دليل تحرير الوسيلة - احياء الموات و اللقطة

اشارة

نام كتاب: دليل تحرير الوسيلة- إحياء الموات و اللقطة

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: مازندراني، علي اكبر سيفي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 2

ناشر: دفتر انتشارات اسلامي وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم

تاريخ نشر: 1415 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

كتاب اللقطة

اشارة

______________________________

لقطة الحيوان «الضّالة»

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 147

[في معني اللقطة]

كتاب اللقطة و هي (1) بمعناها الأعم كلّ مال ضائع (2) عن مالكه و لم يكن يد عليه. و هي إمّا حيوان أو غير حيوان.

______________________________

(1) اللقطة في اللّغة بمعني كلّ منبوذ يؤخذ بعد ما فقده صاحبه. و الالتقاط بمعني إصابة الشي ء المطروح. و يفهم من ذلك أنّه أخذ في معناها كونها قابلة للأخذ و النبذ و السقوط علي الأرض فلا يشمل غير المنقولات كالأرض و الشجر و البناء و نحو ذلك.

(2) بأن لا يطّلع المالك عن مكانه و لم يصل يده اليه بحيث لو لم يأخذه آخذ ليوصله الي صاحبه لضاع. و لكن يمكن الاشكال علي أخذ هذا القيد في تعريف اللّقطة بما ورد في بعض نصوص المقام من تعليل النهي عن أخذ اللقطة بقوله (ع): «إنّ النّاس لو تركوها علي حالها لجاء صاحبها حتي يأخذها».

كما في صحيح «1» الحسين بن أبي العلاء و مرسل «2» إبراهيم بن أبي البلاد.

حيث فرض فيهما عدم كون اللقطة ضائعا اللّهم إلّا أن يراد من الضياع مطلق

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 348- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 348- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 148

______________________________

فقدان المال الأعمّ من ذلك.

ثم إنّه يعبّر عن المال الضائع في اصطلاح النصوص و تعابير الفقهاء باللّقطة و عن الحيوان الضائع بالضالّة و عن الصّبي الضائع باللّقيط و لكلّ منها أحكام خاصّة كما تشترك في كثير من الأحكام.

هذا من جهة المعني و أمّا من جهة الحكم فيستفاد من نصوص المقام أحكام مشتركة للأقسام الثلاثة المذكورة و أحكام مختصّة لكل واحد منها يأتي بيانها خلال المسائل الآتية.

و قد ظهر

بهذا البيان وجه الفرق بين اللّقطة و بين مجهول المالك إجمالا بحسب المفهوم حيث لا يعتبر شي ء ممّا ذكر في مجهول المالك فإنه عبارة عن كلّ ما جهل مالكه. نعم تكون اللقطة قسما من أقسام مجهول المالك.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 149

«لقطة الحيوان»

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 151

القول في لقطة الحيوان «و هي المسمّاة بالضّالّة»

مسألة 1: إذا وجد الحيوان في العمران (1)

لا يجوز أخذه و وضع اليد عليه أيّ حيوان كان. فمن أخذه

______________________________

(1) هذا في البعير منصوص بخصوصه لصريح النصوص فيه:

منها: ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «جاء رجل إلي النّبيّ (ص) فقال: يا رسول اللّه إنّي وجدت بعيرا. فقال (ص): معه حذاؤه و سقاؤه، حذاؤه خفّه و سقاؤه كرشه فلا تهجه «1»». قال في الصحاح: «الكرش بوزن الكبد بمنزلة المعدة للإنسان».

و ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «و سأل رجل رسول اللّه (ص).. عن البعير الضّالّ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 363- ب 13- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 152

______________________________

فقال (ص) للسّائل: مالك و له؟ خفّه حذاؤه و كرشه سقاءة خلّ عنه «1»».

و اما في مطلق الحيوان فأيضا يستفاد ذلك من عدّة نصوص:

منها: ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون عن الأصم عن مسمع عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إنّ أمير المؤمنين (ع) كان يقول في الدّابّة إذا سرّحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للّذي أحياها قال و قضي أمير

المؤمنين (ع) في رجل ترك دابّة بمضيعة فقال (ع): إن كان تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له يأخذها متي شاء و إن كان تركها في غير ماء و كلأ فهي لمن أحياها «2»».

فإنّ قوله (ع): «إن كان تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له يأخذها متي شاء» دلّ علي عدم جواز أخذ مطلق الدّابة في العمران و علي ضمان الأخذ.

و منها: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن عبد اللّه بن محمد عن أبيه عن عبد اللّه بن مغيرة عن السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «أنّ أمير المؤمنين (ع) قضي في رجل ترك دابّته من جهد فقال (ع): إن كان تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له يأخذها متي شاء «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 364- ب 13- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 364- ب 13- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 364- ب 13- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 153

ضمنه (1) و يجب عليه حفظه من التلف و الإنفاق عليه بما يلزم و ليس له (2) الرجوع علي صاحبه بما أنفق.

نعم إن كان شاة حبسها ثلاثة أيّام (3) فان لم يأت صاحبها باعها و تصدّق بثمنها.

______________________________

(1) هذا من قبيل ضمان اليد الثابت بسيرة العقلاء و قاعدة: «علي اليد ما أخذت حتي تؤدّيه».

(2) لأنه غاصب كما في صحيحة أبي ولّاد حينما سأل أبا عبد اللّه (ع):

«جعلت فداك قد علّفته بدارهم فلي عليه علفه؟ فقال (ع): لا، لأنّك غاصب «1»».

فان عموم التعليل شامل للمقام.

(3) حكم الشاة الضالة في العمران 3- ان مستند ذلك ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد

بن يحيي عن محمد بن موسي الهمداني عن منصور بن العباس عن الحسن بن علي بن فضّال عن عبد اللّه بن بكير عن ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «جاء رجل من المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة. فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيّام و يسأل عن صاحبها فإن جاء صاحبها. و إلّا باعها و تصدّق بثمنها «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 13- ص 256- ب 17- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 365- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 154

و الظاهر ضمانها (1) لو جاء صاحبها و لم يرض بالتصدّق.

______________________________

و لكنّها ضعيفة لوقوع محمد بن موسي الهمداني و منصور بن العباس في طريقها. فإن الأوّل ضعيف غال روي عن الضعفاء و الثاني مضطرب الأمر.

و لا دلالة لها علي المطلوب بالخصوص لعدم ورودها في خصوص الموجودة من الشاة في العمران. و انّما تشملها بالإطلاق و لكن تحمل علي هذه الصورة بقرينة النصوص الدالّة علي جواز أخذ الشاة الضالة في الفلاة و تعريفها من دون حبس. كما في صحيحي هشام «1» و معاوية بن عمّار «2».

و لكن قال في الجواهر «و هو و ان كان ضعيفا و غير خاصّ بالعمران الّا انه منجبر بفتوي الأساطين كالشيخ و الحلّي الذي لا يعمل إلّا بالقطعيّات و الفاضلين و الفخر و الشهيدين و المقداد و الكركي بل نسبه غير واحد إلي الشهرة بل إلي الأصحاب مشعرا بالإجماع «3»».

و فيه أوّلا: إنّ المذكورين من الفقهاء في كلامه «قده» - غير الشيخ- ليسوا من القدماء و إنّما ينفع في جبر ضعف الخبر عمل مشهور القدماء. هذا مضافا الي عدم جبره ضعف دلالة الخبر المشار إليها بقوله:

«غير خاصّ بالعمران».

(1) قد يشكل علي الحكم بالضمان حينئذ بأنّه ينافي الأمر بالتصدّق في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ب 13- ص 363- ح 1 و 364- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 17- ب 13- ص 363- ح 1 و 364- ح 5.

(3) الجواهر/ ج 38- ص 251.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 155

و لا يبعد (1) جواز حفظها لصاحبها أو دفعها الي الحاكم أيضا. و لو كان الحيوان في معرض الخطر لمرض أو غيره جاز (2) له أخذه من دون ضمان و يجب عليه الإنفاق عليه.

______________________________

قوله: «و الّا باعها و تصدّق بثمنها». لأنّ الحكم بالتصدّق مع الضمان ضرريّ منفيّ في الشريعة بما دلّ من النصوص علي ذلك.

و الجواب: أنّ الشارع لم يرخّصه في أخذها حينئذ بل نهاه عن ذلك. و إنّما هو أخذه باختياره. فهو الذي أوقع نفسه في هذا المحذور.

(1) لأنّه حينئذ محسن لا سبيل عليه. و قد يشكل بأنّ المفروض أنّه أصابها في العمران و عدم كونها في معرض التلف حتي تحتاج الي الحفظ فلا مانع من شمول عمومات حرمة الغصب. لأنّ حفظها يستلزم التصرف في مال الغير.

و الجواب: أنّ الغصب هو التصرف العدواني في مال الغير، و المفروض أنّه بصدد حفظها و إيصالها إلي صاحبها.

(2) إنّما يجوز له أخذه بقصد حفظه و إيصاله الي صاحبه لا بقصد التملّك لأنه مال الغير. و أمّا ما دلّ من النصوص علي جواز تملّك دابّة تركها صاحبها في خوف و علي غير ماء و كلأ، فلا يشمل المقام. و ذلك لانّ الخطر

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 156

______________________________

المفروض كون الحيوان في معرضة إنّما هو مثل المرض أو خوف السرقة.

و اما المفروض في

تلك النصوص ترك الحيوان في مكان مخوف من ناحية السباع أو فلاة عارية عن الماء و الكلأ بحيث لا يتمكّن الحيوان من التغذّي و الشرب، فكان لأجل ذلك في معرض التلف. فلا يشمل ما لو وجد الحيوان في العمران. بل هو داخل في قوله (ع): «إن كان تركها في كلأ و أمن فهي له يأخذها متي شاء» كما في موثقة السكوني «1».

و إنّما يجوز للواجد أخذه في المقام لأنّه قاصد بذلك حفظه عن التلف فهو محسن لا سبيل عليه. و لأجله نفي عنه الضمان.

و أمّا وجوب الإنفاق عليه فلأجل وجوب حفظ مال الغير كما يجب عليه الفحص عن مالكه و الإيصال اليه. و هذا لا ينافي جواز أخذه من بدء الأمر. و إنّما يجب حفظه و الفحص عن مالكه و الإيصال اليه علي فرض أخذه. كما هو مقتضي القاعدة في أيّ مال مجهول المالك.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 364- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 157

و جاز (1) له الرجوع بما أنفقه علي مالكه لو كان إنفاقه عليه بقصد الرجوع (2) عليه. و ان كان له منفعة من ركوب أو حمل

______________________________

(1) جواز أخذ نفقة الضّالة من مالكها 1- لعدم كونه غاصبا كما في الفرض السابق فلا تخلو مفهوم صحيحة أبي ولّاد من دلالة علي جواز الرجوع في المقام بالإطلاق. حيث علّل فيها عدم جوازه بكون المنفق غاصبا و ينتفي الحكم المعلّل بانتفاء علّته.

و يمكن استفادة ذلك أيضا من بعض نصوص الطفل اللقيط بإلغاء الخصوصية، كما قال في الجواهر.

فمن تلك النصوص ما رواه المدائني عن أبي عبد اللّه (ع): «المنبوذ حرّ..

فإن طلب منه الذي ربّاه النفقة و كان موسرا ردّ عليه «1»».

و

منها: صحيح عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد اللّه (ع) عن أبيه (ع) قال: «المنبوذ حرّ فإذا كبر فإن شاء توالي إلي الذي التقطه و إلّا فليردّ عليه النّفقة و ليذهب فليوال من شاء «2»».

(2) و ما رواه ابن محبوب عن محمد بن أحمد قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن اللّقيطة فقال: لا تباع و لا تشتري و لكن تستخدمها بما أنفقت عليها «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 158

______________________________

هذه الرواية ضعيفة لعدم كون محمد بن أحمد في طبقة أصحاب الصادق (ع).

فهو مجهول.

قال في الجواهر: «و لعلّ خلوّ نصوص الرجوع بالنفقة في ملتقط الطفل عليه- من الحاكم و غيره- شاهد علي ما ذكرناه. إذ الظاهر عدم الفرق بين نفقة الضّالة و اللّقيط بعد أن كان كلّ منهما نفسا محترمة، و الملتقط مكلّف بحفظهما معا. و في صحيح أبي ولّاد: «جعلت فداك قد علّفته بدراهم فلي عليه علفه؟ فقال (ع): لا، لأنّك غاصب». و مقتضاه رجوع غير الغاصب بما ينفق انتهي كلامه (قده) «1» كما يمكن استفادة ذلك أيضا من بعض النصوص الواردة في رهن الحيوان مثل صحيحة أخري لأبي ولّاد قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرّجل يأخذ الدّابّة و البعير رهنا بماله. إله أن يركبه؟ قال: فقال (ع): إن كان يعلفه فله أن يركبه «2»».

و ممّا يدل علي ذلك صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر قال (ع): «سألته عن اللّقطة إذا كانت جارية هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال:

لا إنّما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها «3»». حيث دلّت علي جواز أخذ الملتقط أجرة إنفاقه ممّن أنفق له.

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 263.

(2) الوسائل/ ج 13- ص 134- ب 12- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 351- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 159

عليه أو لبن و نحوه جاز له استيفاءها و احتسابها بإزاء ما (1) أنفق و يرجع الي صاحبه ان كانت النفقة أكثر و يؤدّي إليه الزيادة إن زادت المنفعة عنها (2).

مسألة 2: بعد ما أخذ الحيوان في العمران و صار تحت يده يجب عليه الفحص عن صاحبه

في صورتي جواز الأخذ و عدمه. فإذا يئس من صاحبه تصدّق (3) به أو بثمنه كغيره من مجهول المالك.

______________________________

(1) مقتضي القاعدة أن يتقاصّ بمقدار الإنفاق حيث لا معاوضة في البين و ظاهر صحيح أبي ولّاد جواز الركوب في قبال الإنفاق مطلقا سواء- تساويا في القيمة أم لا- و أمّا قوله: «و لكن تستخدمها بما أنفقت عليها» في خبر ابن محبوب ظاهر في رعاية الموازنة و المساواة بين مقدار ما ينفق و بين ما ينتفعه منها. و لكن ذلك كلّه علي فرض التعدّي من مورد هذه النصوص الي المقام.

(2) لما قلنا من استفادة ذلك من بعض النصوص المذكورة آنفا. و لما تقتضيه القاعدة من ردّ مال الغير إليه إلّا قدر ما ذهب من كيسه في سبيل حفظه و إيصاله إلي صاحبه جبرا للضرر و الخسارة الواردة عليه.

(3) قد يشكل بأنّ عمومات التعريف لا تشمل المقام لورودها في اللقطة لا المغصوب نظرا إلي كونه غصبا في صورة عدم جواز الأخذ. و فيه: ان

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 160

______________________________

وجوب إيصال المال الي صاحبه بعد الغصب لا ينافي حرمته، بأن يحرم عليه الغصب أوّلا و

لكن بعد ما غصب يتوجه إليه تكليف حفظ المال المغصوب و إيصاله الي صاحبه بمقتضي قاعدة ضمان اليد.

و قد دلّ علي ذلك ما ورد من النصوص الآمرة بتعريف الضالّة و ردّها إلي صاحبها و بيعها و التصدّق بثمنها عند اليأس عن الظّفر بمالكها.

مثل ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه (ع): «فإن جاء صاحبها، و إلّا باعها و تصدّق بثمنها «1»».

و كذا ما دلّ علي ذلك في كلّ مال جهل مالكه. كما في صحيح يونس بن عبد الرّحمن قال: «سئل أبو الحسن الرّضا (ع)- و أنا حاضر.. لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال (ع): إذا كان كذا فبعه و تصدّق بثمنه «2»».

و الاشكال بأنّ المال المغصوب يحرم أيّ تصرّف فيه، فكيف يتصدّق به؟ مع كون الصدقة أمرا قربيا، مدفوع بأن هذا الاشكال انما يرد إذا قيل بثبوت الأجر له في هذا الفرض. و لكن ليس كذلك بل يكون أجر الصدقة ثابتا للمغصوب منه و إنّما يجب عليه التصدق حينئذ من قبل صاحبه بعنوان الوظيفة الشرعية.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 365- ب 13- ح 6.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 357- ب 7- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 161

مسألة 3: ما يدخل في دار الإنسان من الحيوان كالدجاج و الحمام ممّا لم يعرف صاحبه الظاهر خروجه (1) عن عنوان اللقطة

بل هو داخل في عنوان مجهول المالك، فيتفحّص عن صاحبه و عند اليأس منه يتصدّق به. و الفحص اللّازم هو المتعارف في أمثال ذلك بأن يسأل من الجيران و القريبة من الدور و العمران. و يجوز (2) تملّك مثل الحمام إذا ملك جناحيه و لم يعلم أنّ له صاحبا و لا يجب الفحص.

______________________________

(1) حيث أخذ في اللقطة معني الالتقاط و أخذ الشي ء المنبوذ و هذا

لا يصدق علي ما يدخل من الحيوان في الدار. و قد أشرنا آنفا إلي ما دلّ من النصوص علي وجوب الفحص عن المالك و التصدّق بثمنه عند اليأس عن الظفر به في مجهول المالك.

(2) و ذلك لدلالة النصوص و هي علي طائفتين إحداهما: ما دلّ علي جواز تملّك الطير إذا ملك جناحيه مطلقا من دون تقييد بعدم معرفة صاحبه.

فمنها: ما رواه محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن ابن فضّال عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا ملك الطّائر جناحه فهو لمن أخذه «1»».

و منها: ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 245- ب 37- ح 1

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 162

______________________________

السّكوني عن أبي عبد اللّه (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): «إنّ الطّائر إذا ملك جناحيه فهو صيد و هو حلال لمن أخذه «1»».

الطائفة الثانية: ما دلّت علي جواز تملّك خصوص ما لم يعرف صاحبه.

مثل: ما في جامع البزنطي عن إسحاق بن عمّار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الطّير يقع في الدّار فنصيده و حولنا حمام لبعضهم. فقال (ع): إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه. قال: قلت: يقع علينا فنأخذه و قد نعلم لمن هو. قال (ع): إذا عرفته فردّه علي صاحبه «2»».

و مثل: ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن الرّضا (ع): «عن الرّجل يصيد الطّير يساوي دراهم كثيرة و هو مستوي الجناحين فيعرف صاحبه أو يجيئه فيطلبه من لا

يتّهمه. فقال (ع): لا يحلّ له إمساكه، يردّه عليه. فقلت له: فإن صاد ما هو مالك لجناحيه لا يعرف له طالبا؟ قال (ع): هو له «3»».

و ما رواه عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن فضّال عن محمد بن الفضيل قال: «سألت أبا الحسن (ع) عن صيد الحمامة تسوي نصف درهم أو درهما قال (ع): إذا عرفت صاحبه فردّه عليه و إن لم تعرف صاحبه و كان مستوي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 245- ب 37- ح 1 و 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 246- ب 37- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 244- ب 36- ح 1 و ج 17- ص 366- ب 10 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 163

______________________________

الجناحين يطير بهما فهو لك «1»».

و هذه الطائفة أخص مطلقا من الطائفة الأولي فتقيّدها و يحكم بجواز أخذ كلّ طائر ملك جناحيه إذا لم يعرف صاحبه مطلقا- سواء كان له مالك في الأصل و لكن لم يعرف شخصه أم لم يعرف له مالك أصلا.

بل ظاهر قوله: «و إن لم تعرف صاحبه» في صحيحة فضيل هو المعني الأوّل من عدم الجهل بأصل وجود المالك بل المجهول شخصه بعينه. و أمّا وجه احتياط الماتن «قده» إذا علم أنّ للطير مالكا احتمال حمل صحيحة محمد بن فضيل علي صورة الجهل بأصل وجود المالك بقرينة قوله: «لا يعرف له طالبا» في صحيحة البزنطي و ذلك لان التعبير المناسب لإفادة الجهل بشخص المالك ان يقال: «لا يعرف طالبه». و لكن يمكن الاشكال علي ظهور قوله: «و لا يعرف له طالبا» في الجهل بأصل وجود المالك بأنّ غاية مدلول هذا التعبير الجهل بوجود الطالب لا الجهل بوجود

المالك و الّا كان المناسب أن يقول:

«لا يعرف له مالكا». فإنه من الممكن ان يكون للطير مالك و لكن أعرض عنه لليأس عن تحصيله فلا يكون لأجل ذلك بصدد طلبه. و عليه فصحيحة البزنطي لا تنافي ظهور صحيحة محمد بن فضيل في الدلالة علي جواز تملّك الطير المالك لجناحيه مطلقا- سواء علم أنّ له مالكا لم يعرف بشخصه أم لم يعلم أصل وجوده. هذا مع دلالة عمومات الطائفة الأولي علي جواز تملّك

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 244- ب 36- ح 2

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 164

و الأحوط فيما إذا علم أنّ له مالكا و لو من جهة آثار اليد أن يعامل معه معاملة مجهول المالك (1).

مسألة 4: ما يوجد من الحيوان في غير العمران

من الطرق و الشوارع و المفاوز و الصحاري و البراري و الآجام و نحوها، ان كان ممّا يحفظ نفسه بحسب العادة من (2) صغار السباع- مثل الثعالب و ابن آوي و الذئب و الضبع و نحوها- إمّا لكبر جثّته كالبعير أو سرعة عدوه

______________________________

كل طائر يملك جناحيه و الخارج منه يقينا ما إذا عرف مالكه بشخصه أو يمكن معرفة شخصه و إيصال طيره اليه و أمّا في غير ذلك ممّا جهل مالكه فيرجع الي هذه العمومات.

(1) لاختصاص بعض النصوص المجوّزة لتملّكه بصورة عدم العلم بأصل وجود المالك كما هو ظاهر قوله: «و لا يعرف له طالبا» في صحيح البزنطي. و لكن عرفت آنفا ما في دلالتها علي ذلك من الاشكال. مضافا الي ظهور صحيحة محمد بن فضيل في عدم الاختصاص بذلك مؤيّدا بالعمومات علي التقريب المتقدّم.

(2) ليست لفظة «من» هنا بيانية. فالمقصود بيان أنّ الحيوان إذا كان ممّا يحفظ نفسه من صغار السباع عادة كالمذكورات، لا

بمعني أنّ الحيوان الذي يحفظ نفسه هو صغار السباع. كما يشهد علي ذلك قوله: «و ان كان ممّا تغلب

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 165

كالفرس و الغزال أو لقوّته و بطشه كالجاموس و الثور لا يجوز أخذه و وضع اليد عليه إذا كان في كلأ و ماء أو كان صحيحا يقدر علي تحصيل الماء و الكلأ. و ان كان مما تغلب عليه صغار السباع كالشّاة و أطفال البعير و الدوابّ جاز أخذه (1).

