دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر

اشارة

نام كتاب: دليل تحرير الوسيلة- الستر و الساتر

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: مازندراني، علي اكبر سيفي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

ناشر: مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني قدس سره

تاريخ نشر: 1417 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: تهران- ايران

مقدّمة الناشر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره و سلوكه، و هو أوثقها عُري، و أصلحها منهاجاً؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العمليّ، و إصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة علي عاتق المكلّفين، و ذلك علي ضوء الدليلين: الاجتهاديّ و الفقاهتيّ، النابعين من الكتاب و السنّة. ناهيك عن جمعه للمسائل العمليّة، و نأيه عن المسائل ذات الصبغة النظريّة التي لا تمسّ إلي واقعنا المُعاش بصلة.

و لئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللّٰه نفسه الزكيّة كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» و هو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللّٰه ضريحه قد ألّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً إلي مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم، و لم يكن بحوزته إلّا «وسيلة النجاة» و «العروة الوثقي» و «وسائل الشيعة».

نعم لم تكن بيده المباركة إلّا هذه الكتب الثلاثة، و لكنّ نفسه العلويّة لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة، و فؤاده مهبطاً للإلهام و التحديث، لامتنع وجود هذا السفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 8

و نظراً إلي أهمّية هذا الكتاب، و ضرورة نشره علي مختلف المستويات و الأصعدة؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) علي عاتقها نشر شروح و تعاليق العلماء المحقّقين علي «تحرير الوسيلة» و من نفقتها الخاصّة.

و يعدّ الكتاب الذي بين يديك، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا

طبعها، و هو شرح لمباحث الستر و النظر من «التحرير» تأليف حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ علي أكبر السّيفي المازندرانيّ.

نسأل اللّٰه تعالي أن يوفّقه و إيّانا و أن يختم لنا جميعاً بالحسني إنّه سميع الدعاء.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 9

المقدمة

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 11

خطبة الكتاب

أعوذُ باللّٰه من الشَّيطان الرجيم بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربِّ العالمين، أحمده استتماماً لنعمته و استسلاماً لعزّته و استعصاماً من معصيته و أستعينه فاقةً إلي كفايته.

و الصلاة علي محمّد عبده و رسوله المصطفيٰ أرسله بالهدي و دين الحق، و جعله بلاغاً لرسالته و كرامة لأُمّته و أنزل عليه القرآن نوراً لا تطفأ مصابيحه و بحراً لا يدرك قعره و منهاجاً لا يضلّ نهجه و فرقاناً لا يخمد برهانه.

و السلام علي آله المعصومين المكرّمين الذين هم معدن الإيمان بحبوحته و ينابيع العلم و بحاره و أساس الدين و عماد اليقين.

و نسأل اللّٰه سبحانه أن يوفّقنا لمعرفتهم و طاعتهم و نشر علومهم و معارفهم و يرزقنا شفاعتهم يوم نأتيهم فرداً.

و نشكره جلّ جلاله علي أن وفّق أمّتنا المناضلة البطلة لانتصار الثورة الإسلامية بالإطاحة بالطاغوت و متّعهم بنعمة الجمهورية الإسلامية المقدسة تحت قيادة القائد الكبير، محيي الشريعة و معرّف الشيعة الإمام الخميني (قدّس سرّه).

و نحمده (تعاليٰ) علي إتمام هذه النعمة العظيمة بقدرته المطلقة في ضوء قيادة

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 12

الفقيه الخبير آية اللّٰه الخامنئي (دام عزّه) فيضي ء اليوم كالشمس في قلوب جميع المؤمنين و المستضعفين.

و من العجائب أنّ مؤسس الثورة، ذلك العارف الربّاني و الحكيم الإلهي كيف شاهد هذا التلألؤ قبل الطلوع بنور الايمان و المعرفة فقال (قدّس سرّه): إنه سيلمع كالشمس.

و نسألك اللّٰهم بحرمة نبيّك و آله المعصومين (صلواتك عليهم أجمعين) أن توفّقنا لشكر هذه النعمات و حراسة معطيات ثورتنا الإلهية و صيانة دماء شهدائنا الأبرار و أن تعيننا علي طيّ خطّة عمل إمامنا الراحل (قدّس سرّه) و طاعة أوامر قائدنا المعظّم آية

اللّٰه الخامنئي و تنفيذ قوانين دولتنا الإسلامية و مظاهرة مسؤوليها.

باعث النشر

إن الباعث لنشر هذه المجموعة من المباحث الفقهية أنّ الامام الراحل (قدّس سرّه)، هذا الفقيه النحرير، العالم بزمانه، الذي كان من أعلم فقهاء العصر قد كتب في تحرير الوسيلة دورة كاملة من الفقه. و إنّه جدّاً من أحسن المتون الفتوائية الجامعة لأهم المسائل الفقهية. و قد صار اليوم محوراً لتنظيم القوانين في حكومة الجمهورية الإسلامية. و لا ريب أنّ الكتاب الذي ألّفه مؤسّس هذا النظام الثائر علي أساس ذوقه الفقهي يناسب مقتضيات العصر الحاضر و يلائم شؤون النظام الإسلامي الحاكم.

و من هنا ينبغي أن ينتخب تحرير الوسيلة متناً دراسياً للسطوح العالية و يكون مورداً للبحث و التحقيق و مطرح أنظار فقهائنا العظام (دامت بركاتهم) حتي تخطي بهذا التحول الأساسي خطوة شاسعة مثمرة في جهة ازدهار الحوزات العلمية و إراءة الفقه الشيعي الباحث إلي العالم العصري.

ثم إن من المسائل الفقهية المهمة التي يبتلي بها الرجال المؤمنون و النساء

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 13

المؤمنات في جميع آنات الحياة اليومية و صارت اليوم مورداً للبحث و النقد بين المحققين هي مسألة الحجاب و أحكام الستر و النظر.

و قد كنت منذ مدّة مديدة بصدد الفحص و التحقيق في هذه المسائل حتي طلب منّي أخيراً بعض الفضلاء أن أتعرّض لها في مجلس البحث. ثم بعد مضيّ سنة من هذا البحث صمّمت أن أنقّح مجموع هذه المباحثات في حدّ و سعي الضعيف و بضاعتي القليلة. و قد رتّبتها شرحاً لمسائل من مقدمات النكاح علي حسب متن تحرير الوسيلة و حرّرتها علي أساس ما خطر ببالي و انتهي إليه نظري القاصر بعد الفحص و التحقيق الكامل عن مصادر الاستدلال

من النصوص و القواعد.

و لا يخفي أنّه كان بعض المسائل المهمّة في هذا المجال لم يتعرّض لها السيد الإمام (قدّس سرّه) في تحرير الوسيلة و قد بحثت عن مثل هذه المسائل مستقلا في خلال مباحث الكتاب و في ختامها. و قد جعلت محور البحث فيها غالباً علي أساس فتاوي صاحب العروة (قدّس سرّه).

و في الختام أرجو من الأفاضل الكرام و العلماء الكبار أن يذكّروني في موارد لا تخلو بنظرهم من الإشكال أو تكون برأيهم خلاف مقتضي التحقيق، فإن أحبّ إخواني من أهديٰ إليَّ عيوبي. غفر اللّٰهُ لي و لكم و تقبل مني آمين.

أحقر الطلاب علي أكبر السيفي المازندراني

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 14

المرأة و الحجاب قبل الإسلام و بعده

إنّ النساءَ قبل الإسلام لم يكنّ ملتزمات بالحجاب و كُنّ يختلطن مع الرجال و يجالسنهم و يحضرن في المجامع العامة و يعاملنهم في الشوارع و الأسواق.

قال الزمخشري: «كانت جيوبهن واسعة تبدوا منها نحورهن و صدورهن و ما حواليها و كنّ يسدلن الخمر من ورائهن فتبقي مكشوفة.. و كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليتقعقع خلخالها فيعلم أنّها ذات خلخال و قيل كانت تضرب إحدي رجليها الأخري ليُعلم أنّها ذات خلخالين «1».

و قال السيوطي: «عن سعيد بن جبير قال: إنّ المرأة كانت يكون في رجلها الخلخال فيه الجلاجل فاذا دخل عليها غريب تُحرّك رجلها عمداً ليستمع صوت الخلخال» «2».

و قال الغرناطي: «كنّ في ذلك الزمان يلبسن ثياباً واسعات الجيوب يظهر منها صدورهن و كنّ إذا غطّين رؤسهنّ بالأخمرة يسدلنها من وراء الظهر فيبقي الصدر

______________________________

(1) الكشاف: ج 3 ص 62 63.

(2) الدر المنثور: ج 6 ص 186.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 15

و العنق و الأُذنان لا ستر عليها» و

مثل ذلك في تفسير الطبري «1» و غيره.

ثم جاء الإسلام الذي هو أكمل الأديان الإلٰهية و نزل القرآن المشتمل علي أحسن القوانين في سبيل كمال الإنسان و رشده فحدّدت في آياته المختلفة كيفية ارتباط الرجال مع النساء و حدود ستر بدنها عن الرجال بتشريع أحكام متعالية متناسقة لكمال الإنسان في مسير الهدف من خلقته.

و من الطبيعي أنّ جعل قوانين الحجاب للنساء كانت يستتبع بعض المشقات و الصعوبات في معاشهنّ اليومية. فمن هنا توجّه الخطاب في تشريع مثل هذه الأحكام إلي نساء النبي ابتداءً حتي لا تحسّ سائر النساء المؤمنات صعوبة و ضيقاً من هذه الناحية.

فمن هذه الآيات قوله تعاليٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلّٰا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِليٰ طَعٰامٍ غَيْرَ نٰاظِرِينَ إِنٰاهُ وَ لٰكِنْ إِذٰا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذٰا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لٰا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذٰلِكُمْ كٰانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللّٰهُ لٰا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَ إِذٰا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتٰاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ «2».

و قوله تعاليٰ يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنيٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلٰا يُؤْذَيْنَ «3».

ففي الآية الأُولي قد حدّد كيفية ارتباط الرجال المؤمنين مع نساء النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بأن يدخلوا بيوته (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بغير دعوته و إذنه حيث كانت فيها

______________________________

(1) تفسير الطبري: الآية 31 من سورة النور و تفسير النيسابوري: ج 18 ص 78.

(2) سورة الأحزاب/ الآية 53.

(3) سورة الأحزاب/ الآية 59.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 16

نسائه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم). و أن لا يمكثوا فيها

بعد الدخول و تناول الطعام حتي لا يستعدّ مجالٌ لاختلاطهم و مجالستهم مع نساء النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أن يكون سؤالهم إيّاهنّ من وراء الحجاب من جدار أو باب أو ستار و إن الأحكام المذكورة في هذه الآية تختصّ بنساء النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لكن في الآية الثانية عُمّم وجوب الحجاب من نساء النبي و بناته إلي نساء المؤمنين. و في كثير من الآيات القرآنية و النصوص المعتبرة قد بُيِّنت كيفية حجاب النساء و شرائطه و حدوده و مستثنياته. و نبحث عن كل ذلك في خلال المباحث الآتية في هذا الكتاب إن شاء اللّٰه.

فلسفة الحجاب

إنّ ما ينبغي التنبيه عليه قبل الورود في مباحث الكتاب هو فلسفة الحجاب.

و من النكات التي لا ينبغي الغفلة عنه في هذا المجال أنّ وظيفة الحجاب ليست ناشئة من عدم الاعتناء بالنساء بل المقتضي لذلك هو اختلاف الرجال و النساء في كيفية الخلقة و تنوع الغرائز و تفاوت العواطف و اختلاف العقول. كما نشاهد في الآيات المبيّنة لتقدير خلقة الموجودات في قوله تعاليٰ الَّذِي خَلَقَ فَسَوّٰي وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَديٰ «1». و قوله تعاليٰ إِنّٰا كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقْنٰاهُ بِقَدَرٍ «2». و قوله تعاليٰ وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً «3».

و عليه فالاختلاف و تنوُّع الوظيفة لا يكون دليلًا علي تفضيل الرجال علي النساء من جانب الشارع. بل اللّٰه تعاليٰ اصطفي بعض النساء أُسوة في الفضيلة و مثلًا في

______________________________

(1) سورة الأعلي/ الآية 2 و 3.

(2) سورة القمر/ الآية 49.

(3) سورة الفرقان/ الآية 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 17

الايمان و الورع و العفاف. كما قال تعاليٰ وَ إِذْ قٰالَتِ الْمَلٰائِكَةُ

يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفٰاكِ عَليٰ نِسٰاءِ الْعٰالَمِينَ. يٰا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرّٰاكِعِينَ «2».

و قد عرّف بعضهن مثلًا للإيمان فقال تعاليٰ وَ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قٰالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرٰانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهٰا فَنَفَخْنٰا فِيهِ مِنْ رُوحِنٰا وَ صَدَّقَتْ بِكَلِمٰاتِ رَبِّهٰا وَ كُتُبِهِ وَ كٰانَتْ مِنَ الْقٰانِتِينَ «3».

و عليه فينبغي الفحص عن ملاك تشريع قانون الحجاب و التحقيق في علّة جعل أحكام الستر و النظر. و الذي يقتضيه التحقيق في آيات تشريع الحجاب و التأمّل في نصوص الستر و النظر.

أنّ ملاك إيجاب الستر علي المرأة و تحريم النظر علي الرجال هو صيانة الرجال المؤمنين و النساء المؤمنات من الفحشاء و الفساد و المنكرات و الرذائل الموجبة للضلالة و محو الايمان و السقوط عن درجات الكمال و إعداد ميادين الرشد و الكمال و الفلاح للبشر.

و ذلك لأن بمقتضي غريزة الشهوة التي أودعها اللّٰه تعاليٰ في الإنسان لغرض توليد النسل و تشكيل الأسرة يكون لكلّ من الرجال و النساء تمايلًا جنسياً بالآخر.

و علي هذا الأساس يحدث في الرجال انفعال و تأثُّر شهواني بسبب النظر إلي ما أبدت النساء من محاسنهن و جمالهنّ و زينتهن.

و هو يوجب فساد قلوبهم و يجرّهم إلي الفساد و الفحشاء. و بذلك يُحرمون عن

______________________________

(2) سورة آل عمران/ الآية 42 و 43.

(3) سورة التحريم/ الآية 11 و 12.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 18

الرشد و الكمال و الفلاح و يُبعدون عن الهدف من الخلقة.

هذا مضافاً إلي ما يترتب علي ذلك

من المفاسد في مجتمع المؤمنين و الاختلال في نظام الأسرة و المعاش و محق العواطف الإنسانية. و إنّ تشريع قانون الحجاب من أهمّ العوامل المانعة من نفوذ الفساد في قلوب المؤمنين و المؤمنات.

و توجب بالمآل طهارة قلوبهم كما علّل بذلك في قوله وَ إِذٰا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتٰاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ «1».

و إنّ قانون الحجاب من أحكم عروة النجاة من مهلكة الفساد و زوبعة الضلالة، كما ورد عن الصادق (عليه السّلام)

(مَا اعْتَصَمَ أحد بِمِثلِ مَا اعْتَصَمَ بِغَضِّ الْبَصَرِ فإنَّ الْبَصَرَ لا يُغَضُّ عَنْ مَحَارِمِ اللّٰهِ إِلّٰا وَ قَدْ سَبَقَ إلي قَلْبِهِ مُشاهَدَةُ الْعَظَمَةِ و الْجَلالِ «2».

و إنّه أقرب الطرق إلي أن تُعرف النساءُ بالستر و العفاف بين المؤمنين حتي يُحفظن من التعرّض و إيذاء الذين في قلوبهم مرض.

كما قال تعاليٰ يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنيٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلٰا يُؤْذَيْنَ «3».

و في قبال ذلك قد عُدّ كشف المحاسن و إبداءُ مواضع الزينة من النساء و نظر الرجال الأجانب إليهنَّ موجباً لزرع الشهوات في القلوب و إنبات الفسق في النفوس. كما ورد عن الصادق (عليه السّلام) في صحيح الكاهلي: (النَّظْرَةُ بَعْدَ النَّظْرَةِ تَزْرَعُ في الْقَلْبِ الشَّهْوَةَ وَ كَفيٰ بِها لِصاحِبها فِتْنَةً «4».

______________________________

(1) سورة الأحزاب/ الآية 53.

(2) بحار الأنوار: ج 101 ص 41 ح 52.

(3) سورة الأحزاب/ الآية 59.

(4) الوسائل/ ج 14 ب 104 من مقدمة النكاح ص 139 ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 19

و ورد عنه (عليه السّلام): (قالَ عيسي بنُ مَرْيَمَ لِلْحَواريِّينَ: إيّٰاكُمْ و النَّظَرُ إلي الْمَحذُورات، فَإنّها بَذْرُ الشّهَواتِ وَ نَباتُ الْفِسقِ) «1».

و موجباً لتهييج شهوة

الرجال و جرِّهم إلي الفحشاء و الفساد كما ورد عن الرضا (عليه السّلام): (و حُرِّمَ النَّظَرُ إلَي شُعُور النِّساء الْمَحْجُوباتِ بِالْأَزواجِ وَ إلي غَيْرِهِنّ مِنَ النِّساءِ لِما فيه مِنْ تَهْييجِ الرِّجال وَ ما يَدْعُوا إلَيْهِ التَّهْييجُ مِنَ الفَسادِ و الدُّخُولُ فيما لا يَحِلُّ) «2».

و إنّ نظرة الي محاسن المرأة يؤثّر أثر السوء بحد من السرعة و الشدّة بحيث شُبِّه في النصوص بالسهم المسموم، كما ورد عن الصادق (عليه السّلام) في صحيح عقبة: (النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سَهامِ إبْليسَ مَسْمومٌ) «3».

و كما ورد في المرفوع عن علي (عليه السّلام)

لا تكُوننَّ حديدَ النَّظر إلي ما لَيس لَكَ، فَإنَّهُ لا يَزْني فَرْجُك ما حَفِظْتَ عَيْنَيْكَ «4».

و الحاصل أنّ فلسفة الحجاب تتلخّص في صيانة الإنسان من المفاسد الأخلاقية و الفحشاء و المنكرات و تحفظه من موجبات الضلالة و السقوط عن درجات الكمال و دفع الموانع في سبيل الرشد و الفلاح.

______________________________

(1) بحار الأنوار: ج 101 ص 42 ح 52.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 140 ب 104 من أبواب مقدمات النكاح ح 12.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 138 ب 104 من أبواب مقدمات النكاح ح 1 و ص 139 ح 5.

(4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 20 ص 236.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 21

أحكام الستر و النظر

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 23

المقام الأوّل: حكم ستر الوجه و الكفّين للمرأة

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 25

مسألة: كما يحرم علي الرجل النظر إلي الأجنبية يجب عليها التستُّر من الأجانب. و لا يجب علي الرجال التستُّر و إن كان يحرم علي النساء النظر إليهم عدا ما استُثني. و إذا علموا بأنّ النساءَ يتعمّدن النظر إليهم فالأحوط التستُّر منهن و إن كان

الأقويٰ عدم وجوبه. (1)

______________________________

(1) أحكام الستر و النظر يقع الكلام تارة: في حكم ستر بدن المرأة و أخري: في ستر بدن الرجل.

و لا كلام في وجب ستر جميع بدن المرأة غير الوجه و الكفين و حرمة النظر إليه. و إنّما الكلام في حكم الوجه و الكفين من حيث النظر و الستر. و ذلك تارة: في حال الصلاة، و البحث عنه موكول إلي محلّه.

و أُخري: في نفسه غير حال الصلاة.

فالكلام في مقامين أحدهما: في حكم ستر الوجه و الكفين للمرأة و أنّه هل يجوز لها إظهارهما أمام الرجل الأجنبي.

و ثانيهما: في حكم نظر الرجل إلي وجه المرأة و كفّيها و نظرها إلي بدن الرجل.

المقام الأول: في حكم ستر الوجه و الكفّين للمرأة قبل الورود في البحث ينبغي التنبيه علي أمرٍ و حاصله: أنّ مقتضي أصالة البراءَة عدم وجوب ستر الوجه و الكفّين و عدم حرمة النظر إليهما لأنهما كأيّ تكليف آخر لا بدّ لإثباته من دليل. فلا بد من إقامة الدليل علي وجوب سترهما و حرمة النظر إليهما فلو لم يقم دليل علي ذلك لا حاجة إلي إقامة الدليل علي الجواز لأنّه مقتضي الأصل فلا بد من ملاحظة الدليل.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 26

______________________________

و ما يقال: إن الثابت بعمومات الكتاب و السنّة و ارتكاز المتشرّعة معاملة العورة مع محاسن المرأة، ففيه: أنّ ذلك في غير الوجه و الكفّين و أمّا فيهما فمعاملة العورة معهما أوّل الكلام و لذا وقع البحث و النزاع في حكمهما. و أما العمومات اللفظية من الآيات الناهية عن إبداء الزينة و آية الحجاب و الرُّخصة للقواعد فقد خصّصت بقوله تعاليٰ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ كما سيأتي بيانه فلا يصلح للرجوع

إليها عند الشك في المقام.

و عليه فلا يصغي إلي مقالة أن مع وجود العمومات اللفظية لا تصل النوبة إلي الأصل العملي.

الاستدلال بالآيات علي وجوب ستر الوجه و الكفّين

و قد استُدل علي وجوب ستر الوجه و الكفّين للمرأة بالكتاب و السّنة.

فمن الكتاب:

قوله تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ حيث يدل بإطلاقها علي وجوب ستر جميع مواضع بدن المرأة حتي الوجه و الكفّين و عدم جواز إرائتها بناءً علي إرادة مواضع الزينة، كما هو كذلك بدلالة النصوص المعتبرة الواردة في تفسير الآية. و لكن سيأتي مفصّلًا في ردّ الاستدلال بها علي حرمة النظر أن المقصود في هذه الآية تحريم إبداء المواضع الغير الظاهرة. نظراً إلي دلالة قوله تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا. في صدر هذه الآية علي جواز إظهار المواضع الظاهرة مطلقاً حتي لغير البعولة. فهي قرينة علي أنّ قوله تعالي إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ ناظرٌ إلي استثناء ما يحرم إبداؤه من المواضع الغير الظاهرة من جهة مَن تبديٰ له الزينة. و أمّا كون الإبداء في الفقرة الثانية بمعني الإراءة و في الاولي بمعني الإظهار في نفسه كما قال

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 27

______________________________

به بعض الفحول فسيأتي منّا أنّه لا شاهد له.

و عليه فقد خُصّص عموم حرمة إظهار مواضع الزينةَ باستثنائين:

أحدهما: في صدر الآية فخصّص بالمواضع الظاهرة. و لمّا كان استثناؤه متّصلًا فلذا لا تدلّ الآية علي حرمة إظهار المواضع الظاهرة حتي بالدلالة الاستعمالية التصوّرية.

ثانيهما: استثناءُ عموم حرمة إظهار المواضع الغير الظاهرة بلحاظ المكلّفين الناظرين فخرج به البعولة عن تحت هذا العموم. و حاصل مدلول هاتين الفقرتين بعد الاستثنائين عبارة عن حرمة إظهار خصوص المواضع الغير الظاهرة لغير البعولة. و أمّا المواضع الظاهرة فارتفع وجوب سترها و

حرمة النظر إليها مطلقاً حتي لغير البعولة بالاستثناء الأوّل، بل لا تنعقد دلالة للآية علي حرمة النظر إليها لأجل اتصال الاستثناء كما قُرّر في محلّه من علم الأصول. و سيأتي بيان ذلك مفصّلًا في ردّ الاستدلال بهذه الآية علي حرمة النظر إلي جميع مواضع بدن المرأة حتي الوجه و الكفّين، إن شاء اللّٰه.

و من الآيات قوله تعاليٰ يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنيٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلٰا يُؤْذَيْنَ.. «1».

قبل الورود في الاستدلال بهذه الآية لا بدّ من اتضاح معني لفظ الجلابيب، فنقول: إنّه صيغة الجمع، مفرده الجِلباب بكسر الجيم. و قد فُسِّرَ بمعاني و تعاريف مشابهة بتعابير مختلفة.

ففي الصحاح: «إنّه الملحفة» «2» و في المصباح: «إنّه ثوب أوسع من الخمار و دون

______________________________

(1) سورة الأحزاب/ الآية 59.

(2) لباس رو، چادر، روانداز.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 28

______________________________

الرِّداء. و نقل عن ابن فارس أنّه قال: الجِلباب ما يُغطّيٰ به من ثوب». و في مجمع البحرين: «هو ثوب أوسع من الخمار و دون الرداء تلويه المرأة علي رأسها و تبقي منه ما تُرسِله علي صدرها. و قيل: الجِلباب الملحفة و كل ما يُستر به من كساءٍ أو غيره».

ثم قال: قوله تعاليٰ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، أي يرخينها عليهنّ و يغطّين به وجوههنّ و أعطافَهُنّ أي أكتافهنّ».

و في القاموس: «إنّه القميص و ثوب واسع للمرأة دون الملحفة أو تُغَطّي به ثيابها من فوق كالملحفة أو هو الخمار».

و في لسان العرب: «الجِلباب: القميص و هو ثوب أوسع من الخمار دون الرِّداء تُغطّي به المرأة رأسها و صدرها. و قيل: هو ثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة، و قيل: هو

الملحفة. و قيل: هو ما تغطي به المرأة الثياب من فوق كالملحفة، و قيل هو الخمار، و قيل: جِلباب المرأة ملائتها التي تشتمل بها».

و في تفسير ابن عباس في ذيل هذه الآية قال: «إن المقصود من الجِلباب هو المقنعة و الرداء».

و في تفسير مجمع البيان: «إنه المُلاءَة التي تشتمل بها المرأة عن الحسن. و قيل: الجلباب مقنعة المرأة أي يُغطّين جباههنّ و رؤوسهنّ إذا خرجن لحاجة عن ابن عباس و مجاهد. و قيل: أراد بالجلابيب الثياب و القميص و الخمار و ما تستر به المرأة عن الجبائي و أبي مسلم».

قال الزمخشري في تفسير الكشّاف: «الجلباب ثوب واسع أوسع من الخمار و دون الرداء تلويه المرأة علي رأسها و تُبقي منه ما ترسله علي صدرها. ثم نقل عن ابن عباس أنه قال: هو الرداءُ الذي يُستر من فوق إلي أسفل. و قيل: الملحفة و كلّ ما يستتر به من كساءٍ أو غيره».

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 29

______________________________

هذا عمدة أقوال اللغويين و المفسرين في معني لفظ الجِلباب و يمكن تلخيصها في ثلاث معان بعد إمعان النظر و التأمّل في جميع التعاريف المذكورة.

أحدها: الخمار الذي تغطّي به المرأة رأسها و صدرها و جيبها.

ثانيها: الثوب الواسع الذي هو أوسع من الخمار و دون الرداء و يستر رأس المرأة و وجهها و كتفيها و صدرها و ما دون ذلك بمقدار.

ثالثها: ما تلبسه المرأة فوق الثياب و تغطي به جميع بدنها من رأسها إلي أسفل قدميها. و قد عُبّر عن المتّصف بهذه الخصوصيات بالملحفة و المُلاءة و الرداء و الكساء و نحو ذلك مما تشتمل به المرأة جميع بدنها من فوقها إلي أسفلها، كما صرّح به الزمخشري نقلًا

عن ابن عبّاس و كذا الطبرسي نقلًا عن الحسن. و نحوه ما نقله في مجمع البحرين و لسان العرب و القاموس و غيره. و أيضاً قد صرّح به في تفسير ابن عبّاس.

إذا عرفت ذلك فنقول: إن المقصود منه في الآية الشريفة هو المعني الأخير. و ذلك بدلالة قوله تعاليٰ في ذيلها ذٰلِكَ أَدْنيٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلٰا يُؤْذَيْنَ أي يعرفن بالستر و العفاف أو بأنّهنّ مسلمات حرائر لئلا يتعرض لهنّ أهل الفسق بزعم أنّهن إماء. و الأوّل هو الأقرب كما رجّحه العلّامة في الميزان لعدم قرينة في الآية علي الثاني و لا دليل عليه. بل ما نقله علي بن إبراهيم في شأن نزول هذه الآية يؤيد المعني الأوّل.

وجه الدلالة: أنّ من بين المعاني الثلاثة المزبورة من تفاسير الجلباب يكون المعني الأخير أدني بالعفاف لأنّه أشمل ستراً و أوسع تغطية. فإنّ ما يستر جميع بدن المرأة و يغطّي جميع محاسنها بحيث لا يُريٰ مع التستُّر به شي ءٌ من محاسنها و مواضع زينتها حتي الوجه و الكفّين و القدمين هو الأدني بالستر و العفاف و لا يُبقي أيَّ سبيل لنظر الأجنبي و طمع الذي في قلبه مرض. و قد يناقش بأنّه لا يستفاد هذا المعني من الآية نظراً إلي ما فيها من تعليل إدناء الجلباب بأنه أدني أنْ يعرفن بالعفاف أو بأنّهنّ

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 30

______________________________

حرائر حتي لا يطمع الذي في قلبه مرضٌ بنظر السوء. و إن التعبير بالأدني ظاهر في عدم التوقف كما هو كذلك لوضوح عدم توقف ترك نظر الشهوة و الريبة علي ستر المرأة جميع بدنها. لأن ترك النظر فعل الرجل الأجنبي و هو يتوقف علي إرادته و كفّ نفسه لا

علي الستر الذي هو فعل المرأة. فمِن الواضح انه مع عدم ستر المرأة بدنها أيضاً يمكن للرجل ترك النظر بكفّ نفسه.

و يمكن الجواب عن ذلك بأنّ ترك النظر لو كان متوقف علي ذلك لكان وجوب الستر ذاكئذٍ من باب المقدّمة و لم يحتج إلي إيجاب آخر علي حدة. و عليه فقوله تعاليٰ أَدْنيٰ أَنْ يُعْرَفْنَ بيان لحكمة إيجاب إدناء الجلباب بأنّ ستر المرأة جميع بدنها أقرب لها إلي العفاف و صونها عن نظر الأجنبي و بصبصة الذي في قلبه مرض و إن لا يتوقف عليه شي ءٌ من ذلك. و لكن لا يخفيٰ أنّ هذا التعليل قرينة صالحة لتعيين معناه المقصود و مصداقه الأكمل.

و ممّا لا ينبغي الغفلة عنه في هذا المجال أنّ هذه الآية بلحاظ ما يكون للفظ الجلباب من المعاني المختلفة تدلّ بالعموم علي وجوب ستر الوجه و الكفّين. و لا تدل علي أكثر ممّا يدلّ عليه عموم قوله تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ فإنّ هذين العامّين كليهما علي وزان واحدٍ في الدلالة علي ذلك. و لكنّهما قد خُصّصا بقوله تعاليٰ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ و بالنصوص المعتبرة الصريحة. و عليه فالمواضع الظاهرة استثني من عموم المنع، غاية الأمر يكون قوله تعاليٰ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مخصصاً منفصلًا بالنسبة إلي عموم آية الجلباب. و لكنّه متّصل بالنسبة إلي العقد المستثني منه في صدرها. و إنّما الفرق بينهما أنّه لا يمنع عن ظهور آية الجلباب و مدلولها الاستعمالي التصوّري بل هو كاشف عن مراده الجدّي و لكن بالنسبة إلي صدرها المستثني منه مانع عن مدلوله الاستعمالي و أصل ظهوره.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 31

______________________________

و من الآيات قوله تعاليٰ وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا

يَرْجُونَ نِكٰاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنٰاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجٰاتٍ بِزِينَةٍ «1». فإنها ظاهرة بمفهوم اللقب بل التحديد في اختصاص رخصة وضع الثياب بالقواعد أي النساء المسنّات و عدم جواز ذلك لغيرهن من النساء. و قد دلّت النصوص المعتبرة علي أنّ المقصود بالثياب هو الخمار و الجلباب و صرّح فيها بهذا الاختصاص.

و منها: صحيح حريز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أَنَّهُ قَرَأَ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ قال (عليه السّلام): الجِلبابُ. وَ الْخِمارُ إذا كانت الْمَرْأةُ مسِنَّةً «2».

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أَنَّهُ قَرَأَ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ قال (عليه السّلام): الْخِمارُ وَ الجِلبابُ: قُلتُ: بَيْنَ يَدَيْ مَنْ كان؟ قال (عليه السّلام): بَيْنَ يَدَيْ مَنْ كان. غَيْرَ مُتَبَرِّجَةٍ بِزِينةٍ «3».

منها: صحيح أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ لَيْسَ عليهنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ قال (عليه السّلام): تَضَعُ الجِلْبابَ وَحْدَهُ «4».

منها: صحيح علاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في قوله تعاليٰ

وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً): «مَا الَّذي يَصْلحُ لَهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ؟ قال (عليه السّلام): الجِلبابُ «5».

و فيه: أن غاية مدلول هذه الآية و النصوص المفسّرة ما دلّت عليه آية الجلباب و عموم حرمة إظهار مواضع الزينة و محاسن المرأة و لكن يأتي ما قلنا من تخصيص

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 60.

(2) نور الثقلين: ج 3 ص 623 ح 240.

(3) نور الثقلين: ج 3 ص 623 ح 237 و 238 و 239.

(4) نور الثقلين: ج 3 ص 623 ح 237 و 238 و 239.

(5) نور الثقلين: ج 3 ص 623 ح 237 و 238 و 239.

دليل تحرير الوسيلة -

الستر و الساتر، ص: 32

______________________________

ذلك كلّه بقوله تعاليٰ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ.

الاستدلال بالنصوص علي وجوب ستر الوجه و الكفّين

أمّا النصوص فقد استدل علي وجوب ستر الوجه و الكفّين بصحيحة الفضيل قال

سألتُ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الذِّراعين من المرأة، هُما من الزِّينة التي قال اللّٰه تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ؟ قال (عليه السّلام): نعم و ما دون الخِمار منَ الزِّينة و ما دُونَ السِّوارين «1».

و إنّ هذه الصحيحة مفسّرة للآية بتفسير الزينة و تعميمها إلي الكفّين. و ذلك لأن منتهي إليه الخمار إنّما هو جانب الأسفل من الصدر و دون الذراعين نظراً إلي ستر الذّراعين بالخمار عادةً كما يشهد علي ذلك قوله تعاليٰ وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَليٰ جُيُوبِهِنَّ فان لفظ الجيب و إن كان في أصل اللّغة بمعني الثوب و القميص. و لكن ظاهر الأمر بجعل الخمار علي الثياب ما قلنا، كما استظهر ذلك في مجمع البيان فقال: «أُمِرن بإلقاء المقانع علي صدورهن تغطية لنحورهن فقد قيل إنّهنّ كُنّ يلقين مقانعهن علي ظهورهن فتبدو صدورهن و كُنّي عن الصدور بالجيوب لأنها ملبوسة عليها» «2». و عليه فما دون الخمار يشمل ما دون الذراعين إلي الزندين. كما لا ريب أنّ المقصود ممّا دون السوارين هو من الزندين إلي أطراف الأصابع لوقوعها من جانب أسفل السوارين إلا في حالة رفع اليد لكنّه في بعض الحالات و هو لا يصلح ليوجب ظهور لفظ «ما دون» في هذه الحالة، بل هو ظاهرٌ في جانب الأسفل و ما سفل من موضع السوار عادةً. و في قبال ذلك قيل إنّ المراد هو المواضع الواقعة تحت الخمار و السوارين و في جانب باطنهما. و عليه فالوجه و الكفّان يكونان فوق الخمار

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 145

باب 109 من مقدمات النكاح ح 1.

(2) تفسير مجمع البيان: ج 7 ص 138.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 33

______________________________

و السوارين لعدم سترهما بهما.

و علي هذا التفسير تدل هذه الصحيحة علي الجواز كما رجّحه السيد الحكيم و الخوئي (قدّس سرّهما). و لكنه خلاف ظاهر لفظ «ما دون» فإنّه بمعني الأسفل في مقابل ما فوق بمعني الأعلي. و يشهد علي ذلك أنّ لفظ ما دون استعمل في قبال ما فوق في خبر ابي الجارود الآتي.

و عليه فمقصود الامام (عليه السّلام) إلحاق الكفّين إلي ما دون الذراعين و إدخالهما في الزينة المحرّم إبداؤها. و كذا الوجه بناءً علي كونه داخلًا فيما دون الخمار بلحاظ كونه علي الرأس. أو لعدم القول بالفصل بينه و بين الكفّين. أو بالأولوية لأن الوجه أزين و أجلب من اليد و أشدّ إثارةً للشهوة الذي هو الملاك لمنع إبداء الزينة قطعاً.

و الحاصل: أنّ هذه الصحيحة قد دلّت علي كون الوجه و الكفّين من الزينة المنهي إبداؤها. و عليه فلا وجه للاستدلال بالآية علي عدم وجوب ستر الوجه و الكفّين و لا علي جواز النظر إليهما. و لكن تعارضها عدّة من النصوص المعتبرة:

منها: صحيحة مسعدة بن زياد عن الصادق (عليه السّلام): قال

سمعتُ جعفراً و سُئِلَ عمّا تُظهر المرأةُ من زينتها. قال (عليه السّلام): الوَجهُ و الكفّين «1».

و سيأتي وجه الجمع بينهما في بيان مقتضي التحقيق.

منها: معتبرة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

سألتُهُ عن قولِ اللّٰه عزّ و جلّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا قال (عليه السّلام): الخاتَمُ و الْمِسْكَةُ و هي الْقُلب «2».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 146 ب 109 من مقدمات النكاح ح 5 و

قرب الاسناد: ص 40.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 146 ب 109 من مقدمات النكاح ح 4 و فروع الكافي/ ج 5 ص 521 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 34

______________________________

و أما وجه التعبير عن هذا الخبر بالمعتبرة هو ما وقع من الاختلاف في حال القاسم بن عروة. و الأقوي اعتبار خبره و ذلك:

أولًا: لأنّ له روايات كثيرة و له كتاب.

