّثني هارون بن عبد اللّه المهلّبي، قال: لمّا وصل إبراهيم بن العبّاس، و دعبل بن عليّ الخزاعي إلى الرضا عليه السلام و قد بويع له بالعهد أنشده دعبل.
مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات
و أنشده إبراهيم بن العبّاس:
ازالت عزاء الصبر بعد التجلد (1) مصارع أولاد النبيّ محمّد
فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم الّتي عليها إسمه كان المأمون أمر بضربها في ذلك الوقت.
قال: فأما دعبل فصار بالعشرة آلاف التي حصّته إلى قم فباع كلّ درهم بعشرة دراهم، فحصلت له مائة ألف درهم، و أما إبراهيم فلم تزل عنده بعد أن أهدى بعضها و فرّق بعضها على أهله إلى أن توفي رحمه اللّه و كان كفنه و جهازه منها. (2)
2-و عنه قال: حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب
ص:381
رحمه اللّه: قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه قال: حدّثنا ابو الحسن (1)محمّد بن يحيى الفارسي قال: نظر أبو نواس (2)إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السلام ذات يوم، و قد خرج من عند المأمون على بغلة له، فدنا منه أبو نواس فسلّم عليه و قال: يا بن رسول اللّه قد قلت فيك أبياتا فاحبّ أن تسمعها منّي.
قال: هات فأنشأ يقول:
مطهّرون نقيّات ثيابهم (3)
تجري (4)الصلوة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علويّا حين تنسبه
فماله من قديم الدهر مفتخر
فاللّه لمّا برو خلقا فأتقنه
صفاكم و اصطفاكم أيّها البشر
فأنتم الملأ الأعلى و عندكم
علم الكتاب و ما جاءت به السور
ص:382
فقال الرضا عليه السلام: قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد، ثمّ قال: يا غلام هل معك من نفقتنا شيء؟
فقال: ثلثمائة دينار.
فقال: أعطها إيّاه، ثم قال عليه السلام لعلّه إستقلّها يا غلام سق إليه البغلة.
و لمّا كانت سنة إحدى و مأتين حجّ بالناس إسحق بن موسى (1)بن عيسى بن موسى و دعا للمأمون و لعليّ بن موسى عليهما السلام من بعده بولاية العهد، فوثب عليه حمدويه (2)بن عليّ بن موسى بن ماهان فدعا إسحق بسواد ليلبسه فلم يجده فأخذ علما أسود فالتحف به و قال: أيها الناس إنّي قد أبلغتكم ما أمرت به و لست أعرف إلاّ أمير المؤمنين المأمون و الفضل بن سهل ثم نزل.
و دخل عبد اللّه بن مطرف بن هامان على المامون يوما و عنده عليّ ابن موسى الرّضا عليه السلام قال له المأمون: ما تقول في أهل البيت؟
فقال عبد اللّه: ما قولي في طينة عجنت بماء الرسالة و غرست بماء الوحي هل ينفخ منها إلاّ مسك الهدى و عنبر التقى؟
قال: فدعا المأمون بحقّة فيها لؤلؤ فحشافاه. (3)
ص:383
3-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن يحيى المكتّب، قال: حدّثنا أبو الطيّب أحمد بن محمّد الورّاق، قال: حدّثنا عليّ بن هارون الحميري، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي قال: إنّ المأمون لمّا جعل عليّ بن موسى الرضا عليه السلام وليّ عهده و انّ الشعراء قصدو المأمون و وصلهم بأموال جمّة حين مدحوا الرضا عليه السلام و صوبّوا رأي المأمون في الأشعار دون أبي نواس فإنّه لم يقصده و لم يمدحه، و دخل على المأمون فقال: يا أبا نواس قد علمت مكان عليّ بن موسى الرضا منّي و ما أكرمته به فلماذا أخّرت مدحه عليه السلام و أنت شاعر زمانك و قريع 1دهرك؟
فأنشأ يقول:
قيل لي أنت أوحد الناس طرّا في فنون من الكلام النبيه
لك من جوهر الكلام بديع يثمر الدرّ في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى و الخصال التي تجمّعن فيه
قلت: لا أهتدي لمدح أمام كان جبريل خادما لأبيه
فقال المأمون أحسنت و وصله من المال مثل الّذي وصل به كافّة الشعراء و فضلّه عليهم. 2
4-و عنه قال: حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام
ص:384
المؤدّب، و عليّ بن عبد اللّه الورّاق رضي اللّه عنهما قالا: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخل دعبل بن عليّ الخزاعي رحمه اللّه على أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام بمرو فقال له: يا بن رسول اللّه إنّي قد قلت فيك: قصيدة و آليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك.
فقال عليه السلام هاتها فأنشده.
مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات
فلمّا بلغ إلى قوله:
أرى فيئهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات
بكى أبو الحسن الرّضا عليه السلام و قال له: صدقت يا خزاعي.
فلمّا بلغ إلى قوله:
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم أكفّا من الأوتار منقبضات
جعل أبو الحسن عليه السلام يقلّب كفّيه و يقول: أجل و اللّه منقبضات.
فلمّا بلغ إلى قوله:
لقد خفت في الدنيا و أيّام سعيها و إنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي
قال الرضا عليه السلام: آمنك اللّه يوم الفزع الأكبر.
فلمّا إنتهى إلى قوله:
و قبر ببغداد لنفس زكيّة تضمنّها الرحمن في الغرفات
قال له الرضا عليه السلام: أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟
ص:385
فقال: بلى يا بن رسول اللّه.
فقال عليه السلام:
و قبر بطوس يا لها من مصيبة توقّد في الأحشاء بالحرقات
(1) إلى الحشر حتّى يبعث اللّه قائما يفرّج عنّا الهمّ و الكربات
فقال دعبل: يا بن رسول اللّه هذا القبر الذي بطوس، قبر من هو؟ فقال الرّضا عليه السلام: قبري و لا تنقضي الأيّام و الليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي و زوّاري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له.
ثم نهض الرضا عليه السلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة و أمره أن لا يبرح من موضعه فدخل الدّار فلمّا كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية، فقال له: يقول لك مولاي: إجعلها في نفقتك.
فقال دعبل: و اللّه ما لهذا جئت، و لا قلت هذه القصيدة طمعا في شيء يصل إليّ وردّ الصرّة، و سأل ثوبا من ثياب الرضا عليه السلام ليتبرّك و يتشرف به فأنفذ إليه الرّضا عليه السلام جبّة خز مع الصرّة، و قال للخادم: قل له: خذ هذه الصرّة فإنّك ستحتاج إليها و لا تراجعني فيها.
فأخذ دعبل الصرّة، و الجبّة، و إنصرف و سار من مرو في قافلة، فلمّا بلغ ميان قوهان، وقع عليهم اللّصوص فأخذوا القافلة بأسرها
ص:386
و كتّفوا أهلها و كان دعبل فيمن كتّف، و ملك اللصوص القافلة و جعلوا يقسمونها بينهم، فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل في قصيدته:
أرى فيئهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات
فسمعه دعبل فقال لهم (1)لمن هذا البيت؟
فقال: لرجل من خزاعة يقال له: دعبل بن عليّ.
قال دعبل: فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت، فوثب الرجل إلى رئيسهم، و كان يصلّي على رأس تلّ و كان من الشيعة، فأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل و قال له: أنت دعبل؟
فقال: نعم.
فقال له: أنشد (2)القصيدة فأنشدها، فحلّ كتافه و كتاف جميع أهل القافلة و ردّ إليهم جميع ما أخذوا (3)منهم لكرامة دعبل.
و سار دعبل حتّى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع فلمّا إجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة، فوصله الناس من المال و الخلع بشيء كثير، و إتصل بهم خبر الجبّة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار فامتنع من ذلك، فقالوا له: فبعنا شيئا منها بألف دينار فأبى عليهم و سار عن قم، فلمّا خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب فأخذوا الجبّة منه، فرجع دعبل إلى قم و سألهم ردّ الجبّة عليه فامتنع الأحداث من
ص:387
ذلك و عصوا المشايخ في أمرها، فقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبّة فخذ ثمنها ألف دينار فأبى عليهم فلمّا يئس من ردّهم الجبّة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها فأجابوه إلى ذلك و أعطوه بعضها و دفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار.
و إنصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله فباع المائة دينار التي كان الرّضا عليه السلام وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم، فحصل في يده عشرة آلاف درهم فذكر قول الرّضا عليه السلام: إنّك ستحتاج إلى الدنانير.
و كانت له جارية لها من قلبه محلّ فرمدت عينها رمدا عظيما فأدخل أهل الطب عليها فنظروا إليها فقالوا: أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة و قد ذهبت، و أمّا اليسرى فنحن نعالجها و نجتهد و نرجو أن تسلم، فاغتمّ لذلك دعبل غمّا شديدا و جزع عليها جزعا عظيما ثمّ ذكر ما كان معه من وصلة الجبّة فمسحها على عيني الجارية و عصبها بعصابة منها من أوّل الليل فأصبحت و عيناها أصحّ ممّا كانتا قبل ببركة أبي الحسن الرّضا عليه السلام. (1)
5-الكشي في «الرجال» بلغني أنّ دعبل بن عليّ الخزاعي وفد على أبي الحسن الرّضا عليه السلام بخراسان فلمّا دخل عليه قال له: إنّي قد قلت قصيدة و جعلت في نفسي أن لا أنشدها أحدا أولى منك.
فقال: هاتها فأنشده قصيدته التي يقول فيها.
ص:388
ألم تر أنّي مذ ثلاثون حجّة أروح و أغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات
قال: فلمّا فرغ من إنشادها قام أبو الحسن عليه السلام فدخل منزله و بعث إليه بخرقة خز فيها ستمائة دينار، و قال للجارية: قولي له: يقول مولاي: إستعن بهذه على سفرك و أعذرنا، فقال لها دعبل: لا و اللّه ما هذا أردت و لا له خرجت، و لكن قولي له هب لي ثوبا من ثيابك، فردّها عليه أبو الحسن الرضا عليه السلام و قال له: خذها و بعث اليه بجبّة من ثيابه.
فخرج دعبل حتّى ورد قم فنظروا إلى الجبة و أعطوه بها ألف دينار، فأبى عليهم و قال: لا و اللّه و لا خرقة منها بألف دينار ثمّ خرج من قم فأتبعوه قد جمعوا عليه فأخذوا الجبّة فرجع إلى قم و كلّمهم فيها.
فقالوا: ليس إليها سبيل، و لكن إن شئت فهذه ألف دينار.
فقال: نعم و خرقة منها، فأعطوه ألف دينار و خرقة منها. (1)
قلت: قد تقدّم في الباب الخامس أنّها قميص خزّ أخضر، و قال له عليه السلام: إحتفظ بهذه القميص فقد صلّيت فيه ألف ليلة كلّ ليلة ألف ركعة، و ختمت فيه القرآن ألف ختمة. (2)
ص:389
ص:390
في ذكر قصيدة دعبل بطولها
تجاوبن بالإرنان و الزفرات
نوائح عجم اللّفظ و النطقات
(1) يخبّرن بالأنفاس عن سرّ أنفس
أسارى هوى ماض و آخر آت
فأسعدن أو أسعفن حتى تقوّضت
جيوش الدجى بالفجر منهزمات
(2) على العرصات الخاليات من المها
سلام شج صبّ على العرصات
(3) فعهدي بها خضر المعاهد مألفا
من العطرات البيض و الخفرات
ص:391
ليالي يعدين الوصال على القلى
و يعدى تدانينا على الغربات
(1) و إذهنّ يلحظن العيون سوافرا
و يسترن بالأيدي على الوجنات
(2) و إذ كلّ يوم لي بلحظي نشوة
يبيت بها قلبي على نشوات
(3) و كم حسرات هاجها بمحسّر
و قوفي يوم الجمع من عرفات
(4) ألم تر للايّام ما جرّ جورها
على الناس من نقض و طول شتات
(5) و من دول المستهزئين و من غدا
بهم طالبا للنور في الظّلمات
ص:392
فكيف؟ و من أنّى يطالب زلفة
إلى اللّه بعد الصّوم و الصّلوات
سوى حبّ أبناء النبيّ و رهطه
و بغض بني الزّرقاء و العبلات
(1) و هند (2)و ما أدّت سميّة (3)و ابنها
اولوا الكفر في الإسلام و الفجرات
(4) هم نقضوا عهد الكتاب و فرضه
و محكمه بالزور و الشبهات
ص:393
و لم تك إلاّ محنة كشفتهم
بدعوى ضلال من هن و هنات
(1) تراث بلا قربى و ملك بلا هدى
و حكم بلا شورى بغير هدات
(2) رزايا أرتنا خضرة الافق حمرة
و ردّت أجاجا طعم كلّ فرات
(3) و ما سهّلت تلك المذاهب فيهم
على الناس إلاّ بيعة الفلتات
(4) و ما قيل أصحاب السقيفة جهرة
بدعوي تراث في الضلال نتات
ص:394
و لو قلّدوا الموصى إليه أمورها
لزمّت بمأمون على العثرات
(1) أخي خاتم الرسل المصفّى من القذى
و مفترس الأبطال في الغمرات
(2) فإن جحدوا كان الغدير شهيده
و بدر و أحد شامخ الهضبات
(3) و آي من القرآن تتلى بفضله
و إيثاره بالقوت في اللزبات
(4) و عزّ خلال أدركته بسبقها
مناقب كانت فيه مؤتنفات
ص:395
مناقب لم تدرك بخير و لم تنل
بشيء سوى حدّ القنا الذربات
(1) نجيّ لجبريل الأمين و أنتم
عكوف على العزى معا و منات
(2) بكيت لرسم الدار من عرفات
و أذريت دمع العين بالعبرات
(3) و بان عرى صبري و هاجت صبابتي
رسوم ديار قد عفت و عرات
(4) مدارس آيات خلت من تلاوة
و منزل وحي مقفر العرصات
ص:396
لآل رسول اللّه بالخيف (1)من منى
و بالبيت و التعريف (2)و الجمرات
3 ديار لعبد اللّه بالخيف من منى
و للسيّد الداعي إلى الصلوات
ديار عليّ و الحسين و جعفر
و حمزة و السجّاد ذي الثفنات
4 ديار لعبد اللّه و الفضل صنوه
نجيّ رسول اللّه في الخلوات
و سبطي رسول اللّه و ابني وصيّه
و وارث 5علم اللّه و الحسنات
ص:397
منازل وحي اللّه ينزل بينها
على أحمد المذكور في السورات
منازل قوم يهتدى بهداهم
فتؤمن منهم زلّة العثرات
منازل كانت للصلاة و للتقى
و للصوم و التطهير و الحسنات
منازل لا تيم يحلّ بربعها
و لا إبن صهّاك هاتك الحرمات
ديار عفاها جور (1)كلّ منابذ
و لم تعف للايّام و السنوات
قفا (2)نسئل الدار الّتي خفّ أهلها
متى عهدها (3)بالصوم و الصّلوات
ص:398
و أين الاولى شطّت بهم غربة النوى
أفانين في الأقطار مفترقات
(1) هم أهل ميراث النبيّ إذا إعتزوا (2)
و هم خير سادات و خير حماة
إذا لم نناج اللّه في صلواتنا
بأسمائهم لم تقبل الصلوات
مطاعيم (3)للإعسار في كلّ مشهد
لقد شرفوا بالفضل و البركات
و ما النّاس إلاّ غاصب و مكذّب
(6) إذا ذكروا قتلى ببدر و خيبر
و يوم حنين أسبلوا العبرات
ص:399
فكيف يحبّون النبيّ و رهطه
و هم تركوا أحشاءهم و غرات
(1) لقد لا ينوه في المقال و أضمروا
قلوبا على الأحقاد منطويات
فإن لم يكن إلاّ بقربى محمّد
فهاشم أولى من هن و هنات
(2) سقى اللّه قبرا بالمدينة غيثه
فقد حلّ فيه الأمن و البركات
نبيّ الهدى صلّى عليه مليكه
و بلّغ عنّا روحه النفحات
(3) و صلّى عليه اللّه ما ذرّ شارق (4)
و لاحت (5)نجوم اللّيل مبتدرات
(6) أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا
و قد مات عطشانا بشطّ فرات
ص:400
إذا للطمت الخدّ فاطم عنده
و أجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير و اندبي
نجوم سماوات بأرض فلات
قبور بكوفان (1)و اخرى بطيبة (2)
و أخرى بفخّ (3)نالها صلوات
و اخرى بأرض الجوزجان محلّها
و قبر بباخمرى لدى الغربات
4
ص:401
و قبر ببغداد لنفس زكيّة
تضمّنها 1الرحمن في الغرفات
و قبر بطوس يا لها من مصيبة
الحت على الأحشاء بالزفرات
2 إلى الحشر حتّى يبعث اللّه قائما
يفرّج عنّا الغمّ و الكربات
3
ص:402
عليّ بن موسى أرشد اللّه أمره
و صلّى عليه أفضل الصلوات
(1) فأمّا الممضّات (2)التي لست بالغا (3)
مبالغها منّي بكنه صفات
قبور (4)ببطن النهر من جنب كربلا
توفّوا عطاشا بالفرات فليتني
توفّيت فيهم قبل حين وفاتي
إلى اللّه أشكوا لوعة (7)عند ذكرهم
سقتني بكأس الثكل (8)و الفظعات
أخاف بأن أزدارهم فتشوقني
مصارعهم بالجزع فالنخلات
ص:403
تغشّاهم (1)ريب (2)المنون فما ترى
لهم عقرة مغشيّة (3)الحجرات
(4) خلا أنّ منهم بالمدينة عصبة
7 قليلة زوّار سوى أنّ 8زورّا
من الضبع 9و العقبان 10و الرخمات
11
ص:404
لهم كلّ يوم تربة بمضاجع
ثوت (1)في نواحي الأرض مفترقات
(2) تنكّب (3)لأواء السنين جوارهم
و لا تصطليهم جمرة الجمرات
(4) لقد كان منهم بالحجاز و أرضها
مغاوير (5)نحّارون في الأزمات
(6) حمى لم تزره المذنبات و أوجه
تضييّ لدى الأستار و الظلمات
إذا وردوا خيلا بسمر من القنا
مساعير حرب أقحموا الغمرات
(7) فإن فخروا يوما أتوا بمحمّد
و جبريل و الفرقان و السورات
ص:405
و عدّوا عليا ذا المناقب و العلى
و فاطمة الزهراء خير بنات
و حمزة و العباس ذا الطول و التقى
و جعفرا الطيّار في الحجبات
اولئك لا منتوج هند و حزبها
سميّة من نوكى (1)و من قذرات
(2) ستسأل تيم (3)عنهم و عديّهم (4)
و بيعتهم من أفجر الفجرات
هم منعوا الأباء عن أخذ حقّهم
و هم تركوا الأبناء رهن شتات
و هم عدلوها عن وصييّ محمّد
فبيعتهم جاءت عن الغدرات
وليّهم صنو النبيّ محمّد
أبو الحسن الفرّاج للغمرات
ص:406
ملامك (1)في آل النبيّ فإنّهم
أحبّاي ما داموا و أهل ثقاتي
تخيّرتهم رشدا لنفسي (2)و إنّهم
على كلّ حال خيرة (3)الخيرات
قصدت إليهم (4)بالمودّة صادقا
و سلّمت نفسي طائعا لولاتي
فيا ربّ زدني في هواى (5)بصيرة
وزد حبّهم يا ربّ في حسناتي
سأبكيهم ما حجّ للّه راكب
و ما ناح قمريّ على الشجرات
و إنّي لمولاهم و قال عدوّهم
و إنّي لمحزون بطول حياتي
بنفسي أنتم من كهول و فتية
لفكّ عنات (6)أو لحمل ديات
ص:407
و للخيل لمّا قيّد الموت خطوها
فأطلقتم منهن بالذربات
(1) احبّ قصيّ الرّحم (2)من أجل حبّكم
و أهجر فيكم زوجتي و بناتي
و اكتم حبيّكم (3)مخافة كاشح (4)
عنيد لأهل الحقّ غير موات
(5) فياعين بكيّهم وجودي بعبرة
فقد آن للتسكاب (6)و الهملات
(7) لقد خفت في الدنيا و أيام سعيها (8)
و إنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي
ألم تر أنّي مذ ثلاثون حجّة (9)
اروح و اغدو دائم الحسرات
ص:408
أرى فيئهم (1)في غيرهم متقسّما
و أيديهم من فيئهم صفرات
و كيف أداوي من جوى بي؟ و الجوى (2)
أمية أهل الكفر و اللعنات
(3) و آل زياد في الحرير مصونة
و آل رسول اللّه منهتكات
سأبكيهم ما ذرّفي الافق (4)شارق
و نادى منادي الخير بالصلوات
و ما طلعت شمس و حان غروبها
و بالليل أبكيهم و بالغدوات
ديار رسول اللّه اصبحن بلقعا (5)
و آل زياد تسكن الحجرات
و آل رسول اللّه تدمى نحورهم
و آل زياد ربّة الحجلات
ص:409
و آل رسول اللّه يسبى حريمهم
و آل زياد آمنوا السربات
(1) و آل رسول اللّه نحف جسومهم
و آل زياد غلّظ القصرات
(2) اذا وتروا مدّوا إلى واتريهم (3)
أكفّا عن الأوتار منقبضات
فلولا الّذي أرجوه في اليوم أوغد
تقطّع نفسي إثرهم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج
يقوم على اسم اللّه و البركات
(4) يبيّن فيها كلّ حق و باطل
و يجزى على النعماء و النقمات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس فابشري
فغير بعيد كلّ ما هو آت
ص:410
و لا تجزعي من مدّة الجوار إننّي
أرى قوّتي قد آذنت بشتات
فياربّ عجّل ما اؤمّل فيهم
لأشفي نفسي من أسى المحنات
فإن قرّب الرحمن من تلك مدّتي
و أخّر من عمري و وقت وفاتي
شفيت و لم أترك لنفسي غصة
و روّيت منهم منصلي (1)و قناتي
فإنّي من الرحمن أرجو بحبّهم
حياة لدى الفردوس غير بتات
(2) عسى اللّه أن يرتاح (3)للخلق إنّه (4)
إلى كلّ قوم دائم اللحظات
فإن قلت عرفا أنكروه بمنكر
و غطّوا على التحقيق بالشبهات
تقاصر (5)نفسي دائما عن جدالهم
كفاني ما ألقى من العبرات
ص:411
أحاول نقل الصمّ (1)عن مستقرّها
و إسماع أحجار من الصلدات
فحسبى منهم أن أبوء (2)بغصّة (3)
تردّد في صدري و في لهواتي
(4) فمن عارف لم ينتفع و معاند
تميل به الأهواء للشهوات
(5) كأنّك بالأضلاع قد ضاق ذرعها (6)
لما حملت من شدّة الزفرات
(7)قال عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» : قد أورد الطبرسي قصّة دعبل الخزاعي عن أبي الصلّت الهروي قال: دخل دعبل بن عليّ الخزاعيّ على الرّضا عليه السلام بمرو فقال له: يا بن رسول اللّه إنّي قلت فيكم قصيدة، و آليت على نفسي أن لا انشدها أحدا قبلك، فقال له الرّضا عليه السلام: هاتها فأنشد.
تجاوبن بالإرنان و الزفرات نوائح عجم اللفظ و النطقات
ثمّ ذكر القصيدة بطولها بهذا العدد و هي مأة و عشرون بيتا كعدّة ما ذكرناه
ص:412
ص:414
في قصة دعبل من طريق العامة
كمال الدين محمّد بن طلحة الشامي في «مطالب السئول» قال:
قال دعبل: لمّا قلت: «مدارس آيات خلت» قصدت بها أبا الحسن عليّ ابن موسى الرضا عليه السلام و هو بخراسان وليّ عهد المأمون في الخلافة فوصلت المدينة، و حضرت عنده و أنشدته إيّاها فاستحسنها و قال لي: لا تنشدها أحدا حتى آمرك.
و إتّصل خبري بالخليفة المأمون فأحضرني و سألني عن خبري ثمّ قال: يا دعبل أنشدني «مدارس آيات خلت من تلاوة» .
فقلت: ما أعرفها يا أمير المؤمنين.
فقال: يا غلام أحضر أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام فلم يك إلاّ ساعة حتّى حضر، فقال له: يا أبا الحسن سألت دعبلا عن « مدارس آيات» فذكر أنّه لا يعرفها، فقال لي أبو الحسن عليه السلام: يا دعبل أنشد أمير المؤمنين، فأخذت فيها فأنشدتها فاستحسنها و أمر لي بخمسين ألف درهم، و أمر لي أبو الحسن عليّ بن موسى عليهما السلام بقريب من ذلك.
فقلت: يا سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني فقال: نعم ثمّ دفع إليّ قميصا قد ابتذله و منشفة لطيفة، و قال لي: إحفظ
ص:415
هذا تحرس به، ثم دفع لي ذو الرياستين أبو العبّاس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة، و حملني على برزون أصفر خراساني و كنت، أسايره في يوم مطير، و عليه ممطر خزّ و برنس، فأمر لي به، و دعا بغيره جديدا فلبسه، و قال: إنّما آثرتك باللبيس لأنّه خير الممطرين.
قال فأعطيت به ثمانين دينارا فلم تطب نفسي ببيعه، ثم كررّت راجعا إلى العراق فلمّا صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا و كان ذلك اليوم يوما مطيرا فبقيت في قميص خلق و ضرّ شديد و أنا متاسّف من جميع ما كان معي على القميص و المنشفة و متفكّر في قول سيّدي الرّضا عليه السلام إحتفظ بهذا تحرس به إذ مرّ بي واحد من الأكراد الحرامية تحته البرزون الأصفر الخراساني الذي حملني عليه ذو الرياستين و عليه الممطر و وقف بالقرب منّي ليجتمع إليه أصحابه و هو ينشد: «مدارس آيات خلت من تلاوة» و يبكي فلمّا رأيت ذلك منه عجبت من لصّ من الأكراد يتشيّع ثمّ طمعت في القميص و المنشفة.
فقلت: يا سيّدي لمن هذه القصيدة؟ فقال: و ما أنت و ذاك ويلك؟ فقلت له: فيه سبب أخبرك به، فقال: هي أشهر بصاحبها أن يجهل فقلت: من هو؟
فقال: دعبل بن عليّ الخزاعي شاعر آل محمّد جزاه اللّه خيرا.
فقلت له: يا سيّدي أنا و اللّه دعبل، و هذه قصيدتي.
فقال: و يلك ما تقول؟
قلت: الأمر أشهر من ذلك فأرسل إلى القافلة و استحضر منهم جماعة، فقالوا بأسرهم: هذا دعبل بن عليّ الخزاعي.
ص:416
قال: قد أطلقت كلّما أخذ من هذه خلالة (1)فما فوقها كرامة لك، ثمّ نادى في أصحابه: من أخذ شيئا فليردّه فرجع على الناس جميع ما أخذ منهم، و رجع إليّ جميع ما كان معي ثم بذرقنا (2)إلى المأمن فحرست أنا و من كان معي ببركة ذلك القميص و المنشفة.
فانظر إلى هذه المنقبة ما أعلاها و ما أشرفها، و قد يقف على هذه القصيدة بعض الناس ممّن يطالع هذا الكتاب و يقرأه فتدعوه نفسه إلى معرفة هذه الأبيات المعروفة «بمدارس آيات» و يشتهي الوقوف عليها و ينسبني إلى إعراضي عن ذكرها، إمّا لأننّي لم أعرفها، أو أننّي جهلت ميل النفوس حينئذ على الوقوف عليها، فأحببت أن أدخل راحة على بعض النفوس، و أن أدفع عني هذا النقص المتطرّق إلى بعض الظنون فأوردت منها ما يناسب ذلك و هي هذه:
ذكرت محّل الربع (3)من عرفات
فأسبلت دمع العين بالعبرات
و قلّ عرى صبري و هاج صبابتي (4)
ص:417
مدارس آيات خلت من تلاوة
و مهبط وحي مقفر العرصات
لآل رسول اللّه بالخيف من منى
و بالبيت و التعريف و الجمرات
ديار عليّ و الحسين و جعفر
و حمزة و السجّاد ذي الثفنات
ديار عفاها جور كلّ معاند
و لم تعف بالأيّام و السنوات
ديار لعبد اللّه و الفضل صنوه
سليل (1)رسول اللّه ذى الدعوات
منازل كانت للصلوة و للتقى
و للصوم و التطهير و الحسنات
منازل جبريل الأمين يحلّها
من اللّه بالتسليم و الزكوات
منازل وحي اللّه معدن علمه
سبيل رشاد واضح الطرقات
منازل وحي اللّه ينزل حولها
على أحمد الروحات و الغدوات
ص:418
و إنّ الاولى شطّت (1)بهم غربة النوى (2)
أفانين (3)في الأقطار مفترقات
هم آل ميراث النبي إذا انتموا
و هم خير سادات و خير حمات
مطاعيم في الإعسار في كلّ مشهد
لقد شرّفوا بالفضل و البركات
إذا لم نناج اللّه في صلواتنا
بذكرهم لم تقبل الصلوات
أئمّة عدل يقتدى بفعالهم
و يؤمن منهم زلّة العثرات
فيار ربّ زد قلبي هدى و بصيرة
وزد حبّهم يا ربّ في حسناتي
ديار رسول اللّه أصبحن باتعا
ودار زياد أصبحت عمرات
و آل رسول اللّه هلب (4)رقابهم
و آل زياد غلّظ القصرات
ص:419
و آل رسول اللّه تدمى نحورهم
و آل زياد زينوا الحجلات
و آل رسول اللّه تسبى حريمهم
و آل زياد آمنوا السربات
و آل زياد في القصور مصونة
و آل رسول اللّه في الفلوات
فيا وارثي علم النبيّ و آله
عليكم سلام دائم النفحات
لقد أمنت نفسي بكم في حياتها
و إنّي لأرجوا الأمن بعد وفاتي
ثم قال كمال الدين بن طلحة عقيب ذلك: و ممّا تلقّته الأسماع بالإستماع و نقله الألسن في بقاع الأصقاع أنّ الخليفة المأمون وجد في يوم عيد إنحراف مزاج أحدث عنده ثقلا عن الخروج إلى الصلوة بالناس، فقال لأبي الحسن عليّ الرّضا عليه السلام: يا أبا الحسن قم و صلّ بالناس فخرج الرّضا عليه السلام و عليه قميص قصير أبيض و عمامة بيضاء لطيفة، و هما من قطن، و في يده قضيب، فأقبل ماشيا يأمّ المصلّى و هو يقول: السلام على أبويّ آدم و نوح، السّلام على أبوي إبراهيم و إسماعيل، السّلام على أبوي محمّد و عليّ، السلام على عباد اللّه الصالحين.
ص:420
فلمّا رأوه الناس هرعوا (1)اليه و انثالوا (2)عليه لتقبيل يده، فأسرع بعض الحاشية الى الخليفة المأمون فقال: يا أمير المؤمنين تدارك الناس و اخرج اليهم و صلّ بالناس و إلاّ خرجت الخلافة منك الآن، فحمله على أن خرج بنفسه و جاء مسرعا و الرّضا عليه السلام من كثرة الزحام لم يخلص إلى المصلّى فتقدّم المأمون و صلّى بالناس.
فلمّا إنقضى ذلك قال هرثمة بن أعين (3): و كان في خدمة الخليفة إلاّ أنّه محبّ لأهل البيت الى الغاية يأخذ نفسه بأنّه من شيعتهم و كان قائما بمصالح الرّضا عليه السلام باذلا نفسه بين يديه، متقرّبا إلى اللّه بخدمته قال: طلبني سيّدي الرّضا عليه السلام و قال: يا هرثمة إنّي مطّلعك على أمر و حالة تكون عندك سرّا لا تظهرها و أنا حيّ فإن أظهرتها حال حياتي كنت خصمك عند اللّه تعالى.
فقال هرثمة: إنّي لا اعلم بها أحدا ما لم تأمرني.
فقال: إعلم أننّي بعد أيّام آكل عنبا و رمّانا مسموما، و يقصد الخليفة أن يجعل قبري و مدفني خلف قبر أبيه الرّشيد، و إنّ اللّه تعالى لم يقدره على ذلك، فإنّ الأرض تشتدّ عليهم فلا يستطيع أحد يحفر
ص:421
شيئا منها، و إنّما قبري في بقعة كذا بموضع عيّنه، فأنا إذا متّ و جهّزت فأعلمه بجميع ما قلت لك، و قل له: يتأنّ في الصلوة عليّ فإنّه يأتي رجل عربيّ ملثم على بعير مسرع و عليه و عثاء (1)السفر فينزل عن بعيره و يصلّي عليّ فإذا صلّى عليّ و حملت فاقصد المكان الذي عيّنته لك، فاحضر شيئا يسيرا من وجه الأرض تجد قبرا محفورا في قعره ماء أبيض فإذا كشفته نضب (2)الماء فهو مدفني فادفنّي و اللّه اللّه أن تخبر بهذا قبل موتي.
قال هرثمة بن أعين: فو اللّه ما طالت مدتّه حتّى أكل عنبا و رمّانا كثيرا فمات فدخلت على الخليفة فوجدته يبكي عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين عاهدني الرّضا عليه السلام على أمر أقوله لك، و قصصت عليه تلك القصة الّتي قالها من أوّلها إلى آخرها و هو يعجب ممّا أقوله، فأمر بتجهيزه، فلمّا تجهّز تأنّى بالصلوة عليه و إذا بالرّجل قد أقبل على بعير من الصحراء مسرعا فلم يتكلّم، ثمّ دخل إلى جنازته فوقف و صلّى عليه و خرج، و صلّى الناس عليه و أمر الخليفة بطلب الرّجل ففاتهم فلم يعلموا له خبرا ثمّ أمر الخليفة بأن يحفر له قبر خلف أبيه الرشيد، فعجز الحافرون عن الحفر فذهبت إلى موضع ضريحه الآن فبقدر ما كشف وجه الأرض ظهر قبر محفور، و كشفت عنه طوابيقه (3)و إذا في قبره ماء أبيض كما قال فأعلمت الخليفة به و أبصر على الصورة التي ذكرها
ص:422
فنضب الماء فدفن فيه و لم يزل الخليفة المأمون يعجب من قوله و لم يزد عنه كلمة واحدة عمّا ذكرها و ازداد تأسّفه عليه، و كلّما خلوت في خدمته يقول: يا هرثمة كيف قال لك أبو الحسن عليه السلام؟ فاعيد عليه.
فانظر إلى هذه المنقبة العظيمة و الكرامة البالغة التي ينطق بعناية اللّه عزّ و جلّ و إزلاف مكانه عنده إنتهى كلام العامي كمال الدين إبن طلحة الشامي. (1)
قال مؤلف هذا الكتاب: انظر أيّها الموالي إلى هؤلاء المخالفين الّذين هم منحرفون عن الأئمة الإثني عشر عليهم السلام يروون عن أئمتنا عليهم السلام ما يوجب لهم الإمامة من المعاجز الدالّة على صدق دعواهم الإمامة كالمعاجز الّتي ظهرت على أيدي الأنبياء الدالّة على صدق دعواهم النبوّة فإنّ اللّه جلّ جلاله لا يظهر المعاجز على أيدي الكذّابين عليه لأنّه إغراء بالقبيح المستحيل عليه، و قد ذكر هذا العامي و غيره من طرقهم في معاجز أئمّتنا عليهم السلام ما ذكرت منه في كتاب «مدينة معاجز الائمة الاثني عشر» ما هو مذكور هناك و الحمد للّه رب العالمين.
ص:423
ص:424
في ذكر العهد من المأمون إلى الإمام أبي الحسن
الرّضا عليه السلام بخطهما
قال الشيخ الفاضل عليّ بن عيسى في كتاب «كشف الغمّة» قال الفقير إلى اللّه تعالى عليّ بن عيسى أثابه اللّه تعالى: و في سنة سبعين و ستّمائة وصل من مشهده الشريف يعني الرّضا عليه اسلام أحد قوّامه، و معه العهد الّذي كتب له المأمون (1)بخطّ يده و بين سطوره و في ظهره بخطّ الإمام عليه السلام ما هو مسطور فقبّلت مواضع أقلامه و سرّحت نظري (2)في روض كلامه، و عددت الوقوف عليه من منن اللّه و إنعامه، و نقلته حرفا حرفا و ما هو بخطّ المأمون.
بسم اللّه الرحمن الرحيم: هذا كتاب كتبه عبد اللّه بن هارون الرشيد أمير المؤمنين لعليّ بن موسى بن جعفر عليهم السلام وليّ عهده، أمّا بعد فإنّ اللّه عزّ و جلّ إصطفى الإسلام دينا و إصطفى له من عباده رسلا دالّين عليه، و هادين إليه، يبشّر أولّهم بآخرهم، و يصدّق تاليهم ماضيهم، حتى إنتهت نبّوة اللّه إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على
ص:425
فترة من الرسل، و دروس من العلم، و إنقطاع من الوحي، و إقتراب من الساعة، فختم اللّه به النبيين، و جعله شاهدا لهم و مهيمنا عليهم، و أنزل عليه كتابه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، بما أحلّ و حرّم، و أوعد و توعدّ، و حذّر و أنذر، و أمر به و نهى عنه، لتكون له الحجّة البالغة على خلقه ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنة و إنّ اللّه سميع عليم (1).
فبلّغ عن اللّه رسالته، و دعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالّتي هي أحسن، ثمّ بالجهاد و الغلظة حتّى قبضه اللّه إليه، و إختار له ما عنده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فلمّا إنقضت النبّوة و ختم اللّه بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الوحي و الرّسالة جعل قوام الدين و نظام أمر المسلمين بالخلافة، و إتمامها و عزّها و القيام بحق اللّه تعالى فيها بالطاعة التي بها يقام فرائض اللّه و حدوده، و شرايع الإسلام و سننه، و يجاهد بها عدوه.
فعلى خلفاء اللّه طاعته فيما إستحفظهم و إسترعاهم من دينه و عباده و على المسلمين طاعة خلفائهم و معاونتهم على إقامة حقّ اللّه، و عدله، و أمن السبيل و حقن الدماء و صلاح ذات البين «و جمع الالفة، و في خلاف ذلك إضطراب حبل المسلمين و إختلالهم و اختلاف ملّتهم و قهر دينهم» و إستعلاء عدوّهم و تفرّق الكلمة و خسران الدنيا و الآخرة.
ص:426
فحقّ على من إستخلفه اللّه تعالى في أرضه و ائتمنه على خلقه أن يجهد للّه نفسه و يؤثر ما فيه رضاه (1)و طاعته و يعتدّ لما وفق اللّه موافقه عليه و مسائله عنه (2)و يحكم بالحق و يعمل بالعدل فيما حمّله اللّه و قلّده، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول لنبيه داود: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي اَلْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ اَلنّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ اَلْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اَللّهِ إِنَّ اَلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اَللّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ اَلْحِسابِ (3)و قال عزّ و جلّ: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ (4).
و بلغنا أنّ عمر بن الخطّاب قال: لو ضاعت سخلة بشاطيء الفرات لتخوّفت أن يسألني عنها، و أيم اللّه إنّ المسؤل من خاصّة نفسه الموقوف على عمله فيما بين اللّه و بينه ليعرض على أمر كبير و على خطر عظيم، فكيف و المسئول عن رعاية الامّة و باللّه الثقة، و إليه المفزع و الرغبة في التوفيق و العصمة و التسديد و الهداية لما (5)فيه ثبوت الحجّة و الفوز من اللّه بالرضوان و الرحمة.
و أنظر الامّة لنفسه و أنصحهم للّه في دينه و عباده من خلفائه (6)في
ص:427
أرضه من عمل بطاعته (1)و كتابه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مدّة أيامه و بعدها، و أجهد نظره و رأيه فيمن يولّيه عهده، و يختاره لإمامة المسلمين و رعايتهم بعده و ينصبه علما لهم و مفزعا في جمع الفتهم و لمّ شعثهم، و حقن دمائهم، و الأمن باذن اللّه من فرقتهم و فساد ذات بينهم و إختلافهم، و رفع نزغ الشيطان و كيده عنهم، فإنّ اللّه عزّ و جلّ جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام و كماله و عزّه و صلاح أهله و ألهم خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة و شملت فيه العافية و نقض اللّه بذلك مكر أهل الشقاق و العداوة و السعي في الفرقة و التربّص للفتنة.
و لم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها و ثقل محملها و شدّة مؤنتها و ما يجب على من تقلّدها من إرتباط طاعة اللّه و مراقبته فيما حمله منها فأنصب بدنه و أسهر عينه و أطال فكره فيما فيه عزّ الدين و قمع المشركين و صلاح الامّة و نشر العدل و إقامة الكتاب و السنّة و منعه ذلك من الخفض و الدعة و مهنّؤا العيش علما بما اللّه سائله عنه و محبة أن يلقى اللّه مناصحا له في دينه و عباده و مختارا لولاية عهده و رعاية الامّة من بعده أفضل من يقدر عليه في دينه و ورعه و علمه و أرجاهم للقيام في أمر اللّه و حقّه مناجيا للّه بالإستخارة في ذلك و مسألته العامّة ما فيه رضاه و طاعته في آناء ليله و نهاره، معملا في طلبه و إلتماسه في أهل بيته من ولد عبد اللّه بن العبّاس و عليّ بن أبي
ص:428
طالب فكره و نظره، مقتصرا لمن علم حاله و مذهبه منهم على علمه، و بالغا في المسألة عمّن خفى عليه امره جهده و طاقته.
حتى إستقصى امورهم معرفة، و إبتلى أخبارهم مشاهدة، و إستبرأ أحوالهم معاينة، و كشف ما عندهم مسائلة، و كانت خيرته بعد إستخارته للّه تعالى و إجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده و بلاده في البيتين جميعا عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام لما رأى من فضله البارع له، و علمه الناصع (1)و ورعه الظاهر و زهده الخالص و تخلّيه من الدنيا و تسلّمه من الناس.
و قد إستبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة، و الألسن عليه متّفقة، و الكلمة فيه جامعة، و لمّا لم يزل يعرفه بها من الفضل يافعا و ناشئا و حدثا و مكتهلا فعقد له بعقد الخلافة (2)من بعده، واثقا بخيرة اللّه في ذلك إذ علم اللّه أنّه فعله إيثارا له و للدين، و نظرا للاسلام و المسلمين، و طلبا للسلامة و ثبات الحجّة (3)، و النجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لربّ العالمين.
و دعا أمير المؤمنين ولده و أهل بيته و خاصّته و قوّاده و خدمه فبايعوا مسرعين مسرورين، عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة اللّه على
ص:429
الهوى في ولده و غيرهم ممّن هو أشبك رحما (1)و أقرب قرابة و سمّي الرضا (2)إذ كان رضى عند أمير المؤمنين، فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين و من بالمدينة المحروسة من قوّاده و جنده و عامّة المسلمين لأمير المؤمنين و للرّضا من بعده عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام على اسم اللّه و بركته و حسن قضائه لدينه و عباده بيعة مبسوطة إليها أيديكم، منشرحة لها صدوركم، عاملين بما أراد أمير المؤمنين بها، و آثر طاعة اللّه و النظر لنفسه و لكم فيها، شاكرين للّه على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقّه في رعايتكم، و حرصه على رشدكم و صلاحكم، راجين عائدة ذلك في جمع الفتكم، و حقن دماءكم و لمّ شعثكم و سدّ ثغوركم و قوة دينكم و رغم عدوكم و إستقامة اموركم و سارعوا إلى طاعة اللّه و طاعة أمير المؤمنين فإنّه الأمن إن سارعتم إليه و حمدتم اللّه عليه عرفتم الحظّ ان شاء اللّه (3).
و كتب بيده في يوم الإثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى و مأتين صورة ما كان على ظهر العهد بخطّ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام:
بسم اللّه الرحمن الرحيم: ألحمد للّه الفعّال لما يشاء، لا معقبّ لحكمه و لا رادّ لقضائه يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور و صلواته على نبيّه محمد خاتم النبيين و على آله الطيبين الطاهرين.
ص:430
أقول و أنا عليّ بن موسى بن جعفر: إنّ أمير المؤمنين عضّده اللّه بالسداد و وفّقه للرشاد، عرف من حقّنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطّعت، و آمن نفوسا فزعت، بل أحياها و قد تلفت، و اغناها إذا افتقرت، مبتغيا رضا ربّ العالمين، لا يريد جزاء من غيره و سيجزي اللّه الشاكرين، و لا يضيع أجر المحسنين.
و إنّه جعل إليّ عهده و الأمرة الكبرى و إن بقيت بعده فمن حلّ عقدة أمر اللّه بشدّها و قصم عروة أحب اللّه إيثاقها فقد أباح حريمه و أحلّ محرّمه، إذ كان بذلك زاريا على الإمام، منتهكا حرمة الاسلام، بذلك جرى السالف فصبر منه على الفلتات، و لم يعترض بعدها على الغرمات، خوفا من شتات الدين و إضطراب حبل المتين (1)و لقرب أمر الجاهلية و رصد فرصة تنتهز، و بائقة تبتدر.
و جعلت للّه على نفسي أن إسترعاني أمر المسلمين، و قلّدني خلافته العمل فيهم عامّة و في بني العبّاس بن عبد المطلب خاصّة بطاعته و طاعة رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أن لا أسفك دما حراما و لا ابيح فرجا و لا مالا إلا ما سفكته حدوده و أباحته فرائضه و أن أتخير الكفاة جهدي و طاقتي، و جعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكّدا يسألني اللّه عنه و أنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اَللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ (2)و قال عزّ من قائل وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ اَلْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (3).
ص:431
و إن أحدثت أو غيّرت أو بدّلت كنت للغير متسحقّا، و للنكال متعرّضا و أعوذ باللّه من سخطه و اليه أرغب في التوفيق لطاعته، و الحول بيني و بين معصيته في عافية لي و للمسلمين.
و الجامعة و الجفر يدلاّن على ضدّ ذلك، وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ (1)، إِنِ اَلْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ اَلْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ اَلْفاصِلِينَ (2).
لكنّي إمتثلت أمر أمير المؤمنين و آثرت رضاه و اللّه يعصمني و إيّاه، و اشهد اللّه على نفسي بذلك و كفى باللّه شهيدا.
و كتبت بخطّي بحضرة أمير المؤمنين أطال اللّه بقاءه، و الفضل بن سهل و سهل بن الفضل، و يحيى بن اكثم (3)، و عبد اللّه بن طاهر (4)، و ثمامة بن أشرس (5)، و بشر بن المعتمر (6)، و حماد بن النعمان (7)في
ص:432
شهر رمضان سنة احدى و مأتين.
الشهود على الجانب الأيمن: شهد يحيى بن اكثم على مضمون هذا الكتاب ظهره و بطنه، و هو يسأل اللّه ان يعرّف أمير المؤمنين و كافة المسلمين بركة هذا العهد و الميثاق، و كتبه بخطّه في التاريخ المبيّن فيه.
عبد اللّه بن طاهر بن الحسين أثبت شهادته فيه بتاريخه.
شهد حمّاد بن النعمان بمضمونه ظهره و بطنه و كتب بيده في تاريخه بشر بن المعتمر يشهد بمثل ذلك.
الشهود على الجانب الايسر: رسم (1)أمير المؤمنين أطال اللّه بقاءه قراءة هذه الصحيفة التي هي صحيفة الميثاق نرجو أن نجوز بها الصراط، ظهرها و بطنها بحرمة سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين الروضة و المنبر على رؤوس الأشهاد بمرأى و مسمع من وجوه بني هاشم و سائر الأولياء بعد إستيفاء شروط البيعة عليهم بما أوجب أمير المؤمنين الحجة به على جميع المسلمين، و لتبطل الشبهة التي كانت إعترضت آراء الجاهلين و ما كان اللّه ليدز المؤمنين على ما أنتم عليه، و كتب الفضل بن سهل بحضرة أمير المؤمنين بالتاريخ فيه (2).
ثم قال عليّ بن عيسى: قال الفقير إلى اللّه الغنيّ تعالى أثابه اللّه تعالى و رأيت خطه عليه السلام في واسط سنة سبع و سبعين و ستمائة
ص:433
جوابا عمّا كتبه إليه المأمون و هو:
بسم اللّه الرحمن الرحيم: وصل كتاب أمير المؤمنين أطال اللّه بقاءه يذكر ما ثبت من الروايات و رسم أن أكتب له ما صحّ عندي من هذه الشعرة الواحدة و الخشبة التي لرحا (1)اليد لفاطمة بنت محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على أبيها و زوجها و بنيها و هذه الشعرة الواحدة شعرة من شعر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا شبهة و لا شك، و هذه الخشبة المذكورة لفاطمة عليها السلام لا ريب و لا شبهة، و أنا قد تفحّصت و تحرّيت و كتبت و كتبت إليك فاقبل قولي فقد أعظم اللّه لك في هذا الفحص أجرا عظيما و باللّه التوفيق و كتب علي بن موسى ابن جعفر عليهم السلام في سنة إحدى (2)و مأتين من هجرة صاحب التنزيل انتهى. (3)
ص:434
في خروجه عليه السلام الى صلاة العيد
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن ياسر الخادم، و الريّان بن الصلت جميعا قال: لمّا انقضى أمر المخلوع (1)و إستوى الأمر للمأمون كتب الى الرضا عليه السلام يستقدمه إلى خراسان فاعتلّ عليه أبو الحسن عليه السلام بعلل، فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك حتّى علم أنّه لا محيص له و أنّه لا يكفّ عنه فخرج عليه السلام و لأبي جعفر عليه السلام سبع سنين فكتب إليه المأمون لا تأخذ على طريق الجبل و قم و خذ على طريق البصرة و الأهواز و فارس حتى وافى مرو.
فعرض عليه المأمون أن يتقلّد الأمر و الخلافة فأبى أبو الحسن عليه السلام.
قال: فولاية العهد.
فقال: على شروط أسألكها.
قال المأمون له: سل ما شئت، فكتب الرضا عليه السلام: إنّي داخل في ولاية العهد على أن لا آمر و لا أنهى و لا أفتي و لا أقضي، و لا اولّي و لا أعزل و لا اغيرّ شيئا مما هو قائم، و تعفيني من ذلك كلّه، فأجابه
ص:435
المأمون إلى ذلك كلّه.
قال: فحدّثني ياسر قال: فلمّا حضر العيد بعث المأمون إلى الرّضا عليه السلام يسأله أن يركب و يحضر العيد و يصلّي و يخطب، فبعث إليه الرّضا عليه السلام قد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخول هذا الأمر فبعث اليه المأمون إنما اريد بذلك ان تطمئن قلوب الناس و يعرفوا فضلك فلم يزل عليه السلام يرادّه الكلام في ذلك فألحّ عليه، فقال يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحبّ إليّ و إن لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السلام.
فقال المأمون: اخرج كيف شئت، و أمر المأمون القوّاد و الناس أن يبكّروا (1)إلى باب أبي الحسن عليه السلام.
قال: فحدّثني ياسر الخادم أنّه قعد الناس لأبي الحسن عليه السلام في الطرقات و السطوح الرّجال و النّساء و الصبيان، و إجتمع القوّاد و الجند على باب أبي الحسن عليه السلام فلمّا طلعت الشمس قام عليه السلام فاغتسل و تعمّم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى طرفا منها على صدره، و طرفا بين كتفيه، و تشمّر (2)، ثم قال لجميع مواليه: افعلوا مثل ما فعلت ثم أخذ بيده عكّازا (3)ثم خرج و نحن بين يديه و هو حاف قد
ص:436
شمّر (1)سراويله إلى نصف الساق، و عليه ثياب مشمّرة، فلمّا مشى و مشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء و كبّر أربع تكبيرات، فخيّل إلينا أنّ السماء و الحيطان تجاوبه، و القوّاد و الناس على الباب قد تهيّؤا و لبسوا السلاح و تزيّنوا بأحسن الزينة.
فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصورة و طلع الرضا عليه السلام وقف على الباب وقفة ثم قال: اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر على ما هدانا، اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، و الحمد للّه على ما أبلانا نرفع بها أصواتنا.
قال ياسر: فتزعزعت مرو بالبكاء و الضجيج و الصياح لمّا نظروا إلى أبي الحسن عليه السلام و سقط القوّاد عن دوابّهم و رموا بخفافهم لمّا رأوا أبا الحسن عليه السلام حافيا و كان يمشي و يقف في كل عشر خطوات، و يكبر ثلاث مرّات.
قال ياسر: فتخيّل الينا أن السماء و الأرض و الجبال تجاوبه، و صارت مرو ضجّة واحدة من البكاء، و بلغ المأمون ذلك فقال له الفضل ابن سهل ذو الرياستين: يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا عليه السلام المصلّى على هذا السبيل إفتتن به الناس، و الرأي أن تسأله أن يرجع، فبعث اليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن عليه السلام بخفّه فلبسه و ركب و رجع. (2)
ص:437
2-و رواه أيضا في «العلل» قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب، و عليّ بن عبد اللّه الورّاق رضي اللّه عنهم، قالوا: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدّثني ياسر الخادم: لمّا رجع من خراسان بعد وفاة أبي الحسن الرضا عليه السلام بطوس باخباره كلّها، قال عليّ بن إبراهيم: و حدّثني الريّان بن الصلت، و كان من رجال الحسن بن سهل، و حدّثني أبي، عن محمّد بن عرفة 1، و صالح بن سعيد 2الكاتب الراشديين كلّ هؤلاء حدّثني بأخبار أبي الحسن عليه السلام و قالوا: لمّا إنقضى أمر المخلوع 3و إستوى أمر المأمون كتب إلى الرّضا عليه السلام يستقدمه إلى خراسان و ساق الحديث إلى آخره. 4
ص:438
في مقامات له عليه السلام مع المأمون
1-إبن بابويه قال: حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن تاتانه رحمه اللّه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن أبي الصلت الهروي قال: إنّ المأمون قال للرضا عليّ بن موسى عليه السلام:
يابن رسول اللّه قد عرفت فضلك و علمك و زهدك و ورعك و عبادتك و أراك أحقّ بالخلافة منّي.
فقال الرّضا عليه السلام: بالعبوديّة للّه تعالى أفتخر، و بالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا، و بالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، و بالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند اللّه تعالى.
فقال له المأمون: إني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، و أجعلها لك و أبايعك.
فقال له الرضا عليه السلام: إن كانت هذه الخلافة لك و اللّه جعلها لك فلا يجوز لك أن تخلع لباسا ألبسكه اللّه و تجعله لغيرك، و إن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك.
فقال له المأمون: يابن رسول اللّه لا بدّ لك من قبول هذا الأمر.
فقال: لست أفعل ذلك طائعا أبدا فما زال يجهد به أيّاما حتى يئس من قبوله، فقال له: فإن لم تقبل الخلافة و لم تحبّ مبايعتي لك فكن
ص:439
ولي عهدي لتكون ذلك الخلافة بعدي.
فقال: الرضا عليه السلام و اللّه لقد حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّي أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسمّ مظلوما تبكي عليّ ملائكة السماء و ملائكة الأرض و أدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد، فبكى المأمون ثم قال له: يا ابن رسول اللّه و من الذي يقتلك أو يقدر على الاساءة اليك و أنا حيّ؟
فقال الرضا عليه السلام: أما إنّي لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت.
فقال المأمون: يا ابن رسول اللّه إنّما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك، و دفع هذا الأمر عنك ليقول الناس: إنّك لزاهد (1)في الدنيا.
فقال الرضا عليه السلام: و اللّه ما كذبت منذ خلقني ربّي عزّ و جلّ و ما زهدت في الدنيا للدنيا، و إنّي لأعلم ما تريد.
فقال المأمون: و ما اريد؟
قال: الأمان على الصدق.
قال: لك الأمان.
قال: تريد بذلك أن يقول الناس: إنّ علي بن موسى لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة، فغضب المأمون ثم قال: إنّك تتلقاني ابدا بما اكرهه، و قبد
ص:440
آمنت سطواتي فبالله اقسم لان قبلت ولاية العهد و إلاّ أجبرتك على ذلك، فإن فعلت و إلاّ ضربت عنقك.
فقال الرضا عليه السلام: قد نهاني اللّه عزّ و جلّ أن ألقى بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هاذا فافعل ما بدا لك و أنا أقبل ذلك على أني لا اوّلي أحدا و لا أعزل أحدا و لا أنقض رسما و لا سنّة، و أكون في الأمر من بعيد مشيرا، فرضي منه ذلك، و جعله وليّ عهده على كراهة منه عليه السلام لذلك. (1)
2-و عنه قال حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن الريّان بن الصلت قال:
أكثر الناس في بيعة الرّضا عليه السلام من القوّاد و العامة، و من لم يحبّ ذلك، و قالوا: إنّ هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرياستين، فبلغ المأمون ذلك فبعث إليّ في جوف الليل فصرت إليه، فقال: يا ريّان بلغني أنّ الناس يقولون: إنّ بيعة الرضا عليه السلام كانت من تدبير الفضل بن سهل.
فقلت: يا أمير المؤمنين يقولون ذلك.
قال: ويحك يا ريّان أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة و ابن خليفة قد إستقامت (2)له الرعية و القوّاد و إستوت له الخلافة فيقول له: إدفع الخلافة من يدك إلى غيرك، أيجوز هذا في العقل؟
ص:441
قال قلت له: لا و اللّه يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد.
قال: لا و اللّه ما كان كما يقولون، و لكنّي سأخبرك بسبب ذلك.
إنّه لمّا كتب إليّ محمّد أخي يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عليه، عقد لعليّ بن عيسى بن ماهان (1)و أمره أن يقيّدني بقيد، و يجعل الجامعة (2)في عنقي فورد عليّ بذلك الخبر، و بعثت هرثمة بن أعين إلى سجستان و كرمان و ما والاهما، فأفسد عليّ أمري و إنهزم هرثمة، و خرج صاحب السرير، و غلب على كور خراسان من ناحية فورد عليّ هذا كلّه في اسبوع.
فلما ورد ذلك عليّ لم يكن لي قوّة في ذلك، و لا كان لي مال أتقوّى به، و رأيت من قوّادي و رجالي الفشل و الجبن أردت أن ألحق بملك كابل، فقلت في نفسي: ملك كابل رجل كافر و يبذل محمّد له الأموال فيدفعني إلى يده، فلم أجد وجها أفضل من أن أتوب إلى اللّه تعالى من ذنوبي و أستعين به على هذه الامور، و أستجير باللّه تعالى فأمرت بهذا البيت، و أشار إلى بيت فكنس، و صببت عليّ الماء، و لبست ثوبين أبيضين و صليت أربع ركعات فقرأت فيها من القرآن ما حضرني، و دعوت اللّه تعالى و إستجرت باللّه و عاهدته عهدا وثيقا بنيّة صادقة إن أفضى اللّه بهذا الأمر إليّ و كفاني عادية هذه الامور الغليظة أن
ص:442
أضع هذا الأمر في موضعه الّذي وضعه اللّه تعالى فيه.
ثمّ قوى فيه قلبي فبعثت طاهرا إلى عليّ بن عيسى بن ماهان، فكان من أمره ما كان، ورددت هرثمة بن أعين الى رافع (1)فظفر به و قتله، و بعثت إلى صاحب السرير فهادنته و بذلت له شيئا حتى رجع، فلم يزل أمري يقوى حتى كان من أمر محمّد ما كان و أفضى اللّه إليّ بهذا الأمر و استوى لي.
فلمّا وفى اللّه تعالى لي بما عاهدته عليه أحببت أن أفي للّه تعالى ما عاهدته، فلم أر أحدا أحقّ بهذا الأمر من أبي الحسن الرّضا عليه السلام فوضعته فيه، فلم يقبلها إلاّ على ما قد علمت، فهذا كان سببها فقلت:
وفق اللّه أمير المؤمنين.
فقال: يا ريّان إذا كان غدا و حضر الناس فاقعد بين هؤلاء القوّاد و حدّثهم بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
فقلت: يا أمير المؤمنين ما أحسن من الحديث شيئا إلاّ ما سمعته منك.
فقال: سبحان اللّه ما أجد أحدا يعينني على هذا الأمر، لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري و دثاري.
فقلت: يا أمير المؤمنين أنا احدّث عنك بما سمعته منك من
ص:443
الأخبار؟
فقال: نعم حدّث عني بما سمعته منّي من الفضائل، فلمّا كان من الغد، قعدت بين القوّاد في الدار فقلت: حدّثني أمير المؤمنين، عن أبيه، عن آبائه: عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، و حدّثني أمير المؤمنين، عن أبيه، عن آبائه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى، و كنت أخلط الحديث بعضه ببعض لا أحفظه على وجهه.
و حدّثت بحديث خيبر، و بهذه الأخبار المشهورة، فقال لي عبد اللّه بن مالك الخزاعي (1): رحم اللّه عليّا كان رجلا صالحا، و كان المأمون قد بعث غلاما إلى مجلسنا يسمع الكلام فيؤدّيه إليه.
قال الريّان: فبعث إليّ المأمون فدخلت إليه فلمّا رآني قال: يا ريّان ما أرواك للأحاديث و أحفظك لها؟
ثم قال: قد بلغني ما قال اليهوديّ عبد اللّه بن مالك في قوله: «رحم اللّه عليا كان رجلا صالحا» و اللّه لأقتلنّه إنشاء اللّه.
و كان هشام بن إبراهيم الراشدي الهمداني (2)من أخصّ الناس عند الرضا عليه السلام من قبل أن يحمل و كان عالما أديبا لبيبا و كانت أمور الرّضا عليه السلام تجري من عنده و على يده و تصير الأموال من
ص:444
النّواحي كلّها إليه قبل حمل أبي الحسن عليه السلام فلمّا حمل أبو الحسن عليه السلام إتصل هشام بن إبراهيم بذي الرياستين و قرّبه ذو الرياستين (1)و أدناه و كان ينقل أخبار الرضا عليه السلام إلى ذي الرياستين و المأمون، فحظي بذلك عندهما و كان لا يخفي عنهما (2)من أخباره شيئا.
فولاّه المأمون حجابة الرضا عليه السلام فكان لا يصل إلى الرّضا عليه السلام إلاّ من أحب و ضيّق على الرّضا عليه السلام و كان من يقصده من مواليه لا يصل إليه، و كان لا يتكلم الرضا عليه السلام في داره بشيء إلاّ أورده هشام على المأمون و ذي الرياستين، و جعل المأمون العباس (3)إبنه في حجر هشام و قال له: أدّبه فسمّي هشام العبّاسي لذلك.
قال: و أظهر ذو الرياستين عداوة شديدة لأبي الحسن عليه السلام و حسده على ما كان المأمون يفضّله به فأوّل ما ظهر لذي الرياستين من أبي الحسن عليه السلام أنّ إبنة عمّ المأمون كانت تحبّه و كان يحبّها و كان ينفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون و كانت تميل إلى أبي الحسن
ص:445
عليه السلام و تحبّه، و تذكر ذا الرياستين و تقع فيه.
فقال ذو الرياستين حين بلغه ذكرها له: لا ينبغي أن يكون باب دار النساء مشرعا إلى مجلسك فأمر المأمون بسدّه.
و كان المأمون يأتي الرضا عليه السلام يوما و الرّضا عليه السلام يأتي المأمون يوما و كان منزل أبي الحسن عليه السلام بجنب منزل المأمون، فلمّا دخل أبو الحسن عليه السلام إلى المأمون و نظر إلى الباب مسدودا قال: يا أمير المؤمنين ما هذا الباب الّذي سددته؟
فقال: رأى الفضل ذلك و كرهه.
فقال الرضا عليه السلام: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، ما للفضل و الدخول بين أمير المؤمنين و حرمه؟
قال: فما ترى؟
قال: فتحه و الدخول إلى إبنة عمّك، و لا تقبل قول الفضل فيما لا يحلّ و لا يسع، فأمر المأمون بهدمه و دخل على إبنة عمّه فبلغ الفضل ذلك فغمّه. (1)
3-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن أحمد السناني رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن خلف، قال:
حدّثني هرثمة بن أعين، قال: دخلت على سيدي و مولاي يعني الرّضا عليه السلام في دار المأمون و كان قد ظهر في دار المأمون أنّ الرضا عليه السلام قد توفي و لم يصح هذا القول فدخلت اريد الاذن عليه قال: و كان
ص:446
في بعض ثقاة خدم المأمون غلام يقال له: صبيح الديلمي و كان يتولّى سيّدي عليه السلام حقّ ولايته، و إذا صبيح قد خرج.
فلما رآني، قال لي: يا هرثمة ألست تعلم أني ثقة المأمون على سرّه و علانيته؟
قلت: بلى قال: إعلم يا هرثمة أنّ المأمون دعاني و ثلاثين غلاما من ثقاته على سرّه و علانيته في الثلث الأوّل من اللّيل، فدخلت عليه و قد صار ليله نهارا من كثرة الشموع، و بين يديه سيوف مسلولة مشحوذة مسمومة فدعا بنا غلاما غلاما، و أخذ علينا العهد و الميثاق بلسانه، و ليس بحضرتنا أحد من خلق اللّه غيرنا، فقال لنا: هذا العهد لازم لكم إنّكم تفعلون ما آمركم به و لا تخالفوا فيه شيئا.
قال: فحلفنا له، فقال: يأخذ كلّ واحد منكم سيفا بيده و امضوا حتى تدخلوا على عليّ بن موسى الرضا عليه السلام في حجرته، فإن وجدتموه قائما أو قاعدا أو نائما فلا تكلّموه وضعوا أسيافكم عليه، و اخلطوا لحمه و دمه و شعره و عظمه و مخّه، ثمّ اقلبوا عليه بساطه و إمسحوا أسيافكم به و صيروا إلي، و قد جعلت لكل واحد منكم على هذا الفعل و كتمانه عشر بدر دراهم و عشر ضياع منتخبة و الحظوظ عندي ما حييت و بقيت.
قال: فأخذنا الأسياف بأيدينا و دخلنا عليه في حجرته فوجدناه مضطجعا يقلب طرف يديه و يتكلّم بكلام لا نعرفه، قال: فبادر الغلمان إليه بالسيوف و وضعت سيفي و أنا قائم أنظر اليه و كأنّه قد كان علم مصيرنا إليه فلبس على بدنه ما لا تعمل فيه السيوف، فطووا عليه بساطه
ص:447
و خرجوا حتى دخلوا على المأمون، فقال: ما صنعتم؟
قالوا: فعلنا ما أمرتنا به يا أمير المؤمنين، قال لا تعيدوا شيئا ممّا كان.
فلما كان عند تبلّج الفجر خرج المأمون فجلس مجلسه مكشوف الرأس محلّل الأزرار و أظهر وفاته و قعد للتعزية، ثمّ قام حافيا حاسرا فمشى لينظر إليه و أنا بين يديه فلمّا دخل عليه حجرته سمع همهمته فارعد، ثم قال: من عنده؟
قلت: لا علم لنا يا أمير المؤمنين، فقال: أسرعوا و انظروا.
قال صبيح: فأسرعنا إلى البيت فإذا سيّدي عليه السلام جالس في محرابه يصلّى و يسبّح، فقلت: يا أمير المؤمنين هوذا نرى شخصا في محرابه يصلّي و يسبّح فانتفض المأمون و ارتعد، ثمّ قال: غدرتموني لعنكم اللّه.
ثم التفت اليّ من بين الجماعة فقال لي: يا صبيح أنت تعرفه فانظر من المصلّي عنده قال صبيح: فدخلت و تولّى المأمون راجعا، ثم صرت إليه عند عتبة الباب قال عليه السلام لي: يا صبيح، قلت: لبيك يا مولاي و قد سقطت لوجهي، فقال: قم يرحمك اللّه يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اَللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اَللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكافِرُونَ (1).
قال: فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل المظلم، فقال لي: يا صبيح ما وراءك، فقلت له: يا أمير المؤمنين هو و اللّه جالس
ص:448
في حجرته و قد ناداني و قال لي: كيت و كيت.
قال: فشدّ أزراره و أمر بردّ أثوابه و قال: قولوا إنّه كان: غشي عليه و إنّه قد أفاق، قال هرثمة فأكثرت للّه عزّ و جلّ شكرا و حمدا.
ثمّ دخلت على سيّدي الرّضا عليه السلام فلما رآني قال: يا هرثمة لا تحدّث أحدا بما حدثّك به صبيح إلاّ من إمتحن اللّه قلبه للإيمان بمحبّتنا و ولايتنا.
فقلت: نعم يا سيّدي.
ثمّ قال عليه السلام: يا هرثمة و اللّه لا يضرّنا كيدهم شيئا حتى يبلغ الكتاب أجله. (1)
4-و عنه، قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق، و الحسين بن إبراهيم ابن أحمد بن هشام المؤدّب، و حمزة بن محمد بن احمد العلوي، و أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنهم، قالوا: أخبرنا عليّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، و حدّثنا أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان رضي اللّه عنه، عن أحمد بن أدريس، عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال:
رفع إلى المأمون أنّ أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام يعقد مجالس الكلام، و الناس يفتتنون بعلمه، فأمر محمّد بن عمرو الطوسي حاجب المأمون فطرد الناس عن مجلسه و أحضره، فلمّا نظر إليه المأمون زبره (2)و استخفّ به فخرج أبو الحسن الرّضا عليه السلام من
ص:449
عنده مغضبا و هو يدمدم شفتيه (1)و يقول: و حقّ المصطفى و المرتضى و سيّدة النساء عليهم السلام لأستنزلنّ من حول اللّه تعالى بدعائي عليه ما يكون سببا لطرد كلاب أهل هذه الكورة إيّاه و إستخفافهم به و بخاصّته و عامّته.
ثمّ إنّه عليه السلام إنصرف إلى مركزه و إستحضر الميضاة و توضأ و صلّى ركعتين وقنت في الثانية فقال:
أللّهم يا ذا القدرة الجامعة، و الرحمة الواسعة و المنن المتتابعة، و الآلاء المتوالية و الأيادي الجميلة، و المواهب الجزيلة، يا من لا يوصف بتمثيل، و لا يمثّل بنظير، و لا يغلب بظهير يا من خلق فرزق، و ألهم فأنطق، و إبتدع فشرع، و علا فارتفع، و قدّر فأحسن، و صوّر فأتقن، و إحتجّ فأبلغ، و أنعم فأسبغ، و أعطى فأجزل، يا من سما في العز، ففات خواطف الأبصار، و دنا في اللطف فجاز هواجس الأفكار، يا من تفرّد بالملك فلا ندّ له في ملكوت سلطانه، و توحّد بالكبرياء فلا ضدّ له في جبروت شأنه.
يا من حارت في كبرياء هيبته دقائق لطائف الأوهام، و حسرت دون إدراك عظمته خطائف أبصار الأنام، يا عالم خطرات قلوب العارفين، و يا شاهد لحظات أبصار الناظرين، يا من عنت الوجوه لهيبته، و خضعت الرّقاب لجلالته، و وجلت القلوب من خيفته و إرتعدت الفرائص من فرقته، يا بديء يا بديع يا قويّ يا منيع يا عليّ يا رفيع، صلّ
ص:450
على من شرّفت الصلوة بالصلوة عليه، و إنتقم لي ممّن ظلمني و إستخفّ بي و طرد الشيعة عن بابي، و أذقه مرارة الذلّ و الهوان كما أذاقنيها و إجعله طريد الأرجاس و شريد الأنجاس.
قال أبو الصلت عبد السّلام بن صالح الهروي: فما إستتمّ مولاي عليه السلام دعائه حتى وقعت الرجفة في المدينة و إرتجّ البلد، و إرتفعت الزعقة (1)و الضجة و استفحلت (2)النعرة: و ثارت الغبرة، و هاجت القاعة (3)فلم أزائل مكاني إلى أن سلّم مولاي عليه السلام فقال لي: يا أبا الصلت إصعد السطح فإنّك سترى إمرأة بغية عثة رثّة (4)مهيّجة الأشرار، متّسخة الأطمار، يسميّها أهل هذه الكورة سمانة، لغباوتها و تهتّكها، قد اسندت مكان الرمح إلى نحرها قصبا، و قد شدّت وقاية لها حمراء إلى طرفه مكان اللواء، فهي تقود جيوش القاعة، و تسوق عساكر الطغام (5)إلى قصر المأمون و منازل قوّاده.
فصعدت السطح فلم أر إلاّ نفوسا تزعزع بالعصاء، و هامات ترضخ بالأحجار، و لقد رأيت المأمون متدرّعا قد برز من قصر الشاهجان متوجّها للهرب فما شعرت إلاّ بشاجرد الحجّام قد رمى من بعض أعالي السطوح لبنة ثقيلة فضرب بها رأس المأمون فأسقطت بيضته بعد أن شقّت جلدة هامته.
ص:451
فقال لقاذف اللبة (1)بعض من عرف المأمون و يلك هذا أمير المؤمنين، فسمعت سمانة تقول: اسكت لا امّ لك ليس هذا يوم التمييز و المحاباة و لا يوم إنزال الناس على طبقاتهم فلو كان هذا أمير المؤمنين لما سلّط ذكور الفجّار على فروج الأبكار و طرد المأمون و جنوده أسوء طرد بعد إذلال و إستخفاف شديدة. (2)
ص:452
و هو من الباب الاول من طريق الخاصة و العامة
1-ابن بابويه قال: حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب و علي بن عبد اللّه الورّاق، و أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنهم، قالوا: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، قال كنت عند مولاي الرّضا عليه السلام بخراسان، و كان المأمون يقعده على يمينه إذا قعد للناس، يوم الإثنين و يوم الخميس فرفع إلى المأمون أنّ رجلا من الصوفية سرق، فأمر بإحضاره، فلمّا نظر إليه وجده متقشّفا (1)بين عينيه أثر السجود، فقال له: سوأة لهذه الآثار الجميلة و هذا الفعل القبيح، أتنسب إلى السرقة مع ما أرى من جميل آثارك و ظاهرك؟
قال: فعلت ذلك إضطرارا لا إختيارا حين منعتني حقّي من الخمس و الفيء.
فقال المأمون: و أيّ حقّ لك في الخمس و الفيء؟
قال: إنّ اللّه تعالى قسّم الخمس ستة أقسام فقال: وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى وَ اَلْيَتامى
ص:453
وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ اَلْفُرْقانِ يَوْمَ اِلْتَقَى اَلْجَمْعانِ (1)و قسّم الفيء على ستّة أقسام فقال عزّ و جلّ: ما أَفاءَ اَللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْقُرى فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى وَ اَلْيَتامى وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ اَلْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ (2).
قال: فمنعتني حقّي (3)و أنا إبن السبيل منقطع بي و مسكين لا أرجع على شيء و من حملة القرآن.
فقال له المأمون: أعطّل حدّا من حدود اللّه و حكما من أحكامه في السارق من أجل أساطيرك هذه؟
فقال الصوفي: إبدأ بنفسك تطهّرها ثمّ طهّر غيرك و أقم حدّ اللّه تعالى عليها ثمّ على غيرك، فالتفت المأمون إلى أبي الحسن عليه السلام فقال: ما يقول؟
فقال: إنّه يقول سرق (4)فسرق، فغضب المأمون غضبا شديدا، ثمّ قال للصوفي: و اللّه لأقطعنّك فقال الصوفي: أتقطعني و أنت عبد لي؟
ص:454
فقال المأمون: و يلك من أين صرت عبدا لك؟
فقال: لأنّ امّك اشتريت من مال المسلمين، فأنت عبد لمن في المشرق و المغرب حتى يعتقوك، و أنا لم اعتقك، ثم بلّعت الخمس بعد ذلك فلا أعطيت آل الرسول حقا و لا أعطيتني و نظرائي حقّنا:
و الاخرى أنّ الخبيث لا يطهّر خبيثا مثله، إنّما يطهّره طاهر، و من في جنبه الحدّ لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه، أما سمعت اللّه تعالى يقول: أَ تَأْمُرُونَ اَلنّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ اَلْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (1).
فالتفت المأمون إلى أبي الحسن عليه السلام فقال: ما ترى في أمره؟
فقال عليه السلام إنّ اللّه عزّ و جلّ قال لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فَلِلّهِ اَلْحُجَّةُ اَلْبالِغَةُ (2)و هي الّتي لم تبلغ الجاهل فيعلمها على جهله، كما يعلمها العالم بعلمه، و الدنيا و الأخرة قائمتان بالحجّة، و قد إحتج الرّجل فأمر المأمون عند ذلك بإطلاق الصوفي، و إحتجب عن الناس و إشتغل بأبي الحسن الرضا عليه السلام حتى سمّه فقتله، و قد كان قتل الفضل بن سهل و جماعة من الشيعة.
قال ابن بابويه عقيب ذلك: قال مصنّف هذا الكتاب: و روي هذا الحديث كما حكيته، و أنا بريء من عهدة صحّته. (3)
ص:455
2-و عنه، قال: حدّثنا أبو الطيب 1الحسين بن أحمد بن محمّد الرازي رضي اللّه عنه بنيسابور سنة إثنتين و خمسين و ثلاثمائة قال:
حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه 2قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي قال: أخبرني ابي قال: اخبرني الريّان بن الشبيب خال المعتصم أخو ماردة أنّ المأمون لمّا أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين و لأبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السلام بولاية العهد، و لفضل ابن سهل بالوزارة أمر بثلاثة كراسيّ فنصبت لهم، فلمّا قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون، فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر و يخرجون، حتى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من الخنصر الى أعلى الإبهام فتبسّم أبو الحسن الرّضا عليه السلام ثمّ قال: كلّ من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنّه بايعنا بعقدها.
فقال المأمون: و ما فسخ البيعة من عقدها؟
قال أبو الحسن عليه السلام: عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام، و فسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر.
ص:456
قال: فماج الناس في ذلك، و أمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن عليه السلام و قال الناس: كيف يستحقّ الإمامة من لا يعرف عقد البيعة، إنّ من علم لأولى بها ممّن لا يعلم، قال: فحمله ذلك على ما فعله من سمّه. (1)
3-و عنه حدّثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي رضى اللّه عنه، قال: حدّثني أبي عن أحمد بن عليّ الأنصاري، قال: سألت أبا الصلت الهروي فقلت له: كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليه السلام مع إكرامه و محبّته له، و ما جعل له من ولاية العهد من بعده؟
فقال: إنّ المأمون إنّما كان يكرمه و يحبّه لمعرفته بفضله، و جعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنّه راغب في الدنيا فيسقط محلّه من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلاّ ما إزداد به فضلا عندهم و محلاّ في نفوسهم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا في أن يقطعه واحد منهم فيسقط محلّه عند العلماء و يشتهر نقصه عند العامّة.
فكان لا يكلّمه خصم من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و البراهمة و الملحدين و الدهرية، و لا خصم من فرق المسلمين المخالفين له إلاّ قطعة و ألزمه الحجّه، و كان الناس يقولون: و اللّه إنّه أولى بالخلافة من المأمون، و كان اصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه فيغتاظ من ذلك و يشتدّ جسده له، و كان الرضا عليه السلام لا يحابي المأمون من حقّ و كان يجيبه بما يكره في أكثر احواله فيغيظه ذلك و يحقده عليه،
ص:457
و لا يظهره له فلمّا أعيته الحيلة في أمره إغتاله فقتله بالسمّ. (1)
4-و من طريق المخالفين ما ذكره كمال الدين بن طلحة الشامي في «مطالب السؤل» إنّه كانت بخراسان إمرأة تسمّى زينب، فادّعت أنّها علوية من سلالة فاطمة عليها السلام و صارت تصول على أهل خراسان بنسبها فسمع بها علي الرضا عليه السلام فلم يعرف نسبها فاحضرت إليه فردّ نسبها و قال: هذه كذّابة فسفهت عليه و قالت: كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك فأخذته الغيرة العلوية.
فقال عليه السلام لسلطان خراسان: أنزل هذه إلى بركة السباع يتبيّن لك الأمر، و كان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع فيه سباع في سلسلة للانتقام من المفسدين يسمّى ذلك الموضع بركة السباع إذا اراد الإنتقام من بعض المجرمين الخارجين عليه ألقاه بينهم فافترسوه لوقته، فأخذ الرّضا عليه السلام بيد تلك المرأة و أحضرها عند ذلك السلطان و قال: هذه كذّابة على عليّ و فاطمة عليهما السلام و ليست من نسلهما، فإنّ من كان حقّا بضعة من فاطمة و عليّ فإنّ لحمه حرام على السباع، فألقوها في بركة السباع فإن كانت صادقة فإنّ السباع لا تقربها و إن كانت كاذبة فتفرسها السباع.
فلمّا سمعت ذلك منه قالت: فانزل أنت إلى السباع فإن كنت صادقا فإنّها لا تقربك و لا تفرسك فلم يكلّمها و قام، فقال له ذلك السلطان: إلى أين؟
ص:458
فقال: إلى بركة السباع و اللّه لأنزلن إليها.
فقام السلطان و الناس و الحاشية و جاءوا و فتحوا باب تلك البركة فنزل الرّضا عليه السلام و الناس ينظرون من أعلى البركة فلمّا حصل بين يدي السباع أقعت جميعها على الأرض على أذنابها، و صار يأتي إلى واحد واحد يمسح وجهه و رأسه و ظهره و السبع يبصبص له هكذا أن أتى على الجميع، ثم طلع و الناس ينظرون، فقال لذلك السلطان: أنزل هذه الكذّابة على عليّ و فاطمة ليبين لك، فامتنعت فألزمها ذلك السلطان و أمر أعوانه بإلقائها فبدروها السباع و وثبوا إليها (1)و افترسوها فاشتهر إسمها زينب الكذّابة و حديثها هناك مشهور. (2)
أقول سيأتي إنشاء اللّه تعالى في آخر الباب العاشر من المنهج الحادي عشر في أبواب أبي الحسن الثالث عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام ما يوافق هذه الرواية فتؤخذ من هناك.
ص:459
ص:460
في مطعمه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بن بندار، عن أبيه، عن محمّد بن علي الهمداني أنّ رجلا كان عند الرضا عليه السلام بخراسان فقدمّت إليه مائدة عليها خلّ و ملح فافتتح عليه السلام بالخلّ فقال الرجل: جعلت فداك أمرتنا أن نفتتح بالملح، فقال: هذا مثل هذا يعني الخلّ و أن الخلّ يشد الذهن و يزيد في العقل. (1)
2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن إسماعيل الرازي عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال دخلت على أبي الحسن الرضا صلوات اللّه عليه و آله و بين يديه تمر برني، و هو مجدّ في أكله يأكله بشهوة، فقال لي يا سليمان ادن فكل.
قال: فدنوت منه فأكلت معه و أنا اقول له: جعلت فداك إنّي أراك تأكل هذا التمر بشهوة فقال: نعم إنّي احبّه.
قال: قلت و لم ذاك؟
قال: لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان تمريّا، و كان علي عليه السلام تمريّا، و كان الحسن عليه السلام تمريّا، و كان الحسين عليه
ص:461
السلام تمريّا، و كان زين العابدين عليه السلام تمريّا، و كان أبو جعفر عليه السلام تمريّا، و كان أبو عبد اللّه عليه السلام تمريّا، و كان أبي عليه السلام تمريّا و أنا تمريّ، و شيعتنا يحبون التمر لأنّهم خلقوا من طينتنا و أعداؤنا يا سليمان يحبّون المسكر لأنّهم خلقوا من مارج من نار. (1)
3-و عنه باسناده عن داود بن أبي داود، عن رجل رآى أبا الحسن عليه السلام بخراسان يأكل الكرّاث من البستان كما هو، فقيل له: إنّ فيه السماد (2)فقال عليه السلام لا تعلق به منه شيء و هو جيّد للبواسير. (3)
4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن يعقوب بن يقطين (4)، قال: قال أبو الحسن الرضا عليه السلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: صغّروا رغفانكم (5)فإنّ مع كل رغيف بركة.
و قال يعقوب بن يقطين: رأيت أبا الحسن عليه السلام يعني الرّضا
ص:462
ص:464
في ملبسه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه، عن سعد بن سعد (1)قال: سألت الرضا عليه السلام عن جلود الخزّ، فقال: هو ذا نلبس الخزّ.
فقلت: جعلت فداك ذاك الوبر.
فقال: إذا حلّ وبره حلّ جلده. (2)
2-و رواه الشيخ في «التهذيب» عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي عن سعد بن سعد، عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن جلود الخز فقال عليه السلام: هوذا نحن نلبس، فقلت:
ذاك الوبر جعلت فداك.
فقال: إذا حلّ وبره حلّ جلده. (3)
3-ابن بابويه قال: حدّثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي بنيسابور سنة إثنين و خمسين و ثلثمائة، قال: حدّثني محمّد بن
ص:465
يحيى الصولي، قال: حدّثنا عون بن محمد (1)عن أبي عبّاد، قال: كان جلوس الرضا عليه السلام في الصيف على حصير، و في الشتاء على مسح، و لبسه الغليظ من الثياب حتّى إذا برز الناس تزيّن لهم. (2)
4-محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، عن معمّر بن خلاّد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: خرجت و أنا اريد داود بن عيسى (3)بن علي، و كان ينزل بئر ميمون، و كان عليّ ثوبان غليظان، فلقيت (4)إمرأة عجوزا و معها جاريتان، فقلت: يا عجوز أتباع هاتان الجاريتان؟
فقالت: نعم: و لكن لا يشتريهما مثلك، قلت: و لم؟
قالت: لأنّ إحديهما مغنّية و الاخرى زامرة، فدخلت على داود بن عيسى، فرفعني و أجلسني في مجلسي، فلمّا خرجت من عنده، قال لأصحابه: تعلمون من هذا؟ هذا علي بن موسى الذي يزعم أهل العراق أنه مفترض (5)الطاعة. (6)
5-إبن بابويه، قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، و عليّ بن عبد اللّه
ص:466
الورّاق، قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدثني عليّ بن الحسين الخيّاط (1)النيسابوري، قال: حدّثني إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه بن موسى بن جعفر، عن ياسر الخادم بن أبي الحسن العسكري عن أبيه، عن جده علي بن موسى عليهم السلام (2)أنّه كان يلبس ثيابه مما يلي يمينه، فإذا لبس ثوبا جديدا دعا بقدح من ماء فقرأ عليه إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ عشر مرات، و قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ عشر مرات و قُلْ يا أَيُّهَا اَلْكافِرُونَ عشر مرات، ثم نضحه على ذلك الثوب، ثمّ قال: من فعل هذا بثوبه قبل أن يلبسه لم يزل في رغد من عيشه ما بقى منه سلك.
قال ابن بابويه: ياسر الخادم قد لقي الرضا عليه السلام و حديثه عن أبي الحسن العسكري عليه السلام غريب. (3)
الشيخ في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد الأهوازي، عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: رأيت أبا الحسن الرّضا عليه السلام يصلّي في جبّة خزّ. (4)
ص:467
ص:468
في استعماله عليه السلام الطيب
1-محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلاد، قال: أمرني أبو الحسن الرّضا عليه السلام فعملت له دهنا فيه مسك و عنبر، فأمرني أن أكتب في قرطاس آية الكرسي، و أمّ الكتاب، و المعوذتين، و قوارع (1)من القرآن، و إجعله بين الغلاف و القارورة، ففعلت ثمّ أتيته به فتغلّف به (2)و أنا أنظر إليه. (3)
2-و عنه عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أبي القاسم الكوفي، عمّن حدثه عن محمّد بن الوليد الكرماني (4)، قال: قلت لأبي جعفر الثّاني عليه السلام: ما تقول في المسك؟
فقال: إنّ أبي أمر فعمل له مسك في بان (5)بسبعمائة درهم، فكتب
ص:469
إليه الفضل بن سهل يخبره أنّ الناس يعيبون ذلك، فكتب إليه يا فضل أما علمت أنّ يوسف و هو نبيّ كان يلبس الديباج مزررا بالذهب، و يجلس على كراسي الذهب، و لم ينقص ذلك من حكمته شيئا؟
قال: ثم أمر فعملت له غالية بأربعة آلاف درهم. (1)
3-و روى مسير عن محمّد بن الوليد، عن الجواد عليه السلام قال:
سألته فقلت: جعلت فداك ما تقول في المسك؟
فقال لي: إنّ أبي الرضا عليه السلام أمر أن يتخذ له مسك فيه بان، فكتب إليه الفضل بن سهل يقول له: يا سيّدي إنّ الناس يعيبون ذلك عليك، فكتب عليه السلام إليه: يا فضل أما علمت أن يوسف الصدّيق عليه السلام كان يلبس الديباج مزرورا بأزرار الذهب و الجواهر، و يجلس على كرسي الذهب و اللجين فلم يضرّه ذلك، و لم ينقص من نبوّته و حكمته شيئا.
و إن سليمان بن داود عليه السلام صنع له كرسي من ذهب و لجين مرصّع بالجوهر و الحلي و عمل له درج من ذهب و لجين، و كان إذا صعد على الدرج إندرجت وراءه، و إذا نزل إنتشرت بين يديه، و الغمام تظلّه، و الجنّ و الإنس بين يديه وقوف لأمره، و الرياح تنسم و تجري كما أمرها، و السباع و الوحش و الهوام مذلّلة عكّف حوله، و الملأ تختلف إليه، فما ضرّه ذلك و لا نقص من نبوته شيئا و لا منزلته عند اللّه، و قد قال اللّه عزّ و جلّ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ
ص:470
اَلرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ اَلْقِيامَةِ (1).
ثم أمر أن يتخذ له غالية فاتخذت بأربعة آلاف دينار و عرضت عليه فنظر إليها و الى سروها (2)و حسنها و طيبها فأمر أن تكتب رقعة فيها عوذة من العين و قال عليه السلام العين حق. (3)
4-ابن بابويه قال: حدّثنا الحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقي، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي قال: حدّثتني جدّتي امّ أبي، و إسمها عذر، قالت: اشتريت مع عدّة جوار من الكوفة، و كنت من مولّداتها قالت: فحملنا إلى المأمون، فكنّا في داره في جنّة من الأكل و الشرب و الطيب و كثرة الدنانير، فوهبني المأمون للرضا عليه السلام فلمّا صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم، و كانت علينا قيمة تنبّهنا من الليل و تأخذنا بالصلوة، و كان ذلك من أشدّ شيء علينا فكنت أتمنّى الخروج من داره إلى أن وهبني لجدّك عبد اللّه بن العبّاس فلمّا صرت إلى منزله كنت كأنّي قد أدخلت الجنّة.
قال الصولي: و ما رأيت إمرأة قطّ أتمّ من جدّتي هذه عقلا و لا أسخى كفّا و توفّيت في سنة سبعين و مأتين، و لها نحو مائة سنة، و كانت تسأل عن أمر الرضا عليه السلام كثيرا فتقول ما أذكر منه شيئا إلاّ أنّي كنت أراه يتبخّر بالعود الهندي النيء (4)و يستعمل بعده ماء ورد
ص:471
و مسكا، و كان عليه السلام إذا صلّى الغداة و كان يصلّيها في أوّل وقت ثمّ يسجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس، ثمّ يقوم فيجلس للناس أو يركب.
و لم يكن أحد يقدر أن يرفع صوته في داره كائنا من كان، إنّما يتكلّم الناس قليلا قليلا، و كان جدّي عبد اللّه يتبرّك بجدّتي هذه فدبّرها يوم وهبت له، فدخل عليه خاله العبّاس بن الأحنف (1)الحنفي الشاعر فأعجبته فقال لجدّي: هب لي هذه الجارية فقال: هي مدبّرة فقال العباس بن الأحنف.
يا عذر زيّن باسمك العذر رأسا (2)لم يحسن بك الدهر
ص:472
في تواضعه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد (1)، عن عبد اللّه بن الصلت (2)، عن رجل من أهل بلخ قال: كنت مع الرّضا عليه السلام في سفره إلى خراسان فدعا يوما بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان و غيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة؟
فقال: مه إنّ الربّ تبارك و تعالى واحد، و الامّ واحدة، و الأب واحد، و الجزاء بالأعمال. (3)
2-إبن بابويه، قال: حدّثنا الحاكم أبو محمّد (4)جعفر بن نعيم بن شاذان رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن إبراهيم بن
ص:473
هاشم، عن إبراهيم بن العبّاس قال ما رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام جفا أحدا بكلمة قط، و لا رأيته قطع على أحد كلامه و لا رأيته قطع على أحد بكلامه حتى يفرغ منه و ما ردّ أحدا عن حاجة يقدر عليها، و لا مدّ رجله بين يدي جليس له قطّ، و لا إتّكأ بين يدي جليس له قطّ، و لا رأيته شتم أحدا من مواليه و ممالكيه قطّ، و لا رأيته تفل قطّ و لا رأيته يقهقه في ضحكه قطّ، بل كان ضحكه التبسّم.
و كان إذا خلا و نصبت مائدته أجلس معه على مادئته مماليكه و مواليه حتّى البوّاب و السائس و كان عليه السلام قليل النوم بالّليل كثير السهر، يحيى اكثر لياليه من أوّلها إلى الصبّح، و كان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيّام في الشهر، و يقول: ذلك صوم الدهر، و كان عليه السلام كثير المعروف و الصّدقة في السر، و أكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا تصدّقه. (1)
3-و عنه حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام بقم في رجب سنة تسع و ثلاثين و ثلثمائة، قال: أخبرني عليّ بن إبراهيم بن هاشم فيما كتب إليّ سنة سبع و ثلثمائة قال: حدّثني ياسر الخادم، قال: كان الرّضا عليه السلام إذا خلا جمع حشمه كلّهم عنده الصّغير و الكبير فيحدّثهم و يأنس بهم و يؤنسهم، و كان عليه السلام إذا جلس على المائدة لا يدع صغيرا و لا كبيرا حتّى السّائس و الحجّام إلاّ أقعده معه على مائدته. (2)
ص:474
4-و عنه، قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، قال: حدثنا معاوية بن حكيم (1)، عن معمّر بن خلاّد قال: قال لي أبو الحسن الرّضا عليه السلام: قال لي المأمون يوما: يا أبا الحسن انظر بعض من تثق به نولّه هذه البلدان الّتي قد فسدت علينا، فقلت له: تفي لي و أفي لك، فإنّي إنّما دخلت على أن لا آمر فيه، و لا أنهى، و لا أعزل، و لا اولّي، و لا اشير حتى يقدمني اللّه تعالى قبلك، فو اللّه إنّ الخلافة لشيء ما حدّثت به نفسي، و لقد كنت بالمدينة أتردّد في طرقها على دابّتي و إنّ أهلها و غيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم فيصيرون كالأعمام لي و إنّ كتبي لنافذة في الأمصار، و ما زدتني في نعمة هي عليّ من ربّي، فقال له: أفي لك. (2)
5-و عنه قال: حدّثنا الحاكم أبو علي الحسن بن أحمد البيهقي، قال: حدّثني محمّد بن يحيى الصولي، قال: حدّثني أبو عبد اللّه محمّد ابن موسى (3)بن نصر اللّه الرازي قال: سمعت أبي يقول: قال رجل للرضا عليه السلام: و اللّه ما على وجه الأرض أشرف منك أبا، فقال: التقوى
ص:475
شرّفتهم و طاعة اللّه أحاطتهم. (1)
فقال له آخر: أنت و اللّه خير الناس، فقال له: لا تحلف يا هذا خير منّي من كان أتقى للّه تعالى و أطوع له، و اللّه ما نسخت هذه الآية:
وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللّهِ أَتْقاكُمْ (2). (3)
6-و عنه، قال: حدّثنا الحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقي، قال: حدّثني محمّد بن يحيى الصولي، قال: حدّثنا أبو ذكوان، قال:
سمعت إبراهيم بن العبّاس، يقول: سمعت عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام يقول: حلفت بالعتق و لا أحلف بالعتق إلاّ أعتقت رقبة و أعتقت بعدها جميع ما أملك إن كان أرى (4)أنّي خير من هذا و أومىء إلى عبد أسود من غلمانه، بقرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ أن يكون لي عمل صالح فأكون أفضل به منه. (5)
ص:476
7-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد 1، عن السيّاري، عن عبيد بن أبي عبد اللّه البغدادي 2، عمّن أخبره قال: نزل بأبي الحسن الرّضا عليه السلام ضيف، و كان جالسا عنده يحدّثه في بعض الليل، فتغيّر السراج، فمدّ الرجل يده ليصلحه، فزبره أبو الحسن عليه السلام ثم بادره بنفسه فأصلحه ثمّ قال له: إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا. 3
ص:477
ص:478
في ورعه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّه من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن هارون بن مسلم، عن بعض رجاله عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام أنّ بعض بني هاشم دعاه مع جماعة من أهله فأتى بصبيّة له، فأدناها أهل المجلس جميعا إليهم، فلمّا دنت منه سأل عن سنّها فقيل: خمس فنحّاها عنه (1). (2)
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن سليمان ابن جعفر الجعفري، قال كنت مع الرّضا عليه السلام في بعض الحاجة فأردت أن أنصرف إلى منزلي فقال لي: إنصرف معي، فبت عندي الليلة، فانطلقت معه فدخل بي داره مع، المعتّب، فنظر إلى غلمانه يعملون بالطّين أوارى (3)الدوابّ و غير ذلك، و إذا معهم أسود ليس منهم فقال: ما هذا الرّجل معكم؟
قالوا: يعاوننا و نعطيه شيئا؛ قال قاطعتموه على اجرته؟
فقالوا: لا هو يرضى منا بما نعطيه، فأقبل عليهم يضربهم بالسّوط
ص:479
و غضب لذلك غضبا شديدا.