______________________________

عليه صغار السباع».

(1) التفصيل بين الحيوانات الضعيفة و غيرها الموجودة في غير العمران 1- يستفاد هذا التفصيل من عدّة نصوص، مثل خبر مسمع و موثقة السكوني ذكرناهما تماما في أوائل البحث فراجع.

و قد ذهب الي ذلك المشهور كالشيخ و السلّار و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين بل عن التذكرة نسبته إلي علمائنا و استظهر ذلك في الجواهر من ظهور تعليل النبي (ص) جواز أخذ الشاة بقوله: «هي لك أو لأخيك أو للذّئب» و تعليله في منع أخذ البعير بقوله: «معه حذاؤه و سقاؤه حذاؤه خفّه و سقاؤه كرشه».

فان ظاهر هذا التعليل أنّ الشاة لمّا لا تقدر علي حفظ نفسها يجوز أخذها بخلاف البعير المتمكّن من حفظ نفسه لاستحكام خفّه و وفور الماء و الغذاء في معدته. فيفهم منه أنّ المدار في جواز أخذ الضالّة عدم استقلالها و امتناعها. فان الضالّة الممتنعة تتمكّن من حفظ نفسها إلي أن يجي ء

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 166

______________________________

صاحبها بخلاف غيرها. و يدلّ علي ذلك أيضا قوله (ع): «إن كان تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له يأخذها حيث أصابها و إن تركها في خوف و علي غير ماء و

لا كلأ فهي لمن أصابها» في موثقة السكوني و غيرها.

و قد بيّن ملاك جواز الأخذ و عدمه في هذه الطائفة من النصوص كون الضالّة في معرض الخطر و الخوف من الهلاكة و عدمه. و يعلم من ذلك أنّ امتناع الضالّة و عدمه لا موضوعية له. بل الملاك الأصلي:

كونها في معرض الخوف و الخطر أو في مكان الأمن. و انّ امتناع الضالّة لمّا يوجب صيانته و حفظه من الهلاكة لذا لا يجوز أخذها. و كذا مع عدم تمكّنها من حفظ نفسها، لمّا يخاف عليها فلذا يجوز أخذها. و من هنا يعتبر في جواز أخذ الشاة الضالّة خوف هلاكتها أو سرقتها كما هو ظاهر الدّوران في قوله (ص): «هي لك أو لأخيك أو للذّئب».

و عليه فاذا لم تكن الشاة في معرض خطر الهلاكة أو السرقة- كما ربما يتّفق في العمران- لا يجوز أخذها قطعا من دون فرق بينها و بين الحيوانات الممتنعة في هذه الصورة.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 167

فإذا أخذه عرّفه (1) علي الأحوط في المكان الذي أصابه و حواليه إن كان فيه أحد. فإن عرف صاحبه ردّه اليه و الّا كان له تملّكه (2) و بيعه و أكله مع الضّمان لمالكه لو وجد. كما أن له إبقاءه و حفظه لمالكه و لا ضمان عليه.

______________________________

(1) بل علي الأقوي لعموم صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (ع) قال: «سألته عن رجل أصاب شاة في الصّحراء هل تحلّ له؟ قال (ع):

قال رسول اللّه (ص): هي لك أو لأخيك أو للذّئب فخذها و عرّفها حيث أصبتها فإن عرفت فردّها علي صاحبها و إن لم تعرف فكلها و أنت ضامن لها «1»».

و يدلّ

علي ذلك خبره الآخر عن أخيه موسي بن جعفر (ع) قال: «سألته عن اللّقطة إلي أن قال و سألته عن الرّجل يصيب ثوبا أو درهما أو دابّة كيف يصنع بها؟ قال (ع): يعرّفها سنة فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله حتي يجي ء طالبها فيعطيها «2»».

(2) كما هو المصرّح به في صحيحة علي بن جعفر «و إن لم تعرف فكلها و أنت ضامن لها» و قد يتوهم المعارضة بينها و بين خبره الآخر حيث أمر الإمام (ع) فيه بحفظها حتي يجي ء طالبها فيردّها اليه. و لكن يعمل بالتأمّل عدم وجود

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 365- ح 7- ص 370- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 365- ح 7- ص 370- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 168

مسألة 5: لو أخذ البعير و نحوه في صورة (1) لا يجوز له أخذه، ضمنه

و يجب عليه الإنفاق عليه. و ليس له الرّجوع بما أنفقه علي صاحبه و ان كان من قصده الرجوع عليه كما مرّ فيما يؤخذ من العمران.

مسألة 6: إذا ترك الحيوان صاحبه و سرّحه في الطرق أو الصحاري و البراري

فإن كان بقصد الاعراض عنه جاز (2) لكل أحد

______________________________

المعارضة بينهما حيث إنّ في هذا الخبر أمر الإمام (ع) بحفظها و ردّها علي صاحبها علي فرض عدم التعريف. و لكن في الصحيحة جوّز- عليه السّلام- أكل الشاة بعد تعريفها و عدم معرفة صاحبها. هذا مضافا الي ضعف سند الخبر الثاني بوقوع عبد اللّه بن الحسن في طريقه.

(1) لأنه غصب و لا يرجع الغاصب بما أنفق في حفظ المال المغصوب و إيصاله إلي المغصوب منه. كما ورد في تعليل صحيحة أبي ولّاد حيث سأل أبا عبد اللّه: «فلي عليه علفه فقال (ع): لا لأنّك غاصب «1»».

(2) كما جرت عليه السيرة و دلّت عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت و قامت و سيّبها صاحبها ممّا لم يتبعه فأخذه غيره فأقام عليها و أنفق نفقتها حتي أحياها من الكلال و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها و إنّما هي مثل الشّي ء المباح «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 13- ص 226.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 364- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 169

أخذه و تملّكه كما هو الحال في كلّ مال أعرض عنه صاحبه. و ان لم يكن بقصد الاعراض بل كان من جهة (1) العجز عن إنفاقه أو من جهة جهد الحيوان و كلالة. كما يتفق كثيرا أنّ الإنسان إذا كلّت دابّته في الطرق و المفاوز و لم يتمكّن من الوقوف

عندها يأخذ رحلها أو سرجها و يسرّحها و يذهب. فان تركه في كلأ و ماء و أمن ليس لأحد أن يأخذه فلو أخذه كان غاصبا ضامنا له. و إن أرسله بعد ما أخذه لم يخرج (2) من الضمان. و في وجوب حفظه و الإنفاق عليه و عدم الرجوع علي صاحبه ما مرّ فيما يؤخذ في العمران. و إن تركه في خوف و علي غير ماء و كلأ جاز أخذه و هو للآخذ إذا تملّكه (3).

______________________________

فان قوله (ع): «و سيّبها صاحبها ممّا لم يتبعه» ظاهر في إعراض المالك عن دابّته و لو لأجل كلالها و سقوطها عن حيّز الانتفاع أو لعجزه عن إنفاق نفقتها.

(1) كما يستفاد ذلك من قوله: «قد كلّت و قامت و سيّبها صاحبها» في صحيح ابن سنان المزبور.

(2) و ذلك لقاعدة «علي اليد» فإنها دلّت علي ضمان الشي ء المأخوذ و كونه في عهدة المالك الي أن يؤدّيه إلي المالك و عدم ارتفاعه قبل ذلك.

(3) صرّح بهذا التفصيل في نصوص المقام.

فمنها: ما رواه الكليني بإسناده عن الأصم عن مسمع عن أبي

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 170

مسألة 7: إذا أصاب دابّة و علم بالقرائن أنّ صاحبها قد تركها

و لم يدر أنّه قد تركها بقصد الإعراض أو بسبب آخر كانت بحكم الثاني، فليس له أخذها و تملّكها إلّا إذا كانت في مكان خوف بلا ماء و لا كلأ (1).

______________________________

عبد اللّه (ع) قال: ان أمير المؤمنين (ع) كان يقول: «في الدّابّة إذا سرّحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للّذي أحياها. قال (ع): و قضي أمير المؤمنين (ع) في رجل ترك دابة بمضيعة فقال:.. إن كان تركها في غير كلأ و لا ماء فهي لمن أحياها «1»».

و منها موثّقة السكوني عن

أبي عبد اللّه (ع): «أنّ أمير المؤمنين (ع) قضي في رجل ترك دابّته من جهد فقال:.. و إن تركها في خوف و علي غير ماء و كلأ فهي لمن أصابها «2»». فإن قوله (ع): «هي لمن أحياها أو أصابها». ظاهر في الملكية و نفي الضمان.

(1) و ذلك لأن الأصل عدم أعراض المالك عنها عند الشك، بخلاف ما لو كان في مكان خوف فإنّها حينئذ لمن أصابها و أنفق نفقتها و اقام عليها حتي أحياها من الكلال و الموت كما في صحيح ابن سنان و خبر مسمع «3» بل

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 364- ب 13- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 364- ب 13- ح 4.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 364- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 171

مسألة 8: إذا أصاب حيوانا في غير العمران و لم يدر أنّ صاحبه تركه بأحد النحوين أو لم يتركه

بل ضاعه أو شرد عنه كان بحكم الثاني من التفصيل المتقدم فان كان مثل البعير لم يجز أخذه و تملّكه إلّا إذا كان غير صحيح و لم يكن في ماء و كلأ. و إن كان مثل الشاة جاز أخذه مطلقا (1).

______________________________

لمطلق من أصابها حينئذ كما في موثقة السكوني «1».

(1) و الدليل علي ذلك النصوص المتضمّنة لهذا التفصيل كصحيح هشام «2» و خبر علي بن جعفر «3» و موثقة معاوية بن عمّار «4». و المراد من قوله:

«مطلقا» أي سواء كان صحيحا أم غير صحيح.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 364- ب 13- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 363- ب 13- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 365- ب 13- ح 7.

(4) الوسائل/ ج 17- ص 364- ب 13- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 173

لقطة غير الحيوان

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 175

القول في لقطة غير الحيوان و هي الّتي يطلق عليها اللّقطة عند الإطلاق و اللّقطة بالمعني الأخص و يعتبر فيها عدم معرفة المالك فهي قسم من مجهول المالك.

لها أحكام خاصة.

مسألة 1: يعتبر فيها الضياع (1) عن المالك

فما يؤخذ من يد الغاصب و السارق ليس من اللقطة لعدم الضياع عن مالكه (2) بل لا بد في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع (3) و لو بشاهد الحال. فالمداس المتبدّل بمداسه في المساجد و نحوها بشكل ترتيب أحكام اللقطة عليه و كذا الثوب المتبدّل بثوبه في الحمّام و نحوه.

______________________________

(1) أي الفقدان و الذهاب عن يد المالك غفلة منه بلا التفات و قصد بحيث لو لم يأخذها اللّاقط لم يتمكّن المالك من تحصيله. و قد مرّ البحث عن اعتبار ذلك في تعريف اللقطة و بيّنّا هناك ما يرد عليه من إشكال عدم مساعدة نصوص المقام مع أخذ الضياع في تعريفها.

(2) و ذلك لعلم المالك بمكان ماله بأنّه في يد الغاصب فلم يفقده غفلة بل كان محفوظا في يد مالكه لو لم يأخذه الغاصب.

(3) يكفي وجود الأمارة عليه و ان لم يحرز و إنّما يحرز اللّاقط بعد

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 176

لاحتمال (1) تعمّد المالك في التبديل. و معه يكون من مجهول المالك لا من اللّقطة.

______________________________

التعريف و اليأس عن وجود صاحبه أو بشاهد الحال من بدء الالتقاط كما لو وجده في فلاة لا أثر للإنسان فيها أو في طريق لا يسكن حواليه أحد من دون أن يكون معلما بعلامة كاشفة عن علم صاحبه بموضعه.

(1) حكم الحذاء أو الثوب المتبدّل 1- قد يقال: إنّ صورة تعمد المالك في التبديل داخلة في المعاوضة القهرية و

لذا يجوز أخذ الثوب أو المداس المتبدّل حينئذ و لكن لا يبعد أن يكون جواز أخذ الحذاء المتخلّف من باب التقاصّ حيث انه ليس البناء علي المعاوضة في مثل هذه الموارد.

و أمّا عدم ترتيب أحكام اللقطة علي الثوب أو المداس المتبدّل فقد يقال: إنّه ليس وجهه احتمال تعمّد المالك في التبديل بل يكون لعدم ضياع المال قبل الأخذ لعلم المالك بمكانه حيث انه لو لم يؤخذ ليبقي محفوظا في مكانه حتي يجي ء صاحبه و يأخذه.

و لكن يرد عليه ما أشكلنا سابقا علي أصل اعتبار الضياع في اللقطة من عدم مساعدة ظاهر نصوص المقام لذلك مع أنّ الغفلة صادق هنا أيضا و الّا لم

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 177

مسألة 2: يعتبر في صدق اللّقطة و ثبوت أحكامها الأخذ و الالتقاط (1).

فلو رأي غيره شيئا و أخبر به فأخذه كان حكمها علي الأخذ دون الرائي و إن تسبّب منه. بل لو قال: ناولنيه فنوي المأمور الأخذ لنفسه كان هو الملتقط دون الآمر. و لو أخذه لا لنفسه و ناوله إيّاه ففي

______________________________

يكن المالك يأخذ حذاء غيره. و لكن الإنصاف عدم صدق التقاط الشي ء المنبوذ الذي فقد عن مالكه حينئذ. و لذلك لا يصدق عنوان اللقطة لا لاحتمال تعمّد المالك في التبديل.

(1) اعتبار الأخذ في مفهوم اللقطة 1- بل يكون قوام معني اللّقطة بذلك فإنّ أخذ الشي ء المنبوذ و التقاط الشي ء المطروح مأخوذ في مفهوم اللقطة كما في مجمع البحرين «1» و الصحاح «2» و غيرهما. و قد مرّ البحث عن ذلك في تعريف اللّقطة.

______________________________

(1) قال في مجمع البحرين: و قال الأزهري: «اللّقطة بفتح القاف اسم الشي ء الذي تجده ملقي فتأخذه و هذا قول جميع أهل اللغة و حذاق النحويين». أي مهرتهم.

(2) قال في الصحاح: لقط

الشّي ء أخذه من الأرض. و اللقيط: المنبوذ يلتقط.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 178

كون الآمر ملتقطا إشكال (1) فضلا عن أخذه بأمره و نيابته من دون أن يناوله إيّاه.

مسألة 3: لو رأي شيئا مطروحا علي الأرض فأخذه بظنّ أنّه ماله فتبيّن أنه ضائع عن غيره

صار بذلك لقطة و عليه حكمها (2). و كذا لو رأي مالا ضائعا فنحّاه بعد أخذه من جانب الي آخر (3). نعم لو دفعه برجله أو بيده من غير أخذ ليتعرّفه فالظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطا بل و لا ضامنا لعدم صدق اليد و الأخذ.

______________________________

(1) لأن المعتبر في مفهوم اللقطة هو أخذ المال المنبوذ و التقاطه و هذا أمر تكويني خارجي و ليس أمرا قصديا اعتباريا حتي يدور مدار النّية و يقبل التوكيل و النيابة. و المفروض أنّ الآمر لم يأخذه بنفسه.

(2) و ذلك لانّه لمّا كان الأخذ و الالتقاط المأخوذان في مفهوم اللقطة أمرا تكوينيا خارجيا لا قصديا فلذا لا يضرّ بصدق عنوانه اعتقاد الأخذ بكون الشي ء المأخوذ ملكا لنفسه بعد ما فهم أنّه ضائع عن غيره.

(3) لصدق الأخذ بذلك فيدخل في عنوان اللقطة و لم يؤخذ في مفهومها الاقتناء حتي يمنع ذلك من صدقها. و أمّا لو دفع الشي ء المطروح بيده فقد يقال إنّه يصدق عنوان الأخذ و جعل اليد. و لكن يشكل بأنّ المعتبر في صدق عنوان اللّقطة هو الأخذ و الالتقاط، و الدفع باليد ليس بشي ء منهما. و لم يؤخذ

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 179

مسألة 4: المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز (1) أخذه

و وضع اليد عليه فان أخذه كان غاصبا ضامنا إلّا إذا كان في معرض التلف فيجوز بقصد الحفظ و يكون حينئذ في يده أمانة شرعية و لا يضمن إلّا بالتعدّي أو التفريط. و علي كلّ من تقديري جواز الأخذ و عدمه لو أخذه يجب عليه الفحص عن مالكه إلي أن يئس من الظفر به. و

______________________________

في مفهومها جعل اليد علي المال المنبوذ حتي يصدق علي الدفع باليد.

ثم إنّ هذا القول يصحّ في باب

الغصب لكونه مطلق التصرف في مال الغير و أيّ استيلاء عليه. و لذا يكفي ذلك في ضمان اليد لصدق جعل اليد علي مال الغير بذلك، و لا يرد الاشكال المزبور هناك. و ذلك لأنّ لفظ «أخذت» و ان استعملت في قاعدة «علي اليد ما أخذت حتّي تؤدّيه» إلّا أنّ الأخذ في هذه القاعدة بقرينة السيرة- التي هي عمدة الدليل علي ضمان اليد- كناية عن الاستيلاء علي مال الغير، و من الممكن أنّ يقال إنّ ذلك صادق علي الدفع باليد دون الرّجل، لصدق الاستيلاء عرفا علي الأوّل دون الثاني.

(1) حيث لا مانع من شمول عمومات حرمة التصرف في مال الغير و لا إشكال في صدق الغصب. نعم لو كان الشي ء في معرض التلف و أخذه بقصد حفظه و الإيصال إلي مالكه لا إشكال في صدق عنوان المحسن عليه فلا سبيل عليه بدليل قوله تعالي مٰا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «1» و لمساعدة السيرة.

______________________________

(1) التوبة/ 91.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 180

عند ذلك يجب عليه أن يتصدّق به أو بثمنه. و لو كان ممّا يعرض عليه الفساد و لا يبقي بنفسه يبيعه أو يقوّمه و يصرفه (1). و الأحوط ان يكون البيع بإذن الحاكم مع الإمكان. ثم بعد اليأس عن الظّفر بصاحبه يتصدّق بالثمن.

______________________________

(1) أمّا جواز بيعه حيث انه يريد بذلك حفظ ثمنه و إيصاله إلي مالكه فهو محسن لا سبيل عليه. و لكن لمّا كان الحاكم وليّا شرعيا علي مال الغائب فلذا يجب علي اللّاقط أن يستأذنه في البيع.

و أما جواز تقديم ما كان في معرض الفساد و صرفه فيدل عليه ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن

النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه (ع) أنّ أمير المؤمنين (ع): «سئل عن سفرة وجدت في الطّريق مطروحة كثيرة لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكّين. فقال أمير المؤمنين (ع): يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد و ليس له بقاء فإن جاء طالبها غرموا له الثّمن «1»». و لكنّه وارد في خصوص ما كان في معرض الفساد من الأطعمة و الأشربة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 372- ب 23- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 181

مسألة 5: كلّ مال غير الحيوان أحرز ضياعه عن مالكه المجهول

و لو بشاهد الحال- و هو الذي يطلق عليه اللقطة كما مرّ- يجوز (1) أخذه

______________________________

(1) أمّا في الحيوان فمرّ فيه التفصيل بين ما كان في مكان أمن و ماء و كلأ و كان ممتنعا عن الغير، قادرا علي حفظ نفسه و بين غير الممتنع الموجود في مكان غير واجد للماء و الكلأ بحيث خيف من تلفه، فيجوز الالتقاط و تملّك الثاني دون الأوّل و قد مرّ بيان وجه هذا التفصيل و استظهاره من النصوص.

و أمّا في غير الحيوان- و هو المعبّر عنه باللقطة- فلا إشكال في جواز أخذه في الجملة لدلالة النصوص الكثيرة علي ذلك و لا احتياج الي ذكر جميعها و نذكر بعضها هنا.

فمنها: ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد اللّه بن حماد عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: «من وجد شيئا فهو له فليتمتّع به حتي يأتيه طالبه فإذا جاء طالبه ردّه إليه «1»».

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيّوب عن ابن بكير عن زرارة قال: «سألت أبا جعفر عن اللّقطة

فأراني خاتما في يده من فضّة قال: إنّ هذا ممّا جاء به السّيل و أنا أريد أن أتصدّق به «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 4- ح 2- ص 358- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 4- ح 2- ص 358- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 182

______________________________

و منها: ما رواه في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (ع) قال: «سألته عن اللّقطة يصيبها الرّجل. قال:

يعرّفها سنة ثمّ هي كسائر ماله «1»».

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي عن محمد بن عبد الجبار عن أبي القاسم عن حنان قال: سأل رجل أبا عبد اللّه (ع)- و انا أسمع- عن اللقطة فقال (ع): «تعرّفها سنة فإن وجدت صاحبها و إلّا فأنت أحقّ بها. و قال:

هي كسبيل مالك «2»».

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال: «و اللّقطة يجدها الرّجل و يأخذها قال: يعرّفها سنة فإن جاء لها طالب و إلّا فهي كسبيل ماله «3»».

دلالة هذه الروايات علي جواز أخذ اللقطة واضحة. أمّا الأوليان فلا يحتاج مدلولهما الي بيان. و أمّا الأخيرتان فلأنه لو لم يكن أخذها جائزا لكان المناسب في جواب السائل أن يقول (ع): «لا يجوز أخذها و يحرم أكلها» و الحال انه أمر بالتعريف و حكم بجواز تملّكها في صورة عدم مجي ء مالكها بعد التعريف. و لا ريب ان التعريف و التملّك بعده فرع أخذه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 352- ح 12

(2) الوسائل/

ج 17- ص 350- ح 5.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 349- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 183

و التقاطه علي كراهة (1) و ان كان المال الضائع في الحرم- أي حرم مكّة زادها اللّه شرفا و تعظيما- اشتدّت كراهة التقاطه بل لا ينبغي ترك الاحتياط بتركه.

______________________________

(1) يستفاد كراهة أخذ مطلق اللقطة من عدّة نصوص:

منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن الحسين ابن أبي العلاء قال: ذكرنا لأبي عبد اللّه (ع) اللقطة فقال: «لا تعرّض لها فإنّ النّاس لو تركوها لجاء صاحبها حتي يأخذها «1»».

و ما رواه الشيخ بإسناده السابق عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: سألته عن اللقطة «قال: لا ترفعوها فإن ابتليت فعرّفها سنة فإن جاء طالبها و إلّا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري علي مالك إلي أن يجي ء لها طالب «2»». و مثله صحيح محمد بن مسلم «3».

و ما رواه الصدوق مرسلا قال: قال الصادق (ع): «أفضل ما يستعمله الإنسان في اللّقطة إذا وجدها أن لا يأخذها و لا يتعرّض لها فلو أنّ النّاس تركوا بما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 348- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 350- ح 3

(3) الوسائل/ ج 17- ص 351- ح 10.

