سرشناسه : بحراني، هاشم بن سليمان، - 1107؟ق
عنوان و نام پديدآور : حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام/ تاليف هاشم البحراني؛ تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي
مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلاميه، [ 13] - 1415ق. = 1373.
مشخصات ظاهري : ج 5
فروست : (بنياد معارف اسلامي؛ 15، 16)
شابك : بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4)
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.
يادداشت : چاپ اول: 1372؛ 4200 ريال (ج. )3
يادداشت : جلد چهارم (1372)؛ بها: 600 ريال
يادداشت : ج. 1 (چاپ اول: 2200 :1369 ريال)
يادداشت : كتابنامه
موضوع : چهارده معصوم
شناسه افزوده : مولانا بروجردي، غلامرضا، مصحح
شناسه افزوده : بنياد معارف اسلامي
رده بندي كنگره : BP36/ب 3ح 8
رده بندي ديويي : 297/95
شماره كتابشناسي ملي : م 73-3586
ص: 1
حلية الأبرار في أحوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام-ج 5-.
تأليف: السيّد هاشم بن سليمان البحراني رحمه اللّه.
تحقيق: الشيخ غلام رضا مولانا البروجردي.
ص:2
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ص:3
جميع حقوق الطبع و النشر محفوظة لمؤسّسة المعارف الإسلاميّة ايران-قم المقدّسة ص. ب-768/37185 تلفون 732009
ص:4
بسم اللّه الرحمن الرحيم و منه نستمدّ الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّاهرين.
و بعد فهذا المنهج الحادي عشر في الإمام العاشر أبي الحسن الثالث عليّ ابن محمّد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين بن الحسين الشهيد بن عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام و فيه ثلاثة عشر بابا.
الباب الأوّل-في ميلاده عليه السلام.
الباب الثاني-في علمه عليه السلام.
الباب الثالث-في رسالته عليه السلام الى اهل الاهواز.
الباب الرّابع-في رفعه عليه السلام شأن العلماء.
الباب الخامس-في عبادته عليه السلام.
الباب السّادس-في ورعه عليه السلام.
الباب السابع-في جوده عليه السلام.
الباب الثامن-حديثه عليه السلام مع المتوكّل في إسلام أبي طالب عليه السلام.
ص:5
الباب التاسع-في صبره عليه السلام و مقامات له مع المتوكل.
الباب العاشر-في حديثه عليه السلام مع زينب الكذابة.
الباب الحادي عشر-في حديثه عليه السلام مع الهندي اللاعب لعنه اللّه.
الباب الثّاني عشر-في حديث تل المخالي.
الباب الثّالث عشر-في نص أبيه عليه عليه السلام بالامامة و انه وصيّه عليه السلام.
ص:6
في ميلاده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن الحسن بن راشد، قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى إذا أحبّ أن يخلق الامام أمر ملكا فأخذ شربة (1)من ماء تحت العرش فيسقيها أباه (2)فمن ذلك يخلق الإمام فيمكث (3)أربعين يوما و ليلة في بطن امّه لا يسمع الصوت، ثمّ يسمع بعد ذلك الكلام، فإذا ولد بعث (4)اللّه ذلك الملك فيكتب بين عينيه:
وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (5)فاذا مضى الإمام الذي كان قبله (6)رفع لهذا منار (7)من نور ينظر فيه (8)إلى أعمال
ص:7
في علمه عليه السلام
1-عليّ بن إبراهيم بن هاشم، في «تفسيره» قال: حدّثني أبي، عن المحمودي (1)، و محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن إسماعيل الرازي (2)، عن محمّد بن سعيد (3)، انّ يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمّد (4)عن مسائل، و فيها: أخبرنا عن قول اللّه عزّ و جلّ: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً (5)فهل يزوّج اللّه عباده الذكران؟ و قد عاقب قوما فعلوا ذلك؟ فسأل موسى أخاه أبا الحسن العسكري عليه السلام.
ص:9
و كان من جواب أبي الحسن عليه السلام أمّا قوله: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً فإنّ اللّه تبارك و تعالى يزوّج ذكرانا من المطيعين إناثا من الحور العين، و إناث المطيعات من الإنس من ذكران المطيعين (1)، و معاذ اللّه أن يكون الجليل على ما لبست على نفسك تطلّبا للرخصة لارتكاب المآثم، قال: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ اَلْعَذابُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (2)اي لم يتب (3).
2-في كتاب «الاختصاص» عن محمّد بن عيسى بن عبيد البغدادي، عن موسى بن محمّد بن عليّ بن موسى، سأل أخاه عليّ بن محمّد عليه السلام ببغداد في دار القطن (4)، قال: قال موسى لأخيه أبي الحسن العسكري عليه السلام كتب إليّ يحيى بن أكثم يسألني عن عشر مسائل لأفتيه فيها، فضحك ثمّ قال: فهل أفتيته؟ قلت لا، قال: و لم؟ قلت: لم اعرفها، قال: و ما هي؟
قال: كتب إليّ أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: قالَ اَلَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ اَلْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (5)أ نبيّ اللّه عزّ و جلّ كان محتاجا إلى علم آصف؟
و أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى اَلْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ
ص:10
سُجَّداً (1)أسجد يعقوب و ولده ليوسف و هم أنبياء؟ و أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ اَلَّذِينَ يَقْرَؤُنَ اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ (2)من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أ ليس قد شك فيما انزل، و إن كان المخاطب به غيره فعلى غيره إذا انزل القرآن.
و أخبرني عن قول اللّه وَ لَوْ أَنَّ ما فِي اَلْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ اَلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اَللّهِ (3)ما هذه الأبحر و أين هي؟ و أخبرني عن قول اللّه وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ اَلْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ اَلْأَعْيُنُ (4)فاشتهت نفس آدم البرّ فأكل و أطعم فكيف عوقب فيها على ما تشتهي الأنفس؟
و أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً (5)فهل يزوّج اللّه عباده الذّكران؟ و قد عاقب اللّه قوما فعلوا ذلك.
و أخبرني عن شهادة المرأة جازت وحدها؟ و قد قال اللّه عزّ و جلّ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (6)و أخبرني عن الخنثى و قول علي عليه السلام فيها: تورث الخنثى من المبال من ينظر اذا بال؟ و شهادة الجار إلى نفسه (7)لا تقبل، مع أنّه عسى أن يكون رجلا و قد نظر إليه النساء و هذا ممّا لا يحلّ
ص:11
فكيف هذا؟
و أخبرني عن رجل أتى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو (1)على شاة منها فلمّا بصر بصاحبها فصاح (2)بها خلّى سبيلها فانسابت بين الغنم لا يعرف الراعي أيّها كانت و لا يعرف صاحبها أيّها تذبح.
و أخبرني عن قول علي عليه السلام لابن جرموز (3)بشّر قاتل ابن صفيّة (4)بالنار فلم لم يقتله و هو إمام؟ و من ترك حدّا من حدود اللّه فقد كفر إلاّ من علّة.
و أخبرني عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار، و إنمّا يجهر في صلاة الليل؟
و أخبرني عنه عليه السلام لم قتل أهل صفين و أمر بذلك مقبلين و مدبرين، و أجهز على جريحهم و يوم الجمل غيّر حكمه لم يقتل من جريحهم و لا من دخل دارا و لم يجهز على جريحهم و لم يأمر بذلك، و من ألقى سيفه أمنه لم فعل ذلك؟ فإن كان الاوّل صوابا كان الثاني خطأ.
قال: اكتب «قلت: و ما أكتب؟ قال اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم و أنت
ص:12
فألهمك اللّه الرشد ألقاني (1)كتابك بما امتحنتنا به من بغيتك (2)لتجد إلى الطعن سبيلا ان قصرنا فيه و اللّه يكافيك على نيتك، و قد شرحنا مسألتك فأصغ إليها سمعك و حلّ بها فهمك (3)و اشغل بها قلبك فقد ألزمتك الحجّة و السلام.
سألت عن قول اللّه عزّ و جل في كتابه قالَ اَلَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ اَلْكِتابِ (4)فهو آصف بن برخيا، و لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف و لكنه أحبّ أن يعرف أمّته من الجنّ و الانس أنّه الحجّة من بعده، و ذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر اللّه ففهّمه اللّه ذلك لئلاّ يختلف في إمامته، و دلالته، كما فهّم سليمان في حياة داود لتعرف إمامته و نبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق.
و أمّا سجود يعقوب و ولده فإنّ السجود لم يكن ليوسف كما أنّ السجود من الملائكة لم يكن لآدم، و إنّما كان منهم طاعة للّه و تحيّة لآدم فجد يعقوب و ولده شكرا للّه باجتماع شملهم، أ لم تر أنّه يقول في شكره في ذلك الوقت: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ اَلْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ اَلْأَحادِيثِ (5)الى آخر الآية.
و أمّا قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ اَلَّذِينَ يَقْرَؤُنَ اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ (6)من المخاطب في ذلك، رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لم يكن في شك مما انزل إليه، و لكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث اللّه نبيا من
ص:13
الملائكة؟ أم كيف (1)لم يفرّق بينه و بين خلقه (2)بالاستغناء عن المأكل و المشرب و المشي في الأسواق فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى نبيّه فَسْئَلِ اَلَّذِينَ يَقْرَؤُنَ اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ تفحّص بمحضر من الجهلة هل بعث اللّه رسولا قبلك إلاّ و هو يأكل و يشرب و يمشي في الاسواق، و لك بهم أسوة، و إنّما قال:
إن كنت في شك و لم يكن (3)للنصفة، كما قال اللّه تعالى: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّهِ عَلَى اَلْكاذِبِينَ (4)و لو قال: نبتهل فنجعل لعنة اللّه عليكم لم يكونوا يجوزوا للمباهلة (5)و قد علم اللّه أن نبيّه مؤدّ عنه رسالته (6)، و ما هو من الكاذبين، و كذلك عرف النبي أنّه صادق فيما يقول، و لكن أحب أن ينصفهم من نفسه.
و أمّا قوله: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي اَلْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ اَلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اَللّهِ (7)فهو كذلك لو أنّ أشجار الدنيا أقلام و البحر مداد له سبعة أبحر (8)حتى فجرت الارض عيونا فغرق أصحاب الطوفان نفدت قبل أن تنفد كلمات اللّه عزّ و جلّ و هي عين الكبريت، و عين اليمن (9)
ص:14
و عين البرهوت (1)و عين الطبرية و حمّة (2)ماسيدان (3)و تدعى المنيات (4)و حمّة إفريقية و تدعى بسلان (5)و عين باحوران (6)و نحن الكلمات التي لا تنفد و لا تدرك فضائلنا و لا تستقصي.
و أمّا الجنّة ففيها من المآكل و المشارب و الملاهي و الملابس ما تشتهي الانفس (7)و تلذّ الاعين و أباح الله ذلك كلّه لآدم، و الشجرة التي نهى اللّه عنها آدم و زوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد (8)عهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضّل اللّه عليهما (9)، و على كلّ خلائقه بعين الحسد فنسي و نظر بعين الحسد و لم يجد له عزما.
و أمّا قوله أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً (10)فإنّ اللّه تبارك و تعالى يزوّج
ص:15
ذكران المطيعين إناثا من الحور، و معاذ اللّه أن يكون عنى الجليل ما لبّست (1)على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآثم وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ اَلْعَذابُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (2)إن لم يتب.
و أمّا قول عليّ عليه السلام: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار و كان ممّن خرج يوم النهروان و لم يقتله أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة لأنّه علم أنّه يقتل في فتنة النهروان.
و أمّا قولك: عليّ عليه السلام قتل أهل صفين مقبلين و مدبرين، و أجهز (3)على جريحهم و يوم الجمل لم يتبع مولّيا و لم يجهز (4)على جريح، و كلّ من ألقى سيفه آمنه و من دخل داره آمنه فإنّ أهل الجمل قتل إمامهم و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها و إنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين و لا محتالين و لا متجسسين و لا منابلين (5)و قد رضوا بالكفّ عنهم فكان الحكم رفع السيف و الكفّ عنهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا.
و أهل صفين يرجعون الى فئة مستعدّة و امام لهم منتصب يجمع لهم السلاح من الدروع و الرماح و السيوف و يستعد لهم العطاء و يهيّىء لهم الانبال (6)و يتفقّد جريحهم، و يجبر كسيرهم، و يداوي جريحهم، و يحمل رجلتهم،
ص:16
و يكسو حاسرهم (1)و يردّهم فيرجعون الى محاربتهم و قتالهم، لا يساوي بين الفريقين، و لو لا عليّ و حكمه لأهل صفين و الجمل لما عرف الحكم في عصاة اهل التوحيد، لكنّه شرح ذلك لهم فمن رغب عنه يعرض على السيف أو يتوب عن ذلك.
و أمّا شهادة المرأة التي جازت وحدها فهي القابلة جائز شهادتها مع الرضا و ان لم يكن رضا فلا أقلّ من امرأتين تقوم مقام الرجل للضرورة لانّ الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها فان كانت وحدها قبل مع يمينها.
و أمّا قول عليّ عليه السلام في الخنثى: إنّه يورث من المبال فهو كما قال، و ينظر إليه قوم عدول فيأخذ كلّ واحد منهم المرآة فيقوم الخنثى خلفهم عريانا و ينظرون في المرآة فيرون الشبح فيحكمون عليه.
و أما الرجل الذي قد نظر الى الراعي قد نزى على شاة فان عرفها ذبحها و أحرقها، و ان لم يكن يعرفها قسّمها نصفين و ساهم (2)بينهما فإن وقع السهم على أحد النصفين فقد نجا الآخر، ثمّ يفرّق الذي وقع عليه السهم بنصفين و يقرع بينهما بسهم، فان وقع على احد النصفين نجا الآخر، فلا يزال كذلك حتى تبقى اثنتان فيقرع بينهما فأيّهما وقع السهم لها تذبح و تحرق و قد نجت سائرها.
و أما صلاة الفجر و الجهر بالقراءة لأنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يغلّس بها (3)فقراءتها من الليل، و قد أنباتك بجميع ما سألتنا فاعلم ذلك تولّى
ص:17
اللّه حفظك و الحمد للّه ربّ العالمين. (1)
3-عليّ بن ابراهيم بن هاشم في «تفسيره» قال: حدّثني أبي قال: أمر المعتصم ان يحفر بالبطانية بئر، فحفروا ثلاثمائة قامة فلم يظهر الماء فتركه و لم يحفره.
فلمّا ولّى المتوكّل (2)أمر أن يحفر ذلك البئر أبدا حتى يظهر الماء، فحفروا حتى وضعوا في كلّ مائة قامة بكرة حتى انتهوا الى صخرة فضربوها بالمعول فانكسرت، فخرج منها ريح باردة فمات من كان بقربها، فأخبروا المتوكّل بذلك فلم يعلم ما ذاك، فقالوا: سل ابن الرضا عن ذلك، و هو أبو الحسن عليّ ابن محمد العسكري عليهم السلام فكتب إليه يسأله عن ذلك؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: تلك بلاد الاحقاف، و هم قوم عاد الّذين اهلكهم اللّه بالرّيح الصّرصر. (3)
4-محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن احمد، عن جعفر (4)بن رزق اللّه قال قدم الى المتوكّل برجل نصرانيّ فجر بأمراة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد (5)هدم ايمانه شركه
ص:18
و فعله، و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، و قال بعضهم: يفعل به كذا و كذا، فأمر المتوكل بالكتاب الي ابي الحسن الثالث صلوات اللّه عليه و سؤاله عن ذلك، فلمّا قرأ الكتاب كتب: يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى بن أكثم و أنكر فقهاء العسكر ذلك، و قالوا: يا أمير المؤمنين سل عن هذا فإنّه لم ينطق به كتاب و لم تجيء به سنّة.
فكتب إليه: إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا و قالوا: لم تجيء به سنّة و لم ينطق به كتاب فبيّن لنا لم أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟
فكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اَللّهِ اَلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ اَلْكافِرُونَ (1)فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات. (2)
5-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن ابراهيم، عن بعض أصحابه ذكره قال: لمّا سمّ المتوكّل نذر إن عوفي أن يتصدّق بمال كثير، فلمّا عوفي سأل الفقهاء عن حدّ المال الكثير فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: مائة الف، و قال بعضهم: عشرة آلاف، فقالوا فيه أقاويل مختلفة، فاشتبه عليه الأمر، فقال (3)رجل من ندمائه يقال له: صفوان: أ لا تبعث إلى هذا الأسود فتسأله عنه؟ فقال له
ص:19
المتوكّل.
من تعني ويحك؟ فقال له: ابن الرضا فقال له: و هو يحسن من هذا شيئا؟
فقال: إن أخرجك من هذا فلي عليك كذا و كذا و إلاّ فاضربني مائة مقرعة. (1)
فقال المتوكّل: قد رضيت، يا جعفر بن محمود صر إليه و سله عن حدّ المال الكثير فصار جعفر بن محمود إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السلام فسأله عن حدّ المال الكثير فقال له: الكثير ثمانون، فقال له جعفر بن محمود: يا سيّدي يسألني عن العلّة فيه فقال أبو الحسن صلوات اللّه عليه: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول لَقَدْ نَصَرَكُمُ اَللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ (2)فعددنا تلك المواطن فكانت ثمانين. (3)
و رواه عليّ بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن محمد بن عمرو (4)الحديث. (5)
ص:20
في رسالته عليه السلام إلى أهل الأهواز
1-الطبرسي في «الاحتجاج» قال: و ممّا أجابه ابو الحسن عليّ بن محمد العسكري عليه السلام في رسالته الى أهل الاهواز حين سألوه عن الجبر و التفويض أن قال: اجتمعت الامّة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون، و على تصديق ما أنزل اللّه مهتدون، و لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لا تجتمع أمّتي على ضلالة، فأخبر أنّ ما اجتمعت عليه الامّة و لم يخالف بعضها بعضا هو الحقّ فهذا معنى الحديث لا ما تأوّله الجاهلون و لا ما قاله المعاندون من ابطال حكم الكتاب و اتّباع حكم الاحاديث المزوّرة (1)و الروايات المزخرفة و اتّباع الاهواء المردية المهلكة التي تخالف نصّ الكتاب و تحقيق الآيات الواضحات النيّرات و نحن نسأل اللّه أن يوفّقنا للصواب و يهدينا الى الرشاد.
ثمّ قال عليه السلام: فاذا شهد الكتاب بصدق (2)خبر و تحقيقه فأنكرته طائفة من الامّة و عارضته بحديث من هذه الاحاديث المزوّرة فصارت بإنكارها و دفعها الكتاب كفّارا ضلالا.
و أصحّ خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من
ص:21
رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حيث قال: إنّي مستخلف فيكم خليفتين كتاب اللّه و عترتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، و اللفظة الاخرى عنه في هذا المعنى بعينه قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا.
فلمّا وجدنا شواهد هذا الحديث نصا في كتاب اللّه مثل قوله: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اَللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (1)ثمّ اتفقت روايات العلماء في ذلك لامير المؤمنين عليه السلام أنّه تصدّق بخاتمه و هو راكع فشكر اللّه ذلك له و أنزل الآية فيه.
ثمّ وجدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قد أبانه من اصحابه بهذه اللفظة: «من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه» و قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «عليّ يقضي ديني، و ينجز موعدي، و هو خليفتي عليكم بعدي» و قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم حيث استخلفه على المدينة فقال: يا رسول اللّه أ تخلّفني على النساء و الصبيان؟ فقال صلى اللّه عليه و آله و سلم: أ ما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.
فعلمنا أنّ الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار، و تحقيق هذه الشواهد فيلزم الامّة (2)الاقرار بها اذا كانت هذه الاخبار وافقت القرآن و وافق القرآن هذه الاخبار فلمّا وجدنا ذلك موافقا لكتاب اللّه، وجدنا كتاب اللّه لهذه الاخبار موافقا و عليها دليلا، كان الاقتداء بهذه الاخبار فرضا لا يتعدّاه إلاّ أهل العناد و الفساد.
ص:22
ثم قال عليه السلام: و مرادنا و قصدنا الكلام في الجبر و التفويض و شرحهما و بيانهما، و إنّما قدّمنا ما قدّمنا ليكون اتفاق الكتاب و الخبر اذا اتفقا دليلا لما أردناه، و قوّة لما نحن مبيّنوه من ذلك إن شاء اللّه.
فقال الجبر و التفويض بقول الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عند ما سئل عن ذلك فقال: لا جبر و لا تفويض بل أمر بين الأمرين، قيل فما ذا يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم؟ فقال: صحّة العقل، و تخلية السرب، و المهلة في الوقت، و الزاد قبل الراحلة، و السبب المهيّج للفاعل على فعله فهذه خمسة اشياء فاذا نقص العبد منها خلّة (1)كان العمل عنه مطرّحا بحسبه، و أنا أضرب لكلّ باب من هذه الابواب الثلاثة و هي: الجبر و التفويض و المنزلة بين المنزلتين، مثلا يقرّب المعنى للطالب و يسهّل له البحث من شرحه و يشهد به القرآن محكم آياته و يحقّق تصديقه عند ذوي الالباب و باللّه العصمة و التوفيق.
ثم قال عليه السلام: فأمّا الجبر فهو قول من زعم ان اللّه عزّ و جلّ جبر العباد على المعاصي و عاقبهم عليها، و من قال بهذا القول فقد ظلم اللّه و كذّبه و ردّ عليه قوله: وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (2).
و قوله جلّ ذكره: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَ أَنَّ اَللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ (3)مع آي كثيرة في مثل هذا، فمن زعم أنّه مجبور على المعاصي فقد احال بذنبه على اللّه عزّ و جلّ و ظلمه في عقوبته له، و من ظلّم ربه فقد كذّب كتابه، و من كذّب كتابه لزمه الكفر باجماع الامّة و المثل المضروب في ذلك: في
ص:23
مثل رجل ملّك عبدا مملوكا لا يملك إلاّ نفسه و لا يملك عرضا (1)من عروض الدنيا، و يعلم مولاه ذلك منه، فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة يأتيه بها و لم يملّكه ثمن ما يأتيه به، و علم المالك أنّ على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلاّ بما يرضى به من الثمن، و قد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و إظهار الحكمة و نفي الجور، فأوعد عبده إن لم يأته الحاجة أن يعاقبه.
فلمّا صار العبد الى السوق، و حاول اخذ الحاجة التي بعثه المولى للإتيان بها، وجد عليها مانعا يمنعه منها إلاّ بالثمن و لا يملك العبد ثمنها فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه لذلك و عاقبه على ذلك، فإنّه كان ظالما متعدّيا مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته، و إن لم يعاقبه كذّب نفسه، أ ليس يجب أن لا يعاقبه؟ و الكذب و الظلم ينفيان العدل و الحكمة تعالى اللّه عمّا يقول المجبّرة علوّا كبيرا.
ثم قال العالم عليه السلام بعد كلام طويل: فأمّا التفويض الذي أبطله الصادق عليه السلام و خطّأ من دان به فهو قول القائل: إنّ اللّه تعالى فوّض إلى العباد اختيار أمره و نهيه و أهملهم (2)، و هذا الكلام دقيق لم يذهب الى غوره و دقّته إلاّ الائمّة المهديّة عليهم السلام من عترة آل الرسول صلوات اللّه عليه و عليهم، فإنّهم قالوا: لو فوّض اللّه إليهم على جهة الاهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه و استوجبوا به من الثواب، و لم يكن عليهم فيما اجترموا من العقاب إذا كان الاهمال واقعا.
ص:24
و تنصرف هذه المقالة على معنيين: إمّا أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبل اختيارهم بآرائهم ضرورة، كره ذلك أم أحبّ، فقد لزمه الوهن، أو يكون جلّ و تقدّس عجز عن تعبّدهم بالأمر و النهي على إرادته، ففوّض أمره و نهيه إليهم و أجراهما على محبّتهم إذ عجز عن تعبّدهم بالأمر و النهي على إرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر و الايمان.
و مثل ذلك: مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه و يعرف له فضل ولايته، و يقف عند أمره و نهيه و ادّعى مالك العبد: أنّه قادر قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده و نهاه، و وعده على اتّباع أمره عظيم الثواب و أوعده على معصيته أليم العقاب، فخالف العبد إرادة مالكه و لم يقف عند أمره و نهيه، فأيّ أمر أمره به أو نهي نهاه عنه لم يأتمر على إرادة المولى، بل كان العبد يتّبع ارادة نفسه.
و بعثه في بعض حوائجه و فيما الحاجة له فصار العبد بغير تلك الحاجة خلافا على مولاه، و قصد إرادة نفسه و اتّبع هواه، فلمّا رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره، فقال العبد: اتّكلت على تفويضك الأمر إليّ فاتّبعت هواي و إرادتي لأنّ المفوّض إليه غير محضور عليه لاستحالة اجتماع التفويض و الحظر (1)ثم قال عليه السلام: فمن زعم أنّ اللّه فوّض قبول أمره و نهيه الى عباده فقد أثبت عليه العجز و أوجب عليه قبول كلّ ما عملوا من خير أو شرّ، و أبطل أمر اللّه تعالى و نهيه.
ثم قال: إنّ اللّه خلق الخلق بقدرته و ملّكهم استطاعة ما تعبّدهم به من الامر و النهي و قبل منهم اتّباع أمره، و رضي بذلك و نهاهم عن معصيته، و ذمّ من عصاه و عاقبه عليها و للّه الخيرة في الامر و النهي، يختار ما يريد و يأمر به، و ينهى
ص:25
عمّا يكره، و يثيب و يعاقب بالاستطاعة التي ملّكها عباده لاتّباع أمره و اجتناب معاصيه، لأنّه العدل، و منه النصفة و الحكومة و بالغ الحجّة بالاعذار و الانذار و إليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده.
اصطفى محمّدا صلوات اللّه عليه و آله و بعثه بالرسالة إلى خلقه، و لو فوّض اختيار اموره إلى عباده لأجاز لقريش اميّة بن أبي الصلت (1)و أبي مسعود.
الثقفي (2)إذ كانا عندهم أفضل من محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم لما قالوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا اَلْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ اَلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (3)يعنونهما بذلك، فهذا هو القول بين القولين ليس بجبر و لا تفويض، بذلك أخبر أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله عباية بن ربعي الاسدي عن الاستطاعة.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تملكها من دون اللّه أو مع اللّه؟ فسكت عباية بن ربعي فقال له: قل يا عباية، قال: و ما أقول؟ قال: إن قلت تملكها مع اللّه قتلتك، و ان قلت تملكها من دون اللّه قتلتك، قال: و ما اقول يا أمير
ص:26
المؤمنين؟ قال: تقول: تملكها باللّه الذي يملكها من دونك فإن ملّكها كان ذلك من عطائه، و إن سلبكها كان ذلك من بلائه، و هو المالك لما ملكك و المالك لما عليه أقدرك أ ما سمعت الناس يسألون الحول و القوة حيث يقولون: لا حول و لا قوة إلاّ باللّه.
فقال الرجل: و ما تأويلها يا أمير المؤمنين؟ قال: لا حول لنا عن معاصي اللّه إلاّ بعصمة اللّه، و لا قوة لنا على طاعة اللّه إلاّ بعون اللّه قال: فوثب الرجل و قبّل يديه و رجليه.
ثم قال عليه السلام في قوله تعالى: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ اَلْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ اَلصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (1)و في قوله: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (2)و في قوله: أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ (3)و في قوله:
وَ لَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ (4)و في قوله: فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ اَلسّامِرِيُّ (5)و قول موسى: إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ (6)و قوله: لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ (7)و قوله ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ (8)و قوله: إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما
ص:27
بَلَوْنا أَصْحابَ اَلْجَنَّةِ (1)و قوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (2)و قوله:
وَ إِذِ اِبْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ (3)و قوله: وَ لَوْ يَشاءُ اَللّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ (4)إنّ جميعها جاءت في القرآن بمعنى الاختيار.
ثم قال عليه السلام فان قالوا: ما الحجّة في قول اللّه تعالى: يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ (5)و ما أشبه ذلك؟ قلنا: فعلى مجاز هذه الآية يقتضي معنيين: أحدهما أنّه إخبار عن كونه تعالى قادرا على هداية من يشاء و ضلالة من يشاء، و لو أجبرهم على أحدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم عقاب على ما شرحناه.
و المعنى الآخر؟ أنّ الهداية منه: التعريف كقوله تعالى: وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا اَلْعَمى عَلَى اَلْهُدى (6)و ليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجّة على حكم الآيات اللاّتي امر بأخذها و تقليدها و هي قوله:
هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ اِبْتِغاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ (7)الآية و قال: فَبَشِّرْ عِبادِ اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
ص:28
أَحْسَنَهُ أُولئِكَ اَلَّذِينَ هَداهُمُ اَللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا اَلْأَلْبابِ (1)وفقنا اللّه و إياكم لما يحبّ و يرضى، و يقرّب لنا و لكم الكرامة و الزلفى، و هدانا لما هو لنا و لكم خير و أبقى، إنّه الفعّال لما يريد، الحكيم الجواد المجيد. (2)
ص:29
ص:30
في رفعه عليه السلام شأن العلماء
1-الطبرسي في «الاحتجاج» قال: روي عن الحسن العسكري عليه السلام أنّه اتّصل بأبي الحسن عليّ بن محمد العسكري عليه السلام أنّ رجلا من فقهاء شيعته كلّم بعض النصّاب فأفحمه بحجّته حتى أبان عن فضيحته، فدخل على عليّ بن محمد عليه السلام و في صدر مجلسه دست (1)عظيم منصوب، و هو قاعد خارج الدست، و بحضرته خلق عظيم من العلويّين و بني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست، و اقبل عليه، فاشتدّ ذلك على اولئك الاشراف، فأمّا العلويّة (2)فأجلوه عن العتاب، و أمّا الهاشميون فقال له شيخهم: يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم هكذا تؤثر عاميّا على سادات بني هاشم من الطالبيّين و العبّاسيين؟
فقال عليه السلام: إيّاكم أن تكونوا من الذين قال اللّه تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ اَلْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اَللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (3)أ ترضون بكتاب اللّه عزّ و جلّ حكما؟ قالوا: بلى.
قال: أ ليس اللّه يقول: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي
ص:31
اَلْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اَللّهُ لَكُمْ إلى قوله: يَرْفَعِ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ دَرَجاتٍ (1)فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع على المؤمن من غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلاّ أن يرفع على من ليس بمؤمن، أخبروني عنه قال: يَرْفَعِ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ دَرَجاتٍ أو قال يرفع اللّه الذين اوتوا شرف النسب درجات؟ أو ليس قال اللّه:
هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (2)فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه اللّه؟ إنّ كسر هذا لفلان الناصب بحجج اللّه التي علّمه إيّاها لأفضل له من كلّ شرف في النسب.
فقال العباسي: يا ابن رسول اللّه قد شرّفت علينا و قصّرتنا عمن ليس له نسب كنسبنا، و ما زال منذ أوّل الاسلام يقدّم الافضل في الشرف على من دونه فيه.
فقال عليه السلام: سبحان اللّه أ ليس العبّاس بايع لأبي بكر و هو تيمي و العبّاس هاشمي؟ أو ليس عبد اللّه بن عبّاس كان يخدم عمر بن الخطاب و هو هاشمي أبو الخلفاء و عمر عدوي؟ و ما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى و لم يدخل العبّاس؟ فإن كان رفعنا لمن ليس بهاشميّ على هاشميّ منكرا فأنكروا على العباس بيعته لأبي بكر، و على عبد اللّه بن العبّاس خدمته لعمر بعد بيعته، فإن كان ذلك جائزا فهذا جائز فكأنما القم (3)الهاشمي حجرا. (4)
ص:32
2-و روى أيضا عن علي بن محمد عليه السلام أنّه قال: لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه، و الدالّين عليه، و الذابّين عن دينه بحجج اللّه و المنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك (1)إبليس و مردته و من فخاخ (2)النواصب لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دين اللّه، و لكنهم هم الّذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها (3)اولئك هم الأفضلون عند اللّه عزّ و جلّ. (4)
ص:33
ص:34
في عبادته عليه السلام
1-الشيخ الطوسي في «أماليه» : عن أبي محمد الفحام، قال: حدّثني عمّي عمر بن يحيى قال: حدّثنا كافور (1)الخادم قال: قال لي الامام عليّ بن محمد عليهما السلام: اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهّر للصلاة، و أنفذني في حاجة و قال: إذا عدت فافعل ذلك ليكون معدّا إذا تأهّبت للصلاة فاستلقى لينام و أنسيت ما قاله لي و كانت ليلة باردة فحسست به و قد قام الى الصلاة و ذكرت أنّني لم أترك السطل، فبعدت عن الموضع خوفا من لومه و تألّمت له حيث يسعى يطلب الاناء (2)فناداني نداء مغضب، فقلت: إنّا للّه أيش عذري أن أقول نسيت مثل هذا و لم أجد بدّا من إجابته.
فجئت مرعوبا فقال لي: يا ويلك أ ما عرفت رسمي أنّني لا اتطهّر إلاّ بماء بارد فسخنت لي ماء و تركته في السطل، قلت و اللّه يا سيّدي ما تركت السطل و لا الماء، قال: الحمد للّه و اللّه لا تركنا رخصة و لا رددنا منحة، الحمد للّه الذي جعلنا من أهل طاعته و وفّقنا للعون على عبادته، إنّ النبي صلى اللّه عليه و آله
ص:35
يقول: إنّ اللّه يغضب على من لا يقبل رخصة (1).
2-محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال: مرض المتوكّل من خراج خرج به و أشرف منه على الهلاك، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت امّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام مالا جليلا من مالها، و قال له الفتح بن خاقان (2): لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام فسألته فإنّه لا يخلو أن يكون عنده صفة شيء يفرّج اللّه بها عنك، فبعث إليه و وصف إليه علّته فردّ إليه الرسول بأن يؤخذ كسب (3)الشاة فيداف (4)بماء الورد فيوضع عليه فلمّا رجع الرسول و أخبرهم أقبلوا يهزءون من قوله، فقال له الفتح: هو و اللّه أعلم بما قال، و أحضر الكسب و عمل كما قال، و وضع عليه فغلبه النوم و سكن، ثم انفتح و خرج منه ما كان فيه و بشّرت امّه بعافيته، فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها.
ثمّ استقل من علته (5)فسعى إليه البطحائي العلوي بأنّ أموالا تحمل إليه و سلاحا، فقال لسعيد الحاجب: اهجم عليه بالليل و خذ ما تجده عنده من الاموال و السلاح و احمله إليّ.
ص:36
قال إبراهيم بن محمد فقال لي سعيد الحاجب: صرت إلى داره بالليل و معي سلّم فصعدت السطح، فلمّا نزلت على بعض الدرج في الظلمة لم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني: يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبّة صوف و قلنسوة منها و سجّادة على حصير بين يديه فلم أشك أنّه كان يصلّي، فقال لي: دونك البيوت، فدخلتها و فتّشتها فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم أمّ المتوكّل و كيسا مختوما و قال لي: دونك المصلّى فرفعته فوجدت سيفا في جفن غير ملبس، فأخذت ذلك و صرت إليه فلمّا نظر إلى خاتم أمّه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه.
فأخبرني بعض خدم الخاصّة: أنها قالت له: كنت قد نذرت في علتك لمّا آيست منك إن عوفيت حملت من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه و هذا خاتمي على الكيس، و فتح الكيس فاذا فيه اربعمائة دينار فضمّ إلى البدرة بدرة اخرى و أمرني بحمل ذلك إليه فحملته و رددت السيف و الكيسين و قلت له: يا سيّدي عزّ عليّ بدخول دارك بغير إذنك و لكنّني مأمور فقال لي يا سعيد:
وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (1). (2)
3-محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد عن بعض اصحابه عن أبي هاشم الجعفري قال: دخلت على أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام
ص:37
فجاء صبيّ من صبيانه فناوله وردة فقبّلها و وضعها على عينيه ثمّ ناولنيها ثمّ قال:
من تناول وردة أو ريحانة فقبّلها و وضعها على عينيه ثم صلّى على محمد و آل محمد-الائمّة-صلوات اللّه عليهم كتب اللّه له من الحسنات مثل رمل عالج (1)و محى عنه من السيّئات مثل ذلك (2).
ص:38
في ورعه عليه السلام
1-محمد بن يعقوب، عن الحسين بن الحسن الحسني، قال: حدّثني أبو الطيّب المثنى، يعقوب بن ياسر، قال: كان المتوكل يقول: و يحكم قد أعياني أمر ابن الرضا (1)عليه السلام، أبى أن يشرب معي أو ينادمني، أو أجد منه فرصة في هذا، فقالوا له: فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى قصّاف عزّاف (2)يأكل و يشرب و يتعشّق قال: ابعثوا إليه فجيئوا به حتى نموّه (3)به على الناس و نقول:
ابن الرضا فكتب إليه و أشخص مكرما و تلقّاه جميع بني هاشم و القوّاد و الناس على أنّه إذا وافى أقطعه قطيعة (4)و بنى له فيها و حوّل الخمّارين و القيان (5)إليه و وصله و بره و جعل له منزلا سريا (6)حتى يزوره هو فيه فلمّا وافى موسى (7)تلقاه أبو الحسن عليه السلام في قنطرة وصيف و هو موضع يتلقى فيه القادمون،
ص:39
فسلّم عليه و وفّاه حقّه، ثمّ قال له: إنّ هذا الرجل قد أحضرك ليهتك و يضع منك فلا تقرّ له أنّك شربت نبيذا قطّ، فقال له موسى: فاذا كان دعاني لهذا فما حيلتي ؟ قال: فلا تضع من قدرك و لا تفعل فإنّما أراد هتكك، فأبى عليه فكرّر عليه.
فلما رأى أنّه لا يجيب قال: أما إنّ هذا مجلس لا تجتمع أنت و هو عليه أبدا فأقام ثلاث سنين، يبكر كل يوم فيقال له: قد تشاغل اليوم، فرح فيروح، فيقال: فبكّر فيبكّر فيقال: شرب دواء فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكّل و لم يجتمع معه عليه. (1)
ص:40
في جوده عليه السلام
1-ابن شهر اشوب قال: دخل أبو عمرو (1)عثمان بن سعيد، و أحمد بن إسحاق الاشعري، و علي بن جعفر الهمداني (2)على أبي الحسن العسكري فشكى إليه أحمد بن إسحاق دينا عليه فقال: يا أبا عمرو-و كان وكيله-ادفع إليه ثلاثين ألف دينار و الى عليّ بن جعفر ثلاثين ألف دينار، و خذ أنت ثلاثين ألف دينار، فهذه معجزة لا يقدر عليها إلاّ الملوك، و ما سمعنا بمثل هذا العطاء انتهى كلامه (3).
ص:41
و قال كمال الدين بن طلحة من أعيان علماء الجمهور في «كتاب مطالب السئول» قال: و ذلك أن أبا الحسن عليه السلام كان يوما قد خرج من سر من رأى إلى قرية لمهمّ عرض له فجاء رجل من الاعراب يطلبه، فقيل له: قد ذهب الى الموضع الفلاني فقصده فلمّا وصل إليه، قال له: ما حاجتك؟ قال: أنا رجل من الاعراب المتمسّكين بولاء جدّك عليّ بن أبي طالب عليه السلام و قد ركبني دين فادح أثقلني حمله، و لم أر من أقصد لقضائه سواك.
فقال أبو الحسن عليه السلام طب نفسا و قرّ عينا ثمّ أنزله فلمّا أصبح ذلك اليوم قال له عليه السلام: اريد منك حاجة اللّه اللّه أن تخالفني فيها، فقال الاعرابي: لا اخالفك فكتب عليه السلام ورقة بخطّه معترفا فيها أنّ للاعرابي مالا عيّنه فيها يرجع عليّ دينه.
و قال: خذ هذا الخطّ فاذا وصلت إلى سر من رأى احضر إليّ و عندي جماعة فطالبني بما فيه و أغلظ القول عليّ في ترك إيفائك إيّاه و اللّه اللّه في مخالفتي، فقال: أفعل و أخذ الخطّ.
فلمّا وصل أبو الحسن إلى سر من رأى و حضر عنده جماعة كثيرة من أصحاب الخليفة و غيرهم حضر الاعرابي و أخرج الخطّ و طالبه و قال كما أوصاه، فألان له أبو الحسن عليه السلام القول، و جعل يعتذر إليه و وعده بوفائه و طيّبه نفسه.
فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكل فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن عليه السلام ثلاثون ألف دينار، فلمّا حملت إليه تركها إلى أن جاء الاعرابي، فقال:
خذ هذا المال فاقض به عن دينك و أنفق الباقي على عيالك و أهلك و أعذرنا، فقال له الاعرابي: يا ابن رسول اللّه إنّ أملي كان يقصر عن ثلث هذا، و لكن اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته و أخذ المال و انصرف، و هذه منقبة من سمع بها
ص:42
حكم له عليه السلام بمكارم الاخلاق و قضى له بالمنقبة المحكوم له بشرفها بالإتقان.
و رواه المالكي أيضا في «الفصول المهمّة» من علماء العامّة أيضا (1).
ص:43
ص:44
حديثه عليه السلام مع المتوكّل في إسلام
أبي طالب عليه السلام
1-روى عليّ بن عبد اللّه الحسني قال: ركبنا مع سيّدنا أبي الحسن عليه السلام الى دار المتوكّل في يوم السلام، فسلّم سيّدنا أبو الحسن عليه السلام و أراد أن ينهض فقال له المتوكّل: تجلس يا أبا الحسن إنّي اريد أن أسألك، فقال له عليه السلام: سل فقال له: ما في الآخرة شيء غير الجنة و النار يحلّون به الناس؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: ما يعلمه إلاّ اللّه فقال له: فعن علم اللّه أسألك، و قال له: و من علم اللّه أخبرك، قال: يا أبا الحسن ما رواه الناس: إنّ أبا طالب يوقف إذا حوسب الخلائق بين الجنّة و النار و في رجله نعلان من نار يغلي منهما دماغه لا يدخل الجنّة لكفره و لا يدخل النار لكفالته رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و صدّه قريشا عنه و أيسر على يده حتى ظهر أمره.
قال له أبو الحسن عليه السلام: ويحك لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة و وضع إيمان الخلائق في الكفة الاخرى لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم جميعا.
قال له المتوكّل: و متى كان مؤمنا؟ قال له: دع ما لا تعلم و اسمع ما لا يردّه المسلمون جميعا و لا يكذّبون به، اعلم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حجّ حجّة الوداع فنزل بالأبطح بعد فتح مكة فلمّا جنّ عليه الليل أتى القبور قبور
ص:45
بني هاشم و قد ذكر أباه و امّه و عمّه أبا طالب فداخله حزن شديد عظيم عليهم و رقّة.
فأوحى اللّه إليه: انّ الجنّة محرّمة على من أشرك بي و أنّي اعطيك يا محمد ما لم اعطه أحدا غيرك فادع أباك و امّك و عمّك فإنّهم يجيبونك و يخرجون من قبورهم أحياء لم يمسّهم عذابي لكرامتك عليّ فادعهم الى الإيمان و رسالتك و موالاة أخيك عليّ و الأوصياء منه إلى يوم القيامة يجيبونك و يؤمنون بك فأهب لك كلّما سألت و أجعلهم ملوك الجنة كرامة لك يا محمد.
فرجع النبي صلى اللّه عليه و آله إلى امير المؤمنين عليه السلام فقال له: قم يا أبا الحسن فقد أعطاني ربّي هذه الليلة ما لم يعطه احدا من خلقه في أبي و أمي و أبيك عمّي، و حدّثه بما أوحى اللّه إليه و خاطبه به، و أخذ بيده و صار الى قبورهم فدعاهم إلى الايمان باللّه و به و آله عليهم السلام و الاقرار بولاية عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام و الأوصياء منه فآمنوا باللّه و برسوله صلى اللّه عليه و آله و سلم و الائمّة منه واحدا بعد واحد الى يوم القيامة فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: عودوا إلى اللّه ربّكم و الى الجنّة فقد جعلكم اللّه ملوكها، فعادوا إلى قبورهم فكان و اللّه أمير المؤمنين يحجّ عن أبيه و أمّه و عن أب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و امّه حتى مضى و وصّى الحسن و الحسين عليهما السلام بمثل ذلك، و كلّ امام منّا يفعل ذلك إلى أن يظهر القائم أمره (1).
فقال له المتوكّل: قد سمعت هذا الحديث و سمعت أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار، فتقدر يا أبا الحسن أن تريني أبا طالب بصفته حتى أقول له
ص:46
و يقول لي؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: إنّ اللّه سيريك أبا طالب في منامك الليلة و تقول له و يقول لك، قال له المتوكّل: سيظهر صدق ما تقول، فإن كان حقا صدّقتك في كلّ ما تقول، قال له ابو الحسن عليه السلام: ما أقول لك إلاّ حقّا و لا تسمع منّي إلاّ صدقا.
قال له المتوكّل: أ ليس في هذه الليلة في منامي؟ قال له: بلى قال: فلمّا أقبل الليل قال المتوكّل: اريد أن لا أرى أبا طالب الليلة في منامي فأقتل عليّ بن محمد بادّعائه الغيب و كذبه فما ذا أصنع، فما لي إلاّ أن اشرب الخمر و آتي الذكور من الرجال و الحرام من النساء، فلعلّ أبا طالب لا يأتيني، ففعل ذلك كلّه و بات في جنابات فرأى أبا طالب في النوم فقال له: يا عمّ حدّثني كيف كان إيمانك باللّه و رسوله بعد موتك؟ فقال: ما حدّثك به ابني عليّ بن محمد في يوم كذا و كذا فقال: يا عمّ تشرحه لي فقال له أبو طالب: فإن لم أشرحه لك تقتل عليّا؟ و اللّه قاتلك، فحدّثه فأصبح فأخّر أبا الحسن عليه السلام ثلاثا لا يطلبه و لا يسأله.
فحدّثنا أبو الحسن عليه السلام بما رآه المتوكّل في منامه و ما فعله من القبائح لئلاّ يرى أبا طالب في نومه، فلمّا كان بعد ثلاث أحضره، فقال له: يا أبا الحسن قد حلّ لي دمك، فقال له: و لم؟ قال في ادّعائك الغيب و كذبك على اللّه، أ ليس قلت لي: إني أرى أبا طالب في منامي تلك الليلة فأقول له و يقول لي فتطهّرت و تصدّقت و صلّيت و عقبت لكي ارى أبا طالب في منامي فأسأله فلم أره في ليلتي و عملت هذه الاعمال الصالحة في الليلة الثانية و الثالثة فلم أره فقد حلّ لي قتلك و سفك دمك.
فقال له أبو الحسن عليه السلام: يا سبحان اللّه ويحك ما أجرأك على اللّه
ص:47
ويحك سوّلت لك نفسك اللوّامة حتى أتيت الذكور من الغلمان و المحرّمات من النساء و شربت الخمر لئلاّ ترى أبا طالب في منامك فتقتلني، فأتاك فقال لك و قلت له: و قصّ عليه ما كان بينه و بين أبي طالب في منامه حتى ما غادر منه حرفا (1)فأطرق المتوكّل ثمّ قال: كلّنا بنو هاشم و سحركم يا آل أبي طالب من دوننا عظيم، فنهض عنه أبو الحسن عليه السلام. (2)
ص:48
في صبره عليه السلام و مقامات له مع المتوكّل
1-الطبرسي في «اعلام الورى» قال: ذكر ابن جمهور قال: حدّثني سعيد بن سهل قال: رفع زيد بن موسى (1)إلى عمر بن الفرج (2)مرارا يسأله أن يقدّمه على ابن أخيه و يقول: إنّه حدث و أنا عمّ أبيه، فقال عمر ذلك لأبي الحسن عليه السلام فقال: افعل واحدة أقعدني غدا قبله ثمّ أنظر، فلمّا كان من الغد أحضر عمر أبا الحسن عليه السلام فجلس في صدر المجلس، ثمّ أذن لزيد بن موسى فدخل، فجلس بين يدي أبي الحسن عليه السلام فلمّا كان يوم الخميس أذن لزيد بن موسى قبله، فجلس في صدر المجلس ثمّ أذن لابي الحسن عليه السلام فدخل فلمّا رآه زيد قام من مجلسه و أقعده في مجلسه و جلس بين يديه، فأشخص أبا الحسن عليه السلام المتوكّل من المدينة إلى سر من رأى، و كان السبب في ذلك أنّ عبد اللّه بن محمد و كان و الي المدينة سعي به إليه، فكتب إليه
ص:49
المتوكّل كتابا يدعو به فيه إلى حضور العسكر على جميل من القول، فلمّا وصل الكتاب إليه عليه السلام تجهز للرحيل و خرج مع يحيى بن هرثمة (1)حتى وصل إلى سر من رأى فلمّا وصل إليها تقدّم المتوكل ان يحجب عنه في منزل في خان يعرف بخان الصعاليك، فأقام فيه يومه ثمّ تقدّم المتوكّل بافراد دار له فانتقل إليها. (2)
2-محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد اللّه عن محمد بن يحيى (3)، عن صالح بن سعيد، قال:
دخلت على أبي الحسن عليه السلام فقلت له: جعلت فداك في كلّ الامور أرادوا إطفاء نورك و التقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الاشنع خان الصعاليك (4)؟ فقال عليه السلام: هاهنا أنت يا ابن سعيد (5)؟ ثمّ أومأ بيده و قال:
انظر، فنظرت فاذا أنا بروضات آنقات و روضات باسرات (6)فيهن خيرات (7)و ولدان كأنهنّ اللؤلؤ المكنون (8)، و أطيار و ظباء و أنهار تفور، فحار بصري
ص:50
و حسرت عيني فقال: حيث كنّا فهذا لنا عتيد (1)لسنا في خان الصعاليك. (2)
3-الراوندي في «الخرائج» : حدّث جماعة من أهل اصفهان، منهم ابو العبّاس أحمد بن النضر و أبو جعفر محمد بن علوية قالوا: كان باصبهان رجل يقال له: عبد الرحمن و كان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي اوجب عليك القول بإمامة عليّ النقيّ عليه السلام دون غيره من اهل الزمان؟ قال: شاهدت ما أوجب ذلك عليّ و هو أني كنت رجلا فقيرا و كان لي لسان و جرأة، فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين فخرجت مع قوم آخرين إلى باب المتوكّل متظلّمين فبينا نحن بالباب إذ خرج الامر بإحضار عليّ بن محمد بن الرضا عليهم السلام فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي قد امر باحضاره؟ فقيل: هو رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ثمّ قال: و قدّرت (3)انّ المتوكّل يحضره للقتل فقلت: لا أبرح من هاهنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أيّ رجل هو؟
قال: فأقبل راكبا على فرس، و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفّين ينظرون إليه، فلما رأيته وقع حبّه في قلبي، فصرت أدعو له في نفسي بأن يدفع
ص:51
اللّه عنه شرّ المتوكّل فأقبل يسير بين الناس و هو ينظر إلى عرف دابّته و لا ينظر يمنة و لا يسرة و أنا اكرّر في نفسي الدعاء له، فلمّا صار بإزائي أقبل بوجهه إليّ و قال: استجاب اللّه دعاءك، و طوّل عمرك، و كثّر مالك و ولدك، قال: فارتعدت من هيبته و وقعت بين أصحابي، فسألوني ما شأنك؟ فقلت: خير و لم أخبر بذلك مخلوقا.
ثمّ انصرفنا بعد ذلك إلى اصفهان ففتح اللّه عليّ بدعائه وجوها من المال، حتى انا اليوم اغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم، سوى مالي خارج داري، و رزقت عشرة من الاولاد، و قد مضى لي من العمر نيفا و سبعين سنة، و أنا اقول بإمامة ذلك الرجل الذي علم ما كان في نفسي و استجاب اللّه دعاءه في امري. (1)
4-الراوندي قال: روي عن أبي سليمان قال: حدّثنا ابن اورمة (2)قال:
خرجت أيام المتوكّل إلى سر من رأى، فدخلت على سعيد الحاجب، و قد دفع المتوكّل أبا الحسن عليه السلام إليه ليقتله، فلمّا دخلت عليه قال: أ تحبّ أن تنظر الى إلهك؟ قال: قلت: سبحان اللّه، إلهي لا تدركه الابصار، قال: هذا الذي تزعمون أنّه امامكم! قلت ما اكره ذلك.
قال: قد أمرني المتوكّل بقتله، و أنا فاعله غدا و عنده صاحب البريد، فاذا خرج فادخل عليه، فلم ألبث أن خرج فقال لي: ادخل فدخلت الدار التي كان
ص:52
فيها محبوسا فاذا بحياله قبر يحفر، فدخلت و سلّمت و بكيت بكاء شديدا، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى، قال: لا تبك لذلك، فإنّه لا يتمّ لهم ذلك، فسكن ما كان بي فقال: إنّه لا يلبث اكثر من يومين حتى يسفك اللّه دمه و دم صاحبه الذي رأيته.
قال: و اللّه ما مضى غير يومين حتى قتل.
فقلت لأبي الحسن عليه السلام حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «لا تعادوا الأيّام فتعاديكم» قال: نعم إنّ لحديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم تأويلا أما السبت فرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و الأحد أمير المؤمنين عليه السلام و الاثنين الحسن و الحسين عليهما السلام و الثلاثاء عليّ ابن الحسين و محمد بن عليّ و جعفر بن محمد عليهم السلام و الاربعاء موسى ابن جعفر و عليّ بن موسى و محمد بن عليّ و أنا عليّ بن محمد، و الخميس ابني الحسن، و الجمعة فالقائم منّا أهل البيت. (1)
5-الراوندي أيضا قال: روى أبو سعيد سهل بن زياد قال: حدّثنا ابو العبّاس فضل بن احمد بن إسرائيل الكاتب، و نحن في داره بسرّمن رأى، فجرى ذكر أبي الحسن عليه السلام فقال: يا سهل إنّي احدّثك بشيء حدّثني به أبي قال: كنّا مع المعتز (2)و كان أبي كاتبه، فدخلنا الدار فاذا المتوكل على سريره
ص:53
قاعد، فسلّم المعتز و وقف، و وقفت خلفه «و كان اذا دخل عليه رحّب به و أمره بالقعود» فأطال القيام و جعل يرفع رجلا و يضع اخرى، و هو لا يأذن له بالقعود، و نظرت إلى وجهه يتغيّر ساعة بعد ساعة، و يقبل على الفتح بن خاقان و يقول هذا الذي تقول فيه ما تقول؟ و يردّد القول و الفتح مقبل عليه يسكّنه و يقول:
مكذوب عليه يا أمير المؤمنين و هو يتلظّى و يقول: و اللّه لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق و هذا الذي يدّعي الكذب و يطعن في دولتي.
ثمّ قال: جئني بأربعة من الخزر جلاف لا يفقهون فجيء بهم و دفع إليهم أربعة أسياف و أمرهم أن يرطنوا (1)بألسنتهم اذا دخل أبو الحسن عليه السلام أن يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه 2و هو يقول: و اللّه لاحرقنّه بعد القتل، و أنا منتصب قائم خلف المعتز من وراء الستر، فما علمت إلاّ بأبي الحسن عليه السلام قد دخل، و قد بادر الناس قدّامه، و قد جاء و التفت و إذا أنا به و شفتاه يتحرّكان و هو غير مكترث 3و لا جازع، فلمّا بصر به المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه و سبقه، فانكبّ عليه فقبّل بين عينيه و يديه و سيفه بيده، و هو يقول:
يا سيّدي يا ابن رسول اللّه يا خير خلق اللّه يا ابن عمّي يا مولاي يا أبا الحسن و أبو الحسن عليه السلام يقول: اعيذك يا أمير المؤمنين باللّه اعفني من هذا فقال: ما جاء بك يا سيّدي في هذا الوقت؟ قال جاءني رسولك فقال: المتوكّل يدعوك، فقال: كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيّدي من حيث أتيت يا فتح يا عبد اللّه 4يا معتز
ص:54
شيّعوا سيّدكم و سيّدي، فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّدا مذعنين فلمّا خرج دعاهم المتوكّل و قال للترجمان (1): أخبرني بما يقولون.
ثم قال لهم: لم لم تفعلوا ما أمرتكم (2)به؟ قالوا: شدّة هيبته رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم، فمنعنا ذلك على ما أمرت به، و امتلأت قلوبنا من ذلك رعبا فقال المتوكّل: يا فتح هذا صاحبك، فضحك في وجه الفتح و ضحك الفتح في وجهه و قال: الحمد للّه الذي بيّض وجهه و أنار حجّته. (3)
6-و روي عن عبد اللّه بن جعفر، عن المعلّى بن محمد قال: قال أبو الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام: انّ هذا الطاغية يبني مدينة بسر من رأى يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمّى بالمنتصر (4)و أعوانه عليه الترك قال:
و سمعته يقول عليه السلام: اسم اللّه على ثلاثة و سبعين حرفا و إنّما كان عند آصف بن برخيا حرف واحد، فتكلم به فخرقت له الأرض فيما بينه و بين مدينة سبأ فتناول عرش بلقيس فأحضره سليمان قبل أن يرتد إليه طرفه، ثم بسطت الارض في أقل من طرفة عين، و عندنا منه اثنان و سبعون حرفا و الحرف الذي كان مع آصف.
و كتب إليه رجل من شيعته من المدائن يسأله عن سني المتوكل فكتب إليه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ
ص:55
فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ اَلنّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ (1)فقتل بعد خمسة عشر سنة.
ثمّ كان من أمر بناء المتوكل الجعفري و ما أمر به بني هاشم و غيرهم من الابنية هناك ما تحدث به و وجّه إلى أبي الحسن عليه السلام بثلاثين ألف درهم و أمره أن يستعين بها على بناء دار، و ركب المتوكل يطوف على الأبنية فنظر الى دار أبي الحسن عليه السلام لم ترفع إلاّ قليلا فأنكر ذلك و قال لعبيد اللّه بن يحيى ابن خاقان: عليّ و عليّ يمينا وكّدها (2)لان ركبت و لم ترفع دار أبي الحسن عليه السلام لأضربنّ عنقه، فقال له عبيد اللّه: يا أمير المؤمنين لعلّه في إضاقة فأمر له بعشرين ألف درهم فوجّه بها إليه مع أحمد ابنه و قال له: تحدّثه بما جرى فصار إليه و أخبره بما جرى فقال: إن ركب فليفعل ذلك.
و رجع أحمد إلى أبيه عبيد اللّه فعرفه ذلك فقال عبيد اللّه: ليس و اللّه يركب فلمّا كان في يوم الفطر من السنة التي قتل فيها أمر بني هاشم بالترجّل (3)و المشي بين يديه، و إنّما أراد بذلك أبا الحسن فترجّل بنو هاشم و ترجّل أبو الحسن فاتّكى على رجل من مواليه فأقبل عليه الهاشميّون فقالوا: يا سيّدنا ما في هذا العالم أحد يدعو اللّه فيكفينا مئونته فقال أبو الحسن عليه السلام: في هذا العالم من قلامة ظفره أعظم عند اللّه من ناقة صالح لمّا عقرت و ضجّ الفصيل إلى اللّه فقال اللّه عزّ من قائل تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ
ص:56
مَكْذُوبٍ (1)فقتل في اليوم الثالث. (2)
7- «ثاقب المناقب» عن محمد بن حمدان، عن إبراهيم بن بلطون، عن أبيه، قال: كنت أحجب المتوكل فأهدي له خمسون غلاما من الخزر و أمر أن أتسلّمهم و احسن إليهم، فلمّا تمّت سنة كاملة، كنت واقفا بين يديه إذ دخل عليه أبو الحسن عليّ بن محمّد النقي عليه السلام فأخذ مجلسه و أمرني أن اخرج الغلمان من بيوتهم، فأخرجتهم فلمّا بصروا بأبي الحسن عليه السلام سجدوا له بأجمعهم، و لم يتمالك المتوكل أن قام يجرّ رجله حتى توارى خلف الستر، ثمّ نهض عليه السلام.
فلمّا علم المتوكّل بذلك خرج إليّ فقال: ويلك يا بلطون ما هذا الّذي فعل هؤلاء الغلمان؟ فقلت: و اللّه ما أدري قال: سلهم فسألتهم عمّا فعلوه، فقالوا: هذا رجل يأتينا كلّ سنة فيعرض علينا الدين، و يقيم عندنا عشرة أيّام، و هو وصيّ نبي المسلمين، فأمر بذبحهم عن آخرهم.
فلمّا كان وقت العتمة صرت إلى أبي الحسن عليه السلام فإذا خادم على الباب فنظر إليّ فقال لمّا بصر بي: ادخل فدخلت فإذا هو عليه السلام جالس فقال عليه السلام يا بلطون ما صنع القوم؟
فقلت: يا ابن رسول اللّه ذبحوا عن آخرهم.
فقال لي: كلّهم؟
فقلت: إي و اللّه فقال عليه السلام تحبّ أن تراهم؟
قلت: نعم يا ابن رسول اللّه فأومئ بيده أن أدخل الستر فدخلت فإذا أنا
ص:57
بالقوم قعود و بين أيديهم فاكهة يأكلون. (1)
ص:58
في حديثه عليه السلام مع زينب الكذابة
1-الراوندي إنّ أبا هاشم الجعفري قال: ظهرت في أيّام المتوكل امرأة تدّعي أنّها زينب بنت فاطمة عليها السلام بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لها المتوكل: أنت امرأة شابة و قد مضى من وقت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ما مضى من السنين، فقالت: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مسح على رأسي و سأل اللّه عزّ و جلّ ان يردّ عليّ شبابي في كلّ اربعين سنة و لم اظهر للناس الى هذه الغاية فلحقني الحاجب فصرت إليهم (1).
فدعا المتوكّل مشايخ آل أبي طالب و ولد أبي العباس و قريش فعرّفهم حالها فروى جماعة وفاة زينب بنت فاطمة عليها السلام في سنة كذا فقال لها:
ما تقولين في هذه الرواية؟
فقالت: كذب و زور، فإنّ أمري كان مستورا عن النّاس فلم يعرف لي موت و لا حياة، فقال لهم المتوكل: هل عندكم حجّة على هذه المرأة غير هذه الرواية؟ فقالوا: لا، فقال: هو بريء من العباس أن لا أتركها (2)عمّا ادّعت إلاّ بحجة.
قالوا: فأحضر عليّ بن محمّد عليهما السلام فلعلّ عنده شيئا من الحجّة غير ما عندنا فبعث إليه فحضر، فأخبره بخبر المرأة فقال: كذبت فإنّ زينب عليها
ص:59
السلام توفّيت في سنة كذا في شهر كذا قال: فإن هؤلاء قد رووا مثل هذه و قد حلفت أن لا أتركها (1)عمّا ادّعت إلاّ بحجّة تلزمها.
قال: فههنا (2)حجّة تلزمها و تلزم غيرها، قال: و ما هي؟ قال عليه السلام:
لحوم ولد فاطمة محرّمة على السّباع فأنزلها إلى السّباع، فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرّها، فقال لها: ما تقولين؟ قالت: إنّه يريد قتلي، قال: فههنا جماعة من ولد الحسن و الحسين عليهما السلام فأنزل من شئت منهم، قال: فو اللّه لقد تغيّرت وجوه الجميع، فقال بعض المبغضين: هو يحيل على غيره و لم لا يكون هو؟
فمال المتوكل الى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع فقال: يا أبا الحسن لم لا تكون أنت ذلك؟ قال: ذلك إليك، قال: فافعل، قال:
أفعل إن شاء اللّه، و أتى بسلّم و فتح عن السّباع كانت ستة من الاسد فنزل الإمام عليه السلام (3)فلمّا وصل و جلس صارت الاسود إليه، و رمت بأنفسها بين يديه، و مدّت بأيديها و وضعت رءوسها بين يديه، و جعل يمسح على كلّ واحد منها بيده ثم يشير بيده إليه بالاعتزال فيعتزل ناحية، حتّى اعتزلت كلّها و وقفت بإزائه.
فقال له الوزير: ما هذا صوابا فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره فقال له: يا أبا الحسن ما أردنا بك سوء و إنّما اردنا أن نكون على يقين مما قلت فأحبّ أن تصعد، فقام و صار إلى السلّم و هم حوله تتمسّح بثيابه، فلما وضع رجله على أول درجة التفت إليها و أشار بيده أن ترجع فرجعت و صعد، ثمّ قال:
كلّ من زعم أنّه من ولد فاطمة عليها السلام فليجلس في ذلك المجلس، فقال
ص:60
لها المتوكل: انزلي، قالت: اللّه اللّه ادّعيت الباطل و أنا بنت فلان حملني الضرّ على ما قلت، قال المتوكّل: ألقوها الى السباع فبعثت والدته فاستوهبتها منه فأحسن إليها (1).
2-ابن شهر اشوب عن أبي الهلقام، و عبد اللّه بن جعفر الحميري و الصقل (2)الجبلي، و أبي شعيب الحنّاط و عليّ بن مهزيار قالوا: كانت زينب الكذّابة تزعم أنها بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأحضرها المتوكّل و قال:
اذكري نسبك، فقالت: أنا زينب بنت عليّ و أنها كانت حملت إلى الشّام فوقعت الى بادية من بني كلب، فأقامت بين ظهرانيهم (3)فقال لها المتوكل: إنّ زينب بنت عليّ قديمة و أنت شابّة، فقالت لحقتني دعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بأن يردّ شبابي في كل خمسين سنة، فدعا المتوكّل وجوه آل أبي طالب، فقال: كيف نعلم كذبها؟ فقال الفتح: لا يخبرك بهذا إلاّ ابن الرّضا فأمر بإحضاره و سأله.
فقال عليه السلام: إنّ في ولد علي علامة، قال: و ما هي؟ قال: لا تعرض لهم السباع، فألقها إلى السباع فإن لم تعرض لها فهي صادقة، فقالت: يا أمير المؤمنين اللّه اللّه فيّ فإنّما أراد قتلي و ركبت الحمار و جعلت تنادي الا إنّني زينب الكذّابة، و في رواية أنّه عرض عليها ذلك فامتنعت فطرحت للسباع فأكلتها.