فقلت: جعلت فداك لم تدخل على نفسك؟
فقال: إنّي قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرّة أن يعمل معهم أحد حتّى يقاطعوه أجرته. و اعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعاف على اجرته إلاّ ظنّ أنّك قد نقصته أجرته، و إذا قاطعته ثمّ أعطيته أجرته حمدك على الوفاء، فان زدته حبّة عرف ذلك ورآى أنّك قد زدته. (1)
ص:480
في ادعية له عليه السلام
1-المفيد في «اماليه» قال: أخبرني أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الريّان بن الصلت قال: سمعت الرّضا عليّ بن موسى عليهما السلام يدعو بكلمات فحفظتها عنه فما دعوت بها في شدة إلاّ فرّج اللّه عنّي و هي: «أللّهم أنت ثقتي في كلّ كرب (1)، و أنت رجائي في كلّ شدّة (2)و أنت لي في كلّ أمر نزل (3)بي ثقة و عدّة، كم من كرب يضعف فيه الفؤاد، و تقلّ فيه الحيلة و تعيي فيه الامور، و يخذل فيه القريب و البعيد و الصديق (4)، و يشمت فيه العدّو، و أنزلته بك، و شكوته إليك راغبا إليك فيه عمّن سواك ففرّجته و كشفته و كفيته (5)، فأنت وليّ كلّ نعمة، و صاحب كلّ حاجة و منتهى كلّ رغبة، فلك الحمد كثيرا و لك المنّ فاضلا بنعمتك تتمّ الصالحات، يا معروفا بالمعروف، يا من هو بالمعروف موصوف، أنلني من معروفك معروفا تغنيني به عن معروف
ص:481
من سواك برحمتك يا أرحم الراحمين. (1)
2-إبن بابويه قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه، حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا قال: مرّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام بقبر من قبور أهل بيته فوضع يده عليه ثمّ قال: إلهي بدت قدرتك، و لم تبد هيئتك (2)فجهلوك، و قدّروك (3)و التقدير على غير ما به وصفوك (4)، و أنا بريء يا إلهي من الّذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شيء إلهي و لن يدركوك، و ظاهر ما بهم من نعمك دليلهم عليك لو عرفوك، و في خلقك يا إلهي مندوحة (5)أن يتناولوك، بل سوّوك بخلقك، فمن ثمّ لم يعرفوك، و اتّخذوا بعض آياتك ربّا فبذلك و صفوك، تعاليت ربّي عما به المشبّهون نعتوك. (6)
ص:482
3-و عنه قال حدّثنا أبي رحمه اللّه، قال: حدثنا محمّد بن يحيى العطّار عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال: حدّثني أبو سعيد الآدمي (1)، عن أحمد بن موسى، عن سعد بن سعد (2)، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام قال: كنت معه في الطواف، فلمّا صرنا معه بحذاء الركن اليماني قام عليه السلام فرفع يديه ثمّ قال: يا اللّه يا وليّ العافية، و خالق العافية (3)، و رازق العافية، و المنعم بالعافية، و المنّان بالعافية و المتفضّل بالعافية عليّ و على جميع خلقك، و تمام العافية (4)يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما صلّ على محمّد و آل محمّد، و ارزقنا العافية و دوام العافية، و تمام العافية، و شكر العافية في الدنيا و الآخرة يا أرحم الراحمين. (5)
4-و عنه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضال قال:
رأيت أبا الحسن عليه السلام و هو يريد أن يودّع للخروج إلى العمرة فأتى القبر عن موضع رأس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعد المغرب فسلّم
ص:483
على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لزق (1)بالقبر.
ثمّ إنصرف حتى أتى القبر فقام إلى جانبه يصلّي فألزق منكبه الأيسر بالقبر قريبا من الاسطوانة الّتي دون الاسطوانة المخلّفة عند رأس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصلّى (2)ست ركعات أو ثمان ركعات في نعليه.
قال: و كان مقدار ركوعه و سجوده ثلث تسبيحات أو أكثر. فلمّا فرغ سجد سجدة أطال فيها حتى بلّ عرقه الحصى.
قال: و ذكر بعض أصحابنا (3)أنه ألصق خدّيه بأرض المسجد. (4)
5-و عنه و عنه، قال حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا أحمد ابن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، قال:
حدّثني محمّد بن أحمد، عن الحسن بن عليّ بن كيسان، عن موسى بن سلام، قال: إعتمر أبو الحسن الرّضا عليه السلام فلما ودّع البيت و صار إلى باب الحناطين (5)ليخرج منه وقف في صحن المسجد في ظهر الكعبة ثمّ رفع يديه فدعا، ثمّ إلتفت إلينا فقال: نعم المطلوب به الحاجة
ص:484
إليه الصلوة فيه أفضل من الصلوة في غيره ستّين سنة أو شهرا (1)فلمّا صار عند الباب قال: اللّهم إنّي خرجت على أن لا إله إلاّ إنت. (2)
6-و عنه، عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن هاشم، عن إبراهيم بن أبي محمود (3)، قال رأيت الرّضا عليه السلام ودّع البيت فلمّا أراد أن يخرج من باب المسجد خرّ ساجدا ثمّ قام فاستقبل القبلة و قال: أللّهم إنّي أنقلب على أن لا إله إلاّ اللّه. (4)
7-و عنه حدّثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أحمد بن عليّ الأنصاري، قال: حدّثنا عبد السلام بن صالح الهروي، قال: لمّا خرج عليّ بن موسى الرّضا عليهما السلام من نيسابور إلى المأمون، فبلغ قرب قرية الحمراء قيل له: يا إبن رسول اللّه: قد زالت الشمس أفلا تصلّي؟
فنزل عليه السلام فقال: إيتوني بماء فقيل: ما معنا ماء، فبحث عليه السلام بيده الأرض فنبع من الماء ما توضّأ به هو و من معه و أثره باق
ص:485
إلى اليوم، فلمّا دخل سناباد (1)إستند إلى الجبل الّذي تنحت منه القدور، فقال: أللّهم إنفع به و بارك فيما يجعل فيه و فيما ينحت منه، ثمّ أمر عليه السلام فنحت له قدور الجبل، و قال: لا يطبخ ما آكله إلاّ فيها، و كان عليه السلام خفيف الأكل قليل الطعام، فاهتدى الناس إليه من ذلك اليوم و ظهرت بركة دعائه عليه السلام فيه.
ثم دخل دار حميد بن قحطبة الطائي، و دخل القبّة التي فيها قبر هارون الرشيد، ثمّ خطّ بيده إلى جانبه ثم قال عليه السلام: هذه تربتي و فيها ادفن و سيجعل اللّه هذا المكان مختلف شيعتي و أهل محبّتي و اللّه ما يزورني منهم زائر و لا يسلّم عليّ منهم مسلّم إلاّ وجب له غفران اللّه و رحمته بشفاعتنا أهل البيت.
ثمّ إستقبل القبلة و صلى ركعات و دعا بدعوات فلمّا فرغ سجد سجدة طال مكثه فيها فأحصيت له فيها خمسمأة تسبيحة ثمّ إنصرف. (2)
ص:486
في النص عليه من ابيه عليهما السلام بالوصاية و الامامة
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إبن محبوب، عن الحسين بن نعيم الصحّاف (1)قال: كنت أنا و هشام بن الحكم، و عليّ بن يقطين (2)ببغداد، فقال عليّ بن يقطين: كنت عند العبد الصّالح جالسا فدخل عليه إبنه عليّ فقال لي: يا عليّ بن يقطين هذا عليّ سيّد ولدي، أما إنّي قد نحلته كنيتي. فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته ثمّ قال: ويحك كيف قلت؟
فقال عليّ بن يقطين: سمعت و اللّه منه كما قلت.
فقال هشام: أخبرك أنّ الأمر فيه من بعده. (3)
2-و رواه إبن بابويه في «عيون الأخبار» قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن
ص:487
الصفّار، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، و عثمان بن عيسى، عن الحسين بن نعيم الصحّاف، قال: كنت أنا و هشام ابن الحكم و عليّ بن يقطين ببغداد فقال عليّ بن يقطين: كنت عند العبد الصّالح موسى بن جعفر عليه السلام جالسا فدخل عليه إبنه الرّضا عليه السلام فقال يا عليّ هذا سيّد ولدي و قد نحلته كنيتي، فضرب هشام براحته جبهته ثمّ قال: ويحك كيف قلت؟
فقال عليّ بن يقطين: سمعت و اللّه منه كما قلت لك: فقال هشام:
أخبرك و اللّه أنّ الأمر فيه من بعده. (1)
و عنه عن أحمد بن مهران (2)عن محمد بن علي (3)عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: كنت العبد الصالح [و في نسخة الصفواني]قال:
كنت أنا ثمّ ذكر مثله. (4)
3-و عنه عن عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد (5)، عن معاوية
ص:488
ابن حكيم (1)، عن نعيم القابوسي (2)عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال:
إنّ إبني عليّا اكبر ولدي، و أبرّهم عندي، و أحبّهم إليّ، و هو ينظر معي في الجفر، و لم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ. (3)
4-و عنه عن احمد بن مهران عن محمد بن علي، عن محمّد بن سنان و اسماعيل بن عبّاد القصري (4)جميعا عن داود الرقّي (5)قال:
قلت: لأبي إبراهيم عليه السلام جعلت فداك إنّي قد كبر سنّي فخذ بيدي من النار.
قال: فأشار إلى إبنه أبي الحسن عليه السلام فقال: هذا صاحبكم من بعدي. (6)
5-و عنه عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمد بن عبد اللّه (7)عن الحسن، عن إبن أبي عمير، عن محمّد بن إسحق
ص:489
ابن عمّار، قال: قلت لأبي الحسن الأول: عليه السلام ألا تدلّني إلى من آخذ عنه ديني؟
فقال: هذا إبني عليّ إنّ أبي أخذ بيدي فأدخلني إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا بنيّ إنّ اللّه عزّ و جلّ قال: إِنِّي جاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً (1)و إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا قال قولا وفى به. (2)
6-و عنه عن احمد بن ادريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي (3)عن يحيى بن عمرو (4)، عن داود الرّقي، قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: إنّي قد كبرت سني و دقّ عظمي و إنّي سألت أباك عليه السلام: فأخبرني بك [فأخبرني من بعدك؟].
فقال: هذا أبو الحسن الرضا عليه السلام. (5)
7-و عنه عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن زياد بن مروان القندي (6)، و كان من الواقفية قال: دخلت على أبي إبراهيم عليه
ص:490
السلام و عنده ابنه أبو الحسن عليه السلام فقال لي: يا زياد هذا إبني فلان، كتابه كتابي، و كلامه كلامي، و رسوله رسولي، و ما قال فالقول قوله. 1
8-و رواه إبن بابويه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا سعد ابن عبد اللّه عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن زياد بن مروان القنديّ، قال: دخلت على أبي إبراهيم عليه السلام و عنده عليّ إبنه فقال لي: يا زياد هذا كتابه كتابي، و كلامه كلامي، و رسوله رسولي، و ما قال فالقول قوله.
قال: إبن بابويه عقيب هذا الحديث: إنّ زياد بن مروان القندي روى هذا الحديث ثمّ أنكره بعد مضيّ موسى بن جعفر عليه السلام و قال بالوقف و حبس ما كان عنده من مال موسى بن جعفر عليهما السلام. 2
9-و عنه عن أحمد بن مهران عن محمد بن علي عن محمّد بن الفضيل، قال: حدّثني المخزومي 3و كانت امّه من ولد جعفر بن أبي
ص:491
طالب عليه السلام قال: بعث إلينا أبو الحسن موسى عليه السلام فجمعنا، ثمّ قال لنا: أتدرون لم دعوتكم؟ فقلنا: لا فقال: إشهدوا أنّ إبني هذا وصيّي و القيّم بأمري و خليفتي من بعدي، من كان له عندي دين فليأخذه من إبني هذا، و من كانت له عندي عدة فلينجزها منه، و من لم يكن له بدّ من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه 1.
10-و رواه إبن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمّد بن الفضيل، عن عبد اللّه بن الحارث و امّه من ولد جعفر بن أبي طالب عليه السلام قال: فبعث إلينا أبو إبراهيم عليه السلام فجمعنا ثمّ قال: أتدرون لم جمعتكم؟
قلنا: لا قال: إشهدوا أنّ عليّا إبني هذا وصيّي و القيّم بأمري و خليفتي من بعدي، من كان له عندي دين فليأخذه من إبني هذا، و من كانت له عندي عدة فلينجزها منه 2و من لم يكن له بدّ من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه. 3
11-و عنه، عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن محمّد بن
ص:492
سنان، و عليّ بن الحكم جميعا عن الحسين بن المختار (1)قال: خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن موسى عليه السلام و هو في الحبس: عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا، و فلان لا تنله شيئا حتى ألقاك أو يقضي اللّه عليّ الموت. (2)
12-و رواه إبن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عبد اللّه بن محمّد الحجّال (3)و أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، و محمّد بن سنان، و عليّ بن الحكم، عن الحسين بن المختار قال خرجت إلينا ألواح من أبي إبراهيم موسى عليه السلام، و هو في الحبس فإذا فيها مكتوب: عهدي إلى أكبر ولدي. (4)
13-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن الحسين بن المختار قال: خرج إلينا من أبي الحسن عليه السلام بالبصرة ألواح مكتوب فيها بالعرض: عهدي
ص:493
إلى أكبر ولدي يعطى فلان كذا، و فلان كذا، و فلان كذا، و فلان لا يعطى حتّى أجييء أو يقضي اللّه عزّ و جلّ عليّ الموت إنّ اللّه يفعل ما يشاء. (1)
14-و عنه، عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ عن إبن محرز، عن عليّ بن يقطين، عن أبن الحسن عليه السلام قال: كتب إليّ من الحبس أنّ فلانا إبني سيّد ولدي و قد نحلته كنيتي. (2)
15-و عنه عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن أبي عليّ الخزّاز، عن داود بن سليمان (3)، قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: إني أخاف أن يحدث حدث و لا ألقاك فأخبرني من الإمام بعدك؟
فقال: إبني فلان، يعني أبا الحسن عليه السلام. (4)
16-و عنه عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن سعيد بن
ص:494
أبي الجهم (1)، عن نصر بن قابوس (2)قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام إنّي سالت أباك من الّذي يكون من بعدك؟ فأخبرني أنّك أنت هو، فلمّا توفي أبو عبد اللّه عليه السلام ذهب الناس يمينا و شمالا و قلت: بك (3)أنا و أصحابي فأخبرني من الذي يكون من بعدك من ولدك؟
فقال: إبني فلان. (4)
17-و رواه إبن بابويه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عبد اللّه بن محمّد الحجّال، قال: حدّثنا سعيد بن أبي الجهم، عن نصر بن قابوس، قال:
قلت لأبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام: إنّي سألت أباك عليه السلام من الذي يكون بعدك؟ فأخبرني أنّك أنت هو.
فلمّا توّفي أبو عبد اللّه عليه السلام ذهب النّاس يمينا و شمالا، و قلت: أنا و أصحابي بك فأخبرني من الذي يكون بعدك؟
ص:495
قال: إبني عليّ عليه السلام. (1)
18-و عنه عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن الضحّاك بن الأشعث (2)، عن داود بن زربي (3)قال: جئت إلى أبي إبراهيم عليه السلام بمال، فأخذ بعضه و ترك بعضه: فقلت: أصلحك اللّه لأيّ شيء تركته عندي؟
قال: إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك فلمّا جائنا نعيه بعث إليّ أبو الحسن إبنه عليهما السلام فسألني ذلك المال فدفعته إليه. (4)
19-و عنه عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن أبي الحكم الأرمني، قال: حدّثني عبد اللّه بن ابراهيم بن محمد (5)بن عليّ بن عبد اللّه ابن جعفر بن أبي طالب، عن يزيد بن سليط (6)الزيدي.
ص:496
قال أبو الحكم: و أخبرني عبد اللّه بن محمّد بن عمارة الجرمي، عن يزيد بن سليط، قال: لقيت أبا ابراهيم عليه السلام و نحن نريد العمرة في بعض الطريق، فقلت: جعلت فداك هل تثبت هذا الموضع الذي نحن فيه؟
قال: نعم فهل تثبّته أنت؟
قلت: نعم إنّي و أبي لقيناك هيهنا و أنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام و معه إخوتك فقال له أبي: بأبي أنت و امّي أنتم كلّكم ائمّة مطهرون و الموت لا يعرى منه أحد فأحدث إليّ شيئا أحدّث به من يخلفني بعدي فلا يضلّ.
قال: نعم يا أبا عبد اللّه هؤلاء ولدي و هذا سيدهم-و أشار إليك- و قد علّم الحكم و الفهم و السخاء و المعرفة بما يحتاج إليه الناس و ما اختلفوا فيه من أمر دينهم و دنياهم، و فيه حسن الخلق و حسن الجواب، و هو باب من أبواب اللّه عزّ و جلّ، و فيه أخرى خير من هذا كلّه.
فقال له أبي: و ما هي بأبي أنت و أمّي؟
قال عليه السلام: يخرج اللّه عزّ و جلّ منه غوث هذه الامّة و غياثها و علمها و نورها و فضلها و حكمتها، خير مولود و خير ناشيء يحقن اللّه عزّ و جلّ به الدّماء، و يصلح به ذات البين، و يلمّ به الشعث، و يشعب به الصدع و يكسو به العاري و يشبع به الجائع و يؤمن به الخائف، و ينزل اللّه به القطر، و يرحم به العباد خير كهل و خير ناشيء، قوله حكم و صمته علم، يبيّن للناس ما يختلفون فيه، و يسود عشيرته من قبل أوان حلمه.
فقال له أبي: بأبي أنت و امّي و هل ولد؟
ص:497
قال: نعم و مرّت به سنون.
قال يزيد: فجاءنا من لم نستطع معه كلاما. (1)
قال يزيد: فقلت لأبي إبراهيم عليه السلام فأخبرني أنت بمثل ما أخبرني به أبوك عليه السلام.
فقال لي: نعم إنّ أبي عليه السلام كان في زمان ليس هذا زمانه (2)، فقلت له: فمن يرضى منك بهذا فعليه لعنة اللّه قال: فضحك أبو إبراهيم عليه السلام ضحكا شديدا ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة إنّي خرجت من منزلي فأوصيت إلى إبني فلان، و أشركت معه بني في الظاهر (3)و أوصيته في الباطن فأفردته وحده، و لو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم إبني لحبّي إيّاه و رأفتي عليه، و لكنّ ذلك إلى اللّه عزّ و جلّ. يجعله حيث يشاء، و لقد جائني (4)بخبره رسول اللّه عليه السلام ثمّ أرانيه و أراني من يكون معه.
ص:498
و كذلك لا يوصي إلى أحد منّا حتى يأتي بخبره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و جدّي عليّ عليه السلام و رأيت مع رسول اللّه خاتما و سيفا و عصا و كتابا و عمامة فقلت: ما هذا يا رسول اللّه؟
فقال لي: أما العمامة فسلطان اللّه عزّ و جلّ. و أما السيف فعزّ اللّه تبارك و تعالى، و أمّا الكتاب فنور اللّه تبارك و تعالى، و أمّا العصا فقوّة اللّه عزّ و جلّ و أما الخاتم فجامع هذه الامور، ثمّ قال لي: و الأمر قد خرج منك إلى غيرك (1).
فقلت: يا رسول اللّه أرنيه أيّهم هو؟
فقال رسول اللّه: ما رأيت من الأئمّة أحدا أجزع (2)على فراق هذا الأمر منك، و لو كانت الإمامة بالمحبة لكان إسماعيل أحبّ إلى أبيك منك و لكن ذلك من اللّه عزّ و جلّ.
ثمّ قال أبو ابراهيم عليه السلام و رأيت ولدي جميعا الأحياء و الأموات، فقال لي أمير المؤمنين عليه السلام: هذا سيّدهم و أشار إلى إبني عليّ عليه السلام فهو منّي (3)و أنا منه، و اللّه مع المحسنين.
ص:499
قال يزيد: ثمّ قال أبو إبراهيم عليه السلام: يا يزيد إنّها وديعة (1)عندك فلا تخبر بها إلاّ عاقلا أو عبدا تعرفه (2)صادقا، و ان سئلت (3)عن الشهادة فاشهد بها و هو قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ اَللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (4)و قال لنا ايضا: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اَللّهِ (5).
قال: فقال أبو إبراهيم عليه السلام: فأقبلت على رسول اللّه.
فقلت: قد جمعتهم لي بأبي و امي فأيّهم (6)هو؟
فقال: هو الّذي ينظر بنور اللّه عزّ و جلّ و يسمع بفهمه و ينطق بحكمته يصيب و لا يخطيء (7)، و يعلم فلا يجهل، معلّما (8)حكما و علما هو هذا-و أخذ بيد عليّ إبني-ثمّ قال: ما أقلّ مقامك معه، فإذا رجعت من سفرك فأوص و أصلح أمرك و افرغ مما أردت، فإنّك منتقل
ص:500
عنهم و مجاور غيرهم، فإذا أردت فادع عليا فليغسّلك، و ليكفّنك، فإنّه ظهر (1)لك، و لا يستقيم إلاّ ذلك، و ذلك سنّة قد مضت، فاضطجع بين يديه و صفّ إخوته خلفه و عمومته، و مره فليكبّر عليك تسعا (2)فإنّه قد إستقامت وصيّته و وليك (3)و أنت حيّ، ثم اجمع له ولدك من بعدهم (4)، فأشهد عليهم (5)و أشهد اللّه عزّ و جلّ و كفى باللّه شهيدا.
قال يزيد: ثمّ قال لي أبو إبراهيم عليه السلام: إنّي اوخذ في هذه السنة و الأمر هو إلى إبني عليّ سميّ (6)علي و عليّ: فأمّا عليّ الأوّل فعليّ بن أبي طالب عليه السلام، و أما الأخر فعليّ بن الحسين أعطى فهم الأوّل و حلمه و نصره و ودّه و دينه و محنته، و محنة الأخر، و صبره على ما يكره، و ليس له أن يتكلّم (7)إلاّ بعد موت هرون بأربع سنين.
ص:501
ثمّ قال لي: يا يزيد و إذا مررت بهذا الموضع و لقيته و ستلقاه (1)فبشّره أنّه سيولد له غلام، أمين مأمون مبارك و سيعلمك أنّك قد لقيتني، فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية (2)جارية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمّ ابراهيم، فإن قدرت أن تبلّغها منّي السلام فافعل.
قال يزيد: فلقيت بعد مضيّ أبي إبراهيم عليه السلام عليّا فبدأني فقال لي: يا يزيد ما تقول في العمرة؟
فقلت، بأبي أنت و امّي ذلك إليك و ما عندي نفقة.
فقال: سبحان اللّه ما كنّا نكلّفك و لا نكفيك، فخرجنا حتّى إنتهينا إلى ذلك الموضع فابتدأني فقال: يا يزيد إنّ هذا الموضع كثيرا ما لقيت فيه جيرتك و عمومتك (3)قلت: نعم.
ص:502
ثمّ قصصت عليه الخبر فقال لي: أمّا الجارية فلم تجيء بعد، فإذا جائت بلّغتها (1)منه السلام، فانطلقنا إلى مكّة فاشتراها في تلك السنة فلم تلبث إلاّ قليلا حتّى حملت فولدت ذلك الغلام.
قال يزيد: و كان إخوة عليّ عليه السلام يرجون أن يرثوه فعادوني (2)إخوته من غير ذنب، فقال لهم إسحاق (3)بن جعفر: و اللّه لقد رأيته و إنّه ليقعد من أبي إبراهيم عليه السلام بالمجلس الّذي لا أجلس فيه أنا. (4)
20-و رواه إبن بابويه قال: حدّثنا أبي، و محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، و محمّد بن موسى المتوكّل، و أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، و محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي اللّه عنهم، قالوا: حدّثنا محمّد ابن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ، عن عبد اللّه بن محمّد الشامي (5)عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عليّ بن
ص:503
أسباط، عن الحسين مولى أبي عبد اللّه، عن أبي الحكم (1)، عن عبد اللّه بن إبراهيم الجعفري، عن يزيد بن سليط الزيدي، قال: لقينا أبا عبد اللّه عليه السلام في طريق مكّة و نحن جماعة فقلت له: بأبي أنت و امّي أنتم الائمّة المطهرون، و الموت لا يعرى (2)أحد منه فأحدث (3)إليّ شيئا القيه إلى من يخلفني (4)فقال لي: نعم هؤلاء ولدي و هذا سيّدهم-و أشار إلى إبنه موسى عليه السلام-و فيه العلم و الحكم و الفهم و السخاء و المعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما إختلفوا فيه من أمر دينهم، و فيه حسن الخلق و حسن الجوار، و هو باب من أبواب اللّه تعالى، و فيه خصلة (5)اخرى هي خير من هذا كلّه.
فقال له أبي: و ما هي؟ بأبي أنت و امي قال: يخرج اللّه عزّ و جلّ منه غوث (6)هذه الامّة و غياثها و علمها (7)و نورها و فهمها و حكمها و خير (8)مولود و خير ناشيء (9)يحقن اللّه به الدماء، و يصلح به ذات البين، و يلمّ به
ص:504
الشّعث، و يشعب به الصدع، و يكسو به العاري، و يشبع به الجايع، و يؤمن به الخائف، و ينزل به القطر، و يأتمر به العباد، خير كهل (1)و خير ناشيء يبشّر به عشيرته قبل أوان حلمه، قوله حكم (2)و صمته علم يبيّن للناس ما يختلفون فيه.
قال: فقال أبي: بأبي أنت و امّي فيكون له ولد بعده؟
فقال: نعم، ثمّ قطع الكلام.
و قال يزيد: ثم لقيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام و ساق الحديث إلى قوله و ليس له أن يتكلّم إلاّ بعد هارون بأربع سنين، فإذا مضت أربع سنين فسأله عمّا شئت يجبك إنشاء اللّه تعالى. (3)
21-و عنه عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عليّ و عبد اللّه بن المرزبان (4)، عن ابن سنان قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام من قبل أن يقدم العراق بسنة و عليّ إبنه جالس بين يديه، فنظر إليّ فقال: يا محمّد أما إنّه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك.
قال: قلت: و ما يكون جعلت فداك فقد أقلقني (5)ما ذكرت؟ فقال:
ص:505
أسير (1)إلى الطاغية (2)أما إنّه لا يبداني (3)منه سوء و من الّذي يكون بعده قال: قلت: و ما يكون (4)جعلت فداك؟
قال: يُضِلُّ اَللّهُ اَلظّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اَللّهُ ما يَشاءُ (5)قال: قلت: و ما ذاك جعلت فداك؟
قال: من ظلم إبني هذا حقّه و جحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم عليّ بن أبي طالب عليه السلام حقّه و جحد إمامته بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال قلت: و اللّه لئن مدّ اللّه لي في العمر لاسلّمنّ له حقّه و لا قرّن له بإمامته.
قال: صدقت يا محمّد يمدّ اللّه في عمرك و تسلّم له حقّه و تقرّ له بإمامته و إمامة من يكون من بعده قال: قلت: و من ذاك؟ قال محمّد إبنه.
قال: قلت: له الرضا و التسليم. (6)
ص:506
و هو من الباب الاول
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدّثني الحسن (1)بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن محمّد بن الاصبغ (2)، عن أحمد بن الحسن الميثمي، و كان واقفيا، قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال:
دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام و قد إشتكى (3)شكاية شديدة، فقلت له: إن كان (4)ما أسال اللّه أن لا يريناه 5فإلى من؟
قال: إلى عليّ إبني و كتابه كتابي، و هو وصييّ و خليفتي من بعدي. 6
2-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، و سعد بن عبد اللّه، جميعا
ص:507
عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن الحسن بن علي بن يقطين (1)، عن أخيه الحسين (2)، عن أبيه عليّ بن يقطين قال: كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام و عنده عليّ إبنه عليه السلام فقال: يا عليّ هذا ابني سيّد ولدي، و قد نحلته كنيتي.
قال: فضرب هشام يعني إبن سالم يده على جبهته فقال: إنّا للّه نعى و اللّه إليك نفسه. (3)
3-و عنه، قال: حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن داود بن زربي، عن عليّ بن يقطين قال: قال لي موسى بن جعفر عليه السلام إبتداء منه: هذا أفقه ولدي-و اشار بيده إلى الرّضا عليه السلام-و قد نحلته كنيتي. (4)
4-و عنه قال: حدّثني ابي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى، عن أبيه عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن محمّد بن الاصبغ، عن أبيه، عن عثمان بن القاسم، قال منصور بن يونس ابن بزرج (5): دخلت على أبي الحسن يعنى موسى بن جعفر عليهما
ص:508
السلام يوما فقال لي: يا منصور أما علمت ما أحدثت في يومي هذا؟ قلت: لا.
قال: قد صيّرت عليّا إبني وصيّي-و أشار بيده إلى الرّضا عليه السلام-و قد نحلته كنيتي، و الخلف من بعدي، فادخل عليه و هنّئه بذلك و أعلمه أنّي أمرتك بهذا، قال: فدخلت عليه فهنّئته بذلك و أعلمته أنّ أباه أمرني بذلك.
ثم جحد (1)منصور بعد ذلك و أخذ الأموال التي كانت في يده و كسرها. (2)
5-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن زكريا بن آدم، عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك و قد منى الموت قبلك إن كان كون فإلى من؟
قال إلى إبني موسى، فكان ذلك الكون فو اللّه ما شككت في موسى عليه السلام طرفة عين قطّ ثمّ مكثت نحوا من ثلاثين سنة، ثمّ أتيت أبا الحسن موسى عليه السلام فقلت له: جعلت فداك إن كان كون فإلى من؟ قال: إلى عليّ إبني.
ص:509
قال: فكان ذلك الكون فو اللّه ما شككت في عليّ «طرفة عين قطّ» . (1)
6-و عنه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عبد اللّه بن محمّد بن الحجّال، قال: حدّثنا محمّد بن سنان، عن داود الرقّي قال: قلت لأبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام: جعلت فداك قد كبر سنّي فحدّثني من الإمام بعدك؟
قال: فأشار إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام و قال: هذا صاحبكم من بعدي. (2)
7-و عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال:
حدّثنا «محمّد بن الحسن الصفّار قال: حدّثنا» أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد اللّه بن محمّد الحجّال و أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبي علي الخزّاز، عن داود الرقي قال: قلت لأبي إبراهيم «يعني موسى الكاظم عليه السلام فداك أبي» إنّي قد كبرت و خفت أن يحدث بي حدث و لا ألقاك فأخبرني من الإمام من بعدك؟
فقال: إبني عليّ. (3)
8-و عنه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أحمد بن
ص:510
إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس النجاشي (1)الأسدي، قال: قلت للرضا عليه السلام: أنت صاحب هذا الأمر؟
قال: إي و اللّه على الإنس و الجن. (2)
9-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه، قال حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن خالد البرقي، عن سليمان بن حفص المروزي، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام و أنا أريد أن أساله عن الحجّة على الناس بعده، فلمّا نظر إليّ فابتدأني و قال: يا سليمان إنّ عليّا إبني و وصيّي و حجة (3)اللّه على الناس بعدي، و هو أفضل ولدي فإن بقيت بعدي فأشهد له بذلك عند شيعتي و أهل ولايتي المستخبرين عن خليفتي من بعدي. (4)
10-و عنه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه ابن المرحوم (5)، قال: خرجت من البصرة أريد المدينة فلمّا صرت (6)في بعض الطريق لقيت أبا إبراهيم عليه السلام و هو يذهب به إلى البصرة
ص:511
فأرسل إلي فدخلت عليه فدفع إليّ كتبا و أمرني أن أوصلها بالمدينة فقلت: إلى من أدفها جعلت فداك؟
قال: إلى إبني عليّ فإنّه وصيّي و القيّم بأمري و خير بنيّ. (1)
11-و عنه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عبد اللّه بن محمّد بن الحجّال، قال:
حدّثنا سعد بن زكريا بن آدم، عن عليّ بن عبد اللّه الهاشمي قال: كنا عند القبر (2)نحو ستّين رجلا منّا و من موالينا إذ أقبل أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام و يد عليّ إبنه عليه السلام في يده فقال: أتدرون من أنا؟
قلنا: أنت سيّدنا و كبيرنا فقال: سمّوني و إنسبوني، فقلنا: أنت موسى بن جعفر بن محمّد فقال: من هذا معي؟
قلنا: هو عليّ بن موسى بن جعفر، قال: فاشهدوا أنّه وكيلي في حياتي و وصيّي بعد موتي. (3)
12-و عنه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن مظفّر العلويّ السمرقندي رضى اللّه عنه قال حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود العيّاشي، عن أبيه قال: حدّثنا يوسف بن السخت، عن عليّ بن القاسم العريضي، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن حيدر بن أيّوب (4)، عن
ص:512
محمّد بن زيد الهاشمي (1)أنّه قال: ألآن تتخذ الشيعة عليّ بن موسى عليهما السلام إماما قلت: و كيف ذاك؟
قال: دعاه أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فأوصى إليه. (2)
13-و عنه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه، قال: حدثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن حيدر بن أيّوب قال: كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا، فيه محمّد بن زيد بن عليّ، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه، فقلنا له: جعلنا اللّه فداك ما حبسك؟
قال: دعانا أبو إبراهيم عليه السلام اليوم سبعة عشر رجلا من ولد عليّ و فاطمة صلوات اللّه عليهما فأشهدنا لعليّ إبنه بالوصيّة و الوكالة في حياته و بعد موته، و أنّ أمره جائز عليه و له، ثم قال محمّد بن زيد: و اللّه يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم و لتفولنّ الشيعة به من بعده، قال حيدر:
قلت بل يقيه اللّه (3)و أيّ شيّء هذا؟
قال: يا حيدر إذا أوصى إليه فقد عقد له الإمامة، قال عليّ بن
ص:513
الحكم: مات حيدر و هو شاكّ. (1)
14-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا: عمّي محمّد بن أبي القاسم (2)عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمد بن الخلف (3)، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أسد بن أبي العلاء (4)عن عبد الصمد بن بشير، و خلف بن حمّاد، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: أوصى أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إلى إبنه عليّ عليه السلام و كتب له كتابا أشهد فيه ستّين رجلا من وجوه أهل المدينة. (5)
15-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار (6)، و صالح بن السنديّ، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسين بن
ص:514
بشير قال: أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، إبنه عليّا عليه السلام، كما أقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السلام يوم غدير خم فقال: يا أهل المدينة أو قال: يا أهل المسجد هذا وصيّي من بعدي. (1)
16-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي الخزّاز (2)قال: خرجنا إلى مكة و معنا عليّ بن أبي حمزة، و معه مال و متاع، فقلنا: ما هذا؟
قال: هذا للعبد الصالح عليه السلام أمرني أن أحمله إلى عليّ إبنه عليه السلام و قد أوصى إليه.
ثمّ قال إبن بابويه: إنّ عليّ بن أبي حمزة أنكر ذلك بعد وفات موسى بن جعفر عليه السلام و حبس المال عن الرضا عليه السلام. (3)
17-و عنه قال: حدّثنا علي بن عبد اللّه الورّاق رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن سلمة بن محرز، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام إنّ رجلا من العجلية (4)قال
ص:515
لي: كم عسى أن يبقى لكم هذا الشيخ؟ إنّما هو سنة أو سنتان حتّى يهلك، ثمّ تصيرون ليس لكم أحد تنظرون إليه فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ألا قلت له: هذا موسى بن جعفر عليه السلام قد أدرك ما يدرك الرّجال و قد إشترينا له جاريه تباح له فكأنّك به إنشاء اللّه و قد ولد له:
فقيه 1خلف. 2
18-و عنه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويّ السمرقنديّ رضي اللّه عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن يوسف بن السخت، عن عليّ بن القاسم، عن أبيه، عن جعفر بن خلف 3، عن إسماعيل بن الخطّاب 4، قال: كان أبو الحسن عليه السلام
ص:516
يبتديء بالثناء على إبنه عليّ عليه السلام و يطريه 1و يذكر من فضله و برّه ما لا يذكر من غيره كأنّه يريد أن يدلّ عليه. 2
19-و عنه قال حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن نعيم بن قابوس 3، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام:
عليّ إبني أكبر ولدي، و أسمعهم لقولي، و أطوعهم لأمري ينظر معي في كتابي الجفر و الجامعة، و ليس ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ. 4
20-و عنه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن 5، عن المفضّل بن عمر، قال: دخلت على أبي الحسن موسى ابن جعفر عليه السلام و عليّ إبنه عليه السلام في حجره، و هو يقبّله و يمصّ لسانه و يضعه على عاتقه و يضمّه إليه و يقول: بأبي أنت و امّي ما أطيب ريحك و أطهر خلقك و أبين فضلك قلت: جعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودّة ما لم يقع لأحد إلاّ لك.
ص:517
فقال لي: يا مفضّل هو منّي بمنزلتي من أبي عليه السلام ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).
قال: قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟
قال: نعم من أطاعه رشد، و من عصاه كفر. (2)
21-عنه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن سنان قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام قبل أن يحمل إلى العراق بسنة، و عليّ إبنه عليه السلام بين يديه، فقال لي: يا محمّد فقلت: لبيّك.
قال: إنّه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع منها، ثمّ أطرق (3)و نكت (4)بيده في الأرض و رفع رأسه إليّ و هو يقول: وَ يُضِلُّ اَللّهُ اَلظّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اَللّهُ ما يَشاءُ (5).
قلت: و ما ذاك جعلت فداك؟
قال: من ظلم إبني هذا حقّه و جحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم عليّ بن أبي طالب عليه السلام حقّه و جحد إمامته من بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله فعلمت أنّه قد نعى إلى نفسه، و دلّ على إبنه، فقلت: و اللّه لئن مدّ اللّه في عمري لا سلمنّ إليه حقّه و لأقرّن له بالإمامة، و أشهد أنّه من بعدك حجة اللّه على خلقه و الداعي إلى دينه، فقال لي: يا محمّد يمدّ اللّه
ص:518
في عمرك و تدعو إلى امامته و إمامة من يقوم مقامه من بعده فقلت: من ذاك جعلت فداك؟
قال: محمّد إبنه.
قال: قلت: فالرضا و التسليم.
قال: نعم كذلك وجدتك في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام أما إنّك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة الظلماء، ثمّ قال: يا محمّد إنّ المفضّل كان أنسي (1)و مستراحي، و أنت أنسهما و مستراحهما (2)حرام على النار ان تمسّك أبدا و اللّه الموفق. (3)
22-و عنه قال: أخبرنا أبو المفضّل، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين، عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن داود ابن فرقد، قال: قلت لأبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام: جعلت فداك قد كبر سنّي فخذ بي من النار، فأشار إلى أبي الحسن عليّ عليه السلام و قال: هذا صاحبكم من بعدي. (4)
23-و عنه قال: حدّثنا أبي عن سعد بن عبد اللّه، عن محمد بن عيسى، قال حدثني جماعة من أصحابنا، عن موسى بن بكر
ص:519
الواسطي (1)، قال: كنت عند أبي إبراهيم عليه السلام فقال: إنّ جعفرا كان يقول: سعد من لم يمت حتى يرى خلفه من نفسه، ثم أومأ بيده إلى إبنه عليّ فقال: هذا و قد أراني اللّه خلفي من نفسي. (2)
حديث لأبي الحسن الرضا عليه السلام.
24-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام انه كان يترب (3)الكتاب و قال: لا باس به. (4)
ص:520
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلوة و السلام على محمد و آله الطاهرين اما بعد فهذا المنهج العاشر في الامام التاسع ابي جعفر الجواد محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام.
و فيه خمسة عشر بابا:
الباب الأوّل-في مولده عليه السلام.
الباب الثاني-في كلامه عليه السلام طفلا.
الباب الثالث-في انه عليه السلام أوتى الحكم صبيا.
الباب الرابع-في حديثه عليه السلام مع يحيى بن اكثم و ما ظهر منه عليه السلام من العلم.
ص:521
الباب الخامس-في جوده عليه السلام.
الباب السادس-في ورعه عليه السلام.
الباب السابع-في حديثه مع المأمون في الطريق من طريق الخاصة و العامة.
الباب الثامن-في حديثه عليه السلام مع ام الفضل زوجته بنت المأمون.
الباب التاسع-في حديثه عليه السلام مع المعتصم و الفقهاء و العلماء.
الباب العاشر-في حديثه عليه السلام مع الشامي.
الباب الحادي عشر-في حديثه عليه السلام مع ابن رزين.
الباب الثاني عشر-في كلام له عليه السلام و احاديث عجاب منه عليه السلام.
الباب الثالث عشر-في انه وصي أبيه و نصه عليه بالامامة.
الباب الرابع عشر-في المفردات.
الباب الخامس عشر-في رده عليه السلام سؤال يحيى ابن اكثم.
ص:522
في مولده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن الحسن بن راشد، قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى إذا أحبّ ان يخلق الإمام أمر ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش، فيسقيها أباه، فمن ذلك يخلق الإمام، فيمكث أربعين يوما و ليلة في بطن امّه لا يسمع الصوت، ثم يسمع بعد ذلك الكلام فاذا ولد بعث اللّه ذلك الملك فيكتب بين عينيه: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (1)فإذا مضى الإمام الّذي كان قبله رفع لهذا منار من نور ينظر فيه (2)الى عمل (3)الخلائق فبهذا يحتجّ اللّه على خلقه. (4)
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن منصور بن يونس، عن يونس بن ظبيان، قال: سمعت أبا عبد
ص:523
اللّه عليه السلام مثله. (1)
3-إبن شهر آشوب في كتاب «الفضائل» عن حكيمة (2)بنت أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قالت: لمّا حضرت ولادة الخيزران (3)أمّ أبي جعفر عليه السلام دعاني الرّضا عليه السلام فقال لي: يا حكيمة احضري ولادتها و ادخلي و إيّاها و القابلة بيتا، و دفع (4)لنا مصباحا و أغلق الباب علينا فلمّا أخذها الطلق طفيء المصباح و بين يديها طست فاغتممت بطفيء المصباح، فبينا نحن كذلك اذ بدر ابو جعفر عليه السلام في الطست و اذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى اضاء البيت فأبصرناه فاخذته فوضعته في حجري و نزعت عنه ذلك الغشاء فجاء الرضا عليه السلام و فتح الباب و قد فرغنا من أمره فأخذه و وضعه في المهد و قال لي: يا حكيمة إلزمي مهده.
قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثمّ نظر يمينه و يساره ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه،
ص:524
فقمت ذعرة فزعة، فأتيت أبا الحسن عليه السلام فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبيّ عجبا.
فقال: و ما ذاك فأخبرته الخبر فقال: يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر. (1)
4-السيد المرتضى في «عيون المعجزات» (2)عن عبد الرحمن بن محمّد، عن كلثم بن عمران (3)قال: قلت للرضا عليه السلام: ادع اللّه أن يرزقك ولدا فقال عليه السلام: إنّما ارزق ولدا واحدا و هو يرثني، فلمّا ولد أبو جعفر عليه السلام قال الرضا عليه السلام: لأصحابه قد ولد لي شبيه موسى بن عمران عليه السلام، فالق البحار، و شبيه عيسى بن مريم عليه السلام قدّست أمّ ولدته قد خلقت طاهرة مطهّرة (4)قال الرّضا عليه
ص:525
السلام: يقتل غصبا فيبكي له و عليه أهل السماء و يغضب اللّه تعالى على عدوّه و ظالمه فلا يلبث إلاّ يسيرا حتى يعجّل اللّه به إلى عذابه الأليم و عقابه الشّديد و كان طول ليلته يناغيه (1)في مهده. (2)
5-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ (3)عن أبي الحكم الأرمني قال: حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم (4)محمّد بن عليّ ابن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، عن يزيد بن سليط، عن ابي ابراهيم عليه السلام في حديث طويل أنّه قال له: يا يزيد إنّي أوخذ في هذه السنة و الأمر هو إلى إبني عليّ سمّي عليّ (5)و عليّ، فأمّا عليّ الأوّل فعليّ بن أبي طالب عليه السلام و أمّا الاخر فعليّ بن الحسين عليهما السلام اعطي فهم الأوّل، و حلمه، و نصره، و ودّه، و دينه، و محنته، و محنة الآخر، و صبره على ما يكره و ليس له أن يتكلّم (6)إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين.
ثم قال: يا يزيد و إذا مررت بهذا الموضع و لقيته و ستلقاه (7)فبشّره
ص:526
أنّه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك، و سيعلمك أنّك قد لقيتني فأخبره عند ذلك أنّ الجارية الّتي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية جارية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمّ إبراهيم، فإنّ قدرت أن تبلّغها منّي السلام فافعل. (1)
6-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة» قال:
حدّثني أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه، قال حدّثني أبو النجم (2)بدر بن عمّار قال: حدّثنا أبو جعفر (3)محمّد بن عليّ، قال: حدّثني عبد اللّه بن أحمد (4)، عن صفوان (5)عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى عليه السلام قالت: كتبت لمّا علقت امّ أبي جعفر عليه السلام به: خادمتك (6)قد علقت، فكتب إليّ علقت يوم كذا من شهر كذا (7)فإذا هي ولدت فالزميها
ص:527
سبعة أيّام قالت: فلمّا ولدته قال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه (1)، فلما كان اليوم الثالث عطس فقال: ألحمد للّه و صلّى اللّه على محمّد و على الأئمة الراشدين. (2)
7- «ثاقب المناقب» (3)عن عليّ بن عبيدة (4)، عن حكيمة بنت موسى عليه السلام قال: لما حضرت ولادة الخيزران أدخلني أبو الحسن الرضا عليه السلام و ايّاها بيتا و أغلق علينا الباب و القابلة معنا، فلمّا كان في جوف الليل إنطفىء المصباح فاغتممنا (5)لذلك فما كان بأسرع أن بدر أبو جعفر عليه السلام فأضاء البيت نورا فقلت لامّه: قد أغناك اللّه عن المصباح، فقعد في الطست و قبض عليه و على جسده شيء رقيق شبه النور، فلمّا أصبحنا جاء الرضا عليه السلام فوضعه في المهد و قال لي: الزمي مهده.
فلمّا كان اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثمّ لمح (6)يمينا و شمالا ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا
ص:528
عبده و رسوله (1)فقمت رعدة (2)فزعة و أتيت الرضا عليه السلام فقلت له: رأيت عجبا! فقال: و ما هو (3)الذي رأيت؟
فقلت: هذا الصبيّ فعل الساعة كذا و كذا.
قالت: فتبسّم الرّضا عليه السلام فقال: ما ترين من عجائبه أكثر. (4)
ص:529
ص:530
الحسن: إي و اللّه جعلت فداك لقد بغي عليه إخوته.
فقال عليّ بن جعفر: إي و اللّه و نحن عمومته (1)بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم فإنّي لم أحضركم؟
قال: قال له إخوته و نحن أيضا: ما كان فينا إمام قطّ حائل اللون (2)فقال لهم الرّضا عليه السلام: هو إبني، قالوا: فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد قضى بالقافّة (3)فبيننا و بينك القافة، قال: إبعثوا أنتم إليهم فأمّا أنا فلا (4)، و لا تعلموهم لما دعوتموهم، و لتكونوا في بيوتكم.
فلمّا جاؤا أقعدونا (5)في البستان و إصطفت (6)عمومته و إخوته و أخواته و أخذوا الرّضا عليه السلام و ألبسوه جبّة صوف و قلنسوة منها و وضعوا على عنقه مسحاة و قالوا له: ادخل البستان كأنّك تعمل فيه،
ص:532
ثمّ جاؤا بأبي جعفر عليه السلام فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا:
ليس له ههنا أب، و لكن هذا عمّ أبيه، و هذا عمّه، و هذه عمّته، و إن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإنّ قدميه و قدمه (1)واحدة، فلمّا رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا: هذا أبوه. (2)
قال عليّ بن جعفر: فقمت فمضضت (3)ريق أبي جعفر عليه السلام ثمّ قلت له: أشهد أنّك إمامي عند اللّه، فبكى الرّضا عليه السلام ثمّ قال: يا عم ألم تسمع أبي و هو يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: بأبي (4)إبن خيرة الإماء (5)إبن النوبية، الطيّبة الفم المنتجبة الرحم، و يلهم (6)لعن اللّه الاعيبس (7)و ذريّته صاحب الفتنة (8)، و يقتلهم (9)سنين
ص:533
و شهورا و أيّاما يسومهم 1خسفا و يسقيهم كأسا مصبرة 2و هو الطريد 3الشريد الموتور 4بأبيه و جدّه صاحب الغيبة، يقال: مات أو هلك، أيّ واد سلك، أفيكون هذا يا عمّ إلاّ منّي؟
فقلت: صدقت جعلت فداك. 5
2-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: حدّثني أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه، قال: حدّثني جعفر بن مالك الفزاري، قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل الحسيني 6عن أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام قال: كان أبو جعفر عليه السلام شديد الادمة و لقد قال فيه الشاكّون المرتابون و سنّه خمس و عشرون شهرا: إنّه ليس من ولد الرّضا عليه السلام و قالوا: لعنهم اللّه: إنّه
ص:534
من شنيف (1)الأسود مولاه، و قالوا: من لوء لوء، و إنّهم أخذوه و الرّضا عليه السلام عند المأمون، فحملوه إلى القافة و هو طفل بمكة في مجمع الناس بالمسجد الحرام فعرضوه عليهم.
فلمّا نظروا إليه زرقوه (2)بأعينهم خرّوا لوجوههم سجّدا ثمّ قاموا فقالوا لهم: يا ويحكم أمثل هذا الكوكب الدريّ و النور المنير يعرض على أمثالنا؟ و هذا و اللّه الحسب الزكيّ و النسب المهذّب الطاهر، و اللّه ما تردّد إلاّ في أصلاب زاكية و أرحام طاهرة، و اللّه ما هو إلاّ من ذريّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فارجعوا و إستقبلوا اللّه و إستغفروه و لا تشكّوا في مثله، و كان في ذلك الوقت سنّه خمسة و عشرون شهرا.
فنطق بلسان أذهب (3)من السّيف و أفصح من الفصاحة «يقول» الحمد للّه الذي خلقنا من نوره بيده و إصطفانا من بريّته و جعلنا أمناءه على خلقه و وحيه معاشر الناس أنا محمّد بن عليّ الرّضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصّادق، بن محمّد الباقر، بن عليّ الرّضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصاّدق، بن محمّد الباقر، بن عليّ سيّد العابدين، بن الحسين الشهيد، بن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، و إبن فاطمة الزهراء، و إبن محمّد المصطفى عليهم السلام ففي مثلي يشكّ؟ و عليّ و على أبويّ يفتري (4)و اعرض على القافة؟ و قال: و اللّه إنّي لأعلم بهم
ص:535
أجمعين (1)، و ما هم إليه صائرون أقوله حقّا و اظهره صدقا و عدلا علما ورّثناه اللّه (2)قبل الخلق أجمعين، و بعد بناء السموات و الأرضين، و أيم اللّه لولا تظاهر الباطل علينا لقلت (3): قولا يتعجّب منه الأوّلون و الآخرون.
ثمّ وضع يده على فيه ثمّ قال: يا محمّد اصمت كما صمت آباؤك فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا اَلْعَزْمِ مِنَ اَلرُّسُلِ، وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ الاية (4)ثم تولّى الرّجل (5)إلى جانبه فقبض على يده و مشى يتخطّى رقاب الناس، و الناس يفرّجون له، قال: فرأيت مشيخة ينظرون إليه و يقولون:
اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (6)فسألت عن المشيخه؟
قيل: هؤلاء قوم من حيّ بني هاشم من أولاد عبد المطّلب.
قال: و بلغ الخبر عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام و ما صنع بابنه محمّد عليه السلام فقال: ألحمد للّه ثم التفت الى بعض من بحضرته من شيعته فقال: هل علمتم ما قد رميت به مارية القبطية و ما ادعى عليها في ولادتها إبراهيم عليه السلام إبن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قالوا: لا يا سيّدنا أنت أعلم فخبّرنا لنعلم، قال: إنّ مارية لما اهديت إلى
ص:536
جدّي رسول اللّه اهديت مع جوار قسّمهن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أصحابه و ظنّ بمارية من دونهنّ، و كان معها خادم يقال له:
جريح يؤدّبها بآداب الملوك و أسلمت على يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أسلم جريح معها و حسن إيمانهما و إسلامهما، فملكت مارية قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فحسدها بعض أزواج رسول اللّه، فأقبلت زوجتان من ازواج رسول اللّه إلى أبويهما تشكوان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعله و ميله إلى مارية و إيثاره إيياها عليهما حتى سولّت لهما أنفسهما أن تقولا: إنّ مارية إنّما حملت بابراهيم من جريح، و كانوا لا يظنّون جريحا زمنا (1)فأقبل ابواهما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو جالس في مسجده فجلسا بين يديه و قالا: يا رسول اللّه ما يحلّ لنا و لا يسعنا أن نكتمك ما ظهرنا عليه من خيانة واقعة بك.
قال: و ماذا تقولان.
قالا (2): إنّ جريحا يأتي من مارية الفاحشة العظمى و إنّ حملها من جريح و ليس هو منك يا رسول اللّه.
فاربد (3)وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عرضت له سهوة لعظم ما تلّقياه به، ثمّ قال: ويحكما ما تقولان؟
فقالا: يا رسول اللّه إنا خلّفنا جريحا و مارية في مشربة و هو يفاكهها
ص:537
و يلاعبها و يروم منها ما يروم الرجال من النساء، فابعث إلى جريح فإنّك تجده على هذه الحال فأنفذ فيه حكمك و حكم اللّه تعالى.
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: يا ابا الحسن خذ معك سيفك ذا الفقار حتى تمضي الى مشربة مارية و إن صادفتها و جريحا كما يصفان فاخمدهما ضربا.
فقام عليّ و اتّشح بسيفه و أخذه تحت ثيابه (1)فلما ولّى و مرّ من بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتى إليه راجعا فقال له: يا رسول اللّه أكون فيما امرتني كالسكّة المحماة في النار أو كالشاهد (2)يرى ما لا يرى الغايب؟
قال (3): فأقبل عليّ عليه السلام و سيفه في يده حتى سور (4)من فوق مشربة مارية و هي جالسة و جريح معها يؤدّبها بآداب الملوك، و يقول لها: أعظمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كنّيه و أكرميه و نحوا من هذا الكلام فنظر جريح إلى أمير المؤمنين و سيفه مشهّر بيده ففزع منه جريح و أتى إلى نخلة في دار المشربة فصعد إلى رأسها، فنزل أمير المؤمنين إلى المشربة و كشف الريح عن اثواب جريح فانكشف ممسوحا.
فقال عليه السلام: إنزل يا جريح، فقال: يا أمير المؤمنين آمن على
ص:538
نفسي فقال: آمن على نفسك.
قال: فنزل جريح و أخذ بيده أمير المؤمنين عليه السلام و جاء به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأوقفه بين يديه، و قال له: يا رسول اللّه إنّ جريحا خادم ممسوح فولى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجهه إلى الجدار و قال: حلّ لهما لعنهما اللّه يا جريح إكشف عن نفسك تبيّن (1)كذبهما، ويحهما ما أجرأهما على اللّه و على رسوله!
فكشف جريح عن أثوابه فإذا هو خادم ممسوح كما وصف، فسقطا بين يدي رسول اللّه و قالا: يا رسول اللّه التوبة إستغفر لنا فلن نعود، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تاب اللّه عليكما فما ينفعكما إستغفاري و معكما هذه الجرأة على اللّه و على رسوله قالا: يا رسول اللّه فإن إستغفرت لنا رجونا أن يغفر لنا ربّنا فأنزل اللّه الآية: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اَللّهُ لَهُمْ (2).
قال الرّضا عليّ بن موسى عليه السلام: ألحمد للّه الّذي جعل فيّ و في إبني محمّد أسوة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إبنه إبراهيم.
و لمّا بلغ عمره ستّ سنين و شهور قتل المأمون أباه و بقيت الطّايفة في حيرة و اختلفت الكلمة بين الناس، و استصغر سنّ أبي جعفر عليه السلام، و تحيّر الشيعة في سائر الأمصار. (3)
ص:539
3-الشيخ رجب البرسي (1)قال: روى عن أبي جعفر الثاني محمّد ابن علي عليهما السلام أنّه جيء به إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد موت أبيه الرّضا عليه السلام و هو طفل فجاء إلى المنبر و رقى منه درجة ثمّ نطق فقال أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد أنا العالم بأنساب النّاس في الأصلاب و أنا أعلم بسرائركم و ظواهركم و ما أنتم صائرون إليه: علم منحنا اللّه به من قبل خلق الأوّلين و الآخرين (2)و بعد فناء السّماوات و الأرضين و لولا تظاهر أهل الباطل و دولة أهل الضلال و وثوب أهل الشكّ لقلت قولا تعجّب منه الأوّلون و الآخرون، ثمّ وضع يده الشريفة على فيه و قال: يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل. (3)
4-كتاب «الخرايج و الجرايح» عن محمّد بن ميمون (4)قال كنت مع الرّضا عليه السلام بمكة قبل خروجه إلى خراسان فقلت له: إنّي أريد
ص:540
المدينة فاكتب معي كتابا إلى أبي جعفر عليه السلام فتبسّم و كتب فصرت إلى المدينة و قد كان ذهب بصري فخرج الخادم بأبي جعفر عليه السلام إلينا فحمله في المهد فناولته الكتاب، فقال لموفّق الخادم فضّه و انشره ففضّه و نشره بين يديه فنظر فيه.
ثمّ قال لي يا محمّد ما حال بصرك؟
قلت: يابن رسول اللّه إعتلّت عيناي فذهب بصري كما ترى.
قال: ادن منّي فدنوت منه فمدّ يده فمسح بها على عيني فعاد إليّ بصري كأصح ما كان، فقبّلت يده و رجله و انصرفت من عنده و أنا بصير. (1)
ص:541
ص:542
في أنه عليه السلام اوتي الحكم صبيّا
1-محمّد بن يعقوب عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام و قد خرج (1)عليّ فاخذت النظر إليه و جعلت أنظر إلى رأسه و رجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتّى قعد فقال: يا عليّ إنّ اللّه إحتجّ في الإمامة بمثل ما إحتجّ به في النبوة، فقال: وَ آتَيْناهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا (2)وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ (3)وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (4)فقد يجوز أن يؤتى الحكمة صبيّا، و يجوز أن يعطاها (5)و هو إبن أربعين سنة. (6)
2-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن صفوان بن
ص:543
يحيى، قال: قلت للرضا عليه السلام: قد كنّا نسألك قبل أن يهب اللّه عزّ و جلّ لك أبا جعفر عليه السلام فكنت تقول: يهب اللّه لي غلاما، فقد وهبه اللّه لك فأقرّ عيوننا فلا أرانا اللّه يومك، فإن كان كون فإلى من؟
فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام و هو قائم بين يديه، فقلت:
جعلت فداك هذا إبن ثلاث سنين؟
فقال: و ما يضرّه (1)فقد قام عيسى عليه السلام بالحجّة و هو ابن ثلاث سنين. (2)
3-و عنه، عن الحسين بن محمد، عن الخيراني (3)، عن أبيه قال:
كنت واقفا بين يدي أبي الحسن عليه السلام بخراسان، فقال له قائل: يا سيّدي إن كان كون فإلى من؟
قال: إلى أبي جعفر إبني، فكأنّ القائل إستصغر سنّ أبي جعفر عليه السلام فقال أبو الحسن: إنّ اللّه تبارك و تعالى بعث عيسى بن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السنّ الّذي فيه أبو جعفر عليه السلام. (4)
ص:544
4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه قال: إستأذن على أبي جعفر عليه السلام قوم من أهل النواحي من الشيعة فأذن لهم، فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسئلة فأجاب عليه السلام و له عشر سنين. 1
5-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف 2، عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قلت له: إنّهم يقولون في حداثة سنك، فقال: إنّ اللّه أوحى إلى داود: أن يستخلف سليمان عليهما السلام و هو صبّي يرعى الغنم، فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل و علماؤهم، فأوحى اللّه إلى داود عليه السلام: أن خذ عصا 3المتكلمين و عصا سليمان و إجعلهما في بيت، و إختم عليها بخواتيم القوم، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد اورقت و أثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داود عليه السلام فقالوا: قد رضينا و سلّمنا. 4
6-و عن عن عليّ بن محمد و غيره، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألته يعني أبا جعفر عليه السلام عن شيء من أمر الإمام فقلت: يكون الامام إبن أقلّ من سبع
ص:545
سنين؟
فقال: نعم و أقلّ من خمس سنين.
فقال سهل: فحدّثني عليّ بن مهزيار بهذا في سنة إحدى و عشرين و مأتين. (1)
7-و عنه عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، قال: قال عليّ بن حسّان (2)لأبي جعفر عليه السلام: يا سيّدي إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك، فقال: و ما ينكرون من ذلك؟ فو اللّه (3)لقد قال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اَللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اِتَّبَعَنِي (4)فو اللّه ما تبعه إلاّ عليّ عليه السلام و له تسع سنين، و أنا إبن تسع سنين. (5)
8-السيد المرتضى (6)في «عيون المعجزات» قال: و لمّا قبض الرّضا عليه السلام كان سنّ أبي جعفر عليه السلام نحو سبع سنين فاختلفت الكلمة بين النّاس ببغداد و في الأمصار و اجتمع الريّان بن
ص:546
الصلت، و صفوان بن يحيى، و محمّد بن حكيم، و عبد الرحمن بن الحجّاج، و يونس بن عبد الرحمن، و جماعة من وجوه الشيعة و ثقاتهم في دار عبد الرحمن بن الحجّاج في بركة زلول يبكون و يتوجّعون من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبد الرحمن: دعوا البكاء، من لهذا الامر؟ و إلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا يعني ابا جعفر عليه السلام؟ .
فقام إليه الريّان بن الصلت و وضع يده في حلقه و لم يزل يلطمه و يقول له: أنت تظهر الإيمان لنا و تبطن الشكّ و الشرك إن كان أمره من اللّه جلّ و علا فلو أنّه كان إبن يوم واحد لكان بمنزلة الشيّخ العالم و فوقه، و إن لم يكن من عند اللّه فلو عمّر ألف سنة فهو واحد من الناس، هذا ممّا لا ينبغي أن يفكّر فيه، فاقبلت العصابة عليه تعذله و توبّخه.
و كان وقت الموسم فاجتمع من فقهاء بغداد و الأمصار و علمائهم ثمانون رجلا فخرجوا إلى الحج و قصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر عليه السلام فلمّا وافوا أتوا دار جعفر الصادق عليه السلام لأنّها كانت فارغة، و دخلوها و جلسوا على بساط كبير، و خرج إليهم عبد اللّه بن موسى (1)، فجلس في صدر المجلس و قام مناد و قال: هذا إبن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فمن أراد السؤال فليسأله فسئل عن أشياء أجاب عنها بغير الواجب، فورد على الشيعة ما حيّرهم و غمّهم و إضطربت الفقهاء و قاموا و همّوا بالإنصراف، و قالوا في أنفسهم: لو كان
ص:547
أبو جعفر عليه السلام يكمّل جواب المسائل لما كان من عبد اللّه ما كان و من الجواب بغير الواجب.
ففتح عليهم باب من صدر المجلس و دخل موفّق و قال: هذا أبو جعفر عليه السلام فقاموا إليه بأجمعهم و استقبلوه و سلّموا عليه، فدخل صلوات اللّه عليه و عليه قميصان و عمامة بذؤابتين و في رجليه نعلان، و جلس و أمسك الناس كلّهم، فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائله فأجاب عنها بالحقّ، ففرحوا و دعوا له و أثنوا عليه، و قالوا له: إنّ عمّك عبد اللّه أفتى بكيت و كيت، فقال: لا إله إلاّ اللّه يا عم إنّه عظيم عند اللّه أن تقف غدا بين يديه فيقول لك: لم تفتي عبادي بما لم تعلم، و في الامّة من هو أعلم منك؟ !
و كان إسحاق بن إسماعيل بن نوبخت (1)ممّن حجّ في جملتهم في تلك السنّة قال إسحق: فعددت له في رقعة عشر مسائل، و كان لي حمل فقلت في نفسي: إن أجابني عن مسائلي سألته أن يدعوا اللّه أن يجعله ذكرا فلمّا ألحّ عليه الناس بالمسائل و كان عليه السلام يفتي بالواجب، فقمت لأخفّف و الرقعة معي لأسأله في غد عن مسائلي، فلمّا نظر عليه السلام إليّ فقال: يا إسحاق قد إستجاب اللّه دعائي فسمّه أحمد، فقلت:
الحمد للّه هذا هو الحجّة البالغة، و إنصرف إلى بلده فولد له ذكر فسمّاه
ص:548
أحمد. (1)
9-و الّذي رواه أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: حدّثني أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه، قال:
حدّثني أبو النجم بدر بن عمّار الطبرستاني، قال: حدّثني أبو جعفر محمّد بن عليّ (2)، قال: روى محمّد المحمودي (3)، عن أبيه، قال: كنت واقفا على رأس الرّضا عليه السلام بطوس، فقال له بعض أصحابه: إن حدث حادث فإلى من؟
قال: إلى إبني أبي جعفر عليه السلام، قال: فان استصغر سنّه؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام: إنّ اللّه بعث عيسى بن مريم قائما بشريعة في دون السنّ التي يقوم فيها أبو جعفر على شريعته.
فلمّا مضى الرّضا عليه السلام و ذلك في سنة إثنتين و مأتين، و سنّ أبي جعفر عليه السلام ستّ سنين و شهورا، و إختلف الناس في جميع الأمصار إجتمع الرّيان بن الصلت، و صفوان بن يحيى، و محمد بن حكيم، و عبد الرّحمن بن الحجّاج في بركة زلزل يبكون و يتوجّعون من المصيبة فقال لهم يونس: دعوا البكاء، من لهذا الأمر يفتي المسائل إلى أن يكبر هذا الصبّي، يعني أبا جعفر عليه السلام، و كان له ستّ سنين و شهور، ثمّ قال: أنا و من مثلي؟
ص:549
فقام إليه الريّان بن الصّلت فوضع يده في حلقه و لم يزل يلطم وجهه و يضرب رأسه.
ثم قال له: يا ابن الفاعلة إن كان أمر من اللّه جلّ و علا فإبن يومين مثل إبن مأة سنة، و إن لم يكن من عند اللّه فلو عمّر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة كان يأتي بمثل ما يأتي به أو بعضه، و هذا ممّا ينبغي أن ينظر فيه، و أقبلت العصابة على يونس تعذله و قرب الحجّ و إجتمع من فقهاء بغداد و الأمصار و علمائهم ثمانون رجلا، و خرجوا إلى المدينة و أتوا دار أبي عبد اللّه عليه السلام و دخلوها، و بسط لهم بساط أحمر، و خرج اليهم عبد اللّه بن موسى فجلس في صدر المجلس و قام مناد فنادى هذا إبن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فمن أراد السؤال فليسأل، فقام إليه رجل من القوم فقال له: ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء؟
قال: طلّقت ثلاث دون الجوزاء، فورد على الشيعة ما زاد في غمّهم و حزنهم.
ثمّ قام إليه رجل آخر فقال ما تقول في رجل أتى بهيمة؟
قال: تقطع يده و يجلّد مأة جلدة فينفى، فضجّ الناس بالبكاء، و كان قد إجتمع فقهاء الأمصار فهم في ذلك إذ فتح باب من صدر المجلس و خرج موفّق.
ثمّ خرج أبو جعفر علهى السلام و عليه قميصان و إزار و عمامة
ص:550
بذؤابتين إحديهما من قدّام و الاخرى من خلف، و نعل بقبالين (1)فجلس و أمسك الناس كلّهم، ثمّ قام إليه صاحب المسألة الاولى فقال: يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما تقول في من قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء؟
فقال له: يا هذا إقرء كتاب اللّه قال اللّه تبارك و تعالى: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ (2)في الثالثة قال: فإنّ عمّك أفتاني بكيت و كيت، فقال: يا عمّ إتق اللّه و لا تفت و في الامّة من هو أعلم منك.
فقام إليه صاحب المسألة الثانية فقال: يابن رسول اللّه رجل أتى بهيمة فقال: يعزّر و يحمى ظهر البهيمة و تخرج من البلد لا يبقى على الرّجل عارها، فقال: عمّك أفتاني بكيت و كيت، فالتفت و قال بأعلى صوته: لا إله إلاّ اللّه يا عبد اللّه إنّه عظيم عند اللّه أن تقف غدا بين يدي اللّه فيقول اللّه لك: لم أفتيت عبادي بما لا تعلم و في الامّة من هو أعلم منك؟
فقال عبد اللّه بن موسى: رأيت أخي الرضا عليه السلام: و قد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب، فقال له أبو جعفر عليه السلام:
إنّما سئل الرضا عليه السلام عن نبّاش نبش إمرأة ففجر بها و أخذ ثيابها فأمر بقطعه للسرقة و جلده للزّنا و نفيه للمثلة. (3)
ص:551
و روى هذا الحديث الحسين بن حمدان الحضيني ايضا في «هدايته» . (1)
ص:552
في حديثه عليه السلام مع يحيى بن اكثم
و ما ظهر منه من العلم
الشيخ المفيد في «ارشاده» قال: روى الحسن بن محمّد بن سليمان (1)، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريّان بن شبيب، قال: لمّا أراد المأمون أن يزوّج إبنته امّ الفضل أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام بلغ ذلك العباسيّين فغلظ عليهم و إستكبروه و خافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما إنتهى إليه مع الرّضا عليه السلام فخاضوا في ذلك و إجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا له: ننشدك اللّه يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الّذي قد عزمت عليه من تزويج إبن الرّضا، فإنّا نخاف أن تخرج به عنّا أمرا قد ملّكناه اللّه و ينزع منا عزّ قد ألبسناه اللّه، و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا و ما كان عليه الخلفاء الرّاشدون قبلك من تبعيدهم و التصغير بهم، و قد كنا في وهلة (2)من عملك مع الرّضا ما علمت حتّى كفانا اللّه المهمّ من ذلك، فاللّه اللّه أن تردّنا
ص:553
إلى غمّ قد إنحسر عنا و إصرف رأيك عن إبن الرضا و إعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون: أمّا ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، و لو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم، و أمّا ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم، و أعوذ باللّه من ذلك، و و اللّه ما ندمت على ما كان منّي من إستخلاف الرضا عليه السلام و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه عن نفسي فأبى و كان أمر اللّه قدرا مقدورا.
و أمّا أبو جعفر محمّد بن عليّ فقد إخترته لتبريزه (1)على كافّة الأنام و أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه و الاعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أنّ الرأى ما رأيت فيه، فقالوا: إنّ هذا الفتى و إن راقك منه هديه فإنّه صبيّ لا معرفة له و لا فقه، فأمهله ليتأدّب و يتفقّه ثمّ إصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم: ويحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، و إنّ هذا من أهل بيت علمهم من اللّه تعالى (2)و مواده و إلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرّعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر عليه السلام بما يتبيّن لكم به ما وصفت من حاله.
قالوا له: لقد رضينا لك يا أمير المؤمنين و لأنفسنا بامتحانه، فخلّ بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا إعتراض في أمره، و ظهر للخاصّة
ص:554
و العامّة سديد رأي أمير المؤمنين فيه، و إن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه، فقال لهم المأمون: شأنكم و ذاك متى أردتم.
فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم، و هو يومئذ قاض الزمان، على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه بأموال نفيسة على ذلك و عادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك.
فاجتمعوا في اليوم الّذي إتّفقوا عليه، و حضر معهم يحيى بن اكثم، و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر عليه السلام دست (1)و يجعل له فيه مسورتان (2)ففعل ذلك و خرج أبو جعفر عليه السلام و هو يومئذ إبن سبع سنين (3)واشهر، فجلس بين المسورتين، و جلس يحيى بن أكثم بين يديه، و قام الناس في مراتبهم، و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام.
فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر (4)؟ فقال له المأمون: إستأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتاذن لي جعلت فداك في مسألة؟
فقال له أبو جعفر عليه السلام: سل إن شئت.
قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟
ص:555
فقال له أبو جعفر عليه السلام: قتله في حلّ أو حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرّا كان المحرم أو عبدا؟ صغيرا كان أم كبيرا؟ مبتدئا بالقتل أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم من كباره؟ مصرّا على ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهارا؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرما.
فتحيّر يحيى بن أكثم و بان في وجهه العجز و الإنقطاع و تلجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره.
فقال المأمون: ألحمد للّه على هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي، ثمّ نظر إلى أهل بيته و قال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه.
ثمّ أقبل على أبي جعفر عليه السلام فقال له أتخطب يا أبا جعفر؟ قال: نعم (1)يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي، و أنا مزوّجك أمّ الفضل إبنتي و إن رغم (2)قوم لذلك.
فقال أبو جعفر عليه السلام: ألحمد للّه إقرارا بنعمته، و لا إله إلاّ اللّه إخلاصا لواحدانيّته، و صلّى اللّه على محمّد سيّد بريّته و الأصفياء من عترته، أمّا بعد فقد كان من فضل اللّه على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيامى مِنْكُمْ وَ اَلصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اَللّهُ واسِعٌ
ص:556
عَلِيمٌ (1)ثمّ إنّ محمّد بن عليّ بن موسى يخطب امّ الفضل بنت عبد اللّه المأمون و قد بذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و هو خمسمائة درهم جيادا فهل زوّجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟
فقال المأمون: نعم قد زوّجتك يا أبا جعفر امّ الفضل إبنتي على هذا الصّداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟
فقال أبو جعفر عليه السلام قد قبلت ذلك و رضيت، فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصّة و العامّة.
قال الريّان: و لم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من الفضّة مشدودة بالحبال من الأبريسم على عجل مملوءة من الغالية فأمر المأمون أن يخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية، ثمّ مدّت إلى دار العامّة فطيّبوا منها و وضعت الموائد فأكل الناس و خرجت الجوائز إلى كلّ قوم على قدرهم، فلمّا تفرّق الناس و بقي من الخاصّة من بقي قال المأمون لأبي جعفر عليه السلام: إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه و نستفيده.
فقال أبو جعفر عليه السلام: نعم إنّ المحرم إذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان من كبارها فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، فإذا كان قتل فرخا في الحلّ فعليه
ص:557
حمل قد فطم من اللبن، و إذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ، و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه بدنة، و ان كان ظبيا فعليه شاة ان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة.
و إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان إحرامه بالحجّ نحره بمنى، و إن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكّة، و جزاء الصيد على العالم و الجاهل سواء، و في العمد عليه المأثم، و هو موضوع عنه في الخطاء، و الكفّارة على الحرّ في نفسه، و على السيّد في عبده، و الصغير لا كفّارة عليه، و هي على الكبير واجبة، و النادم يسقط عنه بندمه عقاب الآخرة، و المصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة.
فقال له المأمون: أحسنت يا أبا جعفر أحسن اللّه إليك، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك فقال أبو جعفر عليه السلام ليحيى:
أسألك؟
قال: ذلك إليك جعلت فداك، فإن عرفت جواب ما تسألني عنه و إلاّ إستفدته منك.
فقال له أبو جعفر عليه السلام: أخبرني عن رجل نظر إلى إمرأة في أوّل النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلمّا إرتفع النّهار حلّت له، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر حلّت له، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه، فلمّا دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلّت له، فلمّا كان إنتصاف الليل حرمت عليه، فلمّا طلع الفجر حلّت له، ما حال هذه المرأة و بماذا حلّت له و بماذا حرمت عليه؟
ص:558
فقال له يحيى بن أكثم: لا و اللّه ما أهتدي إلى جواب هذا السؤال و لا أعرف الوجه فيه فإن رأيت أن تفيدنا.
فقال أبو جعفر عليه السلام: هذه أمة لرجل من الناس نظر اليها أجنبيّ أوّل النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلمّا إرتفع النهار إشتراها و ابتاعها من مولاها فحلّت له، فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له، فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له، فلمّا كان في نصف الليل طلّقها واحدة فحرمت عليه، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له.
قال: فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف هذا القول فيما تقدّم من السؤال؟
قالوا: لا و اللّه إنّ أمير المؤمنين أعلم بما رأى، فقال لهم: ويحكم إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل و إنّ صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال.
أما علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إفتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام و هو إبن عشر سنين، و قبل منه الإسلام و حكم له به و لم يدع أحدا في سنّه غيره، و بايع الحسن و الحسين عليهما السلام و هما إبنا دون ستّ سنين و لم يبايع صبيّا غيرهما، أفلا تعلمون الآن ما إختصّ اللّه به هؤلاء القوم؟ و إنّهم ذرية طيّبة بعضها من بعض يجرى لآخرهم ما يجرى لأوّلهم، قالوا: صدقت
ص:559
يا أمير المؤمنين ثمّ رخّص القوم (1).
فلمّا كان من الغد حضر الناس و حضر أبو جعفر عليه السلام و صار القوّاد و الحجّاب و الخاصّة و العامّة لتهنئة المأمون و أبي جعفر عليه السلام فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة فيها بنادق مسك و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة، و عطايا سنيّة، و أقطاعات.
فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصّته، و كان كلّ من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها و إلتمسه فاطلق له، و وضعت البدر فنثر ما فيها على القوّاد و غيرهم، و إنصرف الناس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا، و تقدّم المأمون بالصدقة على كافّة المساكين، و لم يزل مكر ما لأبي جعفر عليه السلام معظّما لقدره مدّة حياته، يؤثره على ولده و جماعة أهل بيته. (2)
و هذه القصة مذكورة في كتب الخاصّة و العامّة شهيرة بينهم.
ص:560
في جوده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كنت عند أبي جعفر الثّاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل (1)، و كان يتولّى له الوقف بقم، فقال: يا سيّدي إجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فإنّي أنفقتها.
فقال له أبو جعفر عليه السلام: أنت في حلّ.
فلمّا خرج صالح من عنده، قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب (2)على أموال حقّ آل محمّد و أيتامهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذه ثمّ يجيء فيقول: إجعلني في حلّ، أتراه ظنّ أنّي
ص:561
أقول: لا أفعل، و اللّه ليسألنّهم اللّه يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا (1). (2)
2-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و معي ثلاث رقاع غير معنونة، و اشتبهت عليّ فاغممت فتناول إحديها و قال: هذه رقعة زياد بن شبيب، ثم تناول الثّانية فقال: هذه رقعة فلان فبهتّ أنا فنظر إليّ فتبسّم.
قال: و أعطاني ثلثمأة دينار، و أمرني أن أحملها إلى بعض بني عمّه و قال: أما إنّه سيقول لك: دلّني على حريف يشتري لي بها متاعا فدّله عليه، فأتيته (3)بالدّنانير فقال لي: أبا هاشم دلّني على حريف يشتري لي بها متاعا فقلت: نعم.
قال: و كلّمني جمّال أن اكلّمه له يدخل في بعض أموره، فدخلت عليه لأكلّمه له فوجدته يأكل و معه جماعة و لم يمكنّي كلامه، فقال عليه السلام: يا أبا هاشم كل، و وضع بين يديّ، ثمّ قال إبتداء منه من غير مسألة: يا غلام انظر إلى الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم فضمّه اليك.
قال: و دخلت معه ذات يوم بستانا فقلت له: جعلت فداك إنّي مولع بأكل الطين فادع اللّه لي فسكت ثم قال بعد أيّام (4)إبتداء منه: يا أبا هاشم
ص:562
قد أذهب اللّه عنك أكل الطين.
قال أبو هاشم: فما شيء ابغض إليّ منه اليوم. (1)
3-علي بن عيسى في «كشف الغمة» قال: أتى الجواد عليه السلام رجل فقال له: أعطني على قدر مروتك.
فقال عليه السلام لا يسعني، فقال: على قدري.
قال: أمّا ذا فنعم، يا غلام أعطه مأتي دينار. (2)
ص:563
ص:564
في ورعه عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن الريّان (1)، قال: إحتال المأمون على أبي جعفر عليه السلام بكلّ حيلة فلم يمكنه فيه شيء فلمّا إعتلّ و أراد أن يبني عليه إبنته (2)دفع إلى مأتي (3)وصيفة من أجمل ما يكون إلى كلّ واحدة منهنّ جاما فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر عليه السلام إذا قعد في موضع الأخيار فلم يلتفت إليهنّ.
و كان رجل يقال له: مخارق صاحب صوت و عود و ضرب، طويل اللحية فدعاه المأمون فقال: يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام فشهق مخارق شهقة إجتمع عليه أهل الدار و جعل يضرب بعوده و يغنّي.
فلمّا فعل ساعة و اذا أبو جعفر عليه السلام لا يلتفت إليه لا يمينا
ص:565
و لا شمالا ثمّ رفع إليه رأسه و قال: إتّق اللّه ياذا العثنون (1)فسقط المضراب من يده و العود فلم ينتفع بيديه الى أن مات، فسأله المأمون عن حاله قال: لمّا صاح بي أبو جعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا. (2)
ص:566
في حديثه عليه السلام مع المأمون في الطير
من طريق الخاصة و العامة
1-محمّد بن عليّ بن شهر آشوب في كتاب «الفضائل» قال: إجتاز المأمون بابن الرّضا عليه السلام و هو بين صبيان فهربوا سواه، فقال: عليّ به، فقال له: مالك لا هربت (1)في جملة الصبيان قال: ما عليّ ذنب (2)فأفرّ، و لا الطّريق ضيّق فاوسّعه عليك، تمرّ من حيث شئت (3)، فقال: من تكون؟
قال: أنا محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.
فقال: ما تعرف من العلوم؟
قال: سلني عن أخبار السموات، فودّعه و مضى و على يده باز أشهب يطلب به الصيد، فلمّا بعد عنه نهض عن يده الباز، فنظر يمينه و شماله لم يرصيدا و الباز يثب عن يده، فأرسله فطار يطلب الافق حتّى غاب عن ناظره ساعة ثمّ عاد إليه و قد صاد حيّة فوضع الحيّة في بيت
ص:567
الطعم.
و قال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الصبّي في هذا اليوم على يدي، ثمّ عاد و إبن الرّضا عليه السلام في جملة الصبيان، فقال: ما عندك من أخبار السموات؟
فقال: نعم يا أمير المؤمنين حدّثني أبي، عن آبائه، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، عن جبرئيل، عن ربّ العالمين: أنّه قال: بين السماء و الهواء بحر عجاج يتلاطم به الأمواج، فيه حيّات خضر البطون رقط (1)الظهور و يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن به العلماء، فقال:
صدقت و صدق آباءك و صدق جدّك و صدّق ربّك فأركبه و زوّجه امّ الفضل. (2)
2-و من طريق المخالفين ما ذكر المالكي في «الفصول المهمة» و كمال الدين بن طلحة الشامي في «مطالب السؤول» و اللفظ لإبن طلحة قال: و أمّا مناقبه يعني أبا جعفر محمّد بن عليّ الجواد عليهما السلام فما إتّسعت حلبات مجالها و لا إمتدّت أوقات آجالها بل قضيت عليه الأقدار الإلهيّة بقلّة بقائه في الدّنيا بحكمها و إسجالها، فقل في الدنيا مقامه و عجّل القدوم إليه لزيارته حمامه، فلم تطل فيها مدّته، و لا إمتدّت فيها أيّامه، غير أنّ اللّه تعالى خصّه بمنقبة متألّقة في مطالع التعظيم، بارقة أنوارها، مرتفعة في معارج التفضيل قيمة أقدارها،
ص:568
بادية (1)لأبصار ذوي البصائر، بيّنة منارها، هادية لعقول أهل المعرفة آية آثارها، و هي (2)و إن كانت صورتها واحدة فمعانيها كثيرة، و صنعتها و ان كانت صغيرة فدلالتها كبيرة.
و هي أنّ هذا أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام لمّا توفّي والده عليّ الرّضا عليه السلام و قدم الخليفة المأمون إلى بغداد بعد وفاته بسنة إتّفق أنّه بعد ذلك خرج يوما يتصيّد (3)و إجتاز بطرف البلد في طريقه و الصبيان يلعبون و محمّد عليه السلام واقف معهم، و كان عمره يومئذ إحدى عشرة سنة فما حولها.
فلمّا أقبل الخليفة المأمون إنصرف الصبيان هاربين، و وقف أبو جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام مكانه فلم يبرح، فقرب منه الخليفة فنظر إليه، و كان اللّه عزّ و علا قد ألقى عليه مسحة من قبول فوقف الخليفة و قال له: يا غلام ما منعك من الإنصراف مع الصبيان؟
فقال له محمّد عليه السلام مسرعا: يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه عليك بذهابي، و لم تكن لي جريمة فأخشاها، و ظنّي بك حسن أنّك لا تضرّ من لا ذنب له فوقفت، فأعجبه كلامه و وجه، فقال له: ما إسمك؟
فقال: محمّد، قال: إبن من أنت؟
قال: يا أمير المؤمنين أنا إبن عليّ الرّضا، فترحّم على أبيه و ساق
ص:569
إلى وجهته.
و كان معه بزاة (1)فلمّا بعد عن العمارة أخذ بازا فأرسله على درّاجة (2)فغاب عن عينه غيبة طويلة، ثمّ عاد من الجوّ و في منقاره سمكة صغيرة، و بها بقايا الحياة، فعجب الخليفة من ذلك غاية العجب، ثمّ أخذها بيده (3)و عاده إلى داره في الطّريق الذي أقبل منه، فلمّا وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم، فانصرفوا كما فعلوا أوّل مرة، و أبو جعفر لم ينصرف و وقف كما وقف أوّل مرّة، فلمّا دنا (4)منه الخليفة قال له: يا محمّد، قال: لبيّك يا أمير المؤمنين، قال له: ما في يدي؟ فألهمه اللّه أن قال: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك و الخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل بيت النبوّة، فلمّا سمع المأمون كلامه عجب منه و جعل يطيل نظره إليه، و قال: أنت إبن الرّضا حقّا. (5)
و في هذه الوقعة منقبة تكفي عن غيرها، و يستغني بها عن سواها.
و ولده أبو الحسن عليّ عليه السلام و سيأتي ذكره إن شاء اللّه تعالى.
ص:570
في حديثه عليه السلام مع امّ الفضل و زوجته بنت المأمون
1-الراوندي في «الخرايج و الجرايح» قال: إنّ محمّد بن إبراهيم الجعفري روى عن حكيمة (1)بنت الرضا عليهما السلام، قالت: لمّا توفّي أخي محمّد بن الرّضا عليه السلام صرت يوما إلى إمرأته امّ الفضل بنت المأمون العبّاسي الخليفة لسبب إحتجت إليها فيه، قالت: بينما نحن نتذاكر فضل محمّد عليه السلام و كرمه و ما أعطاه اللّه تعالى من العلم و الحكمة إذ قالت إمرأته امّ الفضل: يا حكيمة اخبرك عن أبي جعفر محمّد بن الرّضا عليهما السّلام بأعجوبة لم يسمع أحد بمثلها، قلت: و ما ذاك؟
قالت: إنّه كان ربما أغارني مرّة بجارية و مرّة بتزويج، فكنت أشكوه إلى أبي، فيقول: يا بنية إحتملي فإنّه إبن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فبينا أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت إمرأة فقلت: من أنت؟ و كأنّها
ص:571
قضيب بان (1)او غصن خيزران (2)قالت: أنا زوجة لأبي جعفر، قلت: من أبو جعفر؟
قالت: محمّد بن الرضا عليه السلام و أنا إمرأة من ولد عمّار بن ياسر، قالت: فدخل عليّ من الغيرة ما لم أملك نفسي، فنهضت من ساعتي و صرت إلى المأمون و هو ثمل (3)من الشراب، و قد مضى من اللّيل ساعات فأخبرته بحالي، و قلت له: إنّه يشتمني و يشتمك، و يشتم العبّاس و ولده، قالت: و قلت: ما لم يكن فغاظه ذلك منّي جدّا و لم يملك نفسه من السّكر، و قام مسرعا فضرب بيده إلى سيفه و حلف أنّه يقطّعه بهذا السيف.
قالت: فندمت عند ذلك و قلت في نفسي: ما صنعت هلكت و أهلكت؟ ! قالت: فعدوت خلفه لأنظر ما يصنع، فدخل عليه و هو نائم فوضع فيه السيف فقطّعه إربا إربا ثمّ وضع السيف على حلقه فذبحه، و أنا أنظر إليه و ياسر الخادم، و إنصرف و هو يزبد مثل الجمل.
قالت: فلمّا رأيت ذلك هويت (4)على وجهي ثمّ رجعت إلى منزل أبي فبتّ بليلة لم أنم فيها حتّى أصبحت.
قالت: فلمّا أصبحت دخلت إليه و هو قائم يصلّي و قد أفاق من السكر، فقلت له: يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت الليلة؟
ص:572
قال: لا و اللّه فما الّذي صنعت ويلك؟
قلت: فإنّك صرت إلى إبن الرّضا عليه السلام و هو نائم فقطّعته إربا إربا و ذبحته بسيفك و خرجت من عنده، قال: ويلك ما تقولين؟ قلت:
أقول: ما فعلت.
فصاح: يا ياسر ما تقول هذه الملعونة ويلك؟ قال: صدقت في كلّ ما قالت قال: إنا للّه و إنّا إليه راجعون هلكنا و إفتضحنا ويلك يا ياسر بادر اليه و أتني بخبره، فمضى إليه (1)ثمّ عاد مسرعا فقال: يا أمير المؤمنين البشرى قال: و ما ورائك؟
قال: دخلت عليه و إذا هو قاعد يستاك و عليه قميص و دواج (2)فبقيت متحيرا في أمره، ثمّ أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شيء من الأثر، فقلت له: أحبّ أن تهب لي هذه القميص الّذي عليك لأتبرّك به، فنظر إليّ و تبسّم كأنّه علم ما أردت بذلك، فقال: أكسوك كسوة فاخرة فقلت: لست أريد غير هذا القميص الّذي عليك، فخلعه و كشف لي عن بدنه كلّه، فو اللّه ما رأيت أثرا فخرّ المأمون ساجدا و وهب لياسر ألف دينار، و قال: ألحمد للّه الّذي لم يبتلني بدمه.
ثم قال: يا ياسر أمّا مجيء هذه الملعونة إليّ و بكائها بين يدي فأذكره، و أمّا مصيري إليه فلست أذكره، فقال: ياسر: و اللّه يا مولاي ما زلت تضربه بالسيف و أنا و هذه ننظر إليك و إليه حتّى قطّعته قطعة قطعة، ثمّ وضعت سيفك على حلقه فذبحته، و أنت تزبد كما تزبد البعير، فقال:
ص:573
ألحمد للّه، ثمّ قال لي: و اللّه لئن عدت بعدها بشكواك فيما يجري بينكما لأقتلنّك.
ثمّ قال: يا ياسر إحمل إليه عشرة آلاف دينار و قد إليه (1)الشهريّ الفلاني وسله الرّكوب إليّ، و إبعث إلى الهاشميّين و الأشراف و القوّاد ليركبوا في خدمته (2)إلى عنده و يبدوا بالدّخول إليه-و التسليم عليه، ففعل ياسر ذلك و صار الجميع بين يديه، و أذن الجميع بالدخول-فقال عليه السلام: يا ياسر هذا كان العهد بيني و بينه؟
قلت: يا إبن رسول اللّه ليس هذا وقت العتاب، فو حقّ محمّد و عليّ ما كان يعقل من أمره شيئا، ثمّ أذن للأشراف كلّهم بالدخول إلاّ عبد اللّه و حمزة إبني الحسن (3)لأنّهما كانا وقعا فيه عند المأمون يوما و سعيا به مرّة بعد أخرى.
ثمّ قام فركب مع الجماعة و صار إلى المأمون فتلّقاه و قبّل ما بين عينيه، و أقعده على المقعد في الصدر، و أمر أن يجلس النّاس ناحية، و خلا به فجعل يعتذر إليه، فقال له أبو جعفر عليه السلام: لك عندي نصيحة فاسمعها منّي.
قال: هاتها، فقال: اشير عليك بترك الشّراب المسكر، فقال: فداك إبن عمك قد قبلت نصيحتك. (4)
ص:574
2-أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: دخلت على سيّدي أبي جعفر عليه السلام في داره ببغداد و أنا جالس بين يديه، إذ دخل عليه ياسر الخادم فرحّب به و قرّبه فقال له: يا سيّدي إنّ سيّدتنا امّ جعفر تستأذنك في المصير إلى سيّدتنا امّ الفضل للتّسليم عليك و عليها، و قد استأذنت أمير المؤمنين يعني المأمون فأذن لها، و قال لها: لا تمضي حتّى تستأذني أبا جعفر.
فقال له: قل لها: أقبلي إلينا بالرّحب و السّعة، فمضى الخادم، و قمت أنا أقول في نفسي: إنّه ليس هذا وقت جلوس، و امّ جعفر تصير إليه و إلى امّ الفضل، فقال لي: إجلس يا أبا هاشم فإنّ امّ جعفر تحضر و ترى ما تحبّ، فجلست و وافت امّ جعفر و استأذنت عليه قبل إستيذانها على امّ الفضل بنت المأمون، فقال للخادم: قل لها: ما يحضرني إلاّ من لا يحتشم و هو أبو هاشم الجعفري إبن عمّك، فاستحييت منه و إعتزلت في موضع بحيث أراهم و أسمع كلامهم.
فدخلت و سلّمت عليه و إستاذنته في الدخول على امّ الفضل بنت المأمون زوجته فما لبثت أن عادت إليه و قالت له: يا سيّدي إنّي لا حبّ أن أراك و إبنتي امّ الفضل في موضع واحد لتقرّ عيني و أفرح و اعرف أمير المؤمنين اجتماعكما (1)فيفرح، فقال: ادخلي إليها فإنّي في الأثر، فدخلت، فأمر فقدّمت بغلته و دخل، و الستور تشال بين يديه.
ص:575
فما لبث أن أسرع راجعا و يقول: فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ (1)و جلس في مجلسه و خرجت امّ جعفر و قالت له: يا سيّدي أنعمت عليّ بنعمة لم تتمّها بالجلوس؟
فقال لها: حدث ما لا يحسن معه الجلوس، قالت له: و اللّه يا سيّدي ما حدث إلاّ خير، فما رأيت شيئا فما الّذي حدث؟ فقال: يا امّ جعفر حدث ما لا يصلح أن اعيده عليك، فارجعي إلى امّ الفضل فسأليها بينك و بينها فإنّها تخبرك بما حدث منها ساعة دخولي عليها فإنّه من سرّ النساء.
فدخلت امّ جعفر على امّ الفضل أعادت عليها ما قاله عليه السلام، فقالت لها: يا عمّة و ما علمه بذلك منّي؟ فقالت لها: و ما هو يا بنيّة؟ فقد حلفت له أنّي ما رأيت و لا حضرت إلاّ خيرا، و ظننت أنّه رآى في وجهي كرها فرجع، فقالت: لا و اللّه يا عمّة ما تبين في وجهك كرها، و قد علمت ما الذي حدث، فارجعي إليه فاسأليه أن يخبر ما هو؟
قالت: يا بنيّة إنّه قال لي: إنّه من سرّ النساء.
فقالت امّ الفضل: كيف لا أدعو على أبي و قد زوجّني ساحرا، فقالت لها يا بنيّة: لا تقولي هذا القول، فليس رأي أبيك فيه و لا في أبيه قبله رأيك، فما الّذي حدث؟ قالت: و اللّه يا عمّة ما هو إلاّ بأن طلع عليّ حتى إعتزلت الصلوة و حدث منّي ما يحدث من النّساء فضربت يدي إلى أثوابي فضممتها، فخرجت أمّ جعفر إليه و قالت له: يا سيّدي تعلم
ص:576
الغيب؟
قال: لا قالت: فمن أين لك ما حدث في أمر امّ الفضل ما لا يعلمه إلاّ اللّه و هي في الوقت؟
فقال: نحن قوم من علم اللّه علمنا و عن اللّه نخبر.
فقالت له: فينزل عليك الوحي؟
قال: لا، قالت: فمن أين لك علم ذلك؟
فقال لها: من حيث لا تعلمين و سترجعين إلى من تخبرينه بما كان، فيقول لك: لا تعجبي فإنّه من فضله و علمه فوق ما تظّنين.
فخرجت امّ جعفر فدنوت منه فقلت له: لقد سمعتك و أنت تقول:
فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ فما كان إكبار النسوة اللّواتي خرج عليهن يوسف لمّا رأينه؟ قال: الإكبار هو ما حدث من امّ الفضل، فعلمت أنّه الحيض.
و هذا الحديث رواه رجب البرسي و غيره و محصّله ما ذكرته و هو أحد الروايتين. (1)
ص:577
ص:578
في حديثه عليه السلام مع المعتصم و الفقهاء
1-محمّد بن مسعود العيّاشي في «تفسيره» بإسناده عن أحمد بن الفضل الخاقاني (1)من آل رزين قال: قطع الطريق بجلولاء (2)على السّابلة (3)من الحجّاج و غيرهم و أفلت القطّاع، فبلغ الخبر المعتصم فكتب إلى عامل له كان بها: تؤمّن الطريق بذلك فقطع على طرف اذن امير المؤمنين ثمّ انفلت القطّاع، فإن أنت طلبت هؤلاء و ظفرت بهم و إلاّ أمرت بأن تضرب ألف سوط ثمّ تصلب بحيث قطع الطريق.