(4) الوسائل/ ج 17- ص 351- ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 184

______________________________

و اما أخذ لقطة الحرم فأيضا مكروه. و قد دلّ علي ذلك- مضافا إلي النصوص العامّة المذكورة- بعض النصوص الواردة فيها بالخصوص.

مثل: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن علي بن إبراهيم بن أبي البلاد عن

بعض أصحابه عن الماضي- أي الكاظم «ع» - قال: «لقطة الحرم لا تمسّ بيد و لا رجل و لو أنّ النّاس تركوها لجاء صاحبها فأخذها «1»».

و ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفّار عن محمد بن الحسين عن وهيب بن حفص و عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن العبد الصالح (ع) قال: «سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه. فقال (ع): بئس ما صنع ما كان ينبغي له أن يأخذه «2»».

و هذه الرواية موثقة بوهيب بن حفص و حيث انه روي أيضا في طبقة علي بن أبي حمزة فلذا لا يضرّ ضعف علي بن أبي حمزة بصحة الرواية. هذا و لكن نقل في موضع آخر من الوسائل «3» عن وهيب بن حفص عن أبي بصير عن علي بن أبي حمزة. و عليه لا تصح الرواية الّا ان الأمر سهل في الكراهة بناء علي التسامح في أدلّة المكروهات. و قد نقل في الوسائل «4» روايات

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 348- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 348- ح 4.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 368- ب 17- ح 2.

(4) الوسائل/ ج 9- ص 361- ب 28

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 185

مسألة 6: اللّقطة ان كانت قيمتها دون الدرهم جاز (1) تملّكها في الحال

من دون تعريف و فحص عن مالكها و لا يملكها

______________________________

اخري، قد استشهد بها في الجواهر علي شدّة الكراهة لكن لا تصلح لذلك لما ورد في بعضها: «لا يصلح» و في آخر: «بئس ما صنع» فان كلّ هذه التعابير لا تثبت أزيد من الكراهة. و أمّا قوله: «لا يأخذها إلّا مثلك» ظاهر في اختصاص الكراهة بغير مريد التعريف. و أمّا المنقول عن النبي (ص): «لا تحلّ لقطتها إلّا لمنشدها» عامّيّ

لا سند له. فلا دليل علي الحرمة و انّما الدليل علي أصل الكراهة فحسب.

و أمّا شدّة كراهة الالتقاط في الحرم فيشكل استفادتها من النصوص و ذلك لأنّ النهي الوارد فيها علي وزان سائر النصوص.

(1) جواز تملّك دون الدرهم 1- قد أفتي به المشهور و دلّت عليه مرسلة ابن أبي عمير رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن اللّقطة قال: تعرّف سنة- قليلا كان أو كثيرا- قال (ع): و ما كان دون الدّرهم فلا يعرّف «1»».

هذه الرواية ضعيفة بالإرسال إذ لا فرق بين مرسلات ابن أبي عمير و

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 4- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 186

______________________________

سائر المرسلات في الضعف و ذلك للعلم بروايته عن الضعفاء كثيرا و احتمال كون المرسل منها. و ما نقل من إجماع العصابة علي أنه من الذين لا يروون و لا يرسلون إلّا عن ثقة فأصله عن الكشي و حجّة عنده لا عندنا. و لكن ينجبر ضعفها بعمل المشهور بمضمونها.

و قد يقال: إنّ فتوي المشهور بذلك فلعلّها لأجل ما نقله الشيخ من إجماع العصابة علي تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير و غيره من أصحاب الإجماع بلا فرق بين مسنداتهم و مرسلاتهم، و انّ هذا الإجماع يشكل تحصيله و علي فرض ثبوته ليس إجماعا تعبّديا كاشفا عن رأي المعصوم لما نشاهد الوجدان أنّ هؤلاء رووا كثيرا عن الضعفاء و المجاهيل. و انما ينجبر ضعف السند بعمل المشهور إذا لم نعلم ضعف مستندهم.

و فيه: أنّ غاية هذا الكلام ان هذا الخبر

ضعيف عندنا و صحيح في نظرهم. و نحن و ان نخالفهم في أصل المبني و لا نري وجها لتصحيح مرسلات ابن أبي عمير، و لكن الكلام أنّ عمل المشهور جابر لضعف الخبر إذا كان مسلّم الضعف. مع أنّ في المقام مرسلة أخري رواها الصدوق قال: قال الصادق (ع): «إن كانت اللّقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها «1»». و لا يرد فيها إشكال مرسلة ابن أبي عمير بل إنّها من جوازم مرسلات الصدوق.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 351- ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 187

قهرا (1) بدون قصد التملّك علي الأقوي فإن جاء مالكها بعد ما التقطها دفعها اليه مع بقائها- و إن تملّكها- علي الأحوط لو لم يكن الأقوي. و ان كانت تالفة لم يضمنها الملتقط و ليس عليه عوضها ان كان بعد التملّك و كذا قبله إن تلفت من غير تفريط منه.

______________________________

(1) قد يشكل بأنّ في الخبر رتّبت الملكية علي الأخذ و يفهم منه أنّ في بعض أفراد اللقطة- مثل ما دون الدرهم و الدينار الممسوح «1» - جعل الشارع ملكية الملقوط للملتقط بمجرّد الأخذ بلا اعتبار لقصد التملّك. فالملكية في هذه الموارد مترتبة علي الأخذ قهرا. و عليه فلا ينبغي أن يكون دفعها واجبا بعد مجي ء مالكها.

و أجيب: أنّ قوله: «فهي لك» إرشاد إلي جواز التملّك. و الشاهد علي ذلك أنّ هذا التعبير يوجد في بعض النصوص، و لكن مع ذلك أمر الإمام (ع) بردّها الي المالك بعد مجيئه. مثل ما رواه أبي بصير عن الباقر (ع) قال: «من وجد شيئا فهو له فليتمتّع به حتي يأتيه طالبه فإذا جاء طالبه ردّه إليه «2»». فإنّ قوله:

«فليتمتّع به حتي

يأتيه طالبه» قرينة علي عدم إرادة الملكية من اللّام في «فهو له» و كذا الأمر بالرّد بعد مجي ء المالك.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 351- ح 9، و ص 355- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 4- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 188

______________________________

و ممّا يشهد علي ذلك صحيح حريز عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «لا بأس بلقطة العصا و الشّظاظ و الوتد و الحبل و العقال و أشباهه و قال أبو جعفر: ليس لهذا طالب «1»». حيث انه (ع) نفي البأس عن الأخذ موجّها بعدم طالب له و هو غير التمليك.

و لذا اكتفي في مرسلة ابن أبي عمير بنفي وجوب التعريف. و من هنا لو لم يقصد الأخذ التملّك لا إشكال في عدم صيرورة الملقوط ملكا له بمجرد الأخذ.

و عليه فهذه الروايات في صدد تشريع أصل جواز التملّك و لا ينافي ذلك توقفه علي القصد. كما لا ينافي كونه علي وجه الضمان. بأن يشرع جواز تملّك اللّقطة علي وجه الضمان كما صرّح بذلك في بعض النصوص المتقدمة.

و يدفع هذا الجواب ظهور قوله (ع): «فهي لك لا تعرّفها» في التمليك القهري بمجرّد الالتقاط و ان لم يقصد الملتقط تملّك اللقطة. و أمّا الأمر بردّها بعد مجي ء المالك في بعض النصوص فلا ينافي ذلك لإمكان أن يجعل الشارع ملكية اللقطة للملتقط في هذه الموارد علي وجه التضمين. و أمّا قوله:

«لا بأس بلقطة العصا و الشظاظ و الوتد و..» فان الظاهر منه بمناسبة الحكم و الموضوع هو نفي البأس عن تملّكها. خصوصا بملاحظة قوله (ع):

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 362- ب 12- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة،

ص: 189

______________________________

«ليس لهذا طالب». فإنه شبه تعليل لنفي البأس عن التملّك. و لمّا كان قيمة هذه الأشياء أقلّ من درهم غالبا تثبت ملكيتها القهرية للملتقط بعموم قوله (ع):

«هي لك فلا تعرّفها». فاذا كان هذا ظاهر النصوص في المقام فلا إشكال في حصول ملكية ما يعادل دون الدرهم من اللّقطة للملتقط و لا وجه لاستبعاد ذلك. كما أنّ الأمر كذلك في الأشياء الحقيرة ممّا لا طالب له و يعرض عنه غالبا لذيل صحيح حريز المزبور آنفا.

و أمّا نهيه (ع) عن أخذ هذه الأشياء في ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه بقوله (ع): «لا يمسّه» فمحمول علي الكراهة لصراحة نفي البأس في الجواز.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 191

وجوب تعريف اللقطة و أحكامها

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 193

و ان كانت قيمتها درهما أو أزيد وجب عليه تعريفها (1) و الفحص عن صاحبها فان لم يظفر به فان كانت لقطة الحرم تخيّر بين أمرين التصدق بها مع الضمان كاللقطة في غير الحرم أو إبقاؤها و حفظها لمالكها

______________________________

(1) وجوب تعريف اللّقطة 1- قد دلّت النصوص المعتبرة الكثيرة علي وجوب تعريف اللقطة و هي و ان تشمل ما دون الدرهم أيضا إلّا انه خارج بالدليل كما مرّ. و النصوص الدالّة علي وجوب تعريف اللقطة كثيرة. و قد عقد بعنوانها بابا في الوسائل و نكتفي بذكر بعضها:

منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «و اللّقطة يجدها الرّجل و يأخذها قال (ع) يعرّفها سنة فإن جاء لها طالب و إلّا فهي كسبيل ماله «1»».

و منها: صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: سألته عن اللّقطة قال (ع): «لا ترفعوها فإن ابتليت فعرّفها سنّة فإن

جاء طالبها و إلّا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري علي مالك إلي أن يجي ء لها طالب «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 349- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 350- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 194

______________________________

و منها: ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه (ع): «أنّه قال في اللّقطة يعرّفها سنة «1»».

و منها صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (ع) قال: «سألته عن اللّقطة يصيبها الرّجل قال: يعرّفها سنة «2»».

و خبره الآخر قال: «و سألته عن الرّجل يصيب اللّقطة دراهم أو ثوبا أو دابّة، كيف يصنع؟ قال (ع): يعرّفها سنة «3»».

و غيرها من النصوص نقلها تماما في الوسائل فراجع.

و قد قيّدت مدة التعريف في هذه النصوص بالسّنة. و أمّا ما ورد في رواية أبان بن تغلب عن الصادق (ع): «.. فقال (ع): صر إلي المكان الذي أصبت فيه فعرّفه فإن جاء طالبه بعد ثلاثة أيّام فأعطه أيّام و إلّا تصدّق به «4»» من توقيت التعريف بثلاثة أيّام، فمحمول علي صورة اليأس عن معرفة صاحبه بعد ثلاثة أيّام أو التصدّق مع الضمان كما قال في الوسائل.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 352- ح 11.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 352- ح 12.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 352- ح 13.

(4) الوسائل/ ج 17- ص 350- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 195

فلا ضمان عليه و ليس (1) له تملّكها. و ان كانت لقطة غير الحرم تخيّر بين أمور ثلاثة تملّكها و التصدّق بها مع الضمان فيهما و إبقاؤها امانة في يده من غير ضمان.

______________________________

(1) استدلال في الجواهر علي عدم جواز تملّك لقطة الحرم

حتّي بعد التعريف. أوّلا: بالإجماع.

و ثانيا: بعمومات حرمة الاستيلاء علي مال الغير، بضميمة خلوّ نصوص المقام من جواز التملّك. و لكن كلاهما مخدوشان.

اما الإجماع: فلأنّه محتمل المدرك لاحتمال استناد المجمعين الي بعض نصوص المقام أو العمومات المزبورة.

و أمّا العمومات الناهية عن تصرّف مال الغير و تملّكه فخصّصت بما ورد من النصوص في المقام.

و ثالثا: بظهور بعض النصوص الواردة في المقام في عدم جواز تملّكها.

فمنها: صحيحة إبراهيم بن عمر عن أبي عبد اللّه (ع): «قال (ع): اللّقطة لقطتان: لقطة الحرم و تعرّف سنة فإن وجدت صاحبها و إلّا تصدّقت بها و لقطة غيرها و تعرّف سنة فإن لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك «1»».

وجه الدلالة واضح حيث إنّ الامام (ع) بصدد تقسيم اللّقطة. و قد بيّن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 9- ص 361- ب 28- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 196

______________________________

الفرق بين لقطة الحرم و بين لقطة غيره بجواز تملّكها بعد التعريف و اليأس عن معرفة المالك في الثاني و عدمه في الأوّل. و إنّ التقسيم و التفصيل قاطعان للشركة.

و منها: صحيح يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن اللّقطة- و نحن يومئذ بمني- فقال: أمّا بأرضنا هذه فلا يصلح و أمّا عندكم فإنّ صاحبها الذي يجدها يعرّفها سنة في كلّ مجمع ثمّ هي كسبيل ماله «1»».

و مما يؤيّد ذلك ظاهر خبر علي بن أبي حمزة:

قال: «سألت العبد الصّالح عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه قال: بئس ما صنع ما كان ينبغي له أن يأخذه. قلت: ابتلي بذلك. قال (ع): يعرّفه قلت: فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغيا قال (ع): يرجع إلي بلده فيتصدّق به علي أهل بيت

من المسلمين فإن جاء طالبه فهو له ضامن «2»». قوله: لم يجد له باغيا، أي طالبا من قولهم: «بغي فلان ضالّته: أي طلبها». و أمّا قوله (ع) في صحيحة الفضيل بن يسار: «فإن لم يأخذها إلّا مثلك فليعرّفها «3»» فغاية مدلوله جواز أخذ لقطة الحرم لمن يريد تعريفها و لا دلالة له علي جواز التملّك. كما أنّ قوله (ع): «فإن كنت محتاجا فتصدّق بثلثها «4»» يحمل علي إذن الامام (ع) بتملّك ثلثي الدينار بعد التعريف و اليأس عن معرفة صاحبه. مضافا إلي ضعف سنده للجهل بحال

______________________________

(1) الوسائل/ ج 9- ص 361- ب 28- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 9- ص 361- ب 28- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 9- ص 361- ب 28- ح 2.

(4) الوسائل/ ج 9- ص 362- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 197

______________________________

محمد بن رجاء الواقع في سنده.

نعم إذا لم تكن الحرم قابلة للتعريف يجوز تملّكه. و ذلك لصحيح فضيل بن غزوان قال: «كنت عند أبي عبد اللّه (ع)، فقال له الطّيّار: إني وجدت دينارا في الطّواف قد انسحق كتابته. قال: هو له». «1»

و مرسلة الفقيه قال: قال الصادق (ع): «فإن وجدت دينارا مطلسا فهو لك لا تعرّفه «2»».

هذا و لكن لا يمكن إثبات جواز تملّك أزيد من دينار واحد- و لو لم يكن قابلًا للتعريف. و ذلك لدلالة عمومات المقام علي عدم جواز تملّك لقطة الحرم بعد التعريف و اليأس. و إنّما خرج منه الدينار الواحد و لا دليل مخصّص لهذه العمومات يدل علي جواز تملّك أزيد منه إذا لم يكن قابلًا للتعريف. و الكلام و ان كان فيما لا يمكن تعريفه إلّا أنّ عمومات نصوص المقام إذا

دلّت علي عدم جواز تملّك لقطة الحرم عند اليأس عن معرفة مالكها بعد التعريف تدل علي ذلك في المقام بالفحوي.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 9- ص 362- ح 6.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 351- ب 2- ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 198

مسألة 7: الدرهم هو الفضّة المسكوكة الرائجة في المعاملة

و هو و إن اختلف عياره بحسب الأزمنة و الأمكنة إلّا أنّ المراد (1) هنا ما كان علي وزن اثنتي عشرة حمّصة و نصف حمّصة و عشرها. و بعبارة أخري نصف مثقال و ربع عشر المثقال بالمثقال الصيرفي الذي يساوي أربع و عشرين حمّصة معتدلة. فالدّرهم يقارب نصف ريال عجميّ و كذا ربع روپية إنگليزية.

______________________________

(1) قال الشهيد في الذكري: «كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل «1»». و وافقه في المستمسك فقال: «إنّ الدرهم نصف مثقال شرعي و خمسه» و عليه فإنّهما قدّرا الدرهم بسبعة أعشار المثقال «10/ 7».

و يستفاد من النصوص أنّ مقدار الدرهم ستّة دوانيق و مقدار كلّ دانق اثنا عشر حبّة.

منها: ما رواه سليمان بن حفص المروزيّ قال: قال أبو الحسن موسي بن جعفر (ع): «الغسل بصاع من ماء و الوضوء بمدّ من ماء و صاع النّبيّ خمسة أمداد و المدّ وزن مأتين و ثمانين درهما و الدّرهم وزن ستّة دوانيق و الدّانق وزن ستّة حبّات و الحبّة وزن حبّتي الشّعير من أوسط الحبّ لا من صغائره و لا من كبائره «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6- ص 101.

(2) الوسائل/ ج 1- ص 338- ب 50- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 199

______________________________

و أيضا تدلّ علي ذلك رواية حبيب الخثعمي إلّا أنّ فيها كون الدرهم في عهد النبي خمسة دوانيق.

و هي ما رواه حبيب الخثعمي: «أنّ أبا

عبد اللّه جعفر بن محمّد (ع) سئل عن الخمسة في الزّكاة من المائتين كيف صارت وزن سبعة و لم يكن هذا علي عهد رسول اللّه (ص)؟ فقال (ع): «إنّ رسول اللّه (ص) جعل في كلّ أربعين أوقية فإذا حسبت ذلك كان علي وزن سبعة و قد كانت وزن ستة، كانت الدّراهم خمسة دوانيق.

فقال له عبد اللّه بن الحسن: من أين أخذت هذا؟ قال: قرأت في كتاب أمّك فاطمة «1»».

فعلي أيّ حال لا إشكال في كون مقدار الدرهم ستة دوانيق و كلّ دانق اثنتا عشرة حبّة شعير معتدلة. و عليه فالدرهم يساوي اثنين و سبعين حبّة شعير. و لمّا كان كلّ مثقال مأة و عشرين شعيرا فيكون مقدار الدهم ستّة أعشار المثقال «10/ 6». و هذا مخالف لما ذهب اليه الشهيد و ما قال به في المستمسك. و لا بدّ لهذا الموضوع من فحص أكثر من ذلك و نحيله إلي محلّه. و قد بحث عن ذلك في زكاة الذهب و الفضة و زكاة الفطرة و الغلّات و في المقدار المستحب من ماء الوضوء، فراجع.

و أمّا الدينار فمقداره يعادل مثقالا شرعيا و ذلك لدلالة النصوص حيث عبّر فيها عن كلّ منهما بالآخر.

ففي صحيح الحسين بن بشار عن أبي الحسن (ع) قال:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6- ص 100- ب 4- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 200

مسألة 8: المدار في القيمة مكان الالتقاط و زمانه في اللّقطة، و في الدرهم.

فان وجد شيئا في بلاد العجم مثلا و كان قيمته في بلد الالتقاط (1) و زمانه أقلّ من نصف ريال أو وجد في بلاد تكون الرائج فيها الروپية و كان قيمته أقلّ من ربعها جاز تملّكه في الحال و لا يجب تعريفه.

______________________________

«في الذّهب في كلّ عشرين دينارا نصف

دينار فإن نقص فلا زكاة «1»».

و في موثّق علي بن عقبة و عدّة من أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (ع) قالا: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذّهب شي ء فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلي أربعة و عشرين». «2»

(1) مقصوده (قده) من بلد الالتقاط هو البلد الذي وجد فيه الشي ء. و أمّا دليل ذلك ظهور النصوص حيث إنّ القيمة الفعلية عند أهل العرف تكون بحسب قيمة بلد الالتقاط. و إنّ ظاهر النصوص ضمان اللّقطة بما لها من القيمة الفعلية المتعارفة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6- ص 92- ب 1- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 6- ص 93- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 201

مسألة 9: يجب التعريف فيما لم يكن أقلّ من الدرهم فورا (1) علي الأحوط.

نعم لا يجوز التسامح و الإهمال و التساهل فيه فلو أخّره كذلك عصي إلّا مع العذر و علي أيّ حال لم يسقط التعريف.

______________________________

(1) الكلام في فوريّة وجوب تعريف اللقطة 1- إنّ وجوب التعريف فورا بدليل ظهور نصوص المقام في وجوب تعريف اللّقطة من حين التقاطها. و ليس هذا لأجل ظهور صيغة الأمر في الفورية حتّي يشكل بعدم ظهورها فيها. و لا لأجل ظهور قوله (ع): «يعرّفها سنة» لأنّ ظاهره كون السّنة ظرفا للتعريف من دون نظر إلي زمان شروعه فمن هنا لا دلالة له علي وجوب التعريف من حين الالتقاط إلي سنة و إلّا لكان المناسب أنّ يقول: «يعرّفها إلي سنة» لدلالة انتهاء الغاية علي كون ابتداء الغاية من حين الالتقاط.

بل إنّما تكون فورية وجوب التعريف لأجل أنّه يتحقق من حين الالتقاط علي وجه أحسن و آثر. حيث إنّ صاحب المال أذكر بموضعه و مكانه في ابتداء زمان فقدانه. و كلّ ما مضي منه الزمان

تغيب خصوصيات المال و مكانه عن ذهنه أكثر من السابق. و هذا أمر طبيعي عادي و مرتكز بين أهل العرف. و هذه القرينة المقامية كافية لظهور النصوص في وجوب التعريف من

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 202

مسألة 10: قيل: لا يجب التعريف إلّا إذا كان ناويا للتملّك بعده

و الأقوي وجوبه مطلقا (1) و إن كان من نيّته ذلك أو التصدّق أو الحفظ لمالكها أو غير ناو لشي ء أصلا.

مسألة 11: مدّة التعريف الواجب سنة كاملة.

و لا يشترط فيها التوالي (2) فإن عرّفها في ثلاثة شهور في سنة علي نحو يقال في العرف

______________________________

حين الالتقاط. و هذا ثابت بدلالة الاقتضاء.

و إذا ثبت كون مبدأ التعريف من حين الالتقاط إلي سنة، تثبت الفورية قهرا.

(1) و ذلك لعدم اشتراط وجوب التعريف في النصوص بنية التملّك. بل إنّما فرّع فيها جواز التملّك علي التعريف و عدم مجي ء صاحبه. فالتفريع من جانب جواز التملّك لا من جانب التعريف و هذا واضح لمن شاهد النصوص.

(2) في مدّة التعريف و اشتراط التّوالي فيه 2- أمّا أصل وجوب التعريف سنة كاملة فلا ريب في دلالة النصوص عليه كما سبق ذكرها. و قد حملنا ما دلّ «1» علي توقيته بثلاثة أيّام علي صورة اليأس عن معرفة المالك.