و ثانياً: قد رويٰ عنه مثل الفضل بن شاذان و ابن أبي عمير و محمد بن أبي نصر البزنطي الذين قيل في حقهم إنّهم لا يروون إلّا عن ثقة. و لا أقلّ من استبعاد نقلهم عن غير الثقة. و عليه فهو كان من المعاريف و المشاهير في عصره و لو كان ذمٌّ أو عيب ثابتاً في حقّه لبان و اشتهر و نُقل إلينا. و مع ذلك لم يرد في حقّه أيّ ذمّ بل قد صرّح بعض الأعاظم من الأصحاب بمدحه. منهم ابن داود فقد صرّح بمدحه حيث قال: «القاسم بن عروة أبو محمّد مولي أبي أيوب الخزّازي البغدادي و بها مات (ق) (كش) كان وزير أبي جعفر المنصور ممدوح» «1».

أما دلالةً فإنها صريحة في عدم وجوب ستر الزندين إلي أطراف الأصابع.

منها: معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ؛ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا. قال (عليه السّلام)

الزينة الظاهرة الكحل و الخاتم «2».

وجه التعبير عنها بالمعتبرة عدم التصريح بوثاقة سعدان بن مسلم الواقع في سندها من جانب أكثر علماء الرجال. إلّا أنه لم يرد فيه أيّ ذمٍّ من أحدٍ مع أنّه كثير الرواية. و له الأصل و قد رويٰ عنه الأجلّاء من الرّواة مثل البرقي و الحسن بن محبوب

و محمد بن أبي عمير و محمّد بن عيسيٰ و الحسين بن سعيد و عبد اللّٰه بن سنان. و وجه اختلاف طبقات الرّواة عنه طول عمره فإنه عمر عمراً طويلًا و لذا عاصر رواةً

______________________________

(1) رجال ابن داود من منشورات مطبعة الحيدرية ص 153 ش 1214.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 146 ب 109 من مقدمات النكاح ح 3 و فروع الكافي/ ج 5 ص 521 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 35

______________________________

كثيرين من طبقات مختلفة بل صرّح السيد مير داماد بجلالة قدره فقال: «سعدان بن مسلم شيخ كبير القدر جليل المنزلة له أصل روي عنه جماعةٌ من الثقات و الأعيان كصفوان بن يحيي و غيره» «1». و قد كر ابن داود «2» في القسم الأوّل من الرواة الممدوحين و الذين لم يُضعِّفوهم الأصحاب.

ثم إنه لا يخفي أنّ صاحب الوسائل نقلها عن فروع الكافي و لكن الموجود في سندها علي ما في النسخة المطبوعة بطبع بيروت سعد بن مسلم و هو خطأٌ. فإنّ الموجود في النسخة المطبوعة من فروع الكافي سعدان بن مسلم و هو الصحيح. و ذلك لأن أحمد بن إسحاق رويٰ عنه هذه الرواية و هو قد رويٰ عنه رواياتٍ كثيرة في الأبواب المختلفة من الفقه. و أمّا سعد بن مسلم فلم يُرَ في موردٍ و لم يُسمع من أحدٍ أن يروي عنه أحمد بن إسحاق بل لم ينقل سعد بن مسلم حتي رواية واحدة في باب النكاح بل و لا في سائر أبواب الفقه إلّا في بعض المسائل التفسيرية.

أمّا دلالةً فإنّها و إن فسّرت الزينة الظاهرة بالكحل و الخاتم إلّا أنّ النظر إليهما لمّٰا لا ينفكُّ عن النظر إلي الوجه و

الكفّين عادةً فتدلّ بالالتزام علي جواز النظر إليهما.

و قد ناقش في الجواهر «3» بما حاصله: أنّ غاية مدلول هذه النصوص جواز إظهار الوجه و الكفّين للمرأة و هو أعمّ من النظر إذ يمكن رفع الشارع وجوب الستر عليها بمجرّد احتمال الناظر و مظنّته للعسر و الحرج بخلاف باقي البدن و إن وجب علي الناظر الغضّ كما عساه يقال في بدن الرجل بالنسبة إلي المرأة فإنّه لا يجب عليه الستر منها و إن حَرُم عليها النظر إليه.

______________________________

(1) معجم رجال الحديث: ج 8 ص 102.

(2) رجال ابن داود من منشورات مطبعة الحيدرية: ص 103 ش 696.

(3) الجواهر: ج 29 ص 78.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 36

______________________________

و فيه: أولًا: أنّ الكلام لا يختص بصورة احتمال وجود الناظر أو مظنّته حتي يستلزم الستر و العسر و الحرج بمجرد احتمال الناظر أو الظنّ بوجوده.

و ثانياً: أنّه علي فرض لزوم العسر و الحرج تنتفي حرمة النظر في خصوص مورد لزومهما لا مطلقاً نظراً إلي وضوح ارتفاع الحكم بالحرج في خصوص مورده، إلّا أن يدلّ الدليل علي انتفاء أصل الحكم لأجل لزوم العسر و الحرج في أغلب موارده و ذلك لا يمكن إثباته إلا بدليل معتبر يدل علي ذلك و لم يرد مثل هذا الدليل في المقام.

و ثالثاً: أنّ غاية هذا الكلام انفكاك حرمة النظر عن وجوب الستر و ثبوت جواز النظر مع وجوب الستر بقيام الدليل من النصوص فمقتضاه عدم الملازمة في الحكم. و لكنّه لا ينافي الملازمة في مقام الاستظهار من الخطاب حسب الفهم العرفي كما سيأتي بيان ذلك مفصّلًا. و أقصي ما يثبت بنفي الملازمة في الحكم إمكان الانفكاك المزبور من دون أن يكون بنفسه دليلًا

علي الانفكاك فلا ينافي إثبات حرمة النظر باستظهارها من الأدلة اللفظية بالملازمة العرفية علي ما سيأتي بيان ذلك في بحث النظر.

و علي أي حال لا إشكال في دلالة هذه النصوص علي جواز كشف الوجه و الكفّين و عدم وجوب سترهما و إنّما تكون مناقشة صاحب الجواهر في دلالتها علي حرمة النظر إليهما. و سيأتي بيان ذلك مفصّلًا في البحث عن حكم النظر إن شاء اللّٰه.

و قد يستدلّ لذلك بما رواه في قرب الاسناد عن أحمد بن محمّد بن عيسيٰ عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السّلام) قال

إنّ أبا جعفر مرّ بامرأةٍ مُحْرمةِ و قد استترَ بِمروحةٍ علي وجهها فأماطَ المِرْوَحَةَ بقضيبِهِ عنْ وَجْهِها «1».

هذه الرواية صحيحة بطريق الحميري في قرب الاسناد. و قوله (عليه السّلام)

فأماط المروحة

أي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 9 ص 130 ب 48 ح 4 و قرب الاسناد: ص 106.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 37

______________________________

أزالها و أقصاها عن وجه المرأة. و لكن لا ربط لها بالمقام. إذ الكلام في حكم وجه المرأة الأجنبية و كفّيه في غير حال إحرامها و هذه الصحيحة إمّا أن تدلّ علي جواز كشف وجه المرأة في حال الإحرام بناءً علي إرادة هذا المعني من لفظ «محرمة» كما يظهر من صاحب الوسائل حيث نقلها في باب حرمة تغطية وجه المرأة في حال الإحرام. و إمّا أن تدلّ علي عدم وجوب ستر الوجه للمرأة التي من المحارم بناءً علي إرادة المحرمة (بفتح الميم) كما يظهر من الحميري حيث نقلها في ذيل حديث دلّ علي كون أخت امرأة الرجل و الغريبة سواءٌ في حكم الستر و النظر إلي محاسنها فعلي أيّ حال لا ربط لها بالمقام.

منها:

المرسل المروي في تفسير جوامع الجامع ذيل الآية المزبورة عنهم (عليهم السّلام) في تفسير «مٰا ظَهَرَ» بأنّه الكفّان و الأصابع.

مقتضي التحقيق في المقام

مقتضي التحقيق في المقام عدم وجوب ستر الوجه و الكفّين علي المرأة و ذلك أولا: لعدم تمامية دليل الوجوب. فإنّ وجوب سترهما كأيّ حكم شرعي آخر يحتاج إثباته إلي دليل و إن دعوي ظهور قوله تعاليٰ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ في عدم جواز إراءة مطلق الزينة باطنةً كانت أو ظاهرةً لغير البعولة من الأجانب مشكلة لما سبق من الأخذ بالقيدين في قوله تعاليٰ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ و قوله تعاليٰ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ و لعدم تمامية شي ء من النصوص في الدليلية علي وجوب ستر الوجه و الكفّين إلّا صحيحة الفضيل المتقدمة و لكن تعارضها عدّةٌ من النصوص المعتبرة مثل صحيح مسعدة و أبي بصير و زرارة «1» المتقدمة آنفاً.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 109 من مقدمات النكاح ح 3 و 4 و 5.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 38

______________________________

هذا مع احتمال إرادة الزندين و جانب الذراعين منهما و كون المقصود ممّا دون السوارين ما يقع تحتهما من البشرة و مع هذا الاحتمال ينتفي ظهور ما دون السوارين في الكفّين.

و ثانياً: لدلالة صحاح مسعدة و أبي بصير و زرارة علي جواز إظهار الوجه و الكفّين و ما عليهما من الزينة.

و يؤيّد ذلك استقرار سيرة المتشرعة علي عدم وجوب سترهما بشهادة ما نُقل في كتب التاريخ و التراجم و سيرة النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أهل البيت (عليهم السّلام) و الصحابة و التابعين، من تبادل الأحاديث و الأشعار بين الرجال و النساء المؤمنات من غير نكير و حضورهنّ في مجالس الوعظ و تعلّم قراءة القرآن

و التفسير و الفقه من الرجال. و مشاركتهنّ في الغزوات و علاج الجرحي و ساير شؤون المجاهدين بالمباشرة. بل ما ورد في الكتاب و السنة من النهي عن النظر إليهنّ يكشف عن حضورهنّ في المجامع و الشوارع و الأسواق من دون أن يسترن وجوههنّ. و إلّا فلا يبقي موضوع لهذه النصوص.

و إن يكفي في توجيه سؤال الرواة عن حكم النظر و نهي الكتاب و السنة عنه وجود مكشّفات الوجوه بين نساء المؤمنين في الجملة و لو علي نحو غير الغالب أو من غير المتشرعة و غير المباليات منهنّ. و علي أيّ حال فدعوي السيرة بين المسلمات علي عدم ستر الوجه و الكفّين ليست جزافية بل لا تخلو من قرب. كما يظهر من كلمات بعض فقهائنا.

قال الشهيد الثاني (قدّس سرّه) في توجيه جواز النظر إلي الوجه و الكفّين: «لأن ذلك أي إبداء الزينة الظاهرة و كشف الوجه و الكفين ممّا يَعُمُّ به البلويٰ. و لإطباق الناس

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 39

______________________________

في كلّ عصر علي خروج النساء علي وجه يحصل منه بدُوّ ذلك من غير نكير» «1».

قوله (قدّس سرّه): «بدوّ ذلك» أي ظهور الوجه و الكفين و انكشافهما.

و قال العلامة الحلي في المختلف: «و لأنّ الوجه لا يجب ستره بإجماع علماء الإسلام و كذا الكفّان عندنا لأنهما ليستا بعورة، إذا الغالب كشفهما دائماً.. و كذا الرِّجلان بل كشفهما أغلب في العادة» «2».

و لم يرد ردع عن هذه السيرة. و أما ما دلّ من النصوص علي ستر النساء و تحصينهنّ بالبيوت لأنهنّ عورة فلا يصلح لردع هذه السيرة بعد دلالة النصوص المعتبرة الواردة في تفسير الزينة الظاهرة علي عدم وجوب ستر الوجه و الكفّين و

جواز إظهارهما للنساء.

هذا، و لكن مع ذلك كله، إنّ إحراز أصل هذه السيرة بين النساء المتشرعة مشكل بما ناقشنا آنفاً من كفاية وجود مكشّفات بين نساء المؤمنين في الجملة أو من غير المتشرعة منهنّ في توجيه النهي عن النظر.

و أمّا تبادل الأحاديث و الأشعار و استماع المواعظ و الخُطب و الحضور في المساجد و صلوات الجمعة و الجماعات فلا يتوقف شي ءٌ من ذلك علي كشف الوجه و الكفّين بل يتحقق بعضها بالتكلّم و بعضها بنفس الحضور، و لو مع الحجاب الكامل.

و لكن يكفي لإثبات عدم وجوب ستر الوجه و الكفّين عدم تمامية دليل الوجوب. هذا مع دلالة النصوص المعتبرة علي جواز كشفهما.

و عليه فالأقوي عدم وجوب ستر الوجه و الكفين إلّا عند الخوف من الوقوع في المفسدة و في مظانّ إمعان النظر من جانب الأجنبي في وجه المرأة. فيجب عليها

______________________________

(1) المسالك: ج 1 ص 436.

(2) المختلف: ص 83.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 40

______________________________

سترهما لذلك حينئذٍ. و إن كان الأحوط استحباب الستر مطلقاً عملًا بما دل علي وجوب الستر مطلقاً و لعلّه المشهور بين فقهائنا. و قد اتضح بما ذكرنا عدم جواز إظهار القدمين و لا باطنهما للنساء. حيث إنه لم يعلم كونهما من الزينة الظاهرة بعد تعيين الوجه و الكفين في النصوص. فالمرجع حينئذٍ عموم منع إبداء الزينة المفسّرة في النصوص بمواضعها.

حكم ستر بدن الرجل و نظر المرأة إليه

إن عدم وجوب ستر البدن علي الرجل من المسلّمات عند المسلمين المتدينين، و من المرتكزات بين المتشرعة، و من الضروريات التي قامت السيرة القطعية عليه في غير العورة من سائر مواضع بدنه. نعم صورة تعمد المرأة بالنظر إلي بدنه خارجة عن هذه السيرة و إن كان احتياط الماتن (قدّس سرّه)

حينئذٍ استحبابياً حيث قوّي في الذيل عدم وجوب الستر. و الوجه فيه عدم دليل علي الوجوب و مقتضي الأصل البراءة. و عليه فليس وجه ذلك قيام السيرة علي عدم الستر لأنّها دليل لبّي لا إطلاق لها بالنسبة إلي هذه الصورة بل يؤخذ بالمتيقن منه و هو غير صورة تعمّد المرأة بالنظر إلي بدنه.

أمّا نظر المرأة إلي بدن الرجل فتارة: يقع الكلام في حكم نظرها إلي وجه الرجل و رأسه و كفّيه و قدميه. فلا إشكال في جوازه لقيام السيرة القطعية المانعة من انعقاد الإطلاق للآية. و أُخري: في حكم نظرها إلي سائر مواضع بدنه غير العورة. و الأقوي عدم جوازه عملًا بإطلاق آية الغضّ كما سيأتي بيانه مفصّلًا إن شاء اللّٰه تعاليٰ.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 41

المقام الثاني: حكم النظر إلي وجه المرأة و كفّيها

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 43

مسألة: لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلي ما عدا الوجه و الكفّين من المرأة الأجنبية من شعرها و ساير جسدها سواءٌ كان فيه تلذّذ و ريبة أم لا، و كذا الوجه و الكفّان إذا كان بتلذّذ و ريبة. و أمّا بدونها ففيه قولان بل أقوالٌ: الجواز مطلقاً و عدمه مطلقاً و التفصيل بين نظرة واحدة فالأوّل و تكرار النظر فالثاني و أحوط الأقوال أوسطها. (1) (تحرير الوسيلة/ ج 2 ص 243 م 18)

______________________________

(1) المقام الثاني: حكم النظر إلي وجه المرأة و كفّيها قبل الورود في البحث ينبغي تحرير محلّ النزاع فنقول: إن الكلام فيما إذا لم يكن النظر عن شهوة و لا عن ريبة «1» و خوف فتنةٍ و فساد و إلّا فلا إشكال و لا كلام في حرمته. كما من الواضح أنّ الكلام فيما

إذا كان النظر صادراً عن إرادةٍ و قصد و التفات و إلّا فلا إشكال في أنّ النظر الاتفاقي الصادر عن غفلة من غير إرادة و التفات خارج عن محلّ البحث، ضرورة أنّ توجّه التكليف إليه غيرُ معقول إلّا أن تكون مقدماته اختيارية فيدخل في الامتناع بالاختيار الذي لا ينافي الاختيار. فان تحريمه بالنهي عن مقدماته و لو كان معقولًا في نفسه و لكن لا دليل عليه بل لا يخلو بعضُ نصوص المقام من إشعار بجوازه مثل صحيح ابن سويد كما سيأتي بيانه.

و الحاصل: أنّ النظر الاتفاقي الصادر غفلة من غير عمد خارجٌ عن محلّ النزاع في المقام. فالكلام في النظر الإرادي الصادر عن اختيار و التفات و لكن لا بقصد الشهوة و لا عن خوف الافتنان و الفساد. و يعتبر وجود هذا الخوف حين النظر دون الحاصل منه بعد الفراغ عن النظر و مضيّ زمانه بل لو حصلت للناظر حالة الشهوة بعد مضي زمان النظر دون حينه لم يقل أحدٌ بحرمة النظر حينئذٍ ما لم يخف الناظر

______________________________

(1) و المقصود هنا من الريبة في المقام هو خوف الوقوع في الحرام.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 44

______________________________

منها حال النظر.

ثمّ إنّ ظاهر كلام الماتن (قدّس سرّه) في المقام الاحتياط الوجوبي بترك النظر إلي وجه المرأة الأجنبية و كفّيها و لو من غير تلذّذ و ريبة بنظرة واحدة. و لكن قال (قدّس سرّه) في حاشية العروة ذيل احتياط السيد بترك النظر وجوباً: «و إن كان الجواز لا يخلو من قرب» «1».

و لأجل هذا الاختلاف اشتبه الأمر علي بعض الموثقين فنسب إلي الماتن (قدّس سرّه) في رسالته الفارسية جواز النظر إلي وجه المرأة الأجنبية و كفّيها مطلقاً، و

نُسب إليه في بعض آخر من رسائله العملية الاحتياط الواجب بتركه مطلقاً.

و الحق أنّ الذي استقرّ عليه نظره الشريف ما قال (قدّس سرّه) في التحرير حيث ألّفه كتاباً فتوائيا مستقلا بعد تحشيته علي العروة، مضافاً إلي تصريحه بتقديم ما في تحرير الوسيلة علي حاشيته علي العروة و علي جميع رسائله العملية الفارسية عند مشاهدة الاختلاف في جواب بعض الاستفتاءات «2» عن خصوص ذلك.

إذا عرفت ذلك فنقول: قد ذهب في الجواهر إلي عدم جواز النظر إلي وجه المرأة و كفّيها مطلقاً، حيث قال في ختام البحث عن ذلك: «فلا ريب في أن ترك النظر أحوط و أقوي» «3». و نسب إلي الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) الجواز مطلقاً. و اختار المحقق في الشرائع التفصيل بين النظرة الأُولي و الثانية فحكم بحرمة معاودة النظر حيث قال: «يجوز أن ينظر إلي وجهها و كفّيها علي كراهيةٍ مرّةً و لا يجوز معاودة النظر» «4».

______________________________

(1) العروة الوثقي: ج 2 ص 803 الهامش 3.

(2) رسالة الاستفتاءات: ج 1 ص 18 و 19 س 42 و 43 و 44.

(3) الجواهر: ج 29 ص 80.

(4) الجواهر: ج 29 ص 75 و 80.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 45

الاستدلال علي الجواز بالكتاب

______________________________

قد استدلّ علي الجواز مطلقاً بالكتاب و السّنة.

فمن الكتاب: قوله تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا «1». كما في الجواهر «2». بتقريب أنّ حرمة إبداء غير الظاهرة منها كيف يدلّ علي حرمة النظر إليها بحسب الفهم العرفي حيث لا يري أهلُ العرف لمنع كونها بمرأي الأجنبي وجهاً إلّا حرمة نظرهم إليه فكذلك جواز إبداء الظاهرة منها يدلّ علي جواز النظر إليها عرفاً إلا أن يدلّ دليلٌ علي نفي هذه الملازمة حكماً

فيُرفع اليد عن هذا الظهور. كما في بدن الرجل حيث لا يجوز للمرأة النظر إليه مع جواز إبداءه للرجل لكنّه ثابت بالدليل كما سيأتي في محلّه. مضافاً إلي عدم كون بدن الرجل عورة كالمرأة فيفترق عنه في حكم الستر و النظر.

ثمّ إنّ المقصود من الزينة مواضعها بدلالة النصوص المفسرة و أنّ الوجه و الكفّين من مواضع الزينة الظاهرة.

و أُشكل أوّلًا: بأن لفظ الزينة ظاهرٌ بل صريحٌ في نفس الزينة لا موضعها كما في قوله تعاليٰ وَ لٰا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ «3» لأن الذي يعلم بضرب الرِّجل و إيجاد الصوت هو نفس الزينة لا موضعها. و إن كان فرق من جهة أنّ بإبداء ما ظهر من الزينة يبدو مواضعها قطعاً كالخاتم علي الإصبع و السوار علي الزند إلّا إذا كانت علي الثوب كما في القلادة و هذا بخلاف ما خَفِي من الزينة حيث لا يظهر موضعها من سماع صوتها بضرب الرِّجل كالخلخال.

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 31.

(2) الجواهر/ ج 29 ص 75.

(3) سورة النور/ الآية 31.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 46

______________________________

و فيه: أنّ في النصوص المعتبرة فُسّرت الزينة بمواضعها و لا أقلّ من التعميم علي فرض كون النصوص بصدد بيان بعض المصاديق.

ثم إنّه لو أريد بالزينة نفسها يدخل في الظاهرة منها ما يُرفع من شعر الرأس بشدّة مع شي ءٍ و لو تحت العباية و الملاية أو المقنعة و كذا أخذ الحاجب و اكتحاله و تلوين الشفتين و جعل الخاتم علي الإصبع و السوارين علي الزند و تلوين الأظفار و إطالتها و غير ذلك من تزيينات الوجه و الكفّين بل يدخل فيه ملاكاً بروز حجم الصدرين و العقبين تحت الثياب الضيّق،

بل مثل ذلك أشدّ إثارةً للشهوة من بعض أنواع الزينة. و إن لا ينفك إظهار الزينة غالباً عن إظهار الوجه و الكفّين و بالعكس فلا يتصور إبرازها وحدها لكي تحرم إظهارها خاصّة دون الوجه و الكفّين.

و ثانياً: علي فرض إرادة موضع الزينة بدلالة النصوص لا يستلزم جواز إبداء المواضع الظاهرة جواز النظر إليها كما لا يجوز نظر المرأة إلي بدن الرجل مع عدم وجوب التستر عليه.

و فيه: ما سبق آنفاً أنّ نفي الملازمة بدليل خاص كما في مورد المثال لا ينافي ظهور جواز الإبداء في جواز النظر عرفاً كظهور حرمته في عدم جواز النظر في نفسه حسب الفهم العرفي.

و ثالثاً: إن لفظ الإبداء في صورة التعدّي باللام يكون بمعني الارائَة و إعلان الغير بخلاف ما لو تعدّيٰ بلا واسطة حيث يكون حينئذٍ بمعني مجرّد الإظهار، و لذا ينظر قوله تعاليٰ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ إلي جواز إظهار المواضع الظاهرة و عدم وجوب سترها في نفسه بخلاف قوله تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ حيث يكون بمعني إعلانها و إراءَتها للغير، و يدلّ علي عدم جواز الارائَة مطلقاً حتي المواضع الظاهرة. و عليه فالآية المزبورة علي عدم جواز كشف الوجه و الكفّين الأجنبي أدلّ.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 47

______________________________

و فيه: أوّلًا: أن لفظ الإبداء دائماً يتعدي إلي المفعول به بلا واسطة. و إنّما يحتاج إلي اللام في أخذ المفعول له و ليس ذلك ملاك صدق تعدّيه بالواسطة. بل ملاك صدقه احتياجه إلي حرف التعدية فيأخذ المفعول به.

و ثانياً: أنّه علي أيّ حال لا يتغيّر معناه في كلتا الصورتين بمعني الإظهار. نعم لو كان متعلّق الإبداء من مقولة العلم كما يقال: أبديٰ فلان علمه

للحضّار و لكنه بعنوان أحد مصاديق الإظهار لا بمعني مستقل آخر غيره من دون فرقٍ في ذلك بين تعدّيه إلي المفعول به أو إلي المفعول له. و إنّ مقتضي القاعدة في المقام الأخذ بقيد كلتا الآيتين و ذلك لأن في قوله إِلّٰا مٰا ظَهَرَ يكون التقييد من جهة مواضع الإبداء و لكن في قوله إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ يكون النظر إلي التقييد من حيث الأشخاص الذين تظهر الزينة بين أيديهم فإنّ عقد المستثني منه في قوله تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ عام من جهتي مواضع الزينة و الأشخاص الذين تظهر لهم الزينة و قد خصص الفقرة الاولي من جهة المواضع ثم الباقي منها في العقد المستثني منه بعد الاستثناء خُصّص من جهة الأشخاص.

و حاصل الاستثنائين أمران:

أحدهما: عدم جواز إبداء المواضع الغير الظاهرة لغير بعولتهنّ و جواز إظهارها لهم.

ثانيهما: جواز إبداء المواضع الظاهرة مطلقاً و لو لغير بعولتهنّ و إن تقييد الأُولي بالثانية مقتضي الترتيب الذكري في الآية، حيث قال وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَليٰ جُيُوبِهِنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ.. «1» فإنّه تعاليٰ بعد ما حكم بحرمة إظهار الزينة الغير الظاهرة مطلقاً استثني

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 31.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 48

______________________________

البعولة من هذا الحكم و خصّه بغيرهم من الأجانب. و هذا واضح بمقتضي الصناعة.

و رابعاً: إنه من المحتمل جدّاً أن يكون المقصود «ممّا ظهر» ظهور الزينة أو مواضعها بنفسها حين الاشتغال بالعمل من دون قصد و التفات و إنه في الحقيقة من قبيل الظهور و البدُوّ لا من قبيل الإظهار و الإبداء فيكون من الاستثناء المنقطع. و هو ليس بخارج عن أسلوب البلاغة و لا

خلاف ظاهر الكلام كما ربما يقال بل هو دارج في محاورات أهل العرف بل إنّه مقتضي الفصاحة، فمنع الالتزام به في الآيات القرآنية في غير محلّه.

و عليه فلا تنافي الآية صحيحة الفضيل المفصّلة للزينة المنهيّ إبداؤها بما دون الخمار و السوارين الظاهر في الوجه و الكفّين علي ما سيأتي بيانه في تقريب دلالتها.

و فيه: أنّه خلاف مفاد النصوص المفسّرة الظاهرة في جواز إظهار الوجه و الكفّين و لا شاهد من النصوص علي ارادة هذا المعني.

و خامساً: احتمال أن يكون المراد من قوله تعاليٰ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ الثياب التي تلبسها المرأة فوق سائر الثياب كما قدّم في مجمع البيان هذا الاحتمال علي سائر الاحتمالات فإنّ ما عليها من النقوش و الزينة ظاهرةٌ قهراً كما قوّٰاه في الجواهر «1» لما يوجد في النصوص المفسِّرة من الاختلاف الشديد في تفسير الزينة الظاهرة بالوجه و الكفّين. فإنّ في خبر أبي الجارود عد السوار و الخاتم و خضاب الكفّ من الزينة الظاهرة الجائزة إبداؤها و من الواضح أنّ النظر إلي السوار لا ينفك عن النظر إلي موضعه من الزند و أطرافه. و كذا النظر إلي خضاب الكفّ و الخاتم لا ينفك عن النظر إلي ما دون السوار. و لكن عدّ في صحيح الفضيل من قبيل الزينة المحرّم إبداؤها. و من هنا لا يمكن الاعتماد علي هذا التفسير.

______________________________

(1) الجواهر: ج 29 ص 78.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 49

______________________________

و عليه فلا ظهور في قوله إِلّٰا مٰا ظَهَرَ في الوجه و الكفّين.

و فيه: أنّ هذه النصوص المبتلاة بالاختلاف أما ضعيفة سنداً أو مخدوشة دلالة و سيأتي أن المعتبر منها فسّرت الزينة الظاهرة بالوجه و الكفّين و دلّت علي جواز إظهارهما.

الاستدلال علي الجواز بالسُّنة

أما النصوص المستدلّ بها للجواز:

فمنها: ما ورد في تفسير الآية المزبورة من النصوص المعتبرة:

مثل صحيح مسعدة بن زياد، قال

سمعتُ جَعْفراً (عليه السّلام) و سُئِل عمّا تُظْهِر المرأةُ مِنْ زينَتِها، قال (عليه السّلام) الوَجْهُ و الكفّين «1».

و معتبرة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عن قَولِ اللّٰه عزّ و جلّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا، قال (عليه السّلام): الخاتمُ و المِسْكة و الْقُلْب «2».

و معتبر زرارة

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ، إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا قال (عليه السّلام): الزينةُ الظاهِرَةُ الكُحْلُ و الخاتَم «3».

و قد سبق تنقيح أسناد هذه النصوص و بيان مدلولها في الاستدلال علي وجوب ستر الوجه و الكفّين للمرأة. و بيَّنّٰا هناك مفصّلًا تقريب الاستدلال بها و ما في بعض

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 146 ب 109 من أبواب مقدمات النكاح ح 3 و 4 و 5) و قرب الاسناد: ص 40 و فروع الكافي: ج 5 ص 531 ح 3 و 4.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 146 ب 109 من أبواب مقدمات النكاح ح 3 و 4 و 5 و قرب الاسناد/ ص 40 و فروع الكافي: ج 5 ص 531 ح 3 و 4.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 146 ب 109 من أبواب مقدمات النكاح ح 3 و 4 و 5 و قرب الاسناد/ ص 40 و فروع الكافي/ ج 5 ص 531 ح 3 و 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 50

______________________________

رجال سندها من الكلام، فراجع. و لكن المهم هنا أن الاستدلال بهذه الطائفة من النصوص في المقام يبتني علي ثبوت الملازمة العرفية بين وجوب ستر

الوجه و الكفّين و بين حرمة النظر إليهما، بمعني أن إيجاب الستر ظاهرٌ عرفاً في حرمة النظر و تحريم النظر مستلزم لوجوب الستر بحسب الفهم العرفي في مقام الاستظهار من الخطابات و المحاورات. و ليس معني ذلك ثبوت الملازمة الشرعية بين أحكام الستر و النظر بإجماع أو سيرة كما ادّعيٰ بعضٌ، فتأمّل في ذلك لتعرف الفرق بين هاتين الملازمتين.

و منها: صحيحة علي بن سويد

قال: قُلتُ لأبي الحسن (عليه السّلام) إنّي مُبتليٰ بالنَّظرِ إلي المرأةِ الجميلةِ فَيُعجبني النَّظر إليها. فقال (عليه السّلام): يا عليُّ لا بأسَ إذا عَرِف اللّٰه من نِيَّتِك الصّدق و إيّاك و الزِّنا فإنّه يمْحَق البركة و يُهلِك الدِّين «1».

بتقريب أن قوله (عليه السّلام): «لا بأس..» يدلّ علي جواز النظر الإرادي إلي الأجنبية ما لم يكن عن خيانةٍ و لا قصد التلذّذ و النظر الشهواني. و ذلك لظهور كلّ فعل مسند إلي الفاعل المختار في الفعل الإرادي القصدي و منصرف عن الاتفاقي الصادر عن غير قصد و التفات. فإنّ الإنسان مجبول علي القصد و الإرادة في أفعاله.

و لكن يمكن حمله علي ما إذا كان النظر اتفاقياً عن صدفةٍ من غير قصدٍ كما احتمله في الجواهر و الوسائل «2»، و أنّ الإعجاب و التلذّذ إنّما حصلا بعد الفراغ عن النظر و مضيّ زمانه، و إلّا فمن الواضح الضروري أنّ الامام (عليه السّلام) لا ينفي البأس من النظر الاعجابي الذي يخاف منه الوقوع في الفساد و الفتنة حين النظر. فلا مناص من الالتزام بحصول الإعجاب و اللذّة بعد النظر لا حينه كما لا تخلو لفظة «الفاء» في قول السائل. «فيعجبني» من إشعار بتأخُّر حصوله عن النظر. و ذلك بانطباع صورة المرأة في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14

ص 231 ب 1 من أبواب النكاح المحرّم ح 3.

(2) الجواهر: ج 29 ص 79، و الوسائل/ ج 14 ص 232 ب 1 من أبواب النكاح المحرّم ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 51

______________________________

ذهن الناظر بسبب كثرة اتّفاق النظر و إن لم يكن عن قصد و لا إمعان و لعلّ ذلك باقتضاء شغله كما يتفق كثيراً.

ثم إنّ الإعجاب و إن ليس بمعني الالتذاذ لغة بل بمعني الانبساط و الاستحسان و لكنه ملازم للّذة غالباً في المرأة الجميلة المبتلي بها.

و ما يقال: من ظهور الفعل المسند إلي الفاعل المختار في الاختياري إنّما يصح إذا كان بصيغة الفعل، نظراً إلي تَضمُّنه للإسناد دون مجرّد المصدر، فإنّه أعمّ بحسب الاستعمال في الإرادي و غيره، إلّا إذا كانت قرينة علي إرادة أحدهما كتعلّق التكليف فإنّه قرينة علي الفعل الإرادي. بخلاف المقام الذي نُفي البأس و التكليف عنه، و لا سيّما بقرينة قوله: «إني مبتلي بالنظر» المشعر بعدم ارتكاب النظر عن عمدٍ و قصدٍ.

و أما ما يقال: من عدم كون النظر الاتفاقي في مظانّ النهي حتّي يُنفي عنه البأس لخروجه عن اختيار المكلَّف، فيمكن الجواب بأنه كذلك فيما إذا لم يكن مقدماته اختيارية. و أما لو كان مقدماته اختيارية فالنهي عنه معقول كما أنّ سؤال الراوي عن حكمه يشهد علي كونه في مظانّ النهي و لو باعتبار مقدماته و إلّا لم يكن يسأل عن حكمه. كما صرّح بذلك في الجواهر بقوله: «و دعوي عدم صلاحية النظر الاتفاقي لأن يكون موضوعاً لحكم شرعي و لو الإباحة يدفعها منع ذلك باعتبار مقدماته» «1».

و بتطرُّق هذا الاحتمال و إمكان الحمل علي ذلك تسقط الصحيحة عن الصلاحية للاستدلال بها علي المطلوب

و هو جواز النظر القصدي العمدي و لو من غير قصد الشهوة و التلذذ و لا خوف فتنةٍ و ريبة.

ثمّ إنّ قوله (عليه السّلام): «إيّٰاكَ و الزِّنا» نهيٌ عن عواقب النظر. و المقصود هو النهي عن مقدمات تجرُّ الناظر إلي الزنا من نظرٍ شهواني أو حديث النفس مع خاطر

______________________________

(1) الجواهر: ج 29 ص 79.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 52

______________________________

السوء. و يمكن كون المقصود زنا العين أي النظر الشهواني كما هو متعلق المنع في بعض النصوص.

و منها: رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السّلام) في قوله تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا

فهي الثيابُ و الْكُحْلُ و الخاتَمُ و خضابُ الكفّين و السِّوارُ «1». و الزِّينة ثلاثةٌ: زينَةٌ لِلنّاسِ و زينَةٌ للمَحْرَمِ و زينَةٌ للزَّوج. فأمّا زينَةُ النّٰاسِ فَقَدْ ذكرنا. و أمّا زينةُ المَحْرَمِ فَمَوْضِعُ القَلادَةِ فَما فَوْقها و الدُّمْلُجُ «2» فَما دُونَهُ و الخلخالِ و ما أسفلُ مِنهُ. و أمّا زينَةُ الزَّوجِ فالجَسَدُ كُلُّهُ «3».

هذه الرواية و إن لا إشكال في دلالتها علي جواز النظر إلي الوجه و الكفّين حيث إنّ النظر إلي الكحل و الخاتم و خضاب الكفّين مستلزم للنظر إليهما قطعاً، إلّا أنّها مرسلة نظراً إلي عدم إمكان نقل علي بن إبراهيم عن أبي الجارود من دون واسطة لأنّ الفاصلة بينهما بطبقات عديدة فإنّه زياد بن منذر و كان معاصر الامام الباقر (عليه السّلام). مضافاً إلي ما رُوي في ذمّه من أنّه أعمي القلب و كذّاب كافر.

منها: خبر علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر قال

سألتُهُ عن الرَّجُلِ، ما يَصْلحُ أنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنَ المَرْأةِ الَّتي لا تَحِلُّ لَهُ؟ قالَ: الْوَجْهُ وَ الْكَفُّ و مَوْضِعُ السِّوارِ

«4».

و فيه أوّلًا: أنّ سنده ضعيف بعبد اللّٰه بن الحسن إذ لم يرد فيه أيّ توثيق و لا مدح.

______________________________

(1) قال في مجمع البحرين: سِوار كصِلاح و هو الذي يلبس في الذراع فان كان من فضّة فهو قُلب و إن كان من قرن أو عاج فهو مسكة.

(2) قال في مجمع البحرين: الدُّمْلُج بضم الدال و اللّام و إسكان الميم شي ءٌ يشبه السوار تلبسه المرأة في عضدها. و في الصحاح: أنّه المعضد.

