موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، المجلد 7

اشارة

سرشناسه : عزاوي، عباس، م - 1888

Azzawi, Abbas

عنوان و نام پديدآور : تاريخ العراق بين احتلالين/ عباس العزاوي

مشخصات نشر : قم: مكتبه الحيدريه، 1425ق = 1383.

مشخصات ظاهري : 8 ج.مصور، نقشه، نمونه

شابك : 964-8163-30-830000 ريال :(دوره) ؛ 964-8163-31-6(ج. 1) ؛ 964-8163-32-4(ج. )2 ؛ 964-8163-32-2(ج. )3 ؛ 964-8163-34-0(ج. )4 ؛ 964-8163-35-9(ج. )5 ؛ 964-8163-36-7(ج. )6 ؛ 964-8163-37-5(ج. )7 ؛ 964-8163-38-3(ج. )8

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : افست از روي چاپ: مصلبعه بغداد، 1353ق = 738ق = 1258 = م 1338

يادداشت : عنوان روي جلد: تاريخ العراق بين الاحتلالين.

يادداشت : كتابنامه

مندرجات : ج. 1. حكومه المغول، 738 - 656ق = 1338 - 1258م .-- ج. 2. حكومه الجلايريه، 814 - 739ق = 1481 - 1338م .-- ج. 3. الحكومات التركمانيه، 941 - 814ق = 1534 - 1338م. .-- ج. 4. العهد العثماني الاول، 1048 - 941ق = 1638 - 1534م. .-- ج. 5. العهد العثماني الثاني، 1163 - 1049ق = 1750 - 1639م. .-- ج. 6. حكومه المماليك، 1247 - 1162ق = 1831 - 1749م .-- ج. 7. العهد العثماني الثالث، 1289 - 1247ق = 1872 - 1831م. .-- ج. 8. العهد الثماني الاخير، 1335 - 1289ق = 1917 - 1872م .-

عنوان روي جلد : تاريخ العراق بين الاحتلالين.

عنوان ديگر : تاريخ العراق بين الاحتلالين

موضوع : عراق - تاريخ

رده بندي كنگره : DS70/9 /ع 43ت 2 1383

رده بندي ديويي : 956/7

شماره كتابشناسي ملي : م 83-19225

الجزء السابع

اشارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين

العهد العثماني الثالث 1247 ه- 1831 م 1289 ه- 1872 م

اشارة

يتضمن الشطر الأول من تاريخنا الحديث من بدء وزارة علي رضا پاشا اللاز إلي آخر أيام مدحت پاشا و فيه وقائع تاريخية و سياسية داخلية و صلات خارجية و أحوال ثقافية

تأليف المؤرخ الكبير

عباس العزاوي المحامي

المجلد السابع

الدار العربية للموسوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 5

عواطف صديق إلي: العزاوي مؤرخ العراق

رأيت الرجال بآثارهم و تاريخ (عباس) آثار

فأعظم بتاريخه المستفيض و أكبر فقد حق اكباره

نماه إلي [الضاد] فرع شأي فجاز الفراتين مضماره

تباهت به [العزة] المصطفاة وضم العروبة إيثاره

فمن كأبي فاضل في الرجال و أصل التواريخ أسفاره

كمال عثمان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 7

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي رسوله الأمين و علي آله و صحبه و من تبعه بإحسان إلي يوم الدين. (و بعد) فهذا التاريخ يتلو عهد المماليك مباشرة و يتناول أيام العراق من عهد علي رضا باشا اللاز إلي آخر زمن مدحت باشا و فيه حوادث و مشاكل عاني منها ما عاني و تهم معرفتها. و هو ملي ء بالأحداث العظيمة القريبة. و من الضروري التوسع فيها لتكون أمكن في المعرفة و العلاقة بها أجل. و إذا كان العراق لم يهدأ في وقت من توالي الوقائع و تنوعها. فالحاجة ملحة بنا أن ندرك ماضينا القريب لمساسه بشؤوننا التي لا نزال نتحدث بها، و نذكر ما جري من غرائبها و مهماتها.

نظرة عامة

هذا العهد يبدأ من سنة 1247 ه- 1831 م و ينتهي بانتهاء ولاية مدحت باشا سنة 1289 ه- 1872 م. و من ذلك يتكون قسم كبير من تاريخه الحديث. دخل العراق في عهد جديد زالت به إدارة المماليك، و صار يعتقد الخير كله في هذا الانتقال و التحول، فلم يلبث أن تقلصت آماله، بل شعر بالخطر، و من ثم استعصي علي الإدارة أمره و شمس عليها أو جمح جموحا لا هوادة فيه. فجعلها في ريب من أمرها. ارتبك الأمر في المدن، و اضطربت الحالة في العشائر، و دخلت الأمة في جدال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 8

عنيف.

تريد الدولة أن تستقل بالعراق، و الشعب يأمل الرفاه و الراحة، فاختلفت و جهات النظر و زادت الشؤون تعقيدا و قويت المشادة..

كانت الحالة في أشد التوتر، فلم تتغلب الدولة علي المدن إلا بشق الأنفس و بعد تعديل سياستها. و لم تغير أوضاعها ألا بعد أن شعرت بالخطر … و كانت العشائر في غالب أوضاعها بنجوة. جربت الدولة تجارب عديدة، فباءت كلها أو أغلبها بالفشل فلم تستطع الإخلال بالمعهود، و لم تقدر أن تتجاوز حدود المألوف.

و حوادث العالم نبهت إلا أن التدخل كان قليلا و التجدد غير مشهود. و الإدارة تبغي المال لدولتها و تلح. و الولاة همّهم أن ينالوا نصيبا أيضا و من جهة تحاول الدولة تأسيس حكم مباشر و أن تقضي علي الإمارات و علي العشائر الكبيرة و أن تنظم إدارة المدن كما هو الشأن في أصل الدولة … لتتمكن من الاستغلال، فكان دون ذلك خرط القتاد.

لم توفق في ذلك إلا بعض التوفيق بعد عناء كبير و كلفة عظيمة.

فإذا كان هذا حال الأمة في سياسة الدولة فلا شك أن الإدارة خابت في الثقافة أكثر من جراء أن مؤسساتنا عظيمة. لم تخذل من كل وجه.

و الحكومة في كل أعمالها لم تتمكن إلا من بعض الشي ء في حين أن الأفكار تنبّهت في هذا الاضطراب السياسي و الثقافي و تهيأت لتقوية الثقافة من ناحية الاتصال بالغرب.

كانت المشادة بالغة غايتها بين الحكومة و الشعب. يراد بالعراق أن يتابع الدولة في إدارتها و أن ينقاد بلا قيد و لا شرط فلم يسلس قياده، و لم تربح الدولة قضيتها. و بقي النضال مستمرا. فلم تستطع إدارته إلا أن تمضي بمألوفه. تريد أن توجهه إلي سياستها فخابت أو باءت بالفشل الذريع.

و لا شك أن الحالة الاقتصادية في أمر كهذا نراها مضطربة قطعا. تعينها حوادث كثيرة و توضح هذا الاضطراب العلاقة المشهودة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 9

و تاريخ هذا النضال أولي بالتفهم. و منه ندرك الحالة الاجتماعية أيضا، و الاتصال بالشعب في هدوء نفسياته و اضطرابها، فيتجلي تاريخ ذلك بوضوح، و نتبيّنه في حالاته كلها مجموعة بالالتفات إلي حوادث الجدال و ظواهر الحياة و هدوئها أو اطراد الأوضاع أو اختلالها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 10

المراجع التاريخية

نعلم قطعا أن تبدل الحالات، و ما يبدو من الحوادث العظيمة ظواهر لا يصح أن تهمل أو أن تبقي بلا تفسير صحيح. و العراق من أعظم الأقطار حوادث و أكثرها مشاكل. لا يهدأ لحالة، و لا يرضخ لسياسة، و لا يقبل بفرض ثقافي أو اقتصادي … و كل هذه تحتاح إلي مراجعة وثائق عديدة في تدوين تاريخه إلا أننا في هذا التدوين تهمنا الوثائق العامة ذات المساس بالوقائع علي أن نذكر الخاصة في حينها نظرا لقيمتها في تفسير وقائع القطر و بسطها، بل هي الأولي و الأجل لعلاقتها بنا. و هذه كثيرة جدا. و قد بذلت منتهي الجهد في جمع شتاتها و تنظيمها.

المراجع العامة:

1- سياحتنامه حدود.

و هذه من أجل الآثار في بيان حالة القطر الاجتماعية كتبها خورشيد بك باللغة التركية و كان من موظفي الخارجية أمره السلطان عند إجراء تحديد الحدود العراقية الإيرانية أن يدوّن عن العراق و ما جاوره من قري و بلدان و عشائر و شعوب و أحوال تاريخية و اجتماعية و اقتصادية ما يستطيع تدوينه، فقام بالمهمة. و لم نر من تعرض لمثل مباحثه مجموعة كما تعرض … وقفت مدوناته في أواخر سنة 1268 ه- 1851 م. عندي نسخة مخطوطة منها بلغت الغاية في نفاستها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 11

و إتقانها. و كان خورشيد بك قد عيّن بصحبة درويش باشا الفريق. ثم إنه صار خورشيد باشا و تقلب في مناصب عديدة. و كان من مماليك يحيي باشا الجليلي والي الموصل. فدخل قلم الخارجية فصار مكتوبيا. و توفي سنة 1296 ه- 1879 م. و هو وال علي أنقرة. و علاقته بالعراق مشهودة.

و لا شك أنه متمكن من التفاهم مع الأهلين رأسا من جراء

اتقانه اللغة العربية و العامية الدارجة. فهو عراقي عارف و كتابه جلا صفحة عن أحوال العراق.

2- تقرير درويش باشا الفريق كتبه باللغة التركية.

و كان أستاذا في المهندسخانة. فعهد إليه أمر (تحديد الحدود) بين إيران و العراق. و كان خورشيد بك في صحبته. طبع تقريره هذا مرات. و كان مقتضبا. يفسره كتاب (سياحتنامه حدود) و فائدته كبيرة في التعريف بالشعوب العراقية الإيرانية في الحدود كسابقه. توفي مؤلفه في 11 المحرم سنة 1296 ه- 1879 م. كانت علاقته بالوقائع التاريخية كبيرة. و هذا التقرير نقلته وزارة الخارجية العراقية إلي اللغة العربية و طبع في مطبعة الحكومة ببغداد سنة 1953 م.

3- مرآة الزوراء.

في تاريخ بغداد لما بعد دوحة الوزراء باللغة التركية للمرحوم سليمان فائق والد الأستاذ صاحب الفخامة حكمت سليمان. توفي في 27 جمادي الأولي سنة 1314 ه- 1896 م. و هو مهم جدا في بيان أحوال القطر لو لا نقص و تشوش في أوراق مسوداته و مع هذا كانت فائدته عظيمة، و بياناته جليلة في امتداد الحوادث إلي ما بعد المماليك حتي أيام نامق باشا الكبير. و كان يتعرض لما بعد ذلك بإشارة خفيفة أو بيان موجز فأتم ما هنالك بما أو ضحه في رسالتيه في المنتفق.

و لا شك أنه من أجل الوثائق لتاريخ العراق للمدة التي ذكرها. و كتب الأستاذ المرحوم متلازمة يوضح بعضها البعض. و نفعها عظيم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 12

4- رسالتان في المنتفق.

له أيضا مخطوطتان عندي نسخها. و لا تخلوان من نقص. و فيهما بيان عن أعظم مشاكل القطر في حوادث المنتفق و علاقة الدولة بها.

5- التاريخ المجهول المؤلف.

كتب باللغة العربية بدأ بأيام داود باشا و مضي في حوادثه إلي سنة 1279 ه. بعض أوراقه ساقطة و كانت حوادثه غير مطردة. و فيه تحامل علي الولاة. لغته عامية و يعول علي كتاب (ألف با)، و كتاب (تاريخ المنتفق) للرفاعي. و في كل أحواله يعد صفحة كاشفة عن الأهلين، و الولاة. و هو يبين روح الكاتب و أثر الوقائع في نفسه. ينسب بعض الحوادث إلي الولاة ببيان خرقهم أو قلة معرفتهم و لم يدر أن ذلك تطبيق لمنهاج الدولة. و قد حاولنا أن نعثر علي كتاب (تاريخ المنتفق للرفاعي) و التمسناه كثيرا، فلم نتمكن من الحصول عليه.

و لعل الأيام تظهره.

6- تاريخ الشاوي.

تأليف الأستاذ محمود بن سلطان الشاوي المتوفي سنة 1932 م يبدأ بسنة 1246 ه و يمتد إلي احتلال بغداد سنة 1335 ه- 1917 م. مختصر جدا. و لا يخلو من بعض المهمات و إن كانت أغلاطه كثيرة. اعتمدناه فيما توسع فيه أو انفرد به عن غيره مما اعتقدنا وثوقه. عندي مخطوطته.

7- الزوراء.

أول صحيفة عراقية ظهرت في بغداد بل في العراق.

و لم تسبقها غيرها كانت حكومية تعين ما كان يجري ببغداد حذر أن تشوش الأخبار. أو تشوه. و يأتي الكلام عليها.

8- تاريخ السيد رشيد السعدي.

و يسمي (قرة العين في تاريخ الجزيرة و العراق و بين النهرين). كتبه إلي سنة 1294 ه. طبع سنة 1325 ه في بومبي. و توفي السيد رشيد السعدي سنة 1939 م. و من أولاده الأستاذ أحمد السعدي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 13

9- مؤلفات أبي الثناء الآلوسي.

و هذه كثيرة و التاريخ منتشر خلال سطورها. و أحوال الولاة لهذا العهد ذكرها في رحلاته بإشارة و تلميح أو بسط و توضيح. و ربما كانت الإشارة أبلغ. و هو العارف بالموارد و المصادر. و أبو الثناء هو السيد شهاب الدين محمود الآلوسي المتوفي في 25 ذي القعدة سنة 1270 ه- 1855 م و يعد من أعاظم مؤرخي العراق لهذه الحقبة.

و هناك مراجع ذكرناها في المجلد السابق. تمتد حوادثها إلي هذه الأيام مثل (تاريخ لطفي)، و جريدة (تقويم وقائع). و هكذا اعتمدنا الجوائب و كنز الرغائب و تواريخ جديدة … كما أن الوثائق الخاصة كثيرة لا تكاد تحصي و بينها ما يخص حادثا أو يوضح أمرا.

و في هذا العهد كثرت المراجع العربية و الأجنبية إلا أننا في الغالب نلتمس منها المحلية، و نصحح ما جاء مغلوطا من تلقيات الأجانب، و بالتعبير الأصح نعين تاريخنا بالنقل من رجالنا مع العلاقة بأصل الدولة.

و إلا وقعنا بأوهام لا تعد و لا تحصي سواء كانت فارسية أو تركية أو غريبة و التمحيص صعب. و المقابلة تكشف.

لم يتسع المجال للمناقشات أو النقد العلمي و إنما تكفي المقابلة لإظهار ما وقع الآخرون به من خطأ. نقدم الزبدة الصافية فيما نعتقد، و إلا طال بنا الأمر.

و إذا كان الأجنبي يشكو من قلة الوثائق فلا شك أننا بذلنا أقصي جهودنا في سبيل تذليل المصاعب فتيسر لنا الكثير. و المادة

عندنا غزيرة و مع هذا نري فينا رغبة عظيمة لاستطلاع ما يزيد أو يوضح. و ليس لنا إلا أن نحكي ما وصل إلينا خبره.

و علي كل حال نري المراجع الخاصة كثيرة و ليس في الوسع تعدادها. و إنما يهمنا منها ما نذكره في حينه. و أكثر فائدة ما أوردناه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 14

المباحث

اشارة

العراق للحقبة من انتهاء حكم المماليك إلي آخر أيام مدحت باشا طافح بالأحداث العظيمة نبهت حوادثه الغافل و الساهي. و كانت محل استفادة المعتبر و السياسي البارع. و الجهل بها لا يعذر، و الغفلة لا تعوّض. و استعراضها ليس بالأمر السهل. و من أجل ما هنالك:

1- فتح بغداد و تحول الحكم و عودته إلي الدولة العثمانية.

و هذا يعد (دور انتقال) تخلله اضطراب. أدي ألي نتائج مبصرة في بيان نزعات الأهلين، و آمال الدولة. و ما كان من جراء ذلك من مشادة.

2- التحول العام في سياسة الدولة بإعلان (التنظيمات الخيرية)

و الوعد بالإصلاح و هل تحقق لهذه التنظيمات من أثر في العراق؟

3- القضاء علي بعض الإمارات العراقية و انقراضها مثل إمارة الرواندزي، و إمارة العمادية، و إمارة الجليليين، و إمارة بابان.

و لكن الدولة لم تتسلط علي إمارة المنتفق و لا علي العشائر. و إنما بقيت في جدال عنيف.

4- الجرائد و المطابع.

تكونت في آخر هذا العهد. و صارت مبدأ تحول لم يظهر أثره في حينه و إنما فقدت الفائدة المطلوبة مدة.

5- مجاري السياسة.

و هذه ظهرت في الحوادث المتوالية في نفس العراق و في الولاة و القضاة و في مالية الدولة و رغباتها الأخري في الجندية … و أن المجاري العامة أثرت كثيرا …

6- الثقافة العلمية و مدارس الدولة.

و هذه الأخيرة لم تشاهد نتائجها في هذا العهد. و إنما ظهر أثرها في عصر تال، و لكنها لا تخلو من علاقة ما. و بجانب هذه تكونت المدارس الأهلية.

و كل هذه من أوضح المطالب و أجل الأوضاع. و لا نتوغل فيها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 15

الآن. و إنما يأتي تفصيلها. و عندنا برزت أوضاعها عيانا. و الحوادث التي نذكرها مما يهم العراق أكثر و هي ذات علاقة مباشرة بنا و لها ملامسة بأوضاعنا و حالاتنا الأخري. و لا ننس ما له اتصال قلّ أو كثر مما يؤثر تأثيرا مشهودا.

كل هذه مما نبّه العراق و جعله يفكر في مصالحه و يراعي ثقافته و يقرر اقتصادياته للنهوض بمستواها فوجد نفسه مكتوف الأيدي كما شاعت حوادث العالم و انتشرت فكان أثرها أكبر و إن كانت تلك ذات صلة أمكن.

و لا شك أن هذه دروس عملية لا تقتبس من كتاب و إنما أقرّها التاريخ. و هي نتيجة اتصال بالحوادث و صفحاتها المتحولة و المشهودة كل يوم فتتكرر و تمضي فلا تزول بزوال الشخص و لا تموت بموته بل هي حياة عامة. و حوادث العصر الثابتة هذه تحقق ما وراءها.

و هنا لا نقتصر علي المهم العام وحده و إنما نراعي تسلسل المطالب للارتباط البين. و من اللّه تعالي التيسير.

حوادث سنة 1247 ه- 1831 م

الوزير علي رضا باشا اللاز

لا يختلف هذا العهد عن الأزمان السابقة. و أن التنظيمات الخيرية لم تؤثر فيه إلا قليلا فكان بعيدا عن الإصلاح. توالي فيه وزراء كثيرون يحملون عقليات جافة- كما حدثت فيه أحوال سياسية مهمة و أوضاع داعية للالتفات تيسرت لنا و كشفت عن أحوال هؤلاء و لم تتيسر لغيرنا ممن شكا من قلتها.

و هذا الوزير أحد ولاة الدولة. لا يفترق

عنهم بما يمتاز به.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 16

دخل بغداد ليلة الخميس 8 ربيع الأول سنة 1247 ه- 1831 م و بذلك انقاد العراق لدولته رأسا، فأزال عنه المتغلبة، فكان أول وزير بعد المماليك، إلا أن الأهلين لم يلبثوا أن تذمروا منه، و أن المماليك عادوا من طريق آخر للتدخل في الإدارة، يعرفون التركية و هم أبصر بالمداخل فاستعانت بهم.

لم يستطع الأهلون أن يتغلبوا من جراء أن الثقافة التركية في الأهلين كانت ضعيفة، و هؤلاء متسلحون بها، و التفاهم سهل.. إلا أن الإمارة زالت منهم.

صار العراق تتحكم به سلطة الدولة مقرونة بسيطرة المماليك باسم موظفين و علي رضا باشا اللاز قد سكر بخمرة الانتصار، فتحكم به أتباعه و موظفوه، و تجاوزوا الحد في الظلم و الاعتداء.

و من مختلف المراجع تتعين أوضاع هذا الوالي، و تعرف وقائعه، و بين هذه ما هو حكومي و ما هو أهلي.. و عرض مثل هذه يجعلنا علي يقين من أمره. و كانت شهرته قد زادت في مقارعة داود باشا بل لم يكن ليعرف لولا هذه الحادثة.. و قد قيل لأم المخطئ الهبل، فالأوضاع ساعدته أكثر، و أن أكبر مسهل له الوباء و الغرق و إلا لتغيرت الأوضاع.

و للّه إرادات في خذلان داود باشا.

و هنا لا نود أن نعيد ذكري (حادث بغداد)، و إنما يهمنا بيان ما جري في أيام علي رضا باشا من وقائع أخري. لنكون علي بينة منها، و فيها ما يكفي للتبصر بها و بما خفي من أحواله الأخري.

أخذ داود باشا إلي استنبول

من أهم الوقائع أن أخذ داود باشا إلي استنبول في شهر ربيع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 17

الثاني. و يقال إن الحكومة احتفظت به و لم

تقتله لئلا يتطير محمد علي باشا خديو مصر، فلا يتقرب من الدولة.

و حذره الوزير علي رضا باشا أن يتحرك بحركة أثناء سفره لأنه أمر المحافظين بأنه إذا حصلت حركة إنقاذ أو هرب فلا يتأخر في قتله. و لذا منع من أي عمل طائش مثل هذا فإنه يضرّ به.

هذا ما شاع عن داود باشا. و رأيت في وثيقة تاريخية لم أتمكن من معرفة مؤلفها في تاريخ ولاة بغداد و سميتها (التارخ المجهول) في حوادث أيامهم. قال:

أما هذا الوزير- داود باشا- فقد انقضت أيامه عند خلاص الطاعون من بغداد، و أما وقائعه فما تذكر لقبحها، و لمزيد ظلمه- قبحه اللّه- و ليس له مادة حسنة كي يعتني المؤرخون بذكرها- حتي لو أننا نذكر من تعديه علي عباد اللّه لأفضي إلي كفره و إنكاره.

و أسس أشياء من الظلم ما تخطر في قلب فرعون. و كان بخيلا جدا مع زيادة أمواله، يغصب الناس أموالهم ظلما و عدوانا، و الحال سيّر إلي استنبول بأمر السلطان محمود، سيره علي باشا مهانا كما ذهب الحمار بأم عمرو … » اه.

هذا مؤيد بغيره. كان قاسيا إلا أن غالب أعماله مصروفة إلي المصلحة العامة. لا تزال أعماله الخيرية محل الانتفاع. و هل كانت خالصة للّه تعالي؟ و علي كل حال نقول: إنما الأعمال بالنيات كما هو منطوق الحديث الشريف.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 18

قتلة المماليك:

مرّ الكلام عليها في تاريخ المماليك، جعلناها تتمة لمباحثهم.

و كانت في 22 شعبان.

سوء أعمال:

إن الوزير بعد أن فتح بغداد، و قضي علي المماليك نصب الحاج يوسف آغا الشريف وكيل كتخدا، و كان من أعيان حلب. جاء بصحبة الوزير، و كذا السيد محمد آغا سيّاف زاده. نصبه متسلما للبصرة، و أودع المهمات الأخري لموظفين آخرين.. و صار يجمع بعجل مخلفات المماليك، و هذه مما جمعه و ادّخره هؤلاء خلال 90 سنة، أكثرها صار نهبا، فلم يصل إلي الوزير منها إلا القليل. باعها علنا بالمزايدة، و أرسل المبالغ المتحصلة إلي (الجيب الهمايوني)، أو (الجيب السلطاني)..

و في شهر رجب ورد بغداد عارف الدفتري. أرسلته الدولة. و لما وصل إلي الأعظمية استقبل بحفاوة، و أقيم في دار خاصة، و أجريت له مراسيم الضيافة و الحرمة. و ما استحصل من أموال المماليك كان قليلا فبيع و أرسل إلي الجيب السلطاني.. فلم تحصل فائدة تذكر من مجي ء الدفتري إلا أن الدفاتر التي هلكت أو نهبت كان قد جاء ببعض صورها فاستكتبت.

و من جهة أخري أن العشائر انتهبوا الأطعمة المدخرة بحيث إن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 19

الدولة لم تنل ما كانت تتطلبه من هذا الفتح، و الوزير في بغداد لم يتمكن من إعاشة الجيش و لا استيفاء راتبه إلا من طريق التغريم و المصادرة..

فكان الملا علي (الخصي) كاتب مقاطعة الخالص، و محمد الليلاني، و آخرون أمثالهما أرادوا التقرب من الحكومة، فأجروا مظالم بلغت الغاية في القسوة و تعرضوا بالمخدرات من النساء، صاروا يعذبونهن بأنواع التعذيب.. فتجاوزوا علي زوجة رضوان آغا المقتول في الواقعة. ضربوها بالفلقة، و كووا بدنها بالسيخ (الشيش) مع أنها من المخدرات، و ارتكبوا فجائع مما لا يأتلف

و الأخلاق المقبولة. آلموا الأهلين كثيرا.. و ذلك بأمل تقديم مبالغ للجيب الهمايوني، و سدّ جشع الوالي و أعوانه. فكان أثر هذه الواقعة كبيرا جدا. ثم أدركت الدولة غلطها، و علمت ما ولدته من نفرة في نفوس الأهلين، فحاولت أن تتدارك الأمر فلم تفلح.. و البغض لا يبدل بسهولة فينقلب إلي حب.

آل رضوان آغا:

تنتسب إليه أسرته المعروفة باسمه. أعقب ولدا صغيرا لا يتجاوز عمره آنئذ الست سنوات اسمه عبد الوهاب، فهربه الأهلون، أخفوه في دار الأستاذ عبد الغني جميل، و أصاب أمه الاعتداء. و هي نائلة خاتون من أسرة نقيب (مندلي). و كان التضييق عليها أدي إلي أن تظهر (مشربات) مملوءة ذهبا، و بعد ذلك صدر العفو عن المماليك، فعادوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 20

إلي بغداد، و صار الحاج عبد الوهاب معروفا. أعقب أولادا لا يزال بعض بقاياهم.

عبد الغني جميل- السيد محمود الآلوسي:

العراق لم ير ما رآه في أيام علي رضا باشا. شاهد الأهلون منه قسوة شديدة. و كان الوزير قد استدعي الأستاذ عبد الغني جميل من الشام. فورد بغداد و عهد إليه بالإفتاء. و في أثناء ذلك وجد ما يثير حفيظته فسخط علي حكومته، و ثار، و كذلك ثار لثورته جماعة كبيرة، و لكن مؤرخي الترك لم يعيّنوا سبب الواقعة، و لا ذكروا إيضاحا عنها فلا يودون إعادة أشجانها، جاءت مراجع كثيرة تنبئ بماهية الحادث مما ذكر من الجيب الهمايوني (السلطاني) و ما يلزم من المبالغ له.

و في تاريخ لطفي لم يصرح باسم الثائر المقبوض عليه، و راعي الكتمان و التخفي حذرا من توليد خواطر سيئة.

و في مجموعة الآلوسي أن عبد الغني آل جميل قام علي الوزير علي رضا باشا و أهل بغداد معه. حاولوا إخراجه و كلفوا بذلك. هاجموا دار الحكومة و قتلوا بضعة أشخاص، و تقدموا نحو باب الحرم.. و لكن الوزير راعي الحكمة، و قام بحركات قويمة. استعان بالجيش، فتمكن من القضاء علي الفتنة و فرق شمل الثوار.. اندلعت النيران في محلة قنبر علي، و سلّم عبد الغني آل جميل المفتي إلي الحكومة، و دخل في

أمانها، فأخمدت الغائلة.

و في حديقة الورود:

«إن علي رضا باشا لما ولي العراق من قبل السلطان … أبي أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 21

يطيعه من في العراق، و قامت الحرب بين الطرفين علي ساق، إلي أن دخل الوزير بغداد. فنسب إليه (إلي أبي الثناء محمود الآلوسي) من حادثة الحصار ما نسب، و شنّ عليه الأعداء إغارة البهتان و الكذب حتي أغلظوا قلب الوزير عليه، فضاقت عليه الأرض برحبها، و ظن أن لا ملجأ من اللّه إلا إليه. جاور مختفيا في محلة الشيخ عبد القادر الگيلاني … و لم يبرح خائفا و جلا، و لو رأي غير شي ء ظنه رجلا، إلي أن أقبل في هذه السنة من ناحية الشام الليث الهصور، و الشهم الغيور، غرة جبهة الكرام، و جمال محاسن الأيام، الذي لم تسمح بمثل سماحته و شجاعته الأيام في جيل، الجميل ابن الجميل، عبد الغني أفندي جميل، لا زالت سحب جوده منهلة علي العفاة، و مطارف فتاويه تسحب ذيول النسيان علي قاضي القضاة، فنصبه الوالي مفتي الحنفية، و ولاه أحكام الحنيفية، فلم ير مزيلا لخوفه و وجله، و مبلغا في خلاصه من تلك القضية غاية أمله، مثل الانتماء إليه، و الإقامة في داره لديه، فلما حلّ في جواره كسي حلة الأمان، و كان آمنا من دخل دار أبي سفيان، فصار عنده (أمين الفتوي)، كما أمن في ذراه من البلوي.

و في تلك الأثناء أنعم عليه الحضرة العلية- الوزير- توجيه تدريس (المدرسة القادرية)، فلما جري ما جري من حضرة الموما إليه (عبد الغني جميل) مع الوزير الخطير.. مما أوجبه محض الغيرة المحمدية، و الشهامة العمرية، و قد شاع و ذاع، و ملأ الأسماع و البقاع، حتي انفصل بسببه

عن منصب الإفتاء، و خرج من بغداد، و صار طريفه و تليده نهبا بيد الأجناد، نسب إليه- إلي الآلوسي- ما هو أعظم من الأول، و جفاه من الأصدقاء من كان يظنه السموأل، إذ تهّور الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 22

عليه، حتي عزم علي قتله، لولا أن منّ اللّه تعالي عليه، و نجاه من ذلك الخطب و هوله، و ذلك بشفاعة بعض مشايخ الطريقة العلية النقشبندية (و هو الشيخ عبد الفتاح أفندي العقراوي) و كان منتسبا فيها إلي.. الشيخ خالد … فأمر الوزير حينئذ بجلوسه في التكية الخالدية، فلم يمكث هناك إلا أياما قلائل.. حتي سعي فيه السيد محمود النقيب، فزاد علي الطنبور نغمات … فصدر أمر الوزير حينئذ بحبسه في محلة الشيخ عبد القادر … فبقي نحوا من سنة و نصف و قد رفعت عنه وظائفه.. و لم تزل الأيام تعاديه إلي أن اتفق أن وعظ في الحضرة القادرية في رمضان، و اتفق أن كان هناك الوزير علي رضا باشا..

فسمع من زاجر وعظه ما أخذ بقلبه.. فسأل عنه فقيل هو فلان …

فلحقته إذ ذاك ندامة علي ما صدر في حقه.. ثم وصله بعطية، و أجازه بجائزة سنية، و أمر بعض خواصه أن يأتي به في عيد الفطر، فأتي به فأكرمه غاية الإكرام.. و أرجع إليه جميع وظائفه.. و أمره بأن لا ينقطع عن حضرته العلية، و أن يشرح (البرهان في طاعة السلطان)، فبادر إلي شرحه فأكمله و سمّاه (التبيان).. و قبل أن يتمه جعله خطيبا في الحضرة الأعظمية، و أهدي إليه ميزان الشعراني..

هذا و أجازه بتولية مرجان، و هي من خواص مفتي الحنفية من زمن السلطان مراد خان إلي هذه الأيام. و كانت

علي ما يحكي في الزمن القديم مشروطة لأعلم أهل بغداد بكتاب اللّه تعالي و حديث نبيه الكريم..» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 23

منظر بغداد من ساحة الميدان- رحلة وليم فوغ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 24

و في مجموعة ابن حموشي أن ابن جميل ضربت داره في قنبر علي بالمدافع فاحترقت. أمر الوالي و الكمركجي عبد القادر آغا ابن زيادة و الملا حسين الكهية بذلك و انهزم إلي الشام سنة 1249 ه. و أقول عاد الحريق إليها في 3 شوال سنة 1332 ه فقضي علي ما بقي من الكتب.

و كانت نفيسة جدا.

أرادت الدولة أن تغير سياستها لما ولدت من نفرة، فقربت الأستاذ أبا الثناء الآلوسي. و هذا حدث مهم في تبديل تلك السياسة.

عبد الرحمن الأورفه لي- محمد أسعد النائب:

إن النقمة التي حصلت في الناس بحيث صاروا يثنون علي حكم المماليك مما دعا أن يقربوا بعض رجالهم ممن كان خبيرا بالإدارة لتسكين الحالة.

جاء في مرآة الزوراء: أن عبد الرحمن الأورفه لي كان قد خالف العهد مع الأهلين، و فرّ أثناء المحاصرة إلي جهة علي رضا باشا اللاز.

فلما دخل الوزير بغداد نصبه دفتريا. فظهرت خيانته في ضبط مخلفات المماليك و أموالهم المتروكة، و من ثم عزله الوالي و نصب مكانه أسعد النائب في أواخر شهر ربيع الآخر. و أقول أراد الوزير أن يبرر العذر لدولته، فانتحل مثل هذه المعذرة.. و كان محمد أسعد بمنصب (مصرف) قبل أن يتولي الدفترية.

آل الأورفه لي:
اشارة

و الملحوظ أن عبد الرحمن الأورفه لي ابن الحاج علي الرهاوي.

و آل الأورفه لي ببغداد يتفرعون منه. كان له من الإخوة حسن آغا، و محمود آغا و محمد صالح فلم يعقبوا. و أما عبد الرحمن فقد ترك من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 25

الأولاد داود آغا فتوفي عن سعد آغا، و هذا مات عن بنات و عن ابن اسمه محمد سليم أعقب عدة أولاد.. و من أولاده علي آغا لم يعقب بنين. و أما ابنه عثمان آغا فقد أعقب:

1- إبراهيم:

و أولاده الأساتذة جميل و إسماعيل و خليل و مكي و ناظم و جلال.

2- عبد الرحمن:

و أولاده الأساتذة مكي و عثمان و نوري و نشأت.

3- نجيب:

و أولاده الأساتذة سامي و نافع و نامق و مدحت.

و هذه الأسرة لا يعرف بالضبط تاريخ ورودها العراق إلا أن مكانتها معلومة من سنة 1215 ه.. و أن داود آغا كان معروفا بشعره العامي، و لا يزال يتغني به. و ظهر من هذه الأسرة أفاضل اشتهروا بالمحاماة و الحاكمية و الوزارة و المناصب العسكرية. و منهم ملاكون بل غالبهم.

تزوج الوالي:

إن هذا الوالي دخل بغداد بنفسه، و أن المماليك بعد انقراضهم بقيت زوجاتهم أرامل، و كان بقاء الوزير أعزب لا يليق به. فأشاروا عليه أن يتزوج. و أن زوجته أبقاها في حلب، و هي أسماء خاتون بنت الصدر الأعظم قوجة يوسف باشا، و لم يكن لها ولد ذكر، فتزوج الوزير بنت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 26

سليمان باشا الصغير والي بغداد و هي سلمي خاتون، عقد عليها في أواسط جمادي الأولي سنة 1247 ه.

شمر و المنتفق:

كان الشيخ صفوق الفارس رئيس شمر منفورا من حكومة المماليك، و شيخ المنتفق الشيخ عجيل السعدون مقربا منها.

أما علي رضا باشا فإنه قرب الشيخ صفوقا من حين كان في حلب. و لذا هاجم الشيخ عجيلا شيخ المنتفق من آل السعدون، و كان فريق من المنتفق محبوسين سنين عديدة فلما وقع الوباء سنة 1246 ه فرّ هؤلاء من السجن، و بينهم شيوخ المنتفق ممن كان يضمر العداء للشيخ عجيل، التجأ هؤلاء إلي الشيخ صفوق، و انضمت إليهم عشائر البعيج و الأسلم في أنحاء الحلة، و كذا عشائر أخري مالت إليهم.

أما بغداد فقد اختلّت حالتها بتأثير الوباء. و من ثم هاجم الشيخ صفوق المنتفق بما عنده من قوة، فظهر الشيخ عجيل لمحاربته و معه نحو 1500 من الفرسان و المشاة إلا أن الجموع التي كانت مع صفوق لا تكاد تحصي كثرة، فلا يستطيع أن يقابلها أولئك فجري الحرب بينهم في أواخر جمادي الثانية و بذلك انفرط عقد من كان مع الشيخ عجيل من الجموع. أما هو فقد كبا به فرسه فسقط و مات لساعته..

و بهذا انتصر صفوق و من معه من شيوخ المنتفق. و لعله من جراء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7،

ص: 27

هذه الواقعة لقب- (سلطان البر).

حوادث سنة 1248 ه- 1832 م

قتلة الأدهمي:

كان السيد محمد الأدهمي قاضي الحلة، فجاء خبر قتله في 25 شعبان سنة 1248 ه، و هذا هو ابن السيد جعفر الأدهمي الأعظمي.

كان مثابرا علي العلوم و الكمالات فنال منها نصيبا و افرا، و برع بها، و له نظم و نثر، توفي في الحلة.

آل الأدهمي- آل الواعظ:

عرف بآل الأدهمي جماعة من العلماء و المتوفي المذكور رأس أسرتهم، أنجب أولادا منهم السيد عبد الفتاح الشهير (بالواعظ) توفي بالطاعون سنة 1246 ه. و كذا السيد محمد أمين و عرف بالواعظ، و توفي سنة 1273 ه، و له من الأولاد الذين اشتهروا بالعلم السيد مصطفي الواعظ مفتي الحلة، و من أولاده السيد إسماعيل الواعظ، و هو من المدرسين، و السيد إبراهيم الواعظ كان محاميا معروفا و اليوم هو رئيس التفتيش العدلي. و لهما أولاد كثيرون. دام فيهم العلم و الوعظ مدة طويلة. و من مشاهيرهم السيد جعفر أخو السيد مصطفي ثم مالوا إلي نواحي الثقافة الأخري. و الملحوظ أن آل الأدهمي الآخرين احتفظوا باسم أسرتهم الأصلية (آل الأدهمي)، و لا تزال بقية باقية منهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 28

عشائر الشامية و الهندية

امتنع عشائر الشامية و الخزاعل و تابعهم أهالي الهندية من أداء الرسوم الأميرية البالغة نحو ثلاثين ألف شامي. فجهز عليهم الوالي نحو أربعة آلاف جندي من الموظفين. جعلهم في قيادة الحاج أبي بكر الكتخدا السابق، و عثمان بك آل إبراهيم باشا و آخرين. ساروا إلي تلك الأنحاء في أوائل جمادي الآخرة، فلما وصلوا إلي الحلة حدث بين أمراء الجيش خلاف أدي إلي تعطيل الحركة.

ذلك ما جعل الوزير يبعث محمد أسعد النائب الدفتري بصلاحية واسعة. و هذا حين وصوله اختار عثمان بك رئيسا. و تعهد أن يستوفي الأموال المطلوبة من أهل الهندية، و أعاد إلي بغداد الحاج أبا بكر و آخرين … و ذهب هو بنفسه إلي الهندية و معه نحو أربعين أو خمسين من الأفراد، فجبي من الهندية عشرة آلاف شامي. استوفي ذلك كله في بضعة أيام، و عاد إلي بغداد، و أن

عثمان بك آل الشيخ أجري بعض المعارك فحصل الأموال الأميرية و أمهل عن الباقي و هو القسم القليل و أصلح ما بينهم، و عاد ناجحا في المهمة، فأبقي الجيش في الحلة و عاد بمن معه من أتباعه إلي بغداد..

قتلة أسعد ابن النائب

كان قد صار دفتريا، و كان منصب (كتخدا) من المناصب الجليلة في تشكيلات الدولة، فالكتخدا مرجع العام و الخاص، و بيده تصريف أمور الوالي. و كان وكيل الكتخدا الحاج يوسف آغا من رجال الوالي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 29

و أهل دائرته إلا أن هذا لا يعلم عن أحوال بغداد شيئا، فلا يصلح للقيام بالمهمة، فاختار ابن النائب كتخدا- في شعبان- لأنه كان مستكملا الصفات المطلوبة، عارفا بالداخل و الخارج، و له المعلومات الوافية، و في أيام داود باشا كانت له المنزلة المقبولة رأي عيانا ما قام به.

بذل ما استطاع في إرضاء الوزير. و حصر به الأعمال كافة، فأقلق راحة رجال الوزير كما تعقب المجرمين و أهل الشقاء فاضطرب الكل لما استولي عليهم من الخوف، و حسبوا أن قد عاد زمن المماليك مرة أخري.

تألبوا عليه، و لكن خدماته كانت مقبولة في نظر الوزير، فلم يتمكنوا من تغييره عليه بسهولة، و إذا عزل أيضا فلا يبعد أن يستعيد مكانته بعد قليل.

فلا يوجد من يعدله في مقدرته. صاروا يخشون بطشه.. فاتفقوا أن يغروا الوزير بقتله، فتم لهم الأمر، و اضطر أن يقتله.

و ذلك أنه من حين صار كتخدا قرب إليه رجال المماليك فأحال إليهم المهمات، جلب لجهته أعيان العراق و شيوخهم و أمراءهم و في أيامه استعاد (جيش بغداد). فأخذهم و صار شأنه كسائر الكهيات السابقين، يسير بخدمته نحو ثلاثمائة أو أربعمائة من رجاله. فاتخذوا ذلك وسيلة

لتنفيذ ما أضمروه من الوقيعة به.. فأفهموا الوزير بأن هذا قد أمّن الخارج، و لم يبق له إلا الداخل، و أن يستولي عليك و علي من معك. نواياه ظاهرة من أعماله هذه.. و قالوا له (تغدّ به قبل أن يتعشّي بك). فتردد الوالي في بادئ الأمر، و لكنه لما لم يزاول أمور السياسة بتدبير و حذق ظن أنه سوف يستقل بأعماله هذه، و هكذا حذره القاضي تقي أفندي الحلبي، و كان جريئا، حديد اللسان.. و رأي من أهل دائرته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 30

اتفاقا في بيان خطر الوضع إذا بقي بعيدا عنهم، و كل واحد منهم قدم بعض المقدمات، فخوفوا الوالي، و تمكنوا من إمالته.

و في 27 رمضان ليلة الجمعة بعد التراويح نفذوا ما عزموا عليه، فباشر قتله السلحدار ضربه ب (طبانجة) و يقال لها (فرد) أو قربينة. فقتل علي حين غرة، و بقيت جنازته مطروحة علي الأرض في الميدان مدة 24 ساعة مكشوفة العورة، ثم غسل و كفن و دفن في المدرسة العلية. و له جامع باسمه في كركوك يسمي (جامع ابن النائب) لا يزال عامرا إلي هذه الأيام ذكرته في كتاب المعاهد الخيرية.

و الظاهر أنه عاد إلي ظلمه، فنفر منه الأهلون و الموظفون و من هنا داهمه الخطر، و إلا فقد اختير كتخدا آخر من المماليك و لم يقصدوا القضاء عليه لينالوا منصبه. و لا شك أن الأستاذ سليمان فائق كان عارفا بالحالة جيدا.

آل النائب:

لا تزال هذه الأسرة في الحلة و بغداد و كركوك و هم أمويون. رأيت لهم بعض الفرامين المشعرة بذلك، و ابن النائب يعد من أدباء العربية و التركية، و له ديوان في العربية و التركية. و لا

يزال يحفظ له أهل كركوك و إربل مقطوعات مختارة منه. و هو كاتب مبدع و (آل عبد الوهاب النائب) غير هؤلاء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 31

أحمد آغا كهية بغداد:

اختير لهذا المنصب أحمد آغا، و كان في أيام داود باشا، و شوهدت منه خدمات.. إلا أنه لم تتوفر له وسائل الإدارة ليتولي مصالحها كافة و يستطيع القيام بالمطلوب لما هناك من خطر ذاقه سلفه.

تبين له الأمر بوضوح فزاول المهمة باحتراس زائد، و لم يتوغل حذرا من الوقيعة..

و يلاحظ هنا أن هذا الكتخدا استقر في وظيفته هذه مدة.. ثم توفي فصار مكانه أحد مماليكه (الحاج أحمد آغا) المشهور، فظلم ما شاء أن يظلم. و من هذا نري الإخفاق في الإدارة أدي إلي أن التجأت الحكومة إلي المماليك. فأعادوا نفوذهم، و لم يحصل تجدد.

هذا، و إن أحمد آغا الأول والد الحاج حسن الكولهمن و من أولاده كامل و كمال و منهم مدحت و توفي. و بنات تزوج إحداهن الحاج محمد رفعت و كان قبل احتلال بغداد قائد المركز (رتبة عسكرية مهمة) نالها في الحرب الأولي. و رتبته الأصلية بكباشي أي (مقدم). و هو والد الدكاترة أكرم و بسيم و نهاد المعروفين. و إن الحاج أحمد آغا من مماليك أحمد آغا الأول. توفي بلا عقب. و يضرب المثل بظلمه و قسوته تنقل حكايات كثيرة عن قسوته.

تقليل الجيش

في السنة التالية للطاعون وجد أن قد نهب العشائر المقاطعات، و استقلوا بإدارتها، و لم تبق بذور تزرع. تعطلت المقاطعات، و أن واردات البصرة بقيت بيد المتغلبين، و كانت آنئذ عدة الجيش نحو عشرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 32

آلاف من الخيالة. و المشاة. كانوا من الهايته (الباشي بوزق)، فلم تتيسر الإدارة بهم إدارة صالحة. و لم يبق من يقوم بالمهمة.. فاقتصر علي ثلاثة آلاف منهم و سرح الآخرين، فذهبوا جماعات (إلي الأناضول).

فكان العجب كل العجب في إدارة المملكة بهذا

القدر من الجيش، في حين أن ديار بكر و حلب و العراق كلها كانت تدبر بمثل هذا الجيش..!

كور باشا و اليزيدية:

قالوا عاث كور باشا بالأمن. و قتّل في اليزيدية تقتيلا ذريعا، و نهب و سلب حتي وصل إلي الموصل فقطع الجسر حذرا منه. و ذلك أن اليزيدية قتلوا علي آغا البالطي عم الشيخ يحيي المزوري فاستصرخه المزوري علي هذا العدوان فانتصر له و انتقم منهم و كان ذلك أيام والي الموصل محمد سعيد باشا آل ياسين المفتي.

جرت هذه الواقعة في هذه الأيام و تلتها وقائع بهدينان علي ما يأتي: في حادث القضاء علي إمارته. و يقال له (ميره كوره). و يتغنّي الأكراد بشجاعته. و لم يكن ما نسب إليه من أنه عاث بالأمن صوابا.

و إنما حذرت الدولة من توسعه فشنعت عليه، و اهتمت في أمر غائلته.

عزير آغا و محمد المصرف:

إن عزير آغا من أعوان داود باشا، كان متسلم البصرة مدة أربع سنوات أو خمس فلما خرج منها ذهب إلي المحمرة (خرمشهر)، و من هناك فرّ إلي إيران. و أما محمد أفندي المصرف فإنه مال إلي العشائر في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 33

الحدود الإيرانية، و صار يتجول هناك، فتمكنوا من جلب بني لام لجهتهم و كذا بعض العشائر الأخري، و مضي لجهتهم العثمانيون الذين تفرقوا بعد قتلة ابن النائب.

و في تاريخ لطفي أن عزير آغا بعد أن فرّ إلي إيران صار يكاتب الأهلين بقصد إحداث الاضطراب. فجمع علي رأسه جموعا كثيرة، و عزم علي المجي ء إلي بغداد، و لكن نظرا للمصافاة آنئذ بين إيران و العراق لم تقبل إيران أن تخل بالأمن، بل كان عليها أن تراعي حقوق الجوار، و تمنع عزير آغا أن يقوم بعمل.

فاتحها علي رضا باشا بالأمر و كتب إلي حاكم كرمانشاه الشهزادة حسين ميرزا بواسطة رسول خاص، و من ثم ألقي القبض حالا

علي عزير آغا في أنحاء شوشتر (تستر)، و كان في حراسته مائتا جندي و التمست إيران أن يعطي له الأمان، و أن يحافظ علي حياته.

آل عزير آغا:

و يلاحظ هنا أن مرآة الزوراء وقفت عند ما نقلت، و لو لا تاريخ لطفي لبقي البحث مبتورا. و كل ما نعلمه أن آل عزير آغا لا يزالون في بغداد. تولوا مناصب كبيرة في الدولة العراقية و صاروا أصحاب مكانة مقبولة. أعني الأساتذة أمين خالص و كان بمنصب رئاسة المفتش الإداري فأحيل إلي التقاعد، و كان ولي متصرفيات مهمة مثل البصرة، و محمود خالص يشغل عضوية محكمة تمييز العراق، و كان كل منهما قد تقلد بمناصب مهمة لما نالوا من ثقة و اعتماد. و هما ابنا خالص بن أمين بن عزير آغا. و لعزير آغا أوقاف خيرية في البصرة و أوقاف ذرية أيضا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 34

بكر بك البصري:

من جراء حادث بغداد، و أثناء الواقعة جلب إلي استنبول فبقي في الما بين الهمايوني، و خصص له راتب شهري ألف قرش.

إيالة حلب:

كانت منضمة إلي والي بغداد فانفصلت في هذه السنة و كان القائممقام عن والي بغداد في حلب محمد باشا المعروف ب (اينجه بير قدار).

إيالة البصرة:

ثم إن الدولة رأت أن اللائق لإدارة البصرة والي حلب محمد باشا المعروف ب (اينجه بيرقدار) فوجهت منصبها إليه. و لا شك أن ذلك برأي الوزير علي رضا باشا. و الظاهر أنه لم يذهب إلي البصرة أو لم تطل إقامته هناك فنقل إلي شهرزور علي ما يأتي.

حوادث سنة 1249 ه- 1833 م

منصب الإفتاء- الأستاذ الآلوسي:

إن الأستاذ أبا الثناء محمودا الآلوسي كان قد ظهر بين العلماء بالمظهر اللائق و أبدي القدرة العلمية، فصار أمين الفتوي أيام المفتي الأستاذ عبد الغني جميل. ولي هذا المنصب سنة 1249 ه أو أوائل سنة 1250 ه. و في أيامه زها الإفتاء و اكتسب جمالا و جلالا و مهابة بما اشتهر به من علم جم و أدب فياض. بقي في هذا المنصب نحوا من خمس عشرة سنة. و هو المفسر الكبير و صاحب المؤلفات المفيدة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 35

أوضحت عنه في (ذكري أبي الثناء) بمناسبة مرور مائة سنة علي وفاته، و بينت حالة الإفتاء و مكانه منه. و كان قبله محمد سعيد الطبقجه لي ثم عبد الغني جميل و بعده محمد سعيد أيضا ثم صار الأستاذ الآلوسي.

هنأه بهذا المنصب جماعة من الشعراء و الأدباء و مدحوه.

صفوق الجرباء:

لم يلتئم الشيخ صفوق مع الوزير، فحدث بينهما خلاف. بسببه اختل الأمن فأرادت الدولة أن تحقق الأمر، و أن يعاد النظام كما كان، فأرسلت آگاه أفندي من الخواجكان للقيام بالمهمة في بغداد. و إثر وروده إلي بغداد زالت هذه الغائلة.. و كل ما عرف أن والي الموصل يحيي باشا كانت بينه و بين علي رضا باشا نفرة.. فحرك رئيس عشائر شمر الشيخ صفوقا فقام في وجه علي رضا باشا، فالتقي الجيشان قرب الكاظمية، فعلم صفوق أن لا طاقة له بحرب علي رضا باشا فترك أثقاله و أحماله و انهزم، فتجاوز حدود الموصل، فاضطر جيش بغداد إلي العودة و كان بين متروكات الشيخ صفوق كتاب من يحيي باشا يدل علي العلاقة بينهما.

آل الجليلي و انقراض إمارتهم:

مما مرّ عرف السبب في اتخاذ الوسيلة للقضاء علي هذه الإمارة.

و دامت في إمارة الموصل من أمد بعيد جدّا من أيام إسماعيل باشا الجليلي والد الحاج حسين باشا الجليلي ولي سنة 1139 ه- و هو أول و ال من آل عبد الجليل. ثم صار ابنه الحاج حسين باشا الجليلي ولي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 36

إمارة الموصل مرات عديدة و استمرت هذه الأسرة في الحكم فلم تقو عليها الدولة العثمانية فبقيت في الإدارة. طال حكمها أكثر من حكم المماليك. دام إلي سنة 1250 ه- 1834 م تتخلله فواصل إلا أنها لم تفارق الحكم من بعض الوجوه، فلم يكن الولاة الجليليون متوالين و لكن المواهب قوية فلا تلبث أن تعود إلي الإدارة. و عندي مشجر مخطوط في أسرتهم. ورد في تاريخ العراق بين احتلالين ذكر بعض ولاتهم لا سيما الحاج حسين باشا الجليلي و ما قام به من الدفاع عن الموصل أيام نادر شاه

فوقف في وجهه. و أخبارهم في تاريخ الموصل للأستاذ الصائغ، و في كتاب مخطوطات الموصل، و في كتاب منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء لياسين بن خير اللّه الخطيب العمري نشره و حققه الأستاذ سعيد الديوه جي مدير متحف الموصل. و في تاريخ العراق بين احتلالين (ج 5 و 6). و آخر الأمراء من هذه الأسرة يحيي باشا ابن نعمان باشا الجليلي. و في ولايته الأولي من سنة 1238 ه إلي 1242 ه- 1827 م كتب الشاعر عبد الباقي العمري الموصلي المعروف (كتاب نزهة الدنيا في الوزير يحيي). و هو من آثاره المهمة. عندي مخطوطته الأصلية كما أعتقد. و في ولايته الأخيرة من سنة 1249 ه إلي سنة 1250 ه كان ما نسب إليه من سبب الاتفاق مع الشيخ صفوق غير صحيح فإن تدابير الدولة الأصلية انصرفت إلي القضاء علي المتنفذين قضت علي المماليك و ثنت بالجليليين. و همها القضاء علي هؤلاء قبل كل شي ء فاتخذوا سببا ظاهريا و هو قضية الشيخ صفوق للمعذرة. و سبق ذلك استخدام الولاة من العمرية و من آل ياسين المفتي. و هي أسباب غير مباشرة أيضا.

و هذه الإمارة نالت منزلة كبيرة و خدمة عظيمة للثقافة قامت بها في تأسيس المعاهد الخيرية من مدارس و جوامع حافظت بها علي الآداب و العلوم و ناصرت المؤلفين و كفاها هذا. و ما تقوله البعض عليهم فلا قيمة له و يدل علي تفكير ضيق و حنق زائد إذ لو لاهم لكانت الموصل في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 37

جهل … و لو عددنا المعاهد الخيرية من مؤسساتها لهالنا الأمر و في كتابنا (المعاهد الخيرية) تعرضنا لما قاموا به.

و الأسرة اليوم انصرفت إلي

ناحية ثقافة جديدة و لا تزال محتفظة بمقامها المعتبر. و أصدقاؤنا من هذه الأسرة الدكتور محمود الجليلي، و الأستاذ عبد الرحمن الجليلي و صديق الجليلي و هم من المعروفين من هذه الأسرة في الأوساط العراقية. و لم تكن في أيامنا بأقل نصيبا من سابق عهدها و المواهب تظهر.

أما آگاه أفندي فقد استأذن حكومته في الأمر فجاءه الأمر بلزوم إبداء الشكر للوالي علي ما قام به، و أن يذهب إلي إيران للمفاوضة بخصوص القضاء علي التعديات في ديار الكرد. و أن يعزّي شاه إيران بوفاة الشهزاده ولي العهد عباس ميرزا.. و من هنا نشأت نكبة يحيي باشا.

حوادث سنة 1250 ه- 1834 م

تسيير البواخر الإنكليزية:

كان قد أذن للإنكليز بتسيير باخرتين في نهر الفرات من البواخر النقلية. و لم تكن تستعمل قبلها سوي الوسائط القديمة. و هاتان الباخرتان قد أصابهما العطب. و يعدّ هذا أول دخول البواخر العراق. و لم يستفد العراق منها إلا أنه ورد الإذن في سنة 1257 ه- 1842 م إلي الوزير علي رضا باشا اللاز بتسيير الباخرتين. و هو الأمر الأول فاستغلته شركة لنج لاستخدام البواخر في دجلة. و سيأتي الكلام علي ذلك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 38

القصمان أو عقيل:

في 2 شعبان سنة 1250 ه خرج القصمان (أهل القصيم) في نجد عن الطاعة و نهبوا جانب الكرخ، فأجلوا عن ديارهم.. و هؤلاء يقال لهم عگيل (عقيل) فهم من عشائر متعددة نجدية الأصل.

المدرسة الحربية:

في هذه السنة تأسست المدرسة الحربية باستنبول، فكانت فاتحة الجيش المنظم علي أساس علمي عصري فكان لها تأثير كبير في حياة الدولة العثمانية..

و كان للعراق نصيب وافر منها. فقد تخرج كثيرون من طلاب العراق لا سيما بعد أن تكونت في العراق (المدارس الرشدية العسكرية)، و (الإعدادية العسكرية) سارت بانتظام، و كان الطلاب بوفرة، و الرغبة قوية. و كانت تعد من أنظم المدارس في الدولة.

حوادث سنة 1251 ه- 1835 م

والي شهرزور:

عزل محمد باشا اينجه بيرقدار والي شهرزور، و وجهت الإيالة إلي أشقر باشا، و كان قد سماه الأستاذ الآلوسي علي أشقر باشا. جاء مع الوالي علي رضا باشا. و كان من موالي بيت السلطنة، صار واليا علي شهرزور و أقام ببغداد، و هو يد علي رضا باشا في حضره، و قائممقامه في سفره. ثم إن محمد باشا صار بعد ذلك واليا علي الموصل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 39

و في (تاريخ الموصل) للأستاذ الصائغ بيان عن مجيئه إلي الموصل ثم دعوة علي رضا باشا له، و صيرورته في شهرزور. و فيه مخالفة لما سبق أن ذكرت من أنه كان قائممقام الوزير في حلب.

مختارو المحلات:

في هذه السنة حدث انتخاب المختارين للمحلات في البلاد، فكتبت الأوامر للولاة اتباعا لنظامات البلدية.. و كذا كان لكل محلة إمام، و صارت تراعي أصول انضباط لهذا الغرض..

و لا يزال مختار و المحلات علي أوضاعهم القديمة. لم يحدث تبدل إلا أن سلطتهم تعيّنت نوعا في ملاحظة سكان المحلة، و من يتوفي بلا وارث، و تنظيم بيان لإصدار قسامات بانحصار الوراثة، و صار يسأل المختارون عن حال الشهود و ما ماثل من الأمور كعقود النكاح و ما يتعلق به..

الشاعر عمر رمضان

في هذه السنة أو التي بعدها توفي الشاعر المعروف السيد عمر رمضان الهيتي. و كانت له صلات أدبية بالأخرس و مهاجاة، و بالشيخ صالح التميمي، و بأبي الثناء الآلوسي و آخرين. رثاه السيد عبد الغفار الأخرس بقصيدة مطلعها:

رمينا بأدهي المعضلات النوائب و فقد الذي نرجو أجل المصائب

و عندي مجموعته بخطه و تحوي شعره و مختاراته. و أوسعت الكلام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 40

عليه في (التاريخ الأدبي). و هو عالم فاضل و أديب كامل. و ترجمته في المسك الأذفر و في حديقة الورود …

حوادث سنة 1252 ه- 1836 م

نفي السيد محمود النقيب:

كان نقيب الأشراف أخرجه علي رضا باشا من بغداد متوجها إلي السليمانية يوم الخميس 24 من المحرم سنة 1252 ه، و بقي خلف باب الإمام الأعظم إلي ليلة الثلاثاء الساعة الثانية، فذهب إلي السليمانية في منتصف صفر سنة 1252 ه ليلة الثلاثاء. و كان ممن نفي معه السيد محمد سعيد التكه لي (التكرلي).

و الملحوظ أن السيد محمود أفندي النقيب ابن السيد زكريا. دفن في رواق المكتبة للحضرة القادرية و كذا دفن السيد محمد سعيد التكرلي هناك كما أن السيد علي الكبير دفن هناك.. و من هؤلاء السيد رمضان و من ذريته السيد عبد الفتاح الكليدار..

و ذمه الأستاذ أبو الثناء لما رأي من معاملة جافة و قاسية. و هو من آل عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الكيلاني. و بعدها انتقلت النقابة إلي السيد علي الكيلاني من آل عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر الكيلاني و استقرت النقابة فيهم و لا تزال إلي أيامنا.

كور باشا الرواندزي- القضاء علي إمارته:

كان أمراء الصورانيين زال ذكرهم من البين ب (آل بابان). و لم تظهر حوادث عنهم إلا قليلا. و إنما بدأت حوادثهم أيام (كور باشا).

و يعرف ب (مير كوره). و هو محمد باشا الرواندزي و كان من الصورانيين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 41

و منهم من قال إنه من أمراء (لپ زيرين) في برادوست من أمراء زرزا شنّ غارات عديدة و أوقع وقائع قاسية وقعت أيام داود باشا، و منها ما كان علي (اليزيدية) أيام علي رضا باشا إجابة لاستغاثة الشيخ يحيي المزوري المتوفي سنة 1252 ه. مطالبا بدم عمّه (علي آغا البالطي). قتله اليزيدية. فأفتي أحد علمائه الشيخ محمد الخطي العالم المعروف جد الأستاذ خورشيد بن عبد الحكيم ابن الشيخ محمد

الخطي بقتلهم ما دعا كور باشا أن يقاتلهم. و توفي الخطي سنة 1252 ه. بعد القضاء علي كور باشا و كان من مشاهير العلماء في أيامه. و عندي له رسالة قدمها إلي داود باشا (في العلم الإلهي). و له مؤلفات أخري …

صال كور باشا علي اليزيدية عبر الزاب الأعلي من جهة (ياسين كلك)، و تعقب أثرهم حتي الموصل، فقطع أهل الموصل الجسر حذرا منه، فاعتصم اليزيدية بالنبي يونس عليه السلام و تحصنوا فيه إلا أنه استولي عليهم بعد المحاصرة و دمرهم تدميرا. و كان الأستاذ أبو الثناء رآهم في ياسين كلك بعد تلك الواقعة و ذكرهم في رحلته. و الظاهر أنهم رأوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 42

مدحت باشا- عن تبصره عبرت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 43

ضعفا، فمالوا إلي أبناء طائفتهم و كان قبل ذلك رآهم نيبور السائح الهولندي و ذكر بعض قراهم قبل واقعة كورباشا الرواندزي. رآهم في الجانب الأيمن من الزاب الأعلي. و مثله في رحلة المنشي البغدادي و سميت قريتهم ب (حسين كفتي). و لعلها نفس قرية (ياسين كلك). ثم مال الأمير كور باشا إلي العمادية و فعل بها ما فعل. و توالت حوادثه، فشغل الدولة و من ثم اهتمت للأمر خوفا من توسع هذه الإمارة.

عزمت الدولة علي القضاء عليه، و عدت غائلته من أمهات الغوائل، فجهزت والي سيواس الصدر الأسبق و السردار الأكرم رشيد محمد باشا. اختارته للأمر و عهدت إليه بالمهمة. و أمرت والي الموصل محمد باشا (اينجه بيرقدار)، و وزير بغداد علي رضا باشا اللاز أن يكونا علي أهبة و موعد للتعاون معه و أن يهتما في دفع هذه الغائلة.

قام الكل بما عهد إليهم مجتمعا. و

من ثم و قبل الشروع في حرب كور باشا حذره السردار من العصيان، و كتب إلي العلماء أن ينصحوه لتقديم الطاعة. و في الوقت نفسه تعهد له السردار رشيد محمد باشا أن لا يلحقه ضرر و لا يمسّه سوء، فأبدي انقياده و أذعن للسلطان، فأخذ إلي استنبول و عفي عنه. ثم صدر الفرمان بقتله في طربزون و منهم من قال في سيواس و دفن فيها. و في رجب سنة 1252 ه توفي الصدر الأعظم السردار رشيد محمد باشا و لعل لوفاته دخلا في قتله بعد العفو عنه.

مات بلا عقب. و الباقون اليوم من ذرية أخيه رسول آغا. و منهم إسماعيل بن سعيد بن عبد اللّه مخلص قتل قبل بضع سنوات و هو ابن أخي إسماعيل قتل غيلة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 44

و كان رشيد محمد باشا من أكابر رجال الدولة نال الصدارة في أوائل شهر رمضان سنة 1244 ه، و فصل عنها في أوائل شهر رمضان سنة 1284 ه و ولي سيواس في جمادي الآخرة سنة 1249 ه. و في ذي القعدة من تلك السنة بمناسبة غائلة الرواندزي أضيفت إليه ولاية ديار بكر لزيادة الاهتمام بالأمر.

و علي كل حال انقرضت إمارة الرواندزي سنة 1252 ه- 1836 م.

قام لها الترك و قعدوا. و قالوا كانت أقلقت راحة الأهلين مدة اضطرب فيها حبل الأمن و سلبت الطمأنينة … و علي كل عادت في طيات التاريخ. عاشت في حياة كور باشا و ماتت بموته. و كان التشنيع عليه بسبب توسع إمارته و نجاحها في ديار الكرد و حسبوا لها خطرها عليهم.

فأرسلوا إليها أحد الصدور العظام بلقب (سردار أكرم). و بهذا كان قد حصل رشيد محمد باشا

و (اينجه بيرقدار) و علي رضا باشا اللاز علي إنعامات السلطان من جراء هذا العمل الجدير بالإنعام و التقدير. و إن الشيخ صالح التميمي مدح الوزير علي رضا باشا اللاز بقصيدة علي هذا النجاح الباهر.

و الملحوظ أن ما جاء في تاريخ الموصل للأستاذ الصائغ من أن قيادة الجيش كانت بيد (مصطفي رشيد باشا) فغير صواب. تسرب إليه الخطأ من سالنامة الموصل. و سماه الأستاذ الدكتور داود الچلبي (رشيد باشا الگوزلكي) ظنا منه أنه وزير بغداد المذكور. و جاء في كتاب (إمارة بهدينان) أنه (محمد رشيد باشا). وقع فيما وقع فيه معالي الأستاذ المرحوم محمد أمين زكي في كتابه (تاريخ الدول و الإمارات الكردية)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 45

دون أن يصرح بالنقل منه.

إمارة العمادية- انقراضها:

هذه الإمارة كنت ذكرتها في (عشائر العراق الكردية) و في الأجزاء السابقة من تاريخ العراق و في هذا العهد علي ما جاء في مجموعة السهروردي أن العمادية كانت بيد إسماعيل باشا ابن طيار باشا (محمد الطيار) و كان أخوه عبد القادر بك رهنا لدي علي رضا باشا. ثم إن إسماعيل باشا هذا خرج علي الوزير فأرسل إليه جيشا بقيادة الملا حسين آغا كتخدا ففرق إسماعيل باشا جماعتهم، فاحتاج الوزير أن ينكل به و ينهض عليه بنفسه. و حينئذ عين أخاه عبد القادر بك بلقب باشا أميرا علي العمادية. و في آخر الأمر تغلبوا علي العمادية و قبضوا علي إسماعيل باشا و أخيه عبد القادر باشا و أتي بهما إلي بغداد حنقا عليهما و ولي علي العمادية محمد سعيد پاشا من أقاربهما.

و من ثم عرفنا كيف ولي محمد سعيد پاشا و كيف ابتدأت وقائع أيامه هذه. فكشفت هذه المجموعة عن الحالة و

ما كانت عليه قبل أمير العمادية محمد سعيد پاشا و كيف صار هو أميرا عليها. و هذا- علي ما جاء في النصوص الأخري- استولي عليه كور باشا و نصب مكانه (موسي باشا). و كان موسي باشا هذا قد نازع محمد سعيد باشا في الإمارة و لما أيس من بلوغ أمنيته التجأ إلي الأمير كور باشا فنصره و قلده الإمارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 46

و رجع إلي رواندز فتعصب الأهلون عليه فطردوه و أعادوا محمد سعيد باشا. و حينئذ أقبل الرواندزي علي العمادية فأقام علي حصارها ثلاثة أشهر حتي نفدت مؤن الأهلين و لم يبق لهم صبر علي المقاومة فطلبوا الصلح و سلموا إليه (محمد سعيد باشا). و من ثم دخل القلعة فغدر بالأهلين فنهبهم و قتل رؤساءهم، فأقام عليهم أخاه (رسول آغا) واليا.

دامت في يده إلي أن ولي الموصل محمد باشا اينجه بيرقدار.

ثم إن إسماعيل باشا كان يأمل أن محمد باشا اينجه بيرقدار يعيده إلي العمادية فطلب أن يوليه مملكته فلم يجبه فمال إلي الجزيرة و راسل أكابر رجال العمادية يفاوضهم حتي انقادوا له و سلّموا إليه العمادية. و إثر ذلك جرت حوادث بين البيرقدار و بينه. و هذه الحوادث منها ما جري في (عين توثة). و كذا حوادث الرواندزي مما شغل الدولة فقطعت بلزوم القضاء عليهما معا لا سيما بعد أن ربحت قضيتها في بغداد علي يد علي رضا پاشا.

جهزت الصدر الأسبق رشيد محمد باشا علي الرواندزي فقبض عليه. ثم مال الجيش إلي العمادية و شدد الحصار عليها أياما، فاضطرت إلي التسليم. افتتحها، و قبض علي إسماعيل باشا، فأرسل مكبلا إلي الموصل. و من هناك أبعد إلي بغداد. بقي فيها إلي أن

مات عقيما في شوال سنة 1289 ه- 1872 م. و ما جاء في (تاريخ الدول و الإمارات الكردية) من أن إسماعيل باشا توفي سنة 1259 ه- 1843 م فغير صواب.

و بهذا الاستيلاء انقرضت (إمارة بهدينان) و هي إمارة العمادية و صارت تابعة مدينة الموصل هي و العقر (عقرة) إلي سنة 1265 ه. ثم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 47

انفصلت عن الموصل و صارت تابعة إلي لواء حكاري من ألوية (وان) و لم تعد إلي الموصل إلا بعد أكثر من أربعين سنة.

و الملحوظ أن ما جاء في (تاريخ الموصل) من أن إسماعيل باشا عاد إلي العمادية سنة 1258 ه- 1842 م فغير صحيح لما عرف من تاريخ الانقراض.

كان الأستاذ الصائغ اعتمد كتابا خطيّا في تاريخ العمادية فتسرب إليه الخطأ منه، و هذا المخطوط موجود عند أحد أشراف قرية زيروا من قري العمادية. ذكره في تاريخ الموصل. و لم يظهر لحد الآن.

هذا. و كنت نشرت مقالات في العمادية في جريدة النداء للمرحوم الأستاذ نور الدين داود. ثم كتبت كتابا في (تاريخ العمادية) لا يزال مخطوطا أوضحت فيه تاريخ تكونهم، و دوام إمارتهم مدة، و انقراضهم … و هكذا بينت نطاق الإمارة و حالة الأهلين … أما كتاب (بهدينان) للأستاذ صديق الدملوجي فإنه لا يصلح أن يكون مرجعا لخلوه مما يعتمد من مراجع تاريخية.

و مما يصح التنبيه عليه أنه جاء في كتاب (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) المنقول إلي اللغة العربية في الطبعة الأولي منه ص 307 أن رشيد پاشا الصدر الأعظم و والي سيواس الأسبق استولي علي (ماردين) و اعتقد أنها (العمادية) فجاء ذلك سهوا من الأصل أو من النقل، فاقتضت الإشارة إلي ذلك إذ

لا محل لذكر ماردين و لا لفصلها من الموصل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 48

وفيات:
1- توفي العلامة الشيخ يحيي المزوري.

من أكابر علماء الأكراد.

أخذ عنه الأستاذ أبو الثناء فهو من أساتذته. و هو الذي حضّ الأمير كور پاشا الرواندزي علي قتل اليزيدية مطالبا بدم عمه البالطي. و الأشهر أنه توفي في هذه السنة (سنة 1252 ه). و رثاه الأستاذ عبد الباقي العمري بقصيدة مذكورة في ديوانه.

حوادث سنة 1253 ه- 1837 م

واقعة المحمرة:

خرج علي رضا باشا اللاز علي قبيلة كعب، فأخذ المحمرة، و نصب حاكما من قبله في الفلاحية يقال له (عبد الرضا) بعد أن نكل بهم تنكيلا مرا، و نهب و أسر. جرت هذه الواقعة في شعبان سنة 1253 ه.

و المحمرة في الجانب الشرقي من شط العرب و تبعد عن كردلان جنوبا نحو ثماني ساعات. و تقع علي يمين نهر كارون بالقرب من مصبه.

و بقربها أطلال قرية بهذا الاسم و فيها مقاطعات علي هذا النهر في اليسار تمتد نحو ساعتين و في اليمين منه نحو أربع ساعات. و هذه البلدة حديثة العهد بنيت نحو سنة 1236 ه و تم بناؤها نحو سنة 1240 ه. و تليها جزيرة الخضر و تمتد إلي ساحل شط العرب حتي الخليج و هي محصورة بينهما بين نهر بهمشر و كارون. و في غربي هذه الجزيرة (جزيرة المحلة) في نفس شط العرب. و كلها كانت للعراق فصارت إيران تطالب بها من جراء أن هذه العشيرة تريد أن تكون بنجوة فإنها تميل تارة إلي إيران و أخري إلي العراق فكلما رأت تضييقا من جانب صارت إلي الآخر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 49

و قبيلة كعب قديمة، و معروفة. كانت في العراق فمالت إلي أنحاء المحمرة و جزيرة الخضر و جزيرة المحلة و الفلاحية. و لا تزال منها مجموعات كبيرة في العراق. قامت علي أطلاق المشعشعين، و

حلّت محلّهم في الحكم علي الحويزة. انقادت لإيران أو أن إيران اكتفت منها بالقليل.

و محل إمارتها الفلاحية. و الإمارة كانت للشيخ جابر. و كانت إمارة كعب قبله بيد (البو ناصر) إلا أن نشاطها في أيام جابر هو الذي مكن إمارتها. و توفي سنة 1298 ه فخلفه الشيخ مزعل. و توفي سنة 1315 ه، فخلفه الشيخ خزعل و طالت مدة إمارته و اكتسبت استقرارا. و إن دولة إيران سخطت عليه و علي أمراء آخرين فانتزعت الإمارة منه في 20 نيسان سنة 1925 م و بقي في حجر إيران إلي أن توفي في 26 مايس سنة 1936 م.

و من أهم فروع كعب المحيسن و هي فرقة الإمارة، و من فروع كعب الدريس و النصار و لا محل لتفصيل فروعها الآن. بسطت القول عنها في المجلد الرابع من عشائر العراق.

و في 12 شعبان سنة 1253 ه كتب علي رضا باشا اللاز كتابا بتوقيعه (علي الرضا محافظ بغداد و البصرة و شهرزور) إلي مفتي بغداد السيد محمود الآلوسي. ينطق بانتصاره علي أهل المحمرة، و قمع غائلتها و تسخير حصونها، و ذكر في كتابه أن عبد الباقي العمري نظمها في قصيدة أرسلها إليه للاطلاع علي منطوياتها، ثم إعطائها إلي الشيخ علي الهروي ليثبتها في (تحفة الرضا) …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 50

و كتب الوزير إلي الأستاذ السيد محمود المفتي جوابا لكتابه المرسل مع أحمد آغا الكتخدا السابق أنه عازم علي زيارة مشهد الحسين رضي اللّه عنه أثناء عودته. و القصيدة مثبتة في ديوان العمري. و في حديقة الورود تفصيل.

و ممن ذكر هذه الواقعة عبد الجليل البصري في ديوانه المطبوع في بومبي … و كذا جاء في (تاريخ الشاوي)

بعض الإيضاح إلا أنه مزج بين هذا الحادث و بين واقعة (تحديد الحدود) بين إيران و العراق المتأخرة عنها و هذا ناجم من اضطراب المحفوظ أو تداخله.

و هذه الواقعة بلا ريب فتحت بابا للمفاوضات بين إيران و الدولة العثمانية و دامت إلي سنة 1263 ه، فأدت إلي عقد (معاهدة أرضروم) فطالت نحو إحدي عشرة سنة فانتهت بتلك المعاهدة و بتحديد الحدود أثر انعقادها بلا فاصلة. و لا تزال لم تحسم قضية الحدود. و يستفاد كثيرا من كتاب (سياحتنامه حدود)، و من تقرير درويش پاشا لمعرفة الاتجاه و الأدلة التاريخية.

و كان يوجه اللوم علي الوزير علي رضا پاشا من جراء أنه لم ينظم إدارة المحمرة و يجعلها منقادة للبصرة مما أدي إلي دوام النزاع … و كل ما كانت تفسر به هذه الواقعة أنها غزو و نهب و عودة كما تفعل بالعشائر الأخري. و هي أيضا عشيرة بل عشائر لا تستقر و لا يتسلط عليها حكم فمن الصعب تأسيس إدارة لها.

والي شهرزور- تبدلات في المناصب:

كانت شهرزور ملحقة ببغداد، و في هذه الأيام انفصل و اليها أشقر باشا. و كان استخدم في بغداد بخدمات أخري اقتضت … فلزم تعيين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 51

فريق إلي هناك، فاختير لهذا المنصب عزت بك آل قپوجي باشي و كان و يودة (يني ايل). و من ثم نصب فريق آخر مكانه للعساكر ببغداد و كذا نصب للدفترية عارف أفندي خليفة المخلفات.

و الملحوظ أن هذا الفريق كان مستقيما، عدلا. جري تعيينه فريقا من جهة أنه من أقربي علي رضا باشا. قال لطفي في تاريخه: توفي قبل سنوات. و مدح خصاله و أثني عليه كثيرا..

حوادث سنة 1254 ه- 1838 م

و مما حدث:

1- أبدل لقب (صدر أعظم)، ب (رئيس الوكلاء) في 4 المحرم من هذه السنة.

2- جواز السفر، قرّر لزوم مراعاته في وزارة الخارجية. و بهذا تابعت الدولة ما هو معروف لدي دول الغرب.. و كان معروفا قديما.

3- الحجر الصحي. أسس الحجر الصحي في الدولة العثمانية.

4- المكاتب الرشدية. تكونت في عاصمة الدولة (استنبول) إلا أنها لم تعم الولايات.. و لم يؤسس في بغداد المكتب الرشدي إلا بعد أكثر من ثلاثين سنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 52

حوادث سنة 1255 ه- 1839 م

خط كلخانه- التنظيمات الخيرية:

في 26 شوال أعلنت التنظيمات الخيرية (خط كلخانه) المؤرخ 26 شعبان. قررت فيه الدولة لزوم الإصلاحات العدلية، و النظامات اللازمة لتهدئة الرأي العام الأوروبي الهائج علي الدولة و أملها أن تجلب ودّ الدول الغربية و قررت لزوم تشكيل سفارات في باريس و لندن و عزمت علي إصلاح التشكيلات الإدارية و قبول النظم المالية. قرئ خط كلخانة بصوت جهوري بمحضر من العلماء و الوزراء و الأعيان و سائر رجال الدولة في (ميدان كلخانة) في القصر العالي بحيث فهمه الكل.. و أعلن أيضا في سائر البلاد العثمانية و منها بغداد.. فأجريت له الاحتفالات الكبيرة و أطلقت المدافع.. و تلته التنظيمات الخيرية..

و هذا الفرمان يصرح أن الدولة كانت تراعي الأحكام الشرعية فبلغت قمة المجد، و منذ مائة و خمسين سنة أهملت الإدارة الشرعية بسبب الغوائل، و ما عرض من الحوادث.. فاقتضي مراعاة ما يجب لوضع قوانين جديدة لانكشاف القابليات في الأهلين، و حفظ نفوسهم، و أموالهم و أعراضهم، و أن تقوم بحسن الإدارة، و تعيين الضرائب، و تحديد مدة الجندية و تأكيد الثقافة، فأوضح المنهج للعمل، و هدد المخالف بأعظم العقوبات و أمر أن يرتب (قانون عقوبات).. و أن يكون الإصلاح عاما

شاملا فلا يقتصر علي ناحية دون أخري.

و الحق أن الدولة كانت بيد المتنفذين و الينكچرية فبلغ سوء الإدارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 53

أقصي حدود الظلم. و مرّ بنا من الحوادث ما يعين الحالة، فالدولة بعيدة عن الإصلاح و من الصعب إرضاء الشعب بوجه. فالتذمر بلغ غايته …

سواء في عاصمة الدولة أو في الولايات التابعة لها.

و العراق كان نصيبه أقل الأقطار من الإصلاح لما يوجس الأهلون خيفة أن يؤدي ذلك إلي تقوية سطوة الدولة و كان بنجوة نوعا. رأت الدولة لزوم القضاء علي الإمارات العراقية و رعاية التجنيد، و ما ماثل مما يؤدي إلي التمكن من السيطرة فكان عملها بطيئا لم تنل من العراق حظا إلا بعد جهود تكبدتها و دماء أهرقتها، و أموال طائلة بذلتها.. وقف العراق في وجهها، و عارض آمالها، و في الوقت نفسه كانت لا تستطيع أن تضغط كثيرا حذرا من إيران بل راعت الصلح مع إيران و عملت لأن يكون صحيحا.