قال عليّ بن مهزيار: فقال عليّ بن الجهم (4)جرّب هذا على قوله،
ص:61
فأجيعت السباع ثلاثة أيام ثمّ دعى بالإمام عليه السلام و اخرجت السّباع فلمّا رأته لاذت به و بصبصت بأذنابها (1)فلم يلتفت الإمام عليه السلام إليها، و صعد السقف و جلس عند المتوكّل، ثم نزل من عنده و السباع تلوذ به تبصبص حتّى خرج عليه السلام و قال: قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: حرّم لحوم أولادي على السّباع. (2)
3-و في كتاب «ثاقب المناقب» قال: إنّه صار إلى سرّ من رأى و كانت زينب الكذّابة ظهرت و ذكرت أنّها زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأحضرها المتوكّل و قال لها، فانتسبت إلى عليّ بن أبي طالب و فاطمة عليهما السلام، فقال لجلسائه: فكيف بنا بصحّة أمر هذه و عند من نجده؟
فقال الفتح بن خاقان: ابعث إلى ابن الرّضا عليه السلام فأحضره حتّى يخبرك حقيقة أمرها، فأحضره عليه السلام فرحّب المتوكّل و أجلسه معه على سريره، و قال: إنّ هذه تدّعي كذا فما عندك؟ فقال عليه السلام: المحنة في هذه قريبة، إنّ اللّه تعالى حرّم لحم جميع من ولدته فاطمة و عليّ عليهما السلام من ولد الحسن و الحسين عليهما السلام على السّباع، فألقها للسباع، فإن كانت صادقة لم تتعرّض لها، و إن كانت كاذبة أكلتها، فعرض عليها فكذّبت نفسها و ركبت حمارها في طريق سر من رأى تنادي على نفسها، و جاريتها على حمار آخر: بأنّها زينب الكذّابة و ليس لها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ و فاطمة عليهما السلام قرابة، ثمّ رحلت إلى الشّام.
فلمّا أن كان بعد ذلك بأيّام ذكر عند المتوكّل أبو الحسن عليه السلام و ما قال في زينب، قال عليّ بن الجهم: يا أمير المؤمنين لو جرّبت قوله على نفسه
ص:62
فعرفت حقيقة قوله، فقال: أفعل-ثمّ تقدّم الى قوّام السباع فأمرهم أن يجيعوها ثلاثة أيّام (1)و يحضروها القصر، فترسل في صحنه-و قعد هو في المنظر و أغلق أبواب الدرجة و بعث إلى أبي الحسن عليه السلام فاحضر و أمره أن يدخل من باب القصر، فدخل فلمّا صار في الصحن أمر بغلق الباب و خلّى بينه و بين السّباع في الصّحن.
قال عليّ بن يحيى: و أنا في الجماعة و ابن حمدون فلما حضر عليه السلام فدخل و السباع قد اصمّت الأذان من زئيرها، فلمّا مشى في الصّحن يريد الدّرجة مشت إليه السّباع و قد سكنت من زئيرها و لم نسمع لها حسّا حتّى تمسّحت به و دارت حوله و هو يمسح رءوسها بكمّه ثمّ ضربت صدورها الأرض فما مشت و لا زأرت حتّى صعد الدرجة.
و قام المتوكّل فدخل فارتفع أبو الحسن عليه السلام و قعد طويلا ثمّ قام فانحدر ففعلت السباع كفعلها في الأوّل و فعل هو بها كفعله الأوّل فلم تزل رابضة (2)حتى خرج من الباب الذي دخل منه و ركب و انصرف و أتبعه المتوكّل بمال جزيل وصل به.
و قال ابن الجهم: فقمت و قلت: يا أمير المؤمنين أنت امام فافعل كما فعل ابن عمك فقال: و اللّه لإن بلغني أنّ أحدا من الناس علم ذلك لأضربنّ عنقك و عنق هذه العصابة كلّهم فو اللّه ما تحدّثنا بذلك حتّى مات و بلغ إلى ما يستحقّ.
ثمّ قال صاحب «ثاقب المناقب» عقيب ذلك: و ذكر الحديث أبو عبد اللّه النيسابوري في كتابه الموسوم بالمفاخر و نسب إلى جدّه الرّضا عليه السلام هو أنّه قال: دخلت على المأمون زينب الكذّابة و كانت تزعم أنّها بنت علي بن أبي
ص:63
طالب عليه السلام و أنّ عليا عليه السلام دعى لها بالبقاء إلى يوم القيامة، فقال المأمون للرّضا عليه السلام مصداق قولها هذا أنّا اهل بيت لحومنا محرمة على السباع فاظهر الى السباع فان تك صادقة فان السباع تعفي لحمها.
قالت زينب ابتدأ بالشيخ قال المأمون: لقد انصفت فنزل الرضا عليه السلام فلما رأته قهقهت و أومت إليه بالسخرة فصلى فيما بينها ركعتين و خرج منها فأمر المأمون زينب فنزل فأبت و طرحت للسباع فأكلتها.
ثم قال المصنف رحمه اللّه إني قد وجدت في تمام هذه الرواية انه كان من السباع سبع مريض ضعيف فهمهم شيئا في اذنه فاشار عليه السلام الى اعظم السباع بشيء وضع رأسه له فلما خرج قيل له: ما قال لك الأسد الضعيف و ما قلت للآخر قال: انه شكى إليّ و قال إني ضعيف فاذا طرح إلينا فريسة و لم اقدر على أن اكلها فاشر الى الكبير بأمري فاشرت إليه فقيل له-قال فذبحت بقرة و القيت الى السباع فجاء الأسد و وقف عليها و منع السباع ان تأكلها حتى شبع الضعيف ثم ترك السباع حتى أكلتها.
ثم قال: قال المصنف رحمه اللّه تعالى و أقول أيضا انه غير ممتنع ان يكون ذلك غير الآخر و ان ما نسب في أمر أبي الحسن عليه السلام في زينب الكذابة غير منسوب إليها و انما فعل ذلك المتوكل ابتداء و تعرض لامر آخر لانه كان مشغوفا بايذاء اهل البيت عليهم السلام (1).
ص:64
في حديثه عليه السلام مع الهندي اللاعب
1-الرّاوندي قال: روى ابو القاسم بن أبي القاسم البغدادي عن زراقة (1)حاجب المتوكل أنّه قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند الى المتوكل يلعب بالحقّ (2)لم ير مثله، و كان المتوكّل لعّابا فأراد أن يخجل عليّ بن محمّد بن الرّضا عليهم السلام فقال لذلك الرّجل: إن أنت أخجلته أعطيتك ألف دينار ركنية. (3)
قال: تقدم (4)بأن يخبز رقاق (5)خفاف و اجعلها على المائدة و أقعدني إلى جنبه ففعل و أحضره عليه السلام و كانت له مسورة (6)على يساره، و كان عليها صورة أسد، و روي أنّه كان على باب من الأبواب ستر على صورة أسد، و جلس اللاّعب و قدّم المائدة فمدّ الإمام عليه السلام يده الى رقاقة فطيّرها المشعبذ في الهواء، فمدّ يده الى أخرى فطيّرها في الهواء، و مدّ الى أخرى ثالثة فطيّرها و تضاحك الجمع.
ص:65
فضرب عليّ بن محمّد عليهما السلام يده على تلك الصورة الّتي على المسورة و قال: خذ عدو اللّه فوثبت تلك الصورة فابتلعت الرّجل اللاعب و عادت الى مكانها كما كانت فتحيّر الجميع، و نهض علي بن محمّد عليهما السلام ليمضي فقال له المتوكّل: سألتك إلاّ جلست و رددته، فقال: و اللّه لا يرى بعدها أ تسلّط أعداء اللّه على أولياء اللّه؟ و خرج من عنده فلم يرى الرجل بعد ذلك. (1)
2-و الذي رواه غيره أنّه ورد على المتوكل رجل من الهند مشعبذ يلعب الحقّة فأحضره المتوكّل فلعب بين يديه بأشياء ظريفة فكثر تعجبه منها، فقال للهندي: يحضر الساعة عندنا رجل فالعب بين يديه بكلّ ما تحسن و تعرّض به و أقصد تخجيله (2)فحضر سيّدنا أبو الحسن عليه السلام و لعب الهندي و هو ينظر إليه و المتوكّل يعجب من لعبه حتى تعرّض الهندي بسيّدنا فقال: مالك أيّها الشريف لا تهشّ (3)للعبي أحسبك جائعا، و ضرب الهندي يده الى صورة في البساط و قد ارتقى فأراهم أنّها رغيف (4)و قال: امض يا رغيف إلى هذا الجائع حتّى يأكلك و يفرح بلعبي فوضع سيّدنا أبو الحسن عليه السلام اصبعه على صورة سبع في البساط و قال له: خذه، فوثب من تلك الصورة سبع عظيم فابتلع الهندي و رجع إلى صورته في البساط، فسقط المتوكّل لوجهه و هرب من كان
ص:66
قائما، فقال المتوكل و قد ثاب (1)إليه عقله: يا أبا الحسن أين الرجل؟ ردّه، قال له أبو الحسن عليه السلام: إن ردّت عصا موسى ما لقفت ردّ هذا الرجل و نهض، و هذا الحديث متكرّر في الكتب. (2)
ص:67
ص:68
في حديث تل المخالي
1-الرّاوندي قال: إنّ المتوكّل، و قيل: الواثق أمر العسكر (1)و هم تسعون ألف فارس من الأتراك السّاكنين بسرّمن رأى أن يملأ كلّ واحد منهم مخلاة (2)فرسه من الطّين الأحمر و يجعلوا بعضه على بعض في وسط بريّة (3)واسعة هناك، فلمّا فعلوا ذلك صار مثل جبل عظيم و اسمه تلّ المخالي صعد فوقه و استدعى أبا الحسن عليه السلام و قال: استحضرتك لنظارة خيولي، و قد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف (4)و يكمّلوا الأسلحة (5)و قد عرضوا بأحسن زينة و أتمّ عدّة و أعظم هيبة، و كان غرضه أن يكسر قلب كلّ من يخرج عليه، و كان خوفه من أبي الحسن عليه السلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.
فقال له أبو الحسن عليه السلام: و هل تريد أن أعرض عليك عسكري؟ قال: نعم، قال: فدعا اللّه سبحانه و تعالى فإذا بين السّماء و الأرض من المشرق
ص:69
و المغرب ملائكة مدجّجون (1)فغشي على الخليفة، فقال له أبو الحسن عليه السلام لمّا أفاق من غشيته: نحن لا ننافسكم في الدّنيا و نحن مشغولون بأمر الآخرة، فلا عليك منّي (2)ممّا تظنّ بأس. (3)
و هذا الحديث أيضا رواه صاحب «ثاقب المناقب» .
ص:70
في نصّ ابيه عليه بالإمامة و انّه وصيّه عليهما السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن ابيه، عن إسماعيل بن مهران، قال لمّا خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة الى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه (1)قلت له عند خروجه: جعلت فداك إنّي أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر من بعدك؟ فكرّ إليّ بوجهه ضاحكا و قال: ليس حيث ظننت في هذه السنة، فلما أخرج به الثانية الى المعتصم صرت إليه، فقلت:
جعلت فداك أنت خارج، فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته، ثمّ التفت إليّ، فقال لي: عند هذه يخاف عليّ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ. (2)
2-و عنه عن الحسين بن محمّد، عن الخيراني، عن ابيه أنّه قال: كان (3)يلزم باب أبي جعفر عليه السلام لخدمته الّتي كان و كلّ بها، و كان أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري يجيء في السّحر في كلّ ليلة ليعرف خبر علّة أبي جعفر عليه السلام و كان الرّسول الذي يختلف بين أبي جعفر و بين أبي إذا حضر قام أحمد و خلا به أبي، فخرجت ذات ليلة و قام أحمد عن المجلس و خلا أبي
ص:71
بالرّسول و استدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال لأبي: إنّ مولاك يقرأ عليك السلام و يقول لك: إنّي ماض و الأمر صائر الى ابني عليّ و له عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي.
ثم مضى الرّسول و رجع أحمد الى موضعه، و قال لأبي: ما الّذي قد قال لك؟ قال: خيرا قال: قد سمعت ما قال، فلم تكتمه؟ و أعاد ما سمع، فقال له أبي:
قد حرّم اللّه عليك ما فعلت، لأنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: وَ لا تَجَسَّسُوا (1)فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوما ما و إيّاك أن تظهرها إلى وقتها. (2)
فلمّا اصبح (3)أبي كتب نسخة الرّسالة في عشر رقاع، و ختمها و دفعها الى عشرة من وجوه العصابة فقال: إن حدث بي حدث الموت قبل أن اطالبكم بها فافتحوها و اعملوا بما فيها فلمّا مضى أبو جعفر عليه السلام ذكر أبي أنّه لم يخرج من منزله حتّى قطع على يديه نحو من أربعمائة إنسان و اجتمع رؤساء العصابة عند محمّد بن الفرج يتفاوضون (4)هذا الأمر، فكتب محمّد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده، و أنّه لو لا مخافة الشهرة لصار معهم إليه و يسأله أن يأتيه، فركب أبي فصار إليه، فوجد القوم مجتمعين عنده، فقالوا لأبي: ما تقول في هذا الامر؟ فقال أبي لمن كان عنده الرقاع: أحضروا الرقاع فأحضروها، فقال لهم: هذا ما أمرت به.
فقال بعضهم: قد كنا نحبّ أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر؟ فقال لهم: قد آتاكم اللّه عز و جل به، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه
ص:72
الرّسالة و سأله أن يشهد بما عنده، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئا فدعاه أبي إلى المباهلة فقال لمّا حقق عليه: قال قد سمعت ذلك، و هذه مكرمة كنت أحبّ أن تكون لواحد من العرب لا لرجل من العجم، فلم يبرح القوم حتّى قالوا بالحقّ جميعا. (1)
3-ابن بابويه قال: حدثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار (2)قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: حدّثنا حمدان بن سليمان، قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف (3)قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام يقول: إنّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، و قوله قولي، و طاعته طاعتي، و الإمام (4)بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، و قوله قول أبيه، و طاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاء شديدا، ثمّ قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر، فقلت له: يا ابن رسول اللّه و لم سمّي القائم؟ قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره، و ارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: و لم سمّي المنتظر؟ قال: لأنّ له غيبة يكثر أيّامها و يطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون، و ينكره المرتابون، و يستهزئ بذكره الجاحدون، و يكذب فيها الوقّاتون، و يهلك فيها المستعجلون، و ينجو فيها
ص:73
المسلمون (1).
4-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد السندي قال: حدّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن أحمد بن هلال (2)عن أميّة ابن علي القيسي (3)، قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام من الخلف بعدك؟ قال: ابني عليّ، ثمّ قال: اما إنّها سيكون حيرة، قال: قلت إلى أين؟ فسكت، ثمّ قال: إلى المدينة، قال: قلت: و أيّ مدينة؟ قال: مدينتنا هذه، و هل مدينة غيرها؟
قال أحمد بن هلال: و أخبرني محمّد بن إسماعيل بن بزيع أنّه حضر اميّة ابن علي و هو يسأل أبا جعفر الثّاني عليه السلام عن ذلك، فأجابه بذلك الجواب. (4)
5-و عنه بهذا الإسناد عن أميّة بن علي القيسي، عن أبي هيثم التميمي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا توالت ثلاثة اسماء كان رابعهم قائمهم محمّد و عليّ و الحسن عليهم السلام. (5)
6-الشيخ حسين في «عيون المعجزات» قال: روى الحميري بإسناده عن
ص:74
عليّ بن مهزيار قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّي كنت سألت اباك عن الإمام بعده فنصّ عليك، ففيمن الإمامة بعدك؟ فقال عليه السلام: في اكبر ولدي، و نصّ على أبي محمّد عليه السلام فقال صلوات اللّه عليه: إنّ الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهما. (1)
ص:75
ص:76
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين.
أما بعد فهذا المنهج الثاني عشر في الإمام الحادي عشر أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين و فيه اثنا عشر بابا.
الباب الأوّل-في مولده عليه السلام.
الباب الثاني-في علمه عليه السلام.
الباب الثالث-في عبادته عليه السلام.
الباب الرابع-في فضله و عفافه و كرمه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه عند الخاصّ و العامّ.
الباب الخامس-في جوده عليه السلام.
الباب السادس-حديثه عليه السلام مع الطبيب الذي أعطاه خمسين دينارا لما فصده.
الباب السابع-حديثه عليه السلام مع أنوش النصراني.
الباب الثامن-حديث البغل مع المستعين.
الباب التاسع-في حديث الشاكري و الفرس.
الباب العاشر-حديث الرّاهب في الاستسقاء.
الباب الحادي عشر-في حديث البساط.
الباب الثاني عشر-في أنّه وصيّ ابيه و الإمام بعده.
ص:77
ص:78
في مولده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن منصور بن يونس، عن يونس بن ظبيان، قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد أن يخلق الإمام من الإمام بعث ملكا فأخذ شربة من (1)تحت العرش، ثمّ أوقفها أو دفعها إلى الإمام فشربها، فيمكث في الرّحم أربعين يوما لا يسمع الكلام، ثمّ يسمع الكلام بعد ذلك، فإذا وضعته أمّه بعث اللّه إليه ذلك الملك الّذي أخذ الشربة فكتب على عضده الأيمن وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (2)فإذا قام بهذا الأمر رفع اللّه له في كل بلدة منارا ينظر به إلى أعمال العباد. (3)
ص:79
ص:80
في علمه عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدثنا محمّد بن القاسم المفسّر (1)رضي اللّه عنه، قال:
حدّثني يوسف بن محمّد بن زياد (2)، و عليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه عليّ بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه علي ابن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن ابيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد ابن علي، عن ابيه عليّ بن الحسين عليهم السلام في قول اللّه تبارك و تعالى: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اَلْأَرْضَ فِراشاً وَ اَلسَّماءَ بِناءً (3)قال: جعلها ملائمة
ص:81
لطبائعكم موافقة لأجسادكم و لم يجعلها شديدة الحمأ و الحرارة فتحرقكم، و لا شديدة البرودة فتجمدكم، و لا شديدة طيب الريح فتصدّع هاماتكم، و لا شديدة النتن فتعطبكم، و لا شديدة اللّين كالماء فتغرقكم، و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم و أبنيتكم و قبور موتاكم، و لكنّه عزّ و جلّ جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به، و تتماسكون و تتماسك عليها أبدانكم و بنيانكم، و جعل فيها ما تنقاد به لدوركم و قبوركم، و كثير من منافعكم فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.
ثم قال عزّ و جلّ وَ اَلسَّماءَ بِناءً أي سقفا من فوقكم محفوظا يدير فيها شمسها و قمرها و نجومها لمنافعكم.
ثم قال تعالى: وَ أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّماءِ ماءً يعني المطر ينزله من علا ليبلغ قلل جبالكم و تلالكم و هضابكم (1)و أوهدكم (2)ثم فرّقه رذاذا و وابلا (3)و هطلا لتنشفه أرضوكم و لم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أراضيكم و أشجاركم و زروعكم و ثماركم.
ثم قال عزّ و جلّ: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ اَلثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ يعني ممّا يخرجه من الأرض رزقا لكم، فَلا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً أي أشباها و أمثالا من الأصنام الّتي لا تعقل و لا تسمع و لا تبصر و لا تقدر على شيء وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنّها لا تقدر على شيء من هذه النّعم الجليلة الّتي أنعمها عليكم ربّكم تبارك و تعالى. (4)
ص:82
2-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الأسترآبادي المعروف بأبي الحسن الجرجاني المفسّر رضي اللّه عنه قال: حدّثني أبو يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد و أبو الحسن عليّ بن محمّد بن سيّار عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أنّه قال: كذّبت قريش و اليهود بالقرآن و قالوا: هذا سحر مبين تقوّله فقال اللّه: الم ذلِكَ اَلْكِتابُ (1)اي يا محمّد هذا الكتاب الّذي أنزلته عليك هو بالحروف المقطّعة الّتي منها «الف لام ميم» و هو بلغتكم و حروف هجائكم، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ. . . إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (2)و استعينوا على ذلك بسائر شهدائكم، ثم بيّن أنّهم لا يقدرون عليه بقوله: قُلْ لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ اَلْإِنْسُ وَ اَلْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا اَلْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً . (3)
ثم قال اللّه: الم هو القرآن الّذي أفتتح بألم هو ذلِكَ اَلْكِتابُ الّذي أخبر به موسى عليه السلام فمن بعده من الأنبياء و أخبروا بني إسرائيل أنّي سأنزل عليك يا محمّد كتابا عربيّا عزيزا لا يَأْتِيهِ اَلْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (4)لا رَيْبَ فِيهِ لا شك فيه لظهوره عندهم، كما أخبرهم أنبياؤهم أنّ محمّدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل، يقرأه هو و امّته على سائر أحوالهم هُدىً بيان من الضلالة لِلْمُتَّقِينَ الذين يتّقون الموبقات، و يتّقون تسليط السفه على أنفسهم حتى إذا علموا ما يجب عليهم
ص:83
علمه عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم.
قال: و قال الصادق عليه السلام ثم الألف حرف من حروف دلّ بالالف على قولك اللّه و دلّ باللاّم على قولك: الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين، و دلّ بالميم على أنّه المجيد المحمود في كلّ أفعاله، و جعل هذا القول حجّة على اليهود، و ذلك أنّ اللّه لمّا بعث موسى بن عمران ثمّ من بعده من الأنبياء إلى بني إسرائيل لم يكن فيهم قوم إلاّ أخذوا عليهم العهود و المواثيق ليؤمنن بمحمّد العربيّ الأمّيّ المبعوث بمكة الّذي يهاجر الى المدينة، يأتي بكتاب بالحروف المقطّعة افتتاح بعض سوره، تحفظه أمّته فيقرءونه قياما و قعودا و مشاة و على كلّ الأحوال يسهّل اللّه عز و جل حفظه عليهم، و يقرنون بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم أخاه و وصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الآخذ عنه علومه الّتي علّمها.
و المتقلّد منه الإمامة (1)الّتي قلّدها، و مذلّل كلّ من عاند محمّدا بسيفه الباتر، و مفحم كلّ من جادله و خاصمه بدليله القاهر، يقاتل عباد اللّه على تنزيل كتاب اللّه حتى يقودهم الى قبوله طائعين و كارهين.
ثمّ إذا صار محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم الى رضوان اللّه عزّ و جلّ و ارتدّ كثير ممن كان أعطاه ظاهر الإيمان، و حرّفوا تأويلاته، و غيّروا معانيه و وضعوها على خلاف وجوهها، قاتلهم بعد ذلك على تأويله، حتّى يكون إبليس الغاوي لهم هو الخاسىء (2)الذليل المطرود المغلوب.
قال: فلمّا بعث اللّه محمّدا و أظهره بمكة ثمّ سيّره منها إلى المدينة و اظهره بها، ثمّ أنزل عليه الكتاب و جعل افتتاح سورته الكبرى بألم يعني الم ذلِكَ
ص:84
اَلْكِتابُ الّذي (1)أخبرت أنبيائي السالفين، أنّي سأنزله عليك يا محمّد لا رَيْبَ فِيهِ فقد ظهر كما أخبرهم به أنبياؤهم أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل، يقرأه هو و امّته على سائر أحوالهم ثمّ اليهود يحرّفونه عن جهته و يتأوّلونه على خلاف وجهه، و يتعاطون التوصل الى علم ما قد طواه اللّه عنهم من حال آجال هذه الأمّة و كم مدّة ملكهم.
فجاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منهم جماعة فولّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليا عليه السلام مخاطبتهم.
فقال قائلهم: إن كان ما يقول محمّد حقّا فقد علّمناكم قدر ملك أمّته هو إحدى و سبعون سنة «الالف» واحد «و اللام» ثلاثون «و الميم» أربعون.
فقال عليّ عليه السلام: فما تصنعون ب المص (2)و قد أنزلت عليه؟ قالوا: هذه إحدى و ستّون و مائة سنة قال: فما ذا تصنعون ب الر (3)و قد انزلت عليه؟ فقالوا: هذه اكثر هذه مائتان و إحدى و ثلاثون سنة، فقال علي عليه السلام:
فما تصنعون بما انزل؟ عليه المر (4)قالوا: هذه مائتان و إحدى و سبعون سنة، فقال عليّ عليه السلام فواحدة من هذه له أو جميعها له؟ فاختلط كلامهم فبعضهم قال: له واحدة منها، و بعضهم قال: بل يجمع له كلها و ذلك سبعمائة و أربع سنين (5)، ثم يرجع الملك علينا يعني إلى اليهود.
فقال عليّ عليه السلام: أ كتاب من كتب اللّه عز و جل نطق بهذا أم آراؤكم دلّتكم عليه؟ فقال بعضهم: كتاب اللّه نطق به، و قال آخرون منهم: بل آراؤنا دلّت
ص:85
عليه، فقال عليّ عليه السلام: فأتوا بكتاب من عند اللّه ينطق بما تقولون، فعجزوا عن إيراد ذلك، و قال للآخرين فدلّونا على صواب هذا الرأي، فقالوا رأينا دليله على هذا حساب الجمل.
فقال عليّ عليه السلام: فكيف دلّ على ما تقولون و ليس في هذه الأحرف إلاّ ما اقترحتم بلا بيان، أ رأيتم إن قيل لكم: إنّ هذه الحروف ليست دالّة على هذه المدّة لملك أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لكنّها دالّة على أنّ عدد ذلك لكلّ واحد منكم و منّا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، أو علي أنّ لعلي كلّ واحد منكم دينا عدد ماله مثل عدد هذا الحساب، و أنّ كلّ واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب؟ قالوا: يا أبا الحسن ليس شيء ممّا ذكرته منصوصا عليه في الم و المص و الر و المر فقال عليّ عليه السلام: و لا شيء ممّا ذكرتموه منصوص عليه في الم و المص و المر فإن بطل قولنا لما قلنا بطل قولك لما قلت.
فقال خطيبهم و منطيقهم: لا تفرح يا عليّ بأن عجزنا عن إقامة حجّة على دعوانا فأيّ حجّة لك في دعواك إلاّ أن تجعل عجزنا حجتك، فاذا ما لنا حجة فيما نقول و لا لكم حجّة فيما تقولون، قال عليّ عليه السلام: لا سواء، إنّ لنا حجّة هي المعجزة الباهرة.
ثم نادى جمال اليهود يا أيتها الجمال اشهدي لمحمّد و لوصيّه عليهما السلام فتبادرت الجمال صدقت صدقت يا وصيّ محمّد و كذبت هؤلاء اليهود، فقال عليّ عليه السلام هؤلاء جنس من الشهود يا ثياب اليهود، الّتي عليهم اشهدي لمحمّد و لوصيّه، فنطقت ثيابهم كلّها صدقت صدقت يا عليّ نشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حقا و أنّك يا عليّ وصيّه حقا لم يثبت لمحمّد قدم في مكرمة إلاّ وطأت على موضع قدمه بمثل مكرمته فأنتما شقيقان
ص:86
من أشرف أنوار اللّه تعالى تميّزتما اثنين و أنتما في الفضائل شريكان إلاّ أنّه لا نبيّ بعد محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم.
فعند ذلك خرست (1)اليهود و آمن بعض النظّارة منهم برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و غلب الشقاء على اليهود و ساير النظّارة الآخرين، فذلك ما قال اللّه تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ إنّه كما قال محمّد و وصيّ محمّد عن قول محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم عن قول ربّ العالمين.
ثم قال: هُدىً بيان و شفاء لِلْمُتَّقِينَ من شيعة محمّد و عليّ إنّهم اتّقوا أنواع الكفر فتركوها، و اتّقوا الذنوب الموبقات فرفضوها، و اتّقوا إظهار أسرار اللّه تعالى و أسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم فكتموها، و اتّقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقّين لها و فيهم نشروها. (2)
و الأحاديث في نشر علوم مولانا الإمام عليه السلام لا يطيق بها المقام و كفاك بتفسيره عليه السلام فإنّه: مائة و عشرون مجلّدا كما ذكره بعض الأعلام (3).
ص:87
ص:88
في عبادته عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد (1)عن محمّد بن إسماعيل (2)ابن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد، عن عليّ بن عبد الغفار (3)قال: دخل العبّاسيون على صالح بن وصيف، و دخل صالح بن عليّ و غيره من المنحرفين عن هذه النّاحية على صالح بن وصيف عند ما حبس أبا محمّد عليه السلام فقال لهم صالح: و ما أصنع؟ قد وكّلت به رجلين أشرّ من (4)قدرت عليه فقد صارا من العبادة و الصلاة و الصيام الى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما نقول في رجل يصوم النّهار و يقوم اللّيل كلّه لا يتكلّم و لا يتشاغل، و إذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا و تداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين (5). (6)
ص:89
2-و عنه، عن عليّ بن محمّد عن بعض أصحابنا قال: سلّم أبو محمّد عليه السلام الى نحرير الخادم (1)، فكان يضيّق عليه و يؤذيه، قال: فقالت له امرأته: ويلك اتّق اللّه لا تدري من في منزلك؟ و عرّفته صلاحه و قالت: إنّي أخاف عليك منه، فقال: لأرمينّه بين السّباع، ثمّ فعل ذلك به فرئي عليه السلام قائما يصلّي و هي حوله. (2)
3-الشيخ حسين في «عيون المعجزات» قال روي أنّه عليه السلام لمّا حبسه المعتمد و حبس جعفرا (3)اخاه معه و كان المعتمد (4)قد سلّمهما في يد علي نحرير (5)و كان المعتمد يسأل عليا عن أخباره في كلّ وقت فيخبره أنّه يصوم النّهار و يقوم اللّيل.
فسأله يوما من الأيّام عن خبره؟ فأخبره بمثل ذلك، فقال المعتمد: امض يا عليّ السّاعة إليه و اقرأه منّي السلام و قل: انصرف إلى منزلك مصاحبا فقال
ص:90
عليّ نحرير (1): فجئت إلى باب الحبس فوجدت حمارا مسرّجا فدخلت عليه عليه السلام فوجدته جالسا و قد لبس طيلسانه و خفّه و شاشته (2)و لمّا رآني نهض فأدّيت إليه الرّسالة فجاء و ركب فلمّا استوى على الحمار وقف، فقلت له:
ما وقوفك يا سيّدي؟ فقال: حتى يخرج جعفر، فقلت له: إنما أمرني باطلاقك دونه، فقال لي: ارجع إليه و قل له: خرجنا من دار واحدة جميعا فإذا رجعت و ليس هو معي كان في ذلك ما لا خفاء به (3)عنك، فمضى و عاد و قال له: يقول لك: قد أطلقت جعفرا لك لأنّي حبسته بجنايته على نفسه و عليك و ما يتكلّم به فخلّى سبيله و مضى معه إلى داره. (4)
ص:91
ص:92
في فضله و عفافه و كرمه و هديه و صيانته و زهده
و عبادته و جميل اخلاقه و صلاحه عليه السلام
عند الخاص و العام
1-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد الأشعري، و محمّد بن يحيى و غيرهما قالوا: كان أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان على الضياع و الخراج بقم، فجرى في مجلسه يوما ذكر العلويّة و مذاهبهم و كان شديد النّصب، فقال: ما رأيت و لا عرفت بسرّمن رأى رجلا من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن محمّد ابن الرّضا عليهم السلام في هديه و سكونه و عفافه و نبله و كرمه عند أهل بيته و بني هاشم و تقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم و الخطر و كذلك القوّاد و الوزراء و عامّة الناس.
فإنّي كنت يوما قائما على رأس أبي و هو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجابه فقالوا: أبو محمّد ابن الرّضا بالباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له، فتعجّبت ممّا سمعت منهم أنّهم جسروا يكنّون رجلا على أبي بحضرته، و لم يكنّ عنده إلاّ خليفة أو وليّ عهد أو من أمر السلطان أن يكنّى، فدخل رجل أسمر، حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن، حدث السنّ له جلالة و هيبة.
فلمّا نظر إليه أبي قام يمشي إليه خطا، و لا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم و القوّاد، فلمّا دنا منه عانقه و قبّل وجهه و صدره و أخذ بيده و أجلسه على
ص:93
مصلاّه الّذي كان عليه و جلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه، و جعل يكلّمه، و يفديه بنفسه، و أنا متعجّب ممّا أرى منه، اذ دخل عليه الحاجب فقال: الموفّق (1)قد جاء، و كان الموفّق إذا دخل على أبي تقدّم حجّابه و خاصّة قوّاده فقاموا بين مجلس أبي و بين باب الدار سماطين (2)الى أن يدخل و يخرج فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمّد عليه السلام يحدّثه حتّى نظر إلى غلمان الخاصّة فقال حينئذ اذا شئت جعلني اللّه فداك.
ثمّ قال لحجّابه: خذوا به خلف السماطين حتى لا يراه هذا يعني الموفّق فقام و قام أبي و عانقه و مضى، فقلت لحجّاب أبي و غلمانه: ويلكم من هذا الذي كنّيتموه على أبي و فعل أبي به هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علويّ يقال له: الحسن بن عليّ، يعرف بابن الرضا فازددت تعجبا و لم أزل يومي ذلك قلقا متفكّرا في أمره و أمر أبي، و ما رأيت فيه حتى كان اللّيل فكانت عادته أن يصلّي العتمة (3)ثمّ يجلس و ينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات (4)و ما يرفعه إلى السلطان.
فلمّا صلّى و جلس، جئت فجلست بين يديه، و ليس عنده أحد فقال لي:
يا أحمد لك حاجة؟ قلت نعم يا أبه فإن أذنت لي سألتك عنها، فقال: قد أذنت يا بنيّ فقل ما أحببت، قلت: يا أبه من الرّجل الّذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال و الكرامة و التبجيل و فديته بنفسك و أبويك؟ فقال يا بنيّ ذاك إمام الرّافضة ذلك الحسن بن عليّ المعروف بابن الرّضا فسكت ساعة.
ص:94
ثمّ قال: يا بنيّ لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا و إنّ هذا ليستحقّها في فضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه، و لو رأيت أباه رأيت رجلا، جزلا، نبيلا، فاضلا، فازددت قلقا و تفكّرا و غيظا على أبي على ما سمعت منه و استزدته في فعله و قوله فيه ما قال.
فلم يكن لي همة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره و البحث عن أمره، فما سألت أحدا من بني هاشم و القوّاد و الكتّاب و القضاة و الفقهاء، و سائر الناس إلاّ وجدته عنده في غاية الإجلال و الإعظام و المحل الرّفيع و القول الجميل و التقدّم له على جميع أهل بيته و مشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا و لا عدوّا إلاّ و هو يحسن القول و الثناء عليه.
فقال له بعض من حضره في مجلسه من الأشعريين يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر؟ فقال: و من جعفر؟ فيسأل عن خبره أو يقرن بالحسن جعفر معلن الفسق فاجر ماجن (1)شريب (2)للخمور أقلّ من رأيته من الرّجال و أهتكهم لنفسه، خفيف قليل في نفسه و لقد ورد على السلطان و أصحابه في وقت وفاة الحسن بن عليّ عليه السلام ما تعجّبت منه و ما ظننت أنّه يكون و ذلك أنّه لمّا اعتلّ بعث إلى أبي أنّ ابن الرضا عليه السلام قد اعتلّ فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا و معه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته و خاصّته فيهم نحرير، فأمرهم بلزوم دار الحسن و تعرّف خبره و حاله و بعث إلى نفر من المتطبّبين فأمرهم بالاختلاف إليه و تعاهده صباحا و مساء.
فلمّا كان بعد ذلك بيومين او ثلاثة أخبر أنّه قد ضعف، فأمر المتطبّبين
ص:95
بلزوم داره، و بعث الى قاضي القضاة فأحضره مجلسه، و أمره أن يختار من أصحابه عشرة ممّن يوثق به في دينه و أمانته و ورعه، فأحضرهم، فبعث بهم الى دار الحسن و أمرهم بلزومه ليلا و نهارا، فلم يزالوا هناك حتى توفّي عليه السلام فصارت سر من رأى ضجة واحدة.
و بعث السلطان الى داره من فتّشها و فتّش حجرها، و ختم على جميع ما فيها و طلبوا أثر ولده و جاءوا بنساء يعرفن الحمل، فدخلن على جواريه ينظرن إليهن فذكر بعضهن أنّ هناك جارية بها حبل (1)، فجعلت في حجرة و وكّل بها نحرير الخادم و اصحابه و نسوة معهم ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته و عطلت الأسواق و ركبت بنو هاشم و القوّاد و أبي و سائر النّاس الى جنازته، فكانت سرّ من رأى يومئذ شبيها بالقيامة.
فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السّلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه (2)فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية و العباسية و القوّاد و الكتّاب و القضاة و المعدّلين و قال: هذا الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا عليه السلام مات حتف أنفه على فراشه حضره من حضر من خدم أمير المؤمنين و ثقاته فلان و فلان و من القضاة فلان و فلان و من المتطببين فلان و فلان ثم غطّى وجهه، فأمر بحمله و حمل من وسط داره و دفن في البيت الّذي دفن فيه أبوه.
فلما دفن أخذ السلطان و النّاس في طلب ولده و كثر التفتيش في المنازل و الدور و توقّفوا عن قسمة ميراثه و لم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية الّتي توهم
ص:96
عليها الحمل لازمين حتى تبيّن بطلان الحمل، فلمّا بطل الحمل عنهن قسّم ميراثه بين امّه و أخيه جعفر و ادّعت امّه وصيته و ثبت ذلك عند القاضي، و السّلطان على ذلك يطلب أثر ولده.
فجاء جعفر بعد ذلك إلى أبي فقال: اجعل لي مرتبة أخي و أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار، فزبره (1)أبي و أسمعه كلاما خشنا كريها و قال له:
يا أحمق السّلطان جرّد سيفه في الّذين زعموا أنّ أباك و أخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك، فلم يتهيّأ له ذلك؛ فإن كنت عند شيعة أبيك أو أخيك إماما فلا حاجة بك الى السّلطان أن يرتّبك مراتبهما و لا غير السّلطان، و إن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بناء.
و استقلّه أبي عند ذلك و استضعفه و أمر أن يحجب عنه، فلم يأذن له في الدّخول عليه حتى مات أبي، و خرجنا و هو على تلك الحال و السّلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي عليهما السلام. (2)
ص:97
ص:98
في جوده عليه السلام
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن إبراهيم المعروف بابن الكردي عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال:
ضاق بنا الأمر، فقال لي أبي امض بنا حتى نصير إلى هذا الرّجل يعني أبا محمّد عليه السلام فإنّه قد وصف عنه سماحة فقلت: تعرفه؟ فقال: ما أعرفه و لا رأيته قطّ، فقصدناه، فقال لي أبي و هو في طريقه: ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم: مائتا درهم للكسوة، و مائتا درهم للدين، و في نسخة للدقيق، و مائة للنفقة، فقلت في نفسي: ليته أمر لي بثلاثمائة درهم: مائة أشتري بها حمارا و مائة للنفقة و مائة للكسوة و أخرج الى الجبل (1).
قال: فلمّا وافينا الباب خرج علينا غلامه فقال: يدخل عليّ بن إبراهيم و محمّد ابنه، فلمّا دخلنا عليه و سلّمنا قال لأبي: يا عليّ ما خلّفك عنّا إلى هذا الوقت؟ فقال: يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذا الحال، فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرّة فقال: هذه خمسمائة درهم: مائتان للكسوة و مائتان للدين (2)و مائة للنفقة، و أعطاني صرّة فقال: هذه ثلاثمائة درهم اجعل
ص:99
مائة في ثمن حمار، مائة للكسوة، و مائة للنفقة و لا تخرج إلى الجبل و صر إلى سوراء (1)، فصار إلى سوراء و تزوّج بامرأة فدخله اليوم ألف دينار و مع هذا يقول بالوقف، فقال محمّد بن إبراهيم: فقلت له: ويحك أ تريد أمرا أبين من هذا قال:
فقال: هذا أمر قد جرينا عليه (2).
عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» في روايته لهذا الحديث في آخره قال محمّد بن إبراهيم الكردي: فقلت له: ويحك أ تريد أمرا أبين من هذا قال: فقال:
صدقت و لكنّا على أمر قد جرينا عليه، قلت: هذا هو التقليد الّذي ذمّه اللّه في كتابه فقال حكاية عن الكفار: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (3)و لا شبهة أنّ عذاب هؤلاء الّذين بلغتهم الدّعوة و رأوا الأدلّة و المعجزات أشدّ عذابا مضاعفا (4)من الّذين لم يبلغهم الدّعوة و لا قامت عليهم الحجّة، و هذا العلويّ لو لم ير أمارة و لا دلالة إلاّ ما كان من معرفة الحسن عليه السلام بما كان في نفسه و نفس ابنه لكان فيه أعظم حجّة و أبين دلالة، و لكنّ اللّه يهدي لنوره من يشاء انتهى كلامه. (5)
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن أبي أحمد بن راشد (6)،
ص:100
عن ابي هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمّد عليه السلام الحاجة، فحكّ بسوطه الأرض قال: و أحسبه غطّاه بمنديل و أخرج خمسمائة دينار فقال: يا أبا هاشم خذ و أعذرنا. (1)
3-و عنه عن عليّ بن محمّد، و محمّد بن أبي عبد اللّه، عن إسحاق بن محمّد النخعي (2)؛ قال: حدّثني إسماعيل (3)بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس بن عبد المطلب قال: قعدت لأبي محمّد عليه السلام على ظهر الطريق، فلمّا مرّ بي شكوت إليه الحاجة و حلفت له أنّه ليس عندي درهم فما فوقها و لا عشاء و لا غداء، قال: فقال تحلف باللّه كاذبا و قد دفنت مائتي دينار، و ليس قولي هذا دفعا لك عن العطيّة أعطه يا غلام ما معك فأعطاني غلامه مائة دينار.
ثمّ أقبل عليّ فقال لي: إنّك تحرمها أحوج ما تكون إليها يعني الدنانير الّتي دفنت و صدق عليه السلام و كان كما قال، دفنت مائتي دينار، و قلت: تكون ظهرا و كهفا لنا فاضطررت ضرورة شديدة الى شيء أنفقه و انغلقت عليّ أبواب الرزق، فنبشت عنها فاذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها و هرب فما قدرت
ص:101
منها على شيء. (1)
4-و عنه بهذا الإسناد عن إسحاق، قال: حدّثني أبو هاشم الجعفري قال:
شكوت إلى أبي محمّد عليه السلام ضيق الحبس و كلب القيد (2)فكتب إليّ أنت تصلّي اليوم الظهر في منزلك فأخرجت في وقت الظهر فصلّيت في منزلي كما قال عليه السلام، و كنت مضيّقا فأردت أن اطلب منه دنانير في الكتاب فاستحييت، فلمّا صرت إلى منزلي وجّه إليّ بمائة دينار و كتب إليّ إذا كانت لك حاجة فلا تستح و لا تحتشم و أطلبها فإنّك ترى ما تحبّ إن شاء اللّه تعالى. (3)
5-و رواه أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن عياش (4)من دلائل أبي هاشم، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، و عبد اللّه ابن جعفر قالا: حدّثنا أبو هاشم، قال: شكوت إلى أبي محمّد عليه السلام علّة ضيق الحبس و ثقل القيد، فكتب إليّ تصلّي الظهر اليوم في منزلك فأخرجت في وقت الظهر فصلّيت في منزلي كما قال عليه السلام قال: و كنت مضيّقا الى آخر الحديث و في آخره قال: و كان أبو هاشم حبس مع أبي محمّد عليه السلام كان المعتزّ حبسهما مع عدّة من الطالبيّين في سنة ثمان و خمسين و مائتين. (5)
ص:102
6-محمّد بن يعقوب، بإسناده السابق، عن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: دخلت على أبي محمّد يوما و أنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرّك به فجلست و أنسيت (1)ما جئت له فلمّا ودّعته و نهضت رمى إليّ بالخاتم فقال: أردت فضّة فأعطيناك خاتما ربحت الفصّ و الكرا، هنّأك اللّه يا أبا هاشم، فقلت: يا سيّدي أشهد أنّك وليّ اللّه و إمامي (2)أدين اللّه بطاعته فقال: غفر اللّه لك يا أبا هاشم. (3)
7-و رواه ابن عياش بإسناده السابق عن أبي هاشم قال: دخلت على أبي محمّد عليه السلام و أنا اريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرّك به، و ساق الحديث الى آخره. (4)
8-محمّد بن يعقوب باسناده السابق عن إسحاق قال: حدّثني عليّ (5)بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ قال: كان لي فرس و كنت به معجبا أكثر ذكره في المحالّ فدخلت على أبي محمّد عليه السلام يوما فقال لي: ما فعل فرسك؟ فقلت: هو عندي و هو ذا على بابك و عنه نزلت، فقال لي استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتر و لا تؤخّر ذلك، و دخل علينا داخل و انقطع الكلام فقمت متفكّرا و مضيت إلى منزلي فأخبرت أخي الخبر، فقال ما أدري ما أقول في هذا،
ص:103
فشححت به و نفست على الناس ببيعه و أمسينا فأتانا السائس و قد صلّيت العتمة، فقال: يا مولاي نفق (1)فرسك و اغتممت و علمت أنّه عنى هذا بذلك القول.
قال: ثمّ دخلت على أبي محمّد عليه السلام بعد أيّام و أنا أقول في نفسي ليته أخلف عليّ دابة إذ كنت اغتممت بقوله، فلمّا جلست قال: نعم نخلف عليك دابّة، يا غلام أعطه الكميت هذا خير من فرسك و أوطأ و أطول عمرا. (2)
9-الرّاوندي في «الخرائج» قال: روي عن عليّ بن زيد بن عليّ بن الحسين بن زيد بن عليّ قال: صحبت أبا محمّد عليه السلام من دار العامّة إلى منزله فلمّا أتى الدار و أردت الانصراف قال: أمهل، فدخل ثمّ أذن لي فدخلت فأعطاني مائة (3)دينار و قال: اصرفها في ثمن جارية فإنّ جاريتك فلانة ماتت، و كنت خرجت من المنزل و عهدي بها أنشط ما كانت، فمضيت فإذا الغلام يقول: ماتت فلانة جاريتك السّاعة.
قلت: ما حالها؟
قيل شربت ماء فشرقت (4)فماتت. (5)
10-عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» عن أبي يوسف الشاعر القصير
ص:104
شاعر المتوكّل قال: ولد لي غلام و كنت مضيّقا، فكتبت رقاعا الى جماعة أسترفدهم فرجعت بالخيبة، فبينا (1)أنا متفكّر إذ جاء أبو حمزة و معه صرّة سوداء فيها أربعمائة درهم و قال: يقول لك سيّدي الحسن بن عليّ عليه السلام أنفق هذه على المولود، بارك اللّه لك فيه. (2)
11-عليّ بن عيسى أيضا عن أبي القاسم (3)كاتب راشد قال: خرج رجل من العلويّين من سرّ من رأى في أيّام أبي محمّد عليه السلام إلى الجبل يطلب الفضل، فلقيه رجل بحلوان (4)فقال له من أين أتيت (5)؟
قال: من سرّ من رأى
فقال: هل صرت كذا و موضع كذا؟ (6)
فقال: نعم، فقال: هل عندك من أخبار الحسن بن علي شيء؟
قال: لا قال: فما أقدمك الجبل؟
قال: أطلب الفضل.
قال: لك عندي خمسون دينارا فاقبضها و انصرف معي إلى سرّ من رأى حتى توصلني إلى الحسن بن علي عليهما السلام.
فقال: نعم، فأعطاه خمسين دينارا و عاد العلويّ معه فوصلا إلى سرّ من رأى و استأذنا على الحسن بن علي عليهما السلام فأذن لهما فدخلا و الحسن
ص:105
عليه السلام قاعد في صحن الدار فلمّا نظر عليه السلام إلى الجبلي قال له: أنت فلان بن فلان؟
قال: نعم، قال: أوصى إليك أبوك و أوصى إلينا بوصيّة فجئت تؤدّيها و هي معك أربعة آلاف دينار، فأتها فقال الرجل: نعم، فدفعها إليه، ثمّ نظر عليه السلام إلى العلويّ فقال له: خرجت إلى الجبل تطلب الفضل، فأعطاك هذا الرجل خمسين دينارا فخرجت معه و نحن نعطيك خمسين دينارا فأعطاه. (1)
ص:106
حديثه عليه السلام مع المتطبّب الّذي أعطاه
خمسين دينارا لما فصده
1-الرّاوندي قال: حدّث فطرس (1)رجل متطبّب و قد أتى إليه مائة سنة أو نيّف (2)فقال: كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل و كان يصطفيني، فبعث إليه الحسن العسكري عليه السلام أن يبعث إليه بأخصّ اصحابه عنده ليفصده فاختارني، و قال: قد طلب منّي الحسن عليه السلام من يفصده فصر إليه و هو أعلم في يومنا هذا ممّن تحت السماء فاحذر أن تعترض عليه فيما يأمرك به.
فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة و قال: كن هاهنا إلى أن أطلبك قال: و كان الوقت الّذي أتيت إليه فيه عندي جيّدا محمودا للفصد، فدعاني في وقت غير محمود له و أحضر طستا كبيرا عظيما ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتى امتلأ الطست، ثمّ قال: قال لي: اقطع الدم فقطعته و غسل يده و شدّها، و ردّني إلى الحجرة و قدّم من الطّعام الحارّ و البارد شيء كثير و بقيت الى العصر.
ثمّ دعاني فقال: سرّح و دعا بذلك الطست فسرّحت و خرج الدّم الى أن امتلأ الطست فقال: اقطع، فقطعته و شدّه و ردّني إلى الحجرة فبتّ فيها.
ص:107
فلمّا اصبحت و ظهرت الشّمس دعاني و أحضر ذلك الطّست و قال: سرّح فسرّحت فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطست، ثم قال لي:
اقطع فقطعت و شدّ يده و قدّم لي بتخت ثياب و خمسين دينارا، و قال: خذ هذا و أعذر و انصرف فأخذت ذلك و قلت يأمرني السيّد بخدمة؟ قال: نعم بحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول.
فصرت إلى بختيشوع فقلت له: القصّة فقال: اجتمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمناء (1)من الدّم و هذا الّذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجيبا، و أعجب ما فيه اللبن ففكّر ساعة ثم مكث (2)ثلاثة أيام بلياليها يقرأ (3)الكتب على أن يجد (4)في هذه القصّة ذكرا في العالم فلم يجد (5)ثمّ قال لي: لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى.
فخرجت فناديته فأشرف عليّ قال فمن أنت؟ قلت: صاحب بختيشوع قال: معك كتابه؟ قلت: نعم فأرخى إليّ زنبيلا فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب و نزل من ساعته فقال: أنت الرّجل الّذي فصدت؟ قلت: نعم قال: طوبى لأمّك و ركب بغلا و مرّ.
فوافينا سرّ من رأى و قد بقي من الليل ثلثه، قلت: أين تحبّ؟ دار استاذنا أو دار الرجل؟ قال: دار الرّجل، فصرنا إلى بابه قبل الأذان، ففتح الباب و خرج إلينا خادم أسود و قال: أيّكما صاحب دير العاقول؟ فقال الرّاهب: أنا جعلت
ص:108
فداك، فقال: أنزل، و قال لي الخادم: احتفظ بالبغلين و أخذ بيده و دخلا.
فأقمت إلى أن أصبحنا و ارتفع النّهار ثمّ خرج الرّاهب و قد رمى ثياب الرّهبانيين و لبس ثياب بياض و قد اسلم، قال: خذ بي الآن إلى دار أستاذك، فصرنا إلى باب بختيشوع، فلمّا رآه بادر يعدو إليه، ثمّ قال: ما الّذي أزالك عن دينك؟ قال: وجدت المسيح فأسلمت على يده قال: وجدت المسيح؟ ! قال: نعم أو نظيره فإنّ هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح، و هذا نظيره في آياته و براهينه، ثمّ عاد إلى الامام عليه السلام و لزم خدمته إلى أن مات. (1)
2-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن الحسن بن الحسين (2)قال: حدّثني محمّد بن الحسن المكفوف، قال: حدّثني بعض اصحابنا عن بعض فصّادي العسكر (3)من النصارى أنّ أبا محمّد عليه السلام بعث إليه (4)يوما في وقت صلاة الظهر فقال لي: افصد هذا العرق (5)قال: و ناولني عرقا لم أفهمه من العروق التي تفصد، فقلت في نفسي: ما رأيت أمرا أعجب من هذا يأمرني أن افصد في وقت الظهر و ليس بوقت فصد و الثانية عرق لا أفهمه.
ثم قال لي: انتظر و كن في الدّار فلمّا أمسى دعاني و قال لي: سرّح الدّم فسرّحت ثم قال لي: أمسك فأمسكت، ثمّ قال لي: كن في الدّار فلمّا كان نصف اللّيل ارسل إليّ و قال لي: سرّح الدّم، قال: فتعجّبت أكثر من عجبي الأوّل
ص:109
و كرهت أن أسأله قال: فسرّحت فخرج دم أبيض كأنه الملح، ثمّ قال لي: احبس قال: فحبست، ثمّ قال: كن في الدار فلمّا اصبحت أمر قهرمانه (1)أن يعطيني ثلاثة دنانير فأخذتها.
و خرجت حتى أتيت ابن بختيشوع النصراني فقصصت عليه القصّة قال:
فقال لي: و اللّه ما أفهم ما تقول، و لا أعرفه في شيء من الطبّ و لا قرأته في كتاب و لا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانية من فلان الفارسي فأخرج إليه قال:
فاكتريت زورقا إلى البصرة و أتيت الأهواز ثمّ صرت إلى فارس إلى صاحبي فأخبرته الخبر، قال: فقال لي انظرني أيّاما فأنظرته ثمّ أتيته متقاضيا قال: فقال لي:
إنّ هذا الّذي تحكيه عن هذا الرّجل فعله المسيح في دهره مرّة. (2)
ص:110
حديثه عليه السلام مع أنوش النصراني
1-روي عن أبي جعفر أحمد القصير البصري قال: حضرنا عند سيّدنا أبي محمّد عليه السلام بالعسكر، فدخل عليه خادم من دار السلطان جليل فقال له: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام و يقول لك: كاتبنا أنوش النّصراني يريد أن يطهّر ابنين له، و قد سألنا مسائلتك أن تركب إلى داره و تدعو لابنيه بالسلامة و البقاء فأحبّ أن تركب و أن تفعل ذلك فإنّا لم نجشمك هذا العناء إلاّ لأنّه قال:
نحن نتبرّك بدعاء بقايا النبوة و الرّسالة.
فقال مولانا: الحمد لله الّذي جعل النّصارى أعرف بحقّنا من المسلمين، ثم قال: اسرجوا لنا فركب حتى وردنا أنوش فخرج إليه مكشوف الرأس حافي القدمين و حوله القسّيسون و الشمامسة (1)و الرهبان و على صدره الإنجيل فتلقّاه على باب داره، و قال له: يا سيّدنا أتوسّل إليك بهذا الكتاب الّذي أنت أعرف به منا إلاّ غفرت لي ذنبي في عناك و حقّ المسيح عيسى بن مريم و ما جاء به من الإنجيل من عند اللّه ما سألت أمير المؤمنين مسألتك هذه إلاّ لأنّا وجدناكم في هذا الإنجيل مثل المسيح عيسى بن مريم عند اللّه.
ص:111
فقال مولانا: الحمد لله و دخل على فرسه و الغلامان على منصّة (1)و قد قام الناس على اقدامهم فقال: أمّا ابنك هذا فباق عليك، و أمّا الآخر فمأخوذ عنك بعد ثلاثة أيّام و هذا الباقي يسلم و يحسن إسلامه و يتولاّنا أهل البيت، فقال أنوش: و اللّه يا سيّدي إن قولك الحقّ و لقد سهل على موت ابني هذا لما عرّفتني أنّ الآخر يسلم و يتولاّكم أهل البيت فقال له بعض القسّيسين: مالك لا تسلم؟ فقال له أنوش: أنا مسلم و مولانا يعلم ذلك، فقال مولانا: صدق و لو لا أن يقول النّاس: إنّا خبرناك بوفاة ابنك و لم يكن كما أخبرناك لسألنا اللّه بقائه عليك، فقال أنوش: لا أريد يا سيّدي إلاّ ما تريد، قال أبو جعفر أحمد القصير: مات و اللّه ذاك الابن بعد ثلاثة أيّام و أسلم الآخر بعد سنة و لزم الباب معنا إلى وفاة سيّدنا أبي محمّد عليه السلام. (2)
ص:112
حديث البغل مع المستعين
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن أبي علي محمّد بن علي ابن إبراهيم، قال: حدّثني أحمد بن الحارث القزويني قال: كنت مع أبي بسرّمن رأى و كان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمّد عليه السلام قال: و كان عند المستعين (1)بغل لم ير مثله حسنا و كبرا و كان يمنع ظهره و اللّجام و السرج، و قد كان جمع عليه الرّواض (2)فلم يمكن لهم حيلة في ركوبه قال: فقال له بعض ندمائه: يا أمير المؤمنين أ لا تبعث إلى الحسن بن الرّضا عليه السلام حتى يجيء فإمّا أن يركبه و إمّا أن يقتله فتستريح منه.
قال: فبعث الى أبي محمّد و مضى معه أبي فقال أبي: لمّا دخل أبو محمّد عليه السلام الدّار كنت معه، فنظر أبو محمّد عليه السلام إلى البغل واقفا في صحن الدار فعدل إليه فوضع بيده على كفله قال: فنظرت إلى البغل و قد عرق حتى سال العرق منه، ثمّ صار الى المستعين فسلّم عليه فرحّب به و قرّب و قال:
يا أبا محمّد ألجم هذا البغل، فقال أبو محمّد لأبي: ألجمه يا غلام، فقال المستعين: ألجمه أنت، فوضع طيلسانه، ثمّ قام فألجمه ثمّ رجع إلى مجلسه
ص:113
و قعد، فقال له: يا أبا محمّد أسرجه، فقال لأبي: يا غلام اسرجه فقال: أسرجه أنت، فقام ثانية فأسرجه و رجع، فقال له: ترى أن تركبه؟ فقال: نعم فركبه من غير أن يمتنع عليه ثمّ ركضه في الدار ثمّ حمله على الهملجة (1)يمشي أحسن مشي يكون.
ثمّ رجع فنزل، فقال له المستعين: يا أبا محمّد كيف رأيته؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت مثله حسنا و فراهة و ما يصلح أن يكون مثله إلاّ لأمير المؤمنين قال: فقال: يا أبا محمّد فإنّ أمير المؤمنين قد حملت عليه، فقال أبو محمّد لأبي:
يا غلام خذه، فأخذه أبي فقاده. (2)
ص:114
في حديث الشاكري و الفرس
1-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري قال: أخبرني أبو الحسين (1)محمّد ابن هارون بن موسى، قال: حدّثني ابي (ره) قال: كنت في دهليز لأبي عليّ محمّد بن همام (2)على دكّة، وصفها إذ مر بنا شيخ كبير عليه درّاعة فسلّم على أبي علي محمّد بن همام فردّ عليه السلام فمضى فقال لي: أ تدري من هو هذا؟ فقلت: لا فقال لي: هذا شاكري (3)لمولانا أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام أ فتشتهي أن تسمع من أحاديثه عنه شيئا؟ قلت: نعم فقال لي: أ معك شيء تعطيه؟ فقلت: معي درهمان صحيحان، فقال لي: هما يكفيانه فادعه.
فمضيت خلفه فلحقته بموضع كذا فقلت: أبو علي يقول لك: تنبسط (4)للمصير إلينا فقال: نعم، فجئنا به إلى أبي عليّ بن همام فجلس إليه فغمزني ابو علي أن أسلّم إليه الدرهمين فسلّمتهما إليه فقال لي: ما يحتاج إلى هذا ثمّ أخذهما فقال له أبو علي: يا أبا عبد اللّه حدّثنا عن ابي محمّد عليه السلام.
ص:115
قال: كان أستاذي صالحا من بين العلويّين لم أر قطّ مثله و كان يركب بسرج صفته (1)بزيون (2)مسكي و أزرق، و كان يركب إلى دار الخلافة بسرّمن رأى في كل اثنين و خميس، قال أبو عبد اللّه محمّد الشاكري و كان يوم النّوبة يحضر من النّاس شيء عظيم و تنقضّ المشارع بالدّوابّ (3)و البغال و الحمير و الضجّة فلا يكون لأحد موضع يمشي و لا يدخل بينهم.
قال: فإذا جاء استاذي سكنت الضجّة و هدأ صهيل الخيل و نشيج البغال و نهاق الحمير قال: و تفرّقت البهائم حتى يصير الطريق واسعا لا يحتاج الى أن يتوقّى من الدوابّ نحفّه ليزحمها، ثمّ يدخل فيجلس في مرتبته الّتي جعلت له، فإذا أراد الخروج قام البوّابون و قالوا: هاتوا دابّة أبي محمّد عليه السلام فسكن صياح الناس و صهيل الخيل و تفرّقت الدوابّ حتى يركب و يمضي.
و قال الشاكري: و استدعاه يوما الخليفة فشقّ ذلك عليه و خاف أن يكون قد سعى به إليه بعض من يحسده من العلويّين و الهاشميّين على مرتبته فركب و مضى إليه فلمّا حصل في الدار قيل له: إنّ الخليفة قد قام و لكن اجلس في مرتبتك أو انصرف قال: فانصرف و جاء إلى سوق الدوابّ و فيها من الضجّة و المصادمة و إختلاف الناس شيء كثير.
قال: فلمّا دخل إليها سكنت الضجّة و هدأت الدوابّ قال: و جلس إلى نخّاس كان يشتري له الدوابّ، قال: فجيء له بفرس كبوس (4)لا يقدر أحد أن يدنو منه قال: فباعوه إيّاه بوكس (5)فقال لي: يا محمّد قم فاطرح السّرج عليه،
ص:116
قال: فقمت و علمت أنّه لا يقول لي ما يؤذيني، فحللت الحزام و طرحت السّرج عليه فهدأ و لم يتحرّك، و جئت لأمضي به فجاء النخّاس فقال لي: ليس يباع، فقال لي: سلّمه إليه، قال: فجاء النخّاس ليأخذه فالتفت إليه الفرس التفاتة ذهب منه منهزما.
قال: و ركب و مضينا فلحقنا النخّاس فقال: إنّ صاحبه يقول له: أشفقت من أن يردّه فإن كان قد علم ما فيه من الكبس فليشتره، فقال له استاذي: قد علمت، فقال: قد بعتك، فقال لي: خذه فأخذته، قال: فجئت به إلى الإصطبل فما تحرّك و ما آذاني ببركة أستاذي.
فلمّا نزل جاء إليه فأخذه باذنه اليمنى فرقاه ثمّ أخذ باذنه اليسرى فرقاه قال: فو اللّه لقد كنت أطرح الشعير له فافرّقه بين يديه و لا يتحرّك هذا ببركة استاذي. قال أبو محمّد: قال أبو عليّ بن همام: هذا الفرس يقال له: الصؤول (1)يزحم بصاحبه حتّى يزحم به الحيطان و يقوم على رجليه و يلطم صاحبه، و قال محمّد الشاكري: كان استاذي اصلح من رأيت من العلويّين و الهاشميّين ما كان يشرب هذا النّبيذ و كان يجلس في المحراب و يسجد، فأنام و أنتبه و هو ساجد، و كان قليل الأكل كان يحضره التين و العنب و الخوخ و ما يشاكله فيأكل منه الواحد و الثنتين و يقول: شل هذا إلى صبيانكم فأقول هذا كلّه؟ فيقول: خذه ما رأيت قطّ اشهى منه (2). (3)
ص:117
ص:118
حديث الراهب في الاستسقاء
1-كتاب «ثاقب المناقب» و «خرائج الراوندي» روي عن عليّ بن الحسين بن سابور (1)قال: قحط النّاس بسرّمن رأى في زمن الحسن الأخير عليه السلام فأمر الخليفة الحاجب و أهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية إلى المصلّى يستسقون و يدعون فما سقوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرّابع إلى الصحراء و معه النّصارى و الرّهبان، و كان فيهم راهب فلمّا مد يده هطلت السماء بالمطر، فشك أكثر النّاس و تعجّبوا و صبوا إلى دين النّصرانيّة.
فأنفذ الخليفة إلى الحسن عليه السلام و كان محبوسا فاستخرجه من حبسه و قال: الحق أمّة جدّك فقد هلكت، فقال له: إنّي خارج في ذلك و مزيل الشك إن شاء اللّه، فخرج الجاثليق في اليوم الثّالث و الرّهبان معه، و خرج الحسن عليه السلام في نفر من أصحابه، فلمّا بصر بالرّاهب و قد مدّ يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى و يأخذ ما بين إصبعيه ففعل و أخذ من بين سبّابتيه و الوسطى و نزع عظما أسود فأخذه الحسن عليه السلام بيده، ثمّ قال:
استسق الآن فاستسقى و كانت السّماء مغيّمة فتقشّعت و طلعت الشّمس بيضاء.
فقال الخليفة: ما هذا العظم يا أبا محمّد؟ قال عليه السلام: هذا رجل مرّ
ص:119
بقبر نبيّ من الأنبياء فوقع في يده العظم و ما كشف عن عظم نبي إلاّ هطلت السماء بالمطر. (1)
ص:120
في حديث البساط
1-علي بن عاصم الكوفي (1)قال: دخلت على سيّدي أبي محمّد عليه السلام بالعسكر قال: يا عليّ بن عاصم انظر إلى ما تحت قدميك فنظرت ثلاثا فوجدت شيئا ناعما فقال لي: يا عليّ أنت على بساط قد جلس عليه و وطأه كثير من النبيّين و المرسلين و الأئمة الرّاشدين، فقلت: يا مولاي لا أنتعل ما دمت في الدنيا إعظاما لهذا البساط، فقال: يا عليّ إنّ هذا الّذي في قدمك من الخفّ جلد ملعون نجس رجس لم يقرّ بولايتنا و إمامتنا و قلت: و حقّك يا مولاي لا لبست خفّا و لا نعلا فقلت في نفسي: كنت أشتهي أن أرى هذا البساط بعيني فقال ادن يا عليّ فدنوت فمسح بيده المباركة على عيني فعدت باللّه بصيرا فأدرت عيني في البساط و مجالسهم عليه، فقلت: نعم يا مولاي و رأيت أقداما مصوّرة و مرابع جلوس في البساط.
