دليل تحرير الوسيلة - الخمس

اشارة

نام كتاب: دليل تحرير الوسيلة- الخمس

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: مازندراني، علي اكبر سيفي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

ناشر: مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني قدس سره

تاريخ نشر: 1417 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: تهران- ايران

مقدّمة الناشر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره و سلوكه، و هو أوثقها عُري، و أصلحها منهاجاً؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العمليّ، و إصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة علي عاتق المكلّفين، و ذلك علي ضوء الدليلين: الاجتهاديّ و الفقاهتيّ، النابعين من الكتاب و السنّة. ناهيك عن جمعه للمسائل العمليّة، و نأيه عن المسائل ذات الصبغة النظريّة التي لا تمسّ إلي واقعنا المُعاش بصلة.

و لئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللّٰه نفسه الزكيّة كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» و هو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللّٰه ضريحه قد ألّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً إلي مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم، و لم يكن بحوزته إلّا «وسيلة النجاة» و «العروة الوثقي» و «وسائل الشيعة».

نعم لم تكن بيده المباركة إلّا هذه الكتب الثلاثة، و لكنّ نفسه العلويّة لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة، و فؤاده مهبطاً للإلهام و التحديث، لامتنع وجود هذا السفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 9

و نظراً إلي أهمّية هذا الكتاب، و ضرورة نشره علي مختلف المستويات و الأصعدة؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) علي عاتقها نشر شروح و تعاليق العلماء المحقّقين علي «تحرير الوسيلة» و من نفقتها الخاصّة.

و يعدّ الكتاب الذي بين يديك، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا طبعها، و هو شرح

لمباحث الخمس من «التحرير» تأليف حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ علي أكبر السّيفي المازندرانيّ.

نسأل اللّٰه تعالي أن يوفّقه و إيّانا و أن يختم لنا جميعاً بالحسني إنّه سميع الدعاء.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 11

[المبحث الأول في الخمس]

[وجوب الخمس]

[وجوب الخمس من الضروريات]

و هو الذي جعله اللّٰه تعالي لمحمَّد (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ذريته كثَّر اللّٰه نسلهم المبارك (1).

______________________________

وجوب الخمس من الضروريات

(1) يقع الكلام في جهات:

الجهة الأولي: أنه لا إشكال في أصل وجوب الخمس في الجملة و كونه من الضروريات، حيث قد نطق به الكتاب العزيز و دلّت عليه السنة القطعية و انعقد عليه إجماع الفريقين. و قد قال اللّهُ تعالي في كتابه العزيز وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ «1» و إنّ المتيقن من مدلوله المتفق عليه بين الفريقين هو غنائم دار الحرب، و إن يشمل مطلق الفوائد بدلالة النصوص المعتبرة الواردة من أهل البيت (عليهم السّلام).

و إنّ بعض أقسامه من ضروريات الدين كخمس غنائم دار الحرب و بعض أقسامه من ضروريات المذهب كخمس أرباح المكاسب و الكنز و المعدن، لدلالة النصوص المعتبرة الواردة من طريق أهل البيت (عليهم السّلام) و لاتفاق الخاصّة علي وجوب الخمس فيها.

______________________________

(1) سورة الأنفال/ الآية: 42.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 12

[الخمس ملك للّٰه و للرسول]

______________________________

الخمس ملك للّٰه و للرسول الجهة الثانية: أنّ الخمس هل هو ملك للّٰه و الرسول و الإمام أو أنّه خُصِّص لسبيل اللّٰه و نوائب النبي و الإمام؟ بمعني كون هذه الجهات مصارفه.

و الحق أنّ الخمس ملك لأربابه. و الدليل علي ذلك ظهور اللام في قوله تعالي لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ في الملكية. و تدلّ علي ذلك أيضاً النصوص المعتبرة. هذا في سهم الإمام و أمّا سهم السادات فالحقُّ أنّهم مصارف، كما سيأتي البحث عن ذلك مُفصّلًا في قسمة الخمس إن شاء اللّٰه.

ثمّ إنّ

اللّٰه تعالي اعتبر الخمس ملكاً لنفسه أيضاً بقوله فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ، فلم يجعل لخصوص النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ذريّته كما هو ظاهر المتن.

و قد يقال: إنّ الآية المزبورة و إن دلّت علي أَنَّ اللّٰه تعالي اعتبر الخمس ملكاً لنفسه و لكن ورد في النصوص المعتبرة أنّ سهم اللّٰه ملكٌ للرسول (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام. كما في صحيح البزنطي عن الرضا (عليه السّلام) حيث قيل له

فَما كانَ لِلّهِ فَلِمَنْ هُوَ؟ قالَ (عليه السّلام): لِرَسُولِ اللّٰه «1».

و معتبرة عمران بن موسي عن موسي بن جعفر (عليه السّلام)

ما كانَ لِلّٰه فَهُوَ لِرَسُولِهِ «2».

و فيه: أنّ المقصود من ذلك في النصوص المزبورة تفويض اللّٰه تعاليٰ سهمه إلي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و إعطاءُ الولاية له علي أخذه لنفسه و صرفه حيث شاء، كما في صحيح الربعي عن الصادق (عليه السّلام). قال

يَأْخُذُ خُمْسَ اللّهِ عز و جَلَّ لِنَفْسِهِ «3».

و لا يخفي أنّ ملكية الخمس لِلّٰه تعالي اعتبارية كملكيته للرسول (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ذرّيته و ليست تكوينية، حيث إنّ الملكية بهذا المعنيٰ ثابتةٌ له تعاليٰ في حق جميع

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 357 ح 6.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 360 ح 11.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 356 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 13

______________________________

الموجودات بلا خصوصية للخمس. و من هنا تترتّب عليه جميع آثار الملكية الاعتبارية، منها: عدم جواز التصرّف فيه لأحدٍ بغير إذن أربابه لأنه ملك الغير.

[الخمس لمنصب الإمامة]

الخمس لمنصب الإمامة الجهة الثالثة: أنّه لا يكون ملكية الخمس للإمام بمعني الملكية الشخصية بل المقصود ملكيته للعنوان. بأن يكون أربابه أولياءً في

تصرفه. و قد دلّت النصوص المعتبرة علي أنّ اللّٰه تعالي قد فوّض الولاية علي سهمه إلي نبيّه و هو قد فوّض الولاية علي سهم اللّٰه و سهم نفسه إلي الإمام (عليه السّلام).

و عليه فالإمام وليّ أمر الخمس و لا يجوز صرفه حتّي في الجهات المزبورة بغير إذنه (عليه السّلام). و هذا معني كون الخمس ملكاً لعنوان الإمامة. و من هنا ليس قابلًا للتوريث إلي سائر الورثة غير الإمام (عليه السّلام)، كما دلّ علي ذلك معتبرة أبي علي الحسن بن راشد

قٰالَ: قُلْتُ لأَبي الْحَسَنِ الثّالِثِ (عليه السّلام): إنّا نُؤتي بِالشَّيْ ءِ فَيُقالُ هذا كانَ لأبي جَعْفرٍ (عليه السّلام) عِنْدَنا فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ فَقٰال (عليه السّلام): ما كانَ لأَبي (عليه السّلام) بِسَبَبِ الإمٰامَةِ فَهُوَ لي وَ ما كانَ غَيْرَ ذلِكَ فَهُوَ ميراثٌ عَليٰ كِتٰابِ اللّٰه وَ سُنَّةِ نَبيِّهِ «1».

و قد يناقش في دلالتها بما حاصله:

أنَّ غاية مدلولها أنَّ ما كان للإمام بماله من منصب الإمامة لا يورث و أمّا كون الخمس من هذا القبيل فلا دلالة لها علي ذلك، لاحتمال إرادة صفو المال نظراً إلي كونه أيضاً للإمام بسبب الإمامة و إنه أيضاً لا ينتقل إلي غير الإمام من ورثته. مع ما في هذا الاحتمال من مراعاة ظهور اللام في قوله: «أمّا كانَ لِأَبي» في الملكية الشخصية.

و فيه: أنّ هذا الاحتمال و إن لا يخلو من وجه صناعي إلا أنّ وجود صفو المال بين أموال الأئمة (عليهم السّلام) غير محتمل. و ذلك لاختصاصه بالحرب مع الكفار. و إنّه لم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 374 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 14

______________________________

يتحقق من جانبهم، نظراً إِلي عدم بسط أيديهم (صلوات اللّٰه عليهم). و لا سيّما أنَّ جملة

نؤتي بالشي ءِ

تدل علي

استمرار الإتيان بالشي ء و إنّه غير محتمل في صفو المال لعدم كونه في أيديهم علي القول به بحدٍّ من الكثرة بحيث يؤتي به مستمرّاً.

و أمّا سنداً فالأقوي صحّتها حيث إنّه رواها الصدوق بطريق صحيح عن القاسم بن يحيي عن جدّه أبي علي الحسن بن راشد. و إنّ المسمي بالحسن بن راشد مشترك بين رواة. و الواقع في طريق هذه الرواية من أصحاب الهادي (عليه السّلام) و قد وثّقه الشيخ (قدّس سرّه) في رجاله. و عدَّه في كتاب الغيبة من وكلاءِ الإمام. و عدّه المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام و الرُّؤَساءِ المأخوذ عنهم الحلال و الحرام الذين لا يطعن عليهم بشي ءٍ فلا إشكال في وثاقته. و إنّه بغداديٌ من آل مهلب غير الحسن بن راشد الذي هو كوفيٌ مولي بني العباس و عُدّ من أصحاب الصادق (عليه السّلام) و ضعَّفه ابن الغضائري. و أَيضاً غير الحسن بن راشد الطفاوي الذي كان من أصحاب الرضا (عليه السّلام) و ضعّفه النجاشي، فليراجع من أراد الفحص إلي معاجم الرجال.

و أما القاسم بن يحيي و إن لم يرد فيه توثيق خاص بشخصه إلّا أنّه من المعاريف حيث نقل روايات كثيرة تبليغ اثنين و ثمانين حديثاً و له كتاب معروف في آداب أمير المؤمنين (عليه السّلام). مضافاً إلي كونه مشمولًا للتوثيق العام من ابن قولويه لوقوعه في أسناد كامل الزيارات. بل قال الصدوق: إنّ ما رواه القاسم بن يحيي في زيارة الحسين (عليه السّلام) من أصحّ الزيارات. و من هنا لا يُعبَأُ بتضعيف ابن الغضائري لعدم ثبوت نسبة الكتاب إليه مع ما في تضعيفاته من الابتناء علي توهّم الغلوّ في حق كثيرٍ من أجلّاء رواة الشيعة. فالأقوي صحة سند

هذه الرواية.

ثم إنّه ممّا يدلّ علي كون الخمس لمنصب الإمامة و من شؤون الحكومة ما رواه السيد المرتضي في رسالة المحكم و المتشابه نقلًا عن تفسير النعماني بإسناده عن علي (عليه السّلام) قال

فَأَمّا وَجْهُ الإِمارَةِ فقوله تعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 15

______________________________

.. «1» هذه الرواية لا إشكال في دلالتها علي المطلوب و لكن الضعف في سندها فتصلح للتأييد.

و قد ورد أيضاً في المقام روايات معتبرة لا تخلو من إشعارٍ بذلك مثل صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن الصادق (عليه السّلام)

عَلي كُلِّ امْرِءٍ غَنِمَ أَوِ اكْتَسَبَ الْخمْسُ مِمّا أَصابَ لِفاطمَةَ (سلام اللّٰه عليها) وَ لِمَنْ يَلي أَمْرَها مِنْ بَعْدِها مِنْ ذُرِّيَّتِها الْحُجَجِ عَلي النّاسِ «2»

أي يلي أمر الإمامة.

و قوله في مرسل حمّاد

فَسَهْمُ اللّهِ وَ سَهْمُ رَسُولِ اللّه لِأُولِي الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) «3».

و غير ذلك من النصوص الدالّة علي أنّ الخمس من شؤون الإمامة و الولاية علي الحكومة و مختصٌّ بهم (عليهم السّلام) بما أنّهم حجج اللّٰه تعالي علي الناس و ولاة أمرهم. فيستفاد من مجموع هذه النصوص أنّ الخمس ملكٌ لمنصب الإمامة و أنّه من شؤون الإمارة و الحكومة.

و ممّا ينبغي أن لا يُغفل عنه في المقام أنّه ليس معني كون الخمس لمنصب الإمامة و من شؤون الحكومة اختصاصه بالميزانيات بحيث لم يجز صرفه في غير ما يرتبط بالحكومة، بل معناه كون الولاية علي أخذه و صرفه في موارده بيد الحاكم الإسلامي و وليّ أمر المسلمين. و إلّا فمن الواضح أنّ السيرة قد استقرّت من أَئِمّتنا المعصومين (عليهم السّلام) في زمن الحضور علي أخذ الخمس

و صرفه في موارده حيث إنّهم عليهم السّلام كانوا يأخذون الخمس من شيعتهم و كان لهم وكلاءٌ لذلك. و لا ريب أيضاً أنّ فقهاءَ عصر الغيبة كانوا يأخذونه و يصرفونه في مصارفه منذ ابتداء عصر الغيبة إلي زماننا هذا، مع عدم تصدّيهم للحكومة، نظراً إلي عدم استقرار حكومة إسلامية

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 341 ح 12.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 351 ح 18.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 358 ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 16

______________________________

بعد أمير المؤمنين (عليه السّلام) في زمن حضور الأئمّة (عليهم السّلام) و عصر الغيبة إلي زمان ثورتنا الإسلامية.

مع أنّ النصوص المعتبرة الدالّة علي كون الخمس ملكاً لهم (عليهم السّلام) خاصّةً عوضاً عن الزكاة التي هي من أوساخ الناس و لهم أن يضعوه حيث شاؤوا و أنّه لفقراء السادات، تنادي بأعلي صوتٍ بعدم اختصاصه بالميزانيات المعَدَّة لمجرّد إدارة الحكومة و تأمين معاش عمّالها خاصّةً.

و الحاصل: أنّ السيرة القطعية و نصوص المقام أقوي شاهدٍ علي عدم تشريع سهم الإمام بعنوان ميزانيات الحكومة خاصّة. نعم لا إشكال في أصل جواز صرفه في موارد الميزانيات من جانب الإمام أو نائبه ممّن كان ولّي أمر الحكومة في جهة إدارتها و في سبيل تقوية الإسلام و تحكيم أركان كيانه و مصالح المسلمين. بل هو المتيقّن من موارد صرفه بمقتضيٰ ما استظهرناه من النصوص آنفاً من أنّه لمنصب الإمامة و من شؤون الإمارة و الحكومة الإسلامية.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 17

عوضاً عن الزكاة التي هي من أوساخ أيدي الناس إكراماً لهم (1). و من منع منه درهماً كان من الظالمين لهم و الغاصبين لحقِّهم.

______________________________

(1) كما ورد في عدّة نصوص معتبرة و غيرها.

مثل صحيح سليم بن قيس

عن علي (عليه السّلام)

وَ لَمْ يَجْعَلْ لَنا سَهْماً في الصَّدَقَةِ أَكْرَمَ اللّهُ نَبِيَّهُ وَ أَكْرَمَنا أَنْ يُطْعِمَنا أَوْساخَ مٰا في أَيْدي النّاسِ

و مثله في المضمون صحيحهُ الآخر «1». و صحيح أبي بصير

قالَ: قُلْتُ لِأَبي جَعْفَرٍ (عليه السّلام)، ما أَيْسَرَ ما يَدْخُلُ بِهِ الْعَبْدُ النّارَ؟ قالَ (عليه السّلام): مَن أَكَلَ مِنْ مالِ الْيَتيمِ دِرْهَماً، وَ نَحْنُ الْيَتيمُ «2».

و ما رواه الشيخ بإسناده عن ذكريا بن مالك الجعفي عن الصادق (عليه السّلام): أنّه سأله عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ، فقال (عليه السّلام)

أَمّا خُمْسُ اللّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلِلرَّسُولِ يَضَعهُ في سَبيلِ إِلَيْهِ. وَ أَمّا خُمْسُ الرَّسُولِ فَلِأَقاربه وَ أَمَّا الْمَساكينُ وَ ابْنُ السَّبيلِ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَلا تَحِلُّ لَنا فَهِيَ لِلْمَساكينِ وَ أَبْناءِ السَّبيلِ «3».

و في مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

وَ إنَّما جَعَلَ اللّهُ هذَا الْخُمْسَ لَهُمْ خاصَّةً دُونَ مَساكينِ النّاسِ وَ أَبْناءِ سَبيلِهِمْ عوَضاً لَهُمْ مِنْ صَدَقاتِ النّاسِ تَنْزيهاً مِنَ اللّهِ لَهُمْ لِقَرابَتِهِمْ بِرَسُولِ اللّهِ وَ كَرامَةً مِنَ اللّٰهِ لَهُمْ عَنْ أَوْساخِ النّاسِ وَ جَعَلَ لَهُمْ خاصَّةً مِنْ عِنْدِهِ مٰا يُغْنيهِمْ بِهِ أَنْ يُصيِّرَهُم في مَوْضِعِ الذُّلِّ وَ الْمَسْكَنَةِ «4».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 356 ب 1 ح 4 وص 357 ح 7.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 337 ب 1 ح 1.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 355 ب 1 ح 1.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 358 ب 1 ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 18

______________________________

فعن مولانا الصادق (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه لا إله إلّا هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام و

الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال «1».

و عنه (عليه السّلام)

لا يعذر عبد اشتري من الخمس شيئاً أن يقول يا ربّ اشتريته بمالي حتي يأذن له أهل الخمس «2»

و عن أبي جعفر (عليه السّلام)

و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتي يصل إلينا نصيبنا «3».

و الكلام فيما يجب فيه الخمس و في مستحقيه و كيفية قسمته بينهم و في الأنفال.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 337 ب 1 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 337 ب 1 ح 4

(3) الوسائل/ ج 6 ص 378 ب 1 ح 10.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 19

الغنائم

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 21

[القول فيما يجب فيه الخمس]

اشارة

القول: فيما يجب فيه الخمس يجب الخمس في سبعة أشياء (1):

[أقسام الخمس]

______________________________

أقسام الخمس

(1) إنّ حصر أقسام الخمس في السبعة استقرائي كما قال في المدارك و اختاره في الجواهر. و عليه فلا مانع من التعدّي عنها عند مساعدة الدليل.

و لا يخفي أنّ أقسام الخمس كلها تندرج في الغنيمة بمعناها العام أي مطلق الفائدة. كما ذكره الشهيد في البيان و المفيد في المقنعة «1».

ثم إنّ ظاهر كثير من النصوص الواردة في المقام تعلّق الخمس بكل واحدٍ من الأقسام بعنوانه الخاص. و ظاهر بعضها الآخر تعلّقه بمطلق الفوائد و الأرباح. و تظهر الثمرة في استثناء مئونة السنة كما سيأتي فإنّه لا يجوز فيما تعلق به الخمس بعنوانه الخاص بخلاف ما تعلق به بعنوان الفائدة و الربح. ففي المقام طائفتان من النصوص:

الأولي: ما دلّ علي وجوب الخمس في مطلق الفوائد و الأرباح.

مثل صحيح علي بن مهزيار عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال في ضمن حديث طويل

فأَمَّا الْغَنائِمُ وَ الْفَوائِدُ فَهِيَ واجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام قالَ اللّٰه تَعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ فَالْغَنائِمُ وَ الْفَوائِدُ يَرْحَمُكَ اللّهُ فَهِيَ الْغَنيمَةُ يَغْنِمُهَا الْمَرْءُ وَ الْفائِدَةُ يُفيدُها «2»

حيث إنّه استشهد لوجوب الخمس في جميع الغنائم و الفوائد بالآية ثمّ فسَّرها بمطلق الفائدة. و ممّا يشهد علي ذلك إنه أوجب

______________________________

(1) الينابيع الفقهية/ ج 5 ص 52.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 349 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 22

______________________________

الخمس في كلّ عام مع عدم وجوبه كذلك في الغنيمة الخاصّة.

و موثّق سماعة قال سألت أبا الحسن عن الخمس فقال (عليه السّلام)

في كُلِّ ما أَفادَ النّاسَ مِنْ قَليلٍ أَوْ كَثيرٍ «1».

و من هذا القبيل صحيح عبد الله بن

سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

لَيْسَ الْخُمْسُ إلّا في الْغَنائِمِ خاصَّةً «2»

بناءً علي احتمال إرادة مطلق الفوائد من لفظ الغنائم و لكن احتمل في الوسائل إرادة خصوص الخمس الواجب في القرآن. أي لا يجب الخمس في القرآن إلّا في الغنائم نظراً إلي ثبوت وجوب الخمس فيما سواها بالسُّنّة و هو غير بعيد كما يحتمل أيضاً صدوره علي وجه التقية.

و الثانية: ما دل منها علي وجوب الخمس في أشياء بعناوينها الخاصة.

مثل معتبرة عمار بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام)، يقول

فيما يُخْرَجُ مِنَ الْمَعادِنِ وَ الْبَحْرِ وَ الْغَنيمَةِ وَ الْحَلالِ الْمُخْتَلَطِ بِالْحَرامِ إِذا لَمْ يُعْرَفْ صاحِبُهُ وَ الْكُنُوزِ الْخُمْسُ «3».

و صحيح ابن أبي عمير عن غير واحدٍ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أَلْخُمْسُ عَلي خَمْسَةِ أَشْيٰاءٍ: عَلَي الْكُنُوزِ وَ الْمَعادِنِ وَ الْغَوْصِ وَ الْغَنيمَةِ و نسي بن أبي عمير الخامس «4»

و سيأتي البحث عن وجه اعتبار سند و الأولي و صحة الثانية.

و من هذا القبيل ما دل علي وجوب الخمس في أرباح المكاسب و العنبر و مال الناصب.

و لا تنافي بين هاتين الطائفتين من النصوص، نظراً إلي كون العناوين المذكورة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 6.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 338 ب 2 ح 1.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 344 ح 6.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 344 ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 23

[الأول خمس غنائم الحرب]

اشارة

الأول: ما يغتنم قهراً بل سرقة و غيلة إذا كانتا في الحرب و من شؤونه من أهل الحرب الذين يستحلّ دماؤهم و أموالهم و سبي نسائهم و أطفالهم (1).

______________________________

في الطائفة الثانية أيضاً في الحقيقة من مصاديق الفائدة و إن تختصّ ببعض الأحكام. كما سيأتي

بيانها إن شاءَ اللّٰه.

خمس غنائم الحرب

(1) إنَّ ما يغنمه المسلمون المقاتلون في الحرب من الكفار المحاربين تارةً: يكون بالقهر و المقاتلة بأَن يقاتلوهم و يقهروا عليهم ثم يأخذوا منهم الغنيمة، و لا كلام في كون هذا القسم غنيمةً بمعناها الخاص و يجب فيه الخمس بدليل الكتاب و السنة، بل هو المتيقن من مدلول قوله تعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ. و قد صُرِّح بوجوبه في نصوص المقام مثل صحيحة عبد اللّٰه بن سنان السابقة آنفاً و ما عُدّت الغنيمة فيها ممّا يجب فيه الخمس في عرض سائر الأقسام مثل معتبرة عمّار و صحيحة ابن أبي عمير السابقتين آنفاً «1». و ما ورد في كيفية تقسيم الغنائم. و سيأتي ذكر هذه النصوص و البحث عنها سنداً و دلالة في خلال المباحث الآتية إن شاء اللّٰه.

و لا إشكال في تماميتها لإثبات المطلوب.

و أخري: لا يكون بالمقاتلة بل يؤخذ مال الكافر الحربي بالسرقة و الغيلة و إنّه تارة: يكون في الحرب و من شئونه، كأن يستتر المقاتل حال الحرب في ظلمة الليل أو أيّ استتارٍ آخر فيسرق أمتعة الكافر المحارب أو يخدعه فيُسقطه في فَخّ أو مصيدةٍ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 24

إذا كان الغزو معهم بإذن الإمام (عليه السّلام) (1).

______________________________

أو بِئْرٍ أو نحو ذلك فيقتله ثم يسلب منه مالَه و متاعَه. و الظاهر أنّ هذا النوع من السرقة و الغيلة ملحق بما يؤخذ بالمقاتلة. و ذلك لأَنّ المال يؤخذ حينئذٍ من الكافر المحارب حال اشتعال الحرب و يُعد من شؤونه مع كون الآخذ من المقاتلين و بصدد القتال فيترتب علي ما أخذه من أهل

الحرب عندئذٍ حكم الغنيمة الخاصّة. و هذا بخلاف ما إذا لم يكن المأخوذ بالسرقة و الغيلة مرتبطاً بالحرب و لم يكن أخذه من شؤون القتال كما لو أخذه منهم سرقةً غير المقاتل من أهالي محلّ الحرب و سكنته ممَّن لا يكون بصدد الحرب بوجهٍ و لا يرتبط أخذُه بالحرب. وجه الفرق أنّ كون الآخذ بصدد القتال و كون أخذه من شؤون الحرب دخيل في صدق عنوان غنيمة الحربيّة في نظر العرف.

[اشتراط القتال و إذن الإمام في خمس الغنيمة]

اشتراط القتال و إذن الإمام في خمس الغنيمة

(1) وقع الكلام في أمرين:

الأوّل: في اعتبار المقاتلة في وجوب خمس الغنائم.

فنقول: لا إشكال في وجوب خمس ما أخذ من الكافر المحارب قهراً بالمقاتلة. و الدليل علي ذلك مضافاً إلي إجماع المسلمين الكتاب و السنة المستفيضة بل المتواترة.

فمن الكتاب قوله تعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ «1». نزلت هذه الآية الشريفة فيما اغتنمه المسلمون من المشركين بالمقاتلة معهم كما تشهد به سياق الآية، نظراً إلي كونها في خلال آيات القتال و إن دلّت بعض النصوص علي شمولها لمطلق الغنائم، كصحيح علي بن مهزيار. إلّا أنّ شمولها لغنائم دار

______________________________

(1) سورة الأنفال/ الآية 41.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 25

______________________________

الحرب المأخوذ بالقتال قطعي لا كلام فيه. أمّا صحيحة علي بن مهزيار فقد دلّت علي إرادة مطلق الغنائم و الفوائد، و ذلك لأنّ الإِمام استشهد فيها بالآية لوجوب الخمس في مطلق الفوائد في كلّ عام ثم مثّلَ لها بالجائزة الخطيرة و الميراث غير المحتسب و نحو ذلك.

و من السنة عدَّة نصوص معتبرة و غيرها دلّت علي اشتراط القتال.

منها: صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في الْغَنيمَةِ قٰالَ: يُخْرَجُ مِنْها الْخُمْسُ

وَ يُقَسَّمُ ما بَقِيَ بَيْنَ مَنْ قاتَلَ وَ وَلِيَ ذلِكَ «1».

حيث صرّح (عليه السّلام) بتقسيمها بين خصوص المقاتلين و من ساعَدَ في أمر القتال.

و منها صحيح معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السّلام) قال

إِنْ قاتَلُوا عَلَيْها مَعَ أَميرٍ أَمَّرَهُ الإِمامُ (عليه السّلام) عَلَيْهِمْ أُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمْسُ لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ.. وَ إِنْ لَمْ يَكُونُوا قاتَلُوا عَلَيْهَا الْمُشْرِكينَ كانَ كلُّ ما غَنِمُوا لِلْإِمامِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ أَحَبّ «2».

و سيأتي البحث عن مدلول هذه الصحيحة مفصَّلًا و لكن لا إشكال في دلالتها علي اعتبار القتال في وجوب تخميس الغنائم.

و منها خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

كُلُّ شَيْ ءٍ قُوتِلَ عَلَيْهِ عَلي شَهادَةِ أَنْ لا إِلهَ إلَّا اللّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّهِ فَإِن لَنا خُمُسَهُ وَ لا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخَمْسِ شَيْئاً حَتّي يَصِلَ إِلَيْنا حَقَّنا «3».

و منها مرفوعة أحمد بن محمد

الْخُمْسُ مِن خَمْسَةِ أَشْياءٍ: مِنَ الْكُنُوزِ وَ الْمَعادِنِ وَ الْغَوْصِ وَ الْمَغْنَمِ الَّذي يُقاتَلُ عَلَيْهِ وَ لَمْ يَحْفَظِ الْخامِسَ «4».

الثاني: في اشتراط إذن الإمام بالقتال في وجوب خمس الغنائم.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 341 ح 10.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 365 ب 1 ح 3.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 339 ح 5.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 341 ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 26

______________________________

ذهب المشهور إلي اعتبار إذن الإمام في وجوب خمس الغنائم و ملكية أربعة أخماس الباقي للمقاتلين بل ادُّعي عليه الإجماع. و قد دلّ عليه بالصراحة مرسل الوَرّاق عن الصادق (عليه السّلام) قالَ

إِذا غَزيٰ قومٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِمامِ (عليه السّلام) فَغَنِمُوا كانَتِ الغَنيمَةُ كُلُّها لِلإمامِ (عليه السّلام) و إذا غَزَو بأمْرِ الْإمامِ (عليه السّلام) فَغَنِمُوا كانَ لِلْإِمٰامِ (عليه السّلام) الْخُمْسُ «1».

و

لا إشكال في دلالته علي اعتبار إذن الإمام في وجوب تخميس الغنيمة المأخوذة من الكفار بالمقاتلة. إلّٰا انّ سنده ضعيفٌ فلٰا اعتبار له.

و استدل علي ذلك أيضاً بصحيحة معاوية بن وهب، بتقريب أنَّ قيد

مَعَ أميرٍ أَمَّرهُ الإِمامُ عليه السّلام

في الشرطية الأُوليٰ ظاهرٌ في الاحتراز عمّا إذا كان القتال بغير أميرٍ أمَّره الإمام. و من الواضح أنّ قيد تأمير الإمام يدلّ بالفحويٰ علي اعتبار صدور الاذن. حيث إنّ جعل الأمير و تفويض أمر العسكر إليه مستلزمٌ للاذن بل لا يمكن بدونه قطعاً.

و قد يناقش في دلالتها: بأَنَّ ظاهرها التفصيل بينما إذا قاتلت السَّرية التي بعثها الإمام (عليه السّلام) و بينما إذا لم تقاتل. فحكم (عليه السّلام) في الصورة الأوليٰ بكون الغنائم الباقية بعد إخراج خمسها للمقاتلين بلحاظ اشتراكهم في تحصيل الغنائم بالقتال. و حَكمَ في الصورة الثانية بكون جميع الغنائم للإمام و لعلّه لعدم دخل المقاتلين في تحصيلها حينئذٍ بل يكون بتدبير الإمام.

و بعبارة أخري: إنّ إذن الإمام مفروض في كلتا الشرطيتين، حيث إنّ السائل سَأَل عن سريةٍ بعثها الإمام. و هذا يدلّ علي صدور الاذن منه بالفحويٰ. و إنَّما فَصَّل بين ما إذا قاتلت السرية المأذونة و بين ما إذا لم تقاتل. فهذه الصحيحة متعرّضَةٌ لحكم صورتين فُرض في كلتيهما صدور الاذن من الإمام و لا نظر لها إلي صورة عدم صدور

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 369 ح 16.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 27

______________________________

الإذن منه (عليه السّلام).

و الجواب: أنّ ظاهر القيد الاحتراز و لا مانع من اعتبار إذن الإمام و القتال معاً في وجوب دفع خمس الغنائم و ملكيّة أربعة أخماس الباقية. و الوجه فيه ظهور الشرطية الاوليٰ في ذلك حيث إنّه لو كان

المقصود مجرَّد التفصيل بين القتال و عدمه لم يكن وجهاً لأَن يذكر الإمام في هذه الشرطية ضمن إلقاءِ الكبري الكلّية قيد تأمير الإمام (عليه السّلام) بل كان الأنسب أن يكتفي بذكره في كلام السائل و لو بقرينة الفحوي نظراً إلي أنّ بعث السرية مستلزم لصدور الاذن منه قطعاً. و حيث إنَّ الإمام ذكر هذا القيد ضمن إلقاء كبريٰ اشتراط القتال في وجوب الخمس، فيعلم منه أَنّه كان له (عليه السّلام) كان عناية اليه توجب دخله في الحكم فإنه ما لم يذكره في كلامه لم يُعلم دخله في وجوب الخمس. و من هنا نقول عند إطلاق جواب الإمام لا يكون مجرّد ذكر القيد في سؤال السائل دليلًا علي دخله في الحكم بخلاف ما إذا كان القيد مذكوراً في كلام الإمام فيبيّن الحكم مقيّداً بذلك القيد. و حينئذٍ لمّا كان القيد ظاهراً في الاحتراز يعلم من ذكره حينئذٍ وجود خصوصية فيه، و الّا لكان ذكره لغواً. و احتمال كون قوله

مَعَ أميرٍ أمَّره الْإمٰامُ

وصفاً و لا مفهوم له ممّا لا وجه له. بل الظاهر اشتراطه أيضاً كاشتراط أصل القتال حيث إن لفظ

مع

يفيد اجتماع طرفيه و يدلّ علي تقيّد ما قبله بما بعده و عليه فالشرطية الأولي ظاهرة في اعتبار القتال و كونه بإذن الإمام معاً علي نحو مفاد العطف بالواو و مقتضاه انتفاءُ وجوب التخميس بارتفاع أحدهما. و عليه فهذه الصحيحة تدلّ علي اعتبار اذن الإمام في خمس الغنائم المأخوذة في الحرب. و أمّا دعوي معارضة صحيح الحلبي «1» الدالّ علي وجوب تخميس الغنيمة المأخوذة في لواء الخلفاء فغير وجيهة، لحملة علي صورة إذنهم (عليهم السّلام) نظراً إلي إمضائهم غزوات الخلفاء مع الكفار. كما لا وجه للحمل علي

التحليل بعد التخميس لظهوره في بيان الحكم الشرعي.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 340 ب 2 ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 28

[تعميم خمس الغنائم إلي غير المنقول]

من غير فرق بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه كالأرض و نحوها علي الأصح (1).

______________________________

تعميم خمس الغنائم إلي غير المنقول

(1) لا خلاف في وجوب الخمس في الغنائم المنقولة. و أما غير المنقولة فنسب إلي المشهور وجوب الخمس فيها تمسكاً بإطلاق الآية نظراً إلي صدق عنوان الغنيمة علي غير المنقول كما يصدق علي المنقول و عدم ثبوت المقيد.

و قد أشكل علي المشهور في الحدائق بعدم كفاية إطلاق الآية لإثبات وجوب الخمس في الغنائم غير المنقولة لقصور النصوص عن إفادة ذلك. بل بعضها يشعر بخلافه مثل صحيح ربعي عن الصادق (عليه السّلام) قال

كانَ رَسُولُ اللّهِ إذٰا أَتٰاهُ الْمَغْنَمُ أَخَذَهُ صَفْوَهُ وَ كانَ ذلِك لَهُ ثُمَّ يُقَسِّمُ ما بَقِيَ خَمْسَةَ أَخْماسٍ وَ يَأْخُذُ خُمْسَهُ «1».

و ذلك لوضوح كون الغنائم التي كانت تُوتي بها عند النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) من الأموال المنقولة لا غيرها من الأراضي و الأبنية و الأشجار. هذا مضافاً إلي أنّ الأراضي المفتوحة عنوة ملكٌ لعموم المسلمين. و قد أخذ في مفهوم الغنيمة عودها فائدة إلي شخص الغانم و صيرورتها ملكاً له بحيث يصدق أنّه استفاد فائدة. و هذا غير صادق علي ما هو ملكٌ لعموم المسلمين و أمّا مجرّد ثبوت حق الاستفادة من تلكَ الأراضي لمتقبّلها لا يجعلها ملكاً لشخص المستفيد ليُحَقّق موضوع الخمس.

و قد أورد عليه صاحب الجواهر أوّلًا: بأن صحيحة ربعي لا تدل علي اختصاص وجوب الخمس بالغنائم المنقولة لعدم كون المورد دليلًا علي الاختصاص. كما أنها قاصرة عن إفادة ثبوت الخمس في مطلق

الغنائم بلحاظ نظرها إلي بيان حكم الغنائم المنقولة. فهي ليست بصدد بيان حكم الغنائم غير المنقولة حتي تنفي وجوب الخمس عنها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 356 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 29

______________________________

و ثانياً: بأنَّ نصوص الأراضي الخراجية دالّةٌ علي كونها ملكاً لعموم المسلمين و هذا العموم يخصّصه دليل وجوب الخمس بدلالته علي كون خمسها ملكاً لأرباب الخمس. فيبقيٰ أربعة أخماسها الباقية ملكاً لعموم المسلمين.

و الحق أنَّ إيراده الأول وجيه لا غبار عليه لأن الصحيحة بصدد بيان كيفية تخميس الغنائم المنقولة من دون نظرٍ لها إلي حكم غير المنقولة نفياً أو إثباتاً. إلّا أَنَّ إيراده الثاني غير وارد لأنّ الأراضي المفتوحة عنوة بعض أفراد الغنيمة و الآية تشمل مطلق الغنائم. فالنسبة بين تلك النصوص و بين الآية هي العموم و الخصوص مطلقاً، فلا إشكال في تقييد إطلاق الآية بتلك النصوص. و قد يتوهم كون النسبة بينهما هي العموم و الخصوص من وجه. نظراً إلي كون نصوص الأراضي المفتوحة عنوةً مطلقة أيضاً بلحاظ أجزائها فتشملها بتمامها و تدلّ بإطلاقها علي كون خمس هذه الأراضي كأربعة أخماسها الباقية ملكاً لعموم المسلمين. و إنّ الآية صالحة لتقييد هذا الإطلاق و اختصاص خمس هذه الأراضي بأرباب الخمس. فيقع بذلك التعارض بينهما.

و فيه: أن مقتضي القاعدة في المحاورات عند مخالفة الدليلَيْن ملاحظة النسبة بينهما بحسب الموضوع. و إطلاق نصوص الأراضي المفتوحة إنّما هو ثابت بلحاظ وجوب الخمس لموضوع الدليل الخاص نظراً إلي كون الأراضي المفتوحة عنوة غنيمة خاصة و من بعض أفرادها. فموضوع الحكم في نصوصها أخص مطلقاً بالنسبة إلي موضوع الآية الشريفة فيُقَيد إطلاقها بهذه النصوص.

هذا مضافاً إلي إمكان أن يقال: إِنَّ الغنيمة المتعلقة للخمس هي التي تعود

إلي أشخاص الغانمين بالتقسيم و تصير ملكاً لآحادهم. و الوجه في ذلك مضافاً إلي كون الغنيمة بمعني الفائدة المالية العائدة إلي شخص الغانم ظهور نصوص المقام في هذا المعني و لذا لٰا تنطبق علي ما هو ملك لعموم المقاتلين.

ثم لا يخفي أنّ أرض الصلح خارجة عن مقصود الماتن (قدّس سرّه)، لظهور تعبيره في

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 30

[التفصيل بين زماني الحضور و الغيبة]

و أما ما اغتنم بالغزو من غير إذنه فإن كان في حال الحضور و التمكن من الاستئذان منه فهو من الأنفال (1). و أما ما كان في حال الغيبة و عدم التمكن من الاستئذان فالأقوي وجوب الخمس فيه (2).

______________________________

الأرض المغتنمة بالحرب. و إنّ ما صولحوا عليه من الأراضي التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب داخلة في الأنفال، كما صرّح بذلك في النصوص.

ففي صحيح بن مسلم

إنَّ الأَنْفٰالَ مٰا كٰانَ مِنْ أَرْضٍ لَمْ يَكُنْ فيها هَراقَةُ دَمٍ أَوْ قَوْمٌ صُولِحُوا وَ أُعْطُوا بِأَيْديهِمْ «1».

و غيره من النصوص المعتبرة «2» و غيرها «3». و الحاصل: أن إطلاق الآية يقيّد بنصوص الأراضي المفتوحة عنوة و يحكم بعدم الخمس فيها.

التفصيل بين زماني الحضور و الغيبة

(1) كما دلّ عليه قوله في مرسل الورّاق

إذٰا غَزا قَوْمٌ بِغَيْر إذن الْإمامِ (عليه السّلام) فَغَنِمُوا كانَتِ الْغَنيٖمَةُ كُلُّها لِلْإِمامِ «4»

بدعوي انصرافه إلي زمان حضور الإمام. و قد حكم فيها بكون الغنيمة المأخوذة بغير إذن الإمام (عليه السّلام) كلّها له، و هذا حكم الأنفال. و لكنّه ضعيف سنداً غير صالح لتقييد إطلاق الآية الدالّة علي وجوب تخميس أَيَّة غنيمة. و العمدة في ذلك صحيحة معاوية بن وهب. و لا إشكال في دلالتها علي اعتبار إذن الإمام. و قد سبق تقريب دلالتها علي ذلك آنفاً. فان

المتيقّن من مدلولها لو ندّع

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 367 ح 10.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 371 ح 20.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 4 وص 366 ح 5 وص 369 ح 17.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 369 ح 16.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 31

______________________________

الانصراف هو زمان الحضور. فالأَقوي كون ما اغتنم بالقتال في زمان حضور الإمام مع عدم صدور الإذن منه بالقتال ملكاً له (عليه السّلام).

(2) إِنّ وجه هذا التفصيل أَنَّ دليل اعتبار إذن الإمام في وجوب خمس الغنائم قاصر عن التعميم إلي زمان الغيبة.

و لذا يقتصر في تقييد إطلاق الآية الشريفة بالمتيقن من مدلول الدليل المقيِّد و هو زمان حضور الإمام (عليه السّلام) و تبقي الغنائم المغتنمة في زمان الغيبة تحت إطلاق الآية فيجب فيها الخمس.

بيان ذلك: أنّ الآية تدل علي وجوب الخمس في مطلق الغنائم سواءٌ اغتنمت في زمن الحضور أو في زمن الغيبة و سواءٌ صدر الإذن من الإمام (عليه السّلام) أم لا. و قد دلّ صحيح معاوية بن وهب و مرسل الورّاق بإطلاقهما علي اعتبار الإذن في زماني الحضور و الغيبة و قيّدا إطلاق الآية من هذه الجهة. هذا بناءً علي ثبوت الإطلاق لهما. و أمّا إذا قلنا بانصرافهما إلي زمان الحضور و قصورهما عن الدلالة علي اعتبار الإذن في زمان الغيبة، يكون إطلاق الآية محكَّماً حينئذٍ و يحكم بوجوب خمس الغنائم المأخوذة في زمن الغيبة.

و قد يقال بوجوب الخمس في الغنائم المأخوذة بالقتال مطلقاً مستدلًا بأنّ تقييده بزمان الحضور يحتاج إلي الدليل و لا دليل عليه إلا ما دلّ علي اعتبار إذن الإمام بدعوي عدم شموله لزمان الغيبة.

و حيث لا يتمّ دلالته علي اشتراط اذن الإمام يرجع

إلي إطلاق الآية في ما اغتنم في زمن الغيبة نظراً إلي عدم ثبوت المقيّد.

نعم علي فرض تماميّة دليل اعتبار الاذن فمقتضي إطلاقه عدم الفرق بين زماني الحضور و الغيبة. و دعوي الانصراف إلي زمان الحضور ممنوعة. نظراً إلي أنّ عدم تمكّن المكلف من الاستيذان لا يوجب تقييد الخطاب و سقوط اعتبار الاذن. و ذلك لعدم

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 32

______________________________

أخذ قدرة المكلّف علي الامتثال في متعلّق الخطاب كما قُرّر ذلك في علم الأصول.

و فيه: أولًا: لأنّ الأظهر تمامية دلالة صحيحة معاوية لما سبق بيانه كما لا إشكال في دلالة مرسل الورّاق علي ذلك.

و ثانياً: انه لا يبعد دعوي انصراف مرسل الوَرّاق و صحيح معاوية إلي زمان حضور الإمام. و ذلك لأنّ ظاهر الخطابات الشرعية المبيّنة لشروط التكاليف اشتراط ما كان تحققه ممكناً في نفسه مع قطع النظر عن عروض العوارض و الطواري الحادثة و من الواضح أنّ في زمان الغيبة لا يمكن الاستيذان من الإمام (عليه السّلام) في نفسه مع قطع النظر عمّٰا يطرَءُ علي المكلّف من العوارض. و ما قيل من عدم أخذ قدرة المكلّف في متعلق الخطاب فإنّما هو بلحاظ العوارض و الطواري الحادثة له دون ما إذا لم يمكن تحقّق متعلّق الخطاب في نفسه. هذا مضافاً إلي أنّ في صحيح معاوية سأَل الرّاوي عن حكم سريّة بَعَثها الإمام. و إنه (عليه السّلام) اعتبر أيضاً في الجواب قيد التأمير من جانب الإمام و لا ريب أَنَّ كليهما يمكن في زمان حضوره خاصّةً.

و أمّا احتمال إرادة الحاكم العادل من لفظ الإمام فإنّه و إن كان مقصوداً في بعض أبواب الفقه، إلّا أنّ في باب الخمس وردت نصوصٌ في تقسيم الغنائم و تشريع وجوب

الخمس و تفسير الآية، قد دلّت علي اختصاص الخمس بالأئمة (عليهم السّلام) عوضاً عن الزكاة التي هي من أوساخ الناس. و عُبّر في بعضها عنهم (عليهم السّلام) بالحُجَج علي الناس و ذُرّية رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم). و هذه التعابير توجب القطع بأنّ المقصود من لفظ الإمام في نصوص الخمس هو الإمام المعصوم الذي ثبت لشخصه صفو المال. كما أنّ في مرسل الورّاق و صحيح معاوية ذكر اشتراط إذن الإمام و كون الخمس له في سياق واحدٍ. فلا بدّ أن يكون المقصود من الإمام في هاتين الفقرتين معني واحداً. و هو الإمام المعصوم لا الحاكم، و إن ثبت ولايته علي الخمس بأدلّة النيابة و لكنه لا يثبت كون المقصود من لفظ الإمام في نصوص المقام ما هو الأعم من الحاكم العادل. و عليه فدليل

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 33

______________________________

اعتبار الاذن قاصرٌ عن اشتراطه في زمان الغيبة فالمحكّم هو إطلاق الآية. إلّا أنّ أدلّة النيابة العامة للفقيه الجامع كافية لإثبات المطلوب في المقام إذ بعد ما دلّت علي كونه بمنزلة الإمام المعصوم في الولاية علي الحكومة و السياسة يكون إذنه بالقتال و تأميره لذلك بمنزلة إذن الإمام و تأميره. و عليه فالأمر سهل في المقام بعد ثبوت الولاية المطلقة للفقيه الجامع المتصدي للحكومة الإسلامية. فيجب تخميس الغنائم المأخوذة في القتال مع الكفار و البغاة إذا كان بإذنه و أمره. و إلّا فهي من الأنفال و ملكٌ للإمام.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 34

[لا خصوصية لكون القتال للدّعاء إلي الإسلام]

سيّما إذا كان للدعاء إلي الإسلام (1).

______________________________

لا خصوصية لكون القتال للدّعاء إلي الإسلام

(1) فصّل في الحدائق بينما إذا كان القتال للدعاءِ إلي الإسلام فحكم بكون الغنيمة كلها للإمام

حينئذٍ من دون تعلّق الخمس، و بينما إذا كان بالقهر و الغلبة فأوجب فيها الخمس، استناداً إِلي ظهور قوله (عليه السّلام): «إِذا غَزٰا قومٌ بِغَيْر إذن الامٰامِ فَغَنمُوا كٰانَتِ الْغَنِيمَةُ كُلُّهٰا لِلإمٰامِ» في مرسل الورّاق «1» في خصوص ما كان الغزو للدعاءِ إلي الإسلام.

و ردّ بأنه لا وجه لدعوي ظهور المرسل المزبور في ذلك لعدم أخذ هذه الخصوصية في معني لفظ «الغزو» لغةً، و لا قرينة أُخري علي ذلك. و فيه: انه لعلّ نظر صاحب الحدائق (قدّس سرّه) إلي احتياج خصوص الغزو الدعائي إلي إذن الإمام (عليه السّلام) دون غيره من أقسام القتال. و لكن الإنصاف عدم تمامية كلام صاحب الحدائق بهذا التوجيه أيضاً. إذ يحتاج سائر أقسام القتال غير الدعائي منها أيضاً إلي اذنه (عليه السّلام)، مثل ما كان لتوسعة الممالك الإسلامية أو أغراض سياسية أُخري. فهذا الوجه غير وجيه.

و قد ذُكر وجهٌ آخر لهذا التفصيل و هو رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

كُلُّ شَيْ ءٍ قُوتِلَ عَلَيْهِ عَلي شَهادَةِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللّٰه وَ أَنَّ مُحَمَّداً (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) رَسُولُ اللّهِ فَإنَّ لَنا خُمُسَهُ «2».

فان ظاهر قوله

عَلي شَهادَةِ أَنْ لا إِلهَ إلَّا اللّٰه..

هو الدعوة إلي الإسلام.

و رُدّ هذا الوجه بضعف هذه الرواية سنداً لوقوع علي بن أبي حمزة البطائني في طريقها. فلا تصلح للدليلية علي هذا التفصيل، بل إنّما تصلح للتأييد.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 369 ح 16.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 339 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 35

[حكم ما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة]

______________________________

حكم ما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة إنّ ما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة بالقتال فهل يجب فيه الخمس أم لا؟ و أَنَّ أربعة أخماس

الباقية بعد التخميس لمن يكون؟ أ يكون ملكاً للمسلمين أو للْإمٰام عليه السّلام. فقد وقع الكلام في ذلك.

و قد احتاط في العروة وجوباً بدفع خمسه حيث قال

فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفار بالمقاتلة من المنقول و غيره يجب فيه الخمس علي الأحوط و إن كان قصدهم زيادة الملك لا الدعاء إلي الإسلام.

و الوجه فيه: إطلاق الآية الظاهر في وجوب الخمس في مطلق الغنائم بعد انصراف دليل اعتبار الإذن عن زمن الغيبة. و هو الأقوي بناءً علي ما بَيَّنٰاه آنفاً. فلا إشكال في أصل وجوب الخمس فيه لعدم قصور الآية في شمول هذه الصورة بإطلاقها و عدم ثبوت القيد. و أمّا أربعة أخماس الباقية فالظاهر أنّها ملكٌ للمقاتلين الغانمين إذا قصدوا تملّكها. و ذلك لإطلاق ما دل علي ملكية الغنيمة لهم بالاغتنام كما أنه مستفادٌ من سياق الآية. نظراً إلي ظهورها في تشريع وجوب خمس ما أصابه المقاتلون من الغنائم و تملّكوها بالاغتنام في حربهم مع الكفّار. بل كأنّها بصدد دفع ما يمكن ارتكازه في أذهان المقاتلين من كون تمام ما اغتنموه ملكاً لهم. و يدلُّ علي ذلك أيضاً ظاهر قوله تعاليٰ فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلٰالًا طَيِّباً نظراً إلي كون الأكل كنايةً عن مطلق التصرف. كما هو المراد في قوله تعاليٰ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ. و من الواضح أنّ التملُّك من أبرز مصاديق التصرف. هذا لا كلام فيه.

و إنما الكلام فيما إذا لم يقصد المقاتلون تملُّكَ الغنائم لأنفسهم كما هو الغالب في حروب السلاطين حيث إنهم يأخذونها للحكومة. و حينئذٍ فإن كان السلاطين حُكّاماً عدولًا جامعة لشرائط الولاية العامة فلا إشكال في صيرورة الغنائم المأخوذة ملكاً لهم بما أَنَّهم أولي أمر المسلمين و

ولاة أمرهم و نائبين مناب الإمام (عليه السّلام).

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 36

______________________________

فيجري في حقّهم جميع ما كان ثابتاً له من الولاية علي الخمس. فيضعونه حيث شاءُوا في سبيل إدارة حكومة الإسلام و تأمين مصالح المسلمين. و لا يجري حكم صفو المال في حقّهم لعدم اختصاصه بشخص الإمام المعصوم (عليه السّلام). بل إِنَّما هي ملكٌ لمنصب الإمامة و من هنا يثبت للفقيه أيضاً بما أنّه وليّ أمر المسلمين.

و أمّا إذا كانوا من الطواغيت و الجائرين ممن لا يصلح لزعامة المسلمين فيقع البحث أنّ الغنائم حينئذٍ هل تكون من الأنفال بعنوان ما لا ربّ له أو تكون من بيت المال و ملكاً لعموم المسلمين لٰا لآحادهم لجهة قصدهم تملّكها كذلك كالأراضي المفتوحة عنوةً أو تصير من المباحات الأصلية بعد ما خرجت عن ملك الكفار بالاغتنام لعدم احترامهم و لعموم قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلٰالًا طَيِّباً «1» بعد تعميم الجواز من الأكل إلي جميع التصرّفات كما في قوله تَعاليٰ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ.. أو تبقي في ملك الكفار ففي ذلك وجوهٌ.

و الوجه في كونها من الأنفال صيرورتها بذلك من قبيل ما لا رب له و لكنّه مبنيٌّ علي تعميمه من الأرض المنصوص عليها الي مطلق الأموال.

و أما وجه كونها من الغنائم إطلاق قوله تعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ.. و حينئذٍ يجب تخميسها علي كل من تملّكها. و حيث إن المفروض عدم تملّكهم لها فلا يجب عليهم الخمس.

و أما وجه كونها من المباحات الأصلية و هو الأظهر أَنَّها خرجت عن ملك الكفار باغتنام المسلمين و لم يقصد المقاتلون تملّكها لأنفسهم و لم يكن السلطان صالحاً للولاية و لم ينهض دليلٌ

علي كونها ملكاً لعامة المسلمين، كما في الأراضي المفتوحة عنوةً. فلأجل ذلك تصير من المباحات الأصلية. و عليه فيحلّ حيازتها لكل أحدٍ و يجوز التصرف فيها لعموم المسلمين و لا سيما المقاتلين الغانمين، نظراً إلي كونهم

______________________________

(1) الأنفال/ 69.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 37

______________________________

مخاطبين بقوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلٰالًا طَيِّباً. و أمّا بقاءُها في ملك الكفار فلا وجه له بعد ما اغتنمها المسلمون حيث إنّها عادت إليهم و صارت فائدةً لهم بنفس الاغتنام. فانّ مقتضاه خروج الغنائم عن ملك الكفار بنفس الاغتنام و لازم ذلك كون الغنائم في مفروض الكلام من المباحات. فيجوز حينئذٍ لكلّ واحدٍ من المقاتلين أن يتصرّف فيها. و من هنا يعلم عدم كونها من الأنفال لأن المسلمين حينما سألوا النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن جواز التصرف في الأنفال أجابهم اللّٰه تعاليٰ بقوله قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ. و الحال أنّه تعاليٰ رخَّص لهم التصرف في الغنيمة بقوله فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلٰالًا طَيِّباً. هذا مُضافاً إليٰ جَعْلِ الْغَنائِم في نصوص الخمس في قبال الأنفال و لا ريب في صدق عنوان غنائم الحرب علي ما يأخذه المسلمون بالحرب، و لو بقيادة سلاطين الجور.

و يمكن أن يقال إنّ دليل اشتراط اذن الإمام لمّا كان منصرفاً عن زمان الغيبة حسبما استظهرناه من النصوص فلا مانع من هذه الجهة في تعلّق الخمس بما اغتنمه السلاطين. و أما عدم قصد التملك فلا دخل له في صدق عنوان الغنيمة فإذا صدق عنوانها يجب تخميسها لإطلاق الآية نظراً إلي تحقّق موضوع الخمس بذلك. كما يحلّ لهم التصرف فيها بمقتضي إباحتها الأصلية و بإطلاق آية حلية أكلها للغانمين. و عليه فيجب تخميسها قبل التصرف فيها.

و لا يخفي أنّه لا دلالة للآية علي انحصار وجوب خمس الغنيمة فيما إذا تملّكها آحادُ الغانمين. بل إنّما تدلّ علي وجوب الخمس بمجرد الاغتنام. و عليه فيتوقف جواز مطلق الانتفاع و الاستفادة من الغنيمة بأيّ وجه كان سواءٌ كان علي نحو التملّك أو الإباحة في التصرف علي تخميسها لصدق كونها فائدة عائدة إلي الغانم بذلك و إن لم يقصد تملّكها.

ثم لا يخفي أن الأمر في الأراضي المفتوحة عنوة سهل نظراً إلي كونها ملكاً لعموم المسلمين. و إنّ جميع ما مرّ من الوجوه كان في غير الأراضي من الأموال

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 38

______________________________

المنقولة. و يحتمل كونها من المباحات الأصلية نظراً إلي عدم ورود عموم يدلّ علي كون كل ما لا رب له من الأموال حتي المنقولة منها معدوداً من الأنفال. كما لم يدلّ أيّ دليل علي كونها ملكاً لعموم المسلمين، كما ورد في الأراضي المفتوحة عنوةً. و عليه فيجوز تملّكها لآحاد المسلمين. و لكن لمّا لم يقصد و أتملّكها لأنفسهم لٰا تصير ملكاً لهم بل إنّما يحلّ لهم التصرف فيها كما هو مقتضي القاعدة في المباحات الأصلية، مضافاً إلي إطلاق قوله فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلٰالًا طَيِّباً.

و أمّا توهم كونها من قبيل ما يؤخذ من العدوّ بالاصطلام و الاستئصال كما في صحيح علي بن مهزيار

وَ مِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مالُهُ «1».

و ترتب حكم الغنيمة بالمعني العام كجواز استثناء مئونة السنة منها-، في غير محلّه. لأنّ مفروض الكلام فيما أخذ من المشركين في القتال بالحرب و لا إشكال في صدق عنوان الغنيمة بمعناها الأخص عليه إذ لا يعتبر في معناها شي ءٌ أزيد من ذلك.

و إنّما الكلام في ترتّب حكمها من جهة عدم صدور الاذن من

الإمام و عدم قصد الغانمين تملُّكها. و الحاصل أنّ إذن الإمام لا دليل علي اشتراطه في زمن الغيبة كما سبق. و أمّا قصد التملك لآحاد الغانمين فهو غير معتبر في وجوب الخمس لظهور الآية في تعلق الخمس بما غنمه المقاتلون المسلمون مطلقاً، سواءٌ أقصدوا تملّكه لأشخاصهم أو لعموم المسلمين. نعم لٰا معني لتعلُّق الخمس إذا قصدوا تملّكها لوليّ الأمر، إلّا أنّه خارج عن محل الكلام لفرض كون السلطان من الطواغيت.

هذا كلّه مع قطع النظر عن ثبوت الولاية العامة للفقيه الجامع، و إلّا فإذنه بمنزلة إذن الإمام (عليه السّلام) في زمن حضوره. و عليه فإذا قاتل السلطان بغير إذنه كانت الغنائم كلّها في حكم الأنفال بمقتضي التفصيل المختار.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 39

[يجب تخميس غنائم الدفاع]

و كذا ما اغتنم منهم عند الدفاع (1) إذا هجموا علي المسلمين في أماكنهم و لو في زمن الغيبة. و ما اغتنم منهم بالسرقة و الغيلة غير ما مرّ (2).

______________________________

يجب تخميس غنائم الدفاع

(1) وجه ذلك أنّ الآية الشريفة تشمل بإطلاقها جميع أنواع الغنائم المغتنمه في أيّ قتال. و إنّما خرج منه بالدليل خصوص الجهاد الذي لم يأذن به الإمام. و ذلك لظهور لفظ «الغزو» في مرسل الورّاق و السرّية المبعوثة من جانب الإمام في صحيح معاوية في ذلك و هو لا يشمل الدفاع. و عليه فلا دليل يقيّد إطلاق الآية في الدفاع عن بيضة الإسلام. مع أنه لا إشكال في صدور الإذن العام به من جانب الإمام (عليه السّلام) و عليه فيجب تخميس الغنائم المأخوذة فيه عملًا بإطلاق الآية.

ثم إن هذا بناءً علي اشتراط إذن الإمام بالقتال في خمس الغنيمة كما اختاره الماتن (رحمه اللّٰه)

و أمّا بناءً علي عدم استفادة اشتراطه من نصوص المقام فلا إشكال في وجوب تخميس غنائم الدفاع في عصر الغيبة عملًا بإطلاق الآية. و لمّا كان من قبيل خمس الغنائم فلذا لا تلاحظ فيه مئونة السنة.

(2) لا إشكال في أصل وجوب خمس ما أُخذ من الكافر الحربي بالسرقة و الغيلة. و إنّما الكلام في أنّه هل يكون من الغنيمة الخاصّة حتي لا يجوز فيه استثناءُ مئونة السنة أو من قبيل الفائدة المكتسبة حتي تلاحظ في تخميسه المئونة، نظراً إلي دخوله حينئذٍ في إطلاق ما دلّ من النصوص علي أنّ الخمس بعد مئونة السنة.

و قد قوّي الماتن (قدّس سرّه) هنا إلحاق ما أخذ بالسرقة و الغيلة في غير الحرب بالغنيمة الخاصة، و إليه أشار بقوله

غير ما مرّ

رغماً لما سبق منه من التفصيل. و لكن التحقيق عدم كون ما أُخِذَ بالسرقة و الغيلة من الكافر الحربي في غير الحرب من الغنائم الخاصّة. بل يدخل تحت عنوان مطلق الفائدة أو عنوان ما أُخِذَ من العدوّ

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 40

______________________________

بالاصطلام و الاستيلاءِ عليه. و ذلك لأنّه يستفاد من سياق الآية و النصوص المعتبرة الواردة في المقام، أَنَّ المعتبر في الغنيمة الخاصّة اغتنامها بالقتال في الحرب. و عليه فيدخل المال المأخوذ بالسرقة و الغيلة في غير الحرب تحت إطلاق ما دلّ علي استثناءِ مئونة السنة في مطلق الفائدة، كما يستفاد ذلك من صحيح البزنطي قال

كَتَبْتُ إليٰ أَبي جَعْفَرٍ (عليه السّلام): الْخُمْسِ أُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمَئُونَةِ أَوْ بَعْدَ الْمَئُونَةِ؟ فَكَتَبَ: بَعْدَ الْمَئُونَةِ.

و صحيح الهمداني رواه الصدوق في الفقيه عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن إبراهيم محمد الهمداني أنّ في توقيعات

الرضا (عليه السّلام) إليه

إِنَّ الْخُمْسَ بَعْدَ الْمَئُونَةِ «1».

فإنّ قوله

الخُمْسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ

بقرينة السؤال ظاهرٌ في كون استثناء المئونة قيدٌ لإخراج الخمس و دفعه. و هو يشتمل بإطلاقه مئونتي التحصيل و السنة، إذ ظاهره أيّة مئونة صَرَفها الشخص، سواءٌ كان صرفها في سبيل تحصيل الفائدة أو لإمرار المعاش. و لا ظهور للفظ المئونة عند الإطلاق في مئونة تحصيل الربح كما تُوهِّم.

و صحيح علي بن مهزيار

فَأمّا الْغَنائمَ وَ الْفَوائِدُ فَهِيَ واجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام. قالَ اللّهُ تعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ. فَالْغَنائِمُ وَ الْفَوائِدُ يَرْحَمُكَ اللّهُ فَهِيَ الْغَنيمَةُ يَغْنِمُها الْمَرْءُ وَ الْفائِدَةُ يُفيدُها.. وَ مِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مالُهُ «2».

حيث ان الإمام (عليه السّلام) مثّل فيها لمطلق الفائدة بالمال المأخوذ من العدو بالاصطلام و أوجب الخمس في كلِّ عام. فيُعلم من هذه الصحيحة أنّ الخمس يجب في كل عام مرّةً في انتهاء السنة و هو ظاهر في جواز إخراج مئونة السنة. و الحاصل: أنّ هذه الصحيحة قد دلّت علي أنّ كلّ فائدة يستفيدها المرءُ يجب عليه تخميسها بعد

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12 ح 1 و 2.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 349 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 41

[حكم ما أخذ بالربا أو الدعوي الباطلة]

و كذا بالربا و الدعوي الباطلة و نحوها فالأحوط (1) إخراج الخمس منها من حيث كونه غنيمة لا فائدة، فلا يحتاج إلي مراعاة مئونة السنة، و لكن الأقوي خلافه.

______________________________

إخراج مئونة السنة إلّا في موارد ثبت خلاف ذلك بالدليل، مثل غنائم دار الحرب المأخوذة بالمقاتلة و المعدن و الكنز و نحو ذلك. فيبقي سائر أفراد الفوائد تحت إطلاق الصحيحة المزبورة. و إنّ من تلكَ الفوائد ما أخذ من الكفار

بالسرقة و الغيلة في غير الحرب و احتمال كونه من الغنائم الخاصّة لا يمكن الالتزام به خصوصاً بعد ملاحظة عَدّ المال المأخوذ من العدو بالاصطلام و الاستئصال من قبيل مطلق الفوائد. لوضوح كونه أوليٰ في صدق الغنيمة عليه من المال المأخوذ سرقةً و غيلةً في غير الحرب.

حاصل الكلام: أنّ المال المأخوذ بالسرقة و الغيلة في غير الحرب يجري عليه حكم مطلق الفائدة فيجوز استثناء مئونة السنة منها قبل التخميس. بخلاف ما أُخِذ منه في الحرب و كان من شؤُونه.

حكم ما أخذ بالربا أو الدعوي الباطلة

(1) هذا الاحتياط من الماتن (قدّس سرّه) استحبابي حيث قوّي في الذيل خلاف ذلك.

و قد تبيّن ممّا ذكرنا آنفاً حكم المال المأخوذ من المشركين بالربا أو الدّعوي الباطلة. حيث يبعد احتمال كونه من الغنائم الخاصّة. بل يمكن القطع بعدمه بعد ما لم يكن المأخوذ من العدو بالاصطلام و الاستيلاءِ و بالسرقة و الغيلة من هذا القبيل. و لعلّ وجه عدّ المأخوذ منهم بالرِّبا من الغنائم الخاصّة إدراج مطلق ما أخذ من الكافر الحربي فيها بإلغاءِ خصوصية القتال. كما يظهر من إطلاق ما رواه في المحكم و المتشابه بإسناده عن علي (عليه السّلام) قال

أَلْخُمْسُ يُخْرَجُ مِنْ أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ مِنَ الْغَنائِمِ

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 42

______________________________

الَّتي يُصيبُهٰا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكينَ.. «1».

و فيه: مضافاً إلي ضعف سنده أنّ المقصود بقرينة سائر نصوص المقام خصوص الغنائم المأخوذ من المشركين بالمقاتلة. فيجوز فيه استثناءُ مؤُونة السنة.

و لا يخفي عليك أنَّ المقصود خصوص الربا المأخوذ من الكافر الحربي أو من في حكمهم كالنواصب، لا مطلق المال المأخوذ بالربا أو الدعوي الباطلة و لو من المسلمين لوضوح كونه حراماً محضاً و سحتاً في صريح الكتاب و السنة.

و عليه فالحكم بثبوت الخمس في ما أخذ من الكافر الحربي بالربا أو الدعوي الباطلة فرع جواز أخذ المال منه بالربا.

و قد وقع الكلام في جواز أخذ الربا من الكافر الحربي. و لا إشكال في أنّه علي فرض حرمة أخذ الربا منهم لو أنشأ المسلم المعاملة الربوية صورياً من دون قصدٍ جدّيٍّ بل لغرض قصد أخذ المال منه بهذه الوسيلة لا يرتكب بذلكَ فعلًا حراماً، حيث إنّه لا احترام لمال الكافر الحربي و يجوز أخذه و تصرُّفه فيه. و لأنّ المفروض عدم تعلق قصده الجدي بإنشاء المعاملة الربوية.

و أمّا لو قصد الربا فيمكن أن يقال إنّه ارتكب بذلك فعل الحرام و ذلك لعموم قوله تعاليٰ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «2» و عموم قول أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) في معتبرة حسين بن علوان

لَعَنَ رَسُولُ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) الرِّبا وَ آكِلَهُ وَ بايِعَهُ وَ مُشْتَريهِ، كاتِبَهُ وَ شاهِديهِ «3»

و غيرها من النصوص. و لكن بعد ارتكابه الحرام بإنشاءِ المعاملة الربوية فهل يحرم أخذ ماله؟ فقد يقال بعدم الحرمة و جواز التصرف فيه لفرض إباحته بعد سقوط احترامه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 361 ح 12.

(2) البقرة/ 275.

(3) الوسائل/ ج 12 ص 430 ب 4 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 43

______________________________

و لكن الأقوي: جواز أخذ الربا من الكافر حتي تكليفاً كما ذهب إليه المشهور. و الوجه في ذلك أوّلًا: أَنَّ آيات تحريم الربا قاصرة عن شمولها للكفار، إذ هي خطاب للمؤمنين كما قال تعاليٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعٰافاً مُضٰاعَفَةً وَ اتَّقُوا اللّٰهَ.. «1». و قال تعاليٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ الرِّبٰا

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ. وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ «2». و إنّ المقصود من المظلوم هو معطي الربا و من الظالم آخذ الربا. و حيث إنّهما خوطبا معاً في سياق واحد تحت عنوان المؤمنين، فيُعلم من ذلك أَنَّ هذه الآية ناظرة إلي تشريع حرمة الربا بين المؤمنين.

و أَمّا قوله وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا يكون بصدد دفع توهم المشركين المتموّلين، حيث كانوا يقولون إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا فهي بصدد تشريع أصل حرمة الربا من دون نظرها إلي بيان من يحرم أخذ الربا منه.

فالحاصل: أن الآيات النازلة في تحريم الربا قاصرة عن إفادة حرمة أخذها من الكافرين بل بعضها ظاهرة في تشريع حرمتها بين المؤمنين و بعضها الآخر ناظرةٌ إلي تشريع حرمة أصل الربا.

و ثانياً: قد صُرِّح في خبر عمرو بن جميع بحلية أخذ الربا من الكافر الحربي. رواه في الكافي بإسناده عن الصادق (عليه السّلام) قال

قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): لَيْسَ بَيْنَنا وَ بَيْنَ أَهْلِ حَرْبِنا رِباً، نَأْخُذُ مِنْهُمْ أَلْفَ أَلْف دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ وَ نَأْخُذُ مِنْهُمْ وَ لا نُعْطيهِمْ «3».

هذا الخبر لا إشكال في دلالته. و أمّا ضعف سنده لوقوع عمرو بن جميع في طريقه فمنجبر بعمل المشهور.

و أما قاعدة الإلزام فلا يمكن التمسك بها لإثبات جواز أخذ الربا من الكافر نظراً

______________________________

(1) آل عمران/ 130.

(2) البقرة/ 278 و 279.

(3) الوسائل/ ج 12 ص 436 ب 7 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 44

و لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً علي الأصح (1).

______________________________

إلي اعتقادهم بحلّيته في مذهبهم الباطل. و ذلك

لأنه علي فرض كون هذه القاعدة بهذه السعة يأتي عين هذا الكلام في بيع الخمر و الخنزير منهم مع عدم التزام الفقهاء بجواز البيع هناكَ. نعم يجوز أخذُ ثَمنهما منهم من باب قاعدة الإلزام و لكنّها لا تصحّحُ بيعهما.

[لا يعتبر في خمس الغنيمة نصابٌ]

لا يعتبر في خمس الغنيمة نصابٌ

(1) كما هو المعروف المشهور خلافاً للمفيد فاعتبر النصاب المذكور و لم يُعلم له أيّ مستندٍ حتي رواية ضعيفة.

قال في الجواهر

لا أعرف فيه خلافاً سوي ما يُحكي عن ظاهر غرية المفيد من اشتراط بلوغ مقدار عشرين ديناراً و هو ضعيفٌ جدّاً لا نعرف له موافقاً و لا دليلًا بل هو علي خلافه متحقق كما عرفت «1».

و مراده من الدليل الدالّ علي نفي ذلك إطلاق دليل وجوب خمس الغنائم من الكتاب و السنة. فإنه المتّبع في المقام و ظاهره وجوب تخميس الغنيمة مطلقاً، سواءٌ بلغت النصابَ المذكور أم لم تبلُغ. كما لا يخلو تنكير لفظ

شي ءٌ

في قوله تعاليٰ أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ من إشارة إلي التعميم إلي أَيّ مقدار من الغنيمة و لو كان قليلًا.

و قد يستشهد لقول المفيد بما دلّ من النصوص علي اشتراط بلوغ المعدن و الكنز عشرين ديناراً في وجوب خمسه.

مثل صحيح البزنطي

قالَ سَأَلْتُ أبا الْحَسَنِ (عليه السّلام) عَمّا أَخْرَجَ الْمَعْدنُ مِنْ قَليلٍ أَوْ كَثيرٍ هَلْ فيهِ شَي ءٌ. قٰال (عليه السّلام): لَيْسَ فيهِ شَي ءٌ حَتّي يَبْلُغَ ما يَكُونُ في

______________________________

(1) الجواهر/ ج 16 ص 13.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 45

______________________________

مِثْلِهِ الزَّكاةُ عِشْرينَ دينٰاراً «1».

و مرسل المفيد في المقنعة قال

سُئِل الرِّضا (عليه السّلام) مِنْ مِقْدارِ الْكَنْزِ الَّذي يَجِبُ فيهِ الْخُمْسُ؟ فَقٰال (عليه السّلام): ما يَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ مِنْ ذلِكَ بِعَيْنِهِ فَفيهِ الْخُمْسُ. وَ ما لَمْ يَبْلُغْ حَدَّما تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ فَلٰا

خُمْسَ فيهِ «2».

و في صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَمّٰا يَجِبُ فيهِ الْخُمْسُ مِنَ الْكَنْزِ، فَقٰالَ (عليه السّلام): ما يَجِبُ الزَّكاةُ في مِثلِهِ فَفيهِ الْخُمْسُ «3».

وجه الاستشهاد أَنَّ السؤال و إن كان عن المعدن و الكنز و لكن الإمام أجاب بأَنّ ما يكون في مثله الزكاة ففيه الخمس فلذا يُتعدّيٰ عن مورد السؤال إلي غنائم دار الحرب و يُلتزم باعتبار بلوغ النصاب فيها عشرين ديناراً كما في الزكاة.

و لكنّه توجيه غير وجيه، لوضوح أنّه لا دلالة لهذه النصوص علي اشتراط النصاب المذكور في كل ما يجب فيه الخمس. بل إنّما دلّت علي أنّ أيّ مقدارٍ من المالية اشترط فيما تجب فيه الزكاة يشترط في وجوب خمس المعدن و الكنز أيضاً فيشترط في خمسهما بلوغ مقدارهما إلي هذا الحدّ من المالية.

و الحاصل: أنَّ أَقصي دلالتهما بيان مقدار المالية و حدّها المعتبر في تعلّق الخمس بخصوص الكنز و المعدن و لا يستفاد منه التعميم. و ذلك لانّ ضمير الهاء في قوله

ليس فيه شي ءٌ

و الضمير المستتر في

يبلغ

في صحيح البزنطي يرجع إلي المعدن، كما أنّ ضمير «الهاء» في مثله في صحيح البزنطي الآخر و

ذلك

في مرسل المفيد إشارة إلي الكنز.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 4 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 346 ب 5 ح 6.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 345 ب 5 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 46

[حكم الغنيمة المغصوبة]

نعم يعتبر فيه أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد و نحوهم من محترمي المال (1).

______________________________

حكم الغنيمة المغصوبة

(1) إذا كان ما اغتُنِمَ في الحرب مغصوباً من محترمي المال، بان غَصَبه الكفار منهم قبل الحرب و كان في أيديهم حال الحرب

فأخذ منهم المسلمون بالقتال و الاستيلاء عليهم. فالمشهور حينئذٍ وجوب ردّ هذه الأموال إلي مالكها المحترم. و قد نسب خلاف ذلك إلي الشيخ في النهاية و القاضي في بعض كتبه. فذهبا إلي كونها لعموم المقاتلين و أنّ الإمام يغرم قيمتها لمالكها من بيت المال. و يدلُّ علي نظر المشهور مضافاً إلي ما دلّ علي وجوب ردّ المال إلي مالكه المحترم صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قالَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ التُّرْكِ يَغْزُونَ عَلي الْمُسْلِمين فَيَأْخُذُونَ أَوْلادَهُمْ فَيَسْرِقُونَ مِنْهُمْ، أَ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ؟ قالَ (عليه السّلام): نَعَمْ وَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَ الْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِمالِهِ أَيْنَما وَجَدَهُ «1».

فانّ مقصود السائل من قوله

أَ يُرَدّ عليهم

هو السؤال عن ردّ الأموال المسروقة من أولاد المسلمين إليهم بعد غلبتهم علي التُّرك الكُفّار و أخذ تلك الأموال منهم، نظراً إلي احتمال كونها للمقاتلين بعنوان الغنيمة الحربية حيث استحقُّوها بقتال الكفار و أخذها منهم بالقهر و الاستيلاء عليهم كسائر غنائم دار الحرب. فأَمَرَ الإمام في الجواب بردّ الأموال المسروقة إلي مُلّٰاكها المسلمين.

و أما وجه قوله

وَ الْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِمالِهِ

مع فرض كونه ملكاً له، فلعلّه أنّ المقاتلين أيضاً استحقوها بالاغتنام في الحرب كسائر موارد الاغتنام. و لكن في المقام لمّا كانت تلكَ الأموال للمسلم قبل الاغتنام فيكون هو أحقّ به من المقاتل الغانم.

ثم إنّ ظاهر قوله هذا كون المسلم أحقّ بعين ماله لا قيمته لأَنّ قيمة المال غير

______________________________

(1) الوسائل/ ج 11 ص 74 ب 35 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 47

______________________________

المال نفسه. و من هنا لا تُلائم هذه الصحيحة ما نسب إلي الشيخ من تغريم القيمة بعد دفع المال إلي المقاتلين، بل ظاهرها وجوب ردّ عين المال المغتنم من الكافر

إلي المسلم الذي كان مالك المال سابقاً.

و أمّا احتمال كون الترك مسلمين و وقوع القتال بين طائفتين من المسلمين بلحاظ كون قوله

الْمُسْلِمُ أخُو المسْلِمِ

قرينةً علي فرض إسلام كلٍّ من آخذ المال و المأخوذ منه مدفوعٌ و ذلك لمعلومية كفر قوم الترك و عدم انتحالهم إلي الإسلام في زمان الصادق (عليه السّلام) و لظهور المقابلة بين عنواني الترك و المسلمين في كفرهم.

و لا يخفي أنّ فرض كون آخذ المال المسروق مسلماً فإنّما هو عند غلبة المسلمين علي الكفار.

ثم إنّه ممّا يؤَيّد ما قلناه خبر طربال عن أبي جعفر (عليه السّلام)

قالَ سُئل عَنْ رَجُلٍ كانَ لَهُ جارِيَةٌ فَأَغارَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ فَأَخَذُوها مِنْهُ. ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمينَ بَعْدُ غَزَوْهُمْ فَأَخَذُوها فيما غَنِمُوا مِنْهُمْ. فَقالَ (عليه السّلام): إِنْ كانَتْ في الْغَنائم وَ أَقامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُشْرِكينَ أَغاروُا عَلَيْهِمْ فَأَخَذوها مِنْهُ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ قَدْ اشْتُرِيَتْ وَ خَرَجَتْ مِنَ الْمَغْنَمِ فَأَصابَها رُدَّتْ عَلَيْهِ بِرُمَّتِهٰا وَ أُعْطِيَ الَّذي اشْتَراها الثَّمَنَ مِنَ الْمَغْنَمِ مِنْ جَميعِهِ. قيلَ لَهُ: فَإِنْ لَمْ يُصِبْهٰا حَتّٰي تَفَرَّقَ النّٰاسُ وَ قَسَّمُوا جَميعَ الْغَنٰائِم فَأصابَها بَعْدُ؟ قالَ (عليه السّلام): يَأْخُذُها مِنَ الَّذي هِيَ في يَدِهِ إِذا أَقامَ الْبَيّنَةَ و يَرْجِعُ الَّذي هِيَ في يَدِهِ إِذٰا أَقٰامَ الْبَيِّنَةَ عَليٰ أَميرِ الْجَيْشِ بِالثَّمَنِ «1».

وجه دلالتها علي رأي المشهور واضحٌ حيث إنّ في كل واحدٍ من الفروض المذكورة حكم الإمام بردّ الجارية إلي مالكها المسلم المغار عليه مجاناً من دون أخذ ثمنها منه نظراً إلي حكمه (عليه السّلام) بردّ ثمنها إلي الذي اشتراها أو الذي وقعت الجارية سهماً له من جميع المغنم أو من بيت المال. و إنّ الذي ذهب إليه المشهور ردُّ المال إلي مالكها المسلم المغار

______________________________

(1) الوسائل/ ج 11

ص 75 ب 35 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 48

______________________________

عليه مجّاناً. و أمّا رجوع مشتريها أو من هي سهمُه إلي إمام المسلمين أو أمير الجيش فيكون لأجل جبران الخسارة الواردة عليه بذلك، فهو مقتضي القاعدة و لا يَضُرّ بما نحن في صدد إثباته. فلا إشكال في دلالة هذه الرواية علي رأي المشهور.

و قد استُدلَّ في قبال المشهور لقول الشيخ من إعطاءِ الأموال إلي المقاتلين و تغريم قيمتها لمُلّاكها المسلمين برواية أخري من هشام عن بعض أصحاب أبي عبد اللّٰه عنه (عليه السّلام)

فِي السَّبْيِ يَاْخُذُ الْعَدُوُّ مِنَ الْمُسْلِمينَ في الْقِتالِ مِنْ أَوْلادِ الْمُسْلِمينَ أو مِنْ مَماليكِهِمْ فَيَحُوزُونَهُ ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمينَ بَعْدُ قاتَلُوهُمْ وَ ظَفَرُوا بِهِمْ وَ سَبَوْهُمْ وَ أَخَذُوا مِنْهُمْ ما أَخَذُوا مِنْ مَماليكِ الْمُسْلِمينَ وَ أَوْلادِهِم الَّذينَ كانُوا أَخَذوُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمينَ، كَيْفَ يَصْنَعُ بِما كانُوا أَخَذُوهُ مِنْ أَوْلادِ الْمُسْلِمينَ وَ مَماليكِهِمْ؟ قالَ: فَقالَ (عليه السّلام): وَ أَمّا أَوْلادُ الْمُسْلِمينَ فَلا يُقامُونَ في سَهامِ الْمُسْلِمينَ وَ لٰكِنْ يُرَدُّونَ إِلي أَخيهِمْ وَ أَبيهِمْ وَ إِلي وَليِّهِمْ بِشُهُودٍ. وَ أَمّا الْمَماليكُ فَإِنَّهُمْ يُقامُونَ في سَهامِ الْمُسْلِمينَ فَيُباعُونَ وَ تُعْطي مَواليهِمْ قيمَةَ أَثْمانِهِمْ مِنْ بَيْتِ مالِ الْمُسْلِمينَ «1».

بتقريب أَنَّ المماليك كانوا أموال المسلمين و بعد ما أخذهم الكفار بالقتال وقعوا مجدَّداً في أيدي المسلمين بغلبتهم علي الكفار و الاستيلاء عليهم في قتال آخر فحكم الإمام ببيعهم في ضمن سهام المسلمين و إعطاء قيمة أثمانهم إلي مواليهم من بيت المال و هذا موافق لما ذهب إليه الشيخ.

و فيه أوّلًا: إنّها ضعيفة سنداً بالإرسال و لم يعمل بها المشهور حتي ينجبر ضعفها بعملهم بل خالفوها.

و ثانياً: إن مدلولها أخَصُّ من قول الشيخ لورودها في خصوص المماليك لا مطلق أموال

المسلمين.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 11 ص 74 ب 35 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 49

______________________________

إن قلت: إنّ مرسل هشام أَخصُّ مورداً من الصحيحة فيجمع بينهما بحمل المطلق علي المقيد، فيقيد مدلول صحيح هشام بغير المماليك فيُفصَّل بذلك بينما لو كان المال المغصوب مملوكاً للمسلم من عبدٍ أو جاريةٍ فيحكم بدخوله في سهام المسلمين و تغريم قيمته لمولاه المسلم و بين سائر الأموال فتُرَدُّ أعيانها إلي صاحبها المسلم.

قلت: مضافاً إلي أنّه لم يقل أحدٌ بهذا التفصيل و كأَنّ الإجماع المركّب في المقام علي خلافه، إنّ قوله

وَ الْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِمالِهِ أَيْنَما وَجَدَهُ

آبٍ عن التقييد و غير قابل للالتزام بخلافه في بعض أموال المسلم.

و الحاصل: أنّه لا إشكال في دلالة صحيح هشام و رواية طربال علي وجوب ردّ الغنيمة المغصوبة بأعيانها إلي مالكها المسلم.

هذا مضافاً إلي ما قلنا من أنّه مع قطع النظر عن دلالة نصوص المقام يكون ذلك مقتضي القاعدة المصطادة من النصوص الدالّة علي وجوب ردّ المال المغصوب إلي مالكه. و إنّ هذه النصوص تنقسم إلي طائفتين:

إحداهما: ما دلّ علي وجوب ردّ كلّ مال مغصوب إلي مالكه المحترم و حرمة التصرف فيه مثل رواية محمّد بن جعفر الأسدي رواه الصدوق في إكمال الدين عن محمد بن أحمد السناني و علي بن أحمد بن محمد بن الدقّاق و الحسين بن إبراهيم بن هشام المؤَدَّب و علي بن عبد اللّٰه الورّاق جميعاً عن أبي الحسن محمّد بن جعفر الأسدي قال كان فيما ورد علي الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه اللّٰه) في جواب مسائلي إلي صاحب الدار أي صاحب الزمان (عج) قال (عليه السّلام): في حديث-

لا يَحِلُّ لأحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ في مالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ

«1».

و في مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) في ذكر ما يختصّ بالإمام قال (عليه السّلام)

وَ لَهُ صَوٰافي الْمُلُوك ما كانَ في أَيْديهِمْ عَلي غَيرِ وَجْهِ الْغَصْبِ. لِأَنَّ الْغَصْبَ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 376 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 50

______________________________

كُلَّهُ مَرْدودٌ «1».

و منها: ما دلّ علي احترام مال المسلم و وجوب ردّه إليه مثل صحيح زيد الشحّام و موثقة سماعة عن الصادق (عليه السّلام) عن رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لا يَحِلُّ دَمُ امْرِء مُسْلِمٍ وَ لا مٰالُهُ إلّا بِطيبَةِ نَفْسِهِ «2».

و في مرسل الصدوق قال: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

حُرْمَةُ مالهِ (الْمُؤْمِنِ) كَحُرْمَةِ دَمِهِ «3».

و غير ذلك من النصوص الدالّة علي حرمة التصرف في مال المسلم بغير رضاه، بل حرمة تصرّف مطلق مال الغير المحترم و وجوب ردّه و إنّما خرج من هذه العمومات خصوص مال الكافر الحربي و غيره ممّن لا احترام لماله كالناصب بالدليل. فيبقي الباقي تحتها، و مقتضي ذلك حرمة تصرف مطلق مال الغير و وجوب ردّ أيّ مال مغصوب إلّا ما ثبت بالدليل سقوط حرمته.

و هذه النصوص تمنع عن شمول إطلاق آية الغنيمة للمقام إمّا لعدم صدق عنوان الغنيمة علي المال المغصوب من محترم المال. فلا يشمل المقام أو لتقييد إطلاقها علي فرض الشمول بهذه النصوص.

فتلخّص ممّا ذكرناه أنّه مضافاً إلي دلالة صحيح هشام و رواية طربال علي مذهب المشهور تساعده القاعدة الأولية المصطادة من النصوص المعتبرة.

ثمّ إنه قد استُدِلّ لقول الشيخ بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ لَقِيَهُ العَدُوُّ وَ أصابَ مِنْهُ مالًا أَوْ مَتاعاً ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمينَ أَصابُوا ذٰلِكَ كَيْفَ يُصْنَعُ بِمَتاعِ الرَّجُلِ؟

فَقالَ (عليه السّلام): إِذا كٰانُوا أَصٰابُوهُ قَبْلَ أَنْ يَحُوزُوا إمتٰاعَ الرَّجُلِ رُدَّ عَلَيْهِ وَ إِنْ كٰانُوا أَصٰابُوهُ بَعْدَ ما حازُوهُ فَهُوَ فَيْ ءُ الْمُسْلِمينَ فَهُوَ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 309 ح 3 و ج 6 ص 365 ب 1 ح 4.

(2) الوسائل/ ج 19 ص 3 ح 3.

(3) الوسائل/ ج 19 ص 10 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 51

______________________________

أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ «1».

و حاصل مضمونه: أنَّ الإمام (عليه السّلام) فصّل في الجواب بينما إذا أَصاب المسلمون المال المغصوب من الرجل المسلم قبل حيازته في الحرب و بينما إذا أصابوه بعد ما حازوه. فحكم في الصورة الأوليٰ بردّ عين المال إلي مالكه المسلم مجّاناً. و حكم في الصورة الثانية بإعطائه إليه في قبال أخذ ثمنه منه لا مجاناً. و قد فسّرت الحيازة المذكورة في هذه الصحيحة بثلاثة وجوهٍ.

أحدها: تفسيرها بالقتال فيكون التفصيل المذكور بينما لو أصابوه قبل أصل القتال و بينما لو أصابوه بعده.

ثانيها: تفسيرها بالاستيلاء علي المال و اغتنامه. فَفُصّل علي النحو المزبور بين قبل اغتنام ذلك المال و بعده.

ثالثها: تفسيرها بتقسيم ذلك المال بين المقاتلين. فيقال بالتفصيل المزبور بينما لو وُجِدَ المال قبل أن يُقَسّمه الإمام أو أمير الجيش بين المقاتلين و بينما إذا وجدوه بعد التقسيم. فحكم (عليه السّلام) في الصورة الثانية بردّ عين المال إلي مالكه المسلم المغصوب منه في قبال أخذ ثمنه منه. كما هو المراد من قوله

فَهُوَ أحَقُ بِالشُّفْعَةِ

فيدخل كلا شِقَّي الاحتمال فيما بعد القتال و الاغتنام و بذلك يحصل الفرق بين وجهي الثاني و الثالث.

و هذا التفصيل الأخير يُقوّي في النظر لكونه أوجه من الاحتمالين الآخرين، نظراً إلي أَنّ بالقسمة يدخل المال في ملك أشخاص الغانمين. و ينافي ذلك ردّ

عينه إلي مالكه السابق لوضوح أنَّ المال الواحد ليس له أزيد من مالك واحدٍ. فإنّ المفروض أنّه قد دخل في ملك الشخص المقاتل الغانم بحكم وليّ أمر المسلمين بالقسمة، و إنّ ردّه إلي مالكه السابق ينافي مالكية الغانم و يناقض حكم وليّ الأمر بالقسمة. فمن هنا لا يؤْخذ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 11 ص 74 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 52

______________________________

ذلك المال من يد الغانم إلّا بعد دفع ثمنه إليه.

و يؤَيّد هذا الاحتمال مرسل جميع عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في رَجُل كانَ لَهُ عَبْدٌ فَأُدْخِلَ دارَ الشِّرْكِ ثُمَّ أُخِذَ سَبْياً إِلي دٰارِ الإِسْلٰامِ. قالَ عليه السّلام: إِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَهُ وَ إِنْ جَري عَلَيْهِ الْقِسْمُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثمَنِ «1».

و لكن المهم في المقام أنّ صحيح الحلبي بأَيّ تفسير كان مغايرٌ لقول الشيخ. حيث إنّه (قدّس سرّه) قال بدفع المال إلي المقاتلين و تغريم قيمته لمالكه المسلم بدفعها إليه من بيت مال المسلمين كما هو مفاد مرسل هشام و لكن هذا الصحيح لا يثبت أكثر من أَحقّية مالكه المسلم من غيره في شراءِ ذلك المال ممَّن هو في يده. و هذا غير تغريم قيمة المال له فمفاد هذه الصحيحة مخالف لما ذهب إليه المشهور و اختاره الشيخ و لم يقل أحدٌ من الفقهاء بمضمونه.

و بعبارة أُخري أعرض جميع الأصحاب عن العمل بمدلوله. و انقدح بهذا البيان أنّه غير صالح للمعارضة مع صحيح هشام.

و توهُّم موافقته للكتاب في غير محلّه، لما قلنا من دلالة النصوص علي وجوب ردّ المال إلي مالكه المحترم و هي تمنع عن شمول آية الغنيمة لمثل المقام. و من هنا لا تكون هذه الآية مرجعاً أو مرجّحاً في

المقام.

ثم إنّ هذا كله فيما لو عُرِف مالكه المسلم فيجب ردّ المال إليه. و أَمّا لو لم يُعرف بعينه فهل يدخُلُ في عنوان مجهول المالك؟ فقد يشكل نظراً إِلي اختصاص هذا الحكم بالمسلم و عدم ثبوته في أيّ محترم المال حتي غير المسلم من الذمّي و المعاهد و نحوهما و ذلك لظهور بعض النصوص في اختصاص حكم مجهول المالك بمن كان قابلًا لثبوت الأجر له علي فرض التصدق بما له. مثل ما رواه علي بن جعفر عن أخيه قال

و سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصيبُ اللُّقَطَةَ فَيُعَرِّفُها سَنَةً ثُمَّ يَتَصدَّقُ بِها فَيَأْتي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 11 ص 74 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 53

______________________________

صاحِبُها ما حالُ الَّذي تَصَدَّقَ بِها وَ لِمَنِ الْأَجْرُ؟ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّها عَليٰ صاحِبِهٰا أَوْ قيمَتَها؟ قالَ (عليه السّلام): هُوَ ضامِنٌ لَها وَ الْأَجْرُ لَهُ، إِلّا أَنْ يَرْضيٰ صاحِبُهٰا فَيَدَعُها وَ الْأَجْرُ لَهُ «1».

و في نسخة البحار «هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهٰا عَلي صٰاحِبها» و هو الصحيح.

و ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن كثير عن أبيه قال

سَأَلَ رَجُلٌ أَميرَ الْمُؤْمِنينَ (عليه السّلام) عَنِ اللُّقَطَةِ. فَقال: يُعرِّفُها. فَإِنْ جٰاءَها دَفَعَهٰا إِلَيْهِ وَ إلّٰا حَبَسَهٰا حَوْلًا. فَإنْ لَمْ يَجِئْ صٰاحِبُهٰا أَوْ مَنْ يَطْلُبُهٰا تَصدّقَ بِهٰا. فَإنْ جٰاءَ صاحِبُها بَعْدَ مٰا تَصدَّقَ بِهٰا إِنْ شٰاءَ اغْتَرَمَهَا الَّذي كٰانَتْ عِنْدَهُ وَ كٰانَ الْأَجْرُ لَهُ وَ إِنْ كَرِهَ ذٰلِكَ احتَسَبَهٰا وَ الْأَجْرُ لَهُ «2».

و فيه: أوّلًا: إنَّ هاتين الروايتين مع الغضّ عمّا في سندهما وردتا في اللقطة لا مجهول المالك كما صرَّح بذلك في صدرهما.

و ثانياً: أيّ مانع من ثبوت الأجر لغير المسلم أيضاً بعموم قوله تعاليٰ إِنّٰا لٰا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. كما ورد أنّ

بعض الكفار الّذين فعلوا أعمالًا حسنة في الدنيا من إنجاءِ نبي أو وصيٍ أو مقاتلٍ في سبيلِ اللّٰه يحفظهم اللّٰه تعالي من حرّ نار جهنّم و إن لا يُخرجهم منها لما وعد من خلود الكفار في جهنّم و يرزقهم فيها من فضله «3». و عليه فأَيُّ مانع من ثبوت الأجر لهم في المقام أيضاً بهذا النحو.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 352 ح 14.

(2) الوسائل/ ج 17 ص 349 ح 2.

(3) كما روي محمد بن يعقوب في الكافي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إِنَّ مؤمِناً كانَ في مَمْلَكة جَبّارٍ فَوَلَعَ بِهِ فَهَرَبَ مِنْهُ إِلي دارِ الشِّرْك فَنَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْ أهْلِ الشِّرْك فَأَظَلّهُ وَ أَرْفَقَهُ وَ أَضَافَهُ، فَلَمّٰا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْحي اللّٰهُ عَزَّ وَ جَلَّ إلَيْهِ: وَ عِزَّتي وَ جَلٰالي لَوْ كانَ لَكَ في جَنَّتي مَسْكنٌ لأَسْكَنْتُكَ فيها، وَ لٰكِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَليٰ مَنْ مٰاتَ بِي مُشْرِكاً وَ لٰكِنْ يٰا نارُ هيديهِ وَ لٰا تُؤذيهِ. قَالَ: وَ يُؤْتيٰ بِرِزْقِهِ طَرَفَي النَّهار. قُلْتُ: مِنَ الْجَنَّةِ؟ قالَ: مِنْ حَيْثُ شٰاءَ اللّٰهُ» بحار الأنوار/ ج 8 ص 314 ح 92 و غيرها من الروايات الواردة بهذا المضمون، يجدها المتتبع في الجوامع الروائية.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 54

بخلاف ما كان في أيديهم من أهل الحرب و إن لم يكن الحرب معهم في تلك الغزوة (1).

______________________________

(1) و ذلك لإطلاق أدلّة خمس الغنائم من الكتاب و السنة حيث لا فرق في صدق عنوان الغنيمة المأخوذة من الكفار المحاربين بالقتال بينما إذا كانت ملكاً للمحاربين أنفسهم أو ملكاً لغيرهم من الكفار الذين لم يشتركوا في القتال حال الاغتنام كما لا فرق بين أن غصبوه منهم أو كان عندهم بعنوان الأمانة أو الوديعة

أو الإجارة و نحو ذلك. فعلي أيّ حال يصدق أَنّ المسلمين اغتنموها من دار الحرب و هذا متسالم بين الأصحاب.

[حكم السلب]

حكم السلب ينبغي أن يعلم قبل الورود في البحث أنّ السلب تارة: يؤخذ من الكافر الحربي في منازعة شخصيةٍ معه. و أُخري: يؤخذ منه في الحرب بالمقاتلة. و لٰا كلام في كون القسم الأوّل من قبيل المال المأخوذ من العدوّ بالاصطلام و الاستيلاء عليه. فلا يترتب عليه حكم غنائم دار الحرب فتلاحظ فيه مئونة السنة، نظراً إلي ما دلّ علي جواز استثناءها من كل فائدة.

و إنّما الكلام في القسم الثاني، فوقع فيه الخلاف.

و المعروف بين فقهائنا أنّه من قبيل غنائم دار الحرب و يترتب عليه حكمها. و لكنّ المعروف بين فقهاءِ العامة أنّه ملكٌ للسالب، نظراً إلي ما رووه عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

من قَتَل قتيلًا فله سَلَبُه و سلاحُهُ.

و التحقيق في المقام: أنه من غنائم دار الحرب و يترتب عليه حكمها. حيث إنّ الرواية المزبورة لم تثبت من طرقنا فلا اعتبار لها حتي يقدّم إطلاقها علي إطلاق ما دلّ

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 55

______________________________

علي ملكية خمس الغنيمة للإمام نظر إلي دلالتها علي ملكية السلب بتمام خمسة أخماسه للسالب. و دلالة الآية علي ملكية خمس الغنيمة للإمام و شمولها بالإطلاق لأيّة غنيمة. السلَب و غيره. و عليه فيُعمل بإطلاق الآية لعدم ثبوت المقيّد.

فالحاصل: أنّ السلب من غنائم دار الحرب و يترتب عليه حكمها من عدم مراعاة مئونة السنة.

ثم إنّ الخمس يخرجه النبي أو الإمام عادة قبل تقسيم الغنائم بين المقاتلين، كما في صحيح ربعي عن الصادق (عليه السّلام)

كانَ رَسُولُ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) إذا أتاهُ الْمَغْنَمُ..

يَأْخُذُ خُمْسَهُ ثُمَّ يُقَسِّمُ أَرْبَعَةَ أَخْماسٍ بَيْنَ النّاس الَّذينَ قاتَلُوا عَلَيْهِ «1».

و غيره من النصوص الواردة في تقسيم الغنائم.

و لكن الظاهر من هذه النصوص أنّ ذلك كان من عادة النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لا أنّه كان واجباً عليه حتي لا يجب علي الغانم إخراجه بعد التقسيم إذا لم يدفعه النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم). أو الإمام أو نائبه قبل التقسيم لمصلحةٍ و عليه فلو لم يُخرج الإمام أو الحاكم أو أمير الجيش يجب علي الغانم السالب إخراجه، عملًا بدليل وجوب الخمس.

نعم لو جعله الإمام لمقاتل لأيَّة مصلحة رءٰاها يكون جميع المال المجعول حينئذٍ ملكاً للشخص المجعول له من دون تعلّق خمس الغنيمة به. نعم يتعلق به خمس الفائدة إذا لم يغمض الإمام عن خمسه بأن يطلبه منه و الّا فلا يجب فيه الخمس. ثم إنه قد دلّ علي جواز جَعل الجُعل للإمام كيف شاءَ لمن يري فيه المصلحة صحيح زرارة قال

الْإمامُ يُجْري و يُنَفِّلُ وَ يُعْطي ما يَشاءُ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ السهٰامُ «2».

و غيره كمرسل حمّاد و صحيح ابن أذينة «3».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 356 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 2 و لكنه ظاهراً قول زرارة لا من كلام الإمام.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 4 و ج 15 ص 38 ب 27 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 56

[حكم المال المأخوذ من الناصب]

و الأقوي إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم و تعلق الخمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وُجِد و بأيّ نحو كان و وجوب إخراج خمسه (1).

______________________________

حكم المال المأخوذ من الناصب

(1) الناصب من تظاهر بعداوة أهل البيت أو

أحد الأَئمة المعصومين (عليهم السّلام). و عن الصادق (عليه السّلام) قال

لَيْسَ النّاصِبُ مَنْ نَصَبَ لَنا أَهْلَ الْبَيْتِ لأَنَّكَ لا تَجِدُ رَجُلًا يَقُولُ: أَنا أُبْغِضُ مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ وَ لٰكِنَّ النّاصبَ مَنْ نَصَبَ لَكُمْ وَ هُوَ يَعْلَمُ أَنّكُمْ تَتَولُّونٰا وَ أَنَّكُمْ مِنْ شيعَتِنٰا «1».

فدلّ بظاهره علي كون المتظاهر بعداوة الشيعة ناصباً.

و قد وقع الكلام هنا في مقامين:

الأوّل: في إلحاق الناصب بالكافر الحربي في إباحة ما اغتنم منه بالمقاتلة بالحرب و تعلق خمس غنائم دار الحرب به.

و الثاني: في جواز أخذ مال الناصب أينما وُجِدَ و لو في غير الحرب و كيفية تعلّق الخمس به حينئذٍ.

أمّا المقام الأوّل: فلا إشكال في أنّ الناصب المحارب لشيعة أهل البيت في حكم الكافر الحربي في إباحة ما اغتنم منه و تعلّق الخمس به. و ذلك لسقوط حرمة ماله بدلالة النصوص المعتبرة و اتفاق الفقهاء. فإنّه في حكم الكافر من هذه الجهة. فإذا قاتل المؤمنين يكون في حكم الكافر المحارب في جواز اغتنام ماله و تقسيمه بين الغانمين، كما هو المتسالم بين الفقهاءِ. و عليه فيترتَّب علي ما أُخذ منهم بالقتال حكم الغنيمة الخاصة المأخوذة من الكافر الحربي بالمقاتلة. و فلا يجوز إخراج مئونة السنة قبل تخميسه بمقتضي القاعدة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 339 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 57

______________________________

اما المقام الثاني: فقد دلّ علي جواز أخذ مال الناصب أينما وجد صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خُذْ مالَ النّاصِبِ حَيْثُ ما وَجَدْتَهُ وَ ادْفَعْ إِلَيْنَا الْخُمْسَ «1».

و مثله صحيح معلّي بن خنيس «2».

و يؤيّده ما دلّ من النصوص علي كفره و كونه في حكم المشركين و أنّه أنجس من الكلب. مثل ما رواه

الشيخ بإسناده عن الفضيل بن يسار قال

سَأَلْتُ أبا جَعْفَرٍ (عليه السّلام) عَنِ الْمَرْأَةِ الْعارِفَةِ هَلْ أُزَوِّجُهَا النّاصِبَ؟ قالَ (عليه السّلام) لا، لِأَنَّ النّاصِبَ كافِرٌ «3».

و خبر إسحاق بن عمّار قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

مالُ النّٰاصِبِ وَ كُلُّ شَي ءِ يَمْلِكُهُ حَلٰالٌ إِلَّا امرأَتُهُ. فَإِنَّ نِكٰاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ جٰائزٌ، وَ ذلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قٰالَ: لا تَسُبُّوا أهْلَ الشِّرْكِ فَإِنّ لِكُلِّ قَوْمٍ نِكٰاحاً «4».

و صحيح عبد اللّٰه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في حديثٍ

فَإنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالي لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً أَنْجَسَ مِنَ الْكَلْبِ وَ إِنَّ النّاصِبَ لَنا أَهْلَ الْبَيْتِ لَأَنْجَسَ مِنْهُ «5».

و أمّا كيفية تعلق الخمس فالمأخوذ منه بالقتال لا إشكال في كونه من الغنائم الخاصة، كما سبق آنفاً. و أما المأخوذ منه في غير الحرب فلا إشكال في أصل تعلق الخمس به في الجملة، للتصريح به في صحيحي حفص و معلّي بقوله

خُذْ مالَ النّاصِبِ حَيْثُما وَجَدْتَ وَ ادْفَعْ إِلَيْنَا الْخُمْسَ.

و إنّما الكلام في كيفية تعلّق الخمس به و أنّه هل يكون من قبيل غنائم دار الحرب حتي لا يجوز استثناء مئونة السنة منه، قبل التخميس، أو يكون من قبيل مطلق الفائدة حتي يدخل تحت إطلاق ما دلّ علي استثناء مئونة السنة في كل فائدة كصحيح علي بن مهزيار و نحوه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 340 ح 6.

(2) الوسائل/ ج 12 ص 222 ب 95 ح 1.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 431 ح 11.

(4) الوسائل/ ج 11 ص 60 ح 2 و ج 12 ص 222 ح 2.

(5) الوسائل/ ج 1 ص 159 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 58

______________________________

فقد يقال بالأوّل:

نظراً إلي ما دلّ من الكتاب و السنة علي ملكية خمس الفائدة للإمام، لأن مقتضي إطلاقه تعلُّق الخمس بجميع أجزاء كلّ فائدةٍ. و إنّ ما دلّ علي جواز استثناء مئونة السنة قاصرٌ عن شموله لمثل مال الناصب. فإنّه إذا لم يؤخذ بالحرب و إن لم يكن من الغنيمة الخاصّة موضوعاً. و لكن يترتب عليه حكمه. و ذلك لأنّ ظاهر صحيحي الحفص و معلّي وجوب دفع خمسه بتمامه لا خصوص القدر الزائد بعد إخراج مئونة السنة كما هو مفاد نصوص خمس المعدن و الكنز. و أما ما دلّ من النصوص علي أنّ الخمس بعد مئونة السنة فهو قاصرٌ عن شموله لغير أرباح المكاسب. و أما عموم

الْخُمْسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ

كما في صحيحي البزنطي و الهمداني «1» فانّ ظاهره إرادة مئونة التحصيل. و عليه فالمتَّبع هو إطلاق نصوص المقام من تعلق الخمس بجميع المال المأخوذ من الناصب لعدم دليل صالح لتقييده بما زاد عن مئونة السنة. و علي فرض الشك في جواز التصرف في خمسة فمقتضي القاعدة عدم جوازه لكونه مال الغير أعني به أرباب الخمس و قد دلّ العموم علي عدم جواز التصرف فيه بغير إذن صاحبه.

و فيه: أوّلًا: إنّ صحيح علي بن مهزيار الطويل لا قصور في شموله. لأنَّ قوله

فَأمّا الْغَنائِمُ وَ الْفَوائِدُ فَهِيَ واجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام.. «2»

يشمل مطلق الفوائد، و إنّ المال المأخوذ من الناصب من قبيل المال المأخوذ من العدوّ بالاصطلام و الاستيلاءِ الذي عُدّ في هذا الصحيح من قبيل الفوائد. و إنّ حكم الإمام بوجوب التخميس في كل عام مرّةً ظاهرٌ في جواز تأخيره إلي انتهاء السنّة لأجل استثناء مئونتها. و ذلك بقرينة العادة المتعارفة بين الزرّاع و الفلّاحين كما سيأتي بيانه

إن شاء اللّٰه. فالصحيح في المقام ترتّب حكم مطلق الفوائد علي مال الناصب إذا أُخذ منه في غير الحرب.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12 ح 1 و 2.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 59

______________________________

فيجوز استثناءُ مئونة السنة منه.

و يمكن أيضاً استفادة ذلك من إطلاق قوله

الْخُمْسُ بَعْدَ الْمَئُونةِ

في صحيحي البزنطي و الهمداني. حيث لا قصور في إطلاقه، فإنَّهُ يشمل أيّة مئونة سواءٌ أصرفت في سبيل تحصيل الفائدة أو لمخارج معاش السنة. كما سُئِل عن ذلك في خمس الضياع فأجاب الإمام بنفي الفرق بينهما في صحيح آخر رواه علي بن مهزيار بقوله

فَاخْتُلِفَ مِنْ قِبَلِنا في ذٰلِكَ فَقالوا يَجِبُ عَلَي الضّيٰاعِ الْخُمْسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ، مَؤُونَةَ الضَّيْعَةِ وَ خَراجِها لا مَؤُونَةَ الرَّجُل وَ عَيالِهِ فَكَتَبَ (عليه السّلام) وَ قَرَأَهُ عَليُّ بْنُ مَهْزِيارَ: عَلَيْهِ الْخُمْسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عيالِهِ وَ بَعْدَ خَراجِ السّلْطان «1».

فان الظاهر من السؤال كون إخراج مئونة التحصيل كان أمراً مسلّماً مرتكزاً في الأذهان و إنّما كان الاختلاف و السؤال عن إخراج مئونة السنة، فأجاب الإمام بنفي الفرق بينهما. و إنّما خرج عن تحت الإطلاق المزبور ما قام الإجماع علي عدم جواز إخراج مئونة السنة منه كما في غنائم دار الحرب و المعدن و الكنز و نحوهما. و يبقي الباقي تحت الإطلاق.

و الحاصل: أنّ إطلاق دليل «الخمس بعد المئونة» يقيد إطلاق أدلّة وجوب الخمس في مئونة السنة من أيّة فائدةٍ غير ما خرج بالدليل. و كذا يقيد به إطلاق قوله

وَ ادْفَعْ إلَيْنَا الْخُمْسَ

في الصحيحين الواردين في المقام.

ثم إنّ في المقام مسائل تعرّض لها في العروة و ينبغي التحقيق حولها هنا لما يترتب عليها من الفائدة.

[حكم مال البُغاة]

حكم مال

البُغاة احتاط صاحب العروة (قدّس سرّه) وجوباً بثبوت خمس الغنيمة الخاصة في مال البغاة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 349 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 60

______________________________

المأخوذ بالقتال إذا كانوا من النُّصّاب. و قد أشكِل علي أصل حلّية أخذ مالهم إذا لم يكونوا من النُّصاب. فنقول:

لا إشكال في جواز أخذ مال البغاة و الخوارج و حلّية التصرف فيه حين القتال و اشتعال الحرب. و ذلك لإذن الشارع بقتالهم كما دلّ عليه قولُه تعاليٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰي تَفِي ءَ إِليٰ أَمْرِ اللّٰهِ. و إنّ ذلك مستلزم لسقوط احترام أموالهم كأنفسهم. و لما ورد في النصوص أَنَّ مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) أمر بعقر جمل عائشة من غير ضمان. و من الواضح أَنَّ الأمر بالقتال مستلزم لإسقاط حرمة أموالهم. هذا في حال الحرب و أمّا في غير حال الحرب فلو كانوا من النصّاب فلا إشكال في جواز تصرّف أموالهم و كونها في حكم الغنيمة لما مرّ أنّ الناصب في حكم الكافر الحربي من هذه الجهة.

أمّا غير النُّصّاب من البغاة فقد وقع الخلاف في جواز تصرف أموالهم في غير حال الحرب.

فذهب جماعةٌ إلي جواز التصرف فيها و تقسيمها بين المقاتلين إمّا لدعوي إجماع الفرقة كما عن الشيخ في الخلاف أو استناداً إلي قيام سيرة علي (عليه السّلام)، كما عن المحقق في الشرائع. و ذهب جماعةٌ إلي عدم الجواز و وجوب ردّ أموالهم عليهم. و قد ادَّعي الشيخ في المبسوط و الشهيد في الدروس سيرة عليٍّ (عليه السّلام) في أهل البصرة عليٰ ذلك، كما نُقِل أنّهُ أمر بردِّ أَموالهم فأَخذوها حتي القدور.

و قد اعترض بذلك بعض الأصحاب علي أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأجابهم بأنّه أيّكم يأخذ عائشة أمّ المؤمنين؟!.

و

قد عرفت التهافت في دعوي السيرة من الطرفين علي مُدَّعاهما فلا يمكن الاعتماد علي السيرة المدعاة مطلقاً، لٰا علي الجواز و لا علي عدمه.

و يمكن حَمْل سيرته (عليه السّلام) علي التصرف في أموالهم و قسمتها بين المقاتلين علي

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 61

______________________________

موارد كانت البغاة فيها من النُّصّٰاب و أنّه لأجل ذلك عاملهم علي (عليه السّلام) معاملة الكافر الحربي.

و أمّا سيرته (عليه السّلام) علي الرَّدِّ فعلي فرض ثبوتها فيحتمل قوياً أنّه منَّ بذلك عليهم لمصالح كان يعلمها نفسُه. مثل اقتداءِ الأُمّة به. و ذلك لما كان يعلم أنّ مخالفيهم سوف يغلبون علي شيعتهم و يأخذون زمام أمورهم بأيديهم. هذا مضافاً إلي ابتلاءِ دعوي السيرة في المقام بالمعارض فلا اعتبار بها و لا دليل من النصوص علي إحديٰهما. فلا مناص حينئذٍ من الرجوع إلي القاعدة الأوّلية المصطادة من النصوص الدالّة علي وجوب ردّ كل مال محترم إلي صاحبه و حرمة غصبه و ما دلّ علي احترام مال المسلم و أنّ حرمة ماله كحرمة دمه.

[جواز إخراج المؤون من خمس الغنيمة]

جواز إخراج المؤون من خمس الغنيمة ذهب جماعةٌ من الفقهاء إلي أنّ الخمس في الغنيمة بعد إخراج المؤون الّتي أُنْفِقَت عليها لحفظها و رعيها و حملها و نحو ذلك و قد قَوّٰاه في الشرائع و الجواهر و أفتي به في العروة. و استُدِلّ عليه بوجهين:

الأوّل: قاعدة العدل و الإنصاف في الأموال المشتركة نظراً إلي إنفاق الغانم المؤون علي الغنيمة المشتركة بين الجميع. و إنّ ذهاب المؤون المصروفة بتمامها من كيسه خلاف الإنصاف.

و يمكن الاشكال علي هذا الوجه بعد فرض تمامية هذه القاعدة في محلّها.

أوّلًا: بأنّه لم يُحرَز استقرار سيرة العقلاء عليها في مثل المقام الذي يُقدِم الشخص الغانم علي حمل المال

المشترك و بذل المئونة في سبيله من دون أن يطلب منه شريكه.

و ثانياً: أنّ هذه القاعدة جارية في المال المشترك. و في المقام لٰا يكون أربعة أخماس الباقي ملكاً للغانم بشخصه قبل التقسيم حتي يتحقق الاشتراك بينه و بين

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 62

______________________________

الإمام في سهمه من الغنيمة، بل إنّما هي لجميع المقاتلين. نعم علي الإمام أن يُخرج المؤون و يعطي المخارج المصروفة الذاهبة من كيس كلّ غانم إليه قبل تقسيم الغنائم و تخميسها. كما دلّ عليه بعض النصوص الآتية. و لكنّه ليس بعنوان الغنيمة بل لأجل أن لا يُجْحَفَ علي باذل المؤون. و هذا في الحقيقة يرجع إلي العمل بقاعدة العدل و الإنصاف بمعناها العام نظراً إلي كون عدم ردّ ما ذهب من كيسه في سبيل حفظ الغنيمة و نقلها إجحاف عليه و هو خلاف مقتضي العدل و الإنصاف.

الثاني: ما دلّ علي انّ الخمس بعد المئونة مثل صحيح البزنطي

قٰالَ كَتَبْتُ إِلي أَبي جَعْفَرٍ (عليه السّلام): أَلْخُمْسُ أُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمَئُونَةِ أوْ بَعْدَ الْمَئُونَةِ؟ فَكَتَبَ (عليه السّلام) بَعْدَ الْمَئُونَةِ «1».

و صحيح إبراهيم بن محمّد الهمداني عن الرضا (عليه السّلام)

إنَّ الْخُمْسَ بَعْدَ الْمَئُونَةِ «2».

قد رواه الصدوق في الفقيه عن احمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن إبراهيم بن محمد الهمداني و كُلّهم من الثقات.