______________________________

(1) و هو صحيح أبان بن تغلب راجع الوسائل/ ج 17- ص 350- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 203

إنّه عرّفها في تلك المدّة ثم ترك التعريف بالمرّة ثم عرّفها في سنة أخري ثلاثة شهور، و هكذا الي أن كمل مقدار سنة في ضمن أربع سنوات مثلا كفي في تحقق التعريف- الذي هو شرط لجواز التملّك و التصدق- و سقط عنه ما وجب عليه و إن كان عاصيا في تأخيره بهذا المقدار إن كان بدون عذر.

______________________________

و أمّا توالي التعريف و اتصال دفعاته فيمكن استفادته من ظاهر قوله:

«تعرّفها سنة»، بتقريب أنّ عناوين الزمان- مثل اليوم و الشهر و السنة- المأخوذة في الموضوعات الأحكام في النصوص تكون ظاهرة في الاتّصال عرفا، و من هنا استظهر توالي ثلاثة أيّام في أقلّ

الحيض من نصوصه. و عليه فالسّنة المذكورة في نصوص المقام ظاهرة في المتّصلة منها لأنّها هي المتعارفة المنسبقة إلي أذهان أهل العرف من إطلاق لفظ السّنة. فلا يمكن القول بإطلاق قوله: «تعرّفها سنة» لمنع هذا الظهور عن انعقاد الإطلاق. و من هنا لا تصحّ دعوي شمول السنة المذكورة في نصوص المقام للسنة المنفصلة بأن يصير مجموع التعاريف- الواقعة في الشهور المنفصلة في ضمن أربع سنوات- معادل سنة واحدة. هذا مضافا إلي أنّ الجهة التي ذكرناها في بيان استظهار فورية وجوب التعريف من النصوص تقتضي اتصال سنة التعريف أيضا.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 204

مسألة 12: لا يعتبر في التعريف مباشرة (1) الملتقط

بل يجوز استنابة الغير مجّانا أو بالأجرة مع الاطمئنان بإيقاعه. و الظاهر أنّ اجرة التعريف علي الملتقط (2) إلّا إذا كان من قصده أن يبقي بيده و يحفظها لمالكه. فإنّ في كون الأجرة علي المالك أو عليه تردّدا و الأحوط التصالح.

______________________________

(1) و ذلك لأن التعريف ليس من الأفعال التكوينية الّتي لا تقبل الاستنابة كالأكل و الشرب و غيرهما ممّا تعتبر المباشرة في إسنادها إلي الفاعل، بل يكون من قبيل البيع و الشراء ممّا لا تعتبر المباشرة في إسنادها إلي الفاعل. بل يصحّ إسناده إلي غير المباشر الذي صدر الفعل عن المباشر بأمره و إرادته. و في المقام يسند تعريف النائب و الأجير إلي المستنيب و الموجر عرفا.

(2) اجرة التعريف علي الملتقط أو علي المالك؟ 2- لأنّ الملتقط إذا كان من قصده تملّك اللقطة- و لو في طول التعريف و اليأس عن معرفة المالك- لا يصدق عليه عنوان المحسن بخلاف ما إذا التقطه بنيّة حفظ المال و إيصاله إلي المالك فقط من دون قصد التملّك أصلا. فلا إشكال في

صدق عنوان المحسن عليه حينئذ و لا سبيل عليه بتحميل خسارة مخارج حفظ المال و غرم إيصاله إلي المالك عليه. نعم لا يجوز له أخذ الأجرة

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 205

______________________________

علي فعل الحفظ و الإيصال- ما دام لم يتحمّل المخارج- و ذلك لعدم ورود الخسارة عليه بمجرّد العمل حتّي يكون عدم دفع الأجرة إليه من قبيل السّبيل علي المحسن.

هذا كلّه في عدم جواز تحميل مخارج الحفظ و الإيصال علي الملتقط.

و أمّا كونها علي المالك أو علي غيره- كالحاكم يأخذها من بيت المال-، فالظاهر أنّها علي المالك. و ذلك للنصوص المجوّزة لاستخدام الجارية اللقيطة قبال إنفاقها «1» و ما دلّ علي جواز أخذ مخارج حفظ الطّفل اللّقيط من أمواله بعد ما كبر «2» و ما دلّ علي جواز الانتفاع من ظهر الدّابّة المرهونة و من لبنها قبال نفقة علفها و حفظها «3». و المقام و إن يغاير موارد النصوص من بعض

______________________________

(1) مثل ما رواه محمد بن أحمد قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن اللّقيطة فقال:

لا تباع و لا تشتري و لكن تستخدمها بما أنفقت عليها». الوسائل/ ج 17- ص 372- ح 4.

(2) مثل ما رواه حاتم بن إسماعيل المدائني عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

«المنبوذ حرّ فإن أحبّ أن يوالي غير الذي ربّاه والاه فإن طلب الذي ربّاه النّفقة و كان موسرا ردّ عليه». الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 2.

و ما رواه عبد الرّحمن العرزميّ عن أبي عبد اللّه (ع) عن أبيه (ع) قال: «المنبوذ حرّ فإذا كبر فإن شاء توالي إلي الذي التقطه و إلّا فليردّ عليه النّفقة فليذهب فليوال من شاء». الوسائل/ ج 17- ص 371-

ب 22- ح 3.

(3) مثل صحيحة أبي ولّاد قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرّجل يأخذ الدّابّة و البعير رهنا بماله إله أن يركبه؟ قال: فقال (ع): إن كان يعلفه فله أن يركبه». الوسائل/ ج 13- ص 134- ب 12- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 206

مسألة 13: لو علم بأنّ التعريف لا فائدة فيه أو حصل له اليأس من وجدان مالكها قبل تمام السنة

سقط و تخيّر (1) بين الأمرين في لقطة الحرم و الأحوط ذلك في لقطة غيره أيضا.

______________________________

الجهات و لكن لا فرق بينهما من جهة الملاك حيث لا خصوصية لموارد النصوص. هذا مضافا إلي موافقة ذلك لسيرة العقلاء حيث إنّهم لا يحمّلون مخارج حفظ المال و إيصاله علي الملتقط. و عليه فلا وجه للتردّد في ذلك و الاحتياط بالتصالح ظاهرا.

(1) حكم اليأس عن المالك قبل تمام التعريف 1- قلنا سابقا إنّ مقتضي مدلول النصوص الواردة في لقطة الحرم عدم جواز تملّكها بعد التعريف و اليأس و تدلّ بالفحوي علي عدم جواز تملّكها عند عدم التعريف- و لو لأجل عدم القابلية له- هذا مضافا إلي مقتضي الأصل اللّفظي من حرمة التصرف في مال الغير.

نعم خصوص مقدار الدينار يجوز تملّكه لو لم يكن قابلًا للتعريف و ذلك بدلالة النص المخصّص للعمومات المذكورة.

و قد يقال: إنّ عدم جواز تملّك اللّقطة يختصّ بصورة إمكان معرفة

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 207

مسألة 14: لو تعذّر التعريف في أثناء السنة انتظر لرفع العذر

و ليس عليه بعد ارتفاع العذر استئناف السنة بل يكفي تتميمها (1).

______________________________

المالك و من هنا لا مانع من التملّك إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف.

و فيه: إنّ مع العلم بكون اللّقطة للغير يدخل تصرفها في عمومات حرمة التصرف في مال الغير فالأصل اللّفظي يقتضي عدم جواز تملّكها و لا عموم في نصوص اللقطة يدلّ علي جواز تملّكها مطلقا- حتي في صورة عدم التعريف- و عليه فمقتضي العمومات العامة الدالّة علي حرمة التصرف في مال الغير و ظاهر النصوص الناهية عن تملّك لقطة الحرم عدم جواز تملّكها مطلقا حتي فيما إذا لم تكن قابلة للتعريف.

نعم يمكن القول بجواز تملكها في غير الحرم عند عدم القابلية للتعريف و ذلك

لدلالة نصوصها علي جواز تملّكها بعد التعريف و اليأس عن معرفة مالكها. و المفروض أنّ اليأس عن معرفته حاصل حينئذ من أوّل الأمر. بل لا يبعد القول فيها أيضا بعدم الجواز و ذلك لخروج خصوص اليأس الحاصل بعد التعريف عن عمومات حرمة التصرف في مال الغير، فيبقي الباقي تحتها- و هو صورة عدم التعريف و لو لأجل عدم القابلية.

(1) لأن الواجب تعريفها خلال سنة واحدة من حين التقاطها كما قلنا آنفا.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 208

مسألة 15: لو علم بعد تعريف سنة أنّه لو زاد عليها عثر علي صاحبه،

فهل يجب عليه الزيادة إلي أن يعثر عليه أم لا؟ وجهان (1):

أحوطهما الأوّل خصوصا إذا علم بعثوره مع زيادة يسيرة.

مسألة 16: لو ضاعت اللّقطة من الملتقط و وجدها شخص آخر لم يجب عليه التعريف

بل يجب (2) عليه إيصالها إلي الملتقط الأوّل. نعم لو

______________________________

(1) و لكن أقواهما الثاني و ذلك أوّلا: لظهور تحديد التعريف بالسنة في النصوص في نفي وجوبه أزيد منها. و ثانيا: بدلالة قوله: «يعرّفها سنة فإن جاء لها طالب و إلّا فهي كسبيل ماله» في صحيح الحلبي و غيره «1»، فإنّه ظاهر بإطلاقه في جواز تملّك اللقطة بعد تعريف السنة و عدم مجي ء صاحبها و لو لم ييأس اللّاقط من الظّفر علي مالكه. و لازم ذلك عدم وجوب تعريفها أزيد من سنة مطلقا حتّي في فرض الكلام.

(2) في وظيفة الملتقط الثاني 2- لا وجه لوجوب إيصالها إلي الملتقط الأوّل لأنه ملتقط بنفسه و تشمله عمومات وجوب التعريف. فلذا يجب عليه التعريف بمجرّد الالتقاط إلّا أن يعلم أنّ الملتقط الأوّل يعمل بوظيفته فيجوز حينئذ إيصالها إليه كما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 349- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 209

لم يعرفه وجب عليه التعريف سنة طالبا به المالك أو الملتقط الأوّل فأيّا منهما عثر عليه يجب دفعها إليه من غير فرق بين ما كان ضياعها من الملتقط قبل تعريفه سنة أو بعده.

______________________________

يجوز دفعها إلي أيّ شخص يطمئنّ بأنّه يعرّفها. و أمّا إذا جهل بحاله لا يجوز إيصالها إليه لأنّ التعريف يجب علي نفسه بمقتضي عموم النصوص. و عليه لو علم أنّ الملتقط الأوّل عرّفها فان كان زمان تعريفه أقلّ من سنة يجب علي الثاني تكميله لو لم يطمئن بأنّه يعمل بالوظيفة و إلّا جاز دفعها إلي الأوّل كما في التعريف الابتدائي.

و أمّا

لو علم بأنّ الملتقط الأوّل عرّفها سنة كاملة فيجب عليه إيصال اللّقطة إليه لو عرفه، و ذلك لأنّه استحقّ بتعريفها الكامل تملّكها. و أمّا إذا لم يعرفه فهل يجب عليه حينئذ التعريف أو هو مخير بين التملّك و التصدّق و الحفظ- علي التفصيل السابق- فالظاهر عدم وجوب التعريف حينئذ. حيث إنّ المفروض أنّها قد عرّفت سنة كاملة بعد ضياعها عن مالكها و أنّ الملتقط الأوّل لم يملكها بمجرّد التعريف حتي يصير بذلك مالكا جديدا فيجب علي الملتقط الثاني أيضا تعريفها إلي سنة كاملة بمقتضي عمومات التعريف، بل إنّما استحقّ بذلك تملّكها. فهو خارج عن عمومات وجوب تعريف اللقطة المملوكة للغير.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 210

مسألة 17: إذا كانت اللقطة ممّا لا تبقي لسنة

كالطبيخ و البطّيخ و اللحم و الفواكه و الخضروات جاز أن (1) يقوّمها علي نفسه و يأكلها و يتصرّف فيها أو يبيعها من غيره

______________________________

(1) حكم ما لا بقاء له 1- و ذلك لما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ أمير المؤمنين (ع) سئل عن سفرة وجدت في الطّريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكّين.

فقال أمير المؤمنين (ع): يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد و ليس له بقاء فإن جاء طالبها غرموا له الثّمن «1»».

هذه الرواية موثّقة لأجل وقوع النوفلي و السكوني في طريقها. و هي صريحة في جواز الأكل بعد التقويم. و يدلّ تعليله (ع) بأنّه يفسد و ليس له بقاء علي جواز تصرّف كلّ لقطة يكون في معرض التلف أو الفساد علي وجه التضمين. و ممّا يدلّ علي ذلك أيضا مرسل الفقيه قال: قال

الصادق (ع): «إن وجدت طعاما في مفازة فقوّمه علي نفسك لصاحبه ثمّ كله فإن جاء صاحبه فردّ عليه القيمة «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 372- ب 23- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 351- ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 211

و يحفظ ثمنها لمالكها. و الأحوط (1) أن يكون بيعها بإذن الحاكم مع الإمكان، و إن كان الأقوي عدم اعتباره. و الأحوط حفظها إلي آخر زمان الخوف من الفساد بل وجوبه (2) لا يخلو من قوّة. و كيف كان لا يسقط التعريف (3) فيحفظ خصوصياتها و صفاتها

______________________________

(1) هذا الاحتياط استحبابي لكونه مسبوقا بالفتوي بجواز بيعها مطلقا- سواء أذن الحاكم أم لا. و لكن لا وجه للرجوع إلي الحاكم بعد ما صدر الإذن العامّ من الامام (ع) بجواز التقويم و الأكل. اللّهم إلّا أن يقال إنّما جوّز الامام (ع) التقويم و الأكل و هما غير البيع فإنّه تصرّف في مال الغير يحتاج إلي إذن الامام (ع) فاذا لم يستفاد من الموثقة لا بدّ من إذن الحاكم النائب منابه (ع). و لكن الإنصاف لا إشكال في دلالتها علي جواز البيع بالملازمة بل الفحوي فاذا جاز التقويم و الأكل جاز بيعها و حفظ ثمنها لمالكها قطعا.

(2) لا وجه لوجوب حفظها بعد ما جوّز الامام (ع) أكلها تضمينا من ابتداء زمان الالتقاط إلّا أن يقال إنّ تعليله (ع) بالفساد و عدم البقاء يقتضي وجوب الصبر حتي يقرب زمان فساده. و لكنّه غير وجيه لظهور كلامه (ع) في كفاية الفساد و عدم البقاء الشأني في جواز التقويم و الأكل بأن يصدق أنّ الشي ء ممّا يفسد و لا يبقي عادة.

(3) إنّ وجوب التعريف خلاف ما دلّت عليه

الموثّقة المزبورة من

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 212

قبل أن يأكلها أو يبيعها ثم يعرّفها سنة فان جاء صاحبها و قد باعها دفع ثمنها إليه و إن أكلها غرمها بقيمتها. و إن لم يجي ء فلا شي ء عليه.

مسألة 18: يتحقق تعريف سنة بأن يكون في مدّة سنة متوالية (1) أو غير متوالية مشغولا بالتعريف

بحيث لم يعدّ في العرف متسامحا متساهلا في الفحص عن مالكه بل عدّوه فاحصا عنه في هذه المدّة. و لا يتقدّر ذلك بمقدار معيّن بل هو أمر عرفي. و قد نسب إلي المشهور تحديده بأن يعرّف في الأسبوع الأوّل في كلّ يوم مرّة ثم في بقيّة الشهر في كلّ أسبوع مرّة و بعد ذلك في كل شهر مرّة. و الظاهر أنّ المراد بيان أقلّ ما يصدق عليه تعريف سنة عرفا. و مرجعه إلي كفاية بضع و عشرين مرّة بهذه الكيفية. و فيه اشكال من جهة الإشكال في كفاية كلّ

______________________________

إطلاق جواز التقويم و التصرّف و إلّا لكان المناسب أنّ يعلّق ذلك علي التعريف المناسب له كما علّق عليه جواز التملّك في سائر أفراد اللّقطة أو يأمر بتعريفه بعد ذلك. اللّهم إلّا أن يقال بكفاية تغريم الواجد ثمنه و أمره بدفعه إلي مالكه عند مجيئه في الدّلالة علي ذلك نظرا إلي كون ذلك بعد التعريف، كما في سائر نصوص المقام.

(1) مرّ سابقا أنّه يعتبر توالي سنة التعريف، لظهور عناوين الأزمنة في الاتّصال كما مرّ.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 213

شهر مرّة في غير الشهر الأوّل. و الظاهر كفاية كلّ أسبوع مرّة إلي تمام الحول. و الأحوط (1) أن يكون في الأسبوع الأوّل كلّ يوم مرة.

مسألة 19: محلّ التعريف مجامع الناس (2) كالأسواق و المشاهد

و محلّ إقامة الجماعات و مجالس التعازي و كذا المساجد حين اجتماع الناس فيها و إن كره ذلك فيها فينبغي أن يكون علي أبوابها حين دخول الناس فيها أو خروجهم عنها.

______________________________

(1) هذا الاحتياط استحبابي لكونه مسبوقا بكفاية التعريف في كلّ أسبوع مرّة مطلقا. ثم انه لم يدلّ نصّ خاصّ علي تحديد دفعات مقدار التعريف بل الملاك صدق تعريف سنة

متوالية من حين التقاطها و في صدقه علي كل شهر غير الشهر الأوّل مشكل. مضافا إلي أنّ المرجع عند الشك قاعدة الاشتغال فيجب في كل أسبوع مرّة إلي آخر السنة.

(1) محل التعريف

(2) و ذلك لتوقف التعريف علي ذلك عادة. مضافا الي الأمر به في بعض نصوص المقام كقوله (ع) في صحيح يعقوب بن شعيب: «يعرّفها سنة في كلّ مجمع «1»» و قوله (ع) لسعيد بن عمر الجعفي: «يا سعيد اتّق اللّه عزّ و جلّ و عرّفه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 9- ص 361- ب 28- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 214

مسألة 20: يجب أن تعرّف اللّقطة في موضع الالتقاط (1)

مع احتمال وجود صاحبها فيه إن وجدها في محل متأهّل من بلد أو قرية أو نحوهما. و لو لم يقدر علي البقاء لم يسافر بها بل استناب شخصا أمينا ثقة ليعرّفها. و إن وجدها في المفاوز و البراري و الشوارع و أمثال ذلك عرّفها لمن يجده فيها حتي أنّه لو اجتازت قافلة تبعهم و عرّفها فيهم فان لم يجد المالك فيها أتمّ التعريف في غيرها من البلاد أيّ بلد شاء ممّا احتمل وجود صاحبها فيه. و ينبغي أن يكون في أقرب البلدان إليها فالأقرب مع الإمكان.

مسألة 21: كيفية التعريف أن يقول المنادي: من ضاع له ذهب أو فضّة أو ثوب؟

و ما شاكل ذلك من الألفاظ بلغة يفهمها الأغلب. و يجوز أنّ يقول «من ضاع له شي ء أو مال؟»، بل ربما قيل: إنّ ذلك أحوط و أولي. فإذا ادّعي أحد ضياعه سأله عن خصوصياته و صفاته و علاماته

______________________________

في المشاهد «1»». و أمّا وجه كراهة التعريف في المساجد فلأنّها محلّ العبادة لا الاشتغال بالأمور الدنيوية كما يستفاد من بعض النصوص.

(1) و ذلك لتوقّف التعريف علي الإتيان به في محلّ الالتقاط. حيث إنّ صاحب المال يرجع إليه عقيب ماله عادة. و يدلّ علي ذلك قوله (ع) في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 356- ب 6- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 215

______________________________

رواية أبان بن تغلب: «صر إلي المكان الذي أصبت فيه فعرّفه «1»».

و لا فرق في ذلك بين الليل و النهار- كما قيل- فإنّ المعتبر في محل التعريف أحد أمرين: أحدهما: احتمال رجوع المالك إليه. و الآخر: اجتماع النّاس و حضورهم فيه لأيّ غرض حتّي يتحقّق التعريف. و ربما يتفق ذلك في اللّيل أيضا.

نعم لو سقط المال من المالك غفلة في الصحاري و الشوارع العامّة بحيث يعلم عادة

أنّه لا يعلم مكان السقوط حتّي يرجع إليه عقيب ماله، لا يجب كون التعريف في مكان الالتقاط حينئذ و يجوز الاكتفاء بالتعريف في المشاهد و أقرب المجامع إلي ذلك المكان و لكن توجد الأمارة غالبا في موارد احتمال رجوع المالك إلي مكان الالتقاط، من رماد النّار و بقية المأكول و سائر آثار الجلوس. و عليه كلّما وجدت أمارة دالّة علي رجوع صاحب المال إلي مكان الالتقاط يجب تعريف اللقطة فيه و لكن لا يجوز الإكتفاء به و ذلك لان صاحب المال إذا رجع اليه و لم يجد ماله هناك يرجع عقيب ماله عادة إلي أقرب المجامع من ذلك المكان و يفحص. و من هنا يجب التعريف في المجامع و القري القريبة إلي مكان الالتقاط علي أيّ حال. هذا مضافا إلي عموم قوله في صحيح يعقوب بن شعيب: «يعرّفها سنة في كلّ مجمع». إلّا إذا لم يحتمل تأثيرا في التعريف في غير مكان الالتقاط.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 350- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 216

من وعائه و خيطه و صنعته و أمور يبعد اطّلاع غير المالك عليه من عدده و زمان ضياعه و مكانه و غير ذلك. فاذا توافقت الصّفات و الخصوصيّات التي ذكرها الخصوصيّات الموجودة في ذلك المال فقد تمّ التعريف. و لا يضرّ جهله (1) ببعض الخصوصيات التي لا يطّلع عليها المالك غالبا و لا يلتفت إليها إلّا نادرا. ألا تري أنّ الكتاب الذي يملكه الإنسان و يقرؤه و يطالعه مدّة طويلة من الزمان لا يطّلع غالبا علي عدد أوراقه و صفحاته؟ فلو لم يعرف مثل ذلك لكن وصفه بصفات و علامات أخر لا تخفي علي المالك كفي في

تعريفه و توصيفه.