و هكذا تولدت تيارات ضد الغربيين لما ظهر من نوايا التدخل في المملكة، و الضغط من طريق الانتصار علي الشرق، و دعوي حماية النصاري، و أمثال ذلك من الأوضاع العديدة.

قال الأستاذ أبو الثناء الآلوسي:

«كنت أري أمر الإفتاء أمرّ من مر القضاء حيث مزقت (الشوري) إذ ذاك أديمه، و أسقمه (أعضاء المجلس) ذوو الآراء السقيمة أعضاءه السليمة فلم يكد يختاره إلا ذو جهالة قد جعل … دينه لدنياه حباله.

و حاشاني أن أكون كذلك … » ا ه.

و الشوري لا تذم لذاتها. و لكن جهل الأعضاء مما يفسد معناها.

و الآراء السقيمة تطوح بالمملكة و تقضي علي الآمال … و النقمة كانت مشهودة. ذكرها الأستاذ في مجموعته الكبري. و هكذا قال الشيخ

رضا الطالباني في عهد المشروطية:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 54

قانون إلهي و ارايكن يعني شريعت باقي هذياندر، چه أساسي چه سياسي

يقول إذا كان القانون الإلهي موجودا و هو الشريعة فالباقي هذيان سواء كان سياسيا أم أساسيا.

و هكذا كانت النفرة راسخة في الأذهان، و لا تزال خشية التسلط ملحوظة. و هذا لم يمنع قبول الصواب و الإدارة الحقة و لا تلقي العلوم و الفنون، و سائر ما يؤهل للحياة العملية الدنيوية مما لا يتصور منه ضرر علي الدين، بل هو من دعائمه.. و كانوا يخشون ما وراء ذلك.

ثم أصدرت الدولة قوانين عديدة و سارت نحو الإدارة الغربية لتنال قوة، و تتمكن من الإصلاح و ترضي الغرب فأعلنت بعده عدة فرامين منها الفرمان المؤكد لزوم تشكيل المجلس سنة 1267 ه و منها الفرمان المؤرخ 1272 ه ثم أصدرت القانون الأساسي و هو الدستور المؤرخ سنة 1293 ه، فأعيد العمل به في أيام المشروطية. فكانت المشية بطيئة جدا.

جرت علي سنة التطور بمقدار ما تمكنت من مراعاة الإدارة الديمقراطية و تمكينها في المملكة كما لاحظت المعارف، و أسست المدارس للقيام بالإصلاح الثقافي.. و العراق حصل علي مقدار ضئيل، و لكن تبدل العصر أدي إلي قبول العلوم الغربية، و التوسع في الثقافة، و لا يزال الأمر ماضيا في طريقه.. و لكن بمقياس ضعيف..

غرق بغداد:

في كل بضع سنوات يستولي الغرق أو الفيضان علي بغداد، و طغيان دجلة و الفرات لم ينقطع في وقت إلا قليلا، فكم استولت المياه و خربت ديارا و محت أموالا و لكن هذا الحادث كان كبيرا.. قال الأستاذ الآلوسي:

«شاهدنا جورها- جور المياه- مرارا، و أعظم ما شاهدناه بعد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 55

حادثة

الطاعون ما وقع سنة 1255 ه، فإن دجلة طغي ماؤها، حتي تساوي من بغداد أرضها و سماؤها، و غيرت جدران بيوتها بين ساجد و راكع، و خاضع و خاشع، و مبطون أضرّت به علّة الاستسقاء، و محموم استلقي علي ظهره يتفكر في ملكوت السماء، و باك قد استغرق بالبكاء ليله و نهاره، و تفجرت منه العيون فتلا و إن من الحجارة، و الملائكة تتيمّم في سماها بغبار البيوت و تنادي يا أهل الأرض عزاء فبيوت العنكبوت كثير علي من يموت، و الألباب أمست لفرط البلبال حياري، و تري الناس سكاري و ما هم بسكاري، و كم من مخدرة أراقت ماء المحيا، و سخت بما يعزّ عليها لنجاة نفسها و لم تك و حياتك بغيّا، و بالجملة لقد فار التنّور، و أمست الأرجاء كالبحر المسجور، و عادت- لا أطيل- حادثة الطوفان، و كان و الأمر للّه تعالي ما كان.. و قد أشار الشاعر عبد الباقي العمري إلي بعض ذلك ببيتين شطرهما الفاضل الأديب أمين العمري المعروف ب (الكهية) قال:

(لا تعجبوا من نهر دجلة إذ جري) و هو الفرات كمعظم الطوفان

و طغي علي الزوراء كل منهما (حتي انتهي لحضيرة الكيلاني)

(هو للحقيقة و الطريقة بحرها) و به نري البحرين يلتقيان

آوي إليه الماء معتصما به (و البحر مأوي جملة الخلجان)

و الملحوظ أنه مرت بنا في (تاريخ العراق بين احتلالين) حوادث غرق كثيرة فلم تهدأ حوادثه، و لم تقل مضاره و مصائبه في غالب السنين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 56

السنة المالية:

إن الدولة العثمانية اعتبرت سنة 1255 هجرية سنة مالية و بدأت بآذار. و جري العراق في معاملاته المالية علي هذه السنة. و المالية لم تبدأ من أول الهجرة.

و إنما بدأت من هذه السنة اعتباطا. و توالي الاختلاف علي غير اطراد. و تسمي هذه السنة المالية بالرومية. و كان الاختلاف علي هذا قديما. نوضحه بما يلي:

التاريخ الهجري و الرومي

التاريخ الهجري قمري. وضعه عمر رض سنة 17 ه. و أول السنة الهجرية يوافق 16 تموز سنة 622 م. و كانت تواريخ غير المسلمين مرعية فيما بينهم. ثم شعر المسلمون أيام الأمويين و العباسيين بلزوم الأخذ بالسنة الشمسية لحاجة الخراج لتعيين مواعيد الجباية، فاستعملوا (السنة الخراجية). و للتوفيق بين التاريخين في السنة الخراجية و السنة الهجرية اتبعوا طريقة (الازدلاق)، و يسمي (الازدلاف) بإرجاع ثلاث سنوات كل مائة سنة ففي ال (33) سنة الأولي حذفوا سنة، و في الثانية أسقطوا سنة أخري. و في التالية لهما تركوا سنة من 34 سنة. و هكذا فعلوا علي هذه الطريقة في كل مائة سنة.

و أشهر السنين المستعملة (السنة الجلالية) أو (الملكشاهية) أيام السلجوقيين. بدأت سنة 471 هجرية و اعتبرت السنة الأولي جلالية.

و كان قبلها استعملت سنين خراجية أشهرها (السنة اليزدجردية). ثم إن المغول أيام السلطان محمود غازان اعتبروا (السنة الايلخانية) سنة 701 ه. قامت مقام (السنة الخراجية). و هي مستعملة في الأمور المالية.

و اعتبرت السنة الأولي الايلخانية.

و مضت الدولة العثمانية علي هذا. فأصدر السلطان محمد الرابع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 57

فرمانا في 4 صفر سنة 1088 ه أمر فيه أن تعد (السنة المالية) من سنة 1087 ه قمرية و تمحي سنة كل 33 سنة و أخري مثلها سنة أخري في 33 سنة ثم في مدة 34 سنة بعدهما تسقط سنة أيضا. فيسقط في كل مائة سنة ثلاث سنوات بالوجه المذكور. و يقال لهذا الازدلاق عندهم (سويش). و يحتفظ بمراعاة

السنين الهجرية و المالية معا. و يقال لهذه السنين السنون المالية أو السنون الرومية.

ثم اعتبروا سنة 1205 ه مالية و اتبعوا (التاريخ الأورثوذوكسي أصلا و بدأوا من آذار. و خالفوا التاريخ الغريغوري ثم اعتبروا سنة 1255 ه مالية و دام العمل بها كذلك. و في أيام السلطان عبد العزيز سنة 1288 ه كان موعد الازدلاق فلم يفعلوا لغفلة فحدث اختلاف بين الهجري و المالي، و تزايد حتي احتلال بغداد سنة 1335 ه- 1917 م. ثم نسخ عندهم بالتاريخ الميلادي المتداول. و بهذا انفصل التاريخ الهجري عن الشمسي الميلادي بسبب إهمال علم الميقات من مباحث الفلك.

ثم اضطرت الدولة العثمانية إلي اعتبار التفاوت بين (التاريخ الرومي و الميلادي المستعمل) فأبقت السنة علي حالها و جعلت يوم 16 شباط من سنة 1332 اليوم الأول من آذار سنة 1333 بموجب القانون المؤرخ 28 ربيع الآخر 1335 و 8 شباط سنة 1332 رومية.

و هذا لم يعمر كل الغلط، ثم وجدوا أسهل طريقة قبول التاريخ الميلادي. لم يستندوا إلي أمر علمي و توالي الغلط حتي تركوا الماضي و ما أحدثوا فيه من أغلاط و أهملوا العلم و منطوياته أو اشتغالات العصور في الفلك.

و في إيران حذف من السنة الميلادية ما قبل الهجرة 622 سنة فما بقي صار هجريا شمسيا إلا أنهم جعلوا النوروز أول يوم من السنة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 58

و اعتبروا الأشهر الإيرانية أسماء فارسية، فاختلفت عن الميلادية في الشهور و في مبدأ السنة. و يتوقع أن يحدث عندهم مثل ما حدث في الجمهورية التركية.

و إن الحكومة المصرية بدأت في 29 رجب سنة 1292- 1 أيلول سنة 1875 باستعمال التاريخ الغربي الغريغوري. و تعد أسبق بلاد الدولة

العثمانية إلي قبول هذا التاريخ.

و عندنا حدث عين ما حصل للعثمانيين إلي سنة 1335 ه- 1917 م. ففي أول يوم من الاحتلال قبل التاريخ الميلادي عينا و في أيام الدولة العراقية استعمل معه التاريخ الهجري. و لا يزال إلي اليوم. و كان الأولي أن يستعمل التاريخ الهجري الشمسي مع الاحتفاظ بأسماء الأشهر و أوائلها و أول السنة الميلادية لدي الأمم دون تغيير و أن تعد السنة (خراجية) و باقي معاملاتنا الدينية و التاريخية هجرية قمرية دون أن نشوش تواريخنا، و أن يقرن بها التاريخ الشمسي فلا نري الاضطراب.

و يهمنا بيان أن الدولة العثمانية بدأت بإصلاح التاريخ المالي في هذه السنة فأهمل و لم يراع حكمه في لزوم مراقبة الحالة في التجدد فوقعت الدولة في الغلط. و الأسباب الموجبة في كل تبدل تعين و جهات النظر. و هكذا جري عند الغربيين من التحولات في التاريخ الميلادي نفسه قبل الإصلاح الغريغوري، و تغير أول السنة الشمسية كثيرا، فاستقر في أن صارت السنة الميلادية أو الشمسية تبدأ بأول يوم من كانون الثاني. و لا تزال الآراء سائرة علي قبول متجددات عصرية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 59

السردار الأكرم عمر باشا- عن مشاهير الشرق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 60

حوادث سنة 1256 ه- 1840 م

آل بابان:

في هذه السنة لم يحرك الوزير علي رضا پاشا ساكنا فمضت الحالة بهدوء. و بالتعبير الأولي لم يتعرض بالخارج من عشائر فلم يقع ما يستحق الذكر إلا ما وقع من العفو عن محمود پاشا البابان عفت عنه الدولة عما سبق منه من تعنت أثناء ولايته. فألبسه الوزير الخلعة. و هو أخو سليمان باشا. و لما علم أمير السليمانية أحمد باشا انحاز بأتباعه إلي جانب و في هذه

الأثناء ظهر (علي بك) ابن محمود باشا مطالبا و ناصرته إيران باعتبار أن أمه منهم. فاحتل جيشها السليمانية و قبض علي أحمد پاشا و نهب جيش محمود پاشا فاضطر إلي الانسحاب إلي ناحية قره حسن من كركوك.

و من ثم عين الوزير علي رضا پاشا جيشا قوامه خمسة أفواج من عسكر النظام جعل رئيسهم إبراهيم پاشا أمير اللواء. و عزم الوالي أن يذهب بنفسه. و حذّر أن تقع فتنة بين الدولتين فأشير عليه بالبقاء. و فوض هذه الأنحاء إلي معتمده راشد آغا، فذهب إليها أيضا و جعل معه علي آغا اليسرجي إلا أنه لم تعرف نتائج ذلك.

و إنما رأينا عودة أحمد پاشا و إبقائه أميرا علي ديار الكرد إلي أن أزاحته الدولة سنة 1264 ه بأخيه عبد اللّه پاشا فصار قائممقاما. و في سنة 1267 ه عزل و صارت إدارة اللواء للدولة فانقرضت (إمارة بابان).

و الملحوظ أن سليمان پاشا بابان توفي سنة 1239 ه- 1823 م.

و هو والد أحمد پاشا و أخو محمود پاشا. ذكره الأستاذ أبو الثناء في مجموعته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 61

رجال الوزير علي رضا باشا
اشارة

يهمنا هنا أن نذكر بعض المشاهير من رجال الوزير علي رضا پاشا ممن كان له مكان أو عرفت له علاقة كبيرة بالعراق. و بذلك يتوضح اتصاله:

1- الملا علي الخصي:
اشارة

هذا اشتهر بالظلم و القسوة كثيرا. بلغ حد التواتر، و لا تزال تتردد علي الأفواه وقائعه القاسية. و قال فيه الأستاذ الآلوسي في مقاماته «أعجوبة الأمم ملا علي كتخدا الحرم … ».

قال صاحب التاريخ المجهول:

«هذا- علي پاشا- كانت خاصته يغصبون أموال الخلق منهم بعلمه كملا علي، و هو رجل من قبيلة يقال لها (سرمرية).. قبيلة أذل جميع القبائل.. لا ينتمون إلي قبيلة معلومة.. و مبدأ أمره كان كاتبا في قرية الخالص.. رجلا ذميم الخلقة وجهه وجه الخصي، منهم من يدعي أنه خصي.. وجهه ينبي ء أنه خصي، و له زوجة، لم تلد منه، و وجهه أمرد، مهول، كوجه القرد، بل أسوأ حالا من القرد و الخنزير..

فالمذكور قدمه الوزير، و جعله بمنزلة قائد الجيش، و جعل بيده جمع ميري العشائر. و يقال له (الخانة) و تسمي القلم (القلمية). و هي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 62

مثل الجزية عند رأس كل سنة يأخذون من بعض العشائر من كل رجل له زوجة 600 قرش و ليس بالسوية حيث بعضا منهم يأخذون من الرجل (1500) قرش، و ليس بالسوية حيث بعضا منهم يأخذون من الرجل (1500) قرش، و أقلّهم (300) قرش.

و هؤلاء المسلمون مظلومون، حيث سابقا كان يعطي الرجل خمسة عشر قرشا و الذي ضاعفها هذا الكلب ملا علي الخصي، يسمي في أول أمره، و آخر أيامه سمي علي أفندي، بل غصب أموال الناس أكثر من حاج أفندي (أسعد ابن النائب).. و هذان الظالمان لو تحرر جميع ما هم عليه لأدي إلي تكذيب المؤرخين، و لكن علم اللّه و كفي طالعت جمّا من كتب التواريخ فلم أجد أجرأ من هذين الباغيين فإن ابن النائب كان يجرم خفية، و هذا الكلب الخصي

يغصب عيانا مجاهرة، و يفتخر بفعله و الوزير علي باشا مطلع بذلك و لم يعارضه، و لا ينهاه.. فالخصي المذكور كان مقدما عنده، و كان يظهر إلي خارج البلد، و ينهب سواد العراق و هم أعراب، فلاحون، يزرعون لهم أراضيهم، و يؤدون الخانة (البيتية) المذكورة، يأخذ أغنامهم، و جميع مالهم من الدواب، و يبيعونها علي جزّاري بغداد غنمهم و البقر يرمونها علي أهالي البساتين، و يحسبونها عليهم، الدابة التي تباع بمائة يأخذون منهم ثلاثمائة، و أمثال ذلك، حتي أنهم إذا مات شي ء من هذه الدواب يقطون أذناها (كذا) و يجرونها بثمن دابة حيّة قبل تسليمهم إياها، و لزيادة طغيانه يحبس الناس في بيته و يضربهم أشد ضرب، و لا يطلقهم حتي يأخذ منهم مالا، لا يستطيعون أداءه، و يبيعون أملاكهم، و هم مسجونون عنده في بيته.

و مع هذا الظلم الفاحش من هذا الكلب يتصدق علي فقراء الناس من مال الناس، و أن أعجاما تبعة إيران قطّانين يبيعون القطن رمي عليهم جاموسا، و يأخذ أضعافا عن أثمانهن مضاعفة، و علي بياعي الحطب يرمي عليهم جاموسا، و يأخذ كما يأخذ من المذكورين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 63

و الحيرة أن الأعاجم الذين ذكرناهم مساكنهم لا تدخل فيه الجمس، و هم حايرون في بيعها، و يدورون بها في الطرق، لا مأوي لها عندهم، و يدور في نفسه في الميدان، فكلما رأي فرسا جيدة غصبها من مالكها قهرا، و أخذ خيلا من أصحابها من شيوخ العرب و سائرهم بهذه الصورة، و الناس يخافون من سطوته و جوره.

و كل هذه الفعال القبيحة يعلم بها علي باشا الضال حتي أنه جاء إلي الجسر يريد العبور، فوجد امرأة مارة أمامه أيضا

تريد العبور فضربها بعصاة بيده كان يحملها برأسها ضربة شديدة فماتت من ساعتها عامله اللّه تعالي بعدله و غضبه و سخطه، فإن له أفعالا تفضي إلي كفره و لا تحصي عدّا لكثرتها. و ذكرنا هذا المختصر منها، لأنه تقدمت أيامه علي هذا التاريخ. و كل ما ذكرناه عنه كان بعصرنا مشاهدا لا أخبارا. و هاشميون أدخلهم في (قلم الميري)، و أخذ منهم (الخانة)، و جرت العادة الهاشميون ما يعطون ميري الخانة التي تؤخذ من غيرهم من العشائر..

و هذا الخبيث يأخذ أموال الرعية، و يتصدق من بعضها علي فقراء الناس. و وجوه أهل بغداد لا قدرة لهم عليه، بل و بعضهم يتأمل من إكرامه فيا تعسا له من زمان.. وجوه بغداد لم يكن أحد منهم يخاطب الوزير في هذا الخبيث، مع أنه كان يوجد من أرباب العلم و أهل العبادة.. و أما لو نتتبع أمور هذا الخبيث و ظلمه مدة وزارة علي باشا و هي اثنتا عشرة سنة لأدي إلي تكذيب الناقل، و تكون مجلدات ما فعله في بغداد..» ا ه.

2- علي آغا اليسرجي:

طاغية آخر من رجال علي رضا باشا اللاز. كان علي شاكلة ملا علي الخصي، و ربما تداخلت حوادثهما..

قال صاحب التاريخ المجهول:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 64

«و علي قدمه (علي شاكلة ملا علي الخصي) علي آغا اليسرچي من الترك، نصبه علي باشا (تفكچي باشي) أيضا جرم أغاسي، و أخذ أموالهم قهرا، و كان لا يعرف سياسة الحكومة، و لا يدرك شيئا. غير أنه يحبس المسلمين، و يأخذ دراهمهم، كما أنه كان مولعا بالزني، و تزوج امرأة فاحشة مجاهرة، و جعل يخلو نهاره معها، و هذا.. كجرأة علي أفندي (ملا علي الخصي)..» ا ه.

3- حمدي بك:

هو قريب من سابقه في ظلمه و تعديه، أخذ من الخلق خفية.. كذا قال صاحب التاريخ المجهول، و لم يوضح عن أعماله، و ما كان يقوم به، و لا بيّن وظيفته و لا مهمته..

و كل ما نعلمه أنه كان خازن الوزير و هو الذي تكلم مع مندوبي الأهلين أيام حصار بغداد، فأكد لهم عزم الدولة علي الفتح، و كذا بيّن جهود الوزير علي رضا باشا لتحقيق هذا العزم.. نال الوزارة بعد ذلك، و حصل علي المنصب في جملة ولايات كقونية و أرزن الروم، فصار يدعي حمدي باشا، و هو ابن السيد علي باشا القپودان. و له صلة قربي بالوزير علي رضا باشا و هو مشهور بالنهب و السلب من أموال بغداد …

و في محاورته مع الأهلين وثّقهم بأيمان مغلظة.. و في مرآة الزوراء بين الأستاذ سليمان فائق أنه رآه و استطلع منه بعض حوادث المماليك فدوّنها في تاريخه من جهة داود باشا فاستطلع رأيه، قال: لم يوافق علي رضا باشا اللاز علي قتله..

و كان هذا تولي التضييق علي الناس، و التعدي

علي النساء بالضرب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 65

و الإهانة و التجريد بأمل الحصول علي مبالغ للدولة، و لحكومة بغداد..

كل هذا دوناه كما هو المنقول. و إن الأستاذ أبا الثناء في رحلته إلي استنبول دعاه إلي أرزن الروم و كان آنئذ و اليها فذهب إليه و رحب به و الأستاذ أثني ثناء عاطرا عليه و دعا له. و مدح خصاله و سماه محمد حمدي باشا. قال:

«ورد بغداد في معية … (علي رضا باشا) … فنلت إذ ذاك تفضله … و بقي في بغداد مدة مديدة … و هو في جميع تلك المدة بدر سماء وزارة ذلك الوزير … و كان (الوزير) عليه الرحمة … يهابه. ثم رجع لأمر ما إلي الآستانة العلية، فخطبته حوراء الوزارة البهية … و كان بينه و بين المرحوم علي رضا باشا قرابة سببية.. و ذلك أنه كان متزوجا بخالته … و كان هو متزوجا ببنت درويش باشا الصدر الأعظم إلي آخر ما قال» ا ه.

و الثناء في الرحلة ينافي ما عرف من ذم.

4- عبد القادر بن زيادة الموصلي:

و هذا لم تتناوله الألسن و لا عرفنا عنه ما يكشف الغطاء عن حالته.. إلا أن صاحب التاريخ المجهول أوضح عنه خبره بتفصيل بما يلي:

«جعله- علي رضا باشا- علي الكمرك، أتي مع الوزير علي باشا من حلب، و كذلك فشا ظلمه في بغداد. و من بعض ظلمه كان يتعاطي التجارة و هو وال علي الكمرك، و تأتيه المكاتيب من الشام و حلب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 66

و غيرها من شركائه و عمّاله، و يخبرونه عن أجناس البضاعة، و عن أسعارها فيرسل ما شاء، و إذا أراد تاجر من تجار بغداد أن يرسل من ذلك

الجنس لم يدعه يرسل، بل يمنعه من إرساله و هذا دأبه إلي أن وقف أمر التجار.

و في أيامه يأكل الناس أموال بعضهم بعضا، و يأتون إليه، و يرشونه فيساعدهم علي أكل أموال عباد اللّه، و هذا كان دأبه، و لا يبالي من أحد و لا من علي باشا، و لا يخاف من الحكيم العليم.. و كان بخيلا أبخل من كلب بني زائدة، خمارا لواطا، يفحش في كلامه و سائر أوقاته خال من الكمال و مآثر السياسة. كان منهمكا بتحصيل الدراهم، و عاكفا علي لذاته، و مع ذلك أمور الناس موكولة نحوه، و أمراء العراق، و مشائخ العرب، و بيكات الرستاق، و مضافات بغداد، و توابعها قري و رستاقا و مزارعا و عقارا، و إيراد داخل بغداد كله من تحت يده، من يرشوه برشوة وافرة يحكي مع الوزير، و يأخذ له المنصب من إمارة و مشيخة و التزام ميري، و ضمان و ما أشبه ذلك، و يصك له صكا، و يكون ذلك الأمير و غيره بطوع عبد القادر بن زيادة.

و جري علي هذه الحالة إحدي عشرة سنة إلي أن أكل جميع إيراد بغداد، و صار عنده كنوز، و كثرت أمواله. و كان عنده دائما أربعة غلمان يلوط بهم اثنان مماليكه، و اثنان من أولاد الناس. و كل سبت يطلع خارج البلد و يعمل وليمة، و يشرب الخمر مجاهرة، و جعلها وظيفة علي جلسائه من التجار كل أسبوع علي واحد، و هو أيضا يوم عليه، حمله علي ذلك البخل و حب المال، و منهم ما يودون يعملون الوليمة، و لكن يعملونها مخافة منه.

و مناقبه أيضا شنيعة جدا حتي أنه تجرأ علي رجل من أهل بغداد، أمر بقتله

في مربط خيله، بسبب أنه متعرض لأحد غلمانه، قتله ظلما،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 67

و لم يخف من أولياء المقتول، و لا من الوزير علي باشا.

و له أخوان جعل واحدا واليا علي البصرة، و الآخر علي الحلة، و يجلبون الأموال إليه، و مع هذه الصولة ما تصدق يوما بمائة درهم، و لا أجاز شاعرا. فحين زاد طغيانه، و تجرؤه علي عباد اللّه، و لم يعبأ بالحاكم دمره اللّه تعالي، و غضب عليه الوزير، و أخرجوه من بيته مهانا حافيا، مسكه اثنان من أوادم الوزير (رجاله) و هو ماش و جر من بيته إلي أن وصل السراي كالمشهور بين عباد اللّه فحبسه علي باشا، و أراد منه جرما ثلاثة عشر ألف كيس، و جاء العزل لعلي باشا فاشتغل عنه بنفسه و أتت وزارة الشام إلي علي باشا فسيره معه إلي الشام، و جعله كهيته فبقي علي باشا ثلاث سنين في الشام و مات، و أرسلت الدولة علي عبد القادر زيادة، و قدم إسلامبول و جعلوه حاكما علي (كاوور أزمير)، و جعلوا إيرادها مضاعفا عن الأول قصدا من الدولة لأن ما يمكن الدولة أن تجرمه حيث ارتفع الجرم في أول سلطنة عبد المجيد خان، و لكن سلبوا من أمواله بهذه الكيفية..» ا ه.

و لما ذهب الأستاذ أبو الثناء إلي استنبول شاهده هناك و قال: عبد القادر باشا كمركجي بغداد. و أثني علي ما رأي منه من لطف. قال:

و رأيت له قبولا عظيما عند الرجال. و كانوا يحلونه أعلي محل و يجلونه غاية الإجلال. و كان بصدد أن يتسور وزارة بغداد. و قد أرادها له معظم الوكلاء إلا أن اللّه تعالي ما أراد … » ا

ه.

و الملحوظ أن الأستاذ تهرب من بيان ترجمته بقوله زيادة شهرته تغني عن ترجمته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 68

و هذه صفحة كاشفة عن آخر من أعوان الوزير.

و في كتاب للشيخ محسن السهروردي أن أخاه صالح أفندي من مقولة التجار جعله الوزير علي رضا باشا واليا علي البصرة. و في (كتاب شعراء بغداد و كتابها) أن السيد محمد آغا سياف زادة كان قد عين واليا للبصرة و بعد بضعة أشهر توفي بالطاعون هناك. و الظاهر أن صالح زيادة صار متسلما بعده.

5- عثمان سيفي بك:

كان كاتب ديوان علي رضا باشا، و في سنة 1264 ه صار محصل كوتاهية و قد رآه الأستاذ سليمان فائق سنة 1260 ه، و استطلع منه أخبار فتح بغداد، رآه في استانبول، و اجتمع به، و دوّن عنه ما علمه منه..

و هو الذي عمر بعض التعميرات في جامع الشيخ عمر السهروردي..

و جاء ذكره كثيرا في ديوان عثمان نورس و في ديوان العمري، و في ديوان الأخرس و من أولاده هاتف بك. و هذا وقف وقفية بتاريخ 6 جمادي الآخرة سنة 1277 ه علي الذرية. و تقع البستان التي وقفها مجاورة لشارع الزهاوي في طريق بغداد- الأعظمية قطعة 10 من مقاطعة 6 شريعة نجيب باشا.

و لهاتف بك من الأولاد فخري و كامل و فاطمة.

و من أولاد عثمان سيفي مير شعبان حامي بك تردد ذكره كثيرا، و عندي رسائل كتبها له الأستاذ عيسي صفاء الدين البندنيجي. و جاء في ديوان عبد الباقي العمري ذكر ولادة محمد وحيد بن مير شعبان سنة 1266 ه و عثمان سيفي يعد من أدباء الترك ذكرته في (تاريخ الأدب التركي في العراق). و له صلات أدبية بالشاعر الأستاذ عبد الباقي

العمري و بالشاعر عثمان نورس.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 69

حوادث سنة 1257 ه- 1841 م

تسيير البواخر الإنكليزية:

طلبت الحكومة الإنكليزية من الدولة العثمانية رخصة لتسيير باخرتين من البواخر النقلية في نهر الفرات، فأذنت لها في أواخر شعبان سنة 1250 ه الموافقة كانون الأول سنة 1834 م، و هذا الإذن تحول إلي شركة المراكب التجارية في نهري الفرات و دجلة لشركة لنج للبواخر و دام عملها من سنة 1257 ه و هي هذه السنة. و كان الإذن قد صدر في أيام علي رضا باشا في السنة المذكورة و صورة الفرمان المنقول إلي العربية:

«حكم لوزيري علي رضا باشا والي بغداد و البصرة حالا.

قد طلبت حكومة إنكلترا لتسهيل التجارة رخصتنا العلية في تسيير باخرتين مناوبة في نهر الفرات الواقع في جانب بغداد و ذلك بواسطة مرخصها فوق العادة السفير الكبير (لورد بونسويني) ختمت عواقبه بالخير النازل الآن في دار سعادتنا، و قد وقع لسدتنا المسعودة تقريرا رسميا بهذا الطلب و قد حررنا للاستعلام عن ذلك من وزارتكم، و حيث للآن لم يرد منكم الجواب قد كررت السفارة الطلب بأن الحكومة المشار إليها لم تزل منتظرة إنهاء الأمر فبناء علي إفادته الواقعة ما دامت المنافع مشاهدة و محققة للجانبين و ما لم يستلزم ذلك محذورا قد صدرت من لدنا الرخصة لهم بتسيير باخرتين مناوبة في النهر المذكور، و بذلك أعطينا للدولة المشار إليها رخصة رسمية، و أعطيناها أمرين شريفين خطابا لمن يجب خطابه ممن علي جانبي النهر المذكور يمينا و شمالا لتبرز لهم عند الاقتضاء. و قد جري تسطير أمرنا العالي ليطبق العمل و الحركة بموجبه فعليه أن الأمر قد صار معلوما لدي درايتكم المسلمة، فيجب العمل بمقتضاه حسب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7،

ص: 70

رؤيتكم المشهودة مع بذل الجهد في المحافظة عليه..» ا ه.

و قد رأيت نص الفرمان باللغة التركية. و هو عين ما نقل إلي العربية. رأيته في ثروت فنون عدد 965 و تاريخ ذي القعدة سنة 1327- تشرين الثاني سنة 1909 م. و هذا الفرمان قبل تكوّن شركة لنج.

و علقت عليه جريدة الرقيب بأنهم اتخذوا أول الأمر باخرتين سيروهما في الفرات، فغرقتا فيه، ثم اتخذوا باخرتين أخريين سيروهما في دجلة، و لم يحصل لهم مانع حتي أن أوراق الشحن التي تستعملها شركة لنج تحرر عليها:

(شركة المراكب البخارية في نهري الفرات و دجلة).

إلي آخر ما قالت.

و لم تبق اليوم قيمة لما أبدته جريدة الرقيب من المطالعة.

كربلاء- المنتفق في أيامه:

كان أمله مصروفا إلي الاحتفاظ بالحالة، و من ثم تعرف درجة ضعفه فلا يرغب أن يحرك ساكنا.. فرضي من كربلاء بمبلغ سبعين ألف قران و هكذا كان أمره مع المنتفق. رضي منهم ب (70) حصانا، و (70) ألف شامي. و يقدر ذلك بمبلغ سبعة آلاف ليرة تركية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 71

حوادث سنة 1258 ه- 1842 م

عزل الوالي علي رضا باشا:
اشارة

لم نقف علي أسباب عزله، و كل ما علمناه أنه سخطت عليه دولته و لعل الحوادث الماضية و أوضاع رجاله و شيوع أعمالهم مما كان يكفي لعزله و الضرب علي يده إلا أنه لما كان أنقذ بغداد من المماليك و جعلها تابعة لدولته رأسا، لم يضره ما فعل بعد ذلك … و القول بأن الأهلين يملّون الأوضاع و يضجرون من الحالات المستمرة عليهم، لم يكن ذلك من دواعي عزله، و ربما كان عزله من جراء أنه لم يستطع أن يقوم بعوائد الدولة. ذلك ما جلب عليه السخط. و الصواب أن الدولة لا تشتري النفرة العامة من الأهلين و لا تقصد إساءتهم و لكن مثل هؤلاء الوزراء جلبوا لها سوء السمعة فصار كل عمل ينسبونه إليها أو أن النقمة تتوجه عليها رأسا.

جري تحويله إلي الشام و هو كاره. و كان خروجه من بغداد إثر ورود الوالي الجديد نجيب باشا في شعبان هذه السنة.

و حسبنا أن نعرف من ترجمته تاريخ حوادثه في العراق، و رجاله الذين استخدمهم لمهمة الإدارة، و كانت بئس الإدارة، و كأن الدولة جعلتها منحة له مدة، و كل ما يقال فيه إن حالة بغداد ساءت في أيامه و نري مؤرخينا أبدوا كناية و تصريحا أعماله، و أنها كانت أضر علي العراق من إدارة المماليك. ضجر الأهلون من تلك الإدارة،

و ملّوها، فوقعوا بما هو أتعس و أسوأ.. فعلموا أن إدارة المماليك كانت أهون الشرين من هذه الإدارة الجائرة، و كانوا يأملون خيرا فصاروا في مشكلة لا يستطيعون التخلص منها.

و لا يكفي التألم للمصاب، أو العويل لما وقع. و لنستنطق أقوال المؤرخين، و نورد ما أمكن إيراده، ندون ما كتب عن صفحة، أو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 72

صفحات مختلفة. من مجموعها تظهر ترجمة الرجل، و حالته في العراق خاصة بوضوح..

قال في مرآة الزوراء:

«.. و علي رضا باشا كان من أرباب الذكاء، و من الوزراء المخلصين لدولتهم، كان كريما جوادا، و حليما، خلوقا، بلغ به الإفراط في السخاء أنه كان مبذرا، لدرجة أنه صار لا يبالي و تهاون في الأمور، فأودعها إلي جماعة ممن لا خلاق لهم من الجهال، أو الذين بلغ بهم الصلف و الحمق، أن جلبوا النقمة عليه، و أفسدوا ما بينه، و بين دولته. فقد كان يرسل أيام المماليك إلي استنبول مبلغ ألفي كيس سنويا في أيام داود باشا، و بقدرها هدايا، فلم يستطع هو القيام بذلك، و خرجت العمارات، و زالت بهجتها سواء للأهلين أو للأجانب و عاد الأغنياء في حالة يرثي لها بحيث انحطت تجارتهم، و صاروا لا يملكون شروي نقير.. و لا فلسا أحمر.. دامت هذه الحالة حتي عزل من بغداد … » ا ه.

و هذا منتهي الذم من صاحب المرآة، و في حديقة الورود يذكر نص كتاب منه إلي المفتي السيد محمود يبدي فيه تشوقه إلي العراق و يتألم لفراقه، و يقول:

«فهل لي إلي دار السلام بنظرة يغاث بها ظمآن ليس بسالي..» اه

و في سجل عثماني كان من أهل طربزون، من متعلقات أحمد باشا اللاز، ولي مناصب عديدة حتي

صار كتخدا والي حلب رؤوف باشا في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 73

سنة 1244 ه، و في سنة 1245 ه صار واليا لحلب برتبة الوزارة، و في سنة 1246 ه صار والي ديار بكر، فأرسلته الحكومة إلي بغداد، فأخرج داود باشا منها، و قام بخدمة الدولة فحصل علي منصب الوزارة في بغداد، و في المحرم سنة 1253 ه أضيفت إليه إيالة شهرزور، و في سنة 1256 ه انضمت إليه ولاية جدة، و في ربيع الأول سنة 1258 ه صار واليا في الشام، و في ذي القعدة سنة 1261 ه انفصل منها، و في رمضان سنة 1262 ه توفي، و كان عاقلا، كاملا، و شاعرا، مدبرا، و غيورا، و أبرز خدمة لا تنسي في القضاء علي المماليك.

و جاء في تاريخ لطفي:

«طال أمد بقائه في بغداد، و كانت له خبرة سابقة عن ولاية سورية، و هو في الأصل من أهل اللياقة و الوقوف كما أن بغداد مهمة بالنظر لموقعها و إدارتها، فاقتضي نصب وال لها من أهل الكفاية و اللياقة، فأجري التبديل بين والي الشام نجيب باشا و والي بغداد علي رضا باشا» اه.

ثم علق بأنه كان تحويله ناجما من طول بقائه. و علي كل حال كانت الحكومة تبدي سببا من هذا النوع، و إلا فإن امتداد المدة مما يقتضي أن يتبصر أكثر بعمارة المملكة و تحسين الإدارة و تزايد تكاملها …

و هذه بمنزلة أن يقول سيئ السيرة، و ضجر منه الأهلون، فبدلته الحكومة، و انتحلت معذرة أنها لم تستغن عنه بل حولته و إلا كان الواجب عليه أن يعتني بالمملكة، و يتبصر في نقائصها، و يراعي رغبات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 74

الأهلين الحقة، فيحبّب نفسه إليهم

بكل وسيلة، و يظهر بمظهر مقبول لدولته و للأهلين..

و في تاريخ لطفي عند تدوين خبر وفاته:

«علي رضا باشا كان والي بغداد، و كان في بغداد كما كان في الشام لا يبالي في إدارة أموره، و إنما كانت بيد المتميزين لديه، فلا يستطيع الخروج عما يقومون به.. فعزل عن الشام علي أن يقيم في ديمتوقة. توفي في الشام. و المشهور أنه قال لا نعزل من الشام، فأثبت أنه رجل حافظ علي قوله..» اه.

و زاد عبد الرحمن شرف في التعليق:

«كان قد اشتهر بالسخاء و الجود لحد الغاية، و تدور علي الألسن حكايات كثيرة عنه، فمن ذلك أنه لم يقصده أحد، و رجع خائبا.. و مما يحكي أنه كان قد طلب من كتخذاه بعض الدراهم لينفقها علي من قصده، فقال له وراء المخدة كيس فيه دراهم، فأجابه أننا أنفقناه قبل هذا.. و مما يحكي أنه كان لابسا كركا، فمنحه لبعض قاصديه و بقي بلا كرك فألحه البرد.. و هذه و إن كانت تدل علي كرم طباعه، و علو أخلاقه إلا أنه أفرط فيها، و خرج عن المعقول.. و إن إدارته اختلت لهذه الغاية، فأصابته الديون التي لا تحصي.. و علي كل كان رجلا فاضلا..

و لعل في هذه ما يغني عن التوضيح أكثر، و هي من معاصرين متعددين و بينهم أمثال هؤلاء الرسميين، فظهرت ترجمته واضحة..

و قال في حديقة الورود:

«تم المجلد الرابع (من روح المعاني).. فصادف ذلك عزل الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 75

السابق من الزوراء، الفائق بجوده و حلمه علي الوزراء، بل من اتخذ السماحة غطاء و فراشا، حضرة أفندينا علي رضا باشا..

و في هذا ما يؤكد خصاله التي بينها عبد الرحمن شرف، فهو مشهور بجوده و حلمه، و كفي.. و هكذا نعته سائر المؤرخين.. و لكن الأمر الشخصي غير الإدارة الحقة في تدبير مالية الدولة، فقد اختلت كاختلال مالية الوزير، و لم يجد معها تدبير. و كذا لم يتمكن من إدارة المجتمع إدارة حقة.

و علي كل حال أن المدح للوزير، و الثناء عليه، و كثرة القصائد في مدحه من شعراء عديدين أمثال العمري، و التميمي، و عمر رمضان، و عثمان نورس و الشيخ عبد الحسين محيي الدين و غيرهم لم يمنع أن يدون عنه المؤرخون

ما دونوا، و يسجلوا ما سجلوا مع تحاشي الكثيرين و استسلامهم للقوة و الصبر علي المكاره، و علي ما حصل من مصاب..

و في تاريخ الشاوي أن الوالي علي رضا باشا كان بكتاشي الطريقة. و بهذا يفسر ما جري بينه و بين السيد محمد سعيد المفتي الطبقچه لي و السيد محمود الآلوسي من مباحث في أبي طالب و إسلامه بحيث أدي ذلك إلي عزل الطبقچه لي عن الإفتاء. و لعل هذا سبب ظاهري لإجراء التعديل و التدخل في المناصب، و كذا يفسر ما شاع عنه من تهاونه بالفروض الشرعية المفروضة و تأثير عقيدة البكتاشية فيه..

هذا، و في التاريخ الأدبي ذكرنا من الأشعار ما له علاقة بوقائع العراق في أيامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 76

وزارة محمد نجيب

في شعبان ورد بغداد الوالي الجديد، و بعد قدومه بأيام قلائل خرج علي رضا باشا. و خلص أمر العراق للوالي الجديد، فاستقر في منصبه.. فتنفس الناس الصعداء، و كانوا قد ظنوا أن قد صارت بغداد ملكا لعلي رضا باشا، و أنه لن يزول ملكه، أعطيت له طعمة جزاء الفتح.. فأخذوا راحة نوعا، و توسموا خيرا في الوالي الجديد. و قد حدثت في أيامه أحداث عديدة و مهمة.

و يهمنا هنا أن ندوّن عن حالة القطر إلي هذه الأيام ليكون كتمهيد لما جري في بغداد أيامه، و لعلها تكون مفسرة، و بعض حالات الولاة قد عرضت نوعا علي المحك الأدبي و السياسي في بغداد، و نكتفي بأقرب نص من معاصر يعين مزايا القطر أو قيمته بما فيها من خير أو شر..

قال في حديقة الورود: «أشرقت إذ ذاك أنوار العدل علي الرعية، و لمعت في العالم بوادر السيرة العمرية، بطلعة حضرة الوزير النجيب،

المخصوص من الورع و التقوي بأوفر نصيب، الحاج محمد نجيب باشا … » اه.

و جاء في تاريخ الشاوي أنه تركي الأصل و كان برتبة وزير، و هو من نفس أهالي استنبول و من أشرافها القدماء أبا عن جد، و هم ذوو قدر و حشم، و كانوا ممتازين علي أهالي استنبول لشرفهم. و كانت سلاطين آل عثمان تزورهم. يأتون إلي محلهم في الشهر مرتين أو أقل أو أزيد و لا يزورون غيرهم من الوزراء و الأشراف و السكنة. إلي أن قال:

«كان ذا عدالة و متانة و شجاعة يأخذ بحق المظلوم و لا تأخذه في اللّه لومة لائم» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 77

جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني- عن رحلة مدام ديولافوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 78

قتلة سليمان الغنام:

هو باني المسجد المعروف باسمه. قتله الوزير محمد نجيب باشا سنة 1258 ه ورثاه السيد عبد الغفار الأخرس بأبيات. و لم نعرف سبب قتله.

واقعة كربلاء

كان التغلب في كربلاء قد استمر من أيام داود باشا، إلي آخر عهد علي رضا باشا اللاز، و لما ورد محمد نجيب باشا و علم بذلك جهّز جيشا في ذي القعدة سنة 1258 ه فحاصر البلدة. و في 11 ذي الحجة سنة 1258 ه استولي عليها. و جاء تاريخ ذلك (غدير دم).

و جاء في التاريخ المجهول:

«بلدة كربلاء كانت عاصية علي وزراء بغداد، فسيّر نجيب باشا العساكر إليها، و حاصرها و كان بها السيد إبراهيم الزعفراني، أصله عجمي، و ترأس علي أوباشها و سفهائها، و أطاعه أراذل البلد و المفسدون و هم يتولون الحرب، و عامتهم من أيام داود باشا كانوا عاصين إلا أنهم يؤدون شيئا قليلا عوض خراجها، و كل من يعمل مفسدة من العراق، أو يأكل أموال الناس، يذهب إلي كربلاء و يجار بهؤلاء الأراذل حتي اجتمع عندهم مقدار عشرة آلاف مقاتل من أجلاف الناس و عصت أيام داود باشا، و زمان علي باشا أيضا، فهم عصاة، بغاة، يؤذون … في كربلاء حتي أنهم أمسكوا مرة علي أحد مجتهديهم السيد إبراهيم القزبيني (القزويني) ليلا، و لم يطلقوه حتي أدي لهم أربعة آلاف قران من سكة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 79

محمد شاه.. و كانوا مفسدين، ذوي جرأة علي أعراض الناس، و أهل البلد يهابونهم، و يخافون علي أنفسهم، لأنهم متي أرادوا، هجموا علي بيت أحدهم و نهبوه، و الحاكم الذي هو من أهل البلد طوع أيديهم و لا يعارضهم بما يفعل هؤلاء الباغون الفجرة.

و في أيام علي باشا حاصرها

و خرج إليه سادات البلد، و علماؤهم، و تكفلوا له بزيادة الإيراد، فارتحل عنهم، و كان ذلك الوزير لا يبالي بعصيانهم، و مرامه الدراهم، و قد أدّوا له سبعين ألف قران المثل اثنين عما يؤدونه إلي داود باشا، فرضي و تركهم.

و هذا الوزير محمد نجيب باشا حاصرها ثلاثة و عشرين يوما و يوم الجمعة التالي في الثاني من عيد الأضحي جاء البشير إلي بغداد بفتحها عنوة (مبينا) صورة الفتح، و كان قد تولي أمر العساكر فريق النظام كرد محمد باشا، و بدأ يرمي الأطواب (المدافع) من جهة واحدة، فلم يستقر أحد يقابل الأطواب إلي أن ثلم ثلمة من سور البلد (من محلة باب النجف)، و دخل العسكر من تلك الثلمة، فانهزم البرطازية عسكر البلد و خرجوا منه، و شرذمة قليلة و أكثرها من أهل البلد دخلت حضرة العباس و بدأوا يرامون العساكر السلطانية، فوقف العساكر النظامية أمامهم، ورموهم دفعات بالتفك (البنادق) فتساقط أكثر الذين في الحضرة من الباغين من سكنة البلد و فقراء الناس، و نهب الجيش البلد مقدار أربع ساعات، و نادي منادي الأمان، و التجأ أكثر الناس إلي بيت السيد كاظم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 80

الرشتي المجتهد العالم المخالف لأصول مذهب الشيعة، و لقب مذهبه (بالكشفي)، أو (پشت سري) كما أن مذهب الشيعة الذين هم أقدم منهم يسمي ب (البالاسرية)، و هم الشيعة الأصولية، و كان بين الفريقين هؤلاء مقلدي السيد كاظم و الشيعة الذين هم مقلدي الشيخ محمد حسن البالا سري عداوة شديدة ظاهرة..

و الذي قتل من ولاية كربلاء مقدار أربعة آلاف نفس، و من العسكر مقدار خمسمائة نفر، و من بعد فتحها أمسكوا السيد إبراهيم الزعفراني، و جاؤوا به

إلي بغداد، و السيد صالح من كبار البلد و كم واحد، فالسيد صالح نفوه إلي كركوك، و ترجاه قونصلوص الإنكليز، و ابن الزعفراني بقي أياما قلائل في بغداد، و تمرض بالدق و مات.

و بعضهم عفا عنهم الوزير محمد نجيب باشا، و جعل عليهم واليا واحدا … » اه.

و من هذا يعلم أشخاص الواقعة، و عواملها و من أهمها ضعف الحكومة، و تسلط المتغلبين … و هذا شأن الحكومات الضعيفة.. و لا يزال الناس هناك إلي اليوم يرغبون في حكم صارم لتكون يد الحكومة أقوي من الكل، و سلطتها نافذة علي الجميع.. فلم تقف حوادث هؤلاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 81

عند هذا الحد، و قد ذاقوا حلاوة التغلب، فلا يفيد معهم تدبير، و لا يجدي تفاهم إلا السيطرة المكينة التي تنتصر للضعيف و تعدل بين الجميع.. و الأسباب الظاهرية يتمسك بها كثيرون لتحقيق آمالهم المكتومة..

و ذكر هذه الواقعة السيد عبد الغفار الأخرس و يحاول كتّاب اليوم أن يكسبوها صبغة سياسية من إيران أو أنها دينية. و جل ما هنالك أن المتنفذين استبدوا بها استفادة من ضعف الدولة لا أكثر و لا أقل.

و جاء ذكر هذه الواقعة في كتاب هداية الطالبين لكريم خان الكرماني، و بين أن الجيوش كانت تحترم بيوت الشيخية، و كل من التجأ إليهم كان آمنا علي نفسه و ماله، و لم يقتل أحد من أصحاب السيد كاظم الرشتي مع أن الذين التجأوا إلي المشاهد قد قتلوا بلا رحمة، و يقولون إن الباشا دخل بجواده في المكان المقدس. و في تاريخ نبيل المعروف (نبيلي) من البهائية تفصيل و تعيين لوجهة نظرهم و بين أنها جرت في ليلة عرفة من ذي الحجة سنة

1258 ه- 10 كانون الثاني سنة 1842 م و فيها قتل 9 آلاف شخص و سلب ما في الجوامع من نفائس.

و جاء أن محمد شاه كان مريضا فلم يشأ رجال دولته إخباره، فلما علم حنق، و عزم علي أخذ الثأر إلا أن التدخل السياسي من روسيا و بريطانيا هدأه..

و في كتاب قرة العين في تاريخ الجزيرة و العراق و بين النهرين تأليف محمد رشيد السعدي أن الواقعة جرت في التاريخ المذكور قال:

جاهر أهل كربلاء بالعصيان فأرسل والي بغداد محمد نجيب باشا عليهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 82

الجنود المظفرة العثمانية فانتصروا علي العصاة و قتلوا رؤساءهم و عاد الأمن و السكينة» اه.

و في تاريخ الشاوي جاء تفصيل أيضا إلا أنه لم ينسبها للعصيان من الأهلين، بل بيّن أن بنتا من شهزادات الدولة القجرية قد تعرض بها العصاة. و اختطفوها و فعلوا ما فعلوا بها. و في نتيجة المخابرات السياسية اضطرت الدولة علي القضاء علي عصيان هؤلاء اتخذت هذه الحادثة وسيلة أنذرهم الوالي أن يسلموا الأشقياء تنفيذا للإرادة السلطانية فأبوا. و من ثم ضربهم. و فصل ذلك … و الحال أن ما ذكره كان أيام داود باشا.

و لا يهمنا تفصيل الواقعة بأكثر من هذا و لكننا لا نعلم الحاكم الذي عينه الوزير لإدارتهم، و مهما يكن فلا يفترق عمن ذكروا. و عندي كتاب لأهل كربلا ذكروا فيه تفاصيل الواقعة أيام داود باشا و كان مبدأ العصيان سنة 1241 ه و دام إلي المحرم سنة 1242 و هو المسمي (نزهة الإخوان في واقعة بلد المقتول العطشان). لم يعرف مؤلفه. و منه نسخ عديدة. عندي نسخة منها. أولها: الحمد للّه الذي نصب أولياءه الخ.

و يعين مبادئ العصيان

و رجاله و حروبه في وقائع. و هذا يفسر ما جري مؤخرا أيام نجيب باشا. و قد أشرت إلي ما فيه أيام داود باشا في حوادث تلك السنة. إلا أن التاريخ المجهول المؤلف أوضح الحالة و علاقة الوزراء من أيام داود باشا إلي أيام محمد نجيب باشا و حدوث هذه الواقعة بالاستيلاء علي المتنفذين إلا أن هذا الكتاب يعين أشخاص العصيان أيام داود باشا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 83

حوادث سنة 1259 ه- 1843 م

القرعة في الموصل:

تأسست أيام محمد باشا اينجه بيرقدار. ضيق علي الموصل، فثارت ثائرة الأهلين و عارضوا الجندية فأرسل إليهم الوالي أحد أعوانه قاسم أفندي ليدعوهم بالتي هي أحسن، فقاموا في وجهه و قتلوه، فأحضر محمد باشا عشرين مدفعا صوبها علي المدينة، و أرسل بعض الكتائب النظامية، فدخلوا المدينة و نهبوا أسواقها، و سفكوا دماء الأبرياء، و ألقي القبض علي بعض الوجوه و نفوا إلي البصرة. و من ثم أذعن الأهلون قسرا، و قبلوا بالجندية، و لكنه تجاوز حدود نظامها.

السيد كاظم الرشتي مؤسس الكشفية:

توفي السيد كاظم الرشتي في 9 ذي الحجة سنة 1259 ه- 1844 م. ذكرته في كتاب تاريخ (عقائد الشيخية و الكشفية).

و عقائد الكشفية هي عقائد الشيخية موسعة في شرح المطالب.

انتشرت في أنحاء عديدة من العراق و إيران. و آل الرشتي معروفون في كربلاء هم من ذرية السيد كاظم. و منهم في إيران.

حوادث سنة 1260 ه- 1844 م

وفاة والي الموصل: (محمد باشا البيرقدار)

كان هذا تركي الأصل من مدينة پارطين في قسطموني. خدم الجندية في مصر و غيرها ثم رحل إلي الشام. مكث بها مدة طويلة، فجمع له أصحابا و أعوانا شخص بهم إلي ديار بكر، ثم إلي الموصل، و نزل بظاهر البلد قريبا من باب سنجار، فخرج عليه الأهلون و طردوه، و لما أنهي خبره إلي والي بغداد علي رضا باشا اللاز أرسل إليه فاستقدمه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 84

سنة 1249 ه- 1833 م و ولاه متصرفية كركوك حيث بقي زهاء سنتين و شيّد فيها قصرا منيفا جعله دار الحكومة. بناه علي نهر شاطرلي.

و لما عزل محمد سعيد باشا آل ياسين أفندي من الموصل سنة 1251 ه- 1835 م فوضت إليه ولاية الموصل. و كانت الولاية مختلة الأمن، أصابها القلق العظيم من الإمارات المجاورة لا سيما الرواندزي.

فتمكن من التغلب علي الصعاب، و تأسيس الراحة و الأمن بعد القضاء علي إمارة كور باشا الرواندزي و علي إمارة العمادية، و أسس القرعة بالوجه المذكور …

و من مؤسساته:

1- تعمير دار الحكومة. ألزم التجار و الأهلين بالإعانة لها.

2- تعمير الثكنة العسكرية.

3- المستشفي.

4- جامع سوق الحنطة.

5- جدد مزار دانيال النبي.

6- نظم أحوال الجند، و أنشأ لهم الأفران العديدة.

7- اهتم ببناية معمل لصنع المدافع و القنابل و البارود و غيرها من الأسلحة و جلب صناعا حاذقين فعمل ما يزيد

علي الثمانين مدفعا، و اليوم يري منها مدفعان أمام الثكنة العسكرية.

و كان محمد باشا شديدا فيما يرومه، قاسيا علي العصاة، فظا شرسا مع الأهلين.. توفي سنة 1260 ه علي ما جاء في تاريخ لطفي، و في تاريخ الموصل للأستاذ الصائغ سنة 1259 ه- 1843 م، و هو أول وال تركي أعقب إدارة المماليك و لعل شدته كانت لقطع آمال النهضة عليه و القيام ضدّه. و من ثم انحطت العلوم العربية و المدارس الدينية من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 85

جراء زوال من يجيز المؤلفين علي التآليف العربية، و الحاجة إلي المعاش بإرضاء الحكومة في معرفة لغتها، و اضطراب إدارة الأوقاف و إهمال شؤونها، و فتح المدارس الحديثة لاتباع التدريس الحكومي.

و الملحوظ أن الوزير علي رضا باشا كان استخدمه قائم مقامه في حلب. و من المستبعد أن يكون مجيئه إلي الموصل بالوجه المنقول كما يفهم مما أوضحنا سابقا.

ولاة الموصل و اليزيدية:

بعد وفاة البيرقدار وجهت ولاية الموصل إلي شريف باشا برتبة وزارة. و هذا هاجم سنجار في هذه السنة. و لم تقف حوادثهم عند كور باشا و ما أوقع بهم. و لعل أهل سنجار لم تصبهم تلك الحوادث و لم تصلهم بنارها، فامتنعوا بجبالهم و هكذا أعقبت هذه الواقعة صولة حافظ باشا والي الموصل أيضا، فجرت مذابح دموية قاسية. و في سنة 1261 ه هاجمهم محمد باشا الگريدي والي الموصل أيضا فأفحش في قتلهم.

و قبض علي زعيمهم الشيخ ناصر. و كان هذا الوالي من أقسي ولاة الموصل عليهم. و هكذا فعل طيار باشا والي الموصل في سنة 1262 ه.

و لم تنقطع وقائعهم و لا هدأت ثوراتهم إلي أيام مدحت باشا.

أوراق الطمغا:

أحدثت في هذه الأيام الطمغا (التمغا)، و لم يسبق أن استعملت في المعاملات من بيع و شراء و ما ماثل من عقود بأن تكتب بأوراق رسمية ذات قيمة، و هي المسماة ب (أوراق الطمغا).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 86

ثم إنه صدرت الطوابع، فصارت تتداول.

الباب و البهائية

من مدة طويلة فقد العلماء الدعوة إلي العقيدة و تباعدوا عن الاتصال بالأهلين. و بذلك أهملت عقائد الشعب أو قل الاتصال بها.

الأمر الذي دعا أن يتصل دعاة آخرون من المبتدعة. و بذلك كانت لهم العلاقة مكينة بالأهلين.

و كان نادر شاه ضيق علي العلماء و أحرجهم كثيرا لما رأي من مخالفتهم سياسته، و لم يتعاونوا معه. و بعد نادر شاه تنفسوا الصعداء، ورأوا احتراما من الملوك و الأمراء إلا أنهم فاجأتهم عقائد كان سببها إهمالهم العلاقة بالشعب و إرشاده. فظهر الشيخية أتباع الشيخ أحمد الأحسائي، ثم الكشفية. ثم ظهر في هذه الأيام (الباب) و هو رئيس نحلة (البابية) و مبتدعون آخرون منهم (البهاء) …

كان ظهور الباب (علي محمد الشيرازي) في إيران بتاريخ 5 جمادي الأولي سنة 1260 ه- 1844 م، فمال إليه كثيرون. و لما أعلن دعوته قامت الدولة الإيرانية في وجهه، و كذا العلماء و أعلنوا تكفيره و عارضوه بشدة إلا أن الكثير من الإيرانيين تابعوه لأسباب سياسية عدا الدعوة، و أسباب أخري و آخرون تابعوا العلماء فكانوا شطرين. و انتشرت الدعوة في إيران. و غالب المتصوفة منهم.

و في هذه السنة كان مقدّمهم في بغداد محمد بن شبل العجمي و يبلغ من معه نحو خمسين أو ستين رجلا و هذا الداعية كان من أتباع السيد كاظم الرشتي. حبسه الوزير نجيب باشا كما حبس المرأة (قرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 7، ص: 87

العين) في بيت المفتي (هو أبو الثناء الآلوسي). فوجدها أثناء المباحثة معها كافرة فتركها. و بعد ذلك أطلقوها و سيّروها إلي بلاد العجم، و سيروا محمد الشبل إلي الدولة.

كتب الوزير بخبره إلي استنبول بأن أهل كربلاء و النجف و علماءها لم يقبلوه فجي ء به إلي بغداد، و كتب محضر من علماء بغداد في أمره بعد أن دوّنوا ما ذكره، فقدم إلي استنبول. و سجن هو في بغداد فاستطلعوا رأي الدولة فيه. و علي هذا أرسل، و سجن في الترسانة العامرة (دار صناعة السفن) و صدرت الإرادة السنية بذلك كما فهم من الأوراق الرسمية.

و غالب من تبعه كان من الكشفية. و إن قرة العين متأثرة بغلاة التصوف. و تعد هذه المطالب من أول ما عرف عنهم. و كان قد ولد الباب في أول المحرم سنة 1235 ه- 1819 م و هو متأثر بالكشفية. التف حوله جماعة ناصروا هذه الدعوة. و مال إليه استغلاليون في الدين و السياسة فرأت دولة إيران خطرا فيها يهدد سلامتها. و من ثم حدثت معارك. و بعدها أمرت أن يقتل هذا الداعية فقتل رميا بالرصاص في تبريز بتاريخ 27 شعبان سنة 1266 ه- 8 تموز سنة 1850 م، فلم تطل دعوته أكثر من ست سنوات. و له (كتاب البيان)، و مجموعة مخطوطة قد حوت غالب رسائله. كتبها كاتبه الخاص محمد حسين بن عبد اللّه من كتاب وحيه. و عندي هذه المجموعة بخطه. و من كتاب وحيه ميرزا أحمد القزويني.

و لما قتل عاد الكثير من أشياعه إلي الإسلام لتحقق كذب دعوته، و أصر آخرون علي ما عندهم إلا أنهم تشتتوا. و من بقي منهم كتم عقيدته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7،

ص: 88

و أظهر التشيع. و آخرون هربوا إلي العراق باسم الزيارة فتركوا أثرا.

و من هؤلاء حسين علي بن عباس النوري ورد العراق في غرة المحرم سنة 1267 ه- 1850 م كان استأذن في مبارحة طهران للتوجه إلي العتبات بقصد الزيارة فبقي في بغداد. و كان يختلف إلي السليمانية.

و منها إلي جبل سرگلوا و يعود إلي بغداد. و بالنظر إلي المخابرات الرسمية و شكوي إيران في أنهم لم يهدأوا من إلقاء بذور الفتن. قررت الدولة العثمانية تبعيده و من معه بعد أن أقام ببغداد إحدي عشرة سنة و بضعة أشهر في خلالها درس ابنه عباس أفندي المسمي أخيرا ب (عبد البهاء) العربية علي العلامة عبد السلام الشوّاف.

و في سنة 1279 ه أظهر دعوته في بغداد إبان نفيهم و جمعهم في (الحديقة النجيبية) و تسمي اليوم ب (المجيدية) أعلن أنه ناله الظهور أي صار (إلها) و وضع (عقيدته الجديدة) بزعم أن الباب بشر به. و هي لا تختلف عن عقيدة أهل الحلول و الاتحاد و الوحدة أو أعاد إلي الذاكرة دعوة أهل الإبطان عينا في تعطيل الصفات أي أنهم عندهم الباري ليس له وجود بالمعني المعروف و لا صفات و إنما يظهر ذلك في الأشخاص، و أن عقيدة الباطنية علي هذا بل إن هذه لا تختلف عن تلك. قبلها عينا باسم جديد. و سمي نفسه (البهاء). و منه اشتقت البهائية. و صار ابنه بعده يدعي عبد البهاء.

و عقيدتهم تلخص في عبادة الأشخاص أو عقيدة التجلّي الناجمة من وحدة الوجود و من أصول عقائدهم قيام قائمهم و متابعة دعوته. و في عدم التقيّد بالرسوم الدينية أو (التكاليف الشرعية) و هي (عقيدة الباطنية).

و (غلاة التصوف) علي هذه العقيدة فلا

يختلفون في عقيدة عن هؤلاء.

فالعقيدة هي عين عقائد الإسماعيلية و الباطنية الآخرين من غلاة و غيرهم. و هكذا كان بدعوته يريد أن يحقق ما قيل في المهدي من أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 89

يأتي بدين جديد و هو علي العرب شديد. نفي إلي استنبول و منها إلي أدرنة و صلوا إليها في 28 جمادي الثانية سنة 1280 ه و من ثم انفصل منه (صبح الأزل). و كان اختاره الباب ليكون داعية. و هو أخو البهاء فعارضه البهاء، و صرف الدعوة إلي نفسه بداعي أنه كان مستودع الأمر، و أن مستقر الدعوة هو البهاء، دون صبح الأزل، فاستغلها لنفسه.

و من ثم حصلت بينهما مشادة فأبعدوا من أدرنة في بداية سنة 1285 ه- 1868 م. فجعل صبح الأزل و اسمه (ميرزا يحيي) في ماغوسه من (جزيرة قبرص). و أما البهاء و أتباعه فقد نقلوا إلي (عكا) فأقاموا بها. و البهاء مالت إليه الرغبة لقرب اتصاله بإيران و استمر في دعوته.

و تابعه الباطنية و قسم كبير من الكشفية. و الغربيون حاولوا الاستفادة من هذا الانشقاق فناصروهم. و كانت الإشادة بذكرهم تأييدا لسياسة التفريق.

فظن الناس أنه جاء بعقيدة جديدة. و هي قديمة جدا لا تختلف عن عقائد الإسماعيلية و غلاة التصوف.

توفي البهاء في 2 ذي القعدة سنة 1309 ه- 16- أيار سنة 1892 م و له مؤلفات منها (الإيقان) و (جواهر الأسرار)، و (الأقدس)، و (الطرازات)، و (الإشراقات)، و (الألواح)، و (الكلمات المكنوتة) و غير ذلك. و يشك كل الشك أن يكون كتب هذه الكتب كلها. و إنما كتب له ابنه (عباس أفندي). و كان خلفه. و سمي نفسه (عبد البهاء).

و هو أقدر من أبيه بكثير بل

هو الذي أوجد والده و أذاع شهرته. و غير دعوته و عدّل فيها فجعلها عامة بعد أن كانت تهدف الانفصال عن العرب بدين جديد.

أظهر عبد البهاء مؤلفات عديدة له. و في أيامه اكتسبت نشاطا بما أذاع عن والده و علي لسانه. و توفي في 28 تشرين الأول (نوفمبر) سنة 1921 م فخلفه شوقي و هو المعروف ب (الرباني). ابن ضيائية خانم بنت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 90

عبد البهاء. و والده ميرزا هادي أفنان الشيرازي. من نفس أسرة حسين أفنان. و هذا جاء بعد الاحتلال البريطاني إلي بغداد و شغل مركزا مهما، و بسببه انتشر البهائيون في بغداد. و حسين أفنان بن فروغية خانم بنت البهاء.

و علي كل لم تكن عقيدتهم جديدة بل تستند إلي (الأفلاطونية الحديثة) و تسمي الإشراقية. و هي مادية صرفة تعتقد بأن العالم هو اللّه.

و الباطنية و غلاة التصوف علي هذه العقيدة. و كل ما دعوا إليه مذكور في كتب غلاة التصوف.

و أهم مباديهم الوحدة و الاتحاد و الحلول و إنكار التكاليف و نفي صفات الباري و أنها لا تظهر إلا في التجلي أو الإشراق في الأشخاص و من هنا نشأت (عبادة الأشخاص) فلا تختلف عن أهل الإبطان بوجه.

و افترقوا عن الشيخية في أن الحلول و الإشراق لا يستدعي أن يكون في الأئمة بل يصح أن يكون في غيرهم. و بذلك قبلوا فكرة التصوف دون الشيخية. و كلها (عبادة أشخاص). و اعتقاد الألوهية فيهم. و أن الباري لا يظهر و لا يعرف إلا في أمثال هؤلاء الأشخاص.

كتبت رسالة في عقائدهم و تاريخ ظهورهم و تطور معتقداتهم. و هنا ذكرت العلاقة و الأثر و التأثير في حينه بالقطر العراقي.

حوادث سنة 1261 ه- 1845 م

الطبقجه لي و مدرسته:

آل الطبقچه

لي من الأسر العلمية المعروفة ببغداد. منهم السيد أحمد الطبقچه لي كان مفتيا ببغداد، و له شرح كلمة التوحيد و الأجوبة الحكمية علي الأسئلة الهندية. توفي سنة 1213 ه. و إن ابنه السيد محمد كان من العلماء أيضا و له شرح علي كتاب والده في كلمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 91

التوحيد. و جعل داره مدرسة للعلوم و جعل المتولي عليها و المدرس فيها الشيخ داود رأس أسرة آل الشيخ داود. تكلمت عليها في كتاب المعاهد الخيرية. و توفي السيد محمد سنة 1265 ه بعد وقف المدرسة بسنة واحدة. و لم يعقب. و سيأتي الكلام علي السيد محمد سعيد المفتي.

حوادث سنة 1262 ه- 1845 م

الوباء:

في هذه السنة سنة (1262 ه) وقع الطاعون ببغداد، و في كثير من الأنحاء العراقية.

وفيات
اشارة

و ذكر في حديقة الورود من وفيات هذا الطاعون:

1- عبد الفتاح الشواف.

و هو مؤلف حديقة الورود في مدائح أبي الثناء شهاب الدين السيد محمود الآلوسي. كتبها في حياة الأستاذ أبي الثناء. و هي أول كتاب كتب في حياته و تعد من خير المراجع في تاريخ العراق الأدبي و السياسي. و غالب الوقائع في أيامه ذات علاقة به. فجلا السيد عبد الفتاح صفحة من هذا التاريخ. توفي في شوال هذه السنة رحمه اللّه تعالي.

هذا. و وقفت الحديقة عند ما كتب فأتمها الأستاذ أبو الثناء. ثم إنه لم يستطع الدوام عليها فأكملها أمين الفتوي إبراهيم بن بكتاش و استمر فيها قليلا فتم المجلد الأول من هذا الكتاب الجليل.

ثم إن السيد نعمان خير الدين الآلوسي ابن أبي الثناء ألحقه بمجلد ثان جاء صفحة متمّمة لأدب عصر أبي الثناء الآلوسي و فيه بيان صلاته بالعلماء الأفاضل و الأدباء الأكابر. و اختصر الحديقة الأستاذ عبد السلام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 92

الشواف أخو عبد الفتاح الشواف و جد الأساتذة محمود عزت و مصطفي عزت.

أوسعنا البحث في (التاريخ الأدبي في العراق)، و في كتاب (ذكري أبي الثناء) بمناسبة مرور مائة سنة علي وفاته.

2- العلامة السيد إبراهيم القزويني في كربلاء.

توفي في الوباء في هذه السنة. و له ذكر في حديقة الورود.

حوادث سنة 1263 ه 1847 م

في هذه السنة:

1- أنعم السلطان علي الوزير نجيب باشا بسيف مرصع، ثمين لما قام به من خدمات، تلطيفا له. أرسله مع أحد القرناء (الندماء) و هو راغب آغا..

2- قدمت لمراقد الأولياء الكرام ستائر تغطّي بها المشاهد.

أرسلت إلي بغداد مع ابن الوالي نجيب باشا و هو جميل بك..

ويلا حظ أن نجيب باشا له ابن آخر هو أحمد شكري بك.

3- أبطل بيع الرقيق و الأسير بفرمان سلطاني.

4- بدرهان بك متسلّم قضاء الجزيرة التابع للموصل كان قد عاث بالأمن، و تجاوز علي الأهلين، و لم يلتفت إلي النصائح، و لا أصغي للتنبيهات.. فاقتضي تأديبه، فساقت إليه الحكومة قوة عسكرية بقيادة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 93

عثمان باشا.. فقضي علي غائلته. و كان متحصنا في مواطن منيعة جدا..

معاهدة أرضروم (بين إيران و العراق)

هذه المعاهدة عقدت بين دولة إيران (الدولة القجارية) أيام محمد شاه و بين الدولة العثمانية أيام السلطان عبد المجيد في أرضروم و كانت في 13 جمادي الآخرة من سنة 1263 ه- 1847 م. و قد غلط من قال كانت سنة 1264 هجرية. و تستند إلي معاهدة 19 ذي القعدة سنة 1238 ه- 1823 م المعقودة في أرضروم أيضا بين إيران (الدولة القجارية) أيام فتح علي شاه و بين الدولة العثمانية أيام السلطان محمود الثاني و هذه تستند أيضا إلي معاهدة 17 شعبان سنة 1159 ه- 1746 م أيام نادر شاه. و فيها تقرير الحدود كما كانت أيام السلطان مراد الرابع بموجب المعاهدة المعقودة في أوائل شوال سنة 1049 ه- 1640 م.

و المعاهدة الأخيرة غيرت كثيرا في حدود (زهاب) أو (زهاو) و وردت في المعاهدة بلفظ (ذهاب) غلطا فجعلت شرقيها البلاد الجبلية لجهة إيران و غربيها للعراق كما منحت (المحمرة) و ميناءها لإيران

و كذا (جزيرة الخضر) و (لنگرگاه) و السواحل الشرقية من شط العرب ابتداء من المحمرة إلي مصب شط العرب في البحر. و تركت الأراضي المذكورة بعشائرها لإيران كما أن إيران تركت كل دعوي في لواء السليمانية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 94

و بلدتها و تعهدت بأن لا تتدخل في تملكها في ذلك و لا تتعرض به.

و قرر فيها أن يشرع عقب عقد المعاهدة بأمر (تحديد الحدود). و أما العشائر فمنع كل تجاوز يقع منها، و أن دولتها مسؤولة عنه. و أما العشائر الذين لا تعرف تابعيتهم فيخيرون في اتخاذ موطن، و أن يكونوا تابعين إحدي الدولتين.

و باقي المطالب إقرار لما جاء في المعاهدات السابقة من ألفة و أخوة و رعاية للحقوق الجوارية و من مراعاة زوّار و اتصال تجاري …

و ما ماثل.

و هذه المعاهدة تمت بعد مخابرات سياسية لسنين عديدة. و عندي جملة كبيرة من هذه المخابرات لا تزال مخطوطة.

و بهذه المعاهدة رفع النزاع المستمر من أجل بابان و من أجل عشائر كعب و عشائر الحدود الأخري بل كانت السبب في القضاء علي بعض الإمارات المتغلبة بين الطرفين بل إن الدولة العثمانية استغلتها للقضاء علي غائلة بابان. و لكن إيران لم تتمكن إلا بعد حين.

تحديد الحدود (بين إيران و العراق)

إن تحديد الحدود شرع فيه بعد تصديق المعاهدة المذكورة أعلاه مباشرة. و تكونت لجنة لهذا الغرض و كانت العشائر و الإمارات المجاورة تحدث القلاقل بلا علم من الدولتين بسبب النزاع علي المراعي أو لضرورة كانت تراها، فتحدث معارك.

و ربما كان بعض هذه بإيعاز عند اشتداد حالة التوتر بين إيران و العراق فاشتدت الحروب و كادت تقضي علي الدولتين دون جدوي مما أدي إلي ضعفهما و لما رأت الدولتان أن

ذلك مضرّ بصالحهما تقاربتا لما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 95

عرفتا من نتائج و خيمة إلا أن محمد علي ميرزا حاول أن يعيد إلي الأذهان وقائع نادر شاه أو حوادث عباس شاه … فلم يفلح. و بعد وفاته سنة 1237 ه- 1821 م هدأت الحالة و تم الصلح بين إيران و العراق سنة 1238 ه- 1822 م. و أكد هذا الصلح بمعاهدة سنة 1245 ه- 1829 م.

عزمت الدولتان علي تحقيق الصلح بعد مخابرات سياسية كثيرة فعقدتا المعاهدة علي أن يجري تحديد الحدود فورا، و أن يبدأ من خليج فارس و يمضي التحديد حتي يصل إلي أرضروم (أرزن الروم) فوقع ذلك فعلا و اختار العثمانيون الفريق درويش باشا و بصحبته خورشيد بك كاتبا و أوعز إلي الأخير منهما بتدوين ما يعرض من مواطن و من سكان و أحوال اجتماعية و صناعة و عشائر و ما ماثل. و اختارت إيران أحد رجالها و عهد إلي أحد رجال الروس و أحد رجال الإنكليز فقاموا فعلا و أجروا التحديد إلا أنه لم يتم لما حدث من أوضاع و حالات طارئة.

و إن الفريق درويش باشا كتب تقريرا بالتحديد طبع عدة مرات إلا أنه مختصر بالرغم مما حوي من فوائد. و إن خورشيد بك صار (باشا) كتب (سياحتنامه حدود). فجاء كتابه هذا مكملا لذلك التقرير و لم نقف علي مثلهما في إيران فكانا خزانة معلومات في أحوال العراق لم يترك فيهما شاردة و لا واردة فيما كان عليه العراق و ما هو عليه في أيامهما.

أما ما حدث بعد ذلك فمعلوم. و لعل علاقة خورشيد بك بالعراق دعت إلي هذا التفصيل.

أدركنا الوضعين نزاع الحدود و ماهيته، و حالة القطر، فكشفا ما

لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 96

ناصر الدين شاه- عن رحلة مدام ديولافوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 97

يكن معروفا، و عينا تاريخ النزاع و مولداته، فعلمنا صفحات كثيرة عن العراق، و أدركنا أن لا أمل في توسيع الحدود أو الاشتغال بأمر لم يؤد إلي نتيجة صالحة.

دام تحديد الحدود إلي نهاية سنة 1268 ه- 1851 م. من أيام نجيب باشا إلي أيام نامق باشا الكبير و من ثم اشتدت الحالة فحدثت الحرب مع روسيا فوقف العمل و لم يتقرر الحد بين إيران و العراق.

و قبيل الحرب العامة الأولي أي في سنة 1913 م أعيد النظر في التحديد فلم يسفر عن نتيجة حاسمة.

و إذا كانت الحدود لم تحسم لحد الآن فقد ترك لنا هؤلاء الأفاضل معلومات جمة لما يتعلق بالقطر في مختلف أوضاعه إلي أيامهما. و هذه لم تظهر في حينها. و إنما كشفت عنها الأيام. و حبذا مثل هذه و لم نر إلا القليل من نوعها.

و من جهة أخري جلت عما يجاور الحدود العراقية من أصقاع و عشائر بحيث لم يبق خفاء و زال الإبهام و من ثم عرفنا الأوضاع فانكشفت انكشافا تاما.

و في أيام الدولتين الحاضرتين تم التفاهم من طريقه و جرت محاولات لتحديد الحدود و أن ينهي أمرها، فلا يبقي نزاع أو ما يسمي بالنزاع فقد ترك الفريقان الآمال أو لم يجدا ما كان يشعر به من كان قبلهما فحصل التفاهم. و لم يشأ أحد أن يعيد التجربة.

و هل رأينا من كتب مثل ما كان كتب في تقرير درويش باشا و خورشيد باشا بأمل اتصال المعرفة إلي أيامنا؟ لم نقف علي شي ء من ذلك أو لم يظهر. و من جهة أخري

لم نعثر علي ما كتبه الإيرانيون في تحديد الحدود لتعرف و جهات النظر، أو ما توسع فيه كل فريق كما أنهم لم يكتبوا عما جري في هذه الأيام.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 98

و الملحوظ أن عشائر الحدود و إمارة بابان و كعب كل هذه كانت تثير القلاقل. و يعرف هذا من وقائع العراق و حوادثه في مختلف الأزمان. و من ثم تتعين الأوضاع.

حوادث سنة 1264 ه- 1847 م

غلاء و قحط:

قلّت الغلال و ارتفعت الأسعار في هذا العام. و في سواد العراق من باع أولاده لزيادة القحط.. و لا يستغرب وجود غلاء و قحط، فالوسائط النقلية و المخابرات الخارجية تكاد تكون مفقودة، و مثل هذه لا تؤدي إلي سد الخلل.. و كثيرا ما يقع أمثالها في ممالك عديدة حتي في العراق الوافر الخيرات و المزارع.

فيلق العراق و الحجاز:

في هذه السنة تأسس فيلق باسم (فيلق العراق و الحجاز) و جعل (مشيره) عبدي باشا ناظر المدارس العسكرية، و دعي إلي استنبول حمدي باشا فريق بغداد، و أرسل مكانه عزمي باشا برتبة فريق..

حوادث سنة 1265 ه- 1848 م

البصرة- الأسطول:

في هذه السنة أمرت الدولة بلزوم إصلاح الأسطول في البصرة من جديد، و بعثت ب (پير بك) من أمراء البحرية، مع بعض الضباط الموظفين للشروع بالعمل..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 99

عزل الوالي محمد نجيب باشا:
اشارة

يوم الجمعة 22 شعبان سنة 1265 ه عزل الوالي عن بغداد و منهم من قال كان عزله في رجب. و قد مرّ من حوادثه ما يبصر بما قام به من الأعمال إلا أن الوثائق ليست كافية للقطع بما هو معروف عنه من الحوادث، الأمر الذي اضطرنا أن ننقل ما قاله المؤرخون فيه. جاء في مرآة الزوراء:

«خلف علي رضا باشا اللاز في ولاية بغداد و كان والي الشام.

و هو قادر علي إيقاع ما هدد. و له المهارة الكافية في ضبط الإدارة و تمشية الأمور فهو من الوزراء الذين اختارتهم الدولة للمهمة. مآثره لا تنكر.. و لكنه كان قد بلغ في أيامه الظلم و العسف بالأهلين حدّا فائقا، تجاوز طوره.. و كان يحمل أفكارا بالية. الأمر الذي جعل الدولة لا تنتفع منه، و كذا الأمة..» اه.

و يريد أن يقول إن تمسكه بالطريقة القادرية تمسكا قويا صده عن النظر في أمور الدولة و مال بكلّيته إلي نقيب الأشراف السيد علي الكيلاني. تعلق به تعلقا كبيرا.. و الحق أنه ساعد علي تنظيم أمور الوقف القادري، فنهج السيد علي نهجا مقبولا، فصار ينتفع آل الكيلاني من هذا الوقف إلي اليوم. و من الغريب أن يشير الأستاذ سليمان فائق إلي ذلك في حين أننا نراه يميل إلي (النقشبندية) كثيرا. و قد قبلت القادرية.

و في سجل عثماني أنه من الگرج، تخرج من الأقلام، و تولي الدفترية و غيرها.. و تقلّب في مناصب عديدة. و بعد أن ولي منصب الشام

مدة وجّه إليه منصب الوزارة ببغداد في ربيع الأول سنة 1258 ه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 100

و عزل في رجب سنة 1265 ه، و توفي في رجب سنة 1267 ه و دفن بأبي أيوب، و كان مدبرا قديرا، ذا ثروة.

و في هذا بيان حياته الرسمية، و فيه ما ينافي قول الشاوي عن أصله … و كان مدحه عبد الباقي العمري بقصائد في مناسبات عديدة.