(3) مستدرك الوسائل/ ب 84 من أبواب مقدمات النكاح ح 3.

(4) قرب الاسناد: ص 102 سطر 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 53

______________________________

و ثانياً: بأنّه أخصّ من المدّعيٰ لوروده في النساء المحارم لٰا الأجنبية، نظراً إلي إسناد عدم الحلية إلي المرأة نفسها قوله «لا تَحلّ له» و هو ظاهر في حرمة النكاح، كقوله تعاليٰ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ فليس المقصود عدم الحلية من حيث النظر و لو بقرينة جوابه، حيث إنّ ذلك كان مورد سؤال الراوي فكيف يمكن كونه مفروض كلامه؟

و ثالثاً: إنّ مدلولها في النساء المحارم أيضاً غير قابل للالتزام نظراً إلي دلالة النصوص المعتبرة و استقرار السيرة القطعية علي خلافه.

منها: رواية عمرو بن شمر عن أبي جعفر (عليه السّلام) عن جابر بن عبد اللّٰه الأنصاري، قال

خَرجَ رَسُولُ اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) يُريدُ فاطِمَةَ و أنا مَعَهُ. فلمّا انتَهَيْنا إلي البابِ وَضَعَ يَدَهُ عَليهِ فَدَفَعَهُ. ثمّ قال: السَّلامُ عليكُمْ. فَقالَتْ فاطمة (سلام اللّٰه عليها): و عَليْكَ السّلامُ يا رسُولَ اللّٰه. قال (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): أَدْخُلُ؟ قالتْ (سلام اللّٰه عليها): أُدْخُلْ يا رَسولَ اللّٰه. قالَ أَدْخُلُ و مَنْ مَعِي؟ قالت (سلام اللّٰه عليها): ليسَ عَلَيَّ قِناعٌ. فقال

(صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): يا فاطِمَةُ خُذي فضل مِلحفتِكَ فقَنّعي به رأسكِ، ففعلت، ثمّ قال (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): السّلام عليكِ. فقالت (سلام اللّٰه عليها): و عليك السّلام يا رسول اللّٰه. قال أدخل؟ قالت: نعم يا رسول اللّٰه. قال: أنا و مَنْ معي؟ قالت (سلام اللّٰه عليها): و مَن معكَ. قال جابرٌ: فَدَخلَ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و دخلتُ و إذا وجه فاطمة اصفرّ كأنّه بطنُ جُرادة. و قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) ما لي أريٰ وجهكِ أصفر؟ قالت: يا رسول اللّٰه الجُوعُ. فقال رسولُ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): اللّٰهُمّ مُشْبِعَ الجُوعَةِ و دافِعَ الضَّيعَةِ أشْبِعْ فاطمةَ بنت محمّدٍ. قال جابرٌ: فواللّٰه لَنَظَرتُ إلي الدَّم يَنحَدِرُ من قصاصِها حتّي عادَ وجهُها احْمَرَّ فما جاعت بعد ذلك اليوم «1».

و فيه أولًا: أنّها ضعيفة سنداً بعمرو بن شمر حيث ضعّفه النجاشي في ترجمته

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 158 ب 120 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 54

______________________________

و ترجمة جابر و قال إنّه ممّن أضاف في روايات جابر.

و ثانياً: ان مضمونها غير قابل للتصديق فإنّ كل امرأة شريفة تأبي عن الظهور مكشوفة الوجه أمام الرجل الأجنبي فكيف بالصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين.

و ثالثاً: أنّه لم يسمع من أحد غير هذا الخبر أنّها (سلام اللّٰه عليها) ما جاعت بعد ذلك اليوم إلي آخر عمرها.

منها: مرسل مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): قال

قلتُ له ما يَحِلُّ للرَّجُل أنْ يريٰ من المرأةِ إذا لم يَكُنْ مَحْرَماً؟ قال: الوجهُ و الكفّان و القَدمان

«1».

هذه الرواية و إن كانت دلالتها واضحة إلّا أنه لا يمكن الاعتماد عليها لضعف سندها بالإرسال.

منها: ما ورد في المرأة الخثعمية من تعليل النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمره الفضل بصرف وجهه عنها بقوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

رَجلٌ شابٌّ و امرأةٌ شابّةٌ أخافُ أنْ يدخلَ الشَّيْطانُ بَينهُما «2»

فإنه ظاهرٌ في جواز النظر إذا لم يكن عن ريبة و لا خوف افتتان. و لكنّه ضعيف سنداً.

الاستدلال علي حرمة النظر مطلقاً

قد استدلّ علي حرمة النظر إلي وجه المرأة و كفّيها مطلقاً بالكتاب و السنة.

أمّا الكتاب: قوله تعاليٰ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ.. بتقريب أنّ المقصود من الأمر بغضّ البصر ترك النظر، خصوصاً بقرينة معتبرة سعد الإسكاف

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 146 ب 109 من أبواب مقدمات النكاح ح 2.

(2) مستدرك الوسائل/ ب 80 من أبواب مقدمات النكاح- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 55

______________________________

الواردة في مورد نزول الآية عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

استقبلَ شابٌّ من الأنصار امرأةً بالمدينةِ و كانت النِّساء يتقَنَّعْنَ خَلفَ آذانِهِنَّ. فنظرَ إليها و هي مُقبِلةٌ فلمّٰا جازت نَظَر إليها و دخلَ في الزُّقاق قد سمّٰاهُ ببني فلانٍ فجعل ينظرُ خلْفها و اعترضَ وجهه عظمٌ في الحائط أو زُجاجَةٌ فَشُقَّ وجْهُهُ فلمّا مضت المرأةُ نظر فاذا الدماءُ تسيلُ علي ثَوْبِه و صدره و قال و اللّٰه لآتينَّ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لأُخبرنَّهُ فأتاهُ فلمّا رآهُ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: ما هذا؟ فأخبرهُ فَهَبَط جبرئيلُ (عليه السّلام) بهذهِ الآية قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكيٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ «1».

و

ذلك لأنه لولا أن ينظر الشاب الأنصاري إلي وجه المرأة و محاسنها لم يصر مجذوبها لكي يدخل في الزقاق فينشق وجههُ باعتراض العظم. و عليه فبمقتضي مناسبة مورد نزول الآية لا بد أن يكون المقصود من الأمر بغضّ البصر إيجاب ترك النظر. و مقتضي إطلاقه حرمة النظر إلي جميع بدن المرأة حتي الوجه و الكفّين.

و رُدّ بأن غضّ البصر ليس بمعني ترك النظر بل معناه جعل الشي ء مغفولًا عنه و عدم الطمع فيه أو بمعني تخفيف النظر و عدم التحدق فيه أو كون نظر الشاب الأنصاري عن ريبة و شهوة بلحاظ ما ترتّب عليه من الأثر الشهواني أو أنّه عاد في النظر و كرّره.

و أمّا السنّة:

فمنها: النصوص الدالة علي اختصاص جواز النظر إلي وجه المرأة و محاسنها بصورة إرادة تزويجها و عدم جواز ذلك لغير مريد التزويج بمفهوم الشرط.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 138 ب 104 من مقدمات النكاح ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 56

______________________________

مثل صحيحة هشام بن سالم و حمّاد بن عثمان و حفص بن البختري كلّهم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا بأسَ بأن ينظُرَ إلي وجْهها و معاصِمِها إذا أرادَ أن يتزوَّجها «1».

و معتبرة الحسن بن السريّ قال

قلتُ لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجُلُ يُريدُ أن يتزوَّج المرأة يتأمّلُها و ينظُرُ إلي خَلْفها و إلي وجْهها. قال (عليه السّلام): نعم لا بأسَ أن ينظُرَ الرَّجُلُ إلي المرأةِ إذا أراد أنْ يتزوّجها يَنْظُرُ إلي خَلْفِها و إلي وجْهِها «2».

و غير ذلك من النصوص المعتبرة الدالّة علي ذلك. و لكن لا تصلح هذه الطائفة من النصوص للدليلية علي حرمة النظر إلي الوجه و الكفّين علي نحو الإطلاق، لما سيأتي

بيانه من كونها ناظرة إلي النظر عن تأمّل و إمعان.

منها: صحيحة محمّد بن الحسن الصّفار قال

كتبتُ إلي الفقيه في رجلٍ أرادَ أن يشهدَ علي امرأةٍ ليستْ لها بِمحرَمٍ هل يجوزُ لهُ أن يشْهَدَ عليها و هي مِنْ وراءِ السَّتْرِ و يسمَعَ كلامَها إذا شَهِدَ عَدْلان أنّها فُلانةُ بنت فُلان التي تشهدُك و هٰذا كلامُها، أو لا يجوزُ الشهادةُ عليها حتّي تبرُزَ و يُثبِّتُها بِعَيْنها؟ فوقّع (عليه السّلام) تَتَنَقَّبُ و تظْهَرُ للشُّهود إن شاء اللّٰه «3».

وجه الدلالة أنّه لولا وجوب تستّر الوجه عن الأجنبي لم يكن وجهاً لأمره بالتنقّب للظهور و الحضور في محضر الشهود. فلا بد من عدم جواز النظر إلي وجه المرأة في حدّ نفسه.

و أمّا حمل أمره (عليه السّلام) بالتنقُّب علي صورة استحياء المرأة و نحو ذلك فهو خارج عمّا يكون الامام بصدد بيانه من التكليف و الوظيفة الشرعية.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 59 ب 36 من أبواب مقدمات النكاح ح 2.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 59 ب 36 من أبواب مقدمات النكاح ح 3.

(3) التهذيب: ج 6 ص 255.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 57

______________________________

و لكن الّذي يظهر من هذه المكاتبة و ساير النصوص المقام بقرينة توقُّف الشهادة علي معرفة المرأة و تشخيص هويّتها بالنظر إلي عينيها كما فرض في سؤال الراوي عدم ظهور الأمر بالتنقّب في وجوب ستر جميع الوجه بل المقصود بقرينة المقام ستر غير أطراف العينين من سائر مواضع الوجه. و لكن معرفة من يشهد علي المرأة و تشخيصه هويتها بعينيها إنّما يعتبر في جواز شهادته عليها إذا لم يحضر في المحكمة من يعرفها و إلّا فلا يعتبر ذلك كما صُرّح بذلك في صحيحة علي بن يقطين

عن أبي الحسن الأول (عليه السّلام) قال

لا بأسَ بالشهادةِ علي إقرارِ المرأةِ و ليست بمسفرَةٍ إذا عُرفتْ بِعَيْنِها أو حضرَ من يَعرفُها، فأمّا إن كانت لٰا تُعرفُ بعينها و لا يَحضُرُ من يعرفُها فلا يجوزُ للشهودِ أن يَشْهَدُوا عليها و علي إقرارِها دُون أن تُسْفِرَ و ينظُرونَ إليها «1».

و في مكاتبة الصفّار لما فرض في سؤال الراوي حضور رجلين عدلين يعرفان المرأة بعينها و يشهدان أنّها فلانة بنت فلانة فلا يعتبر أن يعرفها الرجل الذي يشهد عليها بنفسه لينظر إلي عينيها و أطرافها بل يكفي معرفة الرجلين الشاهدين بالنظر إلي عينها لا إلي سائر مواضع وجهها حيث لا مجوّز للنظر إلي وجهها بعد حصول معرفة الشاهدين بالنظر إلي عينها و من هنا أمر الإمام (عليه السّلام) بظهورها للشهود بعد التنقّب.

هذا، و لكن يمكن كون أمر المرأة بالتنقّب لغرض تحفظها عن إمعان النظر في وجهها و لو من غير شهوة، لا لوجوب تستر الوجه في نفسه. كما أنّ حرمة النظر بهذا النحو مستفادة من نصوص اختصاص جوازه بمريد التزويج بمفهوم الشرط. و قد دلّت علي ذلك آية الغضّ و علي ذلك تُحمل النصوص المفصّلة بين النظرة الأُولي و الثانية.

و أما الحمل علي الاستحباب جمعاً بين هذه المكاتبة و بين ما دلّ علي جواز

______________________________

(1) التهذيب: ج 6 ص 255 ح 665/ 70.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 58

______________________________

كشف الوجه و الكفّين للمرأة من النصوص المعتبرة نظراً إلي رفع اليد عن ظهورها في وجوب الستر بصراحة تلك النصوص في الجواز، فهو و إن كان بمقتضي الصناعة إلّا أنه فيما إذا كان الدليلان كلاهما ناظرين إلي مورد واحد ففي فرض اتحاد موضوعهما لا مناص من هذا الجمع

بخلاف ما إذا كان أحدهما ناظراً إلي مورد غير ما ينظر إليه الآخر كما في المقام. حيث إنّ المكاتبة وردت في النظر إلي المرأة بمحضر الشهود في المحكمة و من الواضح أن نظر الشاهد إلي وجه المرأة في مقام الشهادة عليها لا يكون إلّا عن تأمّل و إمعان في خصوصيات المرأة و شكلها و عن تحدّق في عينيها ليغرها بهما كما فرض الراوي في سؤاله، و هذا بخلاف النظر إليها في الشوارع و الأسواق حال المشي.

و منها: ما ورد من النصوص الدالّة علي جواز النظر إلي شعر المرأة الذمّية و يديها و رؤس نساء أهل البادية معلّلًا بأنّهن لا حرمة لهنّ و أنّهنّ إذا نهين لا ينتهين.

مثل موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قالَ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): لٰا حُرْمَةَ لِنساءِ أهل الذِّمَّةِ أن يُنْظَرَ إلي شُعُورِهِنَّ و أيْدِيهنّ «1».

و صحيح عبّاد بن صهيب قال

سمعتُ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقولُ: لٰا بأسَ بالنَّظرِ إلي رؤُوسِ أهلِ تُهامةِ و الأعرابِ و أهلِ السَّوادِ و العُلُوجِ لأنَّهُمْ إذا نُهُوا لٰا يَنْتَهُون «2».

بتقريب أن هاتين المعتبرتين دلّتا بمفهوم التعليل علي عدم جواز النظر إلي شعور النساء المسلمات المحترمات و أيديهنّ و محاسنهنّ نظراً إلي حرمتهنّ و انتهائهنّ بالنهي.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 149 ب 112 من أبواب مقدمات النكاح ح 1.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 149 ب 113 من أبواب مقدمات النكاح ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 59

______________________________

و لكن يمكن النقاش في الاستدلال بهذه الطائفة من النصوص بأنّها لا تنفع لإثبات المطلوب في المقام إذ غاية مدلولها حرمة النظر إلي شعر المرأة و يديها في نفسه

و هذا لا ربط له بالوجه و الكفّين. أمّا الوجه فلا إشارة إليه في شي ءٍ من هذه النصوص و لعلّ خلوّها عن ذكره بلحاظ وضوح جواز النظر إليه في نساء أهل الذمّة و البادية لفحوي جوازه في المسلمات المحترمات اللاتي ينتهين بالنهي فلذا لم يسأل عن حكمه في هذه النصوص.

و أمّا استلزام النظر إلي الشعر و اليد النظرَ إلي الوجه و الكفّين و إن صحَّ في نفسه إلّا أنّ كونه وجهاً لعدم التعرض عن حكم الوجه و الكفّين في السؤال لا يساعده الاعتبار بل يساعد ما قلناه.

هذا مضافاً إلي إمكان إرادة ما فوق الزندين من لفظ اليد. فلا ظهور للفظ اليدين في خصوص الكفّين، و لا أقلّ من ظهوره في تمام أجزاء اليد المشتمل علي الكفّ. و لا إشكال في حرمة النظر إليه. و إن كان جواز النظر إلي الوجه و الكفّين معلوم بالأولوية بعد تجويز النظر إلي الشعر و اليد بمدلول هذه النصوص. إلّا أنّ عدم ذكرهما في المنطوق ليس لذلك بل إنّما هو لأجل معلومية الجواز في المقام بفحوي جواز النظر إليهما في النساء المسلمات المحترمات كما قلنا. و من هنا لٰا مفهوم لهذه النصوص بالنسبة إلي المطلوب.

و أمّا السيرة:

فلا تنفع حيث ادُّعيت علي كلّ من الجواز و المنع في الستر. كما لا يُعبأ بدعوي العسر و الحرج في ستر الوجه و الكفّين لمنع لزومهما من ذلك. مع إمكان صرف الكلام إلي غير صورة لزومهما. فهي كدعوي إطباق الفقهاء و إجماعهم لا أساس لها في المقام.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 60

______________________________

و أمّا معلومية كون المرأة عورة بدعوي إطباق الفقهاء علي أنّ بدن المرأة عورة إلّا في الزوج و المحارم كما

في الجواهر «1» ففيه:

أنّ كون وجه المرأة و كفّيها عورة أوّل الكلام بل الحجّة علي خلافه. كيف؟ و النصوص المعتبرة دلّت علي جواز إظهارهما للمرأة.

و دعوي إطباق الفقهاء علي الحرمة مع ذهاب كثير من الفقهاء إلي جواز إظهار الوجه و الكفّين لا يعبأ بها.

و أمّا مناسبة تحريم النظر إلي الوجه و الكفّين مطلقاً صوناً للرجال و بعدهم عن الوقوع في الافتنان و الزنا المعلوم من الشارع إرادة عدمهما كما قال في الجواهر «2» و إن كان مما لا ينكر. و لكن مجرّد المناسبة لا يكفي لإثبات الحرمة و إلّا لكان السلام علي النساء خصوصاً الشابّة منهنّ حراماً لما فيه من خوف الفتنة، كما ورد «3» عن علي (عليه السّلام) تعليل تركه بخوف أن يعجبه سماع صوت الأجنبية. و الحال أنّه لم يفت أحدٌ بحرمته.

التفصيل بين النظرة الأُولي و الثانية

قد فصّل في الشرائع بين النظرة الاولي و الثانية فحكم بالجواز في الأُولي و بالحرمة في الثانية و زاد في الجواهر في شرحه بقوله: «في مجلس واحد بل و لا إطالته» «4». و استدلّ علي هذا التفصيل؛

______________________________

(1) الجواهر: ج 29 ص 77.

(2) الجواهر: ج 29 ص 78.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 173 ب 131 من مقدمات النكاح ح 3.

(4) الجواهر: ج 29 ص 80.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 61

______________________________

أولًا: بأنه وجه الجمع بين طائفتين من نصوص المقام المجوّزة و المحرِّمة مطلقا بشهادة ما دلّ من النصوص المعتبرة بعضها علي هذا التفصيل و سيأتي ذكرها إن شاء اللّٰه.

و ثانياً: بأنّ في تكرار النظر أو إطالته خوف الفتنة و إثارة الشهوة بخلاف النظرة الأُولي.

و ردّه في الجواهر: مضافاً إلي إباءِ إطلاق أدلّة الجواز و المنع عن التقييد بكون البحث في

أنّ وجه المرأة و كفّيها هل هما عورة أو ليسا بعورة؟ كما في الصلاة. فلو ثبت كونهما عورة لا وجه لجواز النظر مطلقاً حتي النظرة الأُولي و إلّا يجوز مطلقاً حتي الثانية. و أمّا خوف الفتنة و إثارة الشهوة فهو خارج عن محلّ الكلام. إذا الكلام في غير الموجب لذلك فلا وجه لهذا التفصيل. بل هو ظاهر النصوص المفصّلة النهي عن اتباع النظرة الأُولي الاتفاقية بالنظرة الثانية العمدية كما هو الواقع غالباً فيكون حينئذٍ دليلًا للرأي المختار من عدم جواز النظر العمدي إلي وجه المرأة و كفّيها مطلقاً.

هذا حاصل كلام صاحب الجواهر (قدّس سرّه) في المقام.

و زاد السيد الخوئي (قدّس سرّه) في الاشكال علي هذا التفصيل بأنّ إطلاق جواز النظرة الأُولي يقتضي جوازها إلي جميع مواضع بدن المرأة و هو غير قابل للالتزام. كما يقتضي جواز النظر العمدي الاختياري.

و الأمر يدور بين تقييد هذا الإطلاق بصورة العمد و الاختيار و اختصاص الجواز بالنظر الاتفاقي و بين تقييده بالوجه و الكفّين. و المساعد للاعتبار هو التقييد الأوّل نظراً إلي عدم إشكالٍ في النظر الاتفاقي حتي إلي غير الوجه و الكفّين بخلاف العمدي حتّي إلي الوجه و الكفّين. مضافاً إلي عدم تحديد النظرة الاولي من جهة الوقت فيشمل زماناً طويلًا، و ذلك ممّا لا يمكن الالتزام به. فهل يمكن الالتزام بجواز النظرة

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 62

______________________________

الأُولي بمدّة خمس أو عشر دقائق مثلًا؟

و فيه أولًا: أنّ النظر الاتفاقي الخارج عن اختيار المكلّف لا يقبل التكليف و لا يتطرّق إليه الجواز و الحرمة لكي يتعرّض الشارع لبيان حكمه التكليفي. و أما إطلاق النظرة الأُولي لغير الوجه و الكفّين فلو لم نقل بعدمه نظراً إلي انصراف

هذه النصوص عن غير المحاسن الظاهرة التي هي بمرأي الأنظار عادةً لا مناص من تقييده بما دلّ من النصوص المتواترة علي حرمة النظر إلي غيرهما مطلقاً. و عليه فلا إطلاق للنصوص المفصّلة في جواز النظر إلي غيرهما مطلقاً. و عليه فلا إطلاق للنصوص المفصّلة في جواز النظرة الاولي من جهة العمد و الاختيار و عدمهما، بل و لا من جهة سائر المواضع غير الوجه و الكفّين. و علي فرضه فلا مناص من تقييده بأدلة حرمة النظر إلي سائر أعضاء بدن المرأة.

و ثانياً: إنّ حديث تحديد النظرة الأُولي زماناً كأيّ عنوان من العناوين المأخوذة في لسان الخطابات موكول إلي نظر العرف باقتضاء مناسبة الحكم و الموضوع. و لا ريب في انضباط نظر العرف في تحديد دفعات النظر. و عليه فلا يُصغي إلي دعوي عدم انضباط نظر العرف في ذلك.

مقتضي التحقيق في المقام

و الذي يخطر بالبال في مقام التحقيق التفصيل بينما إذا كان النظر عن إمعان و تأمّل و دقة بتكرار النظر أو إطالته و الغور في خصوصيات الوجه و شكل المرأة و شمائلها و بين ما إذا لم يكن النظر كذلك بأن كان آنياً بدوياً و سطحياً إجمالياً من غير غور و إمعان في عين حال كونه إرادياً و إلّا يخرج عن محلّ الكلام.

و الدليل علي ذلك:

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 63

______________________________

أولًا: الآية الآمرة بغض البصر عن الأجنبية من دون نهي عن أصل النظر بغمض العين و هي قوله تعاليٰ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ.. «1» فإنّ غضّ البصر في اللغة بمعني نقص البصر و تخفيفه كما في الصحاح و القاموس و مجمع البحرين و المفردات و مجمع البيان و ساير معاجم اللغة و التفاسير

«2». و إنّما يتحقق نقصان البصر بتخفيف النظر و ترك التأمّل و الإمعان فيه كما يكون بعدم التكرار و الإعادة. إلّا أنّ الموجب لإثارة الشهوة و الوقوع في الفتنة المبتني عليه تحريم النظر هو الأوّل لا مجرّد التكرار الخالي عن الغور و المكث و الإمعان. و عليه فليست الآية بصدد النهي عن أصل النظر و إلّا لكان المناسب أن يتعلق الأمر بإغماض العين و ترك النظر. و الفرق بينهما واضح. فإنّ إغماض العين و تغميضها إطباق أجفان العين و أطرافها كما في المصباح «3» و غيره.

و هذا بخلاف غضّ البصر فإنه نقص البصر و تخفيفه بترك الغور و الإمعان و عدم التحدُّق و المكث فيه «4».

و الذي تعلق الأمر به في الآية الشريفة هو غضّ البصر لا إغماضه. كما أنّ مناسبة عدم الوقوع في الفتنة بإثارة الشهوة تقتضي كون المقصود من الأمر بالغضّ

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 30.

(2) قال في الصحاح: و غضّ منه أي من طرفه أي وضع و نقص من قدره. و عين هذا التعبير موجود في القاموس و نظيره في المصباح.

و في مجمع البحرين: قوله تعاليٰ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ.. أي ينقصوا من نظرهم و في المفردات: الغضّ النقصان من الطرف و الصوت.

و في مجمع البيان: أصل الغضّ النقصان. يقال: غضّ من صوته و من بصره أي نقص.

(3) قال في المصباح: «و أغمضت العين إغماضاً و غمّضتها تغميضاً أطبقتُ الأجفان» و يقال في الفارسية: روي هم گذاشتن پلكها و بستن چشم.

(4) و يعبّر عن ذلك في الفارسية چشم ندوختن و خيره نشدن.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 64

______________________________

تحريم إمعان النظر و الغور فيه. و لا سيّما بلحاظ معتبرة سعد الإسكاف

«3» الواردة في مورد نزول هذه الآية و قد سبق ذكرها و بيان مفادها آنفاً. وجه الدلالة أنّه و إن يشكل دعوي كون نظر الشاب الأنصاري عن شهوة و ريبة لوضوح أنّه لم يكن يري حينئذٍ لنفسه جرأة الشكويٰ إلي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بلحاظ ما كان يحسّه من الذنب الذي ارتكبه فان الآثم مورد لملامة نفسه اللوّامة دائماً، و مع ذلك كيف يري لنفسه استحقاقاً للشكويٰ إلي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) بل الظاهر أن نظره كان عن تحدّق و إمعان فلذا جذبه جمال المرأة و جرّه إلي داخل الزقاق، و إلّا فالنظر الآنيّ المسامحي الذي لا يتأمّل فيه الناظر بل يُعرض عنه من دون مكث و توقُّف فيه لم يكن موجباً لإثارة شهوته و غفلته ليجرّه إلي الزقاق فيشقّ وجهه باعتراض عظم في الحائط.

و الوجه فيه: أنّ الإمعان في النظر و التحدُّق في وجه المرأة هو الذي يوجب انطباع صورة وجهها بما له من الخصوصيات و المحاسن في ذهن الناظر فيوجب ذلك بعداً عند توجّهه التفصيلي إلي تلك الخصوصيات إثارة شهوته و بهذا الاعتبار ورد في صحيح الكاهلي أنّ النظرة بعد النظرة تزرع الشهوة في القلب. فما دام لم يكن النظر إلي وجه المرأة عن إمعان و غور لا يستتبع أثراً سيّئاً في نفس الناظر.

و عليه فالذي يستفاد حرمته من الآية إنّما هو إمعان النظر بتأمّل و دقّة في خصوصيات وجه المرأة.

و هو و إن كان غالباً بتكرار النظر و لكن وقوعه بالنظرة الاولي بمكان من الإمكان بل يمكن القطع بأن ملاك المنع هذه الخصوصية. فإنها توجب إثارة الشهوة المبتني علي دفعها الأمر بغض البصر عن

الأجنبية في الآية و النهي عن النظر إليها في النصوص و من الواضح أنّها ربّما تتحقق في النظرة الأُولي أيضاً. و علي ذلك تُحمل

______________________________

(3) الوسائل/ ج 14 ص 138 ب 134 من أبواب مقدمات النكاح ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 65

______________________________

النصوص المفصّلة بين النظرة الأُولي و الثانية. فلا دلالة للآية علي حرمة أصل النظر بل لا تخلو من إشعارٍ بجوازه، لأنّها في مقام تشريع حكم النظر فلو كان حراماً مطلقاً لكان المناسب أن يُعبَّر بما يدل عليه.

هذا مضافاً إلي أنّ عدم الدليل علي الحرمة كاف لإثبات جواز النظر و ذلك بمقتضي أصالة البراءة من حرمته عند الشك كما أشرنا آنفاً.

و ثانياً: ما ورد في الشهادة علي المرأة من أمرها بالتنقّب للظهور في محضر الشهود كما في مكاتبة الصفّار حيث وقّع عليه الامام (عليه السّلام) بقوله

تَتَنَقَّبُ وَ تَظْهَرُ لِلشُّهودِ إن شاءَ اللّٰه «1»

و قد سبق ذكر هذه المكاتبة في الاستدلال علي حرمة النظر مطلقاً و قد استظهرنا هناك من الأمر بالتنقب كونه بغرض صون المرأة عن تأمل الرجل الأجنبي في وجهها و لو من غير شهوة لا لأجل وجوب تستّر الوجه في نفسه. و ذلك لأن النظر إلي وجه المرأة المشهود عليها لا يكون إلّا بغرض معرفتها و تشخيص هويّتها و لا يمكن ذلك إلّا بتأمّلٍ و إمعان و مكث في النظر.

و عليه فأمره (عليه السّلام) المرأة بالتنقّب في محضر الشهود إذا دلّ بظاهره علي وجوب تستّر المرأة وجهها عن الناظر المتأمّل في مقام الشهادة يدلّ بالملازمة بل بالفحوي علي وجوبه في نفسه فيثبت بالملازمة العرفية حرمة النظر إلي وجه المرأة الأجنبية عن تأمّل و إمعان.

و ثالثاً: النصوص الدالّة علي اختصاص جواز

النظر إلي وجه المرأة و محاسنها عن تأمّل و إمعان لمن أراد تزويجها فإنّها قد دلّت بمفهوم الشرط علي عدم جواز ذلك في نفسه لغير مريد التزويج و قد سبق ذكر هذه الطائفة من النصوص سابقاً.

و أما وجه دلالتها: أنّ نظر الرجل إلي الوجه و محاسن المرأة التي يريد تزويجها

______________________________

(1) التهذيب: ج 6 ص 255 ح 696/ 71.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 66

______________________________

لا يكون إلّا عن إمعان و تأمّل. و إلّا لٰا يحصل به غرضه و هو التحزّز عن التضرّر نظراً إلي أن إقدامه علي التزويج بمثابة شراء المرأة بأغلي الثمن الذي هو المهر كما عُلّل به تجويز النظر في نصوص المقام «1».

و عُلِّل في بعضها بأنّ مريد التزويج مُستامٌ إن يقض أمرٌ يكن «2». و عليه فينبغي له أن يفتح عينيه و يتأمّل في نظره إلي وجه المرأة و محاسنها لئلّا ينكشف بعد مضي عقد النكاح أنها غير مطلوبة فيذهب ماله هدراً و يتضرّر بذلك حيث لا مخلص له منها ذاكئذٍ إلّا بدفع المهر إليها و لو نصفه فيما إذا لم يدخل بها.

و قد يناقش في دلالة هذه النصوص بما حاصله: أنّه قد دلّت بمنطوقها علي جواز النظر إلي شعر المرأة و ساير محاسنها عند إرادة التزويج فلا يختصّ بالوجه و الكفّين.

و فيه: ما لا يخفي لأنّ عمومية المنطوق لشعر المرأة و ساير محاسنها لا تضرّ بثبوت المفهوم في جميع ما دلّ المنطوق علي جواز النظر إليه.

و عليه فتدل هذه النصوص بالمفهوم علي عدم جواز النظر إلي الوجه و الكفّين كسائر مواضع بدن المرأة لغير مريد التزويج و لكنّها ناظرة إلي النظر الذي يكون عن تأمّل و إمعان في خصوصيات المرأة

و شكلها و شمائلها مما يعرف به محاسنها و جمالها. و عليه فالنظر الآني المسامحي الذي يمكث فيه الناظر خارج عن نطاق هذه النصوص.

و ممّا يشهد لذلك معتبرة الحسن بن السريّ قال

قلتُ لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرَّجلُ يُريدُ أن يتزوّجَ المرأةَ يتأمّلها و ينظُرُ إلي خَلْفِها و إلي وجْهها قال (عليه السّلام): نعم لٰا بأسَ أن ينظُرَ الرَّجل إلي المرأة إذا أرادَ أن يتزوّجها ينظُرُ إلي خَلْفِها

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 59 ب 36 ح 1 و 7 و 11.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 61 ب 36 ح 12.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 67

______________________________

و إلي وجْهِها «1».

و عليه فالمنفي جوازه بدلالة مفهوم الشرط في هذه النصوص هو النظر التحدّقي التفصيلي الذي يكون بإمعان و تأمّل في خصوصيات الوجه و الكفّين.

هذا و لكن الإنصاف أنّه يرد علي الاستدلال بهذه النصوص علي التفصيل المختار إشكال لا يمكن الإغماض و الذبّ عنه.

و حاصله: أنّ نظر مريد التزويج إلي وجه المرأة و شعرها و معاصمها و محاسنها مع ترقيقها الثياب و تزيينها بأنواع الزينة لا ينفكُّ غالباً بل في الأغلب عن خوف الوقوع في الفتنة. و لا سيّما إذا كان النظر عن تأمّل و مكث و إمعان في خصوصيات المرأة و محاسنها. و عليه فالنظر الذي تدلّ نصوص المقام علي جوازه هو هذا النظر و لا ريب في حرمته لغير مريد التزويج بل هو خارج عن محل البحث و الكلام. كما قلنا في صدر هذا المبحث.

و الحاصل أنّه لا نظر لهذه النصوص إلي صِرف النظر الخالي عن خوف الافتتان المنفك عن حصول الشهوة حتي تدل بالمفهوم علي عدم جوازه لغير مريد التزويج. فإذا لم تكن

بصدد التعرّض إلي تجويز هذا النوع من النظر بمنطوقها، فكيف تدلّ علي نفي جوازه بمفهومها؟

إن قلت: إنّ النظر عن تأمّل و إمعان مستلزم لإثارة الشهوة و خوف الوقوع في الفتنة حتي لغير مريد التزويج فلا ريب في حرمته بل هو خارج عن محل الكلام.

قلت: ليس الأمر كذلك فانّ انفكاك النظر التأمّلي عن إثارة الشهوة و الخوف من الفتنة بمكان من الإمكان. فكيف ينفك عنها تكرار النظر و إعادته و يبتني عليه التفصيل بين النظرة الأُوليٰ و الثانية؟ فكذلك إذا كان النظر عن تأمّل و إمعان.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 59 ب 36 من أبواب مقدمات النكاح ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 68

______________________________

و رابعاً: النصوص الكثيرة المفصّلة بين النظرة الأُولي و الثانية.

منها: صحيح الكاهلي، قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

النظرَةُ بَعْدَ النظْرَةِ تزرَعُ في القلبِ الشَّهْوَةَ و كَفي بها لِصاحِبها فِتنةً «1».

منها: خبر السكوني عن الصادق (عليه السّلام): قال و قال (عليه السّلام)

أوّل نظرَةٍ لَك و الثّانيةُ عليكَ و لا لكَ و الثالثةُ فيها الهلاكُ «2».

قوله (عليه السّلام)

و عليكَ و لا لك

أي لا يجوز لك و هو كناية عن الحرمة.

منها: خبر الحسن بن عبد اللّٰه عن أبيه عن الرضا (عليه السّلام) عن آبائه قال: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ. فليسَ لكَ يا عليّ إلّا أوّلُ نظرةٍ «3».

منها: ما رواه في الخصال بإسناده عن عليّ (عليه السّلام) في حديث الأربعمائة قال (عليه السّلام)

لكمْ أوّلُ نظرةٍ إلي المرأةِ فلا تُتْبِعُوها نظرَةً أُخري و أحذَرُوا الفتنة «4».

منها: خبر أبي الطفيل عن علي بن أبي طالب (عليه السّلام)

إنّ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

قال له: يا علي لكَ كَنزٌ في الجنَّةِ و أنتَ ذو قَرْنَيْها فلا تُتْبِعِ النظرة النظرة فإنَّ لكَ الاولي فليستْ لَكَ الأخيرة «5».

فإنّ أكثر هذه النصوص غير معتبرة إلّا صحيح الكاهلي. و المستفاد منه زرع الشهوة و الوقوع في الفتنة بتكرار النظر و هو لا يوجب ذلك كما قلنا إلّا إذا كان عن تأمّلٍ و إمعان.

و أما تفصيل سائر النصوص بين النظرة الأُولي و الثانية فمحمول علي ما قلنا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 139 ب 104 من أبواب مقدمات النكاح ح 6.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 139 ب 104 من أبواب مقدمات النكاح ح 8.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 140 ب 104 ح 11.

(4) الوسائل/ ج 14 ص 140 ب 104 ح 15.

(5) الوسائل/ ج 14 الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح ح 14.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 69

______________________________

بقرينة ما دلّ علي ذلك من الكتاب و السّنة. و بالتأمّل في خصوصية هذا التفصيل يفهم أنّ ملاكه لا يكون إلّا أن النظرة الثانية تثير الشهوة و تزرع أثرها السّوء في قلب الناظر. كما صرّح بذلك في صحيح الكاهلي حيث إنّها تكون غالباً عن تأمّل و إمعان و إلّا فمن الواضح أنّ مجرّد تكرار النظر لا يزرع شهوة في القلب ما لم يتأمّل الناظر و لم يُمعن في النظر و لا يوجب فتنة إلّا بالتكرار إلي حدٍّ موجب لانطباع شكل المرأة و شمائلها في ذهن الناظر.

و علي ما قلنا يحمل ما دلّ من النصوص علي جواز النظر بظاهره مثل صحاح مسعدة و أبي بصير و زرارة المتقدمة. فإنها و إن دلّت بالمطابقة علي جواز إظهار الوجه و الكفين إلّا أنّ الملازمة العرفية قاضية باستفادة

جواز النظر إليهما من تجويز كشفهما في مرأي الرجال الأجانب بمناسبة الحكم و الموضوع كما أنّ تحريم إظهارهما يناسب حرمة النظر إليهما.