قال: و طلبهم العامل حتّى ظفر بهم و استوثق، ثم كتب بذلك إلى المعتصم، فجمع الفقهاء و إبن أبي داود (4)ثم سأل الآخرين عن الحكم فيهم، و أبو جعفر محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام حاضر، فقالوا: قد
ص:579
سبق حكم اللّه فيهم في قوله: إِنَّما جَزاءُ اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اَللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ (1)و لأمير المؤمنين أن يحكم بأيّ ذلك شاء فيهم.
قال: فالتفت إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له: ما تقول فيما أجابوا فيه؟ فقال: قد تكلّم هؤلاء الفقهاء و القاضي بما سمع أمير المؤمنين.
قال: و أخبرني بما عندك، قال: إنّهم قد أضلّوا فيما أفتوا به، و الّذي يجب في ذلك أنّ ينظر أمير المؤمنين في هؤلاء الّذين قطعوا الطريق، فإن كانوا أخافوا السبيل فقط و لم يقتلوا أحدا و لم يأخذوا مالا فأمر بايداعهم الحبس، فإنّ ذلك، معنى نفيهم من الأرض باخافتهم السبيل و إن كانوا أخافوا السبيل، و قتلوا النفس و أخذوا المال فأمر بقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و صلبهم بعد ذلك، قال: فكتب إلى العامل بأن يمتثل ذلك فيهم. (2)
2-و عنه باسناده عن زرقان صاحب إبن أبي دواد و صديقه بشدّة قال: رجع إبن أبي دواد ذات يوم من عند المعتصم و هو مغتّم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أنّي قد متّ منذ عشرين سنة قال: قلت له:
و لم ذاك؟
ص:580
قال: لما كان من هذا الأسود أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم.
قال: قلت له: و كيف كان ذلك؟ قال: إنّ سارقا أقرّ على نفسه بالسرقة، و سأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، و قد احضر محمّد بن عليّ عليهما السلام فسألنا عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع؟
قال: قلت من الكرسوع قال: و ما الحجّة في ذلك؟ قال: قلت: لأنّ اليد هي الأصابع و الكفّ إلى الكرسوع لقول اللّه في التيمم: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ (1)و اتفق معي على ذلك قوم.
و قال الآخرون بل يجب القطع من المرفق، قال: و ما الدّليل على ذلك؟ قالوا لأنّ اللّه لمّا قال: وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى اَلْمَرافِقِ (2)في الغسل، دلّ ذلك على أنّ حدّ اليد هو المرفق، قال: فالتفت إلى محمّد بن علي عليهما السلام فقال ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟
فقال: قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين، قال: دعني مما تكلّموا به، أيّ شيء عندك؟ قال: أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين، قال:
أقسمت عليك باللّه لما أخبرت بما عندك فيه.
فقال أمّا إذ أقسمت علي باللّه إنّي أقول، إنّهم أخطأوا فيه السنّة فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكفّ، قال: و ما الحجّة في ذلك؟
ص:581
قال: قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: السجود على سبعة أعضاء: الوجه و اليدين و الرّكبتن و الرّجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، قال اللّه تبارك و تعالى: وَ أَنَّ اَلْمَساجِدَ لِلّهِ (1)يعني هذه الأعضاء السبعة الّتي يسجد عليها فَلا تَدْعُوا مَعَ اَللّهِ أَحَداً (2)و ما كان للّه لم يقطع.
قال: فأعجب المعتصم ذلك و أمر بقطع يد السّارق من مفصل الأصابع دون الكفّ، قال إبن أبي دواد: قامت قيامتي و تمنّيت أنّي لم أك حيّا.
قال، زرقان: إنّ إبن أبي دواد قال: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت: إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة و أنا اكلّمه بما أعلم أنّي أدخل به النار، قال: و ما هو؟
قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيّته و علماؤهم لأمر واقع من أمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، و قد حضر مجلسه أهل بيته و قوّاد و وزرائه و كتّابه، و قد تسامع النّاس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلّهم لقول رجل يقول شطر هذه الامّة بإمامته و يدّعون أنّه أولى منه بمقامه، ثمّ يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء.
قال: فتغيّر لونه و إنتبه لما نبّهته له، و قال: جزاك اللّه عن نصيحتك خيرا، قال: فأمر يوم الرّابع فلانا من كتّابه و وزرائه بأن يدعوه إلى منزله،
ص:582
فدعاه فأبى أن يجيبه، و قال: قد علمت أنّي لا أحضر مجالسكم، فقال:
إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام و احبّ أن تطأ ثيابي و تدخل منزلي فأتبرّك بذلك، فقد أحبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقائك فصار إليه فلمّا طعم منه أحسّ بالسم، فدعا بدابّته فسأله ربّ المنزل أن يقيم قال:
خروجي من دارك خير لك، فلم يزل يومه ذلك و ليله في حلقه حتّى قبض عليه السلام. (1)
ص:583
ص:584
حديثه عليه السلام مع الشامي
محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسّان (1)، عن عليّ بن خالد (2)قال محمّد: و كان زيديا قال: كنت بالعسكر فبلغني أنّ هناك رجلا محبوسا أتى به من ناحية الشام مكبولا و قالوا: إنّه تنبّأ، قال عليّ بن خالد: فأتيت الباب و داريت البوّابين و الحجبة حتى وصلت إليه، فإذا رجل له فهم، فقلت: يا هذا ما قصّتك و ما أمرك؟
قال: إنّي كنت رجلا بالشام أعبد اللّه في الموضع الذي يقال له:
ص:585
موضع رأس الحسين عليه السلام، فبينا أنا في عبادتي إذ أتاني شخص فقال لي: قم بنا، فقمت معه، فبينا أنا معه إذ أنا في مسجد الكوفة، فقال لي: تعرف هذا المسجد؟
فقلت: نعم هذا مسجد الكوفة قال: فصلّى فيه و صلّيت معه.
فبينا أنا معه إذ أنا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة فسلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سلّمت، و صلّى و صلّيت معه، و صلّى على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فبينا أنا معه إذ أنا بمكّة فلم أزل حتى قضى مناسكه و قضيت مناسكي معه، فبينا أنا معه، إذا أنا في الموضع الّذي كنت أعبد اللّه فيه بالشام و مضى الرّجل.
فلمّا كان العام القابل إذا أنا به فعل بي مثل فعلته الاولى فلمّا فرغنا من مناسكنا و ردّني إلى الشام و همّ بمفارقتي قلت له: سألتك بحقّ الّذي أقدرك على ما رأيت إلاّ أخبرتني من أنت؟ فقال: أنا محمّد بن عليّ بن موسى.
قال فتراقى الخبر حتّى إنتهى إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات (1)فبعث إليّ و أخذني و كبّلني في الحديد، و حملني إلى العراق.
قال: فقلت له: فارفع القصّة إلى محمّد بن عبد الملك، ففعل و ذكر
ص:586
في قصّته ما كان، فوقّع في قصّته: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة، و من الكوفة إلى المدينة، و من المدينة إلى مكة، و ردّك من مكّة إلى الشام: أن يخرجك من حبسك هذا.
قال عليّ بن خالد فغمّني ذلك من أمره، و رققت له و أمرته بالعزاء و الصبر، قال: ثمّ بكرت عليه فإذا الجند و صاحب الحرس و صاحب السجن و خلق اللّه، فقلت: ما هذا؟
فقالوا: المحمول من الشّام الذي تنبّأ إفتقد البارحة، فلا يدرى أخسفت به الأرض أو اختطفه الطير؟ ! (1)
ص:587
ص:588
حديثه عليه السلام مع ابن رزين
محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد الأشعري قال: حدّثني شيخ من أصحابنا يقال له: عبد اللّه بن رزين (1)قال: كنت مجاورا بالمدينة مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كان أبو جعفر عليه السلام يجيء في كلّ يوم مع الزّوال إلى المسجد فينزل في الصحن و يصير إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يسلّم عليه و يرجع إلى بيت فاطمة عليها السلام فيخلع نعليه و يقوم فيصلّي، فوسوس إليّ الشيطان فقال:
إذا نزل فاذهب حتى تأخذ من التّراب الّذي يطأ عليه، فجلست في ذلك اليوم أنتظره لأفعل هذا.
فلمّا أن كان وقت الزوال أقبل عليه السلام على حمار له فلم ينزل في الموضع الّذي كان ينزل فيه، و جاء حتّى نزل على الصّخرة التي على باب المسجد، ثمّ دخل فسلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ رجع إلى المكان الّذي كان يصلّي فيه، ففعل هذا أيّاما فقلت: إذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصا الذي يطأ عليه بقدميه، فلمّا أن كان من الغد
ص:589
جاء عند الزّوال فنزل على الصخرة ثمّ دخل فسلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ جاء إلى الموضع الّذي كان يصلّي فيه فصلّي في نعليه و لم يخلعهما حتّى فعل ذلك أيّاما، فقلت في نفسي: لم يتهيّأ لي ههنا و لكن أذهب إلى باب الحمّام، فإذا دخل الحمام أخذت من التّراب الّذي يطأ عليه، فسألت عن الحمّام الّذي يدخله.
فقيل لي: إنّه يدخل حمّاما بالبقيع لرجل من ولد طلحة، فتعرّفت اليوم الّذي يدخل فيه الحمّام، و صرت إلى باب الحمّام و جلست إلى الطلحّي أحدّثه، و أنا أنتظر مجيئه عليه السلام، فقال الطّلحي: إن أردت دخول الحمّام فقم فادخل، فإنّه لا يتهيّأ لك ذلك بعد ساعة، قلت: و لم؟ قال: لأنّ إبن الرّضا عليه السلام يريد دخول الحمّام، قال: قلت:
و من إبن الرّضا؟ قال: رجل من آل محمّد له صلاح و ورع، قلت له: و لا يجوز أن يدخل معه الحمّام غيره؟ قال: نخلي له الحمّام إذا جاء.
قال فبينا أنا كذلك إذا أقبل عليه السلام و معه غلمان له و بين يديه غلام معه حصير حتّى أدخله المسلخ، فبسطه و وافى فسلّم و دخل الحجرة على حماره، و دخل المسلخ و نزل على الحصير، فقلت للطلحي: هذا الّذي وصفته بما وصفت من الصلاح و الورع؟
فقال: يا هذا لا و اللّه ما فعل هذا قطّ إلاّ في هذا اليوم! فقلت في نفسي: هذا من عملي أنا جنيته، ثمّ قلت: أنتظره حتّى يخرج فلعلّي أنال ما أردت إذا خرج.
فلمّا خرج و تلبّس دعا بالحمار فادخل المسلخ و ركب من فوق الحصير و خرج عليه السلام فقلت في نفسي: قد و اللّه آذيته و لا أعود و لا
ص:590
أروم ما رمت منه أبدا و صحّ عزمي على ذلك، فلمّا كان وقت الزّوال من ذلك اليوم أقبل على حماره حتّى نزل في الموضع الّذي كان ينزل فيه في الصّحن، فدخل و سلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و جاء إلى الموضع الّذي كان يصلّي فيه في بيت فاطمة عليها السلام و خلع نعليه و قام يصلّي. (1)
ص:591
ص:592
في كلام له عليه السلام و أحاديث عجاب
1-الشيخ عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» قال: قال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر (1)رحمه اللّه: أبو جعفر محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام امّه ريحانة، و قيل: الخيزران، ولد سنة خمس و تسعين و مائة، و قبض ببغداد في آخر ذي الحجة سنة عشرين و مأتين، و هو يومئذ إبن خمس و عشرين سنة، و امّه ام ولد يقال لها: خيزران، و كانت من أهل مارية (2)القبطية، و قبره ببغداد في مقابر قريش في ظهر جدّه الكاظم عليه السلام.
و قال محمّد بن سعيد (3): إنّه عليه السلام قدم بغداد سنة خمس
ص:593
و عشرين و مأتين (1)و توفّي بها يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجّة، و مولده سنة خمس و تسعين و مأة قتل في زمن الواثق باللّه (2)، فيكون عمره خمس و عشرين سنة (3)، قبره عند جدّه الكاظم عليه السلام و ركب هارون بن إسحاق (4)فصلّى عليه عند منزله أوّل رحبة أسوار بن ميمون من ناحية قنطرة البردان، و حمل و دفن في مقابر قريش و يلقّب بالجواد.
و عن أحمد بن علي بن ثابت (5)أنّ الجواد عليه السلام قدم من المدينة إلى بغداد وافدا على أبي إسحاق المعتصم، و معه إمرأته امّ الفضل بنت المأمون، و توفّي ببغداد و دفن في مقابر قريش عند قبر جدّه
ص:594
موسى بن جعفر عليهما السلام، و دخلت إمرأته امّ الفضل إلى قصر المعتصم فجعلت مع الحرم.
و ذكر أخبارا رواها الجواد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن عليّ عليه السلام قال: بعثني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى اليمن فقال لي و هو يوصيني: يا عليّ ما حار (1)من إستخار و لا ندم من إستشار.
يا عليّ عليك بالدلجة (2)فإنّ الأرض تطوى بالليل ما لا تطوي بالنهار.
يا عليّ اغد باسم اللّه فإنّ اللّه بارك لامّتي في بكورها. (3)
و قال عليه السلام: من إستفاد أخا في اللّه فقد إستفاد بيتا في الجنّة.
و قد سئل عن حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريّتها على النار.
فقال: خاصّ للحسن و الحسين عليهما السلام.
و عنه عليه السلام قال: في كتاب عليّ بن أبي طالب: إبن آدم (4)أشبه شيء بالمعيار، إمّا راجح بعلم-و قال مرّة: بعقل-أو ناقص بجهل.
و عنه قال عليّ عليه السلام لأبي ذرّ «رض» : إنّما غضبت للّه عزّ
ص:595
و جلّ فارج من غضبت له، إنّ القوم خافوك على دنياهم، و خفتهم على دينك، و اللّه لو كانت السّموات و الأرضون رتقا على عبد، ثمّ إتّقى اللّه عزّ و جلّ لجعل له منها مخرجا، لا يؤنسّك إلاّ الحقّ و لا يوحشنّك إلاّ الباطل.
و عنه عن علي عليه السلام أنّه قال لقيس بن سعد (1)و قد قدم عليه من مصر: إنّ للمحن (2)علامات (3)لا بدّ أن ينتهى إليها، فيجب على العاقل أن ينالها (4)عند إدبارها.
و في نسخة: فيجب على العامل أن ينالها إلى إديارها، فإنّ مكايدتها عند إقبالها زيادة فيها.
و عنه عليه السلام قال: من وثق باللّه أراه السرور، و من توكّل عليه كفاه الامور و الثقة باللّه حصن لا يتحصّن به إلاّ مؤمن أمين، و التوكّل على اللّه نجاة من كلّ سوء، و حرز من كلّ عدو، و الدّين عزّ، و الدينّ عزّ، و العلم كنز، و الصّمت نور، و غاية الزهد الورع، و لا هدم للدين مثل البدع و لا أفسد
ص:596
للرجال مثل الطمع (1)، و بالرّاعي تصلح الرّعية، و بالدّعاء تصرف البليّة، و من ركب مركب الصبر إهتدى إلى مضمار النّصر، و من عاب عيب، و من شتم اجيب، و من غرس أشجار التقى إجتنى ثمار المنى.
و قال عليه السلام: أربع خصال تعين المرء على العمل: الصحّة، و الغنى، و العلم و التوفيق.
و قال عليه السلام: إنّ للّه عبادا خصّهم بالنعم و يقرّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم و حوّلها إلى غيرهم.
و قال: ما عظمت نعمة اللّه على عبد (2)إلاّ عظمت عليه مؤنة الناس، فمن لم يحتمل تلك المؤنة فقد عرض النعمة على الزوال (3).
و قال عليه السلام: أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه، لأنّ لهم أجره و ذكره و فخره، فمهما إصطنع الرجل (4)فإنّما يبدء فيه بنفسه، فلا يطلبنّ شكر ما صنع إلى نفسه من غيره.
و قال عليه السلام: من أمّل إنسانا فقد هابه، و من جهل شيئا عابه، و الفرصة خلسة و من كثر همّه سقم جسده، و المؤمن لا يشفي غيظه، و عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه.
و قال في موضع آخر: عنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه.
و قال عليه السلام: من إستغنى باللّه إفتقر الناس إليه، و من إتّقى اللّه
ص:597
أحبّه النّاس و إن كرهوا.
و قال عليه السلام: عليكم بطلب العلم فإنّ طلبه فريضة، و البحث عنه نافلة، و هو صلة بين الإخوان، و دليل على المروّة، و تحفة في المجالس، و صاحب في السفر، و أنس في الغربة.
و قال عليه السلام: العلم علمان: مطبوع و مسموع و لا ينفع مسموع إذا لم يكن مطبوع، و من عرف الحكمة لم يصبر على الإزدياد منها، الجمال في اللسان، و الكمال في العقل.
و قال عليه السلام: العفاف زينة الفقر، و الشكر زينة الغنى، و الصبر زينة البلاء، و التواضع زينة الحسب، و الفصاحة زينة الكلام، و العدل زينة الإيمان، و السكينة زينة العبادة، و الحفظ زينة الرّواية، و خفض الجناح زينة العلم، و حسن الأدب زينة العقل، و بسط الوجه زينة الحلم و الإيثار زينة الزهد، و بذل المجهود زينة النفس، و كثرة البكاء زينة الخوف، و التقلّل زينة القناعة، و ترك المنّ زينة المعروف، و الخشوع زينة الصلوة، و ترك ما لا يعني زينة الورع.
و قال عليه السلام: حسبك من كمال المروة تركه ما لا يحمل منه (1). و من حيائه أن لا يلقى أحدا بما يكره، و من عقله حسن رفقه، و من أدبه أن لا يترك ما لا بدّ له منه، و من عرفانه علمه بزمانه، و من ورعه غضّ بصره و عفّة بطنه، و من حسن خلقه كفّه أذاه، و من سخائه برّه بمن يجب حقّه عليه، و إخراجه حقّ اللّه من ماله، و من إسلامه تركه ما لا
ص:598
يعنيه، و تجنّبه الجدال و المراء في دينه، و من كرمه إيثاره على نفسه، و من صبره قلّة شكواه و من عقله انصافه من نفسه، و من حلمه تركه الغضب عند مخالفته، و من إنصافه قبوله الحقّ إذا بان له، و من نصحه نهيه عمّا لا يرضاه لنفسه، و من حفظه جوارك تركه توبيخك عند أسائتك مع علمه بعيوبك، و من رفقه تركه عذلك (1)عند غضبك بحضرة من تكره، و من حسن صحبته لك إسقاطه عنك مؤنة أذاك، و من صداقته كثرة موافقته و قلّة مخالفته، و من صلاحه شدّة خوفه من ذنوبه، و من شكره معرفة إحسان من أحسن إليه، و من تواضعه معرفته بقدره، و من حكمة علمه بنفسه، و من سلامته قلّة حفظه لعيوب غيره، و عنايته بصلاح عيوبه. (2)
و قال عليه السلام: لن يستكمل العبد حقيقة الإيمان حتى يؤثر دينه على شهوته، و لن يهلك حتّى يؤثر شهوته على دينه.
و قال عليه السلام: الفضايل أربعة أجناس: أحدها الحكمة و قوامها في الفكرة، و الثّاني العفّة و قوامها في الشهوة، و الثّالث القوّة و قوامها في الغضب، و الرّابع العدل و قوامه في إعتدال قوى النفس.
و قال عليه السلام: و العامل بالظلم و المعين له و الرّاضي به شركاء.
و قال عليه السلام: يوم العدل على الظّالم أشدّ من يوم الجور على المظلوم.
و في نسخة: أشدّ من يوم الحقّ على المظلوم.
ص:599
و قال عليه السلام: أقصد العلماء للمحجّة الممسك عند الشّبهة، و الجدال يورث الشّك، و من أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل (1)، و الطّامع في وثاق الذلّ، و من أحبّ البقاء فليعدّ للمصائب (2)قلبا صبورا.
و قال عليه السلام: العلماء غرباء لكثرة الجهّال بينهم.
و قال عليه السلام: الصّبر على المصيبة مصيبة على الشّامت بها.
و قال عليه السلام: التوبة على أربع دعائم: ندم بالقلب، و إستغفار باللسان و عمل بالجوارح، و عزم أن لا يعود.
و ثلاث من عمل الأبرار إقامة الفرائض، و إجتناب المحارم، و إحتراس من الغفلة في الدين.
و ثلاث يبلغن بالعبد رضوان اللّه تعالى: كثرة الإستغفار، و خفض الجانب، و كثرة الصّدقة.
و أربع من كنّ فيه إستكمل الإيمان، من أعطى للّه و منع في اللّه، و أحبّ للّه و أبغض في اللّه.
و ثلاث من كنّ فيه لم يندم: ترك العجلة، و المشورة، و التوكّل عند العزم على اللّه عزّ و جلّ.
و قال عليه السلام: لو سكت الجاهل ما إختلف الناس.
و قال عليه السلام: مقتل الرّجل بين لحييه، و الرأى مع الأناة، و بئس الظهير الرّأي الفطير. (3)
ص:600
و قال: ثلاث خصال يجتلب بهن المحبّة: الإنصاف في المعاشرة، و المواساة في الشدّة، و الإنطواء و الرجوع إلى قلب سليم.
و قال عليه السلام: فساد الأخلاق بمعاشرة السّفهاء، و صلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء و الخلق أشكال و كلّ يعمل على شاكلته، و الناس إخوان، فمن كانت أخوته في غير ذات اللّه فإنّها تحوز عداوة، و ذلك قوله سبحانه و تعالى: اَلْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ اَلْمُتَّقِينَ . (1)
و قال عليه السلام: من إستحسن قبيحا، كان شريكا فيه.
و قال عليه السلام: كفر النعمة داعية المقت، و من جازاك بالشّكر فقد أعطاك أكثر ممّا أخذ منك.
و قال: لا يفسدك الظّنّ على صديق و قد أصلحك اليقين له، و من وعظ أخاه سرّا فقد زانه، و من وعظه علانية فقد شانه، إستصلاح الأخيار بإكرامهم، و الأشرار بتأديبهم، و المودّة قرابة مستفاد، و كفى بالأجل حرزا، و لا يزال العقل و الحمق يتغالبان على الرّجل إلى ثمانية عشر سنة، فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه و ما أنعم اللّه عزّ و جلّ على عبد نعمة فعلم أنّها من اللّه إلاّ كتب اللّه جلّ إسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها، و لا أذنب ذنبا فعلم أنّ اللّه مطّلع عليه إن شاء عذّبه و إن شاء غفر له إلاّ غفر اللّه له قبل أن يستغفره.
و قال عليه السلام: الشريف كلّ الشريف من شرفه علمه،
ص:601
و السّودد حق السّودد لمن إتّقى اللّه ربّه و قال: من أمّل فاجرا كان أدنى عقوبته الحرمان، و الكريم كل الكريم من أكرم عن ذلّ النار وجهه.
و قال عليه السلام: إثنان عليلان أبدا: صحيح محتم، و عليل مخلط، موت الإنسان بالذّنوب أكثر من موته بالأجل، و حياته بالبرّ أكثر من حياته بالعمر.
و قال عليه السلام: لا تعالجوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، و لا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم، و ارحموا ضعفائكم، و اطلبوا الرحمة من اللّه بالرّحمة لهم.
هذا آخر ما أردت نقله من كتاب الجنابذي رحمه اللّه و قد نقل أشياء رايقة و فوائد فايقة و آدابا نافعة و فقرا ناصعة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ممّا رواه الإمام محمّد الجواد بن الإمام عليّ الرّضا عن آبائه عنه عليه السلام إنتهى كلام عليّ بن عيسى رحمه اللّه تعالى. (1)
ص:602
في أنّه وصيّ أبيه و نصّه عليه بالإمامة صلوات اللّه عليهما
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد (1)، عن يحيى بن حبيب الزيّات (2)، قال: أخبرني من كان عند أبي الحسن الرّضا عليه السلام جالسا فلمّا نهضوا قال لهم: إلقوا أبا جعفر عليه السلام فسلّموا عليه و أحدثوا به عهدا، فلمّا نهض القوم إلتفت اليّ فقال: يرحم اللّه المفضّل إنّه كان ليقنع بدون هذا. (3)
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن معمّر بن
ص:603
خلاد، قال: سمعت الرّضا عليه السلام و ذكر شيئا فقال: ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي و صيّرته مكاني، و قال: إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذّة (1)بالقذّة. (2)
3-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه محمّد بن عيسى (3)قال: دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام فناظرني في أشياء ثم قال لي: يا أبا علي إرتفع الشكّ، ما لأبي غيري. (4)
4-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن جعفر بن يحيى (5)، عن مالك بن أشيم، عن الحسين بن بشّار (6)، قال: كتب إبن
ص:604
قياما (1)إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام كتابا يقول فيه: كيف تكون إماما و ليس لك ولد؟
فأجابه أبو الحسن الرّضا عليه السلام شبه المغضب: و ما أعلمك أنّه لا يكون لي ولد؟ ! و اللّه لا تمضي الأيّام و الليالي حتّى يرزقني اللّه ولدا ذكرا يفرّق به بين الحقّ و الباطل. (2)
5-و عنه عن بعض أصحابنا عن محمّد بن عليّ، عن معاوية بن حكيم، عن إبن أبي نصر قال: قال لي إبن النجاشي (3): من الأمام بعد صاحبك؟ فأشتهي أن تسأله حتّى أعلم، فدخلت على الرّضا عليه السلام فأخبرته.
قال: فقال لي: الإمام إبني، ثمّ قال: هل يتجرّء أحد أن يقول: إبني
ص:605
و ليس له ولد. (1)
6-و عنه عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن معمّر بن خلاد، قال: ذكرنا عند أبي الحسن عليه السلام شيئا بعد ما ولد له أبو جعفر، فقال: ما حاجتكم إلى ذاك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي و صيّرته في مكاني. (2)
7-و عنه عن أحمد، عن محمّد بن عليّ، عن إبن قياما الواسطي، قال: دخلت على علي بن موسى الرّضا عليهما السلام، فقلت له: أيكون إمامان؟ قال: لا إلاّ و أحدهما صامت، فقلت له: هوذا أنت ليس لك صامت-و لم يكن ولد له أبو جعفر عليه السلام بعد، فقال لي: و اللّه ليجعلّن اللّه منّي ما يثبت به الحقّ و أهله، و يمحق اللّه به الباطل و أهله، فولد له بعد سنة أبو جعفر عليه السلام و كان إبن قياما واقفيّا. (3)
8-و عنه عن أحمد (4)، عن محمّد بن علي، عن الحسن بن الجهم، قال: كنت مع ابي الحسن عليه السلام جالسا، فدعا بابنه و هو صغير، فأجلسه في حجري، فقال لي: جرّده و إنزع قميصه فنزعته، فقال لي:
انظر بين كتفيه، فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبيه بالخاتم داخل في
ص:606
اللحم، ثم قال لي: أترى هذا؟ كان مثله في هذا الموضع من أبي عليه السلام. (1)
9-و عنه عن أحمد، عن محمّد بن عليّ، عن أبي يحيى الصّنعاني (2)قال: كنت عند أبي الحسن الرّضا عليه السلام فجيء بابنه أبي جعفر عليه السلام و هو صغير، فقال: هذا المولود الّذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه. (3)
10-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن صفوان ابن يحيى، قال: قلت للرضا عليه السلام: قد كنّا نسألك قبل أن يهب اللّه عزّ و جلّ لك أبا جعفر فكنت تقول: يهب اللّه لي غلاما، فقد وهبه اللّه لك فأقر عيوننا فلا أرانا اللّه يومك، فإن كان كون فإلى من؟
فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام و هو قائم بين يديه، فقلت:
جعلت فداك هذا إبن ثلاث سنين؟
ص:607
فقال: و ما يضرّه من ذلك فقد قام عيسى عليه السلام بالحجّة و هو إبن ثلاث سنين. (1)
11-و عنه عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد ابن جمهور، عن معمّر بن خلاد، قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرّضا عليه السلام: إنّ إبني في لسانه ثقل فأنا أبعث به إليك غدا تمسح على رأسه و تدعو له فإنّه مولاك، فقال: هو مولا أبي جعفر فابعث به غدا إليه. (2)
12-و عنه عن الحسين بن محمد، عن محمّد بن أحمد النهدي (3)، عن محمّد بن خلاّد الصيقل، عن محمّد بن الحسن بن عمارة (4)قال: كنت عند علي بن جعفر بن محمّد (5)جالسا بالمدينة، و كنت أقمت عنده
ص:608
سنتين، أكتب عنه ما يسمع من أخيه يعني أبا الحسن عليه السلام إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام المسجد مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء و لا رداء فقبّل يده و عظّمه.
فقال له أبو جعفر عليه السلام: يا عمّ إجلس رحمك اللّه، فقال: يا سيّدي كيف أجلس و أنت قائم؟ فلمّا رجع عليّ بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه و يقولون: أنت عمّ أبيه و أنت تفعل به هذا الفعل؟ !
فقال: اسكتوا إذا كان اللّه عزّ و جلّ، و قبض على لحيته، لم يؤهّل هذا الشّيبة و أهّل هذا الفتى و وضعه حيث وضعه انكر فضله؟ نعوذ باللّه ممّا تقولون بل أنا له عبد. (1)
13-و عنه، عن الحسين بن محمد، عن الخيراني، عن أبيه، قال:
كنت واقفا بين يدي أبي الحسن عليه السلام بخراسان، فقال له قائل: يا سيّدي إن كان كون فإلى من؟
قال: إلى أبي جعفر إبني، فكأنّ القائل إستصغر سنّ أبي جعفر عليه السلام.
فقال أبو الحسن عليه السلام: إنّ اللّه تبارك و تعالى بعث عيسى بن مريم رسولا نبيّا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السّن الّذي فيه أبو جعفر عليه السلام. (2)
ص:609
14-إبن بابويه قال: حدّثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي، قال: حدّثني محمّد بن يحيى الصولي، قال: حدّثنا عون بن محمّد، قال: حدّثنا أبو الحسين محمد بن أبي عبّاد (1)، و كان يكتب للرّضا عليه السلام ضمّه إليه الفضل بن سهل، قال: ما كان عليه السلام يذكر محمّدا إبنه عليه السلام إلاّ بكينته، يقول: كتب إليّ أبو جعفر عليه السلام، و كنت أكتب إلى أبي جعفر، و هو صبيّ بالمدينة فيخاطبه بالتعظيم، و ترد كتب أبي جعفر عليه السلام في نهاية البلاغة و الحسن، فسمعته يقول: أبو جعفر وصيّي و خليفتي في أهلي من بعدي. (2)
15-و عنه، عن عليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق (3)قال: حدّثني محمّد بن الحسن (4)، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن أحمد بن أبي قتادة (5)، عن المحمودي (6)عن اسحاق 7بن إسماعيل بن
ص:610
نوبخت عن إبراهيم بن أبي محمود قال: كنت واقفا على رأس أبي الحسن عليّ بن موسى عليه السلام بطوس، فقال بعض من كانه معه: إن حدث حادث فإلى من؟
قال: إلى إبني محمّد، فكأنّ السائل إستصغر سنّ أبي جعفر.
فقال له أبو الحسن عليه السلام: إنّ اللّه بعث عيسى بن مريم عليه السلام نبيّا بإقامة الشّريعة في دون السنّ الّذي اقيم فيه أبو جعفر ثابتا على شريعته. 1
16-و عنه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، و أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام أنّه سئل أو قيل له: أيكون الإمام في عمّ أو خال؟ فقال: لا، فقال: في أخ، قال: لا، قال: ففي من؟
قال: في ولدي، و هو يومئذ لا ولد له. 2
17-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن عبد اللّه ابن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن
ص:611
محمّد بن أبي نصر، عن عقبة بن جعفر (1)، قال: قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السلام: قد بلغت ما بلغت و ليس لك ولد، فقال: يا عقبة إنّ صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى خلفه من بعده. (2)
18-و عنه قال: حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام بقم في رجب سنة تسع و ثلاثين و ثلثمأة، قال: أخبرني عليّ بن إبراهيم بن هاشم فيما كتب إليّ سنة سبع و ثلاثمائة قال: حدّثني محمّد بن عيسى ابن عبيد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، و صفوان بن يحيى قال: حدّثنا الحسين بن قياما، و كان من رؤساء الواقفة، فسألنا أن نستأذن له على الرّضا عليه السلام ففعلنا، فلمّا صار بين يديه قال له: أنت إمام؟
قال: نعم، قال: فإنّي أشهد اللّه أنّك لست بإمام، قال: فنكت (3)عليه السلام في الأرض طويلا منكّس الرأس، ثمّ رفع رأسه اليه فقال له:
ما علمك أنّي لست بأمام؟ قال له: إنّا روينا (4)عن ابي عبد اللّه عليه
ص:612
السلام أنّ الإمام لا يكون عقيما و أنت قد بلغت هذا السنّ و ليس لك ولد.
قال: فنكّس رأسه أطول من المرّة الاولى، ثمّ رفع رأسه فقال: إنّي أشهد اللّه أنّه لا تمضي الأيّام و الليالي حتّى يرزقني اللّه تعالى ولدا منّي.
قال عبد الرحمن بن أبي نجران: فعددنا الشّهور من الوقت الّذي قال، فوهب اللّه له أبا جعفر محمّدا عليه السلام في أقلّ من سنة.
قال: و كان الحسين بن قياما هذا واقفا في الطّواف ثمّ نظر إليه أبو الحسن الأوّل عليه السلام فقال له: ما لك حيّرك اللّه، فوقف عليه بعد الدعوة. (1)
19-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال:
حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السّلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن عليّ الخزاعي يقول: لمّا أنشدت مولاي الرّضا عليه السلام قصيدتي الّتي أوّلها:
مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات
فلما إنتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج يقوم على إسم اللّه و البركات
يميّز فينا كلّ حقّ و باطل و يجزى على النعماء و النقمات
بكى الرّضا عليّ بن موسى عليه السلام بكاء شديدا، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام؟ و متى يقوم؟
ص:613
فقلت: لا يا سيّدي إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد، و يملاءها عدلا و قسطا، فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمّد إبني، و بعد محمّد إبنه عليّ، و بعد عليّ إبنه الحسن، و بعد الحسن إبنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج فيملاءها عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (1)
و أمّا متى؟ فإخبار عن الوقت، و لقد حدّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قيل له: يا رسول اللّه متى يخرج القائم من ذريّتك؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: مثله مثل السّاعة الّتي (2)لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ (3)عزّ و جلّ لا تأتيكم إلاّ بغتة. (4)
20-و عنه، عن محمّد بن الحسن، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال:
دخلت على الرّضا عليه السلام أنا و صفوان بن يحيى، و أبو جعفر عليه السلام قائم و قد أتى له ثلاث سنين، فقلنا له: جعلنا فداك إن-و نعوذ
ص:614
باللّه-حدث حدث فمن يكون بعدك؟
قال: إبني هذا، و أومأ إليه «قال» فقلنا له: و هو في هذا السّن؟
قال: نعم و هو في هذا السّن، إنّ اللّه تعالى إحتجّ بعيسى بن مريم عليهما السلام و هو إبن سنتين. (1)
ص:615
ص:616
في المفردات
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد «عن عليّ بن الحكم» (1)عن عليّ بن الريّان، عن قاسم الصيقل (2)، قال: ما رأيت أحدا كان أشدّ تشديدا في الظلّ من أبي جعفر عليه السلام، كان يأمر بقلع القبّة و الحاجبين إذا أحرم. (3)
2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن مهزيار، قال: رأيت أبا جعفر الثّاني عليه السلام ليلة الزّيارة طاف طواف النّساء و صلّى خلف المقام، ثمّ دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدّلو الّذي يلي الحجر، و شرب منه و صبّ على بعض جسده، ثمّ إطّلع في زمزم مرّتين، و أخبرني بعض أصحابنا أنّه رآه بعد ذلك بسنة فعل مثل ذلك. (4)
3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن
ص:617
مهزيار، قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمرة، ثمّ ينصرف راكبا و كنت أراه ماشيا بعدما يحاذي المسجد بمنى. (1)
4-قال: و حدّثني عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي، عن الحسن ابن صالح، عن بعض أصحابه قال: نزل أبو جعفر عليه السلام فوق المسجد بمنى قليلا عن دابّته حتى توجّه ليرمي الجمرة عند مضرب عليّ بن الحسين عليه السلام، فقلت له: جعلت فداك لم نزلت ههنا؟
فقال: إنّ هيهنا مضرب عليّ بن الحسين و مضرب بني هاشم، و أنا احبّ أن أمشي في منازل بني هاشم. (2)
5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، و أبو عليّ الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي (3)، عن عليّ بن مهزيار، قال:
رأيت أبا جعفر الثّاني عليه السلام في سنة خمس و عشرين و مأتين (4)ودّع البيت بعد إرتفاع الشّمس، و طاف بالبيت، يستلم الرّكن اليماني في كلّ شوط، فلمّا كان في الشوط السّابع إستلمه و إستلم الحجر، و مسح بيده ثمّ مسح وجهه بيده، ثم أتى المقام فصلّى خلفه ركعتين، ثمّ خرج
ص:618
إلى دبر الكعبة الى الملتزم فالتزم البيت و كشف الثوب عن بطنه، ثمّ وقف عليه طويلا يدعو، ثمّ خرج من باب الحنّاطين و توجّه.
قال: فرأيته في سنة سبع عشرة و مأتين ودّع البيت ليلا يستلم الرّكن اليماني و الحجر الأسود في كلّ شوط، فلمّا كان في الشوط السّابع إلتزم البيت في دبر الكعبة قريبا من الرّكن اليماني، و فوق الحجر المستطيل و كشف الثّوب عن بطنه، ثم أتى الحجر الأسود فقبّله و مسحه، و خرج إلى المقام فصلّى خلفه، ثمّ مضى و لم يعد إلى البيت، و كان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط و بعضهم ثمانية. (1)
6-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن سعد بن عبد اللّه، عن أبي جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، قال:
رأيت أبا جعفر الثّاني عليه السّلام يصلّي في قميص قد إتزّر فوقه بمنديل و هو يصلّي. (2)
7-و عنه بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أبي إسحق إبراهيم (3)، عن أبي أحمد إسحق بن إسماعيل، عن العبّاس بن أبي العبّاس، عن عبدوس بن إبراهيم (4)، قال رأيت أبا جعفر الثّاني عليه
ص:619
السّلام قد خرج من الحمّام، و هو من قرنه إلى قدمه مثل الورد من أثر الحنّاء. (1)
8-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن السيّاري، عن أحمد بن زكريّا الصيّدلاني، عن رجل من بني حنيفة من أهل بست و سجستان، قال: رافقت أبا جعفر عليه السلام في السّنة التي حجّ فيها في أوّل خلافة المعتصم، فقلت له و أنا معه على المائدة و هناك جماعة من أولياء السلطان: إنّ والينا جعلت فداك رجل يتولاّكم أهل البيت و يحبّكم و عليّ في ديوانه خراج، فإن رأيت جعلني اللّه فداك أن تكتب لي إليه بالإحسان.
فقال: لا أعرفه.
فقلت: جعلت فداك إنّه على ما قلت من محبّيكم أهل البيت و كتابك ينفعني عنده فأخذ القرطاس و كتب:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بعد فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا، و إنّ مالك من عملك ما أحسنت فيه، فأحسن إلى إخوانك و اعلم أنّ اللّه عزّ و جلّ سائلك عن مثاقيل الذرّ و الخردل.
قل: فلمّا وصلت سجستان سبق الخبر إلى الحسين عبد اللّه النيسابوري، و هو الوالي فاستقبلني على فرسخين من المدينة فدفعت إليه الكتاب فقبّله و وضعه على عينيه، ثمّ قال لي: ما حاجتك؟
فقلت: خراج عليّ في ديوانك.
ص:620
قال: فأمر بطرحه عنّي و قال لي: لا تؤدّ خراجا ما دام لي عمل، ثمّ سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم، فأمر لي و لهم بما يقوتنا و فضلا، فما أدّيت في عمله خراجا ما دام حيّا و لا قطع عنّي صلته حتّى مات. (1)
ص:621
ص:622
في رده عليه السلام سؤال ابن اكثم في الاحاديث الموضوعة
1-الطبرسي في «الاحتجاج» قال: روي أنّ المأمون بعد ما زوّج إبنته امّ الفضل أبا جعفر عليه السلام كان في مجلس، و عنده أبو جعفر عليه السلام و يحيى بن أكثم و جماعة كثيرة.
فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يابن رسول اللّه في الخبر الّذي روي: أنّه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك: سل أبا بكر فهل هو عنّي راض فإنّي عنه راض؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: لست بمنكر فضل أبي بكر، و لكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الّذي قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حجّة الوداع: قد كثرت عليّ الكذّابة و ستكثر بعدي فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبّوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّتي، فما وافق كتاب اللّه و سنّتي فخذوا به، و ما خالف كتاب اللّه و سنّتي فلا تأخذوا به، و ليس يوافق هذا الخبر كتاب اللّه، قال اللّه تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسانَ
ص:623
وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ (1)فاللّه عزّ و جلّ خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سرّه؟ هذا مستحيل في العقول.
ثم قال: يحيى بن اكثم: و قد روي أنّ مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل جبرئيل و ميكائيل في السماء.
فقال عليه السلام: و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه، لأنّ جبرئيل و ميكائيل ملكان للّه مقرّبان لم يعصيا اللّه قطّ، و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة، و هما قد أشركا باللّه عزّ و جلّ و إن أسلما بعد الشرك فكان أكثر أيّامهما في الشرك، فمحال أن يشبّههما بهما.
قال يحيى: و قد روى أيضا أنّهما سيّدا كهول الجنة فما تقول فيه؟ فقال عليه السلام: و هذا الخبر محال أيضا لأنّ أهل الجنة كلّهم يكونون شبابا و لا يكون فيهم كهل، و هذا الخبر وضعه بنو امّية لمضادّة الخبر الّذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الحسن و الحسين بأنّهما «سيّد شباب أهل الجنة» .
فقال يحيى بن أكثم: و روى أنّ عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة.
فقال عليه السلام: و هذا أيضا محال لأنّ في الجنّة ملائكة اللّه المقرّبين، و آدم و محمّد و جميع الأنبياء و المرسلين لا تضييء بأنوارهم حتى تضيء بنور عمر.
فقال يحيى: و قد روي أنّ السكينة تنطق على لسان عمر.
ص:624
فقال عليه السلام: لست بمنكر فضل عمر، و لكنّ أبا بكر أفضل من عمر فقال على رأس المنبر: إنّ لي شيطانا يعتريني، فإذا ملت فسدّدوني.
فقال يحيى: قد روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لو لم ابعث لبعث عمر، فقال عليه السلام: كتاب اللّه أصدق من هذا الحديث يقول اللّه: في كتابه وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ اَلنَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ (1)فقد أخذ اللّه ميثاق النبيّين فكيف يمكن أن يبدّل ميثاقه، و كان الأنبياء عليهم السلام لم يشركوا طرفة عين فكيف يبعث بالنبوة من أشرك و كان أكثر أيّامه مع الشرك باللّه؟ و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبأت و آدم بين الروح و الحسد.
فقال يحيى بن اكثم: و قد روي أيضا أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال ما إحتبس عنّي الوحي قطّ إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب.
فقال عليه السلام: و هذا محال أيضا لأنّه لا يجوز أن يشكّ النبيّ في نبوّته قال اللّه تعالى: اَللّهُ يَصْطَفِي مِنَ اَلْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ اَلنّاسِ (2)فكيف يمكن أن ينتقل النبوّة عمّن إصطفاه اللّه تعالى إلى من أشرك به.
قال يحيى بن اكثم: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: لو نزل العذاب ما نجا منه إلاّ عمر.
فقال عليه السلام: و هذا محال أيضا إنّ اللّه تعالى يقول: وَ ما كانَ
ص:625
اَللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اَللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (1)و أخبر سبحانه أنّه لا يعذّب أحدا ما دام فيهم رسول اللّه و ما داموا يستغفرون اللّه تعالى. (2)
تمّ و للّه الحمد المجلّد الرابع، و يليه المجلّد الخامس بإذنه تعالى
ص:626
الموضوع الصفحة المنهج السابع في الإمام السادس أبي عبد اللّه الصادق جعفر بن محمّد ابن علي بن الحسين بن علي أبي طالب عليهم السلام 5
الباب الأوّل في شأنه عليه السلام في الأمر الأوّل 9
الباب الثاني في علّة تسميته عليه السلام بالصادق 11
الباب الثالث في شدّة يقينه عليه السلام و تعظيمه للّه جلّ جلاله و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خشوعه و خوفه 15
الباب الرابع في أنّ علمه عليه السلام عن اللّه سبحانه، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 21
الباب الخامس في أنّ نشره عليه السلام للعلم و الفتيا بأمر اللّه جلّ جلاله 23
الباب السادس في سعة مجلسه عليه السلام للعلم، و أخذ علماء العامّة منه، و رجوعهم إليه 25
الباب السابع في مجلس له عليه السلام مع أبي حنيفة و غيره من المخالفين 31
الباب الثامن و هو من الباب الأوّل 49
ص:627
الباب التاسع في الرواية عنه عليه السلام بالعدد 55
الباب العاشر في أنّ مجلسه عليه السلام أنبل المجالس 61
الباب الحادي عشر في حلمه و عفوه 67
الباب الثاني عشر في أمره عليه السلام مع المنصور 71
الباب الثالث عشر في ابتلائه عليه السلام بالمرض 79
الباب الرابع عشر في عبادته عليه السلام 83
الباب الخامس عشر في جوده عليه السلام 89
الباب السادس عشر في صدقته عليه السلام، و كيفيّة إعطاء السائل 97
الباب السابع عشر في مطعمه و مشربه عليه السلام 105
الباب الثامن عشر في آداب المائدة من ذكر اللّه تعالى، و غير ذلك 113
الباب التاسع عشر في إكرامه الضيف 119
الباب العشرون في علمه عليه السلام بيده، و تعرّضه للرزق، و حسن تقدير المعيشة 123
الباب الحادي و العشرون في لباسه 131
الباب الثاني و العشرون فيما يقوله عليه السلام من الدعاء عند قراءة القرآن، و عند رؤية هلال شهر رمضان، و عند النوم و الإنتباه، و إذا أصبح، و إذا خرج من المنزل، و غير ذلك 139
الباب الثالث و العشرون فيما يقوله إذا خرج إلى مكّة، و مسحه الحجر، و التزامه الركن، و ما يقوله عند نحر الهدي و في الكعبة و الخروج منها، و عند دخوله على النبي-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-و دعاؤه لزوّار الحسين-عليه السلام- 147
الباب الرابع و العشرون في تعظيم الناس له عليه السلام و قبول شفاعته 153
الباب الخامس و العشرون في الأخذ من الشارب و التمشّط 159
ص:628
الباب السادس و العشرون في الحمّام و عمله فيه و التنوّر، و أخذ الابط 163
الباب السابع و العشرون في أنّه عليه السلام لا تأخذه في اللّه تعالى لومة لائم في إظهار الحقّ 173
الباب الثامن و العشرون في أنّه وصيّ أبيه عليه السلام 179
الباب التاسع و العشرون في صبره و رضائه بقضاء اللّه تعالى بأحسن القبول 183
الباب الثلاثون حديثه مع القدري 187
المنهج الثامن في الامام السابع أبي الحسن الأوّل موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب-عليهم السلام- 191
الباب الأوّل في مولده عليه السلام 193
الباب الثاني في حديثه عليه السلام مع أبي حنيفة مع صغر سنّه 201
الباب الثالث في معرفة الشيعة له لما علموا من غزارة علمه عليه السلام 207
الباب الرابع حديثه مع النصرانيّين و ما في ذلك من سرائر العلوم 217
الباب الخامس حديثه عليه السلام مع الراهب و الراهبة و ما في ذلك من أسرار العلوم 225
الباب السادس حديثه عليه السلام مع شقيق البلخي من طريق الخاصّة و العامّة و ما فيه من العمل الصالح و البرهان الواضح، و هو من مشاهير الأحاديث 233
الباب السابع في عبادته عليه السلام 243
الباب الثامن في جوده عليه السلام و يدرء بالحسنة السيّئة 251
الباب التاسع في مقامات له عليه السلام مع الرشيد 261
الباب العاشر في اعتراف الرشيد لأبي الحسن موسى عليه السلام بالإمامة و الخلافة 277
ص:629
الباب الحادي عشر في منطقه الصادع بالصواب 285
الباب الثاني عشر في أنّه عليه السلام كاظم الغيظ 289
الباب الثالث عشر في قرائته عليه السلام القرآن 293
الباب الرابع عشر في مجلسه و من يجالس 295
الباب الخامس عشر في ورعه عليه السلام 299
الباب السادس عشر في أدعية له عليه السلام 303
الباب السابع عشر في طعامه عليه السلام و إطعامه، و آداب المائدة 307
الباب الثامن عشر في استعماله عليه السلام الطيب 313
الباب التاسع عشر في الخضاب و التمشّط 315
الباب العشرون في الحمّام 317
الباب الحادي و العشرون في عمله عليه السلام بيده و لبسه 319
الباب الثاني و العشرون في أنّه وصيّ أبيه عليهما السلام 321
المنهج التاسع في الإمام الثامن علي بن موسى الرضا بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام 333
الباب الأوّل في مولده عليه السلام 335
الباب الثاني في تسميته عليه السلام الرضا 341
الباب الثالث في علمه عليه السلام 343
الباب الرابع في دخوله عليه السلام نيسابور، و لقاء العلماء له و طلبهم منه الحديث، من طرق الخاصّة و العامّة 351
الباب الخامس في عبادته عليه السلام 361
الباب السادس في جوده عليه السلام 373
الباب السابع فيما أعطاه عليه السلام الشعراء من دعبل و غيره 381
ص:630
الباب الثامن في ذكر قصيدة دعبل بطولها 392
الباب التاسع في قصّة دعبل من طريق العامّة 416
الباب العاشر في ذكر العهد من المأمون إلى الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام بخطّهما 425
الباب الحادي عشر في خروجه عليه السلام إلى صلاة العيد 436
الباب الثاني عشر في مقامات له عليه السلام مع المأمون 440
الباب الثالث عشر و هو من الباب الأوّل من طريق الخاصّة و العامّة 453
الباب الرابع عشر في مطعمه عليه السلام 461
الباب الخامس عشر في ملبسه عليه السلام 465
الباب السادس عشر في استعماله عليه السلام الطيب 469
الباب السابع عشر في تواضعه عليه السلام 473
الباب الثامن عشر في ورعه عليه السلام 479
الباب التاسع عشر في أدعية له عليه السلام 481
الباب العشرون في النصّ عليه من أبيه عليهما السلام بالوصاية و الإمامة 487
الباب الحادي و العشرون و هو من الباب الأوّل 507
المنهج العاشر في الإمام التاسع أبي جعفر الجواد محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام 521
الباب الأوّل في مولده عليه السلام 523
الباب الثاني في كلامه عليه السلام طفلا 531
الباب الثالث في أنّه عليه السلام اتي الحكم صبيّا 543
الباب الرابع في حديثه عليه السلام مع يحيى بن أكثم و ما ظهر منه من العلم 553
ص:631
الباب الخامس في جوده عليه السلام 561
الباب السادس في ورعه عليه السلام 565
الباب السابع في حديثه عليه السلام مع المأمون في الطير من طريق الخاصّة و العامّة 567
الباب الثامن في حديثه عليه السلام مع امّ الفضل و زوجته بنت المأمون 571
الباب التاسع في حديثه عليه السلام مع المعتصم و الفقهاء 579
الباب العاشر حديثه عليه السلام مع الشامي 585
الباب الحادي عشر حديثه عليه السلام مع ابن رزين 589
الباب الثاني عشر في كلام له عليه السلام و أحاديث عجاب 593
الباب الثالث عشر في أنّه وصيّ أبيه، و نصّه عليه بالإمامة صلوات اللّه عليهما 603
الباب الرابع عشر في المفردات 617
الباب الخامس عشر في ردّه عليه السلام سؤال ابن أكثم في الأحاديث الموضوعة 623
ص:632
الكتب التي صدرت عن مؤسسة المعارف الإسلاميّة (أ) الكتب العربية 1-معجم أحاديث الإمام المهدي-عليه السلام-: ج 1-5.
2-تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي-عليه السلام-للسيّد هاشم البحراني.
3-كتاب الغيبة للشيخ الطوسي.
4-حلية الأبرار للسيّد هاشم البحراني: ج 1-4.
5-مدينة معاجز الأئمّة الاثني عشر-عليهم السلام-للسيّد هاشم البحراني: ج 1-3.
6-مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام للشهيد الثاني: ج 1-3.
(ب) الكتب الفارسيّة 1-آنگاه هدايت شدم-ترجمة ثمّ اهتديت-للدكتور التيجاني.
2-همراه با راستگويان-ترجمة لأكون مع الصادقين-للدكتور التيجاني.
3-از آگاهان بپرسيد-ترجمة فاسألوا أهل الذكر-للدكتور التيجاني.
4-پيشينۀ سياسى فكرى وهّابيت-لمحمد إبراهيم الأنصاري اللاري.
5-در جستجوى حقيقت-ترجمة حقيقة الشيعة-للدكتور أسعد وحيد القاسم.
6-خاطرات مدرسه (فارسي) -للسيّد محمد جواد المهري.
ص:633
قيد الطبع 1-مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام للشهيد الثاني: ج 4-5.
2-مدينة معاجز الأئمّة الإثني عشر-عليهم السلام-للسيّد هاشم البحراني: ج 4-5.
3-حلية الأبرار للسيّد هاشم البحراني: ج 5.
قيد التأليف و الإعداد 1-الأحاديث الغيبيّة.
2-النصوص على الأئمة الاثني عشر-عليهم السلام-.
3-فهارس معجم أحاديث الإمام المهدي-عليه السلام-.
4-خطب النبي-صلّى اللّه عليه و آله-.
قيد التحقيق 1-مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام للشهيد الثاني: ج 6.
2-مدينة معاجز الأئمّة الإثني عشر-عليهم السلام-للسيّد هاشم البحراني: ج 6.
ص:634
قيد الترجمة 1-نظرية عدالة الصحابة للمحامي أحمد حسين يعقوب.
2-الشيعة هم أهل السنّة للدكتور التيجاني.
ص:635
سرشناسه : بحراني، هاشم بن سليمان، - 1107؟ق
عنوان و نام پديدآور : حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام/ تاليف هاشم البحراني؛ تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي
مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلاميه، [ 13] - 1415ق. = 1373.
مشخصات ظاهري : ج 5
فروست : (بنياد معارف اسلامي؛ 15، 16)
شابك : بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4)
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.
يادداشت : چاپ اول: 1372؛ 4200 ريال (ج. )3
يادداشت : جلد چهارم (1372)؛ بها: 600 ريال
يادداشت : ج. 1 (چاپ اول: 2200 :1369 ريال)
يادداشت : كتابنامه
موضوع : چهارده معصوم
شناسه افزوده : مولانا بروجردي، غلامرضا، مصحح
شناسه افزوده : بنياد معارف اسلامي
رده بندي كنگره : BP36/ب 3ح 8
رده بندي ديويي : 297/95
شماره كتابشناسي ملي : م 73-3586
ص: 1
حلية الأبرار في أحوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام-ج 5-.
تأليف: السيّد هاشم بن سليمان البحراني رحمه اللّه.
تحقيق: الشيخ غلام رضا مولانا البروجردي.
ص:2
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ص:3
جميع حقوق الطبع و النشر محفوظة لمؤسّسة المعارف الإسلاميّة ايران-قم المقدّسة ص. ب-768/37185 تلفون 732009
ص:4
بسم اللّه الرحمن الرحيم و منه نستمدّ الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّاهرين.
و بعد فهذا المنهج الحادي عشر في الإمام العاشر أبي الحسن الثالث عليّ ابن محمّد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين بن الحسين الشهيد بن عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام و فيه ثلاثة عشر بابا.
الباب الأوّل-في ميلاده عليه السلام.
الباب الثاني-في علمه عليه السلام.
الباب الثالث-في رسالته عليه السلام الى اهل الاهواز.
الباب الرّابع-في رفعه عليه السلام شأن العلماء.
الباب الخامس-في عبادته عليه السلام.
الباب السّادس-في ورعه عليه السلام.
الباب السابع-في جوده عليه السلام.
الباب الثامن-حديثه عليه السلام مع المتوكّل في إسلام أبي طالب عليه السلام.
ص:5
الباب التاسع-في صبره عليه السلام و مقامات له مع المتوكل.
الباب العاشر-في حديثه عليه السلام مع زينب الكذابة.
الباب الحادي عشر-في حديثه عليه السلام مع الهندي اللاعب لعنه اللّه.
الباب الثّاني عشر-في حديث تل المخالي.
الباب الثّالث عشر-في نص أبيه عليه عليه السلام بالامامة و انه وصيّه عليه السلام.
ص:6
في ميلاده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن الحسن بن راشد، قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى إذا أحبّ أن يخلق الامام أمر ملكا فأخذ شربة (1)من ماء تحت العرش فيسقيها أباه (2)فمن ذلك يخلق الإمام فيمكث (3)أربعين يوما و ليلة في بطن امّه لا يسمع الصوت، ثمّ يسمع بعد ذلك الكلام، فإذا ولد بعث (4)اللّه ذلك الملك فيكتب بين عينيه:
وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (5)فاذا مضى الإمام الذي كان قبله (6)رفع لهذا منار (7)من نور ينظر فيه (8)إلى أعمال
ص:7
في علمه عليه السلام
1-عليّ بن إبراهيم بن هاشم، في «تفسيره» قال: حدّثني أبي، عن المحمودي (1)، و محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن إسماعيل الرازي (2)، عن محمّد بن سعيد (3)، انّ يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمّد (4)عن مسائل، و فيها: أخبرنا عن قول اللّه عزّ و جلّ: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً (5)فهل يزوّج اللّه عباده الذكران؟ و قد عاقب قوما فعلوا ذلك؟ فسأل موسى أخاه أبا الحسن العسكري عليه السلام.
ص:9
و كان من جواب أبي الحسن عليه السلام أمّا قوله: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً فإنّ اللّه تبارك و تعالى يزوّج ذكرانا من المطيعين إناثا من الحور العين، و إناث المطيعات من الإنس من ذكران المطيعين (1)، و معاذ اللّه أن يكون الجليل على ما لبست على نفسك تطلّبا للرخصة لارتكاب المآثم، قال: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ اَلْعَذابُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (2)اي لم يتب (3).
2-في كتاب «الاختصاص» عن محمّد بن عيسى بن عبيد البغدادي، عن موسى بن محمّد بن عليّ بن موسى، سأل أخاه عليّ بن محمّد عليه السلام ببغداد في دار القطن (4)، قال: قال موسى لأخيه أبي الحسن العسكري عليه السلام كتب إليّ يحيى بن أكثم يسألني عن عشر مسائل لأفتيه فيها، فضحك ثمّ قال: فهل أفتيته؟ قلت لا، قال: و لم؟ قلت: لم اعرفها، قال: و ما هي؟
قال: كتب إليّ أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: قالَ اَلَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ اَلْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (5)أ نبيّ اللّه عزّ و جلّ كان محتاجا إلى علم آصف؟
و أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى اَلْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ
ص:10
سُجَّداً (1)أسجد يعقوب و ولده ليوسف و هم أنبياء؟ و أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ اَلَّذِينَ يَقْرَؤُنَ اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ (2)من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أ ليس قد شك فيما انزل، و إن كان المخاطب به غيره فعلى غيره إذا انزل القرآن.
و أخبرني عن قول اللّه وَ لَوْ أَنَّ ما فِي اَلْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ اَلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اَللّهِ (3)ما هذه الأبحر و أين هي؟ و أخبرني عن قول اللّه وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ اَلْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ اَلْأَعْيُنُ (4)فاشتهت نفس آدم البرّ فأكل و أطعم فكيف عوقب فيها على ما تشتهي الأنفس؟
و أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً (5)فهل يزوّج اللّه عباده الذّكران؟ و قد عاقب اللّه قوما فعلوا ذلك.
و أخبرني عن شهادة المرأة جازت وحدها؟ و قد قال اللّه عزّ و جلّ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (6)و أخبرني عن الخنثى و قول علي عليه السلام فيها: تورث الخنثى من المبال من ينظر اذا بال؟ و شهادة الجار إلى نفسه (7)لا تقبل، مع أنّه عسى أن يكون رجلا و قد نظر إليه النساء و هذا ممّا لا يحلّ
ص:11
فكيف هذا؟
و أخبرني عن رجل أتى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو (1)على شاة منها فلمّا بصر بصاحبها فصاح (2)بها خلّى سبيلها فانسابت بين الغنم لا يعرف الراعي أيّها كانت و لا يعرف صاحبها أيّها تذبح.
و أخبرني عن قول علي عليه السلام لابن جرموز (3)بشّر قاتل ابن صفيّة (4)بالنار فلم لم يقتله و هو إمام؟ و من ترك حدّا من حدود اللّه فقد كفر إلاّ من علّة.
و أخبرني عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار، و إنمّا يجهر في صلاة الليل؟
و أخبرني عنه عليه السلام لم قتل أهل صفين و أمر بذلك مقبلين و مدبرين، و أجهز على جريحهم و يوم الجمل غيّر حكمه لم يقتل من جريحهم و لا من دخل دارا و لم يجهز على جريحهم و لم يأمر بذلك، و من ألقى سيفه أمنه لم فعل ذلك؟ فإن كان الاوّل صوابا كان الثاني خطأ.
قال: اكتب «قلت: و ما أكتب؟ قال اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم و أنت
ص:12
فألهمك اللّه الرشد ألقاني (1)كتابك بما امتحنتنا به من بغيتك (2)لتجد إلى الطعن سبيلا ان قصرنا فيه و اللّه يكافيك على نيتك، و قد شرحنا مسألتك فأصغ إليها سمعك و حلّ بها فهمك (3)و اشغل بها قلبك فقد ألزمتك الحجّة و السلام.
سألت عن قول اللّه عزّ و جل في كتابه قالَ اَلَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ اَلْكِتابِ (4)فهو آصف بن برخيا، و لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف و لكنه أحبّ أن يعرف أمّته من الجنّ و الانس أنّه الحجّة من بعده، و ذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر اللّه ففهّمه اللّه ذلك لئلاّ يختلف في إمامته، و دلالته، كما فهّم سليمان في حياة داود لتعرف إمامته و نبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق.
و أمّا سجود يعقوب و ولده فإنّ السجود لم يكن ليوسف كما أنّ السجود من الملائكة لم يكن لآدم، و إنّما كان منهم طاعة للّه و تحيّة لآدم فجد يعقوب و ولده شكرا للّه باجتماع شملهم، أ لم تر أنّه يقول في شكره في ذلك الوقت: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ اَلْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ اَلْأَحادِيثِ (5)الى آخر الآية.
و أمّا قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ اَلَّذِينَ يَقْرَؤُنَ اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ (6)من المخاطب في ذلك، رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لم يكن في شك مما انزل إليه، و لكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث اللّه نبيا من
ص:13
الملائكة؟ أم كيف (1)لم يفرّق بينه و بين خلقه (2)بالاستغناء عن المأكل و المشرب و المشي في الأسواق فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى نبيّه فَسْئَلِ اَلَّذِينَ يَقْرَؤُنَ اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ تفحّص بمحضر من الجهلة هل بعث اللّه رسولا قبلك إلاّ و هو يأكل و يشرب و يمشي في الاسواق، و لك بهم أسوة، و إنّما قال:
إن كنت في شك و لم يكن (3)للنصفة، كما قال اللّه تعالى: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّهِ عَلَى اَلْكاذِبِينَ (4)و لو قال: نبتهل فنجعل لعنة اللّه عليكم لم يكونوا يجوزوا للمباهلة (5)و قد علم اللّه أن نبيّه مؤدّ عنه رسالته (6)، و ما هو من الكاذبين، و كذلك عرف النبي أنّه صادق فيما يقول، و لكن أحب أن ينصفهم من نفسه.
و أمّا قوله: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي اَلْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ اَلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اَللّهِ (7)فهو كذلك لو أنّ أشجار الدنيا أقلام و البحر مداد له سبعة أبحر (8)حتى فجرت الارض عيونا فغرق أصحاب الطوفان نفدت قبل أن تنفد كلمات اللّه عزّ و جلّ و هي عين الكبريت، و عين اليمن (9)
ص:14
و عين البرهوت (1)و عين الطبرية و حمّة (2)ماسيدان (3)و تدعى المنيات (4)و حمّة إفريقية و تدعى بسلان (5)و عين باحوران (6)و نحن الكلمات التي لا تنفد و لا تدرك فضائلنا و لا تستقصي.
و أمّا الجنّة ففيها من المآكل و المشارب و الملاهي و الملابس ما تشتهي الانفس (7)و تلذّ الاعين و أباح الله ذلك كلّه لآدم، و الشجرة التي نهى اللّه عنها آدم و زوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد (8)عهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضّل اللّه عليهما (9)، و على كلّ خلائقه بعين الحسد فنسي و نظر بعين الحسد و لم يجد له عزما.
و أمّا قوله أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً (10)فإنّ اللّه تبارك و تعالى يزوّج
ص:15
ذكران المطيعين إناثا من الحور، و معاذ اللّه أن يكون عنى الجليل ما لبّست (1)على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآثم وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ اَلْعَذابُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (2)إن لم يتب.
و أمّا قول عليّ عليه السلام: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار و كان ممّن خرج يوم النهروان و لم يقتله أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة لأنّه علم أنّه يقتل في فتنة النهروان.
و أمّا قولك: عليّ عليه السلام قتل أهل صفين مقبلين و مدبرين، و أجهز (3)على جريحهم و يوم الجمل لم يتبع مولّيا و لم يجهز (4)على جريح، و كلّ من ألقى سيفه آمنه و من دخل داره آمنه فإنّ أهل الجمل قتل إمامهم و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها و إنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين و لا محتالين و لا متجسسين و لا منابلين (5)و قد رضوا بالكفّ عنهم فكان الحكم رفع السيف و الكفّ عنهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا.
و أهل صفين يرجعون الى فئة مستعدّة و امام لهم منتصب يجمع لهم السلاح من الدروع و الرماح و السيوف و يستعد لهم العطاء و يهيّىء لهم الانبال (6)و يتفقّد جريحهم، و يجبر كسيرهم، و يداوي جريحهم، و يحمل رجلتهم،
ص:16
و يكسو حاسرهم (1)و يردّهم فيرجعون الى محاربتهم و قتالهم، لا يساوي بين الفريقين، و لو لا عليّ و حكمه لأهل صفين و الجمل لما عرف الحكم في عصاة اهل التوحيد، لكنّه شرح ذلك لهم فمن رغب عنه يعرض على السيف أو يتوب عن ذلك.
و أمّا شهادة المرأة التي جازت وحدها فهي القابلة جائز شهادتها مع الرضا و ان لم يكن رضا فلا أقلّ من امرأتين تقوم مقام الرجل للضرورة لانّ الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها فان كانت وحدها قبل مع يمينها.
و أمّا قول عليّ عليه السلام في الخنثى: إنّه يورث من المبال فهو كما قال، و ينظر إليه قوم عدول فيأخذ كلّ واحد منهم المرآة فيقوم الخنثى خلفهم عريانا و ينظرون في المرآة فيرون الشبح فيحكمون عليه.
و أما الرجل الذي قد نظر الى الراعي قد نزى على شاة فان عرفها ذبحها و أحرقها، و ان لم يكن يعرفها قسّمها نصفين و ساهم (2)بينهما فإن وقع السهم على أحد النصفين فقد نجا الآخر، ثمّ يفرّق الذي وقع عليه السهم بنصفين و يقرع بينهما بسهم، فان وقع على احد النصفين نجا الآخر، فلا يزال كذلك حتى تبقى اثنتان فيقرع بينهما فأيّهما وقع السهم لها تذبح و تحرق و قد نجت سائرها.
و أما صلاة الفجر و الجهر بالقراءة لأنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يغلّس بها (3)فقراءتها من الليل، و قد أنباتك بجميع ما سألتنا فاعلم ذلك تولّى
ص:17
اللّه حفظك و الحمد للّه ربّ العالمين. (1)
3-عليّ بن ابراهيم بن هاشم في «تفسيره» قال: حدّثني أبي قال: أمر المعتصم ان يحفر بالبطانية بئر، فحفروا ثلاثمائة قامة فلم يظهر الماء فتركه و لم يحفره.
فلمّا ولّى المتوكّل (2)أمر أن يحفر ذلك البئر أبدا حتى يظهر الماء، فحفروا حتى وضعوا في كلّ مائة قامة بكرة حتى انتهوا الى صخرة فضربوها بالمعول فانكسرت، فخرج منها ريح باردة فمات من كان بقربها، فأخبروا المتوكّل بذلك فلم يعلم ما ذاك، فقالوا: سل ابن الرضا عن ذلك، و هو أبو الحسن عليّ ابن محمد العسكري عليهم السلام فكتب إليه يسأله عن ذلك؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: تلك بلاد الاحقاف، و هم قوم عاد الّذين اهلكهم اللّه بالرّيح الصّرصر. (3)
4-محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن احمد، عن جعفر (4)بن رزق اللّه قال قدم الى المتوكّل برجل نصرانيّ فجر بأمراة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد (5)هدم ايمانه شركه
ص:18
و فعله، و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، و قال بعضهم: يفعل به كذا و كذا، فأمر المتوكل بالكتاب الي ابي الحسن الثالث صلوات اللّه عليه و سؤاله عن ذلك، فلمّا قرأ الكتاب كتب: يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى بن أكثم و أنكر فقهاء العسكر ذلك، و قالوا: يا أمير المؤمنين سل عن هذا فإنّه لم ينطق به كتاب و لم تجيء به سنّة.
فكتب إليه: إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا و قالوا: لم تجيء به سنّة و لم ينطق به كتاب فبيّن لنا لم أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟
فكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اَللّهِ اَلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ اَلْكافِرُونَ (1)فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات. (2)
5-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن ابراهيم، عن بعض أصحابه ذكره قال: لمّا سمّ المتوكّل نذر إن عوفي أن يتصدّق بمال كثير، فلمّا عوفي سأل الفقهاء عن حدّ المال الكثير فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: مائة الف، و قال بعضهم: عشرة آلاف، فقالوا فيه أقاويل مختلفة، فاشتبه عليه الأمر، فقال (3)رجل من ندمائه يقال له: صفوان: أ لا تبعث إلى هذا الأسود فتسأله عنه؟ فقال له
ص:19
المتوكّل.
من تعني ويحك؟ فقال له: ابن الرضا فقال له: و هو يحسن من هذا شيئا؟
فقال: إن أخرجك من هذا فلي عليك كذا و كذا و إلاّ فاضربني مائة مقرعة. (1)
فقال المتوكّل: قد رضيت، يا جعفر بن محمود صر إليه و سله عن حدّ المال الكثير فصار جعفر بن محمود إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السلام فسأله عن حدّ المال الكثير فقال له: الكثير ثمانون، فقال له جعفر بن محمود: يا سيّدي يسألني عن العلّة فيه فقال أبو الحسن صلوات اللّه عليه: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول لَقَدْ نَصَرَكُمُ اَللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ (2)فعددنا تلك المواطن فكانت ثمانين. (3)
و رواه عليّ بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن محمد بن عمرو (4)الحديث. (5)
ص:20
في رسالته عليه السلام إلى أهل الأهواز
1-الطبرسي في «الاحتجاج» قال: و ممّا أجابه ابو الحسن عليّ بن محمد العسكري عليه السلام في رسالته الى أهل الاهواز حين سألوه عن الجبر و التفويض أن قال: اجتمعت الامّة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون، و على تصديق ما أنزل اللّه مهتدون، و لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لا تجتمع أمّتي على ضلالة، فأخبر أنّ ما اجتمعت عليه الامّة و لم يخالف بعضها بعضا هو الحقّ فهذا معنى الحديث لا ما تأوّله الجاهلون و لا ما قاله المعاندون من ابطال حكم الكتاب و اتّباع حكم الاحاديث المزوّرة (1)و الروايات المزخرفة و اتّباع الاهواء المردية المهلكة التي تخالف نصّ الكتاب و تحقيق الآيات الواضحات النيّرات و نحن نسأل اللّه أن يوفّقنا للصواب و يهدينا الى الرشاد.
ثمّ قال عليه السلام: فاذا شهد الكتاب بصدق (2)خبر و تحقيقه فأنكرته طائفة من الامّة و عارضته بحديث من هذه الاحاديث المزوّرة فصارت بإنكارها و دفعها الكتاب كفّارا ضلالا.
و أصحّ خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من
ص:21
رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حيث قال: إنّي مستخلف فيكم خليفتين كتاب اللّه و عترتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، و اللفظة الاخرى عنه في هذا المعنى بعينه قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا.
فلمّا وجدنا شواهد هذا الحديث نصا في كتاب اللّه مثل قوله: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اَللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (1)ثمّ اتفقت روايات العلماء في ذلك لامير المؤمنين عليه السلام أنّه تصدّق بخاتمه و هو راكع فشكر اللّه ذلك له و أنزل الآية فيه.
ثمّ وجدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قد أبانه من اصحابه بهذه اللفظة: «من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه» و قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «عليّ يقضي ديني، و ينجز موعدي، و هو خليفتي عليكم بعدي» و قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم حيث استخلفه على المدينة فقال: يا رسول اللّه أ تخلّفني على النساء و الصبيان؟ فقال صلى اللّه عليه و آله و سلم: أ ما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.
فعلمنا أنّ الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار، و تحقيق هذه الشواهد فيلزم الامّة (2)الاقرار بها اذا كانت هذه الاخبار وافقت القرآن و وافق القرآن هذه الاخبار فلمّا وجدنا ذلك موافقا لكتاب اللّه، وجدنا كتاب اللّه لهذه الاخبار موافقا و عليها دليلا، كان الاقتداء بهذه الاخبار فرضا لا يتعدّاه إلاّ أهل العناد و الفساد.
ص:22
ثم قال عليه السلام: و مرادنا و قصدنا الكلام في الجبر و التفويض و شرحهما و بيانهما، و إنّما قدّمنا ما قدّمنا ليكون اتفاق الكتاب و الخبر اذا اتفقا دليلا لما أردناه، و قوّة لما نحن مبيّنوه من ذلك إن شاء اللّه.
فقال الجبر و التفويض بقول الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عند ما سئل عن ذلك فقال: لا جبر و لا تفويض بل أمر بين الأمرين، قيل فما ذا يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم؟ فقال: صحّة العقل، و تخلية السرب، و المهلة في الوقت، و الزاد قبل الراحلة، و السبب المهيّج للفاعل على فعله فهذه خمسة اشياء فاذا نقص العبد منها خلّة (1)كان العمل عنه مطرّحا بحسبه، و أنا أضرب لكلّ باب من هذه الابواب الثلاثة و هي: الجبر و التفويض و المنزلة بين المنزلتين، مثلا يقرّب المعنى للطالب و يسهّل له البحث من شرحه و يشهد به القرآن محكم آياته و يحقّق تصديقه عند ذوي الالباب و باللّه العصمة و التوفيق.
ثم قال عليه السلام: فأمّا الجبر فهو قول من زعم ان اللّه عزّ و جلّ جبر العباد على المعاصي و عاقبهم عليها، و من قال بهذا القول فقد ظلم اللّه و كذّبه و ردّ عليه قوله: وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (2).
و قوله جلّ ذكره: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَ أَنَّ اَللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ (3)مع آي كثيرة في مثل هذا، فمن زعم أنّه مجبور على المعاصي فقد احال بذنبه على اللّه عزّ و جلّ و ظلمه في عقوبته له، و من ظلّم ربه فقد كذّب كتابه، و من كذّب كتابه لزمه الكفر باجماع الامّة و المثل المضروب في ذلك: في
ص:23
مثل رجل ملّك عبدا مملوكا لا يملك إلاّ نفسه و لا يملك عرضا (1)من عروض الدنيا، و يعلم مولاه ذلك منه، فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة يأتيه بها و لم يملّكه ثمن ما يأتيه به، و علم المالك أنّ على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلاّ بما يرضى به من الثمن، و قد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و إظهار الحكمة و نفي الجور، فأوعد عبده إن لم يأته الحاجة أن يعاقبه.
فلمّا صار العبد الى السوق، و حاول اخذ الحاجة التي بعثه المولى للإتيان بها، وجد عليها مانعا يمنعه منها إلاّ بالثمن و لا يملك العبد ثمنها فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه لذلك و عاقبه على ذلك، فإنّه كان ظالما متعدّيا مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته، و إن لم يعاقبه كذّب نفسه، أ ليس يجب أن لا يعاقبه؟ و الكذب و الظلم ينفيان العدل و الحكمة تعالى اللّه عمّا يقول المجبّرة علوّا كبيرا.
ثم قال العالم عليه السلام بعد كلام طويل: فأمّا التفويض الذي أبطله الصادق عليه السلام و خطّأ من دان به فهو قول القائل: إنّ اللّه تعالى فوّض إلى العباد اختيار أمره و نهيه و أهملهم (2)، و هذا الكلام دقيق لم يذهب الى غوره و دقّته إلاّ الائمّة المهديّة عليهم السلام من عترة آل الرسول صلوات اللّه عليه و عليهم، فإنّهم قالوا: لو فوّض اللّه إليهم على جهة الاهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه و استوجبوا به من الثواب، و لم يكن عليهم فيما اجترموا من العقاب إذا كان الاهمال واقعا.
ص:24
و تنصرف هذه المقالة على معنيين: إمّا أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبل اختيارهم بآرائهم ضرورة، كره ذلك أم أحبّ، فقد لزمه الوهن، أو يكون جلّ و تقدّس عجز عن تعبّدهم بالأمر و النهي على إرادته، ففوّض أمره و نهيه إليهم و أجراهما على محبّتهم إذ عجز عن تعبّدهم بالأمر و النهي على إرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر و الايمان.
و مثل ذلك: مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه و يعرف له فضل ولايته، و يقف عند أمره و نهيه و ادّعى مالك العبد: أنّه قادر قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده و نهاه، و وعده على اتّباع أمره عظيم الثواب و أوعده على معصيته أليم العقاب، فخالف العبد إرادة مالكه و لم يقف عند أمره و نهيه، فأيّ أمر أمره به أو نهي نهاه عنه لم يأتمر على إرادة المولى، بل كان العبد يتّبع ارادة نفسه.
و بعثه في بعض حوائجه و فيما الحاجة له فصار العبد بغير تلك الحاجة خلافا على مولاه، و قصد إرادة نفسه و اتّبع هواه، فلمّا رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره، فقال العبد: اتّكلت على تفويضك الأمر إليّ فاتّبعت هواي و إرادتي لأنّ المفوّض إليه غير محضور عليه لاستحالة اجتماع التفويض و الحظر (1)ثم قال عليه السلام: فمن زعم أنّ اللّه فوّض قبول أمره و نهيه الى عباده فقد أثبت عليه العجز و أوجب عليه قبول كلّ ما عملوا من خير أو شرّ، و أبطل أمر اللّه تعالى و نهيه.
ثم قال: إنّ اللّه خلق الخلق بقدرته و ملّكهم استطاعة ما تعبّدهم به من الامر و النهي و قبل منهم اتّباع أمره، و رضي بذلك و نهاهم عن معصيته، و ذمّ من عصاه و عاقبه عليها و للّه الخيرة في الامر و النهي، يختار ما يريد و يأمر به، و ينهى
ص:25
عمّا يكره، و يثيب و يعاقب بالاستطاعة التي ملّكها عباده لاتّباع أمره و اجتناب معاصيه، لأنّه العدل، و منه النصفة و الحكومة و بالغ الحجّة بالاعذار و الانذار و إليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده.
اصطفى محمّدا صلوات اللّه عليه و آله و بعثه بالرسالة إلى خلقه، و لو فوّض اختيار اموره إلى عباده لأجاز لقريش اميّة بن أبي الصلت (1)و أبي مسعود.
الثقفي (2)إذ كانا عندهم أفضل من محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم لما قالوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا اَلْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ اَلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (3)يعنونهما بذلك، فهذا هو القول بين القولين ليس بجبر و لا تفويض، بذلك أخبر أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله عباية بن ربعي الاسدي عن الاستطاعة.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تملكها من دون اللّه أو مع اللّه؟ فسكت عباية بن ربعي فقال له: قل يا عباية، قال: و ما أقول؟ قال: إن قلت تملكها مع اللّه قتلتك، و ان قلت تملكها من دون اللّه قتلتك، قال: و ما اقول يا أمير
ص:26
المؤمنين؟ قال: تقول: تملكها باللّه الذي يملكها من دونك فإن ملّكها كان ذلك من عطائه، و إن سلبكها كان ذلك من بلائه، و هو المالك لما ملكك و المالك لما عليه أقدرك أ ما سمعت الناس يسألون الحول و القوة حيث يقولون: لا حول و لا قوة إلاّ باللّه.
فقال الرجل: و ما تأويلها يا أمير المؤمنين؟ قال: لا حول لنا عن معاصي اللّه إلاّ بعصمة اللّه، و لا قوة لنا على طاعة اللّه إلاّ بعون اللّه قال: فوثب الرجل و قبّل يديه و رجليه.
ثم قال عليه السلام في قوله تعالى: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ اَلْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ اَلصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (1)و في قوله: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (2)و في قوله: أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ (3)و في قوله:
وَ لَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ (4)و في قوله: فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ اَلسّامِرِيُّ (5)و قول موسى: إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ (6)و قوله: لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ (7)و قوله ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ (8)و قوله: إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما
ص:27
بَلَوْنا أَصْحابَ اَلْجَنَّةِ (1)و قوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (2)و قوله:
وَ إِذِ اِبْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ (3)و قوله: وَ لَوْ يَشاءُ اَللّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ (4)إنّ جميعها جاءت في القرآن بمعنى الاختيار.
ثم قال عليه السلام فان قالوا: ما الحجّة في قول اللّه تعالى: يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ (5)و ما أشبه ذلك؟ قلنا: فعلى مجاز هذه الآية يقتضي معنيين: أحدهما أنّه إخبار عن كونه تعالى قادرا على هداية من يشاء و ضلالة من يشاء، و لو أجبرهم على أحدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم عقاب على ما شرحناه.
و المعنى الآخر؟ أنّ الهداية منه: التعريف كقوله تعالى: وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا اَلْعَمى عَلَى اَلْهُدى (6)و ليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجّة على حكم الآيات اللاّتي امر بأخذها و تقليدها و هي قوله:
هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ اِبْتِغاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ (7)الآية و قال: فَبَشِّرْ عِبادِ اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
ص:28
أَحْسَنَهُ أُولئِكَ اَلَّذِينَ هَداهُمُ اَللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا اَلْأَلْبابِ (1)وفقنا اللّه و إياكم لما يحبّ و يرضى، و يقرّب لنا و لكم الكرامة و الزلفى، و هدانا لما هو لنا و لكم خير و أبقى، إنّه الفعّال لما يريد، الحكيم الجواد المجيد. (2)
ص:29
ص:30
في رفعه عليه السلام شأن العلماء
1-الطبرسي في «الاحتجاج» قال: روي عن الحسن العسكري عليه السلام أنّه اتّصل بأبي الحسن عليّ بن محمد العسكري عليه السلام أنّ رجلا من فقهاء شيعته كلّم بعض النصّاب فأفحمه بحجّته حتى أبان عن فضيحته، فدخل على عليّ بن محمد عليه السلام و في صدر مجلسه دست (1)عظيم منصوب، و هو قاعد خارج الدست، و بحضرته خلق عظيم من العلويّين و بني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست، و اقبل عليه، فاشتدّ ذلك على اولئك الاشراف، فأمّا العلويّة (2)فأجلوه عن العتاب، و أمّا الهاشميون فقال له شيخهم: يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم هكذا تؤثر عاميّا على سادات بني هاشم من الطالبيّين و العبّاسيين؟
فقال عليه السلام: إيّاكم أن تكونوا من الذين قال اللّه تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ اَلْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اَللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (3)أ ترضون بكتاب اللّه عزّ و جلّ حكما؟ قالوا: بلى.
قال: أ ليس اللّه يقول: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي
ص:31
اَلْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اَللّهُ لَكُمْ إلى قوله: يَرْفَعِ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ دَرَجاتٍ (1)فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع على المؤمن من غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلاّ أن يرفع على من ليس بمؤمن، أخبروني عنه قال: يَرْفَعِ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ دَرَجاتٍ أو قال يرفع اللّه الذين اوتوا شرف النسب درجات؟ أو ليس قال اللّه:
هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (2)فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه اللّه؟ إنّ كسر هذا لفلان الناصب بحجج اللّه التي علّمه إيّاها لأفضل له من كلّ شرف في النسب.
فقال العباسي: يا ابن رسول اللّه قد شرّفت علينا و قصّرتنا عمن ليس له نسب كنسبنا، و ما زال منذ أوّل الاسلام يقدّم الافضل في الشرف على من دونه فيه.
فقال عليه السلام: سبحان اللّه أ ليس العبّاس بايع لأبي بكر و هو تيمي و العبّاس هاشمي؟ أو ليس عبد اللّه بن عبّاس كان يخدم عمر بن الخطاب و هو هاشمي أبو الخلفاء و عمر عدوي؟ و ما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى و لم يدخل العبّاس؟ فإن كان رفعنا لمن ليس بهاشميّ على هاشميّ منكرا فأنكروا على العباس بيعته لأبي بكر، و على عبد اللّه بن العبّاس خدمته لعمر بعد بيعته، فإن كان ذلك جائزا فهذا جائز فكأنما القم (3)الهاشمي حجرا. (4)
ص:32
2-و روى أيضا عن علي بن محمد عليه السلام أنّه قال: لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه، و الدالّين عليه، و الذابّين عن دينه بحجج اللّه و المنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك (1)إبليس و مردته و من فخاخ (2)النواصب لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دين اللّه، و لكنهم هم الّذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها (3)اولئك هم الأفضلون عند اللّه عزّ و جلّ. (4)
ص:33
ص:34
في عبادته عليه السلام
1-الشيخ الطوسي في «أماليه» : عن أبي محمد الفحام، قال: حدّثني عمّي عمر بن يحيى قال: حدّثنا كافور (1)الخادم قال: قال لي الامام عليّ بن محمد عليهما السلام: اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهّر للصلاة، و أنفذني في حاجة و قال: إذا عدت فافعل ذلك ليكون معدّا إذا تأهّبت للصلاة فاستلقى لينام و أنسيت ما قاله لي و كانت ليلة باردة فحسست به و قد قام الى الصلاة و ذكرت أنّني لم أترك السطل، فبعدت عن الموضع خوفا من لومه و تألّمت له حيث يسعى يطلب الاناء (2)فناداني نداء مغضب، فقلت: إنّا للّه أيش عذري أن أقول نسيت مثل هذا و لم أجد بدّا من إجابته.
فجئت مرعوبا فقال لي: يا ويلك أ ما عرفت رسمي أنّني لا اتطهّر إلاّ بماء بارد فسخنت لي ماء و تركته في السطل، قلت و اللّه يا سيّدي ما تركت السطل و لا الماء، قال: الحمد للّه و اللّه لا تركنا رخصة و لا رددنا منحة، الحمد للّه الذي جعلنا من أهل طاعته و وفّقنا للعون على عبادته، إنّ النبي صلى اللّه عليه و آله
ص:35
يقول: إنّ اللّه يغضب على من لا يقبل رخصة (1).
2-محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال: مرض المتوكّل من خراج خرج به و أشرف منه على الهلاك، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت امّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام مالا جليلا من مالها، و قال له الفتح بن خاقان (2): لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام فسألته فإنّه لا يخلو أن يكون عنده صفة شيء يفرّج اللّه بها عنك، فبعث إليه و وصف إليه علّته فردّ إليه الرسول بأن يؤخذ كسب (3)الشاة فيداف (4)بماء الورد فيوضع عليه فلمّا رجع الرسول و أخبرهم أقبلوا يهزءون من قوله، فقال له الفتح: هو و اللّه أعلم بما قال، و أحضر الكسب و عمل كما قال، و وضع عليه فغلبه النوم و سكن، ثم انفتح و خرج منه ما كان فيه و بشّرت امّه بعافيته، فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها.
ثمّ استقل من علته (5)فسعى إليه البطحائي العلوي بأنّ أموالا تحمل إليه و سلاحا، فقال لسعيد الحاجب: اهجم عليه بالليل و خذ ما تجده عنده من الاموال و السلاح و احمله إليّ.
ص:36
قال إبراهيم بن محمد فقال لي سعيد الحاجب: صرت إلى داره بالليل و معي سلّم فصعدت السطح، فلمّا نزلت على بعض الدرج في الظلمة لم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني: يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبّة صوف و قلنسوة منها و سجّادة على حصير بين يديه فلم أشك أنّه كان يصلّي، فقال لي: دونك البيوت، فدخلتها و فتّشتها فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم أمّ المتوكّل و كيسا مختوما و قال لي: دونك المصلّى فرفعته فوجدت سيفا في جفن غير ملبس، فأخذت ذلك و صرت إليه فلمّا نظر إلى خاتم أمّه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه.
فأخبرني بعض خدم الخاصّة: أنها قالت له: كنت قد نذرت في علتك لمّا آيست منك إن عوفيت حملت من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه و هذا خاتمي على الكيس، و فتح الكيس فاذا فيه اربعمائة دينار فضمّ إلى البدرة بدرة اخرى و أمرني بحمل ذلك إليه فحملته و رددت السيف و الكيسين و قلت له: يا سيّدي عزّ عليّ بدخول دارك بغير إذنك و لكنّني مأمور فقال لي يا سعيد:
وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (1). (2)
3-محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد عن بعض اصحابه عن أبي هاشم الجعفري قال: دخلت على أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام
ص:37
فجاء صبيّ من صبيانه فناوله وردة فقبّلها و وضعها على عينيه ثمّ ناولنيها ثمّ قال:
من تناول وردة أو ريحانة فقبّلها و وضعها على عينيه ثم صلّى على محمد و آل محمد-الائمّة-صلوات اللّه عليهم كتب اللّه له من الحسنات مثل رمل عالج (1)و محى عنه من السيّئات مثل ذلك (2).
ص:38
في ورعه عليه السلام
1-محمد بن يعقوب، عن الحسين بن الحسن الحسني، قال: حدّثني أبو الطيّب المثنى، يعقوب بن ياسر، قال: كان المتوكل يقول: و يحكم قد أعياني أمر ابن الرضا (1)عليه السلام، أبى أن يشرب معي أو ينادمني، أو أجد منه فرصة في هذا، فقالوا له: فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى قصّاف عزّاف (2)يأكل و يشرب و يتعشّق قال: ابعثوا إليه فجيئوا به حتى نموّه (3)به على الناس و نقول:
ابن الرضا فكتب إليه و أشخص مكرما و تلقّاه جميع بني هاشم و القوّاد و الناس على أنّه إذا وافى أقطعه قطيعة (4)و بنى له فيها و حوّل الخمّارين و القيان (5)إليه و وصله و بره و جعل له منزلا سريا (6)حتى يزوره هو فيه فلمّا وافى موسى (7)تلقاه أبو الحسن عليه السلام في قنطرة وصيف و هو موضع يتلقى فيه القادمون،
ص:39
فسلّم عليه و وفّاه حقّه، ثمّ قال له: إنّ هذا الرجل قد أحضرك ليهتك و يضع منك فلا تقرّ له أنّك شربت نبيذا قطّ، فقال له موسى: فاذا كان دعاني لهذا فما حيلتي ؟ قال: فلا تضع من قدرك و لا تفعل فإنّما أراد هتكك، فأبى عليه فكرّر عليه.
فلما رأى أنّه لا يجيب قال: أما إنّ هذا مجلس لا تجتمع أنت و هو عليه أبدا فأقام ثلاث سنين، يبكر كل يوم فيقال له: قد تشاغل اليوم، فرح فيروح، فيقال: فبكّر فيبكّر فيقال: شرب دواء فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكّل و لم يجتمع معه عليه. (1)
ص:40
في جوده عليه السلام
1-ابن شهر اشوب قال: دخل أبو عمرو (1)عثمان بن سعيد، و أحمد بن إسحاق الاشعري، و علي بن جعفر الهمداني (2)على أبي الحسن العسكري فشكى إليه أحمد بن إسحاق دينا عليه فقال: يا أبا عمرو-و كان وكيله-ادفع إليه ثلاثين ألف دينار و الى عليّ بن جعفر ثلاثين ألف دينار، و خذ أنت ثلاثين ألف دينار، فهذه معجزة لا يقدر عليها إلاّ الملوك، و ما سمعنا بمثل هذا العطاء انتهى كلامه (3).
ص:41
و قال كمال الدين بن طلحة من أعيان علماء الجمهور في «كتاب مطالب السئول» قال: و ذلك أن أبا الحسن عليه السلام كان يوما قد خرج من سر من رأى إلى قرية لمهمّ عرض له فجاء رجل من الاعراب يطلبه، فقيل له: قد ذهب الى الموضع الفلاني فقصده فلمّا وصل إليه، قال له: ما حاجتك؟ قال: أنا رجل من الاعراب المتمسّكين بولاء جدّك عليّ بن أبي طالب عليه السلام و قد ركبني دين فادح أثقلني حمله، و لم أر من أقصد لقضائه سواك.
فقال أبو الحسن عليه السلام طب نفسا و قرّ عينا ثمّ أنزله فلمّا أصبح ذلك اليوم قال له عليه السلام: اريد منك حاجة اللّه اللّه أن تخالفني فيها، فقال الاعرابي: لا اخالفك فكتب عليه السلام ورقة بخطّه معترفا فيها أنّ للاعرابي مالا عيّنه فيها يرجع عليّ دينه.
و قال: خذ هذا الخطّ فاذا وصلت إلى سر من رأى احضر إليّ و عندي جماعة فطالبني بما فيه و أغلظ القول عليّ في ترك إيفائك إيّاه و اللّه اللّه في مخالفتي، فقال: أفعل و أخذ الخطّ.
فلمّا وصل أبو الحسن إلى سر من رأى و حضر عنده جماعة كثيرة من أصحاب الخليفة و غيرهم حضر الاعرابي و أخرج الخطّ و طالبه و قال كما أوصاه، فألان له أبو الحسن عليه السلام القول، و جعل يعتذر إليه و وعده بوفائه و طيّبه نفسه.
فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكل فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن عليه السلام ثلاثون ألف دينار، فلمّا حملت إليه تركها إلى أن جاء الاعرابي، فقال:
خذ هذا المال فاقض به عن دينك و أنفق الباقي على عيالك و أهلك و أعذرنا، فقال له الاعرابي: يا ابن رسول اللّه إنّ أملي كان يقصر عن ثلث هذا، و لكن اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته و أخذ المال و انصرف، و هذه منقبة من سمع بها
ص:42
حكم له عليه السلام بمكارم الاخلاق و قضى له بالمنقبة المحكوم له بشرفها بالإتقان.
و رواه المالكي أيضا في «الفصول المهمّة» من علماء العامّة أيضا (1).
ص:43
ص:44
حديثه عليه السلام مع المتوكّل في إسلام
أبي طالب عليه السلام
1-روى عليّ بن عبد اللّه الحسني قال: ركبنا مع سيّدنا أبي الحسن عليه السلام الى دار المتوكّل في يوم السلام، فسلّم سيّدنا أبو الحسن عليه السلام و أراد أن ينهض فقال له المتوكّل: تجلس يا أبا الحسن إنّي اريد أن أسألك، فقال له عليه السلام: سل فقال له: ما في الآخرة شيء غير الجنة و النار يحلّون به الناس؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: ما يعلمه إلاّ اللّه فقال له: فعن علم اللّه أسألك، و قال له: و من علم اللّه أخبرك، قال: يا أبا الحسن ما رواه الناس: إنّ أبا طالب يوقف إذا حوسب الخلائق بين الجنّة و النار و في رجله نعلان من نار يغلي منهما دماغه لا يدخل الجنّة لكفره و لا يدخل النار لكفالته رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و صدّه قريشا عنه و أيسر على يده حتى ظهر أمره.
قال له أبو الحسن عليه السلام: ويحك لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة و وضع إيمان الخلائق في الكفة الاخرى لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم جميعا.
قال له المتوكّل: و متى كان مؤمنا؟ قال له: دع ما لا تعلم و اسمع ما لا يردّه المسلمون جميعا و لا يكذّبون به، اعلم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حجّ حجّة الوداع فنزل بالأبطح بعد فتح مكة فلمّا جنّ عليه الليل أتى القبور قبور
ص:45
بني هاشم و قد ذكر أباه و امّه و عمّه أبا طالب فداخله حزن شديد عظيم عليهم و رقّة.