مسألة 22: إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف

بأن لم تكن لها علامة و خصوصيات ممتازة عن غيرها حتّي يصف بها من يدّعيها و يسأل عنها الملتقط- كدينار واحد من الدنانير المتعارفة غير مصرور و لا مكسور-

______________________________

(1) لان المعتبر في تماميّة التعريف و جواز دفع اللّقطة إلي الطالب حصول الاطمئنان النوعي بكونها له و ان لم يطمئنّ شخص الملتقط بأنّها للطالب. و ذلك لاستقرار سيرة العقلاء علي ذلك. و يظهر من نصوص المقام أنّ المدار في وجوب دفع اللقطة إلي طالبها معرفة الملتقط صاحب المال عادة و حسب المتعارف. و بعبارة أخري يكون ذكر خصوصيات المال و علائمه في هذه الموارد أمارة عرفية علي كون المال لمن ذكرها.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 217

سقط التعريف. و حينئذ هل يتخيّر بين الأمور الثلاثة المتقدّمة من دون تعريف أو يعامل معه معاملة مجهول المالك فيتعيّن التصدّق به؟ وجهان أحوطهما الثاني (1)

______________________________

(1) حكم ما ليس قابلًا للتعريف 1- هذا الاحتياط وجوبي لعدم فتوي الماتن «قده» بالتخيير بين الأمور الثلاثة التي منها جواز تملّكها. و أمّا وجه كونها في حكم مجهول المالك و عدم جواز تملّكها احتياطا ما دلّ من العمومات علي حرمة التصرف في مال الغير بغير طيب نفسه و سائر عمومات حرمة الغصب و إنّما خرج منها صورة اليأس عن معرفة مالكه بعد التعريف في غير لقطة الحرم فيبقي باقي صور الالتقاط تحت عمومات المنع. نعم وردت روايتان دلّتا علي جواز تملّك مقدار الدينار الواحد إذا لم يكن قابلًا للتعريف.

أحدهما: مرسل الفقيه عن الصادق (ع) قال: «فإن وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرّفه «1»». المراد من المطلس هو الممسوح المنسحق كتابته.

و الآخر خبر الفضيل بن غزوان

قال: «كنت عند أبي عبد اللّه (ع) فقال له الطّيّار:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 351- ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 218

______________________________

إنّي وجدت دينارا في الطّواف قد انسحق كتابته. قال (ع): هو له». «1»

و دلالتهما علي جواز تملّك مقدار الدينار الواحد إذا لم يكن قابلًا للتعريف واضح. و ذلك لأنّ انسحاق كتابة الدينار في خبر الفضيل و طلسه في مرسل الفقيه إشارة إلي محو علائمه و آثاره و عدم قابليته للتعريف، بل ظاهرهما حصول التمليك القهري بمجرد الالتقاط. لظهور اللّام في قوله: «هو له» في الملكية و لكنهما ضعيفان سندا أمّا المرسل فلإرساله و إن كان من جوازم مرسلات الصدوق. و أما خبر الفضيل فللجهل بحاله حيث لم يوثّق و ليس من المعاريف. نعم وثّقه ابن حجر العسقلاني علي ما في جامع الرواة إلّا أنّ ابن حجر من علماء العامة و مشايخهم و توثيقهم ليس بشي ء إلّا أن تثبت وثاقة الموثّق منهم بالخصوص مثل بعض رواة أحاديثنا المتّفق علي وثاقته و ليس ابن حجر من هذا القبيل. و أمّا ما قال المحدث القمي في الكني و الألقاب:

«إنّه شيخ أهل الحديث و من كبار المجتهدين علي مذهب الشافعي له مصنفات مشهور في الحديث و الرجال»، فليس بمعني التوثيق. و عليه فالرّوايتان ضعيفتان سندا و لم يثبت عمل المشهور من القدماء بذلك حتّي ينجبر به ضعفهما بل لم أجد في موضع من الجواهر أن ينقل فتوي أحد بملكية الدينار الواحد غير القابل للتّعريف.

و عليه فاذا لم يكن قابلًا للتعريف و لم يجز تملّكه يترتّب عليه حكم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 9- ص 362- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 219

مسألة 23: إذا التقط اثنان لقطة واحدة

فإن

كان دون درهم جاز (1) لهما تملّكها في الحال من دون تعريف و كان بينهما بالتساوي. و ان كانت بمقدار درهم فما زاد وجب عليهما تعريفها و ان كانت حصّة

______________________________

مجهول المالك و هو التصدق. و ذلك لدخوله حينئذ تحت عموماته مثل معتبرة داود بن أبي يزيد.

رواها محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن موسي بن عمر عن الحجّال عن داود بن أبي يزيد عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

«قال رجل: إنّي قد أصبت مالا و إنّي قد خفت فيه علي نفسي و لو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلّصت منه. قال: فقال له أبو عبد اللّه (ع): و اللّه إن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ قال: إي، فحلف. فقال (ع): فاذهب فاقسمه في إخوانك و لك الأمن ممّا خفت منه. قال: فقسّمته بين إخواني «1»».

(1) حكم ما لو التقط شخصان شيئا واحدا 1- وجه الجواز دلالة بعض النصوص علي جواز تملّك ما وجد من الأشياء الحقيرة التي لا طالب لها. مثل صحيح حريز عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

«لا بأس بلقطة العصا و الشّظاظ و الوتد و الحبل و العقال و أشباهه. قال: و قال أبو

______________________________

(1) الوسائل/ ج 9- ص 357- ب 7- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 220

كلّ منهما أقلّ من درهم (1) و يجوز أن يتصدّق للتعريف كلاهما أو

______________________________

جعفر (ع): ليس لهذا طالب «1»». فان المقصود من نفي البأس عن الالتقاط و الأخذ بمقتضي تناسب الحكم و الموضوع هو نفي حرمة التملّك و إلّا فجواز أصل الالتقاط معلوم و إنّما المتوهّم حرمته هو التملّك.

و أمّا وجه عدم جواز تملّك مقدار الدرهم و وجوب

تعريفه ما مرّ من ضعف سند الخبر الدّال علي الجواز و لا شهرة في البين حتّي ينجبر بها ضعفه فيدخل تحت عمومات حرمة التصرّف في مال الغير. و لكن هذا إذا كانت اللقطة مالا واحدا و أمّا إذا كانت مالين لشخص واحد مثل الحذاء أو أيّ مالين مستعملين معا بحيث لا يطلب المالك أحدهما وحده، فحينئذ بناء علي القول بجواز تملّك خصوص ما ليس له طالب- لتمامية دليله و عدم تمامية دليل جواز التملّك قدر الدرهم-، فلا يجوز تملّك واحد منهما لشي ء من المالين. و ذلك لفرض التقاطهما معا و أنّ المالك لا يعرض عنهما حينئذ بل هو يطلبهما معا و إن يعرض عن أحدهما وحده إذا لم يلتقط الآخر، و من هنا يجوز تملّك أحدهما إذا التقط وحده.

(1) لأن مورد سقوط التعريف و جواز التملّك هو لقطة ما دون الدرهم و هي في هذا الفرض زائد عن الدرهم و لا حصّة لهما منها حين الالتقاط حتي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 362- ب 12- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 221

أحدهما أو يوزّع الحول عليهما بالتساوي (1) أو التفاضل فان توافقا علي أحد الأنحاء فقد تأدّي ما هو الواجب عليهما و سقط عنهما و إن تعاسرا يوزّع الحول عليهما بالتساوي. و هكذا بالنسبة إلي أجرة التعريف- لو كانت عليهما. و بعد ما تمّ حول التعريف يجوز اتّفاقهما علي التملّك أو التصدق أو الإبقاء أمانة. و يجوز أن يختار أحدهما غير ما يختار الآخر بأن يختار أحدهما التملّك و الآخر التصدّق مثلا بنصفه. ثم إن تصدّي أحدهما لأداء تكليفه من التعريف و ترك الآخر عصيانا أو لعذر فالظاهر عدم جواز تملّك التارك

حصّته و أمّا المتصدّي فيجوز له تملّك حصّته (2) إن عرّفها سنة.

______________________________

تكون اللقطة ما دون الدرهم من هذه الجهة.

(1) و ذلك بحكم قاعدة العدل و الإنصاف المستقر عليها سيرة العقلاء في أيّ مال لعدّة ذوي سهام متساوية.

(2) أي حصّة نفسه لا شريكه التارك للتعريف حيث انه لا حصّة له أصلا قبل التعريف لان استحقاق التملّك إنّما يحدث بعد التعريف لا قبله اللّهم إلّا أن يكون إطلاق الحصّة بلحاظ ما ثبت له من الاستحقاق الشأني لذلك بنفس الالتقاط لا الفعلي الحاصل بعد التعريف.

و اما حصّة شريكه فالظاهر جواز تملكها لمتصدّي التعريف بمقتضي إطلاق نصوص المقام. لأن المفروض أنّ الشريك لم يعرّفها حتّي يستحقّ

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 222

و الأحوط لهما في صورة التوافق علي التوزيع أن ينوي كلّ منهما التعريف عنه و عن صاحبه و إلّا فيشكل (1) تملّكهما. و كذا في صورة التوافق علي تصدّي أحدهما أن ينوي عن نفسه و عن صاحبه.

مسألة 24: إذا التقط الصبي و المجنون فما كان دون درهم ملكاه

إن قصد وليّهما تملّكهما (2) و أمّا تأثير قصدهما في ذلك فمحلّ إشكال بل منع و ما كان مقدار درهم و ما زاد يعرّف و كان التعريف علي

______________________________

بذلك تملّكها فلا مانع من تملّكها لمتصدّي التعريف.

(1) و ذلك لأنّ استحقاق التملّك إنّما هو ثابت بمقتضي النصوص لمن عرّف سنة كاملة فلا بدّ من نيّة كلّ منهما لنفسه و لصاحبه حتي يصدق أنّ كلّا منهما عرّفها سنة كاملة.

(2) حكم التقاط الصبي أو المجنون 2- لا اعتبار لقصد التملّك بناء علي استظهار ملكية ما دون الدرهم للملتقط بالأخذ قهرا. و علي فرض اعتبار القصد فيكفي قصد الوليّ لعموم ما دلّ علي ولايته علي الصبي في جميع شئونه من أفعاله و أمواله.

و أمّا قصد الصّبي و المجنون نفسهما فلا تأثير له في التملّك و ذلك لإلغاء نفوذه بمقتضي عموم النصوص النافية لنفوذ ما يصدر عنهما من الأفعال و الأقوال.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 223

وليّهما (1) و بعد تمام الحول يختار ما هو الأصلح (2) من التملّك لهما و التصدّق و الإبقاء أمانة.

مسألة 25: اللقطة في مدّة التعريف أمانة لا يضمنها الملتقط إلّا مع التعدّي أو التفريط.

و كذا (3) بعد تمام الحول إن اختار بقاءها عنده أمانة

______________________________

(1) لا علي الصبي حيث إنّه لا يتملّك اللّقطة بل إنّما يتملّك له الوليّ. و نصوص المقام قد دلّت علي وجوب تعريف اللقطة علي من يريد تملّكها.

فالتعريف واجب تكليفا علي الملتقط ان لم يقصد تملّك اللقطة. و إنّما يجب عليه وضعا إذا أراد تملّكها، بمعني أنّ جواز تملّكها مشروط بتعريفها سنة و إنّ الوجوب التكليفي منفيّ عن الصبي لرفع القلم عنه. و أمّا الوجوب الوضعي فهو و إن لا ينفي عنه إلّا أنّ نصوص المقام قد دلّت علي ثبوته لمن يقصد تملّك اللّقطة. و المفروض أنّ القاصد هو الولي دون الصبي. هذا بناء علي عدم كفاية قصد تملّك الصبي- كما قال في الوسيلة- و إلّا فالوجوب الوضعي المذكور ثابت في حقه أيضا.

(2) و ذلك لأن المنساق من أدلّة تشريع الولاية للوليّ رعاية مصلحة المولّي عليه.

(3) حيث إنّ الملتقط لا يريد في هاتين الصورتين إلّا حفظ اللّقطة لصاحبها و إيصالها إليه فهو أمين محسن فلا ضمان و لا سبيل عليه بخلاف ما

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 224

لمالكها و أمّا إن اختار التملّك أو التصدّق فإنّها تصير في ضمانه كما تعرّفه.

مسألة 26: إن وجد المالك و قد تملّكها الملتقط بعد التعريف،

فان كانت العين باقية أخذها و ليس له إلزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو القيمة (1) و كذا ليس له إلزام المالك بأخذ البدل. و ان كانت تالفة أو منتقلة إلي الغير ببيع و نحوه أخذ بدلها من الملتقط من المثل أو القيمة.

و ان وجد بعد ما تصدّق بها فليس له أن يرجع العين و ان كانت موجودة عند المتصدّق له. و إنّما له أن يرجع علي الملتقط و يأخذه منه

بدل ماله إن لم يرض بالتصدّق.

______________________________

إذا تملّكها أو تصدّق بها حيث إنّه تصرّف في مال الغير بدون طيب نفسه. فهو ضامن علي القاعدة. مضافا إلي دلالة نصوص المقام علي كون التملّك علي وجه التضمين و كون التصدّق علي وجه التغريم كما سيأتي ذكرها.

(1) حيث إنّه لا يجب علي الملتقط أزيد من ردّ عين ما أخذه بمقتضي قاعدة اليد كما سبق في الغاصب. فالواجب عليه ردّ عين اللّقطة فلا يجوز له إلزام المالك بأخذ البدل إلّا إذا تلفت العين أو انتقلت إلي الغير ببيع أو نحوه فيضمن المثل ذاكئذ في المثليات و القيمة في القيميّات.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 225

و إن رضي به لم يكن له الرجوع عليه و كان أجر (1) الصدقة له.

______________________________

(1) حكم ما لو وجد المالك بعد التصدق 1- كما صرّح بذلك في نصوص المقام.

فمنها: ما رواه في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال: «و سألته عن الرّجل يصيب اللّقطة فيعرّفها سنة ثمّ يتصدّق بها فيأتي صاحبها ما حال الذي تصدّق بها و لمن الأجر؟ هل عليه أن يرد علي صاحبها أو قيمتها؟ قال (ع): هو ضامن لها و الأجر له إلّا أن يرضي صاحبها فيدعها و الأجر له «1»».

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان عن الحسين بن كثير عن أبيه قال: «سأل رجل أمير المؤمنين (ع) عن اللّقطة فقال (ع): يعرّفها فإن جاء صاحبها دفعها إليه و إلّا حبسها حولا فإن لم يجي ء صاحبها أو من يطلبها تصدّق بها فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء اغترمها الذي

كانت عنده و كان الأجر له و إن كره ذلك احتسبها و الأجر له «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 352- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 349- ب 2- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 226

هذا إذا وجد المالك، و أمّا إذا لم يوجد فلا شي ء عليه في الصورتين (1).

مسألة 27: لا يسقط (2) التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلي الحاكم

و إن جاز (3) له دفعها إليه قبل التعريف و بعده، بل إن اختار التصدق بها بعد التعريف كان الأولي أن يدفعها إليه ليتصدّق بها.

______________________________

(1) و ذلك لمفهوم قوله (ع) في صحيح الحسين بن كثير- السابق آنفا-:

«فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده و إن كره ذلك احتسبها و الأجر له». فان مفهومه أنّه إذا لم يجي ء صاحبها لا شي ء علي المتصدّق. و كذا مثل هذه الشرطية ما في سائر نصوص المقام.

(2) لعدم كون التعريف من وظيفة الحاكم حيث توجّه وجوب التعريف إلي الملتقط بدلالة نصوص المقام لا إليه إلّا إذا اطمأنّ الملتقط بوجوب التعريف من جانب الحاكم فيسقط التعريف عنه حينئذ. و هذا لا يختصّ بالحاكم بل تسقط وظيفة التعريف عنه إذا دفع اللّقطة إلي أيّ شخص اطمأنّ بتعريفه.

(3) وجه جواز دفعها إلي الحاكم و أولويته للتصدّق، ولايته علي أموال الغيّب و ما لم يعلم مالكه.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 227

مسألة 28: لو وجد المالك و قد حصل للقطة نماء متّصل يتبع العين فيأخذها بنمائها

سواء حصل قبل تمام التعريف أو بعده و سواء حصل قبل التملّك أو بعده (1) و أمّا النماء المنفصل فان حصل بعد التملّك كان للملتقط. فاذا كانت العين موجودة يدفعها إلي المالك دون نمائها و إن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملك كان للمالك.

______________________________

(1) لو وجد المالك بعد النماء 1- ذلك لأنّ النماء المتّصل تابع للعين فيدخل تحت ضمان عين اللقطة بلا كلام فاذا كان الملتقط ضامنا لعينها يضمن نماءها المتصل قهرا. و هذا بخلاف المنفصل، لعدم كونه لقطة و إن كانت ملكيته تابعة لملكية اللّقطة. و حيث صارت اللّقطة ملكا للملتقط بعد تعريفها و قصد تملّكها فتكون نماؤها المنفصل ملكا

له بتبعها، و إن كانت ملكية اللقطة متزلزلة و لكن لا يرد اشكال من هذه الجهة و تكون من قبيل ملكية نماء المبيع المنفصل للبائع في البيع الخياري بعد الانفساخ. و من هنا يكون النماء المنفصل قبل تعريف اللقطة أو تملّكها من جانب الملتقط، ملكا للمالك.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 228

مسألة 29: لو حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط فعرّف العين حولا و لم يجد المالك فهل له تملّك النماء بتبع العين أم لا؟

وجهان أحوطهما الثاني بأن يعمل معه معاملة مجهول (1) المالك فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك.

______________________________

(1) بل هو الأقوي لما سبق آنفا من أنّ النماء المنفصل ملك لمالك الأصل و هو مجهول فيعامل مع نماء ملكه المنفصل معاملة مجهول المالك.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 229

ما وجد في الدّيار و الخرابات و جوف الحيوان و فروع مهمّة اخري

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 231

مسألة 30: ما يوجد مدفونا في الخربة الدّارسة التي باد أهلها في المفاوز و كلّ أرض لا ربّ لها

فهو لواجده (1) من دون تعريف.

______________________________

(1) حكم ما وجد في الخربة مطروحا أو مدفونا 1- مقصوده ظاهرا أنه لواجده من دون تعريف إذا علم أو ظنّ أنّه ليس لأهل زمانه، لأمارية خراب الأرض و الديار و دفن الشي ء فيهما و في المفاوز و الموات علي ذلك. و إلّا فيدخل في اللّقطة و ذلك بقرينة قوله: «و كذا ما كان مطروحا و علم أو ظنّ..». و عليه فلا خصوصية للدفن و خراب الدّار أو الأرض إلّا كونهما علامة عدم كون ما وجد لأهل زمان الواجد. و لذا لو كانت هذه العلامة في الشي ء المطروح عليها يدخل تحت ملك الواجد. فهذا التفصيل- أعني به بين ما كان وجد لأهل زمانه و ما لغيرهم- يأتي في كلّ من المدفون و المطروح بلا فرق، فما ليس لأهل زمانه يملكه و ما كان لأهل زمانه لقطة يجب عليه تعريفه. هذا بيان مقصود الماتن «قده». و أمّا نصوص المقام فلم يفرض في شي ء منها كون ما وجد في الخربة مدفونا فيها. نعم تشمله بالإطلاق.

فمن هذه النصوص:

ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن العلاء

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 232

______________________________

بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: «سألته عن الدّار يوجد فيها الورق. فقال (ع): إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالّذي وجد المال أحقّ به «1»».

و ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في حديث قال:

«و سألته عن الورق يوجد في دار. فقال (ع): إن كانت معمورة فهي لأهلها فإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت «2»».

و في مقابلها ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن صفوان عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: «قضي عليّ (ع) في رجل وجد ورقة في خربة أن يعرّفها فإن وجد من يعرّفها و إلّا تمتّع بها.. «3»».

هذه الرواية موثّقة لوقوع الحسن بن محمد بن سماعة في طريقها فإنه واقفي ثقة. و قد دلّت علي وجوب تعريف ما يوجد في الخربة مطلقا. و مقتضي الجمع بينها و بين صحيحي ابن مسلم أن تحمل علي صورة احتمال حضور المالك لعدم جلائه حيث لم يفرض فيها جلاء أهل الخربة بخلاف صحيح محمد بن مسلم.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 5- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 5- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 355- ب 5- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 233

______________________________

ثم إنّه يمكن القول بأنّ الموجود في الديار الخربة التي جلا عنها أهلها ملك لواجده مطلقا- سواء كان من أهل زمان الواجد أم لا- حيث إنّ جلاء أهلها لا يستلزم هلاكتهم و إلّا كان المناسب أن يقول: «باد أهلها».

نعم لو قلنا بأنّ المراد من الجلاء في نصوص المقام ليس ظاهره بل هي كناية عن انقراض أهل الدّيار الخربة و هلاكتهم بلحاظ كون خراب الدار المذكور فيها قرينة علي ذلك، فلا بدّ من التفصيل بين ما لو علم أو ظنّ بالعلائم أنّه للاقوام السّالفة المنقرضة و بين ما لو علم أو ظنّ أنّه لأهل زمان الواجد مطلقا سواء

كان مدفونا أو مطروحا. فعلي الأول يحكم بكونه للواجد بلا تعريف، من دون فرق بين المدفون و المطروح. و علي الثاني يحكم بكونه في حكم اللقطة بلا فرق أيضا بينهما فلا خصوصية للمدفون علي أيّ حال من جهة الملكية للواجد أو ترتّب حكم اللّقطة.

و قد يستدل علي جواز تملّك ما يوجد في المفاوز بصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض..

فهي له.. و إنّما هي مثل الشّي ء المباح «1»»، بلحاظ اشتمال صدرها علي المال الموجود في الفلاة. و لكن الاستدلال بها غير تامّ لأنّ المقصود من المال في هذه الصحيحة هو الدّابة و ذلك بقرينة المقابلة مع البعير و إرجاع الضمير

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 364- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 234

و عليه الخمس مع صدق الكنز (1) عليه كما مرّ في كتابه. و كذا لواجده ما كان مطروحا و علم أو ظنّ بشهادة بعض العلائم و الخصوصيات أنّه ليس لأهل زمن الواجد و أمّا ما علم أنّه لأهل زمانه فهو لقطة فيجب تعريفه إن كان بمقدار الدرهم فما زاد و قد مرّ أنّه يعرّف في أيّ بلد شاء.

______________________________

المؤنث. و إلّا كان المناسب أن يقول: «من أصاب مالا أو حيوانا» و أن يذكّر الضمير لأن مرجعه- و هو المال و البعير- مذكّر.

فعمدة الدليل في المقام صحيحا ابن مسلم المذكوران آنفا.

و أمّا صحيح أبي بصير عن أبي جعفر (ع): «من وجد شيئا فهو له فليتمتّع به حتّي يأتيه طالبه فإذا جاء طالبه ردّه إليه «1»». فإنّها و إن تشمل المقام بعمومها و لكنّها محمول علي ما دون الدرهم أو

الشي ء الحقير الذي لا طالب له نوعا بقرينة ما دلّ من النصوص علي جواز تملّك هذه الأشياء.