و إنّهما يشملان بإطلاقهما خمس الغنيمة بالمعني الأخص، بناءً علي ان المقصود من المئونة المذكورة فيهما مئونة التحصيل.

و قد أشكل علي هذا الوجه بأنّ المقصود من المؤون في هذه النصوص هو ما يصرف قبل تحصيل الغنيمة و الحال أنّ مخارج حمل الغنيمة و حفظها و رعيها كلَّها تُصْرَف بعد تحصيلها.

و أجيب عن هذا الاشكال بما

حاصله: أنّ متعلّق الخمس ليس ذات الغنيمة بل إنّما تعلّق بها الخمس بما أنها فائدة مالية عائدة إلي الغانم، بتملّكها أو مطلق الانتفاع و الاستفادة منها. و المفروض عدم دخول الغنيمة في ملك شخص الغانم، و لا يكون له

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 63

______________________________

حق الاستفادة و الانتفاع منها قبل التقسيم. ففي الحقيقة لم تتحقق الغنيمة بالحمل الشائع الذي هو متعلّق الخمس. و عليه فالاستدلال بهذه النصوص علي المطلوب في المقام متين لا غبار عليه.

فلا إشكال في إخراج المؤون قبل تخميس الغنائم. و إنّ ذلك علي امام المسلمين و وليّ أمرهم حسب مدلول النصوص الواردة في كيفية تقسيم الغنائم. و إنّه (عليه السّلام) بعد إخراج المؤون من الغنيمة يُخَمّسها ثم يُقَسّمها بين المقاتلين.

[جواز إخراج الجعائل و الصفايا من الغنائم]

جواز إخراج الجعائل و الصفايا من الغنائم ذهب في العروة إلي جواز إخراج الجعائل و الصفايا من الغنيمة للإمام. و الدليل علي ذلك عدَّة من النصوص الواردة في كيفية تقسيم الغنائم. منها: صحيح زرارة قال

الإمام يُجْري وَ يُنَفّلُ وَ يُعْطِي ما يَشاءُ قَبْلَ أنْ تَقَعَ السِّهامُ «1».

و الظاهر انه قول زرارة نفسه لا الإمام (عليه السّلام).

و منها: صحيح عبد اللّٰه بن سنان و ابن أذينة جميعاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال في حديث

وَ إِنْ حَضَرَتِ الْقِسْمَةُ فَلَهُ أَنْ يَسُدَّ كلَّ نائِبَةٍ تَنُوبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَ إِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذلِكَ شَيْ ءٌ يُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ. وَ إِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ فَلا شَيْ ءَ عَلَيْهِ «2».

و منها: مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام)

وَ لَهُ أَنْ يَسُدَّ بِذٰلِكَ الْمٰالِ جَميعَ مٰا يَنُوبُهُ مِنْ مِثْلِ إعطٰاءِ الْمُؤَلَّفةِ قُلُوبُهُمْ وَ

غَيْرُ ذٰلِكَ مِمّٰا يَنُوبُهُ فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذٰلِكَ شَيْ ءٌ أَخْرَجَ الْخُمْسَ مِنْهُ فَقَسَّمَهُ في أَهْلِهِ وَ قَسَّم الْباقِيَ عَليٰ مَنْ وَلِيَ ذلِكَ. وَ إِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ سَدِّ النَّوائِبِ شَي ءٌ فَلٰا شَيْ ءَ لَهُمْ «3».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 15 ص 38 ب 27 ح 1.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 64

______________________________

و بهذه النصوص يرفع اليد عن ظهور الآية الشريفة في إخراج المؤون من أربعة أخماس الباقي. حيث إنّ في قوله تعاليٰ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ أُضيفَ لفظ

الخمس

إليٰ ضمير الهاء و هو يعود إلي ما اغتنمه المقاتلون. و ظاهره ملكية خمس الغنائم كلُّها للإمام. و مقتضي ذلك وجوب إخراج الخمس من أصل الغنيمة قبل إخراج مؤون التحصيل. و هذا يستلزم إخراج المؤون من أربعة أخماس الباقية لا من أصل الغنيمة. و لكن بدلالة النصوص المزبورة يرفع اليد عن هذا الظهور.

ثم إنّه لا يخفيٰ أنّ حقّ إخراج الجعائل ثابت للفقيه الجامع المتصدّي للحرب أيضاً نظراً إلي ما ثبت له من الولاية المطلقة و النيابة العامة. هذا كلُّه في الجعائل المجعولة لمصلحة من المصالح. و أما الصفايا فالظاهر أنّها لشخص الإمام لٰا لمنصبه كالخمس و إن كان اختصاصها به (عليه السّلام) بسبب الإمامة و الوجه فيه ما ورد من النصوص:

منها: خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قالَ سَأَلْتُهُ عَنْ صَفْوِ الْمالِ قالَ (عليه السّلام): الْإِمامُ يَأْخُذُ الْجارِيَةَ الرَّوْقَةَ وَ الْمَرْكَبَ الْفارِهَ وَ السَّيْفَ الْقاطِعَ وَ الدِّرْعَ قَبْلَ أَنْ يُقسِّمَ الْغَنيمَةَ فَهذٰا صَفْوُ الْمالِ «1».

و منها: صحيح ربعي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كانَ رَسُولُ اللّهِ (صلّي

اللّٰه عليه و آله و سلّم) إِذٰا أَتٰاهُ الْمَغْنَمُ أَخَذَ صَفْوَهُ وَ كٰانَ ذٰلِكَ لَهُ «2».

و منها: صحيح داود بن فرقد

قَطٰائِعُ الْمُلُوك كُلُّهٰا لِلْإِمامِ وَ لَيْسَ لِلنّٰاسِ فيهٰا شَي ءٌ «3».

و غير ذلك من النصوص الظاهرة في اختصاص صفايا الغنيمة بشخص الإمام (عليه السّلام).

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 369 ح 15.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 356 ب 1 ح 3.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 366 ب 1 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 65

[الثاني] المعادن

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 67

الثاني: المعدن (1)، و المرجع فيه العرف، و منه الذهب و الفضة و الرصاص و الحديد و الصفر و الزيبق و أنواع الأحجار الكريمة و القير و النفط و الكبريت و السبخ و الكحل و الزرنيخ و الملح و الفحم الحجري، بل و الجص و المغرة و طين الغسل و الأرمني علي الأحوط، و ما شك أنه منه لا يجب فيه الخمس من هذه الجهة.

______________________________

(1) لا إشكال و لا خلاف في وجوب إخراج خمس المعدن بل عن غير واحدٍ دعوي الإجماع عليه و قد دلّت النصوص علي تعلّق الخمس بالمعدن بعنوانه لٰا بعنوان الربح أو الفائدة المكتسبة حتي يشمله إطلاق ما دلّ علي أنّ الخمس بعد مئونة السنة و من هنا لا تلاحظ فيه الزيادة عن مئونة السنة.

و إنّما الكلام في تفسير المعدن فوقع الخلاف في أنّه هل يكون خصوص ما يستخرج من باطن الأرض و جوفها أو يشمل ما يجمع و يحاز من سطح الأرض. و أنّه هل يعتبر في صدق عنوان المعدن أن لا يكون من جنس الأرض أَو لا يعتبر ذلك بل يصدق علي مسمّي الأرض أيضاً.

و لا يخفي أنه يعتبر علي

أيّ تفسير في صدق عنوان المعدن أن يعظم الانتفاع به بالقياس إلي سائر ما في الأرض و ما علي سطحها من أجزاءِها أو غيرها. فلا يصدق علي ما لا امتياز له من بين سائر أجزاءِ الأرض من جهة الانتفاع أو لا يبذل بازاءِه شيئاً.

فنقول: إن المعدن إمّا أن يكون في باطن الأرض أو في ظاهرها. و كلٌّ منهما إمّا يكون من جنس الأرض أو من غير جنسها. فمجموع الأقسام أربعةٌ. و ما يكون من بين هذه الأقسام مصداق المعدن قطعاً و يصدق عليه عنوانه حقيقةً، هو القسم الذي يستخرج من باطن الأرض و كان من غير جنسها. فلا إشكال و لا خلاف في صدق

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 68

______________________________

عنوان المعدن عليه و تعلّق الخمس به. و ذلك لاشتماله علي جميع ما يحتمل دخله في صدق عنوان المعدن. و إنّه المناسب لمعناه اللغوي لكونه من العدن بمعني الإقامة و الاستقرار. و يطلق عنوان المعدن علي مركز كلّ شي ءٍ. قال في الصحاح

و منه سُمّي المَعْدِن بكسر الدال لانّ الناس يقيمون فيه الصيف و الشتاء و مركز كلّ شي ءٍ معدنُه.

فيعلم منه أنّه أُشرب في معني المعدن كونه في باطن الأرض و داخلها. و يستفاد ذلك من بعض نصوص المقام أيضاً، مثل صحيح عمّار بن مروان

قٰالَ سَمِعْتُ أَبٰا عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) يَقُولُ: فيما يُخْرَجُ مِنَ الْمَعَادِنِ.. الْخُمْسُ «1».

فإن إخراج الشي ءِ فرع كونه داخلًا فلا يشمل قوله

يُخْرَجُ مِنَ الْمَعادِنِ

ما يؤخذ من سطح الأرض.

و مثله ذيل صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام)

قالَ قُلْتُ: الْكِبْرِيتُ وَ النَّفْطُ يُخْرَجُ مِنَ الْأَرْضِ. قال فقال (عليه السّلام): هٰذا وَ أشْباهُهُ فيه الْخُمْسُ «2».

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه

السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَعادِنِ ما فيها؟ فَقالَ (عليه السّلام): كُلُّ مٰا كانَ رِكٰازاً فَفيهِ الْخُمْسُ «3».

فان الرِّكاز بكسر الرّاء ما غُرِز و دُفِنَ في الأرض قال في الصحاح الرِّكاز بالكسر دفين أهل الجاهلية، كأنّه رُكِز في الأرض و عليه فعنوان الركاز و إن ينطبق علي الكنز إلّا أنّ السؤال حيث كان عن المعادن فيعلم منه شموله لمطلق ما كان مركوزاً في داخل الأرض.

كما هو الغالب في مثل الذهب و الفضة و الرصاص و الصفر و ساير الفلزّات المنطبعة تحت الأرض. و قد صرّح بتعلق الخمس بها في النصوص:

ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُه عَنْ مَعادِنِ الذَّهَبِ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ح 6.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 343 ح 4.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 343 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 69

______________________________

وَ الْفِضَّةِ وَ الصُّفْرِ وَ الْحَديدِ وَ الرَّصٰاصِ فَقالَ (عليه السّلام): عَلَيْهَا الْخُمْسُ جَميعاً «1».

و في صحيح الحلبي في حديث قال

سَأَلْتُ أَبا عَبْدِ اللّهِ.. عَنِ الْمَعٰادِنِ كَمْ فيهٰا؟ قٰالَ الْخُمْسُ، وَ عَنِ الرَّصٰاصِ وَ الصُّفْرِ وَ الْحَديدِ وَ مٰا كٰانَ مِنَ الْمَعادِنِ كَمْ فيهٰا؟ قالَ يُؤْخَذُ مِنْهٰا كَمٰا. يُؤْخَذُ مِنْ مَعادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ «2».

فإن الأشياءَ المذكورة في هذين الصحيحين تكون غالباً في باطن الأرض و يستخرج منها و تُعَدُّ للانتفاع و الاستفادة بعد العلاج و التصفية، كما أنّها من غير جنس الأرض لوضوح عدم كون الكبريت و النفط و الذهب و الفضة و الحديد و الرصاص و الصفر و ساير أنحاءِ الفلزّات من جنس الأرض.

فالحاصل: أنّ ما يصدق عليه عنوان المعدن حقيقةً و لا إشكال في تعلق الخمس به نصّاً و فتوي هو المعادن الباطنة التي من

غير جنس الأرض.

الثاني: ما استخرج من باطن الأرض و يُعدّ للانتفاع به بالعلاج و التصفية و يكون من جنس الأرض كبعض الأحجار القيّمة. فلا ينبغي الخلاف في صدق عنوان المعدن عليه أيضاً، لما سبق أنّ الملاك في صدق عنوانه عُرفاً استخراجه من باطن الأرض و امتيازه عن سائر أجزاءِ الأرض بعِظَم الانتفاع به و بذل المال بإزائِه و عدم إطلاقه علي الشي ءِ الحقير الساقط في أعين الناس لعدم منفعة مهمّة له. و إنّ المفروض تحقق ذلك في هذا القسم.

الثالث: ما لا يستخرج من باطن الأرض بل إنّما يُجمع و يؤخذ من ظاهرها و كان من غير جنسها كالملح و القير و نحوهما.

مقتضي التحقيق: أنّ هذا النوع و إن ليس من مصاديق المعدن حقيقةً إلّا أنّ الشارع ألحقه بالمعدن و رتّب عليه حكمه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 342 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 342 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 70

______________________________

كما في صحيح محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (عليه السّلام)

عَنِ المَلّاحَةِ، فَقالَ (عليه السّلام): وَ مَا المَلّاحَةُ؟ فَقُلْتُ: أَرضٌ سَبِخةٌ مالِحَةٌ يَجْتَمِعُ فيهَا الْماءُ فَيَصيرُ مِلْحاً. فَقالَ (عليه السّلام): هذَا الْمَعْدِنُ فيه الْخُمْسُ. فَقُلْتُ: وَ الْكِبْريتُ وَ النَّفْطُ يُخْرَجُ مِنَ الأَرْضِ. فَقالَ (عليه السّلام): هذا وَ أَشْباهُهُ فيهِ الْخُمْسُ «1».

و قد يقال: إنّه يمكن نفي الاختصاص عن الملح و التعدّي منه إلي كلِّ ما في ظاهر الأرض و من غير جنسها كالقير و نحوه. كما يستفاد من قوله

هذا و أشباهه فيه الخمس.

و فيه: أنّ

هذا

إشارة إلي مورد السؤال و هو الكبريت و النفط ممّا يخرج من باطن الأرض و هو المتيقن من مصداق المعدن. فليست الإشارة إلي الملح و لا يعود ضمير الهاء

في «أشباهه» إليه حتي يتعدّيٰ منه إلي أمثاله. نعم يمكن استفادة التعميم من قوله

مٰا عٰالَجْتَهُ بِمالِكَ فَفيهِ ما أَخْرَجَ اللّهُ سُبْحانَهُ مِنْهُ مِنْ حِجارَتِهِ مُصَفّيٰ، أَلْخُمْسُ

في ذيل صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) «2». بتقريب أنّه دلّ علي تعلّق الخمس بكلِّ ما توقف الانتفاع و الاستفادة منه علي العلاج و التصفية و هو أعمّ ممّا هو في باطن الأرض أو في خارجها كالملح و القير و نحو ذلك. و لا يبعد كون هذا ملاكاً في صدق عنوان المعدن في نظر العرف أَيضاً.

فالأصح في تعريف المعدن أن يقال: إنّه كلّ ما تمركز في بقعةٍ من الأرض أو توقف الانتفاع و الاستفادة منه علي العلاج بتصفيةٍ أو تجزيةٍ أو تبخيرٍ و نحو ذلك من أنحاءِ العلاج. بلا فرقٍ بين كونه في باطن الأرض أو ظاهرها و لا بين كونه من جنسها أو من غير جنسها.

و الحاصل: أنّ هذه الأقسام الثلاثة لا كلام في ثبوت خمس المعدن فيها لدخولها في عنوان المعدن إمّا حقيقةً بنظر العرف أو تعبّداً بحكم الشارع.

و إنما الكلام في القسم الرابع: و هو ما كان في سطح الأرض و من جنسها

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 343 ح 4.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 343 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 71

______________________________

كالجص و النورة و طين الغسل و الطين الأحمر و نحو ذلك. فيشكل صدق عنوان المعدن عليه لعدم حصول شرائطه فيه فلا يجب فيه خمس المعدن لعدم شمول دليله له بل يكون فيه خمس مطلق الفائدة إلّا إذا صدق عنوان المعدن عُرفاً علي بعض أنواعه كما هو الظاهر فيما يحتاج الانتفاع منه إلي العلاج بالتصفية و التجزية كبعض الأحجار القيّمة التي يمكن الوصول

إليها في مستوي الأرض و ظاهرها بلا حاجة إلي حفر الأرض و عملية الاستخراج. فيجب في مثل هذه الأشياء خمس المعدن نظراً إلي صدق عنوانه عليها عرفاً و إلي إطلاق قوله

مٰا عالَجْتَهُ بِمالِك فَفيهِ ما أَخْرَجَ اللّهُ سُبْحانَهُ مِنْهُ مِنْ حِجارته مُصَفّي الْخُمْسُ «1».

و أمّا إذا شُك في صدق عنوان المعدن فحينئذٍ لو قلنا إنّ المقصود من الغنيمة المذكورة في الآية مطلق الغنائم و الفوائد كما دلّ عليه صحيح علي بن مهزيار، فقد يقال: إنّ المتبع حينئذٍ إطلاق الآية و مقتضاه تعلق الخمس بتمام أجزاءِ أيّة فائدةٍ. و إنّما خرج منه خصوص الفوائد المكتسبة و أرباح التجارات بدليل استثناء مئونة السنة و هذا الدليل قاصر عن تقييد إطلاق الآية في سائر الفوائد. و عليه فعند الشك في صدق عنوان المعدن يحكم بترتب حكم الغنائم الخاصّة نظراً إلي إطلاق الآية، و لا يُراعي حينئذٍ استثناء مئونة السنة.

و فيه أنّ الإطلاق المزبور للآية حينئذٍ غير ثابت لظهور قوله

فيجب عليهم في كل عام

في الدليل المعمّم لمدلول الآية أعني به صحيح علي بن مهزيار في استثناء مئونة السنة. فانّ المتبع حينئذٍ مفاد هذه الصحيحة الظاهرة في جواز استثناء مئونة السنة من كلّ فائدة و إطلاق قوله

الْخُمْسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ

في صحيحي البزنطي و الهمداني «2». و ذلك لتقدم إطلاقهما علي إطلاق دليل ثبوت الخمس في كل فائدة، كالصحيح المزبور و موثقة سماعة قال

سَأَلْتُ أَبا الْحَسَنِ عَنِ الْخُمْسِ فَقالَ:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 343 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 72

و يعتبر فيه بعد إخراج مئونة الإخراج و التصفية بلوغه عشرين ديناراً أو مأتي درهم عيناً أو قيمة علي الأحوط (1).

______________________________

في كُلّ ما أَفادَ

النّٰاسَ مِنْ قَليلٍ أَوْ كَثيرٍ «1».

و قد سبق تقريب إطلاق قوله

أَلْخُمْسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ

لكل مئونة سواءٌ أُنفِقت لتحصيل الفائدة أو في سبيل تأمين حوائج معاش السنة.

و إنّما خرج من هذا الإطلاق موارد خاصّة بالدليل من إجماع أو نصٍّ أو سيرةٍ كغنائم دار الحرب و المعدن إذا كان صدق عنوانه قطعياً. فعند الشك في خروج فائدةٍ عن تحته يُرجع إلي هذا الإطلاق. و عليه ففي المقام يجب خمس الفائدة و يجوز استثناءُ مئونة السنة.

كما أنّه لو كانت الغنيمة المذكورة في الآية بمعني خصوص غنائم دار الحرب، فأيضاً يرجع إلي إطلاق دليل استثناء مئونة السنة في كل فائدة بناءً علي استفادة التعميم من صحيحي البزنطي و الهمداني لوضوح صدق الفائدة علي أيّ حالٍ.

[اعتبار النصاب في تعلق الخمس بالمعدن]

اعتبار النصاب في تعلق الخمس بالمعدن

(1) إن في المقام يبحث عن جهاتٍ ثلاث:

الجهة الأُوليٰ: أنّه هل يعتبر النصاب في المعدن أم لٰا؟

الثانية: أنّه ما هو حدّ النصاب المعتبر في تعلّق الخمس بالمعدن، هل هو عشرون ديناراً أو دينارٌ واحد؟

الثالثة: في أنّ نصاب المعدن هل يعتبر في المقدار الزائد عن مئونة التحصيل أم لٰا بل يتعلق الخمس بجميع أجزائِه قبل إخراج أيّة مئونةٍ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 73

______________________________

أما الجهة الأولي: فقد وقع الخلاف في أصل اعتبار النصاب في تعلق الخمس بالمعدن. فالمشهور بين القدماءِ عدم اعتبار النصاب فيه بل ادّعي الشيخ في الخلاف الإجماع علي عدم اعتباره. و في قبال ذلك اختار الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة اعتبار النصاب، و اشتهر ذلك بين المتأخرين. و هو الأقوي كما سيأتي بيان وجهه.

الجهة الثانية: اختلف القائلون باعتبار النصاب فذهب الشيخ و ابن حمزة و جمهور المتأخرين إلي

اعتبار بلوغه عشرين ديناراً. و قد خالفهم أبو الصلاح الحلبي فاختار اعتبار بلوغه ديناراً واحداً.

و مقتضي إطلاق النصوص الدالة علي تعلق الخمس بعنوان المعدن نفي اعتبار النصاب. إذ دلّت علي تعلّق الخمس بأيّ مقدارٍ من المعدن سواءٌ أَ بَلَغ النصاب أم لم يبلغ، فلا بد من إقامة دليل مقيد لرفع اليد عن هذا الإطلاق.

و استُدِلّ لتقييده و اعتبار بلوغ نصاب المعدن عشرين ديناراً في تعلق الخمس به، بصحيح البزنطي. قال

سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السّلام) عَمّٰا أَخْرَجَ الْمَعْدِنُ مِنْ قَليلٍ أَوْ كَثيرٍ هَلْ فيهِ شَي ءٌ؟ قالَ: لَيْسَ فيه شَيْ ءٌ حَتّي يَبْلُغَ مٰا يَكُونُ في مِثْلِهِ الزَّكٰاةُ عِشْرينَ دينٰاراً «1».

بتقريب: أنّ السؤال فيه عن تعلق الخمس بما أُخرج من المعدن و عن المقدار المعتبر في تعلّق الخمس به. فأجاب الإمام بأنه لٰا يتعلق شي ءٌ من الخمس بما أخرجه المعدن حتي يبلغ مقدارُه إلي الحدّ المعتبر في تعلق الزكاة بمثل المعدن. و عليه فضمير الهاء في

ليس فيه

و كذا الضمير الفاعلي المستتر في

يبلغ

يرجع إلي «ما» في قوله: «عما أخرج المعدن» و قوله

عشرين ديناراً

تمييزٌ ل «ما» الموصولة في قوله

ما يكون في مثله الزّكاة

و هي مفعول فعل «يبلغ».

و قد نوقش في الاستدلال به بوجوهٍ:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 4 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 74

______________________________

الأَوّل: إنّ قدماءَ الأصحاب قد أعرضوا عن العمل بمضمونه.

و فيه: إنّ رئيس القدماء و هو شيخ الطائفة و ابن حمزة قد عَمِلا بهذا الصحيح. و الباقي منهم عدّةٌ معدودة لا يتحقق إعراض قدماءِ الأصحاب بمخالفتهم، مضافاً إلي العلم بكون إعراضهم لأحد الوجوه الآتية. مع أنّ جمهور المتأخرين قد عملوا به.

الثاني: إنّ في هذا الصحيح لا تعرُّض للخمس لا سؤالًا و لا جواباً، بل

الظاهر من سياقه أنّ السؤال عن زكاة الذهب و الفضّة. و انّ الزكاة لمّا لا يتعلّق بغير المسكوك منهما عند الخاصّة، فمن هنا يعلم أنّ الإمام قد راعي جانب التقية حيث إن اعتبار النصاب المذكور في زكاة غير المسكوك من الذهب و الفضة موافقٌ لمذهب الشافعي.

و فيه: أوّلًا: أنّ ما أُخرج من المعدن لا يختصّ بالذهب و الفضة. و كذا لفظ

شي ءٌ

يكون بمعني شي ءٌ من حق اللّٰه، و لا قرينة علي اختصاصه بالزكاة، بل هي موجودة علي إرادة الخمس كما سيأتي.

و ثانياً: أنّه لو كان المقصود هو الزكاة علي مذهب العامة، لم يكن وجهاً لتخصيص النصاب بعشرين ديناراً إذ هو نصاب الذهب، و أمّا نصاب الفضة فَمِائَتا درهم، و إنّهما و لو كانا غالب المطابقة في الأزمنة السابقة، حيث كان كل دينارٍ معادلًا لعشرة دراهم، إلّا أنّهما عنوانان مستقلان.

و عليه فالإمام في بيان حدّ المالية المعتبرة في تعلّق الخمس بالمعدن كما قلنا.

و يؤيد ما قلنا صحيح آخر عن البزنطي حيث انه سأل عن خمس الكنز فأجابه الإمام علي النحو المزبور.

و هو ما رواه الصدوق بإسناده عن البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)

قالَ سَأَلْتُهُ عَمّٰا يَجِبُ فِيهِ الْخُمْسُ مِنَ الْكَنْزِ فَقالَ: مٰا يَجِبُ الزَّكاةُ في مِثْلِهِ فَفِيه الْخُمْسُ «1».

فإن السؤال في هذا الصحيح و إن كان عن الكنز و هو لا يصلح أنْ يكون

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 345 ب 5 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 75

______________________________

شاهداً علي المقصود من جواب السؤال عن المعدن في الصحيح المبحوث عنه، إلّا أنَّ تشابه الجواب فيهما لا يخلو من تأييد لما قلنا. و لعلّ سبق ذهن البزنطي بهذا الجواب في الكنز دعاه إلي طرح هذا السؤال في

المعدن أيضاً، كما قيل.

الثالث: إنّ هذا الصحيح معارَضٌ برواية ثالثة رواها البزنطي عن محمد بن علي بن أبي عبد اللّٰه عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُه عَمّٰا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَ الْياقُوتِ وَ الزَّبَرْجَدِ وَ عَنْ مَعادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ، هَلْ فيها زَكاةٌ؟ فَقالَ (عليه السّلام): إِذا بَلَغَ قيمَتُهُ دينٰاراً فَفيهِ الْخُمْسُ «1».

حيث دلّت علي اعتبار دينارٍ واحدٍ في نصاب المعدن.

و فيه أوّلًا مضافاً إلي شذوذها لعدم عمل غير الحلبي بها-: أنّ جواب الإمام ناظرٌ إلي الغوص. و ذلك لأن ضمير الهاء في

قيمته

مذكَّرٌ و لا يصلح للرجوع إلي

معادن الذهب و الفضة

، حيث إنّ صيغة الجمع تتطلّب الضمير المؤنّث. فكأَنّه (عليه السّلام) أَعرض عن بيان حكم المعادن رعاية لمصلحة التقية و نحوها.

و ثانياً: علي فرض كون الجواب عن الغوص و المعادن معاً و تأويل مرجع الضمير إلي كلّ واحدٍ من المذكورات في السؤال أو إلي ما يخرج من البحر و المعادن، و شموله لكل واحدٍ منها بالإطلاق، يمكن تقييد إطلاقها بصحيح البزنطي الأوّل لوروده في خصوص المعدن. و إن يمكن أن يقال: إنّ مجموع المذكورات في السؤال يندرج في عنواني الغوص و المعدن. ففي الحقيقة يكون السؤال عن موردين، أحدهما: الغوص و الآخر: المعدن. فاذا خرج المعدن عن تحت الإطلاق بدلالة الصحيح لا يبقي تحته إلّا الغوص، و هذا لا يبعد عن الاستهجان في التقييد. و لكن ليس هذا من قبيل إخراج المورد بالتقييد نظراً إلي أعمّية المورد من المخرَج بالقيد.

و ثالثاً: إنّها ضعيفة سنداً لوقوع محمد بن عليّ بن أبي عبد اللّٰه في طريقه و هو

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 343 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 76

______________________________

مجهولٌ لم يرد توثيق و

لا مدح في حقّه، و ليس من المعاريف لندرة روايته. و أما كونه ممّن روي عنه البزنطي الذي هو من أصحاب الإجماع فلا ينفع شيئاً في توثيقه لأنّ ما ادّعاه الشيخ من إجماع العصابة علي تصحيح ما يصح عن هؤلاء الأصحاب و أنّهم لا يروون و لا يرسلون إلّا عن ثقة، مضافاً إلي عدم تحققه لكون أصله من الكشّي قد ثبت في محله أَنَّهُ يروون كثيراً عمّن لا كلام في ضعفه بل عمّن عُدَّ من الكذّابين مع احتمال كون المراد من العبارة المذكورة تصحيح رواياتهم بعد إحراز صحّتها بلحاظ من قبلهم من الرواة المتوسطة بينهم و بين الإمام-، فلا تفيد أكثر من توثيق أنفسهم. فهذا المبني غير تامّ.

الرابع: إنّ صحيح ابن مسلم المصرّح بوجوب الخمس في الملح المتّخذ من الأرض السبخة المالحة قد نفيٰ بإطلاقه اعتبار بلوغ النصاب عشرين ديناراً. فلو قيّدناه بالبالغ حدَّ النصاب بدلالة صحيح البزنطي علي اعتباره ليلزم حمل المطلق علي الفرد النادر. حيث إنّه قلّما يتّفق أن يبلغ الملح المتّخذ من الأرض المالحة إلي مقدار عشرين ديناراً، إلّا أنْ يكون الملح متكوّناً في الجبال بصورة الحجر. و لكن ليس هذا النوع من الملح مقصوداً في هذه الصحيحة، حيث إنه فرض السائل إيجاد الملح بسبب رسوب الماء في الأرض السبخة المالحة.

و حينئذٍ يلزم حمل المطلق الشامل لما دون النصاب و ما زاد عنه علي الفرد النادر؛ أي خصوص الملح الزائد عنه.

و فيه: أنّا لا نسلّم قلّة ملح الأرض المالحة بل يتجاوز غالباً عن حدّ النصاب لصيرورة مكان وسيع من الأرض مملوّاً من الملح برسوب الماء. هذا مضافاً إلي أنّ قوله

هذا المعدن فيه الخمس

ظاهرٌ في عدم تعلق الخمس بالملح مستقلا برأسه بل يكون

متعلقاً للخمس بعنوان أحد مصاديق المعدن. و حينئذ لا منافاة بين هذين الصحيحين لإمكان الأخذ بظهور هذه الصحيحة في أصل وجوب الخمس في الملح

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 77

______________________________

بعنوان المعدن. كما لا مانع من الأخذ بإطلاق دليل اعتبار النصاب في المعدن من دون أن يُحمل علي غير الملح.

و قد انقدح في مطاوي البحث ضعف مستند القول باعتبار بلوغ النصاب ديناراً حيث إنه مضافاً إلي ضعف الرواية المستَدِلّ بها علي هذا القول كما قلنا-، لم يعمل بها غير الحلبي. مع ما يرد عليها من الاشكال و عليه يتعيَّن القول باعتبار بلوغ نصاب المعدن عشرين ديناراً في تعلّق الخمس به.

[استثناءُ مؤون الاستخراج قبل تخميس المعدن]

استثناءُ مؤون الاستخراج قبل تخميس المعدن لا ريب أنّ استخراج المعدن و تصفيته و ساير العمليّات المقدماتية للانتفاع و الاستفادة منه مستلزمٌ لمخارج و مؤونٍ.

فوقع الكلام أوّلًا: في أنّ الخمس هل يتعلَّق بما زاد عن هذه المئونة و أنّه هل يجوز استثناءُها قبل تخميس المعدن أم لا؟

و ثانياً: في أنّ النصاب المذكور هل يعتبر فيما زاد عن هذه المئونة أو في مجموع ما استخرج من المعدن قبل استثناء المئونة؟

أما المقام الأوّل: فلا إشكال في جواز استثناء مئونة استخراج المعدن و تصفيته. و استدل لذلك بوجوه:

أحدها: أنّ المعدن مثل سائر الأقسام قد تعلق به الخمس بما أنّه فائدة عائدة إلي شخص المستخرج، كما يشير إلي ذلك قوله

و الفائدة يفيدها

في صحيح علي بن مهزيار. و واضح أنّه ما دام لم يأخذ مستخرج المعدن المخارج التي ذهبت من كيسه في سبيل الاستخراج و التصفية لا يصير المعدن فائدة عائدة إليه. فمقتضي القاعدة تعلّق الخمس بما زاد عن مؤون الإخراج و التصفية لانّه الفائدة العائدة إلي المستخرج.

ثانيها: إطلاق قوله

الخمس بعد

المؤنة

لمئونة تحصيل الفائدة و المخارج

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 78

______________________________

المبذولة في سبيل الاسترباح لو لم يكن ظاهراً في خصوص ذلك. و مقتضاه جواز إخراج المئونة قبل تخميس المعدن.

ثالثها: قوله

ما عَالَجْتَهُ بِمالِكَ فَفِيهِ ما أَخْرَجَ اللّهُ سُبْحانَهُ مِنْهُ من حِجارَتِهِ مصفّي الْخُمْسُ

في صحيح زرارة «1». بتقريب أن المقصود من قوله

ما أخرج اللّٰه..

ما أفاد اللّٰه (تعاليٰ) و أعدّ لك من المعدن المصفّي بالعلاج و التصفية ففيه الخمس. و من الواضح أنّه لا يصدق ذلك إلّا بعد إخراج المئونة التي ذهبت من كيسه في سبيل العلاج و التصفية و عليه فالموصول في قوله

ما أخرج اللّٰه..

بدلٌ لضمير الهاء في قوله

ففيه..

و هو سدّ مسدّ الخبر و قُدِّم علي المبتدأ المتأخّر، فكان في الأصل

ففيه ما أخرج.. الخمس واجبٌ

و عليه فتدل هذه الفقرة علي تعلق الخمس بما زاد عن مئونة استخراج المعدن و تصفيته.

و يمكن الاشكال أوّلًا: بأنّ الموصول و الصلة في قوله

ما اخرج اللّٰه..

مبتدء و خبره محذوف و هو «واجبٌ». و المقصود بما أخرج اللّٰه هو الخمس حيث أخرجه اللّٰه (تعالي) في كتابه المجيد من مجموع الفائدة بتخصيصه لنفسه و لرسوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بقوله فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ.. و إنّ قوله

من حجارته مصفي

بيانٌ لمرجع ضمير الهاء في

منه

و هو ما عالجته بمالك. و المقصود تعلّق الخمس بالمعدن المعالَج بعد تصفيته لا قبلها و

مصفّي

حالٌ لحجارته. و لفظ الخمس بدلٌ للموصول في قوله ما أخرج اللّٰه و يرفع إبهامه ببيان المقصود ممّا أَخرجه اللّٰه سبحانه من الفوائد. و لو كان المقصود منه ما أفاد اللّٰه لكان التعبير المناسب

ففيه ما رزقك اللّٰه..

كما أنّه لو كان المقصود به ما أخرجه المعدن لم يسند الإخراج إلي اللّٰه. و عليه فيكون

في الأصل: ما عالجته بمالك ففيه الخمس، الذي أخرجه اللّٰه (تعاليٰ) منه، أي من المعدن المعالج، و هو حجارته المصفّي.

و ثانياً: ان المراد من قوله

من حجارة مصفي

تصفية المعدن من الأجزاءِ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 343 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 79

______________________________

الخليطة من التراب و غيره. و ليس المقصود خلوصه من مؤون الاستخراج باستثنائِها. و معني ذلك تعلّق الخمس بالمعدن بعد تصفيته بعد استثناء المؤون المصروفة في استخراجه.

نعم يمكن استفادة إخراج مؤون التحصيل من نصوص الخمس نظراً إلي ظهورها في انّ اللّٰه (تعالي) قد أوجب الخمس في الغنائم و الفوائد العائدة إلي شخص الغانم. و لمّا كان المعدن من هذا القبيل فلا يتعلق قبل إخراج المؤون لعدم صدق عنوان الفائدة عليه حينئذٍ.

و أما المقام الثاني فالمشهور اعتبار النصاب فيما زاد عن مئونة الاستخراج و عليه فلا يجب تخميس المعدن إلّا إذا بلغ نصاب الباقي بعد استثناءِ المئونة عشرين ديناراً. و ذهب جماعةٌ منهم صاحب المدارك إلي اعتبار النصاب في مجموع ما أخرجه المعدن قبل استثناءِ مئونة الاستخراج. و عليه فيجب تخميس المعدن بمجرّد بلوغه عشرين ديناراً قبل استثناءِ مئونة الاستخراج و التصفية.

و هذا القول هو الأَقوي، نظراً إِلي إطلاق دليل اعتبار بلوغ النصاب كما مرّ في صحيح البزنطي حيث يشمل جميع أجزاءِ ما أخرج من المعدن قبل استثناءِ المئونة. و إنّه لا ينافي العمل بإطلاق قوله

الخمس بعد المئونة

لأنَّ مقتضاه جواز استثناءِ مئونة الاستخراج قبل تخميس المعدن البالغ مجموعة حدّ النصاب المذكور. فهذا الإطلاق إنّما يقيد إطلاق دليل وجوب تخميس المعدن، و أمّا إطلاق دليل اعتبار النصاب فلا مقيد له.

و الحاصل: أنّ كون وجوب إخراج الخمس بعد استثناءِ المئونة لا يستلزم كون اعتبار النصاب بعده

أيضاً و ذلك لأنّ دليل استثناء المئونة ظاهرٌ في كون وجوب إخراج الخمس بعد استثنائِها، و لكن ظاهر صحيح البزنطي الوارد في مقدار النصاب اعتباره في أصل تعلّق الخمس بالمعدن حيث إنّ قوله

الخمس بعد

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 80

______________________________

المئونة

مسبوق بسؤال الراوي عن زمان إخراج الخمس بقوله

الْخُمْسُ، أُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمَئُونة أَوْ بَعْدَ الْمَئُونة؟ «1»

و هذا بخلاف صحيحه الوارد في تحديد النصاب. فالظاهر اعتبار النصاب في جميع المعدن قبل استثناءِ المئونة و لكن يجب تخميسه بعد استثنائِها. و أمّا التمسك بأصالة البرائَة عن تعلّق الخمس بالبالغ حدّ النصاب قبل استثناءِ المئونة. نظراً إلي كون المتيقن من متعلقه هو البالغ حدّ النصاب بعد استثناءها، ففي غير محلّه لوضوح عدم وصول النوبة إلي التمسك بالأصل العملي عند وجود الإطلاق اللّفظي.

بقي في المقام نكتة و هي أنّ السيد الماتن حدّد النصاب عشرين ديناراً أو مأتي درهم بالاحتياط الوجوبي مع تحديده في صحيح البزنطي موضوعيته في حدّ نصاب المعدن بلوغه قدر ما يجب الزكاة في مثله و إنما ذكر عشرون ديناراً من باب المثال. و فيه: انّ القائلين باعتبار النصاب بين قائلٍ بعشرين ديناراً و قائلٍ بدينارٍ واحدٍ. فكأنّ الإجماع المركب علي خلاف ذلك مضافاً إلي ما سبق من عدم تعرّضٍ للخمس سؤالًا و جواباً في صحيح البزنطي و إعراض القدماء عنه و لعلّه لذلك احتاط الماتن في المقام. و لكن مقتضي التحقيق ما بيّناه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 81

و لو اختلفا في القيمة يلاحظ أَقلّهما علي الأحوط (1)، و تلاحظ القيمة حال الإخراج (2). و الأحوط الأولي إخراجه من المعدن البالغ ديناراً بل مطلقاً (3)، بل لا ينبغي تركه.

و

لا يعتبر الإخراج دفعة علي الأقوي، فلو أخرج دفعات و بلغ المجموع النصاب وجب خمس المجموع (4).

______________________________

(1) هذا الاحتياط وجوبي، وجهه تحقّق النصاب بأقلّهما.

(2) لظهور عنوان المشتق (و هو المعدن) في الفعلية و هي حال الإخراج فلمّا تعلق الخمس بالمعدن حال الإخراج لا بد من لحاظ القيمة الثابتة له في هذا الحال؛ فإنّ أوّل آن تعلّق الخمس بناءً علي ذلك هو أوّل زمان الإخراج.

(3) احتياطه بإخراج الخمس إذا بلغ المعدن ديناراً استحبابيٌ لسبق الفتوي بعدم الوجوب و بقرينة توصيفه بالأَوليٰ. و الوجه فيه دلالة الخبر الثالث للبزنطي. و قد مرّ النقاش فيه سنداً و بيّنا وجه سقوطه عن الاعتبار. و أمّا إخراج خمس المعدن مطلقاً قبل استثناءِ المئونة، فوجهه العمل بإطلاق ما دلّ علي تعلّق الخمس بعنوان المعدن. و قد مرّ تقييده بدليل استثناءِ المئونة.

[في اعتبار وحدة الإخراج و المخرج و المعدن]

في اعتبار وحدة الإخراج و المخرج و المعدن

(4) ينبغي بيان نكتةٍ في المقام بعنوان الضابطة قبل الورود في البحث و حاصلها: أنّ ما أخرج من المعدن الذي تعلّق به الخمس. يتعدّد تارةً: بتعدد عملية الإخراج و أُخري: بتعدد أشخاص المخرج و ثالثةً: بتعدد المعدن نفسِه أي مكان الاستخراج-، و ينحلُّ وجوب الخمس إلي تكاليف متعدّدة بتبع هذا التعدّد.

و الكلام وقع في أَنَّ كلّ واحدٍ من أفراد المعدن المتعددة حسب الجهات الثلاثة المذكورة، هل يعتبر فيه نصاب مستقل بحيث لو لم يبلغ كلُّ واحدٍ منها حدَّ النصاب

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 82

______________________________

لا يجب الخمس، و إن بلغ مجموع الأفراد حدّه أو لا بل المعتبر بلوغ مجموعها حدّ النصاب؟ فالكلام واقعٌ في جهات:

الأُوليٰ: أن في نصاب المعدن هل يعتبر أن يكون الإخراج دفعةً واحدةً أم لا. و عليه فلو كان الإخراج

في دفعات متعددّة و لم يبلغ ما أُخرِجَ في كل دفعةٍ حدّ النصاب لا يجب التخميس علي القول الأوّل، حيث إنّه يعتبر بناءً علي هذا القول بلوغ المخرَج منه في كل دفعةٍ حدَّ النصاب. و أما علي القول الثاني فيجب التخميس لأنّ المعتبر حينئذٍ بلوغ مجموع ما أُخرج من المعدن حدّ النصاب، و لو في ضمن دفعات.

ثم إنه لا إشكال في عدم اعتبار وحدة دفعة الإخراج بالدقة العقلية بل الملاك في صدقها نظر العرف. و إنّما الكلام في أنّه هل يتعدد عنوان الإخراج بتعدد الدفعات العرفية حتي يعتبر النصاب في كلّ دفعةٍ عرفيةٍ؟ فقد يقال بذلك. و ذهب الماتن (قدّس سرّه) إلي عدم اعتبار الإخراج دفعة و هو الصحيح. و ذلك لعدم ثبوت الملازمة المزبورة. فربّما تكون الدفعات متعددةً عرفاً مع كون الإخراج واحداً. كما أنّ الأمر كذلك في عمليةٍ واحدةٍ ذات مراحل متعددة و تكون كلُّ مرحلة من تلك العملية دفعة واحدة، فيقول أهل العرف حينئذٍ أنّ لتلك العمليّة مراحل متعددّة. و عليه فربما يشتمل إخراج واحد علي مراحل و دفعات متعددة عند العرف. فليس كلّ ما تعددت الدفعة عُرفاً تعدد الإخراج أيضاً بل يكون الإخراج واحداً لعدم فصل زمان طويل بين الدفعات، فكأنّ العرف يراها أجزاءً لعمليةٍ واحدة. و عليه فلو كانت الفاصلة بين الدفعات ساعاتٍ بل ليلةً بأن استخرج بعض المعدن في يوم و استخرج بعضه الآخر في يوم بعده و هكذا إليٰ أيام متوالية، يُعدّ كل ذلك عمليّة واحدة في نظر العرف، فيكفي بلوغ مجموع الدفعات في تعلق الخمس. بخلاف ما إذا كان الزمان الفاصل بين الدفعات طويلًا كأسبوع أو شهرٍ أو أشهر، فتعدّدت عملية الاستخراج بذلك في نظر العرف و

يعتبر حينئذٍ بلوغ كلٍّ منها حدّ النصاب.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 83

حتي فيما لو أخرج أقل منه و أعرض ثم عاد و أكمله علي الأحوط لو لم يكن الأقوي (1)، و لو اشترك جماعة في استخراجه فالأقوي اعتبار بلوغ نصيب كل واحد منهم النصاب (2) و إن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ المجموع ذلك.

______________________________

(1) هذا الاحتياط وجوبي لفرض إلحاق هذه الصورة بالسابقة.

ثم انه لا دخل للاعراض في تعلق الخمس و عدمه بعد ما كان الملاك في وحدة الإخراج و تعدّده الصدق العرفي فإذا كانت الدفعات متصلةً بحيث عُدَّت مجموعها إخراجاً واحداً بنظر العرف، لا يمنع إِعراض المُخرج من صدق ذلك فيتعلّق الخمس كما إذا لم يكن يتخلّل في البين إعراضٌ

(2) كما في باب الزكاة بلا فرق. فكيف إذا لم يبلغ هناك سهم كل واحدٍ من الشركاءِ حد النصاب لا تجب الزكاة لاعتبار بلوغ ملك كل واحدٍ منهم حدَّه حتي يصدق تعلّق الزكاة بمالِه؟ فكذلك في المقام يعتبر أَيضاً أن يبلغ ما أخرجه كل واحدٍ منهم من المعدن و صار فائدة له حدّ النصاب فمن هنا لو بلغ مجموع المال المشترك إلي حد النصاب من دون بلوغ سهم كل واحد إليه لا يجب الخمس.

فالحاصل: أنّه لا فرق بين الزكاة و الخمس من هذه الجهة. و ممّا يشهد علي ذلك قوله

لَيس فيهِ أي ما أُخرج من المعدن شَيْ ءٌ حَتّي يَبْلُغَ ما يَكونُ في مِثْلِهِ الزكاة «1»

في صحيح البزنطي. حيث دلّ علي كون الخمس من قبيل الزكاة في كيفية تعلّقهما بالمال كمقدار النصاب المعتبر.

هذا، و لكن بخطر بالبال أنّه يوجد الفرق بينهما.

و ذلك أوّلًا: أنّ لسان الأدلّة في باب الزكاة تعلّقه بمال الشخص و ملكه، و لكن

______________________________

(1)

الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 4 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 84

______________________________

الخمس تعلق في المقام بذات المخرج من المعدن. و إنّ الذي يستفاد من لسان نصوصه اعتبار كون ما اخرج من المعدن ملكاً لمستخرجه سواءٌ أ كان شخصاً واحداً أم متعدداً.

و ثانياً: إنّ في باب الزكاة ورد النص في خصوص المقام و قد صُرحَ فيه بعدم تعلق الزكاة بالمال المشترك إذا لم يبلغ حصّة كل شريك إلي حدّ النصاب برأسه. مثل ما رواه زرارة عن الباقر (عليه السّلام): في حديثٍ

قُلْتُ لَهُ مِأَتَيْ دِرْهَمٍ بَيْنَ خَمْسِ أُناسٍ أَوْ عَشْرَةٍ، حالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَ هِيَ عِنْدَهُمْ أَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ زَكاتُها؟ قالَ (عليه السّلام): لا هِيَ بِمَنْزِلَةِ تِلْكَ يعني جوابه في الحرث لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْ ءٌ حَتّي يَتُمَّ لِكُلِّ إنْسانٍ مِنْهُمْ مِأَتا دِرْهَمٍ، قُلْتُ: وَ كَذَلِكَ في الشّاةِ وَ الْإبِل وَ الْبَقَرِ وَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ جَميعِ الْأَمْوالِ؟ قالَ (عليه السّلام): نَعَمْ «1».

و يشير إلي ذلك صحيح محمّد بن قيس عن الصادق (عليه السّلام): في حديث-

لا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمَعٍ وَ لا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ

و مثله صحيح محمد بن خالد- «2».

هذا كلّه مضافاً إلي الإجماع محصَّلًا و منقولًا علي ذلك في الزكاة كما قال في الجواهر. و هو غير حاصل في المقام. ثم إنّك قد عرفت من فتوي الماتن (قدّس سرّه) باعتبار بلوغ نصيب كل واحد منهم النصاب، أنّ احتياطه بدفع الخمس إذا بلغ المجموع حدّ النصاب استحبابيٌ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 102 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 85 ب 11 و ح 1 و 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 85

و لو اشتمل معدن واحد علي جنسين أو أزيد كفي بلوغ قيمة المجموع نصاباً

علي الأقوي (1)، و لو كانت معادن متعددة لا يضمّ بعضها الي بعض علي الأقوي و إن كانت من جنس واحد، نعم لو عُدّت معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضها الأجزاء الأرضية يضمّ بعض إلي بعض (2).

مسألة (1): لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة (3).

______________________________

(1) و الوجه فيه ما قلنا من أنّ ملاك انحلال وجوب الخمس تعدّد عنوان المعدن و إنّما هو بتعدد الإخراج أو شخص المخرج أو مكان الإخراج لا بتعدد الجنس. نعم لو أخرجت الأجناس المتعددة من الأمكنة المتعددة بحيث صدق عرفاً تعدد المعدن فحينئذٍ يعتبر بلوغ كل معدن حد النصاب في تعلق الخمس كما قال الماتن (قدّس سرّه).

(2) إنّ الملاك في جريان الحكم وحدة المعدن و تعدُّده. و عليه فلو كان التقارب المفروض موجباً لوحدة المعدن عُرفاً يعتبر بلوغ المجموع حد النصاب في تعلّق الخمس. و أمّا إذا لم يوجب وحدة المعدن بأن يصدق عرفاً معادن متعددة فلا أثر لمجرد التقارب وحده. بل يعتبر بلوغ ما اخْرِج من كلّ معدن حدّ النصاب كما لا دخل لاستمرار التكوّن في تعلّق الخمس، نظراً إلي دوران تعلّقه مدار الاستقلال في صدق عنوان المعدن عرفاً، فاذا صدق عنوانه مستقلا و بلغ مقدارهُ حدّ النصاب يجب الخمس من دون تأثيرٍ لانقطاعه اللّٰاحق بعد ذلك.

(3) لا فرق بين الأرض المباحة و المملوكة في تعلّق الخمس بالمعدن المستخرج منهما علي تفصيل سيأتي. و إنّما الكلام في جهة أخري لم يتعرض لها الماتن (قدّس سرّه)، و هي: أنّ المعدن تارة: يكون في ظاهر الأرض فلا إشكال في دخوله تحت ملك مالك الأرض و وجوب إخراج خمسه عليه.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 86

______________________________

و

أُخري: يكون في باطن الأرض.

و حينئذٍ تارةً: يكون قريباً إلي سطح الأرض بحيث يُعَدّ من توابع الأرض عرفاً، و هذا القسم لا إشكال أيضاً في إلحاقه بظاهر الأرض من جهة دخوله في ملك مالكها و وجوب إخراج خمسه عليه.

و أُخري: يكون بعيداً عن سطح الأرض و في أعماقها بحيث لا يُعدّ تابعاً للأرض المملوكة فوقع البحث حينئذٍ أنّه هل يدخل في ملك مالك الأرض أم لا. و الأقوي عدم دخوله في ملكه لخروجه عن حيطة الأرض المملوكة حيث لا يعد منها عرفاً.

و عليه فلو نقب شخص من مكان خارج عن الأرض المملوكة للغير فوصل في تحتها إلي المعدن يدخل في ملكه و يجب عليه خمسه من دون ربطٍ بمالك الأرض.

نعم لو حفر في داخل الأرض المملوكة بغير إذن مالكها يكون تصرُّفه حينئذٍ عدواناً و حراماً، و لكن هذه الحرمة تكليفية. و لا تمنع عن ملكية المعدن ملكاً له وضعاً. و هذا بخلاف الصورة الأوليٰ و الثانية فلا يملك المعدن حيث إنّه ملك لمالك الأرض تبعاً لها. بل لا يستحق علي عمله أجرةً إلّا أن يستأذن من مالك الأرض فيستحق الأجرة ذاكئذٍ و إنّما يملك المعدن مالك الأرض تبعاً لها.

هذا كلُّه في المعدن الواقع في الأرض المملوكة و أمّا الواقع في الأرض المباحة فلا إشكال في كونه ملكاً لمستخرجها لكونه حينئذٍ من الأنفال، كما في موثق إسحاق ابن عمّار

قالَ سَأَلْتُ أَبا عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) عَنِ الْأَنْفالِ. فَقٰالَ هِيَ الْقُري الَّتي قَدْ خَرِبَتْ.. وَ كُلُّ أَرْضٍ لٰا رَبَّ لَها وَ الْمَعادِنُ مِنْها «1».

فاذا كان من الأنفال يجوز إحياءُها بالحفر و تهيئة المقدمات و إعدادها للاستخراج فيدخل بذلك تحت ملك المحيي نظراً إلي عموم

مَنْ أَحْيي أرْضاً مَيْتَة

فَهِيَ لَهُ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 371 ح 20.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 87

[حكم استخراج المعدن في ملك الغير]

و إن كان الأول لمن استنبطه و الثاني لصاحب الأرض و إن أخرجه غيره، و حينئذ إن كان بأمر من مالكها يكون الخمس بعد استثناء المئونة، و منها أجرة المخرِج إن لم يكن متبرعاً، و إن لم يكن بأمره يكون المخرَج له و عليه الخمس من دون استثناء المئونة، لأنه لم يصرف مئونة، و ليس عليه ما صرفه المخرِج (1).

______________________________

حكم استخراج المعدن في ملك الغير

(1) لا إشكال في كون المعدن المستخرج من الأرض المملوكة لمستخرجه ملكاً له و يجب عليه تخميسُه، فإنه المتيقن من مدلول نصوص وجوب تخميس المعدن. و أمّا إذا كان في ملك الغير، فتارة: يكون في ملك شخصٍ معيّن. و أُخري: في ملك عموم المسلمين كالمعادن الواقعة في الأراضي المفتوحة عنوةً العامرة حال الفتح. و ثالثة: في ملك الإمام كالواقعة منها في الأنفال.

أما المعدن الواقع في الأرض المملوكة لشخص آخر فالمعروف بين الفقهاءِ كونه ملكاً لمالك الأرض و أَنَّ عليه خمسه من غير استثناء المؤُونة لعدم ذهابها من كيسه بل ذهب من كيس المخرج و لا يضمنه مالك الأرض لفرض عدم كون الإخراج بإذنه بل تصرَّفَ المخرج في أرضه عدواناً فذهب ما صرفه من المال في سبيل ذلك هدراً.

و لكن قد يشكل عليٰ الحكم بتوجه تكليف تخميس المعدن إِلي مالك الأرض حينئذٍ بدعوي انّ المستفاد من نصوص المقام توجُّه وجوب التخميس إلي مَن تَملَّك المعدن من طريق استخراجه إما بالمباشرة أو بالتسبيب. و المفروض في المقام انّ مالكَ الأرض لم يستخرج شيئاً من المعدن بوجهٍ لٰا بالمباشرة و لا بالتسبيب. فلا وجه لتوجّه وجوب الخمس إليه بل

هذه الصورة ملحقة بما إذا تحقق الإخراج بعامل طبيعيٍ، و إن كان فرق بينهما لكون المخرج في المقام هو الإنسان، إلّا أنّهما من قبيل

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 88

______________________________

واحدٍ من جهة فقدان شرط وجوب خمس المعدن.

و يمكن الجواب: انّ مالك الأرض قد تملّك ما أخرجه الغير من المعدن كما في إخراج الأجير. فإنّه و إن كان الإخراج هناك بأمر الموجر و يُسند إليه الإخراج، و لكن في المقام ايضاً قد حكم الشارع بملكية المعدن لصاحب الأرض بمجرّد إخراج الغير. و ظاهر نصوص المقام توجّه تكليف خمس المعدن إلي كلّ من تملّكه باستخراجه سواءٌ كان استخراجه بالمباشرة أم لا. و إن ملكية المخرَج حاصلةٌ لمالك الأرض قهراً بحكم الشارع حيث إنّه و إِن لم يَأْمُرِ الْمخرِجَ بإخراج المعدن الّا أَنَّهُ يدخلُ في ملكه تبعاً للأرض بمجرّد الإخراج بحكم الشارع، و إن لم يقصد تملُّكه بخصوصه بل في ضمن رقبة الأرض. و أما المستخرج فلا يتوجه إليه تكليف الخمس قطعاً لظهور النصوص في توجهه إلي من صار المعدن ملكاً له.

و الحاصل: ان في المقام لمّا حَكمَ الشارع بكون المعدن المستخرَج بإخراج الغير الغاصب ملكاً لصاحب الأرض فيصدق أنّه مَلِك ما أُخرج من المعدن و لو بحكم الشارع فلا مانع من توجّه تكليف تخميس المعدن إليه.

ثم إنّ هٰهنا نكتة قد نبّهنا عليها في كتاب إحياء الموات، و حاصلها: أنّ المعدن الواقع في أرض الغير لا يكون ملكاً له مطلقاً بل إنَّما هو يملكه إذا كان المعدن في سطح الأرض أو في باطنها القريب من ظاهر الأرض. حيث إنّ في الصورة الأُوليٰ يكون المعدن جزءَ الأرض و قد قصد مالك الأرض تملّكه قطعاً بإحياءِ الأرض و قصد تملُّكها.

و أما في الصورة الثانية فما لك الأرض و إن لم يقصد تملك المعدن المتكوّن في باطن الأرض بخصوصه من تملك رقبتها بالاحياء و لكن استقر سيرة العقلاءِ و المتشرعة علي تبعيته للأرض إذا كان قريباً من سطحها. و من هنا لو باع شخص أرضه من أحدٍ فاستخرج المالك اللاحق منها المعدن لا يكون للمالك السابق حقّ مطالبة المعدن منه عُرفاً و شرعاً.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 89

و لو كان المعدن في أرض مفتوحة عنوة فإن كان في معمورتها حال الفتح التي هي للمسلمين و أخرجه أحد منهم ملكه، و عليه الخمس إن كان بإذن والي المسلمين (1).

______________________________

و هذا بخلاف ما لو كان المعدن في عمق باطن الأرض بعيداً عن سطحها حيث لا يُعَدّ عند أهل العرف تابعاً للأرض كما ان الفضاءَ المحاذية لتلكَ القطعة من الأرض لا تُعَدُّ من توابعها و لا تدخل في ملك مالك الأرض إذا كانت مرتفعةً بعيدةً عن مستوي الأرض. و إن كان قياس باطن الأرض بالفضاءِ المرتفعة مع الفارق حيث يُطلق عليها عرفاً عنوان السماء الذي ينزل منها المطر كما قال تعالي وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً و لكن باطن الأَرْض أيَّ مقدارٍ كان عُمقه يُعَدّ من أجزاءِ الأرض، الّا أنه لا يتبع رقبتها في الملكية عند أهل العرف.

(1) ان المعدن الواقع في الأرض المفتوحة عنوةً تارةً: يكون في عمق باطن الأرض و بعيداً عن سطحها و قد سبق حكمه و لا يفترق عن المقام. و ذلك لأنّه إذا لم يكن تابعاً للأرض لا فرق بين ما لو كانت الأرض مملوكةً لشخص أو لعنوان المسلمين، فحكمه واحد.

و إنّما الكلام في المعدن القليل عمقه القريب من سطح الأرض مما

يُعدّ تابعاً لرقبة الأرض بنظر العرف، و كذلك يجري الكلام في معادن ظاهر الأرض مثل معدن الملح و القير. فوقع البحث في انّ السيرة هل استقرت علي إلحاقها برقبة الأرض نظراً إلي قانون التبعية أم لٰا؟.

و ربما يقال: انه لا فرق بين الأرض الشخصية و بين أرض عموم المسلمين من هذه الجهة و انه كما جرت السيرة هناك علي التبعية المذكورة فكذلك هي جارية هنا.

و لكن الإنصاف انه يشكل إحراز هذه السيرة بل الظاهر من سيرة المسلمين في

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 90

______________________________

المعادن الواقعة في هذه الأراضي انهم كانوا يتملّكونها لأشخاصهم و لم يعهد منهم معاملة ملك العموم مع هذه الأشياءِ الخارجة عن مصداق الأرض، نظير سيرتهم في الأشجار و الخُشب و الثمار الموجودة في هذه الأراضي.

نعم نفس المعدن بمعني المكان ملكٌ للعموم بلا شك لكونه من الأرض و جزئها و أَمّا ما أُخرِجَ منه فمثل سائر المنقولات، يُعَدّ مستقلًّا و منفكاً عن الأرض في ارتكاز المتشرعة.

و الحاصل: أنّ سيرة العقلاء لا يرجع إليها في كيفية تملّك الأراضي المفتوحة عنوةً بل سيرة المسلمين هي المرجع و لم يحرز استقرار سيرتهم علي التبعية المذكورة في المقام. هذا مضافاً إلي انه لو قلنا بالتبعية في المقام ليلزم حمل نصوص خمس المعدن علي الفرد النادر و ذلك لوقوع أكثر المعادن في الصحاري و البراري و الفلوات و هي إمّا من الأنفال التي هي ملك الإمام أو من المفتوحة عنوةً التي هي ملك عموم المسلمين مع ان النصوص قد دلت علي وجوب الخمس في مطلق المعادن.

و عليه فالمعادن الواقعة في الأراضي المفتوحة عنوةً باقيةٌ علي إباحتها الأصلية و يشملها ما دلّ علي مشروعية تملّك أيّ مباح بالحيازة كقوله

(عليه السّلام) في ذيل صحيح عبد اللّٰه بن سنان

إنّما هِيَ مِثْلُ الشَّي ءِ الْمُباحِ «1»

حيث استدل الإمام علي جواز تملّك ما اعرض عنه مالكه بكونه في حكم الشي ءِ المباح، فيعلم منه كون جواز تملّك الشي ءِ المباح بالحيازة مُسَلَّماً.

و يؤيّد ذلك عموم ما رواه العامّة عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

مَنْ سَبَقَ إليٰ مٰا لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ «2».

و عمدة الكلام في المقام: أنّ المعدن الواقع في باطن الأرض المفتوحة عنوةً لو

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 364 ح 2.

(2) سنن البيهقي/ ج 6 ص 142.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 91

______________________________

كان قريباً من سطح الأرض هل يكون ملكاً لعموم المسلمين كرقبة الأرض أم لا؟ فلو قلنا بعدم تبعيته لرقبة الأرض لعدم ظهور النصوص في ذلك و عدم مساعدة السيرة-، فلا إشكال في جواز تملُّكه بالحيازة كأيّ شي ءٍ مباح آخر.

بل يمكن ان يقال: انّ سيرة المسلمين و المتشرعة استقرَّت علي عدم التبعية المذكورة بل علي المعاملة المستقلة مع المعادن الواقعة في هذه الأراضي عن رقبتها و تملّكها الشخصي كأيّ شي ءٍ منقول آخر يؤخذ و يحاز من سطح الأرض أو باطنها أو من مياه أنهارها من صيد البر و البحر و الكنوز.

و لا يبعد التفصيل في المعمورة من الأراضي المفتوحة عنوة بينما قَصدَ المحيي تملّكه من إحياء الأرض و بينما هو خارج عن قصد ذلك مثل الكنوز و الأشياءِ القيّمة المتكونة المختفية تحت الأرض.

و الحاصل: انّ بدليل هذه السيرة و نصوص مشروعية حيازة المباحات يمكن الاستدلال علي جواز تملك معادن الأراضي المفتوحة عنوةً بالاستخراج و الحيازة. و عليه يجب خمس المعدن علي مستخرجة عند بلوغ النصاب و بعد استثناءِ مؤون الاستخراج. و لكن ذلك

مشروط بإذن والي المسلمين نظراً إلي كون أمر هذه الأراضي بيده. فلو أخرج منها المعدن بغير إذنه يشكل جواز تملّكه.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 92

و إلا فمحل إشكال كما أنه لو أخرجه غير المسلمين ففي تملكه إشكال (1) و إن كان في مواتها حال الفتح يملكها المخرج، و عليه الخمس و لو كان كافراً كسائر الأراضي المباحة.

______________________________

(1) المشهور عدم كون المعادن الواقعة في الأراضي المفتوحة عنوةً تابعةً لرقبة الأرض و أنّها ليست من الأنفال، بل باقية علي إباحتها الأصلية و انه لا فرق بين المسلم و الذمّي في جواز حيازة المعدن و استخراجه من هذه الأراضي التي هي ملكٌ لعموم المسلمين و أراضي الأنفال التي هي ملكٌ للإمام.

و حُكِي عن الشيخ منع الذمّي عن استخراج المعدن و لكن لو خالف و استخرج كان عليه الخمس. و عمدة دليل المشهور عموم أدلَّة مشروعية الحيازة بعد فرض عدم تبعية المعادن لرقبة الأرض المفتوحة عنوة بمقتضي السيرة و عدم دليلٍ يُخرجها عن إباحتها الأصلية.

و قد فصّل الماتن (قدّس سرّه) بين العامرة و الموات من هذه الأراضي فجوَّز الاستخراج للكافر في الثاني دون الأوّل، و كأَنّه لكون العامرة ملكاً لعموم المسلمين دون الموات فإنها مشمولة لنصوص مملّكية الإحياء الشاملة لإحياء كلّ من المسلم و الكافر علي حدٍّ سواءٍ.

و فيه: أوّلًا: أنّ نصوص الأراضي المفتوحة عنوة الناهية عن شراءِها الدالة علي كونها ملكاً لعموم المسلمين تشمل العامرة و الموات منها علي حدّ سواء و لا فارق بينهما بعد اشتراكهما في الفتح عنوةً.

و ثانياً: إنّ البحث في المقام عن استخراج ما في المعدن و تملّك الأشياء المنقولة الكائنة في باطنه بالحيازة و من هنا يكون خارجاً عن نطاق نصوص الأحياء.

و المفروض عدم تبعية المعادن الواقعة في الأراضي المفتوحة عنوةً لرقبتها و أنَّها باقيةٌ

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 93

______________________________

عَلي إباحتها الأصلية. و عليه فيملكها كلّ من حازها لعموم دليل مشروعية تملك المباحات بالحيازة. فإذا دخل في ملكه توجّه إليه التكليف بالتخميس قهراً. و لم تستقر السيرة علي اختصاص تملّكها بالمسلم، لو لم تكن مستقرّة علي عدم الفرق بينه و بين الكافر كما هو الظاهر. و عليه فلا فرق بين المسلم و الكافر في جواز تملّك المعدن الواقع في الأرض المفتوحة عنوةً بالحيازة مطلقاً سواءٌ أَكانت مواتاً حال الفتح أَم عامرةً.

ثم انه ذهب جماعةٌ من قدماءِ الأصحاب مثل الكليني و المفيد و الشيخ و القاضي و عليّ بن إبراهيم في تفسيره و بعض المتأخّرين إلي كون المعادن مطلقاً من الأنفال سواءٌ أَكانت في أراضي الأنفال أو المفتوحة عنوةً و سواءٌ كانت عامرةً أم لا.

و مستندهم في ذلك نصوص ضعيفة إمّا سنداً أو دلالةً.

مثل ما رواه العياشي عن أبي بصير عن ابي جعفر (عليه السّلام)

قال (عليه السّلام): لَنَا الْأَنْفالُ. قُلْتُ: وَ مَا الْأنْفالُ؟ قٰالَ (عليه السّلام): مِنْها الْمَعادِنُ وَ الآجامُ.. «1».

و ما رواه عن داود بن فرقد عن ابي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال قلت

وَ مَا الْأَنْفٰالُ؟ قال (عليه السّلام): بُطُونُ الْأَودِيَةِ وَ رُؤوسُ الْجِبٰالِ وَ الآجامُ وَ الْمَعادِنُ.. «2».

فانّ هذين الخبرين و إن تمّت دلالتُهما علي كون مطلق المعادن من الأنفال، و لكن في سندهما ضعف للإرسال نظراً إِلي حذف سند العياشي إلي أبي بصير و داود بن فرقد.

و مثل موثقة إسحاق بن عمار قال

سَأَلْتُ أَبا عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) عَنِ الْأَنْفٰالِ فَقٰال (عليه السّلام): هِيَ الْقُرَي الَّتي قَدْ خَرِبَتْ وَ انْجَليٰ أَهْلُهٰا

فَهِيَ لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ مٰا كٰانَ لِلْمُلُوك فَهُوَ لِلْإِمامِ وَ ما كٰانَ مِن الْأَرْضِ بِخَرِبة لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلِ وَ لٰا رِكٰابٍ وَ كُلُّ أَرْضٍ لا رَبَّ لَهٰا وَ الْمَعٰادِنُ مِنْها وَ مَنْ مٰاتَ وَ لَيْسَ لَهُ مَوْليٰ فَمالُه مِنَ الْأَنْفٰالِ «3».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 372 ح 28.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 372 ح 32.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 371 ح 20.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 94

لو استنبط المعدن صبي أو مجنون تعلق الخمس به علي الأقوي و وجب علي الولي إخراجه (1).

______________________________

هذه الموثقة عمدة مستند المشهور. و هي و إن تمّ سندها و لكن دلالتها غير تامة. و ذلك لابتناءِ الاستدلال بها علي عود ضمير

الهاء

إلي الأنفال و هو غير مسلَّم لاحتمال رجوعه إلي

أرضٍ لا ربّ لها

بل هو الظاهر لمنع الأقرب عن رجوع الضمير إلي الأبعد. و عليه فلا يكون من الأنفال إلّا خصوص المعادن الواقعة في الأراضي التي لا ربّ لها التي هي بنفسها من الأنفال لا مطلق المعادن كما عليه المشهور.

فالمتعيّن بقاءُ المعادن الواقعة في الأراضي المفتوحة عنوةً علي إباحتها الأصلية بعد عدم مساعدة السيرة علي تبعيتها لرقبة الأرض.

[هل يتعلق الخمس بمال الصبي و المجنون؟]

هل يتعلق الخمس بمال الصبي و المجنون؟

(1) ذهب المشهور إلي عدم سقوط الخمس عن الصغير و المجنون و انه يجب علي وليّهما إخراجه من مالهما. و لكن قد يقال بخلاف ذلك نظراً إلي أنّ حديث رفع القلم يرفع عنهما كلّ حكم يوجب الثقل و الكلفة عليهما، بل يدل علي انه لم يكتب في حقهما في قانون الشريعة من دون فرق في ذلك بين الأحكام التكليفية و الوضعية. و من الواضح انّ تعلّق الخمس بمال الصبي نقصٌ ماليٌّ يوجب الثقل و الكلفة

عليه في دفعه. فلا موجب لتقييده بالحكم التكليفي حيث لم يرد في المقام دليلٌ خاصّ يدل علي تعلق الخمس بمال الصبي غير إطلاق أدلّة وجوب الخمس. نعم إذا كان رفع الحكم الوضعي عن الصبي خلاف الامتنان بالنسبة إلي سائر العباد. و ذلك مثل نفي الضمان عن فعله فهو خارجٌ عن نطاق حديث الرفع نظراً إلي كونه بصدد الامتنان علي الأمة و إنّ نفي الضمان عن فعل الصبيّ يوجب الضرر إلي سائر المكلّفين و ذلك خلاف الامتنان في

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 95

______________________________

حقهم. أو ثبت الحكم الوضعي لذات الموضوع في نفسه مع قطع النظر عن أيّ مكلّف بأن كان من صفاته و خصوصياته كالنجاسة فإنها تسري و تُنَجِّس من أيّ منشأ نَشأَت بلا فرق بين البالغ أو غيره بل حتي من الحيوان أو الجمادات ايضاً تسري إلي غيرها و إن المقام ليس من هذا القبيل.

و فيه: انّ اشكال نفي الضمان عن الصبي يأتي في المقام أيضاً، حيث انه بعد ما صار خمس كل فائدةٍ ملكاً للإمام بمقتضي إطلاق الأدلّة يكون نفي الضمان عن الصبي خلاف الامتنان بالنسبة إلي من لا يقاس بسائر الأمَّة في حرمة حقه و أهمية حفظه أعني به الإمام المعصوم و ذرية رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم). و عليه فعلي فرض إطلاق حديث رفع القلم و شموله للأحكام الوضعية يشكل شموله للمقام نظراً إلي منافاته لحق من هو أَولي بالمؤمنين من أموالهم و أنفسهم. فهذا من أظهر مصاديق خلاف الامتنان.

و الإشكال بأنّ أصل تعلّق الخمس بمال الصبي أوّل الكلام نظراً إلي كون حديث الرفع مانعاً عن شموله و انّ مخالفة الامتنان فرع تعلق الخمس بأمواله، في غير محلّه.

و ذلك لفرض إطلاق أدلّة الخمس لكلّ من يكون قابلًا لتملّك الفوائد و يصدق الإفادة بالنسبة إليه، و لا كلام في قابلية الصبي لذلك فيدخل في إطلاق أدلة الخمس. و إنّما الكلام في تقييده و تضيق دائرته بغير أموال الصبي لدلالة أدلة رفع قلم التكليف عنه، كما أنّ الأمر كذلك في تقييدها لإطلاق أدلّة الضمان. و نحن ننفي هذا التقييد لما يستلزم ما هو المخالف للامتنان بالنسبة إلي أرباب الخمس. فالحق في المقام ما ذهب إليه المشهور.

ثم إنّه لو بقي عين متعلق الخمس إلي بعد زمان البلوغ يجب علي البالغ تخميسه حينئذٍ بلا اشكالٍ و لا كلامٍ، لوضوح تعلّق الخمس بذات المعدن المخرج و لا يسقط بعد تعلقه بمضيّ زمان الإخراج.

و لا يخفي انّ هذا الكلام يجري في المعدن و نظيره ممّا تعلّق الخمس بذات الشي ء

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 96

مسألة 2: قد مرّ أنه لا فرق في تعلق الخمس بما خرج عن المعدن بين كون المخرج مسلماً أو كافراً بتفصيل مرّ ذكره، فالمعادن التي يستخرجها الكفار من الذهب و الفضة و الحديد و النفط و الفحم الحجري و غيرها يتعلق بها الخمس (1)، و مع بسط يد والي المسلمين يأخذه منهم.

______________________________

من دون تحديدٍ بزمانٍ. و أَمّٰا ما حُدِّد فيه تعلُّق الخمس بانتهاءِ السنة مثل الفوائد المكتسبة و أرباح التجارات و الصناعات فلا ينفع البلوغ بعد عام الخمس في وجوبه حتي مع بقاءِ العين، حيث لم يتعلق الخمس فيها بغير ربح السنة، كما دلّ علي ذلك صحيح علي بن مهزيار

فَأمّٰا الْغَنٰائمُ وَ الْفَوائِدُ فَهِيَ وٰاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عٰامٍ «1».

و إن الوجوب لا يعود بعد سقوطه في ظرفه. الّا ان يبلغ قبل انتهاءِ تلك

السنة فلا إشكال في تعلق الخمس بأمواله حينئذٍ.

[هل الكفار مكلَّفون بالفروع؟]

هل الكفار مكلَّفون بالفروع؟

(1) بناءً علي تكليف الكافر بالفروع كما هو المشهور. و استُدِلّ علي ذلك بعموم أدلّة التكليف و شمولها للكافر و المسلم علي السّواءِ.

و فيه: أوّلًا أنّ كثيراً من خطابات التكليف خاصَّةٌ بالمؤمنين و قاصرةٌ عن شمول غيرهم. كقوله تعاليٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ «2». و قوله تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ «3». بل لا يخلو بعضها من الإشارة إلي اختصاص التكليف بالمؤمنين، كقوله تعالي:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 5.

(2) سورة الحج/ الآية 77.

(3) سورة البقرة/ الآية 183.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 97

______________________________

إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً «1» و قوله تعالي الزّٰانِي لٰا يَنْكِحُ إِلّٰا زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ «2».

و قد يستشهد لذلك بظاهر بعض الآيات كقوله تعالي وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ «3» و قوله تعاليٰ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ «4». و يمكن الاشكال علي الأوّل كما عن علي بن إبراهيم في تفسيره بان المقصود الذين أَقَرّوا بالإسلام و أَشركوا في الأعمال، كما قال وَ مٰا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّٰهِ إِلّٰا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ «5». و علي الثاني بأن القائلين بذلك هم المجرمون لا الكفّار كما صرّح في الآية السابقة بقوله يَتَسٰاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ «6».

هذا مضافاً إلي جواز كون الويل و العقاب علي ترك إيتاءِ الزكاة و الإتيان بالصلاة لأجل عدم الإسلام.

نعم يستفاد تكليف الكفار بالفروع في عرض تكليفهم بالأصول من خبر علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، قال: سمعته يسأل أبا

عبد اللّٰه (عليه السّلام)

فَقالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدٰاكَ أَخْبِرْني عَنِ الدِّينِ الَّذِي افْتَرضَ اللّٰهُ تَعٰاليٰ عَلي الْعِبادِ مٰا لٰا يَسَعُهُمْ جَهْلُهُ وَ لا يُقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرُهُ مٰا هُوَ؟ فَقٰالَ: أَعِدْ عَلَيَّ، فَأَعادَ عَلَيْهِ. فَقٰالَ (عليه السّلام): شَهادَةُ أَنْ لٰا إِلٰهَ إِلَّا اللّٰهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) وَ إِقٰامُ الصَّلاةِ وَ إِيتٰاءُ الزَّكٰاةِ وَ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبيلًا وَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضٰانَ ثُمَّ سَكَتَ قَليلًا ثُمَّ قالَ (عليه السّلام): وَ الْوَلايةُ، مَرَّتينِ «7».

______________________________

(1) سورة النساء/ الآية 103.

(2) سورة النور/ الآية 3.

(3) سورة فصلت/ الآية 6 7.

(4) سورة المدثر/ الآية 43 44.

(5) سورة يوسف/ الآية 106.

(6) سورة المدثر/ الآية 41.

(7) أصول الكافي/ ج 2 ص 22 ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 98

______________________________

الّا انه ضعيف سنداً بعلي بن أبي حمزة البطائني مضافاً إلي أنَّه قد صرّح في صحيح هشام بتعلّق التكليف بالولاية التي هي من أهم الفروع بل من أصول المذهب في طول الإسلام و الإيمان باللّٰه تعالي فكيف بسائر الفروع.

رواه في أصول الكافي عن محمد بن يحيي عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السّلام)

أَخْبِرْني عَنْ مَعْرِفَةِ الْإمٰامِ مِنْكُمْ واجِبَةٌ عَليٰ جَميعِ الْخَلْقِ؟ فَقٰالَ (عليه السّلام): إِنَّ اللّهَ عَزَّ و جلَّ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) إِلي النّٰاسِ أجْمَعينَ رَسُولًا.. فَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللّهِ وَ اتَّبَعهُ وَ صَدَّقَهُ فَإنَّ مَعْرِفَةَ الْإمامِ مِنّا وٰاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللّٰهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لَمْ يَتَّبِعْهُ وَ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَ يَعْرِفْ حَقَّهُمٰا فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْإِمٰامِ (عليه السّلام)

وَ هُوَ لٰا يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ يَعْرِفُ حَقَّهُما؟! «1».

و قد صرّح في هذا الصحيح بنفي وجوب معرفة الأئمة و ولايتهم علي الكفار حالكونهم كافرين، الّا بعد إسلامهم و إيمانهم باللّٰه. فاذا كان هذا حكم الولاية التي هي من أهمّ فروع الدين فحكم سائر الفروع واضح. هذا كلّه مضافاً إِلي قيام سيرة المسلمين من زمن الأئمة و النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) علي عدم إلزامهم و مؤاخذتهم الكفّار حتي الذمّي منهم بشي ءٍ من الاحكام حيث لم يُسمع أمرهم بالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و ساير الاحكام الفرعية.

و أما ما ورد من وضع النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) علي متقبّلي أرض خيبر مضافاً إلي خراجها العشر و نصف العشر في حصصهم، كما في روايتي صفوان و البزنطي عن ابي الحسن الرضا (عليه السّلام)

صَنَعَ رَسُولُ اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بِخَيْبَرَ وَ عَلي الْمُتَقَبِّلينَ سِوي قُبالَةِ الْأرْضِ الْعُشْرَ وَ نِصْفَ الْعُشْرِ في حِصَصِهمْ «2».

______________________________

(1) أصول الكافي/ ج 1 ص 180 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 129 ب 7 ح 2 و 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 99

______________________________

ففيه: مضافاً إلي ضعفهما بعليّ بن أحمد بن أشيم لعدم وثاقته أوّلًا: انّه لم يُعلم كفر المتقبلين فلعلّه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قبلها لمن أسلم من يهود خيبر.

و ثانياً: إنّ إيجاب العشر و نصفه عليهم يمكن أن يكون باشتراط ذلك في ضمن عقد تقبيل الأرض إيّاهم، و هذا ليس من باب الوجوب الثابت بعنوان الحكم الشرعي الأوّلي.

فالتحقيق عدم تكليف الكفار بالفروع في عرض تكليفهم بالأصول. نعم إنّهم مكلّفون بها في طول التكليف بأصول الدين.

و يُحمل علي ذلك جميع ما دلّ بظاهره علي تكليفهم بالفروع. مثل صحيح محمد بن مسلم

قٰالَ: سَأَلْتُ أَبٰا عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) عَنْ صَدَقٰاتِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ ما يُؤْخَذُ مِنْ جِزْيَتِهِمْ مِنْ ثَمَنِ خُمُورِهِمْ وَ خَنٰازيرِهِمْ وَ ميتَتِهِمْ: قٰالَ (عليه السّلام): عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ في أَمْوٰالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ ثَمَنِ لَحْمِ الْخِنْزيرِ أَوْ خَمْرٍ. فَكُلُّ ما أَخَذوا مِنْهُمْ مِنْ ذٰلِكَ فَوِزْرُ ذٰلِكَ عَلَيْهِمْ «1».

فان ثبوت وزر ذلك عليهم يمكن أن يكون لعدم اختيارهم الإسلام حتي يجتنبوا عنه.

ثم إنه إذا كان الكافر حربياً و إن لا احترام لماله إلّٰا أنه لا ينافي تعلق الخمس بماله وضعاً، بأن يجب إخراجه علي كلّ من تملّكه أو يُلزم بدفع خمس ماله، كما يجوز أَخذ جميع ماله بالقهر و الإلزام. و لكن علي تفصيل سبق آنفاً في ذيل المسألة السابقة بين المعمورة و الموات من الأراضي المفتوحة عنوةً.

و ذلك لاستقرار سيرة النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة (عليهم السّلام) علي عدم أخذ الخمس و الزكاة من الكفار بعد إسلامهم ما لم تكن أموالهم متعلقة بهما حال إسلامهم. و يؤيد ذلك ما ورد عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الإسلام يَجُبُّ ما قبله.

هذا في فرض عدم بقاءِ عين متعلق الخمس و الّا فلو كانت باقية لا إشكال في وجوب إخراج خمسها، حيث تعلّق الخمس في زمان إسلامه و تكليفه. و لكن ذلك فيما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 11 ص 118 ب 70 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 100

لكن إذا انتقل منهم إلي الطائفة المحقة لا يجب عليهم تخميسها حتي مع العلم بعدم التخميس. فإنّ الأئمة (عليهم السّلام) قد أباحوا لشيعتهم خمس الأموال غير المخمّسة المنتقلة إليهم ممّن

لا يعتقد وجوب الخمس، كافراً كان أو مخالفاً، معدناً كان المتعلق أو غيره من ربح التجارة و نحوه. نعم لو وصل إليهم ممّن لا يعتقد الوجوب في بعض أقسام ما يتعلق به الخمس من الإمامية اجتهاداً أو تقليداً أو يعتقد عدم وجوبه مطلقاً بزعم أنهم (عليهم السّلام) أباحوه مطلقاً لشيعتهم ما يتعلق به الخمس يجب عليهم التخميس مع عدم تخميسه (1). نعم مع الشك في رأيه لا يجب عليه الفحص و لا التخميس مع احتمال أدائه. و لكن مع العلم بمخالفة رأيهما فالأحوط بل الأقوي التجنُّب حتي يخمّس (2).

______________________________

تعلّق الخمس بذاته من دون أخذ الزمان في موضوعه كالمعدن و الكنز، و إلّا فيأتي ما سبق من الكلام في حكم مال الصبي.

(1) و ذلك لقصور نصوص التحليل عن شمولها لهذه الصورة و سيأتي البحث مفصلًا عن مفاد نصوص التحليل في آخر الكتاب ان شاءَ اللّٰه.

(2) هذا بناءً علي قصور نصوص التحليل عن شمولها لغير الكافر و المخالف، كما أشرنا إليه آنفاً. و قد يشكل: بأنّ وجوب الخمس بعد سقوطه عن شي ءٍ في حق من لا يري تعلّقه بذلك الشي ء لا يعود بانتقال ذلك المال إلي ملك شخص آخر يري تعلّقه به. و فيه: أنّ الفرض في المقام تعلّق الخمس بذلك المال المملوك للشخص المنتقل عنه في رأي الشخص المنتقل إليه. فهو يُخطّئُ الشخص الأول في رأيه و يري كون ذلك المال متعلقاً للخمس قبل أن ينتقل إليه. و عليه فلا مناص له من التجنُّب عنه حتي يخمّسه.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 101

[الثالث] الكنز

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 103

الثالث: الكنز (1).

[نصوص خمس الكنز]

______________________________

نصوص خمس الكنز

(1) لا خلاف و لا إشكال في تعلق الخمس بالكنز بل حكي عن غير واحدٍ الإجماع عليه و يشهد لذلك جملة من النصوص.

منها: صحيح الحلبي

إِنَّهُ سَأَلَ أَبٰا عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) عَنِ الْكَنْزِ كَمْ فيهِ؟ فَقٰالَ (عليه السّلام): أَلْخُمْسُ «1».

و منها: صحيح ابن ابي عمير عن غير واحدٍ عن ابي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أَلْخُمْسُ عَليٰ خَمْسَةِ أَشْياءٍ: عَلي الْكُنُوزِ وَ الْمَعٰادِنِ وَ الْغَوْصِ وَ الْغَنيمَةِ وَ نَسِيَ ابْنُ أَبي عُمَيْرِ الخٰامِسَ «2».

لا إشكال في دلالتهما علي وجوب الخمس في الكنز صريحاً كما لا إشكال في سند الأوّل. و أما سند الثاني فالتحقيق صحته، و لا يُعبأُ بدعوي عدم ثبوت وثاقة جعفر الواقع في سنده. و الوجه فيه أَنَّ الضبط الصحيح احمد بن زياد بن جعفر الهمداني، كما في الخصال «3». و هو شيخ الصدوق. و قد قال في حقّه انه ثقة فاضل دَيّن. و عليه فما في نسخة الوسائل: «عن جعفر الهمداني» غير صحيح لانّ جعفر جدّ احمد بن زياد لا أنّه راوٍ آخر.

منها: معتبرة عمّار بن مروان قال

سَمِعْتُ، أَبا عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) يَقُولُ: فيمٰا يُخْرَجُ مِنَ الْمَعٰادِنِ وَ الْبَحْرِ وَ الْغَنيمَةِ و.. أَلْخُمْسُ «4».

لا إشكال في دلالتها. و أما سنداً فالأقويٰ اعتبارها. و ذلك لانّ عمّار بن مروان

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 345 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 3 و ح 7.

(3) الخصال/ طبع المكتبة العلمية ص 137.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 3 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 104

و المرجع في تشخيص مسمّاه العرف (1).

______________________________

مشتركٌ بين اليشكري الثقة المعروف الذي له كتاب و بين

الكلبي المجهول. و المقصود هنا هو الأوّل لانصراف الاسم المشترك إلي المعروف عند عدم القرينة علي غيره. مع ان الكلبي ينقل عنه الحسن بن محبوب بواسطة أبي أيّوب بخلاف اليشكري فإنه ينقل عنه بلا واسطةٍ كما في سند هذه المعتبرة.

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَعادِنِ مٰا فيهٰا؟ فَقٰال (عليه السّلام): كلُّ ما كانَ رِكٰازاً فَفيهِ الْخُمْسُ «1».

فإنّ السؤال و إن كان عن المعدن الّا ان الإمام أجاب ببيان كبري وجوب الخمس في كلّ ركاز و أَدرجَ مورد السؤال في هذه الكبري، لوضوح عدم انحصار كلّ ما كان ركازاً في خصوص المعدن بل يشمل الكنز ايضاً، بل ينصرف إليه عند عدم القرينة لكثرة استعماله فيه.

و الحاصل: انّ أصل وجوب الخمس في الكنز ممّا لا كلام فيه و انّما الكلام يقع في جهاتٍ سيأتي البحث عنها.

[تعريف الكنز]

تعريف الكنز

(1) وقع الكلام في انه هل أُخذ في تعريف الكنز قصد الادّخار و اتّخاذه ذخيرة كما يوهمه تعريف السيد في العروة بأنّه المال المذخور أم لٰا بل يطلق علي مطلق المال المستور تحت الأرض، أم يعتبر فيه قيد آخر؟

و التحقيق: ان في مفهوم الكنز يعتبر أمران أحدهما: كونه مستوراً في غير مَعرض الرؤية و العثور عليه عادة. ثانيهما: مضيّ زمان طويل عن استتاره بحيث لم يتعنون بعنوان مجهول المالك، و الّا فربّ شخص يُخفي مالَه من الذهب و الفضّة و ساير

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 343 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 105

فاذا لم يعرف صاحبه؛ سواء كان في بلاد الكفار أو في الأرض الموات أو الخربة من بلاد الإسلام، (1) و سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا، ففي جميع هذه الصور

يكون ملكاً لواجده و عليه الخمس.

______________________________

الجواهرات تحت أرض أو داخل شجرٍ أو جبلٍ و تمضي عليه مدة قليلة و لا كلام حينئذٍ في كون أخذه تصرّفاً في مال الغير و سرقة.

و قد تبيّن مما ذكرنا: أولا: عدم اعتبار قصد الادّخار في صدق عنوان الكنز.

و ثانياً: اعتبار كونه مستوراً في داخل الأرض أو نحوها، مثل شجرٍ أو جبلٍ أو جدارٍ. فلا يصدق علي ما يكون في سطح الأرض، و لو في مثل صندوق أو محفظةٍ مما طُرح في الصحاري و الفَلَوات مما يكون في معرض الرؤية و العثور عادةً. و يشهد علي ذلك مضافاً إلي مفهوم الكنز عرفاً لفظ الركاز في قوله (عليه السّلام)

كلُّ ما كٰانَ رِكٰازاً فَفيهِ الْخُمْسُ

في صحيحة زرارة حيث انّه أُشرب في معناه الدخول في الأرض و الاستتار تحتها.

و ثالثاً: ان مجرّد الستر و الخفاءِ و الكون في غير معرض الأنظار و العثور عادةً يكفي في صدق عنوان الكنز، سواءٌ كان تحت الأرض أو في داخل شجر أو كهفٍ أو جدار و نحو ذلك مما يكون مدفوناً في محلّ ليس في معرض الرؤية و العثور.

و رابعاً: انه لا يصدق عنوان الكنز علي المستور في مدةٍ قليلة بل لا بد من مُضي زمان طويل انقرض فيه عهد صاحبه و باد أهل عصره. و الحاصل: أنّ المتبع في صدق عنوان الكنز هو نظر العرف و إنّما تعتبر هذه الأمور الأربعة في مفهوم الكنز عرفاً.

[مقتضي القاعدة و النصوص فيما علم وجود مالك محترم له]

مقتضي القاعدة و النصوص فيما علم وجود مالك محترم له

(1) قبل الورود في البحث ينبغي بيان مطلب قيل بعنوان إعطاء ضابطة تنفع في

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 106

______________________________

أمثال المقام. و حاصله: أنّ نصوص وجوب خمس الكنز تكون في مقام بيان

وجوبه بعد الفراغ عن كون الكنز مملوكاً علي الوجه الشرعي.

و بعبارة أخري: تكون في مقام بيان وجوب خمس الكنز المملوك شرعاً. و من هنا لا نظر لها إلي إثبات ملكية الكنز لواجده فلا إطلاق لها من هذه الحيثية حتي تدل علي ملكية الكنز لكلّ من وجده. و لذا لا يصح التمسك بإطلاقها في مثل الأجير و الوكيل في استخراج المعدن و حيازة الكنز أو في من لم يقصد تملكه بالإخراج و الأخذ. و لا تختصّ هذه القاعدة بالمقام بل تنفع في أمثاله بعنوان ضابطة كلية، و قد حُرِّرَت في باب الإطلاق من علم أصول الفقه. هذا، و لكن تخطر بالبال نكتةٌ حاصلها: أنّ هذه القاعدة من المسلّمات. فانّ دليل الحكم لا يتكفَّل لإثبات موضوعه حتي يكون له إطلاق بالنسبة إليه، و إنما يكون له الإطلاق بالنسبة إلي ثبوت الحكم لموضوعه. يعني يدل علي ثبوت الحكم في فرض تحقق موضوعه في أيّ زمان و تحت أيّ شرط، و لا نظر له إلي إثبات الموضوع حتي ينعقد له إطلاق بالنسبة إليه حيث من الواضح أَنّ ما لا نظر للخطاب إلي إثباته لا إطلاق له بالقياس إليه طبعاً. هذا واضح، و لكن الكلام في المقام ان موضوع وجوب التخميس هو المعدن الذي أخرجه الإنسان و الكنز الذي وجده. و نحن نعلم بمقتضي دلالة نصوص تشريع الخمس ان وجوبه فرع تملّك متعلّقه و مترتَّب عليه. حيث دلّت علي انه لا خمس الّا فيما تملّكه الإنسان و صار فائدةً عائدة إليه. و من هنا يكشف إطلاق دليل وجوب الخمس عن صيرورة متعلّقه ملكاً للمكلّف في الرتبة السابقة.

و بعبارة أخري: ان خطاب وجوب خمس المعدن و الكنز و الغنيمة يدل بالدلالة

الاقتضائية حسب فهم أهل العرف علي أنّ كل من استخرج معدناً أو وجد كنزاً أو أخذ غنيمة يملكها بنفس الاستخراج و الحيازة و الاغتنام، و لكن يكون خمسها لأربابه، و إنّما هو يملك أربعة أخماسها الباقية. و مقتضي جريان القاعدة المزبورة في المقام أنّ

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 107

______________________________

نصوص المقام لا تثبت موضوع الخمس المذكور في الخطاب و هو المعدن و الكنز و الغنيمة عند الشك في صدقه الخارجي، حيث لا إطلاق له من هذه الحيثية. و أما بعد فرض صدق موضوعه يثبت له الإطلاق من حيث جواز تملّكه بالاستخراج و الاغتنام و الحيازة بمقتضي الذوق السليم و فهم أبناءِ العرف. و لا يقاس ذلك إلي الأجير و الوكيل و من لم يقصد التملّك بالإخراج و الأَخذ. لأن في الأجير و الوكيل يستند العمل إلي المستأجر و الموكل عرفاً، بل يصير العمل مملوكهما بالإجارة و التوكيل، و إنما الأجير و الوكيل بمنزلة الآلة. و أمّا غير قاصد التملك فلا يشمله حتي مثل نصوص الاحياء و الحيازة، مع أنّه لا كلام في دلالتها علي جواز التملّك بهما. فيُكشف من ذلك انّ عدم شمول نصوص المقام لغير قاصد التملك ليس بدليل القاعدة المزبورة كما في تلك النصوص. بل إنّما يكون وجه ذلك انصرافها عنه عرفاً في كلا المقامين بعدم نظرها إلي غير قاصد التملّك.

نعم إن النصوص التي سُئل فيها عن مقدار ما يجب فيه الخمس و أجاب الإمام ببيان النصاب المعتبر لا إطلاق لها من جهة ما نحن فيه لعدم نظرها إلي بيان أصل وجوب الخمس علي كل من استخرج المعدن أو وجد الكنز.

ثم إنه لا إشكال في أَنَّ الكنز لو وُجِدَ في غير دار الإسلام

من بلاد الكفار الحربيين و غيرهم أو وجد في دار الإسلام و لم يكن عليه أثر الإسلام، ملك لواجده و يجب عليه خمسه.

و لا إشكال أيضاً في أنه لو وُجد في ملك شخص محترمٍ لا يجوز تملّكه. فإنه ملك الغير و يكون التصرّف فيه بغير إذنه غصباً و حراماً، و نصوص الكنز منصرفةٌ عن مثله. كما لا كلام في ترتب حكم الكنز لو وَجَدهُ في أرضه المملوكة له بالاحياءِ.

هذا لا كلام فيه. و إنما الكلام فيما وُجد منه في دار الإسلام و كان عليه أثره ممّا احتمل كونه لمالك محترم المال من مسلم أو ذمّي أو معاهد و نحو ذلك و لم يكن في

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 108

______________________________

ملك شخص، بأَن وجد في أراضي الأنفال من أرض ميتة أو ما لا ربَّ له و الآجام و بطون الأودية حيث أجيز حيازة ما فيها للشيعة. أو في الأراضي المفتوحة عنوةً نظراً إلي كون المعدن الواقع فيها من المباحات لعدم تبعيته لرقبة الأرض. فهل يجري عليه حكم الكنز أو اللقطة؟ وقع فيه الخلاف. فذهب إلي الثاني جماعةٌ منهم المحقق في الشرائع و الشيخ في المبسوط و القاضي و الفاضلان و الشهيدان و أكثر المتأخرين. و إلي الأول جماعةٌ آخرون كما عن الخلاف و السرائر و المدارك و اختاره صاحب الجواهر.

و مقتضي القاعدة في المقام انه لو علمنا عدم وجود مالك محترم حال وجدان الكنز لانقراض نسله و عدم وارث له أو علمنا إعراض مالكه الموجود لو تصوّر الإعراض عن الكنز بأيّ داعٍ-، لا إشكال في ترتب حكم الكنز عليه بل هو المتيقن من مدلول نصوصه. و أمّا لو علمنا بوجود مالك محترم له لم يُعرف بشخصه،

فلا إشكال في عدم جواز تصرّفه، لكونه تصرّفاً في مال الغير و هو غصبٌ حرامٌ بلا كلام. و لا يختصّ ذلك بمال المسلم بل يحرم التصرف في مال أيّ مالك محترمٍ. حيث انه مضافاً إلي كونه ظلماً قبيحاً بحكم العقل و سيرة العقلاء قد دلّت علي ذلك عمومات نصوص حرمة التصرف في مال الغير مثل خبر محمد بن جعفر الأسدي عن صاحب الأمر (عج)

فلٰا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصرَّفَ في مٰالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ «1».

و في مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام)

لأَنَّ الْغَصْبَ كُلَّه مَرْدودٌ «2».

فنصوص الكنز منصرفة عن هذه الصورة. بل يترتب عليه حكم مجهول المالك لا حكم اللقطة لعدم ضياع المال المدفون، حيث إنّ صاحب المال يدفن ماله بغرض حفظه ليرجع يوماً فيأخذه سالماً. و عليه فلا بد من الفحص عن مالكه المجهول بشخصه المعلوم أصل وجوده. و بعد اليأس عن الظفر بالمالك يتصدَّق به بإذن الحاكم الشرعي.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 377 ح 6.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 109

______________________________

هذا مقتضي القاعدة في مجهول المالك. و أمّا مقتضي نصوص المقام فقد وقع الكلام فيه إذا علم أصل وجود المالك و لم يُعرف بشخصه. فانّ النصوص الواردة في هذا المقام متعارضةٌ بظاهرها.

ففي موثقة محمد بن قيس عن ابي جعفر (عليه السّلام) قال

قَضي عَليٌّ (عليه السّلام) في رَجُلٍ وَجَدَ وَرِقاً في 4 خَرِبَةٍ أَنْ يُعَرِّفَهٰا فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَعْرِفُها وَ إلّا تَمتَّع بِهٰا «1».

و ظاهرها وجوب التعريف حينما وجده و جواز التصرف فيه بعد التعريف و اليأس عن مجي ءِ مالكه.

و في قبالها ورد صحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الدّارِ يُوجَدُ فيهَا الْوَرِقُ.

فَقٰالَ إِنْ كانَتْ مَعْمُورَةً فيهٰا أَهْلُها فَهِيَ لَهُمْ وَ إِنْ كٰانَتْ خَرِبةً قَدْ جَلا عَنْهٰا أَهْلُهٰا فَالَّذي وَجَدَ الْمٰالَ أَحَقُّ بِهِ «2».

فإنّهما يتعارضان بظاهرهما في الكنز الموجود في الأرض الخربة، حيث إنّ الصحيح دلّ علي كون الواجد أحق به من دون تعريف. و لكن الموثقة دلّت علي وجوب تعريفه ابتداءً و توقف جواز تصرُّفِه فيه علي عدم مجي ء مالكه بعد التعريف. و يمكن رفع هذه المعارضة بحمل الموثقة علي مورد إمكان تعريف الورق، بأن يكون قابلًا للتعريف لوجود علامةٍ فيه أو في ظرفه أو كان الوصول إلي مالكه ممكناً، كما يرشد إليه الأمر بالتعريف لانه ظاهر في إمكانه. و حمل الصحيح علي صورة عدم إمكان التعريف إمّا لعدم قابلية الورق للتعريف، بأن كان ممسوحاً لا علامة فيه أو لم يكن في ظرف مُعلم أو لم يمكن الوصول إلي صاحبه. كما يشهد عليه قوله: (قَدْ جَلا عَنهٰا أَهْلُها) فان الوصول إلي أهل الدّيار المخروبة بعد جلاءِهم صعب، بل كان غير ممكن عادةً في الأزمنة السابقة التي لم تكن الوسائل النقلية موجودة مثل الآن.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 355 ح 5.

(2) الوسائل/ ج 17 ص 354 ب 5 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 110

______________________________

ثم إنه إذا وُجِد الورق في الأرض الخربة و لم يمكن تعريفه يُشكل ترتب حكم الكنز عليه ما لم ينقرض عصر مالكه أو لم تكن علامة فيه أو في ظرفه و نحو ذلك، ممّا يدلّ علي ادّخاره تحت الأرض و يوجب صدق عنوان الكنز عليه عرفاً. و أما إذا عُلِم وجود مالك محترم له سابقاً لم ينقرض عصره و لم يعرف بشخصه، يقع التعارض بين نصوص الكنز و مجهول المالك و تُقدّم

نصوص مجهول المالك. و ذلك لانصراف أدلّة الكنز حتي بناءً علي دلالتها علي ملكية الكنز لواجده عما إذا كان للغير، كانصراف أدلّة الإحياء و الحيازة. فالتعارض بينهما بدوي، و في الحقيقة لا تعارض في البين.

و أما إذا لم يعلم وجود مالك محترم له في الأصل أو شُكّ فيه لطول زمان دفنه و احتمال انقراض نسله و نحو ذلك، فمقتضي الاستصحاب عدم كونه لمالك محترم و جواز تملكه. فيجري عليه حكم الكنز.

و الحاصل: ان في الصورتين أعني صورة العلم بانقراض عصر المالك المحترم و عدم الوارث و صورة عدم العلم بوجوده لاحتمال الانقراض يجري حكم الكنز. و لا فرق في ذلك بين الموجود في دار الإسلام و بين غيره. و أمّا كون دار الإسلام أمارة علي كونه لمسلم فلا دليل عليه، مضافاً إلي انه لا يثبت وجود ذلك المسلم المالك المشكوك فيه حال وجدان الكنز مع أنّ الاستصحاب يقتضي عدم وضع المسلم يده عليه.

ثم إنه إذا عُرِفَ أصل وجود المالك و لكن لم يعرف بشخصه، يمكن الاستدلال علي ترتّب حكم مجهول المالك بأنَّ تملّكه سابقاً حال كونه في يد المالك لم يكن جائزاً يقيناً فيستصحب هذا الحكم عند الشك في جواز تملّكه حين وجدانه و يحكم بعدم جواز تملُّكه حال الشك الّا أن يثبت جوازه بدليل. و إنما دلّ الدليل علي جواز تملكه بعد التعريف في خصوص اللقطة، و المقام ليس منها. فمقتضي الاستصحاب المذكور ترتب حكم مجهول المالك عليه.

و قد يشكل علي هذا الاستصحاب بأنّه انّما يثبت عدم جواز تملّك الكنز

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 111

______________________________

الموجود إذا أُحرز كون مالكه السابق مسلماً أو في حكمه كالذمي و المعاهد، و هو غير معلومٍ و مقتضي

الاستصحاب عدم وضع المسلم أو من في حكمه من محترم المال يده علي هذا المال، فيجوز استملاكه. و مجرّد كونه في بلاد الإسلام لا يكون أمارةً علي كونه لمسلمٍ، غايته يوجب الظن بذلك و هو لٰا يغني من الحق شيئاً.

و الجواب عن هذا الاشكال: أَنَّ مقتضي الأصل الثابت بالسيرة العقلائية و حكم العقل القاضي بقبح الظلم أصالة احترام مطلق مال الغير من غير إناطة بالإسلام. و هو مدلول عمومات النصوص ايضاً مثل قول صاحب الأمر (عج)

لا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَّرفَ في مالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ

في صحيح الأسدي. و قول الإمام الكاظم (عليه السّلام)

الغَصْبُ كُلُّهُ مَرْدُودٌ

في مرسل حماد، و غيرهما من النصوص الدالة علي ذلك. فلا يرفع اليد عن هذا الأصل في المقام الّا بدليل يدلّ علي جواز التصرف في المال الذي وجده. و قد دلّ الدليل علي ذلك بعد التعريف و اليأس عن مجي ء مالكه في خصوص اللقطة دون المقام. فثبت بهذا البيان ترتب حكم مجهول المالك في فرض الكلام.

و لكن هذا الفرض خارج عن المقام لان الكلام في الكنز الذي علم بعدم وجود مالك له حين وجدانه للعلم بانقراض نسله و عدم وارث له، أو لم يعلم بوجوده لاحتمال ذلك، ممّا وجد في أرض غير مملوكة للأشخاص كالأنفال أو المفتوحة عنوةً و نحوها.

[عدم اختصاص خمس الكنز بالذهب و الفضة المسكوكين]

عدم اختصاص خمس الكنز بالذهب و الفضة المسكوكين

لا شكَّ في عدم اختصاص مفهوم الكنز بالذهب و الفضة بل يشمل أيّ جوهر ثمين مستور في الأرض و نحوها منذ زمن طويل في غير معرض الرُّؤية و العثور.

و إنما الكلام في انّ الخمس هل يجب في مطلق افراد الكنز أو في خصوص الذهب و الفضّة المسكوكين. فذهب الماتن (قدّس سرّه) إلي الأوّل و

اختار بعض الأعلام تبعاً للنهاية و المبسوط و السرائِر و الجمل و الجامع و غيرهم الثاني. و الأقوي ما ذهب إليه

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 112

______________________________

الماتن (قدّس سرّه) وفاقاً للتذكرة و المنتهي و الدروس و البيان. و الدليل علي ذلك أن مفهوم الكنز أعمّ من الذهب و الفضّة، و لا دليل علي الاختصاص بهما فضلًا عن المسكوكين منهما.

و قد استُدِلَّ علي اختصاص وجوب خمس الكنز بالذهب و الفضة المسكوكين بصحيح البزنطي عن ابي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُه عَمّٰا يَجِبُ فيهِ الْخُمْسُ مِنَ الْكَنْزِ. فَقالَ: ما يَجِبُ الزَّكاةُ في مِثْلِهِ فَفيهِ الْخُمْسُ «1».

بتقريب: أن سؤال الراوي ظاهرٌ في السؤال عن جنس الكنز و عن ماهية متعلق الخمس منه، و لذا يكون مقصود الإمام من المماثلة بقوله في الجواب

في مثله

هو التماثل في الجنس لا في الكمّية و مقدار المالية، كما أسنَدهُ صاحب الرياض إلي الأصحاب. و حيث انَّ الزكاة متعلقة بخصوص الذهب و الفضّة المسكوكين من بين الافراد المماثل للكنز، فلذا يختص وجوب الخمس بالنقدين. و لا تقاس هذه الصحيحة بالصحيح الآخر المنقول عن البزنطي في حكم المعدن. قال

سَأَلْتُ أَبا الْحَسَنِ (عليه السّلام) عَمّا أَخْرَجَ الْمَعْدِنُ مِنْ قَليلٍ أَوْ كَثيرٍ هَلْ فيه شَي ءٌ؟ قٰالَ (عليه السّلام): لَيْسَ فيهِ شَيْ ءٌ حَتّي يَبْلُغَ ما يَكُونُ في مِثْلِهِ الزَّكٰاةُ عِشْرينَ ديناراً «2».

وجه الفرق أوّلًا: أَنَّ قوله

من قليل أو كثير

قرينة علي ارادة الكم و المقدار من المماثلة بخلاف الصحيح الوارد في المقام حيث لا قرينة فيه علي ذلك.

و ثانياً: ان عشرين ديناراً يختصّ بنصاب الذهب و أما نصاب الدرهم فمائتا درهم و إنّ مقدار ماليتهما لا يخلو من تفاوت.

و عليه فصحيح البزنطي الوارد في المقام ناظرٌ إلي السؤال عن

جنس متعلق الخمس و بيان اختصاص وجوبه بالنقدين بالتقريب المذكور؟ و لا يصح القياس بصحيحه الآخر الوارد في المعدن.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 345 ب 5 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 4 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 113

______________________________

و فيه أوّلًا: ان الصحيح الوارد في المقام ايضاً ظاهرٌ في السؤال عن المقدار و الكمّية. و ذلك بقرينة قوله

في مثله

الظاهر في مقدار المالية. و عليه فقوله

ما يجب الزكاة في مثله

بمعني: ما يجب الزكاة في مقداره من المالية فيجب فيه الخمس. و ثانيا: إنّ سائر نصوص المقام قد دلّت بعمومها علي وجوب الخمس في جميع أنواع الكنوز. كقوله

أَلْخُمْسُ في خَمْسَةِ أشْياءَ: عَلَي الْكُنُوزِ..

في صحيح ابن أبي عمير. و قوله

فيما يُخْرَجُ مِنَ الْمَعٰادِنِ وَ الْبَحْرِ وَ الْغَنيمَةِ.. وَ الْكُنُوزِ أَلْخُمْسُ

في معتبرة عمّار. فإِنَّ ارادة الجنس من المماثلة المذكورة في الصحيح المزبور مخالف لعموم هذه النصوص. و بعد احتمال ارادة المقدار لا يكون هذا الصحيح ظاهراً في الجنس حتي يخصص هذه العمومات، بل هي قرينة صالحة لانصراف السؤال و الجواب إلي إرادة المقدار و الكمّ.

و إلا فلو كان المقصود التماثل في الجنس و إرادة خصوص الذهب و الفضّة المسكوكين لَكان الأَنسب أن يقول (عليه السّلام) في الجواب: ما يجب فيه الزكاة أي من الكنز ففيه الخمس. من دون احتياج إلي ذكر

في مثله

، حيث ان إرادته معلوم من السياق إذ السؤال عن خمس الكنز و هذا يقتضي كون المقصود من الجواب أيضاً ما فيه الزكاة من الكنز.

ثم إنه كما لا يكون وجوب الزكاة فعلياً ببلوغ النقدين إلي مقدار النصاب قبل مضي الحول و يكون وجوبه شأنياً، فكذلك في المقام أيضاً يكون المقصود هو الوجوب الشأني. و

عليه فلا ينافي كون وجوبه بعد إخراج مؤون التحصيل ليصدق عنوان الفائدة المأخوذة في متعلق الخمس.

هذا مضافاً إِلي أَنّ ظاهر تعلّق وجوب الخمس بعنوان الكنز في نصوص المقام كون عنوان الكنز بمفهومه العرفي دخيلًا في موضوع تعلّق الخمس. و لا يرفع اليد عن هذا الظهور بغير دليل. و إنَّ صحيح البزنطي لا يصلح لذلك نظراً إلي إجماله.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 114

نعم لو وجده في أرض مملوكة له بابتياع و نحوه عرّفه المالك قبله مع احتمال كونه له، و إن لم يعرفه عرّفه السابق إلي أن ينتهي إلي من لا يعرفه أو لا يحتمل أنه له (1). فيكون له و عليه الخمس.

______________________________

و الحاصل: أنه لا دليل علي اختصاص خمس الكنز بالذهب و الفضة، بل الدليل علي خلافه. فالأقوي في المقام ما ذهب إليه الماتن (قدّس سرّه).

[تخميس كنز الأرض المبتاعة]

حكم ما لو كان الكنز في الأرض المبتاعة

(1) يقع الكلام في المقام من جهتين الاولي: في عدم انتقال الكنز إلي المشتري بتبع انتقال رقبة الأرض إليه. و وجهُه واضح حيث إن الكنز ليس نابتاً من الأرض و متكوّناً فيها، بل هو مال منقولٌ موجود في أيدي الناس و شي ءٌ مستقل عن الأرض موجودٌ في الخارج يدفن في داخل الأرض. و لذا لا يدخل تحت ملكية مالك الأرض بتبع رقبتها. و من هنا لا ينتقل في المقام إلي ملك المشتري ببيع رقبة الأرض لكونه مالًا منقولًا مستقلا عن الأرض كسائر الأموال المنقولة.

الجهة الثانية: في ما أَفتي به الماتن (قدّس سرّه) من وجوب تعريف الكنز المدفون في الأرض المبتاعة المالكَ الأخير، و هو البائع. فإن عرفه فهو مالُه يُدفَع إليه، و إلا فيجب تعريفه المالك السابق. فان عرفه فهو، و

الّا عرَّفه المالك الأسبق و هكذا. فان لم يعرفوه جميعاً فهو لواجده و عليه الخمس.

و استدلّوا علي ذلك بكون المالك الأخير أعني البائع ذائد عليه قبل انتقال الأَرض إلي الواجد، و هي أمارةٌ علي الملك. نعم لو اعترف بعد التعريف بعدم كونه ملكاً له سقطت يده عن الحجية، و عندئذٍ تحيي يد المالك السابق. و لا بد من عرض الكنز عليه. فان عرفه فهو، و أما لو اعترف بعدم كونه ملكا له يعرّفه المالك الأسبق و هكذا.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 115

______________________________

و لكن يمكن الإشكال بأنه لو كانت قاعدة اليد جاريةً في المقام يجب دفع الكنز الموجود إلي ذي اليد الأخير و هو البائع-، من دون حاجة إلي التعريف و الفحص عن مالكه. هذا مضافاً إلي أنّ القاعدة تجري بمقتضي ظاهر دليلها من السيرة و النصوص في اليد الفعلية لا السابقة زمانها. و في المقام قد مضي زمان أيدي مُلّاك الأرض حتي المالك الأخير الذي هو البائع. و انّما تكون يد المشتري فعلية. بل مقتضي القاعدة عدم امتيازٍ للمالك الأخير عن سائر المُلّٰاك، و ذلك لأنّ ما لا يطلع ذو اليد عن وجوده عادة و يكون عنه غافلًا لٰا يكون تحت سلطته و لا يقدر علي التصرف فيه و لا يقصد تملّكه حتي تجري فيه قاعدة اليد.

و لذا يجب تعريفه كلَّ واحدٍ منهم، بل كلَّ من يُحْتَملُ كون الكنز له إذا علم له وجود مالك محترم له. و لكن لمّا كان احتمال كونه لبائع الأَرض أقوي فلذا يقدَّم تعريف الكنز إيّاه عن تعريفه سائرَ ملّاك الأرض. و يمكن أَنْ يقال: انّ اليد حيث لا تكون فعلية فمن هنا لا قوَّة لها إلي حدّ الأمارية

بحيث يدفع إليه من دون فحص و تعريف، بل تكون لها مرتبة ضعيفة من الاعتبار بلحاظ مُضيّ زمانها و هي توجب تعريفه و الفحص عن مالكه. و أما وجه تقديم البائع في التعريف فلأجل قُرب زمان استيلاء يده بالنسبة إِلي أيدي سائر مُلّاك الأرض. كما يقدّم أهل محل الالتقاط في تعريف اللقطة عن سائر سكنة البلد بلحاظ القرب المكاني الموجب لقوة احتمال كون المال الملتقط لهم. ثم انه لو لم يُعرف له مالكٌ بعد التعريف يجب علي الواجد التصدّق به لما تقدّم آنفاً من ترتب حكم مجهول المالك علي الكنز.

هذا مقتضي القاعدة، و أما النصوص فقد استدل الشيخ الأعظم بعدّة منها علي لزوم مراجعة البائع و تعريف الكنز إياه.

فمن تلك النصوص: صحيح الحميري قال كتبت إلي الرجل (عليه السّلام)

أَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ اشْتَريٰ بَقَرَةً أَوْ جَزُوراً لِلْأَضٰاحي فَلَمّٰا ذَبَحَها وَجَدَ في جَوْفِهٰا صُرَّةً فيهٰا

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 116

______________________________

دَراهِمُ أَوْ دَنانيرُ أَوْ جَوْهَرةٌ لِمَنْ يَكُونُ ذلِكَ؟ فَوقّع (عليه السّلام): عَرِّفْهَا الْبائِعَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفها فَالشَّي ءُ لكَ رَزَقَكَ اللّهُ إيّاهُ «1».