فأوحى اللّه إليه: انّ الجنّة محرّمة على من أشرك بي و أنّي اعطيك يا محمد ما لم اعطه أحدا غيرك فادع أباك و امّك و عمّك فإنّهم يجيبونك و يخرجون من قبورهم أحياء لم يمسّهم عذابي لكرامتك عليّ فادعهم الى الإيمان و رسالتك و موالاة أخيك عليّ و الأوصياء منه إلى يوم القيامة يجيبونك و يؤمنون بك فأهب لك كلّما سألت و أجعلهم ملوك الجنة كرامة لك يا محمد.
فرجع النبي صلى اللّه عليه و آله إلى امير المؤمنين عليه السلام فقال له: قم يا أبا الحسن فقد أعطاني ربّي هذه الليلة ما لم يعطه احدا من خلقه في أبي و أمي و أبيك عمّي، و حدّثه بما أوحى اللّه إليه و خاطبه به، و أخذ بيده و صار الى قبورهم فدعاهم إلى الايمان باللّه و به و آله عليهم السلام و الاقرار بولاية عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام و الأوصياء منه فآمنوا باللّه و برسوله صلى اللّه عليه و آله و سلم و الائمّة منه واحدا بعد واحد الى يوم القيامة فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: عودوا إلى اللّه ربّكم و الى الجنّة فقد جعلكم اللّه ملوكها، فعادوا إلى قبورهم فكان و اللّه أمير المؤمنين يحجّ عن أبيه و أمّه و عن أب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و امّه حتى مضى و وصّى الحسن و الحسين عليهما السلام بمثل ذلك، و كلّ امام منّا يفعل ذلك إلى أن يظهر القائم أمره (1).
فقال له المتوكّل: قد سمعت هذا الحديث و سمعت أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار، فتقدر يا أبا الحسن أن تريني أبا طالب بصفته حتى أقول له
ص:46
و يقول لي؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: إنّ اللّه سيريك أبا طالب في منامك الليلة و تقول له و يقول لك، قال له المتوكّل: سيظهر صدق ما تقول، فإن كان حقا صدّقتك في كلّ ما تقول، قال له ابو الحسن عليه السلام: ما أقول لك إلاّ حقّا و لا تسمع منّي إلاّ صدقا.
قال له المتوكّل: أ ليس في هذه الليلة في منامي؟ قال له: بلى قال: فلمّا أقبل الليل قال المتوكّل: اريد أن لا أرى أبا طالب الليلة في منامي فأقتل عليّ بن محمد بادّعائه الغيب و كذبه فما ذا أصنع، فما لي إلاّ أن اشرب الخمر و آتي الذكور من الرجال و الحرام من النساء، فلعلّ أبا طالب لا يأتيني، ففعل ذلك كلّه و بات في جنابات فرأى أبا طالب في النوم فقال له: يا عمّ حدّثني كيف كان إيمانك باللّه و رسوله بعد موتك؟ فقال: ما حدّثك به ابني عليّ بن محمد في يوم كذا و كذا فقال: يا عمّ تشرحه لي فقال له أبو طالب: فإن لم أشرحه لك تقتل عليّا؟ و اللّه قاتلك، فحدّثه فأصبح فأخّر أبا الحسن عليه السلام ثلاثا لا يطلبه و لا يسأله.
فحدّثنا أبو الحسن عليه السلام بما رآه المتوكّل في منامه و ما فعله من القبائح لئلاّ يرى أبا طالب في نومه، فلمّا كان بعد ثلاث أحضره، فقال له: يا أبا الحسن قد حلّ لي دمك، فقال له: و لم؟ قال في ادّعائك الغيب و كذبك على اللّه، أ ليس قلت لي: إني أرى أبا طالب في منامي تلك الليلة فأقول له و يقول لي فتطهّرت و تصدّقت و صلّيت و عقبت لكي ارى أبا طالب في منامي فأسأله فلم أره في ليلتي و عملت هذه الاعمال الصالحة في الليلة الثانية و الثالثة فلم أره فقد حلّ لي قتلك و سفك دمك.
فقال له أبو الحسن عليه السلام: يا سبحان اللّه ويحك ما أجرأك على اللّه
ص:47
ويحك سوّلت لك نفسك اللوّامة حتى أتيت الذكور من الغلمان و المحرّمات من النساء و شربت الخمر لئلاّ ترى أبا طالب في منامك فتقتلني، فأتاك فقال لك و قلت له: و قصّ عليه ما كان بينه و بين أبي طالب في منامه حتى ما غادر منه حرفا (1)فأطرق المتوكّل ثمّ قال: كلّنا بنو هاشم و سحركم يا آل أبي طالب من دوننا عظيم، فنهض عنه أبو الحسن عليه السلام. (2)
ص:48
في صبره عليه السلام و مقامات له مع المتوكّل
1-الطبرسي في «اعلام الورى» قال: ذكر ابن جمهور قال: حدّثني سعيد بن سهل قال: رفع زيد بن موسى (1)إلى عمر بن الفرج (2)مرارا يسأله أن يقدّمه على ابن أخيه و يقول: إنّه حدث و أنا عمّ أبيه، فقال عمر ذلك لأبي الحسن عليه السلام فقال: افعل واحدة أقعدني غدا قبله ثمّ أنظر، فلمّا كان من الغد أحضر عمر أبا الحسن عليه السلام فجلس في صدر المجلس، ثمّ أذن لزيد بن موسى فدخل، فجلس بين يدي أبي الحسن عليه السلام فلمّا كان يوم الخميس أذن لزيد بن موسى قبله، فجلس في صدر المجلس ثمّ أذن لابي الحسن عليه السلام فدخل فلمّا رآه زيد قام من مجلسه و أقعده في مجلسه و جلس بين يديه، فأشخص أبا الحسن عليه السلام المتوكّل من المدينة إلى سر من رأى، و كان السبب في ذلك أنّ عبد اللّه بن محمد و كان و الي المدينة سعي به إليه، فكتب إليه
ص:49
المتوكّل كتابا يدعو به فيه إلى حضور العسكر على جميل من القول، فلمّا وصل الكتاب إليه عليه السلام تجهز للرحيل و خرج مع يحيى بن هرثمة (1)حتى وصل إلى سر من رأى فلمّا وصل إليها تقدّم المتوكل ان يحجب عنه في منزل في خان يعرف بخان الصعاليك، فأقام فيه يومه ثمّ تقدّم المتوكّل بافراد دار له فانتقل إليها. (2)
2-محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد اللّه عن محمد بن يحيى (3)، عن صالح بن سعيد، قال:
دخلت على أبي الحسن عليه السلام فقلت له: جعلت فداك في كلّ الامور أرادوا إطفاء نورك و التقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الاشنع خان الصعاليك (4)؟ فقال عليه السلام: هاهنا أنت يا ابن سعيد (5)؟ ثمّ أومأ بيده و قال:
انظر، فنظرت فاذا أنا بروضات آنقات و روضات باسرات (6)فيهن خيرات (7)و ولدان كأنهنّ اللؤلؤ المكنون (8)، و أطيار و ظباء و أنهار تفور، فحار بصري
ص:50
و حسرت عيني فقال: حيث كنّا فهذا لنا عتيد (1)لسنا في خان الصعاليك. (2)
3-الراوندي في «الخرائج» : حدّث جماعة من أهل اصفهان، منهم ابو العبّاس أحمد بن النضر و أبو جعفر محمد بن علوية قالوا: كان باصبهان رجل يقال له: عبد الرحمن و كان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي اوجب عليك القول بإمامة عليّ النقيّ عليه السلام دون غيره من اهل الزمان؟ قال: شاهدت ما أوجب ذلك عليّ و هو أني كنت رجلا فقيرا و كان لي لسان و جرأة، فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين فخرجت مع قوم آخرين إلى باب المتوكّل متظلّمين فبينا نحن بالباب إذ خرج الامر بإحضار عليّ بن محمد بن الرضا عليهم السلام فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي قد امر باحضاره؟ فقيل: هو رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ثمّ قال: و قدّرت (3)انّ المتوكّل يحضره للقتل فقلت: لا أبرح من هاهنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أيّ رجل هو؟
قال: فأقبل راكبا على فرس، و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفّين ينظرون إليه، فلما رأيته وقع حبّه في قلبي، فصرت أدعو له في نفسي بأن يدفع
ص:51
اللّه عنه شرّ المتوكّل فأقبل يسير بين الناس و هو ينظر إلى عرف دابّته و لا ينظر يمنة و لا يسرة و أنا اكرّر في نفسي الدعاء له، فلمّا صار بإزائي أقبل بوجهه إليّ و قال: استجاب اللّه دعاءك، و طوّل عمرك، و كثّر مالك و ولدك، قال: فارتعدت من هيبته و وقعت بين أصحابي، فسألوني ما شأنك؟ فقلت: خير و لم أخبر بذلك مخلوقا.
ثمّ انصرفنا بعد ذلك إلى اصفهان ففتح اللّه عليّ بدعائه وجوها من المال، حتى انا اليوم اغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم، سوى مالي خارج داري، و رزقت عشرة من الاولاد، و قد مضى لي من العمر نيفا و سبعين سنة، و أنا اقول بإمامة ذلك الرجل الذي علم ما كان في نفسي و استجاب اللّه دعاءه في امري. (1)
4-الراوندي قال: روي عن أبي سليمان قال: حدّثنا ابن اورمة (2)قال:
خرجت أيام المتوكّل إلى سر من رأى، فدخلت على سعيد الحاجب، و قد دفع المتوكّل أبا الحسن عليه السلام إليه ليقتله، فلمّا دخلت عليه قال: أ تحبّ أن تنظر الى إلهك؟ قال: قلت: سبحان اللّه، إلهي لا تدركه الابصار، قال: هذا الذي تزعمون أنّه امامكم! قلت ما اكره ذلك.
قال: قد أمرني المتوكّل بقتله، و أنا فاعله غدا و عنده صاحب البريد، فاذا خرج فادخل عليه، فلم ألبث أن خرج فقال لي: ادخل فدخلت الدار التي كان
ص:52
فيها محبوسا فاذا بحياله قبر يحفر، فدخلت و سلّمت و بكيت بكاء شديدا، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى، قال: لا تبك لذلك، فإنّه لا يتمّ لهم ذلك، فسكن ما كان بي فقال: إنّه لا يلبث اكثر من يومين حتى يسفك اللّه دمه و دم صاحبه الذي رأيته.
قال: و اللّه ما مضى غير يومين حتى قتل.
فقلت لأبي الحسن عليه السلام حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «لا تعادوا الأيّام فتعاديكم» قال: نعم إنّ لحديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم تأويلا أما السبت فرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و الأحد أمير المؤمنين عليه السلام و الاثنين الحسن و الحسين عليهما السلام و الثلاثاء عليّ ابن الحسين و محمد بن عليّ و جعفر بن محمد عليهم السلام و الاربعاء موسى ابن جعفر و عليّ بن موسى و محمد بن عليّ و أنا عليّ بن محمد، و الخميس ابني الحسن، و الجمعة فالقائم منّا أهل البيت. (1)
5-الراوندي أيضا قال: روى أبو سعيد سهل بن زياد قال: حدّثنا ابو العبّاس فضل بن احمد بن إسرائيل الكاتب، و نحن في داره بسرّمن رأى، فجرى ذكر أبي الحسن عليه السلام فقال: يا سهل إنّي احدّثك بشيء حدّثني به أبي قال: كنّا مع المعتز (2)و كان أبي كاتبه، فدخلنا الدار فاذا المتوكل على سريره
ص:53
قاعد، فسلّم المعتز و وقف، و وقفت خلفه «و كان اذا دخل عليه رحّب به و أمره بالقعود» فأطال القيام و جعل يرفع رجلا و يضع اخرى، و هو لا يأذن له بالقعود، و نظرت إلى وجهه يتغيّر ساعة بعد ساعة، و يقبل على الفتح بن خاقان و يقول هذا الذي تقول فيه ما تقول؟ و يردّد القول و الفتح مقبل عليه يسكّنه و يقول:
مكذوب عليه يا أمير المؤمنين و هو يتلظّى و يقول: و اللّه لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق و هذا الذي يدّعي الكذب و يطعن في دولتي.
ثمّ قال: جئني بأربعة من الخزر جلاف لا يفقهون فجيء بهم و دفع إليهم أربعة أسياف و أمرهم أن يرطنوا (1)بألسنتهم اذا دخل أبو الحسن عليه السلام أن يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه 2و هو يقول: و اللّه لاحرقنّه بعد القتل، و أنا منتصب قائم خلف المعتز من وراء الستر، فما علمت إلاّ بأبي الحسن عليه السلام قد دخل، و قد بادر الناس قدّامه، و قد جاء و التفت و إذا أنا به و شفتاه يتحرّكان و هو غير مكترث 3و لا جازع، فلمّا بصر به المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه و سبقه، فانكبّ عليه فقبّل بين عينيه و يديه و سيفه بيده، و هو يقول:
يا سيّدي يا ابن رسول اللّه يا خير خلق اللّه يا ابن عمّي يا مولاي يا أبا الحسن و أبو الحسن عليه السلام يقول: اعيذك يا أمير المؤمنين باللّه اعفني من هذا فقال: ما جاء بك يا سيّدي في هذا الوقت؟ قال جاءني رسولك فقال: المتوكّل يدعوك، فقال: كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيّدي من حيث أتيت يا فتح يا عبد اللّه 4يا معتز
ص:54
شيّعوا سيّدكم و سيّدي، فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّدا مذعنين فلمّا خرج دعاهم المتوكّل و قال للترجمان (1): أخبرني بما يقولون.
ثم قال لهم: لم لم تفعلوا ما أمرتكم (2)به؟ قالوا: شدّة هيبته رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم، فمنعنا ذلك على ما أمرت به، و امتلأت قلوبنا من ذلك رعبا فقال المتوكّل: يا فتح هذا صاحبك، فضحك في وجه الفتح و ضحك الفتح في وجهه و قال: الحمد للّه الذي بيّض وجهه و أنار حجّته. (3)
6-و روي عن عبد اللّه بن جعفر، عن المعلّى بن محمد قال: قال أبو الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام: انّ هذا الطاغية يبني مدينة بسر من رأى يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمّى بالمنتصر (4)و أعوانه عليه الترك قال:
و سمعته يقول عليه السلام: اسم اللّه على ثلاثة و سبعين حرفا و إنّما كان عند آصف بن برخيا حرف واحد، فتكلم به فخرقت له الأرض فيما بينه و بين مدينة سبأ فتناول عرش بلقيس فأحضره سليمان قبل أن يرتد إليه طرفه، ثم بسطت الارض في أقل من طرفة عين، و عندنا منه اثنان و سبعون حرفا و الحرف الذي كان مع آصف.
و كتب إليه رجل من شيعته من المدائن يسأله عن سني المتوكل فكتب إليه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ
ص:55
فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ اَلنّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ (1)فقتل بعد خمسة عشر سنة.
ثمّ كان من أمر بناء المتوكل الجعفري و ما أمر به بني هاشم و غيرهم من الابنية هناك ما تحدث به و وجّه إلى أبي الحسن عليه السلام بثلاثين ألف درهم و أمره أن يستعين بها على بناء دار، و ركب المتوكل يطوف على الأبنية فنظر الى دار أبي الحسن عليه السلام لم ترفع إلاّ قليلا فأنكر ذلك و قال لعبيد اللّه بن يحيى ابن خاقان: عليّ و عليّ يمينا وكّدها (2)لان ركبت و لم ترفع دار أبي الحسن عليه السلام لأضربنّ عنقه، فقال له عبيد اللّه: يا أمير المؤمنين لعلّه في إضاقة فأمر له بعشرين ألف درهم فوجّه بها إليه مع أحمد ابنه و قال له: تحدّثه بما جرى فصار إليه و أخبره بما جرى فقال: إن ركب فليفعل ذلك.
و رجع أحمد إلى أبيه عبيد اللّه فعرفه ذلك فقال عبيد اللّه: ليس و اللّه يركب فلمّا كان في يوم الفطر من السنة التي قتل فيها أمر بني هاشم بالترجّل (3)و المشي بين يديه، و إنّما أراد بذلك أبا الحسن فترجّل بنو هاشم و ترجّل أبو الحسن فاتّكى على رجل من مواليه فأقبل عليه الهاشميّون فقالوا: يا سيّدنا ما في هذا العالم أحد يدعو اللّه فيكفينا مئونته فقال أبو الحسن عليه السلام: في هذا العالم من قلامة ظفره أعظم عند اللّه من ناقة صالح لمّا عقرت و ضجّ الفصيل إلى اللّه فقال اللّه عزّ من قائل تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ
ص:56
مَكْذُوبٍ (1)فقتل في اليوم الثالث. (2)
7- «ثاقب المناقب» عن محمد بن حمدان، عن إبراهيم بن بلطون، عن أبيه، قال: كنت أحجب المتوكل فأهدي له خمسون غلاما من الخزر و أمر أن أتسلّمهم و احسن إليهم، فلمّا تمّت سنة كاملة، كنت واقفا بين يديه إذ دخل عليه أبو الحسن عليّ بن محمّد النقي عليه السلام فأخذ مجلسه و أمرني أن اخرج الغلمان من بيوتهم، فأخرجتهم فلمّا بصروا بأبي الحسن عليه السلام سجدوا له بأجمعهم، و لم يتمالك المتوكل أن قام يجرّ رجله حتى توارى خلف الستر، ثمّ نهض عليه السلام.
فلمّا علم المتوكّل بذلك خرج إليّ فقال: ويلك يا بلطون ما هذا الّذي فعل هؤلاء الغلمان؟ فقلت: و اللّه ما أدري قال: سلهم فسألتهم عمّا فعلوه، فقالوا: هذا رجل يأتينا كلّ سنة فيعرض علينا الدين، و يقيم عندنا عشرة أيّام، و هو وصيّ نبي المسلمين، فأمر بذبحهم عن آخرهم.
فلمّا كان وقت العتمة صرت إلى أبي الحسن عليه السلام فإذا خادم على الباب فنظر إليّ فقال لمّا بصر بي: ادخل فدخلت فإذا هو عليه السلام جالس فقال عليه السلام يا بلطون ما صنع القوم؟
فقلت: يا ابن رسول اللّه ذبحوا عن آخرهم.
فقال لي: كلّهم؟
فقلت: إي و اللّه فقال عليه السلام تحبّ أن تراهم؟
قلت: نعم يا ابن رسول اللّه فأومئ بيده أن أدخل الستر فدخلت فإذا أنا
ص:57
بالقوم قعود و بين أيديهم فاكهة يأكلون. (1)
ص:58
في حديثه عليه السلام مع زينب الكذابة
1-الراوندي إنّ أبا هاشم الجعفري قال: ظهرت في أيّام المتوكل امرأة تدّعي أنّها زينب بنت فاطمة عليها السلام بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لها المتوكل: أنت امرأة شابة و قد مضى من وقت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ما مضى من السنين، فقالت: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مسح على رأسي و سأل اللّه عزّ و جلّ ان يردّ عليّ شبابي في كلّ اربعين سنة و لم اظهر للناس الى هذه الغاية فلحقني الحاجب فصرت إليهم (1).
فدعا المتوكّل مشايخ آل أبي طالب و ولد أبي العباس و قريش فعرّفهم حالها فروى جماعة وفاة زينب بنت فاطمة عليها السلام في سنة كذا فقال لها:
ما تقولين في هذه الرواية؟
فقالت: كذب و زور، فإنّ أمري كان مستورا عن النّاس فلم يعرف لي موت و لا حياة، فقال لهم المتوكل: هل عندكم حجّة على هذه المرأة غير هذه الرواية؟ فقالوا: لا، فقال: هو بريء من العباس أن لا أتركها (2)عمّا ادّعت إلاّ بحجة.
قالوا: فأحضر عليّ بن محمّد عليهما السلام فلعلّ عنده شيئا من الحجّة غير ما عندنا فبعث إليه فحضر، فأخبره بخبر المرأة فقال: كذبت فإنّ زينب عليها
ص:59
السلام توفّيت في سنة كذا في شهر كذا قال: فإن هؤلاء قد رووا مثل هذه و قد حلفت أن لا أتركها (1)عمّا ادّعت إلاّ بحجّة تلزمها.
قال: فههنا (2)حجّة تلزمها و تلزم غيرها، قال: و ما هي؟ قال عليه السلام:
لحوم ولد فاطمة محرّمة على السّباع فأنزلها إلى السّباع، فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرّها، فقال لها: ما تقولين؟ قالت: إنّه يريد قتلي، قال: فههنا جماعة من ولد الحسن و الحسين عليهما السلام فأنزل من شئت منهم، قال: فو اللّه لقد تغيّرت وجوه الجميع، فقال بعض المبغضين: هو يحيل على غيره و لم لا يكون هو؟
فمال المتوكل الى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع فقال: يا أبا الحسن لم لا تكون أنت ذلك؟ قال: ذلك إليك، قال: فافعل، قال:
أفعل إن شاء اللّه، و أتى بسلّم و فتح عن السّباع كانت ستة من الاسد فنزل الإمام عليه السلام (3)فلمّا وصل و جلس صارت الاسود إليه، و رمت بأنفسها بين يديه، و مدّت بأيديها و وضعت رءوسها بين يديه، و جعل يمسح على كلّ واحد منها بيده ثم يشير بيده إليه بالاعتزال فيعتزل ناحية، حتّى اعتزلت كلّها و وقفت بإزائه.
فقال له الوزير: ما هذا صوابا فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره فقال له: يا أبا الحسن ما أردنا بك سوء و إنّما اردنا أن نكون على يقين مما قلت فأحبّ أن تصعد، فقام و صار إلى السلّم و هم حوله تتمسّح بثيابه، فلما وضع رجله على أول درجة التفت إليها و أشار بيده أن ترجع فرجعت و صعد، ثمّ قال:
كلّ من زعم أنّه من ولد فاطمة عليها السلام فليجلس في ذلك المجلس، فقال
ص:60
لها المتوكل: انزلي، قالت: اللّه اللّه ادّعيت الباطل و أنا بنت فلان حملني الضرّ على ما قلت، قال المتوكّل: ألقوها الى السباع فبعثت والدته فاستوهبتها منه فأحسن إليها (1).
2-ابن شهر اشوب عن أبي الهلقام، و عبد اللّه بن جعفر الحميري و الصقل (2)الجبلي، و أبي شعيب الحنّاط و عليّ بن مهزيار قالوا: كانت زينب الكذّابة تزعم أنها بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأحضرها المتوكّل و قال:
اذكري نسبك، فقالت: أنا زينب بنت عليّ و أنها كانت حملت إلى الشّام فوقعت الى بادية من بني كلب، فأقامت بين ظهرانيهم (3)فقال لها المتوكل: إنّ زينب بنت عليّ قديمة و أنت شابّة، فقالت لحقتني دعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بأن يردّ شبابي في كل خمسين سنة، فدعا المتوكّل وجوه آل أبي طالب، فقال: كيف نعلم كذبها؟ فقال الفتح: لا يخبرك بهذا إلاّ ابن الرّضا فأمر بإحضاره و سأله.
فقال عليه السلام: إنّ في ولد علي علامة، قال: و ما هي؟ قال: لا تعرض لهم السباع، فألقها إلى السباع فإن لم تعرض لها فهي صادقة، فقالت: يا أمير المؤمنين اللّه اللّه فيّ فإنّما أراد قتلي و ركبت الحمار و جعلت تنادي الا إنّني زينب الكذّابة، و في رواية أنّه عرض عليها ذلك فامتنعت فطرحت للسباع فأكلتها.
قال عليّ بن مهزيار: فقال عليّ بن الجهم (4)جرّب هذا على قوله،
ص:61
فأجيعت السباع ثلاثة أيام ثمّ دعى بالإمام عليه السلام و اخرجت السّباع فلمّا رأته لاذت به و بصبصت بأذنابها (1)فلم يلتفت الإمام عليه السلام إليها، و صعد السقف و جلس عند المتوكّل، ثم نزل من عنده و السباع تلوذ به تبصبص حتّى خرج عليه السلام و قال: قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: حرّم لحوم أولادي على السّباع. (2)
3-و في كتاب «ثاقب المناقب» قال: إنّه صار إلى سرّ من رأى و كانت زينب الكذّابة ظهرت و ذكرت أنّها زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأحضرها المتوكّل و قال لها، فانتسبت إلى عليّ بن أبي طالب و فاطمة عليهما السلام، فقال لجلسائه: فكيف بنا بصحّة أمر هذه و عند من نجده؟
فقال الفتح بن خاقان: ابعث إلى ابن الرّضا عليه السلام فأحضره حتّى يخبرك حقيقة أمرها، فأحضره عليه السلام فرحّب المتوكّل و أجلسه معه على سريره، و قال: إنّ هذه تدّعي كذا فما عندك؟ فقال عليه السلام: المحنة في هذه قريبة، إنّ اللّه تعالى حرّم لحم جميع من ولدته فاطمة و عليّ عليهما السلام من ولد الحسن و الحسين عليهما السلام على السّباع، فألقها للسباع، فإن كانت صادقة لم تتعرّض لها، و إن كانت كاذبة أكلتها، فعرض عليها فكذّبت نفسها و ركبت حمارها في طريق سر من رأى تنادي على نفسها، و جاريتها على حمار آخر: بأنّها زينب الكذّابة و ليس لها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ و فاطمة عليهما السلام قرابة، ثمّ رحلت إلى الشّام.
فلمّا أن كان بعد ذلك بأيّام ذكر عند المتوكّل أبو الحسن عليه السلام و ما قال في زينب، قال عليّ بن الجهم: يا أمير المؤمنين لو جرّبت قوله على نفسه
ص:62
فعرفت حقيقة قوله، فقال: أفعل-ثمّ تقدّم الى قوّام السباع فأمرهم أن يجيعوها ثلاثة أيّام (1)و يحضروها القصر، فترسل في صحنه-و قعد هو في المنظر و أغلق أبواب الدرجة و بعث إلى أبي الحسن عليه السلام فاحضر و أمره أن يدخل من باب القصر، فدخل فلمّا صار في الصحن أمر بغلق الباب و خلّى بينه و بين السّباع في الصّحن.
قال عليّ بن يحيى: و أنا في الجماعة و ابن حمدون فلما حضر عليه السلام فدخل و السباع قد اصمّت الأذان من زئيرها، فلمّا مشى في الصّحن يريد الدّرجة مشت إليه السّباع و قد سكنت من زئيرها و لم نسمع لها حسّا حتّى تمسّحت به و دارت حوله و هو يمسح رءوسها بكمّه ثمّ ضربت صدورها الأرض فما مشت و لا زأرت حتّى صعد الدرجة.
و قام المتوكّل فدخل فارتفع أبو الحسن عليه السلام و قعد طويلا ثمّ قام فانحدر ففعلت السباع كفعلها في الأوّل و فعل هو بها كفعله الأوّل فلم تزل رابضة (2)حتى خرج من الباب الذي دخل منه و ركب و انصرف و أتبعه المتوكّل بمال جزيل وصل به.
و قال ابن الجهم: فقمت و قلت: يا أمير المؤمنين أنت امام فافعل كما فعل ابن عمك فقال: و اللّه لإن بلغني أنّ أحدا من الناس علم ذلك لأضربنّ عنقك و عنق هذه العصابة كلّهم فو اللّه ما تحدّثنا بذلك حتّى مات و بلغ إلى ما يستحقّ.
ثمّ قال صاحب «ثاقب المناقب» عقيب ذلك: و ذكر الحديث أبو عبد اللّه النيسابوري في كتابه الموسوم بالمفاخر و نسب إلى جدّه الرّضا عليه السلام هو أنّه قال: دخلت على المأمون زينب الكذّابة و كانت تزعم أنّها بنت علي بن أبي
ص:63
طالب عليه السلام و أنّ عليا عليه السلام دعى لها بالبقاء إلى يوم القيامة، فقال المأمون للرّضا عليه السلام مصداق قولها هذا أنّا اهل بيت لحومنا محرمة على السباع فاظهر الى السباع فان تك صادقة فان السباع تعفي لحمها.
قالت زينب ابتدأ بالشيخ قال المأمون: لقد انصفت فنزل الرضا عليه السلام فلما رأته قهقهت و أومت إليه بالسخرة فصلى فيما بينها ركعتين و خرج منها فأمر المأمون زينب فنزل فأبت و طرحت للسباع فأكلتها.
ثم قال المصنف رحمه اللّه إني قد وجدت في تمام هذه الرواية انه كان من السباع سبع مريض ضعيف فهمهم شيئا في اذنه فاشار عليه السلام الى اعظم السباع بشيء وضع رأسه له فلما خرج قيل له: ما قال لك الأسد الضعيف و ما قلت للآخر قال: انه شكى إليّ و قال إني ضعيف فاذا طرح إلينا فريسة و لم اقدر على أن اكلها فاشر الى الكبير بأمري فاشرت إليه فقيل له-قال فذبحت بقرة و القيت الى السباع فجاء الأسد و وقف عليها و منع السباع ان تأكلها حتى شبع الضعيف ثم ترك السباع حتى أكلتها.
ثم قال: قال المصنف رحمه اللّه تعالى و أقول أيضا انه غير ممتنع ان يكون ذلك غير الآخر و ان ما نسب في أمر أبي الحسن عليه السلام في زينب الكذابة غير منسوب إليها و انما فعل ذلك المتوكل ابتداء و تعرض لامر آخر لانه كان مشغوفا بايذاء اهل البيت عليهم السلام (1).
ص:64
في حديثه عليه السلام مع الهندي اللاعب
1-الرّاوندي قال: روى ابو القاسم بن أبي القاسم البغدادي عن زراقة (1)حاجب المتوكل أنّه قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند الى المتوكل يلعب بالحقّ (2)لم ير مثله، و كان المتوكّل لعّابا فأراد أن يخجل عليّ بن محمّد بن الرّضا عليهم السلام فقال لذلك الرّجل: إن أنت أخجلته أعطيتك ألف دينار ركنية. (3)
قال: تقدم (4)بأن يخبز رقاق (5)خفاف و اجعلها على المائدة و أقعدني إلى جنبه ففعل و أحضره عليه السلام و كانت له مسورة (6)على يساره، و كان عليها صورة أسد، و روي أنّه كان على باب من الأبواب ستر على صورة أسد، و جلس اللاّعب و قدّم المائدة فمدّ الإمام عليه السلام يده الى رقاقة فطيّرها المشعبذ في الهواء، فمدّ يده الى أخرى فطيّرها في الهواء، و مدّ الى أخرى ثالثة فطيّرها و تضاحك الجمع.
ص:65
فضرب عليّ بن محمّد عليهما السلام يده على تلك الصورة الّتي على المسورة و قال: خذ عدو اللّه فوثبت تلك الصورة فابتلعت الرّجل اللاعب و عادت الى مكانها كما كانت فتحيّر الجميع، و نهض علي بن محمّد عليهما السلام ليمضي فقال له المتوكّل: سألتك إلاّ جلست و رددته، فقال: و اللّه لا يرى بعدها أ تسلّط أعداء اللّه على أولياء اللّه؟ و خرج من عنده فلم يرى الرجل بعد ذلك. (1)
2-و الذي رواه غيره أنّه ورد على المتوكل رجل من الهند مشعبذ يلعب الحقّة فأحضره المتوكّل فلعب بين يديه بأشياء ظريفة فكثر تعجبه منها، فقال للهندي: يحضر الساعة عندنا رجل فالعب بين يديه بكلّ ما تحسن و تعرّض به و أقصد تخجيله (2)فحضر سيّدنا أبو الحسن عليه السلام و لعب الهندي و هو ينظر إليه و المتوكّل يعجب من لعبه حتى تعرّض الهندي بسيّدنا فقال: مالك أيّها الشريف لا تهشّ (3)للعبي أحسبك جائعا، و ضرب الهندي يده الى صورة في البساط و قد ارتقى فأراهم أنّها رغيف (4)و قال: امض يا رغيف إلى هذا الجائع حتّى يأكلك و يفرح بلعبي فوضع سيّدنا أبو الحسن عليه السلام اصبعه على صورة سبع في البساط و قال له: خذه، فوثب من تلك الصورة سبع عظيم فابتلع الهندي و رجع إلى صورته في البساط، فسقط المتوكّل لوجهه و هرب من كان
ص:66
قائما، فقال المتوكل و قد ثاب (1)إليه عقله: يا أبا الحسن أين الرجل؟ ردّه، قال له أبو الحسن عليه السلام: إن ردّت عصا موسى ما لقفت ردّ هذا الرجل و نهض، و هذا الحديث متكرّر في الكتب. (2)
ص:67
ص:68
في حديث تل المخالي
1-الرّاوندي قال: إنّ المتوكّل، و قيل: الواثق أمر العسكر (1)و هم تسعون ألف فارس من الأتراك السّاكنين بسرّمن رأى أن يملأ كلّ واحد منهم مخلاة (2)فرسه من الطّين الأحمر و يجعلوا بعضه على بعض في وسط بريّة (3)واسعة هناك، فلمّا فعلوا ذلك صار مثل جبل عظيم و اسمه تلّ المخالي صعد فوقه و استدعى أبا الحسن عليه السلام و قال: استحضرتك لنظارة خيولي، و قد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف (4)و يكمّلوا الأسلحة (5)و قد عرضوا بأحسن زينة و أتمّ عدّة و أعظم هيبة، و كان غرضه أن يكسر قلب كلّ من يخرج عليه، و كان خوفه من أبي الحسن عليه السلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.
فقال له أبو الحسن عليه السلام: و هل تريد أن أعرض عليك عسكري؟ قال: نعم، قال: فدعا اللّه سبحانه و تعالى فإذا بين السّماء و الأرض من المشرق
ص:69
و المغرب ملائكة مدجّجون (1)فغشي على الخليفة، فقال له أبو الحسن عليه السلام لمّا أفاق من غشيته: نحن لا ننافسكم في الدّنيا و نحن مشغولون بأمر الآخرة، فلا عليك منّي (2)ممّا تظنّ بأس. (3)
و هذا الحديث أيضا رواه صاحب «ثاقب المناقب» .
ص:70
في نصّ ابيه عليه بالإمامة و انّه وصيّه عليهما السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن ابيه، عن إسماعيل بن مهران، قال لمّا خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة الى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه (1)قلت له عند خروجه: جعلت فداك إنّي أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر من بعدك؟ فكرّ إليّ بوجهه ضاحكا و قال: ليس حيث ظننت في هذه السنة، فلما أخرج به الثانية الى المعتصم صرت إليه، فقلت:
جعلت فداك أنت خارج، فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته، ثمّ التفت إليّ، فقال لي: عند هذه يخاف عليّ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ. (2)
2-و عنه عن الحسين بن محمّد، عن الخيراني، عن ابيه أنّه قال: كان (3)يلزم باب أبي جعفر عليه السلام لخدمته الّتي كان و كلّ بها، و كان أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري يجيء في السّحر في كلّ ليلة ليعرف خبر علّة أبي جعفر عليه السلام و كان الرّسول الذي يختلف بين أبي جعفر و بين أبي إذا حضر قام أحمد و خلا به أبي، فخرجت ذات ليلة و قام أحمد عن المجلس و خلا أبي
ص:71
بالرّسول و استدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال لأبي: إنّ مولاك يقرأ عليك السلام و يقول لك: إنّي ماض و الأمر صائر الى ابني عليّ و له عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي.
ثم مضى الرّسول و رجع أحمد الى موضعه، و قال لأبي: ما الّذي قد قال لك؟ قال: خيرا قال: قد سمعت ما قال، فلم تكتمه؟ و أعاد ما سمع، فقال له أبي:
قد حرّم اللّه عليك ما فعلت، لأنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: وَ لا تَجَسَّسُوا (1)فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوما ما و إيّاك أن تظهرها إلى وقتها. (2)
فلمّا اصبح (3)أبي كتب نسخة الرّسالة في عشر رقاع، و ختمها و دفعها الى عشرة من وجوه العصابة فقال: إن حدث بي حدث الموت قبل أن اطالبكم بها فافتحوها و اعملوا بما فيها فلمّا مضى أبو جعفر عليه السلام ذكر أبي أنّه لم يخرج من منزله حتّى قطع على يديه نحو من أربعمائة إنسان و اجتمع رؤساء العصابة عند محمّد بن الفرج يتفاوضون (4)هذا الأمر، فكتب محمّد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده، و أنّه لو لا مخافة الشهرة لصار معهم إليه و يسأله أن يأتيه، فركب أبي فصار إليه، فوجد القوم مجتمعين عنده، فقالوا لأبي: ما تقول في هذا الامر؟ فقال أبي لمن كان عنده الرقاع: أحضروا الرقاع فأحضروها، فقال لهم: هذا ما أمرت به.
فقال بعضهم: قد كنا نحبّ أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر؟ فقال لهم: قد آتاكم اللّه عز و جل به، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه
ص:72
الرّسالة و سأله أن يشهد بما عنده، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئا فدعاه أبي إلى المباهلة فقال لمّا حقق عليه: قال قد سمعت ذلك، و هذه مكرمة كنت أحبّ أن تكون لواحد من العرب لا لرجل من العجم، فلم يبرح القوم حتّى قالوا بالحقّ جميعا. (1)
3-ابن بابويه قال: حدثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار (2)قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: حدّثنا حمدان بن سليمان، قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف (3)قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام يقول: إنّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، و قوله قولي، و طاعته طاعتي، و الإمام (4)بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، و قوله قول أبيه، و طاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاء شديدا، ثمّ قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر، فقلت له: يا ابن رسول اللّه و لم سمّي القائم؟ قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره، و ارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: و لم سمّي المنتظر؟ قال: لأنّ له غيبة يكثر أيّامها و يطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون، و ينكره المرتابون، و يستهزئ بذكره الجاحدون، و يكذب فيها الوقّاتون، و يهلك فيها المستعجلون، و ينجو فيها
ص:73
المسلمون (1).
4-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد السندي قال: حدّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن أحمد بن هلال (2)عن أميّة ابن علي القيسي (3)، قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام من الخلف بعدك؟ قال: ابني عليّ، ثمّ قال: اما إنّها سيكون حيرة، قال: قلت إلى أين؟ فسكت، ثمّ قال: إلى المدينة، قال: قلت: و أيّ مدينة؟ قال: مدينتنا هذه، و هل مدينة غيرها؟
قال أحمد بن هلال: و أخبرني محمّد بن إسماعيل بن بزيع أنّه حضر اميّة ابن علي و هو يسأل أبا جعفر الثّاني عليه السلام عن ذلك، فأجابه بذلك الجواب. (4)
5-و عنه بهذا الإسناد عن أميّة بن علي القيسي، عن أبي هيثم التميمي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا توالت ثلاثة اسماء كان رابعهم قائمهم محمّد و عليّ و الحسن عليهم السلام. (5)
6-الشيخ حسين في «عيون المعجزات» قال: روى الحميري بإسناده عن
ص:74
عليّ بن مهزيار قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّي كنت سألت اباك عن الإمام بعده فنصّ عليك، ففيمن الإمامة بعدك؟ فقال عليه السلام: في اكبر ولدي، و نصّ على أبي محمّد عليه السلام فقال صلوات اللّه عليه: إنّ الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهما. (1)
ص:75
ص:76
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين.
أما بعد فهذا المنهج الثاني عشر في الإمام الحادي عشر أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين و فيه اثنا عشر بابا.
الباب الأوّل-في مولده عليه السلام.
الباب الثاني-في علمه عليه السلام.
الباب الثالث-في عبادته عليه السلام.
الباب الرابع-في فضله و عفافه و كرمه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه عند الخاصّ و العامّ.
الباب الخامس-في جوده عليه السلام.
الباب السادس-حديثه عليه السلام مع الطبيب الذي أعطاه خمسين دينارا لما فصده.
الباب السابع-حديثه عليه السلام مع أنوش النصراني.
الباب الثامن-حديث البغل مع المستعين.
الباب التاسع-في حديث الشاكري و الفرس.
الباب العاشر-حديث الرّاهب في الاستسقاء.
الباب الحادي عشر-في حديث البساط.
الباب الثاني عشر-في أنّه وصيّ ابيه و الإمام بعده.
ص:77
ص:78
في مولده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن منصور بن يونس، عن يونس بن ظبيان، قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد أن يخلق الإمام من الإمام بعث ملكا فأخذ شربة من (1)تحت العرش، ثمّ أوقفها أو دفعها إلى الإمام فشربها، فيمكث في الرّحم أربعين يوما لا يسمع الكلام، ثمّ يسمع الكلام بعد ذلك، فإذا وضعته أمّه بعث اللّه إليه ذلك الملك الّذي أخذ الشربة فكتب على عضده الأيمن وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (2)فإذا قام بهذا الأمر رفع اللّه له في كل بلدة منارا ينظر به إلى أعمال العباد. (3)
ص:79
ص:80
في علمه عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدثنا محمّد بن القاسم المفسّر (1)رضي اللّه عنه، قال:
حدّثني يوسف بن محمّد بن زياد (2)، و عليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه عليّ بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه علي ابن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن ابيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد ابن علي، عن ابيه عليّ بن الحسين عليهم السلام في قول اللّه تبارك و تعالى: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اَلْأَرْضَ فِراشاً وَ اَلسَّماءَ بِناءً (3)قال: جعلها ملائمة
ص:81
لطبائعكم موافقة لأجسادكم و لم يجعلها شديدة الحمأ و الحرارة فتحرقكم، و لا شديدة البرودة فتجمدكم، و لا شديدة طيب الريح فتصدّع هاماتكم، و لا شديدة النتن فتعطبكم، و لا شديدة اللّين كالماء فتغرقكم، و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم و أبنيتكم و قبور موتاكم، و لكنّه عزّ و جلّ جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به، و تتماسكون و تتماسك عليها أبدانكم و بنيانكم، و جعل فيها ما تنقاد به لدوركم و قبوركم، و كثير من منافعكم فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.
ثم قال عزّ و جلّ وَ اَلسَّماءَ بِناءً أي سقفا من فوقكم محفوظا يدير فيها شمسها و قمرها و نجومها لمنافعكم.
ثم قال تعالى: وَ أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّماءِ ماءً يعني المطر ينزله من علا ليبلغ قلل جبالكم و تلالكم و هضابكم (1)و أوهدكم (2)ثم فرّقه رذاذا و وابلا (3)و هطلا لتنشفه أرضوكم و لم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أراضيكم و أشجاركم و زروعكم و ثماركم.
ثم قال عزّ و جلّ: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ اَلثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ يعني ممّا يخرجه من الأرض رزقا لكم، فَلا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً أي أشباها و أمثالا من الأصنام الّتي لا تعقل و لا تسمع و لا تبصر و لا تقدر على شيء وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنّها لا تقدر على شيء من هذه النّعم الجليلة الّتي أنعمها عليكم ربّكم تبارك و تعالى. (4)
ص:82
2-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الأسترآبادي المعروف بأبي الحسن الجرجاني المفسّر رضي اللّه عنه قال: حدّثني أبو يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد و أبو الحسن عليّ بن محمّد بن سيّار عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أنّه قال: كذّبت قريش و اليهود بالقرآن و قالوا: هذا سحر مبين تقوّله فقال اللّه: الم ذلِكَ اَلْكِتابُ (1)اي يا محمّد هذا الكتاب الّذي أنزلته عليك هو بالحروف المقطّعة الّتي منها «الف لام ميم» و هو بلغتكم و حروف هجائكم، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ. . . إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (2)و استعينوا على ذلك بسائر شهدائكم، ثم بيّن أنّهم لا يقدرون عليه بقوله: قُلْ لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ اَلْإِنْسُ وَ اَلْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا اَلْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً . (3)
ثم قال اللّه: الم هو القرآن الّذي أفتتح بألم هو ذلِكَ اَلْكِتابُ الّذي أخبر به موسى عليه السلام فمن بعده من الأنبياء و أخبروا بني إسرائيل أنّي سأنزل عليك يا محمّد كتابا عربيّا عزيزا لا يَأْتِيهِ اَلْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (4)لا رَيْبَ فِيهِ لا شك فيه لظهوره عندهم، كما أخبرهم أنبياؤهم أنّ محمّدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل، يقرأه هو و امّته على سائر أحوالهم هُدىً بيان من الضلالة لِلْمُتَّقِينَ الذين يتّقون الموبقات، و يتّقون تسليط السفه على أنفسهم حتى إذا علموا ما يجب عليهم
ص:83
علمه عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم.
قال: و قال الصادق عليه السلام ثم الألف حرف من حروف دلّ بالالف على قولك اللّه و دلّ باللاّم على قولك: الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين، و دلّ بالميم على أنّه المجيد المحمود في كلّ أفعاله، و جعل هذا القول حجّة على اليهود، و ذلك أنّ اللّه لمّا بعث موسى بن عمران ثمّ من بعده من الأنبياء إلى بني إسرائيل لم يكن فيهم قوم إلاّ أخذوا عليهم العهود و المواثيق ليؤمنن بمحمّد العربيّ الأمّيّ المبعوث بمكة الّذي يهاجر الى المدينة، يأتي بكتاب بالحروف المقطّعة افتتاح بعض سوره، تحفظه أمّته فيقرءونه قياما و قعودا و مشاة و على كلّ الأحوال يسهّل اللّه عز و جل حفظه عليهم، و يقرنون بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم أخاه و وصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الآخذ عنه علومه الّتي علّمها.
و المتقلّد منه الإمامة (1)الّتي قلّدها، و مذلّل كلّ من عاند محمّدا بسيفه الباتر، و مفحم كلّ من جادله و خاصمه بدليله القاهر، يقاتل عباد اللّه على تنزيل كتاب اللّه حتى يقودهم الى قبوله طائعين و كارهين.
ثمّ إذا صار محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم الى رضوان اللّه عزّ و جلّ و ارتدّ كثير ممن كان أعطاه ظاهر الإيمان، و حرّفوا تأويلاته، و غيّروا معانيه و وضعوها على خلاف وجوهها، قاتلهم بعد ذلك على تأويله، حتّى يكون إبليس الغاوي لهم هو الخاسىء (2)الذليل المطرود المغلوب.
قال: فلمّا بعث اللّه محمّدا و أظهره بمكة ثمّ سيّره منها إلى المدينة و اظهره بها، ثمّ أنزل عليه الكتاب و جعل افتتاح سورته الكبرى بألم يعني الم ذلِكَ
ص:84
اَلْكِتابُ الّذي (1)أخبرت أنبيائي السالفين، أنّي سأنزله عليك يا محمّد لا رَيْبَ فِيهِ فقد ظهر كما أخبرهم به أنبياؤهم أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل، يقرأه هو و امّته على سائر أحوالهم ثمّ اليهود يحرّفونه عن جهته و يتأوّلونه على خلاف وجهه، و يتعاطون التوصل الى علم ما قد طواه اللّه عنهم من حال آجال هذه الأمّة و كم مدّة ملكهم.
فجاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منهم جماعة فولّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليا عليه السلام مخاطبتهم.
فقال قائلهم: إن كان ما يقول محمّد حقّا فقد علّمناكم قدر ملك أمّته هو إحدى و سبعون سنة «الالف» واحد «و اللام» ثلاثون «و الميم» أربعون.
فقال عليّ عليه السلام: فما تصنعون ب المص (2)و قد أنزلت عليه؟ قالوا: هذه إحدى و ستّون و مائة سنة قال: فما ذا تصنعون ب الر (3)و قد انزلت عليه؟ فقالوا: هذه اكثر هذه مائتان و إحدى و ثلاثون سنة، فقال علي عليه السلام:
فما تصنعون بما انزل؟ عليه المر (4)قالوا: هذه مائتان و إحدى و سبعون سنة، فقال عليّ عليه السلام فواحدة من هذه له أو جميعها له؟ فاختلط كلامهم فبعضهم قال: له واحدة منها، و بعضهم قال: بل يجمع له كلها و ذلك سبعمائة و أربع سنين (5)، ثم يرجع الملك علينا يعني إلى اليهود.
فقال عليّ عليه السلام: أ كتاب من كتب اللّه عز و جل نطق بهذا أم آراؤكم دلّتكم عليه؟ فقال بعضهم: كتاب اللّه نطق به، و قال آخرون منهم: بل آراؤنا دلّت
ص:85
عليه، فقال عليّ عليه السلام: فأتوا بكتاب من عند اللّه ينطق بما تقولون، فعجزوا عن إيراد ذلك، و قال للآخرين فدلّونا على صواب هذا الرأي، فقالوا رأينا دليله على هذا حساب الجمل.
فقال عليّ عليه السلام: فكيف دلّ على ما تقولون و ليس في هذه الأحرف إلاّ ما اقترحتم بلا بيان، أ رأيتم إن قيل لكم: إنّ هذه الحروف ليست دالّة على هذه المدّة لملك أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لكنّها دالّة على أنّ عدد ذلك لكلّ واحد منكم و منّا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، أو علي أنّ لعلي كلّ واحد منكم دينا عدد ماله مثل عدد هذا الحساب، و أنّ كلّ واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب؟ قالوا: يا أبا الحسن ليس شيء ممّا ذكرته منصوصا عليه في الم و المص و الر و المر فقال عليّ عليه السلام: و لا شيء ممّا ذكرتموه منصوص عليه في الم و المص و المر فإن بطل قولنا لما قلنا بطل قولك لما قلت.
فقال خطيبهم و منطيقهم: لا تفرح يا عليّ بأن عجزنا عن إقامة حجّة على دعوانا فأيّ حجّة لك في دعواك إلاّ أن تجعل عجزنا حجتك، فاذا ما لنا حجة فيما نقول و لا لكم حجّة فيما تقولون، قال عليّ عليه السلام: لا سواء، إنّ لنا حجّة هي المعجزة الباهرة.
ثم نادى جمال اليهود يا أيتها الجمال اشهدي لمحمّد و لوصيّه عليهما السلام فتبادرت الجمال صدقت صدقت يا وصيّ محمّد و كذبت هؤلاء اليهود، فقال عليّ عليه السلام هؤلاء جنس من الشهود يا ثياب اليهود، الّتي عليهم اشهدي لمحمّد و لوصيّه، فنطقت ثيابهم كلّها صدقت صدقت يا عليّ نشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حقا و أنّك يا عليّ وصيّه حقا لم يثبت لمحمّد قدم في مكرمة إلاّ وطأت على موضع قدمه بمثل مكرمته فأنتما شقيقان
ص:86
من أشرف أنوار اللّه تعالى تميّزتما اثنين و أنتما في الفضائل شريكان إلاّ أنّه لا نبيّ بعد محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم.
فعند ذلك خرست (1)اليهود و آمن بعض النظّارة منهم برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و غلب الشقاء على اليهود و ساير النظّارة الآخرين، فذلك ما قال اللّه تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ إنّه كما قال محمّد و وصيّ محمّد عن قول محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم عن قول ربّ العالمين.
ثم قال: هُدىً بيان و شفاء لِلْمُتَّقِينَ من شيعة محمّد و عليّ إنّهم اتّقوا أنواع الكفر فتركوها، و اتّقوا الذنوب الموبقات فرفضوها، و اتّقوا إظهار أسرار اللّه تعالى و أسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم فكتموها، و اتّقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقّين لها و فيهم نشروها. (2)
و الأحاديث في نشر علوم مولانا الإمام عليه السلام لا يطيق بها المقام و كفاك بتفسيره عليه السلام فإنّه: مائة و عشرون مجلّدا كما ذكره بعض الأعلام (3).
ص:87
ص:88
في عبادته عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد (1)عن محمّد بن إسماعيل (2)ابن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد، عن عليّ بن عبد الغفار (3)قال: دخل العبّاسيون على صالح بن وصيف، و دخل صالح بن عليّ و غيره من المنحرفين عن هذه النّاحية على صالح بن وصيف عند ما حبس أبا محمّد عليه السلام فقال لهم صالح: و ما أصنع؟ قد وكّلت به رجلين أشرّ من (4)قدرت عليه فقد صارا من العبادة و الصلاة و الصيام الى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما نقول في رجل يصوم النّهار و يقوم اللّيل كلّه لا يتكلّم و لا يتشاغل، و إذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا و تداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين (5). (6)
ص:89
2-و عنه، عن عليّ بن محمّد عن بعض أصحابنا قال: سلّم أبو محمّد عليه السلام الى نحرير الخادم (1)، فكان يضيّق عليه و يؤذيه، قال: فقالت له امرأته: ويلك اتّق اللّه لا تدري من في منزلك؟ و عرّفته صلاحه و قالت: إنّي أخاف عليك منه، فقال: لأرمينّه بين السّباع، ثمّ فعل ذلك به فرئي عليه السلام قائما يصلّي و هي حوله. (2)
3-الشيخ حسين في «عيون المعجزات» قال روي أنّه عليه السلام لمّا حبسه المعتمد و حبس جعفرا (3)اخاه معه و كان المعتمد (4)قد سلّمهما في يد علي نحرير (5)و كان المعتمد يسأل عليا عن أخباره في كلّ وقت فيخبره أنّه يصوم النّهار و يقوم اللّيل.
فسأله يوما من الأيّام عن خبره؟ فأخبره بمثل ذلك، فقال المعتمد: امض يا عليّ السّاعة إليه و اقرأه منّي السلام و قل: انصرف إلى منزلك مصاحبا فقال
ص:90
عليّ نحرير (1): فجئت إلى باب الحبس فوجدت حمارا مسرّجا فدخلت عليه عليه السلام فوجدته جالسا و قد لبس طيلسانه و خفّه و شاشته (2)و لمّا رآني نهض فأدّيت إليه الرّسالة فجاء و ركب فلمّا استوى على الحمار وقف، فقلت له:
ما وقوفك يا سيّدي؟ فقال: حتى يخرج جعفر، فقلت له: إنما أمرني باطلاقك دونه، فقال لي: ارجع إليه و قل له: خرجنا من دار واحدة جميعا فإذا رجعت و ليس هو معي كان في ذلك ما لا خفاء به (3)عنك، فمضى و عاد و قال له: يقول لك: قد أطلقت جعفرا لك لأنّي حبسته بجنايته على نفسه و عليك و ما يتكلّم به فخلّى سبيله و مضى معه إلى داره. (4)
ص:91
ص:92
في فضله و عفافه و كرمه و هديه و صيانته و زهده
و عبادته و جميل اخلاقه و صلاحه عليه السلام
عند الخاص و العام
1-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد الأشعري، و محمّد بن يحيى و غيرهما قالوا: كان أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان على الضياع و الخراج بقم، فجرى في مجلسه يوما ذكر العلويّة و مذاهبهم و كان شديد النّصب، فقال: ما رأيت و لا عرفت بسرّمن رأى رجلا من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن محمّد ابن الرّضا عليهم السلام في هديه و سكونه و عفافه و نبله و كرمه عند أهل بيته و بني هاشم و تقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم و الخطر و كذلك القوّاد و الوزراء و عامّة الناس.
فإنّي كنت يوما قائما على رأس أبي و هو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجابه فقالوا: أبو محمّد ابن الرّضا بالباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له، فتعجّبت ممّا سمعت منهم أنّهم جسروا يكنّون رجلا على أبي بحضرته، و لم يكنّ عنده إلاّ خليفة أو وليّ عهد أو من أمر السلطان أن يكنّى، فدخل رجل أسمر، حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن، حدث السنّ له جلالة و هيبة.
فلمّا نظر إليه أبي قام يمشي إليه خطا، و لا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم و القوّاد، فلمّا دنا منه عانقه و قبّل وجهه و صدره و أخذ بيده و أجلسه على
ص:93
مصلاّه الّذي كان عليه و جلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه، و جعل يكلّمه، و يفديه بنفسه، و أنا متعجّب ممّا أرى منه، اذ دخل عليه الحاجب فقال: الموفّق (1)قد جاء، و كان الموفّق إذا دخل على أبي تقدّم حجّابه و خاصّة قوّاده فقاموا بين مجلس أبي و بين باب الدار سماطين (2)الى أن يدخل و يخرج فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمّد عليه السلام يحدّثه حتّى نظر إلى غلمان الخاصّة فقال حينئذ اذا شئت جعلني اللّه فداك.
ثمّ قال لحجّابه: خذوا به خلف السماطين حتى لا يراه هذا يعني الموفّق فقام و قام أبي و عانقه و مضى، فقلت لحجّاب أبي و غلمانه: ويلكم من هذا الذي كنّيتموه على أبي و فعل أبي به هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علويّ يقال له: الحسن بن عليّ، يعرف بابن الرضا فازددت تعجبا و لم أزل يومي ذلك قلقا متفكّرا في أمره و أمر أبي، و ما رأيت فيه حتى كان اللّيل فكانت عادته أن يصلّي العتمة (3)ثمّ يجلس و ينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات (4)و ما يرفعه إلى السلطان.
فلمّا صلّى و جلس، جئت فجلست بين يديه، و ليس عنده أحد فقال لي:
يا أحمد لك حاجة؟ قلت نعم يا أبه فإن أذنت لي سألتك عنها، فقال: قد أذنت يا بنيّ فقل ما أحببت، قلت: يا أبه من الرّجل الّذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال و الكرامة و التبجيل و فديته بنفسك و أبويك؟ فقال يا بنيّ ذاك إمام الرّافضة ذلك الحسن بن عليّ المعروف بابن الرّضا فسكت ساعة.
ص:94
ثمّ قال: يا بنيّ لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا و إنّ هذا ليستحقّها في فضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه، و لو رأيت أباه رأيت رجلا، جزلا، نبيلا، فاضلا، فازددت قلقا و تفكّرا و غيظا على أبي على ما سمعت منه و استزدته في فعله و قوله فيه ما قال.
فلم يكن لي همة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره و البحث عن أمره، فما سألت أحدا من بني هاشم و القوّاد و الكتّاب و القضاة و الفقهاء، و سائر الناس إلاّ وجدته عنده في غاية الإجلال و الإعظام و المحل الرّفيع و القول الجميل و التقدّم له على جميع أهل بيته و مشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا و لا عدوّا إلاّ و هو يحسن القول و الثناء عليه.
فقال له بعض من حضره في مجلسه من الأشعريين يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر؟ فقال: و من جعفر؟ فيسأل عن خبره أو يقرن بالحسن جعفر معلن الفسق فاجر ماجن (1)شريب (2)للخمور أقلّ من رأيته من الرّجال و أهتكهم لنفسه، خفيف قليل في نفسه و لقد ورد على السلطان و أصحابه في وقت وفاة الحسن بن عليّ عليه السلام ما تعجّبت منه و ما ظننت أنّه يكون و ذلك أنّه لمّا اعتلّ بعث إلى أبي أنّ ابن الرضا عليه السلام قد اعتلّ فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا و معه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته و خاصّته فيهم نحرير، فأمرهم بلزوم دار الحسن و تعرّف خبره و حاله و بعث إلى نفر من المتطبّبين فأمرهم بالاختلاف إليه و تعاهده صباحا و مساء.
فلمّا كان بعد ذلك بيومين او ثلاثة أخبر أنّه قد ضعف، فأمر المتطبّبين
ص:95
بلزوم داره، و بعث الى قاضي القضاة فأحضره مجلسه، و أمره أن يختار من أصحابه عشرة ممّن يوثق به في دينه و أمانته و ورعه، فأحضرهم، فبعث بهم الى دار الحسن و أمرهم بلزومه ليلا و نهارا، فلم يزالوا هناك حتى توفّي عليه السلام فصارت سر من رأى ضجة واحدة.
و بعث السلطان الى داره من فتّشها و فتّش حجرها، و ختم على جميع ما فيها و طلبوا أثر ولده و جاءوا بنساء يعرفن الحمل، فدخلن على جواريه ينظرن إليهن فذكر بعضهن أنّ هناك جارية بها حبل (1)، فجعلت في حجرة و وكّل بها نحرير الخادم و اصحابه و نسوة معهم ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته و عطلت الأسواق و ركبت بنو هاشم و القوّاد و أبي و سائر النّاس الى جنازته، فكانت سرّ من رأى يومئذ شبيها بالقيامة.
فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السّلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه (2)فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية و العباسية و القوّاد و الكتّاب و القضاة و المعدّلين و قال: هذا الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا عليه السلام مات حتف أنفه على فراشه حضره من حضر من خدم أمير المؤمنين و ثقاته فلان و فلان و من القضاة فلان و فلان و من المتطببين فلان و فلان ثم غطّى وجهه، فأمر بحمله و حمل من وسط داره و دفن في البيت الّذي دفن فيه أبوه.
فلما دفن أخذ السلطان و النّاس في طلب ولده و كثر التفتيش في المنازل و الدور و توقّفوا عن قسمة ميراثه و لم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية الّتي توهم
ص:96
عليها الحمل لازمين حتى تبيّن بطلان الحمل، فلمّا بطل الحمل عنهن قسّم ميراثه بين امّه و أخيه جعفر و ادّعت امّه وصيته و ثبت ذلك عند القاضي، و السّلطان على ذلك يطلب أثر ولده.
فجاء جعفر بعد ذلك إلى أبي فقال: اجعل لي مرتبة أخي و أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار، فزبره (1)أبي و أسمعه كلاما خشنا كريها و قال له:
يا أحمق السّلطان جرّد سيفه في الّذين زعموا أنّ أباك و أخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك، فلم يتهيّأ له ذلك؛ فإن كنت عند شيعة أبيك أو أخيك إماما فلا حاجة بك الى السّلطان أن يرتّبك مراتبهما و لا غير السّلطان، و إن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بناء.
و استقلّه أبي عند ذلك و استضعفه و أمر أن يحجب عنه، فلم يأذن له في الدّخول عليه حتى مات أبي، و خرجنا و هو على تلك الحال و السّلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي عليهما السلام. (2)
ص:97
ص:98
في جوده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن إبراهيم المعروف بابن الكردي عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال:
ضاق بنا الأمر، فقال لي أبي امض بنا حتى نصير إلى هذا الرّجل يعني أبا محمّد عليه السلام فإنّه قد وصف عنه سماحة فقلت: تعرفه؟ فقال: ما أعرفه و لا رأيته قطّ، فقصدناه، فقال لي أبي و هو في طريقه: ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم: مائتا درهم للكسوة، و مائتا درهم للدين، و في نسخة للدقيق، و مائة للنفقة، فقلت في نفسي: ليته أمر لي بثلاثمائة درهم: مائة أشتري بها حمارا و مائة للنفقة و مائة للكسوة و أخرج الى الجبل (1).
قال: فلمّا وافينا الباب خرج علينا غلامه فقال: يدخل عليّ بن إبراهيم و محمّد ابنه، فلمّا دخلنا عليه و سلّمنا قال لأبي: يا عليّ ما خلّفك عنّا إلى هذا الوقت؟ فقال: يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذا الحال، فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرّة فقال: هذه خمسمائة درهم: مائتان للكسوة و مائتان للدين (2)و مائة للنفقة، و أعطاني صرّة فقال: هذه ثلاثمائة درهم اجعل
ص:99
مائة في ثمن حمار، مائة للكسوة، و مائة للنفقة و لا تخرج إلى الجبل و صر إلى سوراء (1)، فصار إلى سوراء و تزوّج بامرأة فدخله اليوم ألف دينار و مع هذا يقول بالوقف، فقال محمّد بن إبراهيم: فقلت له: ويحك أ تريد أمرا أبين من هذا قال:
فقال: هذا أمر قد جرينا عليه (2).
عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» في روايته لهذا الحديث في آخره قال محمّد بن إبراهيم الكردي: فقلت له: ويحك أ تريد أمرا أبين من هذا قال: فقال:
صدقت و لكنّا على أمر قد جرينا عليه، قلت: هذا هو التقليد الّذي ذمّه اللّه في كتابه فقال حكاية عن الكفار: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (3)و لا شبهة أنّ عذاب هؤلاء الّذين بلغتهم الدّعوة و رأوا الأدلّة و المعجزات أشدّ عذابا مضاعفا (4)من الّذين لم يبلغهم الدّعوة و لا قامت عليهم الحجّة، و هذا العلويّ لو لم ير أمارة و لا دلالة إلاّ ما كان من معرفة الحسن عليه السلام بما كان في نفسه و نفس ابنه لكان فيه أعظم حجّة و أبين دلالة، و لكنّ اللّه يهدي لنوره من يشاء انتهى كلامه. (5)
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن أبي أحمد بن راشد (6)،
ص:100
عن ابي هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمّد عليه السلام الحاجة، فحكّ بسوطه الأرض قال: و أحسبه غطّاه بمنديل و أخرج خمسمائة دينار فقال: يا أبا هاشم خذ و أعذرنا. (1)
3-و عنه عن عليّ بن محمّد، و محمّد بن أبي عبد اللّه، عن إسحاق بن محمّد النخعي (2)؛ قال: حدّثني إسماعيل (3)بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس بن عبد المطلب قال: قعدت لأبي محمّد عليه السلام على ظهر الطريق، فلمّا مرّ بي شكوت إليه الحاجة و حلفت له أنّه ليس عندي درهم فما فوقها و لا عشاء و لا غداء، قال: فقال تحلف باللّه كاذبا و قد دفنت مائتي دينار، و ليس قولي هذا دفعا لك عن العطيّة أعطه يا غلام ما معك فأعطاني غلامه مائة دينار.
ثمّ أقبل عليّ فقال لي: إنّك تحرمها أحوج ما تكون إليها يعني الدنانير الّتي دفنت و صدق عليه السلام و كان كما قال، دفنت مائتي دينار، و قلت: تكون ظهرا و كهفا لنا فاضطررت ضرورة شديدة الى شيء أنفقه و انغلقت عليّ أبواب الرزق، فنبشت عنها فاذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها و هرب فما قدرت
ص:101
منها على شيء. (1)
4-و عنه بهذا الإسناد عن إسحاق، قال: حدّثني أبو هاشم الجعفري قال:
شكوت إلى أبي محمّد عليه السلام ضيق الحبس و كلب القيد (2)فكتب إليّ أنت تصلّي اليوم الظهر في منزلك فأخرجت في وقت الظهر فصلّيت في منزلي كما قال عليه السلام، و كنت مضيّقا فأردت أن اطلب منه دنانير في الكتاب فاستحييت، فلمّا صرت إلى منزلي وجّه إليّ بمائة دينار و كتب إليّ إذا كانت لك حاجة فلا تستح و لا تحتشم و أطلبها فإنّك ترى ما تحبّ إن شاء اللّه تعالى. (3)
5-و رواه أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن عياش (4)من دلائل أبي هاشم، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، و عبد اللّه ابن جعفر قالا: حدّثنا أبو هاشم، قال: شكوت إلى أبي محمّد عليه السلام علّة ضيق الحبس و ثقل القيد، فكتب إليّ تصلّي الظهر اليوم في منزلك فأخرجت في وقت الظهر فصلّيت في منزلي كما قال عليه السلام قال: و كنت مضيّقا الى آخر الحديث و في آخره قال: و كان أبو هاشم حبس مع أبي محمّد عليه السلام كان المعتزّ حبسهما مع عدّة من الطالبيّين في سنة ثمان و خمسين و مائتين. (5)
ص:102
6-محمّد بن يعقوب، بإسناده السابق، عن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: دخلت على أبي محمّد يوما و أنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرّك به فجلست و أنسيت (1)ما جئت له فلمّا ودّعته و نهضت رمى إليّ بالخاتم فقال: أردت فضّة فأعطيناك خاتما ربحت الفصّ و الكرا، هنّأك اللّه يا أبا هاشم، فقلت: يا سيّدي أشهد أنّك وليّ اللّه و إمامي (2)أدين اللّه بطاعته فقال: غفر اللّه لك يا أبا هاشم. (3)
7-و رواه ابن عياش بإسناده السابق عن أبي هاشم قال: دخلت على أبي محمّد عليه السلام و أنا اريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرّك به، و ساق الحديث الى آخره. (4)
8-محمّد بن يعقوب باسناده السابق عن إسحاق قال: حدّثني عليّ (5)بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ قال: كان لي فرس و كنت به معجبا أكثر ذكره في المحالّ فدخلت على أبي محمّد عليه السلام يوما فقال لي: ما فعل فرسك؟ فقلت: هو عندي و هو ذا على بابك و عنه نزلت، فقال لي استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتر و لا تؤخّر ذلك، و دخل علينا داخل و انقطع الكلام فقمت متفكّرا و مضيت إلى منزلي فأخبرت أخي الخبر، فقال ما أدري ما أقول في هذا،
ص:103
فشححت به و نفست على الناس ببيعه و أمسينا فأتانا السائس و قد صلّيت العتمة، فقال: يا مولاي نفق (1)فرسك و اغتممت و علمت أنّه عنى هذا بذلك القول.
قال: ثمّ دخلت على أبي محمّد عليه السلام بعد أيّام و أنا أقول في نفسي ليته أخلف عليّ دابة إذ كنت اغتممت بقوله، فلمّا جلست قال: نعم نخلف عليك دابّة، يا غلام أعطه الكميت هذا خير من فرسك و أوطأ و أطول عمرا. (2)
9-الرّاوندي في «الخرائج» قال: روي عن عليّ بن زيد بن عليّ بن الحسين بن زيد بن عليّ قال: صحبت أبا محمّد عليه السلام من دار العامّة إلى منزله فلمّا أتى الدار و أردت الانصراف قال: أمهل، فدخل ثمّ أذن لي فدخلت فأعطاني مائة (3)دينار و قال: اصرفها في ثمن جارية فإنّ جاريتك فلانة ماتت، و كنت خرجت من المنزل و عهدي بها أنشط ما كانت، فمضيت فإذا الغلام يقول: ماتت فلانة جاريتك السّاعة.
قلت: ما حالها؟
قيل شربت ماء فشرقت (4)فماتت. (5)
10-عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» عن أبي يوسف الشاعر القصير
ص:104
شاعر المتوكّل قال: ولد لي غلام و كنت مضيّقا، فكتبت رقاعا الى جماعة أسترفدهم فرجعت بالخيبة، فبينا (1)أنا متفكّر إذ جاء أبو حمزة و معه صرّة سوداء فيها أربعمائة درهم و قال: يقول لك سيّدي الحسن بن عليّ عليه السلام أنفق هذه على المولود، بارك اللّه لك فيه. (2)
11-عليّ بن عيسى أيضا عن أبي القاسم (3)كاتب راشد قال: خرج رجل من العلويّين من سرّ من رأى في أيّام أبي محمّد عليه السلام إلى الجبل يطلب الفضل، فلقيه رجل بحلوان (4)فقال له من أين أتيت (5)؟
قال: من سرّ من رأى
فقال: هل صرت كذا و موضع كذا؟ (6)
فقال: نعم، فقال: هل عندك من أخبار الحسن بن علي شيء؟
قال: لا قال: فما أقدمك الجبل؟
قال: أطلب الفضل.
قال: لك عندي خمسون دينارا فاقبضها و انصرف معي إلى سرّ من رأى حتى توصلني إلى الحسن بن علي عليهما السلام.
فقال: نعم، فأعطاه خمسين دينارا و عاد العلويّ معه فوصلا إلى سرّ من رأى و استأذنا على الحسن بن علي عليهما السلام فأذن لهما فدخلا و الحسن
ص:105
عليه السلام قاعد في صحن الدار فلمّا نظر عليه السلام إلى الجبلي قال له: أنت فلان بن فلان؟
قال: نعم، قال: أوصى إليك أبوك و أوصى إلينا بوصيّة فجئت تؤدّيها و هي معك أربعة آلاف دينار، فأتها فقال الرجل: نعم، فدفعها إليه، ثمّ نظر عليه السلام إلى العلويّ فقال له: خرجت إلى الجبل تطلب الفضل، فأعطاك هذا الرجل خمسين دينارا فخرجت معه و نحن نعطيك خمسين دينارا فأعطاه. (1)
ص:106
حديثه عليه السلام مع المتطبّب الّذي أعطاه
خمسين دينارا لما فصده
1-الرّاوندي قال: حدّث فطرس (1)رجل متطبّب و قد أتى إليه مائة سنة أو نيّف (2)فقال: كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل و كان يصطفيني، فبعث إليه الحسن العسكري عليه السلام أن يبعث إليه بأخصّ اصحابه عنده ليفصده فاختارني، و قال: قد طلب منّي الحسن عليه السلام من يفصده فصر إليه و هو أعلم في يومنا هذا ممّن تحت السماء فاحذر أن تعترض عليه فيما يأمرك به.
فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة و قال: كن هاهنا إلى أن أطلبك قال: و كان الوقت الّذي أتيت إليه فيه عندي جيّدا محمودا للفصد، فدعاني في وقت غير محمود له و أحضر طستا كبيرا عظيما ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتى امتلأ الطست، ثمّ قال: قال لي: اقطع الدم فقطعته و غسل يده و شدّها، و ردّني إلى الحجرة و قدّم من الطّعام الحارّ و البارد شيء كثير و بقيت الى العصر.
ثمّ دعاني فقال: سرّح و دعا بذلك الطست فسرّحت و خرج الدّم الى أن امتلأ الطست فقال: اقطع، فقطعته و شدّه و ردّني إلى الحجرة فبتّ فيها.
ص:107
فلمّا اصبحت و ظهرت الشّمس دعاني و أحضر ذلك الطّست و قال: سرّح فسرّحت فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطست، ثم قال لي:
اقطع فقطعت و شدّ يده و قدّم لي بتخت ثياب و خمسين دينارا، و قال: خذ هذا و أعذر و انصرف فأخذت ذلك و قلت يأمرني السيّد بخدمة؟ قال: نعم بحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول.
فصرت إلى بختيشوع فقلت له: القصّة فقال: اجتمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمناء (1)من الدّم و هذا الّذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجيبا، و أعجب ما فيه اللبن ففكّر ساعة ثم مكث (2)ثلاثة أيام بلياليها يقرأ (3)الكتب على أن يجد (4)في هذه القصّة ذكرا في العالم فلم يجد (5)ثمّ قال لي: لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى.
فخرجت فناديته فأشرف عليّ قال فمن أنت؟ قلت: صاحب بختيشوع قال: معك كتابه؟ قلت: نعم فأرخى إليّ زنبيلا فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب و نزل من ساعته فقال: أنت الرّجل الّذي فصدت؟ قلت: نعم قال: طوبى لأمّك و ركب بغلا و مرّ.
فوافينا سرّ من رأى و قد بقي من الليل ثلثه، قلت: أين تحبّ؟ دار استاذنا أو دار الرجل؟ قال: دار الرّجل، فصرنا إلى بابه قبل الأذان، ففتح الباب و خرج إلينا خادم أسود و قال: أيّكما صاحب دير العاقول؟ فقال الرّاهب: أنا جعلت
ص:108
فداك، فقال: أنزل، و قال لي الخادم: احتفظ بالبغلين و أخذ بيده و دخلا.
فأقمت إلى أن أصبحنا و ارتفع النّهار ثمّ خرج الرّاهب و قد رمى ثياب الرّهبانيين و لبس ثياب بياض و قد اسلم، قال: خذ بي الآن إلى دار أستاذك، فصرنا إلى باب بختيشوع، فلمّا رآه بادر يعدو إليه، ثمّ قال: ما الّذي أزالك عن دينك؟ قال: وجدت المسيح فأسلمت على يده قال: وجدت المسيح؟ ! قال: نعم أو نظيره فإنّ هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح، و هذا نظيره في آياته و براهينه، ثمّ عاد إلى الامام عليه السلام و لزم خدمته إلى أن مات. (1)
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن الحسن بن الحسين (2)قال: حدّثني محمّد بن الحسن المكفوف، قال: حدّثني بعض اصحابنا عن بعض فصّادي العسكر (3)من النصارى أنّ أبا محمّد عليه السلام بعث إليه (4)يوما في وقت صلاة الظهر فقال لي: افصد هذا العرق (5)قال: و ناولني عرقا لم أفهمه من العروق التي تفصد، فقلت في نفسي: ما رأيت أمرا أعجب من هذا يأمرني أن افصد في وقت الظهر و ليس بوقت فصد و الثانية عرق لا أفهمه.
ثم قال لي: انتظر و كن في الدّار فلمّا أمسى دعاني و قال لي: سرّح الدّم فسرّحت ثم قال لي: أمسك فأمسكت، ثمّ قال لي: كن في الدّار فلمّا كان نصف اللّيل ارسل إليّ و قال لي: سرّح الدّم، قال: فتعجّبت أكثر من عجبي الأوّل
ص:109
و كرهت أن أسأله قال: فسرّحت فخرج دم أبيض كأنه الملح، ثمّ قال لي: احبس قال: فحبست، ثمّ قال: كن في الدار فلمّا اصبحت أمر قهرمانه (1)أن يعطيني ثلاثة دنانير فأخذتها.
و خرجت حتى أتيت ابن بختيشوع النصراني فقصصت عليه القصّة قال:
فقال لي: و اللّه ما أفهم ما تقول، و لا أعرفه في شيء من الطبّ و لا قرأته في كتاب و لا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانية من فلان الفارسي فأخرج إليه قال:
فاكتريت زورقا إلى البصرة و أتيت الأهواز ثمّ صرت إلى فارس إلى صاحبي فأخبرته الخبر، قال: فقال لي انظرني أيّاما فأنظرته ثمّ أتيته متقاضيا قال: فقال لي:
إنّ هذا الّذي تحكيه عن هذا الرّجل فعله المسيح في دهره مرّة. (2)
ص:110
حديثه عليه السلام مع أنوش النصراني
1-روي عن أبي جعفر أحمد القصير البصري قال: حضرنا عند سيّدنا أبي محمّد عليه السلام بالعسكر، فدخل عليه خادم من دار السلطان جليل فقال له: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام و يقول لك: كاتبنا أنوش النّصراني يريد أن يطهّر ابنين له، و قد سألنا مسائلتك أن تركب إلى داره و تدعو لابنيه بالسلامة و البقاء فأحبّ أن تركب و أن تفعل ذلك فإنّا لم نجشمك هذا العناء إلاّ لأنّه قال:
نحن نتبرّك بدعاء بقايا النبوة و الرّسالة.
فقال مولانا: الحمد لله الّذي جعل النّصارى أعرف بحقّنا من المسلمين، ثم قال: اسرجوا لنا فركب حتى وردنا أنوش فخرج إليه مكشوف الرأس حافي القدمين و حوله القسّيسون و الشمامسة (1)و الرهبان و على صدره الإنجيل فتلقّاه على باب داره، و قال له: يا سيّدنا أتوسّل إليك بهذا الكتاب الّذي أنت أعرف به منا إلاّ غفرت لي ذنبي في عناك و حقّ المسيح عيسى بن مريم و ما جاء به من الإنجيل من عند اللّه ما سألت أمير المؤمنين مسألتك هذه إلاّ لأنّا وجدناكم في هذا الإنجيل مثل المسيح عيسى بن مريم عند اللّه.
ص:111
فقال مولانا: الحمد لله و دخل على فرسه و الغلامان على منصّة (1)و قد قام الناس على اقدامهم فقال: أمّا ابنك هذا فباق عليك، و أمّا الآخر فمأخوذ عنك بعد ثلاثة أيّام و هذا الباقي يسلم و يحسن إسلامه و يتولاّنا أهل البيت، فقال أنوش: و اللّه يا سيّدي إن قولك الحقّ و لقد سهل على موت ابني هذا لما عرّفتني أنّ الآخر يسلم و يتولاّكم أهل البيت فقال له بعض القسّيسين: مالك لا تسلم؟ فقال له أنوش: أنا مسلم و مولانا يعلم ذلك، فقال مولانا: صدق و لو لا أن يقول النّاس: إنّا خبرناك بوفاة ابنك و لم يكن كما أخبرناك لسألنا اللّه بقائه عليك، فقال أنوش: لا أريد يا سيّدي إلاّ ما تريد، قال أبو جعفر أحمد القصير: مات و اللّه ذاك الابن بعد ثلاثة أيّام و أسلم الآخر بعد سنة و لزم الباب معنا إلى وفاة سيّدنا أبي محمّد عليه السلام. (2)
ص:112
حديث البغل مع المستعين
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن أبي علي محمّد بن علي ابن إبراهيم، قال: حدّثني أحمد بن الحارث القزويني قال: كنت مع أبي بسرّمن رأى و كان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمّد عليه السلام قال: و كان عند المستعين (1)بغل لم ير مثله حسنا و كبرا و كان يمنع ظهره و اللّجام و السرج، و قد كان جمع عليه الرّواض (2)فلم يمكن لهم حيلة في ركوبه قال: فقال له بعض ندمائه: يا أمير المؤمنين أ لا تبعث إلى الحسن بن الرّضا عليه السلام حتى يجيء فإمّا أن يركبه و إمّا أن يقتله فتستريح منه.
قال: فبعث الى أبي محمّد و مضى معه أبي فقال أبي: لمّا دخل أبو محمّد عليه السلام الدّار كنت معه، فنظر أبو محمّد عليه السلام إلى البغل واقفا في صحن الدار فعدل إليه فوضع بيده على كفله قال: فنظرت إلى البغل و قد عرق حتى سال العرق منه، ثمّ صار الى المستعين فسلّم عليه فرحّب به و قرّب و قال:
يا أبا محمّد ألجم هذا البغل، فقال أبو محمّد لأبي: ألجمه يا غلام، فقال المستعين: ألجمه أنت، فوضع طيلسانه، ثمّ قام فألجمه ثمّ رجع إلى مجلسه
ص:113
و قعد، فقال له: يا أبا محمّد أسرجه، فقال لأبي: يا غلام اسرجه فقال: أسرجه أنت، فقام ثانية فأسرجه و رجع، فقال له: ترى أن تركبه؟ فقال: نعم فركبه من غير أن يمتنع عليه ثمّ ركضه في الدار ثمّ حمله على الهملجة (1)يمشي أحسن مشي يكون.
ثمّ رجع فنزل، فقال له المستعين: يا أبا محمّد كيف رأيته؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت مثله حسنا و فراهة و ما يصلح أن يكون مثله إلاّ لأمير المؤمنين قال: فقال: يا أبا محمّد فإنّ أمير المؤمنين قد حملت عليه، فقال أبو محمّد لأبي:
يا غلام خذه، فأخذه أبي فقاده. (2)
ص:114
في حديث الشاكري و الفرس
1-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري قال: أخبرني أبو الحسين (1)محمّد ابن هارون بن موسى، قال: حدّثني ابي (ره) قال: كنت في دهليز لأبي عليّ محمّد بن همام (2)على دكّة، وصفها إذ مر بنا شيخ كبير عليه درّاعة فسلّم على أبي علي محمّد بن همام فردّ عليه السلام فمضى فقال لي: أ تدري من هو هذا؟ فقلت: لا فقال لي: هذا شاكري (3)لمولانا أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام أ فتشتهي أن تسمع من أحاديثه عنه شيئا؟ قلت: نعم فقال لي: أ معك شيء تعطيه؟ فقلت: معي درهمان صحيحان، فقال لي: هما يكفيانه فادعه.
فمضيت خلفه فلحقته بموضع كذا فقلت: أبو علي يقول لك: تنبسط (4)للمصير إلينا فقال: نعم، فجئنا به إلى أبي عليّ بن همام فجلس إليه فغمزني ابو علي أن أسلّم إليه الدرهمين فسلّمتهما إليه فقال لي: ما يحتاج إلى هذا ثمّ أخذهما فقال له أبو علي: يا أبا عبد اللّه حدّثنا عن ابي محمّد عليه السلام.
ص:115
قال: كان أستاذي صالحا من بين العلويّين لم أر قطّ مثله و كان يركب بسرج صفته (1)بزيون (2)مسكي و أزرق، و كان يركب إلى دار الخلافة بسرّمن رأى في كل اثنين و خميس، قال أبو عبد اللّه محمّد الشاكري و كان يوم النّوبة يحضر من النّاس شيء عظيم و تنقضّ المشارع بالدّوابّ (3)و البغال و الحمير و الضجّة فلا يكون لأحد موضع يمشي و لا يدخل بينهم.
قال: فإذا جاء استاذي سكنت الضجّة و هدأ صهيل الخيل و نشيج البغال و نهاق الحمير قال: و تفرّقت البهائم حتى يصير الطريق واسعا لا يحتاج الى أن يتوقّى من الدوابّ نحفّه ليزحمها، ثمّ يدخل فيجلس في مرتبته الّتي جعلت له، فإذا أراد الخروج قام البوّابون و قالوا: هاتوا دابّة أبي محمّد عليه السلام فسكن صياح الناس و صهيل الخيل و تفرّقت الدوابّ حتى يركب و يمضي.
و قال الشاكري: و استدعاه يوما الخليفة فشقّ ذلك عليه و خاف أن يكون قد سعى به إليه بعض من يحسده من العلويّين و الهاشميّين على مرتبته فركب و مضى إليه فلمّا حصل في الدار قيل له: إنّ الخليفة قد قام و لكن اجلس في مرتبتك أو انصرف قال: فانصرف و جاء إلى سوق الدوابّ و فيها من الضجّة و المصادمة و إختلاف الناس شيء كثير.
قال: فلمّا دخل إليها سكنت الضجّة و هدأت الدوابّ قال: و جلس إلى نخّاس كان يشتري له الدوابّ، قال: فجيء له بفرس كبوس (4)لا يقدر أحد أن يدنو منه قال: فباعوه إيّاه بوكس (5)فقال لي: يا محمّد قم فاطرح السّرج عليه،
ص:116
قال: فقمت و علمت أنّه لا يقول لي ما يؤذيني، فحللت الحزام و طرحت السّرج عليه فهدأ و لم يتحرّك، و جئت لأمضي به فجاء النخّاس فقال لي: ليس يباع، فقال لي: سلّمه إليه، قال: فجاء النخّاس ليأخذه فالتفت إليه الفرس التفاتة ذهب منه منهزما.
قال: و ركب و مضينا فلحقنا النخّاس فقال: إنّ صاحبه يقول له: أشفقت من أن يردّه فإن كان قد علم ما فيه من الكبس فليشتره، فقال له استاذي: قد علمت، فقال: قد بعتك، فقال لي: خذه فأخذته، قال: فجئت به إلى الإصطبل فما تحرّك و ما آذاني ببركة أستاذي.
فلمّا نزل جاء إليه فأخذه باذنه اليمنى فرقاه ثمّ أخذ باذنه اليسرى فرقاه قال: فو اللّه لقد كنت أطرح الشعير له فافرّقه بين يديه و لا يتحرّك هذا ببركة استاذي. قال أبو محمّد: قال أبو عليّ بن همام: هذا الفرس يقال له: الصؤول (1)يزحم بصاحبه حتّى يزحم به الحيطان و يقوم على رجليه و يلطم صاحبه، و قال محمّد الشاكري: كان استاذي اصلح من رأيت من العلويّين و الهاشميّين ما كان يشرب هذا النّبيذ و كان يجلس في المحراب و يسجد، فأنام و أنتبه و هو ساجد، و كان قليل الأكل كان يحضره التين و العنب و الخوخ و ما يشاكله فيأكل منه الواحد و الثنتين و يقول: شل هذا إلى صبيانكم فأقول هذا كلّه؟ فيقول: خذه ما رأيت قطّ اشهى منه (2). (3)
ص:117
ص:118
حديث الراهب في الاستسقاء
1-كتاب «ثاقب المناقب» و «خرائج الراوندي» روي عن عليّ بن الحسين بن سابور (1)قال: قحط النّاس بسرّمن رأى في زمن الحسن الأخير عليه السلام فأمر الخليفة الحاجب و أهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية إلى المصلّى يستسقون و يدعون فما سقوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرّابع إلى الصحراء و معه النّصارى و الرّهبان، و كان فيهم راهب فلمّا مد يده هطلت السماء بالمطر، فشك أكثر النّاس و تعجّبوا و صبوا إلى دين النّصرانيّة.
فأنفذ الخليفة إلى الحسن عليه السلام و كان محبوسا فاستخرجه من حبسه و قال: الحق أمّة جدّك فقد هلكت، فقال له: إنّي خارج في ذلك و مزيل الشك إن شاء اللّه، فخرج الجاثليق في اليوم الثّالث و الرّهبان معه، و خرج الحسن عليه السلام في نفر من أصحابه، فلمّا بصر بالرّاهب و قد مدّ يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى و يأخذ ما بين إصبعيه ففعل و أخذ من بين سبّابتيه و الوسطى و نزع عظما أسود فأخذه الحسن عليه السلام بيده، ثمّ قال:
استسق الآن فاستسقى و كانت السّماء مغيّمة فتقشّعت و طلعت الشّمس بيضاء.
فقال الخليفة: ما هذا العظم يا أبا محمّد؟ قال عليه السلام: هذا رجل مرّ
ص:119
بقبر نبيّ من الأنبياء فوقع في يده العظم و ما كشف عن عظم نبي إلاّ هطلت السماء بالمطر. (1)
ص:120
في حديث البساط
1-علي بن عاصم الكوفي (1)قال: دخلت على سيّدي أبي محمّد عليه السلام بالعسكر قال: يا عليّ بن عاصم انظر إلى ما تحت قدميك فنظرت ثلاثا فوجدت شيئا ناعما فقال لي: يا عليّ أنت على بساط قد جلس عليه و وطأه كثير من النبيّين و المرسلين و الأئمة الرّاشدين، فقلت: يا مولاي لا أنتعل ما دمت في الدنيا إعظاما لهذا البساط، فقال: يا عليّ إنّ هذا الّذي في قدمك من الخفّ جلد ملعون نجس رجس لم يقرّ بولايتنا و إمامتنا و قلت: و حقّك يا مولاي لا لبست خفّا و لا نعلا فقلت في نفسي: كنت أشتهي أن أرى هذا البساط بعيني فقال ادن يا عليّ فدنوت فمسح بيده المباركة على عيني فعدت باللّه بصيرا فأدرت عيني في البساط و مجالسهم عليه، فقلت: نعم يا مولاي و رأيت أقداما مصوّرة و مرابع جلوس في البساط.
فقال لي: هذا قدم «أبينا» آدم و موضع جلوسه، و هذه قدم قابيل إلى أن
ص:121
لعن و قتل هابيل، و هذه قدم هابيل، و هذا أثر شيث، و هذا أثر أخنوخ (1)، و هذا أثر قيدار (2)، و هذا أثر هلابيل (3)، و هذا أثر نادر (4)و هذا أثر إدريس (5)، و هذا أثر متوشلخ (6)، و هذا أثر نوح، و هذا أثر سام، و هذا أثر أرفخشد (7)، و هذا أثر أبو يعرف (8)، و هذا أثر هود، و هذا أثر صالح، و هذا أثر لقمان، و هذا أثر لوط، و هذا أثر إبراهيم، و هذا أثر إسماعيل، و هذا أثر إلياس، و هذا أثر أبي قصي الناس، و هذا أثر إسحاق، و هذا أثر يعوسا، و هذا أثر إسرائيل، و هذا أثر يوسف، و هذا أثر شعيب، و هذا أثر موسى بن عمران، و هذا أثر هارون، و هذا أثر يوشع بن نون، و هذا أثر زكريا، و هذا أثر يحيى، و هذا أثر داود، و هذا أثر سليمان، و هذا أثر الخضر، و هذا أثر ذي الكفل، و هذا أثر اليسع، و هذا أثر ذي القرنين الإسكندري، و هذا أثر سابور (9)، و هذا اثر لؤي، و هذا أثر كلاب، و هذا أثر قصي، و هذا أثر عدنان (10)، و هذا أثر هاشم، و هذا أثر عبد المطلب، و هذا أثر أبي عبد اللّه و هذا اثر
ص:122
السيّد (1)محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هذا أثر أمير المؤمنين، و هذا أثر الحسن، و هذا أثر الحسين، و هذا أثر عليّ بن الحسين، و هذا أثر محمّد بن عليّ، و هذا أثر جعفر بن محمّد، و هذا أثر موسى بن جعفر، و هذا أثر عليّ بن موسى ابن جعفر، و هذا أثر محمّد بن عليّ، و هذا أثر علي بن محمّد، و هذا أثر الحسن، و هذا أثر ابني محمّد المهدي إنّه قد وطأه و جلس عليه.
فقال لي عليّ بن عاصم: فخيّل لي و اللّه من ردّ بصري و نظري الى ذلك البساط و هذه الآيات كلّها أنّي نائم و أنّي أحلم بما رأيت فقال لي أبو محمّد عليه السلام: أثبت يا عليّ فما أنت بنائم و لا بحلم فانظر الى هذه الآثار و اعلم أنّها لمن أهمّ دين اللّه، فمن زاد فيهم كفر، و من نقص أحدا كفر، و الشاك في الواحد منهم كالشاك الجاحد لله، غضّ طرفك يا عليّ فغضضت طرفي محجبا، فقلت:
يا سيّدي ممّن تقول إنّهم في مائة ألف و أربعة و عشرين نبيّ أ هؤلاء؟
ثم قال: إذا علم ما قال لم يأثم.
فقلت: يا سيّدي ما علمي علمهم حتى لا أزيد و لا أنقص منهم.
قال: يا عليّ الأنبياء و الرسل و الأئمة هؤلاء الذين رأيت آثارهم في البساط لا يزيدون و لا ينقصون، و مائة ألف و أربعة و عشرين ألف تنبؤا من أنبياء اللّه و رسله و حججه فآمنوا باللّه و عملوا بما جاءت به الرسل من الكتب و الشرائع فمنهم الصدّيقون و الشّهداء و الصالحون و كلّهم هم المؤمنون، و هذا عددهم عند هبوط آدم من الجنة الى أن بعث اللّه جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقلت: الحمد لله و الشكر لذلك الّذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن
ص:123
هدانا اللّه. (1)
ص:124
في أنه عليه السلام وصي أبيه و الإمام بعده
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن يحيى بن يسار القنبرى (1)، قال: أوصى أبو الحسن عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام قبل مضيّه بأربعة أشهر و أشهدني على ذلك و جماعة من الموالي. (2)
2-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن بشّار بن أحمد البصري، عن عليّ بن عمر النوفلي (3)، قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام في صحن داره فمرّ بنا محمّد ابنه (4)فقلت: جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك؟ فقال: لا صاحبكم بعدي الحسن عليه السلام. (5)
3-و عنه، عن علي بن محمّد، عن بشّار بن أحمد، عن عبد اللّه بن محمّد
ص:125
الأصفهاني قال: قال أبو الحسن عليه السلام: صاحبكم بعدي الّذي يصلّي علي قال: و لم نعرف أبا محمّد عليه السلام قبل ذلك قال: فخرج أبو محمّد فصلّى عليه. (1)
4-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن موسى بن جعفر بن وهب، عن عليّ ابن جعفر قال: كنت حاضرا أبا الحسن عليه السلام فلمّا توفّي ابنه محمّد فقال للحسن، يا بنيّ أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا. (2)
5-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن مروان الأنباري قال: كنت حاضرا عند مضيّ ابي جعفر محمّد بن عليّ فجاء أبو الحسن عليه السلام فوضع له كرسيّ فجلس عليه و حوله أهل بيته، و أبو محمّد عليه السلام قائم في ناحية فلمّا فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمّد عليه السلام فقال: يا بنيّ أحدث لله تبارك و تعالى شكرا فقد أحدث فيك أمرا. (3)
6-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أحمد القلانسي (4)عن عليّ ابن الحسين بن عمرو عن عليّ بن مهزيار قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام:
ص:126
إن كان كون-و أعوذ باللّه-فإلى من؟ قال: عهدي إلى الأكبر من ولدي. (1)
7-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن أبي محمّد الاسبارقيني، عن عليّ بن عمرو العطّار (2)، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السلام و أبو جعفر ابنه في الأحياء و أنا أظنّه أنّه هو، فقلت له: جعلت فداك من أخصّ من ولدك؟ فقال: لا تخصّوا أحدا حتى يخرج إليكم أمري، قال: فكتب إليه بعد: فيمن يكون هذا الأمر؟ قال: فكتب إليّ في الكبير من ولدي و قال: و كان أبو محمّد أكبر من أبي جعفر. (3)
8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، و غيره، عن سعد بن عبد اللّه، عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسن الأفطس إنّهم حضروا يوم توفي محمّد ابن عليّ بن محمّد باب أبي الحسن عليه السلام يعزّونه، و قد بسط له في صحن داره، و النّاس جلوس حوله فقالوا قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب و بني هاشم و قريش مائة و خمسون رجلا سوى مواليه و سائر النّاس إذ نظر الى الحسن ابن عليّ عليه السلام قد جاء مشقوق الجيب حتّى قام عن يمينه و نحن لا نعرفه.
فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام بعد ساعة فقال: يا بنيّ أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا فبكى الفتى و حمد اللّه و استرجع، و قال: الحمد لله ربّ
ص:127
العالمين و أنا أسأل اللّه تمام نعمه لنا فيك و إنّا لله و إنّا إليه راجعون، فسألنا عنه فقيل: هذا الحسن ابنه و قدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجح فيومئذ عرفناه و علمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة و أقامه مقامه. (1)
9-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن محمّد بن يحيى ابن درياب (2)قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام بعد مضي أبي جعفر فعزّيته عنه، و أبو محمّد عليه السلام جالس، فبكى أبو محمّد عليه السلام فأقبل عليه أبو الحسن عليه السلام فقال: إنّ اللّه تبارك و تعالى قد جعل فيك خلفا منه فاحمد اللّه. (3)
10-و عنه، عن عليّ بن محمد، عن إسحاق بن محمّد عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند ابي الحسن عليه السلام بعد (4)مضيّ ابنه أبو جعفر و إنّي لا فكّر في نفسي أريد أن أقول: كأنّهما أعني أبا جعفر و أبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى و إسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهم السلام فإنّ قصّتهما كقصّتهما إذ كان أبو محمد عليه السلام المرجى بعد أبي جعفر فأقبل عليّ أبو الحسن عليه السلام قبل أن أنطق فقال: نعم يا أبا هاشم (5)بدا للّه في ابي
ص:128
محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا للّه في موسى بعد مضيّ إسماعيل ما كشف به عن حاله، و هو كما حدّثتك نفسك و إن كره المبطلون، و أبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده علم ما يحتاج إليه و معه آلة الإمامة 1.