و أما نفي الملازمة بين جواز الإظهار و بين جواز النظر كما قال في الوسائل و الجواهر «1» و تبعه غيرهما فهو خارج عن الفهم العرفي و الذوق السليم. و قد بيَّنّٰا وجه ذلك مفصّلًا في السابق.

فمقتضي التحقيق في النظر إلي وجه المرأة و كفّيه هو التفصيل المزبور. و إن كان الأحوط استحباباً تركه مطلقاً عملًا بما دلّ علي ذلك و رعاية لجانب المشهور من الفقهاء و وفاقاً لصاحب الجواهر و لدعوي السيرة المتشرعة علي ترك النظر إلي وجه المرأة و كون التطلع علي محاسنها من المنكرات في ارتكاز أذهان المتشرعة.

______________________________

(1) حيث قال: «و هو أي جواز إظهار الوجه و الكفين أعمّ من النظر إذ يمكن رفع الشارع و وجوب الستر عليهما بمجرد احتمال الناظر و مظنة العسر و الحرج بخلاف باقي البدن و إن وجب علي الناظر الغضّ» الجواهر ج 29 ص 78.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 70

______________________________

ثم إنه يمكن الاشكال علي التفصيل المختار:

أوّلًا: بأنّ هذا التفصيل لم يقل به أحدٌ في المقام فكأنّه خلاف الإجماع المركّب.

و ثانياً: بأن النظر إلي وجه المرأة و كفّيها عن تأمّل و إمعان لا يخلو نوعاً من إثارة الشهوة و خوف الوقوع في الفتنة فهو خارج عن محلّ الكلام.

و الجواب عن الأول: أنّه بعد مساعدة الدليل لهذا التفصيل لا وجه للاستيحاش من عدم ذهاب الفقهاء إليه.

و عن الثاني: بأنّ الملاك في صدق النظر عن ريبة و تحقّق الخوف المأخوذ في موضوع الحرمة هو الخوف الحاصل حين النظر لشخص الناظر لا لغيره و لو لمتعارف

الناس.

و ممّا يؤيد التفصيل المختار ما ورد عن علي (عليه السّلام) في حديث مرفوع

لا تَكُونَن حَديدَ النَّظَرِ إلي ما لَيْسَ لَكَ فإنَّهُ لٰا يزني فَرْجُكَ ما حَفِظْتَ عَيْنَيْكَ «1».

______________________________

(1) شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج 2 ص 236.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 71

[حكم نظر المرأة إلي وجه الرجل و ساير مواضع بدنه]

مسألة: «لا يجوز للمرأة النظر إلي الأجنبي كالعكس و الأقرب استثناءُ الوجه و الكفّين». (1) (تحرير الوسيلة/ ج 2/ ص 243/ م 19)

______________________________

(1) حكم نظر المرأة إلي وجه الرجل و ساير مواضع بدنه ذهب في الجواهر إلي حرمة نظر المرأة إلي جميع بدن الرجل حتي الوجه و الكفّين و لو في المرّة الأوليٰ و بلا قصد شهوة و لا خوف فتنة. و في الشرائع إلي التفصيل بين النظرة الأُولي و الثانية عين ما أفتيا في نظر الرجل إلي وجه المرأة و كفّيها.

و استدل عليه بدلالة قوله تعاليٰ قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ «1» و إنّ استثناء الوجه و الكفّين يبتني علي الملازمة بين عدم وجوب سترهما للرجل و بين جواز نظر المرأة إليهما و لكنّها غير ثابتةٍ.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الآية. و لكن مقتضي التحقيق جواز نظر المرأة إلي وجه الرجل و كفّيه دون سائر مواضع بدنه.

و الوجه فيه: أنّ آية الغضّ و إن دلّت بإطلاقها علي عدم جواز النظر حتّي إلي وجه الرجل و كفّيه إلّا أنّ إطلاقها قد خُصِّصت بالسيرة القطعية المستقرّة من المتشرعة علي نظر النساء المؤمنات إلي وجوه الرجال و رؤوسهم و أيديهم حتي في عصر النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) من دون وصول ردعٍ منهم. و لذا لا ينعقد إطلاق للآية بالنسبة إلي ذلك. لأنّ استقرار

هذه السيرة في عصر الشارع يمنع عن انعقاد الإطلاق لها.

و أمّا سائر مواضع بدنه فلا سيرة علي نظر النساء لكي يمنع عن ظهور الآية في وجوب الغض و حرمة النظر. فلا مانع من دلالة الآية علي حرمة نظر المرأة إلي بدن الرجل.

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 31.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 72

______________________________

و أمّا دعوي الإجماع علي الملازمة بين ثبوت الحكم في جانب الرجل و بين ثبوته في جانب المرأة كما في الرياض علي فرض تحققه فمخدوشة لانتقاضه بحرمة نظر المرأة إلي بدن الرجل مع عدم وجوب ستر البدن علي الرجل.

نعم ثبوت الملازمة العرفية بين حرمة النظر و بين وجوب الستر بمعني ظهور تحريم النظر إلي موضع من البدن في وجوب ستره عرفاً كما قلنا سابقاً مما لا إشكال فيه. و لكنّها ليست من قبيل الملازمة في الحكم بإجماع أو نحوه. و لا ينبغي الخلط بين هاتين الملازمتين.

فالعمدة في الاستدلال علي حرمة نظر المرأة إلي بدن الرجل هو آية الغضّ لكن علي التفصيل الذي سبق منّٰا بين النظر الآني الإجمالي و بين النظر التحدُّقي بإمعان و دقَّة.

و تؤيّد ذلك عدّة نصوص مرسلة:

منها: ما رواه البرقي عن النبي: قال

إسْتَأْذَن ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ عَلي النَّبِيَّ و عِنْدَهُ عائِشَةُ وَ حَفْصَةُ فَقَالَ لَهُما قُوما فَادْخُلا الْبَيْتَ فَقَالَتا: إنَّهُ أعمي. فَقَالَ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنْ لَمْ يَرَكُما فَإنَّكُما تَرَيانِهِ «1».

هذه الرواية ضعيفة السند لإرساله نظراً إلي عدم إمكان نقل البرقي عن النبي بلا واسطة.

منها: ما رواه الصدوق في عقاب الأعمال قال: قال النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

اشْتَدَّ غَضَبُ اللّٰهِ علي امْرَأَةٍ ذاتِ بَعْلٍ مَلأَتْ عَيْنُها مِنْ غَيْرِ زَوْجِها أو غَيْرِ ذي

مَحْرَمٍ منها. فإنّها إن فَعَلَتْ ذلِكَ أَحْبَطَ اللّٰهُ عَزَّ وَ جل كُلَّ عَمَلٍ عَمِلَتْهُ.. «2».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 171 ب 129 من مقدمات النكاح ح 1.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 171 ب 129 من مقدمات النكاح ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 73

______________________________

منها: ما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّ فاطمة قالت له في حديث

خَيْرٌ لِلنِّساءِ أَنْ لٰا يَرَيْنَ الرِّجال وَ لٰا يَراهُنَّ الرِّجالُ فَقَالَ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): فاطِمَةُ مِنِّي «1».

و أيضاً رويٰ عن أمّ سلمة قالت

كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) وَ عِنْدهُ مَيْمُونَةُ فأَقْبَلَ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ وَ ذلِكَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بالْحِجابِ فَقالَ: احْتَجِبا فَقُلن يا رَسُولَ اللّٰهِ: أ لَيْسَ أعمي لٰا يُبْصِرُنا؟ قالَ: أَ فَعَمْياوٰانِ أَنْتُما، لَسْتُما تُبْصِرانِهِ؟ «2»

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 171 ب 129 من مقدمات النكاح ح 3.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 171 ب 129 من مقدمات النكاح ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 75

مستثنيات حرمة النظر

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 77

مسألة: يستثني من حرمة النظر و اللمس في الأجنبي و الأجنبية مقام المعالجة (1) إذا لم يكن بالمماثل. كمعرفة النبض إذا لم تمكن بآلة نحو الدّرجة و غيرها و الفصد و الحجامة و جبر الكسر و نحو ذلك.

______________________________

مستثنيات حرمة النظر

منها: مقام المعالجة

(1) قد استثني عدم جواز النظر لكل من الرجل و المرأة في موارد:

منها: مقام المعالجة، فحُكِم بجواز النظر إذا توقف عليه العلاج بل بجواز اللمس و المس مباشراً. و لكنّه عند عدم وجود المماثل و عدم الإمكان بغير المباشرة. حيث إنّه لا يصدق الاضطرار مع وجود المماثل و إمكان العلاج بدون المباشرة.

و قد يقال: بكفاية مطلق الحاجة إلي العلاج بجواز النظر و اللمس كما هو ظاهر كلمات كثير من الفقهاء بل في المسالك الإجماع علي جواز النظر مع الحاجة إليه.

و لكن لا دليل عليه بل الدليل علي خلافه، كما سيأتي. و أمّا الإجماع فهو محتمل المدرك لقوّة احتمال استناده إلي بعض نصوص المقام كما قال في الجواهر بعد نقل الإجماع المحكي:

«و إن كان المظنون أنّ حاكيه قد استنبطه من استقراء بعض الموارد التي ذكرت في النصوص» «1».

بل مقتضي التحقيق في المقام أنّ ملاك جواز النظر و المسّ هو الاضطرار إلي العلاج.

______________________________

(1) الجواهر: ج 29 ص 88.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 78

______________________________

و الدليل علي ذلك صحيح أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الامْرأَةِ الْمُسْلِمَةِ يُصيبُها البَلاءُ في جَسَدِها، إمّٰا كَسْرٌ و إمّٰا جَرْحٌ في مَكانٍ لا يَصْلحُ النَّظَرُ إلَيْهِ يَكُونُ الرَّجُلُ أَرْفَقُ بِعلاجِهِ مِنَ النِّساء أَ يَصْلَحُ لَهُ النَّظَرُ إليْها؟ قال: إذا اضطَرَّت إِلَيْهِ فَلْيُعالِجْها إنّ شاءَت «1».

قوله (عليه السّلام)

أَرْفَقُ بِعلاجِهِ

مِنَ النِّساء

أي أكثر استحكاماً و اطميناناً في الطبابة بعلاج الرجل من علاج النساء. كما قال في المصباح: رفقت العمل أي أحكمته. أو بمعني أسهل و أيسر بعلاجه من علاج النساء بلحاظ صعوبة مقدمات الرجوع إلي المرأة الطبيبة. و المقصود من الاضطرار في قوله (عليه السّلام)

إذا اضْطَرَّت إلَيْهِ

هو الاضطرار العرفي القابل للتحمل باتعاب النفس. فلذا قيّده بقوله (عليه السّلام)

إن شاءَت

أي يجوز لها أن ترجع إلي الرجل الطبيب إن شاءَت العلاج و لا ترضي بتحمل صعوبة الرجوع إلي النساء باتعاب النفس و تحمّل مشقة علاجهنّ.

و علي أيّ حال لا إشكال في دلالة هذه الصحيحة علي اعتبار الاضطرار في جواز كشف موضوع الدّاء و المرض من الجسد للمرأة المريضة و جواز نظر الأجنبي المعالج إليه. و ذلك لظهور قوله (عليه السّلام)

فليعالجها

في الجواز لا الوجوب نظراً إلي كونه في موضع توهم الخطر.

كما يستفاد منه جواز اللمس و المس أيضاً لأنّ لفظ النظر إنّما هو في كلام السائل. و أمّا جواب الامام (عليه السّلام) فمطلق.

و يقوّي هذا الإطلاق اقتضاء مقام العلاج بطبعه المس و اللمس و لا سيّما في الكسور و الجروح.

و نظير هذه الصحيحة في الدلالة صحيحة أبي البختري وهب بن وهب عن أبي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 172 ب 130 من مقدمات النكاح ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 79

______________________________

عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

إذا ماتَتِ الْمَرْأَةُ وَ في بَطْنها وَلَدٌ يُشَقّ بطنها و يُخرج الْوَلَدُ. و قال (عليه السّلام): في الْمرأَةِ يَموتُ في بَطْنِها الْوَلَدُ فَيَتَخَوَّفُ عَلَيْها. قال: لا بَأْسَ بِأَنْ يُدْخِلَ الرَّجُلُ يَدَهُ فَيُقَطِّعَهُ وَ يُخْرِجَهُ «1».

و بدلالة هذه الصحيحة يحمل إطلاق المنع علي حالة الاختيار مثل موثقة السكوني

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

سُئِلَ أميرُ الْمُؤْمِنينَ (عليه السّلام) عَنِ الصَّبي يَحْجُمُ الْمَرْأةَ قال (عليه السّلام): إذا كانَ يُحْسِنُ يَصِفُ فَلٰا «2».

قوله

إذا كانَ يُحْسِنُ يَصِفُ

بيان لتمييز الصبي أي إذا كان مميّزاً فلا يجوز له أن يحجم المرأة.

و خبر علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَة يَكُونُ بِها الْجَرْحُ في فَخِذِها أوْ بَطْنِها أو عَضُدِها هَلْ يَصْلحُ لِلرَّجُلِ أنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ يُعالِجُهُ؟ قال (عليه السّلام): لٰا «3».

و إنّما عبّرنا عنه بالخبر لوقوع عبد اللّٰه بن الحسن في سنده. و من هنا لا يمكن الحكم بجواز نظر المرأة الطبيبة إلي سائر مواضع بدن الرجل المريض غير العورة في مقام العلاج مطلقاً، حتي في غير حال الاضطرار كما هو ظاهر خبره الآخر. قال

وَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَطْنِ فَخِذِهِ أو ألْيَتِهِ الْجَرْحُ هَلْ يَصْلحُ لِلْمَرْأةِ أنْ تَنْظُر إلَيهِ و تُداويهِ؟ قال (عليه السّلام): إذا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً فلا بأسَ «4»

لضعف سنده. و أمّا حمله علي الاضطرار بشهادة عموم المنع ففي غير محلّه، لإمكان حمل عمومات المنع علي غير

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12 ص 673 ب 46 من أبواب الاحتضار ح 3.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 172 ب 130 من مقدمات النكاح ح 2.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 173 ب 130 من مقدمات النكاح ح 3.

(4) الوسائل/ ج 14 ص 173 ب 130 من مقدمات النكاح ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 80

______________________________

صورة المعالجة بقرينة هذا الخبر. فعمدة الإشكال ضعفها في السند.

و تساعد مدلول هذه النصوص من اختصاص الجواز بصورة الاضطرار إلي العلاج استقرار سيرة المتشرعة علي ذلك كما قال في الجواهر: فأولي الاقتصار علي خصوص ما في النصوص

و علي ما قضت به السيرة المعتدّ بها و علي ما يتحقق معه اسم الاضطرار عرفاً» «1».

و أمّا التمسك بقاعدة نفي الضرر أو قوله (عليه السّلام)

لَيْسَ شَيْ ءٌ مِمّٰا حَرَّم اللّٰهُ إلّا وَ قَدْ أحَلَّهُ لِمَنْ اضْطَرَّ إلَيْهِ «2»

فإنّما يصلح لإثبات جواز الكشف للمرأة في المقام لأنّها هي التي مضطرّة إلي العلاج دون الرجل الطبيب حتي يجوز له النظر باضطراره إلي العلاج. إلّا بلحاظ الملازمة نظراً إلي توقف العلاج إليه.

و أمّا الملازمة بين جواز الإبداء و جواز النظر فإنما هي ثابتة فيما إذا كان جواز الإبداء ثابتاً بعنوانه الأولي لا بالعنوان الثانوي. و من هنا لا ريب في عدم جواز النظر إلي المرأة المكرهة علي الكشف.

______________________________

(1) الجواهر/ ج 29 ص 88.

(2) الوسائل/ ج 4 ب 1 من أبواب القيام ح 1 و 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 81

و مقام الضرورة كما إذا توقف الاستنقاذ زمن الغرق أو الحَرَق علي النظر و اللَّمس (1). و إذا اقتضت الضرورة أو تَوقّف العلاج علي النظر دون اللمس أو العكس.

منها: مقام الضرورة

______________________________

(1) وجه ذلك كلّه تقديم ما هو أهم في نظر الشارع عند التزاحم بينه و بين المهمّ و عدم تمكن المكلّف من الإتيان بهما معاً بل لم يكن له مناص من صرف قدرته في أحدهما.

فحينئذٍ يجب عليه بحكم العقل صرف قدرته بالإتيان بما هو أهمّ في نظر الشارع. لكن يعتبر في جواز النظر و اللمس حينئذٍ إحراز أهمية الواجب المزاحم بحيث يقطع بعدم رضي الشارع بتركه، و لو كان امتثاله بقيمة ارتكاب النظر إلي الأجنبية أو لمسها. كإنقاذ النفس المحترمة من الهلاك و ما شابهه في الأهمية. فانّ مزاحمة حكم الأهم في أمثال هذه الموارد يقتضي سقوط

حرمة النظر إلي الأجنبية و لمسها. و قد ثبت ذلك في محلّه من علم الأصول. و ليس وجه ذلك حديث لا ضرر و لا قوله (عليه السّلام)

مٰا مِن شَيْ ءٍ إلّا وَ قَدْ أَحَلَّهُ اللّٰهُ تَعاليٰ لمن اضْطَرَّ إليهِ.

و ذلك لأنّ غاية مدلول هذه الطائفة من النصوص ثبوت الجواز و الحلّية لخصوص الشخص المضطرّ فلا يشمل من يداويه أو ينجيه و ينقذه من الهلاك.

نعم يمكن الاستدلال لذلك بقول أبي جعفر (عليه السّلام)

إذا اضْطَرَّتْ إلَيْهِ فَلْيُعالِجْها إنْ شاءَتْ

في صحيح أبي حمزة الثمالي «1».

إذ هو بمنزلة التعليل و ظاهر في أنّ ملاك جواز النظر إلي المريضة الأجنبية بل

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 172 ب 130 من مقدمات النكاح ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 82

______________________________

لمسها للأجنبي المعالج اضطرار المرأة إلي العلاج.

و هذا يدل علي جواز ذلك إذا توقف عليه إنقاذ نفس محترمة من الهلاك و نحوه ممّا لا يقصر في الأهمية عن العلاج بتنقيح الملاك.

و كذا يدل بعموم المنطوق علي جوازهما في جميع موارد الاضطرار. و المعتبر في صدق الاضطرار نظر العرف بل لا يبعد استقرار سيرة المتشرعة علي ذلك كما سبق من الجواهر آنفاً.

و أمّا كفاية مطلق الحاجة للجواز كما نسب إلي المشهور فلا أساس له كما لا يعبأ بدعوي الإجماع لاحتمال الاستناد إلي بعض نصوص المقام كما سبق ذلك من الجواهر.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 83

اقتصر علي ما اضطُرّ إليه و في ما يضطرّ إليه اقتصر علي مقدار الضرورة فلا يجوز الآخر و لا التعدي (1).

______________________________

(1) وجه عدم التعدي كون ملاك جواز النظر إلي الأجنبية المريضة هو الضرورة و الاضطرار فما دام لم يتحقق مصداقهما العرفي لا دليل علي الجواز

بل المحكّم حينئذٍ هو عمومات المنع.

منها: مقام الشهادة

مقتضي التحقيق أنّ جواز النظر إنّما هو ثابت إلي وجه المرأة بعد تنقّبها لا قبله. لأنّ ذلك هو مقتضي الجمع بين نصوص المقام و ذلك لأن صحيحة الصفّار دلّت علي وجوب تنقّب المرأة للحضور في محضر الشهود. قال: كتبت إلي الفقيه، أي موسي بن جعفر (عليه السّلام)

في رَجُلٍ أرادَ أَنْ يَشْهَدَ عَلي امرَأَةٍ لَيْسَ لَها بِمَحْرَمٍ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهدَ عَلَيْهَا وَ هِي مِنْ وَراءِ السترِ فَيَسْمَعُ كَلامَهُما إذا شَهِدَ رَجُلان عَدْلانِ أَنَّها فُلانَةُ بِنْتُ فُلانَةِ الّتي تَشْهَدُكَ و هٰذا كَلامُها؟ أوْ لٰا يَجُوزُ لَهُ الشَّهادةِ عَلَيْهَا حَتّي تَبْرُزَ فَيُثْبِتُها بِعَيْنِها. فَوَقَّع (عليه السّلام): تَتَنَقّب وَ تَظْهَر لِلشُّهودِ إن شاءَ اللّٰهُ «1».

و لكن دلّت صحيحة ابن يقطين المروية في تهذيب الشيخ علي جواز النظر إلي وجه المرأة في مقام الشهادة مطلقاً.

حيث روي عن أبي الحسن الكاظم (عليه السّلام) قال

لٰا بَأْسَ بِالشَّهادَةِ عَلي إقْرار الْمَرْأَةِ وَ لَيْسَتْ بِمُسْفِرَةٍ إذا عُرِفَتْ بعَيْنِها أوْ حَضَرَ مَنْ يَعْرِفُها فأمّا إنْ كانَتْ لٰا تُعْرَفُ بِعَيْنِها وَ لٰا تَحْضُرُ مِنْ يَعْرفُها فلٰا يَجُوزُ للشُّهودِ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهَا وَ عَلي إقْرارها

______________________________

(1) تهذيب الأحكام ج 6 ص 255 ح 71.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 84

______________________________

دُونَ أن تُسْفِرَ «1» وَ يَنْظُرونَ إلَيْها «2».

فانّ قوله

فَأَمّٰا إِن كانَتْ لٰا تُعْرَفُ بِعَيْنِها وَ لا يَحْضُرُ مَنْ يَعْرِفُها فَلا يجُوزُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْها وَ عَلي إقرارِها دُونَ أن تُسفِرَ وَ يَنْظُرُونَ إليها

دلّ علي اعتبار كشف الوجه و نظر الشاهد إليه في شهادته علي المرأة و علي إقرارها. و لا إشكال في دلالته علي جواز كشف الوجه للمرأة المشهود عليها و جواز نظر الشاهد إليها في مقام الشهادة

بالفحويٰ. كما أنَّ ظاهر هذا الإطلاق جواز النظر إلي تمام الوجه.

إلّا أنَّ مقتضي الجمع بين هاتين الصحيحتين تقييد إطلاق الثانية بما إذا تنقّبت المرأة، لبداهة إمكان النظر إلي وجه المرأة و معرفتها مع التنقّب أيضاً بالنظر إلي عينيها. و عليه فمقتضي الصناعة الأخذ بمدلول صحيحة الصفّار نظراً إلي كون مدلوله أخصّ من صحيحة ابن يقطين. و عليه فلا يجوز للمرأة كشف وجهها بتمامه في مقام الشهادة إلّا مع التنقّب. و لكن هنا نكتة لا ينبغي الغفلة عنها و هي أنّ المستفاد من هاتين الصحيحتين عدم اختصاص جواز النظر إلي عيني المرأة و أطرافهما بمقام الشهادة علي إقرارها، كما قال بعض الفحول بل الظاهر منهما جواز ذلك في مطلق الشهادة عليها. و الوجه فيه قوله (عليه السّلام)

يَشْهَدُ عَلَيْها وَ عَلي إقْرارِها

في صحيحة ابن يقطين. و مثلها في الدلالة مكاتبة الصفّار، بل لم تُذكر فيها الشهادة علي إقرارها. و إنّما المذكور في سؤاله و كذا في جواب الامام هو الشهادة علي المرأة مطلقاً. و من الواضح أنّها تشمل بإطلاقها الشهادة علي كل فعل صادر من المرأة لا خصوص إقرارها.

ثم إنّ بعض الفقهاء ألحق بالمستثنيات النظر إلي الزانيين رجلًا كان أم امرأةً لتحمّل الشهادة علي الزنا. و أيضاً النظر إلي فرج المرأة للشهادة علي الولادة و إلي ثديها

______________________________

(1) تسفر يعني نقاب از چهره برداشته و صورت را نمايان كند.

(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 255 ح 71.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 85

______________________________

للشهادة علي الرضاع كما عن العلّامة في القواعد حيث جوّز النظر إلي فرج الزانيين لتحمّل الشهادة علي الزنا و علّله في المسالك: «بأنه وسيلة إلي إقامة حدود اللّٰه تعاليٰ و لما في المنع من

عموم الفساد و اجتراء النفوس علي هذا المحرّم و انسداد باب ركن من أركان الشرع. و لم تسمع الشهادة بالزنا لتوقف تحمّلها علي الاقدام علي النظر المحرّم و إدامته لاستعلام الحال، بحيث يشاهد كالميل في المكحلة. و إيقاف الشهادة علي التوبة يحتاج إلي زمان يعلم منه العزم علي عدم المعاودة فيعود المحذور السابق» «1».

ثم استقر به بقوله: «و هذا القول ليس بذلك البعيد» «2» و لكن العلّامة رجّح المنع في كتاب القضاء من قواعده و في التذكرة و كذا الفاضل الهندي في كشف اللثام. و في الجواهر أنّه الأقوي معلّلًا بقوله: «لأنّه نظر إلي الفرج المحرَّم و ليست الشهادة علي الزنا عذراً للأمر بالستر. و حينئذٍ فالشهادة عليه إنّما تكون مع اتفاق الرؤية من دون قصد أو معه بعد التوبة» «3».

و يمكن الجواب عن تعليل الشهيد، أولًا: بأنّ توقف حد الزنا علي الشهادة و توقفها علي النظر إلي الفرج لا يستلزم إناطة ذلك بتحليل النظر بحيث يلزم تعطيل حدّ من حدود اللّٰه و انسداد ركن من أركان الشرع من تحريم النظر إلي الفرج للشهادة. و ذلك لوضوح إمكان الشهادة علي الزنا عند اتفاق النظر من دون قصد أو معه بعد التوبة، كما قال في الجواهر. فإذا أمكن تعلّق غرض الشارع بتحمل الشهادة و إثبات الزنا بطريق الحلال فلا وجه لتحليل الحرام، إلّا بدليل خاصّ قطعي و لم يرد مثل هذا الدليل.

______________________________

(1) المسالك: ج 1 ص 437.

(2) المسالك: ج 1 ص 437.

(3) الجواهر: ج 29 ص 89.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 86

______________________________

و ثانياً: بأنّ بناء الشارع في الفروج علي الستر و الإخفاء لئلّا ينخرق جلباب الحياء في المؤمنين و لا تشيع الفاحشة بينهم.

كما نهي عنه في الكتاب العزيز بل أوعد اللّٰه عليه النار بقوله تعاليٰ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ «1» و من هنا لم يكتف الشارع لإثبات الزنا بشهادة عدلين بل اعتبر شهادة الأربعة لأن يصعب إثباته فيبقي مخفياً مستوراً. بل أراد بذلك أن لٰا يتفوّه بذلك أحدٌ مهما أمكن فإنّ التفوّه بهذه الأمور من أقوي أسباب خرق جلباب الحياء بين المؤمنين. و لا سيّما الفاعل، فإنّه يجترئ بذلك علي العود إلي ارتكاب الفواحش هذا مضافاً إلي ما يدخل في قلب الناظر و ينقذ في سُديٰ وجوده و لحمته من الرجس و الإثم و الأثر السيّئ بمشاهدة فعل الزنا و استدامة النظر إلي فرج الزانيين كمشاهدة دخول الميل في المكحلة. فمن البعيد جدّاً أن يجوّزه الشارع أو يأمر به لغرض إقامة حدّ الزنا.

بل من الواضح أنّ ذلك نقص لغرض من إقامة هذا الحد. و لأجل ذلك شدّد الشارع الأمر في إثبات الزنا باعتباره شهادة الأربعة و إيجاب حدّ القذف علي المدّعي لو لم يأتِ بأربعة شهداء و لو رأي بعينه. فلم يُجزه الشارع أن يتفوّه بنسبة الزنا إلي أيّة امرأة بسهولة.

و من هنا كان قبول تشريع هذا الحكم شاقّاً علي بعض أصحاب النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فتعجّبوا من نزول الوحي علي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) في ذلك، بل اعترض بعضهم علي النبي عند ما نزل قوله تعاليٰ وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَ لٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «2» كما نقلت

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 19.

(2) سورة

النور/ الآية 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 87

______________________________

في شأن نزول هاتين الآيتين روايات تدل علي ذلك «1».

و أمّا استقرار سيرة المتشرّعة علي عدم استنكار ذلك علي الشاهد فلا يقتضي جواز النظر إلي الفرج الشهادة، لأنَّها مجملة لا إطلاق لها كالخطاب اللفظي. فيؤخذ بالقدر المتيقن من مصبّها، و هو ما كان عدم الاستنكار لأجل حمل نظر الشاهد علي الوجه الحلال من النظر الاتفاقي عن غفلة من دون عمد و قصد أو بعد التوبة أو علي كونه مُكرَهاً في النظر و نحو ذلك من المحامل.

و بهذا البيان تعرف ما في كلام الشهيد من تجويز النظر إلي الفرج و الثدي للشهادة علي الولادة و الرضاع حيث قال: «و أمّا نظر الفرج للشهادة علي الولادة و الثدي للشهادة علي الرضاع فإن أمكن إثباتهما بالنساء لم يجز للرجال، و إلّا فوجهان أجودهما الجواز لدعاء الضرورة إليه و كونه من مهامّ الدين و أتمّ الحاجات، خصوصاً أمر الثدي. و يكفي في دعاء الضرورة إلي الرجال المشقة في تحصيل أهل العدالة من النساء علي وجه يثبت به الفعل» «2».

و ذلك أولًا: لمنع توقف حصول الغرض المذكور علي النظر المحرّم و منافاته لغرض الشارع من التشديد في إثبات الزّنا بناءه علي إخفاء مثل هذه الأمور و سدّ طرق إشاعة الفحشاء.

و ثانياً: إنّه يمكن الرجوع في ذلك إلي الأصول و القواعد المقرّرة عند الجهل بالواقع لتعيين الوظيفة في هذه الأمور و حسم مادتها. كأصالة الطهارة مع الشك في النجاسة و أصالة الحِلّ عند الشك في الحرمة و أصالة الصحة عند احتمال الفساد و ارتكاب الحرام. و هذا من أحسن طرق سدّ باب الفحشاء و منع إشاعتها. و قد أشار إلي هذه

الوجوه في الجواهر و المستمسك. و إنما حرّرناه بهذا البيان.

______________________________

(1) راجع تفسير مجمع البيان و تفسير نور الثقلين و البرهان ذيل الآية المزبورة.

(2) المسالك: ج 1 ص 437.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 88

______________________________

فالحق اختصاص جواز النظر بعين المرأة و أطرافها للشاهد حتي يعرفها و يثبّتها في مقام الشهادة عليها و علي إقرارها كما في النصوص المعتبرة.

و أما النظر إلي سائر مواضع بدنها حتي الوجه و الكفّين فلا يجوز لعدم مساعدة الدليل إلّا علي التفصيل المختار، فضلًا عن مثل الفرج و الثدي. فلذا قال في العروة بعد استثناء مقام الشهادة و دعاء الضرورة «و ليس منها ما عن العلّامة من جواز النظر إلي الزانيين لتحمّل الشهادة، فالأقوي عدم الجواز. و كذا ليس منها النظر إلي الفرج للشهادة علي الولادة أو الثدي للشهادة علي الرضاع و إن لم يمكن إثباتها بالنساء و إن استجوده الشهيد الثاني» «1».

منها: القواعد من النساء

إنّ من مستثنيات تحريم النظر إلي المرأة الأجنبية هو النظر إلي القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً و كذا وجوب الستر عليهن.

و الدليل علي ذلك هو قوله تعاليٰ وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنٰاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجٰاتٍ بِزِينَةٍ «2». و لا يخفي أنّها و إن دلّت بإطلاقها علي جواز كشف ما عدا العورة للقواعد و جواز النظر إليه بالملازمة، إلّا أنّه قد دلّت النصوص المعتبرة علي تقييد هذا الإطلاق و اختصاص جواز الكشف بالجلباب و الخمار و جواز النظر إلي شعورهن و أذرعهن.

مثل صحيح البزنطي عن الرضا (عليه السّلام)

سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُل، يَحِلُّ لَهُ أنْ يَنْظُرَ إلي شَعْرِ أُخْتِ امْرَأَتِهِ؟ فقال (عليه السّلام): لٰا إلّا أنْ تَكُونَ مِنَ القَواعِدِ «3».

______________________________

(1)

العروة الوثقي: ج 2 ص 804 م 35.

(2) سورة النور/ الآية 60.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 144 ب 107 من مقدمات النكاح ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 89

______________________________

و صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في قَوْلِ اللّٰه عزَّ و جلّ وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً مَا الَّذي يَصْلحُ لَهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ مِنْ ثيابِهِنَّ؟ قال: الْجِلْبابُ «1».

و صحيح حريز بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أَنَّهُ قَرَأَ: أَنْ يَضَعْنَ مِن ثيابِهِنَّ. قال (عليه السّلام): الْجِلْبابُ وَ الْخِمارُ إذا كانَتْ الْمَرْأَةُ مُسِنَّة «2».

و أمّا صحيح أبي الصباح الكناني المفصّلة بين الحرّة و الأمة قال

سَأَلْتُ أبا عبدِ اللّٰه (عليه السّلام): عَنِ الْقَواعِدِ مِنَ النِّساءِ، مَا الَّذي يَصْلحُ لَهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيابِهِنَّ فقال (عليه السّلام): الْجِلْبابُ إلّا أَن تَكُونَ أَمَةً فَلَيْسَ عَلَيْها جُناحٌ أَنْ تَضَعَ خِمارَها «3»

فيُحمل بقرينة النصوص المزبورة علي كراهة وضع الخمار في الحرة و أفضلية لبسها. و ذلك لإباء مثل صحيح البزنطي عن التقييد و الحمل علي الأمة و ذلك لقوّة ظهوره في كون أخت المرأة حرّة.

و أمّا تضعيف صحيح الكناني بلحاظ تردّد محمد بن الفضيل الواقع في سنده بين الثقة و الضعيف، ففيه: أنّه يحمل علي من هو المعروف منهما، و هو الذي كان من أصحاب الرضا (عليه السّلام) لكثرة روايته و ندور رواية غيره. و قد نقل في موارد اخريٰ عن أبي الصباح الكناني، كما صرّح به في جامع الرواة. و لكن مقتضي الاحتياط لبس الخمار. و ذلك لإمكان حمل النصوص المجوّزة علي الإماء، لعدم صراحة شي ء منها بالحرّة. و إنّ غاية مدلولها هي شمولها للحرّة بظاهر إطلاقها.

و مقتضي الصناعة في

الجمع بين الطائفتين تقديم النص علي الظاهر. و عليه فالتحقيق تقييد إطلاق تلك النصوص بصحيح الكناني و الأخذ بالتفصيل.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 146 ب 110 من مقدمات النكاح ح 1.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 147 ب 110 من مقدمات النكاح ح 4.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 147 ب 110 من مقدمات النكاح ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 90

[منها: النظر إلي وجه المرأة و محاسنها لمن يريد تزويجها]

مسألة: يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إليها بشرط أن لا يكون بقصد التلذّذ و إن علم أنّه يحصل بسبب النظر قهرا (1)..

______________________________

منها: النظر إلي وجه المرأة و محاسنها لمن يريد تزويجها

(1) لا إشكال في أصل جواز النظر إلي وجه المرأة و محاسنها لمن يريد تزويجها و لا كلام بين الفقهاء في ذلك في الجملة.

و قد دلّت علي ذلك عدّة نصوص معتبرة:

مثل صحيح محمّد بن مسلم قال

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السّلام) عَنْ رَجُلٍ يُريدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ، أَ يَنْظُرُ إلَيْها؟ قال (عليه السّلام): نَعَمْ إنّما يَشْتَريها بأَغْلَي الثَّمَنِ «1».

و صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): قال

لٰا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلي وَجْهِها وَ مَعاصِمِها إذا أرادَ أَنْ يَتَزَوَّجَها «2».

قوله (عليه السّلام): «معاصمها» جمع المعصم و هو موضع السِّوار من الساعد كما قال في الصحاح و المصباح و غيره. و حيث عبّر بصيغة الجمع تشمل معاصم الرجلين و اليدين بظاهرها.

و معتبرة الحسن بن السريّ قال

قُلْتُ لأَبي عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام): الرَّجُلُ يُريدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ، يَتَأَمَّلُها وَ يَنْظُرُ إلي خَلْفِها وَ إِلي وَجْهِها؟ قال (عليه السّلام): نَعَمْ لٰا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلي الْمَرْأَةِ إِذا أرادَ أنْ يتزوّجها ينظر إلي خلفها و إلي وجهها «3».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص

59 ب 36 من مقدمات النكاح ح 1.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 59 ب 36 من مقدمات النكاح ح 2.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 59 ب 36 من مقدمات النكاح ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 91

______________________________

و الإشكال في سندها بعدم العثور علي توثيق الحسن بن السريّ في كلمات النجاشي، ففيه: أنّ ابن داود قد نقل في رجاله توثيقه عن رجال الشيخ و فهرسته أيضاً فلم يقتصر علي نقل توثيق النجاشي لكي يشكل بهذا الإيراد.

و صحيح عبد اللّٰه بن سنان قال

قُلْتُ لِأَبي عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام): الرَّجُلُ يُريدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ، أَ يَنْظُرُ إليٰ شَعْرِها؟ فقال (عليه السّلام): نَعَمْ، إنَّما يُريدُ أَنْ يَشْتَريها بِأَغْلي الثَّمنِ «1».

هذه الرواية معتبرة بطريق الشيخ بلحاظ وقوع الهيثم بن أبي مسروق النهدي في طريقها و صحيحة بطريق الصدوق. فانّ من وقع من الرجال في طريقه إلي عبد اللّٰه بن سنان كلّهم من الثقات العدول».