فقال لي: هذا قدم «أبينا» آدم و موضع جلوسه، و هذه قدم قابيل إلى أن
ص:121
لعن و قتل هابيل، و هذه قدم هابيل، و هذا أثر شيث، و هذا أثر أخنوخ (1)، و هذا أثر قيدار (2)، و هذا أثر هلابيل (3)، و هذا أثر نادر (4)و هذا أثر إدريس (5)، و هذا أثر متوشلخ (6)، و هذا أثر نوح، و هذا أثر سام، و هذا أثر أرفخشد (7)، و هذا أثر أبو يعرف (8)، و هذا أثر هود، و هذا أثر صالح، و هذا أثر لقمان، و هذا أثر لوط، و هذا أثر إبراهيم، و هذا أثر إسماعيل، و هذا أثر إلياس، و هذا أثر أبي قصي الناس، و هذا أثر إسحاق، و هذا أثر يعوسا، و هذا أثر إسرائيل، و هذا أثر يوسف، و هذا أثر شعيب، و هذا أثر موسى بن عمران، و هذا أثر هارون، و هذا أثر يوشع بن نون، و هذا أثر زكريا، و هذا أثر يحيى، و هذا أثر داود، و هذا أثر سليمان، و هذا أثر الخضر، و هذا أثر ذي الكفل، و هذا أثر اليسع، و هذا أثر ذي القرنين الإسكندري، و هذا أثر سابور (9)، و هذا اثر لؤي، و هذا أثر كلاب، و هذا أثر قصي، و هذا أثر عدنان (10)، و هذا أثر هاشم، و هذا أثر عبد المطلب، و هذا أثر أبي عبد اللّه و هذا اثر
ص:122
السيّد (1)محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هذا أثر أمير المؤمنين، و هذا أثر الحسن، و هذا أثر الحسين، و هذا أثر عليّ بن الحسين، و هذا أثر محمّد بن عليّ، و هذا أثر جعفر بن محمّد، و هذا أثر موسى بن جعفر، و هذا أثر عليّ بن موسى ابن جعفر، و هذا أثر محمّد بن عليّ، و هذا أثر علي بن محمّد، و هذا أثر الحسن، و هذا أثر ابني محمّد المهدي إنّه قد وطأه و جلس عليه.
فقال لي عليّ بن عاصم: فخيّل لي و اللّه من ردّ بصري و نظري الى ذلك البساط و هذه الآيات كلّها أنّي نائم و أنّي أحلم بما رأيت فقال لي أبو محمّد عليه السلام: أثبت يا عليّ فما أنت بنائم و لا بحلم فانظر الى هذه الآثار و اعلم أنّها لمن أهمّ دين اللّه، فمن زاد فيهم كفر، و من نقص أحدا كفر، و الشاك في الواحد منهم كالشاك الجاحد لله، غضّ طرفك يا عليّ فغضضت طرفي محجبا، فقلت:
يا سيّدي ممّن تقول إنّهم في مائة ألف و أربعة و عشرين نبيّ أ هؤلاء؟
ثم قال: إذا علم ما قال لم يأثم.
فقلت: يا سيّدي ما علمي علمهم حتى لا أزيد و لا أنقص منهم.
قال: يا عليّ الأنبياء و الرسل و الأئمة هؤلاء الذين رأيت آثارهم في البساط لا يزيدون و لا ينقصون، و مائة ألف و أربعة و عشرين ألف تنبؤا من أنبياء اللّه و رسله و حججه فآمنوا باللّه و عملوا بما جاءت به الرسل من الكتب و الشرائع فمنهم الصدّيقون و الشّهداء و الصالحون و كلّهم هم المؤمنون، و هذا عددهم عند هبوط آدم من الجنة الى أن بعث اللّه جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقلت: الحمد لله و الشكر لذلك الّذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن
ص:123
هدانا اللّه. (1)
ص:124
في أنه عليه السلام وصي أبيه و الإمام بعده
1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن يحيى بن يسار القنبرى (1)، قال: أوصى أبو الحسن عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام قبل مضيّه بأربعة أشهر و أشهدني على ذلك و جماعة من الموالي. (2)
2-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن بشّار بن أحمد البصري، عن عليّ بن عمر النوفلي (3)، قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام في صحن داره فمرّ بنا محمّد ابنه (4)فقلت: جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك؟ فقال: لا صاحبكم بعدي الحسن عليه السلام. (5)
3-و عنه، عن علي بن محمّد، عن بشّار بن أحمد، عن عبد اللّه بن محمّد
ص:125
الأصفهاني قال: قال أبو الحسن عليه السلام: صاحبكم بعدي الّذي يصلّي علي قال: و لم نعرف أبا محمّد عليه السلام قبل ذلك قال: فخرج أبو محمّد فصلّى عليه. (1)
4-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن موسى بن جعفر بن وهب، عن عليّ ابن جعفر قال: كنت حاضرا أبا الحسن عليه السلام فلمّا توفّي ابنه محمّد فقال للحسن، يا بنيّ أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا. (2)
5-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن مروان الأنباري قال: كنت حاضرا عند مضيّ ابي جعفر محمّد بن عليّ فجاء أبو الحسن عليه السلام فوضع له كرسيّ فجلس عليه و حوله أهل بيته، و أبو محمّد عليه السلام قائم في ناحية فلمّا فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمّد عليه السلام فقال: يا بنيّ أحدث لله تبارك و تعالى شكرا فقد أحدث فيك أمرا. (3)
6-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أحمد القلانسي (4)عن عليّ ابن الحسين بن عمرو عن عليّ بن مهزيار قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام:
ص:126
إن كان كون-و أعوذ باللّه-فإلى من؟ قال: عهدي إلى الأكبر من ولدي. (1)
7-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن أبي محمّد الاسبارقيني، عن عليّ بن عمرو العطّار (2)، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السلام و أبو جعفر ابنه في الأحياء و أنا أظنّه أنّه هو، فقلت له: جعلت فداك من أخصّ من ولدك؟ فقال: لا تخصّوا أحدا حتى يخرج إليكم أمري، قال: فكتب إليه بعد: فيمن يكون هذا الأمر؟ قال: فكتب إليّ في الكبير من ولدي و قال: و كان أبو محمّد أكبر من أبي جعفر. (3)
8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، و غيره، عن سعد بن عبد اللّه، عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسن الأفطس إنّهم حضروا يوم توفي محمّد ابن عليّ بن محمّد باب أبي الحسن عليه السلام يعزّونه، و قد بسط له في صحن داره، و النّاس جلوس حوله فقالوا قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب و بني هاشم و قريش مائة و خمسون رجلا سوى مواليه و سائر النّاس إذ نظر الى الحسن ابن عليّ عليه السلام قد جاء مشقوق الجيب حتّى قام عن يمينه و نحن لا نعرفه.
فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام بعد ساعة فقال: يا بنيّ أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا فبكى الفتى و حمد اللّه و استرجع، و قال: الحمد لله ربّ
ص:127
العالمين و أنا أسأل اللّه تمام نعمه لنا فيك و إنّا لله و إنّا إليه راجعون، فسألنا عنه فقيل: هذا الحسن ابنه و قدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجح فيومئذ عرفناه و علمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة و أقامه مقامه. (1)
9-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن محمّد بن يحيى ابن درياب (2)قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام بعد مضي أبي جعفر فعزّيته عنه، و أبو محمّد عليه السلام جالس، فبكى أبو محمّد عليه السلام فأقبل عليه أبو الحسن عليه السلام فقال: إنّ اللّه تبارك و تعالى قد جعل فيك خلفا منه فاحمد اللّه. (3)
10-و عنه، عن عليّ بن محمد، عن إسحاق بن محمّد عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند ابي الحسن عليه السلام بعد (4)مضيّ ابنه أبو جعفر و إنّي لا فكّر في نفسي أريد أن أقول: كأنّهما أعني أبا جعفر و أبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى و إسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهم السلام فإنّ قصّتهما كقصّتهما إذ كان أبو محمد عليه السلام المرجى بعد أبي جعفر فأقبل عليّ أبو الحسن عليه السلام قبل أن أنطق فقال: نعم يا أبا هاشم (5)بدا للّه في ابي
ص:128
محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا للّه في موسى بعد مضيّ إسماعيل ما كشف به عن حاله، و هو كما حدّثتك نفسك و إن كره المبطلون، و أبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده علم ما يحتاج إليه و معه آلة الإمامة 1.
11-و عنه، عن عليّ بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن محمّد بن يحيى بن درياب، عن أبي بكر 2الفهفكي؛ قال: كتب إليّ أبو الحسن عليه السلام: أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة 3، و أوثقهم حجّة، و هو الأكبر من ولدي و هو الخلف، و إليه تنتهي عرى 4الإمامة و أحكامها، فما كنت سائلي فسله عنه فعنده علم ما يحتاج إليه. 5
12-و عنه، عن عليّ بن محمد، عن إسحاق بن محمّد، عن شاهويه 6بن عبد اللّه الجلاّب، قال كتب إليّ أبو الحسن عليه السلام في كتاب: أردت أن تسأل
ص:129
عن الخلف بعد أبي جعفر و قلقت لذلك فلا تغتمّ فإنّ اللّه عز و جلّ «لا يضلّ قوما بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتقون» (1)و صاحبك بعدي أبو محمد ابني، و عنده ما تحتاجون إليه يقدّم اللّه ما يشاء و يؤخّر ما يشاء ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها (2)قد كتبت بما فيه بيان و قناع لذي عقل يقظان. (3)
13-و عنه، عن عليّ بن محمد عمن ذكره، عن محمّد بن أحمد (4)العلوي، عن داود (5)بن القاسم قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول الخلف من بعدي الحسن عليه السلام فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: و لم جعلني اللّه فداك؟ فقال: إنّكم لا ترون شخصه و لا يحلّ لكم ذكره باسمه؟ فقلت:
كيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجّة من آل محمد عليهم السلام. (6)
ص:130
14-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمد الدقّاق، و علي بن عبد اللّه الورّاق رضي اللّه عنهما قالا: حدّثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدّثنا أبو تراب عبد اللّه بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال:
دخلت على سيّدي عليّ بن محمد عليهما السلام فلمّا بصر بي قال لي: مرحبا بك يا ابا القاسم، أنت وليّنا حقا، قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه إنّي أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيّا بقيت (1)عليه حتى ألقى اللّه عزّ و جلّ، فقال عليه السلام: هات يا أبا القاسم، فقلت: إني أقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج عن الحدّين حدّ الإبطال و حدّ التشبيه، و إنّه ليس بجسم و لا صورة، و لا عرض و لا جوهر، بل هو مجسّم الاجسام و مصوّر الصور و خالق الأعراض و الجواهر، و ربّ كلّ شيء و مالكه و جاعله و محدثه.
و أن محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله خاتم النبيين و لا نبيّ بعده إلى يوم القيامة، و أنّ شريعته خاتمة الشرائع و لا شريعة بعدها الى يوم القيامة.
و أقول: إنّ الإمام و الخليفة بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثم موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثم أنت يا مولاي فقال عليه السلام: و من بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده؟
قال: فقلت: و كيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنّه لا يرى شخصه و لا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما قال:
ص:131
فقلت: أقررت و أقول: إنّ وليّهم وليّ اللّه، و عدوّهم عدوّ اللّه، و طاعتهم طاعة اللّه، و معصيتهم معصية اللّه و أقول: إنّ المعراج حقّ، و المسائلة في القبر حقّ، و إنّ الجنّة حقّ، و النار حقّ، و الصراط حقّ، و الميزان حقّ، و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن اللّه يبعث من في القبور، و أقول: إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة و الزكاة، و الصوم، و الحجّ، و الجهاد، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر.
فقال عليّ بن محمّد عليهما السلام: يا أبا القاسم هذا و اللّه دين اللّه الّذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة. (1)
15-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن السندي قال: حدّثني محمّد بن الحسن (2)قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد العلوي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر عليه السلام يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: و لم جعلني اللّه فداك؟ قال: لأنّكم لا ترون شخصه و لا يحلّ لكم ذكره باسمه، قلت: كيف ذكره قال: قولوا: الحجّة من آل محمّد عليهم السلام. (3)
16-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن حمزة (4)، قال: حدّثنا
ص:132
الحسن (1)بن حمزة قال: حدّثنا علي بن إبراهيم قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد الموصلي، قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف قال: سمعت عليّ بن محمّد عليه السلام يقول: الإمام بعدي الحسن ابني و بعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (2)
17-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن صدقة، (3)عن عليّ بن 4عبد الغفار، قال:
لمّا مات أبو جعفر الثّاني عليه السلام كتبت الشيعة الى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام يسألونه عن الأمر فكتب عليه السلام إليهم: الأمر لي ما دمت حيّا فإذا نزلت مقادير اللّه عزّ و جلّ أتاكم الخلف فأني لكم بالخلف من بعد الخلف؟ 5
18-و عنه، قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد الموصلي، قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف قال: سمعت عليّ بن محمد بن عليّ الرّضا عليهما السلام يقول: الإمام
ص:133
بعدي الحسن ابني، و بعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (1)
19-عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» عن عليّ بن (2)عمر النوفلي قال:
كنت مع الهادي في صحن داره فمرّ علينا جعفر ابنه (3)فقلت: جعلت فداك هذا صاحبنا؟
قال: لا، صاحبكم الحسن عليه السلام. (4)
ص:134
بسم اللّه الرّحمن الرحيم و منه نستمد الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين أما بعد فهذا المنهج الثالث عشر في الإمام الثاني عشر م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب الحجّة المنتظر القائم المهدي عليه السلام و فيه ثلاث و خمسون بابا.
الباب الأوّل-في ذكر أمّ القائم عليه السلام.
الباب الثّاني-في ميلاده عليه السلام.
الباب الثّالث-في كلامه عليه السلام في بطن امّه و قراءته القرآن و ما ظهر من البراهين حال الولادة.
الباب الرّابع-في قراءته عليه السلام ما أنزل اللّه على أنبيائه عليهم السلام بعد سبعة أيّام من حال الولادة و غير ذلك من البراهين.
الباب الخامس-قراءته (ع) حال الولادة.
الباب السّادس-في أنّه مكتوب على ذراعه الأيمن جاء الحقّ و زهق الباطل.
الباب السّابع في قراءته القرآن في بطن امّه و سجوده عقيب الولادة و إشراق النور و غير ذلك من براهينه (ع) .
الباب الثّامن-في سجوده عليه السلام حال الولادة.
ص:135
الباب التّاسع في فقد القابلة له عليه السلام من كفّها.
الباب العاشر-في النّور السّاطع حال ولادته (ع) و حمده اللّه و صلواته على محمد و آله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تمسح الملائكة به.
الباب الحادي عشر-في ظهوره و غيبته في الحال و لم ير مع حضوره.
الباب الثاني عشر-في أنّه عليه السلام صلّى على أبيه عليهما السلام.
الباب الثالث عشر-في أنّه عليه السلام وصيّ أبيه عليه السلام و نصّه عليه بالإمامة.
الباب الرّابع عشر-في تسميته (ع) القائم المنتظر و المهدي.
الباب الخامس عشر-في علمه (ع) .
الباب السادس عشر-في جوده (ع) .
الباب السّابع عشر-في لباسه (ع) .
الباب الثّامن عشر-في استواء درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليه.
الباب التّاسع عشر-فيما عند القائم (ع) من آيات الأنبياء.
الباب العشرون-في صفته.
الباب الحادي و العشرون-في أنّه (ع) في سن الشباب.
الباب الثاني و العشرون-في قوّته (ع) فيما يحصل به قوّة اصحابه (ع) .
الباب الثالث و العشرون-في علة الغيبة.
الباب الرابع و العشرون-في علّة اخفاء ولادته (ع) .
الباب الخامس و العشرون-في أنّه (ع) إذا قام يتلو قوله تعالى: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ الآية.
الباب السّادس و العشرون-في أن فيه «ع» و في الأئمّة عليهم السلام نزل
ص:136
قوله تعالى: وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية.
الباب السّابع و العشرون-في أنّه (ع) و في الأئمّة نزل قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ .
الباب الثامن و العشرون في أنّه يحضر الموسم فيقبل حجّهم إذا حضر و لا يحضر إبليس.
الباب التاسع و العشرون-في علامة ظهوره (ع) .
الباب الثلاثون-في المنادى باسمه (ع) و الصيحة.
الباب الحادي و الثلاثون-في أنّه ينادى باسمه إذا اذن له (ع) بالخروج و يكون خروجه (ع) يوم السبت عاشر محرم، و أوّل من يبايعه جبرئيل «ع» .
الباب الثاني و الثلاثون-في إعلام الاموات بخروجه و إحياء أصحاب الكهف و يرد كل موذي للمؤمنين للقصاص.
الباب الثالث و الثّلاثون-في نزول عيسى بن مريم «ع» و يصلّي خلف المهدي عليه السلام.
الباب الرابع و الثّلاثون-في أصحابه عليهم السلام الثلاثمائة و ثلاثة عشر.
الباب الخامس و الثّلاثون-في حكمه عليه السلام بحكم داود عليه السلام و تأييده بالملائكة، و أوّل من يبايع القائم عليه السلام محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام.
الباب السادس و الثّلاثون-في سيرته عليه السلام.
الباب السابع و الثلاثون-في إنّما يلقاه القائم (ع) أشدّ مما لقيه رسول اللّه
ص:137
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من جهاد الجاهليّة.
الباب الثامن و الثلاثون-في نشره راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
الباب التاسع و الثلاثون-أن القائم إذا قام استغنى العباد عن ضوء الشمس و القمر.
الباب الاربعون-في منزل القائم (ع) و مسجده و موضع قبره.
الباب الحادي و الأربعون-في كيفية السلام عليه.
الباب الثاني و الأربعون-في مدة قيام القائم (ع) بعد قيامه (ع) .
الباب الثالث و الاربعون-في إعلام الأحياء و الأموات بقيامه (ع) و يرونه من بعيد من في زمانه (ع) ، و ما يعطاه المؤمن في زمانه (ع) .
الباب الرابع و الأربعون-في أنّه إذا قام (ع) قرأ القرآن على حده.
الباب الخامس و الأربعون-في أنّ أوّل من يبايع القائم عليه السلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام و الأئمّة عليهم السلام، و الحسين عليه السلام يغسّل القائم (ع) .
الباب السادس و الأربعون-في حديث الصادق (ع) مع المفضّل بن عمر.
الباب السابع و الأربعون-في أنّ القائم (ع) يقتل قتلة الحسين (ع) و ذراريهم لرضاهم بفعال آبائهم.
الباب الثامن و الأربعون-فيما جاء في الوقت المعلوم لابليس.
الباب التاسع و الأربعون-في القدر من النّاس الّذين يقوم فيهم القائم (ع) .
الباب الخمسون-في المفردات.
الباب الحادي و الخمسون-في أن آخر من يموت: الحجّة و يغلق باب التوبة و يغسّل القائم الحسين (ع) و يكون بينه و بين القيامة أربعون يوما.
ص:138
الباب الثاني و الخمسون-في أنّ عمر الخضر (ع) دليل على طول عمر القائم عليه السلام و أنّه يؤنس به عليه السلام و وقت وفاة الخضر عليه السلام.
الباب الثالث و الخمسون-فيما جاء من طريق العامّة في البشارة بالمهدي القائم من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن رسول اللّه و إخباره صلّى اللّه عليه و آله و سلم بظهوره عليه السلام و نزول عيسى بن مريم يصلّي خلفه (ع) و يكون معه (ع) .
ص:139
ص:140
في ذكر أمّ القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن علي بن محمّد بن حاتم النوفلي، قال:
حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي، قال: حدّثنا أحمد بن طاهر القمي، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن يحيى الشيباني (1)قال: وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين، قال: وزرت قبر غريب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ انكفأت (2)إلى مدينة السلام متوجها الى مقابر قريش في وقت تضرّمت الهواجر و توقّدت السّماء فلمّا وصلت منها الى مشهد الكاظم عليه السلام استنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها بعبرات متقاطرة، و زفرات متتابعة و قد حجب الدّمع طرفي عن النظر.
فلما رقأت العبرة و انقطع النحيب و فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه و تقوّس منكباه و ثفنت جبهته و راحتاه، و هو يقول لآخر معه عند القبر:
يا ابن أخي لقد نال عمّك شرفا بما حمّله السيّدان من غوامض الغيوب و شرائف العلوم الّتي لا يحمل مثلها إلاّ سلمان، و قد أشرف عمّك على استكمال المدّة
ص:141
و انقضاء العمر و ليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسرّه قلت: يا نفس لا يزال العناء و المشقّة تنالان منك بإتعابي الخفّ و الحافر في طلب العلم، و قد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظة تدلّ على علم جسيم و أثر عظيم.
فقلت: أيها الشيخ و من السيّدان؟ قال: النجمان المغيّبان في الثرى بسرّمن رأى ، فقلت: فإنّي أقسم بالموالاة و شرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة و الوراثة إنّي خاطب (1)علمهما، و طالب آثارهما، و باذل فيهما من نفسي الأيمان المؤكّدة على حفظ اسرارهما، قال: إن كنت صادقا فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم فلمّا فتّش الكتب و تصفّح الروايات منها قال:
صدقت أنا بشر بن سليمان النخّاس (2)من ولد أبي ايوب الأنصاري و أحد موالي أبي الحسن و أبي محمد عليهما السّلام و جارهما بسرّمن رأى.
قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما قال: كان مولاي عليّ بن محمّد العسكري فقّهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع، و لا أبيع إلاّ باذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشّبهات حتى أكملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق فيما بين الحلال و الحرام بذلك فبينا أنا ذات ليلة في منزلي هذا بسرّمن رأى و قد مضى هويّ (3)من الليل إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعا فإذا أنا بكافور
ص:142
الخادم (1)رسول مولانا أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السلام يدعوني إليه فلبست ثيابي و دخلت عليه فرأيته يحدّث ابنه أبا محمد عليه السلام و أخته حكيمة من وراء الستر.
فلمّا جلست قال: يا بشر إنّك من ولد الأنصار و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، و أنتم ثقاتنا أهل البيت و إنّي مزكيك و مشرّفك (2)بفضيلة تسبق بها سائر الشّيعة في الموالاة بسرّ أطلعك عليه و أنفذك في ابتياع أمة (3)و كتب كتابا ملطّفا بخطّ روميّ و لغة رومية و طبع عليه خاتمه و أخرج شقّة (4)صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا فقال: خذها و توجّه الى بغداد و احضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، و إذا وصلت الى جانب (5)زواريق السبايا و برزن الجواري منها، فستحدق بهنّ طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس، و شراذم (6)من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس (7)عامّة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا لابسة حريرين (8)صفيقين، تمتنع من السفور و لمس المعترض، و الانقياد لمن يحاول لمسها أو يشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها
ص:143
النخّاس فتصرخ بالرومية (1).
فاعلم أنّها تقول: و اهتك ستراه فيقول بعض المبتاعين: عليّ بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربيّة: لو برزت في زيّ سليمان و على مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فاشفق على مالك، فيقول النخّاس فما الحيلة و لا بدّ من بيعك؟ فتقول الجارية: و ما العجلة؟ و لا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي الى أمانته و ديانته.
فعند ذلك قم الى عمرو بن يزيد النخّاس و قل له: إنّ معي كتابا ملطّفا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية و خطّ روميّ، و وصف فيه كرمه و وفاءه و نبله و سخاءه فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه و رضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا و قالت لعمرو بن يزيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، و حلفت بالمحرّجة المغلظة (2)أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشقة الصفراء فاستوفاه منّي و تسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة و انصرفت بها الى حجرتي الّتي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاي عليه السلام من جيبها و هي تلثمه و تضعه على خدّها و تطبقه على جفنها و تمسحه على بدنها، فقلت تعجبا منها: تلثمين كتابا و لا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد
ص:144
الأنبياء أعرني سمعك و فرّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، و امّي من ولد الحواريّين تنسب الى وصيّ المسيح شمعون أنبئك العجب العجيب.
إن جدّي قيصر الروم اراد أن يزوّجني من ابن أخيه و أنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريّين من القسّيسين و الرّهبان ثلاثمائة رجل و من ذوي الأخطار سبعمائة رجل، و جمع من أمراء الأجناد و قوّاد العساكر و نقباء الجيوش و ملوك العشائر أربعة آلاف رجل و أبرز من بهو (1)ملكه عرشا مصنوعا (2)من أصناف الجواهر الى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة.
فلمّا صعد ابن أخيه، و أحدقت به الصلبان و قامت الأساقفة عكّفا و نشرت أسفار الإنجيل تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض و تفرّقت الأعمدة (3)فانهارت الى القرار و خرّ الصاعد من العرش مغشيّا عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة و ارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي: أيّها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي و المذهب الملكائي (4)فتطيّر جدي من ذلك تطيّرا شديدا.
ص:145
و قال: للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة و ارفعوا الصلبان و أحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لازوّج منه هذه الصبيّة فيندفع نحوسه عنكم بسعوده، فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل و تفرق النّاس فقام جدّي قيصر مغتمّا فدخل قصره و أرخيت الستور.
فاريت في تلك الليلة كأنّ المسيح و شمعون و عدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي فنصبوا فيه منبرا يباري (1)السّماء علوّا و ارتفاعا في الموضع الّذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع فتية و عدّة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول له: يا روح اللّه إنّي جئتك خاطبا من وصيّك شمعون فتاته مليكة لا بني هذا، و أومأ بيده إلى أبي محمّد عليه السلام ابن صاحب هذا الكتاب.
فنظر المسيح إلى شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: قد فعلت، فصعدوا ذلك المنبر و خطب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و زوّجني من ابنه عليه السلام و شهد المسيح عليه السلام و شهد بنو محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الحواريّون فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على ابي و جدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها في نفسي و لا ابديها لهما و ضرب صدري لمحبّة أبي محمّد عليه السلام (2)حتى امتنعت من الطعام و الشّراب، و ضعفت نفسي، و دقّ شخصي، و مرضت مرضا شديدا فما بقي في مدائن الرّوم طبيب إلا أحضره جدّي و سأله عن دوائي.
ص:146
فلمّا برّح (1)بي اليأس قال: يا قرّة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزوّدكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، و فككت عنهم الأغلال و تصدّقت عليهم و مننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح و أمّه لي عافية و شفاء.
فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصّحة في بدني و تناولت يسيرا من الطّعام فسرّ بذلك جدّي و أقبل على إكرام الاسارى و إعزازهم، فأريت أيضا بعد أربع ليال كأنّ سيّدة النساء قد زارتني و معها مريم بنت عمران و ألف و صيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم: هذه سيدة النّساء أمّ زوجك أبي محمّد عليه السلام فأتعلّق بها و أبكي و أشكو إليها امتناع أبي محمّد عليه السلام من زيارتي، فقالت سيدة النساء: إنّ ابني أبا محمّد لا يزورك و أنت مشركة باللّه و على مذهب النصارى، و هذه اختي مريم تبرأ الى اللّه تعالى من دينك، فإن ملت الى رضا اللّه عز و جلّ و رضا المسيح و مريم عنك و زيارة أبي محمد عليه السلام إيّاك، فقولي:
أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه، فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيدة النساء الى صدرها فطيّبت لي نفسي، فقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمّد عليه السلام إيّاك فإنّي منفذته إليك فانتبهت و أنا أقول: وا شوقاه الى لقاء ابي محمّد عليه السلام.
فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد عليه السلام في منامي فرأيته كأنّي اقول له: لم جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟ قال: ما كان تأخيري عنك إلاّ لشركك و إذ قد أسلمت فإنّي زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع اللّه شملنا في العيان، فما قطع زيارته عنّي بعد ذلك الى هذه الغاية. قال
ص:147
بشر: فقلت لها: و كيف وقعت في الاسارى؟ فقالت: أخبرني أبو محمّد عليه السلام ليلة من الليالي أن جدّك سيسرب (1)جيوشا الى قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم فعليك اللحاق بهم متنكّرة في زي الخدم مع عدّة من الوصائف (2)من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت و ما شاهدت، و ما شعر أحد بأنّني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك و ذلك باطلاعي إيّاك عليه و لقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، و قلت: نرجس، فقال: اسم الجواري، فقلت: العجب إنّك رومية و لسانك عربيّ؟ فقالت: بلغ من ولوع جدّي و حمله إيّاي على تعليم الآداب أن أوعز (3)إلى امرأة ترجمان له، في الاختلاف إليّ، فكانت تقصدني صباحا و مساء و تفيدني العربيّة حتى استمرّ عليها لساني و استقام.
قال بشر: فلما انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام فقال لها: كيف أراك اللّه عزّ الاسلام و ذلّ النصرانية، و شرف أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به منّي؟ قال: فإنّي احبّ أن أكرمك فأيّما أحبّ إليك عشرة آلاف درهم؟ أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟ قالت بل الشرف (4)قال عليه السلام: فابشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. قالت: ممّن؟ قال عليه السلام: ممّن خطبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية، قالت: من
ص:148
المسيح أو وصيّه؟ قال: ممّن زوّجك المسيح و وصيّه، قالت من ابنك أبي محمّد؟ قال: فهل تعرفينه؟ قالت: و هل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة الّتي أسلمت فيها على يد سيدة النساء امّه.
فقال أبو الحسن عليه السلام: يا كافور ادع لي اختي حكيمة، فلمّا دخلت عليه قال عليه السلام لها: ها هيه فاعتنقتها طويلا و سرت بها كثيرا فقال مولانا:
يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخرجيها إلى منزلك و علّميها الفرائض و السّنن فإنّها زوجة أبي محمّد عليه السلام و أمّ القائم (1).
و روى هذا الحديث أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة» قال: حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمائة قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن يحيى الذهبي الشيباني، قال:
وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين وزرت قبر غريب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ساق الحديث الى آخره. (2)
ص:149
ص:150
في ميلاده عليه السلام
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن رزق اللّه، قال: حدّثني موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدّثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام قالت: بعث إليّ أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام فقال: يا عمّة اجعلي إفطارك اللّيلة عندنا فإنّها ليلة النصف من شعبان فإنّ اللّه تبارك و تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة و هو حجّة في أرضه، قالت: فقلت له: و من امّه؟ قال لي: نرجس، قلت له: و اللّه جعلني اللّه فداك ما بها أثر. فقال: هو ما أقول لك.
قالت: فجئت، فلمّا سلّمت جاءت تنزع خفّي و قالت لي: يا سيّدتي و سيدة أهلي كيف أمسيت؟ فقلت: بل أنت سيّدتي و سيدة أهلي، قالت:
فأنكرت قولي و قالت: ما هذا يا عمّة؟ قالت: فقلت لها: يا بنيّة إنّ اللّه تبارك و تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيّدا في الدّنيا و الآخرة قالت: فجلست و استحيت.
فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت و أخذت مضجعي فرقدت، فلمّا أن كان في جوف اللّيل قمت إلى الصّلاة ففرغت من صلاتي و هي
ص:151
نائمة ليس بها حادث ثمّ جلست معقّبة ثمّ أضجعت ثمّ انتبهت فزعة و هي راقدة، ثمّ قامت فصلّت و نامت.
قالت حكيمة: و خرجت أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان و هي نائمة فدخلتني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام من المجلس فقال لي: لا تعجلي يا عمّة فهناك الأمر قد قرب قالت: فجلست و قرأت الم السجدة، و يس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت: اسم اللّه عليك، ثمّ قلت لها: أ تحسّين شيئا؟ قالت: نعم يا عمّة، فقلت لها: اجمعي نفسك و اجمعي قلبك فهو ما قلت لك، قالت حكيمة ثم أخذتني فترة و أخذتها فترة فانتبهت بحسّ سيدي فكشفت الثوب عنه، فإذا أنا به عليه السلام ساجد يتلقّى الأرض بمساجده فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف متنظّف فصاح بي أبو محمّد عليه السلام هلمّي إليّ ابني يا عمّة، فجئت به إليه فوضع يده تحت أليته و ظهره و وضع قدميه على صدره ثمّ أدلى لسانه في فيه و أمرّ يده على عينيه و سمعه و مفاصله ثمّ قال: تكلّم يا بنيّ فقال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ صلّى على أمير المؤمنين و على الأئمّة عليهم السلام إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم. (1)
ثمّ قال أبو محمّد عليه السلام: يا عمّة اذهبي به إلى امّه ليسلّم عليها و ائتيني به، فذهبت به فسلّم عليها و رددته فوضعته في المجلس، ثمّ قال: يا عمّة إذا كان يوم السابع فأتينا قالت حكيمة: فلمّا أصبحت جئت لاسلّم على أبي محمّد عليه السلام و كشفت الستر لأتفقّد سيّدي عليه السلام فلم أره، فقلت:
جعلت فداك ما فعل سيّدي؟ فقال: يا عمّة استودعناه الّذي استودعته أمّ موسى
ص:152
موسى عليه السلام.
قالت حكيمة: فلمّا كان في اليوم السّابع جئت و سلّمت و جلست فقال:
هلمّي إليّ ابني فجئت بسيّدي و هو في الخرقة ففعل به كفعلته الاولى ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّما يغذّيه لبنا أو عسلا ثمّ قال: تكلّم يا بنيّ، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ثمّ ثنّى بالصلاة على محمّد و على أمير المؤمنين و على الأئمّة الطّاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين حتّى وقف على ابيه عليه السلام ثمّ تلا هذه الآية بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).
قال موسى فسألت عقبة الخادم عن هذه فقال صدقت حكيمة (2).
ص:153
ص:154
في كلامه عليه السلام في بطن امّه و قراءته القرآن،
و ما ظهر من البراهين حال الولادة
1-ابن بابويه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا أبي قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم الكوفي، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه الطهري (1)قال قصدت حكيمة بنت محمّد عليه السلام بعد مضيّ أبي محمّد عليه السلام أسألها عن الحجّة و ما قد اختلف فيه الناس من الحيرة الّتي هم فيها فقالت لي: اجلس فجلست، ثمّ قالت لي: يا محمّد إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يخلي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة و لم يجعلها في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السلام تفضيلا للحسن و الحسين و تمييزا لهما أن يكون في الأرض عديلهما إلاّ أنّ اللّه تبارك و تعالى خصّ ولد الحسين عليه السلام بالفضل على ولد الحسن عليه السلام كما خصّ ولد هارون على ولد موسى و إن كان موسى حجّة على هارون و الفضل لولده إلى يوم القيامة، و لا بد للامّة من حيرة يرتاب فيها المبطلون و يخلّص فيها المحقّون لئلاّ يكون للخلق (2)على اللّه حجّة و إنّ الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمّد الحسن عليه السلام.
ص:155
فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن عليه السلام ولد؟ فتبسّمت ثمّ قالت: إن لم يكن للحسن عليه السلام ولد فمن الحجّة بعده؟ و قد أخبرتك أنّه لا إمامة لأخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السلام فقلت: يا سيّدتي حدّثيني بولادة مولاي و غيبته عليه السلام قالت: نعم كانت لي جارية يقال لها: نرجس، فزارني ابن أخي عليه السلام و أقبل يحدّ النظر إليها، فقلت له: يا سيّدي لعلّك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال لها: لا يا عمّة و لكني أتعجّب منها، فقلت: و ما أعجبك؟ فقال عليه السلام: سيخرج منها ولد كريم على اللّه عز و جل الّذي يملأ اللّه به الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا فقلت: فأرسلها إليك يا سيّدي؟ فقال: استأذني لذلك أبي عليه السلام.
قالت فلبست ثيابي و أتيت منزل أبي الحسن عليه السلام فسلّمت و جلست فبدأني عليه السلام و قال يا حكيمة ابعثي بنرجس إلى ابني أبي محمّد، قالت: فقلت: يا سيّدي على هذا قصدتك على أن استأذنك في ذلك، فقال لي: يا مباركة إنّ اللّه تبارك و تعالى أحبّ أن يشركك في الأجر و يجعل لك في الخير نصيبا.
قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي و زيّنتها و هيّئتها (1)لأبي محمّد عليه السلام و جمعت بينه و بينها في منزلي فأقام عندي أيّاما ثمّ مضى إلى والده، و وجّهت بها معه قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن عليه السلام و جلس أبو محمّد عليه السلام مكان والده و كنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوما تخلع خفّي و قالت: يا مولاتي ناوليني خفّك، فقلت: بل أنت سيّدتي و مولاتي، و اللّه لا أدفع إليك خفّي لتخلعيه و لا لتخدميني بل أخدمك
ص:156
على بصري.
فسمع أبو محمّد عليه السلام ذلك، فقال: جزاك اللّه يا عمّة خيرا، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية و قلت: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال عليه السلام: يا عمّة بيتي الليلة عندنا فإنّه سيولد المولود الكريم على اللّه عزّ و جلّ الذي يحيي اللّه عزّ و جلّ به الأرض بعد موتها، فقلت: ممّن يا سيّدي؟ و لست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل فقال: من نرجس لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقلّبتها ظاهرا لبطن فلم أر بها أثر حبل فعدت إليه، فأخبرته بما فعلت فتبسّم، ثمّ قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها حبل، لأنّ مثلها مثل أمّ موسى لم يظهر بها الحبل و لم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأنّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى عليه السلام و هذا نظير موسى عليه السلام.
قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال و سألتها عن حالها، فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئا من هذا، قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر و هي نائمة بين يديّ لا تقلب جنبا إلى جنب حتّى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر و ثبت إليّ فزعة فضممتها إلى صدري و سمّيت عليها، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام و قال: اقرئي عليها: إنّا أنزلناه في ليلة القدر، فأقبلت أقرأ عليها و قلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر لي الأمر الذي أخبرك به مولاي فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ فسلّم عليّ.
قالت حكيمة: ففزعت لمّا سمعت، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام: لا تعجبي من أمر اللّه، إنّ اللّه تبارك و تعالى ينطقنا بالحكمة صغارا، و يجعلنا حجّة في ارضه كبارا فلم يستتمّ الكلام حتى غيبت عنّي نرجس فلم أرها، كأنّه ضرب بيني و بينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمّد عليه السلام و أنا صارخة، فقال:
ارجعي يا عمّة فإنّك ستجدينها في مكانها، قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف
ص:157
الحجاب الّذي كان بيني و بينها، و إذا أنا بها و عليها من أثر النور ما غشي بصري، و إذا أنا بالصبي عليه السلام ساجدا على وجهه، جاثيا على ركبتيه، رافعا سبابتيه و هو يقول: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أنّ جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّ أبي أمير المؤمنين عليه السلام ثم عدّ إماما إماما إلى أن بلغ الى نفسه.
ثمّ قال: اللهمّ أنجز ما وعدتني، و أتمم لي أمري، و ثبّت وطأتي و املأ الأرض بي عدلا و قسطا.
فصاح بي أبو محمّد عليه السلام فقال: يا عمّتاه تناوليه و هاتيه، فتناولته و أتيت به نحوه فلمّا مثلت بين يدي أبيه و هو على يدي سلّم على أبيه فتناوله الحسن عليه السلام منّي و ناوله لسانه فشرب منه، ثمّ قال: امضي به إلى امّه لترضعه و ردّيه إليّ، قالت: فتناولته امّه فأرضعته فردّته الى أبي محمّد عليه السلام و الطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها، فقال له: احمله و احفظه و ردّه إلينا في كلّ اربعين يوما فتناوله الطير و طار به في جوّ السماء فأتبعه سائر الطير فسمعت أبا محمّد عليه السلام يقول: استودعتك الّذي استودعته أمّ موسى عليه السلام فبكت نرجس فقال لها: اسكتي فإنّ الرّضاع محرّم عليه إلاّ من ثديك، و سيعاد عليك كما ردّ موسى عليه السلام إلى امّه و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ:
فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ (1).
قالت حكيمة: قلت: و ما هذا الطير؟ قال: هذا روح القدس الموكّل بالأئمّة عليهم السلام يوفّقهم و يسدّدهم و يربّيهم بالعلم.
قالت حكيمة: فلمّا كان بعد أربعين يوما ردّ الغلام و وجّه إليّ ابن أخي
ص:158
عليه السلام فدعاني فدخلت عليه فإذا بالصبيّ يتحرّك (1)بين يديه، فقلت: يا سيّدي هذا ابن سنتين؟ فتبسّم عليه السلام، ثمّ قال: إنّ أولاد الأنبياء و الأوصياء إذا كانوا أئمّة ينشئون بخلاف ما ينشأوا غيرهم، و إنّ الصبيّ منّا إذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة و إنّ الصبيّ منّا ليتكلّم في بطن امّه و يقرأ القرآن و يعبد ربّه عز و جل، و عند الرضاع تطيعه الملائكة و تنزّل عليه صباحا و مساء (2).
قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبيّ في كلّ أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا قبل مضيّ أبي محمّد عليه السلام بأيّام قلائل فلم أعرفه، فقلت لأبي محمّد عليه السلام: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس و هذا خليفتي من بعدي و عن قليل تفقدوني فاسمعي له و أطيعي.
قالت حكيمة: فمضى أبو محمد عليه السلام بعد ذلك بأيّام قلائل و افترق النّاس كما ترى و و اللّه إنّي لأراه صباحا و مساء و إنّه لينبّئني عمّا تسألوني عنه فأخبركم، و اللّه إنّي لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به، و إنّه ليرد عليّ الأمر فيخرج إليّ منه جوابا من ساعته من غير مسألتي، و قد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ و أمرني أن اخبرك بالحقّ.
قال محمد بن عبد اللّه: فو اللّه لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطّلع عليه أحد إلاّ اللّه عزّ و جلّ فعلمت أنّ ذلك صدق و عدل من اللّه تبارك و تعالى و إنّ اللّه عزّ و جلّ قد أطلعه على ما لا يطلع عليه أحدا من خلقه. (3)
ص:159
ص:160
في قراءته عليه السلام ما أنزل اللّه عزّ و جلّ
على أنبيائه بعد سبعة أيام من حال
الولادة و غير ذلك من البراهين
1-الحسين بن حمدان الحضيني (1)في «هدايته» قال: حدّثني هارون (2)بن مسلم بن سعدان البصري، و محمّد بن أحمد البغدادي (3)، و أحمد بن إسحاق، و سهل بن زياد الأدمي و عبد اللّه بن جعفر (4)، عن عدّة من المشايخ الثقات الّذين كانوا مجاورين للإمامين عليهما السلام عن سيّدنا أبي الحسن و أبي محمّد «ع» قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد أن يخلق الإمام أنزل قطرة من ماء الجنّة في ماء من
ص:161
المزن فتسقط في ثمار الأرض (1)فيأكلها الحجّة في الزمان فإذا استقرّت في الموضع الّذي تستقرّ فيه فيمضي له أربعون يوما يسمع الصوت، فإذا تمّت له أربعة أشهر و قد كتب على عضده الأيمن وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (2)فاذا ولد قام بأمر اللّه و رفع له عمود من نور في كلّ مكان ينظر فيه إلى الخلائق و أعمالهم و ينزل أمر اللّه إليه في ذلك العمود نصب عينيه حيث تولّى و نظر.
قال أبو محمّد عليه السلام دخلت على عمّاتي فرأيت جارية من جواريهنّ قد زيّنت تسمى نرجس فنظرت إليها نظرا أطلته فقالت لي عمّتي حكيمة: يا سيّدي تنظر إلى هذه الجارية نظرا شديدا فقلت لها: يا عمّة ما نظري إليها إلاّ نظر التعجّب مما للّه فيها من إرادته و خيرته قالت: يا سيّدي أحسبك تريدها، فأمرتها أن تستأذن أبي علي بن محمد عليهما السلام في تسليمها إليّ ففعلت فأمرها عليه السلام بذلك فجاءتني بها (3).
2-قال الحسين بن حمدان، و حدّثني من أثق به من المشايخ عن حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا عليهما السلام قال: كانت حكيمة تدخل على أبي محمّد عليه السلام فتدعو له أن يرزقه اللّه ولدا و أنّها قالت: دخلت عليه فقلت له كما أقول، و دعوت له كما كنت أدعو له.
فقال: يا عمّة أما إن الذي تدعين اللّه أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة، و كانت ليلة الجمعة لثمان ليال خلون من شعبان سنة سبع و خمسين و مائتين،
ص:162
فاجعلي إفطارك عندنا فقلت: يا سيّدي ممّن يكون هذا الولد العظيم؟ فقال: من نرجس يا عمّة قالت: فقلت له: يا سيّدي ما في جواريك أحبّ إليّ منها، و قمت و دخلت عليها و كنت إذا دخلت فعلت بي كما كانت تفعل فانكببت على يديها (1)فقبّلتهما و منعتها ممّا كانت تفعل فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها، فقالت لي: فديتك فقلت لها: أنا فداك و جميع العالمين فأنكرت ذلك، فقلت: لا تنكري فإنّ اللّه سيهب لك في هذه الليلة غلاما سيّدا في الدنيا و الآخرة و هو فرج المؤمنين فاستحيت فتأمّلتها فلم أر فيها أثر حمل.
فقلت لسيّدي أبي محمّد عليه السلام: ما أرى بها حملا فتبسّم عليه السلام ثمّ قال: إنّا معاشر الأوصياء ليس نحمل في البطون و إنّما نحمل بالجنوب و لا نخرج من الأرحام و إنّما نخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا لأننا نور اللّه الّذي لا تناله الدناسات، فقلت له: يا سيّدي لقد أخبرتني أنّه يولد في هذه الليلة ففي أيّ وقت منها؟ فقال لي: في طلوع الفجر يولد الكريم على اللّه إن شاء اللّه.
قالت حكيمة: فأقمت فأفطرت و نمت بالقرب من نرجس، و بات أبو محمّد عليه السلام في صفّة في تلك الدار التي نحن فيها، فلمّا ورد وقت صلاة الليل قمت و نرجس نائمة ما بها أثر ولادة، فأخذت في صلاتي ثمّ أوترت فأنا في الوتر حتّى وقع في نفسي أنّ الفجر قد طلع و دخل في قلبي شيء فصاح أبو محمّد عليه السلام من الصّفة الثانية لم يطلع الفجر يا عمّة فأسرعت الصلاة و تحرّكت نرجس فدنوت منها و ضممتها إليّ و سمّيت عليها ثمّ قلت لها: هل تحسّين شيء؟ فقالت: نعم.
فوقع عليّ سبات لم أتمالك معه أن نمت و وقع على نرجس مثل ذلك
ص:163
فنامت فلم أنتبه إلاّ بحسّ سيدي المهدي عليه السلام و صيحة أبي محمد عليه السلام يقول: يا عمّة هاتي إليّ ابني فقد قبّلته فكشفت عن سيّدي عليه السلام فإذا به ساجدا مبلغ الأرض بمساجده و على ذراعه الايمن مكتوب: جاءَ اَلْحَقُّ وَ زَهَقَ اَلْباطِلُ إِنَّ اَلْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فضممته إليّ فوجدته مفروغا منه، و لففته في ثوب و حملته إلى أبي محمّد عليه السلام فأخذه و أقعده على راحته اليسرى و جعل راحته اليمنى على ظهره ثمّ أدخل لسانه في فيه و أمرّ يده على ظهره و سمعه و مفاصله ثم قال له: تكلّم يا بنيّ فقال: أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه و أنّ عليا أمير المؤمنين ثمّ لم يزل يعدّد السّادة عليهم السلام إلى أن بلغ الى نفسه و دعا لأوليائه بالفرج على يده ثمّ أحجم.
ثم قال أبو محمّد عليه السلام يا عمّة اذهبي به إلى امّه ليسلّم عليها و ائتيني به، فمضيت به فسلّم عليها و رددته إليه ثمّ وقع بيني و بين أبي محمد عليه السلام كالحجاب فلم أر سيّدي فقلت له: يا سيّدي أين مولانا؟ فقال عليه السلام: أخذه منّي من هو أحقّ به منك، فإذا كان اليوم السّابع فأتينا.
فلمّا كان في اليوم السّابع جئت فسلّمت ثمّ جلست، فقال عليه السلام:
هلمّي بابني فجئت لسيّدي و هو في ثياب صفر ففعل به كفعاله الأوّل و جعل عليه السلام لسانه في فيه ثم قال له: تكلّم يا بنيّ، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و ثنّى بالصلاة على محمّد و أمير المؤمنين و الأئمّة عليهم السلام حتى وقف على أبيه.
ثم قرأ: بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).
ص:164
ثم قال له: اقرأ يا بنيّ مما أنزل اللّه على أنبيائه و رسله، فابتدأ بصحف آدم فقرأها بالسريانية و كتاب إدريس، و كتاب نوح، و كتاب هود، و كتاب صالح، و صحف إبراهيم، و توراة موسى، و زبور داوود، و إنجيل عيسى، و فرقان محمّد جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ قصّ قصص النبيّين و المرسلين إلى عهده، فلمّا كان بعد أربعين يوما دخلت عليه إلى دار أبي محمّد عليه السلام فإذا مولانا الصّاحب يمشي في الدار فلم أر وجها أحسن من وجهه عليه السلام و لا لغة أفصح من لغته، فقال لي أبو محمّد «ع» : هذا المولود الكريم على اللّه، قلت له: سيّدي له أربعون يوما و أنا من أمره ما أرى (1).
فقال عليه السلام: يا عمّتي أ ما علمت أنّا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في جمعة (2)؟ و ننشأ في الجمعة ما ينشأ غيرنا في السنة، فقمت فقبّلت رأسه و انصرفت و عدت و تفقّدته فلم أره فقلت لسيّدي أبي محمّد عليه السلام: ما فعل مولانا؟ فقال: يا عمّة استودعناه الّذي استودع موسى عليه السلام.
ثم قال عليه السلام: لمّا وهب لي ربّي مهديّ هذه الامّة ارسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقف (3)بين يدي اللّه عزّ و جلّ فقال له: مرحبا بك عبدي لنصرة ديني (4)و مهديّ عبادي آليت أنّي بك آخذ و بك اعطي و بك أغفر و بك أعذّب، اردداه أيّها الملكان على أبيه (5)ردّا رفيقا و أبلغاه إنّه في ضماني و كنفي و بعيني إلى أن احقّ به الحقّ و ازهق به الباطل و يكون الدّين لي
ص:165
واصبا.
ثمّ قالت: لمّا سقط من بطن امّه إلى الأرض وجد جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه ثمّ عطس فقال: الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله عبدا ذاكرا للّه غير مستنكف و لا مستكبر.
ثم قال عليه السلام: زعمت الظلمة أنّ حجة اللّه داحضة، لو أذن اللّه لي في الكلام لزال الشكّ. (1)
ص:166
في قراءته عليه السلام حال الولادة
1-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، قال: حدّثنا أبو المفضّل (1)محمّد ابن عبد اللّه قال: حدّثني محمّد (2)بن إسماعيل الحسني، عن حكيمة ابنة محمّد ابن عليّ الرّضا عليهما السلام: أنّها قالت: قال لي الحسن بن عليّ العسكريّ عليهما السلام ذات ليلة أو ذات يوم: احبّ أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنّه يحدث في هذه الليلة أمر، فقلت: و ما هو؟ قال عليه السلام: إنّ القائم من آل محمد يولد في هذه الليلة فقلت: ممّن؟ قال: من نرجس، فصرت إليه و دخلت عليّ الجواري و كان أوّل من تلقتني نرجس فقالت: يا عمّة كيف أنت أنا أفديك؟ فقلت لها: بل أنا أفديك يا سيّدة نساء هذا العالم، فخلعت خفّي و جاءت لتصبّ على رجلي الماء فحلفتها الاّ تفعل و قلت لها: إنّ اللّه قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه الليلة، فرأيتها لمّا قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار و الهيبة، و لم أر بها حملا و لا أثر حمل، فقالت: أيّ وقت يكون ذلك؟ فكرهت أن أذكر وقتا بعينه فأكون قد كذبت، فقال لي أبو محمّد عليه السلام: في الفجر الأوّل.
فلمّا أفطرت و صلّيت و وضعت رأسي و نمت و نامت نرجس معي في
ص:167
المجلس ثمّ انتبهت وقت صلاتنا فتأهبت، و انتبهت نرجس و تأهبت، ثمّ إنّي صلّيت و جلست أنتظر الوقت و نام الجواري و نامت نرجس.
فلما نظرت (1)ان الوقت قد قرب خرجت فنظرت الى السماء و إذا الكواكب قد انحدرت، و إذا هو قريب من الفجر الأوّل ثمّ عدت، فكأنّ الشيطان خبّث قلبي قال أبو محمّد عليه السلام: لا تعجلي فكأنّه قد كان.
و قد سجدت فسمعته يقول في دعائه شيئا لم أدر ما هو و وقع عليّ السبات في ذلك الوقت فانتبهت بحركة الجارية فقلت لها: بسم اللّه عليك فسكنت إلى صدري فرمت به عليّ و خرت ساجدة فسجد الصبيّ و قال: لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه و عليّ حجة اللّه و ذكر إماما إماما حتّى انتهى إلى أبيه، فقال أبو محمّد عليه السلام: هاتي ابني فذهبت لاصلح منه شيئا، فإذا هو مسوّى مفروغ عنه، فذهبت به إليه فقبّل وجهه و يديه و رجليه و وضع لسانه في فمه و زقّه كما يزقّ الفرخ.
ثمّ قال: اقرأ، فبدأ بالقرآن من بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى آخره ثمّ إنه دعا بعض الجواري ممّن علم أنّها تكتم خبره فنظرت ثم قال: سلّموا عليه و قبّلوه و قولوا: استودعناك اللّه و انصرفوا.
ثم قال: يا عمّة ادعي لي نرجس، فدعوتها و قلت لها: إنما يدعوك لتودعيه فودّعته، و تركناه مع أبي محمّد عليه السلام ثمّ انصرفنا، ثمّ إنّي صرت إليه من الغد فلم أره عنده فهنيّته، فقال: يا عمّة هو في وداع اللّه إلى أن يأذن اللّه في خروجه (2).
ص:168
في أنّه مكتوب على ذراعه الأيمن جاء الحق و زهق الباطل
1-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال:
حدّثنا أبو عليّ محمد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن جعفر، عن أبي نعيم (1)، عن محمّد بن القاسم العلوي (2)قال: دخلنا جماعة من العلويّة على حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى فقالت: جئتم تسألوني عن ميلاد وليّ اللّه؟ قلنا، بلى و اللّه، قالت: كان عندي البارحة و أخبرني بذلك و أنّه كانت عندي صبيّة يقال لها: نرجس و كنت أربّيها من بين الجواري و لا يلي تربيتها غيري إذ دخل أبو محمّد عليه السلام عليّ ذات يوم فبقي يلحّ النظر إليها فقلت:
يا سيّدي هل فيها من حاجة؟ فقال: إنّا معاشر الأوصياء لسنا ننظر نظرة ريبة و لكنّا ننظر تعجبا إنّ المولود الكريم على اللّه يكون منها.
قالت: قلت: يا سيّدي فأروح بها إليك؟ قال: استأذني أبي في ذلك، فصرت إلى أخي عليه السلام فلمّا دخلت عليه تبسّم ضاحكا، قال: يا حكيمة
ص:169
جئت تستأذنيني في أمر الصبيّة ابعثي بها إلى أبي محمّد فإنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ أن يشركك في هذا الأجر، فزيّنتها و بعثت بها إلى أبي محمّد عليه السلام، فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها تقوم فتقبّل جبهتي فأقبّل رأسها و تقبّل يدي و أقبل رجليها و تمدّ يدها إلي خفّي لتنزعه فأمنعها من ذلك، و اقبّل يدها إجلالا و إكراما للمحلّ الّذي أحله اللّه فيها.
فكنت بعد ذلك إلى أن مضى أخي أبو الحسن عليه السلام فدخلت على أبي محمّد عليه السلام ذات يوم فقال: يا عمّتاه فإنّ المولود الكريم على اللّه سيولد ليلتنا هذه، فقلت: يا سيّدي في ليلتنا هذه؟ قال: نعم فقمت إلى الجارية فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها حملا فقلت: يا سيّدي ليس بها حمل، فتبسّم عليه السلام ضاحكا و قال يا عمّتاه إنّا معاشر الأوصياء ليس يحمل بنا في البطون و لكن نحمل في الجنوب.
فلمّا جنّ الليل صرت إليه، فأخذ أبو محمّد عليه السلام محرابه، فأخذت محرابها فلم يزالا يحييان الليل و عجزت عن ذلك، فكنت مرّة أنام و مرّة أصلّي إلى آخر الليل فسمعتها آخر الليل في القنوت لمّا انفتلت من الوتر مسلّمة صاحت يا جارية الطست، فجاءت بالطست فقدّمته إليها فوضعت صبيا كأنّه فلقة قمر على ذراعه الأيمن مكتوب: جاءَ اَلْحَقُّ وَ زَهَقَ اَلْباطِلُ إِنَّ اَلْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (1)و ناغاه ساعة حتّى استهلّ و عطس، و ذكر الأوصياء قبله حتى بلغ إلى نفسه و دعا لأوليائه على يده الفرج.
ثمّ وقعت ظلمة بيني و بين أبي محمّد عليه السلام فلم أره، فقلت يا سيّدي أين الكريم على اللّه قال: أخذه من هو أحقّ به، فقمت و انصرفت إلى منزلي فلم أره، و بعد أربعين يوما دخلت دار أبي محمّد عليه السلام فإذا أنا بصبيّ يدرج
ص:170
في الدار فلم أر وجها أصبح (1)من وجهه، و لا لغة فصح من لغة، و لا نغمة أطيب من نغمته، فقلت: يا سيّدي من هذا الصبيّ؟ ما رأيت أفصح وجها و لا افصح لغة منه و لا اطيب نغمة منه قال: هذا المولود الكريم على اللّه، قلت يا سيّدي و له أربعون يوما و أنا ادري (2)من أمره هذا قالت: فتبسّم ضاحكا و قال: يا عمّتاه أ ما علمت أنّا معاشر الأوصياء ننشئوا في اليوم ما ينشأ غيرنا في الجمعة و ننشئوا في الجمعة ما ينشأ غيرنا في الشهر و ننشئوا في الشهر ما ينشأ غيرنا في السنّة فقمت و قبّلت رأسه و انصرفت إلى منزلي ثمّ عدت فلم أره.
فقلت: يا سيّدي يا أبا محمّد لست أرى المولود الكريم على اللّه قال:
استودعناه من استودعته أمّ موسى و انصرفت و ما كنت أراه إلاّ كل أربعين يوما، و كان اللّيلة الّتي ولد فيها ليلة جمعة لثمان ليال خلون من شعبان سنة سبع و خمسين و مأتين من الهجرة، و يروى ليلة الجمعة النصف من شعبان سنة سبع (3).
ص:171
ص:172
في قراءته القرآن في بطن أمه و سجوده عقيب
الولادة و اشراق النور و غير ذلك من براهينه
1-الراوندي في «الخرائج و الجرائح» قالت حكيمة: دخلت يوما على أبي محمّد عليه السلام فقال: يا عمّة بيتي الليلة عندنا فإنّ الليلة سيظهر الخلف فيها، قلت: و ممّن؟ قال: من نرجس، قلت: فلست أرى بنرجس حملا، قال:
يا عمّة إنّ مثلها كمثل أمّ موسى لم يظهر حملها (1)بها إلاّ وقت ولادتها فبتّ أنا و هي في بيت، فلمّا انتصف الليل صلّيت أنا و هي صلاة الليل، فقلت في نفسي:
قد قرب الفجر و لم يظهر ما قال أبو محمّد عليه السلام؟ ! فناداني من الحجرة لا تعجلي، فرجعت إلى البيت (2)خجلة فاستقبلتني نرجس ترتعد، فضممتها الى صدري و قرأت عليها: «قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ» و «إِنّا أَنْزَلْناهُ» و «آية الكرسي» ، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي، و أشرق نور في البيت، فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجدا للّه تعالى إلى القبلة فأخذته فناداني أبو محمّد من الحجرة هلمّي بابني إليّ يا عمة، قالت: فأتيته به، فوضع لسانه في فيه، و أجلسه على
ص:173
فخذه و قال: انطق باذن اللّه تعالى يا بنيّ.
فقال: اعوذ باللّه السميع العليم من الشّيطان الرجيم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).
و صلّى اللّه على محمّد المصطفى، و عليّ المرتضى، و فاطمة الزّهراء، و الحسن، و الحسين، و عليّ بن الحسين، و محمّد بن عليّ، و جعفر بن محمّد، و موسى بن جعفر، و عليّ بن موسى، و محمّد بن عليّ، و عليّ بن محمّد، و الحسن بن علي أبي.
قالت حكيمة: و غمرتنا طيور خضر، فنظر أبو محمد إلى طائر منها فدعاه فقال له: فاحفظه حتّى يأذن اللّه فيه، فإنّ اللّه بالغ أمره، قالت حكيمة: فقلت لأبي محمّد عليه السلام ما هذا الطائر و ما هذه الطيور؟ قال: هذا جبرئيل و هذه ملائكة الرّحمة.
ثم قال لي: يا عمّة ردّيه إلى امّه كي تقرّ عينها و لا تحزن و لتعلم أنّ وعد اللّه حقّ و لكن أكثرهم لا يعلمون (2)، فرددته إلى امّه قالت حكيمة: و لمّا ولد كان نظيفا مفروغا منه، و على ذراعه الأيمن مكتوب: جاءَ اَلْحَقُّ وَ زَهَقَ اَلْباطِلُ إِنَّ اَلْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (3). (4)
ص:174
في سجوده عليه السلام حال ولادته
1-الشيخ الطوسي في «كتاب الغيبة» قال: أخبرني ابن أبي جيّد (1)عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار محمد بن الحسن القمي عن أبي عبد اللّه المطهّري عن حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام، قالت: بعث إليّ أبو محمّد عليه السلام سنة خمس و خمسين و مائتين في النصف من شعبان و قال: يا عمّة اجعلي الليلة إفطارك عندي، فإنّ اللّه عزّ و جلّ سيسرّك بوليّه و حجّته على خلقه، خليفتي من بعدي، قالت حكيمة: فتداخلني بذلك سرور شديد، و أخذت ثيابي و خرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمّد عليه السلام و هو جالس في صحن داره و جواريه حوله.
فقلت: جعلت فداك يا سيّدي الخلف ممّن هو؟ قال: من سوسن فأدرت طرفي فيهنّ فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن.
قالت حكيمة: فلمّا صليت المغرب و العشاء الآخرة أتيت بالمائدة فأفطرت أنا و سوسن و بايتّها في بيت واحد، فغفوت غفوة (2)ثمّ استيقظت فلم أزل متفكّرة فيما و عدني أبو محمّد عليه السلام في أمر وليّ اللّه، فقمت قبل
ص:175
الوقت الّذي كنت أقوم في كلّ ليلة للصلاة، فصلّيت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعة و خرجت و أسبغت الوضوء، ثمّ عادت فصلّت صلاة الليل و بلغت إلى الوتر، فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب، فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأوّل قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد عليه السلام فناداني من حجرته: لا تشكّي فإنّك بالأمر الساعة (1)قد رأيته إن شاء اللّه.
قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمّد عليه السلام و ممّا وقع في قلبي و رجعت إلى البيت و أنا خجلة فإذا هي قد قطعت الصلاة و خرجت فزعة، فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت (2)هل تحسّين شيئا؟ قالت: نعم يا عمّة إنّي لأجد أمرا شديدا قلت: لا خوف عليك إن شاء اللّه.
فأخذت و سادة فألقيتها في وسط البيت فأجلستها عليها، و جلست منها حيث تجلس المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفّي و غمزت غمزا (3)شديدا ثم أنت أنّه و تشهّدت و نظرت تحتها، فإذا أنا بولي اللّه متلقّيا الأرض ساجدا (4)فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري فاذا هو نظيف مفروغ منه فناداني أبو محمّد عليه السلام يا عمّة هلمّي فإيتيني بابني فأتيته به، فتناوله و أخرج لسانه فمسحه على عينيه ففتحهما، ثمّ أدخل يده في فيه فحنّكه، ثم أذّن في اذنيه و أجلسه على راحته اليسرى فاستوى وليّ اللّه جالسا، فمسح يده على رأسه و قال له: يا بنيّ انطق بقدرة اللّه فاستعاذ وليّ اللّه من الشيطان الرجيم و استفتح.
بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي
ص:176
اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1)و صلّى على رسول اللّه و أمير المؤمنين و الأئمّة عليهم السلام واحدا واحدا حتى انتهى إلى أبيه، فناولنيه أبو محمّد عليه السلام و قال: يا عمّة ردّيه إلى امّه كي تقرّ عينها و لا تحزن و لتعلم انّ وعد اللّه حقّ و لكن أكثر الناس لا يعلمون (2)فرددته إلى أمّه و قد انفجر الفجر الثاني فصلّيت الفريضة و عقّبت إلى أن طلعت الشمس ثمّ ودّعت أبا محمّد عليه السلام و انصرفت إلى منزلي.
فلمّا كان بعد ثلاث اشتقت إلى وليّ اللّه فصرت إليهم فبدأت بالحجرة الّتي كانت سوسن فيها فلم أر أثرا و لا سمعت ذكرا، فكرهت أن أسأل فدخلت على أبي محمّد عليه السلام فاستحييت أن أبدأه بالسّؤال، فبدأني فقال: يا عمّة هو في كنف اللّه و حرزه و ستره و غيبه (3)حتى يأذن اللّه و اذا غيّب اللّه شخصي و توفّاني و رأيت شيعتي قد اختلفوا: فأخبري الثقات منهم، و ليكن عندك و عندهم مكتوما، فإنّ وليّ اللّه يغيّبه اللّه عن خلقه (4)فلا يراه احد حتى يقدّم له جبرئيل عليه السلام فرسه ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا. (5)
ص:177
ص:178
في فقد القابلة له عليه السلام من كفها
1-الشيخ أيضا في «كتاب الغيبة» عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن علي الرّازي (1)، عن محمّد بن علي، عن حنظلة ابن زكريا (2)، قال: حدّثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب، و كان عاميّا بمحل النصب لأهل البيت عليهم السلام يظهر ذلك و لا يكتمه، و كان صديقا لي يظهر مودّة بما فيه من طمع أهل العراق (3)فيقول كلّما لقيني: لك عندي خبر تفرح به و لا أخبرك به، فأتغافل عنه إلى أن جمعني و إيّاه موضع خلوة، فاستقصيت عليه و سألته أن يخبرني به.