و كذا مدح ابنه.

مما عرف به:
1- النجيبية.

حديقة من مؤسساته، و تدعي اليوم (المجيدية)، و في أيام مدحت باشا اتخذت حديقة، ثم شيد فيها قصر لناصر الدين شاه ليقيم فيه مدة بقائه في بغداد.. و تطورت حتي صارت (مستشفي) و هذه البستان يعدها (البهائية) من المواطن المقدسة. لأنها حينما نفي (البهاء) سكنها بخيامه مع المنفيين معه مدة 10 أيام أو 12 يوما إلي أن جري سوقهم و تبعيدهم و أن البهاء فيها أعلن الوهيته. و من جراء ذلك صار يعد من الأماكن المحترمة عندهم. و يأتي الكلام علي المستشفي في حينه.

2- سقاية نجيب باشا.

أنشأها سنة 1261 ه في المنطقة (براثا) و للعمري (عبد الباقي) قصيدة هنأ بها الوزير. اندرست هذه السقاية و لم يعرف تاريخ خرابها..

3- شريعة نجيب باشا.

اسم محلة في الأعظمية عرفت باسمه.

و لا تزال.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 101

والي بغداد عبد الكريم نادر باشا (عبدي باشا)

مدة وزارته قليلة، لا تتجاوز ثمانية عشر شهرا و لا يؤمل خير من وال يبقي زمنا كهذا.. و لعل التجارب بصرت الدولة بمراعاة ذلك، فصارت هي تدربه بالوجه المرغوب فيه لديها، لا أن يسير بعقله و ترتيبه.

كأن الشاهد لا يري ما يري الغائب. و في الوقت نفسه تحذر منه و تخشي تمكنه و تغلبه. فأوقعها الخوف في مهالك أعظم و مصاعب أجلّ.

كان فرمانه مؤرخا في أوائل شعبان سنة 1265 ه- 1849 م و يتضمن أن الوزير الحاج محمد نجيب باشا قد انفصل و أودعت مهام ولاية بغداد إليه، و هو متّصف بالأوصاف المطلوبة، واقف علي أحوال الإيالة، كان هناك مدة، فأودعت إليه إيالة بغداد و شهرزور و أن تتولي إدارة البصرة متصرفية، فأودعت إلي والي طرابلس الغرب السابق المشير الوزير محمد راغب باشا، و أوصيا بمراعاة المتوطنين و السكان من الأهلين و التبعة و مراعاة وسائل راحتهم و رفاههم، و أن يلاحظ أمر طاعتهم و انقيادهم و التأليف فيما بينهم، و أن يكون سلوكهم مرعيا، و معاشرتهم بتيقظ و بصيرة و أن تدار شهرزور بقائممقام (متصرف) حسن الإدارة.

و أبو الثناء الآلوسي نعته بخير النعوت و أطراه و ذكر ما رأي منه من لطف. قال في نشوة المدام:

«حققت أنه لما سمع- الأستاذ سليمان فائق- بحلولي تلك المعاهد، و تحقق قرب و صولي مدينة آمد، رفع الأمر لحضرة فيلسوف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 102

الوزراء، و من ابتهجت بوزارته العادلة سابقا الزوراء، ذي الحسب الزاهر، و النسب الباهر، الذي لم يقل السلطان لغيره (عبدي)، و إن يكن قال فهو نادر، السيد

عبد الكريم نادر باشا الشهير بعبدي باشا..» اه.

إلي آخر ما قال. و مثله بل أكثر ما جاء في غرائب الاغتراب.

أثني عليه الأستاذ الآلوسي، و كرر القول في مدحه. رآه في ديار بكر المعروفة ب (آمد) لما رأي من لطف و حفاوة فمدح أخلاقه النبيلة..

و كل ما علمنا عنه أنه ذهب إلي (فينّة) من بلاد النمسا للتحصيل، و في سنة 1256 ه صار رئيس أركان الجيش برتبة مير لواء.. و تقلب في مناصب عديدة، و في ربيع الأول سنة 1264 ه نال منصب المشيرية للعراق و الحجاز برتبة الوزارة، و في رجب سنة 1265 ه منح ولاية بغداد، و عزل في صفر سنة 1267 ه، و هكذا استمر في صعود حتي نال السردارية و السر عسكرية، ثم نزعتا منه. و في سنة 1301 ه مات في رودس. و الشاعر عثمان نورس كتب (أثر نادر) من (مجموعة الطرب علي لسان الأدب) باللغة التركية. تحوي بعض غزليات الوزير عبد الكريم نادر، و خصص لها الجزء الأول من مجموعته هذه، و فيها بعض أشعاره، و الباقي محرراته بقلم نورس.. و يذكر أنه رافقه من سنة 1264 ه فرأي منه كل لطف و كرم كما شاهد منه الأدب الجم، و الشجاعة و القدرة، و الحب للعلوم و المعارف و أثني عليه كثيرا و جعل هذه المجموعة خاطرة و ذكري لتلك الأيام.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 103

و ذكر في الجزء الثاني منها بعض غزليات علي رضا باشا اللاز و جعلها ذكري أخري، و بهذا جمع ما يتعلق بأيام الوزيرين و بعض الغزل.

و في تاريخ الأدب التركي أوسعت الكلام في الشاعر عثمان نورس و محرراته. و يأتي الكلام عليه في

حينه.

القلعة:

و في هذه السنة بنيت (القلعة). و تم بناؤها. و في ديوان الفاروقي أبيات تشعر بعام البناء سنة 1265 ه. و هذه القلعة تحوي في أيامنا (وزارة الدفاع). و كانت معروفة من العهد العباسي. و فيها أثر لا يزال محل اشتباه الباحثين. و يسمي ب (القصر العباسي). و في أوائل العهد العثماني كانت مشغولة ببيوت للأهلين و حمام و مرافق أخري و في أيام السلطان مراد الرابع بني فيها جامع القلعة. و كانت فيها دار الضرب و تكية. و ذكرها أوليا جلبي و نسب الجامع إلي السلطان مراد الرابع و قبله كان عمره السلطان سليمان في حين أن وقفيته معروفة و تدل علي أنه بني حين تأسيسه.

حوادث سنة 1266 ه- 1849 م

لم يظهر فيها من الحوادث ما يستحق الذكر.

حوادث سنة 1267 ه- 1850 م

عزل الوالي:

في هذه السنة عزل الوالي عبدي باشا و قد مرّ ما يوضح حياته الرسمية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 104

والي بغداد محمد وجيه باشا (وجيهي باشا)
اشارة

و هذا الوالي كانت مدة حكمه أقل من سابقه، فلم يطل مقامه أكثر من عشرة أشهر، فلا يستطيع أن يتعرف بالشعب، و لا بإدارته و لا اختيار موظفيه.. و لا شك أنه لم يقع في زمنه ما يستحق الذكر. و الظاهر أنه (محمد صالح وجيهي) المذكور بين ولاة الموصل من سنة 1264 ه إلي سنة 1265 ه.

و في مرآة الزوراء:

«إن وجيهي باشا أودع أمور الإدارة إلي نامق باشا، و لم يتدخل لا في خيرها و لا في شرها، و طلب أن يعفي عن هذا المنصب، و أنهي به إلي نامق باشا بضم مشيرية فيلق العراق إليه..» اه.

و جاء في سجل عثماني:

«إنه من أهل يوزغاد، ثم صار رئيس البوابين و في سنة 1243 ه صار قائممقام وال في أدرنة، و بعدها تولي مناصب عديدة و ولايات..

منها ولاية الموصل في ربيع الأول سنة 1263 ه (كذا). و هكذا حتي ولي بغداد في صفر سنة 1268 ه (كذا). و انفصل في صفر سنة 1268 ه (كذا) و هكذا صار في ولايات عديدة بعدها. و توفي في 16 ربيع الآخر سنة 1284 ه. و كان عارفا بالأمور الملكية، مدبرا، و لم يتم سنة 1267 ه فعزل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 105

هذا. مع العلم بأن له ابنا اسمه محمد صالح فهل هو الذي ولي الموصل؟ مع الإشارة إلي أنه نفسه ولي الموصل. و لا شك في أنه كان هو نفسه والي الموصل.

واقعة الوردية- الحلة:

و في تاريخ الشاوي ورد أنه في أيام ولايته كان زعيم الفيلق السادس في بغداد و ملحقاتها المشير محمد نامق باشا و قد وقعت بينهما عداوة و بغضاء و أسبابها الوقائع و الثورات التي حدثت من عشائر الفرات فأراد الوالي تسكين الفتن سياسة و خالفه المشير، فكان من رأيه أن يؤدبهم حربا. و جرت المخابرات و المراجعات إلي استنبول فتعهد المشير بضربهم و تأديبهم لتأمين شرف الحكومة، فوافقت الدولة، و من ثم خرج بجنوده، فضربهم ضربة قاضية، و أخذهم أخذ عزيز مقتدر، و أخبر استنبول بذلك فصدر الأمر بعزل الوالي و نصب المشير نامق باشا واليا مع زعامة الفيلق. و تسمي هذه الواقعة ب (واقعة الوردية). لأن اجتماع العشائر للحرب كان في أراضي مقاطعة الوردية. و الظاهر أن هذه الواقعة هي التي عرفت ب (واقعة بني حسن) الآتي ذكرها … بل لا يوجد غيرها.

عزل الوالي:

في صفر هذه السنة سنة 1267 ه عزل الوالي وجيهي باشا. و في يوم السبت 5 شهر ربيع الأول سنة 1267 ه خرج من بغداد قاصدا استنبول.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 106

ولاية نامق باشا الكبير

كان هذا الوالي مدركا للأمور كما نعته بعض المعاصرين من العراقيين، و مهابا في أعين الناس يتكلم الفرنسية بإتقان، و كان لا يداهن في أمور الحكومة، مقداما في الحروب، عاقلا، حازما.

أتته الوزارة في صفر، و في آخر هذا الشهر جاءه الفرمان من السلطان بالحكومة التامة و أنه وال علي العراق من الموصل إلي البصرة، و أطراف بغداد، يولي عليها من شاء من قبله لا من قبل الدولة.

و قد هنأه الأستاذ عبد الباقي العمري بقصيدة.

جاء في تاريخ جودت باشا أنه كان من المعمرين، و هو في عصرنا من أفاخم مشيري السلطنة. ولد سنة 1219 ه. تقدم في المناصب العسكرية بسرعة حتي نال في 1 شعبان سنة 1265 ه منصب المشيرية لفيلق العراق و الحجاز. ثم إنه في أوائل سنة 1268 ه حصل علي منصب الولاية ببغداد فجمعت فيه العسكرية و الملكية معا.. فكانت هذه ولايته الأولي في بغداد.

و بقي فيها إلي 29 شوال سنة 1269 ه فعين في هذا التاريخ لمشيرية المدفعية العامرة، فعاد إلي استنبول و هو المعروف ب (نامق باشا الكبير). و لم يذكر هذا المؤرخ شيئا من أعماله ببغداد..

نفي و تبعيد

سير مع الوالي المعزول وجيهي باشا سبعة رجال نفوا مقيدين.

أرسلوا إلي استنبول، فكان ذلك باكورة أعماله، و من هؤلاء مشايخ العشائر:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 107

1- ظاهر المحمود شيخ زوبع.

2- كريدي شيخ الخزاعل.

3- مع كريدي ثلاثة من سادات قومه، و قيل معه ستة.

قال صاحب التاريخ المجهول: «و هنا ذكر شي ء يلزم تحريره و هو أن المنفيين إلي إسلامبول: كريدي الخزاعي و معه من قومه، و ظاهر المحمود الزوبعي، فإن ظاهرا قد تكلم مع كريدي علي الهزيمة، و قال له اليوم نحن عرب،

و جنس واحد، و أنا مقتدر علي الفرار هل لك أن تنهزم معي، فسكت عنه كريدي، و وشي علي (ظاهر)، فمسكه المبعوثون معهم و هم الجنود، و ضربوا ظاهرا ضربا موجعا. و من بعد ذلك أيضا انهزم من المأمورين بإيصالهم إلي إسلامبول من فوق الموصل، و ركض عامة ليله، و اختفي وقت الفجر بأشجار سدر، و رأي رجالا علي جمال فصادفوه و عرفوه، و هم من شمر، غزو، فأركبوه معهم و أوصلوه إلي محلهم، و أرسل إلي أهله، و تحول من مكانه الأول، و نجا بنفسه، و بدا يظهر العصيان، و يقطع الطريق، و أخذ بعض الأغنام لرعايا الحكام، و غار (كذا) مرة ثانية و معه فضيل أخو نجم الزيدان المحبوس عند الحكام في بغداد، فأخذوا غنما مقدار عشرين ألف رأس و دواب و خيل، و كروان أموال أمتعة كان مرسولا إلي هيت بمقدار جسيم..» اه.

هذا. و قد تكلمت علي قبيلة زوبع في (عشائر العراق) في المجلد الأول، و أن رئيسها ظاهر المحمود علمنا عنه أول واقعة سنة 1267.

آل بابان و انقراض إمارتهم:

إن هذه الإمارة دامت مدة طويلة. و أولها رئاسة دينية، ثم وليت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 108

الإدارة. و في بادئ أمرها كانت سلطتها قليلة لا تتجاوز شهربازار.

بدأت في أواسط القرن الحادي عشر الهجري، فتوسعت بالسيطرة علي العشائر الكبيرة حتي تمكنت. و قد مرّ بنا من حوادثها ما يعين مكانتها.

و غالب وقائع العراق متصلة بها و بإيران معا، فلم يتيسر للدولة القضاء عليها و لكن شعرت بما يحيط بها من غوائل، و مثلها إيران فاضطرتا علي مراعاة السلم و الهدوء بينهما بعد أن علمنا ما علمنا من حوادث محمد علي مرزا. و بعد وفاته تمت

المصالحة بينها و بين إيران فعقدت معاهدة سنة 1238 ه. و سنة 1245 ه، و جرت مفاوضات عديدة لقطع نزاع الحدود من وجوهه المختلفة في أراضيه و إماراته …

و بذلك تمت معاهدة سنة 1263 ه المذكورة. و هذه المعاهدة في الحقيقة تعد السبب في القضاء علي إمارة بابان و انقراضها بعد جدال عنيف و نضال بالغ الحد. و باقي الأسباب من أهمها خمول طرأ علي البابانيين أو شعروا بمجاري الأحوال فأذعنوا رهبة أو رغبة. و لم يخالفوا ما حدث من تبدل من جراء أن الدولة اتخذت التدابير و كانت عزمت عزما أكيدا في القضاء علي الإمارات في العراق. و شجعها ما حدث من الوقيعة بالرواندزي و بأمراء العمادية.

قامت بتدابير تمهيدية من حين عقد المعاهدة مع إيران أو قبلها إبان المفاوضات و استمرت في تدابيرها إلي أن تم لها ما أرادت. و في خلال المدة و تأمينا لمطلوبها عزلت (نجيب باشا)، و جعلت عبدي باشا (عبد الكريم نادر) مشيرا ثم واليا و نامق باشا كذلك مشيرا ثم واليا، فاختارت أكابر رجالها للمهمات مع توقع ما يحدث سواء في بابان أم في المنتفق من حوادث …

و كلامنا في بابان. و كنت كتبت كتاب (شهرزور- السليمانية) أوضحت فيه عن هذه الإمارة و انقراضها و هنا أقول:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 109

إن الدولة عزلت أحمد باشا بن سليمان باشا من إمارة بابان سنة 1264 ه- 1847 م ودعته إلي استنبول و منحته مناصب مهمة. و جعلت أخاه الأصغر منه عبد اللّه باشا مكانه، وليها بصفة قائممقام (و هو بمعني المتصرف في هذه الأيام) و هذا عزل سنة 1267 ه- 1850 م و ذهب إلي استنبول سنة 1268

ه و تقلب في مناصب عديدة.

ثم حلّ محله عزيز بك من آل بابان. و كان نامق باشا اعتمده في أول وروده إلا أنه بعد مدة قصيرة عزله إذ قطع بأن آل بابان عادوا لا يصلحون للحكم. و بالتعبير الأولي أرادت الدولة إقصاءهم عن الإدارة فانتزعت منه الإمارة سنة 1267 ه.

و في الحقيقة كان انقراضهم من تاريخ المعاهدة المعقودة مع إيران سنة 1263 ه. و أول قائممقام عرف للسليمانية من غير البابانيين إسماعيل باشا فهو أول متصرف من العثمانيين.

و قد أثني عليه أبو الثناء الآلوسي و بيّن أنه كان صادق الخدمة لدولته، و أنه ممن صحبه زمن المرحوم علي رضا باشا و قد خدم أحسن خدمة في حادثة السليمانية فأنست به استنبول، و أنه رأي فيها من حسن معاملته فوق المأمول.

و في عشائر العراق الكردية (ص 98) و في كتاب لواء شهرزور- السليمانية تفصيل أكثر.

الحلة في أيامه:

قال الشاوي: كان الوالي نامق باشا شجاعا حقودا علي العصاة، فكل من يخرج عن طاعة الحكومة يقدم له السيف لا السياسة … و كان الموظفون في أيامه يخافون بطشه و يبذلون كل جهد لينالوا رضاه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 110

و كان قد عين لقائممقامية الحلة خلف آغا إلي آخر ما قال. و حكي ظلم خلف آغا.

مشيخة المنتفق

في 23 شهر ربيع الثاني سنة 1267 ه- 1851 م تغلب شيخ المنتفق منصور بن راشد (ابن ثامر السعدون و هو منصور باشا) من مشائخ المنتفق علي فارس بن عجيل، و صار شيخا بالسيف بدل فارس المذكور، و كلاهما قبل هذه المادة ساد قومه مرتين، الواحد يغلب الآخر، و لم ينقطع القتال بينهما إلي أن آل الأمر في هذه الواقعة إلي الشيخ منصور … و هو من أمراء المنتفق … و فارس كان أبوه شيخا في وزارة داود باشا و انتصر عليه الشيخ منصور، فانتدب للشيخ منصور الشيخ وادي شيخ زبيد، سار من طريق الحلة، و قصد الفزعة لمنصور، فوقف الفريقان طوائف المنتفق قسمين، قسم مع فارس، و قسم مع منصور و زبيد معهم، فأولا كان الغلب لجماعة فارس، و من بعد صارت الهزيمة علي فارس و قومه، و قتل عبد اللّه أخو فارس و كان شجاعا معدودا أشجع من فارس المذكور، و مسك جماعة وادي فارسا و أبقاه وادي عنده محجورا عليه» اه.

أصل المنتفق

قال: «و هؤلاء المنتفق ذكر مؤرخو البصرة عنهم، و منهم السيد إبراهيم الرفاعي و كان عالما فاضلا (قال): إن قبيلة المنتفق أصلها حسنية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 111

من أولاد الحسن رضي اللّه عنه. لا جميعهم بل رؤساؤهم، و ما عداهم من قبائل متفرقة، و ذكر عنهم أن وجودهم في هذا المكان سنة الستمائة بعد الهجرة، سكناهم في أراضي البصرة، و لهم أراض مزارع و نخيل تبلغ لكوك يأكلونها، و جعل (يريد الرفاعي المذكور) لهم تاريخا مستقلا مختصرا، و عدّ أمراءهم به مفصلا، هذا طالعت به، و وجدته عند واحد من أهل البصرة و نقلت منه هذين السطرين لأجل اللازم»

اه.

و في هذا ما يؤيد أن الأمراء سادة حسنية، و ذكرت في تاريخ العراق أصلهم و زمن ورودهم بنصوص قطعية و لم نجد ما يؤيد وجودهم قبل عهد المغول و في النص المنقول ذكر للمبالغة في القدم.

و كنت تكلمت في أصلهم في تاريخ العراق بين احتلالين ج 2 و في كتاب الأنساب للسيد ركن الدين الحسني ما يوضح عن تاريخ ورودهم العراق و من تفرع منهم مما أوضحناه في عشائر العراق (ج 4).

و حوادثهم مبينة في المجلد الثالث من تاريخ العراق فيما بعده.

المجلس الكبير في بغداد:

كانت صدرت الإرادة السنية بتأليف هذا المجلس في رمضان سنة 1267 ه- 1850 م، و كان تأليفه في بغداد استنادا إلي (خط كلخانه) المعلن بوقته.. و صار يعد أول خطوة لقبول الإدارة القانونية.. و أن يكون الحكم بيد الأمة أو أن تشترك الأمة في أعمال الحكومة. و قد تكلمت علي ذلك فيما سبق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 112

قبيلة بني حسن:

ذكر الأستاذ أبو الثناء أنه في جزيرة ابن عمر سمع بواقعة للوزير نامق باشا تدل علي انتصاره علي (عشائر بني حسن). ورد إليه كتاب يخبر بما جري. ذكرها الأستاذ (محمد أمين العمري الكهية) في قصيدة.

و في ذيلها أبيات في تاريخ هذا الانتصار كما سطر الأستاذ الشاعر عبد الباقي العمري بعض أبياتها.

و لم نر فيها تفصيلا للحادث. و الظاهر أنها كانت أيام وجيهي باشا و علي يد نامق باشا. و كان ممن حاربه بنو حسن القبيلة المعروفة.

رحلة الأستاذ أبي الثناء إلي استنبول:

كان الأستاذ أبو الثناء قد ضاق به الحال بسبب العزل و تجريده من الوظائف المهمة مثل (تولية أوقاف مرجان). فذهب إلي استنبول (فروق). خرج من بغداد في غرة جمادي الآخرة سنة 1267 ه- 1851 م و في سفرته هذه كتب ما شاهد و ذكر من لقي حتي وصل إلي استنبول.

و سمي رحلته هذه (نشوة الشمول في السفر إلي إسلامبول). ثم عاد إلي بغداد فدوّن ما مرّ به في طريقه و كان رجوعه إلي بغداد في 5 شهر ربيع الأول سنة 1269 ه- 1852 م و كتب بذلك رحلة دعاها (نشوة المدام في العود إلي مدينة السلام).

ثم إنه بعد عوده سنة 1269 ه- 1853 م كتب ما جمع فيه بين الرحلتين و زاد توضيحا في رحلته المسماة (غرائب الاغتراب و نزهة الألباب) فكانت أبدع و لم يستغن عن الرحلتين الأخريين. ففي كل واحدة من هذه الرحلات الثلاث ما ليس في الأخري فكانت خزانة معرفة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 113

ربح هذه الرحلات و إن لم ينجح في مسعاه و ما ذهب من أجله فالطغيان لم يكن من الولاة كما توهم. و إنما كان ذلك مقصود الدولة فخاب أمله و

عاد بالخذلان، إلا أنه ترك لنا ثروة أدبية و علمية و تاريخا ناطقا. و كان يعلم ما كان ينوشه من افتراء و تدليس و بيّن أنه لا يخلو هناك من مناضل يذب عنه و لكن تغلب أهل الشقاوة فقضي علي آماله.

حوادث سنة 1268 ه- 1851 م

نفي و إبعاد:

في يوم الخميس سلخ شهر ربيع الآخر سنة 1268 ه نفي نامق باشا مقدار مائة رجل من أهل الجنايات إلي البصرة. كانوا في السجن، و أكثرهم لم يستوجب النفي، و لكن نفاهم عملا بقواعد التنظيمات التي هي مدار أحكامهم و سياستهم.

صالح العيسي شيخ المنتفق:

في غرة جمادي الثانية قدم إلي بغداد الشيخ صالح بن عيسي من أمراء المنتفق و كان أبوه شيخا علي المنتفق، أرسل عليه الحكام، و نزل خارج البلد، في باب المعظم. و قصد الحكام يسيّرون معه عساكر إلي بلاده و يجعلونه شيخا عوض الشيخ منصور بن راشد. و في ثالث يوم قدومه عبّروه دجلة من الجانب الشرقي إلي الجانب الغربي و نزل (باب الحلة)، و سمع أن عرب زبيد مرامهم يغتالونه فطلب من الوزير نامق باشا أن يسير إلي بلاده من الجانب الشرقي لئلا يظفر به

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 114

ساعي بريد هجان- عن رحلة وليم فوغ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 115

أعراب زبيد، فما أذن له الوزير بالمسير مما رامه المذكور فعند ذلك أغارت أعراب زبيد و معهم أخو وادي فحل، و ابن أخيه سمرمد و أخذوا من سواد العراق أغنامه و أمواله، و قطعوا طريق الحلة و أخذوا بعض الخانات، و تبيّن وجه تعدّيهم، و خلع الطاعة، و بان صريحا أنهم يريدون أن يغتالوا الشيخ صالح العيسي، فعند ذلك أذن الوزير له بالمسير علي الجانب الشرقي من بغداد علي طريق جسّان و بدرة و ألحقوه بمدد بعض العسكر من أعراب نجد راجلين، و هم من عقيل و كان ظهوره يوم 13 من جمادي الآخرة» اه.

غارات زبيد:

«في أوائل جمادي الآخرة كثرت الغارات من أعراب زبيد حتي أنهم و افقوا في دجلة خمس سفن محمّلات أموالا للتجار، فعاقوها عن المسير، و هؤلاء هم أعراب وادي. و مع هذه الغارات الجمّة يسمع الوزير و لم يرسل عسكرا لقتال هؤلاء الباغين، و ذلك بعكس عادة الوزراء الماضين في العراق، فإنهم إذا سمعوا بأن أعرابا أخذوا،

ركبوا بأنفسهم، أو أرسلوا من يقوم مقامهم لأجل فك أموال الناس من المعتدين.

و هذا الوزير جمع العساكر في الديوانية، و لم يحارب هؤلاء المتجاسرين و الذي أحوجهم إلي خلع الطاعة بطشه بهم و مماشاتهم علي غير المعتاد، فإنه قد ذكرنا في تاريخنا هذا أنه سيّر إلي إسلامبول مقدار عشرين رئيسا من رؤساء العرب، و بعضهم محبوسون بالقلعة مهانين ينقلون الأحجار و التراب علي ظهورهم، و هم من كرماء العرب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 116

و شجعانهم. و هذا الفعل مباين لعادة الملوك الماضين» اه.

المسيب و أطراف بغداد:

ثم قال «و في 14 جمادي الآخرة في يوم الأحد أتي الخبر أن أعراب زبيد أتباع وادي أخذوا المسيب، و نهبوا ما فيها من الأهالي، و نهبوا الطعام الذي هو مخزون للناس، و أن ما حول بغداد من الأعراب خافوا علي أموالهم و أنفسهم و جعلوا منزلهم قرب المدينة، و بقيت أمور الناس معطلة و جميع الطرق مخوفة، و لا يمكن لأحد أن يطلع من البلد، و يسير مقدار ساعتين إما ينهب أو يقتل كما وقع مرارا.

و أعراب وادي نازلون بالوردية و هو مكان قريب من الحلة مقدار نصف فرسخ و العساكر بالنزيزة و هو مكان طرف بلد الحلة بل هو من الحلة، و حاصروا البلد، و لم يقدر أحد أن يذهب خارجها، و انقطع الخبر من بغداد إلي الحلة و غلت الأسعار بالحسين (كربلا) و بالمشهد (النجف) و الحلة. و المزارع التي حول بغداد آن حصادها و لم يمكنهم أن يحصدوها مخافة الطريق و بقي أمر الخلق مضطربا فلم يجدوا ملكا يصون أموالهم. و لم يتفق بالعراق انحلال و اختلال كما في هذه الأيام.

ثم إن الوزير نامق باشا يوم

21 رجب أطلق سمير الزيدان من مشايخ شمر، و كان مسجونا» اه.

الوالي في نظر الغربيين:

لا ينظر الغربيون إلا إلي مصالحهم. قالوا:

كان في حكمه مشهورا بتعصبه علي المسيحيين و الأجانب، و ذكروا له حادثة اتخذوها دليل ذمّه، و ذلك أن شاميا من تبعة فرنسا كان صيرفيا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 117

يمثل بعض البيوت التجارية في بيروت، ركب يوما حصانه، فأدي به طريقه إلي سوق الهرج، و في هذه الأثناء كان نامق باشا ذاهبا إلي الصلاة يوم جمعة و موكبه مؤلف آنئذ من فرسان الجندرمة يتقدمهم ضابط كبير، و جاء القواصون بعدهم يتقدمهم رئيسهم (قواص باشي)، ثم كبار موظفي الدولة، و الوالي يأتي بعدهم راكبا حصانه، و يتبعه الكهية ثم الإمام، و عدد كبير من رجال الدين.

و كان قد اعتاد الناس أن يبقوا واقفين عند مروره، كما أنه إذا مرّ خيّال بهذا الموكب ترجّل احتراما إلي أن يمضي الموكب. أما الشامي فيظهر أنه كان يجهل التقاليد، فلم يترجّل، فلما شاهده نامق باشا بهذه الحالة عدّ ذلك سوء أدب أو صلافة منه لا سيما بعد أن علم أنه نصراني فأمر الجندرمة بإنزاله عن حصانه فأخذ هؤلاء يوجعونه ضربا مبرحا بمؤخرة بنادقهم (قونداق) حتي أسالوا منه الدماء، و بقي طريح الفراش بضعة أسابيع. أما القنصل الفرنسي فقد احتج احتجاجا شديدا علي هذه الفعلة القاسية، كما أن السفير الفرنسي باستنبول قدم احتجاجا مماثلا للباب العالي طالبا تعويضا ماليا للمعتدي عليه (36000) فرانق فكانت النتيجة أن استدعي نامق باشا إلي استنبول بعد أن حكم مدة (9) أشهر.

يعزو الغربيون عزله إلي هذا الحادث. و أعتقد أن اضطراب الحالة كانت السبب الرئيسي.

عزل نامق باشا:
اشارة

مما مرّ عرفنا الحالة السياسية، و الأوضاع الحكومية أيام نامق باشا، فكانت الأمور مرتبكة، و الناس في ريب من أوضاعهم. علا

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 7، ص: 118

صوت المتنفذين و صارت الأموال غير مصونة، و الطرق مختلة فالعراق أصابه انحلال و اختلال لم ير مثلهما في عصوره الماضية. فعزل هذا الوالي.

و جاء في مرآة الزوراء:

«إن نامق باشا عهدت إليه إيالة بغداد و مشيرية فيلق العراق، فترك المشار إليه راحته ليل نهار، و سعي جهده لمصالح الإيالة و تدبير أمورها، و تنسيق إدارتها. قام بذلك بنفسه، فاتصل بالإصلاح من أصله.. و لكنه من جراء التداوي المتوالي قد بدت فيه الأمراض المكتومة، و العلل العارضة، فظهرت القلاقل، و توالت المحن.. نهض أهل الشقاوة من كل صوب، فتوالت إقداماته و برزت العلائم المبشرة بقرب التنظيم و التوجيه.. إلا أن ذلك أدي إلي أن رجال الدولة صاروا لا يرون بقاءه فعزل..» اه.

و قال الأستاذ الآلوسي:

«و كنت سمعت عن والي باشا في الاجه خان خبرا يتلوّن تلوّن الحرباء في قبوله الأذهان و هو عزل الوزير، الذي لحضرة السلطان حسن ظن به، و المشير الذي لا يستشير سوي غضبه، ذي المهابة التي حفظت بغداد عن أن تنتهبها يد أهل البغي و الفساد و صدت مفسد العشائر عن تخريب المنابر و المناير، عالي الهمة محمد نامق باشا، زاده اللّه تعالي بالأنظار الخاقانية انتعاشا، و نصب الوزير الذي ندر مثله فيمن استوزر و المشير الذي فخر عقله بما انطبع فيه علي مرآة الإسكندر، حضرة ذي العزم الجلي، رشيد باشا الشهير بالگوزلگلي، فلم يطمئن قلبي بهذا الخبر، و حسبت راويته جاء بالصقر و البقر، حيث إن الوالي الأول من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 119

نظرة حضرة السلطان بأعلي محل، و قد اطلعت علي اتفاق معظم الوكلاء علي السعي في عزله، لما اطلعوا علي اضمحلال العراق، و اختلاف أهله، و أن بغداد بعد أن كانت شجرة لا يبلغ الطير ذراها:

قد تراخي الأمر حتي أصبحت هملا يطمع فيها من يراها

و أنه لا يستطيع الطير أن يطير، و لا الأسد الوثاب أن

يسير، ما بين باب حلّتها و بصرتها، بل ما بين باب كرخها و مقبرتها، و تعذر علي الساعي الخريت، الذهاب من باب الكاظم إلي هيت و تكريت، حيث كثر القتل و النهب في جهاتها الأربع، فغدا كل من اشتمل عليه سورها يفتت مما عراه اليرمع، فلم يلق حضرة السلطان لهم سمعا، و علموا منه أنه يحب المشير المشار إليه طبعا، فتركوا لما أيسوا العراق علي ما فيه، و لم يعبأوا بانقطاع ما كان يسيل من الذهب و الفضة من واديه، حتي إذا وصلت إلي آمد رأيت الخبر أظهر من أن يجحده جاحد، فقلت سبحان مقلب القلوب، الشاهدة أفعاله بأنه الرب المتصرف و ما سواه مربوب، و ملأ التعجب من قلبي أركانه و إن كنت تحققت أنه رفع اللّه تعالي قدره نصب مشير الطوبخانة، و كان هذا النقض و الإبرام في أول ذي القعدة الحرام، فنسأل اللّه تعالي شأنه أن يوفق كلّا فيما نصب له، و يزيل عن العراق ما أسال عرق القربة، و يسيل عليه فضله» اه.

و جاء في حديقة الورود:

«و لما دخلتها- فروق- جعل سمعي يفت حنظل أخبار بغداد،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 120

و يتجرع ما أجري اللّه تعالي علي يد واليها من سموم الأكدار و الأنكاد، و ذلك أنه أفسد البر، و حلف ليكثرن فيه الهرج و المرج فبرّ، فعصفت بي عواصف الغيرة، فقذفتني في بيداء الحيرة، و مقلتني في بحار التشويش، فجعلت أتشبث بكل حشيش، و شرعت أغري علي طلب وزارتها كل من أراه، و إن كنت أعلم أنه لا يصلح أن يكون واليا علي خراه، و لم أدر ما أودع في بطون الأقدار، و ما ينتجه إيلاج الليل و

النهار، فأصبح يطلبها منك (فنك) ذباب و هو لعمري أقذر من الطلياء و أهون من معباه القحاب. لم يزل ماله في زيادة و هو مع ذلك أبخل من كلب بني زائدة … و انقضت الأيام و الأمر بين نقض و إبرام.

و لما خرجت سمعت في الطريق بأن الوالي قد عزل علي التحقيق، و أنه قد نصب بدله من لم يكن يخطر ببال، و لم يمكن أن يري برصد الفكر في سماء الخيال، و هو المشير العديم النظير الوزير رشيد باشا الگوزلگلي- لا رأته المكاره- بدر بنيها الواضح الجلي، حتي إذا دخلت ديار بكر، سمعت من زيد و عمرو مزيد الثناء عليه، و أنه المشير المشار ببنان التعظيم إليه (إلي أن قال:) ثم سرت متوجها معه إلي بغداد … » اه.

و لعل في هذا ما يعين أوضاع بغداد، و درجة الأمن، و في ذلك تأييد لما جاء في التاريخ المجهول. تألم الأستاذ الآلوسي لحالتها، فلم يقصر ببيان. و ذكر عن وادي شيخ زبيد ما يؤيد. و هذا لم ير مسيطرا فتسلط و إن الأستاذ سليمان فائق أيد اضطراب الحالة، و إن كان حاول التوجيه، و هو الكاتب البليغ القدير و السياسي الماهر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 121

حوادث سنة 1269 ه- 1852 م

الوالي محمد رشيد باشا الكوزلكلي
اشارة

يدعوه العراقيون (أبا مناظر). و هذا طالت أيامه أكثر من سابقه، عهد إليه بمنصب ولاية بغداد في ذي القعدة سنة 1268 ه، و دخل بغداد في 5 ربيع الأول سنة 1269 ه.

و لما كان الأستاذ محمود الآلوسي في دياربكر، و واليها آنئذ عبدي باشا (عبد الكريم نادر) وردها هذا الوالي فاستقبله عبدي باشا و جماعة بينهم الأستاذ الآلوسي.

قال الأستاذ الآلوسي في حديقة الورود:

«و اتفق أن ألح عليّ بانتظاره والي هاتيك الديار حر الأخلاق، عبدي باشا، يسر اللّه له من الخير ما يشاء، فلم يمكني إلا الامتثال، لما أن الوالي المشار إليه علي غاية الإفضال، فبقيت نحوا من ثلاثة أشهر منتظرا له، مستشرفا حله و مرتحله، حتي إذا قدم مع بعض الأعيان، و آل الخبر إلي العيان، رأيت منه في هاتيك الديار، ما أنطقني فأنشدت من دون اختيار:

سمعت بوصف الناس هندا فلم أزل أخا صبوة حتي نظرت إلي هند

فلما أراني اللّه هندا و زيّها تمنيت أن قد زدت بعدا علي بعد» اه

و قال في رحلته نشوة المدام ما نصّه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 122

«و في اليوم السادس و العشرين من محرم الحرام، و كان من حيث المطر و الهواء أهون الأيام، ظهر خير خبر، و أبرّ أثر، و هو خبر والي الزوراء، علي دخول مدينة آمد السوداء، و تنوير أرجائها بأنوار طلعته الغراء، فذهبت مع وجوه البلد، و هم كأصابع الكف في العدد، إلي حضرة واليها، و من إليه مرجع أهاليها، فجلسنا عنده علي أحسن حال، ثم قمنا جميعا للاستقبال، فقعدنا برهة من الزمان في خيمة نصبت عند كشك السريان، حتي إذا لاح خميس ذلك الوالي، و أقبل نحونا ركابه العالي، أسرعنا لاستقباله، و استكشاف حالي حاله، فأدركنا

ذلك الشهم، علي نحو غلوة سهم، فإذا هو وال رشيد و مشير مأمون له احتفال برعيته حتي كأنه ينظر إليهم بأربعة عيون، و قد صحبه سليل الأجلة الأمجاد، مولانا (محمد عبد الرؤوف أفندي الپرلپه وي) قاضي بغداد، و رأيناه سجل المفاخر، قد ورث الفضل كابرا عن كابر، و كذا جناب ذو الخلق النفيس عبد اللّه أفندي نائب بدليس، و كان منتسبا إليه منذ كان مشيرا في إيالة كردستان فيقال إنه جلبه إلي خربوت و توسط له بالنيابة فملأ من عياب رسومها علي الوجه المرسوم إهابه، و قد أمره برفاقته إلي محل إقامته، و هو حسب القياس و الاستحسان حري بالاستصحاب، فقد وقع الإجماع علي عمله في المصالح المرسلة إليه بالسنّة و الكتاب، و قد جمعنا العشاء مع الموما إليه في بيت المفتي، فرأيت منه ما يقضي بمزيد نجابته و يفتي، و لم نزل نجتمع كل ليلة عند الوزير معه، فنكاد نحيي بحلو السمر الليل أجمعه، و قد علمت من أمر الوالي، في هاتيك المعالي أنه لا نظير له بين الوزراء، و لا نظرت مثله عين الزوراء.

و لما كانت ليلة الخميس سادسة صفر، صنع المفتي و ليمة لم يبق فيها و لم يذر، فبعد أن رفعت ألوان الطعام، و نصبت في البين موائد الكلام، قال: غدا إن شاء اللّه تعالي عدة سفرة السفر، فامتلأت آنية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 123

الفؤاد سرورا، و كنت من قبل بمعتقة الهموم مخمورا..» اه.

ثم استمر في ذكر أنه أخذ الأهبة للمسير، و بين المنازل التي ساروها، و المواطن التي طووها.. حتي وصل إلي بغداد مساء الخميس خامس شهر ربيع الأول سنة 1269 ه- 1852 م.

قال الأستاذ أبو الثناء:

«سرت متوجها

معه إلي بغداد. و لم تزل تهبّ عليّ من أنفاسه ما يصدع الرأس و يكرب الفؤاد (ثم ذكر ما أصابه من حمي فقال:)

حتي إذا ذهبت أورثت ضعف العصب. و كم من خبيث أورث الأخبث لما ذهب … فتركت لذلك كل الأمور. و لزمت بيتي فلا أزار و لا أزور …

لزوم البيت أروح في زمان عدمنا فيه مائدة البروز

فلا الوالي يميز قدر فضل و لست علي الحواشي بالعزيز

و لست بواجد حرا كريما أكون لديه في كنف حريز» اه

و في هذا اليوم كان ورود الوزير رشيد باشا بغداد.. كما ذكر ذلك الآلوسي، جاءا معا.. و لا شك أن المعتاد من الاستقبال و الاحتفال جري بالوجه اللائق … و قد مدحه الفاروقي بقصيدة.

جمع إعانة:

جمع الوزير الأعيان و العلماء، و بينهم صبغة اللّه الحيدري و السيد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 124

محمود الآلوسي المفتي السابق و طلب منهم إعانة علي أهل بغداد، لأنه ورد خبر في شوال من استنبول يفيد أن الارس (الروس) أي المسقوف تحركوا علي محاربة السلطان و اقترح الوزير من الوجوه أن يقبلوا ما طلب منهم، و أن يجلبوا الناس علي ما أراد..

و في ذي القعدة بدأوا يجمعون الدراهم من أهل بغداد، فجعلوا علي المقتدر ألف قرش صاغ و منهم أكثر، و بعضهم أقل، و المتوسط مائة قرش، و الفقير خمسة و عشرون قرشا، و أهل الفاقة لم يحملوا شيئا، جعلوا القسمة علي كل دار بحسب الترتيب مائة قرش و أسهل الأطراف طرف باب الشيخ ادعوا أن أكثرهم فقراء، و النقيب تشكي بحال أهل طرفه، ورقّ لهم الوزير لضعفهم، ثم إنهم شرعوا في جمعها..

مشيخة المنتفق:

و في ذي القعدة من هذه السنة حبس الوزير فارس بن عجيل، و عزله من مشيخة المنتفق، و ألبس الشيخ منصور بن راشد الخلعة علي مشيخة المنتفق، فصارت الإمارة إليه، و طلع من بغداد يوم 28 من ذي القعدة هو و وادي بك يريدون أن يسيروا إلي ديرة المنتفق، و كان صالح ابن عيسي شيخا علي المنتفق من أيام نامق باشا..» اه.

و جاء في كتاب قرة العين:

«و في سنة 1269 ه انتشبت الحرب بين قبائل المنتفق و الجنود العثمانية، و انكسرت الجنود العثمانية عند نهر الفرات بمحل يقال له (المغيسل) و قتل قائدهم (تركي بلمز). قتله مشاري السعدون من مشائخ المنتفق» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 125

هو مشاري بن عبد اللّه بن ثامر السعدون. و له من الأولاد بدر

و محمد و عبد اللطيف و عبد العزيز. و لهؤلاء أولاد و أحفاد.

قبيلة عنزة- الطارمية:

«في ذي القعدة أغار أعراب عنزة علي جمال حول الطارمية للجمّالة عقيل و غيرهم، فأخذوا منها (900) بعير، و بعد بضعة أيام كان قادما إلي بغداد تسعون حملا من الشام بقية كروان فرآها أعراب عنزة، و رئيسهم ابن هذال، فأخذ الحمول و الجمال، و كان داخل الحمول دراهم فضة و ذهب، و أخذوا دوابّ و ما أشبه ذلك من درب الحلة..» اه.

سدة الصقلاوية:

«في يوم 5 ذي الحجة سنة 1269 ه ظهر الوزير محمد رشيد باشا إلي الصقلاوية بقصد أن يسدّها.. و في المحرم من سنة 1270 ه أحكم سدّها أحسن ممن قبله من الوزراء … » اه.

و جاء في تاريخ الشاوي أن الوزير أمر أن يفتح نهر غير نهر الصقلاوية (غربي الفلوجة من جهة الجزيرة) و أن يجري فيه الماء إلي قرب بغداد و أن يغرس في جانبيه أشجار التوت لتربية دود الحرير (دود القز) ففتح هذا النهر في محل نهر الكنعانية المندرس الذي كان فتحه كنعان آغا و كان حاكما هناك فسمي باسمه ثم نقل إلي قضاء الحي و هو الذي عمر قبّة سعيد بن جبير (رض) و وضع له تاريخا علي قبره. و كان القائممقام في الدليم سرّي أفندي فسمي هذا النهر الجديد ب (السرية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 126

و في أيام الوالي عبد الرحمن باشا تبين ضرره علي أطراف بغداد و الكاظمية و قلّ ماء الحلة فسده سدّا محكما. فكانت سدة السرية موجودة قبل ورود سري باشا بكثير.

حوادث سنة 1270 ه- 1853 م

حرب روسيا و الدولة العثمانية:

في صفر هذه السنة جاءت الأخبار بانتصار الدولة العثمانية علي المسقوف و كانت الواقعة عظيمة، و قد عرفت درجة العلاقة من جراء الإعانة التي جمعت للدولة..

و شاع الخبر في بغداد أن شاه العجم ناصر الدين شاه أعان الروس و بعث لهم مهمات و أطعمة.. و أنه اتفق مع الأعداء.. فصعب الأمر عليهم خصوصا أهل خانقين، و كان القائممقام هناك محمود بك، فهمّ أن يجمع جيشا تأهبا للطوارئ و مثله الوزير محمد رشيد باشا. جهز عساكر من عقيل، لعين السبب. فاضطرب أهل بغداد، و استولي عليهم خوف عظيم، لقلة عساكر البلد و ضعف الناس عن

عادتهم الأولي من قلة أموالهم و سلاحهم، و انهدام سور البلد فغلت الأسعار عن مألوفها. و في ربيع الأول أتي الخبر إلي قنصل الإنكليز أن الشاه رجع عن الحرب، و فرق عساكره المجموعة لأجل حرب بغداد، و أظهر الصلح، و سببه كان من إمام الجمعة، و هو رجل كبير، مسموع الكلام عند الشاه، و عند جميع أهل إيران، فطلب من الشاه أن يترك هذه الأمور بداعي أننا إسلام و العثمانيون إسلام، و يكون الحرب نصرا للكفّار، و هذا لا يجوز في الشرع، فترك ذلك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 127

و أما رشيد باشا فإنه همّ بالمسير إلي أطراف كرمانشاه. و كان من الجيش النظامي مقدار ألف نفر في بغداد كانوا خارجين عن الزمرة من سنين. أخرجهم الحكام لعلل في أبدانهم، لم ينفعوا للحرب علي عادة النظام، فأمر الوزير بترجيعهم إلي العسكرية فجمعوا منهم مقدار أربعمائة نفر. و بورود الخبر عن الشاه أنه ترك الحرب، أمر الوزير أن يخلّي سبيلهم، و ترك جمع العساكر، و استراح الناس من هذه الفتنة و في هذه الحرب اشترك الشيخ شامل اللزكي..

و بهذا أردنا أن نعرف تلقي العراق لهذا الحادث. و هذه حرب القرم المشهورة. و لا مجال هنا للتوضيح عنها.

مفتي بغداد أبو الثناء الآلوسي:

هو أبو الثناء محمود شهاب الدين الآلوسي توفي في 25 ذي القعدة من سنة 1270 ه- 1854 م. و كان من خير من أنجب العراق في بيان صفحات تاريخية عديدة عنه، و في رحلاته و سائر آثاره. أدبه جمّ، و علمه وافر، و قلمه سيّال. اشتهر في مختلف الأقطار في تفسيره، و عرف برحلاته إلي استانبول و منها إلي بغداد، و عرفت في الحقيقة الأسرة به، و إن

كان قد تقدمه بعض الآلوسيين مثل والده السيد عبد اللّه الآلوسي و كان مدرس الأعظمية نحو أربعين سنة، و مدرس المدرسة العلية. و لأبي الثناء مؤلفات عديدة و أفردت له كتابا في حياته بعنوان (ذكري أبي الثناء الآلوسي) بمناسبة مرور مائة سنة علي وفاته. و فصلت ما له من مؤلفات و ترجمة في مجموعة عبد الغفار الأخرس. و له المكانة العظيمة في التوجيه العلمي و الأدبي و في مؤلفاته ما يكشف عن أحوال العراق السياسية و العلمية و الأدبية كما أنه عرف بعلماء الأقطار التي مرّ بها في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 128

رحلته إلي استنبول و كتب (شهيّ النغم) في ترجمة شيخ الإسلام عارف حكمت و ترجم أساتذته و بعض معاصريه. و هو لا يزال مخطوطا عندي نسخة مخطوطة منه و له الطراز المذهب في شرح قصيدة الباز الأشهب و كتب عديدة مثل الفيض الوارد … و له (نشوة الشمول في السفر إلي إسلامبول)، و (نشوة المدام في العود إلي مدينة السلام). ثم جمع هاتين الرحلتين في (غرائب الاغتراب). و في كل من هذه ما لا يوجد في الأخري و لا في التلخيص و طبعت كلها. و تفسيره مشهور طبع مرات … و مقاماته غزيرة المادة. و كل مؤلفاته مهمة.

و في مؤلفاته تعرض للحوادث التاريخية فأفصح عما فيها من غموض و بالتعبير الأولي أظهر عظمة في حياته و لا ريب أنه خلد تاريخ العراق و بذلك خلد نفسه بما أبداه من حقائق تاريخية …

و كانت توجيهاته العلمية و الدينية عظيمة و له أكبر الأثر في بيان العقائد الحقة و إيضاح عقائد المتصوفة و نقدها نقدا علميا … و كتب في اللغة و النحو

و البلاغة أيضا. أعقب و أنجب أولادا و أحفادا كان لهم الذكر الجميل في العلوم و الآداب و سائر ضروب الثقافة.

حوادث سنة 1271 ه- 1854 م

المشيرية و الهارونية و الدجيل:

عرفنا أن الوزير قام بأعمال مهمة و من أجلّها (المشيرية) أو (الوزيرية). و هي المقاطعة المعروفة بهذا الاسم. و تتصل ببغداد من جانب الرصافة. اندثرت بعد حين و انقطع الماء عنها. و فتح نهر الهارونية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 129

في لواء ديالي بالقرب من المقدادية (شهربان). و هذا لا يزال معمورا.

و لم يتبين لنا تاريخ القيام بهذا العمل بالضبط. و من أعماله أنه أمر بكري نهر الدجيل في بلد التابعة لقضاء سامراء.

حوادث سنة 1272 ه- 1855 م

أعمال عمرانية:

إن هذا الوزير قام بأعمال زراعية مهمة. أمر بكري نهر النيل، و نهر الشاه، و العوادل، و الظلمية، و أبو چماغ، و الباشية، و الشوملي الكبير، و الشوملي الصغير، و فتح نهر الجربوعية. و كل هذه في لواء الحلة. و لم يتعين لنا بالضبط تاريخ عملها. و علي كلّ كانت في أيام هذا الوالي.

البواخر بين بغداد و البصرة:

و من أظهر أعمال الوزير أنه اشتري باخرتين لنقل أموال التجارة و الأهلين بين بغداد و البصرة سمي إحداهما (بغداد)، و الأخري (البصرة). و هما لم تصلا إلي بغداد في حياته. و إنما وصلتا إلي بغداد بعد وفاته. و صارت تجني فوائدهما.

حوادث سنة 1273 ه- 1856 م

زوبعة هائلة:

هاجت ريح شديدة في أواخر الربيع في رمضان، فأظلمت الدنيا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 130

و ذلك من العصر إلي ما بعد العشاء، ثم انكشفت، و قد أرخ ذلك الفاضل عبد الغفار الأخرس بقوله: (لاح الغبار) أو (حان الغبار)، و هي سنة 1273 ه.

وفاة الوزير:
اشارة

في يوم الأربعاء 22 من ذي الحجة توفي الوزير محمد رشيد باشا الگوزلگي ببغداد و منهم من قال في 22 ذي القعدة و منهم من بين أنه توفي في 26 ذي الحجة. و جاء عنه في التاريخ المجهول المؤلف:

«.. حسد كل من يتعاطي المعاملة في البيع و الشراء حتي إنه أعطي دراهم لأناس يجلبون الأغنام من القري، و هو شريك معهم علي زيادة الدراهم.. و كان يأتي إلي بيت بعض التجار، و يسأل كم يملك فلان التاجر، و كم يملك فلان، و هو حسود قد فاق.. بالحسد، و يأتي إلي مخازن التجار و يستكشف عن دفاترهم، ما تملكون؟، و ما عندكم من المال؟.. و قد تحكم به الملل الخارجية كاليهود و النصاري.. و من حين ورد بغداد إلي أن هلك ما تصدق علي فقير بدرهم واحد، و هو كذوب، حسود، قاسي القلب، بخيل، ما سمعنا له بخصلة حسنة.

و في أيامه:
1- رفع إيرادات بعض المقاطيع الأميرية

و هي الشكرخانة، و المومخانة و المصبغة، فجعل إيرادهن علي الكمرك، و زاد بعضا من رسومها علي الرفتية فصار يعد عمله حسنا.

2- في أيامه جعل علي رأس الغنم عشرين قرشا،

و قبله كان يؤخذ علي رأس الغنم 13 قرشا.

3- الإعانة:

(1) أخذها لحرب المسقوف و العثمانيين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 131

(2) صار يكرر الأخذ علي سياق تلك ليجعلها سنة تؤخذ كل سنة.

(3) أخذ من جميع سكان بغداد لبناء المسناة الواقعة علي شاطئ دجلة المحاذية لقرية الأعظمية، و هي مسناة قديمة من أيام العباسيين و العادة أنها تبني إما من أوقاف النعمان أو من مال السلطان (من صندوق الدولة)، و هو غصبها من الناس، و أخذ ثلاثة أضعاف ما يجب أن يصرف لها.

4- أنه كان يضمن بعض الأنهر إلي بعض أولاد وجوه الناس بقيمة زائدة ثم يجبرهم علي الأداء.
5- أنه كان يتراخي في حقوق الناس، و يتهاون في قضاء حوائجهم

و رأيه مصروف إلي تحصيل الدراهم، و فكره مشغول بتدبير الحيل التي يستلب بها أموال العباد.

6- إنه حفر نهرا في أيامه سمي ب (المشيرية) و ب (الوزيرية) أخرجه من تحويلة الخالص، و جعله نهرا،

و أمر أن لا يزرع أحد الشلب بالخالص لانحياز الماء إلي نهره الجديد، و بسبب ذلك كانت تغلو أسعار التمن (الأرز) حيث لا يكون جنسه مزروعا إلا في مكان واحد، و هو بأطراف الشرقية (أنحاء الفرات) بأماكن معلومة في الهندية و الدغارة فقط.

و الخلاصة أن الكلام علي ظلم الوزير محمد رشيد باشا و تجاوزه الحدود مما لا يحصي..

و هذا التحامل ظاهر من صاحب التاريخ المجهول. و نحن ننقل ما قيل فيه. و الأعمال تقدر مكانة الرجل. و صاحب مرآة الزوراء من مادحيه. قال:

«إن هذا الوزير كان قد أكمل التحصيل في فرنسا، و قضي مدة طويلة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 132

هناك، و كان يعد من دهاة العالم في عصره في فنّ الإدارة الملكية، و له آراء صائبة.. و في أيام نامق باشا قامت الثورات و الاضطرابات من جراء شدة بطشه، و كمال صولته، فعرض و هن علي الإدارة و اعتراها خلل..

فاتخذ طريق الصفح، و مراعاة الحكمة في الأمور..

و هذا الوزير راعي كل حيطة، و أدرك أحوال العراق، و عرفها معرفة كاملة و هدأ الحالة كما يرام، و نظم الأمور.. و شمر عن ساعد الجد في أمر إعمار الملك و تكثير وارد الخزانة، و اهتم للأمر و أخذ له أهبته، فتوسعت الواردات، و اكتسبت مالية الدولة ترتيبا نوعا، و وفّي الديون المتراكمة، و غالب رواتب الفيلق، و أحيا بعض المقاطعات المندرسة من أيام علي رضا باشا اللاز، و بذل ما أمكنه في أمر إنعاشها.

و استمرت أشغاله هذه ليلا و نهارا لمدة أربع سنوات. و كان المأمول أنه سوف يدرك

نتائج أعماله هذه و تظهر آثارها و ظواهرها.. إلا أنه اخترمته المنية، و انقضي أجله المحتوم..» اه.

قام بما يعود لحكومته بالنفع.. و لم يلاحظ أن الموظف المتعصب يضر بالأهلين. و لعل سبب ذلك ما قاله صاحب التاريخ المجهول من التشديد علي الأهلين و أبو الثناء الآلوسي يذكر ما تألم به منه في الطريق، و يقول: لا يميز قدر فضل.

اليهود في أيامه

«من أهم من يصح ذكرهم آل دانيال و هم صالح دانيال و إخوته، تقدموا عنده، و كانوا في أيام الشيخ وادي شيخ قبائل زبيد يضمنون بعض الأراضي و البقية يشترونها بالسلف قبل أوان الشلب و حلول موسمه..

و في أيام هذا الوزير أيضا قويت كلمتهم، و امتزجوا معه امتزاج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 133

منظر نهر الفرات في الحلة- عن رحلة مدام ديولافوا

اسكن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 134

الماء مع الخمر، و انتفعوا انتفاعا بيّنا، كل ذلك بالتفات الوزير لهم و تبيينهم له وجه المنافع الجارية علي غير المعتاد، بظلمهم علي العباد، إلي أن توغلوا في الأمور، و تقدموا عنده حتي إنهم أخفوا عليه الحال و أخذوا يأكلون من أموال الميري لتوجهه لهم، و لم يستيقظ من هذه الغفلة إلا قبل موته بأيام قلائل، و قد آل أمرهم إلي أن ما كان يزرع في ملحقات بغداد من حنطة و شعير أو رز يشترونه و يحتكرونه حتي تغلو أسعار ذلك، فيبدأون ببيعه حسب مرامهم. هذا مما ثبت عند الخاص و العام صراحة و إعلانا منهم بينا، و قد انقطع سبب البائعين و الشارين من الأهالي و السكنة، فصار الطعام محوزا و مدخرا تحت أيديهم، فأسعار الطعام غالية دائما في بغداد و نواحيها..

و هؤلاء اليهود هم أساس

فساد المملكة يلقون الفتنة بين شيوخ الأعراب و الولاة، فاستقام أمرهم (15) سنة بهذه الكيفية إلي مدة انتهاء هذا الوزير.. و هم باقون علي هذه الحال، و قد جمعوا دراهم جمة.

و لو أردنا أن نذكر كل ما عملوه لطال التحرير، و قصر التقرير، و لكن أوجزنا التسطير في ذكر أصحاب السعير.

و قد وضعوا بدعا في أراضي الهندية لم تكن في الزمن السالف، و من ذلك أن موطنا فيه ماء يقال له (أبو بغال)، جعلوا عليه أعوانا يأخذون من المار إذا كان راكبا أو كان حمل علي دابته قوارب (كذا) ثلاثة دراهم و نصف، فضاعفوه، و بدأوا يأخذون خمسة عشر قرشا و أحيانا عشرين قرشا، و مع هذا يضمنونه من الملتزم بثلاثين ألف قران

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 135

و يلزم بأيديهم (000، 230) قران و سبب ذلك أن الملتزم لتلك الأراضي لا بد أن يقدم كفيلا، و هم يكونون كفلاء للضامن بشرط أن يضمّنهم (أبو بغال) المكان المذكور، فيضطر الملتزم إلي إعطائهم ذلك بثمن بخس، و يحصل الضرر علي الضامن، و تحصل مغدورية علي أموال السلطان» اه.

و عميد أسرتهم في أيامنا مناحيم دانيل. توفي في تشرين الثاني سنة 1940 م و كانت ولادته في أيار سنة 1846 م. و توفي ابنه العين عزرا مناحيم بلا عقب في آذار سنة 1952 م- 6 جمادي الآخرة سنة 1371 ه و كانت ولادته سنة 1874 م.

نظرة في أعمال هذا الوزير

طالت مدة حكمه خمس سنوات. و كان أول ما قام به تحسين الحالة الاقتصادية في البلاد لا سيما الزراعة، و شجع قسما من العشائر علي الاستقرار. أقطعهم أراضي واسعة. و هو أول من استقدم البواخر لنقل البضائع التجارية بين بغداد و

البصرة، و استدعي كبار المتمولين ببغداد، و فاوضهم في تأسيس شركة كبيرة لهذه الغاية، فأوصت هذه الشركة المعامل البلجيكية بصنع باخرتين (بغداد)، و (البصرة). و لكن الوالي مات قبل أن تصلا إلي بغداد أو لم تصل إلا واحدة منهما.

هذا. و إن أسواء الماضي كثيرة، فتولدت قناعة في أن الولاة كلهم من نوع واحد، و أنهم لا تمايز بينهم، فصارت حوادثهم تصرف إلي العكس. و لا شك أن العمل النافع يذكر صاحبه و لو بعد حين.

و أعماله الأخري المارة مهمة و ليس لنا إلا أن ندوّن اختلاف و جهات النظر. فإن صاحب التاريخ المجهول كان ضيق الفكرة. يكتب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 136

ما سمع من التذمرات، و لم ينظر بعيدا.. و هذه الأعمال لا تنكر و لكن حرصه علي منفعة الدولة و إضراره بالأهلين مما جلب النقمة عليه.

و في سجل عثماني أنه مملوك حسن باشا. و كان أحد ضباط الجيش، أرسل إلي أوروبا للتحصيل، و لما عاد عهد إليه بالمدفعية العامرة، ثم صار فريقا هناك، و هكذا تقلب في مناصب كبيرة حتي إنه في ذي القعدة سنة 1267 ه (كذا) ولي منصب بغداد و مشيرية العراق و الحجاز. و في المحرم سنة 1274 ه (كذا) توفي. و كان ماهرا في الفنون، قديرا في أمر الإدارة، اكتسب صيتا حسنا ببغداد. و كان له ابن صاحب ثراء».

و الأستاذ أبو الثناء الآلوسي تذمّر من هذا الوالي. و بين أنه لا يميز قدر فضل فكان أبلغ وصف. و لعل السياسة خذلته، فكان آلتها الفتاكة فأهملت شأن مثل الأستاذ أبي الثناء. و لم يكن أول سار غرّه قمر. لقنت الدولة تلقينات سيئة فحرمته من كل ما كان يأمل، و

سلبته وظائفه الدينية …

مفتي بغداد الأسبق (الطبقچه لي)

في شوال هذه السنة توفي مفتي بغداد الأسبق الأستاذ السيد محمد سعيد الطبقچه لي. و هو ابن العلامة الشيخ محمد أمين. من بيت علم و من أبناء عمه الأعلي الأساتذة السيد محمد و والده المفتي الأسبق أحمد المفتي. و كان المترجم ولي الإفتاء ببغداد في أول مجي ء الوزير علي رضا باشا اللاز. و بعده ولي الإفتاء الأستاذ عبد الغني جميل و بعد عزله رضا باشا اللاز. و بعده ولي الإفتاء الأستاذ عبد الغني جميل و بعد عزله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 137

عاد إلي الإفتاء ثم خلفه الأستاذ أبو الثناء الآلوسي. و يعد من أفاضل المدرسين. و كان من أساتذته والده و عبد الرحمن الروزبهاني. و له مؤلف في تقسيم العلم قدمه إلي الوزير داود باشا و عندي مخطوطته. و من أولاده السيد محمد نافع والد الأستاذ صاحب المعالي فخري الطبقچه لي و والد الأستاذ عطا الطبقچه لي. و للمترجم أخ هو محمد أسعد من أفاضل العلماء و ابنه جابر و أولاده في الحلة. و آل القيارة و آل مصطفي الخليل من أولاد أعمامهم.

حوادث سنة 1274 ه- 1857 م

الوزير السردار الأكرم عمر باشا
اشارة

قدوم الوزير الجديد: في يوم وفاة الكوزللكي كان من الموجودين آنئذ من رجال الدولة السيد مصطفي فائق الدفتري المرسل من جانب الدولة، و خيري باشا المنصوب علي الجيش النظامي و كلاهما عاجز عن سياسة الحكومة، فاستحسن وجوه البلد و الرؤساء و غيرهم ممن له يد بالحكومة أن يكون الدفتري قائممقاما إلي أن يأتي الوالي الجديد إلي بغداد من جانب الدولة و قام بأمور العسكرية خيري باشا، و لا يتعاطي الحكومة و إنما تعهد (بالنظام) الجيش النظامي، و الاثنان لم يقطعا في أمر مهم، و بعد شهرين انتشر الخبر في البريد

و جاء إلي بغداد أن حضرة السلطان أنعم علي عمر باشا السردار الأكرم بوزارة العراق مع انضمام ديار بكر و الموصل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 138

و كركوك و إربل و ما حولها من قري الأكراد و من بغداد و المشاهدة إلي البصرة.

نزل من هناك في مركب دخان (مركب بخاري) و قدم حلبا، و منها مرّ بالسنجك (قضاء عانة) و صل إلي عانة، و لم يعبر منها حتي توجه إلي هيت، فعبر قبل أن يصل إليها، و جاء علي طريق الجزيرة إلي الصقلاوية، و دخل بغداد من الجانب الغربي من باب علاوي الحلة، و معه العساكر النظامية و السوارية أي (الفرسان الخيالة) و الهايتة و يزيدون علي الأربعة آلاف.

و كان دخوله بغداد يوم الخميس الساعة الخامسة (عربية) نهارا في 4 من شهر رجب سنة 1274 ه و لما دخل بغداد عبر الجسر …

و الصواب أنه دخل بغداد يوم الخميس 4 شهر رجب الموافق 18 شباط سنة 1858 م.

و قال الأستاذ سليمان فائق إنه دخل بغداد في 5 رجب، و في اليوم السابع قري ء الفرمان بالوزارة و هنأه بها الرفيع و الوضيع..

أخبرني الفاضل الأستاذ (فيتولد ريكوفسكي) المستشرق الپولوني أن عمر باشا هذا أصله مجري (هنغاري). و مثله في تاريخ الشاوي. دخل الجيش التركي مسلما و كانت له المكانة في الجيش. و صحبه إلي بغداد ضباط پولونيون منهم (إسكندر باشا) و هذا جرح في فتن الحلة في طويريج.

و كل ما علمته منه أن إسكندر باشا أصل اسمه (إيلي نيسكي) و كان متزوجا ببنت اسمها فاطمة من بوسنة. و بعد أن جرح عاد إلي استنبول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 139

و كان قائد فرقة فمات سنة

1861 م و جعلت الدولة تقاعدا لبنته أمينة …

و هذا الوالي جعل نصب عينيه أمر تشكيل الجيوش النظامية، و اتخاذ أساس لها يعول عليه و لتأمين ذلك قام بأعمال من شأنها أن أفسدت عليه أمره، فلم يراع حسن الإدارة أو السياسة المقبولة. و يتعين هذا مما جري من وقائع أيامه، فخابت آمال حكومته فيه، و لم يقم بالأمر بوجه صحيح. و لا داري الأهلين بحكمة و تدبير..

قال في مرآة الزوراء:
اشارة

«السردار الأكرم عمر باشا ولي بعد وفاة رشيد باشا الگوزلگلي.

ذاع صيته، و ولد رعبا في الأوساط و الأهلين.. و في ثالث يوم وروده هدم القلاع في أنحاء الديوانية و الهندية دفعة واحدة، و أمر بإخراج (الهايتة) من الجيش و هم المعروفون ب (باشي بوزق) دون تريث، و طلب من جميع الجهات الجندية في المدن و العشائر، و سارع في الأخذ. ذلك ما ولّد اضطرابا في الأهلين و العشائر، فرأوا هذا الحادث أشد من وقع الصواعق و لكن الوزير كان تأثيره كبيرا. أصابهم الخوف منه، فلم يستطيعوا أن ينبسوا ببنت شفة. ملأ الرعب قلوبهم.

و في خلال بضعة أيام تمكن من أخذ خمسمائة نفر من بغداد وحدها، و سارعت القري المجاورة في الإرسال.. و جاء الخبر من قائممقام خراسان ينبي ء أن الأهلين و العشائر تركوا مزارعهم و هربوا من أوطانهم و كذا ظهرت ثورات و قلاقل من جراء ذلك في العشائر و المواطن المختلفة.. فزادت الاضطرابات في كل موطن، و أدت الحالة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 140

إلي وقوف الأعمال و لكن عزم الوزير لم يصبه فتور، و صار يبعث بالجيوش متوالية لإسكان الفتن … و استمر في أخذ الجندية من الحلة و النجف و كربلاء و ما جاورها

من الأنحاء الفراتية و لم يطرأ خلل علي همته.. حتي إنه تولي قيادة الجيش بنفسه لعشائر الشامية و الهندية فأبدي القدرة و الكفاءة في إدارة الجيش فعلا، و برهن علي تغلبه علي الغوائل بأدني همّة.. إلا أنه رأف بالناس، و أمهل أمر تجنيد الجيش النظامي.. من أعماله:

1- هدم القلاع:

كان الگوزلگلي قد عمر سبع قلاع في أنحاء الهندية، و أطراف سوق الشيوخ، فأمر بهدمها، و سرّح من فيها من الهايتة. و لا نزال نشعر بضرورة بقائها، أو بناء قلاع جديدة.. فلما عاين الأعراب في أنحاء الهندية ذلك عادوا لا يعبأون بالوزير و لا يخافونه.

2- الهايتة:

يشتغلون في الجيش براتب فسرحهم هذا الوزير. و كان لهذا الأثر السيي ء بأطراف الهندية و غيرها.. و أمله أن يأتي بالجيش النظامي محله.

إلا أن الموانع من تشكيله كانت كثيرة.

3- إكرامية:

كان هذا الوالي يظن أنه إذا أكرم وجوه البلد و أنعم عليهم ببعض المنح يأمن كل غائلة، و يتمكن من تنظيم الجيش الجديد، فلا يجد معارضا.. فأكرم القاضي و النائب و المفتي و النقيب و السيد أحمد الموالي و أعضاء المجلس كل شخص خمسة آلاف قرش صاغ، و للنقيب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 141

و المفتي و السيد أحمد كل واحد سبعة آلاف و خمسمائة قرش صاغ و للقاضي و المفتي لكل واحد منهم عشرة آلاف قرش صاغ فبلغت 63 ألف قرش صاغ، و منهم من أهل الذمة واحد من اليهود، و آخر من النصاري.

و هذه تلقاها الناس إسكاتا لا كرما منه. لأنه يريد أن يحرر مضبطة و يرسلها للدولة العليا، فإذا طلب أن يختموها فلا يترددون. يحاول أن لا يخالفوا رأيه فيما يريد..

و الملحوظ أن مما ذكر من هدم القلاع و تسريح جيش المهايتة لا يبعد أن يكون قد قصد بها التخويف، و إيقاع الرهبة ليقوم بأعماله، و لكن لم يخف علي الناس أمره، فولدوا شغبا … و الحق أنه لم يكن للقلاع شأن إلا المحاصرة لمدة، فالغاية غير حاصلة منها، و الإمداد لم يكن سريعا.. و الحكومة فقدت هذه الفائدة أيضا، و لا نزال إلي اليوم نشعر بفائدتها ما دامت الدولة تشعر بضعف.

4- الجيش النظامي:

كانت آمال هذا الوزير مصروفة إلي إيجاد جيش قوي لحراسة المملكة، و الاحتفاظ بكيانها من الأعداء المتربصين لها من كل صوب، يلتمسون مواطن الضعف. و هذا الأمر قوبل بنفرة من تاريخ تأسيس الجيش النظامي و قانونه فلم يتمكن الولاة من تنفيذه في العراق بالرغم من الجهود المبذولة. و كان الإخفاق حليف هذا الوالي أيضا.

و يوضح نفسية الأهلين في أيامه

ما جاء في التاريخ المجهول.

قال:

«لا يدرك- الوالي- شيئا من سياسة الحكومة و خرب ما حول بغداد بعدم تدبيره و غروره، لأنه أراد من جميع العرب القاطنين حول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 142

البلد (عساكر نظام). و هذه الإرادة منافية لطباع العرب الساكنين بنواحي بغداد، و يفرون منها فرار الجبان من الأسد» اه.

آراء الأهلين كانت بهذه المثابة. ملّوا الظلم، و لا يريدون أن يخدموا في دولة لا علاقة لها بالشعب و لا يرغبون في تقوية ظلمها عليهم.

و جاء في التاريخ المذكور:

«في يوم الأربعاء 13 شوال الساعة 11 طلع الوزير من بغداد إلي أطراف الحلة ليمهدها، و يرتب قوانينها وفق الإدارة اللائقة أو علي حسب إرادته، و لم نعرف ما يحدث من مرامه، و أخذ معه الكهية، و الشيخ بندر شيخ المنتفق المعزول، و محمد أمين أفندي كاتب العربية، و صالح اليهودي ابن دانيل و الخلاصة قد أمر علي أهل الحلة خمسين نفرا بطريق البدلية، فضجروا من ذلك، و أخذوا بالفرار من بلدهم، ثم استغاثوا به، فلم يغثهم حتي أنهم قد حرروا عرضا، و جاء به مقدار مائة رجل فأكثر، و صاحوا صيحة واحدة فأهالوه، و أنكر منهم ذلك، و مع هذا فإن سكنة الحلة ليس عندهم داركة أو معرفة و لا نباهة كنباهة أهل بغداد، فإنه لما قرأ الفرمان علي أهل بغداد، فرؤساؤهم و وجوه أهل بغداد قد أتوا بأولادهم منقادين طوعا منهم و أدخلوهم في السراي حتي إن المفتي أتي بولده و أدخله النظام، و كان إذ ذاك المفتي بذاك العصر محمد أفندي الزهاوي.

و من بعد ذلك لما عاين الوزير امتثال أهل البلد (بغداد) و انقيادهم له، كل من أدخل منهم ولده. و أتي

ببدل عنه رضي بذلك، و أخرجوا أولادهم. و لما عاين الوزير ضجر أهل الحلة و عدم انقيادهم له و شاهد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 143

منهم التكلف، و هم ضاجون، صاخبون أمامه في الطريق و الأسواق، أمر بمسك كل من جاء إليه بالعرض و هم كثيرون فمسك منهم مقدار مائة نفر، و أخذ منهم أربعين نفرا و سرّح الباقي.

فالخلاصة برجاء والي بلدهم القائممقام جعل الذين يؤدون بالبدلية ثلاثة و أربعين نفسا، و الذين مسكهم مقدار أربعين نفسا منهم من بقي في النظام بلا بدل لضعفه، و منهم من أتي ببدل عوضا عنه و أطلق نفسه من النظامية.

و علي أهل الحسين (كربلاء) جعل خمسين نفسا، و أخذ منهم بالبدلية ثم تحركوا بحركات فاسدة و قتلوا اثنين من أهل البلد، واحدا من كربلاء و آخر نظام، و هربوا، و رأي منهم الغيلة و الخباثة و يظهر منهم إشارة خلع الطاعة، فأمر النظام و أدخل عليهم عسكرا وافرا و أمر بمسك كل من يصادفونه فصادفوا مقدار ثلاثين نفرا فمسكوهم غصبا و أتوا بهم إلي بغداد مقيدين، ذليلين، و أدخلوهم إلي النظام.

و جعل علي المشهد ثلاثين نفسا، فلما عاين أهل النجف ما فعل بأهل الحلة و أهل كربلاء أبانوا وجه الطاعة و امسكوا ثلاثين نفسا بدلا عنهم، و أتوا بهم إلي بغداد بالطاعة و الانقياد و خلصوا مما حصل من الوزير علي القريتين المذكورتين.

ثم أراد الوزير من الأعراب الذين هم بأطراف الهندية و نواحيها، و من الشامية و الديوانية، من أهل الهندية تسعين نفسا، و من الديوانية و الشامية من الأعراب الذين هم حول الديوانية مائة و ثمانون نفسا، فجميع الأعراب الذين هم بأطراف الحلة خلعوا الطاعة، و

أبانوا المحاربة و القتال، و نهبوا أموال المترددة لا سيما الخزاعل، فإنهم قد خلعوا الطاعة، و كان إذ ذاك الرئيس علي أعراب الخزاعل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 144

و من والاهم مطلق بن كريدي.

و لما أظهروا عدم الطاعة قد سيّر عليهم الوزير عسكرا من بغداد و كان الأمير علي العساكر (شبلي باشا)، ثم أتبعه بعسكر ثان و عليهم الرئيس إسكندر باشا.

و الخلاصة أمدهم بأربع دفعات من العساكر النظامية و السوارية (الخيالة) و الهايتة و وقعت بينهم حروب دفعات، و في الأكثر تكون النصرة للأعراب علي عسكر الوزير المذكور إلي أن آل الأمر إلي أن شبلي باشا أراد الصلح معهم و أخبر بذلك الوزير، فقال له الوزير لا تتصالح معهم إلي أن آتيك» اه.

و في تاريخ الشاوي ما يكمل هذه الواقعة بتفصيل أكثر مما لا محل لذكره.

و من هذا النص الحرفي المنقول علي علّاته ظهرت الحالة.

و لضعف الدولة، و حاجتها إلي استخدام الجيش في مواطن أخري سبب كبير في عدم الإصرار علي أخذ الجندية. و قد جرت تطورات متوالية في ترتيب الجيش و تنسيقه حتي تكامل. عزمت الدولة علي تطبيقه. و إن عمل الوالي لم يكن من تلقاء نفسه. و في سنة 1265 ه طبع (بيان القرعة العسكرية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 145

حوادث سنة 1275 ه- 1858 م

بقية الحوادث السابقة:

قال المؤرخ المذكور:

«ثم طلع الوزير في المحرم بنفسه، و معه جملة عسكر، و نازلهم إلي أن تنحوا عنه، و لحقهم إلي أطراف السماوة بلا قتال منه و لا منهم.

ثم في آخر المحرم وقعت محاربة بين الأعراب و بين عساكر الوزير و نشبت الحرب فيما بينهم مقدار ست ساعات، و انتصر الأعراب علي العسكر و قتل منهم مقدار خمسمائة نفس، و

قتل القليل من الأعراب، ثم في اليوم الثاني ارتحل العسكر عن مكانه بأمر الوزير، و نزل الجربوعية و في اليوم الثالث ارتحل و نزل هو و عساكره الحلة خائفين، و لو لم يرحل و جنوده معه لبيتوه ليلا و هجموا عليه و علي معسكره و أكثروا فيهم القتل حتي إنه لما كان في مقامه الأول و هو و عسكره أمامهم هاجوا عليه في الليل و هجموا علي العسكر، و قتلوا مقدار مائة نفر فأكثر.

و لما ظعن العسكر و هو معهم و دخل الحلة أعلم الناس أنه يريد سد الهندية التي هي مدار قوة العرب لأنه ما زالت الهندية مكسورة لم يقدر عليهم الوزير حيث إنهم يتحصنون بأهوارها و بطائحها، و يعيشون في أطراف الأراضي البعيدة و لم يتمكن منهم الوزير و لا عسكره، لأنه يكون ما حولهم من جميع الجهات ماء محيط بهم مقدار ست ساعات، و بعض الأماكن أكثر. و أمر بإرسال عشرة آلاف جراب و خمسمائة مسحاة لأجل سد الهندية. و الدفتردار قائممقام في بغداد قد أمسك بما أراد الوزير من الجربان … » اه.

و هنا تنقطع الحوادث. و قد عرفت الأوضاع، و أن الوزير علم أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 146

لا يتمكن علي الأعراب. و أكبر مانعة وجود الأهوار، فهي عثرة في طريق الجيش.

و لم يكن قد حسب لها حسابها حتي شاهدها عيانا، و كان يظن أن الجيش الموجود لديه يكفي للقضاء علي غائلة العشائر في حين أن القوة و إن كان لا يستهان بها و كافية للتنكيل بهم إلا أن الموانع الأرضية و الأوضاع الطبيعية لم تحقق آماله، فقام بمهمة سد الهندية و أظهر ذلك تعميرا لمغلوبيته، و في

كل أعماله هذه لم ينجح إلا أنه أبرز قدرة و أظهر شجاعة بالغة الحد، و ليس من الصواب توجيه اللائمة عليه. و إنما كان ذلك منهاج دولته كما تقدم فاختارته إلا أنه لم ينجح.

أخبار الشاه- الهماوند:

«في هذه الأثناء وردت الأنباء بأن ناصر الدين شاه وافي إيالة (سنة) بجيش يبلغ عشرين ألفا، فاضطربت عشائر الحدود العراقية لهذا الحادث. و قلقت راحتهم، و أن السردار نهض بما تيسر له من الجيش و سار نحو الحدود فورد السليمانية، و هناك علم برجوع الشاه.

أما الوزير فقد اتخذ وجوده وسيلة للقضاء علي غائلة (الهماوند)، لما قاموا به من سلب راحة الأهلين، و إيقاع الأضرار بهم من نهب و غصب.. فمضي إليهم الوزير و دمرهم، كما أنه جنّد ما استطاع تجنيده من لواء شهرزور، و أقام بمهمة تحكيم القلاع و إنشاء ما يقتضي من تحكيمات في الحدود، و رتب الأحوال هناك بالوجه المطلوب..» اه.

و هذه القبيلة ضربها السردار الضربة القوية ذلك ما دعا أن تتألم دولته للحادث فغضبت من فعلته. و لعلها كانت تريد أن تماشي هذه القبيلة حذر أن تستغل إيران وضعها، و تجلبها لجانبها ففاجأه الباب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 147

العالي بالعزل و لم يوافق علي ضربها. و لعل تشويش الحالة بسبب الجندية مما أدي إلي عزله فاتخذت قضية الهماوند وسيلة و إلا فإن الهماوند لم يدمروا بل لا يزالون علي ما هم عليه. ذكرتهم في كتاب عشائر العراق الكردية.