و صحيح غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السّلام)

في رَجُلٍ يَنْظُرُ إلي مَحاسِنِ امْرأَةٍ يُريدُ أَنْ يَتَزَوَّجها، قال (عليه السّلام): لا بَأْسَ إنَّما هُوَ مُسْتامٌ فإنْ يَقْضِ، أَمْرٌ يَكُونُ «2».

و هذه النصوص لا إشكال في سندها و لا في دلالتها علي جواز النظر إلي وجه المرأة و كفّيها و شعرها و ذلك للتصريح بهذه الثلاثة في هذه النصوص.

و عليه فلا يُصغيٰ إلي اقتصار العلّٰامة و الشيخ الأعْظم في جواز النَّظر إلي الوجه و الكفين. و إنّما الكلام في أنّه هل يجوز النظر إلي سائر محاسن المرأة غير الثلاثة المزبورة كما يظهر من كلام صاحب العروة. و لذا يكون احتياطه استحبابياً لكونه مسبوقاً بفتوي الجواز. و ممّن اختار جواز ذلك صاحب

الجواهر و قد تعجّب منه الشيخ الأعظم الأنصاري بأنّه ممّن لم يجوِّز النظر إلي الوجه و الكفّين مطلقاً في غير

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 59 ب 36 من مقدمات النكاح ح 7.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 59 ب 36 من مقدمات النكاح ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 92

______________________________

حال التزويج و أنّه هناك أشدّ منعاً من سائر الفقهاء، فكيف سهّل الأمر هنا و جوّز النظر إلي جميع بدن المرأة غير العورة؟

و قد استدلّ صاحب الجواهر لما اختاره بإطلاق صحيح محمّد بن مسلم و صحيح غياث السابقين آنفاً و معتبرة الحسن بن السريّ. بتقريب: أنّ إطلاق جواز النظر إلي المرأة و إلي محاسنها و لا سيّما إلي خلفها يشتمل سائر جسدها، غير الثلاثة المزبورة. و من هنا جعل في العروة محاسنها في عرض تلك الثلاثة.

و فيه: أنّ في هذه النصوص إنّما يكون الامام (عليه السّلام) في مقام بيان جواز النظر من الجهة التي لها دخل في معرفة جمال المرأة و شكلها و شمائلها ليصون الزوج من الضرر. و ذلك لوجوب دفع المهر إليها بمجرّد تزويجها علي أيّ حال، بل و لو طلّقها قبل الدخول يجب دفع نصف المهر إليها كما هو ظاهر قوله (عليه السّلام)

إِنّما يَشْتَرِيها بِأَغْلَي الثَّمَنِ

و قوله (عليه السّلام)

إِنّما هُوَ مُسْتامٌ.

و من هنا لا إطلاق لهذه النصوص بالنسبة إلي سائر مواضع بدنها التي لا دخل لها في الجهة المذكورة. و ذلك بقرينتين:

إحديٰهما: داخلية مقامية، و هي كون سؤال الراوي و جواب الامام (عليه السّلام) بصدد بيان حكم نظر مريد التزويج. و لا يكون نظره إلّا بغرض معرفة جمال المرأة و تميز محاسنها من معايبها. و مثل هذا النظر لا يتحقق إلّا

إلي مواضع من بدنها التي لها دخل في هذا الغرض. و من هنا لا إطلاق لهذه النصوص بالنسبة إلي ما لا دخل للنظر إليه في تحقق هذا الغرض من سائر مواضع بدن المرأة.

و الأُخريٰ: قرينة داخلية ممّٰا علِّل به تجويز النظر من أنّ الزوج يشتريها بأغلي الثمن و أنّه مستام. هذا مضافاً إلي إمكان دعوي سيرة المتشرعة و ارتكازهم علي عدم التطلّع إلي سائر مواضع بدنها غير الوجه و الشعر و القدمين و الكفّين و المعاصم عند

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 93

______________________________

إرادة التزويج، و هي تصلح لمنع انعقاد الإطلاق لهذه النصوص.

أمّا النظر إلي خلفها المذكورة في معتبرة الحسن بن السريّ فهو أعمّ من كونها من وراءِ الثياب و لا يستلزم النظر إلي بشرتها، فلا ظهور لها في ذلك. نعم لا يخلو معتبرة البزنطي عن إشعار بذلك حيث إنّه روي عن يونس بن يعقوب قال

قُلْتُ لِأَبي عبْدِ اللّٰه (عليه السّلام): الرَّجُلُ يُريدُ أَنْ يَتَزَوَّج الْمَرْأَةَ. أَ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْها؟ قال (عليه السّلام): نَعَمْ، وَ تُرَقِّقُ لَهُ الثِّيابَ لأَنَّهُ يُريد أَنْ يَشْتَرِيها بِأَغْلي الثَّمَنِ «1».

و لكن ترقيق الثياب ليس ظاهراً في لبس الثوب الرقيق بحيث تُري من تحته البشرة نظراً إلي إمكان إرادة تقليل الثياب و ترك لبس مثل الفروة و العباية و الملاية و الجلباب ليُري حجم بدنها و شكلها و شمائلها. و ذلك بشهادة استعمال لفظ الثياب بصيغة الجمع. و إلّا لكان المناسب أن يعبّر بصيغة المفرد بقوله مثلًا: «تُرقّق له الثوب».

و علي فرض شمول هذه الصحيحة للثوب الرقيق المرئية من تحته بشرة المرأة بالإطلاق فلا مناص من تقييد إطلاقه بموثّق يونس بن يعقوب قال

سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللّٰهِ عن الرَّجُلِ يُريد

أنْ يَتَزَوَّج الْمَرْأَةَ و يُحِبُّ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْها. قال (عليه السّلام): تَحْتَجِزُ ثُمَّ لِتَقْعُدْ وَ ليَدْخُل فَلْيَنْظُرْ. قالَ: قُلْتُ: تَقُومُ حَتّي يَنْظُرَ إلَيْها. قال (عليه السّلام): نَعَمْ. قُلْتُ فَتَمْشي بَيْنَ يَدَيْهِ؟ قالَ: ما أُحِبُّ أَنْ تَفْعَلَ «2».

حيث إنّ الإمام (عليه السّلام) أمر بالاحتجاز أي الاحتجاب بأخذ ملحفة أو عباية أو جلباب و استتارها بمثل هذه الألبسة.

و يشهد علي ذلك صحيح هشام «3» المتقدم آنفاً لظهوره بمفهوم التحديد في عدم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 61 ب 36 من مقدمات النكاح ح 11.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 61 ب 36 من مقدمات النكاح ح 11.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 60 ب 36 من مقدمات النكاح ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 94

______________________________

جواز نظر مريد التزويج إلي غير المذكورات من سائر مواضع بدنها إذ لو جاز النظر إلي جميع بدن المرأة لكان ذكر قيد وجهها و محاسنها لغواً.

فالأقوي اختصاص جواز نظر مريد التزويج بوجه المرأة و كفَّيها و معاصمها أي مواضع السوار في اليد و الخلخال في الرِّجل و شعرها و عدم جواز النظر له إلي سائر مواضع بدنها.

و أمّا نظر المرأة إلي بدن الرجل المريد لتزويجها فالأقوي جوازه. و ذلك لأنّ نصوص المقام و إن لا نظر لها إلي ذلك و ليست بصدد بيان حكم نظر المرأة إلي الرجل عند التزويج إلّا أنّه معلوم بالفحوي.

أمّا نظرها إلي وجه الرجل و كفّيه فغير ثابت في نفسه فضلًا عن صورة إرادة التزويج و الوجه فيه أنّ آية الغضّ و إن دلّت بإطلاقها علي حرمة النظر التحدّقي علي كلٍّ من الرجل و المرأة إلي الآخر إلّا أنّها قد خصّصت بالسيرة القطعية علي جواز نظر المرأة إلي وجه

الرجل، فكيف إذا كان بصدد التزويج؟

و أمّا نظرها إلي سائر مواضع بدنه غير العورة المعلومة حرمة النظر إليها بالضرورة فأيضاً يمكن استفادة جوازه بفحوي نصوص المقام، كما قال الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) نظراً الي عدم إمكان تخلّص المرأة من الرجل لو بان بعد النكاح كونه غير مطلوبها، بخلاف العكس لوضوح إمكان تخلّصه منها بالطلاق الذي بيده مضافاً إلي أنَّها تبذل نفسها التي هي أغلي المثمن كما أنّ الرجل يشتريها بأغلي الثمن. مضافاً إلي كون حكم بدن الرجل أسهل من بدن المرأة لعدم وجوب الستر عليه دونها. فلا إشكال في ثبوت جواز نظر المرأة إلي بدنه عند إرادة التزويج بالفحوي.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 95

و بشرط أن يحتمل خصوص زيادة بصيرة بها، و يشرط أن يجوز تزويجها فعلًا لا مثل ذات البعل و العدّة. و بشرط أن يحتمل حصول التوافق علي التزويج دون من عَلم أنّها تردّ خِطبتها (1).

______________________________

(1) وجه اعتبار هذه الشروط الثلاثة كلِّها أنّ ملاك جواز النظر في المقام الذي استُثني به عموم حرمة النظر في المقام هو كون الرجل بصدد تزويج المرأة واقعاً بأنّ تعلّق إرادته الجدّية بنكاحها. لا أن تكون إرادة صورية خالية من أيّ تأثير بحيث يساوي وجوده و عدمه. فان مثل هذه الإرادة خارجة عن نطاق نصوص المقام بل إنّما هي ناظرة إلي ما إذا توفّرت الشروط التالية:

أحدها: تعلق الإرادة الجدية للرجل بتزويج المرأة و عزمه الواقعي علي نكاحها. و هذا لا يحصل إلّا إذا جاز له تزويجها بأن لا تكون من المحارم و لا ذات بعل و لا ذات عدّة.

ثانيها: احتماله العقلائي تأثير خِطبة المرأة و اقتراح النكاح إليها و إلّا فلو علم أنّها تردّ خطبته

و أنّه لا أثر لاقتراحه تزويجها لا تتمشّٰي منه حينئذٍ إرادة جدّية علي التزويج معه بل هي صورية محضة بلا اثر و خارجة عن نطاق نصوص المقام.

و ثالثها: أن يحتمل زيادة بصيرة بالمرأة بالنظر إلي محاسنها و إلّا فلو كان عارفاً بجميع خصوصياتها من دون احتمال وجود خصوصية فيها مختفية عليه فلا يترتب أيّ أثر علي نظره إليها و لا أيّ دخل له في تحقق الغرض المبتني عليه تجويز النظر في هذه النصوص فلا ريب في خروج مثل هذا النظر عن نطاق نصوص المقام.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 96

و الأحوط الاقتصار علي وجهها و كفّيها و شعرها و محاسنها، و إن كان الأقويٰ جواز التعدي إلي المعاصم بل و ساير الجسد ما عدا العورة (1). و الأحوط أن يكون من وراء الثوب الرقيق (2).

______________________________

(1) قد سبق أنّه لا إشكال في التعدي إلي معاصمها للتصريح بجواز النظر إليها في صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لٰا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلي وَجْهِها وَ مَعاصِمِها إذا أرادَ أَنْ يَتَزَوَّجَها «1».

و أمّا التعدي إلي سائر مواضع بدنها فمشكل جدّاً. و قد بيّنا وجه الاشكال آنفاً بالتفصيل فراجع.

(2) و قد احتاط السيد الماتن (قدّس سرّه) وجوباً أن يكون نظر الرجل إلي بدن المرأة و محاسنها من وراء الثوب الرقيق. و ظاهره اختصاص منع النظر بما إذا كان بدنها عارياً من الثوب و جوازه إذا كان من وراءِ الثوب الرقيق. و لا يخفي أنّ كل ذلك في مقام التزويج.

و لكنّه محلّ تأمل. و ذلك لما أشكلنا سابقاً في كون قوله (عليه السّلام)

وَ تُرَقِّقُ لَهُ الثيابَ

في معتبرة البزنطي «2» بمعني ترقيق الثوب نظراً إلي احتمال

إرادة تقليل الثياب التعبير بصيغة الجمع. و عليه فمقتضي الاحتياط عدم ترقيق الثوب بحيث تُري بشرتها من ورائه لعدم دليل علي جواز كشف بدنها أمام الرجل الأجنبي المريد للتزويج.

و مقتضي عمومات المنع و بعض نصوص المقام حرمة ذلك عليها. و ليس تقليل الثياب من قبيل كشف البدن بل هو المناسب لتجويز النظر إلي شعرها و وجهها و محاسنها صوناً من التضرر. و هذا بخلاف ترقيق الثوب الكاشف عن سائر مواضع بدنها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 36 من أبواب مقدمات النكاح ص 59 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 61 ب 36 من مقدمات النكاح ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 97

كما أنّ الأحوط لو لم يكن الأقوي الاقتصار علي ما إذا كان قاصداً لتزويج المنظورة بالخصوص فلا يعم الحكم ما إذا كان قاصداً لمطلق التزويج و كان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار (1).

______________________________

(1) وجه ذلك أنّ ظاهر نصوص المقام أخذ إرادة تزويج المرأة موضوعاً لجواز النظر إليها و أنّ الحكم مترتب علي موضوعه. فلا بد أولًا من كون وجود الموضوع (و هو إرادة تزويج المرأة المنظورة) مفروغاً عنه في الخارج قبل الحكم بجواز النظر إليها.

و ما لم تتعلق إرادته بتزويج المرأة المنظورة لا يتحقق موضوع الحكم. و عليه فمن أراد مطلق التزويج حيث لم تتعلق إرادته بتزويج خصوص المرأة المنظورة لا يجوز له أن ينظر إلي محاسنها.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال علي هذا التفصيل.

و لكن الإنصاف أنّ بهذا البيان لم يتضح الفرق بين هذه الصورة و بين ما إذا كان قاصداً لتزويج المنظورة بالخصوص. لأنّه يريد علي أيّ حال أن يتزوّج المرأة و يختارها زوجة بالنظر إلي محاسنها

و التأمل في خصوصياتها. فلا ريب في صدق أنّه يريد أن يتزوّج المرأة فينظر إليها و يتأمّلها لأجل ذلك لا لغرض آخر غير تزويجها.

و بعبارة أخري: أخذ إرادة تزويج المرأة في موضوع جواز النظر لا كلام فيه. و إنّما الكلام في صدق هذا الموضوع علي من كان بصدد تعيين الزوجة و اختيارها لنفسه بالنظر إلي محاسنها و التأمّل في خصوصياتها. و لا إشكال في صدقه عليه كما قلنا.

و عليه فلا إشكال في شمول نصوص المقام لكلتا الصورتين.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 98

و يجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الاطلاع عليها بالنظرة الاولي (1).

مسألة: يجوز النظر إلي نساء أهل الذمّة.

______________________________

(1) و قد تبيّن وجه ذلك مما أسلفناه.

فإنّ الغرض الذي لأجله جوّز الشارع النظر إليها هو العثور و الاطلاع علي خصوصياتها التي لها دخل في عزم الرجل علي تزويجها. فمادام لم يحصل هذا الغرض لا وجه لارتفاع الجواز.

منها: نساءُ أهل الذمّة

إنّ مقتضي القاعدة عدم جواز النظر إلي نساء أهل الذمّة و وجوب غضّ البصر إلّا أن يثبت الجواز بدليل، نظراً إلي إطلاق آية الغضّ. و عليه فكلّ مورد ثبت الجواز بدليلٍ فبها. و إلّا فلو لم يُستفد الجواز من دليل أو شُكَّ في الجواز فلا بدّ من الرجوع إلي عموم الآية و يحكم بوجوب غضّ البصر. و لا تصل النوبة إلي الأصل العملي المقتضي للبراءة مع وجود العموم اللّفظي.

و قد استُدل علي جواز النظر إلي نساء أهل الذمّة بوجهين:

أحدهما: أنّهنّ بمنزلة الإماء فيثبت حكم الإماء في حقهنّ و من الأحكام الثابتة في حق الإماء جواز النظر إليهنّ.

و هذا الوجه استدل به بعض القدماء و المتأخّرين. فمن القدماء الشيخ المفيد. قال في المقنعة: «و لا بأس بالنظر

إلي وجوه نساء أهل الكتاب و شعورهنّ لأنّهن بمنزلة الإماء» «1» و من المتأخرين المحقق في الشرائع. حيث قال: «و يجوز النظر إلي نساء أهل

______________________________

(1) الينابيع الفقهية: ج 18 ص 45.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 99

______________________________

الذمّة و شعورهن لأنهنّ بمنزلة الإماء» «1». و اختار هذا الوجه أيضاً جماعة فمنهم الشهيد الثاني في المسالك. و يفهم من هذا التعليل كون جواز النظر إلي الإماء مفروغاً عنه عندهم.

و لكن وقع الكلام في أنّ مقصود المحقق (قدّس سرّه) و غيره ممّن علّل بهذا التعليل هل هو تنزيل نساء أهل الذمّة بمنزلة إماء المسلمين و كونهن ملكاً لعنوان المسلمين و أنّ جواز النظر مستندٌ إلي ذلك؟ فكيف يجوز النظر إلي أمة الغير؟ فكذلك المسلمين في حكم المولي و نساء أهل الذمّة في حكم أمتهم. و عليه فيجوز لآحادهم النظر إليهن، بناءً علي جواز النظر إلي أمة الغير. أو لا بل المقصود أنّهن في حكم الأمة الشخصية للغير، نظراً إلي أنهنّ مماليك الامام (عليه السّلام). و عليه فبناءً علي جواز النظر إلي أمة الغير يجوز النظر إليهنّ. و أمّا كون المقصود تنزيلهن منزلة أمه نفسه فخارج عن ظاهر كلامه و غير مناسب لكلا الاحتمالين المزبورين كما صرّح به الشهيد بقوله: «و المراد بالإماء إماءُ الناس غير الناظر» «2».

و قد صرّح في المسالك بأنّ المقصود هو المعني الأول. حيث قال: «إنّما كنّ بمنزلة الإماء لأنّ أهل الذمّة في الأصل في ءٌ للمسلمين. و إنما حرّمهن التزام الرجال بشرائط الذمّة فتبعتهم النساءُ. فكان تحريمهنّ عارضيا. و الإماء كذلك و إنّما حرّمهنّ ملك المسلمين لهن. و المراد بالإماء إماءُ الناس غير الناظر أو إماءُه المحرمات عليه بعارض كتزويجهنّ» «3».

و احتمل في

الجواهر كون المراد أنّهنّ بمنزلة إماء الغير بالملكية الشخصية معلّلًا

______________________________

(1) الجواهر: ج 29 ص 68.

(2) المسالك: ج 1 ص 435.

(3) المسالك: ج 1 ص 435.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 100

______________________________

بما دلّ من النصوص علي كون أهل الكتاب مماليك الإمام (عليه السّلام). مثل صحيح أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ امْرَأَةٌ نَصْرانِيَّةٌ، لَهُ أَنْ يَتَزَوّجَ عَلَيْها يَهُودِيَّةً؟ فقال (عليه السّلام): إنَّ أهلَ الْكِتابِ مَمالِيكُ لِلْإمام. وَ ذلك موسَّعٌ مِنّا عَلَيْكُمْ خاصّة. فلا بَأْسَ أنْ يَتَزَوّجَ «1».

و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَنْ نَصْرانيّةٍ كانَتْ تَحْتَ نَصْرانيٍّ وَ طَلَّقها، هَلْ عَلَيْها عِدّةٌ مِثلُ عِدَّةِ الْمُسْلِمَةِ فقال (عليه السّلام): لٰا، لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ مَماليكُ لِلْإمامِ. أَلا تَريٰ أَنَّهُمْ يُؤدُّونَ الْجِزْيَةَ كما يُؤَدّي الْعَبْدُ الضَّريبة إلي مَواليه «2».

و لكن مقتضي التحقيق عدم صحة إرادة شي ءٍ من المعنيين.

أما تنزيلهنّ منزلة إماء المسلمين بمعني أنّ النظر إليهنّ في حكم نظر المولي إلي أمة نفسه فلا يمكن أن يكون مقصوداً قطعاً. لوضوح أنّه لا يتمّ ذلك إلّا أن يكون آحاد المسلمين بالنسبة إلي نساء أهل الذمّة في حكم المولي بالنسبة إلي أَمته المملوكة و الحال أنّه خلاف الضرورة بل إنّما يحصل ذلك بالشراء أو الاسترقاق. و أمّا صدق عنوان الفي ء عليهن و إن لا إشكال فيه كما صرّح بذلك في قوله تعاليٰ وَ مٰا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ «3». و لكنه لا يكفي في ترتب أحكام الأمة. بل لا بد من دخولهنّ تحت الملكية الشخصية لآحاد المسلمين بسببٍ من الأسباب الشرعية، من شراءٍ أو حيازة.

كما لا يمكن أن يكون المقصود تنزيلهن منزلة أمة الغير باعتبار كونهنّ إماء المسلمين حيث لا

يترتب حكم أمة الغير علي إماء المسلمين حتي يكون هو المقصود

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 420 ب 8 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ح 1.

(2) الوسائل/ ج 15 ص 477 ب 45 من أبواب العدد ح 1.

(3) سورة الأحزاب الآية 50.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 101

______________________________

من التنزيل. و ذلك لأنّ الأحكام المذكورة للعبيد و الإماء إنّما هي ثابتةٌ لهن إذا كُنّ تحت الملكية الشخصية و مملوكة لأشخاص المسلمين لا ملكاً لعنوانهم. و أمّا الآية المزبورة فغاية مدلولها أمران:

أحدهما: دخول الجواري المغتنمه في الفي ء.

و ثانيهما: أنّ النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) يملك بعضهم بسبب شرعي، من حيازة أو حكم مجعول من اللّٰه في حقه خاصة. كما دلّت عدّة من النصوص علي أنّ الجارية الروقة و الدابة الفارهة و صفايا الغنائم ملكٌ للنبي و الإمام خاصة.

و أمّا لو كان مقصود المحقق أنّ نساء أهل الذمّة بمنزلة أمة الغير ففيه: أنّ إثبات المطلوب بالتعليل المزبور في هذا الغرض يبتني أولًا: علي كون ملكية أهل الذمّة للإمام من قبيل الملكية الشخصية لا لمنصب الإمامة كما في الخمس و الأنفال. و إنّ كون المقصود من الملك في صحيحتي أبي بصير و زرارة ملك شخص الإمام أوّل الكلام بل هو معلوم العدم. و ذلك لعدم ثبوت أحكام الأمة المملوكة الشخصية للإمام (عليه السّلام) بالنسبة إلي نساء أهل الذمّة. و إنّما الثابت له هو الولاية عليهنّ كسائر موارد الفي ء و الأنفال. فالمقصود أنّهن مماليك الإمام بعنوان أنّه إمامٌ لا بشخصه كأحد من المُلّاك الشخصية. و عليه فلا يترتب علي نساء أهل الذمّة حكم أمة الغير.

و علي فرض التنزّل و تسلّم كونهنّ في حكم إماء

الغير فلا يثبت المطلوب إلّا بناءً علي جواز النظر إلي أمة الغير و هو أوّل الكلام و قد وقع الخلاف في ذلك.

و قوّيٰ في الجواهر الجواز. و استدلّ عليه أولًا: بأنه مقتضي تعليل جماعة من الفقهاء جواز النظر إلي نساء أهل الذمّة بتنزيلهنّ منزلة الإماء. فلا بد من كون جواز النظر إلي الإماء مفروغاً عنه عندهم.

و فيه: أنّ غاية ما يثبت بذلك ذهاب جماعة من الفقهاء إلي جواز النظر إلي

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 102

______________________________

الإماء. و من الواضح أنّه لا يصلح للدليلية مع أنّه مبنيّ علي عدم إرادة إماء المسلمين خلافاً للمسالك حيث عيَّن هذا الاحتمال و نفي كون المقصود إماء الغير.

و ثانياً: بما نسب في المسالك إلي المشهور من جواز النظر إلي شعر أمة الغير و وجها و كفّيها. قال في المسالك: «و يفهم من تعليله أي المحقق أنه يري جواز النظر إلي أمة الغير كذلك، و هو المشهور مقيداً بكون النظر إلي وجهها و كفّيها و شعرها» «1».

و فيه: أنّ الشهرة الفتوائية لا حجية لها لكي تصلح للدليلية علي المطلوب.

و ثالثاً: ببعض النصوص الواردة في شراء الأمة الظاهرة في كراهة النظر إلي محاسن الجارية و مسّها لغير مريد شرائها مثل صحيح حبيب المُعَلّي الخثعمي قال

قُلْتُ لِأَبي عبد اللّٰهِ: إنّي اعْتَرَضْتُ جَواري الْمَدينَةِ فَأَمْذَيْتُ فقال (عليه السّلام): أمّٰا لِمَنْ يُريدُ الشِّراءَ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَ أَمّا لِمَنْ لٰا يُريدُ أَنْ يَشْتَري فَإِنّي أَكْرَهُهُ «2».

و خبر عمران الجعفري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لٰا أُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّبَ إلّا جاريَةً يُريدُ شرائَها «3».

بتقريب أنَّ قوله (عليه السّلام): «فَإنّي أَكْرَهُهُ» في الأوّل و قوله (عليه السّلام): «لٰا أُحِبُّ» في الثاني ظاهرٌ في الكراهة

الاصطلاحية الملائمة للجواز.

و فيه: أنّ غاية ما يمكن أن يقال عدم ظهور هذين التعبيرين في المنع و الحرمة. و أمّا ظهورهما في الجواز بحيث يقيِّد إطلاقات المنع مثل آية الغضّ و غيرها من النصوص فهو أوّل الكلام.

______________________________

(1) المسالك: ج 1 ص 436.

(2) الوسائل/ ج 13 ص 48 ب 20 من أبواب بيع الحيوان ح 2.

(3) الوسائل/ ج 13 ص 48 ب 20 من أبواب بيع الحيوان ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 103

______________________________

و ما ورد من النصوص «1» في حكم مملوكة الوالد الظاهر في مفروغية جواز النظر إلي محاسنها لغيره. نظراً إلي كون سؤال الرواة عن حكم وطي مملوكة الأب من دون أن يسألوا في واحدٍ منها عن حكم النظر، فلا بد من كون جوازه مفروغاً عنه عندهم. و إلّا فوجه عدم السؤال إمّا هو المفروغية عن حرمة النظر إلي محاسنها و لا يمكن الالتزام بذلك بعد فرض عدم معلومية جواز وطيها عندهم، و إلّا لم يسألوا عنه. كما لا يمكن الالتزام بعدم معلومية جواز النظر عندهم، و ذلك لعدم سؤالهم عن حكم النظر فلو كان حكمه غير معلوم لهم لكانوا يسألون عنه كما سألوا عن حكم وطيها. و إنّ النظر إلي محاسنهنّ لا يخلو من إحدي هذه الصور الثلاث فاذا لم يمكن الالتزام بالأخيرتين تتعين الاولي.

و بذلك تتمّ دلالة هذه النصوص علي كون جواز النظر إلي محاسن أمة الغير مفروغاً عنه للرواة و مرتكزاً في أذهان متشرعي عصر الأئمة (عليهم السّلام).

هذا و لكن الإنصاف: أنّه يشكل الالتزام بدلالة هذه النصوص علي جواز النظر إلي أمة الغير. و ذلك لكون رواتها بصدد السؤال عن حكم خصوص الوطي من دون توجّهٍ إلي حكم

النظر. كما أنّ السؤال عن حكم نكاح امرأة حرّة لا يكون دليلًا علي مفروغية جواز النظر عند السائل كالسؤال عن حكم نكاح أخت الزوجة مع حرمة النظر إليها قطعاً.

و أمّا ما ورد في خبر علي بن جعفر من أنّ الرجل يحتاج إلي جارية ابنه بقرينة قوله: «إنَّ الرَّجُلَ يَحْتاجُ إلي جاريةِ ابْنِهِ فَيَطَأُها» «2»، لم يعلم كون المقصود احتياجه إليها في خدمتها إليه في أمور البيت، حتي يكون ظاهراً في مفروغية نظره

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 321 ب 5 من أبواب المصاهرة.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 322 ب 5 من أبواب المصاهرة ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 104

______________________________

إلي محاسنها. نظراً إلي احتمال كون المقصود احتياجه إليها في الوطي و إرضاع الشهوة. بل هو الأقرب بقرينة قوله: «فيطأها». هذا مضافاً إلي ضعف سند هذا الخبر بعبد اللّٰه بن الحسن. نعم لا تخلو هذه النصوص من إشعارٍ بذلك إلّا أنّه لا يصلح للدليلية علي تقييد إطلاقات المنع.

و أمّا دعوي السيرة علي النظر إلي مثل الشعر و الرأس فإحراز استقرارها بين المتشرعة مشكلة جدّاً. نعم لا يمكن إنكارها في النظر إلي الوجه و الكفّين. و هذا هو المتيقن من مصبّها.

و أمّا استقرارها علي النظر إلي سائر بدن الإماء فلا يمكن إحرازه و لا سيّما أنّه لا يكون شراءُ العبيد و الإماء معمولًا رائجاً بين المتشرعة في قرون متمادية. و أمّا ما «1» دلّ علي عدم وجوب ستر رأسها في حال الصلاة فهو حكم تعبّدي مختص بحال الصلاة و لا يقاس بغير حالها لعدم كونها بمرأي الناظر الأجنبي حال الصلاة بخلاف سائر الحالات.

هذا مضافاً إلي وجود الفرق بين أحكام أهل الذمّة و بين أحكام المماليك.

كما في مثل دية القتل، حيث لا بدّ من دفعها إلي أولياء الذمّي المقتول، بخلاف المملوك المقتول حيث تدفع قيمته إلي مالكه. و الإرث، حيث يرث أهل الذمّة بعضهم من بعضهم. بخلاف المملوك فإنّه لا يرث و لا يورث.

فاتّضح من جميع ما ذكرنا أنّه ليس مقصود المحقق (قدّس سرّه) التنزيل من جهة الأحكام الثابتة لأمة الناظر و لا أمة الغير. بل مقصوده ظاهراً أنّ نساءِ أهل الذمّة بمنزلة الإماء من جهة عدم الحرمة لهن، كما يشهد علي ذلك معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

و لا حُرْمَةَ لِنِساءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُنْظَرَ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 150 ب 114 من مقدمات النكاح ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 105

______________________________

إلي شُعورِهِنَّ وَ أَيْدِيهِنَّ «1».

و إنّ سقوط حرمتهنّ لا يستلزم كونهنّ في حكم الإماء. مع أنّه لا بد من التعبّد بمدلول النصوص الدالة علي عدم ترتب حكم المماليك علي أهل الذمّة.

و لذا قوّي بعض الفحول في المقام عدم جواز النظر إلي أمة الغير مع التزامه بجواز النظر إلي نساء أهل الذمّة بدليل النصوص الدالة علي ذلك بالخصوص.

فتحصّل ممّا قلنا، أولًا: أنّ ما ورد في بعض النصوص من كون أهل الكتاب مماليك الإمام فليس المقصود هو الملك لشخص الإمام (عليه السّلام) حتي تترتب عليه أحكام أمة الغير.

و ثانياً: أنّ جواز النظر إلي أمة الغير هو أوّل الكلام و محلّ الخلاف و ما استدلّ له في الجواهر غير ناهض لإثباته و عند الشك يرجع إلي عمومات المنع كآية الغضّ و نحوه.

و ملخّص الكلام في المقام أنّ تنزيل نساء أهل الذمّة بمنزلة الإماء لا يصلح

للاستدلال علي جواز النظر إليهنّ. فالعمدة في المقام هي النصوص الدالة علي ذلك بالخصوص مثل موثقة السكوني المذكورة آنفاً.

و صحيح البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) قال

لا بَأْسَ بالنَّظَرِ إلي رُؤوسِ نِساءِ أَهْلِ الذِّمّة «2».

و لكن لا يمكن التعدي من الرؤوس و الشعور و الوجوه و الأيدي إلي سائر مواضع بدنهنّ لدخولها تحت إطلاق آية الغضّ و غيرها من إطلاقات المنع. و لا بدّ لإخراجها عن تحت هذا الإطلاق من دليلٍ و هو غير موجود.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 149 ب 112 من مقدمات النكاح ح 1.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 149 ب 112 من مقدمات النكاح ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 106

بل مطلق الكفار (1) مع عدم التلذّذ و الريبة أعني خوف الوقوع في الحرام. و الأحوط الاقتصار علي المواضع التي جرت عادتهن

منها: النساءُ الكافرات

______________________________

(1) عمدة الوجه في ذلك دلالة نصوص جواز النظر إلي نساء أهل الذمّة بالفحوي، و ذلك لأنّ أهل الكتاب بعد قبول شرائط الذمّة صاروا مورد حماية حكومة الإسلام و احترام المسلمين. و من هنا يكون نفوسهم و أموالهم محترمة بين المسلمين بخلاف سائر أصناف الكفار. فاذا دلّت النصوص علي عدم حرمة نساء أهل الذمّة من جهة العِرض و جواز نظر المسلمين إليهنّ، تدلّ بالفحوي علي جواز النظر إلي الكافرات. و أمّا الاقتصار بذكر نساء أهل الذمّة في النصوص و عدم التعرض لحكم سائر الكافرات فلعلّه لأجل ما ثبت لأهل الذمّة من الاحترام بين المسلمين في النفوس و الأموال فارتكز بذلك في أذهان الرواة احترامهم من جهة العِرض أيضاً و لذا كانوا يزعمون عدم جواز النظر إلي نسائهم كسائر النساء

المسلمات المحترمات.

هذا مضافاً إلي صحيح عبّاد بن صهيب قال: «سَمِعْتُ أبا عبد اللّٰهِ (عليه السّلام) يقُولُ

لٰا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إليٰ رُؤوسِ أَهْلِ تُهامَة وَ الْأَعْرابِ وَ أَهْلِ السَّوادِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، لأنَّهُنَّ إذا نُهينَ لٰا يَنْتَهينَ «1»

فإنّها تعمّ سائر الكافرات غير نساء أهل الذمّة بعموم التعليل.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 149 ب 113 من مقدمات النكاح ح 1، علل الشرائع/ طبع مكتبة الداوري بقم: ص 564 ب 365 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 107

علي المواضع التي جرت عادتهن علي عدم التستر عنها (1). و قد تُلحق بهنّ نساءُ أهل البوادي و القُريٰ من الأعراب (2) و غيرهم اللاتي جرت عادتهن علي عدم التستر و إذا نهين لا ينتهين.

______________________________

(1) وجه إناطة الجواز بجريان عادتهن علي عدم الستر غير معلوم. فإنّ ما دلّت النصوص علي جواز النظر إليه هو الرأس و الأيدي و كذا الوجه بالالتزام لعدم انفكاكه عن الرأس في الستر و النظر. و أمّا سائر المواضع فلا دليل علي جواز النظر إليه «1».

منها: نساء أهل البوادي و القري و السواد

(2) يدل علي جواز النظر إليهن صحيح عبّاد بن صهيب قال

سَمِعْتُ أبا عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام) يَقُولُ: لٰا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلي رُؤُوسِ أَهْلِ تُهامَة وَ الْأَعْرابِ وَ أَهْلِ السَّوادِ وَ الْعُلُوجِ لأَنَّهُمْ إذا نُهُوا لٰا يَنْتَهُونَ «2».

و لا يخفيٰ أنّ تعليله يقتضي جواز النظر عند وجود العلة. فإذا انتفت العلّة ينتفي الجواز. و عليه فنساء البوادي و القري البعيدة من البلاد و أهل السواد و الجبال في زماننا المعاصر. فلا يمكن القول بجواز النظر إلي رؤوسهنّ و وجوههنّ و أيديهنّ و لا سائر محاسنهنّ. و ذلك لانتفاء العلّة المذكورة في حقّهنّ لوضوح انتهائهنّ بالنهي، نظراً إلي رشد عقول عموم

الناس و تعالي أفهامهم و معارفهم الدينية. و بالعكس كلّما إذا وجدت العلّة يجوز النظر و لو من أهل البلاد كما ربما يتّفق في النساء المتمدّنة المتأثّرة من الثقافة الغربية و الشرقية المُغرية الفاسدة. حيث إنّ النهي عن المنكرات لا يؤثر فيهنّ شيئاً بل إنهنّ يتمسخرن الناهي عن المنكر.

______________________________

(1) الجواهر: ج 29 ص 69.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 149 ب 113 من مقدمات النكاح ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 108

______________________________

ثم لا يخفي أنّ ملاك جواز النظر إلي رؤوس نساء البوادي و القري و أهل السواد ليس عدم حرمتهنّ لأنهنّ مسلمات عفيفات، بل هُنّ أكثر عفّة من نساء أهل البلدان. و إنّما جرت عادتهن علي عدم ستر رؤوسهنّ و لا شعورهنّ بتمامها. و هذا بخلاف نساء أهل الذمّة فإنّهن مضافاً إلي عدم انتهائهنّ بالنهي و اشتراكهنّ مع نساء البوادي في ذلك كما علّل بذلك لجميعهنّ في صحيح عبّاد بن صهيب المروي في العلل لا حرمة لهنّ لأجل كفرهنّ. قد علّل بذلك جواز النظر إليهنّ في النصوص. و هذا الملاك مختصّ بهنّ، غير ثابت في نساء البوادي.