فقال: كانت دورنا بسرّمن رأى مقابل دار ابن الرضا، يعني أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام، فغبت عنها دهرا طويلا إلى قزوين و غيرها، ثمّ قضي لي الرّجوع إليها فلمّا وافيتها و قد كنت فقدت جميع من خلّفته فيها من أهلي و قراباتي إلاّ عجوزا كانت ربّتني، و لها بنت معها، و كانت من طبع الأوّل مستورة صائنة لا تحسن الكذب، و كذا مواليات لنا بقين في الدّار، فأقمت
ص:179
عندهنّ أياما ثم أردت الخروج (1)فقالت العجوز: كيف تستعجل الانصراف و قد غبت زمانا فأقم عندنا لنفرح بمكانك فقلت لها على جهة الهزء: أريد أن أصير إلى كربلاء و كان الناس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة فقالت:
يا بنيّ أعيذك باللّه أن تستهين بما ذكرت أو تقوله على وجه الهزء فإنّي أحدّثك بما رأيته يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين.
كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز و معي ابنتي و أنا بين النائمة و اليقظانة إذ دخل رجل حسن الوجه نظيف الثياب طيّب الرّائحة فقال: يا فلانة يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران فلا تمتنعي من الذهاب معه و لا تخافي، ففزعت و ناديت ابنتي و قلت لها: هل شعرت بأحد دخل البيت، فقالت: لا، فذكرت اللّه و قرأت و نمت و جاء الرّجل بعينه و قال: مثل قوله، ففزعت و صحت بابنتي، فقالت: لم يدخل البيت أحد فاذكري اللّه و لا تفزعي فقرأت و نمت.
فلمّا كان في الليلة الثّالثة (2)جاء الرّجل فقال: يا فلانة قد جاءك من يدعوك و يقرع الباب فاذهبي معه، و سمعت دقّ الباب فقمت وراء الباب و قلت:
من هذا؟ فقال: افتحي و لا تخافي، فعرفت كلامه ففتحت الباب، فإذا خادم معه إزار، فقال: يحتاج إليك بعض الجيران في حاجة مهمّة فادخلي، و لفّ رأسي بالملاءة (3)و أدخلني الدار و أنا أعرفها، فإذا شقاق (4)مسدودة (5)وسط الدار و رجل قاعد بجنب الشقاق، فرفع الخادم طرفه فدخلت، و إذا امرأة قد أخذها الطلق و امرأة قاعدة خلفها كأنها تقبلها.
ص:180
فقالت المرأة: تعينينا فيما نحن فيه، فعالجتها بما يعالج به مثلها، فما كان إلاّ قليل حتى سقط غلام فأخذته بكفّي (1)و صحت: غلام غلام، و أخرجت رأسي من طرف الشقاق أبشر الرجل القاعد، فقال لي: لا تصيحي، فلمّا رددت وجهي للغلام (2)قد كنت فقدته من كفّي فقالت لي المرأة القاعدة: لا تصيحي، و أخذ الخادم بيدي و رجعت و لفّ رأسي بالملاءة و أخرجني من الدّار و ردّني إلى داري و ناولني صرّة و قال لي: لا تخبري أحدا بما رأيت.
فدخلت الدّار و رجعت إلى فراشي في هذا البيت و ابنتي نائمة بعد فأيقظتها و سألتها هل علمت بخروجي و رجوعي؟ فقالت: لا و فتحت الصرّة في ذلك الوقت فإذا فيها عشرة دنانير، و ما أخبرت بهذا أحدا إلاّ في هذا الوقت لمّا تكلمت بهذا الكلام على حدّ الهزء فحذرتك (3)إشفاقا عليك فإنّ لهؤلاء القوم عند اللّه عز و جل شأنا و منزلة و كلّما يدّعونه حقّ، قال: فعجبت من قولها و صرفته إلى السخرية و الهزء و لم أسألها عن الوقت غير أنّي أعلم يقينا أنّي غبت عنهم في سنة نيف و خمسين في مائتين و رجعت إلى سرّ من رأى في وقت أخبرتني العجوز في سنة إحدى و ثمانين و مائتين في وزارة عبيد (4)اللّه بن سليمان لمّا قصدته.
قال حنظلة: فدعوت بأبي الفرج المظفّر بن أحمد حتى سمع معي هذا الخبر. (5)
ص:181
ص:182
في النور الساطع حال ولادته عليه السلام و حمده اللّه و صلواته
على محمد و آله الطاهرين و تمسح الملائكة به
1-ابن بابويه قال: حدّثني محمّد بن علي ماجيلويه رحمه اللّه، قال:
حدّثنا محمّد بن يحيى العطار قال: حدّثني أبو عليّ الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد عليه السلام فلمّا أغار جعفر الكذّاب على الدّار جاءته فارّة من جعفر فتزوّج بها، قال أبو علي: فحدّثتني أنّها حضرت ولادة السيّد عليه السلام و أنّ اسم أمّ السيّد صقيل و أنّ أبا محمّد عليه السلام حدّثها بما يجري على عياله فسألته أن يدعو اللّه عزّ و جلّ لها بأن يجعل منيّتها قبله، فماتت قبله في حياة أبي محمّد عليه السلام و على قبرها لوح عليه مكتوب: هذا قبر أمّ محمّد.
قال أبو عليّ: و سمعت هذه الجارية تذكر أنّه لمّا ولد السيّد عليه السلام رأت له نورا ساطعا قد ظهر منه و بلغ افق السّماء، و رأت طيورا بيضاء تهبط من السماء و تمسح أجنحتها على رأسه و وجهه و ساير جسده، ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد عليه السلام بذلك فضحك، ثمّ قال: تلك ملائكة السماء نزلت للتبرّك به و هي أنصاره إذا خرج. (1)
2-حدّثنا محمّد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي اللّه عنه، قال:
ص:183
حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السّلام. قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن خليلان قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن جدّه، عن غياث (1)بن أسد، قال: سمعت محمّد (2)بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه قال: لمّا ولد الخلف المهديّ صلوات اللّه عليه سطع نور من فوق رأسه الى عنان السّماء ثمّ سقط لوجهه ساجدا لربّه تعالى ذكره، ثمّ رفع رأسه و هو يقول: شَهِدَ اَللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ اَلْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اَللّهِ اَلْإِسْلامُ (3)قال: و كان مولده ليلة الجمعة. (4)
3-و عنه بهذا الإسناد عن محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه أنّه قال: ولد السيّد عليه السلام مختونا، و سمعت حكيمة تقول: لم ير بأمّه دم في نفاسها و هكذا سائر (5)امّهات الأئمّة صلوات اللّه عليهم. (6)
4-و عنه قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان، عن محمد (7)بن الحسين بن يزيد، عن أبي أحمد (8)محمّد بن زياد الأزدي قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: لمّا ولد الرّضا عليه
ص:184
السلام: إنّ ابني هذا ولد مختونا طاهرا مطهّرا و ليس أحد من الأئمة يولد إلاّ مختونا طاهرا مطهرا، و لكنّا سنمرّ الموسى عليه لإصابة السنّة و اتّباع الحنيفية. (1)
5-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، و أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، قالا: حدّثنا الحسن (2)بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمد ابن عبد اللّه بن موسى بن جعفر عليه السلام عن السيّاري (3)قال: حدّثتني نسيم و مارية قالتا: إنّه لمّا سقط صاحب الزّمان عليه السلام من بطن امّه سقط جاثيا على ركبتيه، رافعا سبّابتيه إلى السماء، ثم عطس فقال: الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمد و آله: زعمت الظلمة أنّ حجة اللّه داحضة و لو اذن لنا في الكلام لزال الشكّ. (4)
6-قال إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه: و حدثتني نسيم خادم أبي محمّد عليه السلام قالت: قال لي صاحب الزّمان عليه السلام و قد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده فقال لي: يرحمك اللّه، قالت نسيم: ففرحت بذلك، فقال عليه السلام: أ لا ابشّرك في العطاس؟ قلت: بلى يا مولاي، قال: هو أمان من الموت ثلاثة أيّام.
و حديث إبراهيم بن محمد هذا عن نسيم رواه أيضا الشيخ الطوسي في
ص:185
كتاب الغيبة. (1)
7-و عنه بإسناده عن إبراهيم بن محمّد العلوي قال: حدّثني ظريف أبو نصر قال: دخلت على صاحب الزمان عليه السلام فقال: عليّ بالصندل الأحمر فأتيته به، ثمّ قال: أ تعرفني؟
قلت: نعم، قال: من أنا؟
فقلت: أنت سيّدي و ابن سيّدي، فقال: ليس عن هذا أسألك.
قال ظريف: قلت: جعلني اللّه فداك فبيّن لي.
قال: أنا خاتم الأوصياء بي يدفع اللّه عزّ و جلّ البلاء عن أهلي و شيعتي. (2)
ص:186
في ظهوره عليه السلام و غيبته في الحال و لم ير مع حضوره
1-ابن بابويه قال: حدثنا المظفر (1)بن جعفر بن المظفّر العلوي العمري قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه قال: حدثنا جعفر بن معروف (2)، عن ابي عبد اللّه البلخي (3)، عن محمّد بن صالح بن عليّ بن محمّد بن قنبر الكبير مولى الرضا عليه السلام قال: خرج صاحب الزّمان عليه السلام على جعفر الكذّاب من موضع لم يعلم به عند ما نازع في الميراث، بعد مضيّ أبي محمّد عليه السلام فقال: يا جعفر مالك تعرض في حقوقي؟ فتحيّر جعفر و بهت، ثمّ غاب عنه فطلبه جعفر بعد ذلك في الناس فلم يره، فلمّا ماتت الجدة أمّ الحسن أمرت أن تدفن في الدار فنازعه و قال: هي داري و لا تدفن فيها، فخرج عليه السلام فقال له: يا جعفر أ دارك هي؟ ثمّ غاب عنه فلم يره بعد ذلك. (4)
2-و عنه قال: حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي
ص:187
السمرقندي رحمه اللّه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد ابن مسعود العيّاشي قال: حدّثني آدم بن محمد البلخي (1)قال: حدّثني عليّ بن الحسن (2)بن هارون الدّقّاق قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبد اللّه بن القاسم بن إبراهيم بن الأشتر قال: حدّثني يعقوب (3)بن منقوش، قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام و هو جالس على دكّان (4)في الدّار، و عن يمينه بيت و عليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيّدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال:
ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك واضح الجبينين، أبيض الوجه، درّي (5)المقلتين، شثن (6)الكفين، معطوف (7)الركبتين، في خدّه الأيمن خال، و في رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد عليه السلام ثمّ قال لي هذا هو صاحبكم، ثمّ وثب فقال له: يا بني ادخل الى الوقت المعلوم فدخل البيت و أنا انظر إليه ثم قال لي: يا يعقوب انظر من في
ص:188
البيت؟ فدخلت فما رأيت أحدا. (1)
3-و عنه قال: حدّثنا أبو الحسن (2)عليّ بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت أبا الحسن (3)ابن وجناء يقول: حدّثني أبي عن جدّه أنّه كان في دار الحسن بن علي عليهما السلام قال فكبستنا الخيل (4)و فيهم جعفر الكذّاب بن عليّ بن محمّد عليه السلام فاشتغلوا بالنهب و الغارة و كان همّتي في مولاي القائم عليه السلام قال:
فإذا أنا به عليه السلام قد أقبل و خرج عليهم بالباب (5)و أنا أنظر إليه و هو عليه السلام ابن ستّ سنين، فلم يره أحد حتى غاب. (6)
4-و عنه قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال:
حدّثنا جعفر (7)بن محمّد بن مالك الكوفي، عن إسحاق (8)بن محمّد الصيرفي،
ص:189
عن يحيى بن المثنّى العطار، عن عبد اللّه بن بكير، عن عبيد بن زرارة، قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: يفقد الناس إما مهم فيشهد الموسم فيراهم و لا يرونه. (1)
5-و عنه قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال:
حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الريّان بن الصلت قال: سمعته يقول: سئل أبو الحسن الرّضا عليه السلام عن القائم عليه السلام فقال: لا يرى جسمه و لا يذكر باسمه عليه السلام. (2)
ص:190
في انه عليه السلام صلى على ابيه عليه السلام
1-ابن بابويه بإسناده قال: حدّثنا أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام و احمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علّته الّتي توفي فيها صلوات اللّه عليه فكتب معي كتبا و قال: امض (1)بها إلى المدائن فإنّك ستغيب خمسة عشر يوما و تدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر و تسمع الواعية في داري و تجدني على المغتسل. قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي، فقلت: زدني. فقال: من يصلّي عليّ فهو القائم بعدي، فقلت: زدني. فقال عليه السلام: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي، ثم منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان.
و خرجت بالكتب إلى المدائن فأخذت جواباتها و دخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي عليه السلام فإذا أنا بالواعية في داره و اذا به على المغتسل و إذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدار، و الشيعة من حوله يعزّونه و يهنّئونه فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت حالة الإمامة (2)لأنّي كنت أعرفه بشرب النبيذ و يقامر في الجوسق (3)و يلعب بالطنبور فتقدّمت
ص:191
و عزّيت و هنّيت فلم يسألني عن شيء، ثمّ خرج عقيد فقال: يا سيّدي قد كفّن أخوك فقم فصلّ (1)عليه، فدخل جعفر بن عليّ، و الشيعة من حوله يقدمهم السمّان (2)، و الحسن بن علي (3)قتيل المعتصم المعروف بسلمة.
فلمّا صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات اللّه عليه على نعشه مكفّنا فتقدّم جعفر بن علي ليصلّي على أخيه فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة بشعره قطط (4)بأسنانه تفلّج (5)فجذب رداء جعفر بن عليّ، و قال:
«تأخّر يا عمّ و أنا أحقّ بالصّلاة على أبي» (6)فتأخّر جعفر و قد اربدّ (7)وجهه و اصفرّ فتقدّم الصبي فصلّى عليه و دفن إلى جانب قبر أبيه عليهما السلام.
ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب الّتي معك، فدفعتها إليه فقلت في نفسي: هذه ثنتان (8)بقي الهميان، ثمّ خرجت إلى جعفر بن علي و هو يزفر فقال له حاجز الوشّاء (9): يا سيّدي من الصبيّ ليقيم (10)عليه الحجة؟ فقال: و اللّه ما رأيته
ص:192
قطّ و لا أعرفه.
فنحن (1)جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن عليّ عليه السلام فعرفوا موته، فقالوا: فمن نعزّي؟ فأشار النّاس إلى جعفر بن عليّ، فسلّموا عليه و عزّوه و هنّؤه و قالوا: إنّ معنا كتبا و مالا فتقول ممّن الكتب؟ و كم المال؟ فقام ينفض أثوابه و قال: يريدون منّا أن نعلم الغيب؟ ! قال: فخرج الخادم (2)فقال: معكم كتب فلان و فلان، و هميان فيه ألف دينار و عشرة دنانير منها مطليّة (3)، فدفعوا إليه الكتب و المال و قالوا: الّذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام.
فدخل جعفر بن علي على المعتمد و كشف ذلك له، فوجّه المعتمد بخدمه قبضوا على صقيل (4)الجارية فطالبوها بالصبيّ فأنكرت و ادّعت حملا بها لتغطّي على حال الصبيّ، فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب (5)القاضي، و بغتهم موت عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان (6)فجأة، و خرج صاحب الزّنج (7)بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم، و الحمد للّه ربّ العالمين. (8)
ص:193
ص:194
في أنّه وصي أبيه عليه السلام و نصه عليه بالامامة
1-محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن بلال (1)، قال خرج إليّ من أبي محمّد عليه السلام قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده. (2)
2-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمد عليه السلام: جلالتك تمنعني من مسائلتك فتأذن لي أن أسألك؟
فقال: سل، فقلت: يا سيّدي هل لك ولد؟ فقال: نعم، فقلت: فإن حدث
ص:195
بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة. (1)
3-و عنه عن عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن محمد المكفوف، عن عمرو الأهوازي قال: أراني أبو محمد عليه السلام ابنه و قال: هذا صاحبكم من بعدي. (2)
4-و عنه عن عليّ بن محمّد، عن حمدان القلانسي (3)، قال: قلت للعمري (4): قد مضى أبو محمّد فقال لي: قد مضى و لكن قد خلّف فيكم من رقبته مثل هذه، و أشار بيده. (5)
5-و عنه عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد (6)بن محمّد بن عبد اللّه، قال: خرج عن أبي محمّد عليه السلام حين قتل الزّبيري لعنه اللّه (7): هذا جزاء من اجتراء على اللّه في أوليائه يزعم أنّه يقتلني و ليس لي عقب فكيف رأى قدرة اللّه فيه، و ولد له ولد سمّاه م ح م د (8)في سنة
ص:196
خمسين و مائتين. (1)
6-و عنه عن عليّ بن محمد، عن الحسين (2)و محمد ابني عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عليّ بن عبد الرّحمن العبدي-من عبد قيس-عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه قال: أتيت سامرّاء و لزمت باب أبي محمد عليه السلام فدعاني فدخلت عليه و سلّمت فقال: ما الذي أقدمك؟
قلت: رغبة في خدمتك، قال: فقال لي: الزم الباب، قال: فكنت في الدار مع الخدم ثمّ صرت أشتري لهم الحوائج من السّوق و كنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال.
قال: فدخلت يوما عليه و هو في دار الرّجال فسمعت حركة في البيت فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أن أدخل و لا أخرج، فخرجت عليّ جارية و معها شيء مغطّى، ثمّ ناداني: أدخل، فدخلت و نادى الجارية فرجعت إليه، فقال لها: اكشفي عمّا معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه و كشف عن بطنه فإذا شعر من لبّته (3)الى سرّته (4)أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثمّ أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمّد عليه السلام (5).
7-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي اللّه عنه قال:
ص:197
حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، قال: حدّثني محمد بن معاوية بن حكيم، و محمد بن أيّوب بن نوح، و محمد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن عليّ عليهما السلام ابنه عليه السلام و نحن في منزله، و كنّا أربعين رجلا، فقال: هذا إمامكم من بعدي و خليفتي أطيعوه و لا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا.
قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلاّ أيّام قلائل حتّى مضى أبو محمّد عليه السلام. (1)
8-و عنه قال: حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفر العلويّ السمرقندي رحمه اللّه قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمّد ابن مسعود العيّاشي، قال: حدّثنا آدم بن (2)محمّد البلخي، قال: حدّثني علي بن الحسن بن هارون الدقّاق، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبد اللّه بن القاسم بن إبراهيم بن الأشتر، قال: حدثني يعقوب بن منقوش قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام و هو جالس على دكّان (3)في الدار عن يمينه بيت، و عليه ستر مسبل (4)، فقلت له: يا سيّدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسي (5)له عشر أو ثمان أو نحو ذلك واضح الجبين،
ص:198
أبيض الوجه، دريّ (1)المقلتين، شثن (2)الكفين، معطوف الرّكبتين (3)في خدّه الأيمن خال و في رأسه ذؤابة (4)فجلس على فخذ أبي محمّد عليه السلام.
ثمّ قال لي: هذا هو صاحبكم ثمّ وثب فقال له: يا بني ادخل الى الوقت المعلوم فدخل البيت و أنا انظر إليه، ثمّ قال: يا يعقوب انظر من في البيت؟ فدخلت فما رأيت أحدا. (5)
9-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، أنّه خرج من أبي محمّد عليه السلام توقيع: «زعموا أنّهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، و قد كذّب اللّه قولهم، و الحمد للّه» . (6)
10-و عنه، عن محمد بن عبد اللّه الشيباني (7)قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني قال: حدّثنا علاّن (8)الرازي، قال: أخبرني بعض أصحابنا أنّه لمّا حملت جارية أبي محمّد عليه السلام قال: ستحملين ذكرا و اسمه م ح مّ د، و هو
ص:199
القائم من بعدي. (1)
11-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثني أبي عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، قال: حدّثني محمّد بن أحمد المدائني، عن أبي (2)غانم قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام يقول: في سنة مائتين و ستّين تفترق شيعتي، ففيها قبض أبو محمّد عليه السلام و تفرّقت شيعته و أنصاره، فمنهم من انتمى إلى جعفر، و منهم من تاه و شك، و منهم من وقف على تحيّره، و منهم من ثبت على دينه بتوفيق اللّه عز و جل. (3)
12-و عنه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر العلوي السّمرقندي قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود العيّاشي، عن أبيه، عن أحمد (4)بن عليّ بن كلثوم، عن عليّ بن أحمد الرّازي، عن أحمد (5)بن اسحاق بن سعد قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام يقول: الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدّنيا حتّى أراني الخلف بعدي أشبه الناس برسول اللّه خلقا و خلقا يحفظه اللّه تبارك و تعالى في غيبته ثمّ يظهره فيملأ الأرض قسطا و عدلا
ص:200
كما ملئت جورا و ظلما (1).
13-و عنه قال: حدثنا احمد بن محمد بن يحيى العطار قال: حدّثنا سعد ابن عبد اللّه، قال: حدّثني موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام يقول: كأنّي بكم و قد اختلفتم بعدي في الخلف منّي ألا إنّ المقرّ بالائمة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع أنبياء اللّه و رسله ثمّ انكر نبوّة محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم (2)، لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، و المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها النّاس إلاّ من عصمه اللّه. (3)
14-و عنه قال: حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه الشيباني، قال:
حدّثني أبو علي بن همّام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ و أنا عنده عن الخبر الّذي روي عن آبائه عليهم السلام أنّ الأرض لا تخلو من حجّة اللّه على خلقه إلى يوم القيامة، و أنّ من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
فقال عليه السلام: إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ.
فقيل له: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام و الحجة بعدك؟
فقال: ابني م ح م د و هو الإمام و الحجّة بعدي، من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، و يهلك فيها المبطلون، و يكذب
ص:201
فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة. (1)
15-و عنه قال: حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي اللّه به عنه قال:
حدثني ابو علي بن همام قال سمعت محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن عليّ عليه السلام و أنا عنده عن الخبر الّذي روي عن آبائه «أنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه على خلقه إلى يوم القيامة» و ساق الحديث الى آخره مثله. (2)
16-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (3)قال: دخلت على أبي محمّد الحسن ابن عليّ عليهما السلام و أنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئا:
يا أحمد بن إسحاق إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخل الأرض منذ خلق اللّه آدم و لا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة للّه على خلقه به يدفع البلاء عن أهل الأرض، و به ينزّل الغيث و به يخرج بركات الأرض.
قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام و الخليفة من بعدك؟ فنهض عليه السلام مسرعا و دخل البيت ثمّ خرج و على عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال: يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على اللّه عزّ و جلّ و على حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سميّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و كنيّه، الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا
ص:202
و ظلما.
يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الامّة مثل الخضر عليه السلام و مثله كمثل ذي القرنين، و اللّه ليغيبنّ غيبة لا ينجو بها من الهلكة إلاّ من ثبّته اللّه عز و جل على القول بإمامته و وفقه للدعاء بتعجيل فرجه.
فقال أحمد بن إسحاق: قلت له: يا مولاي هل من علامة يطمئنّ بها قلبي؟ فنطق الغلام بلسان عربيّ فصيح فقال: أنا بقيّة اللّه في أرضه، و المنتقم من أعدائه، و لا تطلب أثرا (1)بعد عين يا أحمد بن إسحاق.
فقال أحمد بن إسحاق: خرجت مسرورا فرحا فلمّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول اللّه لقد عظم سروري بما مننت عليّ به فما السنّة الجارية فيه من الخضر و ذي القرنين؟ قال: طول الغيبة يا أحمد، قلت له: يا ابن رسول اللّه و إنّ غيبته لتطول؟ قال: إي و ربي حتى يرجع عن هذا الأمر اكثر القائلين به فلا يبقى إلاّ من أخذ اللّه عز و جل عهده لولايتنا، و كتب في قلبه الإيمان و أيّده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من اللّه، و سرّ من سرّ اللّه، و غيب من غيب اللّه فخذ بما آتيتك و اكتمه و كن من الشاكرين تكن معنا في عليّين (2). (3)
ص:203
ص:204
في تسميته عليه السلام القائم و المنتظر و المهدي
1-ابن بابويه قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: حدّثنا حمدان بن سليمان قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام يقول: إنّ الامام بعدي ابني علي أمره أمري، و قوله قولي، و طاعته طاعتي، و الإمام (1)بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه، و قوله قول أبيه، و طاعته طاعة أبيه، ثمّ سكت فقلت له: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاء شديدا ثمّ قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر.
فقلت له: يا ابن رسول اللّه و لم سمّي القائم؟
قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره و ارتداد أكثر القائلين بإمامته.
فقلت له: و لم سمّي المنتظر؟
قال: لأن له غيبة يكثر أيّامها و يطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، و ينكره المرتابون، و يستهزىء بذكره الجاحدون، و يكذب فيها الوقّاتون، و يهلك فيها المستعجلون، و ينجو فيها المسلمون. (2)
ص:205
2-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد الدقاق و محمّد بن محمّد ابن عصام «رض» قالا: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدّثنا القاسم بن العلاء (1)، قال: حدّثنا إسماعيل الفزاري (2)، قال: حدّثنا محمّد بن جمهور القمي عن ابن أبي نجران عمّن ذكره، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام قلت: يا ابن رسول اللّه لم سمّي عليّ عليه السلام أمير المؤمنين، و هو اسم ما سمي به أحد قبله و لا يحلّ في (3)أحد بعده؟
قال: لأنّه ميرة العلم يمتار منه و لا يمتار من أحد غيره.
قال: فقلت: يا ابن رسول اللّه فلم سمّي سيفه ذا الفقار؟
فقال عليه السلام لأنّه ما ضرب به أحدا من خلق اللّه إلاّ أفقره في هذه الدنيا من أهله و ولده، و أفقره في الآخرة من الجنة.
قال: فقلت: يا ابن رسول اللّه كلّكم قائمون بالحق؟ (4)قال: بلى
قلت: فلم سمّي القائم قائما؟
قال: لمّا قتل جدي الحسين عليه السلام ضجّت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و النحيب، و قالوا: إلهنا و سيّدنا انتقم ممن قتل صفوتك و ابن صفوتك
ص:206
و خيرتك من خلقك، فأوحى اللّه عز و جل إليهم: قرّوا ملائكتي فو عزّتي و جلالي لأنتقمنّ منهم و لو بعد حين.
ثم كشف اللّه عزّ و جل عن الأئمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة فسرّت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلّي، فقال اللّه عز و جل: بذلك أنتقم منهم (1)
3-و عنه عن أبيه «ره» قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي الكوفي عن (2)عبد اللّه بن المغيرة عن سفيان بن (3)عبد المؤمن الأنصاري عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر عليه السلام و أنا حاضر، فقال: رحمك اللّه اقبض هذه الخمسمائة درهم فضعها في موضعها، فإنّها زكاة مالي، فقال له أبو جعفر عليه السلام: بل خذها أنت فضعه في جيرانك و الأيتام و المساكين و في إخوانك من المسلمين، إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا أهل البيت عليه السلام، فإنّه يقسّم بالسوية و يعدل في خلق الرحمن البرّ منهم و الفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع اللّه و من عصاه فقد عصى اللّه.
فإنّما سمّي المهدي لأنّه يهدي لأمر خفيّ يستخرج التوراة و سائر كتب اللّه من غار بأنطاكية فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، و بين أهل الإنجيل
ص:207
بالإنجيل، و بين أهل الزبور بالزّبور، و بين أهل الفرقان بالفرقان، و تجمع إليه أموال الدّنيا كلّها ما في بطن الأرض و ظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، و سفكتم فيه الدّماء، و ركبتم فيه محارم اللّه، فيعطى شيئا لم يعط أحد كان قبله.
قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هو رجل منّي اسمه كاسمي يحفظني اللّه فيه، و يعمل بسنّتي يملأ الأرض قسطا و عدلا و نورا بعد ما تمتلئ ظلما و جورا و سوءا. (1)
4-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، في «مسند فاطمة عليها السلام» (2)قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هرون بن موسى، عن أبيه قال: حدّثنا أبو علي الحسن بن محمد النّهاوندي (3)، قال: حدّثنا أبو محمّد عبد الكريم، عن أبي إسحاق الثقفي، قال: حدّثنا محمّد بن سليمان النخعي، قال: حدّثنا السري بن عبد اللّه (4)قال: حدّثنا محمّد بن علي (5)، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام قال: إنّما سمّي المهديّ (6)لأنّه يهدي لأمر خفيّ، يهدي ما في صدور النّاس، و يبعث إلى الرجل فيقتله، لا يدرى في أيّ شيء قتله، و يبعث ثلاثة
ص:208
راكب، قال: هي بلغة غطفان ركبان، أمّا راكب فيأخذ ما في أيدي أهل الذمّة من رقيق المسلمين فيعتقهم، و أمّا راكب فيظهر البراءة منهما يغوث و يعوق في أرض العرب و راكب يخرج التوراة من مغارة (1)بأنطاكية و يعطى حكم سليمان. (2)
ص:209
ص:210
في علمه عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد (1)رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي (2)، قال: حدّثنا محمّد بن (3)إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمّد بن سنان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ العلم بكتاب اللّه عز و جل و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لينبت في قلب مهديّنا كما ينبت الزرع (4)على أحسن نباته، فمن بقي منكم حتّى يلقاه فليقل حين يراه: السّلام عليكم يا أهل بيت الرّحمة و النبوة، و معدن العلم و موضع الرسالة.
و روي أنّ التسليم على القائم عليه السلام أن يقال: السلام عليك يا بقيّة اللّه في أرضه. (5)
ص:211
2-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن علي بن محمّد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي، قال: حدّثنا أحمد بن طاهر القمي، قال: حدّثنا محمّد بن بحر (1)بن سهل الشيباني، قال:
حدّثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد اللّه القمي (2)، قال: كنت امرأ لهجا (3)بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم و دقائقها، كلفا باستظهار ما يصحّ من حقائقها، مغرما (4)بحفظ مشتبهها و مستغلقها، شحيحا على ما أظفر به من معاضلها و مشكلاتها متعصبا لمذهب الامامية راغبا عن الأمن و السلامة في انتظار التنازع و التخاصم و التعدّي الى التباغض و التشاتم، معيّبا للفرق ذوي الخلاف، كاشفا عن مثالب أئمّتهم هتّاكا لحجب قادتهم، إلى أن بليت بأشدّ النّواصب منازعة، و أطولهم مخاصمة، و أكثرهم جدلا، و أشنعهم سؤالا، و أثبتهم على الباطل قدما.
فقال ذات يوم-و أنا اناظره-تبّا لك يا سعد و لأصحابك معاشر الرافضة
ص:212
تقصدون على المهاجرين و الأنصار بالطّعن عليهما و تجحدون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ولايتهما و إمامتهما، هذا الصدّيق الّذي فاق جميع الصّحابة بشرف سابقته، أ ما علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلاّ علما منه بأنّ الخلافة له من بعده، و أنه هو المقلّد لأمر التاويل و الملقى إليه أزمّة الامّة، و عليه المعوّل في شعب الصدع و لم الشعث و سدّ الخلل، و إقامة الحدود، و تسريب (1)الجيوش لفتح بلاد الشّرك فكما اشفق على نبوّته أشفق على خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه، و لمّا رأينا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متوجّها إلى الانجحار (2)و لم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بأبي بكر إلى الغار للعلّة التي شرحناها، و إنّما أبات عليّا عليه السلام على فراشه لما لم يكن ليكترث (3)له و لم يحفل به و لاستثقاله و لعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.
قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتّى فما زال يقصد كلّ واحد منها بالنقض و الردّ علي، ثم قال: يا سعد دونكها (4)اخرى بمثلها تخطم (5)آناف الروافض أ لستم تزعمون ان الصدّيق المبرّى عن دنس الشكوك؛ و الفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسرّان النفاق و استدللتم بليلة العقبة أخبرني عن الصّديق و الفاروق أ أسلما طوعا أو كرها؟
ص:213
قال سعد: فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي خوفا من الإلزام و حذرا من أني إن أقررت له بطوعيتهما بالإسلام احتجّ بأن بدءوا النفاق و نشؤه في القلب لا يكون إلاّ عند هبوب روائح القهر و الغلبة و اظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه نحو قول اللّه عز و جل: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا (1)و ان قلت: أسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذ لم يكن ثمّة سيوف منتضاة (2)كانت تريهما البأس.
قال سعد: فصدرت عنه مزوّرا (3)و قد انتفخت أحشائي من الغضب و تقطّع كبدي من الكرب، و كنت قد اتّخذت طومارا و أثبت فيه نيّفا و أربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن أسأل فيها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد عليه السلام فارتحلت خلفه، و قد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسرّمن رأى فلحقته في بعض المناهل، فلمّا تصافحنا قال: بخير لحاقك بي؟ قلت: الشوق ثمّ العادة في الأسئلة قال: قد تكافينا على هذه الخطّة الواحدة فقد برّح (4)بي القرم (5)إلى لقاء مولانا أبي محمّد عليه السلام و اريد أن أسأله عن معاضل في التاويل و مشاكل من التنزيل (6)، فدونكها الصحبة المباركة، فإنّها تقف بك على ضفّة بحر (7)لا تنقضي عجائبه
ص:214
و لا تفنى غرائبه و هو إمامنا.
فوردنا سرّ من رأى، فانتهينا منها إلى باب سيّدنا عليه السلام فاستأذنّا، فخرج علينا الآذن بالدخول عليه، و كان على عاتق أحمد بن اسحاق جراب (1)قد غطّاه بكساء طبريّ فيه مائة و ستّون صرّة من الدنانير و الدراهم، على كلّ صرّة منها ختم صاحبها.
قال سعد: فما شبّهت وجه مولانا أبي محمّد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلاّ ببدر قد استوفي من لياليه أربعا بعد عشر، و على فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة و المنظر، و على رأسه فرق (2)بين و فرتين (3)كأنّه ألف بين واوين، و بين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء اهل البصرة، و بيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئا قبض الغلام على أصابعه، فكان مولانا عليه السلام يدحرج الرمّانة بين يديه و يشغله بردّها كيلا يصدّه عن كتابة ما أراد، فسلّمنا عليه فألطف في الجواب و أومأ إلينا بالجلوس.
فلمّا فرغ من كتبه البياض الّذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيّ كسائه فوضعه بين يديه، فنظر الهادي عليه السلام (4)إلى الغلام و قال له:
يا بنيّ فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك و مواليك، فقال: يا مولاي أ يجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة و أموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟
فقال مولاي عليه السلام: يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميّز بين
ص:215
الحلال (1)و الحرام منها، فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: هذه لفلان ابن فلان من محلّة كذا بقم، تشتمل على اثنين و ستّين دينارا فيها من ثمن حجرة (2)باعها صاحبها و كانت إرثا له عن أبيه (3)خمسة و أربعون دينارا، و من أثمان تسعة (4)أثواب أربعة عشر دينارا، و فيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا عليه السلام: صدقت يا بنيّ دلّ الرّجل على الحرام منها.
فقال عليه السلام: فتش عن دينار رازيّ السكّة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه و قراضة آملية وزنها ربع دينار، و العلّة في تحريمها أنّ صاحب هذه الجملة (5)وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا و ربع منّ، فاتت على ذلك مدّة و في انتهائها قيّض لذلك الغزل سارقا (6)فأخبر به الحائك صاحبه فكذّبه و استردّ منه بعد ذلك منّا و نصف منّ غزلا أدق ممّا كان دفعه إليه و اتّخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه، فلمّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه و بمقدارها على حسب ما قال، و استخرج الدنانير و القراضة بتلك العلامة.
ثم أخرج صرّة اخرى فقال الغلام عليه السلام: هذه لفلان بن فلان من
ص:216
محلّة كذا بقم تشتمل خمسين دينارا لا يحلّ لنا لمسها (1)، قال: و كيف ذلك؟
قال: لأنّها ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة، و ذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل واف و كال ما خصّ الاكار بكيل بخس، فقال مولانا عليه السلام: صدقت يا بنيّ.
ثم قال: يا أحمد بن إسحاق احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها و ائتنا بثوب العجوز.
قال أحمد: و كان ذلك الثّوب في حقيبة (2)لي فنسيته.
فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليّ مولانا أبو محمّد عليه السلام فقال: ما جاء بك يا سعد؟
فقلت: شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.
قال: فالمسائل الّتي أردت أن تسأله عنها؟
قلت: على حالها يا مولاي.
قال: فسل قرّة عيني عنها-و أومأ إلى الغلام-فقال لي الغلام: سل عمّا بدا لك عنها، فقلت له: مولانا و ابن مولانا إنّا روينا عنكم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة أنّك قد أرهجت (3)على الإسلام و أهله بفتنتك، و أوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عنّي غربك (4)و إلاّ طلّقتك، و نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قد كان طلاقهنّ (5)وفاته.
ص:217
قال: ما الطلاق؟
قلت: تخلية السبيل.
قال: فإذا كان وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قد خلّى لهنّ السبيل فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج؟
قلت: لأنّ اللّه تبارك و تعالى حرّم الازواج عليهنّ.
قال: و كيف و قد خلّى الموت سبيلهنّ؟
قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الّذي فوّض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم حكمه الى أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّ اللّه تقدّس اسمه عظّم شأن نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فخصّهن بشرف الامّهات، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: يا أبا الحسن إنّ هذا الشّرف باق لهنّ ما دمن للّه على الطّاعة، فأيّتهنّ عصت اللّه بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج و أسقطها من شرف أمومة المؤمنين.
قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبيّنة الّتي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها من بيته؟
قال: الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزّنا، فإنّ المرأة إذا زنت و اقيم عليها الحدّ ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحدّ، و إذا سحقت وجب عليها الرّجم و الرّجم خزي و من قد أمر اللّه برجمه فقد أخزاه، و من أخزاه فقد أبعده، و من أبعده فليس لأحد أن يقربه.
قلت: فأخبرني يا ابن رسول اللّه عن أمر اللّه تعالى لنبيّه موسى عليه السلام:
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ اَلْمُقَدَّسِ طُوىً (1)فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون
ص:218
أنّها كانت من إهاب (1)الميتة.
قال: صلوات اللّه عليه: من قال ذلك فقد افترى على موسى عليه السلام و استجهله في نبوّته لأنّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين (2)إمّا أن تكون صلاة موسى عليه السلام فيهما جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة، إذ لم تكن مقدّسة، و إن كانت مقدّسة مطهّرة فليست بأقدس و أطهر من الصلاة، و إن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى عليه السلام أنّه لم يعرف الحلال من الحرام، و ما علم ما جاز فيه الصلاة و ما لم يجز و هذا كفر.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما، قال صلوات اللّه عليه: إنّ موسى عليه السلام ناجى ربّه بالواد المقدّس فقال: يا ربّ إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي فغسلت قلبي عمّا سواك، و كان شديد المحبّة لأهله، فقال اللّه تعالى:
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أي انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة، و قلبك من الميل إلى من سواي مغسولا.
قلت: فأخبرني يا ابن رسول اللّه عن تاويل «كهيعص» قال: هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع اللّه عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ذلك أنّ زكريا سأل ربه أن يعلّمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها، فكان زكريا إذا ذكر محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين سرى (3)عنه همّه و انجلى كربه و إذا ذكر الحسين عليه السلام خنقته
ص:219
العبرة (1)، و وقعت عليه البهرة (2)فقال ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم عليهم السلام تسلّيت بأسمائهم من همومي، و إذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني و تثور زفرتي؟
فأنبأه اللّه تبارك و تعالى عن قصّته فقال: «كهيعص» «فالكاف» اسم كربلاء «و الهاء» هلاك العترة «و الياء» يزيد لعنه اللّه و هو ظالم الحسين عليه السلام «و العين» عطشه «و الصاد» صبره.
فلمّا سمع بذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام و منع فيها النّاس من الدخول عليه، و أقبل على البكاء و النحيب و كانت ندبته: إلهي أتفجّع خير خلقك بولده؟ أ تنزل بلوى هذه الرزيّة بفنائه؟ إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أ تحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟ !
ثمّ كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر، و اجعله وارثا وصيّا و اجعل محلّه منّي محلّ الحسين عليه السلام، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثم أفجعني به كما تفجع محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم حبيبك بولده، فرزقه اللّه يحيى عليه السلام و فجّعه به و كان حمل يحيى عليهم السلام ستة أشهر، و حمل الحسين عليه السلام كذلك و له قصة طويلة.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم.
قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى
ص:220
قال: فهي العلّة، أوردها لك ببرهان يثق به عقلك (1).
ثم قال: اخبرني عن الرسل الّذين اصطفاهم اللّه عزّ و جلّ و أنزل عليهم الكتب و أيّدهم بالوحي و العصمة أنهم (2)اعلام الامم و أهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى و عيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما و كمال علمهما إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق و هما يظنّان أنّه مؤمن، قلت: لا.
فقال: هذا موسى كليم اللّه مع وفور عقله و كمال علمه و نزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربّه عزّ و جلّ سبعين رجلا ممّن لا يشك في إيمانهم و إخلاصهم فوقع خيرته على المنافقين قال اللّه عز و جل:
وَ اِخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا (3)الى قوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اَللّهَ جَهْرَةً (4)فَأَخَذَتْهُمُ اَلصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ (5)فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه عزّ و جلّ للنبوّة واقعا على الأفسد دون الأصلح و هو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد علمنا أنّ (6)الاختيار لا يجوز أن يفعل إلاّ من يعلم ما تخفي الصدور و ما تكنّ الضمائر و تتصرف عليه السرائر و أن لا خطر لاختيار المهاجرين و الأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.
ثم قال مولانا عليه السلام: يا سعد و حين ادّعى خصمك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما أخرج مع نفسه مختار هذه الامّة الى الغار إلاّ علما منه أنّ الخلافة له من بعده و أنّه هو المقلّد امور التأويل و الملقى إليه أزمّة الامّة
ص:221
و عليه المعوّل في لمّ الشعث و سدّ الخلل و إقامة الحدود، و تسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر فكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته إذا لم يكن من حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره الى مكان يستخفي فيه و إنّما أبات عليا عليه السلام على فراشه لما لم يكن يكترث له و لم يحفل به لاستثقاله إيّاه و علمه بأنّه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.
فهلا نقضت عليه دعواه بقولك: أ ليس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الّذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم فكان لا يجد بدّا من قوله لك: بلى، فكنت تقول حينئذ أ ليس كما علم رسول اللّه أنّ الخلافة من بعده لأبي بكر علم أنّها من بعد أبي بكر لعمر، و من بعد عمر لعثمان، و من بعد عثمان لعليّ فكان أيضا لا يجد بدّا من قوله لك: نعم، ثمّ كنت تقول له: فكان الواجب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار و يشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر و لا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم و تخصيصه أبا بكر و إخراجه مع نفسه دونهم.
و لما قال: أخبرني عن الصديق و الفاروق أسلما طوعا أو كرها؟ لم لم تقل له: بل أسلما طمعا و ذلك لأنّهما كانا يجالسان اليهود و يستخبرانهم عمّا كانوا يجدون في التوراة و في سائر الكتب المتقدّمة الناطقة بالملاحم من حال الى حال من قصّة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من عواقب أمره، فكانت اليهود تذكر أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسلّط على العرب كما كان بخت نصّر سلّط على بني إسرائيل و لا بدّ له من الظفر بالعرب كما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل غير أنّه كاذب في دعواه في أنّه نبيّ.
ص:222
فأتيا محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فساعداه على قول شهادة أن لا إله الا اللّه و بايعا طمعا في أن ينال كلّ واحد منهما من جهة ولاية بلد إذا استقامت اموره و استتبت (1)أحواله فلما آيسا من ذلك تلثّما و صعدا العقبة مع عدّة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه فدفع اللّه عزّ و جلّ كيدهم و ردّهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، كما أتى طلحة و الزبير عليا عليه السلام فبايعاه و طمع كلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلما أيسا نكثا ببيعته، و خرجا عليه فصرع اللّه كلّ واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين.
قال سعد: ثم قام مولانا الحسن بن عليّ الهادي عليه السلام للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما، و طلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا فقلت: ما أبطأك و أبكاك؟
قال: قد فقدت الثوب الّذي سألني مولاي إحضاره، قلت: لا عليك فأخبره، فدخل عليه مسرعا و انصرف من عنده متبسّما و هو يصلّي على محمّد و أهل بيته، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليه السلام يصلّي عليه.
قال سعد: فحمدنا اللّه جلّ ذكره على ذلك، و جعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا عليه السلام أيّاما فلا نرى الغلام بين يديه، فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا و أحمد بن إسحاق و كهلان من أهل ارضنا و انتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما و قال: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد دنت الرحلة و اشتدّت المحنة فنحن نسأل اللّه عزّ و جلّ أن يصلّي على محمّد المصطفى جدّك و عليّ المرتضى أبيك، و على سيّدة النساء امّك، و على سيّدي شباب أهل
ص:223
الجنة عمّك و أبيك و على الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك، و أن يصلّي عليك و على ولدك و نرغب أن يعلي كعبك و يكبت عدوّك و لا جعل هذا آخر عهدنا من لقائك.
قال: فلمّا قال هذه الكلمة استعبر مولانا عليه السلام حتّى استهلّت (1)دموعه و تقاطرت عبراته ثم قال: يا ابن إسحاق لا تكلّف في دعائك شططا (2)فإنّك ملاق اللّه عزّ و جلّ في سفرك (3)هذا فخرّ أحمد مغشيّا عليه، فلمّا أفاق قال:
سألتك باللّه بحرمة جدّك إلاّ شرّفتني بخرقة أجعلها كفنا فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال: خذها و لا تنفق على نفسك غيرها، فإنّك لن تعدم ما سألت، و إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
قال سعد: فلما انصرفنا (4)بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن إسحاق و ثارت (5)به علة صعبة أيس من حياته فيها، فلمّا وردنا حلوان و نزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال: تفرّقوا عنّي هذه الليلة و اتركوني و حدي فانصرفنا عنه، فرجع كلّ واحد منّا إلى مرقده.
قال سعد: فلمّا حان أن ينكشف اللّيل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فاذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمّد عليه السلام و هو يقول:
أحسن اللّه بالخير عزاكم و جبر بالخير رزيتكم (6)قد فرغنا من غسل صاحبكم
ص:224
و من تكفينه فقوموا لدفنه فإنّه أكرمكم محلا عند سيّدكم، ثمّ غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء و العويل حتى قضينا حقّه و فرغنا من أمره رحمه اللّه. (1)
و روى هذا الحديث أيضا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو القاسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد اللّه بن البزاز قال: حدّثنا أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهلّ رجب سنة سبعين و ثلاثمائة قال: أخبرنا أبو عليّ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن سعد بن عبد اللّه بن خلف القمي قال: كنت امرأ لهجا بجمع
ص:225
الكتب المشتملة على غوامض العلوم و دقائقها، و ساق الحديث بعينه إلى قوله:
و جعلنا نختلف إلى مولانا عليه السلام أيّاما فلا نرى الغلام عليه الصلاة و السلام بين يديه. (1)
و هذا الحديث مكرّر في الكتب في «الاحتجاج» و «ثاقب المناقب» و إن كان بعض المصنفين يذكره بطوله و بعضهم يختصره.
قال مؤلّف هذا الكتاب: انظر أيّها الأخ في هذا الحديث و ما صدر عن الإمامين عليهما السلام و ما فيه من غوامض العلوم الّذي لا يطّلع عليه الا الحيّ القيّوم و ما في ذلك من البراهين و الجوابات السديدة من مولانا القائم عليه السلام و اطلاعه على غيوب الامور من صغر سنه، و ذلك من العجب العجيب و الأمر الغريب الذي لا يكون إلاّ بتعليم إلهي فسبحان من أعطاهم سرائر العلوم، و ما هو الحجّة على الموالي و الخصوم، و في هذا الحديث كفاية في ذكر أحاديث من علم القائم عليه السلام إذ به يطول الكتاب، و يؤدّي إلى الإطناب و الإسهاب، و اللّه سبحانه و تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ص:226
في جوده عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن علان الكليني قال: حدّثنا عليّ بن قيس، عن غانم أبي سعيد الهندي قال علان الكليني: و حدّثني جماعة، عن محمّد بن محمّد الأشعري، عن غانم، قال: كنت مع (1)ملك الهند بقشمير الداخلة و نحن أربعون رجلا نقعد حول كرسيّ الملك و قد قرأنا التّوراة و الإنجيل و الزّبور يفزع إلينا في العلم، فتذاكرنا يوما محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قلنا: نجده في كتبنا فاتّفقنا على أن أخرج في طلبه و أبحث عنه، فخرجت و معي مال قطع عليّ الترك و شلّحوني (2).
فوقعت إلى كابل و خرجت من كابل إلى بلخ و الأمير بها ابن أبي شور (3)فأتيته و عرّفته ما خرجت له، فجمع الفقهاء و العلماء لمناظرتي فسألتهم عن محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا: هو نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد مات.
فقلت: فمن كان خليفته؟ فقالوا: أبو بكر فقلت: انسبوه لي، فنسبوه إلى قريش، فقلت: ليس هذا بنبيّ إنّ النبيّ الّذي نجده في كتبنا خليفته ابن عمّه
ص:227
و زوج ابنته أبو ولده، فقالوا للأمير: إنّ هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر فمر بضرب عنقه، فقلت لهم: أنا متمسّك بدين و لا أدعه إلاّ ببيان.
فدعا الأمير الحسين بن إسكيب (1)و قال له: يا حسين ناظر الرجل، فقال:
الفقهاء و العلماء حولك فمرهم بمناظرته، فقال له: ناظره كما أقول لك و أخل به و ألطف له، قال فخلا بي الحسين و سألته عن محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: هو كما قالوه لك غير أن خليفته ابن عمّه عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب، و هو زوج ابنته فاطمة، و أبو ولده الحسن و الحسين عليهما السلام.
فقلت: «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه» و صرت إلى الأمير فأسلمت، فمضى بي إلى الحسين ففقّهني فقلت له: إنّا نجد في كتبنا أنّه لا يمضي خليفة إلاّ عن خليفة، فمن كان خليفة علي؟
قال: الحسن و الحسين، ثمّ سمّى الأئمّة عليهم السلام واحدا واحدا حتى بلغ إلى الحسن بن عليّ عليه السلام ثمّ قال لي: تحتاج أن تطلب خليفة الحسن عليه السلام و تسأل عنه فخرجت في الطلب.
قال محمّد بن محمّد: و وافى معنا بغداد فذكر لنا أنّه كان معه رفيق قد صحبه على هذا الأمر فكره بعض أخلاقه ففارقه.
فبينا أنا يوما قد تمسّحت (2)في الصراة (3)و أنا مفكّر فيما خرجت له اذ أتاني آت فقال لي: أجب مولاك، فلم يزل يخرق لي المحالّ حتى أدخلني دارا
ص:228
و بستانا، فإذا بمولاي عليه السلام قاعد فلما نظر إليّ كلّمني بالهندية و سلّم عليّ باسمي، و سألني عن الأربعين رجلا بأسمائهم عن اسم رجل رجل، ثمّ قال لي:
تريد الحجّ مع أهل قم في هذه السنة؟ فلا تحجّ في هذه السنة و انصرف إلى خراسان و حجّ من قابل قال: و رمى لي بصرّة و قال: اجعل هذه في نفقتك، و لا تدخل في بغداد دار أحد و لا تخبر بشيء ممّا رأيت.
قال محمّد: فانصرفنا من العقبة و لم يقض لنا الحج، و خرج غانم إلى خراسان و انصرف من قابل حاجّا فبعث إلينا بألطاف، و لم يدخل قم و حجّ و انصرف إلى خراسان فمات رحمه اللّه بها.
قال محمّد بن شاذان الكابلي: و قد كنت رأيته عند أبي سعيد فذكر أنّه خرج من كابل مرتادا أو طالبا و أنّه وجد صحّة هذا الدين في الإنجيل و به اهتدى. (1)
2-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد (2)بن شاذان النيشابوري قال: بلغني أنّه قد وصل (3)فترصّدت له حتّى لقيته فسألته عن خبره، فذكر أنّه منذ خرج لم يزل
ص:229
في الطلب و أنّه أقام بالمدينة، فكان لا يذكره لأحد إلاّ زجره، فلقى شيخا من بني هاشم و هو يحيى بن محمّد العريضي، فقال له: إنّ الّذي تطلبه بصريّاء قال:
فقصدت صريّاء و جئت إلى دهليز مرشوش، و طرحت نفسي على الدكّان، فخرج غلام أسود فزجرني و انتهرني و قال لي: قم من هذا المكان و انصرف، فقلت: لا أفعل، فدخل الدّار ثمّ خرج، و قال: ادخل، فدخلت فإذا هو مولاي عليه السلام قاعد بوسط الدّار، فلمّا نظر إليّ سمّاني باسم لم يعرفه أحد إلاّ أهلي بكابل، و أخبرني بأشياء، فقلت له: إنّ نفقتي ذهبت فمر لي بنفقة، فقال لي: أما إنّها ستذهب منك بكذبك، و أعطاني نفقة، فضاع منّي ما كان معي و سلم ما أعطاني ثمّ انصرفت السنة الثانية فلم أجد في الدّار أحدا. (1)
3-و قال ابن بابويه: و سمعنا شيخا من أصحاب الحديث يقال له: أحمد ابن فارس الأديب يقول: سمعت بهمدان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني فسألني أن أثبتها له بخطّي و لم أجد إلى مخالفته سبيلا و قد كتبتها و عهدتها على من حكاها.
و ذلك أنّ بهمذان أناسا يعرفون ببني راشد، و هم كلّهم يتشيّعون، و مذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان؟ فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا و سمتا: إنّ سبب ذلك أنّ جدّنا الّذي ننسب إليه خرج حاجا فقال: إنّه لمّا صدر من الحج و ساروا منازل في البادية قال:
فنشطت في النزول و المشي، فمشيت طويلا حتى أعييت و تعبت (2)و قلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء آخر القافلة قمت قال: فما انتبهت إلاّ بحرّ الشمس و لم أر أحدا فتوحّشت و لم أر طريقا و لا أثرا فتوكّلت على اللّه عزّ و جلّ
ص:230
و قلت: أسير حيث وجّهني اللّه و مشيت غير طويل، فوقعت في أرض خضراء نضرة، كأنّها قريبة من عهد بغيث، و إذا تربتها أطيب تربة، و نظرت في سواد تلك الأرض إلى قصر يلوح كالسيف (1)فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الّذي لم أعهده و لم أسمع به، فقصدته فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين فسلّمت عليهما فردّا ردّا جميلا و قالا: اجلس فقد أراد اللّه بك خيرا فقام أحدهما و دخل و احتبس غير بعيد ثمّ خرج فقال: قم فادخل فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بنائه و لا أضوأ منه و تقدّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه.
ثم قال لي: ادخل فدخلت البيت فإذا فتى جالس في وسط البيت و قد علّق فوق رأسه من السقف سيف طويل تكاد ضبته تمسّ رأسه و الفتى (2)بدر يلوح في ظلام، فسلّمت فردّ السلام بألطف الكلام و أحسنه فقال لي: أ تدري من أنا؟ فقلت: لا و اللّه.
فقال: أنا القائم من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا الّذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف و أشار إليه فأملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
فسقطت على وجهي، و تعفّرت، فقال: لا تفعل ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همذان (3)فقلت: صدقت يا سيّدي و مولاي، قال: فتحبّ
ص:231
أن تؤوب إلى أهلك؟ قلت: نعم يا سيّدي و أبشّرهم بما أتاح اللّه عز و جل لي، فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي و ناولني صرّة، و خرج و مشى معي خطوات فنظرت إلى ظلال 1و أشجار و منارة مسجد، فقال: أ تعرف هذا البلد؟ فقلت: إنّ بقرب بلدنا بلدة تعرف باستاباد 2و هي تشبهها قال: فقال: هذه أستاباد امض راشدا فالتفت فلم أره.
فدخلت استاباد و إذا في الصرّة أربعون أو خمسون دينارا، فوردت همدان و جمعت أهلي و بشّرتهم بما أتاح اللّه عزّ و جلّ لي و يسّره، و لم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير. 3
4-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه اللّه قال:
حدّثنا أبو القاسم عليّ 4بن أحمد الخديجي الكوفي، قال: حدّثنا الازدي 5قال:
بينا أنا في الطّواف قد طفت ستّا و أنا أريد أن أطوف السّابع فإذا بحلقة من يمين الكعبة و شابّ حسن الوجه طيّب الرائحة هيوب مع هيبته متقرّب إلى النّاس
ص:232
يتكلّم فلم أر أحسن من كلامه و لا أعذب من منطقه و حسن جلوسه، فذهبت أكلّمه فزبرني النّاس، فسألت بعضهم من هذا؟ فقالوا: هذا ابن رسول اللّه يظهر في كلّ سنة يوما لخواصّه يحدّثهم (1).
فقلت: يا سيّدي مسترشدا أتيتك فأرشدني هداك اللّه، فناولني عليه السلام حصاة فحوّلت وجهي.
فقال لي بعض جلسائه: ما الّذي دفع إليك؟ فقلت: حصاة و كشفت عنها (2)فاذا أنا بسبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به عليه السلام قد لحقني، فقال لي: ثبتت عليك الحجّة و ظهر لك الحقّ و ذهب عنك العمى أ تعرفني؟ فقلت: لا.
فقال عليه السلام: أنا المهدي و أنا قائم الزمان، أنا الّذي أملأها عدلا كما ملئت جورا، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة و لا يبقى النّاس في فترة، فهذه أمانة لا تحدّث بها إلا إخوانك من أهل الحقّ. (3)
5-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن بقار (4)بن أبي العجوز السمسار قال: حدّثنا مجاهد بن موسى الختلي، قال: حدّثنا عبّاد بن عبّاد (5)، عن مجالد بن (6)سعيد، عن
ص:233
جبير (1)ابن نوف الوداك قال: قلت لأبي سعيد الخدري: و اللّه ما يأتي علينا عام إلاّ و هو شرّ من الماضي و لا أمير إلاّ و هو شرّ ممّن كان قبله.
فقال أبو سعيد: سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول ما تقول و لكن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لا يزال بكم الأمر حتى يولد في الفتنة و الجور من لا يعرف عندها (2)حتى تملأ الأرض جورا فلا يقدر أحد يقول: اللّه، ثمّ يبعث اللّه عزّ و جلّ رجلا منّي و من عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا و تخرج له الأرض أفلاذ كبدها و يحثو المال حثوا و لا يعدّه عدا، و ذلك حتى يضرب الاسلام بجرانه (3)و مثل آخر هذا الحديث مذكور في روايات الخاصّة و العامّة. (4)
ص:234
في لباسه عليه السلام
1-محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه عن محمّد بن يحيى الخزّاز، عن حمّاد بن عثمان، قال: حضرت أبا عبد اللّه عليه السلام و قال له رجل: أصلحك اللّه ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم و ما أشبه ذلك، و نرى عليك اللباس الجيّد (1).
فقال له: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر عليه، و لو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا أهل البيت عليه السلام إذا قام لبس ثياب عليّ عليه السلام و سار بسيرة (2)
ص:235
عليّ عليه السلام. (1)
2-و عنه، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ عليّا صلوات اللّه عليه كان عندكم فأتى بني ديوان (2)فاشترى ثلاثة أثواب بدينار: القميص الى فوق الكعب و الإزار الى نصف السّاق و الرّداء من بين يديه إلى ثدييه و من خلفه إلى أليتيه، ثمّ رفع يده إلى السّماء فلم يزل يحمد اللّه على ما كساه حتّى دخل منزله، ثمّ قال: هذا اللّباس الّذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه.
قال أبو عبد اللّه عليه السلام: و لكن لا يقدرون (3)أن يلبسوا هذا اليوم، و لو فعلنا (4)لقالوا: مجنون و لقالوا: مراء! و اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (5)قال: و ثيابك ارفعها و لا تجرّها، فإذا قام قائمنا كان هذا اللّباس (6).
ص:236
3-محمّد بن إبراهيم النّعماني في «كتاب الغيبة» قال: أخبرنا محمّد بن همّام قال: حدّثنا حميد بن زياد الكوفي، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الميثمي، عن عمّه الحسين (1)بن إسماعيل، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: أ لا أريك قميص القائم الّذي يقوم فيه (2)؟
فقلت: بلى.
قال: فدعا بقمطر (3)ففتحه و أخرج منه قميص كرابيس (4)فنشره فإذا في كمّه الأيسر دم، فقال: هذا قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كان عليه يوم ضربت رباعيته، (5)و فيه يقوم القائم، فقبّلت الدم و وضعته على وجهي، ثمّ طواه أبو عبد اللّه عليه السلام و رفعه (6).
ص:237
ص:238
في استواء درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد (1)السمّان قال:
كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجلان من الزّيدية فقالا له:
أ فيكم إمام مفترض الطاعة (2)؟
قال: فقالا: لا.
قال (3): فقالا له: قد أخبرنا عنك الثقات أنّك تفتي و تقرّ و تقول به (4)و نسمّيهم لك، فلان و فلان، و هم أصحاب ورع و تشمير (5)و هم ممّن لا يكذب (6)فغضب أبو عبد اللّه عليه السلام و قال: ما أمرتهم بهذا، فلمّا رأيا الغضب في (7)وجهه خرجا.
ص:239
فقال لي: أ تعرف هذين؟ قلت: نعم هما من أهل سوقنا، و هما من الزّيدية و هما يزعمان أنّ سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند عبد اللّه بن الحسن، فقال: كذبا لعنهما اللّه و اللّه ما رآه عبد اللّه بن الحسن بعينيه و لا بواحدة من عينيه و لا رآه أبوه، اللّهمّ إلاّ أن يكون رآه (1)عند عليّ بن الحسين عليهما السلام فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه؟ و ما أثر في موضع مضربه.
و إنّ عندي لسيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّ عندي لراية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و درعه و لامته و مغفره (2)فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ و إنّ عندي لراية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المغلبة (3)، و إنّ عندي ألواح موسى و عصاه، و إنّ عندي لخاتم سليمان بن داود عليه السلام و إنّ عندي الطّست الّذي كان موسى يقرب بها القربان و إنّ عندي الاسم الّذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا وضعه بين المسلمين و المشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة (4)و إنّ عندي المثل الّذي جاءت به الملائكة (5)و مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل كانت بنو إسرائيل في أيّ أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اوتوا النبوّة، و من صار إليه السّلاح منّا أوتي الإمامة، و لقد لبس أبي درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص:240
و آله فخطت على الأرض خطيطا و لبستها أنا فكانت و كانت (1)، و قائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء اللّه.
و رواه محمّد بن الحسن الصفّار في «بصائر الدرجات» عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد السمّان قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجلان من الزّيدية فقالا: أ فيكم إمام مفترض الطاعة و ساق الحديث الى آخره. (2)
2-محمّد بن الحسن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي عبد اللّه البرقي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، و غيره عن أيّوب الحذّاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك إنّي اريد أن أمسّ صدرك، فقال عليه السلام: افعل فمسست صدره و مناكبه، فقال: و لم يا أبا محمّد؟ فقلت: جعلت فداك إنّي سمعت أباك و هو يقول: إنّ القائم عليه السلام واسع الصدر مسترسل المنكبين عريض ما بينهما.
فقال: يا أبا محمّد إنّ أبي لبس درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كانت تسحب على الأرض و إني لبستها فكانت و كانت (3)و انّها تكون من القائم كما كانت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مشمّرة (4)كأنّه يرفع نطاقها
ص:241
فيما عند القائم عليه السلام من آيات الأنبياء
1-محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عبد اللّه بن محمّد (1)، عن منيع بن الحجّاج البصري (2)، عن مجاشع، عن معلّى، عن محمّد بن الفيض، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كانت عصا موسى عليهما السلام لآدم فصارت إلى شعيب، ثمّ صارت إلى موسى بن عمران، و إنّها لعندنا، و إنّ عهدي بها آنفا و هي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها و إنّها لتنطق إذا استنطقت، اعدّت لقائمنا عليه السلام يصنع بها ما كان يصنع بها موسى عليه السلام، و إنّها لتروّع و تلقف ما يأفكون، و تصنع ما تؤمر به، إنّها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون يفتح لها شعبتان (3): إحداهما في الأرض و الاخرى في السقف و بينهما أربعون ذراعا تلقف ما يأفكون بلسانها. (4)
و رواه الصفّار في «بصائر الدرجات» عن سلمة بن الخطاب، عن عبد اللّه ابن محمّد عن منيع بن الحجّاج البصري، عن مجاشع، عن معلّى، عن محمّد بن
ص:243
الفيض عن محمّد بن عليّ عليه السلام قال: كانت عصا موسى لآدم عليه السلام فصارت إلى شعيب و ساق الحديث إلى آخره. (1)
و رواه ابن بابويه في «الغيبة» قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، و ساق الحديث بباقي السند و المتن. (2)
2-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي سعيد الخراساني (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ القائم عليه السلام إذا قام بمكة و أراد أن يتوجّه الى الكوفة نادى مناديه: ألا لا يحمل أحد منكم طعاما و لا شرابا، و يحمل حجر موسى بن عمران و هو في وقر (4)بعير فلا ينزل منزلا إلاّ انبعث عين منه، فمن كان جائعا شبع و من كان ظامئا روي، فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة. (5)
و رواه الصفّار في «بصائر الدرجات» عن محمد بن الحسين عن موسى ابن سعدان بباقي السند و المتن. (6)
ص:244
3-محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب «الغيبة» قال: أخبرنا أبو سليمان أحمد بن هوذة، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري قال: حدّثنا أبو الجارود زياد بن المنذر، قال: قال لي أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام: إذا ظهر القائم ظهر براية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و خاتم سليمان، و حجر موسى و عصاه.