غزية:

«بعد أن أتم الوزير مهمته في لواء شهرزور علم أن قبيلة غزية عبرت الفرات، و عاثت في أنحاء بغداد فأحدثت أضرارا كبيرة، و كثيرة، و ألحقت بالناس خسائر.. و كان قائد الجيش في بغداد علي باشا و هو ابن السر عسكر حافظ باشا و كان أخرق، عاريا من كل دراية، غير متصف بصفة الإنسانية.. خاليا من كل لياقة.. و كان عارفا به، فلم يعتمد عليه، و في خلال ثلاثة أيام سار الوزير

كالبرق الخاطف بما لديه من الجيش فوصل إلي قرية دللّي عباس و صار يتحري موطنا من دجلة للعبور علي هذه القبيلة، قال الأستاذ سليمان فائق و في الأثناء كنت- أنا قائممقام خراسان- حاضرا هناك لاستقبال الوزير، فأعلمته أن أولئك العربان مضوا إلي الشامية، و عبروا الفرات فعادوا..» اه.

و الملحوظ أن غزية متكونة من مجموعة عشائر منها (الحميد) حميرية، و الرفيع، و البعيج.. و عشائر أخري ملحقة بها. ذكرتها في المجلد الرابع من عشائر العراق و يعدون في عداد الأجواد. و كانت إمارتهم كبيرة و لها مكانة إلا أن أكثرها مال إلي الأرياف.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 148

حوادث أخري:
1- تعمير في مشهد الحسين رض:

قد وسّع الشيخ عبد الحسين الطهراني المرسل من قبل ناصر الدين شاه ابن محمد شاه القجري الضلع الغربي و جدد بناء الصحن الشريف الحسيني. و أنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر تاريخا لهذا البناء بالفارسية في عدة أبيات، و له تاريخ بالعربية أيضا.

2- الغلاء و أسعار الأطعمة:

في هذه السنة بل في حكومة السردار الأكرم صار غلاء في بغداد، فكانت وزنة الحنطة بسعر (450) قرشا رائجا، و الشعير بسعر 300 قرش رائجا.

وفاة الشيخ عبد الرحمن الطالباني:

من مشاهير شيوخ الطريقة القادرية. و هو ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ محمود. عاش في كركوك و تكيته فيها مشهورة في الطريقة ذكرا كبيرا. و أثني عليه في سياحتنامه حدود. و من مؤلفاته (مثنوي) و (ديوانه) و (ترجمة بهجة الأسرار). توفي في جمادي الأولي سنة 1275 ه. و آل الطالباني معروفون. ذكرته في الأدب التركي و الفارسي.

حوادث سنة 1276 ه- 1859 م

عزل الوالي:

انفصل السردار الأكرم عن بغداد و مشيرية العراق و الحجاز يوم 27

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 149

صفر سنة 1276 ه (25 أيلول سنة 1859 م). علي ما جاء في مرآة الزوراء: «إن الوزير في مدة يسيرة وقف علي حالة العراق، و اطلع علي نفسيات الأهلين، فعرف خطأه فيما زاوله من الأعمال الجسيمة المختلفة بسرعة و علي عجل، فعاد إلي صوابه، و رجع بحسن تدبير عن بعضها، و شرع في بعض المهام حسب طبيعة الأمور و مجراها، و أدرك حالات الموظفين رديئهم و جيّدهم، و فرق بين الأهلين. و لكن حادث الهماوند كان قد قام به دون استئذان من الدولة، فقتل بعض أهل الشقاوة منهم، ذلك ما اتخذه أنداده في استنبول وسيلة للتشنيع عليه مما أدي إلي عزله و دعا إلي عرقلة سير الأعمال» اه.

إن الدولة كانت لها سياسة خاصة مع الهماوند فلم تشأ إضاعتهم، و أن يخرجوا من يدها فيلجأوا إلي إيران فتخسرهم، و لها الأمل أن تستخدمهم عند الحاجة، و لكن الوزير لم يستطلع رأي دولته في ضربهم.

فلم يدرك نواياها و عجل بالأمر مما دعا أن تتدارك الحالة بعزله أو جاء هذا ضميمة إلي ما أوجب النفرة من أعمال أضرت بالأهلين.

و السبب الأصلي خذلانه في أمر التجنيد و في معارك عشائر الديوانية و تلك الأنحاء.

كان

خروجه من بغداد في 19 ربيع الآخر سنة 1276 ه- (15 تشرين الثاني سنة 1859 م).

و الملحوظ أن هذا الوزير كان في أيامه الدفتري مخلص باشا، و (الكهية) الأستاذ عبد الباقي العمري، فأخذ مخلص باشا بعض الأعمال المنوطة بالكهية تحكما منه، فكتب العمري إلي الوزير بعض الأبيات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 150

فاستجلب رضاه، و أعاد لقلمه الأشغال التي أخذها الدفتري منه..

و له مقطوعات في مدحه أيضا.

الوالي مصطفي نوري باشا كاتب السر

وجهت ولاية بغداد إلي عهدة هذا الوزير في غرة ربيع الأول من سنة 1276 ه. و دخل بغداد في 12 شعبان سنة 1276 ه.

قال في مرآة الزوراء: «كان السبب في شلّ حركة الحكومة. لا يستطيع أن يكتب اسمه، و مع هذا يعرف ب (كاتب السر) فأدي نصبه إلي سلب الأهلين و مالية الدولة. ورد بغداد. و كان لا يعرف إلا الأكل و البلع مادة و معني، فهو شغله الشاغل، و في أيام حكمه نحو 11 شهرا أضرّ بمالية الدولة نحو ثلاثين ألف كيس بلا مبالغة. و كان كتخداه محمد باشا الميرميران واسطة الرشوة. كان لا يتأخر عن الأخذ من مجيدي فضة واحدة إلي ألفي كيس، و صار قدوة الموظفين في الارتكاب..

و أخبار هؤلاء كانت تلوكها الألسن في المجالس و المحافل، و حكاياتها تنقل إلي مسامع العالم بواسطة الجرائد.. الأمر الذي دعا إلي أن ترسل الدولة سليمان بك أحد الأمراء العسكريين للتحقيق عن أحواله، فجاء بغداد، و في مدة قليلة أتم مهمته و عاد إلي استانبول.. فكانت النتيجة أن عزل.. فأنقذت مالية الدولة من النهب، و نجا الأهلون من الارتكاب و الغارة..» اه.

و هنا لا ننس أن الأستاذ سليمان فائق كان عارفا بأحوال الولاة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 7، ص: 151

و الموظفين. ينطق بالكثير مما لم تتيسر معرفته لمن كان خارج الوظيفة، أو لم يكن بوظيفة مهمة تستدعي الاطلاع. سرد أحواله.. و أشار إلي ما هنالك من إسرافات، و بين أن من جملتها ما كان يعطي إلي الوالي من المصاريف السفرية. و هي نحو ألفي كيس..

البو محمد- العمارة

في أيام هذا الوزير أظهر الشيخ فيصل رئيس عشائر البو محمد في لواء العمارة العصيان علي الحكومة و كان ذلك اعتمادا علي ما حصل بيده من المدافع بواسطة بعض الأمراء الإيرانيين. فعند ذلك أرسل الوالي للتنكيل بهم و تأديبهم أمير اللواء محمد باشا الديار بكري و معه من الجنود النظامية و الهايتة مع المهمات و المدافع و غيرها الشي ء الكثير.

فأتي إلي المحل الفاصل بين دجلة و نهر الچحلة (الكحلاء).

و كان البو محمد جمّا غفيرا، فرماهم أمير اللواء محمد باشا بالبنادق و المدافع و فرق جموعهم، و أنزل الجنود و العساكر في محلهم و اتخذه مقرا للأردو أي الفيلق. و إلي الآن يدعو عشائر العمارة ذلك المحل ب (الأوردي).

فرّ الشيخ فيصل و قومه إلي المحل المسمي ب (الزير) الواقع علي الچحلة و في وسط أهوار العمارة. و له فيها حصن حصين (قلعة). و في أطرافها قرية. فلما علم بذلك أمير اللواء ساق الجيوش خلفهم و حاصرهم في قلعتهم و استولي عليها و أخذ المدافع التي بأيديهم و غنائم كثيرة جاء بها إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 152

اسكن

منظر مدينة كربلاء- عن رحلة مدام ديولافوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 153

و إن محل الأوردي (الفيلق) بقي محافظا علي اسمه مدة. و في أيام الوزير نامق باشا أعاد الأوردي إلي محله. و هناك تجمع كثيرون. و من

ثم تكونت البلدة باسم (العمارة) و يأتي الكلام عليها.

المنتفق:

إن هذا الوالي من حين وروده نقض ما كان أبرمه رشيد باشا فاستهان بالمنتفق (كذا قيل)، و عد نفسه قادرا علي إخضاعهم متي شاء، فألغي أن يكون سوق الشيوخ مقرا للجيش.. و اتخذ و خامة الهواء و عفونته سببا، و لم يعرف ما حمله و إلا كان في الإمكان سد الأنهار بصورة محكمة، و التسلط علي المنتفق عند حدوث مخالفة من الشيوخ.

أبدي ذلك سليمان فائق بك و قال: و السياسة الصحيحة مكتومة طبعا. و كأنه لا يعرف ضعف الحكومة، أو أراد أن يستر أمرها و بين أن الوالي دفع الجيوش المرابطة.. و أعاد للمنتفق سلطتهم.. و أرجع إليه ما أخذ..

قال الأستاذ سليمان فائق: إن الوزير فعل ذلك تبعا لإرادة مخلص الدفتري ببغداد. و بذلك حاول ستر الوضع. فالدولة كلما شعرت بضعف تركت الحالة فلا تعرض نفسها للخطر، فتقع في غائلة، و متي رأت من نفسها قدوة و سلطة تدخلت..

و حينئذ عهدت بقائممقامية لواء المنتفق إلي منصور باشا السعدون و القائممقامية تعني المتصرفية إذ ذاك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 154

حوادث سنة 1277 ه- 1860 م

ولاية أحمد توفيق باشا

أخبر البرق من الموصل بعزل الوالي السابق مصطفي نوري باشا، و نصب أحمد توفيق باشا. بدأ يعزل و ينصب في القائممقامين و الموظفين.. و في 22 شعبان سنة 1277 ه ورد الفرمان بالبريد و قرئ علنا في السراي يوم الاثنين بحضور أرباب الحكومة و الوجوه حتي المختارين. و هذا الوالي كما جاء في مرآة الزوراء ألغي المصاريف السفرية و كانت تبلغ نحو ألفي كيس.. و أنقذ المالية من الإسراف.

و للأستاذ عبد الباقي العمري أبيات في نصبه و أخري في عزله.

و جاء في مرآة الزوراء:

«إن الولاة الذين كانت ترسلهم الدولة لا يعلمون عن العراق، و

لا يجدون من الزمن ما يبصرهم به. بل قد يكونون في حاجة إلي معرفة بعض أسماء الأهلين و الموظفين فلم ترسخ في أذهانهم، و إنما يستدعي ذلك وقتا طويلا فكيف يتمكنون أن يقفوا علي أحوال العراق و عاداته و مصطلحاته، و هو في كل أمر من أموره يباين الممالك الأخري.. فلا يستطيع الوالي هذه المعرفة للاتصال بالأهلين خلال مدة ولايته، و إذا كانت البلدان الأخري متماثلة، فالعراق ليس كذلك.. و إن الوالي أحمد توفيق باشا كان قائممقاما مدة، و دام في رئاسة الجيش نحو سنة. فكان عارفا بالمهمة، و له كفاءة و قدرة علي العمل إذ كان يتطلع للمصلحة من طرف خفي، و يعلم بالنافع و الضار.. فجاء المنصب عن خبرة فاتصل به مباشرة اتصال عارف.. فمنع الإسراف في المالية و أزال الحيف الذي أجراه الوالي السابق في الالتزامات و توقي المصاريف الزائدة فاقتصد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 155

كثيرا. و فرّ نحو عشرين ألف كيس سنويا للخزينة في خلال شهرين..

و وردت إليه الأوامر السلطانية مشعرة بلزوم التحقيق عما أخذه الوالي السابق، و إظهار ما عمله، ليعلم الناس أن غرض الدولة العدل، و العمل لهدم كل باطل، بلا تحاش و لا محاباة.. أما أعضاء المجلس فلا تؤمل منهم الفائدة، و بينهم الجاهل أو الغافل أو المداري الذي يميل مع الأهواء.. أزال مثل هؤلاء فحلّ المجلس، و نقّاه من المغرضين الذين لا يعرفون إلا مصالحهم الذاتية، و لا يبالون بالمصالح العامة.

و الأهلون قد أدبتهم التجارب، بل أفسدت أحوالهم لما رأوا من أراذل جاروا و اعتسفوا، فلم يكن لهم بدّ من المماشاة فأفسدوا أخلاقهم، أو رضوا بالبداوة و وحشتها فصاروا لا يميلون إلي الحضارة.. و الحوادث

المنسية أكثر مما عرف و دوّن، فكانت أضرار العراق كبيرة جدا، لا تعوّض بوجه..» اه.

و هل كان في استطاعة هذا الوالي أن يعمر ما دمرته العصور، أو ينقذ القطر من الورطة التي أصابته؟ كنا نود أن نسمع مثل هذه اللفتات و التألمات المقرونة بذكر أعمال أولئك الولاة الطغاة لنعلم الحالة و إنما اعتاد أن يلتفت عند ذكر كل وال جديد إلي بيان أحوال الماضين و في هذا ما يكفي للمعرفة.

الخط البرقي:

و كان يسمي ب (الخط التلغرافي) و محله (التلغرافخانه) أي إدارة البرق. و هذا الوالي أحمد توفيق باشا قد جري في أيامه تأسيس (إدارة البرق) و كان ذلك في سنة 1277 ه و لم تتم المخابرة إلا سنة 1282 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 156

المنتفق:

جرت في أيام توفيق باشا المزايدة بين الراغبين في المشيخة و هم الشيخ منصور، و الشيخ بندر الناصر الثامر السعدون، فأسندت إلي الأخير منهما في 20 شوال سنة 1277 ه ببدل سنوي قدره 4900 كيس، و الكيس يعتبر خمسمائة قرش.

الثلج أو الوفر:

في هذه السنة أمطرت السماء (الثلج) و هو المعروف عندنا ب (الوفر). و لم يكن يعهد مثل هذا من زمان بعيد.

التحقيق عن أسباب عزل مصطفي نوري باشا:

جاء التاريخ المجهول عن سبب عزله ما نصه:

«من جملة الأسباب الظاهرة عيانا (كهيته) الذي هو زوج كريمته، فإن الكهية كان متجاهرا بأخذ الرشوات ظاهرا بلا مبالاة، و قد اطلعوا علي رشواته عيانا، و قد تحررت مضبطة من جانب بغداد بتدبير توفيق باشا مشعرة بقبول هذا الكهية الرشاوي و أخذها جهرا، و عرضت لدي حضرة السلطان عبد المجيد فقطع رأيه و أرباب مجلسه بعزله، و جاء مصرحا في المضبطة أن نوري باشا يعلم بقبول الرشوات من الكهية، يأخذها من الأهالي و من ذوي المناصب و القائممقامية و غيرهم، فلأجل هذا قد عزلوه.. و قد تصرح من أخذ الرشاوي عند توفيق باشا أن الكهية المعزول قد رتبوا دفترا بما أخذه من شيوخ العرب و القائممقامية و رؤوس العساكر الموظفة لا النظامية ستة عشر ألف كيس حساب إسلامبول.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 157

و في شهر رمضان المبارك قدم من الدولة العليا عطا بك الملقب بالكاشف علي المحاسبة مع الكهية المعزول و إثبات الرشاوي، و صار القرار يخرجونه بعد العيد من الحبس لأنه محبوس في أودته (غرفته) التي كان يتعاطي بها الحكومة، و عليه حرس اثنان نظام، يخرجونه علي إثبات الرشاوي و غيرها و بقي محبوسا ثمانية أشهر، ثم أطلق» اه.

و في سجل عثماني أنه أي مصطفي نوري باشا ابن حسن آغا المقيم في قنديللي.. مات أبواه و هو صغير، فرعاه زوج جدته جعفر آغا، و كان حارسا قصر كوكصو.. و في سنة 1228 ه استخدم في البلاط الداخلي، ثم دخل دائرة الخزينة السلطانية، فنشأ هناك..

حتي أنه في ذي الحجة سنة 1238 ه صار كاتب السر، ثم ولي ولايات عديدة و مناصب، و في أوائل سنة 1276 ه صار واليا ببغداد، و مشيرا لفيلقها.

و في أوائل سنة 1277 ه عزل، و دخل في الأعيان الكرام، و توفي في أوائل سنة 1296 ه، و كان شيخ الوزراء، و مستقيما..

و في تاريخ عطاء أنه بعد انفصاله من بغداد التزم التقاعد، و قال إنه متق، صادق و مستقيم، و هو من الأخيار في دينه، و مخلص لدولته..

و من هذا يفهم أن ما اتّهم به غير صحيح، و أن ذلك كان من الوالي اللاحق. فبعثت الدولة بعض رجالها من حقق فكشف عن براءته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 158

حوادث سنة 1278 ه- 1861 م

عزل الوالي أحمد توفيق باشا:

يوم الثلاثاء 25 ربيع الأول سنة 1278 ه جاء البرق مخبرا بعزله.

و في يوم الخميس 15 رجب سنة 1278 ه ضحوة توجه إلي استنبول، و شيّعه الأعيان و جملة من الباشوات و القائممقام الحالي منيب باشا متصرف البصرة.

كان نشأ في الجيش، فصار ميرالاي، و مير لواء، و فريقا. و في سنة 1276 ه صار رئيس الفيلق السادس ببغداد، و في رجب هذه السنة حصل علي منصب ولاية ببغداد، و مشيرية الفيلق السادس برتبة الوزارة.

ثم انفصل و تقلد مناصب أخري عديدة. و توفي في 13 ربيع الأول سنة 1295 و قد سمع أنه سيّئ الحال.

محمد نامق باشا (وزارته الثانية)

نال منصب بغداد للمرة الثانية ببرقية وردت. و يعرف عندنا ب (نامق باشا الكبير)، كان قد جاء قبل ذلك في قضية كربلاء لما أن فتحها نجيب باشا. فتكون ولايته هذه ثالث مرة من مرات مجيئه إلي بغداد.

و في جمادي سار من استنبول في باخرة قاصدا بلدة حلب. و في يوم الأحد 2 شعبان من هذه السنة دخل بغداد، و صلي في حضرة الإمام الأعظم و في اليوم الثاني من قدومه عهد بمنصب (الكهية) لمحمد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 159

أمين المفتي ببغداد. و في اليوم الثالث عزل تفكجي باشي الحاج أحمد آغا و جعل بدله الحاج علي آغا أحد أتباعه. كان قادما معه من استنبول.

و كان هذا الوالي يحمل رتبة (مشير) في الدولة العثمانية.

و للسيد شهاب الدين الموصلي في وزارته قصيدة.

جاء في تاريخ جودت باشا أنه نال منصب المشيرية للمدفعية العامرة، و تقلّب في مناصب أخري عديدة منها أنه قلد منصب (سرعسكر) و منه نقل إلي ولاية بغداد بانضمام مشيرية العراق و الحجاز في 24 من شهر ربيع الأول سنة

1278 ه و في سنة 1281 ه منح الوسام المرصع، و ألحقت ببغداد شهرزور و الموصل و البصرة. تولي أمورها العسكرية و المالية بالاستقلال. و في سنة 1284 نال للمرة الثانية منصب (سر عسكر).

و هكذا تقلّد مناصب عديدة، و عمّر طويلا. و في كل مهماته و مناصبه راعي الاستقامة و العفة إلا أنه كان ممسكا، مشتهرا بالبخل، و مما جمعه من رواتبه و تراكم لديه تكونت ثروة طائلة، و يعد من مثري العصر.. و هو من أهل الوقوف و العلم بالأمور لكنه يتصلّب في رأيه، و لا يلين لآراء الآخرين. و كان في بداية أمره يعد من المتفرنجين إلا أنه مال مؤخرا إلي مشايخ الخلوتية. و سلك طريقتها، فالتزم طريق الزهد و الصلاح.. و واظب علي الصلوات المفروضة. و الخلوتية لا تكتفي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 160

بالزهد وحده. و إنما لها دخائل الغلاة.

و هذا الوزير كان قد خطب بأهل بغداد بعد قراءة الفرمان، فذكر أنه سوف يعمل بشدة في حق من يحاول الإخلال بالأمن، أو يعيث بالراحة كما أنه لا يتقرب إليه إلا من كان يحسن عملا..

حصر اهتمامه في مالية الولاية و كانت في حالة فوضي لا توصف، و صنع للخزانة ثلاثة مفاتيح وضع أحدها لدي أمين الصندوق، و آخر عند الدفتري، و ثالثا احتفظ هو به. و أوصي أن تقدم إليه لائحة يومية يفصل فيها الوارد و المصروف، و منع من الصرف بدون إذنه، و أفرز من المبالغ الاحتياطية قسما لإصلاح حالة الجيش في بغداد، و دفع بانتظام رواتب الأفراد و سائر موظفي الدولة، و من جراء اقتصاده حمّل قافلة من البغال في رأس كل شهر بمبالغ طائلة إلي استنبول. فسرّ السلطان

بها، و أمر أن يشيد بها قصره. و كأنه جاء بغداد للقيام بهذه المهمة.

و مما يحكي أنه كان يجمع المبالغ، و يقرأ كل يوم دعاء عند الخزانة يطلب من اللّه تعالي دوامها و حراستها و زيادتها صباح مساء فتكون لديه مجموع عظيم فأرسله لبناء القصر المذكور.

و من أعماله أنه شرع بإنشاء (الثكنة) و تعرف ب (القشلة)، و أن مدحت باشا أكملها، و أتم إنشاءها.

و في أيامه وصلت الباخرتان (بغداد) و (البصرة) إلي بغداد، و أودعت إدارتها إلي رئيس أطباء الجيش.

و كان في سنة 1859 م- 1275 ه حصل الإنكليز علي امتياز في تشغيل البواخر في نهري دجلة و الفرات فلم يحلّ عام 1861 م حتي كان للإنكليز مركب يقال له (لندن). و الظاهر أن هذا كان بعد أن تم السماح لهم أيام علي رضا باشا اللاز بالوجه المذكور..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 161

و من أعماله أنه شرع ببناء (الدميرخانه) أي (دار الحدادة)، و جلب من أوروبا عمالا لعمل الأسلحة.

بلدة العمارة

و من أعمال هذا الوالي أنه أنشأ معسكرا علي نهر دجلة. عرف ب (الأوردي) أي الفيلق. ثم توسع بعد ذلك فأصبح بلدا كبيرا يقال له (العمارة). و الملحوظ أن الأراضي التي تكوّن فيها الأوردي قديما كانت معروفة ب (العمارة)، ذكرها مؤرخون عديدون في أزمنة مختلفة و قد غلط من ذكر أنها نالت اسم (عمارة) بعد ذلك التاريخ لما نالت من عمارات. و في سيدي علي في كتاب (مرآة الممالك) و في يوسف المولوي في كتاب (قويم الفرج بعد الشدة) جاء ذكرها في القرن العاشر فما بعده.

و كانت أقامت الحكومة الأوردي أيام مصطفي نوري باشا و استمر.

و في أيام الوزير نامق باشا أعاد المعسكر إلي

محله. و من ثم تكوّنت فيه بلدة سميت ب (العمارة) و اعتبرت قائممقامية (متصرفية) فعرفت باسم الأراضي التي بهذا الاسم. ثم صار (لواء العمارة) معروفا بين ألوية العراق المهمة.

الخدمة الإجبارية في الجيش:

كانت تأتي الوزير الأوامر من الدولة بإزعاج في التجنيد، فكان يتماهل. عرف ما قام من ضجة سابقا، فلا يرغب في إثارتها إلا أنه جعلها عقوبة فكل من يسرق أو يشرب الخمر، أو كان لا شغل له،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 162

يأخذه للجندية و يرسله إلي البصرة و من هناك كانوا يذهبون إلي اليمن.

و قلّما كان يعود منهم أحد. و كان هذا الوالي من ثاني يوم ولايته بدأ يعاقب من يوقع جريمة بأخذه للجندية و يرسله إلي القلعة و يجعله في عداد العساكر النظامية.

المنتفق:

تلقي الوالي مراسيم الطاعة من الشيخ صالح شيخ مشايخ المنتفق بقبول و الكلام له ما يتبعه، و قد مرت حوادث المنتفق، و لم يروا هدوءا في كل أيامهم، و المشادة غير منقطعة من الاثنين إذا قويت المنتفق ثارت، و إذا شعرت الدولة بقدرة نهضت لاكتساح المنتفق، و الحرب بينهما سجال. و الأمل مصروف إلي لزوم القضاء علي هذه الإمارة.

و التشويش مطلوب لتسهيل هذه المهمة …

سفر الوالي إلي البصرة:

«في يوم السبت 16 شعبان سنة 1278 ه طلع نامق باشا من بغداد في مركب الدخان إلي البصرة و معه منيب باشا والي البصرة الذي كان واليا علي البصرة أيام السلطان عبد المجيد، و علي تعمير أنهر العراق أجمع في أمور الزراعة. و في يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع أنزلوا في مركب الدخان الصغير مائة و عشرة أنفس من الرجال أهل الجنايات، حرامية و قاتلين أنفسا نفيا إلي البصرة مع المحافظة و في أيديهم الكلبچات بناء يشغلونهم في الأعمال الشاقة في البصرة، و ذلك بأمر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 163

هذا الباشا، و من بعد وصولهم إلي البصرة انهزموا، و يقال إنهم خمسة و خمسون رجلا، و ما بقي منهم محبوس سوي سبعة أو ثمانية. ثم جاؤوا إلي بغداد، و اشتغلوا بالسرقة. يختفون في النهار، و يسرقون في الليل من البيوت.

ثم إن الوزير نامق باشا ابتدأ بزيادة الحرس حتي يمسكوا هؤلاء المفسدين، وظف بعض العساكر، و جماعة من أهل البلد يدورون في الليل فمسكوا البعض منهم، و حبسهم في القلعة مقيدين مكبّلين في الحديد.. اه.

نعلم أن محمد منيب باشا عيّن متصرفا علي البصرة (قائممقاما) سنة 1277 ه، و سافر إلي بغداد في غرة صفر سنة 1278 ه ثم عاد

إلي البصرة في التاريخ المذكور، أو في 12 شعبان سنة 1278 ه و معه نامق باشا والي بغداد و السيد علي نقيب أشراف بغداد و مكثا في البصرة بضعة أيام ثم رجعا. و أما منيب باشا فقد أخذ ينفذ الأوامر المعطاة له من نامق باشا، فأدّب العصاة.. و أعلن أن محافظة الأملاك و المحاصيل و جباية الميري من وظائف الحكومة، فلا يحق لأحد التدخل في أمرها، و طرد عشائر المنتفق من التدخل، و استحصل بقية جباية الميري، و ثبّت لأهل البصرة أملاكهم.. و أمنهم في أوطانهم، و قمع الفتن …

و كان الأخرس قد مدح الوالي بقصيدة طلب فيها أن يصلح البصرة لما أصابها من خراب. و كذا مدح منيب باشا والي البصرة.

و في أواخر سنة 1278 ه تعين منيب باشا رئيسا لمجلس الإعمار في بغداد و عهد إليه بمهمة السداد في الجزائر و إصلاح مستنقعاتها،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 164

و تخليص البصرة من و خامة الهواء.

القاضي و منيب باشا تاريخ البصرة:

إن متصرف البصرة محمد منيب باشا كان قد كتب له المرحوم الشيخ أحمد نوري الأنصاري القاضي (تاريخ البصرة) مختصرا في 11 شوال سنة 1277 ه مبينا حالتها الماضية، و ما تحتاج إليه من إصلاح، و الكتاب علي اختصاره مفيد نافع. فاهتم المتصرف في أمر إصلاحها..

و ترجمة هذا المؤرخ في كتاب (أعيان البصرة). هذا التاريخ منه نسخة في خزانة آل باش أعيان.

الشاعر عبد الباقي العمري:

هو الشاعر المعروف و كهية بغداد. سقط في الساعة السادسة من ليلة الأحد من طارمة الحرم من بيته سنة 1278 ه، و توفي ليلة الاثنين سلخ جمادي الأولي أو غرة جمادي الثانية في تشرين الثاني، و كان خروجه للاستنجاء للتوضؤ لصلاة العشاء، و دفن في باب الأزج قرب قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني. و كانت ولادته سنة 1203 ه. و ديوانه مطبوع. و له آثار أخري منها نزهة الدنيا في محامد الوزير يحيي الجليلي من أمراء الموصل.

و ديوانه كشف صفحة من تاريخ العراق للعلاقة بوقائعه و تثبيتها، أبدي أشعاره في مناسبات. كما كشفت صفحة عن العلاقات الأدبية فيه و في النزهة. ذكرت ذلك مفصلا في التاريخ الأدبي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 165

حوادث سنة 1279 ه- 1862 م

شمر و الوزير:

«في أوائل حكومة هذا الوزير أرسل بالعساكر النظامية، و الخيالة (الفرسان) و معهم مقدار من عشائر زبيد، و الشيخ سعدون شيخ العبيد، و شيخ ناصر أخو منصور شيخ المنتفق، و معه فرسان المنتفق، و شبلي باشا، و إبراهيم باشا الفريق، و سيرهم لمحاربة شمر و نهبهم، و إباحة أموالهم، فلما علموا بذلك، و كان شيخهم فرحان (الصفوق) انهزموا إلي أطراف سنجار، و منهم من فرّ إلي أطراف الخابور، فلم تظفر العساكر بهم، و كان التراخي من شبلي باشا و إبراهيم باشا. و لو أن الأمر راجع إلي سعدون شيخ العبيد و الأعراب لظفروا بهم و لكن شبلي باشا حاذر علي العساكر، و ظفر بشرذمة قليلة من شمر فنهبوها، و أخذوا منهم سبعمائة بعير، و أدركهم الحر فرجعوا إلي بغداد. فلما علم نامق باشا غضب علي إبراهيم باشا و علي شبلي باشا للفتور الذي حصل منهما.

و في ربيع الثاني ورد بغداد سميط

أحد شيوخ شمر و تواجه مع حضرة الوزير، و صارت مقاولة فيما بينهم أن يؤدوا مقدارا من الخيل و من الأباعر و من الغنم عوض ما نهبوا في أيام توفيق باشا من الكراوين (القوافل)، و من المسافرين و المترددين، فقبل سميط أن يؤدوا ما أراده الوزير نامق باشا، و طلع من بغداد و أرسل معه حضرة الوزير كاتب العربية محمد أمين أفندي، و معه سنجق مشيخة فرحان علي شمر، و أن يتسلم من العرب الأباعر و الخيل و الغنم، فبقي عندهم أياما، ثم جاء إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 166

بغداد، و ورد معه فرحان لمواجهة نامق باشا لأجل تسوية هذه المادة مع جناب الوزير، و طلب من الوالي أن ينزل من المبلغ الذي اشترط عليهم، لأنه كان قد أراد منهم ثلاثمائة حصان، و خمسة آلاف بعير، و خمسين ألف رأس من الغنم عوض ما نهبوا و سلبوا من الكراوين و المترددين و الكلاك و غير ذلك، فهدر لهم قسما من الذي اشترطه عليهم و طلع فرحان من بغداد في أول شهر رجب سنة 1279 ه لأجل أن يجمع الأشياء المذكورة» اه.

التاريخ المجهول المؤلف:

تقف حوادثه عند هذا، و منه يظهر أنه لم يتمّه، و لا استمر نظرا لوجود بياض، فلم يكن النقص ضائعا.. بل وقف قلم الكاتب. و في هذا التاريخ ما كشف عن وقائع العراق و عن أوضاع لم نجدها في غيره.

الرجل يسمع فيدوّن بلغته العامية، و الحوادث مشوبة بشعور الأهلين. جاء مؤيدا و متمما لتاريخ الأستاذ سليمان فائق و بهما انجلت مبهمات كثيرة.

مفتي الشافعية صبغة اللّه الحيدري:

في ليلة الجمعة 16 ربيع الأول سنة 1279 ه مات بعلّة البطن و دفن تجاه الحضرة القادرية داخل المسجد في قبة الحيدرية، عن عمر 85 سنة. و هو صاحب كتاب (المسائل الإيقانية في الرد علي الأسئلة الإيرانية). لا يزال مخطوطا، عندي نسخة منه.

قال الأستاذ السيد نعمان الآلوسي: دفن قرب والده المبرور أسعد مفتي الحنفية مقابل مرقد حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني قرب المنارة، و جده صبغة اللّه كان قد دفن هناك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 167

هذا. و قد تكلمت في (آل الحيدري) في المجلد الثالث من هذا التاريخ. و كانت لهم المكانة العلمية. و غالب علماء بغداد أخذ عن صبغة اللّه الكبير جد المترجم الأعلي و عن أولاده و أحفاده …

مفتي بغداد الأسبق عبد الغني آل جميل

عالم مفت، و أديب كامل، و شاعر في الفصيح و العامي. ترجمته في مجموعة الأخرس. و في التاريخ الأدبي أوردت شعره، و ذكرت ما قيل فيه … و ملخص ما أقوله هنا أنه كان كامل الثقافة، قوي الروح ثائرا علي الجور، و هو وطني خالص، و عربي مخلص. عثرت علي شعره في مجموعة الأخرس فنشرتها. و كان ثائرا علي الظلم، مجاهرا في خلاف أهله. توفي في 9 ذي الحجة سنة 1279 ه، رثاه الأخرس و آخرون. دفن بمقبرة الوردية في الشيخ عمر السهروردي. قال الآلوسي مات ليلة 8 ذي الحجة عن 84 سنة.

آل جميل:

و آل جميل جدهم محمد جميل. و من أولاده عبد الغني و إخوته و عبد الجليل والد محمد جميل المذكور. و من أولاده علماء أفاضل مثل محمد عمر. و جاء ذكرهم في كتاب الروض الخميل في مدائح آل جميل عندي نسخة مخطوطة منه و لا يزال لم يطبع. و هو من تأليف الأستاذ السيد عبد اللّه بن أبي الثناء الآلوسي والد الأستاذ محمود شكري.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 168

و لآل جميل مسجد في محلة قنبر علي من تأسيس محمد جميل رأس هذه الأسرة ذكرته في كتاب المعاهد الخيرية.

حوادث سنة 1280 ه- 1863 م

المنتفق:

كان يظن الوزير أن قد حان الوقت لإلغاء مشيخة المنتفق، فراعي تدابير رشيد باشا الگوزلگلي. حاول أن يقتطع أولا بعض الأماكن ليقلل السلطة و يحصر دائرة النفوذ في نطاق ضيق.

أما منصور بك فإنه جاراه في أصل الفكرة، و حسّن له أن يلغي المشيخة رأسا بلا تمهيد، و كان الشيخ منصور من أعضاء المجلس الكبير ببغداد و هو منقاد لرأي عينته الحكومة، فأبدي أن لا حاجة إلي فصل بعض المواطن، و بيّن أنه إذا عينته الحكومة قائممقاما (متصرفا) جعل المنتفق كلها تابعة للدولة كسائر البلاد العثمانية.

و علي هذا ارتضي الوالي قوله، و ألغي المشيخة، و أسند إليه القائممقامية يوم الخميس سلخ جمادي الأولي سنة 1280 ه- 1863 م، و كان هذا الأمير صاحب دراية خارقة و تدبير موفق، و نظر نافذ، إلا أنه لم يتقن اللغة التركية، بل يصعب عليه التفاهم بها..

و لم تعهد إليه قائممقامية (متصرفية) قبل هذا، فاختارت الحكومة أن يكون معه الأستاذ سليمان فائق، و هو عارف بشؤون القبائل و له علم بالعربية، و تمكن من التركية و يعد من كتّابها المجيدين.. كان

قائممقام لواء خانقين، فجعله الوالي برفقته لتسهيل المهمة، و إطلاع الحكومة علي ما يجري في الخفاء، فعهدت إليه محاسبة اللواء.

كان الشيخ ناصر آنئذ في بغداد. و كذا الشيخ بندر إلا أن هذا الأخير توفي في اليوم التالي من تعيين الشيخ منصور.. فلما سمع الشيخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 169

ناصر أخو القائممقام ثار في وجهه، و أشاع إشاعات من شأنها إحداث القلاقل و تحريض الأهلين علي الحكومة، فتولد الخلاف بين الأخوين، فكانت معارضة الشيخ ناصر شديدة. قالوا إن هذه الأمور كانت تجري في الخفاء بسبب المحاسب سليمان فائق، و أنه أصل الفتن، فالتزم قتله و لكن الوجوه و الأعيان لم يوافقوه علي ما عزم عليه، و قالوا إن هذا من المماليك و لم يكن من الأروام (الترك العثمانيين)، و أقاربه في بغداد كثيرون، و هم من أهل النفوذ، و إن قتله لا يشبه قتل أمثاله من الأروم..

و أن أولاده و أقاربه يسولون حينئذ للولاة إثارة الزعازع و الفتن للانتقام له.. فتقع حوادث لا نستطيع التخلص منها، و تتوالي الاضطرابات، فلا نتمكن أن نبرئ ساحتنا من قتله، فليس من العقل التسرع بقتله و من معه من الأروام.

و من ثم طلبوا أن يؤجل الأمر إلي مذاكرة عامة، و اقترحوا التأجيل إلي أن يستقر الرأي.. و لما عرضت القضية علي منصور بك بيّن أنه صديقه القديم و ضيفه، فلا يقبل أن يقتل، و أنه إذا لحقه شي ء لا يتأخر لحظة عن أن يقتل نفسه (ينتحر).. و لما رأوا من منصور بك ذلك عدلوا عن قتل سليمان بك، و لكنهم لم يرضوا بوجه أن تحول المشيخة إلي قائممقامية و أعلنوا عصيانهم، و نهبوا الميرة و الحبوب المرسلة من

لواء الحلة إلي البصرة نهرا، و كذا قطعوا الخطوط البرقية بين بغداد و الحلة، و كان تمديدها من أمد قريب.. و بذلك قصدوا أن يكبروا الحادث في عين الحكومة، و أبقوا المحاسب مدة ثلاثة أشهر غير مسموح له بالخروج إلا أنه كان معززا في الظاهر.. ثم أذنوا له بالعودة..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 170

الشيخ خزعل أمير المحمرة في شبابه- عن رحلة مدام ديولافوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 171

لم تطل إدارة القائممقام و المحاسب أكثر من شهرين، فثارت الزعازع، و اضطرب الأمن.. ثم لما علم الوالي نامق باشا بالأمر عقد مجلسا من الملكيين و العسكريين، فقرروا لزوم إصلاحهم بالقوة و رؤوس الحراب، و قبل أن ينفضّ المجلس و أثناء المذاكرة فيما يجب اتباعه في حربهم وردت برقية من مقام السر عسكر توصي بلزوم إكمال كافة النواقص قبل الإقدام علي الحرب، و أن ينتظر الإشعار الآخر، و أوصوا بالتأهب للأمر..

ذلك ما حدا بالوالي أن يفسخ القرار، و يعيد المشيخة كما كانت.

نقل ذلك سليمان بك عن أمين أفندي كاتب العربية فيما لم يكن له علم به. و محمد أمين هذا كان قد عهدت إليه أيضا مهمة (باب المشايخ)، أو (باب العرب). و لذا سمي بالكهية أي قيل محمد أمين الكهية.

و من ثم أعيدت المشيخة، و أسندت إلي الشيخ فهد العلي الثامر السعدون في سنة 1280 ه- 1863 م بموجب شرطنامة كتبت باللغة العربية.. و فهد هذا هو والد فخامة عبد المحسن السعدون. و سياسة الحكومة كانت مصروفة إلي تمكين النزاع بين أمراء المنتفق، و لم تشأ أن تترك واحدا منهم بلا ضد أو رقيب، و سليمان بك كان عضوا مهما في التدابير إلا أن

سياسة الحكومة الخفية و تدابيرها الاحتياطية و مراعاتها الأوضاع التي هي أعرف بها.. أقوي بكثير مما يتصور.

و تفصيل الخبر أنه بعد عودة الأستاذ سليمان فائق محاسب المنتفق بين أنه يستطيع جلب ناصر باشا إلي بغداد، فجاء به فعلا، و قررت الحكومة اختزال محلين، و إضافة ألف كيس لأجل أن تحيل المشيخة إليه.. و لكن الحكومة لم ترق لها أعماله و لا أمنت منه، فلم تشأ أن تطلعه علي ما ستقوم به، و راعت الحزم و الحيطة.. و لأجل إتمام مهمتها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 172

أبعدت سليمان فائق عن بغداد نقلته محاسبا إلي البصرة، و خابرت فهد بك خفية، فعزمت أن تحيل الالتزام إليه بترك بعض المحلات و بزيادة في البدل، فإذا أمكن ذلك رجحته علي غيره، و أعطته المشيخة..

كان توجيه المشيخة بهذه الصورة لم يخل من شغب، و حدوث غوائل مقصودة، و أن أعوان ناصر باشا و منصور باشا لم يتركوا الأمر.

و إنما أثاروا زعزعة، و هاجموا المحل، و لكن الشيخ فهد استمد الحكومة بعد أن قبل الالتزام فذهب لإمداده طابور مشاة من العمارة مع مدافع صغيرة، أرسلت لمساعدته من طريق النهر بواسطة الباخرة، فوصلت علي عجل، و برزت القوة للمقابلة فوجهت الحكومة المدافع عليها و أطلقت بضع طلقات فرقت بها شملهم دون أن تحتاج إلي الرمي بالبنادق..

اهتمت الحكومة للأمر، و أرادت أن يستقر فهد بك في المشيخة و الالتزام، فأرسل قائممقام لواء الحلة شبلي بك كتيبة من الخيالة، و مقدارا من المشاة، فذهب الخيالة برا، و المشاة ركبوا السفن الصغيرة، و مضوا نهرا، فقام العشائر في وجههم فلم يطيقوا صبرا علي حربهم و أن المقدم قام بحركة مغايرة لفن الحرب فاختل جيشه،

و تبعثر، فلم ينج إلا القليل و قتل المقدم و ضباطه.. و لما سمع شبلي بك بالخبر لم يقدر علي الذهاب بمن معه من الخيالة إلي الأمام فاضطر إلي العودة..

هذا و قد عزمت الحكومة علي تأديب هؤلاء و تثبيت فهد بك فعينت حافظ باشا رئيس أركان الحرب للفيلق السادس، و أرسلت معه فرقة، فكانت ضربته قوية وقاسية، فلم يأمن منصور بك من البقاء هناك، فأعيد مع حافظ باشا و الجيوش العثمانية و خصص راتب إلي ناصر بك، و أمر بالإقامة في بغداد و كان دخول حافظ باشا بقوة السلاح. شتت العشائر بسهولة، و لم يظهر من يقف في وجه الحكومة فصارت لها هيبة و خشية في النفوس.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 173

قال الأستاذ سليمان فائق: و كان الأولي بالحكومة آنئذ أن تتخذ مركزا مناسبا و من السهل حينئذ أن تقلب المشيخة إلي قائممقامية، بل عادت العساكر، فأضاعت هذه الفرصة السانحة..!! و تأسف كثيرا إذ لم يستطع الجيش أن يرابط مدة، و لا اتخذ محلا عسكريا، أو بلدا قريبا يقيم فيه.. في حين أن الجيش سار لمهمة، و ليس من صالحه أن يلغي المشيخة أو يحولها إلي قائممقامية، و كانت الحكومة جربت هذا التدبير كما أنها ليس لها من القدرة ما يكفي للبقاء هناك، و هي قليلة، فإذا كان العربان فروا من وجهها لأمد قصير فلا تستطيع الدوام.

و نلاحظ هنا أن كل هذه التدابير سواء نجحت أو خذلت كانت غايتها إزعاج عشائر آمنة و أن تتقاضي الحكومة بواسطة رؤسائها معينا سنويا لاحق لها به إذ لم تقم بخدمة تستحقها، و لا أفادت بشي ء..

و الذي فرط عقد الجماعة فصل ناصر باشا من اتفاق المتفقين، فأدي

إلي أن يتفرق القوم، و لم يكن ذلك لخدمة الحكومة، و إنما أراد أن يتقدم عند الوالي و ينال مكانة.. و أما منصور بك فإنه لم يبق له ملجأ، رأي أن قد زاد نفوذ الحكومة، و قويت سلطتها. ضبطت أملاكه تجاه ديون الحكومة فأصابها ضنك شديد، و ضيق كبير.. و لكن الحكومة أرادت أن لا يستقل فهد بك في الأمر، ثم يتمنع عليها من الطريق الذي سلكه أولئك، قربت منصور بك إليها تعديلا للكلفة، و احتفاظا باطراد الموازنة.. فلم يخف ذلك علي فهد بك.

رأت الحكومة أن التسامح مع شيخ المنتفق فهد بك لم يقف عند حد، فركنت إلي تقريب منصور بك، و بهذا راعت الموازنة في مثل هذه الأحوال. فأوعزت إلي الأستاذ سليمان فائق بخصوص تقريبه، فأظهر أنه مراعاة للحقوق القديمة، و توسط الوجوه و الأعيان في البصرة.. و جد الضرورة ماسة لإنقاذه من هذا المأزق الحرج.. لما كان أنقذه الموما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 174

إليه من القتل و خاطر بنفسه دونه.. فسعي أن تراعي الحكومة منصور بك تجاه أعمال فهد بك الذي كان ينسب خذلان أوامرها إلي منصور بك، و تجعل ذلك وسيلة للمعذرة.. و كان الوالي آنئذ نامق باشا الذي لا يجازف في الصفح. فتمكن من استمالته، و بين له الحالة، و أن تقريبه مما يدعو إلي محسنات … !!

و علي هذا أعطاه الوالي الأمان، و قبل دخالته، و كان علي و شك أن يتم الأمر إذ استرق فهد بك الأخبار البرقية، فعرقل أمر القبض عليه، و إتمام الحيلة في حقه، فانتصب له، و سلب راحته.. و قال: إني عازم علي القبض علي منصور بك، و قد ضيقت عليه كثيرا، فإذا

مال إلي البصرة فينبغي التضييق عليه من هناك أيضا، فكتب إلي نامق باشا من جهة، و نصح منصور بك من جهة أخري و أخبره بأنه حريص عليه، و مراع مصلحته و أن هؤلاء الروم أهل مكر و خديعة و أصحاب دسائس و غدر، و أنتم أعرف من غيركم بهم.. و هم كما يقولون يصيدون الأرنب بالعربة (يريد أنهم يطاولون حتي يظفروا)، فلو قبضوا عليك أعطوك الأمان بشخصك. لا يتجاوزونه، و إذا عفوا عن العقوبة فلا يشمل ذلك أملاكك و رتبك.. فلا تدع الحيطة، و كن في يقظة من التثبت ثم سلّم نفسك … !!

أوصل إليه هذا الكلام، و شوش عليه أمره.. و كان منصور بك يعد من دهاة العرب، و أكابر رجالهم إلا أنه كان في أمر محافظة حقوق قبيلته قد عدل عن الطريق السوي، و اتبع الهواجس النفسية، و الوساوس فكانت نتيجة ذلك أن تركه أقاربه و إخوته و صدوا عنه، فصار وحيدا يلتمس نجاته، و شاهد أمورا لم تكن في الحسبان، و لا يؤمل وقوعها، و لم يبق له اعتماد و وثوق من الناس..

كان من دهاة العرب و لكنه التزم جانب الحكومة، و ظن أنها قادرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 175

علي كل شي ء، و اعتقد أنه في إخلاصه لها سوف لا تبدل به غيره، و لا ترضي أن تقدم عليه غيره.. فكان من نتائج ذلك أن تشوش عليه أمره من جهة عشائره.. و من جهة أخري أن الحكومة نفضت يدها منه، و لم تراع خدماته لها..

جاء منصور بك إلي ما يبعد عن البصرة نحو ساعتين أو ثلاث، فأخبر القائممقام أنه يقبل الدخالة علي الحكومة، و يشترط أن تبقي له رتبه، و

أن تعاد إليه أمواله.. فأبدي له القائممقام أنه ليس من المناسب ذكر هذه الأمور أو البحث فيها. لأن ذلك تذكير لهم بها.. فلم تحصل ثمرة و أصر علي مطلوبه فاضطر القائممقام أن يكتب برقيا بذلك، فورد الجواب بأن الدخالة تنافي الشرط، و إنما هو مأذون بقبول الدخالة بلا قيد و لا شرط، فلم يوافق، و عاد من طريقه..

ثم تعهد فهد بك أنه يلقي القبض عليه، و طلب أن يشاركه القائممقام، و يتحرك طبق إشعاراته و إشاراته … و من ثم تخابر سليمان فائق مع فهد بك و تأمينا للقيام بالعمل أرسلت فرقة تبلغ نحو الألفين إلي مواطن معينة، فلم يظهر له أثر … !!

إن منصور بك تمكن أن يعيش عيشة البداوة لمدة سنة، و لكنه لم يطق صبرا أكثر. و لم يتحمل شظف العيش، و الحياة البدوية، ناله عناء فقبل الدخالة بلا قيد و لا شرط. أبدي عزمه علي التسليم، و أرسل خبرا إلي سليمان فائق يستشفعه، فعرض هذا بدوره القضية مرة أخري و أخبر ببرقية أن منصور بك قبلت دخالته، فورد إليه الأمر بلزوم استصحابه و المجي ء به إلي بغداد، فسار القائممقام توّا إلي بغداد و معه منصور بك معززا مكرما و بوقار لا مزيد عليه..

و الحاصل أن مشيخة المنتفق بقيت بيد فهد بك ثلاث سنوات، فانتهت مدة الالتزام فدعي إلي بغداد للمزايدة.. و في انتهائها أراد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 176

الأستاذ سليمان فائق أن يحضر إلي بغداد، و يتدخل في البين ليتمكن من إفراز بعض المواطن عن دائرة الالتزام فيخدم الحكومة. و لكنه لم يؤذن له، و الظاهر أن السبب في ذلك أن بعض هؤلاء لا يرغبون في مجيئه، لأنهم يريدون

بقاء المشيخة للاستفادة منها.

وضعت المشيخة بالمزايدة، و زاد البدل عن ذي قبل، و فصلت بعض الأماكن فتقررت المشيخة لعهدة ناصر باشا، و سحب فهد بك عن العمل.. و من ثم جعلتها مناوبة، و من طبعها أن تولد مزاحمة و الملحوظ أن المواطن المفرزة في هذه المرة و إن كانت كثيرة العدد لكنها في الحقيقة أقل سعة.. مما دعا إلي تحامل سليمان فائق، فبيّن أن ذلك جري استفادة من غيابه، و بجهود من المنحازين لناحية الشيخة..

و الصحيح أن الحكومة رأت لزوم ترك الأراضي في نطاق المشيخة، و وجهت رتبة مير ميران لكل من ناصر باشا و فهد بك. و كانت أعرف بالمصلحة.

و لا شك أن الفشل في القضاء علي إمارة المنتفق كان كبيرا، فاضطرت الدولة إلي إبقاء الحالة علي ما كانت عليه.

أوضاع سياسية:

كانت ولاية هذا الوزير تمتد حتي نجد و الحجاز و اليمن.. و في خلالها قام ببعض الأعمال المهمة، إلا أن الغربيين كانوا يشنعون عليه.

يدعون أنه حرض علي ذبح النصاري في جدة، و أنه عامل القناصل بقسوة مما يعد أكبر دليل علي شدة تعصبه علي المسيحيين و الأجانب، و يقول الفرنسيون إنه يعطف علي القنصل الإنكليزي أكثر من الفرنسي و يذكرون أنه حدثت للمسيو پليسه القنصل الفرنسي عدة حوادث كانت بينه و بين الوالي. منها أنه قدم إلي بغداد الكونت پرتوي راغبا في إنشاء خط مواصلات بين بغداد و الشام، و رافقه في سفره أحد مشايخ عقيل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 177

يدعي عثمان النجدي، و قد مرّ في طريقه بكبيسة و هيت، فوصل إلي بغداد سنة 1868 م بعد أن أمضي عدة وثائق مع مشائخ العربان يتعهدون بموجبها أن يحافظوا علي القوافل مقابل

مبالغ معينة يتقاضاها المشائخ كل ثلاثة أشهر يستوفونها من الكونت أو من ممثليه ببغداد، و أدي لهم مبالغ جسيمة كمقدمة..

سمع بذلك نامق باشا، و علم بما جري من اتفاقات دون علم منه فاستدعي وكلاء الكونت في بغداد، و أمرهم أن يقطعوا العلاقة به، ففعلوا، و لما واجه الوالي، و تفاوض معه، أفهمه أنه لا يستطيع الموافقة علي ما يريد من جهة أنه لا يحمل فرمانا يخوله حق القيام بهذا المشروع، كما أنه لا يحمل كتاب توصية من الوزارة ذات الاختصاص.. و قال له الوالي إن الحكومة لها من القوة ما تستطيع به حماية القوافل من غير حاجة إلي دفع مثل هذه الاتاوة إلي المشائخ..!

ثم سافر الكونت إلي استانبول بعد أن أوصي و كلاءه في بغداد أن يستمروا في دفع الأقساط المستحقة للمشائخ في أوقاتها المعينة ريثما يستحصل فرمانا بذلك، و في الأثناء حدث أن فتحت قناة السويس، فلم تعد حاجة لمثل هذا المشروع، و قالوا: عرف مؤخرا أن معارضة الوالي كانت بتحريض من القنصل البريطاني..

هذا. و نري الأستاذ سليمان فائق يطري كثيرا أعمال هذا الوالي، و يتألم لانفصاله، و يقول إن الأهلين لم يرغبوا في عزله و انفصاله عن بغداد..

حوادث سنة 1281 ه- 1864 م

ثارت عشائر:
1- الظوالم:

من عشائر السماوة و هم في أراضي الرميثة.

و يعدون من بني حچيم (بني حكيم). و منهم من يعتبرهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 178

(حمدانيين). و آخرون يقولون من (شمر).

2- البو حسان:

من عشائر السماوة أيضا. و هم من الأقرع من شمر.

و هؤلاء قتلوا العسكر و كلا من ملا مردان الكركوكي ملتزم مقاطعات السماوة و السيد علاوي رئيس الشبانة. و كان قد أرسل قوة معهما بالسفن إلا أن العشائر تغلبت عليهم، و كانت السماوة قائممقامية فألغيت و ألحقت بالديوانية و كان قائممقامها شبلي باشا فلم يعلم بما جري علي العسكر و بعد أن علم أنهي ذلك إلي نامق باشا فأرسل قوة كافية، و نكل بهم شبلي باشا و أخذ قائممقام السماوة السابق عثمان بك لعلمه بأنه هو المحرّك للعشائر فأرسله إلي بغداد فسجن فيها و أبعد بعض رؤساء القبائل لمدة خمس سنوات. و بين هذه العشائر بنو زريج و الحچام.

3- نظام المطابع و المطبوعات:

صدر في 5 شعبان سنة 1281 ه. و ذلك أن الصحف تكاثرت في استنبول و في البلاد الأخري فروعيت نظامات الأمم، فوضع هذا النظام علي غرارها مع ملاحظة الوضع آنئذ.

4- نظام إدارة الولايات:

صدر هذا النظام في ذي القعدة سنة 1281 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 179

5- زلزال:

في 8 رجب سنة 1281 ه صارت رجفة اهتزت بغداد منها و ذلك قبل الظهر من يوم الأربعاء و في تلك الليلة في الساعة الثالثة و النصف صارت هزة أخري، و قبيل الفجر كذلك مع شدة هواء و مطر عظيم.

و رأينا مثل هذه تكررت إلا أنها لم تكن مقرونة بأضرار. و إنما نراها خفيفة.

حوادث سنة 1282 ه- 1865 م

الهيضة:

حدثت الهيضة في بغداد لمدة قليلة فزالت في أواخر جمادي الآخرة. و يقال لها الهواء الأصفر و الكوليرا و أبو زوعة.

دائرة البرق:

تأسست في هذه السنة دائرة البرق. و قد مرّ ذكرها في حوادث سنة 1277 ه.

حوادث سنة 1283 ه- 1866 م

مؤرخ عراقي:

السيد عيسي صفاء الدين البندنيجي. و هو عالم و مؤرخ. و له:

1- تاريخ أولياء بغداد. نقله من التركية إلي العربية. و أصله لمرتضي آل نظمي البغدادي المسمي ب (جامع الأنوار). و لم يطبع التركي بل لا يزال مخطوطا. عندي نسخة منه. و في خزانة الأوقاف نسخة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 180

أخري. نقله الأستاذ البندنيجي بتصرف. راجع النصوص العربية و توسع فيها. و نقله السيد حامد الفخري إلي العربية و لم يتصرف به. و ربما اختصره. عندي نسخة مخطوطة منه و لم يطبع أيضا.

2- رسالة قدمها إلي علي رضا باشا اللاز. و للمترجم مؤلفات أخري. و كان يتقن اللغة التركية. و ترجمته في التاريخ العلمي و في المسك الأذفر. توفي في 17 رجب سنة 1283 ه. و هو شيخ تكية البندنيجي القادرية و كان عالما.

حوادث سنة 1284 ه- 1867 م

1- صنع مراكب:

كان من آخر أعمال هذا الوزير أنه أوصي المصانع البلجيكية بصنع خمسة مراكب بخارية لتشغيلها في نهر دجلة. و عندنا يطلق (مركب) علي السفينة البخارية لشيوعه.

2- منصب وزير الحربية:

استدعي الوزير نامق باشا إلي استنبول ببرقية وردت يوم الاثنين 8 ربيع الأول و خرج من بغداد يوم السبت 13 من هذا الشهر ليتقلد منصب وزير الحربية. و صار قائممقام بغداد تقي الدين باشا متصرف شهرزور، قدم بغداد يوم الأربعاء 17 ربيع الأول سنة 1274 ه.

ترجمة محمد نامق باشا:

من أهل قونية، ورد استنبول من صغر سنّه و تقلب في مناصب الجيش من سنة 1241 ه و في رجب سنة 1265 ه نال منصب المشيرية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 181

لبغداد و الحجاز، و في صفر سنة 1269 ه أضيفت إليه ولاية بغداد، و في ذي القعدة سنة 1269 ه صار مشير المدفعية باستنبول، و هكذا نال مناصب عديدة.. و في ربيع أول سنة 1278 ه انفصل من منصب (سر عسكر) فعاد ثانية إلي ولاية بغداد و مشيرا للعراق و الحجاز، و في ذي القعدة سنة 1284 ه عاد سر عسكرا، ثم صار ياور أكرم (المرافق الأكرم)، و دعي ب (شيخ الوزراء)، و توفي في 22 صفر سنة 1310 ه، و كان يتقن العربية و الفرنسية و الإنكليزية و هو شجاع، صادق، و مستقيم، إلا أنه ممسك في بيته، و يعد من العقلاء الكمل.

ولاية تقي الدين باشا

دخل بغداد يوم الأربعاء 17 ربيع الأول سنة 1284 ه، و كانت ولايته قصيرة الأمد، و من الصعب جدا أن يتمكن المرء من إدراك حالة القطر في سنة أو سنتين، بل لم يتجاوز السنة الواحدة. و من الغرابة أن نري في كل وال الأهداف التي يرمي إليها بارزة، نشاهد صفحات جديدة، و سياسة مخالفة لما كان عليه سابقه و هذه ذات اتصال بتجدّد للمحيط يستدعي التحول في السياسة و الإدارة فهل ذلك عن حكمة أو كان ناجما عن نفسية الولاة؟!! لا أعتقد أن هذا الوالي و لا غيره من الولاة يتحرك بما يوجبه الوضع و إنما يجري علي نهج اختطته دولته ليمضي بموجبه … و هذا يظهر منه بعد حين. و قد اعتاد الأهلون أن يدركوا خطته بسهولة. و

هي ما أمر به ليسير بمقتضاه.

و الغربيون يذكرون له حادثا يعدونه من الغرابة بمكان و هو أنه حدث بينه و بين موسيو (پليسه) قنصل فرنسا شي ء مؤداه أنه كان قدم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 182

بغداد (قاض)، فخرج المسلمون لاستقباله، و كانوا يحملون له عواطف احترام كبيرة.

ثم حدث أن احتفلت الولاية بعيد الجلوس السلطاني في دائرة المشيرية، و حضر من جملة من حضر من المهنئين ذلك القنصل الفرنسي بزيارة رسمية، و لما دخل القنصل نهض الجميع من الموظفين و وقف ضباط الجيش لاستقباله كما تقتضي التقاليد الديبلوماسية عدا القاضي، فإنه لم ينهض، فلما لاحظ القنصل ذلك عده قلّة احترام له من القاضي، فأخذ يحدث المشير بالفرنسية معاتبا إيّاه علي ذلك، و بلغ من حدّة القنصل و غضبه أن طلب ترجمة ما قاله باللغة التركية لكي يفهم الحضار.

أما المشير فكان بدلا من أن يترجم أخذ يفهم القنصل أن عدم قيام القاضي لم يكن لقلة اهتمام به، و إنما كان القاضي يري أن تقاليده الدينية لا تسمح له بذلك، و لكن الحادثة لم تنته عند هذا الحد فكان بين الحاضرين من يفهم الفرنسية، و لم يلبث أمر هذه المشادة أن انتشر بين المسلمين، و ثار ثائرهم، فعدوا ذلك إهانة من الأجنبي بحق رئيسهم الديني فعولوا علي القيام بمظاهرة عدائية ضد الأجانب، و مهاجمة القنصلية الإفرنسية، و قتل القنصل.. و من حسن الحظ أن المشير علم بالخبر قبل أن يحدث ما يعكر الصفو، فأحاط القنصلية بقوة من الجيش للحيلولة دون مهاجمتها، و دعا الوزير جماعة من أعيان البلد. فطلب منهم تهدئة الخواطر العامة خوفا من حدوث ما لا تحمد عواقبه …

و هكذا انتهت الحادثة. فلما علم الباب

العالي بالأمر عزل القاضي تسكينا للفتنة..

و هذا لا يأتلف و العقلية الفاضلة بعد معرفة السبب و أنه ديني.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 183

المنتفق:

هذا الوالي تعاطي أمرا شغل بال الحكومة مدة، و هو أمر المنتفق، و أن عمل الوالي كان يجري تبعا لسياسة المركز، و خططه في إنهاء هذه المعضلة بتدابير منوعة. حبط بعضها، و لا يزال البعض الآخر تحت التجربة. و لذا نري الوزراء يراعون تارة اللين، و طورا الشدة..!

قوي الوالي أمر منصور باشا في عهده، فنلاحظ أن الولاة تناوبوا في تعهد كل وزير منهم واحدا من شيوخ المنتفق.. ليكثر التنافر، و يقوي الخلاف. و لكن الأستاذ سليمان فائق عدّ إبقاء الحالة السابقة في إقرار المشيخة دون القضاء عليها بلاءا علي العشائر و خرقا في الولاة، و السبب كان من الدولة بإثارة القلاقل و توليد الضعف فيها من جهة، و تزييد المقرر في المزايدة مع اقتطاع قسم من الأراضي مما جعل العشائر تفرّ من الظلم و تذهب إلي الحويزة. و الرجل لا يريد سوي تمكين سلطة الحكومة فملأ الجرائد و الصحف في استنبول بالتنديد بأمور المنتفق و توجيه الأنظار للقضاء علي إمارتهم ببيان قسوتها و لم يفصح عن النواحي الأخري.

و من ثم أنحي باللائمة علي تقي الدين باشا لأنه أبقي الحالة في (مشيخة المنتفق) كما كانت، فأقرها و لم ينظر إلي ماهية التوجيه إلي منصور باشا، و لا إلي الاقتطاع، و لا إلي زيادة بدل الالتزام..!

كل ذلك يصح أن يعد من أعظم أعمال الدولة في التمهيد للإلغاء.

قام بذلك الوالي أيام حكومته.. فأغفل الأستاذ أمره، و هو من الأهمية بمكان. و يهمنا كثيرا أن نوضح هذه الأمور لنعلم ما أريد بنا أو يراد

بصراحة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 184

ثلج أو وفر:

في هذه السنة يوم الأحد 30 شوال سنة 1284 ه الساعة 6 غروبية من النهار نزل ثلج و صار علي وجه الأرض مقدار شبر. و مثل هذا نراه في بعض السنين و بفترات طويلة. و قد سبق أن أو ضحت لفظ (و فر) و أصله.

حوادث سنة 1285 ه- 1868 م

عزل الوالي:

في يوم السبت غرة ذي الحجة سنة 1285 ه جاء خبر عزل الوالي برقيا، و توجهت مشيرية العراق و الحجاز إلي مدحت باشا. و خرج تقي الدين باشا يوم الأحد 20 المحرم سنة 1286 ه من بغداد و شيعه الموظفون و غيرهم، و كذا الوالي الجديد كان من جملة المشيعين..

و في سجل عثماني: إنه نال منصب قائممقام الوالي ببغداد في 10 ذي القعدة سنة 1284 ه بعد أن كان متصرفا في شهرزور برتبة بگلربگي (أمير الأمراء)، و في المحرم من سنة 1285 ه حصل علي منصب الولاية ببغداد و عهدت إليه نظارة الفيلق مع الهيئة هناك، و في 5 ذي الحجة من هذه السنة انفصل من منصب بغداد.. ثم أعيد إليه منصب الوزارة ببغداد علي ما سيجي ء في محله..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 185

مفتي بغداد محمد أمين الكهية:

توفي الحاج محمد أمين الزندي يوم الخميس 13 صفر باستنبول.

و كان عضو مجلس الشوري للدولة. و له المكانة العلمية و الأدبية و التاريخية. و صار مدرسا كما أن والده أحمد الزندي كان مدرسا. ولي الإفتاء ببغداد بعد الأستاذ الآلوسي. ثم صار كهية. و لازمه لقب الكهية فصار يعرف ب (أمين الكهية). و منها نال عضوية مجلس الشوري. و ذكرته في التاريخ العلمي. و له (خزانة كتب) عظيمة بما احتوت من نفائس المخطوطات و مهماتها النادرة. وقفها ابنه كامل بك و سائر أفراد الأسرة.

و الآن هي بين كتب خزانة الأوقاف العامة ببغداد كما أن داره صارت جامعا يعرف الآن (بجامع الكهية) ذكرته في (كتاب المعاهد الخيرية).

عهد جديد أو أبو الأحرار مدحت باشا في بغداد

من 18 المحرم سنة 1286 ه- 1869 م

إلي أوائل شهر ربيع الأول سنة 1289 ه- 1872 م

و فيه بيان أيامه في بغداد إلي 23 مايس سنة 1872 م

و ما قام به من أعمال سياسية و عمرانية

و علاقات بالأحساء من أنحاء نجد

و حوادث أخري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 186

حوادث سنة 1286 ه- 1869 م

مدحت باشا أو عهد جديد
مدحت باشا في بغداد
اشارة

في 18 المحرم قدم مدحت باشا و دخل بغداد بمنصب الوزارة.

و كانت سبقت له خدمات في الدولة و نال مناصب كثيرة. و بطلب منه حصل علي منصب بغداد بتاريخ 15 ذي القعدة سنة 1285 ه. و أجري له الاحتفال بوروده. و قري ء الفرمان. و نقل إلي العربية و هذا نصه كما ورد في الزوراء:

«الدستور المكرم، و المشير المفخم، نظام العالم، مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب، متمّم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهّد بنيان الدولة و الإقبال، مشيد أركان السعادة و الإجلال، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلي، و من أفاخم وكلاء دولتي العلية، رئيس شوري الدولة السابق الموجه لعهدة استيهاله و اقتداره هذه المرة نظارة إدارة أمور الفيلق السادس الهمايوني مع انضمام ولاية بغداد، و الحائز الوسام العثماني من الرتبة الأولي، و كذا الوسام المجيدي الهمايوني من الرتبة الأولي، وزيري و سمير درايتي مدحت باشا أدام اللّه تعالي إجلاله.

ليعلم أنه إذا جاءكم توقيعي الرفيع الهمايوني فليكن معلوما أنه مما لا حاجة للإطناب في وصفه و بيانه هو أن خطة بغداد الجسيمة من أعظم القطع التي تتألف منها ممالك دولتي العلية المحروسة و من مقتضيات أرضها و وضعها أنها صالحة لكل إعمار و ترقّ. و هذا من المسلمات.

و لما كانت أعز الآمال و المطالب لسلطنتي الهمايونية أن تحصل علي كافة أسباب العمران، و هذه الآمال لا تتم كما

هو المرغوب فيه إلا أن يقع الاختيار علي من هو عارف، قادر علي إيصال ذلك بمنه تعالي إلي حيّز العمل، فيكون في رأس إدارة تلك الخطة، و أنت لحد الآن قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 187

عربة تراموي الكاظمية- مجلة العالم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 188

قمت بأمور مهمة لسلطنتي السنية، فشوهدت منك غيرة و فطنة و إقدام و دراية، و أظهرت خدمات جليلة، و كل هذه بعثت إلي أنك ستكون عند حسن ظن سلطنتي الشاهانية فتؤدي واجب المهمة بتمامها، و تظهر المقدرة الكاملة لإيفائها. الأمر الذي دعا أن أصدر إرادتي السنية في اليوم الثاني من ذي القعدة لسنة 1285 ه فأعهد بهذا الأمر للياقتك في إدارة الولاية ملكيا و عسكريا. فإذا وصلت إلي مركز منصبك قمت بأمور الولاية العسكرية، و زاولت مصالح الأهلين و السكان طبق قواعد الشرع و القانون برويّة و عناية و أن تتخذ التدابير و الأمور التي من شأنها أن تزيد في العمران، و توفر الثروة آنا فآنا بلا هوادة، و أن يراعي الرفاه و الراحة و الأمن لجميع الأهلين من سكان و عشائر، و أن توسع دائرة الزراعة و الحرث و التجارة و تتوسل بما يجب من ذلك كله و أن تعرض ما يجب عرضه لدولتي العلية من الأمور التي يلزم الاستيذان بها إلي أعتاب دولتي العلية و تستمر علي إكمال حسن و انتظام و إدارة الأمراء و الضباط و النفرات الموجودين في الفيلق السادس الهمايوني، و تمنع التعدي، و تراعي حسن الألفة بين العربان و العشائر بعضهم مع بعض، و الأهلين السكان داخل الولاية و أن يشتغلوا في أمر زراعتهم و حراثتهم، و منع تجاوز الواحد علي

الآخر منهم في الحقوق، و دفع التجاسر فيما يخل بالأمن و الراحة و إجراء الجزاء الشرعي و القانوني بتمامه بحق من يتجاسر بالحركة خلاف الشرع و النظام، و أن يراعي الموظفون كافة في المجالس و المحاكم داخل الولاية جادة العفة و الاستقامة، و أن لا يزيغوا في كل حال و قال عن النظامات الموضوعة و أن يحصروا الأوقات و الأفكار في ذلك و أن يبادر للاهتمام بجارتنا دولة إيران البهية و أن يلاحظ في تلك الحوالي الرائح و الغادي من أفرادها و المقيم منهم و من يتعاطي التجارة أو يتردد للزيارة وفق قاعدة المصافاة و الصداقة المتمناة الجارية بين الدولتين حسب العهود المرعية بين الطرفين و طبق أمري و بذلك أعلن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 189

منصبك، و صدر أمري الجليل القدر من ديواني الهمايوني إيذانا بذلك و تفهيما فليكن ذلك معلوما لدي رويّتك و المنتظر المأمول من حميّتك أن تقوم بالمهمات المسرودة أعلاه، و تعمل بالأساسات المعدودة المتعينة، و أن تبذل جل الهمة في إيفاء وظائف هذا المنصب. تحريرا في الخامس عشر من شهر ذي القعدة سنة 1285 ه». و فيه صراحة بذكر ما أودع إليه من مهام، و ما طلب منه من خدمات لما وثقت الدولة منه و جربته في مهام أخري قبل أن يودع هذا المنصب إليه.

و بعد قراءة هذا الفرمان ألقي الوزير خطابا باللغة التركية نقلته جريدة الزوراء إلي العربية. و هذا مجمله:

«قد علم من يعرف التركية حكم هذا الفرمان العالي السلطاني، و من لم يعرف وجب عليه أن يعرف من غيره، و أن جل مقاصد سلطاننا أن ينال الأهلون الرفاه و السعادة في ظل العدل و الرأفة سواء كانوا

مسلمين أو غير مسلمين، ذكورا و إناثا، أفرادا و جماعات، و أن ينالوا الحد اللائق من استكمال ذلك و المحافظة عليه، و أن أول واجب الموظفين أن يخدموا هذه المهمة و يقوموا بها خير قيام.

تعلمون أن الخلقة البشرية متفاوتة، فلا تتشابه، و كذلكم الأفكار و الطبائع متباينة، و لذا لا يتيسر إدارتها برأي كل شخص و ما يوحيه إليه فكره، و إنما يتحتم أن يكون له مركز إدارة. ينظر في وسائل الحاجات و الثروة و الأمن بالنظر للحال و الزمان و الموقع و المكان و ما توجبه تلك الأحوال من حاجات و ضرورات، فتتفرع له قاعدة من هذا المركز مطردة يجري عليها، و معلومات مكملة. و بذلك يتيسر الحصول عليها فتقسم بهذا الوجه، و أن كل ما تشذ عنه الإدارة، و لا تراعي المركز، و تمشي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 190

بمقتضي ما ينبغي أن يماثله.. فلا يتيسر لها الترقي و لا يحصل الانتباه، و تتأخر تلك الجماعة.. و يصح أن يمثل لذلك بوسائط النقل المائية كانت في حالة بسيطة حتي اخترعت السفن ذوات الشراع، ثم تقدمت إلي الوسائل البخارية، و هكذا.. و مثلها وسائط المخابرة.. فمن لم ينل حظا من التقدم في الإدارة، و لم يسع للحصول علي أقصي حد ممكن من الرقي بقي في مكانه، و حرم من نعمة الرقي و الثروة، و صار يتبع في طرق المعيشة غير ما يلائم زمانه، و يكون قد رضي بالدون، و أصر علي جموده، أو قبل أن يرجح ما هو الأدني علي الذي هو خير.

و هنا الأراضي تقبل كل نوع من العمارة، و الأهلون لائقون لكل تعليم، و فطرتهم معلومة و استعدادهم مشهود، فيستطيعون أكثر

من غيرهم التقدم، لينالوا حظا من الثروة و الحضارة.. و لكن الخراب المستولي، و عدم النشاط ناجم من تقصير الأهلين، فلم يسلكوا ما سلكته الأمم، و إنما ترك كل امري ء و شأنه، و صارت الأمة لا تأبه بما أخذت به الأمم.. و إلا فحضارة القطر الماضية، و صناعته القديمة لا تزال آثارها مشهودة (و أطنب الوالي في ذلك كثيرا)، ثم قال: و لا منجاة من هذه الورطة إلا بالانقياد للمتبوع الأعظم، و من قدمه من أصحاب المناصب بأن أطاعوا، و يسلم إليهم بما أرادوا، و هو قد حافظ علي حقوق الأهلين عموما، و راعي استراحتهم، و العدل فيما بينهم، و أرسل الولاة لهذا الغرض، فلا يتطلب أكثر من التسليم لهم و الانقياد بالطاعة، ليتمكنوا من السعي و الحصول علي المبتغي.

جاء ولاة كثيرون. قاموا بالمهمة، و بذلوا جهودا، و عملوا علي ما تمكنوا عليه، خصوصا رشيد باشا (الگوزلگلي)، فإنه بدأ بالعمارة، و مشي في طريقها الصحيح، و خلف الكثير من الآثار.. و لكن قرب أجله لم يهيي ء له آماله.. ثم إن حضرة نامق باشا سلك هذا الطريق و استمر فيه فحصل علي نتائج حسنة، و هكذا نحن سائرون في هذا الطريق،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 191

ساعون لسلامة الأهلين و سعادة أحوالهم. و نأمل أن نصل إلي الغاية المطلوبة، فنري الآثار النافعة و ثمار المساعي في أقرب مدة، و لا أمل لنا إلا تكثير الغني و العمارة و التوسل بأسبابهما.

و ليعلم أن الغني هنا لا يراد به جمع النقود و وضعها في الصناديق أو الخزانات و حبسها هناك و إنما النقود المطلوبة هي أن تتداول بين الناس و أن يراعي فيها و جائب العصر و

حالاته، و أن تراعي التجارة و الزراعة كما يقتضيه العصر فترتكز علي أصل صحيح، و أن نفع الأمة من هذه الطريق هو فائدة للدولة، و هي فائدة للأمة. فلا فرق في هذا الاتصال و التلازم.. و هذا من الأمور المسلمة في العالم و المقطوع بها.

و كلها مما يؤدي إلي التنظيم و الغني..

هذا و ليعلم كل موظف أنه لم يعمل لنفسه، و إنما يعمل في حدود وظيفته للقيام بخدمة الأهلين و سلامتهم و سعادتهم، و ليعاون الأهلون الموظفين فهم في حاجة إلي تسهيل هذه المهمة التي يقومون بها، و ليتحملوا المشاق في هذا السبيل فيما لم يدركوا نتائجه، و هو مما يعود للكل بالخير.

و الحاصل أن كل ما يعمل لا يقصد منه إلا راحة الأهلين و سعادتهم و سلامتهم فمن واجبهم الانقياد و الطاعة التامة. و نسأل اللّه تعالي أن يوفقنا لما يرضي السلطان من الخدمات، و أن نؤديها بنجاح، و أن ينجينا من الخطأ جميعا.. آمين..

هذا ملخص خطاب الوالي، و فيه حث علي النظام، و تشويق للزراعة و الصناعة و التجارة، و حث علي طاعة الموظفين، و بيّن فيه واجبات كل من الموظفين و الأهلين، فكأنه يتكلم بلسان اليوم، و يدعو لخير العمل، و يضرب الأمثال لمراعاة التقدم و الأخذ بأسباب الحضارة.. مبديا أن غرض السلطان مصروف لراحة الأمة و سعادتها،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 192

و سلامة حالتها و إقامة العدل بين أهليها.. فكان آخر قوله أن دعا أن يوفق العموم لما يرضي السلطان، و أن يكون العمل سالما من شوائب الخطأ و الغلط.. و قد أدرج نص (خطابه) باللغة التركية و بالعربية أيضا إلا أن عربيته ضعيفة مفككة لا تؤدي الغرض بل

غطت عليه في أسلوبها الردي ء.. و كل ما فيه شرح للفرمان.

تركيته أوضح و المعني أجل. و به عين الخطة المرسومة. و لا شك أن السياسة المكتومة بقيت طيّ الخفاء. و لعل أعماله تنبي ء عنها و بها يميز علي الولاة قبله بأنه شغلته مشاكل القطر و مهمّات الدولة و قوانينها الموضوعة. و لم ينس أعمال بعض الولاة بل صرح بها أو أشار إليها في خطابه و أنه كان علي علم منها.

و يكون بذلك قد تذرع بالمعرفة التامة بما جري قبله و لاحظ طرق الحل بل أدرك النواقص و سار علي ثقة و اطمئنان من المعرفة لحل ما عرض من مشاكل.

مدحت باشا في بغداد: الرجل العظيم تظهر مواهبه حيثما حل. لا يخفي جوهره و إنما يشع و يسطع … و مدحت باشا من أعاظم أرباب المواهب. ولد سنة 1238 ه 1822 م. و هو ابن الحافظ محمد أشرف من القضاة من آل الحاج علي الروسجغي. جاءت حياته في العراق مدونة بقلم ابنه في كتاب (تبصره عبرت)، و في كتاب (مرآت حيرت) فيما كتبه مدحت باشا عن نفسه و أعماله في مذكرات. حفظ القرآن الكريم، و دخل دوائر الدولة. و في خلال المدة طلب العربية، و تعلّم الفارسية علي مشاهير العلماء. و أتقن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 193

الخط الديواني. أكمل تحصيله، فتقلد مناصب عديدة، و نال الوزارة، و عهدت إليه بعض الإيالات. ثم نال منصب شوري الدولة.

و بعد شوري الدولة ولي (منصب بغداد) فخلف تقي الدين باشا.

و يهمنا تاريخ حياته في بغداد و من أراد التوسع في إدراك عظمة الرجل في أعماله كلها فليرجع إلي ما كتبه مدحت باشا نفسه من الكتب و هو ما نشره

ابنه علي حيدر بك و ما كتب عنه في مؤلفات عديدة. ففي بغداد أبدي قدرة و انتباها. و عرف الإدارات السابقة للولاة الماضين فاستعرضها في خطابه، و أبدي أنه لا يستطيع القيام بكل ما يراد بل ببعض ما يتيسر له و قد فعل. و عمل المرء في هذه الحياة مما ينفع قليل. و هذا يذكر فاعله.

إن الرجل لم يكن واضع قانون، و جلّ همّه تنفيذ قوانين الدولة.

فكان توجيهه مرضيا. و قد وفق لما تطلبته المصلحة و أمكن عمله. فإذا كان لم يأت بشي ء جديد فإنه وجّه، و عمل، و استخدم المواهب و أشرك في مهماته، و حاسب علي الإهمال و التراخي، و تغلّب علي الأهواء و التيارات المتعارضة، فأخذ بناصيتها و عمل بما لم يسبق إليه.

و هذا ما رفع مكانته بين الوزراء، و علا به علي غيره، و ذاع ذكره.

و وقائع القطر ظواهر ذلك في معرفة حياته و كذا في الأقطار الأخري التي حلّ فيها، و المهمات التي قام بها، فحصل الذكر الجميل.

رسوم الاحتساب:

و هذه قديمة. و الاحتساب مبناه مراعاة قاعدة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فلم تبق إلا رسومه و كان أمل الوزير إلغاءها و إلغاء الباج. و جل ما فعله ما ورد في الزوراء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 194

«هذه الرسوم لا تؤخذ عن كل لواء. و إنما يجب إبراز وصل مشعر بالأخذ. و هكذا يراعي في ضرائب الكمرك. فإذا صار ما هو تابع لرسم الاحتساب إلي قضاء آخر و لم يؤخذ عنه رسم فحينئذ يستوفي الرسم المطلوب بموجب تعرفة. و الملتزمون يجب أن يراعوا ذلك تماما» اه.