11-و عنه، عن عليّ بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن محمّد بن يحيى بن درياب، عن أبي بكر 2الفهفكي؛ قال: كتب إليّ أبو الحسن عليه السلام: أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة 3، و أوثقهم حجّة، و هو الأكبر من ولدي و هو الخلف، و إليه تنتهي عرى 4الإمامة و أحكامها، فما كنت سائلي فسله عنه فعنده علم ما يحتاج إليه. 5
12-و عنه، عن عليّ بن محمد، عن إسحاق بن محمّد، عن شاهويه 6بن عبد اللّه الجلاّب، قال كتب إليّ أبو الحسن عليه السلام في كتاب: أردت أن تسأل
ص:129
عن الخلف بعد أبي جعفر و قلقت لذلك فلا تغتمّ فإنّ اللّه عز و جلّ «لا يضلّ قوما بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتقون» (1)و صاحبك بعدي أبو محمد ابني، و عنده ما تحتاجون إليه يقدّم اللّه ما يشاء و يؤخّر ما يشاء ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها (2)قد كتبت بما فيه بيان و قناع لذي عقل يقظان. (3)
13-و عنه، عن عليّ بن محمد عمن ذكره، عن محمّد بن أحمد (4)العلوي، عن داود (5)بن القاسم قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول الخلف من بعدي الحسن عليه السلام فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: و لم جعلني اللّه فداك؟ فقال: إنّكم لا ترون شخصه و لا يحلّ لكم ذكره باسمه؟ فقلت:
كيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجّة من آل محمد عليهم السلام. (6)
ص:130
14-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمد الدقّاق، و علي بن عبد اللّه الورّاق رضي اللّه عنهما قالا: حدّثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدّثنا أبو تراب عبد اللّه بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال:
دخلت على سيّدي عليّ بن محمد عليهما السلام فلمّا بصر بي قال لي: مرحبا بك يا ابا القاسم، أنت وليّنا حقا، قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه إنّي أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيّا بقيت (1)عليه حتى ألقى اللّه عزّ و جلّ، فقال عليه السلام: هات يا أبا القاسم، فقلت: إني أقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج عن الحدّين حدّ الإبطال و حدّ التشبيه، و إنّه ليس بجسم و لا صورة، و لا عرض و لا جوهر، بل هو مجسّم الاجسام و مصوّر الصور و خالق الأعراض و الجواهر، و ربّ كلّ شيء و مالكه و جاعله و محدثه.
و أن محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله خاتم النبيين و لا نبيّ بعده إلى يوم القيامة، و أنّ شريعته خاتمة الشرائع و لا شريعة بعدها الى يوم القيامة.
و أقول: إنّ الإمام و الخليفة بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثم موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثم أنت يا مولاي فقال عليه السلام: و من بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده؟
قال: فقلت: و كيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنّه لا يرى شخصه و لا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما قال:
ص:131
فقلت: أقررت و أقول: إنّ وليّهم وليّ اللّه، و عدوّهم عدوّ اللّه، و طاعتهم طاعة اللّه، و معصيتهم معصية اللّه و أقول: إنّ المعراج حقّ، و المسائلة في القبر حقّ، و إنّ الجنّة حقّ، و النار حقّ، و الصراط حقّ، و الميزان حقّ، و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن اللّه يبعث من في القبور، و أقول: إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة و الزكاة، و الصوم، و الحجّ، و الجهاد، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر.
فقال عليّ بن محمّد عليهما السلام: يا أبا القاسم هذا و اللّه دين اللّه الّذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة. (1)
15-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن السندي قال: حدّثني محمّد بن الحسن (2)قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد العلوي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر عليه السلام يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: و لم جعلني اللّه فداك؟ قال: لأنّكم لا ترون شخصه و لا يحلّ لكم ذكره باسمه، قلت: كيف ذكره قال: قولوا: الحجّة من آل محمّد عليهم السلام. (3)
16-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن حمزة (4)، قال: حدّثنا
ص:132
الحسن (1)بن حمزة قال: حدّثنا علي بن إبراهيم قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد الموصلي، قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف قال: سمعت عليّ بن محمّد عليه السلام يقول: الإمام بعدي الحسن ابني و بعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (2)
17-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن صدقة، (3)عن عليّ بن 4عبد الغفار، قال:
لمّا مات أبو جعفر الثّاني عليه السلام كتبت الشيعة الى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام يسألونه عن الأمر فكتب عليه السلام إليهم: الأمر لي ما دمت حيّا فإذا نزلت مقادير اللّه عزّ و جلّ أتاكم الخلف فأني لكم بالخلف من بعد الخلف؟ 5
18-و عنه، قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد الموصلي، قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف قال: سمعت عليّ بن محمد بن عليّ الرّضا عليهما السلام يقول: الإمام
ص:133
بعدي الحسن ابني، و بعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (1)
19-عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» عن عليّ بن (2)عمر النوفلي قال:
كنت مع الهادي في صحن داره فمرّ علينا جعفر ابنه (3)فقلت: جعلت فداك هذا صاحبنا؟
قال: لا، صاحبكم الحسن عليه السلام. (4)
ص:134
بسم اللّه الرّحمن الرحيم و منه نستمد الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين أما بعد فهذا المنهج الثالث عشر في الإمام الثاني عشر م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب الحجّة المنتظر القائم المهدي عليه السلام و فيه ثلاث و خمسون بابا.
الباب الأوّل-في ذكر أمّ القائم عليه السلام.
الباب الثّاني-في ميلاده عليه السلام.
الباب الثّالث-في كلامه عليه السلام في بطن امّه و قراءته القرآن و ما ظهر من البراهين حال الولادة.
الباب الرّابع-في قراءته عليه السلام ما أنزل اللّه على أنبيائه عليهم السلام بعد سبعة أيّام من حال الولادة و غير ذلك من البراهين.
الباب الخامس-قراءته (ع) حال الولادة.
الباب السّادس-في أنّه مكتوب على ذراعه الأيمن جاء الحقّ و زهق الباطل.
الباب السّابع في قراءته القرآن في بطن امّه و سجوده عقيب الولادة و إشراق النور و غير ذلك من براهينه (ع) .
الباب الثّامن-في سجوده عليه السلام حال الولادة.
ص:135
الباب التّاسع في فقد القابلة له عليه السلام من كفّها.
الباب العاشر-في النّور السّاطع حال ولادته (ع) و حمده اللّه و صلواته على محمد و آله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تمسح الملائكة به.
الباب الحادي عشر-في ظهوره و غيبته في الحال و لم ير مع حضوره.
الباب الثاني عشر-في أنّه عليه السلام صلّى على أبيه عليهما السلام.
الباب الثالث عشر-في أنّه عليه السلام وصيّ أبيه عليه السلام و نصّه عليه بالإمامة.
الباب الرّابع عشر-في تسميته (ع) القائم المنتظر و المهدي.
الباب الخامس عشر-في علمه (ع) .
الباب السادس عشر-في جوده (ع) .
الباب السّابع عشر-في لباسه (ع) .
الباب الثّامن عشر-في استواء درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليه.
الباب التّاسع عشر-فيما عند القائم (ع) من آيات الأنبياء.
الباب العشرون-في صفته.
الباب الحادي و العشرون-في أنّه (ع) في سن الشباب.
الباب الثاني و العشرون-في قوّته (ع) فيما يحصل به قوّة اصحابه (ع) .
الباب الثالث و العشرون-في علة الغيبة.
الباب الرابع و العشرون-في علّة اخفاء ولادته (ع) .
الباب الخامس و العشرون-في أنّه (ع) إذا قام يتلو قوله تعالى: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ الآية.
الباب السّادس و العشرون-في أن فيه «ع» و في الأئمّة عليهم السلام نزل
ص:136
قوله تعالى: وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية.
الباب السّابع و العشرون-في أنّه (ع) و في الأئمّة نزل قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ .
الباب الثامن و العشرون في أنّه يحضر الموسم فيقبل حجّهم إذا حضر و لا يحضر إبليس.
الباب التاسع و العشرون-في علامة ظهوره (ع) .
الباب الثلاثون-في المنادى باسمه (ع) و الصيحة.
الباب الحادي و الثلاثون-في أنّه ينادى باسمه إذا اذن له (ع) بالخروج و يكون خروجه (ع) يوم السبت عاشر محرم، و أوّل من يبايعه جبرئيل «ع» .
الباب الثاني و الثلاثون-في إعلام الاموات بخروجه و إحياء أصحاب الكهف و يرد كل موذي للمؤمنين للقصاص.
الباب الثالث و الثّلاثون-في نزول عيسى بن مريم «ع» و يصلّي خلف المهدي عليه السلام.
الباب الرابع و الثّلاثون-في أصحابه عليهم السلام الثلاثمائة و ثلاثة عشر.
الباب الخامس و الثّلاثون-في حكمه عليه السلام بحكم داود عليه السلام و تأييده بالملائكة، و أوّل من يبايع القائم عليه السلام محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام.
الباب السادس و الثّلاثون-في سيرته عليه السلام.
الباب السابع و الثلاثون-في إنّما يلقاه القائم (ع) أشدّ مما لقيه رسول اللّه
ص:137
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من جهاد الجاهليّة.
الباب الثامن و الثلاثون-في نشره راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
الباب التاسع و الثلاثون-أن القائم إذا قام استغنى العباد عن ضوء الشمس و القمر.
الباب الاربعون-في منزل القائم (ع) و مسجده و موضع قبره.
الباب الحادي و الأربعون-في كيفية السلام عليه.
الباب الثاني و الأربعون-في مدة قيام القائم (ع) بعد قيامه (ع) .
الباب الثالث و الاربعون-في إعلام الأحياء و الأموات بقيامه (ع) و يرونه من بعيد من في زمانه (ع) ، و ما يعطاه المؤمن في زمانه (ع) .
الباب الرابع و الأربعون-في أنّه إذا قام (ع) قرأ القرآن على حده.
الباب الخامس و الأربعون-في أنّ أوّل من يبايع القائم عليه السلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام و الأئمّة عليهم السلام، و الحسين عليه السلام يغسّل القائم (ع) .
الباب السادس و الأربعون-في حديث الصادق (ع) مع المفضّل بن عمر.
الباب السابع و الأربعون-في أنّ القائم (ع) يقتل قتلة الحسين (ع) و ذراريهم لرضاهم بفعال آبائهم.
الباب الثامن و الأربعون-فيما جاء في الوقت المعلوم لابليس.
الباب التاسع و الأربعون-في القدر من النّاس الّذين يقوم فيهم القائم (ع) .
الباب الخمسون-في المفردات.
الباب الحادي و الخمسون-في أن آخر من يموت: الحجّة و يغلق باب التوبة و يغسّل القائم الحسين (ع) و يكون بينه و بين القيامة أربعون يوما.
ص:138
الباب الثاني و الخمسون-في أنّ عمر الخضر (ع) دليل على طول عمر القائم عليه السلام و أنّه يؤنس به عليه السلام و وقت وفاة الخضر عليه السلام.
الباب الثالث و الخمسون-فيما جاء من طريق العامّة في البشارة بالمهدي القائم من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن رسول اللّه و إخباره صلّى اللّه عليه و آله و سلم بظهوره عليه السلام و نزول عيسى بن مريم يصلّي خلفه (ع) و يكون معه (ع) .
ص:139
ص:140
في ذكر أمّ القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن علي بن محمّد بن حاتم النوفلي، قال:
حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي، قال: حدّثنا أحمد بن طاهر القمي، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن يحيى الشيباني (1)قال: وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين، قال: وزرت قبر غريب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ انكفأت (2)إلى مدينة السلام متوجها الى مقابر قريش في وقت تضرّمت الهواجر و توقّدت السّماء فلمّا وصلت منها الى مشهد الكاظم عليه السلام استنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها بعبرات متقاطرة، و زفرات متتابعة و قد حجب الدّمع طرفي عن النظر.
فلما رقأت العبرة و انقطع النحيب و فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه و تقوّس منكباه و ثفنت جبهته و راحتاه، و هو يقول لآخر معه عند القبر:
يا ابن أخي لقد نال عمّك شرفا بما حمّله السيّدان من غوامض الغيوب و شرائف العلوم الّتي لا يحمل مثلها إلاّ سلمان، و قد أشرف عمّك على استكمال المدّة
ص:141
و انقضاء العمر و ليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسرّه قلت: يا نفس لا يزال العناء و المشقّة تنالان منك بإتعابي الخفّ و الحافر في طلب العلم، و قد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظة تدلّ على علم جسيم و أثر عظيم.
فقلت: أيها الشيخ و من السيّدان؟ قال: النجمان المغيّبان في الثرى بسرّمن رأى ، فقلت: فإنّي أقسم بالموالاة و شرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة و الوراثة إنّي خاطب (1)علمهما، و طالب آثارهما، و باذل فيهما من نفسي الأيمان المؤكّدة على حفظ اسرارهما، قال: إن كنت صادقا فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم فلمّا فتّش الكتب و تصفّح الروايات منها قال:
صدقت أنا بشر بن سليمان النخّاس (2)من ولد أبي ايوب الأنصاري و أحد موالي أبي الحسن و أبي محمد عليهما السّلام و جارهما بسرّمن رأى.
قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما قال: كان مولاي عليّ بن محمّد العسكري فقّهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع، و لا أبيع إلاّ باذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشّبهات حتى أكملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق فيما بين الحلال و الحرام بذلك فبينا أنا ذات ليلة في منزلي هذا بسرّمن رأى و قد مضى هويّ (3)من الليل إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعا فإذا أنا بكافور
ص:142
الخادم (1)رسول مولانا أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السلام يدعوني إليه فلبست ثيابي و دخلت عليه فرأيته يحدّث ابنه أبا محمد عليه السلام و أخته حكيمة من وراء الستر.
فلمّا جلست قال: يا بشر إنّك من ولد الأنصار و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، و أنتم ثقاتنا أهل البيت و إنّي مزكيك و مشرّفك (2)بفضيلة تسبق بها سائر الشّيعة في الموالاة بسرّ أطلعك عليه و أنفذك في ابتياع أمة (3)و كتب كتابا ملطّفا بخطّ روميّ و لغة رومية و طبع عليه خاتمه و أخرج شقّة (4)صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا فقال: خذها و توجّه الى بغداد و احضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، و إذا وصلت الى جانب (5)زواريق السبايا و برزن الجواري منها، فستحدق بهنّ طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس، و شراذم (6)من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس (7)عامّة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا لابسة حريرين (8)صفيقين، تمتنع من السفور و لمس المعترض، و الانقياد لمن يحاول لمسها أو يشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها
ص:143
النخّاس فتصرخ بالرومية (1).
فاعلم أنّها تقول: و اهتك ستراه فيقول بعض المبتاعين: عليّ بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربيّة: لو برزت في زيّ سليمان و على مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فاشفق على مالك، فيقول النخّاس فما الحيلة و لا بدّ من بيعك؟ فتقول الجارية: و ما العجلة؟ و لا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي الى أمانته و ديانته.
فعند ذلك قم الى عمرو بن يزيد النخّاس و قل له: إنّ معي كتابا ملطّفا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية و خطّ روميّ، و وصف فيه كرمه و وفاءه و نبله و سخاءه فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه و رضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا و قالت لعمرو بن يزيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، و حلفت بالمحرّجة المغلظة (2)أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشقة الصفراء فاستوفاه منّي و تسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة و انصرفت بها الى حجرتي الّتي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاي عليه السلام من جيبها و هي تلثمه و تضعه على خدّها و تطبقه على جفنها و تمسحه على بدنها، فقلت تعجبا منها: تلثمين كتابا و لا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد
ص:144
الأنبياء أعرني سمعك و فرّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، و امّي من ولد الحواريّين تنسب الى وصيّ المسيح شمعون أنبئك العجب العجيب.
إن جدّي قيصر الروم اراد أن يزوّجني من ابن أخيه و أنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريّين من القسّيسين و الرّهبان ثلاثمائة رجل و من ذوي الأخطار سبعمائة رجل، و جمع من أمراء الأجناد و قوّاد العساكر و نقباء الجيوش و ملوك العشائر أربعة آلاف رجل و أبرز من بهو (1)ملكه عرشا مصنوعا (2)من أصناف الجواهر الى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة.
فلمّا صعد ابن أخيه، و أحدقت به الصلبان و قامت الأساقفة عكّفا و نشرت أسفار الإنجيل تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض و تفرّقت الأعمدة (3)فانهارت الى القرار و خرّ الصاعد من العرش مغشيّا عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة و ارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي: أيّها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي و المذهب الملكائي (4)فتطيّر جدي من ذلك تطيّرا شديدا.
ص:145
و قال: للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة و ارفعوا الصلبان و أحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لازوّج منه هذه الصبيّة فيندفع نحوسه عنكم بسعوده، فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل و تفرق النّاس فقام جدّي قيصر مغتمّا فدخل قصره و أرخيت الستور.
فاريت في تلك الليلة كأنّ المسيح و شمعون و عدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي فنصبوا فيه منبرا يباري (1)السّماء علوّا و ارتفاعا في الموضع الّذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع فتية و عدّة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول له: يا روح اللّه إنّي جئتك خاطبا من وصيّك شمعون فتاته مليكة لا بني هذا، و أومأ بيده إلى أبي محمّد عليه السلام ابن صاحب هذا الكتاب.
فنظر المسيح إلى شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: قد فعلت، فصعدوا ذلك المنبر و خطب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و زوّجني من ابنه عليه السلام و شهد المسيح عليه السلام و شهد بنو محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الحواريّون فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على ابي و جدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها في نفسي و لا ابديها لهما و ضرب صدري لمحبّة أبي محمّد عليه السلام (2)حتى امتنعت من الطعام و الشّراب، و ضعفت نفسي، و دقّ شخصي، و مرضت مرضا شديدا فما بقي في مدائن الرّوم طبيب إلا أحضره جدّي و سأله عن دوائي.
ص:146
فلمّا برّح (1)بي اليأس قال: يا قرّة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزوّدكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، و فككت عنهم الأغلال و تصدّقت عليهم و مننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح و أمّه لي عافية و شفاء.
فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصّحة في بدني و تناولت يسيرا من الطّعام فسرّ بذلك جدّي و أقبل على إكرام الاسارى و إعزازهم، فأريت أيضا بعد أربع ليال كأنّ سيّدة النساء قد زارتني و معها مريم بنت عمران و ألف و صيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم: هذه سيدة النّساء أمّ زوجك أبي محمّد عليه السلام فأتعلّق بها و أبكي و أشكو إليها امتناع أبي محمّد عليه السلام من زيارتي، فقالت سيدة النساء: إنّ ابني أبا محمّد لا يزورك و أنت مشركة باللّه و على مذهب النصارى، و هذه اختي مريم تبرأ الى اللّه تعالى من دينك، فإن ملت الى رضا اللّه عز و جلّ و رضا المسيح و مريم عنك و زيارة أبي محمد عليه السلام إيّاك، فقولي:
أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه، فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيدة النساء الى صدرها فطيّبت لي نفسي، فقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمّد عليه السلام إيّاك فإنّي منفذته إليك فانتبهت و أنا أقول: وا شوقاه الى لقاء ابي محمّد عليه السلام.
فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد عليه السلام في منامي فرأيته كأنّي اقول له: لم جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟ قال: ما كان تأخيري عنك إلاّ لشركك و إذ قد أسلمت فإنّي زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع اللّه شملنا في العيان، فما قطع زيارته عنّي بعد ذلك الى هذه الغاية. قال
ص:147
بشر: فقلت لها: و كيف وقعت في الاسارى؟ فقالت: أخبرني أبو محمّد عليه السلام ليلة من الليالي أن جدّك سيسرب (1)جيوشا الى قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم فعليك اللحاق بهم متنكّرة في زي الخدم مع عدّة من الوصائف (2)من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت و ما شاهدت، و ما شعر أحد بأنّني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك و ذلك باطلاعي إيّاك عليه و لقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، و قلت: نرجس، فقال: اسم الجواري، فقلت: العجب إنّك رومية و لسانك عربيّ؟ فقالت: بلغ من ولوع جدّي و حمله إيّاي على تعليم الآداب أن أوعز (3)إلى امرأة ترجمان له، في الاختلاف إليّ، فكانت تقصدني صباحا و مساء و تفيدني العربيّة حتى استمرّ عليها لساني و استقام.
قال بشر: فلما انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام فقال لها: كيف أراك اللّه عزّ الاسلام و ذلّ النصرانية، و شرف أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به منّي؟ قال: فإنّي احبّ أن أكرمك فأيّما أحبّ إليك عشرة آلاف درهم؟ أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟ قالت بل الشرف (4)قال عليه السلام: فابشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. قالت: ممّن؟ قال عليه السلام: ممّن خطبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية، قالت: من
ص:148
المسيح أو وصيّه؟ قال: ممّن زوّجك المسيح و وصيّه، قالت من ابنك أبي محمّد؟ قال: فهل تعرفينه؟ قالت: و هل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة الّتي أسلمت فيها على يد سيدة النساء امّه.
فقال أبو الحسن عليه السلام: يا كافور ادع لي اختي حكيمة، فلمّا دخلت عليه قال عليه السلام لها: ها هيه فاعتنقتها طويلا و سرت بها كثيرا فقال مولانا:
يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخرجيها إلى منزلك و علّميها الفرائض و السّنن فإنّها زوجة أبي محمّد عليه السلام و أمّ القائم (1).
و روى هذا الحديث أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة» قال: حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمائة قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن يحيى الذهبي الشيباني، قال:
وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين وزرت قبر غريب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ساق الحديث الى آخره. (2)
ص:149
ص:150
في ميلاده عليه السلام
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن رزق اللّه، قال: حدّثني موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدّثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام قالت: بعث إليّ أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام فقال: يا عمّة اجعلي إفطارك اللّيلة عندنا فإنّها ليلة النصف من شعبان فإنّ اللّه تبارك و تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة و هو حجّة في أرضه، قالت: فقلت له: و من امّه؟ قال لي: نرجس، قلت له: و اللّه جعلني اللّه فداك ما بها أثر. فقال: هو ما أقول لك.
قالت: فجئت، فلمّا سلّمت جاءت تنزع خفّي و قالت لي: يا سيّدتي و سيدة أهلي كيف أمسيت؟ فقلت: بل أنت سيّدتي و سيدة أهلي، قالت:
فأنكرت قولي و قالت: ما هذا يا عمّة؟ قالت: فقلت لها: يا بنيّة إنّ اللّه تبارك و تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيّدا في الدّنيا و الآخرة قالت: فجلست و استحيت.
فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت و أخذت مضجعي فرقدت، فلمّا أن كان في جوف اللّيل قمت إلى الصّلاة ففرغت من صلاتي و هي
ص:151
نائمة ليس بها حادث ثمّ جلست معقّبة ثمّ أضجعت ثمّ انتبهت فزعة و هي راقدة، ثمّ قامت فصلّت و نامت.
قالت حكيمة: و خرجت أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان و هي نائمة فدخلتني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام من المجلس فقال لي: لا تعجلي يا عمّة فهناك الأمر قد قرب قالت: فجلست و قرأت الم السجدة، و يس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت: اسم اللّه عليك، ثمّ قلت لها: أ تحسّين شيئا؟ قالت: نعم يا عمّة، فقلت لها: اجمعي نفسك و اجمعي قلبك فهو ما قلت لك، قالت حكيمة ثم أخذتني فترة و أخذتها فترة فانتبهت بحسّ سيدي فكشفت الثوب عنه، فإذا أنا به عليه السلام ساجد يتلقّى الأرض بمساجده فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف متنظّف فصاح بي أبو محمّد عليه السلام هلمّي إليّ ابني يا عمّة، فجئت به إليه فوضع يده تحت أليته و ظهره و وضع قدميه على صدره ثمّ أدلى لسانه في فيه و أمرّ يده على عينيه و سمعه و مفاصله ثمّ قال: تكلّم يا بنيّ فقال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ صلّى على أمير المؤمنين و على الأئمّة عليهم السلام إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم. (1)
ثمّ قال أبو محمّد عليه السلام: يا عمّة اذهبي به إلى امّه ليسلّم عليها و ائتيني به، فذهبت به فسلّم عليها و رددته فوضعته في المجلس، ثمّ قال: يا عمّة إذا كان يوم السابع فأتينا قالت حكيمة: فلمّا أصبحت جئت لاسلّم على أبي محمّد عليه السلام و كشفت الستر لأتفقّد سيّدي عليه السلام فلم أره، فقلت:
جعلت فداك ما فعل سيّدي؟ فقال: يا عمّة استودعناه الّذي استودعته أمّ موسى
ص:152
موسى عليه السلام.
قالت حكيمة: فلمّا كان في اليوم السّابع جئت و سلّمت و جلست فقال:
هلمّي إليّ ابني فجئت بسيّدي و هو في الخرقة ففعل به كفعلته الاولى ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّما يغذّيه لبنا أو عسلا ثمّ قال: تكلّم يا بنيّ، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ثمّ ثنّى بالصلاة على محمّد و على أمير المؤمنين و على الأئمّة الطّاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين حتّى وقف على ابيه عليه السلام ثمّ تلا هذه الآية بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).
قال موسى فسألت عقبة الخادم عن هذه فقال صدقت حكيمة (2).
ص:153
ص:154
في كلامه عليه السلام في بطن امّه و قراءته القرآن،
و ما ظهر من البراهين حال الولادة
1-ابن بابويه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا أبي قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم الكوفي، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه الطهري (1)قال قصدت حكيمة بنت محمّد عليه السلام بعد مضيّ أبي محمّد عليه السلام أسألها عن الحجّة و ما قد اختلف فيه الناس من الحيرة الّتي هم فيها فقالت لي: اجلس فجلست، ثمّ قالت لي: يا محمّد إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يخلي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة و لم يجعلها في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السلام تفضيلا للحسن و الحسين و تمييزا لهما أن يكون في الأرض عديلهما إلاّ أنّ اللّه تبارك و تعالى خصّ ولد الحسين عليه السلام بالفضل على ولد الحسن عليه السلام كما خصّ ولد هارون على ولد موسى و إن كان موسى حجّة على هارون و الفضل لولده إلى يوم القيامة، و لا بد للامّة من حيرة يرتاب فيها المبطلون و يخلّص فيها المحقّون لئلاّ يكون للخلق (2)على اللّه حجّة و إنّ الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمّد الحسن عليه السلام.
ص:155
فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن عليه السلام ولد؟ فتبسّمت ثمّ قالت: إن لم يكن للحسن عليه السلام ولد فمن الحجّة بعده؟ و قد أخبرتك أنّه لا إمامة لأخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السلام فقلت: يا سيّدتي حدّثيني بولادة مولاي و غيبته عليه السلام قالت: نعم كانت لي جارية يقال لها: نرجس، فزارني ابن أخي عليه السلام و أقبل يحدّ النظر إليها، فقلت له: يا سيّدي لعلّك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال لها: لا يا عمّة و لكني أتعجّب منها، فقلت: و ما أعجبك؟ فقال عليه السلام: سيخرج منها ولد كريم على اللّه عز و جل الّذي يملأ اللّه به الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا فقلت: فأرسلها إليك يا سيّدي؟ فقال: استأذني لذلك أبي عليه السلام.
قالت فلبست ثيابي و أتيت منزل أبي الحسن عليه السلام فسلّمت و جلست فبدأني عليه السلام و قال يا حكيمة ابعثي بنرجس إلى ابني أبي محمّد، قالت: فقلت: يا سيّدي على هذا قصدتك على أن استأذنك في ذلك، فقال لي: يا مباركة إنّ اللّه تبارك و تعالى أحبّ أن يشركك في الأجر و يجعل لك في الخير نصيبا.
قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي و زيّنتها و هيّئتها (1)لأبي محمّد عليه السلام و جمعت بينه و بينها في منزلي فأقام عندي أيّاما ثمّ مضى إلى والده، و وجّهت بها معه قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن عليه السلام و جلس أبو محمّد عليه السلام مكان والده و كنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوما تخلع خفّي و قالت: يا مولاتي ناوليني خفّك، فقلت: بل أنت سيّدتي و مولاتي، و اللّه لا أدفع إليك خفّي لتخلعيه و لا لتخدميني بل أخدمك
ص:156
على بصري.
فسمع أبو محمّد عليه السلام ذلك، فقال: جزاك اللّه يا عمّة خيرا، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية و قلت: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال عليه السلام: يا عمّة بيتي الليلة عندنا فإنّه سيولد المولود الكريم على اللّه عزّ و جلّ الذي يحيي اللّه عزّ و جلّ به الأرض بعد موتها، فقلت: ممّن يا سيّدي؟ و لست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل فقال: من نرجس لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقلّبتها ظاهرا لبطن فلم أر بها أثر حبل فعدت إليه، فأخبرته بما فعلت فتبسّم، ثمّ قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها حبل، لأنّ مثلها مثل أمّ موسى لم يظهر بها الحبل و لم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأنّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى عليه السلام و هذا نظير موسى عليه السلام.
قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال و سألتها عن حالها، فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئا من هذا، قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر و هي نائمة بين يديّ لا تقلب جنبا إلى جنب حتّى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر و ثبت إليّ فزعة فضممتها إلى صدري و سمّيت عليها، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام و قال: اقرئي عليها: إنّا أنزلناه في ليلة القدر، فأقبلت أقرأ عليها و قلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر لي الأمر الذي أخبرك به مولاي فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ فسلّم عليّ.
قالت حكيمة: ففزعت لمّا سمعت، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام: لا تعجبي من أمر اللّه، إنّ اللّه تبارك و تعالى ينطقنا بالحكمة صغارا، و يجعلنا حجّة في ارضه كبارا فلم يستتمّ الكلام حتى غيبت عنّي نرجس فلم أرها، كأنّه ضرب بيني و بينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمّد عليه السلام و أنا صارخة، فقال:
ارجعي يا عمّة فإنّك ستجدينها في مكانها، قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف
ص:157
الحجاب الّذي كان بيني و بينها، و إذا أنا بها و عليها من أثر النور ما غشي بصري، و إذا أنا بالصبي عليه السلام ساجدا على وجهه، جاثيا على ركبتيه، رافعا سبابتيه و هو يقول: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أنّ جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّ أبي أمير المؤمنين عليه السلام ثم عدّ إماما إماما إلى أن بلغ الى نفسه.
ثمّ قال: اللهمّ أنجز ما وعدتني، و أتمم لي أمري، و ثبّت وطأتي و املأ الأرض بي عدلا و قسطا.
فصاح بي أبو محمّد عليه السلام فقال: يا عمّتاه تناوليه و هاتيه، فتناولته و أتيت به نحوه فلمّا مثلت بين يدي أبيه و هو على يدي سلّم على أبيه فتناوله الحسن عليه السلام منّي و ناوله لسانه فشرب منه، ثمّ قال: امضي به إلى امّه لترضعه و ردّيه إليّ، قالت: فتناولته امّه فأرضعته فردّته الى أبي محمّد عليه السلام و الطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها، فقال له: احمله و احفظه و ردّه إلينا في كلّ اربعين يوما فتناوله الطير و طار به في جوّ السماء فأتبعه سائر الطير فسمعت أبا محمّد عليه السلام يقول: استودعتك الّذي استودعته أمّ موسى عليه السلام فبكت نرجس فقال لها: اسكتي فإنّ الرّضاع محرّم عليه إلاّ من ثديك، و سيعاد عليك كما ردّ موسى عليه السلام إلى امّه و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ:
فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ (1).
قالت حكيمة: قلت: و ما هذا الطير؟ قال: هذا روح القدس الموكّل بالأئمّة عليهم السلام يوفّقهم و يسدّدهم و يربّيهم بالعلم.
قالت حكيمة: فلمّا كان بعد أربعين يوما ردّ الغلام و وجّه إليّ ابن أخي
ص:158
عليه السلام فدعاني فدخلت عليه فإذا بالصبيّ يتحرّك (1)بين يديه، فقلت: يا سيّدي هذا ابن سنتين؟ فتبسّم عليه السلام، ثمّ قال: إنّ أولاد الأنبياء و الأوصياء إذا كانوا أئمّة ينشئون بخلاف ما ينشأوا غيرهم، و إنّ الصبيّ منّا إذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة و إنّ الصبيّ منّا ليتكلّم في بطن امّه و يقرأ القرآن و يعبد ربّه عز و جل، و عند الرضاع تطيعه الملائكة و تنزّل عليه صباحا و مساء (2).
قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبيّ في كلّ أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا قبل مضيّ أبي محمّد عليه السلام بأيّام قلائل فلم أعرفه، فقلت لأبي محمّد عليه السلام: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس و هذا خليفتي من بعدي و عن قليل تفقدوني فاسمعي له و أطيعي.
قالت حكيمة: فمضى أبو محمد عليه السلام بعد ذلك بأيّام قلائل و افترق النّاس كما ترى و و اللّه إنّي لأراه صباحا و مساء و إنّه لينبّئني عمّا تسألوني عنه فأخبركم، و اللّه إنّي لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به، و إنّه ليرد عليّ الأمر فيخرج إليّ منه جوابا من ساعته من غير مسألتي، و قد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ و أمرني أن اخبرك بالحقّ.
قال محمد بن عبد اللّه: فو اللّه لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطّلع عليه أحد إلاّ اللّه عزّ و جلّ فعلمت أنّ ذلك صدق و عدل من اللّه تبارك و تعالى و إنّ اللّه عزّ و جلّ قد أطلعه على ما لا يطلع عليه أحدا من خلقه. (3)
ص:159
ص:160
في قراءته عليه السلام ما أنزل اللّه عزّ و جلّ
على أنبيائه بعد سبعة أيام من حال
الولادة و غير ذلك من البراهين
1-الحسين بن حمدان الحضيني (1)في «هدايته» قال: حدّثني هارون (2)بن مسلم بن سعدان البصري، و محمّد بن أحمد البغدادي (3)، و أحمد بن إسحاق، و سهل بن زياد الأدمي و عبد اللّه بن جعفر (4)، عن عدّة من المشايخ الثقات الّذين كانوا مجاورين للإمامين عليهما السلام عن سيّدنا أبي الحسن و أبي محمّد «ع» قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد أن يخلق الإمام أنزل قطرة من ماء الجنّة في ماء من
ص:161
المزن فتسقط في ثمار الأرض (1)فيأكلها الحجّة في الزمان فإذا استقرّت في الموضع الّذي تستقرّ فيه فيمضي له أربعون يوما يسمع الصوت، فإذا تمّت له أربعة أشهر و قد كتب على عضده الأيمن وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (2)فاذا ولد قام بأمر اللّه و رفع له عمود من نور في كلّ مكان ينظر فيه إلى الخلائق و أعمالهم و ينزل أمر اللّه إليه في ذلك العمود نصب عينيه حيث تولّى و نظر.
قال أبو محمّد عليه السلام دخلت على عمّاتي فرأيت جارية من جواريهنّ قد زيّنت تسمى نرجس فنظرت إليها نظرا أطلته فقالت لي عمّتي حكيمة: يا سيّدي تنظر إلى هذه الجارية نظرا شديدا فقلت لها: يا عمّة ما نظري إليها إلاّ نظر التعجّب مما للّه فيها من إرادته و خيرته قالت: يا سيّدي أحسبك تريدها، فأمرتها أن تستأذن أبي علي بن محمد عليهما السلام في تسليمها إليّ ففعلت فأمرها عليه السلام بذلك فجاءتني بها (3).
2-قال الحسين بن حمدان، و حدّثني من أثق به من المشايخ عن حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا عليهما السلام قال: كانت حكيمة تدخل على أبي محمّد عليه السلام فتدعو له أن يرزقه اللّه ولدا و أنّها قالت: دخلت عليه فقلت له كما أقول، و دعوت له كما كنت أدعو له.
فقال: يا عمّة أما إن الذي تدعين اللّه أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة، و كانت ليلة الجمعة لثمان ليال خلون من شعبان سنة سبع و خمسين و مائتين،
ص:162
فاجعلي إفطارك عندنا فقلت: يا سيّدي ممّن يكون هذا الولد العظيم؟ فقال: من نرجس يا عمّة قالت: فقلت له: يا سيّدي ما في جواريك أحبّ إليّ منها، و قمت و دخلت عليها و كنت إذا دخلت فعلت بي كما كانت تفعل فانكببت على يديها (1)فقبّلتهما و منعتها ممّا كانت تفعل فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها، فقالت لي: فديتك فقلت لها: أنا فداك و جميع العالمين فأنكرت ذلك، فقلت: لا تنكري فإنّ اللّه سيهب لك في هذه الليلة غلاما سيّدا في الدنيا و الآخرة و هو فرج المؤمنين فاستحيت فتأمّلتها فلم أر فيها أثر حمل.
فقلت لسيّدي أبي محمّد عليه السلام: ما أرى بها حملا فتبسّم عليه السلام ثمّ قال: إنّا معاشر الأوصياء ليس نحمل في البطون و إنّما نحمل بالجنوب و لا نخرج من الأرحام و إنّما نخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا لأننا نور اللّه الّذي لا تناله الدناسات، فقلت له: يا سيّدي لقد أخبرتني أنّه يولد في هذه الليلة ففي أيّ وقت منها؟ فقال لي: في طلوع الفجر يولد الكريم على اللّه إن شاء اللّه.
قالت حكيمة: فأقمت فأفطرت و نمت بالقرب من نرجس، و بات أبو محمّد عليه السلام في صفّة في تلك الدار التي نحن فيها، فلمّا ورد وقت صلاة الليل قمت و نرجس نائمة ما بها أثر ولادة، فأخذت في صلاتي ثمّ أوترت فأنا في الوتر حتّى وقع في نفسي أنّ الفجر قد طلع و دخل في قلبي شيء فصاح أبو محمّد عليه السلام من الصّفة الثانية لم يطلع الفجر يا عمّة فأسرعت الصلاة و تحرّكت نرجس فدنوت منها و ضممتها إليّ و سمّيت عليها ثمّ قلت لها: هل تحسّين شيء؟ فقالت: نعم.
فوقع عليّ سبات لم أتمالك معه أن نمت و وقع على نرجس مثل ذلك
ص:163
فنامت فلم أنتبه إلاّ بحسّ سيدي المهدي عليه السلام و صيحة أبي محمد عليه السلام يقول: يا عمّة هاتي إليّ ابني فقد قبّلته فكشفت عن سيّدي عليه السلام فإذا به ساجدا مبلغ الأرض بمساجده و على ذراعه الايمن مكتوب: جاءَ اَلْحَقُّ وَ زَهَقَ اَلْباطِلُ إِنَّ اَلْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فضممته إليّ فوجدته مفروغا منه، و لففته في ثوب و حملته إلى أبي محمّد عليه السلام فأخذه و أقعده على راحته اليسرى و جعل راحته اليمنى على ظهره ثمّ أدخل لسانه في فيه و أمرّ يده على ظهره و سمعه و مفاصله ثم قال له: تكلّم يا بنيّ فقال: أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه و أنّ عليا أمير المؤمنين ثمّ لم يزل يعدّد السّادة عليهم السلام إلى أن بلغ الى نفسه و دعا لأوليائه بالفرج على يده ثمّ أحجم.
ثم قال أبو محمّد عليه السلام يا عمّة اذهبي به إلى امّه ليسلّم عليها و ائتيني به، فمضيت به فسلّم عليها و رددته إليه ثمّ وقع بيني و بين أبي محمد عليه السلام كالحجاب فلم أر سيّدي فقلت له: يا سيّدي أين مولانا؟ فقال عليه السلام: أخذه منّي من هو أحقّ به منك، فإذا كان اليوم السّابع فأتينا.
فلمّا كان في اليوم السّابع جئت فسلّمت ثمّ جلست، فقال عليه السلام:
هلمّي بابني فجئت لسيّدي و هو في ثياب صفر ففعل به كفعاله الأوّل و جعل عليه السلام لسانه في فيه ثم قال له: تكلّم يا بنيّ، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و ثنّى بالصلاة على محمّد و أمير المؤمنين و الأئمّة عليهم السلام حتى وقف على أبيه.
ثم قرأ: بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).
ص:164
ثم قال له: اقرأ يا بنيّ مما أنزل اللّه على أنبيائه و رسله، فابتدأ بصحف آدم فقرأها بالسريانية و كتاب إدريس، و كتاب نوح، و كتاب هود، و كتاب صالح، و صحف إبراهيم، و توراة موسى، و زبور داوود، و إنجيل عيسى، و فرقان محمّد جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ قصّ قصص النبيّين و المرسلين إلى عهده، فلمّا كان بعد أربعين يوما دخلت عليه إلى دار أبي محمّد عليه السلام فإذا مولانا الصّاحب يمشي في الدار فلم أر وجها أحسن من وجهه عليه السلام و لا لغة أفصح من لغته، فقال لي أبو محمّد «ع» : هذا المولود الكريم على اللّه، قلت له: سيّدي له أربعون يوما و أنا من أمره ما أرى (1).
فقال عليه السلام: يا عمّتي أ ما علمت أنّا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في جمعة (2)؟ و ننشأ في الجمعة ما ينشأ غيرنا في السنة، فقمت فقبّلت رأسه و انصرفت و عدت و تفقّدته فلم أره فقلت لسيّدي أبي محمّد عليه السلام: ما فعل مولانا؟ فقال: يا عمّة استودعناه الّذي استودع موسى عليه السلام.
ثم قال عليه السلام: لمّا وهب لي ربّي مهديّ هذه الامّة ارسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقف (3)بين يدي اللّه عزّ و جلّ فقال له: مرحبا بك عبدي لنصرة ديني (4)و مهديّ عبادي آليت أنّي بك آخذ و بك اعطي و بك أغفر و بك أعذّب، اردداه أيّها الملكان على أبيه (5)ردّا رفيقا و أبلغاه إنّه في ضماني و كنفي و بعيني إلى أن احقّ به الحقّ و ازهق به الباطل و يكون الدّين لي
ص:165
واصبا.
ثمّ قالت: لمّا سقط من بطن امّه إلى الأرض وجد جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه ثمّ عطس فقال: الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله عبدا ذاكرا للّه غير مستنكف و لا مستكبر.
ثم قال عليه السلام: زعمت الظلمة أنّ حجة اللّه داحضة، لو أذن اللّه لي في الكلام لزال الشكّ. (1)
ص:166
في قراءته عليه السلام حال الولادة
1-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، قال: حدّثنا أبو المفضّل (1)محمّد ابن عبد اللّه قال: حدّثني محمّد (2)بن إسماعيل الحسني، عن حكيمة ابنة محمّد ابن عليّ الرّضا عليهما السلام: أنّها قالت: قال لي الحسن بن عليّ العسكريّ عليهما السلام ذات ليلة أو ذات يوم: احبّ أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنّه يحدث في هذه الليلة أمر، فقلت: و ما هو؟ قال عليه السلام: إنّ القائم من آل محمد يولد في هذه الليلة فقلت: ممّن؟ قال: من نرجس، فصرت إليه و دخلت عليّ الجواري و كان أوّل من تلقتني نرجس فقالت: يا عمّة كيف أنت أنا أفديك؟ فقلت لها: بل أنا أفديك يا سيّدة نساء هذا العالم، فخلعت خفّي و جاءت لتصبّ على رجلي الماء فحلفتها الاّ تفعل و قلت لها: إنّ اللّه قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه الليلة، فرأيتها لمّا قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار و الهيبة، و لم أر بها حملا و لا أثر حمل، فقالت: أيّ وقت يكون ذلك؟ فكرهت أن أذكر وقتا بعينه فأكون قد كذبت، فقال لي أبو محمّد عليه السلام: في الفجر الأوّل.
فلمّا أفطرت و صلّيت و وضعت رأسي و نمت و نامت نرجس معي في
ص:167
المجلس ثمّ انتبهت وقت صلاتنا فتأهبت، و انتبهت نرجس و تأهبت، ثمّ إنّي صلّيت و جلست أنتظر الوقت و نام الجواري و نامت نرجس.
فلما نظرت (1)ان الوقت قد قرب خرجت فنظرت الى السماء و إذا الكواكب قد انحدرت، و إذا هو قريب من الفجر الأوّل ثمّ عدت، فكأنّ الشيطان خبّث قلبي قال أبو محمّد عليه السلام: لا تعجلي فكأنّه قد كان.
و قد سجدت فسمعته يقول في دعائه شيئا لم أدر ما هو و وقع عليّ السبات في ذلك الوقت فانتبهت بحركة الجارية فقلت لها: بسم اللّه عليك فسكنت إلى صدري فرمت به عليّ و خرت ساجدة فسجد الصبيّ و قال: لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه و عليّ حجة اللّه و ذكر إماما إماما حتّى انتهى إلى أبيه، فقال أبو محمّد عليه السلام: هاتي ابني فذهبت لاصلح منه شيئا، فإذا هو مسوّى مفروغ عنه، فذهبت به إليه فقبّل وجهه و يديه و رجليه و وضع لسانه في فمه و زقّه كما يزقّ الفرخ.
ثمّ قال: اقرأ، فبدأ بالقرآن من بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى آخره ثمّ إنه دعا بعض الجواري ممّن علم أنّها تكتم خبره فنظرت ثم قال: سلّموا عليه و قبّلوه و قولوا: استودعناك اللّه و انصرفوا.
ثم قال: يا عمّة ادعي لي نرجس، فدعوتها و قلت لها: إنما يدعوك لتودعيه فودّعته، و تركناه مع أبي محمّد عليه السلام ثمّ انصرفنا، ثمّ إنّي صرت إليه من الغد فلم أره عنده فهنيّته، فقال: يا عمّة هو في وداع اللّه إلى أن يأذن اللّه في خروجه (2).
ص:168
في أنّه مكتوب على ذراعه الأيمن جاء الحق و زهق الباطل
1-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال:
حدّثنا أبو عليّ محمد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن جعفر، عن أبي نعيم (1)، عن محمّد بن القاسم العلوي (2)قال: دخلنا جماعة من العلويّة على حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى فقالت: جئتم تسألوني عن ميلاد وليّ اللّه؟ قلنا، بلى و اللّه، قالت: كان عندي البارحة و أخبرني بذلك و أنّه كانت عندي صبيّة يقال لها: نرجس و كنت أربّيها من بين الجواري و لا يلي تربيتها غيري إذ دخل أبو محمّد عليه السلام عليّ ذات يوم فبقي يلحّ النظر إليها فقلت:
يا سيّدي هل فيها من حاجة؟ فقال: إنّا معاشر الأوصياء لسنا ننظر نظرة ريبة و لكنّا ننظر تعجبا إنّ المولود الكريم على اللّه يكون منها.
قالت: قلت: يا سيّدي فأروح بها إليك؟ قال: استأذني أبي في ذلك، فصرت إلى أخي عليه السلام فلمّا دخلت عليه تبسّم ضاحكا، قال: يا حكيمة
ص:169
جئت تستأذنيني في أمر الصبيّة ابعثي بها إلى أبي محمّد فإنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ أن يشركك في هذا الأجر، فزيّنتها و بعثت بها إلى أبي محمّد عليه السلام، فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها تقوم فتقبّل جبهتي فأقبّل رأسها و تقبّل يدي و أقبل رجليها و تمدّ يدها إلي خفّي لتنزعه فأمنعها من ذلك، و اقبّل يدها إجلالا و إكراما للمحلّ الّذي أحله اللّه فيها.
فكنت بعد ذلك إلى أن مضى أخي أبو الحسن عليه السلام فدخلت على أبي محمّد عليه السلام ذات يوم فقال: يا عمّتاه فإنّ المولود الكريم على اللّه سيولد ليلتنا هذه، فقلت: يا سيّدي في ليلتنا هذه؟ قال: نعم فقمت إلى الجارية فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها حملا فقلت: يا سيّدي ليس بها حمل، فتبسّم عليه السلام ضاحكا و قال يا عمّتاه إنّا معاشر الأوصياء ليس يحمل بنا في البطون و لكن نحمل في الجنوب.
فلمّا جنّ الليل صرت إليه، فأخذ أبو محمّد عليه السلام محرابه، فأخذت محرابها فلم يزالا يحييان الليل و عجزت عن ذلك، فكنت مرّة أنام و مرّة أصلّي إلى آخر الليل فسمعتها آخر الليل في القنوت لمّا انفتلت من الوتر مسلّمة صاحت يا جارية الطست، فجاءت بالطست فقدّمته إليها فوضعت صبيا كأنّه فلقة قمر على ذراعه الأيمن مكتوب: جاءَ اَلْحَقُّ وَ زَهَقَ اَلْباطِلُ إِنَّ اَلْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (1)و ناغاه ساعة حتّى استهلّ و عطس، و ذكر الأوصياء قبله حتى بلغ إلى نفسه و دعا لأوليائه على يده الفرج.
ثمّ وقعت ظلمة بيني و بين أبي محمّد عليه السلام فلم أره، فقلت يا سيّدي أين الكريم على اللّه قال: أخذه من هو أحقّ به، فقمت و انصرفت إلى منزلي فلم أره، و بعد أربعين يوما دخلت دار أبي محمّد عليه السلام فإذا أنا بصبيّ يدرج
ص:170
في الدار فلم أر وجها أصبح (1)من وجهه، و لا لغة فصح من لغة، و لا نغمة أطيب من نغمته، فقلت: يا سيّدي من هذا الصبيّ؟ ما رأيت أفصح وجها و لا افصح لغة منه و لا اطيب نغمة منه قال: هذا المولود الكريم على اللّه، قلت يا سيّدي و له أربعون يوما و أنا ادري (2)من أمره هذا قالت: فتبسّم ضاحكا و قال: يا عمّتاه أ ما علمت أنّا معاشر الأوصياء ننشئوا في اليوم ما ينشأ غيرنا في الجمعة و ننشئوا في الجمعة ما ينشأ غيرنا في الشهر و ننشئوا في الشهر ما ينشأ غيرنا في السنّة فقمت و قبّلت رأسه و انصرفت إلى منزلي ثمّ عدت فلم أره.
فقلت: يا سيّدي يا أبا محمّد لست أرى المولود الكريم على اللّه قال:
استودعناه من استودعته أمّ موسى و انصرفت و ما كنت أراه إلاّ كل أربعين يوما، و كان اللّيلة الّتي ولد فيها ليلة جمعة لثمان ليال خلون من شعبان سنة سبع و خمسين و مأتين من الهجرة، و يروى ليلة الجمعة النصف من شعبان سنة سبع (3).
ص:171
ص:172
في قراءته القرآن في بطن أمه و سجوده عقيب
الولادة و اشراق النور و غير ذلك من براهينه
1-الراوندي في «الخرائج و الجرائح» قالت حكيمة: دخلت يوما على أبي محمّد عليه السلام فقال: يا عمّة بيتي الليلة عندنا فإنّ الليلة سيظهر الخلف فيها، قلت: و ممّن؟ قال: من نرجس، قلت: فلست أرى بنرجس حملا، قال:
يا عمّة إنّ مثلها كمثل أمّ موسى لم يظهر حملها (1)بها إلاّ وقت ولادتها فبتّ أنا و هي في بيت، فلمّا انتصف الليل صلّيت أنا و هي صلاة الليل، فقلت في نفسي:
قد قرب الفجر و لم يظهر ما قال أبو محمّد عليه السلام؟ ! فناداني من الحجرة لا تعجلي، فرجعت إلى البيت (2)خجلة فاستقبلتني نرجس ترتعد، فضممتها الى صدري و قرأت عليها: «قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ» و «إِنّا أَنْزَلْناهُ» و «آية الكرسي» ، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي، و أشرق نور في البيت، فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجدا للّه تعالى إلى القبلة فأخذته فناداني أبو محمّد من الحجرة هلمّي بابني إليّ يا عمة، قالت: فأتيته به، فوضع لسانه في فيه، و أجلسه على
ص:173
فخذه و قال: انطق باذن اللّه تعالى يا بنيّ.
فقال: اعوذ باللّه السميع العليم من الشّيطان الرجيم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).
و صلّى اللّه على محمّد المصطفى، و عليّ المرتضى، و فاطمة الزّهراء، و الحسن، و الحسين، و عليّ بن الحسين، و محمّد بن عليّ، و جعفر بن محمّد، و موسى بن جعفر، و عليّ بن موسى، و محمّد بن عليّ، و عليّ بن محمّد، و الحسن بن علي أبي.
قالت حكيمة: و غمرتنا طيور خضر، فنظر أبو محمد إلى طائر منها فدعاه فقال له: فاحفظه حتّى يأذن اللّه فيه، فإنّ اللّه بالغ أمره، قالت حكيمة: فقلت لأبي محمّد عليه السلام ما هذا الطائر و ما هذه الطيور؟ قال: هذا جبرئيل و هذه ملائكة الرّحمة.
ثم قال لي: يا عمّة ردّيه إلى امّه كي تقرّ عينها و لا تحزن و لتعلم أنّ وعد اللّه حقّ و لكن أكثرهم لا يعلمون (2)، فرددته إلى امّه قالت حكيمة: و لمّا ولد كان نظيفا مفروغا منه، و على ذراعه الأيمن مكتوب: جاءَ اَلْحَقُّ وَ زَهَقَ اَلْباطِلُ إِنَّ اَلْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (3). (4)
ص:174
في سجوده عليه السلام حال ولادته
1-الشيخ الطوسي في «كتاب الغيبة» قال: أخبرني ابن أبي جيّد (1)عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار محمد بن الحسن القمي عن أبي عبد اللّه المطهّري عن حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام، قالت: بعث إليّ أبو محمّد عليه السلام سنة خمس و خمسين و مائتين في النصف من شعبان و قال: يا عمّة اجعلي الليلة إفطارك عندي، فإنّ اللّه عزّ و جلّ سيسرّك بوليّه و حجّته على خلقه، خليفتي من بعدي، قالت حكيمة: فتداخلني بذلك سرور شديد، و أخذت ثيابي و خرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمّد عليه السلام و هو جالس في صحن داره و جواريه حوله.
فقلت: جعلت فداك يا سيّدي الخلف ممّن هو؟ قال: من سوسن فأدرت طرفي فيهنّ فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن.
قالت حكيمة: فلمّا صليت المغرب و العشاء الآخرة أتيت بالمائدة فأفطرت أنا و سوسن و بايتّها في بيت واحد، فغفوت غفوة (2)ثمّ استيقظت فلم أزل متفكّرة فيما و عدني أبو محمّد عليه السلام في أمر وليّ اللّه، فقمت قبل
ص:175
الوقت الّذي كنت أقوم في كلّ ليلة للصلاة، فصلّيت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعة و خرجت و أسبغت الوضوء، ثمّ عادت فصلّت صلاة الليل و بلغت إلى الوتر، فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب، فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأوّل قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد عليه السلام فناداني من حجرته: لا تشكّي فإنّك بالأمر الساعة (1)قد رأيته إن شاء اللّه.
قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمّد عليه السلام و ممّا وقع في قلبي و رجعت إلى البيت و أنا خجلة فإذا هي قد قطعت الصلاة و خرجت فزعة، فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت (2)هل تحسّين شيئا؟ قالت: نعم يا عمّة إنّي لأجد أمرا شديدا قلت: لا خوف عليك إن شاء اللّه.
فأخذت و سادة فألقيتها في وسط البيت فأجلستها عليها، و جلست منها حيث تجلس المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفّي و غمزت غمزا (3)شديدا ثم أنت أنّه و تشهّدت و نظرت تحتها، فإذا أنا بولي اللّه متلقّيا الأرض ساجدا (4)فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري فاذا هو نظيف مفروغ منه فناداني أبو محمّد عليه السلام يا عمّة هلمّي فإيتيني بابني فأتيته به، فتناوله و أخرج لسانه فمسحه على عينيه ففتحهما، ثمّ أدخل يده في فيه فحنّكه، ثم أذّن في اذنيه و أجلسه على راحته اليسرى فاستوى وليّ اللّه جالسا، فمسح يده على رأسه و قال له: يا بنيّ انطق بقدرة اللّه فاستعاذ وليّ اللّه من الشيطان الرجيم و استفتح.
بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي
ص:176
اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1)و صلّى على رسول اللّه و أمير المؤمنين و الأئمّة عليهم السلام واحدا واحدا حتى انتهى إلى أبيه، فناولنيه أبو محمّد عليه السلام و قال: يا عمّة ردّيه إلى امّه كي تقرّ عينها و لا تحزن و لتعلم انّ وعد اللّه حقّ و لكن أكثر الناس لا يعلمون (2)فرددته إلى أمّه و قد انفجر الفجر الثاني فصلّيت الفريضة و عقّبت إلى أن طلعت الشمس ثمّ ودّعت أبا محمّد عليه السلام و انصرفت إلى منزلي.
فلمّا كان بعد ثلاث اشتقت إلى وليّ اللّه فصرت إليهم فبدأت بالحجرة الّتي كانت سوسن فيها فلم أر أثرا و لا سمعت ذكرا، فكرهت أن أسأل فدخلت على أبي محمّد عليه السلام فاستحييت أن أبدأه بالسّؤال، فبدأني فقال: يا عمّة هو في كنف اللّه و حرزه و ستره و غيبه (3)حتى يأذن اللّه و اذا غيّب اللّه شخصي و توفّاني و رأيت شيعتي قد اختلفوا: فأخبري الثقات منهم، و ليكن عندك و عندهم مكتوما، فإنّ وليّ اللّه يغيّبه اللّه عن خلقه (4)فلا يراه احد حتى يقدّم له جبرئيل عليه السلام فرسه ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا. (5)
ص:177
ص:178
في فقد القابلة له عليه السلام من كفها
1-الشيخ أيضا في «كتاب الغيبة» عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن علي الرّازي (1)، عن محمّد بن علي، عن حنظلة ابن زكريا (2)، قال: حدّثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب، و كان عاميّا بمحل النصب لأهل البيت عليهم السلام يظهر ذلك و لا يكتمه، و كان صديقا لي يظهر مودّة بما فيه من طمع أهل العراق (3)فيقول كلّما لقيني: لك عندي خبر تفرح به و لا أخبرك به، فأتغافل عنه إلى أن جمعني و إيّاه موضع خلوة، فاستقصيت عليه و سألته أن يخبرني به.
فقال: كانت دورنا بسرّمن رأى مقابل دار ابن الرضا، يعني أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام، فغبت عنها دهرا طويلا إلى قزوين و غيرها، ثمّ قضي لي الرّجوع إليها فلمّا وافيتها و قد كنت فقدت جميع من خلّفته فيها من أهلي و قراباتي إلاّ عجوزا كانت ربّتني، و لها بنت معها، و كانت من طبع الأوّل مستورة صائنة لا تحسن الكذب، و كذا مواليات لنا بقين في الدّار، فأقمت
ص:179
عندهنّ أياما ثم أردت الخروج (1)فقالت العجوز: كيف تستعجل الانصراف و قد غبت زمانا فأقم عندنا لنفرح بمكانك فقلت لها على جهة الهزء: أريد أن أصير إلى كربلاء و كان الناس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة فقالت:
يا بنيّ أعيذك باللّه أن تستهين بما ذكرت أو تقوله على وجه الهزء فإنّي أحدّثك بما رأيته يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين.
كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز و معي ابنتي و أنا بين النائمة و اليقظانة إذ دخل رجل حسن الوجه نظيف الثياب طيّب الرّائحة فقال: يا فلانة يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران فلا تمتنعي من الذهاب معه و لا تخافي، ففزعت و ناديت ابنتي و قلت لها: هل شعرت بأحد دخل البيت، فقالت: لا، فذكرت اللّه و قرأت و نمت و جاء الرّجل بعينه و قال: مثل قوله، ففزعت و صحت بابنتي، فقالت: لم يدخل البيت أحد فاذكري اللّه و لا تفزعي فقرأت و نمت.
فلمّا كان في الليلة الثّالثة (2)جاء الرّجل فقال: يا فلانة قد جاءك من يدعوك و يقرع الباب فاذهبي معه، و سمعت دقّ الباب فقمت وراء الباب و قلت:
من هذا؟ فقال: افتحي و لا تخافي، فعرفت كلامه ففتحت الباب، فإذا خادم معه إزار، فقال: يحتاج إليك بعض الجيران في حاجة مهمّة فادخلي، و لفّ رأسي بالملاءة (3)و أدخلني الدار و أنا أعرفها، فإذا شقاق (4)مسدودة (5)وسط الدار و رجل قاعد بجنب الشقاق، فرفع الخادم طرفه فدخلت، و إذا امرأة قد أخذها الطلق و امرأة قاعدة خلفها كأنها تقبلها.
ص:180
فقالت المرأة: تعينينا فيما نحن فيه، فعالجتها بما يعالج به مثلها، فما كان إلاّ قليل حتى سقط غلام فأخذته بكفّي (1)و صحت: غلام غلام، و أخرجت رأسي من طرف الشقاق أبشر الرجل القاعد، فقال لي: لا تصيحي، فلمّا رددت وجهي للغلام (2)قد كنت فقدته من كفّي فقالت لي المرأة القاعدة: لا تصيحي، و أخذ الخادم بيدي و رجعت و لفّ رأسي بالملاءة و أخرجني من الدّار و ردّني إلى داري و ناولني صرّة و قال لي: لا تخبري أحدا بما رأيت.
فدخلت الدّار و رجعت إلى فراشي في هذا البيت و ابنتي نائمة بعد فأيقظتها و سألتها هل علمت بخروجي و رجوعي؟ فقالت: لا و فتحت الصرّة في ذلك الوقت فإذا فيها عشرة دنانير، و ما أخبرت بهذا أحدا إلاّ في هذا الوقت لمّا تكلمت بهذا الكلام على حدّ الهزء فحذرتك (3)إشفاقا عليك فإنّ لهؤلاء القوم عند اللّه عز و جل شأنا و منزلة و كلّما يدّعونه حقّ، قال: فعجبت من قولها و صرفته إلى السخرية و الهزء و لم أسألها عن الوقت غير أنّي أعلم يقينا أنّي غبت عنهم في سنة نيف و خمسين في مائتين و رجعت إلى سرّ من رأى في وقت أخبرتني العجوز في سنة إحدى و ثمانين و مائتين في وزارة عبيد (4)اللّه بن سليمان لمّا قصدته.
قال حنظلة: فدعوت بأبي الفرج المظفّر بن أحمد حتى سمع معي هذا الخبر. (5)
ص:181
ص:182
في النور الساطع حال ولادته عليه السلام و حمده اللّه و صلواته
على محمد و آله الطاهرين و تمسح الملائكة به
1-ابن بابويه قال: حدّثني محمّد بن علي ماجيلويه رحمه اللّه، قال:
حدّثنا محمّد بن يحيى العطار قال: حدّثني أبو عليّ الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد عليه السلام فلمّا أغار جعفر الكذّاب على الدّار جاءته فارّة من جعفر فتزوّج بها، قال أبو علي: فحدّثتني أنّها حضرت ولادة السيّد عليه السلام و أنّ اسم أمّ السيّد صقيل و أنّ أبا محمّد عليه السلام حدّثها بما يجري على عياله فسألته أن يدعو اللّه عزّ و جلّ لها بأن يجعل منيّتها قبله، فماتت قبله في حياة أبي محمّد عليه السلام و على قبرها لوح عليه مكتوب: هذا قبر أمّ محمّد.
قال أبو عليّ: و سمعت هذه الجارية تذكر أنّه لمّا ولد السيّد عليه السلام رأت له نورا ساطعا قد ظهر منه و بلغ افق السّماء، و رأت طيورا بيضاء تهبط من السماء و تمسح أجنحتها على رأسه و وجهه و ساير جسده، ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد عليه السلام بذلك فضحك، ثمّ قال: تلك ملائكة السماء نزلت للتبرّك به و هي أنصاره إذا خرج. (1)
2-حدّثنا محمّد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي اللّه عنه، قال:
ص:183
حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السّلام. قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن خليلان قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن جدّه، عن غياث (1)بن أسد، قال: سمعت محمّد (2)بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه قال: لمّا ولد الخلف المهديّ صلوات اللّه عليه سطع نور من فوق رأسه الى عنان السّماء ثمّ سقط لوجهه ساجدا لربّه تعالى ذكره، ثمّ رفع رأسه و هو يقول: شَهِدَ اَللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ اَلْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اَللّهِ اَلْإِسْلامُ (3)قال: و كان مولده ليلة الجمعة. (4)
3-و عنه بهذا الإسناد عن محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه أنّه قال: ولد السيّد عليه السلام مختونا، و سمعت حكيمة تقول: لم ير بأمّه دم في نفاسها و هكذا سائر (5)امّهات الأئمّة صلوات اللّه عليهم. (6)
4-و عنه قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان، عن محمد (7)بن الحسين بن يزيد، عن أبي أحمد (8)محمّد بن زياد الأزدي قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: لمّا ولد الرّضا عليه
ص:184
السلام: إنّ ابني هذا ولد مختونا طاهرا مطهّرا و ليس أحد من الأئمة يولد إلاّ مختونا طاهرا مطهرا، و لكنّا سنمرّ الموسى عليه لإصابة السنّة و اتّباع الحنيفية. (1)
5-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، و أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، قالا: حدّثنا الحسن (2)بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمد ابن عبد اللّه بن موسى بن جعفر عليه السلام عن السيّاري (3)قال: حدّثتني نسيم و مارية قالتا: إنّه لمّا سقط صاحب الزّمان عليه السلام من بطن امّه سقط جاثيا على ركبتيه، رافعا سبّابتيه إلى السماء، ثم عطس فقال: الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمد و آله: زعمت الظلمة أنّ حجة اللّه داحضة و لو اذن لنا في الكلام لزال الشكّ. (4)
6-قال إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه: و حدثتني نسيم خادم أبي محمّد عليه السلام قالت: قال لي صاحب الزّمان عليه السلام و قد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده فقال لي: يرحمك اللّه، قالت نسيم: ففرحت بذلك، فقال عليه السلام: أ لا ابشّرك في العطاس؟ قلت: بلى يا مولاي، قال: هو أمان من الموت ثلاثة أيّام.
و حديث إبراهيم بن محمد هذا عن نسيم رواه أيضا الشيخ الطوسي في
ص:185
كتاب الغيبة. (1)
7-و عنه بإسناده عن إبراهيم بن محمّد العلوي قال: حدّثني ظريف أبو نصر قال: دخلت على صاحب الزمان عليه السلام فقال: عليّ بالصندل الأحمر فأتيته به، ثمّ قال: أ تعرفني؟
قلت: نعم، قال: من أنا؟
فقلت: أنت سيّدي و ابن سيّدي، فقال: ليس عن هذا أسألك.
قال ظريف: قلت: جعلني اللّه فداك فبيّن لي.
قال: أنا خاتم الأوصياء بي يدفع اللّه عزّ و جلّ البلاء عن أهلي و شيعتي. (2)
ص:186
في ظهوره عليه السلام و غيبته في الحال و لم ير مع حضوره
1-ابن بابويه قال: حدثنا المظفر (1)بن جعفر بن المظفّر العلوي العمري قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه قال: حدثنا جعفر بن معروف (2)، عن ابي عبد اللّه البلخي (3)، عن محمّد بن صالح بن عليّ بن محمّد بن قنبر الكبير مولى الرضا عليه السلام قال: خرج صاحب الزّمان عليه السلام على جعفر الكذّاب من موضع لم يعلم به عند ما نازع في الميراث، بعد مضيّ أبي محمّد عليه السلام فقال: يا جعفر مالك تعرض في حقوقي؟ فتحيّر جعفر و بهت، ثمّ غاب عنه فطلبه جعفر بعد ذلك في الناس فلم يره، فلمّا ماتت الجدة أمّ الحسن أمرت أن تدفن في الدار فنازعه و قال: هي داري و لا تدفن فيها، فخرج عليه السلام فقال له: يا جعفر أ دارك هي؟ ثمّ غاب عنه فلم يره بعد ذلك. (4)
2-و عنه قال: حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي
ص:187
السمرقندي رحمه اللّه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد ابن مسعود العيّاشي قال: حدّثني آدم بن محمد البلخي (1)قال: حدّثني عليّ بن الحسن (2)بن هارون الدّقّاق قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبد اللّه بن القاسم بن إبراهيم بن الأشتر قال: حدّثني يعقوب (3)بن منقوش، قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام و هو جالس على دكّان (4)في الدّار، و عن يمينه بيت و عليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيّدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال:
ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك واضح الجبينين، أبيض الوجه، درّي (5)المقلتين، شثن (6)الكفين، معطوف (7)الركبتين، في خدّه الأيمن خال، و في رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد عليه السلام ثمّ قال لي هذا هو صاحبكم، ثمّ وثب فقال له: يا بني ادخل الى الوقت المعلوم فدخل البيت و أنا انظر إليه ثم قال لي: يا يعقوب انظر من في
ص:188
البيت؟ فدخلت فما رأيت أحدا. (1)
3-و عنه قال: حدّثنا أبو الحسن (2)عليّ بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت أبا الحسن (3)ابن وجناء يقول: حدّثني أبي عن جدّه أنّه كان في دار الحسن بن علي عليهما السلام قال فكبستنا الخيل (4)و فيهم جعفر الكذّاب بن عليّ بن محمّد عليه السلام فاشتغلوا بالنهب و الغارة و كان همّتي في مولاي القائم عليه السلام قال:
فإذا أنا به عليه السلام قد أقبل و خرج عليهم بالباب (5)و أنا أنظر إليه و هو عليه السلام ابن ستّ سنين، فلم يره أحد حتى غاب. (6)
4-و عنه قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال:
حدّثنا جعفر (7)بن محمّد بن مالك الكوفي، عن إسحاق (8)بن محمّد الصيرفي،
ص:189
عن يحيى بن المثنّى العطار، عن عبد اللّه بن بكير، عن عبيد بن زرارة، قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: يفقد الناس إما مهم فيشهد الموسم فيراهم و لا يرونه. (1)
5-و عنه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال:
حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الريّان بن الصلت قال: سمعته يقول: سئل أبو الحسن الرّضا عليه السلام عن القائم عليه السلام فقال: لا يرى جسمه و لا يذكر باسمه عليه السلام. (2)
ص:190
في انه عليه السلام صلى على ابيه عليه السلام
1-ابن بابويه بإسناده قال: حدّثنا أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام و احمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علّته الّتي توفي فيها صلوات اللّه عليه فكتب معي كتبا و قال: امض (1)بها إلى المدائن فإنّك ستغيب خمسة عشر يوما و تدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر و تسمع الواعية في داري و تجدني على المغتسل. قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي، فقلت: زدني. فقال: من يصلّي عليّ فهو القائم بعدي، فقلت: زدني. فقال عليه السلام: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي، ثم منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان.
و خرجت بالكتب إلى المدائن فأخذت جواباتها و دخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي عليه السلام فإذا أنا بالواعية في داره و اذا به على المغتسل و إذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدار، و الشيعة من حوله يعزّونه و يهنّئونه فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت حالة الإمامة (2)لأنّي كنت أعرفه بشرب النبيذ و يقامر في الجوسق (3)و يلعب بالطنبور فتقدّمت
ص:191
و عزّيت و هنّيت فلم يسألني عن شيء، ثمّ خرج عقيد فقال: يا سيّدي قد كفّن أخوك فقم فصلّ (1)عليه، فدخل جعفر بن عليّ، و الشيعة من حوله يقدمهم السمّان (2)، و الحسن بن علي (3)قتيل المعتصم المعروف بسلمة.
فلمّا صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات اللّه عليه على نعشه مكفّنا فتقدّم جعفر بن علي ليصلّي على أخيه فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة بشعره قطط (4)بأسنانه تفلّج (5)فجذب رداء جعفر بن عليّ، و قال:
«تأخّر يا عمّ و أنا أحقّ بالصّلاة على أبي» (6)فتأخّر جعفر و قد اربدّ (7)وجهه و اصفرّ فتقدّم الصبي فصلّى عليه و دفن إلى جانب قبر أبيه عليهما السلام.
ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب الّتي معك، فدفعتها إليه فقلت في نفسي: هذه ثنتان (8)بقي الهميان، ثمّ خرجت إلى جعفر بن علي و هو يزفر فقال له حاجز الوشّاء (9): يا سيّدي من الصبيّ ليقيم (10)عليه الحجة؟ فقال: و اللّه ما رأيته
ص:192
قطّ و لا أعرفه.
فنحن (1)جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن عليّ عليه السلام فعرفوا موته، فقالوا: فمن نعزّي؟ فأشار النّاس إلى جعفر بن عليّ، فسلّموا عليه و عزّوه و هنّؤه و قالوا: إنّ معنا كتبا و مالا فتقول ممّن الكتب؟ و كم المال؟ فقام ينفض أثوابه و قال: يريدون منّا أن نعلم الغيب؟ ! قال: فخرج الخادم (2)فقال: معكم كتب فلان و فلان، و هميان فيه ألف دينار و عشرة دنانير منها مطليّة (3)، فدفعوا إليه الكتب و المال و قالوا: الّذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام.
فدخل جعفر بن علي على المعتمد و كشف ذلك له، فوجّه المعتمد بخدمه قبضوا على صقيل (4)الجارية فطالبوها بالصبيّ فأنكرت و ادّعت حملا بها لتغطّي على حال الصبيّ، فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب (5)القاضي، و بغتهم موت عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان (6)فجأة، و خرج صاحب الزّنج (7)بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم، و الحمد للّه ربّ العالمين. (8)
ص:193
ص:194
في أنّه وصي أبيه عليه السلام و نصه عليه بالامامة
1-محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن بلال (1)، قال خرج إليّ من أبي محمّد عليه السلام قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده. (2)
2-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمد عليه السلام: جلالتك تمنعني من مسائلتك فتأذن لي أن أسألك؟
فقال: سل، فقلت: يا سيّدي هل لك ولد؟ فقال: نعم، فقلت: فإن حدث
ص:195
بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة. (1)
3-و عنه عن عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن محمد المكفوف، عن عمرو الأهوازي قال: أراني أبو محمد عليه السلام ابنه و قال: هذا صاحبكم من بعدي. (2)
4-و عنه عن عليّ بن محمّد، عن حمدان القلانسي (3)، قال: قلت للعمري (4): قد مضى أبو محمّد فقال لي: قد مضى و لكن قد خلّف فيكم من رقبته مثل هذه، و أشار بيده. (5)
5-و عنه عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد (6)بن محمّد بن عبد اللّه، قال: خرج عن أبي محمّد عليه السلام حين قتل الزّبيري لعنه اللّه (7): هذا جزاء من اجتراء على اللّه في أوليائه يزعم أنّه يقتلني و ليس لي عقب فكيف رأى قدرة اللّه فيه، و ولد له ولد سمّاه م ح م د (8)في سنة
ص:196
خمسين و مائتين. (1)
6-و عنه عن عليّ بن محمد، عن الحسين (2)و محمد ابني عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عليّ بن عبد الرّحمن العبدي-من عبد قيس-عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه قال: أتيت سامرّاء و لزمت باب أبي محمد عليه السلام فدعاني فدخلت عليه و سلّمت فقال: ما الذي أقدمك؟
قلت: رغبة في خدمتك، قال: فقال لي: الزم الباب، قال: فكنت في الدار مع الخدم ثمّ صرت أشتري لهم الحوائج من السّوق و كنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال.
قال: فدخلت يوما عليه و هو في دار الرّجال فسمعت حركة في البيت فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أن أدخل و لا أخرج، فخرجت عليّ جارية و معها شيء مغطّى، ثمّ ناداني: أدخل، فدخلت و نادى الجارية فرجعت إليه، فقال لها: اكشفي عمّا معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه و كشف عن بطنه فإذا شعر من لبّته (3)الى سرّته (4)أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثمّ أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمّد عليه السلام (5).
7-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي اللّه عنه قال:
ص:197
حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، قال: حدّثني محمد بن معاوية بن حكيم، و محمد بن أيّوب بن نوح، و محمد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن عليّ عليهما السلام ابنه عليه السلام و نحن في منزله، و كنّا أربعين رجلا، فقال: هذا إمامكم من بعدي و خليفتي أطيعوه و لا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا.
قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلاّ أيّام قلائل حتّى مضى أبو محمّد عليه السلام. (1)
8-و عنه قال: حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفر العلويّ السمرقندي رحمه اللّه قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمّد ابن مسعود العيّاشي، قال: حدّثنا آدم بن (2)محمّد البلخي، قال: حدّثني علي بن الحسن بن هارون الدقّاق، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبد اللّه بن القاسم بن إبراهيم بن الأشتر، قال: حدثني يعقوب بن منقوش قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام و هو جالس على دكّان (3)في الدار عن يمينه بيت، و عليه ستر مسبل (4)، فقلت له: يا سيّدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسي (5)له عشر أو ثمان أو نحو ذلك واضح الجبين،
ص:198
أبيض الوجه، دريّ (1)المقلتين، شثن (2)الكفين، معطوف الرّكبتين (3)في خدّه الأيمن خال و في رأسه ذؤابة (4)فجلس على فخذ أبي محمّد عليه السلام.
ثمّ قال لي: هذا هو صاحبكم ثمّ وثب فقال له: يا بني ادخل الى الوقت المعلوم فدخل البيت و أنا انظر إليه، ثمّ قال: يا يعقوب انظر من في البيت؟ فدخلت فما رأيت أحدا. (5)
9-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، أنّه خرج من أبي محمّد عليه السلام توقيع: «زعموا أنّهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، و قد كذّب اللّه قولهم، و الحمد للّه» . (6)
10-و عنه، عن محمد بن عبد اللّه الشيباني (7)قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني قال: حدّثنا علاّن (8)الرازي، قال: أخبرني بعض أصحابنا أنّه لمّا حملت جارية أبي محمّد عليه السلام قال: ستحملين ذكرا و اسمه م ح مّ د، و هو
ص:199
القائم من بعدي. (1)
11-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثني أبي عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، قال: حدّثني محمّد بن أحمد المدائني، عن أبي (2)غانم قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام يقول: في سنة مائتين و ستّين تفترق شيعتي، ففيها قبض أبو محمّد عليه السلام و تفرّقت شيعته و أنصاره، فمنهم من انتمى إلى جعفر، و منهم من تاه و شك، و منهم من وقف على تحيّره، و منهم من ثبت على دينه بتوفيق اللّه عز و جل. (3)
12-و عنه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر العلوي السّمرقندي قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود العيّاشي، عن أبيه، عن أحمد (4)بن عليّ بن كلثوم، عن عليّ بن أحمد الرّازي، عن أحمد (5)بن اسحاق بن سعد قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام يقول: الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدّنيا حتّى أراني الخلف بعدي أشبه الناس برسول اللّه خلقا و خلقا يحفظه اللّه تبارك و تعالى في غيبته ثمّ يظهره فيملأ الأرض قسطا و عدلا
ص:200
كما ملئت جورا و ظلما (1).
13-و عنه قال: حدثنا احمد بن محمد بن يحيى العطار قال: حدّثنا سعد ابن عبد اللّه، قال: حدّثني موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام يقول: كأنّي بكم و قد اختلفتم بعدي في الخلف منّي ألا إنّ المقرّ بالائمة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع أنبياء اللّه و رسله ثمّ انكر نبوّة محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم (2)، لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، و المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها النّاس إلاّ من عصمه اللّه. (3)
14-و عنه قال: حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه الشيباني، قال:
حدّثني أبو علي بن همّام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ و أنا عنده عن الخبر الّذي روي عن آبائه عليهم السلام أنّ الأرض لا تخلو من حجّة اللّه على خلقه إلى يوم القيامة، و أنّ من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
فقال عليه السلام: إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ.
فقيل له: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام و الحجة بعدك؟
فقال: ابني م ح م د و هو الإمام و الحجّة بعدي، من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، و يهلك فيها المبطلون، و يكذب
ص:201
فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة. (1)
15-و عنه قال: حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي اللّه به عنه قال:
حدثني ابو علي بن همام قال سمعت محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن عليّ عليه السلام و أنا عنده عن الخبر الّذي روي عن آبائه «أنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه على خلقه إلى يوم القيامة» و ساق الحديث الى آخره مثله. (2)
16-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (3)قال: دخلت على أبي محمّد الحسن ابن عليّ عليهما السلام و أنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئا:
يا أحمد بن إسحاق إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخل الأرض منذ خلق اللّه آدم و لا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة للّه على خلقه به يدفع البلاء عن أهل الأرض، و به ينزّل الغيث و به يخرج بركات الأرض.
قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام و الخليفة من بعدك؟ فنهض عليه السلام مسرعا و دخل البيت ثمّ خرج و على عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال: يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على اللّه عزّ و جلّ و على حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سميّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و كنيّه، الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا
ص:202
و ظلما.
يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الامّة مثل الخضر عليه السلام و مثله كمثل ذي القرنين، و اللّه ليغيبنّ غيبة لا ينجو بها من الهلكة إلاّ من ثبّته اللّه عز و جل على القول بإمامته و وفقه للدعاء بتعجيل فرجه.
فقال أحمد بن إسحاق: قلت له: يا مولاي هل من علامة يطمئنّ بها قلبي؟ فنطق الغلام بلسان عربيّ فصيح فقال: أنا بقيّة اللّه في أرضه، و المنتقم من أعدائه، و لا تطلب أثرا (1)بعد عين يا أحمد بن إسحاق.
فقال أحمد بن إسحاق: خرجت مسرورا فرحا فلمّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول اللّه لقد عظم سروري بما مننت عليّ به فما السنّة الجارية فيه من الخضر و ذي القرنين؟ قال: طول الغيبة يا أحمد، قلت له: يا ابن رسول اللّه و إنّ غيبته لتطول؟ قال: إي و ربي حتى يرجع عن هذا الأمر اكثر القائلين به فلا يبقى إلاّ من أخذ اللّه عز و جل عهده لولايتنا، و كتب في قلبه الإيمان و أيّده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من اللّه، و سرّ من سرّ اللّه، و غيب من غيب اللّه فخذ بما آتيتك و اكتمه و كن من الشاكرين تكن معنا في عليّين (2). (3)
ص:203
ص:204
في تسميته عليه السلام القائم و المنتظر و المهدي
1-ابن بابويه قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: حدّثنا حمدان بن سليمان قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام يقول: إنّ الامام بعدي ابني علي أمره أمري، و قوله قولي، و طاعته طاعتي، و الإمام (1)بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه، و قوله قول أبيه، و طاعته طاعة أبيه، ثمّ سكت فقلت له: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاء شديدا ثمّ قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر.
فقلت له: يا ابن رسول اللّه و لم سمّي القائم؟
قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره و ارتداد أكثر القائلين بإمامته.
فقلت له: و لم سمّي المنتظر؟
قال: لأن له غيبة يكثر أيّامها و يطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، و ينكره المرتابون، و يستهزىء بذكره الجاحدون، و يكذب فيها الوقّاتون، و يهلك فيها المستعجلون، و ينجو فيها المسلمون. (2)
ص:205
2-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد الدقاق و محمّد بن محمّد ابن عصام «رض» قالا: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدّثنا القاسم بن العلاء (1)، قال: حدّثنا إسماعيل الفزاري (2)، قال: حدّثنا محمّد بن جمهور القمي عن ابن أبي نجران عمّن ذكره، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام قلت: يا ابن رسول اللّه لم سمّي عليّ عليه السلام أمير المؤمنين، و هو اسم ما سمي به أحد قبله و لا يحلّ في (3)أحد بعده؟
قال: لأنّه ميرة العلم يمتار منه و لا يمتار من أحد غيره.
قال: فقلت: يا ابن رسول اللّه فلم سمّي سيفه ذا الفقار؟
فقال عليه السلام لأنّه ما ضرب به أحدا من خلق اللّه إلاّ أفقره في هذه الدنيا من أهله و ولده، و أفقره في الآخرة من الجنة.
قال: فقلت: يا ابن رسول اللّه كلّكم قائمون بالحق؟ (4)قال: بلى
قلت: فلم سمّي القائم قائما؟
قال: لمّا قتل جدي الحسين عليه السلام ضجّت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و النحيب، و قالوا: إلهنا و سيّدنا انتقم ممن قتل صفوتك و ابن صفوتك
ص:206
و خيرتك من خلقك، فأوحى اللّه عز و جل إليهم: قرّوا ملائكتي فو عزّتي و جلالي لأنتقمنّ منهم و لو بعد حين.
ثم كشف اللّه عزّ و جل عن الأئمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة فسرّت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلّي، فقال اللّه عز و جل: بذلك أنتقم منهم (1)
3-و عنه عن أبيه «ره» قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي الكوفي عن (2)عبد اللّه بن المغيرة عن سفيان بن (3)عبد المؤمن الأنصاري عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر عليه السلام و أنا حاضر، فقال: رحمك اللّه اقبض هذه الخمسمائة درهم فضعها في موضعها، فإنّها زكاة مالي، فقال له أبو جعفر عليه السلام: بل خذها أنت فضعه في جيرانك و الأيتام و المساكين و في إخوانك من المسلمين، إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا أهل البيت عليه السلام، فإنّه يقسّم بالسوية و يعدل في خلق الرحمن البرّ منهم و الفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع اللّه و من عصاه فقد عصى اللّه.
فإنّما سمّي المهدي لأنّه يهدي لأمر خفيّ يستخرج التوراة و سائر كتب اللّه من غار بأنطاكية فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، و بين أهل الإنجيل
ص:207
بالإنجيل، و بين أهل الزبور بالزّبور، و بين أهل الفرقان بالفرقان، و تجمع إليه أموال الدّنيا كلّها ما في بطن الأرض و ظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، و سفكتم فيه الدّماء، و ركبتم فيه محارم اللّه، فيعطى شيئا لم يعط أحد كان قبله.
قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هو رجل منّي اسمه كاسمي يحفظني اللّه فيه، و يعمل بسنّتي يملأ الأرض قسطا و عدلا و نورا بعد ما تمتلئ ظلما و جورا و سوءا. (1)
4-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، في «مسند فاطمة عليها السلام» (2)قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هرون بن موسى، عن أبيه قال: حدّثنا أبو علي الحسن بن محمد النّهاوندي (3)، قال: حدّثنا أبو محمّد عبد الكريم، عن أبي إسحاق الثقفي، قال: حدّثنا محمّد بن سليمان النخعي، قال: حدّثنا السري بن عبد اللّه (4)قال: حدّثنا محمّد بن علي (5)، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام قال: إنّما سمّي المهديّ (6)لأنّه يهدي لأمر خفيّ، يهدي ما في صدور النّاس، و يبعث إلى الرجل فيقتله، لا يدرى في أيّ شيء قتله، و يبعث ثلاثة
ص:208
راكب، قال: هي بلغة غطفان ركبان، أمّا راكب فيأخذ ما في أيدي أهل الذمّة من رقيق المسلمين فيعتقهم، و أمّا راكب فيظهر البراءة منهما يغوث و يعوق في أرض العرب و راكب يخرج التوراة من مغارة (1)بأنطاكية و يعطى حكم سليمان. (2)
ص:209
ص:210
في علمه عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد (1)رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي (2)، قال: حدّثنا محمّد بن (3)إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمّد بن سنان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ العلم بكتاب اللّه عز و جل و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لينبت في قلب مهديّنا كما ينبت الزرع (4)على أحسن نباته، فمن بقي منكم حتّى يلقاه فليقل حين يراه: السّلام عليكم يا أهل بيت الرّحمة و النبوة، و معدن العلم و موضع الرسالة.
و روي أنّ التسليم على القائم عليه السلام أن يقال: السلام عليك يا بقيّة اللّه في أرضه. (5)
ص:211
2-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن علي بن محمّد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي، قال: حدّثنا أحمد بن طاهر القمي، قال: حدّثنا محمّد بن بحر (1)بن سهل الشيباني، قال:
حدّثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد اللّه القمي (2)، قال: كنت امرأ لهجا (3)بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم و دقائقها، كلفا باستظهار ما يصحّ من حقائقها، مغرما (4)بحفظ مشتبهها و مستغلقها، شحيحا على ما أظفر به من معاضلها و مشكلاتها متعصبا لمذهب الامامية راغبا عن الأمن و السلامة في انتظار التنازع و التخاصم و التعدّي الى التباغض و التشاتم، معيّبا للفرق ذوي الخلاف، كاشفا عن مثالب أئمّتهم هتّاكا لحجب قادتهم، إلى أن بليت بأشدّ النّواصب منازعة، و أطولهم مخاصمة، و أكثرهم جدلا، و أشنعهم سؤالا، و أثبتهم على الباطل قدما.
فقال ذات يوم-و أنا اناظره-تبّا لك يا سعد و لأصحابك معاشر الرافضة
ص:212
تقصدون على المهاجرين و الأنصار بالطّعن عليهما و تجحدون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ولايتهما و إمامتهما، هذا الصدّيق الّذي فاق جميع الصّحابة بشرف سابقته، أ ما علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلاّ علما منه بأنّ الخلافة له من بعده، و أنه هو المقلّد لأمر التاويل و الملقى إليه أزمّة الامّة، و عليه المعوّل في شعب الصدع و لم الشعث و سدّ الخلل، و إقامة الحدود، و تسريب (1)الجيوش لفتح بلاد الشّرك فكما اشفق على نبوّته أشفق على خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه، و لمّا رأينا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متوجّها إلى الانجحار (2)و لم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بأبي بكر إلى الغار للعلّة التي شرحناها، و إنّما أبات عليّا عليه السلام على فراشه لما لم يكن ليكترث (3)له و لم يحفل به و لاستثقاله و لعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.
قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتّى فما زال يقصد كلّ واحد منها بالنقض و الردّ علي، ثم قال: يا سعد دونكها (4)اخرى بمثلها تخطم (5)آناف الروافض أ لستم تزعمون ان الصدّيق المبرّى عن دنس الشكوك؛ و الفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسرّان النفاق و استدللتم بليلة العقبة أخبرني عن الصّديق و الفاروق أ أسلما طوعا أو كرها؟
ص:213
قال سعد: فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي خوفا من الإلزام و حذرا من أني إن أقررت له بطوعيتهما بالإسلام احتجّ بأن بدءوا النفاق و نشؤه في القلب لا يكون إلاّ عند هبوب روائح القهر و الغلبة و اظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه نحو قول اللّه عز و جل: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا (1)و ان قلت: أسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذ لم يكن ثمّة سيوف منتضاة (2)كانت تريهما البأس.
قال سعد: فصدرت عنه مزوّرا (3)و قد انتفخت أحشائي من الغضب و تقطّع كبدي من الكرب، و كنت قد اتّخذت طومارا و أثبت فيه نيّفا و أربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن أسأل فيها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد عليه السلام فارتحلت خلفه، و قد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسرّمن رأى فلحقته في بعض المناهل، فلمّا تصافحنا قال: بخير لحاقك بي؟ قلت: الشوق ثمّ العادة في الأسئلة قال: قد تكافينا على هذه الخطّة الواحدة فقد برّح (4)بي القرم (5)إلى لقاء مولانا أبي محمّد عليه السلام و اريد أن أسأله عن معاضل في التاويل و مشاكل من التنزيل (6)، فدونكها الصحبة المباركة، فإنّها تقف بك على ضفّة بحر (7)لا تنقضي عجائبه
ص:214
و لا تفنى غرائبه و هو إمامنا.
فوردنا سرّ من رأى، فانتهينا منها إلى باب سيّدنا عليه السلام فاستأذنّا، فخرج علينا الآذن بالدخول عليه، و كان على عاتق أحمد بن اسحاق جراب (1)قد غطّاه بكساء طبريّ فيه مائة و ستّون صرّة من الدنانير و الدراهم، على كلّ صرّة منها ختم صاحبها.
قال سعد: فما شبّهت وجه مولانا أبي محمّد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلاّ ببدر قد استوفي من لياليه أربعا بعد عشر، و على فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة و المنظر، و على رأسه فرق (2)بين و فرتين (3)كأنّه ألف بين واوين، و بين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء اهل البصرة، و بيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئا قبض الغلام على أصابعه، فكان مولانا عليه السلام يدحرج الرمّانة بين يديه و يشغله بردّها كيلا يصدّه عن كتابة ما أراد، فسلّمنا عليه فألطف في الجواب و أومأ إلينا بالجلوس.
فلمّا فرغ من كتبه البياض الّذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيّ كسائه فوضعه بين يديه، فنظر الهادي عليه السلام (4)إلى الغلام و قال له:
يا بنيّ فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك و مواليك، فقال: يا مولاي أ يجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة و أموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟
فقال مولاي عليه السلام: يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميّز بين
ص:215
الحلال (1)و الحرام منها، فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: هذه لفلان ابن فلان من محلّة كذا بقم، تشتمل على اثنين و ستّين دينارا فيها من ثمن حجرة (2)باعها صاحبها و كانت إرثا له عن أبيه (3)خمسة و أربعون دينارا، و من أثمان تسعة (4)أثواب أربعة عشر دينارا، و فيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا عليه السلام: صدقت يا بنيّ دلّ الرّجل على الحرام منها.
فقال عليه السلام: فتش عن دينار رازيّ السكّة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه و قراضة آملية وزنها ربع دينار، و العلّة في تحريمها أنّ صاحب هذه الجملة (5)وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا و ربع منّ، فاتت على ذلك مدّة و في انتهائها قيّض لذلك الغزل سارقا (6)فأخبر به الحائك صاحبه فكذّبه و استردّ منه بعد ذلك منّا و نصف منّ غزلا أدق ممّا كان دفعه إليه و اتّخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه، فلمّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه و بمقدارها على حسب ما قال، و استخرج الدنانير و القراضة بتلك العلامة.
ثم أخرج صرّة اخرى فقال الغلام عليه السلام: هذه لفلان بن فلان من
ص:216
محلّة كذا بقم تشتمل خمسين دينارا لا يحلّ لنا لمسها (1)، قال: و كيف ذلك؟
قال: لأنّها ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة، و ذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل واف و كال ما خصّ الاكار بكيل بخس، فقال مولانا عليه السلام: صدقت يا بنيّ.
ثم قال: يا أحمد بن إسحاق احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها و ائتنا بثوب العجوز.
قال أحمد: و كان ذلك الثّوب في حقيبة (2)لي فنسيته.
فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليّ مولانا أبو محمّد عليه السلام فقال: ما جاء بك يا سعد؟
فقلت: شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.
قال: فالمسائل الّتي أردت أن تسأله عنها؟
قلت: على حالها يا مولاي.
قال: فسل قرّة عيني عنها-و أومأ إلى الغلام-فقال لي الغلام: سل عمّا بدا لك عنها، فقلت له: مولانا و ابن مولانا إنّا روينا عنكم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة أنّك قد أرهجت (3)على الإسلام و أهله بفتنتك، و أوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عنّي غربك (4)و إلاّ طلّقتك، و نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قد كان طلاقهنّ (5)وفاته.
ص:217
قال: ما الطلاق؟
قلت: تخلية السبيل.
قال: فإذا كان وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قد خلّى لهنّ السبيل فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج؟
قلت: لأنّ اللّه تبارك و تعالى حرّم الازواج عليهنّ.
قال: و كيف و قد خلّى الموت سبيلهنّ؟
قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الّذي فوّض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم حكمه الى أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّ اللّه تقدّس اسمه عظّم شأن نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فخصّهن بشرف الامّهات، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: يا أبا الحسن إنّ هذا الشّرف باق لهنّ ما دمن للّه على الطّاعة، فأيّتهنّ عصت اللّه بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج و أسقطها من شرف أمومة المؤمنين.
قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبيّنة الّتي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها من بيته؟
قال: الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزّنا، فإنّ المرأة إذا زنت و اقيم عليها الحدّ ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحدّ، و إذا سحقت وجب عليها الرّجم و الرّجم خزي و من قد أمر اللّه برجمه فقد أخزاه، و من أخزاه فقد أبعده، و من أبعده فليس لأحد أن يقربه.
قلت: فأخبرني يا ابن رسول اللّه عن أمر اللّه تعالى لنبيّه موسى عليه السلام:
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ اَلْمُقَدَّسِ طُوىً (1)فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون
ص:218
أنّها كانت من إهاب (1)الميتة.