ثمّ يأمر مناديه فينادي: ألا لا يحملنّ رجل منكم طعاما و لا شرابا و لا علفا فيقول اصحابه: إنّه يريد أن يقتلنا و يقتل دوابّنا من الجوع و العطش، فيسير و يسيرون معه فأوّل منزل ينزله يضرب الحجر فينبع منه طعام و شراب و علف، فيأكلون و يشربون و يشرب دوابّهم حتى ينزلوا النجف بظهر الكوفة. 1
4-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: حدّثنا محمّد بن المفضّل بن ابراهيم 2، و سعدان بن إسحاق بن سعيد، و أحمد بن الحسين بن عبد الملك و محمد بن أحمد بن الحسن القطواني، قالوا جميعا:
حدّثنا الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كانت عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة أتاه بها جبرئيل عليه السلام لمّا توجه تلقاء مدين، و هي و تابوت آدم في بحيرة طبرية، و لن يبليا
ص:245
و لن يتغيّرا حتّى يخرجهما القائم عليه السلام إذا قام. (1)
5-و عنه قال: أخبرنا محمّد بن همام و محمد بن الحسن بن جمهور (2)جميعا عن الحسن بن محمّد بن جمهور (3)، عن أبيه، عن سليمان بن سماعة، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السلام أنّه قال: إذا خرج القائم من مكّة ينادي مناديه: ألا لا يحملنّ أحد طعاما و لا شرابا و يحمل معه حجر موسى بن عمران، و هو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلاّ انبعث منه عيون، فمن كان جائعا شبع، و من كان ظمآنا روي و رويت دوابّهم حتّى ينزل النجف من ظهر الكوفة. (4)
6-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه رحمه اللّه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، و أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إذا خرج القائم من مكّة ينادي مناديه: ألا لا يحملنّ أحد طعاما و لا شرابا، و ساق الحديث إلى آخره. (5)
ص:246
7-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رحمه اللّه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل (1)عن أبي إسماعيل السرّاج (2)، عن بشر بن جعفر (3)، عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه الصّادق عليه السلام قال: سمعته يقول: أ تدري ما كان قميص يوسف عليه السلام؟ قال: قلت: لا قال: إنّ إبراهيم عليه السلام لمّا اوقدت له النار نزل إليه جبرئيل عليه السلام بالقميص (4)و ألبسه إيّاه فلم يضرّ معه حرّ و لا برد، فلمّا حضرته الوفاة جعله في تميمة (5)و علّقه على إسحاق عليه السلام، و علّقه إسحاق على يعقوب عليه السلام فلمّا ولد له يوسف عليه السلام علّقه عليه، و كان في عضده حتّى كان من أمره ما كان، فلمّا أخرجه يوسف عليه السلام بمصر من التميمة وجد يعقوب عليه السلام ريحه و هو قوله عزّ و جلّ حكاية عنه: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (6)فهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة.
قلت: جعلت فداك فإلى من صار هذا القميص؟
قال: إلى أهله و هو مع قائمنا عليه السلام إذا خرج، ثمّ قال: كلّ نبيّ ورث
ص:247
علما أو غيره فقد انتهى إلى آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. (1)
ص:248
في صفته عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن الفرج المؤذّن (1)قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الكرخي (2)، قال: سمعت أبا هارون رجلا من اصحابنا يقول:
رأيت صاحب الزّمان عليه السلام و وجهه يضيء كالقمر ليلة البدر، و رأيت على سرّته شعرا يجري كالخطّ، و كشفت الثوب عنه فوجدته مختونا فسألت أبا محمد عليه السلام عن ذلك، فقال: هكذا ولد و هكذا ولدنا، و لكنا سنمرّ الموسي عليه لإصابة السنّة. (3)
2-و عنه قال: حدّثنا أبو الحسن (4)رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: قلت لمحمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه: إنّي أسألك سؤال إبراهيم ربّه جلّ جلاله حين قال له: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (5)و أخبرني عن صاحب هذا الأمر
ص:249
هل رأيته؟ قال: نعم و له رقبة مثل ذي-و أشار بيده إلى عنقه-. (1)
3-و عنه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، قال: حدّثنا جعفر بن معروف (2)قال: كتب إليّ أبو عبد اللّه البلخي (3): حدّثنا عبد اللّه السوسي (4)قال: صرت إلى بستان بني عامر فرأيت غلمانا يلعبون في غدير ماء، و فتى جالس على مصلّى واضعا كمّه على فيه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: م ح م د بن الحسن بن عليّ، و كان في صورة ابيه. (5)
4-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن موسى رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي (6)قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك (7)، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام و هو على المنبر: يخرج رجل
ص:250
من ولدي في آخر الزمان أبيض مشرب بالحمرة مبدح (1)البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش (2)المنكبين، بظهره شامتان (3): شامة على لون جلده، و شامة على شبه شامة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، له اسمان: اسم يخفى و اسم يعلن، فأمّا الّذي يخفى فأحمد، و أمّا الّذي يعلن فمحمّد، فاذا هزّ رأسه (4)أضاء لها ما بين المشرق و المغرب، و وضع يده على رءوس العباد و لا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، و أعطاه اللّه قوة أربعين رجلا، و لا يبقى ميّت من المؤمنين إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في (5)قبره، و هم يتزاورون في قبورهم، و يتباشرون بقيام القائم عليه السلام (6).
5-أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: حدّثني أبو إسحاق ابراهيم بن احمد بن محمد الطبري (7)قال: حدّثنا أبو
ص:251
الحسين محمد بن المظفر الحافظ (1)، قال حدّثنا عبد الرّحمن بن اسماعيل (2)قال حدّثنا محمّد بن ابراهيم الصوري (3)قال: حدّثنا روّاد (4)قال حدّثنا سفيان (5)عن منصور (6)عن ربعي (7)بن حراش عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدريّ، و اللون لون عربي، و الجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضى بخلافته أهل السماء و الطير و الجوّ، و يملك عشرين سنة. (8)
و تقدّم في صفته عليه السلام روايات في الباب الثالث عشر تؤخذ من هناك.
ص:252
و سيأتي إن شاء اللّه تعالى أحاديث في صفته من طريق العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ص:253
ص:254
في أنّه عليه السلام يكون شابّ المنظر
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أحمد بن علي الأنصاري، عن ابي الصلت الهروي، قال:
قلت للرضا عليه السلام: ما علامة القائم منكم إذا خرج؟ فقال: علامته أن يكون شيخ السنّ شابّ المنظر حتّى أنّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، و إنّ من علامته أن لا يهرم بمرور الأيّام و اللّيالي عليه حتّى يأتيه (1)أجله. (2)
2-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال أخبرنا عليّ بن الحسين المسعودي (3)قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين (4)الرازي، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن جبلة، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: لو قام القائم لأنكره النّاس لأنّه يرجع إليهم شابّا موفّقا (5)لا يثبت عليه إلاّ مؤمن و قد
ص:255
أخذ اللّه ميثاقه (1)في الذرّ الأوّل-.
و في غير هذه الرواية: أنّه قال عليه السلام: من أعظم البليّة أن يخرج إليهم صاحبهم شابا و كلهم يحسبونه شيخا كبيرا. (2)
3-و عنه قال: أخبرنا محمّد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك (3)، قال: حدّثني عمر بن طرخان (4)، قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: القائم من ولدي يعمّر عمر الخليل عليه السلام عشرين و مائة سنة (5)و يظهر في صورة شاب موفّق ابن ثلاثين سنة حتّى يرجع عنه طائفة من الناس يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. (6)
4-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن ابراهيم، عن ابيه، عن الريّان بن الصلت، عن الرّضا عليه السلام قال: إنّ القائم هو الّذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ و منظر الشباب. (7)
ص:256
في أنّه عليه السلام و أصحابه أولو قوّة
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريّان بن الصّلت، قال: قلت للرضا عليه السلام: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: أنا صاحب هذا الأمر و لكني لست بالّذي أملأ عدلا كما ملئت جورا، و كيف اكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني؟ و إنّ القائم هو الّذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ و منظر الشاب (1)قويّ في بدنه حتّى لو مدّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، و لو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها يكون معه عصا موسى عليه السلام و خاتم سليمان عليه السلام ذلك (2)الرّابع من ولدي يغيبه اللّه في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (3)
2-و عنه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي اللّه عنه قال:
حدثني أبي عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد ابن ابي عمير، عن أبي أيوب، عن أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة
ص:257
أبا عبد اللّه عليه السلام كم يخرج مع القائم عليه السلام؟ فإنّهم يقولون: إنّه يخرج معه مثل عدّة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر (1)رجلا، قال: ما يخرج إلاّ في أولي قوة و ما يكون أولو القوة أقلّ من عشرة آلاف.
و في نسخة أخرى: و ما يكون أولو القوّة إلاّ عشرة آلاف. (2)
3-و عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمّه عبد اللّه بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما كان قول لوط عليه السلام لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (3)إلا تمنّيا لقوّة القائم عليه السلام، و لا ذكر (4)ركن إلاّ شدة أصحابه فإنّ الرّجل منهم يعطى قوة أربعين رجلا، و إنّ قلبه لأشدّ من زبر الحديد، و لو مرّوا بجبال الحديد لقطعوها، و لا يكفّون سيوفهم حتّى يرضى اللّه عز و جل. (5)
4-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمد بن موسى رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن ابي عبد اللّه الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليه
ص:258
السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون مشرب الحمرة، مبدح البطن (1)عريض الفخذين، عظيم مشاش (2)المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، و شامة على شبه شامة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له اسمان: اسم يخفى و اسم يعلن، فأما الّذي يخفى فأحمد، و أمّا الذي يعلن فمحمّد، فإذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق و المغرب، و وضع يده على رءوس العباد و لا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، و أعطاه قوة أربعين رجلا، و لا يبقى ميّت من المؤمنين إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في (3)قبره و هم يتزاورون في قبورهم، و يتباشرون بقيام القائم عليه السلام. (4)
5-علي بن إبراهيم في «تفسيره» قال: حدثني محمد بن جعفر (5)قال:
حدّثنا محمّد بن أحمد (6)، عن محمّد بن الحسين (7)، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم (8)، عن صالح (9)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في قوله
ص:259
«قوة» : قال: القوّة القائم «و الرّكن الشديد» ثلاثمائة و ثلاثة عشر. 1
6-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون 2بن موسى، قال: حدّثني أبي 3قال:
حدّثنا أبو علي محمّد بن همام قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال:
حدّثني أحمد بن محمد بن عيسى 4، قال: حدّثنا عبد الله بن عمرو 5، عن أبان ابن تغلب الكلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام في حديث يذكر فيه القائم عليه السلام قال عليه السلام: و وضع اللّه يده على رءوس العباد فلا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد و أعطي قوّة أربعين رجلا. 6
ص:260
في علة الغيبة
1-ابن بابويه قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال: حدّثنا الحسين ابن محمّد بن عامر، عن عمّه عبد اللّه بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل فلانا (1)و فلانا و فلانا قال: لآية في كتاب اللّه عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (2)قال قلت: و ما يعني بتزايلهم؟ قال:
ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين، و كذلك القائم عليه السلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع اللّه عز و جلّ فاذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء اللّه فقتلهم. (3)
2-و عنه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي رحمه اللّه قال:
حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أو قال له رجل أصلحك اللّه أ لم يكن عليّ عليه السلام قويّا في دين اللّه عز و جلّ؟ قال: بلى، قلت: كيف ظهر عليه القوم و لم يمنعهم؟ و كيف لم
ص:261
يدفعهم و ما منعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب اللّه عز و جلّ منعته، قال: قلت:
و أيّ آية؟ قال قوله عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (1)إنّه كان للّه عز و جلّ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين و منافقين فلم يكن علي عليه السلام ليقتل الآباء حتّى يخرج الودائع، فلمّا خرج الودائع ظهر على من ظهر «فقاتله» و كذلك قائمنا اهل البيت عليهم السلام لن يظهر أبدا حتّى تظهر ودائع اللّه عز و جلّ فإذا ظهرت يظهر على من ظهر فقتله. (2)
3-محمد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد (3)، عن الحسن بن معاوية، عن عبد الله بن جبلة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ للقائم عليه السلام غيبة قبل ان يقوم، قلت: و لم؟ قال: إنّه يخاف و أومأ بيده الى بطنه-يعني القتل. (4)
4-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عيسى عن ابن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم، إنّه يخاف-و أومأ بيده إلى بطنه-يعني القتل. (5)
5-و عنه عن الحسين بن أحمد (6)، عن أحمد بن هلال، قال: حدّثنا
ص:262
عثمان بن عيسى (1)عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لا بدّ للغلام من غيبة قلت: و لم؟ قال يخاف، و أومأ بيده الى بطنه، و هو المنتظر و هو الّذي يشك النّاس في ولادته، فمنهم من يقول: حمل، و منهم من يقول: مات أبوه و لم يخلف، و منهم من يقول: ولد قبل موت أبيه بسنتين، قال زرارة: فقلت: فما تأمرني لو أدركت ذلك الزّمان؟
قال: أدع اللّه بهذا الدعاء: «اللّهمّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرّفني نبيّك، فإنّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرفه قطّ، اللّهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني» قال أحمد بن هلال: سمعت هذا الحديث منذ ست و خمسين سنة. (2)
6-ابن بابويه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي السمرقندي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، و حيدر بن محمّد السمرقندي، قالا: حدّثنا محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عبد اللّه بن محمّد (3)بن خالد، قال: حدّثنا أحمد بن هلال، عن عثمان بن عيسى الرّواسي، عن خالد بن نجيح الخزّاز عن زرارة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
يا زرارة لا بدّ للقائم من غيبة قلت: و لم؟ قال يخاف على نفسه و أومأ بيده الى بطنه-. (4)
7-و عنه بهذا الاسناد عن محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن
ص:263
إبراهيم الورّاق (1)، قال: حدّثنا حمدان بن أحمد القلانسي (2)، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى عن ابن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ للقائم غيبة طويلة قبل أن يقوم، قلت له: و لم؟
قال: يخاف و أومأ بيده إلى بطنه. (3)
8-و عنه قال: حدّثنا عبد الواحد بن عبدوس العطّار (4)، رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا عليّ بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن محمّد ابن الحسين، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت: و لم؟
قال: يخاف-و أومأ بيده الى بطنه-قال زرارة: يعني القتل. (5)
9-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن ماجيلويه (6)رحمه اللّه، قال: حدّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم (7)، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى عن ابن بكير، عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
إنّ للقائم (8)غيبة قبل قيامه؛ قلت: و لم؟
ص:264
قال يخاف على نفسه الذبح. (1)
10-و عنه قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار رضي اللّه عنه، قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: حدّثني أحمد بن عبد اللّه بن جعفر المدائني (2)، عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي (3)، قال: سمعت الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل، قلت له: و لم جعلت فداك؟
قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج اللّه تعالى ذكره، و إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار لموسى عليه السلام إلى وقت افتراقهما.
يا ابن الفضل إنّ هذا الامر أمر من أمر اللّه عزّ و جلّ و سرّ من سر اللّه، و غيب من غيب اللّه، و متى علمنا أنّه عزّ و جلّ حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف لنا. (4)
11-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: أخبرنا محمّد بن همام
ص:265
رحمه اللّه قال: حدّثني جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثني عبّاد بن يعقوب، عن يحيى بن يعلى (1)، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم، فقلت: و لم؟
قال: يخاف، و أومأ بيده الى بطنه.
ثم قال: يا زرارة و هو المنتظر و هو الّذي يشكّ (2)في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه فلا خلف (3)، و منهم من يقول: حمل، و منهم من يقول: غائب، و منهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، و هو المنتظر غير أنّ اللّه يحبّ أن يمتحن قلوب الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون.
قال زرارة، قلت له: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزّمان فأيّ شيء أعمل؟
فقال: يا زرارة من (4)أدرك ذلك الزّمان فليدع بهذا الدعاء: «اللهمّ عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهمّ عرّفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني» .
ثمّ قال: يا زرارة لا بدّ من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك أو ليس الّذي يقتله جيش السفياني؟ فقال: لا، و لكن يقتله جيش بني فلان يخرج حتى يقتل المدينة، و لا يدري النّاس في أيّ شيء جاء، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغيا و عدوانا و ظلما لم يمهلهم اللّه فعند ذلك فتوقّعوا الفرج.
و عنه قال: أخبرنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم
ص:266
ابن هاشم، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عبد اللّه بن موسى، عن عبد اللّه ابن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول و ذكر مثله. (1)
قلت: روى هذا محمّد بن يعقوب الكليني في «الكافي» . (2)
ص:267
ص:268
في علّة إخفاء ولادته عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه قال:
حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان (1)، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
صاحب هذا الأمر تخفى (2)ولادته على هذا الخلق لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج. (3)
2-و عنه قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد العطار، قال: حدّثنا أبو عمرو الكشي، عن محمّد بن مسعود، قال: حدّثنا جبرئيل بن أحمد (4)، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج و يصلح اللّه عزّ و جلّ أمره في ليلة. (5)
ص:269
3-و عنه قال: حدّثنا أبي و محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه، قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، و محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يبعث القائم و ليس في عنقه بيعة لأحد. (1)
4-و عنه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، و الحسن بن ظريف جميعا، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يقوم القائم عليه السلام و ليس لأحد في عنقه بيعة. (2)
5-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني (3)قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام قال: كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثّالث من ولدي (4)كالنّعم يطلبون المرعى فلا يجدونه.
قلت له: و لم ذلك يا ابن رسول اللّه؟
قال: لأنّ إمامهم يغيب عنهم.
فقلت: و لم؟ قال لئلاّ يكون في عنقه بيعة لأحد إذا قام بالسيف. (5)
6-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد ابن سعيد قال: حدّثنا عليّ بن الحسن، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عليّ
ص:270
ابن مهزيار، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر الكناسي (1)، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين، و سمعته يقول: لا يقوم القائم و لأحد في عنقه بيعة. (2)
7-و عنه قال: أخبرنا محمّد بن يعقوب، قال: حدّثنا عدّة من أصحابنا قالوا: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يقوم القائم عليه السلام و ليس لأحد في عنقه عقد و لا عهد و لا بيعة. (3)
8-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن أحمد، عن عبيد اللّه بن موسى العلوي العبّاسي (4)، عن محمّد بن أحمد القلانسي، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
إنّ للقائم غيبة و يجحده أهله.
قلت: و لم ذلك؟
قال: يخاف و اومأ بيده الى بطنه. (5)
9-و عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى العلوي، عن أحمد بن (العباس بن) الحسن (6)، عن أبيه، عن ابن بكير، عن زرارة، عن
ص:271
عبد الملك بن أعين قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: للقائم غيبة قبل أن يقوم، قلت: و لم؟
قال: يخاف و أومأ بيده الى بطنه يعني القتل. (1)
10-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا علي بن الحسن التيملي (2)، عن العباس بن عامر بن رياح الثقفي (3)، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن للقائم غيبة قبل ان يقوم، قلت: و لم؟
قال: إنّه يخاف و أومأ بيده إلى بطنه. (4)
11-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن سعيد، قال: حدّثنا أبو محمّد (5)عبد الله أحمد بن مستور الأشجعي، قال: حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه (6)أبو جعفر الحلبي، قال: حدّثنا عبد الله بن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، قلت و لم؟
قال: إنّه يخاف و أومأ بيده الى بطنه. (7)
ص:272
في أنّه عليه السلام إذا قام يتلو قوله تعالى:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ الآية
1-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد ابن سعيد، قال: حدّثنا القاسم بن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا عبيس بن هشام، عن عبد اللّه بن جبلة، عن أحمد بن نضر عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: لصاحب هذا الأمر غيبة يقول فيها فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ (1). (2)
2-و عنه قال: أخبرنا محمّد بن همام، قال: حدّثني جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثني الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدّثني أحمد بن الحارث الأنماطي، عن المفضل بن عمر، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: إذا قام القائم عليه السلام تلا هذه الآية فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ . (3)
3-و عنه قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد اللّه بن يونس (4)، قال:
ص:273
أخبرنا أحمد بن محمد بن رياح (1)، قال: حدّثنا احمد بن علي الخمري (2)عن الحسن (3)بن أيّوب، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن أحمد بن الحارث، عن المفضّل بن عمر، قال: سمعته يقول يعني أبا عبد اللّه عليه السلام: قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام: إذا قام القائم قال:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ (4).
4-شرف الدين النجفي في كتاب «تأويل الآيات الباهرة في فضائل العترة» قال: قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب «الغيبة» باسناده عن رجاله، عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: إذا قام القائم عليه السلام تلا هذه الآية مخاطبا للناس: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ . (5)
ص:274
في أنّ فيه و في الائمة عليهم السلام نزل قوله تعالى:
وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية
1-محمّد بن العبّاس بن ماهيار في تفسيره فيما نزل في أهل البيت عليهم السلام من القرآن و هو ثقة قال: روى الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمد، عن الوشّاء عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل: وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام و الأئمّة من ولده عليهم السلام وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اَلَّذِي اِرْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (1)قال: عني به ظهور القائم. (2)
2-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد
ص:275
ابن سعيد بن عقدة قال: حدثني أحمد بن يوسف (1)بن يعقوب الجعفي من كتابه قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، قال حدّثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، و وهب بن حفص (2)، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله عز و جل: وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اَلَّذِي اِرْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (3)قال: القائم و أصحابه. (4)
و الروايات في أنّ الآية نزلت في الأئمّة و القائم عليهم السلام كثيرة من أراد الوقوف عليها فعليه بكتاب «البرهان في تفسير القرآن» من أهل البيت عليهم السلام الذي صنّفته (5).
ص:276
في أنّ فيه و في الأئمة عليهم السلام نزل قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي (1)رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زكريا القطّان، قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب (2)، قال: حدّثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نظر إلى عليّ و الحسن و الحسين عليهم السلام فبكى و قال: أنتم المستضعفون بعدي.
قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك يا ابن رسول اللّه؟
قال: معناه أنتم الأئمّة بعدي إنّ اللّه يقول: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ
ص:277
اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ (1)فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة. (2)
2-و عنه قال: حدّثنا محمد بن عمر (3)قال: حدّثنا محمّد بن الحسين (4)، قال: حدّثنا أحمد بن غنم (5)بن حكيم، قال: حدّثنا شريح بن مسلمة (6)، قال:
حدّثنا إبراهيم بن يوسف، عن عبد الجبّار، عن الأعمش (7)عن ابي صادق (8)قال:
قال علي عليه السلام: هي لنا أو فينا (9)هذه الآية وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ (10). (11)
3-محمّد بن العبّاس بن ماهيار قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه بن أسد، عن إبراهيم بن محمّد، عن يونس بن كلب المسعودي (12)عن عمرو بن عبد الغفار،
ص:278
باسناده عن ربيعة بن ناجذ (1)قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: في هذه الآية و قرأها: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ (2)و قال:
لتعطفن هذه الدنيا على أهل البيت كما تعطف الضروس 3على ولدها. 4
4-و عنه قال: حدّثنا علي بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن يحيى ابن صالح الحويزي 5باسناده عن أبي 6صالح عن عليّ عليه السلام كذا قال في قوله عزّ و جلّ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ 7و الذي فلق الحبّة و برئ النسمة لتعطفنّ علينا هذه الدّنيا كما تعطف الضروس على ولدها، و الضروس الناقة يموت ولدها أو يذبح و يحشى جلده فتدنو فتعطف عليه. 8
5-محمّد بن الحسن الشيباني في «كشف البيان 9» قال: روي في
ص:279
أخبارنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّ هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الّذي يظهر في آخر الزمان و يبيد الجبابرة و الفراعنة و يملك الأرض شرقا و غربا فيملأها عدلا كما ملئت جورا. (1)
6-و قال أيضا: روي عن الباقر و الصادق عليهما السلام أنّ فرعون و هامان هما شخصان من جبابرة قريش يحييهما اللّه تعالى عند قيام القائم عليه السلام من آل محمّد في آخر الزّمان فينتقم منهما بما اسلفا. (2)
و الروايات كثيرة في معنى قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ (3).
و أنّها في الأئمّة عليهم السلام مذكورة في كتاب البرهان. (4)
ص:280
في أنّه عليه السلام يحضر الموسم فيقبل حجّهم
إذا حضر و لا يحضر إبليس
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد (1)، عن إسحاق بن محمّد (2)، عن يحيى بن المثنّى، عن عبد اللّه بن بكير، عن عبيد ابن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم و لا يرونه. (3)
2-و رواه ابن بابويه في «الغيبة» قال: حدّثنا ابي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن إسحاق بن محمّد الصيرفي، عن يحيى بن المثنّى العطّار، عن عبيد اللّه بن بكير، عن عبيد ابن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم و لا يرونه. (4)
3-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد (5)، عن جعفر بن محمّد،
ص:281
عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن يحيى بن المثنّى، عن عبد اللّه بن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما الموسم يرى الناس و لا يرونه. (1)
4-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه قال:
حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه قال: سمعته يقول: و اللّه إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنة فيرى النّاس فيعرفهم و يرونه و لا يعرفونه. (2)
5-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال سألت محمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه فقلت له: أ رأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم، و آخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام، و هو يقول: اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني. (3)
6-و عنه، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه يقول: رأيته عليه السّلام متعلّقا بأستار الكعبة في المستجار و هو يقول: اللهمّ انتقم لي من أعدائي. (4)
ص:282
7-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، قال: أخبرني أبو الحسين 1محمّد ابن هارون، عن أبي محمّد هارون بن موسى 2، قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام، قال: حدّثنا علي بن محمّد الرازي 3عمّن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العام الّذي لا يشهد صاحب هذا الأمر الموسم لا يقبل من النّاس.
حجّهم. 4
و ذكر الشيخ زين الدّين الشّهيد الثاني 5في «مناسكه» أنّ صاحب هذا الأمر إذا حضر الموسم لم يحضر إبليس.
ص:283
ص:284
في علامات ظهوره
1-محمّد بن إبراهيم النّعماني المعروف بابن زينب في «الغيبة» قال:
حدّثنا محمّد بن همّام، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري رحمه اللّه قال:
حدّثنا أحمد بن هلال، قال: حدّثنا الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن محمّد ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام قال: إنّ قدّام (1)القائم عليه السلام علامات، بلوى من الله للمؤمنين قلت: و ما هي؟
قال: ذلك قول الله عزّ و جلّ: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ اَلْأَمْوالِ وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ اَلصّابِرِينَ (2)قال: «ليبلونّكم» يعني المؤمنين بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، «و الجوع» بغلاء اسعارهم؛ و «نقص من الأموال» : فساد التجارات و قلّة الفضل فيها، «و الأنفس» موت ذريع (3)و نقص من الثمرات قلة ريع (4)ما يزرع «و بشّر الصابرين» عند ذلك بخروج (5)القائم عليه السلام، ثمّ قال لي: يا محمّد هذا تأويله إنّ الله عزّ و جلّ يقول: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّهُ وَ اَلرّاسِخُونَ فِي
ص:285
2-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: أخبرني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسين الجعفي من كتابه، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن ابيه، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا بدّ أن يكون قدّام قيام (3)القائم سنة يجوع فيها النّاس، و يصيبهم خوف شديد من القتل، و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات، فإنّ ذلك في كتاب اللّه المبين، ثمّ تلا هذه الآية: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ اَلْأَمْوالِ وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ اَلصّابِرِينَ (4). (5)
3-ابن بابويه قال: حدّثني أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب الخزّاز، و العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ قدّام قيام القائم عليه السلام علامات تكون من اللّه عزّ و جلّ للمؤمنين قلت: و ما هي جعلني اللّه فداك؟ قال: يقول اللّه عزّ و جلّ:
وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني المؤمنين قبل خروج القائم عليه السلام بِشَيْءٍ مِنَ
ص:286
اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ اَلْأَمْوالِ وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ اَلصّابِرِينَ قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، و الجوع بغلاء أسعارهم «و نقص من الأموال» قال: كساد التجارات و قلّة الفضل، «و نقص من الأنفس» قال: موت ذريع «و نقص من الثّمرات» قال: قلة ريع ما يزرع، «و بشّر الصّابرين» عند ذلك بتعجيل الفرج. (1)
ثم قال لي: يا محمّد هذا تأويله إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّهُ وَ اَلرّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ (2). (3)
4-و رواه أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال حدّثني أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: حدّثنا أحمد بن هلال، قال:
حدّثنا الحسن بن محبوب عن عليّ بن رئاب، و أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ لقيام قائمنا عليه السلام علامات، بلوى من اللّه للمؤمن قلت: و ما هي؟
قال: ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ و ساق الحديث إلى آخره. (4)
5-العيّاشي في «تفسيره» باسناده عن الثّمالي، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ قال: ذلك جوع خاصّ و جوع عامّ، فأمّا بالشّام فإنّه عامّ و أمّا الخاصّ بالكوفة يخصّ و لا
ص:287
يعمّ و لكنه يخصّ بالكوفة أعداء آل محمّد عليه الصلاة و السلام، فيهلكهم اللّه بالجوع، و أمّا الخوف فإنّه عامّ بالشام و ذلك الخوف إذا قام القائم عليه السلام، و أمّا الجوع فقبل قيام القائم عليه السلام، و ذلك قوله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ . (1)
و الروايات في علامات القائم عليه السلام كثيرة من أراد الوقوف عليها فعليه «بغيبة» ابن بابويه «و غيبة» محمّد بن إبراهيم النعماني، و «مسند فاطمة عليها السلام» لأبي جعفر الطبري و غيرهما من الكتب.
ص:288
في النداء باسمه عليه السلام و الصيحة السماوية
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيوب الخزّاز، عن عمر بن حنظلة (1)قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خمس علامات قبل قيام القائم عليه السلام: الصيحة، و السفياني، و الخسف، و قتل النّفس الزكية و اليماني.
فقلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أخرج معه؟
قال: لا.
فلمّا كان من الغد تلوت هذه الآية: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (2)فقلت له: أ هي الصيحة؟
فقال: أما لو كانت خضعت أعناق أعداء اللّه عزّ و جلّ. (3)
ص:289
2-عليّ بن إبراهيم في «تفسيره» عن ابيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تخضع رقابهم يعني بني اميّة و هي الصّيحة من السماء باسم صاحب الأمر عليه السلام. (1)
3-محمّد بن إبراهيم النّعماني قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا محمّد بن المفضّل بن إبراهيم بن قيس قال: حدّثنا الحسن بن عليّ ابن فضّال، قال: حدّثنا ثعلبة بن ميمون، عن معمّر بن يحيى (2)عن داود (3)الدجاجي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: فَاخْتَلَفَ اَلْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ (4)فقال: انتظروا الفرج في ثلاث.
فقيل: يا أمير المؤمنين و ما هي؟
قال: إختلاف أهل الشام بينهم، و الرّايات السّود من خراسان، و الفزعة في شهر رمضان.
فقيل: و ما الفزعة؟
فقال: أو ما سمعتم قول اللّه عزّ و جلّ في القرآن: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (5)هي آية تخرج الفتاة من
ص:290
خدرها، و توقظ النّائم، و تفزع اليقظان. (1)
4-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن التيملي، قال: حدّثني عمرو بن عثمان، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، قال: كنت عند ابي عبد اللّه عليه السلام فسمعت رجلا من همدان يقول: إنّ هؤلاء العامّة يعيّرونا و يقولون لنا: إنّكم تزعمون أنّ مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، و كان متّكئا فغضب و جلس ثمّ قال: لا ترووه عني و ارووه عن أبي، و لا حرج عليكم في ذلك اشهدوا أنّي سمعت ابي يقول: و اللّه إنّ ذلك في كتاب اللّه عزّ و جلّ لبيّن، حيث يقول: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلاّ خضع و ذلّ رقبته فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصّوت من السّماء إلاّ أنّ الحقّ في عليّ بن أبي طالب و شيعته.
قال: فاذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتّى يتوارى عن أهل الأرض ثمّ ينادي الا إنّ الحقّ في عثمان بن عفّان و شيعته فإنّه قتل مظلوما فاطلبوا بدمه.
قال: فيثبت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت على الحقّ، و هو النّداء الأوّل، و يرتاب يومئذ الّذين في قلوبهم مرض، و المرض و اللّه عداوتنا، فعند ذلك يتبرّءون منا و يتناولونا: و يقولون: إنّ المنادي الأوّل سحر من سحر أهل هذا البيت، ثم تلا أبو عبد اللّه عليه السلام قول اللّه عزّ و جلّ وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2). (3)
ص:291
5-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا محمّد بن المفضّل بن إبراهيم، و سعدان بن إسحاق بن سعيد (1)، و أحمد بن الحسين (2)بن عبد الملك، و محمّد بن أحمد بن الحسن القطواني (3)جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان مثله سواء بلفظه. (4)
6-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا القاسم بن محمّد بن الحسين (5)بن حازم، قال: حدّثنا عبيس بن هشام الناشري، عن عبد اللّه بن جبلة، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام و قد سأله عمارة (6)الهمداني فقال: أصلحك اللّه إنّ الناس يعيّرونا و يقولون: إنّكم تزعمون أنّه سيكون صوت من السماء فقال له: لا ترووه عنّي و ارووه عن ابي، كان أبي يقول: هو في كتاب اللّه: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (7)فيؤمن أهل الأرض جميعا للصوت، و إذا كان من الغد صعد إبليس اللّعين حتّى يتوارى في جوّ السماء.
ثمّ ينادي ألا إنّ عثمان قتل مظلوما فاطلبوا بدمه، فيرجع من أراد اللّه عزّ و جلّ به شرّا و يقولون: هذا سحر الشيعة و حتّى يتناولونا و يقولون: هو من سحرهم و هو قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ
ص:292
مُسْتَمِرٌّ . (1)
7-محمّد بن العبّاس في تفسير القرآن فيما نزل في أهل البيت عليهم السلام قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه (2)بن أسد، عن إبراهيم بن محمّد (3)ابن معمر الأسدي، عن محمّد بن فضيل (4)عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله عزّ و جلّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (5)قال: هذه نزلت فينا و في بني أميّة، تكون لنا دولة تذلّ أعناقهم لنا بعد صعوبة، و هوان بعد عزّ. (6)
8-و عنه قال: حدّثنا أحمد (7)بن الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا أبي، عن ابيه، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنّان بن سدير، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (8)قال: نزلت في قائم آل محمّد عليهم السلام ينادى باسمه من السّماء. (9)
ص:293
9-و عنه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابنا (1)عن ابي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ قال: تخضع لها رقاب بني أميّة، قال: ذلك بارز عند زوال الشمس، قال: و ذاك عليّ بن أبي طالب عليه السلام يبرز عند زوال الشّمس على رءوس النّاس ساعة حتّى يبرز وجهه و يعرف النّاس حسبه و نسبه.
ثمّ قال إنّ بني أميّة ليختبي (2)الرجل منهم الى جنب شجرة فيقول: جاءني رجل (3)من بني أميّة فاقتلوه. (4)
10-و عنه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، قال: حدّثنا صفوان بن يحيى، عن أبي عثمان، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: انتظروا الفرج في ثلاث.
قيل: و ما هي؟
قال: اختلاف أهل الشام بينهم، و الرّايات السّود من خراسان، و الفزعة في شهر رمضان.
فقيل له: و ما الفزعة في شهر رمضان؟
قال: أ ما سمعتم قول اللّه عزّ و جلّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً
ص:294
فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (1)قال: إنّه تخرج الفتاة عن خدرها، و يستيقظ النائم و يفزع اليقظان. (2)
11-محمّد بن إبراهيم النّعماني، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن (3)، عن أبيه، عن أحمد بن عمر الحلبي (4)، عن الحسين بن موسى (5)، عن فضيل (6)بن محمد مولى محمّد بن راشد البجلي، عن ابي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: أما إنّ النداء الأوّل من السّماء باسم القائم في كتاب اللّه بيّن، فقلت: فأين هو اصلحك اللّه؟
فقال: في طسم تِلْكَ آياتُ اَلْكِتابِ اَلْمُبِينِ (7)قوله: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (8)قال: إذا سمعوا الصوت اصبحوا و كأنّما على رءوسهم الطير. (9)
ص:295
ص:296
في أنّه عليه السلام ينادى باسمه إذا اذن له بالخروج، و يكون
خروجه يوم السّبت عاشر محرّم و أوّل من يبايعه جبرئيل
1-محمّد بن إبراهيم النّعماني، في كتاب «الغيبة» قال: أخبرنا ابو سليمان (1)بن هوذة الباهلي، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النّهاوندي قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن ابي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
ينادى باسم القائم يا فلان بن فلان قم. (2)
2-و عنه قال: أخبرنا أبو سليمان أحمد بن هوذة الباهلي، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النّهاوندي قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: يقوم القائم يوم عاشوراء. (3)
3-ابن بابويه قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي اللّه عنه قال: حدّثني أبي، عن أحمد بن عيسى (4)عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يخرج القائم عليه السلام يوم السبت يوم عاشوراء اليوم الّذي قتل فيه الحسين عليه السلام. (5)
ص:297
4-محمّد بن ابراهيم النعماني قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن التيملي من كتابه في رجب سنة سبعين و مائتين، قال: حدّثنا محمّد بن عمر بن يزيد بيّاع السابري، و محمّد بن الوليد بن خالد الخزّاز جميعا قالا: حدّثنا حمّاد بن عثمان، عن عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: انّه ينادي باسم صاحب هذا الأمر مناد من السّماء:
الأمر لفلان بن فلان ففيم القتال. 1
5-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال حدّثني عليّ بن الحسن التيملي، قال: حدّثني محمد 2و أحمد 3ابنا الحسن، عن عليّ بن يعقوب الهاشمي 4، عن مروان 5بن مسلم، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: ينادى باسم القائم عليه السلام فيؤتى و هو خلف المقام، فيقال له: قد نودي باسمك فما تنظر؟ ثمّ يؤخذ بيده فيبايع.
قال: قال زرارة: الحمد للّه قد كنّا نسمع أنّ القائم عليه السلام يبايع
ص:298
مستكرها فلم نكن نعلم وجه استكراهه، فعلمنا أنّه استكراه لا إثم فيه. (1)
6-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه، قال: أخبرنا محمّد بن همام، قال:
أخبرنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثنا عليّ بن يونس (2)الخزّاز، عن إسماعيل (3)بن عمر بن أبان، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أراد اللّه قيام القائم بعث جبرئيل في صورة طائر ابيض فيضع أحد رجليه على الكعبة، و الاخرى على بيت المقدس، ثمّ ينادي بأعلى صوته: أَتى أَمْرُ اَللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (4).
قال: فيحضر القائم عليه السلام فيصلّي عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين ثمّ ينصرف، و حوله أصحابه و هم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، إنّ فيهم لمن يسري من فراشه ليلا فيخرج و معه الحجر فيلقيه فتعشب الأرض. (5)
7-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال:
حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن ابي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ أوّل من يبايع القائم عليه السلام جبرئيل عليه السلام ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه.
ص:299
ثمّ يضع رجلا على بيت اللّه الحرام و رجلا على بيت المقدس، ثمّ ينادي بصوت طلق ذلق تسمعه الخلائق: أَتى أَمْرُ اَللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ . (1)
8-العيّاشي باسناده في تفسيره عن ابان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أوّل من يبايع القائم عليه السلام جبرئيل عليه السلام ينزل عليه في صورة طير أبيض فيبايعه، ثم يضع رجلا على البيت الحرام و رجلا على بيت المقدس، ثمّ ينادي بصوت رفيع يسمع الخلائق: أَتى أَمْرُ اَللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (2).
ثم قال العيّاشي: و في رواية أخرى عن أبان، عن أبي جعفر عليه السلام نحوه. (3)
ص:300
في إعلام الأموات بخروجه، و إحياء أصحاب الكهف،
و يرد كلّ مؤذ للمؤمنين للقصاص
1-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسين (1)محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي عليّ محمّد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الطحّان (2)، عن الضحّاك البجلي، عن محمّد بن يزيد العجلي (3)عن سيف بن عميرة، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: المؤمن ليخيّر في قبره فإذا قام القائم عليه السلام فيقال له: قد قام صاحبك فإن أحببت أن تلحق به فالحق، و إن أحببت أن تقيم في كرامة اللّه فأقم. (4)
2-و عنه قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن أبي عليّ محمّد بن همام، عن عبد اللّه بن جعفر بن محمّد الحميري، قال:
ص:301
حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عمر (1)، عن أبان بن تغلب الكلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث يذكر فيه خروج القائم عليه السلام قال: فلا يبقى ميّت إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، حتى يتزاورون في قبورهم و يتباشرون بخروج القائم عليه السلام. (2)
3-ابن بابويه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد (3)بن محمد رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي (4)، قال حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليه السلام يذكر فيه صفة القائم عليه السلام و خروجه قال: و لا يبقى ميّت من المؤمنين إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، و هم يتزاورون في قبورهم و يتباشرون بقيام القائم عليه السلام. (5)
4-أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، قال: حدّثني أبو المفضّل محمد ابن عبد اللّه، قال: حدّثنا محمّد بن همام، قال حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثنا إسحاق (6)بن محمد بن سميع، عن محمد بن الوليد (7)، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه الصّادق عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ:
ص:302
يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ اَلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اَللّهِ (1)قال: في قبورهم بقيام القائم عليه السلام. (2)
5-و عنه قال: حدّثني أبو عبد اللّه الحسين (3)بن عبد الله الحرمي قال:
حدّثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدّثنا إسحاق بن محمّد (4)الصيرفي، عن إسحاق بن إبراهيم (5)الغزالي قال: حدّثني عمران الزعفراني (6)، عن المفضّل قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا ظهر القائم من ظهر هذا البيت بعث الله معه سبعة و عشرين رجلا، منهم أربعة عشر رجلا من قوم موسى، و هم الّذين قال الله: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ (7)و أصحاب الكهف ثمانية، و المقداد و جابر الأنصاري، و مؤمن آل فرعون، و يوشع بن نون و هو وصيّ موسى. (8)
6-و عنه قال: حدّثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال:
حدّثنا أبي، قال حدّثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي، قال: حدّثنا محمد (9)بن بندار قال حدّثنا محمد بن سعيد الخراساني، عن أبي عمران (10)الطبري، عن محمد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه
ص:303
السلام: إذا قام قائمنا ردّ كل مؤذ للمؤمنين في زمانه في الصورة الّتي كانوا عليها و فيها بين اظهرهم لينتصف منهم المؤمنون. (1)
ص:304
في نزول عيسى بن مريم عليه السلام و صلاته
خلف المهدي عليه السلام
1-علي بن ابراهيم في «تفسيره» قال: حدثني أبي عن القاسم بن محمد (1)، عن سليمان بن داود المنقري، عن أبي حمزة، عن شهر بن حوشب، قال: قال لي الحجاج يا شهر آية في كتاب الله قد أعيتني.
فقلت: أيّها الامير أيّة آية هي؟
فقال: قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (2)و الله إنّي لآمر باليهودي و النصراني فيضرب عنقه ثمّ أرمقه بعيني فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يخمد!
فقلت: اصلح الله الأمير ليس على ما أوّلت.
قال: كيف هو؟
قلت: إنّ عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدّنيا فلا يبقى أهل ملّة يهودي و لا نصراني و لا غيره إلاّ آمن به قبل موته و يصلّي خلف المهديّ.
قال: ويحك أنى لك هذا و من أين جئت به؟
فقلت: حدّثني به محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن ابي طالب عليهم
ص:305
السّلام فقال: جئت بها و اللّه من عين صافية. (1)
2-ابن بابويه قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثني محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل قال فيه: فظهر عيسى عليه السلام في ولادته معلنا لدلائله مظهرا لشخصه شاهرا لبراهينه غير مخف لنفسه لأنّ زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجّة كذلك.
ثم كان له من بعده أوصياء حججا مستعلنين و مستخفين إلى وقت ظهور نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال اللّه عزّ و جلّ له في الكتاب: ما يُقالُ لَكَ إِلاّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ (2)ثمّ قال عزّ و جلّ: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا (3)فكان مما قيل له و لزم من سنته على إيجاب سنن من تقدّمه من الرسل إقامة الأوصياء له كإقامة من تقدّمه لأوصيائهم، فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوصياءه كذلك، و أخبر بكون المهدي عليه السلام خاتم الأئمّة عليهم السلام و أنّه يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا فنقلت الامّة بأجمعها عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّ عيسى عليه السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلّي خلفه. (4)
3-الفاضل عمر بن إبراهيم الأوسي (5)في كتابه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند انفجار الصبح ما بين
ص:306
مهرودين (1)و هما ثوبان أصفران من الزّعفران، ابيض الجسم، أصهب (2)الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهنا، بيده حربة يكسر الصليب، و يقتل الخنزير، و يهلك (3)الدجّال و يقبض أموال القائم عليه السلام و يمشي خلفه اهل الكهف و هو الوزير الايمن للقائم عليه السلام و حاجبه، و نائبه، و يبسط في المغرب و المشرق الأمن من كرامة الحجّة بن الحسن صلوات اللّه عليهما، حتّى يرتع الأسد مع النعم، و النمر مع البقر، و الذئب مع الغنم، و تلعب الصبيان بالحيّات، و يتزوّج عيسى بامرأة من غسّان حتّى يسودّ وجه من كان يقول ليس من البشر، و يروه كيف يأكل و يشرب و ينكح.
و يعمّر في سبعين الفا منهم أصحاب الكهف، و يجمع الكتب من أنطاكية حتّى يحكم بين أهل المشرق و المغرب، و يحكم بين أهل التوراة في توراتهم (4)و أهل الإنجيل في إنجيلهم، و أهل الزبور في زبورهم، و أهل الفرقان بفرقانهم فيكشف اللّه له عن إرم ذات العماد، و القصر الذي بناه سليمان بن داود قرب موته فيأخذ ما فيها من الأموال و يقسّمها على المسلمين، و يخرج اللّه التابوت الّذي أمر به أرميا أن يرميه في بحر طبرية: فيه بقيّة مما ترك آل موسى و آل هارون، و رضاضة اللوح، و عصا موسى، و قبا هارون، و عشرة أو صاع من المنّ و شرائح السلوى الّتي ادّخروها بنو إسرائيل لمن بعدهم، فسيستفتح بالتابوت المدن كما استفتح به من كان قبله، و ينشر الإسلام في المشرق و المغرب و الجنوب و القبلة، و ذلك الوقت سنته كالشهر، و شهره كالجمعة، و جمعته
ص:307
كاليوم، و اليوم كالساعة، و الساعة لا بقاء لها، ثم تقبل ريح باردة صفراء ألين من الحرير مثل المسك، فيقبض اللّه بها روح عيسى بن مريم عليه السلام.
ص:308
في أصحابه عليه السلام الثلاثمائة و ثلاثة عشر
1-محمد بن إبراهيم المعروف بابن زينب في كتاب «الغيبة» قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد اللّه بن يونس، قال: حدّثنا محمد بن جعفر (1)القرشي، قال:
حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمد بن سنان، عن ضريس، عن أبي خالد الكابلي، عن عليّ بن الحسين، أو عن محمد بن علي عليهما السلام قال: الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكّة، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (2)و هم اصحاب القائم عليه السلام. (3)
2-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا علي ابن الحسن التيملي، قال: حدّثنا الحسن (4)و محمد ابنا عليّ بن يوسف، عن
ص:309
سعدان (1)بن مسلم، عن رجل عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام اذا اذن الإمام دعا اللّه عزّ و جلّ باسمه العبراني فانتخب (2)اصحابه الثلاثمائة و الثلاثة عشر قزع (3)كقزع الخريف و هم اصحاب الالوية، منهم من يفتقد (4)من فراشه ليلا فيصبح بمكة، و منهم من يسير (5)في السحاب نهارا يعرف باسمه و اسم ابيه و حليته و نسبه.
قلت: جعلت فداك أيّهم أعظم إيمانا؟ قال: الذي يسير في السحاب نهارا و هم المفقودون، و فيهم نزلت هذه الآية أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (6). (7)
3-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال أخبرني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، عن الحسن (8)بن علي، عن ابيه،
ص:310
و وهيب (1)عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا اَلْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (2)قال: نزلت في القائم عليه السلام و اصحابه يجتمعون على غير ميعاد. (3)
4-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن يعقوب الكليني أبو جعفر، قال: حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، و محمّد بن يحيى بن عمران، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و حدّثني عليّ بن محمّد، و غيره عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، قال: و حدّثنا عبد الواحد بن عبد اللّه الموصلي، عن أبي (4)عليّ أحمد بن محمّد بن ابي ناشر عن أحمد بن هلال عن الحسن بن محبوب، قال: حدّثنا عمرو (5)بن أبي المقدام، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام في حديث يذكر فيه القائم عليه السلام إلى أن قال: فيجمع اللّه له اصحابه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، و يجمعهم اللّه له على غير ميعاد، قزعا كقزع الخريف، و هم (6)يا جابر الآية الّتي ذكرها اللّه في كتابه: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اَللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (7)فيبايعونه بين
ص:311
الركن و المقام، و معه عهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد توارثوه (1)الأبناء عن الآباء. (2)
5-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي اللّه عنه قال: حدّثنا ابو جعفر، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمد بن سنان، عن أبي خالد (3)القمّاط، عن ضريس، عن أبي خالد الكابلي، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا عدة اهل بدر فيصبحون بمكة، و هو قوله عزّ و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (4). (5)
6-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي اللّه عنه، قال:
حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد اللّه الكوفي (6)، عن أبيه، عن محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام: لقد نزلت هذه الآية في المفقودين (7)من اصحاب القائم عليه السلام قوله عزّ و جلّ:
ص:312
أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً انهم المفقودون (1)من فرشهم ليلا فيصبحون بمكّة، و بعضهم يسير في السحاب نهارا (2)يعرف اسمه و اسم أبيه و حليته و نسبه.
قال: فقلت: جعلت فداك أيّهم أعظم إيمانا؟
قال: الذي يسير في السّحاب نهارا. (3)
7-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي خالد (4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: فَاسْتَبِقُوا اَلْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (5). قال: الخيرات الولاية، و قوله تعالى: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً يعني أصحاب القائم الثلاثمائة و البضعة عشر رجلا قال: و هم و اللّه الامّة المعدودة (6)قال: يجتمعون و اللّه في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف (7).
و الروايات في هذه الآية بهذا المعنى كثيرة من أرادها وقف عليها من «البرهان» .
ص:313
ص:314
في حكمه بحكم داود عليهما السلام، و تأييده
بالملائكة و أول من يبايع القائم عليه السلام
محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
و عليّ عليه السلام
1-ابن بابويه، قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا-يعني مسجد مكة- يعلم أهل مكة أنّه لم تلدهم (1)آباءهم و لا أجدادهم، عليهم السيوف مكتوب على كلّ سيف كلمة تفتح الف كلمة، فيبعث اللّه تبارك و تعالى ريحا فتنادي بكلّ واد: هذا المهدي يقضي بقضاء داود و سليمان عليهما السلام و لا يريد عليه بينة. (2)
2-و عنه بهذا الإسناد عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
ص:315
إذا قام القائم عليه السلام لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلاّ عرفه، صالح هو أم طالح، الا و فيه آية للمتوسمين و هي السبيل (1)المقيم. (2)
3-و عنه بهذا الإسناد عن ابان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
دمان في الإسلام حلال من اللّه عزّ و جلّ لا يقضي فيهما أحد بحكم اللّه عزّ و جلّ حتّى يبعث اللّه عزّ و جلّ القائم من أهل البيت فيحكم فيهما بحكم اللّه لا يريد فيه بيّنة: الزّاني المحصن يرجمه، و مانع الزكاة يضرب عنقه (3). (4).
4-و عنه بهذا الإسناد عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
كأنّي أنظر إلى القائم عليه السلام على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النّجف ركب فرسا أدهم أبلق ما بين عينيه شمراخ (5)ثم ينتفض به فرسه، فلا يبقى أهل بلدة إلاّ و هم يظنّون أنّه معهم في بلادهم، فإذا نشر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انحطّ عليه ثلاثة عشر ألف ملك و ثلاثة عشر ملكا، كلّهم ينتظرون القائم عليه السلام و هم الذين كانوا مع نوح عليه السلام في السفينة، و الذين كانوا مع إبراهيم عليه السلام حيث ألقي في النار، و الّذين كانوا مع عيسى حين رفع، و أربعة آلاف مسوّمين و مردفين، و ثلاثمائة و ثلاثة عشر ألف ملكا يوم بدر؛ و أربعة آلاف ملك الّذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين
ص:316
ابن علي عليه السلام فلم يؤذن لهم، فصعدوا في الاستيذان فهبطوا و قد قتل الحسين عليه السلام، فهم شعث غبر يبكون عند قبر الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة، و ما بين قبر الحسين عليه السلام إلى السماء مختلف الملائكة. (1)
5-و عنه، عن محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه اللّه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين (2)، عن محمّد بن إسماعيل (3)، عن أبي إسماعيل (4)السرّاج، عن بشر بن جعفر، عن مفضّل بن عمر، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّه إذا تناهت الامور الى صاحب هذا الأمر رفع اللّه تبارك و تعالى كلّ منخفض من الأرض، و خفض كل مرتفع منها حتّى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟ (5)
6-و عنه حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن معلّى بن محمد البصري، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن مثنّى الحنّاط، عن قتيبة الأعشى، عن ابن أبي يعفور عن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إذا قام قائمنا عليه السلام وضع يده
ص:317
على رءوس العباد فجمع بها عقولهم و كملت أحلامهم (1). (2)
7-محمّد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا عليّ بن أحمد (3)، عن عبيد اللّه بن موسى (4)العلوي، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: أَتى أَمْرُ اَللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (5)فقال: هو أمرنا أمر اللّه عزّ و جلّ لا يستعجل (6)به يؤيّده بثلاثة أجناد: بالملائكة و المؤمنين و الرّعب، و خروجه كخروجه رسول اللّه و ذلك قوله عزّ و جلّ: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (7). (8)
8-و عنه قال: اخبرنا أحمد بن هوذة أبو سليمان، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن عليّ بن أبي حمزة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا قام القائم نزلت الملائكة بثلاثمائة و ثلاثة عشر (9)ثلث على خيول شهب، و ثلث على خيول بلق، و ثلث على خيول حوّ.
ص:318
قلت: و ما الحوّ؟
قال: الحمر. (1)
9-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا يحيى (2)بن زكريا بن شيبان، قال حدّثنا يوسف (3)بن كليب قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام يقول: لو خرج قائم آل محمّد عليهم السلام لينصره اللّه بالملائكة المسوّمين و المردفين و المنزلين و الكروبين يكون جبرئيل أمامه، و ميكائيل عن يمينه، و إسرافيل عن يساره، و الرعب مسيرة شهر أمامه، و خلفه، و عن يمينه و عن شماله، و الملائكة المقربون حذائه، أوّل من (4)بايعه محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام الثاني، و معه سيف مخترط يفتح اللّه له الروم، و الصين، و الترك، و الديلم، و السند، و الهند، و كابل شاه و الخزر-يا ابا حمزة لا يقوم القائم عليه السلام إلاّ على خوف شديد و زلزال و فتنة و بلاء يصيب الناس، و طاعون قبل ذلك، و سيف قاطع بين العرب، و إختلاف شديد من الناس، و تشتّت في دينهم، و تغيّر في حالهم حتّى يتمنى المتمنّي الموت صباحا و مساء من عظم ما يرى من كلب (5)الناس، و أكل بعضهم
ص:319
بعضا، و خروجه إذا خرج عند الاياس و القنوط، فيا طوبى لمن أدركه و كان من أنصاره، و الويل كلّ الويل لمن ناواه و خالف أمره و كان من اعدائه.
ثم قال: يقوم بأمر جديد، و كتاب جديد، و سنّة جديدة، و قضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلاّ القتل، لا يستتيب (1)أحدا و لا تأخذه في اللّه لومة لائم (2).
10-محمّد بن يعقوب، باسناده عن إسحاق بن محمّد النخعي، قال:
حدّثني الحسن بن ظريف أنّه سأل أبا محمّد عليه السلام عن قضاء القائم عليه السلام فجاء الجواب اذا قام قضى بعلمه كقضاء داود عليه السلام لا يسأل البيّنة. (3)
ص:320
في سيرته عليه السلام
1-محمد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد اللّه بن يونس، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن رباح (1)قال: حدّثنا أحمد بن علي الخمري، قال: حدّثني الحسن بن أيّوب، عن عبد الكريم بن عمرو، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن بن أبان (2)قال: حدّثني عبد اللّه بن عطاء المكّي، عن شيخ من الفقهاء يعني أبا عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن سيرة المهديّ كيف سيرته؟
فقال: يصنع كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يهدم ما كان قبله، كما هدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر الجاهليّة و يستأنف الإسلام جديدا. (3)
2-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن الحسين (4)، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسن الرّازي، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبيه، عن زرارة عن أبي جعفر عليه
ص:321
السلام قال: قلت له: صالح من الصّالحين سمّه لي أريد القائم عليه السلام فقال عليه السلام: اسمه اسمي.
قلت: أ يسير بسيرة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟
فقال: هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته.
قلت: و لم جعلني اللّه فداك؟ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سار في امّته باللّين يتألّف النّاس، و القائم عليه السلام يسير بالقتل و لا يستتيب أحدا ويل لمن ناواه. (1)
3-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن الحسين بهذا الإسناد، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم (2)، عن ابي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: إنّ عليّا قال: قد كان لي أن أقتل المولّي و اجهز على الجريح و لكنّي تركت ذاك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا لم يقتلوا، و القائم له أن يقتل المولّي و يجهز على الجريح. (3)
4-قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة قال: حدّثنا علي بن الحسن (4)عن محمّد بن خالد (5)، عن ثعلبة بن ميمون، عن الحسن بن هارون (6)
ص:322
بيّاع الأنماط قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام جالسا فسأله المعلّى بن خنيس: أ يسير القائم عليه السلام إذا قام بخلاف سيرة عليّ عليه السلام؟
فقال: نعم، و ذلك أنّ عليا عليه السلام سار بالمنّ و الكفّ لأنّه علم أنّ شيعته سيظهر عليهم من بعده، و أنّ القائم عليه السلام إذا قام سار فيهم بالسيف و السبي، و ذلك أنّه يعلم أنّ شيعته لم يظهر عليهم من بعده. (1)
5-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن، عن أبيه، عن رفاعة بن موسى، عن عبد اللّه بن عطاء، قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام فقلت: إذا قام القائم عليه السلام بأيّ سيرة يسير في الناس؟
فقال: يهدم ما قبله كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يستأنف الإسلام جديدا. (2)
6-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن الحسين، قال: أخبرنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسن الرازي، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن المعلّى، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم أن لا يروه ممّا يقتل من الناس، أما إنّه لا يبدأ إلاّ بقريش فلا يأخذ منها إلاّ السيف، و لا يعطيها إلاّ السيف حتّى يقول كثير من الناس: ما (3)هذا من آل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لو كان من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لرحم. (4)
ص:323
7-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن الحسين بإسناده عن محمّد بن أبي نصر، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام:
يقوم القائم بأمر جديد، و كتاب جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلاّ بالسيف، لا يستتيب أحدا و لا يأخذه في اللّه لومة لائم. 1
8-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن الحسين، بإسناده عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما تستعجلون بخروج القائم عليه السلام؟ فو اللّه ما لباسه إلاّ الغليظ و لا طعامه إلاّ الجشب و ما هواه إلاّ السيف، و الموت تحت ظلّ السيف. 2
9-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسين الجعفي، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، و وهيب 3عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: إذا خرج القائم لم يكن بينه و بين العرب و قريش إلاّ السيف ما يأخذ منها إلاّ السيف، و لا يعطيها إلاّ السيف، و ما يستعجلون بخروج القائم عليه السلام؟ و اللّه ما لباسه إلاّ الغليظ، و ما طعامه إلاّ الشعير الجشب، و ما هو إلاّ السيف، و الموت تحت ظلّ السيف 4.
ص:324
10-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن محمّد (1)، عمّن حدّثه، عن محمّد ابن الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ القائم عليه السلام إذا قام ردّ البيت الحرام إلى أساسه، و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أساسه، و مسجد الكوفة إلى أساسه، و قال أبو بصير: إلى موضع التمّارين من المسجد. (2)
ص:325
ص:326
في أنّما يلقاه القائم عليه السلام أشدّ مما لقيه رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم من جهّال الجاهلية
1-محمّد بن إبراهيم النعماني قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمّد ابن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا محمّد بن المفضّل بن إبراهيم، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن محمّد بن مروان، عن الفضيل بن يسار (1)، قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ قائمنا عليه السلام إذا قام استقبل من جهل (2)الناس أشدّ مما استقبله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من جهّال الجاهلية.
قلت: و كيف ذاك؟
قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتى الناس و هم يعبدون الحجارة و الصخور و العيدان و الخشب المنحوتة، و إنّ قائمنا عليه السلام إذا قام أتى الناس و كلّهم يتأول عليه كتاب اللّه و يحتجّ عليه به.
ثمّ قال: أما و اللّه ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر
ص:327
2-و عنه قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد اللّه بن يونس، قال: حدّثنا محمّد ابن جعفر القرشي، قال: حدّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد ابن سنان، عن حسين بن مختار، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي الناس مثل ما لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أكثر. (3)
3-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن همام، قال: حدّثنا حميد بن زياد الكوفي، قال حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الميثمي، عن محمّد بن أبي حمزة (4)، عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
سمعته يقول: إنّ القائم يلقى في حربه ما لم يلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتاهم و هم يعبدون الحجارة المنقورة و الخشبة المنحوتة و إنّ القائم عليه السلام يخرجون عليه فيتأوّلون عليه كتاب اللّه فيقاتلونه عليه. (5)
4-و عنه قال: أخبرنا عليّ بن أحمد، قال: أخبرنا عبيد اللّه بن موسى العلوي، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن قتيبة الأعشى، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق و المغرب أ تدري لم ذاك؟
ص:328
قلت: لا.
قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه. (1)
5-و عنه قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر القرشي، قال: حدّثني محمّد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن قتيبة الأعشى، عن منصور بن حازم (2)، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: إذا وقعت راية الحقّ لعنها أهل المشرق و أهل المغرب.
قلت: ممّا ذاك؟
قال: ممّا يلقون من بني هاشم. (3)
6-و عنه، عن علي بن أحمد، عن عبيد اللّه بن موسى، و أحمد بن عليّ الأعلم (4)قال: حدثنا محمد بن عليّ الصيرفي (5)عن محمد بن صدقة (6)، و ابن اذينة العبدي، و محمد بن سنان جميعا عن يعقوب السرّاج قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ثلاثة عشر مدينة، و طائفة يحارب القائم أهلها و يحاربونه، أهل مكة، و أهل المدينة، و أهل الشام، و بنو أميّة، و أهل البصرة،
ص:329
و أهل دست ميسان (1)، و الأكراد، و الأعراب و ضبّة، و غنى، و باهلة، و أزد البصرة، و أهل الري. (2)
ص:330
نشره عليه السلام راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
1-محمّد بن إبراهيم النعماني، قال: اخبرنا محمّد بن همّام، قال: حدّثنا أحمد بن مابندار (1)قال: حدّثنا أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن ابي المغراء، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لمّا التقى أمير المؤمنين عليه السلام و أهل البصرة نشر الرّاية راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتزلزلت أقدامهم فما اصفرّت الشمس حتّى قالوا: آمنّا يا ابن أبي طالب، فعند ذلك قال: لا تقتلوا الأسرى و لا تجهزوا على الجرحى، و لا تتّبعوا مولّيا، و من ألقى سلاحه فهو آمن، و من أغلق بابه فهو آمن.
فلمّا كان يوم صفّين سألوه نشر الرّاية فابى عليهم، فتحمّلوا عليه بالحسن و الحسين عليهما السلام و عمّار بن ياسر، فقال للحسن عليه السلام: يا بنيّ إنّ للقوم مدة يبلغونها، و إنّ هذه الرّاية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم صلوات اللّه عليه. (2)
2-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا أبو
ص:331
عبد اللّه يحيى بن زكريّا بن شيبان، عن يوسف بن كليب (1)، عن الحسن بن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا يخرج القائم من مكّة حتى يكون مثل (2)الحلقة.
قلت: و كم الحلقة؟
قال: عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره، ثم يهزّ الرّاية المغلّبة و يسير بها فلا يبقى أحد في المشرق و لا في المغرب إلاّ لعنها، و هي راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزل بها جبرئيل يوم بدر ثمّ قال: يا محمّد ما هي و اللّه قطن و لا كتّان، و لا قزّ و لا حرير.
قلت: فمن أيّ شيء هي؟
قال: من ورق الجنة، نشرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر، ثمّ لفّها و دفعها إلى عليّ عليه السلام، فلم تزل عند عليّ عليه السلام حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين ففتح الله عليه ثمّ لفّها فهي عندنا لا ينشرها أحد حتّى يقوم القائم عليه السلام، فإذا هو قام نشرها لم يبق بين المشرق و المغرب أحد إلاّ لعنها، و يسير الرعب قدّامها شهر، و خلفها شهر، و عن يمينها شهر، و عن يسارها شهر.
ثمّ قال يا أبا محمّد، إنّه يخرج موتورا غضبان اسفا لغضب اللّه على هذا الخلق، عليه قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الّذي كان عليه يوم أحد، و عمامته السحاب، و درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم السابغة، و سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذو الفقار، يجرّد السّيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجا، فيبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم و يعلّقها في الكعبة،
ص:332
و ينادي مناديه هؤلاء سرّاق اللّه، ثم يتناول المفقودون من فرشهم (1)و هو قول اللّه عزّ و جلّ: فَاسْتَبِقُوا اَلْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّهُ جَمِيعاً (2)قال: الخيرات الولاية. (3)
و تقدّم حديث في ذلك في الباب السادس و الثلاثين.