و أمّا احتمال إعراض المشهور عن صحيح عبّاد فلم يسمع من أحدٍ. و لكن قد يتبادر في المقام إشكال إلي الذهن. حاصله: أنّ الملاك الأصلي الذي علّل به حرمة النظر إلي النساء المحترمات المؤمنات موجود في النظر إلي نساء البوادي و القري أيضاً. و هو إثارة الشهوة و الخوف من الوقوع في الفتنة و فساد النفس و ابتلاء القلب بالمرض. كما عُلّل وجوب غضّ البصر بذلك في قوله تعاليٰ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكيٰ لَهُمْ «1». و قوله تعاليٰ وَ إِذٰا سَأَلْتُمُوهُنَّ

مَتٰاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ «2». و كذا في النصوص الكثيرة المعلّلة بمثل قوله (عليه السّلام)

النَّظْرَةُ بَعْدَ النَّظْرَةِ تَزْرَعُ في الْقَلْبِ الشَّهْوَةَ وَ كفيٰ بِها لِصاحِبها فِتْنَةً «3».

و قوله (عليه السّلام)

النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهامِ إبْليسَ مَسْمُومٌ «4»

و غير ذلك من النصوص.

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 30.

(2) سورة الأحزاب/ الآية 53.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 139 ب 104 من مقدمات النكاح ح 6 وص 138 ح 1 و ص 139 ح 5.

(4) الوسائل/ ج 14 ص 139 ب 104 من مقدمات النكاح- ح 6 وص 138 ح 1 و ص 139 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 109

______________________________

و لكن يمكن الجواب عن ذلك:

أوّلًا: بأنّ الحكم بجواز النظر إلي نساء أهل الذمّة و أهل السواد و البوادي و مثلهنّ ممّن لا حرمة لهن و لا ينتهين بالنهي إنّما فيما إذا لم يكن النظر عن شهوة و مع الأمن من الوقوع في الفساد و الفتنة. و إنّ حرمة النظر المستتبع لهذه المفاسد مفروغاً عنها عند جميع الفقهاء بل إنّهم قيّدوا الجواز في المقام بعدم كون النظر عن شهوة و عدم الخوف من الوقوع في الفتنة.

و ثانياً: بأنّ الملاكات الثلاث المذكورة و هي إثارة الشهوة و احترام المنظور إليها و انتهائها بالنهي كلَّها من قبيل الحكمة لا يدور الحكم مداره.

و ثالثاً: علي فرض كونها من قبيل العلة فإنّما هي علّة بمجموعها لا بآحادها مستقلا. و من هنا إذا انتفيٰ أحدُها تنتفي حرمة النظر. فانّ النساءَ المسلمات المحترمات واجدة لجميع الملاكات المذكورة بخلاف نساء أهل الذمّة نظراً إلي انتفاء الاحترام و الانتهاء بالنهي فيهنّ كما ليس في نساء البوادي و القري الملاك الأخير.

دليل

تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 110

و هو مشكل (1)، نعم الظاهر أنّه يجوز التردد في القري و الأسواق و مواقع تردُّد تلك النسوة و مجامعهنّ و محالّ معاملتهنّ مع العلم عادةً بوقوع النظر عليهنّ. و لا يجب غضّ البصر في تلك المحالّ إذا لم يكن خوف افتتان».

(تحرير الوسيلة/ ج 2/ ص 245/ م 27)

______________________________

(1) وجه الاشكال ما سبق منّا آنفاً من أنّ الملاك الأصلي لحرمة النظر و هو إثارة الشهوة و الخوف من الوقوع في الفتنة موجود في نساء البوادي و القري أيضاً. و مع ذلك قد دلّت صحيحة عبّاد بن صهيب علي نفي البأس عن النظر إليهنّ. و تعليل الجواز فيها بعدم انتهائهنّ بالنهي لا ينافي تحقق الملاك المزبور لإمكان حملها علي مورد التعليل بحيث لا تنافي حرمة النظر في غير مورده.

و من هنا بلحاظ وجود ملاك الحرمة في النظر إليهنّ حمل مدلول هذه الصحيحة علي ما إذا كان غضّ النظر عنهنّ موجباً للعسر و الحرج عند التردد في الأسواق و مجامعهنّ و أماكن معاملتهنّ. لفرض عدم تأثير في نهيهنّ. و لذلك حكم السيد الماتن (قدّس سرّه) بعدم وجوب غضّ النظر عنهنّ رفعاً للحرج و العسر.

و لكن قد أجبنا عن هذا الاشكال آنفاً فلا يُرفع اليد عن مدلول الصحيحة لأجله فلا إشكال في دلالتها علي جواز النظر إليهنّ مطلقاً ما دامت العلة موجودة. و لا موجب لرفع اليد عن مدلولها.

و أمّا الإشكال بأن غاية ما يقتضيه عدم انتهائهن بالنهي هي سقوط وجوب النهي عن المنكر و لا ربط له بجواز النظر حتي يستوجبه، فيمكن الجواب عنه بأنّ عصيانهنّ بكشف رؤوسهنّ في مرأي الأجانب في قوّة إسقاطهنّ حرمة أنفسهنّ، و من هنا يشملهنّ

التعليل الوارد في جواز النظر إلي نساء أهل الذمّة.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 111

[منها: النظر إلي المحارم]

مسألة: يجوز للرجل أن ينظر إلي محارمه (1) ما عدا العورة إذا لم يكن مع تلذّذ و ريبة.

______________________________

منها: النظر إلي المحارم

(1) يدل علي ذلك بعد السيرة القطعية بين المتشرعة علي عدم تحجّب النساء عن محارمهنّ و نظر المحارم إليهنّ من غير نكير الكتاب و السنّة.

فمن الكتاب قوله تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ أَوْ آبٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنٰائِهِنَّ أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوٰاتِهِنَّ أَوْ نِسٰائِهِنَّ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ.. «1».

فإنّها و إن دلّت بالمطابقة علي جواز إظهار مواضع الزينة غير الظاهرة للمحارم، إلّا أنها تدل بالالتزام علي جواز النظر إليهنّ لما قلنا سابقاً من استفادة ذلك بالملازمة العرفية.

و لا يخفي أنّ بعض المحارم كالعمّ و الخال و إن لم يذكر في الآية و لكن يستفاد حكمهما بالملازمة القطعية بينهما و بين أولاد الأخ و أولاد الأخت المذكورة في قوله أَوْ بَنِي إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوٰاتِهِنَّ و ذلك لوحدة النسبة نظراً إلي أنّ المرأة بالنسبة إلي بني إخوانها بمنزلة العمّ بالنسبة إلي بنات إخوانه، لأنّ العمّ أخ العمّة و هي أخته. و كذا المرأة بالقياس إلي بني أخواتها بمنزلة الخال بالنسبة إلي بنات أخواتها، لأَنَّ الخال أخ الخالة و هي أُخته و يشتركان في جميع أحكام المحرمية.

و من السنّة عدّة نصوص معتبرة.

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 31.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 112

______________________________

فمنها: معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السّلام) قال

لٰا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلي شَعْرِ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ بِنْتِهِ «1».

فإنّها و إن دلّت علي

جواز النظر إلي الشعر إلّا أنَّ جواز النظر إلي سائر أعضاء البدن ثابت بعدم القول بالفصل.

و منها: ما دلّ علي جواز تغسيل الرجل المرأة التي يحرم نكاحها عليه و بالعكس عند عدم المماثل، نظراً إلي استلزام التغسيل النظر إلي أعضاء بدن المرأة الميّتة بل لمسها، حتي علي القول بوجوب كون تغسيلها من وراء الثوب.

هذا مضافاً إلي عدم الخلاف في جواز النظر إلي المحارم بين المسلمين. و أمّا ما نسب إلي العلّامة من الخلاف في الجملة و إلي غيره من عدم جواز النظر إلي الثدي حال الرضاع فلا دليل عليه بل يخالفه إطلاق آية الغضّ و النصوص.

ثمّ إنّه لا ريب في استثناء القبل و الدبر لأنّهما المتيقن من العورة المقطوعة حرمة النظر إليها بضرورة الشرع.

هذا لا كلام فيه. و إنّما الكلام في جواز النظر إلي ما بين السرة و الركبة، غير موضع القبل و الدبر.

و الأقوي عدم الجواز. و ذلك بدليل معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليه السّلام)، قال في حديث

وَ الْعَوْرَةُ ما بَيْنَ السُّرَّةِ و الرُّكْبَة «2».

لا إشكال في سندها و لا في دلالتها علي المطلوب.

و أمّا رواية أبي الجارود

وَ أَمّٰا زينَةُ الْمَحْرَمِ فَمَوْضِعُ الْقَلادَةِ فَما فَوْقَها وَ الدُّمْلُجُ فَما دُونَهُ وَ الْخَلْخالُ وَ ما سَفِلَ مِنْهُ «3».

و رواية علي بن جعفر

عَنِ الرَّجُلِ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 139 ب 104 من مقدمات النكاح ح 7.

(2) الوسائل/ ج 14 ب 44 من أبواب نكاح العبيد و الإماء ص 550 ح 7.

(3) مستدرك الوسائل/ ب 84 من أبواب مقدمات النكاح ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 113

______________________________

ما يَصْلحُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنَ الْمَرْأَةِ الَّتي لا تَحِلَّ لَهُ؟ قال (عليه السّلام):

الْوَجْهُ وَ الكَفُّ وَ مَوْضِعُ السِّوارِ «1».

فلا تصلحان للاعتماد عليهما لضعف سندهما. و عليه فالأقوي جواز النظر إلي جميع بدن المرأة المحرمة عدا ما بين السرّة و الركبة.

______________________________

(1) قرب الاسناد: ص 102.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 114

و المراد بالمحارم من يحرم عليه نكاحهنّ (1) من جهة النسب (2) أو الرضاع (3).

______________________________

(1) كما صُرِّح بذلك في النصوص «1» الدالة علي جواز مصافحة المحارم و سيأتي ذكرها.

(2) كما هو الظاهر من العناوين المستثناة من حرمة إبداء الزينة في الآية و النصوص بلا إشكال و لا خلاف في ذلك.

(3) لما دلّ من النصوص الكثيرة المعتبرة علي أنّ ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع «2»، بلا فرق في ذلك بين المرتضع و المرتضعة و صاحب اللبن و أصولهما و فروعهما (من جهة الأب و الأم و الابن و البنت) بل يدخل فيهم أبو المرتضع. و ما قيل من أنّ إلحاقه بهم في عدم جواز تزوّجه أولاد المرتضعة و صاحب اللبن تعبّدي، فيقتصر في الإلحاق بخصوص التزويج و لا يُتعدّيٰ في ذلك إلي النظر، ففيه: أنّ هذا الكلام إنّما يصح فيما إذا لم يُعلّل حرمة التزوّج بعلة ظاهرة في إلحاق أبي المرتضع إلي سائر المحارم الرضاعية في جميع أحكام المحرمية. و الحال أنّه قد علل حرمة تزوّج أبي المرتضع مع بعض أولاد المرتضعة بمثل هذه العلّة كقوله (عليه السّلام)

لا يَجُوزُ ذلِكَ لِأَنَّ وَلَدَها صارَت بِمَنْزِلَةِ وَلَدِك

في صحيحة أيّوب بن نوح «3». فإنّ ظاهره التنزيل في جميع أحكام المحرمية النسبية.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 151 ب 115 ح 1 و 2.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 280 ب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 306 ب

16 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 115

أو المصاهرة (1) و كذا يجوز لهنّ النظر إلي ما عدا العورة من جسده بدون تلذذ و ريبة. (تحرير الوسيلة/ ج 2/ ص 243/ م 17)

______________________________

(1) مقتضي التحقيق في المقام التفصيل بين المرأة التي يحرم نكاحها حرمة موقّتة قابلة للارتفاع بطلاق الزوجة أو موتها كأُخت الزوجة و بين المرأة التي يحرم نكاحها دائماً.

فلا إشكال في عدم جواز النظر إلي المرأة المندرجة في القسم الأوّل كأُخت الزوجة، كما صُرِّح في صحيح البزنطي «1» بأنّها و الغريبة سواءٌ.

و أمّا القسم الثاني: فتارة: تكون الحرمة المؤبّدة ناشئة من العلقة الزوجية كأمّ الزوجة و زوجة الأب و الابن و بنت الزوجة المدخول بها فلا إشكال في جواز النظر إليهنّ نظراً إلي أنّهنّ من أوضح مصاديق المحرّمات بالمصاهرة.

و أخري: لا تكون الحرمة الأبدية ناشئة من العلقة الزوجية بل بغيرها مثل الزنا بذات البعل و اللعان و نحوه. فلا إشكال في عدم جواز النظر إليهنّ فإنّ المقصود من المحارم في النصوص من يحرم نكاحه دائماً في الكتاب و السنة بسبب مشروع من الزوجية و المصاهرة لا بالفعل الحرام.

______________________________

(1) الوسائل ج 14 ص 144 ب 107 من مقدمات النكاح ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 116

و كذا يجوز لهنّ النظر إلي ما عدا العورة (1) من جسده بدون تلذّذ و ريبة.

(تحرير الوسيلة/ ج 2/ ص 243/ م 17)

______________________________

(1) لعين ما سبق ذكرُه من أدلّة جواز نظر الرجل إلي بدن محارمه من النساء.

منها: نظر الخصي إلي الأجنبية

قد ألحق بعض الفقهاء الخَصيَّ بالمستثنيات من حرمة إبداء الزينة فحكم بجواز نظره إلي مالكته و إلي المرأة الأجنبية. كما قال المحقق

في الشرائع: «هل يجوز للخصي النظر إلي المرأة المالكة أو الأجنبية؟ قيل: نعم. و قيل: لا». و نسب ذلك إلي ابن الجنيد و الفاضل في الجملة. و لتحقيق ذلك نقول:

إنّ لفظ الخصي علي وزن فعيل بمعني المفعول كجريح و قتيل بمعني المجروح و المقتول و هو من سُلِّلت و استُخرجت بيضتاه فبقيت جلدة خالية منهما. و المعروف إزالة شهوته بذلك. و إن خالف في الجواهر فقال (قدّس سرّه): «و دعوي كون الخصي مقطوع الشهوة يدفعها منع كونه بأقسامه كذلك و إن قلنا باختصاص محلّ البحث في مقطوع الذكَر و الأنثيَين منه. فإنّ انقطاع الشهوة منه أيضاً مطلقاً ممنوع مع أنّ الظاهر صدق اسم الخصي علي الجميع» «1».

و قد وقع الكلام في جواز نظره إلي الامرأة المالكة له و إلي الأجنبية. و علي أيّ حال يبتني البحث في المقام علي إزالة شهوة الخصي بجميع أقسامه أو يكون المبحوث عنه هو خصوص الخصي المقطوع شهوته. فعدم الشهوة له مفروع عنه في موضوع البحث.

______________________________

(1) الجواهر: ج 29 ص 95.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 117

______________________________

ثم إنّ البحث تارة: يقع فيما يستفاد من الكتاب. و أخري: في مدلول النصوص.

و أما الكتاب: فقد استُدل علي الجواز بقوله تعالي أَوِ التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ «1».

لفظ «الإربة» علي وزن فِعْلَة من الأَرْب كالقِطعة من القَطْع بمعني الحاجة. و المقصود من «غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ» هو غير أولي الحاجة إلي النساء لعدم الشهوة.

و بناءً علي ذلك فالمستثني في الآية هو مطلق من لا شهوة له و لا يأتي النساء. و لكن حيث إنّ في الآية الشريفة يكون «غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ» عطف بيان للتابعين. فلذا يكون موضوع الاستثناء من حرمة الإبداء

في الآية هو خصوص التابعين من غير أولي الإربة فلا يشمل غير التابعين منهم.

و معني التابع عرفاً هو مَن لا استقلال له في أمور المعاش و لا يقدر علي شي ءٍ مستقلا، سواء كان لقصور عقله و سفاهته كالأحمق و السفيه أو لعدم استطاعته الجسمانية كالمسنّ الهرم أو لممنوعيته عن الاستقلال كالعبد التابع لمولاه و الصغير التابع لأبيه. و الآية تشمل بظاهره جميع أقسام التبعية.

هذا بلحاظ مدلول الآية نفسها.

و أمّا النصوص الواردة في تفسيرها فقد فُسّر فيها غير أُولي الإربة بالأحمق الذي لا يأتي النساء.

فمنها: صحيح زرارة قال

سأَلْتُ أبا جَعْفَرٍ (عليه السّلام) عَنْ قَوْلِهِ (عَزَّ وَ جَلَّ) أَوِ التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ قال (عليه السّلام): الْأَحْمَقُ الَّذي لا يَأْتي النِّساء «2».

و منها: صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال

سَأَلْتُهُ عَنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 31.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 148 ب 111 من مقدمات النكاح ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 118

______________________________

. قال (عليه السّلام): الْأَحْمَقُ الْمُوَلَّي عَلَيْهِ الَّذي لا يَأْتي النِّساء «1».

و مثله صحيح أبي بصير «2».

و قد يقال: إنّه بعد صراحة هذه النصوص المعتبرة لا مجال للتمسك بإطلاق الآية الكريمة لإثبات الحكم لمطلق التابع الذي لا رغبة له في النساء بل لا بد من الاقتصار علي مدلولهما و تخصيص إطلاق الآية بذلك. و لعلّ الوجه في ذلك كون النصوص في مقام تحديد عنوان غير أولي الإربة. و لذا تدل علي حصره حكماً في الأحمق بمفهوم التحديد.

و لكنّه مشكل لأنّ غاية ما يظهر من هذه النصوص كونها بصدد بيان مصداق عنوان غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ. فذكر الأحمق فيها من باب أحد مصاديق هذا العنوان الكلّي. و

الالتزام بكون الامام (عليه السّلام) بصدد تحديد أفراده بحيث يدل علي نفي هذا العنوان عن غير الأحمق مشكل. و مثل هذا السياق أعني لسان بيان مصداق الموضوع الكلي الوارد في الآيات يجده المتتبع في النصوص المفسرة كثيراً.

و عليه فالمأخوذ في موضوع الاستثناء قيدان. أحدهما: التبعية و الآخر عدم الحاجة إلي النساء لانقطاع الشهوة. فكل من حصل فيه هذان القيدان يدخل في إطلاق الآية. فلا إجمال للدليل المخصّص حتي يُرجع في غير المتيقن من التخصيص إلي عموم منع النظر. و من الواضح أنَّ المخّصص لما كان قرينة عرفية علي بيان المراد الجدّي من العام فلذا يقدَّم إطلاقه علي إطلاق الدليل العام، بل يقدّم علي عمومه كما ثبت في محلّه. و عليه فلا مجال للرجوع إلي عمومات منع النظر فيما إذا تحقق القيدان المذكوران.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 148 ب 111 من مقدمات النكاح ح 2.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 148 ب 111 من مقدمات النكاح ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 119

______________________________

أمّا السنّة:

فالنصوص الواردة في المقام علي طائفتين الأُولي ما دلّ علي جواز نظر الخصي إلي الأجنبية. كما في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال

سَأَلْتُ أبا الْحَسَنِ الرِّضا (عليه السّلام) عَنْ قِناع الْحَرائِر مِنَ الْخِصْيانِ. فقال (عليه السّلام): كانوا يَدْخُلُونَ علي بَناتِ أبي الْحَسَنِ (عليه السّلام) وَ لا يَتَقَنَّعْنَ. قُلتُ: فَكانُوا أحْراراً؟ قال (عليه السّلام): لٰا. قُلْتُ: فَالْأَحْرارُ يُتَقَنَّعُ مِنْهُمْ؟ قال (عليه السّلام): لا «1».

و من الواضح أنّ غاية مدلول هذه الصحيحة جواز نظر الخصي إلي شعر الأجنبية فقط لأنّ الشعر هو الذي ينكشف عند عدم القناع.

الثانية: ما دلّ علي عدم الجواز و هو صحيح عبد المالك بن عتبة النخعي قال

سَأَلْتُ أبا

عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام) عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ هَلْ يَصْلحُ أَنْ يُنْظرَ إلَيْها خَصيُّ مَوْلاها وَ هِيَ تَغْتَسِلُ؟ قال (عليه السّلام): لا يَحِلّ ذلِكَ «2».

و لكنّ الواضح بأدني تأمّل أنّه لا تعارض بين هاتين الصحيحتين لأنّ ظاهر هذه الصحيحة النهي عن نظر الخصي إلي تمام بدن الأجنبية المشتمل علي العورة. و ذلكَ لانكشاف جميع البدن حين الاغتسال. و الحال أنّ الصحيحة الأُولي دلّت علي جواز نظر الخصي إلي خصوص الشعر. و هو لا ينافي عدم جواز نظره إلي سائر مواضح البدن.

و من الطائفة الثانية: صحيحة محمّد بن إسحاق قال

سَأَلْتُ أَبا الْحَسَنِ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 167 ب 125 من مقدمات النكاح ح 3 و فروع الكافي/ ج 5 ص 532 ح 3، و التهذيب/ ج 7 ص 480 ح 134. و الموجود في نسخة الوسائل «الحرائر من الخصيات» لكنه غلط و الصحيح الخصيان كما في نسخة الكافي و التهذيب.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 166 ب 125 من مقدمات النكاح ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 120

______________________________

موسي (عليه السّلام) قُلْتُ: يَكُونُ لِلرَّجُلِ الْخَصيُّ. يَدْخُلُ عَليٰ نِسائِهِ فَيُناوِلُهُنَّ الْوُضوءَ فَيَريٰ شُعُورَهُنَّ؟ قال (عليه السّلام): لا «1».

لا إشكال في دلالة هذه الصحيحة علي عدم جواز نظر الخصي إلي شعر الأجنبية. و لكنّ الكلام في تعارضها مع صحيحة ابن بزيع. و الذي يخطر بالبال أنّ مقتضي القاعدة حمل الصحيحة الثانية علي الكراهة. نظراً إلي رفع اليد عن ظهورها في الحرمة بصراحة صحيحة ابن بزيع في الجواز. لأنّ قوله (عليه السّلام): «لا» في جواب السؤال عن وجوب تقنّع الحرائر الأجنبيات من الرجال الخصيان صريح في نفي الوجوب و جواز كشف الشعر للأجنبية الحرّة أمام الخصي. و أمّا النهي

الوارد في صحيح محمد بن إسحاق ظاهرٌ في الحرمة و تحمل علي الكراهة بمقتضي الصناعة.

و لكن قد يقال بوقوع التعارض بين هاتين الصحيحتين، نظراً إلي عدم إمكان الجمع الرفي بين قوله «لا» الظاهر في حرمة النظر في صحيح محمّد بن إسحاق و بين قوله «كانوا يَدْخُلُونَ علي بَنَاتِ أَبي الْحَسَنِ» الظاهر في ارتكاب ذلك كثيراً بمرأي المعصوم (عليه السّلام). و من هنا تصل النوبة بعد استقرار التعارض إلي الترجيح. و تُرجّح صحيحة محمّد بن إسحاق نظراً إلي موافقتها لعمومات المنع من الكتاب و مخالفتها للعامّة القائلين بالجواز.

و مقتضي التحقيق في المقام عدم استقرار التعارض بينهما. و ذلك لأنّ صحيحة محمّد بن إسحاق ناظرة إلي حكم نظر الخصي المملوك فقط. و ظاهرها عدم جواز نظره إلي نساء مالكه، نظراً إلي أنّ لفظ «الخصي» في هذه الصحيحة اسمٌ لفعل «يكون». و قد تمّت الجملة الأُولي به. و أمّا السؤال فبُدِء بقوله: «يَدْخُلُ عَليٰ نِسائِه..؟» و ضمير «إلها» يرجع إلي الرجل المالك. و عليه فلا تنظر هذه الصحيحة إلي حكم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 166 ب 125 من مقدمات النكاح ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 121

______________________________

الخصي الحرّ. و أمّا صحيحة ابن بزيع فصدرها ناظر إلي الخصي المملوك حيث نفي الإمام (عليه السّلام) الحرية بقوله: «لٰا» في جواب السؤال عن ذلك. و أمّا ذيلها فناظرٌ إلي عدم وجوب التقنّع من الخصيان الأحرار كما صرّح بذلك في موضوع السؤال.

و عليه فالتنافي إنّما هو بين صدر هذه الصحيحة و بين صحيحة محمّد بن إسحاق. و مقتضي القاعدة كما قلنا حمل النهي الوارد في الصحيحة الثانية علي الكراهة و بذلك يترجّح القول بكراهة نظر الخصيّ المملوك إلي الأجنبية

الحرّة، و بذلك يؤخذ بالقيدين المأخوذين في موضوع استثناء «التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ» في الآية، كما سبق آنفاً.

و أمّا الخَصيّ الحُرّ فيكفي ذيل صحيحة ابن بزيع لإثبات عدم وجوب ستر الأجنبية الحرّة شعرها عنه و جواز نظره إلي شعرها و لا معارض له في البين.

و علي فرض التعارض بين هاتين الصحيحتين كما قيل، فالمرجع حينئذٍ هو إطلاق الدليل الخاص الدالّ علي جواز إبداء الزينة للتابعين غير أولي الإربة. حيث قال: لا إجمال في هذه الفقرة من عقد المستثني في الآية. بناءً علي ما سلكناه. و مقتضاه الحكم بجواز نظر الخصي إلي مالكته و نساء مالكه، نظراً إلي حصول قيدي الاستثناء فيه، و هما التبعية و عدم الشهوة. كما هو مفاد صدر صحيح ابن بزيع. و أمّا الخصيّ الحرّ فلا إشكال في دلالة ذيل هذه الصحيحة علي جواز نظره إلي الأجنبية بلا معارض في البين نظراً إلي عدم تعرُّض صحيح محمّد بن إسحاق إلي حكمه.

و لكن الأظهر عدم التعارض بينهما فمقتضي التحقيق جواز نظر الخصي إلي الأجنبية الحرّة مطلقاً، سواءُ كان الخصي مملوكاً أو حرّا. إلّا أنّ الخصيّ المملوك يكره له النظر إلي شعر سيّدته و كذا إلي شعور نساء سيّده لأنّه مقتضي الجمع بين الصحيحتين المزبورتين كما قلنا.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 122

______________________________

و لعلّ خصوصية المملوكية اقتضت الكراهة كما دلّت علي ذلك صحيحة القاسم الصيقل قال

كَتَبْتُ إِلَيْهِ أُمُّ عَلِيٍّ تَسْأَلُ عَنْ كَشْفِ الرَّأْسِ بَيْنَ يَدَي الخادِمِ. وَ قَالَتْ لَهُ: إنَّ شيعَتَكَ اخْتَلَفُوا عَلَيَّ. فَقالَ بَعْضُهُمْ: لٰا بَأْسَ. وَ قالَ بَعْضُهُم: لٰا يَحِلَّ. فَكَتَبَ (عليه السّلام): سَأَلْتِ عَنْ كَشْفِ الرَّأْسِ بَيْنَ يَدَي الخادِم لا تكشفي رأسَك بَيْنَ يَدَيْهِ فانَّ ذلِكَ مَكْروهٌ «1».

بناءً علي

إرادة المملوك من الخادم و إرادة المعني المصطلح من المكروه. ثمّ إنّ كلّ ذلك بحسب مدلول نصوص المقام و مقتضي الصناعة، و لكن مشهور الفقهاء من القدماء و المتأخّرين عدم جواز نظر الخَصي إلي الأجنبية مطلقاً. بل صار عدم الجواز كالمتّفق بينهم بحيث قال في الجواهر «2» لم نعرف القائل بجواز نظر الخصي إلي الأجنبية فكأنّهم لم يستفيدوا من «التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ» ما يعمّ العبد الخصيّ فضلًا عن الخصيّ الحرّ. و هذا موافق للنصوص المفسرة لهذا العنوان بالأحمق الذي لا يأتي النساء. كما أنّ ظاهرهم الاعراض عن صحيحة ابن بزيع و الأخذ بصحيح محمّد بن إسحاق الموافق لعمومات المنع.

و من هنا يشكل الحكم بجواز نظر الخصيّ إلي الأجنبية مطلقاً و لا مناص من الاحتياط الواجب بترك نظره إلي مالكته و إلي الأجنبية مطلقاً.

منها: النظر إلي الخنثي

يقع الكلام تارة: في تكليف الخنثي نفسه بالنسبة إلي غيره. و أخري: في تكليف غيره من الرجال و النساء بالنسبة إليه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 166 ب 124 من مقدمات النكاح ح 7.

(2) الجواهر: ج 29 ص 90.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 123

______________________________

فالكلام في مقامين:

أمّا المقام الأوّل: فالأقوي وجوب مراعاته جميع الأحكام الثابتة للرجال و النساء.

و ذلك لعلمه الإجمالي بثبوت حكم الرجال أو النساء في حقه فيعلم مثلًا بأنه لو كان رجلًا يحرم نظره إلي النساء و لو كان مرأة يحرم نظره إلي النساء. و إن لا علم له إجمالًا بمخالفة التكليف في كلّ مرّة ينظر إلي غيره لاحتمال المماثلة. و لكنه يعلم إجمالًا في نفسه حرمة نظره إلي الرجال أو النساء. و إن ملاك تنجّز العلم الإجمالي هو العلم بثبوت التكليف الإلزامي إجمالًا علي نحو المنفصلة المانعة

الخلوّ، سواءٌ كان جميع الأطراف مورد ابتلائه أو بعض الأطراف، و سواءٌ كان جميع الأطراف أفراد موضوع واحد كعلم الخنثي إجمالًا بحرمة نظره إلي الرجال أو النساء أو كانت موضوعات مختلفة كعلمه الإجمالي في فرض عدم ابتلائِه بالنساء بحرمة نظره إلي الرجال علي فرض كونه مرأة أو وجوب الجهر بالصلاة علي فرض كونه رجلًا.

فاختلاف موضوع طرفي العلم في المثال لكون أحدهما النظر و الآخر الصلاة لا يضرّ بتنجز العلم الإجمالي. و ذلك للعلم بتوجه التكليف الإلزامي إليه بذلك إجمالًا.

و عليه فاشتغال ذمّة الخنثي بالتكليف الإلزامي يقيني و لا بدّ له من الفراغ اليقيني عنه بالموافقة القطعية. و من هنا لا يجوز له الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية بإتيان بعض الأطراف لوضوح عدم حصول الفراغ اليقيني بذلك.

و بهذا البيان اتّضح بطلان الاستدلال علي القول بجواز نظر الخنثي إلي الغير أوّلًا: باستصحاب حال الصغر. و ثانياً: بالبراءة بلحاظ سراية الشك في الشرط و هو الرجولية و الأنوثية إلي حرمة النظر المشروطة به. و ثالثاً: بجواز تغسيل كلّ من الرجل و المرأة الخنثي الميت.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 124

______________________________

أمّا بطلان الوجهين الأوّلين فلوضوح عدم شكّ في البين بعد علم الخنثي بتوجّه التكليف الإلزامي إليه و لو إجمالًا، نظراً إلي تنجّزه كما قلنا.

أمّا بطلان الوجه الثالث فلأنّ جواز التغسيل تكليف ثابت لغيره حال موته. و إنّ الكلام في تكليف نفسه حال حياته. نعم، هذا الوجه ينفع لإثبات جواز نظر الغير إليه علي فرض كون الحكم الثابت له حال الحياة ثابتاً في حقّه حال الموت أيضاً.

أمّا المقام الثاني: فالظاهر جواز نظر كلٍّ من الرجل و المرأة إلي الخنثي. و ذلك لجريان أصالة البرائَة، نظراً إلي أنّ شرط حرمة النظر

إلي الغير هو تخالف جنسي الناظر و المنظور إليه غير محرز للغير. حيث إنّه يحتمل كل ناظر إلي الخنثي كونه مماثلًا له. و لا إشكال في جواز النظر إلي المماثل. و من الواضح أنّ بانتفاء الشرط ينتفي الحكم المشروط به.

هذا مضافاً إلي جواز تغسيل الخنثي الميت لكلّ من الرجل و المرأة فإنه مستلزم لجواز نظرهما إليه و إن لا عكس حيث لا يستلزم جواز النظر جواز التغسيل. و لذا اشترطوا في جواز تغسيل المحارم فقد المماثل و كونه من وراء الثوب و لم يجوّزوا تغسيل غير المماثل الأجنبي حتي فيما إذا كان الغاسل أعمي أو كان الاغتسال في الظلمة المانعة لرؤية بدن الميّت.

منها: النظر إلي بنت الزوجة غير المدخول بها عند ارادة التزويج

وقع البحث في أنّ النظر إلي بنت الزوجة الغير المدخول بها عند إرادة تزويجها هل يجوز أم لا؟ فالمشهور عدم الجواز. و لا يخفيٰ أَنَّ الملاك في جواز النظر إليها هو جواز أصل تزويجها. و حيث إنّ المشهور قالوا بحرمة تزويج البنت للرجل ما دامت أُمّها في حبالته فلذا لم يجوّزوا النظر إليها لزوج أمّها لأجل إرادة تزويجها.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 125

______________________________

و السر في ذلك أنّهم ألحقوها بأخت الزوجة. فكيف لا يجوز تزويج أخت الزوجة للرّجل ما دامت أخته في حبالته؟ فكذلك في المقام.

و لكنّه غير وجيه و ذلك للفرق بين المقامين. لأنّ المستفاد من قوله تعاليٰ وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ «1». و كذا النصوص الواردة في ذيل هذه الآية جواز تزويج بنت الزوجة الغير المدخول بها.

و مقتضي ذلك انفساخ زوجية الأُمّ بمجرّد تزوّج البنت لصيرورتها بذلك أمّ الزوجة. و هذا بخلاف أخت الزوجة.

ضرورة عدم جواز نكاحها للرّجل بأيّ نحو ما دامت أخته في حبالته.

و الحاصل أنّ القياس المزبور مع الفارق و لمّا جاز التزوّج مع بنت الزوجة الغير المدخول بها فلذا يجوز النظر إليها عند إرادة تزويجها.

و قد صرح بجواز نكاح بنت الزوجة الغير المدخول بها عدّة نصوص:

منها: صحيح غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال

إذا تَزَوَّج الرَّجُلُ الْمَرْأَةُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُها إذا دَخَلَ بِالأُمِّ فإذا لَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ فلا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالابْنَةِ وَ إذا تَزَوَّجَ بِالابْنَةِ فَدَخَلَ بِها أو لَمْ يَدْخُلْ فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأُمّ «2».

و منها: صحيح عيص بن القاسم، قال

سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللّٰهِ عَنْ رَجُلٍ باشَرَ امْرَأَتَهُ وَ قَبَّلَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُفْضِ إلَيْها ثُمَّ تَزَوَّجَ ابْنَتَها، قال: إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أفْضي إلي الْأُمِّ فَلا بَأْسَ وَ إنْ كان أَفْضيٰ فَلا يَتَزَوَّج «3».

______________________________

(1) سورة النساء/ الآية 23.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 352 ب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 4.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 353 ب 19 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة (ح 3).

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 126

______________________________

و أمّا ما دل من النصوص علي جواز تزوّج البنت في فرض طلاق الأُمّ فلا يصلح لتقييد إطلاق الآية و النصوص لعدم مفهوم له.

حكم كشف المسلمة بين يدي الكافرة

و قد استدل علي عدم جواز ذلك بالكتاب و السنة.

فمن الكتاب قوله تعالي أَوْ نِسٰائِهِنَّ.. بناءً علي كون المراد النساء المؤمنات كما عن الشيخ (قدّس سرّه) في تفسير التبيان و الطبرسي (قدّس سرّه) في تفسير مجمع البيان. و قال به صاحب الحدائق تبعاً لابن حمزة.

و الوجه في ذلك أنّ النهي عن إبداء الزينة توجّه إلي المؤمنات نظراً إلي رجوع ضمير الجمع

المؤنّث في قوله تعالي لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلي المؤمنات في قوله تعاليٰ قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ في صدر الآية. و إنّ إضافة النساء إلي الضمير الراجع إلي المؤمنات ظاهرٌ في نساء المؤمنات بلحاظ الاشتراك و السنخية في الايمان. فلذا يصح سلب نسبتهنّ إلي الكافرات، فيقال: إنهنّ لسن من الكافرات.

و عليه فالمستثني من حرمة إبداء الزينة خصوص نساء المؤمنات و تبقي الكافرات تحت إطلاق المستثني منه لا محالة. فلا مناص من الحكم بحرمة إبداء الزينة لهنّ.

و لكن هذا الاستظهار من «نِسائِهنَّ» خلاف الظاهر حيث إنّ إضافة النساء إلي ضمير «هن» معنوية ظاهرة في الاختصاص أو الملكية. و لمّا كانت النساء المملوكة أي الإماء داخلة في قوله تعالي أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ. فبهذه القرينة تكون الإضافة المزبورة ظاهرة في الاختصاص. و عليه فالمقصود من نسائهن هو الجواري الحرائر، كما قال الزمخشري في تفسير الكشاف و احتمله السيد في العروة.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 127

______________________________

و من السنّة: صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يَنْبَغي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْكَشِفَ بَيْنَ يَدَي الْيَهوديَّةِ و النَّصرانية فإنَّهُنَّ يَصِفْنَ ذلك لأَزْواجِهِنَّ «1».

قال بعض الفحول في تقريب دلالة هذه الصحيحة علي حرمة كشف المسلمة بين يدي اليهودية و النصرانية: إنّ كلمة «ينبغي» تستعمل في الجواز و الإمكان و علي هذا تكون الرواية دالة علي عدم جواز ذلك للمسلمة.

و فيه: أنّ كلمة «ينبغي» نمنع استعمالها في الجواز و الإمكان حتي يكون «لا ينبغي» ظاهراً في عدم الجواز. بل تستعمل في الجدارة و الصلاحية و الندب. كما قال في المصباح: و ينبغي أن يكون كذا معناه يندب ندباً مؤكّداً لا يحسن تركه. و قد حكي عن الكسائي أنّه سمعه

من العرب: و ما ينبغي أنْ يكون كذا، أي ما يستقيم و لا يحسن. و قد نقل ابن منظور في لسان العرب عن الزجاج، يقال: انبغي لفلان أن يفعل كذا؛ أي صلح له أن يفعل كذا. و عن ابن الأعرابي: و ما ينبغي له؛ أي و ما يصلح له.