بتقريب: أن الإمام أمر واجد الصُّرَّة أنْ يُعرّفَها البائع دون المُلّاك السابقين نظراً إلي أن الحيوان لا يبتلع الصُّرة عادةً أكثر من قبل يوم أو يومين، فلذا لا يحتمل كونها للملاك السابقين بل المحتمل كونها ملكَ البائع. و إنه و إن كان ذا اليد و يجب دفع الصُّرَّة إليه بمقتضي قاعدة اليد من دون تعريفٍ، و لكن لَمّٰا يحتمل عدم كون الصّرة ملكاً له واقعاً، بان كانت مطروحةً في الصحراء، فأمر (عليه السّلام) بتعريفها البائع لاستعلام حالها. و من هنا لا يجب تعريفها بعد سقوط يد البائع باعترافه بعدم كونها له. هذا، و لكن الإنصاف

ان في جريان قاعدة اليد و إن لا يعتبر علم ذي اليد بالشي ء الذي تحت يده و لا اطلاعه عن خصوصياته حال إجراءِ القاعدة لوضوح غفلة المالك غالباً عن خصوصيات ما يملكه. و لكن كما قلنا آنفاً لا تجري هذه القاعدة فيما يكون مغفولًا عنه عادةً و لا يكون في معرض العثور و الاطلاع عليه، كما في الكنز المدفون في الأرض أو الجوهر الموجود في جوف الحيوان. و أمّا أمر الإمام بتعريفه البائع فليس لأجل اليد بل لأجل احتمال كونه ملكه واقعاً نظراً إلي كون الحيوان في داره غالباً. و من المحتمل كون الصرّة المبتلعة ملكاً له. و إنّ هذا و إن كان محتملًا في حقّ السائرين و لكنّه أَقوي في حقّ البائع. و لذا يقدّم في التعريف. و هكذا في موثقة إسحاق الآتية، لأنّ الشي ءَ المدفون في داخل الأرض لا يكون عادةً في معرض العثور و اطّلاع مالك الأرض، و لذا لا يقصد تملّكه بعنوان الكنز. و من هنا لا تكون اليد في أمثال هذه الموارد كاشفةً عن الملكية حتي تكون أمارةً عليها و إن النصوص الدالة علي اعتبارها ظاهرة في ما كان ذو اليد مطلعاً عما في يده و قاصداً لتملكه.

و منها: موثق إسحاق بن عمّار، قال

سَأَلْتُ أَبٰا إبْراهيمَ عَنْ رَجُلٍ نَزَلَ في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 358 ب 9 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 117

______________________________

بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ فَوَجَدَ فيه نَحْواً مِنْ سَبْعينَ دِرْهَماً مَدْفُونَة فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ وَ لَمْ يَذْكُرْها حَتّي قَدِمَ الْكُوفَةَ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قالَ (عليه السّلام): يَسْأَلُ عَنْهٰا أَهْلَ الْمَنْزِلِ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهٰا. قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهٰا؟ قالَ (عليه السّلام) يَتَصَدَّقُ بِهٰا «1».

حيث دلّ علي وجوب تعريف الدراهم المدفونة

أهلَ المنزل بلحاظ كونهم ذوي الأيدي علي تلك البيوت و ما فيها كما هو المفروض في المقام. و لعلّ الفرق بين مورد هذه الموثقة و بين مورد صحيح ابن مسلم السابق حيث حكم الإمام هنا بالتصدّق و هناك بكونه للواجد، أَنّ الورق الملقاة في الخربة الغير القابل للتعريف قد ضاع عن مالكه فيترتب عليه حكم اللقطة و أما الدراهم المدفونة في بيوت مكة تكون محفوظة في محلّها بلا ضياع عن مالكها فيترتب عليها حكم مجهول المالك بعد التعريف و عدم الوصول إلي مالكها.

و يمكن النقاش في الاستدلال بهذه النصوص للمقام بأنّها وردت في موارد خاصّة و دلّت علي وجوب التعريف تعبّداً و لا يمكن التعدي منها إلي المقام فان مالك الحيوان لا يدَ له علي ما في جوفه من الدراهم المختفية عنه التي ليست في معرض عثوره عليه عادةً. و أما أهل بيوت مكّة فإن تعريف الدراهم الموجودة فيها إيّاهم فلأجل الفحص عن مالكها لا لأجل يدهم علي تلك البيوت و ما فيها و إلا لم يكن حاجةً إلي تعريفها بل كان يجب دفعها إليهم. و ذلك ان تلك البيوت كانت مُعدّةً لنزول المسافرين و محلًا لسكونة الحجّاج، و انّهم ربما كانوا يُخفون دراهمهم في داخل أرض تلك البيوت و كانوا يغفلون عنها حين المراجعة إلي أَوطانهم. و لمّا كان أهل تلك البيوت مطلعين عنها و عن مُلّاكها أمر الإمام (عليه السّلام) بالسؤال عنهم لاستعلام حال المالكين.

و الحاصل: ان الأمر بتعريف الدراهم بائع الحيوان أو أهل بيوت مكة لا يكون بمقتضي قاعدة اليد بل إنما كان لأجل الفحص عن مالكها و لا يترتب عليه حكم الكنز

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 355 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة

- الخمس، ص: 118

إذا بلغ عشرين ديناراً في الذهب و مأتي درهم في الفضة (1)، و بأيّهما كان في غيرهما.

______________________________

بل يترتب عليه حكم المجهول المالك و يمكن الفرق أيضاً بأنّ محلّ الكلام في الكنز المدفونة في الأرض المبتاعة و إن الدراهم الموجودة في الصّرة الملقاة علي وجه الأرض التي ابتلعه الحيوان و كذا الدراهم المدفونة في بيوت مكة المضروبة في الزمان المعاصر أو القريب بعصر الواجد لا يكون من مصاديق الكنز. حيث أخذ في تعريف مفهوم الكنز عرفاً كونه من العهد العتيق و مدفوناً في الأرض من الأزمنة السالفة بحيث انقرض أهل زمان مالكه، و لذا يكون الدراهم الموجود مالكها عادةً من قبيل مجهول المالك و لا بد من تعريفه فحصاً عن مالكه. حيث عُلِم كونه لمالك محترم موجودٍ لكنه غيرِ معروف بشخصه. فلا بد من الفحص عنه بتعريفه ايَّ شخص يحتمل كونه له. و انّما يجوز له التملك بعد التعريف و اليأس عن إيصاله إلي مالكه جمعاً بين موثقة محمّد بن قيس و صحيح ابن مسلم. و إن كان خلاف مقتضي القاعدة في مجهول المالك من عدم جواز تملّكه و وجوب التصدق به بإِذن الحاكم علي وجه التضمين.

و لكن لا يجب عليه خمس الكنز علي فرض تملّكه كما يظهر من الماتن (قدّس سرّه) بل انما يجب عليه خمس الفائدة و يترتب عليه حكمه من جواز استثناء مئونة السنة.

[اعتبار النصاب في تعلق الخمس بالكنز]

دليل اعتبار النصاب في الكنز

(1) دلّ علي ذلك صحيح البزنطي

قالَ سَأَلْتُهُ عَمّٰا يَجِبُ فيه الْخُمْسُ مِنَ الْكَنْزِ. فَقالَ (عليه السّلام): مٰا يَجِبُ الزَّكاةُ في مِثْلِه فَفيهِ الْخُمْسُ «1».

و لكن قد يقال: إنّ ظاهره اختصاص وجوب خمس الكنز بالذهب و الفضّة المسكوكين لاختصاص

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص

345 ب 5 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 119

و يلحق بالكنز علي الأحوط ما يوجد في جوف الدابة المشتراة مثلًا، فيجب فيه بعد عدم معرفة البائع، و لا يعتبر فيه بلوغ النصاب (1).

______________________________

وجوب الزكاة بهما، نظراً إلي ظهوره في اعتبار المماثلة مطلقاً من جهتي الجنس و المقدار. و فيه: أنّه بعد الفراغ عن دلالة سائر النصوص الواردة في المقام علي وجوب الخمس في جميع أنواع الكنوز كما في صحيح ابن أبي عمير «1» و معتبرة عمار «2» تكون هذه الصحيحة ظاهرة في المماثلة من جهة مقدار المالية فقط لانصراف السؤال و الجواب إلي ذلك.

فالمقصود أنَّ المقدار الذي يجب فيه الزكاة، ففي ذلك المقدار من الكنز الخمس. حيث ان ارادة التماثل في الجنس مخالف لعموم نصوص المقام، مثل قوله في صحيح ابن ابي عمير

أَلْخُمْسُ عَليٰ خَمْسَةِ اشْياء: عَلَي الْكُنُوزِ..

و نحوه معتبرة عمّار.

[بعض ملحقات الكنز]
[الأول ما وجد في جوف الدابة]

حكم ما وجد في جوف الدابة

(1) اما وجوب تعريف البائع فبدليل صحيح الحميري المتقدم عن العسكري (عليه السّلام)، قال

كَتَبْتُ إلي الرَّجُلِ أَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ اشْتَريٰ بَقَرةً أَوْ جَزُوراً لِلْأَضٰاحي فَلَمّٰا ذَبَحَها وَجَدَ في جَوْفِها صُرَّةً فيها دَرٰاهِمُ أَوْ دَنٰانيرُ أَوْ جَوْهَرةٌ لِمَنْ يَكُونُ ذلِكَ؟ فَوَقَّع (عليه السّلام): عَرِّفْهَا الْبٰائِعَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهٰا فَالشَّي ءُ لَكَ رزقَكَ اللّٰهُ إيّٰاهُ «3».

و قد قلنا سابقاً إن اختصاص وجوب التعريف بالبائع في المقام تعبدّيٌ،

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 3 ح 7.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 344 ح 6.

(3) الوسائل/ ج 17 ص 359 ب 9 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 120

______________________________

لٰا لأَجل قاعدة اليد حيث لا اطلاع للبائع عمّا في جوف الحيوان حتي يستولي عليه. و الّا لكان إعطاءُ الصرّة إليه واجباً

من غير تعريف. و لعلّه قوّة احتمال كون الصرّة له واقعاً. بأن ابتلعها الحيوان في حظيرة البائع أو داره دون الصحاري و الفلوات أو مكان بعيدٍ عن محل البائع. و ذلك نظراً إلي عدم كون الصرّة عادة في جوف الحيوان أكثر من يوم أو يومين.

و إن مقتضي التعبد في اختصاص التعريف بالبائع عدم وجوب تعريف غيره و إن احتمل كون الصُّرَّة له. ثم ان مقتضي القاعدة ترتب حكم مجهول المالك علي الصُّرة الموجودة في جوف الدابّة من وجوب التصدُّق بها بعد التعريف و اليأس عن الظفر بمالكها المجهول الّا أنّ الصحيح المزبور يُخصص هذه القاعدة في خصوص هذا المورد من جهتين.

إحديهما: جواز الاكتفاءِ بتعريف البائع و عدم وجوب تعريف غيره ممّن يحتمل كون الصُّرَّة له. و ثانيتهما: جواز تملّكها بعد تعريف البائع و اعترافه بعدم كونها له بلا اعتبار اليأس عن الظّفر بمالكها.

و لا يبعد كون الصُّرَّة الموجودة في جوف الحيوان من قبيل اللقطة، و ذلك لضياعها عن مالكها، لان الدراهم و إن كانت في الصرّة و هي علامة. و لكن لمّا لم يكن الحيوان ثابتاً في مكانٍ بل ينتقل غالباً من موضع إلي موضع آخر و لا يُعلم محلّ مالكها عادة في مكان محدود أو قرية معيّنة، فلذا يتعذر تعريف الصرّة إيّاه. و إنّ الذي يحتمل كون الصرة له و يتيسّر تعريفه هو بائع الحيوان لا غيره. و عليه فمدلول هذا الصحيح مقتضي القاعدة و مفاد نصوص اللقطة و لا تعبّد في البين. و علي فرض التنزل فإنّما يكون التعبد من جهة سقوط وجوب التعريف بالنسبة إلي غير البائع لا من جهة جواز تملّك و عدم وجوب التصدّق.

و أما وجوب خمس الكنز في المقام

فلم يدلّ عليه أيّ دليل لعدم صدق مفهوم

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 121

بل يلحق به أيضاً علي الأحوط ما يوجد في جوف السمكة (1). بل لا تعريف فيه للبائع إلا في فرض نادر، بل الأحوط إلحاق غير السمكة و الدابة من الحيوان بهما.

______________________________

الكنز علي ما وجد في جوف الدابة حتي تشمله نصوص خمس الكنز و من هنا لا تصل النوبة إلي اعتبار بلوغ النصاب. و أَمّا ما ذهب صاحب العروة (قدّس سرّه) من الجمع بين عدم بلوغ اعتبار النصاب و بين الإفتاء بوجوب خمس الكنز فلا يخفيٰ ما فيه من التهافت، إذ الدليل انما دلّ علي اعتبار بلوغ النصاب في خمس الكنز فكيف يجب خمس الكنز من دون اعتبار بلوغ النصاب؟! و من هنا احتياط الماتن (قدّس سرّه) في الإلحاق.

و لكن الحق أن الخمس لا يجب في المقام بعنوان الكنز لأجل ما قلنا، بل انما يجب خمس الفائدة و يترتب عليه جواز استثناءِ مئونة السنة.

[الثاني ما وجد في جوف السمكة]

حكم ما وجد في جوف السمكة

(1) و الحق في المقام كون ما وجد في جوف السمكة ملكاً للواجد من دون وجوب تعريفه للبائع. خلافاً لما دلّ عليه الصحيح فيما وجد في جوف الدابة. و ذلك للفرق بينهما، حيث انّ هناك عُلِمَ بكون ما وجد في جوف الدابّة لمالك الّا انه مجهولٌ بشخصه. فمن هنا يجب فيه التعريف. و لكن في المقام لا علم بأصل وجود المالك بل هو مشكوكٌ فيه، حيث يحتمل كونه من المباحات الأصلية. و من هنا لا يجب التعريف لاختصاص وجوبه بما أُحرز وجود المالك له. نعم لو كان الموجود في بطنها ملكاً لمالكٍ مجهول كخاتم أو سوار أو درهم و نحو ذلك فيجب تعريفها لو

لم يتعذّر و احتمل الظفر بالمالك. و لكن ذلك إذا لم تُرَبَّي السمكة في دار البائع أو بستانه أو حوضه بإلقاءِ البذر علي ما هو المتعارف في هذا الزمان، و الّا يجب ردّ الجوهر إلي البائع بلا اشكال،

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 122

______________________________

و ذلك للعلم بكونها في أرضه المملوكة. و انّ يده أمارة علي الملكية و لا يعتبر يده الفعلية لكي يقال انها خارجة عن يده بعد البيع. بل المعتبر يده عليها قبل انتقال السمك بالبيع. كما أنّ الفحص و التعريف لأجل الظفر بمن كان مالك اللقطة قبل ضياعها عنه. نعم لو اعترف بعدم كونها ملكاً له يجوز للمشتري حينئذ تملّكها لنفسه.

ثم إنه قد نُسِبَ إلي العلّامة وجوب ردها إلي البائع مستدلا بأنه كان قبل البيع ملكَ البائع حيث انه تملَّك ما في جوف السمكة بتبع حيازتها.

و فيه: أن المالك جاهلٌ بما في جوف السمكة و لا استيلاءَ له عليه لعدم اطلاعه عن وجوده بأيّ وجهٍ. فلا يتمكّن من قصد تملّكه قهراً، فكيف يصدق الحيازة بالنسبة إليه. و بعبارة اخري: يعتبر في صدق الحيازة استيلاءُ الشخص علي ما يقصد تملّكه و لا استيلاءَ علي ما لا علم بوجوده و لا يمكن قصد تملّك ما لٰا اطّلاع عنه بأَيّ وجهٍ. و الحاصل: انه لا إشكال في جواز تملك ما في جوف السمكة. و قد دلت علي ذلك عدّة نصوص «1»، فإنّها و إن كانت ضعيفة إلّا أن ضعفها منجبر بعمل المشهور. مضافاً إلي كون مفادها مطابقاً لمقتضي القاعدة. و لا يخفي أنّه يجب فيه خمس الفائدة لا الكنز.

ثم إنّه قد يستشكل في المقام بأنه علي فرض تسليم دخولها في ملك البائع بالحيازة لأجل التبعية فلا

مناص من انتقالها إلي ملك المشتري أيضاً، حيث إنه بالبيع ينتقل المبيع إلي ملك المشتري علي النحو الذي استملكه البائع.

و فيه: أنه يمكن الفرق بين التملُّك بالحيازة و التملّك بالبيع نظراً إلي أن الشخص يقصد بالحيازة تملّك جميع ما حازه أيّاً ما كان. بخلاف المشتري فإنه لا يقصد من الشراءِ إلا تملّك ما يقابل الثمن كما أنّ البائع لا يقصد من البيع إلّا تمليك ما كان من المبيع مقابل الثمن لا أزيد منه.

______________________________

(1) راجع الوسائل/ ج 17 ص 359 ب 10.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 123

[الرابع] الغوص

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 125

الرابع: الغوص (1)، فكل ما يخرج به من الجواهر مثل اللؤلؤ و المرجان و غيرهما مما يتعارف إخراجه بالغوص يجب فيه الخمس.

[تحقيق في مفاد نصوص الغوص]

______________________________

تحقيق في مفاد نصوص الغوص

(1) استُدِلَّ علي وجوب الخمس في الغوص بعدة نصوص. منها: صحيح الحلبي قال

سَأَلْتُ أَبٰا عَبْدِ اللّٰهِ عَنِ الْعَنْبَرِ وَ غَوْصِ اللُّؤْلُؤِ فَقٰالَ (عليه السّلام): عَلَيْهِ الْخُمْسُ «1».

و أشكل عليه صاحب المدارك باختصاص السؤال بالعنبر و غوص اللّؤلؤ و لا يستفاد التعميم من كلام الإمام.

و لكن ورد في المقام صحيحتان دلَّتٰا علي وجوب الخمس في مطلق الغوص. إحديهما: صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحدٍ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الْخُمْسُ عَليٰ خَمْسَةِ أَشيٰاءَ عَلي الْكُنُوزِ وَ الْمَعادِنِ وَ الْغَوْصِ وَ الْغَنيمَةِ وَ نَسِيَ ابْنُ أَبي عُمَيْرُ الْخٰامِسَ «2».

لا إشكال في دلالتها كما أنّ الأقوي صحّة سندها أيضاً حيث لا وجه لتوهم الإشكال في سندها الّا من جهتين:

الأوليٰ: توهم الإرسال. و فيه: أن تعبير

غير واحدٍ

كناية عن كثرة الرّواة و اشتهار الرّواية بينهم. و من هنا يكون هذا النوع من المرسل في حكم الصحيح.

الثانية: جعفر الهمداني المذكور في سنده: بان الظاهر علي ما في نسخة الوسائل كونه راوياً آخر و لم يرد توثيق لراوٍ بهذا الاسم. و لكن التحقيق انه ليس راوياً آخر و انّ نسخة الوسائل غلط، بل الضبط الصحيح كما في الخصال هو احمد بن زياد بن جعفر الهمداني و انّهُ ثقةٌ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 347 ب 7 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 3 ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 126

______________________________

و ثانيتهما: معتبرة عمّار: «قٰالَ: سَمِعْتُ أَبا عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) يَقُولُ

فيمٰا يُخْرَجُ مِنَ الْمَعٰادِنِ وَ الْبَحْرِ

وَ الْغَنيمَةِ وَ الْحَلٰالِ المُخْتَلِطِ بِالْحَرٰامِ إذٰا لَمْ يُعْرَفْ صٰاحِبُهُ وَ الْكُنُوزِ الْخُمْسُ «1».

و لا إشكال في سندها كما قلنا سابقاً إنَّ عمّٰار بن مروان و إن كان مردّداً بين اليشكري الثقة و بين الكلبي غير الثقة، الّا أَنَّ اليشكري معروف لِمٰا له من الكتاب و الروايات الكثيرة. و انّ الاسم المشترك عند الإطلاق ينصرف إلي ما هو المعروف المرتكز في الأذهان. كما لا إشكال في دلالتها علي وجوب الخمس في كلّ ما يخرج من البحر. و عليه فلا إشكال نصاً و فتوي في أصل وجوب الخمس في المقام.

و إنّما الكلام في أنّ صحيح ابن أبي عمير قد دلّ علي تعلق وجوب الخمس بعنوان الغوص و في معتبرة عمار تعلَّق الخمس بما يخرج من البحر. و إنّ بين هذين العنوانين عموم و خصوص من وجه و محلّ اجتماعهما هو ما أخرج من البحر بالغوص. و قد وقع الكلام في أنّ كل واحدٍ من عنواني الغوص و ما يُخْرَج من البحر هل يكون سبب مستقلٌّ لوجوب الخمس علي نحو مفاد العطف ب «أو» حتي يجب الخمس فيما اخرج من البحر بغير الغوص و ما اخرج بالغوص من غير البحر كالشطوط و الأنهار؟.

أو أنّ القيدين معتبران معاً علي نحو مفاد العطف بالواو في تعلّق وجوب الخمس، بأن ينتفي الوجوب بانتفاءِ أحدهما فيُقتصر في وجوب الخمس بمحلّ اجتماع القيدين، دون موضع افتراقهما.

أو أنّ المراد من الغوص هو ما اخرج من البحر، و إنَّما عُبِّر عنه بالغوص نظراً إلي أنَّ إخراج الأشياءِ من البحر يتحقق غالباً بالغوص.

أو أنّ المراد من الإخراج من البحر هو الغوص نظراً إلي كونه في البحر غالباً. ففي المقام وجوه أربعة أوجهها هو الوجه الثاني،

من اعتبار القيدين معاً علي نحو مفاد

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 127

______________________________

العطف بالواو. و عليه فلا يجب الخمس فيما اخرج من البحر بغير الغوص و لا من غير البحر بالغوص بل انما يجب فيما اخرج بالغوص من البحر، و لكن لا مطلقاً بل إذا كان المخرج منه بالغوص شيئاً نفيساً. و الوجه في ذلك:

أَوّلًا: انّ صحيح ابن أبي عمير ظاهرٌ في تحديد متعلق الخمس و نفي تعلّقه بغير الخمسة التي نسي ابن أبي عمير خامسها. و إن الخامس هو المال المختلط بالحرام الذي لم يُعرف صاحبه، و ذلك بقرينة التصريح به في معتبرة عمّار. فلو كان الخمس واجباً أيضاً فيما يخرج من البحر بعنوانه ليلزم تجاوز ما يجب فيه الخمس عن الخمسة، و إنّه منفي بمفهوم التحديد.

إن قلت: إنّ وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة من المسلمات مع عدم ذكرها في هذه الصحيحة. فهذا التحديد لا مفهوم له لنقضه بذلك. و كذلك خمس الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم و خمس العنبر.

قلت: أما الفوائد المكتسبة فليس الخمس واجباً فيها بالعنوان الخاص. و انّ الإمام في هذا الصحيح بصدد تحديد ما يجب فيه الخمس بعنوانه الخاص لٰا بعنوان مطلق الفائدة. و أما خمس الأرض التي اشتراها الذمي فلا يرتبط بالمسلمين حيث انه لم يجعل في الشريعة علي المسلمين، بل انما أوجب علي الذمي، بناءً علي تكليف الكفار بالفروع كالأصول أو يكون من إلزاميات حكومة الإسلام علي الذمي.

و إن ظاهر هذا الصحيح بيان ما يجب فيه الخمس علي المؤمنين المكلفين، كما هو ظاهر الكلام في معتبرة عمّار. و أما العنبر فيمكن كونه من مصاديق الفائدة لعَدّ تحصيله كسباً في نظر

العرف أو يلحق بالغوص نظراً إلي إخراجه بسببه غالباً، و إن قد يؤخذ من وجه الماءِ. و قد يقال: إن ظاهر المقابلة بين العنبر و غوص اللّؤلؤ بذكر العنبر في عرض الغوص، انه بعنوانه موضوع مستقل لوجوب الخمس. و فيه: ان هذه المقابلة في كلام السائل لا في كلام الإمام حتي تكون لها دخلًا في موضوع الحكم.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 128

______________________________

و الحاصل: أن تحديد متعلق الخمس في الخمسة و عدّ الغوص منها في صحيح ابن أبي عمير قرينة علي عدم كون ما يخرج من البحر في معتبرة عمار موضوعاً مستقلا لوجوب الخمس.

و ثانياً: وردت عمومات قد دلّت علي جواز استثناءِ مئونة السنة في الفائدة المكتسبة بل كلُّ فائدة مثل صحيح عليّ بن مهزيار و غيره.

و قد خُصِّصَ هذا العموم بما دلّ علي تعلق الخمس بعناوين خاصّة و منها الغوص، و لكن النصوص الدالة علي وجوب الخمس بهذا العنوان مجملةٌ لأجل تردّد مدلولها بين الاحتمالات المذكورة في الجمع بين الصحيحين المذكورين.

و مقتضي القاعدة في صورة إجمال المخصّص الأخذ بالقدر المتيقن من مدلوله، و إنّ المتيقن من مدلول نصوص المقام هو تعلق الخمس بما أخرج من البحر بالغوص. لكن لا مطلقاً لعدم إمكان الأخذ بإطلاقه، كما لا يمكن الأخذ بإطلاق كل واحدٍ من القيدين، بل خصوص الأشياءِ النفيسة لا كلّ ما أُخرج من البحر بالغوص حتي غير النفيسة التي ليست لها مالية معتني بها عند أهل العرف.

فيقتصر بما تعلّق به خمس الغوص يقيناً و هو ما أخرج من البحر بالغوص من الأشياءِ النفيسة. حيث إنه مجمع القيدين و المفتي به عند الكل. و إن ناقش مثل صاحب المدارك من جهة عدم تمامية نصوص المقام سنداً

أو دلالةً، إلّا أنه أيضاً وافق الأصحاب في تعلّق خمس الغوص بكل شي ءِ نفيس اخرج من البحر. و بذلك ظهر عدم انحصار الموجب لرفع اليد عن إطلاق القيدين في تنافيهما و انصراف المطلق إلي الفرد الغالب، حتّي يقال إِنَّهما مثبتين لا متنافيين، و إِنّ المحذور في اختصاص المطلق بالفرد النادر لا شموله له. بل هنا أمرٌ ثالث يوجب رفع اليد عن إطلاق القيدين و هو عدم إمكان الأخذ بإطلاق كلٍّ منهما، فيُؤْخَذ بالقدر المتيقن المتفق عند الكل كما قلنا.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 129

[اعتبار النصاب في تعلق الخمس بالغوص]

إذا بلغ قيمته ديناراً فصاعداً (1).

______________________________

يعتبر النصاب في الغوص

(1) هذا هو المشهور بين فقهائنا قديماً و حديثاً و لم ينسب خلاف ذلك إلا إلي غرية المفيد و لم يعلم له مستندٌ. و أما مستند المشهور ما رواه الكليني و الشيخ بسندهما الصحيح عن البزنطي عن محمد بن علي بن أبي عبد اللّٰه عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَمّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤ وَ اليّٰاقُوتِ وَ الزَّبَرْجَدِ وَ عَنْ مَعادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ هَلْ فيهٰا زَكٰاةٌ؟ فَقٰالَ: إِذٰا بَلَغَ قيمَتُهُ ديناراً فَفيهِ الْخُمْسُ «1».

دلالة هذه الرواية علي اعتبار بلوغ قيمة الغوص ديناراً في وجوب خمسه تامَّةٌ. و قد مرّ الجواب عن بعض ما أُورِد علي دلالتها. و لا مجال لتوهم نظرها إلي خمس الفائدة المكتسبة بلحاظ ذكر

ما يخرج من البحر

في كلام السائل لا في كلام الإمام حتي يكون لعنوانه موضوعية في تعلق الخمس.

و ذلك: لأنّ اشتراط النصاب في كلام الإمام بقوله: «إذا بلغ قيمته ديناراً» قرينة تدلّ علي كون ما يخرج من البحر بعنوانه موضوع وجوب الخمس.

و لكن سندها ضعيف بمحمد بن علي حيث لم يرد فيه توثيق و

لا مدح و لا يكون معروفاً بين الرواة. فلا وجه لتوثيقه عدا رواية البزنطي عنه بناءً علي ما نقل عن عُدَّة الشيخ من كونه في عداد الذين قال الكشي في حقهم

انهم لٰا يروون و لا يرسلون الا عن ثقةٍ

، إلّا انَّ المبني ضعيف كما ثبت في محله.

و قد نقله الصدوق مرسلًا «2» عن ابي الحسن الرضا (عليه السّلام) و هو ايضاً ضعيف للإرسال. و توهم كون مرسلات الصدوق في حكم الصحيح لما قال في الفقيه

بل

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 343 ح 5.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 347 ب 7 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 130

و لا فرق بين اتحاد النوع و عدمه، و بين الدفعة و الدفعات، فيضم بعضها إلي بعض، فلو بلغ المجموع ديناراً وجب الخمس (1). و اشتراك جماعة في الإخراج هاهنا كالاشتراك في المعدن في الحكم (2).

______________________________

قصدت إلي إيراد ما أُفتي به و أَحكُمُ بصحته و اعتقد أنه حجَّةٌ فيما بيني و بين ربّي

، ممّا لا أساس له، لما صادفناه من روايات كثيرة رواها في الفقيه نقطع بضعفها إِمّا لعدم ثبوت وثاقة رواتها أو لأجل مخالفتها للقواعد و الأصول الفقهية المتسالم عليها. نعم لا يبعد القول باعتبار جوازم مرسلاته. و علي أيّ حال فضعف هاتين الروايتين منجبر بعمل المشهور بل المتّفق بينهم لإحراز استنادهم إلي هذا الخبر حيث لا دليل في المقام غيره. فالأقويٰ اعتبار بلوغ قيمة الغوص ديناراً في تعلّق الخمس به.

[حكم الغوص المشترك بين جماعة]

(1) لما مرّ في المعدن فلا نعيد.

حكم الغوص المشترك بين جماعةٍ

(2) قد يقال بالانضمام في هذه الصورة أيضاً لإطلاق دليل اعتبار نصاب الغوص نظراً إلي ظهوره في اعتباره فيما أُخرج من البحر بغوص واحدٍ و في المقام

و إن كان الغائص متعدداً إلّا أنّ الغوص واحد عرفاً. و فيه: أنّ ظهور الدليل في اعتبار النصاب يبتني علي مدلول دليل وجوب خمس الغوص الظاهر في تعلّقه بالغوص المملوك لكل شخص.

فلو غاص أشخاص مشتركون مقداراً كثيراً من الجواهر و لو بغوص واحد و من نوع واحدٍ يجب علي كلٍّ منهم إخراج خمس سهمه مستقلا. و ذلك لانحلال مدلول نصوص المقام حسب اشخاص الغائصين لظهورها كما قلنا في تعلق الخمس بالغوص المملوك لكل شخصٍ من المكلّفين مع قطع النظر عن اعتبار النصاب.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 131

مسألة 3: لو أخرج الجواهر من البحر ببعض الآلات من دون غوص يكون بحكمه علي الأحوط. نعم لو خرجت بنفسها علي الساحل أو علي وجه الماء فأخذها من غير غوص تدخل في أرباح المكاسب لا الغوص إذا كان شغله ذلك، فيعتبر فيها إخراج مئونة السنة، و لا يعتبر فيها النصاب (1).

______________________________

و أما عدم قصد كل واحدٍ من الجماعة المشتركين تملّك الغوص لنفسه لا يمنع من ذلك، لأنّه قد قصد من ابتداء الغوص تملك سهمه. و يكون حصّته و لو قبل التقسيم مملوكةً له. و إنما يتحقق الافراز بالتقسيم لا أصل الملكية. ثم إن هذا إذا لم يخرج الخمس من المجموع قبل القسمة. و أمّا إذا أخرج الخمس من المجموع مرَّةً واحدة لا يبقي موضوع لوجوب الخمس حتي يتعلّق بسهم كل واحدٍ بحياله. حيث لا فرق في مقدار الخمس المدفوع قبل التقسيم و بعده و إنّما الفرق في كيفية دفعه فان قبل التقسيم يدفع خمس المجموع دفعة واحدةً و بعده يدفع خمس كل سهم عليٰ حدة. إلّا أنّ الإخراج قبل التقسيم غير واجب.

[حكم المخرج من البحر بالآلة و الخارج منه بنفسه]

حكم المخرج من البحر بالآلة و

الخارج منه بنفسه

(1) يقع الكلام هنا في صورتين:

إحداهما: ما لو غاصه و شدّه بآلةٍ فأخرجه، فحينئذٍ بناءً علي استقلال كلٍّ من الإخراج و الغوص في السببية لوجوب الخمس لا إشكال في وجوب الخمس في هذه الصورة. و ذلك لوضوح صدق إخراجه من البحر، فيجب فيه الخمس، سواءٌ كان بالغوص أم لا. و أمّا بناءً علي ما استظهرناه سابقاً من نصوص المقام من جمع القيدين علي نحو مفاد العطف بالواو فقد يشكل علي وجوب الخمس حينئذٍ، نظراً إلي كون الإخراج بالآلة لا بالغوص. و لكن الذي يساعده نظر العرف صدق كون هذا الإخراج

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 132

و أما لو عثر عليها من باب الاتفاق فتدخل في مطلق الفائدة (1) و يجي ء حكمه.

مسألة 4: لا فرق فيما يخرج بالغوص بين البحر و الأنهار الكبيرة كدجلة و الفرات و النيل إذا فرض تكوّن الجواهر فيها كالبحر (2).

______________________________

بالغوص، لكفاية دخل الغوص في الإخراج و لو علي نحو جزءِ العلة في استناد الإخراج إلي الغوص عرفاً. و لكنه كذلك إذا جَرَّ الغائصُ الشي ءَ المشدود بالآلة بالغوص إلي خارج الماءِ. و أمّا إذا كان منتهي الحبل مثلًا بيد جماعةٍ في السفينة و إنما الغائص شَدَّ رأس الحبل بذلك الشي ء فتركه، ثم جرّ تلك الجماعة الحبل من داخل السفينة فأخرجوا ذلك الشي ءَ إلي خارج الماء بسبب جَرّ الحبل، فحينئذٍ يشكل استناد الإخراج إلي الغوص. و أما لو أخرجه بالآلة فقط من دون أيّ غوصٍ فالأمر أشكل.

ثانيتهما: ما لو خرج بنفسه إِلي وجه الماءِ أو الساحل بسبب طوفان و نحوه فأخذه الشخص من غير غوص، فلا إشكال في عدم وجوب خمس الغوص، حيث لم يخرج بالغوص. بل حتي بناءً علي كفاية

مجرد الإخراج من البحر فأيضاً لا يجب خمس الكنز، حيث لم يُخرجه احدٌ بل انما خرج بنفسه. فيجب فيه خمس أرباح المكاسب إذا كان شغله ذلك، بناءً علي ما ذهب اليه السيّد الماتن (قدّس سرّه). و مطلقاً، بناءً علي ما اخترناه من تعلق خمس الأرباح بمطلق الفائدة. كما قال الماتن (قدّس سرّه) و لا تصل النوبة حينئذٍ إلي اعتبار النصاب.

(1) بل الأقوي ترتب حكم الغوص عليها حينئذٍ إذا أخرجها بالغوص. و ذلك لصدق إخراجها من البحر بالغوص. و أمّا قصد الحيازة و إن لم يتعلق بها من ابتداءِ الغوص إلّا أنه حينما أخذها قصد حيازتها.

[الغوص من الأنهار الكبيرة]

(2) علي فرض تكوّن الجوهر في الأنهار العظيمة، فالظاهر وجوب خمس

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 133

مسألة 5: لو غرق شي ء في البحر و أعرض عنه مالكه فأخرجه الغوّاص ملكه، و الأحوط إجراء حكم الغوص عليه إن كان من الجواهر، و أما غيرها فالأقوي عدمه (1).

______________________________

الغوص فيه إذا أخرج منها بالغوص. و الوجه في ذلك أنه و إن يختص وجوبه بما اخرج بالغوص من البحر لا من غيره، بناءً علي ما سلكناه من الجمع بين القيدين و الأخذ بالمتيقن من مدلول نصوص المقام. الّا أَنَّ من المعلوم عدم خصوصيةٍ لعنوان البحر غير جهة تكوُّن الجوهر فيه عادةً و عليه فلو اتّفق تكوُّنُه في نهر عظيم يجري عليه حكم الغوص ايضاً بمقتضي إطلاق نصوص المقام من دون فرقٍ. مضافاً إلي إطلاق لفظ البحر علي كلّ نهرٍ عظيمٍ، كما قال في الصحاح

و كلُّ نهرٍ عظيمٍ بحرٌ

و في المفردات

البحر كل مكانٍ واسع جامعٍ للماءِ الكثير باعتبار كثرة ماءه.

و كما أطلق لفظ اليَمّ علي نهر النيل في القرآن في قصة موسي مخاطباً لأُمّهِ

فاقْذِ فيه

في اليَمّ فلْيُلْقِه اليَمُّ بالساحل

و اليَمّ هو البحر.

[ملكية الشي ء للغوّاص بإخراجه بعد إعراض مالكه و حكمه لو أخرجه البحر]

(1) يقع الكلام في مقامين: الأوّل: في ملكية الشي ء للغوّاص بإخراجه بعد إعراض مالكه. الثاني: كونه لمالكه أو لأهل الساحل لو أخرجه البحر. و البحث في ذلك تارة: يكون علي أساس مقتضي القاعدة. و أُخري: حسب مدلول نصوص المقام.

و أَمّا مقتضي القاعدة: أنّ المال إذا أعرض عنه مالِكُه يصير كالمباح بالأصل فيجوز للغير تملُّكه بالأخذ و الحيازة. و لا فرق في الإعراض بين كونه لأجل الكراهة القلبية أو لغيرها. فيكفي إعراضُه العملي بعد اليأس عن الظفر بما له و لو لم يعرض عنه قلباً. كما دلّ علي ذلك صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

مَنْ أَصٰابَ مٰالًا أَوْ بَعيراً في فَلٰاةٍ مِنَ الْأَرْضِ قَدْ كَلَّتْ وَ قٰامَتْ وَ سَيَّبَهٰا صاحِبُها مِمّٰا لَمْ يَتْبَعْهُ فَأَخَذَهٰا غَيْرُهُ فَأَقٰامَ عَلَيْها وَ أَنْفَقَ نَفَقَتَهُ حَتّي أَحْيٰاهٰا مِنَ الْكَلٰالِ وَ مِنَ

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 134

______________________________

الْمَوْتِ فَهِيَ لَهُ وَ لٰا سَبيلَ لَهُ عَلَيْهٰا وَ إِنَّمٰا هِيَ مِثْلُ الشَّي ءِ الْمُبٰاحِ «1».

حيث إن الإمام عدّ المال الذي تركه صاحبُه و أعرض عنه من قبيل الشي ء المباح و علَّل به صيرورته ملكاً لمن حازه.

و أَمّا إذا لم يُعرض عنه مالكُه فان عُرِفَ بشخصه لا ريب في وجوب ردّه إليه، لحرمة التصرّف في مال الغير و كونه غصباً. و أَما إذا لم يُعرف بشخصه يترتب عليه حكم مجهول المالك كما سبق.

و أما النصوص الواردة فيما غرق في البحر فاستُظهر منها التفصيل بينما إذا أخرجه البحر فهو لمالكه و بينما إذا أخذه الغير بالغوص فهو للغائص.

مثل موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)

قال

وَ إِذٰا غَرِقَتِ السَّفينَةُ وَ مٰا فيهٰا فَأَصابَهُ النّاسُ. فَمٰا قَذَفَ بِهِ الْبَحْرُ عَليٰ ساحِلِهِ فَهُوَ لِأَهْلِهِ وَ هُمْ أَحَقُّ بِهِ. وَ مٰا غاصَ عَلَيْهِ النّٰاسُ وَ تَرَكَهُ صٰاحِبُهُ فَهُوَ لَهُمْ «2».

و يحتمل عود ضمير الهاء في قوله

فهو لأهله

إلي الساحل. و ذلك أولًا: لكونه الأقرب و هو يمنع عن رجوع الضمير إلي الأبعد. و ثانياً: انّ لفظ الصاحب أنسب من لفظ الأهل في التعبير عن المالك، كما عبّر به عنه بقوله

و تركه صاحبُه

في ذيل الصحيحة. و قلّما بل لم يُترائي لفظ الأهل في التعبير عن المالك في نصوص أبواب اللقطة. و عليه فالظاهر من صدرها كون المال لأهل الساحل إذا أخرجه البحر. و أما عدم ذكر لفظ الساحل في الخبر الآخر الآتي فلا يَضُرُّ بشي ءٍ لضعف سنده. مضافاً إلي صحة رجوع الضمير إلي البحر. و المراد بأهل البحر سكنة ساحله أو أهل جزائره. كما يشهد علي ذلك إسناد الإخراج إلي اللّٰه (تعاليٰ).

و في خبره الآخر قال

سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) عَنْ سَفينَةٍ انْكَسَرَتْ في الْبَحْرِ،

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 364 ب 13 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 17 ص 362 ب 11 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 135

______________________________

فَأُخْرِجَ بَعْضُها بِالْغَوْصِ وَ أَخْرَجَ الْبَحْرُ بَعْضَ مٰا غَرِقَ فيهٰا. فَقالَ: أَمّٰا ما أَخْرَجَهُ الْبَحْرُ فَهُوَ لِأَهْلِهِ، اللّٰهُ أَخْرَجَهُ. وَ أَمّٰا مٰا أُخْرِجَ بِالْغَوْصِ فَهُوَ لَهُمْ وَ هُمْ أَحَقُّ بِهِ «1».

و لكنه ضعيف لوقوع أُميّة بن عمرو في سنده فالعمدة هي خبره الأوّل.

ثم إن حكم الإمام في الموثقة بملكية ما قذفه البحر لصاحبه يشمل بإطلاقه ما إذا أعرض عنه صاحبه. و هو خلاف مقتضي القاعدة، لأن مقتضاها كونه لمن أخذه و حازه كأيّ شي ءٍ مباح بالأصل.

و هذا قرينةٌ علي انصرافه عن صورة إعراض المالك. و كذا حكمه (عليه السّلام) بملكيته للغائص في ذيلها إذا تركه صاحبه. فإنه يشمل بإطلاقه ما إذا لم يكن تركه لأجل إعراضه عنه، بل كان لغرض العود اليه و لرجاءِ تهيئَة الوسيلة لإنقاذ ماله. و هذا خلاف مقتضي القاعدة، لأنها اقتضت جواز تملّك المال في خصوص ما إذا أعرض عنه مالكُه دون مطلق تركه له و لو برجاءِ عوده اليه بعد تهيئة الوسيلة لإنقاذ ماله. و لكن يمكن أن يقال: انه لا يصدق في هذه الصورة انه تركه نظراً إلي ظهور هذا التعبير في الاعراض. نعم إعراضه قد يكون لأجل يأسه عن الظفر بماله لا لأجل الكراهة القلبية.

ثم لا يخفي أنّ احتياط الماتن (قدّس سرّه) هنا وجوبيٌ. و وجهه قوّة احتمال كون مطلق الشي ء النفيس المخرج من البحر بالغوص مقصوداً في نصوص الغوص و إن لم يتكوَّن فيه بل أُلقِيَ من الخارج.

[حكم المعدن المتكوّن في البحر]

حكم المعدن المتكوّن في البحر ثم إنّه إذا تكوَّنَ معدنٌ مثل العقيق و الياقوت تحت الماء و توقَّفَ إخراجه علي الغوص، وقع الكلام في أنه هل يندرج تحت عنوان المعدن أو الغوص أو كليهما.

و تظهر ثمرة النزاع إذا لم يبلغ مقداره عشرين ديناراً و الّا فلو بلغ مقداره إليه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 362 ب 11 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 136

______________________________

لا ريب في تعلّق الخمس به علي أيّ حالٍ. و أمّا إذا لم يبلغ عشرين ديناراً فعلي فرض ترتب حكم المعدن عليه لا يتعلق به شي ءٌ من خمس الغوص و المعدن. و أما عدم تعلّق خمس الغوص فلفرض عدم ترتب حكمه عليه. و أما عدم تعلّق خمس المعدن فلفرض عدم بلوغه

حدّ النصاب.

و أما علي فرض ترتب حكم الغوص عليه، فبناءً علي ما سلكه المفيد من عدم اعتبار النصاب فيه، يجب إخراج خمسه مطلقاً سواءٌ بلغ ديناراً أم لٰا. و أَمّٰا بناءً علي اعتبار النصاب فإنما يجب إخراج خمسه إذا بلغ ديناراً و يجب فيما دون ذلك خمس ربح الكسب أو مطلق الفائدة لٰا الغوص.

ثم لا يخفي ان المال الواحد المعنون بعنوانين لا يُخمَّس مَرَّتين تارة بعنوانٍ و أُخري بعنوان آخر. و سيأتي البحث عن دليل ذلك.

و التحقيق في المقام: تقدُّم عنوان الغوص، و ذلك لظهور ذكر المعدن مقابل الغوص في صحيح ابن أبي عمير في معدن لا يتوقَّف إخراجه علي الغوص مما يتكوَّن في البحر أو البرّ فيشمل المعادن المتكوّنة في البحر مما لا يخرج بالغوص بل إنما يخرج بالأسباب و الآلات، كما في النفط و الغاز، كما عدّ الياقوت و الزبرجد من قبيل الغوص في خبر محمد بن علي مع كونهما من المعدنيات، و ذلك من جهة إخراجهما من البحر بالغوص.

و قد أشرنا أنه إذا بلغ عشرين ديناراً يجب فيه الخمس علي أي حالٍ سواءٌ كان بعنوان الغوص أو المعدن. كما لا يجوز استثناء مئونة السنة في كلتا الصورتين.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 137

[خمس العنبر]

مسألة 6: لو أخرج العنبر بالغوص جري عليه حكمه (1)، و إن أخذ علي وجه الماء أو الساحل فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك، و مع العثور الاتفاقي دخل في مطلق الفائدة.

______________________________

(1) لا إشكال في أصل تعلّق الخمس بالعنبر في الجملة. و ذلك لٰا للإجماع لأنه مدركيٌّ. بل لدلالة صحيح الحلبي، قال

سَأَلْتُ أَبٰا عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) عَنِ الْعَنْبَرِ وَ غَوْصِ اللُّؤْلُؤِ فَقٰالَ (عليه السّلام): عَلَيْهِ الْخُمْسُ «1»

و

إنه تامٌّ سنداً و واضحٌ دلالةً. و إنما الكلام في انه هل تعلق به الخمس بعنوانه الخاص مستقلا في عرض سائر الأقسام أو بعنوان الغوص أو المعدن.

نسب الأَوّل إلي جماعةٍ منهم صاحب المدارك نظراً إلي ظهور ذكر العنبر في عِدل غوص اللؤلؤ في أنه متعلق للخمس بعنوانه من دون دخل الغوص في تعلّق الخمس به. و فيه: أن المقابلة في كلام السائل و إنّما الإمام بصدد بيان أصل وجوب الخمس في العنبر من دون نظر إلي دخل عنوانه.

و نسب الثاني إلي كاشف الغطاء موجّهاً بأنه ممّا يخرج من البحر بالغوص. و فيه: ان العنبر لا يختصّ بهذا القسم الذي أشار اليه، بل ذكر له أقسام يؤخذ بعضها من وجه الماءِ أو من الساحل.

و ذهب المفيد إلي الثالث استناداً إلي كونه من المعادن، إِمّا لما قيل انّه ينبع من عينٍ في البحر نظير عين الزاج و الكبريت أو لتكوُّنه أساساً في البحر فيكون البحر أو العين النابع فيهما العنبر معدنه.

و فيه: ان كونه نابعاً من عين في البحر أحد المحتملات في معني لفظ العنبر. و أما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 347 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 138

مسألة 7: إنما يجب الخمس في الغوص و المعدن و الكنز بعد إخراج ما يغرمه علي الحفر و السبك و الغوص و الآلات و نحو ذلك (1) بل الأقوي اعتبار النصاب بعد الإخراج (2).

______________________________

مجرَّد تكوّنه في البحر لا يُحَقّق عنوان المعدن لوضوح أنه رُبَّ شي ءٍ يتكوَّن في البحر فمع ذلك لا يُعَدُّ من المعدن.

و نسب إلي الأكثر و منهم صاحب الشرائع التفصيل بينما إذا اخرج بالغوص فهو من الغوص و الّا فمن المعدن. و قد ذهب الماتن (قدّس

سرّه) إلي تفصيل آخر؛ و هو انّه في حكم الغوص إذا أخرج بالغوص و إلّا ففي حكم ربح الكسب إذا اتخذه كسباً، و إلّا ففي حكم مطلق الفائدة.

و الأقوي ما ذهب إليه السيّد الماتن (قدّس سرّه) من التفصيل لما أوردناهُ من النقاش علي سائر الأقوال.

(1) قد مرّ البحث عن ذلك و بيان وجهه سابقاً.

[اعتبار النصاب في تعلق الخمس بالغوص و المعدن و الكنز بعد إخراج المؤن]

يعتبر النصاب بعد إخراج المؤون

(2) و ذلك لأنّ الخمس و إن تعلّق بالغوص و المعدن و الكنز البالغة حدّ النصاب بعناوينها، إلّا انه تعلّق بها بما أنّها فائدة عائدة إلي الواجد. و لا تصير فائدة عائدة إلي الواجد الّا بعد إخراج المؤون التي ذهبت من كيسه في سبيل حيازتها.

و لكن لا يخفيٰ أن ظاهر الدليل كون استثناء المؤون شرط وجوب أداءِ الخمس و إخراجه لا أصل تعلّقه، و ذلك لدلالة النصوص علي تعلق الخمس بذات المعدن أو الغوص البالغ حدّ النصاب، و إِنَّما يجب دفعه بعد استثناء المؤون بلحاظ عدم صيرورته

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 139

______________________________

فائدةً عائدة إليه قبل ذلك. و تظهر الثمرة فيما لو لم يبلغ المستثناة منه المؤون حدّ النصاب و لكن بلغ حدّه قبل الاستثناء. فبناءً علي ما ذهب اليه الماتن (قدّس سرّه) لا يجب الخمس حينئذٍ لعدم بلوغه حدّ النصاب بعد إخراج المؤون. و أما بناءً علي عدم اعتباره يجب الخمس، لكفاية بلوغه حدّ النصاب في تعلّق الخمس به قبل إخراج المؤون.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 141

[الخامس] فاضل المئونة

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 143

الخامس: ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله من الصناعات و الزراعات و أرباح التجارات، بل و سائر التكسبات و لو بحيازة مباحات أو استنماءات أو استنتاجات أو ارتفاع قيم أو غير ذلك مما يدخل في مسمي التكسب (1).

______________________________

(1) قبل التعرض للاستدلال علي وجوب هذا الخمس ينبغي التنبيه علي أمرين. أحدهما: أنّه لا كلام في استثناء مئونة السنة من أرباح الكسب لوضوح دلالة نصوص المقام علي اعتباره في وجوب خمسها، كما لا كلام في عدم اعتباره في سائر الأقسام ممّا تعلق الخمس بعنوانه الخاص لخروجها

عن نطاق هذه النصوص. و ذلك إما لقصورها عن الشمول أو للإجماع و الاتفاق علي عدم استثناء مئونة السنة منها. و انّما الكلام في اعتبار استثنائها في وجوب خمس مطلق الفوائد، غير ما تعلق الخمس بعنوانه الخاص. كما ان الكلام واقع أيضاً في أصل وجوب خمسها. و إن الماتن (قدّس سرّه) قد نفي كليهما أعني أصل وجوب خمسها و اعتبار استثناء المئونة منها.

و لكن يمكن استظهارهما من نصوص المقام، مثل صحيحة علي بن مهزيار الطويلة. و سيأتي بيان ذلك.

ثانيهما: اشكال منافاة ثبوت هذا الخمس مع النصوص الدالّة علي حصر الأقسام في الخمسة، كما يستفاد من معتبرة عمار بن مروان؛ قال

سَمِعْتُ أَبا عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) يَقُولُ: فيما يُخْرَجُ مِنَ الْمَعادِنِ وَ الْبَحْرِ وَ الْغَنيمَةِ وَ الْحَلالِ الْمُخْتَلَطِ بِالْحَرامِ إِذا لَمْ يُعْرَفْ صاحِبُهُ وَ الْكُنُوزِ الْخُمْسُ «1».

و صحيح ابن أبي عمير عن غير واحدٍ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أَلْخُمْسُ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 3 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 144

______________________________

عَلي خَمْسَةِ أَشْياءَ، عَلَي الْكُنُوزِ وَ الْمَعٰادِنِ وَ الْغَوْصِ وَ الْغَنيمَةِ وَ نَسِيَ ابْنُ أَبي عُمَيْرِ الْخٰامِسَ «1»

و قد ظنّ الصدوق أنّ الخامس الذي نسيه ابن أبي عمير هو المال المختلط بالحرام.

وجه المنافاة ظهور هاتين الروايتين في الحصر بمفهوم التحديد، لا بمفهوم العدد حتي يقال إنّ العدد لا مفهوم له.

و لكنَّنا قد أجبنا عن هذا الإشكال بأنّ غاية ما يستفادُ منهما نفي وجوب الخمس في غير الخمسة المذكورة بإطلاق المفهوم، و لكنه لا ينافي التقييد بما دل علي وجوب الخمس في الأرباح كما هو مقتضي القاعدة من حمل المطلق علي المقيد.

و أما أصل وجوب خمس الأرباح فمضافاً إليٰ اتفاق الأصحاب و

تسالمهم قديماً و حديثاً و استقرار السيرة المتصلة بزمان المعصوم (عليه السّلام)، فقد دل عليه الكتاب و السنّة.

أما الكتاب: فقوله تعاليٰ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ «2» وجه الدلالة انّه علي فرض ظهور عنوان الغنيمة في غنائم دار الحرب، ليس لصيغة

غنم

هذا الظهور، بل انها ترادف معني

ربح

و

استفاد

و نحوه. فتشمل مطلق الفائدة. و لا سيّما أنّ في صحيح علي بن مهزيار فُسِّرت بمطلق الفائدة. حيث انه قال الإمام الباقر (عليه السّلام) في ضمن ما كتب اليه

فَأَمّا الْغَنائِمُ وَ الْفَوائِدُ فَهِيَ واجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام. قالَ اللّهُ تَعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ

إلي ان قال

فَالْغَنٰائِمُ وَ الْفَوٰائِدُ فَهِيَ الْغَنيمَةُ يَغنِمُها الْمَرْءُ وَ الْفٰائِدةُ يُفيدُهٰا.. «3».

و يؤيّد ذلك خبر حكيم مؤذن بني

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ح 7.

(2) سورة الأنفال/ الآية 41.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 35 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 145

______________________________

عيسيٰ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قُلْتُ لَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ. قال (عليه السّلام): هِيَ وَ اللّهِ الإفادَةُ يوماً بِيَوْمٍ.. «1».

و أما الإشكال بأنّ هذا الخمس لم يكن رائجاً في عهد النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) إذ لم ينقل في الروايات أن يأخذ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) خمس الأرباح من أحدٍ أو يأمر بأخذه. و مع ذلك فكيف يكون المقصود من الغنيمة في الآية مطلق الغنيمة؟

فيمكن الجواب بأنّ بيان الأحكام تدريجي كما ورد عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) ان الحديث ينسخ كالقرآن. فانّ الناسخ يكشف عن اختصاص

أمر الحكم المنسوخ إلي زمان مجي ءِ الناسخ. و مرجع ذلك إلي بيان تكليف الناس في زمانين تدريجاً.

فقد روي الكليني عن عدّة من أصحابنا عن احمد بن محمّد عن عثمان بن عيسي عن أبي أيوب الخزّاز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: ما بال أقوام يروون عن فلان و فلان عن رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لا يُتَّهمون بالكذب فيجي ء منكم خلافه قال (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

إنَّ الْحَديثَ يُنْسَخُ كَمٰا يُنْسَخُ الْقُرآنُ «2»

و ذلك لما يترتب علي ذلك من المصالح من عدم طاقة مسلمي صدر الإسلام لتحمل بعض الأحكام الشاقّة مثل دفع الخمس، حيث كان يشكل عليهم دفعه مضافاً إلي ما كانوا يدفعونه من الزكوات.

و لا سيما أن مصرف الخمس ليس لعموم فقراء المسلمين و مساكينهم بل يختصّ بالإمٰام و فقراء بني هاشم و إن مسألة الإمامة و سيادة ذرية النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم تكن معروفة بين المسلمين و لم تقع مورداً لقبولهم إلي مدّة مديدة بعد أمير المؤمنين (عليه السّلام) بل لم يبايعوه بعنوان امام المسلمين و انّما بايعوه بعنوان خليفة النبي.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 381 ح 8.

(2) الوسائل/ ج 18 ص 77 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 146

______________________________

و الحاصل: أنّ أصل ثبوت هذا الخمس في زمان الأئمة لا ريب فيه. بل كان للصادقين (عليهم السّلام) وكلاءٌ يأخذون لهم الأخماس و يوصلونها إليهم (عليهم السّلام) كما صرح بذلك في عدّة من النصوص.

و أما السنّة: فقد وردت عدّة نصوص تدل علي ذلك:

فمنها: موثقة سماعة قال

سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السّلام) عَنِ الْخُمْسِ. فَقالَ: في كُلِّ ما

أَفادَ النّاسَ مِنْ قَليلٍ أَوْ كَثيرٍ «1».

فانّ قوله (عليه السّلام)

ما أَفادَ النّاسَ

يدلّ علي عدم اختصاص موضوع الخمس بالأرباح و شموله لمطلق الفوائد.

و منها: صحيح علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني

أَقْرَأَني عَليٌّ كِتابَ أَبيكَ فيما أَوْجَبَهُ عَلي أَصْحابِ الضِّياعِ؛ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ نِصْفَ السُّدْسِ بَعْدَ الْمَئُونَةِ وَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلي مَنْ لَمْ يَقُمْ ضَيْعَتُهُ بِمَؤُونَتِهِ نِصْفُ السُّدْسِ وَ لٰا غَيْرُ ذٰلِكَ. فَاخْتُلِفَ مِنْ قِبَلِنا في ذلِكَ.. فَكَتَبَ وَ قَرَأَهُ عَليٌّ بْنُ مَهْزِيارَ: عَلَيْهِ الْخُمْسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عيالِهِ وَ بَعْدَ خَراجِ السُّلْطانِ «2»

و مثله في الدلالة خبران آخران «3» رواهما علي بن مهزيار.

و منها: صحيحته الأُخري الطويلة قال

كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السّلام) وَ قَرَأْتُ أَنا كِتابَهُ إِلَيْهِ في طَريقِ مَكَّةَ. قالَ: إنَّ الَّذي أَوْجَبْتُ في سَنَتي هذِهِ وَ هذِهِ سَنَةُ عِشْرينَ وَ مِائَتَيْنِ فَقَطْ لِمَعْني مِنَ الْمَعٰاني أكْرَهُ تَفْسيرَ الْمَعْنيٰ كُلَّهُ خَوْفاً مِنْ الانْتِشٰارِ وَ سَأُفَسِّرُ لَكَ بَعْضَهُ ان شاء اللّهُ. إِنَّ مَواليَّ أَسْأَلُ اللّهَ صَلاحَهُمْ أَوْ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 6 و مثلها في الدلالة خبر محمد بن الحسن الأشعري ص 348 ب 8 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ب 8 ص 349 ح 4.

(3) الوسائل/ ج 6 ب 8 ص 349 ح 3 و 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 147

______________________________

بَعْضَهُمْ قَصَّروُا فيما يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَعَلِمْتُ ذلِكَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُطَهِّرَهُمْ وَ أُزَكِّيَهُمْ بِما فَعَلْتُ مِنْ أَمْرِ الْخُمْسِ في عامي هٰذا، قٰالَ اللّهُ تَعٰاليٰ: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا «1».

يفهم من هذه الفقرة أنّ الإمام (عليه السّلام) أراد في سنة عشرين و مأتين و هي سنة وفاته أن يأخذ الخمس من مواليه لِما رأي

انهم لم يدفعوا الخمس في السنوات الماضية فأراد أن يطهّرهم بذلك في آخر حياته تأسياً بالنبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم).

ثم قال (عليه السّلام)

وَ لَمْ أُوجِبْ عَلَيْهِمْ ذٰلِكَ في كُلِّ عٰامٍ وَ لا أُوجِبُ عَلَيْهِمْ إِلّا الزَّكاةَ الَّتي فَرَضَها اللّٰهُ عَلَيْهِمْ، وَ إِنَّما أَوْجَبْتُ عَلَيْهِمْ الْخُمْسَ في سَنَتي هٰذِهِ في الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ الَّتي قَدْ حٰالَ عَلَيْهِما الْحَوْلُ وَ لَمْ أُوجِبْ عَلَيْهِمْ ذٰلِكَ في مَتاعٍ وَ لٰا آنِيَةٍ وَ لٰا دَوابٍّ وَ لٰا خَدَمٍ وَ لٰا رِبْحٍ رَبِحَهُ فِي تِجٰارَةٍ وَ لٰا ضَيْعَةٍ إِلّا في ضَيْعَةٍ سَأُفَسِّرُ لَكَ أَمْرَها، تَخفيفاً مِنّي عَنْ مَواليّ وَ مَنّاً مِنّي عَلَيْهِمْ لِمٰا يَغْتالُ السُّلْطانُ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ وَ لِمٰا يَنُوبُ في ذاتِهِمْ «2».

مقصوده أنّ في السنوات الماضية قد أوجب علي مواليه الزكاة خاصّة و لم يُطالب منهم الخمس. و لكن في خصوص تلك السنة الأخيرة أوجب عليهم الخمس في خصوص الذهب و الفضة التي حال عليهما الحول، و عفي عنهم الخمس في سائر الأرباح و الأمتعة و حلّله لهم تخفيفاً منه (عليه السّلام) و امتناناً عليهم.

ثم قال (عليه السّلام)

فَأمّا الْغَنٰائِمُ وَ الْفَوٰائِدُ فَهِي وٰاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام، قالَ اللّٰه تعاليٰ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ …

يستفاد من استشهاد الإمام بآية الغنيمة علي وجوب الخمس في مطلق الفوائد في هذه الفقرة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ب 8 ص 349 ح 5.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 349 ب 8 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 148

______________________________

أَنَّ المقصود من الغنيمة في الآية مطلق الفائدة و لا اختصاص لها بغنائم دار الحرب و لا سيما يفهم ذلك من إسناد الغُنم إلي المرء في قوله:

فَالْغَنائِمُ وَ

الْفَوائِدُ يَرْحَمُكَ اللّهَ فَهِيَ الْغَنيمَةُ يَغْنِمُهَا الْمرءُ

، حيث ان غنيمة الحرب يغنمها المقاتلون المسلمون، فالأنسب اسناد اغتنامها إليهم جميعاً. و من هنا يكون قوله

يغنمها المرء

ظاهراً في الفائدة الشخصية العائدة إلي فرد الغانم. و إن يمكن أن يقال: إنّ غنيمة دار الحرب أيضاً فأيده عائدة إلي آحاد المقاتلين بعد القسمة و إنما يصح إسنادها إلي المرء بهذا اللحاظ.

ثم إنه قد أورد علي دلالة هذه الصحيحة إشكالات. و ينبغي قبل التعرض لها التنبيه علي أمرٍ؛ و هو أنّ أصل تشريع وجوب الخمس و إن كان بيد الشارع إلّا أنّه فوّض تنفيذه إلي الإمام و جعل له الولاية علي استيفاءِ الخمس أو عفوه فلذا يجوز لهم أن يستوفوا أيّ مقدار من الخمس أو يعفوا عنه. كما دل عليه هذه الصحيحة.

و بناءً علي القول بالنيابة العامة تثبت هذه الولاية للفقيه في عصر الغيبة.

و أما الإشكالات التي أُوردت علي دلالة هذه الصحيحة فثلاثةٌ منها عن صاحب المدارك:

أحدها: ان هذه الصحيحة دلّت علي وجوب الخمس في الذهب و الفضة و الحال انه لا يجب الخمس فيهما بالإجماع مضافاً إلي أنه لو كان الخمس فيهما واجباً لا يختصّ بسنة خاصّة.

و الجواب: ان وجوب الخمس في الذهب و الفضة لا مانع منه. و ذلك إمّٰا لصدق الربح عليهما لا بعنوانهما الذاتي و ذلك لوضوح عدم الفرق بين مصاديق الربح في تعلّق الخمس، و الفرض أنّ الذهب و الفضّة من الأرباح غاية الأمر أنّ الإمام (عليه السّلام) أسقط خمس أرباح التجارات في تلك السنة بمقتضي ولايته علي ذلك.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 149

______________________________

و إمّا لاشتراط تحليل خمس الأرباح بدفع خمسهما بمعني ان الإمام أسقط خمس سائر الأرباح و لكن لا مطلقاً بل مشروطاً

بدفع خمس الذهب و الفضة و لا إشكال في ذلك أيضاً.

ثانيها: ان ظاهر هذه الصحيحة اندراج الجائزة الخطيرة و الميراث غير المحتسب و المأخوذ من عدو يصطلم و ما لا يعرف له صاحبٌ في الغنيمة و الفائدة و صرفها في مصرفهما و الحال ان عنوان الغنيمة و الفائدة لا يصدق علي هذه المذكورات.

و فيه: انّه لا إشكال في صدق الفائدة عرفاً علي هذه المذكورات كما لا يخفي، بل يكون بعضها كالجائزة الخطيرة من أظهر مصاديق الفائدة.

نعم، في قوله (عليه السّلام)

وَ مِثْلُ مالٍ لا يُعْرَفُ لَهُ صاحِبٌ

قد يشكل صدق الفائدة عليه نظراً إلي كونه من قبيل مجهول المالك فلا يجوز التصرف فيه كما في اللقطة بل يجب التصدُّق به علي وجه التضمين أو الدفع إلي الحاكم.

و لكنّه غير وجيه و ذلك لأنه تارةً: لا نعلم كون المال المأخوذ لمسلم أو لا نعلم أصلًا أنَّ له مالكاً محترماً أم لا؟ و لا أمارة عليه و نحتمل كونه لكافرٍ حربيٍ فحينئذٍ لا إشكال في جواز تملّكه لكونه حينئذٍ من المباحات الأصلية.

و أُخري: نعلم أنّه لمسلمٍ أو توجد أمارة علي ملكيته لمسلمٍ و لكن لا نعرفه بعينه، فحينئذٍ يترتب عليه حكم مجهول المالك. و إنّ ظاهر قوله (عليه السّلام)

لا يُعْرَفُ لَهُ صاحِبٌ

هو القسم الأول؛ بأن لا يعرف للمال مالك محترمٌ رأساً. و أما القسم الثاني فالتعبير المناسب له أن يقال

لا يعرف صاحبه

لظهوره في عدم معروفية صاحبه المفروض أصل وجوده. و عليه فلا نظر لهذه الفقرة من الصحيحة إلي مجهول المالك.

و ثالثها: أنّ المقصود من نصف السدس غير معلوم أنه هل من قبيل الخمس بأن أوجب الإمام هذا المقدار بعد عفو الباقي أو من الزكاة، و لا سيّما أنّ مصرفه

لم

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 150

______________________________

يُصرَّح به.

و فيه: أنّ الإمام (عليه السّلام) قد صرّح بان المقصود منه الخمس في قوله

وَ إنَّما أَوْجَبْتُ عَلَيْهِمُ الْخُمْسَ في سَنَتي هذِهِ في الذَّهَبِ وَ الفضَّة الَّتي قَدْ حٰالَ عَلَيْهِما الْحَولُ، وَ لَمْ أُوجِبْ ذٰلِكَ عَلَيْهِمْ في مَتٰاعٍ وَ لٰا آنِيَةٍ وَ لٰا دَوٰابٍّ وَ لٰا خَدَمٍ وَ لٰا رِبْحٍ رَبِحَهُ في تِجٰارَةٍ وَ لا ضَيْعَةٍ إِلّٰا في ضَيْعَةٍ سَأُفَسِّرُ لَكَ أَمْرَها تَخْفيفاً مِنّي عَنْ مَوالِيَّ «1»

حيث فسّر (عليه السّلام) مقدار الخمس الواجب من الضيعة في ذيل الرواية حسب ما وعده بقوله

فَأمَّا الَّذي أُوجِبُ مِنَ الضِّياعِ وَ الْغَلّاتِ في كُلِّ عام فَهُوَ نِصْفُ السُّدْسِ.. «2».

و عليه تكون هذه الجملة إلي آخرها تفسيراً لما وعَدَهُ من بيان مقدار ما أوجبه من خمس الضيعة.

و قد قال في الوسائل: انّ وجه إيجاب نصف السدس إباحته (عليه السّلام) الباقي للشيعة، و انّ به يزول سائر الإشكالات. و قد قلنا: إنّ ذلك بمقتضيٰ ولايته (عليه السّلام) و لا يختصّ إيجاب نصف السدس بتلك السنة بل يكون لكل عام كما صرّح به في الرواية.

و قد تبيّن ممّٰا ذكرنا الجواب عن الإشكال بأنّ الغنيمة الخاصّة لا يجب خمسها في كل عام، كما يفهم من قوله

فَأَمّٰا الْغَنائِمُ وَ الْفَوٰائِدُ فَهِيَ وٰاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عٰامٍ. قالَ اللّٰهُ تَعٰاليٰ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ.. «3».

وجه الجواب: أنّ عطف الفوائد علي الغنائِم و إسناد الغنم إلي المرء في قوله

يغنمها المرءُ

قرينة علي ارادة مطلق الفائدة من الغنيمة المذكورة في الآية و يجب خمسه في كل عام. و لا يخفي انه قد ذكر الجائزة الخطيرة و الإرث الغير المحتسب و المأخوذ من العدوّ بالاصطلام و

ما لا يعرف له صاحبٌ من مصاديق مطلق الفائدة لا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 5.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 5.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 151

______________________________

الأرباح. نظراً إلي دلالة الفقرة السابقة علي تحليل الأرباح غير الضيعة المفسَّرة في الذيل.

ثم انه قد أشكل المحقق الهمداني بما حاصله: أن الأرباح غير داخلة في الغنائم حيث أسقط خمس الأرباح في الفقرة السابقة. و أمّا في هذه الفقرة فقد أوجب بقوله (عليه السّلام)

فَأَمّا الْغَنائِمُ وَ الْفَوٰائِدُ فَهِيَ وٰاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عٰامِ

الخمس في الغنائم.

و أُجيب عنه بأَنَّ هذا الاستظهار فرع كون الغنائِم في هذه الفقرة بمعني غنائِم دار الحرب و الحال انه ليس كذلك. حيث فسرت بمطلق الفوائد في قوله

فَالْغَنٰائِمُ وَ الْفَوٰائِد يَرْحَمُكَ اللّهُ فَهِيَ الْغَنيمَةُ يَغْنِمُهَا الْمَرْءُ وَ الْفائِدَةُ يُفيدُها.

و حاصل الكلام: أنّه لا إشكال في دلالة هذه الصحيحة علي وجوب الخمس في أرباح التجارات بل مطلق الفوائد. غاية الأمر أنّ الإمام عفي عن خمس بَعض الأرباح بتمامه في خصوص تلك السنة و أخذ مقداراً معيّناً منه و هو نصف السدس في بعضه الآخر الذي هو الضيعة في كلّ عام.

ثم إنّ المقصود من الجائزة الخطيرة هي الهبة التي لها ماليةٌ معتني بها بحيث تبقي إلي سنة. و قد يقال: إنّ ذكر وصف الخطيرة ليس قيداً احترازياً بل لبيان الموضوع فلا مفهوم له. هذا مضافاً إلي انه ليس حدّا معيّناً للخطيرة حتي تمتاز به عن غيرها. فان عِظم الجائزة و صغرها أمرٌ نسبيٌّ يختلف بحسب عادات أهل العرف و رسومهم. بل ما من مال خطيرٍ الّا أنّه حقير بالنسبة إلي ما هو أكثر منه و ما من مال

حقير الّا أنّه خطير بالنسبة إلي ما هو أقلّ منه. و من هنا حكم السيد في العروة بوجوب الخمس في الجائزة مطلقاً من دون فرق بين الخطيرة و الحقيرة.

و فيه: أن الإمام في مقام تحديد ما يتعلق به الخمس. و إن القيد المذكور في مقام

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 152

______________________________

التحديد احترازي و ظاهرٌ في المفهوم. و أما نسبية خطر الجائزة و صغرها و إن كانت مما لا ينكر، و لكن لا ينافي ذلك أن يكون لهما عند أهل العرف حدٌّ يمتاز به بينهما. و عليه فالفقرة المزبورة تدل علي عدم وجوب الخمس في الجائزة القليلة الحقيرة عرفاً.

و أمّا خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كَتَبْتُ الَيْهِ فِي الرَّجُلِ يَهْدي إلَيْهِ مَوْلاه وَ الْمُنْقَطِعُ إلَيْهِ هَديَّةً تَبْلُغُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، هَلْ عَلَيْهِ فيهَا الْخُمْسُ؟ فَكَتَبَ (عليه السّلام): أَلْخُمْسُ في ذلِك «1»

فعلي فرض صحة سنده بالبناءِ علي وثاقة أحمد بن هلال الواقع في طريقه أو نقله هذه الرواية حال استقامته فلا يدل علي عمومية وجوب الخمس للجائزة الخطيرة و غيرها، لان المقدار المذكور في كلام السائل مبلغٌ خطيرٌ و إِنّ في حكم الإمام (عليه السّلام) بوجوب الخمس فيه لا إطلاق ليدل علي تعميم وجوبه لغير الهدية الخطيرة.

و أما قوله (عليه السّلام)

وَ الْميراثُ الَّذي لا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَ لا ابْنٍ

ظاهرٌ في إلغاءِ الخمس عن الميراث المحتسب الذي من أظهر مصاديقه ما يورث من الأب أو الابن. و حيث إنّ الإرث منهما أمرٌ مترقّب محتسب أضاف الإمام ما لا يحتسب من الإرث إلي غيرهما، فمعناه كون ما يورث من غيرهما غير محتسب في الجملة لا مطلقاً.

و أما احتمال كون المقصود

من هذه المذكورات الفوائد الغير المترقبة بمقتضي ما أخذ في معني الغنيمة من حصولها بلا ترقُّب فغير وجيهٍ. نظراً إلي ترقُّب حصول هذه المذكورات كثيراً ما. فلا يلازم عدم الترقُّب بل النسبة بين حصولها و عدم الترقُّب هي العموم و الخصوص من وجهٍ.

و يفهم من قوله (عليه السّلام)

فَلْيُوصِلْهُ إلي وَكيلي

أنّهم (عليهم السّلام) كانوا يُعيِّنون وكلاءً لأخذ الأخماس من أشياعهم و مواليهم و إيصالها إليهم. و هذا دليل قاطع علي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 351 ب 8 ح 10.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 153

______________________________

عدم تحليلهم الخمس بتمامه لشيعتهم علي نحو الإطلاق.

ثم إنّه قد يقال: إنّ المقصود من قوله

وَ مَنْ كٰانَ نائِياً بَعيدَ الشقَّةِ فَلْيَعْتَمِدْ لِإِيصٰالِهِ وَ لَوْ بَعْدَ حينَ

جواز الاكتفاء بعزل الخمس إذا تعذّر إيصاله إلي أربابه و ذلك لأن مجرد القصد من دون أثر خارجي ليس مقصوداً قطعاً و المتيقّن من مقصوده صورة العزل. و فيه: أنّ ظاهر لفظ التعمّد هو القصد. و المعني أنه يجب قصد إيصاله الخمس و لو بعد مدّة عند الإمكان بأن يعلم ذلك من وظيفته الشرعية و يكون بصدد امتثاله و لا يتغافل عنه.

ثم إنه لا إشكال في اشتراط وجوب الخمس في جميع الفوائد باستثناء مئونة التحصيل. و الوجه فيه أوّلًا: عدم صدق الفائدة علي ما يُستحصل من المال ما دام لم يخرج منه المئونة المصروفة في سبيل تحصيله، بل إنَّما يصدق عليه عنوان الفائدة عرفاً بعد كسر ما ذهب من كيسه لأجل تحصيله.

و ثانياً: ما دلّ من النصوص علي ذلك:

منها: ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن أبي نصر

قٰالَ: كَتَبْتُ إِلي أَبي جَعْفَرٍ (عليه السّلام): الْخُمْسُ أُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمَئُونَةِ أَوْ بَعْدَ الْمَئُونَةِ؟

فَكَتَبَ (عليه السّلام): بَعْدَ الْمَئُونَةِ «1»

لا إشكال في سندها.

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن محمد الهمداني أنّ في توقيعات الرضا (عليه السّلام) اليه

إِنَّ الْخُمْسَ بَعْدَ الْمَئُونَةِ «2».

هذه الرواية صحيحة سنداً لصحة طريق الصدوق إلي إبراهيم بن محمّد الهمداني فإنه قال في المشيخة

و ما كان فيه عن إبراهيم بن محمد الهمداني فقد

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 154

______________________________

رويته عن احمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي اللّٰه عنه) عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن إبراهيم بن محمد الهمداني

فإن كلّ هوءُلاءِ الرجال من الثقات و العدول بل بعضهم من الأجلّاء.

و يؤَيّد ذلك خبر محمد بن الحسن الأشعري قال كتب بعض أصحابنا إلي أبي جعفر الثاني (عليه السّلام)

أَخْبِرْني عَنِ الْخُمْسِ أَ عَلي جَميعِ ما يَسْتَفيدُ الرَّجُلُ مِنْ قَليلٍ وَ كَثيرٍ مِنْ جَميعِ الضروُبِ وَ عَلي الصُّنّٰاعِ (الضِّيٰاعِ) وَ كَيْفَ ذلِكَ؟ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ (عليه السّلام): أَلْخُمْسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ «1».

و لا إشكال في دلالة هذه النصوص علي اشتراط وجوب الخمس باستثناء مئونة التحصيل و لو بالإطلاق. و لا يخفي ان ظاهرها اشتراط أصل وجوب الخمس بذلك لا اشتراط وجوب الدفع و الإخراج. و أما قوله: «الخمس أُخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة» في صحيح البزنطي فلا يدلّ علي ذلك، لكونه في كلام السائل و إن القيد المذكور في كلام السائل لا يدل علي الحصر. غاية الأمر انه موضوع جواب الإمام و لازمه ثبوت الحكم لهذا الموضوع و أمّا غيره فساكت عنه نفياً و إثباتاً.

و الحاصل: انه لا كلام في استفادة اشتراط وجوب الخمس باستثناء مئونة التحصيل

من هذه الطائفة من النصوص. و انّما الكلام في دلالتها علي اعتبار استثناء مئونة السنة. و سيأتي وجه دلالتها علي ذلك بالإطلاق. و الوجه فيه ظهور

ال

في الاستغراق، فتشمل كلَّ مئونة. و لم يُضَف لفظ المئونة إلي الفائدة أو الربح حتي ينصرف إلي مئونة التحصيل.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 348 ب 8 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 155

[اشتراط استثناء مئونة السنة في خمس الأرباح]

اشتراط استثناء مئونة السنة في خمس الأرباح

______________________________

أمّا اعتبار استثناء مئونة السنة في وجوب خمس الأرباح فيمكن الاستدلال له بعدّة نصوص:

منها: صحيحة الهمداني عن الكاظم (عليه السّلام)

عَليْهِ الْخُمْسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عيالِهِ.. «1»

و منها: صحيحة علي بن مهزيار في جوابه (عليه السّلام) عن سؤال أبي علي بن راشد

إذا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَؤُونَتِهِمْ «2».

و منها: خبر عليِّ بن محمد بن الشجاع النيسابوري سَأَل أبا الحسن الثالث (عليه السّلام)

عَنْ رَجُلٍ أَصابَ مِنْ ضَيْعَتِهِ مِنَ الْحِنْطَةِ مِأَةَ كُرٍّ ما يُزَكّيٰ، فَأَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ عَشْرَةَ أَكْرارٍ وَ ذَهَبَ مِنْهُ بِسَبَبِ عِمارَةِ الضَّيْعَةِ ثَلاثُونَ كُراً وَ بَقِيَ في يَدِهِ سِتُّونَ كُراً. مَا الَّذي يَجِب لَكَ مِنْ ذلِكَ وَ هَلْ يَجِبُ لِأصْحابِهِ مِنْ ذلِكَ عَلَيْهِ شَيْ ءٌ؟ فَوَقَّعَ (عليه السّلام): لي مِنْهُ الْخُمْسُ مِمّا يَفْضُلُ مِنْ مَؤُونَتِهِ «3».

بتقريب أنّ إضافة المئونة إليٰ ضمير الشخص المستفيد قرينةٌ، علي عدم إرادة مئونة التحصيل لعدم إضافتها إلي الشخص عرفاً بل إنّها تضاف إلي الفائدة. و إنّ مئونة السنة و إن لم تصرّح بها في هذه النصوص و لكن إرادتها معلومة بمقتضي السياق و الذوق العرفي، حيث كان الزُّرّٰاع سابقاً يجمعون محصولاتهم في فصل معيّن من كلّ عام و كانوا يدَّخرون مئونة معاشهم إلي نهاية العام القابل. كما أنّ هذه العادة مرسومة في زماننا هذا أيضاً. و ينظر

إلي ذلك قوله (عليه السّلام)

فَأَمَّا الْغَنائمُ وَ الْفَوائدُ فَهِيَ واجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام «4».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 349 ب 8 ح 4.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 348 ب 8 ح 3.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 348 ب 8 ح 2.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 350 ب 8 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 156

و لا ينبغي ترك الاحتياط بإخراج خمس كل فائدة و إن لم يدخل في مسمي التكسب، كالهبات و الهدايا و الجوائز (1). و الميراث الذي لا يحتسب (2).

______________________________

(1) قد مرّ الاستدلال علي وجوب الخمس فيها و بينّٰا وجه التفصيل بين الخطيرة و غيرها. و لكن في كلام الماتن (قدّس سرّه) هنا نكتة ينبغي التنبيه عليها، و هي عدّ الهبة من قبيل ما يحصل بغير الاكتساب. و قال في المستمسك: إنّ الهبة من قبيل ما يتكسَّب نظراً إلي كونها معاملة تحتاج إلي القبول. و فيه: ان الاحتياج إلي القبول و إن كان دخيلًا في صدق المعاملة إلّا أنّ المأخوذ في موضوع وجوب خمس الأرباح هو صدق عنوان الكسب عرفاً لا عنوان المعاملة باصطلاح الفقهاء. فالاحتياج إلي القبول لٰا دخل له في موضوع وجوب الخمس الذي هو ما يصدق عليه الفائدة المكتسبة عند أهل العرف.

و بهذا البيان اتضح حال المال الموصي به فان ملاك وجوب الخمس صدق عنوان الفائدة المكتسبة عرفاً علي فرض دخل عنوان الكسب و لا دخل لاحتياج الوصية التمليكية إلي القبول في صدق ذلك كما قلنا في الهبة.

و الحاصل: أنّ الهبة و المال الموصي به لا يكونان من مصاديق الفوائد الحاصلة بالاكتساب بنظر العرف بل هما من قبيل مطلق الفائدة كما أنّ الصدقة المندوبة من قبيلها بلا ريبٍ.

(2)

اختلفوا في وجوب الخمس في الميراث علي ثلاثة أقوالٍ:

أحدها: ما نسب إلي المشهور من عدم وجوب الخمس فيه مطلقاً، نظراً إلي عدم صدق الفائدة عليه عرفاً فهو خارج عن موضوع وجوب الخمس. و لأنّ الإرث ممّٰا تعمّ به البلويٰ و مورد ابتلاءِ المسلمين في أيّ زمان و مكان بل في كل يومٍ. فلو كان

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 157

______________________________

الخمس فيه واجباً لنُقل إلينا بخصوصه. و قد اختار الماتن (قدّس سرّه) هذا المسلك.

ثانيها: وجوب الخمس فيه مطلقاً كما نسبه ابن إدريس إلي الحلبي. و هذا القول يبتني علي كون الإرث من مصاديق الفائدة. و لكن مقتضي التأمّل أنّ صدق الفائدة علي الميراث عرفاً مشكل جدّاً، لوضوح انه إذا مات شخص و ورث منه أخوه أو ولده أو زوجته فلا يقال عرفاً: إنّ الوارث استفاد من مورّثه الميت إلّا بعنايةٍ و كنايةٍ. و إن الإطلاق العنائي لا يُصحح الإطلاق العرفي و لا يوجب ظهور اللفظ. و من هنا لم يسمع من الأصحاب أن يعدّوا الميراث من أقسام ما تعلق به الخمس حيث لم يرَوه من مصاديق الفائدة فاعتقدوا انصراف عمومات الخمس عنه. نعم يصدق الفائدة عرفاً علي الميراث غير المحتسب بالمعني الذي استفدناه من صحيح علي بن مهزيار كما سيأتي بيانه.

ثالثها: التفصيل بين الإرث المحتسب و بين غيره. و هذا هو الأقويٰ، لما صرِّح به في صحيح علي بن مهزيار بقوله (عليه السّلام)

وَ الميراثُ الَّذي لا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَ لا ابْنٍ

و كأنّه وجه احتياط الماتن (قدّس سرّه) بدفع خمسه و لو استحباباً.

و أما الإشكال بأن الخمس لو كان واجباً في الميراث لنقل إلينا بالتواتر بلحاظ كثرة الابتلاءِ به و عموميته فإنما هو مختصُّ بالمحتسب

نظراً إلي ندرة وقوع غير المحتسب و شذوذه. و أمّا المشهور فالصحيح المزبور إنّما يساعدهم في الإرث المحتسب و لكن يخالفهم في غيره. فكأنّ الاحتياط فيه رعايةٌ لجانبي المشهور و مدلول الصحيح. و لكن لا وجه لرفع اليد عن مدلول الصحيح باعراض المشهور. و ذلك أوّلًا: لمنع كبري وهن دلالة الخبر الصحيح باعراض المشهور. و ثانياً: لاحتمال كون وجه إِعراضهم ما دفعناه من المناقشات التي أُورِدت علي مدلول الصحيحة المزبورة، و مع الجواب عن تلك المناقشات فلا اعتبار لإعراضهم.

ثم إنّ صاحب العروة قد مثّل لغير المحتسب بما إذا كان الوارث رحماً بعيداً في

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 158

______________________________

بلدٍ آخر لم يُعلم به نظراً إلي عدم كون الإرث منه أمراً مترقباً محتسباً. و لكن لا ينحصر مورد الميراث غير المحتسب في ذلك بل يشمل كلّ مورّث كان الإرث منه أمراً غيرَ مترقّب بحيث لا يحتمله الوارث. مثل أخوين كان أحدهما أكبر من الآخر فمات الأخ الأصغر صُدفةً بجميع أولاده، فإرثه من أخيه الأصغر حينئذٍ أمرٌ غير مترقب. و لكن الذي يقتضيه التأمل أنّه لو كان ملاك الميراث غير المحتسب عدم الترقب و الانتظار يلزم أن يكون من قبيله ما لو مات ابن ثلاثين سنة بجميع أولاده قبل أبيه البالغ سبعين سنة. فلا بد ان يكون وراثة الابن من أبيه حينئذٍ غير محتسب. و الحال ان الصحيح المزبور قد دلّ بظاهره علي كونه من الإرث المحتسب بدلالة قوله

وَ الميراثُ الَّذي لا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَ لا ابْنٍ.

و عليه فالمقصود من عدم الاحتساب ليس مطلق عدم الترقب و الانتظار و لو بسبب الحادثة الخارجية صُدفةً بل المراد أن تكون قرابة بعيدة بينه و بين المورّث بحيث

يكون من البعيد في نفسه أن يرث منه شرعاً. بأن كان المورّث رحماً بعيداً من الطبقة الثالثة، نظراً إلي بُعد عدم وارث للميت من الطبقة الأوليٰ و الثانية لكي تصل النوبة إليه. و لا سيّما إذا كان في بلد آخر لا يعرفه الوارث كما مثل به في العروة. و إن الميراث غير المحتسب بهذا المعني لا يبعد صدق الفائدة عليه عرفاً، فإنه رزقٌ رزقه اللّٰه و فائدةٌ أفادها اللّهُ إيّاه من حيث لا يحتسب.

ثم إنّ الخمس المتعلق بتركة الميت قد يكون ديناً في ذمته. و أُخري يكون عيناً. و علي الثاني؛ تارة: يكون عين متعلق الخمس باقياً بعد موت المورث. و أُخري: يتبدّل إلي شي ءٍ آخر بالبيع و الشراء.

أما الدين فلا شك في وجوب إخراجه من التركة لأنه ملك أرباب الخمس و لا إرث إلا بعد أداء الدين، لقوله تعالي مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ.

و لا فرق في ذلك بين أن يموت المورّث بعد انتهاءِ السنة أو قبلها. و ذلك لابتناء

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 159

______________________________

استظهار اشتراط تعلق الخمس باستثناء مئونة السنة في قوله (عليه السّلام)

فَأمّا الْغَنائِمُ وَ الْفَوٰائِدُ فَهِيَ وٰاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام

و قوله

أَلْخُمْسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عيالِهِ

علي عادة الناس في جمع الغلات و محصولات الزرع و ادّخارها في انتهاء كل سنةٍ للسنة الآتية و صدق الفائدة علي ما بقي في انتهاء تلك السنة بعد إخراج مؤونتهم المصروفة في خلالها. و لكن هذا الارتكاز العاديّ انما هو في الأحياء. و أما لو مات الشخص المستفيد في أثناء السنة فإنّما يري أهل العرف خصوص المئونة المصروفة إلي آخر حياته مستثناةً و يكون الباقي عندهم من الفوائِد. و من هنا لا

إشكال في وجوب دفع الخمس الداخل في التركة بصورة الدين مطلقاً سواءٌ مات المورّث بعد انتهاءِ السنة أم قبله.

أما العين فقد فصل جماعةٌ من فقهائِنا بأنّه لو كان المورّث ملتزماً بالخمس و كان بناؤُه علي أدائه و لكن اتفق موته قبل انتهاءِ السنة أو تساهل قليلًا فمات بعده و لكن كان عازماً علي دفعه بحيث لا يُعدّ عاصياً، فحينئذٍ يجب إخراج الخمس من التركة و دفعه إلي أربابه. حيث إنّه لا دليل علي سقوطه بعد ما كانت التركة مشتركةً بين الوارث و بين أرباب الخمس.

و أما إذا لم يكن المورث معتقداً بالخمس أو كان معتقداً و لكن لم يكن بصدد دفعه عصياناً فقالوا بعدم وجوب الخمس حينئذٍ:

و لا يخفي ان أصل هذا التفصيل هو الأقويٰ و لكن الكلام في وجه ذلك. فقد يتوهم انه في صورة عدم اعتقاد المورث بالخمس أو عصيانه عن الأداءِ يصدق علي الخمس المنتقل إلي الوارث أنّه فائدة عائدة إليه و مملوكة له دون ما إذا كان الوارث ملتزماً و عازماً علي أَدائِه لانتقال وظيفته إلي الوارث و هو خارج عن ملك الوارث حينئذٍ و لا تصدق عليه الفائدة حينئذٍ.

و لكنه في غير محله، لوضوح عدم ربط بين اعتقاد المورث و عدمه أو عصيانه

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 160

______________________________

عن أدَاءِ الخمس و بين صدق الفائدة عرفاً كما هو واضح.

بل وجه ذلك أنّ اخبار التحليل تشمل المقام نظراً إلي شمولها لمطلق انتقال المال غير المخمّس إلي الشيعة. سواءٌ كان الانتقال اختيارياً مثل أنواع المعاملات أو كان قهرياً كالإرث.

و حيث انّ هذه النصوص في مقام الإرفاق علي الشيعة المنتقل اليه فكل مورد ثبت وزرٌ علي المنتقل عنه لتخلّفه عن وظيفة التخميس تدل

هذه النصوص علي ارتفاعه عن الشيعة المنتقل اليه. و واضح أنّ هذا الإرفاق فرع ثبوت الوزر علي المورّث. و لمّٰا لا وزر عليه إذا كان ملتزماً بالخمس و عازماً علي أدائِه فلا تشمله نصوص التحليل و كذا الجاهل القاصر حيث إنّه معذور في ترك الواجب و حكم الخمس و إن كان وضعياً الا ان أدلة تحليله ناظرة إلي ما إذا لم يكن المنتقل عنه معذوراً في عدم دفعه لما سيأتي بيانه.

و لا يخفي أنّ ثبوت الوزر علي من لا يعتقد بوجوبه مبتنٍ علي تكليف المخالفين بالفروع في عرض تكليفهم بالولاية. و الّا فلو كان في طولها فثبوت وزر عدم التخميس في فرض عدم قبول الولاية مشكلٌ. هذا، و لكن المستفاد من النصوص الواردة أن الولاية شرط قبول الطاعات لا شرط أصل التكليف فإنها تدل علي عدم قبول عبادات المخالفين و طاعاتهم و إليك بعض هذه النصوص:

فمنها: ما رواه الكليني بسنده الصحيح عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

كُلُّ مَنْ دٰانَ اللّٰهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِعبادَةٍ يَجْهَدُ فٖيها نَفْسَهُ وَ لٰا إِمٰامَ لَهُ مِنَ اللّٰهِ فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ «1».

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

أَمٰا لَوْ أَنَّ رَجُلًا قٰامَ لَيْلَهُ وَ صٰامَ نَهارَهُ وَ تَصدَّقَ بِجَميعِ مالِهِ وَ حجَّ جَميعَ دَهْرِهِ وَ لَمْ يَعْرِفْ وِلايَةَ وليِّ اللّهِ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 1 ص 90 ب 29 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 161

و كذا فيما يملك بالصدقة المندوبة، و إن كان عدم التعلق بغير أرباح ما يدخل في مسمي التكسب لا يخلو من قوة (1).

______________________________

فَيُواليهِ وَ يَكُونُ جَميعُ أَعْمالِهِ بِدلالَتِهِ إِلَيْهِ مٰا كانَ لَهُ عَلي اللّٰهِ حَقٌّ في ثَوابِهِ «1».

و

منها: صحيح عبد الحميد بن أبي العلاء عن ابي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

وَ اللّٰهِ لَوْ أَنَّ إبْليسَ سَجَدَ لِلّٰه بَعْدَ الْمَعْصيَةِ وَ التكبُّرِ عُمْرَ الدُّنْيا ما نَفَعَهُ ذلِكَ وَ لٰا قَبِلَهُ اللّٰهُ عَزَّ وَ جلَّ مٰا لَمْ يَسْجُدْ لِآدَمَ كما أَمَرَهُ اللّٰهُ عَزَّ وَ جلَّ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ. وَ كَذَلِكَ هٰذِهِ الأُمَّة العاصِيَةُ الْمَفْتُونَةُ بَعْدَ نَبيِّها وَ بَعْدَ تَرْكِهِم الإمامَ الَّذي نَصَبَهُ نَبيُّهُمْ لَهُمْ، فَلَنْ يَقْبَلَ اللّٰهُ لَهُمْ عَمَلًا وَ لَنْ يَرْفَعَ لَهُمْ حَسَنَةً حَتّي يَأْتُوا اللّٰهَ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ وَ يَتَولَّوا الإِمامَ الَّذي أُمِروا بِوِلايَتِهِ وَ يَدْخُلُوا مِنَ الْبابِ الَّذي فَتَحَهُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ لَهُمْ «2».

(1) كما هو مقتضيٰ ما نُسب إلي المشهور من اعتبار صدق التكسب في تعلّق الخمس بالأرباح و الفوائِد، فيخرج بذلك ما لا يدخل من الفوائد في مسمّي التكسّب. و يبتني ذلك علي عدم الاعتناء بالعمومات الواردة في المقام، نظراً إلي إعراض المشهور عن صحيحة علي بن مهزيار الطويلة أو إرادة خصوص ربح الكسب من الإفادة في مثل قوله (عليه السّلام)

كُلُّ ما أَفادَ النّاسَ

في موثقة سماعة. و حمل قوله

و الْفائِدَةُ يُفيدُها

في الصحيحة المزبورة علي سائر ما يكتسب من الفوائد غير ربح التجارة و الضيعة المستثنيين في صدرها و لكنّه تخصيص بلا دليل.

و لا يخفيٰ أنّ إفتاءَ الماتن (قدّس سرّه) بعدم وجوب الخمس في غير أرباح الكسب قرينة علي كون الاحتياط المزبور استحبابياً.

و لكن ذهب السيّد في العروة إلي وجوب الخمس في مطلق الفوائد و قد جزم به

______________________________

(1) الوسائل/ ج 1 ص 90 ب 29 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 1 ص 92 ب 29 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 162

______________________________

الحلبي و استحسنه في اللمعة و الروضة و قوّاه

الشيخ الأعظم في رسالته و اختاره جمع من الأصحاب. و قد اتضح وجه ذلك من خلال ما قلناه في الاستدلال علي وجوب الخمس في الأرباح، و بيّنّٰا هناك ما دلّ من النصوص علي وجوب الخمس في مطلق الفوائِد مثل قوله

في كُلِّ ما أَفٰادَ النّٰاسَ مِنْ قَليلٍ أَوْ كَثيرٍ

في موثقة سماعة «1» و قوله

فَأمَّا الْغَنائِمُ وَ الْفَوائِدُ فَهِيَ واجِبَةٌ عَلَيْهِم في كُلِّ عام

في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة «2» و كذا خبر محمد بن الحسن الأشعري «3» و غير ذلك.

[اعتبار استثناء مئونة السنة في خمس مطلق الفوائد]

اعتبار استثناء مئونة السنة في خمس مطلق الفوائد ثم إنّه بناءً علي وجوب الخمس في مطلق الفوائِد كما هو الأظهر، فهل يعتبر في وجوب خمسها استثناءُ مئونة السنة؟ يمكن الاستدلال علي ذلك بقوله

فَأَمَّا الْغَنائِمُ وَ الْفَوائدُ فَهِيَ واجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام

، حيث لا وجه لتحديد الوجوب بكل عام إلّا ملاحظة استثناء مئونة السنة خصوصاً بقرينة ما قلناه آنفاً من جريان العادة. و إن لا يبعد أن يكون مقصود الإمام بيان تحديد زمان وجوب الخمس، حتي لا يتوهم وجوبه في كل شهر أو كل وقت طلبه الإمام أو كفاية إخراجه مرّةً في طول الحياة. بل دعوي ظهور الجملة المزبورة في ذلك غير مجازفة. فلا ملزم لنا ان نحملها علي ارادة مئونة السنة. الّا أنّ إطلاق قوله

الخمس بعد المئونة

في صحيحي البزنطي و الهمداني يكفي لإثبات المطلوب، لما سيأتي من شمولها لمطلق المئونة. ثم إنّه ليس معني ذلك تعلق وجوب الخمس بما زاد عن مئونة السنة كما هو ظاهر الماتن (قدّس سرّه) حتي تجري البراءَةُ عن التكليف عند الشك فيه بل انما يكون متعلق وجوب الخمس نفس

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ب 8 ص 350 ح 6.

(2) الوسائل/ ج

6 ب 8 ص 350 ح 5.

(3) الوسائل/ ج 6 ب 8 ص 348 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 163

كما أن الأقوي عدم تعلقه بمطلق الإرث و المهر و عوض الخلع، و الاحتياط حسن (1).

______________________________

الفائدة الّا أنّ تعلّقه مشروط باستثناء مئونة السنة علي نحو الشرط المتأخّر و من هنا لا تجري البراءة عند الشك في المؤُونة بعد صدق الفائدة.

و لمّا لم ترد مئونة السنة بلفظها في أيّة رواية بل يبتني اعتبار استثناءِها في وجوب الخمس علي مناسبة الحكم و الموضوع و سياق النصوص الواردة بالتقريب المتقدّم آنفاً، فمن هنا يدخل العام الشمسي في موضوع الحكم من دون فرقٍ بينه و بين العام القمري. كما أنه لو كان الدراج في بلدٍ عاما آخر غيرهما مثل العام المسيحي و غيره-، يكون ذلك موضوعاً للحكم. و الحاصل: أنّ العام الدراج في أيّ بلدٍ يعتبر في استثناء مئونة أهله.

و علي أيّ حال يعتبر في المئونة المستثناة أن تكون من قبيل مئونة السنة. و من هنا تكون المئونة الغير المربوطة بالسنة خارجة عن موضوع الحكم فلا يجوز استثنائها من متعلق الخمس، مثل ما يَدَّخره الأَبوان للبنت المعبَّر عنه بالجهيزية و ما يدَّخره الرّجل لأيّام شيخوخته. فلا دليل علي جواز استثناء مثل هذه المئونات عن متعلق الخمس.

(1) وجه الاحتياط الاستحبابي في المقام رعاية جانب العمومات الدالّة علي تعلق الخمس بمطلق الفوائد لاحتمال كون هذه المذكورات من الفوائد. و لكن لا يمكن القول بوجوب الخمس فيها و ذلك إمّا لعدم صدق الفائدة عليه عرفاً، كما سيأتي بيانه في المهر و عوض الخلع. و إمّا لدلالة الدليل علي عدم وجوب الخمس كما في الميراث المحتسب. ففي فرض عدم الدليل علي وجوب

الخمس في شي ءٍ منها بالخصوص مع احتمال دخوله تحت عمومات وجوب الخمس يكون الاحتياط حسناً، نظراً إلي ما فيه

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 164

______________________________

من رعاية جانب الدليل و امتثال موافقته الاحتمالية.

و أما وجه عدم وجوب الخمس. ففي الميراث المحتسب لِما مرّ آنفاً من دلالة صحيح علي بن مهزيار علي ذلك بالمفهوم و لعدم صدق الفائدة عليه عرفاً بالبيان السابق.

و أمّا المهر و عوض الخلع فوجه عدم وجوب الخمس فيهما عدم صدق الفائدة عليهما عرفاً. بيان ذلك: أنّ المرأة الباكرة تفتقد بُضعها بإزاءِ أخذ المهر و تجعل غير الباكرة نفسها تحت سلطة الزوج ما دام العمر بإزائه. فحيث يزول بضع المرأة و سلطتها علي نفسها بإزاء أخذها المهر مع تمكّنها من حفظهما لنفسها فمن هنا لا تصدق الفائدة علي المهر.

هذا في العقد الدائم. و أما المتعة فكذلك، حيث أنها بإزاءِ أخذ المهر قد أزالت بضعها في مدّة معيّنة و جعلت نفسها تحت سلطة الزوج في ذلك الزمان. فمن هنا لا تصدق عنوان الفائدة علي ما أخذته من المهر نظراً إِلي ما فقدته بإزائِه ممّا هو أعظم قيمةً من المهر بكثير. اللّهُمَّ إلّا في العجوزات التي يُقدِمْن علي عقد المتعة بقصد ادّخار المال و جمع الثروة فلا يبعد صدق الفائدة عرفاً في خصوص هذا الفرض.

ثم إن في المقام إشكالين:

أحدهما: أنّ في الاجارة أيضاً بازاءِ أخذ الأجرة يفوت عمل الأجير و تزول منفعة مال الإجارة. فما هو الفرق بينهما؟ مع انه لا إشكال في ثبوت الخمس في الأجرة.

و يمكن دفعه أولًا: بأن الأجرة تصدق عليها الفائدة عرفاً دون المهر.

و ثانياً: تدل نصوص المقام علي وجوب الخمس في الإجارة بخصوصها. مثل صحيح علي بن مهزيار الدالّ علي وجوب

الخمس فيما صنعه الصانع بقوله (عليه السّلام)

في أَمْتِعَتِهِمْ وَ صَنايِعِهِمْ. قُلْتُ: وَ التّٰاجِرُ عَلَيْهِ وَ الصّٰانِعُ بِيَدِهِ؟ فَقالَ (عليه السّلام) إِذا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَؤُونَتِهِمْ «1».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 348 ب 8 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 165

______________________________

و كذا خبر محمد بن الحسن الأشعري المتضمّن لوجوب الخمس علي الصُّنّٰاع «1».

هذا مع أنّ المهر أمرٌ مبتلي به، فلو كان الخمس فيه واجباً لَنقل إلينا مع انه لا أثر منه في النصوص. و كذا عوض الخلع فإنّه أيضاً بإزاءِ ذهاب الزوجة من يده فهو يفقد شيئاً مهمّاً قبال أخذه. و عليه فالقياس بين المهر و بين الإجارة مع الفارق.

و ثانيهما: أنّ المهر أيضاً من قبيل الأجرة لما ورد في النصوص أنّ النساءَ مستأجرات، كما في معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قٰالَ: ذَكَرْتُ لَهُ الْمُتْعَةَ. أَ هِيَ مِنَ الأَرْبَعِ؟ فَقٰالَ (عليه السّلام): تَزَوَّجْ مِنْهُنَّ أَلْفاً فَإنَّهُنَّ مُسْتَأْجراتٌ «2».

و في خبر محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام)

لِمَ لا تُوَرَّثُ الْمَرأَةُ عَمَّنْ يَتَمَتَّعُ بِهٰا؟ فَقالَ: لِأَنَّها مُسْتَأْجرَة «3».

و قد عبِّر في الآيات عن المهر بالأجر، كما في قوله تعاليٰ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «4». و قوله تعالي فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «5».

و فيه أولًا: ان النصوص واردة في عقد المتعة لا الدائم، و الكلام في مطلق العقد.

و ثانياً: ان المقصود من الأجور في الآية و من المستأجرة في النصوص ليس هو أجرة باب الإجارة. لوضوح انصراف مهر النكاح و الزواج عنها عرفاً، و لكون المهر هدية و عطية من اللّٰه بحكمه تعاليٰ للزَّوجة. كما قال تعاليٰ وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً «6» أي هدية و عطيةً.

ثم ان في المقام

نكتتين ينبغي التنبيه عليهما:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 348 ب 8 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 446 ب 4 ح 2.

(3) الوسائل/ ج 17 ص 536 ب 17 ح 4.

(4) سورة النساء/ 25.

(5) سورة النساء/ 24.

(6) سورة النساء/ 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 166

______________________________

إحديٰهما: أنّه يستفاد من كلام صاحب الوسائل عدم وجوب الخمس فيما يأخذه الأجير من أجرة الحجّ حيث عنون الباب الحادي عشر من أبواب ما يجب فيه الخمس بقوله

باب انه لا يجب الخمس فيما يأخذه الأجير من أجرة الحج «1»

فكأنّه استثناه من سائر أنواع الإجارات.

و قد استدلّ (قدّس سرّه) علي ذلك بما رواه الكليني بسنده الصحيح عن علي بن مهزيار، قال

كَتَبْتُ إِلَيْهِ: يا سَيِّدي رَجُلٌ دُفِعَ إِلَيْهِ مٰالٌ يَحُجُّ بِهِ، هَلْ عَلَيْهِ في ذلِكَ الْمالِ حينَ يَصيرُ إِلَيْهِ الْخُمْسُ أَوْ عَليٰ ما فَضَلَ في يَدِهِ بَعْدَ الْحَجِّ؟ فَكَتَبَ (عليه السّلام): لَيْسَ عَلَيْهِ الْخُمْسُ «2».

لا إشكال في سند هذه الرواية. لأن لها طريقين أحدهما صحيح و هو ما وقع فيه محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين عن علي بن مهزيار. و لا يخفي ان غالب الروايات المنقولة عن سهل إمّا لها طريق صحيح آخر أو يوجد مضمونها في سائر النصوص المعتبرة و تُؤَيد بروايته. و قلّما ينقل سهل رواية فاقدة لهاتين الخصوصيتين. و لعلّه السرّ في نقل الكليني رواياتٍ كثيرة عن سهل و لعلّ ذلك نظر من قال: إنّ الأمر في السهل سهلٌ. كما في طريق هذه الرواية.

و أما دلالةً فهي مخدوشةٌ بأَنَّ دفع المال تارة: يكون بعنوان البذل و أخري: بعنوان التمليك. و هذه الصحيحة ظاهرة في بذل المال للحج لا التمليك. فمن هنا يكون خارجاً عن موضوع وجوب الخمس،

لظهور نصوص الخمس في تعلقه بما هو ملك لشخص المكلّف و الّا لا يكون من قبيل الفائدة العائدة إليه. هذا مضافاً إلي أنّ سؤال السائل عن وجوب دفع الخمس لا عن أصل تعلقه. و لذا عبّر بقوله

هل عليه في ذلك المال..؟

و لم يقل مثلًا (هل فيه). و علي فرض كون دفع المال من قبيل التمليك فمع

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 11.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 11 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 167

______________________________

ذلك لا يستفاد من هذه الصحيحة عدم وجوب الخمس فيه. لأن بمجرّد دخول المال في ملك الشخص لا يجب دفع خمسه بل لا بد من مضيّ الحول عليه. كما أنّ بعد رجوعه عن الحج لا يجب عليه دفع خمس ما فضل من المال المدفوع ما دام لم تمض منه سنةٌ.

فعلي أيّ حال لا تدل هذه الصحيحة علي عدم تعلق الخمس بأجرة الحج.

ثانيتهما أنّه:

[هل يجب خمس تمام الأجرة المأخوذة لسنين عديدة؟]

هل يجب خمس تمام الأجرة المأخوذة لسنين عديدة؟ لا ريب في أصل تعلّق الخمس بأجرة الأعمال و المنافع لوضوح كونها من أرباح المكاسب و الفوائد العائدة إليٰ شخص العامل و مالك المنفعة.

و لكن وقع الكلام في أن ذلك هل يختصّ بالأجرة المأخوذة لأجاره سنة واحدة أو يَعُمّ المأخوذة منها لاجارة سنين عديدة. فلو آجر نفسه مثلًا لعمل سنتين أو آجر داره لسكني عشر سنين و تسلَّم تمام الأجرة فعلًا، فهل يجب عليه في انتهاء السنة الأُولي تخميس جميع ما أخذه من الأجرة بعد استثناء مئونة تلك السنة أم لا؟ بل انّما يجب تخميس أجرة السنة الأولي خاصةً.

فقد يقال بالأول نظراً إلي صدق الفائدة علي جميع ما أخذه و قد يقال بالثاني لعدم صدق الفائدة علي

غير أجرة السنة الأُولي. و قد فصّل السيد الحكيم في خمس المنهاج فقال في مسألة الخامسة و الأربعين

إذا باع ثمرة بستانه سنين كان الثمن من أرباح سنة البيع و وجب فيه الخمس بعد المئونة، و كذلك إذا آجر داره سنة أو سنين كانت الأجرة من أرباح سنة الإجارة. و ليس كذلك إذا آجر نفسه علي عمل «1».

فإنه (قدّس سرّه) قد فصّل بذلك بين إجارة الأعمال و المنافع. و وجه ذلك: أنّ العامل

______________________________

(1) منهاج الصالحين/ ج 1 ص 468 م 45.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 168

______________________________

بإزاءِ ما أخذه من الأجرة للسَّنوات الآتية صار مديناً بعمله المشغولة به ذمّته. نظير من استقرض مبلغاً و بقي مقدارٌ منه في انتهاء السنة فلا يجب فيه الخمس، لأنه مدين بمقداره للغير. فكذا فيما لو اشتغل ذمتُه بالعمل في السنوات الآتية. و هذا بخلاف إجارة المنافع أو بيع ثمرة البستان لسنين. حيث إن ما وصل إلي يده من الأجرة يُعَدّ عرفاً فائدة فعلية لتلك السنة و لا إشكال في تعلق الخمس به.

و لكن الأقوي عدم تعلق الخمس بالأجرة المأخوذة لسنين مطلقاً، سواءٌ كانت لاجارة الأعمال أم اجارة المنافع.

و ذلك أوّلًا: لأن ما يتعلّق من الأجرة المأخوذة بالسنوات الآتية يُعَدّ عرفاً من فوائد تلك السنوات لا السنة الأُوليٰ. فعلي الأجير أن ينتظر إلي أن تنتهي السنة الأوليٰ، فإن فضل من الأجرة المختصّة بها شي ءٌ بعد استثناء مئونتها يجب تخميسه.

و الوجه فيه: ما دلّت عليه النصوص من اشتراط وجوب دفع خمس الأرباح باستثناء مئونة السنة. و عليه فما دام لم تنته السنة الآتية و لم تستثن مئونتها لا يجب دفع خمس الأجرة المتعلّقة بها.

و ثانياً: لصيرورة الدار أو البستان مسلوب المنفعة بالإجارة

أو بيع الثمرة إلي عدّةٍ من السنوات الآتية. و قد يرد النقص علي قيمة الدار بقدر هذه المنفعة الفائتة. و من هنا لا تُعَدّ أجرة السنوات الآتية من الفوائِد العائِدة إليه عرفاً. بل هي له بإزاء ما نقص من قيمة داره فهو لم يستفد حقيقة إلّا بقدر ما فَضَل من الأجرة بعد استثناء ما يعادل النقص الوارد علي الدار.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 169

و لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة و إن زاد عن مئونة السنة (1).

______________________________

(1) قد يوجّه عدم وجوب الخمس فيما ملك بالخمس بما حاصله: أنّ ملكية الخمس لمستحقه انّما كانت بأدلّة الخمس فصدق الفائدة عليه مترتب علي تشريع الخمس. و لازم ذلك تأخّر الموضوع و هو الفائدة المتحقّقة بدفع الخمس عن حكمه الذي هو وجوب الخمس. مع وضوح تقدّم أيّ موضوع عن حكمه. و عليه فيلزم من وجوب خمس ما ملك بالخمس تأخُّر ما هو المتقدم. نظير الاشكال المعروف في الاخبار مع الواسطة، نظراً إلي لزوم تحقق الخبر الذي هو الموضوع قبل الحكم بحجيّته، ضرورة سبق أيّ موضوع علي حكمه. مع ان خبر الواسطة يتحقق بعد الحكم بحجيته.

و هذا الاشكال قد أُجيب عنه في محلّه بما حاصله: ان قضية حجية خبر العدل حقيقية انحلالية تشمل كل فرد فُرِض وجوده سواءٌ وجد أم سيوجد. فإن القضية الحقيقية تشمل جميع الأفراد الطولية و العرضية علي حدّ سواء. و كذلك في المقام، فان عمومات وجوب الخمس، كقوله تعاليٰ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ أي ما أفدتم. و قوله

أَلْخُمْسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عيٰالِهِ

و قوله

فَأَمَّا الْغَنٰائِمُ وَ الْفَوٰائِدُ فَهِيَ وٰاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عٰامٍ

تكون من قبيل القضية الحقيقية

و تشمل أيّة فائدةٍ علي نحو الانحلال، بلا فرقٍ بين الفائدة الحاصلة بالخمس و بين الزكاة أو الصدقة المندوبة إذ هما تُملكان بالقبض.

و أظُنُّ أنّ عمدة وجه قول الماتن (قدّس سرّه) في المقام انصراف نصوص الخمس عما يُعطي إلي المستحق لأجل استحقاقه له بنفس تشريع الخمس. إِمّا لعدم صدق الفائدة عليه عُرفاً أو لعدم وجوب الخمس في مطلق الفوائد بناءً علي مذهب الماتن (قدّس سرّه).

ثم ان في المقام قد يستدلّ لرأي الماتن (قدّس سرّه) بما رواه الكليني عن محمد بن يحيي

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 170

نعم يجب الخمس في نمائهما إذا قصد بإبقائهما الاسترباح و الاستنماء لا مطلقاً (1)

______________________________

عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسي عن علي بن الحسين بن عبد ربِّه، قال

سَرَّحَ الرِّضا (عليه السّلام) بِصِلَةٍ إليٰ أَبي فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبي: هَلْ عَلَيَّ فيمٰا سَرَّحْتَ إِلَيَّ خُمْسٌ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ: لا خُمْسَ عَلَيْكَ فيما سَرَّحَ بِهِ صاحِبُ الْخُمْسِ «1»

بتقريب أنَّ قوله

لا خُمْسَ فيما سَرَّحَ بِهِ صاحِبُ الْخُمْسِ

يدلّ علي سقوط الخمس عن كلّ ما مُلِكَ بالخمس.

و فيه مضافاً إلي ضعف سنده بوقوع سهل في طريقه-: أَنّ المقصود من الصلة هو الهدية و العطية. فغاية مدلول هذه الرواية نفي وجوب الخمس عن هديةٍ وهبها الإمام المعصوم أو نائبهُ، و لا يمكن التعدّي إلي غير الهبة كما لا يمكن التعدّي من موردها إلي هبة غير صاحب الخمس.

و أما الإشكال بأنّ مورد الرواية ما إذا كانت الصلة من جانب من له الولاية علي الخمس اعني به الإمام المعصوم إذ هو المراد من صاحب الخمس و لا يمكن التعدّي منه إلي الفقيه في عصر الغيبة.

ففيه: انه بعد البناء علي ثبوت النيابة العامة و الولاية المطلقة للفقيه الجامع كما

هو الحق فلا وقع لهذا الإشكال. إذ للفقيه حينئذٍ ما للإمام من الولاية علي أمر الخمس.