ص:333
ص:334
إنّ القائم إذا قام استغنى العباد عن ضوء الشمس و القمر
1-أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هرون بن موسى، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدّثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الحيري (1)قال: حدّثنا أحمد بن ميثم (2)قال: حدّثنا أبو الهيثم القصّاب (3)، عن المفضّل بن عمر الجعفي قال: سمعت ابا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها و استغنى العباد عن ضوء الشمس و القمر، و صار الليل و النهار واحدا و ذهبت الظلمة، و عاش الرّجل في زمانه ألف سنة، يولد له في كلّ سنة غلام لا يولد له جارية، يكسوه الثوب فيطول عليه كلّما طال، و يتلوّن عليه أيّ لون شاء. (4)
ص:335
2-و عنه قال: أخبرني أبو عبد اللّه الخرقي عن أبي محمد عن ابن همام (1)قال: حدّثنا سليمان بن صالح، قال: حدّثني أبو القاسم القصّاب (2)، عن مفضّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها و ساق الحديث الى آخره. (3)
3-و عنه، قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، قال:
حدّثني أبي قال: حدّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدّثنا محمّد ابن عليّ بن عبد الكريم (4)، قال: حدّثنا أبو طالب عبد اللّه بن الصلت، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن عبد اللّه الحنّاط (5)، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا قام القائم استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه و يشويه و يأكل لحمه و لا يكسر عظمه، ثمّ يقول له: احي بإذن اللّه تعالى فيحيا و يطير، و كذلك الظباء من الصحاري، و يكون ضوء البلاد و نورها، و لا يحتاجون الى شمس و لا قمر، و لا يكون على وجه الأرض مؤذ و لا شرّ و لا سمّ و لا فساد اصلا، لأنّ الدعوة سماوية ليست بأرضية، و لا يكون للشيطان فيها وسوسة، و لا عمل، و لا حسد، و لا شيء من الفساد، و لا تشوك الأرض و الشجر، و تبقى الزروع قائمة كلّما أخذ منها شيء نبت من وقته و عاد كحاله، و إنّ الرّجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلّما طال، و يتلوّن عليه أيّ لون أحبّ و شاء.
و لو أنّ الرّجل الكافر دخل جحر ضبّ أو توارى خلف مدرة أو حجر أو شجر لأنطق اللّه ذلك الشيء الذي يتوارى فيه حتّى يقول: يا مؤمن خلفي كافر
ص:336
فخذه، فيؤخذ و يقتل، و لا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه، و الهيكل البدن، و يصافح المؤمنون الملائكة يوحى إليهم و يحيون و يجتمعون الموتى بإذن اللّه قالوا يأتي على الناس زمان لا يكون المؤمن إلاّ بالكوفة أو يجرّه (1)إليها. (2)
4-علي بن ابراهيم في «تفسيره» قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه قال:
حدّثنا جعفر بن محمد (3)، قال: حدّثني القاسم بن الربيع (4)، قال: حدّثنا صباح المدائني (5)، قال: حدّثنا المفضّل بن عمر أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:
في قوله وَ أَشْرَقَتِ اَلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها (6)قال: ربّ الأرض يعني (7)الامام الأرض قلت: فإذا خرج يكون ما ذا؟
قال: يستغني (8)النّاس عن ضوء الشمس و نور القمر و يجتز بنور الامام (9).
ص:337
ص:338
في منزل القائم عليه السلام و مسجده و موضع منبره
1-الشيخ في «التهذيب» بإسناده، عن محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الحسين بن سيف (1)، عن عثمان (2)عن صالح بن أبي الأسود (3)قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: و ذكر مسجد السهلة فقال: أما إنّه منزل قائمنا إذا قام بأهله. (4)
2-أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه في «كامل الزيارات» قال:
حدّثني أبي، عن سعد بن عبد اللّه، عن أبي عبد الله محمد بن أبي عبد اللّه الرازي الجاموراني (5)، عن الحسين بن سيف بن عميرة، عن أبيه سيف، عن ابي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه أو عن أبي جعفر عليهما السلام قال: قلت له: أي
ص:339
بقاع الارض أفضل بعد حرم اللّه عزّ و جلّ و بعد حرم رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال: الكوفة يا ابا بكر هي الزكية الطاهرة، فيها قبور النبيّين و المرسلين، و قبور غير المرسلين و الأوصياء و الصادقين، و فيها مسجد سهل (1)الذي لم يبعث اللّه نبيّا إلاّ و قد صلّى فيه، و منها يظهر عدل اللّه، و فيها يكون قائمه عليه السلام و القوّام (2)من بعده، و هي منازل النبيّين و الأوصياء و الصالحين. (3)
و رواه الشيخ في «التهذيب» عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه بالسند و المتن، إلاّ أن في آخر السند عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قلت و ساق الحديث الى آخره.
3-محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين (4)، عن محمّد بن اسماعيل (5)، عن صالح بن عقبة، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن حبّة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام الى الحيرة فقال: لتصلنّ هذه بهذه و أومأ بيده إلى الكوفة و الحيرة حتى يباع الذراع فيما بينهما بدينارين (6)و ليبنينّ بالحيرة مسجد له خمسمائة باب يصلّي فيه خليفة القائم عليه السلام لأنّ مسجد
ص:340
الكوفة ليضيق عنهم، و ليصلينّ فيه اثنا عشر إماما عدلا.
قلت: يا أمير المؤمنين و يسع مسجد الكوفة هذا الّذي تصف النّاس يومئذ؟
قال: يبنى له أربع مساجد مسجد الكوفة أصغرها و هذا، و مسجدان في طرفي الكوفة من هذا الجانب و هذا الجانب، و أومأ بيده نحو نهر البصريّين و الغريّين. (1)
4-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن الحسن (2)الخزّاز، عن الوشّاء (3)أبي الفرج (4)، عن أبان بن تغلب قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام فمرّ بظهر الكوفة، فنزل فصلّى ركعتين، ثمّ تقدّم قليلا فصلّى ركعتين، ثمّ سار قليلا فنزل فصلّى ركعتين، ثمّ قال:
هذا موضع قبر امير المؤمنين عليه السلام.
قلت: جعلت فداك و الموضعين الّذين صليت فيهما.
قال: موضع رأس الحسين عليه السلام و موضع منزل القائم عليهما السلام. (5)
5-و رواه أبو القاسم بن قولويه في «كامل الزيارات» قال: حدّثني أبي و محمّد بن الحسن (6)، جميعا عن الحسن بن متيل، عن سهل بن زياد، عن
ص:341
إبراهيم بن عقبة، و ساق سنده بالمتن إلاّ أنّ في آخر الحديث: فما الموضعان اللذان صلّيت فيهما؟
قال: موضع رأس الحسين عليه السلام و موضع منبر القائم عليه السلام. (1)
6-السيّد عبد الكريم بن طاوس (2)، في رسالته المعمولة في تعيين قبر أمير المؤمنين عليه السلام و أنّه بالغريّ بإسناده عن أبي الفرج السّندي، قال:
كنت مع أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام حين قدم إلى الحيرة فقال ليلة:
أسرجوا لي البغلة، فركب و أنا معه، حتّى انتهينا إلى الظّهر فنزل فصلّى ركعتين، ثم تنحّى فصلّى ركعتين، ثمّ تنحّى فصلّى ركعتين.
فقلت: جعلت فداك إنّي رأيتك صلّيت في ثلاث مواضع.
فقال: أمّا الأوّل فموضع قبر امير المؤمنين عليه السلام، و الثّاني موضع رأس الحسين عليه السلام، و الثّالث موضع منبر القائم عليه السلام. (3)
7-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: حدّثني أبو عبد اللّه الحسين بن عبد اللّه الخرقي قال: حدّثنا أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبريّ، قال: حدّثنا ابو علي محمّد بن همام، قال: حدّثنا حبيب بن الحسين (4)قال: حدثنا أبو هاشم عبيد بن خارجة، عن عليّ بن عثمان،
ص:342
عن فرات بن الاحنف (1)، قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام و نحن نريد زيارة أمير المؤمنين عليه السلام فلمّا صرنا الى الثوية (2)نزل فصلّى ركعتين.
فقلت: يا سيّدي ما هذه الصلاة؟
قال: هذا موضع منبر القائم، أحببت أن أشكر اللّه في هذا الموضع، ثمّ مضى و مضيت معه حتّى انتهى إلى القائم الذي على الطريق فنزل فصلّى ركعتين.
فقلت: ما هذه الصلاة؟
قال: هاهنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين عليه السلام في صندوق فبعث اللّه عزّ و جلّ طيرا فاحتمل الصندوق بما فيه، فمرّ بهم جمال فأخذوا رأسه و جعلوه في الصندوق فحملوه (3)و نزلت و صلّيت هاهنا شكرا للّه، ثمّ مضى و مضيت معه حتى انتهى إلى موضع فنزل و صلّى ركعتين، و قال: هاهنا قبر أمير المؤمنين عليه السلام أما إنّه لا تذهب الأيّام حتى يبعث اللّه رجلا ممتحنا في نفسه في القتل يبنى عليه حصنا فيه سبعون طاقا.
قال حبيب بن الحسين: سمعت هذا الحديث قبل ان يبنى على الموضع شيء، ثمّ إنّ محمّد بن زيد (4)وجّه فبنى عليه فلم تمض الأيّام حتى امتحن محمّدا
ص:343
في نفسه في القتل. (1)
ص:344
في كيفية السلام عليه
1-العيّاشي في «تفسيره» ، عن محمّد بن إسماعيل الرازي، عن رجل سمّاه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل رجل على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين
فقام على قدميه فقال: مه هذا اسم لا يصلح إلاّ لأمير المؤمنين عليه السلام سمّاه اللّه به و لم يسمّ به أحد غيره فرضى به إلاّ كان منكوحا و إن لم يكن به ابتلي ، و هو قول اللّه في كتابه: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلاّ شَيْطاناً مَرِيداً (1).
قال: فما ذا يدعى به قائمكم؟
قال: يقال له: السلام عليك يا بقيّة اللّه، السلام عليك يا ابن رسول اللّه (2).
2-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمّد بن سنان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ العلم بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّة نبيه
ص:345
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لينبت في قلب مهديّنا كما ينبت الزرع على أحسن نباته، فمن بقي منكم حتى يلقاه فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة و النبوة و معدن العلم و موضع الرسالة.
و روي أنّ التسليم على القائم عليه السلام أن يقال له: السلام عليك يا بقيّة اللّه في أرضه. (1)
ص:346
في مدة قيام القائم عليه السلام بعد قيامه
1-محمّد بن إبراهيم النعماني في «الغيبة» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الكوفي، قال: حدّثني عليّ بن الحسن التيملي، عن الحسن بن عليّ بن يوسف، عن أبيه، و محمّد بن علي (1)، عن أبيه، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن حمزة بن حمران، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: يملك (2)القائم تسع عشرة سنة و أشهر. (3)
2-و عنه قال: أخبرنا أبو سليمان أحمد بن هوذة الباهلي قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، سنة ثلاث و سبعين و مائتين قال: حدّثنا أبو محمّد عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، سنة تسع و عشرين و مائتين، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: يملك (4)القائم منا تسع عشرة سنة و أشهرا. (5)
3-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا
ص:347
محمّد بن المفضّل بن إبراهيم بن قيس بن رمّانة الأشعري، و سعدان (1)بن إسحاق ابن سعيد، و أحمد (2)بن الحسين بن عبد الملك الزيّات، و محمّد بن أحمد بن الحسن القطواني (3)عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن ثابت، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام يقول: و اللّه ليملكنّ رجل منّا أهل البيت ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا.
قال: فقلت له: متى يكون ذلك؟
فقال: بعد موت القائم عليه السلام.
قلت له: و كم يقوم القائم عليه السلام في عالمه حتى يموت؟
فقال: تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته. (4)
4-و عنه عن عليّ بن أحمد البندنيجي، عن عبيد اللّه بن موسى العلوي العباسي عن بعض رجاله، عن أحمد بن الحسن (5)، عن أبيه، عن أحمد بن عمر ابن أبي شعبة الحلبي (6)، عن حمزة بن حمران، عن عبد اللّه بن ابي يعفور، عن
ص:348
أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ القائم يملك تسع عشرة سنة و أشهرا. (1)
و الروايات في قدر ملكه بعد قيامه مختلفة اقتصرت على هذا القدر.
ص:349
ص:350
في إعلام الأحياء و الأموات بقيامه عليه السلام و يراه من بعيد
من في زمانه عليه السلام، و ما يعطاه المؤمن في زمانه
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن صفوان بن يحيى، عن صندل (1)(مندل (2)-خ م) عن بكّار بن أبي بكر، عن عبد اللّه بن عجلان (3)قال: ذكرنا خروج القائم عليه السلام عند ابي عبد اللّه عليه السلام فقلت له: كيف لنا أن (4)نعلم ذلك؟
فقال: يصبح أحدكم و تحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: «طاعة معروفة» .
و روي أنّه يكون في راية المهدي الرّفعة للّه عزّ و جلّ-و في نسخة أخرى
ص:351
البيعة للّه عزّ و جلّ- (1).
2-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي عليّ محمّد بن همام، قال: حدّثنا: جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الطحان (2)، عن ضحاك العجلي، عن محمّد بن يزيد البجلي (3)عن سيف ابن عميرة قال: قال لي ابو جعفر عليه السلام: المؤمن ليخيّر في قبره فإذا قام القائم عليه السلام فيقال له: قد قام صاحبك، فإن أحببت أن تلحق به فالحق، و إن أحببت أن تقيم في كرامة اللّه فأقم. (4)
3-محمّد بن يعقوب، عن عليّ الأشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن العباس بن عامر، عن الربيع بن محمد المسليّ، عن أبي الربيع الشامي (5)، قال: سمعت أبا عبد اللّه يقول: إنّ قائمنا إذا قام مدّ اللّه عزّ و جلّ لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم حتى لا يكون (6)بينهم و بين القائم بريد، يكلّمهم فيسمعون
ص:352
و ينظرون إليه و هو في مكانه. (1)
4-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كأنّي أنظر إلى القائم عليه السلام على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرسا أدهم أبلق، ما بين عينيه شمراخ (2)، ثم ينتفض (3)به فرسه، فلا يبقى أهل بلدة إلاّ و هم يظنّون أنّه معهم في بلادهم. (4)
5-محمّد بن إبراهيم النّعماني، قال: أخبرنا أحمد بن هوذة الباهلي، قال:
حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن عبد اللّه بن بكير، عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: كأنّي بدينكم هذا لا يزال موليّا يفحص بذنبه (5)لا يردّه عليكم إلاّ رجل منّا أهل البيت، فيعطيكم اللّه في السنة عطاءين، و يرزقكم في الشهر رزقين، و تؤتون الحكمة في زمانه، حتى أنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. (6)
ص:353
ص:354
في أنّه عليه السلام إذا قام قرأ القرآن على حدّه
1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرّحمن بن أبي هاشم، عن سالم بن سلمة (1)، قال: قرأ رجل على أبي عبد اللّه عليه السلام و أنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام كفّ (2)عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ النّاس حتى يقوم القائم عليه السلام، فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب اللّه على حدّه، و أخرج المصحف الّذي كتبه عليّ عليه السلام و قال: أخرجه عليّ عليه السلام إلى النّاس حين فرغ منه و كتبه فقال لهم: هذا كتاب اللّه عزّ و جلّ كما أنزله على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد جمعته من بين اللّوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه.
فقال عليه السلام: أما و اللّه ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا، إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرءوه. (3)
ص:355
ص:356
في أنّ أوّل من يبايع القائم عليه السلام رسول اللّه
صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام،
و أنّ الحسين عليه السّلام يغسّله
1-محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب «الغيبة» قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا يحيى بن زكريا بن شيبان، قال: حدّثنا يوسف (1)بن كليب، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام يقول:
لو خرج قائم آل محمّد عليهم السلام لنصره اللّه بالملائكة المسوّمين و المردفين و المنزلين و الكرّوبيين، يكون جبرئيل أمامه، و ميكائيل عن يمينه، و إسرافيل عن يساره، و الرعب مسيرة شهر أمامه و خلفه و عن يمينه و عن شماله، و الملائكة المقربون حذائه، أوّل من يبايعه محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام الثاني. (2)
و الحديث بتمامه قد تقدّم في الباب الخامس و الثلاثين فيؤخذ تمامه من هناك (3).
2-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا يحيى بن
ص:357
زكريا بن شيبان، قال: حدّثنا يوسف بن كليب المسعودي، قال: حدّثنا الحكم ابن سليمان (1)، عن محمّد بن كثير، عن أبي بكر الحضرمي (2)قال: دخلت أنا و أبان على أبي عبد اللّه عليه السلام و ذاك حين ظهرت الرّايات السود بخراسان فقلنا: ما ترى.
فقال: اجلسوا في بيوتكم فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا (3)إلينا بالسّلام. (4)
3-أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: حدّثنا أبو المفضّل قال: حدّثني عليّ بن الحسين (5)المنقري الكوفي، قال:
حدّثني أحمد بن زيد الدهّان، عن المكحول بن إبراهيم، عن رشد (6)بن عبد اللّه ابن خالد المخزومي، عن سليمان الأعمش، عن محمد (7)بن خلف الطاطري، عن زاذان (8)عن سلمان قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ
ص:358
اللّه تبارك و تعالى لم يبعث نبيا و لا رسولا إلاّ جعل له اثني عشر نقيبا فقلت: يا رسول اللّه: لقد عرفت هذا من أهل الكتابين.
فقال: يا سلمان هل علمت من نقبائي الاثنى عشر الّذين اختارهم اللّه للامّة من بعدي؟
فقلت: اللّه و رسوله أعلم.
فقال: يا سلمان خلقني اللّه من صفوة نوره، و دعاني فأطعته، و خلق من نوري عليّا و دعاه فأطاعه، و خلق من نور عليّ فاطمة فدعاها فأطاعته، و خلق مني و من عليّ و فاطمة الحسن فدعاه فأطاعه، و خلق منّي و من عليّ و فاطمة الحسين فدعاه فأطاعه، ثمّ سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه، فاللّه المحمود و أنا محمّد، و اللّه العلي فهذا عليّ، و اللّه الفاطر فهذه فاطمة، و اللّه (ذو) الإحسان، و هذا الحسن، و اللّه المحسن و هذا الحسين، ثمّ خلق منّا و من نور الحسين تسعة أئمّة فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق اللّه سماء مبنية و لا أرضا مدحية و لا ملكا و لا بشرا و كنّا نورا نسبح اللّه و نسمع له و نطيع.
قال سلمان: فقلت: يا رسول اللّه بأبي أنت و أمي فما لمن عرف هؤلاء؟ فقال: يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم و اقتدى بهم و و الى وليهم و تبرّأ من عدوّهم فهو و اللّه منّا يرد، حيث نرد و يسكن حيث نسكن.
فقلت: يا رسول اللّه فهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم و أنسابهم؟
فقال: لا يا سلمان.
ص:359
فقلت: يا رسول اللّه فأنّى لي بهم و قد عرفت إلى الحسين؟ قال: ثمّ سيّد العابدين عليّ بن الحسين، ثمّ ابنه محمد بن عليّ باقر علم الأوّلين و الآخرين من النبيّين و المرسلين ثمّ ابنه جعفر بن محمد لسان اللّه الصّادق، ثمّ ابنه موسى ابن جعفر الكاظم غيظه صبرا في اللّه عزّ و جلّ، ثمّ ابنه عليّ بن موسى الرّضا لأمر اللّه، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ المختار لأمر اللّه من خلق اللّه، ثمّ ابنه عليّ بن محمّد الهادي إلى اللّه، ثمّ ابنه الحسن بن عليّ الصّامت الأمين لسرّ اللّه، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن الهادي المهدي القائم بحق اللّه.
ثم قال: يا سلمان إنّك مدركه، و من كان مثلك و من تولاّه بحقيقة المعرفة، قال سلمان: فشكرت اللّه كثيرا، ثمّ قلت: يا رسول اللّه و إنّي مؤجّل إلى عهده؟
قال: يا سلمان اقرأ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ اَلدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً . (1)
قال سلمان: و اشتدّ بكائي و شوقي، ثمّ قلت: يا رسول اللّه بعهد منك؟
فقال: إي و اللّه الّذي أرسل محمّدا بالحقّ (2)منّي و من عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و التسعة و كلّ من هو منّا و معنا و مضام (3)فينا إي و اللّه يا سلمان، و ليحضرنّ إبليس و جنوده و كلّ من محض الايمان محضا، و محض الكفر محضا حتّى يؤخذ بالقصاص و الأوتار (4)و لا يظلم ربّك أحدا، و تحقّق
ص:360
تأويل هذه الآية وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).
قال سلمان: فقمت بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما يبالي سلمان متى لقى الموت أو الموت لقيه (2).
و رواه حسين بن حمدان الحضيني، عن عليّ بن الحسن المقري الكوفي قال: حدّثني أحمد بن زيد الدّهقان، و ساق الحديث بباقي السّند و المتن. (3)
4-و عنه قال أبو علي النهاوندي: حدّثني أبو عبد اللّه محمد بن أحمد القاشاني قال: حدّثنا محمّد (4)بن سليمان، قال: حدّثنا أبو القاسم الزندري، قال:
حدّثنا ابراهيم (5)بن مهران، عن عمرو بن شمر، قال: قلت (6): إذا قام قائم آل محمّد كيف السّلام عليه؟
قال: إنّك إذا أدركته و لن تدركه إلاّ أن تكون مكرورا فكن إلى جنبي راكبا على فرس لي ذنوب أغر محجّل، مطلق يد اليمنى، عليّ عمامة لي من عصب
ص:361
اليمن، فأنا أوّل من يسلّم عليه. (1)
5-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصمّ، عن عبد اللّه ابن القاسم البطل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي اَلْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي اَلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ (2).
قال: قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام و طعن الحسن عليه السلام وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً قال: قتل الحسين عليه السلام فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما فإذا جاء نصر دم الحسين عليه السلام بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ اَلدِّيارِ (3)قوم يبعثهم اللّه قبل خروج القائم عليه السلام فلا يدعون وترا (4)لآل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ قتلوه وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً خروج القائم عليه السلام ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ خروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهّب لكل بيضة (5)و جهان، المؤدّون (6)إلى الناس أنّ هذا الحسين عليه السلام قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه، فإنّه ليس بدجّال و لا شيطان، و الحجّة القائم بين أظهركم فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنّه الحسين عليه السلام جاء الحجّة الموت فيكون الذي يغسّله و يكفّنه و يحنّطه و يلحده في حفرته الحسين
ص:362
عليه السلام و لا يلي الوصيّ إلاّ الوصيّ. (1)
6-و رواه العياشي عن صالح بن سهل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و ساق الحديث إلى أن قال: وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً قيام القائم (2)ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (3)خروج الحسين عليه السلام في الكرّة في سبعين رجلا من اصحابه الّذين قتلوا معه، عليهم البيض المذهب لكل بيضة و جهان، المؤدّون إلى الناس أنّ الحسين عليه السلام قد خرج في أصحابه، حتى لا يشك فيه المؤمنون، و أنّه ليس بدجّال و لا شيطان، الإمام الّذي بين اظهر الناس يومئذ، فإذا استقرّ عند المؤمن أنّه الحسين عليه السلام لا يشكّون فيه، و بلغ عن الحسين الحجّة القائم بين أظهر الناس و صدّقه المؤمنون بذلك، جاء الحجّة الموت فيكون الذي يلي غسله و كفنه و حنوطه و إيلاجه في حفرته الحسين، و لا يلي الوصيّ الا الوصيّ.
و زاد إبراهيم في حديثه: ثمّ يملكهم الحسين عليه السلام حتى يقع حاجباه على عينيه. (4)
7-محمّد بن يعقوب رحمه اللّه، عن عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اَللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اَللّهُ مُتِمُّ
ص:363
نُورَهُ (1)قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم، قلت:
وَ اَللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ قال: و اللّه متم الإمامة لقوله عزّ و جلّ: فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اَلنُّورِ اَلَّذِي أَنْزَلْنا (2)فالنور هو الإمام.
قلت: هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ (3).
قال: هو الّذي أمر رسوله بالولاية لوصيّه، و الولاية هي دين الحق.
قلت: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ .
قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم عليه السلام قال: يقول:
وَ اَللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولاية القائم وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكافِرُونَ بولاية عليّ.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم أمّا هذا الحرف فتنزيل، و أمّا غيره فتأويل (4).
8-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا عليّ بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام في قوله عزّ و جلّ: هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (5)فقال: و اللّه ما نزل تأويلها بعد، و لا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام، فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر باللّه العظيم و لا مشرك بالإمام إلاّ كره خروجه حتى لو
ص:364
كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني و اقتله (1)
9-محمّد بن العباس بن ماهيار فيما نزل في اهل البيت عليهم السلام و هو ثقة قال: حدّثنا أحمد بن هوذة، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (2)فقال: و اللّه ما انزل تأويلها بعد.
قلت: جعلت فداك و متى ينزل تأويلها؟
قال: حتى يقوم القائم إن شاء اللّه تعالى، فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر و لا مشرك إلاّ كره خروجه حتّى لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت الصخرة: يا مؤمن في بطني كافر أو مشرك فاقتله فيجيئه فيقتله. (3)
10-و عنه قال: عن أحمد بن إدريس، عن عبد اللّه بن محمّد، عن صفوان بن يحيى، عن يعقوب بن شعيب، عن عمران (4)بن ميثم، عن عباية بن ربعي، أنّه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول: هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ أظهر ذلك بعد؟ كلاّ و الذي نفسي بيده حتى لا يبقى قرية إلاّ و نودي فيها بشهادة أن لا
ص:365
إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه بكرة و عشيّا. (1)
11-و عنه قال: حدّثنا يوسف بن يعقوب، عن محمّد بن ابي بكر المقري، عن نعيم بن سليمان، عن ليث (2)، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله عزّ و جلّ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (3)قال: لا يكون ذلك حتّى لا يبقى يهودي و لا نصرانيّ و لا صاحب ملّة إلاّ صار إلى الإسلام حتّى تأمن الشاة و الذئب و البقرة و الأسد و الإنسان و الحيّة، حتّى لا تقرض فارة جرابا، و حتى توضع الجزية و يكسر الصليب و يقتل الخنزير، و هو قوله تعالى:
لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ و ذلك يكون عند قيام القائم عليه السلام. (4)
12-سعد بن عبد اللّه القمي في كتاب «بصائر الدرجات» عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسين (5)بن سفيان البزوفري، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ لعليّ عليه السلام في الأرض كرّة مع الحسين ابنه عليه السلام يقبل برايته حتى ينتقم له من بني أميّة و معاوية و آل ثقيف و من شهد حربه، ثمّ يبعث اللّه إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفا، و من سائر الناس سبعين الفا فيلقاهم بصفين مثل المرّة الاولى حتى
ص:366
يقتلهم و لا يبقى منهم مخبر، ثمّ يبعث اللّه عزّ و جلّ فيدخلهم أشدّ عذابه مع فرعون و آل فرعون.
ثم كرة أخرى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى يكون خليفة في الأرض و يكون الأئمّة عليهم السلام عمّاله، و حتّى يبعثه اللّه علانية، و يكون عبادته علانية في الأرض كما عبد اللّه سرا في الأرض.
ثمّ قال: إي و اللّه و أضعاف ذلك ثمّ عقد بيده اضعافا يعطي اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ملك جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق اللّه الدنيا إلى يوم يفنيها و حتى ينجز له وعده في كتابه كما قال: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (1). (2).
13-و عنه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عمر (3)بن عبد العزيز، عن رجل، عن جميل بن درّاج، عن المعلّى بن خنيس، و زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعناه يقول: إنّ أوّل من يكرّ في الرجعة الحسين بن عليّ و يمكث في الأرض اربعين سنة حتى يسقط حاجباه على عينيه من كبره. (4)
14-و عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و محمّد بن عبد الجبّار، و أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي
ص:367
المغراء، عن محمّد بن المثنّى، عن داود بن راشد (1)، عن حمران بن أعين، قال:
قال أبو جعفر عليه السلام لنا: و لسوف (2)يرجع جاركم الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من الكبر. (3)
15-و عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعين و أبا الخطاب يحدّثان جميعا قبل أن يحدث أبو الخطاب (4)ما أحدث أنّهما سمعا أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: أول من تنشقّ الأرض عنه و يرجع إلى الدنيا الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما و أنّ الرجعة ليست بعامّة و هي خاصة لا يرجع الاّ من محض الايمان محضا و محض الشرك محضا. (5)
16-و عنه، عن أيّوب بن نوح، و الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة، عن العباس بن عامر، عن سعيد، عن داود بن راشد، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ أوّل من يرجع لجاركم الحسين بن عليّ عليه
ص:368
السلام فيملك حتّى يقع حاجباه على عينيه. (1)
17-و عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، و محمّد ابن خالد البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن المعلّى بن عثمان، عن المعلّى بن خنيس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
أوّل من يرجع الى الدنيا الحسين بن عليّ عليهما السلام فيملك حتى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّ اَلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ (2)فقال: نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم راجع إليكم. (3)
18-العيّاشي في تفسيره باسناده عن رفاعة بن موسى، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إن أوّل من يكرّ الى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام و أصحابه، و يزيد بن معاوية و أصحابه فيقتلهم حذو القذة بالقذة، ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (4). (5)
قال مؤلف هذا الكتاب: روايات الرجعة كثيرة داخلة في باب التواتر منقول إليها الإجماع من الإمامية، و عليها شواهد قرآنية مذكورة في تفسير أهل البيت عليهم السلام و هذا الباب الذي نحن فيه: فيه ما يدلّ على أنّ النبيّ و عليا و الائمّة عليهم السلام يرجعون عند قيام القائم عليه السلام مثل مبايعة النبيّ و عليّ عليهما السلام له و غير ذلك مما هو في الروايات صريحا و ظاهرا من
ص:369
وجود الأئمّة عليهم السلام في زمانه عليه السلام فتأمّل ذلك (1).
و سيأتي في الباب الآتي تصريح بذلك في رواية المفضّل بن عمر، عن الصادق عليه السلام.
ص:370
في حديث الصادق عليه السلام للمفضل بن عمر
1-الحسين بن حمدان الحضيني (1)، في كتابه، و كتابه مذكور في كتب الرجال، حدّثني محمد بن اسماعيل، و علي بن عبد اللّه الحسنيان (2)، عن أبي شعيب محمد بن نصير (3)، عن عمر بن الفرات (4)، عن محمّد بن المفضّل، عن المفضّل بن عمر، قال: سألت سيّدي أبا عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: هل للمأمول المنتظر المهدي عليه السلام من وقت موقّت يعلمه الناس؟
ص:371
قال الصادق عليه السلام: حاش للّه ان يوقّت له وقتا (1).
قال قلت: مولاي و لم ذاك؟
قال: لأنّه هو الساعة الّتي قال اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلسّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اَللّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّاسِ لا يَعْلَمُونَ (2)و قوله: عِنْدَهُ عِلْمُ اَلسّاعَةِ (3)و لم يقل إنّها عند أحد دونه، و قوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ اَلسّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (4)، و قوله: اِقْتَرَبَتِ اَلسّاعَةُ وَ اِنْشَقَّ اَلْقَمَرُ (5)و قوله: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اَلسّاعَةَ قَرِيبٌ، يَسْتَعْجِلُ بِهَا اَلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا اَلْحَقُّ أَلا إِنَّ اَلَّذِينَ يُمارُونَ فِي اَلسّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ . (6)
قلت: يا مولاي ما معنى يمارون؟
قال: يقولون: متى ولد؟ و من رآه و أين هو؟ و أين يكون؟ و متى يظهر؟ كلّ ذلك استعجالا لأمره و شكّا في قضائه، و دخولا في قدرته، أولئك الّذين خسروا أنفسهم في الدّنيا و الآخرة و إنّ للكافرين لشرّ مآب.
قال المفضّل: يا مولاي أ فلا توقّت (7)له وقتا؟
ص:372
قال: يا مفضل لا أوقّت له وقتا و لا يوقّت له وقت، فإنّ من وقّت لمهديّنا وقتا فقد شارك اللّه تعالى في علمه، و ادّعى أنّه ظهر على سرّه، و ما للّه من سرّ إلاّ و قد وقع إلى هذا الخلق المنعوس (1)الضالّ عن اللّه، الرّاغب عن أولياء اللّه و ما للّه من خبر إلاّ و هم أخصّ به لسرّه، و هو عندهم، و إنّما ألقى اللّه إليهم ليكون حجّة عليهم.
قال المفضل: يا مولاي فكيف (2)في ظهوره عليه السلام؟
قال: يظهر في سنة من السنين (3)امره و يعلو ذكره، و ينادي باسمه و كنيته و نسبه، و يكثر ذلك في أفواه (4)المحقّين و المبطلين و الموافقين و المخالفين، لتلزمهم الحجّة بمعرفتهم به على أنّا قد قصصنا ذلك، و دللنا عليه، و نسبناه و سمّيناه و كنّيناه و قلنا: سميّ جده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كنيّه لئلاّ يقول الناس: ما عرفنا له اسما و لا كنية و لا نسبا.
فو اللّه ليتحقّق الإفصاح به و باسمه و كنيته على ألسنتهم حتّى ليسمّيه بعضهم لبعض، كلّ ذلك للزوم الحجّة عليهم، ثمّ يظهره اللّه كما وعد به جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قول اللّه عزّ و جلّ هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (5).
قال المفضّل: يا مولاي فما تأويل قوله تعالى لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ ؟
قال عليه السلام: هو قوله عزّ و جل: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ
ص:373
وَ يَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (1)فو اللّه يا مفضّل ليرفع عن الملل و الأديان الآراء و الاختلاف و يكون الدّين كلّه للّه (2)كما قال اللّه تعالى: إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اَللّهِ اَلْإِسْلامُ (3)وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اَلْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي اَلْآخِرَةِ مِنَ اَلْخاسِرِينَ (4).
قال المفضّل: قلت: يا سيّدي فالدّين الّذي أتى به آدم و نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد عليه و عليهم السلام هو الإسلام.
قال: نعم يا مفضّل هو الإسلام لا غير.
قلت: فتجده في كتاب اللّه تعالى؟ قال: نعم من أوله إلى آخره، و هذه الآية منه إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اَللّهِ اَلْإِسْلامُ و قوله جلّ ثناؤه: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ (5)و قوله في قصّة إبراهيم و إسماعيل: وَ اِجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (6)و قوله في قصّة فرعون: حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ اَلْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اَلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ (7)و قوله في قصّة سليمان و بلقيس حيث يقول: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (8)و قول بلقيس وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ (9)و قوله في قصة عيسى: فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ اَلْكُفْرَ قالَ
ص:374
مَنْ أَنْصارِي إِلَى اَللّهِ قالَ اَلْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اَللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَ اِشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ (1)و قوله: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (2)و قوله في قصّة لوط: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ (3)و لوط قبل إبراهيم، و قوله: قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا إلى قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (4).
و قوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ اَلْمَوْتُ -إلى قوله- وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (5).
قال المفضّل: يا سيّدي كم الملل؟
قال: هي أربعة و هي الشرائع، قال المفضّل: يا سيّدي المجوس لم سمّوا المجوس؟
قال: لأنّهم تمجّسوا في السريانية و ادّعوا على آدم و على شيث بن آدم و هو هبة اللّه أنّهما أطلقا لهم نكاح الامّهات و الأخوات و البنات و الخالات و العمّات و المحرّمات من النساء، و أنهما أمراهم أن يصلّوا للشمس حيث وقفت في السماء، و لم يجعلا لصلاتهم وقتا، و إنّما هو افتراء على اللّه الكذب و على آدم و شيث عليهما السلام.
قال المفضّل: يا سيّدي فلم سمّي قوم موسى عليه السلام اليهود؟
قال عليه السلام: لقول اللّه عنهم: إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ (6)اي اهتدينا إليك.
ص:375
قال: فالنصارى؟
قال عليه السلام: لقول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اَللّهِ قالَ اَلْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اَللّهِ (1)فسمّوا النصارى لنصرة دين اللّه.
قال: يا سيّدي فلم سمّوا الصّابئون الصّابئين؟
قال: لأنّهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء و الرّسل و الملل و الشرائع، و قالوا: كلّما جاء به هؤلاء باطل، فجحدوا توحيد اللّه تعالى، و نبوّة الأنبياء، و رسالة الرسل، و وصية الأوصياء، و إنّهم بلا شريعة و لا كتاب و لا رسول و هم معطّلة العالم.
قال المفضل: سبحان اللّه فما أجل هذا من علم اللّه!
قال: نعم يا مفضّل فألقه إلى شيعتنا لئلا يشكّوا في الدّين.
قال المفضّل: يا سيّدي ففي أيّ بقعة يظهر المهدي عليه السلام؟ قال الصادق عليه السلام: لا تراه عين في وقت ظهوره الاّ رأته كلّ عين، فمن قال لكم غير هذا فكذّبوه.
قال المفضل: يا سيّدي و لا يرى وقت ولادته؟ قال: بلى و اللّه إنّه يرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاة أبيه سنتين و سبعة (2)أشهر أوّلها وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان ليال خلون من شعبان من سنة سبع (3)و خمسين و مائتين إلى يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأوّل من سنة ستين و مائتين، و هو يوم وفاة أبيه بالمدينة الّتي تبنى بشاطئ دجلة، يبنيها المتكبّر الجبّار المسمّى باسم جعفر الضالّ الملقّب بالمتوكّل (4)و هو المتأكّل لعنه اللّه، و هي مدينة تدعى
ص:376
بسرّمن رأى و هي ساء من رأى، فيراه المؤمن المحقّ و لا يراه المشكّك و المنكر المرتاب، و ينفذ فيها أمره و نهيه، و يغيب عنها و يظهر في القصر بصاريا بجانب المدينة في حرم جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيلقاه بالقصر من يسعده اللّه بالنظر إليه، ثمّ يغيب في المحرّم في آخر يوم من سنة سبعين و مائتين (1)و لا تراه عين واحدة حتى يراه كلّ عين 2.
قال المفضل: قلت: يا سيّدي فمن يخاطبه و لمن يخاطب؟ قال: تخاطبه الملائكة و المؤمنون من الجنّ و يخرج أمره و نهيه إلى ثقاته و ولاته و وكلائه و يقعد على بابه محمّد بن نصير النميريّ 3في يوم غيبته بصاريا 4ثمّ يظهر بمكة.
و و اللّه يا مفضل لكأنّي أنظر إليه و قد دخل مكّة، و عليه بردة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و على رأسه عمامة صفراء، و في رجليه نعلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المخصوفة، و في يده هراوته يسوق بين يديه أعنزا عجافا 5حتى يقبل 6بها نحو البيت و ليس
ص:377
من (1)احد يعرفه، و يظهر و هو شابّ.
قال المفضل: يا سيّدي يعود شابّا أو يظهر في شيبته؟
قال: سبحان اللّه يا مفضّل و هل يعرف ذلك؟ يظهر كيف شاء، و بأيّ صورة شاء إذا جاء الأمر من اللّه باسمه (2).
قال المفضّل يا سيّدي فمن يظهر معه و كيف ظهوره (3)؟
قال: يا مفضل يظهر وحده، و يأتي البيت وحده، و يلج الكعبة وحده، و يجنّ عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون و غسق الليل نزل جبرئيل و ميكائيل و الملائكة صفوفا فيقول له جبرائيل: مرّ يدك على وجهك فإنّ قولك مقبول و أمرك جائز، فيمسح يده على وجهه و يقول: اَلْحَمْدُ لِلّهِ اَلَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا اَلْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ اَلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ اَلْعامِلِينَ (4).
فيقف بين الرّكن و المقام، فيصرخ صرخة فيقول: معاشر نقبائي و أهل خاصّتي الّذين ذخرهم اللّه لظهوري على وجه الأرض ائتوني طائعين، فترد صيحته عليهم جميعهم و هم في محاريبهم، و على فرشهم، في شرق الأرض و غربها يسمعونها كصيحة واحدة في اذن رجل واحد يجيبون جميعهم فلا يصير إلاّ كلمح البصر (5)حتى يكونوا بين يديه بين الرّكن و المقام.
فيأمر اللّه عزّ و جلّ النور فيكون عمودا من الارض إلى السّماء فيستضيء به كلّ مؤمن على وجه الأرض، و يدخل عليه نوره (6)في كل أفق، فتفرح نفوس
ص:378
المؤمنين بذلك النّور، و هم يعلمون بظهور قائمنا عليه السلام أهل البيت، فتصبح بين يديه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا بعدّة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر.
قال المفضّل: قلت يا سيّدي و الاثنان و السّبعون رجلا أصحاب أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام يظهرون معهم؟
قال: يظهر منهم أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ عليهما السلام في اثني عشر الف صدّيق من شيعته (1)و عليه عمامة سوداء.
قال المفضّل: يا سيّدي فنفر القائم عليه السلام يبايعونه قبل قيامه (2)؟
قال: يا مفضّل كلّ بيعة قبل ظهور القائم عليه السلام فبيعة كفر و نفاق و خديعة، لعن اللّه المبايع بها و المبايع له بل يا مفضّل يسند القائم ظهره إلى البيت الحرام، فيمد يده المباركة فترى بيضاء من غير سوء، فيقول: هذه يد اللّه و يمين اللّه، ثم يتلو هذه الآية: إِنَّ اَلَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اَللّهَ يَدُ اَللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اَللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (3).
فيكون أوّل من يقبّل يده جبرائيل عليه السلام، ثمّ يبايعه فتبايعه الملائكة و نجباء الجنّ ثمّ النقباء، و يصبح الناس بمكة فيقولون: من هذا الرّجل الذي بجانب الكعبة؟ و ما هذا الخلق الّذي معه؟ و ما هذه الآية الّتي رأيناها معه في هذه الليلة و لم نر مثلها؟
ص:379
فيقول بعضهم لبعض: هذا الرجل هو صاحب العنيزات (1).
ثمّ يقول بعضهم لبعض: انظروا هل تعرفون أحدا ممّن معه؟
فيقولون: لا نعرف منهم إلاّ أربعة من مكة، و أربعة من أهل المدينة، و هم فلان و فلان يعرفونهم بأسمائهم و يكون هذا أوّل طلوع الشمس في ذلك اليوم، فإذا طلعت الشمس في ذلك اليوم و ابيضّت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربيّ مبين، فيسمع من في السموات و الأرضين: يا معاشر الخلائق هذا مهديّ آل محمّد و يسمّيه باسم جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يكنّيه بكنيته و ينسبه لأبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم أجمعين فاتّبعوه تهتدوا و لا تخلفوا (2)عنه فتضلّوا.
فأوّل من يلبّي (3)نداءه الملائكة، ثمّ الجن، ثمّ النقباء، فيقولون: سمعنا و أطعنا، و لا يبقى ذو أذن من الخلائق إلاّ سمع ذلك الصوت، و تقبل الخلائق من البلاد من البدو و الحضر و البرّ و البحر، يحدّث بعضهم بعضا، و يستفهم بعضهم بعضا ما سمعوه نهارهم كلّه، فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها: يا معشر الخلائق قد ظهر ربكم بوادي اليابس من أرض فلسطين، و هو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فاتّبعوه و لا تخالفوا عنه فتضلّوا، فتردّ الملائكة و الجنّ و النقباء عليه قوله، و يكذّبونه، و يقولون له: سمعنا و عصينا، و لا يبقى ذو شك، و لا مرتاب و لا منافق و لا كافر إلاّ
ص:380
ضلّ بالنداء الثّاني.
و يسند القائم عليه السلام ظهره إلى الكعبة فيقول: يا معاشر الخلائق ألا من أراد أن ينظر إلى آدم و شيث فها أنا ذا آدم و شيث، الا و من أراد أن ينظر إلى نوح و ولده سام فها أنا ذا نوح و سام، ألا و من أراد أن ينظر إلى إبراهيم و إسماعيل فها أنا ذا إبراهيم و إسماعيل، ألا و من أراد أن ينظر إلى موسى و يوشع، فها أنا ذا موسى و يوشع، ألا و من أراد أن ينظر إلى عيسى و شمعون فها أنا ذا عيسى و شمعون، ألا و من أراد أن ينظر إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فها أنا ذا، ألا و من أراد أن ينظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فها أنا ذا، ألا و من أراد أن ينظر إلى الحسن بن عليّ عليه السلام فها أنا ذا الحسن بن علي، الا و من أراد أن ينظر إلى الحسين بن علي عليه السلام فها أنا ذا الحسين بن عليّ، ألا و من أراد أن ينظر إلى الائمة من ولد الحسين عليهم السلام فها أنا ذا، و يعدّ واحدا بعد واحد إلى الحسن عليه السلام فها أنا ذا هم، فلينظر إليّ و يسألني أنبأ بما أنبئوا به و بما لم ينبأ به.
ألا و من كان يقرأ الكتب و الصحف فليسمع منّي، ثمّ يبتدئ بالصحف الّتي أنزلها اللّه تعالى على آدم و شيث فيقرؤها فتقول أمّة آدم و شيث: هذه و اللّه هي الصحف و لقد قرأها ما لم نعلمه منها (1)و ما كان خفي عنّا و ما كان اسقط منها و بدّل و حرّف، و يقرأ صحف نوح، و صحف إبراهيم، و التوراة و الإنجيل و الزبور، فيقول أهل التوراة و أهل الإنجيل و أهل الزبور: هذه و اللّه صحف نوح و صحف ابراهيم حقّا و ما أسقط منها و ما بدّل و حرّف منها، هذه و اللّه التوراة الجامعة، و الزبور التامّ، و الإنجيل الكامل، و إنّها أضعاف ما قرأنا منها.
ص:381
ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون: هذا و اللّه القرآن حقا الّذي أنزله اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما أسقط منه و بدّل و حرّف لعن اللّه من أسقطه و بدّله و حرّفه.
ثمّ تظهر الدابّة بين الرّكن و المقام، فتكتب على وجه المؤمن مؤمن حقّا و في وجه الكافر كافر، ثمّ يقبل على القائم عليه السلام رجل وجهه إلى قفاه و قفاه (1)إلى صدره فيقف بين يديه، فيقول: يا سيّدي أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن الحق بك و أبشّرك بهلاك سرايا (2)السفياني بالبيداء، فيقول له القائم عليه السلام: بيّن قصّتك و قصة أخيك، فيقول الرجل: كنت و أخي في جيش السفياني فخربنا الدّنيا من دمشق إلى الزّوراء و تركناها جمّاء (3)و خربنا الكوفة و خربنا المدينة (4)و كسرنا المنبر، وراثت بغالنا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخرجنا منها و عددنا ثلاثمائة ألف رجل، نريد مكّة لخراب البيت و قتل أهله، فلمّا صرنا بالبيداء عرّسنا بها، فصاح بنا صائح يا بيداء أبيدي القوم الظالمين، فانفجرت الأرض و ابتلعت ذلك الجيش، فو اللّه ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة فما سواه غيري و غير أخي.
فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما ترى، و قال لاخي: ويحك يا نذير أنذر (5)الملعون بدمشق بظهور مهدي آل محمّد و أنّ اللّه
ص:382
قد أهلك جيشه بالبيداء و قال لي: يا بشير الحق بالمهديّ بمكة، و بشّره بهلاك الظّالمين و تب على يده، فإنّه يقبل توبتك فيمرّ القائم عليه السلام يده على وجهه فيردّه سويّا كما كان، و يبايعه و يكون معه.
قال المفضّل: يا سيّدي و تظهر الملائكة و الجنّ للناس؟
قال: إي و اللّه يا مفضّل و يخالطونهم كما يكون الرّجل مع حاشيته و أهله.
قلت: يا سيّدي و يسيرون معه؟
قال: إي و اللّه يا مفضّل، و لينزلنّ أرض الهجرة ما بين الكوفة و النّحف و عدد أصحابه عليه السلام حينئذ ستة و أربعون ألف من الملائكة و ستة آلاف من الجنّ ينصره اللّه و يفتح على يده.
قال المفضّل: يا سيّدي فما ذا يصنع بأهل مكة؟
قال: يدعوهم بالحكمة و الموعظة الحسنة فيطيعونه و يستخلف عليهم رجلا من أهل بيته و يخرج يريد المدينة.
قال المفضّل: يا سيّدي فما ذا يصنع بالبيت؟
قال: ينقضه فلا يدع منه إلاّ القواعد التي هي أوّل بيت وضع للناس ببكة على عهد آدم عليه السلام و الّذي رفعه إبراهيم و إسماعيل منها، و انّ الّذي بني بعدهما لم يبنه نبيّ و لا وصيّ نبيّ، ثمّ يبنيه كما يشاء اللّه، و ليعفينّ آثار الظالمين بمكّة و المدينة و العراق و سائر الأقاليم، و ليهد من مسجد الكوفة و ليبنينّه على بنيانه الأول، و ليهد منّ القصر العتيق، ملعون ملعون من بناه.
قال المفضّل: يا سيّدي فيقيم بمكة؟
قال: لا يا مفضّل بل يستخلف فيها رجلا من أهله، فاذا سار منها وثبوا
ص:383
عليه فيقتلونه، فيرجع إليهم فيأتونه مطيعين مهطعين مقنعي رءوسهم يبكون و يتضرّعون و يقولون: يا مهديّ آل محمّد التوبة التوبة فيعظهم و ينذرهم و يحذّرهم، ثمّ يستخلف عليهم منهم خليفة و يسير، فيثبون عليه بعده فيقتلونه، فيرجع إليهم فيخرجون محززين النواصي، يصيحون و يبكون و يقولون: يا مهديّ آل محمّد غلبت علينا شقوتنا فارحم توثّبنا و ارحم جيران بيت ربك فيعظهم و ينذرهم و يحذّرهم و يستخلف عليهم منهم خليفة و يسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيردّ إليهم أنصاره من الجنّ و النقباء و يقول لهم: ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا إلاّ من وسم في وجهه بالإيمان فلو لا أنّ رحمة ربّكم وسعت كلّ شيء و أنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم، فقد قطعوا الأعذار بينهم و بين اللّه، و بيني و بينهم، فيرجعون إليهم فو اللّه لا يسلم من المائة منهم إلاّ الواحد لا و اللّه و لا من الألف الا واحد (1).
قال المفضّل: قلت: يا سيّدي و أين يكون دار المهدي عليه السلام و مجتمع المؤمنين؟
قال: دار ملكه الكوفة، و مجلس حكمه جامعها، و بيت ماله و مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، و موضع خلواته الذكوات البيض من الغريّين.
قال المفضّل: يا مولاي و كلّ المؤمنين يكونون بالكوفة؟
قال: إي و اللّه لا يبقى مؤمن إلاّ كان بها أو حواليها و ليبلغنّ مربط الشاة ألفي درهم (2)و ليودّنّ كثير من الناس أنّهم اشتروا شبرا من أرض السبيع بشبر من ذهب، و السبيع خطة من خطط همدان، و ليصيرنّ الكوفة أربعة و خمسين ميلا و ليجاورنّ قصورها كربلاء و ليصيّرنّ اللّه كربلاء معقلا و مقاما تعكف فيه
ص:384
الملائكة (1)و المؤمنون، و ليكوننّ لها شأن من الشأن و ليكوننّ فيها من البركات ما لو وقف فيه مؤمن فدعا ربه لاعطي (2)بدعوة واحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة.
ثمّ تنفّس أبو عبد اللّه عليه السلام و قال: يا مفضّل إنّ بقاع الأرض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فأوحى اللّه إليها أن اسكتي كعبة البيت الحرام، و لا تفخري عليها فإنّها البقعة المباركة التي نودي منها موسى من الشجرة، و إنّها الربوة التي أوت إليها مريم و المسيح و أنّها الدالية (3)التي غسل فيها رأس الحسين عليه السلام، و فيها غسلت مريم عيسى عليه السلام، و اغتسلت لولادتها، فإنّها خير بقعة عرج منها رسول اللّه عيسى عليه السلام من وقت غيبته، و ليكونن لشيعتنا فيها خيرة إلى ظهور قائمنا عليه السلام.
قال المفضّل: يا سيّدي ثم يسير المهدي عليه السلام إلى أين؟
قال: إلى مدينة جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا وردها كان لها بها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين و خزي الكافرين.
ثمّ يسير المهدي عليه السلام إلى الكوفة و ينزل ما بين الكوفة و النجف و عدد أصحابه في ذلك اليوم ستة و أربعون ألفا من الملائكة و ستة آلاف من الجن، و النقباء ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا.
قال المفضّل: يا سيّدي و كيف يكون دار الفاسقين الزّوراء في ذلك الوقت.
قال: في لعنة اللّه و سخطه و بطشه تخربها الفتن و تتركها جمّاء، فالويل لها
ص:385
و لمن بها كلّ الويل من الرّايات الصفر و من رايات المغرب، و من كلب (1)الجزيرة و من الرّايات التي تسير إليها من كلّ قريب أو بعيد، و اللّه لينزلنّ بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الامم المتمرّدة من أول الدهر إلى آخره ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا يكون طوفان أهلها إلاّ بالسيف فالويل عند ذلك لمن اتّخذها مسكنا، فإنّ المقيم بها يبقى لشقاء و الخارج منها برحمة اللّه.
يا مفضّل ليصيرنّ أمرها في الدّنيا حتّى ليقال: إنّها هي الدنيا، و إنّ دورها و قصورها هي الجنّة و إنّ نساءها هنّ الحور العين، و إنّ ولدانها هم الولدان، و ليظنّ الناس أنّ اللّه لم يقسم رزق العباد إلاّ بها، و ليظهرنّ فيها من الافتراء على اللّه و على رسوله و الحكم بغير كتابه و شهادات الزور و شرب الخمور و ركوب الفسوق و أكل السحت و سفك الدماء ما لا يكون في الدنيا كلّها إلاّ دونه، ثمّ ليخربها اللّه تعالى بتلك الفتن و الرّايات حتى ليمرنّ عليها المارّ فيقول: هاهنا كانت الزوراء.
ثمّ يخرج الحسني الفتى الصبيح الّذي من نحو الديلم يصيح بصوت له فصيح يا آل أحمد أجيبوا الملهوف، و المنادي من حول الضريح، فيجيبه كنوز اللّه بالطالقان كنوز، و أيّ كنوز، ليست من فضّة و لا من ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد على البرازين الشهب بأيديهم الحراب، و لم تزل تقتل الظلمة حتى ترد الكوفة و قد صفا أكثر الأرض فيجعلها له معقلا.
فيتّصل به و بأصحابه خبر المهدي عليه السلام فيقولون: يا ابن رسول اللّه من هذا الّذي قد نزل بساحتنا؟
فيقول: اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو و ما يريد و هو و اللّه يعلم أنّه
ص:386
المهدي عليه السلام و إنّه ليعرفه و إنّه لم يرد بذلك الأمر إلاّ ليعرف أصحابه من هو.
فيخرج الحسني في أمر عظيم، بين يديه أربعون ألف رجل في أعناقهم المصاحف حتى ينزل بالقرب من المهدي عليه السلام ثمّ يقول لأصحابه: إنّا نحن أهل بيت على هدى، ثمّ يخرج من معسكره و يخرج المهديّ عليه السلام و يقفان بين العسكرين فيقول له الحسني: إن كنت مهديّ آل محمد فأين هراوة جدك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و خاتمه، و بردته، و درعه الفاضل، و عمامته السحاب، و فرسه اليربوع، و ناقته العضباء، و بغلته الدلدل، و حماره اليعفور، و نجيبه البراق، و مصحف أمير المؤمنين عليه السلام فيخرج له جميع ذلك.
ثمّ يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد فتورق، و لم يرد بذلك إلاّ أن يري أصحابه فضل المهدي عليه السلام حتّى يبايعونه.
فيقول الحسني: اللّه اكبر مدّ يدك يا ابن رسول اللّه حتى أبايعك فيمدّ يده فيبايعه و سائر العسكر مع الحسني إلاّ أربعين ألف أصحاب المصاحف المعروفون بالزّيدية فإنهم يقولون: ما هذا إلاّ سحر مبين عظيم.
فيختلط العسكران و يقبل المهدي عليه السلام على الطائفة المنحرفة فيعظهم فيدعوهم ثلاثة أيّام؛ فلا يزدادون إلاّ طغيانا و كفرا، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا فيقول لأصحابه: لا تأخذوا المصاحف و دعوها تكون عليهم حسرة كما بدّلوها و غيّروها و حرّفوها و لم يعملوا بما فيها.
قال المفضّل: يا مولاي ثمّ ما ذا يصنع المهدي عليه السلام؟
قال: يثوّر سراياه على السّفياني إلى دمشق فيأخذونه فيذبحونه على الصخرة.
ثمّ يظهر الحسين عليه السلام في اثني عشر ألف صدّيق و اثنين و سبعين
ص:387
رجلا من أصحابه يوم كربلاء فيا لك عندها من كرّة زهراء و رجعة بيضاء.
ثمّ يخرج الصدّيق الأكبر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام و تنصب له القبّة بالنجف و تقام أركانها: ركن بالنجف، و ركن بهجر، و ركن بصنعاء اليمن، و ركن بأرض طيبة، و لكأني أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء و الأرض، كأضوإ من الشمس و القمر، فعندها تبلى السّرائر، تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ (1)الآية.
ثمّ يخرج السيّد الأكبر محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أنصاره و المهاجرين، و من آمن به و صدقه و استشهد معه، و يحضر مكذّبوه و الشاكّون فيه، و الرادّون عليه، و القائلون فيه: إنّه ساحر و كاهن و مجنون، و ناطق عن هوى، و من حاربه و قاتله فيقتصّ منهم بالحقّ، فيجازون بأفعالهم منذ وقت ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى ظهور المهدي عليه السلام مع إمام إمام، و وقت و وقت، و هو تأويل هذه الآية وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (2).
قال المفضّل: يا سيّدي رسول اللّه و أمير المؤمنين عليهما السلام يكونان معه؟
فقال: و لا بدّ أن يطأ الأرض إي و اللّه حتّى ما وراء الخاف (3)، إي و اللّه و ما في الظّلمات و ما في قعر البحار، حتّى لا يبقى موضع قدم إلاّ وطأه، و أقاما فيه
ص:388
الدّين الواجب للّه تعالى، لكأنّي أنظر إلينا معاشر الأئمّة بين يدي جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نشكوا إليه ما نزل بنا من الامّة بعده، و ما نالنا من التّكذيب لنا و الردّ علينا و سبّنا و لعننا و تخويفنا بالقتل، و قصد طواغيتهم الولاة لامورهم إيّانا من دون الامّة بترحيلنا عن حرم جدّنا إلى دار ملكهم، و قتلهم إيّانا بالسمّ و الحبس، فيبكي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يقول: يا بنيّ ما نزل بكم إلاّ ما نزل بجدّكم قبلكم.
ثم تبتدئ فاطمة عليها السلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر، و أخذ فدك منها و مشيتها إليه في مجمع من المهاجرين و الأنصار و خطابها له في أمر فدك، و ما ردّ عليها من قوله: إنّ الأنبياء لا تورّث، و احتجاجها بقول زكريا و يحيى و قصّة داود و سليمان عليهما السلام، و قول عمر: هاتي صحيفتك الّتي ذكرت أنّ أباك كتبها لك و إخراجها الصحيفة، و أخذ عمر إيّاها و نشرها على رءوس الأشهاد من قريش و المهاجرين و الأنصار و سائر العرب، و تفله فيها، و تمزيقه إيّاها و بكائها و رجوعها إلى قبر أبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باكية حزينة تمشي على الرّمضاء قد أقلقتها، و استغاثتها باللّه و بأبيها و تمثّلها بقول رقيّة بنت (1)صيفي.
قد كان بعدك أنباء و هنبثة (2) لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها (3) و اختلّ قومك فاشهدهم فقد لعبوا
ص:389
أبدت رجال لنا فحوى صدورهم لما نأيت و حالت دونك الترب (1)
و كل قوم لهم قرب و منزلة عند الإله على الأدنين مقترب
قد كان جبريل بالآيات يونسنا و غاب عنّا و لا كلّ الخير محتجب
تهضّمتنا (2)رجال و استخفّ بنا لمّا مضت و حالت بيننا الكتب
يا سيّدي يا رسول اللّه لو نظرت عيناك ما فعلت في آلك الصحب (3)
يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا أملوا (4)اناس ففازوا بالّذي طلبوا
و تقصّ عليه قصّة أبي بكر و إنفاذه خالد بن الوليد، و قنفذ، و عمر بن الخطاب و جمع الناس لإخراج أمير المؤمنين عليه السلام من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة و اشتغال أمير المؤمنين بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بجمع القرآن (5)، و قضاء دينه، و إنجاز عداته، و هي ثمانون ألف درهم، باع فيها تليده (6)و طارفه، و قضاها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قول عمر اخرج يا عليّ إلى ما أجمع عليه المسلمون و إلاّ قتلناك، و قول فضة جارية فاطمة عليها السلام: إنّ أمير المؤمنين مشغول، و الحقّ له إن أنصفتم من أنفسكم و أنصفتموه، و جمع الحطب و الجزل (7)على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أمّ كلثوم و فضة عليهم
ص:390
السلام، و إضرامهم النّار على الباب و خروج فاطمة عليها السلام إليهم و خطابها من وراء الباب.
و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على اللّه و على رسوله؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا و بقيّته و تطفئ نور اللّه و اللّه متمّ نوره، و انتهاره لها، و قوله لها: يا فاطمة كفّي فليس محمّد حاضرا و لا الملائكة تأتيه بالأمر و النهي و الوحي من عند اللّه، و ما عليّ إلاّ كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا.
فقالت: و هي باكية: اللّهمّ إليك نشكوا فقد نبيّك و رسولك و صفيّك و ارتداد امّته علينا، و منعهم إيّانا حقنا الّذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل.
فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء، فلم يكن اللّه ليجمع لكم النبوة و الخلافة فأخذت النار في خشب الباب، و أدخل قنفذ لعنه اللّه يده يروم فتح الباب، و ضرب عمر لها بالسّوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله (1)حتى أصاب الباب بطنها، و هي حامل بمحسن لستة أشهر و إسقاطها إيّاه.
و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و سفقه (2)خدّها حتى بدا قرطها تحت خمارها، و هي تجهر بالبكاء و تقول: يا أبتاه يا رسول اللّه ابنتك فاطمة تكذّب و تضرب و يقتل جنين في بطنها.
و خروج أمير المؤمنين عليه السلام من داخل الدار محمّر العينين حاسرا، حتى ألقى ملاءته عليها، و ضمّها إلى صدره، و قال لها: يا بنت رسول اللّه قد
ص:391
علمت أنّ اللّه قد بعث أباك رحمة للعالمين، فاللّه اللّه لا تكشفي خمارك، و لا ترفعي ناصيتك، فو اللّه يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى اللّه على الأرض من يشهد أنّ محمدا رسول اللّه و لا موسى و لا عيسى و لا إبراهيم و لا نوح و لا آدم و لا دابّة تمشي على وجه الأرض و لا طائرا في السماء إلاّ أهلكه اللّه.
ثم قال: يا ابن الخطاب لك الويل من يومك هذا و ما بعده و ما يليه اخرج قبل أن اشهر سيفي فأفني غابر الامة، فخرج عمر، و خالد بن الوليد، و قنفذ، و عبد الرحمن بن أبي بكر، فصاروا من خارج الدّار، و صاح أمير المؤمنين عليه السلام بفضة: يا فضّة إليك مولاتك فأقبلي منها ما تقبل النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة (1)و ردّ الباب، فأسقطت محسنا عليه السلام فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فإنّه لاحق بجدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيشكو إليه، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام لها في سواد الليل و الحسن و الحسين و زينب و أمّ كلثوم إلى دور المهاجرين و الأنصار يذكّرهم باللّه و رسوله و عهده الّذي بايعوا اللّه و رسوله و بايعوه عليه في أربعة مواطن في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها، و كلّ يعده بالنصرة في يومه المقبل، فاذا أصبح قعد جميعهم عنه، ثمّ يشكو إليه أمير المؤمنين المحن السبعة الّتي امتحن بها بعده.
و قوله له: لقد كانت قصّتي مثل قصّة هارون مع بني إسرائيل، و قولي كقوله لموسى اِبْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ اَلْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ اَلْقَوْمِ اَلظّالِمِينَ (2)فصبرت محتسبا، و سلّمت راضيا، و كانت الحجة عليهم في خلافي، و نقضهم عهدي الّذي عاهدتهم عليه يا
ص:392
رسول اللّه، و احتملت يا رسول اللّه ما لم يحتمل وصيّ نبي من سائر الأوصياء من سائر الامم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم، و كان اللّه الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي.
و خروج طلحة و الزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحجّ و العمرة و سيرهم بها إلى البصرة، و خروجي إليهم و تذكيري لهم اللّه و إيّاك، يا رسول اللّه و ما جئت به فلم يرجعا حتى نصرني اللّه عليهما، حتى اهرقت دماء عشرين ألفا من المسلمين و قطعت سبعون كفّا على زمام الجمل، فما لقيت في غزواتك يا رسول اللّه و بعدك أصعب منه يوما أبدا، لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها، و أهولها و أعظمها فصبرت كما أدّبني اللّه بما أدّبك اللّه به يا رسول اللّه في قوله عزّ و جلّ: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا اَلْعَزْمِ مِنَ اَلرُّسُلِ (1)و قوله:
وَ اِصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ (2)و حقّ و اللّه يا رسول اللّه تأويل الآية الّتي أنزلها اللّه في الأئمّة من بعدك في قوله: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللّهُ اَلشّاكِرِينَ (3).
يا مفضّل و يقوم الحسن عليه السلام إلى جده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول: يا جداه كنت مع أبي في دار هجرته بالكوفة حين استشهد بضربة عبد الرّحمن بن ملجم لعنه اللّه فوصّاني بما وصيّته به يا جدّاه، و بلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدّعي اللّعين زيادا (4)إلى الكوفة في مائة ألف
ص:393
و خمسين ألف مقابل فأمر بالقبض عليّ و على أخي الحسين و سائر إخوتي و أهل بيتي، و شيعتنا و موالينا، و أن يأخذ علينا البيعة لمعاوية فمن يأبى منّا ضرب عنقه و سيّر إلى معاوية برأسه.