قال: صلوات اللّه عليه: من قال ذلك فقد افترى على موسى عليه السلام و استجهله في نبوّته لأنّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين (2)إمّا أن تكون صلاة موسى عليه السلام فيهما جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة، إذ لم تكن مقدّسة، و إن كانت مقدّسة مطهّرة فليست بأقدس و أطهر من الصلاة، و إن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى عليه السلام أنّه لم يعرف الحلال من الحرام، و ما علم ما جاز فيه الصلاة و ما لم يجز و هذا كفر.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما، قال صلوات اللّه عليه: إنّ موسى عليه السلام ناجى ربّه بالواد المقدّس فقال: يا ربّ إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي فغسلت قلبي عمّا سواك، و كان شديد المحبّة لأهله، فقال اللّه تعالى:
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أي انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة، و قلبك من الميل إلى من سواي مغسولا.
قلت: فأخبرني يا ابن رسول اللّه عن تاويل «كهيعص» قال: هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع اللّه عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ذلك أنّ زكريا سأل ربه أن يعلّمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها، فكان زكريا إذا ذكر محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين سرى (3)عنه همّه و انجلى كربه و إذا ذكر الحسين عليه السلام خنقته
ص:219
العبرة (1)، و وقعت عليه البهرة (2)فقال ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم عليهم السلام تسلّيت بأسمائهم من همومي، و إذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني و تثور زفرتي؟
فأنبأه اللّه تبارك و تعالى عن قصّته فقال: «كهيعص» «فالكاف» اسم كربلاء «و الهاء» هلاك العترة «و الياء» يزيد لعنه اللّه و هو ظالم الحسين عليه السلام «و العين» عطشه «و الصاد» صبره.
فلمّا سمع بذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام و منع فيها النّاس من الدخول عليه، و أقبل على البكاء و النحيب و كانت ندبته: إلهي أتفجّع خير خلقك بولده؟ أ تنزل بلوى هذه الرزيّة بفنائه؟ إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أ تحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟ !
ثمّ كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر، و اجعله وارثا وصيّا و اجعل محلّه منّي محلّ الحسين عليه السلام، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثم أفجعني به كما تفجع محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم حبيبك بولده، فرزقه اللّه يحيى عليه السلام و فجّعه به و كان حمل يحيى عليهم السلام ستة أشهر، و حمل الحسين عليه السلام كذلك و له قصة طويلة.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم.
قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى
ص:220
قال: فهي العلّة، أوردها لك ببرهان يثق به عقلك (1).
ثم قال: اخبرني عن الرسل الّذين اصطفاهم اللّه عزّ و جلّ و أنزل عليهم الكتب و أيّدهم بالوحي و العصمة أنهم (2)اعلام الامم و أهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى و عيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما و كمال علمهما إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق و هما يظنّان أنّه مؤمن، قلت: لا.
فقال: هذا موسى كليم اللّه مع وفور عقله و كمال علمه و نزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربّه عزّ و جلّ سبعين رجلا ممّن لا يشك في إيمانهم و إخلاصهم فوقع خيرته على المنافقين قال اللّه عز و جل:
وَ اِخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا (3)الى قوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اَللّهَ جَهْرَةً (4)فَأَخَذَتْهُمُ اَلصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ (5)فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه عزّ و جلّ للنبوّة واقعا على الأفسد دون الأصلح و هو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد علمنا أنّ (6)الاختيار لا يجوز أن يفعل إلاّ من يعلم ما تخفي الصدور و ما تكنّ الضمائر و تتصرف عليه السرائر و أن لا خطر لاختيار المهاجرين و الأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.
ثم قال مولانا عليه السلام: يا سعد و حين ادّعى خصمك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما أخرج مع نفسه مختار هذه الامّة الى الغار إلاّ علما منه أنّ الخلافة له من بعده و أنّه هو المقلّد امور التأويل و الملقى إليه أزمّة الامّة
ص:221
و عليه المعوّل في لمّ الشعث و سدّ الخلل و إقامة الحدود، و تسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر فكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته إذا لم يكن من حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره الى مكان يستخفي فيه و إنّما أبات عليا عليه السلام على فراشه لما لم يكن يكترث له و لم يحفل به لاستثقاله إيّاه و علمه بأنّه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.
فهلا نقضت عليه دعواه بقولك: أ ليس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الّذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم فكان لا يجد بدّا من قوله لك: بلى، فكنت تقول حينئذ أ ليس كما علم رسول اللّه أنّ الخلافة من بعده لأبي بكر علم أنّها من بعد أبي بكر لعمر، و من بعد عمر لعثمان، و من بعد عثمان لعليّ فكان أيضا لا يجد بدّا من قوله لك: نعم، ثمّ كنت تقول له: فكان الواجب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار و يشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر و لا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم و تخصيصه أبا بكر و إخراجه مع نفسه دونهم.
و لما قال: أخبرني عن الصديق و الفاروق أسلما طوعا أو كرها؟ لم لم تقل له: بل أسلما طمعا و ذلك لأنّهما كانا يجالسان اليهود و يستخبرانهم عمّا كانوا يجدون في التوراة و في سائر الكتب المتقدّمة الناطقة بالملاحم من حال الى حال من قصّة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من عواقب أمره، فكانت اليهود تذكر أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسلّط على العرب كما كان بخت نصّر سلّط على بني إسرائيل و لا بدّ له من الظفر بالعرب كما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل غير أنّه كاذب في دعواه في أنّه نبيّ.
ص:222
فأتيا محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فساعداه على قول شهادة أن لا إله الا اللّه و بايعا طمعا في أن ينال كلّ واحد منهما من جهة ولاية بلد إذا استقامت اموره و استتبت (1)أحواله فلما آيسا من ذلك تلثّما و صعدا العقبة مع عدّة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه فدفع اللّه عزّ و جلّ كيدهم و ردّهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، كما أتى طلحة و الزبير عليا عليه السلام فبايعاه و طمع كلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلما أيسا نكثا ببيعته، و خرجا عليه فصرع اللّه كلّ واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين.
قال سعد: ثم قام مولانا الحسن بن عليّ الهادي عليه السلام للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما، و طلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا فقلت: ما أبطأك و أبكاك؟
قال: قد فقدت الثوب الّذي سألني مولاي إحضاره، قلت: لا عليك فأخبره، فدخل عليه مسرعا و انصرف من عنده متبسّما و هو يصلّي على محمّد و أهل بيته، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليه السلام يصلّي عليه.
قال سعد: فحمدنا اللّه جلّ ذكره على ذلك، و جعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا عليه السلام أيّاما فلا نرى الغلام بين يديه، فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا و أحمد بن إسحاق و كهلان من أهل ارضنا و انتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما و قال: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد دنت الرحلة و اشتدّت المحنة فنحن نسأل اللّه عزّ و جلّ أن يصلّي على محمّد المصطفى جدّك و عليّ المرتضى أبيك، و على سيّدة النساء امّك، و على سيّدي شباب أهل
ص:223
الجنة عمّك و أبيك و على الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك، و أن يصلّي عليك و على ولدك و نرغب أن يعلي كعبك و يكبت عدوّك و لا جعل هذا آخر عهدنا من لقائك.
قال: فلمّا قال هذه الكلمة استعبر مولانا عليه السلام حتّى استهلّت (1)دموعه و تقاطرت عبراته ثم قال: يا ابن إسحاق لا تكلّف في دعائك شططا (2)فإنّك ملاق اللّه عزّ و جلّ في سفرك (3)هذا فخرّ أحمد مغشيّا عليه، فلمّا أفاق قال:
سألتك باللّه بحرمة جدّك إلاّ شرّفتني بخرقة أجعلها كفنا فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال: خذها و لا تنفق على نفسك غيرها، فإنّك لن تعدم ما سألت، و إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
قال سعد: فلما انصرفنا (4)بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن إسحاق و ثارت (5)به علة صعبة أيس من حياته فيها، فلمّا وردنا حلوان و نزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال: تفرّقوا عنّي هذه الليلة و اتركوني و حدي فانصرفنا عنه، فرجع كلّ واحد منّا إلى مرقده.
قال سعد: فلمّا حان أن ينكشف اللّيل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فاذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمّد عليه السلام و هو يقول:
أحسن اللّه بالخير عزاكم و جبر بالخير رزيتكم (6)قد فرغنا من غسل صاحبكم
ص:224
و من تكفينه فقوموا لدفنه فإنّه أكرمكم محلا عند سيّدكم، ثمّ غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء و العويل حتى قضينا حقّه و فرغنا من أمره رحمه اللّه. (1)
و روى هذا الحديث أيضا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو القاسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد اللّه بن البزاز قال: حدّثنا أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهلّ رجب سنة سبعين و ثلاثمائة قال: أخبرنا أبو عليّ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن سعد بن عبد اللّه بن خلف القمي قال: كنت امرأ لهجا بجمع
ص:225
الكتب المشتملة على غوامض العلوم و دقائقها، و ساق الحديث بعينه إلى قوله:
و جعلنا نختلف إلى مولانا عليه السلام أيّاما فلا نرى الغلام عليه الصلاة و السلام بين يديه. (1)
و هذا الحديث مكرّر في الكتب في «الاحتجاج» و «ثاقب المناقب» و إن كان بعض المصنفين يذكره بطوله و بعضهم يختصره.
قال مؤلّف هذا الكتاب: انظر أيّها الأخ في هذا الحديث و ما صدر عن الإمامين عليهما السلام و ما فيه من غوامض العلوم الّذي لا يطّلع عليه الا الحيّ القيّوم و ما في ذلك من البراهين و الجوابات السديدة من مولانا القائم عليه السلام و اطلاعه على غيوب الامور من صغر سنه، و ذلك من العجب العجيب و الأمر الغريب الذي لا يكون إلاّ بتعليم إلهي فسبحان من أعطاهم سرائر العلوم، و ما هو الحجّة على الموالي و الخصوم، و في هذا الحديث كفاية في ذكر أحاديث من علم القائم عليه السلام إذ به يطول الكتاب، و يؤدّي إلى الإطناب و الإسهاب، و اللّه سبحانه و تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ص:226
في جوده عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن علان الكليني قال: حدّثنا عليّ بن قيس، عن غانم أبي سعيد الهندي قال علان الكليني: و حدّثني جماعة، عن محمّد بن محمّد الأشعري، عن غانم، قال: كنت مع (1)ملك الهند بقشمير الداخلة و نحن أربعون رجلا نقعد حول كرسيّ الملك و قد قرأنا التّوراة و الإنجيل و الزّبور يفزع إلينا في العلم، فتذاكرنا يوما محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قلنا: نجده في كتبنا فاتّفقنا على أن أخرج في طلبه و أبحث عنه، فخرجت و معي مال قطع عليّ الترك و شلّحوني (2).
فوقعت إلى كابل و خرجت من كابل إلى بلخ و الأمير بها ابن أبي شور (3)فأتيته و عرّفته ما خرجت له، فجمع الفقهاء و العلماء لمناظرتي فسألتهم عن محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا: هو نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد مات.
فقلت: فمن كان خليفته؟ فقالوا: أبو بكر فقلت: انسبوه لي، فنسبوه إلى قريش، فقلت: ليس هذا بنبيّ إنّ النبيّ الّذي نجده في كتبنا خليفته ابن عمّه
ص:227
و زوج ابنته أبو ولده، فقالوا للأمير: إنّ هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر فمر بضرب عنقه، فقلت لهم: أنا متمسّك بدين و لا أدعه إلاّ ببيان.
فدعا الأمير الحسين بن إسكيب (1)و قال له: يا حسين ناظر الرجل، فقال:
الفقهاء و العلماء حولك فمرهم بمناظرته، فقال له: ناظره كما أقول لك و أخل به و ألطف له، قال فخلا بي الحسين و سألته عن محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: هو كما قالوه لك غير أن خليفته ابن عمّه عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب، و هو زوج ابنته فاطمة، و أبو ولده الحسن و الحسين عليهما السلام.
فقلت: «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه» و صرت إلى الأمير فأسلمت، فمضى بي إلى الحسين ففقّهني فقلت له: إنّا نجد في كتبنا أنّه لا يمضي خليفة إلاّ عن خليفة، فمن كان خليفة علي؟
قال: الحسن و الحسين، ثمّ سمّى الأئمّة عليهم السلام واحدا واحدا حتى بلغ إلى الحسن بن عليّ عليه السلام ثمّ قال لي: تحتاج أن تطلب خليفة الحسن عليه السلام و تسأل عنه فخرجت في الطلب.
قال محمّد بن محمّد: و وافى معنا بغداد فذكر لنا أنّه كان معه رفيق قد صحبه على هذا الأمر فكره بعض أخلاقه ففارقه.
فبينا أنا يوما قد تمسّحت (2)في الصراة (3)و أنا مفكّر فيما خرجت له اذ أتاني آت فقال لي: أجب مولاك، فلم يزل يخرق لي المحالّ حتى أدخلني دارا
ص:228
و بستانا، فإذا بمولاي عليه السلام قاعد فلما نظر إليّ كلّمني بالهندية و سلّم عليّ باسمي، و سألني عن الأربعين رجلا بأسمائهم عن اسم رجل رجل، ثمّ قال لي:
تريد الحجّ مع أهل قم في هذه السنة؟ فلا تحجّ في هذه السنة و انصرف إلى خراسان و حجّ من قابل قال: و رمى لي بصرّة و قال: اجعل هذه في نفقتك، و لا تدخل في بغداد دار أحد و لا تخبر بشيء ممّا رأيت.
قال محمّد: فانصرفنا من العقبة و لم يقض لنا الحج، و خرج غانم إلى خراسان و انصرف من قابل حاجّا فبعث إلينا بألطاف، و لم يدخل قم و حجّ و انصرف إلى خراسان فمات رحمه اللّه بها.
قال محمّد بن شاذان الكابلي: و قد كنت رأيته عند أبي سعيد فذكر أنّه خرج من كابل مرتادا أو طالبا و أنّه وجد صحّة هذا الدين في الإنجيل و به اهتدى. (1)
2-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد (2)بن شاذان النيشابوري قال: بلغني أنّه قد وصل (3)فترصّدت له حتّى لقيته فسألته عن خبره، فذكر أنّه منذ خرج لم يزل
ص:229
في الطلب و أنّه أقام بالمدينة، فكان لا يذكره لأحد إلاّ زجره، فلقى شيخا من بني هاشم و هو يحيى بن محمّد العريضي، فقال له: إنّ الّذي تطلبه بصريّاء قال:
فقصدت صريّاء و جئت إلى دهليز مرشوش، و طرحت نفسي على الدكّان، فخرج غلام أسود فزجرني و انتهرني و قال لي: قم من هذا المكان و انصرف، فقلت: لا أفعل، فدخل الدّار ثمّ خرج، و قال: ادخل، فدخلت فإذا هو مولاي عليه السلام قاعد بوسط الدّار، فلمّا نظر إليّ سمّاني باسم لم يعرفه أحد إلاّ أهلي بكابل، و أخبرني بأشياء، فقلت له: إنّ نفقتي ذهبت فمر لي بنفقة، فقال لي: أما إنّها ستذهب منك بكذبك، و أعطاني نفقة، فضاع منّي ما كان معي و سلم ما أعطاني ثمّ انصرفت السنة الثانية فلم أجد في الدّار أحدا. (1)
3-و قال ابن بابويه: و سمعنا شيخا من أصحاب الحديث يقال له: أحمد ابن فارس الأديب يقول: سمعت بهمدان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني فسألني أن أثبتها له بخطّي و لم أجد إلى مخالفته سبيلا و قد كتبتها و عهدتها على من حكاها.
و ذلك أنّ بهمذان أناسا يعرفون ببني راشد، و هم كلّهم يتشيّعون، و مذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان؟ فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا و سمتا: إنّ سبب ذلك أنّ جدّنا الّذي ننسب إليه خرج حاجا فقال: إنّه لمّا صدر من الحج و ساروا منازل في البادية قال:
فنشطت في النزول و المشي، فمشيت طويلا حتى أعييت و تعبت (2)و قلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء آخر القافلة قمت قال: فما انتبهت إلاّ بحرّ الشمس و لم أر أحدا فتوحّشت و لم أر طريقا و لا أثرا فتوكّلت على اللّه عزّ و جلّ
ص:230
و قلت: أسير حيث وجّهني اللّه و مشيت غير طويل، فوقعت في أرض خضراء نضرة، كأنّها قريبة من عهد بغيث، و إذا تربتها أطيب تربة، و نظرت في سواد تلك الأرض إلى قصر يلوح كالسيف (1)فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الّذي لم أعهده و لم أسمع به، فقصدته فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين فسلّمت عليهما فردّا ردّا جميلا و قالا: اجلس فقد أراد اللّه بك خيرا فقام أحدهما و دخل و احتبس غير بعيد ثمّ خرج فقال: قم فادخل فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بنائه و لا أضوأ منه و تقدّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه.
ثم قال لي: ادخل فدخلت البيت فإذا فتى جالس في وسط البيت و قد علّق فوق رأسه من السقف سيف طويل تكاد ضبته تمسّ رأسه و الفتى (2)بدر يلوح في ظلام، فسلّمت فردّ السلام بألطف الكلام و أحسنه فقال لي: أ تدري من أنا؟ فقلت: لا و اللّه.
فقال: أنا القائم من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا الّذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف و أشار إليه فأملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
فسقطت على وجهي، و تعفّرت، فقال: لا تفعل ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همذان (3)فقلت: صدقت يا سيّدي و مولاي، قال: فتحبّ
ص:231
أن تؤوب إلى أهلك؟ قلت: نعم يا سيّدي و أبشّرهم بما أتاح اللّه عز و جل لي، فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي و ناولني صرّة، و خرج و مشى معي خطوات فنظرت إلى ظلال 1و أشجار و منارة مسجد، فقال: أ تعرف هذا البلد؟ فقلت: إنّ بقرب بلدنا بلدة تعرف باستاباد 2و هي تشبهها قال: فقال: هذه أستاباد امض راشدا فالتفت فلم أره.
فدخلت استاباد و إذا في الصرّة أربعون أو خمسون دينارا، فوردت همدان و جمعت أهلي و بشّرتهم بما أتاح اللّه عزّ و جلّ لي و يسّره، و لم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير. 3
4-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه اللّه قال:
حدّثنا أبو القاسم عليّ 4بن أحمد الخديجي الكوفي، قال: حدّثنا الازدي 5قال:
بينا أنا في الطّواف قد طفت ستّا و أنا أريد أن أطوف السّابع فإذا بحلقة من يمين الكعبة و شابّ حسن الوجه طيّب الرائحة هيوب مع هيبته متقرّب إلى النّاس
ص:232
يتكلّم فلم أر أحسن من كلامه و لا أعذب من منطقه و حسن جلوسه، فذهبت أكلّمه فزبرني النّاس، فسألت بعضهم من هذا؟ فقالوا: هذا ابن رسول اللّه يظهر في كلّ سنة يوما لخواصّه يحدّثهم (1).
فقلت: يا سيّدي مسترشدا أتيتك فأرشدني هداك اللّه، فناولني عليه السلام حصاة فحوّلت وجهي.
فقال لي بعض جلسائه: ما الّذي دفع إليك؟ فقلت: حصاة و كشفت عنها (2)فاذا أنا بسبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به عليه السلام قد لحقني، فقال لي: ثبتت عليك الحجّة و ظهر لك الحقّ و ذهب عنك العمى أ تعرفني؟ فقلت: لا.
فقال عليه السلام: أنا المهدي و أنا قائم الزمان، أنا الّذي أملأها عدلا كما ملئت جورا، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة و لا يبقى النّاس في فترة، فهذه أمانة لا تحدّث بها إلا إخوانك من أهل الحقّ. (3)
5-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن بقار (4)بن أبي العجوز السمسار قال: حدّثنا مجاهد بن موسى الختلي، قال: حدّثنا عبّاد بن عبّاد (5)، عن مجالد بن (6)سعيد، عن
ص:233
جبير (1)ابن نوف الوداك قال: قلت لأبي سعيد الخدري: و اللّه ما يأتي علينا عام إلاّ و هو شرّ من الماضي و لا أمير إلاّ و هو شرّ ممّن كان قبله.
فقال أبو سعيد: سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول ما تقول و لكن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لا يزال بكم الأمر حتى يولد في الفتنة و الجور من لا يعرف عندها (2)حتى تملأ الأرض جورا فلا يقدر أحد يقول: اللّه، ثمّ يبعث اللّه عزّ و جلّ رجلا منّي و من عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا و تخرج له الأرض أفلاذ كبدها و يحثو المال حثوا و لا يعدّه عدا، و ذلك حتى يضرب الاسلام بجرانه (3)و مثل آخر هذا الحديث مذكور في روايات الخاصّة و العامّة. (4)
ص:234
في لباسه عليه السلام
1-محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه عن محمّد بن يحيى الخزّاز، عن حمّاد بن عثمان، قال: حضرت أبا عبد اللّه عليه السلام و قال له رجل: أصلحك اللّه ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم و ما أشبه ذلك، و نرى عليك اللباس الجيّد (1).
فقال له: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر عليه، و لو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا أهل البيت عليه السلام إذا قام لبس ثياب عليّ عليه السلام و سار بسيرة (2)
ص:235
عليّ عليه السلام. (1)
2-و عنه، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ عليّا صلوات اللّه عليه كان عندكم فأتى بني ديوان (2)فاشترى ثلاثة أثواب بدينار: القميص الى فوق الكعب و الإزار الى نصف السّاق و الرّداء من بين يديه إلى ثدييه و من خلفه إلى أليتيه، ثمّ رفع يده إلى السّماء فلم يزل يحمد اللّه على ما كساه حتّى دخل منزله، ثمّ قال: هذا اللّباس الّذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه.
قال أبو عبد اللّه عليه السلام: و لكن لا يقدرون (3)أن يلبسوا هذا اليوم، و لو فعلنا (4)لقالوا: مجنون و لقالوا: مراء! و اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (5)قال: و ثيابك ارفعها و لا تجرّها، فإذا قام قائمنا كان هذا اللّباس (6).
ص:236
3-محمّد بن إبراهيم النّعماني في «كتاب الغيبة» قال: أخبرنا محمّد بن همّام قال: حدّثنا حميد بن زياد الكوفي، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الميثمي، عن عمّه الحسين (1)بن إسماعيل، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: أ لا أريك قميص القائم الّذي يقوم فيه (2)؟
فقلت: بلى.
قال: فدعا بقمطر (3)ففتحه و أخرج منه قميص كرابيس (4)فنشره فإذا في كمّه الأيسر دم، فقال: هذا قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كان عليه يوم ضربت رباعيته، (5)و فيه يقوم القائم، فقبّلت الدم و وضعته على وجهي، ثمّ طواه أبو عبد اللّه عليه السلام و رفعه (6).
ص:237
ص:238
في استواء درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد (1)السمّان قال:
كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجلان من الزّيدية فقالا له:
أ فيكم إمام مفترض الطاعة (2)؟
قال: فقالا: لا.
قال (3): فقالا له: قد أخبرنا عنك الثقات أنّك تفتي و تقرّ و تقول به (4)و نسمّيهم لك، فلان و فلان، و هم أصحاب ورع و تشمير (5)و هم ممّن لا يكذب (6)فغضب أبو عبد اللّه عليه السلام و قال: ما أمرتهم بهذا، فلمّا رأيا الغضب في (7)وجهه خرجا.
ص:239
فقال لي: أ تعرف هذين؟ قلت: نعم هما من أهل سوقنا، و هما من الزّيدية و هما يزعمان أنّ سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند عبد اللّه بن الحسن، فقال: كذبا لعنهما اللّه و اللّه ما رآه عبد اللّه بن الحسن بعينيه و لا بواحدة من عينيه و لا رآه أبوه، اللّهمّ إلاّ أن يكون رآه (1)عند عليّ بن الحسين عليهما السلام فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه؟ و ما أثر في موضع مضربه.
و إنّ عندي لسيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّ عندي لراية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و درعه و لامته و مغفره (2)فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ و إنّ عندي لراية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المغلبة (3)، و إنّ عندي ألواح موسى و عصاه، و إنّ عندي لخاتم سليمان بن داود عليه السلام و إنّ عندي الطّست الّذي كان موسى يقرب بها القربان و إنّ عندي الاسم الّذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا وضعه بين المسلمين و المشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة (4)و إنّ عندي المثل الّذي جاءت به الملائكة (5)و مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل كانت بنو إسرائيل في أيّ أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اوتوا النبوّة، و من صار إليه السّلاح منّا أوتي الإمامة، و لقد لبس أبي درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص:240
و آله فخطت على الأرض خطيطا و لبستها أنا فكانت و كانت (1)، و قائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء اللّه.
و رواه محمّد بن الحسن الصفّار في «بصائر الدرجات» عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد السمّان قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجلان من الزّيدية فقالا: أ فيكم إمام مفترض الطاعة و ساق الحديث الى آخره. (2)
2-محمّد بن الحسن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي عبد اللّه البرقي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، و غيره عن أيّوب الحذّاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك إنّي اريد أن أمسّ صدرك، فقال عليه السلام: افعل فمسست صدره و مناكبه، فقال: و لم يا أبا محمّد؟ فقلت: جعلت فداك إنّي سمعت أباك و هو يقول: إنّ القائم عليه السلام واسع الصدر مسترسل المنكبين عريض ما بينهما.
فقال: يا أبا محمّد إنّ أبي لبس درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كانت تسحب على الأرض و إني لبستها فكانت و كانت (3)و انّها تكون من القائم كما كانت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مشمّرة (4)كأنّه يرفع نطاقها
ص:241
فيما عند القائم عليه السلام من آيات الأنبياء
1-محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عبد اللّه بن محمّد (1)، عن منيع بن الحجّاج البصري (2)، عن مجاشع، عن معلّى، عن محمّد بن الفيض، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كانت عصا موسى عليهما السلام لآدم فصارت إلى شعيب، ثمّ صارت إلى موسى بن عمران، و إنّها لعندنا، و إنّ عهدي بها آنفا و هي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها و إنّها لتنطق إذا استنطقت، اعدّت لقائمنا عليه السلام يصنع بها ما كان يصنع بها موسى عليه السلام، و إنّها لتروّع و تلقف ما يأفكون، و تصنع ما تؤمر به، إنّها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون يفتح لها شعبتان (3): إحداهما في الأرض و الاخرى في السقف و بينهما أربعون ذراعا تلقف ما يأفكون بلسانها. (4)
و رواه الصفّار في «بصائر الدرجات» عن سلمة بن الخطاب، عن عبد اللّه ابن محمّد عن منيع بن الحجّاج البصري، عن مجاشع، عن معلّى، عن محمّد بن
ص:243
الفيض عن محمّد بن عليّ عليه السلام قال: كانت عصا موسى لآدم عليه السلام فصارت إلى شعيب و ساق الحديث إلى آخره. (1)
و رواه ابن بابويه في «الغيبة» قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، و ساق الحديث بباقي السند و المتن. (2)
2-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي سعيد الخراساني (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ القائم عليه السلام إذا قام بمكة و أراد أن يتوجّه الى الكوفة نادى مناديه: ألا لا يحمل أحد منكم طعاما و لا شرابا، و يحمل حجر موسى بن عمران و هو في وقر (4)بعير فلا ينزل منزلا إلاّ انبعث عين منه، فمن كان جائعا شبع و من كان ظامئا روي، فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة. (5)
و رواه الصفّار في «بصائر الدرجات» عن محمد بن الحسين عن موسى ابن سعدان بباقي السند و المتن. (6)
ص:244
3-محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب «الغيبة» قال: أخبرنا أبو سليمان أحمد بن هوذة، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري قال: حدّثنا أبو الجارود زياد بن المنذر، قال: قال لي أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام: إذا ظهر القائم ظهر براية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و خاتم سليمان، و حجر موسى و عصاه.
ثمّ يأمر مناديه فينادي: ألا لا يحملنّ رجل منكم طعاما و لا شرابا و لا علفا فيقول اصحابه: إنّه يريد أن يقتلنا و يقتل دوابّنا من الجوع و العطش، فيسير و يسيرون معه فأوّل منزل ينزله يضرب الحجر فينبع منه طعام و شراب و علف، فيأكلون و يشربون و يشرب دوابّهم حتى ينزلوا النجف بظهر الكوفة. 1
4-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: حدّثنا محمّد بن المفضّل بن ابراهيم 2، و سعدان بن إسحاق بن سعيد، و أحمد بن الحسين بن عبد الملك و محمد بن أحمد بن الحسن القطواني، قالوا جميعا:
حدّثنا الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كانت عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة أتاه بها جبرئيل عليه السلام لمّا توجه تلقاء مدين، و هي و تابوت آدم في بحيرة طبرية، و لن يبليا
ص:245
و لن يتغيّرا حتّى يخرجهما القائم عليه السلام إذا قام. (1)
5-و عنه قال: أخبرنا محمّد بن همام و محمد بن الحسن بن جمهور (2)جميعا عن الحسن بن محمّد بن جمهور (3)، عن أبيه، عن سليمان بن سماعة، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السلام أنّه قال: إذا خرج القائم من مكّة ينادي مناديه: ألا لا يحملنّ أحد طعاما و لا شرابا و يحمل معه حجر موسى بن عمران، و هو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلاّ انبعث منه عيون، فمن كان جائعا شبع، و من كان ظمآنا روي و رويت دوابّهم حتّى ينزل النجف من ظهر الكوفة. (4)
6-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه رحمه اللّه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، و أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إذا خرج القائم من مكّة ينادي مناديه: ألا لا يحملنّ أحد طعاما و لا شرابا، و ساق الحديث إلى آخره. (5)
ص:246
7-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رحمه اللّه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل (1)عن أبي إسماعيل السرّاج (2)، عن بشر بن جعفر (3)، عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه الصّادق عليه السلام قال: سمعته يقول: أ تدري ما كان قميص يوسف عليه السلام؟ قال: قلت: لا قال: إنّ إبراهيم عليه السلام لمّا اوقدت له النار نزل إليه جبرئيل عليه السلام بالقميص (4)و ألبسه إيّاه فلم يضرّ معه حرّ و لا برد، فلمّا حضرته الوفاة جعله في تميمة (5)و علّقه على إسحاق عليه السلام، و علّقه إسحاق على يعقوب عليه السلام فلمّا ولد له يوسف عليه السلام علّقه عليه، و كان في عضده حتّى كان من أمره ما كان، فلمّا أخرجه يوسف عليه السلام بمصر من التميمة وجد يعقوب عليه السلام ريحه و هو قوله عزّ و جلّ حكاية عنه: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (6)فهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة.
قلت: جعلت فداك فإلى من صار هذا القميص؟
قال: إلى أهله و هو مع قائمنا عليه السلام إذا خرج، ثمّ قال: كلّ نبيّ ورث
ص:247
علما أو غيره فقد انتهى إلى آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. (1)
ص:248
في صفته عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن الفرج المؤذّن (1)قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الكرخي (2)، قال: سمعت أبا هارون رجلا من اصحابنا يقول:
رأيت صاحب الزّمان عليه السلام و وجهه يضيء كالقمر ليلة البدر، و رأيت على سرّته شعرا يجري كالخطّ، و كشفت الثوب عنه فوجدته مختونا فسألت أبا محمد عليه السلام عن ذلك، فقال: هكذا ولد و هكذا ولدنا، و لكنا سنمرّ الموسي عليه لإصابة السنّة. (3)
2-و عنه قال: حدّثنا أبو الحسن (4)رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: قلت لمحمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه: إنّي أسألك سؤال إبراهيم ربّه جلّ جلاله حين قال له: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (5)و أخبرني عن صاحب هذا الأمر
ص:249
هل رأيته؟ قال: نعم و له رقبة مثل ذي-و أشار بيده إلى عنقه-. (1)
3-و عنه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، قال: حدّثنا جعفر بن معروف (2)قال: كتب إليّ أبو عبد اللّه البلخي (3): حدّثنا عبد اللّه السوسي (4)قال: صرت إلى بستان بني عامر فرأيت غلمانا يلعبون في غدير ماء، و فتى جالس على مصلّى واضعا كمّه على فيه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: م ح م د بن الحسن بن عليّ، و كان في صورة ابيه. (5)
4-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن موسى رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي (6)قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك (7)، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام و هو على المنبر: يخرج رجل
ص:250
من ولدي في آخر الزمان أبيض مشرب بالحمرة مبدح (1)البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش (2)المنكبين، بظهره شامتان (3): شامة على لون جلده، و شامة على شبه شامة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، له اسمان: اسم يخفى و اسم يعلن، فأمّا الّذي يخفى فأحمد، و أمّا الّذي يعلن فمحمّد، فاذا هزّ رأسه (4)أضاء لها ما بين المشرق و المغرب، و وضع يده على رءوس العباد و لا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، و أعطاه اللّه قوة أربعين رجلا، و لا يبقى ميّت من المؤمنين إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في (5)قبره، و هم يتزاورون في قبورهم، و يتباشرون بقيام القائم عليه السلام (6).
5-أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: حدّثني أبو إسحاق ابراهيم بن احمد بن محمد الطبري (7)قال: حدّثنا أبو
ص:251
الحسين محمد بن المظفر الحافظ (1)، قال حدّثنا عبد الرّحمن بن اسماعيل (2)قال حدّثنا محمّد بن ابراهيم الصوري (3)قال: حدّثنا روّاد (4)قال حدّثنا سفيان (5)عن منصور (6)عن ربعي (7)بن حراش عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدريّ، و اللون لون عربي، و الجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضى بخلافته أهل السماء و الطير و الجوّ، و يملك عشرين سنة. (8)
و تقدّم في صفته عليه السلام روايات في الباب الثالث عشر تؤخذ من هناك.
ص:252
و سيأتي إن شاء اللّه تعالى أحاديث في صفته من طريق العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ص:253
ص:254
في أنّه عليه السلام يكون شابّ المنظر
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أحمد بن علي الأنصاري، عن ابي الصلت الهروي، قال:
قلت للرضا عليه السلام: ما علامة القائم منكم إذا خرج؟ فقال: علامته أن يكون شيخ السنّ شابّ المنظر حتّى أنّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، و إنّ من علامته أن لا يهرم بمرور الأيّام و اللّيالي عليه حتّى يأتيه (1)أجله. (2)
2-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال أخبرنا عليّ بن الحسين المسعودي (3)قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين (4)الرازي، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن جبلة، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: لو قام القائم لأنكره النّاس لأنّه يرجع إليهم شابّا موفّقا (5)لا يثبت عليه إلاّ مؤمن و قد
ص:255
أخذ اللّه ميثاقه (1)في الذرّ الأوّل-.
و في غير هذه الرواية: أنّه قال عليه السلام: من أعظم البليّة أن يخرج إليهم صاحبهم شابا و كلهم يحسبونه شيخا كبيرا. (2)
3-و عنه قال: أخبرنا محمّد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك (3)، قال: حدّثني عمر بن طرخان (4)، قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: القائم من ولدي يعمّر عمر الخليل عليه السلام عشرين و مائة سنة (5)و يظهر في صورة شاب موفّق ابن ثلاثين سنة حتّى يرجع عنه طائفة من الناس يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. (6)
4-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن ابراهيم، عن ابيه، عن الريّان بن الصلت، عن الرّضا عليه السلام قال: إنّ القائم هو الّذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ و منظر الشباب. (7)
ص:256
في أنّه عليه السلام و أصحابه أولو قوّة
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريّان بن الصّلت، قال: قلت للرضا عليه السلام: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: أنا صاحب هذا الأمر و لكني لست بالّذي أملأ عدلا كما ملئت جورا، و كيف اكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني؟ و إنّ القائم هو الّذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ و منظر الشاب (1)قويّ في بدنه حتّى لو مدّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، و لو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها يكون معه عصا موسى عليه السلام و خاتم سليمان عليه السلام ذلك (2)الرّابع من ولدي يغيبه اللّه في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (3)
2-و عنه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي اللّه عنه قال:
حدثني أبي عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد ابن ابي عمير، عن أبي أيوب، عن أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة
ص:257
أبا عبد اللّه عليه السلام كم يخرج مع القائم عليه السلام؟ فإنّهم يقولون: إنّه يخرج معه مثل عدّة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر (1)رجلا، قال: ما يخرج إلاّ في أولي قوة و ما يكون أولو القوة أقلّ من عشرة آلاف.
و في نسخة أخرى: و ما يكون أولو القوّة إلاّ عشرة آلاف. (2)
3-و عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمّه عبد اللّه بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما كان قول لوط عليه السلام لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (3)إلا تمنّيا لقوّة القائم عليه السلام، و لا ذكر (4)ركن إلاّ شدة أصحابه فإنّ الرّجل منهم يعطى قوة أربعين رجلا، و إنّ قلبه لأشدّ من زبر الحديد، و لو مرّوا بجبال الحديد لقطعوها، و لا يكفّون سيوفهم حتّى يرضى اللّه عز و جل. (5)
4-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمد بن موسى رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن ابي عبد اللّه الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليه
ص:258
السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون مشرب الحمرة، مبدح البطن (1)عريض الفخذين، عظيم مشاش (2)المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، و شامة على شبه شامة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له اسمان: اسم يخفى و اسم يعلن، فأما الّذي يخفى فأحمد، و أمّا الذي يعلن فمحمّد، فإذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق و المغرب، و وضع يده على رءوس العباد و لا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، و أعطاه قوة أربعين رجلا، و لا يبقى ميّت من المؤمنين إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في (3)قبره و هم يتزاورون في قبورهم، و يتباشرون بقيام القائم عليه السلام. (4)
5-علي بن إبراهيم في «تفسيره» قال: حدثني محمد بن جعفر (5)قال:
حدّثنا محمّد بن أحمد (6)، عن محمّد بن الحسين (7)، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم (8)، عن صالح (9)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في قوله
ص:259
«قوة» : قال: القوّة القائم «و الرّكن الشديد» ثلاثمائة و ثلاثة عشر. 1
6-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون 2بن موسى، قال: حدّثني أبي 3قال:
حدّثنا أبو علي محمّد بن همام قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال:
حدّثني أحمد بن محمد بن عيسى 4، قال: حدّثنا عبد الله بن عمرو 5، عن أبان ابن تغلب الكلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام في حديث يذكر فيه القائم عليه السلام قال عليه السلام: و وضع اللّه يده على رءوس العباد فلا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد و أعطي قوّة أربعين رجلا. 6
ص:260
في علة الغيبة
1-ابن بابويه قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال: حدّثنا الحسين ابن محمّد بن عامر، عن عمّه عبد اللّه بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل فلانا (1)و فلانا و فلانا قال: لآية في كتاب اللّه عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (2)قال قلت: و ما يعني بتزايلهم؟ قال:
ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين، و كذلك القائم عليه السلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع اللّه عز و جلّ فاذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء اللّه فقتلهم. (3)
2-و عنه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي رحمه اللّه قال:
حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أو قال له رجل أصلحك اللّه أ لم يكن عليّ عليه السلام قويّا في دين اللّه عز و جلّ؟ قال: بلى، قلت: كيف ظهر عليه القوم و لم يمنعهم؟ و كيف لم
ص:261
يدفعهم و ما منعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب اللّه عز و جلّ منعته، قال: قلت:
و أيّ آية؟ قال قوله عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (1)إنّه كان للّه عز و جلّ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين و منافقين فلم يكن علي عليه السلام ليقتل الآباء حتّى يخرج الودائع، فلمّا خرج الودائع ظهر على من ظهر «فقاتله» و كذلك قائمنا اهل البيت عليهم السلام لن يظهر أبدا حتّى تظهر ودائع اللّه عز و جلّ فإذا ظهرت يظهر على من ظهر فقتله. (2)
3-محمد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد (3)، عن الحسن بن معاوية، عن عبد الله بن جبلة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ للقائم عليه السلام غيبة قبل ان يقوم، قلت: و لم؟ قال: إنّه يخاف و أومأ بيده الى بطنه-يعني القتل. (4)
4-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عيسى عن ابن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم، إنّه يخاف-و أومأ بيده إلى بطنه-يعني القتل. (5)
5-و عنه عن الحسين بن أحمد (6)، عن أحمد بن هلال، قال: حدّثنا
ص:262
عثمان بن عيسى (1)عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لا بدّ للغلام من غيبة قلت: و لم؟ قال يخاف، و أومأ بيده الى بطنه، و هو المنتظر و هو الّذي يشك النّاس في ولادته، فمنهم من يقول: حمل، و منهم من يقول: مات أبوه و لم يخلف، و منهم من يقول: ولد قبل موت أبيه بسنتين، قال زرارة: فقلت: فما تأمرني لو أدركت ذلك الزّمان؟
قال: أدع اللّه بهذا الدعاء: «اللّهمّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرّفني نبيّك، فإنّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرفه قطّ، اللّهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني» قال أحمد بن هلال: سمعت هذا الحديث منذ ست و خمسين سنة. (2)
6-ابن بابويه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي السمرقندي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، و حيدر بن محمّد السمرقندي، قالا: حدّثنا محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عبد اللّه بن محمّد (3)بن خالد، قال: حدّثنا أحمد بن هلال، عن عثمان بن عيسى الرّواسي، عن خالد بن نجيح الخزّاز عن زرارة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
يا زرارة لا بدّ للقائم من غيبة قلت: و لم؟ قال يخاف على نفسه و أومأ بيده الى بطنه-. (4)
7-و عنه بهذا الاسناد عن محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن
ص:263
إبراهيم الورّاق (1)، قال: حدّثنا حمدان بن أحمد القلانسي (2)، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى عن ابن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ للقائم غيبة طويلة قبل أن يقوم، قلت له: و لم؟
قال: يخاف و أومأ بيده إلى بطنه. (3)
8-و عنه قال: حدّثنا عبد الواحد بن عبدوس العطّار (4)، رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا عليّ بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن محمّد ابن الحسين، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت: و لم؟
قال: يخاف-و أومأ بيده الى بطنه-قال زرارة: يعني القتل. (5)
9-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن ماجيلويه (6)رحمه اللّه، قال: حدّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم (7)، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى عن ابن بكير، عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
إنّ للقائم (8)غيبة قبل قيامه؛ قلت: و لم؟
ص:264
قال يخاف على نفسه الذبح. (1)
10-و عنه قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار رضي اللّه عنه، قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: حدّثني أحمد بن عبد اللّه بن جعفر المدائني (2)، عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي (3)، قال: سمعت الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل، قلت له: و لم جعلت فداك؟
قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج اللّه تعالى ذكره، و إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار لموسى عليه السلام إلى وقت افتراقهما.
يا ابن الفضل إنّ هذا الامر أمر من أمر اللّه عزّ و جلّ و سرّ من سر اللّه، و غيب من غيب اللّه، و متى علمنا أنّه عزّ و جلّ حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف لنا. (4)
11-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: أخبرنا محمّد بن همام
ص:265
رحمه اللّه قال: حدّثني جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثني عبّاد بن يعقوب، عن يحيى بن يعلى (1)، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم، فقلت: و لم؟
قال: يخاف، و أومأ بيده الى بطنه.
ثم قال: يا زرارة و هو المنتظر و هو الّذي يشكّ (2)في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه فلا خلف (3)، و منهم من يقول: حمل، و منهم من يقول: غائب، و منهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، و هو المنتظر غير أنّ اللّه يحبّ أن يمتحن قلوب الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون.
قال زرارة، قلت له: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزّمان فأيّ شيء أعمل؟
فقال: يا زرارة من (4)أدرك ذلك الزّمان فليدع بهذا الدعاء: «اللهمّ عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهمّ عرّفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني» .
ثمّ قال: يا زرارة لا بدّ من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك أو ليس الّذي يقتله جيش السفياني؟ فقال: لا، و لكن يقتله جيش بني فلان يخرج حتى يقتل المدينة، و لا يدري النّاس في أيّ شيء جاء، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغيا و عدوانا و ظلما لم يمهلهم اللّه فعند ذلك فتوقّعوا الفرج.
و عنه قال: أخبرنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم
ص:266
ابن هاشم، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عبد اللّه بن موسى، عن عبد اللّه ابن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول و ذكر مثله. (1)
قلت: روى هذا محمّد بن يعقوب الكليني في «الكافي» . (2)
ص:267
ص:268
في علّة إخفاء ولادته عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه قال:
حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان (1)، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
صاحب هذا الأمر تخفى (2)ولادته على هذا الخلق لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج. (3)
2-و عنه قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد العطار، قال: حدّثنا أبو عمرو الكشي، عن محمّد بن مسعود، قال: حدّثنا جبرئيل بن أحمد (4)، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج و يصلح اللّه عزّ و جلّ أمره في ليلة. (5)
ص:269
3-و عنه قال: حدّثنا أبي و محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه، قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، و محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يبعث القائم و ليس في عنقه بيعة لأحد. (1)
4-و عنه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، و الحسن بن ظريف جميعا، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يقوم القائم عليه السلام و ليس لأحد في عنقه بيعة. (2)
5-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني (3)قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام قال: كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثّالث من ولدي (4)كالنّعم يطلبون المرعى فلا يجدونه.
قلت له: و لم ذلك يا ابن رسول اللّه؟
قال: لأنّ إمامهم يغيب عنهم.
فقلت: و لم؟ قال لئلاّ يكون في عنقه بيعة لأحد إذا قام بالسيف. (5)
6-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد ابن سعيد قال: حدّثنا عليّ بن الحسن، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عليّ
ص:270
ابن مهزيار، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر الكناسي (1)، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين، و سمعته يقول: لا يقوم القائم و لأحد في عنقه بيعة. (2)
7-و عنه قال: أخبرنا محمّد بن يعقوب، قال: حدّثنا عدّة من أصحابنا قالوا: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يقوم القائم عليه السلام و ليس لأحد في عنقه عقد و لا عهد و لا بيعة. (3)
8-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن أحمد، عن عبيد اللّه بن موسى العلوي العبّاسي (4)، عن محمّد بن أحمد القلانسي، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
إنّ للقائم غيبة و يجحده أهله.
قلت: و لم ذلك؟
قال: يخاف و اومأ بيده الى بطنه. (5)
9-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى العلوي، عن أحمد بن (العباس بن) الحسن (6)، عن أبيه، عن ابن بكير، عن زرارة، عن
ص:271
عبد الملك بن أعين قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: للقائم غيبة قبل أن يقوم، قلت: و لم؟
قال: يخاف و أومأ بيده الى بطنه يعني القتل. (1)
10-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا علي بن الحسن التيملي (2)، عن العباس بن عامر بن رياح الثقفي (3)، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن للقائم غيبة قبل ان يقوم، قلت: و لم؟
قال: إنّه يخاف و أومأ بيده إلى بطنه. (4)
11-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن سعيد، قال: حدّثنا أبو محمّد (5)عبد الله أحمد بن مستور الأشجعي، قال: حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه (6)أبو جعفر الحلبي، قال: حدّثنا عبد الله بن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، قلت و لم؟
قال: إنّه يخاف و أومأ بيده الى بطنه. (7)
ص:272
في أنّه عليه السلام إذا قام يتلو قوله تعالى:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ الآية
1-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد ابن سعيد، قال: حدّثنا القاسم بن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا عبيس بن هشام، عن عبد اللّه بن جبلة، عن أحمد بن نضر عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: لصاحب هذا الأمر غيبة يقول فيها فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ (1). (2)
2-و عنه قال: أخبرنا محمّد بن همام، قال: حدّثني جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثني الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدّثني أحمد بن الحارث الأنماطي، عن المفضل بن عمر، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: إذا قام القائم عليه السلام تلا هذه الآية فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ . (3)
3-و عنه قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد اللّه بن يونس (4)، قال:
ص:273
أخبرنا أحمد بن محمد بن رياح (1)، قال: حدّثنا احمد بن علي الخمري (2)عن الحسن (3)بن أيّوب، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن أحمد بن الحارث، عن المفضّل بن عمر، قال: سمعته يقول يعني أبا عبد اللّه عليه السلام: قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام: إذا قام القائم قال:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ (4).
4-شرف الدين النجفي في كتاب «تأويل الآيات الباهرة في فضائل العترة» قال: قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب «الغيبة» باسناده عن رجاله، عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: إذا قام القائم عليه السلام تلا هذه الآية مخاطبا للناس: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ . (5)
ص:274
في أنّ فيه و في الائمة عليهم السلام نزل قوله تعالى:
وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية
1-محمّد بن العبّاس بن ماهيار في تفسيره فيما نزل في أهل البيت عليهم السلام من القرآن و هو ثقة قال: روى الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمد، عن الوشّاء عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل: وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام و الأئمّة من ولده عليهم السلام وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اَلَّذِي اِرْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (1)قال: عني به ظهور القائم. (2)
2-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد
ص:275
ابن سعيد بن عقدة قال: حدثني أحمد بن يوسف (1)بن يعقوب الجعفي من كتابه قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، قال حدّثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، و وهب بن حفص (2)، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله عز و جل: وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اَلَّذِي اِرْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (3)قال: القائم و أصحابه. (4)
و الروايات في أنّ الآية نزلت في الأئمّة و القائم عليهم السلام كثيرة من أراد الوقوف عليها فعليه بكتاب «البرهان في تفسير القرآن» من أهل البيت عليهم السلام الذي صنّفته (5).
ص:276
في أنّ فيه و في الأئمة عليهم السلام نزل قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي (1)رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زكريا القطّان، قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب (2)، قال: حدّثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نظر إلى عليّ و الحسن و الحسين عليهم السلام فبكى و قال: أنتم المستضعفون بعدي.
قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك يا ابن رسول اللّه؟
قال: معناه أنتم الأئمّة بعدي إنّ اللّه يقول: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ
ص:277
اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ (1)فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة. (2)
2-و عنه قال: حدّثنا محمد بن عمر (3)قال: حدّثنا محمّد بن الحسين (4)، قال: حدّثنا أحمد بن غنم (5)بن حكيم، قال: حدّثنا شريح بن مسلمة (6)، قال:
حدّثنا إبراهيم بن يوسف، عن عبد الجبّار، عن الأعمش (7)عن ابي صادق (8)قال:
قال علي عليه السلام: هي لنا أو فينا (9)هذه الآية وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ (10). (11)
3-محمّد بن العبّاس بن ماهيار قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه بن أسد، عن إبراهيم بن محمّد، عن يونس بن كلب المسعودي (12)عن عمرو بن عبد الغفار،
ص:278
باسناده عن ربيعة بن ناجذ (1)قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: في هذه الآية و قرأها: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ (2)و قال:
لتعطفن هذه الدنيا على أهل البيت كما تعطف الضروس 3على ولدها. 4
4-و عنه قال: حدّثنا علي بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن يحيى ابن صالح الحويزي 5باسناده عن أبي 6صالح عن عليّ عليه السلام كذا قال في قوله عزّ و جلّ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ 7و الذي فلق الحبّة و برئ النسمة لتعطفنّ علينا هذه الدّنيا كما تعطف الضروس على ولدها، و الضروس الناقة يموت ولدها أو يذبح و يحشى جلده فتدنو فتعطف عليه. 8
5-محمّد بن الحسن الشيباني في «كشف البيان 9» قال: روي في
ص:279
أخبارنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّ هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الّذي يظهر في آخر الزمان و يبيد الجبابرة و الفراعنة و يملك الأرض شرقا و غربا فيملأها عدلا كما ملئت جورا. (1)
6-و قال أيضا: روي عن الباقر و الصادق عليهما السلام أنّ فرعون و هامان هما شخصان من جبابرة قريش يحييهما اللّه تعالى عند قيام القائم عليه السلام من آل محمّد في آخر الزّمان فينتقم منهما بما اسلفا. (2)
و الروايات كثيرة في معنى قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ (3).
و أنّها في الأئمّة عليهم السلام مذكورة في كتاب البرهان. (4)
ص:280
في أنّه عليه السلام يحضر الموسم فيقبل حجّهم
إذا حضر و لا يحضر إبليس
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد (1)، عن إسحاق بن محمّد (2)، عن يحيى بن المثنّى، عن عبد اللّه بن بكير، عن عبيد ابن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم و لا يرونه. (3)
2-و رواه ابن بابويه في «الغيبة» قال: حدّثنا ابي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن إسحاق بن محمّد الصيرفي، عن يحيى بن المثنّى العطّار، عن عبيد اللّه بن بكير، عن عبيد ابن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم و لا يرونه. (4)
3-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد (5)، عن جعفر بن محمّد،
ص:281
عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن يحيى بن المثنّى، عن عبد اللّه بن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما الموسم يرى الناس و لا يرونه. (1)
4-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه قال:
حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه قال: سمعته يقول: و اللّه إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنة فيرى النّاس فيعرفهم و يرونه و لا يعرفونه. (2)
5-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال سألت محمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه فقلت له: أ رأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم، و آخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام، و هو يقول: اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني. (3)
6-و عنه، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه يقول: رأيته عليه السّلام متعلّقا بأستار الكعبة في المستجار و هو يقول: اللهمّ انتقم لي من أعدائي. (4)
ص:282
7-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، قال: أخبرني أبو الحسين 1محمّد ابن هارون، عن أبي محمّد هارون بن موسى 2، قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام، قال: حدّثنا علي بن محمّد الرازي 3عمّن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العام الّذي لا يشهد صاحب هذا الأمر الموسم لا يقبل من النّاس.
حجّهم. 4
و ذكر الشيخ زين الدّين الشّهيد الثاني 5في «مناسكه» أنّ صاحب هذا الأمر إذا حضر الموسم لم يحضر إبليس.
ص:283
ص:284
في علامات ظهوره
1-محمّد بن إبراهيم النّعماني المعروف بابن زينب في «الغيبة» قال:
حدّثنا محمّد بن همّام، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري رحمه اللّه قال:
حدّثنا أحمد بن هلال، قال: حدّثنا الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن محمّد ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام قال: إنّ قدّام (1)القائم عليه السلام علامات، بلوى من الله للمؤمنين قلت: و ما هي؟
قال: ذلك قول الله عزّ و جلّ: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ اَلْأَمْوالِ وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ اَلصّابِرِينَ (2)قال: «ليبلونّكم» يعني المؤمنين بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، «و الجوع» بغلاء اسعارهم؛ و «نقص من الأموال» : فساد التجارات و قلّة الفضل فيها، «و الأنفس» موت ذريع (3)و نقص من الثمرات قلة ريع (4)ما يزرع «و بشّر الصابرين» عند ذلك بخروج (5)القائم عليه السلام، ثمّ قال لي: يا محمّد هذا تأويله إنّ الله عزّ و جلّ يقول: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّهُ وَ اَلرّاسِخُونَ فِي
ص:285
2-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: أخبرني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسين الجعفي من كتابه، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن ابيه، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا بدّ أن يكون قدّام قيام (3)القائم سنة يجوع فيها النّاس، و يصيبهم خوف شديد من القتل، و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات، فإنّ ذلك في كتاب اللّه المبين، ثمّ تلا هذه الآية: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ اَلْأَمْوالِ وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ اَلصّابِرِينَ (4). (5)
3-ابن بابويه قال: حدّثني أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب الخزّاز، و العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ قدّام قيام القائم عليه السلام علامات تكون من اللّه عزّ و جلّ للمؤمنين قلت: و ما هي جعلني اللّه فداك؟ قال: يقول اللّه عزّ و جلّ:
وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني المؤمنين قبل خروج القائم عليه السلام بِشَيْءٍ مِنَ
ص:286
اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ اَلْأَمْوالِ وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ اَلصّابِرِينَ قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، و الجوع بغلاء أسعارهم «و نقص من الأموال» قال: كساد التجارات و قلّة الفضل، «و نقص من الأنفس» قال: موت ذريع «و نقص من الثّمرات» قال: قلة ريع ما يزرع، «و بشّر الصّابرين» عند ذلك بتعجيل الفرج. (1)
ثم قال لي: يا محمّد هذا تأويله إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّهُ وَ اَلرّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ (2). (3)
4-و رواه أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال حدّثني أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: حدّثنا أحمد بن هلال، قال:
حدّثنا الحسن بن محبوب عن عليّ بن رئاب، و أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ لقيام قائمنا عليه السلام علامات، بلوى من اللّه للمؤمن قلت: و ما هي؟
قال: ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ و ساق الحديث إلى آخره. (4)
5-العيّاشي في «تفسيره» باسناده عن الثّمالي، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ قال: ذلك جوع خاصّ و جوع عامّ، فأمّا بالشّام فإنّه عامّ و أمّا الخاصّ بالكوفة يخصّ و لا
ص:287
يعمّ و لكنه يخصّ بالكوفة أعداء آل محمّد عليه الصلاة و السلام، فيهلكهم اللّه بالجوع، و أمّا الخوف فإنّه عامّ بالشام و ذلك الخوف إذا قام القائم عليه السلام، و أمّا الجوع فقبل قيام القائم عليه السلام، و ذلك قوله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ . (1)
و الروايات في علامات القائم عليه السلام كثيرة من أراد الوقوف عليها فعليه «بغيبة» ابن بابويه «و غيبة» محمّد بن إبراهيم النعماني، و «مسند فاطمة عليها السلام» لأبي جعفر الطبري و غيرهما من الكتب.
ص:288
في النداء باسمه عليه السلام و الصيحة السماوية
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيوب الخزّاز، عن عمر بن حنظلة (1)قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خمس علامات قبل قيام القائم عليه السلام: الصيحة، و السفياني، و الخسف، و قتل النّفس الزكية و اليماني.
فقلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أخرج معه؟
قال: لا.
فلمّا كان من الغد تلوت هذه الآية: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (2)فقلت له: أ هي الصيحة؟
فقال: أما لو كانت خضعت أعناق أعداء اللّه عزّ و جلّ. (3)
ص:289
2-عليّ بن إبراهيم في «تفسيره» عن ابيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تخضع رقابهم يعني بني اميّة و هي الصّيحة من السماء باسم صاحب الأمر عليه السلام. (1)
3-محمّد بن إبراهيم النّعماني قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا محمّد بن المفضّل بن إبراهيم بن قيس قال: حدّثنا الحسن بن عليّ ابن فضّال، قال: حدّثنا ثعلبة بن ميمون، عن معمّر بن يحيى (2)عن داود (3)الدجاجي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: فَاخْتَلَفَ اَلْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ (4)فقال: انتظروا الفرج في ثلاث.
فقيل: يا أمير المؤمنين و ما هي؟
قال: إختلاف أهل الشام بينهم، و الرّايات السّود من خراسان، و الفزعة في شهر رمضان.
فقيل: و ما الفزعة؟
فقال: أو ما سمعتم قول اللّه عزّ و جلّ في القرآن: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (5)هي آية تخرج الفتاة من
ص:290
خدرها، و توقظ النّائم، و تفزع اليقظان. (1)
4-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن التيملي، قال: حدّثني عمرو بن عثمان، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، قال: كنت عند ابي عبد اللّه عليه السلام فسمعت رجلا من همدان يقول: إنّ هؤلاء العامّة يعيّرونا و يقولون لنا: إنّكم تزعمون أنّ مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، و كان متّكئا فغضب و جلس ثمّ قال: لا ترووه عني و ارووه عن أبي، و لا حرج عليكم في ذلك اشهدوا أنّي سمعت ابي يقول: و اللّه إنّ ذلك في كتاب اللّه عزّ و جلّ لبيّن، حيث يقول: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلاّ خضع و ذلّ رقبته فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصّوت من السّماء إلاّ أنّ الحقّ في عليّ بن أبي طالب و شيعته.
قال: فاذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتّى يتوارى عن أهل الأرض ثمّ ينادي الا إنّ الحقّ في عثمان بن عفّان و شيعته فإنّه قتل مظلوما فاطلبوا بدمه.
قال: فيثبت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت على الحقّ، و هو النّداء الأوّل، و يرتاب يومئذ الّذين في قلوبهم مرض، و المرض و اللّه عداوتنا، فعند ذلك يتبرّءون منا و يتناولونا: و يقولون: إنّ المنادي الأوّل سحر من سحر أهل هذا البيت، ثم تلا أبو عبد اللّه عليه السلام قول اللّه عزّ و جلّ وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2). (3)
ص:291
5-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا محمّد بن المفضّل بن إبراهيم، و سعدان بن إسحاق بن سعيد (1)، و أحمد بن الحسين (2)بن عبد الملك، و محمّد بن أحمد بن الحسن القطواني (3)جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان مثله سواء بلفظه. (4)
6-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا القاسم بن محمّد بن الحسين (5)بن حازم، قال: حدّثنا عبيس بن هشام الناشري، عن عبد اللّه بن جبلة، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام و قد سأله عمارة (6)الهمداني فقال: أصلحك اللّه إنّ الناس يعيّرونا و يقولون: إنّكم تزعمون أنّه سيكون صوت من السماء فقال له: لا ترووه عنّي و ارووه عن ابي، كان أبي يقول: هو في كتاب اللّه: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (7)فيؤمن أهل الأرض جميعا للصوت، و إذا كان من الغد صعد إبليس اللّعين حتّى يتوارى في جوّ السماء.
ثمّ ينادي ألا إنّ عثمان قتل مظلوما فاطلبوا بدمه، فيرجع من أراد اللّه عزّ و جلّ به شرّا و يقولون: هذا سحر الشيعة و حتّى يتناولونا و يقولون: هو من سحرهم و هو قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ
ص:292
مُسْتَمِرٌّ . (1)
7-محمّد بن العبّاس في تفسير القرآن فيما نزل في أهل البيت عليهم السلام قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه (2)بن أسد، عن إبراهيم بن محمّد (3)ابن معمر الأسدي، عن محمّد بن فضيل (4)عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله عزّ و جلّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (5)قال: هذه نزلت فينا و في بني أميّة، تكون لنا دولة تذلّ أعناقهم لنا بعد صعوبة، و هوان بعد عزّ. (6)
8-و عنه قال: حدّثنا أحمد (7)بن الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا أبي، عن ابيه، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنّان بن سدير، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (8)قال: نزلت في قائم آل محمّد عليهم السلام ينادى باسمه من السّماء. (9)
ص:293
9-و عنه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابنا (1)عن ابي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ قال: تخضع لها رقاب بني أميّة، قال: ذلك بارز عند زوال الشمس، قال: و ذاك عليّ بن أبي طالب عليه السلام يبرز عند زوال الشّمس على رءوس النّاس ساعة حتّى يبرز وجهه و يعرف النّاس حسبه و نسبه.
ثمّ قال إنّ بني أميّة ليختبي (2)الرجل منهم الى جنب شجرة فيقول: جاءني رجل (3)من بني أميّة فاقتلوه. (4)
10-و عنه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، قال: حدّثنا صفوان بن يحيى، عن أبي عثمان، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: انتظروا الفرج في ثلاث.
قيل: و ما هي؟
قال: اختلاف أهل الشام بينهم، و الرّايات السّود من خراسان، و الفزعة في شهر رمضان.
فقيل له: و ما الفزعة في شهر رمضان؟
قال: أ ما سمعتم قول اللّه عزّ و جلّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً
ص:294
فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (1)قال: إنّه تخرج الفتاة عن خدرها، و يستيقظ النائم و يفزع اليقظان. (2)
11-محمّد بن إبراهيم النّعماني، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن (3)، عن أبيه، عن أحمد بن عمر الحلبي (4)، عن الحسين بن موسى (5)، عن فضيل (6)بن محمد مولى محمّد بن راشد البجلي، عن ابي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: أما إنّ النداء الأوّل من السّماء باسم القائم في كتاب اللّه بيّن، فقلت: فأين هو اصلحك اللّه؟
فقال: في طسم تِلْكَ آياتُ اَلْكِتابِ اَلْمُبِينِ (7)قوله: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (8)قال: إذا سمعوا الصوت اصبحوا و كأنّما على رءوسهم الطير. (9)
ص:295
ص:296
في أنّه عليه السلام ينادى باسمه إذا اذن له بالخروج، و يكون
خروجه يوم السّبت عاشر محرّم و أوّل من يبايعه جبرئيل
1-محمّد بن إبراهيم النّعماني، في كتاب «الغيبة» قال: أخبرنا ابو سليمان (1)بن هوذة الباهلي، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النّهاوندي قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن ابي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
ينادى باسم القائم يا فلان بن فلان قم. (2)
2-و عنه قال: أخبرنا أبو سليمان أحمد بن هوذة الباهلي، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النّهاوندي قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: يقوم القائم يوم عاشوراء. (3)
3-ابن بابويه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي اللّه عنه قال: حدّثني أبي، عن أحمد بن عيسى (4)عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يخرج القائم عليه السلام يوم السبت يوم عاشوراء اليوم الّذي قتل فيه الحسين عليه السلام. (5)
ص:297
4-محمّد بن ابراهيم النعماني قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن التيملي من كتابه في رجب سنة سبعين و مائتين، قال: حدّثنا محمّد بن عمر بن يزيد بيّاع السابري، و محمّد بن الوليد بن خالد الخزّاز جميعا قالا: حدّثنا حمّاد بن عثمان، عن عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: انّه ينادي باسم صاحب هذا الأمر مناد من السّماء:
الأمر لفلان بن فلان ففيم القتال. 1
5-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال حدّثني عليّ بن الحسن التيملي، قال: حدّثني محمد 2و أحمد 3ابنا الحسن، عن عليّ بن يعقوب الهاشمي 4، عن مروان 5بن مسلم، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: ينادى باسم القائم عليه السلام فيؤتى و هو خلف المقام، فيقال له: قد نودي باسمك فما تنظر؟ ثمّ يؤخذ بيده فيبايع.
قال: قال زرارة: الحمد للّه قد كنّا نسمع أنّ القائم عليه السلام يبايع
ص:298
مستكرها فلم نكن نعلم وجه استكراهه، فعلمنا أنّه استكراه لا إثم فيه. (1)
6-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه، قال: أخبرنا محمّد بن همام، قال:
أخبرنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثنا عليّ بن يونس (2)الخزّاز، عن إسماعيل (3)بن عمر بن أبان، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أراد اللّه قيام القائم بعث جبرئيل في صورة طائر ابيض فيضع أحد رجليه على الكعبة، و الاخرى على بيت المقدس، ثمّ ينادي بأعلى صوته: أَتى أَمْرُ اَللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (4).
قال: فيحضر القائم عليه السلام فيصلّي عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين ثمّ ينصرف، و حوله أصحابه و هم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، إنّ فيهم لمن يسري من فراشه ليلا فيخرج و معه الحجر فيلقيه فتعشب الأرض. (5)
7-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال:
حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن ابي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ أوّل من يبايع القائم عليه السلام جبرئيل عليه السلام ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه.
ص:299
ثمّ يضع رجلا على بيت اللّه الحرام و رجلا على بيت المقدس، ثمّ ينادي بصوت طلق ذلق تسمعه الخلائق: أَتى أَمْرُ اَللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ . (1)
8-العيّاشي باسناده في تفسيره عن ابان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أوّل من يبايع القائم عليه السلام جبرئيل عليه السلام ينزل عليه في صورة طير أبيض فيبايعه، ثم يضع رجلا على البيت الحرام و رجلا على بيت المقدس، ثمّ ينادي بصوت رفيع يسمع الخلائق: أَتى أَمْرُ اَللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (2).
ثم قال العيّاشي: و في رواية أخرى عن أبان، عن أبي جعفر عليه السلام نحوه. (3)
ص:300
في إعلام الأموات بخروجه، و إحياء أصحاب الكهف،
و يرد كلّ مؤذ للمؤمنين للقصاص
1-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسين (1)محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي عليّ محمّد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الطحّان (2)، عن الضحّاك البجلي، عن محمّد بن يزيد العجلي (3)عن سيف بن عميرة، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: المؤمن ليخيّر في قبره فإذا قام القائم عليه السلام فيقال له: قد قام صاحبك فإن أحببت أن تلحق به فالحق، و إن أحببت أن تقيم في كرامة اللّه فأقم. (4)
2-و عنه قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن أبي عليّ محمّد بن همام، عن عبد اللّه بن جعفر بن محمّد الحميري، قال:
ص:301
حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عمر (1)، عن أبان بن تغلب الكلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث يذكر فيه خروج القائم عليه السلام قال: فلا يبقى ميّت إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، حتى يتزاورون في قبورهم و يتباشرون بخروج القائم عليه السلام. (2)
3-ابن بابويه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد (3)بن محمد رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي (4)، قال حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليه السلام يذكر فيه صفة القائم عليه السلام و خروجه قال: و لا يبقى ميّت من المؤمنين إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، و هم يتزاورون في قبورهم و يتباشرون بقيام القائم عليه السلام. (5)
4-أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، قال: حدّثني أبو المفضّل محمد ابن عبد اللّه، قال: حدّثنا محمّد بن همام، قال حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثنا إسحاق (6)بن محمد بن سميع، عن محمد بن الوليد (7)، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه الصّادق عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ:
ص:302
يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ اَلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اَللّهِ (1)قال: في قبورهم بقيام القائم عليه السلام. (2)
5-و عنه قال: حدّثني أبو عبد اللّه الحسين (3)بن عبد الله الحرمي قال:
حدّثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدّثنا إسحاق بن محمّد (4)الصيرفي، عن إسحاق بن إبراهيم (5)الغزالي قال: حدّثني عمران الزعفراني (6)، عن المفضّل قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا ظهر القائم من ظهر هذا البيت بعث الله معه سبعة و عشرين رجلا، منهم أربعة عشر رجلا من قوم موسى، و هم الّذين قال الله: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ (7)و أصحاب الكهف ثمانية، و المقداد و جابر الأنصاري، و مؤمن آل فرعون، و يوشع بن نون و هو وصيّ موسى. (8)
6-و عنه قال: حدّثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال:
حدّثنا أبي، قال حدّثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي، قال: حدّثنا محمد (9)بن بندار قال حدّثنا محمد بن سعيد الخراساني، عن أبي عمران (10)الطبري، عن محمد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه
ص:303
السلام: إذا قام قائمنا ردّ كل مؤذ للمؤمنين في زمانه في الصورة الّتي كانوا عليها و فيها بين اظهرهم لينتصف منهم المؤمنون. (1)
ص:304
في نزول عيسى بن مريم عليه السلام و صلاته
خلف المهدي عليه السلام
1-علي بن ابراهيم في «تفسيره» قال: حدثني أبي عن القاسم بن محمد (1)، عن سليمان بن داود المنقري، عن أبي حمزة، عن شهر بن حوشب، قال: قال لي الحجاج يا شهر آية في كتاب الله قد أعيتني.
فقلت: أيّها الامير أيّة آية هي؟
فقال: قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (2)و الله إنّي لآمر باليهودي و النصراني فيضرب عنقه ثمّ أرمقه بعيني فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يخمد!
فقلت: اصلح الله الأمير ليس على ما أوّلت.
قال: كيف هو؟
قلت: إنّ عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدّنيا فلا يبقى أهل ملّة يهودي و لا نصراني و لا غيره إلاّ آمن به قبل موته و يصلّي خلف المهديّ.
قال: ويحك أنى لك هذا و من أين جئت به؟
فقلت: حدّثني به محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن ابي طالب عليهم
ص:305
السّلام فقال: جئت بها و اللّه من عين صافية. (1)
2-ابن بابويه قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثني محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل قال فيه: فظهر عيسى عليه السلام في ولادته معلنا لدلائله مظهرا لشخصه شاهرا لبراهينه غير مخف لنفسه لأنّ زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجّة كذلك.
ثم كان له من بعده أوصياء حججا مستعلنين و مستخفين إلى وقت ظهور نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال اللّه عزّ و جلّ له في الكتاب: ما يُقالُ لَكَ إِلاّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ (2)ثمّ قال عزّ و جلّ: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا (3)فكان مما قيل له و لزم من سنته على إيجاب سنن من تقدّمه من الرسل إقامة الأوصياء له كإقامة من تقدّمه لأوصيائهم، فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوصياءه كذلك، و أخبر بكون المهدي عليه السلام خاتم الأئمّة عليهم السلام و أنّه يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا فنقلت الامّة بأجمعها عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّ عيسى عليه السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلّي خلفه. (4)
3-الفاضل عمر بن إبراهيم الأوسي (5)في كتابه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند انفجار الصبح ما بين
ص:306
مهرودين (1)و هما ثوبان أصفران من الزّعفران، ابيض الجسم، أصهب (2)الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهنا، بيده حربة يكسر الصليب، و يقتل الخنزير، و يهلك (3)الدجّال و يقبض أموال القائم عليه السلام و يمشي خلفه اهل الكهف و هو الوزير الايمن للقائم عليه السلام و حاجبه، و نائبه، و يبسط في المغرب و المشرق الأمن من كرامة الحجّة بن الحسن صلوات اللّه عليهما، حتّى يرتع الأسد مع النعم، و النمر مع البقر، و الذئب مع الغنم، و تلعب الصبيان بالحيّات، و يتزوّج عيسى بامرأة من غسّان حتّى يسودّ وجه من كان يقول ليس من البشر، و يروه كيف يأكل و يشرب و ينكح.
و يعمّر في سبعين الفا منهم أصحاب الكهف، و يجمع الكتب من أنطاكية حتّى يحكم بين أهل المشرق و المغرب، و يحكم بين أهل التوراة في توراتهم (4)و أهل الإنجيل في إنجيلهم، و أهل الزبور في زبورهم، و أهل الفرقان بفرقانهم فيكشف اللّه له عن إرم ذات العماد، و القصر الذي بناه سليمان بن داود قرب موته فيأخذ ما فيها من الأموال و يقسّمها على المسلمين، و يخرج اللّه التابوت الّذي أمر به أرميا أن يرميه في بحر طبرية: فيه بقيّة مما ترك آل موسى و آل هارون، و رضاضة اللوح، و عصا موسى، و قبا هارون، و عشرة أو صاع من المنّ و شرائح السلوى الّتي ادّخروها بنو إسرائيل لمن بعدهم، فسيستفتح بالتابوت المدن كما استفتح به من كان قبله، و ينشر الإسلام في المشرق و المغرب و الجنوب و القبلة، و ذلك الوقت سنته كالشهر، و شهره كالجمعة، و جمعته
ص:307
كاليوم، و اليوم كالساعة، و الساعة لا بقاء لها، ثم تقبل ريح باردة صفراء ألين من الحرير مثل المسك، فيقبض اللّه بها روح عيسى بن مريم عليه السلام.
ص:308
في أصحابه عليه السلام الثلاثمائة و ثلاثة عشر
1-محمد بن إبراهيم المعروف بابن زينب في كتاب «الغيبة» قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد اللّه بن يونس، قال: حدّثنا محمد بن جعفر (1)القرشي، قال:
حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمد بن سنان، عن ضريس، عن أبي خالد الكابلي، عن عليّ بن الحسين، أو عن محمد بن علي عليهما السلام قال: الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكّة، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (2)و هم اصحاب القائم عليه السلام. (3)
2-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا علي ابن الحسن التيملي، قال: حدّثنا الحسن (4)و محمد ابنا عليّ بن يوسف، عن
ص:309
سعدان (1)بن مسلم، عن رجل عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام اذا اذن الإمام دعا اللّه عزّ و جلّ باسمه العبراني فانتخب (2)اصحابه الثلاثمائة و الثلاثة عشر قزع (3)كقزع الخريف و هم اصحاب الالوية، منهم من يفتقد (4)من فراشه ليلا فيصبح بمكة، و منهم من يسير (5)في السحاب نهارا يعرف باسمه و اسم ابيه و حليته و نسبه.
قلت: جعلت فداك أيّهم أعظم إيمانا؟ قال: الذي يسير في السحاب نهارا و هم المفقودون، و فيهم نزلت هذه الآية أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (6). (7)
3-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال أخبرني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، عن الحسن (8)بن علي، عن ابيه،
ص:310
و وهيب (1)عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا اَلْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (2)قال: نزلت في القائم عليه السلام و اصحابه يجتمعون على غير ميعاد. (3)
4-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن يعقوب الكليني أبو جعفر، قال: حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، و محمّد بن يحيى بن عمران، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و حدّثني عليّ بن محمّد، و غيره عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، قال: و حدّثنا عبد الواحد بن عبد اللّه الموصلي، عن أبي (4)عليّ أحمد بن محمّد بن ابي ناشر عن أحمد بن هلال عن الحسن بن محبوب، قال: حدّثنا عمرو (5)بن أبي المقدام، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام في حديث يذكر فيه القائم عليه السلام إلى أن قال: فيجمع اللّه له اصحابه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، و يجمعهم اللّه له على غير ميعاد، قزعا كقزع الخريف، و هم (6)يا جابر الآية الّتي ذكرها اللّه في كتابه: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اَللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (7)فيبايعونه بين
ص:311
الركن و المقام، و معه عهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد توارثوه (1)الأبناء عن الآباء. (2)
5-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي اللّه عنه قال: حدّثنا ابو جعفر، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمد بن سنان، عن أبي خالد (3)القمّاط، عن ضريس، عن أبي خالد الكابلي، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا عدة اهل بدر فيصبحون بمكة، و هو قوله عزّ و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (4). (5)
6-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد اللّه الكوفي (6)، عن أبيه، عن محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام: لقد نزلت هذه الآية في المفقودين (7)من اصحاب القائم عليه السلام قوله عزّ و جلّ:
ص:312
أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً انهم المفقودون (1)من فرشهم ليلا فيصبحون بمكّة، و بعضهم يسير في السحاب نهارا (2)يعرف اسمه و اسم أبيه و حليته و نسبه.
قال: فقلت: جعلت فداك أيّهم أعظم إيمانا؟
قال: الذي يسير في السّحاب نهارا. (3)
7-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي خالد (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: فَاسْتَبِقُوا اَلْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (5). قال: الخيرات الولاية، و قوله تعالى: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً يعني أصحاب القائم الثلاثمائة و البضعة عشر رجلا قال: و هم و اللّه الامّة المعدودة (6)قال: يجتمعون و اللّه في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف (7).
و الروايات في هذه الآية بهذا المعنى كثيرة من أرادها وقف عليها من «البرهان» .
ص:313
ص:314
في حكمه بحكم داود عليهما السلام، و تأييده
بالملائكة و أول من يبايع القائم عليه السلام
محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
و عليّ عليه السلام
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا-يعني مسجد مكة- يعلم أهل مكة أنّه لم تلدهم (1)آباءهم و لا أجدادهم، عليهم السيوف مكتوب على كلّ سيف كلمة تفتح الف كلمة، فيبعث اللّه تبارك و تعالى ريحا فتنادي بكلّ واد: هذا المهدي يقضي بقضاء داود و سليمان عليهما السلام و لا يريد عليه بينة. (2)
2-و عنه بهذا الإسناد عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
ص:315
إذا قام القائم عليه السلام لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلاّ عرفه، صالح هو أم طالح، الا و فيه آية للمتوسمين و هي السبيل (1)المقيم. (2)
3-و عنه بهذا الإسناد عن ابان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
دمان في الإسلام حلال من اللّه عزّ و جلّ لا يقضي فيهما أحد بحكم اللّه عزّ و جلّ حتّى يبعث اللّه عزّ و جلّ القائم من أهل البيت فيحكم فيهما بحكم اللّه لا يريد فيه بيّنة: الزّاني المحصن يرجمه، و مانع الزكاة يضرب عنقه (3). (4).
4-و عنه بهذا الإسناد عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
كأنّي أنظر إلى القائم عليه السلام على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النّجف ركب فرسا أدهم أبلق ما بين عينيه شمراخ (5)ثم ينتفض به فرسه، فلا يبقى أهل بلدة إلاّ و هم يظنّون أنّه معهم في بلادهم، فإذا نشر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انحطّ عليه ثلاثة عشر ألف ملك و ثلاثة عشر ملكا، كلّهم ينتظرون القائم عليه السلام و هم الذين كانوا مع نوح عليه السلام في السفينة، و الذين كانوا مع إبراهيم عليه السلام حيث ألقي في النار، و الّذين كانوا مع عيسى حين رفع، و أربعة آلاف مسوّمين و مردفين، و ثلاثمائة و ثلاثة عشر ألف ملكا يوم بدر؛ و أربعة آلاف ملك الّذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين
ص:316
ابن علي عليه السلام فلم يؤذن لهم، فصعدوا في الاستيذان فهبطوا و قد قتل الحسين عليه السلام، فهم شعث غبر يبكون عند قبر الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة، و ما بين قبر الحسين عليه السلام إلى السماء مختلف الملائكة. (1)
5-و عنه، عن محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه اللّه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين (2)، عن محمّد بن إسماعيل (3)، عن أبي إسماعيل (4)السرّاج، عن بشر بن جعفر، عن مفضّل بن عمر، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّه إذا تناهت الامور الى صاحب هذا الأمر رفع اللّه تبارك و تعالى كلّ منخفض من الأرض، و خفض كل مرتفع منها حتّى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟ (5)
6-و عنه حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن معلّى بن محمد البصري، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن مثنّى الحنّاط، عن قتيبة الأعشى، عن ابن أبي يعفور عن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إذا قام قائمنا عليه السلام وضع يده
ص:317
على رءوس العباد فجمع بها عقولهم و كملت أحلامهم (1). (2)
7-محمّد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا عليّ بن أحمد (3)، عن عبيد اللّه بن موسى (4)العلوي، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: أَتى أَمْرُ اَللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (5)فقال: هو أمرنا أمر اللّه عزّ و جلّ لا يستعجل (6)به يؤيّده بثلاثة أجناد: بالملائكة و المؤمنين و الرّعب، و خروجه كخروجه رسول اللّه و ذلك قوله عزّ و جلّ: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (7). (8)
8-و عنه قال: اخبرنا أحمد بن هوذة أبو سليمان، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن عليّ بن أبي حمزة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا قام القائم نزلت الملائكة بثلاثمائة و ثلاثة عشر (9)ثلث على خيول شهب، و ثلث على خيول بلق، و ثلث على خيول حوّ.
ص:318
قلت: و ما الحوّ؟
قال: الحمر. (1)
9-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا يحيى (2)بن زكريا بن شيبان، قال حدّثنا يوسف (3)بن كليب قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام يقول: لو خرج قائم آل محمّد عليهم السلام لينصره اللّه بالملائكة المسوّمين و المردفين و المنزلين و الكروبين يكون جبرئيل أمامه، و ميكائيل عن يمينه، و إسرافيل عن يساره، و الرعب مسيرة شهر أمامه، و خلفه، و عن يمينه و عن شماله، و الملائكة المقربون حذائه، أوّل من (4)بايعه محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام الثاني، و معه سيف مخترط يفتح اللّه له الروم، و الصين، و الترك، و الديلم، و السند، و الهند، و كابل شاه و الخزر-يا ابا حمزة لا يقوم القائم عليه السلام إلاّ على خوف شديد و زلزال و فتنة و بلاء يصيب الناس، و طاعون قبل ذلك، و سيف قاطع بين العرب، و إختلاف شديد من الناس، و تشتّت في دينهم، و تغيّر في حالهم حتّى يتمنى المتمنّي الموت صباحا و مساء من عظم ما يرى من كلب (5)الناس، و أكل بعضهم
ص:319
بعضا، و خروجه إذا خرج عند الاياس و القنوط، فيا طوبى لمن أدركه و كان من أنصاره، و الويل كلّ الويل لمن ناواه و خالف أمره و كان من اعدائه.
ثم قال: يقوم بأمر جديد، و كتاب جديد، و سنّة جديدة، و قضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلاّ القتل، لا يستتيب (1)أحدا و لا تأخذه في اللّه لومة لائم (2).
10-محمّد بن يعقوب، باسناده عن إسحاق بن محمّد النخعي، قال:
حدّثني الحسن بن ظريف أنّه سأل أبا محمّد عليه السلام عن قضاء القائم عليه السلام فجاء الجواب اذا قام قضى بعلمه كقضاء داود عليه السلام لا يسأل البيّنة. (3)
ص:320
في سيرته عليه السلام
1-محمد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد اللّه بن يونس، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن رباح (1)قال: حدّثنا أحمد بن علي الخمري، قال: حدّثني الحسن بن أيّوب، عن عبد الكريم بن عمرو، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن بن أبان (2)قال: حدّثني عبد اللّه بن عطاء المكّي، عن شيخ من الفقهاء يعني أبا عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن سيرة المهديّ كيف سيرته؟
فقال: يصنع كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يهدم ما كان قبله، كما هدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر الجاهليّة و يستأنف الإسلام جديدا. (3)
2-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن الحسين (4)، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسن الرّازي، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبيه، عن زرارة عن أبي جعفر عليه
ص:321
السلام قال: قلت له: صالح من الصّالحين سمّه لي أريد القائم عليه السلام فقال عليه السلام: اسمه اسمي.
قلت: أ يسير بسيرة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟
فقال: هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته.
قلت: و لم جعلني اللّه فداك؟ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سار في امّته باللّين يتألّف النّاس، و القائم عليه السلام يسير بالقتل و لا يستتيب أحدا ويل لمن ناواه. (1)
3-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن الحسين بهذا الإسناد، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم (2)، عن ابي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: إنّ عليّا قال: قد كان لي أن أقتل المولّي و اجهز على الجريح و لكنّي تركت ذاك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا لم يقتلوا، و القائم له أن يقتل المولّي و يجهز على الجريح. (3)
4-قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة قال: حدّثنا علي بن الحسن (4)عن محمّد بن خالد (5)، عن ثعلبة بن ميمون، عن الحسن بن هارون (6)
ص:322
بيّاع الأنماط قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام جالسا فسأله المعلّى بن خنيس: أ يسير القائم عليه السلام إذا قام بخلاف سيرة عليّ عليه السلام؟
فقال: نعم، و ذلك أنّ عليا عليه السلام سار بالمنّ و الكفّ لأنّه علم أنّ شيعته سيظهر عليهم من بعده، و أنّ القائم عليه السلام إذا قام سار فيهم بالسيف و السبي، و ذلك أنّه يعلم أنّ شيعته لم يظهر عليهم من بعده. (1)
5-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن، عن أبيه، عن رفاعة بن موسى، عن عبد اللّه بن عطاء، قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام فقلت: إذا قام القائم عليه السلام بأيّ سيرة يسير في الناس؟
فقال: يهدم ما قبله كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يستأنف الإسلام جديدا. (2)
6-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن الحسين، قال: أخبرنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسن الرازي، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن المعلّى، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم أن لا يروه ممّا يقتل من الناس، أما إنّه لا يبدأ إلاّ بقريش فلا يأخذ منها إلاّ السيف، و لا يعطيها إلاّ السيف حتّى يقول كثير من الناس: ما (3)هذا من آل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لو كان من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لرحم. (4)
ص:323
7-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن الحسين بإسناده عن محمّد بن أبي نصر، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام:
يقوم القائم بأمر جديد، و كتاب جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلاّ بالسيف، لا يستتيب أحدا و لا يأخذه في اللّه لومة لائم. 1
8-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن الحسين، بإسناده عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما تستعجلون بخروج القائم عليه السلام؟ فو اللّه ما لباسه إلاّ الغليظ و لا طعامه إلاّ الجشب و ما هواه إلاّ السيف، و الموت تحت ظلّ السيف. 2
9-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسين الجعفي، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، و وهيب 3عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: إذا خرج القائم لم يكن بينه و بين العرب و قريش إلاّ السيف ما يأخذ منها إلاّ السيف، و لا يعطيها إلاّ السيف، و ما يستعجلون بخروج القائم عليه السلام؟ و اللّه ما لباسه إلاّ الغليظ، و ما طعامه إلاّ الشعير الجشب، و ما هو إلاّ السيف، و الموت تحت ظلّ السيف 4.
ص:324
10-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن محمّد (1)، عمّن حدّثه، عن محمّد ابن الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ القائم عليه السلام إذا قام ردّ البيت الحرام إلى أساسه، و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أساسه، و مسجد الكوفة إلى أساسه، و قال أبو بصير: إلى موضع التمّارين من المسجد. (2)
ص:325
ص:326
في أنّما يلقاه القائم عليه السلام أشدّ مما لقيه رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم من جهّال الجاهلية
1-محمّد بن إبراهيم النعماني قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمّد ابن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا محمّد بن المفضّل بن إبراهيم، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن محمّد بن مروان، عن الفضيل بن يسار (1)، قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ قائمنا عليه السلام إذا قام استقبل من جهل (2)الناس أشدّ مما استقبله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من جهّال الجاهلية.
قلت: و كيف ذاك؟
قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتى الناس و هم يعبدون الحجارة و الصخور و العيدان و الخشب المنحوتة، و إنّ قائمنا عليه السلام إذا قام أتى الناس و كلّهم يتأول عليه كتاب اللّه و يحتجّ عليه به.
ثمّ قال: أما و اللّه ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر
ص:327
2-و عنه قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد اللّه بن يونس، قال: حدّثنا محمّد ابن جعفر القرشي، قال: حدّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد ابن سنان، عن حسين بن مختار، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي الناس مثل ما لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أكثر. (3)
3-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن همام، قال: حدّثنا حميد بن زياد الكوفي، قال حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الميثمي، عن محمّد بن أبي حمزة (4)، عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
سمعته يقول: إنّ القائم يلقى في حربه ما لم يلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتاهم و هم يعبدون الحجارة المنقورة و الخشبة المنحوتة و إنّ القائم عليه السلام يخرجون عليه فيتأوّلون عليه كتاب اللّه فيقاتلونه عليه. (5)
4-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن أحمد، قال: أخبرنا عبيد اللّه بن موسى العلوي، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن قتيبة الأعشى، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق و المغرب أ تدري لم ذاك؟
ص:328
قلت: لا.
قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه. (1)
5-و عنه قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر القرشي، قال: حدّثني محمّد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن قتيبة الأعشى، عن منصور بن حازم (2)، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: إذا وقعت راية الحقّ لعنها أهل المشرق و أهل المغرب.
قلت: ممّا ذاك؟
قال: ممّا يلقون من بني هاشم. (3)
6-و عنه، عن علي بن أحمد، عن عبيد اللّه بن موسى، و أحمد بن عليّ الأعلم (4)قال: حدثنا محمد بن عليّ الصيرفي (5)عن محمد بن صدقة (6)، و ابن اذينة العبدي، و محمد بن سنان جميعا عن يعقوب السرّاج قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ثلاثة عشر مدينة، و طائفة يحارب القائم أهلها و يحاربونه، أهل مكة، و أهل المدينة، و أهل الشام، و بنو أميّة، و أهل البصرة،
ص:329
و أهل دست ميسان (1)، و الأكراد، و الأعراب و ضبّة، و غنى، و باهلة، و أزد البصرة، و أهل الري. (2)
ص:330
نشره عليه السلام راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
1-محمّد بن إبراهيم النعماني، قال: اخبرنا محمّد بن همّام، قال: حدّثنا أحمد بن مابندار (1)قال: حدّثنا أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن ابي المغراء، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لمّا التقى أمير المؤمنين عليه السلام و أهل البصرة نشر الرّاية راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتزلزلت أقدامهم فما اصفرّت الشمس حتّى قالوا: آمنّا يا ابن أبي طالب، فعند ذلك قال: لا تقتلوا الأسرى و لا تجهزوا على الجرحى، و لا تتّبعوا مولّيا، و من ألقى سلاحه فهو آمن، و من أغلق بابه فهو آمن.
فلمّا كان يوم صفّين سألوه نشر الرّاية فابى عليهم، فتحمّلوا عليه بالحسن و الحسين عليهما السلام و عمّار بن ياسر، فقال للحسن عليه السلام: يا بنيّ إنّ للقوم مدة يبلغونها، و إنّ هذه الرّاية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم صلوات اللّه عليه. (2)
2-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا أبو
ص:331
عبد اللّه يحيى بن زكريّا بن شيبان، عن يوسف بن كليب (1)، عن الحسن بن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا يخرج القائم من مكّة حتى يكون مثل (2)الحلقة.
قلت: و كم الحلقة؟
قال: عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره، ثم يهزّ الرّاية المغلّبة و يسير بها فلا يبقى أحد في المشرق و لا في المغرب إلاّ لعنها، و هي راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزل بها جبرئيل يوم بدر ثمّ قال: يا محمّد ما هي و اللّه قطن و لا كتّان، و لا قزّ و لا حرير.
قلت: فمن أيّ شيء هي؟
قال: من ورق الجنة، نشرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر، ثمّ لفّها و دفعها إلى عليّ عليه السلام، فلم تزل عند عليّ عليه السلام حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين ففتح الله عليه ثمّ لفّها فهي عندنا لا ينشرها أحد حتّى يقوم القائم عليه السلام، فإذا هو قام نشرها لم يبق بين المشرق و المغرب أحد إلاّ لعنها، و يسير الرعب قدّامها شهر، و خلفها شهر، و عن يمينها شهر، و عن يسارها شهر.
ثمّ قال يا أبا محمّد، إنّه يخرج موتورا غضبان اسفا لغضب اللّه على هذا الخلق، عليه قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الّذي كان عليه يوم أحد، و عمامته السحاب، و درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم السابغة، و سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذو الفقار، يجرّد السّيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجا، فيبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم و يعلّقها في الكعبة،
ص:332
و ينادي مناديه هؤلاء سرّاق اللّه، ثم يتناول المفقودون من فرشهم (1)و هو قول اللّه عزّ و جلّ: فَاسْتَبِقُوا اَلْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (2)قال: الخيرات الولاية. (3)
و تقدّم حديث في ذلك في الباب السادس و الثلاثين.
ص:333
ص:334
إنّ القائم إذا قام استغنى العباد عن ضوء الشمس و القمر
1-أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هرون بن موسى، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدّثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الحيري (1)قال: حدّثنا أحمد بن ميثم (2)قال: حدّثنا أبو الهيثم القصّاب (3)، عن المفضّل بن عمر الجعفي قال: سمعت ابا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها و استغنى العباد عن ضوء الشمس و القمر، و صار الليل و النهار واحدا و ذهبت الظلمة، و عاش الرّجل في زمانه ألف سنة، يولد له في كلّ سنة غلام لا يولد له جارية، يكسوه الثوب فيطول عليه كلّما طال، و يتلوّن عليه أيّ لون شاء. (4)
ص:335
2-و عنه قال: أخبرني أبو عبد اللّه الخرقي عن أبي محمد عن ابن همام (1)قال: حدّثنا سليمان بن صالح، قال: حدّثني أبو القاسم القصّاب (2)، عن مفضّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها و ساق الحديث الى آخره. (3)
3-و عنه، قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، قال:
حدّثني أبي قال: حدّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدّثنا محمّد ابن عليّ بن عبد الكريم (4)، قال: حدّثنا أبو طالب عبد اللّه بن الصلت، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن عبد اللّه الحنّاط (5)، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا قام القائم استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه و يشويه و يأكل لحمه و لا يكسر عظمه، ثمّ يقول له: احي بإذن اللّه تعالى فيحيا و يطير، و كذلك الظباء من الصحاري، و يكون ضوء البلاد و نورها، و لا يحتاجون الى شمس و لا قمر، و لا يكون على وجه الأرض مؤذ و لا شرّ و لا سمّ و لا فساد اصلا، لأنّ الدعوة سماوية ليست بأرضية، و لا يكون للشيطان فيها وسوسة، و لا عمل، و لا حسد، و لا شيء من الفساد، و لا تشوك الأرض و الشجر، و تبقى الزروع قائمة كلّما أخذ منها شيء نبت من وقته و عاد كحاله، و إنّ الرّجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلّما طال، و يتلوّن عليه أيّ لون أحبّ و شاء.
و لو أنّ الرّجل الكافر دخل جحر ضبّ أو توارى خلف مدرة أو حجر أو شجر لأنطق اللّه ذلك الشيء الذي يتوارى فيه حتّى يقول: يا مؤمن خلفي كافر
ص:336
فخذه، فيؤخذ و يقتل، و لا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه، و الهيكل البدن، و يصافح المؤمنون الملائكة يوحى إليهم و يحيون و يجتمعون الموتى بإذن اللّه قالوا يأتي على الناس زمان لا يكون المؤمن إلاّ بالكوفة أو يجرّه (1)إليها. (2)
4-علي بن ابراهيم في «تفسيره» قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه قال:
حدّثنا جعفر بن محمد (3)، قال: حدّثني القاسم بن الربيع (4)، قال: حدّثنا صباح المدائني (5)، قال: حدّثنا المفضّل بن عمر أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:
في قوله وَ أَشْرَقَتِ اَلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها (6)قال: ربّ الأرض يعني (7)الامام الأرض قلت: فإذا خرج يكون ما ذا؟
قال: يستغني (8)النّاس عن ضوء الشمس و نور القمر و يجتز بنور الامام (9).