و ما جاء في (تبصره عبرت) من أن الوزير ألغي رسوم الاحتساب فغير صحيح.

و إنما جعلها تسير سيرة قانونية. و كذا الأمر في رسوم الكمرك. و إنما ألغيت بتاريخ متأخر. فعمل الوزير أن لا يكرر الأخذ في كل لواء للرسوم.

التشكيلات الإدارية:

أصلها من وضع السلطان سليمان القانوني أجري أكبر إصلاح فيها. و ثبت حالتها التي كانت عليها. ثم لحقها التعديل في أزمان مختلفة. و في 7 جمادي الآخرة سنة 1281 ه وضع نظام في ترتيب الولايات، فلم يعمل به في العراق. و تغيرت أوضاع ألويته و أقضيته و نواحيه كثيرا. حاول التغيير فعلا بل قام بذلك بموجب هذا النظام. و ما يصلح من الألوية أبقاه أو ما كان صالحا و لم يسبق له ذكر أسسه.

و هكذا كان عمله في الأقضية و النواحي. و لم تمض مدة حتي صدر النظام المؤرخ في 29 شوال سنة 1287 ه في أيام مدحت باشا فلم يحدث تبدل جوهري. و هذا النظام بقي معمولا به ثم عدل الباب الثاني منه بالقانون الوقتي المؤرخ 18 ربيع الآخر سنة 1330 ه. و استمر العمل به إلي أن صدر القانون المؤرخ في 17 ربيع الآخر سنة 1331 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 195

و هذا لحقته تعديلات و دام العمل به إلي احتلال بغداد.

و في هذه تعينت واجبات الوالي و المتصرف و القائممقام و مدير الناحية و مجالس الإدارة، و الانتخابات و ما ماثل من الوظائف و المهمات. و أن قانون إدارة الولايات الجديد عندنا جري علي منوال الأخير من هذه القوانين.

و العراق ثلاث ولايات:
1- البصرة. و ألويتها:

(1) نفس البصرة. و أقضيتها:

1. القرنة.

(2) المنتفق. تكوّن بعد مدحت باشا. و كان سوق الشيوخ يعد لواء. و بعد تكوّن الناصرية صارت مركز اللواء و سوق الشيوخ قضاء.

(3) العمارة. أحدثت أخيرا. و لم تتكون لها أقضية إلا أنها سارعت في الظهور.

(4) نجد. تكونت أيام مدحت باشا بعد الاستيلاء عليها. و يسمي لواء الأحساء. و أقضيته:

1. قطيف.

2. قطر.

2- الموصل. و ألويتها:

و هذه لحقها تحول كبير فبينا كانت السليمانية إمارة إذ صارت لواء. و هكذا الألوية كانت تابعة بغداد إذ قامت بنفسها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 196

(1) نفس لواء الموصل. و أقضيته:

1. نفس الموصل.

2. العمادية. ثم ألحقت بحكاري من مدينة و ان سنة 1265 ه.

ثم أعيدت بعد أيام مدحت باشا بكثير.

3. زاخو.

4. سنجار.

5. دهوك.

6. عقرة (العقر).

(و كان من أقضية الموصل الجزيرة فانفصلت).

(2) كركوك. و يسمي لواء شهرزور. و أقضيته: ثم استقل باسم (لواء كركوك) من تاريخ القضاء علي (بابان) فصارت السليمانية لواء، و كركوك لواء آخر. و أقضيته:

1. رواندز.

2. إربل.

3. صلاحية (كفري).

4. كويسنجق.

5. رانية.

و في غالب إدارته كان تابعا بغداد. و التحول فيه كبير جدا.

(3) لواء السليمانية. و أقضيته:

1. گلعنبر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 197

2. بازيان.

3. شهربازار.

4. قره طاغ.

5. مرگه.

6. قضاء الجاف.

و تحولت هذه الأقضية كثيرا. و اللواء حديث العهد في إدارته.

و كان تابعا بغداد، فصار لواء سنة 1267 ه بإدارة الدولة.

3- بغداد. و ألويتها:

(1) نفس لواء بغداد. و أقضيته:

1. قضاء خراسان. و يقال (خريسان). و أصله (طريق خراسان) فشاع بما ذكر. ثم صار لواء باسم (لواء ديالي).

2. قضاء خانقين.

3. قضاء الكاظمية.

4. قضاء سامراء.

5. الدليم. ثم صار الدليم لواء.

6. قضاء عانة. ثم صار تابعا للواء الدليم.

و في هذا اللواء حدث تحول كثير.

(2) لواء الحلة. و أقضيته:

1. الهندية.

2. السماوة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 198

3. الديوانية. و صارت لواء.

4. النجف.

5. الشامية.

و هذا اللواء لحقته تحولات. و في بعض الأحيان اعتبرت الحلة لواء. و كذا الديوانية صارت لواء.

(3) لواء كربلاء. لم تظهر تشكيلات في هذا اللواء أيام مدحت باشا.

و هذه الألوية جري عليها بعض التعديل و التحوير فلم تستقر. و كان لواء كركوك يسمي

شهرزور لأن المتصرفين يستقرون في كركوك دون السليمانية. و في أيام تكوّن لواء السليمانية صارت كركوك لواء باسم (لواء كركوك). و من ثم تغير الوضع أحيانا، و بالنظر لقانون إدارة الولايات الجديد و ربما اقتطعت بعض المواطن من لواء و ألحقت بآخر لمصلحة. أو أحدث لواء. و أن مدحت باشا استطلع آراء المتصرفين و القائممقامين في تقرير هذه الألوية و الأقضية بنواحيها و قراها. و روعي الزمن و الحالة الراهنة. و الألوية مرتبطة بولايات قد تكوّن منها العراق.

فكانت الوحدة مرعية دائما.

و ولاية بغداد خاصة متكونة:

(1) من وال.

(2) من معاون وال.

(3) من متصرف المركز.

(4) من قائممقام المركز.

و أما الألوية الأخري فإنها متكونة من:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 199

(1) المتصرف.

(2) معاون المتصرف.

و الأقضية من:

(1) القائممقام.

(2) النائب.

و أبقي سائر التشكيلات علي حالها. و أقرب ما يعين ذلك زمن هذا الوالي (سالنامة بغداد) لسنة 1292 ه فلم تحدث تبدلات تدعو إلي الالتفات في خلال بضع سنوات.

المطبعة و جريدة الزوراء:

و هذه من تشكيلات الدولة. و تأسست في الولايات الأخري.

و كان من الصعب تكوينها. و الوزير أراد أن تدوّن أعماله و ما يقوم به.

فأصدر جريدة الزوراء. و أول عدد منها صدر في 5 ربيع الأول سنة 1286 ه- 1869 م و استمرت طول أيامه. و بعدها دامت إلي قبيل الاحتلال. و أن منهاج الحكومة أن تنشر ما يجري من أخبار لئلا تشوه.

و أن تسجل أعمال الحكومة. و كانت قد أوصت الحكومة بجلب المطبعة قبل زمن هذا الوالي.

و أن المطبعة لم تطبع الجريدة و حدها بل طبعت بعض المؤلفات، و السالنامات و أعمال رسمية. و يطول بنا ذكر مرتبات المطبعة و عمالها و القائمين بها. و قد أفردنا ذلك في كتاب خاص

باسم (الطباعة و المطبوعات في العراق) مما لا محل لاستيعابه الآن. و لا شك أن فوائدها كبيرة في نشر الزوراء و بها عرفنا حوادث بغداد. و مطبوعاتها الأخري أفادت الثقافة كثيرا. و خير ما قامت به هذه المطبعة أن أصدرت الزوراء فسجلت أعمال هذا الوالي فكانت خير مرجع و قد تمكنا من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 200

الحصول علي أعدادها المتعلقة بهذا الوالي فلم يبق خفاء في أعماله كما قامت بطبع (سالنامات بغداد) و بعض المؤلفات و القوانين.

متصرف كربلاء:

علم الوالي أن متصرف كربلاء إسماعيل باشا كان سيي ء الإدارة مرتشيا، و كذا بعض الموظفين ممن علي شاكلته، فذهب بنفسه إلي كربلاء، و أجري التحقيق، فثبت له ما كان قد عزي إلي المتصرف، فعزله في الحال، و أمر بأخذه للمحاكمة و نصب مكانه حافظ أفندي قائممقام كوستنديل سابقا.

توسيع كربلاء:

و في أثناء مهمته هناك رأي أن هذه البلدة صغيرة و ضيقة نظرا للزحام الموجود فيها. فأمر بلزوم تشكيل محلة جديدة فيها و تنظيم خارطة بذلك و ترتيبها بالوجه المطلوب علي أن تباع العرصات إلي الأهلين لكل من أراد أن يبني دارا أو دكانا أو أي بناء، و أن تصرف المبالغ المستحصلة في سبيل تنظيم طرقها.. و هذه المحلة هي المعروفة قديما بالمحلة الجديدة و تعرف اليوم ب (العباسية).

التفت الوالي إلي هذه المهمة. و لم يؤخر العمل بها.. و كان قد أقام في كربلاء خمسة أيام أو ستة.

الوالي في قضاء الهندية و الحلة:

ثم إن الوالي عرّج في طريقه من كربلاء إلي قضاء الهندية، و الحلة، فقام ببعض المهام، و عاد إلي بغداد.. و لا شك أنه أوعز بما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 201

أراد من إكمال النواقص.

يزيدية سنجار:

إن اليزيدية كانوا قد عصوا علي الحكومة من مدة نحو خمس سنوات أو ست، و تمنعوا في الجبال فتركوا و شأنهم، بقوا في العزلة و التزموا أن لا يدخل غريب إليهم.. فاستمروا في حالتهم هذه، و عاشوا علي محاصيل الجبل الوافرة، و منعوا غيرهم من الاستفادة فاستأثروا بها..

و لم يهدأ هؤلاء في مواطنهم، و إنما كانوا يعيثون بالأمن و يضرون بالغادي و الرائح.. و من ذلك أن قصابين كانا قد ذهبا إلي قبائل شمر و عنزة لشراء الأغنام. فلما وصلا إلي قرب الجبل لقيهما بعض اليزيدية، فأخبروهما بوجود أغنام في الجبل أرخص و أنفع من غيرها، و أطمعوا بالربح الزائد، فأخذوهما إلي الجبل، و حيل بينهم و بين ما يأملون الحصول عليه فقتلوهما، و سلبوا ما عندهما من نقود.

وافق ذلك ورود الوزير مدحت باشا إلي الموصل، فعلم بما جري و طلب من اليزيدية بيان أسماء القاتلين، و أن يسلموهم إلي الحكومة، فتمكنوا، و لم يقوموا بأمر نحو العتاة و من ثم رأي هذا الأمر من أهم ما يجب أن تلتفت إليه الحكومة، و تتخذ الوسائل للقبض علي هؤلاء الجناة بأي وجه كان. و لزوم تأديب مثل هؤلاء الأشرار..

و علي هذا، و في الحال جمعت العساكر الموجودة في الموصل و ماردين و شهرزور فبلغوا مقدار ثلاثة أفواج، و سريتين من الخيالة، و أربع قطع مدافع، و مقدار من الجند الموظفة.. أدخلوا تحت إمرة أحمد بك الزعيم الموجود في الموصل، مع

ضيا باشا متصرف لواء الموصل،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 202

أمروا بالذهاب إلي سنجار، و زوّدوا بالتعليمات اللازمة..

فلما وصل الجيش إلي سنجار، اضطرب اليزيدية، و ارتدوا إلي الوراء في المسالك الصعاب التي لا يمكن اجتيازها و كانوا يظنون أن العسكر سوف يهجم عليهم و ينهب أموالهم و يقتلهم و يحرق زروعهم، و يستولي علي نسائهم.. و لكنهم ما لبثوا أن علموا أن المقصود أهل الشقاوة القاتلين، فأفهموا بأن المقصود أولئك القاتلون العصاة لا غير، فجاؤوا بهم فألقي القبض عليهم وحدهم.. و جاء الأهلون بعنوان الدخالة.. و اكتفي بالجناة.. و بمقتضي التعليمات أخذ للعسكرية جماعة من أهل الجبل بطريقة القرعة و أن يحصّل ما تراكم بذمتهم من الأموال الأميرية، فعاينوا الأفراد و فرقوا من يصلح للخدمة العسكرية، و من جهة أخري حصلوا الأموال الأميرية، فتم ذلك كله. و لأجل إكمال المدة المعينة للخدمة في الجندية تركوا في بيوتهم عشرين يوما و أمرت الحكومة بوضع ضابطة دائمة مرابطة بناحية تلعفر، و لزوم إنشاء دائرة حكومة مناسبة و أن تحول (ناحية تلعفر) إلي (قائممقامية).. و أن يكون بناء دار الحكومة رصينا محكما، و باشروا بعمل ما يقتضي..

و من ثم سهل القضاء علي غائلة سنجار، و أقام فوجا من العسكر للتأكد من الوضع. و رجع الباقي و أما القاتلون فأودع النظر في دعواهم إلي المحكمة في الموصل، و بذلك تمت الواقعة.. و كذا تم ما معها من لواحق. جري ذلك في 12 ربيع الأول.

الأوزان و المقاييس الأخري:

حاول مدحت باشا التعديل في الأوزان و توحيدها فأمر أن تعتبر الحقة 400 درهم، و أن تجعل كل 10 حقات منّا واحدا، و أن تكون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 203

عشرة أمنان وزنة

واحدة. و عد كل 10 وزنات تغارا. و ذلك في 10 ربيع الأول. فلم يتم كما رغب. و الغرض لم يكن موجها إلي إبداع موازين عشرية. و إنما الغرض التعامل العالمي إلا أنه لم يتم له ذلك.

ثم أصدرت الدولة القانون المؤرخ 20 جمادي الآخرة سنة 1286 ه في المقاييس الجديدة. و طبع باللغة العربية في المطبعة العامرة في 3 ذي الحجة سنة 1286 ه و منع بموجبه استعمال المقاييس القديمة اعتبارا من آذار سنة 1290 رومية أي بعد سنتين. و في خلالهما الاختيار للأهلين. و الحق بذلك نظام في طريقة التطبيق.

فصلت ذلك في مبحث الأوزان من كتاب النقود العراقية. و لم ينجح هذا المشروع. و دام استعمال الناس، فلم يخرجوا علي معتادهم في العهد العثماني حتي أواخره.

النقود:

و هذه حاول الوزير تمشيتها بوجه مطرد موافق لرغبة دولته فلم ينجح. و أنواع النقود لا يمكن حصرها. و بينها النقود العثمانية و النقود الأجنبية. و لم يلتفت الناس إلي الأوامر المشددة، فلم تشأ الأمة أن تمضي علي خلاف مألوفها و حاجتها الاقتصادية. فإن النقود الإيرانية يتعامل بها بكثرة و مثلها نقود الدولة. و هكذا النقود الأجنبية. و علاقات العراق بالأقطار تعينها تحولات النقود و كثرة تنوعها و انتشارها.

و هذه تابعة للحالة التي كانت عليها في ذلك الحين. و ليس من المستطاع تبديل السعر بصورة كيفية أو إعطاء الأوامر التي لا يستطاع تطبيقها. فكانت كل محاولة غير طبيعية أو خلاف الحاجة فاشلة قطعا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 204

بقيت النقود علي حالتها المألوفة و الاقتصادية المتداولة و لم يفلح مدحت باشا و لا من جاء بعده. و في الوقت نفسه بقي التلاعب بالنقود مستمرا. و القيمة الحقيقية

لم تفلت من أيدي الناس و لا من أيدي الصرافين. و بالتعبير الأولي لم يستطع مدحت باشا أن يحل أمر النقود حلا سالما و أن محاولته ذهبت عبثا. و كل منا يعرف نقودنا. تكلمت عليها مفصلا في كتاب (النقود العراقية).

يعسر علي المرء الإصلاح في الأمور القليلة الأهمية فكيف بما ألفه الناس. فالنقود أصابها اضطراب إلا أن الأمور الاقتصادية حياتية و مألوفيتها يجعل التمسك بها مكينا فلا تغير بسهولة. و المهم أنه وجب أن يدخلها الإصلاح في منهاج الدولة. أو أن تظهر أمور قاهرة تستدعي قبول غير المألوف. و إلا فحوادث مثل هذه قد تؤدي إلي قلاقل و تذمرات، لما يلحق من أضرار و عناء و اضطراب في الحكومة من جراء العلاقة.

و في العراق لم تضرب النقود منذ أمد أي من سنة 1262 ه و لم تكن في تعاملها علي وتيرة و نسبة ثابتة، بل تعتبر البيشلك (البيشلغ) بخمسة قروش صحيحة، و في التداول بستة قروش و عشر پارات و يقابله بالنقد المغشوش (المتاليك) خمسة و عشرون قرشا. و كذا يقال في (الشامي) تعتبره الحكومة تسعة قروش و ثلاثين پاره في حين أن التعامل به بين الأهلين بعشرة قروش. و الإجحاف بين الأخذ و الرد ظاهر.

و هكذا يقال في النقود الإيرانية و التلاعب بأسعارها. كان القران بسعر ثلاثة قروش و ثلاثين پارة و لكنه لم يستقر علي هذه الحالة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 205

أختام رسمية (عن مجموعة مخطوطة للسيد حسني الخطاط حفار الأختام المعروف) (من اليمين إلي اليسار) الصف الأعلي: السيد ناصر (باشا السعدون) متصرف لواء المنتفق (1282 ه)- والي ولاية بغداد- سليمان فائق متصرف لواء البصرة (1286 ه).

الصف الأدني: متصرف لواء العمارة (1286

ه)-

متصرف لواء نجد السيد محمد نافذ (1288 ه).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 206

و النقود الأجنبية هذا شأنها فإن التعامل بها غير ثابت.

و علي كلّ إن العراق ليس لديه من النقود العثمانية ما يكفي للتداول، أو يفي بالحاجة الاقتصادية و قسر الناس علي ذلك يضر بالحركة الاقتصادية و يدعو إلي تذمرات كما أن العلاقات الجوارية تستدعي أن تشيع نقود إيران بكثرة بسبب الزيارات و الحج و المعاملات التجارية الكثيرة، فليس من المستطاع أن تزاحم. و النقود الأجنبية الأخري ليس لها من الأهمية كالإيرانية و لكنها متداولة قطعا. و لا شك أن النقود الأجنبية و الإيرانية أبقت أثرا. فإن الدولة فكرت في مزاحمتها، فلم تستطع. و إن توحيد النقود كتوحيد الأوزان و المقاييس الأخري باء بالفشل الذريع. و حرمت الدولة ما كانت تأمله من الفائدة من هذا الطريق فلم تلق رواجا و لا نجاحا. لم يتم لها الغرض حتي بعد انتهاء المدة المضروبة للمقاييس و النقود. و إنما بقي ما كان علي ما كان. نري الأوامر لا تزال تتري بلا جدوي. فنري مساعي الوالي مصروفة إلي تنفيذ رغبة الدولة و تطبيق قوانينها، فلم يفلح.

الضبطية:

من أصول الولاية المقررة أن يكون في مركز الولاية قائد بصفة (زعيم) و تتوزع للألوية (أفواج) من الضبطية، فيكون في كل لواء (فوج) إلا أن هذا لم يعهد قبل في بغداد، فكانت أمور الضبطية مبعثرة و لم تجر علي قاعدة. أمر الوالي بتنظيم التشكيلات كما يتطلبه قانون إدارة الألوية. و كان في بغداد نحو ثمانية آلاف من الضبطية المعروفين ب (باشي بوزوق) و ينطق به العامة (باشبوزغ)، فألغيت و أسست كتيبة خيالة من (2400) و كردوس مشاة يتكون من (4000) و

نيف جعلهم مشاة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 207

و قد تأسست بعض سرياتهم في الحال و عيّن لهم ضباط. و نظمت لهم ألبسة و أسلحة..

و يقال لهؤلاء (الضبطية) الجندرمة. و ترتيبهم عسكري فهم بمنزلة شرطة هذه الأيام، و ترتيب الشرطة جاء متأخرا..

تطوع الجند:

دخلوا الجندية في سنة 1278 ه، و في هذه الأيام اقتضي تسريحهم، فأجريت المراسم إلا أن عددا كبيرا منهم تركوا تذاكرهم الرديفية، و تطوعوا للخدمة، فأعلن الشكر لهم علي لسان الزوراء، و تكونت (دائرة رديف)، و يقال لهؤلاء المتطوعة (گوكلية).. و كانت القرعة تطلق علي (الجندية) و بذلك خففت النفرة، و قيلت نوعا و لو قسرا.

عزل بعض الموظفين:

كان الوالي يتحقق كل من عرف عنه سوء حالة من الموظفين ليضرب علي يده. عزل قائممقام راوندوز بسبب ارتشاء عرف عنه، و هكذا فعل بمدير ناحية عانة و نائبها. كانوا أخذوا بعض المبالغ باسم الرسوم، و سيق هؤلاء للمحاكمة، و صار الموظفون يخشون أن يعبثوا بالأمن، لما يجري من مراقبة فكان الناس بأمن، و أن إعلان ذلك خير رادع للموظفين. و النفوس الشريرة لا يفيد معها تأديب أو عبرة..

المدرسة العلية- مدرسة الصنائع:

رأي الوالي كثرة المدارس، فظن أن تحويل واحدة منها إلي مدرسة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 208

صنائع لا يضر. و لم يدر أن في ذلك اعتداء علي حقوق الواقفين و إن أتي بالخير العميم في تعليم الأيتام القراءة و الكتابة، و بعض الصنائع الحيوية لئلا يكونوا عالة علي المجتمع، بل يعودون عناصر فعّالة و نافعة.

و لماذا لا تقوم الحكومة بمؤسسة جديدة؟ و هل عجزت عن ذلك؟

تكونت مدرسة الصنائع ممن لا معيل لهم أو ممن لا يتمكن أحد من القيام بأمر تربيتهم، و هم من أيتام المسلمين. و الآمال مصروفة إلي توسيع هذه المؤسسة باستخدام مثل هؤلاء للمعامل، و للمطبعة كمرتبين، و لا يترك شأن تعليمهم، فكانت من خير الأعمال لو رأت حسن رعاية و عناية. و كانت مؤسسة من مال الحكومة أو من التبرعات. فلا يبرر الغصب الغاية الخيرية.

استهدفت الحكومة أمر العناية بفقراء المسلمين و تعليمهم الصناعة، فاتخذت (المدرسة العلية) موطنا لهم..

و هذه المدرسة وقفها علي باشا الأول من وزراء المماليك من ماله، و هي علي دجلة في أحسن موقع. تأسست سنة 1176 ه، و كان قد كتب علي جدرانها:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ … [آل عمران: 104] اه.

أوضحنا

عنها في كتاب المعاهد الخيرية و احتمل أنها لعلي باشا الكتخدا كان غير صواب. بقيت (مدرسة صنائع) أيام مدحت باشا و دامت إلي احتلال بغداد سنة 1335 ه- 1917 م.

في أوائل سنة 1287 ه تم افتتاح مدرسة الصنائع و جري توزيع الطلاب فيها إلي صنوف الحدادة، و النسج، و عمل الأحذية.. و بلغوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 209

144 طالبا وضعوا في مخيم إلي أن تتم الأبنية في المدرسة. زارهم الوالي و أحمد باشا رئيس أركان الفيلق السادس، و اهتم الوالي بهم كثيرا و اختير بعضهم أن يكونوا مرتبين في المطبعة.

اشترك الأهلون في التبرع لهذه المدرسة من بغداد و البصرة و مواطن العراق الأخري.. و لو كان الولاة بعد مدحت باشا قاموا بالمهمة لأدت إلي نتائج مرضية، جمعت مبالغ طائلة من التبرعات، و كان من بين المتبرعين محمد آل جميل، و الخواجة يوسف الركوكي، و آخرون، ثم تبرع إقبال الدولة، و ناصر باشا السعدون و سليمان فائق، فكان لتبرعات إقبال الدولة و ناصر باشا أثر مشهود.. و هكذا استمرت الحكومة في جمع التبرعات لتكون مؤسسة مفيدة، و آلة خير لا للفقراء، بل لكل من يرغب في صنعة..

مضت السنون، و توالت الأيام، و لا تزال المدرسة في حالة ابتدائية، و لم تخط خطوة نحو الإصلاح. و إذا كان قد ظهر بعض المتعلمين منها، فما ذلك إلا لأن هؤلاء جدوا لأنفسهم، و اجتهدوا..

لا أن نظم التعليم تحسنت، و الآن اتخذت مجلس الأمة.

تنظيم البلدية- الطرق:

إن الحكومة التفتت إلي ما في البلد من عدم انتظام، و ما يضر به من أوحال و ما يصيب الناس من عناء أيام الأمطار خاصة.. و كان من جملة ما يجب أن يهتم له

أمر تنظيفه و تحسينه مما يؤدي إلي رعاية صحته لا سيما أمر تبليط شوارعه.. و قد شرعت الحكومة في تبليط سوق البلانجية للتجربة و يسمي اليوم (شارع المأمون)، و من ذلك الحين صار يقال له (عقد الصخر).. و وقف التبليط عنده..

و هكذا كانت النية تنظيم الطرق بين الألوية. فلم يتحقق شي ء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 210

عنزة و شمر:

الشيخ ساجر الرفدي من رؤساء عنزة قد غزا شمر في 12 ربيع الأول بخمسين مردوفا و ثلاثمائة فارس، و أراد أن يعبر الفرات من قرب الرمادي في محل يقال له (طوي)، فسمعت الحكومة، فمنعته، بسوق جيش إليه، فعاد قسم من رجال غزوه و بقي الشيخ يتجول بثلة كانت معه بين حديثة و عانة و من هناك عبر، و هاجم شمر.. و لم يعرف ذلك إلا بعد وقوع الحادث.. و بمهاجمته هذه قد صادف قبيلة عبدة من شمر فلم يقاتلها و إنما اكتفي بنهب (150) بعيرا منها و عاد إلي ما بين هيت وجبّة مجتازا من المعابر و مضي إلي قبيلته..

ثم إنه لم يكتف بهذه الواقعة، بل تلتها غيرها ففي 24 جمادي الأولي سنة 1286 ه غزا ب (500) خيال و مثلها من المراديف، فعبر الفرات بين هيت والدليم، و هاجم شمر الجرباء، فلما علمت الحكومة حاولت منعه إلا أنها لم تظفر به، و البرية واسعة، و ليس لها طريق معينة.

الأراضي الأميرية في البصرة:

نشر قانون الأراضي، و أنظمة الطابو في 14 صفر سنة 1276 ه، ثم جرت التعديلات عليهما، فأعلن نصهما. و لكن هذه القوانين لم يجر العمل بها، و لا تأسست دائرة طابو بصورة صحيحة.

ثم أصدر الوزير أمرا بتفويض الأراضي الخالية بحساب الدونم، و أن المغروس يؤخذ عنه عن كل دونم من الأراضي المعمورة 30 قرشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 211

سنويا، و أما غير المغروس، و ما هو صالح للزراعة فيؤخذ منه العشر.

و ما يغرس جديدا يعفي من الرسوم لمدة ست سنوات، ثم يؤخذ منه المقطوع فحسب.

و تعد هذه خطوة في الإصلاح، لاستفادة الحكومة عاجلا في عملية البيع، و استيفاء العشر لتوحيد المعاملات و اطرادها.

فكان لذلك مكانة مقبولة من نفوس الأهلين، و من ثم انقطعت تدخلات الموظفين في أمر البساتين مما يؤخر الإعمار، فجاء مسهلا طريق استغلال الأراضي الأميرية..

الهماوند- السنجاوية:

و يقال (هموند) أو (حمه وند). عشيرة كردية معروفة بشجاعتها، و بقطع الطرق و الإخلال بالأمن منذ سنين بحيث صار يضرب المثل بها، تتعرض للمارة، و تعيث بالأمن. و من رؤسائها (جوامير)، يقال فيه (فلان صاير جوامير).

كانوا ثلاثمائة فارس أو أربعمائة و بسبب القتال لم يبق منهم في هذه الأيام إلا نحو سبعين فارسا أو ثمانين. ذهبوا إلي أنحاء زهاب (زهاو) فصاروا يهاجمون الأطراف المجاورة بعشرين أو ثلاثين منهم فيسلبون و ينهبون و كان لهم من الرؤساء:

1- محمد ميكائيل:

2- جوكل (جامير).

3- بچه شيرين.

4- بچه أمين.

إن فرقة محمد ميكائيل في أنحاء السليمانية كانت قد ساقت عليها الحكومة جيشا قتل منه (رئيس) و جنديان، و أصيب محمد ميكائيل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 212

بجرح. و لما عاد من إيران توفي. و أما بچه شيرين فقد تعقبته فرقة عسكرية.

و لم تنته قضية الكرد بين إيران و العراق و لا يزال هؤلاء يعيثون بالأمن و يزعجون الحدود. فكانت هذه القضية من جملة ما جرت المفاوضات عليها بين إيران و العراق لا سيما (الهماوند).

و هؤلاء إذا طاردتهم الحكومة مالوا إلي إيران أو إذا طاردتهم إيران عدلوا إلي الأنحاء العراقية و هكذا …

و أما العشائر الإيرانية، فإن السنجابيين (السنجاويين) منهم يشتون في الأنحاء العراقية و لا يخلون بوجه من وقائع ضارة بالأهلين، فلا يهدأون بل لا يقلون عن الهماوند..

ذلك ما دعا أن يتفق العراق و إيران علي أن لا تؤي دولة أشقياء الأخري. و إذا طاردتهم حكومة، وجب علي الأخري المعاونة في القضاء عليهم أو

تأديبهم.. فكان لهذا الاتفاق حسن الأثر بين الدولتين، و لكن الإيرانيين لم يشأ أمراؤهم أن يبقي الهدوء سائدا و أن تقتطف ثمراته، فلم يوافقوا علي صورة حل. بقوا علي آرائهم القديمة.. و إن الموافقة بين رجال الدولتين لا تكفي دون أن يري أثرها مشهودا فعلا، فلم يقم الإيرانيون بما يؤدي إلي نتائج مرضية بسبب المتغلبة و الأمراء هناك..

أما مدحت باشا فإنه اتخذ قلاعا علي الحدود، و الممرات و جعل فيها قوة محافظة لمنع مثل هذه الأعمال، و لم تقم إيران بمثل ذلك..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 213

و كانت هذه القلاع قد اتخذت في أنحاء زنگباد، و في هذه المرة ألقي القبض علي اثنين من رجال الهماوند و مال الباقون إلي إيران فنجوا.

ثم ظهرت فرقة بچه أمين علي قافلة بأطراف خانقين فسلبتها ما عندها، فعلم هؤلاء أن اثنين من المسلوبين كانوا من الإيرانيين فأعادت إليهم أموالهم المنهوبة، و أخذوا ما يعود للعرب.. فلما سمعت الحكومة بالأمر، و علمت بواسطة البرقيات من شهربان (المقدادية) و قزلرباط (السعدية) أن قد غاب هؤلاء من البين. و منذ أربعة أيام أرسلت وراءهم عسكرا لتعقيبهم من خانقين و من قزلرباط، و كذا أرسل وراءهم خيالة من العشائر، فأحاطوا بهم فحصلت معركة بين الطرفين، فجرح عبد اللّه بك رئيس العسكر في قزلرباط برجله، و سويلم من عشيرة ربيعة أصيب بصدره، و قتل العسكر رئيس هؤلاء و هو بچه أمين و اثنين من أعوانه و ألقي القبض علي اثنين آخرين بأسلحتهم و هما محمد رش و محمد صالح، و استولي العسكر علي ستة من خيولهم اغتنموها منهم، و استردوا المنهوبات و سيق المقبوض عليهم إلي المحاكمة.

و هذه الوقائع تعين ضعف الحكومة

و عجزها عن مطاردة مثل هؤلاء و إنما استعانت برجال العشائر.

ثم أجريت محاكمتهم، فاعترفوا بالجرائم التي أوقعوها، و من ثم حكم عليهم بالإعدام. و هذه العشيرة فصلنا أحوالها في كتاب (عشائر العراق الكردية).

و كل ما نقوله هنا إن هذه العشيرة في أيام مدحت باشا لم تقف عند ما مر من الوقائع، و إنما عادت مرة أخري. ففي أنحاء كركوك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 214

سلبت قافلة فجهزت الحكومة عليها جيشا، فألقي القبض علي ثلاثة من رجالها تبين أن واحدا منهم كان ضابطا، ففرّ و التحق بها و اسمه (زاله)، و الآخران اعترفا بالجرائم فسيقا للمحاكمة..

عشائر أورامان:

و يقال (هاورمان) سميت باسم المحل. قسم منهم للعراق و الآخر لإيران.. و هذه من القبائل الكردية المهمة، و القسم الإيراني من توابع سنندج (سنة) و قسم العراق تابع للواء السليمانية، في مواطن جبلية صعبة المرور..

و هذه لم تهدأ من قتال و نضال بينها و بين إيران، و لها أمير يختار من بينها، يدعي (سلطانا)، و كان قبل سنة قد دعا حاكم (سنة) فرهاد ميرزا أحد رؤسائهم حسن سلطان، فقربه إليه ثم قتله غيلة.. و علي هذا ثارت قبيلته و هاج أولاده علي هذا الاعتداء. فأرسل إليهم فرهاد ميرزا قوة. فبيتتهم هذه العشيرة ليلا فأوقعت بهم الوقيعة القاسية. الأمر الذي أدي أن تهتم حكومة إيران اهتماما كبيرا، و تبعث قوة للتنكيل بهم، و الانتقام من فعلتهم هذه..

و هذه القوة أحاطت بالجبل بقصد ضربهم الضربة القاضية.. إلا أن الجيش الإيراني لم ينل غرضا منها.. و لكن الدولة الإيرانية لم تهدأ.

و لا تزال تبعث بالجيوش، و تشن غاراتها عليهم فينالها الإخفاق.. و في هذه المرة قتلت الدولة الإيرانية فتاح بك و

أفرادا آخرين منهم، فتفرقت العشيرة.. ثم سيرت إليهم جيشا تحت قيادة كريم خان في طريق (بازلة)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 215

مع عساكر (بانه) و (ساقز) إلا أن الجيش قد هلك منه ثمانية أفراد، ثم جهزت الحكومة قمر علي خان بنحو خمسة آلاف نفر، فحدثت معركة في (دزلي) فدامت ست ساعات قتل فيها 32 من الجند الإيرانيين، و أثخن الآخرون بجروح، و نال الأورمانيون بعض الأسلحة، و كذا حصلوا علي عربات مدافع، و عتاد حربية..

هذا ما جاءت به أخبار السليمانية، و لم يعين ما أصيبوا به، و ما حدث فيهم من تلفيات..

و من المعلوم أن هذه العشيرة تبلغ أكثر من عشرين ألفا. أراضيها صعبة المرور، إلا أنها لم يكن في وسعها مقاومة إيران.. فلم تطق الوقوف في وجه الدولة الإيرانية.. فجاءت الأخبار بعد ذلك بانهزامها.

أرادت إيران إخضاعها، فناضلوا إلا أنهم لم يستطيعوا الدوام علي الحرب، و إن كانوا قد أصابوا الإيرانيين بأضرار.. و بسبب المخالفة المذهبية حنقوا عليهم حنقا زائدا، و قسوا فيهم.. فلما دخل الإيرانيون الجبل حاولوا أن يقتلوهم قتلا عاما، و شرعوا يحرقون القري و يقتّلون فيه تقتيلا شنيعا فلم يتركوا طفلا و لا امرأة.. و منهم من قطعوا أيديهم و أرجلهم، مما زاد في توحش الأهلين و نفرتهم منهم، فمالوا إلي العراق، طلبوا الدخالة، و قدم رؤساؤهم و أمراؤهم محاضر عامة بينوا فيها حالتهم و الجور الذي لحقهم.

و الدولة العثمانية كانت تلتزم حقوق الجوار، و في مثل هذه تعد من واجبها أن تراعي حالة الاثنين لأداء الخدمة بصورة مرضية، فاختارت تأليف البين و التقريب، فأوعزت إلي موظفي الحدود أن يراعوا المصلحة في ذلك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 216

إن الإيرانيين

لم يجيبوا رغبة الدولة، و لم يلتفتوا إلي ما أبداه الموظفون بل استمروا في القتل و النهب و التخريب، و توغلوا في إفناء هؤلاء، فمال الرؤساء و الأمراء إلي العراق، ثم تبعهم الأهلون من أطفال و نساء و عجزة فطلبوا المعاونة، و قبول الدخالة بتهالك و إلحاح لما نالهم من قسوة، فلم يتمكن الموظفون من رد عدد كبير يبلغ السبعة آلاف نسمة، فقبلوا دخالتهم، و أبدت الحكومة الرأفة و العطف لما رأته في هؤلاء من نكبة، و من ثم أسكنتهم بعض المواطن من أنحاء السليمانية، و اتخذت التدابير لمحافظتهم، و الإنفاق عليهم و إعاشتهم..

و جاء في تبصره عبرت أن الخلاف قد أدي إلي أن تقوم إيران بتأديبهم، فأرسل الشاه موظفا يخبر الحكومة، و يرجو منها أن تمنع دخولهم العراق، و كذا ورد من الباب العالي أمر بهذا المعني، و لما أجرت حكومة بغداد التحقيقات علمت أن هؤلاء من أهل السنة، شافعيو المذهب الأمر الذي دعا إلي أن يختلفوا، و كذا كانت إيران تظلمهم و تضيق عليهم..

و في هذه الحالة حارت إيران في أمرها لا تستطيع أن تخالف الباب العالي، و أن الأهلين في جبل أورامان يبلغون العشرين أو الثلاثين ألف نسمة، و أكثرهم موصوفون بالشجاعة، فأرسلت الحكومة تنفيذا للأمر أربعة أفواج أو خمسة.. و بعد مضي مدة قليلة دخلت حكومة إيران الجبل، فالتجأ الأهلون كافة إلي المملكة العراقية، فلم يسع الجيش أن يمنعهم، جاؤوا بنسائهم و أطفالهم، و كان عددهم أكثر من عشرين ألفا، فمضوا إلي لواء السليمانية، فاتخذت الحكومة التدابير المقتضية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 217

لإعالتهم، و القيام بما يحتاجون إليه ثلاثة أشهر، و حينئذ استحصلت الدولة العفو عنهم من حكومة إيران،

و تأكد أنهم سوف لا يمسهم سوء، بل نالهم العفو العام. فذهبوا إلي ديارهم مرفهين.

ثم إن إيران وافقت أن يقيم الرؤساء المتقدمون في ديار الكرد أو في آذربيجان بأن لا يعودوا إلي مواطنهم و هم بضعة أشخاص من الرؤساء..

ضباط المدرسة الحربية:

في هذه السنة تخرج طلاب من المدرسة الحربية فكانت حصة العراق منهم ستة ضباط، فتوزعوا في الفيلق السادس ببغداد..

عشيرة الحيادر:

كانت قد مالت هذه العشيرة إلي أنحاء الحويزة و في هذه المرة عادت إلي العراق، و تبلغ نحو مائتي بيت، فسكنت أنحاء العمارة، و لا يزال باقي أفرادها يتواردون.. و هذه العشيرة من آل أزيرج (أزيرق).

و يقال لها (بيت حيدر) أيضا.

إحصاء بغداد:

بغداد و في ضمنها الكاظمية و الأعظمية تبلغ (18407) بيوت و نفوسها من تبعة الدولة 63272 من الذكور من هؤلاء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 218

و أما الأجانب فهم 2411 منهم:

لا نعرف درجة صحة هذا الإحصاء بل لم يكن متقنا. و يصح أن نقول إنه لا نصيب له من الصحة.

التجارة- الطرق البحرية:

كانت تجارة الهند قديما من طريق البصرة، و مصر، و لكن الأوضاع تبدلت فصارت من طريق رأس الرجاء الصالح و منها إلي أوروبا. ثم فتح قنال السويس في 11 شعبان سنة 1286 ه- 16 تشرين الثاني سنة 1869 م فغير الوضع أكثر، و تباعدت التجارة الهندية، فصارت لأيدي الأجانب و اضطررنا إلي التعامل معهم.

و من ثم أوجدت الحكومة سفنا بخارية في خليج البصرة، و بعض السفن الشراعية. و هذه لا تفيد أكثر من محافظة السواحل، و في السويس لم تكن توجد إلا سفن الأجانب.. في حين أن الحاجة للتجارة و للحج تستدعي أن تؤلف سفن للنقل.. و أن المبالغ التي تعطي للأجانب كبيرة لا يستهان بها.. الأمر الذي دعا أن توصي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 219

الدولة بعمل مراكب بحرية لهذا الغرض..

و من ثم اشترت الدولة مركبا دعته (بابل بقوة (350) حصانا، وسعته 1700 طن، و فيه منام 280 من الركاب، اشترته الحكومة بمبلغ 33500 ليرة و قد اختبرته نظارة الحربية الإنكليزية.. و كذا عزمت علي شراء آخر مثله، و هو علي و شك إنهاء المعاملة و لا يختلف عن سابقه..

و هذا تحمّل فيه المعامل الموصي بها و المطلوبة للدولة، لتأتي بها عند فتح قنال السويس و إنهاء عمله، و أن المسافة بين البصرة و السويس 3322 ميلا و هي أربعة أضعاف المسافة

بين استانبول و الإسكندرية..

و سيعلن خبر سفرها، و تاريخ مرورها في كل شهر من باب المندب و مخا و حديدة و جدة و أمثالها مما تمر به في طريقها..

و هكذا تقرر أن يؤخذ مركب آخر من نوع ما سمي ب (مدحت باشا) الذي كان يسير في (الدانوب) و يستخدم للسير بين القرنة و البصرة و الكويت و بندر أبي علي شبر (كذا) و البحرين.

و فتح قنال السويس لم تكن فائدته مقصورة علي الدول الغربية، و إنما فائدته للدولة العثمانية أكثر، فمن واجبها أن تضع أسطولا هناك، و أن تترقب الحوادث السياسية و الاقتصادية.. و كل سواحلها عادت متصلة بسبب هذا القنال.

إن الأراضي في منتوجاتها و تداول ثروتها تحتاج دوما إلي هذا التداول و تأمين اتصاله بالخارج فكانت الضرورة تدعو إلي وسائط النقل، لئلا تبقي المحاصيل في أماكنها حتي تهلك دون أن تجد ما يسهل نقلها بلا كلفة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 220

و من هذه الوسائط البواخر و كان الانكليز قبل هذا قد حاولوا تشغيل بعض البواخر، فاشتغلت بضعة أعوام فأصابها العطب كما أن نهر دجلة لا يصلح لسير البواخر في شمال بغداد، و إنما يجري تشغيل البواخر فيما بين بغداد و البصرة.. و في أيام نامق باشا أوصي بجلب أجزاء ثلاثة بواخر و منها اثنان ركبا في بغداد، فهيئتا للعمل إلا أنها لم تبدأ.

أما مدحت باشا فإنه نصب المركب الثالث أيضا، و شرع بتشغيل المراكب فكانت منافعها للتجارة و للمنفعة العامة كبيرة جدا، و أذن بالصرف لهذه المراكب مبلغ خمسة عشر ألف كيس سنويا، و أن مدحت باشا أبلغ عدد هذه المراكب إلي ثمانية.. و كذا شكل إدارة نهرية، و نظم المعمل الذي

اتخذ ببغداد سابقا، و أتي بلوازمه فعهد إليه بتركيب المراكب و تعميرها و سائر احتياجاتها..

فتح طريق السويس البحري، و صارت السفن تتوزع بكثرة، و تنتهج جميع السواحل و عادت لا تكفي الوسائل القديمة بين بغداد و البصرة، و تحققت الحاجة إليها بقدر الحاجة إلي تنظيم وسائل النقل فتوسعت بالسفن البحرية أكثر.. و بهذا يكون المخرج للمواد العراقية، فاكتسب مكانة مقبولة، و صار العراق يتصل بمواطن بعيدة جدا..

ذلك ما دعا الحكومة آنئذ أن تشتري ثلاثة مراكب بخارية:

1- مركب بابل. و هو مركب جسيم.

2- نينوي.

3- نجد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 221

و هذه أضيفت إلي (مركب آثور).

و هذه الأربعة كانت تسير بين استانبول و العراق في كل ثلاثة أشهر مرة، و تذهب مرة إلي إنكلترا، فنظم موعد سيرها. و كان من أعظم لوازمها الفحم. تأخذه الحكومة من إنكلترا، و كذا كانت تحتاج إلي مواني ء في عدن و مسقط و بندر بوشهر، فكانت تحتاج أن تجعل وكلاء في تلك الأماكن لتقوم بالمهمة، و كانت الضرورة تدعوها أن تحفظ في بلدة عدن مقدار ثمانية آلاف أو عشرة آلاف طن من الفحم الحجري، و أن تجعل هناك مركزا لمراكب الدولة فيما إذا أرادت السير إلي البحر الأحمر و غيره فتأخذ من ذلك الفحم، فتسهل أمر تلك المراكب..

إن مركب بابل اشترته الدولة بطريق المزايدة بمبلغ (33) ألف ليرة في حين أنه كلف ثمانين ألفا. و لم تمض علي عمله إلا سنتان و بسبب إفلاس الشركة بيع، و كان أول سفره من البصرة إلي الحج ربح (35) ليرة..

و هذه السفن البحرية تأسست لها (إدارة عثمانية) قيل لها (العمان العثماني) و قد اشتهر حسن انتظامها في الأنحاء المجاورة، و صارت تربح شهريا

نحو ألف ليرة من التجارة، و بقيت هذه المراكب، و ظهر تفعها.

استمرت علي هذا الوجه، فأمنت للمملكة حاجة و منفعة من هذه الطريقة..

و الأمر لا يصح أن يقتصر علي أيام مدحت باشا بل نري أنها أصابها تضعضع و خلل.. حتي عادت غير صالحة أو زالت من البين.

و ما ذلك إلا لأن أخلاف مدحت باشا لم يرعوا هذه المؤسسة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 222

تطهير الفرات:

و كانت آمال مدحت باشا مصروفة إلي أن يتخذ طريقا في الفرات لتأمين الوسائل الثقيلة لتتكامل مخارج التجارة، و تتبادل المنتوجات.

حاول أن يأتي بالمراكب من (پيره جك) التي أتمها هناك إلا أن غرق هذه المراكب و تلفها قد كوّن قضاء مبرما و إلا فإن نهر الفرات جسيم، و من مسكنة إلي البصرة كانت مياهه صالحة لسير السفن، و أكبر عارضة في طريقها كانت بين قصبة هيت و عانة، و غالب هذه متأتية من الأبنية القديمة في النهر، و كذا من الكرود القديمة و بقايا أنقاضها و انهدامها. فذهب مدحت باشا إليها بنفسه، و علم أنها قابلة للإصلاح و التعمير و أن شاكر بك مأمور النافعة لولاية بغداد ذهب في السنة التالية، و معه مركبان خصصتا له و ما يكفي من مهندسين و أرباب وقوف لكشف جميع مواطن الفرات..

و هذا أجري التحقيقات، و حصل علي معلومات كافية، و بيّن أن الفرات قابل لأن يعمر، و يعد للانتفاع، فقام بإزالة الموانع، و بدأ من هيت وزاول تطهير العوارض في أنحاء جزائر الفليوي وجبّة و ألوس إلا أن الفرات في أكثر محاله يشاهد الجريان فيه قويا و شديدا، فلم يتيسر تخفيف هذه القوة إلي الدرجة المطلوبة. فكانت لا تزيد سرعة هذه المراكب عن

12 ميلا بل تسحب قليلا من الماء، فعزمت الحكومة أن توصي بعمل مركب من نوع المراكب التي تستعمل في النمسا في المجاري القوية. يكون لها أربعة دواليب و سرعة زائدة.. و لكن إنشاء مثل هذا المركب يحتاج إلي وقت طويل، بحيث لا يأتي بصورة (أجزاء)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 223

إلا بعد انفصال مدحت باشا. و لما ورد المركب إلي العراق سمّي (مسكنة)، فاشتغل مدة في الفرات، و هو المركب الوحيد الذي كان يعمل بين بغداد و مسكنة.

أغفل ما آل إليه أمر هذا المركب و لم يعرف تاريخ تلفه و لم ينجح هذا المشروع بوجه.

المنتفق- الالتزام:

جرت تبدلات في الإدارة فاعتبر المنتفق لواء. و في أيام هذا الوزير أوشكت مدة الالتزام أن تنتهي، و وجب أن يعرف موقف الوزير في تنفيذ رغبة الحكومة بلا إيجاد تشويش يؤدي إلي إرباك الحالة لا سيما و قد أخفق وزراء عديدون.

و لا شك أن الوزير استطلع الآراء فعلم أن الأستاذ سليمان فائق أعرف بالحالة. مارسها مدة، فدعاه برقيا للحضور، و كان آنئذ (قائممقاما) فورد بغداد، و علم ما عنده، و كان أول عمل قام به الوالي أن دعا ناصر باشا إلي بغداد للمزايدة فطلب الإمهال إلي انتهاء المدة و كانت قريبة الختام.. فلم ير الوزير بدا من تأخير القضية إلي وقتها المرهون.. و أذن لسليمان فائق بالعودة إلي البصرة. و من ثم حولها إلي متصرفية كما تقتضي التشكيلات الإدارية و بيّن أنه سوف يدعوه إذا رأي ضرورة.

و من ثم انقضت مدة الالتزام، فدعا إليه سليمان فائق، و أبدي ناصر باشا تأخرا و تهاونا أو أنه تثاقل.. و في خلال ذلك تمكن الأستاذ سليمان فائق من الاتصال ب (فهد بك).

لازمه و أقنعه أن شط العرب،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 224

و دجلة في جانبيهما قري و مزارع كثيرة، و هناك عشائر مختلفة، و أن الفرات من الحمار إلي القرنة لم يكن فيه شي ء من العمارات، و لم تؤخذ منه واردات.. و كل وارداته الشتوية و الصيفية تبلغ نحو عشرين ألف ليرة، فأرادت الحكومة أن تعطيها ببدلاتها السابقة لا أكثر..

و نواياها هذه ظهرت علي لسان الأستاذ سليمان فائق. و في 21 ربيع الأول سنة 1286 ه- 1861 م ورد ناصر باشا إلي بغداد، و واجه الوالي مدحت باشا فقال له هل ترغب في التزامها بالبدل السابق بعد أن تترك بعض المواطن، و قد عينها له، فكان جوابه أنه وصل الآن إلي بغداد، و لم يسترح بعد، و أنه يحتاج إلي تأمل و استشارة، و طلب أن يمهله الوالي مدة ثلاثة أيام.

و أن المواطن التي أراد الوالي أن تترك:

1- المدينة (بالتصغير).

2- جزائر البصرة.

و هذه تحتوي علي ثلاثين ألف مسلح بالبنادق من المشاة، و هم مستند شيوخ المنتفق، و قوة ساعدهم.. فكانت هذه أول التدابير، و مقدمات الأعمال، و صار الوالي يفكر في المعضلة، و يفاوض فهد بك في اقتطاع مواطن أخري.. إلا أنه يضمر رأيا آخر و هو القضاء علي هذه الإمارة.. و كان يسمع الأقوال من الأستاذ سليمان فائق و غيره، و لم يبد نواياه..

أما ناصر باشا فقد انتابته الهواجس و استولت عليه الأفكار، فلا يدري ما يصنع؟! و آمال الحكومة معلومة، و الثورة لا تخلو من كلفة و الأسلحة الجديدة لا تطاق، و أن سليمان فائق يضمر الكيد للقضاء علي المشيخة. عرفت آراؤه عند الوزير..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 225

الأستاذ المحامي

محمد آل بابان من أحفاد إبراهيم باشا باني السليمانية (من بقايا آل بابان)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 226

و كان معاون الوالي (تويسز رائف) أي رائفا الأمرد قد أعلن أن المنتفق لم تكن لدولة أخري، فتؤخذ لأقل وسيلة و أدني سبب، و لا معني لاقتطاع قسم من المنتفق، ثم آخر، و هذا أشبه بمن يأخذ من أحد جيبيه ليضع في الآخر، فيعد نفسه قد ربح.. فلا وجه لإفراز قسم من المنتفق و إبقاء سائره بيد الشيوخ، فإن أفندينا (يريد الوالي) جعل المنتفق لواء و قرر أن تجري فيه التشكيلات اللازمة كسائر الألوية، و سيوجه هذا اللواء إلي ناصر باشا، فيكون متصرفه، و نظرا لقرب بعض المواقع من البصرة، و من العمارة تلحق بهذه الألوية. و من ثم ينجو العشائر و الأهلون من غوائل المنتفق، و تزول التعديات..

أعلن المعاون ذلك و عين رغبة دولته.

قال الأستاذ سليمان فائق: ذهبت المذاكرات سدي بيني و بين الوالي بهمة من رائف بك و وساطة من اليهودي المسمي (عزرة الصراف)، و كان يستخدم واسطة الرشوة من الموظفين، و هو من الأبالسة الذين يسترقون السمع. جاء إلي ناصر باشا للترحيب به، و كان يتخذ أطوارا غريبة للوصول إلي غرضه، فتمكن من استهوائه و بعث فيه الأمل في ربح قضيته، و أن يجعله المنتصر في هذه المعمعة.. و في اليوم التالي صدر القرار المذكور.. و لم يكتف الأستاذ بهذا، و إنما أبدي استغرابه من توصل اليهودي في خلال ثلاثة أيام أن يولّد الصداقة و الوئام..

و مهما كانت الأوضاع و خفاياها فقد جاء الحل خلاف رغبة الأستاذ سليمان فائق، فصار يضرب أخماسا بأسداس تأييدا لصحة فكرته.. فلم ير ناصر باشا بدا من الإذعان

لأمر الوالي إذ لا طائل وراء معاكسة الحكومة للأسباب التي كانت ترد لخاطره لا سيما أن أقاربه في تزاحم و نضال علي المنصب فكان يخشي أن يقبل غيره بذلك فيخسر الصفقة..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 227

و في 2 جمادي الأولي سنة 1286 ه سار إلي المنتفق و عين عبد الرحمن بك قائممقام الهندية معاونا له، و عبد القادر الآلوسي نائبا، و الحاج سعيدا محاسبا. و كان هذا الأخير من موظفي المحاسبة في الألوية.. و عاد ناصر باشا إلي المنتفق لإجراء التشكيلات و ذهب سليمان فائق إلي البصرة، و كان أمله مصروفا أن يستخدم في وظائف مهمة، و يلتحق بدائرة الوالي و لكن بتسويل من بعضهم نصب متصرفا للحلة..

إن قبائل المنتفق من أعظم عشائر العراق. يمتدون من الحلة و الديوانية و السماوة حتي البصرة و أراضي الحويزة، و كذا لواء العمارة غالبه منهم يقيمون بصرائف من قصب و أكواخ من بردي..

و يرأس هذه القبائل أحد مشايخها مستقلا و يقال لأراضيهم (المنتفق). تعطي للرئيس بالالتزام، فيتحكم بها، و استمر هذا الحال إلي أيام الوزير رشيد باشا الگوزلگي. و في زمانه، و في أيام نامق باشا قد أفرزت منها بعض المواطن فألحقت بما جاورها من الألوية كالديوانية و البصرة، و كانت توضع بالمزايدة لكل ثلاث سنوات مرة، و بسبب الضم علي بدل المزايدة في كل مرة تزايد مقدار التزامها، فكانت الاستفادة للحكومة مضاعفة من ناحية الزيادة و من اقتطاع الأقسام..

إن هذه الحال لم تجعل للحكومة تدخلا في الإدارة و لا رفّهت علي الأهلين، فلم يحصل الغرض من الإحالة.. و من جهة أخري إن الشيوخ يتحكمون بما لا يأتلف و إرادة الدولة.. و لكنهم يتشكون و يرثون

لحال الأهلين.. في حين أن الزيادة و الاقتطاع كان منهم بسبب حرصهم الزائد.

أرادت بهذا الحكومة التنديد و أن تبين الحالة المعتادة للمشايخ و القواعد التي ساروا عليها فقالت: كان هؤلاء الشيوخ يحيلون كل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 228

قطعة إلي أصحابها ببدل و هؤلاء يتحكمون بالأفراد ما شاؤوا، فيستخدمونهم كالأسري. يأخذون منهم كل أتعابهم، و لا تجري بينهم أحكام شرعية و لا قانونية.

و إن الشيخ الذي ينصب يستولي علي أموال سابقه و أملاكه، و له أن يملكها إلي غيره..

و هذه الأحوال قد لاحظتها الحكومة و عنيت بأمر هؤلاء، فأعلنت إلغاء الالتزام أيام نامق باشا، و أراد هذا الوزير إدخال هذه العشائر ضمن إدارة منظمة، فاختار أحد المشايخ (قائممقاما) و جعل موظفين معه، و لكن هؤلاء لم يقدروا منفعة ذلك، و لم يعملوا لإزالة ما كانوا يتألمون منه، من أخذ رسوم للخزانة، و لم يبالوا بالأصول الجديدة العدلية فظنوا ذلك تثقيلا عليهم، و زيادة ضرائب و تضييقات.. الأمر الذي اضطر الحكومة أن تعود إلي الالتزام.. و هل تأمن العشائر من الحكومة و هي التي ضيقت علي هؤلاء الشيوخ في أخذ ضرائب ثقيلة؟!

كان قد عهد بالالتزام لمدة ثلاث سنوات إلي ناصر باشا عن السنين السابقة، فانتهت مدة التزامه، و حل أمد الالتزام الجديد، فجاء شيوخ المنتفق لأجل المزايدة إلي بغداد..

و لما كان ذلك ينافي إدارة الدولة و قاعدتها الأصولية العدلية شاهدت هذه الاستعمالات السيئة بأم عينها. و من ثم قررت أنه لا يجوز إحالتها كالسابق، و أن فصل بعض الأماكن إلي الألوية المجاورة كان غلطا، و صارت تشعر أنها كانت علي ضلال.. و أن ما أصابها من نكبات و سيئات عادت خواطر قاسية، فزادت الشكاوي من

هذه الحالات السابقة.. فتعلقت إرادة الدولة في أن تنضم المواطن الباقية إلي إدارة الدولة.

و من ثم دخلت العشائر في إدارة جديدة و اختير أحد هؤلاء الشيوخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 229

(متصرفا) و هو ناصر باشا و رجّح علي غيره. و أعلن للأهلين ما كانوا عليه في السابق، و ما سينالونه في الحاضر.. و أمر الموظفين أن يمضوا إلي محل وظيفتهم، و أرسل من الجيش سريتين من المشاة و سريتين من الخيالة و هي فرقة ضبطية و جعل برفقتهم رئيس فوج (طابور أغاسي)، و قسم لواء المنتفق إلي أربعة قائممقاميات، و عين الموظفين بالتدريج.

و كان أمل الحكومة أن تتخذ (سوق الشيوخ) مركز اللواء إلا أن و خامة هوائها منعت من ذلك فتقرر بناء مدينة باسم (الناصرية) في محل معتدل، و أن تكون طرقها واسعة بمقدار 25 ذراعا و أن تكون في وسط اللواء، فوقع الاختيار علي المحل الموجودة فيه اليوم.. و تقرر إنشاء دار للحكومة و جامع و أبنية أخري، و بهذا صار يتقرب الأهلون للحضارة و المدنية، فشرعوا في هذا الأمر.. جرّبت عين ما كانت جربته في بابان.. و كان أمل نجاحها كبيرا.

و أعلن بيان هذا مفاده:

«أيها المشايخ و الأهلون في ديرة المنتفق!

أنتم جميعكم من تبعة الدولة.. و أراضيكم قابلة للعمارة أكثر من غيرها. و قد بقيتم محرومين من الراحة و الرفاه و الأمن و الدعة و العمارة مما ناله الأهلون في المواطن الأخري، و صرتم في حالة ضيق و عناء..

من جراء الالتزام و الرسومات التي تؤدونها و كان من اللازم تطبيق الشريعة فيما بينكم، فصار يراعي النكال، فيؤخذ من القاتل ألف شام و هكذا من يتعدي علي العفاف يؤخذ منه (الصيحة)، مثل

هذا شأن (الداودية)، كما أنه تجري المصادرات.. مما لا يرضي به السلطان،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 230

و أن الحكومة وضعت قوانين و نظامات منعت بها أمثال هذه الأمور و صارت تجري الألوية علي نظام العدل و الرأفة.. و أن قطعة هي جزء من بغداد لا يسوغ بقاؤها علي هذه الحالة، فيحرم الأهلون من العدل و الشفقة فيها دون غيرها.. فلزم إدخالها في عداد ألوية بغداد لتكون في فلاح و نعيم.. و تطبق في حقها أصول الولاية.. ففعلنا ذلك، و جعلنا المتصرف عليها ناصر باشا، و جعلنا معه موظفين للقيام بهذه المهمة..

فكان هذا من متممات الأعمال الخيرية..» (و ذكر توضيحا عن التنظيمات فقال:

«هذا ما اقتضي أن تتخذ للمنتفق إدارة جديدة و لا غرض إلا أن ينال الأهلون حقوقهم الصريحة و ينالوا العدل و الرأفة.. فليكن معلوما لكم أننا قد ألغينا النكال و الصيحة و الداودية و أمثالها من الرسوم التي لم تكن مشروعة، و أن الأعمال ستجري وفق الشرع و القانون، و المصادرة و التجريم ممنوعان.. و كل أحد أمين علي ماله و ملكه.. و له حق التصرف بأراضيه المنتقلة إليه من آبائه و أجداده بصورة مشروعة..

و ألغيت كافة العوائد و الرسوم من خيول و سمن و أغنام.. و كذا ألغيت المقاطعة و الالتزامات كما هو أصولها الجارية إلي هذا اليوم، و لا يؤخذ من الحاصلات أكثر من العشر، و سوف يعاقب من خالف ذلك أيا كان.. و المراجعات و الشكاوي تجري علي الترتيب فالمدير يشتكي عليه عند القائممقام و القائممقام عند المتصرف، و المتصرف لدي الوالي..

هذه خلاصة ما سنعمله، و سنشاهد آثاره الفعلية و النافعة في القريب العاجل بلا شك و لا شبهة

إن شاء اللّه..» اه.

هكذا قالوا و إن سوء الإدارة ولدته الحكومة. تأخذ الضرائب، و لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 231

تكتف بمقدارها المعين و إنما تزيدها في كل ثلاث سنوات من جهة، و تقتطع أقساما من الأرضين. و أما العادات التي جروا عليها فهذه كانت تؤخذ حسب المعتاد، و ذكرت أنه إذا حدث اختلاف بين الشيوخ تؤخذ (رضوة). و هذه كانت قديما يأخذها شيوخ المنتفق إلا أنها تركت من أيام ناصر باشا، و أيام فهد بك، و منصور بك، فلا وجود لها اليوم، إلا أن جريدة الزوراء ذكرتها بقصد التنديد بالعوائد المألوفة، و أن الحكومة عزمت علي تطبيق الإدارة المدنية.. و منعت ما كان يؤخذ من الاحتساب و التمغا و الباج و أمثالها مما لا توافق رسوم الدولة و لا تنطبق عليها.. و كلها تعين سوء الحالة و غالب العشائر هاجر إلي مواطن أخري للخلاص من هذه الشرور، فالحكومة تطلب بدل الالتزام صافيا، و الشيوخ يريدون نصيبهم، و كذا سائر الرؤساء الصغار و هكذا فكان البلاء مضاعفا، و الحق أنهم كانت تنتهك حرمتهم، و يتحكم بهم كل واحد.

كانوا في أيام التغلب بنجوة من هذه الرسوم. و إن بدلات الالتزام مع اقتطاع قسم أنهك كاهل العشائر.

و من أراد أن يعرف نصوص الالتزامات فليرجع إلي كتاب (مباحث عراقية).

مستشفي الغرباء

إن مدينة بغداد و إن كانت تحوي ما يزيد علي (150) ألف نسمة، و فيها غرباء و أجانب. ليس فيها مستشفي يلجأ إليه، و لا طبيب و لا صيدلي.. و هذا نقص كبير يجب تلافية و في جانب الكرخ حديقة تابعة لوقف مدرسة سليمان باشا و هذه يجب استئجارها و اتخاذها مستشفي إلا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7،

ص: 232

أنها تحتاج إلي مبالغ طائلة، و لا يتم هذا إلا باشتراك الأهلين و تعاونهم و بذلهم في هذا السبيل.

و لما أعلن الأمر صار يتسابق الناس في الاشتراك في هذا العمل، و يتقدمون لجمع الإعانة و أبدوا كل حمية فقدموا ما عندهم، فتبرعوا.

و هذه من أعمال مدحت باشا الخالدة في بغداد، و آثاره الناطقة و قد أصابت هذا المستشفي تقلّبات كثيرة، و لم يبق علي حالته، أوضحت عنه و فصلت ما جري عليه في (كتاب المعاهد الخيرية) في العراق. و لا يزال ينطق بتاريخه في أعلي البناية.

عشائر كردية

في هذه الأيام هاجت عشائر الكرد:

1- بي توي. من عشائر إيران في الحدود.

2- باروند. و هذه أيضا من عشائر العراق.

3- السنجابية. أقرب إلي الاتصال بالعراق و هي إيرانية. و دالبان فرع من فروعها و منهم من يسكن قرية (طالبان) العراقية.

4- الهماوند. في العراق و يفرّون إلي إيران فيهاجمون الأطراف.

هاجم من هذه العشائر نحو 200 فارس الحدود العراقية.

اجتازوها، فوصلوا إلي قزلرباط (السعدية) و أوقعوا بعشيرة ربيعة علي حين غرة، فقتلوا 11 شخصا بلا جريرة، و نهبوا أموالا كثيرة.. و ذلك انتقاما لأحد رؤساء الهماوند أمين پچه، بسبب ما قام به حنيدان شيخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 233

ربيعة من الخدمات، فأحرقوا بالنار ولديه اللذين في حضن أمهما و أسروا الزوجة.. فعلمت خانقين بذلك فأرسلت عليهم جيشا و لكن هؤلاء فرّوا من حينهم إلي ما وراء الحدود..

و ربيعة هؤلاء في أنحاء خانقين و قزلرباط و الكثرة في لواء الكوت.

ذكرتهم في المجلد الرابع من عشائر العراق.

القرعة أو التجنيد

الوالي لا يستطيع القيام بالتشكيلات الإدارية ما لم تدعمه القوة العسكرية، و إلا ذهبت أتعابه هباء و الإدارة يحرسها الجيش، و الإجراءات الملكية و المالية إنما تقوم به. فكان يحذر أن يجابهه الأهلون، و يفاجئوه بمعارضة علي حين غرة و يناله الخطر فلا يتم الغرض كما وقع فعلا من الولاة السابقين، و أدي إلي غوائل.. و الأهلون لا يقدرون الأوضاع و لا ينظرون إلي المصلحة نظرة حكيم، فأراد أن يحل المعضلة في القرعة بطريقة لا تدعو إلي قلق، فأجراها في بغداد و حدها، و إذا تم الأمر تيسر له القيام بها في أنحاء العراق الأخري بالتدريج.

و الحاجة ماسة في أخذ جيش من هذا القبيل، من جهة أن الجيش التركي لا يرابط

دائما في العراق، و لا يبغي البقاء طويلا، بل هو في ضرورة للعودة إلي أوطانه.. فأصاب بغداد نحو نيف و ثلاثمائة جندي، فقرر سحب القرعة و تجنيد من سحبت القرعة باسمهم. و في اليوم التالي بل في تلك الليلة تجمع القوم جماعات و أخذوا يهوّسون، و حملوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 234

أسلحتهم، و أعدوا العدة للثورة و العصيان، و صار يسمع صوت الطلقات النارية. هوسوا في كل مكان، و صاروا يتجولون في الطرقات، و يأتون بعض الأعمال من نهب و سلب و ما ماثل. تأهبوا للهجوم علي محلات اليهود و النصاري و صاروا يعيثون بها، فحاولوا أمثال هذه المحاولات..

و في الأثناء اعترض مدحت باشا أمر استقالته من منصبه. و ذلك أنه كان كسائر الولاة يتعهد إدارة الجيش و النظارة عليه، و لزوم إجراء الإصلاح فيه، و علي هذا الأساس قد قبل بمنصب بغداد، فعارض السر عسكر (وزير الدفاع) حسين عوني باشا بهذا الأمر المعتاد، ففصل الجيش عن سلطة الوالي و إدارته، فبلغ الوالي هذا الخبر، و أنه جري بإغراء من بعض المغرضين فعهد وزير الدفاع بأمر الجيش إلي رئيس الفيلق سامح باشا.. و من ثم رأي الوزير أنه لا يستطيع القيام بالمهمات المطلوبة منه بهذا الوجه، فطلب أن يعفي من منصبه، و أن الاضطراب من أجل القرعة وقع بعد ذلك و كان الأولي أن يتولي سامح باشا تسكين ذلك دون أن يتدخل مدحت باشا.. و لما كان هو الذي قام بأمر القرعة رأي أن التهاون في تسكين الفتنة سيؤدي إلي نتائج و خيمة، و ربما وقع مثل ما حدث في الشام..

و حينئذ لم يضع الوقت، فمضي توّا إلي القشلة (الثكنة) حينما سمع بالخبر،

و جهز جيشا لحفظ محلات اليهود و النصاري، و لمحافظة القنصليات، فأرسل المقدار الكافي من الجيش، و قطع المواصلات بين الرصافة و الكرخ حذرا من الاتصال و أن يهيج الكل معا، و كذا أحاط المدينة بجيش الخيالة لمحافظتها، و للقبض علي الفارين من الخدمة العسكرية..

و إن محلة الشيخ عبد القادر، و محلة قنبر علي كانتا في مقدمة الثوار فأرسل الوزير أربع سريات من العسكر إلي محلة الشيخ مع مدفع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 235

تحت قيادة اللواء سامح باشا، و شاكر بك و مثلها أرسل إلي محلة قنبر علي مع اللواء فيضي باشا، و زودوا بما يلزم من الأوامر الشديدة و خولوا كل صلاحية..

فلما رأي الأهلون عزم الحكومة و درجة الاهتمام، و حسن التدابير، تفرقوا، فلم يجد الجيش ضرورة لاستعمال السلاح، و أسكنت الفتنة، و قد ألقي القبض في الليلة التالية علي جملة من الأشخاص يبلغ عددهم 180 نفرا، فمن كان من هؤلاء الأشقياء يدخل أسنان الخدمة العسكرية أخذ بلا قرعة، و الباقون أحيلوا للتحقيق عن أحوالهم و إجراء محاكمتهم..

و من ثم أجريت القرعة، و أخذ من أصابته دون أن تحصل للجيش مقاومة أو معارضة فكانت هذه مقدمة أخذ القرعة في الألوية دون العشائر لأنهم أغفل أمرهم، و أعفوا. فمضت بلا زعازع و لا أدت إلي حرب أهلية مع الجيش.. كما كان يظن.. فحصل الهدوء بلا تلفيات و لا وقوع في مأزق حرج..

و علي كل حال انتهت أمور القرعة، و تأسس التجنيد، فكانت تلك البذرة الأولي و كان الولاة قبل ذلك قد تعبوا في تنفيذ الخطة. لقيت صدمة في أيام مدحت باشا إلا أنه ذلّلها.

و من مجموعها يتلخص ما وقع، و يعرف ما جري

ثم إن المقبوض عليهم تجاوزوا (200) و إن الذين هم ضمن الأسنان العسكرية نحو 10 أو 15 و كانت المحلات التي شاغبت هي محلة الشيخ و قنبر علي و محمد الفضل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 236

رسم النخيل

كانت القاعدة في ضريبة الحاصلات تجري علي الخمس أو العشر، و هذا يكون بطريق التخمين أما النخيل فكلفتها كبيرة، و حاصلها لا يتم في آن واحد فيتيسر أخذ العينيات، فيصار إلي طريق التخمين.. لكن ذلك لا يكون علي وجه الصحة، إلا أن الفرق قليل، و التخمين تقريبي..

و الصعوبة ظاهرة في استخراج حصة الحكومة، فكانت تميل إلي إعطائها بالالتزام، و في هذه الحالة نري ربح الملتزم في زيادة الحاصل، و في زيادة التخمين ظلما.. و من جهة أخري تجري الحيل في التخمين أيضا.. و هنا الربح الزائد، و القسر يكون علي صاحب النخيل و الحكومة تستوفي نصيبها و لا تنظر أمرا آخر.. مما أدي إلي عدم العناية و الاهتمام بالمغروسات، بل تعطلت حذرا من ظلم الملتزمين و تعديهم.. فكان هناك فوات المنفعة بل دمارها علي الأهلين و الحكومة معا.

و من ثم و تلافيا لكل ضرر يلحق راعت الحكومة أيام مدحت باشا أن النخلة بصورة وسطية لا تأتي بأكثر من 20 حقة تمرا سنويا، و التمر العادي تساوي الحقة منه بصورة معدلة 20 پارة فالمحال التي تعطي العشر مثل بغداد و جوارها من الأمكنة تكون رسومها أما حقتين أو 40 بارة و تحصيل البدل أيسر علي الحكومة و الأهلين فلا يستدعي كلفة و تشويشا.. فظهرت الرغبة في ذلك، و تلقوها بالقبول.. و طلب الأهلون أن تكون دائمة غير مقيدة بخمس سنوات ليراعي ما يحصل من تبدل في المدة في

السعر قلة أو كثرة..

و أهل قضاء الخالص كانوا يؤدون الخمس، فطلبوا أن يشملهم هذا الأمر فيؤدوا قرشين عن كل نخلة بدل الخمس..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 237

الخرص في البصرة

إن مدحت باشا كان قد ذهب إلي البصرة، و اتصل بأهليها، و عرف ما يجري من رسوم النخيل، و هي أكثر موارد رزقهم.. فوجد أن الحكومة كانت تجري التخمين علي النخيل، بواسطة خرّاصين و هؤلاء يضرون هذا و ينفعون ذاك، و بهذه تجري مظالم كثيرة، و أن الحكومة لا تنتفع الانتفاع الصحيح أيضا، فيكون في ذلك ضرر عام.

و هذه الطريقة حادثة، جرت عليها الحكومة، و لا يدري زمن اعتبارها في حين أن الدولة الإسلامية الأولي من أيام عمر رضي اللّه عنه كانت تجري في نخيل البصرة علي الجريب يقدر نخيله في مواطن متعددة و يحسب ما يستحقه أغلبيا و تقدر قيمته.. الأمر الذي يسهل علي الناس، و هو سريع جدّا، و يصح أن تعين المساحة قبل الحاصل و أن مدحت باشا قد ذاكر الأهلين فأبدوا له مطالعاتهم، فوافق علي الجريب.. بعد مراجعة أهل الخبرة.. فكانت هذه الطريقة أسلم من غيرها، و ليس فيها غدر علي أحد.

و من ثم صارت تؤخذ رسومات أميرية عن كل دونم 15 قرشا سنويا، و ألغي (الخرص).. فكانت تؤخذ مساحة الكل، و لا يترك من الأراضي ما هو غير مغروس، و إنما كانت الأرض الخالية داخلة في الحساب مما دعا الناس أن يغرسوا مواطن الخلل أو ما يتحمله الدونم أو الجريب. غرسوا الأراضي الخالية، فلم تمض مدة حتي قام الأهلون بمهمة الغرس، و نشطوا للعمل..

و كانت واردات البصرة سنويا 48 حملا من النقود، فبلغت بعد سنتين (70) حملا و تجاوزت ذلك فانتفع

الميري أكثر مما كان مأمولا و جري الأمر بانتظام و ضبط تامّين..

أما بعض المحال الأخري البعيدة أو المنقطعة عن العمران فإنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 238

اعتبر لها طريق آخر في استيفاء الرسوم. فإن البصرة لم تكن مغروسة بأجمعها و بصورة متصلة و بعضها لم تغرس نخيلا، و إنما نري فيها أشجارا و محاصيل أخري.. و مثل هذه وجب أن تنفرد بحكم و لكن الوالي لم يرجع إلي الخرص بوجه، و إنما قدّر علي النخلة الواحدة من (40) بارة إلي 3 قروش بصورة متفاوتة، و عيّن لها مقطوعا..

و بذلك انتظم أمر النخيل بصورة لا تدعو إلي تذمر.

الفيلية- إيران:

بعض أهل الشقاوة من هذه العشيرة تجاوز الحدود إلي ما بين شهربان و قزلرباط في الجبال هناك، فصادفوا رئيس الخيالة راغب أفندي و معه نفر ضبطية جاؤوا لأخذ المحبوسين، فأطلقوا عليهم النيران، جرحوا الرئيس و سلبوا أسلحته. أخبر بذلك مدير ناحية قزلرباط (السعدية) فجهزت العساكر لتعقيبهم نحو 15 ساعة، فمضي أولئك إلي الحدود فوصلوا إليهم قربها فجرح منهم أربعة و استعيدت منهم المنهوبات، و أخذت منهم ثمانية من الحيوانات إلا أنه لم يتيسر القبض علي واحد منهم.

و كان قد هاجم قبل أيام 35 شخصا من قبيلة ملكشاهي من الفيلية مزارع قرية زرباطية، و سلبوا و نهبوا، و من ثم تعقبوهم فقتل اثنان منهم و جرح البعض، و استردت الأموال المنهوبة. و هؤلاء مضوا إلي الحدود فنجوا..

و كانوا قد هاجموا ربيعة في أنحاء خانقين فانتهبوا أموالهم و مواشيهم، و قتلوا الكثيرين منهم حتي أنهم أحرقوا ولدي شيخ ربيعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 239

بالنار، و هكذا فعل السنجاوية و غيرهم من الإيرانيين. أوقعوا الأضرار بالسكان و القوافل..

ذلك ما دعا أن تبعث الحكومة (قدري بك) للمفاوضة. و كان أرسل خصيصا لهذه المهمة.

جاء ذكر أميرهم حسين قلي خان في 10 ربيع الأول سنة 1288 ه و عدد 148 من الزوراء. و الفيلية ببغداد منتشرون بكثرة. أفردت البحث في تاريخهم في كتاب (اللّر- الفيلية). و الملكشاهية منهم منتشرون في الأنحاء العراقية. و منهم جماعات كثيرة.

قيادة الفيلق:

أبقيت كما كانت بيد الوالي مدحت باشا، و إن وكالة القيادة صارت لرئيس أركان الجيش سامح باشا، و صدرت بذلك الإدارة الملكية، فانتهت المشادة بين مدحت باشا و ناظر الحربية (وزير الدفاع).

مديرية الدفتر الخاقاني:

وجهت إلي عثمان وافي رئيس كتاب الغابات.

المدرسة الرشدية:

تم بناؤها ففتحت علي أن تعلم مقدمات العلوم.. فدعي الأهلون لتقديم أولادهم ليدرسوا فيها..

و صارت بنايتها بعد إعلان المشروطية (كلية الحقوق) و آخر أمرها أن جعلت متصرفية لواء بغداد. فكانت الرشدية أول بذرة للتحصيل، و لكن تحصيلها كان بسيطا جدا. و تدريساتها مختلفة و ناقصة، تدرس العربي باللغة التركية، و يعلمه أحد المعلمين من الترك، و هكذا سائر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 240

الدروس.. و كان قد أعلن عنها لقبول الطلاب و تسجيلهم إلي 15 رجب من هذه السنة..

و هذه المدرسة من أعمال مدحت باشا. رأي أن قد تأسست مدارس رشدية في بلدان عديدة، فقام بهذا العمل.

و كانت الدولة العثمانية قد قامت بتأسيس المدارس الجديدة في سنة 1262 ه من الابتدائية و الرشدية. و من ثم و بالنظر للتاريخ المذكور نعلم درجة التأخر عندنا، فقام هذا الرجل بتأسيس مدرسة الصنائع و هذه المدرسة، و كنت أنا من متخرجيها أيام ولاية المشير فيضي باشا بالوكالة. تخرجت سنة 1319 رومية أي سنة 1321 ه- 1903 م في صيفها.

اختلاس:

قد استخبر أن قائممقام خراسان عزيز بك قد اختلس، فعين مكانه عبد العزيز أفندي وكالة.. و أخذ للمحاكمة.

قضية الدغارة

كانت تجبي الأموال الأميرية بقوة الجيش، و آمال الحكومة مصروفة إلي طريق الإصلاح فلم يتيسر، فالعشائر لا تؤدي الرسوم المطلوبة، و لا تزال ذممها مشغولة بالمقادير العظيمة.. الأمر الذي دعا أن تركن الحكومة في هذه المرة أيضا إلي قوة جيشها المسلح و سوقه علي عشائر عفك و الديوانية كما هو المعتاد قديما، فذهب إليهم فوج من الجيش تحت إمرة زعيم و معه متصرف الحلة..

و لما كانت هذه العشائر من الزراع، تسكن الخيام و في حالة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 241

البداوة.. فالعسكر ذهب أولا إلي الدغارة و عفك، و كان موجود الفوج (380) نفرا، فنصب خيامه بجانب بستان إلا أن الجيش لم يحترس و لم يتخذ الاحتياطات اللازمة و لم يلتفت إلي أن مزارع الشلب تعرقل الحركات العسكرية. لم يشعروا بالخطر.. أما العربان فهم متيقظون لمثل تلك الأوضاع و الاستفادة منها..

يضاف إلي ذلك أن أصل المدينين بالأموال الأميرية هم الشيوخ و الرؤساء، فأثاروهم و تمكنوا من جمع نحو ثمانية آلاف أو عشرة آلاف، فأحاطوا بالجيش من كل صوب، و قطعوا عنه الماء، تصدي الفريقان للحرب و الدفاع، و دامت الوقائع الوبيلة مدة ثلاثة أيام بلياليها، و بقي الجيش بلا ماء. أصابه العطش، و نفدت أعتدته الحربية، و لم يبق لديه ما يتمكن من الدفاع به..