(1) و ذلك لدخول الفائدة بذلك في مسمّي التكسب حينئذٍ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 11 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 171

[حكم زيادة القيمة السوقية]

مسألة 8: لو كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس أو أدّي خمسها و ارتفعت قيمتها السوقية لم يجب عليه خمس تلك الزيادة إن لم تكن الأعيان من مال التجارة و رأس ماله، كما إذا كان المقصود من شرائها و إبقائها اقتناءها و الانتفاع بمنافعها و نمائها، و أما إذا كان المقصود الاتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إن أمكن بيعها و أخذ قيمتها، و إن لم يمكن إلّا في السنة التالية تكون الزيادة من أرباح تلك السنة لا الماضية علي الأظهر (1).

______________________________

حكم زيادة القيمة السوقية

(1) وقع الكلام في أنه هل يجب الخمس في المالية الزائِدة بارتفاع القيمة؟ فنقول:

لا إشكال في تعلّق الخمس بها إذا كانت العين متعلقةً للخمس و لم يُدفع، و ذلك لترقّي مالية جميع أجزاءِ العين بلا فرقٍ بين خمسها و بين أربعة أخماسها. و إن الزيادة الحاصلة للخمس داخلة في ملك أربابه فيجب دفع خمسها بقيمتها الفعلية.

و إنما الكلام فيما إذا لم تكن العين متعلّقةً للخمس أو تعلَّق بها الخمس و لكن أدّاه. فحينئذٍ وقع الخلاف في وجوب خمس الزيادة الحاصلة بارتفاع القيمة السوقية فنقول:

تارةً: تكون العين من مال التجارة و رأس المال بأن كان المقصود من شرائها و اقتنائها الاتجار و الاسترباح بها. و أُخري: يكون المقصود من شراءِها و اقتنائِها مجرد الانتفاع بنمائِها أو نتاجها أو أجرتها.

ففي الصورة الأولي: لا إشكال في تعلق

الخمس بما حصل له من زيادة المالية بارتفاع القيمة إذا أمكن بيعها، سواءٌ باعها أم لم يبعها. و ذلك لصدق ربح الكسب

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 172

______________________________

حينئِذٍ بمجرّد ارتفاع القيمة عرفاً و إمكان البيع من دون توقفٍ علي بيع العين المتّجر بها، نظراً إلي صدق عود الفائدة إليه فعلًا بمجرّد سلطنته علي تحصيلها و التصرف فيها.

و أما في الصورة الثانية: فيظهر من صاحب العروة (قدّس سرّه) انه لا تصدق الفائدة علي زيادة المالية بارتفاع القيمة إلّا ان يبيع العين. و لكن الماتن (قدّس سرّه) خالفه بنفي وجوب الخمس مطلقاً، و لو بعد البيع.

ثم إنّ ما ذهب إليه في العروة من التفصيل فقد يشكل المساعدة عليه بظاهره نظراً إلي عدم دخلٍ لمجرد البيع في صدق الفائِدة. فإنّ زيادة المالية حاصلة قبل تحقق البيع من دون أن يحصل شي ءٌ منها بالبيع. و قد يوجّه تفصيل صاحب العروة بأنّ مقصوده ما إذا اشتُريت العين ثم ارتفعت قيمتها بعد ذلك فحينئذٍ لو باعها تصدق الفائدة عرفاً و ذلك لكون المقدار الزائد من المال عن الثمن الذي دفعه لشراءها فائدةٌ عينيةُ عائِدة إِليه في الخارج، فيتعلّق الخمس بها حينئذٍ. و لعلّ هذه الصورة هي مقصوده في حكمه بوجوب الخمس، و استُشهد لذلك بقوله (قدّس سرّه)

كما إذا كان المقصود من شرائها.

و حاصل كلام هذا القائل (قدّس سرّه): أنّ العين التي لم يتعلّق بها الخمس أو دُفِع خمسها بعد التعلّق تارةً: يملكها الشخص بالمعاوضة و أُخري: بغير معاوضة، كما لو ملكها بالإرث أو الحيازة. فإذا ملكها بغير المعاوضة، لا خمس في زيادتها الحكمية الحاصلة بارتفاع القيمة مطلقاً سواءٌ باعها أم لم يبعها. و أما لو ملكها بالمعاوضة فلا يبعد وجوب خمس

زيادتها إذا باعها، نظراً إلي صدق الفائِدة حينئذٍ عرفاً. و من هنا لا يبعد القول بوجوب الخمس فيما لو باع العين الموروثة ثم باع بدلها بعد ارتفاع قيمته السوقية و ذلك لصدق عنوان الربح و الفائِدة حينئذٍ عرفاً.

و قد وجَّه هذا التفصيل بما حاصله: أنّ شيئاً من الربح لا يصل إلي يد الشخص ما دام لم يبع العين المشتراة بل تكون تلك العين بنفسها باقية في يده كما كانت. و أما

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 173

______________________________

المالية الزائدة فغير عائِدة إلي شخصه و لا واصلة إلي يده بالفعل خارجاً.

و فيه: أولًا: انّ الدخيل في صدق عنوان الفائدة و الربح بنظر أهل العرف في غير مال التجارة هو تحقّق المالية الزائِدة الحاصلة من ارتفاع القيمة و عينيتها في الخارج بحيث يصدق أنّ فائدتها عائِدة إليه و وصلت بيده. و الذي له دخل في صدق هذا المعني هو بيع العين، نظراً إلي أنّ به تتبدّل الزيادة الحكمية إلي الزيادة العينية و تصير الربح التعليقي منجّزاً من دون دخلٍ لانتقال العين إليه بالمعاوضة.

و ثانياً: لا شاهد من كلام صاحب العروة (قدّس سرّه) علي هذا التوجيه بل ظاهره خلاف ذلك، حيث انه عَطَف الشراء علي الإبقاء بحرف

أو

في قوله

كما إذا كان المقصود من شرائِها أو إبقاءِها في ملكه

و هو ظاهر في انتقال العين بالأعمّ من الشراءِ. كما لو ملكها بالإحياءِ أو الحيازة أو الإرث و نحو ذلك من أسباب الملك فأَبقاها، إما لغرض الاتجار و التكسب بها أو للانتفاع بها. فبمجرّد ارتفاعها لا يصدق الربح ما دام لم يبعها و لم تصل المالية الزائدة إلي يده في الخارج بصورة المال. فصدق الربح علي هذه المالية الزائدة الناشئة من ارتفاع القيمة

معلّق علي بيع العين و إنّما يصير منجّزاً بالبيع. و حيث إنّ المستفاد من نصوص الخمس تعلقه بالربح المنجّز العائد إلي شخص المكلّف فعلًا فلا خمس في المالية الزائدة المرتفعة للعين قبل بيعها بخلاف ما لو باعها.

ثم انه قد استدل علي عدم تعلق الخمس بالقيمة المرتفعة في المقام أولًا: بقاعدتي

علي اليد

و

الإتلاف

نظراً إِلي ظهورهما في ضمان عين المال المغصوب و التالف.

و ثانياً: باتفاق الفقهاء علي عدم ضمان الغاصب الذي يؤخذ بأشقّ الأحوال ما تنزّل من قيمة العين المغصوبة و كفاية ردّ العين ما لم تسقط ماليتها تماماً. فإنّه كاشف عن عدم دخول المالية تحت الضمان.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 174

______________________________

و ثالثاً: ببناء العقلاء علي عدم ضمان المالية مستقلا عن عين المال.

و يمكن الجواب: عن بناء العقلاء بأنّ إحراز استقراره علي عدم ضمان المالية مشكل بل يمكن دعوي جريانه علي ضمان المالية.

و أما الاتفاق المزبور علي فرض حصوله حتي في حدّ الإجماع فمحتمل المدرك، بل من المعلوم استنادهم إلي الاستظهار المزبور من القاعدتين أو إلي ما زعموا من جريان سيرة العقلاء علي ذلك.

فالعمدة في المقام ظهور قاعدة

علي اليد

و

الإتلاف

في ضمان مال الغير الواقع تحت اليد أو التالف دون المالية.

و قد يستدل لظهورهما في ضمان المالية بما حاصله: ان المالية فيهما حيثية تقييدية بمعني تعلّق الضمان بالمال بماله من المالية فيدور الضمان حدوثاً و بقاءً مدار المالية من دون فرقٍ بين ضمان تمام المالية و بين ضمان بعضها، فكما يضمن الغاصب مالية العين المغصوبة لو سقطت رأساً فكذلك يضمن بعضها عند تنزل القيمة.

و أما نقض ذلك بأنه لو فعل شخص ما أوجب تنزل قيمة متاع شخص آخر بأن أورده أو ولّده في حدّ الوفور فلا ريب أنّ العقلاء

لا يلتزمون بضمان القيمة المتنزلة حينئذٍ فكذلك في المقام.

فيمكن حَلُّه بالتفصيل بين موارد نَشأَ تنزل القيمة من التصرف في العين و بين غيره. حيث ان إتلاف المالية يستند عرفاً في الصورة الأولي إلي تصرف الغاصب في العين المغصوبة بخلاف الصورة الثانية لأنه بجعلها في مكان أو حبسها إلي زمان أو بحيلولته بينها و بين المالك أتلف ماليتها كلّا أو بعضاً.

و لكن الإنصاف ان ظاهر قولهم

علي اليد ما أخذت

تعلق ضمان اليد بما أخذته من المال. كما أنّ ظاهر

من أتلف مال الغير

انّ موضوع الضمان إتلاف المال لا المالية، فلا دخل لها في موضوع الضمان بل انما هي حيثية تعليلية دخيلة في أصل

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 175

______________________________

الحكم بالضمان، و أما بقاءً فيدور الضمان مدار وجود موضوعه و هو إتلاف المال أو جعل اليد عليه.

هذا كله فيما إذا كان متعلق الخمس من قبيل المتاع و السلعة و أما إذا كان من النقود فارتفع ثمنه بعد أداءِ الخمس.

فقد يقال: أنّ في النقود لمّا كان قوام المال بمالية ثمنها فمن هنا يزداد المال حقيقة بارتفاع ثمنها قبل انتهاء السنة و يتعلق الخمس بالمال الزائد بلا احتياج إلي البيع كما يحتاج إليه في السلعة بل يصدق ذلك علي الثمن المرتفع في النقود بلا حاجة إلي البيع.

و فيه: ان ذلك لا يحقق عنوان الفائدة و الربح عند أهل العرف إلا إذا ارتفع ثمن النقد بالقياس إلي سائر النقود لعامل اقتصادي عامّ، بحيث ترتفع به قدرة شراء الأجناس و الأمتعة لا لازدياد عرض المتاع للبيع و نحو ذلك من العوامل التي لا يرتفع بها ثمن النقد حقيقةً. فعند ذلك لا يبعد صدق الفائدة و الربح سيما في عرف التجار و الصرّافين.

ثم لا

يخفي أنّ زيادة القيمة السوقية في الأمتعة انما تقع تحت الضمان إذا لم يسقط ثمن النقد، و بتعبير آخر تنحفظ قدرة الشراء علي حالتها الأولي. و الوجه في ذلك عدم صدق الفائدة عند زوال قدرة الشراء بسقوط سعر النقد.

و لكنه لا ينافي دخل البيع في صدق الإفادة و الاستفادة نظراً إلي توقف عود الفائدة إليه علي تحصيل القيمة المرتفعة في الخارج بالبيع. فالأقوي ما ذهب إليه صاحب العروة (قدّس سرّه) في المقام من التفصيل. و لكنه وجيه في غير النقود. و أما فيها فالأقوي تعلق الخمس بما ارتفع من ثمنها حقيقةً إذا كانت مال التجارة أو كان اقتناءُها بقصد الاسترباح. و ذلك لأن قصد الاسترباح و الاتجار بها يوجب صدق الربح و الفائدة عرفاً علي ما ارتفع من ثمنها حقيقةً. بخلاف ما إذا لم يرتفع ثمنها حقيقةً بل ازداد عرض المتاع للبيع أو نحو ذلك.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 176

مسألة 9: لو كان بعض الأموال التي يتجر بها و ارتفعت قيمتها موجوداً عنده في آخر السنة و بعضها ديناً علي الناس، فإن باع الموجود أو أمكن بيعه و أخذ قيمته يجب عليه خمس ربحه و زيادة قيمته (1). و أما الذي علي الناس، فان كان يطمئن باستحصاله متي أراد بحيث يكون كالموجود عنده يخمس المقدار الزائد علي رأس ماله. و ما لا يطمئن باستحصاله يصبر إلي زمان تحصيله، فمتي حصّله تكون الزيادة من أرباح سنة التحصيل. (2)

مسألة 10: الخمس في هذا القسم بعد إخراج الغرامات و المصارف التي تصرف في تحصيل النماء و الربح (3).

______________________________

و أمّا إذا لم تكن النقود مال التجارة و لا يقصد من اقتنائها الاسترباح فلا يتعلق بها الخمس، حتّي فيما

إذا ارتفع ثمنها حقيقة، إلا أن يتحقق الثمن المرتفع و يتحصّل في الخارج بتبديله إلي نقد رائج معادله فتترقّي به قدرة الشراء. و ذلك لما قلنا من أنّه يعتبر في تعلّق الخمس بغير مال التجارة تحقّق الفائدة و تحصُّلها في الخارج بحيث يصدق عودها إلي الغانم المستفيد. و هذا المعني يتوقّف صدقه في النقود علي ذلك كما يتوقّف في الأمتعة علي البيع.

(1) مرّ وجه ذلك في المسألة السابقة فلا نعيد.

(2) و الوجه في هذا التفصيل أنّ ظاهر نصوص المقام تعلّق الخمس بما حصل للشخص من الأرباح و ما عاد إليه من الفوائد. و انّما يصدق ذلك علي ما كان موجوداً و حاصلًا عنده أو اطمئَنَّ باستحصاله و الّا لا يتحقق موضوع وجوب الخمس.

[الخمس بعد مئونة الاكتساب]

(3) إنّ الكلام يقع تارةً: في مئونة الاكتساب و ما يُصرف منها في سبيل تحصيل الربح. و أُخري: في مئونة معاش نفسه و عياله. و إنّ الكلام هنا في مئونة التحصيل. فقد دلّ علي استثنائِها من الربح قبل التخميس ما دلّ من النصوص علي أنّ الخمس

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 177

______________________________

بعد المئونة. و قد قلنا إنّ المتيقّن من مدلولها مئونة التحصيل. و قد سبق منّا أنّ ذلك مقتضي القاعدة أيضاً مع قطع النظر عن النصوص، لانه ما دام لم يُخرج من الربح ما صرفه في تحصيله من أجرة الآلات و الحمّال و الدلّال و الدكّان و نحو ذلك لا يصدق عليه عنوان الربح و لا عود الفائدة إليه. بلا فرق في ذلك بين طول مدّة التحصيل و قِصَرها، و لا بين أن يصرف عين المال في سبيل تحصيل الربح و بين صرف منافعه بإجارته أو استعماله أو الاتجار به.

و يمكن استفادة

هذا المعني من حسنة يزيد بن إسحاق أو معتبرته عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال

كَتَبْتُ: جُعِلْتُ لَكَ الْفِداءُ تُعَلِّمُني مَا الْفائِدَةُ وَ ما حَدُّها رَأْيَكَ؟ أَبْقاكَ اللّٰه أَنْ تَمُنَّ عَليَّ بِبَيانِ ذلِكَ لِكَيْ لا أَكُونَ مُقيماً عَلي حَرامٍ لا صَلوةَ لي وَ لا صَوْمَ. فَكَتَبَ (عليه السّلام): الْفائِدَةُ مِمّٰا يُفيدُ إِلَيْكَ فِي تِجارَةٍ مِنْ رِبْحِها وَ حَرْثٍ بَعْدَ الْغَرامِ.. «1»

، فإنّ معني قوله

بعد الغرام

استثناء ما تحمّل الشخص من الغرامة و ما ذهب من كيسه من المخارج في سبيل تحصيل الربح.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 178

و إنّما يتعلق بالفاضل من مئونة السنة التي أوّلها حال الشروع في التكسب فيمن عمله التكسب و استفادة الفوائد تدريجاً يوماً فيوماً مثلًا، و في غيره من حين حصول الربح و الفائدة. فالزارع مبدأ سنته حين حصول فائدة الزرع و وصولها بيده، و هو عند تصفية الغلّة، و من كان عنده الأشجار المثمرة مبدأ سنته وقت اقتطاف الثمرة و اجتذاذها. نعم لو باع الزرع أو الثمار قبل ذلك يكون مبدأ سنته وقت أخذ ثمن المبيع أو كونه كالموجود بأن يستحصل بالمطالبة (1).

______________________________

(1) ان لفظ المئونة كما أشرنا سابقاً في نصوص المقام يكون بمعنيين: أحدهما: مئونة تحصيل المال و لا خلاف في استثنائها من جميع أقسام ما يجب فيه الخمس بلا فرقٍ بينها من هذه الجهة.

و ذلك أولًا: لإطلاق ما ورد في صحيح البزنطي «1» و معتبرة الهمداني «2»

أَنَّ الْخُمْسَ بَعْدَ الْمَئُونَةِ

، فإنّ المتيقّن من إطلاق لفظ المئونة هو مئونة التحصيل لو لم يكن ظاهراً في خصوصها.

و ثانياً: لما قلناه سابقاً من توقف صدق الفائدة و عودها إلي شخص المستفيد علي إخراج ما

ذهب من كيسه في سبيل تحصيلها، و إلّا لا تكون الفائدة عائدة إليه بتمامها.

و ثانيهما: المئونة المحتاج إليها لأجل المعاش. و قد استثنيت في النصوص المعتبرة بعنوان مئونة نفسه و عياله. و قلنا سابقاً إنّ المقصود منها مئونة السنة و قرّبنا استظهار ذلك من هذه النصوص بقرينة العادة المتعارفة بين الزُّرّاع و الفلّاحين. و لا سيّما قوله في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12 ح 1 و 2.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12 ح 1 و 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 179

______________________________

صحيح علي بن مهزيار

فَأَمَّا الْغَنائِمُ وَ الْفَوائِدُ فَهِيَ واجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلّ عام «1».

نظراً إلي ما قلنا ان وجه هذا التحديد استثناءُ مئونة السنة.

فالحاصل: أنّه لا كلام في أصل استثناء مئونة السنة. و إنّما الكلام في أنّ مبدأَ السنة هل هو من حين الشروع في اكتساب الربح و تحصيل الفائدة أو من بداية زمان حصولهما أو يفصّل بين أرباح المكاسب و التجارات و بين سائر الفوائِد الحاصلة بغير كسب و تجارة.

فنقول: قد وقع الخلاف في المقام علي ثلاثة أقوال: أحدها: أنّ مبدأ السنة من حين الشروع في الكسب مطلقاً و القائل به قليل.

ثانيها: أنّ الاعتبار بظهور الربح مطلقاً في جميع الموارد فذهب إليه جماعة منهم الشهيد. و عليه فلا تستثني المؤون المصروفة قبل ذلك من غير فرقٍ بين ربح الكسب و غيره من الفوائد.

ثالثها: التفصيل بين أرباح المكاسب و بين سائر الفوائد الحاصلة بغير كسب و تجارة.

فإنّ الاعتبار علي القول الأول: بزمان الشروع في الكسب مطلقاً، و علي الثاني: بحصول الفائدة كذلك، و علي القول الثالث: بزمان شروع الكسب في أرباح المكاسب و حين ظهور الربح في سائر الفوائد. و

هذا التفصيل قد اختاره صاحب العروة (قدّس سرّه) و هو الحق. و لكن لا بإطلاقه في أرباح المكاسب بل علي تفصيلٍ فيها سلكه الماتن (قدّس سرّه) في المقام و سيأتي بيانُه. و تظهر ثمرته فيما صرفه من المؤون قبل حصول الفائدة و تحقق الربح. ففي أرباح المكاسب تستثني أوّلًا ثمّ يُخمّس الباقي بخلاف سائر الفوائد فلا يجوز استثنائها منها. و السرّ في ذلك أنّ ظاهر مئونة السنة في المكاسب و التجارات هو مئونة سنة الكسب و التجارة، لأنّها المنسبقة إلي الأذهان بمقتضي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 180

______________________________

العادة المتعارفة بين الناس. و أيضاً يظهر ذلك من بعض النصوص:

مثل مكاتبة الهمداني حيث سأل أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) بقوله

فاخْتُلِفَ مِنْ قِبَلِنا في ذلِكَ، فَقٰالُوا: يَجِبُ عَلي الضِّياعِ الْخُمْسُ بَعْدَ المَئُونَةِ، مَؤُونَةِ الضَّيْعَةِ وَ خَراجِها، لٰا مَؤُونَةُ الرَّجُلِ وَ عَيالِهِ. فَكتَبَ (عليه السّلام) وَ قَرَأَهُ عَليُّ بْنُ مَهْزيارَ: عَلَيْهِ الْخُمْسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عيالِهِ وَ بَعْدَ خَراجِ السُّلْطانِ «1»

حيث كان الاختلاف بينهم في أنّه هل يستثني من الخمس مئونة الرجل و عياله بعد اتفاقهم علي استثناء مئونة التحصيل؟ و الإمام في الحقيقة ألحقها بمئونة التحصيل بالتصريح علي استثنائه من الخمس.

و عليٰ هذا الأساس يكون استثناء المئونتين معاً و هما مئونة التحصيل و المعاش من سنخ واحد لتجويز استثنائهما في كلام واحد و علي وزان واحد فإنّ ظاهر الإلحاق كون استثنائهما علي نسقٍ واحد. و عليه فحيث إنّ مئونة التحصيل تُحسب من بداية شروع الكسب فلا بد من احتساب مئونة نفسه و عياله أيضاً من حين شروعه. و لكن لا يخفي أنّ هذا الإلحاق في خصوص ربح الكسب حيث يكون

في مورد الضيعة، و أمّا سائر الفوائد ممّا لا يحصل بكسبٍ أو تجارةٍ فلا دليل علي إلحاق المزبور. فلا مناص من العمل بمقتضي القاعدة و هو استثناء المئونة المصروفة بعد حصول الفائدة. و أمّا المصروف من حين شروع الكسب قبل حصولها فليس منها حتي يمنع من عودها إلي الشخص. فهي مشمولة لما دلّ علي وجوب الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير كما في موثقة سماعة «2».

و أمّا عموم قوله

فَأَمَّا الْغَنٰائِمُ وَ الْفَوٰائدُ فَهِيَ واجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام

فلا ينفع في المقام. حيث إنّ وجه التحديد المذكور فيه و إن كان استثناء مئونة السنة، إلّا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 349 ح 4.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 181

______________________________

أنّ غاية مدلوله حينئذٍ استثناء المئونة من بداية السنة و لا بحث في ذلك. و إنّما الكلام في تعيين مبدأ السنة بأنّه هل هو من حين الشروع في الكسب أو حصول الربح.

و أمّا ما أشرنا إليه من التفصيل الذي سلكه الماتن (قدّس سرّه) في أرباح المكاسب فحاصله: أنّ في بعض أنواع الكسب كالزراعة و الفلاحة يكون الشروع في الاكتساب و الاشتغال به لأجل تحصيل مئونة السنة الآتية لا نفس تلك السنة. ففي هذه الموارد لا اشكال أنّ مبدأ السنة ليس من حين الشروع في الكسب حيث إنّ العادة المتعارفة بين الزرّاع و الفلّاحين أنّهم يأخذون مئونة كلّ سنة من ربح السنة الماضية لا ربح نفس تلك السنة، إذ لا يحصل ربحها الّا بعد إتمام الزراعة و حصاد الزرع في انتهاءِ السنة.

و في قبال ذلك نوع آخر من الكسب يحصل الربح فيه يوماً فيوماً كالتجارة و السياقة و الاصطياد.

و إنّ في هذه الموارد يكون الشروع في الاكتساب لأجل تحصيل مئونة ذلك اليوم أو الأسبوع.

ففي هذا القسم الثاني من المكاسب يكون مبدأ السنة من حين الشروع في الكسب.

و حاصل الكلام في المقام: أنّ مبدأ السنة من حين الشروع في الكسب في أيّ كسب كان الشروع فيه لأجل تأمين مئونة نفس ذلك الزمان لا السنة الآتية.

و أمّا الاستدلال علي هذا التفصيل بمكاتبة الهمداني غير وجيهٍ، نظراً إلي أنّها وردت في مورد الضيعة التي هي من قبيل النوع الأول من الكسب، مما لا يكون مبدأ السنة فيه من حين الشروع في الكسب. فغاية مدلول هذه الصحيحة إلحاق مئونة الرجل و عياله بمئونة التحصيل في أصل الاستثناءِ من دون تعرّضٍ لكون مبدأ ذلك من حين الشروع في الكسب أو ظهور الربح و إنما يُعيّن ذلك بالقرائن الخارجية و مناسبات الحكم و الموضوع.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 182

[ما هو المراد بالمئونة]

مسألة 11: المراد بالمئونة ما ينفقه علي نفسه و عياله الواجبي النفقة و غيرهم، و منها ما يصرفه في زياراته و صدقاته و جوائزه و هداياه و ضيافاته و مصانعاته و الحقوق اللازمة عليه بنذر أو كفارة و نحو ذلك، و ما يحتاج إليه من دابة أو جارية أو عبد أو دار أو فرش أو أثاث أو كتب، بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده و اختتانهم و لموت عياله و غير ذلك مما يعدّ من احتياجاته العرفية (1). نعم يعتبر فيما ذكر الاقتصار علي اللائق بحاله دون ما يعدّ سفهاً و سرفاً، فلو زاد علي ذلك لا يحسب منها. بل الأحوط مراعاة الوسط من المئونة المناسب لمثله لا صرف غير اللائق بحاله و غير المتعارف من مثله، بل لا

يخلو لزومها من قوة، نعم التوسعة المتعارفة من مثله من المئونة.

______________________________

(1) قد سبق بيان ما دلّ من النصوص علي استثناء مئونة السنة فلا نعيد. و الذي ينبغي أن يقال في المقام: إنَّ ما كان من الأموال المصروفة مصداقاً لمئونة التحصيل أو المعاش يقيناً فلا كلام في خروجه عن عموم دليل وجوب الخمس في كل ما أفاد الرجل من قليل أو كثير.

و أمّا ما شك في صدق عنوان المئونة عليه بأحد المعنيين فلا مناص حينئذ من الرجوع إلي العموم المزبور و الحكم بوجوب الخمس فيه. فهذه القاعدة محكّمة في جميع موارد الشك في صدق عنوان المئونة.

ثم إن الماتن (قدّس سرّه) قد فصّل في استثناء مئونة المعاش بين ما كان صرفها بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة المتعارفة و بين ما لو تجاوز عن ذلك بحيث يُعدّ سفهاً و سرَفاً بالنسبة إليه عرفاً، و خصّص صدق عنوان المئونة بالأوّل. و أنت تعرف بالتأمّل في كلامه أنّ ملاك هذا التفصيل عنده هو تجاوز صرف المال عن حدّ ما يليق

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 183

______________________________

بشأنه، بحيث يُعدّ عند أهل العرف سفهاً و سرفاً بالنسبة إليه. فيجب تخميس ما صرف بهذا النحو. و ذلك لا لحرمة الإسراف حتّي يقال: إنّه لا دليل علي حرمته لظهور مثل قوله تعالي كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لٰا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ «1». في عدم محبوبية الإسراف عند اللّٰه لا حرمته «2». بل لعدم صدق عنوان المئونة عليه عرفاً، نظراً إلي انصراف العناوين المأخوذة في خطابات الشارع إِلي فهم أهل العرف، و إنّ المئونة عندهم عبارة عمّا تعارف الاحتياج إليه في إمرار المعاش. فما لا احتياج إليه في المعاش خارجٌ عن مصداق المئونة

عرفاً و لا تشمله نصوص استثناء المئونة.

ثمّ إنّ الماتن (قدّس سرّه) لم يفرّق في التفصيل المزبور بين الأموال المصروفة في العبادات و بين المصروفة منها في جهة معاش نفسه و عياله. و لكن بعض الفحول (طاب ثراه) لم يسلّم لهذا التفصيل في العبادات، قائلًا بأنّه لا شأن خاص لأحدٍ فيها بل التقرب إلي اللّٰه تعالي و ابتغاءِ رضوانه بإعطاء الصدقات و الإتيان بالنوافل الشرعية و الزيارات المستحبة يكون في شأن أيّ مسلمٍ، لاحتياج كلّ شخص إلي الثواب الأخروي و كسب الدرجات المعنوية.

و فيه: أنّ أصل احتياج الكل إلي الثواب و الأجر الأخروي و النيل إلي الدرجات المعنوية و عدم الفرق بين العباد في ذلك فممّا لا كلام فيه. و إنّما الكلام في أنّ المقصود من المئونة في قوله

مَؤُونَةِ نَفْسِهِ وَ عَيالِهِ

مئونة المعاش لا المعاد. و هي تشمل كلّ ما لا ينفك عن معاشه من المخارج في العادة المتعارفة و إنّ الأموال المصروفة في الجهات المعنوية و العبادية إذا كانت في حدّ شأنه حسب العادة المتعارفة فلمّا

______________________________

(1) الأعراف/ 31.

(2) و أمّا قوله تعالي «وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحٰابُ النّٰارِ» غافر/ 43. فناظرٌ إلي الإسراف علي النفس بالشرك و الطغيان و العصيان. و إنما الحرام هو التبذير لما قال تعالي «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ». سورة الإسراء/ الآية 27.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 184

و المراد من المئونة ما يصرفه فعلًا لا مقدارها، فلو قتّر علي نفسه أو تبرع بها متبرع لم يحسب مقداره منها (1)، بل لو وجب عليه في أثناء السنة صرف المال في شي ء كالحج أو أداء دين أو كفارة و نحوها و لم يصرف فيه عصياناً أو نسياناً و نحوه لم يحسب مقداره

منها علي الأقوي.

______________________________

لا تنفكّ عرفاً عن معاشه فمن هنا تدخل في معاشه بهذا العنوان لا بعنوان مئونة معاده. و أمّا كسب الدرجات و الفضائل المعنوية و لو بإعطاءِ جميع أمواله بعد أداء وظائفه الواجبة من نفقة عياله و حقوق الناس و أداء الواجبات المالية كالخمس و الزكاة فلم يمنعه أحدٌ من ذلك، بل رغَّبه الشارع و لكن ترغيبه يكون في طول أداءِ الفرائض.

ما هو المناط في صدق عنوان المئونة

(1) ثم إنَّ المراد من المئونة في المقام ما صُرِف في سبيل المعاش فعلًا لا مقدارها. كما لو قتّر علي نفسه فصرف أَقلَّ من مقدار المئونة اللّٰازمة له أو تبرّع بدفعها متبرّع فلم يصرف فيها شيئاً من الربح. فلا يُستثني حينئذٍ مقدار ما قتّره أو تبرّع الغير بدفعه من المئونة. و الوجه في ذلك ظهور عنوان المشتق في فعلية تلبّس الذات بالمبدإ كما قُرّر في علم الأصول. و عليه فعنوان المئونة في نصوص المقام ظاهرٌ في ما صُرِف من المال فعلًا في سبيل المعاش دون ما يعادله ممّا لم يصرف في سبيله.

و قد يستدل علي اعتبار فعلية الصرف في فعلية المئونة بأخذ ذلك في معني لفظ المئونة لغةً و أنّ ما لم يصرف في سبيل إمرار المعاش خارجٌ عن حقيقة المئونة لغةً. فلمّا أخذ معني الصرف في حقيقة المئونة يكون المئونة الفعلية قهراً ما صرف لمعاش سنته.

و فيه: أنَّ ما أخذ في معني لفظ المئونة لغةً هو الاحتياج بصرفها لإمرار المعاش و إعدادها لذلك بحيث يقال عرفاً إنّ به إمرار المعاش. و أما تحقق صرفه سابقاً

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 185

______________________________

فلا يستفاد أخذه من كلام أيّ لغوي بل هي في الحقيقة عبارة عمّا لا بد عن

تهيئته لإمرار المعاش. و إنّما سمّيت بالمئونة بلحاظ ما يكون علي الشخص من الكلفة و الثقل لأجل تحصيلها. كما قال بعضهم: إنّ المئونة هي الثقل. و قال آخرون «1» إنها القوت و إنّما سمّيت بذلك لأنّ تحصيلها ثقلٌ علي الإنسان.

و عليه فتحقُّق الصرف و مضيّه لم يؤخذ في معني لفظ المئونة لغةً حتي يقال: إن فعلية المئونة بفعلية الصرف و تحققه في الخارج بل ينوط ذلك بصدق عنوان القوت بمعناه الأعم و فعليّة ثقله علي الشخص فهذا الاستدلال بظاهره لا يمكن قبوله.

و استدل علي ذلك بوجهٍ آخر. و حاصله: أنّ ظاهر قوله (عليه السّلام) «عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله» جواز التأخير في أداء الخمس إلي انتهاء السنة بغرض صرف الربح في المئونة. فمعني قوله

بعد المئونة

أي بعد صرف الربح في المئونة. فما لم يصرف في معاش سنته في أثنائها يكون خارجاً عن المستثني و داخلًا في عموم وجوب الخمس. و إنّ هذا هو الوجه في أخذ فعلية الصرف أي صرف الربح في إمرار معاش سنته في فعلية عنوان المئونة، و هو وجيه لا غبار عليه. و بناءً علي ذلك فمئونة السنة ما صُرف من ربحها في سبيل المعاش أثناء سنته. ففي المقام ما دام لم يؤدّ الدين الباقي في ذمّته من السنوات السابقة في أثناء سنة الربح لا تصدق عليه مئونة السنة.

هذا، و لكن التحقيق أنّ العنوان المأخوذ في موضوع الاستثناء هو المئونة. و هي و إن كانت ظاهرة في المئونة الفعلية، إلّٰا أَنَّ صدقها لا تتوقّف علي الصرف الفعلي بل يكفي العلم بصرفه. كما لو ربح شخص ربحاً في بداية السنة و أراد أن يخمّسه في أوّل آن ظهوره و هو يعلم أنّه

سيصرف مقداراً منه في مئونة معاشه إلي نهاية السنة، فحينئذٍ لا إشكال في جواز استثنائه مع عدم تحقق صرفه فعلًا أي حين أداء الخمس نظراً

______________________________

(1) راجع مصباح المنير و قاموس اللغة و لسان العرب.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 186

______________________________

إلي أنّ المقصود هو الفعلية حين التخميس. و الوجه في ذلك صدق عنوان المئونة عرفاً. فإنّ عنوانها و إن كان ظاهراً في المئونة الفعلية و لكن لا ينوط صدق المئونة الفعلية بالصرف الفعلي، بل انّما يدور مدار واقع صرف ما لا بُدّ من صرفه للإعاشة واقعاً، أو جرت عادة الرابح علي صرفه حسب شأنه اللائق بحاله. و إن شئت فقل إنّ مناط صدقها هو الصرف الواقعي بمقدار الحاجة أو ما جرت العادة حسب شأنه اللائق بحاله لا الصرف الفعلي.

نعم إنّه بما هو محققٌ للصرف الواقعي واجدٌ للملاك كما يكفي العلم بتحققه بلحاظ أنّه واجدٌ لهذا الملاك. و حيث انه لم يصرف شيئاً للإعاشة في صورة التقتير أو تبرّع الغير فيكشف ذلك عن عدم تحقق الاستثناء. و عليه فعدم استثناء ما قتّر به الرابح أو تبرّع به الغير ليس من باب اعتبار الصرف الفعلي في موضوع دليل الاستثناء بل إنّما هو لأخذ واقع صرف المال المحتاج إليه في المعاش و إن العلم به في بداية السنة طريقٌ لإثباته.

إن قلت إنّكم حكمتم سابقاً باستثناء آلة الكسب من أرباح السنة إذا توقّف عليه إمرار المعاش مع عدم صرفها في المئونة نظراً إلي بقائها في انتهاء السنة. فما هو الفرق بينه و بين المقام حيث حكمتم باستثنائها دون ما قتّر علي نفسه تمسكاً بعدم صرفه الفعلي.

قلت: إنّ آلة الكسب إنّما يتوقف إمرار المعاش علي منافعها العائدة إلي الشخص و إن

صرفها الفعلي بالانتفاع فيها لإمرار المعاش. و الوجه في ذلك أنّ صرف المال تارة: يكون بصرف عينه كالملبوسات و المأكولات و نحو ذلك. و أُخري: بالانتفاع منه مثل آلات الكسب و الدار. و ليس مورد التقتير و التبرّع من قبيل شي ءٍ من هذين القسمين لعدم تحقق أصل الصرف فيهما. و لا يقاس ذلك بغير ما يتوقف عليه المعاش من آلات الكسب لعدم دخولها في عنوان المئونة عرفاً بل هي من مقدمات تحصيل

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 187

[لو كان له أنواع من الاستفادات من التجارة و الزرع و عمل اليد و غير ذلك]

مسألة 12: لو كان له أنواع من الاستفادات من التجارة و الزرع و عمل اليد و غير ذلك يلاحظ آخر السنة مجموع ما استفاده من الجميع فيخمس الفاضل عن مئونة سنته، و لا يلزم أن يلاحظ لكل فائدة سنة علي حدة (1).

______________________________

الربح، و إنما يستثني منها قدر ما استهلك ضمن استعمالها لأجل تحصيل الربح لأنه الذي ذهب من كيسه. و أما غيره المعادل لقيمة الآلة بعد انتهاء السنة فداخلٌ في ملكه كسائر أملاكه الشخصية.

(1) قد سبق أنّ امتياز خمس الأرباح عن غيره في استثناءِ مئونة السنة. فمن هنا لا يجب دفع هذا الخمس بمجرد حصول الربح بل يجوز تأخير دفعه و التصرف فيه إلي انتهاء السنة، بخلاف سائر الأقسام، نظراً إلي لزوم دفع خمسها بمجرّد حصولها و لا يجوز تأخيره.

ثم انه تختلف كيفية حصول الربح. فقد تكون دفعية، كمحصول الزراعة الحاصلة مرّة واحدة في فصل معين من كلّ سنةٍ. و أخري: تدريجية كصيد السمك و أنواع التجارات و الصناعات. و علي أيّ حالٍ فتارة: يكون لشخصٍ واحدٍ مشاغل متعددة متنوعة. و أُخري: يكون له شغل واحد.

فاذا كان له شغل واحدٌ و كان شغله من قبيل ما يحصل

ربحه دفعةً واحدة في كل سنة لا إشكال في وجوب دفع خمس الربح الحاصل له في انتهاء كل سنةٍ بعد استثناءِ مئونة تلك السنة.

و انّما الكلام فيما إذا كان لشخصٍ واحدٍ مشاغل متعددة مختلفة كان بعضها أو كلّها تدريجيّ الحصول. فوقع الكلام حينئذٍ في انه هل يجوز جعل سنةٍ واحدة لمجموع الأرباح الحاصلة و تستثني مئونة تلك السنة في انتهاءِها من مجموع الأرباح الحاصلة فيها بأنواعها المختلفة، بعنوان ربح واحد؟. أو يجعل لكل واحدٍ منها سنة مخصوصة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 188

______________________________

بحسب زمان شروع الكسب أو آن ظهور الربح علي الخلاف فذهب إلي الثاني جماعة منهم الشهيد الثاني. و اختار الماتن (قدّس سرّه) الأول.

و تظهر ثمرة الفرق أولًا: في كيفية استثناء المئونة المصروفة بين الربحين. فمثلًا لو استفاد عشرة دنانير في أول شعبان و ثلاثين ديناراً في أول شوّال و صرف عشرين ديناراً في خلالهما، فبناءً علي القول الأول لو كان انتهاء سنته آخر شوّال يجوز فيه استثناء عشرين ديناراً من مجموع الربحين و يدفع خمس العشرين الباقي. و أما بناءً علي الثاني فيجب عليه جعل عشرين ديناراً المصروفة بين الربحين بحساب السنة الأولي و يخمّس ثلاثين ديناراً الحاصلة في أوّل شوّال بتمامها.

و ثانياً: في تخميس ربح انتهاءِ السنة ففي المثال المزبور لو ربح ألف تومان في أوّل شوّال فبناءً علي القول الأول يجب عليه تخميس هذا المبلغ لو بقي إلي آخر شوّال ضمن سائر أرباح تلك السنة و لكن لا يجب تخميسه بناءً علي القول الثاني. بل يجوز له التصرف فيه بتمامه إلي أوّل شوال السَّنة الآتية.

ثم ان الماتن (قدّس سرّه) ذهب إلي انضمام مجموع الأرباح و استثناء مئونة السنة من مجموعها بعنوان

ربح واحد. و الوجه فيه: ما دلّ من النصوص علي استثناء مئونة السنة، مثل قوله في صحيحة علي بن مهزيار

فأما الغنائم و الفوائد فيجب عليهم في كل عام

فإنه بضميمة ما دلّ من النصوص علي أنّ الخمس بعد مئونة نفسه و عياله و بمقتضي السياق و جري العادة المتعارفة بين الناس ظاهرٌ في استثناء مئونة السنة فيطمئنّ بقرينة ذلك أنّه لا وجه لتحديد وجوب الخمس بكل عام في هذه الصحيحة إلّا ملاحظة استثناء مئونة السنة. فهو ظاهرٌ في انحلال وجوب الخمس بحسب السنوات لا بحسب افراد الربح كما في المعدن و الغوص و ساير الأقسام ممّا لم يدل الدليل علي استثناء مئونة السنة منها، فان كل فردٍ من افرادها يجب تخميسه بلا استثناء مئونة السنة. و أمّا في الأرباح فالحاصل منها بأنواعها في انتهاء كل عام يجب تخميسه بعد

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 189

______________________________

استثناء مئونة تلك السنة من دون ملاحظة كل فردٍ من افرادها و لا كل نوعٍ من أنواعها عليٰ حدة، و ذلك لفرض عدم تعدد الخمس بتعددها بل انما يتعدّد بتعدد السنوات.

و قد أشكل علي هذا التقريب بأنّ الإمام بصدد التفرقة بين الأرباح و غيرها من الفوائد، حيث انه (عليه السّلام) قد خصَّص وجوب الخمس في الذهب و الفضة بتلك السنة و أسقطه عن بعض الأرباح فيها بقوله

وَ إِنَّما أَوْجَبْتُ عَلَيْهِمْ الْخُمْسَ في سَنَتي هٰذِهِ فِي الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةِ الّتي قَدْ حٰالَ عَلَيْهِما الْحَوْلُ وَ لَمْ أُوجِبْ عَلَيْهِمْ في مَتاعٍ وَ لا آنِيَةٍ وَ لٰا دَوابٍّ وَ لا خَدَمٍ وَ لٰا رِبْحٍ رَبِحَهُ في تِجارَةٍ وَ لٰا ضَيْعَةٍ إِلّٰا في ضَيْعَةٍ سَأُفَسِّرُ لَكَ أَمْرَها تَخْفيفاً مِنّي عَنْ مَواليَّ وَ مَنّاً مِنّي عَلَيْهِمْ «1».

و

لذا أراد (عليه السّلام) بقوله

فَأَمَّا الْغَنٰائِمُ وَ الْفَوٰائِدُ فهي واجبة عليهم في كُلِّ عٰامٍ

وجوب الخمس في غير الأرباح من الفوائد في كل عام بلا اختصاص بتلك السنة، من دون نظر إلي كيفية وجوب الخمس من تعلّقه علي نحو الانضمام أو الانفكاك.

و فيه انه (عليه السّلام) تعرّض بالأخرة لكيفية وجوب الخمس بتحديده بكل عام و لا وجه لهذا التحديد إلّا استثناء مئونة السنة و ذلك لما سبق أن نظره (عليه السّلام) من تحديد وجوب خمس الغنائم و الفوائد بكل عام إلي استثناء مئونة السنة. و لا سيّما بقرينة ما قلنا آنفاً من النصوص الدالة علي استثناء مئونة نفسه و عياله و جريان عادة الناس علي جمع حصائِد زراعاتهم و ثمار بساتينهم في كل سنة مرَّةً واحدة و حسابهم المخارج الذاهبة من كيسهم و الفوائِد العائدة إليهم في انتهائِها. و إن ذلك لا يُبقي أيَّ إشكال في إرادة استثناء مئونة السنة من التحديد المزبور.

و الحاصل: أنّ انضمام الأرباح يمكن استظهاره من الفقرة المزبورة لأن استثناء مئونة السنة و إن كان أعمَّ من إخراجها عن كل ربح عليٰ حدة و عن مجموع الأرباح و الفوائِد منضمّاً مرّةً واحدةً في انتهاء كلّ سنةٍ. الّا أنّ ظاهرها انحلال وجوب الدفع

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 349 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 190

[عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المئونة]

مسألة 13: الأحوط بل الأقوي عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المئونة، فيجب عليه خمسه إذا كان من أرباح المكاسب، إلا إذا احتاج إلي مجموعة في حفظ وجاهته أو إعاشته مما يليق بحاله، كما لو فرض أنه مع إخراج خمسه يتنزل إلي كسب لا يليق بحاله أو لا يفي بمئونته، فاذا لم يكن عنده مال

فاستفاد بإجارة أو غيرها مقداراً و أراد أن يجعله رأس ماله للتجارة و يتجر به يجب عليه إخراج خمسه (1)، و كذلك الحال في الملك الذي يشتريه من الأرباح ليستفيد من عائداته.

______________________________

بحسب السنوات لا بحسب افراد الربح و أنواعه. و ذلك لعدم تعارف جعل سنة علي حدة لكل فردٍ من افراد الربح و إن الإطلاق منصرف إلي ما هو المتعارف. و لا سيّما ظهور الجمع المحلّي بالألف و اللّام في قوله

و أمَّا الْغَنائمُ وَ الْفَوائدُ

في المشمول المجموعي، فيدلّ علي تعلّق الخمس بمجموع الفوائد الحاصلة في كلّ سنة مرّةً واحدة.

و إن كان الأحوط استحباباً دفع خمس كل ربح في انتهاءِ السنة المختصّة به نظراً إلي عدم كون المئونة المصروفة قبل ظهوره من مئونة سنته بل من سنة قبله المرتبطة بالربح السابق. و إن لا تبقي الأرباح الحاصلة في أثناءِ السنة من غالب التجارات و المشاغل اليومية إلي انتهاء السنة، بل تتداخل مع الأرباح اللاحقة و تصرف في أثنائها.

(1) إذا اكتسب أو استفاد مالًا فأراد أن يجعله أو يشتري به رأس ماله ليتّجر به، فهل يجب تخميسه أوّلًا ثمّ الاتجار به أم لٰا؟ فيه أقوال:

أحدها: وجوب تخميسه مطلقاً، نظراً إلي أنّه ربحٌ أو فائدة فتشمله عمومات وجوب الخمس في كل فائدة و ربح. و قد مال إليه في العروة بالاحتياط الوجوبي.

الثاني: عدم وجوبه مطلقاً لأن رأس المال يُعَدّ عرفاً من المئونة المستثناة عن

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 191

______________________________

وجوب الخمس.

الثالث: التفصيل بينما لو كان أكثر من مئونة السنة فيجب تخميسه لخروجه عن دليل استثنائِها و بين ما لو كان بمقدارها فلا يجب تخميسه. و التحقيق في المقام التفصيل بين ما لو توقف عليه تحصيل مئونة السنة و

إمرار المعاش حسب شأنه، بأن يحتاج إلي مجموعة في حفظ وجاهته و إعاشته اللائقة بحاله بحيث لو أخرج خمسه يتنزّل إلي كسبٍ لا يليق بشأنه و لا يفي بمئونته و بين ما لو لم يتوقف عليه تحصيل مئونة السنة بل بدونه أيضاً يقدر علي اكتساب مئونته اللائقة بشأنه. فعلي الأوّل لا يجب تخميسه مطلقاً سواءٌ كان بمقدار المئونة أو أكثر منها. و ذلك لفرض توقف تحصيل مئونة سنته عليه، فيشمله دليل استثنائها. و علي الثاني يجب تخميسه مطلقاً و لو كان مقداره دون مئونة السنة نظراً إلي عدم توقف تحصيل مئونته عليه حتي يشمله دليل استثنائها. فلا مانع من شمول عمومات خمس الأرباح و الفوائِد لها.

فالحاصل: أن رأس المال إذا كان ممّا توقف عليه المعاش اللائق بشأنه، بحيث لو لم يكن لم يقدر الشخص علي تحصيل مئونة سنته و يقع لذلك في الضيق و الحرج، فلا يجب تخميسه. من دون فرق في المئونة المتوقف تحصيلها علي رأس المال بين المئونة المصروفة في أكله و لبسه و بين ما يحتاج إليه لمسكنه، كأن يكون مستأجراً واقعاً في الحرج و المشقة لأجل كثرة الأولاد و الضيوف و نحو ذلك فوقع بيده مبلغٌ أكثر من المئونة بأَضعاف بحيث يتمكّن من أن يشتري به داراً مسكونة في حدّ شأنه فيتخلّص من مشكلة المسكن. فذلك المبلغ الكثير يُعدّ في هذا الفرض من مئونته.

خلاصة الكلام: أنّ الملاك في صدق المئونة علي المال توقف المعاش عليه. بأن يقع الشخص بدونه في الحرج من دون فرق بين أن يكون رأس المال أقل من مئونة السنة أو بمقداره أو أكثر منه و قد قوّي الماتن (قدّس سرّه) هذا التفصيل الأخير فإن إمرار

دليل تحرير الوسيلة

- الخمس، ص: 192

______________________________

المعاش و إن يمكن بكل واحدٍ من صرف عين رأس المال و الاتجار به إلّا انه يصدق عرفاً أن رأس المال وسيلة لإعاشته و مكسباً لمئونة سنته. حيث ان المفروض أنّه لو خمّسه لا يكفي للاتجار به. و من هنا يصدق أنّه ممّا يتوقف عليه إمرار معاشه؛ إمّا بصرف عينه أو بصرف منفعته الحاصلة من الاتجار به.

ثم ان هذا لا كلام فيه. و إنما الكلام في أنّه لو بقي في يده ما زاد عن مئونة سنته من رأس المال فهل يجب تخميسه أم لا؟ نظراً إلي كونه ربحاً و قد انتهيٰ أمد توقف إعاشة تلك السنة عليه في انتهائها.

و التحقيق في المقام: انه لا يجب تخميسه نظراً إلي توقف الاعاشة علي مجموع رأس المال، فهو بتمامه كان مئونة سنته لا خصوص المعادل منه لمقدار المئونة. حيث إنّه كان يحتاج إليه بتمامه لإمرار معاشه إلي انتهاء السنة. و هذا بخلاف ما لو قتّر علي نفسه فلم يصرف مقداراً من الربح في المئونة بحيث لو لم يقتّر لكان مصروفاً في المئونة.

وجه الفرق أنّ ما قتّره عليٰ نفسه و عياله من الربح لم يصرفه في المئونة لأيّ سبب كان. فليس من المئونة إذ المقصود منها ما صُرِف في أمر المعاش. و هذا بخلاف المقدار الزائد عن المئونة من رأس المال لفرض توقف الاعاشة علي مجموعة. ثم إنّه لا فرق في توقف الاعاشة علي رأس المال بين توقفها عليه في تمام السنة أو بعضها. فلذا لو عرض هذا التوقف في أثناء السنة يُعَدّ رأس المال من المئونة عرفاً حينئذٍ لصدق أنه ممّا يتوقف عليه معاش تلك السنة و لو بعضاً.

و اتضح بما قلنا بطلان توجيه عدم

كون رأس المال من مئونة السنة بأنّ المئونة ما يحصل بالربح و يُصرف في المعاش دون ما يكتسب به الربح و لا يصرف بعينه في المعاش. وجه الاتضاح أنّ ملاك صدق المئونة علي المال توقف الاعاشة عليه إمّا

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 193

______________________________

بصرف عينه أو صرف المنفعة الحاصلة منه بالاتجار، لعدم فرق بينهما في نظر أهل العرف. ثم إنّه لو توقفت الاعاشة علي رأس مالٍ و لكن حصل ربح كثيرٌ في أثناء السنة فلم يتوقف إمرار المعاش عليه إلي آخر السنة يشكل حينئذٍ الالتزام بصدق المئونة عليه. و ذلك لعدم توقف إمرار المعاش عليه في المنتصف الثاني من العام. بل لو انتفي التوقف المزبور قبل انتهاءِ السنة بيوم أو يومين يخرج رأس المال من مصداق المئونة، نظراً إلي ظهور المشتق في فعلية تلبّس الذات بالمبدإ و في هذا الفرض كان رأس المال مما يتوقف عليه إمرار المعاش في بداية السنة. و لكن لا يصدق عليه ذلك فعلًا أعني حين وجوب دفع الخمس. فيجب في هذا الفرض تخميسه و إن كان يتوقف عليه الاعاشة في بعض السنة أو أكثرها، نظراً إلي زوال وصف المئونة بانتفاء التوقف المزبور، حيث لا يصدق عليه عنوان المئونة حين عروض وجوب دفع الخمس لكي يُستثني.

و لا يقاس ذلك بالمال المصروف في الابتداء أو أثناءِ السنة، لأنّه و إن لم يُصرف في المئونة حين الدفع و لكن يكفي في صدق عنوان المئونة عليه صرفه لذلك في داخل السنة. و هذا بخلاف رأس المال حيث ينوط صدق عنوان المئونة عليه عرفاً علي توقف معاش السنة عليه حين استقرار وجوب الخمس. و الّٰا فيجب فيه الخمس كسائر الأرباح الحاصلة في سنة الربح و

لو بيوم أو يومين قبل انتهائها.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 194

[لو اكتسب بالأعيان التي لم يتعلق بها الخمس أو تعلق بها لكن أدّاه]

مسألة 14: لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان مثلًا و لم يتعلق بها الخمس كما إذا انتقل إليه بالإرث أو تعلق بها لكن أدّاه فتارة: يبقيها للتكسّب بعينها، كالأشجار غير المثمرة التي لا ينتفع إلا بخشبها و أغصانها فأبقاها للتكسب بهما، و كالغنم الذكر الذي يبقيه ليكبر و يسمن فيكتسب بلحمه، و أُخري: للتكسب بنمائها المنفصل كالأشجار المثمرة التي يكون المقصود الانتفاع بثمرها، و كالأغنام الأنثي التي ينتفع بنتاجها و لبنها و صوفها، و ثالثة: للتعيش بنمائها و ثمرها بأن كان لأكل عياله و أضيافه. أما في الصورة الأولي: فيتعلق الخمس بنمائها المتصل فضلًا عن المنفصل كالصوف و الشعر و الوبر. و في الثانية: لا يتعلق بنمائها المتصل، و إنما يتعلق بالمنفصل منه. كما أنّ في الثالثة يتعلق بما زاد علي ما صرفه في معيشته (1).

______________________________

(1) ينبغي لتحقيق هذه المسألة و بعض المسائل الآتية بيان نكتة بعنوان الضابطة في المقام. و حاصلها:

أنّه لا ريب في أنّ ملاك الاستظهار من الخطابات الشرعية و المرجع في فهم مداليلها نظر أهل العرف. فيُرجع إليهم في تحديد الموضوعات المتعلّقة للأحكام الشرعية في الخطابات الواردة من الشارع، بمعني أنّ أيّ معني تبادر إلي أذهانهم من إطلاق اللفظ الدال علي الموضوع الوارد في الخطاب بلا قرينةٍ، ذلك هو مقصود الشارع من ذلك الموضوع.

و الوجه فيه: أنّ الشارع قد جعل التكليف لعموم الناس لا لطائفةٍ خاصّة منهم، فلذا ألقي الخطابات المتضمّنة للأحكام متناسبة لفهمهم. و علي هذا الأساس أرسل كلّ رسول بلسان قومه، كما قال تعالي وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلّٰا بِلِسٰانِ قَوْمِهِ «1». و يدلّ علي

هذا المعني كثيرٌ من الآيات و الروايات. و لكن مع ذلك يكون

______________________________

(1) سورة إبراهيم/ 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 195

______________________________

ملاك الاستظهار من الخطابات فهم الفقهاءِ حسب ذوقهم العرفي، نظراً إلي قدرتهم علي تحليل فهم أهل العرف و توجيه ملاك فهمهم و تشخيص سرّ ارتكاز المعني المعيّن من الموضوع المأخوذ في الخطاب في أذهانهم.

فلذا لا اعتبار بفهم أيّ فرد سوقي أو عاديّ من عوام الناس في الاستظهار من الخطابات و فهم موضوعات الأحكام الشرعية. فإنّ هذا هو الفقيه يفهم بذوقه العرفي أنّ المتبادر إلي أذهان العرف من صيغة الأمر عند إطلاقها مجرّداً عن أية قرينة و بلا عناية هو الطلب اللزومي لا مطلق الطلب أو الندبي. فلذا يري الطلب اللزومي مدلولًا وضعياً لصيغة الأمر لاستنادِه إلي التبادر و الدلالة الوضعية. فيري تبادر هذا المعني إلي الذهن من صيغة الأمر بلا عنايةٍ دليلًا علي كون استعمالها فيه من قبيل استعمال اللفظ فيما وضع له. هذه الضابطة صادقة علي النحو الكلّي في مقام الاستظهار من الخطاب و فهم المراد من موضوعاتها.

و أما في مرحلة تطبيق الموضوع المأخوذ في الخطاب علي المصداق الخارجي فربما يكون لأفراد أهل العرف مسامحات يعترفون عند الالتفات بكون ذلك الإطلاق المسامحي خارج عن المعني الحقيقي.

و هذه المسامحات العرفية لا قيمة لها في استظهار المعني المقصود من الموضوعات الواردة في الخطابات الشرعية إلّا في موارد اعتبرها الشارع كما في الحنطة المختلطة بذرّات الطين و التبن حيث يَزِنُها أهل العرف بما لها من الذرّات الخليطة و الحال أنّها لو خَلُصت و تميَّزت من تلك الذرات ينقص من وزنها بمقدار محسوس. و إنّ الخطابات قد ألقيت في هذه الموارد علي أساس هذا النوع من المسامحات العرفية،

و هي دخيلة في استظهار المعني المقصود من موضوعات الاحكام.

و الحاصل: أنّ الخطابات الشرعية تبتني علي المسامحات العرفية و كلّ مورد يراه العرف مصداقاً للموضوع الكلّي الملقي من الشارع يتعلق به الحكم الشرعي و كل

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 196

______________________________

مورد لم يره مصداقاً له فهو خارج عن متعلّق الحكم و ذلك مثل لون الدم المتخلّف في الثوب بعد زوال عينه بالغسل. حيث لا يراه أهل العرف مصداقاً للدم و إن كانت فيه أجزاءُ الدم بالدقة العقلية. فهو خارج عن الدم الواقع موضوعاً للحكم. و إليه ينظر من لم يوجب تطهيره.

و قد اتضح بهذا البيان كثيراً من نكات المسائل الآتية و ارتفعت به إشكالات كثيرة أوردت غفلةً عن هذه الضابطة و ستعرفها في خلال البحث. إذا عرفت ذلك فنقول:

إن النماءات متصلةً كانت أم منفصلة أو حكميّةً تارةً: تكون لعين تعلق بها الخمس و لم يُدفع فلا إشكال في وجوب الخمس حينئذٍ في النماءات بأنواعها، حيث إنّ كلّها من توابع العين المتعلقة للخمس و داخلةٌ في ملك أربابه. و أُخري: تكون لعينٍ لم يتعلّق بها الخمس أو دفع بعد تعلّقه.

و أمّا لو كانت العين الموجودة عنده ممّا لم يتعلّق بها الخمس كالمهر أو الإرث المحتسب أو تعلّق و لكن أدّاه المكلّف فنمت و زادت فتارة: يكونُ نماؤُها متصلًا كسمن الحيوان و نموّ الشجر.

و أُخري: منفصلًا كنتاج الحيوان و ثمر الشجر. و ثالثة: حكمياً كارتقاءِ القيمة السوقية. فنقول:

لا إشكال في تعلّق الخمس بالنماء المنفصل، لأنه فائِدة جديدة و له عينية مستقلّة عن أصله بل لا يبعد صدق ربح الكسب عليه. حيث إن مالك الأصل قد سعي في حفظه و تغذيته و تحمّل مخارج كثيرة في سبيل استنمائه

و الاسترباح منه، و لا يعتبر شي ءٌ أزيد من ذلك في صدق ربح الكسب.

و كذا النماءُ المتصل نظراً إلي أنّ العرف و إن يراه من شؤون العين التي لم يتعلّق بها الخمس بل متحداً معها و لذا يطلق علي الفسيل الموروث بعد ما صار شجراً

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 197

______________________________

كبيراً عنوان الإرث عرفاً و لكن هذا الإطلاق مسامحي عنائي زائل عند الالتفات، حيث إنه لا يطلق أهل العرف عند الالتفات و التوجه علي هذه الأشجار عنوان الإرث، بل يقال كان فسيلها إرثاً.

و قد قلنا في بيان الضابطة: إنّ هذا النوع من المسامحات في التطبيق لا قيمة لها في استظهار المعني المقصود من موضوعات الأحكام الواردة في الخطابات الشرعية. و الحاصل: أنّ النماء المتصل أيضاً كالمنفصل له وجود آخر غير أصله. فمثلًا العين الموروثة إذا كانت سخالًا بوزن عشر كيلوات فأصبحت بعد النموّ غنماً كبيراً بالغاً إلي وزن خمسين كيلو غراماً، فلا ريب في صدق الفائدة علي هذه الزيادة العينية التي ربّما تبلغ ماليتها إلي أضعاف مالية أصلها. بل لا يبعد صدق ربح الكسب عليها كما قلنا في النماء المنفصل لكفاية ما فعل بها المالك من المراقبة و التغذية بقصد الاستنماءِ و الاسترباح في صدق ذلك عرفاً.

و لكن الإنصاف انه يشكل صدق ربح الكسب ما دام لم يتكسّب المالك بذلك بأن لم يتخذه كسباً و شغلًا. كما لو وَرِثَ أرض دارٍ مسكونة فيها عدّة فسيل فأصبحت بعد مضيّ سنين أشجاراً كبيرةً فأثمرت و انتفع بها المالك و أهله و عياله، و لكنّه لم يتكسَّب بذلك بل يشتغل و يتكسّب بمثل خياطة أو نجارة أو صنعةٍ و نحوها من المشاغل. فيشكل حينئذٍ صدق ربح الكسب علي

ثمار الأشجار الموجودة في أرض داره. فانّ صدق ربح الكسب دائِرٌ مدار صدق التكسب و الاشتغال عرفاً لا بمجرد الاستفادة و الاسترباح.

و بهذا البيان تستطيع أن تعرف وجه تفصيل الماتن (قدّس سرّه) بينما لو كان اقتناء العين لقصد التكسب بها أو بنمائِها و بين ما لو كان لأجل التعيّشُ بنماءِها و ثمرها. و أيضاً اتضح بما قلناه وجه التفصيل بين ما لو كان إبقاء العين للتكسّب بعينها و بين ما لو كان إبقاؤها للتكسب بنمائها المنفصل. ففي الصورة الأولي لما كان التكسب بنفس الأعيان

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 198

[حكم ما لو ربح في تجارة و خسر في أُخري]

مسألة 15: لو اتجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة فباع و اشتري مراراً فخسر في بعضها و ربح في بعض آخر يجبر الخسران بالربح، فاذا تساويا فلا ربح، و إذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة و كذا لو اتجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد مما تعارف الاتجار بها فيه من غير استقلال كل برأسه كما هو المتعارف في كثير من البلاد و التجارات، بل و كذا لو اتجر بالأنواع المختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد، كما لو كان لتجارة واحدة بحسب الدفتر و الجمع و الخرج شعب كثيرة مختلفة، كل شعبة تختص بنوع تجمعها شعبة مركزية أو مركز واحد بحسب المحاسبات و الدخل و الخرج، كل ذلك يجبر خسران بعض بربح بعض (1)، نعم لو كان أنواع مختلفة من التجارة و مراكز متعددة غير مربوطة بعضها ببعض بحسب الخرج و الدخل و الدفتر و الحساب فالظاهر عدم جبر نقص بعض بالآخر، بل يمكن أن يقال: إن المعيار استقلال التجارات لا اختلاف أنواعها.

______________________________

يصدق علي جميع نماءاتها

حتي المتصلة منها ربح الكسب عرفاً. بخلاف الصورة الثانية التي تكسّب بالنماء المنفصل خاصة فلا يكون النماء المتصل حينئذ من أرباح الكسب عرفا. و لكن لا يخفي عليك أن ذلك كله بناء علي عدم وجوب الخمس في غير أرباح الكسب من سائر الفوائد كما عليه الماتن (قدّس سرّه) و إلا فلا وجه لهذا التفصيل بل يجب الخمس في مطلق النماءات سواء اتجر بها أم لا.

حكم ما لو ربح في تجارة و خسر في اخري

(1) إنَّ في المقام للمسألة ثلاث صور نبحث عن حكم كل واحدٍ منها علي حدةٍ.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 199

______________________________

أما الصورة الأولي: ما إذا كان للشخص كسب واحدٌ كأن يكون تاجراً و لكن يشتعل بأنواعٍ من التجارات بأن يبيع الأثواب و الفُرُش و الحبوبات مثلًا.

فوقع الكلام حينئذٍ أنه لو خسر في بعض أنواع التجارات إمّا لإتلاف رأس ماله أو لنقصان المبلغ الحاصل من البيع بالنسبة إلي ما ذهب من كيسه لأجل الشراء فهل يجبر الخسران الحادث في بعض التجارات بربح بعض أنواعها الآخر، بأن يستثني المقدار المعادل لتلك الخسارة الواردة من ربح تجارة أُخري من دون وجوب تخميسه؟ أو لا يجبر بل يخمّس الربح الحاصل من كل نوع عليٰ حدة مستقلا عن الآخر من دون أن يجبر به خسارة النوع الآخر.

و قد أفتي الماتن (قدّس سرّه) في هذه الصورة بالجبر و جواز استثناء ما يعادل الخسارة الواردة في بعض الأنواع بربح بعض الأنواع الآخر.

و الوجه في ذلك أنّ في الكسب الواحد و إن اختلف أنواع التجارات و لكن لا يري أهل العرف الربح المعادل للخسارة الواردة ربحاً حقيقةً و لو كان من نوع آخر. بل يحتسبون مجموع الخسارات و الأرباح الحاصلة

من تمام أنواع التجارة معاً. و إنّما يرون ما بقي من الربح بعد الكسر و الانكسار ربحاً حقيقةً. و إن كان الاحتياط حسناً علي كلّ حال لاحتمال عدم جبر خسارة بعض التجارات بربح بعضها الآخر. و علي فرض الشك فالمرجع عموم أدلّة وجوب الخمس في كل فائدة و ربح و مقتضاه الحكم بالتخميس في المقام.

الصورة الثانية: ما إذا كان للشخص تجارة واحدة و لكن في أمتعة مختلفة مثل بيع أنواع الحبوبات فخسر في بعضها و ربح في آخر. و لا كلام حينئذ في جبر خسارة بعضها بربح الآخر. فانّ حكمه واضح بعد القول بالجبر في الصورة الأولي.

و إنما الكلام في أنّ في هاتين الصورتين هل تجبر خسارة بعض أنواع التجارات أو بعض أجناس التجارة الواحدة بربح بعضها الآخر مطلقاً بلا فرق بين تقدم الربح

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 200

______________________________

و بين تقدم الخسران أو لا؟

ظاهر الماتن (قدّس سرّه): عدم الفرق بينهما و الحكم بالجبران مطلقاً. و إنّ وجه هذا التفصيل أنّ الخسران السابق لا ربط له بالربح اللاحق في نظر العرف حتي يجبر به و لو كان الخسران اللاحق مانعاً عن صدق عنوان الربح السابق.

و لكن الماتن لمّا بني علي لحاظ مجموع الخسارات و الأرباح من العام الواحد معاً بدلالة نصوص المقام مثل صحيح علي بن مهزيار و عدّ جميعها في حكم ربح واحد، فلذا لم يفرّق من جهة تقدم الربح علي الخسران أو تأخره عنه. نعم لو خسر قبل عام الربح و لو من تجارة واحدة لا يجبر بربح السنة اللاحقة بلا كلام، بل إنما يجبر بربح تلك السنة السابقة.

الصورة الثالثة: ما إذا كان له مكاسب متعددة كالزراعة و التجارة و النجارة. فهل تجبر

خسارة بعضها بربح الآخر فقد قوّي صاحب العروة عدم الجبر حينئذ.

و الوجه فيه: عدم مانعية خسارة بعضها من صدق ربح الآخر عرفاً، بدعوي أنّ أهل العرف يرون كل كسب مستقلا عن الآخر في الخسارات و الأرباح فلا يرون خسارة بعضها مانعاً من صدق ربح بعضها الآخر.

و لكن مقتضي التحقيق في المقام جبران خسارة بعض التجارات بربح بعضها الآخر مطلقاً حتي في الصورة الأخيرة، كما ذهب إليه الماتن (قدّس سرّه).

أما الصورتان الأوليان فوجه الجبر واضح. و أما الأخيرة و هي ما إذا تعدد الكسب بأن اشتغل الشخص بالزراعة و التجارة و البناية مثلًا فوجهه أولًا: ظهور قوله (عليه السّلام)

فَامّا الْغَنٰائم و الْفوٰائد فَهِيَ وٰاجِبة عَلَيْهِمْ في كُلّ عام

، حيث دل بإطلاقه و بمقتضي صيغة الجمع علي احتساب خمس مجموع ما حصل من الفوائد و الأرباح في طول السنة من أيّ شغل و بأيّ وجه حصلت مرة واحدة. و مقتضي ذلك الكسر و الانكسار بين الخسارات و الأرباح الحاصلة من جميع المكاسب.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 201

______________________________

و ثانياً: أنّ جميع الخسارات و الأرباح و لو من مكاسب متعددة حاصلةٌ في سبيل تحصيل الربح و لا يصدق الربح علي ما بقي في نهاية السنة عند أهل العرف إلّا بعد جبر الخسارات الواردة في سبيل تحصيله، بلا فرق بين كون تلك الخسارات في كسب واحد أو مكاسب متعددة. و الحاصل أن أهل العرف لا يرون لتعدد الكسب خصوصية من هذه الجهة و لا يفرّقون بينها و بين الكسب الواحد في جبران الخسارات بالأرباح و الكسر و الانكسار بينهما عند احتساب الربح في نهاية السنة.

و عمدة الكلام في التفصيل بين تقدم الخسران علي الربح و بين عكسه كما أشرنا

إليه آنفاً إذ لا إشكال في جبران الخسارة اللاحقة بالربح المتقدمة في عام واحد لأجل ما بيّناه. و أما الخسران المتقدم علي ظهور الربح فربما يستشكل بأن الخسارة المتقدمة لا تُجبر عند أهل العرف بالربح اللاحق، حيث لا يرونها مانعاً من صدق الربح حينئذٍ و إنّما يرون الخسران مانعاً من صدق عنوان الربح إذا كان متأخراً عنه.

و لكن الماتن (قدّس سرّه) في راحة من هذا الاشكال فيما إذا كانت الخسارة المتقدمة عن الربح بعد الشروع في الكسب إذ جَعَل مبدأ السنة حين الشروع في الكسب و إنَّما يرد هذا الاشكال بناءً علي كون مبدئها من حين ظهور الربح إذ الخسارة تتقدّم حينئذٍ عن سنة الربح.

و التحقيق في المقام ابتناء المسألة علي ما ذهب إليه الماتن (قدّس سرّه) من التفصيل بين الأرباح التدريجية و غيرها من أن مبدأ السنة في النوع الأول حين الشروع في الكسب و في الثاني من حين ظهور الربح. و مقتضي التفصيل المزبور أن يحكم في المقام بجبر الخسارة المتقدمة عن الربح في النوع الأول دون الثاني.

هذا في الخسارات المتقدمة عن ظهور الربح، و أما الحادثة منها بعده في أثناء السنة فقد فصّل الماتن (قدّس سرّه) بين استقلال كل رأس مالٍ عن الآخر بأن جُعل لكل واحدٍ دفترٌ عليٰ حدة من غير ارتباط بعضه بالآخر من جهة الدخل و الخرج

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 202

______________________________

و المصارف و المحاسبات و بين تداخل بعضٍ منه في الآخر من الجهة المزبورة بأن تُجمع الأرباح الحاصلة من جميعها في مكان واحد و صرف ربح بعضها في مورد الآخر و جُعل لكل واحدٍ شعبة فينقل مجموع الأرباح الموجودة في تمام الشعب إلي الشبعة المركزية، ففي الصورة

الأولي يحسب الأرباح الحاصلة من كل تجارة مستقلا من دون أن تجبر بها خسارة تجارة اخري. و أما في الصورة الثانية يحسب مجموع الأرباح معاً و تجبر الخسارات الواردة في بعض التجارات بربح بعضها الآخر.

و الحاصل إن المعيار في الجبر عدم استقلال التجارات من الجهة المذكورة فكلّما إذا استقلّت في الدخل و الخرج و المحاسبة لا تجبر خسارة بعضها بربح الأخري. من دون دخل لاختلاف أنواع التجارات و لا اختلاف المشاغل.

و إنّ ما ذهب إليه السيد الماتن في المقام هو الأوجه و الأوفق بالقاعدة. و ذلك لأن الملاك في الجبر عند العرف مانعية الخسارة الواردة في بعض التجارات أو المشاغل عن صدق الربح في بعضها الآخر، فاذا لم تمنع عن صدق الربح في التجارة الأُخري بحيث لا يري العرف ارتباطاً بينهما. و إنما يكون ذلك بالاستقلال في الدخل و الخرج و الانفكاك في محاسبة أرباح كل واحدٍ منها لا باختلاف أنواع التجارات أو تعدد المشاغل.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 203

[حكم ما لو استغني عمّا ادَّخَره للمئونة]

مسألة 16 لو اشتري لمئونة سنته من أرباحه بعض الأشياء كالحنطة و الشعير و الدهن و الفحم و غير ذلك و زاد منها مقدار في آخر السنة يجب إخراج خمسه قليلًا كان أو كثيراً، أما لو اشتري فرشاً أو ظرفاً أو فرساً و نحوها مما ينتفع بها مع بقاء عينها فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها، إلا إذا خرجت عن مورد الحاجة، فيجب الخمس فيها علي الأحوط (1).

______________________________

حكم ما لو استغني عمّا ادَّخَره للمئونة

(1) إنّ ما يُحتاج اليه و يُصرف لإمرار المعاش فتارة: يستهلك عينه بالصرف في خلال السنة. و أُخري: لا تستهلك بل تبقي لسنين عديدة و ينتفع بها.

أما القسم الأول من المئونة: فلا

إشكال في استثناء ما استهلك منها، لأنّه المتيقن من المئونة المستثناة. و ذلك مثل الحنطة و الشعير و العدس و ساير الحبوبات بل و مطلق المأكولات. نعم يتعلق الخمس بما زاد عمّا استهلكه منها لأنّه غير معدود من المئونة. فلا وجه لاستثنائه بل تشمله إطلاقات وجوب الخمس في كل ربح و فائدة.

و أمّا القسم الثاني: و هو ما لا تنعدم عينه بالصرف، مثل الفرش و الأواني و الألبسة و الكتب و حُليّ النساء، فحكم الماتن (قدّس سرّه) بدخولها في الاستثناء و عدم وجوب الخمس فيها إلّا إذا حصل الاستغناء عنها، فاحتاط وجوباً بإخراج خمسها حينئذٍ.

و الوجه في ذلك: أنَّ عموم وجوب الخمس قد شمل جميع الأرباح و الفوائد الحاصلة في خلال السنة. و دليل الاستثناء إنّما يُخرج عن تحت هذا العموم خصوص ما اتصف من تلك الأرباح و الفوائد بمئونة السنة. و إن شئت فقل: إنّما خرج عن تحت عموم وجوب الخمس خصوص ما صرف من أرباح السنة في سبيل إمرار معاشه فكل ربح منها خرج عن كونه مئونةً ليس داخلًا في الاستثناء من أوّل الأمر. ففي المقام إذا حصل الاستغناءُ عن العين و خرجت عن كونها مئونةً لا وجه لعدم وجوب

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 204

______________________________

الخمس فيها، لفرض كونها من أرباح تلك السنة و دخولها في عموم وجوب الخمس و لخروجها عن تحت دليل الاستثناء بحصول الاستغناء عنها.

و قد يشكل علي ذلك بما حاصله: أنّ إطلاق الدليل الخاص و لو كان غير وضعي لابتنائه علي مقدمات الحكمة مقدَّمٌ علي عموم العام و لو كان وضعياً، نظراً إلي ما ثبت في محلّه من علم الأصول من قرينية الخاص عرفاً علي بيان المراد من العام.

ففي المقام قد أخرج دليل الاستثناء كلَّ ما اتصف من أرباح السنة بمئونة السنة عن تحت العام مطلقاً إلي الأبد، من دون تقيد بزمان. و لا يشمل العام ما خرج عن تحته بعنوان المئونة بعروض الاستغناء عنه. فإنّ دخوله فيه مجدداً بعد خروجه عنه بحصول الاستغناء يحتاج إلي الدليل. نعم لا يتوقف صدق عنوان مئونة السنة عرفاً علي صرف العين المنتفع بها إلي نهاية السنة. و من هنا لا إشكال في كون الألبسة الشتوية من المئونة مع عدم صرفها في تمام فصول السنة. و لكن المهم في المقام أنّ كلّ فرد من أرباح السنة اتصف بعنوان مئونة السنة بمعناها العرفي الواسع يخرج عن تحت عموم وجوب الخمس مطلقاً بلا اختصاص بحاله أو زمان معيّن. فإذا خرج فردٌ منها عن تحت العام ثم شككنا في دخوله تحته مجدداً لزوال وصف المئونة يكون المرجع إطلاق دليل الخاص كما أشرنا إليه من القاعدة الأصولية.

و يمكن الجواب عن هذا الإشكال: بأنّ ظاهر دخل وصف المئونة في الاستثناء دورانه مدار صدق عنوان المئونة حدوثاً و بقاءً و أنّ عنوانها حيثية تقييدية لا تعليلية. و عليه فالخارج عن تحت عموم وجوب الخمس هو ما اتصف من أرباح السنة بعنوان المئونة ما دامت مئونة سواء كانت مئونة السنة الأوليٰ فقط أو بقيت علي مؤونيتها في السنوات اللّاحقة. فما دام صدق عليه عنوان المئونة يشمله دليل الاستثناء. و إذا خرج عن عنوانها بحصول الاستغناء يشمله عموم وجوب الخمس من أوّل الأمر بمعني أنّ حصول الاستثناء كاشف عن دخوله تحت دليل العام من البداية.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 205

______________________________

و الحاصل: أنّ نطاق دليل الاستثناء مضيّق بوصف المئونة فلا يدلّ علي خروج الربح المتصف

بعنوان المئونة عن حكم سائر أرباح السنة مطلقاً. و أما قاعدة تقدم إطلاق الخاص علي عموم العام فإنها محكّمةٌ في فرض ثبوت الإطلاق لدليل الخاص و لا نسلّمه.

و لا يخفي أنّه يمكن أن يقال علي أساس ما سردناه: إنّه يُستثني من هذه الأعيان قدر ما استهلك من ماليتها بالاستعمال، لأنه المصروف في المئونة و عيله فالباقي منها بعد الاستغناء عنه لا بدّ من تخميسه بقيمته المتنزّلة علي أيّ حال.

و قد يستدلّ علي عدم وجوب الخمس عند الاستغناء بما حاصله: أنّ ما استثني من عموم وجوب الخمس هو مئونة السنة و المفروض كون الشي ء مورداً للحاجة في سنة الربح فلا يجب فيه الخمس. و إنه في غير سنة الربح من السنوات اللّاحقة و إن خرج عن عنوان المئونة و لكن حيث لا يكون فائدة جديدة بل كان من فوائد سنة الربح السابقة لا يحب فيه الخمس. و ذلك لأنّ في وجوب الخمس أخذ أمران: أحدهما أن يكون متعلقه من أرباح السنة، و الآخر: أن لا يكون مئونة سنة الربح، فينتفي وجوب الخمس بانتفاء أحدهما. و في المقام و لو كان المال من أرباح السنة و لكن لمّا كان من مئونة تلك السنة فمن هنا يدخل في الاستثناء. و أمّا في السنوات اللاحقة و إن لا يكون مئونة لفرض حصول الاستغناء عنه، و لكن لمّا كان من أرباح تلك السنة السابقة لا من أرباح السنوات اللّاحقة لا يشمله دليل وجوب الخمس. بعد خروجه عن تحته بعنوان المئونة.

و يمكن الجواب عنه بما سبق من أنّ ظاهر أخذ عنوان المئونة في بعدية الخمس عنه بقوله (عليه السّلام)

أَلْخُمْسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عيالِهِ «1»

دوران استثناء المئونة مدار صدق عنوانها حدوثاً

و بقاءً. فكما أنّ لصدق عنوان المئونة دخلًا في استثنائها

______________________________

(1) ض" الوسائل/ ج 6 ص 349 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 206

______________________________

عن الخمس حدوثاً فكذلك هو دخيلٌ فيه بقاءً. و عليه فيجوز استثناء المئونة ما دامت مئونةً. و لازم ذلك انتفاءُ الجواز عند عدم صدقها بحصول الاستغناء فيبقي الربح حينئذٍ في عقد المستثني منه كما كان. و في الحقيقة يرتفع المانع عن وجوب الخمس و لا حاجة إلي كونه فائدة جديدة بل يكفي لإثبات وجوبه نفس التشريع الأول.

بعبارة أُخري: ورد في المقام عامٌّ دل علي وجوب الخمس في جميع أرباح السنة و في قباله ورد دليل خاصّ دلّ علي استثناء مئونة السنة. و لا ريب أن الدليل الخاص قد أخرج من أرباح السنة ما كان من مئونتها عن تحت العام و كشف عن شموله لغير المئونة من أرباح تلك السنة. و عليه فاذا اتصف ربحٌ من أرباح تلك السنة بعنوان المئونة ثم ارتفعت الحاجة يكشف ذلك عن كونه تحت عموم العام بعد ارتفاع الحاجة من بداية حدوثه. و ذلك مثل ما لو ورد عموم «أكرم العلماء» ثمّ ورد المخصّص فأخرج العالم الفاسق عن عموم العام. فإذا كان زيد العالم مثلا فاسقاً في برهةٍ من عمره ثم صار عادلًا بعد مضيّ تلك المدّةَ فكيف يشمله عموم العام بلا إشكال؟ كذلك في المقام. فان العموم دل علي وجوب الخمس في جميع أرباح السنة. و قد دل الدليل الخاص علي عدم وجوب الخمس فيما كان مئونة السنة من هذه الأرباح فإذا خرج بعضها عن عنوان المئونة بحصول الاستغناء يكشف ذلك عن عدم خروجه عن تحت العام من البداية لفرض عدم دخوله تحت المخصص حال الاستغناء عنه

من أوّل الأمر. و أما خروجه عن تحت العام فلم يكن علي نحو الإطلاق بل كان مضيقاً و دائراً مدار صدق عنوان المئونة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ ما خرج عن تحت العالم هو مئونة السنة لا مئونة سنين أو ما دام العمر. و عليه فما كان من أرباح السنة مئونة لتلك السنة واجدٌ لملاك الاستثناء فيستثني من تشريع وجوب الخمس مطلقاً إلي الأبد.

و لكن يمكن الجواب عنه أولًا: بما قلنا من دوران الاستثناء مدار صدق عنوان

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 207

______________________________

المئونة حدوثاً و بقاءً و لازمه ارتفاع الاستثناء عند الاستغناء، فكأنّ لسان الدليل أنّه كلّما خرج ربح تلك السنة عن عنوان المئونة ينتفي الاستثناء و يدخل تحت عموم وجوب الخمس ما دام خروجه عن عنوان المئونة.

و ثانياً: بان قوله (عليه السّلام) في صحيح علي بن مهزيار الطويلة

فَأمّا الْغَنٰائِمُ وَ الْفَوٰائِدُ فَهِيَ وٰاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام

يشمل أيّ ربح و فائدة في أيّ عام لم يدفع خمسه قبله علي نحو القضية الحقيقية، سواءٌ حدث ذلك الربح في تلك السنة أم لا. و ذلك لأن المقصود من ذكر

كل عام

نفي وجوب الخمس عن كل أسبوع و شهر من دون نظرٍ إلي اعتبار حدوث الربح في كلّ عام يجب فيه الخمس. و إنّ عدم شمول دليل وجوب الخمس لربح من أرباح السنة السابقة لصدق عنوان المئونة و دخوله تحت دليل الاستثناء، لا ينافي شموله له في السنة اللّاحقة بعد ارتفاع المانع بخروجه عن المئونة. نظراً إلي أنّ عدم شمول عموم وجوب الخمس للمئونة ليس من باب قصور المقتضي للشمول بل من باب وجود المانع.

هذا كلّه في مئونة المعاش. و أما في مئونة التحصيل فلا يبعد القول باستثناء خصوص

المقدار المستهلك في سبيل الاسترباح من الأشياء التي تبقي أعيانها. و ذلك لأنّ ملاك استثناء مئونة التحصيل هو جبران الغرامة و الخسارة التي تحمّلها الشخص في سبيل تحصيل الربح، حيث لا يصدق عنوان الربح عرفاً إلّا علي ما زاد عمّا ذهب من كيس الرّابح لأجل تحصيل الربح. و عليه فمن اشتري في بداية السنة جرّاراً بمبلغ ثمانية آلاف تومان مثلًا لأجل الزراعة فربح في انتهاء السنة عشرة آلاف تومان، فأيّ مقدار نقص من قيمة الجرّار باستعماله فهو تحمّل الغرامة بنفس ذلك المقدار في سبيل الاسترباح. ففي المثال لو نقص من قيمة الجرّار ثلاثة آلاف تومان يكسر هذا المبلغ من عشرة آلاف، فهو استربح حينئذٍ في الحقيقة سبعة آلاف تومان. فلا يستثني منها تمام قيمة الجرّار، نظراً إلي كونه داخلًا في ملكه بماله من القيمة و لم يذهب تمام ما

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 208

______________________________

دفعه لشرائه من كيسه حتي يُجبر.

و السر في ابتناء استثناء مئونة التحصيل علي أساس جبران الغرامة و الخسارة التي تحمَّلها الرابح في سبيل الاسترباح هو صدق عنوان الربح عرفاً. و ذلك لأنّه المأخوذ في موضوع وجوب الخمس. كما يشهد علي ذلك قوله (عليه السّلام)

وَ حَرْثٌ بَعْدَ الْغَرامِ

في معتبرة يزيد بن إسحاق «1»، حيث إنّ الإمام (عليه السّلام) أجابه بذلك قبال سؤاله عن حدّ الفائدة و الربح. و من هنا يكون المقصود من قوله

الخمس بعد المئونة

هذا المعني المبتني علي أساس تحليل العرف.

و بهذا البيان قد اتضح دفع إشكال في المقام، حاصلُه أَنَّ تعبير

الخمس بعد المئونة

الوارد في مئونة الربح و قوله

بعد مئونته و مئونة عياله

الوارد في مئونة المعاش علي وزان واحد من دون فرق. فكيف يُفرَّق بينهما في المقصود بابتناء استثناء مئونة الربح

علي أساس جبران الغرامة و إخراج ما ذهب من كيسه، و ابتناء استثناء مئونة المعاش علي أساس الاحتياج إليها في الإعاشة.

وجه الاتضاح ما قلنا من كون استثناء مئونة التحصيل دخيلًا بنظر أهل العرف في صدق عنوان الربح بخلاف مئونة المعاش، حيث لا دخل لاستثنائها في صدق عنوان الربح. و عليه فلا يري أهل العرف استثناءَ مئونة التحصيل من قبيل استثناء مئونة المعاش و هذا الفهم العرفي هو الموجب للفرق بين الاستثناءين.

و يتفرع علي ذلك: أن مئونة تحصيل الربح تستثني من أرباح السنة مطلقاً، و لو كان زمان بذلها قبل الشروع في الكسب. بخلاف مئونة المعاش فلا تستثني إلّا ما صُرِف منها بعد الشروع في الكسب بل بعد ظهور الربح في بعض أنواع التجارات و المكاسب علي حسب ما سبق من التفصيل.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 209

[لو احتاج إلي دار مثلًا و لا يمكنه شراؤها إلا من أرباحه في سنين عديدة]

مسألة 17: إذا احتاج إلي دار لسكناه مثلًا و لا يمكنه شراؤها إلا من أرباحه في سنين عديدة فالأقوي أنه من المئونة إن اشتري في كل سنة بعض ما يحتاج إليه الدار، فاشتري في سنة أرضها مثلًا، و في اخري أحجارها، و في ثالثة أخشابها و هكذا، أو اشتري مثلًا أرضها و ادّي من سنين عديدة قيمتها إذا لم يمكنه إلا كذلك، و أما إبقاء الثمن في سنين للاشتراء فلا يعدّ من المئونة، فيجب إخراج خمسه، كما أن جمع صوف غنمه من سنين عديدة لفراشه اللازم أو لباسه إذا لم يمكنه بغير ذلك يعدّ من المئونة علي الأقوي، و كذلك اشتراء الجهيزية لصبيته من أرباح السنين المتعددة في كل سنة مقدارها يعدّ من المئونة لا إبقاء الأثمان للاشتراء (1).

______________________________

(1) و الوجه

في ذلك كلّه صدق عنوان المئونة عرفاً علي ما صُرف من الأثمان في شراء أجزاء ما يحتاج إليه من الدار و الثوب و الجهيزية. و ذلك لفرض عدم تمكنه من تهيئتها إلّا تدريجاً. و ما تمكّن من تهيئته في سنة ربحه يصدق عرفاً أنّه ممّا يحتاج إليه فيٌعَدّ الربح المصروف في سبيله من مئونته. و بناءً علي ما بينّاه فما جمعه تدريجاً من صوف أغنامه لفراشه أو لباسه يشكل عدّه من المئونة كما قوّاه الماتن (قدّس سرّه) حيث انه بنفسه من أرباح السنة و لا يصدق صرفه بمجرّد الادّخار. فهو نظير إبقاء سائر أرباح السنة من الأثمان و الأمتعة.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 210

[حكم ما لو مات المكتسب في أثناء الحول]

مسألة 18: لو مات في أثناء حول الربح سقط اعتبار إخراج مئونة بقية السنة علي فرض حياته، و يُخرج خمس ما فضل عن مئونته إلي زمان الموت (1).

مسألة 19: لو كان عنده مال آخر لا يجب فيه الخمس فالأقوي جواز إخراج المئونة من الربح خاصة و إن كان الأحوط التوزيع، فلو قام بمئونته غيره لوجوب أو تبرع لم تحسب المئونة، و وجب الخمس من جميع الربح (2).

______________________________

حكم ما لو مات المكتسب في أثناء الحول

(1) و ذلك لما سبق من أنّ الاعتبار في الاستثناء بالمئونة المصروفة في خلال سنة الربح لا المقدّرة منها. و عليه ففي المقام لا يستثني من ربح السنة إلّا المقدار المصروف منه في سبيل الإعاشة. و ما دامت الحياة، إذ لا مئونة بعد الموت بل هي سالبة بانتفاء الموضوع. و الإشكال بأن المستثني في لسان دليل الاستثناء هو مئونة السنة حسب ما استُظهر بمعونة القرينة، و ليست المئونة المصروفة قبل الموت إلّا مئونة بعض السنة واضح الدفع.

نظراً إلي كون التوقيت بكل عام في صحيح علي بن مهزيار من قبيل التحديد بأكثر زمان التأخير في أداء الخمس لغرض تجويز صرف الربح في المئونة إرفاقاً بالرابح. و إلّا فلا إشكال في صدق عنوان المئونة المأخوذ في موضوع دليل الاستثناء علي مئونة بعض أيام السنة و لو كان يوماً واحداً.

[جواز إخراج المئونة من ربح السنة مع وجود مال آخر]

جواز إخراج المئونة من ربح السنة مع وجود مال آخر

(2) لا ريب في جواز إخراج المئونة من الربح المتعلق للخمس إذا لم يكن له مال آخر غيره. و إنما الكلام فيما إذا كان له مال آخر غير ما تعلق به الخمس. فهل يجوز له حينئذٍ إخراج مئونة السنة من أرباحها أو لا يجوز بل يجب إخراجها من

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 211

______________________________

سائر أمواله ممّا لم يتعلق به الخمس أو يوزّع بينهما بالنسبة؟ أقوال، أقواها الأوّل.

و استدل علي التوزيع بأنه مقتضي قاعدة العدل و الإنصاف. و فيه: أنه مع دلالة النص المعتبر علي جواز استثناء المئونة من متعلق الخمس لا يكون الاستثناءُ خلاف العدل و الإنصاف فلا تصل النوبة إلي هذه القاعدة حينئذٍ، مضافاً إلي عدم اقتضائها التوزيع في المقام بل تقتضي عدم جواز إخراجها من الربح و ذلك لأن الذي يحتاج إلي المئونة و ينتفع بها لمعاشه هو الشخص المكلف لا أرباب الخمس. و عليه فمقتضي الإنصاف أن يأخذه من ملك شخصه لا من الربح المتعلق للخمس المشترك بينه و بين أرباب الخمس ليورد الضرر عليهم بذلك.

و استدل علي عدم جواز إخراجها من الربح المتعلّق للخمس أوّلًا: بضعف سند النصوص الدالّة علي جوازه. و ثانياً: بانصرافها إلي صورة الحاجة إلي خصوص الربح المتعلق للخمس.

و فيه: أنه لا إشكال في سند بعض هذه النصوص،

مثل صحيح علي بن مهزيار؛ قال: كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني: أقرأني عليُّ كتاب أبيك فيما أوجبه علي أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المئونة أنّه ليس علي من لم يقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب علي الضياع الخمس بعد المئونة، مئونة الضيعة و خراجها لا مئونة الرجل و عياله. فكتب (عليه السّلام) و قرأه علي بن مهزيار

عَلَيْهِ الْخُمْسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عيالِهِ وَ بَعْدَ خَرٰاجِ السُّلْطٰانِ «1».

و أما دعوي الانصراف إلي صورة الحاجة إلي خصوص الربح المتعلق للخمس و أنّه لا حاجة إلي خصوصه مع وجود مال آخر لارتفاع الحاجة بإخراج المئونة من ذلك المال أيضاً. فممنوعة، لأنّ ظاهر الصحيح المزبور مطلق الحاجة إلي صرف

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 349 ب 8 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 212

______________________________

المئونة، سواءٌ وُجِدَ مال آخر أم لا، كما هو المرتكز قطعاً في أذهان هٰؤلاء الذين كانوا يفسّرون المئونة بمئونة الكسب دون المعاش في مكاتبة الهمداني. فالأقويٰ جواز إخراج المئونة من الربح المتعلق للخمس مطلقاً سواءٌ كان له مال آخر أم لا. و لكن لا يبعد دعوي الانصراف جدّاً و ذلك لظهور قوله (عليه السّلام)

عَلَيْهِ الْخُمْسِ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عيالِه «1»

في وحدة ما يخرج منه الخمس و ما يخرج منه المئونة و إن شئت فعبّر وحدة متعلق الخمس و ما يستثني منه المئونة. يعني يخرج الخمس من أرباح السنة بعد إخراج المئونة منها. و السر في ذلك أن الرّابح ربما يحتاج لإعاشته في سنة الربح إلي أرباح تلك السنة فأجازه الشارع أن يأخذ قدر حاجته من هذه الأرباح. و من البديهي

أن الرابح لا يحتاج إليها. مع وجود مال آخر له غير متعلق الخمس حتي يجوز له أخذ مئونته منها.

هذا مضافاً إلي ان إخراج المئونة من الربح المتعلق للخمس المشترك بينه و بين أرباب الخمس مع وجود مال آخر لشخصه غير متعلق الخمس إجحاف في حق أرباب الخمس و إضرارٌ بهم و خلاف مقتضي الإنصاف. و إن قاعدة العدل و الإنصاف بالمعني العام قد استقر عليها سيرة العقلاء كما سيأتي بيانها في مسائل المال المختلط بالحرام ضمن الاستدلال علي ضمان مالية الحرام بإتلافه. مع أنّ مقتضي القاعدة في المقام عدم الجواز نظراً إلي تعيُّن الرجوع إلي عمومات وجوب الخمس عند إجمال المخصّص.

و الحاصل: أنّ الأحوط وجوباً إخراج المئونة في فرض المقام من مال آخر.

هذا كلّه في مئونة الإعاشة. و أمّا مئونة تحصيل الربح فلا كلام في احتسابها و أخذها من أرباح السنة مطلقاً و لو كان له مال آخر، حيث لا يصدق الربح عرفاً إلّا علي ما زاد عمّا ذهب من كيسه في سبيل تحصيل الربح. و عليه فمن صرف ألف تومان

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 349 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 213

مسألة 20: لو استقرض في ابتداء سنته لمئونته أو اشتري بعض ما يحتاج إليه في الذمة أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح (1).

______________________________

لتحصيل الربح و حصل له في انتهاء السنة ألفان تومان، لا يقال عرفاً: إنه ربح ألفين تومان بل يقال: إنّه ربح في الواقع ألف تومان. و ذلك لعدم احتسابهم المبلغ المعادل لما ذهب من كيسه لأجل تحصيل الربح منه. و من هنا يكون مقتضي القاعدة جواز إخراج مئونة التحصيل من الربح

مطلقاً، و لو كان له مال آخر غير متعلق الخمس. كما تُخرج غالباً من سائر أمواله غير أرباح السنة حيث لا يحصل ربحٌ بداية شروعه في الكسب بل إنّما يظهر في أثناءِه. فربما يصرف الربح الحاصل في أثناءِه لتحصيل الربح الجديد. فعلي أيّ حال لا إشكال في استثناءِ مئونة التحصيل من أرباح السنة مطلقاً.

[حكم الاستقراض في أثناء السنة]

حكم الاستقراض في أثناء السنة

(1) قد يكون الاستقراض لأجل تحصيل الربح و في سبيل الاكتساب. كأن يستقرض مبلغاً ليتَّجر به أو يصرفه لحفظ مال التجارة أو حمله، فلا كلام في استثناءِ هذا النوع من الدين، سواءٌ أدّاه في أثناء السنة أم لم يؤَدِّه. فلو أدّاه يجوز له وضع مقداره من ربح السنة. و سواءٌ كان معجّلًا حلّ وقت أَداءِه أم كان مؤجّلًا لم يُحلّ وقته. و الوجه في ذلك ما قلناه مراراً من عدم صدق الربح عرفاً علي ما حصل له في انتهاء السنة قبل استثناءِ ما ذهب من كيسه في سبيل الاسترباح.

نعم لو كان الدين ممّا استقرضه للاسترباح في السنة السابقة فلم يؤَدّه و بقي في ذمته لا يجوز استثناؤُه من ربح السنة اللاحقة الفعلية. حيث إنّ عدم استثنائه حينئذٍ لا يضرّ بصدق ربح السنة بل يرتبط بتلك الأرباح السابقة فيستثني منها. إلّا إذا لم

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 214

______________________________

يستربح في تلك السنة الماضية فبقي الدين في عهدته من دون ربح ليدفعه به. فحينئذٍ يكون أداؤه من حوائجه التي يجوز تأمينها من ربح السنة اللاحقة كسائر مئونات سنته.

أخري: يكون الاستقراض لتأمين معاش نفسه و عياله. و هذا هو محل الكلام و البحث في المقام. فنقول:

تارةً: يكون استقراضه لأجل مئونة سنة الربح و أخري: يكون لمئونة غيرها من السنوات السابقة

بأن استقرضه لمئونته فيها و لم يتمكن من أدائه فبقي في ذمته إلي انتهاءِ السنة اللاحقة.

و في الفرض الأول فتارة: يكون الاستقراض في ابتداء السنة قبل ظهور الربح و أخري: في أثنائها بعد ظهور الربح. و إن مقصود الماتن (قدّس سرّه) هو الصورة الأُولي من هذا الفرض أعني به ما إذا استقرض لمعاش سنته في ابتدائها قبل ظهور الربح نظراً إلي وضوح جواز استثناء الدين المستقرض في أثناءِ السنة بعد ظهور الربح لأنه المتيقن من المئونة المستثناة في نصوص المقام.

فيبقي الكلام في مقامين أحدهما: ما لو استقرض لمئونة سنة الربح في بدايتها قبل ظهور الربح. و الآخر: ما لو كان الاستقراض لمئونة السنة السابقة و بقي الدين في ذمته.

أمّا المقام الأول: فقد حكم الماتن (قدّس سرّه) بجواز استثناء ما استقرضه في ابتداء السنة. و إن مقصوده من ذلك حين الشروع في الكسب في مطلق الأرباح. فهو (قدّس سرّه) حكم هنا باستثناء ما استقرضه الرابح بداية الشروع في الكسب مطلقاً من دون تفصيل بين أنواع الربح. و لكن مقتضي ما سبق منه (قدّس سرّه) من التفصيل بين الأرباح التدريجية و غيرها، في تعيين مبدأ السنة أن يفصل في المقام أيضاً. و عليه فنقول:

إنّ في الأرباح التدريجية لا إشكال في استثناء ما استقرضه لمئونة سنته من حين الشروع في الكسب و لو قبل ظهور الربح-، لأنه رأس السنة في هذه الأرباح.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 215

______________________________

و أمّا غيرها ممّا كان الشروع في اكتسابه لأجل تحصيل مئونة السنة الآتية كالزراعة و الفلاحة و نحو ذلك فلا يجوز استثناء ما استقرضه للمئونة من حين شروعه في الكسب. و قد سبق وجه هذا التفصيل في المسألة العاشرة فلا نعيده.

و

أمّا المقام الثاني: فظاهر الماتن (قدّس سرّه) عدم جواز استثنائه. و الوجه فيه ظاهراً أنّ مال القرض في هذا الفرض قد صرف في مئونة السنة السابقة قبل حلول سنة الربح و لا يكون من مئونة سنة الربح. هذا و لكن لا يبعد القول بكونه من مئونة سنة الربح فيما إذا لم يتمكن من أدائه من غير ربح السنة بحيث توقف أداؤه علي عدم دفع الخمس. و ذلك مثل من استقرض لتأمين مئونة السنة السابقة مأة ألف تومان و لم يتمكن من أدائه فبقي في ذمته إلي أن ربح في السنة اللّاحقة مأة ألف تومان، و فرضنا حصول وقت أداء دينه بحيث لا مهلة له أكثر من أسبوع أو أسبوعين بعد انتهاء سنته و ليس له مال آخر غير هذا الربح أنّه لو يخمّس ربح سنته لا يقدر علي أداء دينه لفرض عدم مالٍ آخر له غير ربح السنة. فحينئذٍ لا يشك أهل العرف في كون هذا الربح من مئونته الفعلية و لو لم يصرفه في أداءِ الدين بعدُ، نظراً إلي كونه ثقلًا عليه فعلًا. و أنّ ملاك فعلية المئونة هو الاحتياج الواقعي و البناءُ علي صرفه و هو حاصل في المقام.

و أمّا لو أدّاه من ربح السنة في أثنائها فلا إشكال في جواز استثنائه، نظراً إلي صدق كون نفس أداءِ الدين مما يحتاج إليه في سنته لا سيّما إذا كانت سنة الربح وقت أدائه فإنّ عنوان المئونة حينئذٍ يصدق علي نفس أداء الدين. و هذا بخلاف ما إذا لم يؤدّه في أثناء السنة. فإذا أدّي دين السّنوات السابقة في عام الربح يُعَدّ من مئونته عرفاً لا من مئونة تلك السّنوات.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص:

216

[أداء الدين من المئونة]

مسألة 21: الدين الحاصل قهراً مثل قيم المتلفات و أروش الجنايات و يلحق بها النذور و الكفارات يكون أداؤه في كل سنة من مئونة تلك السنة فيوضع من فوائدها و أرباحها كسائر المؤن، و كذا الحاصل بالاستقراض و النسيئة و غير ذلك إن كان لأجل مئونة السنوات السابقة إذا أدّاه في سنة الربح، فإنه من المئونة علي الأقوي (1) خصوصاً إذا كانت تلك السنة وقت أدائه.

______________________________

أداء الدين من المئونة

(1) أنّ اشتغال الذمة بالدين تارة: يكون في سنة الربح و أخري: يكون من السنوات السابقة. و علي الأوّل؛ فتارة: يثبت في الذمّة قبل ظهور الربح و أخري: بعده، كما أنه علي أيّ حال قد يكون للمئونة و أُخري لغيرها من المصارف. و في كل صورة قد يكون ما استدان له مما تتلف عينه و تنعدم بالصرف و قد يكون ممّا لا تنعدم عينه بل تبقي إلي نهاية السنة. فمجموع الصور اثنا عشر.

و إنّ عمدة الكلام في صورتين، إحداهما: ما لو كان الدين ثابتاً من السنوات السابقة، و الآخر ما لو تعلّق بالذمة في سنة الربح بعد ظهوره فنبحث عن هاتين الصورتين بأقسامهما الثمانية. و أما صورة تعلّقه قبل ظهوره في سنة الربح فيأتي فيه التفصيل السابق بين الأرباح التدريجية و غيرها. ففي النوع الأوّل يلحق بالدين المتأخّر عن الربح و في القسم الثاني يترتب عليه حكم دين السنوات السابقة.

و عليه فنصرف عنان البحث إلي تلكما الصورتين و نقدّم الكلام في دينٍ تعلق بالذمة بعد ظهور الربح في سنته. فنقول: أمّا إذا استدان لمئونة سنته فلا إشكال في جواز استثنائه من الربح مطلقاً، سواءٌ أدّاه قبل انتهاء السنة أم لا و سواءٌ بقيت عين ما استدان

له أم لم تبق.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 217

______________________________

و أمّا إذا أدّاه قبل انتهاء السنة فواضح، نظراً إلي كون أداءِ الدين بنفسه من أبرز مصاديق المئونة، و لا سيّما إذا كانت الاستدانة لمئونة السنة فإنه المتيقن من المئونة المستثناة من دون فرقٍ بين أن يبقي ما استدانه أم لا، لوضوح عدم كون بقائه حينئذ مانعاً عن صدق عنوان المئونة علي الربح المصروف في أداءِ الدين.

و أما إذا لم يؤدّه فقد استُدلّ علي استثنائه بوجهين.

أحدهما: ما استدلّ به بعض الأعلام من أنّ العقلاء في محاسبة الربح و الخسران إنّما يلاحظون مجموع الأرباح الحاصلة و ما ذهب من كيس الرابح في خلال السنة. فلو زاد علي رأس المال في انتهائها بعد الكسر و الانكسار شي ءٌ من المال لم يصرف في المئونة فهو الربح عندهم و إلّا فلا. فإنّهم لا يعتبرون ما كان من الربح بإزاء الدين الذي استدانه لمئونة ربحاً حقيقةً. و انّما يطلقون عليه عنوان الربح تسامحاً و صورة، بحيث لو سُئل الشخص؛ هل ربحت واقعاً لكان جوابه منفياً عند الالتفات إلي ما ذهب من كيسه لأجل الاستدانة. و لو فرض صدق الربح بنحو من العناية، فلا إشكال في عدم صدق فاضل المئونة الذي هو موضوع وجوب الخمس.

و فيه: أنه لو كان كسر ما ذهب من كيسه لأجل مئونة السنة معتبراً في صدق عنوان الربح عند العرف، و كان سيرة العقلاء جارية علي الكسر و الانكسار بين مجموع الأرباح الحاصلة و بين المصروف منها للمئونة خلال السنة في إطلاق الربح، لم يحتج إثبات جواز استثناء مئونة السنة إلي الاستدلال بالنصوص الواردة في المقام. بل لكان ثابتاً بمقتضي القاعدة كما في مئونة التحصيل. و الحال أنّ

هذا المستدل تمسك لإثبات جواز استثنائها بالنصوص و قال بعدم جريان القاعدة في المقام. و بذلك فرَّق بين مئونة التحصيل و بين مئونة السنة.

و الحق في المقام: أنّ ما صُرف من الربح في مئونة السنة لا دخل له في صدق ربح السنة عرفاً. بل إنّ أهل العرف يفكّكون بين إطلاق ربح السنة و بين إطلاق

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 218

______________________________

مئونتها. فهذا الوجه غير متين.

و ثانيهما: أنّ بنفس الاستدانة لأجل تأمين مئونة السنة يصدق صرف الربح في المئونة لأنّه في حكم شراء ما يحتاج إليه للاعاشة. حيث إن أهل العرف لا يفرّقون في إطلاق صرف الربح في المئونة بين شرائها بعين الربح و بين شرائها بالاستدانة، بل حتي لو اشتراه من مال آخر موجود عنده غير ربح السنة يصدق صرفه في سبيل مئونة السنة بلا إشكال. و هذا الوجه متين لا غبار عليه. نعم يعتبر حينئذٍ صرف ما استدانه في المئونة. فما لم يصرفه فيها لا يجوز استثناؤه، لوضوح عدم صدق المئونة عليه حينئذٍ عرفاً.

و أما إذا كان الدين ثابتاً في ذمته لمئونة السنوات السابقة فمقتضي التحقيق أن يفصّل بين ما لو أدّاه في سنة الربح، فيحسب من المئونة و يستثني من ربح السنة و بين ما لو لم يؤدّه إلي أن ينقضي عام الربح فيحكم بعدم استثنائه من الربح. و الوجه في هذا التفصيل صدق صرف الربح في مئونة السنة علي الأول دون الثاني. و ذلك لأن أداءَ الدين بنفسه يحسب مئونةً عند أهل العرف مطلقاً، سواءٌ كان منشأه الاستدانة لمئونة السنة أو لمئونة السنوات السابقة. و إنّما الفرق بينهما أنّ ما استدانه لمئونة السنة بنفسه مصداق لصرف الربح في مئونة السنة سواءٌ أدّي

الدين في أثناء السنة أم لم يؤدّه. بخلاف ما استدانه لمئونة السنوات السابقة. فإنّ الاستدانة و إن كان بنفسه من قبيل صرف الربح في المئونة، إلّا أنه قد صرف في مئونة السنوات السابقة لا مئونة السنة التي هي موضوع الاستثناء من التخميس. نعم أداؤه في أثناء السنة يكون بنفسه من مئونة السنة عرفاً، بل هو من أبرز مصاديق ما يحتاج إليه في خلال السنة.

و الحاصل: أنّ المقصود من كون الدين بنفسه من المئونة أنّ صرف الدين الذي استدانه في المئونة، في حكم صرف الربح فيها. و ذلك لذهاب الربح المعادل للدين من كيسه نظراً إلي كونه بإزائه مديوناً. من هنا لا فرق بين ما لو استدانه لمئونة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 219

______________________________

السنوات السابقة و بين ما استدانه لسنة الربح من هذه الجهة. إلّا أنّ صرف الدين في مئونة السنوات السابقة في حكم صرف ربح تلك السنوات الماضية دون ربح السنة اللّاحقة. و لذلك لم يأذنه الشارع احتساب ذلك الدين من ربح هذه السنة. و هذا بخلاف ما استدانه لمئونة السنة اللاحقة فإنّ صرف الدين لمئونتها بنفسه صرف ربحها في مئونتها. و لأجل ذلك يكون مأذوناً في احتسابه من مئونتها فيستثنيه من مجموع أرباح سنته قبل التخميس.

و أمّا ما استدانه لغير المئونة، فتارة: يبقي إلي نهاية السنة و أُخري: يتلف. فلو كان موجوداً يستثني من قيمته المقدار المعادل للدين ثم يُخمّس القدر الزائد منها في صورة ترقّي القيمة، إذ لا ربح له بالنسبة إلي معادل الدين لعدم كونه فائدةً عائدة إليه، بل ذهب من كيسه نظراً إلي كونه مديوناً بإزائه. نعم، لا إشكال في صدق الربح علي القدر الزائد منه. كما لا ريب في صدق

الربح علي تمام ما اشتراه بالاستدانة لغير المئونة بعد أداء الدين. و أما إذا لم يبق إلي نهاية السنة و تلف قبل انقضائها فلو أدي الدين فقد يقال بجواز استثنائه نظراً إلي كون أداء الدين مئونةً عرفاً، بل يكون تفريغ الذمة عن الدين من أظهر مصاديق الاحتياج. و لكنه غير وجيه. و ذلك لأن المقصود من المئونة المستثناة هو مئونة المعاش. و لا يكون أداءُ الدين المستقرض لغير المئونة منها عرفاً.

و أمّا إذا لم يؤد الدين و لكن تلف ما اشتراه بالاستدانة قبل انقضاء سنة الربح. فهل يستثني كما يستثني الدين المستقرض للمئونة أم لٰا؟ فيه إشكالٌ.

إطلاق كلام السيد الماتن (قدّس سرّه) عدم جواز استثناء الدين حينئذٍ. و ذلك لأن مجوّز الاستثناء إمّا هو عدم صدق الربح لما يري العرف من الكسر و الانكسار بين الأرباح الحاصلة و الخسارات الحادثة في أثناء السنة و هذا مختصٌّ بمئونة الكسب عند أهل العرف. أو هو دليل الاستثناء الوارد في مئونة السنة و إنّ تلف ما اشتراه بالاستدانة في المقام لا يكون من قبيل واحدٍ منهما. فلا وجه لاستثنائه.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 220

______________________________

و قد يقال: إنّ هذا الكلام يشكل الارتضاءُ به لأنه مديون بالأخرة بإزاء العين التالفة، و هذا المبلغ ذاهبٌ من كيسه علي أيّ حالٍ و لا يراه أهل العرف ربحاً عائداً إليه في انتهاء السنة، فكيف يصدق عنوان الربح إذا ارتفعت القيمة يجب تخميسه؟ فكذلك الخسارات الحاصلة من تلفه يمنع عن صدق الربح. و هذا نظير ما إذا ربح في بعض تجاراته و خسر من ناحية بعضها الآخر، فكيف هناك يلاحظ مجموع ما عاد اليه من الأرباح في نهاية السنة بعد الكسر و الانكسار؟

فكذلك في المقام.

و فيه: أنّا لانسلّم الكسر و الانكسار بين الأرباح و الخسارات في جميع الموارد عند أهل العرف. بل إنّهم يلاحظون ذلك في خصوص الأرباح و الخسارات الحاصلة في سبيل الاكتساب و التجارة. و من هنا قلنا إنّ استثنائها مقتضي القاعدة، و إنّ ارتفاع قيمة ما اشتراه بالاستدانة و إن كان ربحاً بعد أداءِ الدين. و لكنه بلحاظ كونه بتمامه ربحاً كسائر أرباح السنة، لوضوح عدم انحصارها في النقود بل تكون غالباً من الأمتعة و الأجناس، كما هو دأب التجار من تبديل الأرباح في المبادلات. و لكنّه لا يستلزم كون الخسارة الناشئة من تلفها مانعة عن صدق عنوان الربح إلّا أن تتلف في سبيل الاتجار و الاسترباح، فيأتي حينئذٍ ما يراه العرف من الكسر و الانكسار. و أما إذا لم يكن التصرف في الأرباح لذلك و لا لمئونة السنة و تلف الربح فهو ضامن علي القاعدة. لأن الفرض تعلق الخمس بالربح من حين ظهوره و كونه مشتركاً بينه و بين أرباب الخمس فهو ضامن لخمسة إلّا المصروف منه في ما قام الدليل علي استثنائه و المفروض عدم كون المقام من ذلك.

و اتضح مما ذكرناه أنّ ما استدانه لغير المئونة لا يجوز استثناؤُه إذا كان ما اشتراه بمال القرض موجوداً مطلقاً، سواءٌ أدّاه في خلال السنة أم لم يؤدّه. و ذلك لفرض وجود ما بإزائه من الربح و لكون ما اشتراه بنفسه ربحاً متعلقاً للخمس كسائر أرباح السنة. و أمّا لو تلف قبل انتهاء السنة ففي جواز استثناءِ الدين إذا أدّاه في خلالها

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 221

و أما الدين الحاصل من الاستقراض عن ولي الأمر من مال الخمس المعبّر عنه ب «دستگردان» فلا

يعدّ من المئونة حتي لو أداه في سنة الربح، أو كان زمان أدائه في تلك السنة و أداه، بل يجب تخميس الجميع ثم أداؤه من المخمّس أو أداؤه و احتسابه حين أداء الخمس و ردّ خمسه (1).

______________________________

إشكال. كما قلنا آنفاً إلّا إذا لم يكن له مال غير ربح السنة و أدّاه منه فيجوز استثناؤه لكون أداء الدين بنفسه حينئذٍ من المئونة عرفاً. و أمّا لو لم يؤدّه ففي جواز استثنائه إشكال لما قلناه آنفاً.

لا يقال: إن أداء الدين في صورة وجود ما اشتراه بالاستدانة أيضاً بنفسه من قبيل صرف الربح في المئونة نظراً إلي كونه مما يحتاج إليه عرفاً.