(1) بل و ان لم يصدق الكنز لدخوله في الفائدة يفيدها الشخص كما في صحيح عليّ بن مهزيار «2».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 4- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 6- ص 350- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 235

مسألة 31: لو علم مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده

لكن لم يمكن الإيصال إليه و لا إلي وارثه ففي إجراء حكم اللّقطة عليه من التخيير بين الأمور الثلاثة أو إجراء حكم مجهول المالك (1) عليه و تعيّن التصدق به وجهان، و الأحوط إرجاع الأمر إلي الحاكم.

______________________________

(1) حكم ما لو عرف المالك و لم يمكن إيصال ماله إليه 1- لا يترتب حينئذ حكم اللقطة لاعتبار عدم معرفة المالك فيها و من هنا أمر في نصوصها بالتعريف. بل المتعين ترتّب حكم مجهول المالك لما دلّ من النصوص علي ترتّب حكمه- و هو التصدق- فيما إذا عرف المالك و لو بشخصه و لم يمكن إيصال ماله إليه. فمن تلك النصوص:

ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفّار عن محمد بن عيسي بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن قال: سئل أبو الحسن الرضا (ع): «و أنا حاضر- إلي أن قال: - فقال (ع): رفيق كان لنا بمكّة فرحل منها إلي منزله و رحلنا إلي منازلنا فلمّا أن صرنا في الطّريق أصبنا بعض متاعه معنا فأيّ شي ء نصنع به؟ قال (ع): تحملونه حتّي تحملوه إلي الكوفة. قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال (ع): إذا كان كذا فبعه و تصدّق بثمنه. قال له: علي من جعلت فداك؟ قال (ع): علي

دليل تحرير الوسيلة - إحياء

الموات و اللقطة، ص: 236

______________________________

أهل الولاية «1»».

و ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسي بن عبيد عن يونس عن هشام بن سالم قال: «سأل خطّاب الأعور أبا إبراهيم (ع) و أنا جالس فقال: إنّه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجرة ففقدناه و بقي من أجره شي ء و لم يعرف له وارث. قال (ع): فاطلبوه. قال: قد طلبناه فلم نجده. قال: فقال (ع):

مساكين «2»».

و ما رواه الكليني بإسناده عن يونس عن نضر بن حبيب صاحب الخان قال كتبت إلي العبد الصالح (ع): «لقد وقعت عندي مأة درهم و أربعة دراهم و أنا صاحب الفندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك في إعلامي حالها. و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا. فكتب (ع): اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا حتّي يخرج «3»».

و اما الاحتياط بإرجاع الأمر إلي الحاكم فلعلّ وجهه أنّ الحاكم وليّ الغائب إلّا أنّ النصوص المذكورة و غيرها قد دلّت علي خلاف ذلك في المقام.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 357- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 582- ب 6- ح 1- ص 583- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 582- ب 6- ح 1- ص 583- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 237

______________________________

تحقيق في حال محمد بن عيسي بن عبيد ثم إنّ هذه النصوص لا إشكال في دلالتها علي ترتّب حكم مجهول المالك علي ما علم مالكه و لم يمكن إيصاله إليه. و أمّا سندا فوقع في طريق الأوّلين محمد بن عيسي بن عبيد و اختلف الأصحاب فيه. قال الفضل بن شاذان: «ليس في أقرانه مثله» و عن الكشي و النجاشي

و الخلاصة أنّه جليل القدر في أصحابنا ثقة عين كثير الرواية حسن التصانيف و حسبك ثناء الفضل له، و أيضا وثّقه غيرهم.

و في قبال ذلك يستفاد من كلام بعض الأصحاب قدحه بل بعضهم صرّح بضعفه و اتّهامه. فمنهم محمد بن الحسن بن الوليد شيخ أبي جعفر الصدوق فنقل عنه أبو جعفر الصدوق أنّه قال: «ما تفرّد به محمد بن عيسي من كتب يونس و حديثه لا يعتمد عليه». و منهم أبو القاسم نصر بن الصباح البلخي فنقل منه الصدوق «ره» أنه قال: «إن محمد بن عيسي أصغر في السّنّ من أن يروي عن ابن محبوب». و منهم الشيخ الطوسي «ره» في فهرسته قال: «إنه ضعيف استثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة و قال: لا أروي ما يختصّ بروايته» و أيضا نسب إليه الغلوّ. و منهم الشهيد الثاني قال في جرح إسناد الأخبار المشتملة علي ذمّ زرارة بن أعين: «فقد ظهر اشتراك جميع الأخبار القادحة في استنادها إلي محمد بن عيسي و هو قرينة عظيمة علي ميل و

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 238

______________________________

انحراف منه علي زرارة، مضافا إلي ضعفه في نفسه. و قد قال السيد جمال الدّين بن طاوس و نعم ما قال: و قد أكثر محمد بن عيسي من القول في زرارة حتّي لو كان بمقام من العدالة كادت الظنون تسرع إليه بالتهمة فكيف و هو مقدوح فيه». و منهم العلّامة قال في الخلاصة في ترجمة بكر بن محمد الأزدي:

«و عندي في محمد بن عيسي توقف».

هذه عمدة ما نقل من عدّة من العلماء في ذمّ محمد بن عيسي و ردّه و لكن لا يصلح شي ء من ذلك في

قدحه. أمّا كلام نصر بن الصباح- فمضافا الي ظهوره في إرسال روايته عن ابن محبوب لعدم كونه في طبقته- لا وقع بقدحه لأنه مجهول الحال و لم تثبت وثاقة نفسه.

و أمّا قول محمد بن الحسن بن الوليد فلم يفهم تلميذه الصدوق القدح أو لم يرتض به، حيث نقل منه روايات كثيرة في فقيهه مع التزامه بعدم النقل عن غير الثقة كما قال في مقدّمته، مع احتمال كون نظره إلي إرسال روايته كما قلنا.

و أمّا قول الشهيد: «مضافا الي ضعفه في نفسه» فظهر ضعف منشأه بما قلنا. و أمّا تضعيفه بنقل أخبار ذمّ زرارة فلا يصحّ لوضوح عدم مجرّد نقل أخبار الجرح دليلا علي انحراف الناقل، مضافا إلي نقل الكشي و الصدوق ما دلّ علي مدح زرارة و أنّ صدور أخبار الذمّ لدفع ضرر العامّة عنه. و في طريق هذه النصوص وقع محمد بن عيسي بن عبيد أيضا. و قد تبيّن بذلك ضعف منشأ تضعيف الشيخ و العلّامة مع أنّه قال في ترجمة محمد بن عيسي بن عبيد

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 239

مسألة 32: لو مات الملتقط

فان كان بعد التعريف و التملّك ينتقل إلي وارثه و إن كان بعد التعريف و قبل التملّك يتخيّر وارثه بين الأمور الثلاثة و إن كان قبل التعريف أو في أثنائه فلا يبعد جريان حكم مجهول المالك عليه (1).

______________________________

«و الأقوي عندي قبول روايته». هذا كلّه، مضافا إلي ما في كلام النجاشي من إنكار الأصحاب تضعيف محمد بن عيسي و نفي مثله من بين أقرانه بقولهم: «من مثل أبي جعفر محمد بن عيسي؟». و علي كلّ حال يكفي في إثبات وثاقته كلام الفضل بن شاذان و النجاشي في مدحه و جلالة

قدره و عظم منزلته مع عدم دليل علي قدحه. و أمّا نسبة الغلوّ فلم يسلم منها كثير من أصحابنا الشيعة.

(1) حيث لا شي ء للملتقط- قبل التعريف- من حقّ أو ملك حتّي ينتقل إلي وارثه. فيترتب عليه حينئذ حكم مجهول المالك لعدم كون الوارث ملتقطا بل مال لمالكه المجهول وقع في يده. و أمّا بعد التعريف فان كان قبل التملّك فينتقل حقّ التملّك الثابت للملتقط بالتعريف إلي وارثه فيتخيّر بين الأمور الثلاثة و أمّا بعد التملك فلا إشكال في انتقال ملكه إلي الوارث.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 240

مسألة 33: لو وجد مالا في دار معمورة يسكنها الغير

سواء كانت ملكا له أو مستأجرة أو مستعارة بل أو مغصوبة عرّفه (1) الساكن. فان ادّعي ملكيّته فهو له فليدفع إليه بلا بيّنة.

______________________________

(1) حكم ما لو وجد مالا في الدار المعمورة 1- إنّ نظر الماتن «قده» إلي أمارية اليد علي الملك و أنّ دعوي ذي اليد مسموع بلا حاجة إلي البيّنة. و اما وجه الاشكال فيما إذا قال: «لا أدري» عدم إحراز أمارية اليد حينئذ.

هذا، و لكن ظاهر صحيحي محمد بن مسلم كون ما وجد في الدار المعمورة التي يسكن فيها أهلها ملكا لهم مطلقا سواء عرفوه أم لا.

أحدهما: ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: «سألته عن الدّار يوجد فيها الورق فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم «1»».

و ثانيهما: صحيحه الآخر عن أحدهما (ع) في حديث قال: «و سألته عن الورق يوجد في دار. فقال (ع): إن كانت معمورة فهي لأهلها «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 5- ح 1.

(2) الوسائل/ ج

17- ص 354- ب 5- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 241

______________________________

هاتان الصحيحتان دلّتا علي كون ما وجد في الدار المعمورة لأهلها مطلقا سواء كان مدفونا أم مطروحا و سواء عرفه أهلها أم لم يعرفوه.

و لكن في موثّقة إسحاق بن عمّار قيّدت ملكية ما وجد في الدار المعمورة لأهلها بما إذا كان ما وجد مدفونا في الدار و إذا عرفه أهلها بعد تعريف الواجد و سؤاله. و أمر بالتصدق إذا لم يعرفوه و لكنّها واردة في خصوص المدفون في الدار.

و هي ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن إسحاق بن عمّار قال: «سألت أبا إبراهيم (ع) عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتي قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال (ع): يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها. قلت: فإن لم يعرفوها؟

قال (ع): يتصدّق بها «1»».

هذه الموثقة تقيّد إطلاق صحيحي محمد بن مسلم بما إذا كان ما وجد مدفونا في الدار و يحملان علي ما إذا كان الموجود فيها مطروحا. و عليه فيحكم في المدفون بكونه لأهل الدار إذا عرفوه. و تساعد ذلك العادة حيث إنّ كون المدفون في الدار للملّاك السابقين محتمل عادة بخلاف المطروح فيها علي وجه الأرض لكونه في معرض العثور و لا يبقي مدّة طويلة علي الأرض. فمقتضي تقييد المطلق بحسب موضوع الحكم أن يحكم بملكية ما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 355- ب 5- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 242

______________________________

كان مطروحا في الدار لأهلها مطلقا سواء عرفوه أم لا، و يفصّل في المدفون في الدار بين ما

إذا عرفه أهلها فيحكم بكونه لهم و بين ما إذا لم يعرفوه فهو في حكم مجهول المالك يتصدّق به الواجد. نعم إذا سلبوه عن أنفسهم يتصدق به مطلقا عند اليأس عن مالكه.

و أما تقييد قوله: «فهي لهم» في صحيحي ابن مسلم بما إذا عرفوه بدلالة موثّقة إسحاق فخلاف مقتضي أمارية اليد. إلّا أن نقيّدها بمعرفة ذي اليد بأنّ ما في يده ملكا له. و لكن يشكل الالتزام به حيث إنّه ربّما يتّفق لذي اليد المالك أن لا يعرف ماله فيما إذا لم يتشخّص المال بخصوصية و علامة كما في الدراهم و الدنانير.

فالحاصل أنّ المتعين المساعد للاعتبار و العادة أن يقيّد الصحيحتان بحسب الموضوع و يفصّل بين المدفون و المطروح علي النحو الذي قلناه.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 243

و لو قال لا أدري ففي جريان هذا الحكم إشكال (1) و لو سلبه عن نفسه (2) فالأحوط إجراء حكم اللقطة عليه و أحوط منه إجراء حكم مجهول المالك فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك.

______________________________

(1) حكم ما لو قال صاحب الدار لا أدري أو سلب اللقطة عن نفسه 1- و ذلك لعدم إحراز استقرار سيرة العقلاء علي أمارية اليد حينئذ و عدم إطلاق لفظي يشمل المقام. فان قول أبي عبد اللّه (ع) في صحيح حفص:

«لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق «1»». و ما دلّ «2» علي نفي طلب البيّنة من ذي اليد ظاهر فيما إذا لم يظهر ذو اليد عدم اطّلاعه عمّا في يده. هذا و لكن مقتضي نصوص المقام التفصيل بين المدفون و المطروح علي النحو الذي قلناه آنفا.

(2) بأن يقول ليس هذا لي فيتصدّق بما وجد في الدار المعمورة حينئذ

مطلقا بلا فرق بين المدفون و غيره لسقوط اليد عن الأمارية في هذه الصورة و لانصراف إطلاق قوله (ع): «فهي لهم» في نصوص المقام عن هذه الصورة قطعا. و هذا بخلاف ما إذا قال: «لا أعرفه» فيأتي فيه التفصيل الذي ذكرناه بين المدفون و المطروح. و أمّا أخذ عدم معرفة المالك بمعني الإنكار و دعوي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18- ص 215- ب 25- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 18- ص 215- ب 25- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 244

______________________________

انصراف إطلاق قوله (ع): «فهي لهم» عمّا إذا لم يعرفها أهل الدار، فلا يصح و ذلك أوّلا: لأنّ عدم المعرفة يفترق عن الإنكار في المعني فان قولك: «لا أعرف هذا» ليس بمعني قولك: «ليس هذا لي».

و ثانيا: ربّما يتّفق للمالك أيضا أنّه لا يعرف ماله إذا لم يكن مشخّصا بعلامة و خصوصية كما في الدراهم و الدنانير. فاستبعاد عدم معرفة المالك ماله في غير محلّه جدّا. و عليه فلا فرق بين قول المالك: «لا أعرف هذا» و بين قوله «لا أدري أنّه لي أو لغيري».

و ثالثا: إنّ عدم المعرفة مقابل المعرفة لأنّ المالك إمّا أن يعرف ماله أو لا يعرفه، فاذا كان عدم المعرفة بمعني الإنكار فلا بدّ أن يبطل التقسيم المزبور و لا يمكن الالتزام به.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 245

مسألة 34: لو وجد شيئا في جوف حيوان قد انتقل إليه من غيره

فان كان غير السّمك كالغنم و البقر عرّفه (1) صاحبه السابق فان ادّعاه دفعه إليه و كذا إن قال: «لا أدري» علي الأحوط.

______________________________

(1) حكم ما لو وجد شي ء في جوف الحيوان المشتري 1- لما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن عبد اللّه بن جعفر قال: كتبت إلي

الرجل (ع): «عن رجل اشتري جزورا أو بقرة للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير لمن يكون ذلك؟ فوقّع (ع): عرّفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشّي ء لك رزقك اللّه إيّاه «1»».

و ما رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: سألته (ع) في كتاب: «عن رجل اشتري جزورا أو بقرة أو شاة للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو غير ذلك من المنافع لمن يكون ذلك و كيف يعمل به؟ فوقّع (ع): عرّفها البائع فإن لم يعرفها فالشّي ء لك رزقك اللّه إيّاه «2»».

و الظاهر أنّ هاتين الروايتين في الأصل خبر واحد بقرينة وحدة الراوي و قرب تعبيرهما، و إن أفردهما في الوسائل. و لا إشكال فيهما سندا و لا دلالة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 358- ب 9- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 358- ب 9- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 246

و إن كان الأقوي (1) أنّه لواجده. و إن أنكره كان للواجد (2).

______________________________

(1) و الوجه فيه إطلاق قوله (ع): «فإن لم يعرفها فالشّي ء لك» فإنّه يشمل ما لو قال صاحبه السابق: «لا أدري» كما قلنا و إن كان في حكم مجهول المالك علي القاعدة لعدم يد البائع عليه حين وجدان الشي ء في جوفه بخلاف الموجود في الدار المعمورة التي يسكنها أهلها فإنّها بما فيها تكون في أيديهم. أمّا من جهة كون ما في جوف الحيوان مستورا عن بائعه حينما كان في يده فلا فرق بينه و بين المدفون في الدار لأنّه أيضا مستور عن أهلها. مع أنّ الامام (ع) أمر بتصدّق ما وجد في الدّار المعمورة عند

عدم معرفة أهلها و لكن حكم (ع) بكون ما في جوف الحيوان ملكا للمشتري عند عدم معرفة البائع حيث قال (ع): «فالشي ء لك رزقك اللّه إيّاه».

(2) هذا يفهم من فحوي قوله (ع): «فان لم يعرفها فالشي ء لك» حيث إنّه من الواضح أنّه إذا حكم بكون ما وجد في جوف الحيوان ملكا للمشتري عند عدم معرفة البائع فليكن ملكا له عند إنكاره بطريق أولي.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 247

و إن وجد شيئا لؤلؤة أو غيرها في جوف سمكة اشتراها فهو له (1).

______________________________

(1) حكم ما وجد في جوف السّمك المشتري 1- إنّ الحكم بملكية ما في جوف السمك للمشتري ليس لأجل انتقاله إليه بالشراء- كما قد يتوهّم- و ذلك لأنّ المعاملات من العناوين القصدية و لم يتعلّق بالموجود في الجوف قصد التمليك من جانب البائع و لا قصد التملّك من المشتري، بل لأجل كونه واجدا لما هو مباح في الأصل. حيث إنّ الأسماك تبلغ اللآلي و الجواهر من مستوي قعر البحار و من هنا يكون الحكم بكونها للواجد علي القاعدة.

و أمّا الإشكال بأنّه كان في ملك البائع بتبع اصطياد السمك و لم ينتقل إلي المشتري بناقل شرعي فلا يجوز له التملّك علي القاعدة، مدفوع بأنّ البائع إنّما قصد تملّك السمك باصطياده لا ما في جوفه لغفلته عنه. بل لم تتحقق حيازة بالنسبة إليه لكون الغفلة مانعة عن قصد حيازته و إن لم نقل باعتبار قصد التملّك فيها لأنّ أصل الحيازة لا تتحقّق عند الغفلة كما قال في الجواهر:

«لكن قد يمنع هنا صدق الحيازة باعتبار عدم علمه به و عدم كونه من أجزاء السمكة فاشتمال يده حينئذ عليه كاشتمال يد النائم لا يوجب ملكا

لعدم

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 248

______________________________

حصول الحيازة و هذا أمر آخر غير اشتراط النيّة «1»».

و يدلّ علي ذلك أيضا ما ورد من النصوص و إن لا يخلو من إشكال أمّا سندا أو دلالة.

فمنها ما رواه محمد بن يعقوب عن أحمد بن محمد بن أحمد عن علي بن الحسن الفضّال عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة عن محمد بن الفضيل عن أبي جعفر (ع) في حديث: «إنّ رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا فأخذ غزلا فاشتري به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم فجاء سائل فدقّ الباب. فقال له الرّجل: أدخل، فقال له: خذ أحد الكيسين فأخذ أحدهما و انطلق فلم يكن بأسرع من أن دقّ السّائل الباب فقال له الرّجل: أدخل فدخل فوضع الكيس في مكانه. ثمّ قال: كله هنيئا مريئا أنا ملك من ملائكة ربّك إنّما أراد ربّك أن يبلوك فوجدك شاكرا ثمّ ذهب». «2»

هذه الرواية ضعيفة لأنّ محمد بن الفضيل الواقع في سندها هو محمد بن الفضيل الضعيف المرميّ بالغلوّ إذ هو الأزديّ الأزرق، و قد عدّ من أصحاب الرضا (ع) و روي. عن أبي حمزة الثمالي كثيرا و ليس هو محمد بن الفضيل بن غزوان الثقة حيث لم ينقل منه رواية عن أبي حمزة الثمالي و إن كان في طبقته لكونه من أصحاب الصادق (ع).

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 328.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 359- ب 10- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 249

______________________________

مع أنّ دلالتها لا تخلو من إشكال أيضا حيث إنّه لم يحرز كون الامام (ع) في نقل قضية عابد من بني إسرائيل بصدد بيان الحكم الشرعي

و تشريعه بل الظاهر أنّه (ع) كان بصدد بيان ما يترتب علي الشكر للّه تعالي و التوكّل عليه من الفوائد و الآثار من دون نظر إلي حكمه الشرعي فيشكل استفادة التقرير منها بل غاية مدلوله كونه الحكم المجعول في شريعة بني إسرائيل.

و اتّضح بهذا البيان حال سائر النصوص المتضمّنة لهذا المضمون.

و أما خبر الزّهري و إن تمّت دلالته و لكنّه ضعيف سندا. نعم ما روي عن تفسير العسكري (ع) فعلي القول بصحة سنده فلا إشكال في دلالته و هو حديث طويل فيه: «إنّ رجلا فقيرا اشتري سمكة فوجد فيها أربعة جواهر ثمّ جاء بها إلي رسول اللّه (ص) و جاء تجّار غرباء فاشتروها منه بأربعمأة ألف درهم. فقال الرّجل: ما كان أعظم بركة سوقي اليوم يا رسول اللّه! فقال رسول اللّه (ص): هذا بتوقيرك محمّدا رسول اللّه (ص) و توقيرك عليّا أخا رسول اللّه وصيّه و هو عاجل ثواب اللّه لك و ربح عملك الذي عملته «1»».

لا إشكال في دلالة هذه الرواية علي جواز تملّك ما وجد في جوف السمك إلّا أنّ التفسير المنسوب إلي العسكري (ع) لم يثبت كونه صادرا من حضرته (ع). و كذا سائر نصوص المقام مخدوشة أمّا سندا أو دلالة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 361- ب 10- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 250

و الظاهر أنّ الحيوان الذي لم يكن له مالك سابق غير السمك بحكم (1) السمك كما إذا اصطاد غزالا فوجد في جوفه شيئا و إن كان الأحوط إجراء حكم اللقطة أو مجهول المالك عليه.

______________________________

(1) حكم ما وجد في جوف الوحوش 1- وجه التعدّي إلي غير السمك سريان الملاك و هو كون الموجود في بطن

السمك من المباحات الأصلية أو ممّا غرقته السفينة- كما يأتي ذكر نصوصها. و لكن هذه الخصوصية تختصّ بالموجود في بطن السمك و غيره من الحيوانات البحرية دون الحيوانات البريّة لأنّ ما يبتلعه الحيوان البرّي ممّا علي وجه الأرض يكون له عادة مالك فلا يمكن التعدّي. فيجري حكم مجهول المالك في ما وجد في بطن الوحوش، فيجب تعريفه و بعد اليأس عن وجدان مالكه يجب التصدّق. هذا مقتضي القاعدة في مجهول المالك و لكن دلّ النص علي ملكية ما في جوف الحيوان لواجده إذا لم يعرف له مالكا. و هو صحيح عبد اللّه بن جعفر الحميري عن العسكري (ع) حيث قال (ع): «عرّفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشّي ء لك رزقك اللّه إيّاه «1»».