ص:337
ص:338
في منزل القائم عليه السلام و مسجده و موضع منبره
1-الشيخ في «التهذيب» بإسناده، عن محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الحسين بن سيف (1)، عن عثمان (2)عن صالح بن أبي الأسود (3)قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: و ذكر مسجد السهلة فقال: أما إنّه منزل قائمنا إذا قام بأهله. (4)
2-أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه في «كامل الزيارات» قال:
حدّثني أبي، عن سعد بن عبد اللّه، عن أبي عبد الله محمد بن أبي عبد اللّه الرازي الجاموراني (5)، عن الحسين بن سيف بن عميرة، عن أبيه سيف، عن ابي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه أو عن أبي جعفر عليهما السلام قال: قلت له: أي
ص:339
بقاع الارض أفضل بعد حرم اللّه عزّ و جلّ و بعد حرم رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال: الكوفة يا ابا بكر هي الزكية الطاهرة، فيها قبور النبيّين و المرسلين، و قبور غير المرسلين و الأوصياء و الصادقين، و فيها مسجد سهل (1)الذي لم يبعث اللّه نبيّا إلاّ و قد صلّى فيه، و منها يظهر عدل اللّه، و فيها يكون قائمه عليه السلام و القوّام (2)من بعده، و هي منازل النبيّين و الأوصياء و الصالحين. (3)
و رواه الشيخ في «التهذيب» عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه بالسند و المتن، إلاّ أن في آخر السند عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قلت و ساق الحديث الى آخره.
3-محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين (4)، عن محمّد بن اسماعيل (5)، عن صالح بن عقبة، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن حبّة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام الى الحيرة فقال: لتصلنّ هذه بهذه و أومأ بيده إلى الكوفة و الحيرة حتى يباع الذراع فيما بينهما بدينارين (6)و ليبنينّ بالحيرة مسجد له خمسمائة باب يصلّي فيه خليفة القائم عليه السلام لأنّ مسجد
ص:340
الكوفة ليضيق عنهم، و ليصلينّ فيه اثنا عشر إماما عدلا.
قلت: يا أمير المؤمنين و يسع مسجد الكوفة هذا الّذي تصف النّاس يومئذ؟
قال: يبنى له أربع مساجد مسجد الكوفة أصغرها و هذا، و مسجدان في طرفي الكوفة من هذا الجانب و هذا الجانب، و أومأ بيده نحو نهر البصريّين و الغريّين. (1)
4-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن الحسن (2)الخزّاز، عن الوشّاء (3)أبي الفرج (4)، عن أبان بن تغلب قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام فمرّ بظهر الكوفة، فنزل فصلّى ركعتين، ثمّ تقدّم قليلا فصلّى ركعتين، ثمّ سار قليلا فنزل فصلّى ركعتين، ثمّ قال:
هذا موضع قبر امير المؤمنين عليه السلام.
قلت: جعلت فداك و الموضعين الّذين صليت فيهما.
قال: موضع رأس الحسين عليه السلام و موضع منزل القائم عليهما السلام. (5)
5-و رواه أبو القاسم بن قولويه في «كامل الزيارات» قال: حدّثني أبي و محمّد بن الحسن (6)، جميعا عن الحسن بن متيل، عن سهل بن زياد، عن
ص:341
إبراهيم بن عقبة، و ساق سنده بالمتن إلاّ أنّ في آخر الحديث: فما الموضعان اللذان صلّيت فيهما؟
قال: موضع رأس الحسين عليه السلام و موضع منبر القائم عليه السلام. (1)
6-السيّد عبد الكريم بن طاوس (2)، في رسالته المعمولة في تعيين قبر أمير المؤمنين عليه السلام و أنّه بالغريّ بإسناده عن أبي الفرج السّندي، قال:
كنت مع أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام حين قدم إلى الحيرة فقال ليلة:
أسرجوا لي البغلة، فركب و أنا معه، حتّى انتهينا إلى الظّهر فنزل فصلّى ركعتين، ثم تنحّى فصلّى ركعتين، ثمّ تنحّى فصلّى ركعتين.
فقلت: جعلت فداك إنّي رأيتك صلّيت في ثلاث مواضع.
فقال: أمّا الأوّل فموضع قبر امير المؤمنين عليه السلام، و الثّاني موضع رأس الحسين عليه السلام، و الثّالث موضع منبر القائم عليه السلام. (3)
7-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: حدّثني أبو عبد اللّه الحسين بن عبد اللّه الخرقي قال: حدّثنا أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبريّ، قال: حدّثنا ابو علي محمّد بن همام، قال: حدّثنا حبيب بن الحسين (4)قال: حدثنا أبو هاشم عبيد بن خارجة، عن عليّ بن عثمان،
ص:342
عن فرات بن الاحنف (1)، قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام و نحن نريد زيارة أمير المؤمنين عليه السلام فلمّا صرنا الى الثوية (2)نزل فصلّى ركعتين.
فقلت: يا سيّدي ما هذه الصلاة؟
قال: هذا موضع منبر القائم، أحببت أن أشكر اللّه في هذا الموضع، ثمّ مضى و مضيت معه حتّى انتهى إلى القائم الذي على الطريق فنزل فصلّى ركعتين.
فقلت: ما هذه الصلاة؟
قال: هاهنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين عليه السلام في صندوق فبعث اللّه عزّ و جلّ طيرا فاحتمل الصندوق بما فيه، فمرّ بهم جمال فأخذوا رأسه و جعلوه في الصندوق فحملوه (3)و نزلت و صلّيت هاهنا شكرا للّه، ثمّ مضى و مضيت معه حتى انتهى إلى موضع فنزل و صلّى ركعتين، و قال: هاهنا قبر أمير المؤمنين عليه السلام أما إنّه لا تذهب الأيّام حتى يبعث اللّه رجلا ممتحنا في نفسه في القتل يبنى عليه حصنا فيه سبعون طاقا.
قال حبيب بن الحسين: سمعت هذا الحديث قبل ان يبنى على الموضع شيء، ثمّ إنّ محمّد بن زيد (4)وجّه فبنى عليه فلم تمض الأيّام حتى امتحن محمّدا
ص:343
في نفسه في القتل. (1)
ص:344
في كيفية السلام عليه
1-العيّاشي في «تفسيره» ، عن محمّد بن إسماعيل الرازي، عن رجل سمّاه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل رجل على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين
فقام على قدميه فقال: مه هذا اسم لا يصلح إلاّ لأمير المؤمنين عليه السلام سمّاه اللّه به و لم يسمّ به أحد غيره فرضى به إلاّ كان منكوحا و إن لم يكن به ابتلي ، و هو قول اللّه في كتابه: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلاّ شَيْطاناً مَرِيداً (1).
قال: فما ذا يدعى به قائمكم؟
قال: يقال له: السلام عليك يا بقيّة اللّه، السلام عليك يا ابن رسول اللّه (2).
2-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمّد بن سنان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ العلم بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّة نبيه
ص:345
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لينبت في قلب مهديّنا كما ينبت الزرع على أحسن نباته، فمن بقي منكم حتى يلقاه فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة و النبوة و معدن العلم و موضع الرسالة.
و روي أنّ التسليم على القائم عليه السلام أن يقال له: السلام عليك يا بقيّة اللّه في أرضه. (1)
ص:346
في مدة قيام القائم عليه السلام بعد قيامه
1-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الكوفي، قال: حدّثني عليّ بن الحسن التيملي، عن الحسن بن عليّ بن يوسف، عن أبيه، و محمّد بن علي (1)، عن أبيه، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن حمزة بن حمران، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: يملك (2)القائم تسع عشرة سنة و أشهر. (3)
2-و عنه قال: أخبرنا أبو سليمان أحمد بن هوذة الباهلي قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، سنة ثلاث و سبعين و مائتين قال: حدّثنا أبو محمّد عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، سنة تسع و عشرين و مائتين، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: يملك (4)القائم منا تسع عشرة سنة و أشهرا. (5)
3-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا
ص:347
محمّد بن المفضّل بن إبراهيم بن قيس بن رمّانة الأشعري، و سعدان (1)بن إسحاق ابن سعيد، و أحمد (2)بن الحسين بن عبد الملك الزيّات، و محمّد بن أحمد بن الحسن القطواني (3)عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن ثابت، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام يقول: و اللّه ليملكنّ رجل منّا أهل البيت ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا.
قال: فقلت له: متى يكون ذلك؟
فقال: بعد موت القائم عليه السلام.
قلت له: و كم يقوم القائم عليه السلام في عالمه حتى يموت؟
فقال: تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته. (4)
4-و عنه عن عليّ بن أحمد البندنيجي، عن عبيد اللّه بن موسى العلوي العباسي عن بعض رجاله، عن أحمد بن الحسن (5)، عن أبيه، عن أحمد بن عمر ابن أبي شعبة الحلبي (6)، عن حمزة بن حمران، عن عبد اللّه بن ابي يعفور، عن
ص:348
أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ القائم يملك تسع عشرة سنة و أشهرا. (1)
و الروايات في قدر ملكه بعد قيامه مختلفة اقتصرت على هذا القدر.
ص:349
ص:350
في إعلام الأحياء و الأموات بقيامه عليه السلام و يراه من بعيد
من في زمانه عليه السلام، و ما يعطاه المؤمن في زمانه
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن صفوان بن يحيى، عن صندل (1)(مندل (2)-خ م) عن بكّار بن أبي بكر، عن عبد اللّه بن عجلان (3)قال: ذكرنا خروج القائم عليه السلام عند ابي عبد اللّه عليه السلام فقلت له: كيف لنا أن (4)نعلم ذلك؟
فقال: يصبح أحدكم و تحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: «طاعة معروفة» .
و روي أنّه يكون في راية المهدي الرّفعة للّه عزّ و جلّ-و في نسخة أخرى
ص:351
البيعة للّه عزّ و جلّ- (1).
2-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي عليّ محمّد بن همام، قال: حدّثنا: جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الطحان (2)، عن ضحاك العجلي، عن محمّد بن يزيد البجلي (3)عن سيف ابن عميرة قال: قال لي ابو جعفر عليه السلام: المؤمن ليخيّر في قبره فإذا قام القائم عليه السلام فيقال له: قد قام صاحبك، فإن أحببت أن تلحق به فالحق، و إن أحببت أن تقيم في كرامة اللّه فأقم. (4)
3-محمّد بن يعقوب، عن عليّ الأشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن العباس بن عامر، عن الربيع بن محمد المسليّ، عن أبي الربيع الشامي (5)، قال: سمعت أبا عبد اللّه يقول: إنّ قائمنا إذا قام مدّ اللّه عزّ و جلّ لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم حتى لا يكون (6)بينهم و بين القائم بريد، يكلّمهم فيسمعون
ص:352
و ينظرون إليه و هو في مكانه. (1)
4-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كأنّي أنظر إلى القائم عليه السلام على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرسا أدهم أبلق، ما بين عينيه شمراخ (2)، ثم ينتفض (3)به فرسه، فلا يبقى أهل بلدة إلاّ و هم يظنّون أنّه معهم في بلادهم. (4)
5-محمّد بن إبراهيم النّعماني، قال: أخبرنا أحمد بن هوذة الباهلي، قال:
حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن عبد اللّه بن بكير، عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: كأنّي بدينكم هذا لا يزال موليّا يفحص بذنبه (5)لا يردّه عليكم إلاّ رجل منّا أهل البيت، فيعطيكم اللّه في السنة عطاءين، و يرزقكم في الشهر رزقين، و تؤتون الحكمة في زمانه، حتى أنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. (6)
ص:353
ص:354
في أنّه عليه السلام إذا قام قرأ القرآن على حدّه
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرّحمن بن أبي هاشم، عن سالم بن سلمة (1)، قال: قرأ رجل على أبي عبد اللّه عليه السلام و أنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام كفّ (2)عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ النّاس حتى يقوم القائم عليه السلام، فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب اللّه على حدّه، و أخرج المصحف الّذي كتبه عليّ عليه السلام و قال: أخرجه عليّ عليه السلام إلى النّاس حين فرغ منه و كتبه فقال لهم: هذا كتاب اللّه عزّ و جلّ كما أنزله على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد جمعته من بين اللّوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه.
فقال عليه السلام: أما و اللّه ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا، إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرءوه. (3)
ص:355
ص:356
في أنّ أوّل من يبايع القائم عليه السلام رسول اللّه
صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام،
و أنّ الحسين عليه السّلام يغسّله
1-محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب «الغيبة» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا يحيى بن زكريا بن شيبان، قال: حدّثنا يوسف (1)بن كليب، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام يقول:
لو خرج قائم آل محمّد عليهم السلام لنصره اللّه بالملائكة المسوّمين و المردفين و المنزلين و الكرّوبيين، يكون جبرئيل أمامه، و ميكائيل عن يمينه، و إسرافيل عن يساره، و الرعب مسيرة شهر أمامه و خلفه و عن يمينه و عن شماله، و الملائكة المقربون حذائه، أوّل من يبايعه محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام الثاني. (2)
و الحديث بتمامه قد تقدّم في الباب الخامس و الثلاثين فيؤخذ تمامه من هناك (3).
2-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا يحيى بن
ص:357
زكريا بن شيبان، قال: حدّثنا يوسف بن كليب المسعودي، قال: حدّثنا الحكم ابن سليمان (1)، عن محمّد بن كثير، عن أبي بكر الحضرمي (2)قال: دخلت أنا و أبان على أبي عبد اللّه عليه السلام و ذاك حين ظهرت الرّايات السود بخراسان فقلنا: ما ترى.
فقال: اجلسوا في بيوتكم فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا (3)إلينا بالسّلام. (4)
3-أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: حدّثنا أبو المفضّل قال: حدّثني عليّ بن الحسين (5)المنقري الكوفي، قال:
حدّثني أحمد بن زيد الدهّان، عن المكحول بن إبراهيم، عن رشد (6)بن عبد اللّه ابن خالد المخزومي، عن سليمان الأعمش، عن محمد (7)بن خلف الطاطري، عن زاذان (8)عن سلمان قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ
ص:358
اللّه تبارك و تعالى لم يبعث نبيا و لا رسولا إلاّ جعل له اثني عشر نقيبا فقلت: يا رسول اللّه: لقد عرفت هذا من أهل الكتابين.
فقال: يا سلمان هل علمت من نقبائي الاثنى عشر الّذين اختارهم اللّه للامّة من بعدي؟
فقلت: اللّه و رسوله أعلم.
فقال: يا سلمان خلقني اللّه من صفوة نوره، و دعاني فأطعته، و خلق من نوري عليّا و دعاه فأطاعه، و خلق من نور عليّ فاطمة فدعاها فأطاعته، و خلق مني و من عليّ و فاطمة الحسن فدعاه فأطاعه، و خلق منّي و من عليّ و فاطمة الحسين فدعاه فأطاعه، ثمّ سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه، فاللّه المحمود و أنا محمّد، و اللّه العلي فهذا عليّ، و اللّه الفاطر فهذه فاطمة، و اللّه (ذو) الإحسان، و هذا الحسن، و اللّه المحسن و هذا الحسين، ثمّ خلق منّا و من نور الحسين تسعة أئمّة فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق اللّه سماء مبنية و لا أرضا مدحية و لا ملكا و لا بشرا و كنّا نورا نسبح اللّه و نسمع له و نطيع.
قال سلمان: فقلت: يا رسول اللّه بأبي أنت و أمي فما لمن عرف هؤلاء؟ فقال: يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم و اقتدى بهم و و الى وليهم و تبرّأ من عدوّهم فهو و اللّه منّا يرد، حيث نرد و يسكن حيث نسكن.
فقلت: يا رسول اللّه فهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم و أنسابهم؟
فقال: لا يا سلمان.
ص:359
فقلت: يا رسول اللّه فأنّى لي بهم و قد عرفت إلى الحسين؟ قال: ثمّ سيّد العابدين عليّ بن الحسين، ثمّ ابنه محمد بن عليّ باقر علم الأوّلين و الآخرين من النبيّين و المرسلين ثمّ ابنه جعفر بن محمد لسان اللّه الصّادق، ثمّ ابنه موسى ابن جعفر الكاظم غيظه صبرا في اللّه عزّ و جلّ، ثمّ ابنه عليّ بن موسى الرّضا لأمر اللّه، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ المختار لأمر اللّه من خلق اللّه، ثمّ ابنه عليّ بن محمّد الهادي إلى اللّه، ثمّ ابنه الحسن بن عليّ الصّامت الأمين لسرّ اللّه، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن الهادي المهدي القائم بحق اللّه.
ثم قال: يا سلمان إنّك مدركه، و من كان مثلك و من تولاّه بحقيقة المعرفة، قال سلمان: فشكرت اللّه كثيرا، ثمّ قلت: يا رسول اللّه و إنّي مؤجّل إلى عهده؟
قال: يا سلمان اقرأ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ اَلدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً . (1)
قال سلمان: و اشتدّ بكائي و شوقي، ثمّ قلت: يا رسول اللّه بعهد منك؟
فقال: إي و اللّه الّذي أرسل محمّدا بالحقّ (2)منّي و من عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و التسعة و كلّ من هو منّا و معنا و مضام (3)فينا إي و اللّه يا سلمان، و ليحضرنّ إبليس و جنوده و كلّ من محض الايمان محضا، و محض الكفر محضا حتّى يؤخذ بالقصاص و الأوتار (4)و لا يظلم ربّك أحدا، و تحقّق
ص:360
تأويل هذه الآية وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).
قال سلمان: فقمت بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما يبالي سلمان متى لقى الموت أو الموت لقيه (2).
و رواه حسين بن حمدان الحضيني، عن عليّ بن الحسن المقري الكوفي قال: حدّثني أحمد بن زيد الدّهقان، و ساق الحديث بباقي السّند و المتن. (3)
4-و عنه قال أبو علي النهاوندي: حدّثني أبو عبد اللّه محمد بن أحمد القاشاني قال: حدّثنا محمّد (4)بن سليمان، قال: حدّثنا أبو القاسم الزندري، قال:
حدّثنا ابراهيم (5)بن مهران، عن عمرو بن شمر، قال: قلت (6): إذا قام قائم آل محمّد كيف السّلام عليه؟
قال: إنّك إذا أدركته و لن تدركه إلاّ أن تكون مكرورا فكن إلى جنبي راكبا على فرس لي ذنوب أغر محجّل، مطلق يد اليمنى، عليّ عمامة لي من عصب
ص:361
اليمن، فأنا أوّل من يسلّم عليه. (1)
5-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصمّ، عن عبد اللّه ابن القاسم البطل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي اَلْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي اَلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ (2).
قال: قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام و طعن الحسن عليه السلام وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً قال: قتل الحسين عليه السلام فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما فإذا جاء نصر دم الحسين عليه السلام بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ اَلدِّيارِ (3)قوم يبعثهم اللّه قبل خروج القائم عليه السلام فلا يدعون وترا (4)لآل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ قتلوه وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً خروج القائم عليه السلام ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ خروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهّب لكل بيضة (5)و جهان، المؤدّون (6)إلى الناس أنّ هذا الحسين عليه السلام قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه، فإنّه ليس بدجّال و لا شيطان، و الحجّة القائم بين أظهركم فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنّه الحسين عليه السلام جاء الحجّة الموت فيكون الذي يغسّله و يكفّنه و يحنّطه و يلحده في حفرته الحسين
ص:362
عليه السلام و لا يلي الوصيّ إلاّ الوصيّ. (1)
6-و رواه العياشي عن صالح بن سهل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و ساق الحديث إلى أن قال: وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً قيام القائم (2)ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (3)خروج الحسين عليه السلام في الكرّة في سبعين رجلا من اصحابه الّذين قتلوا معه، عليهم البيض المذهب لكل بيضة و جهان، المؤدّون إلى الناس أنّ الحسين عليه السلام قد خرج في أصحابه، حتى لا يشك فيه المؤمنون، و أنّه ليس بدجّال و لا شيطان، الإمام الّذي بين اظهر الناس يومئذ، فإذا استقرّ عند المؤمن أنّه الحسين عليه السلام لا يشكّون فيه، و بلغ عن الحسين الحجّة القائم بين أظهر الناس و صدّقه المؤمنون بذلك، جاء الحجّة الموت فيكون الذي يلي غسله و كفنه و حنوطه و إيلاجه في حفرته الحسين، و لا يلي الوصيّ الا الوصيّ.
و زاد إبراهيم في حديثه: ثمّ يملكهم الحسين عليه السلام حتى يقع حاجباه على عينيه. (4)
7-محمّد بن يعقوب رحمه اللّه، عن عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اَللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اَللّهُ مُتِمُّ
ص:363
نُورَهُ (1)قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم، قلت:
وَ اَللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ قال: و اللّه متم الإمامة لقوله عزّ و جلّ: فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اَلنُّورِ اَلَّذِي أَنْزَلْنا (2)فالنور هو الإمام.
قلت: هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ (3).
قال: هو الّذي أمر رسوله بالولاية لوصيّه، و الولاية هي دين الحق.
قلت: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ .
قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم عليه السلام قال: يقول:
وَ اَللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولاية القائم وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكافِرُونَ بولاية عليّ.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم أمّا هذا الحرف فتنزيل، و أمّا غيره فتأويل (4).
8-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا عليّ بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام في قوله عزّ و جلّ: هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (5)فقال: و اللّه ما نزل تأويلها بعد، و لا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام، فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر باللّه العظيم و لا مشرك بالإمام إلاّ كره خروجه حتى لو
ص:364
كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني و اقتله (1)
9-محمّد بن العباس بن ماهيار فيما نزل في اهل البيت عليهم السلام و هو ثقة قال: حدّثنا أحمد بن هوذة، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (2)فقال: و اللّه ما انزل تأويلها بعد.
قلت: جعلت فداك و متى ينزل تأويلها؟
قال: حتى يقوم القائم إن شاء اللّه تعالى، فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر و لا مشرك إلاّ كره خروجه حتّى لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت الصخرة: يا مؤمن في بطني كافر أو مشرك فاقتله فيجيئه فيقتله. (3)
10-و عنه قال: عن أحمد بن إدريس، عن عبد اللّه بن محمّد، عن صفوان بن يحيى، عن يعقوب بن شعيب، عن عمران (4)بن ميثم، عن عباية بن ربعي، أنّه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول: هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ أظهر ذلك بعد؟ كلاّ و الذي نفسي بيده حتى لا يبقى قرية إلاّ و نودي فيها بشهادة أن لا
ص:365
إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه بكرة و عشيّا. (1)
11-و عنه قال: حدّثنا يوسف بن يعقوب، عن محمّد بن ابي بكر المقري، عن نعيم بن سليمان، عن ليث (2)، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله عزّ و جلّ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (3)قال: لا يكون ذلك حتّى لا يبقى يهودي و لا نصرانيّ و لا صاحب ملّة إلاّ صار إلى الإسلام حتّى تأمن الشاة و الذئب و البقرة و الأسد و الإنسان و الحيّة، حتّى لا تقرض فارة جرابا، و حتى توضع الجزية و يكسر الصليب و يقتل الخنزير، و هو قوله تعالى:
لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ و ذلك يكون عند قيام القائم عليه السلام. (4)
12-سعد بن عبد اللّه القمي في كتاب «بصائر الدرجات» عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسين (5)بن سفيان البزوفري، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ لعليّ عليه السلام في الأرض كرّة مع الحسين ابنه عليه السلام يقبل برايته حتى ينتقم له من بني أميّة و معاوية و آل ثقيف و من شهد حربه، ثمّ يبعث اللّه إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفا، و من سائر الناس سبعين الفا فيلقاهم بصفين مثل المرّة الاولى حتى
ص:366
يقتلهم و لا يبقى منهم مخبر، ثمّ يبعث اللّه عزّ و جلّ فيدخلهم أشدّ عذابه مع فرعون و آل فرعون.
ثم كرة أخرى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى يكون خليفة في الأرض و يكون الأئمّة عليهم السلام عمّاله، و حتّى يبعثه اللّه علانية، و يكون عبادته علانية في الأرض كما عبد اللّه سرا في الأرض.
ثمّ قال: إي و اللّه و أضعاف ذلك ثمّ عقد بيده اضعافا يعطي اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ملك جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق اللّه الدنيا إلى يوم يفنيها و حتى ينجز له وعده في كتابه كما قال: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (1). (2).
13-و عنه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عمر (3)بن عبد العزيز، عن رجل، عن جميل بن درّاج، عن المعلّى بن خنيس، و زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعناه يقول: إنّ أوّل من يكرّ في الرجعة الحسين بن عليّ و يمكث في الأرض اربعين سنة حتى يسقط حاجباه على عينيه من كبره. (4)
14-و عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و محمّد بن عبد الجبّار، و أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي
ص:367
المغراء، عن محمّد بن المثنّى، عن داود بن راشد (1)، عن حمران بن أعين، قال:
قال أبو جعفر عليه السلام لنا: و لسوف (2)يرجع جاركم الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من الكبر. (3)
15-و عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعين و أبا الخطاب يحدّثان جميعا قبل أن يحدث أبو الخطاب (4)ما أحدث أنّهما سمعا أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: أول من تنشقّ الأرض عنه و يرجع إلى الدنيا الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما و أنّ الرجعة ليست بعامّة و هي خاصة لا يرجع الاّ من محض الايمان محضا و محض الشرك محضا. (5)
16-و عنه، عن أيّوب بن نوح، و الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة، عن العباس بن عامر، عن سعيد، عن داود بن راشد، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ أوّل من يرجع لجاركم الحسين بن عليّ عليه
ص:368
السلام فيملك حتّى يقع حاجباه على عينيه. (1)
17-و عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، و محمّد ابن خالد البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن المعلّى بن عثمان، عن المعلّى بن خنيس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
أوّل من يرجع الى الدنيا الحسين بن عليّ عليهما السلام فيملك حتى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّ اَلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ (2)فقال: نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم راجع إليكم. (3)
18-العيّاشي في تفسيره باسناده عن رفاعة بن موسى، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إن أوّل من يكرّ الى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام و أصحابه، و يزيد بن معاوية و أصحابه فيقتلهم حذو القذة بالقذة، ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (4). (5)
قال مؤلف هذا الكتاب: روايات الرجعة كثيرة داخلة في باب التواتر منقول إليها الإجماع من الإمامية، و عليها شواهد قرآنية مذكورة في تفسير أهل البيت عليهم السلام و هذا الباب الذي نحن فيه: فيه ما يدلّ على أنّ النبيّ و عليا و الائمّة عليهم السلام يرجعون عند قيام القائم عليه السلام مثل مبايعة النبيّ و عليّ عليهما السلام له و غير ذلك مما هو في الروايات صريحا و ظاهرا من
ص:369
وجود الأئمّة عليهم السلام في زمانه عليه السلام فتأمّل ذلك (1).
و سيأتي في الباب الآتي تصريح بذلك في رواية المفضّل بن عمر، عن الصادق عليه السلام.
ص:370
في حديث الصادق عليه السلام للمفضل بن عمر
1-الحسين بن حمدان الحضيني (1)، في كتابه، و كتابه مذكور في كتب الرجال، حدّثني محمد بن اسماعيل، و علي بن عبد اللّه الحسنيان (2)، عن أبي شعيب محمد بن نصير (3)، عن عمر بن الفرات (4)، عن محمّد بن المفضّل، عن المفضّل بن عمر، قال: سألت سيّدي أبا عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: هل للمأمول المنتظر المهدي عليه السلام من وقت موقّت يعلمه الناس؟
ص:371
قال الصادق عليه السلام: حاش للّه ان يوقّت له وقتا (1).
قال قلت: مولاي و لم ذاك؟
قال: لأنّه هو الساعة الّتي قال اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلسّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اَللّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّاسِ لا يَعْلَمُونَ (2)و قوله: عِنْدَهُ عِلْمُ اَلسّاعَةِ (3)و لم يقل إنّها عند أحد دونه، و قوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ اَلسّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (4)، و قوله: اِقْتَرَبَتِ اَلسّاعَةُ وَ اِنْشَقَّ اَلْقَمَرُ (5)و قوله: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اَلسّاعَةَ قَرِيبٌ، يَسْتَعْجِلُ بِهَا اَلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا اَلْحَقُّ أَلا إِنَّ اَلَّذِينَ يُمارُونَ فِي اَلسّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ . (6)
قلت: يا مولاي ما معنى يمارون؟
قال: يقولون: متى ولد؟ و من رآه و أين هو؟ و أين يكون؟ و متى يظهر؟ كلّ ذلك استعجالا لأمره و شكّا في قضائه، و دخولا في قدرته، أولئك الّذين خسروا أنفسهم في الدّنيا و الآخرة و إنّ للكافرين لشرّ مآب.
قال المفضّل: يا مولاي أ فلا توقّت (7)له وقتا؟
ص:372
قال: يا مفضل لا أوقّت له وقتا و لا يوقّت له وقت، فإنّ من وقّت لمهديّنا وقتا فقد شارك اللّه تعالى في علمه، و ادّعى أنّه ظهر على سرّه، و ما للّه من سرّ إلاّ و قد وقع إلى هذا الخلق المنعوس (1)الضالّ عن اللّه، الرّاغب عن أولياء اللّه و ما للّه من خبر إلاّ و هم أخصّ به لسرّه، و هو عندهم، و إنّما ألقى اللّه إليهم ليكون حجّة عليهم.
قال المفضل: يا مولاي فكيف (2)في ظهوره عليه السلام؟
قال: يظهر في سنة من السنين (3)امره و يعلو ذكره، و ينادي باسمه و كنيته و نسبه، و يكثر ذلك في أفواه (4)المحقّين و المبطلين و الموافقين و المخالفين، لتلزمهم الحجّة بمعرفتهم به على أنّا قد قصصنا ذلك، و دللنا عليه، و نسبناه و سمّيناه و كنّيناه و قلنا: سميّ جده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كنيّه لئلاّ يقول الناس: ما عرفنا له اسما و لا كنية و لا نسبا.
فو اللّه ليتحقّق الإفصاح به و باسمه و كنيته على ألسنتهم حتّى ليسمّيه بعضهم لبعض، كلّ ذلك للزوم الحجّة عليهم، ثمّ يظهره اللّه كما وعد به جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قول اللّه عزّ و جلّ هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (5).
قال المفضّل: يا مولاي فما تأويل قوله تعالى لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ ؟
قال عليه السلام: هو قوله عزّ و جل: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ
ص:373
وَ يَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (1)فو اللّه يا مفضّل ليرفع عن الملل و الأديان الآراء و الاختلاف و يكون الدّين كلّه للّه (2)كما قال اللّه تعالى: إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اَللّهِ اَلْإِسْلامُ (3)وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اَلْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي اَلْآخِرَةِ مِنَ اَلْخاسِرِينَ (4).
قال المفضّل: قلت: يا سيّدي فالدّين الّذي أتى به آدم و نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد عليه و عليهم السلام هو الإسلام.
قال: نعم يا مفضّل هو الإسلام لا غير.
قلت: فتجده في كتاب اللّه تعالى؟ قال: نعم من أوله إلى آخره، و هذه الآية منه إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اَللّهِ اَلْإِسْلامُ و قوله جلّ ثناؤه: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ (5)و قوله في قصّة إبراهيم و إسماعيل: وَ اِجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (6)و قوله في قصّة فرعون: حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ اَلْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اَلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ (7)و قوله في قصّة سليمان و بلقيس حيث يقول: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (8)و قول بلقيس وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ (9)و قوله في قصة عيسى: فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ اَلْكُفْرَ قالَ
ص:374
مَنْ أَنْصارِي إِلَى اَللّهِ قالَ اَلْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اَللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَ اِشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ (1)و قوله: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (2)و قوله في قصّة لوط: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ (3)و لوط قبل إبراهيم، و قوله: قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا إلى قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (4).
و قوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ اَلْمَوْتُ -إلى قوله- وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (5).
قال المفضّل: يا سيّدي كم الملل؟
قال: هي أربعة و هي الشرائع، قال المفضّل: يا سيّدي المجوس لم سمّوا المجوس؟
قال: لأنّهم تمجّسوا في السريانية و ادّعوا على آدم و على شيث بن آدم و هو هبة اللّه أنّهما أطلقا لهم نكاح الامّهات و الأخوات و البنات و الخالات و العمّات و المحرّمات من النساء، و أنهما أمراهم أن يصلّوا للشمس حيث وقفت في السماء، و لم يجعلا لصلاتهم وقتا، و إنّما هو افتراء على اللّه الكذب و على آدم و شيث عليهما السلام.
قال المفضّل: يا سيّدي فلم سمّي قوم موسى عليه السلام اليهود؟
قال عليه السلام: لقول اللّه عنهم: إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ (6)اي اهتدينا إليك.
ص:375
قال: فالنصارى؟
قال عليه السلام: لقول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اَللّهِ قالَ اَلْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اَللّهِ (1)فسمّوا النصارى لنصرة دين اللّه.
قال: يا سيّدي فلم سمّوا الصّابئون الصّابئين؟
قال: لأنّهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء و الرّسل و الملل و الشرائع، و قالوا: كلّما جاء به هؤلاء باطل، فجحدوا توحيد اللّه تعالى، و نبوّة الأنبياء، و رسالة الرسل، و وصية الأوصياء، و إنّهم بلا شريعة و لا كتاب و لا رسول و هم معطّلة العالم.
قال المفضل: سبحان اللّه فما أجل هذا من علم اللّه!
قال: نعم يا مفضّل فألقه إلى شيعتنا لئلا يشكّوا في الدّين.
قال المفضّل: يا سيّدي ففي أيّ بقعة يظهر المهدي عليه السلام؟ قال الصادق عليه السلام: لا تراه عين في وقت ظهوره الاّ رأته كلّ عين، فمن قال لكم غير هذا فكذّبوه.
قال المفضل: يا سيّدي و لا يرى وقت ولادته؟ قال: بلى و اللّه إنّه يرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاة أبيه سنتين و سبعة (2)أشهر أوّلها وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان ليال خلون من شعبان من سنة سبع (3)و خمسين و مائتين إلى يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأوّل من سنة ستين و مائتين، و هو يوم وفاة أبيه بالمدينة الّتي تبنى بشاطئ دجلة، يبنيها المتكبّر الجبّار المسمّى باسم جعفر الضالّ الملقّب بالمتوكّل (4)و هو المتأكّل لعنه اللّه، و هي مدينة تدعى
ص:376
بسرّمن رأى و هي ساء من رأى، فيراه المؤمن المحقّ و لا يراه المشكّك و المنكر المرتاب، و ينفذ فيها أمره و نهيه، و يغيب عنها و يظهر في القصر بصاريا بجانب المدينة في حرم جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيلقاه بالقصر من يسعده اللّه بالنظر إليه، ثمّ يغيب في المحرّم في آخر يوم من سنة سبعين و مائتين (1)و لا تراه عين واحدة حتى يراه كلّ عين 2.
قال المفضل: قلت: يا سيّدي فمن يخاطبه و لمن يخاطب؟ قال: تخاطبه الملائكة و المؤمنون من الجنّ و يخرج أمره و نهيه إلى ثقاته و ولاته و وكلائه و يقعد على بابه محمّد بن نصير النميريّ 3في يوم غيبته بصاريا 4ثمّ يظهر بمكة.
و و اللّه يا مفضل لكأنّي أنظر إليه و قد دخل مكّة، و عليه بردة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و على رأسه عمامة صفراء، و في رجليه نعلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المخصوفة، و في يده هراوته يسوق بين يديه أعنزا عجافا 5حتى يقبل 6بها نحو البيت و ليس
ص:377
من (1)احد يعرفه، و يظهر و هو شابّ.
قال المفضل: يا سيّدي يعود شابّا أو يظهر في شيبته؟
قال: سبحان اللّه يا مفضّل و هل يعرف ذلك؟ يظهر كيف شاء، و بأيّ صورة شاء إذا جاء الأمر من اللّه باسمه (2).
قال المفضّل يا سيّدي فمن يظهر معه و كيف ظهوره (3)؟
قال: يا مفضل يظهر وحده، و يأتي البيت وحده، و يلج الكعبة وحده، و يجنّ عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون و غسق الليل نزل جبرئيل و ميكائيل و الملائكة صفوفا فيقول له جبرائيل: مرّ يدك على وجهك فإنّ قولك مقبول و أمرك جائز، فيمسح يده على وجهه و يقول: اَلْحَمْدُ لِلّهِ اَلَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا اَلْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ اَلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ اَلْعامِلِينَ (4).
فيقف بين الرّكن و المقام، فيصرخ صرخة فيقول: معاشر نقبائي و أهل خاصّتي الّذين ذخرهم اللّه لظهوري على وجه الأرض ائتوني طائعين، فترد صيحته عليهم جميعهم و هم في محاريبهم، و على فرشهم، في شرق الأرض و غربها يسمعونها كصيحة واحدة في اذن رجل واحد يجيبون جميعهم فلا يصير إلاّ كلمح البصر (5)حتى يكونوا بين يديه بين الرّكن و المقام.
فيأمر اللّه عزّ و جلّ النور فيكون عمودا من الارض إلى السّماء فيستضيء به كلّ مؤمن على وجه الأرض، و يدخل عليه نوره (6)في كل أفق، فتفرح نفوس
ص:378
المؤمنين بذلك النّور، و هم يعلمون بظهور قائمنا عليه السلام أهل البيت، فتصبح بين يديه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا بعدّة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر.
قال المفضّل: قلت يا سيّدي و الاثنان و السّبعون رجلا أصحاب أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام يظهرون معهم؟
قال: يظهر منهم أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ عليهما السلام في اثني عشر الف صدّيق من شيعته (1)و عليه عمامة سوداء.
قال المفضّل: يا سيّدي فنفر القائم عليه السلام يبايعونه قبل قيامه (2)؟
قال: يا مفضّل كلّ بيعة قبل ظهور القائم عليه السلام فبيعة كفر و نفاق و خديعة، لعن اللّه المبايع بها و المبايع له بل يا مفضّل يسند القائم ظهره إلى البيت الحرام، فيمد يده المباركة فترى بيضاء من غير سوء، فيقول: هذه يد اللّه و يمين اللّه، ثم يتلو هذه الآية: إِنَّ اَلَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اَللّهَ يَدُ اَللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اَللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (3).
فيكون أوّل من يقبّل يده جبرائيل عليه السلام، ثمّ يبايعه فتبايعه الملائكة و نجباء الجنّ ثمّ النقباء، و يصبح الناس بمكة فيقولون: من هذا الرّجل الذي بجانب الكعبة؟ و ما هذا الخلق الّذي معه؟ و ما هذه الآية الّتي رأيناها معه في هذه الليلة و لم نر مثلها؟
ص:379
فيقول بعضهم لبعض: هذا الرجل هو صاحب العنيزات (1).
ثمّ يقول بعضهم لبعض: انظروا هل تعرفون أحدا ممّن معه؟
فيقولون: لا نعرف منهم إلاّ أربعة من مكة، و أربعة من أهل المدينة، و هم فلان و فلان يعرفونهم بأسمائهم و يكون هذا أوّل طلوع الشمس في ذلك اليوم، فإذا طلعت الشمس في ذلك اليوم و ابيضّت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربيّ مبين، فيسمع من في السموات و الأرضين: يا معاشر الخلائق هذا مهديّ آل محمّد و يسمّيه باسم جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يكنّيه بكنيته و ينسبه لأبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم أجمعين فاتّبعوه تهتدوا و لا تخلفوا (2)عنه فتضلّوا.
فأوّل من يلبّي (3)نداءه الملائكة، ثمّ الجن، ثمّ النقباء، فيقولون: سمعنا و أطعنا، و لا يبقى ذو أذن من الخلائق إلاّ سمع ذلك الصوت، و تقبل الخلائق من البلاد من البدو و الحضر و البرّ و البحر، يحدّث بعضهم بعضا، و يستفهم بعضهم بعضا ما سمعوه نهارهم كلّه، فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها: يا معشر الخلائق قد ظهر ربكم بوادي اليابس من أرض فلسطين، و هو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فاتّبعوه و لا تخالفوا عنه فتضلّوا، فتردّ الملائكة و الجنّ و النقباء عليه قوله، و يكذّبونه، و يقولون له: سمعنا و عصينا، و لا يبقى ذو شك، و لا مرتاب و لا منافق و لا كافر إلاّ
ص:380
ضلّ بالنداء الثّاني.
و يسند القائم عليه السلام ظهره إلى الكعبة فيقول: يا معاشر الخلائق ألا من أراد أن ينظر إلى آدم و شيث فها أنا ذا آدم و شيث، الا و من أراد أن ينظر إلى نوح و ولده سام فها أنا ذا نوح و سام، ألا و من أراد أن ينظر إلى إبراهيم و إسماعيل فها أنا ذا إبراهيم و إسماعيل، ألا و من أراد أن ينظر إلى موسى و يوشع، فها أنا ذا موسى و يوشع، ألا و من أراد أن ينظر إلى عيسى و شمعون فها أنا ذا عيسى و شمعون، ألا و من أراد أن ينظر إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فها أنا ذا، ألا و من أراد أن ينظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فها أنا ذا، ألا و من أراد أن ينظر إلى الحسن بن عليّ عليه السلام فها أنا ذا الحسن بن علي، الا و من أراد أن ينظر إلى الحسين بن علي عليه السلام فها أنا ذا الحسين بن عليّ، ألا و من أراد أن ينظر إلى الائمة من ولد الحسين عليهم السلام فها أنا ذا، و يعدّ واحدا بعد واحد إلى الحسن عليه السلام فها أنا ذا هم، فلينظر إليّ و يسألني أنبأ بما أنبئوا به و بما لم ينبأ به.
ألا و من كان يقرأ الكتب و الصحف فليسمع منّي، ثمّ يبتدئ بالصحف الّتي أنزلها اللّه تعالى على آدم و شيث فيقرؤها فتقول أمّة آدم و شيث: هذه و اللّه هي الصحف و لقد قرأها ما لم نعلمه منها (1)و ما كان خفي عنّا و ما كان اسقط منها و بدّل و حرّف، و يقرأ صحف نوح، و صحف إبراهيم، و التوراة و الإنجيل و الزبور، فيقول أهل التوراة و أهل الإنجيل و أهل الزبور: هذه و اللّه صحف نوح و صحف ابراهيم حقّا و ما أسقط منها و ما بدّل و حرّف منها، هذه و اللّه التوراة الجامعة، و الزبور التامّ، و الإنجيل الكامل، و إنّها أضعاف ما قرأنا منها.
ص:381
ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون: هذا و اللّه القرآن حقا الّذي أنزله اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما أسقط منه و بدّل و حرّف لعن اللّه من أسقطه و بدّله و حرّفه.
ثمّ تظهر الدابّة بين الرّكن و المقام، فتكتب على وجه المؤمن مؤمن حقّا و في وجه الكافر كافر، ثمّ يقبل على القائم عليه السلام رجل وجهه إلى قفاه و قفاه (1)إلى صدره فيقف بين يديه، فيقول: يا سيّدي أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن الحق بك و أبشّرك بهلاك سرايا (2)السفياني بالبيداء، فيقول له القائم عليه السلام: بيّن قصّتك و قصة أخيك، فيقول الرجل: كنت و أخي في جيش السفياني فخربنا الدّنيا من دمشق إلى الزّوراء و تركناها جمّاء (3)و خربنا الكوفة و خربنا المدينة (4)و كسرنا المنبر، وراثت بغالنا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخرجنا منها و عددنا ثلاثمائة ألف رجل، نريد مكّة لخراب البيت و قتل أهله، فلمّا صرنا بالبيداء عرّسنا بها، فصاح بنا صائح يا بيداء أبيدي القوم الظالمين، فانفجرت الأرض و ابتلعت ذلك الجيش، فو اللّه ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة فما سواه غيري و غير أخي.
فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما ترى، و قال لاخي: ويحك يا نذير أنذر (5)الملعون بدمشق بظهور مهدي آل محمّد و أنّ اللّه
ص:382
قد أهلك جيشه بالبيداء و قال لي: يا بشير الحق بالمهديّ بمكة، و بشّره بهلاك الظّالمين و تب على يده، فإنّه يقبل توبتك فيمرّ القائم عليه السلام يده على وجهه فيردّه سويّا كما كان، و يبايعه و يكون معه.
قال المفضّل: يا سيّدي و تظهر الملائكة و الجنّ للناس؟
قال: إي و اللّه يا مفضّل و يخالطونهم كما يكون الرّجل مع حاشيته و أهله.
قلت: يا سيّدي و يسيرون معه؟
قال: إي و اللّه يا مفضّل، و لينزلنّ أرض الهجرة ما بين الكوفة و النّحف و عدد أصحابه عليه السلام حينئذ ستة و أربعون ألف من الملائكة و ستة آلاف من الجنّ ينصره اللّه و يفتح على يده.
قال المفضّل: يا سيّدي فما ذا يصنع بأهل مكة؟
قال: يدعوهم بالحكمة و الموعظة الحسنة فيطيعونه و يستخلف عليهم رجلا من أهل بيته و يخرج يريد المدينة.
قال المفضّل: يا سيّدي فما ذا يصنع بالبيت؟
قال: ينقضه فلا يدع منه إلاّ القواعد التي هي أوّل بيت وضع للناس ببكة على عهد آدم عليه السلام و الّذي رفعه إبراهيم و إسماعيل منها، و انّ الّذي بني بعدهما لم يبنه نبيّ و لا وصيّ نبيّ، ثمّ يبنيه كما يشاء اللّه، و ليعفينّ آثار الظالمين بمكّة و المدينة و العراق و سائر الأقاليم، و ليهد من مسجد الكوفة و ليبنينّه على بنيانه الأول، و ليهد منّ القصر العتيق، ملعون ملعون من بناه.
قال المفضّل: يا سيّدي فيقيم بمكة؟
قال: لا يا مفضّل بل يستخلف فيها رجلا من أهله، فاذا سار منها وثبوا
ص:383
عليه فيقتلونه، فيرجع إليهم فيأتونه مطيعين مهطعين مقنعي رءوسهم يبكون و يتضرّعون و يقولون: يا مهديّ آل محمّد التوبة التوبة فيعظهم و ينذرهم و يحذّرهم، ثمّ يستخلف عليهم منهم خليفة و يسير، فيثبون عليه بعده فيقتلونه، فيرجع إليهم فيخرجون محززين النواصي، يصيحون و يبكون و يقولون: يا مهديّ آل محمّد غلبت علينا شقوتنا فارحم توثّبنا و ارحم جيران بيت ربك فيعظهم و ينذرهم و يحذّرهم و يستخلف عليهم منهم خليفة و يسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيردّ إليهم أنصاره من الجنّ و النقباء و يقول لهم: ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا إلاّ من وسم في وجهه بالإيمان فلو لا أنّ رحمة ربّكم وسعت كلّ شيء و أنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم، فقد قطعوا الأعذار بينهم و بين اللّه، و بيني و بينهم، فيرجعون إليهم فو اللّه لا يسلم من المائة منهم إلاّ الواحد لا و اللّه و لا من الألف الا واحد (1).
قال المفضّل: قلت: يا سيّدي و أين يكون دار المهدي عليه السلام و مجتمع المؤمنين؟
قال: دار ملكه الكوفة، و مجلس حكمه جامعها، و بيت ماله و مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، و موضع خلواته الذكوات البيض من الغريّين.
قال المفضّل: يا مولاي و كلّ المؤمنين يكونون بالكوفة؟
قال: إي و اللّه لا يبقى مؤمن إلاّ كان بها أو حواليها و ليبلغنّ مربط الشاة ألفي درهم (2)و ليودّنّ كثير من الناس أنّهم اشتروا شبرا من أرض السبيع بشبر من ذهب، و السبيع خطة من خطط همدان، و ليصيرنّ الكوفة أربعة و خمسين ميلا و ليجاورنّ قصورها كربلاء و ليصيّرنّ اللّه كربلاء معقلا و مقاما تعكف فيه
ص:384
الملائكة (1)و المؤمنون، و ليكوننّ لها شأن من الشأن و ليكوننّ فيها من البركات ما لو وقف فيه مؤمن فدعا ربه لاعطي (2)بدعوة واحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة.
ثمّ تنفّس أبو عبد اللّه عليه السلام و قال: يا مفضّل إنّ بقاع الأرض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فأوحى اللّه إليها أن اسكتي كعبة البيت الحرام، و لا تفخري عليها فإنّها البقعة المباركة التي نودي منها موسى من الشجرة، و إنّها الربوة التي أوت إليها مريم و المسيح و أنّها الدالية (3)التي غسل فيها رأس الحسين عليه السلام، و فيها غسلت مريم عيسى عليه السلام، و اغتسلت لولادتها، فإنّها خير بقعة عرج منها رسول اللّه عيسى عليه السلام من وقت غيبته، و ليكونن لشيعتنا فيها خيرة إلى ظهور قائمنا عليه السلام.
قال المفضّل: يا سيّدي ثم يسير المهدي عليه السلام إلى أين؟
قال: إلى مدينة جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا وردها كان لها بها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين و خزي الكافرين.
ثمّ يسير المهدي عليه السلام إلى الكوفة و ينزل ما بين الكوفة و النجف و عدد أصحابه في ذلك اليوم ستة و أربعون ألفا من الملائكة و ستة آلاف من الجن، و النقباء ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا.
قال المفضّل: يا سيّدي و كيف يكون دار الفاسقين الزّوراء في ذلك الوقت.
قال: في لعنة اللّه و سخطه و بطشه تخربها الفتن و تتركها جمّاء، فالويل لها
ص:385
و لمن بها كلّ الويل من الرّايات الصفر و من رايات المغرب، و من كلب (1)الجزيرة و من الرّايات التي تسير إليها من كلّ قريب أو بعيد، و اللّه لينزلنّ بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الامم المتمرّدة من أول الدهر إلى آخره ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا يكون طوفان أهلها إلاّ بالسيف فالويل عند ذلك لمن اتّخذها مسكنا، فإنّ المقيم بها يبقى لشقاء و الخارج منها برحمة اللّه.
يا مفضّل ليصيرنّ أمرها في الدّنيا حتّى ليقال: إنّها هي الدنيا، و إنّ دورها و قصورها هي الجنّة و إنّ نساءها هنّ الحور العين، و إنّ ولدانها هم الولدان، و ليظنّ الناس أنّ اللّه لم يقسم رزق العباد إلاّ بها، و ليظهرنّ فيها من الافتراء على اللّه و على رسوله و الحكم بغير كتابه و شهادات الزور و شرب الخمور و ركوب الفسوق و أكل السحت و سفك الدماء ما لا يكون في الدنيا كلّها إلاّ دونه، ثمّ ليخربها اللّه تعالى بتلك الفتن و الرّايات حتى ليمرنّ عليها المارّ فيقول: هاهنا كانت الزوراء.
ثمّ يخرج الحسني الفتى الصبيح الّذي من نحو الديلم يصيح بصوت له فصيح يا آل أحمد أجيبوا الملهوف، و المنادي من حول الضريح، فيجيبه كنوز اللّه بالطالقان كنوز، و أيّ كنوز، ليست من فضّة و لا من ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد على البرازين الشهب بأيديهم الحراب، و لم تزل تقتل الظلمة حتى ترد الكوفة و قد صفا أكثر الأرض فيجعلها له معقلا.
فيتّصل به و بأصحابه خبر المهدي عليه السلام فيقولون: يا ابن رسول اللّه من هذا الّذي قد نزل بساحتنا؟
فيقول: اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو و ما يريد و هو و اللّه يعلم أنّه
ص:386
المهدي عليه السلام و إنّه ليعرفه و إنّه لم يرد بذلك الأمر إلاّ ليعرف أصحابه من هو.
فيخرج الحسني في أمر عظيم، بين يديه أربعون ألف رجل في أعناقهم المصاحف حتى ينزل بالقرب من المهدي عليه السلام ثمّ يقول لأصحابه: إنّا نحن أهل بيت على هدى، ثمّ يخرج من معسكره و يخرج المهديّ عليه السلام و يقفان بين العسكرين فيقول له الحسني: إن كنت مهديّ آل محمد فأين هراوة جدك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و خاتمه، و بردته، و درعه الفاضل، و عمامته السحاب، و فرسه اليربوع، و ناقته العضباء، و بغلته الدلدل، و حماره اليعفور، و نجيبه البراق، و مصحف أمير المؤمنين عليه السلام فيخرج له جميع ذلك.
ثمّ يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد فتورق، و لم يرد بذلك إلاّ أن يري أصحابه فضل المهدي عليه السلام حتّى يبايعونه.
فيقول الحسني: اللّه اكبر مدّ يدك يا ابن رسول اللّه حتى أبايعك فيمدّ يده فيبايعه و سائر العسكر مع الحسني إلاّ أربعين ألف أصحاب المصاحف المعروفون بالزّيدية فإنهم يقولون: ما هذا إلاّ سحر مبين عظيم.
فيختلط العسكران و يقبل المهدي عليه السلام على الطائفة المنحرفة فيعظهم فيدعوهم ثلاثة أيّام؛ فلا يزدادون إلاّ طغيانا و كفرا، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا فيقول لأصحابه: لا تأخذوا المصاحف و دعوها تكون عليهم حسرة كما بدّلوها و غيّروها و حرّفوها و لم يعملوا بما فيها.
قال المفضّل: يا مولاي ثمّ ما ذا يصنع المهدي عليه السلام؟
قال: يثوّر سراياه على السّفياني إلى دمشق فيأخذونه فيذبحونه على الصخرة.
ثمّ يظهر الحسين عليه السلام في اثني عشر ألف صدّيق و اثنين و سبعين
ص:387
رجلا من أصحابه يوم كربلاء فيا لك عندها من كرّة زهراء و رجعة بيضاء.
ثمّ يخرج الصدّيق الأكبر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام و تنصب له القبّة بالنجف و تقام أركانها: ركن بالنجف، و ركن بهجر، و ركن بصنعاء اليمن، و ركن بأرض طيبة، و لكأني أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء و الأرض، كأضوإ من الشمس و القمر، فعندها تبلى السّرائر، تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ (1)الآية.
ثمّ يخرج السيّد الأكبر محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أنصاره و المهاجرين، و من آمن به و صدقه و استشهد معه، و يحضر مكذّبوه و الشاكّون فيه، و الرادّون عليه، و القائلون فيه: إنّه ساحر و كاهن و مجنون، و ناطق عن هوى، و من حاربه و قاتله فيقتصّ منهم بالحقّ، فيجازون بأفعالهم منذ وقت ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى ظهور المهدي عليه السلام مع إمام إمام، و وقت و وقت، و هو تأويل هذه الآية وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (2).
قال المفضّل: يا سيّدي رسول اللّه و أمير المؤمنين عليهما السلام يكونان معه؟
فقال: و لا بدّ أن يطأ الأرض إي و اللّه حتّى ما وراء الخاف (3)، إي و اللّه و ما في الظّلمات و ما في قعر البحار، حتّى لا يبقى موضع قدم إلاّ وطأه، و أقاما فيه
ص:388
الدّين الواجب للّه تعالى، لكأنّي أنظر إلينا معاشر الأئمّة بين يدي جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نشكوا إليه ما نزل بنا من الامّة بعده، و ما نالنا من التّكذيب لنا و الردّ علينا و سبّنا و لعننا و تخويفنا بالقتل، و قصد طواغيتهم الولاة لامورهم إيّانا من دون الامّة بترحيلنا عن حرم جدّنا إلى دار ملكهم، و قتلهم إيّانا بالسمّ و الحبس، فيبكي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يقول: يا بنيّ ما نزل بكم إلاّ ما نزل بجدّكم قبلكم.
ثم تبتدئ فاطمة عليها السلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر، و أخذ فدك منها و مشيتها إليه في مجمع من المهاجرين و الأنصار و خطابها له في أمر فدك، و ما ردّ عليها من قوله: إنّ الأنبياء لا تورّث، و احتجاجها بقول زكريا و يحيى و قصّة داود و سليمان عليهما السلام، و قول عمر: هاتي صحيفتك الّتي ذكرت أنّ أباك كتبها لك و إخراجها الصحيفة، و أخذ عمر إيّاها و نشرها على رءوس الأشهاد من قريش و المهاجرين و الأنصار و سائر العرب، و تفله فيها، و تمزيقه إيّاها و بكائها و رجوعها إلى قبر أبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باكية حزينة تمشي على الرّمضاء قد أقلقتها، و استغاثتها باللّه و بأبيها و تمثّلها بقول رقيّة بنت (1)صيفي.
قد كان بعدك أنباء و هنبثة (2) لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها (3) و اختلّ قومك فاشهدهم فقد لعبوا
ص:389
أبدت رجال لنا فحوى صدورهم لما نأيت و حالت دونك الترب (1)
و كل قوم لهم قرب و منزلة عند الإله على الأدنين مقترب
قد كان جبريل بالآيات يونسنا و غاب عنّا و لا كلّ الخير محتجب
تهضّمتنا (2)رجال و استخفّ بنا لمّا مضت و حالت بيننا الكتب
يا سيّدي يا رسول اللّه لو نظرت عيناك ما فعلت في آلك الصحب (3)
يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا أملوا (4)اناس ففازوا بالّذي طلبوا
و تقصّ عليه قصّة أبي بكر و إنفاذه خالد بن الوليد، و قنفذ، و عمر بن الخطاب و جمع الناس لإخراج أمير المؤمنين عليه السلام من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة و اشتغال أمير المؤمنين بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بجمع القرآن (5)، و قضاء دينه، و إنجاز عداته، و هي ثمانون ألف درهم، باع فيها تليده (6)و طارفه، و قضاها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قول عمر اخرج يا عليّ إلى ما أجمع عليه المسلمون و إلاّ قتلناك، و قول فضة جارية فاطمة عليها السلام: إنّ أمير المؤمنين مشغول، و الحقّ له إن أنصفتم من أنفسكم و أنصفتموه، و جمع الحطب و الجزل (7)على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أمّ كلثوم و فضة عليهم
ص:390
السلام، و إضرامهم النّار على الباب و خروج فاطمة عليها السلام إليهم و خطابها من وراء الباب.
و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على اللّه و على رسوله؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا و بقيّته و تطفئ نور اللّه و اللّه متمّ نوره، و انتهاره لها، و قوله لها: يا فاطمة كفّي فليس محمّد حاضرا و لا الملائكة تأتيه بالأمر و النهي و الوحي من عند اللّه، و ما عليّ إلاّ كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا.
فقالت: و هي باكية: اللّهمّ إليك نشكوا فقد نبيّك و رسولك و صفيّك و ارتداد امّته علينا، و منعهم إيّانا حقنا الّذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل.
فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء، فلم يكن اللّه ليجمع لكم النبوة و الخلافة فأخذت النار في خشب الباب، و أدخل قنفذ لعنه اللّه يده يروم فتح الباب، و ضرب عمر لها بالسّوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله (1)حتى أصاب الباب بطنها، و هي حامل بمحسن لستة أشهر و إسقاطها إيّاه.
و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و سفقه (2)خدّها حتى بدا قرطها تحت خمارها، و هي تجهر بالبكاء و تقول: يا أبتاه يا رسول اللّه ابنتك فاطمة تكذّب و تضرب و يقتل جنين في بطنها.
و خروج أمير المؤمنين عليه السلام من داخل الدار محمّر العينين حاسرا، حتى ألقى ملاءته عليها، و ضمّها إلى صدره، و قال لها: يا بنت رسول اللّه قد
ص:391
علمت أنّ اللّه قد بعث أباك رحمة للعالمين، فاللّه اللّه لا تكشفي خمارك، و لا ترفعي ناصيتك، فو اللّه يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى اللّه على الأرض من يشهد أنّ محمدا رسول اللّه و لا موسى و لا عيسى و لا إبراهيم و لا نوح و لا آدم و لا دابّة تمشي على وجه الأرض و لا طائرا في السماء إلاّ أهلكه اللّه.
ثم قال: يا ابن الخطاب لك الويل من يومك هذا و ما بعده و ما يليه اخرج قبل أن اشهر سيفي فأفني غابر الامة، فخرج عمر، و خالد بن الوليد، و قنفذ، و عبد الرحمن بن أبي بكر، فصاروا من خارج الدّار، و صاح أمير المؤمنين عليه السلام بفضة: يا فضّة إليك مولاتك فأقبلي منها ما تقبل النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة (1)و ردّ الباب، فأسقطت محسنا عليه السلام فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فإنّه لاحق بجدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيشكو إليه، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام لها في سواد الليل و الحسن و الحسين و زينب و أمّ كلثوم إلى دور المهاجرين و الأنصار يذكّرهم باللّه و رسوله و عهده الّذي بايعوا اللّه و رسوله و بايعوه عليه في أربعة مواطن في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها، و كلّ يعده بالنصرة في يومه المقبل، فاذا أصبح قعد جميعهم عنه، ثمّ يشكو إليه أمير المؤمنين المحن السبعة الّتي امتحن بها بعده.
و قوله له: لقد كانت قصّتي مثل قصّة هارون مع بني إسرائيل، و قولي كقوله لموسى اِبْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ اَلْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ اَلْقَوْمِ اَلظّالِمِينَ (2)فصبرت محتسبا، و سلّمت راضيا، و كانت الحجة عليهم في خلافي، و نقضهم عهدي الّذي عاهدتهم عليه يا
ص:392
رسول اللّه، و احتملت يا رسول اللّه ما لم يحتمل وصيّ نبي من سائر الأوصياء من سائر الامم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم، و كان اللّه الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي.
و خروج طلحة و الزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحجّ و العمرة و سيرهم بها إلى البصرة، و خروجي إليهم و تذكيري لهم اللّه و إيّاك، يا رسول اللّه و ما جئت به فلم يرجعا حتى نصرني اللّه عليهما، حتى اهرقت دماء عشرين ألفا من المسلمين و قطعت سبعون كفّا على زمام الجمل، فما لقيت في غزواتك يا رسول اللّه و بعدك أصعب منه يوما أبدا، لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها، و أهولها و أعظمها فصبرت كما أدّبني اللّه بما أدّبك اللّه به يا رسول اللّه في قوله عزّ و جلّ: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا اَلْعَزْمِ مِنَ اَلرُّسُلِ (1)و قوله:
وَ اِصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ (2)و حقّ و اللّه يا رسول اللّه تأويل الآية الّتي أنزلها اللّه في الأئمّة من بعدك في قوله: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللّهُ اَلشّاكِرِينَ (3).
يا مفضّل و يقوم الحسن عليه السلام إلى جده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول: يا جداه كنت مع أبي في دار هجرته بالكوفة حين استشهد بضربة عبد الرّحمن بن ملجم لعنه اللّه فوصّاني بما وصيّته به يا جدّاه، و بلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدّعي اللّعين زيادا (4)إلى الكوفة في مائة ألف
ص:393
و خمسين ألف مقابل فأمر بالقبض عليّ و على أخي الحسين و سائر إخوتي و أهل بيتي، و شيعتنا و موالينا، و أن يأخذ علينا البيعة لمعاوية فمن يأبى منّا ضرب عنقه و سيّر إلى معاوية برأسه.
فلمّا علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري و دخلت جامع الكوفة الصلاة و رقيت المنبر، فاجتمع النّاس فحمدت اللّه تعالى و أثنيت عليه، و قلت: معاشر النّاس عفيت الدّيار، و محيت الآثار، و قلّ الاصطبار، و لا قرار على همزات الشياطين و حكم الخائنين، الساعة و اللّه صحّت البراهين، و فصّلت الآيات، و بانت المشكلات، و لقد كنّا نتوقّع تمام هذه الآية بتأويلها قال اللّه عزّ و جل: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللّهُ اَلشّاكِرِينَ (1)فقد مات جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قتل أبي عليه السلام و صاح الوسواس الخنّاس، و نعق ناعق الفتنة، و خالفتم السنّة، فيا لها من فتنة عمياء صمّاء لا يسمع لداعيها و لا يجاب مناديها، و لا يخالف واليها، ظهرت كلمة النفاق، و سيّرت رايات أهل الشقاق، و تكالبت جيوش المراق من الشّام إلى العراق هلمّوا رحمكم اللّه إلى الافتتاح، و النور الوضّاح، و العلم الجحجاح و النّور الّذي لا يطفى، و الحقّ الذي لا يخفى، أيّها الناس تيقّظوا من رقدة الغفلة، و من تكاثف الظلمة، فو الّذي فلق الحبّة و برئ النسمة، و تردّى بالعظمة، لئن قام إليّ منكم عصبة بقلوب صافية و نيات مخلصة، لا يكون فيها
ص:394
شوب نفاق، و لا نيّة افتراق لأجاهدنّ بالسيف قدما قدما، و لأضيّقنّ من السيوف جوانبها، و من الرماح أطرافها، و من الخيل سنابكها.
فتكلّموا رحمكم اللّه فكأنّما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة، إلاّ عشرون رجلا فإنّهم قاموا إليّ فقالوا: يا ابن رسول اللّه ما نملك إلاّ أنفسنا و سيوفنا، فها نحن بين يديك لأمرك طائعون، و عن رأيك صادرون، فمرنا بما شئت فنظرت يمنة و يسرة فلم أر أحدا غيرهم.
فقلت: لي أسوة بجدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين عبد اللّه سرا، و هو يومئذ في تسعة و ثلاثين رجلا فلمّا أكمل اللّه له الأربعين صار في عدّة، و أظهر أمر اللّه فلو كان معي عدّتهم جاهدت في اللّه حق جهاده.
ثمّ رفعت رأسي نحو السماء فقلت: اللّهمّ إنّي دعوت و أنذرت، و أمرت و نهيت فكانوا عن إجابة الداعي غافلين، و عن نصرته قاعدين، و عن طاعته مقصّرين، و لأعدائه ناصرين، اللّهمّ أنزل عليهم بأسك و رجزك و عذابك، الّذي لا يردّ عن القوم الظالمين.
و نزلت ثمّ خرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة، فجاءوني يقولون: إنّ معاوية قد أسرى سراياه إلى الأنبار و الكوفة، و شنّ غاراته على المسلمين، و قتل منهم من لم يقاتله، و قتل منهم النّساء و الأطفال، فأعلمتهم أنّه لا وفاء لهم، فأنفذت معهم رجالا و جيوشا و عرّفتهم أنّهم يستجيبون لمعاوية، و ينقضون عهدي و بيعتي، فلم يكن إلاّ ما قلت لهم و أخبرتهم به.
ثمّ يقوم الحسين عليه السلام مخضّبا بدمائه هو و جميع من قتل معه، فإذا رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بكى و أبكى أهل السموات و الأرضين لبكائه و تصرخ فاطمة صلوات اللّه عليها فتزلزل الأرض و من عليها، و يقف أمير المؤمنين و الحسن عليهما السلام عن يمينه و فاطمة عن شماله، و يقبل الحسين
ص:395
عليه السلام فيضمّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى صدره و يقول: يا حسين فديتك قرّت عينك و عيناي فيك، و عن يمين الحسين عليه السلام حمزة أسد اللّه في أرضه، و عن شماله جعفر بن أبي طالب الطيّار، و يأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين عليه السلام و هنّ صارخات و امّه فاطمة تقول: هذا يَوْمُكُمُ اَلَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (1)اليوم تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (2).
قال: و بكى الصّادق عليه السلام حتّى اخضلّت لحيته بالدّموع ثمّ قال لا رقأت (3)عين لا تبكي عند هذا الذّكر.
ثم قال المفضّل: ما تقول يا مولاي في قوله تعالى: وَ إِذَا اَلْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (4)؟
قال: يا مفضّل الموؤدة و اللّه محسن، لأنّه منّا لا غير، فمن قال غير هذه فكذّبوه.
قال المفضّل ثمّ ما ذا؟
قال الصّادق عليه السلام: ثمّ تقوم فاطمة عليها السلام فتقول: اللّهمّ انجز وعدك و موعدك لي فيمن ظلمني و غصبني و ضربني و جرّعني ثكل أولادي، فتبكيها ملائكة السّماوات، و حملة العرش، و سكّان الهواء، و من في الدّنيا و في أطباق الثرى صائحين صارخين إلى اللّه تعالى فلا يبقى أحد ممّن قتلنا و ظلمنا
ص:396
و رضي بما جرى علينا إلاّ قتل في ذلك اليوم ألف قتلة، دون (1)من قتل في سبيل اللّه فإنّه لا يذوق الموت و هو كما قال اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (2).
قال المفضّل: يا مولاي فإنّ من شيعتكم من لا يقول برجعتكم؟
قال عليه السلام: أ ما سمعوا قول جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ و نحن سائر الأئمّة نقول: وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ اَلْعَذابِ اَلْأَدْنى دُونَ اَلْعَذابِ اَلْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (3).
قال المفضّل: يا مولاي فما العذاب الأدنى و ما العذاب الأكبر.
قال الصادق عليه السلام: العذاب الأدنى و عذاب الرّجعة و عذاب الأكبر عذاب يوم القيامة الّذي فيه تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ اَلْواحِدِ اَلْقَهّارِ (4).
قال المفضّل يا مولاي فأمانتكم باللّه عند شيعتكم، و نحن نعلم أنّكم اختيار اللّه في قوله تعالى: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ (5)و قوله: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (6)و قوله: إِنَّ اَللّهَ اِصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ
ص:397
وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى اَلْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).
قال الصّادق عليه السلام: يا مفضّل فأين نحن في هذه الآية؟
قال المفضّل: قول اللّه إِنَّ أَوْلَى اَلنّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللّهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ (2)و قوله: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ (3)و قد علمنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما عبدا صنما و لا وثنا و لا أشركا باللّه طرفة عين و قوله: وَ إِذِ اِبْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي اَلظّالِمِينَ (4)و العهد عهد الإمامة لا يناله ظالم.
قال يا مفضّل و ما علمك بأنّ الظالم لا ينال عهد الإمامة؟
قال المفضّل: يا مولاي لا تمتحنّي بما لا طاقة لي به، و لا تختبرني و لا تبتلني فمن علمكم علمت، و من فضل اللّه عليكم أخذت.
قال الصادق عليه السلام: صدقت يا مفضّل و لو لا اعترافك بنعمة اللّه عليك في ذلك لما كنت هكذا، فأين يا مفضّل الآيات من القرآن في أنّ الكافر ظالم؟
قال: نعم يا مولاي قوله تعالى: وَ اَلْكافِرُونَ هُمُ اَلظّالِمُونَ (5)، «و الكافرون هم الفاسقون» 6و من كفر و فسق و ظلم لا يجعله اللّه للنّاس إماما.
ص:398
قال الصادق عليه السلام: أحسنت يا مفضل فمن أين قلت برجعتنا؟ و مقصّرة شيعتنا تقول: معنى الرجعة أن يردّ اللّه علينا ملك الدنيا يجعله للمهدي عليه السلام و يحهم متى سلبنا الملك حتى يردّ علينا؟
قال المفضّل: و اللّه ما سلبتموه و لا تسلبونه لأنّه ملك الرسالة و النبوّة و الوصيّة و الإمامة.
قال الصادق عليه السلام: يا مفضّل لو تدبّروا القرآن شيعتنا لما شكّوا في فضلنا، أما سمعوا قوله عزّ و جلّ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ، وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ 1و اللّه يا مفضّل إن تنزيل هذه الآية في بني اسرائيل و تأويلها فينا، و إن فرعون و هامان و جنودهما تيم وعدي.
ثم يقوم جدّي عليّ بن الحسين و أبي الباقر عليهما السلام فيشكوان إلى جدّهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل بهما، ثمّ أقوم أنا فأشكو إلى جدّي رسول اللّه ما فعل المنصور بي، ثم يقوم ابني موسى فيشكو الى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما فعل به الرّشيد، ثمّ يقوم عليّ بن موسى فيشكو إلى جدّه رسول اللّه ما فعل به المأمون، ثمّ يقوم محمّد بن علي فيشكو إلى جدّه رسول اللّه ما فعل به المعتصم 2، ثمّ يقوم الحسن بن علي فيشكو إلى جده رسول اللّه ما فعل به المعتزّ.
ثمّ يقوم المهدي سميّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليه
ص:399
قميص رسول اللّه مضرجا بدم رسول اللّه يوم شجّ رأسه و جبينه و كسرت رباعيته، و الملائكة تحفّه حتى يقف بين يدي جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول يا جدّاه نصصت علي و دللت، و نسبتني، و سمّيتني و كنّيتني، فجحدتني الامّة و تمرّدت و قالت: ما ولد، و لا كان، و أين هو و متى كان؟ و أين يكون؟ و قد مات و لم يعقّب، و لو كان صحيحا ما أخّره اللّه إلى هذا الوقت المعلوم، فصبرت محتسبا و قد أمر اللّه بأمره فيها يا جدّاه.
فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اَلْحَمْدُ لِلّهِ اَلَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا اَلْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ اَلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ اَلْعامِلِينَ (1).
و يقول: قد جاءَ نَصْرُ اَللّهِ وَ اَلْفَتْحُ (2)و حقّ قول اللّه تعالى: هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (3)و يقرأ إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اَللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَ يَنْصُرَكَ اَللّهُ نَصْراً عَزِيزاً (4).
فقال المفضّل: يا مولاي أيّ ذنب كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال الصّادق عليه السلام: يا مفضّل إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: اللهمّ حمّلني ذنوب شيعة أخي و أولادي الأوصياء ما تقدّم منها و ما تأخّر إلى يوم القيامة، و لا تفضحني بين النبيّين و المرسلين في شيعتنا فحمّله اللّه إيّاها و غفر جميعها.
ص:400
قال المفضّل: فبكيت بكاء طويلا و قلت: يا سيّدي هذا بفضل اللّه علينا فيكم.
قال الصادق عليه السلام: يا مفضّل ما هو إلاّ أنت و أمثالك، بلى يا مفضّل لا تحدّث بهذا الحديث أصحاب الرّخص من شيعتنا، فيتّكلون على هذا الفضل، و يتركون العمل فلا يغني عنهم من اللّه شيئا كما قال اللّه تعالى: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ اِرْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (1).
قال المفضّل: يا مولاي قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ظهر على الدين كلّه قال: يا مفضّل لو كان رسول اللّه ظهر على الدّين كلّه ما كانت مجوسيّة و لا نصرانية و لا يهودية و لا صابئية و لا رقة و لا خلاف و لا شكّ و لا شرك، و لا عبدة أصنام، و لا أوثان، و لا اللاّت و العزى، و لا عبدة الشمس و لا القمر و لا النجوم و لا النّار و لا الحجارة، و إنّما قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ في هذا اليوم و هذا المهدي و هذه الرجعة و هو قوله: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (2). (3)
ص:401
ص:402
في أن القائم عليه السلام يقتل قتلة الحسين عليه السلام
و ذراريهم لرضاهم بفعال آبائهم
1-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق، و محمّد بن محمّد بن عصام رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال:
حدّثنا القاسم بن العلاء، قال: حدّثنا إسماعيل الفزاري، قال: حدّثنا محمّد بن جمهور العمي، عن ابن أبي نجران، عمّن ذكره عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام قلت: يا ابن رسول اللّه لم سمّي عليّ عليه السلام أمير المؤمنين، و هو اسم ما سمّي به أحد قبله و لا يحلّ في (1)أحد بعده؟ فقال: لأنّه ميرة (2)العلم يمتار منه، و لا يمتار من أحد غيره قال فقلت: يا ابن رسول اللّه فلم سمّي سيفه ذا الفقار؟ فقال عليه السلام: لأنّه ما ضرب به أحد من خلق اللّه إلاّ أفقره هذه الدنيا من أهله و ولده، و أفقره في الآخرة من الجنّة، قال: فقلت: يا ابن رسول اللّه فلستم كلّكم بالحق؟ قال: بلى، قلت: فلم سمي القائم قائما؟ قال: لمّا قتل جدي الحسين عليه السلام ضجّت عليه الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و النحيب و قالوا: إلهنا و سيّدنا انتقم ممّن قتل صفوتك و ابن صفوتك و خيرتك من خلقك فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليهم قرّوا ملائكتي فو عزّتي و جلالي لأنتقمنّ منهم و لو بعد حين، ثمّ كشف اللّه عزّ و جلّ عن الائمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة فسرّت الملائكة
ص:403
بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلّي فقال اللّه عزّ و جلّ: بذلك أنتقم منهم. (1)
2-ابو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، قال: حدّثني محمّد بن الحسن ابن أحمد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن محمّد ابن سنان، عن رجل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله تعالى: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (2)قال: ذلك قائم آل محمّد عليهم السلام يخرج فيقتل بدم الحسين عليه السلام فلو قتل أهل الارض لم يكن مسرفا، و قوله: فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ أي لم يكن ليصنع شيئا فيكون مسرفا، ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام يقتل و اللّه ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها. (3)
3-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السّلام بن صالح، قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرّضا: يا ابن رسول اللّه ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: إذا قام القائم عليه السلام قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها؟ فقال عليه السلام: هو كذلك، قلت: فقول اللّه عزّ و جلّ:
وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (4)ما معناه؟ فقال: صدق اللّه في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين عليه السلام يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها، و من رضي شيئا كمن أتاه، و لو أنّ رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في
ص:404
المغرب لكان الراضي عند اللّه عزّ و جلّ شريك القاتل، و إنّما يقتلهم القائم عليه السلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم، قال: فقلت له: بأيّ شيء يبدأ القائم فيهم؟ قال: يبدأ ببني شيبة و يقطع أيديهم لأنّهم سرّاق بيت اللّه الحرام (1).
4-العياشي في تفسيره باسناده عن سلام (2)بن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (3)قال: هو الحسين بن عليّ عليه السلام قتل مظلوما، و نحن أولياؤه، و القائم منّا إذا قام طلب بثأر الحسين، فيقتل حتّى يقال:
قد أسرف في القتل، و قال: المقتول الحسين عليه السلام و وليّه القائم عليه السلام، و الإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله، إنّه كان منصورا فإنّه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (4)
5-و عنه، باسناده عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له:
يا ابن رسول اللّه زعم ولد الحسن عليه السلام أنّ القائم منهم، و أنّهم أصحاب الأمر، و يزعم ولد ابن الحنفية مثل ذلك، فقال: رحم اللّه عمّي الحسن عليه
ص:405
السلام لقد غمد أربعين ألف سيف حين اصيب أمير المؤمنين عليه السلام و أسلمها إلى معاوية، و محمّد بن علي سبعين ألف سيف قاتله لو خطر عليهم خطر ما خرجوا منها حتّى يموتوا جميعا، و خرج الحسين عليه السلام فعرض نفسه على اللّه في سبعين رجلا، من أحقّ بدمه منّا؟ نحن و اللّه أصحاب الأمر، و فينا القائم، و منّا السفّاح و المنصور، و قد قال اللّه: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (1)نحن أولياء الحسين بن علي عليهما السلام و على دينه (2).
6-شرف الدين النجفي في «تأويل الآيات الباهرة فيما نزل في العترة الطاهرة» قال: روى بعض الثّقات باسناده عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (3)قال: نزلت في الحسين عليه السلام لو قتل وليّه أهل الأرض ما كان مسرفا، و وليّه القائم عليه السلام. (4)
ص:406
فيما جاء في الوقت المعلوم لابليس
1-شرف الدين النّجفي في «الكتاب السّابق» قال: جاء في التأويل مرفوعا عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله عزّ و جلّ: وَ اَللَّيْلِ إِذا يَغْشى قال: دولة إبليس لعنه اللّه إلى يوم القيامة، و هو يوم قيام القائم عليه السلام وَ اَلنَّهارِ إِذا تَجَلّى و هو القائم عليه السلام إذا قام، و قوله: فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اِتَّقى أعطى نفسه الحقّ و اتّقى الباطل فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى أي الجنّة وَ أَمّا مَنْ بَخِلَ وَ اِسْتَغْنى يعني بنفسه عن الحقّ و استغنى بالباطل عن الحقّ وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى بولاية علي بن أبي طالب و الأئمّة صلوات اللّه عليهم من بعده فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى يعني النّار، و أمّا قوله: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى يعني عليّا عليه السلام هو الهدى وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ اَلْأُولى* فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى قال: القائم عليه السلام إذا قام بالغضب فيقتل من كلّ ألف تسعمائة و تسعة و تسعين، لا يَصْلاها إِلاَّ اَلْأَشْقَى هو عدوّ آل محمّد عليهم السلام وَ سَيُجَنَّبُهَا اَلْأَتْقَى قال: ذاك أمير المؤمنين و شيعته (1).
2-شرف الدين أيضا قال: جاء في تفسير أهل البيت صلوات اللّه عليهم
ص:407
أجمعين رواه الرّجال عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزّ و جلّ: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً يعني بهذه الآية إبليس اللعين خلقه وحيدا من غير أب و لا أمّ، و قوله: وَ جَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً يعني هذه الدّولة إلى يوم الوقت المعلوم، يوم يقوم القائم عليه السلام وَ بَنِينَ شُهُوداً وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلاّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً يقول:
معاندا للائمّة عليهم السلام، يدعو إلى غير سبيلها، و يصدّ النّاس عنها و هي آيات اللّه.
و قوله: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً قال أبو عبد اللّه عليه السلام: صعود جبل في النّار من نحاس يحمل عليه حبتر ليصعده كارها فإذا ضرب بيده على الجبل ذابتا حتى تلحق بالرّكبتين، فإذا رفعهما عادتا، فلا يزال هكذا ما شاء اللّه، و قوله تعالى: إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اِسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ اَلْبَشَرِ قال: يعني تدبيره و نظره و فكرته و استكباره في نفسه و ادّعائه الحقّ لنفسه دون أهله.
ثم قال اللّه تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ قال: يراه أهل المشرق كما يراه أهل المغرب، إنّه إذا كان في سقر يراه أهل الشرق و الغرب و يتبين حاله، و المعنى في هذه الآيات جميعها حبتر، قال: قوله تعالى: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ أي تسعة عشر رجلا، فيكونون من النّاس كلّهم في الشرق و الغرب، قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ اَلنّارِ إِلاّ مَلائِكَةً قال: فالنّار هو القائم عليه السلام الّذي أنار ضوؤه و خروجه لأهل الشرق و الغرب، و الملائكة هم الذين يملكون علم آل محمّد صلوات اللّه عليهم اجمعين، و قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا قال:
يعني المرجئة، و قوله: لِيَسْتَيْقِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ قال: هم الشيعة و هم
ص:408
أهل الكتاب و هم الّذين اوتوا الكتاب و الحكمة و النبوّة.
و قوله تعالى: وَ يَزْدادَ اَلَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَ لا يَرْتابَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ وَ اَلْمُؤْمِنُونَ أي لا يشك الشيعة و هم أهل الكتاب في شيء من أمر القائم وَ لِيَقُولَ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني بذلك الشيعة و ضعفاؤها وَ اَلْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اَللّهُ بِهذا مَثَلاً فقال اللّه عزّ و جلّ لهم كَذلِكَ يُضِلُّ اَللّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ فالمؤمن يسلم و الكافر يشك و قوله وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ فجنود ربك هم الشيعة و هم شهداء اللّه في الأرض.
و قوله: وَ ما هِيَ إِلاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ كَلاّ وَ اَلْقَمَرِ وَ اَللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَ اَلصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ إِنَّها لَإِحْدَى اَلْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ عنه، و قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاّ أَصْحابَ اَلْيَمِينِ (1)قال:
هم أطفال المؤمنين، قال اللّه تبارك و تعالى: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (2)قال: إنّهم آمنوا بالميثاق، و قوله: وَ كُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ اَلدِّينِ (3)قال: يعني بيوم الدين خروج القائم عليه السلام، و قوله: فَما لَهُمْ عَنِ اَلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ قال يعني بالتذكرة ولاية أمير المؤمنين عليه السلام و قوله: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: كأنّهم حمر وحش فرّت من الأسد حين رأته، و كذلك المرجئة إذا سمعت بفضل آل محمّد نفرت عن الحقّ.
ثم قال اللّه تعالى: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً قال: يريد كل رجل من المخالفين أن ينزّل عليه كتاب من السّماء ثمّ قال اللّه تعالى: كَلاّ بَلْ لا يَخافُونَ اَلْآخِرَةَ هي دولة القائم عليه السلام، ثم قال تعالى
ص:409
بعد أن عرّفهم التذكرة أنّها الولاية: كَلاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وَ ما يَذْكُرُونَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اَللّهُ هُوَ أَهْلُ اَلتَّقْوى وَ أَهْلُ اَلْمَغْفِرَةِ (1)قال: فالتقوى في هذا الموضع هو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المغفرة أمير المؤمنين (2).
3-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسن (3)عليّ، قال: حدّثني ابو جعفر (4)، قال: حدّثني المظفّر ابن جعفر بن المظفّر العلوي، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، عن عليّ بن الحسن بن فضال، قال: حدّثني العباس بن عامر، عن وهب (5)بن جميع مولى إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن إبليس قوله:
رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ اَلْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ اَلْوَقْتِ اَلْمَعْلُومِ (6)أي يوم هو؟ قال: يا وهب أ تحسب أنّه يوم يبعث اللّه تعالى النّاس؟ لا و لكنّ اللّه عزّ و جلّ أنظره إلى يوم يبعث اللّه عزّ و جلّ قائمنا، فإذا بعث اللّه عزّ و جلّ قائمنا فيأخذ بناصيته و يضرب عنقه، فذلك اليوم هو الوقت المعلوم. (7)
ص:410
4-و عنه قال: اخبرني ابو الحسين محمّد بن هارون قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أبو عليّ الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن عبد الكريم، قال: حدّثنا أبو طالب عبد اللّه بن الصلت، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ابن عبد اللّه الحنّاط، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث يذكر فيه حال المؤمن إذا قام القائم عليه السلام، إلى أن قال: و لا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه، و الهيكل البدن (1).
و قد مضى الحديث بتمامه في الباب التاسع و الثلاثين و في بعض الرّوايات يقتله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ص:411
ص:412
في القدر من الناس الذين يقوم فيهم القائم عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه، قال:
حدّثنا عليّ بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي أيّوب عن أبي بصير، و محمّد بن مسلم قالا:
سمعنا أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا النّاس، فقلت: فإذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟ ! فقال عليه السلام: أ ما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي (1).
2-و عنه قال: حدّثنا محمد بن الحسن رضي اللّه عنه قال: حدّثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قدّام القائم عليه السلام موتتان: موت أحمر و موت ابيض، حتّى يذهب من كل سبعة خمسة، فالموت الأحمر السيف، و الموت الأبيض الطاعون (2).
ص:413
3-محمّد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال حدّثنا عليّ بن الحسين، قال حدّثني محمد بن عبد اللّه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: النداء حقّ فقال: إي و اللّه يسمعه كلّ قوم بلسانهم، و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب تسعة أعشار الناس. (1)
ص:414
في المفردات
1-ابن بابويه قال: حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي العمري السمرقندي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن محمد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السلام يقول: إنّ الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتّى ينفخ في الصور و إنّه ليأتينا فيسلّم علينا فنسمع صوته، و لا نرى شخصه، و إنّه ليحضر حيث ما ذكر فمن ذكره منكم فليسلّم عليه، و إنّه ليحضر الموسم كلّ سنة، فيقضي جميع المناسك، و يقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين، و سيؤنس اللّه به وحشة قائمنا عليه السلام في غيبته و يصل به وحدته (1).
2-الشيخ الطوسي في «أماليه» عن أبي محمّد الفحّام قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عبد اللّه بن عليّ الرأس، قال: حدّثني أبو عبد اللّه عبد الرحمن بن عبد اللّه العمري، قال: حدّثنا أبو سلمة يحيى بن المغيرة، قال: حدّثني أخي محمّد بن المغيرة، عن محمّد بن سنان، عن سيّدنا أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام قال: قال أبي لجابر بن عبد اللّه: لي إليك حاجة أريد أخلو
ص:415
بك فيها، فلمّا خلا به في بعض الأيّام قال له: أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يد أمّي فاطمة عليها السلام قال جابر: أشهد باللّه لقد دخلت على فاطمة عليها السلام بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لاهنّيها بولدها الحسين عليه السلام فإذا بيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء فيه كتاب أنور من الشمس و أطيب رائحة من المسك الاذفر (1)، فقلت: ما هذا يا بنت رسول اللّه؟ فقالت:
هذا لوح أهداه اللّه عزّ و جلّ إلى أبي فيه اسم أبي، و اسم بعلي، و اسم الأوصياء بعده من ولدي، فسألتها أن تدفعه إليّ لا نسخه، ففعلت، فقال له: فهل لك أن تعارضني به (2)قال: نعم، فمضى جابر إلى منزله و أتى بصحيفة من كاغذ فقال له:
أنظر في صحيفتك حتّى أقرأها عليك، فكان في صحيفته مكتوب:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من اللّه العزيز العليم أنزله الرّوح الأمين على محمّد خاتم النبيّين، يا محمّد عظّم أسمائي، و اشكر نعمائي، و لا تجحد آلائي، و لا ترج سواي، و لا تخش غيري، فإنّه من يرجو سواي و يخشى غيري أعذّبه عذابا لا اعذّبه أحدا من العالمين.
يا محمّد إنّي اصطفيتك على الأنبياء، و فضّلت وصيّك على الأوصياء، و جعلت الحسن عيبة علمي من بعد انقضاء مدّة أبيه، و الحسين خير أولاد الأوّلين و الآخرين فيه تثبت الإمامة، و منه يعقّب زين العابدين، و محمّد الباقر لعلمي: و الداعي إلى سبيلي على منهاج الحق، و جعفر الصّادق في القول و العمل، تثبت من بعده فتنة صمّاء، فالويل كلّ الويل للمكذّب بعبدي و خيرتي من خلقي موسى، و عليّ الرّضا يقتله عفريت كافر يدفن بالمدينة الّتي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلق اللّه، و محمّد الهادي إلى سبيلي الذّابّ عن حريمي،
ص:416
و القيّم في رعيته حسن أغرّ، يخرج منه ذو الاسمين (1)عليّ و الحسن و الخلف محمّد يخرج في آخر الزمان على رأسه عمامة بيضاء تظلّه الشمس، ينادي بلسان فصيح يسمعه الثقلين و الخافقين، هو المهديّ من آل محمد، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. (2)
3-محمد بن ابراهيم النعماني قال: اخبرنا عبد الواحد بن عبد اللّه قال اخبرنا احمد بن محمّد بن رباح قال: حدّثنا محمّد بن العبّاس الحسيني، عن الحسن بن علي البطائني، عن أبيه، عن المفضّل قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إن لصاحب هذا الأمر بيتا يقال له: بيت الحمد، فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف «لا يطفى» (3).
4-ابن بابويه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن محمد بن جمهور، عن احمد بن أبي هراسة، عن ابي إسحاق إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه عن حمّاد الأنصاري، قال: حدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كأنّي بأصحاب القائم عليه السلام و قد أحاطوا ما بين الخافقين فليس من شيء إلاّ و هو مطيع لهم حتى سباع الأرض و سباع الطير، يطلب رضاهم في كلّ شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض و تقول: مرّ بي اليوم رجل من اصحاب القائم عليه السلام. (4)
ص:417
ص:418
في أنّ آخر من يموت الحجّة و يغلق باب التوبة
و يغسّل القائم عليه السلام الحسين عليه السلام
و يكون بينه و بين القيامة أربعون يوما
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، و عبد اللّه ابن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن الربيع بن محمّد بن المسليّ، عن محمّد بن مسلم، و عبد اللّه بن سليمان العامري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
ما زالت الأرض إلاّ و للّه تعالى ذكره فيها حجة يعرف الحلال و الحرام، و يدعو إلى سبيل اللّه جلّ و عزّ، و لا ينقطع الحجّة من الأرض إلاّ أربعين يوما قبل يوم القيامة، و إذا رفعت الحجّة أغلقت أبواب التوبة، و لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة، أولئك شرار خلق اللّه، و هم الّذين تقوم عليهم القيامة (1).
2-و رواه أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، في كتاب «عيون المحاسن» عن عليّ بن الحكم، عن الرّبيع بن محمّد المسليّ، عن عبد اللّه بن سليمان العامري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما زالت الأرض إلاّ و للّه فيها حجّة يعرف الحلال و الحرام.
ص:419
و ساق الحديث إلى آخره إلاّ أنّ في آخر الحديث: الذين تقوم عليهم الحجّة. (1)
3-ابن بابويه قال: حدّثني أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه أنّه قال في قول اللّه عز و جل: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ (2)قال: الآيات الأئمّة المنتظرة، و الآية المنتظرة القائم عليه السلام فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف و إن آمنت بمن تقدّمه من آبائه عليهم السلام (3).
4-و عنه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي السمرقندي رحمه اللّه قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن مسعود، و حيدر بن محمّد بن نعيم السمرقندي جميعا عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال الصّادق جعفر بن محمّد عليه السلام:
يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً (4)يعني خروج القائم المنتظر، ثمّ قال عليه السلام: يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته و المطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء اللّه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون (5).
ص:420
5-ابو جعفر محمّد بن جرير الطبري قال: أخبرني ابو الحسن محمّد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن أبي عليّ محمّد بن همّام، عن عبد اللّه بن جعفر، عن أيّوب بن نوح، عن الرّبيع بن المسليّ، عن عبد اللّه بن سليمان العامري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما زالت الأرض إلاّ و للّه فيها حجّة (1)يعرف الحلال و الحرام، و يدعو الناس إلى سبيل اللّه، و لا تنقطع من الأرض إلاّ أربعين يوما قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجّة أغلق باب التوبة، و لم ينفع نفسا إيمانا لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة، و اولئك من شرار خلق اللّه، و هم الّذين تقوم عليهم فيها القيامة 2.
6-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن خلف بن حمّاد، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الحجّة قبل الخلق و بعد الخلق و مع الخلق 3.
7-و عنه عن محمّد بن يحيى، عمّن ذكره، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن جعفر 4بن محمّد، عن كرّام 5قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام، و قال: إنّ آخر من يموت الإمام لئلاّ
ص:421
يحتجّ أحد على اللّه عزّ و جلّ أنّه تركه بغير حجّة لله عليه (1).
8-و عن محمّد بن عبد اللّه، و محمّد بن يحيى جميعا عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا و الشيخ أبو عمرو رحمه اللّه عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمر و إنّي أريد أن أسألك عن شيء و ما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه فإنّ اعتقادي و ديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إلاّ إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوما، فإذا كان ذلك رفعت الحجّة و أغلق باب التوبة فلم يك ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا فأولئك أشرار من خلق اللّه عزّ و جلّ، و هم الّذين تقوم عليهم القيامة، و لكني أحببت أن أزداد يقينا.
و إنّ إبراهيم سأل ربّه عزّ و جلّ أن يريه كيف يحيي الموتى، قال: أو لم تؤمن قال: بلى و لكن ليطمئنّ قلبي، و لقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته و قلت له: من أعامل أو عمّن آخذ، و قول من أقبل؟
فقال له: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي و ما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له و أطع فإنّه الثقة المأمون، و أخبرني أبو عليّ أنّه سأل أبا محمّد عليه السلام عن مثل ذلك فقال له: العمري و ابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان و ما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما و أطعهما فإنّهما المأمونان فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.
قال: فخر أبو عمرو ساجدا و بكى ثمّ قال: سل حاجتك، فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد عليه السلام.
ص:422
فقال: إي و اللّه و رقبته مثل ذا-و أومأ بيده-فقلت له: فبقيت واحدة فقال لي: هات، قلت: فالاسم؟
قال: محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، و لا أقول هذا من عندي؛ فليس لي أن أحلّل و لا أحرّم و لكن عنه عليه السلام، فإنّ الامر عند السلطان أنّ أبا محمّد عليه السلام قد مضى و لم يخلّف ولدا و قسّم ميراثه و أخذه من لا حقّ له فيه، و هو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرّف إليهم أو ينيلهم شيئا، و إذا وقع الاسم وقع الطلب فاتّقوا اللّه و أمسكوا عن ذلك.
ثم قال الكليني رحمه اللّه و حدثني شيخ من أصحابنا ذهب عنّي اسمه- أنّ أبا عمرو سأل عن أحمد بن إسحاق عن مثل هذا فأجاب بمثل هذا. (1)
علي بن عيسى في «كشف الغمّة» قال: أكثر الرّوايات أنّه لم يمض مهديّ هذه الامّة إلاّ قبل القيامة بأربعين يوما يكون فيها الهرج.