و في هذه المعارك قتل الزعيم و المتصرف و المقدم، و أكثر الضباط و الأفراد و تفرق الباقون، فوقعوا في أيدي العربان.. فكان من نتائج ذلك أن أظهر سائر القبائل العصيان، و قطعت الأسلاك البرقية، مما دعا أن يجهز مدحت باشا الفريق

سامح باشا بجيش يبلغ بضعة أفواج كما أنه ألحق بهم ما كان في بعض المواطن مما أمكن أخذه فضمهم إليهم..

و هكذا أوعز إلي متصرف المنتفق ناصر باشا المعيّن أخيرا، و إلي أخيه منصور باشا و في هذه الحالة أراد ناصر باشا أن يبدي صدقه و إخلاصه، و أن يقوم بما يرضي الدولة بشوق و نشاط.. فلما وصل إليه كتاب مدحت باشا نهض بأربعة آلاف خيّال، فجاء إلي الديوانية، فاتصل بسامح باشا و وحّدوا جهودهم..

هذا، و القوة العسكرية المحتشدة في الديوانية كانت سبعة أفواج من المشاة، و كتيبة خيالة نظامية و أربعة آلاف خيال من المنتفق و أكثر من 1500 من خيالة الكرد و الچچن مع مدافع و عتاد حربية و معدات أخري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 242

كاملة.. فلما وصل الفريق سامح باشا إلي الديوانية بقي شهرا لم يقم بعمل ما، و لا زوال أمرا فحمل العربان هذا إلي أنه خائف محترس، و من ثم أخذوا في الاشتباك مع الجيش و محاصرة البعض منهم في قلاعهم.. و ضيقوا أنفاسهم..

و كانت هذه العشائر من الخزاعل القاطنين هناك و من بني حكيم و الجبور و البو سلطان و غيرهم. فقاموا في محاصرة نفس الديوانية التي تجمعت فيها القوة.. و لم يكتفوا بذلك بل انتهبوا المعدات و المؤن المرسلة من جهة الحلة علي طريق الفرات، فصارت الحالة تكتسب و خامة و أهمية، اتخذوا ذلك وسيلة فقطعوا الطرق، و دمروا الأسلاك البرقية، و لم يعد في الإمكان أخذ الأخبار..

فلو دام الحال إلي أكثر من ذلك ازدادت الوخامة سوءا إذ لم يبق في بغداد جند أكثر من فوجين من المشاة و المدفعية، و لم يعد في الإمكان إمداد الجيش

بعساكر كافية الأمر الذي دعا مدحت باشا أن يذهب بنفسه فاختار نحو 300 جندي من الفوجين المذكورين و أخذ معه يحيي بك المقدم الركن الذي كان آنئذ (في بغداد)..

أما الديوانية فكانت تبعد عن بغداد 32 ساعة، و بينهما الحلة، فلما وصل مدحت باشا إلي الحلة رأي أن الفريق سامح باشا و ناصر باشا و أمير اللواء أحمد باشا و كثيرا من الضباط و الأمراء كانوا يفكرون فيما يجب أن يعرف عن أخبار المحصورين في الديوانية و يتطلعوا إلي ما هناك إذ ورد طاهر بك رئيس أركان الحرب للفرقة التي هناك استعانة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 243

بنحو ثلاثين خيالا من الجبور الذين لا يزالون في حالة العصيان علي الحكومة قد عاد متنكرا إلي الحلة، و معه مضبطة تنبي ء بأن قائد الفرقة العسكرية و جميع الأمراء و الضباط قد تحقق لهم أن الثوار لا يزال يتكاثر عددهم، و يحملون السلاح الصالح للاستعمال، فلم يجدوا نفعا في الحرب معهم، كما أن انصرافهم للزراعة أولي من سفك الدماء و تعطيل الأعمال الزراعية، فرأوا أن الصلح مع هؤلاء أولي حتي يحين الوقت المرهون، فأجري ذلك معهم..

أما طاهر بك فإنه بيّن شفاها أن إجراء ذلك، و عقد الصلح، و إعطاء العربان تأمينات رهائن و تقديم الفريق بيورلدي (أمرا ساميا) مع المصحف الشريف مربوطا به مما يكسر هيبة الجيش، و يمحو شوكة الحكومة و سطوتها، و سوف يؤثر هذا في جميع الخطة العراقية لا في ذلك الموطن و أهليه وحدهم، فتخرج الإدارة من يد الحكومة، و تكون العاقبة و خيمة جدا..

ذلك ما دعا مدحت باشا أن يرسل تحسين أفندي مرافقه الرئيس الأول الذي بمعيته كما تعهد هو بأن يقطع المسافة

البالغة 14 ساعة في ثلاث ساعات و يخرق صفوف العشائر فتعهد أن يصل إلي الفرقة، فكتب مدحت باشا معه كتابا في لزوم خروج سامح باشا و نصب أحمد باشا أمير اللواء مكانه، و مما كتبه إليه أن يلغي المضبطة و يجعلها كأن لم تكن و أن مدحت باشا متهيي ء للسفر إلي ناحيته بنفسه و معه فوج من الجند، و هو في طريقه علي الفرات عازما الوصول إلي الدغارة.. و من ثم فسخ أحمد باشا المقاولة المعقودة مع الثوار، و أبقي فوجين من الجند في الديوانية و ما بقي من الجيش خرق صفوف العشائر بما عنده من العساكر و جاء إلي صدر الدغارة التي ذكر مدحت باشا أنه يصلها..

أما مدحت باشا فإنه بما عنده من الجند و هم نحو ثلاثمائة، و ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 244

قدر أن يجمعه من الأفراد المبعثرين هناك، أبلغ ذلك فوجا، و في اليوم التالي خرج من الحلة، و تحرك نحو الموقع الذي عينه لأحمد باشا فجاء إلي صدر الدغارة و هو منتصف الطريق ما بين الحلة و الديوانية و من ثم اجتمع الجيشان هناك..

و كان أمل الوزير أن يقطع المياه من المرور في شط الكار الذي يخرج من الجهة الشرقية من الفرات و يمضي في سهول واطئة حتي يصل إلي شط الحي فيعود إلي الفرات، و يتكوّن منه في طريقه أهوار بمسافات بعيدة و يعتز أو يحتمي بالعشائر في اليبس فيما بينها، و لا تصل إلي مواطنهم هذه مرميات المدافع، و لا يستطيع الجيش اجتيازها لأنها ليست عميقة فتستعمل الزوارق مما يعطل الوصول إليهم.. فرأي أن يعمل سدا فيقطع المياه ليحصل يبس في الأرض.. فحطّ الجيش هناك بصورة

منظمة.. و معهم خيالة المنتفق مع ناصر باشا.

و هناك تجمعت العشائر و صارت تضارب الجيش إلا أن بنادقهم لا تصل إلي مواطن العسكر، و أن الجيش كان يضربهم بالمدافع، فيقتل منهم الكثير.. و في الأثناء باشر بالعمل، و أن أهل الهندية كانوا عارفين في عمل السد، تعهدوا بسده بسهولة لمدة قدّرت باثني عشر يوما.. و أن العشائر أحاطت بالجيش ثلاثة أيام، فصاروا يطلقون الرصاص إلا أن طلقات المدافع و البنادق دمرت فيهم كثيرا، و لم يتضرر العسكر و في هذه الأثناء جاء شيخ الجبور و هو الشيخ خليل فطلب الأمان، و الدخالة و معه ألفان من الخيالة، فاتخذ له محلّا مناسبا خارج العسكر، و في ليلة هاجم خيالة المنتفق علي حين غرة و أوقع بهم الأضرار، إلا أن العساكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 245

النظامية دمرته، فذهب خائبا و فرّ.. فعلم العشائر يقينا أنهم لا يستطيعون مقاومة الجيش بالرغم من أن مجموعهم بلغ المائة ألف و أكثر، و جسّرهم علي هذا ما رأوا من فرقة الديوانية من برودة و تهاون، و ما شاهدوا من تسامح معهم..

و لما علم الثوار أن عبد الكريم شيخ شمر قد ورد أنحاء بغداد، حاولوا أن يمنعوا الاتصال به، كما أن سد النهر مما يؤثر في كل هؤلاء.. فصاروا يهاجمون متواليا و من كل صوب.. و هاجموا سرية عسكر كانت قد خرجت لتدارك التبن للحيوانات، فعلم الوزير بذلك فسير سريتين من كل فوج لإمدادهم و معاونتهم فجرت معركة حامية سقط فيها من العسكر ستة أفراد و جملة من الجرحي، و من الثوار قتل أكثر من خمسمائة، و فر الباقون، و رموا بأنفسهم في شط الدغارة، فقد ملّوا، و لم يبق

لهم عزم في البقاء..

و استفادة من هذا القرار صدرت الأوامر بلزوم تعقب أثرهم بواسطة خيالة الجيش النظامي و من المنتفق و الچچن و الكرد و البغالة فألقي القبض علي الكثير منهم، و وجد معهم الأسلاك البرقية..

و في كل ذلك لم يقف أمر الاشتغال في السد، و في اليوم الثالث عشر تمّ، فانقطعت المياه ثم صار يقل ماء الأهوار، و تيبس الأراضي..

و من هنا حصل يأس كبير.. في العشائر، فأظهروا حينئذ الندم، و طلبوا العفو.. و بعد أن دامت الفتنة نحو شهرين زالت من البين، و لم يبق لهذه الغائلة أثر مهم، لما قام به الوزير من إجراءات و تدابير صائبة..

و هذه الغائلة من أهم ما حدث في العراق من الغوائل، فلم يعهد أن اتفق جميع العشائر هناك علي محاربة الحكومة، و كادوا يقهرونها..

و لم يشترك مع هؤلاء أهل الهندية، فلم يبق أحد إلا اشترك من سائر القبائل. و كل ما يقال عن هؤلاء أنهم لا يفرقون بين الخير و الشر، و إنما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 246

يطيعون رؤساءهم و شيوخهم دون أن يعلموا السبب.

قالوا: و هؤلاء الشيوخ هم أصل الفتن.. خصوصا أن ما وقع في الديوانية من قتل الجيش و المتصرف كان سببه الشيخ دنان رئيس عفك، و الشيخ بدوي رئيس الدغارة، فهؤلاء كانت بذمتهم أموال أميرية كثيرة، و لم يقدموها بل حاولوا إثارة القلاقل ليسلموا من ذلك مما دعا إلي وقائع مؤلمة من الطرفين.. فقد ساقوهم إلي الثورة..

أما الوزير فإنه أبقي في الهندية قسما من الجيش و مضي الباقون إلي الديوانية، و أعلن العفو العام عن الأهلين، و جعل هدفه الرؤساء المذكورين، و أن يتحري عن أفراد الجيش و المدافع و المعدات

فتمكن من استعادة الكثير منها، و من أفراد الجيش و عودتهم.. أما الرؤساء دنان و بدوي فقد فرّا، و لكن شيخ المنتفق ناصر باشا بذل الهمة، فألقي القبض عليهما، و أجريت المحاكمة في المجلس العسكري و حكم عليهما بالإعدام لما ارتكبوا من أعمال ضد الجيش.. فصلبا علي جسر الديوانية.. و بعض الرؤساء من عشائر الديوانية أيضا ألقي القبض عليهم، فنفوا إلي روم ايلي..

و بذلك انتهت واقعة الدغارة. و في هذه الواقعة أبدي كل من ناصر باشا و أخيه منصور باشا من الخدمات الحسنة، و الهمم العظيمة ما يستحقان عليه كل تقدير لدي الوالي مدحت باشا.

و مما يذكر أن شيخ عشائر شمر الشيخ عبد الكريم كان قد ورد بغداد كما تقدم، و جاء إلي الوزير و هو في الديوانية بداعي أنه جاء لمعاونة الحكومة في تسكين الثورة إلا أنه وجدها قد هدأت، و انتهت الحالة بسلام.. أما الوزير فإنه اشتبه من وضعه، و لكنه لم يبد شيئا ينفره، أو أن ذلك فسر بما سيقع.. فأخذه معه و عاد إلي بغداد في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 247

كانون الأول. كما أن ناصر باشا رجع إلي المنتفق..

هذا، و أعتقد أن الواقعة مبالغ فيها و لم تكن بهذه الدرجة إلا أن الحكومة كانت في ضعف و أن الأشخاص الذين قتلوا، و الفوج الذي قضي عليه قد فتّ في عضد الحكومة، و أن المقاومة كانت كبيرة.. و إلا فلا نري ذكرا للعشائر الأخري، فلم يعين شخص منهم.. و يصح أن يكونوا قد ساعدوا القوم في الخفاء.. و لكن اقتدار مدحت باشا أظهر القضية بهذا الوجه ليبدي أنه قام بعمل كبير، و أعلنها لحكومته بهذه الصورة ليبرز عظمة ما تمّ،

و ليغطي أمر ما وقع.. فكأن الغائلة عالمية أو هناك خطر حاق بالعراق فأنقذه منه..

و من الغريب أن نري الأستاذ سليمان فائق قد جعل سبب هذه الفتنة ناصر باشا في حين أن مدحت باشا هو الذي دعاه و كان يثني عليه و علي أخيه منصور باشا بما تقدم الكلام عليه. و لو أننا رأينا (علي حيدر بك) يكتب هذه الواقعة في أعمال والده و يستند إلي مراجعها الصحيحة الرسمية و مذكرات والده لكان للأستاذ العذر. أوضح أن ما صرف من مبالغ و ما قتل من نفوس كان بسبب من ناصر باشا في حين أن الحكومة حاولت جباية الميري، فحرك رؤساء العشائر الفتنة فاشتعلت.

و عدّ الأستاذ سليمان فائق أن هذه الواقعة مما أثر في الوالي لما طرأ فيها من حالات فصار يحتاط أكثر مما يجب، فلم يستطع أن يقوم بالخدمات المطلوبة منه و عدّ من جملة ذلك أمر لواء المنتفق، يريد أن يتحرك الوالي علي ناصر باشا بعد أن قام بما قام به من مساعدة و ما فعل من الخدمات الجليلة في (واقعة الدغارة) فيغضبه و يجعل العراق في نار مشتعلة و الحكومة في عداء للكل، فلم تبق علي صاحب في حين أنها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 248

كانت في بداية تشكيل جيش، و في حاجة إلي أعمال أخري. تغافل عن ذلك كله و أظهر هذه الآراء بعد الوقيعة بمدحت باشا و النفرة من أعماله.

و جاءت واقعة الدغارة بما ملخصه:

إن المقاطعات في لواء الديوانية كان يلتزمها شيوخها، و هؤلاء يحدثون شغبا دائما للتخلص من بدلات الالتزام، فتكون التحصيلات في توقف.. علم بذلك الوالي كما عرف أن أيام الجباية و تأدية التقاسيط تجعلهم يولّدون الأراجيف، و ما من شأنه أن

يثير قلق الأهلين، بل يقومون فعلا بالعصيان و الثورة علي الإدارة..

و في هذه السنة قامت العشائر في أنحاء عفك، و الدغارة، و بعض العشائر من الخزاعل مثل الشبل، و الشلال، و الغزالات، فارتكبوا بعض الأوضاع كقطعهم الأسلاك البرقية بين بغداد و الهند..

ذلك ما دعا الوالي أن يسيّر القائد سامح باشا لقمع هذا العصيان، فأخذ معه فرقة عسكرية و ساق إليهم قوة بنفسه.. و قد وردت الأخبار أن هؤلاء جاؤوا إليه جماعات و عرضوا الدخالة، و طلبوا الاستيمان.. و أن مثيري هذه القلاقل قبض عليهم، و تقرر أن ينالوا ما يستحقون من عقوبة.

و جاء أيضا:

إن القوة العسكرية التي كانت ذهبت إليهم، قد ألحقت بها قوة أخري بفوجين تحت قيادة أمير اللواء أحمد باشا.. و إن الوزير ساق مقدارا من الفرقة العسكرية منها فوجان كانت بنادقهم من أمهات الإبرة، و فوج آخر شيشخان و ثلاثة أفواج مشاة و سريتان من الخيالة و نفرات موظفة فوصلوا إلي قرب قلعة الدغارة، فوجدوا العصاة قد تحصنوا في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 249

القلعة، فبدأت القوة العسكرية تضاربهم، و كان مع القطعة مدفعان فضربتهم بها فدمرتهم، و فرقتهم ثم ذهبت من هناك إلي قبيلة الأقرع، و كان هؤلاء قد حاربوا الجيش، و قاموا بالعصيان هذه المرة فاقتضي تأديبهم فضربتهم القوة، و استعادت المنهوبات التي كانوا قد نهبوها.

و هناك تقدمت الجيوش، و لكن أطراف المواطن أهوار، و مستنقعات، و أن العصاة كانوا يلتجئون إلي مثل هذه. فلما مرت الجيوش من هناك هاجم هؤلاء البغاة من اليسار، و صاروا يقاومون و لكنهم لم يستطيعوا أن يقفوا تجاه العساكر و يتحملوا نيرانهم.. فتركوا مواطنهم و فرّوا، فتعقبهم الخيالة، و قتلوا منهم نحو أربعين..

و الباقون فرّوا بالأهوار.. و نجوا.. و إن صعوبة المواطن جعلت هؤلاء بمأمن، و إن الجيش لا يتمكن من السير إلا ببطء و تؤدة و يخشي من الغابات و كمينها.. و كانوا فعلا قد كمنوا في غابة، و لكن المقدم علي آغا أدرك المغزي، و هاجم الموطن المظنون أنهم فيه بنيران حامية علي حين غرة.. فهلك منهم الكثير، و كان قد جاءهم بغتة ففرّوا، و أعطوا تلفيات كثيرة..

ثم مضت الجيوش نحو خيكان الصغير، فخيكان الكبير، و أخذوا معهم ما يلزم من الذخائر، و عادوا إلي الديوانية.. و التحقوا بالفرقة الأصلية..

و في هذه الحروب كلها قتل ضابط، و ستة أفراد، و ضابطان و 17 نفرا، و ثلاثة جنود خيالة من الچچن. و أما العصاة فقتل منهم الكثير..

و جرح ما لا يحصي..

ثم جاءت برقية تشعر بأن عشائر الشامية جميعها عرضت الدخالة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 250

و لم يبق إلا أشقياء عفك و كانوا قطعوا الأسلاك البرقية، فنالوا ما يستحقون من عقوبة، و ذاقوا مرارة فعلتهم.. و قد أحيط بالباقين منهم من جميع أطرافهم، و عزمت الحكومة علي تأديبهم بل التنكيل بهم.. و الأمل أن تنتهي في مدة قصيرة من هذه الغوائل..

و في هذه المرة سيرت الحكومة بكر باشا أمير اللواء من أركان الفيلق، و ساقت معه أربعة سرايا من الفوج الأول، و مقدارا من الخيالة، و قطعة من الشيشخان، و مدافع جبلية صغيرة، فذهب إلي أنحاء الحلة..

هذه هي المعلومات الرسمية التي أعلنتها الحكومة، و منها يتعين أن الواقعة معتادة، و لم تكوّن خطرا كبيرا بل لم تقف وقائعهم عند حد، و إنما تلتها حوادث أخري.

دامت ذيول وقائع الدغارة و الديوانية و الحلة فلم تهدأ الحالة،

الأمر الذي دعا الوالي مدحت باشا أن يذهب إلي الحلة بنفسه فسافر يوم الخميس 8 رجب سنة 1286 ه، فكان فيها و في الديوانية بعض الاضطراب، بل الثورة فاقتضي تأديب أهل الشغب. بقي في الحلة بضعة أيام، فطلبت بعض العشائر الأمان، و توارد آخرون، و كان غرضه استئصال من اعتاد التمرد.

رأي الوالي أن هذا متأتّ من نهر صدره بقرب الدغارة فاقتضي سد ذلك النهر ليتيسر الوصول إلي هؤلاء بلا مانع، و من ثم قام الوالي بالأمر فأرسل إلي الجيش المرابط في الديوانية تحت قيادة الركن أمير اللواء أحمد باشا أن يمضي إلي صدر الدغارة بما لديه من قوة، فمضي هؤلاء من الديوانية إلي الدغارة رأسا، و كذا الوالي مدحت باشا و من معه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 251

فمضي فوج من الشامية إلي جهة الدغارة علي أن يلحق به الجيش هناك..

و في يوم الجمعة 16 رجب سنة 1286 ه تصادمت العشائر، كانوا يهاجمونهم، و لكنهم رجعوا خائبين، و انتصر الجيش. فوصل إلي الدغارة.. و أما الوالي فإنه لم يصادف أي مقاومة. و صل إلي الدغارة و اتصل بالجيش..

و من ثم شرعوا بسد (صدر الدغارة).. بينما الفيلق مشغول بسد الصدر المذكور، إذ خرجت ثلة من النظامية الخيالة و أرادت في هذه الأثناء أن تتدارك علفا لخيولها فظهر لها العربان، و وقعت معركة، تعرضت لهم العشائر، فأدت إلي محاربة جسيمة، جاءت تفصيلاتها في برقية أرسلها الوالي تتضمن أن القوة المذكورة أعلاه مع العساكر الموظفة و الچچن (الچچان) و العشائر قد نكلت بالعصابات أثناء اشتغالها في سد صدر الدغارة قتل فيها الكثير من عشائر عفك و الدغارة و جليحة.. و في هذه المعارك كانت خدمات الخيالة من

المنتفق مشكورة، و كانت قتلي البغاة تتجاوز 500 أو 600 نسمة. و قتل من أفراد الجيش و من الخيالة واحد، و الجرحي تسعة أفراد..

فكان النصر حليف الجيش بمساعدة العشائر المذكورة و غيرها..

ثم توالت البرقيات بعد ذلك، و منها يفهم أن هؤلاء حاولوا الهجوم علي الجيش مرة أخري فلم يفلحوا، و تكبدوا خسائر كبيرة..

و الملحوظ في هذا أن الوزير لم يعتبر العربان كلهم بمثابة واحدة، و إنما ينظر إلي أصحاب إثارة القلاقل، و المحرضين، ثم من يليهم.. فيعامل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 252

كلّا علي قدر جرمه.. و في هذه الأثناء جاء السادات و التجار، و بعض شيوخ البو سلطان، و (وزير) من الخزاعل و من لاذ به من أقاربه.. كل هؤلاء جاؤوا بدخالة و طلبوا عطف الحكومة، و الباقون خافوا فتفرقوا شذر مذر.. و عفي عن الكثير ممن لم تسبق له ثورة.. و كان مع الفيلق شيخ الجبور خليل و ابنه الياس و هؤلاء فرّوا ليلا، و اتفقوا مع الخزاعل في حين أنهم كانوا قد التجأوا، ثم فروا و عصوا.. و حاولوا الهجوم علي الجيش الذي كان فيه الوالي.. فجرت المحاربة لمدة نحو خمس ساعات فقتل منهم ثمانية أشخاص، و ألقي القبض علي اثنين و اغتنم منهم نحو ألفي رأس من الغنم حاولوا تهريبها..

و علي كل حال قامت الحكومة بتأديب زبيد و البو سلطان لما أبدوا من عصيان، ففرق الجيش شملهم. و لكنهم لم يقفوا عند هذا الحد، و إنما تجمعوا في الجهة الغربية من الجيش في أطراف خيگان، و بقوا علي العصيان فجهزت عليهم قوة فنكلت بهم أيضا..

و إن الحكومة أرسلت تحريرا عاما إلي الألوية الملحقة بتفصيل المعارك و ما اقترنت به من

النصر علي البغاة.. تتضمن التبشير بما جري.. و ما حصلت عليه الحكومة من النتائج الباهرة.. و فيها:

إن عشائر البو سلطان و زبيد قد التحقت بالدغارة و عفك، فصاروا قوة ظهرهم، و اتفقوا مع العصاة.. و قطعوا أسلاك البرق، فاقتضي تأديب مثل هؤلاء.. و من شيوخهم عباس و فارس كانوا قد جاؤوا إلي الوالي مع جماعة منهم بأمل سد شط الدغارة، و أبدوا طاعتهم، و كانوا في الجهة الشمالية من الفيلق، و كذا شيخ الجبور خليل كان بفكرة العصيان، فاتفق مع عصاة الخزاعل.. ففر ليلا، و كذا البو سلطان قطعوا طريق الحلة، فتحصنوا في كتف النهر.. و من ثم أرسلت قوة بقيادة أحمد باشا مع فرقة نظامية، و خيالة من المنتفق، فاشتبكت مع الكمين في كتف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 253

الشط، و لم تظفر بالقوة العشائرية.. و انتهبت الحكومة أغنامهم البالغة أكثر من خمسة آلاف، و الكثير من خيولهم، و مواشيهم.. و لم يتعرض للشيوخ و النساء و الأطفال، و لا بأموالهم.. و استمر الجيش في تعقيب الهاربين، و كانت خيالة الجيش تحت قيادة عثمان بك زعيم الخيالة..

و معهم فوج طليعة من البغالة.. و مدفع، و من المنتفق نحو ألفي خيال..

فعلم من التحقيقات أنهم يبعدون عن خيكان بمسافة ثلاث ساعات.. في البادية، فسار الجيش عليهم، فلما سمعوا فرّوا.. و من ثم قتل من هؤلاء ما يزيد علي مائتين من الخيالة و المشاة، و نحو ضعفهم كان مجروحا، و أسر نحو 30 منهم.. و خيالة المنتفق قد غنموا الشي ء الكثير..

و علي هذا فرق شيخ الدغارة (رسن) جموعه، و مال إلي خليل شيخ الجبور، و نصب للمشيخة رئيسا الشيخ علي شيخ الجبور، و كان ضدا للشيخ

خليل..

و في هذه المعركة استشهد من المنتفق واحد و جرح خمسة..

و انتهت تقريبا هذه الواقعة، فكان ما شاهده العشائر قد قضي علي كل آمال لهم و انقادوا للحكومة، فصاروا ينقمون علي من سوّل لهم هذه الفعلة.. فتمت بالوجه المرضي.

و بعد ذلك استمرت حركة الجيش.. و صاروا ينكلون بالبغاة في أنحاء الجربوعية. جاء لإمدادهم فهد بك متصرف الديوانية، فمضي من هناك إلي نهر علاج، فحارب العصاة و لم تحدث أضرار في الجيش.

و قتل من العصاة نحو مائة، و ولوا الأدبار..

هذا، و أما السدة، فقد تمت، و كان يبلغ طولها 65 مترا بعرض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 254

20 مترا.. و بني هناك موقع مستحكم نوعا للجيش.. و لما لم يبق أمل و رأي العشائر المغلوبية الفاحشة صاروا يتوالون في إبداء الدخالة و من هؤلاء محمد الشخير و عباس من شيوخ البو سلطان، و رؤساء كثيرون عرضوا الطاعة، فأعيد نصاب الأمن إلي محله..

و من ثم عاد الوالي من الدغارة إلي الديوانية في 1 شعبان سنة 1286 ه علي أن يمضي بعد ذلك إلي الحلة و يقضي هناك مدة أسبوع، ثم يأتي إلي بغداد.

ثم إن الوالي ذهب من الدغارة إلي الديوانية و هناك ألقي الجيش القبض علي دنان شيخ البحاحثة، و علي بديوي شيخ جليحة، فتبين أنهما من جملة المحرضين علي العصيان، و كان هذا الأخير قد حارب في عفك، ثم أبدي أنه مع الجيش و أعطاه الأمان ثم غدر به.. و هكذا ظهرت الأدلة عليهما، فصلب أحدهما في رأس الجسر، و الآخر في الجانب الآخر منه.. و أبقي أمير اللواء أحمد باشا مع ثلاثة أفواج، و إن الوالي جاء بمركب إلي الحلة..

ثم جاءت الأخبار أن الوالي

بقي في الحلة يوما واحدا، ثم ركب المركب، و ذهب إلي الكنعانية ليشاهد عمل تطهير النهر، و منها ورد بغداد يوم الثلاثاء 19 منه، و كان أمله أن يؤسس خطا حديديا يوصل الفرات بدجلة من أقرب نقطة ممكنة..

و من هذا علمنا أسماء عشائر الديوانية. و البحاحثة من عفك و هي عشيرة كبيرة. و جليحة عشيرة كبيرة أيضا ذكرتهما في المجلد الرابع من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 255

كتاب عشائر العراق كما علمنا ما جاورها من عشائر الحلة مما أوضحناه في كتاب عشائر العراق الريفية المجلد الثالث.

عشائر الحلة و الديوانية:

من هؤلاء الدغارة، و عفك، و البو سلطان و الجبور بعد تلك الواقعة قد خلدوا للسكينة.. و زاولوا زراعة الأرضين، و عين لكل محله و مكان زرعه.. إلا أن عشيرة البو سلطان فرقة البو جاسم منهم قد قتلوا رئيسهم الشيخ هنديا، و أن هذه العشائر- كما هو المعتاد- لا يراجع أحد من ورثة المقتول الحكومة لاستيفاء حقه. و إنما يركنون إلي قوتهم و سلاحهم للانتقام.. و من ثم قام هؤلاء، و من يمتّ إليهم، و كذا العشائر التي يعولون عليها فصاروا يطالبون بدم المقتول.. فلما علمت الحكومة أن من واجبها صيانة الأمن و الأخذ بالحق، و أنها لا تجوز أن يركن كل إلي قوة ساعده.. أفهمت ذلك للورثة و القائمين.. أما القاتل و أقاربه فقد مالوا إلي حرز منيع من دخالة علي القبائل الأخري. أودعوا أموالهم و هربوا إلي البادية.. و لما كانت الدخالة حماية للجاني طلب إلي أولئك أن يجري قانون الحكومة، و أن يسلّم الجاني، أو أن يتركوا حمايته، و إلا ركنت إلي القوة العسكرية اضطرارا. و من ثم أرسلت قوة عسكرية إلي هناك.. و أراد

أولئك أن يستعينوا بعفك و الدغارة و الجبور فلم يلبوا الطلب و قام الجيش بمهمته بالوجه المطلوب..

هذه الحوادث جرت أيام مدحت باشا مما يتعلق بلواء الحلة، و نري أسماء عشائر عديدة، و كلها لها مكانتها، و كانت متصلة لا تفترق و إنما تجتمع دائما فيما بينها و تقرر ما شاءت، فيظهر قسم المصافاة للحكومة، و القسم الآخر يبقي علي نزاعه، و من ثم تنظم القبائل، و تسير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 256

في الخفاء و تأخذ الأخبار و هكذا أضجروا الحكومة، و الأمل لم يكن لغرض نبيل و إنما غايتهم الخلاص من الرسوم، و أن يكون الشيوخ بنجوة. استمرت مثل هذه الحوادث مدة. ذكرناها لتكون دليلا علي الوقائع الأخري..

حوادث:

1- في يوم الاثنين 21 جمادي الآخرة سنة 1286 ه ورد بغداد أحمد حمدي باشا. عيّن عضوا لمجلس الفيلق السادس.

2- فهد باشا عيّن متصرفا للواء الديوانية.

3- توفي حميد أفندي متصرف العمارة، فخلفه مراد أفندي رئيس مجلس الجناية. و يعرف ب (أبو گذيله)، و زوجته نائلة خاتون صاحبة (مدرسة نائلة خاتون) و المكتبة المؤسسة فيها ألحقت بخزانة الأوقاف العامة و كانت هذه زوجة وادي الشفلح شيخ زبيد، فلما توفي تزوجت بمراد أفندي. و هذا ولي متصرفية العمارة و متصرفيات أخري. و لما مات دفن مع زوجته في طريق الأعظمية في بستان الوقف قرب دار السبيل.

و لما توسع شارع الأعظمية. نقلت رفاتهما إلي مقبرة الأعظمية.

عشيرة الجاف:

هذه العشيرة في لواء السليمانية، و هي من العشائر الكبيرة جدا، تبلغ ذكورا و إناثا نحو أربعين ألف نسمة. و لا تزال رحّالة تقضي أيام الشتاء في العراق في قضاء كلعنبر، و أيام الصيف بإيران في أنحاء سنة، ترعي المواشي..

بقيت متفرقة، و متجولة بين إيران و العراق، فوجب أن تتعين لها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 257

مراع للإقامة في العراق صيفا و شتاء بناء علي طلب محمد بك رئيسها، و كان صاحب دراية و عقل.. و له رغبة أكيدة في إسكان هذه العشائر و أن تتوطن بأن تتخذ القري سكني لها..

تعهد للحكومة بهذه المهمة، و أن تقوم عشائره بأمر الزراعة، و أن تفوض الأراضي في الطابو لعشائره، و أن تكون لكل عشيرة قطعة..

و علي طلبه هذا رأت الحكومة لزوم تقريب العشائر من الحضارة، و أن تأخذ بناصر الراغب حبا في العمارة فقرر مجلس الإدارة قبول ذلك و عرضه علي الباب العالي، فلم يتم أمر.

دار الحدادة

إن الوالي الأسبق رشيد باشا الگوزللكي كان قد أوصي من أوروبا بشراء عدة مراكب بخارية. و آلات زراعية لبغداد، و كذا بما يلزم لها من المعامل من طورنه (تورنه) و مقراض و مثقب و ما ماثل تشتغل بواسطة ماكنة بخارية فاتخذ بمحل خاص بجانب الكرخ عرف ب (الحداد خانة) أو (دار الحدادة).

و كان هذا المعمل يشتغل منتظما، و بعد مدة طرأ عليه خلل، حتي تزايد العطل فأهمل تماما.

و في أيام نامق باشا التزم تكثير السفن البخارية، فأوصي إلي أوروبا بما يلزم من العدد، فوردت البصرة و بلغ ما هنالك خمسة مراكب بخارية، تشتغل بين بغداد و البصرة، و كذا اشتري بضع قطع صغيرة أيضا، فاقتضي أن لا يبقي هذا المعمل

معطلا فأمر مدحت باشا مسعود بك رئيس النافعة أن يقوم بتنظيف الآلات و الأدوات فيه و أن يجعلها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 258

صالحة للعمل تأمينا لفائدة الإدارة النهرية، فأصلحت.

و كذا قام المعمل بخدمات لمنفعة الجيش، و ذلك أن البندقيات المسماة (جاقما قلي قوال تفنك) عادت لا تصلح، و أن الجيش كله مسلح ب (البنادق) المسماة: (شيشخانه لي) أي (شيشخان)، و غالبه (اگنه لي تفنك) أي البندقية ذات الإبرة حتي إن الرديف مسلحون بالأسلحة النفيسة، فلم يبق لزوم في تلك البنادق. و أن بيعها بثمن بخس، أو إهمالها حتي يأكلها الصدأ غير جائز، و كان في الإمكان تحويلها إلي (تفك قابسول) أي بنادق (كبسون) من نوع الشيشخان كما ثبت ذلك بما أجري من التجربة..

و من ثم صار يقوم المعمل بهذه الخدمة أيضا. و هذا النوع من السلاح يقوم به الضبطية فيسد حاجة مهمة..

رئاسة أركان الفيلق السادس:

و جهت رئاسة أركان الفيلق السادس إلي الفريق أحمد حمدي باشا. وصل إلي بغداد في أواخر شهر رمضان، و عهد إليه بوكالة القيادة. و حصل علي و سام من الرتبة الثانية..

دفتري بغداد:

عين لدفترية بغداد أحمد راسم فوصل يوم الجمعة 22 رجب سنة 1286 ه إلا أنه لم تطل إقامته فمرض و عاد إلي استانبول.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 259

تدابير لسير المراكب:

كان يمنع سير المراكب في نهر دجلة بعض الموانع و هي:

1- سد نمرود.

2- سلطان عبد اللّه.

3- أبو شارب.

فهذه عوارض يجب رفعها.. و قد وردت الأخبار من شهرزور في هذه الأيام أن أحد هذه و هو أبو شارب قد أزيل تماما.. و قد أجري التفتيش فلم تبق عارضة سوي عارضة (السلطان عبد اللّه).. و هذه تأتي بعد أبي شارب. و لم يتم أمر، و لا أجدي تدبير..

السنجاوية- دالبان:

هاجم بعض السنجاوية من فرقة دالبان الإيرانية في أول تشرين الثاني سنة 1285 ه الأسلاك البرقية و قطعتها و كسرت الفناجين..

و هاجمت قافلة و بين هؤلاء هواس من ضباط الجيش الإيراني، و أخوه نور علي و ظاهر شواز خان ابن حاتم، و ناصر بن حوممالي دالبان، و أفراد يبلغون الثمانين من المشاة و المائة من الخيالة..

فلما سمع الجيش بهم عقب أثرهم، و من ثم تركوا المنهوبات و جميع أثقالهم الأخري.. في المحل الذي كانوا قد أدركوا فيه و هو (جبل الجص) و يسمي (كرچ طاغ).. فانهزموا شر هزيمة، و عادوا بصفقة الخسران.

و يلاحظ أن طالبان العراق منهم في قرية معروفة بهذا الاسم (طالبان) لا يبعد أن سكنها بعض أفراد هذه القبيلة فسميت باسمهم و من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 260

ثم انتسب إليها شيوخ الطالبانية، من جراء أنهم أقاموا بها مدة. فعرفوا بالطالبانية. و أمثال هذا كثير جدا.

و هؤلاء الشيوخ معروف أنهم جاؤوا أولا إلي هذه القرية فعرفوا بالنسبة إليها، و إلا فهم من عشيرة زنگنة، أو موالون لهم. و شيوخ الطالبانية أنفسهم يقولون إن أصل لفظة (طالبان) هي جمع (طالب).

كانوا يدرسون علي الشيخ محمود زنگنة و كانت القرية كلها من طلابه فسميت ب (طالبان). و هي قرية

تابعة لقضاء چمچمال و لا يبعد قبول أحد الرأيين لوجهاته و قوة تعليله. و لما كان الطالبانية المعروفون اليوم من عشيرة زنگنة فلا يؤثر عليهم أن يكون الطالبانية من (دالبان) من السنجاوية، أو من (طالبان) بمعني طلاب و هم علي الطريقة القادرية.

و تغلب عليهم السياسة في هذه الأيام. و الشيخ عبد الرحمن الطالباني المعروف من رؤساء الطريقة القادرية في كركوك.

تطهير دجلة:

تطهير هذا النهر من أصعب الأمور. كان قد سبق أن أجري تطهير (أبي شارب) ثم و جد المهندسون في طريقهم سد نمرود.. و كل ما علم أن هذا السد كان جسرا هكذا شائع بين الناس، و الحال أن هناك سدين أحدهما العواية في جهة، و جايفة في جهة أخري، و هما لسد المياه..

أما العواية فكان سدها يقصد به أن تميل المياه إلي أنحاء إربل، و هي جسر أيضا.. و أما الجايفة فإنها ليست سدا و إنما هي تلول الجبال المسلسلة و لا يمكن رفعها كما يمكن رفع العواية التي هي طبيعية..

و إنما يجب تحويل النهر بحفر مكان مجاور بطول 1600 ذراع، و عرض 25 ذراعا، و بعمق يلزم لذلك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 261

و هذا أيضا لم يتم، و لا يزال إلي الآن علي وضعه.

الصنوف العسكرية:

إن التنظيمات العسكرية كانت قد وضعت سنة 1259 ه و بمقتضاها كانت الصنوف العسكرية عبارة عن:

1- النظامية.

2- الرديفية.

سبق ذكر ذلك. نشرت في سنة 1264 ه و أعلنت للعموم.. و صدر فرمان يتضمن تقسيمها إلي:

1- النظامية. و مدتها 4 سنوات، و هي إجبارية.

2- الاحتياطية. و هذه متفرعة من النظامية و مدتها سنتان، و هي عند الحاجة و إلا يطلق سراح الاحتياط.

3- الرديفية- و مدتها 6 سنوات.

4- المستحفظة. و هذه متشعبة من الرديفية. و مدتها ثماني سنوات..

و قري ء الفرمان يوم الخميس 27 شعبان، و صدرت خلاصته في الزوراء.

هذا، و قد فصل محتوياته محمود شوكت باشا في كتابه (تشكيلات الجيش و كسوته).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 262

المراكب البخارية:

ورد في هذه الأيام (مركب الحدباء) و هذا مركب صغير، أوصي به لتطهير دجلة و الفرات بقوة خمسة حصن، ذهب مع (مركب بغداد) لكشف أمر تطهير دجلة متوجها نحو الموصل.. و سيأتي من البصرة (الشهباء) و هو بقوة سبعة حصن و ينتظر وروده مع مركب (موصل)..

و أما مركب (الحدباء فقد وصل يوم الجمعة في 12 رمضان سنة 1286 ه.

إن هذه المراكب الصغيرة استخدمت لتعيين عمق الأنهر، و ما يسع المركب من حمولة، فهي صغار جدا، و تستخدم لغرض البريد أيضا..

و لها فوائد خفر السواحل.. و اشترت الحكومة مركب بابل فذهب إلي لندن ليأتي بالمطبعة و المعامل.. و كانت قد اشترته الحكومة من الإنكليز.. و مركب (آثور) الذي اشترته من لندن أيضا..

مكتوبي بغداد:

عين صائب بك مكتوبيا لولاية بغداد. و كان معاون مكتوبي ولاية گريد..

السردار الأكرم:

السردار الأكرم عمر باشا قد سيق للتقاعد براتب سر عسكر لما رأي من الخدمات..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 263

نائب بغداد:

محمد مظهر أفندي عيّن لنيابة الشرع في بغداد، و وصل إليها في 23 رمضان و كان نائبا في بيلان.

مدحت باشا- البصرة:

في 4 شوال سنة 1286 ه ذهب الوالي مدحت باشا إلي البصرة لقضاء بعض الأشغال. و كان معه متصرف بغداد شاكر بك، و واحد أو اثنان من الموظفين استصحبهم معه.

قدري بك- إيران:

من أعضاء شوري العدلية، ورد بغداد لقضاء بعض الخصوصات الملكية بوظيفة خاصة. جاء ليلة العيد. و هذا أرسلته حكومته للمفاوضة مع إيران..

حدثت زعازع من عشائر الفيلية و غيرها فأرسل بهذه المناسبة..

كلعنبر:

كان قد نصب رئيس عشائر الجاف محمد بك قائممقاما لقضاء گلعنبر. و منح لقب باشا و منح ابنه رتبة قبوجي باشي اي (رئيس الحجاب).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 264

المراكب البخارية
(البواخر)

كانت الحكومة قد اشترت مركب (الرصافة). و بعد أن تم تركيبه و وصل إلي بغداد صار يسير بين البصرة و بغداد. و في 3 شوال عاد إلي البصرة. أما مركب (بصرة) فإنه يسير في نهر الفرات، و مركب (بغداد) يستخدم للكشف عن النهر لما هو شمال بغداد، و ملاحظة أمر تطهيره..

و مركب (الرصافة) قد خصص لنقل البريد. و هذه أضيفت إلي ما هناك من (مركب بابل) و كذا (المركبان الآخران) و بذلك توسعت (إدارة المراكب). و تسمي (الإدارة النهرية).

و في هذه الأيام اشتري نقيب البصرة السيد عبد الرحمن مركبا سماه (الفيحاء) و هو مركب صغير. ثم إن النقيب الموما إليه قد تبرع به للحكومة فصار في تصرف الإدارة النهرية.

و جاء في الزوراء أن مركب (بابل) الذي اشترته الحكومة من أوروبا ورد البصرة، و أنه سيسير بين البصرة و جدة في موسم الحج بسعر رخيص، و كان الإنكليز يغالون في السعر، و حصروا الأمر بهم، يصل إلي جدة في مدة 15 يوما و عينت له الأجرة 4000 قرش للموقع الأول و 2500 للموقع الثاني و 1200 للموقع الثالث.

متصرف الموصل:

انفصل متصرف الموصل ضيا باشا، و صار مكانه دفتري الولاية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 265

السابق آصف أفندي، ذهب إلي محل وظيفته يوم السبت 20 شوال سنة 1286 ه.

حوادث عزل:

عزل متصرف البصرة الأستاذ سليمان فائق، و المحاسب سليم، و أمين الصندوق فأخذوا للمحاكمة كما جاء في الزوراء.. و الأستاذ تدخل في أمر الالتزامات في المنتفق و إن لم يتظاهر علنا بل راعي جانب الدولة في لزوم القضاء علي هذه الإمارة. و لذا لم يترك و شأنه تجاه مناوأة آل السعدون..

و الملحوظ جدا أن عزله كان لمصلحة التفاهم مع المنتفق و إرضاء ناصر باشا الذي أصر علي تنحيته، و بيّن للوالي أنه لا يأمن من غائلته، و الوالي في حاجة إلي أمراء المنتفق حبّا في التفاهم معهم بأمل قضاء أشغاله الأخري و من هنا كان سبب ترجيحهم عليه و بعد مدة يسيرة منح رتبة ميرميران (أمير الأمراء).

الكويت

تبلغ نحو ستة آلاف أو سبعة آلاف بيت، و هي تبعد 24 ساعة عن البصرة، تقع في جهتها الجنوبية، و أكثر الأهلين هناك تجار، و ملاحون في السفن و البلدة ميناء تجاري (بندر).. و فيها نحو 100 سفينة كبيرة، و 400 أو 500 سفينة صغيرة و هذه تسير في المحيط الهندي..

و البلدة من ملحقات البصرة إلا أنها إلي الأيام الأخيرة لم تنظم إدارتها بعناية و اهتمام بل بقي أمرها بيد شيوخها و رؤسائها في حين أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 266

يجب أن تتمتع بإدارة قويمة.. و الأهلون هناك يبلغون نحو 30 ألف نسمة لا يزالون في حال العزلة.

و لما ورد الوالي البصرة وافي إليه جماعة من رؤساء الأهلين هناك و أشرافهم فطلبوا إليه أن يدخلوا ضمن تبعة الدولة، و أن ينالوا نصيبهم من الرفاه، و العدل، و أن شيخهم الحالي عبد اللّه الصباح قد نصب (قائممقاما)، و أجري المقتضي هناك، و جعل القاضي (نائب الشرعية) محمد

بن عبد اللّه العدساني، و فيها جوامع عديدة، فاختير منها خمسة كبيرة لإقامة الجمعة و الصلوات. و وجهت الخطابة لمن يقوم بالأمر.

و طلب من استنبول بروات شريفة لهؤلاء الذين تعيّنت أسماؤهم.. و أما أمور الضبط، و ضابطة البحرية فإنها في موقع الدرس. قالوا و سوف توسع التجارة و ينال هؤلاء الرفاه و العمارة و يصيبهم العدل، و العناية بعين عناية السلطان..

الكويت و تابعيتها

الكويت تبعد عن البصرة بحرا (60) ميلا و تقع في ساحل نجد.

أهلها مسلمون، و لم يكونوا تابعين لدولة.. و كان الوالي نامق باشا قد عزم علي إلحاقها بالبصرة. و أن تكون للدولة الحماية عليها.. و لكن الأهلين اعتادوا أن يكونوا بنجوة من التكاليف، و كانت إدارتهم علي البساطة لم يوافقوا أن يرضخوا لأحد.. و لم يؤدوا الضرائب و لا الرسوم الجمركية، فأبقوا علي ما كانوا.

و بيت الإمارة يمتّ إلي قبائل عنزة من القبائل العربية، مالت إلي هذه الديار منذ خمسمائة سنة، مع قسم من عشائر مطير و الأمراء ينتسبون إلي فرع من عنزة يقال له الشملان. و من هؤلاء (الصباح) باسم جدهم الأعلي فعرف بهذا الاسم، فتكون منه البيت المالك و هو الذي شكل هذه البلدة، أو كانت صغيرة فوسعها. و كانت بيد آل عريعر من بني خالد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 267

و يرجح تأسيسها سنة 1135 ه أيام صباح الأول بنيت مجددا فتكاثر الأهلون، فاكتسبت شكلها الحاضر.

و الأهلون شافعية، يسيرون طبق الأحكام الشرعية، و إن قاضيهم، و مفتيهم و علماءهم و مدرسيهم منهم.. و كانوا يدبرون مصالحهم فيما بينهم.. فلا يسيطر عليهم أحد..

و لم يكن لهؤلاء زراعة، و إنما يزاولون التجارة البحرية، و قد ألفوها من أمد بعيد.. و لهم نحو

ألفي سفينة بين صغيرة و كبيرة، و يتعاطون صيد اللؤلؤ في مياه عمان و البحرين، و أكثر سفنهم الكبيرة تذهب إلي الهند و زنكبار.

و كانوا يرفعون علما خاصا بهم إلي وقت قريب، و تحت هذا العلم يسيرون، و يتاجرون إلا أن هؤلاء منذ مدة لم يأمنوا من تعديات الأجانب و سائر الأقوام فاضطروا إلي أن يرفع بعضهم العلم الهولاندي، و آخرون العلم الإنكليزي. اعتادوا ذلك، فكان مقدمة الحماية الأجنبية.. و في بغداد و البصرة خاصة مما يدعو إلي محاذير ملكية عظيمة. ذلك ما دعا مدحت باشا أن يجلب رؤساء هؤلاء و يفهمهم الخطر المترتب، و نصحهم أن يحترسوا من عمل كهذا، و تعهد لهم بأن لا يأخذ منهم ضرائب، و لا تكاليف أخري من كمرك و ما ماثل، و اعطاهم سندا بذلك، و قبلوا أن يكونوا تابعين للبصرة، مرتبطين بها.

و عهد بقائممقامية الكويت للشيخ عبد اللّه الصباح، و أبقي القاضي و المفتي علي حالهما.. و أقرّ تشكيلاتهم. و كانت تعطي لهم الأوامر الرسمية، و البروات الشريفة للجوامع، و سائر المعاملات المشعرة بارتباطهم و تركوا الأعلام الأجنبية، و رفعوا العلم العثماني.

و هذه قائمة بأسماء أمرائهم:

1- صباح الأول. و توفي نحو سنة 1190 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 268

2- عبد اللّه الأول ابن صباح. و توفي سنة 1229 ه.

3- جابر الأول ابن عبد اللّه الصباح. و توفي سنة 1276 ه.

4- صباح الثاني ابن جابر. توفي في رجب سنة 1283 ه.

5- عبد اللّه الثاني ابن صباح الثاني. توفي في ذي القعدة سنة 1309 ه.

6- محمد بن صباح الثاني (أخو سابقه). قتل في ذي القعدة سنة 1313 ه.

7- مبارك بن صباح الثاني. توفي في المحرم سنة 1334

ه.

8- جابر بن مبارك. و توفي في شهر ربيع الأول سنة 1335 ه.

9- سالم بن مبارك. و توفي في رجب سنة 1339 ه.

10- أحمد بن جابر. و توفي 10 ربيع الأول سنة 1369 ه.

11- عبد اللّه بن سالم. الأمير الحالي.

و من هؤلاء الأمير عبد اللّه بن صباح كان أيام مدحت باشا. و في الحقيقة يرجع تاريخ إمارتهم علي الأرجح إلي تاريخ تكوّن الكويت سنة 1135 ه. و دامت من ذلك التاريخ إلي أيامنا.

تبدل في المتصرفين:

عزل الأستاذ سليمان فائق من البصرة كما تقدم و نصب مكانه متصرف كربلاء حافظ باشا، و منح رتبة مير ميران أي (أمير الأمراء).

و انفصل فهد باشا من متصرفية الحلة، و صار مكانه مظهر باشا متصرف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 269

السليمانية، و عهد بمنصبها إلي قربي باشا متصرف الحلة الأسبق. و كان هذا خطاطا، أستاذا في الخط، أخذ عنه خطاطون عراقيون إجازة في الخط. و لا يزال خطه معروفا، متداولا بين الخطاطين و عندي بعض خطوطه.

مراكب بخارية:

ورد بغداد من البصرة مركب آثور يحمل آلات و أدوات عديدة.

و اشتري من شركة صينية مركب آخر بشرط التحقيق عن سلامته و امتحان آلاته أورد إلي بومبي.. و لكنه لم يصادق عليه.. فاقتضي شراء غيره.

قرر الشراء من لندن، فاشتري بمبلغ (28000) ليرة.

مدحت باشا في البصرة

المنتفق أيضا:

كان مدحت باشا بالنظر لما قام به من الأعمال يعد من أعاظم الرجال، بل لو اجتمع مئات لما قاموا بما قام به و لكنه رأي المعارضات كبيرة، و التصلب في الآراء شديدا جدا، فكان لا يقنع بترجيح رأي لموافقته لآخر، و إنما زاول الأمور مباشرة، فلم يكن منقادا لرأي دون أن يتحقق الحالة بنفسه مما دعاه أن يذهب إلي البصرة، و يتحقق أوضاعها ليكون علي علم بما يجري أو يقع. و أمله أن يقوم بأعمال أخري أيضا. و ربما كانت الأعمال الأخري هي المقصودة. و هي قضية نجد.

سار هذا الوزير إلي البصرة، و وصل ملتقي النهرين (القرنة)، و شاهد بعينه أكثر القري و المزارع المنوي إفرازها من لواء المنتفق، و علم مواقع أخري و مزارع.. بل درس الحالة هناك من جميع وجوهها، و دعا الشيوخ و المعتبرين ممن هو قريب من تلك الأنحاء و سألهم عن أحوالهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 270

و شؤونهم، و ما يشكون من ظلم نالهم، أو تعديات لحقت بهم.. فعرف ما هناك مما يجيش في صدورهم..

و الملحوظ أن مدحت باشا لا يتسرع في الحكم و لا يعجل في الحل، و لكن الأستاذ سليمان فائق قد بيّن أنه أمر حالا أن يكون هؤلاء تابعين لقضاء القرنة و فصلهم عن المنتفق، و أكد لهم أنهم صاروا بنجوة عن التعديات، و أوصاهم أن يسعوا لأمر الزراعة، و

أن يثابروا علي ما يعود لهم بالخير، و أن يراجعوا في مصالحهم قضاء القرنة..

قال: و بعد بضعة أيام ورد ناصر باشا البصرة، و جلب الشيوخ المرقومين و قال لهم أنتم من المنتفق فلا تعرفوا غير ذلك، و هدّدهم أن يخالفوا أمره، و حذّرهم أن يفرط منهم ما يكره، و لم يكتف بهذا بل و بّخ قائممقام القرنة، و أبدي سخطه عليه. و لما وصل إلي البصرة واجه صاحب رأيه و هو اليهودي، و أخذ منه الدرس و بيّن للوزير أن تفريق هذه الأماكن و فصلها عن المنتفق يستدعي محاذير، و يخشي أن يقع اضطراب بين العشائر و الحكومة.. و كأنه يذكره بما وقع في الحلة، فاتخذ ذلك وسيلة التهديد من طرف خفي، و أبدي مطالعته في لزوم صرف النظر عن ذلك.

و من ثم أصر ناصر باشا علي رأيه، و صار مدحت باشا يلتمس الخروج من هذا المأزق و استطلع رأي الأستاذ سليمان فائق، و قال له إن ناصر باشا لا يزال مصرا، و لم يتقرب بوجه فهل في وسعنا الموافقة علي ترك هذه الأماكن تابعة للمنتفق..؟

فأبدي الأستاذ أن فهد بك كان قد أعطي كلاما باتا في الموافقة علي ترك المواطن المذكورة، و أخري غيرها و هو لا يزال في بغداد..

و لا يدري ما إذا كانوا يتزاحمون، فلم تعرف فكرته الآن.. و عشائر المنتفق محاربة كعشائر الحلة، و لآل السعدون سلطة قوية عليهم، و إن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 271

كانوا في نفرة منهم.. و إن تسلطهم علي هذه القبائل دعا إلي ذلك..

و من جملة ما قاله: إن الظلم أفسد أوضاعهم، و بسبب الترف ذهبت فروسيتهم و إن الجور نفّر منهم عشائرهم، و لو أرسل

إليهم فوجان من الجند المسلحين بالأسلحة الجديدة لما استطاعوا الوقوف و ولّوا الأدبار، و لكانوا لجأوا إلي الدخالة و الاستيمان.. و ذلك لا شائبة فيه..

هذا ما بيّنه، و كان لا يرضي إلا بالقضاء عليهم و لو طلبوا الاستيمان.. أما الوالي فلم يجبه علي قوله، و اختار السكوت. لم ينبس ببنت شفة..!

و من ثم أدرك الأستاذ سليمان فائق- كما قال- خطأه في قوله للوزير إن المعضلة تتم بقوة السلاح، و ندم.. لأنّ الوالي قد شاهد عشائر الخزاعل و الحلة، و يعتقد أن المنتفق يبلغون مائة ضعف أكثر من الخزاعل، و أن أوضاع مدحت باشا بالنظر لمعارضيه في دار السلطنة حرجة جدا. يترقبون أن يرتكب غلطة أو هفوة أمثال هذه لتفتح طريقا لتقولاتهم فكان يتباعد عن القيل و القال، و يتجنّب ما يدعو للخطر، فالتزم حالة الهدوء و الطمأنينة فلم يشأ أن يحرّك ساكنا، و لم يكن له ميل إلي استعمال القوة..

ذلك ما اضطره أن يراعي الحكمة، و يروج مقاصد المنتفق، و لم ير بدّا أن يعلن عدوله عن إفراز المواطن الكثيرة، فنال ناصر باشا في هذه المرة أيضا أغراضه و مقاصده.. و دعا إلي أن تقف التشكيلات الإدارية التي عزمت عليها الحكومة.. و أقول إن تجنب الحوادث من مدحت باشا لم يكن إلا بأمل أن لا يشوش علي المنتفق فتفسد عليه الخزاعل و أنحاء الديوانية، و يضيع الكل من يده، و أنه له مصالح بالمنتفق من أعظمها (قضية نجد) …

إن أوضاع الأستاذ سليمان فائق هذه لم ترض المنتفق و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 272

يصارح بها الوزراء، فكانت الوحشة بينه و بين الأمراء تعد السبب في تخديش أفكار الوالي عليه. أفهموه أنه سوف لا

يدع الإدارة تستقر علي حالة بل يزعج الحكومة في إيقاع الفتن و إثارة الزعازع. أرادوا التخلص منه فاختلفوا عليه ما اختلقوا استعانة باليهودي المذكور و بمحاسب البصرة، لتهدأ الحالة.

هذا. و من ثم نعلم نوايا الحكومة، و أوضاع الأهلين، و نزعة الأستاذ سليمان فائق. و بذلك ندرك ما نال المنتفق من العناء و الشقاء فتجاوز حده، نري الحكومة في كل بضع سنوات تزيد في بدلات الالتزام، و تقتطع جملة من الأراضي أو تعيدها، فتكون الضرائب مضاعفة، الأمر الذي دعا أن تميل جملة من العشائر إلي إيران، و الأمراء في انزعاج كبير بين إلغاء المشيخة أو إبقائها..

و من هنا نشأ الاضطراب و ارتباك الحالة و ما تكبدته الحكومة من وقائع و كلفات باهظة و أضرار كبيرة فلم تسلك الطريق السوي في الإصلاح.. و غالب الأشخاص من يهود و غيرهم يصطادون من تعكر الحالة، و يلعبون أدوارهم، و الموظفون لا يخلون من استفادة بل هم بيت القصيد، و الغرض مصروف إلي جهات إرضائهم.. و هناك الأضرار في النفوس، و في الأموال..

و هذا هو سوء الإدارة، و ارتباك أمورها و كثرة مشاغلها في غوائل، و الأمر ليس كما يتصور الأستاذ سليمان فائق من أمر القضاء علي مشيخة المنتفق و أنه من السهولة بمكانة، لم يتوسع أكثر، و لذا عدّ كل مخالفة لرغبته هذه جريرة.

كانت تعترض الدولة عقبات، و إلا فالمعرفة بأحوال المنتفق لا تكفي، فالحكومة أعرف بوضعها العام، فلا تطوّح نفسها في أخطاء غير مأمولة النجاح، و المغامرة مقامرة، و قضية المنتفق شغلت تاريخ هذه الحقبة فلا تزال مضطربة..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 273

و الملحوظ أن مجي ء الوالي إلي البصرة كان قبل سحب يد الأستاذ سليمان فائق

من البصرة.

بناء الناصرية

إن الخلاف بين أمراء المنتفق، و تنازعهم علي السلطة من الأسباب المهمة للقضاء علي هذه الإمارة و تعد كافية لنجاح مشروع الدولة في الاستيلاء علي هذا اللواء كما استولت علي بابان و غيرها.. و لكن هناك عوائق حالت دون الإتمام و كلفت الحكومة كلفا عظيمة أدت إلي القسوة بالأهلين و من أهمها تزييد بدلات الالتزام، و اقتطاع أقسام من أراضي المنتفق مع الاحتفاظ بهذه الزيادات، فقد ولّدت ظلما، و أنتجت ارتباكا، و دعت إلي أن يهرب العدد الكبير من العشائر إلي أنحاء إيران. فكان ذلك التشوش مطلوبا منها، و داعية الكره و الحنق عليها، و قتالها بتهالك زائد حبّا في الانتقام و أخذ الحيف..

و قد مر أن ناصر باشا لم ير بدا من الإذعان لأمر الوالي مدحت باشا حذر أن يوافق سواه من مناوئيه، و أراد أن لا تنزع السلطة منه، و لا يضيع الفرصة و أن يجري مع المقادير.. فقبل أن ينفذ رغبة الوالي أسس بلدة الناصرية المسماة باسمه، اختطها المهندس البلجيكي المسيو جول تللي فوضع الحجر الأساسي لدار حكومتها في سنة 1286 ه- 1869 م، فوافق رغبة الوالي. حصل علي مطلوبه دون استعمال قوة، أو امتشاق حسام.. و في الحقيقة هو الذي ألغي بحق مشيخة المنتفق بتأسيس بلدة صارت مركز اللواء و حصنا للدفاع و الاحتماء بها.. فكانت مقدمة للاستيلاء النهائي علي المنتفق و إلغاء إمارتهم.. و هذا هو طريق الإصلاح الملتمس، فلم يعاكس بقوة..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 274

و كان أول من بني دارا فيها للسكني نعوم سركيس والد الأستاذ يعقوب سركيس، ثم بني أسواقا و خانات و قهاوي، و كان قد اتصل بناصر باشا، فأقامه أمينا لخزانته،

ثم زادت العمارات، و استمرت في تقدمها إلي أيامنا هذه.. و اليوم هي مركز اللواء..

و من ثم عوضت لهم الحكومة أمرا آخر غير توجيه منصب اللواء، فجعلت الأراضي الأميرية في قبضتهم. فوضتها إليهم.. فكانت بعد انتزاع السلطة منهم معوّلهم الأخير..

جاء في لغة العرب:

«صارت- الناصرية- قاعدة بلاد المنتفق، و قد حكم فيها ناصر باشا من آل السعدون، ثم ولده فالح باشا، ثم فهد باشا والد صاحب الفخامة.. عبد المحسن بك و أخيرا في أول إنشاء الحكومة العراقية كان متصرف الناصرية الزعيم الكبير إبراهيم بك ابن مزعل باشا السعدون».

و حدثت بعد ذلك مدن عديدة في هذا اللواء.

و جاء في جريدة الزوراء عن بناء الناصرية أنه كان لناصر باشا همة تشكر في تأسيس هذه المدينة. جاء خبر تحويل عشائر المنتفق إلي لواء، و هؤلاء لا يزالون يسكنون الصرائف، و بيوت البردي.. و لما كان سوق الشيوخ لا يصلح أن يكون مركز اللواء، اقتضي تأسيس بلد آخر. و هذا سمي ب (الناصرية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 275

و الهمة مصروفة لبناء جامع شريف، و دار حكومة، و أبنية أخري، و المأمول أنها تتم في هذا الصيف بتدارك ما يلزم..

و كان قد تبرع ناصر باشا بمبلغ 500 كيس، ثم بمبلغ 350 كيسا لإكمال بناء الناصرية و له تبرعات أخري لإنشاء جسر تقدر بعشرة آلاف شامي أي 97500 قرش. و هذا يدل علي ما فطر عليه من كرم و همة و أخلاق مرضية..

هذا. و قد علمنا:

1- أن الناصرية صارت مركز اللواء و متصرفها ناصر باشا السعدون.

2- الشطرة من أقضية هذا اللواء و قائممقامها فالح بك السعدون ابن ناصر باشا.

3- الجبيلية. من أقضية هذا اللواء و قائممقامها مريد بك.

4- سوق الشيوخ.

و

نائب الشرع في اللواء السيد عبد الباقي الآلوسي ثم حصل تبدل في هذه التشكيلات الإدارية فاستقرت علي ما هي عليه اليوم من أقضية.. فتعين لنا أن أول متصرف هو ناصر باشا، تعهد ببناء الناصرية، و أن تحوي دار حكومة و مكتبا و جامعا.. و أن يصرف المبالغ المقتضية من كيسه. و أرسل إليه التخطيط من بغداد، و هكذا تكاملت، و صارت في عداد المدن المنتظمة و لا تزال في تكامل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 276

أعشار القطن

إن الحكومة راعت في القطن خاصة العشر، و لم تجعل حسابه كسائر المزروعات من أخذ الخمس، أو الربع، أو الثلث، كضريبة، و في بعض المواطن النصف.. فإنه ثقيل خصوصا أنها ترغب في تكثيره.

أعلنت بأنها تستوفي من حاصله العشر..

حوادث سنة 1287 ه- 1869 م

أيام عاشوراء:

جري إعلان من الحكومة في منع ما يزري أو يضر.. و كذا التجاهر به و التشويش علي الناس.. و هدّد من قام بأي عمل مخالف..

جرت محاولات أمثال هذه، فلم تكن إلا تدبيرا عاجلا، و لم ينقطع أمرها.

الفيلق السادس ببغداد:

نصب الفريق نافذ باشا ركنا للفيلق و كان متصرف استنبول، تحرك نحو بغداد.

حدود إيران- العراق:

لحسم بعض مواد الحدود جاء عن دولة إيران محب علي خان.

و تفاوض مع قدري بك اجتمعوا في (شهربان).. للنظر في قضية الحدود

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 277

بين إيران و العراق. ثم استمرت المفاوضات في اجتماعات عديدة، و قبل إنهاء الأمر و علي حين غرة عاد المفوض الإيراني ليلا إلي مملكته من طريق خانقين فلم يعلم به إلا و قد غادر العراق..

تراموي الكاظمية:

الكاظمية أشبه بالمحلة من محلات بغداد. لا تبعد كثيرا عن بغداد. و فيها مرقد الإمامين موسي الكاظم، و محمد الجواد و الناس هناك بين زائر، و صاحب شغل أو مقيم. و الاتصال ببغداد دائم بلا انقطاع.

و إن الوسائط النقلية القديمة معروفة إلا أن المرء يتطلع إلي ما يسهل. تزيد الحاجة في مواسم الزيارات و الأعياد أكثر.. و الضرورة أشد عندما يريد المرء نقل البضائع.. فالوسائط لا تكفي. و فيها من الصعوبة و الأضرار الكثيرة ما لا يحصي، و كذا أيام الأخطار و الأمطار مما لا يحصي ضرره.

كل هذه و أمثالها مما يدعو إلي تأسيس شركة تسهل علي المارة ذهابهم و إيابهم.. و هي مدار نفع و أرباح طائلة من جراء هذا التسهيل تكونت شركة التراموي فصارت تباع السهام بكثرة و في عشرة أيام أو اثني عشر بلغت 784 حصة لما حصل من تشويق و إقبال، ثم استمر بيع الأسهم.

تم الإنشاء، و للوالي الفخر في ذلك فيعد من خير الأعمال خفّف عن الناس كثيرا من العناء. دامت الاستفادة منه من حين تأسيسه إلي اليوم..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 278

و في نيسان سنة 1941 م صدر حكم بتصفية (شركة تراموي) بغداد- الكاظمية. إن المحكمة اعتمدت علي سبب أنها غير مصادق عليها، و

كأن الحكام لم يكونوا من بغداد، أو لم يشاهدوا فقضي علي هذا المشروع فأماتت هذه المؤسسة، و كان في الإمكان قلبها إلي شركة كهربائية أو مشروع نقل آخر.

كانت أسست بتشويق من الوالي، و تأمين الحكومة، و جعلت كل حصة (250) قرشا علي أن تكون 6000 حصة فيكون مجموع رأس مالها 000، 500، 1 قرش. فكان الأمل قويا في نجاح المشروع.

كان هذا من أجل أعمال مدحت باشا و بذلك حصل منه الربح، و سهّل علي الزوّار فكان عملا نافعا.. و عوّد العراقيين علي المشاريع النافعة المفيدة. مدّوا السكة لمسافة 7 كيلو مترات بين بغداد و الكاظمية.

رتبت شركة أسهم محدودة (آنونيم)، و كانت تجر بالخيول لا بالبخار أو الكهرباء. فتم إنشاؤها في تلك السنة.. و صارت تشتغل..

و قامت هذه المؤسسة بكل ما تحويه بمبلغ (18) ألف ليرة.. و لم تصرف سهامها جميعها و إنما صرف نحو ألف سهم منها. بلغ ربح المشروع في السنة 18% أو 20% فصرف بعضه لأرباب الحصص و البعض الآخر جعل تسديدا للدين في نهاية كل سنة. فبلغت شركة التراموي خمسة آلاف حصة، فبقيت كذلك..

حوادث إيرانية:

حدثت بعض الوقائع و التجاوزات علي أراضي (غريبة) و أراضي (بكسايه) من ملحقاتها. و هي من أراضي بني لام. صار يتجاوز عليها أشقياء إيران فأرسل الوالي قوة إلي هناك.. و كان أحد شيوخ بني لام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 279

محمد علي التزمها من الحكومة، ثم امتنع من أداء بدل الالتزام..

رئيس أركان الفيلق السادس:

جري نقل حمدي باشا الفريق رئيس أركان الفيلق السادس إلي الفيلق الرابع، و نصب مكانه الفريق رؤوف باشا.

مراد أفندي متصرف العمارة:

و جهت إليه رتبة اصطبل عامرة. و هذا هو أبو گذيله زوج نائلة خاتون صاحبة المدرسة المعروفة باسمها و ذات الأوقاف المهمة.

متصرف البصرة:

إن متصرف البصرة راشد باشا توفي أثناء عودته في الكوت لمرض أصابه. و من ثم عين مكانه خليل بك نقل من الحلة إلي متصرفية البصرة.

الفريق نافذ باشا:

عين للأركانية في الفيلق السادس، وصل إلي بغداد. و هذا صار قائدا للأحساء..

متصرف بغداد:

شاكر بك حصل علي و سام عثماني من الرتبة الرابعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 280

ناصر الدين شاه في بغداد
ناصر الدين شاه- زيارة الأئمة:

صدرت الإرادة الملكية في قبول هذه الزيارة، و جاءت الأوامر للاهتمام بواجب الضيافة و أن تتخذ له حديقة البلدية، و يبني له قصر خاص فيها لإقامته. رحبت الحكومة به، و عدت ذلك دليل الإلفة و الصداقة و حسن الجوار..

اهتمت الدولة، و قامت بأمر الاحتفاء به، و جل أملها تأسيس تعاون بين الدولتين في منع ما كان و لا يزال يجري في الحدود من حوادث و أن تتفاهم علي مطالبها، و صادف وروده أيام مدحت باشا، فكان الوضع ملائما، و حكمة هذا الوالي جعلته يلهج بهذا الاحتفاء، و صار يراعي حسن الجوار، و اتخذ هذه الزيارة فرصة لتأمين العلاقات.

ورد بغداد يوم الاثنين 28 شعبان سنة 1287 ه- 1870 م و مدحت باشا عرفت في أيامه حوادث عديدة كان لها مكانها و تستحق الذكر و لعل للجريدة الرسمية في تدوين أعمال الحكومة قيمتها و منها ما للوالي من يد في التوجيه، و كذلك من وقائع أيامه ورود ناصر الدين شاه لزيارة العتبات فكان الاهتمام به عظيما، و أن السلطان عبد العزيز أرسل كمال باشا نائبا عنه في استقباله و الترحيب به.. و كمال باشا هذا مدحه الأستاذ محمد فيضي الزهاوي بقصيدة فارسية أثناء ملاقاته قال في أولها:

شكر كز فضل ايزد متعال يا فتم دولت وصول كمال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 281

و هي قصيدة عامرة..

و لما ورد الشاه بغداد مدحه الأستاذ الزهاوي بقصيدة فارسية أيضا تتضمن الترحيب بقدومه، أولها:

هزاران شكر كز فضل و عطاي ايزدمنان شد أز تشريف شه بغداد رشك جمله بلدان

إلي آخر الأبيات. رأيت القصيدتين في (ديوان

ناظم) المخطوط مكتوبتين علي غلافه، و أبيات أخري بخطه أيضا. و عندي مخطوطته.

و هذه الزيارة بيّنها ناصر الدين شاه في سياحة خاصة، طبعت و فيها تفصيل لما أجري له من الاحتفالات و التكريمات.

و كان الاحتفال بالشاه باهرا، استقبله الجند من خانقين بأبّهة فائقة و اتخذت له الحديقة النجيبية مسكنا، و هي المعروفة (بالمجيدية) كانت بستان نجيب باشا، فصارت (حديقة الأمة) أو كما يقولون (حديقة البلدية). جعلها مدحت باشا (حديقة عامة).

ثم صارت مستشفي أيام رجب باشا. جعلها مستشفي الجيش، و بقيت إلي آخر أيام الترك العثمانيين تعرف بالمستشفي العسكري. و هي اليوم (المستشفي الملكي التعليمي).

دامت سياحة الشاه نحو ثلاثة أشهر في خلالها زار العتبات في النجف و كربلاء و سامراء، و كانت إرادة السلطان عبد العزيز أن يكون مدحت باشا في صحبته. و كان في هذه السنة قحط و غلاء، فحدثت صعوبات جمة و كان في خدمة الشاه جماعة كبيرة ذكورا و إناثا، و معهم أكثر من 15 ألف دابة. فكانت الحكومة تقوم بتدارك ما يلزم للكل..

و بلغت جميع المصاريف لسياحة الشاه و لما اتخذ له من إنشاءات و مفروشات لقصره ما يزيد علي ثلاثين ألف ليرة عثمانية. بذلت الدولة ما يليق من احترام عظيم، و أبهة لائقة بمقامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 282

بين إيران و العراق:

اتخذ الوالي فرصة وجود الشاه في بغداد ففتح باب المفاوضات عن المسائل المعلقة و كان قد ورد قدري بك لهذا الغرض..

1- إن نقود إيران لم تطرد، و لم تقف عند سعر معين، و تتداول بصورة متحولة بين خمسة قروش و ثلاثة و ربع فأقنع الوالي الإيرانيين بأنها تتداول كسائر نقود الأجانب بقيمة القران الحقيقية و هي ثلاثة قروش و ربع

القرش 25/ 3 لا تزيد علي ذلك، و أعلن للعموم، و الزيادة تابعة للرغبة.

2- الدفنية. في العتبات العالية مما تضر بالصحة العامة من جراء التعفنات، فلزم أن يدفن الميت في موطن موته و يبقي مدة سنة، و بعد مرور السنة تنقل عظامه و رممه فيحصل الغرض فتمت هذه و غيرها من القضايا المعلقة..

معاون الوالي و محرر الزوراء:

معاون الوالي رائف ذهب إلي استنبول هو و الأستاذ (أحمد مدحت) محرر جريدة الزوراء. و هذا كان له بعد ذلك شأن في عالم الأدب و التاريخ، فاشتهر كثيرا بما نشر من مؤلفات.

الأراضي العراقية

في أيام مدحت باشا سارت الحكومة في قضية العقر علي نهج معين، و أعلنت مدة لإثباته، فلا تسمع الدعوي بعد ذلك حذرا من أن تحدث مشاكل بعد تفويض الأراضي بالطابو للراغب فيها.

و هذا ما جاء في جريدة الزوراء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 283

«كانت الأراضي و لا تزال تعطي بالالتزام و أن صاحب الأرض يعلم يقينا أنها ليست ملكه فلا يغرس فيها، و لا يراعي إصلاحها الدائم لتكون المنفعة مستمرة.. و هذا الحال مشهود..

و هذا كان يأتي بالنفع للحكومة من جراء إعطائه بالالتزام، إلا أن أضراره كبيرة من جراء ما يأخذه الملتزمون، و ما يقسرون الأهلين علي أخذه زيادة عما تطلبه الحكومة بأمل الاستفادة و المقادير متفاوتة بين الخمس و الثلث أو أكثر..

و آمال الحكومات اليوم ليس المراد بها سلب الأهلين ما عندهم، و إنما همّها مصروف لزيادة الثروة العامة، و مراعاة نفع الأهلين..

و التجارة عندنا منحطة، فلا طريق للاستفادة إلا من ناحية الزراعة..

و الزارع لا يملك مزرعته، و لا يد له في التصرف بها.. فإذا أخذ الميري حصته، و الملتزم حصل علي نصيبه فلا يبقي بيد الفلاح إلا الربع أو الخمس أو أقل.. فاقتضي سوقه إلي أن يكون مالكا لينال رفاها..

فاختارت الدولة التفادي في سبيل منفعة هؤلاء..

و من ثم ابتدأت في أن تجعل الأراضي طابو و تفوضها بالمزايدة لطالبها أو لزارعها.. كما هو الشأن في الأراضي في البلدان الأخري..

و قد شوهد ما يعارض هذا التصرف من الدعاء بالعقر، و هو واحد

من عشرين أو من خمسة و عشرين أو من ثلاثين و هذا الحق مشهود بعضا و ثابت قطعا، و بعضهم صار يدعي به بلا وجه حق..

و هذا الحق كان قد منح للفاتحين الأولين، و بقي أثره إلي اليوم..

و لا يضر بتصرف المالكين ثم إنه بعد زمان صار يوجه إلي بعض الأشخاص ممن قام بمهمة عسكرية، أو تعهد بالقيام بها بالوجه المطلوب منه.. و الحال أن مثل هذا لم يبق فيه لزوم، و أن الترقيات الحاضرة تستدعي أن تقوم الحكومة رأسا بمثل هذه الأمور.. و أن القيام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 284

بخدمات يعوض من ناحية أخري.. و أن المستخدمين في أعمال الدولة كلهم موظفون.

و من ثم زاولت الحكومة البت في أمر العقر، و انتهاجه نحو نهج مرضي.. و أن لا تتولد كل يوم دعاوي في الاعقار، و تضر بحقوق المتصرفين أو المتفوضين بها.. و من ثم تكوّن قوميسيون أي لجنة للنظر في مثل هذه الأمور و تثبيتها بالوجه الشرعي.. و أن لا يقبل ما كان فيه شائبة..

و علي هذا أعلنت الحكومة بأن الدولة عازمة علي تفويض الأراضي بالمزايدة و بعد التفويض لا تسمع (دعوي العقر)، و أن لجنة تشكلت للنظر في ذلك، و بهذا تمهل الحكومة بلزوم المراجعة و إثبات العقر إلي غاية أيلول من سنة (1286 رومية) و إلا فلا تقبل المراجعة بعدها لئلا يتشوش أمر التفويض و يؤدي إلي اضطراب المعاملات..» اه.

و هنا يلاحظ أن ما أوردته الزوراء يخالف في تعليله ما جاء في نفس (الفرمان المتعلق بالعقر في القطر العراقي) و هو:

«إن أغلب الأراضي للقطر العراقي تدار بالالتزام و لا تفوض إلي أحد، و لذا تري الملتزمين يهتمون بالاستفادة من مدة

التزامهم فقط، و لا يبالون بإعمار الأراضي فلم ترق الزراعة و الفلاحة فيها، و كان من النتائج المضرة لهذه الطريقة أن الأراضي الواسعة للقطر العراقي أصبحت خالية من آثار العمران و لا شك أن تكثر الثروة و العمران في الملك متوقف علي تأمين حقوق الأهالي بالتصرف فيه، و لم يزل إيصال أمر الزراعة و الفلاحة في ولاية بغداد إلي الدرجة المطلوبة منها مما ترغب فيه ذاتي الملكية، و إن إحدي المسائل و الأسباب المؤدية إلي ذلك الرقي هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 285

إصلاح قضية التصرف للأراضي، و لذلك قرر في البداءة إقطاع الأراضي المذكورة و إحالتها إلي طالبيها، و لكن الصدمات و التقلبات التي اعترت البلاد مذ مائتي سنة سلبت من السكان القوة المالية، و القدرة علي الزراعة و الفلاحة، فحدث أن أخذت أغلب الأراضي من أصحابها بانضمام موافقتهم، و سلّمت إلي جانب الميري لتزرع الأراضي و تعمر و يستفيد أصحابها منها، و هكذا صارت تدار مزرعة تلك الأراضي بواسطة الميري علي أن يترك لأصحابها في العشرين و في الخمسة و العشرين و في الثلاثين واحد باسم العقر، و لم تزل هذه المعاملة تجري علي الأراضي المذكورة حتي الآن، ثم انقرض بعد ذلك أصحاب الأراضي الذين كانوا موجودين في ذلك الوقت و أصبح حق التصرف عائدا إلي الميري، و لم تبق علي الأرض إلا الحصة العقرية و لما كان أصحاب العقر لا يتعرضون في المتصرف بالأراضي و تملكها بل يأخذون حصصهم العقرية كما هي، و لما كانت هذه الحصة تزداد بنسبة عمران الأراضي و رقيها، فاستفادتهم ستزداد طبعا بالتدابير الإعمارية التي يتصور اتخاذها، و عليه فقد قرر ما يأتي:

1- يبقي العقر بأيدي أصحابه

إذا ثبت تصرفهم فيه بالسندات المعتبرة، و من لم يثبت يؤخذ منه، و من لم يكن بيده سند و تحقق تصرفه مدة 40 سنة يعامل معاملة المتصرف في السندات المعتبرة.

2- إن الأراضي العقرية (المعقورة) تعرض علي صاحب العقر أولا ببدل المثل الذي يقدره أرباب الوقوف الخالين عن الأغراض و ذلك كالمعاملة التي تجري بحق أصحاب الطابو، فإذا لم يقبلها تعرض بذلك البدل علي الأهالي المجاورين. و إذا لم يقبلوا أيضا تعطي لطالبيها.