هذه الصحيحة و ان وردت في ما وجد في الحيوان الأهلي إلّا أنها تدلّ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 358- ب 9- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 251

مسألة 35: لو وجد في داره الّتي يسكنها شيئا و لم يعلم أنّه ماله أو مال غيره

فان لم (1) يدخلها غيره أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتفاق كالدخلانية المعدّة لأهله و عياله فهو له (2).

______________________________

علي المطلوب في المقام بالفحوي. و ذلك لأنّ احتمال وجود المالك لما وجد في بطن الحيوان الأهلي أقرب و الوصول إليه أسهل ممّا وجد في جوف الوحوش. فاتّضح بذلك أنّه لا وجه للاحتياط بإجراء حكم مجهول المالك عليه.

(1) و الدليل علي ذلك صحيح جميل بن صالح رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد و أحمد بن محمّد جميعا عن ابن محبوب عن جميل بن صالح قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل وجد في منزله دينارا. قال (ع): يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم، كثير. قال (ع): هذا لقطة.

قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا. قال (ع): يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت: لا. قال (ع): فهو له «1»».

(1) حكم ما لو وجد الشخص مالا في منزله أو صندوقه

(2) و ذلك لأمارية يد صاحب الدار علي الملك و لم يدل دليل علي سقوطها مضافا إلي إطلاق صحيحي محمد بن مسلم الدّالّين علي كون كل ما وجد في الدار المسكونة لأهلها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 353- ب 3- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 252

______________________________

و قد يقال: إنّ إطلاق قوله (ع): «هذا لقطة» في صحيح جميل يشمل المقام لكون قيد كثرة المتردّدين في جواب السائل. و أمّا حكم الامام (ع) فهو في الجواب عن أصل السؤال حيث سأل جميل عنه تمهيدا لموضوع الحكم. فلا نظر له (ع) إلي قيد كثرة الواردين.

و فيه: أنّ مقصود الامام (ع) ليس دخول الغير أحيانا و من باب الاتفاق قطعا لوضوح أنّه ليس من دار لم يدخل فيها أحد من الضيوف. بل إنّما يكون مقصوده (ع) هو الدخول المرتّب دائما كالمستأجر أو بعض الأقرباء أو الخصيصين من الأصدقاء لأمر من الأمور المقررة بينهما و نحو ذلك ممّا هو خارج عن المعتاد في أكثر المنازل. و عليه فلا إطلاق لصحيح جميل بالنسبة إلي ما هو المعتاد. و يأتي عين هذا الكلام فيما يوجد في الصندوق.

و أمّا حمل دخول الغير- في كلام الامام- علي صورة اشتراك الدّار و الصندوق بين اثنين أو أكثر فلا يصح لظهور الإضافة في قوله (ع): «منزله» و «صندوقه» في كونهما للواجد. و إن يفهم منه أنّ ما وجد فيهما في حكم اللقطة في صورة الاشتراك أيضا إذا كان

المشارك يدخل في تلك الدار أو يضع شيئا في الصندوق.

و أمّا لو عرّف ما وجد في الدار أو الصندوق فقال الغير: «لا أدري» فلا إشكال في كونه لمالك الصندوق و الدار لأمارية يده عليه إلّا أن يكون يدهم معا عليه فالأحوط حينئذ التصالح لاحتمال أمارية اليد حتي في هذا الفرض و إن قلنا أنّه خلاف ظاهر النصوص و مقتضي السيرة.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 253

و إن كانت ممّا يتردّد فيها الناس- كالبرّانية المعدّة للأضياف و الواردين و العائدين و المضائف و نحوها- فهو لقطة يجري عليه حكمها. و إن وجد في صندوقه شيئا و لم يعلم أنّه ماله أو مال غيره فهو له إلّا إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئا فيعرّفه ذلك الغير فإن أنكره كان له لا لذلك الغير و إن ادّعاه دفعه إليه و إن قال: «لا أدري» فالأحوط التصالح.

مسألة 36: لو أخذ من شخص مالا ثم علم أنّه لغيره قد أخذ منه بغير وجه شرعي و عدوانا

و لم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك لا اللّقطة (1) لما مرّ من أنّه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك و لا ضياع في هذا الفرض.

______________________________

(1) لعدم صدق أنّ المال ضاع عن صاحبه بل يصدق أنّه غصب أو سرق.

و من الواضح أنّ مطلق أخذ مال الغير ليس التقاطا بل إنّما يصدق إذا ضاع المال عن صاحبه بأن كان منبوذا أو مطروحا علي وجه الأرض أو سقط عن يد المالك غفلة أو بغير اختياره. و هذا غير أن يأخذ منه شخص ماله ظلما أو قهرا أو حيلة أو سرقة فلا يقال في مثل هذه الموارد أنّ المال ضاع عن مالكه و لا أنّه صار مفقودا.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 254

نعم

في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالا ثم تبيّن أنّه مال غيره و لم يعرفه يجب عليه أن يمسكه و لا يردّه إلي السارق مع الإمكان ثمّ هو بحكم اللقطة فيعرّفه حولا فإن أصاب صاحبه ردّه عليه و الّا تصدّق به فان جاء صاحبه بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم فان اختار الغرم غرم له و كان الأجر له (1).

______________________________

(1) حكم ما أودعه السّارق 1- دلّ علي ذلك خبر حفص رواه الشيخ بإسناده عن الصفّار عن علي بن محمد القاساني عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللّصوص دراهم أو متاعا و اللّصّ مسلم هل يردّ عليه؟ فقال (ع): لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه علي أصحابه فعل، و إلّا كان في يده بمنزلة اللّقطة يصيبها فيعرّفها حولا فإن أصاب صاحبها ردّها عليه و إلّا تصدّق بها فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم فإن اختار الأجر فله الأجر و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له «1»».

هذه الرواية و إن كان في سندها إشكال من طريق الشيخ لوقوع علي بن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 368- ب 18- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 255

و ليس له علي الأحوط أن يتملّكه بعد التعريف فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة (1).

______________________________

محمد القاساني في طريقها و قد ضعّفه الشيخ و غمز عن رواياته محمد بن عيسي، و لكنّها صحيحة بطريق الصدوق (قده) حيث إنّه رواها بإسناده عن سليمان بن داود المنقري و طريقه إليه صحيح حيث

قال «قده» في خاتمة الفقيه: «و ما كان فيه عن سليمان بن داود المنقري فقد رويته عن أبي و محمد بن الحسن- رضي اللّه عنهما- عن سعد بن عبد اللّه عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري «1»». و أمّا من جهة الدلالة فهي صريحة فيما أفتي به في المتن و لا تحتاج إلي بيان.

(1) و الوجه في ذلك ظهور قوله (ع): «فإن أصاب صاحبها ردّها إليه و إلّا تصدّق بها» في الحصر بدلالة الاستثناء فان قوله: «و إلّا تصدّق بها» بمعني أنّه: «إن لم يصب صاحبها تصدّق بها». فإن الأمر بالتصدّق عند عدم إصابة المالك في الجزاء ظاهر في عدم جواز التملّك إذا لم يصب صاحبها بعد التعريف.

و ثانيا: إطلاق التنزيل في قوله: «كان في يده بمنزلة اللّقطة يصيبها» يقتضي ترتّب جميع أحكام اللقطة علي المأخوذ من اللصوص. و يقوّي هذا الإطلاق ظاهر حرف الفاء في قوله: «فيعرّفها حولا» حيث دلّت علي ترتب وجوب

______________________________

(1) الوسائل/ ج 19- ص 365- الرقم 140.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 256

مسألة 37: لو التقط شيئا فبعد ما صار في يده ادّعاه شخص حاضر

و قال: «إنّه مالي» يشكل (1) دفعه اليه بمجرّد دعواه، بل يحتاج إلي

______________________________

التعريف سنة علي تنزيل المأخوذ من اللّصوص منزلة اللقطة و ثبوته له بعنوان حكم من أحكامها. و مقتضي ذلك عدم الفرق بين هذا الحكم و بين غيره من أحكام اللقطة في ترتّبه علي المأخوذ من اللّصوص. و ليس في كلام الامام (ع) ما يدلّ علي عدم ترتيب سائر أحكام اللقطة عليه كجواز تملّكه بعد تعريفه حولا كاملا فتحصّل أنّه لا وجه ظاهرا لنفي الماتن «قده» كونه في حكم اللقطة من جهة جواز التملّك بعد التعريف و عدم مجي ء المالك

بل هو مخالف لإطلاق التنزيل.

و لكن الأحوط استحبابا ترك تملّكه لعدم صراحة الخبر في جوازه فان المتيقن المصرّح به هو التصدق، مع مخالفة جواز التملّك للعمومات العامة الدالّة علي عدم جواز تصرّف مال الغير بدون إذنه.

(1) حكم ما لو ادّعي اللقطة شخص حاضر 1- لعدم دليل علي سماع دعواه حينئذ و قد يستدل علي ذلك بصحيح منصور بن حازم حيث حكم فيه الامام (ع) بأنّ المال للذي ادّعاه.

و هو ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي عن محمد بن

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 257

______________________________

الوليد عن يونس عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: قلت: «عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم. فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟

فقالوا كلّهم: لا. و قال واحد منهم: هو لي. فلمن هو؟ قال (ع): للّذي ادّعاه «1»».

و لكن لا دلالة لهذه الصحيحة علي سماع دعوي الشخص الحاضر بعد التقاط الشي ء. حيث لم يفرض فيها التقاط الكيس بل كان كيس الدراهم بينهم فسأل بعضهم بعضا عن مالكه فادّعاه واحد منهم و قال: «هو لي» من دون أن يأخذه. فلم يأخذه واحد من هؤلاء حتي الذي ادّعاه قبل دعواه بل إنّما أخذه بعد دعواه.

و أمّا الإشكال بأنّه إذا لم يأخذه واحد منهم فكيف أخبر السائل الإمام عن الدراهم الموجودة في الكيس، فلا ينبغي أن يتفوّه به، لوضوح اطّلاع مالكه الذي ادّعاه ماله و علي فرض عدم اطلاعه قبل الأخذ فلا ريب أنّه صار مطّلعا عنه بعد أخذ الكيس و عدّ الدراهم.

و الحاصل أنّه لا ربط لهذه الرواية بالمقام لأنّ الكلام في ما لو كان دعوي الشخص الحاضر بعد ما التقطه

غيره و أمّا مورد الصحيحة ففيما إذا كان دعواه قبل أن يلتقطه أحد. فإذا لم يكن دليلا علي دعواه فلا تسمع إلّا بإقامة البيّنة أو القطع بكونه ماله. و لا يكفي هنا ذكر علامة لا يطّلع غير المالك عادة بخلاف اللقطة و ذلك لحضور الطالب المدّعي حين الالتقاط فمن الممكن أن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18- ص 200- ب 17- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 258

البيّنة إلّا إذا كان بحيث يصدق عرفا أنّه في يده أو ادّعاه قبل أن يلتقطه فيحكم بكونه ملكا للمدّعي و لا يجوز له أن يلتقطه.

______________________________

يحفظ خصوصياته لأن يأخذه غيره ثم هو يدّعيه و يذكر خصوصياته فيتصاحب المال بهذه الحيلة. فهذا بخلاف مورد اللقطة حيث يكون الطالب هناك غائبا حين الالتقاط ثم يجي ء بعد الالتقاط و يطلبه فلا تحتمل فيه هذه الحيلة عادة. مع أنّ في النصوص فرض عدم حضور الطالب و لذا أمر بتعريف اللقطة و دفعها إلي مالكها إذا جاء بعد التعريف. فمفروض المسألة خارج عن مورد النّص المذكور. و لذا لا يكفي ذكر العلائم و الخصوصيات الموجبة للاطمئنان النوعي في المقام. نعم ينطبق ذيل المسألة علي مورد صحيح منصور و من هنا حكم الماتن «قده» بكونه للمدّعي.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 259

مسألة 38: لا يجب دفع اللقطة إلي من يدّعيها

إلّا مع العلم أو البيّنة و إن وصفها بصفات و علامات لا يطّلع عليها غير المالك غالبا إذا لم يفد القطع (1) بكونه المالك.

______________________________

(1) شرائط وجوب دفع اللقطة إلي طالبها 1- لا دليل علي اعتبار القطع بل يكفي توصيف اللقطة بعلائم و خصوصيات لا يطّلع عليها عادة غير المالك و إن لم يفد الاطمئنان لشخص الملتقط بل المعتبر إفادة

الاطمئنان النوعي.

و الوجه في ذلك أوّلا: استقرار سيرة العقلاء علي اكتفائهم بذكر العلائم و الخصوصيات التي لا يطلع عليها غير المالك عادة في تسليم اللقطة إلي الطالب الذي ذكر هذه الخصوصيات و ليس في نصوص المقام ما يصلح للرّادعيّة بل يستفاد من بعضها إمضاء هذه السيرة مثل صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع): «إن جاءك طالب لا تتّهمه ردّه عليه «1»».

فان قوله: «لا تتّهمه» يحتمل أن يكون نهيا عن اتهام الطالب بالكذب بعد ما ذكر خصوصيات المال و علائمه الّتي لا يطّلع عليها غير المالك عادة. و عليه فيدلّ هذا الصحيح علي قبول دعوي الطالب بعد ذكر العلائم و عدم اعتناء

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 366- ب 15- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 260

______________________________

الملتقط بسوء ظنّه. و بناء علي ذلك يجب دفع اللقطة إلي الطالب حينئذ.

و يحتمل كون «لا» نافية و تكون قوله: «لا تتّهمه» وصفا للطالب يعني إذا جاء طالب غير متّهم عندك، أي جاء الطالب الذي لا تتّهمه فردّه عليه.

ثم إنّ عدم كون الطالب متّهما عند الملتقط إمّا يكون بأن يعرفه الملتقط و يطمئنّ بصدقه لأجل ذلك أو يحصل له الاطمئنان بصدقه من ذكره الخصوصيات و العلائم التي لا يطّلع عليها غير المالك عادة. و يمكن أن يكون المقصود من عدم اتهام الطالب أن لا يكون ممّن هو متّهم في نفسه لمعلومية حاله كأن يكون سارقا معروفا أو ماجنا أو من أهل المكر و الدغل و الحيلة. و هذا هو الأظهر. فالمقصود أنّ الطالب لو لم يكن شخصا متّهما في نفسه فاقبل قوله إذا ذكر علائم و أوصاف تختفي عن غير المالك عادة و ادفع المال إليه

كما استقرّ عليه سيرة العقلاء. و عليه فلا دلالة لهذه الصحيحة علي اعتبار القطع أو الاطمئنان الشخصي. و لعلّه وجه خلوّ نصوص التعريف عن اكتفاء الملتقط بذكر العلائم حيث يكون ذلك مما استقرّت عليه سيرة العقلاء فعدم ذكر ذلك من جهة الاتّكال علي عرف العقلاء.

هذا مضافا إلي ما ورد في النصوص من تعليق جواز تسليم اللّقطة إلي طالبها علي معرفته المال لا معرفة الملتقط أنّ الطالب هو المالك. فإنّه لا يخلو من دلالة علي جواز اكتفاء الملتقط في دفع اللقطة بذكر العلائم المختصّ علمها بالمالك عادة من دون اعتبار معرفة الملتقط أو اطمئنانه بأنّ الطالب هو

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 261

______________________________

المالك. و ذلك لأن معرفة المالك ماله إنّما تحصل بمجرّد ذكر هذه العلائم و الخصوصيات عادة. و عليه فيكفي هذه النصوص لإمضاء سيرة العقلاء حيث تنفي بإطلاقها اعتبار قطع الملتقط و معرفته بأنّ الطالب هو المالك.

و نشير هنا إلي بعض هذه النصوص.

فمنها: موثقة إسحاق بن عمّار عن الكاظم (ع) قال: «يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها. قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال (ع): يتصدّق بها «1»».

و ما يقال من أنّها واردة مورد كون الطالب ذا اليد علي اللقطة و لا يقاس بغيره، إشكال غير وجيه. حيث إنّ موردها في المدفون و لا يد لأهل المنزل علي المدفون فيها.

و منها: صحيح محمد بن قيس عن الباقر (ع) قال: «قضي علي (ع) في رجل وجد ورقة في خربة أن يعرّفها فإن وجد من يعرفها و إلّا تمتّع بها «2»».

و منها: صحيح عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: «سألته (ع) في كتاب عن رجل اشتري جزورا أو بقرة أو شاة أو غيرها للأضاحي أو غيرها

فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر أو غير ذلك من المنافع لمن يكون ذلك و كيف يعمل به؟ فوقّع (ع): عرّفها البائع، فإن لم يعرفها فالّشي ء لك رزقك اللّه إيّاه «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 355- ب 5- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 355- ح 5.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 359- ب 9- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 262

______________________________

و دلالة هذه النصوص علي ما قلناه واضحة و أسنادها صحيحة.

و ممّا يؤيّد ذلك خبر سعيد بن عمرو الجعفي في حديث طويل قال: «ثمّ قلت: من يعرف الكيس؟ فأوّل صوت صوّته إذا رجل علي رأسي، يقول: أنا صاحب الكيس. فقلت في نفسي: أنت؟! فلا كنت. قلت: ما علامة الكيس؟ فأخبرني بعلامته فدفعته إليه.. ثمّ دخلت علي أبي عبد اللّه (ع): فأخبرته كيف تنحّيت و كيف صنعت «1»». الحديث.

فإنّ ظاهره اكتفاء سعيد بذكر علامة الكيس في إعطائه إلي ذلك الرّجل و تسليمه إليه كما أنّ عدم منع الامام (ع) عن فعله ظاهر في التقرير فلا إشكال في دلالته. و إنّما ذكرناه تأييدا و لم نجعله دليلا لضعف سنده حيث لم تثبت وثاقة سعيد.

هذا مضافا الي صعوبة إقامة البينة و عدم حصول القطع غالبا. فالأقوي جواز الاكتفاء بذكر العلائم و الخصوصيات المختصّ علمها بالمالك في وجوب دفع اللقطة إلي الطالب. و أمّا حمل الأوامر الواردة فيها بدفع اللقطة إلي مالكه علي الجواز لكونه في موضع توهّم الحظر، فخلاف الظاهر جدّا، فأيّ وجه لتوهم منع دفع مال الغير إلي صاحبه بعد ما ثبت- و لو ظاهرا- كونه له.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 356- ب 6- ح 1.

دليل تحرير

الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 263

نعم نسب إلي الأكثر أنّه إن أفاد الظن جاز (1) دفعها إليه فإن تبرّع بالدفع لم يمنع و إن امتنع لم يجبر و هو الأقوي و إن كان الأحوط الاقتصار في الدفع علي صورة العلم أو البينة.

______________________________

(1) فسّر الماتن (قده) الجواز بعدم منع دفعه تبرّعا و عدم إجباره علي الدفع إذا امتنع منه. و لكنّ الأقوي أن يكون الجواز هنا بمعني المشروعية الملائمة للوجوب. حيث لا إشكال في وجوب دفع مال الغير إلي صاحبه عند حصول الاطمئنان النوعي بذكر العلامات المختصّ علمها بالمالك. فما يتراءي من التفصيل في الوجوب و الجواز- في اللّمعة و غيرها- بين صورة العلم أو قيام البيّنة و بين التوصيف بالعلائم، بوجوب دفع اللقطة علي الأوّل و جوازه علي الثاني ليس بشي ء لعدم دليل علي ذلك.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 264

مسألة 39، لو تبدّل مداسه بمداس آخر في مسجد أو غيره

أو تبدّل ثيابه في حمّام أو غيره بثياب آخر، فان علم أنّ الموجود لمن أخذ ماله جاز أن يتصرّف فيه بل يتملّكه بعنوان التقاصّ (1) عن ماله إذا علم أنّ صاحبه قد بدّله متعمّدا.

______________________________

(1) حكم ما لو تبدّل مداسه بمداس الغير 1- و ذلك لما دلّ من النصوص علي جواز التقاصّ من مال المديون أو الغاصب مكان المال الذي أخذاه عن عمد و ظلم كما هو مفروض الكلام هنا.

فمن تلك النصوص صحيح ابن رزين.

رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن أبي عمير عن داود بن رزين قال:

«قلت لأبي الحسن موسي (ع): إنّي أخالط السّلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها و الدّابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثمّ يقع لهم عندي المال فلي أن أخذه؟ فقال (ع):

خذ مثل ذلك و لا تزد عليه «1»».

هذه

الرواية ضعيفة بطريق الشيخ لوقوع داود بن رزين في طريقها و هو لم تثبت وثاقته. و لكنها صحيحة بطريق الصدوق لثبوت وثاقة ابن رزين بتوثيق المفيد في الإرشاد و ابن عقدة علي ما ذكره النجاشي و مدح غيرهما.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12- ص 201- ب 83- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 265

______________________________

و منها: صحيحة أبي بكر الحضرمي أو حسنته.

رواها الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان ابن مسكان عن أبي بكر قال: «قلت له: رجل لي عليه دراهم فجحدني و حلف عليها أ يجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقّي؟ قال: فقال (ع): نعم و لكن لهذا كلام.

قلت: و ما هو؟ قال (ع): تقول اللّهمّ إنّي لا آخذه ظلما و لا خيانة و إنّما أخذته مكان مالي الذي أخذ منّي لم أزدد عليه شيئا «1»».

هذه الرواية صحيحة علي فرض دلالة كلام الشيخ و الكشي علي توثيق أبي بكر الحضرمي. و ان قلنا بتضمّن كلامهما مدحه تكون حسنة فحسن حاله محرز علي أيّ حال.

و منها: صحيح عليّ بن سليمان.

رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسي عن علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم قال: «كتبت إليه، رجل غصب مالا أو جارية ثمّ وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه أ يحلّ له حسبه عليه أم لا؟ فكتب: نعم يحلّ له ذلك إن كان بقدر حقّه و إن كان أكثر فيأخذ منه ما كان عليه و يسلّم الباقي إليه إن شاء اللّه». «2»

ثمّ إنّ هذه النصوص واردة فيما إذا كان المال مأخوذا عن ظلم و غصب

______________________________

(1) الوسائل/

ج 12- ص 203- ب 83- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 12- ص 204- ح 19.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 266

______________________________

و جحد الأخذ وجود مال عنده للغير و امتنع عن ردّه إليه. و من هنا يمكن حمل النصوص النهاية عن التقاص علي ما إذا لم يأخذه الغير غصبا أو ظلما. و إن يحتمل حملها علي النهي التنزيهي و إرادة الكراهة لصراحة سائر النصوص في الجواز.