فإنه يقال: إن أداءَ الدين من قبيل صرف الربح في المئونة إذا لم يحصل له بإزاء صرف ما استدانه ربحٌ، بأن أكله أو سافر به و نحو ذلك من المصارف الموجبة لذهاب ما استدانه من كيسه. بخلاف المقام، لفرض أنّه اشتري بما استدانه فرساً فكأنّه اشتراه من ربح سنته. فكيف هناك لم يذهب الربح من كيسه بل تبدَّل من النقد إلي السلعة، فكذلك في المقام. فلم يذهب بأداءِ الدين ربحٌ من كيسه، بل إنما تبدّل إلي ما اشتراه بالاستدانة، من فرس أو سيّارة أو نحو ذلك من الأمتعة. فاتضح بذلك أن أداء الدين إذا كان ما بإزائه من المال المشتري موجوداً كالمقام لا يكون من قبيل صرف الربح في المئونة.

و قد اتضح مما قلنا حكم النذور و الكفارات أيضاً. لأنّها من المئونة فأداء الدين المستدان لها في حكمها علي التفصيل السابق بلا فرق.

(1) إنّ الاستقراض عن وليّ الأمر يمكن أن يكون علي نحوين:

أحدهما: أن يستقرض المكلّف بالخمس مقداره من الحاكم بعد دفعه بتمامه إلي

دليل تحرير الوسيلة -

الخمس، ص: 222

______________________________

الحاكم. كأن يدفع مأة ألف تومان إلي الفقيه بعنوان الخمس ثم يستقرض منه مأة ألف تومان. فحينئذ ينتقل المبلغ المذكور إلي ذمته بالمآل فيصير مديوناً.

ثانيهما: أن لا يكون تمام الخمس موجوداً عنده، فيدفع منه المقدار الموجود عنده إلي الحاكم فيقبل منه ذلك المقدار ثم يقرضه إيّاه. ثم يدفع المكلّف ذلك المبلغ الذي اقترضه من الحاكم إليه مجدّداً بعنوان الخمس فيقرضه الحاكم ثانياً و هكذا إلي أن يدفع بهذا المنوال تمام الخمس إلي الحاكم. و في هذه الصورة أيضاً ينتقل جميع المبلغ الذي اقترضه من الحاكم إلي ذمّته فيصير مديوناً. كما إذا تعلّق مأة ألف تومان من الخمس بماله و لكن الموجود عنده عشرة آلاف تومان فيدفعها إلي الحاكم بعنوان الخمس ثم يقترض هذا المبلغ منه ثم يدفعه إليه مجدداً بعنوان الخمس و هكذا إلي أن يبلغ إلي مأة ألف تومان، فبالمآل يصير المكلّف مديوناً بمبلغ تسعين ألف تومان إلي الحاكم.

و لا إشكال أنّ مقصود المصنف هو النوع الثاني من الاستقراض لا الأوّل. و ذلك لأن النوع الأول في حكم أيّ دين مستقرَضٍ من غير الحاكم. فإذا كان استقراضه لمئونة سنة الربح يكون من المئونة مطلقاً و إذا كان لمئونة السنوات السابقة يكون من المئونة لو أدّاه قبل انتهاء سنة الربح. و هذا بخلاف النوع الثاني، حيث إنه قد صُرف في أداء الخمس فلا يكون من المئونة مطلقاً. و من هنا يلائم إطلاق كلام الماتن (قدّس سرّه) في عدم كون الاستقراض عن وليّ الأمر من المئونة مطلقاً. و وجهه واضح حيث إنه لا إلزام علي المكلّف شرعاً أن يستقرض من الحاكم شيئاً عند عدم التمكن من أداء تمام الخمس بل هو مجاز من أوّل

الأمر أن يؤخّر دفعه إلي زمان التمكن. و عليه فلا يكون من قبيل الدين القهري و لا من المئونة حتّي يشمله دليل الاستثناء.

ثم إن في المقام نوعاً ثالثاً من «دستگردان» قد أشار إليه في العروة المسألة الثالثة عشر من بقية أحكام الزكاة و هو أن يردّ المستحق أو الفقيه مقداراً من الزكاة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 223

مسألة 22: لو استطاع في عام الربح فإن مشي إلي الحج في تلك السنة يكون مصارفه من المئونة، و إذا أخّر لعذر أو عصياناً يجب إخراج خمسه، و لو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة وجب الخمس فيما سبق علي عام الاستطاعة. و أما المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا خمس فيه لو صرفه في المشي إلي الحج (1)، و قد مرّ جواز صرف ربح السنة في المئونة و لا يجب التوزيع بينه و بين غيره مما لا يجب فيه الخمس، فيجوز صرف جميع ربح سنته في مصارف الحج و إبقاء أرباح السنوات السابقة المخمّسة لنفسه.

______________________________

أو كلَّه إلي الدافع بعد أخذه عطيةً أو هبةً. و قد أشكل عليه صاحب العروة بأنّ ذلك تفويت حق الفقراء و أرباب الخمس، إلّا أن يريد المكلّف بالزكاة أو الخمس بعد التوبة التخلُّص من الوزر و لم يتمكَّن من أداء ما في ذمته من الخمس أو الزكاة. فذاكئذ يجوز ذلك للمستحق أو الحاكم، نظراً إلي أنّ هذا المكلّف المعسر من المسلمين و لا ريب في كون رفع حاجته من مصالح المسلمين. سيأتي البحث عن ذلك في قسمة الخمس. و أما في غير هذا المورد فهو حيلة مخالفة لغرض تشريع الخمس و لا يخلو من إشكال.

[مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة]

مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة

(1) إنّ

في المقام صوراً للمسألة:

الأولي: ما إذا استطاع أثناءَ سنة الربح و تمكّن من المسير و أتي بفريضة الحجّ. فلا خلاف و لا إشكال حينئذٍ في احتساب مخارجه من ربح السنة و استثنائها منه.

الثانية: ما إذا لم يتمكن من المسير بعد حصول الاستطاعة في أثناء سنة الربح حتي انقضي العام. فحينئذٍ لو علم من قبل بزوال المانع و تمكنه من المسير و لو بعد عام الاستطاعة يجب عليه حفظ ماله و يحتسب مخارج حجّه من ربح سنة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 224

______________________________

الاستطاعة و تكون من المئونة المستثناة. و إلّا فلا تحتسب منه و يجب فيها الخمس. و ذلك لوضوح أنّ عدم تمكنه من المسير كاشف عن عدم وجوب الحجّ، فلا مئونة في البين حتي تستثني بل يحب عليه تخميس ما حصل له من الأرباح في سنة الاستطاعة.

ثالثها: ما لو عَصيٰ و لم يأت بالحج الواجب حتي انقضيٰ العام فهل يجب تخميس أرباح عام الاستطاعة حينئذٍ أم لٰا؟ فاحتاط صاحب العروة (قدّس سرّه) وجوباً بإخراج خمسها. و لكن الماتن (قدّس سرّه) أفتي بوجوبه و هو الأقويٰ. و ذلك لأن هذه الصورة في حكم التقتير، نظراً إلي اعتبار الصرف الفعلي في استثناءِ مئونة السنة، و المفروض عدم صرف الربح فيها في كلا الموردين.

و قد وُجّه الفرق بينهما بما حاصله: أن الربح لم يكن صرفه واجباً هناك، بخلاف المقام حيث يجب صرف الربح في سبيل الإتيان بفريضة الحج. و إنّه لمّا لم يصرفه في العمل بالوظيفة الشرعية فكأنّه صار ديناً في ذمّته، فيجب عليه أداؤُه في أوّل وقت الإمكان. و لكن هذا ليس فارقاً عندنا لما سبق من كون الدين المستقرّ عليه لمئونة السنوات السابقة لا يكون من

المئونة لمجرّد استقراره في الذمة بل إنّما يكون بأدائه في أثناءِ سنة الربح من مؤنتها. و ذلك لا لأخذ الصرف الفعلي الخارجي في صدق عنوان المئونة لغة أو عرفاً بل لأنّ المأخوذ في موضوع دليل الاستثناء هو المئونة المصروفة من ربح السنة بقرينة البعدية في قوله (عليه السّلام)

عليه الخمس بعد مئونته …

رابعها: ما لو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة. بأن اكتسب بعض المال من السنوات السابقة و بعضه الآخر في سنة الربح فحصلت به الاستطاعة. أمّا ما حصّله في السنوات السابقة فلا إشكال في وجوب تخميسه حيث كان تخميسه واجباً عليه قبل استقرار وجوب الحج.

و أما المقدار المتمّم الحاصل في سنة الربح فلو لم يتمكن المستطيع من المسير لا إشكال في وجوب تخميسه. و أما إذا تمكّن منه فحكم في العروة بعدم وجوب خمسه.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 225

______________________________

و ظاهره أنه يجب بمجرّد التمكن منه سواءٌ صَرفه أم لا. و الوجه فيه ظاهراً أَنَّ باستقرار وجوب الحج قد خرج مال الاستطاعة عن ملكه بإيجاب صرفه في الحج و دخل بذلك في ملك الشارع. و عليه فيخرج عن موضوع دليل وجوب الخمس.

و هذا المبنيٰ غير تامٍّ عند السيد الماتن (قدّس سرّه) لوضوح عدم كون التكليف بالحجّ مستلزماً لخروج مال الاستطاعة عن ملك المستطيع. فلا وجه في المقام لجواز استثنائه بمجرد تمكّنه من المسير بل لا بدّ من صرفه في الحج خارجاً فلو عَصيٰ و لم يصرفه في الحج يجب تخميسه.

و لكن يمكن دعوي عدم وجوب تخميس ما أعدّه للإتيان بالحج و وضعه لذلك و بني علي صرفه فيه فعلًا، نظراً إلي كفاية ذلك في صدق عنوان المئونة عرفاً. كما هو المتعارف في يومنا هذا

من وضع مال الاستطاعة في البَنك لذلك. حيث تعيّن صرفه في الحج. بوضعه بانياً علي ذلك. و يكفي ذلك في صدق عنوان المئونة عرفاً مثل قوتٍ أعدّه لإمرار معاش يومه. نعم يكشف عدم صرفه استغناءً أو عصياناً عن عدم كونه مئونةً. و من هنا يمكن الفرق في المقام بين ما لو تمكن و لكن لم يعزم علي صرف المال في الحج عصياناً و بين ما إذا تمكن و أَعدّه للإتيان بالحج بانياً علي صرفه فيه من غير عصيان. بجواز الاستثناء علي الثاني دون الأول.

ثم إنّ مصارف الحج تارة: تكون من مئونة سنة الربح و أُخري: تُعَدّ من مئونة السنة الآتية كما لو انتهت سنة الربح و دخل العام الجديد في أثناء سفر الحج.

أما القسم الأول: فلا كلام في استثنائه فلا يجب فيها الخمس، سواءٌ كان من قبيل ما يستهلك بالصرف أو مما يبقي إلي السنوات الآتية، كشراء دوابّ أو سيارة أو أوانٍ و نحو ذلك. نعم في خصوص ما يبقي من الأعيان للسنوات الآتية يمكن أن يقال إنها بعد الصرف في الحج و حصول الاستغناء عنها لا وجه لاستثنائها فيجب تخميسها عملًا بعمومات وجوب الخمس في كل فائدة و ربح. و أما ما قيل من عدم قابلية تلك

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 226

______________________________

العمومات للتمسك بها بعد سقوطها بالتخصيص، فلا يُعبأ به لما سبق منّا من تضييق نطاق دليل الاستثناء حدوثاً و بقاءً بصدق عنوان المئونة. و الفائدة الخارجة عن المئونية يشملها عموم وجوب الخمس من أول الأمر. إلّا ما يبقي و يستفاد منه فالظاهر حينئذٍ عدم الوجوب «1». نظراً إلي صدق عنوان المئونة عليه كما كان فلا يشمله عموم وجوب الخمس.

و أما القسم الثاني:

فقد ألحقه صاحب العروة «2» إلي القسم الأوّل في عدم وجوب الخمس. و الوجه فيه ظاهراً أنّ صرف الربح و إن كان في غير سنة الربح إلّا أن وجوب الحج لمّا تنجّز في سنة الربح و حدَث منشأ وجوب الصرف قبل انتهائها فكأنّ جميع مخارجه الواجبة خرجت عن ملكه و دخلت في ملك الشارع. و لأجل ذلك عدّت المخارج المصروفة في سبيل الحج من مئونة سنة الربح و إن صُرفت بعد حلول العام الجديد.

و فيه: أنّ مجرّد الوجوب لا يجعل الربح مصروفاً. و قد سبق أنّ ظاهر الأدلة استثناء ما صرف من الربح في سبيل المئونة و إن مجرّد الاحتياج و لزوم الصرف لا يجعله مصروفاً. فكلّ ما صرف من الربح لمخارج الحج في عام الربح يستثني، و الّا فلا وجه لاستثنائه من ربح السنة الأولي بل إنما يستثني من أرباح السنة الثانية. فالحق مع السيد الماتن حيث أشكل علي صاحب العروة في الحاشية و قوّي وجوب إخراج الخمس ممّا يصرفه في العام الآخر. اللّهُمَّ إلّا أن يتوقف الإتيان بالحج الواجب علي عدم دفع خمس مخارجه المصروفة في العام القابل فلا بد حينئذٍ من تقديم الحج لتقدّم وجوبه علي وجوب خمس ربح العام القابل.

______________________________

(1) كما ذهب إليه الإمام الراحل قده في حاشيته علي العروة حيث قال: «نعم الظاهر عدم الوجوب بالنسبة إلي ما يبقي و يستفاد منها كالدابة». العروة الوثقي/ ج 2، ص 402، الهامش 4..

(2) العروة الوثقي/ المسألة: 81 من خمس فاضل المئونة.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 227

[كيفية تعلق الخمس بالمال]

مسألة 23: الخمس متعلق بالعين (1)،

______________________________

الخمس متعلّق بالعين

(1) ان الكلام في كيفية تعلّق الخمس تارةً: يكون في أنّ الخمس هل يتعلّق بالمال الخارجي أو بالذمة

نظير الدين في باب القرض حيث تشتغل ذمّة المقترض به. و أُخري: في أنه علي فرض تعلّقه بالمال الخارجي هل يكون تعلّقه علي نحو الإشاعة و الشركة الحقيقية في عين متعلقه أو علي نحو الشركة في ماليته أو علي نحو الكلي في المعيّن أو لا يكون من باب الشركة بل يبقي جميع المال المتعلق للخمس في ملك صاحبه و إنما يثبت لأرباب الخمس حقّ في خمسة.

أمّا احتمال تعلّق الخمس بالذمة لا بالمال الخارجي فلا إشكال في كونه خلاف ظاهر أدلّة الخمس من إسناده إلي نفس الأموال الخارجية كالغنيمة و المعدن و الكنز و نحوه من الموضوعات. و إنما الكلام في سائر المحتملات و هي أربعة:

الأوّل: تعلّقه بالمال الخارجي بماليته علي نحو الإشاعة و الشركة في ماليته لا في أجزاءِه الخارجية. و لازم ذلك جواز أداء الخمس من مال آخر «1».

الثاني: تعلّقه بعين المال علي نحو الإشاعة الحقيقية بمعني ان يكون خمس كلّ جزءٍ من أجزائها القابلة للتملك ملكاً لأرباب الخمس. نظير الشركة في مال واحدٍ بين شخصين. فكيف تكون الشركة هناك حقيقية سارية في جميع أجزاء المال المشترك؟ فكذلك في المقام. و قد ذهب إلي هذا القول مشهور المتأخرين و اختاره السيد الماتن (قدّس سرّه).

و الفرق بين هاتين الصورتين أنّه لا يجوز أداء الخمس بدفع القيمة في الصورة الثانية و لا ينتقل إلي الذمّة بل يجب دفع خمس عين المال. و ذلك لأن ما تعلّق به

______________________________

(1) و قد ذهب إلي هذا القول بعض الأجلّاء مثل السيد الشهيد الصدر (قدّس سرّه) و تبعه بعض تلامذته.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 228

______________________________

الخمس و صار ملكاً لأربابه حينئذٍ ليس هو مالية المال حتي يكتفي بدفع قيمته الممثّلة لماليته

أو ينتقل إلي الذمة، بل هو خمس عين المال. و إنه لا يقبل الانتقال إلي الذمة. و أما وجه الاشتراك بينهما أن الشركة في كليهما تكون علي نحو الإشاعة و تسري إلي كل جزء من أجزاء المال.

و من هنا لا يجوز التصرف في المال المتعلق للخمس في كلتا الصورتين ما دام لم يدفع الخمس. حيث إن كلّ جزء أراد الشخص أن يتصرّف فيه مشترك بينه و بين أرباب الخمس علي نحو الإشاعة. إلّا أنّ في الصورة الأوليٰ يرتفع هذا المانع بأداء الخمس من مال آخر بخلاف الصورة الثانية، نظراً إلي عدم جواز التصرف في متعلق الخمس حينئذٍ ما دام لم يُخَمّس عينه.

الثالث: تعلقه بعين المال علي نحو الكلي في المعين؛ بمعني أنّ متعلق الخمس حينئذٍ و إن كان هو العين الخارجية و لكن لا تعيُّن لمقدار الخمس في الخارج، بل هو مردد بين أجزاء المال و إنما يتعين خارجاً بإفراز صاحب المال. فإذا أخذ أربعة أخماسه لنفسه يختص الخمس الباقي بأربابه. كما يمكن أن يفرز سهمهم بإخراج الخمس ابتداءً ثم يأخذ الباقي لنفسه. و قد اختار هذا القول صاحب العروة (قدّس سرّه). و لا يخفي أن هذا القسم أيضاً من أقسام الشركة و إنما يفترق عن القسمين الأولين بأنّ في هذا النوع من الشركة يجوز لكلّ واحدٍ من الشريكين إفراز سهمه في الخارج من دون إذن الآخر بخلاف ما إذا كانت الشركة علي نحو الإشاعة مطلقاً، سواءٌ كانت في المالية أو في العين. فلا يجوز مطلقاً لكلّ شريكٍ إفراز سهمه من دون إذن الآخر.

الرابع: تعلّقه بالعين لا علي نحو الاشتراك بل علي نحو الاستحقاق، بأن لا يخرج خمس المال عن ملك صاحبه بل يبقي في

ملكه كأربعة أخماس الأخري. و إنّما يثبت فيه لأرباب الخمس حقٌّ نظير حق الرهانة الثابت لشخص المرهون له. فكيف هناك يثبت له حق استيفاء مقدار دينه من العين المرهونة؟ فكذلك في المقام يثبت

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 229

______________________________

لأرباب الخمس حق استيفاء مقدار الخمس من عين متعلق الخمس. و قد اختار هذا القول السيد الحكيم في المستمسك.

هذا كلّه في بيان الأقوال و ثمرات الفرق بينها و تحرير أصل محل النزاع. و أما تعيين ما هو الأوفق بالقاعدة و ترجيحه علي سائر الأقوال، فنقول:

إنّ مقتضي التحقيق تعلّق الخمس بالعين علي نحو الإشاعة و الشركة الحقيقية في أجزائها لا في ماليتها وفاقاً للسيد الماتن (قدّس سرّه). و الدليل علي ذلك ظهور أدلة وجوب الخمس من الآيات و الروايات، حيث أُسند فيها الخمس إلي نفس العين بتعابير مختلفة من قوله تعالي خُمُسَهُ أي خمس ما غنمتم و قوله (عليه السّلام): «فيه الخمس» و قوله (عليه السّلام)

وَ الْخُمْسُ عَلي خَمْسَةِ أشْياء

و قوله (عليه السّلام)

فيما يُخْرَجُ مِنَ الْمَعادِنِ وَ الْبَحْرِ وَ الْغَنيمَةِ.. الْخُمْسُ

إلي غير ذلك من التعابير الواردة في نصوص المقام.

و واضحٌ أنّ إضافة الكسر مثل الخمس و نحوه إلي الأعيان الخارجية ظاهرٌ في إشاعة النسبة الكسرية في جميع أجزاء العين المضاف إليها الكسر المشاع. و سريان هذه الإشاعة في جميع أجزاء العين يمنع عن إفراز أحد الشريكين سهمه في الخارج بدون إذن صاحبه، حيث إن كل جزء منها وضع أحدهما يده عليه يكون مشتركاً بينهما. ففي المقام كل جزء من متعلق الخمس أراد المكلّف أن يضع عليه يده يكون خمسه ملك أربابه. و أما الإشاعة في المالية فهي خلاف ظاهر إسناد الخمس إلي نفس العين الخارجية. و لا يمكن

قياس باب الزكاة بالمقام، حيث إن تعابير النصوص الواردة هناك مختلفة. فمنها: ما يكون ظاهراً في تعلق الزكاة بالفرد الكلي المردد من بين المال المعيّن الخارجي، كقوله (عليه السّلام)

«في كُلّ أَرْبَعينَ شٰاةً شاةٌ «1»

اي فرد مردد من بين أربعين شاة و هذا هو المعبر عنه بالكلي في المعين. و منها: ما هو ظاهر في الإشاعة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 78 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 230

______________________________

العينية الحقيقية، كقوله (عليه السّلام)

«و ما سَقَتِ السَّماءُ.. ففيه الْعُشْرُ «1».

فان التعبير بالكسر المشاع فيه ظاهر في الإشاعة و الشركة الحقيقية. و منها: ما هو ظاهر في الشركة في المالية، مثل قوله (عليه السّلام)

في خَمْسٍ مِنْ الإبِلِ شاةٌ «2»

و غيره من النصوص الواردة في نصاب الأنعام. حيث من الواضح أن الشاة مال آخر غير متعلق الزكاة، نظراً إلي عدم كونها من سنخ الإبل و ليست من قبيل دفع القيمة. و لأجل ذلك تستظهر من نصوص باب الزكاة تعلقها علي نحو الإشاعة و الشركة في المالية. و هذا بخلاف باب الخمس لما سبق من ظهور نصوصه في الشركة الحقيقية في عين متعلّقه. نعم جواز الاكتفاء بدفع القيمة يمكن القول به لما سيأتي من الوجه. و لكنه لا ينافي تعلق الخمس علي هذا النحو، نظراً إلي عدم كون القيمة خارجة عن شؤون عين متعلق الخمس بل هي بمنزلتها.

و قد يقال: إن سيرة العقلاء تقتضي في مثل المقام الشركة في المالية، حيث إن الخمس من قبيل الضرائب التي يكون الارتكاز العقلائي علي جعلها علي الأموال بلحاظ مالها من المالية و إلغاء خصوصية أعيانها نظراً إلي صرفها في موارد مختلفةٍ لا يقع التبادل فيها بغير النقد الرائج غالباً. و لا سيرة من

المتشرعة علي خلاف ذلك بل هي مؤَيّدةٌ، فإنّه و إن لم يُعهد منهم أداءُ الخمس من مال آخر إلا أنه استقر عادتهم في دفع القيمة و لم يسمع في مورد أن يمتنع أرباب الخمس من قبول القيمة المدفوعة بالإصرار علي دفع عين متعلق الخمس.

و فيه أولًا: أنّ تأمين ما يبتني عليه ارتكاز العقلاء من الغرض الاقتصادي في الضرائب بدفع الأثمان و النقود الرائجة لتمثُّلها في المالية، لا ينافي الشركة الحقيقية. مع أنه بناءً علي الشركة في المالية لكان الاكتفاء في أداء الضرائب بدفع مال آخر

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 120 ح 5.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 72 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 231

______________________________

جائزاً أيضاً و الحال أنه لم يعهد ذلك في سيرتهم قطُّ مع وضوح منافاته للغرض الاقتصادي المزبور.

و ثانياً: أن في سيرة المتشرعة لم يعهد أداءُ الخمس بدفع مال آخر غير متعلق الخمس، و هذا يلائم الشركة الحقيقية لا في المالية. و أما دفع القيمة فهو لازم أعم من الشركة الحقيقية و الشركة في المالية لما قلناه آنفاً.

و أما ظهور أدلّة المقام في تعلّقه بالمال بما هو ربح و فائدة عائدة إلي الشخص كما يبتني علي ذلك استثناءُ مئونة التحصيل فلا ينفع لمدّعي الشركة في المالية، حيث إنّ غاية مدلولها تعلق الخمس بالمال بعد صدق عنوان الربح أو الفائدة عليه و هذا مورد قبول الطرفين في المقام. و انّما النزاع في تعيين نوع الشركة بين صاحب المال و بين أرباب الخمس في متعلقه أيّاً ما كان، فهل هي الشركة الحقيقية في عين المال المتعلق للخمس أو الشركة في ماليته.

و الحاصل: أنّه لا دليل علي الشركة في المالية بل يفهم من إسناد الخمس

و إضافة لفظه إلي عين متعلقه بعنوانه كالمعدن و الغنيمة و الكنز.. كون الشركة في عين متعلق الخمس حقيقةً. و بهذا البيان اتضح أنّ تعلق الخمس ليس علي نحو الاستحقاق كحق الرهانة. حيث إن اختصاص خمس الأموال بأربابه بدلالة لام الملكية في الآية الشريفة و نصوص تشريع الخمس ظاهرٌ في ملكية الخمس لهم. و مقتضي ذلك حصول الشركة بينهم و بين صاحب المال و إن الشركة تنفي ثبوت مجرّد الحق لهم في الخمس. و اتضح بذلك أيضا ضعف القول بالكلي في المعين. إذ لازمه حصول الشركة في مجموع عين الربح من حيث المجموع و هذا خلاف مقتضي اسناد الكسر المشاع إلي العين الظاهر في حصول الشركة و سريان الإشاعة في كل جزءٍ متموّل من أجزاء العين.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 232

[جواز أداء الخمس بدفع قيمة العين لا بمال آخر]

و تخيير المالك بين دفعه منها أو من مال آخر لا يخلو من إشكال (1).

______________________________

يجوز أداءُ الخمس بدفع قيمة العين لا بمال آخر

(1) إن الكلام في المقام من جهتين:

الأولي: في جواز دفع الخمس من مال آخر غير عين متعلق الخمس. و قد اتضح حكمه ممّا قلنا في التعليق السابق. حيث إنه بعد البناء علي تعلّق الخمس بعين المال علي نحو الشركة الحقيقية يكون دفع المال الآخر من قبيل دفع غير متعلق الخمس. و ليس من هذا القبيل دفع القيمة كما أشرنا إليه سابقاً.

و لكن قد يستدل علي جواز أداء الخمس بدفع مال آخر ببعض ما يوهم ذلك من النصوص الواردة في باب الزكاة بعد إلغاء الخصوصية عنها و التعميم إلي الخمس.

مثل صحيح يونس بن يعقوب، قال

قُلْتُ لأَبي عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) عيالُ الْمُسْلِمينَ أُعْطيهِمْ مِنَ الزّكاةِ فَأَشْتَري لَهُمْ مِنْها ثِياباً وَ طَعاماً وَ

أَري أَنَّ ذلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ. قالَ، فَقالَ (عليه السّلام): لٰا بَأْسَ «1».

بتقريب أنّ متعلق الزكاة في فرض السائل هو الدرهم و الدينار. و إنّ ما يشتريه بهما من الثياب و الطعام مال آخر. و قد نفي الإمام البأس عن أداءِ الزكاة بإعطائها بدلًا عن دفع متعلقه الذي هو الدرهم و الدينار.

و قد استظهر صاحب الوسائل من هذه الصحيحة جواز أداء الزكاة بدفع القيمة و استحباب دفع العين و جعل ذلك عنوان الباب.

و لكن التحقيق أنّ هذه الصحيحة لأنظر لها إلي شي ءٍ من هذين المعنيين بل غاية مدلولها جواز الشراء بالمال المتعلق للزكاة و دفع ما اشتراه بعنوان الزكاة، هذا لو لم نحملها علي إذن الإمام لذلك في مورد السؤال كما هو الأوفق بمدلول ما ورد من

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 114 ب 14 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 233

______________________________

النصوص الناهية «1» عن ذلك.

الثانية: في جواز أداء الخمس بدفع قيمة العين. و الأقوي جوازه و ذلك لا لمقتضي القاعدة، إذ هي تقتضي دفع خمس العين نفسها بعد البناء علي الشركة الحقيقية في عين متعلق الخمس. بل لاستقرار سيرة المتشرعة بل العقلاء علي الاكتفاء بدفع القيمة لما سبق من تعلّق غرضهم الاقتصادي بذلك و عدم إصرار أرباب الخمس علي مطالبة عين متعلقه من المكلّفين. و لم يرد في الشرع ما يردع عن ذلك. بل يظهر من بعض نصوص المقام جواز الاكتفاء به.

مثل صحيحة البرقي قال

كَتَبْتُ إليٰ أبي جَعْفَرٍ الثّاني (عليه السّلام): هَلْ يَجُوزُ أَنْ أُخرِجَ عَمّا يَجِبُ في الْحَرْثِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَ الشَّعير وَ ما يَجِبُ عَلَي الذَّهَبِ دَراهِمَ قيمَةَ ما يَسْوي أَمْ لا يَجُوزُ إلّا أَنْ يُخْرَجَ عَنْ كُلّ شي ءٍ ما فيهِ؟ فَأجابَ (عليه

السّلام): أَيُّما تَيَسَّر يُخْرَجُ «2».

بتقريب أن السائل في سؤاله عن حكم الحرث و إن كان ناظراً إلي الزكاة بقرينة سياق النصوص الواردة فيها، نظراً إلي أخذ عنوان الحرث و الزرع في موضوعها إلّا أنّ سؤاله عن حكم الذهب أعمّ من الزكاة، فيشمل ما يجب منه بعنوان الخمس أيضاً. و إن جواب الإمام (عليه السّلام) بقوله

أَيّما تيسّر يُخرج

كالصريح في تجويز الاكتفاء بدفع القيمة في مقام الأداءِ و توهم اختصاصه بالدرهم في غير محله للقطع بعدم خصوصية فيه.

و أما استفادة جواز الدفع بأيّ مال آخر ففي غير محلّة، لانصراف الدرهم و الدينار و نحو ذلك من النقود الممثّلة في المالية عن الأمتعة و السلَع. فالأقوي تمامية دلالة هذه الصحيحة علي جواز دفع الخمس بالقيمة من أنواع النقود. و لكن يعتبر

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 114 ب 14 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 131 باب 19 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 234

______________________________

كونه من النقد الرائج في البلد. و إلّا يدخل تحت عنوان المبادلة. أي مبادلة متعلق الخمس بالنقد الغير الرائج أولًا ثم دفع المبدل إلي أرباب الخمس عوضاً عنه. و هذا غير جائز و لا مبرّئ للذمة إلّا بإذن الحاكم الشرعي. وجه ذلك أنّ النقد الغير الرائج لا يحسبه أهل عرف ذلك البلد قيمة متعلّق الخمس.

و إن يمكن الاشكال علي الاستدلال بهذه الصحيحة بأن قول السائل

و ما يجب علي الذهب

ناظرٌ إلي الزكاة كنظره إليه بقوله

عمّا يجب في الحرث

، إذ لا فرق بينهما من جهة تعلق الزكاة بعنوانهما و عدم تعلق الخمس بعنوان شي ءٍ منهما. فكما لم يتعلق الخمس في لسان نصوصه بعنوان الحرث فكذلك لم يتعلق بعنوان الذهب. فهذه الصحيحة غير صالحة للاستدلال بها علي

جواز دفع القيمة في باب الخمس إلّا بإلغاء الخصوصية عن الزكاة و عدم الفرق بين المقامين، و لا سيّما بلحاظ ما ورد في نصوص المقام من أنّ اللّٰه جعل الخمس لهم عوضاً عن الزكاة التي هي من أو ساخ الناس. و إن هذه الطائفة من النصوص تشعر بكون تشريعهما علي وزان واحد، مضافاً إلي كونهما من الضرائب المالية المستوفاة بالنقود الرائجة في سيرة العقلاء لدوران المبادلات المالية و الأغراض الاقتصادية مدارها لا السلَع و الأمتعة، كما استقرّت عليه سيرة المتشرعة أيضاً فإنهم لا يزالون يدفعون القيمة في مقام أداء الخمس كما قلنا.

و ممّا يؤيّد جواز الاكتفاء بدفع القيمة صحيحة الريّٰان بن الصلت قال

كَتَبْتُ إليٰ أبي مُحَمَّدٍ (عليه السّلام) مَا الَّذي يَجِبُ عَليَّ يٰا مَوْلٰايَ في غَلَّةِ رَحَي أرْضٍ في قطيعَةٍ لي وَ في ثَمَنِ سَمَكٍ وَ بَرْديٍّ وَ قَصَبٍ أَبيعُهُ مِن أَجِمَةِ هذِهِ الْقَطيعَةِ؟ فَكَتَبَ (عليه السّلام): فيهِ الْخُمْسُ إنْ شاءَ اللّٰه تَعالي «1».

بناءً علي كون سؤال الريّان عن جواز الاكتفاء بدفع القيمة في فرض استقرار وجوب الخمس في المذكورات بمضي السنة، نظراً إلي ظهور حكم الإمام في جواب الرّيان بدفع الخمس من ثمن ما باعه من الأعيان

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 351 ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 235

______________________________

المذكورة المتعلقة للخمس، في نفي الموضوعية عين العين و جواز الاكتفاء بدفع قيمتها في أداء الخمس.

و يؤيّد ذلك خبر الحرث الوارد في من وجد ركازاً فباعه حيث أمره أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) بدفع الخمس من ثمنه «1». و ممّا يؤيد ذلك خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) حيث سأله عن حكم ما باعه من فواكه بستان داره. فأجابه الإمام (عليه السّلام)

بقوله

أمّا الْبَيْعُ فَنَعْم، هُوَ كَسائر الضّياع «2».

فإنّه كالصريح في جواز أداء الخمس بدفع القيمة.

و لكن يحتمل في صحيح الريان أن يكون نظره إلي السؤال عن أصل وجوب الخمس فيما باعه من المذكورات. لا عن جواز الاكتفاء بدفع القيمة في أداء خمسها بعد استقرار وجوبه بمضيّ السنة. و كذا في الخبرين الآخرين لاحتمال إرادة بيع متعلق الخمس من حين ظهوره قبل مضي السنة. بل هو الظاهر، حيث لم يفرض استقرار الوجوب و مضي السنة في شي ءٍ من هذه النصوص، لا سيما في مثل السمك و الفواكه، نظراً إلي عدم بقائهما سالماً أزيد من يوم أو يومين. إلّٰا أن يحمل علي صورة حصولها قبل انتهاء السنة بيوم أو يومين و لكنه نادر خلاف الظاهر.

فالحاصل: أن استقرار سيرة المتشرعة علي الاكتفاءِ بدفع القيمة في أداء الخمس و ما ورد من النصوص المؤيّدة لذلك كافٍ لإثبات المطلوب.

ثم إنه قد يقال: إن قوله (عليه السّلام)

أَيُّما تَيَسَّر يُخْرَجُ

في صحيح البرقي يدل بإطلاقه علي جواز أداء كل من الزكاة و الخمس بدفع قيمة متعلقه. و ظاهره يقتضي الشركة في المالية، لأنها تناسب الاكتفاء بدفع القيمة دون الشركة الحقيقية، فإنّها تقتضي وجوب دفع خمس العين. و العجب ممن يجوّز الاكتفاء بدفع القيمة و مع ذلك

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 346 ب 6 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 351 ح 10.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 236

______________________________

يقول بالشركة الحقيقية. و الحاصل أنّ باب الزكاة و الخمس يشتركان من جهة عدم جواز التصرف في عين متعلقهما قبل أداءِهما إلي أربابهما، إلّا أنّ يدفع قيمتهما. نعم في باب الزكاة دلّت نصوص العزل علي جواز التصرف في المال الزّكوي بعد عزل مقدار ما تعلق به الزكاة

بشرط قصد العزم علي دفعه و لكن لم يرد مثل هذا الدليل في باب الخمس.

و فيه: مضافاً إلي ما قلناه من عدم نظر صحيح البرقي إلي الخمس أولًا أنّ الجمع بين القول بتعلق الخمس بالعين علي نحو الإشاعة و الشركة الحقيقية و بين جواز الاكتفاء بدفع القيمة في أداءِ الخمس ليس أمراً عجيباً غريباً لأنّك إذا تأمّلت فيما قلناه سابقاً من اقتضاء غرض العقلاء الاكتفاءَ بدفع قيمة الضرائب لدوران المبادلات مدار النقود لا الأمتعة و السلَع يرتفع عنك هذا العجب.

و ثانياً: إنّه و إن لم يرد في نصوص الخمس ما يدل علي جواز عزل مقداره و لكن ورد ما يدل علي جواز بيع متعلق الخمس و أدائه بدفع الثمن، و من الواضح أنّه نوع تصرف فيه. كما هو مفاد صحيح الرّيان بن الصلت و خبر أبي بصير و الحرث الأزدي و إن لا تخلو دلالة بعض هذه النصوص علي ذلك من إشكالٍ كما قلنا آنفاً.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 237

و إن لا يخلو من قرب إلّا في الحلال المختلط بالحرام، فلا يترك الاحتياط فيه بإخراج خمس العين (1)، و ليس له أن ينقل الخمس إلي ذمته ثم التصرف في المال المتعلق للخمس، نعم يجوز للحاكم الشرعي و وكيله المأذون أن يصالح معه و نقل الخمس إلي ذمّته، فيجوز حينئذ التصرف فيه (2)

______________________________

(1) قد اتضح ممّا بيّنا عدم جواز دفع الخمس من مال آخر مطلقاً و إنّما الجائز أداؤه بدفع قيمة العين. و لمّا كان عمدة دليله سيرة المتشرعة لا مقتضي القاعدة فلا بدّ من الاقتصار علي المتيقن من مستقرّها و هو غير المال المختلط بالحرام لما سيأتي في محلّه من عدم كونه حقيقة من

أقسام الخمس.

(2) لما مرّ سابقاً من عدم تعلق الخمس بالذمة كالدين المشتغلة ذمّة المقترض به، بل يتعلّق بالمال الخارجي نظراً إلي ظهور إسناد الكسر المشاع و هو الخمس إلي نفس الأموال الخارجية بعناوينها. فهو مقتضي القاعدة و لم يرد دليلٌ علي جواز نقله إلي الذمة.

نعم يمكن له ذلك بالمصالحة مع الحاكم الشرعي نظراً إلي ولايته علي أخذ الأخماس و الزكوات و صرفها في مواردها من قِبَل الإمام (عليه السّلام). فبعد المصالحة و نقل الخمس إلي ذمّته يجوز له التصرف في مجموع ما بيده من الربح. و لو اتّجر به فربح ثانياً فلا سهم لخمس الربح الأول في الربح الجديد. لفرض صيرورة مجموع الربح الأول ملكاً له بعد نقل الخمس إلي الذمة بالمصالحة.

و أما لو تجدّدت له مؤون في أثناء السنة علي وجه لا يقوم بها الربح، حكم في العروة أنّ بذلك ينكشف فساد المصالحة.

و قد أشكل عليه بعض المحشّين بأن مراده إن كان هو التصرف في أثناء الحول كما هو الظاهر فقد سبق أنه يجوز له التصرف في الربح أثناءَ السنة كيف شاءَ من

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 238

______________________________

غير توقف علي المصالحة. نظراً إلي دلالة الدليل علي جواز التأخير في أداء الخمس إلي نهاية السنة. و إن كان مراده بعد انتهاء السنة فالمنع عن التصرف و إن كان في محلّه نظراً إلي تحقق الشركة و عدم جواز التصرف في سهم الشريك إلّا بالمصالحة معه أو نائبه و هو الحاكم الشرعي-، إلّا أنّه خلاف ظاهر فرض تجدد المؤون في أثناء السنة. و أما حمله علي انكشاف المئونة أثناء السنة بعد انتهائها خلاف ظاهر العبارة لأن تجدد المئونة غير انكشاف وجودها السابق.

و أجيب عن هذا الإشكال

بأنّه يعتبر في صحة الصلح وجود المُصالح عليه في الخارج. و إنّ الذي صولح عليه في المقام هو الخمس الواجب و قد انكشف بتجدّد المؤون في أثناء الحول عدم كون الخمس المصالح عيلة واجباً. و مرجع ذلك في الحقيقة إلي انكشاف عدم وجود ما صولح عليه في الخارج و لازمه فساد الصلح.

و فيه: أن انكشاف عدم وجوب الخمس بتجدد المؤون فرع شمول دليل الاستثناء لمثل المقام و لكن الأقوي عدم شموله. و الوجه فيه أنّ الربح بمجرد ظهوره قد تعلّق به الخمس فهو ملك لأربابه. و لكن دلّ دليل الاستثناء علي جواز صرفه في مئونة السنة و عدم وجوب دفع ما صُرِف فيها إرفاقاً بالمالك و لا إرفاق في المقام بالنسبة إليه لفرض إسقاطه حق نفسه بالمصالحة، نظراً إلي احتماله حين المصالحة تجدّد المئونة إلي نهاية السنة و لو صُدفةً، فمع ذلك أقدم علي الصلح و رضي بترك حقه فاستقر بذلك وجوب الخمس في الربح المصالَح عليه. فالحق في المقام عدم فساد الصلح بتجدّد المؤون كما يأتي نظير ذلك في المسألة الآتية.

ثم إنّ الكلام في المقام تارة: يقع فيما إذا اتّجر بثمن أو مثمن في الذمة و دفع متعلق الخمس في مقام الوفاء بالعقد بعنوان دفع أحد مصاديق الثمن أو المثمن الكلّي الواقع عوضاً، فلا إشكال حينئذٍ في صحة المعاملة بلا حاجة إلي إذن الحاكم. نعم يضمن الدافع عين متعلّق الخمس الذي دفعها بعنوان العوض لو كانت باقية لتعيُّن العوض

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 239

______________________________

حينئذٍ في غيرها، نظراً إلي كونها ملك الغير. فللحاكم أن يسترجعها. و أما لو تلفت فيضمنها الدافع بدلًا أو قيمة. و أُخري: يكون الاتجار بعين متعلق الخمس ثمناً أو مثمناً.

فتتوقف حينئذٍ صحة المعاملة علي إمضاء الحاكم الشرعي و لا يجوز له الإمضاء إلّا إذا كانت المعاملة بمصلحة أرباب الخمس لابتناء ولايته علي هذا الغرض. فلو أمضاها صحت المعاملة و يتبدّل الخمس بنفس المبادلة إلي المال المدفوع بإزاء متعلق الخمس عوضاً أو معوّضاً حيث إن انتقال خصوصيات المبيع و ما يتصف من العناوين إلي الثمن بنفس المعاوضة و كذا من الثمن إلي المبيع أمرٌ مرتكز بين العقلاء في معاملاتهم و لم يردع عنه الشارع. و عليه فيجب علي المكلّف دفعه إلي الحاكم. و أمّا لو لم يُمضها بطلت المعاملة و يسترجع الحاكم عين متعلق الخمس. و يرجع الشخص المنتقل إليه إلي البائع فيستردّ ما دفعه إليه ثمناً أو مثمناً.

هذا كلُّه مع قطع النظر عن مقتضي نصوص التحليل. و إلّا فلو قلنا بشمولها لمطلق من انتقل عنه المال الغير المخمّس و لو كان معتقداً عاصياً كما حكي عن السرائر فلا تحتاج صحة المعاملة إلي إمضاء الحاكم حينئذٍ، نظراً إلي كفاية الإذن الصادر من وليّ الأمر لتصحيح المعاملة. فيدخل الخمس في ملك المنتقل اليه. و لكن يجب علي المكلف بالخمس دَفعهُ من كيسه نظراً إلي كون أدلة التحليل إرفاقاً بالنسبة إلي الشيعة المنتقل إليه المال الغير المخمس لا المنتقل عنه، الذي عصي و تخلّف عن وظيفة التخميس.

ثم إنه قد يقال: إنّ تصحيح المعاملة الفضولية الواقعة علي مقدار الخمس بإذن الحاكم منوط بجريان قاعدة

من باع شيئاً ثم ملكه.

و ذلك لأنّه لا بيع إلّا في الملك أو ما في حكمه بأن كان بإذن مالكه و المفروض عدم كون الخمس الذي باعه المكلّف ملكاً له. فهو عَقدَ المعاملة في غير ملكه بدايةً و إنما صار مالكاً له بإذن الحاكم بعد

وقوع المعاملة و بذلك تندرج المعاملة في القاعدة المذكورة.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 240

______________________________

و لكن التحقيق أنّه لا ربط لهذه القاعدة بالمقام، نظراً إلي أن مصبّها ما إذا ملك البائع عين المبيع بعد البيع؛ بأن باع مال الغير فضولًا ثم ملك ذلك المال بعد بيعه بشراءٍ أو إرث. و ليس المقام من هذا القبيل لأنّ بائع الخمس لا يملكه بعد البيع بإجازة الحاكم في باب الخمس و لا بالإذن الكلي الصادر من ولي الأمر في باب الزكاة لوضوح انتقاله إلي ملك المشتري بتصحيح البيع. فالبائع كما لم يكن مالكاً لمقدار الخمس حين البيع فكذلك لم يصر مالكاً له بعد البيع، نظراً إلي انتقال الخمس بتصحيح المعاملة من ملك أربابه إلي ملك الطرف المقابل الذي هو المشتري. فعلي أيّ حال لم يدخل الخمس في ملك البائع مطلقاً، لا حين البيع و لا قبله و لا بعده. فلا ربط للقاعدة المذكورة بالمقام.

و لكن لا ينوط جريان هذه القاعدة في باب الزكاة بإذن الحاكم الشرعي و تنفيذه المعاملة بل هي جارية بالإذن الكلي الصادر من وليّ الأمر. حيث حكم بصحة معاملة المال الزكوي بشرط أداء الزكاة من ثمنه.

و قد دلّ علي ذلك صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال

قُلْتُ لأَبي عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام): رَجُلٌ لَمْ يُزَكّ إِبِلَهُ أَو شاتَهُ عامَيْنِ فَباعَهٰا عَلي مَن اشْتَريهٰا أَنْ يُزَكّيَهٰا لِما مَضيٰ. قالَ (عليه السّلام): نَعَمْ، تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكاتُها وَ يُتْبَعُ بِها الْبائِعُ أَوْ يُؤَدّي زَكاتَها البائِعُ «1»

قوله

وَ يُتْبَعُ بِها البائِعُ

أي يرجع إليه المشتري لاسترداد ثمن ما دفعه زكاةً.

فظاهره جواز بيع المال الزكوي بشرط التزكية من العين أو الثمن بعده. و لمّا كان مرجعه إلي اشتراط الفعل فلذا لا

ينافي صحة المبيع قبل تحقق الشرط. و لكن هذا الدليل لم يرد في الخمس فلذا يحكم فيه مقتضي القاعدة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 86 ب 12 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 241

كما أنّ للحاكم المصالحة في المال المختلط بالحرام أيضاً (1).

مسألة 24: لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في الأرباح و غيرها و إن جاز التأخير إلي آخره في الأرباح احتياطاً للمكتسب (2)، و لو أراد التعجيل جاز له.

______________________________

(1) كما سيأتي البحث عن ذلك مفصّلًا في محله.

[مبدأ تعلق الخمس و جواز التأخير في أدائه]

مبدإ تعلق الخمس و جواز التأخير في أدائه

(2) وقع البحث هنا في أمرين:

أحدهما: زمان تعلّق الخمس و كيفية تعلّقه. و ثانيهما: جواز التأخير في أداء الخمس إلي نهاية السنة.

أما الأمر الأول: فالمشهور تعلّق الخمس من حين ظهور الربح. و نسب إلي الحلّي في السرائر تعلّقه في آخر السنة. مقتضي التحقيق ما ذهب إليه المشهور لظهور الآية في تعلق الخمس من حين حصول الاغتنام بمعناه الأعمّ الشامل لمطلق الاستفادة. و كذا النصوص الظاهرة في ذلك، كقوله (عليه السّلام) في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة

فَأمَّا الْغَنائمُ وَ الْفَوائِدُ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عام إلي أنْ قالَ (عليه السّلام): فَالْغَنائِمُ وَ الْفَوائِدُ يَرْحَمُكَ اللّٰهُ فَهِيَ الْغَنيمَةُ يَغْنِمُها الْمَرْءُ وَ الْفائِدَةُ يُفيدُها «1».

فإنّ الإمام (عليه السّلام) و إن حكم بوجوب أداء الخمس مرةً في كلِّ عام، إلّا أنه فرض متعلّق الخمس الفائدة التي استفادها المرءُ. فيفهم منه تعلّق الخمس من حين صدق الإفادة. و ممّا يدل علي ذلك قوله (عليه السّلام) في موثقة سماعة

في كُلِّ ما أفاد النّٰاسَ مِنْ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 242

______________________________

قَليلٍ أَوْ كَثيرٍ فَفيه الخُمْسُ «1»

، لظهوره في

ثبوت الخمس و تعلّقه من حين صدق الإفادة و هو أوّل آن ظهور الربح. و لعلّ الوجه في ما نُسب إلي الحلّي حمل البعدية في نصوص الاستثناء علي البعدية الزمانية. و عليه فيكون معني قولهم (عليه السّلام)

الْخُمْسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ

أنّ الخمس يتعلق بما بقي من الربح في نهاية السنة بعد صرفه في المئونة. و لكنّه خلاف مقتضي التحقيق فإن البعدية في هذه النصوص رتبية لا زمانية.

و الفرق بين المعنيين أنّه بناءً علي إرادة البعدية الزمانية ينوط أصل تعلّق الخمس ببقاء الربح في آخر السنة بعد صرفه في المئونة. و بناءً علي ذلك يجوز صرف الربح في غير المئونة بل يجوز إتلافه في أثناء السنة لفرض عدم تعلّق الخمس بالربح قبل انتهاء السنة، نظراً إلي تعلّقه بالربح الباقي في نهاية السنة بعد الصرف، و ما دام لم يتحقق الموضوع لا يجب الخمس. و ذلك نظير تعلّق الزكاة حيث أخذ فيه بلوغ النصاب عند حَوَلان الحول فلا تجب قبله. و من هنا لا يجب حفظ المال البالغ حدّ النصاب قبل انتهاء الحول، نظراً إلي أخذ انقضائه في موضوع وجوبها. فكيف هناك ما دام لم ينقض العام لا يتحقق موضوع وجوب الزكاة؟ فكذلك في المقام. حيث إنّه بناءً علي هذا المبني يكون انقضاء السنة مأخوذاً في موضوع وجوب الخمس بحيث لا يتعلّق بالربح قبله بل إنّما يحدث تعلقه بالربح الباقي في نهاية السنة.

و أما بناءً علي إرادة البعدية الرتبية يتعلق الخمس من حين ظهور الربح و لكن يكون تعلّقُه معلّقاً علي عدم صرف الربح في المئونة؛ بأن يكشف صرفه فيها عن عدم كون الربح المصروف متعلقاً للخمس من أول الأمر بل كان متعلقه من حين ظهور الربح غير المصروف

منه في المئونة. و عليه لا يجوز إتلاف الربح في أثناء السنة أو صرفه في غير المئونة، بمعني أنه لو صرفه في ذلك أو أتلفه لا يسقط عنه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 243

______________________________

خمسه. و ذلك لفرض تعلّق الخمس به من بدء ظهوره و لا وجه لسقوطه بالصرف الغير المأذون فيه من قِبَل الشارع.

و بعبارة اخري: يكون تعلّق الخمس حينئذٍ مشروطاً بعدم صرف الربح في المئونة علي نحو الشرط المتأخّر. فكيف أنّ اشتراط صحة صوم المرأة المستحاضة بلحوق غسلها في اللّيلة اللّٰاحقة لا ينافي اتصاف الصوم بالصحة و مشروعيته من بَدء طلوع الفجر، و كذا اشتراط وجوب الحج علي المستطيع بالتمكن من المسير علي نحو الشرط المتأخر لا ينافي ثبوت الوجوب من حين حصول الاستطاعة، فكذلك في المقام. فإن الربح من حين حدوثه و ظهوره متعلّق للخمس. و إنما يكشف صرفه في المئونة عن عدم تعلّق الخمس بخصوص المصروف منه من ابتداء الأمر. و هذا لا ينافي تعلقه بغير المصروف منه من بداية ظهوره و إنّما يجوز التأخير بدليله لإحراز عدم حصول الشرط.

و عليه فقياس باب الزكاة بالمقام مع الفارق. و الفرق بينهما أنّ في باب الزكاة أخذ في موضوع الوجوب حولان الحول بخلاف الخمس، حيث لم يؤخذ في تعلّقه انقضاءُ السنة. نعم لو كان موضوعه الربح الباقي بعد الصرف في نهاية السنة لكان من قبيل الزكاة. و لكنه ليس كذلك، بل الربح من حين حدوثه و ظهوره متعلق للخمس لما دلّ علي ذلك نصوص المقام و ذكرنا بعضها آنفاً.

و أما الدليل علي الفرق بين بابي الزكاة و الخمس ما ورد في باب الزكاة أنه

لٰا تَجِبُ الزَّكاةُ عَلَي

الْمالِ حَتّي يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ «1».

فان هذه الطائفة من النصوص ظاهرة بمفهومها في اشتراط حَوَلان الحول في فعلية وجوب الزكاة بل أصل تعلقها بخلاف الخمس، لما سبق من ظهور نصوصه في تعلّقه بالربح من حين ظهوره و أوّل آن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 98 ح 11 وص 36 ح 9 وص 42 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 244

______________________________

صدق الإفادة، و أنها قرينة علي أنّ البعدية في نصوص الاستثناء رتبية لا زمانية. نظير الإرث حيث إن مقتضي الجمع بين دليله و بين ما دلّ علي أنه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ أن بعدية الدين و المال الموصي به عن الإرث رتبية لازمانية و أن غيرهما من تركة الميت داخلٌ في ملك الورثة من حين حدوث موت المورّث. و مرجع ذلك إلي تقدم إخراجها عن صرف التركة في الإرث فكذلك في المقام.

و من هنا تصحّ المصالحة مع الحاكم عند الشك في الصرف، نظراً إلي نفي صرف الربح في المئونة بالاستصحاب و تعلُّق الخمس به من حين ظهور الربح. و مرجعه إلي إحراز الشرط المتأخر بالاستصحاب.

و أمّا أنّ أصل التعلق مشروطٌ بعدم صرف الربح في المئونة علي نحو الشرط المتأخّر أو أن المشروط بذلك هو وجوب أداء الخمس فقد وقع فيه البحث. و تظهر الثمرة إذا اشتبه المكلف في احتساب المئونة فدفع الخمس زائداً عن قدر ما وجب. فعلي الثاني لا يُردّ القدر الزائد المدفوع إلي الحاكم. و ذلك لفرض ثبوت أصل تعلق الخمس من أول آن ظهور الربح إلا أنّه ينكشف بذلك عدم وجوب دفعه. فلا وجه لردّه حيث يدخل بدفعه بعد تعلّق الخمس به في عموم قوله (عليه السّلام)

فَمٰا جُعِلَ لِلّهِ تَعاليٰ

فَلا رَجْعَةَ لَهُ فيهِ «1».

فلا يجوز له استرداد الزائد المدفوع إلي الحاكم. و هذا بخلاف ما لو كان المشروط بعدم الصرف أصل تعلق الخمس حيث ينكشف بذلك حينئذٍ عدم تعلق الخمس بالقدر الزائد المدفوع إلي الحاكم، و عليه فلا يجوز للحاكم أخذه بعنوان الخمس حتّي يكون من قبيل ما كان للّٰه. و لذا يجب عليه ردّه إلي الدّافع بل هو ضامن حينئذ. و نحن لمّا نقول باشتراط وجوب الأداء بعدم صرف الربح في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 13 ص 316 ب 11 ح 1 و أيضاً يدلّ علي هذا المضمون سائر نصوص هذا الباب.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 245

______________________________

المئونة من غير اشتراط أصل تعلق الخمس فلذا لا يجوز للدافع استرداد ما دفع إلي الحاكم إلّا بإذنه و المصالحة معه.

مقتضي التحقيق في المقام: أن يفصّل بين مئونة التحصيل و بين مئونة السنة، فيقال باشتراط أصل تعلّق الخمس بعدم صرف الربح في مئونة التحصيل. و ذلك لما سبق من عدم احتساب ما وصل إلي يد الشخص من الفوائد و المنافع فائدةً و ربحاً عائداً إليه عند أهل العرف إلّا بعد وضع ما ذهب من كيسه من الأموال في سبيل تحصيل الربح. ففي الحقيقة لا يتحقق موضوع تعلق الخمس عندهم إلّا بعد استثناء مئونة التحصيل. هذا مضافاً إلي إمكان دعوي ظهور قوله (عليه السّلام)

الْخُمْسُ بَعْدَ المَئُونَةِ

في صحيح البزنطي في كون أصل تعلق الخمس بعد مئونة التحصيل و قيد الإخراج إنّما هو في كلام السائل لا في كلام الإمام. و المتيقّن من إطلاق لفظ المئونة إذا لم تضف إلي الرجل و عياله هي مئونة التحصيل.

و أما مئونة السنة فيشرط وجوب أداء الخمس بعدم صرف الربح فيها علي نحو الشرط المتأخر

لا أصل تعلّقه. و الدليل علي ذلك مضافاً إلي مقتضي القاعدة من عدم كون الصرف فيها مانعاً من صدق عنوان الربح و الفائدة ظهور نصوص المقام.

فمنها: قوله (عليه السّلام) في صحيح عليّ بن مهزيار

فَأَمّا الْغَنٰائِمُ وَ الْفَوائدُ فَهِي واجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلّ عام.. «1»

، لما سبق بيانه من كون وجه إيجاب الخمس مرةً في كل عام جواز تأخير أداءِه إلي نهاية السنة بغرض صرف ربح السنة في مئونتها. فالمقصود في الحقيقة إيجاب الخمس في نهاية كل عام بعد صرف الربح في المئونة.

و منها قوله (عليه السّلام) في صحيحته الأخريٰ

عَلَيْهِ الْخُمْسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 246

______________________________

وَ مَئُونَةِ عيٰالِه «1»

فان قوله (عليه السّلام) «عليه الخمس» بدلالة حرف «علي» ظاهرٌ في كون وجوب الخمس بعد مئونة السنة لا أصل تعلّقه. و هذا واضحٌ.

ثم إنّ في المقام قد يتوهم أن مقتضي كون وجوب الخمس أو تعلقه مشروطاً بعدم صرف الربح في مئونة السنة أو التحصيل علي نحو الشرط المتأخر-، وجوب أداء الخمس فوراً فيما إذا علم بعدم صرف الربح في مئونة السنة من بداية ظهوره، لأنّ العلم بحصول الشرط في حكم تحققه خارجاً.

و لكنه في غير محله. و ذلك لأنّ مقتضي صحيح عليّ بن مهزيار ثبوت جواز التأخير في أداء الخمس و صرف الربح في مئونة السنة من حين ظهوره إلي آخر السنة. و هذا الجواز لا يُبدّله إلي الوجوب مجرد العلم بعدم صرف الربح. و بعبارة اخري: إن حكم وجوب الخمس قد جُعِل مشروطاً بعدم صرف الربح في المئونة خارجاً و إن مجرد العلم بتحقُّق الشرط لا يوجب انقلاب الواجب المشروط إلي الواجب المطلق.

و قد يشكل علي ذلك

بأنه لا يلائم ما ذهب إليه المستدل في تفسير المئونة. بل إنما يصح بناءً علي عدم شمول عنوان المئونة للربح المصروف في الأمور المستحبة و الخيرات، لأن في هذه الصورة يكون موارد صرف المئونة محدودة بحدٍّ خاص، فيمكن حصول العلم بعدم صرف الربح في المئونة إلي نهاية السنة، و الّا لا يمكن حصول العلم بذلك لعدم تحديد موارد صرف الربح في المئونة بحدٍّ خاص كما بني عليه المستدل في تفسير معني المئونة، حيث أنكر تفصيل صاحب العروة في العبادات فألحق الأمور المستحبة و الخيرات الخارجة عن الشأن أيضاً بالمئونة بدعوي عدم شأنٍ مخصوص لأحدٍ في ذلك.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 349 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 247

و ليس له الرجوع علي الآخذ لو بان عدم الخمس مع تلف المأخوذ و عدم علمه بأنه من باب التعجيل. (1)

______________________________

و لكنه غير تامّ لأنّ الاعتبار في صدق عنوان المئونة عرفاً بالمخارج اللائقة بشأن الرابح دون ما هو خارج عن حدّه من مصارف معاشه أو معاده. فالكلام المزبور إنما يصح بناءً علي ما اختاره الماتن (قدّس سرّه) في تفسير المئونة وفاقاً للسيد (قدّس سرّه).

و لكن يمكن دفع الاشكال المزبور بأنّ مرجعه إلي إنكار حصول العلم بعدم صرف الربح في المئونة الذي هو شرط متأخر لوجوب الخمس بناءً علي ما ذهب إليه هذا العَلَم في تفسير المئونة من شمول عنوانها للمستحبات نظراً إلي عدم كونها محدودة بحد خاص حينئذٍ حتي يُعلم مقدار الربح المصروف منها خلال السنة. و لكن ليس مقصوده ذلك بل إن مراده عدم دخلٍ للعلم بعدم الصرف الخارجي علي فرض حصوله في انقلاب الواجب المشروط إلي المطلق، نظراً إلي أنه ينافي التأخير في أداء الخمس

إلي نهاية السنة كما يستفاد من صحيح عليّ بن مهزيار. فان كلام هذا العَلَم في فرض العلم بعدم صرف الربح في المئونة و هو يخاطب من اختار مبني السيد (صاحب العروة) في تفسير المئونة. لأن التوهم المزبور إنما يتصوّر بناءً علي هذا المبني لا بناءً علي مبني هذا العَلَم نفسه. و من الواضح أن الخروج عن فرض المستدل خارج عن رسم الاشكال عليه.

[حكم تجدّد المئونة بعد إخراج الخمس]

حكم تجدّد المئونة بعد إخراج الخمس

(1) لا إشكال في جواز التعجيل في إخراج خمس الربح أثناء السنة، بناءً علي ما سبق من تعلُّق الخمس بالربح من حين ظهوره و اشتراط وجوب دفعه بعدم الصرف

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 248

______________________________

في المئونة. و لذا جوّز الشارع التأخير في أداء الخمس إلي نهاية السنة لرفع ما يحتاج إليه في المعاش بصرف الربح في المئونة من باب الإرفاق و الامتنان علي الرابح. و عليه فلو عجّل المكلّف نفسه في أداء الخمس أسقط في الحقيقة حقه من هذه الجهة. و ذلك لأنه بتعجيله في دفع الخمس أغمض عن حق يثبت له بسبب صرف المال في ما يتجدّد من المؤون احتمالًا فرضي بأن يدفع ما يعادله من الربح بعنوان الخمس.

إذا عرفت ذلك فنقول: إذا أخرج الخمس بعد تقدير المئونة بما يظنه فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتأمين ما تجدّد من المؤون. فتارة: تكون المئونة المتجددة ممّا يحتمله المكلّف حين إخراج الخمس، فلا كلام في أنّ كشف الخلاف لا يضرّ بصحّة الخمس المدفوع. لما قلنا من سقوط حق المكلّف نظراً إلي احتماله ذلك من البداية. و أُخري: ممّا لا تُحتمل عادةً لعدم كونها ممّا يترقب حدوثه في العادة المتعارفة. و هذا هو محلّ الكلام في المقام. و

حينئذٍ فقد فصّل السيد الماتن (قدّس سرّه) بين بقاء العين فحكم بالضمان، نظراً إلي كشف تجدد المؤون عن استثناء الربح المعادل لها من وجوب الخمس، بمقتضيٰ ظهور ما دلّ علي أنّ الخمس بعد المئونة و عليه فللمالك استرجاع عين ماله المدفوع. و بين ما لو تلفت العين إذ لم يبق ربح حينئذ حتي يُستثني منه المؤون المتجدّدة. و حينئذٍ فصّل أيضاً بين ما لو كان الآخذ عالماً بالحال فحكم بالضمان، نظراً إلي أخذه بغير استحقاق حيث كان يعلم حين الأخذ عدم استقرار الخمس لاحتماله تجدد مؤون لم يكن الدافع يظنها حين الدفع. و بين ما لو كان جاهلًا بذلك حين الأخذ فحكم بعدم الضمان لمقتضي قاعدة الغرور. إذ الدافع قد أعطاه المال بعنوان الخمس الواجب و هو أخذه عن استحقاق في اعتقاده فإذا انكشف عدم استحقاقه لما أخذه بتجدّد المؤون يكون مغروراً من ناحية الدافع إذ هو غرّه بدفع المال إليه بعنوان الخمس الواجب و إظهاره استحقاق الآخذ له، نظير ما لو أعطي شخص مالًا إلي آخر

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 249

______________________________

بعنوان أنّه ملك الآخذ فصرفه الآخذ و أتلفه، ثم ظهر بعد ذلك كونه ملكاً لثالثٍ فكيف هناك لا إشكال في ضمان المعطي و كون الآخذ مغروراً يرجع إلي من غرّه؟ فكذلك في المقام. و هذا التفصيل الذي ذهب إليه الماتن (قدّس سرّه) هو الأقوي، نظراً إلي كشف تجدّد المؤون عن الاستثناء و إلي مقتضي قاعدة الغرور.

و لكن ذهب صاحب الجواهر و الشيخ الأنصاري إلي عدم الضمان مطلقاً و أنّه لا يجوز للدافع مطالبة ما دفعه بعنوان الخمس حتي مع بقاء العين فضلًا عن صورة تلفها.

و الوجه فيه: إمّا ما قلناه من تعلّق الخمس

و دخوله في ملك أربابه من حين ظهور الربح و كون جواز التأخير في الأداء إرفاقاً بالمالك و رعايةً لصرفه الربح في المئونة المحتملة، و أَنّه أسقط حقّه بالتعجيل في دفع الخمس إلي مستحقه فلا وجه لاسترجاعه ما دفعه بعد تجدّد المؤون، إذ الخمس أُخرج من محلّه و وصل إلي مستحقه فلا وجه لكشف بطلانه بتجدّد المؤون.

و إمّا لموضوعية الخرص و التخمين في تعيين مقدار الخمس إلحاقاً بباب الزكاة، كما هو ثابت في تعيين زكاة العنب و الثمر علي الأشجار. و لكن هذا الوجه مختص بصورة بقاء العين. و المتعيّن هو الوجه الأوّل إذ لا دليل علي موضوعية الخرص و التخمين في تعيين مقدار الخمس، و إنما هو وارد في الزكاة و لا يمكن التعدي عنه إلّا بإلغاء الخصوصية و لا يمكن المساعدة عليه.

ثم إن الكلام في ما لو صُرف المال في المؤون المتجددة. و أمّا إذا لم يصرف فيها مال فلا إشكال في عدم كونه مضرّاً بصحة الخمس المدفوع، إذ لا موضوعية لمجرد الحاجة إلي المؤون في الاستثناء ما لم يصرف فيها مالٌ.

و لا يخفي أن تفصيل الماتن (قدّس سرّه) يبتني في المقام علي أساس عدم اشتراط أصل تعلّق الخمس بعدم صرف الربح في المؤون و اختصاص الاشتراط بوجوب الأداء.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 250

______________________________

و إلّا فلو قلنا باشتراط التعلق أيضاً بذلك فلا وجه لهذا التفصيل، بل لا بدّ حينئذٍ من القول بالضمان مطلقاً، حتي مع تلف العين.

و قد يقال باشتراط ذلك في أصل التعلّق موجّهاً بأنّ الوجوب المشروط بعدم الصرف في نصوص المقام بمعني الثبوت، كما أنه بهذا المعني في نصوص سائر أبواب الفقه. و فيه: أن الوجوب في الأحكام الوضعية و

إن كان بمعني الثبوت، إلّا أن صحيح البزنطي دل علي أنّ الذي اشترط بعدم الصرف في المئونة هو وجوب الإخراج لا أصل التعلق حيث إنه سأل الباقر (عليه السّلام) بقوله

أَلْخُمْسُ أُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمَئُونَةِ أَوْ بَعْدَ الْمَئُونَةِ؟ فَكَتَبَ (عليه السّلام): بَعْدَ الْمَئُونَةِ «1».

نظراً إلي أن سؤال البزنطي عن زمان وجوب الخمس ظاهرٌ في مفروضية أصل وجوبه من دون إناطة بالصرف في المئونة، و إلا فلو لم يكن أصل الوجوب مسلّماً في ارتكازه لكان المناسب أن يسأل عن ذلك بقوله

متي يجب عليّ الخمس قبل المئونة أم بعدها؟.

فلم يسأل عن ذلك بل إنّما سأل عن زمان وجوب إخراج الخمس. و لا بدّ في جواب الإمام بقوله

بعد المئونة

من تقدير الأمر بالإخراج كما هو واضح لعدم كون السؤال عن غير الإخراج.

و أما ما ورد من «ان الخمس بعد المئونة» فهو قابل للحمل علي ظاهر هذه الصحيحة، أي يجب أداءُ الخمس بعد المئونة. هذا مضافاً إلي أن ذلك مقتضي عمومات المقام لظهور إسناد الخمس إلي عنوان الفائدة و الربح في تعلق الخمس و وجوبه من حين حصولهما.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 354 ب 12 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 251

[السادس] الأرض

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 253

السادس: الأرض الّتي اشتراها الذمي من مسلم، فإنّه يجب علي الذمي خمسها، و يؤخذ منه قهراً إن لم يدفعه بالاختيار (1).

______________________________

خمس الأرض الّتي اشتراها الذّمي

(1) كما هو المشتهر بين فقهائنا من زمن الشيخ (قدّس سرّه) و من تأخّر عنه. و لكن لم يذكره كثيرٌ من القدماء في عداد ما يجب فيه الخمس.

و لا يخفي أنّ عدم تكليف الكفار بالفروع كما هو الأقوي لا ينافي تكليف الكافر الذمي بدليل خاص. كما أنّ اعتبار قصد

القربة فيه لعباديته لا ينافي سقوطه عن الاعتبار في خصوص المقام لأجل دليل خاص معتبر.

ثم ان الكلام يقع في مقامين: الأوّل: في أصل وجوب هذا الخمس. و الثاني: في أحكامه و خصوصياته.

اما المقام الأوّل: فعمدة دليل وجوب هذا الخمس:

ما رواه الشيخ (قدّس سرّه) بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبيدة الحذّاء، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

أَيُّما ذِمّيٍّ اشْتَريٰ مِنْ مُسْلِمٍ أَرْضاً فإنَّ عَلَيْهِ الْخُمْسَ «1».

لا إشكال في سنده. و أما تردد أحمد بن محمّد بين ابن خالد و ابن عيسيٰ لا يضرّ بصحته لوثاقة كليهما. مع ظهوره في ابن عيسيٰ، نظراً إلي أنّ الشيخ نقل هذه الرواية بعينها في زيادات التهذيب. و ذكر هناك أحمد بن محمد بعنوان أبي جعفر و هو كنية أحمد بن محمد بن عيسيٰ كما قال العلامة، فلا إشكال في صحة سندها.

و أمّا دلالةً فلا يستفاد منها وجوب الخمس علي الذمي تكليفاً، بل ظاهرها ثبوت الوجوب الوضعي و كون الخمس ديناً ثابتاً في ذمته. و ذلك لدلالة حرف «علي»

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 352 ب 9 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 254

______________________________

في قوله (عليه السّلام)

فَإنَّ عَلَيْهِ الْخُمْسَ

في هذا المعني.

و لكن وقع الكلام في المعني المقصود من لفظ الخمس المذكور، نظراً إلي ما احتمله صاحب المدارك من إرادة ضِعف العُشر المأخوذ من محصول الأرض بعنوان الزكاة، كما نسب إلي بعض العامة و هو مالك. و عليه فهذه الرواية صادرة في جهة التقية من دون نظرٍ إلي الخمس المعهود. و لكن الإنصاف أن ظهور هذه الصحيحة في الخمس المعهود غير قابل للإنكار، نظراً

إلي أنّ النصوص المبيّنة لاختصاص الخمس بأهل البيت و حرمة الزكاة الّتي هي أوساخ الناس عليهم و غيرها من النصوص المذكور فيها الخمس قبال الزكاة صارت منشأً لارتكاز الخمس المعهود في أذهان المتشرعة و توجب انصراف لفظ الخمس عند الإطلاق إلي الخمس المعهود. هذا مضافاً إلي ظهور لفظ الأرض في رقبتها و يحتاج إرادة محصولها إلي التقدير المخالف للأصل المحاوري المحكّم في الأخذ بظواهر الألفاظ، كما هو المقرّر في محلّه من أصول الفقه.

و أيضاً دلّ علي ذلك مرسلة المفيد رواها في المقنعة عن الصادق (عليه السّلام) قال

الذِّمِّيُّ إِذا اشْتَريٰ مِنَ الْمُسْلِمِ الْأَرْضَ فَعَلَيْهِ فيها الْخُمْسُ «1».

و لكنّها تصلح للتأييد فقط لا الاستدلال، لضعف سندها بالإرسال و إن تمّت دلالتها. و لكن الصحيحة المزبورة كافية لإثبات أصل الوجوب. و أما النصوص الواردة في عدّ ما يجب فيه الخمس و إن كانت ظاهرة في حصر الأقسام لكونها في مقام التحديد، و لكن لا تنافي وجوب الخمس في غير الأقسام المذكورة فيما إذا دلّ عليه دليلٌ معتبر، فان ظهورها في الحصر ليس أقوي من نصوص حصر المفطّرات في ثلاث خصال لدلالتها علي الحصر بالأداة و مع ذلك حُكِم بمفطِّرية بعض أمورٍ اخري بدلالة الدليل المعتبر. مع أنّ الحصر لم يستفد في المقام من الأداة بل إنما استفيد من كون نصوص عدّ الخمس في مقام التحديد.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 352 ب 9 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 255

______________________________

و أما حمل الصحيحة المزبورة علي التقية ففي غير محلّه، لإمكان الجمع العرفي بين الطائفة الظاهرة في الحصر مثل معتبرة عمار السابقة و بين هذه الصحيحة بتقييد إطلاق مفهوم الحصر بها. فلا تعارض في البين حتي تصل النوبة إلي

الحمل علي التقية.

و أما خلوّ كلمات القدماء من ذكر هذا الخمس فلعلّه لعموميّة سائر الأقسام لجميع المسلمين و اختصاص هذا الخمس بالكافر الذمّي، فكأنّهم لم يرونه من سنخ سائر أقسام الخمس الواجبة علي جميع المسلمين بعنوان الوظيفة الشرعية.

ثم إنّ في المقام إشكال حاصله: أنّه بناءً علي عدم تكليف الكفار بالفروع و كونه في طول تكليفهم بالأصول بكونهم معاقبين علي عدم إيمانهم بالأصول ليعملوا بالفروع «1» -، كيف يكونون مكلَّفين بدفع الخمس في المقام. مضافاً إلي عدم تمشّي قصد العبادية و القربة في حق الكافر نظراً إلي عدم اعتقاده باللّٰه تعاليٰ.

و يمكن الجواب عن هذا الاشكال بما حاصله: أنّ عدم تكليفهم بالفروع انّما كان بدليل بعض النصوص الدالّة علي ذلك. و هذا لا ينافي دلالة دليل آخر علي تكليفهم ببعض الفروع في موارد خاصّة فيخصّص عموم تلك النصوص النافية. حيث لا يكون عدم تكليفهم بالفروع بدليل العقل حتي لا يقبل التخصيص. و المفروض أنّ في المقام قد ثبت علي الذمّي وجوب خمس الأرض المشتراة من المسلم بالدليل.

و أمّا اشكال عدم تمشّي قصد القربة من الكافر و إن لا مناص من قبوله، إلّا انه لا مُلزم لنا أن نقول بعبادية هذا الواجب في حقهم بل هو واجب توصّليٌ يعاقبون علي تركه و للحاكم ان يلزمهم علي ذلك. بل إنه في الحقيقة من الضرائب المالية نظير الجزية كما سيأتي.

______________________________

(1) كما هو المستفاد من بعض النصوص. و قد بحثنا عن ذلك مفصّلًا في حكم ما أخذ من الكافر بالربا.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 256

[عدم الفرق بين الأراضي في وجوب هذا الخمس]

و لا فرق بين كونها أرض مزرع أو بستان أو دار أو حمام أو دكان أو خان أو غيرها مع تعلق البيع و الشراء

بأرضها مستقلا، و لو تعلق بها تبعاً بأن كان المبيع الدار و الحمام مثلًا فالأقوي عدم التعلق بأرضه (1).

______________________________

لا فرق بين الأراضي في وجوب هذا الخمس

(1) و الوجه في التعميم صدق الأرض علي جميعها و عدم صحة سلب اسم الأرض عن هذه الأراضي عند الإطلاق. و لكن حكي عن جماعةٍ من فقهاءِنا تخصيص هذا الخمس بالأرض الخالية عن البناء نظراً اليٰ كون الأرض في هذه الأمور ملحوظةً تبعاً لِما بُني عليها من دار أو دكّان أو خان و نحو ذلك.

و بعبارة أخري: ظاهر النص ما يصدق عليه عنوان الأرض من غير إضافة إلي شي ءٍ، لأنّه المتبادر عند إطلاق لفظ الأرض. و من هنا ينصرف النص الوارد في المقام عن غير الأرض المطلق، إذ لا يقال حينئذٍ إنه اشتري أرضاً بل يقال إنّه اشتري داراً أو حماماً أو دكّاناً. و لعلّ من خصّها بأرض الزراعة لاحَظ هذه النكتة.

و في قبال ذلك يقال: إِنّ في شراءِ الدار والد كان و نحو ذلك تكون الأرض جزء المبيع و لها قسط من الثمن عند أهل العرف و لا تُعدّ تابعة للمبيع عندهم بل كلٌّ من الأرض و البناء ملحوظ في المعاملة أصالةً بحيث يدفع المشتري الثمن بإزاءِ كليهما. و لذا يقال عرفاً: إن الدار قد اشتُريت مع أرضها. نعم لو اشترط انتقالها إلي ملك المشتري في ضمن عقد البيع بنحو شرط النتيجة من دون أن يكون جزءً من المبيع لا يكون داخلًا في المبيع عرفاً. و لكنه خارج عن فرض هذا الكلام، و قد فصّل الماتن (قدّس سرّه) في المقام بينما لو تعلّق البيع و الشراء بالأرض مستقلا في عرض الدّكّان و الحمام مثلًا و بينما لو تعلق بها

تبعاً لهما، بأن كان الغرض من المعاملة هو شراء الدكان أو الحمام و لم يتعلق أيّ غرض بنفس الأرض، بحيث يقال عرفاً: إنّه اشتري دكّاناً أو حماماً بلا التفاتٍ إلي

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 257

و هل يختص وجوب الخمس بما إذا انتقلت اليه بالشراء أو يعم سائر المعاوضات؟ فيه تردُّد (1).

______________________________

أرضهما، فحكم (قدّس سرّه) في الفرض الأوّل بوجوب الخمس و بعدمه في الفرض الثاني. و هو الأقويٰ، لأنّ ملاك تعلّق الخمس في لسان نصوص المقام صدق شراءِ الأرض عرفاً و هو مشكلٌ جدّاً في الفرض الثاني. نعم لو صدق ذلك لٰا إشكال في تعلّق الخمس كما يتفق كثيراً. و ينوط ذلك بغرض المشتري و أهمية الأرض في نظر العرف و مجرّد وجود البناء لٰا يمنع من صدق ذلك عرفاً.

[حكم الأرض المنتقلة بغير الشراء]

حكم الأرض المنتقلة بغير الشراء

(1) وقع الكلام في أن وجوب خمس الأرض في المقام هل يختص بالشراءِ أو يَعمُّ مطلق تملّك الأرض، سواءٌ كان بالمعاوضة كالصلح و نحوه أو بغيرها كالهبة.

قد يقال باختصاص وجوب الخمس بالشراء نظراً إلي اقتضاءِ انتقال الأرض بالمعاوضة دخولها تماماً في ملك المنتقل اليه. و عليه فالحكم بوجوب الخمس خلاف مقتضي القاعدة من انتقال كلٍّ من العوضين بتمامه إلي ملك المتعاملين و لا بد من الاقتصار علي موضع النص في الحكم بخلاف مقتضي القاعدة. و إنّما المنصوص في المقام تعلّق الخمس بالأرض التي انتقلت إلي الذمّي بالشراء، فلا مناص من الجمود عليه. و التعدي إلي غيره يحتاج إلي الدليل.

و لكن الأقوي في المقام إلغاءُ خصوصية الشراء لأجل ظهور الحال بمقتضي مناسبة الحكم و الموضوع.

بيان ذلك: أن الحكم قد يتعلق بنفس العقد فيختص حينئذٍ بخصوص ذلك العقد و لا يمكن التعدي منه

إلي غيره، مثل الحكم بكون البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، أو

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 258

______________________________

وجوب ردّ المتّهب العين الموهوبة إلي الواهب عند رجوعه و مطالبته فيما جاز له الرجوع. فانّ الحكم في الأوّل يختص بالبيع و في الثاني بالهبة و لا يمكن التعدي منهما إلي سائر العقود.

و أخري: لا يكون الحكم ثابتاً لنفس العقد بل إنما يكون بلحاظ البائع المنتقل عنه المبيع أو المشتري المنتقل إليه المبيع أو سائر الخصوصيات السارية في جميع العقود. و ذلك مثل وجوب الوفاء بالشرط ضمن العقد و لا يبعد كون المقام من قبيل الثاني لمناسبة الحكم و الموضوع و شاهد الحال. حيث لا يرتاب أهل العرف في أن موضوع الحكم في المقام مطلق انتقال الأرض إلي الذمّي بلا فرق بين نقلها بالشراء أو الصلح أو الهبة، لوضوح عدم خصوصية لصيغة «اشتريت» و غيرها من ألفاظ صيغ العقود. و لعلّ السرّ فيه تقليل تملّك الكفار أراضي المسلمين و قطع أياديهم عن بلاد الإسلام و دفع موجبات سلطة الكفار علي المؤمنين، كما نشاهد الآن من سلطة العدوّ الصهيوني علي مسلمي لبنان بطريق شراءِ أراضيهم خلال سنين متمادية فأخرجوهم من ديارهم و مساكنهم. و إنّ التعبد بالشراءِ و إن كان محتملًا كما هو الظاهر في الأرض للقطع بعدم تعلق الخمس بشراءِ غيرها من الأمتعة الزائلة في خلال الأزمان. و لكن ظاهر الحال إنّما ينفي خصوصية الشراء دون الأرض كما قلنا. و لا يبعد إلحاق ما يُعَدُّ من توابع الأرض كالمعادن الظاهرة و الباطنة القريبة بالسطح، نظراً إلي كونها من أجزاءِ الأرض عرفاً و معدودةً من رقبتها عند أهله.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 259

و الأحوط اشتراط أداء مقدار خمس الأرض

عليه في عقد المعاوضة لنفوذه في مورد عدم ثبوته (1)، و لا يصح اشتراط سقوطه في مورد ثبوته، فلو اشترط الذمي في ضمن عقد المعاوضة مع المسلم عدم الخمس أو كونه علي البائع بطل، نعم لو اشترط عليه أن يعطي مقداره عنه صح (2).

______________________________

(1) و ذلك لأنّه علي فرض عدم ثبوت الخمس فيها لأجل قصور دليله عن الشمول لمطلق المعاوضات يصير واجباً بالاشتراط في ضمن العقد لعموم ما ورد من النصوص الدالة علي وجوب الوفاء بالشروط من دون قصورٍ في شمولها للمقام. كما يجوز للحاكم حينئذٍ إلزام الذّمي علي دفع الخمس بمقتضي نفوذ الشرط.

[عدم صحة اشتراط سقوط الخمس عن أرض الذمي المشتراة من مسلم]

لا يصح اشتراط سقوط هذا الخمس

(2) وجه عدم صحة الشرط في هاتين الصورتين كونه مخالفاً للسنة. و ذلك لوضوح أنّ اشتراط عدم الخمس علي الذمي أو كونه في عهدة المسلم مخالفٌ لما دلّ عليه الدليل من تعلق الخمس بالأرض التي اشتراها الذمي من المسلم. فان معناه تعلّق الخمس بملك الذمي و كونه في عهدته، لٰا عهدة المسلم.

ثم إنّه علي فرض اشتراط عدم الخمس أو كونه علي البائع لا إشكال في صحة أصل الشراء نظراً إلي عدم فساد العقد بالشرط الفاسد. و الوجه في ذلك أنّ المشروط بالشرط هو لزوم الوفاء بالعقد لٰا أصل صحته، فلذا ينتفي وجوب الوفاء بفساد الشرط و يثبت حق الفسخ.

و لا يخفي أنّ عدم سراية فساد الشرط إلي العقد إنّما يكون في شرطٍ لم يخالف مقتضي العقد. و أما الشرط المخالف لمقتضي العقد مثل شرط عدم الكيل في بيع

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 260

و لو باعها من ذمي آخر أو مسلم لم يسقط عنه الخمس بذلك (1).

______________________________

المكيل فلا إشكال في بطلان العقد باشتراطه.

فحينئذٍ يجب علي الذمي

تخميس الأرض المشتراة من دون أيّ تأثيرٍ لهذا الشرط في نفي الخمس عنه.

و أما اشتراط إعطاء مقدار الخمس عن جانب الذمّي علي البائع فيمكن إرجاعه إلي ضمان الأَداءِ، كما في القرض يقول الضامن: «أقرض فلاناً و أنا ضامن» مع أن الدين لم يستقر في ذمة المضمون عنه. و في المقام كما يصح أن يضمن البائع المسلم أداءَ الخمس من ابتداءِ بيع الأرض فكذلك لا إشكال في اشتراط الذّمي ضمان أَداءِ الخمس علي المسلم حين شراءِ الأرض منه، فينتقل الخمس بذلك إلي عهده المسلم بعد ما كان ثابتاً في عهدة الذمّي. فلا ينافي ذلك وجوب الخمس علي الذمي بالأصالة. و الحاصل انه لو شرط الذّمّي علي البائع المسلم أداءَ الخمس من جانبه صحَّ. حيث لا ينافي ذلك توجّه التكليف ابتداءً إلي الذمي و تعلّق الخمس بالأرض المنتقل اليه بالشراء، و إنما يكون علي المسلم أداءُ الخمس بسبب الشرط، و من هنا يثبت خيار تخلف الشرط للذمي عند عدم وفاء المسلم بالشرط.

و حينئذٍ لو فسخ الذميّ العقد لا يسقط الخمس عنه نظراً إلي تحقق موضوع وجوب الخمس بمجرّد انتقال الأرض إليه.

[عدم اعتبار بقاء الأرض المشتراة في ملك الذّمي]

عدم اعتبار بقاء الأرض المشتراة في ملك الذّمي

(1) ان الكلام تارة في ما لو خرجت الأرض المشتراة عن ملك الذمي، و قد تعرّض الماتن (قدّس سرّه) لذلك في هذه المسألة. و أُخري في صورة تجديد ملكيتها للذمي و يأتي حكمها في المسألة الآتية.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 261

______________________________

أمّا المقام الأول: فوقع الكلام في أنّه هل يشترط بقاء الأرض المشتراة في ملك الذمّي في تعلق الخمس بها، بأن يسقط عنها الخمس في صورة خروجها عن ملكه. أو لا يشترط ذلك في وجوب تخميسها بل بمجرّد انتقالها

إلي ملك الذمّي يتعلّق بها الخمس و يلزم عليه دفعه مطلقاً، سواءٌ بقيت في ملكه أو خرج عن ملكه بأيّ سببٍ.

مقتضي التحقيق هو الثاني. و ذلك لإطلاق دليل الخمس في المقام نظراً إلي ظهوره في تعلق الخمس بالأرض بمجرّد دخولها في ملك الذمي. لما قلنا سابقاً من أنه لا دخل للشراء في ذلك بل يتعلق بها الخمس إذا انتقل إلي الذمي بأيّ سبب كان. و لا ريب في دخول الأرض تحت ملك الذمي و لا يوجب خروجها عن ملكه بعد ذلك بأيّ سببٍ سقوط الخمس عنه، بلا فرق بين أن يكون الخروج بسبب معاملة أو إقالة أو موتٍ. نعم لو مات و كان وارثه شيعياً أو باعها و كان المشتري شيعياً أو انفسخ البيع بإقالة أو خيار فسخ أو غير ذلك و كان البائع شيعياً، ففي جميع هذه الصور ينتقل الخمس إلي الشيعي إمّا بالإرث أو بالعقد أو بالانفساخ و حلالٌ له بدلالة نصوص التحليل و يكون ضمانه علي الذمي. و إن تحليله للشيعي لا ينافي ثبوت ضمانه علي الذمّي. و ذلك لما ثبت سابقاً من كون التحليل بغرض دفع محذور الزنا و الغصب عن الشيعة في المناكح و المساكن و المتاجر إرفاقاً لهم. و إنّ هذا الغرض يتحقق بتصحيح المعاملة في حق الشيعي المنتقل اليه الخمس و ليس هذا التحليل تمليك عين الخمس للشيعي تمليكاً معاملياً حتي يخرج ثمنه عن ملك الشارع، فلا ينافي ثبوت ضمانه في ذمّة غير المعتقد المكلّف بالخمس.

نعم قد يشكل فيما لو مات الذمي و كان وارثه شيعياً نظراً إلي تعلق الخمس بماله حال حياته و انتقاله إلي ذمته بالموت، و لمّا كان مال الغير فلا ينتقل إلي الوارث الشيعي

حتي تشمله نصوص التحليل.

و جوابه أنه كما أنّ المال المتعلق للخمس ينتقل إلي المشتري الشيعي بالبيع

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 262

______________________________

و حلال له بنصوص التحليل فكذلك في المقام ينتقل إلي الوارث الشيعي بالموت و حلال له بدلالة هذه النصوص. و انّما المانع من انتقال الدين إلي الوارث هو كونه مال الغير و عدم إذن صاحب المال و المفروض في المقام صدور الإذن من أرباب الخمس بدلالة نصوص التحليل.

و أمّا المقام الثاني: و هو تجديد ملكية الأرض بأن باع الذمي الأرض بعد شرائها من البائع أو من مسلم آخر ثم اشتراها ثانياً، فقد أفتي في العروة بوجوب خمسين. أحدهما خمس الأصل للشراء أوّلًا و الآخر خمس أربعة أخماسه الباقية للشراء ثانياً.

و ذلك لأن سبب وجوب الخمس و هو شراءُ الأرض من المسلم تحقق مرَّتين. غاية الأمر أنّه لو اشتري من المسلم في المرّة الثانية من دون دفع الخمس السابق يجب عليه خمس أربعة أخماس الأرض ثانياً، نظراً إلي كون خمسه ملك أربابه و لم ينتقل إلي المسلم و انّما انتقل أربعة أخماسها إليه بالبيع ثم انتقلت إلي الذّمي بالشراء مجدّداً. و أما لو كان شراؤها من المسلم ثانياً بعد دفع الخمس السابق أو شراؤها من الشيعة يلزم عليه دفع خمس جميعها مجدّداً. وجه الفرق أنّ في الصورة الأولي تصح المعاملة بدفع الخمس و لو بعد بيعها من المسلم كما في الزكاة و تنتقل الأرض إليه بتمامها، و في الصورة الثانية تصح المعاملة بدلالة نصوص التحليل و تنتقل الأرض بتمامها إلي المشتري الشيعي. و لذا تنتقل الأرض بتمامها إلي الذمي بالشراءِ و يجب عليه دفع خمس جميعها ثانياً.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 263

كما لا يسقط

لو أسلم بعد الشراء (1)، و مصرف هذا الخمس كغيره علي الأصح (2).

______________________________

(1) و ذلك لأنّه في حال الشراء كان كافراً و قد تحقق موضوع وجوب الخمس و لا ينفع إسلامه بعد ذلك في سقوط التكليف.

و قد يُتوهَّم في المقام: سقوط وجوب الخمس بدلالة حديث الجَبّ و بقيام السيرة علي عدم مطالبة الذمّي بعد إسلامه بالحقوق المالية كالأخماس و الزكوات و ساير الأحكام العبادية و المعاملية الثابتة لعامة المسلمين. و ذلك إما لعدم تكليفه بها حال الكفر أو لكونه في ذمّة الإسلام و كونه حرّا في دينه و مذهبه قبال أخذ الجزية منه.

و فيه أولًا: أن سند هذا الحديث ضعيف لعدم ثبوته بطرقنا.

و ثانياً: ان مدلول حديث الجبّ و مستقرّ السيرة المزبورة سقوط ما علي الكافر من الحكم الثابت في حق المسلمين بما هم مسلمون. و أما الحكم الثابت في حق الكافر بما هو كافر ذمي مثل وجوب خمس الأرض التي اشتراها من المسلم فلا دليل علي سقوطه و ليس مورداً لجريان السيرة المزبورة. و بعبارة أخري: إنّ الدليل قد دلّ علي سقوط حكمٍ ثبت علي الكافر بسبب إسلامه مما هو ثابت لعموم المسلمين لا الحكم الثابت في حقه بعنوان أنه كافر.

[مصرف خمس أرض الذمي المشتراة من مسلم و نصابه و النية]

الكلام في المصرف و النصاب و النية

(2) و ذلك لما قلنا من ظهور لفظ الخمس المذكور في النصوص في معناه المصطلح المرتكز في أذهان متشرعة عصر الأئمة (عليهم السّلام) بلحاظ كثرة استعمالها قبال الزكاة، خصوصاً فيما دلّ من النصوص علي اختصاصه بأهل البيت (عليهم السّلام) عوضاً عن

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 264

نعم لا نصاب له (1)، و لا نية حتي علي الحاكم، لا حين الأخذ و لا حين الدفع علي الأصح (2).

______________________________

الزكاة

كما أشرنا إليه آنفاً. و أمّا ارادة التصدّق بمقدار الخمس فيحتاج إلي القرينة الخاصّة كما في خمس المال المختلط.

(1) نظراً إلي إطلاق دليل وجوب الخمس في المقام و عدم ورود قيدٍ يدلّ علي اعتبار النصاب.

(2) و ذلك لكون هذا الخمس في الحقيقة من قبيل الضرائب المالية و تؤخذ من الكافر تضييقاً عليه و دفعاً لموجبات سلطنته علي بلاد المسلمين. مضافاً إلي عدم تمشّي قصد القربة من دافع الخمس لكفره. و أمّا آخذ الخمس و هو الحاكم و إن يتمشّي منه قصد القربة إلّا أنّه لٰا دليل علي اعتبار قصد القربة منه.

و الحاصل أنه لا دليل علي عبادية هذا النوع من الخمس بل مقتضي مناسبة الحكم و الموضوع عدم عباديته. و أما عبادية سائر الأقسام فلم يدل عليه دليل لفظي ليتمسك بإطلاقه، بل إنما ثبت عباديتها بالاتفاق و الارتكاز و السيرة و لا إطلاق للدليل اللّبي. و أما ما دلّ علي كون الخمس ممّا بني عليه الإسلام في عرض الصلاة و الصوم و الحج فلا يدلّ علي أكثر من عبادية الخمس الواجب علي المسلمين. و أما ما يؤخذ من الكافر الذّمي فخارج عن نطاقه.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 265

[تعلق خمس أرض الذمي المشتراة من مسلم]

مسألة 25: إنما يتعلق الخمس برقبة الأرض (1)، و الكلام في تخييره كالكلام فيه علي ما مرّ قريباً (2) و لو كانت مشغولة بالغرس أو البناء مثلًا ليس لولي الخمس قلعه، و عليه أجرة حصة الخمس لو بقيت متعلقة له (3)، و لو أراد دفع القيمة في الأرض المشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوّم مع وصف كونها مشغولة بها بالأجرة، فيؤخذ خمسها (4).

______________________________

يتعلق هذا الخمس برقبة الأرض دون البناء و الأشجار

(1) دون ما عليها من

الأبنية و الأشجار و النخيل. و الوجه فيه خروج ذلك كلّه عن مفهوم الأرض و مصداقها العرفي الذي هو متعلق الخمس في المقام. فان ظاهر قوله

أيّما ذمّي اشتري أرضاً

رقبة الأرض دون ما عليها. هذا مضافاً إلي ما بيّناه من شهادة ظاهر الحال و مناسبة الحكم و الموضوع المقتضي لتعلق الخمس بنفس الأرض.

(2) من تقوية تخيير المالك بين دفع عين متعلّق الخمس و بين دفع قيمته في غير المختلط بالحرام. و عليه ففي المقام يتخيّر الذمّي بين دفع خمس عين الأرض و بين دفع قيمتها.

(3) و ذلك لأنه في فرض تعلق هذا الخمس برقبة الأرض تكون ما عليها من البناء و الأشجار خارجةً عن ملك أرباب الخمس، بل هي ملكٌ للذمّي نظراً إِلي شرائه الأرض بما عليها من البناء و الأشجار. و عليه فليس للحاكم قلع الأشجار و هدم البناء لأنه تصرّف في مال الغير بل عليه إبقاؤها و دفع أجرة ما عليها من الأشجار و البناء لو طالبها الذمّي استيفاءً لمنفعتها.

(4) و ذلك لأن رقبة الأرض و إن كانت متعلّقة للخمس و لكن اشتغال الأرض بالبناء و الأشجار يكون من شؤون رقبتها. و تُعَدُّ أجرتها حينئذٍ من منافع رقبة الأرض عرفاً و تدخل في متعلّق الخمس، فلا بد من تقويم الأرض مشغولة بها أوّلًا ثم

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 266

مسألة 26: لو اشتري الذمي الأرض المفتوحة عنوة فان بيعت بنفسها في مورد صح بيعها كذلك كما لو باعها وليّ المسلمين في مصالحهم فلا إشكال في وجوب الخمس عليه. و أما إذا بيعت تبعاً للآثار فيما كانت فيها آثار من غرس أو بناء، و كذا فيما إذا انتقلت إليه الأرض الزراعية بالشراء من المسلم المتقبل

من الحكومة الذي مرجعه إلي تملك حق الاختصاص الذي كان للمتقبل فالأقوي عدم الخمس (1).

______________________________

إخراج خمسها.

[حكم ما لو اشتري الذمي الأرض المفتوحة عنوةً]

حكم ما لو اشتري الذمي الأرض المفتوحة عنوةً

(1) لا إشكال في كون الأرض المفتوحة عنوةً من الغنائم و إن لا يقسّم بين المقاتلين نظراً إلي كونها ملكاً لعموم المسلمين. و لذا يكون خمسها مشمولًا لدليل خمس الغنائم و من جانب آخر داخلٌ تحت النصوص الدالّة علي أنّ المفتوحة عنوةً ملك عامة المسلمين بتمامها و أنّ وليّ المسلمين يقبّلها لكلّ من شاءَ بأخذ أجرتها المعبَّر عنها بالخراج.

و قد سبق في أوّل الكتاب أن الأرض المفتوحة عنوةً قسم خاصّ من الغنائم. و لذا قيّدنا إطلاق دليل خمس الغنائم بالنصوص الواردة في الأرض المفتوحة عنوة. فيحكم في خصوص هذا القسم من الغنائم بكونه لعامّة المسلمين و لا يتعلق به الخمس، لما قلنا من أن موضوع هذه النصوص أخصّ من موضوع دليل الخمس. و لذا تكون النسبة بين هذين الدليلين هي العموم و الخصوص المطلق لٰا من وجه. ثم إنه لا إشكال في وجوب خمسها علي الذمي لو بيعت بنفسها في موردٍ صحّ بيعها كذلك كما لو باعها وليّ المسلمين في مصالحهم. و انّما الكلام فيما لو باعها المسلم المتقبل لها من

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 267

______________________________

الحكومة تبعاً لما فيها من الآثار.

و الحاصل أنّ في المقام ثلاثة أقوال:

أحدها: تعلّق الخمس بالأراضي المفتوحة عنوة و كون أربعة أخماسها الباقية ملكاً لعموم المسلمين.

ثانيها: كونها بتمامها ملكاً لعموم المسلمين و ينقسم القائلون بهذا القول إلي قسمين. فقال بعضهم: إنّ هذه الأراضي ملكٌ لصاحب الآثار و البناء ما دامت الآثار، بمعني زوال ملكية رقبة الأرض بمجرّد زوال ما عليها من الأبنية و الآثار و تعود إلي

أصلها أعني ملك عامة المسلمين و هذا قول مشهور الفقهاء.

و ذهب آخرون إِلي أنّ رقبة الأرض لا تدخل في ملك صاحب البناء و الآثار أساساً و انّما يثبت له حق الاختصاص نظير حق السرقفلية. و يترتب علي هذين القولين الأخيرين أنّه بناءً علي القول الأول يجوز لصاحب البناء وقف رقبة الأرض للمسجد و لكن تبقي مسجداً ما دامت البناءُ، و ينتفي حكم المسجد بمجرّد زوال البناء و تعود إلي ملك عامّة المسلمين. و هذا بخلاف القول الثاني فإن وقف الأرض لا يصحّ لخروجها عن ملك شخص الواقف حينئذ. و كذلك الكلام بعينه في بيع رقبة الأرض. فبناءً علي المسلك الثاني لا يجوز للمسلم المتقبل للأرض بيعها حيث لا بيع إلّا في ملك و الفرض خروج الأرض عن ملكه. و انّ الماتن (قدّس سرّه) ذهب في المقام إلي هذا المسلك، و من هنا أفتي بعدم وجوب خمس الأرض علي الذمّي فيما إذا اشتراها من المسلم المتقبّل للأرض. و ذلك نظراً إلي عدم دخولها في ملكِ المسلم حتي يصح بيعها من جانبه بل إنّما كان له مجرّد حق الاختصاص.

و إن ظاهر نصوص المقام ثبوت الخمس في الأرض التي انتقلت إلي الذمي و صارت ملكاً له بالشراء من المسلم فينصرف إلي شراءِ الأرض المملوكة للمسلم لا التي ثبت له فيها مجرّد حق الاختصاص كما في المقام. نعم يصح له بيعها تبعاً للآثار

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 268

______________________________

إلّا أنّها خارجة عن متعلّق الخمس الّذي هو الأرض المشتراة لفرض عدم دخولها في المبيع.

و أما أنه هل تصير رقبة الأرض المفتوحة عنوة ملكاً لصاحب البناءِ و الآثار و لو ما دامت الآثار أو يوجد له حقّ فقط. فالظاهر هو الثاني

و ذلك لدلالة النصوص الواردة في المقام.

مثل: صحيح أبي بردة بن رجاءِ

قٰالَ: قُلْتُ لِأَبي عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) كَيْفَ تَريٰ في شِراءِ أَرْضِ الْخَراجِ. قالَ (عليه السّلام): وَ مَنْ يَبيعُ ذٰلِكَ وَ هِيَ أَرْضُ الْمُسْلِمينَ قٰالَ: قُلْتُ يَبيعُها الَّذي هِيَ فِي يَدِهِ. قالَ (عليه السّلام): وَ يَصْنَعُ بِخَراجِ الْمُسْلِمينَ مٰا ذا؟ ثُمّ قٰال (عليه السّلام): لٰا بَأْسَ اشْتَريٰ حَقَّهُ مِنْها وَ يُحَوَّلُ حَقُّ الْمُسْلِمينَ عَلَيْهِ، وَلَعلَّهُ يَكُونُ أقْويٰ عَلَيْها وَ أَمْلي بخَراجِهِمْ مِنْهُ «1».

و موثّق عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قٰالَ سَأَلْتُهُ عَنْ ذٰلِكَ فَقالَ (عليه السّلام): لٰا بَأْسَ بِشرائِها فَإِنَّها إِذا كٰانَتْ بِمَنْزِلَتِها في أَيْديهمْ، تُؤَدي عَنْها كَما يُؤَدّي عَنْها «2»

فانّ ظاهر هذه النصوص أن المسلم يشتري حقّه من الأراضي المفتوحة عنوةً، لما أنها ملك لعموم المسلمين و هو مسلم.

كما صرّح بذلك في صحيح إبراهيم بن أبي زياد قال

سَأَلْتُ أَبٰا عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) عَنِ الشِّراءِ مِنْ أَرْضِ الْجِزْيَةِ قٰالَ: فَقال (عليه السّلام): اشْتَرْها فَإِنَّ لَكَ مِنَ الْحَقِّ مٰا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذٰلِك «3»

فانّ قوله

فَإنَّ لَكَ مِنَ الْحَقِّ ما هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذٰلِكَ

صريح في ثبوت حقٍّ للمسلم المريد لشرائِها قبل أن يشتريها، كما دلّ علي ذلك أيضاً قوله

لٰا بَأْسَ اشْتَري حَقَّهُ مِنْها

في صحيح أبي بردة أي اشتري المسلم حقّه من

______________________________

(1) الوسائل/ ج 11 ص 118 ب 71 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 11 ص 119 ب 71 ح 3.

(3) الوسائل/ ج 11 ص 119 ب 71 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 269

______________________________

أرض الخراج، و لكنه ليس بمعني الملك لأنها ملكٌ لعموم المسلمين كما صرّح به في صدر الصحيح المزبور بقوله

وَ مَنْ يَبيعُ ذٰلِكَ وَ هِيَ أَرْضُ الْمُسْلِمينَ؟.

بل إنّما يثبت له

حق الاختصاص، و لكنه لا بسبب ما أحدث فيها من الآثار و البناء بل بسبب تحويل حق المسلمين عليه لقوله (عليه السّلام) في ذيل الصحيح المزبور

وَ يُحَوَّلُ حَقُّ الْمُسلِمينَ عَلَيْهِ وَ لَعَلَّهُ يَكُونُ أَقْويٰ عَلَيْها وَ أَمْليٰ بِخَراجِهِمْ مِنْهُ.

نعم إذا اشتراها الذمّي يكون حق اختصاصه بلحاظ ما فيها من الآثار لعدم حقٍ له من ناحية الإسلام.

و أما قوله (عليه السّلام)

فإِنَّها إِذٰا كٰانَتْ بِمَنْزِلَتِها..

في موثقة عمر بن حنظلة فناظرٌ إلي أداءِ الخراج. يعني أنّ الأرض المنتقلة إلي المسلم بالشراء لمّا كانت بمنزلة كونها في يد الكافر الذمي من جهة ترتّب حكم أرض الخراج، يجب عليه أداءُ خراجها كما كان يدفعه الذّمي.

ثم إنه إذا وقفت هذه الأراضي للمسجد فلا مناص من القول إمّا بدخولها في ملك الواقف بالشراء أو بتقييد المطلقات الدالة علي كونها ملكاً لعامة المسلمين بدليل مشروعية وقفها.

و بناءً علي ما استظهرناه من النصوص من عدم دخول رقبة هذه الأراضي في ملك المشتري بالشراءِ فيشكل الحكم بوجوب الخمس علي المشتري الذمي نظراً إلي كون المبيع حينئذٍ مجرّد الآثار و الأبنية و إنّما ينتقل اليه حق الانتفاع من الأرض خاصّة. و إنّ ظاهر نصوص المقام باقتضاءِ مناسبة الحكم و الموضوع تعلّق الخمس بأرض انتقلت إلي الذميّ بالشراءِ. و بعبارة اخري إنّ العنوان المأخوذ في وجوب الخمس هو الشراءُ الموجب لانتقال الأرض إِلي الذّمي بل لٰا موضوعية للشراءِ كما قلنا و انّما المناط هو انتقال الأرض إلي الذمّي و صيرورتها ملكاً له بأيّ سببٍ معامليٍّ كان. اللهم إلّا أن يشتريها من وليّ أمر المسلمين. فيجب عليه حينئذ دفع

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 270

______________________________

خمسها، نظراً إلي ما ثبت له بأدلة النيابة العامّة من الولاية علي بيعها في

جهة مصالح الإسلام و المسلمين.

و أما بناءً علي دخول رقبة الأرض في ملك من هي في يده و انتقالها إلي ملك الذمي بالبيع، فلا إشكال في تعلق الخمس بها. كما لو باع أرباب الخمس سهمهم من الذمي يتعلق بها الخمس بلا اشكال و ذلك لكون الخمس ملكاً لأربابه.

ثم إن الأراضي المفتوحة عنوة تنقسم إلي قسمين: قسمٌ منها ما كان مواتاً حال الفتح و الآخر ما كان معمورة حال الفتح. و لا كلام في صيرورة المعمورة منها حال الفتح ملكاً لعموم المسلمين بالاغتنام. و هذا القسم هو المتيقن من مدلول النصوص الواردة فيها.

و أما القسم الأول أعني به الأراضي الموات حال الفتح فقد يقال بعدم كونها ملكاً لعموم المسلمين نظراً إلي عدم كونها داخلةً في ملك الكفار قبل الفتح حتي تدخل في ملك المسلمين بعده بل كانت ملكاً للإمام (عليه السّلام) قبله و تكون باقيةً في ملكه كما كانت و تصير ملكاً لكل من أحياها.

و لكن قلنا في محلّه انه لا فرق بين الموات منها و العامرة حال الفتح. و ذلك لأن الموات ملحقة بملك الكفار أيضاً و تنتسب إليهم عرفاً و يصدق علي القسمين أنّهما من أراضي الكفار المفتوحة عنوةً. و عليه فلا تملك الموات منها بالاحياءِ نظراً إلي كونها ملكاً لعموم المسلمين كالعامرة منها حال الفتح.

ثم إنه لو شك في أرض أنها هل كانت حال الفتح مواتاً أو عامرة يستصحب بقائها علي موتانها المتيقن سابقاً و عدم عروض العمران عليها حال الفتح، فيحكم بجواز إحياءها حينئذٍ بناءً علي اختصاص الحكم بالمحياة حال الفتح.

و بناءً علي التفصيل المزبور لو اشتري الذّمي العامرة منها بالعرض يملكها، لأنها و لو كانت مواتاً حال الفتح الا انّ المسلم

ملكها بالإحياء فانتقلت إلي الذمي بالشراءِ.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 271

______________________________

و يقع البحث حينئذٍ في أنه هل يلزم علي الذّميّ دفع خمسه بلحاظ شرائِها من المسلم أم لا نظراً إلي كونها مفتوحة عنوةً؟ فنقول: إنّه بناءً علي التفصيل المزبور من كون الموات حال الفتح ملك الإمام فلا إشكال في صيرورتها ملكاً للمسلم بالإحياء و انتقالها إلي الذّمي بالشراءِ فيجب عليه تخميسها. و أمّا بناءً علي ما اخترناه من كون القسمين ملكاً لعموم المسلمين بلا فرق فقد يشكل الحكم بلزوم تخميسها نظراً إلي عدم كونها ملكاً للمسلم البائع حتي ينتقل إلي الذّمي بالشراء.

و لكن قد قلنا سابقاً إن النصوص الواردة في هذه الأراضي و إن دلت علي كونها بجميع خمسة أخماسها ملكاً لعامّة المسلمين بالإطلاق، و لكن لما كان انعقاد هذا الإطلاق بلحاظ حكم وجوب الخمس و يكون موضوع هذه النصوص و هو الأرض المفتوحة عنوة أخصّ من موضوع دليل وجوب الخمس أعني به الغنيمة فلذا تُقدَّم خصوصية الموضوع علي الإطلاق المبتني علي لحاظ الحكم. و عليه تكون النسبة بين هذه النصوص و بين آية الغنيمة هي العموم و الخصوص المطلق و يقيّد إطلاق الآية بهذه النصوص و يحكم بعدم ثبوت الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة مطلقاً. هذا مضافاً إلي توجه الحكم بوجوب تخميس الغنيمة أوّلًا إلي آحاد المسلمين، فإنه تكليف علي شخص الغانم. و إن ورد في النصوص أنّ وليّ الأمر يدفع خمس الغنائم قبل تقسيمها ثم يقسم أربعة أخماس الباقي، كما في صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إِنْ قٰاتَلُوا عَلَيْهٰا مَعَ أَميرٍ أَمَّرهُ الْإمٰامُ عَلَيْهِمْ أُخْرِجَ مِنْها الْخُمْسُ لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ قُسِّمَ بَيْنَهُمْ ثَلٰاثَةَ أَخْمٰاسٍ «1».

و لكن المقصود

بقرينة سائر النصوص كون ذلك بمقتضي عادة النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و غاية مدلولها جواز ذلك له لا اختصاص الحكم به بحيث ينفي وجوب دفع خمس الغنيمة عن شخص الغانم. و هذا بخلاف الأراضي المفتوحة عنوةً، فإن أمرها بيد وليّ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 365 ب 1 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 272

و إن كان الأحوط اشتراط دفع مقدار الخمس إلي أهله عليه (1).

______________________________

أمر المسلمين نظراً إلي كونها ملكاً لعموم المسلمين لٰا لأشخاصهم.

و أما القول بوجوب الخمس فيها يبتني علي كون النسبة بينهما هي العموم و الخصوص من وجه، نظراً إلي شمول كلٍّ منهما خمس الأرض المفتوحة عنوة بالإطلاق و افتراق آية الغنيمة في سائر الغنائم غير الأرض و افتراق نصوص الأراضي المفتوحة عنوة في أربعة أخماسها الغير المتعلقة للخمس. و يجتمعان في خمس هذه الأراضي لكونه فرداً من الغنيمة و جزءاً من الأرض المفتوحة عنوة، فيتعارضان في محل الاجتماع فيرجّح الكتاب طرحاً لما خالفه و يحكم بوجوب الخمس. و لكن قد تبين بما ذكرناه فساد هذا القول.

(1) هذا الاحتياط استحبابي، و الوجه فيه احتمال ملكية الأرض للمسلم المتقبل و انتقالها إلي الذمي بالشراءِ. كما هو أحد الأقوال في المقام.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 273

[حكم ما لو اشتري الذمّي خمس الأرض المشتراة]

مسألة 27: إذا اشتري الذمي من ولي الخمس الخمس الذي وجب عليه بالشراء وجب عليه خمس ذلك الذي اشتراه و هكذا علي الأحوط، و إن كان الأقوي عدمه فيما إذا قوِّمت الأرض التي تعلق بها الخمس وادي قيمتها، نعم لو ردّ الأرض إلي صاحب الخمس أو وليه ثم بدا له اشتراؤها فالظاهر تعلقه بها (1).

______________________________

حكم ما لو اشتري الذمّي خمس الأرض المشتراة

(1) يقع

الكلام في المقام من جهتين:

إحداهما: أنه لو اشتري الذمي خمس الأرض المشتراة فهل يجب عليه دفع خمس ذلك الخمس المشتريٰ و هكذا في كلّ مرَّةٍ عليٰ حِدَةٍ.

ثانيتهما: في أنه هل يجوز له الاكتفاءُ بدفع القيمة النازلة الثابتة لخمس الأرض بسبب انفكاكه عن مجموع الأرض.

أما الجهة الأولي: فتارةً يشتري الذمي خمس عين الأرض المشتراة من أرباب الخمس بعد دفعه إليهم. فلا إشكال حينئذٍ في وجوب دفع خمس الخمس الذي اشتراه و كذا لو اشتري خمس هذا الخمس و هكذا. فمادام للخمس المشتريٰ ماليةٌ يجب عليه دفعه نظراً إلي صدق انّه اشتري من المسلم أرضاً. فيكون مشمولًا للنصّ الوارد في المقام و كلُّ مرّة يشتري خمس الأرض يحدث موضوع جديد للخمس.

و أما لو أراد أن يشتري خمس الأرض قبل دفعه إلي أرباب الخمس فبناءً علي تعلّق الخمس بمالية الأرض كما في الزكاة لا عينها فشراءُ الخمس حينئذٍ لا يستوجب تخميس خمس عين الأرض حيث انه اشتريٰ في الحقيقة خمس مالية الأرض لا عينها فهو لم يشتر الأرض من الذّمي في الحقيقة. و من هنا يكون خارجاً عن موضوع دليل الخمس في المقام بل يكفي دفع خمس مالية مجموع الأرض

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 274

______________________________

مرّةً واحدةً.

و أمّا بناءً علي تعلق الخمس بالعين فقد يقال: إنّه يجب تخميس الخمس المشتري من الأرض، بلا فرقٍ بين كون تعلّقه بالعين علي نحو الكلّي في المعيّن كما ذهب اليه السيد في العروة و بين كونه علي نحو الإشاعة كما اختاره الماتن (قدّس سرّه)، نظراً إلي تعلّق الخمس بالعين علي أيّ حالٍ و يصدق شراءُ الأرض من المسلم.

و أما الجهة الثانية: في أنه إذا لوحظ خمس الأرض منضمّاً إلي مجموعها فربما تكون

قيمته أكثر مما إذا لوحظ علي نحو الانفكاك و مستقلا عن مجموع الأرض. فوقع الكلام في أنه هل يجوز للذمي في دفع الخمس الاكتفاء بقيمتها النازلة الثابتة حال الانفكاك، أو يجب عليه دفع القيمة العالية الثابتة حال الانضمام؟.

فنقول: بناءً علي تعلق الخمس بالمالية يجوز الاكتفاء بدفع الأقل لتعلق التكليف حينئذٍ بدفع مالية خمس الأرض بحياله مستقلا كما في إرث الزوجة من مالية البناء. و أما بناءً علي تعلق الخمس بالعين.

فلو كان تعلق الخمس بالعين علي نحو الكلّي في المعيّن كما ذهب إليه في العروة يلاحظ خمس الأرض مستقلا. و ذلك لتحقق الكلي في ضمن فرده المنحاز في الخارج و لازمه لحاظ خمس الأرض علي نحو الانفكاك و مستقلا عن المجموع. و لذا يجوز الاكتفاء بدفع قيمة الأقل في هذه الصورة مثل ما لو تعلق الخمس بالمالية. و ذلك لأن متعلق التكليف حينئذٍ خمس الأرض بحياله و مستقلا عن المجموع.