3- إن الأراضي التي تباع بأيدي أصحابها إذا كانت مربوطة بعقر، فتعرض أولا علي صاحب العقر، فإذا لم يأخذها تباع للآخرين، و كذلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 286

إذا باع أصحاب العقر حصة عقرهم، فتعرض علي المتصرف بالأرض أولا بشرط أن يدفع حاصلات الحصة العقرية لمدة لا تزيد علي خمس عشرة سنة، و تحسب السنة من معدل حاصلات العقر مدة ثلاث سنين، فإذا لم يأخذها تباع لغيره، و إذا كانت الأراضي و العقر معا بيد واحد، أو بيد أشخاص متعددين يتصرفون فيهما مشتركا، فيمنع بيع كل من الأراضي و العقر علي حدة بل يجب بيعهما صفقة واحدة، و يجب جعل فراغ العقر و انتقاله بتصديق مدير الدفتر الخاقاني في بغداد و هذه قاعدة يسار بمقتضاها و إعلان كون الأراضي التي تعطي لصاحب العقر أو المجاورين ببدل المثل إن عطلت و لم تعمر مدة 3 سنين بدون عذر تنزع من أيديهم، و تفوض إلي طالبها.

و علي ذلك صدرت إرادتي الملكية في اليوم الثالث و العشرين من شهر شوال المكرم لسنة 1287 اه».

و من هذا نري أن الحكومة أرادت تفويض الأراضي بالطابو، و أن تكون سالمة من علاقة العقر، أو أنها تكون معقورة، فاتخذت هذا

الفرمان كتدبير للمعاملة و سلامتها لا غير.. و من ثم يزيد نصيبها أو لا يزيد، و أن مدحت باشا لم يقم بإصلاح كبير في أمر ذلك، و إنما أراد أن يحصل علي مبالغ لدولته، و هي في ضنك مالي عظيم، و أن يملك العشائر الأراضي فيتصلون بها فلا يثورون دائما.

كانت أعماله هذه في الأراضي تهدف إلي ما يشير إلي نفع الأهلين أيضا. فكانت عملية تلخص في رغبة الدولة و حاجتها في المال.. فعد من نواحي الإصلاح المهمة، و إلا فليس هناك ما أبداه الكتاب ذوو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 287

العلاقة.. أو صنائع الدولة آنئذ.. و غالب ما نراه أن المقصود به هو أن لا يفاجأ العمل المنوي بمعارضة. و هذا هو الذي حدا بالمتأخرين أن يعدوا ذلك من حسناته. و الحق أنه قام بالمهمة، فرأت قبولا لا مزيد عليه.. و كان الأغنياء و أعيان المملكة مرغمين عليها.. و عدّوها ضريبة.. ثم صارت نتائجها نفعا كبيرا للمتفوضين، و جاءت بالخير العميم للأهلين و لخزينة الدولة..

و جل ما نقوله إن الدولة جربت تجارب عديدة للحصول علي أقصي حد ممكن من الضرائب و ملخص أعمالها أنها كانت تجبي رأسا، أو بطريق الالتزام المقطوع، و لا شك أن وارداتها تنغصت بوقائع مؤلمة، و حوادث ملأت غالب صفحات (تاريخ العراق).. من جراء أنها لم تجعل علاقة لمالك بها، بل يتهافت عليها المتزايدون فيقبلها أصحابها بمبالغ كبيرة، فيعجزون عن الأداء فتحدث الفتن، كما أن ضرائبها كانت قاسية تقاسم الأهلين في النصف، أو تأخذ الثلثين، و إذا رأت نقصا عوضته من ناحية التخمين و التقدير، و إذا شعرت بضعف و خوف خمنت بالقليل و رضيت به و مشت علي رأي

القوي و تابعته في تقديره، و هكذا كانت لا تجري علي قاعدة معينة فتعطلت التدابير، و لم يكن لها قدرة علي الإجراء..

و تلخص أعمال الوزير في أمرين:

1- حصوله علي المال.

2- جعل المتصرف بالأراضي كما يقول القانون (متفوضا) بالأراضي فتبقي رقبة الأرض بيد الميري.

و من ثم قام بمهمته إلا أن العراق كله أراض و إصلاحه غير متيسر في آن واحد، بل إن تخريبات العصور لا تعمرها الأيام المعدودة.. و لا يستطيع إيجاد إدارة جديدة في يومين.. و العراق قد دمّرته الفتن و أزعجته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 288

الحوادث و سوء الإدارة فعاد خرابا.. و مهما يكن فقد زاول الأمر الأول و أما الثاني فهو نتيجته.. و من حين عودته من الدغارة صار يفكر في قضية الأراضي و الاستفادة العاجلة منها. و ذلك بتمليكها للآخرين ليتم إعمارها.

رأي الوزير الأراضي العراقية لا تشبه أراضي الممالك الأخري مثل الأناضول، و الروم إيلي نظرا لطبيعة موقعها، فإن أكثرها يسقي بماء الأنهار (سيحا)، و الآخر بواسطة الكرود أو تزرع ديما، و بهذه الوسيلة تختلف أنواعها، و تتفاوت فوائدها و خيراتها و هناك حقوق أخري تتعلق بها مما ولدته العصور، فلا تعتبر أميرية صرفة، بل بينها ما هو مملوك، أو موقوف إلي جهة، أو أنها مرتبطة (بعقر).. و أمثال هذه من الحقوق، و تتنوع إلي أقسام.. و حصة الحكومة (الميري) تكون تبعا لذلك مختلفة إلي ضروب، فتأخذ تارة الثلث، و مرة النصف، أو الثلثين و هكذا بالنظر لطبيعة الأراضي قد تأخذ المقطوع.

و هذه الأراضي بأنواعها لا يصح عدها بمثابة واحدة أثناء التفويض، فإذا أخذت الحكومة العشر من الأراضي و فوضتها إلي الآخرين فلا شك أن ما أدي حاصلا أكثر فله

قيمة أكبر، و يجب تفويضه ببدل زائد علي غيره، و هكذا يتفاوت بدل التفويض لتفاوت قيمة الأرض بالنظر لطبيعتها فيما إذا كانت تسقي سيحا أو ديما و هكذا تختلف قيمتها فيما إذا كانت بعيدة من العمران أو قريبة للمدن الكبيرة.. أو أنها قريبة لدجلة و الفرات أو بعيدة عنهما أو عن أحدهما.. إلي آخر ذلك من الاعتبارات.. فكانت توضع بالمزايدة..

و من جهة أخري أن البدل لا يستطيع المتفوض أن يؤديه دفعة واحدة، و لا يستطيع كل أحد القيام بذلك، و لتسهيل مصلحة الأهلين صار يأخذ عشرين من بدل المزايدة، و الباقي بأقساط لسنين أخري، و إذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 289

سلم المتفوض خمسة أعشار عن خمس سنوات دفعة واحدة، فلا تؤخذ منه الأعشار الأخري، و تفوض له الأرض رأسا.

و في الأراضي المعطلة التي لا ينتفع منها يجري التفويض علي العشر فقط، و لا يستوفي من المتفوض أكثر من ذلك.. تأمينا لتقوية المتفوضين و قيامهم بما يلزم من الأعمال و طرق الإعمار.. فتعطي ببدل العشر أثناء المزايدة، و لا يؤخذ غير ذلك.

و أما أصحاب الديم و أصحاب الكرود فإن الأراضي تعطي لهم بعشرها، و لا يؤخذ منهم شي ء و تسجل بأسمائهم.. كذا قيل و هي ليست جارية علي ذلك في الغالب، و إنما يؤخذ في الغالب المقطوع من أصحاب الكرود.. و لعل هذا لم يجر ليعرف عنه ما ذكره صاحب.

(تبصره عبرت)..

و أما الحالة في أراضي الهندية و أمثالها فقد قرر أن تبقي زراعتها بيد أهلها، و تقسم ما بينهم علي حساب الدونم و الجريب ببدل مناسب (طابو المثل) لا بطريق المزايدة، فتفوض كذلك، و في السنة الأولي فوضت جملة أراض بهذا النمط، و استفاد

المتفوض أمرا مهما و هو أنه أسقط قسما من الرسوم الأميرية.. و ذلك أن مدحت باشا في الشهر الثاني من وروده إلي بغداد ذهب بنفسه إلي الهندية، فعلم أن زراعة هؤلاء خاصة بالأرز (الشلب)، و أن البذور كانت منهم، و مع هذا يؤدون للحكومة 66 من مائة من الحاصلات باسم (ميري)، و الباقي تؤخذ منه عوائد الشيوخ و الرؤساء و كراء محل جمعها و وزانية، فلا يكاد يبقي لهم شي ء، الأمر الذي يستدعي قيامهم دائما، فيضطرون للعصيان، و غوائل الهندية تتوالي من جراء ذلك.. هذا ما استقاه الوزير من المعلومات محليا..

و من ثم أنزل الحصة الأميرية إلي (50) من مائة، و ألغي الكثير من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 290

العائدات الأخري و المصاريف، و وعدهم أنه إذا رأي منهم استقامة و هدوءا أنقص من الميري أكثر من ذلك و جعله 40% و هكذا يمضي في التنزيل كما ينطق بذلك الأمر المعطي من مدحت باشا نفسه.. و يلاحظ أنه لم تمض مدة حتي ثارت ثائرة الدغارة، و أن الأهلين يبلغون في الهندية نحو خمسة عشر ألف مسلح و كان يؤمل أن يعاونوا أهل الدغارة و يظاهروهم، و لكنهم بقوا موالين للحكومة و لم ينحرفوا عن الطاعة و عزموا علي تأدية الحصة الأميرية بكمال الاستقامة.. فأدوا في السنة التالية المطلوب منهم، و أن الوالي أنزل الحصة الأميرية إلي أقل و مع هذا كان الحاصل أكثر من السنين السابقة أو أنه كان أكثر من أي سنة مرت برخاء و وفرة حاصلات..

جري هذا التفويض في جملة أراض، و انتفعت الحكومة أكثر من مائة ألف ليرة فكانت منفعة زائدة حصل عليها مدحت باشا، و كان يخشي أن تتنزل الواردات

بتنزيل مقدار الحصة الأميرية إلي (العشر) و (الخمس)، و لكن المحصولات كانت و افرة في تلك السنة، فسدت النقص، و لم يحصل فيها تبدل.. و كذا في السنة الأخري تجاوز ذلك حدود السنة الماضية.. و من ثم انتفعت خزانة الدولة من النقود دون أن يطرأ خلل في الميري..

و إذا كانت إدارة الأراضي من جراء الرسوم الأميرية تجري بطريق (الأمانة) أي تقوم بها الحكومة رأسا و مباشرة، أو بطريق المقطوع (الالتزام) و هذه تعينت مضراتها فلا شك أن الأصول التي قام بها مدحت باشا تؤدي حتما إلي الإعمار، و تكون العلاقة بالأراضي مكينة جدا..

و من جهة أخري يحصل الارتباط بالأرضين، و أن أصحاب الأراضي لا يقومون بثورات ضد الحكومة بعد أن يعلموا أنهم أصحاب أراض، فزاد التوثق من أصحابها.. و صار انتفاعهم كبيرا، فذاقوا لذة التوطن و الاستقرار.. و من ثم زالت غوائل كانت تتوالي دوما..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 291

و من ذلك كله نعلم ما قام به مدحت باشا و أنه ينوي توزيع الأراضي مثل الهندية و غيرها إلي زراعها باعتبار الجريب و الدونم..

و الملحوظ أن التفويض و لو بلا بدل كان نافعا للحكومة من جراء تداول الأيدي، و تعدد المعاملات من انتقال و تفريغ و رهن و تأمينات..

و أن إبقاء الأراضي أميرية صرفة لا منطق له، و لا قيمة في التدبير أو الاحتفاظ.. فلا نعلم إصلاحا لمدحت باشا في الأراضي إلا بفائدة حكومته، و إلا حدث الاضطراب المتوقع دوما.. و علي هذا الأساس أصدر فرمان العقر، و حق القرار.

هذا. و أن حق القرار يفتح علي الحكومة بابا يجعلها لا تستفيد من أرض. و لهذا أبطلت الدولة حق القرار في الأراضي، و أعلنت

التفويض.. و لكن هذه الفكرة لم تكن صحيحة، و أن التجارب أدت إلي بطلانها، فإن استفادة الدولة في التفريغ و التصرفات الأخري من انتقال و غيره مهمة عدا كسب العلاقة بالأرضين. لا تريد أن تعطي حقّا ما لتنال غيره و تكتسب تدريجا ما هو مقرر لها من الرسوم، و هو أضعاف ما أعطته..

و علي كل حال كانت مضابط العقر قد جرت موافقة للقانون، و لا تزال مرعية في المحاكم، و تسمي (مضابط العقر) ب (مضابط قوميسون الاعقار) و تعد من الحجج القانونية.. و الملحوظ أن العقر كان معلوما قديما، و لكنه خصص في المتعامل عليه من هذا النوع مما يؤخذ من الحاصل، و تاريخ تولده لم يكن أيام مدحت باشا، و لكنه كان معروفا، فحدد أمره.. و ألقي (حق القرار) من العراق مع أنه أمر قانوني من جراء تفويض الأراضي، و أن لا تحصل عرقلة بسببها. و لم يقبل إلا في بعض المواطن (حق اللزمة).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 292

سد النهروان

قام الوالي بهذا المشروع. اتخذ للنهروان سدا في نقطة (زلي).

محل ملتقي النهروان بنهر ديالي، و كان معروفا قديما، فعمل له سدا، و لكنه لم ينجح، و المحل المقابل يعرف ب («أبي عرّوج).. و حال دون المشروع مواد السد و عدم صلاحها لمقاومة تيار المياه و مجاريها القوية.

وفيات:
1- محمد علي خان نواب.

توفي يوم الثلاثاء 14 ربيع الأول سنة 1287 ه و كان أحد نواب الهند المقيمين ببغداد، مرض قبل ستة أشهر فمات. و المعروف أنه سيد و يعرف بسيد علي خان و هذا هو عم أحمد آغا و نادر آغا آل النواب. كان أبوهما وزيرا في دولة (واجد علي شاه) في الهند في لكناهور. و هذا الشاه ابن عم سر اقبال الدولة ابن النواب شمس الدين حيدر ابن سعادة علي خان. أول من ورد بغداد من هؤلاء.. و له زوجة اسمها ثريا بيگم كانت جميلة و محبوبة للنواب سيد علي خان. اشتري أملاكا في رأس القرية و دارا في جانب الكرخ. و كان يكره أولاد أخيه أحمد آغا النواب و نادر آغا لحد أنه رأي في نظارته أحمد آغا النواب فكسرها فلما سئل عن السبب قال رأيت فيها أحمد آغا النواب..!

و مما ينقل أن صفية خانم بنت المزرقجي كان اسمها ليلوه فتزوجها و سماها بصفية خانم. و هذه كانت صغيرة فقالت إن هذه الدور ستكون لي. و من ثم صدقت كلمتها فصارت لها بعد أن تزوجت به. و لما مات ترك زوجتيه المذكورتين و ابنا من صفية صغيرا، فمات بعده. و كان أوصي لزوجته ثريا بكل ما عنده من نقود و أثاث و مجوهرات.. و هذه تزوجها أحمد آغا بعد وفاة زوجها و انقضاء العدة، كانت ذهبت للزيارة، فسار

إليها في الطريق في المحمودية، فتزوجها من ليلته، و أن أخاه نادر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 293

آغا تزوج أيضا صفية خانم و ولدت منه آغا صادق و آغا تقي. ثم بعد وفاة نادر تزوج أحمد آغا صفية خانم حينما توفيت ثريا بيگم، و ولد منها آغا تقي و آغا مصطفي.. و لأحمد آغا زوجة أخري هندية ولدت له سجاد علي خان و أحمد حسن خان.

و مما يحكي أن النواب أحمد آغا قد استولي علي ثروة السيد علي خان، و أنه قدم فصّا للسيد حسني الحكاك من زمرد كان ختم السيد علي فيه فقال له حكّه، و اكتب اسمي، فقال له اقلبه لئلا يضيع منه شي ء، فقال امح اسم هذا النجس و لا يهم أن يخفّ الفصّ، فكانت هذه مثل قضية النظارة..

حوادث سنة 1288 ه- 1871 م

غلاء و موت:

من حوادث هذه السنة:

1- غلاء.

2- موت.

فقد أصاب الناس فقيرهم و غنيهم شدة وطأة الغلاء و الأمراض..

فكان الخطر محدق من كل صوب لا في هذه السنة و حدها بل كان في التي قبلها أيضا، و لم تنجل الغمة و إنما استمرت إلي السنة المقبلة و شق الأمر علي الناس..

أحوال نجد (فتح الاحساء)

من أعظم الحوادث في هذه السنة اضطراب الحالة و ظهور الفتن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 294

في نجد بين آل سعود بعد أن دبّت فيهم روح الحياة و انتعشوا في عهد فيصل بن تركي. و كان والده تركي بن عبد اللّه قد قتل علي يد ابن عمه مشاري بن عبد الرحمن بن سعود سنة 1246 ه، فانتقم منه ابنه فيصل و قتله، فخلف والده تركيا، و في سنة 1254 ه- 1838 م سلم نفسه إلي القائد المصري خورشيد باشا فأخذه أسيرا إلي مصر و نصب مكانه خالدا من آل سعود فلم يذعن له الأهلون.

بقي فيصل في الأسر مدة ثم أطلق سراحه و عاد إلي الحكم سنة 1258 ه- 1842 م فاستعاد ملكه و قويت سلطته و حاول أن يعيد حكم آل سعود كما كان إبان السطوة الأولي.

و في سنة 1263 ه- 1847 م كان أعلن فيصل قدرته و أبدي سلطته بل قبل ذلك بمدة و صار يتغلب علي نجد و يثبت قدمه فيها فرأت الدولة لزوم إرجاعه إلي الطاعة. و عدت ذلك من الأمور الضرورية فكتب السلطان إلي الشريف محمد بن عون شريف مكة يدعوه إلي الهدوء و أن لا يعكر صفو الراحة فذهب الشريف بنفسه إلي نجد و معه العساكر النظامية فأبدي بها قوة و سطوة و أفهمه بوخامة العواقب فيما إذا أصر علي المخالفة.

و

من ثم أرسل الأمير فيصل أخاه عبد اللّه بن تركي و سائر المشائخ في نجد إلي المعسكر السلطاني و طلب العفو و أعلن اسم السلطان في المساجد كافة في منابرها و خطبها. فزالت الغائلة بسلام دون وقوع معارك.

و علي هذا أنعم السلطان علي الشريف بوسام الوزارة و زاد في راتبه و منح ابنيه الشريف عبد اللّه و الشريف عليا رتبا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 295

أراد الأمير أن يصلح إدارته و يتم سلطته علي أنحاء نجد. و لذا عدل عن التعرض إلي ما بيد الدولة فلا يكون سبب الحروب.

و في سنة 1282 ه توفي الأمير فيصل. و في المصادر العراقية أنه توفي سنة 1284 ه و لعله لم يرد الخبر إلي العراق إلا بعد أن حدث انشقاق بين أولاده. و كان النشاط سائدا في أيام فيصل و دخلت الاحساء في حكمه. فلما مات تولد النزاع بين أولاده. و كانت الدولة العثمانية أيام مدحت باشا تسعي في تنظيم الداخل، و التأهب للاستفادة من الانشاق الحاصل بين أمراء نجد للاستيلاء عليها و القضاء علي إدارة آل سعود، فلا تترك البلاد و شأنها حتي يتغلب أحد المتخاصمين، بل لم تحرك ساكنا لو لا أن التجأ إليها أحد المتنازعين..

كان مدحت باشا يرقب الحالة في نجد و صار يجهز جيشا إلي الاحساء، و يحاول أن يجعلها تحت إدارة الدولة..

و الأحساء كانت من أيام السلطان سليمان القانوني في يد الدولة و بقيت في إدارتها مدة. فصارت بيد بني خالد، فانتزعها آل سعود منهم.

و مر بنا ذكر ذلك في المجلدات السابقة.

ثم جري علي آل سعود ما جري. كان قد هاجم إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر ربوع نجد، و

خرب الدرعية، و ضبط الأنحاء المجاورة لها و لم تستطع الدولة القيام بإدارتها لضعف مستغلها. و من ثم دخل في طاعة الدولة الأمير فيصل، و بقي مسالما لها. منقادا دام علي الصفاء حتي توفي. و كان ابنه الأمير (محمد) حاكما علي المنطقة الشمالية و ابنه الآخر (سعود) أميرا علي الخرج و الأفلاج، و ابنه (عبد اللّه) أميرا في الرياض. و كان ولده الصغير الأمير (عبد الرحمن) بجانب أخيه الأمير عبد اللّه.

و من ثم تولي الإمارة (عبد اللّه) إلا أن أخاه سعودا عارضه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 296

و استولي علي الأحساء قبل أن يصل المدد لنصرة أمير الأحساء فأدي الأمر إلي أن نشبت معركة طاحنة بين الأخوين عام 1288 ه- 1870 م و كانت خسارة الطرفين كبيرة لا سيما أضرار الأمير عبد اللّه.

و حينئذ يئس الأمير عبد اللّه من النجاح فمال إلي الوزير مدحت باشا و الي بغداد فأرسل معه جيشا بقيادة نافذ باشا فاحتلها و صارت طعمة سائغة للدولة العثمانية. و رجع الأمير عبد اللّه بصفقة خاسرة و وقائع الأحساء و نجد متصلة بالعراق من تاريخ ظهور المبدأ الوهابي (عقيدة السلف). و توالت الأحداث إلي أن تم الاستيلاء علي الأحساء.

استفادة الدولة من النزاع فاستعانت بأحد الطرفين للتدخل في أمور الأحساء، فكان هذا الحادث قد وقع أيام مدحت باشا.

قالوا: حاول سعود أن ينال إدارة نجد، فذهب إلي الهند، و بمعاونة من الانكليز فقام الأمير عبد اللّه الفيصل في وجه أخيه سنة 1286 ه، فتغلب سعود عليه، و ضبط الأحساء و ما والاها، فتمكن جيشه في الهفوف و المبرز (الأحساء)، و في القطيف، و في المواطن الأخري، و توجه نحو الرياض. و لم نر ذكرا

للإنكليز في المصادر السعودية عن هذه المعاونة. و الظاهر أنها دعاية و تشنيع.

و بقي عبد اللّه الفيصل بلا نصير، فكتب إلي مدحت باشا يطلب المساعدة، و الأخبار الواردة تنبي ء أن سعود الفيصل كان مدبرا و شجيعا لا يوازيه أخوه.

و في الوقت نفسه كشف الوزير عن الحالة، و ما يقتضي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 297

لاستطلاعها مما جعل الأمر لازما للوقوف التام، و التحقيق بخفاء عما تجب معرفته. و من ثم قام الوزير بتجهيز خمسة أفواج من الفيلق السادس و مقدارا من المدفعيين و الخيالة فرتب فرقة كاملة العدة بتجهيزاتها جعلها تحت قيادة الفريق نافذ باشا، و أعد المراكب لهذا الغرض، و تحركت من البصرة في أول سنة 1287 ه، و رافق هذه الحملة العسكرية منصور باشا، و السيد محمد سعيد نقيب البصرة، و أن الكويت تطوعت في الخدمة، و رافقت الجيش، و سارت الجيوش بأرزاقها في سفن تبلغ نحو ثمانين بين صغيرة و كبيرة، و كانت هذه بإمرة قائممقام الكويت (عبد اللّه الصباح). قام بإدارتها بنفسه، و تعهد بالخدمة مجانا بلا مقابل..

و هذه الفرقة سارت توّا نحو رأس التنورة، فأنزلت و من ثم سارت برا إلي القطيف، و كانت هناك قوة ابن سعود فلما أطلقت المدافع عليها لم تقو علي المقاومة فتفرقت و انهزمت من خوفها، و دخلت الجيوش قصبة القطيف بلا عناء و لا كلفة في 9 ربيع الأول سنة 1288 ه ثم سارت إلي الهفوف و المبرز، و قبل الوصول إليها ترك أعوان ابن سعود هذه المواطن و فروا.. و من ثم استولت الحكومة علي الأحساء.

و بذلك تم الغرض في قضية نجد بقوة عسكرية و بسهولة، فبقي أمر آخر يهم الدولة هو

دفع ابن سعود، و الخلاص من أخطاره في المستقبل، و أن تكون البلاد بنجوة من تعرض الأجنبي مادة و معني، فأراد الوزير تأمين ذلك فتأهب بنفسه و ذهب إلي هناك لإكمال المهمة.. و في تلك الأثناء ظهرت غائلة شمر فعاقته مدة و أخرت منهاجه..

و مما قاله السيد أحمد الرشدي من علماء الكشفية من قصيدة في ذلك جاء تاريخها:

لقد جاء نصر اللّه يزهر بالفتح

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 298

ثم ذهب مدحت باشا إلي هناك و شكل إدارة فيها فجعلها لواء من ألوية العراق.

أعمال مدحت باشا

1- حديقة البلدية: إن هذا الوزير قام بأعمال أخري منها أنه اتخذ متنزها للعموم، و هي (حديقة البلدية)، و كانت تسمي (بستان نجيب باشا) أو (النجيبية) ثم صار يقال لها (المجيدية). شاعت كذلك علي لسان الناس.

2- جلب مكائن للطحن و للأرز و للغزل و النسج.

إن الألبسة الجديدة لم يعد في الإمكان تداركها، و الأعمال اليدوية لا تأتي بالحاجة و لم تكتف أمة من الأمم أو تتدارك احتياجاتها الكبيرة بمثل هذه.. فاقتضي جلب معامل لعمل الألبسة و الخيام و ما ماثل ما عدا (الطربوش).. و ذلك أن الجيش تكاثر، و صارت احتياجاته كبيرة، فقد كان موجود الفيلق أيام مدحت باشا سبعة آلاف جندي، و بسبب القرعة و المتطوعين تجاوز عدد الاثني عشر ألفا فمثل هذا العدد لا يتيسر سد حاجته من طريق الأهلين و أعمالهم اليدوية، فصعب الأمر.. فأسس معمل النسيج، فصار يعمل يوميا 300 متر من الأقمشة الصوفية (الجوخ) و (400) متر من القماش القطني السميك، و يسمي المعمل بالعباخانة كما أن المحلة يقال لها العباخانة و كذا كانت تسمي (القاطر خانة). و أما معمل الطحين فكان يعد يوميا ألفي قية

من الدقيق و يخبزها.. فجلب مدحت باشا معامل لهذه الغاية من أوروبا بقوة 70 حصانا بكافة ما تحتاجه من أدوات، أوصي إليها من فرنسا بألفي ليرة، و أرسل مهندسا يراقب العمل..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 299

و لما كان ذلك قد صادف أيام الحرب بين فرنسا و ألمانيا (حرب السبعين) تأخر أعمال تلك المعامل، فبقيت ضرورة إلي ما بعد انفصال مدحت باشا. ثم جاءت من طريق البصرة، و لكنها لم تجد لها رجلا يتمكن من إشغالها لتقوم بالمهمة، و أهملت حتي أكلها الصدأ.

و في أيام حسين فوزي باشا حينما كان مشيرا للفيلق السادس جلبها إلي بغداد، و اتخذ لها الأبنية، فصارت تشتغل.. هذا ما علم من أمرها.

معاونية الوالي:

و جهت معاونية الولاية إلي شاكر بك متصرف المركز، و وجهت متصرفية المركز إلي حسن بك. و هذه المعاونية لم تكن من التشكيلات الأصلية و إنما جعلت لمدحت باشا خاصة..

متصرف البصرة:

إن متصرف البصرة خليل بك قد استقال، و عين مكانه سعيد أفندي معاون متصرف الحلة.

حادثة شمر:

لا تزال هذه العشيرة تشق عصا الطاعة، فعظمت غائلتها بسبب رئيسها الشيخ عبد الكريم، و أما الرئيس الرسمي الشيخ فرحان فلم يتمكن من ضبطها.. و هؤلاء كانوا قد عاثوا في الأمن إبان عزم الوالي علي الذهاب إلي البصرة و نجد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 300

و جاء عن هذه الحادثة في (تبصره عبرت):

«إن هؤلاء عاثوا بالأمن في المواطن المسماة ب (الجزيرة) المعروفة ب (بين النهرين) في المواطن بين حلب و أورفة و ديار بكر و الموصل، و خربوها، فصارت ميدان نهب و سلب يتجولون فيها كما شاؤوا..

و رئيسهم آنئذ الشيخ عبد الكريم، فهو شيخ مشايخهم، و قد اعتمد علي قوة عشائره و شجاعتها و كثرتها كما أنه كان قد اكتسب و جها من الحكومة، فأغمضت العين عنه إلا أنه طمع.. فكان يحمل آراء غريبة و انصرفت آماله إلي أن يكون حاكم تلك الأصقاع..

اتخذ واقعة الدغارة فرصة، فجاء إلي ما يقرب من بغداد بجيش عظيم من الخيالة، و صادف أن قد تمت الغائلة، فرجع.. و في هذه المرة رأي واقعة الأحساء، و وجد أن قد خلت البلاد من الجيش، فنهض بجيش كبير متكون من عشائره بين خيالة و مراديف، و يبلغون أكثر من ثلاثين ألفا، فأول ما عمله أن هاجم القري في أورفة و سيورك و ماردين و الموصل، فانتهبها و خربها، و قتل فيها الكثير من النفوس ثم هاجم بغداد بهجوم قاس من حيث لا يأمل الوزير..

و هذا الحادث شغله، و صده عما كان ينويه من الأعمال نوعا، فاقتضي أن ينصرف له، و يهتم به، و لم يكن يدور

في الحسبان و قوعه..

مما دعا الوزير أن يأخذ له عدته.. و كان الشيخ عبد الكريم في أنحاء ديار بكر، و واليها آنئذ (قورت إسماعيل باشا) و هذا بدوره أراد أن يعقبه حتي الموصل، فتهيأ للحركة ضده، فكتب مدحت باشا برقية أن يلتحق بالمشار إليه فوجان من الجيش و تكون تحت قيادته.. و من بغداد أيضا قد أعد ما يلزم من جيش تحت قيادة الفريق أشرف باشا فجهزه الوزير، و سارت الجيوش علي طول دجلة و الفرات، و طريق شهرزور، و اتخذت التدابير المقتضية، و سارع الوزير للحادث، و أعاره من الاهتمام ما يقتضي..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 301

فريق من شمر مضي إلي أنحاء بغداد، و آخر مضي إلي شهرزور و تحارب مع الكرد فانهزم، و فريق آخر مال إلي الشرقاط فهاجم إسماعيل باشا علي حين غرة، و باغتهم علي غفلة.. فنكّل بهم، و أما الفريق الآخر المتوجه نحو بغداد فقد و جد الجيوش متأهبة لحربه، و أن النقاط المهمة قد استولي الجيش عليها و أخذ مواقعه فيها فلم يجد ملجأ إلا الآبار في الجزيرة، و كانوا يعلمونها.. و كانت قد يبست.. فمات غالب هؤلاء عطشا..

أما الشيخ عبد الكريم فإنه فر بمن بقي معه و هم نحو ألفي خيال فعبر الفرات و سار إلي جبل شمر، موطن أجدادهم الأصلي.. و حينئذ كتب مدحت باشا إلي ابن رشيد أن لا يؤويه، و هدده بكتاب منه أرسله إليه.. و كذا وجد الطريق قد سدت في وجهه سواء في الحلة أو في الفرات، و وجد الجيوش أمامه متأهبة لقتاله فلم يستطع أن يلجأ إلي محل ما من هذه.. فاضطر أن يسكن نجدا، و يتغيب بين عشائرها..

و لما

مر من المنتفق ألقي القبض عليه ناصر باشا مجروحا و سلمه إلي بغداد، و من ثم شوهد أن ناصر باشا قام بخدمات عظيمة في هذا الباب، و أدي ما يجب و زيادة..

أجريت محاكمة الشيخ عبد الكريم علنا في بغداد لدي مجلس التمييز، فحكم بإعدامه، و لما كان من أصحاب الرتب أرسل الأعلام و المضبطة و قدما إلي الباب العالي، و بعد قليل أرسل الشيخ عبد الكريم إلي استنبول و في الطريق أثناء وصوله إلي الموصل جاء الأمر بإعدامه فصلب في الموصل.

و في الحروب قتل إخوته ممن علي شاكلته، و كان الشيخ فرحان أخوه لم يقم بما يشوش الأمن، و يقلق الراحة، فاختير لرئاسة العشيرة فصار شيخ مشايخها و كان قد ذهب إلي استنبول، و درس هناك..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 302

فعهدت إليه أمور العشائر و التفت حوله رجال عشيرته، و أمر أن يسكن عشائره، و أن يقوموا بزراعة الكرود، و يأخذ هو من حاصلاتها العشرية (20) ألف قرش معاشا مخصصا له. و في السنة الأولي شكل نحو (170) كردا، و من ثم تجمعت له العشائر التي تشتت فصار يدير شؤونها كرئيس عام، و لم يبق لها مجال للقيام بحركات غزو و نهب كالسابق، فاندفعت غائلتهم.. ثم إن الحكومة استكثرت هذا المعاش فنزلته، و بعد ذلك قطعته، فعاد القوم لما كانوا ألفوه..

حاكم المحمرة:

كان يقوم في هذه الأيام بما يعكر صفو الأمن.. و هو الشيخ جابر أمير قبائل كعب. و مر بنا ذكره.

عشيرة بني ويس:

مشغولة في أنحاء خانقين بالسرقات.. و لا تزال إلي آخر العهد العثماني. و نعتها المنشي البغدادي في رحلته بهذا النعت.

مزبان شيخ بني لام:

كان يولد الشغب ليكون بنجوة من تسليم الميري.. و تكلمت علي عشائر بني لام في المجلد الثالث من عشائر العراق.

متصرف المنتفق:

ناصر باشا نال رتبة روم ايلي بگلربگي (أمير أمراء الروم ايلي).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 303

وقائع:

للهماوند، و السنجاوية وقائعهم لا تزال تذكر و هي نهب و سلب.

مدحت باشا في البصرة و نجد:

ذهب الوالي إلي البصرة، و صل إليها في 21 شعبان سنة 1288 ه، و منها توجه إلي نجد، و في ابتداء شهر رمضان و صل إلي القطيف، و منها سار إلي الأحساء، ثم عاد و وصل إلي البصرة، و منها رجع إلي بغداد.

و من ثم صار لواء (نجد) أحد ألوية العراق و تكونت فيه إدارة مدنية متألفة من متصرف و قائد هو نافذ باشا، و قائممقام قطر و هو جاسم الثاني، بقيت قطر كما كانت بيده، و قائممقام المبرز و قائممقام القطيف..

و في الزوراء تفاصيل وقائع نجد المتوالية، و ذكر المواقع التي سار فيها الجيش، و نري إيضاحا عن العشائر الموالية و المعادية.. فصلنا ذلك في كتاب (نجد و العراق).

و لم يوافق الأمير عبد اللّه أن يكون متصرفا و إنما أراد أن يكون أمره بيده. و لذا فإن مدحت باشا لما ورد الأحساء وجده قد ذهب إلي الرياض علي حين غرة فكتب إليه كتابا دعاه للحضور فلم يوافق. و نظر في القضايا و المشاكل التي حدثت بين الأهلين و الحكومة فحلها بوجه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 304

لائق. أقام الوزير نحو 40 يوما و رجع. و في طريقه مر بالبحرين و شاهد أحوالها بنفسه و عاد إلي البصرة بعد أن أتم مهمته. و كان ذلك قبل أن يفتح قنال السويس بنحو خمس سنوات.

ثم إن السلطان عبد العزيز قدم لمدحت باشا سيفا مرصعا لما أبداه من خدمات في قضية نجد.. و مدحه الشاعر المعروف السيد عبد الغفار الأخرس بقصيدة وردت في ديوانه مطلعها:

سعدت نجدا إذا وافيت نجدا بقدوم منك إقبالا و سعدا

إلي آخر

ما قال. و فيها يهنئه بالسيف المرصع الذي أنعم به عليه السلطان عبد العزيز. و كذا مدحه الأستاذ الشاعر محمد أمين العمري قال:

أيا والي الزوراء الذي لجلاله جميع ولاة الأرض تدنو و تخضع

لك المنشآت الغرّ في البحر إنها تروح بنصر اللّه طورا و ترجع

أضفت إلي الزوراء نجدا بأسرها و لا شك أن الفرع للأصل يتبع

و من ظلم أهل البغي أنقذت أهلها فأضحت بجنات العدالة ترتع

عليها جعلت الجند سورا مشيدا و حصنا حصينا للمفاسد يمنع

فأنعم ظل اللّه سيفا مجوهرا عليك به أنف الشقاوة تجدع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 305

فأكرم وصل و انفع و ضرّ فإنما (يرجّي الفتي كيما يضر و ينفع)

و إني لأرجو أن تكون ضميمة عليها بلاد حازها قبل تبع

لقد جاء تاريخ لفكري مجوهر كسيفك بالترصيع زاه مصنع

و قد جذّ رأي البغي إذ قيل أرخوا أتاك من الخاقان سيف مرصّع

1288

و مدحه من لم أتمكن من معرفة اسمه. قال:

بشائر الفتح فتح نجد قد أسفرت مثل ضوء صبح

إذ جهز الجيش جيش نصر من اسمه شائع بمدح

أمره نافذ جليل حربا و نفوذ رمح

والي العراق الذي تولّي بعزمه مع جميل صفح

طاعت و حوش الأعراب طرا لبأسه بعد حسن نصح

بظل سلطاننا المعلّي سامي الفتوحات ربّ منح

من العزيز الفتاح وافي أرخت هذا عزيز فتح

1288 ه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 306

محمد أمين العمري:

شاعر معروف، و أديب كامل، له شعر جيد منه في (حديقة الورود)، و ترجمته في المسك الأذفر و فيه سلسلة نسبه و هو ابن يوسف العمري. أورد جملة من شعره. و توفي في شوال سنة 1288 ه، و دفن في الشيخ عمر السهروردي في الجهة اليسري للداخل في حجرة هناك.

و كانت ولادته سنة 1223 ه علي ما

ذكره ابنه و لم يقطع بذلك و إنما قال أتذكر أنني سمعت منه ذلك مرة. و ابنه هادي باشا نال رتبة الفريق الأول الركن تقاعد سنة 1332 ه، و اختار الإقامة باستنبول سنة 1335 ه.

هذا ما قاله الأستاذ المرحوم الحاج علي الآلوسي في تعليقه علي هامش شرح قصيدة مدح الباز الأشهب لعبد الباقي العمري و الشرح للسيد أبي الثناء الآلوسي.. و قد علمت من ابنه الأستاذ السيد سعاد العمري أنه توفي في 27 نيسان سنة 1932 م (ذي الحجة سنة 1350 ه).

و في مجموعة خطية عندي للأستاذ المترجم (محمد أمين) أنه:

«عاني الكتابة، فمهر في الإنشاء، و أقر له كتاب العرب و الروم، و سخرت له المعاني المتعاصية علي الأذهان. و مع هذا أبدع في النظم، و أكثر من مدح السيد محمود الآلوسي سواء في تقلده الإفتاء أو الحصول علي رتبة. و للمترجم آثار كثيرة من النظم و النثر دونت في كتاب حديقة الورود، و نشوة الشمول و نزهة الدنيا.

و كان قد طلب حسن زيور أفندي العمري (والد صاحب الفخامة الأستاذ أرشد العمري) في كتاب له مؤرخ 15 كانون الثاني سنة 1321 رومية يسأل ابنه عبد الهادي باشا عن ترجمة والده فأجابه بعين ما ترجمه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 307

به الأستاذ الحاج علي علاء الدين الآلوسي.

و خير ترجمة له أنه ربّي ابنه هادي باشا. و مجموعته فيها نظم في مدح الوالي علي رضا باشا، و السيد محمود الآلوسي، و غالبه فيه، و له بعض الغزل و قصيدة في مدحت باشا.

و في هذه المجموعة جاء أن كاتب الديوان في بغداد عثمان سيفي كان قد ترجم قصيدة عبد الباقي العمري إلي التركية، فقرظها الأستاذ محمد أمين

العمري بقصيدة. و هي مذكورة في ديوان عبد الباقي العمري.

و رأيت له قصيدة في مدح محمد سعيد باشا والي الموصل آل ياسين أفندي المفتي، و في المجموعة رسائل أخري. و المترجم كان كهية بغداد أو بالتعبير الأصح (باب العرب).

و هادي باشا كان في اليمن، و له بعض المذكرات عنها، و هناك حصل علي تصاوير عن اليمن من أحد الألمان و لكنها لم توجد بين متروكاته، و له حوادث في البلقان أيام قيادته كما أنه نال الوزارة في الدولة العثمانية، درس العلوم العسكرية باللغة الألمانية فهو مطلع علي اللغة الألمانية اطلاعا وافيا، كما أنه عارف بالفرنسية.

علمت ذلك من ابنه الأستاذ الصديق السيد سعاد العمري.

حوادث سنة 1289 ه- 1872 م

عزل الوالي مدحت باشا:

انقضت السنة الماضية بجليل الأعمال، و لم يهدأ الوالي مدحت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 308

باشا. كان لا يعرف للراحة طعما، فهو في شغل دائب و فكر مستمر و لم تمض من هذه السنة إلا مدة شهرين حتي عزل في أوائل ربيع الأول سنة 1289 ه - 1872 م في 23 مايس. و في 27 منه خرج من بغداد و ذهب من طريق النهر و البحر إلي استنبول.

و جاء في جريدة (الروضة) البغدادية أن مدحت باشا بقي في ولايته ثلاث سنين و واحدا و عشرين يوما.

و في برقية من الوالي اللاحق رؤوف باشا أنه في 10 مايس الرومي و صل إلي بغداد و باشر عمله و في برقية أخري جاء أنه نظر في الدور و التسليم، فلم يجد خللا في الحساب بل انتظاما. و أنه أي الوالي السابق سوف يذهب غدا من طريق النهر إلي أزميت و منها إلي استنبول.

أرسل البرقية في 13 مايس سنة 1288 أي أنه ذهب من طريق

البحر إلي استنبول في 14 مايس سنة 1288 رومية.

لم يجد خللا في أعماله و لا ما يوجب مسؤولية في عمل. و أن ماليته متقنة. و أن رؤوف باشا أثني عليه أو لم يجد ما يدعو إلي التقول في أعماله بل هي متقنة سالمة.

و جاء في تبصره عبرت أنه خرج من بغداد في مايس سنة 1288 و بهذا طويت صفحة أعماله من بغداد، كان يذكر فيشكر، نال مكانة مهمة فيها و لا تزال أخباره تدور علي الألسن..

مكانة الوزير و أثره

بعض الولاة لا يعرف تاريخ وروده، و لا وقت ذهابه، ضاعت عنا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 309

أسماء الكثيرين منهم، و منهم من لا نعرف أكثر من اسمه، فلم يعرف له عمل.. و ما ذلك إلا لأنهم لم يقوموا بمهمة. و البعض شغل مكانا معروفا، و أحدث دويا حيثما حل.. فكان عظيما خلّد ذكرا مقبولا و سمعة طيبة، و موقعا لائقا.

و هذا شأن وزير بغداد مدحت باشا، و لكنه لم يخل في وقت من طاعن به، أو مشنع عليه، متذمر منه. فإذا أضيف إلي ذلك جهل الناس في التقدير، علمنا درجة التأثير المتعاكس.

جاء هذا الوزير بغداد فوجدها صالحة لكل عمل. تستحق العناية من كل وجه، فصرف جهوده في إرضاء حكومته، و أن لا يقسو في الأهلين و يراعي التوجيه الصحيح.. فقام بالمهمة خير قيام.. و لكن رجال ذلك العهد و بينهم من لم يخرج من استنبول و لا يدري بما هنالك تأثر بالتضليل و حسب أن هذا الرجل لو بقي، لفتح بابا كبيرا لا يسد، و في ثلاث سنوات زاول مطالب عديدة، و أنه في هذه سوف يكلف الدولة تكاليف كبيرة، أو علي الأقل في مشاريعه سوف يمنع

الحكومة من الاستفادة المالية، فتكون واردات العراق للمشاريع التي عزم أن يقوم بها.. و كأن إدارة الدولة أشبه بمستغل وقف يحاول صاحبه أن يقبض إجارته في أقرب ساعة، و لا يهمه تدهوره و هلاكه، و لا يصبر علي تعميره لينال فائدة أكبر.. و من ثم رأي رجال الدولة بأن أعمال هذا الرجل سوف تحول دون الاستفادة و الدولة دائما في حاجة بل في نهم إلي المال، لا تريد أن تصرف فلسا، و إنما كان همها أن تأخذ المبالغ، فتسد جشعها، أو تستخدمها لما حدث أو يحدث من غوائل، و كلها غوائل، و لم تخل في وقت من زعازع..

و من ثم توالت عليه الاعتراضات، و أن أنداد مدحت باشا اتخذوا الوسائل لإقناع هؤلاء الرجال في أن أعماله سيئة.. و لكنها لم تكن لتؤثر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 310

هذه الأقوال علي مركزه لو لا وفاة الصدر الأعظم عالي باشا، ثم ولي الصدر الأعظم محمود نديم باشا فتغيرت الحالة، و صار يعتقد بصحة ما قيل في مدحت باشا، و من ثم صار يطلب منه مطالب لم تكن في محلها، و صار يضيّق في طلب المبالغ.. أما مدحت باشا فإنه لما رأي هذه الحالة قدم دفاتر في الوارد و المصروف لمدة وزارته عن كل سنة و أرسلها إلي الباب العالي..

و علي كل حال اضطر الوزير للاستقالة لأن ذلك الوضع لا يتيسر به إدارة المملكة..

و من ثم قبلت استقالته، و صار مكانه رؤوف باشا، فتوجه لمحل وظيفته علي العجلة بمنصب وال و مشير للفيلق السادس.. أما مدحت باشا فإنه خرج من بغداد بالوجه المذكور.

و لا يزال العراقيون يذكرونه بالخير و يمدحونه، و لم تمض مدة حتي صار صدرا

أعظم في جمادي الآخرة سنة 1289 ه.

و صفوة القول أن مدحت باشا علي قلة حكمه تمكن من إيجاد نظام و انتظام في القطر العراقي. جاء ولاة كثيرون لم يكن لهم شأن فقام بأعمال تدل علي قدرة عظيمة، و مهارة و انتباه، و كانت إدارة البلدة شغله الشاغل، و أنها ملكت سمعه و بصره..

و جل ما نعلمه أنه ولد في صفر سنة 1238 ه- 1822 م و توفي في 18 رجب سنة 1301 ه- 1884 م و حياته الرسمية كلها زعازع و مصاعب، فلم يهدأ علي حالة، قاومه أهل الشر و نال منهم معارضة قوية، فشوشوا عليه أمره و أذاعوا مفتريات كثيرة عنه. و أيامه في بغداد مقبولة محمودة. لم يظهر من الولاة إلي إعلان الدستور من يوازيه في قدرته و حنكته و حسن إدارته.

ترجمه ابنه (علي حيدر). وسع مذكراته و مدوناته بالاستناد إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 311

الوثائق الرسمية و المسموعات من أناس لا يرتاب في صدقهم. تجلّت قدرته و ذاع صيته في حياته و عرف عنه الشي ء الكثير. و في كتاب خاص ذكرت (حياته في العراق) و ما قام به من أعمال جعلته في مجلد واحد و لعل الأيام تسمح بطبعه. و أخباره مستقاة من جريدة الزوراء و عليها عولت في تدوين هذا التاريخ كما رجعت إلي غيرها.

و من الوثائق في ترجمته:

1- تبصره عبرت. مذاكراته بالتركية.

2- مرآت حيرت. في مذكراته أيضا.

نشر هما ولده علي حيدر. و فيهما أعماله في بغداد. نقلتا إلي اللغة العربية باسم (مذكرات مدحت باشا). و قد نشرت هذه بعد إعلان الدستور.

3- تركيانك ماضيسي و استقبالي. أي ماضي تركية و مستقبلها.

أصله مقال باللغة الإنكليزية نقله إلي التركية (ا. ر)

و نشره إبراهيم حلمي تجار زاده طبع في مطبعة آرتين اصادوريان باستنبول سنة 1325 كما طبع في مطبعة السعادة سنة 1324 رومية بعنوان (برسياسي داهينك نطقي).

كان مدحت باشا في حرب الروس سنة 1293 في لندن فكتب هذا المقال. و هو مهم جدا في تلخيص حالة الدولة و وضعها تجاه الغربيين.

نظر نظرة عارف بصير بسياسية العصر و علاقة الدولة العثمانية بها.

بيّن أن الشرق مطمح الأنظار، و أن العصر يتمخض عن حوادث خارقة. كان يتوقع أن تتولد أخطار منها علي أمم كثيرة و تكلم علي حالة العثمانيين في الماضي و الحاضر، و أوضاع الشعوب، و السياسة المذهبية و الاجتماعية فكانت نظرته حكيمة، و التفاته قويما. و لعل فيه ما يعين نهجه السياسي، فجاءت مذكراته شارحة أو أمثلة تطبيقية. كتب ذلك في مايس سنة 1878 م- جمادي الأولي سنة 1294 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 312

و في مقاله هذا يقول:

إن من ينتظر كل تشوش في الشرق من دول أوروبا ليتدخل، و يهدف أن تحل القضية حسب رغبته فهو واهم. فإن الدولة العثمانية متكونة من عناصر متباينة تفسر الحوادث طبق آمالها و أمانيها المتضادة كما أن تلقي الحوادث من هذه المنابع مبتورة قد يؤدي إلي التشويه، و في هذا تضليل للرأي الأوروبي العام.

و هذا قطعي في حالات اجتماعية و سياسية و دينية مثل هذه قد تؤدي إلي الصيد في الماء العكر، أو توليد اضطراب فكان البحث من أوروبا في هذه الحوادث يستدعي التوثق من صحة الأخبار مجردة عن الأهواء و إلا كان البناء علي ذلك يؤدي إلي أن يكون الحل مدخولا و غير موثوق به بل يسوق إلي تهيج في المنافع. فهل أن روسيا استغلت هذا؟ و

هل الغرض منه الانتصار للنصرانية؟ و ما هي آمالها؟

كل هذا يدعو إلي الرجعة التاريخية و الالتفات إليها. و منها نعلم آمالها. و تعينه حروبها، و ما أدت إليه من نتائج … ! فإن التشنيع في سبيل هذه المصالح ببيان أن النصرانية مهانة. كل هذه وسائل لتبرير العمل لا غير.

و أوضح أن الإسلام دين الحرية و المساواة و العدل، و أن الدولة العثمانية لم تخرج عن هذه الخطة. و لا ينكر أن الدولة أصابها الوهن في القرن الثامن عشر و التاسع عشر إلا أنها أعلنت التنظيمات الخيرية و أنها سائرة في طريق الإصلاح إلا أن روسيا حانقة. تريد الانتقام. و لم تخل من تشويش أو حرب بين حين و آخر.

و لم تكن آمالها مصروفة لحماية النصاري بل إلي وحدة العنصر السلافي ليكون خطرا علي العالم. و ما توقعت كان فلم ترد من تشنيعها إلا هذا. و الآمال سياسية لا علاقة لها بدين. و أن الدولة العثمانية ماضية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 313

في طريق الأخذ بالديمقراطية سائرة في طريقها.. إلي آخر ما قال.

4- وصية مدحت باشا. و هذه نشرها رشدي. و طبعت في مطبعة القدر باستنبول سنة 1325 و فيها بيان ما لقيه مدحت باشا من الدولة من مطاردة. و لزوجته كتب رسائل سابقة لهذه الوصية. و فيها حكي آلامه.

و كل هذه لا علاقة لها مباشرة بحوادث العراق و لكنها تعين عظمة الرجل. و لعل أعماله في العراق خير ترجمة له في توضيح مكانته في الإدارة إلا أنها تحتاج إلي توسع و تبسط لا مجال له هنا.

5- الزوراء. صحيفة يومية في بغداد دونت أعماله. و هذه تبصر بوضعه. و علاقتها ببغداد و مدحت باشا أكيدة.

فهي صفحة خالدة في حياته.

هذا، و أما المسموع المتداول فهو كثير. و إنما أوضحنا ما علمنا من مسموع و منقول في (تاريخ مدحت باشا في العراق).

1 الأوضاع العامة الدولة العثمانية
1- الحكم المباشر:

إن الدولة حاولت محاولات عديدة للقضاء علي إدارة المماليك فلم تنجح إلا سنة 1247 ه- 1831 م علي يد علي رضا باشا اللاز.

و من ثم صارت تحكم العراق حكما مباشرا. و كان الأهلون يأملون أن تكون الوطأة أخف فجري عليهم التضييق فوق ما يتحملون فحصلت المشادة. و دامت بحيث صاروا يترحمون علي إدارة المماليك و لكن لم يدم ذلك، فخففت الدولة من شدتها و غيرت سياستها، و أرادت أن يكون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 314

العراق تابعا لها في تشكيلاته و سائر أحواله، فكانت المصيبة أعظم، و من هنا تولدت المشادة أكثر. و دام الأمر إلي أواخر هذا العهد.

2- السلاطين في هذا العهد:

1- السلطان محمود بن عبد الحميد الأول:

ولي السلطنة في 4 جمادي الأولي سنة 1223 ه- سنة 1808 م و توفي في 19 ربيع الآخر سنة 1255 ه- 1839 م.

2- السلطان عبد المجيد ابن السلطان محمود:

توفي في 17 ذي القعدة سنة 1277 ه- 1861 م.

3- السلطان عبد العزيز (أخو سابقه):

خلع في 7 جمادي الأولي سنة 1293 ه- 1876 م و توفي بعد أشهر من تلك السنة.

2 التشكيلات الإدارية
اشارة

تتوضح أحوال الإدارة من حوادث أيام كل وزير أو وال و لم تعرف التشكيلات الإدارية بوجه عام و بصورة ثابتة إلا في وقت متأخر. و أول ما جري سنة 1265 ه- 1848 م و تشكل مجلس كبير في الولاية. و أن (نظام إدارة الألوية) قد أحدث في 7 جمادي الأولي سنة 1281 ه- 1864 م و تلاه (أيام مدحت باشا) نظام مؤرخ 29 شوال سنة 1287 ه- 1870 م. و كانت المتصرفيات يقال لها (قائممقامية) و تحولت في النظام الأخير إلي متصرفيات. و باقي التشكيلات علي حالها إلا أن للمتصرفين أحدثت معاونيات بدل (كهيات).

و يهمنا الكلام في عناصر الإدارة المهمة مما لها علاقة بالأهلين أكثر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 315

1- الوزراء أو الولاة: (في بغداد)

الوزراء في بغداد ذكرنا أوصاف كل واحد منهم و ما قيل فيه.

و هؤلاء يترتب عليهم أمر المملكة و بسببهم تمدح الدولة أو تذم. و عندنا ليس لهم مقاييس ثابتة، و لا سياسة مستقرة أو مطردة من جراء أن سياسة الدولة متحولة و لم نجد منهم من كان يتصرف بقدرته و إرادته إلا ما قلّ.

رأينا أوضاعهم مضطربة و من الصعب جدا أن نراها تابعة لنفسياتهم و مقدار ثقافتهم و درجة اهتمامهم بالمصالح و المشاكل العامة، بل لا نشاهد إلا اليسير. فهم (مسيرون لا مخيرون). يشتركون في اتباع عاصمة الدولة أو مراعاة سياستها كما شاءت، و توعز إليهم بما طلبت. و كل من أحدث خلاف المراد عجلوا بعزله و نسبوا الحادث إليه. و باقي الأعمال تكون مقبولة أو مدخولة.

و يهمنا أمر تصرفات الوزراء في متابعة الدولة و الحركة طبق منهاجها. و هذه لم تنجح في غالب أحوالها. و عند ما تشعر الدولة بالخطر تعدل عن

التطبيق و تعزل الوالي تبعا لما كان حدث من أوضاع غير ملائمة. و تنسب إليه الخرق في أمر آخر و المقصود عدم نجاح الخطة. و كل ما تعلمه أن الدولة لم تتمكن من تنفيذ أغراضها إلا قليلا كبعض الإمارات التي تيسر لها القضاء عليها، و استعصي عليها أمر المنتفق، أو التجنيد و أن نجاحها في القضاء علي إمارة العمادية، و علي إمارة الرواندزي، و علي الجليليين مما أطمعها في (المنتفق)، و حبط كل ترتيب عملته، أو أمر قامت به. و مثله أمر (التجنيد) … و هكذا حوادث (الالتزام).

مرّ بنا من الوقائع ما يبصر بالأحوال أكثر. أرسلت الدولة أكابر رجالها للقيام بالمهمة فنجحت في بعض لما مهّدت في القضاء علي (بابان) من معاهدة أرضروم (أرزن الروم) سنة 1263 ه. و هكذا كانت ترتيباتها لا يستهان بها لا سيما في المنتفق و في التجنيد فكان الخذلان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 316

حليفها، و حبطت مساعيها. و إذا كان أجدي بعضها فالفشل كان ذريعا جدا. و كلفها الأمر فلقيت عناء كبيرا و لم تساير الأمور بل وقفت في التيار فلحقها العناء و صارت تتراجع في الأكثر فتخسر الصفقة لما تري من معاكسات. و خير رجالها مدحت باشا و هو آخر العهد و خاتمته.

و كان مطلع عهد جديد.

و مما شغل بالها حوادث اليزيدية. و هؤلاء استعصت إمارتهم كما استعصت تلك الإمارات العربية. و الإمارات أو المجموعات الكبيرة كانت الشغل الشاغل. و الجهود المبذولة كلفتها أكثر مما استفادت لأمد قصير. و هنا لا نريد أن نعيد الحوادث المارة. و هذه النظرة تكفي للمعرفة العامة فأقف عندها. و ليقس ما لم يقل.

و هذه قائمة بأسماء الولاة في بغداد:

1- علي رضا

باشا اللاز: (8 ربيع الأول سنة 1247 ه) شعبان سنة 1258 ه).

2- محمد نجيب باشا: شعبان سنة 1258 ه. رجب سنة 1265 ه.

3- عبد الكريم نادر باشا (عبدي باشا): رجب سنة 1265 ه:

صفر سنة 1267 ه.

4- محمد وجيه باشا (وجيهي باشا): صفر سنة 1267 ه: صفر سنة 1268 ه.

5- محمد نامق باشا الكبير: صفر سنة 1268 ه: 29 شوال سنة 1269 ه.

6- رشيد باشا الگوزلگلي: 5 ربيع الأول سنة 1269 ه: فتوفي 22 ذي الحجة سنة 1273 ه.

7- عمر باشا السردار الأكرم: 4 رجب سنة 1274 ه: 27 صفر سنة 1276 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 317

8- مصطفي نوري باشا: 13 شوال سنة 1276 ه: 22 شعبان سنة 1277 ه.

9- أحمد توفيق باشا: 22 شعبان سنة 1277 ه: 25 ربيع الأول سنة 1278 ه.

10- محمد نامق باشا للمرة الثانية: 2 شعبان سنة 1278 ه: 13 ربيع الأول سنة 1284 ه.

11- تقي الدين باشا: 17 ربيع الأول سنة 1284 ه: 20 المحرم سنة 1286 ه.

12- مدحت باشا: 18 المحرم سنة 1286 ه- 1869 م: أوائل ربيع الأول سنة 1289 ه- 1872 م.

2- معاون الوالي:

هذا المنصب محدث. و كان يقوم بالمهمة (الكهية) أو (الكتخدا) و هو بمثابة معاون الوالي. و التشكيلات الجديدة أطلقت عليه لفظ (معاون). و في أعمال المعاون ما يصحح الوالي غلطه، كما أن الدولة تعمر ما خربه الولاة أو أحدثوه فولد نفرة الأهلين.

3- المالية:

هذه قوام الحكومة و وسيلة حياتها. و يقوم بأمرها دفتري تابع للوالي فإذا ضاقت كما في عهدنا لجأ الوزراء إلي المصادرات و الأضرار بالناس و اتخاذ الطرق الرديئة لابتزاز الأموال. و أكثر ما أضر بالحكومة الحرب للاستيلاء علي بغداد، و الوباء اللاحق، و الغرق المدمر …

و في خارج بغداد كانت الصلة مقطوعة، و أن العشائر اعتزت بمناعتها عن أداء الرسوم الأميرية. و ليس للحكومة قدرة علي القيام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 318

بمهمة جبابة الأموال. لحد أن الوزير قد يعوزه راتبه فيضطر إلي المصادرات و التضييقات علي الأهلين. و في أيام مدحت باشا فوضت الأراضي الأميرية.

و من الضرائب في هذا العهد:

(1) الالتزامات. و هذه في أيام السلطان عبد المجيد قبل إعلان التنظيمات الخيرية منعت الزيادة في الالتزامات منعا باتا سنة 1255 ه.

و رفعت الإجحاف نوعا.

ثم أبطل الالتزام، و صارت الحكومة تقوم بإدارة الضرائب الأميرية اعتبارا من إعلان التنظيمات سنة 1255 ه- 1839 م. و الموظفون الذين يقومون بجباية الضرائب يقال لهم (المحصلون)، و كان يقال لمن يتولي إدارة ذلك (المستوفي) و لكنه لم يستعمل في هذه الأيام.

بقي الحال مدة قصيرة و لم يستمر. و إنما عاد الإعطاء للمقاطعات بالالتزام إذ لم يدم العمل بموجب التنظيمات. و صارت بعض السنين تجبي الضرائب بطريق (الأمانة) أي تتولي الحكومة أمر الجباية. و إن الموظفين الصغار يقال لهم (جباة).

و يغلب إعطاء المقاطعات بالالتزام و ترك أمر

إعطاء المدن بالالتزام و لم ينقطع الأمر حتي أعلن الدستور في العهد التالي.

(2) البيتية. و يقال لها (الخانة). و هي ضريبة تؤخذ علي بيوت العشائر و لكنها في الغالب تؤخذ من البيوت في أطراف بغداد و لا تستطيع أن تأخذها من الآخرين إلا قليلا في بعض الألوية التي لا تستطيع النهوض. و لا يعطي إلا القليل. و الاستفادة في الغالب للرؤساء.

و في المثل العامي (يقتل و يؤدي الخانة) أي يضرب ضربا مبرحا ثم يؤدي البيتية و هذه تحسب علي الكل ثم توزع علي الأغنياء و المتوسطي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 319

الحالة و لا يؤخذ من الفقير و كان مقدارها (15) قرشا. و هي من الضرائب المحدثة أيام العثمانيين. و العشائر البعيدة لا تسلط للحكومة عليها. ثم بلغت ثلاثمائة قرش. و كان السادة لا يؤخذ منهم فصار يأخذها علي رضا باشا وزادت في أيامه. و الشيخ يشارك الموظفين.

و هذه الضريبة تسمي (القلمية) ثم صارت معتادا (50) قرشا. و مرة شاميا واحدا. و هكذا تحولت..

و الظاهر أنها من وضع المماليك باسم (قلمية). و تخص الاحشامات و قرا أولوس و قراغول ثم صارت بعد إلغاء (كتخدا البوابين) يطلق عليها اسم الأقلام الثلاثة و سميت (أقلام العشائر). ورد ذكر ذلك في (التاريخ المجهول) و في (سياحتنامه حدود).

(3) الكودة. و هذه ضريبة علي الأغنام و المواشي. و لا تستطيع الحكومة أخذها إلا من العشائر الضعيفة. و لم نجد أصل هذه التسمية فيما لدينا من المصادر لدي الترك أو الإيرانيين. و إنما تسميتها- كما يظهر- عربية. و الملحوظ أنها من كاده يكوده تؤخذ قسرا من العشائر فعرفت ب (الكودة). و منهم من يقول إن اللفظة تركية بمعني (السوام) و

هي ما يرعي من المواشي و (گودجي) بمعني راع … و لكن الترك لم يسموا هذه الضريبة ب (كودة) و لعلها مغولية أو تركمانية و بقيت من تلك العهود و لكننا لم نجد لها أثرا.

و هذه ضريبة معروفة من قديم الزمان تؤخذ علي الغنم و الإبل و البقر إلا أنها من جراء تكاثر الرسوم عليها و علي البيعية و علي الذبحية بالغوا في الاستيفاء و القسوة في أخذها.

(4) النقود. دام الضرب للنقود في بغداد إلي سنة 1262 ه و بمقادير محدودة و كانت هذه السنة آخر الضرب. جاء في تاريخ لطفي أنه ضربت نقود نحاسية بسعر پارة واحدة، و بسعر خمس پارات. و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 320

أحمد آغا الجيبه جي (أمين دار الضرب). و يقال له (سكه أميني). و كان محل الضرب في السوق المسمي ب (السكه خانه) أي دار الضرب تجاه (خان الأورتمه) من جانب السوق. و قبل ذلك في أول دخول العثمانيين العراق في (القلعة)، و دامت دار الضرب هناك إلي ما بعد السلطان مراد الرابع.

و بعد سنة 1262 ه لم تضرب النقود في بغداد. لأن الدولة العثمانية اتخذت دار ضرب جديدة مجهزة بأحدث الآلات جلبتها من إنكلترا فلم تبق حاجة إلي ضرب نقود في بغداد و لكن الحاجة إليها لم تنقطع و حوادثها مرّت أيام مدحت باشا.

حاول هذا الوزير أن يجعل نقود الدولة هي السائدة، و أن يقضي علي التلاعب الاقتصادي في أسعارها، و أن تحدد مشكلة النقود الإيرانية بتحديد سعرها فلم يفلح. و في (كتاب النقود العراقية) أوضحت أوضاع هذه النقود و النقود الأجنبية.

4- الجيش:

إن الجيش العراقي لا تزال أوضاعه تابعة إلي سابق العهد، و النظامي منه

لم يتكامل بل رأي معارضات شديدة و حوادثه تعين الحالة.

و لا تزال الحكومة في حاجة إلي العشائر، و إلي الچچان و إلي الهايته و (الباشبوزوق).. للاستعانة بهم.

و التجنيد في هذا العهد اكتسب شدة و نال اهتماما كبيرا من الدولة إلا أن بدءه كان في أيام نامق باشا و أيام مدحت باشا. ففي أيامهما لم يؤخذ من العشائر و لا من الأهلين إلا بطريق القرعة و بتساهل عظيم حذرا من عود الغوائل …

و لعل السبب أن العراق لم يذعن للترك و لا يرغب في تقوية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 321

تسلطهم عليه. و كان الناس يتخذون كل الوسائل للتهرب من الجندية …

و تشكلت في بغداد (المشيرية) و هي قيادة الجيش. و كانت تابعة في الأغلب للوالي تجتمع القوة العسكرية و الإدارة الملكية في شخص الوالي إلا أنها انفصلت أحيانا. و كانت الدولة توجس خيفة من الولاة و حوادث (تپه دلنلي علي باشا)، و (داود باشا)، و (محمد علي باشا والي مصر) لم يكونوا بعيدين عن سمعنا.

و في الغالب تحدث مشادة و تشوشات من أجل الجندية كما في (نامق باشا) و (وجيهي باشا) و أيام (مدحت باشا)، و مرّت بنا حوادثها.

5- القضاء:

اختل أمره كثيرا. و للولاة صلة بالقضاة أو سيطرة. و ربما استغلوا الولاة. و بين هؤلاء قضاة أكابر. و أول قاض بعد المماليك جاء به الوزير علي رضا باشا هو تقي الحلبي.

و أن التنظيمات الخيرية أثرت علي القضاة و زاحمهم القضاة المدنيون و من أهم من عرف حكام الجزاء، و حكام التجارة. ثم تكاملت المؤسسات المدنية لما شوهد في القضاء من خلل سواء في نفسية القضاة أو في الأصول المتبعة.

و هذا العهد أيام اضطراب. و

لم تنظم أمور القضاء إلا في العهد التالي و قائمة القضاة متعينة في سجلات المحكمة الشرعية لهذا العهد.

و أن التشكيلات المدنية في الأمور القضائية لا تزال في بدء التكوين و أنها ناقصة قطعا. و لم تتكامل إلا بعد هذا العهد. و كانت نواة أو بدء تشكيل. و وضع قانون التجارة، و قانون الأراضي، و نظام الطابو و لكن لا تزال الإدارة القضائية معتلة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 322

تكلمنا علي التنظيمات الخيرية و أنها لم تؤسس من حين إعلان الفرمان و لكن قررت الدولة الإصلاح و أتبعته بفرامين. و هذا احتاج إلي وقت طويل. و العراق لم ينل من هذا التجدد أو الإصلاح شيئا في هذا العهد إلا بعض التشكيلات و ما فيها من نقص. و تكلمنا في (تاريخ القضاء العراقي) ما يوضح الحالة. و لا مجال للتفصيل.

6- المجلس الكبير:

تكوّن بعد إعلان التنظيمات الخيرية بكثير. و كان تشكيله في بغداد سنة 1267 ه و لكنه لم يكن مستكمل الأوصاف. و إنما كانت سلطة الوالي مسيطرة. و يعوزه ثقافة الأعضاء. فهم في الغالب أشبه بالأميين.

و لذا نعته الأستاذ أبو الثناء بما نعته، فعيّن حالته بل ذمّ الشوري من أجله لما احتوي من عناصر.

و الشوري أو الحكم الديمقراطي لا يذم لذاته. و إنما يندد به للوسائل المتخذة للتوصل إلي ترتيبه بانتخاب جهال أو موافقين لرغبة الإدارة و ما إلي ذلك. و كان تشكيله عندنا بعد إعلان التنظيمات بمدة أي في رمضان سنة 1267 ه- 1850 م. و هكذا لم ينتظم أمره مدة. و كان مقدمة افتتاح (مجلس الأمة). و يأتي الكلام عليه.

7- العشائر:
اشارة

ألصق بالإدارة للعلاقة و لكنها أكثر استعصاء عليها. و السياسة العشائرية من أصعب ما يزاول الإداري. و قد مرّ بنا ذكر عشائر كثيرة.

و ربما كانت أكثر من العشائر الأخري المبينة في المجلدات السابقة. و ما ذلك إلا لتوضح العلاقة بالدولة و بالحكومة و ظهور قوتها. و العشائر مبسوطة في كتاب (عشائر العراق).

و من أشهر من تردد اسمها في هذا التاريخ المنتفق، و الخزاعل،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 323

و كعب، و زبيد، و بنو لام، و ربيعة، و العبيد، و عشائر عربية عديدة. و أما الكردية مثل الهماوند و الأورامان، و السنجاويين، و الفيلية، و الجاف فهذه مرّت …

(1) المنتفق:

حاولت الدولة القضاء علي إمارتها فلم تطق ذلك. و كانت استغلت الخلاف بين أمرائها فتدخلت في (الالتزام) و كان مقطوعا فصارت تريد فيه كل ثلاث سنوات و تقتطع من أراضيها و عشائرها قسما فتلحقه بما تحت سلطتها و أقرب إليها من ألوية لما أوجدت من خلاف بين الرؤساء.

و أن صكوك الالتزام و مقاديره و الكثير من حوادث المنتفق مبينة في كتاب (مباحث عراقية) للأستاذ يعقوب سركيس في مجلديه المنتشرين الأول و الثاني. و كذا في مقالاته في لغة العرب و في رسالتي الأستاذ سليمان فائق و مصادر تاريخية أخري عديدة مما تكلمنا عليه في صفحات سبقت.

و من هذه نعلم وجوه تدخل الدولة في القضاء علي إمارة المنتفق و الطرق التي مارستها، و لكنها لم تقض علي الإمارة إلا بعد هذا العهد و يأتي بيانه في حينه. و لكنها خطت خطوة و هي تأسيس بلدة (الناصرية)، و أن المقتطعات لم تعد إلي المنتفق جميعها. و عشائر المنتفق أوضحت عنها في المجلد الرابع من عشائر العراق. هذا،

و تكونت (الشطرة) في هذا العهد. و جاء التوضيح عنها فيما كتب الأستاذ يعقوب سركيس.

(2) العشائر الأخري:

و هذه منها عشائر ربيعة، و عشائر كعب، و العشائر الطائية منها ما ذكرت (السياسة العشائرية) فيها في عشائر العراق المجلد الثالث و منها ما أتناوله في المجلد الرابع.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 324

و مرّ بنا ذكر عشائر عديدة مما لها علاقة ظاهرة بهذا العهد سواء كانت عراقية أو أنها من العشائر المجاورة فأحدثت بعض المشاكل..

كما يفهم من حوادثها.

و في هذا العهد حاولت الدولة إسكان بعض القبائل الكردية مثل الجاف فلم تفلح كما أن خير طريق لإسكان العشائر تفويض الأراضي إليهم كما في أيام مدحت باشا في أنحاء (الهندية) و لكن لم يتم ذلك في الأنحاء الأخري.

8- خلاصة في التشكيلات الإدارية:

هذا ما يلخص الحالة في التشكيلات. و أكبر شخصية فيها الوالي.

و الحوادث المارة مما يعين الأوضاع. و للوالي (قائممقام) ينوب عنه عند غيابه لمهمات خارج بغداد. ثم حدث منصب (معاون الوالي)، فصار يقوم بالمهمة.

و المتصرفيات مصغرة من إدارة الولاة. و هكذا (القائممقاميات) مصغرة من المتصرفيات في قلة تشكيلاتها. و كان للولاة من التشكيلات منصب (باب العرب) للتفاهم مع العشائر. و هو بمقام (مدير عشائر عام). و كثير من الحوادث بصرت بمناصب أخري مثل (كاتب الديوان) أو منصب (رئاسة الكتاب) ثم صار (المكتوبي). و مثل منصب (المصرف) أو ما يقال لإدارته (مصرفخانه) من فروع المالية. و للجباية موظفون و للإدارة موظفون تالون.

أما الموصل فإنها تختص بولاة. و بينهم وزراء و لكن التشكيلات بمقياس أقل. و في الغالب جرت علي عهودها السالفة إلي ما بعد التنظيمات بمدة … و راعت القرعة أي التجنيد و جرت عليها قبل بغداد بكثير. و مثلها البصرة و لكن تشكيلات الموصل أكمل. و كذا الألوية الأخري مثل كركوك، و السليمانية بعد أن تكونت

منها ألوية خاصة بها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 325

3 الإمارات المنقرضة
1- إمارة الجليليين في الموصل.

أبعدتهم الدولة عن إمارة الموصل. و كان آخرهم الوزير يحيي باشا نحّته الدولة سنة 1250 ه- 1834 م و لم يعودوا إليها.

2- إمارة رواندز.

انقرضت سنة 1252 ه.

3- إمارة بهدينان.

و كان القضاء عليها سنة 1252 ه.

4- إمارة بابان.

قضي عليها سنة 1267 ه، فلم يعودوا إليها.

و هذه الإمارات لم تنازع بعدها و لم تسع لاستعادة ما كانت عليه إذ ليس لها قوة أو قدرة للقيام بأمر كهذا و لكن الدولة قرّبت إليها (إمارة الجاف) بأمل قطع دابر (إمارة بابان) فكادت تحلّ محلها إلا أنها عاشت مع الحكومة علي الوئام و الألفة في حين أن قوة بابان كانت بهذه العشائر و أمثالها …

4 الثقافة
اشارة

يعدّ بحق هذا العهد عهد إغفال الثقافة و إهمال أمرها. و لكنها جرت علي ما كانت عليه في عهد المماليك. المدارس معمورة، و المدرسون من بقايا ذلك العهد، فلم تتضعضع. و هكذا المثقفون كانوا من تلك البقايا. قاموا بالمهمة. و بهؤلاء ظهر العهد و إن كان ليس للدولة يد في الإيجاد و لا في التغذية العلمية. نهضوا بما لديهم من علم و أدب.

و ربما كانت المساعي مكينة في إحباط ما بذل في العلم و تقويته فاختل الأمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 326

و علماء هذه الحقبة:

1- آل الطبقچه لي.

و منهم محمد سعيد المفتي، و أسعد، و محمد … و هذا الأخير صاحب مدرسة معروفة ب (مدرسة الطبقچه لي). و كان فيها (خزانة كتب) مهمة، و لكنها تبعثرت.

2- عبد الغني بن محمد جميل بن عبد الجليل المفتي.

و كان أديبا و عالما. ولي إفتاء بغداد بعد محمد سعيد الطبقچه لي. و آل جميل معروفون. و (كتاب الروض الخميل) يعين ما قيل فيهم من شعر.

و يعرف إخوانهم ب (آل جميل) تغلبا. و هم أولاد عبد الجليل.

3- أبو الثناء الآلوسي.

ترجمه صاحب (حديقة الورود) في حياته.

و كان مفتيا ببغداد مدة طويلة. و له مؤلفات نافعة و مهمة من أجلها تفسيره روح المعاني. و كان يعدّ شيخ الأدباء و مرجع العلماء فهو رأس (مشيخة). أو كما نقول (مدرسة). التف حوله جمع من الأدباء و أخذ عنه لفيف من العلماء فشهدت لذلك إجازاته. و (آل الآلوسي) اشتهر كثيرون منهم بالعلوم و الآداب.

4- محمد أمين الزند.

ولي الإفتاء بعد أبي الثناء. ثم صار (كهية) فعرف بالكهية و لازمه هذا الوصف. و عرفت أسرته ب (آل محمد أمين الكهية). وقفت أسرته داره فجعلتها جامعا يسمي ب (جامع الكهية)، و كتبه (خزانة كتب) عظيمة في غزارة مادتها و جليل آثارها.

5- محمد فيضي الزهاوي.

ولي الإفتاء بعد الأستاذ محمد أمين الزند (الكهية). و بقي حيا إلي ما بعد هذا العهد. و (آل الزهاوي) أولاده و أحفاده فتكوّن منهم (البيت الزهاوي).

6- آل الحيدري.

عرف منهم في هذا العهد (صبغة اللّه الحيدري) الثاني. و كان مفتي الشافعية في بغداد. و له (المسائل الإيقانية في الأجوبة علي الأسئلة الإيرانية) عندي مخطوطته. و هو أجوبة علي الأسئلة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 327

الإيرانية. و توفي في 12 ربيع الأول سنة 1279 ه. و ابنه إبراهيم فصيح الحيدري عالم و مؤرخ و أديب. و مؤلفاته كثيرة من أهمها (عنوان المجد في تاريخ بغداد و البصرة و نجد). و (عنوان المجد في تاريخ بغداد و البصرة و نجد). و (المجد التالد في مناقب الشيخ خالد) و كتب كثيرة. و توفي في 5 صفر سنة 1300 ه- 1883 م. و منهم محمد أمين بن عبيد اللّه الحيدري. توفي في 27 جمادي الأولي سنة 1279 ه.

7- عيسي صفاء الدين البندنيجي.

عالم و مؤرخ و له معرفة كاملة باللغة التركية و صاحب مؤلفات عديدة من أجلها (كتاب أولياء بغداد) نقله من التركية و الأصل لمرتضي آل نظمي. عندي مخطوطة منه كتبت في حياة المترجم. و توفي في 17 رجب سنة 1283 ه- 1867 م.

8- آل الشواف.

منهم عبد الرزاق الشواف و عبد العزيز الشواف و هذا الأخير من أساتذة أبي الثناء الآلوسي. عاش في عهد المماليك … و تلاهما جماعة من آل الشواف.

9- عبد الفتاح الشواف.

من فرع آخر من آل الشواف. و هو صاحب (حديقة الورود) أديب كامل مات في مقتبل العمر و ترك أثرا خالدا. و هو الحديقة. ترجم بها أستاذه أبا الثناء الآلوسي و ذكر علاقاته بمعاصريه و بين الأدب العربي في أيامه زيادة علي ترجمته فأظهر قدرة كبيرة، و صار صفحة مجيدة في الشعر و النثر. و أخوه العلامة (عبد السلام الشواف) اختصر الحديقة و عاش إلي ما بعد هذا العهد. و من عقبه الأساتذة محمود عزت و مصطفي عزت. والدهما عزت ابن الأستاذ عبد السلام.

10- آل الواعظ.

هم آل الأدهمي. تغلب عليهم نعت الوعظ.

و من أجل من ظهر منهم في هذا العهد محمد أمين الواعظ. كان عالما جليلا و أديبا و خطاطا معروفا. و آل الواعظ توالي فيهم العلم. و كتب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 328

السيد مصطفي الواعظ ابن الأستاذ محمد أمين كتابا في أسرتهم علق عليه صديقنا الأستاذ إبراهيم الواعظ ابن المؤلف و نشره فكان صفحة وافية في التعريف بهذه الأسرة و عندي مخطوطة أصلية من هذا الكتاب و هو (الروض الأزهر في آل جعفر).

11- آل الراوي.

اشتهر منهم في هذا العهد السيد محمد ابن السيد حسين آل عبد اللطيف الراوي. و كان عالما فقيها. ولي التدريس في مدرسة مرجان مدة. فهو من العلماء البارزين. و من ذريته الأساتذة محمد سعيد و أحمد ابنا السيد عبد الغني ابن السيد محمد المذكور.

و التفصيل في التاريخ العلمي.

12- آل الروزبهاني.

منهم محمود الروزبهاني توفي في 17 جمادي الأولي سنة 1269 ه. و ابنه عبد الرحمن الروزبهاني توفي في المحرم سنة 1270 ه.

13- الحاج رسول الكردي.

توفي في 12 رجب سنة 1276 ه.

14- السيد أحمد الموالي خطيب الأعظمية.

توفي في 16 رجب سنة 1276 ه.

و ظهر علماء كثيرون و لكنهم لم يشتهروا اشتهار هؤلاء. و في الموصل و البصرة و النجف ظهر علماء آخرون.

و في العراق حدث ما حدث من انقراض المماليك، و من طاعون كاد يبيد معالم العلم. و كان هؤلاء من بقاياهم إلا أن المأمول في الدولة أن تنهج بالعراق نهجا جديدا لتحبب نفسها و تؤسس مؤسسات نافعة استفادة من الإصلاحات التي عزمت علي مراعاتاها في فرمان التنظيمات الخيرية المعروف ب (خط كلخانه) فلم تفعل.