و لكن يستفاد من بعض النصوص جواز التقاص فيما إذا لم يأخذ الغير ماله غصبا أو ظلما، بأن اقترض منه أو أخذه وديعة أو أمانة.

مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن عبد اللّه بن محمد بن عيسي عن علي بن مهزيار عن إسحاق بن إبراهيم أنّ موسي بن عبد الملك كتب إلي أبي جعفر (ع): «يسأله عن رجل دفع إليه رجل مالا ليصرفه في بعض وجوه البرّ فلم يمكنه صرف المال في الوجه الذي أمره به و قد كان له عليه مال بقدر هذا المال فسأل هل يجوز لي أن أقبض مالي أو أردّه إليه؟ فكتب: اقبض مالك ممّا في يديك «1»».

و لكن في سنده ضعف لوقوع عبد اللّه بن محمد بن عيسي في طريقه حيث لم يرد فيه توثيق و لا مدح. و عليه فلا دليل علي جواز التقاصّ في هذه الصورة. اللّهم إلّا أن نقبل توثيق جعفر بن قولويه لوقوعه في أسناد كامل الزيارات أو نقول بمعروفيته باعتبار كثرة روايته و كونه ابن محمد بن عيسي و أخا أحمد بن محمد بن عيسي.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12- ص 204- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 267

و جريان الحكم في

غير ذلك محلّ إشكال و إن لا يخلو من قرب و لكن بعد الفحص عن صاحبه و اليأس منه. و كذا يجب الفحص في صورة تعمّده. نعم لو كان الموجود أجود ممّا أخذ يلاحظ التفاوت فيقوّمان معا و يتصدّق مقدار التفاوت بعد اليأس عن صاحب المتروك (1) و ان لم يعلم بأن المتروك لمن أخذ ماله أو لغيره يعامل معه معاملة مجهول المالك فيتفحّص عن صاحبه و مع اليأس عنه يتصدّق به بل الأحوط ذلك (2) أيضا فيما لو علم أنّ الموجود للآخذ لكن لم يعلم أنّه قد بدّل متعمّدا.

______________________________

ثم إنّه قد يقال بدخول صورة تعمّد المالك بالتبديل في المعاوضة القهرية. و لذا يجوز أخذ الثوب أو المداس المتبدّل حينئذ بعنوان العوض بتوجيه أنّ مالك الثوب أو المداس المختلف قصد من أخذه ثوب الغير أو مداسه كونه عوضا عن ماله. فهو قصد بذلك تمليك مداسه أو ثوبه للغير قبال ما خلّفه له و انّ الغير أيضا قصد تملّك المال المتخلّف بنفس أخذه و لبسه.

و لكن الإنصاف يشكل كون بناء أهل العرف علي قصد التعويض و التمليك و التملّك في أمثال هذه الموارد. فالظاهر أنّ جواز أخذ الثوب أو المداس المتبدّل من جهة التقاصّ في صورة التعمد بذلك.

(1) لأنّ القدر الزائد مال الغير فيترتب عليه حكم مجهول المالك.

(2) حيث يشكل استفادة جواز التقاصّ في هذه الصورة من النصوص

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 268

خاتمة: إذا وجد صبيّا ضائعا لا كافل له و لا يستقلّ بنفسه

اشارة

علي السعي فيما يصلحه و الدفع عما يضرّه و يهلكه- و يقال له: «اللقيط» -، يجوز (1) بل يستحب التقاطه و أخذه.

______________________________

المذكورة. و إنّ الذي دلّ علي ذلك ضعيف سندا لوقوع عبد اللّه بن محمد بن عيسي إلّا أن

نقول بمعروفيته أو وثاقته بتوثيق جعفر بن قولويه كما قلنا. و لكن مع ذلك تقصر دلالته لاختصاصه بما إذا عرف مالك المال. و المفروض في المقام كونه مجهولا.

(1) حكم التقاط الصبي 1- و ذلك لدلالة النصوص. و إنّ المتيقن منها الصبي غير المميّز بقرينة لفظ المنبوذ الوارد في نصوص المقام و موارد إطلاق لفظ اللقيط. كما قال في الصحاح: «اللقيط: المنبوذ يلتقط» و أما النصوص الواردة في المقام:

فمنها: ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد عن حريز عن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن اللّقيط. قال (ع): حرّ لا يباع و لا يوهب «1»». و مثله ما رواه الشيخ بإسناده عن زرارة «2».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 372- ب 22- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 269

______________________________

و منها: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن محمد بن أحمد قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن اللّقيطة. فقال (ع):

لا تباع و لا تشتري و لكن تستخدمها بما أنفقت عليها «1»».

و منها: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد بن عيسي عن علي بن الحكم عن عبد الرّحمن العرزمي عن أبي عبد اللّه (ع) عن أبيه (ع) قال: «المنبوذ حرّ فإذا كبر فإن شاء توالي إلي الذي التقطه و إلّا فليردّ عليه النّفقة و ليذهب فليوال من شاء «2»».

و منها: ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن مثنّي عن حاتم بن إسماعيل المدائني عن أبي عبد اللّه

(ع) قال:

«المنبوذ حرّ فإن أحبّ أن يوالي غير الذي ربّاه والاه فإن طلب منه الذي ربّاه النّفقة و كان موسرا ردّ عليه و إن كان معسرا كان ما أنفق عليه صدقة «3»».

و لكن غاية مدلول هذه النصوص أصل جواز الالتقاط و مشروعيته و لا يدلّ واحد منها علي استحبابه. نعم يمكن القول باستحبابه من جهة كونه تعاونا علي البرّ فيدخل في عموم قوله تعالي تَعٰاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ و لأنّه عمل الخير فيشمله عموم قوله فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ* و نحو ذلك من العمومات الواردة في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 372- ب 22- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 270

بل يجب مقدمة (1) إن توقف حفظه عليه لو كان في معرض التلف. سواء كان منبوذا قد طرحه أهله في شارع أو مسجد و نحوهما عجزا عن النفقة أو خوفا من التهمة أو غيره.

بل و إن كان مميّزا (2) بعد صدق كونه ضائعا تائها لا كافل له.

______________________________

الكتاب و السّنة مما دلّ علي الترغيب إلي فعل الخير و الإحسان.

(1) كان ما قلنا فيما إذا لم يكن اللقيط في معرض التلف كما هو الغالب في الطفل المنبوذ و إلّا فلو توقّف حفظه علي التقاطه لا ريب في وجوبه لأنّه إنقاذ نفس محترمة من الهلاك و حفظها عن التلف.

ثمّ إنّه لا ريب في وجوب تعريفه و ذلك لفحوي ما دلّ من النصوص علي وجوب تعريف اللّقطة لأنّ حرمة النفس المحترمة و أهمّيتها و عظم خطرها أكثر بمراتب من المال فوجوب حفظ اللّقيط و إيصاله إلي وليّه أشدّ من وجوب إيصال

المال الضائع إلي صاحبه.

(2) و ذلك لإطلاق نصوص المقام و لصدق عنوان اللّقيط عليه إذا كان ضائعا تائها لا كافل له. و يشهد علي ذلك قوله تعالي في سورة يوسف «وَ أَلْقُوهُ فِي غَيٰابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّٰارَةِ «1»» بل بقول صاحب الجواهر إنّ هذه الآية أقوي شاهد علي صدق عنوان اللقيط عليه. نظرا إلي أنّ يوسف (ع) كان مميّزا

______________________________

(1) سورة يوسف/ 10.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 271

و بعد ما أخذ اللقيط و التقطه يجب عليه حضانته و حفظه (1) و القيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره. و هو أحقّ به من غيره إلي أن يبلغ فليس لأحد أن ينتزعه من يده و يتصدّي حضانته غير من له حق الحضانة شرعا بحقّ النسب كالأبوين و الأجداد و سائر الأقارب (2) أو بحق الوصاية كوصّي الأب أو الجدّ إذا وجد أحد هؤلاء، فيخرج بذلك عن عنوان اللّقيط لوجود الكافل له حينئذ و اللقيط من لا كافل له. و كما لهؤلاء حق الحضانة- فلهم انتزاعه من يد آخذه- كذلك عليهم ذلك. فلو امتنعوا أجبروا عليه.

______________________________

حين ما القي في غيابة الجبّ حيث قصّ رؤياه لأبيه قبل ذلك فنهاه أبوه بقوله:

«يٰا بُنَيَّ لٰا تَقْصُصْ رُؤْيٰاكَ عَليٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً «1»».

(1) قال في الجواهر «2»: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك و ربما كان في النصوص المزبورة نوع إشعار به. نعم إن عجز سلّمه إلي القاضي الذي هو وليّ مثله بلا خلاف».

(2) علي ترتيب مراتب الإرث الأقرب منهم يمنع الأبعد كما قال الماتن «قده» في «المسألة 17» من أحكام الولادة. و في تقديم سائر الأقارب- غير

______________________________

(1) سورة يوسف/ 5.

(2) الجواهر/ ج 38- ص 174.

دليل

تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 272

مسألة 1: إذا كان للقيط مال من فراش أو غطاء زائدين علي مقدار حاجته أو غير ذلك

جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم (1) أو وكيله. و مع تعذّرهما و تعذّر عدول المؤمنين علي الأحوط جاز له ذلك بنفسه و لا ضمان (2) عليه. و إن لم يكن له مال فان وجد من ينفق عليه من حاكم بيده بيت المال أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها أو متبرّع، كان له الاستعانة بهم في إنفاقه أو الإنفاق عليه من ماله.

______________________________

الأبوين- علي الوصي أو بالعكس أو التصالح وجوه ذكر في محلّه. و علي أيّ حال يخرج بذلك عن عنوان اللقيط لعدم كونه ضائعا حينئذ فينتفي حقّ الحضانة عن الملتقط بانتفاء موضوعه.

(1) لأنّه مقتضي أدلّة ولاية الحاكم علي من لا وليّ له و المفروض عدم وليّ للقيط.

(2) حكم رجوع الملتقط علي اللقيط فيما أنفق عليه 2- إنّ في المقام تارة: يبحث من جهة القاعدة و اخري: من جهة نصوص المقام.

و أمّا مقتضي القاعدة: فربّما يقال إنّ مقتضاها ثبوت الضمان مطلقا إلّا إذا دلّ الدليل علي نفيه. لأنّ الإنفاق بمال اللقيط تصرّف في مال الغير المولّي

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 273

______________________________

عليه بدون إذن وليّه فهو ضامن لما صرفه. نعم لو توقف حفظ اللقيط و حضانته علي الإنفاق عليه بماله بأن لم يصل يده إلي الحاكم و لم يكن متبرّع بذلك فلا ضمان فيه أنفقه من مال اللقيط ذاكئذ لانّ صرفه مال اللقيط في الإنفاق عليه، كان بأمر الشارع و ظاهره نفي الضمان و الغرم عنه.

و لكن ربما يشكل بأنّ عنوان المحسن يصدق علي الملتقط في إنفاقه عليه و ان لم يتوقف حفظه علي ذلك. لأنه كما كان

محسنا في أصل حفظه و حضانته فكذلك في الإنفاق عليه.

و جوابه أنه مع فرض وجوب استئذانه من الحاكم في تصرّفه في مال الصبي و مخالفته لذلك و إنفاقه بماله من دون إذن الحاكم، لا يكون محسنا في الإنفاق عليه بماله، فيثبت الضمان في حقه.

هذا كلّه إذا أنفق من مال اللقيط و أمّا إذا لم يكن له مال و أنفق من مال نفسه فمقتضي القاعدة جواز الرجوع علي اللقيط فيما أنفقه بعد ما كبر فيما إذا لم يتبرّع بذلك غيره من عدول المؤمنين أو لم يتولّ إنفاقه الحاكم.

و ذلك أوّلا: لأنّه محسن في إنفاقه حينئذ و لا سبيل عليه بالتغريم لأنّ عدم جواز رجوعه تغريم عليه. من دون فرق في ذلك بين أن يتوقف حفظ اللقيط و حضانته علي الإنفاق بمال الملتقط و بين أن لم يتوقف عليه. فلا يعتبر الرجوع إلي الحاكم أو عدول المؤمنين ابتداء- عند عدم التوقف المزبور- في صدق عنوان المحسن عليه حينئذ، لعدم دليل علي وجوب الرجوع أو

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 274

______________________________

الاستئذان حينئذ حيث إنّ سبب وجوب الاستئذان من الحاكم دخل إذنه في جواز التصرف في أموال الصبي. و المفروض عدم مال للصبي حينئذ بل إنّما ينفق الملتقط من مال نفسه. فلا يتعلق نهي بإنفاقه علي اللقيط حينئذ من جانب الشارع حتي يمنع من صدق عنوان المحسن عليه. إلّا أن يتبرّع به متبرّع فان تبرّع الغير بالإنفاق علي اللقيط يمنع عن صدق عنوان الإحسان علي إنفاقه مع قصد الرجوع. و أمّا مع عدم قصد الرجوع و إن يكون محسنا إلّا إنّه لا يجوز له الرجوع حينئذ بالإجماع و السيرة القطعية بل الضرورة كما قال في الجواهر:

«نعم

الإجماع و السيرة القطعية بل الضرورة علي عدم الرجوع مع نيّة التبرع «1»».

و ثانيا: بمقتضي قاعدة الإتلاف حيث إنّ اللقيط قد تناول من مال الملتقط و صرفه فهو أتلف مال الملتقط و يضمنه علي القاعدة.

و الحاصل أنّ جواز الرجوع له إذا أنفق من مال نفسه بقصد الرجوع و عدم تبرّع الغير موافق لمقتضي قاعدتي الإحسان و الإتلاف بل مقتضاهما جواز رجوعه حتي إذا لم ينو شيئا من الرجوع و التبرع كما قال في الجواهر:

«أمّا إذا لم ينو شيئا منهما- أي الرجوع و التبرع- فقاعدة اليد و الإتلاف و إطلاق الخبرين يقضي بجواز رجوعه أيضا بل هو مقتضي ما سمعته من المقنعة و غيرها من اعتبار التبرع في عدم الرجوع و لعلّه مراد الجميع و ان

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 171.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 275

______________________________

قصرت العبارة «1»».

هذا كلّه مقتضي القاعدة و أمّا النصوص الواردة في المقام فمدلولها أيضا موافق لمقتضي القاعدة من اختصاص جواز رجوع الملتقط علي اللقيط بعد ما كبر بما إذا أنفق عليه من مال نفسه حيث إنّ أمره (ع) اللقيط- بعد ما كبر- بردّ مقدار النفقة من أمواله علي الملتقط يشهد علي كون إنفاقه من مال نفسه و إلّا لم يكن معني لردّ اللقيط النفقة علي الملتقط بل كان ذاكئذ علي الملتقط أن يردّ من مال نفسه علي اللقيط قدر ما أنفقه من ماله.

و أمّا نصوص المقام:

فمنها: خبر حاتم بن إسماعيل المدائني عن أبي عبد اللّه (ع): «فإن طلب منه الذي ربّاه النّفقة و كان موسرا ردّ عليه و إن كان معسرا كان ما أنفق عليه صدقة «2»».

و منها: خبر عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد اللّه (ع)

عن أبيه (ع):

«المنبوذ حرّ فإذا كبر فإن شاء توالي إلي الذي التقطه و إلّا فليردّ عليه النّفقة «3»».

و منها: خبر محمد بن أحمد قال: سألت أبا عبد اللّه (ع): «عن اللّقيطة فقال:

لا تباع و لا تشتري و لكن تستخدمها بما أنفقت عليها «4»».

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 171.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 2 مرّ ذكر متن هذه النص مفصّلا مع ذكر رواته.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 3 مرّ ذكر متن هذه النص مفصّلا مع ذكر رواته.

(4) الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 4 مرّ ذكر متن هذه النص مفصّلا مع ذكر رواته.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 276

______________________________

هذه النصوص و إن كانت ضعيفة سندا لعدم ثبوت وثاقة حاتم بن إسماعيل المدائني و عبد الرحمن العرزمي و الجهل بحال محمد بن أحمد إلّا أنّها معتضدة بعمل الأصحاب كما قال في الجواهر «1» مع أنّ الأظهر وثاقة العرزمي لأنّه المراد بالرّزمي «2» الذي وثقه النجاشي حيث لم يذكر في الروايات شخص بعنوان الرزمي فليس هو غير العرزمي.

هذا مضافا إلي موافقة مدلول هذه النصوص لمقتضي قاعدتي الإحسان و الإتلاف كما قلنا. قال في الجواهر: «بل ظاهر خبر المدائني و خبر محمد بن أحمد جواز إنفاق الملتقط و الرجوع بما أنفق إن شاء من دون رجوع إلي السلطان أو المسلمين و هو الموافق للضوابط بعد عدم دليل يدلّ علي وجوب الإنفاق التبرعي علي أحد و هذا هو التحقيق في المسألة «3»».

هذا كلّه: مع كفاية صحيح علي بن جعفر لإثبات جواز رجوع الملتقط علي اللقيط فيما أنفق.

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 170.

(2) في إيضاح الاشتباه: عبد الرحمن

بن محمد بن عبيد اللّه الرزمي بالراء و الزاي بعدها، و كذا في خاتمة الوسائل و في جامع الرواة. و قال السيد الخوئي في المعجم: «لكن الموجود في أكثر نسخ النجاشي الرّزمي و كذلك الموجود في الخلاصة».

(3) الجواهر/ ج 38- ص 170.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 277

و ليس له حينئذ الرجوع علي اللّقيط بما أنفقه بعد بلوغه و يساره إن نوي الرجوع عليه و ان لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعيّن عليه و كان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه.

______________________________

رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمد عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (ع) قال: «سألته عن اللّقطة إذا كانت جارية هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال (ع): لا، إنّما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها «1»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 351- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 278

مسألة 2: يشترط في الملتقط البلوغ و العقل و الحريّة (1)

و كذا الإسلام إن كان اللقيط محكوما بالإسلام (2).

______________________________

(1) شرائط الملتقط 1- لا خلاف بين الخاصّة و العامّة في اشتراط البلوغ و العقل. و كذا الحرّية علي المشهور بين فقهائنا بل عن مجمع البرهان الإجماع علي ذلك و قد نفي الريب عنه في جامع المقاصد. و هو مقتضي القاعدة لعدم ولاية للعبد علي شي ء فإنّه و ما في يده لمولاه كما قال تعالي عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَليٰ شَيْ ءٍ «1» فإنّه بعمومه نفي أيّة ولاية عن العبد.

و مما يشهد علي ذلك فحوي ما دلّ من النصوص علي عدم جواز التقاط اللقطة للعبد مثل معتبرة أبي خديجة رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن

يحيي عن محمّد بن عيسي عن الوشّاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللّقطة. فقال (ع): و ما للمملوك و اللّقطة و المملوك لا يملك من نفسه شيئا «2»».

(2) لما في التقاط الكافر اللقيط المسلم من قبيل سبيل الكافر علي

______________________________

(1) النحل/ 75.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 370- ب 20- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 279

مسألة 3: لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام (1)

و كذا لقيط دار الكفر. إذا وجد فيها مسلم احتمل تولّد اللقيط منه. و ان كان في دار الكفر و لم يكن فيها مسلم أو كان و لم يحتمل كونه منه يحكم بكفره.

______________________________

المؤمن و علوّ الكفر علي الإسلام. و هما منفيّان بقوله تعالي وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «1». و بما نقل عن النبي (ص): «الإسلام يعلو و لا يعلي عليه «2»».

(1) حكم لقيط دار الإسلام و دار الكفر 1- استدل علي ذلك بدلالة نفي جواز بيع اللقيط و هبته علي كونه محكوما بالإسلام. حيث يجوز بيع الكافر الحرّ بعد استرقاقه كما في صحيح محمّد بن مسلم رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد عن حريز عن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن اللّقيط. فقال (ع): حرّ لا يباع و لا يوهب «3»».

و في موثقة ابن فضّال عن مثنّي عن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

______________________________

(1) النساء/ 141.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 376- ح 11.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 372- ب 22- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 280

______________________________

«اللّقيط لا يشتري و لا يباع «1»».

و لكن هذا الاستدلال لا

يثبت المطلوب فإنّ غاية ما يثبت به عدم كون اللقيط كافرا حربيا فلا يكون دليلا علي كون اللقيط محكوما بالإسلام لأعمّية من لم يجز بيعه و شراؤه من المسلم و الكافر غير الحربي.

و أيضا يستدل بما يستفاد من النصوص الدالّة علي وجوب تعريف اللقطة و حفظها و إيصالها إلي صاحبها من حرمة ما يلتقط من الأموال. حيث يدلّ هذا النطاق بالفحوي علي حرمة اللقيط لوضوح كون النفس أعظم حرمة من المال.

و فيه: أنّ إثبات وصف الإسلام للقيط بمجرد إثبات حرمته مشكل جدا حيث لا دليل علي كون حرمة النفس مستلزمة لإسلامها و إن يستلزم الإسلام حرمة نفس المسلم.

و أمّا نبويّ: «الإسلام يعلو و لا يعلي عليه»، فلا ربط له بالمقام حيث لا يستلزم عدم الحكم بإسلام اللقيط علوّ الكفر، مع إمكان عدم الحكم بالكفر أيضا فلا يكون محكوما بشي ء منهما.

و أمّا الاستدلال بما ورد من أنّ «كلّ مولود يولد علي الفطرة..» فواضح البطلان لعدم كونه بمعني إسلام أيّ ولد بحيث يترتب عليه أحكامه بل معناه أنّه يولد مفطورا و مطبوعا علي طلب الإسلام و أنّ كلّ إنسان من بدء تولّده

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 371- ب 22- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 281

و فيما كان محكوما بالإسلام لو أعرب عن نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره لكن لا يجري عليه حكم المرتد الفطري علي الأقوي (1).

______________________________

مائل نحو الحق و باحث عن خالقه.

و لكن لا يبعد دعوي السيرة علي أمارية دار الإسلام علي كون المتولّد في بلاد المسلمين محكوما بالإسلام. و أمّا لقيط دار الكفر فلا يصلح شي ء من ذلك لإثبات كون اللقيط فيها محكوما بالإسلام بمجرّد احتمال تولّده من مسلم.

(1)

و ذلك لأنّ المرتد الفطري من خرج عن الإسلام واقعا لا عن الإسلام الظاهري الثابت بالأصل- كما هو في المقام- و من الواضح أنّ اختياره الكفر بإظهاره بعد البلوغ لا يثبت كونه متولّدا من المسلم واقعا حتّي يكون خارجا من الإسلام.

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة علي محمد و آله الطاهرين المعصومين. فرغت من تسويد هذه الرسالة بعون اللّه تعالي و لطفه في اليوم الثالث و العشرين من شهر جمادي الثانية سنة «1414 ه. ق». أحقر الطلاب علي أكبر السيفي المازندراني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.