9-محمّد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصمّ، عن عبد اللّه بن القاسم البطل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي اَلْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي اَلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ (2)قال: قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام و طعن الحسن عليه السلام وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً قال: قتل الحسين عليه السلام فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما فإذا جاء نصر دم الحسين عليه السلام بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ اَلدِّيارِ قوم يبعثهم اللّه قبل خروج القائم عليه السلام فلا يدعون وترا لآل محمّد إلاّ قتلوه
ص:423
وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً خروج القائم عليه السلام ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ خروج الحسين في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب لكلّ بيضة و جهان المؤذن الى الناس (1)أنّ هذا الحسين قد خرج حتى لا يشكّ المؤمنون فيه و أنه ليس بدجّال و لا شيطان، و الحجّة القائم بين أظهرهم فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنّه الحسين عليه السلام جاء الحجّة الموت، فيكون الذي يغسّله و يكفّنه و يحنّطه و يلحده في حفرته الحسين بن علي عليهما السلام، و لا يلي الوصيّ إلاّ الوصيّ. (2)
ص:424
في أنّ عمر الخضر عليه السلام دليل على طول عمر
الإمام عليه السلام و أنّه يؤنس به و وقت
وفاة الخضر عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني رحمه اللّه قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي، قال: حدّثنا أحمد بن طاهر القمي، قال: حدّثنا محمّد بن بحر بن سهل الشيباني (1)، قال: أخبرنا عليّ بن الحارث، عن سعد (2)بن منصور الجواشني، قال: أخبرنا أحمد بن علي البديلي، قال: أخبرنا أبي، عن سدير (3)الصيرفي قال:
دخلت أنا و المفضّل بن عمر، و داود بن كثير، و أبو بصير، و أبان بن تغلب على مولانا أبي عبد اللّه الصّادق عليه السلام، و ذكر حديثا طويلا ذكر فيه غيبات
ص:425
لبعض الأنبياء عليهم السلام و ذكر فيه غيبة القائم عليه السلام و الخضر عليه السلام فقال عليه السلام في آخر الحديث: و أمّا العبد الصالح أعني الخضر عليه السلام فإنّ اللّه تعالى ما طول عمره لنبوّة قدّرها له، و لا لكتاب ينزله عليه، و لا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، و لا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها و لا لطاعة يفرضها له، بل إنّ اللّه تبارك و تعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم عليه السلام في أيّام غيبته ما قدّر، و علم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلاّ لعلّة الاستدلال به على عمر القائم عليه السلام، و ليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلاّ يكون للنّاس على اللّه حجّة (1).
2-و عنه، قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي العمري السمرقندي رض، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام يقول: إن الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتّى ينفخ في الصور، و إنّه ليأتينا فيسلّم علينا فنسمع صوته و لا نرى شخصه، و إنّه ليحضر حيث ما ذكر فمن ذكره منكم فليسلّم، و إنّه ليحضر الموسم كلّ سنة فيقضي جميع المناسك، و يقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين، و سيؤنس اللّه به وحشة قائمنا في غيبته و يصل به وحدته. (2)
ص:426
فيما جاء من طريق العامة في البشارة
بالمهدي القائم عليه السلام
الاول: ما رواه أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي (1)في كتاب «الكشف و البيان في تفسير القرآن» قال: أخبرنا أبو العبّاس سهل بن محمّد بن سعيد المروزي، حدّثنا جدّي أبو الحسن المحمودي، حدّثنا أبو جعفر محمّد ابن عمران الارشابيدي، حدّثنا هديّة (2)بن عبد الوهاب، حدّثنا سعيد (3)بن عبد الحميد بن جعفر، حدّثنا عبد اللّه (4)بن زياد اليمامي، حدّثنا عكرمة (5)بن عمّار اليمامي، عن إسحاق (6)بن عبد اللّه بن ابي طلحة، عن أنس بن مالك، قال:
ص:427
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنّة: أنا و حمزة و جعفر و عليّ و الحسن و الحسين و المهديّ. (1)
الثاني: الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (و انه لعلم للسّاعة) (2)قال: ذلك عيسى بن مريم عليه السلام، و روي ذلك عن مجاهد، قال: و قرأ ابن عباس، و أبو هريرة و قتادة، و مالك (3)بن دينار، و الضحّاك «و إنّه لعلم» (بفتح العين و اللاّم) -اي أمارة و علامة-في الحديث أنّ عيسى عليه السلام ينزل في ثوبين مهرودين أي مصبوغين بالهرد (4)و هو الزّعفران. (5)
ص:428
و روى عمر 1بن إبراهيم الأوسي في كتابه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند انفجار الصبح ما بين مهرودين، و هما ثوبان أصفران من الزّعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأنّ رأسه يقطر دهنا، بيده حربة يكسر الصليب، و يقتل الخنزير، و يهلك الدجّال، و يقبض اموال القائم، و يمشي خلفه أهل الكهف، و هو وزير الأيمن للقائم، و حاجبه و نائبه، و يبسط في المغرب و المشرق الأمن من كرامة الحجّة بن الحسن صلوات اللّه عليه. 2
ص:429
و الحديث طويل تقدّم بطوله في الباب الثالث و الثلاثين. الحديث الثالث.
و في الحديث ينزل عيسى على ثنية (1)من الأرض المقدّسة يقال لها: أفيق (2)و عليه ممصّرتان 3و شعر رأسه دهين و بيده حربة و هي الّتي يقتل بها الدجّال فيأتي بيت المقدّس، و النّاس في صلاة العصر 4و الإمام يؤمّ بهم، فيتأخّر الإمام فيقدّمه عيسى عليه السلام و يصلّي خلفه على شريعة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ يقتل الخنازير و يكسر الصليب، و يخرب البيع و الكنائس، و يقتل النّصارى إلاّ من آمن به. 5
الثالث: الثعلبي في تفسير قوله تعالى: إِذْ أَوَى اَلْفِتْيَةُ إِلَى اَلْكَهْفِ 6
ص:430
و ذكر حديث البساط (1)و سيرهم إلى الكهف و يقظتهم.
ثمّ قال بالإسناد المقدّم (2)قال: و أخذوا مضاجعهم فصاروا الى و قدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهديّ عليه السلام فقال: إنّ المهديّ عليه السلام يسلّم عليهم، فيحييهم اللّه عزّ و جلّ ثمّ يرجعون إلى رقدتهم، فلا يقومون إلى يوم القيامة. (3)
الرابع: أبو عبد اللّه محمّد بن أبي نصر الحميدي في كتاب «الجمع بين الصحيحين» في الحديث التّاسع من المتّفق عليه من البخاري و مسلم في «الصحيحين» من مسند أبي هريرة قالا: و أخرجاه من حديث ابن شهاب (4)، عن نافع مولى أبي قتادة (5)الأنصاري عن ابي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم (6)منكم و ليس لنافع مولى
ص:431
أبي قتادة عن أبي هريرة في «الصحيحين» غير هذا الحديث (1).
الخامس: الحميدي 2أيضا من «الجمع بين الصحيحين» الحديث العاشر من المتّفق عليه في «الصحيح» عن البخاري و مسلم من مسند ثوبان 3مولى رسول
ص:432
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ليس في الصحيحين غير عشرة مما أخرجه أبو بكر البرقاني (1)من حديث أبي الرّبيع الزّهراني (2)و قتيبة (3)من حديث أبي (4)موسى و بندار (5)عن شهاب كما أخرجه مسلم من حديثهم.
السادس: أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري (6)في «تجريد صحاح الستة» في الجزء الثّاني من أجزاء ثلاثة في أوّل ثاني كراسة منه عن البخاري و مسلّم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم» (7).
ص:433
السابع: في الجزء الثّالث على حدّ ربعه الأخير في باب جامع ما جاء في العرب و العجم و هو آخر الباب من صحيح النسائي قال: عن مسعدة (1)عن جعفر، عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أبشروا و بشّروا إنّما أمّتي (2)كالغيث لا يدرى آخره خير أم أوّله، أو كحديقة أطعم منها فوج عاما ثمّ اطعم منها فوج عاما، لعلّ آخرها فوجا يكون أعرضها عرضا و أعمقها عمقا و أحسنها حسنا، كيف تهلك أمّة أنا أوّلها و المهديّ أوسطها (3)و المسيح آخرها، و لكن بين ذلك ثبج 4أعوج ليسوا منّي و لا أنا منهم. 5
الثامن: و من الجمع بين الصحاح الستة و هو آخر المصنّف في باب تغيير
ص:434
الزّمان و ذكر الأشراط من صحيح أبي داود السّجستاني و هو كتاب «السنن» . و من صحيح الترمذي أيضا قال: عن زرّ (1)عن عبد اللّه بن مسعود أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلا منّي (و في رواية أبي هريرة) : حتى يلي رجل، و في رواية:
حتّى يملك العرب رجل منّي أو من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي، و اسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. (2)
ص:435
التاسع: عنه بالإسناد قال: عن عليّ عليه السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لو لم يبق من الدّهر إلاّ يوم لبعث اللّه رجلا من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (1)
العاشر: عنه بالإسناد قال: عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول المهديّ من عترتي من ولد فاطمة. (2)
ص:436
الحادي عشر: عنه أيضا بالإسناد قال: عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المهديّ منّي، و هو أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، يملك سبع سنين. (1)
ص:437
الثاني عشر: عنه بالإسناد أيضا قال: و عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها زوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن النبي (ص) قال: «يكون إختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكّة، فيأتيه ناس من أهل مكّة فيخرجونه و هو كاره، فيبايعونه بين الرّكن و المقام، و يبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكّة و المدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال (1)الشام و عصائب (2)أهل العراق فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليه بعثا، فيظهرون عليهم، و ذلك بعث كلب، و الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال و يعمل في الناس بسنتي، أو قال: بسنّة نبيّهم (ص) و يلقي الإسلام بجرانه (3)إلى الأرض فيلبث سبع سنين، ثمّ يتوفّى و يصلّي عليه المسلمون.
قال أبو داود: قال بعضهم: عن هشام (4): تسع سنين (5)
قال مؤلّف هذا الكتاب: بنو كلب هم أخوال السفياني (6)و القائم عليه
ص:438
السلام يظفر بالسفياني فيريد السفياني تسليم الأمر الى القائم عليه السلام فلا ترضى بنو كلب بذلك فيطيعهم السفياني فيرجع عن تسليمه الأمر الى القائم عليه السلام فيقتله القائم عليه السلام كما هو في حديث طويل.
و بالاسناد أيضا يليه من الكراس المذكور من «صحيح النسائي» قال: عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لن تهلك أمّة أنا أوّلها و مهديّها وسطها، و المسيح بن مريم آخرها. (1)
الثالث عشر: بالاسناد أيضا قال: و عن أبي الحسن (2)، عن هلال (3)بن عمير قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:439
و سلّم يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث (1)الحرّاث، على مقدمته (2)رجل يقال له منصور، يوطّئ او (3)يمكّن لآل محمّد كما مكّنت قريش (4)لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وجب على كل مؤمن نصره (5)، أو قال (6):
اجابته (7).
الرابع عشر: ما رواه في «تأويل مختلف الحديث» من الجزء الأوّل في حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تأليف أبي محمّد عبد اللّه بن مسلم ابن قتيبة (8)الدينوري في رفع تناقض الحديثين (9)قال: و ممّا يشهد لهذا ما رواه
ص:440
معاوية بن عمرو 1، عن أبي إسحاق 2، عن الأوزاعي 3.
عن يحيى 4أو عروة بن رويم 5أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:
خيار أمتي أولها و آخرها، و بين ذلك ثبج أعوج، ليس مني و لست منه.
قال ابن قتيبة: الثبج الوسط، قال أبو زيد 6: يقال: ضرب بالسيف ثبج الرّجل أي وسطه، و الجمع أثباج و مثله جوز و أجواز 7، و قد جاءت في هذا آثار منها: أنّه ذكر آخر الزمان، فقال: المتمسّك منهم يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، و منها حديث آخر ذكر فيه أنّ الشهيد منهم يومئذ كشهيد بدر.
و في حديث آخر أنّه سئل عن الغرباء، فقال: الّذين يحيون ما أمات النّاس
ص:441
من سنّتي (1).
و قال ابن قتيبة أيضا: قالوا: رويتم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: «لا نبيّ بعدي، و لا أمّة بعد أمّتي، فالحلال ما أحلّه اللّه تبارك و تعالى على لساني إلى يوم القيامة، و الحرام ما حرّمه اللّه تعالى على لساني إلى يوم القيامة.
ثمّ رويتم: أنّ المسيح عليه السلام ينزل فيقتل الخنزير، و يكسر الصليب، و يزيد في الحلال.
و عن عائشة رضي اللّه عنها أنّها كانت تقول: «قولوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: خاتم الأنبياء، و لا تقولوا: «لا نبيّ بعده» و هذا تناقض.
قال أبو محمّد: و نحن نقول: إنّه ليس في هذا تناقض و لا إختلاف لأنّ المسيح عليه السلام نبيّ متقدّم، رفعه اللّه تعالى، ثمّ ينزله في آخر الزمان علما للسّاعة قال اللّه تعالى: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها (2)و قرأ بعض القرّاء: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ و إذا نزل المسيح عليه السلام لم ينسخ شيئا ممّا اتى به محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و لم يتقدّم الإمام من امّته بل يقدّمه، و يصلّي خلفه. (3)
الخامس عشر: أبو محمّد الحسين بن مسعود (4)الفرّاء البغوي في كتاب «المصابيح» في أخبار المهدي عليه السلام، و هو على حدّ أربعة كراريس من آخر الكتاب باسناده قال: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه
ص:442
عليه و آله و سلّم: المهدي منّي، أجلى الجبهة، أقنى الانف، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، يملك سبع سنين. (1)
السادس عشر: عنه باسناده قال: و عن أبي سعيد الخدري أيضا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قصّة المهديّ قال: فيجيء إليه رجل فيقول: يا مهديّ أعطني أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. (2)
ص:443
السابع عشر: عنه باسناده قال: و عن أبي سعيد الخدري أيضا قال: ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلاء يصيب هذه الامّة حتّى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث اللّه رجلا من عترتي، فيملأ به الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، يرضى عنه ساكن السموات و الارض، لا تدع السماء من قطرها شيئا إلاّ صبّته مدرارا، و لا تدع الارض من نباتها شيئا إلاّ أخرجته، حتى تمنّى الأحياء للأموات (1)، يعيش في ذلك سبع سنين (2)أو تسع سنين. (3)
الثامن عشر: عنه قال: بإسناده، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تذهب الدّنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت
ص:444
ظلما و جورا. (1)
التاسع عشر: عنه قال: باسناده عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: المهديّ من عترتي من ولد فاطمة عليها السلام. (2)
العشرون: و عنه عن ابن شيرويه (3)الدّيلمي من كتاب «الفردوس» و هو كتاب معروف عند الجمهور، ذكر في باب «الألف و اللاّم» باسناده عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه قال: عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: المهديّ طاوس أهل الجنّة. (4)
ص:445
الحادي و العشرون: عنه قال: عن حذيفة بن اليمان رحمه اللّه، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: المهدي من ولدي، وجهه كالكوكب الدّرّي، اللون لون عربيّ، و الجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضى لخلافته أهل السّماوات و الأرض و الطّير في الجوّ، يملك عشرين سنة. (1)
الثاني و العشرون: قال: عن عليّ عليه السلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: المهديّ منّا أهل البيت عليهم السلام، يصلحه اللّه عزّ و جلّ في ليلة. (2)
ص:446
الثالث و العشرون: قال أيضا: عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها أنّها قالت: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ من ولد فاطمة. (1)
الرابع و العشرون: أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الحافظ الأصفهاني في «حلية الأولياء» من الجزء الرابع عن زرّ بن حبيش، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تذهب الدّنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي. (2)
الخامس و العشرون: عنه من الجزء الثّالث من «حلية الاولياء» أيضا من حديث أبي القاسم محمّد بن الحنفية (3)، عن ابيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام،
ص:447
قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المهديّ منّا أهل البيت يصلحه اللّه عزّ و جلّ في ليلة، أو قال: في يومين. (1)
السادس و العشرون: عنه من الجزء أيضا في أوّله من حديث الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام قال أبو نعيم: عن مسعود بن سعد الجعفي (2)، عن جابر 3رضي اللّه عنه، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام قال:
إنّ اللّه تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرّعب، فإذا قام قائمنا و ظهر مهديّنا كان الرّجل أجرى من ليث و أمضى من سنان. 4
السابع و العشرون: و عنه في الجزء الاول من كتاب «الفردوس» لابن
ص:448
شيرويه في باب الالف قال: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّا معشر بني عبد المطّلب سادة أهل الجنة أنا، و عليّ و جعفر، و حمزة، و الحسن و الحسين و المهدي عليهم السلام. (1)
الثامن و العشرون: و عنه أيضا في الجزء الثاني من كتاب «الفردوس» في باب الكاف قال: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم؟ (2)
التاسع و العشرون: و عنه من الجزء المذكور الثّاني في باب الهاء قال جابر رضي اللّه عنه: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يكون بعدي خلفاء، و بعد الخلفاء أمراء، و بعد الأمراء ملوك، و بعد الملوك جبابرة، و بعد الجبابرة يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا. (3)
ص:449
الثلاثون: و عنه من الجزء أيضا في الباب أيضا عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكون مهدي في أمّتي فإن قصر عمره فسبع، و إلاّ فثمان أو تسع تتنعّم أمّتي في زمانه تنعّما لم يتنعّموا بمثله قطّ البرّ منهم و الفاجر، يرسل السماء عليهم مدرارا و لا تحبس الأرض شيئا من نباتها، و يكون المال كدوسا 1يأتيه الرّجل فيسأله فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. 2
الحادي و الثلاثون: و عنه أيضا من الكتاب أيضا من الباب أيضا قال: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج في آخر الزّمان خليفة يعطي المال بلا عدد. 3
الثاني و الثلاثون: و عنه أيضا من الجزء و الباب قال: عن عبد اللّه بن عمر
ص:450
قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ و على رأسه ملك ينادي: إنّ هذا المهدي فاتّبعوه. (1)
الثالث و الثلاثون: و عنه من الجزء أيضا و هو الثّاني من كتاب «الفردوس» في باب لا، قال: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تقوم السّاعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية و جبل الدّيلم، و لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل اللّه عزّ و جلّ ذلك اليوم حتّى يفتحها. (2).
الرابع و الثلاثون: من كتاب «فضائل الصحابة» لأبي المظفر السّمعاني قال: بالاسناد عن أبي هارون العبدي، عن ابي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال:
دخلت فاطمة عليها السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا رأت ما برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الضعف خنقتها العبرة حتى جرى دمعها على خدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما يبكيك يا فاطمة؟ فقالت: يا رسول اللّه أخشى الضيعة من بعدك، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة أ ما علمت أنّ اللّه تعالى اطّلع على أهل الارض اطّلاعة فاختار منهم أباك فبعثه رسولا؟ ثمّ اطّلع ثانية فاختار منهم بعلك، فأمرني أن أزوّجك منه فزوجتك منه و هو أعظم المسلمين حلما و أكثرهم علما و أقدمهم سلما، ما أنا زوّجتك و لكنّ اللّه زوّجك منه.
ص:451
قال: فضحكت فاطمة عليها السلام فاستبشرت ثم قال، يا فاطمة: إنّا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأوّلين و لا يدركها أحد من الآخرين:
نبيّنا خير الأنبياء و هو أبوك، و وصيّنا خير الأوصياء و هو بعلك، و شهيدنا خير الشّهداء و هو عم أبيك حمزة، و منّا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء و هو جعفر، و منّا سبطا هذه الامّة و هما ابناك و منا مهديّ هذه الأمة.
قال أبو هارون العبدي: فلقيت وهب بن منبّه أيّام الموسم فعرضت عليه هذا الحديث فقال لي وهب: يا أبا هارون العبدي إنّ موسى بن عمران عليه السلام لمّا فتن قومه و اتّخذوا العجل كبر على موسى عليه السلام فقال: يا ربّ فتنت قومي حيث غبت عنهم قال اللّه: يا موسى إنّ كلّ من كان قبلك من الأنبياء افتتن قومه و كذلك من هو كائن بعدك من الأنبياء تفتتن أمّتهم إذا فقدوا نبيّهم، قال موسى: و إنّ أمّة أحمد أيضا مفتنون و قد أعطيتهم من الفضل و الخير ما لم تعطه من كان قبله في التوراة؟
فاوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السلام: إنّ أمّة أحمد سيصيبهم فتنة عظيمة من بعده حتى يعبد بعضهم بعضا و يتبرّأ بعضهم من بعض حتّى يصيبهم حال و حتى يجحدوا ما أمرهم به نبيهم ثمّ يصلح اللّه أمرهم برجل من ذرية أحمد، فقال موسى: يا ربّ اجعله من ذريتي، فقال: يا موسى إنّه من ذرية أحمد و عترته و قد جعلته في الكتاب السابق أنّه من ذرية أحمد و عترته، أصلح به أمر الناس و هو المهدي. (1)
الخامس و الثلاثون: في الأربعين الحديث الّذي جمعه الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه في أمر المهدي عليه السلام عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ
ص:452
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يكون من أمّتي المهدي إن قصر ملكه فسبع سنين، و إلاّ ثمان، و إلاّ فتسع، تتنعّم أمتي في زمانه ما لم يتنعّموا مثله قطّ البر و الفاجر، و يرسل السماء عليهم مدرارا و لا تدّخر الأرض شيئا من نباتها. (1)
السادس و الثلاثون: عنه عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: تملأ الأرض ظلما و جورا فيقوم رجل من عترتي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا يملك سبعا أو تسعا. (2)
السابع و الثلاثون: و عنه قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تنقضي السّاعة حتّى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله ظلما و جورا يملك سبع سنين. (3)
الثامن و الثلاثون: و عنه قال: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة عليها السلام: المهديّ من ولدك. 4
ص:453
التاسع و الثلاثون: قال: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ منهما مهديّ هذه الامّة، يعني الحسن و الحسين. 1
الاربعون: و عنه عن علي بن هلال عن أبيه قال: دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو في الحالة التي قبض فيها فإذا فاطمة عليها السلام عند رأسه فبكت حتّى ارتفع صوتها فرفع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليها رأسه و قال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ قالت: أخشى الضيعة من بعدك، فقال: يا حبيبتي أ ما علمت أنّ اللّه عزّ و جلّ اطّلع الى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالة، ثمّ اطّلع ثانية فاختار منها بعلك، و أوحى إليّ ان أنكحك إيّاه، يا فاطمة نحن أهل بيت قد أعطانا اللّه عزّ و جلّ سبع خصال لم يعط أحدا قبلنا، و لا يعطي أحدا بعدنا: أنا خاتم النبيّين، و أكرم النبيّين على اللّه عزّ و جلّ و أحبّ المخلوقين الى اللّه عزّ و جلّ و أنا أبوك، و وصيّي خير الأوصياء و أحبّهم الى اللّه عزّ و جلّ و هو بعلك، و شهيدنا خير الشهداء و أحبهم الى اللّه عزّ و جلّ و هو حمزة بن عبد المطلب عمّ أبيك و عمّ بعلك، و منّا من له جناحان يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء و هو ابن عمّ أبيك و أخو بعلك، و منّا سبطا هذه الأمّة و هما ابناك الحسن و الحسين و هما سيّدا شباب أهل الجنة و أبوهما و الّذي بعثني
ص:454
بالحق نبيا خير منهما.
يا فاطمة إنّ منهما مهديّ هذه الامّة إذا صارت الدّنيا هرجا و مرجا و صارت الفتن و انقطعت السبل، و أغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا و لا صغير يوقّر كبيرا.
فيبعث اللّه عند ذلك منهما من يفتح حصون الضّلالة و قلوبا غلفا يقوم بالدين في آخر الزمان، كما قمت به في أوّل الزمان، و يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يا فاطمة لا تحزني و لا تبكي فإنّ اللّه عزّ و جلّ أرحم بك و أرأف عليك منّي لمكانك منّي و موقعك في قلبي قد زوّجك اللّه به و هو أعظمهم حسبا، و أرحمهم بالرعية، و أعدلهم بالسويّة، و ابصرهم بالقضيّة، و قد سألت اللّه عزّ و جلّ أن تكوني أوّل من يلحقني من أهل بيتي، قال عليّ عليه السلام: لم تبق فاطمة بعده إلاّ خمسة و سبعين يوما حتّى ألحقها اللّه تعالى به. (1)
الحادي و الاربعون: و عنه باسناده عن حذيفة قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فذكّرنا ما هو كائن ثمّ قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه تعالى ذلك اليوم حتّى يبعث اللّه رجلا من ولدي اسمه اسمي فقام سلمان و قال: يا رسول اللّه أيّ ولدك هو؟ قال: من ولدي هذا و ضرب بيده على رأس الحسين عليه السلام. (2)
الثاني و الاربعون: و عنه باسناده عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ عليه السلام من قرية يقال لها:
ص:455
كرعة. (1)
الثالث و الاربعون: و عنه باسناده عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ عليه السلام رجل من ولدي وجهه الكوكب الدريّ. (2)
الرابع و الاربعون: و عنه بإسناده عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ عليه السلام رجل من ولدي: لونه لون عربيّ، و جسمه جسم إسرائيلي، على خدّه الأيمن خال كأنّه كوكب دريّ، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا يرضى في خلافته أهل الأرض و أهل السماء و الطير في الجو. (3)
الخامس و الاربعون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ منّي أجلى الجبهة اقنى الأنف. (4)
ص:456
السادس و الأربعون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: المهديّ منّا أهل البيت «رجل من أمتي» أشمّ الأنف يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. (1)
السابع و الاربعون: و عنه بإسناده عن أبي أمامة الباهلي (2)قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بينكم و بين الرّوم اربع هدن (3)تقوم الرّابعة على يد رجل من آل هرقل يدوم سبع سنين، فقال له رجل من عبد قيس يقال له المستورد (4)بن جيلان: يا رسول اللّه من إمام الناس يومئذ؟ قال: المهديّ من ولدي ابن اربعين سنة، كأنّ وجهه كوكب دريّ في خدّه خال اسود عليه عباءتان قطوانيتان (5)كأنّه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز و يفتح مدائن الترك. (6)
ص:457
الثامن و الأربعون: و عنه بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ليبعثنّ اللّه من عترتي رجلا أفرق الثنايا 1، أجلى الجبهة، يملأ الأرض عدلا يفيض المال عليه فيضا. 2
التاسع و الاربعون: و عنه بإسناده عن أبي امامة قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذكر الدجّال قال: فينفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد: و يدعى ذلك اليوم الخلاص، فقالت أمّ شريك 3فأين العرب يومئذ يا رسول اللّه؟ قال: هم يومئذ قليل، و جلّهم ببيت المقدس، إمامهم المهديّ رجل صالح. 4
ص:458
الخمسون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يخرج المهدي عليه السلام في أمتي يبعثه اللّه غياثا للناس تنعم الامّة و تعيش الماشية، و تخرج الأرض نباتها، و يعطي المال صحاحا (1).
الحادي و الخمسون: و عنه بإسناده عن عبد اللّه بن عمر، قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ عليه السلام و عليه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهديّ خليفة اللّه فاتّبعوه. 2
الثاني و الخمسون: و عنه عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ عليه السلام و على رأسه ملك ينادي: هذا المهديّ خليفة اللّه فاتّبعوه. 3
الثالث و الخمسون: و عنه بإسناده عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه: ابشّركم بالمهديّ عليه السلام يبعث في أمّتي على إختلاف من الناس و زلازل فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، يرضى عنه ساكن السّماء و ساكن الأرض يقسّم المال صحاحا، فقال له رجل: و ما معنى صحاحا؟
ص:459
قال: السويّة بين الناس» . (1)
الرابع و الخمسون: و عنه، عن عبد اللّه بن عمر (2)قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تقوم السّاعة حتّى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما. (3)
الخامس و الخمسون: و عنه بإسناده عن حذيفة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لبعث اللّه فيه رجلا اسمه اسمي، و خلقه خلقي، يكنّى ابا عبد اللّه. (4)
السادس و الخمسون: و عنه بإسناده عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تذهب الدنيا حتى يبعث اللّه رجلا من أهل بيتي
ص:460
يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (1)
السابع و الخمسون: و عنه بإسناده عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لتملأنّ الأرض ظلما و عدوانا ثمّ ليخرجنّ رجل من أهل بيتي حتى يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و عدوانا. (2)
الثامن و الخمسون: و عنه بإسناده عن زرّ بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، و خلقه خلقي، يملأها قسطا و عدلا. (3)
التاسع و الخمسون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكون عند انقطاع من الزّمان، و ظهور من الفتن رجل، يقال له: المهديّ عليه السلام يكون عطاؤه هنيئا. (4)
الستون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج رجل من أهل بيتي و يعمل بسنتي، و ينزل له البركة
ص:461
من السّماء، و تخرج له الأرض بركتها و يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا و يحكم على هذه الامّة سبع سنين، و ينزل بيت المقدس. (1)
الحادي و الستون: و عنه باسناده عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا رأيتم الرايات السّود قد اقبلت من خراسان فأتوها و لو حبوا على الثلج فإنّ فيها خليفة اللّه المهديّ عليه السلام. (2)
الثاني و الستون: و عنه بإسناده عن علقمة عن عبد اللّه قال: بينا نحن عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبلت فتية من بني هاشم فلمّا رآهم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اغرورقت عيناه و تغيّر لونه فقالوا: يا رسول اللّه ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه، فقال: إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدّنيا، و إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا و تطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق و معهم رايات سود فيسألون الحقّ فلا يعطون، فيقاتلون و ينصرون فيعطون ما سئلوا فلا يقبلون حتّى يدفعوه الى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤها جورا، فمن أدرك لك منكم فليأتهم و لو حبوا على الثّلج. (3)
ص:462
الثالث و الستون: و عنه بإسناده عن حذيفة قال: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: ويح هذه الأمّة من ملوك جبابرة كيف يقتلون و يطردون إلاّ من اظهر طاعتهم فالمؤمن التقيّ يصانعهم بلسانه، و يفرّ منهم بقلبه، فإذا أراد اللّه تعالى أن يعيد الإسلام عزيزا قصم كلّ جبّار عنيد، و هو القادر على ما يشاء أن يصلح الامّة بعد فسادها: يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم في يديه و يظهر الإسلام: و اللّه لا يخلف وعده و هو سريع الحساب. (1)
الرابع و الستون: و عنه بإسناده عن ابي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: تتنعّم أمّتي في زمان المهدي عليه السلام نعمة لم يتنعّموا مثلها قطّ، يرسل السماء عليهم مدرارا، و لا تدع الأرض من نباتها شيئا إلاّ أخرجته. (2)
الخامس و الستون: باسناده عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نحن بنو عبد المطّلب سادات أهل الجنة: أنا و أخي عليّ، و حمزة، و جعفر، و الحسن و الحسين و المهدي عليهم السلام. (3)
السادس و الستون: عنه بإسناده عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو لم يبق من الدّنيا إلاّ ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي. (4)
السابع و الستون: و عنه باسناده عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة، ثمّ لا يصير الى واحد،
ص:463
ثم تجيء الرّايات السود فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة اللّه المهديّ، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه، فإنّه خليفة اللّه المهدي عليه السلام. (1)
الثامن و الستون: و عنه بإسناده عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تجيء الرّايات السّود من قبل المشرق، كأنّ قلوبهم من حديد، فمن سمع بهم فليأتهم و لو حبوا على الثلج. (2)
التاسع و الستون: و عنه بإسناده عن عليّ بن ابي طالب عليه السلام قال:
قلت: يا رسول اللّه أمنّا آل محمد المهديّ أم من غيرنا؟ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا بل منّا يختم به الدين، كما فتح بنا ينقذون من الفتن كما أنقذوا من الشرك، و بنا يؤلّف اللّه قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألّف بينهم بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم. (3)
السبعون: و عنه بإسناده عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لو لم يبق من الدّنيا إلاّ ليلة واحدة لطوّل اللّه تلك اللّيلة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و يقسّم المال بالسويّة، و يجعل الغنى في قلوب هذه الامّة، فيملك سبعا أو تسعا، و لا خير في عيش الحياة بعد المهدي. (4)
ص:464
الحادي و السبعون: و عنه بالإسناد عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح اللّه القسطنطنية و الديلم على يده، و لو لم يبق إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يفتحها. (1)
الثاني و السبعون: و عنه بإسناده عن قيس بن جابر، عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: سيكون بعدي خلفاء، و من بعد الخلفاء أمراء، و من بعد الامراء ملوك جبابرة، ثمّ يخرج رجل من أهل بيت يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. (2)
الثالث و السبعون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: منّا الذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه. (3)
الرابع و السبعون: و عنه بإسناده عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهديّ: تعال صلّ بنا فيقول: لا إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة من اللّه لهذه الأمّة. (4)
الخامس و السبعون: و عنه بإسناده يرفعه الى محمّد بن إبراهيم 5الإمام
ص:465
حدّثه أنّ أبا جعفر 1المنصور حدّثه، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن العباس، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لن تهلك أمّة أنا في أوّلها، و عيسى بن مريم في آخرها، و المهدي في وسطها. 2
السادس و السبعون: ابن الخشّاب قال: حدّثنا صدقة بن موسى، قال حدّثنا أبي عن الرّضا عليه السلام قال: الخلف الصالح من ولد الحسن بن عليّ العسكري هو صاحب الزّمان و هو المهديّ عليه السلام. 3
السابع و السبعون: عنه قال: حدّثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسى العلوي، عن ابيه هارون، عن أبيه موسى قال: قال سيّدي جعفر بن محمّد:
الخلف الصالح من ولدي، و هو المهدي اسمه محمّد، و كنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان يقال لامه صقيل.
قال لنا أبو بكر الذراع: و في رواية أخرى: بل أمّة حكيمة، و في رواية ثالثة يقال لها: نرجس و يقال: بل سوسن و اللّه أعلم بذلك و يكنّى أبا القاسم و هو ذو الاسمين خلف و محمّد يظهر في آخر الزّمان على رأسه غمامة تظلّه عن الشمس، تدور معه حيثما دار تنادي بصوت فصيح: هذا المهدي. 4
الثامن و السبعون: و عنه قال: حدّثني محمّد بن موسى الطوسي، حدّثني
ص:466
عبيد اللّه بن محمّد، عن القاسم بن عدي قال: يقال: كنية الخلف الصالح أبو القاسم و هو ذو الاسمين. (1)
التاسع و السبعون: أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد الگنجي الشافعي صاحب كتاب «كفاية الطالب» و كتاب «البيان في أخبار صاحب الزّمان» .
قال: إنّي جمعت هذا الكتاب و عريته من طرق الشيعة ليكون الاحتجاج به آكد و هو أبواب: الأوّل في ذكر خروجه في آخر الزّمان عن زرّ عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تذهب الدّنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، أخرجه أبو داود في سننه. (2)
الثمانون: عنه عن علي عليه السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث اللّه رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا هكذا أخرجه أبو داود في سننه. (3)
الحادي و الثمانون: و عنه قال: أخبرنا الحافظ إبراهيم بن محمّد الأزهري الصريفيني (4)بدمشق، و الحافظ محمّد بن عبد الواحد المقدسي (5)بجامع جبل قاسيون.
قال الگنجي و قد ذكر الترمذي الحديث في جامعه و لم يذكر اسم أبيه اسم
ص:467
أبي و ذكره أبو داود في معظم روايات الحافظ و الثقات من نقلة الأخبار اسمه اسمي فقط، و الذي روى «و اسم أبيه اسم ابي» فهو زائدة و هو يزيد في الحديث، و إن صحّ فمعناه و اسم أبيه أي الحسين عليه السلام و كنيته أبو عبد اللّه فجعل الكنية كناية عنه أنّه من ولد الحسين عليه السلام دون الحسن عليه السلام و يحتمل أن يكون الرّاوي توهّم قوله ابني فصحّفه أبي و إنّما قال هذا جمعا بين الروايات.
قال الشيخ الفاضل عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» بعد أن ذكر ما ذكرته أمّا اصحابنا و المصنّفون فإنهم لم يلتفتوا إلى هذا الحديث لما ثبت عندهم من اسمه و اسم أبيه عليهما السلام و أمّا الجمهور فقد نقلوا أنّ زائدة هذا يزيد في الأحاديث فوجب المصير إلى أنّه من زياداته جمعا بين الأقوال و الروايات (1).
الثاني و الثمانون: و عنه باسناده عن سعيد بن المسيّب قال: كنا عند أمّ سلمة فتذاكرنا المهدي عليه السلام فقالت: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: المهديّ من ولد فاطمة أخرجه ابن ماجة في سننه. (2)
الثالث و الثمانون: و عنه عن سعيد بن المسيب أيضا عنها قالت: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة أخرجه الحافظ أبو داود في سننه. (3)
الرابع و الثمانون: و عنه باسناده عن عليّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه
ص:468
عليه و آله و سلّم المهديّ منّا أهل البيت يصلحه اللّه في ليلة. (1)
الخامس و الثمانون: و عنه عن أنس بن مالك قال: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: نحن ولد عبد المطلب سادات أهل الجنة: أنا، و حمزة، و عليّ، و جعفر، و الحسن، و الحسين، و المهدي عليهم السلام.
أخرجه ابن ماجة الحافظ في صحيحه. (2)
السادس و الثمانون: و عنه، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة ثم لا يصير الى واحد منهم، ثمّ تطلع الرّايات السّود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم.
ثمّ ذكر شيئا لا أحفظه ثمّ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا رأيتموه فبايعوه و لو حبوا على الثلج، فإنّه خليفة اللّه المهديّ.
أخرجه الحافظ ابن ماجة. (3)
السابع و الثمانون: و عنه عن عبد اللّه بن الحارث بن جزء الزبيدي (4)قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخرج ناس من المشرق يوطّئون للمهدي يعني سلطانه، هذا حديث حسن صحيح رواه الثقات و الأثبات.
ص:469
أخرجه الحافظ أبو عبد اللّه بن ماجة القزويني في سننه. (1)
الثامن و الثمانون: ابن أعثم (2)الكوفي في كتاب «الفتوح» عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: ويحا للطالقان فإن للّه تعالى بها كنوزا ليست من ذهب و لا فضّة و لكن بها رجال مؤمنون عرفوا اللّه حق معرفته، و هم أيضا أنصار المهديّ في آخر الزمان. (3)
التاسع و الثمانون: عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّ في أمّتي المهديّ، يخرج فيعيش خمسا أو سبعا أو تسعا زيد الشاك قال: قلنا: و ما ذاك؟ قال: سنين يجيء إليه الرّجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. (4)
قال الحافظ الترمذي: حديث حسن، و قد روي من غير وجه أبي سعيد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
التسعون: عن أبي سعيد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكون في أمّتي المهدي إن قصر فسبع، و إلاّ فتسع فتنعم فيه أمّتي نعمة لم ينعموا مثلها قطّ تؤتي الأرض أكلها و لا تدّخر منهم شيئا و المال يومئذ كدوس يقول الرّجل:
ص:470
يا مهديّ أعطني فيقول: خذ. (1)
الحادي و التسعون: عن أمّ سلمة زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يكون إختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا الى مكة فيأتيه ناس من أهل مكّة فيخرجونه و هو كاره فيبايعونه بين الرّكن و المقام، و يبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم البيداء بين مكة و المدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام و عصائب أهل العراق فيبايعونه، ثمّ ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم، و ذلك بعث كلب، و الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسّم المال و يعمل في الناس بسنّة نبيهم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يلقي الإسلام بجرانه الى الارض فيلبث سبع سنين، ثمّ يتوفّى و يصلّي عليه المسلمون.
قال أبو داود: قال بعضهم عن هشام: «تسع سنين» ، قال أبو داود: و قال غير معاذ عن هشام: تسع سنين.
قال: هذا سياق الحفّاظ كالترمذي، و ابن ماجة، و أبي داود. (2)
الثاني و التسعون: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كيف أنتم إذا نزل بكم ابن مريم عليه السلام فيكم و إمامكم منكم؟
قال: هذا حديث صحيح حسن يتّفق على صحته من محمّد بن شهاب رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما. (3)
ص:471
الثالث و التسعون: و عن جابر بن عبد اللّه قال: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا، فيقول: ألا إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة (1)من اللّه تعالى لهذه الأمّة قال:
هذا حديث حسن. (2)
و رواه مسلم في صحيحه (3)فإن كان الحديث المتقدّم قد تأوّل فهذا لا يمكن تأويله لأنّه ذكر فيه أنّ عيسى بن مريم يقدّم أمير المسلمين و هو يومئذ المهديّ عليه السلام هذا يبطل تأويل من قال: إنّ معنى قوله: و إمامكم منكم، أي يؤمّكم بكتابكم.
قال: فإن سأل سائل و قال: مع صحة هذه الأخبار و هي أنّ عيسى بن مريم عليه السلام يصلّي خلف المهديّ عليه السلام، و يجاهد بين يديه، و أنّه يقتل الدجّال بين يديه، و رتبة المقدّم في الصلاة معروفة و كذلك رتبة التقدّم للجهاد.
و هذه الأخبار ممّا ثبت طرقها عند أهل السنّة و كذلك ترويها الشيعة، و هذا هو الاجماع من كافّة أهل الإسلام إذ من عدا الشيعة و السنّة من الفرق قوله ساقط مردود و حشو مطروح، فيثبت أنّ هذا إجماع كافّة أهل الإسلام، و مع ثبوت الإجماع على صحّة ذلك فأيّهما أفضل؟ الإمام أو المأموم في الصلاة و الجهاد معا؟
و الجواب عن ذلك أن تقول: هما قدوتان: نبيّ و إمام، فإن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما وجب أن يكون الإمام قدوة للنبيّ في تلك
ص:472
الحال لموضع ورود الشريعة المحمّدية بذلك بدليل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يؤمّ بالقوم أقرأهم، فإن استووا فأعلمهم، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم هجرة، فإن استووا فاصبحهم وجها، و المهديّ عليه السلام أفقه من عيسى، و أعلم منه بالكتاب العزيز و السنّة و غير ذلك مع أنّه ليس فيهما عليهما السلام من تأخذه في اللّه لومة لائم، و هما معصومان من القبائح و المداهنة و الرّياء و النفاق.
و لا يدعو الدّاعي لأحدهما الى فعل ما يكون خارجا عن حكم الشريعة و لا مخالفا لمراد اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإذا كان الأمر كذلك فالإمام أفضل من المأموم، و لو علم الإمام أنّ عيسى أفضل منه لما جاز له أن يتقدّم عليه، و كذلك لو علم عيسى أنّه افضل منه لما جاز له أن يقتدي به لعصمتهما و لموضع تنزيه اللّه تعالى لهما عن كلّ مكروه من رياء أو نفاق أو محاباة أو غير ذلك.
و لمّا تحقق عيسى عليه السلام أنّ الإمام عليه السلام أفضل منه و أعلم منه قدّمه و صلّى خلفه و لو لا ذلك لم يسعه الاقتداء بالإمام فهذه درجة الفضل في الصلاة، ثمّ الجهاد و هو بذل النفس بين يدي من يرغب الى اللّه تعالى بذلك و لو لا ذلك لم يصحّ لأحد جهاد بين يدي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا بين يدي غيره، و الدليل على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: إِنَّ اَللّهَ اِشْتَرى مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ (1)الآية.
و ان الإمام نائب الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أمته و لا يسوغ لعيسى عليه السلام أن يتقدّم على الرسول فكذلك على نائب الرّسول صلّى اللّه
ص:473
عليه و آله و سلّم، و ممّا يزيد هذا القول.
الرابع و التسعون: ما رواه الحافظ أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني في حديث صحيح طويل في نزول عيسى عليه السلام فمن ذلك: ما قالت أمّ شريك بنت أبي العسكر: يا رسول اللّه فأين العرب يومئذ؟ قال: هم ببيت المقدس و إمامهم قد تقدّم يصلّي بهم الصبح إذ نزل بهم عيسى عليه السلام فرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدّم عيسى عليه السلام ليصلّي بالناس فيضع عيسى عليه السلام يده بين كتفيه، ثمّ يقول: تقدّم. (1)
قال: هذا حديث صحيح ثابت ذكره ابن ماجة القزويني في كتابه عن أبي امامة الباهلي قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هذا مختصره.
الخامس و التسعون: عن ابي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المهدي منّي أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما يملك سبع سنين.
قال: هذا حديث صحيح أخرجه الحافظ أبو داود السجستاني في «صحيحه» و رواه غيره من الحفاظ كالطبراني و غيره. (2)
و ذكر ابن شيرويه الديلمي في كتاب «الفردوس» في باب الألف بإسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ طاوس أهل الجنة. 3
ص:474
السادس و التسعون: بإسناده عن حذيفة بن اليمان، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: المهديّ وجهه كالقمر الدريّ، لونه لون عربي، و الجسم منه جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل الأرض و الطير في الجوّ، يملك عشرين سنة. 1
السابع و التسعون: عن أبي هارون العبدي قال: أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له: شهدت بدرا؟ قال: نعم، فقلت: الا تحدّثني بشيء سمعته من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عليّ عليه السلام و فضله؟ قال: بلى أخبرك أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرض مرضة ثقيلة، فدخلت عليه فاطمة عليها السلام تعوده، و أنا جالس عن يمين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا رأت ما به من الضعف خنقتها العبرة الحديث.
و هو أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ضرب على منكب الحسين عليه السلام و قال: «من هذا مهديّ هذه الأمة» .
و قد مرّ ذكر الحديث منقولا من «كفاية الطالب» و هكذا أخرجه الدار قطني صاحب الجرح و التعديل. 2
الثامن و التسعون: و بإسناده عن أبي نضرة قال: كنّا عند جابر بن عبد اللّه فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم دينار، فقلنا: من أين ذاك؟ قال: من
ص:475
قبل الرّوم، ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
يكون في آخر أمّتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعدّه عدّا قال الجريري قلت لأبي نضرة و أبي العلا: أ تريان أنّه عمر بن عبد العزيز؟ قالا: لا هذا حديث صحيح أخرجه مسلم في «صحيحه» . (1)
التاسع و التسعون: بإسناده عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من خلفائكم خليفة يحثو المال حثوا لا يعدّه عدّا قال: هذا حديث ثابت صحيح أخرجه الحافظ مسلم في «صحيحه» . (2)
المائة: و عن أبي سعيد، و جابر بن عبد اللّه قالا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكون في آخر الزّمان خليفة يقسّم المال و لا يعدّه.
قال: هذا لفظ مسلم في صحيحه (3).
الحادي و المائة: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ابشّركم بالمهدي يبعث في أمّتي على إختلاف من النّاس و زلزال يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، يرضى عنه ساكن السّماء و ساكن الأرض، يقسّم المال صحاحا، فقال رجل: ما معنى صحاحا؟ قال: بالسويّة بين النّاس و يملأ اللّه تعالى قلوب أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غنى و يسع عدله حتّى يأمر مناديا فينادي يقول: من له في المال حاجة؟ فما يقوم من النّاس إلاّ رجل فيقول له: ايت البيدار يعني الخازن، فقل له إنّ المهديّ عليه السلام يأمرك أن تعطيني مالا، فيقول له: حث حتّى إذا جعله في حجره و أبرزه ندم فيقول: كنت أجشع أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفسا
ص:476
أعجز عمّا وسعهم؟ فيردّه و لا يقبل منه شيئا، فيقول له: إنّا لا نأخذ شيئا أعطيناه، فيكون كذلك سبع سنين، أو ثمان سنين، أو تسع سنين، ثمّ لا خير في العيش بعده، أو قال: لا خير في الحياة بعده. (1)
قال حديث حسن ثابت أخرجه شيخ أهل الحديث في «مسنده» و في هذا الحديث دلالة على أنّ هذا المجمل في صحيح مسلم، هو هذا المبيّن في «مسند» ابن حنبل وفقا بين الرّوايات.
الثاني و المائة: بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكون عند انقطاع من الزّمان و ظهور من الفتن يخرج رجل يقال له: المهدي عليه السلام عطاؤه هنيئا قال: هذا حديث حسن أخرجه أبو نعيم. (2)
الثالث و المائة: بإسناده عن عليّ بن ابي طالب عليه السلام قال: قلت يا رسول اللّه: أمنّا آل محمّد المهدي أم من غيرنا؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا بل منّا، يختم اللّه به الدّين كما فتح بنا، و ينقذون من الفتنة كما ينقذون من الشرك، و بنا يصبحون بعد عداوة الفتن إخوانا كما أصبحوا بعد عداوة الشّرك إخوانا و بنّا يؤلف اللّه بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا كما اصبحوا بعد عداوة إخوانا في دينهم. (3)
قال: حديث حسن عال، و رواه الحفّاظ في كتبهم فأما الطبراني فقد ذكره في «المعجم الاوسط» (4)و أمّا أبو نعيم فرواه في
ص:477
«حليته» (1)و أمّا عبد الرحمن بن حاتم فقد ساقه في «عواليه» . (2)
الرابع و المائة: و عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهدي: صلّ بنا، فيقول: ألا و إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة من اللّه تعالى لهذه الأمّة. (3)
قال: هذا حديث حسن، رواه الحافظ الحارث (4)بن أبي أسامة، و رواه أبو نعيم في عواليه (5).
و في هذه النصوص دلالة على أنّ المهديّ عليه السلام غير عيسى، و مدار حديث لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم على محمّد بن خالد الجندي (6)مؤذّن الجند.
قال الشافعي (7)المطلبي: كان فيه تساهل في الحديث، قال: و قد تواترت الأخبار و استفاضت بكثرة رواتها عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المهدي عليه السلام و أنّه يملك سبع سنين يملأ الأرض عدلا و أنّه يخرج مع
ص:478
عيسى عليه السلام و يساعده في قتل الدجّال بأرض فلسطين، و أنّه عليه السلام يؤمّ هذه الأمّة، و عيسى يصلّي خلفه في طول من قصّته و أمره.
و قد ذكر الشافعي في كتاب «الرسالة» و كتابه أصل و نرويه، و لكن يطول ذكر سنده قال: و قد اتّفقوا على أنّ الخبر لا يقبل إذا كان الرّاوي معروفا في التساهل في روايته. (1)
الخامس و المائة: باسناده عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «لن تهلك أمّة أنا في أوّلها» -الحديث المذكور (2)-.
قال: هذا حديث حسن رواه الحافظ أبو نعيم في «عواليه» و أحمد بن حنبل في «مسنده» . (3)
و معنى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «و عيسى في آخرها» لم يرد به أنّ عيسى عليه السلام يبقى بعد المهديّ عليه السلام لأنّ ذلك لا يجوز لوجوه:
منها أنّه قال: لا خير في الحياة بعده (4)، و في رواية أخرى: لا خير في العيش بعد المهديّ عليه السلام.
و منها أن المهديّ إذا كان إمام آخر الزمان و لا إمام بعده مذكور في رواية أحد من الأئمّة. الجوّ. قال الصّريحة.
و منها أنّه لا يجوز بقاء الخلق في زمان بغير إمام.
فإن قيل: إنّ عيسى عليه السلام يبقى بعد إمام الأمّة قلت: بقاء عيسى عليه
ص:479
السلام بعد المهدي عليه السلام في قوم لا يجوز أن يقال: لا خير فيهم، و أيضا لا يجوز أن يقال: إنّه نائبه لانّه جلّ منصبه عن ذلك، و لا يجوز أن يقال: إنّه يستقلّ بالامّة، لأنّ ذلك يوهم العوام انتقال الملّة المحمديّة الى الملّة العيسويّة و هذا كفر، فوجب حمله على الصواب و هو أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوّل داع الى ملة الإسلام، و المهديّ أوسط داع و المسيح آخر داع، فهذا معنى الخبر عندي.
و يحتمل أن يكون معناه المهدي أوسط هذه الامّة-يعني خيرها-إذ هو إمامها و بعده ينزل عيسى مصدّقا للإمام و عونا له و مساعدا و مبيّنا للأمّة صحّة ما يدّعيه الإمام، فعلى هذا يكون المسيح آخر المصدّقين.
السادس و المائة: بإسناده عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لبعث اللّه رجلا اسمه اسمي و خلقه خلقي يكنّى أبا عبد اللّه عليه السلام. (1)
قال: هذا حديث حسن رزقناه عاليا و معنى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خلقه خلقي من أحسن الكنايات عن انتقام المهدي من الكفّار للدّين (2)كما كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد قال اللّه تعالى: وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (3). (4)
قال علي بن عيسى في «كشف الغمّة» بعد أن ذكر ذلك: العجب قوله:
أحسن الكنايات الى آخر الكلام و من أين يحجز على الخلق فجعله مقصورا
ص:480
على الانتقام فقطّ و هو عامّ في جميع أخلاق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كرمه، و زهده، و علمه، و حلمه، و شجاعته و غير ذلك من أخلاقه التي عددتها صدر هذا الكتاب، و أعجب من قوله هذا ذكر الآية على ما قرّره. (1)
السابع و المائة: و عنه باسناده عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهدي من قرية يقال لها: كرعة (2).
قال: هذا حديث حسن رزقناه عاليا أخرجه الشيخ الأصفهاني في «عواليه» كما سقناه. (3)
الثامن و المائة: و عنه بإسناده عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ و على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهديّ عليه السلام خليفة اللّه. (4)
قال: هذا حديث حسن ما رويناه إلاّ من هذا الوجه. (5)
التاسع و المائة: و عنه بإسناده عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ عليه السلام و على رأسه ملك ينادي هذا المهدي فاتّبعوه. (6)
قال: هذا حديث حسن روته الحفّاظ و الأئمّة من أهل الحديث كأبي نعيم و الطّبراني و غيرهما. (7)
ص:481
العاشر و المائة: و عنه بإسناده عن حذيفة أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ رجل منّي لون لون عربيّ، و جسمه جسم إسرائيليّ، على خدّه الأيمن خال كأنّه كوكب دريّ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضى بخلافته أهل الأرض و أهل السماء و الطّير في الجوّ. (1)
قال: هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد اللّه عن جمّ غفير من أصحاب الثّقفي (2)و سنده معروف عندنا. (3)
الحادي عشر و المائة: و عنه بإسناده عن أبي امامة الباهلي و هو قد مرّ و هو السّابع و الأربعون (4).
قال: هذا سياق الطّبراني في «معجمه الاكبر» . (5)
الثّاني عشر و المائة: و عنه ذكر حديث أنّه عليه السلام أفرق الثّنايا و قد تقدّم و هو الثّامن و الأربعون عن عبد الرّحمن بن عوف (6)قال: أخرجه أبو نعيم الحافظ في «عواليه» . (7)
الثالث عشر و المائة: و عنه، عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله
ص:482
و سلّم، في حديث أنّه يفتح اللّه القسطنطنية على يده، و قد مرّ الحديث و هو الحادي و السّبعون. (1)
قال: هذا سياق الحافظ أبي نعيم قال: هذا هو المهديّ عليه السلام بلا شكّ وفقا بين الرّوايات. (2)
الرابع عشر و المائة: و عنه، عن قيس بن جابر، عن أبيه، عن جدّه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث ملوك جبابرة ثمّ يخرج، و قد مرّ و هو الحديث الثّاني و السبعون. (3)
قال: هكذا رواه أبو نعيم الحافظ في «فوائده» و الطبراني في «معجمه الأكبر» . (4)
الخامس عشر و المائة: و عنه، عن أبي إمامة قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد مرّ، و هو الحديث التّاسع و الأربعون.
قال: هذا حديث حسن، هكذا رواه أبو نعيم الأصفهاني. (5)
السادس عشر و المائة: و عنه، عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو حديث تنعّم الامّة و قد مرّ و هو الحديث الرّابع و الستون.
قال: حديث حسن المتن رواه الحافظ أبو القاسم الطّبراني في «معجمه
ص:483
الأكبر» . (1)
السابع عشر و المائة: و عنه، عن ثوبان، قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقتتل عند كنزكم ثلاثة و هو حديث و قد مرّ: و هو حديث السّابع و الستون.
قال: هذا حديث حسن المتن وقع إلينا عاليا من رواية ثوبان، و فيه دليل على شرف المهديّ عليه السلام يكون خليفة اللّه في الأرض على لسان أصدق ولد آدم عليه السلام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (2)الآية. (3)
الثّامن عشر و المائة: قال الشعبي (4): و هو من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام و هو من علماء العامّة: اعلم أن روايتنا نحن و أكثر أهل الإسلام أيضا أنّ نبيّنا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا بدّ من مهديّ من ولد فاطمة ابنته عليها السلام يظهر فيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا.
قال السيّد ابن طاوس: و قد روى ذلك أيضا جماعة من رجال المذاهب
ص:484
الأربعة في كتبهم، و أجمع عليه أهل الإسلام، ثمّ ذكر من رواياتهم الكثيرة ممّا رويناه هنا و غيره.
التاسع عشر و المائة: كتاب «عقد الدرر» من طرق المخالفين بسند إلى الحسين بن عليّ عليه السلام أنّه قال: لو قام المهديّ لأنكره النّاس، لأنّه يرجع إليهم شابّا موفّقا و من أعظم البليّة أن يخرج لهم صاحبهم شابّا و هم يحسبونه شيخا كبيرا. (1)
العشرون و المائة: و من «مستدرك الصحيحين» لأبي عبد اللّه الحاكم يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
ينزل بأمّتي في آخر الزّمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع ببلاء أشدّ منه حتّى تضيق الأرض عنهم الرحبة و حتى تملأ الأرض جورا و ظلما، و لا يجد المؤمن ملتجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث اللّه رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، يرضى عنه ساكن الأرض، لا تدّخر الأرض شيئا من بذرها إلاّ أخرجته، و لا السّماء من قطرها شيئا إلاّ صبّه اللّه عليه مدرارا: يعيش فيهم سبع سنين أو تسع، يتمنّى الأحياء الأموات ممّا صنع اللّه عزّ و جلّ بأهل الأرض من خير (2).
الحادي و العشرون و المائة: من «معجم الطبراني» و «مناقب المهدي» لابي نعيم الحافظ بسندهما إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «يلتفت المهديّ و قد نزل عيسى بن مريم
ص:485
كما يقطر من شعره الماء» و ساق حديثه و في آخره: «قام عيسى حتى جلس بالمقام فيبايعه» الحديث. (1)
الثاني و العشرون و المائة: و من كتاب «الفتن» للحافظ أبي عبد اللّه نعيم ابن حمّاد (2)يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: منّا الّذي يصلّي عيسى بن مريم عليه السلام خلفه. (3)
الثالث و العشرون و المائة: و من كتاب «الفتن» يرفعه إلى هشام (4)عن محمّد (5)قال: المهديّ عليه السلام من هذه الامّة و هو الّذي يؤمّ عيسى بن مريم عليهما السلام. (6)
الرابع و العشرون و المائة: و من «حلية الأولياء» في حديث طويل قال:
فيه و جلّهم ببيت المقدّس، إمامهم مهديّ رجل صالح، فبينا إمامهم قد تقدّم يصلّي بهم الصبح إذ نزل عيسى بن مريم حتى كبّر للصبح، فيرجع ذلك الإمام ينكص ليقدّم عيسى عليه السلام ليصلّي بالناس، فيضع عيسى يديه بين كتفيه
ص:486
فيقول: تقدّم فصلّها فإنّها لك اقيمت فيصلّي بهم إمامهم عليهما السلام. (1)
الخامس و العشرون و المائة: و من كتاب العرائس لأبي إسحاق الثعلبي بإسناده إلى تميم (2)الدّاري قلت: يا رسول اللّه إنّي مررت بمدينة صفتها كيت و كيت قريبة من ساحل البحر، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تلك أنطاكية، أما إنّ غارا من غير انها فيه رضاضا من ألواح موسى، و ما سحابة شرقية و لا غربية تمرّ عليها إلاّ ألقت عليها من بركتها و لن تذهب الأيّام و الليالي حتّى يملكها رجل من أهل بيتي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. (3)
السادس و العشرون و المائة: و من كتاب فضل الكوفة لأبي عبد اللّه محمّد بن علي العلويّ (4)يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى
ص:487
اللّه عليه و آله و سلّم: يملك المهديّ الناس تسعا أو عشرا أسعد الناس به أهل الكوفة: (1)
السابع و العشرون و المائة: و من كتاب «الردّ على الزيدية» للشيخ أبي عبد اللّه جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي (2)من طريق المخالفين قال:
أخبرني أبو عبد اللّه محمّد بن وهبان (3)، قال: حدّثنا أبو بشر (4)أحمد بن إبراهيم ابن أحمد العمي قال: أخبرنا محمّد بن زكريا (5)بن دينار الغلابي، قال: حدّثنا سليمان بن إسحاق بن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس قال: حدّثنا أبي، قال: كنت يوما عند الرّشيد فذكر المهدي و ما ذكر من عدله فأطنب من ذلك، فقال الرشيد:
إنّي أحسبكم تحسبونه (6)أبي المهديّ، حدّثني أبي عن أبيه، عن جدّه، عن ابن
ص:488
عبّاس، عن ابيه العبّاس بن عبد المطّلب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال له: يا عمّ يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثمّ يكون امور كريهة و شدّة عظيمة ثمّ يخرج المهديّ من ولدي يصلح اللّه أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و يمكث في الأرض ما شاء اللّه، ثمّ يخرج الدجّال. (1)
الثامن و العشرون و المائة: موفّق بن أحمد الخوارزمي من أعيان علماء الجمهور في كتابه، قال: حدّثني فخر القضاة نجم الدين أبو منصور (2)محمّد بن الحسين بن محمّد البغدادي فيما كتب إليّ من همذان، قال: أنبأنا الإمام الشّريف نور الهدي أبو طالب (3)الحسين بن محمّد الزينبي، قال: أخبرنا إمام الأئمّة محمّد ابن شاذان (4)قال: حدّثنا أبو محمد (5)الحسن بن عليّ العلوي الطبري، عن أحمد ابن عبد اللّه (6).
ص:489
قال: حدّثني جدّي أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر ابن اذينة، قال: حدّثنا أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان المحمّدي، قال: دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إذا الحسين عليه السلام على فخذه، و هو يقبّل عينيه، و يلثم فاه، يقول: أنت سيّد ابن السيّد أبو السادة (1)، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمّة، أنت حجّة ابن حجّة أخو حجّة أبو حجج تسعة من (2)صلبك تاسعهم قائمهم. (3)
التاسع و العشرون و المائة: موفّق بن أحمد أيضا المسمّى عندهم صدر الأئمّة أخطب خوارزم في كتابه قال: حدّثني فخر القضاة نجم الدين أبو منصور محمّد بن الحسين بن محمّد البغدادي فيما كتب إليّ من همدان، قال: أنبأنا الإمام الشّريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد الزّينبي، قال: أخبرنا إمام الأئمّة محمّد بن أحمد بن شاذان قال: حدثنا أحمد بن (4)محمد بن عبد اللّه
ص:490
الحافظ قال: حدّثنا عليّ (1)بن سنان الموصلي، عن أحمد بن محمّد الخليلي الآملي (2)عن محمّد بن صالح الهمداني (3)عن سليمان (4)بن محمّد، عن زياد بن مسلم (5)عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (6)عن أبي سلاّم (7)عن أبي
ص:491
سلمى (1)راعي إبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: ليلة أسرى بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ جلاله: «آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه» (2)فقلت: «و المؤمنون» قال: صدقت، قال: من خلّفت في أمّتك قلت: خيرها، قال: عليّ بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا ربّ، قال: يا محمّد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها، فشققت لك اسما من أسمائي فلا أذكر في موضع إلاّ ذكرت معي فأنا المحمود و أنت محمّد، ثمّ اطّلعت الثّانية فاخترت منها عليا فشققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى و هو عليّ.
يا محمّد إنّي خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة من ولده من (3)نوري، و عرضت ولايتكم على أهل السموات و الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، و من جحدها كان عندي من الكافرين.
يا محمّد لو أنّ عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشنّ البالي ثمّ أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم.
يا محمّد أ تحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم يا ربّ فقال: التفت عن يمين العرش فالتفتّ فإذا (4)بعليّ و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و عليّ بن الحسين، و محمّد بن علي و جعفر بن محمّد، و موسى بن جعفر، و عليّ بن موسى، و محمّد بن عليّ، و عليّ بن محمّد، و الحسن بن عليّ، و المهديّ عليهم السلام
ص:492
في ضحضاح (1)من نور قياما يصلّون، و هو في وسطهم يعني المهديّ عليه السلام (2)كأنّه كوكب دريّ، و قال: يا محمّد هؤلاء الحجج، و هو الثائر من عشيرتك (3)، و عزتي و جلالي إنّه الحجة الواجبة لأوليائي، و المنتقم من أعدائي. (4)
الثلاثون و المائة: موفق بن أحمد أيضا بالإسناد السابق عن الإمام محمّد بن أحمد بن عليّ بن شاذان قال: حدّثنا محمّد بن (5)علي بن الفضل، عن محمّد (6)بن القاسم، عن عباد (7)بن يعقوب، عن موسى بن عثمان (8)قال: حدّثني أبو إسحاق (9)عن الحارث (10)، و سعيد بن
ص:493
بشير (1)عن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و آله قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا واردكم على الحوض و أنت يا عليّ السّاقي، و الحسن الزائد، و الحسين الآمر، و عليّ بن الحسين الفارض، و محمد بن علي الناشر، و جعفر بن محمد السائق، و موسى ابن جعفر محصي المحبين و المبغضين، و قامع المنافقين، و عليّ بن موسى مزيّن المؤمنين، و محمّد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم، و عليّ بن محمد خطيب شيعته و مزوّجهم الحور العين، و الحسن بن عليّ سراج أهل الجنة يستضيئون به، و المهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن اللّه إلاّ لمن يشاء و يرضى. (2)
قال مؤلّف هذا الكتاب: هذه الرّوايات من طرق العامّة و هي أكثر ممّا ذكرنا اقتصرت على هذا القدر لأنّه يطول الكتاب بالزّيادة على ذلك و هو يورث الملل و الضجر و فيما ذكرته كفاية.
فإن قلت فيما ذكرته من الرّوايات تكرار في بعضها فما الحاجة إلى ذكرها مرّة ثانية؟
قلت: ما ذكرته و إن كان فيه تكرار لكن النقلة و المصنّفين مختلفون، و بعضهم يزيد في روايته، و بعضهم يحكم بصحة ما رواه و يحسّنه و يجعله عاليا، و هو من مقبول الحديث و مرجّحاته كما هو مذكور في الاصول، فالتكرار في القليل من هذه الرّوايات لهذه النكت الّتي ذكرتها، و اللّه سبحانه و تعالى
ص:494
الموفّق و المعين.
قال مؤلّف الكتاب: ذكر الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد الگنجي الشّافعي في كتاب «البيان في أخبار صاحب الزمان» ، و قد تقدّمت الأحاديث المنقولة من كتابه هذا قال في آخره: الباب الخامس و العشرون و هو آخر الأبواب في الدلالة على كون المهديّ عليه السلام حيّا باقيا منذ غيبته الى الآن و لا امتناع في بقائه عليه السلام بدليل بقاء عيسى و الخضر و إلياس عليهم السلام من أولياء اللّه و بقاء الدجّال، و إبليس اللعين من أعداء اللّه، و هؤلاء قد ثبت بقاءهم بالكتاب و السنّة، و قد اتّفقوا على ذلك، ثم أنكروا بقاء المهديّ عليه السلام لوجهين: أحدهما طول الزّمان، و الثاني أنّه في سرداب من غير أن يقوم أحد بطعامه و شرابه، و هذا ممتنع عادة.
قال مؤلّف الكتاب محمّد بن يوسف بن محمّد الگنجي بعون اللّه نبتدئ:
اما عيسى عليه السلام فالدّليل على بقائه من الكتاب قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (1)و لم يؤمن به بعد نزول هذه الآية إلى يومنا هذا جميعهم، فلا بدّ أن يكون ذلك في آخر الزمان.
و أمّا السنّة فما رواه مسلم في «صحيحه» عن النوّاس (2)بن سمعان في حديث طويل في قصّة الدجّال قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفّيه على أجنحة ملكين (3).
ص:495
و أيضا ما تقدّم من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كيف بكم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم. (1)
و أما الخضر و الياس فقد قال ابن جرير الطبري: الخضر و إلياس باقيان يسيران في الأرض.
و أيضا فما رواه مسلم في «صحيحة» عن أبي سعيد الخدري قال: حدّثنا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديثا طويلا عن الدجّال فكان فيما حدّثنا: يأتي و هو محرّم عليه أن يدخل نقاب (2)المدينة فينتهي الى بعض السّباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير النّاس فيقول اشهد أنّك الدجّال الذي حدّثنا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديثه، فيقول «الدجّال» : أ رايتم إن قتلت هذا ثم أحييته أ تشكّون في أمري؟ فيقولون: لا قال:
فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحييه: و اللّه ما كنت فيكم أشدّ بصيرة منّي الآن قال:
فيريد الدجّال أن يقتله ثانيا فلا يسلّط عليه، قال أبو إسحاق (3): يقال: إنّ هذا الرجل هو الخضر (عليه السلام) . (4)
و أمّا الدليل على بقاء الدجّال فإنّه أورد حديث تميم (5)الداري، و الجساسة الدابّة الّتي تكلّمهم، و هو حديث صحيح ذكره مسلم في «صحيحة»
ص:496
و قال: هذا صحيح في بقاء الدجّال.
قال: و أمّا الدليل على بقاء إبليس اللّعين فآي الكتاب العزيز نحو قوله تعالى: قال ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون قال: فَإِنَّكَ مِنَ اَلْمُنْظَرِينَ . (1)
و أمّا بقاء المهديّ عليه السلام فقد جاء في الكتاب و السنّة. أمّا الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (2)قال: هو المهديّ عليه السلام من عترة فاطمة عليها السلام.
و أمّا من قال: إنّه عيسى عليه السلام فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للإمام عليه السلام على ما تقدّم، و قد قال مقاتل (3)بن سليمان و من شايعه من المفسّرين في تفسير قوله تعالى: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ (4)قال: هو المهديّ عليه السلام يكون في آخر الزمان و بعد خروجه يكون قيام الساعة و أماراتها.
و أما السنّة فما تقدّم في كتابنا هذا من الأحاديث الصحيحة الصّريحة.
و أمّا الجواب عن طول الزّمان فمن حيث النصّ و المعنى.
أمّا النصّ فما تقدّم من الأخبار على أنّه لا بدّ من وجود الثلاثة في آخر الزّمان و أنّهم ليس فيهم متبوع غير المهديّ عليه السلام بدليل أنّه إمام الأئمّة في آخر الزمان، و أنّ عيسى عليه السلام يصلّي خلفه كما ورد في الصحاح و يصدّقه في دعواه، و الثّالث هو الدجّال اللعين و قد ثبت أنّه حيّ موجود.
و أما المعنى في بقائهم فلا يخلو إمّا أن يكون بقاؤهم داخلا في مقدور اللّه تعالى أو لا يكون، و يستحيل أن يخرج بقاؤهم عن مقدور اللّه تعالى، لأنّ من بدأ
ص:497
الخلق من غير شيء ثم يعيده بعد الفناء لا بدّ أن يكون الإبقاء في مقدوره، ثمّ اختيار البقاء لا يخلو من قسمين: إمّا أن يكون راجعا إلى اختياره تعالى أو الأمّة، و لا يجوز أن يكون راجعا إلى اختيار الأمّة لأنّه لو صح ذلك لجاز لأحدنا أن يختار البقاء لنفسه و لولده، و ذلك غير حاصل لنا و لا داخل تحت مقدورنا، و الأوّل لا يخلو من قسمين: إمّا أن يكون لسبب أو لا، فإن كان لغير سبب كان خارجا عن وجه الحكمة، و ما يخرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعاله تعالى، فلا بدّ أن يكون لسبب تقتضيه الحكمة.
قال: و سنذكر سبب بقاء كلّ واحد منهم على حدته.
أمّا سبب بقاء عيسى عليه السلام فلقوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (1)و لم يؤمن به منذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا أحد (2)فلا بدّ أن يكون هذا في آخر الزّمان.
و أمّا الدجّال اللعين لم يحدث حدثا مذ عهد إلينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه خارج فيكم الأعور الدجّال، و إنّ معه جبالا من خبز تسير معه، إلى غير ذلك من آياته، فلا بدّ من أن يكون ذلك في آخر الزّمان لا محالة، و أمّا الإمام المهديّ عليه السلام مذ غيبته عن الأبصار الى يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطا و عدلا، كما تقدّمت الأخبار في ذلك مشروطا بآخر الزمان فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل المعلوم، فعلى هذا اتّفقت اسباب بقاء الثلاثة فلا بدّ أن يكون ذلك لصحة أمر معلوم في وقت معلوم، و هما صالحان: نبيّ و إمام، و طالح عدوّ اللّه و هو الدجّال و قد تقدمت الأخبار من الصحاح بما ذكرناه في صحة بقاء الدجال مع بقاء عيسى عليه السلام فما المانع من بقاء المهدي عليه السلام مع
ص:498
كون بقائه باختيار اللّه تعالى و داخلا. تحت مقدوره و هو آية الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فعلى هذا هو أولى بالبقاء من الاثنين الآخرين لأنّه إذا بقي المهديّ عليه السلام كان إمام آخر الزّمان يملأ الأرض قسطا و عدلا كما تقدمت الأخبار، فيكون بقاؤه مصلحة للمكلّفين و لطفا لهم من عند اللّه تعالى بخلاف الدجّال، فإنّ في بقائه مفسدة لادّعائه الربوبيّة على ما ذكر و فتكه بالامّة، و لكن في بقائه ابتلاء من اللّه تعالى ليعلم المطيع منهم و العاصي، و المحسن من المسيء، و المصلح من المفسد، و هذا هو الحكمة في بقاء الدجّال.
و أمّا بقاء عيسى عليه السلام فهو سبب إيمان أهل الكتاب للآية، و التصديق بنبوّة سيّد الأنبياء محمّد خاتم الأنبياء رسول ربّ العالمين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و يكون تبيانا لدعوى الإمام عند أهل الإيمان، و مصدّقا لما دعا إليه عند أهل الطغيان، بدليل صلاته خلفه، و نصرته ايّاه، و دعائه إلى الملّة المحمّدية التي هو إمام فيها، فصار بقاء المهديّ عليه السلام أصلا، و بقاء الاثنين فرعا على بقائه، فكيف يصحّ بقاء الفرعين مع عدم بقاء الأصل لهما، و لو صحّ ذلك لصحّ وجود المسبّب من دون وجود السبب، و ذلك مستحيل في العقول.
و إنّما قلنا: إنّ بقاء المهدي أصل لبقاء الاثنين لأنّه لا يصحّ وجود عيسى بانفراده عنه غير ناصر لملّة الاسلام و غير مصدّق للإمام، لأنّه لو صح ذلك لكان منفردا بدولة و دعوة، و ذلك يبطل دعوة الإسلام، من حيث أراد ان يكون تبعا فصار متبوعا، و أراد أن يكون فرعا فصار اصلا، و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا نبيّ بعدي و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحلال ما أحلّ اللّه على لساني إلى يوم القيامة و الحرام ما حرّم اللّه على لساني إلى يوم القيامة، فلا بدّ من أن يكون له عونا و ناصرا و مصدّقا، و إذا لم يجد من يكون له عونا و مصدّقا لم يكن لوجوده تأثير.
ص:499
فثبت أنّ وجود المهدي عليه السلام اصل لوجوده، و كذلك الدجّال اللعين لا يصحّ وجوده في آخر الزمان و لا يكون للأمّة الامام يرجعون إليه و وزير يعوّلون عليه لأنّه لو كان كذلك لم يزل الإسلام مقهورا و دعوته باطلة فصار وجود الإمام أصلا لوجوده على ما قلنا.
و أما الجواب عن إنكارهم بقائه في السرداب من غير أحد يقوم بطعامه و شرابه فعنه جوابان: أحدهما بقاء عيسى عليه السلام في السماء من غير أحد يقوم بطعامه و شرابه، و هو بشر مثل المهدي عليه السلام، فكما جاز بقاؤه في السماء من غير أحد و الحال هذه، فكذلك المهديّ عليه السلام في السرداب:
فإن قلت: إنّ عيسى عليه السلام يغذّيه ربّ العالمين من خزانة غيبه، قلت: لا تفنى خزائنه بانضمام المهديّ إليه في غنائمه.
فإن قلت: إنّ عيسى خرج عن طبيعة البشريّة قلت: هذا دعوى باطلة، لأنّه تعالى قال: لأشرف الأنبياء: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (1).
فإن قلت: اكتسب ذلك من العالم العلوي قلت: هذا يحتاج إلى توقيف و لا سبيل إليه.
الثاني بقاء الدجّال في الدير على ما تقدّم (2)باشدّ الوثاق مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه الى كعبيه بالحديد، و في رواية في بئر موثوق، و إذا كان بقاء الدجّال ممكنا على الوجه المذكور من غير أحد يقوم به فما المانع من بقاء المهدي عليه السلام مكرما من غير الوثاق، إذ الكلّ في مقدور اللّه تعالى، فثبت
ص:500
أنّه غير ممتنع شرعا و لا عادة. (1)
ثم ذكر بعد هذه الأبحاث خبر سطيح، و وقائع و حوادث تجري و زلازل من فتن، ثمّ إنّه يذكر خروج المهدي عليه السلام و أنّه يملأ الارض عدلا و يطيب الدنيا و أهلها في أيّام دولته.
قال الشيخ الفاضل عليّ بن عيسى رحمه اللّه بعد أن ذكر ما ذكرناه في «كشف الغمة» قال عقيب ذلك: هذه الأبحاث لا تثبت لنا حجّة و لا تقطع الخصم، و لا تضرّه لما يرد عليها من الإيرادات تطويله في إثبات بقاء المسيح عليه السلام و ابليس و الدجّال هي مثل الضروريات عند المسلمين، فلا حاجة إلى التكلّف لتقريرها، و الجواب المختصر ما ذكرته آنفا، و هو أنّ النقل قد ورد به من طرق المؤالف و المخالف، و العقل لا يحيله فوجب القطع به.
فأمّا قوله: إنّ المهديّ عليه السلام في سرداب، و كيف يمكن بقاؤه من غير أحد يقوم بطعامه و شرابه، فهذا قول عجيب و تصوّر غريب، فإنّ الذين أنكروا وجوده لا يوردون هذا و الذين يقولون بوجوده لا يقولون: إنّه في سرداب، بل يقولون: إنّه حيّ موجود يحلّ و يرتحل، و يطوف في الأرض ببيوت و خيم و خدم و حشم و ابل و خيل و غير ذلك و ينقلون قصصا في ذلك و أحاديث يطول شرحها.
و أنا اذكر من ذلك قصّتين قرب عهدهما من زماني و حدّثني بهما جماعة من ثقات إخواني:
الاولى-أنّه كان في البلاد الحلية شخص يقال: إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها: هر قل، مات في زماني و ما رايته، و حكى لي ولده
ص:501
شمس الدين، قال: حكى لي والدي أنّه خرج فيه و هو شاب-على فخذه الأيسر توتة (1)مقدار قبضة الإنسان و كانت في كلّ ربيع تنشقّ و يخرج منها دم و قيح، و يقطعه ألمها عن كثير من اشغاله، و كان مقيما بهر قل، فحضر الى الحلّة يوما و دخل إلى مجلس السيد السعيد رضي الدّين عليّ بن طاوس (2)رحمه اللّه، و شكا إليه ما يجده، فقال: أريد أن اداويها فأحضر له اطباء الحلّة و أراهم الموضع، فقالوا: هذه التوتة فوق العرق الأكحل في علاجها خطر، و متى قطعت خيف أن يقطع العرق فيموت.
فقال له السعيد رضي الدّين قدّس اللّه روحه: أنا متوجّه إلى بغداد، و ربما كان اطبّاؤها أعرف و أحذق من هؤلاء فاصحبني، فأصعد معه و أحضر الأطبّاء فقالوا كما قال أولئك، فضاق صدره، فقال له السعيد: إنّ الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب و عليك الاجتهاد في الاحتراس، فلا تغرر بنفسك فاللّه تعالى قد نهى عن ذلك و رسوله.
فقال له والدي: إذا كان الأمر هكذا و قد وصلت إلى بغداد فأتوجّه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّمن رأى على مشرّفه السلام، ثم أنحدر إلى أهلي، فحسّن له ذلك، فترك ثيابه و نفقته عند السعيد رضي الدين و توجّه.
قال: فلمّا دخلت المشهد و زرت الأئمّة عليهم السلام نزلت السرداب و استغثت باللّه و بالإمام عليه السلام، و قضيت بعض الليل في السّرداب، و بقيت في المشهد إلى الخميس، ثمّ مضيت إلى دجلة، و اغتسلت و لبست ثوبا نظيفا و ملأت إبريقا كان معي و صعدت أريد المشهد.
ص:502
فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السّور و كان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم، فالتفتّ فرأيت شابّين أحدهما عبد مخطوط و كلّ واحد منهم متقلّد بسيف، و شيخا منقّبا بيده رمح، و الآخر متقلّد بسيف، و عليه فرجية ملوّنة فوق السيف، و هو متحنّك بعذبته.
فوقف الشيخ صاحب الرّمح يمين الطريق، و وضع كعب الرّمح في الأرض و وقف الشابّان عن يسار الطريق، و بقي صاحب الفرجيّة على الطريق مقابل والدي ثمّ سلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: أنت غدا تروح إلى أهلك؟ فقال له: نعم فقال له: تقدّم حتى أبصر ما يوجعك؟ قال:
فكرهت ملامستهم و قلت (1)أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة و أنا قد خرجت من الماء و قميصي مبلول.
ثمّ إنّي مع ذلك تقدّمت إليه فلزمني بيده و مدّني إليه، و جعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن اصابت يده التوتة فعصرها بيده فأوجعني، ثمّ استوى على سرجه كما كان، فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل فعجبت من معرفته اسمي، فقلت: أفلحنا و افلحتم إن شاء اللّه تعالى:
فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام عليه السلام فقال: فتقدّمت إليه و احتضنته و قبّلت فخذه ثمّ إنّه ساق و أنا أمشي معه محتضنه، فقال: ارجع، فقلت له: لا أفارقك أبدا فقال: المصلحة رجوعك و أعدت عليه مثل القول الأوّل، فقال الشيخ: يا إسماعيل ما تستحي؟ يقول لك الامام عليه السلام مرّتين: ارجع و تخالفه! فجهني (2)بهذا القول، فوقفت، فتقدّم خطوات و التفت إليّ و قال: إذا
ص:503
وصلت بغداد فلا بدّ أن يطلبك ابو جعفر يعني الخليفة المستنصر (1)فإذا حضرت عنده و أعطاك شيئا فلا تأخذه، و قل لولدنا الرّضي: ليكتب لك إلى عليّ ابن عوض فإنّني أوصيه يعطيك الّذي تريد.
ثم سار و أصحابه معه فلم أزل قائما أبصرهم الى أن غابوا عنّي و حصل عندي أسف لمفارقته فقعدت الى الأرض ساعة، ثمّ مضيت إلى المشهد فاجتمع القوّام حولي، و قالوا: نرى وجهك متغيّر أوجعك شيء؟ قلت: لا، قالوا:
أخاصمك أحد؟ قلت: لا ليس عندي ممّا تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الّذين كانوا عندكم؟ فقالوا: هم من الشرفاء ارباب الغنم، فقلت: بل هو الإمام، فقالوا: الإمام هو الشّيخ أو صاحب الفرجية؟ قلت: صاحب الفرجية فقالوا: اريته المرض الذي كان فيك؟ فقلت: هو قبضه بيده و أوجعني.
ثمّ كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا فتداخلني الشكّ من الدهش، فأخرجت رجلي الأخرى فلم ار شيئا، فانطبق الناس عليّ و مزّقوا قميصي، فادخلني القوّام خزانة و منعوا الناس عنّي، و كان ناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجّة، و سأل عن الخبر فعرّفوه، فجاء الى الخزانة و سألني عن اسمي، و سألني: منذ كم خرجت من بغداد؟ فعرّفته أني خرجت من أوّل الاسبوع فمشى عنّي و بتّ بالمشهد، و صلّيت الصبح و خرج النّاس معي إلى أن بعدت عن المشهد و رجعوا عنّي.
و وصلت إلى أوانا 2فبتّ به و بكرت منه أريد بغداد، فرأيت النّاس
ص:504
مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون كلّ من ورد عليهم من اسمه و نسبه و أين كان؟ فسألوني عن اسمي و من أين جئت، فعرّفتهم فاجتمعوا عليّ و مزقوا ثيابي و لم يبق لي في روحي حكم.
و كان ناظر بين النهرين: كتب إلى بغداد و عرّفهم الحال ثمّ حملوني الى بغداد و ازدحم الناس عليّ و كادوا يقتلونني من كثرة الزحام و كان الوزير 1القمي قد طلب السعيد رضي الدين رحمه اللّه و تقدّم أن يعرفه صحة هذا الخبر.
قال: فخرج رضي الدين و معه جماعة فوافينا باب النوبي، فردّ اصحابه الناس عنّي فلمّا رآني قال: أ عنك يقولون؟ قلت: نعم، فنزل عن دابّته و كشف عن فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة، و أخذ بيدي و ادخلني على الوزير و هو يبكي و يقول: يا مولانا هذا أخي و أقرب النّاس الى قلبي.
فسألني الوزير عن القصّة فحكيت له فأحضر الأطباء الّذين أشرفوا عليها و أمرهم بمداواتها فقالوا: ما دوائها إلاّ القطع بالحديد، و متى قطعها مات، فقال لهم الوزير فبتقدير أن تقطع و لا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا: في شهرين و تبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر، فسألهم الوزير متى رأيتموه؟ قالوا:
منذ عشرة ايّام، فكشف الوزير عن الفخذ الّذي كان فيه الألم و هي مثل أختها ليس فيها أثر اصلا، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح، فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.
ثمّ إنّه أحضر عند الخليفة المستنصر، فسأله عن القصّة فعرّفه به كما
ص:505
جرى، فتقدّم له بألف دينار فلمّا حضرت قال: خذ هذه فأنفقها، فقال: ما أجسر أن آخذ منه حبّة واحدة، فقال الخليفة: ممّن تخاف؟ فقال: من الذي فعل معي هذا قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئا، فبكى الخليفة و تكدّر، و خرج من عنده و لم يأخذ شيئا.
قال الشيخ الفاضل عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» عقيب ذلك: كنت في بعض الأيّام أحكي هذه القصة لجماعة عندي و كان هذا شمس الدين محمّد ولده عندي، و أنا لا أعرفه، فلمّا انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه، فعجبت من هذا الاتّفاق و قلت له: هل رأيت فخذه و هي مريضة؟ فقال: لا لأني أصبو عن ذلك، و لكن رأيتها بعد ما صلحت و لا أثر فيها و قد نبت في موضعها شعر.
و قال عليّ بن عيسى أيضا: و سألت السيّد صفيّ الدّين محمّد بن بشير العلوي الموسوي (1)و نجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما اللّه و كانا من أعيان النّاس و سراتهم و ذوي الهيئات منهم و كانا صديقين لي و عزيزين عندي فأخبراني بصحة هذه القصّة و أنّهما رأياها في حال مرضها و حال صحّتها.
و حكى لي ولده هذا أنّه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه عليه السلام حتى أنّه جاء الى بغداد و أقام بها في فصل الشتاء و كان كلّ أيام يزور سامراء و يعود إلى بغداد فزارها في تلك السنة اربعين مرّة طمعا أن يعود له الوقت الّذي مضى فيقضي الحظّ (2)بما قضى، و من الّذي أعطاه دهره الرضا، أو ساعده بمطالبه صرف القضا فمات رحمه اللّه بحسرته و انتقل الى الآخرة بغصّته، و اللّه
ص:506
يتولاّه و إيّانا برحمته بمنّه و كرامته. (1)
ثمّ قال عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» : و حكى لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني: أنّ أباه عطوة كان آدر (2)و كان زيديّ المذهب، و كان ينكر على بنيه الميل الى مذهب الإمامية و يقول: لا اصدّقكم و لا أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم يعني المهديّ عليه السلام فيبرئني من هذا المرض، و تكرّر هذا القول منه، فبينا نحن مجتمعون عند وقت العشاء الآخرة إذ أبونا يصيح و يستغيث بنا، فأتيناه سراعا فقال: الحقوا صاحبكم فالسّاعة خرج من عندي، فخرجنا فلم نر أحدا، فعدنا إليه و سألناه، فقال: إنّه: دخل إليّ شخص و قال: يا عطوة فقلت: من أنت؟ فقال أنا صاحب بنيك قد جئت أبرئك ممّا بك: ثم مدّ يده فعصر قروتي (3)و مشى، و مددت يدي فلم أر بها اثرا، قال لي ولده: و بقي مثل الغزال ليس به قروة، و اشتهرت هذه القصّة و سألت عنها غير ابنه فأقرّ بها.
و الأخبار عنه عليه السلام في هذا الباب كثيرة و أنّه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز و غيرها فخلّصهم و أوصلهم إلى حيث ارادوا، و لو لا التطويل لذكرت منها جملة و لكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماننا كاف انتهى كلام عليّ بن عيسى. (4)
قال مؤلّف هذا الكتاب: إن شاء اللّه تعالى أعمل كتابا في ذلك مستوفيا كثيرا من ذلك و باللّه سبحانه التوفيق و هو حسبنا و نعم الوكيل، و كان الفراغ من هذا الكتاب الموسوم «بحلية الأبرار محمّد و آله الأئمّة الأطهار» على يد مؤلّفه
ص:507
فقير اللّه الغنيّ عبده هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني في اليوم الثّاني عشر من شهر ربيع الثّاني السنة التاسعة و التسعين و الألف، و صلّى اللّه على محمد و آله الاطهار و سلم تسليما كثيرا.
الحمد للّه الذي منّ على هذا العبد الذليل غلام رضا بن علي اكبر الملقّب بمولانا البروجردي إذ وفّقني لتصحيح هذه الأسفار و تعليقها و تخريج مصادرها و أرجو من كرمه أن يعفو عن سيّئاتي و يغفر لي زلاّتي و لا يخرجني من الدّنيا حتى يرضى عنّي بحق أفضل خلقه محمّد و آله الأطهار الأبرار و كان الفراغ من هذا السفر القيّم و هي خاتمة الكتاب في شهر ربيع الأول سنة (1415) ه في بلدة قم المحميّة.
ص:508
الموضوع الصفحة المنهج الحادي عشر في الإمام العاشر أبي الحسن الثالث علي بن محمّد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام 5
الباب الاول في ميلاده عليه السلام 7
الباب الثاني في علمه عليه السلام 9
الباب الثالث في رسالته عليه السلام إلى أهل الأهواز 21
الباب الرابع في رفعه عليه السلام شأن العلماء 31
الباب الخامس في عبادته عليه السلام 35
الباب السادس في ورعه عليه السلام 39
الباب السابع في جوده عليه السلام 41
الباب الثامن حديثه عليه السلام مع المتوكل في إسلام أبي طالب عليه السلام 45
الباب التاسع في صبره عليه السلام و مقامات له مع المتوكّل 49
الباب العاشر في حديثه عليه السلام مع زينب الكذابة 59
الباب الحادي عشر في حديثه عليه السلام مع الهندي اللاعب 65
الباب الثاني عشر في حديث تل المخالي 69
الباب الثالث عشر في نص أبيه عليه بالإمامة و انه وصيّه عليهما السلام 71
ص:509
المنهج الثاني عشر في الإمام الحادي عشر أبي محمّد الحسن بن علي ابن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين 77
الباب الأول في مولده عليه السلام 79
الباب الثاني في علمه عليه السلام 81
الباب الثالث في عبادته عليه السلام 89
الباب الرابع في فضله و عفافه و كرمه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل اخلاقه و صلاحه عليه السلام عند الخاص و العام 93
الباب الخامس في جوده عليه السلام 99
الباب السادس حديثه عليه السلام مع المتطبّب الّذي أعطاه خمسين دينارا لما فصده 107
الباب السابع حديثه عليه السلام مع أنوش النصراني 111
الباب الثامن حديث البغل مع المستعين 113
الباب التاسع في حديث الشاكري و الفرس 115
الباب العاشر حديث الراهب في الاستسقاء 119
الباب الحادي عشر في حديث البساط 121
الباب الثاني عشر في أنه عليه السلام وصي أبيه و الإمام بعده 125
المنهج الثالث عشر في الإمام الثاني عشر م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحجة المنتظر المهدي عليه السلام 135
الباب الاول في ذكر أمّ القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف 141
الباب الثاني في ميلاده عليه السلام 151
الباب الثالث في كلامه عليه السلام في بطن امّه و قراءته القرآن، و ما
ص:510
ظهر من البراهين حال الولادة 155
الباب الرابع في قراءته عليه السلام ما أنزل اللّه عزّ و جلّ على أنبيائه بعد سبعة أيام من حال الولادة، و غير ذلك من البراهين 161
الباب الخامس في قراءته عليه السلام حال الولادة 167
الباب السادس في أنّه مكتوب على ذراعه الأيمن جاء الحق و زهق الباطل 169
الباب السابع في قراءته القرآن في بطن امّه، و سجوده عقيب الولادة، و اشراق النور، و غير ذلك من براهينه 173
الباب الثامن في سجوده عليه السلام حال ولادته 175
الباب التاسع في فقد القابلة له عليه السلام من كفها 179
الباب العاشر في النور الساطع حال ولادته عليه السلام، و حمده اللّه و صلواته على محمّد و آله الطاهرين، و تمسح الملائكة به 183
الباب الحادي عشر في ظهوره عليه السلام و غيبته في الحال، و لم ير مع حضوره 187
الباب الثاني عشر في انه عليه السلام صلّى على أبيه عليه السلام 191
الباب الثالث عشر في أنه وصي أبيه عليه السلام، و نصه عليه بالامامة 195
الباب الرابع عشر في تسميته عليه السلام القائم و المنتظر و المهدي 205
الباب الخامس عشر في علمه عليه السلام 211
الباب السادس عشر في جوده عليه السلام 227
الباب السابع عشر في لباسه عليه السلام 235
الباب الثامن عشر في استواء درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 239
الباب التاسع عشر فيما عند القائم عليه السلام من آيات الأنبياء 243
الباب العشرون في صفته عليه السلام 249
ص:511
الباب الحادي و العشرون في أنّه عليه السلام يكون شابّ المنظر 255
الباب الثاني و العشرون في أنّه عليه السلام و أصحابه أولو قوّة 257
الباب الثالث و العشرون في علة الغيبة 261
الباب الرابع و العشرون في علة اخفاء ولادته عليه السلام 269
الباب الخامس و العشرون في انّه عليه السلام إذا قام يتلو قوله تعالى:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ الآية 273
الباب السادس و العشرون في أنّ فيه و في الأئمّة عليهم السلام نزل قوله تعالى: وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية 275
الباب السابع و العشرون في أن فيه و في الأئمّة عليهم السلام نزل قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ 277
الباب الثامن و العشرون في أنّه عليه السلام يحضر الموسم فيقبل حجّهم إذا حضر، و لا يحضر إبليس 281
الباب التاسع و العشرون في علامات ظهوره 285
الباب الثلاثون في النداء باسمه عليه السلام و الصيحة السماوية 289
الباب الحادي و الثلاثون في أنّه عليه السلام ينادى باسمه إذا اذن له بالخروج، و يكون خروجه يوم السبت عاشر محرّم و أوّل من يبايعه جبرئيل 297
الباب الثاني و الثلاثون في إعلام الأموات بخروجه، و احياء أصحاب الكهف، و يرد كلّ مؤذ للمؤمنين للقصاص 301
الباب الثالث و الثلاثون في نزول عيسى بن مريم عليه السلام و صلاته
ص:512
خلف المهدي عليه السلام 305
الباب الرابع و الثلاثون في اصحابه عليه السلام الثلاثمائة و ثلاثة عشر 309
الباب الخامس و الثلاثون في حكمه بحكم داود عليهما السلام و تأييده بالملائكة و أول من يبايع القائم عليه السلام محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السلام 315
الباب السادس و الثلاثون في سيرته عليه السلام 321
الباب السابع و الثلاثون في أنّما يلقاه القائم عليه السلام أشدّ مما لقيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من جهال الجاهلية 327
الباب الثامن و الثلاثون نشر عليه السلام راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 331
الباب التاسع و الثلاثون انّ القائم إذا قام استغنى العباد عن ضوء الشمس و القمر 335
الباب الاربعون في منزل القائم عليه السلام و مسجده و موضع منبره 339
الباب الحادي و الاربعون في كيفية السلام عليه 345
الباب الثاني و الاربعون في مدة قيام القائم عليه السلام بعد قيامه 347
الباب الثالث و الاربعون في إعلام الأحياء و الأموات بقيامه عليه السلام، و يراه من بعيد من في زمانه عليه السلام، و ما يعطاه المؤمن في زمانه 351
الباب الرّابع و الأربعون في أنّه عليه السلام إذا قام قرأ القرآن على حدّه 357
الباب الخامس و الأربعون في أن أوّل من يبايع القائم عليه السلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام، و أنّ الحسين عليه السلام يغسّله 357
ص:513
الباب السادس و الأربعون في حديث الصادق عليه السلام للمفضل بن عمر 371
الباب السابع و الأربعون في أن القائم عليه السلام يقتل قتلة الحسين عليه السلام و ذراريهم لرضاهم بفعال آبائهم 403
الباب الثامن و الأربعون فيما جاء في الوقت المعلوم لابليس 407
الباب التاسع و الأربعون في القدر من الناس الذين يقوم فيهم القائم عليه السلام 413
الباب الخمسون في المفردات 415
الباب الحادي و الخمسون في أنّ آخر من يموت الحجة و يغلق باب التوبة، و يغسّل القائم عليه السلام الحسين عليه السلام و يكون بينه و بين القائم أربعون يوما 419
الباب الثاني و الخمسون في أنّ عمر الخضر عليه السلام دليل على طول عمر الامام عليه السلام و أنّه يؤنس به و وقت وفاة الخضر عليه السلام 425
الباب الثالث و الخمسون فيما جاء من طريق العامة في البشارة بالمهدي القائم عليه السلام 427
ص:514