و لكنها أخطأت المرمي بل لم تقدر أن تؤسس مؤسسات قويمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 329

و صالحة في أصل مملكتها أو في عاصمة دولتها، فبقي العراق محروما من التجدد العالمي و اقتباس الحضارة، و أن فتح قنال السويس لم يجعل للعراق علاقة بثقافة و إنما اقتصر علي التجارة. و لو لا اتصال العراق بالهند و بمصر و بإيران و المملكة التركية و البلاد العربية الأخري لبقي علي خموله و جفوته أو أنه اقتصر أمر الثقافة فيه علي مدارسه و خزائن كتبه.

و من أدباء هذا العهد جماعة جاء نظمهم و نثرهم صفحة كاشفة عن الأدب العربي. و من أدباء العرب في العراق في هذه الحقبة.

1- محمد أسعد ابن النائب.

2- عمر رمضان.

3- عبد الباقي العمري.

4- قاسم الحمدي.

5- محمد أمين العمري الكهية.

6- عبد الغفار الأخرس.

7- الشيخ صالح التميمي.

8- عبد الحسين محيي الدين.

9- قاسم الهر.

10- محمود أبو الثناء الآلوسي.

11- عبد الغني آل جميل.

اشتهر هؤلاء بالشعر. و من الأدباء الناثرين أبو الثناء، و عبد الفتاح الشواف و جماعة مما سنوضحه في التاريخ الأدبي و نعين النثر الفني …

و أدباؤنا لم يظهروا تجددا كبيرا

في الشعر و إن كانوا نشروا بعض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 330

المقطوعات و القصائد الأدبية المهمة في جرائد استنبول مثل الجوائب و كنز الرغائب فهذه نشرت الكثير من شعر العراقيين. و لم يظهر فيه ما يتعلق بالمطالب القومية أو الوطنية و ما شابه من الأغراض الاجتماعية إلا قليلا رأيناه في شعر عبد الغني جميل، و نثر الآلوسي و آخرين يعدون علي الأصابع.

و التكايا و الطرق اشتهرت بكثرتها في هذا العهد، و نشطت منها الطريقة (النقشبندية) و كادت تتغلب علي الطرق الأخري و لكن قطع الأمل من عودة نشاطها كما ظهر الخلل في صفوف النقشبندية. و كانت تتميز في أنها تحث علي العلم و الأخذ به إلا أنها لم تتمكن أن تستعيد القوة.

و أكبر نشاط لها في ربوع الكرد. تكاثرت تكاياها … و كادت تتغلب علي المساجد.

و من مشاهير هذه الطريقة:

عثمان طويلة.

و عبد الفتاح العقراوي.

و إسماعيل البرزنجي. و توفي 5 شوال سنة 1279 ه.

و السيد طه الكيلاني. و عنه أخذ البارزانيون الطريقة.

و لا تنكر خدمات هذه الطريقة للثقافة.

و ربحنا الثقافي لهذا العهد أن نحتفظ بما عندنا من تراث علمي و معرفة أدبية، فرعينا المدارس العلمية و خزائن الكتب و لم تنشأ عندنا المدارس الجديدة إلا المدرسة الرشدية كانت في آخر هذا العهد، و لم نشاهد إلا مدرسة اليانس الإفرنسية تأسست سنة 1281 ه- 1865 م و كانت فائدتها محدودة في بادي ء أمرها إذ إنها لم تدرس إلا الفرنسية فاقتصرت عليها. و بعض المدارس الدينية في الكنائس لم تعمّ المعرفة فيها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 331

و مرّ بنا تاريخ تأسيس المدرسة الرشدية. و لم تظهر إلا في آخر هذا العهد و كانت بوضع

ضعيف جدا. و كان تأسيس أمثالها في الدولة سنة 1262 ه و من ثم يعرف أنها عندنا متأخرة جدا. و لم تظهر المدارس المهمة و المنظمة إلا بعد إعلان الدستور.

و كان العراق متأهبا للمعرفة الجديدة مترقبا لتطورها من أيام أبي الثناء الآلوسي فحالت دون ذلك حوائل كما لقيت معارضة من آخرين.

و هذا الاحتكاك في الآراء مما نبّه إلي العلوم الفلكية و الطبيعية و أمثالهما. و التفصيل في التاريخ العلمي.

5 العلاقات بالمجاورين
اشارة

و هذه تهمنا أكثر من غيرها للصلات المباشرة. نريد أن نتوسع فيها بقدر ما نتمكن. و لعل في الحوادث المارة ما يوضح …

1- العلاقات بإيران:
اشارة

كانت الدولة القجرية علي وفاق مع الدولة العثمانية من تاريخ عقد معاهدة سنة 1238 ه، و سنة 1245 ه. و في هذا العهد عقدت معاهدة أرضروم سنة 1263 ه و توالت الإلفة بين الدولتين. و زار ناصر الدين شاه مشاهد الأئمة في العراق فتوثقت الصلة و التقريب.

و هذه قائمة بأسماء شاهات القجرية:

1- فتح علي شاه.

توفي في جمادي الثانية سنة 1250 ه- 1834 م و عندنا تداول من نقوده ما يسمي ب (الفتّه) و هي مخفّف (فتح علي شاه) و كذا (القران) و هو مخفّف (صاحبقران) فشاع نقده ب (قران). و كان ضربه في السنة الثالثة من حكمه.

2- محمد شاه ابن عباس ميرزا

المتوفي في حياة والده ابن فتح

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 332

علي شاه. خلفه. و كان ولي العهد. و توفي سنة 1264 ه- 1847 م.

3- ناصر الدين شاه ابن محمد شاه.

توفي 17 ذي القعدة سنة 1313 ه- 1896 م.

ملّ هؤلاء الحروب كما مل العثمانيون فركنوا إلي المصافاة حبا في الطمأنينة و الراحة للنظر في الشؤون الداخلية.

2- العلاقات بإمارة ابن سعود:

هذه الإمارة شغلت الدولة العثمانية في حروبها في الحجاز و في العراق. و أكبر قوة لها مناصرتها المذهب الوهابي (مذهب السلف) و هو معتقد الشعب. و كان قضي عليها والي مصر تنفيذا لأمر السلطان محمود إلا أن أرباب هذه العقيدة كانوا يميلون إليها و يحبونها حبا جما، فاستعادت بعض سلطتها من طريق الدين فتوسعت. و لكنها حاولت أن تمس بلاد الدولة فحصل التفاهم معها فكفت يدها و الدولة العثمانية كانت في ريب من أمر هذه الإمارة. توجس خيفة منها أن تعود إلي سلطتها الأولي. و من أشهر أمرائها في هذا العهد (فيصل بن تركي).

ولي الإمارة بعد والده سنة 1246 ه. و بعد ذلك أسر ثم استعاد قوته بعد العفو عنه. و حاول الاستيلاء علي جميع ما كان في سلطة آبائه و أجداده و لكن الدولة هدّدته. و من ثم رأي أن لا نتيجة وراء النضال.

و أن اهتمامه بإصلاح داخله أكبر و أعظم.

و بوفاته سنة 1282 ه حدث نزاع بين أولاده علي الإمارة، فاستغلت الدولة الحادث، كما استغل ابن الرشيد ذلك. و من ثم ركن الأمير عبد اللّه بن فيصل إلي العراق، فكانت العاقبة أن استولي مدحت باشا علي الأحساء و حازها لدولته، فطمعت فيها، و بقي أولاد فيصل مبعثرين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 333

و لو لا مناصرة الشعب لهذه الإمارة و اتصاله بعقيدتها لما دام لها حكم لا سيما و قد نهض ابن الرشيد للقضاء عليها فلم يفلح للسبب عينه.

و هذه قائمة أمرائهم:

1- تركي بن عبد اللّه

بن محمد بن سعود. توفي سنة 1246 ه- 1830 م.

2- فيصل بن تركي. توفي سنة 1282 ه- 1865 م.

3- سعود بن فيصل. توفي سنة 1292 ه- 1875 م.

4- عبد اللّه بن فيصل. و هو الذي استعان بالدولة العثمانية.

و توفي سنة 1307 ه- 1889 م.

5- محمد بن فيصل. بقي تحت سلطة ابن رشيد إلي أن توفي.

و هؤلاء داموا في نضال فيما بينهم و إدارتهم مبعثرة.

6- عبد الرحمن بن فيصل. هلك إخوته و بقي متحيرا مدة يلتمس الملك المغصوب و يترقب الفرص ليعود إلي الإمارة.

يدعم هؤلاء الشعب يميل إليهم ينتظر ظهور زعيم منهم، و يودّ أن يعود لهم الحكم ليناصره بلا قيد و لا شرط لما ملّ من الفتن. فكان هذا نصيب (عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل). و صل إليه الحكم بعد جدال عنيف و جهود عظيمة و مخاطرات و مجازفات فلم يترك اليقظة و لا الانتباه حتي نال مقصوده و ظفر … مما هو موضوع عهد تال …

6 العلاقات بالأجانب

كانت هذه محدودة قبل فتح قنال السويس. و مع هذا كانت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 334

العلاقات مشهودة و مقررة في معاهدات. فإن قناصل الإنكليز، و قناصل فرنسا لا يزالون يتوالون. و كان يسمي القنصل بالمقيم (رزدنت)، و (باليوز) و هذا اللفظ إيطالي و شاع عندنا، ثم تكونت القنصليات أو تحول اسمها إلي قنصلية و شاع كذلك في هذا العهد.

و يصعب بيان العلاقات. فإنها كانت ضعيفة إلا أن الإنكليز تعهدوا سير البواخر، و الاتصال بالهند بخطوط البرق، و بعض الخصوصات و كانت تجري بهدوء. و للقنصليات اتصال بالحفريات أيضا.

و العلاقات بالدولة العثمانية بواسطة سفراء قديمة. مرّ بنا في المجلدات الأولي للعهد العثماني بيان بعض المعاهدات. و

هي خير ما يعين الصلات، و هذه تخص تاريخ أصل الدولة. و في الولايات مثل بغداد كان المقيم (رزدنت) و يقال له (باليوز) أيضا. و لم يجلب العراق انتباه الأجانب في مثابة واحدة و درجة متساوية. و إنما تفاوتت العلاقات.

و كان في هذا العهد النفوذ للقنصليات الإنكليزية و الفرنسية. و نري التزاحم بينها كبيرا إلا أن الإنكليز يراعون الجهة العملية و الاستفادة من استغلال الأوضاع، و الفرنسية تريد الأبهة، و أن تري الاحترام الرسمي.

و آثار الإنكليز مشهودة كما أن الفرنسيين أخفقوا في قضية الطريق البري بين الشام و بغداد و شرعوا في العمل، فلم تدعهم الدولة و لم تفسح لهم في العمل و أن قرب فتح قنال السويس مما أحبط المشروع تماما. و يري تدخل الدولتين مشهودا. و لم نشاهد لغيرهما أثرا. و كان مندوب الروس و المندوب البريطاني في قضية تحديد الحدود بين إيران و العراق ذوي تأثير كبير …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 335

و كان الوالي عبدي باشا يميل بالتوجه إلي القنصل الفرنسي. و أن الترك متصلون بالفرنسيين من قديم الزمان و لعل التدخل الفعلي للإنكليز مما جعل الوالي يرتاب من سطوة الإنكليز و تدخلاتهم فينظر إليهم بحذر فيؤثر الفرنسيين. و لا شك أن الوالي كان يرقب الأحداث بحذر و لكن ذلك زال بزواله و اكتسب الإنكليز النفوذ التام و تقلص نفوذ القنصل الفرنسي.

و يهمنا أن السفارات في عاصمة الدولة. و العلاقات بها أمكن.

و أنها المرجع في كل نزاع أو حدوث خلاف. و تعرف الأوضاع من صلات الدولة في معاهداتها بالدول الأخري. و الحق أن العلاقات بالعراق قليلة. و قد مرّ بنا ذكر أوائل العلاقات بالبرتغال ثم بغيرهم.

و التجارة محدودة. و

بعد الدول عن العراق و عدم وجود الصلات بوسائط كافية مما قلل من هذه العلاقات. و في الغالب يمثل الإنكليز الدول الأخري بوكالات قنصلية فانفردوا تقريبا للصلات بالهند بحرا بواسطة الإنكليز …

و أقدم قنصلية في العراق (القنصلية الفرنسية). تأسست سنة 1742 م. و من ذلك الحين أخذ قناصل فرنسا يتواردون إلي بغداد.

و أما القنصلية الإنكليزية فيرجع تاريخها إلي سنة 1797 م فقد عينت لها قنصلا في البصرة و آخر في بغداد. و هذا يلقب ب (المقيم). و يقال له عندهم (رزدنت). و من أشهر رجالها المستر رچ. ذكرناه في المجلد السابق و في رحلة المنشي البغدادي ص 7 تفصيل أكثر عن تأسيس القنصليات الإنكليزية عندنا. و هذه القنصلية تتمتع بامتيازات عظيمة لم يبلغها غيرها. فلها 12 (قواسا) و عدد من الجنود المسلمين يبلغون (60) جنديا و لكن هؤلاء تبدل قسم منهم بالجنود البريطانيين. و كان تحت تصرف هذا القنصل باخرة صغيرة يقال لها (كوميت)Comet تلازم القنصلية دوما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 336

هذا، و إن مراجعة (المسألة الشرقية) يعين درجة نفوذ الدولة و تدخلها و تاريخ هذا التدخل. و في كتاب (بغداد و سكة حديدها) ما يعين الآمال. و لا يهمنا التوغل إلا بقدر العلاقة بالعراق في بعض الحوادث المارة.

و لم نر أثرا مشهودا أو صلة ظاهرة لقناصل الدول الأخري إلا ما شوهد من علاقة المنتدبين من الإنكليز و الروس في تحديد الحدود بين إيران و العراق بالوجه المبين.

خلاصة و صفوة

تحصل لنا من المطالب المارة و المشاكل المهمة التي عاناها العراق أن الدولة كان همها أن تقطع دار المماليك، و تجعل بغداد كسائر البلاد التابعة لها رأسا، فلم تفلح في هذه المحاولة، و لم تحسن

الإدارة، فتعمل للتشويق عليها أو الترغيب فيها.

قام الولاة في سبيل تحقيق ذلك بأعمال جائرة، و أن الأهلين لم يروا بدّا من المجاهرة بالخلاف، فتولدت مشاكل من أهمها (التجنيد)، و القضاء علي (المنتفق) و أمثالهما مما مرّ بيانه، فاستعصي الأمر، و شمس الأهلون …

و كل ما يقال إن هذا العهد بدء انتقال، فلم يهدأ في أحواله.

ضيقت الدولة فوجدت معاكسة، و خففت من جهة و شددت من جهة أخري، فكانت المصيبة أعظم و الخطر أكبر. و لا شك أن الأمور لم تتوضح. و لعل للمعاهدات مع إيران دخلا في هذا التضييق. و تحقق للدولة القضاء علي بعض الإمارات. و لم تفلح في الأخري.

و هكذا من نتائج المسالمة مع إيران أرادت القضاء علي المنتفق، و ربحت (الأحساء). و غوائل العراق كثيرة و كبيرة. و أن ولاة بغداد لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 337

ينجحوا، و أن مدحت باشا كاد يخفق في مساعيه لو لا همته و مواهبه في حروب الدغارة و تساهله مع المنتفق.

و من المشاكل التي زاولتها الدولة معاهدة أرضروم (أرزن الروم) و ما جري بعدها من تحديد الحدود. و بهذه ثبتت قدم إيران في المحمرة و أنحائها فتركت عشائر كعب إلي إيران مقابل قطع منازعاتها بإمارة بابان … فكانت الصفقة خاسرة.

و في مطالب الثقافة أهملت (المدارس العلمية) مع ضعف التشكيلات الجديدة فكانت الخسارة كبيرة لا في العراق وحده بل في مختلف ممالك الدولة. و كأن هذه المدارس العلمية لا تصلح للثقافة و لا يمكن إصلاحها بوجه علي قاعدة (و هل يصلح العطار ما أفسد الدهر).

أرادت إهمال الماضي أو خافت أن تتعرض بالعلماء حذر الإخلال بمشروع الإصلاحات و أن لا تكرر ما جري أيام السلطان سليم

الثالث من غائلة. و كأن (خط گلخانه) يهدف أمرا غير التعرض بالمدارس و العلماء و إصلاح أمرهما.

و عندنا لم يكن أثر للثقافة الجديدة إلا أيام مدحت باشا بتأسيس المدرسة الرشدية و هي ابتدائية. و سنتعرض في التاريخ العلمي و الأدبي إلي التوضيح.

هذا ما جري في هذا العهد بنظرة أخيرة. و لا ننس أن الحاضر نتاج الغابر فلا نطيل القول بأكثر من هذا. و اللّه وليّ الأمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 339

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الأعلام

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

3- فهرس المدن و الأماكن

4- فهرس الكتب

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

6- فهرس الصور

7- فهرس الموضوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 341

1- فهرس الأعلام

حرف الألف

آصف أفندي: 265

إبراهيم الأورفه لي: 26

إبراهيم باشا: 60

إبراهيم باشا الفريق: 165

إبراهيم باشا بن محمد علي: 295

إبراهيم بك السعدون: 274

إبراهيم بن بكتاش: 91

إبراهيم حلمي: 311

إبراهيم الرفاعي: 110، 111

إبراهيم الزعفراني: 78، 80

إبراهيم فصيح الحيدري: 327

إبراهيم القزويني: 78، 80، 92

إبراهيم الواعظ: 27، 327، 328

ابن الرشيد: 301، 322، 333

ابن سعود: 297، 332

ابن هذال (الشيخ): 125

أبو بغال: 134، 135

أبو بكر الكتخدا: 28

أبو سفيان بن حرب: 21

أبو طالب بن عبد المطلب: 75

أحمد الأحسائي: 86

أحمد آغا: 292، 293

أحمد آغا الأول: 31، 159

أحمد آغا الجيبه جي: 320

أحمد آغا النواب: 293

أحمد الحاج: 159

أحمد آغا الكتخدا: 50

أحمد آغا الكهية: 31، 159

أحمد باشا أمير اللواء: 242، 243، 244، 248، 250، 252، 254

أحمد باشا بابان: 60، 109

أحمد باشا اللاز: 72

أحمد توفيق باشا: 154، 155، 158، 317

أحمد بن جابر الصباح (الأمير): 268

أحمد حسن خان: 293

أحمد حمدي باشا: 256، 258

أحمد راسم: 258

أحمد الراوي (السيد): 297

أحمد الزعيم: 201، 209

أحمد الزندي: 185

أحمد السعدي: 12

أحمد شكري: 92

أحمد الطبقجه لي: 90

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 342

أحمد القزويني: 87

أحمد محمود الطالباني: 148

أحمد مدحت: 282

أحمد المفتي: 136، 185

أحمد الموالي: 140، 141، 328

أحمد نوري الأنصاري: 164

اد. انكله لهارد: 52

أرشد العمري (فخامة): 306

أسعد آل الطبقجة لي: 326

أسماء خاتون بنت قوجه يوسف باشا: 25

الإسكندر: 118

إسكندر باشا: 138، 144

إسماعيل الأورفه لي: 26

إسماعيل بن سعيد: 43

إسماعيل باشا: 200، 300، 301

إسماعيل باشا أمير العمادية: 45، 46

إسماعيل باشا الجليلي: 35

إسماعيل البرزنجي: 330

إسماعيل الواعظ: 27

أشقر باشا: 38، 50

إقبال الدولة: 209، 292

أكاه أفندي: 35، 37

أكرم رفعت (الدكتور): 31

إلياس بن خليل الجبور:

252

أمين پچه: 211، 232

أمين خالص: 33

أمين العمري الكهية: 55

أمينة بنت إسكندر باشا: 138، 139

أوليا جلبي: 103

حرف الباء

پجه أمين: 213

پچه شيرين: 211، 212

بدر بن مشاري: 125

بدرهان بك: 92

بدوي رئيس الدغارة: 246

بديوي (شيخ جليحة): 254

برتوي: 176

بسيم رفعت (الدكتور): 31

بكر باشا أمير اللواء: 250

بكر بك البصري: 34

پليسيه القنصل الفرنسي: 176، 181

بندر السعدون (الشيخ): 142، 156، 168

بوسويني (اللورد): 69

البهاء (حسين علي النوري): 86، 88، 89، 100

پير بك: 98

بيورلدي: 234

حرف التاء

تحسين أفندي: 243

تركي بلمز: 124

تركي بن عبد اللّه (الأمير): 294، 333

تقي آغا: 293

تقي الحلبي: 29، 321

تقي الدين باشا: 180، 183، 184، 193، 317

توفيق باشا: 156، 165

تويسز رائف: 226

حرف الثاء

ثريا بكم: 292، 293

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 343

حرف الجيم

جابر أمير كعب: 49

جابر الكاظمي: 148

جابر بن عبد اللّه الصباح: 268

جابر بن مبارك (الأمير): 268

جاسم الثاني: 303

جعفر آغا: 157

جعفر الأدهمي: 27

جلال بن إبراهيم: 25

جميل بك: 92

جميل الأورفه لي: 26

جوامير: 211

جودت باشا: 106، 159

جوكل (جوامير): 211

جول توللي المهندس: 273

حرف الحاء

جامع أفندي: 62

حافظ باشا: 85، 172، 268

حامد الفخري: 180

حافظ أفندي: 200

حسن آغا: 157

حسن آغا أورفه لي: 24

حسن بن آغا مير: 78

الحسن (الإمام): 159، 299

حسن باشا: 136

حسن بك: 111

حسن تقي زادة: 58

حسن زيور العمري: 306

حسن سلطان: 214

حسن الكولهمن: 31

حسني الحكاك: 293

الحسين (الإمام): 80

حسين آغا الكتخدا: 45

حسين أفنان: 90

حسين باشا الجليلي: 35، 36

حسين علي بن عباس النوري: 88

حسين عوني باشا: 234

حسين فوزي باشا: 299

حسين قلي خان: 239

حسين الكهية: 24

حسين ميرزا: 33

حكمت سليمان (فخامة): 11، 261

حمدي باشا: 64، 65، 98، 279

حميد أفندي: 256

حنيدان (شيخ ربيعة): 232

حرف الخاء

خالد (الشيخ): 22

خالد آل سعود: 294

خالص بن أمين: 33

خزعل (الشيخ): 49

خلف آغا: 110

خليل الأورفه لي: 26

خليل بك: 279، 299

خليل شيخ الجبور: 244، 252، 253

خورشيد باشا: 10، 11، 95، 97، 294

خورشيد بن عبد الحكيم: 41

خيري باشا: 137

خيري أمين العمري: 307

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 344

حرف الدال

داود آغا الأورفه لي: 25

داود (الشيخ): 91

داود باشا: 12، 16، 17، 29، 31، 32، 41، 72، 73، 78، 79، 80، 82، 110، 137، 282

داود الچلبي (الدكتور): 44

داود السعدي: 169

درويش باشا: 11، 50، 65، 95، 97

دنان (شيخ عفك): 246، 254

حرف الراء

رائف بك: 226

رؤوف باشا: 72، 279، 308، 310

راشد آغا: 60

راشد باشا: 279

راغب آغا: 92

رچ (المستر): 335

رجب باشا: 281

رسن (شيخ الدفارة): 253

رسول آغا: 43، 46

رسول الكردي: 328

راشد باشا: 279

راغب أفندي: 238

رشدي: 313

رشيد باشا الكوزلكلي: 118، 120، 123، 127، 139، 140، 153، 168، 190، 227، 257، 316

رشيد السعدي: 12، 169

رشيد محمد باشا: 43، 44، 46، 47

رضا الطالباني (الشيخ): 53

رضوان آغا: 19

ركن الدين الحسني: 111

رمضان (السيد): 40

الرفاعي: 12

حرف الزال

زاله: 214

حرف السين

ساجر الرفدي: 210

سالم بن مبارك (الأمير): 268

سامح باشا: 234، 235، 241، 242، 243، 248

سامي بن نجيب: 25

سجاد علي خان: 293

سري أفندي: 125، 126

سرمد الزبيدي: 115

سعاد العمري: 306، 307

سعد آغا الأورفه لي: 25

سعدة بن محمد ثامر السعدون: 26، 110

سعدون شيخ العبيد: 165

سعود بن فيصل (الأمير): 295، 296، 333

سعيد (الحاج): 227

سعيد أفندي: 299

سعيد بن جبير: 125

سعيد الديوجي: 136، 104

سلمي خاتون: 26

سليم الثالث (السلطان): 337

سليم (كاسب): 265

سليمان باشا: 231

سليمان باشا بابان: 60

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 345

سليمان باشا الصغير: 26

سليمان الغنام: 78

سليمان فائق: 11، 30، 64، 68، 99، 101، 138، 147، 150، 153، 158، 166، 168، 169، 171- 173، 175- 177، 209، 223، 224، 226، 227، 247، 265، 268، 270- 273

سليمان القانوني (السلطان): 103، 194، 295

سمرمد: 115

السموأل: 21

سمير الزيدان: 116

سميط: 165

السهروردي (الشيخ عبد المحسن): 45

سويلم (بن ربيعة): 213

سيدي علي: 161

حرف الشين

شاكر بك: 222، 235، 263، 279، 299

شامل اللزكي (الشيخ): 127

الشاوي: 100، 109، 125

الشاوي: (محمود السلطان): 82

شبلي باشا: 144، 165، 172، 178

شريف باشا: 85

شوقي (الرباني): 89

شهاب الدين الموصلي: 159

حرف الصاد

صائب بك: 262

صادق آغا: 293

صالح التميمي: 39، 44، 75، 329

صالح دانيال: 132، 142

صالح بن زيادة: 67، 68

صالح العيسي: 113، 115، 124، 162

الاستاذ الصايغ: 36، 38، 39، 44، 47

صباح الأول: 267

صباح بن جابر: (الأمير): 266، 268

صبح أزل (ميرزا يحيي): 89

صبغة اللّه الحيدري: 123، 166، 326

صديق الجليلي: 37

صديق الدملوجي: 45، 47

صفوق (الشيخ): 26، 27، 35، 36

حرف الضاد

ضياء باشا: 201، 264

ضيائية خانم بنت عبد البهاء: 89

طاهر بك: 242، 243

طه الكيلاني: 330

طيار باشا: 85

حرف الظاء

ظاهر شوازخان: 259

ظاهر المحمود: 107

حرف العين

عارف أفندي: 51

عارد الدفتري: 18

عارف حكمت: 128

عالي باشا (الصدر الأعظم): 310

عباس إقبال: 212

عباس (الشيخ): 252، 254

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 346

عباس أفندي (عبد البهاء): 88، 89، 90

عباس شاه: 95

عباس ميرزا: 37

عبد الباقي الآلوسي: 275

عبد الباقي العمري: 36، 48، 49، 55، 100، 106، 112، 149، 154، 164، 306، 307، 329

عبد الجليل البصري: 50

عبد الجليل جميل: 167

عبد الحسن مراد: 244

عبد الحسين الأزري (الأستاذ): 308

عبد الحسين الطهراني: 148

عبد الحسين محيي الدين: 75، 329

عبد الرحمن الأورفه لي: 24

عبد الرحمن باشا: 126

عبد الرحمن بك: 227

عبد الرحمن الجليلي: (الأستاذ): 37

عبد الرحمن الروزبهاني: 137، 328

عبد الرحمن شرف: 74، 75

عبد الرحمن الطالباني: (الشيخ): 148، 260

عبد الرحمن بن عثمان: 25

عبد الرحمن الفيصل (الأمير): 295، 333

عبد الرحمن نقيب البصرة: 264

عبد الرزاق الشواف: 327

عبد الرضا: 48

عبد السلام الشواف: 88، 91، 327

عبد العزيز أفندي: 240

عبد العزيز (السلطان): 57، 280، 281، 304، 314

عبد العزيز الشواف: 327

عبد العزيز عبد الرحمن (الأمير): 333

عبد العزيز بن مشاري: 125

عبد الغفار الأخرس: 39، 78، 81، 127، 130، 163، 167، 304، 329

عبد الغني جميل: 19- 21، 24، 34، 35، 136، 167، 326، 329

عبد الفتاح الشواف: 22، 91، 92، 327، 329

عبد الفتاح العقراوي: 22، 330

عبد الفتاح الكليدار: 40

عبد الفتاح الواعظ: 27

عبد القادر الآلوسي: 227

عبد القادر باشا أمير العمادية: 45

عبد القادر آغا بن زيادة: 24، 65، 66، 67

عبد القادر الكيلاني: 40

عبد الكريم شمر: 245، 246، 300، 301

عبد الكريم نادر باشا (عبدي باشا): 98، 101- 103، 108، 121، 299، 316، 335

عبد اللّه (الشريف): 294

عبد اللّه أخو فارس: 110

عبد اللّه أفندي: 122

عبد اللّه الآلوسي: 127، 167

عبد اللّه باشا: 60

عبد اللّه باشا بابان: 109

عبد اللّه بن تركي: 294

عبد اللّه رئيس العسكر: 213

عبد

اللّه بن فيصل: 332، 333

عبد اللّه السالم (الأمير): 268

عبد اللّه الصباح (الأمير): 266- 268،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 347

297

عبد اللّه الثاني بن صباح الثاني: 268

عبد اللّه الفيصل (الأمير): 295- 297، 303، 332

عبد اللطيف بن مشاري: 125

عبد المجيد (السلطان): 67، 93، 156، 162، 314، 318

عبد المحسن السعدون (فخامة): 171، 274

عبد الهادي باشا العمري: 306، 307

عبد الوهاب رضوان آغا: 19، 20

عثمان آغا الأورفه لي: 25

عثمان باشا: 93

عثمان بك: 178

عثمان بك آل إبراهيم باشا: 28

عثمان زعيم الخيالة: 253

عثمان سيفي: 68، 307

عثمان طويلة (الشيخ): 330

عثمان بن عبد الرحمن: 25

عثمان النجدي: 177

عثمان وافي: 239

عثمان نورس: 68، 75، 102، 103

عجيل (شيخ المنتفق): 26، 110

عزرا مناحيم: 135

عزرة الصراف: 226

عزت بك آل قبوجي باشي: 51

عزت بن عبد السلام: 327

عزمي باشا: 98

عزير آغا: 32، 33

عزيز بك: 240

عزيز بك بابان: 109

عطاء الطبقجه لي: 137

عطاء الكاشف: 157

علاوي (رئيس الشبانة): 178

علي (الشريف): 294

علي آغا: 159

علي آغا الأورفه لي: 25

علي الآلوسي (الأستاذ): 306، 307

علي بابان: 60

علي باشا الأول: 208

علي باشا حافظ: 147

علي باشا الكتخدا: 208

الفاروقي: 123

فاطمة زوجة إسكندر باشا: 138

علي البالطي: 32، 41، 48

علي حيدر: 193، 247، 360، 311

علي خان: 214، 292، 293

علي (الملا الخصي): 19، 61،- 64

علي رشاد: 52

علي رضا باشا: 7، 15- 17، 20، 22، 24، 26، 33- 35، 37- 41، 43- 46، 48- 51، 60- 69، 71، 73- 76، 78، 79، 83، 85، 99، 103، 109، 132، 136، 160، 180، 307، 313، 316، 321

علي الرهاوي: 24

علي الشرقي (معالي الأستاذ): 274

علي شيخ الجبور: 253

علي الطباطبائي: 80

علي الكبير: 40

علي محمد الشيرازي: 86

علي بن ناصر بن فارس: 110

علي النقيب (السيد الكيلاني): 40، 99، 163

علي الهروي (الشيخ): 49

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 348

علي اليسرجي: 60،

63، 64

عمر بن الخطاب (رض): 56، 237

عمر رمضان الشاعر: 39، 75، 329

عمر باشا السردار الأكرم: 137- 139، 148، 262، 316

عمر السهروردي: 167

عيسي (شيخ المنتفق): 113

عيسي صفاء الدين البندنيجي: 68، 179، 180، 327

حرف الفاء

فارس (شيخ): 252

فارس العجيل: 110، 124، 252

فاطمة بنت هاتف: 68

فالح السعدون بن ناصر باشا: 274، 275

فايتو ريكو فسكي: 138

فتاح بك: 214

فتح اللّه عبود: 179

فتح علي شاه: 331

فخري بن هاتف: 68

فرحان الصفوق: 165، 299، 301

فحل أخو الشيخ وادي: 115

فخري الطبقچه لي: 137

فرهاد ميرزا: 214

فروغية بنت البهاء: 90

فضيل الزيدان: 107

فهد السعدون (الشيخ): 171- 176، 223، 224، 231، 253، 256، 268، 270، 274

فيتولد ريكوفيسكي: 138، 144

فيصل (الشيخ): 151

فيصل بن تركي (الأمير): 294، 295، 332، 333

فيضي باشا: 235، 240

حرف القاف

قاسم أفندي: 83

قاسم الحمدي: 35، 329

قاسم الهر: 329

قدري بك: 239، 263، 276

قربي باشا: 269

قرة العين: 86

قورت إسماعيل باشا: 300

حرف الكاف

كاظم الرشتي: 80، 81، 83، 86

كامل بن هاتف: 68

كامل بن أحمد آغا الأول: 31، 159

كامل بك: 185

كرد محمد باشا: 80

كريدي (شيخ الخزاعل): 107، 144

كريم خان: 81، 214

كور باشا: 32، 40، 41، 43- 48، 84، 85، 108، 315

كمال بن أحمد آغا الأول: 31، 159

كمال باشا: 280

كنعان آغا: 125

لطفي: 51

حرف الميم

مبارك الصباح (الأمير): 268

محب علي خان: 276

محسن السهروردي: 68

محمد بن أحمد الطبقجة لي: 90، 91

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 349

محمد الأدهمي: 27

محمد أسعد: 137

محمد أسعد النائب: 24، 28، 25، 30، 329

محمد آغا سياف زادة: 18، 68

محمد أفندي الزهاوي: 142

محمد أمين الحيدري: 327

محمد أمين زكي (الأستاذ): 44

محمد أمين العمري الكهية: 75، 112، 137، 142، 158، 165، 171، 185، 304، 306، 326، 329

محمد أمين الواعظ: 27، 327، 328

محمد باشا: 79

محمد باشا اينجه بيرقدار: 34، 38، 43، 46، 83

محمد باشا الديار بكري: 151

محمد باشا الميرميران: 150

محمد باشا الكريدي: 85

محمد (رئيس قبيلة الجاف): 257، 263

محمد جميل: 167، 168، 209

محمد الجواد (الإمام): 277

محمد حسن (محمد حسين): البالاسري:

80

محمد بن حسين الراوي (السيد): 328

محمد حسين بن عبد اللّه: 87

محمد الخطي: 41

محمد درويش الآلوسي: 22

محمد الرابع (السلطان): 56

محمد راغب باشا: 101

محمد رش: 213

محمد رشيد السعدي: 81

محمد رشيد باشا الكوزلكلي: 44، 121، 125، 126، 130، 131

محمد رفعت: 31

محمد سعيد باشا آل ياسين المفتي: 32، 35، 84، 307

محمد سعيد باشا (أمير العمادية): 45، 46

محمد سعيد التكه لي (التكرلي): 40

محمد سعيد الطبقجه لي: 35، 75، 91، 136، 326

محمد سعيد نقيب البصرة: 264، 297

محمد سليم: 25

محمد شاه: 78، 79، 93، 331

محمد بن شبل العجمي: 86، 87

محمد الشخير البوسلطان: 254

محمد صالح: 213

محمد صالح أورفه لي: 24

محمد صالح بن علي بن سعدون: 165

محمد صالح وجيهي: 104- 106، 316، 321

محمد الصباح

(الأمير): 268

محمد الطبقجه لي: 90، 326

محمد عبد الرؤوف: 122

محمد عبد اللّه العدساني: 266

محمد علي باشا (والي مصر): 17، 321

محمد علي (شيخ بني لام): 279

محمد علي ميرزا: 78، 95، 108

محمد عمر آل جميل: 167

محمد بن عون (الشريف): 294

محمد الفيصل (الأمير): 295، 333

محمد فيضي الزهاوي: 280، 281، 326

محمد الليلاني: 19

محمد مختار باشا: 58

محمد بن مشاري: 125

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 350

محمد المصرف: 32

محمد مظهر: 263

محمد المفتي: 136

محمد ميكائيل: 181

محمد نافع: 137

محمد نامق باشا: 11، 97، 105، 106، 109، 112، 113، 116 118، 124، 132، 153، 158، 161، 162، 163، 165، 166، 171، 174، 177، 178، 180، 190، 220، 227، 228، 257، 266، 316، 317، 320، 321

محمد نجيب باشا: 76، 78- 81، 99، 101، 316

محمد وجيه باشا: 104، 106، 112

محمد وحيد بن مير شعبان: 68

محمود بن سلطان الشاوي: 12

محمود (السلطان): 17، 314، 332

محمود أبو الثناء شهاب الدين الآلوسي:

13، 20، 21، 24، 34، 35، 38- 41، 48- 51، 53- 55، 60، 61، 65، 72، 75، 87، 91، 101، 102، 109، 112، 118، 121، 123، 124، 127، 132، 136، 137، 167، 185، 306، 307، 322، 326، 329

محمود الأورفه لي: 24

محمود باشا بابان: 60

محمود بك (القائممقام): 126

محمود الجليلي (الدكتور): 37

محمود خالص: 33

محمود الروزبهاني: 328

محمود زنكنه (الشيخ): 260

محمود شكري (الأستاذ): 167

محمود شوكت باشا: 261

محمود عزت الشواف (الأستاذ): 92، 327

محمود غازان (السلطان): 56

محمود نديم باشا الصدر الأعظم: 310

محمود النقيب (السيد): 22، 40

مخلص باشا الدفتري: 149، 153

مخيف بن كتاب (الشيخ): 244

مدحت بن أحمد آغا الأول: 7، 14، 31، 85، 159، 160

مدحت باشا: 184- 186، 192- 196، 198، 201، 202، 204، 208، 209، 212، 213، 219، 211، 222، 224، 232، 234، 236، 237،

239، 240- 243، 247، 248، 250، 255، 257، 263، 267- 271، 273، 278، 280- 282، 289، 295، 296، 298، 299، 300، 301، 304، 307- 310، 313، 314، 316- 318، 320، 321، 324، 332، 337

مدحت أفندي: 31

مدحت بن نجيب: 25

مراد أبو كذيلة: 256

مراد أفندي: 279

مراد الرابع (السلطان): 22، 93، 203، 320

مرتضي آل نظمي البغدادي: 179

مرجان صاحب المدرسة: 22

مزعل (الشيخ): 49

مزهر بن سرمد: 115

مريد بك: 275

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 351

مسعود بك (رئيس النافعة): 257

مشاري السعدون: 124، 125

مشاري بن عبد الرحمن بن سعود: 294

مصطفي آغا: 293

مصطفي رشيد باشا: 44

مصطفي الزعفراني: 80

مصطفي عزت (الأستاذ): 92، 327

مصطفي فائق: 137

مصطفي نوري باشا: 150، 151، 154، 156، 157، 161، 317

مصطفي الواعظ: 27، 328

مطلق بن كريدي: 144

مظهر باشا: 268

ملا مردان الكركوكي: 178

مكي بن إبراهيم: 25

مكي بن عبد الرحمن: 25

مناحيم دانيل: 135

المنشي ء البغدادي: 43، 264

منصور باشا: 110، 113، 124، 153، 156، 165، 168، 169، 172- 175، 183، 231، 241، 246، 247، 297

منيب باشا: 158، 162- 164

موسي باشا (أمير العمادية): 45

موسي الكاظم (الإمام): 277

المهدي (الإمام): 277

مير شعبان حامي بك: 68

مير كوره: انظر كور باشا

حرف النون

نائلة خاتون: 19، 256، 279

نادر آغا: 292، 293

نادر شاه: 36، 86، 93، 95

ناصر بن حوممالي: دالبان: 259

ناصر الدين شاه: 100، 126، 146، 148، 280

ناصر السعدون (الشيخ): 85، 165، 168، 169، 171، 173، 176، 209، 223، 224، 226- 229، 231، 241، 242، 244، 246، 247، 265، 270، 271، 273- 275، 301، 302

ناظم بن إبراهيم: 25

نافذ باشا: 276، 279، 296، 297، 303

نافع بن نجيب: 25

نامق بن نجيب: 25

نبيلي: 81

نجم الزيدان: 107

نجيب باشا: 71، 86، 92، 97، 108، 158

نجيب بن عثمان: 25

نجيب شيحة: 117، 146، 159

نشأت بن عبد الرحمن: 25

نعمان خير

الدين الآلوسي: (الأستاذ):

91، 166

نعوم سركيس: 274

نهاد رفعت (الدكتور): 31

نور علي: 259

نور الدين داود: 47

نوري بن عبد الرحمن: 25

نيبور الهولندي: 43

حرف الهاء

هاتف بك بن عثمان بك: 68

هادي أفنان الشرازي: 90

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 352

هادي باشا: 307

هندي (شيخ العشائر): 255

هواس (ضابط إيراني): 259

حرف الواو

واجد علي شاه: 292

وادي شيخ زبيد: 110، 115، 120، 124، 132، 256

وجيهي باشا: (محمد صالح وجيهي) ورنر كاسكل: 41

حرف الياء

ياسين العمري: 36، 45، 104

يحيي باشا: 35، 36، 37، 325

يحيي باشا الجليلي: 11، 164

يحيي بك (مقدم ركن في الجيش): 242

يحيي المزوري (الشيخ): 32، 41، 48

يعقوب سركيس (الأستاذ): 274، 323

يوسف الركوكي: 209

يوسف المولوي: 161

يوسف آغا (الحاج): 18، 28

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 353

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

حرف الألف

آل الأدهمي: 27، 327

آل الآلوسي: 326

آل أريرج: 217

آل الأورفه لي (الرهاوي): 24

آل بابان: 60، 107، 109

آل الجليلي: 14، 325

آل جميل: 20، 167، 168، 326

آل الحاج علي الروسجغي: 192

آل الحيدري: 167، 326

آل داود: 91

آل الراوي: 328

آل الرشتي: 83

آل رضوان آغا: 19

آل الروزبهاني: 328

آل الزهاوي: 93

آل السعدون: 26، 265، 270، 274، 294، 295

آل رشيد: 333

آل الزهاوي: 326

آل الشواف: 327

آل صباح: 266

آل الطالباني: 148

آل طبقچه لي: 90، 136، 326

آل عبد الرزاق الكيلاني: 40

آل عبد الجليل: 35، 36

آل عبد العزيز: 40

آل عثمان: 76

آل عريعر: 266

آل عبد الوهاب: 30

آل عزيز آغا: 33

آل القيارة: 137

آل الكيلاني: 99

آل محمد الأمين: 326

آل مصطفي الخليل: 137

آل مناحيم دانيل (دانيال): 132، 135

آل النائب: 30

آل نظمي: 327

آل الواعظ: 27، 327

آل ياسين المفتي: 36

الآلوسيون: 127

آورمان (هاورمان): 214، 215، 323

الأجود: 147

الأسلم: 26

الإسماعيلية: 88، 89

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 354

الإسلام و المسلمون: 87

الأصولية: 80

الأعجام: 63، 87، 126

الأقرع: 178، 249

الأكراد: 32، 48، 61، 138، 156، 214، 232، 324

الألمان: 307

الأمويون: 30، 56

الإنكليز: 37، 126، 218، 262، 264، 296، 334- 336،

الإيرانيون: 86، 97، 151، 212، 213، 215، 216، 218، 239، 282، 319

حرف الباء

الباب: 86، 88

بابان: 14، 40، 60، 94، 98، 108، 109، 160، 196، 229، 273، 315، 325، 337

بابية: 86

البارازانيون: 330

باروند: 232

الباطنية: 88، 89

البالاسرية: 80

بحاحثة: 254

البرتغال: 353

بشت سرية: 80

البعيج: 26، 147

البكتاشية: 75

البلوش: 79

بنو زريج: 178

البو جاسم: 255

البو حسان: 178

البو سلطان: 242، 252، 254، 255

البو شاهر: 165

البو محمد: 151

البو ناصر: 49

بنو حسن: 105، 112

بنو حكيم: 151، 242

بنو خالد: 266، 295

بنو زائدة: 66

بنو لام: 33، 278، 302، 323

بنو ويس: 302

البهائية: 80، 86، 90، 100

بهدينان: 32، 44، 46، 47، 325

بي توي: 232

حرف التاء

الترك: 20، 64، 79، 169، 239، 281، 319، 335

التركمان: 58

حرف الجيم

الجاف: 256، 263، 323- 325

الجبور: 242- 244، 252، 255، 257

چچن (چچان): 241، 245، 249، 251

جليحة: 254

الجوازرية: 244

حرف الحاء

الحجام: 178

الحمدانيون: 178

الحميد: 147

الحميرية: 147

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 355

الحنفية: 21، 22

الحيادر: 217

حرف الخاء

الخزاعل: 28، 107، 143، 144، 242، 248، 252

الخلوتية: 159

حرف الدال

دالبان (طالبان): 232، 259، 260

الدريس: 49

حرف الراء

ربيعة: 26، 61، 213، 232، 233، 238، 323

الرفيع: 147

الروس، و روسيا: 81، 97، 124، 126، 218، 311، 334، 336

الروم: 306

حرف الزاي

زبيد: 110، 115، 116، 120، 132، 165، 252، 256، 323

زرزا: 41

زنكنة (عشيرة): 260

زوبع: 107

حرف السين

السلجوقيون: 56

السلاف: 312، 332

السنة: 212، 216

السنجابية، السنجاوية: 211، 212، 232، 239، 259، 260، 303، 323

السورمرية (سرمرية): 61

حرف الشين

الشافعية: 166، 216

الشبانة: 178

الشبل: 248

الشلال: 248

شمر: 26، 35، 107، 116، 165، 178، 201، 210، 245- 297، 299، 301

الشملان: 266

الشيخية: 81، 86

الشيعة: 80، 212

حرف الصاد

الصورانيون: 40

حرف الطاء

الطالبانية: 260

حرف الظاء

الظوالم: 177

حرف العين

العباسيون: 56، 103، 131

عبدة: 210

العثمانيون و الدولة العثمانية: 14، 33، 36، 38، 50- 52، 56- 58، 159، 168، 169، 215، 219، 240، 281، 295، 296، 307، 311- 313، 319، 320، 331- 334

العرب: 61، 89، 107، 115، 145،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 356

174، 213، 306، 329

العراقيون: 106، 121، 278، 310، 330

عقيل (أعراب نجد): 38، 115، 126، 176

عنزة: 26، 125، 201، 210، 266

العمرية: 36

حرف الغين

الغرب: 51، 53، 58، 66، 89، 116، 142، 176، 181، 219، 311

الغزالات: 248

غزية: 26، 147

حرف الفاء

الفرنسيون: 116، 176، 335

الفيلية: 61، 238، 239، 263، 323

حرف القاف

القادرية: 99، 148، 260

القصمان: 38

القجاريون: 82، 93، 331

حرف الكاف

كرچ: 99

الكرد: 212، 232، 241، 245، 300

الكشفية: 79، 80، 83، 86، 87، 89

كعب: 48، 49، 94، 98، 297، 302، 323، 337

حرف اللام

اللاز (علي رضا باشا اللاز): 15

لب زيرين: 41

المحيسن: 49

المسقوف: 124، 130، 126

المسلمون (الإسلام): 56، 64، 126، 182، 189، 208، 218، 237، 266، 312، 335

المسيحيون: 116

المشعشعون: 49

المطير: 266

المغول: 56، 58

ملك شاهي (قبيلة): 238، 239

المماليك: 3، 11، 14، 16، 18، 19، 24- 27، 29- 31، 36، 64، 71- 73، 84، 111، 169، 208، 321، 325، 328، 336

المنتفق: انظر المنتفق في الأماكن.

حرف النون

النصار: 49

النصاري: 53، 130، 176، 218، 312، 234

النقشبندية: 22، 99، 330

النمساويون: 218

حرف الهاء

الهاشميون: 63

الهماوند: 146، 147، 149، 211- 213، 232، 303

اليزيدية: 32، 41، 48، 85، 201، 202، 316

اليهود: 130، 132، 134، 141، 218، 234

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 357

3- فهرس المدن و الأماكن

حرف الألف

آورامان (جبل): 216

أبو چماع: 129

أبو شارب: 259، 260

أبو عروج: 292

الأحساء: 185، 195، 296، 293، 295، 296، 300، 303، 332، 336

أدرنة: 89، 104

أذربيجان: 217

إربل: 30، 138، 196، 260

أرضروم (أرزن الروم): 50، 64، 65، 93، 94، 315، 331، 337

استنبول (اسلامبول): 16، 17، 29، 34، 38، 43، 51، 65، 67، 68، 72، 76، 86، 87، 89، 98، 105- 107، 109، 112، 115، 117، 124، 127، 128، 138، 150، 156، 177، 178، 180، 181، 183، 185، 219، 221، 258، 266، 276، 282، 301، 306، 308، 311، 313

إسكندرية: 219

الأعظمية: 18، 68، 100، 127، 131، 217، 256

ألمانيا: 299

ألوس: 222

الإمارات العربية: 316

آمد: 101، 102، 119، 123

الأناضول (أناطول): 32، 288

أنقرة: 11

إنكلترا (بريطانيا): 69، 211، 320

أوربا: 136، 161، 218، 257، 264، 298، 312

أورفة: 300

أوقاف المرجان: 112

أوقاف النعمان: 131

إيران: 11، 32، 37، 48- 50، 53، 57، 60، 62، 81، 83، 86، 88، 89، 93- 95، 97، 108، 126، 146، 149، 188، 212- 217، 232، 238، 256، 263، 272، 273، 276، 278، 282، 329، 331، 334- 336

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 358

حرف الباء

باب الأزج: 164

باب الإمام الأعظم: 40

باب البصرة: 119

باب الحرم: 20

باب الحلة: 113، 118

باب سنجار: 83

باب الشيخ: 124

الباب العالي: 301، 310

باب الكاظم: 119

باب الكرخ: 119

باب المعظم: 113

باب المندب: 219

باب النجف: 79

باجسرا (أبو جسرة): 61

پاريس: 52

پارطين: 83

بازلة: 214

بازيان: 197

الباشيه: 129

بالطة (قرية): 41

بانه: 215

پانزرده (جبل): 93

البحر الأحمر: 221

البحرين: 219، 267، 269، 304

بدرة: 115

بدليس: 122

براثا: 100

برادوست: 41

بريطانيا: 81

بريفكان: 41

بستان نجيب باشا: 68، 281، 298

البصرة: 18، 31- 34، 49، 50، 67 69، 83، 98، 101، 106، 110، 113، 129، 135، 138، 158، 162- 164، 169، 172، 195، 209، 210، 218، 220، 221، 223، 226، 227، 238، 257،

262- 274، 279، 297، 299، 303، 328، 335

بغداد: 12، 14، 16- 22، 24، 26، 28 31، 33، 38، 40، 41، 43، 46، 49- 52، 54، 55، 63- 69، 71، 73، 74، 76، 78- 81، 83، 86- 88، 90، 99، 101، 102، 104، 109، 111، 112، 115، 116، 118- 131، 135، 136، 138، 139، 142، 143، 145، 148، 150، 151، 156- 169، 171- 182، 184- 186، 193، 195- 200، 208، 216، 220، 222، 224، 228، 230- 234، 236، 239، 242، 245، 246، 248، 254، 256- 258، 262- 264، 267، 269، 270، 274، 276، 282، 284، 286، 292، 296، 299، 300، 301، 303، 308- 311، 313، 314، 317- 322، 324، 334- 336

البلقان: 307

بكساية: 278

البلانجية (سوق): 209

بلجيكا: 180

بندر بوشهر (بندر شابور)، 219، 221

البوسنة: 138

بهدينان: 32، 44

بهمشير (نهر): 48

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 359

بومبي: 12، 50، 269

بيت الزهاوي: 326

بيروت: 117

بيلان: 263

بين النهرين: 301

حرف التاء

تبريز: 87

تركيا: 68، 86، 329

تكريت: 119

تكية البندنيجي: 180

التكية الخالدية: 22

تكية الطالباني: 148

تلعفر: 202

تلغرافخانة (إدارة البرق): 155

التنورة: 297

حرف الثاء

الثكنة العسكرية: 84

حرف الجيم

الجاف: 197

جامع ابن النائب: 30

جامع سوق الحنطة: 84

جامع العادلية: 41

جامع الشيخ عمر السهروردي: 68

جامع القلعة: 103

جامع الكهية: 185، 326

جبة: 210، 222

الجبيلية: 275

جدة: 73، 219، 264

جربوعية: 129، 145، 253

الجزائر: 163، 224

الجزيرة: 46، 92، 125، 138، 196، 300، 301

جزيرة ابن عمر: 112

جزيرة الخضر: 48، 49، 93

جزيرة المحلة: 48، 49

جمجمال: 260

جسان: 115

جليحة: 251

الحجاز: 98، 101، 106، 136، 148، 159، 176، 181، 184، 332

الجمهورية التركية: 58

حرف الحاء

حديثة: 210

حديدة: 219

حديقة البلدية: 280، 281، 298

الحديقة النجيبية (المجيدية): 88، 100، 281، 298

حسين كفتي (قرية): 43

حضرة العباس: 79

الحضرة الأعظمية: 22، 158

الحضرة القادرية: 26، 40، 166

حضرة الكيلاني: 55

حكاري: 47

حلب: 18، 25، 26، 32، 34، 39، 65، 72، 73، 85، 138، 158، 300

الحلة: 26، 30، 67، 109، 115، 116، 129، 137، 138، 140، 142، 143، 145، 169، 172، 197، 200، 227، 240، 242-

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 360

244، 250، 252، 254، 255، 268- 271، 279، 301

الحمار: 224

الحويزة: 49، 183، 217، 227

حرف الخاء

الخابور: 165

الخالص: 19، 61، 131

خان الاورتمه: 320

خانقين: 61، 126، 168، 197، 213، 233، 238، 277، 281

خراسان: 139، 147، 197، 240

خربوت: 122

خريسان (نهر): 139

خزانة آل باش أعيان: 164

خزانة الأوقاف العامة: 144، 179، 185، 256

خزانة كتب الطبقجة لي: 326

خزانة كتب الكهية: 185، 326

خليج البصرة: 48، 95، 218

خيكان: 249، 252، 253

حرف الدال

دائرة البرق: 179

دائرة الحدادة: 161، 257

دار الحكومة: 20، 84، 229

دائرة الخزينة السلطانية: 157

دار السبيل: 256

الدانوب (نهر): 219

دجلة: 37، 45، 54، 69، 70، 113، 115، 131، 147، 151، 160، 180، 208، 220، 224، 254، 259، 260، 262، 300

الدجيل: 128، 129

درتنك: 93

الدرعية: 295

دزلي: 215

الدغارة: 131، 240، 241، 243- 248، 250- 255، 288، 337

دلي عباس (ناحية المنصورية): 147

الدليم: 125، 197، 210

دهوك: 196

ديار بكر: 32، 44، 73، 83، 102، 120، 121، 137، 300

ديار الكرد: 37، 44، 60، 217

ديالي: 61، 129، 139، 197، 292

ديمتوقة: 74

الديوانية: 115، 143، 149، 178، 198، 227، 228، 240- 246، 248، 250، 253، 254، 271

حرف الراء

رأس الرجاء الصالح: 218

رانية: 196

الرواندز: 14، 43، 44، 46، 196، 207، 325

ردوس: 102

الرستاق: 66

الرصافة: 128، 234

الرمادي: 210

الروضة الحسينية: 78

روم إيلي: 288، 302، 306

الرياض: 295، 303

حرف الزاي

الزاب الأعلي: 41

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 361

زاخو: 196

زرباطية: 238

زلي: 292

زنكبار: 267

زهاب (زهاو): 93، 211

الزوراء: 55، 102، 304

الزير: 151

زيروا: 47

حرف السين

ساقز: 215

سامراء: 219، 197، 281

سد النهر: 245

سد نمرود: 259، 260

سد الهندية: 145، 146

سدة السرية: 126

سدة الصقلاوية: 125

سركلو: 88

السرية: 125

سقاية نجيب باشا: 100

سكة خانه (دار الضرب): 320

سكة محمد باشا: 78

سلطان عبد اللّه: 259، 260

السليمانية: 40، 60، 88، 93، 108، 109، 146، 195، 196، 198، 211، 214، 215، 216، 256، 269، 324

سماوة: 145، 177، 178، 197، 227

سنجار: 85، 165، 196، 201، 202

السنجك: 138

سنة (سنندج): 146، 214

سواد العراق: 62، 115

سورية: 73

سوق الشيوخ: 140، 153، 169، 195، 229، 274، 275

سيواس: 43، 47

سيورك: 300

حرف الشين

شارع المأمون: 209

شارع الزهاوي: 68

شاطرلي (نهر): 84

الشام: 20، 21، 24، 65، 67، 73، 74، 83، 99، 125، 176، 234، 334

الشامية: 28، 14، 143، 147، 198، 249، 250، 251

الشاه (نهر): 129

الشرقاط: 301

شريعة نجيب باشا (محلة): 68، 100

شط الحلي (الغراف): 244

شط دغارة: 252

شط العرب: 48، 93، 223

شط الكار: 244

الشطرة: 275، 323

شكر خانة: 130

شوشتر (تستر): 33

شهر بازار: 108، 197

شهرزور: 34، 38، 39، 49، 50، 51، 73، 101، 108، 146، 147، 159، 180، 184، 196، 198، 201، 259، 300، 301

الشوملي: 129

الشيخ عمر السهروردي (مقبرة): 306

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 362

حرف الصاد

الصقلاوية: 125، 138

صلاحية (كفري): 196

حرف الطاء

الظلمية: 125

طالبان: 232، 259

طرابلس الغرب: 101

طربزون: 43، 72

طوي (محل): 210

طويريج: 138، 144

طهران: 88

حرف الظاء

الظلمية: 129

حرف العين

عانة: 138، 197، 210، 222

العباسية (دولة): 79

العباسية (محلة): 200

العتبات: 88، 280

العخانة (القاطر خانة): 298

عدن: 221

العراق: 7، 8- 16، 20، 21، 25، 29، 30، 32، 33، 37، 38، 48- 50، 53، 54، 56، 58، 61، 66، 71، 72، 75، 76، 78، 83، 88، 90، 91، 93- 95، 97، 98، 101، 104، 106، 108، 111، 115، 116، 118، 119، 127، 132، 137، 141، 148، 149، 154، 159، 161، 162، 166، 181، 184، 192، 194، 195، 198، 199، 203، 206، 209، 212، 214- 217، 221، 232، 233، 245، 247، 256، 257، 276، 277، 282، 284، 287، 288، 295، 296، 298، 303، 309، 313، 314، 320، 322، 328، 329، 331، 332، 334، 336، 337

عفك: 240، 241، 246، 248، 250 252، 254، 255

عقد الصخر: 209

العقر (عقرة): 46، 196، 282- 286

عكا: 89

علاج (نهر): 253

علاوي الحلة (محلة): 138

العمادية: 14، 45، 46، 84، 186، 315

العمارة: 113، 151، 153، 161، 172، 195، 217، 226، 227، 256، 279

عمان: 267

عمر السهروردي (الشيخ): 167

العوادل: 129

عين توثة: 46

حرف الغين

غرفة التجارة ببغداد: 204

غريبة (أراضي): 278

الفرات: 37، 54، 55، 69، 70، 124، 131، 140، 147، 160، 210، 222، 223، 242- 244، 254، 262، 264، 300، 301

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 363

حرف الفاء

فرنسا: 52، 116، 131، 299، 334

فروق (استنبول): 112، 119

الفلاحية: 48، 49

الفلوجة: 125

الفليوي: 222

فينه: 102

قبرص: 89

حرف القاف

قبة الحيدرية: 166

قبة سعيد بن جبير: 125

قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني: 164

القجارية: 93، 331

القرم: 127

القرنة: 113، 144، 195، 219، 224، 269، 270

قره حسن: 60

قره طاغ: 197

قز لرباط (السعدية): 213، 232، 233، 238

قسطموني: 83

القشلة: 160، 234

القصر العباسي: 103

القصيم: 38

قطر: 195، 303

القطيف: 195، 296، 297، 303

القلعة: 103، 320

قلعة صالح: 113

قنال السويس: 177، 218- 220، 304، 329، 333

قنبر علي (محلة): 168، 234، 235

قنديللي: 157

القنصلية الإنكليزية: 355

القنصلية الفرنسية: 182، 335

قونية: 64، 180

حرف الكاف

كارون: 48

الكاظمية: 35، 126، 197، 217، 277، 278

كاوور أزمير: 67

كبيسة: 177

كربلاء: 70، 78- 83، 87، 116، 140، 143، 158، 198، 200، 268، 281

كرج طاغ: 259

الكرخ: 38، 231، 234، 257، 292

كردستان: 122

كردلان: 48

كركوك: 30، 60، 80، 84، 138، 148، 196، 198، 213، 260، 324

كرمنشاه: 33، 127

كريد: 262

كلعنبر: 196، 256، 263

كلية الحقوق: 239

الكنعانية: 125، 254

الكوت: 233، 279

كوستنديل: 200

كوكصو: 157

الكويت 219، 265- 268، 297

كويسنجق: 196

لكناهور: 292

لنج (شركة): 37، 69، 70

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 364

لندن: 52، 160، 262، 269، 311

لنكركاه: 93

حرف الميم

ماردين: 47، 201، 300

ماغوسه: 89

المأمون (شاعر): 209

المبرز: 296، 297

متحف الموصل: 36

مجلس الأمة: 322

مجلس التمييز: 301

مجلس الجناية: 256

مجلس الشوري: 185

المجيدية: 100

محكمة تمييز العراق: 33

محلة الشيخ عبد القادر الكيلاني: 21، 22، 234

محلة الفضل: 235

محلة قنبر علي: 20، 24

محمد الفضل (محلة): 235،

المحمرة (خرم شهر): 32، 48- 50، 93، 302، 337

المحمودية: 292

المحيط الهندي: 265

مخا: 219

المدرسة الابتدائية: 240

المدرسة الحربية: 38، 217

المدرسة الرشيدية: 337

المدرسة الرشيدية العسكرية: 38، 240، 329، 330، 331، 337

مدرس الصنائع: 207، 208، 240

مدرسة الطبقچه لي: 90، 326

المدرسة العلية: 30، 127، 207، 208

المدرسة القادرية: 21

مدرسة مرجان: 22، 328

مدرسة نائلة خاتون: 256، 279

مدرسة إليانس: 330

المدينة: 224

مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني: 166

مرقد النبي يونس: 41

مركه: 197

مرقد الإمام محمد الجواد: 277

مرقد الإمام موسي الكاظم: 277

مزار دانيال: 84

المستشفي العسكري (المجيدية): 84، 281

مستشفي الغرباء: 84، 231، 232

مسجد آل جميل: 168

مسجد أسماء خانم: 25

مسجد سليمان الغنام: 78

مسقط: 221

مسكنة: 222، 223

المسناة: 131

المسيب: 116

المشاهدة: 138

مشهد الإمام الحسين: 50، 116، 148

المشيرية (الوزيرية): 128، 131

المصبغة: 130

مصر: 17، 19، 55، 83، 218، 294، 285، 321، 329، 232

مطبعة الاتحاد: 27

مطبعة أرتين اصادوريان: 311

مطبعة الحكومة ببغداد: 11

مطبعة الزوراء: 199

مطبعة السعادة: 311

مطبعة الشابندر: 128

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 365

المطبعة العامرة: 203

مطبعة

القدر: 313

مطبعة ولاية بغداد: 128

المغيسل: 124

مقبرة الأعظمية: 256

مقبرة أبي أيوب الانصاري: 100

مقبرة باب الكرخ: 119

المقدادية (شهربان): 61، 129، 213، 238، 276

المكاتب الرشدية: 51

المنتفق (بلاد و قبيلة): 11، 12، 14، 26، 70، 108، 110، 113، 124، 142، 153، 156، 162، 163، 165، 168، 171، 173، 175، 183، 195، 223، 224، 226- 231، 241، 246، 247، 251- 253، 265، 269- 274، 301، 302، 315، 322، 323، 336

مندلي (بندنيج): 19

الموصل: 11، 19، 32، 35، 36، 39، 41، 43، 46، 47، 50، 83- 86، 92، 104- 107، 137، 159، 164، 195، 196، 201، 202، 262، 264، 300، 301، 306، 307، 324، 325، 328

مومخانة: 130

المهندسخانه: 11

ميدان كلخانه: 52

حرف النون

الناصرية: 195، 229، 273- 275، 323

نجد: 38، 115، 176، 185، 195، 266، 271، 293- 299، 303، 304

النجف: 87، 116، 139، 140، 143، 198، 281 328

النزيزة: 116

النمسا: 102، 222

نهر الچحلة (الكحلاء): 151

نهر الصقلاوية: 125

نهر النيل: 129

النهروان: 292

حرف الهاء

الهارونية: 128

هفوف: 296، 297

الهند: 218، 248، 267، 292، 296، 329، 335

الهندية: 28، 131، 139، 143، 145، 197، 200، 227، 244- 246، 289، 324

هيت: 107، 119، 138، 177، 210، 222

حرف الواو

وان (مدينة): 47، 196

الوردية في الحلة: 89، 116

الوردية (مقبرة): 167

وزارة الدفاع: 103

حرف الياء

ياسين كلك (قرية): 41، 43

اليمن: 162، 176، 307

يني إيل: 51

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 366

4- فهرس الكتب

حرف الألف

الأجوبة الحكمية: 90

أربعة قرون من تاريخ العراق: 47

الإشراقات: 89

الأقدس: 89

ألف باء (كتاب): 12

الألواح: 89

إمارة بهدينان: 45

أعيان البصرة: 164

أولياء بغداد: 327

أيام الكويت: 268

الإيقان: 89

حرف الباء

برسياسي داهينك نطقي: 311

بغداد (كتاب): 117، 146

بغداد و سكة حديدها: 117، 336

البيان (كتاب): 87

بيان القرعة العسكرية: 144

حرف التاء

تاج العروس: 41

تاريخ الأدب التركي في العراق: 30، 68، 103

تاريخ الأدب العرب في العراق: 22، 30، 40، 92

تاريخ الإصلاحات في الدولة العثمانية:

52

تاريخ أولياء بغداد: 179

تاريخ البصرة: 164

تاريخ بغداد: 11

تاريخ جودت باش: 58، 106، 119، 159

تاريخ الدول و الإمارة الكردية: 44، 46، 47

تاريخ رشيد السعدي: قرة العين

تاريخ الشاوي: 12، 19، 22، 50، 75، 76، 82، 105، 126، 129، 138، 144، 151، 178

تاريخ العراق بين احتلالين: 36، 45، 47، 55، 95، 103، 111، 161، 164، 218، 287، 294، 334

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 367

تاريخ عطا: 157

التاريخ العلمي: 327، 328، 337

تاريخ العمادية: 47

تاريخ القضاء العراقي: 322

تاريخ الكويت: 268

تاريخ لطفي: 13، 20، 33، 34، 37، 38، 39، 44، 51، 52، 64، 74، 84- 86، 87، 92، 98، 204، 294، 319

التاريخ المجهول المؤلف: 12، 17، 62، 63، 64، 76، 78، 87، 107، 110، 111، 113، 115، 116، 120، 124، 125، 127، 130، 131، 132، 135، 144، 145، 148، 150، 153، 154، 156، 157، 162، 163، 166

تاريخ مدحت باشا في العراق: 311، 313

تاريخ مساجد بغداد: 100

تاريخ المنتفق: 11

تاريخ الموصل: 36، 38، 39، 44، 47، 85

تاريخ نبيل (نبيلي): 81

تاريخ نجد و العراق: 298، 303

تاريخ اليزيدية: 32، 41، 85

التبيان: 22

تبصره عبرت: 192، 193، 193، 216، 211، 223، 238، 247، 268، 273، 278، 282، 252، 299، 300، 302، 308، 311

تحفة الرضا: 49

تذكرة الشعراء: 18

ترجمة بهجة أسرار: 148

التوفيقات الإلهامية: 58

تركيانك ماضيسي و استقبالي: 311

تركيا و التنظيمات: 52

تقرير تاريخي في نجد و ملحقاتها: 296

تقرير الحدود: 10، 95

تقويم الوقائع (جريدة): 13

تقسيم العلم: 137

تكاليف قواعدي: 18

التكايا و الطرق في

العراق: 75

حرف الثاء

ثروت فنون: 70

حرف الجيم

جامع الأنوار: 179

الجوائب: 13، 179

جواهر الأسرار: 89

حرف الحاء

الحديث (مجلة): 30

حديقة الورود: 20، 22، 36، 40، 41، 48، 49، 32، 75، 76، 91، 92، 119، 120، 121، 123، 306، 326، 327، 328

حرف الدال

الدرر المنضد: 264

الدستور القديم: 8، 252، 203

الدساتير: 195

دوحة الوزراء: 11، 334

ديوان الأخرس: (الطراز الأنفس) ديوان التميمي: 35، 44

ديوان عبد الباقي العمري: 48، 50،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 368

68، 150، 164، 167، 307

ديوان عبد الجليل البصري: 50

ديوان عبد الرحمن الطالباني: 148

ديوان عثمان نورس: 68

ديوان الفاروقي: 103

ديوان ناظم: 281

حرف الذال

ذكري أبي الثناء الآلوسي: 35، 92، 127

حرف الراء

رحلة المنشي البغدادي: 43، 95، 302، 334

رحلة نيبور: 43

رسالة إلي علي رضا: 180

رسالة في البابلية و البهائية: 90

رسالة في العلم الإلهي: 41

رسالتان في المنتفق: 11، 12، 153، 156، 171، 247، 273، 323

الرقيب: 70

روح المعاني: 74

الروض الأزهر: 27، 368

الروض الخميل: 167، 326

روضات الجنات: 78

الروضة (جريدة): 308

الزوراء: 12، 46، 55، 75، 142، 164، 189، 192، 193، 194، 199، 200، 203، 204، 206، 219، 227، 229، 232، 235، 236، 238، 239، 240، 251، 253، 255، 256، 258، 259، 273، 274، 275، 298، 299، 302، 303، 311، 313

حرف السين

سالنامه بغداد: 199، 200

سالنامة الموصل: 44

سجل عثماني: 44، 65، 72، 73، 99، 100، 102، 104، 136، 157، 158، 181، 184

سجل المحكمة الشرعية: 101

سومر (مجلة): 43

سياحتنامه حدود: 10، 11، 44، 50، 95، 148، 319

حرف الشين

شخصيات عراقية: 307

شرح المطالب: 83

شرح كلمة التوحيد: 90

شرح شرح كلمة التوحيد: 90

شعراء بغداد و كتابها: 22، 68

شهرزور- السليمانية: 108، 217

شهيّ النغم: 128

حرف الصاد

صوك صدر أعظملر: 308

حرف الطاء

الطباعة و المطبوعات في العراق: 199

الطراز الأنفس في شعر الأخرس: 35، 68، 91، 163، 304

الطراز المذهب في شرح قصيدة الباز الأشهب: 55، 128، 163، 167، 304، 306

الطرازات: 89

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 369

حرف العين

العالم الإسلامي (مجلة): 194

عثمانلي تشكيلات و قيافت عسكرية سي:

261

عثمانلي مؤلفلري: 148

عشائر العراق: 26، 27، 41، 45، 47، 49، 107، 109، 111، 125، 144، 147، 151، 178، 200، 213، 217، 233، 242، 244، 249، 255، 257، 260، 262، 263، 264، 265، 322، 323

عقائد الشيخية و الكشفية: 80، 83

علم الفلك و تاريخه في العراق: 58

عنوان المجد: 41، 327

حرف الغين

غرائب الاغتراب: 22، 38، 50، 65، 67، 102، 109، 112، 128

غرفة التجارة (مجلة): 204

حرف الفاء

الفصول: 80

حرف القاف

قاموس شمس الدين سامي: 334

قرة العين في تاريخ الجزيرة و العراق و بين النهرين: 12، 81، 82، 124، 169، 298

قصة عنترة: 41

قويم الفرج بعد الشدة: 161

حرف الكاف

كاه شماري: 58

كتاب نجيب شيحة: 182

الكلمات المكنونة: 89

كنز الرغائب: 13، 178، 330

الكويت الحديث: 268

حرف اللام

اللر- فيلية: 239

لغة العرب: 111، 153، 171، 274، 274، 323

لواء شهرزور السليمانية: 109

حرف الميم

مباحث عراقية: 231، 323، 334

(مثنوي) للطالباني: 148

المجلد التالد: 327

مجلة أمور البلدية: 203

مجموعة ابن حموشي: 23، 24، 149، 158

مجموعة الأخرس: 20، 21، 27، 38، 60، 139، 149، 150، 166، 167، 168، 179، 180

مجموعة الباب: 87

مجموعة السهروردي: 45، 60

مجموعة الطرب علي لسان الأدب: 102

مجموعة عبد اللّه الآلوسي: 156، 164

مجموعة عمر رمضان: 39

مجموعة كربلاء: 178، 293

مجموعة الكليدار: 148

مجموعة محمد أمين العمري: 35، 305، 307

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 370

مجموعة المخابرات الرسمية: 72

محيط المحيط: 19

مخطوطات الموصل: 36، 44، 85

مذكرات مدحت باشا: 192، 193، 235، 311

مرآت حيرت: 192، 193، 311

مرآة الزوراء: 11، 18، 19، 24، 26، 28، 27، 28، 30- 33، 41، 64، 65، 68، 72، 99، 118، 131، 139، 140، 146، 147، 148، 149، 150، 153، 154، 184

مرآة الممالك: 161

المسائل الإيقانية: 166، 326

المسك الأذفر: 27، 40، 41، 98، 137، 167، 180، 306

مشاهير الأكراد: 148

مشجر في الأمراء الجليليين: 36

المشرقيات: 42

المصحف الشريف: 243

مطالع السعود: 18، 30

المعاهد الخيرية: 25، 30، 37، 91، 100، 103، 168، 185، 208، 232

معاهدات عمومية مجموعة سي: 93

مقالون منشورة في مجلة غرفة التجارة ببغداد: 204

مقامات الآلوسي: 35، 53، 61

ملوك العرب: 268

منية الأدباء: 36، 38

منية الأدباء في تاريخ الموصل: 38، 104

موجز عشائر العمارة: 151، 161

ميزان الشعراني: 22

حرف النون

نتائج الوقوعات: 337

نزهة الإخوان: 82

نزهة الدنيا في الوزير يحيي: 36، 164، 306

نشوة الشمول: 112، 128، 306

نشوة المدام: 43، 101، 102، 112، 119، 121، 128

النقود العراقية: 28، 70، 203، 204، 320

حرف الواو

وثائق و مخابرات سياسية: 95

وصية مدحت باشا: 313

حرف الياء

يادكار (مجلة): 212

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 371

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

حرف الألف

اتحاد: 88، 90

ازدلاف: 56

ازدلاق: 56، 57

أسطول: 98

إشراق: 89، 90

إفتاء، أمين الفتوي، و المفتي: 21، 34، 35، 53، 91

الأفلاطونية الحديثة: 90

الأوردي: 153، 161

إيالة: 34

حرف الباء

باب العرب (باب المشايخ): 171، 307

باخرة، بواخر: 37، 69، 129

باشبوزق (نوع جند): 32

برطازية (نوع جند): 79

بيتية: 62

البيرق دار: 85

بيكباشي (مقدم): 31

التاريخ الغريغوري: 57، 58

التاريخ الأرثودوكسي: 57

تحديد الحدود: 94- 97

ترامواي: 277

ترسانه (دار صناعة السفن): 87

تعطيل الصفات: 90

رفع التكاليف: 88، 90

تفك، تفنك (بنادق): 79

تفكجي باشي: 64

تكاليف: 18، 88

التنظيمات الخيرية: 10، 14، 52

جندرمة: 117

جواز: 51

الجيب السلطاني، الجيب الهمايوني:

18، 19، 20

الحجر الصحي: 51

حلول: 88، 90

خانه (بيتية): 61، 63

الخصي (آدر): 19

خط كلخانه، 52، 111، 328

خليفة المخلفات: 51

دفتري: 28، 51

رئيس البوابين: 104

رئيس الوكلاء: 51

الرسوم الدينية: 88

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 372

سالنامه: 44

السردار: 43، 102

السردار أكرم: 44

سر عسكر: 102، 171

سفود: 19

سلحدار: 30

السنة الإيلخانية: 56

السنة الجلالية (الملكشاهية) 56

السنة الخراجية: 56، 58

السنة الرومية: 56، 57

السنة الشمسية المالية: 56، 57، 58

السنة الميلادية: 56، 57، 58

السنة الهجرية: 56، 57

السنة اليزدجردية: 56

سويش: 47

سيخ: 19

شامي: 28، 70

شمخال (نوع بنادق): 79

شيش: 19

صدر أعظم: 51

الطابو: 210، 257

طمغا (طمغة): 85

طوب، أطواب، (مدفع): 79

الطوبخانة: 118

ظهور: 88

عبادة الاشخاص: 88، 90

عثمانيون (نوع جند): 33

عقيدة التجلي: 88، 90

غلاة التصوف: 86- 91

فرد: 30

فلقة: 19

فرانق: 117

فرمان: 30، 52، 54، 57، 69، 70، 101

فرن، أفران: 84

فيلق (اردو): 98، 104، 118، 184

قائممقام: 34، 38، 51، 85، 101، 104، 109، 110، 184

قبوجي باشي: 51

قران: 70، 78، 135

قربينه: 30

قرش: 70

قرعة: 83، 84

قرناء (ندماء): 92

قنصل، قونصلوس: 80، 117

قواس، قواص: 117

قونداق، قنداغ: 117

الكتخدا: 28، 30، 31، 317

كروان: 107، 125

الكهية: 29، 55، 117، 171، 317، 326

المابين الهمايوني: 34

متسلم: 32

مختار المحلة: 39

مشربة: 19

مشروطية: 53، 54

مشير: 102، 104، 106، 108، 118، 128، 184

مصادرة: 19

نوروز: 57

هايته: 32

ويوده: 51

وحدة الوجود: 88، 90

الينكجرية: 29،

52

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 373

6- فهرس الصور

منظر بغداد من ساحة الميدان- رحلة و ليم فوغ 23

مدحت باشا- عن تبصره عبرت 42

السردار الاكرم عمر باشا- عن مشاهير الشرق 59

جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني- عن رحلة مدام ديولافوا 77

ناصر الدين شاه- عن رحلة مدام ديولافوا 96

ساعي بريد هجان- عن رحلة وليم فوغ 114

منظر الفرات في الحلة- عن رحلة مدام ديولافوا 133

منظر كربلاء- عن رحلة مدام ديولافوا 152

الشيخ خزعل في شبابه- عن رحلة مدام ديولافوا 170

عربة تراموي الكاظمية- مجلة العالم 187

أختام رسمية- عن مجموعة مخطوطة للسيد حسني الخطاط حفار الأختام المعروف 205

الأستاذ المحامي محمد آل بابان من أحفاد إبراهيم باشا 225

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 374

7- فهرس الموضوعات

مقدمة 5

المراجع التاريخية 10

حوادث سنة 1247 ه- 1831 م 15

حوادث سنة 1248 ه- 1832 م 27

حوادث سنة 1249 ه- 1833 م 34

حوادث سنة 1250 ه- 1834 م 37

حوادث سنة 1251 ه- 1835 م 38

حوادث سنة 1252 ه- 1836 م 40

حوادث سنة 1253 ه- 1837 م 48

حوادث سنة 1254 ه- 1838 م 51

حوادث سنة 1255 ه- 1839 م 52

حوادث سنة 1256 ه- 1840 م 60

حوادث سنة 1257 ه- 1841 م 69

حوادث سنة 1258 ه- 1842 م 71

حوادث سنة 1259 ه- 1843 م 83

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 375

حوادث سنة 1260 ه- 1844 م 83

حوادث سنة 1261 ه- 1845 م 90

حوادث سنة 1262 ه- 1845 م 91

حوادث سنة 1263 ه- 1847 م 92

حوادث سنة 1264 ه- 1847 م 98

حوادث سنة 1265 ه- 1848 م 98

حوادث سنة 1266 ه- 1849 م 103

حوادث سنة 1267 ه- 1850 م 103

حوادث سنة 1268 ه- 1851 م 113

حوادث سنة 1269 ه- 1852 م 121

حوادث سنة 1270 ه- 1853 م 126

حوادث سنة

1271 ه- 1854 م 128

حوادث سنة 1272 ه- 1855 م 129

حوادث سنة 1273 ه- 1856 م 129

حوادث سنة 1274 ه- 1857 م 137

حوادث سنة 1275 ه- 1858 م 145

حوادث سنة 1276 ه- 1859 م 148

حوادث سنة 1277 ه- 1860 م 154

حوادث سنة 1278 ه- 1861 م 158

حوادث سنة 1279 ه- 1862 م 165

حوادث سنة 1280 ه- 1863 م 168

حوادث سنة 1281 ه- 1864 م 177

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 376

حوادث سنة 1282 ه- 1865 م 179

حوادث سنة 1283 ه- 1866 م 179

حوادث سنة 1284 ه- 1867 م 180

حوادث سنة 1285 ه- 1868 م 184

حوادث سنة 1287 ه- 1869 م 276

حوادث سنة 1288 ه- 1871 م 293

حوادث سنة 1289 ه- 1872 م 307

1 الأوضاع العامة الدولة العثمانية 313

2 التشكيلات الإدارية 314

3 الإمارات المنقرضة 325

4 الثقافة 325

5 العلاقات بالمجاورين 331

6 العلاقات بالأجانب 333

1- فهرس الأعلام 341

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل 353

3- فهرس المدن و الأماكن 357

4- فهرس الكتب 366

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة 371

6- فهرس الصور 373

7- فهرس الموضوعات 374

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.