و أما علي القول بالإشاعة كما هو مسلك الماتن (قدّس سرّه) فلا يجوز الاكتفاءُ بدفع الأقل بل لا بد من دفع خمس مجموع الأرض، نظراً إلي أنّ متعلق الخمس حينئذٍ يسري و ينتشر في جميع أجزاء الأرض، بمعني أنّ كلّ جزءٍ متصوّر منها يتعلّق به الخمس و تثبت الشركة الحقيقية بين الذّمي و بين أرباب الخمس في جميع أجزاءِ الأرض، فلا يمكن لحاظ خمس الأرض مستقلا عن مجموعها حينئذٍ.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 275

______________________________

و حاصل الكلام في المقام الثاني: أنّه لا بدّ من التفصيل بين ما لو تعلق الخمس بالمالية أو بالعين علي النحو الكلي في المعين ففي هاتين الصورتين يجوز الاكتفاء بدفع الأقل و بين ما لو تعلّق بالعين علي نحو الإشاعة فلا يجوز الاكتفاء

بدفع الأقل في هذه الصورة بل يجب دفع قيمته الأصلية الثابتة له في ضمن المجموع.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 277

[السابع] المال المختلط بالحرام

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 279

السابع: الحلال المختلط بالحرام مع عدم تميّز صاحبه أصلًا و لو في عدد محصور و عدم العلم بقدره كذلك، فإنه يخرج منه الخمس حينئذٍ (1).

______________________________

المال المخلوط بالحرام

(1) اشتهر بين الأصحاب وجوب الخمس في المال الحلال المختلط بالحرام و أنّ مصرفه مصرف سائر أقسام ما يجب فيه الخمس. كما عن النهاية و الغنية و الوسيلة و السرائر و المختصر النافع و القواعد و التذكرة و المنتهي و الإرشاد و التحرير و اللمعة و البيان و التنقيح و الروضة و حاشية الإرشاد و الحدائق و الرياض و غيرها.

بل ادّعي في الغنية الإجماع علي وجوب الخمس فيه، حيث قال

و يجب الخمس أيضاً.. في المال الذي لم يتميز حلاله من حرامه.. بدليل الإجماع «1».

و لكنه ليس إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم لورود النصوص الدالّة علي ذلك في المقام، و لا أقلّ من احتمال استناد المجمعين إليها. فهو محتمل المدرك و ساقط عن الاعتبار. و لكن الذي يستفاد من اتفاق الأصحاب في المقام خصوصاً القدماء منهم أنّ المقصود من لفظ الخمس في نصوص المقام هو الخمس المصطلح عليه الذي هو عِدل الزكاة. حيث إنّهم فهموا منه هذا المعني. فلا يكون بمعني التصدق بخمس المال المختلط كما في المدارك و تبعه الكاشاني و الخراساني «2».

هذا مضافاً إِلي ذهاب بعضٍ إليٰ ترتب حكم مجهول المالك علي المقدار المتيقن خروجه عن ملك صاحب المال، من التصدُّق عن مالكه بعد الفحص و اليأس عن الظفر به كما في المدارك و تبعه الكاشاني و الخراساني «3». و

قد حكي في الحدائق عن

______________________________

(1) الينابيع/ ج 5 ص 244.

(2) راجع الجواهر/ ج 16 ص 71.

(3) الجواهر/ ج 16 ص 71.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 280

______________________________

بعضٍ القول بوجوب إخراج الخمس ثمّ الصدقة بالزائد. و عليه فأصل تحقق الإجماع مخدوش بوجود المخالف.

فالمتَّبع ما يستفاد من النصوص الواردة في المقام و هي قد وردت في المال المجهول المالك إذا اختلط بمال شخص آخر و لم يتميز مطلقاً، سواءٌ حصل الامتزاج الموجب للشركة أو وقع الاشتباه بين المالين، بأَن لم يعلم أيّهما للمالك المجهول.

و علي أيّ حالٍ يعتبر في المقام عدم تميُّز ما يكون للمالك المجهول و إلّا يدخل تحت عمومات مجهول المالك. فيجب ذاكئذٍ التصدّق به عن مالكه بعد الفحص و اليأس عن الظفر به بلا إشكالٍ.

و بهذا البيان ظهر الفرق بين المقام و بين مورد نصوص مجهول المالك.

ثم إنّ الكلام يقع في مقامين:

أحدهما: في أصل دليل وجوب الخمس في المال المختلط بالحرام.

و الآخر: أنّ ثبوت الخمس في المقام هل يكون بمعني تمليك مقدار الخمس لأربابه من جانب الشارع و تمليك الباقي لمن في يده المال. أو أنّه بمعني تحديد مقدار ما يجب التصدّق به. و أنّ أربعة أخماس الباقية هل تطهر واقعاً بالتصدق بحكم الشارع بالتعبد الشرعي، و هل تنقطع علقة ملكية القدر الزائد عن مالكه المجهول و يدخل في ملك الشخص المتصدِّق، أم لٰا؟ و أما النصوص الواردة فعمدة ما استُدِلَّ به علي وجوب الخمس في المقام عدّة نصوصٍ:

منها: موثقة عمار بن موسي الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ عَمَلِ السُّلْطانِ يَخْرُجُ فيهِ الرَّجُلُ. قالَ (عليه السّلام): لٰا، إِلّا أَنْ لا يَقْدِرَ عَلي شَيْ ءٍ يَأْكُلُ وَ لا يَشْرَبُ وَ لٰا يَقْدِرُ

عَلي حيلَةٍ. فَإِنْ فَعَلَ فَصٰارَ في يَدِهِ شَيْ ءٌ فَلْيَبْعَثْ بِخُمسِهِ إِلي أهْلِ الْبَيْتِ «1».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 353 ب 10 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 281

______________________________

دلّت علي حرمة العمل للسلطان عدَّة نصوص معتبرة ذُكرت في المكاسب المحرّمة. و قد استثني في هذه النصوص موردان، أحدهما: ما إذا قُضي به حوائج المؤمنين. و الآخر ما إذا اضطرّ إليه و لم يكن له مناصٌ من ذلك لإمرار معاشه بأن يقع لتأمين المعاش بغير هذا الطريق في المشقة و الحرج. و إنّ الجواز ثابت في هذين الموردين إذا كان العمل في نفسه مباحاً كما هو المنصوص في هذه الموثقة.

و لكن التحقيق أنه لا ربط لها بالمقام. لنظرها إلي خمس الفائدة و الغنيمة المستفادة. خصوصاً بقرينة قوله

فصار في يده شي ءٌ

أي جمع مالًا و حصل له غُنم. فهذه الموثقة ناظرةٌ إلي خمس مطلق الفائدة الحاصلة بأيّ عملٍ.

و منها: معتبرة عمار بن مروان رواها الصدوق في الخصال عن أبيه عن محمّد بن يحيي عن محمد بن عيسي عن الحسن بن محبوب عن عمّار بن مروان

قالَ: سَمِعْتُ أَبا عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) يَقُولُ: فٖيمٰا يُخْرَجُ مِنَ الْمَعادِنِ وَ الْبَحْرِ وَ الْغَنيمَةِ وَ الْحَلٰالِ الْمُخْتَلَطِ بِالْحَرٰامِ إِذٰا لَمْ يُعْرَفْ صٰاحِبُهُ وَ الْكُنُوزِ-، أَلْخُمْسُ «1».

و لا إشكال في دلالتها علي ثبوت الخمس المصطلح في المال المخلوط بالحرام، حيث إنّه قد صُرّح فيها بوجوب الخمس فيه في عداد سائر أقسام ما يجب فيه الخمس في سياقٍ واحدٍ. و لا ريب في كون الخمس في جميع الأقسام المذكورة فيها بمعني واحدٍ بمقتضي وحدة السياق.

و يستفاد من هذه المعتبرة اعتبار قيدين في تعلق الخمس بالمال المخلوط بالحرام. أحدهما: الجهل بمقدار المال الحرام لأجل خلطه

بالمال الحلال، فقُدِّر بالخُمس تعبّداً، و إلّا فمقتضي القاعدة أن يترتّب عليه حكم مجهول المالك. و الآخر: الجهل بمالكه، و إلّا لا بُدّ من إيصال ماله إلي مالكه المعلوم.

و إنّما الكلام في سندها نظراً إلي تردّد عمّار بن مروان بين اليشكري الثقة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 3 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 282

______________________________

المعروف الذي كان له الكتاب و بين الكلبي المجهول. و قد ذكر الصدوق في مشيخته سنده إلي الكلبي بقوله: «و ما كان فيه عن عمار بن مروان الكلبي فقد رويته عن محمّد بن موسي بن المتوكل (رضي اللّٰه عنه) عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب الخزّاز عن عمّار بن مروان» و لم يذكر فيه طريقاً إلي عمار بن مروان اليشكري. و مقتضي القاعدة حمل الاسم المردّد بين الفردين علي ما هو المعروف منهما و هو اليشكري الثقة. هذا مضافاً إلي أنّ الحسن بن محبوب نقل هذه الرواية عن عمار بن مروان بلا وساطة أبي أيّوب الخزاز. و ذلك يقوّي كون المقصود منه اليشكري الثقة. نظراً إلي أنّ الذي يروي بواسطة أبي أيوب الخزّاز هو الكلبي، كما ذكره الصدوق (قدّس سرّه) في مشيخته. و هو قد روي هذه الرواية بنقل الحسن بن محبوب عن عمار بن مروان بلا وساطة أبي أيوب فلذا لا مانع من حمله علي اليشكري الثقة إذ من الممكن أن ينقل هذه الرواية في الخصال بهذا الطريق المذكور عن اليشكري. و إن يمكن النقاش بأنّ وجود طريقٍ للصدوق إلي اليشكري غير ما نقل الشيخ عنه بعيدٌ. قال الشيخ: «عمار بن مروان له كتاب

أخبَرَنا به المفيد (رضي اللّٰه عنه) عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن سعد بن عبد اللّٰه الحميري و محمد بن يحيي و أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد و محمد بن الحسين جميعاً عن محمد بن سنان عنه» «1». و المقصود من عمّار بن مروان في كلامه هو اليشكري، نظراً إلي إسناد الكتاب اليه.

فلذا يترجّح القول بأنّ المقصود من عمار بن مروان في الرواية المبحوث عنها هو الكلبي، و لا أقلّ من احتماله. و بناءً علي ذلك تسقط هذه الرواية عن الاعتبار حيث لم يثبت طريق للصدوق إلي اليشكري غير ما ذكره الشيخ. و لكن يُردّ هذا النقاش بان المذكور في سندها من الرواة طريق بنفسه للصدوق إلي عمار بن مروان الظاهر في

______________________________

(1) معجم الرجال/ ج 12 ص 280 الرقم 8645.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 283

______________________________

اليشكري بلا حاجة إلي ذكره في المشيخة علي حدة و علي فرض التردد لا مناص من الالتجاء إلي فتوي المشهور من القدماء لجبر ضعفها كما نقلنا آراءَهم في صدر البحث. و بذلك يتمّ سند هذه الرّواية.

و أما النقاش بأنّ متن هذه المعتبرة مغايرٌ لما هو الموجود في الخصال حيث لم يذكر المال المخلوط بالحرام في نسخ الخصال الموجودة، فيمكن دفعه بأن صاحب الوسائل قد رواها بسنده المتصل و كذا في الحدائق و احتمال الدَّسّ و الزيادة في النسخ الموجودة عندهما موهون جدّاً لا يعتني به.

و يؤيّد ذلك ما رواه في الخصال بسنده الصحيح عن ابن ابي عمير عن غير واحدٍ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الْخُمْسُ عَليٰ خَمْسَةِ أَشْيٰاءٍ: عَلَي الْكُنُوزِ وَ الْمَعٰادِنِ وَ الْغَوْصِ وَ الْغَنيمَةِ وَ نَسِيَ ابْنُ أبي عُمَيْرِ الْخامِسَ «1».

و

أُضيف في الخصال بعد نقل هذه الرواية

قال المصنف: أظنّ الخامس الذي نسيه ابن أبي عمير مالًا يرثه الرجل و هو يعلم أنّ فيه من الحلال و الحرام و لا يعرف أصحاب الحرام فيؤدّيه إليهم و لا يعرف الحرام بعينه فيجتنبه فيخرج منه الخمس «2».

و قد يُستبعد كون هذا كلام الصدوق «3» نظراً إلي أنّ ما يرثه الرجل غير المال المخلوط بالحرام و أنّه لا يناسب نقل هذه الرواية بعد ذكر معتبرة عمار كما لا يناسب ما رواه في الفقيه مرسلًا قال

جٰاءَ رَجُلٌ إِلي أَميرِ الْمُؤْمِنينَ (عليه السّلام)، فَقٰالَ: يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ أَصَبْتُ مٰالًا أَغْمَضْتُ فيهِ أَ فَلي تَوْبَةٌ؟ قالَ: ايتِني خُمْسَهُ فَأَتٰاهُ بِخمُسِهِ فَقالَ: هُوَ لَكَ. إِنَّ الرَّجُلَ إِذا تٰابَ تٰابَ مٰالُه مَعَهُ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ح 7.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 344 ح 7.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 353 ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 284

______________________________

و فيه: أنّ هذه الجملة متن كتاب الخصال و احتمال الدَّسّ و الزيادة منفي. و أما التعبير بقوله

قال المصنف..

فكان من عادة القدماء في بيان آراءِهم بعد ذكر الروايات. هذا مضافاً إلي أنّ ما يرثه الرجل إذا كان مخلوطاً بالحرام يكون من قبيل المال المختلط بالحرام. و عليه فالخامس الذي نسيه ابن أبي عمير هو المال المخلوط بالحرام المجهول صاحبه، كما في المعتبرة و المرسلة من دون منافاةٍ في البين.

فتحصّل أنّ المناقشات المذكورة في المقام غير واردة فلا إشكال في سند هذه المعتبرة و لا في دلالتها. و إنّما الكلام في معارضها و هو ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أَتيٰ رَجُلٌ أَميرَ الْمُؤْمِنينَ

(عليه السّلام). فَقٰالَ: إِنّي كَسَبْتُ مالًا أَغْمَضْتُ في مَطالِبِهِ حَلالًا وَ حَراماً وَ قَدْ أَرَدْتُ التَّوْبَةَ وَ لا أَدْريِ الْحَلالَ مِنْهُ وَ الْحَرامَ وَ قَد اخْتَلَطَ عَلَيَّ. فَقالَ أَميرُ الْمُؤْمِنينَ (عليه السّلام): تَصَدَّقْ بِخُمسِ مالِكَ فَإِنَّ اللّهَ قَدْ رَضِيَ مِنَ الْأَشْياءِ بِالْخُمسِ وَ سائِرُ الْمالِ لَكَ حَلالٌ «1».

وجه المعارضة أنّ التصدق هو تمليك المال للفقراء مجاناً في سبيل اللّٰه بخلاف التخميس، فإنّ حقيقته إخراج خمس المال الذي ملّكه الشارع لأرباب الخمس بلا احتياج إلي تمليك المعطي كما في الصدقة.

هذا مضافاً إليٰ أنّه لم يعبّر في النصوص عن الخمس بالتصدّق، فليس الخمس المذكور في هذه الموثقة بمعناه المصطلح بل المراد به الصدقة. و عليه فتقع المعارضة بينها و بين المعتبرة المزبورة إذ هي دلّت علي وجوب التصدّق بخمس المال المخلوط بالحرام و لكن المعتبرة دلت علي وجوب تخميسها.

و فيه: ان الصدوق نقل هذه الموثقة في الفقيه هكذا

أَخْرِجْ خُمْسَ مالِكَ..

و بناءً علي ذلك يكون مدلولها مؤكّداً لمدلول معتبرة عمار. و لا تصلح لمعارضتها نظراً

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 353 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 285

______________________________

إلي إجمالها بسبب التردُّد بين التعبيرين المزبورين. بل يمكن القول بترجيح نسخة الفقيه إذ هو نقلها عن كتاب السكوني. و يحتمل التغيير في طريق الشيخ باستنساخ الرواة و نقلهم. هذا مضافاً إلي أنّ قوله (عليه السّلام) في ذيل الموثقة

فَإنّ اللّٰه قَدْ رَضِيَ مِنَ الْأَشْيٰاءِ بِالْخُمسِ

ظاهرٌ في إرادة الخمس بمعناه المصطلح إذ هو منصرف إلي الذهن عند إطلاق لفظه.

و الحاصل: أنه لا معارضة في البين بل المعتبرة باقية علي تماميتها سنداً و دلالةً و سالمة عن المعارض.

و ظهر بهذا البيان فساد ما ذهب إليه المحقق الهمداني من التخيير بين التخميس و بين

التصدق عملًا بكلتا الروايتين برفع اليد عن ظاهر كل واحدٍ منهما و الأخذ بصريح الآخر. وجه ظهور الفساد أنّ هذا التوجيه فرع وقوع المعارضة بين الروايتين و قد اتضح لك بما قلنا ارتفاع المعارضة عنهما.

و حاصل ما ذهب إليه أنّ تعلّق الخمس بالمال المختلط ليس معناه انتقال الخمس إلي أربابه بمجرّد الخلط و حصول الشركة بين صاحب الخمس و بين من في يده المال قهراً كما في تعلّق الخمس بسائر الأقسام. بل الخمس هنا مطهّر للمال المخلوط و إنّ الباقي بعد التخميس يصير ملكاً له بحكم الشارع تعبّداً. و بناءً علي ذلك فله التصدّي لتطهير المال بالتصدّق به كما دلّ عليه موثقة السكوني. و أنّ الأمر بالتصدق في هذه الموثقة لمّا كان في موضع توهم الحظر لكونه تصرفاً في مال الغير بغير إذنه يدل علي جواز التصدق بخمس المال المخلوط. و لكن هذا التوجيه منه (قدّس سرّه) يبتني علي أساسٍ قد عرفت انهدامه بما سردناه لك.

ثم إنه من المحتمل كون الموثقة ناظرة إلي خمس الأرباح و كون المقصود اختلاط المال الحاصل من الكسب الحرام كالمعاملة الربوية و أخذ الرشا و نحوهما. كما يشهد علي ذلك قول السائل-

إنّي كسبت مالًا و أغمضت في مطالبه

أي سامحت في

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 286

______________________________

كسبه و لم أُبالي حرمته. و يؤيّد ذلك أنّ صاحب الوسائل ذكرها في عداد نصوص خمس الأرباح. و لكن يُبَعِّد هذا الاحتمال أنه يوجد نفس هذا التعبير أعني به قوله

أغمضت في مطالبه

في خبر علي بن أبي حمزة مع أنّ الإمام (عليه السّلام) قد أمر فيه بالتصدق بما اكتسبه من ديوان بني أُمية عن مالكه المجهول حيث قال

فَأَخْرِجْ مِنْ جَميعِ مٰا كَسَبْتَ في ديوٰانِهِمْ فَمَنْ عَرَفْتَ

مِنْهُمْ رَدَدْتَ عَلَيْهِ مالَهُ وَ مَنْ لَمْ تَعْرِفْ تَصَدَّقْتَ بِهِ «1».

و الحاصل: أنه لا معارضة بين المعتبرة و الموثقة حتي يوجّه بذلك القول بالتخيير. و لكن ورد في المقام رواية أُخري قد يتوهّم معارضتها لمعتبرة عمّار. و هي ما رواه محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن زرعة (سماعة) قال

سَأَلَ أَبا عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجِبٰالِ عَنْ رَجُلٍ أَصٰابَ مالًا مِنْ أَعْمٰالِ السُّلْطٰانِ فَهُوَ يَصَّدَّقُ مِنْهُ وَ يَصِلُ قَرابَتَهُ أَوْ يَحِجُّ لِيُغَفَر لَهُ مَا اكْتَسَبَ وَ هُوَ يَقُولُ إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ. قٰالَ: فَقٰالَ أَبُو عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام): إِنَّ الْخَطيئَةَ لا تُكَفِّرُ الْخَطيئَةَ وَ لٰكِنَّ الْحَسَنَة تَحُطُّ الْخَطيئَةَ. ثُمّ قٰالَ أَبُو عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام): إنْ كانَ خَلَطَ الْحَرامَ حَلٰالًا فَاخْتَلَطٰا جَميعاً فَلَمْ يَعْرِفِ الْحَرامَ مِنَ الْحَلٰالِ فَلٰا بَأْسَ «2».

بدعويٰ أنّ إطلاق قول السائل «فَهُوَ يَصَّدَّقُ مِنْهُ» و جواب الإمام (عليه السّلام) بنفي البأس عن ذلك يقتضي بظاهره جواز الاكتفاءِ بالتصدق بالمال المختلط في حلّية التصرف و نفي البأس عنه مطلقاً و لو لم يخمّس.

هذا غاية تقريب معارضة هذه المعتبرة مع نصوص الخمس.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12 ص 144 ب 47 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 8 ص 104 ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 287

أما لو علم قدر المال فان علم صاحبه دفعه اليه و لا خمس، بل لو علمه في عدد محصور فالأحوط التخلص منهم، فان لم يمكن فالأقوي الرجوع إلي القرعة (1).

______________________________

و فيه: أنّ إطلاق هذه الموثقة يقيَّد بنصوص وجوب الخمس. و ذلك لأنّ عدَّ المال المختلط بالحرام مما يجب فيه الخمس في معتبرة عمار ظاهرٌ في

كون خمسه ملكاً لأربابه و أنّ أيّ تصرّف فيه غير جائزٍ قبل التخميس، و كذا أمره (عليه السّلام) بإخراج الخمس في موثقة السكوني بناءً علي نسخة الفقيه دلّ بظاهره علي وجوب تخميس المال المختلط و عدم جواز التصدق به قبل إخراج خمسه. و أمّا هذه الموثقة فهي ناظرة إِلي جواز التصدق بالمال المختلط بالحرام تخلّصاً من وزر الحرام الموجود فيه لا تطهير المال بذلك.

و بعبارة أُخري: إنّ الإمام (عليه السّلام) نفي البأس عن معاملة الملك مع المال المختلط بالحرام بالتصدّق منه و إتيان الحج و نحو ذلك من الحسنات ليذهبن وزر السَّيِّئٰات كما هو مورد السؤال. و إطلاق كلامه و إن يشمل قبل التخميس إلّا أنَّ هذا الإطلاق يقيَّد بما دلّ علي وجوب الخمس في المال المختلط مثل معتبرة عمار و موثقة السكوني.

و الحاصل: أنّه لا معارضة في البين بل النسبة بينهما الإطلاق و التقييد و مقتضي القاعدة حمل المطلق علي المقيد. و من هنا حمل صاحب الوسائل نفي البأس في موثقة سماعة علي ما بعد التخميس.

[حكم ما لو علم قدر المال و تردّد صاحبه في عدد محصور]

حكم ما لو علم قدر المال و تردّد صاحبه في عدد محصور

(1) إنّ في المقام كما أشار السيد (قدّس سرّه) في العروة أربعة وجوهٍ:

أحدها: وجوب التخلّص من الحرام بالاحتياط و إرضاءُ كل واحدٍ ممّن علم

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 288

______________________________

إجمالًا كونه مالكاً و لو بدفع المال من كيسه تحصيلًا لفراغ ذمّته عن عهدة الضمان المعلوم بالإجمال.

ثانيها: التصدّق من قبل المالك المجهول لفرض عدم معرفة شخصه.

ثالثها: التوزيع بينهم بالسوية استناداً إلي قاعدة العدل و الإنصاف.

و رابعها: الرجوع إلي القرعة أخذاً بإطلاق أدلّتها.

و قد اختار في العروة الوجه الثالث فحكم بالتوزيع. و قد احتاط الماتن (قدّس سرّه) وجوباً بالتخلّص

من الجميع مهما أمكن و مع عدم إمكانه قوَّي الرجوع إلي القرعة.

و هنا وجه خامسٌ قد يقال به للتخلّص عن الحرام في المقام.

و حاصله: أن يدفع المال الحرام ابتداءً إلي واحدٍ من الأفراد المعلوم وجود المالك بينهم إجمالًا، فيحصل بذلك فراغ ذمته بالنسبة إلي ذلك الشخص. ثم يأخذ منه المال بعد ردّه فيحدث بذلك ضمان جديد. و هكذا يفعل في حق سائر الأشخاص إلي ان يصل إلي الأخير. فإذا دفع المال إليه لا يستردّه منه. فعند ذلك يقطع بفراغ ذمته من الضمان المحتمل بالنسبة إلي الأخير وجداناً نظراً إلي دفع المال الحرام كلّه إليه. و أمّا بالنسبة إلي سائر الأشخاص يحكم بعدم حدوث ضمان جديد بعد ارتفاع الضمان السابق. حيث إنّ بعد دفع المال إلي الأخير ينحلّ العلم الإجمالي و لا يتعارض الأصول النافية الجارية في حق السائرين. و حيث إن حدوث أصل الضمان بالنسبة إلي أشخاصهم مشكوك فيحكم بعدم حدوثه. و بذلك يحصل فراغ ذمّته بالنسبة إلي الأخير وجداناً و بالنسبه إلي سائرين تعبّداً بمقتضي جريان الأصل النافي.

و الإشكال بأنّ بمجرّد دفع المال إلي بعضهم يصير ذلك البعض ذا اليد بالنسبة إلي المال المدفوع إليه و لمّا كان اليد أمارة لا يرجع إلي الأصل مع وجودها، مدفوع بأن اليد إنّما تكون أمارة إذا لم يكن ذو اليد معترفاً بانتقال المال إليه من يد سابقٍ كما في المقام.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 289

______________________________

كما أنّ الاشكال بأنه يجب تحصيل فراغ الذمة من ضمان مال الغير المعلوم بالإجمال و لا يحصل اليقين بذلك، مدفوع بأن العلم بفراغ الذمة من ضمان مال الغير حاصل في المقام بالنسبة إلي الأخير وجداناً بدفع المال إليه و بالنسبة إلي سائرين

تعبداً بأصل عدم حدوث ضمان جديد بأخذ المال منهم ثانياً بعد ارتفاع الضمان السابق بدفع المال إليهم.

و قد يشكل علي ذلك بما حاصله: أنّ الرافع للضمان هو دفع مال الغير إلي صاحبه عن قصد جدّي برفع اليد عنه و جعله تحت استيلاء صاحبه. و هذا لا يتمشي من مريد استرداد المال بعد دفعه فإنه لم يرفع حينئذٍ يده عن مال الغير حقيقة و لم يجعله تحت استيلائِه واقعاً بل إنما دفعه إليه صورياً و مقدّمةً لاسترداده منه. و إن دليل رفع الضمان بردّ مال الغير إلي صاحبه منصرف عن مثل هذا الدفع الصوري، لظهوره في الدفع الجدي الملازم لرفع اليد عنه حقيقة و جعله تحت استيلاءِ صاحبه واقعاً بإرادة جدّية و ليس الدفع المفروض من هذا القبيل. و الحاصل أنّ الضمان السابق لم يرتفع بالنسبة إلي غير الأخير حتي يُشَكّ في حدوث الضمان الجديد. و لا أقل من الشك في ارتفاعه فيرجع إلي عمومات الضمان كقوله (عليه السّلام)

لٰا يَحلُّ مٰالُ امْرِءٍ مُسْلِمٍ إِلّٰا بِطيبَةِ نَفْسِهِ

و نحوه.

و فيه: أنّ رافع الضمان هو مجرّد إيصال المال إِلي صاحبه برفع اليد عن المال و جعله تحت استيلاءِ صاحبه، و هذا أمرٌ تكويني متحقق في الخارج من دون دخل للقصد.

و بعبارة أخري: ليس رافع الضمان من العناوين القصديّة بل هو فعل خارجي متحقق بإيصال المال إلي صاحبه. و الشاهد علي ذلك أنّه لو تلف المال في يد صاحبه بمجرد دفعه إليه لا يكون دافع المال ضامناً له قطعاً و ليس ذلك إلّا لأجل ارتفاع الضمان بمجرّد إيصال المال إلي صاحبه.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 290

______________________________

و أمّا توهُّم أنّ الجمع بين دفع المال إلي غير الأخير و بين أخذه

المجدّد يستلزم العلم بارتكاب الحرام إجمالًا و حيث نعلم بحرمة واحد من الدفع و الأخذ نظراً إلي أَنّ الشخص المدفوع اليه المال إمّا هو مالكٌ واقعاً أو لٰا، فعلي الأول يحرم أخذ المال منه و علي الثاني يحرم دفعه إليه.

فقد تبيَّن فساده بما قلنا لأن أخذ المال من سائرين غير الأخير محكومٌ بالجواز في الظاهر لجريان أصل عدم حدوث ضمان جديد.

و الحاصل: أنّ هذا الوجه لا غبار عليه من جهة القاعدة و إن كان العمل به متعذّراً في الخارج فمهما أمكن العمل به يكون متعيَّناً.

و أما احتمال توزيع المال بينهم بالسوية استناداً إلي قاعدة العدل و الإنصاف ففيه ما مرّ آنفاً من منع جريان السيرة علي هذه القاعدة بهذا العرض العريض، مع مخالفتها لعموم ما دلّ علي وجوب ردّ مال الغير إلي صاحبه و عدم جواز التصرف فيه بغير إذنه. و عدم إطلاق نصوص التنصيف لورودها في موارد خاصّة مثل المال التالف عند الودعي و صورة التداعي و لا يمكن التعدي إلي سائر موارد تردد المال بين شخصين أو أشخاص.

و أما إرضاء الجميع فلا كلام في كونه رافعاً للضمان. و إنما الكلام في وجوب تحمّل الضرر بدفع المال إليهم و لو من كيسه لتحصيل الفراغ من الضمان بإرضاءِ جميعهم.

و قد يشكل علي ذلك بأنه منفيٌّ بحديث لا ضرر. و أجيب عنه بأنه قُرّر في علم الأصول من أنّ حديث لا ضرر ينفي حكما شرعياً ينشأ الضرر من جعله. و في المقام لم ينشأ الضرر من نفس الحكم الشرعي و هو وجوب رد مال الغير إلي صاحبه بل إنما ينشأ الضرر من حكم العقل بالاحتياط لإحراز امتثاله و ليس هذا حكماً شرعياً حتي ينفيه حديث لا

ضرر.

و فيه: ان الحكم الشرعي تارة: يكون موجباً للضرر حدوثاً. و أُخري: بقاءً

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 291

______________________________

و هو منفي في كلتا الصورتين. و في المقام و إن لا يكون الحكم الشرعي ضرريّاً بحسب الحدوث و لكنه ضرريٌّ بقاءً، لأن دفع المال إلي أحدهم و إن لا يوجب الضرر و لكن بقاء وجوب ردّ مال الغير إلي صاحبه بالنسبة إلي سائرين بعد دفع المال إلي واحدٍ منهم ضرريٌّ. اللّهُمَّ إِلّا أن يقال: إن بقاءَ هذا الحكم يكون بحكم العقل.

ان قلت: ان قاعدة لا ضرر جعلت امتناناً علي الأمة و هي في المقام خلاف الامتنان بالنسبة إلي صاحب المال، نظراً إلي احتمال كونه أحد السائرين المدفوع اليه المال فلم يصل المال حينئذٍ إلي صاحبه بل دفع إلي غيره. كما أنّ مريد التخلّص من الحرام لو دفع بدل ذلك المال إلي آحادهم يرد عليه الضرر أيضاً فيتكافؤ الضرران و لا تجري القاعدة حينئذٍ.

قلت: إن الضرر الوارد علي صاحب المال ناشئٌ من جهل نفسه، فلذا لا يكون جريان حديث لا ضرر بالنسبة إليه خلاف الامتنان فالقاعدة جارية في حق مريد التخلص من الحرام خاصّةً.

هذا إذا كان عين مال الغير معلوماً متميّزاً و لكنه خارج عن فرض الماتن إذا الكلام في الحرام المشتبه بالحلال المعلوم قدره، و قدر الحرام و إن كان معلوماً في المقام إلّا أنّه مشتبه و لأجل هذا الاشتباه لا يقدر المالك علي تمييز ماله. و من الواضح أنّ مريد التخلّص من الحرام هو الذي أوقع المالك في هذا الاشتباه بخلط الحرام بالحلال.

فيبقي الضرران الواردان علي الدافع و المالك متكافئان فإشكال جريان قاعدة نفي الضرر باقٍ علي حاله في فرض الكلام.

و عمدة الإشكال في المقام

أنه لو كان إرضاء الجميع واجباً و لو بدفع المال من كيسه ليلزم محذور غير قابل للالتزام نظراً إلي استلزامه ذهاب أضعاف قدر المال المردد من كيسه. مثل ما لو تردد درهم بين سبعة أشخاص فيلزم عليه حينئذ إعطاء سبعة دراهم. إليهم لكل واحدٍ درهماً فيذهب ستّة دراهم من كيسه لأجل إرضاء

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 292

______________________________

الجميع. و هذا لا يلتزم به أيّ فقيه عارف بمذاق الشريعة السمحة السهلة النافية للضرر و الحرج و الإجحاف امتناناً علي الأمة المرحومة إلا إذا كان غاصباً فيؤخذ بأشقّ الأحوال و يكلّف بردّ المال المغصوب إلي صاحبه بتحمّل أيّ ضرر.

إن قلت: إنّ هذا المحذور من لوازم حكم العقل بالاحتياط لا حكم الشرع كما يلزم من الاكتفاء بالتخميس. قلت: بل يلزم هذا المحذور من بقاء حكم الشارع بوجوب ردّ مال الغير إلي صاحبه بعد دفع المال إلي واحد من الأشخاص المحصورين.

و حاصل الكلام: أنه لو تراضوا بالمصالحة فلا كلام و إلّا فلا وجه لإرضاءِ الجميع بتحمل الخسارة بل يرجع إلي القرعة.

و أما احتمال التصدق من قِبَل المالك فلا وجه له في المقام لاختصاص نصوصه بما إذا كان المالك مجهولًا مطلقاً و لم يكن أيّ طريقٍ لإيصال المال إليه و لو تعبُّداً بحكم الشارع، و المفروض في المقام إمكان ذلك بالتراضي أو الوجه الخامس الذي ذكرنا أو القرعة.

و أما الرجوع إلي القرعة فإنّ ظاهر نصوصها مثل قول أبي جعفر (عليه السّلام)

لَيْسَ مِنْ قَوْمِ تَقٰارَعُوا ثُمَّ فَوَّضُوا أَمْرَهُمْ إِلي اللّٰهِ إِلّا خَرَجَ سَهْمُ الْمُحِقِّ

، مشروعية القرعة في كل موردٍ خفي سهم شخصٍ محقٍّ و لم يكن أيّ طريق شرعي لإثبات حقه و لو ظاهراً. و عليه فلو علم كون المال لواحدٍ

منهم بدليلٍ أو أصلٍ لا تصل النوبة إلي القرعة و إلّا فيتعيّن الرجوع إليها. كما أنه لو أمكن العمل بالوجه الخامس لا تصل النوبة إلي القرعة لارتفاع المشكل بذلك.

اللّهم إلّا أن يقال إنّ هذا الوجه حيلة شرعية و انّما يُلتجي إليه عند الابتلاء بمشكلة التخلّص من الحرام. و لمّا جعلت القرعة لكل أمر مشكلٍ من جانب الشارع فلا بد من الرجوع إليها نظراً إلي عدم وجود أمارةٍ أو أصل شرعي يرفع المشكل مع قطع النظر عن هذه الحيلة. هذا إذا كان المال الحرام معلوماً و إلّا يرجع إلي القرعة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 293

و لو جهل صاحبه أو كان في عدد غير محصور تصدق بإذن الحاكم علي الأحوط علي من شاء ما لم يظنه بالخصوص (1).

______________________________

كما سبق. و لكن يلزم هنا قرعتان إحداهما: لإخراج المال الحرام و تعيينه. و الأُخريٰ: لتعيين صاحب المال، فيخرج بالقرعتين سهم المحق.

[حكم ما لو علم المقدار و لم يعرف المالك]

حكم ما لو علم المقدار و لم يعرف المالك

(1) إن ما ثبت بالدليل اعتباره في تعلّق الخمس بالمال المختلط بالحرام أمران، قد دلّت عليهما معتبرة عمّار:

أحدهما: اختلاط المال الحلال بالحرام. و الآخر: الجهل بصاحبه.

و أما الجهل بمقدار المال الحرام فهل يعتبر في تعلّق الخُمس بالمال المختلط حتي يقال: بوجوب التصدّق بما علم مقداره من مال الغير و عدم جواز الاكتفاء بدفع الخمس، أم لا يعتبر الجهل بالمقدار بل يجب تخميس المال المخلوط مطلقاً حتي مع العلم بمقدار الحرام. و علي الثاني فهل يكتفي بالتخميس إذا كان الحرام المعلوم أكثر من مقدار الخمس أو يتصدّق بالزائد؟.

فهنا ثلاثة أقوال:

ذهب الماتن (قدّس سرّه) إلي الأول وفاقاً للمشهور بل استظهر الشيخ الأنصاري أنّ وجوب التصدّق بكل ما علم مقداره من قليل

أو كثير مورد اتفاق الأصحاب من غير خلاف.

و ذهب إلي الثاني صاحب الحدائق فقال بوجوب الخمس من غير صدقة، سواءٌ أ كان مقدار الحرام أقلّ من الخمس أم أكثر منها.

و أما القول الثالث و هو وجوب الخمس و التصدق بالزائد إذا كان المعلوم أكثر

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 294

______________________________

من مقدار الخمس فقد نسبه في الحدائق إلي بعضٍ. و هذا القول لا يمكن الالتزام به بوجهٍ، حيث إنه لو عملنا بمعتبرة عمّار فلا بد حينئذٍ من الاكتفاءِ بالتخميس من دون حاجةٍ إلي التصدّق بالزائد. بل التخميس نفسه مطهّر لأربعة أخماس الباقية و موجب لدخول القدر الزائد في ملك من في يده المال بحكم الشارع. و إن عملنا بموثقة السكوني فلا بد حينئذٍ من التصدق بالمال الحرام كله بلا احتياج إِلي التخميس فعلي أيّ حالٍ لا وجه للجمع بين التصدق و التخميس.

و أما القول الثاني: فقد استدلّ عليه صاحب الحدائق بوجهين:

أحدهما: أن مورد نصوص تخميس المال المختلط بالحرام مثل معتبرة عمار بن مروان ما إذا كان مال الغير مخلوطاً بالحلال مطلقاً، سواءٌ كان مقداره معلوماً أم مجهولًا، و سواءٌ كان المعلوم أقلّ من مقدار الخمس أم أكثر منه. و إن جميع نصوص مجهول المالك قد وردت في المال المتميز خاصّةً. و أمّا المخلوط فلم ترد فيه أيّة رواية منها فلا بد في مورده من الرجوع إلي نصوص الخمس مطلقاً علي الوجه المزبور.

و ثانيهما: أنه لا يقاس المخلوط بالمتميز حتي يقال بتعميم نصوص مجهول المالك فإنه قياس مع الفارق. و ذلك لان المال المتميز و إن كان مالكه مجهولًا غير معروف بشخصه إلّا أنه معيّن غير متردّد بين الشخصين و من هنا يمكن التصدق عنه و أنه

نحو إيصالٍ لماله إليه. و أمّا المال المخلوط فمع قطع النظر عن الجهل بمالكه و عدم معرفة شخصه لا يكون معيناً بل متردّد. فيكون جميع المال بأجزائه مشتركاً بينهما علي فرض حصول الامتزاج الموجب للشركة و لا أقل من تردّده بين المالكين عند الاختلاط و لو لم تحصل الشركة. فعلي أيّ حال لا يجوز التصدّق به. أمّا عند الامتزاج فلأنّ تقسيم المال المشترك و إفراز حصّة الغير يحتاج إلي إذنه، فلا يجوز إفرازها ثم التصدق عنه بغير إذنه. و أما علي فرض الخلط و إن لا شركة في البين إلّا أنّه لا يمكن التصدق عن المالك مع تردد المالك إذ يحتمل كون المال للمتصدّق نفسه فلا

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 295

______________________________

يمكن له التصدق من قِبَل المالك المجهول.

و يمكن الجواب عن الوجه الأوّل: بأنّ موثقة السكوني حسب نسخة الكافي تكون في عداد ما دلّ علي وجوب التصدق بالمال المخلوط لفرض السائل اختلاط المال بالحرام بقوله

و قد اختلط عليّ.

هذا مضافاً إلي خبر علي بن أبي حمزة «1» الوارد فيمن أصاب مالًا كثيراً مع الإغماض في مطالبه، حيث إنه (عليه السّلام) أمر فيه بالتصدّق عن مالكه إذا لم يعرف كما نقلناه آنفاً. فإنه يشمل ما إذا لم يكن مال الغير متميزاً نظراً إلي بُعد معرفة ذلك الشخص الأموال الواصلة إليه من بني أمية بأعيانها مع كون أكثرها نقوداً غير قابل للميز بعد الخلط بأمثالها.

نعم أكثر نصوص المجهول المالك واردة في المال المتميز مثل ما ورد في الأمانة التي بقيت عند المؤتمن و ذهب مالكها أو أُجرة أجيرٍ بقيت في يد رفيقه و ذهب الأجير فلم يرجع و هو لا يعرفه و نحو ذلك «2».

و مما يبعّد قول

صاحب الحدائق أنّه بناءً علي ما ذهب إليه من وجوب الخمس إذا كان مقدار الحرام المخلوط معلوماً يلزم وجوب الخمس حتي لو كان مقدار الحرام شيئاً قليلًا بأن كان عشرين توماناً و خلط مع عشرة آلاف تومان و هذا ممّا يأبيٰ عنه ذوق الفقيه العارف بالشريعة السمحة السهلة النافية للضرر و الإجحاف.

إذ يلزم منه الحكم بكون ألفين تومان منه لأرباب الخمس مع العلم بكون ثمانين و تسعمائة تومان منه ملك من في يده المال. و هذا لا يمكن الالتزام به. فيعلم من ذلك أن المقصود من الحرام المختلط في نصوص المقام ما إذا لم يكن مقداره معلوماً.

و ممّا يدل علي ذلك: قوله

و الحرام المختلط بالحرام

في معتبرة عمار.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12 ص 144 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17 ص 582 ب 6 وص 357 ب 7.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 296

______________________________

و قوله

و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ

في موثقة السكوني. فإنّ ظاهرهما عدم تمييز مقدار الحرام لأجل الاختلاط فقُدِّر بالخمس تعبداً. و قد قلنا سابقاً إنّ الموثقة مؤكّدَة لمضمون معتبرة عمار بناءً علي نسخة الفقيه.

ثم إن إطلاق نصوص مجهول المالك قد قيّد بنصوص الخمس في خصوص المختلط الغير المتميز. و مقتضي ذلك الحكم بالتخميس إذا لم يتميز مال الغير المجهول مالكه لاختلاطه بالمال الحلال و بالتصدق إذا كان مقداره متميزاً معلوماً من غير خلطٍ بالمال الحلال.

فالأوجه من بين هذه الأقوال الثلاثة ما ذهب إِليه المشهور و اختاره الماتن (قدّس سرّه).

[دليل اعتبار إذن الحاكم في التصدق بمجهول المالك]

دليل اعتبار إذن الحاكم في التصدق بمجهول المالك ثم إنه يعتبر في التصدق بمجهول المالك إذن الحاكم. و ذلك لأن التصدق نوعٌ من التصرف في مال الغير و مقتضي القاعدة عدم

جواز التصرف في مال الغير من دون إذنه. كما في صحيح محمد بن جعفر الأسدي عن صاحب الأمر (عج)

فَلٰا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ في مٰالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ «1»

و موثقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ دَمُ امْرءٍ مُسْلِمٍ وَ لٰا مالُهُ إِلّٰا بِطيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ «2».

و المتيقن من مدلول نصوص التصدق بمجهول المالك ما إذا كان بإذن الحاكم. لأن الدال علي ذلك خبران:

أحدهما صحيح يونس بن عبد الرحمن

قال: سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضا (عليه السّلام) وَ أَنَا حٰاضِرٌ إِلي أَنْ قالَ فَقٰالَ: رَفيقٌ كٰانَ لَنٰا بِمَكَّةَ فَرَحَلَ مِنْهٰا إِلي مَنْزِلِهِ وَ رَحَلْنٰا إِلي مَنازِلِنا فَلَمّٰا أَنْ صِرْنٰا في الطريقِ أَصَبْنا بَعْضَ مَتاعِهِ مَعَنا، فَأَيُّ شَيْ ءٍ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 377 ح 6.

(2) الوسائل/ ج 3 ص 424 ب 3 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 297

______________________________

نَصْنَعُ بِهِ؟ قٰالَ (عليه السّلام): تَحْمِلُونَهُ حَتّي تَحْمِلُوهُ إِلي الْكُوفَةِ. قالَ: لَسْنٰا نَعْرِفُهُ وَ لٰا نَعْرِفُ بَلَدَهُ وَ لٰا نَعْرِفُ كَيْفَ نَصْنَعُ. قٰالَ (عليه السّلام): إِذٰا كٰانَ كَذٰا فَبِعْهُ وَ تَصدَّقْ بِثَمَنِهِ. قالَ لَهُ: عَليٰ مَنْ؟ جُعِلْتُ فِدٰاكَ. قالَ (عليه السّلام): عَليٰ أَهْلِ الْوَلٰايَةِ «1».

فإنّ أمر الإمام (عليه السّلام) السائل ببيع ذلك المتاع المجهول مالكه و التصدّق بثمنه ظاهرٌ في إعطاءِ الولاية له في البيع و إذنه إيّاه بالتصدّق بثمنه و لا يستفاد منه جواز البيع و التصدق مستقلا.

و الآخر خبر داود بن أبي يزيد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قٰالَ: قٰالَ رَجُلٌ إِنّي قَدْ أَصَبْتُ مٰالًا وَ إِنّي قَدْ خِفْتُ فيهِ عَليٰ نَفْسي وَ لَوْ أَصَبْتُ صٰاحِبَهُ دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ وَ تَخَلَّصْتُ مِنْهُ. قالَ: فَقٰالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام): وَ اللّهِ إِنْ

لَوْ أَصَبْتَهُ كُنْتَ تَدْفَعَهُ إِلَيْهِ؟ قالَ: إي وَ اللّٰهِ. قالَ (عليه السّلام): فَأَنَا وَ اللّهِ ما لَهُ صٰاحِبٌ غَيْري. قالَ: فَاسْتَحْلَفَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلي مَنْ يَأْمُرُهُ. قٰالَ: فَحلَفَ. فَقٰالَ (عليه السّلام): فَاذْهَبْ فَاقْسِمْهُ في إِخْوٰانِكَ وَ لَكَ الْأمْنُ مِمّٰا خِفْتَ مِنْهُ. قٰالَ: فَقَسَّمْتُهُ بَيْنَ إِخْواني «2».

ظاهر هذا الخبر كصحيح يونس إذنه (عليه السّلام) بتقسيم المال المجهول مالكه بين الإخوان المؤمنين و التصدّق إليهم. و يشهد علي ذلك قوله

فَأنَا وَ اللّٰهِ مٰا لَهُ صاحِبٌ غَيْري

لظهوره في كون الإمام (عليه السّلام) ولياً لذلك المال و صاحب أمره لا أنه مالكاً له شخصاً في عرض مالكه المجهول أو وحده لوضوح عدم كونه بصدد بيان ذلك فمن هنا يكون أمره (عليه السّلام) بالتقسيم ظاهراً في إذنه بذلك بما أنّه وليّ الأمر. هذا في دلالته و أما سنداً فإنه ضعيف بطريقيه. أمّا طريق الكليني فلأجل تردّد موسي بن عمر بين موسي بن عمر بن بزيع الثقة و بين موسي بن عمر بن يزيد الضعيف لأنّه لم يوثق و ليس من المعاريف. و أمّا وقوعه في أسناد كامل الزيارات فلا ينفع في توثيقه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 357 ب 7 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 17 ص 357 ب 7 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 298

و إلا فلا يترك الاحتياط بالتصدق به عليه إن كان محلا له (1)، نعم لا يجدي ظنه بالخصوص في المحصور (2)، و لو علم المالك و جهل بالمقدار تخلّص منه بالصلح (3).

______________________________

و أمّا طريق الصدوق فهو نقلها بإسناده عن الحجّال و هو عبد اللّٰه بن محمّد الحجّال و إنّه و إن كان ثقة إلّا أنّه لا سند للصدوق إليه حيث لم يذكره في مشيخة الفقيه.

إلّا أن في صحيح يونس كفاية لإثبات المطلوب.

و الحاصل: أن المتيقن من نصوص المقام جواز التصدّق بمجهول المالك بإذن الحاكم فلا إطلاق لهذه النصوص يقتضي جواز التصدق بمال الغير مستقلا بلا إذن الإمام حتي يحتاج إلي مقيّد.

و لا يخفي أنّ مقتضي إطلاق موثقة سماعة السابقة و إن كان جواز التصدق بالمال المخلوط بالحرام مستقلا بلا اعتبار إذن الإمام إلّا أنّه مقيد بما دلّ علي وجوب الخمس في المال المخلوط بالحرام و عدم جواز أيّ تصرّفٍ فيه قبل تخميسه.

(1) هذا الاحتياط كسابقه وجوبيٌّ. و الوجه فيه الظنّ بمالكيته مع فرض تعلّق حقّه بعين ماله كما هو المقصود من وجود المحل له. و لكن فيه: أنّ مجرّد الظنّ بمالكية شخص لا يوجب التصدق به شرعاً ما لم يساعده دليل معتبر. فإنّه ليس مرجّحاً شرعاً حتي يلزم من التصدق بغير المظنون ترجيح المرجوح.

(2) لتنجز العلم الإجمالي بوجوب التصدق في حقهم حينئذ و لا يحصل اليقين بالفراغ عن عهدة التكليف بالعمل بالظن.

[حكم ما لو عرف المالك و جهل المقدار]
اشارة

حكم ما لو عرف المالك و جهل المقدار

(3) إذا كان مقدار الحرام مجهولًا دائراً بين الأقل و الأكثر لاختلاطه بالحلال

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 299

______________________________

و كان مالكه معلوماً فهل يجوز الاقتصار علي دفع الأقل المتيقن أو لا بدّ من دفع الأكثر أو يجب التخميس؟ و إن احتمل زيادة الحرام أو نقصانه عن الخمس-، وجوهٌ ثلاثة لكلٍّ قائلٌ.

و قبل الورود في البحث ينبغي التنبيه علي أمرين:

أحدهما: أنه لو تراضي الطرفان بالصلح ترفع المشكلة و ينتفي البحث فلا كلام حينئذٍ.

و إنما الكلام فيما إذا لم يرض المالك بالمصالحة فمصبّ البحث هذه الصورة.

و الآخر: أنّ الاختلاط تارةً: يكون علي نحو الامتزاج و يوجب الشركة فحينئذٍ لا يكون أجزاءُ الخليط

قابلةً للميز و الانفكاك مثل امتزاج العصير باللبن و الطحين بالسُّكَّر و نحو ذلك. و أُخري: يكون الخلط بغير الامتزاج و لا يوجب الشركة بل يوجب اشتباه أحد المالين أو الأموال بالآخر و تردُّد الخليط بين المجموع.

ثم إنّ مفروض كلام الفقهاء في المقام هو النوع الأول أعني به الامتزاج و الحال أنّ البحث يجري في النوع الثاني أيضاً لأن موضوع الخمس أو التصدق في نصوص المقام هو المال المختلط و الاختلاط شامل للنوعين كليهما.

و أما الشركة الحاصلة بالعقد فهي خارجةٌ عن محل الكلام.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ في المقام ثلاثة أقوال:

أحدها: جواز الاقتصار علي دفع الأقل المتيقن و عدم وجوب دفع الأكثر.

ثانيها: وجوب دفع الأكثر و عدم جواز الاقتصار علي دفع الأقل:

ثالثها: وجوب دفع الخمس مطلقاً سواءٌ احتمل زيادة مقدار الحرام عن الخمس أو نقصانه عنه.

أما القول الثالث: فقد نسب إلي العلّامة في التذكرة و لا يمكن المساعدة عليه لوضوح اختصاص نصوص الخمس بما إذا كان مالك الحرام المختلط مجهولًا.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 300

______________________________

و انّما المهم قولان آخران. فنقول إنّ المال المختلط تارة: يكون تحت يد مالك الحلال، و أخري: تحت يد ثالث، و ثالثةً: لا يكون تحت يدٍ أصلًا.

ففي الفرض الأوّل نقول: إنّ الحرام المعلوم بالإجمال و إن كان معلوماً بعنوانه إلّا أنه مردّد في الخارج بين الفردين و لا يجري الأصل النافي في كل واحدٍ من الطرفين لمعارضته بجريانه في الطرف الآخر، نظراً إلي استلزامه القطع بمخالفة التكليف لا لتساقط الأصلين بالتعارض حتي يرتفع المانع عند عدم التساقط. و يترتب علي جريان الأصل صحة الصلاة المأتي به في ثوبين عُلِمَ بنجاسة أحدهما.

ثم إنّه لمّا علم حرمة بعض ما في يده إجمالًا

و احتمل حرمة المقدار الزائد، يندرج المقام فيما لو دار الأمر بين الأقل و الأكثر فيكون من قبيل ما لو علم بنجاسة أحد ثوبين لا بعينه مع احتمالها في الآخر و كان الثوب المعلوم نجاسته إجمالًا مردّداً بين الثوبين. فمقتضي القاعدة حينئذٍ جريان الأصل النافي في الجامع الزائد نظراً إلي اختصاص المعارضة بالأفراد الخارجية و عدم سريانها إلي الواحد لا بعينه بعنوانه الجامع الكلّي المعرّي عن أيّة خصوصيةٍ. فلا مانع من جريان الأصل النافي في العنوان الجامع. و يترتب عليه جواز تكرار الصلاة في الثوبين المزبورين و صحة إحديهما، حيث لا مانع من التعبّد بطهارة محتمل النجاسة ظاهراً فيحكم بصحة إحدي الصلوتين الواقعة فيه قطعاً.

و الإشكال بأنّ حكم الصحة من قبيل العرض و لا بد لها من معروضٍ و لا يصلح الجامع بين الأمرين لأن يكون معروضاً له، في غير محلّه. و ذلك لأن الأحكام الشرعية من الاعتباريات و لا مانع من قيام الأمر الاعتباري بالعنوان الجامع بل لا مانع من قيام بعض الأمور الحقيقية، كالعلم بالعنوان الجامع لان معروضه هو العالم فلا يوجب تعلّقه بالجامع الكلّي خلوّه عن المعروض. و من هذا القبيل بيع الكلّي في المعيّن لعدم تعلّقه بأيّة حصّةٍ من الصبرة الخارجية بل الملكية قائمة بالكلّي الجامع.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 301

______________________________

قد يشكل في المثال المزبور بأن الصحة تترتب علي الصلاة الواجدة للشرط الفاقدة للمانع و لو ظاهراً. و هذا لا يثبت بجريان الأصل النافي في الجامع الكلّي لأنّه من لوازمه العقلي و كذا في فقدان المانع. فإنّ طهارة أحد الثوبين المأتيّ فيه الصلاة ظاهراً من لوازم جريان الأصل النافي في الجامع عقلًا و لا اعتبار بمثبتات الأصل العملي.

و يمكن الجواب

عن ذلك أن أحد الثوبين المحكوم بالطهارة ظاهراً مصداق للجامع لأمن لوازمه العقلي لعدم كون الفرد لازماً عقلياً للكلي الطبيعي بل الكلي عين فرده في الخارج.

و لكن لا يخفيٰ أنّ هذه الكبري محكّمة في موارد لم تكن صحة الصّلوة منوطة بالشرط الواقعي، كما في الطهارة و النجاسة نظراً إلي كون الطهارة الظاهرية شرطاً لصحة الصلاة. و أما في موارد كان الدخيل في صحة الصلاة أمراً واقعياً كمانعية الحرير الواقعي عن صحّة الصلاة إذ الدخيل في صحة الصلاة عدم كون الثوب حريراً واقعاً فحينئذٍ لا ينفع إجراء الأصل النافي في الجامع. و ذلك لأن غاية ما يثبت به وقوع الصلاة في ثوبٍ محكومٍ بعدم كونه حريراً في الظاهر مع احتمال كونه حريراً واقعاً. و من هنا لا تصح الصلاة بذلك عند كشف الخلاف.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ مقتضي تطبيق الكبري المزبورة علي المقام التفصيل بينما إذا كان الخلط موجباً للشركة و بينما إذا لم يوجب ذلك بل كان مزيلًا للميز فقط.

فعلي الأول يقسَّم مجموع المال المختلط بينهما بنسبة سهم كل واحدٍ منهما علي النحو الآتي.

و علي الثاني يخرج سهم كل واحدٍ منهما بالقرعة.

بيان ذلك: أنّ أصل وجود الحرام بين مجموع المال و لو كان معلوماً بالإجمال إلّا أنّه مردّدٌ بين الأقل و الأكثر. و قاعدة اليد و إن كانت غير جارية في كلّ فردٍ من الأقلّ و الأكثر بشخصهما، نظراً إلي سقوطها بالمعارضة أو باستلزامها للمخالفة القطعية إلّا

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 302

______________________________

أنّها جارية بالنسبة إلي الكلّي الجامع الزائد عن الأقل فيكون الأقلّ المعلوم لغيره و الباقي له من غير تميزٍ.

فلو كان مجموع المال مثلًا عشرة دراهم و كان مقدار الحرام مردّداً بين اثنين و

بين خمسة دراهم يكون الأقلّ و هو اثنان ملكاً للغير، كما يكون خمسة دراهم أُخري لذي اليد للعلم بكونه ملكاً له.

و أمّا القدر الزائد فيحكم بكونه له بحكم قاعدة اليد الجارية في الجامع الزائد. و عليه فللغير سهمان و لذي اليد ثمانية أسهم في المثال.

و حينئذٍ نقول إذا تراضي الطرفان بالتصالح فلا كلام في أنه يدفع إلي كلّ واحدٍ منهما بمقدار ما تراضيا عليه، و هذا خارج عن محلّ البحث. و أمّا لو لم يتراضيا بالمصالحة فتارةً: يكون الخلط من قبيل الامتزاج و موجباً لحصول الشركة بينهما قهراً كاختلاط النقود و المسكوكات الرائجة إذ ليست لأفرادها خصوصية مايزة غير مالها من المالية. فيقسم مجموع المال بينهما في هذه الصورة بنسبة سهم كل واحدٍ منهما بالقرعة لما سيأتي. و هذه قسمة إفراز يجبر الممتنع عليها.

و أُخري: لا يكون الخلط موجباً للشركة كما هو الغالب في الأموال المتمايزة بأفرادها أو المنحازة بأجزاءِها مثل القيميات. و عند ذلك يرجع إلي القرعة لإخراج سهم كل واحدٍ حيث لا شركة حتي يقسم المجموع بنسبة السهام و لا مانع من شمول عمومات نصوص القرعة كقول الإمام أبي جعفر (عليه السّلام)

لَيْسَ مِنْ قَوْم تَقٰارَعُوا ثُمَّ فَوَّضُوا أَمْرَهُمْ إِلي اللّٰه إِلّٰا خَرَجَ سَهْمُ الْمُحِقِّ «1».

هذه الرواية صحيحةٌ إذ رواها الصدوق بإسناده الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير. و ظاهرها مشروعية القرعة في كل موردٍ كان سهم شخصٍ محقٍّ مخفياً غير معلوم فيخرج و يعيّن بالقرعة. و لا إشكال أنّ سهم كل واحدٍ من الطرفين في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18 ص 188 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 303

______________________________

المقام غير معلوم فلا مناص من تعيينه و إخراجه بالقرعة.

و من هذه العمومات ما

رواه الصدوق بإسناده الصحيح عن محمد بن حكيم الخثعمي، قال

سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السّلام) عَنْ شَيْ ءٍ فَقالَ لي: كُلُّ مَجْهُولٍ فَفيهِ الْقُرْعَةُ. قُلْتُ لَهُ: إِنّ الْقُرْعَةَ تُخْطِئُ وَ تُصيبُ. قٰال (عليه السّلام): كُلُّ ما حَكَمَ اللّٰهُ بِهِ فَلَيْسَ بِمُخْطِئٍ «1».

لا إشكال في سندها لأن محمد بن حكيم و إن لم يُوَثّق صريحاً إلّا أنّ الشيخ و غيره قد عدُّوه من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السّلام) و نقل الكشي ما يستفاد منه كون الرجل مورداً لعناية الإمام (عليه السّلام).

فتحصّل ممّا قلنا أنّ في المقام إذا كان المال في يده و لم يتراضيا يرجع إلي القرعة مطلقاً سواءٌ أوجب الخلط الشركة أم لم يوجبها و إنّ خصوص الإشاعة في الشركة لا يمنع عن الرجوع إلي القرعة.

و قد يشكل علي ذلك أنّه يستفاد من نصوص القرعة أنه يرجع إلي القرعة في موارد كان كلُّ واحد من المالين المتنازع فيهما متعيّناً في نفسه بوجوده المنحاز الخارجي. و إنّما لم يعلم كون أيّهما لأيّ المتنازعين، فيكشف ذلك بالقرعة دون ما إذا كان مشتركاً بينهما علي الإشاعة من دون تعيّنٍ له في الخارج. و يُستظهر ذلك من مثل قوله (عليه السّلام)

لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ تَقٰارَعُوا ثُمَّ فَوَّضُوا أَمْرَهُمْ إِلي اللّٰهِ عَزَّ وَ جَلَّ إلّٰا خَرَجَ سَهْمُ الْمُحِقِّ

في صحيح أبي بصير «2» و غيره. بدعوي ظهوره فيما إذا كان للمُحقّ سهم معيّن في الواقع و إنّما يُخرجها القرعة. و أن المقام ليس من هذا القبيل لفرض كون الخلط موجباً لحصول الشركة بينهما و كان سهم كل واحدٍ ثابتاً علي الإشاعة من دون تعيُّنٍ له في الواقع. و إنما هو تعيّن في الظاهر بحكم قاعدة اليد.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18 ص 189 ح 11.

(2) الوسائل/

ج 18 ص 188 ب 13 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 304

______________________________

و فيه أوّلًا: ان كثيراً من نصوص القرعة وردت في موارد ثبت سهم المتقارعين علي الإشاعة من دون تعيُّنٍ في نفسه و إنما عُيِّنَ بالقرعة. مثل صحيح حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْمَمْلوكونَ فَيُوصي بِعِتْقِ ثُلْثِهِمْ قالَ: كان عَليٌّ (عليه السّلام) يَسْهَمُ بَيْنَهُم «1»

و من الواضح أن ثلث المملوكين متعلق للوصية علي الإشاعة و لا تعيّن له قبل القرعة.

و مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجلٍ قال

أَوَّلَ مَمْلُوكٍ أَمْلَكَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَوَرَثَ سَبْعَةً جَميعاً. قالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَ يُعْتَقُ الَّذي خَرَجَ سَهْمُهُ «2».

و لا يخفي أنّ قوله

أَوَّلُ مَمْلُوكِ أَمْلَكَهُ فَهُوَ حُرٌّ

ليس بمعني العتق، حيث إنه لم يملك عبداً بعدُ و لا عتق إلّا في ملك. فلذا يكون المقصود عهد الرجل بذلك أو نذره.

و أما وجه دلالته علي المطلوب أنّ ذلك الرجل ورث سبعة مماليك دفعةً فلا أوّل بينهم حتي يتعيّن لذلك، و لذا أمر الإمام (عليه السّلام) بالقرعة لتعيين المملوك المعهود.

و ثانياً: أنّ صحيح أبي بصير لا ظهور له في تعيُّن كلّ سهمٍ و تشخُّصه في نفسه. حيث إنّ الذي فرض فيه ثبوته هو أصل وجود سهمٍ للمحق و لو علي نحو الامتزاج و الإشاعة و المقصود من خروج سهم المحق بالقرعة تميُّزه و إفرازه في الخارج.

و أُشكل أيضاً بأنّ إطلاقات نصوص القرعة لا يمكن العمل بها قطعاً لأنّه لو يرجع إلي القرعة في كلِّ حكمٍ أو حقٍ مجهول يلزم منه طرح جميع موازين القضاء و الأصول الشرعية و يحدث بذلك فقه جديد.

و من هنا لا مناص في العمل

بالقرعة من الاقتصار بمورد عمل الأصحاب. فإنّ عملهم بها في أيّ مورد يكشف عن عدم ثبوت قيدٍ لإطلاق نصوصها في ذلك المورد.

و الجواب: أنّ إطلاق أدلّة القرعة بهذا العرض العريض ممنوع جدّاً. لعدم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18 ص 188 ب 13 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 18 ص 190 ب 13 ح 15.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 305

______________________________

استفادة الإطلاق من نصوصها. بل هي تشمل موارد لم يكن أيّ طريق شرعي لإثبات الحق لا واقعاً و لا ظاهراً. و من هنا لو علم الحق بدليل أو أصل واقعاً أو ظاهراً لا تصل النوبة إلي القرعة، لارتفاع الجهل و الإشكال الذي هو موضوع رجوع القرعة فيما ورد من النصوص الدالّة علي أنّها لكل أمر مجهول أو مشكل.

و من هنا يكون الدليل المثبت للحق واقعاً أو ظاهراً من أمارةً أو أصل، وارداً علي دليل القرعة، كورود الحجج و الأمارات الشرعية علي الأصول العملية، كما قرّر في علم الأصول.

و مما تبيّن في خلال هذا البحث أنه في صورة الشركة يتعين أصل نسبة السهام بقاعدة اليد و الأخذ بالقدر المتيقن، و لكن تخرج بالقرعة كما أن مقتضي القاعدة في باب القسمة تعديل السهام و تعيينها أوّلًا ثمّ إخراجها بالقرعة.

و كيفية القرعة أن يكتب اسم كلّ واحدٍ من الطرفين في رقع بتعداد سهمه. ثم يخرج في كل مرّة باسم واحد منهما و يدفع إليه ما خرج. فاذا خرج سهم الأقل دفع إليه ما خرج له و يدفع الباقي إلي ذي السهم الأكثر بلا حاجةٍ إلي استدامة عملية القرعة. ففي المثال المزبور يجعل عشر رقع بتعداد مجموع السهام و يكتب في ثنتين منها اسم الغير و في الثمانية الأُخري اسم ذي اليد، فيُخرج

واحدٌ بعد واحد. فمن خرج اسمه في كلّ دفعةٍ يدفع السهم الخارج إليه إلي أنْ يخرج لغير ذي اليد سهمان فعند ذلك يدفع باقي السهام إلي ذي اليد بلا حاجة إلي إخراج.

و يمكن أن يقرع بالكيفية المزبورة لكن تكتب في كلّ رقعة حصّة مشخّصةٌ بدلًا عن اسم الطرفين ثم تُستر الرُّقع و تشوَّش و يُخرج من لم يشاهدها في كل مرّة رُقعةً باسم أحدهما المعيّن و هكذا إلي أن ينتهي السهم الأقل فيدفع الباقي إِلي ذي السهم الأكثر بلا حاجة إلي الإخراج.

و يمكن القرعة أيضاً بكيفية أُخري؛ و هي أن يكتبَ اسمُ كلِّ واحد منهما بتعداد

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 306

______________________________

سهمه المتيقن في رقع و تنضمّ إليها بعدد السهام المرددة رقع مبيضة غير مكتوبة. ثم تخرَج الرقاع واحدةً واحدةً فكلّ ما خرج من الرقع المكتوبات يدفع إلي صاحبه، و أمّا الرقاع المبيضّة فتدفع بعد إخراجها إلي ذي اليد. فبذلك يخرج سهم المال المردّد المحكوم بكونه لذي اليد.

ثم إنّ الشبهة المزبورة و هي عدم تعيّن السهام، المانع من شمول نصوص القرعة مختصّة بصورة حصول الشركة. و أمّا إذا لم تحصل الشركة بالخلط فلا ترد هذه الشبهة لتعيّن أفراد المالين الحلال و الحرام و تميُّز أجزاءِ هما في الخارج من دون حصول الإشاعة. فلا كلام في لزوم الرجوع إلي القرعة حينئذٍ.

و تبيّن ممّا قلنا أيضاً أنّ هذا كلّه إذا لم يتراض الطرفان بالصلح و إلّا لا تصل النوبة إلي القرعة. و الوجه في ذلك أنّ بالصلح يوصل مال كل واحدٍ من المتصالحين إليه واقعاً. بخلاف القرعة فإنها إيصال اضطراري ظاهريٌ للمال إلي من خرج السهم باسمه. و من الواضح أنه مع إمكان الإيصال الواقعي الوجداني لا

تصل النوبة إلي الإيصال الظاهري. و هذا هو وجه تقديم المصالحة علي القرعة في المقام.

أمّا الفرض الثاني: و هو ما إذا كان المال خارجاً عن تحت يده بأن كان في يد ثالثٍ أو لم يكن تحت يد أصلًا فهل يرجع لتعيين حصّة كلٍّ منهما إلي القرعة أو يحكم بالتنصيف و التوزيع بينهما؟ قولان:

أقواهما الرجوع إلي القرعة و ذلك لأنّ إطلاقات نصوص القرعة مثل صحيح أبي بصير و معتبرة محمد بن حكيم تشمل المقام بلا قصور.

و أمّا اشكال عدم شمول إطلاقها لمورد الشركة و الإشاعة و لزوم الفقه الجديد من العمل بإطلاق نصوصها فأجبنا عنه آنفاً.

و لكن فرق في كيفية القرعة لأنّ في هذا الفرض لا يد لواحدٍ منهما حتّي تجريَ قاعدة اليد في الفرد المردّد و يُحكمَ بكونه لذي اليد.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 307

______________________________

فلذا لا يجعل سهم المال المردّد بحساب ذي اليد بل لكلّ واحدٍ منهما فيه سهم بمقدار ماله المتيقّن. و عليه تجعل في المثال أربعة عشر رقع سبعةٌ منها لهما يقيناً ثنتان منها للغير و خمسة لصاحب المال الحلال و أما السبعة الأُخريٰ من السهام ثابتهٌ لهما بهذه النسبة.

فبناءً علي ذلك يكون سهم الغير في المثال أربعة و سهم صاحب الحلال عشرة و يقرع السهام بينهما علي أساس هذه النسبة بإحدي الكيفيات المذكورة سابقاً.

ثم إنه ذهب بعض في المقام إلي أنه بعد دفع المقدار المتيقن إلي كل واحدٍ منهما بالقرعة يُنصَّف المال المردّد بينهما عملًا بقاعدة العدل و الإنصاف. بدعويٰ جريان السيرة عليها و أنها دليل علي أماريّة هذه القاعدة فتكون واردة علي قاعدة القرعة، لأنّ موضوعها الجهل و الإشكال و يرتفع ذلك بقيام الأمارة. و يؤيده النصوص الدالّة علي تنصيف

المال المردّد. بل ذهب السيد البروجردي (قدّس سرّه) إلي ذلك حتي في الصورة السابقة أي الفرض الأوّل من الفرضين المزبورين.

و يردُّه أوّلًا: منع جريان السيرة علي تنصيف المال المردّد لعدم دليل علي استقرارها.

و ثانياً: عدم إطلاقٍ لنصوص التنصيف كي تشمل مطلق موارد المال المردّد. بل وردت نصوصه في موردين.

أحدهما: ما ورد في الدينار التالف عند الودعي المردد بين كونه لصاحب الدينار أو لصاحب الدينارين فحكم الإمام (عليه السّلام) بالتنصيف.

و هو ما رواه الصدوق بإسناده عن السكوني عن الصادق عن أبيه (عليهما السّلام)

في رَجُلٍ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا دينارَيْنِ فَاسْتَوْدَعَهُ آخَرُ دينٰاراً فَضٰاع دينارٌ مِنْها. قٰال (عليه السّلام): يُعطيٰ صاحِبُ الدِّينارَيْنِ دينٰاراً وَ يُقَسَّمُ الآخر بَيْنَهُما نِصْفَيْنِ «1».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 13 ص 171 ب 12 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 308

______________________________

و الآخر: ما ورد فيما لو ادّعي اثنان مالًا و لا بيّنة لهما أو أقام كلُّ واحدٍ منهما البيّنة.

مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن المغيرة عن غير واحدٍ من أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في رَجُلَيْنِ كٰانَ مَعَهُمٰا دِرْهَمٰانِ، فَقٰالَ أَحَدُهُمٰا: الدِّرْهَمانِ لي، وَ قٰالَ الْآخَرُ: هُمٰا بَيْنيِ و بينَكَ. فَقٰالَ (عليه السّلام): أمّا الَّذي قٰالَ هُمٰا بَيْني وَ بَيْنَكَ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ أَحَدَ الدِّرْهَمَيْنِ لَيْسَ لَهُ وَ أَنَّهُ لِصٰاحِبِهِ وَ يُقَسَّمُ الْآخَرُ بَيْنَهُما «1».

و صحيح غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أَنَّ أَميرَ الْمُؤْمِنينَ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلانِ في دٰابَّةٍ وَ كِلاهُما أَقامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَنْتَجَها فَقَضيٰ بِها لِلَّذي في يَدِهِ وَ قٰالَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ في يَدِهِ جَعَلْتُها بَيْنَهُما نِصْفَيْنِ «2».

و من الواضح عدم شمول هذه النصوص للمقام. أما عدم شمول موثقة السكوني فلأنّ المال المردّد في محل الكلام

لا يكون عند ذي اليد بعنوان الوديعة بل يكون في يده عدواناً و هو ضامنٌ. و يجب عليه أن يوصل مال الغير إلي صاحبه، و لو بتحمل أيّة خسارة. فليس المقام داخلًا في مدلول الموثقة.

و أما عدم شمول معتبرة ابن مغيرة و صحيح غياث فلعدم تخاصم في البين، بل إنّ ذا اليد نفسه أراد تطهير ماله المختلط بالحرام بردّ مال الغير إلي صاحبه.

فتحصّل أنّه لا إطلاق أو عموم لنصوص التنصيف حتي يتعدّي عن موردها.

و أمّا قول العلّامة من وجوب الخمس في المقام فلعلّه لإطلاق موثقة السكوني نظراً إلي عدم التصريح فيها بجهل مالك الحرام. و لكن يخالفه معتبرة عمّار. حيث قيد فيها خمس المال المختلط بكون المالك مجهولًا بقوله

و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه.

و لكن يرد عليه أوّلًا: أنه علي فرض إطلاق الموثقة يلزم القول بوجوب

______________________________

(1) الوسائل/ ج 13 ص 169 ب 9 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 18 ص 182 ب 12 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 309

و مصرف هذا الخمس كمصرف غيره علي الأصح. (1)

مسألة 28: لو علم أن مقدار الحرام أزيد من الخمس و لم يعلم مقداره فالظاهر كفاية إخراج الخمس في تحليل المال و تطهيره، إلّا أنّ الأحوط مع إخراج الخمس المصالحة عن الحرام مع الحاكم الشرعي بما يرتفع به اليقين بالاشتغال و إجراء حكم مجهول المالك عليه، و أحوط منه تسليم المقدار المتيقن إلي الحاكم و المصالحة معه في المشكوك فيه، و يحتاط الحاكم بتطبيقه علي المصرفين (2).

______________________________

التصدق أو تخميس مالٍ عرف مالكه. و هذا لا يمكن الالتزام به خصوصاً في التصدق حيث أُخِذ في موضوعه. الجهل بالمالك في النصوص.

و ثانياً: علي فرض الإطلاق و إن تدلّ

الموثقة علي وجوب إخراج الخمس مطلقاً بناءً علي نسخة الفقيه و لكن يقيد هذا الإطلاق بمعتبرة عمّار.

(1) لذكر هذا الخمس في عرض سائر الأقسام في سياق واحد، كما في معتبرة عمار و صحيح ابن أبي عمير و لم يدل دليل علي افتراقه عن سائر الأقسام من هذه الجهة. و أما احتمال كون المقصود من الخمس في نصوص المقام غير معناه المصطلح فلا يُعبأُ به لعدم شاهد عليه، بل فهم الأصحاب يشهد علي خلافه كما قلنا في صدر البحث.

[حكم ما لو علم إجمالًا بزيادة الحرام أو نقصانه عن مقدار الخمس]

حكم ما لو علم إجمالًا بزيادة الحرام أو نقصانه عن مقدار الخمس

(2) قبل الورود في البحث ينبغي التنبيه علي أمرين:

أحدهما: أنه وقع الكلام في أن خمس المال المختلط هل يدخل في ملك أربابه بحكم الشارع بنفس تعلّقه فيحصل بذلك تطهير بمجرد وضع مقدار الخمس تطهير أربعة أخماسه الباقية من دون دخل للإخراج أم لا؟ بل إنما يطهر المال المختلط بعد

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 310

______________________________

إخراج خمسه لا بنفس التعلّق.

ذهب الماتن (قدّس سرّه) إلي القول الثاني فاختار تطهير المال المختلط بإخراج خمسه واقعاً لكن بالتعبد الشرعي. و تظهر ثمرة هذا التعبد في صورة الظفر بالمالك فيحكم حينئِذٍ بضمان ماله بناءً علي هذا القول، كما أنّ التصدّق أيضاً مطهّرٌ لباقي المال المتصدّق منه تعبداً و يجوز التصرّف فيه علي وجه التضمين. و الوجه في ذلك أنّ نصوص المقام ظاهرةٌ في أصل تعلّق الخمس بالمال المختلط و لا دلالة لها علي حصول تطهيره و جواز تملك أربعة أخماسه الباقية بمجرد التعلّق. كما لا دلالة لها علي ذلك في سائر أقسام ما يجب فيه الخمس و إن يمكن استفادة ذلك من آية الغنيمة نظراً إلي ظهورها في كون الخمس ملكاً

لأربابه بنفس الاغتنام. و ذلك بدلالة لام الملكية في قوله تعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ.

ثانيهما: أنّه قد مرّ سابقاً أنّ في تعلّق الخمس بالمال المختلط حسب مدلول النصوص أُخذ الجهل بمقدار المال الحرام و بمالكه كليهما.

ثم إنه تارةً: لا يكون مقدار المال الحرام معلوماً بأيّ وجهٍ حتي بلحاظ النسبة.

و أُخري: يعلم بتساوي مقدار الحرام مع خمس المال المختلط.

و ثالثة: يعلم إجمالًا بزيادة مقدار الحرام أو نقصانه عن الخمس.

فأما صورة العلم بتساويهما في المقدار فلا إشكال في تطهير المال المختلط بالتخميس نظراً إلي أنّ شيئاً من الحرام ليس في المال الحلال قطعاً و لا شي ءٌ من الحلال ذاهباً من كيس مالكه بالتخميس، كما لا إشكال في شمول نصوص الخمس للصورة الأولي التي لم يعلم فيها مقدار الحرام بأيّ وجهٍ لأنّه المتيقن من المال المختلط الذي لم يعلم فيه الحرام من الحلال.

و إنّما الكلام فيما إذا علم إجمالًا بزيادة مقدار الحرام عن الخمس أو نقصانه عنه. فحكم الماتن (قدّس سرّه) بنفي الفرق بين هذه الصورة و بين غيرها في كفاية إخراج الخمس

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 311

______________________________

لحليّة الباقي مطلقاً، سواءٌ علم بوجود المال الحرام في أربعة أخماس الباقية أو علم بذهاب كثيرٍ من المال الحلال من كيس مالكه لأجل التخميس.

ثم إنه (قدّس سرّه) احتاط استحباباً بالتصدق بالحرام الزائد عن مقدار الخمس من قبل مالكه المجهول.

و الوجه في الاكتفاء بإخراج الخمس في الصورة الثالثة أنها مثل الصورة السابقة لا يكون المال الحرام معلوماً متميّزاً لأجل اختلاطه بالحرام، فلذا يشملها إطلاق نصوص المقام.

و لكن قد يشكل الالتزام بهذا الإطلاق نظراً إلي استلزامه جواز الاكتفاء بإخراج الخمس لتطهير الباقي فيما إذا كان

عمدة المال المختلط حراماً، كما لو كان المال المختلط عشرة آلاف درهم و كان قدر الحلال عشرة دراهم، فان تطهير المال حينئذٍ بالتخميس ممّا لا يلتزم به أحدٌ. و كذا بالعكس فيما لو كان قدر الحرام عشرة دراهم من بين عشرة آلاف درهمٍ، فيلزم حينئذٍ إخراج ألفين درهم لتطهير المال المختلط، مع العلم بكون جميع ما أخرجه ملك نفسه غير عشرة دراهم، و هذا مما يشكل الالتزام به. فمن هنا تنصرف نصوص المقام عن صورة العلم الإجمالي بزيادة الحرام أو نقصانه عن مقدار الخمس.

إن قلت: إنّ هذا الانصراف يمكن الالتزام به فيما إذا كان التفاوت بين مقدار الحرام و الخمس فاحشاً دون ما إذا كان التفاوت بينهما قليلًا غير فاحشٍ.

قلت: لمّا لا يمكن تعيين الحد الموجب للانصراف فلذا لا مناص من القول بالانصراف عن جميع صور العلم الإجمالي بالزيادة و النقيصة بمراتبهما المختلفة. كما لا فرق في انفعال الماءِ المضاف بملاقاة النجس بين القليل منه و بين الكثير منه و لو بأضعاف الكرّ.

فكيف لا تسمع هناك دعوي انصراف دليل النجاسة عن المضاف الكثير بقدر

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 312

______________________________

حوض السباحة و نحوه؟ فكذلك في المقام لا يمكن الالتزام بانصراف نصوص الخمس عن بعض مراتب زيادة الحرام و نقصانه عن مقدار الخمس.

و علي هذا الأساس يقوّي في صورة العلم الإجمالي بزيادة مقدار الحرام أو نقصانه عن الخمس التصدّق بجميع ما يحتمل حرمتُه من قِبَل مالكه المجهول.

و لكن الإنصاف أنّه يخطر بالبال في المقام التفصيل بين التفاوت الفاحش و بين غيره بالتخميس في الثاني و التصدّق في الأول. و أما تعيين حدّ ذلك فموكول إلي نظر العرف كنظائره. كما أنّ الأمر كذلك في دليل نجاسة المضاف

الملاقي. حيث إنّ هناك أيضاً ينصرف دليل الانفعال عن صورة كان مقدار المضاف كثيراً كبحرٍ من النفط و نحو ذلك من المائعات الكثيرة البالغة إلي حدّ عظيم من الكثرة و الوفور. فان دليل نجاسة المضاف منصرف قطعاً عن مثل ذلك.

هذا مضافاً إلي ظهور قوله

وَ سائِرُ الْمالِ كُلُّهُ لَكَ حَلالٌ

في بقاء مقدار من مال الغير فيه. فان ظاهر لفظة

كلّ

تعميم الحلية لجميع أربعة أخماس الباقية المشتملة علي مال الغير المتوهم حرمته، فان استعمالها لدفع هذا التوهم. و هذا التصدق يكون علي وجه التضمين كما قلنا وجه ذلك في محلّه.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 313

[حكم ما لو كان حق الغير في الذمة]

مسألة 29: لو كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله لا محل للخمس، بل حينئذ لو علم مقداره و لم يعلم صاحبه حتي في عدد محصور تصدّق بذلك المقدار عن صاحبه بإذن الحاكم الشرعي أو دفعه إليه، و إن علم صاحبه في عدد محصور فالأقوي الرجوع إلي القرعة، و إذا لم يعلم مقداره و تردد بين الأقل و الأكثر أخذ بالأقل و دفعه إلي مالكه لو كان معلوماً بعينه، و إن كان مردداً بين محصور فحكمه كما مرّ، و لو كان مجهولًا أو معلوماً في غير محصور تصدّق به كما مرّ (1)، و الأحوط حينئذ المصالحة مع الحاكم بمقدار متوسط بين الأقل و الأكثر، فيعامل معه معاملة معلوم المقدار.

______________________________

حكم ما لو كان حق الغير في الذمة

(1) كان البحث إلي هنا فيما لو تعلّق حق الغير بعين المال. و أمّا لو كان في ذمة الشخص فحكم الماتن (قدّس سرّه) بأنّه لا محلّ له للخمس، نظراً إليٰ تعلّق الخمس في المقام بالمال المخلوط بالحرام. و لا ريب أنّ الاختلاط وصف للأعيان الخارجية،

فالحق الثابت في الذمة خارج عن موضوع وجوب الخمس.

ثم إن حق الغير تارةً: ثابت في ذمّة الشخص ابتداءً بأن كان في ذمّته بصورة الدين من بدو الأمر ثم نسي ذلك الشخص المدين مقداره أو جَهِل مالكَه الدائِن.

و أُخري: لا يكون بصورة الدين بل كان عيناً خارجياً و خلط بالمال الحلال ثم تلف فانتقل إلي ذمّة الشخص.

ففي الفرض الأول: لا كلام في أنه لا محلّ للخمس فيه كما قال الماتن (قدّس سرّه) لما أشرنا إليه من خروجه عن موضوع وجوب الخمس.

و أما في الفرض الثاني: فقد وقع الكلام في وجوب تخميسه فذهب الشيخ

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 314

______________________________

الأعظم الأنصاري (قدّس سرّه) إلي وجوب تخميسه نظراً إلي تعلق الخمس بذات المال المختلط و أنّ الحرام قد صار بمجرّد الاختلاط ملكاً فعليّاً لأرباب الخمس بحكم الشارع بذلك. و بناءً علي ذلك ينتقل مال الغير بمجرّد اختلاطه إلي ملك أرباب الخمس و يكون تلفه بعد ذلك من باب تلف ملكهم فيضمنه مالك الحلال فيجب عليه دفعه إليهم من كيسه.

و في قبال ذلك ذهب المحقق الهمداني إلي عدم الخمس و جريان حكم ما ثبت في الذمة ابتداءً في هذه الصورة أيضاً، بدعويٰ أنّ الخمس في المال المختلط من سنخ آخر غير خمس سائر الأقسام. و ذلك لأن ملاك تشريع الخمس في المقام هو تفريغ الذمة و تطهير المال المختلط من الحرام، و يتحقّق ذلك بإخراج مقدار الخمس تعبّداً لا بمجرّد الاختلاط. و بناءً علي ذلك لا يكون خمس المال المختلط داخلًا في ملك أربابه قبل إخراجه حتي يذهب بالتلف من كيسهم فيتعلق به الضمان.

و الأقوي ما ذهب إليه الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) نظراً إلي ذكر المال المختلط في معتبرة

عمار في عداد سائر أقسام ما تعلق به الخمس في سياق واحد.

و هي ما رواه الصدوق بإسناده الصحيح عن عمار بن مروان قال

سَمِعْتُ أَبا عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) يَقُولُ: فيما يُخْرَجُ مِنَ الْمَعادِنِ وَ الْبَحْرِ وَ الْغَنيمَةِ وَ الْحَلالِ الْمُخْتَلَطِ بِالْحَرامِ إِذا لَمْ يُعْرَفْ صاحِبُهُ وَ الْكُنُوزِ الْخُمْسُ «1».

فأن ظاهرها كون الخمس ثابتاً لذات هذه العناوين مع قطع النظر عن إخراجه، و عليه فبمجرد صدق هذه العناوين يتعلق الخمس بها. و عليه فيكون خمسها ملكاً لأربابه بنفسه هذا التشريع. و من الواضح أنّ المال المختلط ليس خارجاً من هذه الأقسام بل ذكر في عدادها في سياق واحد.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 344 ب 3 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 315

______________________________

فالخمس الثابت فيه من سنخ خمس سائر الأقسام بلا فرقٍ من هذه الجهة.

نعم يمكن الفرق في المقام من جهة أُخري، و ذلك أنّ تطهير المال المختلط و حلّية التصرف فيه يتوقف علي إخراج الخمس. نظراً إلي ظاهر أمر الإمام (عليه السّلام) في موثقة السكوني بقوله

أَخْرِجْ خُمْسَ مالِكَ، فَإِنَّ اللّهَ قَدْ رَضِيَ مِنَ الْإِنْسانِ بِالْخُمسِ. وَ سائِرُ الْمالِ كُلُّهُ لَكَ حَلالٌ «1»

بناءً علي نسخة الفقيه كما هو الأرجح.

فإنّ معناه أنّ اللّٰه تعالي رضي من الإنسان بإخراج الخمس و أن سائر المال يصير حلالًا له بسبب ذلك. و لكن أصل تعلق الخمس يكون بنفس الاختلاط، لما استظهرناه من المعتبرة المزبورة و لوضوح عدم المنافاة بين ذلك و بين توقف تطهيره و جواز التصرف فيه علي إخراج الخمس.

و الحاصل: أن الحق في المقام ما ذهب إليه الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) فلا يمكن الالتزام بما يظهر من إطلاق كلام الماتن (قدّس سرّه) من نفي وجوب الخمس عن مطلق

الحق الثابت في الذمة بل إنما يصار إليه فيما ثبت في الذمة ابتداءً دون ما هو مسبوق بالعينية خارجاً و الخلط بالمال الحلال.

ثم إن الماتن (قدّس سرّه) بعد نفي الخمس عن الحق الثابت في الذمّة فصّل بينما لو لم يعلم صاحبه أصلًا أو علم في عدد غير محصور فحكم بالتصدق بما في الذمة ممّا علم مقداره أو تُيقِّن بكونه للغير فيما لو تردّد بين الأقل و الأكثر بإذن الحاكم أو دفعه إليه، نظراً إلي شمول نصوص مجهول المالك لعدم قصور إطلاقها كما ذكرنا سابقاً، و بينما إذا علم مالكه في عدد محصور، فيأتي فيه الوجوه الخمسة المذكورة في المسألة السابقة. فإن تراضوا فبها، و الّا فيدور الأمر بين الوجه الخامس الذي ذكرناه و بين القرعة. فلو أمكن التخلّص من الحرام بطريق هذا الوجه فهو المتعيّن و الّا يرجع إلي القرعة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 353 ب 10 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 316

______________________________

و الملاك في صدق العدد المحصور و غير المحصور نظر أهل العرف، فالمدار علي الصدق العرفي. و لا يخفي أنّ الجهل المطلق بشخص المالك إنما هو في فرض العلم بأصل وجود المالك، و إلّا فمع الشك في أصل وجوده لا إشكال في وجوب دفع المال إلي الحاكم الشرعي لأنه ملكٌ للإمام (عليه السّلام) نظراً إلي أنه مالكٌ لكل ما لا ربّ له من الأموال، كما يظهر من بعض النصوص الواردة في باب الأنفال.

ثم إنّ ما في الذمّة إذا تردّد بين الأقل و الأكثر يؤخذ بالأقل المتيقن و يدفع إلي مالكه لو كان معلوماً في عدد محصور، و إلّا بأن علم في غير المحصور أو لم يعلم شخصه حتي إجمالًا تصدّق به

بإذن الحاكم أو يدفعه إليه. و أما القدر الزائِد فتجري فيه البراءَة إذ أصل اشتغال الذّمة به مشكوكٌ.

ثم إنّ هذا كلّه فيما إذا كان جنس ما في الذمة أو مقداره معلوماً و أمّا إذا كان الجنس و القدر مجهولين معاً، فقد يفصّل بما حاصله: أنّ ما في الذمّة تارةً يكون قيمياً و أخري: مثلياً و ثالثةً: مردّداً بينهما.

فالفرض الأوّل كما لو كان ما في الذمة مردّداً بين الشاة و البقرة أُلحق بالصورة السابقة نظراً إلي انتقال ضمان العين التالفة في القيميات إلي القيمة فلا محالة يتردّد ما في الذّمة بينما هو أقلّ قيمةً و بينما هو أكثر قيمةً فيؤخذ بالأقلّ المتيقّن و يدفع إلي مالكه لو علم إجمالًا في عدد محصور و إلا يتصدّق به أو يدفع إلي الحاكم.

و أما في الفرض الثاني و هو ما إذا كان ما في الذمّة مثلياً كما لو تردّد بين الحنطة و الشعير أو بين الدرهم و الدينار. و كذا في الفرض الثالث و هو ما لو كان ما في الذمّة مردّداً بين المثلي و القيمي مثل ما لو كان مردداً بين الحنطة و الشاة، فيقال بوجوب دفع ما هو أكثر ماليةً نظراً إلي العلم باشتغال الذمة بأحد المالين أو الأموال إجمالًا و استصحاب بقاء الضمان عند الشك في ارتفاعه بدفع واحد منها.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 317

______________________________

و أما أصالة عدم تعلّق الضمان بغير المدفوع فلا تجري لمعارضتها بأصالة عدم كون المدفوع بشخصه متعلقاً للضمان. و إذا تساقط الأصول النافية يتنجّز العلم الإجمالي بالضمان و لا بد من تفريغ الذمة يقيناً بدفع ما هو أكثر مالية. و السر في ذلك أن الذي يتعلّق به الضمان ابتداءً في المثليات

عند تلف العين المضمونة هو المثل لا القيمة. و إنّما دل صحيح يونس علي جواز تفريغ الذمّة بدفع القيمة.

و هو ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن الصفّار عن محمد بن عيسي بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن

قال: سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضٰا (عليه السّلام).. إِلي أن قال: رَفيقٌ كٰانَ لَنٰا بِمَكَّةَ فَرَحَلَ مِنْهٰا إِلي مَنْزِلِهِ وَ رَحَلْنا إليٰ مَنازِلِنا، فَلَمّٰا أَنْ صِرْنا فِي الطَّريقِ أَصَبْنا بَعْضَ مَتاعِهِ مَعَنا فَأَيُّ شَيْ ءٍ نَصْنَعُ بِهِ؟ قٰالَ (عليه السّلام): تَحْمِلُونَهُ حَتّي تَحْمِلُوهُ إِلي الْكُوفَةِ. قٰالَ: لَسْنٰا نَعْرِفُهُ وَ لٰا نَعْرِفُ بَلَدَهُ وَ لٰا نَعْرِفُ كَيْفَ نَصْنَعُ. قٰالَ (عليه السّلام): إِذا كٰانَ كَذٰا فَبِعْهُ وَ تَصدَّقْ بِثَمَنِهِ «1».

حيث دلّت هذه الصحيحة علي جواز بيع متاع الرجل المجهول عند عدم إمكان الظفر به و الاكتفاء بالتصدق بثمن متاعه.

و لمّا كان متعلّق الضمان أوّلًا في المثلي هو المثل فلذا يكون ما في الذمة عند الجهل بجنسه متردداً بين المتباينين لا المتماثلين حتي تجري البراءَة في القدر الزائد بعد التصدق بالأقل المتيقّن.

هذا حاصل تقريب الاستدلال للتفصيل المزبور. و لكن يرد عليه أنّ عمدة دليل ضمان القيمة في القيميات و ضمان المثل في المثليات هي سيرة العقلاء و المتيقن من مصبّ جريانها غير مجهول المالك، مضافاً إلي ردعها بإطلاق بعض نصوص المقام كما سنبيّن ذلك. و ينبغي لبيان ذلك من إشارة إجمالية إلي دليل ما اشتهر بين الفقهاء من ضمان

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 357 ب 7 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 318

______________________________

المثل في المثلي و ضمان القيمة في القيمي عند التلف فنقول:

قد استدل علي ذلك بأمور:

الأول: ما استدل به الشيخ في المبسوط، و هو قوله تعالي فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا

عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ بدعوي اقتضاء المماثلة المذكورة فيه مفاد هذه القاعدة.

و فيه: أن الاستدلال بهذه الآية يتوقف أولًا: علي كون لفظة

ما

موصولة لا مصدرية، و الّا يكون المعني: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ اعتدائِه عليكم، فتختص الآية حينئذٍ بالاعتداءِ بالأفعال كالإتلاف قبال الإتلاف و قطع أيّ عضوٍ قبال قطع عضوٍ مثله و هكذا. و هذا المعني لا دافع لاستظهاره من الآية بل عن المحقق الأردبيلي في آيات أحكامه أنه المتعين. و عليه تسقط الآية عن الدليلية علي المقصود.

و ثانياً: يتوقف الاستدلال بها علي كون لفظة

ما

موصولةً بمعني الشي ء المعتدي به. و عليه يكون معني الآية: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ الشي ء الذي اعتدي به عليكم من الأعيان الخارجية. و لكنّه أوّل الكلام لما قلنا من ظهور الآية في إرادة الفعل من الموصول لا الشي ء بمعني العين الخارجية.

و ثالثاً: يتوقف علي كون المقصود من مثل الشي ء المعتدي به المثل في المثلي و القيمة في القيمي. و لكنّه خلاف ظاهر الآية بل ظاهرها إرادة مثل الشي ء المعتدي به مطلقاً سواءٌ كان ذلك الشي ء مثلياً أم قيمياً. و ذلك لعدم قرينة علي إرادة غير هذا المعني الظاهر من المماثلة.

الثاني: حديث ضمان اليد و هو قوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

عَلي الْيَدِ ما أَخَذَتْ حَتّي تُؤَدّيَهُ «1»

بدعوي ظهوره في تعلّق الضمان بما هو أقرب إلي العين التالفة

______________________________

(1) سنن البيهقي/ ج 6 كتاب العارية/ ص 90 و كنز العمال/ ج 5 ص 257.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 319

______________________________

و هو المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

و فيه: أولًا: أنه ضعيف السند إذ لم ينقل في جوامعنا الروائية بل نقله أبناءُ العامّة في كتبهم باسنادهم إلي سمرة بن جندب عن النبي (صلّي

اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ضعف حال سمرة معلوم لمن راجع إلي ترجمته.

و ثانياً: أنّ غاية مدلوله تعلق الضمان بالعين ما دامت موجودة و تعلّقه بما هو أقرب إلي العين التالفة و هو المثل مطلقاً بلا فرق بين المثلي و القيمي. ثم بعد تلف العين ينتقل إلي القيمة مطلقاً أيضاً. فلا يستفاد منه القاعدة المزبورة بأيّ وجه من الوجوه.

الثالث: ما دلّ علي أنّ المؤمن

حُرْمَةُ مالِهِ كَحُرمَةِ دَمِهِ «1».

و فيه: أنّ هذه الطائفة من النصوص بصدد بيان أصل احترام مال المؤمن و غاية مدلولها حرمة التصرف فيه بغير إذن صاحبه المسلم من دون نظر إلي الضمان، و علي فرض نظرها إلي ذلك فلا تدلّ علي أكثر من أصل الضمان. و أما كيفيته بأن يتعلق بالمثل أو القيمة فخارج عن نطاقها قطعاً.

و الحاصل أنه لا تصلح هذه النصوص لإثبات القاعدة المزبورة. و إنّ عمدة الدليل عليها استقرار سيرة العقلاء علي ضمان المال المغصوب بماليته بجميع خصوصياته النوعية و الشخصية و علي وجوب ردّ ما هو أقرب إلي خصوصيات العين المغصوبة عند تلفها إلي مالكه المغصوب منه. و إن الأقرب إلي العين التالفة حسب ما هو المرتكز في أذهان عرف العقلاء هو المثل في المثليات و القيمة في القيميات مع عدم ورود ما يردع عنها من جانب الشارع بل ورد عنه ما يؤيّدها.

و فيه: أنه لا يبعد دعوي استقرار سيرة العقلاء علي أصل ضمان مالية المال المضمون في جميع الموارد. و أما التفصيل المزبور في مصبّ سيرتهم فيشكل إثباته جدّاً.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 1 ص 10 ح 3 و ج 8 ص 610 ب 158 ح 3 من أبواب أحكام العشرة.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 320

______________________________

ثم

إنه يمكن الاستدلال علي ضمان المال بل ضمان مطلق الحقوق ببعض النصوص الواردة في باب الإضرار. مثل ما دل منها علي ثبوت الضمان في حق من أضرَّ بطريق المسلمين، كقول الصادق (عليه السّلام)

كلُّ شَي ءٍ يُضِرُّ بِطَريقِ الْمُسْلِمينَ فَصاحِبُهُ ضامِنٌ لِما يُصيبُهُ

في صحيح الحلبي «1».

و قوله (عليه السّلام)

كُلُّ مَنْ أَضَرَّ بِشَيْ ءٍ مِنْ طَريقِ الْمُسْلِمينَ فَهُوَ لَهُ ضامِنٌ

في صحيح أبي الصباح الكناني. و إنّ ورود هذين الصحيحين في مورد الطريق بعد كونهما علي النحو القضية الكلية لا يضرُّ بعموم مدلولهما و شمولهما لغير الطريق.

و ما ورد في حفر الآبار و القنوات بقوله (عليه السّلام)

فَيُنْظَر أَيَّتُهما أَضَرَّتْ بِصاحِبَتِها، فَإِنْ رَأيْتَ الْأَخيرَةَ أَضَرَّتْ بِالْأُولي فَلْتُعَوَّرْ

في معتبرة عقبة بن خالد «2». و ما ورد في توقيع الحجّة (عج)

عَلي حَسَبِ أَنْ لا تُضِرَّ إحْداهُما بِالْأُخْري

في صحيح الهمداني «3».

فان في هاتين الروايتين و إن لم يُصرّح بالضمان و لكن لا تخلوان من دلالةٍ علي وجوب مراعاة حقّ من يرد عليه الضرر و عدم جواز تضييعه بالإضرار.

و ممّا يدل علي ذلك مرفوعة نوفلي عن علي (عليه السّلام)

فَإِنَّ أَمْوالَ الْمُسْلِمينَ لا تَحْتَمِلُ الإضرار «4».

فان معني تحمُّل الإضرار في المال عدم جبرانه و هو مساوق لعدم الضمان و لازمه كون نفي تحمل الإضرار في الأموال بمعني الحكم بضمانها لأجل الإضرار فهي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 19 ص 181 ب 9 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17 ص 344 ح 1.

(3) الوسائل/ ج 17 ص 342 ح 1.

(4) الوسائل/ ج 12 ص 299 ب 15 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 321

______________________________

تدل علي كون الإضرار في أموال المسلمين موجباً للضمان.

و لكن هذه النصوص تصلح لإثبات أصل الضمان لا التفصيل بين ضمان المثلي و القيمي.

و أما الاستدلال بالنصوص النافية

للضرر فلا يصحّ لأنّها بصدد نفي جواز إيراد الضرر علي الغير تكليفاً أو نفي جعل الحكم الضرري من جانب الشارع و لا نظر لها إلي إثبات الضمان.

و التوجيه بأن عدم حكم الشارع بالضمان في الحقيقة ضرريٌّ في حق من توجه إليه الضرر و هو منفي بدلالة هذه النصوص، و لازمه حكم الشارع بضمان الضرر الوارد علي المكلّفين و بذلك تدلّ النصوص النافية للضرر علي الضمان.

غير وجيه، لأنّ عدم الحكم بالضمان يرجع في الحقيقة إلي عدم تدارك الضرر الوارد كما، أن الحكم بالضمان ليس إلّا تدارك الضرر و جبران النقص الوارد بالإضرار. و لازم ذلك رجوع عدم الحكم بالضمان إلي عدم تدارك الضرر، و عليه فلا يكون عدم الحكم بالضمان من الشارع إضراراً من جانبه في حق من توجه إليه الضرر.

و أما الاستدلال بقاعدة العدل و الإنصاف فعلي فرض جريان بناء العقلاء في موردها يصح التمسك به في المقام لكون المقصود بالعدل و الإنصاف حينئذٍ معناه الأعم المقابل للظلم. فان سلب حق الغير و تضييع ماله من دون جبران و تداركٍ ظلمٌ في نظر العقلاء، و لا ريب في استقرار سيرتهم علي تداركه. و لا إشكال في وجود أمثال مصبّ هذه السيرة و مصاديقه في زمن الشارع و لم يرد منه ردعٌ.

نعم هي أخص من المدّعي، و ذلك لأنّ مصبّ الدعوي هو الاستدلال علي الضمان في مطلق موارد الإضرار و لكن السيرة تختص بما إذا كان الإضرار مصداقاً للظلم و العدوان. و أمّا موارد الغفلة و الخطأ فلا تتكفل هذه السيرة لإثبات الضمان فيها

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 322

______________________________

بعنوان الإضرار، مع أنّ الحكم بالضمان ثابت في هذه الموارد أيضاً بلا إشكال. فهذه السيرة صالحة لإثبات

الضمان في خصوص موارد كان تضييعاً لحق الغير أو ماله و من مصاديق الظلم و العدوان، نظراً إلي توقف رفع ذلك علي جبران الحق الضائع و تدارك المال التالف.

و أما الإشكال بأنّ مدرك هذه القاعدة هي النصوص الواردة في خصوص المال المردّد من الدرهم الودعي و لا يمكن التعدّي عن موردها إِلي سائر الموارد فغير وارد، لأن تلك النصوص إنّما تبيّن بعض مصاديق هذه القاعدة و تصلح للاستشهاد علي إثباتها في الجملة. و لكن عمدة الدليل علي ذلك هي سيرة العقلاء.

و القول بأن الظلم لا دليل علي حرمته غير ما دلّ من الخطابات و النصوص الشرعية علي حرمتها و هي لا تصلح لإثبات الضمان لعدم كونها ناظرة إلي هذه الجهة، غير وجيه. لاستقرار بناء العقلاء علي ذلك و شهادة الوجدان و الفطرة علي حسن تدارك الضرر الوارد علي الغير و جبران ما ورد عليه من تضييع الحق و نقص المال عن ظلمٍ و عدوانٍ. و لا نقول بمقالة من قال: إنّ الحسن ما حسّنهُ الشارع و القبيح ما قبّحه الشارع، بداهة استلزام ذلك لغوية أمر اللّٰه تعالي عباده بالتفكر في الآفاق و الأنفس و أمرهم بالايمان باللّٰه و اليوم الآخر و ترغيبهم إلي التدبّر و التعقل في آيات اللّٰه و بدائع خلقه تعالي. فلا يرد إشكال من هذه الجهة. و إنّما العمدة أنّ مصبّ هذه السيرة أخصّ من المدَّعي. اللّهم إلّا أن ترجع إلي سيرتهم علي ضمان الإتلاف علي التقريب المذكور في أوائل البحث. ثم إن من أهم ما يستدل به علي ضمان المثل في المثلي و القيمة في القيمي ما ورد من النصوص في حكم من كان له علي غيره دراهم فسقطت عن الرواج

أو تغيّر سعرها قبل الأَداءِ و المحاسبة.

فمن الطائفة الأولي: صحيحة يونس قال

كَتَبْتُ إلي الرّضا (عليه السّلام): أَنَّ لي

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 323

______________________________

عَلي رَجُلٍ ثَلاثة آلافِ دِرْهَمٍ وَ كانَتْ تِلْكَ الدَّراهِمُ تُنْفَقُ بَيْنَ النّاسِ تِلْكَ الأَيّامِ وَ لَيْسَتْ تُنْفَقُ الْيَوْمَ. فَلي عَلَيْهِ تِلْكَ الدَّراهِمُ بِأعْيانِها أَوْ ما يُنْفَقُ الْيَوْمَ بَيْنَ النّاسِ؟ قالَ فَكَتَبَ (عليه السّلام) إِلَيَّ: لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ ما يُنْفَقُ بَيْنَ النّاسِ كَما أَعْطَيْتَهُ ما يُنْفَقُ بَيْنَ النّاسِ «1».

هذه الصحيحة تدلّ بظاهرها علي ضمان المالية الثابتة للنقد بالرّواج. و في مقابلها صحيحة صفوان قال

سَأَلَهُ مُعاويَةُ بْنُ سَعيدٍ عَنْ رَجلٍ إِسْتَقْرَضَ دَراهِمَ عَنْ رَجُلٍ وَ سَقَطَتْ تِلْكَ الدَّراهِمُ أَوْ تَغَيَّرَتْ وَ لا يُباعُ بِها شَيْ ءٌ، أَ لِصاحِبِ الدَّراهِمِ الدَّراهِمُ الْأُولي؟ أَوِ الْجائِزَةُ الَّتي تَجُوزُ بَيْنَ النّاسِ؟ فَقال (عليه السّلام): لِصاحِبِ الدَّراهِمِ الدَّراهِمُ الْأُولي «2».

و هي نقلت في نسخة الوسائل عن العباس بن صفوان و لكنه غلط في الاستنساخ أو الطبع. و الصحيح كما قال في جامع الرواة عن العباس عن صفوان، و المقصود العباس بن معروف بقرينة روايته عن صفوان. فلا إشكال في صحة سند هذه الرواية، مضافاً إلي أنّه لا أثر لهذا الاسم أعني به عباس بن صفوان في كتب الرجال.

و أمّا دلالةً فهي بظاهرها تعارض صحيحة يونس حيث فرض فيها سقوط الدراهم عن الرواج، بقرينة قوله

وَ لا يُباعُ بِها شَيْ ءٌ.

و مع ذلك حكم الإمام (عليه السّلام) بضمان الدراهم الأُولي الساقطة عن الرواج بلا اعتناءٍ بنقصان ثمنها بالسقوط.

و يساعده في المدلول صحيح آخر عن يونس قال

كَتَبْتُ إِلي أَبي الْحَسَنِ الرِّضا (عليه السّلام): أنَّهُ كانَ لي عَلي رَجُلٍ عَشْرَةُ دَراهِمَ وَ أَنَّ السُّلْطانَ أَسْقَطَ تِلْكَ الدَّراهِمَ وَ جاءَتْ دَراهِمُ (بِدَراهِمَ) أَعْليٰ مِنْ تِلْكَ

الدَّراهِمِ الْأُولي وَ لَهَا الْيَوْمَ

______________________________

(1) 1 الوسائل/ ج 12 ص 488 ب 20 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 12 ص 488 ب 20 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 324

______________________________

وَضيعَةٌ، فَأَيُّ شَيْ ءٍ لي عَلَيْه، الْأُولي الَّتي أَسْقَطَهَا السُّلْطانُ أَوْ الدَّراهِمُ الَّتي أَجازَهَا السُّلْطانُ؟ فَكَتَبَ (عليه السّلام): لَكَ الدَّراهِمُ الْأولي «1».

قوله

وَ لَهَا الْيَوْمَ وَضيعةٌ

يعني تنزل سعر الدراهم الأعلي بعد رواجها عن تلك الدراهم الأولي الساقطة في يوم المحاسبة. و لا ينافي ذلك تنزّل الدراهم الأولي أيضاً بالإسقاط كما يرتفع ثمن الذهب و الفضّة بالسكك. و من هنا تدل هذه الصحيحة علي عدم ضمان مالية النقد الساقطة بتنزّل السعر. حيث حكم الإمام (عليه السّلام) في جواب مكاتبة يونس بكون الدراهم الأولي للدائن كما كان بماله من السعر يوم المحاسبة، بلا اعتناءِ بتغيّر سعرها و لا تغيّر سعر الدراهم الجديدة الّتي أجازها السلطان.

و من الطائفة الثانية الواردة في حكم تغيّر سعر الدراهم الثابتة في الذمة قبل المحاسبة موثقة إسحاق بن عمار، قال

سَأَلْتُ أَبا إِبْراهيمَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لي عَلَيْهِ الْمالُ فَيُقْبِضُني بَعْضاً دَنانيرَ وَ بَعْضاً دَراهِمَ. فَإِذا جاءَ يُحاسِبُني لِيُوفيني يَكُونُ قَدْ تَغَيَّر سِعْرُ الدَّنانيرِ. أَيّ السِّعْرَيْنِ أَحْسَبُ لَهُ، الَّذي كانَ يَوْمَ أَعْطاني الدَّنانيرَ أَوْ سِعْرَ يَوْمي (يَوْمَ أُحاسِبُهُ) الَّذي أُحاسِبُهُ؟ فَقالَ (عليه السّلام): سِعْرَ يَوْمٍ أَعْطاكَ الدَّنانيرَ، لِأَنّكَ حَبَسْتَ مَنْفَعَتَها عَنْهُ «2».

فان قوله (عليه السّلام)

حَبَسْتَ مَنْفَعَتَها عَنْهُ

يعني أنّ الدائن الآخذ لمّا مَلِك الدراهم و الدنانير المقبوضة و قطع بذلك يد مالكها عنها يرجع بذلك نفعها و ضررها إلي نفسه لا إلي المالك السابق. فكما أنه يملك نفعها الحاصل بالاتجار أو بارتفاع الثمن فكذلك عليه أَنْ يتحمّل ضررها الحادثة بتنزّل السعر و نقصان الثمن. و بناءً علي ذلك

فلا يجوز له أن يجعل ما حدث من النقصان بتنزل السعر في حساب المديون و يأخذ ما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12 ص 488 ب 20 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 12 ص 471 ب 9 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 325

______________________________

به التفاوت من كيسه، بل عليه أن يحسبها من كيس نفسه و يتحمل ضرره كما حبس منفعتها عنه بتملكها. و من هنا يجب عليه أن يحاسبها للمديون بقيمة يوم الإقباض لا يوم الحساب.

و لكن لا يخفي أنّ المحاسبة المزبورة تكون فيما إذا أقبض المديون الدراهم بإزاء الدنانير الثابتة في ذمته، لكونه حينئذٍ من قبيل دفع مال القرض بالقيمة. و الّا فلو دفع بازاءِها الدنانير لا يحتاج إلي محاسبةٍ بل يكفي دفع تلك الدنانير برؤوسها، كما صرح بذلك في موثقة أُخري عن إسحاق بن عمار، قال

قُلْتُ لِأبي إِبْراهيمَ: الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ عَلي الرَّجُلِ الدَّنانيرُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ دَراهِمَ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ السِّعْرُ. قالَ (عليه السّلام): فَهِيَ لَهُ عَلَي السِّعْرِ الَّذي أَخَذَها يَوْمَئذٍ. وَ إنْ أَخَذَ دَنانيرَ وَ لَيْسَ لَهُ دَراهِمُ عِنْدَهُ فَدَنانيرُهُ عَلَيْهِ يَأْخُذُها بِرُءوسِها مَتي شاءَ «1».

و عليه فلا تهافت بين هاتين الموثقتين. و لكن لا ربط لهما بالمقام بل غاية مدلولهما أنّ تغيّر سعر الدرهم و الدينار بعد ما دفعها المديون لا تأثير له في مقدار متعلّق الضمان بل هو نفس ذلك المقدار الثابت في بداية القرض كما كان بلا زيادة.

و إنما الكلام في مدلول الطائفة الأولي. حيث دلّ صحيح يونس علي ضمان ما تنزّل من ثمن الدراهم الأولي بالإسقاط، معلّلًا بدخول المالية المتقوّمة بالإنفاق و الرواج تحت الضمان، لقوله (عليه السّلام)

لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ ما يُنْفَقُ بَيْنَ النّاسِ كَما أَعْطَيْتَهُ ما يُنْفَقُ بَيْنَ النّاسِ.

و تعارضها

صحيحة صفوان لظهورها في نفي ضمان المالية المتقوّمة بالرواج، حيث حكم فيها الإمام (عليه السّلام) بضمان الدراهم الأولي الساقطة عن الرواج بلا اعتناءٍ بنقصان ثمنها بالسقوط و يوافقه في المضمون صحيح يونس الثاني.

و قد جمع بينهما محمد بن الحسن الوليد (رضي اللّٰه عنه) بحمل صحيح يونس الأوّل علي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12 ص 471 ب 9 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 326

______________________________

ما إذا كان الدراهم المضمونة من قبيل النقد الرائج بأن كان القرض أو البيع مبنياً علي النقد الرائج بعنوانه المسكوك، فحكم حينئذٍ بأنه ليس للدائن إلّا ذلك النقد بعنوانه المسكوك. و حمل صحيحه الثاني و صحيح صفوان علي ما إذا كان القرض أو المعاملة مبنيّاً علي وزن الدراهم لأعلي عنوان النقد المسكوك المتقوّم بالرواج، فحكم حينئذٍ بضمان الدراهم الجائزة الرائجة حين المحاسبة. و هذا نصّ عبارته

فمتي كان له عليه دراهم بنقدٍ معروف فليس له إلّا ذلك النقد. و متي كان عليه دراهم بوزن معلوم بغير نقد معروف فإنما له الدراهم الّتي تجوز بين الناس.

فالحق القسم الأول بالمثليات و الثاني بالقيميات و حكم بضمان مثل الدراهم الأوليٰ علي الأول و بضمان قيمتها من النقد الرائج علي الثاني. و كأنّه (قدّس سرّه) فصّل بذلك بين المثلي و بين القيمي.

و قد يشكل علي ذلك: بأنّ مثل الدراهم الأولي الساقطة هي مقدارها من الدراهم الجائزة الرائجة يوم المحاسبة لأنفس تلك الدراهم الساقطة. و الجواب: أنّ ذلك صحيح في النقود التي لا مالية لها من غير جهة السكك و الرواج فتذهب ماليتها رأساً بسقوطها عن الرواج، ففي هذه النقود يكون مثلها النقود الرائجة يوم المحاسبة. و أما النقود التي لها مالية ذاتية مع قطع النظر عن السكك و

الرواج كالدنانير و الدراهم فلا يلاحظ الرواج عرفاً في مماثلها، و في الحقيقة يعدم المثل بذهاب المالية رأساً في النقود المتمحضة في المالية فتصل النوبة إلي القيمة بخلاف النقود التي لها مالية ذاتية من غير تقوّم بالسكك و الرّواج فلا يعدم مثلها بالسقوط عن الرّواج. فلا فرق بين النوعين من النقود.