فلمّا علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري و دخلت جامع الكوفة الصلاة و رقيت المنبر، فاجتمع النّاس فحمدت اللّه تعالى و أثنيت عليه، و قلت: معاشر النّاس عفيت الدّيار، و محيت الآثار، و قلّ الاصطبار، و لا قرار على همزات الشياطين و حكم الخائنين، الساعة و اللّه صحّت البراهين، و فصّلت الآيات، و بانت المشكلات، و لقد كنّا نتوقّع تمام هذه الآية بتأويلها قال اللّه عزّ و جل: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللّهُ اَلشّاكِرِينَ (1)فقد مات جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قتل أبي عليه السلام و صاح الوسواس الخنّاس، و نعق ناعق الفتنة، و خالفتم السنّة، فيا لها من فتنة عمياء صمّاء لا يسمع لداعيها و لا يجاب مناديها، و لا يخالف واليها، ظهرت كلمة النفاق، و سيّرت رايات أهل الشقاق، و تكالبت جيوش المراق من الشّام إلى العراق هلمّوا رحمكم اللّه إلى الافتتاح، و النور الوضّاح، و العلم الجحجاح و النّور الّذي لا يطفى، و الحقّ الذي لا يخفى، أيّها الناس تيقّظوا من رقدة الغفلة، و من تكاثف الظلمة، فو الّذي فلق الحبّة و برئ النسمة، و تردّى بالعظمة، لئن قام إليّ منكم عصبة بقلوب صافية و نيات مخلصة، لا يكون فيها
ص:394
شوب نفاق، و لا نيّة افتراق لأجاهدنّ بالسيف قدما قدما، و لأضيّقنّ من السيوف جوانبها، و من الرماح أطرافها، و من الخيل سنابكها.
فتكلّموا رحمكم اللّه فكأنّما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة، إلاّ عشرون رجلا فإنّهم قاموا إليّ فقالوا: يا ابن رسول اللّه ما نملك إلاّ أنفسنا و سيوفنا، فها نحن بين يديك لأمرك طائعون، و عن رأيك صادرون، فمرنا بما شئت فنظرت يمنة و يسرة فلم أر أحدا غيرهم.
فقلت: لي أسوة بجدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين عبد اللّه سرا، و هو يومئذ في تسعة و ثلاثين رجلا فلمّا أكمل اللّه له الأربعين صار في عدّة، و أظهر أمر اللّه فلو كان معي عدّتهم جاهدت في اللّه حق جهاده.
ثمّ رفعت رأسي نحو السماء فقلت: اللّهمّ إنّي دعوت و أنذرت، و أمرت و نهيت فكانوا عن إجابة الداعي غافلين، و عن نصرته قاعدين، و عن طاعته مقصّرين، و لأعدائه ناصرين، اللّهمّ أنزل عليهم بأسك و رجزك و عذابك، الّذي لا يردّ عن القوم الظالمين.
و نزلت ثمّ خرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة، فجاءوني يقولون: إنّ معاوية قد أسرى سراياه إلى الأنبار و الكوفة، و شنّ غاراته على المسلمين، و قتل منهم من لم يقاتله، و قتل منهم النّساء و الأطفال، فأعلمتهم أنّه لا وفاء لهم، فأنفذت معهم رجالا و جيوشا و عرّفتهم أنّهم يستجيبون لمعاوية، و ينقضون عهدي و بيعتي، فلم يكن إلاّ ما قلت لهم و أخبرتهم به.
ثمّ يقوم الحسين عليه السلام مخضّبا بدمائه هو و جميع من قتل معه، فإذا رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بكى و أبكى أهل السموات و الأرضين لبكائه و تصرخ فاطمة صلوات اللّه عليها فتزلزل الأرض و من عليها، و يقف أمير المؤمنين و الحسن عليهما السلام عن يمينه و فاطمة عن شماله، و يقبل الحسين
ص:395
عليه السلام فيضمّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى صدره و يقول: يا حسين فديتك قرّت عينك و عيناي فيك، و عن يمين الحسين عليه السلام حمزة أسد اللّه في أرضه، و عن شماله جعفر بن أبي طالب الطيّار، و يأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين عليه السلام و هنّ صارخات و امّه فاطمة تقول: هذا يَوْمُكُمُ اَلَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (1)اليوم تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (2).
قال: و بكى الصّادق عليه السلام حتّى اخضلّت لحيته بالدّموع ثمّ قال لا رقأت (3)عين لا تبكي عند هذا الذّكر.
ثم قال المفضّل: ما تقول يا مولاي في قوله تعالى: وَ إِذَا اَلْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (4)؟
قال: يا مفضّل الموؤدة و اللّه محسن، لأنّه منّا لا غير، فمن قال غير هذه فكذّبوه.
قال المفضّل ثمّ ما ذا؟
قال الصّادق عليه السلام: ثمّ تقوم فاطمة عليها السلام فتقول: اللّهمّ انجز وعدك و موعدك لي فيمن ظلمني و غصبني و ضربني و جرّعني ثكل أولادي، فتبكيها ملائكة السّماوات، و حملة العرش، و سكّان الهواء، و من في الدّنيا و في أطباق الثرى صائحين صارخين إلى اللّه تعالى فلا يبقى أحد ممّن قتلنا و ظلمنا
ص:396
و رضي بما جرى علينا إلاّ قتل في ذلك اليوم ألف قتلة، دون (1)من قتل في سبيل اللّه فإنّه لا يذوق الموت و هو كما قال اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (2).
قال المفضّل: يا مولاي فإنّ من شيعتكم من لا يقول برجعتكم؟
قال عليه السلام: أ ما سمعوا قول جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ و نحن سائر الأئمّة نقول: وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ اَلْعَذابِ اَلْأَدْنى دُونَ اَلْعَذابِ اَلْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (3).
قال المفضّل: يا مولاي فما العذاب الأدنى و ما العذاب الأكبر.
قال الصادق عليه السلام: العذاب الأدنى و عذاب الرّجعة و عذاب الأكبر عذاب يوم القيامة الّذي فيه تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ اَلْواحِدِ اَلْقَهّارِ (4).
قال المفضّل يا مولاي فأمانتكم باللّه عند شيعتكم، و نحن نعلم أنّكم اختيار اللّه في قوله تعالى: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ (5)و قوله: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (6)و قوله: إِنَّ اَللّهَ اِصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ
ص:397
وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى اَلْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).
قال الصّادق عليه السلام: يا مفضّل فأين نحن في هذه الآية؟
قال المفضّل: قول اللّه إِنَّ أَوْلَى اَلنّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللّهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ (2)و قوله: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ (3)و قد علمنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما عبدا صنما و لا وثنا و لا أشركا باللّه طرفة عين و قوله: وَ إِذِ اِبْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي اَلظّالِمِينَ (4)و العهد عهد الإمامة لا يناله ظالم.
قال يا مفضّل و ما علمك بأنّ الظالم لا ينال عهد الإمامة؟
قال المفضّل: يا مولاي لا تمتحنّي بما لا طاقة لي به، و لا تختبرني و لا تبتلني فمن علمكم علمت، و من فضل اللّه عليكم أخذت.
قال الصادق عليه السلام: صدقت يا مفضّل و لو لا اعترافك بنعمة اللّه عليك في ذلك لما كنت هكذا، فأين يا مفضّل الآيات من القرآن في أنّ الكافر ظالم؟
قال: نعم يا مولاي قوله تعالى: وَ اَلْكافِرُونَ هُمُ اَلظّالِمُونَ (5)، «و الكافرون هم الفاسقون» 6و من كفر و فسق و ظلم لا يجعله اللّه للنّاس إماما.
ص:398
قال الصادق عليه السلام: أحسنت يا مفضل فمن أين قلت برجعتنا؟ و مقصّرة شيعتنا تقول: معنى الرجعة أن يردّ اللّه علينا ملك الدنيا يجعله للمهدي عليه السلام و يحهم متى سلبنا الملك حتى يردّ علينا؟
قال المفضّل: و اللّه ما سلبتموه و لا تسلبونه لأنّه ملك الرسالة و النبوّة و الوصيّة و الإمامة.
قال الصادق عليه السلام: يا مفضّل لو تدبّروا القرآن شيعتنا لما شكّوا في فضلنا، أما سمعوا قوله عزّ و جلّ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ، وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ 1و اللّه يا مفضّل إن تنزيل هذه الآية في بني اسرائيل و تأويلها فينا، و إن فرعون و هامان و جنودهما تيم وعدي.
ثم يقوم جدّي عليّ بن الحسين و أبي الباقر عليهما السلام فيشكوان إلى جدّهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل بهما، ثمّ أقوم أنا فأشكو إلى جدّي رسول اللّه ما فعل المنصور بي، ثم يقوم ابني موسى فيشكو الى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما فعل به الرّشيد، ثمّ يقوم عليّ بن موسى فيشكو إلى جدّه رسول اللّه ما فعل به المأمون، ثمّ يقوم محمّد بن علي فيشكو إلى جدّه رسول اللّه ما فعل به المعتصم 2، ثمّ يقوم الحسن بن علي فيشكو إلى جده رسول اللّه ما فعل به المعتزّ.
ثمّ يقوم المهدي سميّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليه
ص:399
قميص رسول اللّه مضرجا بدم رسول اللّه يوم شجّ رأسه و جبينه و كسرت رباعيته، و الملائكة تحفّه حتى يقف بين يدي جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول يا جدّاه نصصت علي و دللت، و نسبتني، و سمّيتني و كنّيتني، فجحدتني الامّة و تمرّدت و قالت: ما ولد، و لا كان، و أين هو و متى كان؟ و أين يكون؟ و قد مات و لم يعقّب، و لو كان صحيحا ما أخّره اللّه إلى هذا الوقت المعلوم، فصبرت محتسبا و قد أمر اللّه بأمره فيها يا جدّاه.
فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اَلْحَمْدُ لِلّهِ اَلَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا اَلْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ اَلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ اَلْعامِلِينَ (1).
و يقول: قد جاءَ نَصْرُ اَللّهِ وَ اَلْفَتْحُ (2)و حقّ قول اللّه تعالى: هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (3)و يقرأ إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اَللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَ يَنْصُرَكَ اَللّهُ نَصْراً عَزِيزاً (4).
فقال المفضّل: يا مولاي أيّ ذنب كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال الصّادق عليه السلام: يا مفضّل إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: اللهمّ حمّلني ذنوب شيعة أخي و أولادي الأوصياء ما تقدّم منها و ما تأخّر إلى يوم القيامة، و لا تفضحني بين النبيّين و المرسلين في شيعتنا فحمّله اللّه إيّاها و غفر جميعها.
ص:400
قال المفضّل: فبكيت بكاء طويلا و قلت: يا سيّدي هذا بفضل اللّه علينا فيكم.
قال الصادق عليه السلام: يا مفضّل ما هو إلاّ أنت و أمثالك، بلى يا مفضّل لا تحدّث بهذا الحديث أصحاب الرّخص من شيعتنا، فيتّكلون على هذا الفضل، و يتركون العمل فلا يغني عنهم من اللّه شيئا كما قال اللّه تعالى: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ اِرْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (1).
قال المفضّل: يا مولاي قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ظهر على الدين كلّه قال: يا مفضّل لو كان رسول اللّه ظهر على الدّين كلّه ما كانت مجوسيّة و لا نصرانية و لا يهودية و لا صابئية و لا رقة و لا خلاف و لا شكّ و لا شرك، و لا عبدة أصنام، و لا أوثان، و لا اللاّت و العزى، و لا عبدة الشمس و لا القمر و لا النجوم و لا النّار و لا الحجارة، و إنّما قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ في هذا اليوم و هذا المهدي و هذه الرجعة و هو قوله: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (2). (3)
ص:401
ص:402
في أن القائم عليه السلام يقتل قتلة الحسين عليه السلام
و ذراريهم لرضاهم بفعال آبائهم
1-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق، و محمّد بن محمّد بن عصام رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال:
حدّثنا القاسم بن العلاء، قال: حدّثنا إسماعيل الفزاري، قال: حدّثنا محمّد بن جمهور العمي، عن ابن أبي نجران، عمّن ذكره عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام قلت: يا ابن رسول اللّه لم سمّي عليّ عليه السلام أمير المؤمنين، و هو اسم ما سمّي به أحد قبله و لا يحلّ في (1)أحد بعده؟ فقال: لأنّه ميرة (2)العلم يمتار منه، و لا يمتار من أحد غيره قال فقلت: يا ابن رسول اللّه فلم سمّي سيفه ذا الفقار؟ فقال عليه السلام: لأنّه ما ضرب به أحد من خلق اللّه إلاّ أفقره هذه الدنيا من أهله و ولده، و أفقره في الآخرة من الجنّة، قال: فقلت: يا ابن رسول اللّه فلستم كلّكم بالحق؟ قال: بلى، قلت: فلم سمي القائم قائما؟ قال: لمّا قتل جدي الحسين عليه السلام ضجّت عليه الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و النحيب و قالوا: إلهنا و سيّدنا انتقم ممّن قتل صفوتك و ابن صفوتك و خيرتك من خلقك فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليهم قرّوا ملائكتي فو عزّتي و جلالي لأنتقمنّ منهم و لو بعد حين، ثمّ كشف اللّه عزّ و جلّ عن الائمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة فسرّت الملائكة
ص:403
بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلّي فقال اللّه عزّ و جلّ: بذلك أنتقم منهم. (1)
2-ابو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، قال: حدّثني محمّد بن الحسن ابن أحمد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن محمّد ابن سنان، عن رجل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله تعالى: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (2)قال: ذلك قائم آل محمّد عليهم السلام يخرج فيقتل بدم الحسين عليه السلام فلو قتل أهل الارض لم يكن مسرفا، و قوله: فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ أي لم يكن ليصنع شيئا فيكون مسرفا، ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام يقتل و اللّه ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها. (3)
3-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السّلام بن صالح، قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرّضا: يا ابن رسول اللّه ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: إذا قام القائم عليه السلام قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها؟ فقال عليه السلام: هو كذلك، قلت: فقول اللّه عزّ و جلّ:
وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (4)ما معناه؟ فقال: صدق اللّه في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين عليه السلام يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها، و من رضي شيئا كمن أتاه، و لو أنّ رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في
ص:404
المغرب لكان الراضي عند اللّه عزّ و جلّ شريك القاتل، و إنّما يقتلهم القائم عليه السلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم، قال: فقلت له: بأيّ شيء يبدأ القائم فيهم؟ قال: يبدأ ببني شيبة و يقطع أيديهم لأنّهم سرّاق بيت اللّه الحرام (1).
4-العياشي في تفسيره باسناده عن سلام (2)بن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (3)قال: هو الحسين بن عليّ عليه السلام قتل مظلوما، و نحن أولياؤه، و القائم منّا إذا قام طلب بثأر الحسين، فيقتل حتّى يقال:
قد أسرف في القتل، و قال: المقتول الحسين عليه السلام و وليّه القائم عليه السلام، و الإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله، إنّه كان منصورا فإنّه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (4)
5-و عنه، باسناده عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له:
يا ابن رسول اللّه زعم ولد الحسن عليه السلام أنّ القائم منهم، و أنّهم أصحاب الأمر، و يزعم ولد ابن الحنفية مثل ذلك، فقال: رحم اللّه عمّي الحسن عليه
ص:405
السلام لقد غمد أربعين ألف سيف حين اصيب أمير المؤمنين عليه السلام و أسلمها إلى معاوية، و محمّد بن علي سبعين ألف سيف قاتله لو خطر عليهم خطر ما خرجوا منها حتّى يموتوا جميعا، و خرج الحسين عليه السلام فعرض نفسه على اللّه في سبعين رجلا، من أحقّ بدمه منّا؟ نحن و اللّه أصحاب الأمر، و فينا القائم، و منّا السفّاح و المنصور، و قد قال اللّه: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (1)نحن أولياء الحسين بن علي عليهما السلام و على دينه (2).
6-شرف الدين النجفي في «تأويل الآيات الباهرة فيما نزل في العترة الطاهرة» قال: روى بعض الثّقات باسناده عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (3)قال: نزلت في الحسين عليه السلام لو قتل وليّه أهل الأرض ما كان مسرفا، و وليّه القائم عليه السلام. (4)
ص:406
فيما جاء في الوقت المعلوم لابليس
1-شرف الدين النّجفي في «الكتاب السّابق» قال: جاء في التأويل مرفوعا عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله عزّ و جلّ: وَ اَللَّيْلِ إِذا يَغْشى قال: دولة إبليس لعنه اللّه إلى يوم القيامة، و هو يوم قيام القائم عليه السلام وَ اَلنَّهارِ إِذا تَجَلّى و هو القائم عليه السلام إذا قام، و قوله: فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اِتَّقى أعطى نفسه الحقّ و اتّقى الباطل فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى أي الجنّة وَ أَمّا مَنْ بَخِلَ وَ اِسْتَغْنى يعني بنفسه عن الحقّ و استغنى بالباطل عن الحقّ وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى بولاية علي بن أبي طالب و الأئمّة صلوات اللّه عليهم من بعده فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى يعني النّار، و أمّا قوله: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى يعني عليّا عليه السلام هو الهدى وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ اَلْأُولى* فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى قال: القائم عليه السلام إذا قام بالغضب فيقتل من كلّ ألف تسعمائة و تسعة و تسعين، لا يَصْلاها إِلاَّ اَلْأَشْقَى هو عدوّ آل محمّد عليهم السلام وَ سَيُجَنَّبُهَا اَلْأَتْقَى قال: ذاك أمير المؤمنين و شيعته (1).
2-شرف الدين أيضا قال: جاء في تفسير أهل البيت صلوات اللّه عليهم
ص:407
أجمعين رواه الرّجال عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزّ و جلّ: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً يعني بهذه الآية إبليس اللعين خلقه وحيدا من غير أب و لا أمّ، و قوله: وَ جَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً يعني هذه الدّولة إلى يوم الوقت المعلوم، يوم يقوم القائم عليه السلام وَ بَنِينَ شُهُوداً وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلاّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً يقول:
معاندا للائمّة عليهم السلام، يدعو إلى غير سبيلها، و يصدّ النّاس عنها و هي آيات اللّه.
و قوله: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً قال أبو عبد اللّه عليه السلام: صعود جبل في النّار من نحاس يحمل عليه حبتر ليصعده كارها فإذا ضرب بيده على الجبل ذابتا حتى تلحق بالرّكبتين، فإذا رفعهما عادتا، فلا يزال هكذا ما شاء اللّه، و قوله تعالى: إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اِسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ اَلْبَشَرِ قال: يعني تدبيره و نظره و فكرته و استكباره في نفسه و ادّعائه الحقّ لنفسه دون أهله.
ثم قال اللّه تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ قال: يراه أهل المشرق كما يراه أهل المغرب، إنّه إذا كان في سقر يراه أهل الشرق و الغرب و يتبين حاله، و المعنى في هذه الآيات جميعها حبتر، قال: قوله تعالى: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ أي تسعة عشر رجلا، فيكونون من النّاس كلّهم في الشرق و الغرب، قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ اَلنّارِ إِلاّ مَلائِكَةً قال: فالنّار هو القائم عليه السلام الّذي أنار ضوؤه و خروجه لأهل الشرق و الغرب، و الملائكة هم الذين يملكون علم آل محمّد صلوات اللّه عليهم اجمعين، و قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا قال:
يعني المرجئة، و قوله: لِيَسْتَيْقِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ قال: هم الشيعة و هم
ص:408
أهل الكتاب و هم الّذين اوتوا الكتاب و الحكمة و النبوّة.
و قوله تعالى: وَ يَزْدادَ اَلَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَ لا يَرْتابَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ وَ اَلْمُؤْمِنُونَ أي لا يشك الشيعة و هم أهل الكتاب في شيء من أمر القائم وَ لِيَقُولَ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني بذلك الشيعة و ضعفاؤها وَ اَلْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اَللّهُ بِهذا مَثَلاً فقال اللّه عزّ و جلّ لهم كَذلِكَ يُضِلُّ اَللّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ فالمؤمن يسلم و الكافر يشك و قوله وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ فجنود ربك هم الشيعة و هم شهداء اللّه في الأرض.
و قوله: وَ ما هِيَ إِلاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ كَلاّ وَ اَلْقَمَرِ وَ اَللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَ اَلصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ إِنَّها لَإِحْدَى اَلْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ عنه، و قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاّ أَصْحابَ اَلْيَمِينِ (1)قال:
هم أطفال المؤمنين، قال اللّه تبارك و تعالى: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (2)قال: إنّهم آمنوا بالميثاق، و قوله: وَ كُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ اَلدِّينِ (3)قال: يعني بيوم الدين خروج القائم عليه السلام، و قوله: فَما لَهُمْ عَنِ اَلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ قال يعني بالتذكرة ولاية أمير المؤمنين عليه السلام و قوله: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: كأنّهم حمر وحش فرّت من الأسد حين رأته، و كذلك المرجئة إذا سمعت بفضل آل محمّد نفرت عن الحقّ.
ثم قال اللّه تعالى: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً قال: يريد كل رجل من المخالفين أن ينزّل عليه كتاب من السّماء ثمّ قال اللّه تعالى: كَلاّ بَلْ لا يَخافُونَ اَلْآخِرَةَ هي دولة القائم عليه السلام، ثم قال تعالى
ص:409
بعد أن عرّفهم التذكرة أنّها الولاية: كَلاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وَ ما يَذْكُرُونَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اَللّهُ هُوَ أَهْلُ اَلتَّقْوى وَ أَهْلُ اَلْمَغْفِرَةِ (1)قال: فالتقوى في هذا الموضع هو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المغفرة أمير المؤمنين (2).
3-أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في «مسند فاطمة عليها السلام» قال: أخبرني أبو الحسن (3)عليّ، قال: حدّثني ابو جعفر (4)، قال: حدّثني المظفّر ابن جعفر بن المظفّر العلوي، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، عن عليّ بن الحسن بن فضال، قال: حدّثني العباس بن عامر، عن وهب (5)بن جميع مولى إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن إبليس قوله:
رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ اَلْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ اَلْوَقْتِ اَلْمَعْلُومِ (6)أي يوم هو؟ قال: يا وهب أ تحسب أنّه يوم يبعث اللّه تعالى النّاس؟ لا و لكنّ اللّه عزّ و جلّ أنظره إلى يوم يبعث اللّه عزّ و جلّ قائمنا، فإذا بعث اللّه عزّ و جلّ قائمنا فيأخذ بناصيته و يضرب عنقه، فذلك اليوم هو الوقت المعلوم. (7)
ص:410
4-و عنه قال: اخبرني ابو الحسين محمّد بن هارون قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أبو عليّ الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن عبد الكريم، قال: حدّثنا أبو طالب عبد اللّه بن الصلت، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ابن عبد اللّه الحنّاط، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث يذكر فيه حال المؤمن إذا قام القائم عليه السلام، إلى أن قال: و لا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه، و الهيكل البدن (1).
و قد مضى الحديث بتمامه في الباب التاسع و الثلاثين و في بعض الرّوايات يقتله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ص:411
ص:412
في القدر من الناس الذين يقوم فيهم القائم عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه اللّه، قال:
حدّثنا عليّ بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي أيّوب عن أبي بصير، و محمّد بن مسلم قالا:
سمعنا أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا النّاس، فقلت: فإذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟ ! فقال عليه السلام: أ ما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي (1).
2-و عنه قال: حدّثنا محمد بن الحسن رضي اللّه عنه قال: حدّثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قدّام القائم عليه السلام موتتان: موت أحمر و موت ابيض، حتّى يذهب من كل سبعة خمسة، فالموت الأحمر السيف، و الموت الأبيض الطاعون (2).
ص:413
3-محمّد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال حدّثنا عليّ بن الحسين، قال حدّثني محمد بن عبد اللّه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: النداء حقّ فقال: إي و اللّه يسمعه كلّ قوم بلسانهم، و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب تسعة أعشار الناس. (1)
ص:414
في المفردات
1-ابن بابويه قال: حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي العمري السمرقندي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن محمد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السلام يقول: إنّ الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتّى ينفخ في الصور و إنّه ليأتينا فيسلّم علينا فنسمع صوته، و لا نرى شخصه، و إنّه ليحضر حيث ما ذكر فمن ذكره منكم فليسلّم عليه، و إنّه ليحضر الموسم كلّ سنة، فيقضي جميع المناسك، و يقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين، و سيؤنس اللّه به وحشة قائمنا عليه السلام في غيبته و يصل به وحدته (1).
2-الشيخ الطوسي في «أماليه» عن أبي محمّد الفحّام قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عبد اللّه بن عليّ الرأس، قال: حدّثني أبو عبد اللّه عبد الرحمن بن عبد اللّه العمري، قال: حدّثنا أبو سلمة يحيى بن المغيرة، قال: حدّثني أخي محمّد بن المغيرة، عن محمّد بن سنان، عن سيّدنا أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام قال: قال أبي لجابر بن عبد اللّه: لي إليك حاجة أريد أخلو
ص:415
بك فيها، فلمّا خلا به في بعض الأيّام قال له: أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يد أمّي فاطمة عليها السلام قال جابر: أشهد باللّه لقد دخلت على فاطمة عليها السلام بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لاهنّيها بولدها الحسين عليه السلام فإذا بيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء فيه كتاب أنور من الشمس و أطيب رائحة من المسك الاذفر (1)، فقلت: ما هذا يا بنت رسول اللّه؟ فقالت:
هذا لوح أهداه اللّه عزّ و جلّ إلى أبي فيه اسم أبي، و اسم بعلي، و اسم الأوصياء بعده من ولدي، فسألتها أن تدفعه إليّ لا نسخه، ففعلت، فقال له: فهل لك أن تعارضني به (2)قال: نعم، فمضى جابر إلى منزله و أتى بصحيفة من كاغذ فقال له:
أنظر في صحيفتك حتّى أقرأها عليك، فكان في صحيفته مكتوب:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من اللّه العزيز العليم أنزله الرّوح الأمين على محمّد خاتم النبيّين، يا محمّد عظّم أسمائي، و اشكر نعمائي، و لا تجحد آلائي، و لا ترج سواي، و لا تخش غيري، فإنّه من يرجو سواي و يخشى غيري أعذّبه عذابا لا اعذّبه أحدا من العالمين.
يا محمّد إنّي اصطفيتك على الأنبياء، و فضّلت وصيّك على الأوصياء، و جعلت الحسن عيبة علمي من بعد انقضاء مدّة أبيه، و الحسين خير أولاد الأوّلين و الآخرين فيه تثبت الإمامة، و منه يعقّب زين العابدين، و محمّد الباقر لعلمي: و الداعي إلى سبيلي على منهاج الحق، و جعفر الصّادق في القول و العمل، تثبت من بعده فتنة صمّاء، فالويل كلّ الويل للمكذّب بعبدي و خيرتي من خلقي موسى، و عليّ الرّضا يقتله عفريت كافر يدفن بالمدينة الّتي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلق اللّه، و محمّد الهادي إلى سبيلي الذّابّ عن حريمي،
ص:416
و القيّم في رعيته حسن أغرّ، يخرج منه ذو الاسمين (1)عليّ و الحسن و الخلف محمّد يخرج في آخر الزمان على رأسه عمامة بيضاء تظلّه الشمس، ينادي بلسان فصيح يسمعه الثقلين و الخافقين، هو المهديّ من آل محمد، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. (2)
3-محمد بن ابراهيم النعماني قال: اخبرنا عبد الواحد بن عبد اللّه قال اخبرنا احمد بن محمّد بن رباح قال: حدّثنا محمّد بن العبّاس الحسيني، عن الحسن بن علي البطائني، عن أبيه، عن المفضّل قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إن لصاحب هذا الأمر بيتا يقال له: بيت الحمد، فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف «لا يطفى» (3).
4-ابن بابويه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن محمد بن جمهور، عن احمد بن أبي هراسة، عن ابي إسحاق إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه عن حمّاد الأنصاري، قال: حدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كأنّي بأصحاب القائم عليه السلام و قد أحاطوا ما بين الخافقين فليس من شيء إلاّ و هو مطيع لهم حتى سباع الأرض و سباع الطير، يطلب رضاهم في كلّ شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض و تقول: مرّ بي اليوم رجل من اصحاب القائم عليه السلام. (4)
ص:417
ص:418
في أنّ آخر من يموت الحجّة و يغلق باب التوبة
و يغسّل القائم عليه السلام الحسين عليه السلام
و يكون بينه و بين القيامة أربعون يوما
1-ابن بابويه قال: حدّثنا أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، و عبد اللّه ابن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن الربيع بن محمّد بن المسليّ، عن محمّد بن مسلم، و عبد اللّه بن سليمان العامري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
ما زالت الأرض إلاّ و للّه تعالى ذكره فيها حجة يعرف الحلال و الحرام، و يدعو إلى سبيل اللّه جلّ و عزّ، و لا ينقطع الحجّة من الأرض إلاّ أربعين يوما قبل يوم القيامة، و إذا رفعت الحجّة أغلقت أبواب التوبة، و لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة، أولئك شرار خلق اللّه، و هم الّذين تقوم عليهم القيامة (1).
2-و رواه أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، في كتاب «عيون المحاسن» عن عليّ بن الحكم، عن الرّبيع بن محمّد المسليّ، عن عبد اللّه بن سليمان العامري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما زالت الأرض إلاّ و للّه فيها حجّة يعرف الحلال و الحرام.
ص:419
و ساق الحديث إلى آخره إلاّ أنّ في آخر الحديث: الذين تقوم عليهم الحجّة. (1)
3-ابن بابويه قال: حدّثني أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه أنّه قال في قول اللّه عز و جل: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ (2)قال: الآيات الأئمّة المنتظرة، و الآية المنتظرة القائم عليه السلام فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف و إن آمنت بمن تقدّمه من آبائه عليهم السلام (3).
4-و عنه قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي السمرقندي رحمه اللّه قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن مسعود، و حيدر بن محمّد بن نعيم السمرقندي جميعا عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال الصّادق جعفر بن محمّد عليه السلام:
يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً (4)يعني خروج القائم المنتظر، ثمّ قال عليه السلام: يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته و المطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء اللّه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون (5).
ص:420
5-ابو جعفر محمّد بن جرير الطبري قال: أخبرني ابو الحسن محمّد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن أبي عليّ محمّد بن همّام، عن عبد اللّه بن جعفر، عن أيّوب بن نوح، عن الرّبيع بن المسليّ، عن عبد اللّه بن سليمان العامري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما زالت الأرض إلاّ و للّه فيها حجّة (1)يعرف الحلال و الحرام، و يدعو الناس إلى سبيل اللّه، و لا تنقطع من الأرض إلاّ أربعين يوما قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجّة أغلق باب التوبة، و لم ينفع نفسا إيمانا لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة، و اولئك من شرار خلق اللّه، و هم الّذين تقوم عليهم فيها القيامة 2.
6-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن خلف بن حمّاد، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الحجّة قبل الخلق و بعد الخلق و مع الخلق 3.
7-و عنه عن محمّد بن يحيى، عمّن ذكره، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن جعفر 4بن محمّد، عن كرّام 5قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام، و قال: إنّ آخر من يموت الإمام لئلاّ
ص:421
يحتجّ أحد على اللّه عزّ و جلّ أنّه تركه بغير حجّة لله عليه (1).
8-و عن محمّد بن عبد اللّه، و محمّد بن يحيى جميعا عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا و الشيخ أبو عمرو رحمه اللّه عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمر و إنّي أريد أن أسألك عن شيء و ما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه فإنّ اعتقادي و ديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إلاّ إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوما، فإذا كان ذلك رفعت الحجّة و أغلق باب التوبة فلم يك ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا فأولئك أشرار من خلق اللّه عزّ و جلّ، و هم الّذين تقوم عليهم القيامة، و لكني أحببت أن أزداد يقينا.
و إنّ إبراهيم سأل ربّه عزّ و جلّ أن يريه كيف يحيي الموتى، قال: أو لم تؤمن قال: بلى و لكن ليطمئنّ قلبي، و لقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته و قلت له: من أعامل أو عمّن آخذ، و قول من أقبل؟
فقال له: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي و ما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له و أطع فإنّه الثقة المأمون، و أخبرني أبو عليّ أنّه سأل أبا محمّد عليه السلام عن مثل ذلك فقال له: العمري و ابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان و ما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما و أطعهما فإنّهما المأمونان فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.
قال: فخر أبو عمرو ساجدا و بكى ثمّ قال: سل حاجتك، فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد عليه السلام.
ص:422
فقال: إي و اللّه و رقبته مثل ذا-و أومأ بيده-فقلت له: فبقيت واحدة فقال لي: هات، قلت: فالاسم؟
قال: محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، و لا أقول هذا من عندي؛ فليس لي أن أحلّل و لا أحرّم و لكن عنه عليه السلام، فإنّ الامر عند السلطان أنّ أبا محمّد عليه السلام قد مضى و لم يخلّف ولدا و قسّم ميراثه و أخذه من لا حقّ له فيه، و هو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرّف إليهم أو ينيلهم شيئا، و إذا وقع الاسم وقع الطلب فاتّقوا اللّه و أمسكوا عن ذلك.
ثم قال الكليني رحمه اللّه و حدثني شيخ من أصحابنا ذهب عنّي اسمه- أنّ أبا عمرو سأل عن أحمد بن إسحاق عن مثل هذا فأجاب بمثل هذا. (1)
علي بن عيسى في «كشف الغمّة» قال: أكثر الرّوايات أنّه لم يمض مهديّ هذه الامّة إلاّ قبل القيامة بأربعين يوما يكون فيها الهرج.
9-محمّد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصمّ، عن عبد اللّه بن القاسم البطل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي اَلْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي اَلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ (2)قال: قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام و طعن الحسن عليه السلام وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً قال: قتل الحسين عليه السلام فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما فإذا جاء نصر دم الحسين عليه السلام بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ اَلدِّيارِ قوم يبعثهم اللّه قبل خروج القائم عليه السلام فلا يدعون وترا لآل محمّد إلاّ قتلوه
ص:423
وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً خروج القائم عليه السلام ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ خروج الحسين في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب لكلّ بيضة و جهان المؤذن الى الناس (1)أنّ هذا الحسين قد خرج حتى لا يشكّ المؤمنون فيه و أنه ليس بدجّال و لا شيطان، و الحجّة القائم بين أظهرهم فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنّه الحسين عليه السلام جاء الحجّة الموت، فيكون الذي يغسّله و يكفّنه و يحنّطه و يلحده في حفرته الحسين بن علي عليهما السلام، و لا يلي الوصيّ إلاّ الوصيّ. (2)
ص:424
في أنّ عمر الخضر عليه السلام دليل على طول عمر
الإمام عليه السلام و أنّه يؤنس به و وقت
وفاة الخضر عليه السلام
1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني رحمه اللّه قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي، قال: حدّثنا أحمد بن طاهر القمي، قال: حدّثنا محمّد بن بحر بن سهل الشيباني (1)، قال: أخبرنا عليّ بن الحارث، عن سعد (2)بن منصور الجواشني، قال: أخبرنا أحمد بن علي البديلي، قال: أخبرنا أبي، عن سدير (3)الصيرفي قال:
دخلت أنا و المفضّل بن عمر، و داود بن كثير، و أبو بصير، و أبان بن تغلب على مولانا أبي عبد اللّه الصّادق عليه السلام، و ذكر حديثا طويلا ذكر فيه غيبات
ص:425
لبعض الأنبياء عليهم السلام و ذكر فيه غيبة القائم عليه السلام و الخضر عليه السلام فقال عليه السلام في آخر الحديث: و أمّا العبد الصالح أعني الخضر عليه السلام فإنّ اللّه تعالى ما طول عمره لنبوّة قدّرها له، و لا لكتاب ينزله عليه، و لا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، و لا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها و لا لطاعة يفرضها له، بل إنّ اللّه تبارك و تعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم عليه السلام في أيّام غيبته ما قدّر، و علم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلاّ لعلّة الاستدلال به على عمر القائم عليه السلام، و ليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلاّ يكون للنّاس على اللّه حجّة (1).
2-و عنه، قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي العمري السمرقندي رض، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام يقول: إن الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتّى ينفخ في الصور، و إنّه ليأتينا فيسلّم علينا فنسمع صوته و لا نرى شخصه، و إنّه ليحضر حيث ما ذكر فمن ذكره منكم فليسلّم، و إنّه ليحضر الموسم كلّ سنة فيقضي جميع المناسك، و يقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين، و سيؤنس اللّه به وحشة قائمنا في غيبته و يصل به وحدته. (2)
ص:426
فيما جاء من طريق العامة في البشارة
بالمهدي القائم عليه السلام
الاول: ما رواه أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي (1)في كتاب «الكشف و البيان في تفسير القرآن» قال: أخبرنا أبو العبّاس سهل بن محمّد بن سعيد المروزي، حدّثنا جدّي أبو الحسن المحمودي، حدّثنا أبو جعفر محمّد ابن عمران الارشابيدي، حدّثنا هديّة (2)بن عبد الوهاب، حدّثنا سعيد (3)بن عبد الحميد بن جعفر، حدّثنا عبد اللّه (4)بن زياد اليمامي، حدّثنا عكرمة (5)بن عمّار اليمامي، عن إسحاق (6)بن عبد اللّه بن ابي طلحة، عن أنس بن مالك، قال:
ص:427
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنّة: أنا و حمزة و جعفر و عليّ و الحسن و الحسين و المهديّ. (1)
الثاني: الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (و انه لعلم للسّاعة) (2)قال: ذلك عيسى بن مريم عليه السلام، و روي ذلك عن مجاهد، قال: و قرأ ابن عباس، و أبو هريرة و قتادة، و مالك (3)بن دينار، و الضحّاك «و إنّه لعلم» (بفتح العين و اللاّم) -اي أمارة و علامة-في الحديث أنّ عيسى عليه السلام ينزل في ثوبين مهرودين أي مصبوغين بالهرد (4)و هو الزّعفران. (5)
ص:428
و روى عمر 1بن إبراهيم الأوسي في كتابه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند انفجار الصبح ما بين مهرودين، و هما ثوبان أصفران من الزّعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأنّ رأسه يقطر دهنا، بيده حربة يكسر الصليب، و يقتل الخنزير، و يهلك الدجّال، و يقبض اموال القائم، و يمشي خلفه أهل الكهف، و هو وزير الأيمن للقائم، و حاجبه و نائبه، و يبسط في المغرب و المشرق الأمن من كرامة الحجّة بن الحسن صلوات اللّه عليه. 2
ص:429
و الحديث طويل تقدّم بطوله في الباب الثالث و الثلاثين. الحديث الثالث.
و في الحديث ينزل عيسى على ثنية (1)من الأرض المقدّسة يقال لها: أفيق (2)و عليه ممصّرتان 3و شعر رأسه دهين و بيده حربة و هي الّتي يقتل بها الدجّال فيأتي بيت المقدّس، و النّاس في صلاة العصر 4و الإمام يؤمّ بهم، فيتأخّر الإمام فيقدّمه عيسى عليه السلام و يصلّي خلفه على شريعة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ يقتل الخنازير و يكسر الصليب، و يخرب البيع و الكنائس، و يقتل النّصارى إلاّ من آمن به. 5
الثالث: الثعلبي في تفسير قوله تعالى: إِذْ أَوَى اَلْفِتْيَةُ إِلَى اَلْكَهْفِ 6
ص:430
و ذكر حديث البساط (1)و سيرهم إلى الكهف و يقظتهم.
ثمّ قال بالإسناد المقدّم (2)قال: و أخذوا مضاجعهم فصاروا الى و قدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهديّ عليه السلام فقال: إنّ المهديّ عليه السلام يسلّم عليهم، فيحييهم اللّه عزّ و جلّ ثمّ يرجعون إلى رقدتهم، فلا يقومون إلى يوم القيامة. (3)
الرابع: أبو عبد اللّه محمّد بن أبي نصر الحميدي في كتاب «الجمع بين الصحيحين» في الحديث التّاسع من المتّفق عليه من البخاري و مسلم في «الصحيحين» من مسند أبي هريرة قالا: و أخرجاه من حديث ابن شهاب (4)، عن نافع مولى أبي قتادة (5)الأنصاري عن ابي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم (6)منكم و ليس لنافع مولى
ص:431
أبي قتادة عن أبي هريرة في «الصحيحين» غير هذا الحديث (1).
الخامس: الحميدي 2أيضا من «الجمع بين الصحيحين» الحديث العاشر من المتّفق عليه في «الصحيح» عن البخاري و مسلم من مسند ثوبان 3مولى رسول
ص:432
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ليس في الصحيحين غير عشرة مما أخرجه أبو بكر البرقاني (1)من حديث أبي الرّبيع الزّهراني (2)و قتيبة (3)من حديث أبي (4)موسى و بندار (5)عن شهاب كما أخرجه مسلم من حديثهم.
السادس: أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري (6)في «تجريد صحاح الستة» في الجزء الثّاني من أجزاء ثلاثة في أوّل ثاني كراسة منه عن البخاري و مسلّم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم» (7).
ص:433
السابع: في الجزء الثّالث على حدّ ربعه الأخير في باب جامع ما جاء في العرب و العجم و هو آخر الباب من صحيح النسائي قال: عن مسعدة (1)عن جعفر، عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أبشروا و بشّروا إنّما أمّتي (2)كالغيث لا يدرى آخره خير أم أوّله، أو كحديقة أطعم منها فوج عاما ثمّ اطعم منها فوج عاما، لعلّ آخرها فوجا يكون أعرضها عرضا و أعمقها عمقا و أحسنها حسنا، كيف تهلك أمّة أنا أوّلها و المهديّ أوسطها (3)و المسيح آخرها، و لكن بين ذلك ثبج 4أعوج ليسوا منّي و لا أنا منهم. 5
الثامن: و من الجمع بين الصحاح الستة و هو آخر المصنّف في باب تغيير
ص:434
الزّمان و ذكر الأشراط من صحيح أبي داود السّجستاني و هو كتاب «السنن» . و من صحيح الترمذي أيضا قال: عن زرّ (1)عن عبد اللّه بن مسعود أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلا منّي (و في رواية أبي هريرة) : حتى يلي رجل، و في رواية:
حتّى يملك العرب رجل منّي أو من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي، و اسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. (2)
ص:435
التاسع: عنه بالإسناد قال: عن عليّ عليه السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لو لم يبق من الدّهر إلاّ يوم لبعث اللّه رجلا من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (1)
العاشر: عنه بالإسناد قال: عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول المهديّ من عترتي من ولد فاطمة. (2)
ص:436
الحادي عشر: عنه أيضا بالإسناد قال: عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المهديّ منّي، و هو أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، يملك سبع سنين. (1)
ص:437
الثاني عشر: عنه بالإسناد أيضا قال: و عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها زوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن النبي (ص) قال: «يكون إختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكّة، فيأتيه ناس من أهل مكّة فيخرجونه و هو كاره، فيبايعونه بين الرّكن و المقام، و يبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكّة و المدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال (1)الشام و عصائب (2)أهل العراق فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليه بعثا، فيظهرون عليهم، و ذلك بعث كلب، و الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال و يعمل في الناس بسنتي، أو قال: بسنّة نبيّهم (ص) و يلقي الإسلام بجرانه (3)إلى الأرض فيلبث سبع سنين، ثمّ يتوفّى و يصلّي عليه المسلمون.
قال أبو داود: قال بعضهم: عن هشام (4): تسع سنين (5)
قال مؤلّف هذا الكتاب: بنو كلب هم أخوال السفياني (6)و القائم عليه
ص:438
السلام يظفر بالسفياني فيريد السفياني تسليم الأمر الى القائم عليه السلام فلا ترضى بنو كلب بذلك فيطيعهم السفياني فيرجع عن تسليمه الأمر الى القائم عليه السلام فيقتله القائم عليه السلام كما هو في حديث طويل.
و بالاسناد أيضا يليه من الكراس المذكور من «صحيح النسائي» قال: عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لن تهلك أمّة أنا أوّلها و مهديّها وسطها، و المسيح بن مريم آخرها. (1)
الثالث عشر: بالاسناد أيضا قال: و عن أبي الحسن (2)، عن هلال (3)بن عمير قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:439
و سلّم يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث (1)الحرّاث، على مقدمته (2)رجل يقال له منصور، يوطّئ او (3)يمكّن لآل محمّد كما مكّنت قريش (4)لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وجب على كل مؤمن نصره (5)، أو قال (6):
اجابته (7).
الرابع عشر: ما رواه في «تأويل مختلف الحديث» من الجزء الأوّل في حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تأليف أبي محمّد عبد اللّه بن مسلم ابن قتيبة (8)الدينوري في رفع تناقض الحديثين (9)قال: و ممّا يشهد لهذا ما رواه
ص:440
معاوية بن عمرو 1، عن أبي إسحاق 2، عن الأوزاعي 3.
عن يحيى 4أو عروة بن رويم 5أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:
خيار أمتي أولها و آخرها، و بين ذلك ثبج أعوج، ليس مني و لست منه.
قال ابن قتيبة: الثبج الوسط، قال أبو زيد 6: يقال: ضرب بالسيف ثبج الرّجل أي وسطه، و الجمع أثباج و مثله جوز و أجواز 7، و قد جاءت في هذا آثار منها: أنّه ذكر آخر الزمان، فقال: المتمسّك منهم يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، و منها حديث آخر ذكر فيه أنّ الشهيد منهم يومئذ كشهيد بدر.
و في حديث آخر أنّه سئل عن الغرباء، فقال: الّذين يحيون ما أمات النّاس
ص:441
من سنّتي (1).
و قال ابن قتيبة أيضا: قالوا: رويتم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: «لا نبيّ بعدي، و لا أمّة بعد أمّتي، فالحلال ما أحلّه اللّه تبارك و تعالى على لساني إلى يوم القيامة، و الحرام ما حرّمه اللّه تعالى على لساني إلى يوم القيامة.
ثمّ رويتم: أنّ المسيح عليه السلام ينزل فيقتل الخنزير، و يكسر الصليب، و يزيد في الحلال.
و عن عائشة رضي اللّه عنها أنّها كانت تقول: «قولوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: خاتم الأنبياء، و لا تقولوا: «لا نبيّ بعده» و هذا تناقض.
قال أبو محمّد: و نحن نقول: إنّه ليس في هذا تناقض و لا إختلاف لأنّ المسيح عليه السلام نبيّ متقدّم، رفعه اللّه تعالى، ثمّ ينزله في آخر الزمان علما للسّاعة قال اللّه تعالى: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها (2)و قرأ بعض القرّاء: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ و إذا نزل المسيح عليه السلام لم ينسخ شيئا ممّا اتى به محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و لم يتقدّم الإمام من امّته بل يقدّمه، و يصلّي خلفه. (3)
الخامس عشر: أبو محمّد الحسين بن مسعود (4)الفرّاء البغوي في كتاب «المصابيح» في أخبار المهدي عليه السلام، و هو على حدّ أربعة كراريس من آخر الكتاب باسناده قال: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه
ص:442
عليه و آله و سلّم: المهدي منّي، أجلى الجبهة، أقنى الانف، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، يملك سبع سنين. (1)
السادس عشر: عنه باسناده قال: و عن أبي سعيد الخدري أيضا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قصّة المهديّ قال: فيجيء إليه رجل فيقول: يا مهديّ أعطني أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. (2)
ص:443
السابع عشر: عنه باسناده قال: و عن أبي سعيد الخدري أيضا قال: ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلاء يصيب هذه الامّة حتّى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث اللّه رجلا من عترتي، فيملأ به الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، يرضى عنه ساكن السموات و الارض، لا تدع السماء من قطرها شيئا إلاّ صبّته مدرارا، و لا تدع الارض من نباتها شيئا إلاّ أخرجته، حتى تمنّى الأحياء للأموات (1)، يعيش في ذلك سبع سنين (2)أو تسع سنين. (3)
الثامن عشر: عنه قال: بإسناده، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تذهب الدّنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت
ص:444
ظلما و جورا. (1)
التاسع عشر: عنه قال: باسناده عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: المهديّ من عترتي من ولد فاطمة عليها السلام. (2)
العشرون: و عنه عن ابن شيرويه (3)الدّيلمي من كتاب «الفردوس» و هو كتاب معروف عند الجمهور، ذكر في باب «الألف و اللاّم» باسناده عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه قال: عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: المهديّ طاوس أهل الجنّة. (4)
ص:445
الحادي و العشرون: عنه قال: عن حذيفة بن اليمان رحمه اللّه، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: المهدي من ولدي، وجهه كالكوكب الدّرّي، اللون لون عربيّ، و الجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضى لخلافته أهل السّماوات و الأرض و الطّير في الجوّ، يملك عشرين سنة. (1)
الثاني و العشرون: قال: عن عليّ عليه السلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: المهديّ منّا أهل البيت عليهم السلام، يصلحه اللّه عزّ و جلّ في ليلة. (2)
ص:446
الثالث و العشرون: قال أيضا: عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها أنّها قالت: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ من ولد فاطمة. (1)
الرابع و العشرون: أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الحافظ الأصفهاني في «حلية الأولياء» من الجزء الرابع عن زرّ بن حبيش، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تذهب الدّنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي. (2)
الخامس و العشرون: عنه من الجزء الثّالث من «حلية الاولياء» أيضا من حديث أبي القاسم محمّد بن الحنفية (3)، عن ابيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام،
ص:447
قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المهديّ منّا أهل البيت يصلحه اللّه عزّ و جلّ في ليلة، أو قال: في يومين. (1)
السادس و العشرون: عنه من الجزء أيضا في أوّله من حديث الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام قال أبو نعيم: عن مسعود بن سعد الجعفي (2)، عن جابر 3رضي اللّه عنه، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام قال:
إنّ اللّه تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرّعب، فإذا قام قائمنا و ظهر مهديّنا كان الرّجل أجرى من ليث و أمضى من سنان. 4
السابع و العشرون: و عنه في الجزء الاول من كتاب «الفردوس» لابن
ص:448
شيرويه في باب الالف قال: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّا معشر بني عبد المطّلب سادة أهل الجنة أنا، و عليّ و جعفر، و حمزة، و الحسن و الحسين و المهدي عليهم السلام. (1)
الثامن و العشرون: و عنه أيضا في الجزء الثاني من كتاب «الفردوس» في باب الكاف قال: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم؟ (2)
التاسع و العشرون: و عنه من الجزء المذكور الثّاني في باب الهاء قال جابر رضي اللّه عنه: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يكون بعدي خلفاء، و بعد الخلفاء أمراء، و بعد الأمراء ملوك، و بعد الملوك جبابرة، و بعد الجبابرة يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا. (3)
ص:449
الثلاثون: و عنه من الجزء أيضا في الباب أيضا عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكون مهدي في أمّتي فإن قصر عمره فسبع، و إلاّ فثمان أو تسع تتنعّم أمّتي في زمانه تنعّما لم يتنعّموا بمثله قطّ البرّ منهم و الفاجر، يرسل السماء عليهم مدرارا و لا تحبس الأرض شيئا من نباتها، و يكون المال كدوسا 1يأتيه الرّجل فيسأله فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. 2
الحادي و الثلاثون: و عنه أيضا من الكتاب أيضا من الباب أيضا قال: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج في آخر الزّمان خليفة يعطي المال بلا عدد. 3
الثاني و الثلاثون: و عنه أيضا من الجزء و الباب قال: عن عبد اللّه بن عمر
ص:450
قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ و على رأسه ملك ينادي: إنّ هذا المهدي فاتّبعوه. (1)
الثالث و الثلاثون: و عنه من الجزء أيضا و هو الثّاني من كتاب «الفردوس» في باب لا، قال: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تقوم السّاعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية و جبل الدّيلم، و لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل اللّه عزّ و جلّ ذلك اليوم حتّى يفتحها. (2).
الرابع و الثلاثون: من كتاب «فضائل الصحابة» لأبي المظفر السّمعاني قال: بالاسناد عن أبي هارون العبدي، عن ابي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال:
دخلت فاطمة عليها السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا رأت ما برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الضعف خنقتها العبرة حتى جرى دمعها على خدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما يبكيك يا فاطمة؟ فقالت: يا رسول اللّه أخشى الضيعة من بعدك، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة أ ما علمت أنّ اللّه تعالى اطّلع على أهل الارض اطّلاعة فاختار منهم أباك فبعثه رسولا؟ ثمّ اطّلع ثانية فاختار منهم بعلك، فأمرني أن أزوّجك منه فزوجتك منه و هو أعظم المسلمين حلما و أكثرهم علما و أقدمهم سلما، ما أنا زوّجتك و لكنّ اللّه زوّجك منه.
ص:451
قال: فضحكت فاطمة عليها السلام فاستبشرت ثم قال، يا فاطمة: إنّا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأوّلين و لا يدركها أحد من الآخرين:
نبيّنا خير الأنبياء و هو أبوك، و وصيّنا خير الأوصياء و هو بعلك، و شهيدنا خير الشّهداء و هو عم أبيك حمزة، و منّا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء و هو جعفر، و منّا سبطا هذه الامّة و هما ابناك و منا مهديّ هذه الأمة.
قال أبو هارون العبدي: فلقيت وهب بن منبّه أيّام الموسم فعرضت عليه هذا الحديث فقال لي وهب: يا أبا هارون العبدي إنّ موسى بن عمران عليه السلام لمّا فتن قومه و اتّخذوا العجل كبر على موسى عليه السلام فقال: يا ربّ فتنت قومي حيث غبت عنهم قال اللّه: يا موسى إنّ كلّ من كان قبلك من الأنبياء افتتن قومه و كذلك من هو كائن بعدك من الأنبياء تفتتن أمّتهم إذا فقدوا نبيّهم، قال موسى: و إنّ أمّة أحمد أيضا مفتنون و قد أعطيتهم من الفضل و الخير ما لم تعطه من كان قبله في التوراة؟
فاوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السلام: إنّ أمّة أحمد سيصيبهم فتنة عظيمة من بعده حتى يعبد بعضهم بعضا و يتبرّأ بعضهم من بعض حتّى يصيبهم حال و حتى يجحدوا ما أمرهم به نبيهم ثمّ يصلح اللّه أمرهم برجل من ذرية أحمد، فقال موسى: يا ربّ اجعله من ذريتي، فقال: يا موسى إنّه من ذرية أحمد و عترته و قد جعلته في الكتاب السابق أنّه من ذرية أحمد و عترته، أصلح به أمر الناس و هو المهدي. (1)
الخامس و الثلاثون: في الأربعين الحديث الّذي جمعه الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه في أمر المهدي عليه السلام عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ
ص:452
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يكون من أمّتي المهدي إن قصر ملكه فسبع سنين، و إلاّ ثمان، و إلاّ فتسع، تتنعّم أمتي في زمانه ما لم يتنعّموا مثله قطّ البر و الفاجر، و يرسل السماء عليهم مدرارا و لا تدّخر الأرض شيئا من نباتها. (1)
السادس و الثلاثون: عنه عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: تملأ الأرض ظلما و جورا فيقوم رجل من عترتي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا يملك سبعا أو تسعا. (2)
السابع و الثلاثون: و عنه قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تنقضي السّاعة حتّى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله ظلما و جورا يملك سبع سنين. (3)
الثامن و الثلاثون: و عنه قال: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة عليها السلام: المهديّ من ولدك. 4
ص:453
التاسع و الثلاثون: قال: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ منهما مهديّ هذه الامّة، يعني الحسن و الحسين. 1
الاربعون: و عنه عن علي بن هلال عن أبيه قال: دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو في الحالة التي قبض فيها فإذا فاطمة عليها السلام عند رأسه فبكت حتّى ارتفع صوتها فرفع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليها رأسه و قال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ قالت: أخشى الضيعة من بعدك، فقال: يا حبيبتي أ ما علمت أنّ اللّه عزّ و جلّ اطّلع الى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالة، ثمّ اطّلع ثانية فاختار منها بعلك، و أوحى إليّ ان أنكحك إيّاه، يا فاطمة نحن أهل بيت قد أعطانا اللّه عزّ و جلّ سبع خصال لم يعط أحدا قبلنا، و لا يعطي أحدا بعدنا: أنا خاتم النبيّين، و أكرم النبيّين على اللّه عزّ و جلّ و أحبّ المخلوقين الى اللّه عزّ و جلّ و أنا أبوك، و وصيّي خير الأوصياء و أحبّهم الى اللّه عزّ و جلّ و هو بعلك، و شهيدنا خير الشهداء و أحبهم الى اللّه عزّ و جلّ و هو حمزة بن عبد المطلب عمّ أبيك و عمّ بعلك، و منّا من له جناحان يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء و هو ابن عمّ أبيك و أخو بعلك، و منّا سبطا هذه الأمّة و هما ابناك الحسن و الحسين و هما سيّدا شباب أهل الجنة و أبوهما و الّذي بعثني
ص:454
بالحق نبيا خير منهما.
يا فاطمة إنّ منهما مهديّ هذه الامّة إذا صارت الدّنيا هرجا و مرجا و صارت الفتن و انقطعت السبل، و أغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا و لا صغير يوقّر كبيرا.
فيبعث اللّه عند ذلك منهما من يفتح حصون الضّلالة و قلوبا غلفا يقوم بالدين في آخر الزمان، كما قمت به في أوّل الزمان، و يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يا فاطمة لا تحزني و لا تبكي فإنّ اللّه عزّ و جلّ أرحم بك و أرأف عليك منّي لمكانك منّي و موقعك في قلبي قد زوّجك اللّه به و هو أعظمهم حسبا، و أرحمهم بالرعية، و أعدلهم بالسويّة، و ابصرهم بالقضيّة، و قد سألت اللّه عزّ و جلّ أن تكوني أوّل من يلحقني من أهل بيتي، قال عليّ عليه السلام: لم تبق فاطمة بعده إلاّ خمسة و سبعين يوما حتّى ألحقها اللّه تعالى به. (1)
الحادي و الاربعون: و عنه باسناده عن حذيفة قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فذكّرنا ما هو كائن ثمّ قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه تعالى ذلك اليوم حتّى يبعث اللّه رجلا من ولدي اسمه اسمي فقام سلمان و قال: يا رسول اللّه أيّ ولدك هو؟ قال: من ولدي هذا و ضرب بيده على رأس الحسين عليه السلام. (2)
الثاني و الاربعون: و عنه باسناده عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ عليه السلام من قرية يقال لها:
ص:455
كرعة. (1)
الثالث و الاربعون: و عنه باسناده عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ عليه السلام رجل من ولدي وجهه الكوكب الدريّ. (2)
الرابع و الاربعون: و عنه بإسناده عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ عليه السلام رجل من ولدي: لونه لون عربيّ، و جسمه جسم إسرائيلي، على خدّه الأيمن خال كأنّه كوكب دريّ، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا يرضى في خلافته أهل الأرض و أهل السماء و الطير في الجو. (3)
الخامس و الاربعون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ منّي أجلى الجبهة اقنى الأنف. (4)
ص:456
السادس و الأربعون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: المهديّ منّا أهل البيت «رجل من أمتي» أشمّ الأنف يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. (1)
السابع و الاربعون: و عنه بإسناده عن أبي أمامة الباهلي (2)قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بينكم و بين الرّوم اربع هدن (3)تقوم الرّابعة على يد رجل من آل هرقل يدوم سبع سنين، فقال له رجل من عبد قيس يقال له المستورد (4)بن جيلان: يا رسول اللّه من إمام الناس يومئذ؟ قال: المهديّ من ولدي ابن اربعين سنة، كأنّ وجهه كوكب دريّ في خدّه خال اسود عليه عباءتان قطوانيتان (5)كأنّه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز و يفتح مدائن الترك. (6)
ص:457
الثامن و الأربعون: و عنه بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ليبعثنّ اللّه من عترتي رجلا أفرق الثنايا 1، أجلى الجبهة، يملأ الأرض عدلا يفيض المال عليه فيضا. 2
التاسع و الاربعون: و عنه بإسناده عن أبي امامة قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذكر الدجّال قال: فينفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد: و يدعى ذلك اليوم الخلاص، فقالت أمّ شريك 3فأين العرب يومئذ يا رسول اللّه؟ قال: هم يومئذ قليل، و جلّهم ببيت المقدس، إمامهم المهديّ رجل صالح. 4
ص:458
الخمسون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يخرج المهدي عليه السلام في أمتي يبعثه اللّه غياثا للناس تنعم الامّة و تعيش الماشية، و تخرج الأرض نباتها، و يعطي المال صحاحا (1).
الحادي و الخمسون: و عنه بإسناده عن عبد اللّه بن عمر، قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ عليه السلام و عليه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهديّ خليفة اللّه فاتّبعوه. 2
الثاني و الخمسون: و عنه عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ عليه السلام و على رأسه ملك ينادي: هذا المهديّ خليفة اللّه فاتّبعوه. 3
الثالث و الخمسون: و عنه بإسناده عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه: ابشّركم بالمهديّ عليه السلام يبعث في أمّتي على إختلاف من الناس و زلازل فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، يرضى عنه ساكن السّماء و ساكن الأرض يقسّم المال صحاحا، فقال له رجل: و ما معنى صحاحا؟
ص:459
قال: السويّة بين الناس» . (1)
الرابع و الخمسون: و عنه، عن عبد اللّه بن عمر (2)قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تقوم السّاعة حتّى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما. (3)
الخامس و الخمسون: و عنه بإسناده عن حذيفة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لبعث اللّه فيه رجلا اسمه اسمي، و خلقه خلقي، يكنّى ابا عبد اللّه. (4)
السادس و الخمسون: و عنه بإسناده عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تذهب الدنيا حتى يبعث اللّه رجلا من أهل بيتي
ص:460
يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. (1)
السابع و الخمسون: و عنه بإسناده عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لتملأنّ الأرض ظلما و عدوانا ثمّ ليخرجنّ رجل من أهل بيتي حتى يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و عدوانا. (2)
الثامن و الخمسون: و عنه بإسناده عن زرّ بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، و خلقه خلقي، يملأها قسطا و عدلا. (3)
التاسع و الخمسون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكون عند انقطاع من الزّمان، و ظهور من الفتن رجل، يقال له: المهديّ عليه السلام يكون عطاؤه هنيئا. (4)
الستون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج رجل من أهل بيتي و يعمل بسنتي، و ينزل له البركة
ص:461
من السّماء، و تخرج له الأرض بركتها و يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا و يحكم على هذه الامّة سبع سنين، و ينزل بيت المقدس. (1)
الحادي و الستون: و عنه باسناده عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا رأيتم الرايات السّود قد اقبلت من خراسان فأتوها و لو حبوا على الثلج فإنّ فيها خليفة اللّه المهديّ عليه السلام. (2)
الثاني و الستون: و عنه بإسناده عن علقمة عن عبد اللّه قال: بينا نحن عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبلت فتية من بني هاشم فلمّا رآهم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اغرورقت عيناه و تغيّر لونه فقالوا: يا رسول اللّه ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه، فقال: إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدّنيا، و إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا و تطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق و معهم رايات سود فيسألون الحقّ فلا يعطون، فيقاتلون و ينصرون فيعطون ما سئلوا فلا يقبلون حتّى يدفعوه الى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤها جورا، فمن أدرك لك منكم فليأتهم و لو حبوا على الثّلج. (3)
ص:462
الثالث و الستون: و عنه بإسناده عن حذيفة قال: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: ويح هذه الأمّة من ملوك جبابرة كيف يقتلون و يطردون إلاّ من اظهر طاعتهم فالمؤمن التقيّ يصانعهم بلسانه، و يفرّ منهم بقلبه، فإذا أراد اللّه تعالى أن يعيد الإسلام عزيزا قصم كلّ جبّار عنيد، و هو القادر على ما يشاء أن يصلح الامّة بعد فسادها: يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم في يديه و يظهر الإسلام: و اللّه لا يخلف وعده و هو سريع الحساب. (1)
الرابع و الستون: و عنه بإسناده عن ابي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: تتنعّم أمّتي في زمان المهدي عليه السلام نعمة لم يتنعّموا مثلها قطّ، يرسل السماء عليهم مدرارا، و لا تدع الأرض من نباتها شيئا إلاّ أخرجته. (2)
الخامس و الستون: باسناده عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نحن بنو عبد المطّلب سادات أهل الجنة: أنا و أخي عليّ، و حمزة، و جعفر، و الحسن و الحسين و المهدي عليهم السلام. (3)
السادس و الستون: عنه بإسناده عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو لم يبق من الدّنيا إلاّ ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي. (4)
السابع و الستون: و عنه باسناده عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة، ثمّ لا يصير الى واحد،
ص:463
ثم تجيء الرّايات السود فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة اللّه المهديّ، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه، فإنّه خليفة اللّه المهدي عليه السلام. (1)
الثامن و الستون: و عنه بإسناده عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تجيء الرّايات السّود من قبل المشرق، كأنّ قلوبهم من حديد، فمن سمع بهم فليأتهم و لو حبوا على الثلج. (2)
التاسع و الستون: و عنه بإسناده عن عليّ بن ابي طالب عليه السلام قال:
قلت: يا رسول اللّه أمنّا آل محمد المهديّ أم من غيرنا؟ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا بل منّا يختم به الدين، كما فتح بنا ينقذون من الفتن كما أنقذوا من الشرك، و بنا يؤلّف اللّه قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألّف بينهم بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم. (3)
السبعون: و عنه بإسناده عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لو لم يبق من الدّنيا إلاّ ليلة واحدة لطوّل اللّه تلك اللّيلة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و يقسّم المال بالسويّة، و يجعل الغنى في قلوب هذه الامّة، فيملك سبعا أو تسعا، و لا خير في عيش الحياة بعد المهدي. (4)
ص:464
الحادي و السبعون: و عنه بالإسناد عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح اللّه القسطنطنية و الديلم على يده، و لو لم يبق إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يفتحها. (1)
الثاني و السبعون: و عنه بإسناده عن قيس بن جابر، عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: سيكون بعدي خلفاء، و من بعد الخلفاء أمراء، و من بعد الامراء ملوك جبابرة، ثمّ يخرج رجل من أهل بيت يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. (2)
الثالث و السبعون: و عنه بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: منّا الذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه. (3)
الرابع و السبعون: و عنه بإسناده عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهديّ: تعال صلّ بنا فيقول: لا إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة من اللّه لهذه الأمّة. (4)
الخامس و السبعون: و عنه بإسناده يرفعه الى محمّد بن إبراهيم 5الإمام
ص:465
حدّثه أنّ أبا جعفر 1المنصور حدّثه، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن العباس، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لن تهلك أمّة أنا في أوّلها، و عيسى بن مريم في آخرها، و المهدي في وسطها. 2
السادس و السبعون: ابن الخشّاب قال: حدّثنا صدقة بن موسى، قال حدّثنا أبي عن الرّضا عليه السلام قال: الخلف الصالح من ولد الحسن بن عليّ العسكري هو صاحب الزّمان و هو المهديّ عليه السلام. 3
السابع و السبعون: عنه قال: حدّثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسى العلوي، عن ابيه هارون، عن أبيه موسى قال: قال سيّدي جعفر بن محمّد:
الخلف الصالح من ولدي، و هو المهدي اسمه محمّد، و كنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان يقال لامه صقيل.