و عليه فقوله (عليه السّلام): «لا ينبغي» لا يدل علي أكثر من عدم الصلاحية و نفي الحسن و الجَدارة و الاستقامة. أي لا يصلح و لا يحسن فليس ظاهراً في نفي الجواز.

و أمّا في مثله قوله تعالي وَ مٰا يَنْبَغِي لِلرَّحْمٰنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً «2» فإنّما يكون بمعني نفي الإمكان لأجل القرينة العقلية الموجبة لانصراف اللفظ عن ظاهره، كلفظ العرش المنصرف عن ظاهره لأجل القرينة العقلية في قوله تعالي الرَّحْمٰنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَويٰ. و من الواضح أنّ انصراف اللفظ عن معناه لأجل القرينة العقلية لا ينافي ظهوره في معناه الأصلي العرفي المتبادر إلي الذهن عند عدم القرينة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 98 من مقدمات النكاح ص 133 ح 1.

(2) سورة مريم/ الآية 92.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 128

منها: النظر إلي المطلقة الرجعية

______________________________

لا إشكال في جواز نظر الزوج إلي زوجته المطلقة الرجعية فيما إذا كان النظر بلا قصد تلذُّذ و ريبة. و أمّا معه فالأقوي أيضاً الجواز.

و ذلك أوّلًا: لإطلاق الزوجة عليها في النصوص الكثيرة كقوله (عليه السّلام)

لا يَنْبَغي لِلْمُطَلَّقَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلّا بِإِذْنِ زَوْجِها حَتّي تَنْقَضي عِدَّتُها..

في صحيح الحلبي «1» و معتبرة أبي العباس «2». و في موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن (عليه السّلام)، قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُطَلَّقَةِ، أَيْنَ تَعْتَدُّ؟ فَقالَ في بَيْتِ زَوْجِها «3».

و غيرها من النصوص المعتبرة الظاهر في أنّها زوجة حقيقة. و عليه

فيترتب عليها جميع أحكام الزوجية و منها جواز النظر.

و ثانياً: لما دلّ من النصوص علي استحباب إظهارها الزينة و التجمّل لزوجها في زمان العدة لعلّها تقع في نفسه فيراجعها معلِّلًا بقوله تعالي لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً «4».

مثل صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه

في الْمُطَلَّقَةِ تَعْتَدُّ في بَيْتِها وَ تُظْهِرُ لَهُ زينَتَها لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً «5».

و معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الْمُطَلَّقَةُ تَكْتَحِلُ وَ تَخْتَضِبُ وَ تَتَطَيَّبُ وَ تَلْبِسُ ما شَاءَتْ مِنَ الثِّيابِ لِأَنَّ اللّٰهَ عَزَّ وَ جَلَّ يقول: لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أمْراً، لَعَلَّها أَنْ تَقَعَ في نَفْسِهِ فَيُراجِعُها «6».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 15 ص 434 ب 18 من أبواب العدد ح 1 وص 435 ح 7.

(2) الوسائل/ ج 15 ص 434 ب 18 من أبواب العدد ح 1 وص 435 ح 7.

(3) الوسائل/ ج 15 ص 434 ب 18 من أبواب العدد ح 4.

(4) سورة الطلاق/ آية 1.

(5) الوسائل/ ج 15 ص 437 ب 21 من أبواب العدد ح 2.

(6) الوسائل/ ج 15 ص 437 ب 21 من أبواب العدد ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 129

______________________________

ثمّ إنّ هذا لا كلام فيه إذا كان نظر الزوج أو لمسه أو تقبيله بقصد الرجوع. و أمّا إذا لم يكن بقصد الرجوع فهل يجوز أيضاً أم لا؟ ففي الحدائق و غيرها أنّ قصد الرجوع بالفعل مفروغ عنه نظراً إلي أنّ دوران ترتّب الحكم علي الفعل مدار قصد الفاعل. فما لم يقصد به ذلك الفعل لا يترتب عليه الحكم. و لكن يظهر من المحقق صاحب الشرائع و العلامة في القواعد و صاحب الجواهر و غير واحدٍ

من غيرهم عدم اعتبار قصد الرجوع. قال في الجواهر: «بل في التحرير التصريح بأنّه لا حاجة إلي نية الرجعة إذا تحقق القصد إلي الفعل بالمطلّقة و إن كان ذاهلًا عن الرجعة، بل في كشف اللثام احتمال ذلك حتي مع نية خلافها» «1». و هو مقتضي التحقيق. و ذلك لأنّ المستفاد من نصوص المقام أنّ بنفس الاستمتاع يتحقق الرجوع. و عليه فمن الواضح أنّ الذي يعتبر قصده في تحقق الرجوع نفس فعل الاستمتاع بأن لا يكون فعل النظر و اللمس و التقبيل عن غفلة و لا في حالة النوم و أن يصدر بقصد الاستماع. فإذا فعل بما يصدق عليه الاستمتاع من نظرٍ أو لمس أو تقبيل أو نحو ذلك يتحقق بمجرّده الرجوع، سواءٌ قصد الرجوع إليها بذلك الفعل أم لا؟

و قد دلّ علي ذلك عدّه نصوص معتبرة مثل معتبرة يزيد الكناسي قال

سَأَلْتُ أبا جَعْفَرٍ (عليه السّلام) مِنْ طلاقِ الْحُبْلي. قُلْتُ: فَلَهُ أَنْ يُراجِعُها؟ قال (عليه السّلام): نَعَمْ، وَ هِي امْرَأَتُهُ. قُلْتُ: فَإِنْ راجَعَها وَ مَسَّها ثُمَّ أرادَ أَنْ يُطَلِّقُها تَطْليقَةً أُخْريٰ؟ قالَ: لٰا يُطَلّقُها حَتّي يَمْضيَ لَها بَعْدَ ما يَمسُّها شَهْرٌ «2»

و الأقوي اعتبار هذه الرواية لعدم سماع قدح في يزيد الكناسي من أحدٍ مع كثرة روايته و نقل الْأَجلاء عنه مثل هشام بن سالم و أبي أيّوب الخزاز و نحوهما. بل قال العلّامة في الإيضاح في حقّه أنّه شيخ من شيوخ الشيعة

______________________________

(1) الجواهر: ج 32 ص 180.

(2) الوسائل/ ج 15 ص 382 ب 20 من أقسام الطلاق ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 130

______________________________

روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه و ذكره الشيخ الطوسي أيضاً من رجالهما (عليهما السّلام). و لا

إشكال في دلالتها علي المطلوب.

و مثل صحيحة محمد بن القاسم قال

سَمِعْتُ أبا عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام) يَقُولُ مَنْ غَشِيَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ جُلِّدَ الْحَدُّ و إنْ غَشِيَها قَبْلَ انْقِضاء العِدَّةِ كانَ غَشيانُه إيّٰاها رَجْعَةُ لَها «1».

و إنّ محمد بن القاسم الواقع في طريقه هو محمّد بن القاسم بن زكريا و هو من المعمّرين لا ابن فضيل لكونه من أصحاب الرضا و علي أيّ حال لا إشكال في وثاقه كليهما.

منها: الزوجة المعتدّة لوطي الشبهة

وقع الكلام في جواز نظر الزوج إلي زوجته الموطوءَة بوطي الشبهة في حال العدّة. فنقول:

لا إشكال في مجرد نظر الزوج إليها حال العدة بلا قصد شهوة و لا تلذّذ و ريبة. و أمّا مَعَهُ فَوَقَع الْكَلامُ في جوازه. ففي القواعد و المسالك عدم الجواز. نظراً إلي دلالة النصوص علي المنع من الاستمتاع بها مطلقاً إلي أنْ تَنْقَضي العدّة.

و في الجواهر «2» أنّه لا دليل عليه يصلح لمعارضة ما دلّ علي الاستمتاع بالزوجة. قال السيد في ملحقات العروة: «لا إشكال في عدم جواز وطئها للزوج في أيّام عدّتها للوطي بالشبهة. و هل يجوز له سائر الاستمتاعات أو لا؟ وجهان بل قولان من أنّها لم تخرج عن الزوجية و يحصل الغرض من العدة و هو عدم اختلاط الأنساب بترك الوطي و أما الاستمتاعات الأُخر فلا دخل لها في ذلك. و من أنّ مقتضي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18 ص 400 ب 29 من أبواب حدّ الزنا ح 1.

(2) الجواهر: ج 32 ص 268.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 131

______________________________

العدّة الاجتناب عنها مطلقاً و هو الأحوط و إن كان الأول أقوي» «1».

و الأقوي في المقام جواز نظر الزوج إلي زوجته المعتدّة بوطي الشبهة نظراً إلي انصراف نصوص المنع

في حرمة المقاربة و مقدماتها من اللمس و التقبيل. فإنه ظاهرُ صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام)

فَتَعْتَدُّ مِنَ الْأَخير وَ لٰا يَقْرُبْها الْأَوّلُ حَتّي تَنْقَضِيَ عِدَّتُها «2».

و إن يمكن النقض بقوله: فَلٰا تَقْرَبُوا النِّساءَ في الْمَحيضِ.. المقطوع في إرادة النهي عن خصوص الجماع. و علي أيّ حال فالذي يهمّنا في المقام عدم ظهور قوله (عليه السّلام): «لٰا يَقربها الأول» في النهي عن الاستمتاع بالنظر لعدم صدق القرب عليه عرفاً، نظراً إلي ظهوره في اللّمس و التقبيل و الغشيان و نحو ذلك مما يقرب به الزوج و الزوجة ببدنهما.

فالأقوي في المقام ما ذهب إليه صاحب الجواهر و اختاره في العروة من جواز نظر الزوج إلي زوجته المعتدّة بوطي الشبهة مطلقاً، سواءٌ كان بلا شهوة و لا تلذّذ و ريبة أو معها.

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقي: ج 1 ص 105 م 4 من المسائل المتعلقة بالعدد.

(2) الوسائل/ ج 15 ص 466 ب 37 من أبواب العدد ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 132

مسألة: لا إشكال في أنّ غير المميّز من الصبي و الصبية خارج عن أحكام النظر و اللّمس بغير شهوة لا معها لو فرض ثورانها (1).

(تحرير الوسيلة/ ج 2/ ص 244/ ص 24) مسألة: يجوز للرجل أنْ يَنظر إلي الصبية ما لم تبلغ (2) إذا لم يكن فيه تلذذ و شهوة.

______________________________

(1) سيأتي الوجه في ذلك من خلال البحث الآتي.

منها: النظر إلي الصبي و الصبيّة و تستّر المرأة عن الصبي

(2) إنّ البحث في مقامين:

الأول: في حكم نظر الصبي و الصبية إلي غيره.

الثاني: في حكم نظر الغير إليهما.

أمّا المقام الأوّل فلا شك في جواز نظرهما إلي الغير حتي العورة. كما لا إشكال أيضاً في عدم وجوب حفظ العورة و البدن و

سترهما عليهما من الغير سواءٌ كان مميّزَيْن أم لا؟ نظراً إلي أنّ كلَّ ذلك من التكليف المترتّب علي مخالفته العقاب و لا تكليف علي الصبي، لما ورد في النصوص ما دلّ علي رفع القلم عنه.

نعم نسب إلي المحقق النراقي عدم جواز نظرهما إلي عورة الغير بدعوي تخصيص حديث رفع القلم عن الصبي بقوله تعاليٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلٰاثَ مَرّٰاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلٰاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيٰابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلٰاةِ الْعِشٰاءِ. ثَلٰاثُ عَوْرٰاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لٰا عَلَيْهِمْ جُنٰاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّٰافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَليٰ بَعْضٍ

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 133

______________________________

«1». حيث إنّ في هذه الآية و إن توجّه الخطاب إلي المكلَّفين و لكنّ الأمر بالاستيذان متوجّه إلي غير المكلّفين و ظاهره تكليف الصبيان في هذا المورد بترك النظر إلي عورة الغير. و أشكل عليه أوّلًا: بأنّ الوجوب لا يستفاد من صيغة الأمر بنفسها و أنّها مستفاد من حكم العقل بلزوم طاعة المولي إذا لم يرد ترخيص. و في المقام حيث إنّه دلّ حديث رفع القلم علي ترخيص الصبي بجميع أفعاله فلذا لا يستفاد من الأمر بالاستيذان في المقام وجوب ترك نظر الصبي إلي عورة الغير.

و ثانياً: بأنّ الآية أجنبية عن محلّ الكلام لأنّها في مقام نهي غير البالغ المميز عن التطلّع علي عورة الزوج و الزوجة و النظر إليهما حال الخلوة بحيث يطّلع علي ما يستقبح التطلّع عليه.

و لكن يمكن الجواب عن الأول بأنّ حديث رفع القلم لمّا كان ظاهره عدم كتابة تكليف علي الصبيّ في دفتر التشريع، كما اعترف بذلك هذا العَلَم في الاستدلال علي عدم

وجوب الخمس في مال الصبي. فلذا يصلح للقرينة علي صرف الأمر بالاستيذان في الآية عن ظهوره في الوجوب. و ذلك لأنّ الآية صريح في كتابة التكليف علي الصبي فلذا لا مناص من تخصيص حديث رفع القلم بمدلول الآية.

و يمكن الجواب عن الإشكال الثاني: أنّ حرمة النظر إلي حالة الخلوة و التطلّع علي ما يستقبح منهما مستلزم لحرمة النظر إلي عورتهما قطعاً.

و لكن الذي يمكن أن يناقش به ظهور الآية في وجوب ترك نظر الصبي إلي عورة الغير هو أنّ هذه الآية الشريفة بصدد بيان تكليف الزوج و الزوجة علي منع

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 58.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 134

______________________________

الصبي عن التطلّع عليهما حال الخلوة و أمره بالاستيذان و تعويده علي عدم الدخول عليهما بغتةً بغير إذنهما. و هذا الغرض معلوم من سياق الآية لمن تأمّل فيها. و هذا النحو من الاستعمال رائج. فاذا كان هذا هو المقصود في صدر الآية فلا بدّ أن يكون علي هذا الوزان أيضاً قوله تعالي لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لٰا عَلَيْهِمْ جُنٰاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّٰافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَليٰ بَعْضٍ في ذيل الآية «1».

أما المقام الثاني: فيمكن الاستدلال علي جواز نظر كلٍّ من الرجل إلي الصبية و المرأة إلي الصبي علي فرض حرمة نظرها إلي الرجل-، أولًا: باختصاص قوله تعالي وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ بالبالغات نظراً إلي عدم شمول التكليف لغير البالغ فلا تدل الآية علي وجوب التستّر علي الصبية و إذا لم يجب عليها التستر يجوز نظر الغير إليها بالملازمة العرفية كما مر بيانها سابقاً.

و ثانياً: بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال

سَأَلْتُ أبا إبْراهيم (عليه السّلام) عَنِ الجارية الَّتي لَمْ تُدْرِك مَتي يَنْبَغي لَها أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَها مِمَّنْ لَيْسَ

بَيْنَها وَ بَيْنَهُ مَحْرَمٌ وَ مَتيٰ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُقَنِّعَ رَأْسَها لِلصَّلاةِ؟ قالَ: لا تُغَطّي رَأسها حَتّي تحرُمَ عَلَيْها الصلاة «2».

لا إشكال في دلالتها علي عدم وجوب التستر علي الصبية غير البالغة و جواز إبدائها لشعرها ما لم تحض. و بذلك يثبت جواز النظر إليهما بالملازمة العرفية.

و أمّا الاستدلال بإطلاق قوله تعاليٰ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ.. وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ.. علي عدم جواز النظر إلي الصبي و الصبية، نظراً إلي عدم ذكر متعلّق خاص له. فيدل بإطلاقه علي وجوب غضّ البصر

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 58.

(2) الوسائل/ ج 114 ب 126 من مقدمات النكاح ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 135

______________________________

عن جميع المؤمنات سواؤكن البالغات أم غيرهنّ و كذا في أمر المؤمنات بغضّ البصر عن المؤمنين.

و فيه: أنّ تقابل المؤمنين و المؤمنات في هذه الآية يوجب ظهورها في أمر كلّ واحدٍ منهما بغض البصر عن الآخر. و عليه فكلٌّ من المؤمنين و المؤمنات أُمر بغض البصر عن الآخر. فكلٌّ من الطائفتين ضمن تكليف كل منهما بغضّ البصر عن الآخر أُمر بغضّ البصر عنه أيضاً.

و الحاصل أنّ من هذه الآية يستفاد وجوب غض البصر عن المكلفين من المؤمنين و المؤمنات. فلا تدلّ علي وجوب غضّ البصر عن غير البالغين لعدم توجّه تكليف إليهم في الآية فهم خارجون عن المقصود من المؤمنين و المؤمنات فيها.

حكم تستّر المرأة عن الصبي

و أمّا حكم ستر المرأة فعن الصبي غير المميز فلا إشكال في جوازه و أمّا سترها عن الصبي المميّز فظاهر قوله تعالي أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَليٰ عَوْرٰاتِ النِّسٰاءِ «1» عدم وجوب التستر عليها منه. لأن الصبي المميز من قبيل الطفل الذي ظهر علي عورات النساء

فيبقي تحت عموم المنع في العقد المستثني منه.

هذا بالنسبة إلي مدلول الآية و لكن ورد في النصوص صحيحتان عن البزنطي تدلان بالصراحة علي عدم وجوب تستر المرأة من الصبي حتي يبلغ.

فإنّه قد روي عن الرضا (عليه السّلام)

يُؤْخَذُ الْغُلامُ بِالصَّلاةِ وَ هُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنينَ وَ لٰا تُغَطّي الْمَرْأَةُ شَعْرَها مِنْهُ حَتّي يَحْتَلِمَ «2».

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 31.

(2) الوسائل/ ج 14 ب 126 من أبواب مقدمات النكاح ص 169 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 136

______________________________

و روي أيضاً عنه (عليه السّلام)

لٰا تُغَطِّي الْمَرْأَةُ رَأْسَها مِنَ الْغُلامِ حَتّي يَبْلُغَ الْغُلٰامُ «1».

و من الواضح أنّ مقتضي الجمع بين هاتين الصحيحتين و بين ظاهر الآية الشريفة و تخصيص عمومها بمدلولهما.

فَتَحَصَّلَ من جميع ذلك جواز كشف المرأة رأسها أمام الصبي و عدم وجوب التستّر عليها من الصبي ما لم يبلغ الحلم.

هذا مضافاً إلي إمكان دعوي استقرار السيرة علي ذلك أيضاً. و لكن كلُّ ذلك فيما إذا لم يبلغ الصبي مبلغاً يترتب علي النظر منهما أو إليهما ثوران الشهوة. لوضوح أنّ النظر الشهواني سواءٌ كان منه إلي الغير أو من الغير إليه علم مبغوضية وقوعه عند الشارع بلا فرق بين أن يكون الناظر بالغاً أو غير بالغ كما في الزنا و شرب الخمر و اللواط. و من هنا يعذّر علي ارتكاب ذلك. هذا مضافاً إلي دلالة قوله تعالي أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَليٰ عَوْرٰاتِ النِّسٰاءِ علي ذلك حيث دلّ بمفهوم التحديد علي بقاء الطفل الذين ظهروا علي عورات النساء تحت عموم المنع، نظراً إلي أنّ الصبي البالغ حدّ ثوران الشهوة من أبرز مصاديق الطفل الذي ظهر علي عورات النساء. و أمّا صحيحتا البزنطي فمنصرفتان عن الغلام البالغ

حدّ الشهوة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 126 من أبواب مقدمات النكاح ص 169 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 137

نعم الأحوط الأولي الاقتصار علي مواضع لم تجرِ العادة علي سترها بالألبسة المتعارفة (1) مثل الوجه و الكفّين و شعر الرأس و الذراعين لا مثل الفخذين و الأليين و الظهر و الصدر و الثديين. و لا ينبغي ترك الاحتياط فيها (2). و الأحوط عدم تقبيلها و عدم وضعها في حجره إذا بلغت ستَّ سنين (3)».

(تحرير الوسيلة/ ج 2/ ص 244/ م 25)

______________________________

(1) وجه إناطة الجواز بجريان عادتهنّ علي عدم الستر أن ما دلت النصوص علي جواز النظر إليه هو الرّأس و الشعر و كذا الوجه بالالتزام. لعدم انفكاكه عن الرأس في الستر و النظر و نحو ذلك ممّا لم تجر عادة النساء علي سترها عن غير البالغ. و أما سائر المواضع فلا دليل علي جواز النظر إليه فيبقي تحت عمومات المنع. بل يمكن دعوي السيرة من النساء المتشرعة علي ستر سائر مواضع بدنهنّ عن غير البالغين.

(2) هذا الاحتياط استحبابي لمسبوقيته بفتوي الجواز مطلقاً في صدر المسألة.

(3) لا خلاف في ذلك بين الأصحاب و تدل عليه رواية أبي أحمد الكاهلي قال

سَأَلْتُهُ عَنْ جارِيَةٍ لَيْسَ بَيْني وَ بَيْنَها مَحْرَمٌ تَغَشّٰاني، فَأَحْمِلُها وَ أُقَبِّلُها؟ فقال (عليه السّلام): إذا أتَي عَلَيْهَا سِتُّ سِنينَ فَلا تَضَعُها عَلي حجْرِكَ «1».

فإنّ الإمام (عليه السّلام) لَما أَعْرَضَ عَنْ بيان حكم حمل الصبية و تقبيلها في جواب السؤال و أجاب بمنع وضعها في الحجر استفيد من ذلك حرمة الحمل و التقبيل بالأولوية و لكنّها ثابتة في الحمل دون التقبيل، مضافاً إلي ضعف سندها.

و ممّا يدل علي ذلك صحيح عبد اللّٰه بن يحيي

الكاهلي، قال

سَأَلَ أَحْمَدُ بْنُ النُّعْمانِ أَبا عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) فَقالَ لَهُ جُوَيْرِيةٌ لَيْسَ بَيْني وَ بَيْنَها رَحِمٌ، وَ لَها سِتُّ سنينَ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 127 من مقدمات النكاح ص 170 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 138

______________________________

قال (عليه السّلام): لا تَضَعُها في حُجْرِكَ «1».

لا إشكال في سنده و لا في دلالته علي منع حمل الصبية البالغة ست سنين و غشيانها بالملازمة.

و منها: رواية زرارة عن أبي عبد اللّٰه قال

إذا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ الحُرَّةُ سِتَّ سِنينَ فلا يَنْبَغي لكَ أَنْ تُقَبِّلَها «2».

و منها: مرفوعة زكريا المؤمن قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إذا بَلَغَتِ الْجارِيَةُ سِتَّ سِنينَ فَلا يُقَبِّلُها الْغُلامُ «3».

و منها: مرسل علي بن عقبة عن أبي الحسن الكاظم (عليه السّلام) في حديث قال

إذا أَتَتْ عَلَي الْجارِيَةِ سِتُّ سِنينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَبِّلَها رَجُلٌ لَيْسَتْ هي بِمَحْرَمٍ لَهُ وَ لٰا يَضُمُّها إِلَيْهِ «4».

لا إشكال في دلالة هذه النصوص بمجموعها علي حرمة حمل الجارية البالغة ستَّ سنين و تقبيلها و غشيانها و وضعها في الحُجر. و أمّا سنداً فهي و إن كانت ضعيفة بآحادها غير صحيح عبد اللّٰه بن يحيي الكاهلي إلّا أَنَّ ضعفها منجبر بعمل المشهور كما بني عليه السيد الماتن (قدّس سرّه) في الأصول فالأقوي حرمة ذلك. و لعلّ وجه احتياطه (قدّس سرّه) عدم إحراز استناد المشهور في فتواهم بذلك إلي هذه النصوص لاحتمال استناد ذلك إلي السيرة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 127 من مقدمات النكاح ص 170 ح 1 و الفقيه/ ج 2 ص 275.

(2) الوسائل/ ج 14 ب 127 من مقدمات النكاح ص 170 ح 2 و في ص 171 ح 7.

(3) الوسائل/ ج 14 ب 127 من

مقدمات النكاح ص 170 ح 4 و في ص 171 ح 7.

(4) الوسائل/ ج 14 ب 127 من مقدمات النكاح ص 170 ح 6 و في ص 171 ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 139

مسألة: يجوز للمرأة النظر إلي الصبي المميز ما لم يبلغ. و لا يجب عليها التستر عنه ما لم يبلغ مبلغاً يترتب علي النظر منه أو إليه ثوران الشهوة علي الأقوي في الترتّب الفعلي (1) و علي الأحوط في غيره».

(تحرير الوسيلة/ ج 2/ ص 244/ م 26)

______________________________

(1) يعني فيما إذا ترتب ثوران الشهوة علي النظر فعلًا في حال النظر. و لا إشكال في حرمة النظر منه و إليه حينئذٍ. و قد بيّنّٰا وجه ذلك آنفاً فراجع.

و أمّا وجه الاحتياط الواجب في غير الترتب الفعلي فهو مقتضي عمومات المنع، نظراً إلي عدم إحراز شمول دليل المخصص للصبي البالغ مبلغ ثوران الشهوة.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 141

مسائل أخري مهمّة حول الستر و النظر

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 143

[حكم النظر إلي العضو المبان من الأجنبي و الأجنبية]

مسألة: «لا يجوز النظر إلي العضو المبان من الأجنبي و الأجنبية (1) و الأحوط ترك النظر إلي الشعر المنفصل، نعم الظاهر أنّه لا بأس بالنظر إلي السنّ و الظفر المنفصلين». (تحرير الوسيلة/ ج 2/ ص 243/ م 22)

______________________________

حكم النظر إلي العضو المبان من الأجنبي و الأجنبية

(1) و قد وافق السيد الماتن (قدّس سرّه) صاحب العروة. و استُدل لذلك باستصحاب عدم الجواز الثابت قبل الانفصال حيث إنّ الاتصال و الانفصال من الحالات الطارئة فلا يكون تبدّلها مخلّاً بالموضوع. كما يجري استصحاب ملكيه جزءٍ مقطوع من المملوك و نجاسة أجزاء المبانة من الكلب.

و فيه: أنّ موضوع عدم الجواز هو المرأة الأجنبية و لا إشكال في عدم صدقها علي العضو المبان.

هذا مضافاً إلي الإشكال الوارد علي الاستصحاب في الشبهات الحكمية. و أمّا الاستشهاد باستصحاب نجاسة الأجزاء المبانة من الكلب و ملكية الجزء المقطوع من المملوك فهو غير صحيح. لأنّ موضوع الحكم هناك ليس هو عنوان الكلب أو المملوك بماهيته الشخصية بل موضوعه كلّ جزء من أجزائه.

ثمّ إنّ في المقام شبهة توجب استبعاد الحكم بجواز النظر إلي العضو المبان و هو أنّ في غُسل أعضاء الميت المتفرقة كيف لم يلتزم الفقهاء بارتفاع حرمة اغتسال الأجنبي باعتبار تفرّق الأجزاء و انفصالها عن بدن الميت فكذلك في المقام.

فاذا كان النظر إلي عضوٍ من أعضاء بدن الأجنبية حراماً حال اتصاله بالبدن فمن المستبعد جدّاً أن ترتفع الحرمة لأجل انفصاله عن البدن.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 144

______________________________

و يمكن الجواب: بأنّ القول بعدم الفصل في حرمة اغتسال أعضاء الميت الأجنبية بين حال انفصالها و بين حال اتصالها غير ثابت علي النحو المطلق.

بل إنّما هو ثابت فيما إذا كان العضو المنقطع معظم أجزاء البدن بحيث يصدق عنوان الميت الإنساني عليه. و إلّا فترتيب أحكام الغسل و الكفن عليه أوّل الكلام. هذا مضافاً إلي أنّ في الغسل يُلمس العضو حال الاغتسال لعدم إمكانه بدون المسّ و إلّا فالاغتسال لمّا كان من وراء الثياب لا يتحقق النظر إلي العضو المغسول. و إنّ حرمه المسّ لا يستلزم حرمة النظر دائماً و إن يستلزم حرمة النظر حرمة اللمس.

و عليه فلا يصلح شي ءٌ من الوجهين المزبورين للاستدلال به علي حرمة النظر إلي العضو المبان من الأجنبي و الأجنبية. و لكن يمكن الاستدلال لذلك بوجه ثالث. و هو دلالة عدة نصوص ظاهرة في حرمة وصل شعر المرأة الأجنبية للمرأة. و إنّ أكثر هذه النصوص و إن كانت بآحادها ضعافاً و لكن يُطمئَنُّ بصدور مضمونها عن المعصوم بلحاظ كثرتها، مع اعتبار بعضها. فإنها تدل بسياقها و بمناسبة الحكم و الموضوع تدلّ علي كون وصل شعر المرأة الأجنبية لأجل ما يترتب عليه من الكشف و النظر المحرّم لزوج المرأة الواصلة، نظراً إلي حرمة نظره إلي شعر الأجنبية. و يتضح بالتأمّل إنّها إرشادٌ إلي منع ارتكاب ما يلزم من الكشف و النظر الحرام. و إلا فلم يكن وجهاً لما فيها من التفصيل بين ما لو كان الموصول بالشعر شعراً لامرأة أخري غير الواصلة و بين ما لو كان شعر نفسها أو صوفاً و نحو ذلك من شعور الحيوانات. و أمّا احتمال كون المنع فيها بلحاظ حرمة كشفها للرجال الأجانب بعنوان إبداء الزينة الباطنة و إن كان من البعيد جدّاً إذ المرأة المؤمنة لا يكشف زينة رأسها بما لها من الزينة للرجال الأجانب إلّا أنّه يثبت حرمة

ذلك بالأولوية باستظهار حرمته في حق الزوج. كما أنّ تلوُّث بدن الواصلة بنجاسة الشعر المنفصل من بدن غيرها لا يمكن أن يكون وجهاً

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 145

______________________________

للنهي، نظراً إلي كون الشعر ممّا لا تحلّه الحياة فلا ينجس بالإبانة من بدن الحيّ فلا يبقي وجه للنهي عن وصل شعر المرأة الأُخري إلّا الإرشاد إلي عدم ارتكاب الحرام بذلك. من كشف شعر الأجنبية و النظر إليه.

و بذلك اتّضح أنّ في المقام لا بد من التفصيل بين ما لو كان الشعر المنفصل شعراً لامرأة أجنبية فيحكم بحرمة النظر إليه بالاحتياط الواجب. وجه الاحتياط احتمال حمل النهي و البأس المتعلق بذلك في نصوصها علي الكراهة بقرينة ما ورد فيها من التعبير بالكراهة في قوله

وَ كُرِهَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَجْعَلَ الْقَرامِلَ مِن شَعْرِ غَيْرِها «1».

و التعبير بنفي الخير في قوله (عليه السّلام)

وَ إِنْ كان شَعْراً فلا خَيْر فيهِ مِنَ الْواصِلَةِ و الْمُسْتَوْصِلَةِ «2».

و بين ما لو كان الشعر من الرجل فلا إشكال في النظر إليه. و أمّا سائر أعضاء المرأة غير الظاهرة منها كالأصابع و الأظفار و الأسنان فلا إشكال في حرمة النظر إليه بالأولوية القطعية بعد استفادة حرمة النظر إلي شعر الأجنبية المنفصل من تلك النصوص.

فالأقوي في المقام ما ذهب إليه السيد الماتن (قدّس سرّه). لكن لا لأجل الاستصحاب أو الاستبعاد المزبور بل لدلالة هذه النصوص. و سيأتي ذكرها و البحث عن سندها و مدلولها مفصّلًا في حكم الشعر الموصول إن شاء اللّٰه.

حكم النظر فيما إذا لم يتميز المنظور إليه

وقع الكلام في ما إذا لم يتميز الشخص المنظور إليه كما إذا رأي الناظر شخصاً من بعيد و لم يعلم بأنّه رجل أو امرأة أو أنّه إنسان أو حيوان أو جماد. و كذا

فيما إذا لم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 101 من مقدمات النكاح ص 135 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 12 ب 19 من أبواب ما يكتسب به ص 94 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 146

______________________________

يتميز بين الأعضاء المنظور إليه، كما لو لم يعلم الناظر أنّ المرئي هو الشعر أم لا؟ بل هو أطراف المقنعة الواقعة علي الجبهة و سترت موضع قصاص الشعر و نحو ذلك.

ففي العروة احتاط وجوباً بترك النظر في مطلق موارد عدم تمييز المنظور إليه، حيث قال: «هل المحرَّم من النظر ما يكون علي وجه يتمكّن من التمييز بين الرجل و المرأة و أنّه العضو الفلاني أو غيره أو مطلقة فلو رأي الأجنبية من بعيد بحيث لا يمكنه تمييزها و تمييز أعضائها أولا يمكنه تمييز كونها رجلًا أو امرأة، بل لا يمكنه تمييز كونها إنساناً أو حيواناً أو جماداً، هل هو حرام أو لٰا؟ وجهان. الأحوط الحرمة» «1».

و قد وجّه ذلك أوّلًا: بأنّه مقتضي إطلاق قوله تعالي قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ.. نظراً إلي ظهوره في وجوب غضّ المؤمنين عن المؤمنات و بالعكس مطلقاً، سواءٌ أمكن التمييز أم لا. و لكن لا يمكن المساعدة عليه. و ذلك لأنّ موضوع الحكم هو عنوان المؤمنين و المؤمنات فلا بدّ من إحراز تحققه خارجاً ليترتّب الحكم عليه فمادام لم يحرز لا يجب الغضّ.

و عليه فعند عدم تمييز كون المرئي هو الرجل أو المرأة لا يجب الغضّ فضلًا عن عدم تمييز كونه إنساناً أو حيواناً أو جماداً.

و أمّا عدم تمييز الأعضاء فالحق التفصيل بين الشك في أنّ العضو المرئي هل من الزينة الظاهرة أم لا؟ و بين الشك في الأعضاء المندرجة كلُّها في الزينة الباطنة

فعلي الثاني لا إشكال في وجوب الغض للعلم بوجوب الاجتناب عن الكلّ حينئذٍ.

و أمّا علي الأوّل فمقتضي القاعدة جواز النظر و ذلك لأنّه من قبيل الشبهة المصداقية في موضوع الخاص نظراً إلي خروج الزينة الظاهرة عن عموم حرمة الإبداء بالتخصيص. و عليه فمرجع عدم تمييز كون العضو المرئي من الزينة الظاهرة إلي الشك

______________________________

(1) العروة الوثقي/ ج 2 ص 807 مسألة 52 من أحكام النكاح.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 147

______________________________

في تحقق مصداق الخاص. و قد ثبت في محلّه من علم الأصول عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. فلا يمكن الحكم بحرمة النظر إلي العضو المشكوك كونه من الزينة الظاهرة أو الباطنة أو من غير الزينة أصلًا لاحتمال كونه ثوباً كما ذكرنا في المثال.

و بذلك اتّضح حكم ما إذا شك في كون المرائي من المحارم أم لٰا فلا يمكن الحكم بحرمة النظر حينئذٍ لأنّه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لموضوع الخاص.

هذا مقتضي القاعدة في المقام و لكن يظهر من صاحب العروة (قدّس سرّه) عدم كون وجه الاحتياط هو التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لموضع الخاص بل الوجه في ذلك ظهور آية الغضّ في اشتراط جواز النظر بالمماثلة أو المحرمية فما دام لم يحرز مماثلة المنظور إليه أو محرميته للناظر لا يجوز له النظر إليه، نظراً إلي انتفاء الجواز بانتفاء شرطه.

قال في المسألة الخمسين من مقدمات النكاح: «إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين مَن لا يجوز بالشبهة المحصورة وجب الاجتناب عن الجميع. و كذا بالنسبة إلي من يجب التستّر عنه و من لا يجب و إن كانت الشبهة غير محصورة أو بدوية، فإن شك في كونه مماثلًا أو لٰا، أو شكّ

في كونه من المحارم النسبية أو لٰا، فالظاهر وجوب الاجتناب لأن الظاهر من آية وجوب الغضّ أنّ جواز النظر مشروط بأمر وجودي و هو كونه مماثلًا أو من المحارم. فمع الشك يعمل بمقتضي العموم لا من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية أو نحو ذلك. فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع حتي يكون من موارد أصل البراءَة بل من قبيل المقتضي و المانع» «1».

و حاصل كلامه الأخير أنّ التخصيص تارة: يكون من قبيل التنويع بمعني انه

______________________________

(1) العروة الوثقي: ج 2 ص 805 م 50.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 148

______________________________

بكشفه عن المدلول الجدّي ينوّع العام علي نوعين، فيُخرج نوعاً من تحت العام و يصيّره محكوماً بحكم الخاص و يبقي النوع الآخر تحت العام محكوماً بحكم العام. فحينئذٍ مع الشك في تحقق عنوان الخاص و تردّد الفرد المشتبه بين كونه من مصاديق الخاص أو العام يشك في ثبوت حكم الخاص و مرجعه إلي الشك في أصل التكليف فيجري أصل البراءة بمقتضي القاعدة.

و أخري: يكون من قبيل المقتضي و المانع بمعني أنّه يستفاد من سياق الخطاب أنّ حكم الخاص مشروط بعنوان وجودي كلّما تحقق يمنع عن فعلية الحكم الذي اقتضاه العموم و يتنجّز حكم الخاص فهو (قدّس سرّه) يقول إنّ المقام من قبيل الثاني و هو المقتضي و المانع بأن يقتضي عموم وجوب الغضّ حرمة النظر إلي كلِّ مخالف. و إنّ الدليل الخاص يمنع عن فعلية مقتضاه.