و الحاصل من جميع ما ذكرنا أنه يمكن الاستدلال بهذه النصوص علي ضمان القيمة في القيميات و المثل في المثليات و دخول المالية تحت الضمان علي الأوّل. و قد تبين

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 327

______________________________

مما قلناه أخيراً أن النقود التي لا مالية لها من غير ناحية السكك و الرواج تكون من قبيل المثليات و لكن عند سقوطها عن الرواج يتعذّر أداء المثل فتصل النوبة إلي دفع القيمة بإعطاءِ النقود الرائجة. و الحاصل أنّ مطلق النقود سواءٌ كانت ممّا له المالية ذاتاً مع قطع النظر عن السكك و النقدية كالدراهم و الدنانير أو غيرها من النقود الممحّضة في المالية المتقوّمة ماليتها بالسكك و الرواج من قبيل المثليات. نظراً إلي تساوي أفرادها في الخصوصيات و الصفات الدخيلة في ماليتها إلّا أنّ صفة الرواج لا دخل لها في مثلية القسم الأول. و من هنا يكون مثل الدينار هو الدينار لا الدرهم لاختلافهما في النوع الموجب لاختلاف ثمنهما.

و اتضح ممّا قلنا أنّ سقوط غير الدرهم و الدينار من النقود عن الرواج في حكم تلف المثل، فتصل النوبة عندئذ إلي ضمان قيمتها بدفع النقد الرائج بخلاف الدراهم و الدنانير لبقاء عمدة ماليتهما عند سقوطهما عن الرواج. فلذا لا يكون في حكم تلف أمثالهما. و عليه فيجوز الاكتفاءُ بدفع أمثالهما الساقطة عن الرواج كما دلّت علي ذلك النصوص المزبورة.

إذا عرفت

ذلك فنقول: هذا كله هو مُقتضي القاعدة و النصوص في ضابطة ضمان المثلي و القيمي علي النحو الكلي. و أمّا في خصوص المقام فانّ ظاهر أمر الإمام (عليه السّلام) في صحيحة يونس السابقة ببيع مجهول المالك و التصدق بثمنه بقوله

بِعْهُ وَ تَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ

تعلق الضمان بماليته و قيمته مطلقاً سواءٌ كان مثلياً أم قيمياً، خصوصاً بلحاظ كون انتفاع الفقير من قيمة بعض المثليات أسهل من أعيانها. فهذه الصحيحة صالحة لردع السيرة في خصوص المقام علي فرض استقرارها في مطلق موارد الضمان بالتفصيل المزبور. كما تصلح لتخصيص النصوص الواردة في الدراهم إذ النسبة بينهما هي العموم و الخصوص مطلقا بحسب المورد. و من هنا ينتقل ما في الذمة في خصوص

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 328

مسألة 30: لو كان الحرام المختلط بالحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام فهو كمعلوم المالك و لا يجزيه إخراج الخمس (1).

______________________________

مجهول المالك إلي القيمة حتي في المثليات فضلًا عمّا إذا كان مردّداً بينها و بين القيميات و إن كان في سائر الموارد غير مجهول المالك يتعلّق الضمان في المثليات بالمثل و في القيميات بالقيمة لأجل سيرة العقلاء و النصوص المزبورة الواردة في باب الدراهم. و عليه ففي المقام إذا لم يعلم مقدار ما في الذمة يتردد بين ما هو أقل قيمة و بين ما هو أكثر قيمة مطلقاً حتي في المثليات. فيكتفي بدفع الأقل و تجري البراءة عن القدر الزائد. نظراً إلي الشك في أصل اشتغال الذمة به حينئذٍ و بهذا البيان اتضح وجه ما ذهب اليه الماتن (قدّس سرّه) و ما أحسنَ دقّته و تضلُّعه في مباني فتاويه. رفع اللّٰه درجاته العالية و حشره مع أوليائه المقرَّبين.

[إذا كان الحرام المختلط من الخمس أو الزكاة أو الوقف]

إذا كان الحرام المختلط من الخمس أو الزكاة أو الوقف

(1) سبق أنّ في متعلّق وجوب خمس المال المختلط قد أخذ الجهل بمالك الحرام و أنّ صورة العلم بمالكه خارجة عن نطاق هذه النصوص، من دون فرقٍ في ذلك بين ما لو عرف المالك بشخصه كما لو علمنا أنَّ الحرام لزيدٍ أو عمروٍ مثلًا و بين ما لو علم بنوعه و عنوانه كما لو علم أنّ الحرام ملك لأرباب الخمس أو الزكاة أو للموقوف عليهم. نظراً إلي أنّ بعض نصوص المقام كقوله

إذا لم يعرف صاحبه

في معتبرة عمار قد دلّ بإطلاق مفهومه علي خروج معلوم المالك عن متعلق خمس المختلط مطلقاً سواءٌ عرف بشخصه أم عرف بنوعه و عنوانه.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 329

______________________________

و إن قد يشكل في المالك المعلوم بعنوانه بدعوي انصراف نصوص مجهول المالك عنه و لكن إطلاق مفهوم الفقرة المزبورة من معتبرة عمار يدفعها. و إلي ذلك أشار الماتن بقوله

فهو كمعلوم المالك.

ثم إن في المقام لو كان المال المختلط في يد مالك الحلال يجري فيه جميع ما مرّ سابقاً، فلا بدّ أوّلًا من إفراز المقدار المتيقن من الحرام المعلوم مالكه و ردِّه إلي صاحبه. و يكون المقدار المشكوك كونه للغير محكوماً بدخوله في ملكه لأجل قاعدة اليد. هذا بلحاظ أصل السهم و أما تعيينه و إفرازه في الخارج فيتوقف علي القرعة. بأن يخرج كل سهم في كلّ مرّة باسم أحدهما علي التناوب. حتّي يفرز مال الغير فيكون الباقي ملك مالك الحلال قهراً.

و أما لو كان المال المختلط في يد ثالث غير مالك الحلال و مالك الحرام فيقرع مرّتين أحدهما: لتعيين مالك المقدار المشكوك نظراً إلي عدم جريان قاعدة اليد حينئذٍ. و الآخر: لا

فراز سهم كل واحدٍ من مالك الحلال و ذلك الغير المالك للحرام في الخارج.

و أما الرجوع إلي الحاكم و المصالحة معه فلا وجه له في فرض معلومية المالك و لو نوعاً-، إلّا في إلزام الممتنع منهما علي قسمة الإجبار. و لكنه في طول القرعة كما قُرّر في محلّه من كتاب القسمة.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 330

[إذا كان الحلال متعلق الخمس]

مسألة 31: لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلق به الخمس وجب عليه بعد تخميس التحليل خمس آخر للمال الحلال الذي فيه، و له الاكتفاء بإخراج خمس القدر المتيقن من الحلال إن كان أقل من خمس البقية بعد تخميس التحليل، و بخمس البقية إن كان بمقداره أو أكثر علي الأقوي. (1) و الأحوط المصالحة مع الحاكم في موارد الدوران بين الأقل و الأكثر.

______________________________

إذا كان الحلال متعلق الخمس

(1) إذا كان المال الحلال الموجود في المختلط بالحرام متعلقاً للخمس مع قطع النظر عن خلطه بالحرام بعنوانه من غنيمة أو ربح كسب أو معدن أو كنزٍ و نحو ذلك مما يجب فيه الخمس وقع الكلام في أنه هل يجوز الاكتفاء بإخراج خمس المجموع مرّةً لتخميس الحلال المختلط أم لا بد من إخراجه مرّةً أُخري لتخميس المال الحلال بعنوانه.

قد يقال بالأول، نظراً إلي إطلاق قوله (عليه السّلام) في موثقة السكوني

وَ سائِرُ الْمالِ كُلُّهُ لَكَ حَلالٌ.

و لكن لا وجه له لوضوح نظره (عليه السّلام) إلي تحليل المال من ناحية اختلاطه بالحرام كما كان ذلك مشكلة السائِل التي كان هو بصدد التخلّص منها هذه الجهة دون سائر الجهات. فلا تدلّ الموثقة علي تحليل باقي المال المختلط بعد التخميس من جميع الجهات. و عليه فلا إشكال في عدم جواز الاكتفاء بالتخميس مرّةً واحدة، بل

يجب مرّتين.

و إنما الكلام في تقديم أيّ واحدٍ من التخميسين. فهل يقدم تخميس المختلط ثم يخرج خمس الباقي بعنوان تخميس الربح و الفائدة أو يكون الأمر بالعكس؟

فقد اختار الماتن (قدّس سرّه) الأول، نظراً إلي تعلق الخمس بالحلال من الغنيمة و الربح و المعدن و نحو ذلك من سائر أقسام الخمس. فلا بد أوّلًا من تحليل المختلط بإخراج

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 331

______________________________

خمسه ليتمحّض الباقي في الحلال ثم يخرج خمسه في المرّة الثانية بالعنوان الآخر.

و قد أشكل بعض الأعلام بأن موضوع وجوب خمس الحلال المختلط هو المال المختلط من ملك شخصه و الحرام الذي لم يعرف صاحبه. و أما المشتمل علي ملك أرباب الخمس كما في المقام فخارجٌ عن إطلاق دليله. ثم اختار هذا العَلَم عكس ما سلكه الماتن (قدّس سرّه) فقال بوجوب تخميس ما تيقن بكونه من ربح الكسب و نحوه ليتمحّض الباقي بعد التخميس في الحلال المختلط بالحرام، ثم يخرج خمسه بهذا العنوان. فرجّح تقديم تخميس المال بعنوان الربح علي تخميسه من ناحية الاختلاط.

و الفرق بين المسلكين واضحٌ. حيث إنه لو كان مجموع ما في يده من المال مأة تومان مثلًا و كان خمسين توماناً من ربح الكسب. فعلي المسلك الثاني يجب إخراج عشرة ثمانين ابتداءً بعنوان خمس الربح، ثم يخرج ثانياً ثمانية عشر توماناً من الباقي بعنوان خمس الحلال المختلط بالحرام. فمجموع الخمس المخرج في المرّتين حينئذٍ ثمانية و عشرون توماناً.

و أما بناءً علي المسلك الأول أعني به ما ذهب إليه الماتن (قدّس سرّه) يخرج ابتداءً عشرون توماناً بعنوان خمس الحلال المختلط، ثم يخرج ستّة عشر من ثمانين توماناً الباقية بعنوان خمس الربح. فيخرج حينئذ في المرّتين مجموعاً ستة و ثلاثون توماناً

فالمخرج من الخمس علي هذا المسلك زائِد عن الخارج منه علي المسلك الأول بثمانية توامين.

و الأظهر ما سلكه الماتن (قدّس سرّه) علي تفصيل منه (قدّس سرّه) في تخميس الباقي. بيان ذلك: أنّ المقصود من المال الحلال في نصوص المقام هو المال المكتسب من الكسب الحلال بأن يكون المال حلالًا في نفسه مع قطع النظر عن تعلّق الخمس به. و في قباله يكون المقصود من الحرام هو المال المكتسب من الكسب الحرام كما أشار إليه السائل

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 332

______________________________

بقوله

أغمضت في مطالبه.

و عليه فمقصود الإمام (عليه السّلام) من قوله

وَ سائِرُ الْمالِ كُلُّه لَكَ حَلالٌ

تطهير المال من الحرام الذي هو مال الغير و تمحُّض ملكيته له. و هذا لا ينافي كون المال الحلال في نفسه متعلقاً للخمس بحكم الشارع كما يكون الأمر كذلك في أيّ مال حلال متعلّق للخمس.

و الحاصل أن الإمام (عليه السّلام) في مقام حلّ مشكلة السائل المريد للتوبة و تخلّصه من الحرام أَمرَ بتخميس المال المختلط ليتطهّر من الحرام الذي هو مال الغير من دون نظرٍ إلي سائر الجهات.

و عليه فلا بد في المقام أوّلًا من إخراج خمس المختلط ليتمحَّض الباقي في الحلال ثمّ يخرج خمسه. و لكنه لا يخرج من مجموع الباقي، بل إنما يخرج من المقدار المتيقن كونه ربحاً. و عليه ففي المثال المزبور لا يخرج الخمس ثانياً إلّا من خمسين توماناً، لأنّه القدر المتيقن كونه ربحاً دون القدر الزائِد المشكوك كونه من الربح. و ذلك لعدم إحراز موضوع الخمس فيه. و إن اشتغال الذمة بخمس الربح فرع صدق عنوان الربح في الخارج. و لا يتكفّل دليل وجوب الخمس لإثبات موضوعه. و عليه فتجري البراءَة في القدر الزائِد للشك في

أصل تعلق خمس الربح به. و لمّا كان هذا القدر الزائِد مخمّساً بعنوان المال المختلط لا يتعلّق به الخمس ثانياً بعنوانه، فهو مال حلال يجوز التصرّف في جميعه. نعم يتعلق به الخمس بعنوان ربح جديد لو مضت عليه سنةٌ. ثم إنّ الأحوط استحباباً المصالحة مع الحاكم في القدر الزائِد لاحتمال تعلق خمس الربح به و إن لا يجب لما قلناه. و بهذا البيان عرفت وجه احتياط الماتن (قدّس سرّه) في الذيل بالمصالحة مع الحاكم.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 333

[حكم ما لو تبيّن المالك بعد التخميس]

مسألة 32: لو تبين المالك بعد إخراج الخمس ضمنه، فعليه غرامته له علي الأحوط (1).

______________________________

حكم ما لو تبيّن المالك بعد التخميس

(1) يقع الكلام في مقامين:

أحدهما: في جواز استراد الخمس من أربابه بعد تبيّن المالك و طلبه.

و الثاني: في ضمان الخمس المدفوع بأنّه هل يجب علي الدافع عند تبيّن المالك و طلب ماله أن يدفع إليه بمقدار الخمس المدفوع و لو من كيسه؟ أم لا.

ثمّ يقع الكلام في أنّ ضمان الخمس المدفوع علي القول به هل يكون من باب ضمان اليد أو الإتلاف أو التغريم.

ظاهر الماتن (قدّس سرّه) أنّ ضمان خمس المال المختلط من باب التغريم كما في مجهول المالك. فكيف يكون التصدّق هناك علي وجه التغريم بدلالة نصوصه؟ فكذلك في المقام، نظراً إلي الجهل بمالكه. و لا ينافي ذلك أمره (عليه السّلام) بإخراج الخمس. فإنه يدلّ علي وجوب التخميس و صيرورة الخمس ملكاً لأربابه و عدم جواز استرداد الخمس منهم. و لكنه علي وجه التغريم. بمعني أنه لو وجد صاحب المال و طلب ماله يضمنه دافع الخمس، نظراً إلي وجوب ردّ مال الغير إلي صاحبه كما أنه ظاهر الأمر بالتصدق بمجهول المالك أيضاً.

فهو (قدّس سرّه)

لم يُفرّق بين المقام و بين مجهول المالك من هذه الجهة و اعتقد كون الأمر بالتصدق بمال الغير أو دفعه بعنوان الخمس في مطلق الموارد علي وجه التغريم.

و قد يستدل علي ضمان الخمس المدفوع في المقام بقاعدة الإتلاف نظراً إلي إتلاف مال الغير بتخميس المال المختلط. و لا ينافي هذا الضمان وجوب التخميس، لما سبق آنفاً من كون الأمر بإخراج الخمس علي وجه التغريم كما أن التصرف في مال

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 334

______________________________

الغير و إتلافه ربما يكون واجباً، مثل ما لو توقف إنقاذ النفس و إنجائه من الهلاك علي التصرف في مال الغير و إتلافه بأكله أو بذله و نحو ذلك و مع ذلك يثبت ضمان المال التالف و يجب ردّ مثله أو بدله إلي المالك.

و الحاصل أنّ حكم الشارع بجواز إتلاف مال الغير أو وجوبه لأيّة جهةٍ من الجهات لا ينافي ثبوت الضمان و كون الأمر بذلك علي وجه التغريم.

أما المقام الأول: فلا إشكال في عدم جواز استرداد الخمس المدفوع. و ذلك لانتقاله إلي ملك أربابه بمجرّد تعلق الخمس بالمال المختلط كسائر أقسام الخمس و كذلك الصدقة المدفوعة إلي الفقراءِ، نظراً إلي عدم جواز ردّ ما كان للّٰه كما يستفاد من النصوص. هذا لا كلام فيه. و إنما الكلام في أصل الضمان و تعيين نوعه، فنقول:

أما ضمان الإتلاف فلا يمكن أن يكون مقصود الماتن (قدّس سرّه)، نظراً إلي كون مصبّه إتلاف مال الغير من دون إذن مالكه. و المفروض أن إتلافه في المقام كان بأمر صاحب المال و وليّه الشرعي، لقوله في معتبرة داود بن أبي يزيد

وَ اللّهِ ما لَهُ صاحِبٌ غَيْري فَاذْهَبْ فَاقْسِمْهُ في إِخْوانِكَ وَ لَكَ الْأَمْنُ مِمّا خِفْتَ مِنْهُ

«1».

بل لا يكون من قبيل إتلاف مال الغير. و ذلك أمّا في صورة التصدق فلكونه في حكم إيصال المال المتصدّق به إلي مالكه و بتعبُّدٍ من الشارع و أمره عند عدم إمكان إيصاله المادّي. و أمّا في صورة التخميس فنظراً إلي خروج مقدار الحرام عن ملك مالكه المجهول و انتقاله إلي ملك أربابه بعد تعلّق الخمس بالمال بمجرّد اختلاطه بالحرام.

و عليه فانّ من بيده المال ردّه إلي مالكه الشرعي بالتخميس. و أما أربعة أخماس الباقية فقد صرّح بحليته لدافع الخمس، كما قال في موثقة السكوني

وَ سائِرُ الْمالِ كُلُّهُ لَكَ حَلالٌ «2».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 357 ب 7 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 353 ب 10 ح 4 هذه العبارة في نسخة الفقيه و قد سبق أنه الأرجح.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 335

______________________________

و أما ضمان التغريم في مجهول المالك فمقتضي الأمر بالتصدق عدمه. و ذلك لما قلنا آنفاً من أنّ التصدّق نوع إيصالٍ للمال إلي مالكه و أنّه إيصال منفعة المال المعنوية إلي مالكه و ادّخار أجره له عند عدم إمكان إيصاله الخارجي المادّي.

و عليه فالتصدق إيصالٌ للمال المتصدّق به واقعاً إلي صاحبه المجهول بتعبّدٍ من الشارع و أمره به. و هذا المعني ينافي تحمّل الغرامة بضمان المال المتصدق به. و يأتي نظير هذا التقريب في الأمر بتخميس المال المختلط علي نحو أتمّ لظهوره في انتقال المال من ملك مالكه المجهول إلي ملك أرباب الخمس.

و عليه فمقتضي أمر الشارع بالتصدق و التخميس نفي ضمان التغريم، فيحتاج إثباته إلي دليلٍ مُخرج عن ظاهر الأمر المزبور بالخصوص.

و ذلك الدليل قد ورد في نصوص اللقطة فقد صُرِّح في تلك النصوص بالضمان عند مجي ء المالك و عدم

رضائه بالتصدق. و أمّا في مجهول المالك فلم يرد ما يخرجنا عن مقتضي الأمر المزبور إلّا صحيح هشام لظهوره في ضمان المال عند مجي ء مالكه مجهول.

و هو ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسي بن عبيد عن يونس عن هشام بن سالم قال

سَأَلَ خَطّٰابُ الْأَعْورُ أَبا إِبْراهيمَ (عليه السّلام) وَ أَنَا جالِسٌ فَقالَ: إِنَّهُ كانَ عِنْدَ أَبي أَجيرٌ يَعْمَلُ عِنْدَهُ بِالْأُجْرَةِ فَفَقَدْناهُ وَ بَقِيَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْ ءٌ وَ لا يُعْرَفُ لَهُ وارِثٌ. قالَ (عليه السّلام): فَاطْلُبُوهُ. قالَ: قَدْ طَلَبْناهُ فَلَمْ نَجِدْهُ. قال: فَقالَ (عليه السّلام): مَساكينَ وَ حَرَّكَ يَدَهُ قالَ: فَأَعادَ عَلَيْهِ. قال (عليه السّلام): أُطْلُبْ وَ اجْهَدْ فَإنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ، وَ إِلّا فَهُوَ كَسَبيل مٰالِكَ حَتّي يَجِي ءَ لَهُ طالِبٌ. فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ فَأَوْصِ بِهِ: إِنْ جاءَ لَها طالِبٌ. أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ «1».

قوله

وَ إِلّا كَسبيلِ مالِك..

يمكن تفسيره بوجهين: أحدهما أنه بعد الفحص

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 582 ب 6 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 336

و لو علم بعد إخراج الخمس أن الحرام أقل منه لا يسترد الزائد (1).

______________________________

و اليأس عن الظفر بمالكه في سائر أموالك من جهة جواز أيّ تصرّف فيه ما دام لم يجي ء المالك. و ثانيهما: أنه بعد ذلك في عرض سائر أموالك من جهة وجوب حفظه من التلف إلي أن يجي ء مالكه فاذا جاءَ و طلبه رُدّه إليه. و يؤيد هذا الوجه قوله

فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ فَأَوْصِ بِهِ..

حيث إنّه لو كان التصرف فيه جائزاً كسائر أمواله المملوكة لم يكن معني لوجوب إيصائه بدفعه إلي مالكه عند مجيئِه لفرض جواز تصرفه فيه حال حياته، و أمّا بعد موته فإنّما يجب علي الورثة ردّه إلي مالكه. فمن

ذلك يعلم أنّ المقصود من هذه الفقرة وجوب حفظ المال حال الحياة و الوصية بذلك بعد مماته.

ثم إنّ هذان الوجهان يُحتمل كلاهما في تفسير الفقرة المزبورة.

و لكن بناءً علي كلا التفسيرين لا إشكال في دلالة هذه الصحيحة علي أصل الضمان غاية الأمر بناءً علي الاحتمال الأوّل يمكن أن يكون جواز تصرّفه علي وجه التغريم كما في اللقطة، و أما بناءً علي الوجه الثاني لا يجوز التصرف فيه بل يجب حفظه.

و لا يخفيٰ أنّه لمّا ورد هذا الصحيح في مورد الأجرة الثابتة في ذمّة المستأجر فلذا يستفاد منه تعميم الضمان إلي الدين في ترتب حكم مجهول المالك في فرض المقام أيضاً.

[إذا تبيّن كون الحرام أقلّ من الخمس أو أزيد منه]

إذا تبيّن كون الحرام أقلّ من الخمس أو أزيد منه

(1) و ذلك لأن دليل الخمس يشمل بإطلاقه للمقام نظراً إلي تحقق موضوعه واقعاً باختلاط الحرام و الحلال و الجهل بمقدار الحرام. فلذا يجب دفع مقدار الحلال الزائد إلي أرباب الخمس بأمر الشارع و يصير ملكاً لهم واقعاً. و لا يكون دفعه جزافياً بل يكون بإزاءِ المال الحرام الموجود في أربعة أخماس الباقية غالباً نظراً إلي بُعد وجود عين المال الحرام كلّه في الخمس المدفوع. و علي أيّ حالٍ دفع الخمس إلي محلّه

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 337

و لو علم أنّه أزيد منه فالأحوط التصدق بالزائد، و إن كان الأقوي عدم وجوبه لو لم يعلم مقدار الزيادة (1).

______________________________

الشرعي و بما أنه عمل عبادي قربي لا يجوز استرداده، لما ورد عنهم (عليهم السّلام) أنّ ما كان للّٰه لا يرجع.

نعم من دفع خمساً بتخيّل وجوبه يجوز له استرجاع عينه الموجود لدي انكشاف الخلاف. و لكنه لا يقاس بالمقام، لان موضوع وجوب الخمس متحقق فيه واقعاً و قد

انتقل الخمس إلي ملك أربابه حقيقةً. و هذا بخلاف المثال المقيس عليه، حيث إنّه لم يتحقق موضوع وجوب الخمس فيه واقعاً بل إنما تخيّل الشخص ثبوته.

(1) إذا انكشف بعد إخراج الخمس كون الحرام أزيد من الخمس فتارة: يعلم مقدار الحرام الزائد تفصيلًا. و أُخري: يعلم إجمالًا أنَّ مقداره أزيد من الخمس. و قد فصّل الماتن (قدّس سرّه) بين الصورتين، فاحتاط وجوباً التصدّق بالزائد في الصورة الأُولي و قوّي عدم وجوبه في الثانية.

و أما إفتاؤه سابقاً في بداية البحث بوجوب التصدق بالحرام المعلوم المقدار بقوله: «أما إن علم المقدار و لم يعلم المالك تصدّق به عنه» كان فيما إذا علم مقدار الحرام قبل إخراج الخمس، بخلاف المقام المنكشف فيه زيادة الحرام عن مقدار الخمس بعد إخراجه.

و علي أيّ حال فقد اختار الماتن (قدّس سرّه) في المقام جواز الاكتفاء بدفع الخمس في تطهير أربعة أخماس الباقية إذا لم يعلم مقدار الحرام الزائد المنكشف بعد إخراج الخمس تفصيلًا.

و في قباله وجهان آخران:

أحدهما: وجوب استرجاع الخمس و التصدّق بمجموع الخمس المردود و الحرام

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 338

______________________________

الزائِد، نظراً إلي انصراف دليل الخمس عمّا إذا علم مقدار الحرام مطلقاً سواءٌ كان قبل إخراج الخمس أم بعده. فإنه يدخل في حكم مجهول المالك و يجب التصدق بجميعه.

و لكن بطلان هذا القول واضحٌ، لأن الخمس بعد تحقق موضوعه و هو المال المختلط بالحرام المجهول مقداره قد تعلّق و وقع في محلّه لفرض مشروعية دفعه و صار بذلك ملكاً لأرباب الخمس. فلا وجه لجواز استرداده بعد ذلك كما قلنا. و لا سيّما بلحاظ عموم ما دلّ علي أنّ

ما كانَ لِلّهِ لا يُرْجَعْ.

و إنّما الكلام في أنّه هل يجب التصدّق بالحرام الزائِد

الموجود في أربعة أخماس الباقية أم يجوز الاكتفاء بإخراج مقدار الخمس في تحليل جميع الباقي حتي ما فيه من الحرام الزائد.

قد يقال: إنّ الباقي بعد التخميس المعلوم وجود الحرام فيه موضوع جديد للمال المختلط بالحرام فيجري عليه حكمه، نظراً إلي ظهور نصوص الخمس في اختصاص الاجتزاء بالتخميس بما إذا لم يعلم وجود الحرام في الباقي بعد التخميس، لما سبق آنفاً من انصراف دليل الخمس عن هذه الصورة. و عليه فالاكتفاء بالتخميس مراعي بعدم انكشاف الخلاف و تبيّن وجود الحرام في الباقي فإذا تبيّن وجوده فيه ليحدث موضوع آخر من المال المختلط فيجري فيه حينئذٍ جميع أحكامه من وجوب التصدق به لو كان مقداره معلوماً و تعلق الخمس إذا كان مجهولًا علي التفصيل السابق.

و فيه: أن دليل الخمس و إن كان منصرفاً عن صورة زيادة مقدار الحرام عن الخمس إذا كانت كثيرة. و لكنه فيما لو كان زيادة الحرام معلوماً من أوّل الأمر أعني قبل إخراج الخمس. و أما إذا لم يعلم بها في بداية الأمر بل انكشف ذلك بعد دفع الخمس فلا وجه لانصراف دليل الخمس عن هذه الصورة. و ذلك لأن موضوع وجوب الخمس في هذه الصورة قد تحقق و لا مانع من تعلق الخمس به و مشروعيته. فلا إشكال في تطهير المال بذلك، كما دلّ عليه قوله (عليه السّلام) في موثقة السكوني

فَإِنَّ اللّٰهَ قَدْ رَضِيَ

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 339

مسألة 33: لو تصرف في المال المختلط بالحرام بالإتلاف قبل إخراج الخمس تعلق الحرام بذمته، و الظاهر سقوط الخمس، فيجري عليه حكم ردّ المظالم، (1) و هو وجوب التصدق، و الأحوط الاستئذان من الحاكم، كما أن الأحوط دفع مقدار الخمس إلي الهاشمي بقصد

ما في الذمة بإذن الحاكم.

______________________________

مِنَ الْأَشْياءِ بِالْخُمسِ وَ سائِرُ الْمالِ كلُّهُ لَكَ حَلالٌ «1».

و بعبارة أخري: إن دليل الخمس يمنع عن تحقّق موضوع وجوبه في الباقي المشتمل علي الحرام الزائد بشموله للمال المختلط المجهول مقدار الحرام فيه من بَدْءِ الأمر. و ذلك لفرض تطهير جميع الباقي بإخراج الخمس، عملًا بدليل وجوبه.

و هذا لا ينافي ما قلناه سابقاً من انصراف دليل الخمس عمّا لو علم بزيادة الحرام عن مقدار الخمس إذا كانت فاحشةً. و ذلك لما أشرنا إليه آنفاً من اختصاص هذا الانصراف بما لو علم بذلك ابتداءً دون ما إذا انكشف بعد التخميس كما في المقام. و لكن في النفس شي ءٌ و ذلك أنّ ملاك الانصراف المزبور لزوم المحذور الغير القابل للالتزام فيما لم علم بكون عمدة المال الباقي بعد التخميس ملكاً للغير و هذا الملاك موجود في المقام أيضاً. و إنّ تطهيره بشمول دليل الخمس فرع عدم انصرافه عن هذه الصورة و هو أوّل الكلام.

[لو تصرف في المال المختلط بالحرام بالإتلاف]

(1) و السِّر في ذلك أن خمس المال المختلط بالحرام قد شُرّع لتطهير المال المختلط بتخليص العين الخارجية عن الحرام بالتخميس تعبداً مع بقاء الحرام علي ملك مالكه الواقعي. و من هنا ينتقل إلي ذمته بالإتلاف. و لكن يسقط الخمس، نظراً إلي انتفاء موضوع التطهير الذي لأجله وجب خمس المختلط بالإتلاف. فلا وجه لبقاء الخمس علي وجوبه و لا يدخل الخمس قبل إخراجه في ملك أربابه حينئذٍ حتي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 353 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 340

و لو تصرف فيه بمثل البيع يكون فضولياً بالنسبة إلي الحرام المجهول المقدار (1). فإن أمضاه الحاكم يصير العوض إن كان مقبوضاً متعلقاً للخمس، لصيرورته من المختلط بالحرام الذي

لا يعلم مقداره و لم يعرف صاحبه، و يكون المعوّض بتمامه ملكاً للمشتري. و إن لم يمضه يكون العوض المقبوض من المختلط بالحرام الذي جهل مقداره و علم صاحبه، فيجري عليه حكمه، و أمّا المعوّض فهو باقٍ علي حكمه السابق، فيجب تخميسه، و لولي الخمس الرجوع إلي البائع، كما أنّ له الرجوع إلي المشتري بعد قبضه.

______________________________

يكون إتلافاً له و أمّا الحرام فهو باقٍ في ملك مالكه الواقعي المجهول كما كان، بلا انتقالٍ إلي ملك أرباب الخمس و به تشتغل الذمّة لا بالخمس. فلذا يجري عليه حكم مجهول المالك لو علم مقداره. و لا بد من الخروج عن عهدة ضمانه بالتصدّق به بإذن الحاكم. و لكن الأحوط استحباباً كما في المتن دفع مقدار الخمس إلي الهاشمي لاحتمال وقوع الإتلاف في ملك أرباب الخمس، نظراً إلي تعلق الخمس بمجرّد الاختلاط بالحرام و عدم تأثير لانتفاء موضوعه في السقوط بعد ذلك، كما ذهب إليه عدة من المحققين.

[لو تصرف في المال المختلط بالحرام بالاتّجار]

حكم الاتّجار بالمال المختلط

(1) وجه ذلك أنّ تصرفه في مقدار الخمس تصرّفٌ في ملك أرباب الخمس فيضمنه. و عليه فاذا باعه يكون بيعه فضولياً تتوقف صحته علي إجازة وليّ الأمر. و لا فرق في ثبوت الضمان بين أن يكون تصرفه عدواناً أو غيره، بل الملاك في ثبوته كون تصرّفه علي وجه التملّك لا علي وجه الاستيمان و إلّا فلا ضمان.

ثم إنّ وليّ الأمر أعني الحاكم الشرعي إنما يجوز له إجازة البيع إذا بيع الخمس بأكثر من قيمته أو مساوية و إلّا فلو بيع بالأقل و لم يكن مصلحة في بيعه

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 341

______________________________

بالأقل فليس له إمضائُه نظراً إلي كون ولاية الحاكم مجعولة له علي أساس مصلحة أرباب الخمس

فلا ولاية له عند عدم المصلحة. نعم لو اقتضت المصلحة يجوز له الإمضاء حتي فيما لو بيع بالأقل.

ثم إنه لو لم يُجز البيع و اختار الرّد يتخيّر في استرداد الخمس أن يرجع إلي كلٍّ من البائع و المشتري، و لكن ضمانه في عهدة المشتري بمقتضيٰ ضمان اليد. ثم إنّه لو لم يُمض الحاكم فقد حكم الماتن (قدّس سرّه) بكون العوض المقبوض في حكم المختلط بالحرام الذي جهل مقداره و علم صاحبه. و لعلّ نظره (قدّس سرّه) إلي صورة اختلاط العوض بسائر أموال البائع فجهل مقداره، و إلّا فمن الواضح أنّ مقدار العوض معلوم بطبعه و لا بدّ من إرجاعه إلي مالكه في فرض انفساخ البيع.

فلو رجع وليّ الأمر إلي المشتري و أخذ منه عين الخمس هو يرجع إلي البائع لاسترجاع الثمن المدفوع إليه لو كان جاهلًا بكون المبيع خمساً بمقتضيٰ قاعدة الغرور. و ذلك لأنّ البائع حينئذٍ هو الذي غرّ المشتري و خدعه و إنّ المغرور يرجع إلي من غرّه. و أما لو كان عالماً بالحال فليس له حق الرجوع لأنه بنفسه أقدم علي إتلاف ماله. اللهم إلّا أَنْ يقال إنّه قد قصد تسليم الثمن بإزاء انتقال المبيع إليه برجاءِ إمضاءِ الحاكم و لم يقصد تسليمه إليه صورة خروج المبيع من يوم فله أن يرجع إلي البائع لأخذ ماله حينئذٍ.

و أمّا لو أجاز وليّ الأمر و أَمضاه فصحة البيع تنوط بجريان قاعدة

من باع شيئاً ثم ملكه

نظراً إلي عدم ولايته علي بيع الخمس حال البيع، و إنما حدثت له الولاية علي ذلك بإجازة وليّ الأمر فهو من قبيل من مَلِكَ الخمس بعد البيع.

هذا بحسب القاعدة، و لكنها قد خُصِّصت في باب الزكاة بما ورد من النصّ

الدال علي إجزاء إخراج الزكاة بعد بيع المال الزكوي، فلذا لا تنوط صحة بيع المال الزكوي بإجازة الحاكم الشرعي نظراً إلي صدور الإذن الكلي من الإمام (عليه السّلام) فيه بدلالة النصّ.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 342

______________________________

و هو ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسي عن حريز عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه

قالَ: قُلْتُ لِأَبي عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) رَجُلٌ لَمْ يُزَكِّ إِبِلَهُ أَوْ شاتَهُ عامَيْنِ فَباعَها عَلي مَنِ اشْتَريهٰا أَنْ يُزَكِّيَها لِما مَضيٰ. قالَ (عليه السّلام): نَعَمْ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكاتُها وَ يُتْبَعُ بِها الْبائِعُ أَوْ يُؤَدّي زَكاتَها البائِعُ «1».

هذه الرواية لا إشكال في سندها. و قد دلت علي جواز بيع المال الزكوي بشرط أن يزكّيه المشتري بعد الشراء أو يؤدِّيَ البائع الزكاة من ثمنه. و لَمّا يرجع هذا الشرط إلي اشتراط فعل التزكية فلذا لا ينافي صحة بيع المال الزكوي و انتقاله إلي ملك المشتري بتمام نصابه. و أمّا في الخمس فمقتضي القاعدة الأولية هو المحكّم. إلّا أنّه إذا كان المشتري مؤمناً يصح البيع بدلالة نصوص التحليل. حيث دلّت علي أنّهم (عليهم السّلام) أباحوا الخمس لشيعتهم في المتاجر و المساكن و المناكح. فمن هنا لا ضمان علي المشتري و إن كان الضمان ثابتاً في عهدة البائع نظراً إلي إتلافه الخمس المملوك لأربابه عن عمدٍ و علم.

إن قلت: نصوص التحليل وردت في مقام الامتنان علي الشيعة. و من هنا تلائِم إرفاق المشتري في صورة جهله بكون المبيع خمساً، حيث لا وجه للإرفاق في حق من تملّك الخمس عن علم و عمدٍ نظراً إلي منافاته لتشريع وجوب الخمس. لكونه موجباً للجرأة علي أكل الأخماس و الوهن و الفتور في

أداءِه.

قلت: مع فرض تحليل الخمس المنتقل إلي الشيعة في ضمن المعاملة لا حرمة و لا عصيان في البين حتي يلزم هذا المحذور، بل التكليف قد توجّه إلي البائع و هو معاقب و مأخوذ قبال تخلّفه عن وظيفة التخميس.

و أما إذا لم يكن المشتري مؤمناً فمقتضي القاعدة الأولية هو المحكّم في حقّه، بمعني أنَّ إمضاءَ البيع أو رَدِّهِ بيد وليّ الأمر. فلو اختار الإمضاءَ و أجاز البيع صحّ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 86 ب 12 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 343

______________________________

و ينتقل الخمس إلي العوض و علي البائع حينئذٍ إخراج الخمس من الثمن. و أما إذا اختار الردّ فله الرجوع إلي كلٍّ من البائع و المشتري علي التفصيل السابق.

هذا كله لو بيع الخمس في ضمن بيع المختلط فوقع الخمس مبيعاً. و أما لو وقع ثمناً بأن اشتري به شيئاً فلا بد من التفصيل بين ما لو وقع عين الخمس ثمناً بأن اشتري بعين المال المختلط شيئاً و بين ما إذا اشتري بثمن كلّي فأعطي الخمس بعنوان مصداق ذلك الكلي بأنّ الصورة الأولي هي مشمولةٌ لنصوص التحليل دون الثانية. و ذلك لأن في الصورة الأولي إنما يقع عين الخمس ثمناً و تتوقف صحة المعاملة و حلية التصرف في العوضين علي إمضاء أرباب الخمس و تحليله. بخلاف ما لو كان الخمس ديناً في الذمة. نظراً إلي كلّية الثمن حينئذٍ و أنّ المشتري يدفعه من ملكه فتصح المعاملة و ينتقل المبيع إلي ملكه بلا حاجةٍ إلي إذنٍ أو تحليلٍ، و إن تشتغل ذمّة المشتري بالخمس حيث إنه قد أتلفه.

و الحاصل أن أخبار التحليل لا تشمل الخمس المستقرّ في الذمة بصورة الدين.

و لكن قد يشكل في الصورة الأولي

أعني ما لو كان الخمس عوضاً في المعاملة بما حاصله: أنّ ظاهر التحليل و الإباحة هو نفي الضمان، كما استظهر من قوله (عليه السّلام)

وَ سائرُ الْمالِ كُلُّهُ لَكَ حَلالٌ

في موثقة السكوني السابقة. و ذلك لأنه ليس الخمس متعلقاً إلّا بمال واحدٍ و أنه قد استوفي بنفس التحليل فضمان أيّ شي ءٍ يكون علي البائع؟

و بعبارة أخري: إنه مع فرض كون التحليل علي نحو تمليك الخمس فلِمَ يضمن البائع ثمنه؟! أَ وَ ليس أنّه لم يتعلق الخمس بأكثر من مال واحدٍ، و أنّه قد صار ملك المشتري بتحليل أربابه؟ فلا بد أن يكون ثمنه أيضاً حلالًا للبائع و ملكاً له من دون ضمانٍ. هذا غاية تقريب الإشكال في المقام.

و يمكن الجواب: أن الغرض من التحليل في المقام هو إمضاءِ المعاملة و تصحيحها

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 344

______________________________

و لا ينافي ذلك ضمان من عليه حيث لم يكن الخمس ملكاً له حتي ينتقل الثمن إلي ملكه بإزائه بل كان ملكاً للمشتري. بيان ذلك يحتاج إلي ذكر نكات:

إحداها: أن لسان أخبار التحليل هو الإرفاق و الامتنان علي الشيعة لغرض دفع محذور الزنا في المناكح و تصرف مال الغير في المتاجر و المساكن بتصحيح المعاملة و إمضائها و تحليل الخمس في حق المشتري.

ثانيتها: أن الذي يلائم الإرفاق علي المشتري و يناسب الامتنان عليه أن ينحفظ نظام المعاملة و ينتقل إليه الخمس علي الوجه المشروع دفعاً للمحذور المذكور. و إنّما يتحقق هذا الغرض بأن يأذن الشارع للمشتري بالتصرف في عين متعلق الخمس و تحليله. و لا يتوقف ذلك علي تحليل الثمن علي البائع المكلّف بالتخميس مع عصيانه عن العمل بالوظيفة. و من هنا لا بد من رد عين الخمس إلي أربابه

عند انفساخ عقد البيع حيث ينتقض الغرض المذكور بنفس انفساخ المعاملة.

و ثالثتها: أن التحليل في المقام ليس تمليك عين الخمس للمشتري تمليكاً معاملياً حتي يخرج ثمنه من ملك الشارع و إلّا فللمشتري أن يستردّ الثمن من البائع. نظراً إلي عدم كون المبيع ملكاً للبائع بل كان ملكاً لأرباب الخمس و إنهم ملّكوه للمشتري بتصحيح البيع، فلم يقع المبيع بإزاء الثمن حينئذٍ حتي يدخل في ملك البائع بإزاء انتقال المبيع إلي ملك المشتري بل يكون بمعني تصحيح البيع و إذن المشتري بالتصرف في عين الخمس المنتقل إليه.

و أما ما يقال: من أن مرجع ذلك إلي البيع الفضولي و انتقال الثمن إلي ملك المجيز بعد الإجازة فيكون البائع ضامناً لأجل ذلك. ففيه: أن في البيع الفضولي و إن كان البائع ضامناً لثمن المبيع بعد إجازة المالك بمقتضي القاعدة. و لكن ليس التحليل في المقام من قبيل مجرّد إمضاء العقد الفضولي، بل يبتني علي أساس ما ذكرناه من كونه إرفاقاً في حق المشتري بخصوصه. و أمّا بالنسبة إلي البائع العاصي فلا إرفاق و لا

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 345

______________________________

تحليل، بل عليه وزر ذلك لأنه استحلّ الخمس عملًا ببيعه. و إن نصوص التحليل منصرفةٌ عن مستحلّ الخمس مطلقاً، بلا فرقٍ بين الاستحلال العقيدتي كما في غير الشيعة و بين الاستحلال العملي بالعصيان عن الأداء كما في الشيعة.

ثم إنه قد يشكل بأن هذا الملاك يأتي في المشتري أيضاً إذا كان عالماً في البداية بكون المبيع عين متعلق الخمس، لأنّه أيضاً استحلّ الخمس عملًا بشرائِه كما استحلّه البائع ببيعه.

و جوابه أن نصوص التحليل لمّا دلّت علي تحليل الخمس للمشتري نظراً إلي عدم توجّه التكليف بالتخميس إليه حتي يعصي و إنه

يشتريه مع التفاته إلي التحليل فلا يكون مستحلًّا له، بخلاف البائع العاصي بامتناعه عن أداءِ الخمس و بيعه.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 347

[القول في قسمته و مستحقيه]

قسمة الخمس

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 349

القول في قسمته و مستحقيه مسألة 1: يقسّم الخمس ستة أسهم: سهم للّٰه تعالي و سهم للنبي (1) صلي اللّٰه عليه و آله.

______________________________

كيفية قسمة الخمس

(1) كما هو المعروف بين أصحابنا الإمامية بل نسب إلي إجماعهم. و قد دلّ علي ذلك الكتاب و السنة:

فمن الكتاب قوله تعاليٰ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ «1»، نظراً إلي ظهور المقابلة بين هذه الأسهم الستة المذكورة في كون كل واحدٍ منها بعنوانه سهماً مستقلا عن الآخر. و إنّ اندراج بعضها في البعض الآخر خلاف ظاهر المقابلة.

و من السنة نصوص كثيرة متظافرة دالّة علي ذلك: منها صحيح عبد اللّٰه بن مسكان عن زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أَمّا خُمْسُ اللّهِ عَزَّ وَ جلّ فَلِلرَّسُولِ يَضَعُهُ في سَبيل اللّهِ وَ أَمّا خُمْسُ الرَّسُولِ فَلأقٰارِبِهِ وَ خُمْسُ ذَوِي القُرْبيٰ فَهُمْ أَقْرِباؤُهُ وَحْدَهٰا وَ اليتاميٰ يَتاميٰ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَجُعِلَ هٰذهِ الأَرْبَعَةُ أسْهُمٌ فَيهِمْ. وَ أَمَّا الْمَساكِينُ وَ ابْنُ السَّبِيلِ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنّٰا لا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ وَ لا تَحِلُّ لَنٰا فَهِيَ لِلْمَسٰاكِينِ وَ أَبْنٰاءِ السَّبِيلِ «2».

فإنّ ذيله و إن كان ظاهراً في منع السادات

______________________________

(1) سورة الأنفال/ 41.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 355 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 350

______________________________

من سهم المساكين و أبناء السبيل و يوهم المعارضة مع سائر النصوص، إلّا أن المقصود بيان وجه استحقاق المساكين و أبناء

السبيل كما وجِّه ذلك في سائر نصوص المقام بتحريم الصدقة عليهم.

منها: مرسل حماد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

وَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمُ الْخُمْسُ عَلي سِتَّةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلّهِ وَ سَهْمٌ لِرَسُولِ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) وَ سَهْمٌ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ سَهْمٌ لِليَتٰامي وَ سَهْمٌ لِلْمَسٰاكِينِ وَ سَهْمٌ لأبْنٰاءِ السَّبِيلِ «1».

منها: مرسل أحمد بن محمد قال (عليه السّلام)

فأمَّا الْخُمْسُ فَيُقَسَّمُ عَلي سِتَّةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلّهِ وَ سَهْمٌ لِلرَّسُولِ وَ سَهْمٌ لِذَوي الْقُرْبيٰ وَ سَهْمٌ لِلْيَتامي وَ سَهْمٌ لِلْمَسٰاكينِ وَ سَهْمٌ لأَبْنٰاءِ السَّبِيلِ «2».

و منها ما رواه السيد المرتضي في رسالة المحكم و المتشابه بإسناده عن علي (عليه السّلام) في حديث قال (عليه السّلام)

وَ يَجْري هذا الْخُمْسُ عَلي سِتَّةِ أَجْزاءٍ فَيَأْخُذُ الإمامُ (عليه السّلام) مِنْها سَهْمَ اللّهِ وَ سَهْمَ الرَّسُول وَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبيٰ ثُمَّ يُقَسَّمُ الثَّلاثَةُ السهامُ الْبٰاقِيَةُ بَيْنَ يَتاميٰ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) وَ مَساكِينِهمْ وَ أَبْنٰاءِ سَبيلِهِمْ «3».

و غيرها من النصوص الكثيرة الواردة في تفسير آية الخمس. و هذه النصوص و إن يمكن الخدشة في آحادها سنداً أو دلالة و لكنّها بأجمعها متواترة إجمالًا بحيث يطمئن بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السّلام).

و مع قطع النظر عن هذه النصوص تكفينا لإثبات المطلوب الآية المصرحة بالأسهم الستة الظاهرة في استقلال كل واحد منها بعنوانه بقرينة المقابلة كما قلنا.

هذا واضح بناءً علي تفسير الغنيمة بمطلق الفائدة، كما دل عليه الصحيح «4».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 358 ح 8.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 359 ح 9.

(3) الوسائل ج 6 ص 360 ح 12.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 349 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 351

______________________________

و أما بناءً علي إرادة خصوص

غنائم دار الحرب فكذلك، نظراً إلي ظهور نصوص الخمس المعهود المقرر في الشريعة الذي دلت الآية علي وجوبه و مورد صرفه.

و لم ينسب الخلاف في المقام إلّا إلي ابن الجنيد و ظاهر صاحب المدارك من كون السهام خمسة بحذف سهم اللّٰه استناداً إلي صحيح ربعي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كانَ رَسُولُ اللّهِ إِذا أَتٰاهُ الْمَغْنَمُ أَخَذَ صَفْوَهُ وَ كَانَ ذَلِك لَهُ ثُمَّ يُقَسِّمُ ما بَقِيَ خَمْسَةَ أخْمَاسٍ وَ يَأْخُذُ خُمْسَهُ، ثُمَّ يُقَسِّمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ النَّاسِ الذِينَ قَاتِلوا عَلَيْهِ. ثُمَّ قَسَّمَ الْخُمْسَ الَّذي أَخَذَهُ خَمْسَةَ أَخْماسٍ يَأَخُذُ خُمْسَ اللّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لِنَفْسِه، ثُمَّ يُقَسِّمُ الأَرْبَعَةَ أَخْمٰاسٍ بَيْنَ ذَوِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ أَبْنٰاءِ السَّبِيلِ يُعْطي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقّاً وَ كَذَلِكَ الإمامُ أَخَذَ كَما أَخَذَ الرَّسُولُ «1».

نظراً إلي تصريحه (عليه السّلام) بأن الرسول (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يقسِّم الخمس خمسة أسهم لا ستّة.

و لكن لا يصح الاستدلال به لما نسب إلي ابن الجنيد.

و ذلك أولًا: لأنّ غاية مدلوله أنّ ذلك عملٌ صدر عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) في سهمه. و من الواضح أن له أن يفعل في سهمه كيف شاءَ. فأعرض عنه و بذله إلي سائر الأصناف و أما نفي حصته في الأصل فلا دلالة له عليه.

و ثانياً: علي فرض الدلالة فإنَّما يدلُّ علي حذف سهم النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بإسقاطه سهم نفسه. و أمّا حذف سهم اللّٰه فلا دلالة له عليه بوجهٍ.

و ثالثاً: أن في سائر نصوص المقام قد صرّح بسهم اللّٰه في عرض سهم النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم). و قد قلنا في

أوّل الكتاب أنّ ما ورد عنهم (عليهم السّلام) من أنّ ما كان لِلّٰه فلرسوله ليس معناه نفي سهم اللّٰه. بل المقصود أنّه تعالي فوّض سهمه إلي نبيّه و أعطي ولايته إليه ليصرفه حيث شاء.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 356 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 352

[سهمٌ الإمام عليه السّلام]

و سهمٌ للإمام (عليه السّلام) (1). و هذه الثلاثة الآن لصاحب الأمر (2) أرواحنا له الفداء و عجّل اللّٰه تعاليٰ فرجه.

______________________________

(1) تدلّ عليه مضافاً إلي اتفاق الأصحاب غير ابن الجنيد-:

أولًا: النصوص الكثيرة المتظافرة «1» المفسّرة لذي القربي المذكور في الآية الشريفة بالإمام المعصوم (عليه السّلام).

و ثانيا: الآية المباركة، نظراً إلي ذكر ذي القربي فيها قبال سائر الأصناف. فكما أن المقابلة بين اليتامي و المساكين و ابن السبيل ظاهرة في المغايرة و استقلال كل واحد من الثلاثة عن الآخر و عدم انطباق عنوان شي ءٍ منها علي الآخر في جعل السهم له، فكذلك ظاهرة في مغايرة ذي القربي و استقلاله عن الثلاثة و عدم اعتبار انطباق عنوان عليه في ثبوت السهم له من الخمس. و عليه فانّ ذا القربي صنف مستقل قبال سائر الأصناف و لا يكون المراد منه غير الإمام (عليه السّلام). حيث إن المقصود من اليتامي و المساكين و ابن السبيل بدلالة النصوص المعتبرة هو خصوص السادات منهم، كما لا ينكره ابن الجنيد بل هو مسلّم عنده أيضاً. و عليه فلو كان المقصود من ذي القربي مطلق أقرباء النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لصار الأسهم خمسة و هو خلاف صريح الآية.

فإذا لم يمكن إرادة مطلق الأقرباء يتعين في الإمام (عليه السّلام)، نظراً إلي عدم إمكان إرادة الجنس كما هو المقصود في ابن السبيل.

(2) و ذلك

لدلالة نصوص المقام علي أن ما كان للّٰه فلرسوله و ما كان للرسول فللإمام، كما في صحيح البزنطي عن الرضا (عليه السّلام): سئل أنّه

فَمٰا كانَ لِلّهِ فَلِمَنْ هُوَ؟ فَقالَ (عليه السّلام): لِرَسُولِ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) وَ ما كانَ لِرَسُولِ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فَهُوَ لِلإِمامِ «2».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ب 1 من أبواب القسمة.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 357 ب 1 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 353

______________________________

و معتبرة عمران بن موسي عن الكاظم (عليه السّلام) قال

ما كانَ لِلّٰهِ فَهُوَ لِرَسُولِهِ وَ مَا كٰانَ لِرَسُولِهِ فَهُوَ لَنٰا «1».

وجه الدلالة واضح حيث إن للإمام (عليه السّلام) نفسه سهماً من الخمس، و عليه بإضافة سهم اللّٰه و الرسول يملك ثلاثة أسهم. هذا مضافاً إلي التصريح بذلك في مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

وَ لَهُ (أَي الإمٰامِ) نِصْفُ الْخُمْسِ كَمَلًا وَ نِصْفُ الْخُمْسِ الْبَاقي بيْنَ أَهْل بيته فَسَهْمٌ لِيَتٰامٰاهُمْ وَ سَهْمٌ لَمَسٰاكينِهِمْ وَ سَهْمٌ لأَبْناءِ سَبِيلِهِمْ «2».

و مرسل أحمد بن محمّد، قال (عليه السّلام)

فَالَّذِي لِلّهِ فَلِرَسُولِ اللّٰهِ فَرَسُولُ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أَحَقُّ بِهِ فَهُوَ لَهُ خاصَّةً. وَ الَّذِي لِلرَّسُولِ هُوَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْحُجَّةِ في زَمانِهِ فَالنِّصْفُ له خٰاصّةً وَ النِّصْفُ لِلْيَتٰامي وَ الْمَسٰاكينِ وَ أَبْناءِ السَّبيلِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السّلام) الَّذينَ لٰا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ وَ لا الزَّكاةُ عَوَّضَهُمُ اللّٰه ذٰلِك بِالْخُمسِ لك بِالْخُمسِ «3».

و رواية المحكم و المتشابه بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال

فَيَأْخُذُ الإمٰامُ مِنْها سَهْمَ اللّهِ وَ سَهْمَ الرَّسُولِ وَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبي. ثُمَّ يقَسِّمُ الثَّلاثَةَ السهٰامَ الباقِيةَ بَيْنَ يَتٰاميٰ آلِ مُحَمَّدٍ وَ مسٰاكينِهِمْ وَ أَبْنٰاءِ

سَبيلِهِمْ «4».

هذا لا خلاف و لا كلام فيه و إنّما الكلام في كيفية اختصاص هذه السهام الثلاثة به (عليه السّلام). و قد تعرّض لذلك السيد الماتن (قدّس سرّه) في كتاب البيع «5» بمناسبة بحثه عن ولاية الفقيه و حرّرناه.

بيان ذلك: انه قد سبق في أوّل الكتاب أنّ الخمس ملك لمنصب الإمامة و أنه من شؤون الإمارة و مجعول لجهة الولاية و الحكومة المبتنية علي أساس مصالح الإسلام

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 360 ح 11.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 358 ح 8.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 359 ح 9.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 360 ح 12.

(5) كتاب البيع/ ج 2 ص 491.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 354

______________________________

و المسلمين. و إلّا فمن الواضح أن نصف الخمس في جميع الغنائم و الأرباح فوق حدّ حاجة فقراء السادة و أيتامهم، فضلًا عن سهم الإمام. و عليه فمصرف الخمس بجميع سهامه لنوائب الوالي و حوائج الحكومة الإسلامية كما دلّت عليه النصوص.

مثل صحيح عبد اللّٰه به سنان و ابن أذينة جميعاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في حديث

وَ إنْ حَضَرَتِ القِسْمَةُ فَلَه أَنْ يَسُدَّ كُلَّ نٰائِبَةٍ تَنُوبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَ إِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذٰلِكَ شَيْ ءٌ يُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ وَ إنْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ فَلٰا شَيْ ءَ عَلَيْهِ «1».

و مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

وَ لَهُ أَنْ يَسُدَّ بِذٰلِكَ الْمالِ جَميعَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ مِثْلِ إعْطٰاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ غَيْرِ ذٰلِكَ مِمّا يَنُوبُهُ فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذٰلِكَ شَيْ ءٌ أَخْرَجَ الْخُمْسَ مِنْهُ فَقَسَّمَهُ في أهْلِهِ «2».

و ما رواه السيد المرتضي في رسالة المحكم و المتشابه عن تفسير النعماني بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال

وَ أَمّا ما جاءَ في الْقُرْآنِ مِنْ

ذِكْرِ مَعٰايِشِ الْخَلْقِ و أسْبٰابِهٰا فَقَدْ أَعْلَمَنَا سُبْحٰانَهُ ذلِكَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:.. فَأَمّا وَجْهُ الامٰارَةِ فَقَوْلُهُ (تعالي) وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ.. «3».

و أمّا قوله (عليه السّلام)

فَلا يُخْرَجُ مِنْهُمْ إليٰ غَيْرِهِمْ

في مرسل ابن بكير «4» مضافاً إلي ضعفه بالإرسال فيمكن حمله علي صورة قلَّة مقدار الخمس و عدم الكفاية لسائر الموارد، فلا ينافي النصوص المزبورة.

و الحاصل: أنّ المتفاهم من الكتاب و السنة أنّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام) أولياء التصرف في الخمس كلٌّ في عهده لا أنّه ملك لأشخاصهم. فإنّ الآية الشريفة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 15 ص 38 ب 27 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 4.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 341 ح 12.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 356 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 355

______________________________

ظاهرة في ذلك عند التأمّل، نظراً إلي وضوح عدم كون مالكية اللّٰه تعاليٰ للخمس اعتبارية شخصية كمالكية زيد لثوبه. ضرورة عدم اعتبار العقلاء الملكية بهذا المعني له تعالي بحيث لو وَكَّل رسولَ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) مثلًا ببيعه خرج عن ملكه و دخل ثمنه فيه. و هذا واضح، نظراً إلي ما يلزم من اللّغوية. كما أنه من الواضح عدم كونها بمعني الملكية التكوينية. فلا مناص من كونها بمعني المالكية للتصرف و الأولوية فيها. حيث لا مانع من اعتبارها له (تعالي) عند العقلاء. بل انهم يرون أنه (تعالي) أولي بالتصرف في كلّ مال و نفس، و إن كانت ماهية هذه الأولوية أمراً اعتبارياً، لكنه اعتبار معقول واقع من العقلاء.

و عليه فقوله تعالي فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ بمعني أنّه تعالي وليّ أمره، و لا

ولاية لأحدٍ علي التصرف فيه إلّا من أعطاه اللّٰه الولاية عليه. فحينئذٍ إن حمل قوله تعالي وَ لِلرَّسُولِ علي ولاية التصرف فلا اشكال فيه حسب اعتبار العقلاء و لا بحسب ظواهر الأدلة و لوازمها، و تؤكّده وحدة السياق، ضرورة أنّ التفكيك في مدلول فقرأت سياق واحد خلاف الظاهر و يحتاج إلي دلالة. و أما حمله علي الملكية لثوبه و فرسه، فمع انه يلزم التفكيك المخالف للظاهر، مخالف للنّص و الفتوي. و لازمه التوريث لورثته، و هو مخالف لما ورد من الأخبار المتظافرة الدالة علي أنّ ما لرسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) للإمام بعده خاصّة دون سائر الورثة.

ففي صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السّلام)

سئل عَنْ قَوْلِ اللّهِ تعَاليٰ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ، فَقيلَ لَهُ: فَمٰا كانَ لِلّٰهِ فَلِمَنْ هُوَ؟ فَقالَ (عليه السّلام) لِرَسُولِ اللّهِ وَ ما كانَ لِرَسُولِ اللّٰهِ فَهُوَ لِلإمامِ «1».

و في صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن الصادق (عليه السّلام) قال

عَلي كُلِّ امْرِئٍ غَنِمَ أَوِ اكْتَسَبَ الْخُمْسُ مِمّٰا أَصٰابَ لِفاطِمَةَ (سلام اللّٰه عليها) وَ لِمَنْ يَلي أَمْرَها مِنْ بَعْدِهٰا مِنْ ذُرِّيَتِهٰا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 362 ب 2 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 356

______________________________

الْحُجَجِ عَلَي النّٰاسِ «1».

و في مرسل حمّٰاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

فَسَهْمُ اللّهِ وَ سَهْمُ رَسُولِ اللّهِ لَهُ لأُولي الأمْرِ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللّهِ وِراثَةً. وَ لَهُ يَعني وَليَّ الأمْرِ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمانِ وِراثَةً وَ سَهْمٌ مَقْسُومٌ لَهُ مِنَ اللّٰه- «2».

و في معتبرة أبي علي بن راشد قال

قُلْتُ لأَبي الْحَسَنِ الثّٰالِثِ (عليه السّلام): إنّٰا نُؤْتي بِالشَّي ءِ فَيُقٰالُ: هٰذا كانَ لأبي جَعْفَرٍ (عليه السّلام) عِنْدَنا فَكَيْفَ

نَصْنَعُ؟ فَقالَ (عليه السّلام): ما كانَ لأبي بِسَبَبِ الإمامَةِ فَهُوَ لي وَ ما كٰانَ غَيْرَ ذٰلكَ فَهُوَ ميراثٌ عَلي كِتابِ اللّٰهِ وَ سُنَّةِ نَبيِّهِ «3».

و قد سبق البحث عن هذه الرواية سنداً و دلالةً في أوّل الكتاب. و يستفاد من هذه النصوص أنّ الخمس من شؤون الإمامة و الولاية و مختصٌّ بهم (عليهم السّلام) بما أنهم حجج اللّٰه علي الناس و ولاة أمرهم. و عليه فالقول بكونه ملكاً لأشخاصهم باطلٌ جدّاً.

و من ذلك يظهر بطلان القول بأن الخمس ملك لشخص النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بجهة الرئاسة و الولاية، بمعني أن تكون الولاية جهة تعليلية و واسطة في الثبوت. نظراً إلي لزوم التوالي الفاسدة بناءً علي هذا الفرض أيضاً، لرجوعه إلي شخصية الملكية حينئذٍ و تستلزم ترتُّب جميع آثارها من التوريث و نحوه.

و أمّا احتمال كون الخمس ملكاً لجهة الرئاسة لا الرئيس نفسه و إنّما الوالي وليٌّ علي هذا المملوك فهذا الانفكاك بين الرئيس و جهة الرئاسة مع بعده في نفسه خصوصاً إذا كان الوصف قائماً بشخصٍ واحد خلاف ظاهر أدلّة المقام، لبعده عن المرتكز في الأذهان من الملازمة الخارجية بين كل رئيس و بين جهة رئاسته. فيحتاج

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 351 ح 8.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 358 ح 8.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 374 ب 2 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 357

______________________________

إثبات ملكية الخمس بهذا المعني إلي دلالة ناصّة أو ظاهرة. مضافاً إلي أنّ ذلك مخالف لظهور اللام في الملكية لو كان ظاهراً فيها كما قيل ضرورة أنَّه علي هذا الفرض ليس الرسول مالكاً بل الرئاسة هي المالكة.

و بالجملة من تدبَّر في مفاد الآية و الرِّوايات يظهر

له أَنّ الخمس قد جعل لجهة الولاية و الحكومة و تأمين مصالح الإسلام و المسلمين و أنّه بجميع سهامه من بيت المال و أنّ الوالي وليّ التصرف فيه و نظره متّبع بحسب مصالح المسلمين و عليه إدارة معاش الطوائف الثلاث من السهم المقرّر ارتزاقهم منه حسب ما يراه من المصلحة. و مرجع ذلك إلي أن الخمس ملك لمنصب الإمامة و الولاية و أنّ الوالي مالك له بعنوان أنه الوالي بحيث تكون الولاية حيثية تقييدية. و ليس معني ذلك إلّا الأولوية علي التصرف في جهة حكومة الإسلام و حفظ مصالح المسلمين.

ثم إنّ في المقام نكات لا ينبغي الغفلة عنها. الأولي: أنّ اللّٰه تعالي وليٌّ أصالة و حقّاً و الرسول وليٌّ من قبله، ثم يكون الإمام ولياً بعد النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) من قبل اللّٰه أو من قِبَل رسوله. و عليه فالسهام الثلاثة في زمان النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) كانت تحت ولايته و لم يكن الإمام (عليه السّلام) ولياً عليها في عصره (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و إنما صارت السهام تحت ولايته و تصرفه بعد ارتحال النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم). و عليه فما في الروايات من أنّ ما للرَّسول (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو للإمام ليس المراد منه أنه في زمان رسول اللّٰه كذلك. بل المراد أن ما كان له (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) يصير بعد وفاته للإمام، كما صرّح به في بعض الروايات كرواية حماد بن عيسي عن الكاظم (عليه السّلام) قال

فَسَهْمُ اللّٰهِ لأُولي الأمْرِ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و

سلّم) «1»

و إلي ذلك ينظر قوله (عليه السّلام)

وَ لَهُ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ، سَهْمانِ وراثَةً و سَهْمٌ مَقْسُومٌ لَهُ مِنَ اللّٰهِ «2».

ضرورة أن هذه السهام الثلاثة إنّما هي للإمام بعنوان

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 358 ح 8.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 358 ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 358

______________________________

إمامته لا ملك شخصه. و لهذا كان الأسهم جميعاً بعد الرسول (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) للإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا للحسنين (عليهما السّلام) لعدم كونهما إمامين في عصره. و لأجل ذلك لا تنتقل بعد أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلي غير الإمام من أولاده و أقربائه.

الثانية: أنه ليس المقصود من الوارثة هنا الوارثة الشخصية بل المراد الوراثة في الولاية و الزعامة كما في قوله (عليه السّلام)

الْعُلَماءُ وَرَثَةُ الأنْبياءِ.

الثالثة: أنّ نكتة جعل السهام ثلاثة مع أنّ حكمها في جميع الأعصار واحد ففي عصر الرَّسول (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يكن لسهم اللّٰه حكمٌ غير ما ثبت لسهم رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و كذا سهم الإمام لعلّها بيان مقام ولاية الرسول و ذوي القربي و تعظيمهم، بأن جعل اللّٰه (تعالي) سهماً لنفسه و سهماً لرسوله و سهماً للإمام بعده و جعل النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) ولياً علي السهام كالإمام في عصره. و أمّا تثليث سهام السادة فلبيان أنّ اليتاميٰ و المساكين و أبناء السبيل من أهل البيت مصارف لها و أنّ ارتزاقهم منها.

هذا كله في الخمس و الظاهر أن الأنفال أيضاً لا تكون ملكاً لرسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام) بأشخاصهم، بل لهم ملك التصرف و إنّهم أولياءُ

أمرها. و قد ظهر بيان ذلك ممّا تقدّم في السهمين. و عليه فقوله تعاليٰ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ علي وزان آية الخمس، بل أظهر منها فيما ذكرناه، نظراً إلي عدم دخول لام الملكية علي لفظ

الرسول.

فهو كالنص في أنّ ما للّٰه و ما للرسول علي نحو واحدٍ. و لا ريب أنّ اللّٰه وليُّ التصرف في الأنفال لا مالك لها بالملكية الشخصية، فكذلك الرسول (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم). كما في مرسلة حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

و الأنْفٰالُ إلي الوالي «1».

و ممّا يتفرّع علي ذلك أنّ للفقيه في عصر الغيبة بمقتضي أدلة النيابة العامَّة و الولاية المطلقة الولاية علي أمر الخمس و الأنفال و الفي ء كسائر ما يكون أمره بيد الإمام (عليه السّلام).

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 366 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 359

[حكم سهم السادات]
اشارة

و ثلاثة للأيتام و المساكين و أبناء السبيل (1) ممن انتسب بالأب إلي عبد المطلب.

______________________________

حكم سهم السادات

(1) هذه الأسهم الثلاثة يعبَّر عنها بسهم السادات. و ذلك لما دل من النصوص المتظافرة علي اعتبار السيادة فيهم.

منها: مرسل ابن بكير عن أحدهما (عليه السّلام)

وَ الْيَتٰامي يَتٰاميٰ الرَّسُولِ و الْمَساكينُ منْهُم وَ أَبْناءُ السبيلِ مِنْهُم «1».

و مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

وَ إنَّما جَعَلَ اللّٰهُ هٰذا الْخُمْسَ لَهُمْ خاصَّةً دُونَ مَساكينِ النّٰاسِ وَ أَبْناءِ سَبيلِهِمْ عوَضاً لَهُمْ مِنْ صَدَقاتِ النّاسِ تَنْزيهاً مِنَ اللّهِ لَهُمْ لِقَرابَتِهِمْ بِرَسُولِ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) «2».

و مرفوعة أحمد بن محمّد قال (عليه السّلام)

فَالنِّصْفُ لَهُ يَعْني الْحُجَّةَ في زَمانِهِ خٰاصَّةً وَ النِّصفُ لِلْيَتامي وَ الْمَساكينِ وَ أبْناءِ السَّبيلِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الَّذينَ لا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ «3».

و رواية المحكم و المتشابه عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال

.. ثُمَّ يُقَسِّمُ الثَّلاثَةَ السهامَ البٰاقِيَةَ بَيْنَ يَتٰامي آلِ مُحَمَّدٍ وَ مَسٰاكِينِهِمْ وَ أَبْنٰاءِ سَبيلِهِمْ «4».

و غير ذلك من النصوص الدالة علي ذلك. و هذا لا خلاف فيه بين الأصحاب.

و إنما الكلام في أنّ هذه السهام هل هي ملك لمستحقيها أم لا، بل إنّهم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 356 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 358 ح 8.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 359 ح 9.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 360 ح 12.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 360

______________________________

مصرفها؟. فقد سبق آنفاً و في ابتداء الكتاب أنَّ الخمس بتمامه ملك لمنصب الإمامة و الحكومة علي الناس. بمعني أنّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) أولياءُ التصرف فيه. و أمّا كون السادات مصارف للسهام الثلاثة لا مالكين لها فيمكن الاستدلال عليه بنفس الآية، نظراً إلي دلالتها علي كون الخمس لجميع أفراد اليتامي و المساكين و أبناء السبيل علي نحو الاستغراق بحيث لو قسِّم علي بعض دون بعض يضمن للآخرين. فإنّ هذا مقطوع العدم و مخالف للسيرة القطعية المستقرَّة علي الاكتفاء بإيصالها إلي بعضهم. هذا مضافاً إلي ندور وجود أبناء السبيل فلو كانوا مالكين في عرض اليتامي و المساكين لا بد من تثليث السهام و لازم ذلك أن يبقي سهمهم بلا مصرف لفرض ندورهم و كون السهم أكثر من قدر حاجتهم و هو مقطوع البطلان. هذا كله مع أنه خلاف صريح صحيح البزنطي النافي لتقسيم هذه السهام بين الطوائف الثلاث علي حدّ سواء و إيكال أمر تقسيمها إلي نظر الوالي حسب ما يراه من المصلحة لهم.

هذه

الصحيحة رواها البزنطي عن الرضا (عليه السّلام)

فَقيلَ لَهُ: أَ فَرَأَيْتَ إنْ كانَ صِنْفٌ مِنَ الأَصْنافِ أَكْثَرُ وَ صِنْفٌ أَقَلُّ ما يُصْنَعُ بِهِ؟ قٰال (عليه السّلام): ذٰاكَ إلي الإمامِ، أَرَأَيْتَ رَسُولَ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) كَيْفَ يَصْنَعُ؟ أَ لَيْسَ إنَّمٰا كٰانَ يُعْطِي عَليٰ مٰا يَريٰ؟ كَذٰلِكَ الإمامُ «1».

و نزيد توضيحاً في المقام إلهاماً ممّا أشار إليه الإمام الراحل في كتاب البيع «2».

بيانه: أنّ السادة موارد لصرف الأسهم الثلاثة من الخمس لا أنّهم مالكون لها. و ذلك نظراً إلي اشتراط الفقر في استحقاقهم فيُعطون من السهام الثلاثة بقدر تأمين مؤونهم و ارتفاع حاجتهم حدّ شأنهم حسب المتعارف فلو زادت السهام عن مؤونتهم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 362 ب 2 ح 1.

(2) كتاب البيع/ ج 2 ص 490.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 361

______________________________

كانت للوالي و لو نقصت عنها كان عليه جبران النقص من سائر ما في بيت المال. كما دل عليه مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

وَ لَهُ يعني لِلإِمامِ (عليه السّلام) نِصْفُ الْخُمْسِ كَمَلًا وَ نِصْفُ الْخُمْسِ الْباقي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ فَسَهْمٌ لِيَتاماهُمْ وَ سَهْمٌ لِمَسٰاكِينِهِمْ وَ سَهْمٌ لأَبْنٰاءِ سَبِيلِهِمْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلي الْكِتٰابِ و السُّنَّةِ مٰا يَسْتَغْنُونَ بِهِ في سَنَتِهِمْ. فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْ ءٌ فَهُو لِلْوَالي. فَإنْ عَجَزَ أو نَقَصَ عَنْ اسْتِغْنائهِمْ كانَ عَلَي الوالي أَنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدهِ بِقَدْرِ مٰا يَسْتَغْنُونَ بِهِ. وَ إِنَّمٰا صٰارَ عَلَيْهِ أَن يَمُونَهُمْ لأنَّ لَهُ مٰا فَضَلَ عَنْهُمْ «1».

و إلا فمن الواضح أن نصف سهم سوق من أسواق بلد كبير من أحد البلاد الإسلامية يكفي لسد حاجة السادة فيبقي الباقي بلا مصرف و لا يحتمل صرفه في غير جهة الولاية و إدارة المسلمين و

حفظ نواميسهم و تأمين مصالحهم. و إن يمكن الاشكال علي هذا التقريب بأنّ نصف الخمس المشتمل علي السهام الثلاثة إنّما يكون فوق حدّ حاجة السادة إذا دفع جميعُ المكلفين خمسَ أموالهم و الحال أنّ الأمر ليس كذلك، بل إنما يدفع الخمس قليل من المكلّفين. و لعلّ هذا هو السر في اختصاص نصف الخمس بالسادة. لما كان يعلم الشارع الحكيم العالم بالغيب بتحقق ذلك في المستقبل. و إلّا فلو أدّي جميع المكلفين خمس أموالهم لم يكن حاجة إلي اختصاص نصف الخمس بالسادة بل ليكفي عشره أو أقلّ منه.

و عليه فزيادة مقدار السهم لا ينافي ابتناء جعله علي غرض سدّ حاجة السادة، نظراً إلي علم الشارع بعدم وجوده في الخارج. و الحاصل أن حكمة جعل سهم السادة كفاية حاجتهم كما صرح به الصادق (عليه السّلام) بقوله

وَ لَوْ عَلِمَ يَعْني اللّٰه عَزَّ وَ جَلَّ أَنَّ الَّذي فَرَضَ لَهُم لٰا يَكْفيِهِمْ لَزادَهم

في صحيح عبد اللّٰه بن سنان «2». و من الواضح

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 363 ب 3 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 3 ب 1 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 362

فلو انتسب إليه بالأُم لم يحل له الخمس (1) و حلت له الصدقة علي الأصح (2).

______________________________

أنَّ ما يكفي السادة هو المال المدفوع إليهم في الخارج لا مجرد السهم المقدّر لهم في مقام التشريع.

[اعتبار الانتساب إلي هاشم]

اعتبار الانتساب إلي هاشم

(1) المشهور أن المعتبر في مستحق الخمس انتسابه إلي هاشم بطريق الأب لا الأم، خلافاً للسيد المرتضي و صاحب الحدائق فلم يعتبرا ذلك و حكما باستحقاق المنتسب إليه بالأُم أيضاً للخمس بدعوي صدق الولد حقيقةً علي ولد البنت لغة و عرفاً، نظراً إلي وقوع الجدّ الأُمي في سلسلة أجزاء

علّة ولادته فيصح أن يقال: إنه أولده. و لأجل ذلك كان أولاد فاطمة (سلام اللّٰه عليها) أولاداً لرسول اللّٰه. و عليه فيصدق علي كل من انتسب إلي هاشم من ناحية أُمّه أنه من أولاد هاشم فيستحق الخمس.

(2) و فيه أنّ المأخوذ في نصوص المقام في مستحق الخمس هو عنوان الهاشمي و بني هاشم لا مطلق أولاده.

ففي صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن الصادق (عليه السّلام) قال

لٰا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِولْدِ الْعَبّاسِ وَ لٰا لِنُظَرٰائِهِمْ مِنْ بَني هاشِمٍ «1».

و في معتبرة زرارة عن الصادق (عليه السّلام) قال

إنَّهُ لَوْ كٰانَ الْعَدْلُ مَا احْتٰاجَ هٰاشميٌّ وَ لا مُطلِّبيٌّ إلي صَدَقَةٍ «2».

و النصوص الدالة علي ذلك كثيرة «3».

و من الواضح أن أولاد بنت الرجل لا ينسبون إليه عرفاً، بل إنما ينسب إليه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 186 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 191 ب 33 ح 1.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 185 ب 29.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 363

______________________________

أولاد ابنه. فعنوان الهاشمي ظاهر في أولاد ابن هاشم و هم بنو عبد المطلب. كما أن بني هاشم لا يكون معناه إلّا أولاد هاشم من ناحية ابنه عبد المطلب. و عليه فلا يكون المقصود من الهاشمي أو بني هاشم إلا أولاد ابنه و هذا واضح. و بهذه النسبة تتمايز القبائل بعضها عن بعض آخر و تنشعب الطوائف، و إلّٰا يلزم صدق القبائل بعضها علي بعض آخر. كما يلزم منه صدق عنوان التميمي علي الهاشميين من أولاد الصادق (عليه السّلام) بلحاظ كون جدّتهم أمّ فروة من طائفة تميم و هذا لا يلتزم به أحد حتي مثل السيد المرتضي و صاحب الحدائق. و أمّا أولاد فاطمة فانتسابهم إلي هاشم من ناحية أبيهم

علي (عليه السّلام) لكونه ولد أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم.

هذا مضافاً إلي التصريح بذلك في مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

وَ هٰؤُلٰاءِ الَّذينَ جَعَلَ اللّٰهُ لَهُمُ الْخُمْسَ هُمْ قَرابَةُ النَّبيِّ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) الَّذينَ ذَكَرَهُمُ اللّهُ تَعالي فَقالَ وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، وَ هُمْ بَنُو عَبْدِ الْمُطلبِ أنْفُسُهُمْ الذَّكَرُ مِنْهُمْ وَ الأُنْثيٰ. لَيْسَ فيهِمْ مِنْ أهْلِ بُيُوتٰاتِ قُرَيشٍ وَ لا مِنَ الْعَرَبِ أحَدٌ وَ لا فيهِمْ وَ لا مِنْهُمْ في هذا الْخُمْسِ إلي أن قال (عليه السّلام) وَ مَنْ كانَتْ أُمّهُ مِنْ بَني هاشِمٍ وَ أَبُوهُ مِنْ سٰائرِ قُريْشٍ فَإنَّ الصَّدَقاتِ تَحِلُّ لَهُ وَ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْخُمْسِ شَي ءٌ لأَنَّ اللّٰهَ (تَعاليٰ) يَقُولُ ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ «1».

ثم إنّه لا فرق بين أن يكون علوياً أو عقيلياً أو عباسيا. و ذلك لإطلاق النصوص الدالة علي جعل الخمس لبني هاشم فان كلّهم يندرجون تحت هذا العنوان إذا كانوا منتسبين إليه من ناحية آبائهم. بل صرّح بذلك في صحيح ابن سنان السابق «2». و أما النصوص الدالة علي تحريم الصدقة علي آل محمد و أهل بيته فلا دلالة لها علي الحصر فيهم لتنفي الحرمة عن غيرهم من بني هاشم. و عليه فلا منافاة بينها و بينما دلّ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 358 ح 8.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 186 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 364

______________________________

علي جعله لمطلق بني هاشم أو قرابة الرسول (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو ذريته.

مضافاً إلي كون مطلق السادات الهاشميين من آل محمد و نسلهم المبارك كثّرهم اللّٰه. فيصح كونهم مقصودين من ضمير «نا» في قوله (عليه السّلام)

فينا خاصةً

في صحيح سليم بن قيس. و

أما النقاش في سنده فقد أجبنا عنه.

ثم إنّ بني هاشم ينحصرون في وُلد عبد المطلب علي المشهور. و ذلك لانحصار ذرية هاشم في نسله كما صرّح بذلك في عدة من الأخبار. مثل ما ورد في صحيح محمد بن مسلم و أبي بصير و زرارة عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام) عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

إنَّ الصَّدَقَةَ لٰا تَحِلُّ لِبَني عَبْدِ الْمُطلبِ «1».

و صحيح ابن سنان السابق آنفاً «2» و مرسل حمّاد «3» المذكور آنفاً.

و في قبال المشهور فقد نسب الخلاف إلي ابن الجنيد و المفيد في غريته من استحقاق بني المطلب أخي هاشم للخمس نظراً إلي دلالة بعض الأخبار علي ذلك مثل معتبرة زرارة «4» السابقة آنفاً. بدعوي ظهور عنوان «المطلبيّ» في بني المطلب، مضافاً إلي اندراجهم في قرابة النبي فيكون الحصر في بني هاشم إضافياً بالقياس إلي غير قرابة الرسول.

و فيه: أولًا: أنّ عنوان «المطلبيِّ» يصح إطلاقه علي بني عبد المطلب أيضاً فيصح كونهم مقصودين من هذا العنوان. و ثانياً: أنّ نصوص المقام مثل مرسل حمّاد و غيره دلّت علي أنّ المقصود من قرابة النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) هم بنو عبد المطلب كما صرح بذلك في مرسل حمّاد.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 186 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 186 ح 3.

(3) الوسائل/ ص 358 ح 8.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 191 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 365

[شرائط استحقاق الخمس]

اشارة

مسألة 2: يعتبر الايمان (1) أو ما في حكمه في جميع مستحقّي الخمس.

______________________________

شرائط استحقاق الخمس

[الإيمان]

الأوّل: الإيمان

(1) لا يخفي أنّ اشتراط الايمان في استحقاق الطوائف الثلاثة لنصف الخمس خلاف مقتضي الأصل بعد شمول العمومات. فلا بد للخروج عن هذا الأصل من دليل. و يمكن الاستدلال علي اشتراط الايمان في استحقاق السادات للخمس عن الزكاة بتقريبين:

الأول: بدلية الخمس عن الزكاة التي هي من أوساخ الناس كما دلت عليه نصوص المقام:

مثل صحيح سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال

وَ لَمْ يَجْعَلْ لَنٰا سَهْماً في الصَّدَقَةِ أكرَمَ نَبيَّهُ وَ أَكْرَمَنٰا أَنْ يُطْعِمَنٰا أَوْساخَ مٰا في أيْدِي النّٰاسِ «1».

لا إشكال في سنده إلّا من ناحية استبعاد رواية إبراهيم بن عثمان عن سليم بن قيس و لكنه ليس بشي ء. و ذلك: أوّلا: لأنّ سليم بن قيس أدرك زمان الصادق (عليه السّلام) و كان من أصحابه كما صرّح بذلك البرقي و الشيخ في رجاله فلا يبعد أن يدرك أصحاب الباقر (عليه السّلام). و ثانياً: يمكن تصحيحه بطريق تبديل السند، حيث إنّ حمّاد بن عيسي روي هذه الرواية عن إبراهيم بن أبان عن سليم «2». و هذا السند و إن كان ضعيفاً لوقوع أبان بن أبي عياش في طريقه. و لكن نقل النجاشي بسنده الصحيح عن حماد بن عيسي أنه قال: «و حدثنا إبراهيم بن عمر اليماني عن سليم بن قيس بالكتاب» و إن إبراهيم بن عمر كان من أصحاب الباقر فهو معاصر لسليم بن قيس،

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 356 ح 4 وص 357 ح 7.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 356 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 366

______________________________

و هذه الرواية موجودة في ذلك الكتاب قطعاً. فلا إشكال

في هذا الطريق أيضاً. و عليه فيصح سند هذه الرّواية بطريقين.

و ما رواه الصدوق مرسلًا و مسنداً عن الصادق (عليه السّلام)

إنَّ اللّٰهَ لٰا إِلٰهَ إلّٰا هُوَ لَمّٰا حَرَّمَ عَلَيْنٰا الصَّدَقَةَ أَنْزَلَ لَنا الْخُمْسَ. فَالصَّدَقَةُ عَلَيْنٰا حَرامٌ وَ الْخُمْسُ لَنٰا فَريضَةٌ وَ الْكَرامَةُ لَنٰا حَلالٌ «1».

هاتان الروايتان و إن وردتا في توجيه جعل مجموع الخمس بتمام سهامه إلّا أنّهما شاملتان لسهم السادات لأنهم من أهل البيت و يصح كونهم مقصودين من ضمير «نا» المذكور فيهما. فهما علي وزان ما ورد في خصوص سهم السادة.

و مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

وَ إِنَّمٰا جَعَلَ اللّٰهُ هٰذا الْخُمْسَ لَهُمْ خٰاصَّةً دُونَ مَسٰاكِينِ النّٰاسِ وَ أَبْنٰاءِ سَبيلِهِم عوَضاً لَهُمْ مِنْ صَدَقٰاتِ النّاسِ تَنْزيهاً مِنَ اللّهِ لَهُمْ لِقَرابَتِهِم بِرَسُولِ اللّٰهِ وَ كَرامةً مِنَ اللّهِ لَهم عَنْ أَوسٰاخِ النّاسِ «2».

و مرفوعة احمد بن محمد

وَ النِّصفُ لِلْيَتٰامي وَ الْمَساكينِ و أبْنٰاءِ السَّبيلِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السّلام) الَّذينَ لٰا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ وَ لٰا الزَّكٰاةُ عَوَّضَهُمُ اللّٰهُ مَكانَ ذٰلِك بِالخُمسِ «3».

بتقريب أنَّ الإجلال و التعزيز مخصوص باللّٰه و رسوله و المؤمنين دون الكافرين و المعاندين كما قال تعاليٰ وَ لِلّٰهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ «4». و إنَّ الانتساب إلي هاشم جدّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لا قيمة له عند اللّٰه لولا الايمان. و لا يوجب أيَّ فضل ليستحق المنتسب به للإجلال و الإكرام. فيستكشف من ذلك بطرق الإنّ اشتراط

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 337 ب 1 ح 2 و كذلك رواه العياشي بسنده عن الصادق (عليه السّلام) (ص 187 ح 7).

(2) الوسائل/ ج 6 ص 358 ح 8.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 359 ح 9.

(4) سورة المنافقين/

الآية 8.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 367

______________________________

الايمان في السادة لاستحقاق الخمس.

الثاني: أن الايمان شرط في مستحق الزكاة بدلالة النصوص المعتبرة «1» و لمّا كان الخمس عوضاً عنها إجلالًا بشأن السادات فلا بدَّ من اشتراط الايمان فيهم بطريق الأولوية القطعية. و يفهم هذا التقريب من بيان المحقق الهمداني.

و يؤيّد ذلك التعليل الوارد لمنع الزكاة عن المخالفين و الكافرين مثل قول الرضا (عليه السّلام)

فَإنَّ اللّٰهَ عزَّ و جلَّ حَرَّمَ أَمْوالَنٰا وَ أمْوالَ شيعَتِنا عَلي عَدوِّنا

في خبر إبراهيم الأوسي «2».

و رواية يونس بن يعقوب قال

قُلْتُ لأَبي الْحَسَنِ الرِّضا أُعْطي هٰؤُلاء الَّذينَ يَزْعَمُونَ أَنَّ أَباكَ حَيٌّ مِنَ الزَّكاةِ شَيْئاً. قالَ (عليه السّلام): لٰا تُعْطِهِمْ، فَإنَّهُمْ كُفّٰارٌ مُشْرِكُونَ زَنادِقَةٌ «3».

فان تعليل المنع في الأول بحرمة أموالهم (عليهم السّلام) و أموال شيعتهم علي أعدائهم و في الثاني بكفرهم و شركهم عامٌّ شامل للخمس أيضاً.

و ما ورد عن الإمام الحسن بن علي العسكري في تفسيره عن آبائه عن رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

فَإنَّ المُتَصدِّقَ عَليٰ أعْدائِنا كالسّٰارِقِ في حَرَمِ رَبِّنا عَزَّ وَ جلَّ وَ حَرَمي «4».

فإنّ عموم التعليل بعد إلغاء الخصوصية عن الصدقة من هذه الجهة شامل للخمس بل لمطلق ما يدفع و ينفق من الأموال في سبيل اللّٰه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 151 ب 5.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 153 ح 8.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 157 ب 7 ح 4.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 158 ب 7 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 368

[العدالة]

و لا يعتبر العدالة علي الأصح (1)، و الأحوط عدم الدفع إلي المتهتِّك المتجاهر بالكبائر، بل يقوي عدم الجواز، إن كان في الدفع إعانة علي الإثم و العدوان و

إغراءً بالقبيح و في المنع ردع عنه. و الأولي ملاحظة المرجحات في الأفراد.

______________________________

الكلام في اعتبار العدالة

(1) المعروف بين الأصحاب عدم اعتبار العدالة في مستحق الخمس كما اختاره السيد الماتن (قدّس سرّه) و هو الأقوي، نظراً إلي عدم دليل يدلّ علي اعتباره سوي ما ورد في باب الزكاة ممّا دل علي عدم جواز إعطاء الزكاة لشارب الخمر. كما في مضمرة داود الصرمي قال

سَألْتُهُ عَنْ شارِبِ الْخَمْرِ يُعْطي مِنَ الزَّكاةِ شَيئاً؟ قالَ: لٰا «1»

و بعض ما يوهم ذلك من النصوص الواردة هناك. إلا أنَّ كلَّها ضعيفة سنداً و لا دلالة لها علي اعتبار العدالة، إلّا هذه الرواية الواردة في شارب الخمر و هي لا تصلح للاستدلال بها حتي في موردها فضلًا عن التعدي إلي سائر موارد المعصية.

لأنّها و إن تمّت دلالتها في موردها إلّا أنّ سندها ضعيف لوقوع داود الصرمي في طريقه و هو لم يوثّق و لا ينجبر ضعف سندها بعمل المشهور، حيث لم يثبت ذهابهم إلي اعتبار العدالة بل نسب إليهم عدم اعتبارها في مستحق الخمس.

بل ورد في باب الزكاة ما يدلّ علي عدم اعتبار العدالة، مثل مرسل الصدوق في العلل عن الكاظم (عليه السّلام) قال

يُعْطَي الْمُؤْمِنُ ثَلاثَةُ آلٰافٍ. ثُمَّ قٰالَ: أَوْ عَشْرَةُ آلٰافٍ وَ يُعْطَي الفٰاجِرُ بِقَدَرٍ، لِأَنَّ الْمُؤمِنَ يُنْفِقُهٰا في طاعَةِ اللّٰهِ وَ الْفاجِرُ في مَعْصِيَةِ اللّٰهِ «2».

و إنّ دلالتها علي أصل جواز إعطاء الزكاة للفقير الفاجر و لو بقدر قليل واضحة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 171 ب 17 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 171 ب 17 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 369

______________________________

و عليه فلا دلالة لشي ء من النصوص الواردة في باب الزكاة علي اعتبار العدالة في مستحق الزكاة ليتعدّي

عنه إلي باب الخمس بإلغاء الخصوصية أو بالأولوية، نعم ما ورد في المقام من نصوص بدلية الخمس عن الزكاة لا تخلو من دلالة علي اعتبار العدالة بالتقريب الآتي، لاشتراط عدم كون السفر معصية في ابن السبيل. إلّا أنّه لا يبعد شمولها لجميع سادات الشيعة الاثني عشرية بعد ما ورد من النصوص المتواترة الدالة علي تكريم الشيعة و إجلالهم الشامل بنطاقها الواسع لغير العدول منهم، مثل نصوص الطينة و الشفاعة و الولاية و نحوها، و من لاحظها يقطع بشمولها لفساق الشيعة. و كذلك النصوص الواردة في المقام، فإنّ فيها قد صرّح بعدم استحقاق مخالفي ولاية أئمّتنا المعصومين (عليهم السّلام) و معانديهم و منكري فضائلهم دون مطلق الفاسق بمعناه الأعم. هذا مضافاً إلي أنّه بناء علي اعتبار العدالة قلَّ من كان مستحقاً لسهم السادات. و إنّ لسان العمومات الواردة في المقام آبٍ عن هذا التخصيص الذي لا يقصر عن تخصيص الأكثر في الاستهجان.

نعم لا يبعد القول بعدم استحقاق المعلن بالمعاصي المتجاهر بالفسق للخمس بل يمكن القطع به، نظراً إلي نصوص البدلية المبتنية دلالتها علي أساس إجلال السادات المستحقين للخمس و تكريمهم. و لا سيّما من يعلم منهم أنّه يصرف الخمس في جهة المعصية، خصوصاً إذا كان دفعه إعانة المدفوع إليه علي الإثم و الطغيان أو كان منعه عن الخمس ردعه عن ذلك.

[مستضعف كلِّ فرقة ملحق بها]

مستضعف كلِّ فرقة ملحق بها و ذلك لصدق عنوان كل فرقة من الناصب و المخالف و المجبّرة و المفوّضة و المشرك و غير ذلك من المذاهب الباطلة و الفرق المنحرفة عرفاً علي مستضعفيها من النساء العجوزات و الوالدان و الأطفال فيترتّب عليهم حكمها كما في الزَّواج

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 370

______________________________

و الإرث و الزكاة.

هذا

و لكن المستضعفين في الرأي الذين ليسوا علي بصيرة و لا إدراك في مخالفة الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) و لا معاندين لهم و كذلك السفهاء منهم لا يبعد جواز إعطاء السهم إليهم بقدر ما يسمنهم من الجوع و يسدّ به رمقهم إذا كانوا من السادات، كما دلّ عليه ما ورد في باب الزكاة عن الإمام العسكري (عليه السّلام) في تفسيره عن آبائه عن رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) في حديث

قِيلَ لَهُ: يٰا رَسُولَ اللّٰهِ وَ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنَ الْمُخٰالِفينَ الْجاهِلينَ، لٰا هُمْ في مُخَالَفتنٰا مُسْتَبْصِرُونَ وَ لٰا هُمْ لَنا مُعانِدُونَ؟ قٰالَ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): فَيُعْطي الْوٰاحِدُ مِنَ الدارهِمِ مٰا دُونَ الدِّرْهَمِ وَ مِنَ الْخُبْزِ ما دُونَ الرَّغيفِ «1».

أي يعطي كلُّ واحد منهم بمقدار قليل من النقود و الطعام ما يسمنهم من الجوع و يسدُّ به رمقهم.

[لا يجب بسط السهام عليٰ الأصناف]

لا يجب بسط السهام عليٰ الأصناف إن الكلام واقع في المقام من جهات ثلاث:

إحداها: وجوب بسط الأسهم علي الأصناف الثلاثة.

ثانيتها: في وجوب استيعاب أفراد كلّ صنف.

ثالثتها: في وجوب التساوي بين الأصناف و الأفراد.

و نبحث عن الجهات الثلاث ببيان واحد لرجوع ملاك الكل إلي أمر واحد. فنقول: بعد إثبات ملكية الخمس بتمامه لمنصب الإمامة و جهة الولاية القائمة بالوالي فلا محالة تكون الأصناف الثلاثة من قبيل موارد الصرف من دون أن يكون سهم السادات ملكاً لهم.

و بناءً علي ذلك فمن الواضح انّ بسط السهام الثلاثة إلي الأصناف غير

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 157 ب 7 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 371

______________________________

واجب، فضلًا عن الأفراد. بل يكون الأمر موكولًا إلي تشخيص الوالي كما دل عليه نصوص المقام.

مضافاً إلي أنّ بسط نصف الخمس

بين جميع الأصناف الثلاثة بتمام أفرادهم بحيث يحكم بالضمان لمن لم يوصل إليه سهمه غير ممكن و لا قابل للالتزام و لم يتفوّه به أحدٌ. و هذا دليل قاطع علي أنّ ملكية نصف الخمس لجميع أفراد الأصناف الثلاثة علي نحو الاستغراق لا يمكن أن تكون مقصودة في الآية الشريفة و نصوص المقام.

هذا مع استقرار السيرة القطعية علي الاكتفاء بدفع نصف الخمس إلي بعض الأصناف الثلاثة.

و عليه فلا يجب البسط علي أصنافهم فضلًا عن البسط بين أفرادهم و لا سيّما علي نحو التساوي بين جميع أفراد كل صنف. بل إنّ أمر تقسيم السهام الثلاثة و إيصالها إلي الطوائف الثلاث من السادات بيد الوالي و موكول إليٰ نظره، فيعطيهم بقدر حاجتهم عليٰ حسب ما يراه من المصلحة كما دلّ عليه صحيح البزنطي و مضمرة أبي خالد الكابلي و مرسل حمّاد.

ففي الأول: قيل لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام)

أَ فَرَأيْتَ إنْ كانَ صِنْفٌ مِنَ الأَصْنافِ أَكْثَرَ وَ صِنْفٌ أَقَلَّ، مٰا يُصْنَعُ بِهِ؟ قالَ (عليه السّلام): ذٰاكَ إِلي الإمامِ، أَرَأيْتَ رَسُولَ اللَّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) كَيْفَ يَصْنَعُ؟ أَ لَيْسَ إنَّمٰا كانَ يُعْطي عَليٰ ما يَريٰ؟ كذٰلِكَ الإمامُ «1».

و في الثاني: قٰالَ (عليه السّلام)

إِنْ رَأَيْتَ صاحِبَ هذا الأمْرِ يُعْطي كُلَّ ما في بَيْتِ الْمالِ رَجُلًا واحِداً فَلا يَدْخُلَنَّ في قَلْبِكَ شَي ءٌ فَإنَّهُ إنَّما يَعْمَلُ بِأمْرِ اللّٰهِ «2».

و في الثالث: قال الكاظم (عليه السّلام)

وَ نِصْفُ الْخُمْسِ الْباقي بَيْنَ أهْلِ بَيْتِهِ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 362 ب 2 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 363 ب 2- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 372

مسألة 3: الأقوي اعتبار الفقر في اليتامي (1)،

______________________________

فَسَهْمٌ لِيَتامٰاهُمْ وَ سَهْمٌ لِمَسٰاكِينِهِمْ وَ سَهْمٌ لأَبْنٰاءِ

سَبِيلِهِمْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلي الْكِتٰابِ وَ الْسُّنَّةِ مٰا يَسْتَغْنُونَ بِهِ في سَنَتِهِمْ. فَإنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَي ءٌ فَهُوَ لِلْوالي فَإنْ عَجَزَ أَوْ نَقَصَ عَنْ اسْتِغْنائِهمْ كٰانَ عَلي الوالي أنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ ما يَسْتَغْنُونَ بِهِ وَ إِنَّمٰا صٰارَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُونَهُمْ لأَنَّ لَهُ مٰا فَضَلَ عَنْهُمْ «1».

[اعتبار الفقر في اليتاميٰ]

اعتبار الفقر في اليتاميٰ

(1) كما نسب إلي المشهور خلافاً لما حكي عن السرائر و المبسوط. و الوجه في ذلك دلالة نصوص بدليّة جعل الخمس و لا سيّما سهم السادات منه عن الزكاة لسدَّ حاجاتهم. و بهذه النصوص يرفع اليد عن إطلاقات المقام لدلالتها علي أنّ السّادات لو لا قرابتهم برسول اللّٰه لكانوا مستحقين للزكاة المعتبر فيها الفقر، و إنّما عوِّض عنها لهم الخمس لمانعية القرابة. مضافاً إلي دلالة مرسل حمّاد «2» علي ذلك بالخصوص حيث قال فيه الكاظم (عليه السّلام)

وَ لَيْسَ فِي مٰالِ الْخُمْسِ زَكٰاةٌ لأَنَّ فُقَراءَ النّٰاسِ جُعِلَ أَرْزٰاقُهمْ فِي أَمْوالِ النّٰاسِ عَليٰ ثَمٰانِيَةِ أَسْهُمٍ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَ جُعِلَ لِلْفُقَراءِ مِنْ قَرابَةِ الرَّسُولِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) نِصْفُ الْخُمْسِ فَأَغْنٰاهُمْ بِهِ عَنْ صَدَقٰاتِ النّٰاسِ وَ صَدَقٰاتِ النَّبِي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) وَ وَليِّ الأَمْرِ فَلَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَراءِ النّٰاسِ وَ لَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَراءِ قَرٰابَةِ رَسُولِ اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلّا وَ قَدْ اسْتَغْنيٰ فَلٰا فَقِيرَ.

و أمّا ضعف سنده فمنجبر بعمل المشهور.

و قد تقدّم ذكر جميع هذه النصوص و يستدل في قبال المشهور بظهور المقابلة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 363 ب 3 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 359 ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 373

أمّا ابن السبيل أي المسافر في غير

معصية فلا يعتبر فيه في بلده، نعم يعتبر الحاجة في بلد التسليم (1)، و إن كان غنياً في بلده كما مرّ في الزكاة.

______________________________

بين اليتاميٰ و المساكين كتاباً و سنة في استقلال عنوان اليتاميٰ عن المساكين و مقتضاه عدم اعتبار الفقر فيهم.

و فيه أنّ اليتاميٰ و إن كان لهم عنوان مستقل قبال سائر الأصناف الثلاثة، إلّا أنّهم استحقوا الخمس بملاك الاحتياج و الفقر بدلالة نصوص المقام، و إن لٰا يندرجون في عنوان المساكين. نظراً إلي أنّ المرتكز في الأذهان من عنوان المساكين غير اليتامي لانصرافه إلي البالغين الغير المتمكّنين من تأمين معاشهم. و عليه فلا ظهور للمقابلة المزبورة في عدم اعتبار الفقر في اليتامي، نظراً إلي كفاية الانصراف المزبور في حسن المقابلة نظير الأصناف الثمانية في باب الزكاة.

[عدم اعتبار الفقر في ابن السبيل]

عدم اعتبار الفقر في ابن السبيل

(1) و الوجه فيه واضح نظراً إلي أنَّ تعنون ابن السبيل بهذا العنوان إنّما هو لأجل عروض الحاجة له بسبب الابتلاء بالسفر و فقدان مئونة الطريق. و إن كان في بلده غنياً، بل في الغالب يكون أبناء السبيل أغنياء في بلادهم. فكأنّه أصبح ابن طريقه لما عرض له من الحاجة في أثنائه. و عليه فأخذ الحاجة في ابن السبيل يستفاد من نفس عنوانه بلا حاجة إلي دليل من الخارج.

و لكن التحقيق اعتبار عدم كون سفره معصية و ذلك أولًا: لأن المقدم علي معصية الخالق و الطغيان عن أمر ربّه لا يليق للإجلال و التكريم المبنية عليه بدلية الخمس عن الزكاة و لا سيّما إذا كان استحقاقه بسبب إقدامه علي المعصية كما هو المفروض. و ثانياً: للقطع بأن الحاجة المعتبرة في استحقاق الخمس هي الحاجة المشروعة لا غير المشروعة الحادثة بسبب الإقدام علي سفر

المعصية.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 374

مسألة 4: الأحوط إن لم يكن الأقوي عدم دفع من عليه الخمس إلي من تجب نفقته عليه، سيّما زوجته إذا كان للنفقة (1). أما دفعه إليه لغير ذلك ممّا يحتاج إليه و لم يكن واجباً عليه فلا بأس، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليه و لو للإنفاق حتي الزوجة المعسر زوجها.

______________________________

و ثالثاً: لأن الخمس فريضة من اللّٰه (تعاليٰ) و أنّ أداءَه عمل عبادي يتقرب به العبد إلي اللّٰه (تعالي) و هو غير ممكن في المقام، لأنه إمّا حرامٌ نظراً إلي كونه تعاوناً علي الإثم و قد نهي عنه في صريح الكتاب أو إعانة عليه و إنه مبغوض عند الشارع لو لم نقل بحرمته. و فيه أن الإعانة لو لم تكن حراماً فأيّ دليل علي مبغوضيته عند الشارع؟ و إن أريد به الكراهة الشديدة فلا ينافي التقرب به إلي اللّٰه كالصلاة في الحمام أو عند القبر و نحو ذلك من موارد الكراهة في العبادات المعنيّة بها نقصان الثواب.

[عدم جواز دفع الخمس إلي واجبي النفقة]

عدم جواز دفع الخمس إلي واجبي النفقة

(1) و الوجه فيه أولًا: عموم التعليل الوارد في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خَمْسَةٌ لٰا يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكٰاةِ شَيْئاً: الأَبُ وَ الأُمُّ وَ الْوَلَدُ وَ الْمَمْلُوكُ وَ الْمَرْأَةُ وَ ذٰلِكَ أَنَّهُمْ عيٰالُهُ لازِمُونَ لَهُ «1».

و نظيره التعليل الوارد في مرفوعة العلل عن الصادق قال (عليه السّلام)

خَمْسَةٌ لٰا يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكٰاةِ: الْوَلَدُ وَ الْوالِدانِ وَ المَرْأَةُ وَ الْمَمْلُوكُ لِأَنَّهَ يُجْبَرُ عَلَي النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ «2».

فإنّ تعليله (عليه السّلام) بقوله

وَ ذٰلِكَ أَنَّهُمْ عيالُهُ لٰازِمُونَ لَهُ

في الأول و قوله

لأَنَّهُ يُجْبَرُ عَليٰ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ

في الثاني، يأتي في الخمس أيضاً، لوضوح أنّ دفع الخمس

______________________________

(1)

الوسائل/ ج 6 ص 165 ب 13 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 166 ب 13 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 375

______________________________

إلي واجبي النفقة من قبيل دفعه إلي نفسه و صرفه في شؤونه فإعطاء الخمس لهم في الحقيقة بمنزلة إخراجه من كيسه بيد و وضعه فيه بيد آخر.

و ثانياً: اقتضاءُ بدليَّة الخمس عن الزَّكاة اشتراكهما في الحكم إلّا من ناحية مانعية السيادة عن الاستحقاق. و عليه فالممنوع عن الزَّكاة من غير ناحية السيادة ممنوع عن الخمس أيضاً.

و ثالثاً: إنّه مع قطع النظر عن عموم التعليل المزبور و البدلية يمكن استفادة ذلك من النصوص الدالّة علي وجوب إخراج الخمس و دفعه و أدائه إلي أربابه و إيصاله إلي مستحقّيه أو وكيلهم. مثل قول الصادق (عليه السّلام)

فَلْيَبْعَثْ بِخُمُسِهِ إليٰ أَهْلِ الْبَيْتِ

في موثّقة عمّار «1» و قول أمير المؤمنين (عليه السّلام)

تَصَدَّقْ بِخُمسِ مالِكَ

في موثّقة السكوني «2». و قول الصادق (عليه السّلام)

وَ ادْفَعْ إلَيْنٰا الْخُمْسَ

في صحيح حفص «3». و قوله (عليه السّلام)

أَخْرِجِ الْخُمْسَ مِنْ ذلِكَ المالِ «4».

و قول الباقر (عليه السّلام)

فَمَنْ كانَ عِنْدَهُ شَي ءٌ مِنْ ذٰلِكَ فَلْيُوصِلْهُ إلي وَكيلي

في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة «5» و غير ذلك من النصوص. فإنّ ظاهرها وجوب إخراج الخمس من كيس المكلّف و إدخاله في كيس أربابه و إيصاله إلي مستحقه. و لا يكون دفع الخمس إلي واجبي النفقة إخراجه من كيس المكلَّف بنظر أهل العرف، بل هو صرفه في شؤون نفسه عندهم. و لذا لو دفعته إلي زوجتك السيدة بعنوان أداء الخمس من دون أن تدفع إليها مالًا آخر بعنوان النفقة تعترض عليك فتقول: «هذا نفقتي فأين الخمس؟».

ثم إنّ ذلك مبنيٌّ علي أنّ المكلّف يدفع الخمس إلي مستحقه بنفسه. و

أمّا لو

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 353 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 353 ح 4.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 340 ح 6.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 352 ب 10 ح 1.

(5) الوسائل/ ج 6 ص 350 ب 8 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 376

مسألة: 5 لا يصدّق مدعي السيادة بمجرد دعواه (1)، نعم يكفي في ثبوتها كونه معروفاً و مشتهراً بها في بلده من دون نكير من أحد.

______________________________

دفعه الحاكم فلا مانع من هذه الجهة لرجوعه إلي دفع خمس غير المكلَّف به إلي عياله. و قد صرح الماتن (قدّس سرّه) في ذيل المسألة بجوازه نظراً إلي أنّ الدافع ليس ملزماً بتأمين نفقة عيال المكلّف بالخمس حتي يكون مشمولًا للتعليل المزبور.

[عدم تصديق مدّعي السيادة بمجرّد دعواه]

لا يصدَّق مدّعي السيادة بمجرّد دعواه

(1) و ذلك لأن لازم الانتساب إلي بني هاشم استحقاق المنتسب للخمس و من هنا يرجع دعوي الانتساب إلي دعوي استحقاق بعض أموال شخص المكلّف بالخمس. فيكون مشمولًا لعموم «البيّنة علي المدعي» كسائر موارد الدعاوي. بل مع قطع النظر عن هذه الجهة إثبات دعوي الانتساب إلي قريش في نفسه يحتاج إلي حجَّة معتبرة أو علم وجداني أو اطمئنان شخصي بصدق دعواه و إن كان ناشئاً من اشتهار ذلك في بلده.

و أمّا الاشتهار بين أهل البلد من دون حصول اطمئنان شخصي فوجه جواز الاكتفاء به في تصديق مدّعي النسبة هو استقرار سيرة العقلاء علي الأخذ بالمشتهر بين أهل البلد و لم يردع عنها الشارع. بل يؤيده بعض الأخبار مثل مرسلة يونس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خَمْسَةُ أَشْيٰاءٍ يَجِبُ عَليٰ النّٰاسِ أَنْ يَأْخُذُوا فِيهٰا بِظٰاهِر الْحُكْمِ: الْوَلٰاياتُ وَ الْمَنٰاكِحُ وَ الْمَوٰارِيثُ وَ الذَّبٰائِحُ وَ الشَّهٰادٰاتُ «1».

______________________________

(1) الوسائل/ ج

18 ص 212 ب 22 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 377

[الكلام في الاحتيال إذا لم يحرز شرائط الاستحقاق]

و يمكن الاحتيال في الدفع إلي مجهول الحال بعد إحراز عدالته بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلي مستحقه، أيّ شخص كان حتي الآخذ. و لكن الأولي عدم إعمال هذه الحيلة (1).

______________________________

الكلام في الاحتيال إذا لم يحرز شرائط الاستحقاق

(1) وجه الاكتفاء بهذا الاحتيال في أداء الخمس و براءَة ذمّة الموكِّل أنَّ بعد إثبات عدم اعتبار المباشرة في أداء الخمس يصح التوكيل في إيصال الخمس إلي المستحق. و الملاك في براءَة ذمّة الموكِّل إنّما هو علم الوكيل باستحقاق الطرف و أداء وظيفة الإيصال لا علم الموكِّل. و هو عند الشك يحكم بصحة عمل الوكيل بإجراء أصالة الصحة، إلّا أن يعلم بطلان عمله فلا تصل النوبة إلي إجراء الأصل حينئذٍ.

ثم إنه قد أشكل علي جريان أصالة الصحة بأنّ موضوعها صرف الخمس في مورده و إيصاله إلي مستحقّه فلا بدّ من تحققه و ثبوته في الخارج حتي يجري الأصل المزبور عند الشك في صحته. و المفروض في المقام أنّ تحقّق أصل الإيصال مشكوك فيه نظراً إلي الشك في استحقاق الآخذ فإنّه لو لم يكن مستحقاً لم يوصل الخمس إلي مستحقّه في الحقيقة.

و فيه: أن الوكيل قد أخذ الخمس بعنوان صرفه في مورده و إيصاله إلي مستحقه حسب الفرض. و عليه فالإيصال متحقق بنظره و إنَّما يشكُّ الموكِّل في كونه إيصالًا صحيحاً. و مرجع ذلك إلي الشك في صحة هذا الإيصال و إجزائه. و عليه فتحقُّق موضوع أصالة الصحة و هو مجرّد الإيصال و لو كان غير صحيح محرز لا شك فيه. و إنّما شك الموكِّل في أنّ الوكيل هل صَرَف الخمس في مورده ليصح الإيصال

أم لا، نظراً إلي شكّه في استحقاق الخمس. فيحكم بصحة الفعل الصادر منه بعنوان الإيصال إلي مستحقه و كفايته بأصالة الصحة. و عليه فلا وجه للإشكال في

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 378

مسألة 6: الأحوط عدم دفع الخمس إلي المستحق أزيد من مئونة سنته و لو دفعة (1)، كما أنّ الأحوط له عدم أخذه.

______________________________

الاحتيال فإنه طريق شرعي لتحصيل اليقين التعبدي ببراءة الذمة عن التكليف بأداء الخمس. و إن كان الأولي عدم إعمال الحيلة في المقام بل في كل مورد، نظراً إلي عدم ركون النفس وجداناً إليها في مقام أداء التكليف. و أمّا اعتبار عدالة الوكيل في المقام مع عدم اعتباره في حق الفاعل في جريان أصالة الصحة فلأجل أنّ في باب الزكاة دلّت النصوص «1» علي اعتبار وثاقة شخص النائب أو الوكيل في الإيصال.

[عدم جواز دفع الزائد عن مئونة السنة إلي مستحق واحد]

عدم جواز دفع الزائد عن مئونة السنة إلي مستحق واحد

(1) إنّ دفع الخمس إلي مستحق واحد زائداً عن مئونة سنته تارة: يكون في ضمن دفعات متعددة. و أُخري: في ضمن دفعة واحدة. و أما إذا كان في دفعات متعددة فوجه عدم الجواز واضح، حيث إنّ بعد إعطاء مئونة سنته يزول فقره و يصبح غنياً و يكون الإعطاء إليه ثانياً و ثالثاً إعطاءً إلي الغني لا الفقير. و أمّا إذا كان في الدفعة الواحدة فوجه عدم الجواز أيضاً واضح، حيث ان دفع الزائد عن قدر حاجته لا يكون لغرض سدّ حاجته فلذا لا يكون فيه ملاك الاستحقاق. و بعبارة اخري: إنّ بإعطاء المقدار المعادل للمئونة يصبح المعطي إليه غنياً فيكون دفع القدر الزائد إليه دفعاً إلي الغني لا الفقير.

و تبيّن بهذا البيان وجه الاحتياط في عدم أخذه من جانب المستحق.

______________________________

(1) الوسائل/ ج

6 ص 193 ب 35 من أبواب المستحقين للزكاة.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 379

[أمر الخمس كلّه بيد الفقيه الحاكم في زمان الغيبة]

مسألة 7: النصف من الخمس الذي للأصناف الثلاثة المتقدمة أمره بيد الحاكم علي الأقوي (1)، فلا بدّ إمّا من الإيصال إليه أو الصرف بإذنه و أمره. كما أنّ النصف الذي للإمام (عليه السلام) أمره راجع إلي الحاكم، فلا بدّ من الإيصال إليه حتّي يصرفه فيما يكون مصرفه بحسب نظره و فتواه أو الصرف بإذنه فيما عيَّن له من المصرف.

______________________________

أمر الخمس كلّه بيد الفقيه الحاكم في زمان الغيبة

(1) اختلف الآراء في كيفية صرف الخمس بنصفيه المشتمل علي سهم الإمام و سهم السادات و إنّ كثيراً من هذه الأقوال واضح البطلان و غير قابل للبحث عنه. مثل القول بوجوب دفنه أو إلقائه في البحر أو عزله و إيداعه أو الإيصاء به عند ظهور أمارات الموت، لوضوح أنّ كلّ ذلك إتلاف المال و ضياعه و التفريط فيه و هو بالوبال و الوزر أقرب من أداء الوظيفة.

عمدة الوجوه في المقام ثلاثة و الأقوي ما سلكه الماتن (قدّس سرّه) من كون أمر الخمس بتمامه في زمان الغيبة بيد الفقيه الجامع الذي هو نائب الإمام (عليه السّلام) و له الولاية العامة، فيجب دفع الخمس بتمامه حتّي النصف الذي للأصناف الثلاثة إليه و له صرفه في موارده و إيصاله إلي مستحقه حسب نظره و تشخيصه المصلحة.

و الدليل علي ذلك واضح بعد إثبات الولاية المطلقة للفقيه الجامع بأدلّته من الضرورة و الكتاب و السنة و ليس المقام محلّ البحث عن ذلك و قد بحثنا عن ذلك مفصّلًا في كتاب الاجتهاد و التقليد.