قال لنا أبو بكر الذراع: و في رواية أخرى: بل أمّة حكيمة، و في رواية ثالثة يقال لها: نرجس و يقال: بل سوسن و اللّه أعلم بذلك و يكنّى أبا القاسم و هو ذو الاسمين خلف و محمّد يظهر في آخر الزّمان على رأسه غمامة تظلّه عن الشمس، تدور معه حيثما دار تنادي بصوت فصيح: هذا المهدي. 4
الثامن و السبعون: و عنه قال: حدّثني محمّد بن موسى الطوسي، حدّثني
ص:466
عبيد اللّه بن محمّد، عن القاسم بن عدي قال: يقال: كنية الخلف الصالح أبو القاسم و هو ذو الاسمين. (1)
التاسع و السبعون: أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد الگنجي الشافعي صاحب كتاب «كفاية الطالب» و كتاب «البيان في أخبار صاحب الزّمان» .
قال: إنّي جمعت هذا الكتاب و عريته من طرق الشيعة ليكون الاحتجاج به آكد و هو أبواب: الأوّل في ذكر خروجه في آخر الزّمان عن زرّ عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تذهب الدّنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، أخرجه أبو داود في سننه. (2)
الثمانون: عنه عن علي عليه السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث اللّه رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا هكذا أخرجه أبو داود في سننه. (3)
الحادي و الثمانون: و عنه قال: أخبرنا الحافظ إبراهيم بن محمّد الأزهري الصريفيني (4)بدمشق، و الحافظ محمّد بن عبد الواحد المقدسي (5)بجامع جبل قاسيون.
قال الگنجي و قد ذكر الترمذي الحديث في جامعه و لم يذكر اسم أبيه اسم
ص:467
أبي و ذكره أبو داود في معظم روايات الحافظ و الثقات من نقلة الأخبار اسمه اسمي فقط، و الذي روى «و اسم أبيه اسم ابي» فهو زائدة و هو يزيد في الحديث، و إن صحّ فمعناه و اسم أبيه أي الحسين عليه السلام و كنيته أبو عبد اللّه فجعل الكنية كناية عنه أنّه من ولد الحسين عليه السلام دون الحسن عليه السلام و يحتمل أن يكون الرّاوي توهّم قوله ابني فصحّفه أبي و إنّما قال هذا جمعا بين الروايات.
قال الشيخ الفاضل عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» بعد أن ذكر ما ذكرته أمّا اصحابنا و المصنّفون فإنهم لم يلتفتوا إلى هذا الحديث لما ثبت عندهم من اسمه و اسم أبيه عليهما السلام و أمّا الجمهور فقد نقلوا أنّ زائدة هذا يزيد في الأحاديث فوجب المصير إلى أنّه من زياداته جمعا بين الأقوال و الروايات (1).
الثاني و الثمانون: و عنه باسناده عن سعيد بن المسيّب قال: كنا عند أمّ سلمة فتذاكرنا المهدي عليه السلام فقالت: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: المهديّ من ولد فاطمة أخرجه ابن ماجة في سننه. (2)
الثالث و الثمانون: و عنه عن سعيد بن المسيب أيضا عنها قالت: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة أخرجه الحافظ أبو داود في سننه. (3)
الرابع و الثمانون: و عنه باسناده عن عليّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه
ص:468
عليه و آله و سلّم المهديّ منّا أهل البيت يصلحه اللّه في ليلة. (1)
الخامس و الثمانون: و عنه عن أنس بن مالك قال: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: نحن ولد عبد المطلب سادات أهل الجنة: أنا، و حمزة، و عليّ، و جعفر، و الحسن، و الحسين، و المهدي عليهم السلام.
أخرجه ابن ماجة الحافظ في صحيحه. (2)
السادس و الثمانون: و عنه، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة ثم لا يصير الى واحد منهم، ثمّ تطلع الرّايات السّود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم.
ثمّ ذكر شيئا لا أحفظه ثمّ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا رأيتموه فبايعوه و لو حبوا على الثلج، فإنّه خليفة اللّه المهديّ.
أخرجه الحافظ ابن ماجة. (3)
السابع و الثمانون: و عنه عن عبد اللّه بن الحارث بن جزء الزبيدي (4)قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخرج ناس من المشرق يوطّئون للمهدي يعني سلطانه، هذا حديث حسن صحيح رواه الثقات و الأثبات.
ص:469
أخرجه الحافظ أبو عبد اللّه بن ماجة القزويني في سننه. (1)
الثامن و الثمانون: ابن أعثم (2)الكوفي في كتاب «الفتوح» عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: ويحا للطالقان فإن للّه تعالى بها كنوزا ليست من ذهب و لا فضّة و لكن بها رجال مؤمنون عرفوا اللّه حق معرفته، و هم أيضا أنصار المهديّ في آخر الزمان. (3)
التاسع و الثمانون: عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّ في أمّتي المهديّ، يخرج فيعيش خمسا أو سبعا أو تسعا زيد الشاك قال: قلنا: و ما ذاك؟ قال: سنين يجيء إليه الرّجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. (4)
قال الحافظ الترمذي: حديث حسن، و قد روي من غير وجه أبي سعيد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
التسعون: عن أبي سعيد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكون في أمّتي المهدي إن قصر فسبع، و إلاّ فتسع فتنعم فيه أمّتي نعمة لم ينعموا مثلها قطّ تؤتي الأرض أكلها و لا تدّخر منهم شيئا و المال يومئذ كدوس يقول الرّجل:
ص:470
يا مهديّ أعطني فيقول: خذ. (1)
الحادي و التسعون: عن أمّ سلمة زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يكون إختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا الى مكة فيأتيه ناس من أهل مكّة فيخرجونه و هو كاره فيبايعونه بين الرّكن و المقام، و يبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم البيداء بين مكة و المدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام و عصائب أهل العراق فيبايعونه، ثمّ ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم، و ذلك بعث كلب، و الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسّم المال و يعمل في الناس بسنّة نبيهم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يلقي الإسلام بجرانه الى الارض فيلبث سبع سنين، ثمّ يتوفّى و يصلّي عليه المسلمون.
قال أبو داود: قال بعضهم عن هشام: «تسع سنين» ، قال أبو داود: و قال غير معاذ عن هشام: تسع سنين.
قال: هذا سياق الحفّاظ كالترمذي، و ابن ماجة، و أبي داود. (2)
الثاني و التسعون: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كيف أنتم إذا نزل بكم ابن مريم عليه السلام فيكم و إمامكم منكم؟
قال: هذا حديث صحيح حسن يتّفق على صحته من محمّد بن شهاب رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما. (3)
ص:471
الثالث و التسعون: و عن جابر بن عبد اللّه قال: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا، فيقول: ألا إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة (1)من اللّه تعالى لهذه الأمّة قال:
هذا حديث حسن. (2)
و رواه مسلم في صحيحه (3)فإن كان الحديث المتقدّم قد تأوّل فهذا لا يمكن تأويله لأنّه ذكر فيه أنّ عيسى بن مريم يقدّم أمير المسلمين و هو يومئذ المهديّ عليه السلام هذا يبطل تأويل من قال: إنّ معنى قوله: و إمامكم منكم، أي يؤمّكم بكتابكم.
قال: فإن سأل سائل و قال: مع صحة هذه الأخبار و هي أنّ عيسى بن مريم عليه السلام يصلّي خلف المهديّ عليه السلام، و يجاهد بين يديه، و أنّه يقتل الدجّال بين يديه، و رتبة المقدّم في الصلاة معروفة و كذلك رتبة التقدّم للجهاد.
و هذه الأخبار ممّا ثبت طرقها عند أهل السنّة و كذلك ترويها الشيعة، و هذا هو الاجماع من كافّة أهل الإسلام إذ من عدا الشيعة و السنّة من الفرق قوله ساقط مردود و حشو مطروح، فيثبت أنّ هذا إجماع كافّة أهل الإسلام، و مع ثبوت الإجماع على صحّة ذلك فأيّهما أفضل؟ الإمام أو المأموم في الصلاة و الجهاد معا؟
و الجواب عن ذلك أن تقول: هما قدوتان: نبيّ و إمام، فإن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما وجب أن يكون الإمام قدوة للنبيّ في تلك
ص:472
الحال لموضع ورود الشريعة المحمّدية بذلك بدليل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يؤمّ بالقوم أقرأهم، فإن استووا فأعلمهم، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم هجرة، فإن استووا فاصبحهم وجها، و المهديّ عليه السلام أفقه من عيسى، و أعلم منه بالكتاب العزيز و السنّة و غير ذلك مع أنّه ليس فيهما عليهما السلام من تأخذه في اللّه لومة لائم، و هما معصومان من القبائح و المداهنة و الرّياء و النفاق.
و لا يدعو الدّاعي لأحدهما الى فعل ما يكون خارجا عن حكم الشريعة و لا مخالفا لمراد اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإذا كان الأمر كذلك فالإمام أفضل من المأموم، و لو علم الإمام أنّ عيسى أفضل منه لما جاز له أن يتقدّم عليه، و كذلك لو علم عيسى أنّه افضل منه لما جاز له أن يقتدي به لعصمتهما و لموضع تنزيه اللّه تعالى لهما عن كلّ مكروه من رياء أو نفاق أو محاباة أو غير ذلك.
و لمّا تحقق عيسى عليه السلام أنّ الإمام عليه السلام أفضل منه و أعلم منه قدّمه و صلّى خلفه و لو لا ذلك لم يسعه الاقتداء بالإمام فهذه درجة الفضل في الصلاة، ثمّ الجهاد و هو بذل النفس بين يدي من يرغب الى اللّه تعالى بذلك و لو لا ذلك لم يصحّ لأحد جهاد بين يدي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا بين يدي غيره، و الدليل على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: إِنَّ اَللّهَ اِشْتَرى مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ (1)الآية.
و ان الإمام نائب الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أمته و لا يسوغ لعيسى عليه السلام أن يتقدّم على الرسول فكذلك على نائب الرّسول صلّى اللّه
ص:473
عليه و آله و سلّم، و ممّا يزيد هذا القول.
الرابع و التسعون: ما رواه الحافظ أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني في حديث صحيح طويل في نزول عيسى عليه السلام فمن ذلك: ما قالت أمّ شريك بنت أبي العسكر: يا رسول اللّه فأين العرب يومئذ؟ قال: هم ببيت المقدس و إمامهم قد تقدّم يصلّي بهم الصبح إذ نزل بهم عيسى عليه السلام فرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدّم عيسى عليه السلام ليصلّي بالناس فيضع عيسى عليه السلام يده بين كتفيه، ثمّ يقول: تقدّم. (1)
قال: هذا حديث صحيح ثابت ذكره ابن ماجة القزويني في كتابه عن أبي امامة الباهلي قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هذا مختصره.
الخامس و التسعون: عن ابي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المهدي منّي أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما يملك سبع سنين.
قال: هذا حديث صحيح أخرجه الحافظ أبو داود السجستاني في «صحيحه» و رواه غيره من الحفاظ كالطبراني و غيره. (2)
و ذكر ابن شيرويه الديلمي في كتاب «الفردوس» في باب الألف بإسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ طاوس أهل الجنة. 3
ص:474
السادس و التسعون: بإسناده عن حذيفة بن اليمان، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: المهديّ وجهه كالقمر الدريّ، لونه لون عربي، و الجسم منه جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل الأرض و الطير في الجوّ، يملك عشرين سنة. 1
السابع و التسعون: عن أبي هارون العبدي قال: أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له: شهدت بدرا؟ قال: نعم، فقلت: الا تحدّثني بشيء سمعته من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عليّ عليه السلام و فضله؟ قال: بلى أخبرك أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرض مرضة ثقيلة، فدخلت عليه فاطمة عليها السلام تعوده، و أنا جالس عن يمين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا رأت ما به من الضعف خنقتها العبرة الحديث.
و هو أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ضرب على منكب الحسين عليه السلام و قال: «من هذا مهديّ هذه الأمة» .
و قد مرّ ذكر الحديث منقولا من «كفاية الطالب» و هكذا أخرجه الدار قطني صاحب الجرح و التعديل. 2
الثامن و التسعون: و بإسناده عن أبي نضرة قال: كنّا عند جابر بن عبد اللّه فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم دينار، فقلنا: من أين ذاك؟ قال: من
ص:475
قبل الرّوم، ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
يكون في آخر أمّتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعدّه عدّا قال الجريري قلت لأبي نضرة و أبي العلا: أ تريان أنّه عمر بن عبد العزيز؟ قالا: لا هذا حديث صحيح أخرجه مسلم في «صحيحه» . (1)
التاسع و التسعون: بإسناده عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من خلفائكم خليفة يحثو المال حثوا لا يعدّه عدّا قال: هذا حديث ثابت صحيح أخرجه الحافظ مسلم في «صحيحه» . (2)
المائة: و عن أبي سعيد، و جابر بن عبد اللّه قالا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكون في آخر الزّمان خليفة يقسّم المال و لا يعدّه.
قال: هذا لفظ مسلم في صحيحه (3).
الحادي و المائة: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ابشّركم بالمهدي يبعث في أمّتي على إختلاف من النّاس و زلزال يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، يرضى عنه ساكن السّماء و ساكن الأرض، يقسّم المال صحاحا، فقال رجل: ما معنى صحاحا؟ قال: بالسويّة بين النّاس و يملأ اللّه تعالى قلوب أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غنى و يسع عدله حتّى يأمر مناديا فينادي يقول: من له في المال حاجة؟ فما يقوم من النّاس إلاّ رجل فيقول له: ايت البيدار يعني الخازن، فقل له إنّ المهديّ عليه السلام يأمرك أن تعطيني مالا، فيقول له: حث حتّى إذا جعله في حجره و أبرزه ندم فيقول: كنت أجشع أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفسا
ص:476
أعجز عمّا وسعهم؟ فيردّه و لا يقبل منه شيئا، فيقول له: إنّا لا نأخذ شيئا أعطيناه، فيكون كذلك سبع سنين، أو ثمان سنين، أو تسع سنين، ثمّ لا خير في العيش بعده، أو قال: لا خير في الحياة بعده. (1)
قال حديث حسن ثابت أخرجه شيخ أهل الحديث في «مسنده» و في هذا الحديث دلالة على أنّ هذا المجمل في صحيح مسلم، هو هذا المبيّن في «مسند» ابن حنبل وفقا بين الرّوايات.
الثاني و المائة: بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكون عند انقطاع من الزّمان و ظهور من الفتن يخرج رجل يقال له: المهدي عليه السلام عطاؤه هنيئا قال: هذا حديث حسن أخرجه أبو نعيم. (2)
الثالث و المائة: بإسناده عن عليّ بن ابي طالب عليه السلام قال: قلت يا رسول اللّه: أمنّا آل محمّد المهدي أم من غيرنا؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا بل منّا، يختم اللّه به الدّين كما فتح بنا، و ينقذون من الفتنة كما ينقذون من الشرك، و بنا يصبحون بعد عداوة الفتن إخوانا كما أصبحوا بعد عداوة الشّرك إخوانا و بنّا يؤلف اللّه بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا كما اصبحوا بعد عداوة إخوانا في دينهم. (3)
قال: حديث حسن عال، و رواه الحفّاظ في كتبهم فأما الطبراني فقد ذكره في «المعجم الاوسط» (4)و أمّا أبو نعيم فرواه في
ص:477
«حليته» (1)و أمّا عبد الرحمن بن حاتم فقد ساقه في «عواليه» . (2)
الرابع و المائة: و عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهدي: صلّ بنا، فيقول: ألا و إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة من اللّه تعالى لهذه الأمّة. (3)
قال: هذا حديث حسن، رواه الحافظ الحارث (4)بن أبي أسامة، و رواه أبو نعيم في عواليه (5).
و في هذه النصوص دلالة على أنّ المهديّ عليه السلام غير عيسى، و مدار حديث لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم على محمّد بن خالد الجندي (6)مؤذّن الجند.
قال الشافعي (7)المطلبي: كان فيه تساهل في الحديث، قال: و قد تواترت الأخبار و استفاضت بكثرة رواتها عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المهدي عليه السلام و أنّه يملك سبع سنين يملأ الأرض عدلا و أنّه يخرج مع
ص:478
عيسى عليه السلام و يساعده في قتل الدجّال بأرض فلسطين، و أنّه عليه السلام يؤمّ هذه الأمّة، و عيسى يصلّي خلفه في طول من قصّته و أمره.
و قد ذكر الشافعي في كتاب «الرسالة» و كتابه أصل و نرويه، و لكن يطول ذكر سنده قال: و قد اتّفقوا على أنّ الخبر لا يقبل إذا كان الرّاوي معروفا في التساهل في روايته. (1)
الخامس و المائة: باسناده عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «لن تهلك أمّة أنا في أوّلها» -الحديث المذكور (2)-.
قال: هذا حديث حسن رواه الحافظ أبو نعيم في «عواليه» و أحمد بن حنبل في «مسنده» . (3)
و معنى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «و عيسى في آخرها» لم يرد به أنّ عيسى عليه السلام يبقى بعد المهديّ عليه السلام لأنّ ذلك لا يجوز لوجوه:
منها أنّه قال: لا خير في الحياة بعده (4)، و في رواية أخرى: لا خير في العيش بعد المهديّ عليه السلام.
و منها أن المهديّ إذا كان إمام آخر الزمان و لا إمام بعده مذكور في رواية أحد من الأئمّة. الجوّ. قال الصّريحة.
و منها أنّه لا يجوز بقاء الخلق في زمان بغير إمام.
فإن قيل: إنّ عيسى عليه السلام يبقى بعد إمام الأمّة قلت: بقاء عيسى عليه
ص:479
السلام بعد المهدي عليه السلام في قوم لا يجوز أن يقال: لا خير فيهم، و أيضا لا يجوز أن يقال: إنّه نائبه لانّه جلّ منصبه عن ذلك، و لا يجوز أن يقال: إنّه يستقلّ بالامّة، لأنّ ذلك يوهم العوام انتقال الملّة المحمديّة الى الملّة العيسويّة و هذا كفر، فوجب حمله على الصواب و هو أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوّل داع الى ملة الإسلام، و المهديّ أوسط داع و المسيح آخر داع، فهذا معنى الخبر عندي.
و يحتمل أن يكون معناه المهدي أوسط هذه الامّة-يعني خيرها-إذ هو إمامها و بعده ينزل عيسى مصدّقا للإمام و عونا له و مساعدا و مبيّنا للأمّة صحّة ما يدّعيه الإمام، فعلى هذا يكون المسيح آخر المصدّقين.
السادس و المائة: بإسناده عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لبعث اللّه رجلا اسمه اسمي و خلقه خلقي يكنّى أبا عبد اللّه عليه السلام. (1)
قال: هذا حديث حسن رزقناه عاليا و معنى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خلقه خلقي من أحسن الكنايات عن انتقام المهدي من الكفّار للدّين (2)كما كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد قال اللّه تعالى: وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (3). (4)
قال علي بن عيسى في «كشف الغمّة» بعد أن ذكر ذلك: العجب قوله:
أحسن الكنايات الى آخر الكلام و من أين يحجز على الخلق فجعله مقصورا
ص:480
على الانتقام فقطّ و هو عامّ في جميع أخلاق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كرمه، و زهده، و علمه، و حلمه، و شجاعته و غير ذلك من أخلاقه التي عددتها صدر هذا الكتاب، و أعجب من قوله هذا ذكر الآية على ما قرّره. (1)
السابع و المائة: و عنه باسناده عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهدي من قرية يقال لها: كرعة (2).
قال: هذا حديث حسن رزقناه عاليا أخرجه الشيخ الأصفهاني في «عواليه» كما سقناه. (3)
الثامن و المائة: و عنه بإسناده عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ و على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهديّ عليه السلام خليفة اللّه. (4)
قال: هذا حديث حسن ما رويناه إلاّ من هذا الوجه. (5)
التاسع و المائة: و عنه بإسناده عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يخرج المهديّ عليه السلام و على رأسه ملك ينادي هذا المهدي فاتّبعوه. (6)
قال: هذا حديث حسن روته الحفّاظ و الأئمّة من أهل الحديث كأبي نعيم و الطّبراني و غيرهما. (7)
ص:481
العاشر و المائة: و عنه بإسناده عن حذيفة أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المهديّ رجل منّي لون لون عربيّ، و جسمه جسم إسرائيليّ، على خدّه الأيمن خال كأنّه كوكب دريّ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضى بخلافته أهل الأرض و أهل السماء و الطّير في الجوّ. (1)
قال: هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد اللّه عن جمّ غفير من أصحاب الثّقفي (2)و سنده معروف عندنا. (3)
الحادي عشر و المائة: و عنه بإسناده عن أبي امامة الباهلي و هو قد مرّ و هو السّابع و الأربعون (4).
قال: هذا سياق الطّبراني في «معجمه الاكبر» . (5)
الثّاني عشر و المائة: و عنه ذكر حديث أنّه عليه السلام أفرق الثّنايا و قد تقدّم و هو الثّامن و الأربعون عن عبد الرّحمن بن عوف (6)قال: أخرجه أبو نعيم الحافظ في «عواليه» . (7)
الثالث عشر و المائة: و عنه، عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله
ص:482
و سلّم، في حديث أنّه يفتح اللّه القسطنطنية على يده، و قد مرّ الحديث و هو الحادي و السّبعون. (1)
قال: هذا سياق الحافظ أبي نعيم قال: هذا هو المهديّ عليه السلام بلا شكّ وفقا بين الرّوايات. (2)
الرابع عشر و المائة: و عنه، عن قيس بن جابر، عن أبيه، عن جدّه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث ملوك جبابرة ثمّ يخرج، و قد مرّ و هو الحديث الثّاني و السبعون. (3)
قال: هكذا رواه أبو نعيم الحافظ في «فوائده» و الطبراني في «معجمه الأكبر» . (4)
الخامس عشر و المائة: و عنه، عن أبي إمامة قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد مرّ، و هو الحديث التّاسع و الأربعون.
قال: هذا حديث حسن، هكذا رواه أبو نعيم الأصفهاني. (5)
السادس عشر و المائة: و عنه، عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو حديث تنعّم الامّة و قد مرّ و هو الحديث الرّابع و الستون.
قال: حديث حسن المتن رواه الحافظ أبو القاسم الطّبراني في «معجمه
ص:483
الأكبر» . (1)
السابع عشر و المائة: و عنه، عن ثوبان، قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقتتل عند كنزكم ثلاثة و هو حديث و قد مرّ: و هو حديث السّابع و الستون.
قال: هذا حديث حسن المتن وقع إلينا عاليا من رواية ثوبان، و فيه دليل على شرف المهديّ عليه السلام يكون خليفة اللّه في الأرض على لسان أصدق ولد آدم عليه السلام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (2)الآية. (3)
الثّامن عشر و المائة: قال الشعبي (4): و هو من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام و هو من علماء العامّة: اعلم أن روايتنا نحن و أكثر أهل الإسلام أيضا أنّ نبيّنا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا بدّ من مهديّ من ولد فاطمة ابنته عليها السلام يظهر فيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا.
قال السيّد ابن طاوس: و قد روى ذلك أيضا جماعة من رجال المذاهب
ص:484
الأربعة في كتبهم، و أجمع عليه أهل الإسلام، ثمّ ذكر من رواياتهم الكثيرة ممّا رويناه هنا و غيره.
التاسع عشر و المائة: كتاب «عقد الدرر» من طرق المخالفين بسند إلى الحسين بن عليّ عليه السلام أنّه قال: لو قام المهديّ لأنكره النّاس، لأنّه يرجع إليهم شابّا موفّقا و من أعظم البليّة أن يخرج لهم صاحبهم شابّا و هم يحسبونه شيخا كبيرا. (1)
العشرون و المائة: و من «مستدرك الصحيحين» لأبي عبد اللّه الحاكم يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
ينزل بأمّتي في آخر الزّمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع ببلاء أشدّ منه حتّى تضيق الأرض عنهم الرحبة و حتى تملأ الأرض جورا و ظلما، و لا يجد المؤمن ملتجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث اللّه رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، يرضى عنه ساكن الأرض، لا تدّخر الأرض شيئا من بذرها إلاّ أخرجته، و لا السّماء من قطرها شيئا إلاّ صبّه اللّه عليه مدرارا: يعيش فيهم سبع سنين أو تسع، يتمنّى الأحياء الأموات ممّا صنع اللّه عزّ و جلّ بأهل الأرض من خير (2).
الحادي و العشرون و المائة: من «معجم الطبراني» و «مناقب المهدي» لابي نعيم الحافظ بسندهما إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «يلتفت المهديّ و قد نزل عيسى بن مريم
ص:485
كما يقطر من شعره الماء» و ساق حديثه و في آخره: «قام عيسى حتى جلس بالمقام فيبايعه» الحديث. (1)
الثاني و العشرون و المائة: و من كتاب «الفتن» للحافظ أبي عبد اللّه نعيم ابن حمّاد (2)يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: منّا الّذي يصلّي عيسى بن مريم عليه السلام خلفه. (3)
الثالث و العشرون و المائة: و من كتاب «الفتن» يرفعه إلى هشام (4)عن محمّد (5)قال: المهديّ عليه السلام من هذه الامّة و هو الّذي يؤمّ عيسى بن مريم عليهما السلام. (6)
الرابع و العشرون و المائة: و من «حلية الأولياء» في حديث طويل قال:
فيه و جلّهم ببيت المقدّس، إمامهم مهديّ رجل صالح، فبينا إمامهم قد تقدّم يصلّي بهم الصبح إذ نزل عيسى بن مريم حتى كبّر للصبح، فيرجع ذلك الإمام ينكص ليقدّم عيسى عليه السلام ليصلّي بالناس، فيضع عيسى يديه بين كتفيه
ص:486
فيقول: تقدّم فصلّها فإنّها لك اقيمت فيصلّي بهم إمامهم عليهما السلام. (1)
الخامس و العشرون و المائة: و من كتاب العرائس لأبي إسحاق الثعلبي بإسناده إلى تميم (2)الدّاري قلت: يا رسول اللّه إنّي مررت بمدينة صفتها كيت و كيت قريبة من ساحل البحر، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تلك أنطاكية، أما إنّ غارا من غير انها فيه رضاضا من ألواح موسى، و ما سحابة شرقية و لا غربية تمرّ عليها إلاّ ألقت عليها من بركتها و لن تذهب الأيّام و الليالي حتّى يملكها رجل من أهل بيتي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. (3)
السادس و العشرون و المائة: و من كتاب فضل الكوفة لأبي عبد اللّه محمّد بن علي العلويّ (4)يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى
ص:487
اللّه عليه و آله و سلّم: يملك المهديّ الناس تسعا أو عشرا أسعد الناس به أهل الكوفة: (1)
السابع و العشرون و المائة: و من كتاب «الردّ على الزيدية» للشيخ أبي عبد اللّه جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي (2)من طريق المخالفين قال:
أخبرني أبو عبد اللّه محمّد بن وهبان (3)، قال: حدّثنا أبو بشر (4)أحمد بن إبراهيم ابن أحمد العمي قال: أخبرنا محمّد بن زكريا (5)بن دينار الغلابي، قال: حدّثنا سليمان بن إسحاق بن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس قال: حدّثنا أبي، قال: كنت يوما عند الرّشيد فذكر المهدي و ما ذكر من عدله فأطنب من ذلك، فقال الرشيد:
إنّي أحسبكم تحسبونه (6)أبي المهديّ، حدّثني أبي عن أبيه، عن جدّه، عن ابن
ص:488
عبّاس، عن ابيه العبّاس بن عبد المطّلب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال له: يا عمّ يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثمّ يكون امور كريهة و شدّة عظيمة ثمّ يخرج المهديّ من ولدي يصلح اللّه أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و يمكث في الأرض ما شاء اللّه، ثمّ يخرج الدجّال. (1)
الثامن و العشرون و المائة: موفّق بن أحمد الخوارزمي من أعيان علماء الجمهور في كتابه، قال: حدّثني فخر القضاة نجم الدين أبو منصور (2)محمّد بن الحسين بن محمّد البغدادي فيما كتب إليّ من همذان، قال: أنبأنا الإمام الشّريف نور الهدي أبو طالب (3)الحسين بن محمّد الزينبي، قال: أخبرنا إمام الأئمّة محمّد ابن شاذان (4)قال: حدّثنا أبو محمد (5)الحسن بن عليّ العلوي الطبري، عن أحمد ابن عبد اللّه (6).
ص:489
قال: حدّثني جدّي أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر ابن اذينة، قال: حدّثنا أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان المحمّدي، قال: دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إذا الحسين عليه السلام على فخذه، و هو يقبّل عينيه، و يلثم فاه، يقول: أنت سيّد ابن السيّد أبو السادة (1)، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمّة، أنت حجّة ابن حجّة أخو حجّة أبو حجج تسعة من (2)صلبك تاسعهم قائمهم. (3)
التاسع و العشرون و المائة: موفّق بن أحمد أيضا المسمّى عندهم صدر الأئمّة أخطب خوارزم في كتابه قال: حدّثني فخر القضاة نجم الدين أبو منصور محمّد بن الحسين بن محمّد البغدادي فيما كتب إليّ من همدان، قال: أنبأنا الإمام الشّريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد الزّينبي، قال: أخبرنا إمام الأئمّة محمّد بن أحمد بن شاذان قال: حدثنا أحمد بن (4)محمد بن عبد اللّه
ص:490
الحافظ قال: حدّثنا عليّ (1)بن سنان الموصلي، عن أحمد بن محمّد الخليلي الآملي (2)عن محمّد بن صالح الهمداني (3)عن سليمان (4)بن محمّد، عن زياد بن مسلم (5)عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (6)عن أبي سلاّم (7)عن أبي
ص:491
سلمى (1)راعي إبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: ليلة أسرى بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ جلاله: «آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه» (2)فقلت: «و المؤمنون» قال: صدقت، قال: من خلّفت في أمّتك قلت: خيرها، قال: عليّ بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا ربّ، قال: يا محمّد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها، فشققت لك اسما من أسمائي فلا أذكر في موضع إلاّ ذكرت معي فأنا المحمود و أنت محمّد، ثمّ اطّلعت الثّانية فاخترت منها عليا فشققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى و هو عليّ.
يا محمّد إنّي خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة من ولده من (3)نوري، و عرضت ولايتكم على أهل السموات و الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، و من جحدها كان عندي من الكافرين.
يا محمّد لو أنّ عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشنّ البالي ثمّ أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم.
يا محمّد أ تحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم يا ربّ فقال: التفت عن يمين العرش فالتفتّ فإذا (4)بعليّ و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و عليّ بن الحسين، و محمّد بن علي و جعفر بن محمّد، و موسى بن جعفر، و عليّ بن موسى، و محمّد بن عليّ، و عليّ بن محمّد، و الحسن بن عليّ، و المهديّ عليهم السلام
ص:492
في ضحضاح (1)من نور قياما يصلّون، و هو في وسطهم يعني المهديّ عليه السلام (2)كأنّه كوكب دريّ، و قال: يا محمّد هؤلاء الحجج، و هو الثائر من عشيرتك (3)، و عزتي و جلالي إنّه الحجة الواجبة لأوليائي، و المنتقم من أعدائي. (4)
الثلاثون و المائة: موفق بن أحمد أيضا بالإسناد السابق عن الإمام محمّد بن أحمد بن عليّ بن شاذان قال: حدّثنا محمّد بن (5)علي بن الفضل، عن محمّد (6)بن القاسم، عن عباد (7)بن يعقوب، عن موسى بن عثمان (8)قال: حدّثني أبو إسحاق (9)عن الحارث (10)، و سعيد بن
ص:493
بشير (1)عن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و آله قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا واردكم على الحوض و أنت يا عليّ السّاقي، و الحسن الزائد، و الحسين الآمر، و عليّ بن الحسين الفارض، و محمد بن علي الناشر، و جعفر بن محمد السائق، و موسى ابن جعفر محصي المحبين و المبغضين، و قامع المنافقين، و عليّ بن موسى مزيّن المؤمنين، و محمّد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم، و عليّ بن محمد خطيب شيعته و مزوّجهم الحور العين، و الحسن بن عليّ سراج أهل الجنة يستضيئون به، و المهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن اللّه إلاّ لمن يشاء و يرضى. (2)
قال مؤلّف هذا الكتاب: هذه الرّوايات من طرق العامّة و هي أكثر ممّا ذكرنا اقتصرت على هذا القدر لأنّه يطول الكتاب بالزّيادة على ذلك و هو يورث الملل و الضجر و فيما ذكرته كفاية.
فإن قلت فيما ذكرته من الرّوايات تكرار في بعضها فما الحاجة إلى ذكرها مرّة ثانية؟
قلت: ما ذكرته و إن كان فيه تكرار لكن النقلة و المصنّفين مختلفون، و بعضهم يزيد في روايته، و بعضهم يحكم بصحة ما رواه و يحسّنه و يجعله عاليا، و هو من مقبول الحديث و مرجّحاته كما هو مذكور في الاصول، فالتكرار في القليل من هذه الرّوايات لهذه النكت الّتي ذكرتها، و اللّه سبحانه و تعالى
ص:494
الموفّق و المعين.
قال مؤلّف الكتاب: ذكر الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد الگنجي الشّافعي في كتاب «البيان في أخبار صاحب الزمان» ، و قد تقدّمت الأحاديث المنقولة من كتابه هذا قال في آخره: الباب الخامس و العشرون و هو آخر الأبواب في الدلالة على كون المهديّ عليه السلام حيّا باقيا منذ غيبته الى الآن و لا امتناع في بقائه عليه السلام بدليل بقاء عيسى و الخضر و إلياس عليهم السلام من أولياء اللّه و بقاء الدجّال، و إبليس اللعين من أعداء اللّه، و هؤلاء قد ثبت بقاءهم بالكتاب و السنّة، و قد اتّفقوا على ذلك، ثم أنكروا بقاء المهديّ عليه السلام لوجهين: أحدهما طول الزّمان، و الثاني أنّه في سرداب من غير أن يقوم أحد بطعامه و شرابه، و هذا ممتنع عادة.
قال مؤلّف الكتاب محمّد بن يوسف بن محمّد الگنجي بعون اللّه نبتدئ:
اما عيسى عليه السلام فالدّليل على بقائه من الكتاب قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (1)و لم يؤمن به بعد نزول هذه الآية إلى يومنا هذا جميعهم، فلا بدّ أن يكون ذلك في آخر الزمان.
و أمّا السنّة فما رواه مسلم في «صحيحه» عن النوّاس (2)بن سمعان في حديث طويل في قصّة الدجّال قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفّيه على أجنحة ملكين (3).
ص:495
و أيضا ما تقدّم من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كيف بكم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم. (1)
و أما الخضر و الياس فقد قال ابن جرير الطبري: الخضر و إلياس باقيان يسيران في الأرض.
و أيضا فما رواه مسلم في «صحيحة» عن أبي سعيد الخدري قال: حدّثنا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديثا طويلا عن الدجّال فكان فيما حدّثنا: يأتي و هو محرّم عليه أن يدخل نقاب (2)المدينة فينتهي الى بعض السّباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير النّاس فيقول اشهد أنّك الدجّال الذي حدّثنا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديثه، فيقول «الدجّال» : أ رايتم إن قتلت هذا ثم أحييته أ تشكّون في أمري؟ فيقولون: لا قال:
فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحييه: و اللّه ما كنت فيكم أشدّ بصيرة منّي الآن قال:
فيريد الدجّال أن يقتله ثانيا فلا يسلّط عليه، قال أبو إسحاق (3): يقال: إنّ هذا الرجل هو الخضر (عليه السلام) . (4)
و أمّا الدليل على بقاء الدجّال فإنّه أورد حديث تميم (5)الداري، و الجساسة الدابّة الّتي تكلّمهم، و هو حديث صحيح ذكره مسلم في «صحيحة»
ص:496
و قال: هذا صحيح في بقاء الدجّال.
قال: و أمّا الدليل على بقاء إبليس اللّعين فآي الكتاب العزيز نحو قوله تعالى: قال ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون قال: فَإِنَّكَ مِنَ اَلْمُنْظَرِينَ . (1)
و أمّا بقاء المهديّ عليه السلام فقد جاء في الكتاب و السنّة. أمّا الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (2)قال: هو المهديّ عليه السلام من عترة فاطمة عليها السلام.
و أمّا من قال: إنّه عيسى عليه السلام فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للإمام عليه السلام على ما تقدّم، و قد قال مقاتل (3)بن سليمان و من شايعه من المفسّرين في تفسير قوله تعالى: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ (4)قال: هو المهديّ عليه السلام يكون في آخر الزمان و بعد خروجه يكون قيام الساعة و أماراتها.
و أما السنّة فما تقدّم في كتابنا هذا من الأحاديث الصحيحة الصّريحة.
و أمّا الجواب عن طول الزّمان فمن حيث النصّ و المعنى.
أمّا النصّ فما تقدّم من الأخبار على أنّه لا بدّ من وجود الثلاثة في آخر الزّمان و أنّهم ليس فيهم متبوع غير المهديّ عليه السلام بدليل أنّه إمام الأئمّة في آخر الزمان، و أنّ عيسى عليه السلام يصلّي خلفه كما ورد في الصحاح و يصدّقه في دعواه، و الثّالث هو الدجّال اللعين و قد ثبت أنّه حيّ موجود.
و أما المعنى في بقائهم فلا يخلو إمّا أن يكون بقاؤهم داخلا في مقدور اللّه تعالى أو لا يكون، و يستحيل أن يخرج بقاؤهم عن مقدور اللّه تعالى، لأنّ من بدأ
ص:497
الخلق من غير شيء ثم يعيده بعد الفناء لا بدّ أن يكون الإبقاء في مقدوره، ثمّ اختيار البقاء لا يخلو من قسمين: إمّا أن يكون راجعا إلى اختياره تعالى أو الأمّة، و لا يجوز أن يكون راجعا إلى اختيار الأمّة لأنّه لو صح ذلك لجاز لأحدنا أن يختار البقاء لنفسه و لولده، و ذلك غير حاصل لنا و لا داخل تحت مقدورنا، و الأوّل لا يخلو من قسمين: إمّا أن يكون لسبب أو لا، فإن كان لغير سبب كان خارجا عن وجه الحكمة، و ما يخرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعاله تعالى، فلا بدّ أن يكون لسبب تقتضيه الحكمة.
قال: و سنذكر سبب بقاء كلّ واحد منهم على حدته.
أمّا سبب بقاء عيسى عليه السلام فلقوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (1)و لم يؤمن به منذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا أحد (2)فلا بدّ أن يكون هذا في آخر الزّمان.
و أمّا الدجّال اللعين لم يحدث حدثا مذ عهد إلينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه خارج فيكم الأعور الدجّال، و إنّ معه جبالا من خبز تسير معه، إلى غير ذلك من آياته، فلا بدّ من أن يكون ذلك في آخر الزّمان لا محالة، و أمّا الإمام المهديّ عليه السلام مذ غيبته عن الأبصار الى يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطا و عدلا، كما تقدّمت الأخبار في ذلك مشروطا بآخر الزمان فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل المعلوم، فعلى هذا اتّفقت اسباب بقاء الثلاثة فلا بدّ أن يكون ذلك لصحة أمر معلوم في وقت معلوم، و هما صالحان: نبيّ و إمام، و طالح عدوّ اللّه و هو الدجّال و قد تقدمت الأخبار من الصحاح بما ذكرناه في صحة بقاء الدجال مع بقاء عيسى عليه السلام فما المانع من بقاء المهدي عليه السلام مع
ص:498
كون بقائه باختيار اللّه تعالى و داخلا. تحت مقدوره و هو آية الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فعلى هذا هو أولى بالبقاء من الاثنين الآخرين لأنّه إذا بقي المهديّ عليه السلام كان إمام آخر الزّمان يملأ الأرض قسطا و عدلا كما تقدمت الأخبار، فيكون بقاؤه مصلحة للمكلّفين و لطفا لهم من عند اللّه تعالى بخلاف الدجّال، فإنّ في بقائه مفسدة لادّعائه الربوبيّة على ما ذكر و فتكه بالامّة، و لكن في بقائه ابتلاء من اللّه تعالى ليعلم المطيع منهم و العاصي، و المحسن من المسيء، و المصلح من المفسد، و هذا هو الحكمة في بقاء الدجّال.
و أمّا بقاء عيسى عليه السلام فهو سبب إيمان أهل الكتاب للآية، و التصديق بنبوّة سيّد الأنبياء محمّد خاتم الأنبياء رسول ربّ العالمين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و يكون تبيانا لدعوى الإمام عند أهل الإيمان، و مصدّقا لما دعا إليه عند أهل الطغيان، بدليل صلاته خلفه، و نصرته ايّاه، و دعائه إلى الملّة المحمّدية التي هو إمام فيها، فصار بقاء المهديّ عليه السلام أصلا، و بقاء الاثنين فرعا على بقائه، فكيف يصحّ بقاء الفرعين مع عدم بقاء الأصل لهما، و لو صحّ ذلك لصحّ وجود المسبّب من دون وجود السبب، و ذلك مستحيل في العقول.
و إنّما قلنا: إنّ بقاء المهدي أصل لبقاء الاثنين لأنّه لا يصحّ وجود عيسى بانفراده عنه غير ناصر لملّة الاسلام و غير مصدّق للإمام، لأنّه لو صح ذلك لكان منفردا بدولة و دعوة، و ذلك يبطل دعوة الإسلام، من حيث أراد ان يكون تبعا فصار متبوعا، و أراد أن يكون فرعا فصار اصلا، و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا نبيّ بعدي و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحلال ما أحلّ اللّه على لساني إلى يوم القيامة و الحرام ما حرّم اللّه على لساني إلى يوم القيامة، فلا بدّ من أن يكون له عونا و ناصرا و مصدّقا، و إذا لم يجد من يكون له عونا و مصدّقا لم يكن لوجوده تأثير.
ص:499
فثبت أنّ وجود المهدي عليه السلام اصل لوجوده، و كذلك الدجّال اللعين لا يصحّ وجوده في آخر الزمان و لا يكون للأمّة الامام يرجعون إليه و وزير يعوّلون عليه لأنّه لو كان كذلك لم يزل الإسلام مقهورا و دعوته باطلة فصار وجود الإمام أصلا لوجوده على ما قلنا.
و أما الجواب عن إنكارهم بقائه في السرداب من غير أحد يقوم بطعامه و شرابه فعنه جوابان: أحدهما بقاء عيسى عليه السلام في السماء من غير أحد يقوم بطعامه و شرابه، و هو بشر مثل المهدي عليه السلام، فكما جاز بقاؤه في السماء من غير أحد و الحال هذه، فكذلك المهديّ عليه السلام في السرداب:
فإن قلت: إنّ عيسى عليه السلام يغذّيه ربّ العالمين من خزانة غيبه، قلت: لا تفنى خزائنه بانضمام المهديّ إليه في غنائمه.
فإن قلت: إنّ عيسى خرج عن طبيعة البشريّة قلت: هذا دعوى باطلة، لأنّه تعالى قال: لأشرف الأنبياء: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (1).
فإن قلت: اكتسب ذلك من العالم العلوي قلت: هذا يحتاج إلى توقيف و لا سبيل إليه.
الثاني بقاء الدجّال في الدير على ما تقدّم (2)باشدّ الوثاق مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه الى كعبيه بالحديد، و في رواية في بئر موثوق، و إذا كان بقاء الدجّال ممكنا على الوجه المذكور من غير أحد يقوم به فما المانع من بقاء المهدي عليه السلام مكرما من غير الوثاق، إذ الكلّ في مقدور اللّه تعالى، فثبت
ص:500
أنّه غير ممتنع شرعا و لا عادة. (1)
ثم ذكر بعد هذه الأبحاث خبر سطيح، و وقائع و حوادث تجري و زلازل من فتن، ثمّ إنّه يذكر خروج المهدي عليه السلام و أنّه يملأ الارض عدلا و يطيب الدنيا و أهلها في أيّام دولته.
قال الشيخ الفاضل عليّ بن عيسى رحمه اللّه بعد أن ذكر ما ذكرناه في «كشف الغمة» قال عقيب ذلك: هذه الأبحاث لا تثبت لنا حجّة و لا تقطع الخصم، و لا تضرّه لما يرد عليها من الإيرادات تطويله في إثبات بقاء المسيح عليه السلام و ابليس و الدجّال هي مثل الضروريات عند المسلمين، فلا حاجة إلى التكلّف لتقريرها، و الجواب المختصر ما ذكرته آنفا، و هو أنّ النقل قد ورد به من طرق المؤالف و المخالف، و العقل لا يحيله فوجب القطع به.
فأمّا قوله: إنّ المهديّ عليه السلام في سرداب، و كيف يمكن بقاؤه من غير أحد يقوم بطعامه و شرابه، فهذا قول عجيب و تصوّر غريب، فإنّ الذين أنكروا وجوده لا يوردون هذا و الذين يقولون بوجوده لا يقولون: إنّه في سرداب، بل يقولون: إنّه حيّ موجود يحلّ و يرتحل، و يطوف في الأرض ببيوت و خيم و خدم و حشم و ابل و خيل و غير ذلك و ينقلون قصصا في ذلك و أحاديث يطول شرحها.
و أنا اذكر من ذلك قصّتين قرب عهدهما من زماني و حدّثني بهما جماعة من ثقات إخواني:
الاولى-أنّه كان في البلاد الحلية شخص يقال: إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها: هر قل، مات في زماني و ما رايته، و حكى لي ولده
ص:501
شمس الدين، قال: حكى لي والدي أنّه خرج فيه و هو شاب-على فخذه الأيسر توتة (1)مقدار قبضة الإنسان و كانت في كلّ ربيع تنشقّ و يخرج منها دم و قيح، و يقطعه ألمها عن كثير من اشغاله، و كان مقيما بهر قل، فحضر الى الحلّة يوما و دخل إلى مجلس السيد السعيد رضي الدّين عليّ بن طاوس (2)رحمه اللّه، و شكا إليه ما يجده، فقال: أريد أن اداويها فأحضر له اطباء الحلّة و أراهم الموضع، فقالوا: هذه التوتة فوق العرق الأكحل في علاجها خطر، و متى قطعت خيف أن يقطع العرق فيموت.
فقال له السعيد رضي الدّين قدّس اللّه روحه: أنا متوجّه إلى بغداد، و ربما كان اطبّاؤها أعرف و أحذق من هؤلاء فاصحبني، فأصعد معه و أحضر الأطبّاء فقالوا كما قال أولئك، فضاق صدره، فقال له السعيد: إنّ الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب و عليك الاجتهاد في الاحتراس، فلا تغرر بنفسك فاللّه تعالى قد نهى عن ذلك و رسوله.
فقال له والدي: إذا كان الأمر هكذا و قد وصلت إلى بغداد فأتوجّه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّمن رأى على مشرّفه السلام، ثم أنحدر إلى أهلي، فحسّن له ذلك، فترك ثيابه و نفقته عند السعيد رضي الدين و توجّه.
قال: فلمّا دخلت المشهد و زرت الأئمّة عليهم السلام نزلت السرداب و استغثت باللّه و بالإمام عليه السلام، و قضيت بعض الليل في السّرداب، و بقيت في المشهد إلى الخميس، ثمّ مضيت إلى دجلة، و اغتسلت و لبست ثوبا نظيفا و ملأت إبريقا كان معي و صعدت أريد المشهد.
ص:502
فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السّور و كان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم، فالتفتّ فرأيت شابّين أحدهما عبد مخطوط و كلّ واحد منهم متقلّد بسيف، و شيخا منقّبا بيده رمح، و الآخر متقلّد بسيف، و عليه فرجية ملوّنة فوق السيف، و هو متحنّك بعذبته.
فوقف الشيخ صاحب الرّمح يمين الطريق، و وضع كعب الرّمح في الأرض و وقف الشابّان عن يسار الطريق، و بقي صاحب الفرجيّة على الطريق مقابل والدي ثمّ سلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: أنت غدا تروح إلى أهلك؟ فقال له: نعم فقال له: تقدّم حتى أبصر ما يوجعك؟ قال:
فكرهت ملامستهم و قلت (1)أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة و أنا قد خرجت من الماء و قميصي مبلول.
ثمّ إنّي مع ذلك تقدّمت إليه فلزمني بيده و مدّني إليه، و جعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن اصابت يده التوتة فعصرها بيده فأوجعني، ثمّ استوى على سرجه كما كان، فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل فعجبت من معرفته اسمي، فقلت: أفلحنا و افلحتم إن شاء اللّه تعالى:
فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام عليه السلام فقال: فتقدّمت إليه و احتضنته و قبّلت فخذه ثمّ إنّه ساق و أنا أمشي معه محتضنه، فقال: ارجع، فقلت له: لا أفارقك أبدا فقال: المصلحة رجوعك و أعدت عليه مثل القول الأوّل، فقال الشيخ: يا إسماعيل ما تستحي؟ يقول لك الامام عليه السلام مرّتين: ارجع و تخالفه! فجهني (2)بهذا القول، فوقفت، فتقدّم خطوات و التفت إليّ و قال: إذا
ص:503
وصلت بغداد فلا بدّ أن يطلبك ابو جعفر يعني الخليفة المستنصر (1)فإذا حضرت عنده و أعطاك شيئا فلا تأخذه، و قل لولدنا الرّضي: ليكتب لك إلى عليّ ابن عوض فإنّني أوصيه يعطيك الّذي تريد.
ثم سار و أصحابه معه فلم أزل قائما أبصرهم الى أن غابوا عنّي و حصل عندي أسف لمفارقته فقعدت الى الأرض ساعة، ثمّ مضيت إلى المشهد فاجتمع القوّام حولي، و قالوا: نرى وجهك متغيّر أوجعك شيء؟ قلت: لا، قالوا:
أخاصمك أحد؟ قلت: لا ليس عندي ممّا تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الّذين كانوا عندكم؟ فقالوا: هم من الشرفاء ارباب الغنم، فقلت: بل هو الإمام، فقالوا: الإمام هو الشّيخ أو صاحب الفرجية؟ قلت: صاحب الفرجية فقالوا: اريته المرض الذي كان فيك؟ فقلت: هو قبضه بيده و أوجعني.
ثمّ كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا فتداخلني الشكّ من الدهش، فأخرجت رجلي الأخرى فلم ار شيئا، فانطبق الناس عليّ و مزّقوا قميصي، فادخلني القوّام خزانة و منعوا الناس عنّي، و كان ناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجّة، و سأل عن الخبر فعرّفوه، فجاء الى الخزانة و سألني عن اسمي، و سألني: منذ كم خرجت من بغداد؟ فعرّفته أني خرجت من أوّل الاسبوع فمشى عنّي و بتّ بالمشهد، و صلّيت الصبح و خرج النّاس معي إلى أن بعدت عن المشهد و رجعوا عنّي.
و وصلت إلى أوانا 2فبتّ به و بكرت منه أريد بغداد، فرأيت النّاس
ص:504
مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون كلّ من ورد عليهم من اسمه و نسبه و أين كان؟ فسألوني عن اسمي و من أين جئت، فعرّفتهم فاجتمعوا عليّ و مزقوا ثيابي و لم يبق لي في روحي حكم.
و كان ناظر بين النهرين: كتب إلى بغداد و عرّفهم الحال ثمّ حملوني الى بغداد و ازدحم الناس عليّ و كادوا يقتلونني من كثرة الزحام و كان الوزير 1القمي قد طلب السعيد رضي الدين رحمه اللّه و تقدّم أن يعرفه صحة هذا الخبر.
قال: فخرج رضي الدين و معه جماعة فوافينا باب النوبي، فردّ اصحابه الناس عنّي فلمّا رآني قال: أ عنك يقولون؟ قلت: نعم، فنزل عن دابّته و كشف عن فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة، و أخذ بيدي و ادخلني على الوزير و هو يبكي و يقول: يا مولانا هذا أخي و أقرب النّاس الى قلبي.
فسألني الوزير عن القصّة فحكيت له فأحضر الأطباء الّذين أشرفوا عليها و أمرهم بمداواتها فقالوا: ما دوائها إلاّ القطع بالحديد، و متى قطعها مات، فقال لهم الوزير فبتقدير أن تقطع و لا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا: في شهرين و تبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر، فسألهم الوزير متى رأيتموه؟ قالوا:
منذ عشرة ايّام، فكشف الوزير عن الفخذ الّذي كان فيه الألم و هي مثل أختها ليس فيها أثر اصلا، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح، فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.
ثمّ إنّه أحضر عند الخليفة المستنصر، فسأله عن القصّة فعرّفه به كما
ص:505
جرى، فتقدّم له بألف دينار فلمّا حضرت قال: خذ هذه فأنفقها، فقال: ما أجسر أن آخذ منه حبّة واحدة، فقال الخليفة: ممّن تخاف؟ فقال: من الذي فعل معي هذا قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئا، فبكى الخليفة و تكدّر، و خرج من عنده و لم يأخذ شيئا.
قال الشيخ الفاضل عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» عقيب ذلك: كنت في بعض الأيّام أحكي هذه القصة لجماعة عندي و كان هذا شمس الدين محمّد ولده عندي، و أنا لا أعرفه، فلمّا انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه، فعجبت من هذا الاتّفاق و قلت له: هل رأيت فخذه و هي مريضة؟ فقال: لا لأني أصبو عن ذلك، و لكن رأيتها بعد ما صلحت و لا أثر فيها و قد نبت في موضعها شعر.
و قال عليّ بن عيسى أيضا: و سألت السيّد صفيّ الدّين محمّد بن بشير العلوي الموسوي (1)و نجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما اللّه و كانا من أعيان النّاس و سراتهم و ذوي الهيئات منهم و كانا صديقين لي و عزيزين عندي فأخبراني بصحة هذه القصّة و أنّهما رأياها في حال مرضها و حال صحّتها.
و حكى لي ولده هذا أنّه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه عليه السلام حتى أنّه جاء الى بغداد و أقام بها في فصل الشتاء و كان كلّ أيام يزور سامراء و يعود إلى بغداد فزارها في تلك السنة اربعين مرّة طمعا أن يعود له الوقت الّذي مضى فيقضي الحظّ (2)بما قضى، و من الّذي أعطاه دهره الرضا، أو ساعده بمطالبه صرف القضا فمات رحمه اللّه بحسرته و انتقل الى الآخرة بغصّته، و اللّه
ص:506
يتولاّه و إيّانا برحمته بمنّه و كرامته. (1)
ثمّ قال عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» : و حكى لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني: أنّ أباه عطوة كان آدر (2)و كان زيديّ المذهب، و كان ينكر على بنيه الميل الى مذهب الإمامية و يقول: لا اصدّقكم و لا أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم يعني المهديّ عليه السلام فيبرئني من هذا المرض، و تكرّر هذا القول منه، فبينا نحن مجتمعون عند وقت العشاء الآخرة إذ أبونا يصيح و يستغيث بنا، فأتيناه سراعا فقال: الحقوا صاحبكم فالسّاعة خرج من عندي، فخرجنا فلم نر أحدا، فعدنا إليه و سألناه، فقال: إنّه: دخل إليّ شخص و قال: يا عطوة فقلت: من أنت؟ فقال أنا صاحب بنيك قد جئت أبرئك ممّا بك: ثم مدّ يده فعصر قروتي (3)و مشى، و مددت يدي فلم أر بها اثرا، قال لي ولده: و بقي مثل الغزال ليس به قروة، و اشتهرت هذه القصّة و سألت عنها غير ابنه فأقرّ بها.
و الأخبار عنه عليه السلام في هذا الباب كثيرة و أنّه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز و غيرها فخلّصهم و أوصلهم إلى حيث ارادوا، و لو لا التطويل لذكرت منها جملة و لكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماننا كاف انتهى كلام عليّ بن عيسى. (4)
قال مؤلّف هذا الكتاب: إن شاء اللّه تعالى أعمل كتابا في ذلك مستوفيا كثيرا من ذلك و باللّه سبحانه التوفيق و هو حسبنا و نعم الوكيل، و كان الفراغ من هذا الكتاب الموسوم «بحلية الأبرار محمّد و آله الأئمّة الأطهار» على يد مؤلّفه
ص:507
فقير اللّه الغنيّ عبده هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني في اليوم الثّاني عشر من شهر ربيع الثّاني السنة التاسعة و التسعين و الألف، و صلّى اللّه على محمد و آله الاطهار و سلم تسليما كثيرا.
الحمد للّه الذي منّ على هذا العبد الذليل غلام رضا بن علي اكبر الملقّب بمولانا البروجردي إذ وفّقني لتصحيح هذه الأسفار و تعليقها و تخريج مصادرها و أرجو من كرمه أن يعفو عن سيّئاتي و يغفر لي زلاّتي و لا يخرجني من الدّنيا حتى يرضى عنّي بحق أفضل خلقه محمّد و آله الأطهار الأبرار و كان الفراغ من هذا السفر القيّم و هي خاتمة الكتاب في شهر ربيع الأول سنة (1415) ه في بلدة قم المحميّة.
ص:508
الموضوع الصفحة المنهج الحادي عشر في الإمام العاشر أبي الحسن الثالث علي بن محمّد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام 5
الباب الاول في ميلاده عليه السلام 7
الباب الثاني في علمه عليه السلام 9
الباب الثالث في رسالته عليه السلام إلى أهل الأهواز 21
الباب الرابع في رفعه عليه السلام شأن العلماء 31
الباب الخامس في عبادته عليه السلام 35
الباب السادس في ورعه عليه السلام 39
الباب السابع في جوده عليه السلام 41
الباب الثامن حديثه عليه السلام مع المتوكل في إسلام أبي طالب عليه السلام 45
الباب التاسع في صبره عليه السلام و مقامات له مع المتوكّل 49
الباب العاشر في حديثه عليه السلام مع زينب الكذابة 59
الباب الحادي عشر في حديثه عليه السلام مع الهندي اللاعب 65
الباب الثاني عشر في حديث تل المخالي 69
الباب الثالث عشر في نص أبيه عليه بالإمامة و انه وصيّه عليهما السلام 71
ص:509
المنهج الثاني عشر في الإمام الحادي عشر أبي محمّد الحسن بن علي ابن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين 77
الباب الأول في مولده عليه السلام 79
الباب الثاني في علمه عليه السلام 81
الباب الثالث في عبادته عليه السلام 89
الباب الرابع في فضله و عفافه و كرمه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل اخلاقه و صلاحه عليه السلام عند الخاص و العام 93
الباب الخامس في جوده عليه السلام 99
الباب السادس حديثه عليه السلام مع المتطبّب الّذي أعطاه خمسين دينارا لما فصده 107
الباب السابع حديثه عليه السلام مع أنوش النصراني 111
الباب الثامن حديث البغل مع المستعين 113
الباب التاسع في حديث الشاكري و الفرس 115
الباب العاشر حديث الراهب في الاستسقاء 119
الباب الحادي عشر في حديث البساط 121
الباب الثاني عشر في أنه عليه السلام وصي أبيه و الإمام بعده 125
المنهج الثالث عشر في الإمام الثاني عشر م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحجة المنتظر المهدي عليه السلام 135
الباب الاول في ذكر أمّ القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف 141
الباب الثاني في ميلاده عليه السلام 151
الباب الثالث في كلامه عليه السلام في بطن امّه و قراءته القرآن، و ما
ص:510
ظهر من البراهين حال الولادة 155
الباب الرابع في قراءته عليه السلام ما أنزل اللّه عزّ و جلّ على أنبيائه بعد سبعة أيام من حال الولادة، و غير ذلك من البراهين 161
الباب الخامس في قراءته عليه السلام حال الولادة 167
الباب السادس في أنّه مكتوب على ذراعه الأيمن جاء الحق و زهق الباطل 169
الباب السابع في قراءته القرآن في بطن امّه، و سجوده عقيب الولادة، و اشراق النور، و غير ذلك من براهينه 173
الباب الثامن في سجوده عليه السلام حال ولادته 175
الباب التاسع في فقد القابلة له عليه السلام من كفها 179
الباب العاشر في النور الساطع حال ولادته عليه السلام، و حمده اللّه و صلواته على محمّد و آله الطاهرين، و تمسح الملائكة به 183
الباب الحادي عشر في ظهوره عليه السلام و غيبته في الحال، و لم ير مع حضوره 187
الباب الثاني عشر في انه عليه السلام صلّى على أبيه عليه السلام 191
الباب الثالث عشر في أنه وصي أبيه عليه السلام، و نصه عليه بالامامة 195
الباب الرابع عشر في تسميته عليه السلام القائم و المنتظر و المهدي 205
الباب الخامس عشر في علمه عليه السلام 211
الباب السادس عشر في جوده عليه السلام 227
الباب السابع عشر في لباسه عليه السلام 235
الباب الثامن عشر في استواء درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 239
الباب التاسع عشر فيما عند القائم عليه السلام من آيات الأنبياء 243
الباب العشرون في صفته عليه السلام 249
ص:511
الباب الحادي و العشرون في أنّه عليه السلام يكون شابّ المنظر 255
الباب الثاني و العشرون في أنّه عليه السلام و أصحابه أولو قوّة 257
الباب الثالث و العشرون في علة الغيبة 261
الباب الرابع و العشرون في علة اخفاء ولادته عليه السلام 269
الباب الخامس و العشرون في انّه عليه السلام إذا قام يتلو قوله تعالى:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ الآية 273
الباب السادس و العشرون في أنّ فيه و في الأئمّة عليهم السلام نزل قوله تعالى: وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية 275
الباب السابع و العشرون في أن فيه و في الأئمّة عليهم السلام نزل قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ 277
الباب الثامن و العشرون في أنّه عليه السلام يحضر الموسم فيقبل حجّهم إذا حضر، و لا يحضر إبليس 281
الباب التاسع و العشرون في علامات ظهوره 285
الباب الثلاثون في النداء باسمه عليه السلام و الصيحة السماوية 289
الباب الحادي و الثلاثون في أنّه عليه السلام ينادى باسمه إذا اذن له بالخروج، و يكون خروجه يوم السبت عاشر محرّم و أوّل من يبايعه جبرئيل 297
الباب الثاني و الثلاثون في إعلام الأموات بخروجه، و احياء أصحاب الكهف، و يرد كلّ مؤذ للمؤمنين للقصاص 301
الباب الثالث و الثلاثون في نزول عيسى بن مريم عليه السلام و صلاته
ص:512
خلف المهدي عليه السلام 305
الباب الرابع و الثلاثون في اصحابه عليه السلام الثلاثمائة و ثلاثة عشر 309
الباب الخامس و الثلاثون في حكمه بحكم داود عليهما السلام و تأييده بالملائكة و أول من يبايع القائم عليه السلام محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السلام 315
الباب السادس و الثلاثون في سيرته عليه السلام 321
الباب السابع و الثلاثون في أنّما يلقاه القائم عليه السلام أشدّ مما لقيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من جهال الجاهلية 327
الباب الثامن و الثلاثون نشر عليه السلام راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 331
الباب التاسع و الثلاثون انّ القائم إذا قام استغنى العباد عن ضوء الشمس و القمر 335
الباب الاربعون في منزل القائم عليه السلام و مسجده و موضع منبره 339
الباب الحادي و الاربعون في كيفية السلام عليه 345
الباب الثاني و الاربعون في مدة قيام القائم عليه السلام بعد قيامه 347
الباب الثالث و الاربعون في إعلام الأحياء و الأموات بقيامه عليه السلام، و يراه من بعيد من في زمانه عليه السلام، و ما يعطاه المؤمن في زمانه 351
الباب الرّابع و الأربعون في أنّه عليه السلام إذا قام قرأ القرآن على حدّه 357
الباب الخامس و الأربعون في أن أوّل من يبايع القائم عليه السلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام، و أنّ الحسين عليه السلام يغسّله 357
ص:513
الباب السادس و الأربعون في حديث الصادق عليه السلام للمفضل بن عمر 371
الباب السابع و الأربعون في أن القائم عليه السلام يقتل قتلة الحسين عليه السلام و ذراريهم لرضاهم بفعال آبائهم 403
الباب الثامن و الأربعون فيما جاء في الوقت المعلوم لابليس 407
الباب التاسع و الأربعون في القدر من الناس الذين يقوم فيهم القائم عليه السلام 413
الباب الخمسون في المفردات 415
الباب الحادي و الخمسون في أنّ آخر من يموت الحجة و يغلق باب التوبة، و يغسّل القائم عليه السلام الحسين عليه السلام و يكون بينه و بين القائم أربعون يوما 419
الباب الثاني و الخمسون في أنّ عمر الخضر عليه السلام دليل على طول عمر الامام عليه السلام و أنّه يؤنس به و وقت وفاة الخضر عليه السلام 425
الباب الثالث و الخمسون فيما جاء من طريق العامة في البشارة بالمهدي القائم عليه السلام 427
ص:514