و لمّا كان الخمس ملكاً لمنصب الإمامة و من شؤون الحكومة و الإمارة لا لشخص الإمام (عليه

السّلام) فلا محالة يكون أمره في زمان الغيبة بيد من له ولاية الأمر، و ليس ذلك إلّا الفقيه العادل الجامع. هذا بناءً علي ثبوت الولاية للفقيه، و أمّا بناءً علي

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 380

______________________________

اختصاص ولايتة بالأمور الحسبية و أنّ الخمس من الأمور المهمة التي لا بدّ من القيام بها و لا يجوز في حكمة الشارع الحكيم إهمال أمره و أنّ في تركه مفاسد كثيرة لا يرضي به الشارع، فأيضاً لا يجوز لغير الفقيه حينئذٍ تصدّي ذلك نظراً إلي عدم إمكان إحرازه رضا الشارع بدفع سهم السادات إلي مستحقيه بنفسه، و إن كان متيقّناً بحصول شرائط الاستحقاق في المدفوع إليه. و ذلك لفرض أنّ الولاية في الأمور الحسبية لأجل مالها من الأهمية مختصَّة بالفقيه العارف بأحكام الدين و لا اعتبار لنظر غيره فيها. اللّهُمَّ إلّا أن يناقش في كون الخمس من تلك الأمور المهمة التي يلزم من تعطيله مفاسد كثيرة و ثلمة غير قابلة للجبران، فانّ لهذا النقاش وجهاً.

و قد بقي في المقام وجهان آخران:

أحدهما: ما عن صاحب الجواهر من إجراء حكم مجهول المالك عليه نظراً إلي أنّ الملاك في ترتّب حكمه و هو جواز التصدّق عن المالك ليس هو الجهل بشخص المالك، بل المناط في ذلك عدم إمكان إيصاله إليه كما هو مورد بعض نصوصه. مثل صحيحة يونس بن عبد الرحمن «1» الواردة في متاع رفيق أصيب في طريق مكة، حيث أمر الإمام (عليه السّلام) ببيعه و التصدّق بثمنه علي أهل الولاية مع أنّ الرفيق كان معروفاً بشخصه عند من أصاب متاعه. و إنّما لم يمكن له إيصال متاعه اليه لعدم معرفته هوية ذلك الشخص و لا بلده. و إنّ سهم الإمام من

هذا القبيل لأنّ الإمام (عليه السّلام) و إن كان معروفاً إلا أنّه لا يمكن إيصال سهمه إليه في زمان الغيبة، فيجوز بيعه و التصدّق بثمنه علي الشيعة الذين هم أهل الولاية المذكورين في الصحيحة المزبورة.

و فيه: أنّ حكم مجهول المالك مختصٌّ بالملك الشخصي كما هو مورد صحيحة يونس و لا يأتي في ملك المنصب و الجهة العامة. و قد ثبت أنّ الخمس ملك لمنصب الحكومة و له الولاية العامة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 357 ب 7 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 381

______________________________

ثانيهما: أن يصرف في موارد يحرز رضي الإمام (عليه السّلام) بصرفه فيها ممّا فيه مصلحة الإسلام و المسلمين و تشيد قوائم الدين و حفظ أساس الشريعة و إعلاء راية الإسلام و حفظ بيضته و آثاره.

و فيه: أنّ هذا الوجه و إن كان صحيحاً إلّا أنّه لا ينافي ما سلكه السيد الماتن (قدّس سرّه)، غاية الأمر تشخيص ذلك موكول إلي نظر الفقيه الجامع نظراً إلي ولايته علي أمر الخمس بمقتضي أدلة النيابة العامّة. و قد تبيّن مما ذكرنا أنّه ليس للمالك مباشرة تقسيم سهم السادات و إيصالها إلي فقرائهم. لما قلنا من كون أمر الخمس بتمامه بيد الفقيه.

و قد يقال: إنّه مع العلم بجهة الصرف في النصف الآخر الذي للأصناف الثلاثة و يقين المالك بحصول شرائط الاستحقاق في أشخاص معيّنين من السادة لا وجه لدفعه إلي نائب الإمام (عليه السّلام)، نظراً إلي علم المالك حينئذٍ برضا الإمام (عليه السّلام). و فيه: أنّه بعد إثبات النيابة العامّة و الولاية المطلقة للفقيه الجامع، لا يمكن إحراز رضا الإمام (عليه السّلام) بالتصرف في الخمس لغير الفقيه أبداً، بأيّ وجه و من أيّ شخص كان. و ذلك

لأنّ معني نيابته العامّة عدم رضا الإمام (عليه السّلام) بتصرف غيره مطلقاً و مع التفات المالك إلي ذلك كيف يتيقّن برضا الإمام (عليه السّلام) بدفع السهام الثلاثة إلي السادة بنفسه أو بصرفه مباشرةً فيما يراه مصلحة الإسلام و المسلمين بنظر شخصه؟ فإنّ مقتضي أدلّة ولاية الفقيه كون نظر غيره في أمر الخمس كسائر شؤون الولاية فاقداً للاعتبار. بل إنّما تعطي القيمة و المشروعية لنظر الفقيه خاصّة، بلا فرق في ذلك بين كيفية تعلق الخمس و شرائط وجوب أدائه و موارد صرفه.

و مع قطع النظر عن أدلّة الولاية فقد يتوهم أنّ بدفع الخمس إلي الفقيه و إن يحصل العلم بفراغ الذّمة لكونه أعرف بمواضع صرفه، إلّا أنّ مع إحراز رضا الإمام (عليه السّلام) بصرفه مباشرةً لا يتوقّف العلم بالفراغ علي ذلك. و فيه: أنّ من المحتمل اعتبار صرف الخمس في نظر الشارع علي نحوٍ يوجب تقوية حكومة الإسلام و عزة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 382

و يشكل دفعه إلي غير من يقلّده (1) إلّا إذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلَّده كمّاً و كيفاً، أو يعمل علي طبق نظره.

مسألة 8: الأقوي جواز نقل الخمس إلي بلد آخر، بل ربما يترجح عند وجود بعض المرجحات حتي مع وجود المستحق في البلد، و إن ضمن حينئذ لو تلف في الطريق أو البلد المنتقل اليه، بخلاف ما إذا لم يوجد فيه المستحق فإنه لا ضمان عليه (2)

______________________________

المسلمين. و لا يتحقق هذا الغرض إلّا بدفعه إلي من يدور ذلك مداره كالإمام (عليه السّلام). و إنّما هو الفقيه الحاكم دون سائر الفقهاء لأنّه الذي يدور مجد الإسلام و المسلمين مدار اقتداره لا أيّ فقيه آخر، و لا سيّما أنّ الخمس

لمنصب الإمامة و الولاية. و عليه فكيف يمكن إحراز رضا الإمام بدفعه إلي غيره؟

و الحاصل أنّه لا يجوز دفع الخمس إلي غير الفقيه الحاكم من سائر الفقهاء مطلقاً، حتي علي القول بعدم الولاية المطلقة. إلّا من كان مدافعاً له في المواقف السياسية و الحكومية. فإن تقوية مثل هؤلاء الفقهاء مظاهرة للفقيه القائد و خطوةٌ شاسعة إلي مجد الإسلام و عزة المسلمين.

(1) و ذلك لأنّ في صورة اختلاف فتواه مع فتوي من يقلّده المكلّف في كيفية الصرف و شرائط الاستحقاق، ليس ما يراه من الخمس المدفوع صرفاً في مورده و إيصالًا إلي مستحقه من الخمس المدفوع، مصروفاً في مورده و موصولًا إلي مستحقه بنظر المجتهد الذي يقلِّده. و عليه فلا تبرأ ذمّة المكلف بدفع الخمس إلي غير من يقلّده.

[نقل الخمس إلي بلد آخر]

نقل الخمس إلي بلد آخر

(2) نقل الخمس إلي بلد آخر تارة: يكون مع وجود المستحق في البلد،

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 383

______________________________

و أُخري: مع عدم وجوده. و علي أيّ حال فتارة: يقع الكلام في الحكم التكليفي و أُخري: في الحكم الوضعي بلحاظ ثبوت الضمان و عدمه.

أما الحكم التكليفي: فلا إشكال في جواز النقل لأنّه إيصال الخمس إلي مستحقه و هو مأمور به، و لا سيما مع عدم وجود المستحق في البلد فإنّ النقل حينئذٍ واجبٌ. مضافاً إلي أنّه إحسان إلي السادة و لا إشكال في جوازه بل رجحانه. بل ربما يترجح النقل حتي مع وجود المستحق في البلد مثل ما لو احتاج إيصال الخمس إلي مستحقي البلد إلي زمان أكثر من نقله إلي بلد آخر، نظراً إلي أنّ فورية دفع الخمس و إيصاله إلي أربابه لو لم نقل بوجوبها فلا ريب في رجحانها. حيث إنّ الخمس

فريضة إلهية و إن أداؤه امتثال أمر اللّٰه تعالي و داخلٌ في عموم الأمر بالمسارعة و الاستباق إلي طاعةِ اللّٰه، كقوله تعاليٰ وَ سٰارِعُوا إِليٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ.. «1» و قوله تعاليٰ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ «2». بل العقل أيضاً حاكم بحسن الاستباق إلي طاعة المولي و امتثال أمره.

أمّا الحكم الوضعي أعني به ثبوت الضمان فقد يقال في المقام: إنّ جواز نقل الخمس يبتني عليٰ جواز العزل. و لكن لا أساس لهذا القول لأنّ ما يصدر عن الناقل ليس إلّا إفراز الخمس و تعيينه بغرض دفعه و إيصاله إلي أربابه. و هذا لا ريب في جوازه، بل هو واجب كما سبق آنفاً لدلالة النصوص الآمرة بدفع الخمس و أدائه و بعثه و إيصاله إلي أهل البيت. و هذا غير العزل، حيث إنّ عزل الشي ء في اللّغة بمعني جعل الشي ء في جانب من دون اعتناء بأمره و لذا يقال: «عزلت الشي ءَ عن غيره عزلًا» أي نحَّيتُه عنه، و منه عزل الرئيس أو النائب أو الوكيل بمعني إخراجه عمّا كان له من الصدارة و الولاية. فعزل الخمس أي جعله في جانب من دون دفعه و إيصاله إليٰ أربابه بعد إفرازه و تعيينه. فالمقصود منه إفراز و تعيين خاصٌّ لا مطلق الإفراز و التعيين

______________________________

(1) سورة آل عمران/ 133.

(2) سورة البقرة/ 148.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 384

______________________________

و لو كان مقدمةً لدفعه و إيصاله إليٰ أربابه. كيف و هو مأمورٌ بذلك في نصوص المقام؟!.

و يشهد علي ذلك النصوص الدالة عليٰ جواز عزل الزكاة. فإنّ في بعضها «1» أمر الإمام (عليه السّلام) بالعزل في فرض عدم إمكان أداءِ الزكاة. و في بعضها الآخر «2» جوّز الإمام (عليه السّلام) العزل في صورة إبقاءِ

بعض المال الزكوي التماساً لمواضع الصرف. و في بعضها «3» جوّز (عليه السّلام) إفراز زكاة المال و كتابة مقدارها من غير إخراج. فإنّ كلّ هذه التعابير تفيد هذا المعني. و الحاصل: أنّه ليس العزل في اللغة و لا في النصوص بمعني مطلق الإفراز حتّي ما كان منه مقدمةً للإيصال. و من هنا نقل زكاة المال إلي بلد آخر قد بيّن حكمه في طائفة أخري من النصوص من دون تعرضٍ لحكم العزل. و من هنا تري صاحب العروة حَكَم بجواز نقل الخمس و عدم ضمان الناقل للتالف منه في الأثناء عند عدم وجود المستحق في البلد «4»، و مع ذلك أشكل في تشخيص الخمس بالعزل مطلقاً «5». و عليه فالعزل و النقل موضوعان مستقلان لكل واحدٍ منهما حكمه الخاص.

و لو تنزّلنا و قلنا بإطلاق العزل علي مطلق الإفراز حتي ما كان منها مقدمة للإيصال كما في المقام، لا نابي أن نقول بعدم إشكال في جواز العزل بهذا المعنيٰ بل هو مأمورٌ به، نظراً إلي توقف دفع الخمس و بعثه و إيصاله المأمور به علي ذلك.

و من هنا لا ملزم لنا أن نحمل هذه المسألة عليٰ فرض نقل مجموع المال الذي فيه الخمس، نظراً إليٰ كون نقل الخمس من باب دفعه و بعثه و إيصاله إلي أربابه و قد أمر بذلك في النصوص المستفيضة. لا من باب العزل حتي يقال: إنّ النصوص الدالة عليٰ جوازه في الزكاة لا عموم لها حتي يتعدّيٰ منها إلي الخمس و إنّه لا يمكن إلغاءُ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 214 ب 52 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 214 ب 53 ح 1.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 213 ب 52 ح 2.

(4)

العروة الوثقي/ ج 2 المسألة الثامنة من قسمة الخمس.

(5) العروة الوثقي/ ج 2 المسألة الخامسة عشر من قسمة الخمس.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 385

______________________________

الخصوصية عنها، نظراً إلي افتراقها عن الخمس في كثير من الأحكام؛ من شرائط التعلّق و كيفية الصرف و استثناء المئونة و اعتبار النصاب و غير ذلك.

كما لا حاجة إلي حمل صورة المسألة علي فرض نقل المقدار المعادل للخمس من المال لا بعنوان التخميس، لزعم عدم تعنونه بالخمس ما دام لم يَقبضه أربابُه، و ذلك لأن النصوص الآمرة بدفع الخمس و بعثه و إيصاله إلي أربابه قد أُطلق فيها عنوان الخمس قبل مرتبة دفعه و بعثه ضرورة تقدّم كلّ متعلّق عن حكمه. و هذا أصدق شاهد علي عدم توقف صدق الخمس عليٰ قبض أربابه. و عليه فلا وجه لهذا التوهم.

ثم إنّ الكلام يقع تارةً: في صورة وجود المستحق في بلد المال، و أخري: في ما إذا لم يوجد فيه مستحق. أما الصورة الأولي: فمقتضي القاعدة عدم الضمان، نظراً إلي خروج اليد عن كونها يد ضمان و صيرورتها يد أمانة في فرض جواز النقل تكليفاً؛ نظير ما لو أذن المالك شخصاً بنقل ماله إلي بلد آخر، فكيف هناك يكون إذنه بمعني استيمان ذلك الشخص و خروج يده عن كونها يد ضمان؟ فكذلك في المقام. فإنّ معني جواز النقل تكليفاً إذن الشارع بالنقل و لازمه خروج يد الناقل عن كونها يد ضمان. إلّا أنّه ثبت الخروج عن هذه القاعدة بدلالة بعض النصوص الدالة علي ضمان زكاة المال إذا وجد الناقل له موضوعاً للاستحقاق فلم يدفعه إليه و بعث به إلي بلد آخر فتلف في أثناء النقل كما في صحيح محمد بن مسلم

قٰالَ: قُلْتُ لأَبي

عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) رَجُلٌ بَعَثَ بِزَكاةِ مٰالِهِ لِتُقَسَّمَ فَضٰاعَتْ. هَلْ عَلَيْهِ ضِمانُها حَتّي تُقَسّمَ؟ فَقال (عليه السّلام): إذا وَجَدَ لَهٰا مَوْضِعاً فَلَمْ يَدْفَعهٰا إِلَيْهِ فَهُوَ لَهٰا ضامِنٌ حَتّي يَدْفَعَهٰا «1»

فإنه شامل للخمس بعد إلغاء الخصوصية عن الزكاة، أو بقرينة مفهوم التعليل في الذيل بقوله (عليه السّلام)

لأنَّها قَدْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ.

و أمّا قاعدة الإحسان فلا تشمل هذه الصورة لعدم كون النقل إحساناً في حق

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 198 ب 39 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 386

______________________________

سادة البلد بل إساءةٌ إليهم. و أما نصوص عزل الزكاة الدالة علي عدم الضمان إذا وجد مستحقها في البلد و لم يدفعها إليهم انتظاراً لمستحق أفضل فتلفت في الأثناء مختصّةٌ بالزكاة و لا بد من الاقتصار علي موردها، نظراً إلي أنها خلاف مقتضي القاعدة.

و أمّا في الصورة الثانية: فالأقويٰ عدم الضمان، نظراً إلي كونه مأموراً بإيصال الخمس إلي مستحقه و يتوقف ذلك علي نقل الخمس إلي بلد آخر، و لازم ذلك عدم ضمانه لو تلف بغير تفريطٍ منه. هذا مضافاً إلي تعليل نفي ضمان الزكاة عند ما لو تلفت بالنقل في بعض النصوص، مثل قوله (عليه السّلام)

وَ إِنْ لَمْ يَجِدْ لَهٰا مَنْ يَدْفَعْها إِلَيْهِ فَبَعَثَ بِها إِلي أَهْلِها فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمانٌ لأَنَّها قَدْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ وَ كَذَلِكَ الْوَصي «1»

في صحيحة محمد بن مسلم. فإنّ تعليل نفي الضمان بالخروج عن اليد يعمُّ المقام، و لا سيّما مع عطف الوصي الكاشف عن عدم خصوصية للزكاة.

و قد يتوهم أنّه بمقتضي هذا التعليل يلزم الحكم بالضمان إذا كان الخمس في يد الناقل حين الحمل بخلاف ما إذا بعث بها و أرسله إلي بلد آخر لخروج الخمس حينئذٍ عن يده بمجرد

البعث و الإرسال. و عليه فلا بد من التفصيل في المقام بين النوعين من النقل.

و فيه: أنه لو كان ملاك الضمان مجرّد خروج المال عن يده يلزم منه لغوية شرطية

وَ إِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَدْفَعْها إِلَيْهِ..

و إذاً لا بُدَّ أن لا يكون فرقاً بين صورتي وجود المستحق و عدمه في البلد، و الحال أنه خلاف ظاهر الشرطية. بل المقصود خروج الخمس عن يده بأمر الشارع ببعثه و إيصاله إلي المستحق. فحيث نقل الخمس بأمر الشارع قاصداً لإيصاله إلي مستحقه فلذا لا ضمان عليه عند التلف. مضافاً إلي جريان قاعدة الإحسان في هذه الصورة. إلّا أن يسامح و يتهاون في حفظه فيتلف عن تفريطٍ فلا إشكال في ضمانه حينئذٍ لأنه أتلفه في الواقع.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 198 ب 39 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 387

و كذا لو كان النقل بإذن المجتهد و أمره فإنه لا ضمان عليه حينئذ حتي مع وجود المستحق في البلد (1) و ربما وجب النقل لو لم يوجد المستحق في البلد و لم يتوقع وجوده بعدُ، أو أمر المقلَّد بالنقل.

______________________________

(1) إذا نقل المالك الخمس إلي بلد آخر بأمر الفقيه أو إذنه فتلف لا ضمان عليه مطلقاً، حتي مع وجود المستحق في البلد، نظراً إلي كون الفقيه وليّ الخمس و إنّ إذنه و أمره بمنزلة إذن المالك المستحق و أمره. و عليه تخرج يد المأذون عن كونه يد ضمان، نظير ما لو أذن المالك غيره بنقل ماله الشخصي فتلف في الأثناء من غير تفريط الناقل. فكيف لا إشكال في عدم ضمان الناقل هناك؟ فكذلك في المقام.

هذا إذا لم يكن الناقل وكيلًا للفقيه في القبض بل كان مأذوناً من جانبه في

النقل فقط. و أمّا لو وكّله الفقيه في القبض لا إشكال في عدم الضمان، حيث إن قبضه حينئذٍ بمنزلة قبض الفقيه. و لمّا كان الفقيه ولي أمر الخمس فيكون قبضه بمنزلة قبض المالك المستحق و لازم ذلك كون قبض وكيل الفقيه بمنزلة قبض المالك. و عليه فإذا قبض الوكيل فقد حصل الإيصال الواجب. و إنّ تلف المال بعد ذلك بالنقل لا يوجب ضمان الناقل إذا كان مأذوناً من قبل المالك أو وليّه لأنّ يده يد أمانةٍ حينئذٍ.

بل يشكل الحكم بالضمان حتي بدون أمر الفقيه فيما لم يوجد المستحق في البلد، بل مع وجوده فيه. و ذلك نظراً إلي عدم جواز مباشرة المالك لتقسيم سهم السادات بناءً علي ولاية الفقيه بل يجب عليه إيصاله إلي الفقيه. فلو كان الفقيه في بلد آخر يجب عليه نقل الخمس إلي ذلك البلد و دفعه إلي الفقيه ليُقَسّمه بين مستحقيه. فإذا كان النقل واجباً لا ضمان عليه لو تلف الخمس في الأثناء بغير تفريط. و لا ينفع وجود المستحق في البلد لإثبات الضمان عليه، حيث لا يجوز له تقسيم الخمس بينهم مباشرة بل إنما يجب عليه دفعه إلي الفقيه. نعم لو جاز له تقسيم الخمس و دفعه إلي السادة بنفسه

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 388

و ليس من النقل لو كان له دين علي من في بلد آخر فاحتسبه مع إذن الحاكم الشرعي (1) مسألة 9: لو كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلد الخمس يتعين نقل حصة الإمام (عليه السّلام) اليه (2). أو الاستئذان منه في صرفها في بلده، بل الأقوي جواز ذلك لو وجد المجتهد في بلده أيضاً، لكنه ضامن إلّا إذا تعين عليه النقل.

______________________________

مستقلا عن الفقيه لكان

للحكم بالضمان حينئذٍ وجهٌ. و لكنّه غير جائز بناءً علي ولاية الفقيه علي الخمس بتمام سهامه.

(1) إنّ الخمس و لو ينتقل في الواقع باحتسابه إلي ملك الدائن حينئذٍ بدلًا عمّا له في ذمّة المديون فيبرءُ بذلك ذمته. و لكن الكلام في نقل الخمس من بلد المال إلي بلد آخر. و إنّه تصرّفٌ خارجي أجنبي عن الاحتساب المتقوّم بمجرّد النيّة أو اللفظ. ثم إن احتساب الخمس ديناً يحتاج إلي إذن الحاكم الشرعي إذ لا دليل علي مشروعيته و ما يدل علي ذلك في الزكاة «1» لا عموم له ليتعدّيٰ عن مورده إلي المقام.

(2) لا وجه لاختصاص وجوب النقل إلي المجتهد الجامع بحصَّة الإمام (عليه السّلام) في المقام بعد البناء علي ولايته علي جميع الخمس بتمام سهامه، كما صرح السيد الماتن (قدّس سرّه) بذلك في المسألة السابعة و بيَّن وجهه مفصّلًا في كتاب البيع كما نقلناه سابقاً.

و التحقيق في المقام وجوب دفع الخمس و إيصاله بتمام سهامه إلي المجتهد الجامع. و عليه فلو كان في غير بلد المال يجب نقل الخمس إليه بتمامه، و مقتضاه كما قلنا آنفاً عدم الضمان لو تلف في أثناء النقل و الإيصال من غير تفريط. نعم لو أذنه بصرف الخمس في بلده و مع ذلك نقله إليه فتلف في الأثناء فهو ضامنٌ، نظراً إلي عدم تعيّن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 الباب 49 عن أبواب المستحقين للزكاة.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 389

______________________________

النقل عليه حينئذٍ. و أما وجود المجتهد في بلد المال فلا ينافي تعيُّن النقل ما لم يكن الناقل مقلِّده، إلّا أن يكون جامعاً للشرائط أيضاً. بأن كان من جهة العلم مساوياً لمجتهد البلد الآخر، فكما يكون العامي مخيّراً بين الرجوع إلي أيّهما

في أصل التقليد فكذلك يجوز له تكليفاً دفع الخمس إلي أيّهما.

و أما وضعاً فمقتضي القاعدة عدم الضمان، نظراً إلي أنه مع فرض جواز النقل تكليفاً تخرج يدُه عن كونها يد ضمان بل تصير يد أمانة. و ذلك نظير ما لو أذن المالك شخصاً بنقل ماله إلي بلد آخر. فكيف هناك يكون إذن المالك لذلك الشخص بالنقل بمعني استيمانه علي المال و يخرج يده عن كونها يد ضمان و تكون يد أمانة؟ فكذلك في المقام. فان معني جواز النقل تكليفاً أنّ الشارع قد أذن بنقله. و معني ذلك ائتمانه الناقل علي الخمس. و لازمه كون يده بذلك يد أمانة و مقتضاه بالمآل نفي الضمان عنه لو تلف الخمس في أثناء النقل من غير تفريط إلّا أن يرفع اليد عن هذه القاعدة بما دلّ من النصوص علي ضمان زكاة المال بعد التعدي عنها إلي الخمس بضميمة أنّ وجود المجتهد في البلد في حكم وجود المستحق، نظراً إلي دخوله في قول الصادق (عليه السّلام)

إِذا وَجَدَ لَها مَوْضِعاً فَلَمْ يَدْفَعْها إلَيْهِ فَهُوَ لَها ضامِنٌ حَتّي يَدْفَعَهٰا «1»

في صحيح محمد بن مسلم، و قوله (عليه السّلام)

وَ لٰكِنْ إذا عَرفَ لَها أَهْلًا فَعَطَبَتْ أَوْ فَسَدَتْ فَهُوَ لَها ضامِنٌ حَتّي يُخْرِجَها «2»

في صحيح زرارة. فإنّهما و إن وردا في الزكاة إلّا أنّه لمّا لا تحتمل خصوصية فيها من هذه الجهة يتعدّيٰ عنها إلي المقام.

و أما إذا تعيَّن عليه النقل بأن كان مقلَّده في بلد آخر أو لم يوجد مجتهد جامع في بلده فلا إشكال في عدم الضمان و ذلك لأجل القاعدة المزبورة. مضافاً إلي دلالة صحيح محمد بن مسلم و زرارة المزبورين علي عدم ضمان الزكاة التالفة في أثناء النقل إذا

______________________________

(1) الوسائل/

ج 6 ص 198 ب 39 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 198 ب 39 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 390

بل الأولي و الأحوط النقل إذا كان من في البلد الآخر أفضل (1) أو كان هنا بعض المرجحات، و لو كان المجتهد الذي في البلد الآخر مقلَّده يتعين النقل إليه، إلا إذا أذن في صرفه في البلد، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده موافقاً مع نظره مقلَّده، أو كان يعمل علي طبق نظره. (2).

______________________________

لم يجد الناقل موضعاً لها في البلد بعد إلغاء الخصوصية عن الزكاة و التعميم إلي الخمس.

(1) ليس مقصوده ظاهراً الأعلم و إلّا تعيّن دفع الخمس إليه كما يجب التقليد عنه، بل المراد هو الأفضلية من جهة الورع و التقوي و ساير صفات الفضيلة مما يوجب الفضل. و أما وجود المرجّح الآخر غير الأفضلية مثل احتياج إيصال الخمس إلي مستحقي البلد الآخر إلي وقت أقل من إيصاله إلي مستحقي بلد المال فلا دليل علي تعيُّن النقل بذلك، و إن لا إشكال في حسنه شرعاً و عقلًا كما سبق.

(2) قد بينّا وجه تعيّن نقل الخمس إلي مقلَّده آنفاً. و لكن استثني السيد الماتن (قدّس سرّه) ثلاثة موارد فحكم فيها بعدم تعيّن نقل الخمس إلي مقلّده.

الأوّل: ما إذا أذن المجتهد المرجع مقلَّدَه بصرف الخمس في مستحقي البلد. فلا إشكال في عدم تعين نقل الخمس إلي بلد آخر حينئذ. بل يجوز دفعه إلي مجتهد البلد. و لكن لا في نفسه بل إنما يكون هذا الجواز ثابتاً بإذن المجتهد الجامع.

الثاني: ما لو توافق فتوي المجتهد الجامع الموجود في بلد المال رأي مقلَّده في مصرف الخمس. فيجوز له دفع الخمس إلي ذلك المجتهد الجامع نظراً

إلي أنه لم يخالف رأي مقلَّده حينئذٍ.

و يمكن الإشكال بأنه كيف لو علم المكلّف بوجود شرائط الاستحقاق في بعض سادات بلده لم يَجُز له صرف الخمس فيه مستقلا عن رأي الفقيه بل كان موظفاً بدفعه إلي مقلَّده؟ فكذلك في المقام. و عليه فمجرد العلم بموافقة كيفية صرفه مع رأي مقلَّده لا

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 391

______________________________

يجوِّز الصرف و لا ينفي تعيُّن النقل.

و فيه أنّ المناط في جواز دفع الخمس إلي مجتهد البلد ليس مجرّد توافق رأيه مع مقلَّده، بل إنّما هو لأجل حجية رأيه أو ولايته علي أمر الخمس التي جعلها الشارع لكل مجتهد جامع علي نحو القضية الحقيقية. غاية الأمر تسقط فتواه عن الاعتبار مع مخالفتها لرأي مقلَّده. و لذا لا يجوز دفع الخمس إليه.

و الحاصل أنَّه كيف يجوز تقليد غير الأعلم في المسائل التي توافق فتواه فتوي الأعلم؟ فكذلك في المقام يجوز دفع الخمس إليه. و الملاك عدم سقوط فتواه عن الاعتبار فيما وافق فتوي الأعلم.

الثالث: ما إذا لم يكن للأعلم فتوي في مصرف الخمس، بأن احتاط. فيرجع مقلِّده إلي المجتهد الآخر الموجود في البلد فيعمل علي طبق فتواه. فلا إشكال حينئذٍ في عدم تعين نقل الخمس إلي مقلَّده الأعلم كما لا يتعيَّن عليه العمل باحتياطه.

و أمّا احتمال رجوع الضمير الفاعلي في قول الماتن (قدّس سرّه): «يعمل» إلي مجتهد البلد؛ بأن لم يتصد للاستنباط في مصرف الخمس و يعمل علي طبق رأي مقلَّد المكلّف بالخمس فيجوز لذلك حينئذ دفع الخمس إليه من دون تعيّن النقل، فهو خلاف ظاهر العبارة. مضافاً إلي عدم جواز رجوع المتمكن من الاستنباط إلي مجتهد آخر بنظر الماتن (قدّس سرّه) كما صرّح بذلك في كتاب الرسائل «1» معلّلًا

باستقرار سيرة العقلاء علي رجوع الجاهل الغير المتمكن من تحصيل العلم بنفسه إلي العالم لا المتمكن منه لأنّه بنظرهم ملحق بالعالم. و إن أشكلنا هناك بانّ هذه السيرة من العقلاء علي فرض استقرارها مردوع بنصوص الإرجاع الدالّة علي جواز رجوع الأصحاب إلي مثل أبان و أبي بصير و يونس بن عبد الرحمن من فقهاء الرواة مع تمكنهم من تحصيل العلم بالحكم الواقعي بالرجوع إلي الإمام المعصوم (عليه السّلام).

______________________________

(1) الرسائل/ ج 2 ص 95.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 392

[حكم دفع الخمس بمال آخر]

مسألة 10: يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر و إن كان عروضاً (1)، و لكن الأحوط أن يكون ذلك بإذن المجتهد حتي في سهم السادات.

______________________________

حكم دفع الخمس بمال آخر

(1) إنّ المال الآخر الذي يدفع منه الخمس تارة: يكون من قبيل النقود و أُخري: يكون من قبيل الأمتعة و العروض.

فنقول: إن مقتضي القاعدة بناءً علي تعلق الخمس بالعين علي نحو الإشاعة الحقيقية عدم جواز دفع الخمس من غير عين متعلّقه مطلقاً، حتي من النقود. و لكن قد خرجنا عن هذه القاعدة في دفع الخمس من قيمة عين متعلقه بمطلق النقود بدليل سيرة المتشرعة و صحيح البرقي. و قد بحثنا سابقاً في المسألة الثالثة و العشرين من خمس الأرباح مفصّلًا حول استقرار السيرة و دلالة صحيح البرقي علي ذلك، فلا نعيد و راجع.

نضيف إلي ذلك هنا أنّ أداء الخمس من عين متعلقه لو كان معتبراً لبان و اشتهر بين الأصحاب و المتشرعة لأنه من المسائل المهمة التي تتفق لأكثر المتدينين. و الحال أنه لم يسمع من عصر الشارع إلي زماننا أنّ الإمام (عليه السّلام) أو أحد فقهائنا يشير إلي اعتبار ذلك أو يردّ أرباب الخمس قيمة

متعلّقه إلي من دفعها أداءً للخمس.

فيمكن عدّ هذا التقريب وجهاً ثالثاً لجواز دفع الخمس من النقود، غير السيرة و الصحيح المزبور.

أما دفع الخمس من مال آخر إذا كان من الأمتعة و العروض فيشكل الحكم بجوازه. و ذلك لقصور صحيحة البرقي و غيره من النصوص عن إفادة ذلك بل غاية مدلولها جواز دفع الخمس من النقود.

و أمّا السيرة فدعوي استقرارها علي ذلك مشكلة جدّاً. بل لم يعهد بين

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 393

مسألة 11: إذا كان في ذمة المستحق دين جاز له احتسابه خمساً مع إذن الحاكم علي الأحوط لو لم يكن الأقوي، كما أن احتساب حق الإمام (عليه السّلام) موكول إلي نظر الحاكم. (1)

______________________________

الأصحاب دفع المال الآخر بدلًا عن متعلق الخمس إلّا إذا كان من النقود فيدفعونها أداءً لقيمة متعلق الخمس. هذا مضافاً إلي كفاية الوجه الثالث المزبور آنفاً لإثبات عدم جواز دفع الخمس بمالٍ آخر.

ثم إنّ احتياط الماتن (قدّس سرّه) بالاستيذان من الحاكم وجوبي، إذا لم يجوّز الاحتساب بدونه بل مال إلي الإفتاء به في الذيل. و الوجه في ذلك عدم الدليل علي مشروعيته. و إنّ ما دلّ علي ذلك في باب الزكاة لا يعمّ المقام.

[حكم احتساب الدين خمساً]

حكم احتساب الدين خمساً

(1) لا فرق بين سهم الإمام و سهم السادات من هذه الجهة بعد البناء علي ثبوت الولاية العامة للمجتهد الجامع الشرائط، نظراً إليٰ أنّ له الولاية حينئذٍ علي الخمس بتمام سهامه. و إنما يتمُّ التفصيل المزبور بناءً علي مبني من يجوّز للمالك دفع سهم السادات و تقسيمه بين مستحقيه بنظره مستقلا عن إذن الفقيه و أمره. و أما وجه عدم جواز احتساب الدين خمساً من جانب المالك أنّه نوع تصرف في بيت المال و

لا دليل علي جوازه فلا بدّ من كونه بإذن وليّ أمر الخمس، و هو الفقيه الجامع.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 394

[تحقيق في مفاد نصوص تحليل الخمس]

مسألة 12: لا يجوز للمستحق أن يأخذ من باب الخمس و يردّه علي المالك (1) إلا في بعض الأحوال، كما إذا كان عليه مبلغ كثير و لم يقدر علي أدائه بأن صار معسراً لا يرجي زواله و أراد تفريغ ذمته، فلا مانع حينئذ منه لذلك.

مسألة 13: لو انتقل إلي شخص مالٌ فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه كالكفار و المخالفين لا يجب عليه إخراجه (2) كما مرّ، سواء كان من ربح تجارة أو معدن أو غير ذلك، و سواء كان من المناكح و المساكن و المتاجر أو غيرها، فإن أئمة المسلمين عليهم السلام قد أباحوا ذلك لشيعتهم.

______________________________

تحقيق في مفاد نصوص تحليل الخمس

(1) الوجه فيه أنّ ذلك خلاف الغرض من تشريع الخمس المبتني علي أساس رفع نوائب الوالي و الحكومة و تأمين حوائج فقراءِ السادة. ففي الحقيقة لم يصرف الخمس حينئذٍ في مورده إلّا أن يكون المكلّف بالخمس فقيراً معسراً و توقّف حفظ عِرضه علي ردّ الخمس إليه. فيجوز حينئذٍ ردّ الخمس إليه، نظراً إلي أنّ ذلك داخل في مصالح المسلمين لأنه منهم.

(2) كما هو المعروف و المشهور بين الفقهاء حيث قيدوا التحليل بما إذا انتقل المال ممن لا يعتقد وجوب الخمس من الكافرين و المخالفين. و لكن هذا القيد غير مذكور في شي ء من النصوص الواردة في المقام. و علي أيّ حال فالأقوال في المقام مختلفة. و منشأ ذلك اختلاف نصوص المقام. و هي علي طوائف ثلاثة:

الأولي: ما دل علي إباحة الخمس للشيعة مطلقاً بلا قيد و لا شرط و أنهم في حلٍّ

منه و لا يجب عليهم أداؤه. مثل صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قٰالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عَليُّ بْنُ أَبي طالِبٍ (عليه السّلام): هَلكَ النّاسُ في بُطُونِهِمْ وَ فُرُوجِهِمْ لأنَّهُمْ

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 395

______________________________

لَمْ يُؤَدُّوا إلَيْنا حَقَّنا، أَلٰا وَ إِنَّ شيعَتَنا مِنْ ذٰلِكَ وَ آبٰائَهُمْ في حِلٍّ «1».

و صحيحة ضريس الكناسي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أَ تَدْري مِنْ أَيْنَ دَخَلَ عَلي النّاس الزِّنٰا؟ فَقُلْتُ: لا أَدْري. فَقالَ (عليه السّلام): مِنْ قِبَل خُمْسِنٰا أَهْلِ الْبَيْتِ إِلّا لِشيعَتِنا الأَطْيَبينَ فَإنَّهُ مُحَلِّلٌ لَهُمْ وَ لِميلٰادِهِمْ «2».

و نحوها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إنّ أَميرَ الْمُؤمِنين (عليه السّلام) حَلَّلَهُمْ مِنَ الْخُمْسِ يعني الشيعة لِيَطيبَ مَوْلِدُهُمْ «3».

و صحيحة ابن مسلم بطريق الصدوق عن أحدهما (عليه السّلام)

إنّ أشدّ ما فيهِ النّٰاسُ يَوْمَ الْقِيامةِ: أَنْ يَقُومَ صٰاحِبُ الْخُمْسِ فَيَقُولُ: يٰا رَبِّ خُمْسي وَ قَدْ طَيبْنٰا ذلِكَ لِشيعَتِنا لِتَطيبَ وِلادَتُهُمْ وَ لِتَزْكُوَ أَوْلادُهُمْ «4».

و رواية جعفر بن محمد بن حكيم عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عن الحارث بن المغيرة النصري عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

اللّهُمَّ إِنّا قَدْ أَحْلَلْنا ذٰلِكَ لِشيعَتِنا. قالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ فَقٰالَ (عليه السّلام): يا نَجيَّةُ ما عَلي فِطْرَةِ إِبْراهيمَ غَيْرُنٰا وَ غَيْرُ شيعَتِنٰا «5».

و رواية أبي عمارة عن الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في حديث قال

.. فَلَمْ أَحْلَلْنا إِذاً لِشيعَتِنا إِلّا لِتَطيبَ وِلٰادَتُهُمْ. وَ كُلُّ مَنْ والي آبائي فَهُو في حِلٍّ مِمّا في أَيديهِمْ مِنْ حَقّنٰا فَلْيَبْلُغِ الشّٰاهِدُ الْغٰائِبَ «6».

و لكن لا يمكن الأخذ بإطلاق هذه الروايات.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 378 ب 4 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 379 ب 4

ح 3.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 383 ب 4 ح 15.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 380 ح 5.

(5) الوسائل/ ج 6 ص 383 ح 14.

(6) الوسائل/ ج 6 ص 381 ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 396

______________________________

و ذلك أولًا: لمنافاتها لتشريع وجوب الخمس المبتني علي غرض رفع نوائب الوالي و تأمين ما يرتبط بشؤون الولاية و زعامة الشيعة و سدّ حوائج فقراء السادات. فإنّ الخمس من أعظم أموال بيت المال و لا بد من صرفه لمصالح الإسلام و المسلمين. و لا سيما أن في عصر الأئمة (عليه السّلام) و طول عصر الغيبة لم يكن أولياءُ أمور المسلمين مبسوطي الأيدي حتي يأخذوا سائر أنواع الضرائب. و إنما كان الخمس و الزكاة فقط يصرفان في مصالح الإسلام و المسلمين مع كون الخمس أكثر مقداراً من الزكاة.

و ثانياً: إن هذه الطائفة معارضة لما ورد في المقام من النصوص المستفيضة الآمرة بدفع الخمس و بعثه و أدائه و إيصاله إلي أهل البيت كما سبق ذكر بعضها.

الطائفة الثانية: ما ورد من النصوص في قبال الطائفة الأُوليٰ و دلت علي عدم إباحة الخمس و نفي التحليل مطلقاً.

منها: صحيحة علي بن إبراهيم عن أبيه قال

كُنْتُ عِنْدَ أَبي جَعْفَرٍ الثاني (عليه السّلام) إذْ دَخَلَ عَلَيهِ صالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ وَ كانَ يَتَولي لَهُ الْوَقْفَ بِقُم. فَقالَ: يا سَيِّدي؛ اجْعَلني مِنْ عَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمِ في حِلٍّ فَإنّي قَدْ أَنْفَقْتُها. فَقالَ (عليه السّلام) لَه: أَنْتَ في حِلٍّ. فَلَمّا خَرَجَ صالِحٌ فَقٰال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السّلام): أَحَدُهُمْ يَثِبُ عَلي أَمْوالِ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَيْتٰامِهِمْ وَ مَساكِينهِمْ وَ أَبْناءِ سَبيلِهِمْ فَيَأْخُذُهُ ثُمَّ يَجي ءُ فَيَقُولُ: اجْعَلْني في حِلٍّ، أَ تَراهُ ظَنَّ أَنّي أقُولُ لٰا أَفْعَلُ؟ وَ

اللّهِ لَيَسْأَلَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَنْ ذلِكَ سُؤالًا حَثيثاً «1».

و هي تدلّ علي نفي التحليل بعد حمل الأموال المذكورة فيها علي الخمس بقرينة إضافتها إلي آل محمد و أيتامهم و مساكينهم و أبناءِ سبيلهم نظراً إلي أنهم مصارف الخمس. و لكن يمكن النقاش فيها أولًا: بأن موردها قضية في واقعة. و ثانياً: بأن نصوص التحليل قد وردت فيما لو انتقل الخمس إلي شخص فيصرفه في حوائجه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 375 ب 3 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 397

______________________________

الشخصية فمن هنا علّل التحليل بطيب مولده. و هذا بخلاف مورد هذه الرواية حيث إنها وردت في موردٍ كان أموال الإمام (عليه السّلام) بيد وكيله فأنفقها بغير إذنه من دون أن يصرفها في حوائجه الشخصية كما هو مفروض السؤال. فليست هذه المعتبرة نافية لتحليل الخمس علي النحو الذي سوف يأتي بيانه في الجمع بين النصوص.

و منها: معتبرة أبي بصير عن أبي جعفرٍ (عليه السّلام) قال

سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنِ اشْتَريٰ شَيْئاً مِنَ الْخُمْسِ لَمْ يَعْذِرُهُ اللّٰهُ، اشْتَريٰ ما لا يَحِلُّ لَهُ «1».

فإنّها تدل علي نفي التحليل بالنسبة إلي المشتري المنتقل إليه بالمطابقة و علي نفيه عن البائع المكلّف بالخمس بالملازمة. و أمّا الإشكال بأن هذه المعتبرة ناظرة إلي تشريع أصل وجوب الخمس و في عداد النصوص الدالّة علي ذلك، ففيه: أنها و إن كانت بصدد بيان الحكم المترتب علي تشريع أصل وجوب الخمس، إلا أنها قد وردت في مورد انتقال الخمس بالشراء و دلّت بالصراحة علي عدم حلِّية الخمس المنتقل إليه مطلقاً.

فهذه المعتبرة تدل بالصراحة علي نفي التحليل و مما يدل علي نفي التحليل مطلقاً ما ورد من النصوص الآمرة بدفع الخمس و إخراجه و بعثه و إيصاله

إلي أهل البيت، و قد سبق ذكرها. فإن هذه النصوص تنافي بظاهرها تحليل الخمس كما هو واضح. و أيضاً يدل علي ذلك بعض النصوص الواردة في الجواب عن الاستيذان و الاستحلال في أمر الخمس، مثل ما رواه الكليني و الشيخ بإسنادهما عن محمد بن زيد الطبري قال

كَتَبَ رَجُلٌ مِنْ تُجّٰارِ فارْسٍ مِنْ بَعْضِ مَوالي أبي الْحَسَنِ الرّضا (عليه السّلام) يَسْأَلُهُ الإِذْنَ في الْخُمْسِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:.. اللّهُمَّ لا يَحِلُّ مالٌ إِلّا مِنْ وَجْهٍ أَحَلَّهُ اللّٰهُ. إنَّ الْخُمْسَ عَوْنُنٰا عَلي دينِنا وَ عَلي عيالِنا وَ عَليٰ مَوالينا وَ ما نَبْذُلُه وَ نَشْتَري مِنْ أَعْراضِنا مِمَّنْ نَخٰافُ سَطْوَتَهُ، فَلٰا تَزْوُوهُ عَنّٰا وَ لا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ دُعٰانا ما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 376 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 398

______________________________

قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ. فَإنَّ إِخْراجَهُ مِفْتاحُ رِزْقِكُمْ وَ تَمْحيصُ ذُنُوبِكُم.. «1».

و في خبره الآخر بالإسناد المتقدم قال

قَدِمَ قَوْمٌ مِنْ خُراسانَ عَليٰ أبي الْحَسَنِ الرّضا (عليه السّلام) فَسَألُوه أنْ يَجْعَلَهُمْ في حِلٍّ مِنَ الْخُمْسِ. فَقالَ: ما أمْحَلَ هذا! تُمَحِّضُونا الْمَوَدَّةَ بألْسِنَتِكُمْ وَ تَزْوُونَ عَنّٰا حَقّاً جَعَلَهُ اللّهُ لَنا وَ جَعَلَنا لَهُ وَ هُوَ الْخُمْسُ؟ لٰا نَجْعَلُ، لا نَجْعَلُ، لا نجْعَلُ لأَحَدٍ مِنْكُمْ في حِلٍّ «2».

و ما ورد في التوقيع عن صاحب الأمر (عج) في جواب مسائل الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدّس سرّه)

وَ أمّا ما سألْتَ عَنْهُ مِنْ أمْرِ مَنْ يَسْتَحِلُّ ما في يَدِهِ مِنْ أمْوالِنا وَ يَتَصَرَّفُ فيهِ تَصرُّفَهُ في مٰالِهِ مِنْ غَيْرِ أمْرِنا فَمَنْ فَعَلَ ذٰلكَ فَهُوَ مَلْعُونٌ وَ نَحْنُ خُصَمٰاؤهُ.. «3».

و مثله التوقيع الآخر الوارد في جوابه «4».

و ما رواه الراوندي بإسناده عن الحسن بن عبد اللّٰه بن الحمدان عن عمّه الحسين في حديث عن صاحب

الزمان (عج)..

يا حُسَيْنُ كَمْ تَرْزا عَلي النّاحيةِ وَ لِمَ تَمْنَعُ أصْحابي عَنْ خُمْسِ مالِكَ؟ ثُمَّ قالَ (عليه السّلام): إذا مَضَيْتَ إلي الْمَوضِعِ الَّذي تُريدُهُ تَدْخُلُهُ عَفْواً وَ كَسَبْتَ ما كَسَبْتَ تَحْمِلُ خُمْسَهُ إلي مُستَحَقِّهِ.. «5».

و ممّا يدلّ علي نفي التحليل مطلقاً ما ورد من النصوص المصرحة بأنّه كان للأئمة (عليهم السّلام) وكلاءً لأخذ الأخماس من أشياعهم و مواليهم و إيصالها إليهم؛ مثل قوله (عليه السّلام) في صحيح علي بن مهزيار

مَنْ كانَ عِنْدَهُ شَي ءٌ مِنْ ذلِكَ فَلْيُوصِلْهُ إليٰ وَكيلي «6».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 375 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 376 ح 3.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 376 ح 6.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 376 ح 7.

(5) الوسائل/ ج 6 ص 377 ح 8.

(6) الوسائل/ ج 6 ص 350 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 399

______________________________

و قول أبي علي بن راشد مخاطباً لأبي الحسن الثالث (عليه السّلام)

أَمَرْتَني بِالْقيامِ بِأمْرِكَ وَ أَخْذِ حَقِّكَ فَأَعْلَمْتُ مَواليكَ بِذلكَ. فَقالَ لي بَعْضُهُمْ: وَ أَيُّ شَي ءٍ حَقُّه؟ فَلَمْ أَدْرِ ما أُجيبُهُ، فَقالَ: (عليه السّلام) يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْخُمْسُ.. «1».

و غير ذلك من النصوص الدالة علي هذا المعني. فإنّ هذه النصوص دليل قاطع علي عدم تحليلهم (عليهم السّلام) الخمس بتمامه لشيعتهم علي نحو الإطلاق.

ثم إنّ في المقام قد ذكر وجوهٌ للجمع بين هاتين الطائفتين. منها: ما عن صاحب الحدائق بحمل نصوص التحليل علي سهم الإمام (عليه السّلام) و حمل النصوص النافية له علي سهم السادات. و لكنَّه جمعٌ تبرُّعي لا شاهد له من النصوص.

و أمّا ما يوهم الدلالة علي ذلك مثل قوله (عليه السّلام)

مَنْ أَعْوَزَهُ شَي ءٌ مِنْ حَقّي فَهُوَ في حِلٍّ

في صحيحة علي بن مهزيار «2» ففيه:

أوّلًا: أنّه لا يبعد أن

يكون مقصود الإمام (عليه السّلام) من حقّه تمام الخمس، نظراً إلي ما قلناه سابقاً من كون الخمس بتمام سهامه تحت ولاية الإمام (عليه السّلام) و من شؤون الإمامة و الحكومة، و أنّ أمره بيد والي المسلمين، كما يؤيّده استحلال الرّاوي من الخمس الظاهر في كلّه لا خصوص سهم الإمام.

و ثانياً: أنّ ظاهره ينافي تعليل التحليل بطيب المولد المتوقّف علي تحليل تمام الخمس لا خصوص سهم الإمام مضافاً إلي دلالته علي اختصاص التحليل بالمعوزين و المحتاجين و الحال أنّ طيب المولد غير مختص بهم. بل للشيعة المحلّل لهم الخمس في نصوص المقام بما أنّهم معتقدون بولاية الأئمة (عليهم السّلام). و هذا يأبي عن اختصاص التحليل بالمعسرين و المعوزين.

و من هنا اتضح بطلان توهّم أنَّ هذه الصحيحة أخصّ من النصوص الواردة في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 348 ب 8 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 379 ب 4 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 400

______________________________

المقام و صالحة لتخصيص كلّها. تأمّل لتعرف وجه بطلان هذا التوهم.

و عليه فليس المقصود في هذه الصحيحة التحليل العام الشامل لسهم الإمام (عليه السّلام). بل المقصود إذنه (عليه السّلام) للمحتاجين و المعسرين الذين لا يتمكّنون من أداء حق الأمام بالتصرف في الخمس و جعلهم في حلّ ممّا صرفوه ما داموا معسراً، من دون نظرٍ إلي صورة انتقال الخمس إليهم من الغير كما هو محمل نصوص التحليل.

منها: اختصاص التحليل بالمناكح و الجواري لا جميع مصارف الخمس بلحاظ التعليل بطيب الولادة. و فيه: أنه ينافي تصريح بعض النصوص بالتحليل في التجارات و الزراعات و المأكل و الملبس «1»، كما في صحيحة علي بن مهزيار و معتبرة أبي خديجة «2» و ما ورد عن العسكري

(عليه السّلام) في تفسيره «3». و ما صرح في بعض النصوص من هلاك الناس في بطونهم و فروجهم كما في صحيحة الفضلاء «4» و أنه فرجاً كان أو مالًا و غير ذلك من النصوص.

منها: اختصاصه بعصر الأئمة (عليهم السّلام) نظراً إلي كونه تحليلا مالكياً لأن كلّ إمام مالك للخمس بما هو إمامٌ ما دام حيّاً. و عليه فليس التحليل إلغاءً لوجوب الخمس.

و فيه: أنه ينافي التصريح في بعض النصوص بالحلية إلي يوم القيامة كما في معتبرة أبي خديجة «5» الآتية، أو إلي قيام الحجة كما في معتبرة مسمع «6». مضافاً إلي ورود التحليل في مكاتبة إسحاق بن يعقوب «7» عن الإمام الحجة إلي ظهور أمره.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 379 ح 2 و 4.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 379 ح 2 و 4.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 385 ح 2.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 378 ب 4 ح 1.

(5) الوسائل/ ج 6 ص 379 ح 4.

(6) الوسائل/ ج 6 ص 382 ح 12.

(7) الوسائل/ ج 6 ص 383 ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 401

______________________________

منها: ما نسب إلي صاحب المعالم من اختصاص التحليل بخمس الأرباح نظراً إلي اختصاص هذا القسم بالتشريع من قبلهم (عليهم السّلام) كما يظهر من صحيحة علي بن مهزيار الطويلة.

و فيه: مضافاً إلي كونه مخالفاً لإطلاق إضافة التحليل إلي الخمس الشامل لجميع أقسامه، أنه خلاف صريح النصوص الكثيرة من تحليل المغنم و الفي ء و الأنفال. و غير ذلك من الأقوال المختلفة في المقام. فان كلَّها مخالفةٌ لعموم نصوص التحليل و صريح بعضها كما يدفعها عموم التعليل الآبي عن التخصيص و التقييد.

منها: أنه يرفع اليد عن ظاهر النصوص الآمرة بإخراج الخمس بصراحة

نصوص التحليل في عدم وجوب إخراجه، و عليه فيحمل الأمر بإخراجه الخمس و دفعه علي الاستحباب.

و لكن جوابه واضح لعدم انحصار النصوص النافية للتحليل في الآمرة بإخراج الخمس و دفعه بل يكون بعضها صريحاً في عدم تحليل الخمس بالشراءِ و غيره. مثل معتبرة أبي بصير «1» عن الباقر (عليه السّلام) و خبر زيد الطبري «2» عن الرضا (عليه السّلام) و بعض التوقيعات الواردة «3» عن صاحب الأمر. فلا مناص من التعارض بين هذه الطائفة و بين نصوص التحليل المطلق.

و الأقوي في المقام الجمع بين الطائفتين المزبورتين من نصوص المقام بحمل الطائفة الأُولي علي الخمس المنتقل إلي الشيعي عمّن لا يعتقد الخمس أو يعتقد و لم يخمّس ما له عصياناً. فتدل علي تحليله للشيعي المنتقل إليه الخمس. و حمل الطائفة الثانية علي الخمس الواجب علي المكلّف ابتداءً من دون أن ينتقل إليه من غيره فتدل

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 376 ح 5.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 376 ح 3.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 376 ب 3 ح 6 و 7 و 8.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 402

______________________________

علي عدم تحليل الخمس في حقه.

و الشاهد علي هذا الجمع طائفة ثالثة من النصوص الواردة في المقام. مثل ما رواه الصدوق بسنده الصحيح عن يونس بن يعقوب قال

كُنْتُ عِنْدَ أَبي عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام) فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَمّٰاطين فقالَ: جُعِلْتُ فِداك تَقَعُ في أَيْدينا الأَمْوٰالُ وَ الأَرْبٰاحُ وَ التِّجاراتُ نَعْلَمُ أَنَّ حَقَّكَ فيها ثابِتٌ وَ أنّا عَنْ ذلِك مُقَصِّرُونَ. فَقالَ أَبو عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام): ما أَنْصَفْناكُمْ إِنْ كَلَّفْنٰاكُمْ ذلِكَ الْيَوْمَ «1»

فان الحق الثابت لهم في الأرباح و التجارات ليس إلّا الخمس.

و معتبرة أبي سلمة سالم بن مكرّم

و هو أبو خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قالَ

قٰالَ رَجُلٌ وَ أَنا حٰاضِرٌ: حَلِّلْ لِيَ الْفُروجَ فَفَزَعَ أَبو عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام): فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: لَيْسَ يَسْأَلُكَ أَنْ يَعْتَرِضَ الطَّريقَ، إِنَّما يَسْألُك خادِماً يَشْتَريها أَوْ امْرأةً يَتَزَوَّجُها أَوْ ميراثاً يُصيبُهُ أَوْ تِجارةً أَوْ شَيْئاً أُعْطِيَهُ. فَقالَ (عليه السّلام): هٰذا لِشيعَتِنا حَلالٌ؛ الشّاهِدِ مِنْهُمْ وَ الْغائِبِ وَ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ وَ الْحَيِّ وَ ما يُولَدُ مِنْهُمْ إلي يَوْمِ الْقيامَةِ فَهُوَ لَهُمْ حَلالٌ «2».

لا إشكال في سند هذه الرّواية إلّا من ناحية أبي سلمة نظراً إلي تضعيف الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) بقوله: «سالم بن مكرّم يكنّي أبو خديجة و مكرّم يُكنّي أبو سلمة» فجعل أبا سلمة كنية أبيه لا نفسه. لكنّه سهوٌ منه، لما نقل النجاشي و البرقي و ابن قولويه في غير مورد عن الصادق (عليه السّلام) أنه كنّاه بأبي سلمة بعد أنّه كان يكني بأبي خديجة.

أمّا مفاد هاتين المعتبرتين خصوصاً الثاني تحليل الخمس للشيعي المنتقل إليه عن الغير و إنّما هو علي عاتق من انتقل عنه. و مرجع ذلك إلي إمضاء المعاملة الواقعة بينهما و انتقال الخمس إلي بدله إن كان له بدل و إلّا بقيمته في المنتقل عنه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 380 ح 6.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 379 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 403

______________________________

ثم إنه وقع الكلام في أن التحليل هل يختص بما إذا كان المنتقل عنه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه أم لا بل يعم ما إذا كان هو ممّن يعتقد وجوبه و لم يدفعه عصياناً.

المشهور بين الفقهاء هو الأول و قد سلكه السيد الماتن (قدّس سرّه). و لكن يشكل إثبات هذا التقييد بعد عمومية نصوص التحليل كما

هو ظاهر صحيحة يونس بن يعقوب و أبي خديجة، مضافاً إلي أنّ كثيراً من الشيعة في عصر الأئمة (عليهم السّلام) كانوا لا يبالون بدفع الخمس مثل زماننا هذا و كانوا يعاملون إخوانهم الشيعي بأموالهم المتعلقة للخمس. فكان كثيرٌ من الأموال الواقعة في أيدي الشيعي متعلقة للخمس لانتقالها إليهم ممّن لم يبالي بدفع الخمس، و مع ذلك تُرك استفصال ذلك في النصوص الواردة. و إن هذا أصدق شاهدٍ علي إطلاق النصوص من هذه الجهة.

و عليه فإطلاق نصوص التحليل يحمل علي صورة انتقال الخمس إلي الشيعي؛ سواءٌ انتقل عمّن لا يعتقد كالكافر و المخالف أو عمّن يعتقد و لم يدفعه عصياناً كالشيعي المتخلّف عن أداء الوظيفة. و تحمل النصوص النافية للتحليل علي من توجّه اليه التكليف بالتخميس ابتداء مطلقاً سواءٌ انتقل ما له المتعلق للخمس إلي غيره أم لم ينتقل.

ثم إن في المقام نكتة ينبغي الالتفات إليها، و هي أنه لو كان الخمس ثابتاً في الذمة يخرج عن نطاق نصوص التحليل. و ذلك لظهورها في تحليل عين متعلق الخمس المنتقل إلي الشيعي في الخارج. و من الواضح أنه لو كان ثابتاً في الذمة كما لو تلف الخمس أو أتلفه ثمّ انتقل أمواله إلي الشيعي بإرث أو معاملة فحينئذٍ لا ينتقل متعلق الخمس بعينه بل تنتقل التركة بتمامها إلي الورثة. نعم لمّا كان حق الدّيان مقدماً علي الإرث في صريح الكتاب فمن هنا لا ينتقل المقدار المعادل للخمس الثابت في ذمة الميت كسائر ديونه إلي الورثة حتي يكون مشمولًا لنصوص التحليل حيث إنّها ناظرة إلي صورة انتقال عين متعلق الخمس إلي الشيعة و هذا منتفٍ في المقام.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 404

______________________________

و عليه فلا فرق بين الشيعي

العاصي و بين الكافر و المخالف من جهة عدم استحقاقهم للإرفاق و الامتنان المبتني عليه التحليل. فلا يكون الشيعي العاصي مشمولًا للتحليل كالكافر و المخالف. و لا شاهد في نصوص المقام علي اختصاص التحليل بالخمس المنتقل عن غير المعتقد بوجوبه من المخالف و الكافر. إلّا بقرينة مفهوم المقابلة بينهم و بين الشيعة المحلّل لهم في نصوص المقام، كما في مثل قولهم (عليهم السّلام)

إلّا أَنّا أَحْلَلْنا شيعَتَنا مِنْ ذلِك «1»

، و غير ذلك. و لكن المقصود في هذه النصوص حصر التحليل في الشيعي المنتقل اليه نظراً إلي أنّ المنتقل اليه الخمس تارة: يكون شيعياً. و أُخري: غير شيعيٍ. و إن المقصود من قولهم المزبور اختصاص التحليل بخصوص الشيعي المنتقل اليه الخمس لا غيره. كما صرّح بذلك في توقيع إسحاق بن يعقوب و معتبرة داود الرّقي و صحيح مسمع بن عبد الملك و غيره.

ثم إن في المقام شبهتان: إحداها: أنّ الامتنان لا ينحصر في تحليل الخمس لخصوص غير العاصي من الشيعي المنتقل اليه، بل يكون أيضاً برفع أصل التكليف. و حينئذٍ لا يبقي موضوع للعصيان حتي يفرض الشيعي العاصي. حيث من المحتمل ان يكون المقصود من التحليل رفع أصل وجوب الخمس عن جميع الشيعة إلي قيام القائم عجّل اللّٰه فرجه الشريف.

و جوابها: أنّ الأمر بدفع الخمس و إيصاله يكون بمعني عدم الإغماض عن الخمس الواجب بعد تشريع وجوبه في الرتبة السابقة. و لا سيما بلحاظ التحليل الصادر عن بعض الأئمة (عليهم السّلام) قبل صدور الأمر من بعض الأئمة المتأخرة بدفع الخمس. فكأنّهم أرادوا من الأمر بذلك نفي التحليل المطلق و تفهيمنا عدم إغماضهم عن الخمس. فلو كان تحليل الخمس الصادر من الأئمة المتقدّمة مطلقاً بمعني رفع أصل

التكليف إلي زمان الحجّة لينافي ما صدر من الأئمة المتأخرة من الأمر بدفع الخمس

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 380 ح 7 وص 383 ح 14.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 405

______________________________

و إيصاله إلي أهل البيت. مع أن التعليل بطيب الولادة يلائم بقاء أصل تكليف الخمس و عدم رفعه، حيث إن عدم طيب الولادة و عدم حلية الأكل و الشرب فرع وجوب الخمس و حرمة التصرف فيه بغير إذن أربابه. و الّا فبرفع أصل تكليف الخمس ترتفع حرمة التصرف فيه أساساً و ترتفع بذلك آثار الحرمة قهراً فلا مورد للتحليل حينئذ.

و أمّا دليل التفصيل بين المنتقل اليه الخمس و بين غيره في المقام فاتضح بالبيان المتقدم، نظراً إلي أنه الذي لا تقصير له في أداء وظيفة التخميس فيستحق الامتنان بخلاف المكلّف بالخمس ابتداءً لتخلُّفه و عصيانه عن أداء الوظيفة بإقدامه علي نقل ما له من غير إخراج الخمس.

ثانيتهما: أنه لم يدل علي نفي التحليل مطلقاً دليل معتبر. و أمّا معتبرة أبي بصير لعلّها ناظرة إلي تشريع أصل وجوب الخمس. فليست في مقام نفي التحليل مطلقاً حتي تعارض نصوص التحليل، كما أنها ليست معارضة لمعتبرة أبي خديجة لأنها و إن دلت علي عدم حلية الخمس المنتقل بالشراء إلا أنها ليست بصدد نفي التحليل بل ناظرةٌ إلي بيان أصل تشريع وجوب الخمس و ما يترتب عليه من الآثار الوضعية.

و فيه: أنّه لا شاهد يدل علي نظر هذه المعتبرة إلي أصل تشريع الخمس بل لسانه ينادي نفي حلية الخمس المشتري و عدم قبول عذر مشتريه يوم القيامة. و من العجيب إصرار بعض علي درجها في عداد نصوص أصل تشريع الخمس مع وضوح كون عدم حلية شراء الخمس و عدم

عذر مشتريه عند اللّٰه متفرّعاً علي عدم ارتفاع وجوبه.

و عليه فهذه المعتبرة تنفي التحليل علي نحو الإطلاق، نعم لا ربط لمعتبرة علي بن إبراهيم بالمقام. و لكن النصوص الآمرة بدفع الخمس و بعثه و إخراجه و إيصاله إلي أهل البيت تنفي بإطلاقها التحليل. كما أن بعض النصوص و التوقيعات السابقة ذكرها الواردة في جواب الاستيذان و الاستحلال للتصرف في الخمس صريح في نفي

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 406

______________________________

التحليل. و أما كون نصوص التحليل بصدد الامتنان علي الشيعة جميعهم و اختصاصه ببعضهم يحتاج إلي الدليل، فقلنا آنفاً إنه لا بدّ من إرادة الامتنان علي من يستحق الإرفاق و الامتنان و هو خصوص الشيعي المنتقل اليه الخمس. و ذلك لعدم توجه التكليف اليه ابتداءً حتي يعصي في أداء الوظيفة.

و أما الامتنان علي جميع الشيعة بمعني رفع أصل تكليف الخمس فلا يمكن إرادته من نصوص التحليل، نظراً إلي ما قلناه آنفاً مع معارضتها بهذا الإطلاق لما دلّ علي نفي التحليل. فلا بد من حملها علي خصوص صورة الانتقال، بشهادة بعض النصوص الدّالة علي ذلك؛ مثل معتبرة أبي خديجة و يونس بن يعقوب. و ليس حمل نصوص التحليل علي مورد انتقال الخمس لأجل تقييد إطلاقها بهاتين المعتبرتين حتي يقال إنّهما مثبتان للتحليل بالنسبة إلي الشيعي المنتقل اليه و لا دلالة لهما علي نفيه عن غير المنتقل اليه و لا بد للمقيد من لسان النفي أيضاً. بل إنما يكون لأجل عدم إمكان الالتزام بالتحليل المطلق لما قلنا. و يكفي في شاهد الجمع إمكان إرادة مدلوله من إحدي الطائفتين المتعارضتين عرفاً، فعند ذلك تحمل الطائفة الأخري علي مدلوله و يرتفع التعارض. و هذا هو الجمع العرفي الأوليٰ من الطرح.

ثم إنه

قد ظهر مما قلنا أنه لو تعهّد الشيعي المنتقل اليه الخمس في ضمن المعاملة بدفع الخمس من جانب الناقل المكلّف به، لا يكون مشمولًا لنصوص التحليل، نظراً إلي إسقاطه بذلك حق نفسه و خروجه عن الاستحقاق للإرفاق و الامتنان.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 407

[المبحث الثاني في] الأنفال

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 409

القول في الأنفال و هي ما يستحقه الإمام (عليه السّلام) علي جهة الخصوص لمنصب إمامته كما كان للنبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) لرئاسته الإلهيّة (1). و هي أُمورٌ:

______________________________

(1) يقع الكلام في مقامين؛ أحدهما: موضوع الأنفال؛ من تعريفها و شرائطها و أقسامها. و ثانيهما: حكم الأنفال و ما يترتب عليه من الآثار.

[موضوع الأنفال و تعريفه]

موضوع الأنفال و تعريفه

أما المقام الأوّل فنقول: إنّ لفظ الأنفال مأخوذ من النفل و هو في اللغة بمعني زيادة الشي ء و كأنه أُطلق علي الغنائم و صفو المال و قطائع الملوك و نحوها بلحاظ أنَّها زيادة حاصلة بالحرب. و كذلك أراضي الموات و ما لا ربّ لها و ما وقع في أيدي المسلمين من دون إيجاف بخيل و لا ركاب، فكأنها زائدة عن الأملاك الشخصية نظراً إلي خروجها عن حريم ملك الأشخاص. كما هي خارجة عن الأموال و الأملاك الشخصية للإمام (عليه السّلام)، بل إنما هو يستحقه لمنصب إمامته فله الولاية عليها في جهة الإمارة و الحكومة علي المسلمين و حفظ مصالحهم، و له أن يتصرّف أو يأذن بالتصرف فيها بل تملّكها حسب نظره الشريف لمصالح الإسلام و المسلمين، من دون فرق بين أنواع الأنفال و بين الخمس من هذه الجهة. و أما ذكر اليتامي و المساكين و ابن السبيل في الآية و النصوص فقد سبق أنه من باب ذكر موارد الصرف. و لا ينافي ذلك كون تقسيم سهامهم بين مستحقيهم موكولًا إلي نظر الإمام ورائه الشريف و إعطاء الولاية له علي ذلك تعظيماً لشأنه الرفيع. كما ينادي بذلك لسان نصوص المقام؛ مثل ما ورد عنهم (عليهم السّلام)

إنَّ لَنٰا الْخُمْسُ في كِتٰابِ اللّٰهِ وَ لَنٰا

الأنْفٰالُ وَ لَنا صَفْوُ الْمٰالِ «1»

و

الأَرْضُ كُلُّها لَنٰا فَما أخْرَجَ اللّٰهُ مِنْها مِنْ شَي ءٍ فَهُوَ لَنا «2».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 383 ح 14.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 382 ح 12.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 410

[أقسام الأنفال]

و منها: كل ما لم يوجف عليها بخيل و ركاب أرضاً كانت أو غيرها انجلي عنها أهلها أو سلّموها للمسلمين طوعاً (1).

______________________________

أقسام الأنفال

(1) ذكر الفقهاءُ موارد للأنفال و قد اختلفت كلماتهم في تعدادها و خصوصياتها. و إن المتبع في المقام مدلول النصوص الواردة.

فنقول: إنّ من الأنفال كل ما وقع في أيدي المسلمين بغير قتالٍ و من غير أن يوجف عليه بخيل أو ركاب، أرضاً كانت أو غيرها، انجليٰ عنها أهلها و أعرضوا أو سلّموها للمسلمين طوعاً و صلحاً.

و قد تسالم الأصحاب علي أنّ ما أُخذ من المشركين من غير أن يوجف عليه بخيل أو ركاب فهو من الفي ء و الأنفال و خالص للّٰه و الرسول و الإمام. و لا سهم منه للسادات و لا غيرهم من المقاتلين و غيرهم. كما هو ظاهر قوله وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَليٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ … «1» فإنّ لفظة «ما» فيه نافية. و قد دلّ بظاهره علي انّ كل ما أخذ من المشركين بغير قتال فهو للّٰه و للرسول و في حكم الأنفال كما بيّن بقوله يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ «2».

و لكن بعد الآية الأُوليٰ آية أُخري «3» دلّت بظاهرها علي كون الفي ء بتمامه في حكم خمس الغنيمة من جهة كونه لأربابه. فيشكل بأنّ الآية الأولي ساكتة عن مورد صرف الفي ء. و الثانية إن كانت مبيِّنة لإجمالها فهي مخالفة لما تسالم

عليه الأصحاب من كون الفي ء المأخوذ بغير قتال في حكم الأنفال. و إن كانت علي وزان آية الغنيمة فأيضاً مخالفة لما هو مسلّم من كون خمسها لأربابه و تقسيم الباقي بين المقاتلين نظراً إلي

______________________________

(1) سورة الحشر/ الآية: 6.

(2) سورة الأنفال/ الآية: 1.

(3) سورة الحشر/ الآية 7 و هي قوله تعالي «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَليٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُريٰ فَلِلّٰهِ..».

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 411

______________________________

ظهورها في عدم كون شي ءٍ منه لغير الإمام (عليه السّلام). و إن كانت بصدد بيان كبري اخري غير حكم الفي ء و الأنفال فما هي تلك الكبري التي لم يعنونها أحد من الفقهاء؟.

و قد جمع المحقق الأردبيلي بحمل الثانية إما علي بيان حكم قسم خاص من الأنفال أو نسخها بالأولي و آية الأنفال أو يكون إعطاؤه إلي الأصناف الثلاثة تفضلًا منه.

و حمل الشيخ الطوسي في تبيانه الآية الأولي علي بيان أصل ولاية النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) علي الفي ء و الثانية علي بيان مورد صرفه. و أجيب عنه بانّ موضوع الآية الأولي ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و هو في حكم الأنفال و مختص للنبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) كما صرحت بهذا النصوص الواردة في ذيلها. و أما الآية الثانية فموضوعها ما أفاء اللّٰه علي رسوله من أهل القري، و المراد به ما أخذ منهم بالقتال و بعد الغلبة عليهم و الدخول في قراهم. لم يذكر فيها مقدار سهم النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ساير الأصناف أ هو جميع الغنائم المأخوذة أو بعضها. و إنما بين ذلك في آية الغنيمة فهي مبينة لإجمال الآية الثانية من هذه الجهة. و

هذا الجواب صحيح لا غبار عليه. و لذلك يجمع بين الآيتين و الشاهد علي صدق هذا الجمع صحيحة محمد بن مسلم فإنها صريحة في ذلك بلا حاجة إلي بيان و توضيح.

هي ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن سندي بن محمد عن علاء عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر قال: سمعته يقول

الْفَي ءُ وَ الأنْفالُ ما كانَ مِنْ أرْضٍ لَمْ يَكُنْ فيها هَراقَةُ الدِّماءِ وَ قَوْمٌ صُولِحُوا وَ أُعْطُوا بأَيْديهِمْ وَ ما كانَ مِنْ أَرضٍ خَرِبَةٍ أَوْ بُطُونِ أَوْديَةٍ فَهُوَ كُلُّهُ مِنْ الْفَيْ ءِ فَهذا لِلّٰهِ وَ لِرَسولِهِ فَما كانَ لِلّهِ فَهُوَ لِرَسولِهِ يَضَعُهُ حَيْثُ شاءَ وَ هُوَ لِلإمام بَعْدَ الرسولِ وَ أَمّا قَوْلُهُ: وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوجَفْتُم عَليِهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكٰابٍ، قالَ: أَلا تَري هُوَ هذا وَ أَمّٰا قوله: وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ الْقُري فهذا بِمَنزِلَةِ الْمَغْنَمِ. كانَ أَبي يَقُولُ ذلِكَ وَ لَيْسَ لَنٰا فيه غَيْرُ سَهْمَيْنِ: سَهْمُ الرَّسولِ وَ سَهْمُ الْقُرْبيٰ ثُمَّ نَحْنُ شُرَكٰاءُ النّاسِ فيمٰا بَقِي «1».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6/ ص 368/ ح 12.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 412

______________________________

و الكلام واقع في أنّ هذا النوع من الأنفال هل يختص بالأراضي التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، أو يعمّ كل ما وقع في أيدي المسلمين من أموال الكفار بغير قتالٍ، و لو كان من المنقولات كالفرش و الأواني و نحو ذلك؟.

فقد نسب إلي المشهور اختصاصه بالأراضي نظراً إلي تقييد الموضوع في كلماتهم بالأراضي. و استدِلّ لهم ببعض النصوص المفسرة للأنفال.

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سمعه يقول

إنّ الأنْفالَ ما كٰانَ

مِنَ أرْضٍ لَمْ يَكُنْ فيهٰا هَراقَةُ دَمٍ أَوْ قَوْمٌ صُولِحُوا وَ أُعْطُوا بِأيديهِم و.. «1».

منها: معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال

قُلْتُ لَهُ: ما يَقُولُ اللّٰه (تعالي): يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ. قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ،؟ وَ هِيَ كُلُّ أَرْضٍ جَلا أَهْلُها مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْها بِخَيْلٍ وَ لا رِجالٍ وَ لا رِكابٍ فَهِيَ نَفْلٌ لِلّٰه (تعالي) وَ لِلرَّسُولِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) «2».

و مضمرة سماعة قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الأنْفٰالِ. فَقالَ: كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ أَوْ شَي ءٌ يَكُونُ لِلْمَمْلُوك فَهُوَ خٰالِصٌ لِلإمامِ وَ لَيْسَ لِلنّٰاسِ فيها سَهْمٌ. قال (عليه السّلام): وَ مِنْها: الْبَحْرَينُ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْها بِخَيْلٍ وَ لا رِكٰابٍ «3»

، نظراً إلي ورود هذه النصوص في مقام تفسير الأنفال و تحديد أقسامها. فتدل بمفهوم التحديد عَلي حصرِ الأنفال في الأراضي التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

و لكن هذا الاستدلال مخدوش بأن مفهوم التحديد كأيّ مفهوم آخر إنَّما يكون حجَّة إذا لم يكن دليلٌ علي خلافه، و قد دلّ الدليل في المقام علي خلاف مدلول هذا المفهوم. و ذلك الدليل هو صحيح معاوية بن وهب، قال

قُلْتُ لأَبي عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام):

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 367 ح 10.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 367 ح 9.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 367 ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 413

______________________________

السَّرِيَّةُ يَبْعَثُها الإمامُ فَيُصيبُونَ غَنٰائِمَ كَيْفَ يُقَسِّم؟ قالَ (عليه السّلام): إنْ قٰاتَلُوا عَلَيْها مَعَ أَميرٍ أَمَّرهُ الإمامُ عَلَيْهِمْ أُخْرِجَ مِنْها الْخُمْسُ لِلّٰهِ وَ لِلرّسُولِ.. وَ إنْ لَمْ يَكُونُوا قٰاتَلُوا عَلَيْها الْمُشْرِكينَ كانَ كُلُّ مٰا غَنِمُوا الإِمام، يَجْعَلُهُ حَيْثُ أَحَبَّ «1».

فانّ قول الراوي

فَيُصيبُونَ غَنائِمَ كَيْفَ يُقَسِّم؟

ظاهرٌ في الغنائم المنقولة، نظراً إلي استعمال مادّة الإصابة

في المنقولات لا غيرها كالأرض و نحوها. و يؤكّد هذا الظهور تعميم الحكم بأداة العموم بقوله (عليه السّلام)

كان كلّ ما غنموا للإمام

، نظراً إلي دلالتها علي الشمول و الاستيعاب بالعموم اللّفظي و الدلالة الوضعية التي هي أظهر من الإطلاق. فهذه الصحيحة كالصريح في نفي الفرق في المقام بين الأرض و بين غيرها من المنقولات الواقعة في أيدي المسلمين من الكفار بغير قتال. و لا يقاومها مفهوم التحديد لابتناء إطلاقه علي المقدمات المنثلمة بقيام الدليل اللّفظي.

و يؤيد ذلك عموم قوله تعالي وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَليٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ «2». و قول أبي عبد اللّٰه

الأَنْفالُ ما لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَ لٰا رِكابٍ..

في صحيح حفص بن البختري «3». نظراً إلي عموم «ما الموصولة» في قوله تعالي وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ و في قوله (عليه السّلام)

ما لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ …

و يؤكّد هذا التأييد ما رواه الشيخ بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في تفسير الآية المزبورة. قال

الْفَي ءُ مٰا كانَ مِنْ أَمْوالٍ لَمْ يَكُنْ فيها هَراقَةُ دَمٍ أَوْ قَتْلٍ. وَ الأنْفالُ مِثْلُ ذلِكَ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ «4».

فإنه كالصريح في تعميم الأنفال لغير الأرض، و ذلك لمكان التعبير بالأموال، إلّا أنّ سنده ضعيف بأبي جميلة فلذا ذكرناه تأييداً.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 3.

(2) سورة الحشر/ الآية: 6.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 364 ب 1 ح 1.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 368 ب 1 ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 414

منها: الأرض الموات التي لا ينتفع بها إلّا بتعميرها و إصلاحها لاستيجامها أو لانقطاع الماء عنها أو لاستيلائه عليها أو لغير ذلك، سواء لم يجر عليها ملك لأحد

كالمفاوز أو جري و لكن قد باد و لم يعرف الآن. و يلحق بها القري التي قد جلي أهلها فخربت كبابل و الكوفة و نحوهما، فهي من الأنفال (1) بأرضها و آثارها كالأحجار و نحوها. و الموات الواقعة في الأرض المفتوحة عنوة كغيرها علي الأقوي،

______________________________

ثم إنه لا فرق بين أن تكون الأرض في هذا النوع من الأنفال مواتاً أو محياة. و ذلك أوّلًا: بدليل عدّ الأرض الميتة و الخربة في نصوص المقام قسماً مستقلا من الأنفال برأسها قبال الأراضي التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. فلو اعتبر فيها الموتان لم يكن وجهاً للمقابلة بينهما لأنّ ظاهر المقابلة ينفي اعتبار الموت في هذا النوع من أراضي الأنفال.

و ثانياً: لعموم صحيح معاوية بن وهب بالتقريب المتقدّم، نظراً إلي أنّ دلالته علي تعميم الحكم لمطلق الأراضي الواقعة في أيدي المسلمين بغير قتال فرع دلالته علي دخول كل ما غنمه المسلمون بغير قتال في الأنفال، منقولًا كان أو غير منقول الذي منه الأراضي.

(1) يقع البحث في المقام من جهتين إحديهما: في تعريف الأرض الموات و أقسامها و بيان الشرائط و الخصوصيات المعتبرة فيها، و ثانيتهما: في كونها من الأنفال.

أما الجهة الأولي: فقد بحثنا عنها مفصّلًا في كتاب إحياء الموات «1» فراجع.

و انّما الكلام هنا في الجهة الثانية:

فنقول: قد دلّ علي كون كل أرض ميتةٍ لا ربّ لها و كلّ أرض خربة جلي عنها

______________________________

(1) دليل تحرير الوسيلة في إحياء الموات و اللقطة/ ص: 1- 30.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 415

______________________________

أهلها من الأنفال عدة نصوص. و هي تشتمل بإطلاقها و عمومها مطلق أرض الموات ذاتاً كان موتها أو عارضاً. و هذه الطائفة من النصوص كثيرة بالغة حد التواتر

و نكتفي بذكر بعضها.

فمنها: صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الأَنْفٰالُ.. كُلُّ أرْضٍ خَرِبَةٍ.. «1».

منها: مضمرة سماعة بن مهران قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الأَنْفالِ. فَقال (عليه السّلام): كُلُّ أرْضٍ خَرِبَةٍ.. «2».

منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أَنّه سمعه يقول

إنَّ الأَنْفالَ مٰا كانَ مِنَ أَرْضٍ لَمْ يَكُنْ فيها هَراقَةُ دَمٌ أوْ قَوْمٌ صُولِحُوا وَ أُعْطُوا بأيْديهِمْ وَ ما كانَ مِنْ أرْضٍ خَربَةٍ «3».

منها: موثقة إسحاق بن عمار، قال

سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) عَنْ الأَنْفالِ. فَقٰالَ: هِيَ الْقُري الَّتي قَدْ خَرِبَتْ وَ انْجليٰ أهْلُها.. «4».

و منها: قول الإمام الكاظم (عليه السّلام) في مرسل حمّاد

وَ الأَنْفالُ كُلُّ أرْضٍ خَرِبَةٍ بادَ أَهْلُها.. وَ كُلُّ أرْضٍ مَيْتَةٍ لا رَبَّ لَها «5».

و غير ذلك من النصوص «6».

و لا يخفي أنّ مقتضي هذه النصوص دخول مطلق الأرض الموات و الخربة في الأنفال سواءٌ وقعت في الأراضي المفتوحة عنوةً أم لا. نظراً إلي اعتبار العمران حال الفتح في الأراضي المفتوحة عنوةً فيترتب علي الموات فيها حال الفتح حكم الأرض الموات فتدخل في الأنفال.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 364 ب 1 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 367 ح 8.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 367 ح 10.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 371 ح 20.

(5) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 4.

(6) الوسائل/ ج 6 الباب الأوّل من الأنفال.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 416

نعم ما علم أنها كانت معمورة حال الفتح فعرض لها الموتان بعد ذلك ففي كونها من الأنفال أو باقية علي ملك المسلمين كالمعمورة فعلًا تردُّد و إشكال، لا يخلو ثانيهما من رجحان (1).

______________________________

(1) إذا كانت الأرض ملكاً لعنوان، مثل الأراضي المفتوحة عنوة المملوكة

لعنوان المسلمين أو الأراضي الموقوفة للزوّٰار و نحوها، فعرض لها الموتان و الخراب بانجلاء أهلها و إعراض سكنتها، وقع الكلام حينئذٍ أنّ هذه الأراضي هل تدخل في الأنفال بعروض الموتان، أم هي باقية في ملك العنوان كما كانت و يترتب عليها أحكامها الخاصة من دون فرق بينها و بين الأراضي الشخصية؟

و ثمرة هذا البحث أن ما عرض عليه الموتان من الأراضي المفتوحة عنوة لو كانت من الأنفال تصير ملكاً شخصياً لمن أحياها بمقتضي الاذن الصادر من الأئمة (عليهم السّلام) لعامة الناس بأنّ من أحيا أرضاً ميتةً فهي له.

و أما لو لم تكن من الأنفال فتكون باقية علي ما كانت عليه من الملكية لعموم المسلمين فلا يجوز لأحدٍ إحياؤها و لا شراؤها كما ورد في نصوص الأراضي المفتوحة عنوةً.

و هذه ثمرة مهمّة بين القولين جدّاً و مما يتفرع علي ذلك أنها لو كانت في يد أحدٍ فادَّعي ملكيتها و احتُمل أنّه أحياها بعد عروض الموت أو أحياها من كانت الأرض بيده سابقاً فلا بد من الحكم بكونها له بمقتضي قاعدة اليد، نظراً إلي احتمال كونها له واقعاً بإحياءِها بعد خرابها و صيرورتها من الأنفال.

و قد ذهب السيد الماتن إلي بقاء الأرض المفتوحة عنوة حينئذ علي ما كانت عليه من ملكيتها للمسلمين. و هذا موافق لمشهور المتأخرين. و إليه ذهب صاحب الجواهر حيث قال

إنّ عمار المفتوحة عنوة لو مات بعد الفتح ليس من الأنفال

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 417

______________________________

في شي ءٍ لأن له مالكاً معلوماً و هو المسلمون «1».

و الحاصل دليل هذا القول: انصراف نصوص الأنفال عن الموات من الأراضي المفتوحة عنوةً لظهورها فيما كان لها مالك شخصي فهلك و انقطع نسله أو جلا و أعرض عنها

دون ما كانت ملكاً لعنوان المسلمين. فتدخل هذه الأراضي في إطلاق نصوصها الدالة علي كونها ملكاً لعموم المسلمين في أيّ زمان و حال.

و فيه أولًا أنه: علي فرض انصراف نصوص أراضي الموات عمّا عرض عليه الموتان من الأراضي المفتوحة عنوةً، يشملها ما دلّ علي كون كلّ أرض لا ربّ لها من الأنفال، لوضوح أن المراد من الرّب؛ هو المالك الشخصي أو من يتولّيٰ أمر الأرض و يربّيها لا الإمام (عليه السّلام) و الّا فلو كان المقصود ما يعمّ الإمام (عليه السّلام) لٰا معني لأن تكون من الأنفال حيث فرض عدم كونها لأحدٍ حتي الإمام.

و ثانياً: يمكن الإشكال بأنّ نصوص الأراضي لم يثبت لها مثل هذا الإطلاق لكي يستفاد منه بقائها في ملك المسلمين حتي بعد خرابها و صيرورتها مواتاً، نظراً إلي ظهورها في أخذ العمران في حكمها حدوثاً و بقاءً. و علي فرض إطلاقها معارضة بعموم قوله (عليه السّلام)

كل أرض خربة

في تفسير الأنفال. و مقتضي القاعدة تقديم العموم الوضعي علي الإطلاق عند التعارض، نظراً إلي دلالة العام علي الشمول و الاستيعاب بالوضع بخلاف الإطلاق المبتني علي مقدمات الحكمة. فإنّ وجود الدليل اللفظي مانع عن تمامية مقدمات الإطلاق، كما سبق آنفاً ذكر النصوص الدالّة علي ذلك.

______________________________

(1) جواهر الكلام/ ج 16 ص 118.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 418

و منها: أسياف البحار و شطوط الأنهار، بل كل أرض لا ربَّ لها علي إشكال في إطلاقه و إن لا يخلو من قرب. و إن لم تكن مواتاً بل كانت قابلة للانتفاع بها من غير كلفة كالجزائر التي تخرج في دجلة و الفرات و نحوهما (1).

______________________________

(1) يمكن إلحاق كل أرض لا رَبّ لها بالأنفال و إن كانت محياةً في

الأصل مثل كثير من الأراضي الخَصِبة و مراتع المناطق الشمالية في إيران أو صارت محياة بإحياءِ شخصٍ فأعرض عنها أو ماتت و لم يكن لها وارث، فالأرض حينئذٍ لا ربّ لها و إن كانت محياةً. نظراً إلي أن المقصود من ربّ الأرض هو مالكها الشخصي أو من يربيها بإجراء أنهارها و سقي أشجارها و إصلاح زرعها، فالأرض المحياة إذا كانت متروكة من دون وجود من يراقبها و يربّيها يصدق أنّه لا ربّ لها. و الدليل علي ذلك موثقة إسحاق بن عمار، قال

سَألْتُ أَبا عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام) عَنِ الأنْفالِ فَقالَ: هِي الْقُريٰ الَّتي قَدْ خَرِبَتْ وَ انْجليٰ أَهْلُها فَهِيَ لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ.. وَ كُلُّ أرْضٍ لا رَبّ لَها.. «1».

و ما رواه المفيد مرسلًا عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لَنَا الْأنْفالُ. قُلْتُ: وَ مَا الأنْفالُ؟ قالَ (عليه السّلام): مِنْها الْمَعادِنُ وَ الآجامُ و كُلّ أرْضٍ لا رَبَّ لَها.. «2».

فان قوله (عليه السّلام)

وَ كُلُّ أَرْضٍ..

يشمل بالعموم الوضعي كل أرض لا مالك شخصي لها ليربّيها و يراقبها، مواتاً كانت أو محياة.

و ممّا يدل علي ذلك صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَ لا وارِثَ لَهُ وَ لا مَولي قال (عليه السّلام): هُوَ مِنْ أَهْلِ هذهِ الآيَةِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ «3».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 371 ح 20.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 372 ح 28

(3) الوسائل/ ج 6 ص 369 ح 14.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 419

و منها: رؤوس الجبال و ما يكون بها من النبات و الأشجار و الأحجار و نحوها، و بطون الأودية، و الآجام (1)، و هي الأراضي الملتفَّة بالقصب و الأشجار من غير فرق في

هذه الثلاثة بين ما كان في أرض الإمام (عليه السّلام) أو المفتوحة عنوة أو غيرهما، نعم ما كان ملكاً لشخص ثم صار أجمة مثلًا فهو باقٍ علي ما كان.

______________________________

و أمّا قوله (عليه السّلام)

وَ كُلُّ أَرْضٍ مَيْتَهٍ لا رَبَّ لَهٰا «1»

في مرسل حمّاد مضافاً إلي ضعف سنده بالإرسال و عدم حجية مفهوم الوصف غاية مدلوله عدم كون الأرض المحياة التي لا ربّ لها من الأنفال بالإطلاق. و لكنه لا يقاوم قبال صحيح أبان و خبر أبي بصير، نظراً إلي دلالتها بالعموم الوضعي علي كونها من الأنفال و هو مقدّم علي الإطلاق كما قلنا آنفاً.

فمقتضي التحقيق في المقام عَدّ كلّ أرضٍ لا ربّ لها من الأنفال، سواءٌ كانت ميتةً أم مُحياةً. و بهذا البيان اتضح حكم أسياف البحار أي سواحلها و شطوط الأنهار، لاندراجها في الأراضي المحياة التي لا ربّ لها نظراً إلي إمكان الانتفاع بها بسهولة من دون حاجة إلي كلفة الإحياء لقُربها إلي الماء.

(1) و أمّا رؤوس الجبال و الآجام فقد دلّ علي كونها من الأنفال عدّة نصوص:

منها: قول الإمام الكاظم (عليه السّلام)

وَ لَهُ رُؤُوس الْجِبالِ وَ بُطُونُ الأَوْدِيَةِ وَ الآجامُ

في مرسل حماد «2».

منها: خبر محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

الأَنْفالُ: هُوَ النَّفْلُ.. وَ سَألْتُهُ عَنِ الأَنْفالِ، فَقالَ (عليه السّلام):.. بُطُونُ الأَوْدِيَةِ وَ رُؤُوسُ الْجِبالِ «3».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 4.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 4.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 371 ح 22.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 420

______________________________

منها: خبر أحمد بن محمّد مضمراً قال

.. وَ بُطُونُ الأَوْدِيَةِ وَ رُؤُوسُ الْجِبالِ وَ الْمَواتُ كُلُّها هِي لَهُ وَ هُوَ قَوْلُه تَعالي يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ.. «1».

منها: خبر أبي بصير

عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لَنَا الأَنْفالُ. قُلْتُ: وَ ما الأَنْفالُ؟ قال (عليه السّلام): مِنها الْمَعادِنُ وَ الآجامُ.. «2».

منها: خبر داود بن فرقد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

قالَ قُلْتُ: وَ ما الأَنْفالُ؟ قالَ: بُطُونُ الآودِيَةِ وَ رُؤُوسُ الْجِبالِ وَ الآجامُ وَ الْمَعادِنُ.. «3».

هذه الروايات و إن كانت بآحادها ضعاف السند إلّا أَنّها مع كثرتها و عمل المشهور بها لا تُبقي أيّ شك في حجية مدلولها. هذا مضافاً إلي إمكان اندراج رؤوس الجبال و الآجام في كل أرضٍ لا ربّ لها. فعلي أيّ حالٍ لا إشكال في كونها من الأنفال.

و أمّا بطون الأودية مضافاً إلي ذكرها في بعض النصوص المزبورة و إمكان دخولها في كل أرضٍ لا ربّ لها يدلّ علي كونها من الأنفال بالخصوص روايتان معتبرتان:

إحداهما: صحيحة حفص عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الأَنْفالُ.. كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ وَ بُطُونُ الأَوْديةِ «4».

و ثانيتهما: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) انّه سمعه يقول

إنَّ الأَنْفالَ.. ما كانَ مِنْ أرضٍ خَرِبَةٍ أَوْ بُطُونُ أَوْدِيَةٍ.. «5».

فإنّهما تشملان بإطلاقهما كلّ أرضٍ صدق أنّها من بطون الأودية، سواءٌ كان بالأصالة أو بالعرض مثل أن كانت قريةً ثم خرجت بزلزلة و نحوها فمات أهلها أو

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 369 ح 17.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 372 ح 28.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 372 ح 32.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 364 ب 1 ح 1.

(5) الوسائل/ ج 6 ص 367 ح 10.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 421

و منها: ما كان للملوك من قطائع و صفايا (1).

و منها: صفو الغنيمة كفرس جواد، و ثوب مرتفع، و سيف قاطع و درع فاخر، و نحو ذلك (2).

______________________________

جَلَوا

عنها فصارت بطن وادٍ.

ثم إن في المقام لا بدَّ من استثناء أرضٍ كانت مسبوقةً بملك شخص ثم صارت أجمة أو بطن واد و لم يعرض عنها مالكها. فلا إشكال في عدم كونها من الأنفال، نظراً إلي بقائها علي ما كانت من الملكية الشخصية لفرض عدم الإعراض.

(1) لا خلاف في أنّ صفايا الملوك و قطائعهم من الأنفال: و قد دلت علي ذلك نصوص مستفيضة فيها الصحيح و غيره.

منها: صحيح داود بن فرقد قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قَطائعُ الْمُلُوك كُلُّها لِلإمامِ وَ لَيْسَ لِلناسِ فيها شَيْ ءٌ «1».

منها: مرسل حماد عن الكاظم (عليه السّلام) في حديث طويل، قال

وَ لَهُ صَوافي الْمُلُوكِ ما كانَ في أَيْديهِمْ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ الْغَصْبِ «2».

منها: خبر الثمالي المروي في تفسير العياشي عن الباقر (عليه السّلام) قال سمعته يقول

فِي الْمُلُوكِ الَّذينَ يَقْطَعُونَ النّاسَ. قالَ (عليه السّلام): هُوَ مِنَ الْفَيْ ء وَ الأَنْفالِ وَ أشْباهِ ذلك «3».

(2) لا خلاف فيه بل هو إجماعي كما في المنتهي و الجواهر و يدلّ علي كون ذلك من الأنفال عدّة نصوص:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 366 ح 6.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 4.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 372 ح 30.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 422

و منها: الغنائم التي ليست بإذن الإمام (عليه السّلام) (1).

______________________________

منها: صحيح ربعي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كانَ رَسُولُ اللّهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) إذا أَتاهُ الْمَغْنَمُ أَخَذَ صَفْوَهُ وَ كانَ ذلِكَ لَهُ.. «1».

منها: موثقة أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللّهُ طاعَتَنا، لَنا الأَنْفالُ وَ لَنَا صَفْوُ الْمالِ «2».

منها: خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَنْ

صَفْوِ الْمالِ. قالَ (عليه السّلام) الإمامُ يَأْخُذُ الجارِيَةَ الرَّوْقَةَ وَ الْمَرْكَبَ الفارِهَ وَ السَّيْفَ الْقاطِعَ وَ الدِّرْعَ قَبْلَ أنْ تُقَسَّمَ الْغَنيمَةُ فَهذا صَفْوُ الْمالِ «3».

منها: مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

وَ لِلإِمامِ صَفْوُ الْمالِ، أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هذِهِ الأَمْوالِ صفْوَها؛ الْجارِيةَ الفارِهَةَ وَ الدّابَّةَ الْفارِهَةَ وَ الثَّوْبَ وَ الْمَتاعَ مِمّا يحِبُّ أَوْ يَشْتَهِي فَذلِكَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَ قَبْلَ إخْراجِ الْخُمْسِ «4».

(1) كما هو المعروف المشهور بين الأصحاب. و قد دلّ عليه صحيح معاوية بن وهب، قال

قُلْتُ لأَبي عَبْدِ اللّهِ: السَّريَّةُ يَبْعَثُها الإمامُ فَيُصيبون غَنائمَ كَيْفَ يُقَسَّمُ؟ قالَ (عليه السّلام): إنْ قاتَلُوا عَلَيْها مَعَ أميرٍ أمَّرهُ الإِمامُ عَلَيهِمْ أَخْرَجَ مِنْها الْخُمْسَ لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ قَسَّمَ بَيْنَهُم ثَلاثَةَ أخْماسٍ وَ إنْ لَمْ يَكُونُوا قاتَلُوا عَلَيها الْمشرِكينَ كانَ كُلُّ ما غَنِمُوا لِلإمامِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ أَحَبَّ «5».

و مرسل الورّاق عن رجل سمّاه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا غَزا قَوْمٌ بِغَيْرِ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 356 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 373 ب 2 ح 2.

(3) الوسائل/ ج 6 ص 369 ح 15.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 4.

(5) الوسائل/ ج 6 ص 365 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 423

______________________________

إذن الإمامِ فَغَنِمُوا كانَتِ الْغَنيمَةُ كلُّها لِلإمامِ وَ إِذا غَزَوْا بِأَمْرِ الإمامِ فَغَنِمُوا كانَ لِلإمامِ الْخُمْسُ «1».

لا إشكال في دلالة المرسل علي المطلوب. و أما صحيحة معاوية فهل هي ناظرة إلي التفصيل بلحاظ أصل القتال أو بحسب صدور الإذن من الإمام؟ فيه بحث قد سبق تفصيله في خمس الغنائم. و الأظهر هو الثاني.

و أمّا في زمان الغيبة فالأقوي هو التفصيل: بين ما انتقل منه إلي الشيعي فلا يجب عليه خمسه لنصوص التحليل.

مضافاً إلي صريح ما ورد عن العسكري (عليه السّلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال لرسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

قَدْ عَلِمْتُ يا رَسُولَ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدَكَ مَلِكٌ غَضُوضٌ وَ جَبْرٌ فَيَسْتَولي عَلي خُمْسي منَ السَّبْي وَ الغَنائم وَ يَبيعُونَهُ فَلا يَحِلُّ لِمُشْتَريهِ لأَنَّ نَصيبي فِيهِ، فَقَدْ وَهَبْتُ نَصيبي مِنْهُ لِكُلِّ مَنْ مَلِكَ شَيْئاً مَنْ ذلِك مِنْ شيعَتي لِتَحِلَّ لَهُمْ مَنافِعهُمْ مِنْ مَأْكَلٍ وَ مَشْرَبٍ وَ لِتَطيِبَ مَواليدُهُمْ وَ لا يَكُونَ أَوْلادُهُمْ أَوْلادَ حَرامٍ. قالَ رَسُولُ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ أفْضَلَ مِنْ صَدَقَتِكَ وَ قَدْ تَبِعَكَ رَسُولُ اللّهِ في فِعْلِكَ، أَحَلَّ للشِّيعَةِ كُلَّ ما كانَ فيهِ مِنْ غَنيمَةٍ وَ بَيْعٍ مِنْ نَصيبِهِ عَلي واحِدٍ مِنْ شيعَتي وَ لا أُحِلُّها أَنا وَ لا أَنْتَ لِغَيْرِهِمْ «2».

و بين ما تعلق به الخمس في يد الرابح المستفيد من دون انتقال إلي الشيعي أو انتقال إلي غير الشيعي فالأقوي وجوب الخمس فيه لما قلنا من ظهور مرسل الوراق و صحيح معاوية في صورة إمكان الاستيذان و إنهما منصرفان عن زمن الغيبة، نظراً إلي عدم إمكان الاستيذان فيه من الإمام. و قد بحثنا عن ذلك مفصلًا في خمس الغنائم فراجع هناك.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 369 ح 16.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 385 ح 20.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 424

و منها: إرث من لا وارث له (1).

و منها: المعادن التي لم تكن لمالك خاص تبعاً للأرضِ أو بالإحياء (2).

______________________________

(1) لا خلاف في ذلك بين فقهائنا بل ادّعي في المنتهي و الجواهر الإجماع عليه. و قد دلّت علي ذلك

عدة نصوص:

منها: معتبرة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَ لا وارِثَ لَهُ وَ لا مَوْلي. قالَ (عليه السّلام): هُوَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيةِ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفالِ.. «1».

منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

مَنْ ماتَ وَ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مِنْ قَرابَتِهِ وَ لا مَوْلي عِتاقِهِ قَدْ ضَمِنَ جَريرتَهُ، فَمٰالُهُ مَنْ الأَنْفالِ «2».

منها: مرسل حمّاد عن الكاظم (عليه السّلام) قال

الإمامُ وارثُ مَنْ لا وارِثَ لَهُ «3».

(2) إن المعادن تارة: يكون لها مالك شخصي إمّا بإحيائها تبعاً للأرض المملوكة له. و لا كلام في كونها ملكاً شخصياً لمحييها أو لمالك الأرض المشتملة عليها تبعاً لرقبة الأرض و يتعلق بها الخمس حينئذٍ. و قد مر البحث عنه مفصّلًا في خمس المعادن.

و أمّا الواقع منها في ما لا مالك شخصياً له من الأراضي أو في أعماق الأراضي الشخصية الخارجة عن التبعية لرقبة الأرض فهو من الأنفال.

و الدليل علي ذلك صحيح إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الأنفال. فقال

هِيَ الْقُري الّتي قَدْ خَرِبَتْ وَ انْجلي أَهْلُها فَهِيَ لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ ما كانَ لِلْمَمْلُوك فَهُوَ لِلإمامِ وَ ما كانَ مِنَ الأَرْضِ بِخَرِبَةٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ كُلُّ أَرْضٍ لا رَبَّ لَهٰا وَ الْمعادِنُ مِنْها.. «4»

، نظراً إلي قوة ظهور رجوع الضمير

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 369 ح 14.

(2) الوسائل/ ج 17 ص 547 ب 3 ح 1.

(3) الوسائل/ ج 17 ص 548 ب 3 ح 5.

(4) الوسائل/ ج 6 ص 371 ح 20.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 425

مسألة: الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة علي وجه يجري عليها حكم

الملك، من غير فرق بين الغني منهم و الفقير إلّا في إرث من لا وارث له، (1) فإن الأحوط لو لم يكن الأقوي اعتبار الفقر فيه، بل الأحوط تقسيمه علي فقراء بلده، و الأقوي إيصاله إلي الحاكم الشرعي. كما أن الأقوي حصول الملك لغير الشيعي أيضاً بحيازة ما في الأنفال من العشب و الحشيش و الحطب و غيرها، بل و حصول الملك لهم أيضاً للموات بسبب الاحياء كالشيعي.

______________________________

في «منها» إلي الأرض التي لا ربّ لها لا إلي الأنفال، و قد بحثنا عن مفاد هذه الصحيحة مفصّلًا في خمس الغنائم من هذا الكتاب و في كتاب إحياء الموات فراجع.

[حكم الأنفال]

حكم الأنفال

(1) تعرَّضَ السيد الماتن (قدّس سرّه) في هذه المسألة لحكم الأنفال. فنقول:

قد دلّت النصوص المتواترة علي أنّ الأنفال للإمام (عليه السّلام). فمقتضي القاعدة عدم جواز التصرف فيها لأحدٍ إلّا بإذنه. و لكن صدر عنهم (عليهم السّلام) إلاذن العام في النصوص المعتبرة بتملّكها للشيعة ففي الحقيقة تحليل الأنفال خروجٌ عن موضوع القاعدة المزبورة لا تخصيصها. نظراً إلي انّه قد أخذ في موضوعها حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه فإذا صدر الإذن من المالك ينتفي موضوع القاعدة.

ثم إنّ الماتن (قدّس سرّه) استظهر من نصوص المقام إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة، من غير فرق بين الأرض و بين غيرها و لا بين المنقول و بين غيره، إلّا في إرث من لا وارث له فاعتبر فيه الفقر. و الدليل علي ذلك كلّه نصوص المقام و لا بد من ملاحظتها. فنقول:

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 426

______________________________

المشهور إباحة الأنفال في زمن الغيبة للشيعة. و قد دلّت طائفةٌ من النصوص علي إباحة حقِّهم لشيعتهم مثل صحيحة الفضلاء عن أبي

جعفر (عليه السّلام): قال قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)

هَلَكَ النّٰاسُ فِي بُطُونِهِمْ وَ فُرُوجِهِمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤَدُّوا إلَيْنٰا حَقَّنٰا. ألٰا وَ إنَّ شيعَتنَا مِنْ ذٰلِكَ وَ آبٰائَهُمْ في حِلٍّ «1».

و معتبرة أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رجُلٌ وَ أَنَا حاضِرٌ: حَلِّلْ لِيَ الْفُروجَ. فَفَزَعَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ (عليه السّلام). فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: لَيْسَ يَسْأَلُكَ أنْ يَعْتَرِضَ الطَّريقَ إنّما يَسْأَلُكَ خادِماً يَشْتَريها أَوْ امْرَأَةً يَتَزوَّجُها أَوْ ميراثاً يصيبُهُ أَوْ تِجارَةً أَوْ شَيْئاً أُعْطِيَهُ. فَقال (عليه السّلام): هذا لِشيعَتِنا حَلالٌ؛ الشّاهِدِ مِنْهُمْ وَ الْغائِبِ وَ الْمَيّتِ منْهُمْ وَ الْحَيِّ وَ ما يُولَدُ مِنْهُمْ إلي يَوْمِ الْقيامَةِ فَهُوَ لَهُمْ حَلالٌ أَما وَ اللّٰهِ لٰا يَحِلُّ إِلّٰا لِمَنْ أَحْلَلْنا لَهُ.. «2».

و خبر الحارث بن المغيرة النصري قال

دَخَلْتُ عَليٰ أَبي جَعْفَرٍ (عليه السّلام) فَجلَسْتُ عِنْدَهُ فَإذاً نجيَّة قَدِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَجثا عَليٰ رُكْبَتَيْهِ. ثُمّ قالَ: جُعلتُ فِداكَ إنّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَ اللّٰه مَا أُريدُ بِها إلّا فَكاكَ رَقَبَتي مِنَ النّارِ. فَكَأَنّه رَقّ لَهُ فَاسْتَويٰ جَالِساً، فَقالَ: يٰا نجيَّةُ سَلْني فَلا تَسْألْني عَنْ شَيْ ءٍ إلّا أَخْبَرْتك. قال: جُعِلْتُ فِداكَ مَا تَقُولُ فِي فُلانٍ وَ فُلانٍ. قال (عليه السّلام): يا نجَيَّةُ، إنَّ لَنا الْخُمْسُ فِي كِتابِ اللّهِ وَ لَنا الأَنْفالُ وَ لَنا صَفْوُ الْمالِ.. اللّهُمَّ إِنّا قَدْ أَحْلَلْنا ذٰلِكَ لِشيعتِنا. قال: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ فَقالَ (عليه السّلام): يا نجَيَّةُ مَا عَلي فِطْرَةِ إِبْراهيمَ غَيْرُنا وَ غَيْرُ شيعَتِنا «3».

و خبر أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

.. فَنَحْنُ أَصحابُ الْخُمْسِ وَ الْفَيْ ء

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 379 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6 ص 379 ح 4.

(3) الوسائل/

ج 6 ص 383 ح 14.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 427

______________________________

وَ قَدْ حَرَّمْناهُ عَلي جَميعِ النّٰاسِ مٰا خَلٰا شِيعَتِنا.. «1».

و أيضاً دلّت طائفة من النصوص المستفيضة بل المتواترة علي أنّ

مَنْ أَحْيي أَرْضاً مَواتاً فَهِيَ لَهُ

كما في صحيحة الفضلاء و غيرها «2». و إنّ نطاق هذه النصوص يشمل غير الشيعة من سائر فِرَق المسلمين كما استقرّت عليه السيرة القطعية المستمرّة من المسلمين، فإنّهم لا يزالون يحيون الأراضي الموات و يتصرفون فيها من غير نكير. بل يشمل عموم بعضها لغير المسلمين بحيث يأبي عن التخصيص بالمسلمين. مثل ما ورد في شراء أرض اليهود و النصاري كصحاح محمد بن مسلم و أبي بصير عن الصادق (عليه السّلام). قال

وَ أيُّما قَوْمٍ أَحْيَوا شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ أَو عَمِلُوه فَهُمْ أَحقُّ بِها وَ هِيَ لَهُمْ «3».

فانّ هذه النصوص كالصريح في مشروعية إحياء أراضي الموات لغير المسلمين بلحاظ ورودها في شراء الأرض من اليهود و النصاري. و مع ذلك كيف يمكن حمل عمومها علي المسلمين؟ فهذه النصوص عامة من جهة شمولها لغير المسلمين. و أما الطائفة الأولي تدل علي إباحة جميع ما كان للأئمة (عليهم السّلام) لخصوص الشيعة. فالمستفاد من مجموع الطائفتين إباحة جميع الأنفال و مطلق حقوق الأئمة (عليهم السّلام) للشيعة من غير فرق بين الأراضي و غيرها و لا بين المنقول و غيره و لا بين الغني و غيره. كما تدل خصوص الطائفة الثانية علي إحياء جميع الأراضي و جواز تملكها بالاحياء و جواز حيازة ما يوجد في الأراضي الموات من العشب و الحشيش و الحطب لأيّ قوم من الأقوام من دون فرق بين المسلمين و غيرهم فلا يختص بالمسلمين كما هو ظاهر عبارة السيد الماتن (قدّس سرّه). حيث

إنه نفي الفرق بين الشيعي و غيره من دون تعميم إلي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6 ص 385 ح 19.

(2) الوسائل/ ج 17 ص 327 ح 5 و 6.

(3) الوسائل/ ج 17 ص 326 ح 1 و 4 إليٰ 7 وص 330 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 428

______________________________

غير المسلمين.

نعم يستفاد من بعض النصوص المعتبرة اعتبار الفقر في المباح له إرث من لا وارث له. و قد ذهب اليه جمع من الأصحاب كما في البيان و المسالك و الدروس و غيره.

و الدليل علي ذلك بعض النصوص:

منها: صحيح هشام بن سالم قال

سَأَل حَفْصُ الأَعْوَرُ أَبا عَبْدِ اللّهِ وَ أَنا عِنْدَهُ جالِسٌ. قالَ: إنَّهُ كَانَ لأَبي أَجيِرٌ كَانَ يَقُومُ في رَحاهُ وَ لَهُ عِنْدَنا دَراهِمُ وَ لَيسَ لَهُ وارِثٌ. فَقالَ أَبُو عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام): تَدْفَعُ إلي الْمَساكينِ. ثُمَّ قالَ: رَأيَكَ فيها؟ ثُمَّ أَعادَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، فَقالَ لَهُ مِثْلَ ذلكَ. فأَعادَ عَلَيْهِ الْمَسأَلَةَ ثالِثَةً. فَقالَ أَبُو عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام): تَطْلُبُ لَهُ وَارِثاً فَإنْ وَجَدْتَ لَهُ وارِثاً وَ إلّا فَهِيَ كَسبيلِ مالِكَ. ثمّ قَال (عليه السّلام): ما عَسي أَنْ تَصْنَعَ بِها. ثُمَّ قال (عليه السّلام): تُوصي بِها فَإِنْ جاءَ لَها طالِبٌ، وَ إِلّٰا فَهِيَ كَسَبِيلِ مالِكَ «1».

منها: ما أرسله الشيخ في النهاية و المفيد في المقنعة

كانَ أَميرُ الْمُؤمِنين (عليه السّلام) يُعْطي ميراثَ مَنْ لَا وارثَ لَهُ فُقراءَ أَهْلِ بَلَدِهِ وَ ضُعَفائَهُمْ وَ ذلِكَ عَليٰ سَبيلِ التَّبَرُّعِ مِنْهُ «2»

و مثله مرسل المفيد «3».

و فيه: أنّ الأول لا ظهور له في وجوب الدفع إلي المساكين بقرينة حكمه (عليه السّلام) في ذيله بجواز تصرف من في يده الدراهم كسائر أمواله الشخصية بعد الإيصاء بها و اليأس عن مجي ء طالبه، مضافاً إلي

إمكان حمله علي التقية. كما يظهر من قول السائل مخاطباً للإمام

رأيك فيها

، فكأنّه فهم أنّ الإمام (عليه السّلام) أمر بدفع تلك الدراهم إلي المساكين عن تقيةٍ و لم يُبرز رأيه الواقعي. و يؤيد فهمه هذا جواب الإمام (عليه السّلام) بعد

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 553 ح 7

(2) الوسائل/ ج 17 ص 554 ح 10

(3) الوسائل/ ج 17 ص 554 ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 429

______________________________

السؤال المزبور بغير جوابه قبل السؤال.

و أمّا الثاني: فمضافاً إلي ضعف سنده بالإرسال لا دلالة له علي وجوب الدفع إلي فقراء البلد و ضعفائهم، حيث إنّ الإمام (عليه السّلام) وجّه ذلك بكونه علي سبيل التبرُّع من أمير المؤمنين (عليه السّلام). هذا مضافاً إلي أنّ في سائر النصوص المعتبرة ذُكر له مصارف اخري مثل

همشاريجة

أي مطلق أهل بلد الميت، كما قال الصدوق «متي كان الإمام ظاهراً فماله للإمام و متي كان غائباً فماله لأهل بلده متي لم يكن له وارث و لا قرابة أقرب إليه منهم بالبلد به» «1». مع أن مقتضي القاعدة صرفه في مورد الأنفال لما دلّ من النصوص المعتبرة علي كون إرث من لا وارث له من الأنفال و أنّ الإمام وارث من لا وارث له. و إن التخصيص بموردٍ يحتاج إلي دليل قطعي و هو غير ثابت في مورد الفقراءِ، كما قال الشهيد في البيان: «و هل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره الأصحاب في ميراث فاقد الوارث أما غيره فلا. و أقول: إن مقتضي العمومات عدم اشتراط ذلك مطلقاً. نعم ورد في الميراث رواية ضعيفة ربما تُعطي اعتبار ذلك» «2».

نعم لا بأس بالحكم باستحباب صرفه في أهل البلد عملًا ببعض النصوص الدالة علي ذلك، و لا

سيّما الفقراء منهم لما أُمِر في بعض النصوص بجعله في بيت مال المسلمين كما حمل علي ذلك في الوسائل «3».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17 ص 552 ح 4.

(2) جواهر الكلام/ ج 16 ص 134.

(3) الوسائل/ ج 17 ص 546 ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - الخمس، ص: 430

______________________________

الحمد للّٰه رب العالمين و الصلاة علي محمد و آله الطاهرين المعصومين. فرغت من تسويد هذه الرسالة بعون الله تعالي و لطفه في اليوم السابع و العشرين من شهر محرّم الحرام سنة (1416) ه. ق. أحقر الطلاب الخجلان من ساحة ربّه الغفّار: علي أكبر السيفي المازندراني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.