و لكن تكون مانعية الخاص مشروطة بتحقق العنوان الوجودي في الخارج، و هو في المقام المماثلة أو المحرمية و هذا معني قوله (قدّس سرّه): «بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية

أو نحو ذلك». و إنّ مرجع ذلك في الحقيقة إلي أنّ مانعية الدليل الخاص عن فعلية حكم العام مشروط بتحقق موضوع حكم الخاص كإناطة فعلية أي حكم بتحقق موضوعه. فمادام لم يحرز موضوعه لا فعلية للحكم المستفاد من الخاص، نظراً إلي انتفاء أيّ حكم مشروط بانتفاء شرطه و لازمه العمل بمقتضي العموم.

و عليه ففي المقام إذا شك في المماثلة أو المحرمية ما دام لم يحرز تحقق عنوانهما في الخارج ينتفي الجواز المشروط بتحققهما فيتعيّن العمل بمقتضي عموم وجوب الغض لعدم تحقق المانع من تأثير المقتضي.

هذا غاية تقريب مرام السيد صاحب العروة في المقام.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 149

______________________________

و فيه أوّلًا: أنّ التعبير بالشرط عن الموضوع أو جزئه خلاف الاصطلاح لأن شرط الحكم أمر خارج عن موضوعه بحسب الاصطلاح.

و ثانياً: يرجع جميع موارد التخصيص و الاستثناء إلي التنويع، سواءٌ كان العام المخصَّص بمدلوله الجدّي مقيداً بالقيد العدمي أو بالوصف الوجودي. و من الواضح أنّ في كلّ دليل خاص تتوقف فعلية الحكم المستفاد منه علي تحقق موضوعه، و ما دام لم يحرز الموضوعة لٰا يصير الحكم فعلياً، و لكنّه غير مستلزم لحكم العام حيث إنّ في الفرد المشتبه كما لم يحرز كونه مصداقاً لموضوع حكم الخاص كذلك لم يحرز كونه من مصاديق حكم العام.

و لمّا لا يكون أيّ خطاب متكفّلًا لإثبات موضوع حكمه فلذا لا يكون الفرد المشتبه محكوماً بكلّ واحدٍ من حكمي الخاص و العام. و هذا هو السرّ في عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية لموضوع الخاص.

و ثالثاً: علي فرض صحة تقسيم التخصيص إلي القسمين المزبورين و ثبوت الحكم المذكور لكل قسم يكون الإشكال في اندراج ما نحن فيه في القسم

الثاني و هو المقتضي و المانع. و ذلك لأن ظاهر آية الغضّ اشتراط حرمة النظر بعدم كون المنظور إليه مماثلًا أو محرماً. حيث إنّ دليل العام في العقد المستثني منه بقرينة التقابل يدل علي حرمة النظر إلي المخالف مطلقاً.

و لكن دليل الخاص في عقد المستثني أخرج المحارم. و عليه فيكون حاصل مدلول العقدين اشتراط وجوب الغض المستفاد من دليل العام بعدم طروّ عنوان الخاص، و هو المحرمية.

و ذلك كاشتراط حكم أيّ عام بعدم طروّ عنوان الخاص و هذا واضح بأدني تأمّل في مدلول آية الغض بلا خصوصية للمقام.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 150

______________________________

و هنا وجه آخر نسب إلي المحقق النائيني (قدّس سرّه) «1» في توجيه مرام صاحب العروة في المقام من أنّ نفس هذا التعليق في الآية يدلّ علي إناطة الرخصة و الجواز بإحراز المماثلة و المحرمية و عدم جواز ارتكاب النظر عند الشك في تحققهما خارجاً و هذا من المداليل الالتزامية العرفية.

بيان ذلك أنّ كل حكم ترخيصي وضعياً كان كعدم انفعال الماء أو تكليفياً لجواز النظر إلي الغير إذا كان مشروطاً بأمر وجودي فلا بد من إحرازه في ثبوت الحكم فما دام لم يحرز بأن شُكَّ فيه ينتفي الجواز المشروط به و يثبت الحكم الإلزامي. و إن هذا من المداليل الالتزامية المبتنية علي المتفاهم العرفي و مستفادٌ من نفس دليل الترخيص.

و رُدّ بأنّه لا يساعده الفهم العرفي، و ذلك لأن المتفاهم من دليل الإحكام أنّه لا يتكفل إلّا ببيان الحكم الواقعي الذي هو في المقام حرمة كشف المرأة بدنها لغير المحارم المذكورين في العقد المستثني بالمطابقة و حرمة نظرهم إلي محاسنها بالملازمة العرفية و جواز ذلك للمحارم المذكورين. و أمّا ما

هو الوظيفة عند الشك في صدق الموضوع و عدم تمييز المنظور إليه فليس للآية أيّ تعرّض لذلك إذ ليست هي بصدد بيان الوظيفة الظاهرية. لأنّ ذلك خارج عن نطاق أي دليل أولي متكفل لبيان الأحكام الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الذاتية الأولية فتحصّل أنّ مقتضي التحقيق جواز النظر فيما إذا شكّ في أنّ المنظور إليه هل هو من مصاديق موضوع العقد المستثني أو المستثني منه بلا فرق في ذلك بين الشك في الافراد أو الأعضاء.

و إنّ هذا المبني الذي بني عليه في العروة موافق لرأي السيد الماتن (قدّس سرّه) علي ما يظهر من حاشيته علي العروة.

______________________________

(1) راجع مستند العروة، كتاب النكاح ج 1 ص 119.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 151

______________________________

قال في العروة: «و إن كان الشك في كونه بالغاً أو صبيّاً أو طفلًا مميزاً أو غير مميّز ففي وجوب الاحتياط وجهان: من العموم علي الوجه الذي ذكرنا و من إمكان دعوي الانصراف و الأظهر الأول «1».

و قال السيد الماتن (قدّس سرّه) في حاشيته علي ذلك: «الأقوي جواز النظر».

ثم إنّ في المقام شبهة و ذلك أنّه يمكن إحراز دخول الفرد المشتبه في العام، إذا اتصف بالتخصيص بقيد عدمي، و ذلك باستصحاب العدم الأزلي. فإنّ موضوع حكم العام في المقام و هو وجوب الغضّ عن المخالف بعد التخصيص تعنون بعدم كون المخالف المنظور إليه من المحارم. فموضوع وجوب الغضّ في العام المخصَّص هو المخالف الذي ليس بمحرم. و باستصحاب عدم كون المخالف المشتبه من المحارم قبل أصل وجوده في الأزل يندرج تحت موضوع العام و يصير محكوماً بوجوب الغضّ عنه.

و قد أشكل علي هذا الاستصحاب أنّ العدم المأخوذ في موضوع العام المخصص هو العدم النعتي

و إن المستصحب في استصحاب العدم الأزلي هو العدم المحمولي و هو لا يثبت العدم النعتي إلّا بناءً علي الأصل المثبت.

و أجيب بأن عدم النعت في الواقع لا وجود له زائداً علي ذات معروضه. و إنّ المتحقَّق في الخارج واقعاً هو ذات المعروض خاصّة فلذا يثبت عدم النعت باستصحاب الذات المعروض المجرّد عن النعت قهراً.

نعم لو كان موضوع العام المخصّص مقيداً بقيد وجودي لا يثبت باستصحاب عدمه الأزلي عدم الوصف الوجودي المأخوذ فيه حتي يترتب حكم الخاص. بخلاف مثل المقام الذي يكون موضوع العام مقيداً بالقيد العدمي الحاصل قهراً بإثبات الموضوع المجرد عن النعت.

______________________________

(1) العروة الوثقي/ ج 2 ص 807 م 5.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 152

______________________________

و لكن يمكن ردّ هذا الجواب بأنّه علي أيّ حال لم يكن الفرد المشتبه متصفاً بالمحرمية في زمان حتي يستصحب و أمّا استصحاب عدمه المحمولي لا يثبت العدم النعتي إلّا علي الأصل المثبت.

و أمّا كون عدم النعت من الأعدام و أنّه بطلان محض لا وجود له حتي يحتاج إلي الإثبات، بل حاصل بتحقق معروضه المجرّد عن النعت قهراً ففيه: أنّ الموضوع المقيد بعدم النعت قسم مستقل متحقق في الخارج واقعاً قبال الفرد المتصف بذلك النعت.

ففي المثال يكون المخالف الذي ليس بمحرم هو المخالف الأجنبي الموجود في الخارج قبال المحارم. و لا يثبت الفرد المتصف بالنعت باستصحاب العدم الأزلي للفرد المشتبه ليدخل في المخالف الأجنبي إلّا بناءً علي الأصل المثبت. و قد حرّر السيد الماتن (قدّس سرّه) هذا الجواب في علم الأصول مفصّلًا فراجع.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 153

[حكم المصافحة]

مسألة «كلّ من يحرم النظر إليه يحرم مسُّه فلا يجوز مسّ الأجنبي الأجنبيةَ و بالعكس.

بل لو قلنا بجواز النظر إلي الوجه و الكفّين من الأجنبية لم نقل بجواز مسِّهما منها. فلا يجوز للرجل مصافحتها (1). نعم لا بأس بها من وراء الثوب، لكن لا يغمز كفّها احتياطاً». (تحرير الوسيلة/ ج 2/ ص 243/ م 20)

______________________________

حكم المصافحة

(1) إنّ لفظ المصافحة في اللغة بمعني أخذ كلّ واحدٍ من الطرفين يد الآخر بباطن كفّه و جعل كلّ منهما راحة كفّ يده علي راحة كفّ الآخر في مقام التعارف و الاحترام. و غمز الكفّ لمسه و مسّه مع ضغطٍ.

ثم إنّ البحث في حكم مصافحة كلٍّ من الرجل و المرأة مع الآخر واقع في ثلاث مسائل:

الاولي: في حكم مصافحة المحارم. و لا إشكال في جوازها. و قد دلّت علي ذلك عدّة نصوص معتبرة، أمّا بالمنطوق:

مثل موثقة سماعة بن مهران،

قالَ: سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) عَنْ مُصافَحَةِ الرَّجُل الْمَرْأةَ. قال (عليه السّلام): لا يَحِلُّ لِلرَّجُل أنْ يُصافِح الْمَرْأَةَ إلّا امْرَأَةً يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوّجَها، أُخْتٌ أو بِنْتٌ أَوْ عَمَّةٌ أوْ خٰالَةٌ أَوْ بِنْتُ أُخْتٍ أَوْ نَحوُها «1».

أو بالمفهوم مثل صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). قال

قُلْتُ لَهُ: هَلْ يُصافِحُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ بِذاتِ مَحْرَمٍ؟ فقال (عليه السّلام): لٰا إلّا مِنْ وَراءِ الثَّوب «2».

و تدل علي ذلك نصوص معتبرة أخري سيأتي ذكرها في خلال البحث.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 151 ب 115 من مقدمات النكاح ح 2.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 151 ب 115 من مقدمات النكاح ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 154

______________________________

و يظهر من بعض النصوص عدم جواز مصافحة المحارم إلّا من وراء الثوب. و هو ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن محمد

بن سالم عن بعض أصحابنا عن الحكم بن مسكين قال: حدثتني سعيدة و منّة أُختا محمد بن أبي عمير قالتا

دَخَلْنا عَليٰ أبي عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام) فَقُلْنا تَعُودُ الْمَرْأَةُ أَخاها؟ قال (عليه السّلام): نَعَمْ. قُلْنا: تُصافِحُهُ؟ قال (عليه السّلام): مِنْ وراءِ الثَّوْب «1».

و لكن هذه الرواية مضافاً إلي ضعف سندها بالإرسال تحمل بقرينة سائر النصوص الصريحة في الجواز إمّا علي كراهة مصافحة المحارم من دون ثوب أو علي استحباب كونه من وراء الثوب. و هذا الحمل إنّما هو علي فرض التسامح في أدلّة السنن.

الثانية: حكم مصافحة الأجنبية المسلمة. و لا إشكال في عدم جوازها إلّا من وراء الثوب كما صُرِّح بذلك في النصوص المعتبرة:

منها: صحيحة أبي بصير المتقدمة آنفاً.

و منها: ذيل موثقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

وَ أَمّا الْمَرْأَةُ الَّتي يَحِلّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَها فَلا يُصافِحُها إلّا مِنْ وَراءِ الثَّوبِ وَ لٰا يَغْمِزُ كَفَّها «2».

و منها: صحيح ربعي بن عبد اللّٰه أنّه قال

لَمّا بايَعَ رَسُولُ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) النِّساءُ و أَخَذَ عَلَيْهِنَّ، دَعا بِإناءٍ فَمَلَأَهُ، ثُمَّ غَمَسَ يَدَهُ في الإناءِ ثُمَّ أَخْرجَها ثُمَّ أَمَرَهُنَّ أَنْ يُدْخِلْنَ أَيْدِيَهُنَّ فَيَغْمِسْنَ فيهِ» «3».

و منها: معتبرة سعدان بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أَ تَدْري كَيْفَ بَايَعَ رَسُولُ اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) النِّساءَ؟ قُلْتُ: اللّٰهُ أَعْلَمُ و ابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ. قال (عليه السّلام):

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 152 ب 116 من أبواب مقدمات النكاح ح 1.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 151 ب 115 من أبواب مقدمات النكاح ح 2.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 152 ب 115 من أبواب مقدمات النكاح ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الستر

و الساتر، ص: 155

______________________________

جَمَعَهُنَّ حَوْلَهُ ثُمَّ دَعا بِتورٍ برامٍ فَصَبَّ فيهِ نُضُوحاً، ثُمَّ غَمَسَ يَدَهُ.. ثُمّ قال (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): اغْمِسْنَ أيْديكُنَّ فَفَعَلْنَ فَكانَتْ يَدُ رَسُولِ اللّٰهِ الطّٰاهِرَةُ أَطْيَبُ مِنْ أَنْ يَمُسَّ بِها كَفُّ أُنْثي لَيْسَتْ لَهُ بِمَحْرَمٍ «1».

قال في الصحاح: التور، إناءٌ يشرب فيه. و البرام بفتح الباء و تشديد الرّاء يعني المحكم و بكسر الباء و تخفيف الرّاء جمع بُرْمَة و هي القدر. و الأوّل هو الأَنْسَب بالعبارة.

و منها: ما رواه الصدوق بسنده عن رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

وَ مَنْ صافَحَ امْرأَةً حَراماً جاءَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مَغْلُولًا ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إلي النّٰار «2».

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام) عن آبائه (عليهم السّلام) في حديث المناهي قال

وَ مَنْ مَلأَ عَيْنُهُ مِنْ حَرامٍ مَلأَ اللّٰهُ عَيْنَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ النّٰارِ إلّا أَنْ يَتُوبَ وَ يَرْجِعَ و قال (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) وَ مَنْ صافَحَ امْرَاةً تَحْرُمُ عَلَيْهِ فَقَدْ بٰاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّٰهِ عَزَّ و جلّ «3».

و منها: صحيحة أبان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

إِنّي لٰا أُصافِحُ النِّساءَ فَدَعا بِقَدَحٍ مِنْ ماءٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ فقال: أُدْخُلُنَّ أَيْديكُنَّ في هذا الماء فَهي الْبَيْعَةُ «4».

الثالثة: حكم مصافحة الكافرات مطلقاً سواءٌ كنّ من أهل الكتاب أو غيرهنّ فقد يتوهم دوران جواز مصافحتهنّ مدار المحرمية و عدمها علي النحو الثابت في النساء المسلمات. و يستدلّ علي ذلك بإطلاق بعض النصوص:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 152 ب 115 من أبواب

مقدمات النكاح ح 4.

(2) الوسائل: ج 14 ص 143 ب 106 من أبواب مقدمات النكاح ح 4.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 142 ب 105 من مقدمات النكاح ح 1.

(4) الوسائل/ ج 14 ص 154 ب 116 من مقدمات النكاح ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 156

______________________________

مثل صحيح أبي بصير الدالّ بإطلاقه علي حرمة مصافحة كل امرأة ليست بذات محرم. قد سبق ذكر هذه الصحيحة آنفاً. بتقريب أنّ إطلاق عنوان المرأة التي ليست بذات محرم يشمل غير المحارم من الكافرات أيضاً.

و مثل: قول النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

إنّي لٰا أُصافِحُ النِّساءَ

في صحيح أبان. و مثل قوله (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

وَ مَنْ صافَحَ امْرأَةً حَراماً جاء يَوْمَ الْقِيامَةِ مَغْلُولًا ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إلي النار

فانّ هذه التعابير تشمل مصافحة الكافرات أيضاً.

و يمكن الاشكال علي ذلك بأنّ موضوع الحرمة هو مصافحة غير المحارم من المسلمات، نظراً إلي أنّ مثل قوله (عليه السّلام)

أَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتي يَحِلّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجها

في موثقة سماعة و نحوه من التعابير الواردة في نصوص المقام لا يشمل الكافرات لعدم حليّة نكاحهنّ للمسلمين و بقرينة مثل هذه الموثقة تحمل المطلقات عليها. و عليه فلا بد من الالتزام بجواز مصافحة الكافرات كالمحارم.

و قد يقال في الجواب: إنّه لم يؤخذ في عنوان المحرم قيد الإسلام. و ربّما يتفق كون غير المسلمة من المحارم. فلا إشكال في إطلاق هذه النصوص.

و فيه: أنّ المأخوذ في موضوع حرمة المصافحة هو حلّية النكاح كما صرِّح بذلك في نصوص المقام. و الذي يستفاد من مدلول نصوص المقام أنّ كلّ من يحلّ نكاحه يحرم مصافحته، و إنّما حرّم المصافحة مع الأجنبية بعنوان مصداق هذا الموضوع الكلّي.

و من الواضح أنّ النساء الكافرات خارجة عن دائرة مصاديق هذا الكلّي.

و لكن الإنصاف عدم ورود الاشكال المزبور. و الوجه في ذلك أنّ المصافحة من أبرز مصاديق التولّي و أظهر علائم المودّة و الاحترام. و من الواضح أنّ تولّي الكفار و احترامهم و إلقاء المودّة إليهم بالمصافحة من أعظم المحرمات التي قد نطق الكتاب و السنة بحرمته. بل عُدّ التبرّي من الكفار من فروع الدين في عرض الصلاة و الصوم

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 157

______________________________

و الحجّ. ممّا بني عليه الإسلام. فهذه قرينة قطعية علي خروج الكفّار عن نطاق هذه النصوص. بلا فرق في ذلك بين المحارم و غيرهم.

هذا مضافاً إلي ما يترتّب علي مصافحة الكافرات من إثارة الشهوة و المفسدة، و لا سيّما مع عدم التزام الكفّار بالحجاب.

و ما يقال: من أنّ الكافرات في حكم الإماء فيجوز مصافحتهنّ لذلك لا يُعبأ به. بل لا ينبغي التفوُّه به لِمن له اطّلاع عن أحكام الدين و المعارف الإلهية. لوضوح أنّ الكفّار و المشركين في عصرنا ليسوا داخلين في عنوان الفي ء و لا مورد البيع و الشراء. و لم يتحقق سببٌ من أسباب ملكيتهم للمسلمين. و كأنّ هذا القائل خلط بين النظر إلي الكافرات و بين المقام. و من الواضح أنّه قياس مع الفارق. إذ يكون تجويز النظر إليهنّ من باب عدم حرمة لهنّ، فلا يقاس بالمصافحة التي هي من مصاديق الاحترام و إلقاء المودّة.

و الحاصل أنّه لا إشكال في عدم جواز مصافحة الكافرات مطلقاً، سواءٌ كُنّ من أهل الكتاب أو غيرهنّ من أصناف الكفّار. و كذلك لا يجوز للنساء المسلمات أنْ يصافحن الرجال الكفار مطلقاً. بلا فرق في ذلك بين أهل الذمّة و غيرهم.

لأنهم أيضاً من أصناف الكفّار كما ورد في حديث مناهي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم).

رواه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أَنَّهُ نَهي عَنْ مُصافَحَةِ الذِّمِّي «1».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 8 ص 559 ب 127 من أبواب أحكام العشرة ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 158

حكم تقبيل المرأة

______________________________

لا إشكال في جواز تقبيل الزوجة و المملوكة بضرورة الدين. كما لا إشكال أيضاً في عدم جواز تقبيل الأجنبية بلا كلام.

و إنّما الكلام في جواز تقبيل المحارم. و الأقوي جوازه عند المصافحة. و موضع القُبلة هو الجبهة و الخدود و قد دلّ علي ذلك عدة نصوص. أما أصل جوازها للمحارم فقد دلّت عليه صحيحتا علي بن جعفر.

إحداهما: ما رواه الكليني بسنده الصحيح عن علي بن جعفر عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال

مَنْ قَبَّل لِلرَّحِمِ ذا قَرابَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شي ءٌ «1».

ثانيتهما: صحيحته الأخري في كتابه عن أخيه (عليه السّلام) موسي بن جعفر قال

وَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ أَ يَصْلَحُ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ؟ قال (عليه السّلام): الْأَخُ و الْإبْنُ وَ الْأُخْتُ وَ الْابْنَةُ وَ نَحْوُ ذلِكَ فَلا بَأْسَ «2».

و المقصود بنحو ذلك هو المحارم.

و أمّا موضع القُبلة فدلّت عليه عدة نصوص:

منها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (عليه السّلام) قال

وَ قُبْلَةُ الْأَخِ عَلَي الْخُدُودِ وَ قُبْلَةُ الْإِمامِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ «3».

و منها: صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يُقَبّلْ رَأْسُ أَحَدٍ وَ لا يَدُهُ إلّا رَسُولُ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أَوْ مَنْ أُريدَ بِهِ رَسُولُ اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه

و آله و سلّم) «4».

و خبر مولي آل سام عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لَيْسَ الْقُبْلَةُ عَلَي الْفَمِ إلّا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 8 ص 565 ب 133 من أبواب أحكام العشرة ح 1.

(2) الوسائل/ ج 8 ص 566 ب 133 من أبواب أحكام العشرة ح 8.

(3) الوسائل/ ج 8 ص 565 ب 133 من أبواب أحكام العشرة ح 1.

(4) الوسائل/ ج 8 ص 565 ب 133 من أحكام العشرة ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 159

______________________________

لِلزَّوْجَة وَ الْوَلَدِ الصَّغير «1».

حكم سلام الرجل علي المرأة

قال في العروة: «يكره للرجل ابتداء النساء بالسلام و دعائهنّ إلي الطعام و تتأكّد الكراهة في الشابة» «2».

و استدلّ لذلك بأنّه مقتضي الجمع بين نصوص المقام.

ففي صحيحة غياث بن إبراهيم عن عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

لا تُسَلِّمْ عَلَي الْمَرْأَةِ «3».

و في معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّٰه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

لا تَبْدَؤوا النِّساءَ بِالسَّلامِ وَ لا تَدْعُوهُنَّ إلي الطَّعامِ، فَإنَّ النَّبيَّ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قالَ: النِّساءُ عَيٌّ وَ عَوْرَةٌ فَاسْتُروا عَيَّهُنَّ بِالسُّكُوتِ وَ اسْتُروا عَوْراتِهنَّ بِالْبُيُوتِ «4».

لا إشكال في سندها. و أمّا دلالة فظاهر النهي الوارد فيهما حرمة ابتداء النساء بالسلام للرجال.

و لكن الكلام في تعليل ذلك بقوله (عليه السّلام): «النساء عيٌّ». فقد يشكل بأنّه لا مناسبة لكون عي النساء و عجزهنّ عن الكلام وجهاً لعدم السلام عليهنّ، بل يصلح ذلك وجهاً لعدم المكالمة و التحدّث و المشاورة معهنّ نظراً إلي نقصان عقولهنّ و غلبة العواطف و الإحساسات عليهنّ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 8 ص 565 ب 133 من أحكام العشرة ح 2.

(2) العروة الوثقي/ ج 2 ص 408 م 41.

(3) الوسائل/ ح

14 ب 131 من مقدمات النكاح ص 173 ح 1.

(4) الوسائل/ ح 14 ب 131 من مقدمات النكاح ص 173 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 160

______________________________

و يمكن الجواب عن ذلك بأنّ ابتدائهنّ بالسلام فتح لباب مكالمتهنّ و جلب التفاتهنّ و سبب لانخراق جلباب حيائهنّ و منشأ للوقوع في الفساد و الفتنة و مثارٌ للشهوة و الريبة و سبيل إلي مخالطتهنّ مع الرجال و مداخلتهنّ في مجامعهم و جميع ما يرتبط بشؤونهم من المشاورة و تبادل الأفكار.

و علي أيّ حال لا إشكال في دلالة النهي الوارد في هاتين الصحيحتين علي حرمة ابتداء الرجال بالسلام علي النساء. و لكن تمنع عن هذا الظهور السيرة القطعية علي الخلاف في المحارم. فلأجلها ينعقد الظهور المزبور في غير المحارم. و عليه فتدل هاتان الصحيحتان بظاهرهما علي حرمة ابتداء الرجل بالسلام علي المرأة الأجنبية.

و لكن ورد في قبال ذلك صحيحة ربعي بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كانَ رَسُولُ اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) يُسلمُ عَلَي النِّساءِ وَ يَرْدُدْنَ عَلَيْهِ وَ كانَ أميرُ المؤْمِنينَ (عليه السّلام) يُسَلِّم عَلَي النِّساءِ وَ كانَ يَكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ علي الشّٰابَّةِ مِنْهُنَّ وَ يَقُولُ: أَتَخَوَّفُ أَنْ يُعْجِبَني صَوْتُها فَيَدْخُلُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمّا طَلَبْتُ مِنَ الْأَجْرِ «1».

و ظاهر قوله (عليه السّلام): «كانَ رَسُولُ اللّٰه.. و كانَ أميرُ الْمُؤْمِنينَ» أنّ السلام علي النساء كان من سيرتهما (عليهما السّلام)، و إنّ استقرار سيرة المعصوم علي فعل يُثبت استحبابه.

و لا تختصّ هذه السيرة بالنبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و ما يقال: من أنّ ذلك كان من خصوصياته (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فإنّه أبو الأمّة كما

يظهر من قوله تعالي وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ «2». فلا يثبت هذا الحكم المختصّ بالنبي في حقّ الأمّة، فلا يعبأ به، نظراً إلي التصريح في هذه الصحيحة بأنّ ذلك كان من سيرة عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) أيضاً.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 131 من مقدمات النكاح ص 173 ح 3.

(2) سورة الأحزاب/ الآية 6.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 161

______________________________

نعم يمكن القول بكراهة ابتداء الرجل بالسلام علي المرأة الشّابّة لِما فيه من خوف الوقوع في الفتنة غالباً. و أمّا قوله (عليه السّلام): «أَتَخَوَّفُ أَنْ يُعْجِبَني صَوْتُها..» فمن باب «إياك أعني و اسمعي يا جارة» و تعليم للأمّة لوضوح أنّ نفوسهم المقدّسة أجلّ شأناً و أرفع قدراً من أن تتأثّر و تنفعل بمجرد سماع صوت الأجنبية الشابة و لا سيّما في جواب السلام. إلّا أن يكون المقصود نوعٌ من البعد عن اللّٰه و الاشتغال بغيره كما نقل أنّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين. و علي ذلك يحمل ما نسب من الإعجاب إلي النبي في قوله وَ لٰا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوٰاجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ «1». فالكلام المزبور منه (عليه السّلام) بيان لعدم كون الرجال مأموناً من الفتنة و الفساد غالباً بالسلام علي النساء الشابة.

و بذيل صحيحة ربعي يجمع بين صدرها بحمله علي غير الشابة من النساء. و بين الصحيحتين السابقتين. بحملها علي النساء الشابّة.

و الحاصل: أنّ مقتضي الجمع بين نصوص المقام استحباب ابتداء غير الشابّة من النساء بالسلام و كراهة ذلك في الشابّة منهنّ.

______________________________

(1) سورة الأحزاب/ الآية 52.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 162

[حكم سماع صوت المرأة الأجنبية و مكالمتها مع الرجال]

مسألة: الأقوي جواز سماع صوت الأجنبية ما لم يكن تلذّذ و ريبة. و كذا يجوز لها إسماع صوتها

للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة (1). و إنّ كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة.

______________________________

حكم سماع صوت المرأة الأجنبية و مكالمتها مع الرجال

(1) لا إشكال في حرمة سماع الرجل صوت المرأة الأجنبية و كذا إسماع المرأة صوتها للأجانب مع تلذّذ و ريبة. هذا لا كلام فيه.

و إنّما الكلام في جواز ذلك مع عدم تلذّذ و ريبة.

فنسب القول بالحرمة إلي مشهور الفقهاء.

و استدلّ له أوّلًا: بما اشتهر بينهم من أنّ صوت المرأة كبدنها عورة.

و ثانياً: بما سبق آنفاً من النصوص الناهية عن ابتداء الرجل بالسلام علي المرأة لمعتبرة مسعدة «1» و صحيحة غياث بن إبراهيم «2».

و ثالثاً: بما دلّ من النصوص علي حرمة الجهر بالأذان و الصلاة عليها مع سماع الأجانب. و كذا ما دلّ علي حرمة الجهر بالتلبية عليها.

و رابعاً: بما دلّ من النصوص علي حرمة تكلّم المرأة عند غير زوجها أو غير المحارم أكثر من خمس كلمات لغير الضرورة، كما عقد في الوسائل باباً بهذا العنوان.

فمنها: ما ورد في حديث المناهي رواه الصدوق (قدّس سرّه) في الخصال بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم السّلام) عن رسول

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 173 ب 131 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 173 ب 131 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 163

______________________________

اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

وَ نَهيٰ أَنْ تَتَكَلَّمَ الْمَرْأَةُ عِنْدَ غَيْرِ زَوْجِها وَ غَيْرِ ذي مَحْرَمٍ مِنْها أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ كَلِماتٍ ممّٰا لا بُدَّ لَها مِنْهُ «1».

و منها: معتبرة مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و

سلّم)

أَرْبَعٌ يُمِتْنَ الْقَلْبَ: الذَّنْبُ عَلي الذَّنْبِ وَ كَثْرَةُ مُناقَشَةِ النِّساء يعني مُحادَثَتُهُنَّ.. «2».

و الجواب عن الأوّل: بأنّ ما اشتهر بينهم من أنّ صوت المرأة كبدنها عورة لا سند له، بل لا دليل علي كونه رواية. و إنّما اشتهر في السنة الفقهاء. و إنّما الوارد في النصوص أنّ النساء عورة كما في معتبرة مسعدة المزبورة و غيرها. و هي لا تقتضي أكثر من وجوب ستر بدنها و حرمة نظر الرجال إلي محاسنها.

و عن الثاني:

أوّلًا: بأنّ هذه النصوص لا تصلح لإثبات حرمة الابتداء بالسلام علي النساء، كما سبق آنفاً.

و ثانياً: علي فرض دلالتها علي ذلك، لا نسلّم كون حرمة ذلك لأجل سماع صوت المرأة. و إلّا لكان الأنسب توجّه النهي إلي النساء عن إسماع صوتهنّ للأجانب بل الظاهر أنّ النهي عن السلام عليهنّ لأجل عدم جلب التفاتهنّ و عدم إلقاء المودّة إليهنّ بالسلام و حذراً من الوقوع في الفتنة و تطرّقهنّ إلي المكالمة و المعاشرة مع الرجال بذلك.

و عن الثالث: بأنّ أحكام الشرع توقيفية تعبدية. فما ثبت منها في مورد بدليل شرعي خاص لا يقاس به المورد الآخر لتعميم ذلك الحكم إلي سائر الموارد بالقياس

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 143 ب 106 من مقدمات النكاح ح 2.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 143 ب 106 من مقدمات النكاح ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 164

______________________________

ما لم يعلّل بعلّة كاشفة عن ملاك الحكم كشفاً يقينياً صالحاً للتنقيح و التعميم كما في موارد النص المزبورة.

و عن الرابع: بضعف سند حديث المناهي و إن تمّت دلالتها. و عدم دلالة معتبرة مسعدة علي المطلوب. إذ الكلام في أصل سماع صوت الأجنبية و إسماعها صوتها لا في كثرة المكالمة و

المحادثة.

و هذا غاية ما استدلّ به للحرمة و قد عرفت ما يرد عليه من النقاش.

أما الجواز فيمكن الاستدلال له؛ أوّلًا: بالسيرة المستمرّة بين نساء أهل البيت و ساير المؤمنات من المكالمة و المحادثة و نقل الأخبار و الآثار عن النبي و الأئمة المعصومين (عليهم السّلام). و من هنا كانت كثيرٌ من الرواة من النساء. و مع ذلك لم يعهد ذلك من المنكرات في أذهان المتشرعة.

قال في الجواهر بعد نقل أدلّة الحرمة-: «لكن ذلك كلّه مشكل بالسيرة المستمرّة في الأعصار و الأمصار من المتدينين و غيرهم علي خلاف ذلك، و بالمتواتر أو المعلوم ممّا ورد من كلام الزهراء و بناتها (عليها و عليهنّ السلام). و بمخاطبة النساء للنبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام) علي وجه لا يمكن إحصاؤه و لا تنزيله علي الاضطرار لدين أو دنيا» «1».

و ثانياً: بظهور قوله تعاليٰ فَلٰا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ «2» في المفروغية عن جواز أصل مكالمة النساء و إسماع صوتهنّ للأجانب، و إلّا لكان الأنسب توجّه النهي إليه لا إلي تحسينه و ترقيقه.

و ثالثاً: بأنّه لو كان سماع صوت الأجنبية حراماً لم تستقرّ عادة النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

______________________________

(1) الجواهر/ ج 29 ص 98.

(2) سورة الأحزاب/ الآية 32.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 165

______________________________

و الإمام (عليه السّلام) و سيرتهما علي السلام عليهنّ لأنه يستتبع قهراً جواب السلام منهنّ.

بل سئِل في بعض النصوص عن كيفية سلام المرأة علي الرجال. و هو يدل علي جواز أصل السلام. و من الواضح أنّ سلام المرأة علي الأجانب إسماع صوتها لهم. و مع ذلك علّم الإمام (عليه السّلام) كيفية سلام

المرأة علي الرجل من دون نهي عن أصل السلام.

ففي موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أَنّه سَأَلَهُ عَنِ النِّساءِ كَيْفَ يُسَلِّمْنَ إذا دَخَلْنَ عَلَي الْقَوْمِ؟ قال (عليه السّلام): الْمَرْأَةُ تَقُولُ عَلَيْكُمُ السَّلامُ، و الرَّجُلُ يَقُولُ: وَ السَّلامُ عَلَيْكُمُ «1».

فالأقوي في المقام جواز سماع صوت الأجنبية للرجال و جواز إسماعها صوتها لهم. و ذلك لقيام السيرة و دلالة الآية و نصوص استحباب سلام كلٍّ من الرجل و المرأة الأجنبية علي الآخر. هذا مضافاً إلي قصور أدلة الحرمة و كون الجواز مقتضي أصالة البراءة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 174 ب 131 من مقدمات النكاح ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 166

و ذهب جماعة إلي حرمة السماع و الإسماع، و هو ضعيف (1). نعم يحرم عليها المكالمة مع الرجال بكيفية مهيّجة بترقيق القول و تليين الكلام و تحسين الصوت فيطمع الذي في قلبه مرض (2). (تحرير الوسيلة/ ج 2/ ص 245/ م 29)

______________________________

(1) و قد عرفت آنفاً وجه ضعف القول بحرمة السماع و الإسماع.

حرمة ترقيق الصوت و تحسينه علي النساء

(2) صدر هذه الآية الكريمة قوله تعالي يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسٰاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلٰا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.. «1». فإنّ النهي عن الخضوع بالقول ظاهر في حرمته علي النساء. و قوله فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ بيان لما يترتب علي خضوع النساء بالقول من الفساد.

و قد أشكل علي دلالة هذه الآية علي المطلوب بأنّها وردت في خصوص نساء النبي. لأنّ صدرها خطاب إليهنّ و بيان فضيلتهنّ علي سائر النساء إنّ اتَّقين. و لكن دلّ ذيل الآية علي تحريم بعض المعاصي و إيجاب بعض الفرائض. و بعبارة أخري: ان الآية بعد الإشارة إلي أفضلية

قدرهنّ و منزلتهنّ علي سائر النساء بالتقوي بيّنت بعض ما يجب اتّقائهنّ منه. و منها عدم الخضوع بالقول و القرار في البيوت و عدم التبرّج و إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة.

و الذي يختصّ بنساء النبي من هذه الأمور هو الأمر الأوّل أعني أفضليتهنّ علي سائر النساء المؤمنات بالتقوي. و أمّا سائر الأمور فهي تكاليف مشتركة بين جميع المؤمنات بلا اختصاص بهنّ. و يشهد علي ذلك ذكر إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة

______________________________

(1) سورة الأحزاب/ الآية 32.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 167

______________________________

الثابت وجوبهما في حق جميع المكلّفين بالضرورة في عرض النهي عن الخضوع بالقول.

هذا مضافاً إلي ارتكاز حرمة تحسين الصوت و ترقيقه من النساء بين المتشرعة لما فيه من التهييج و إثارة الشهوة.

و قد تبيّن مما قلناه حرمة تكلّم الرجل مع المرأة الأجنبية بقصد اللّذة و الشهوة و إيقاعها في الحرام و كذا إذا خاف وقوع نفسه في الحرام بالتكلّم معها، بل يجب عليه قطع الكلام إذا خاف من ذلك. و كذا تكلّم المرأة مع الرجل. و كذا التكلم مع أي شخص في مسائل شهوانية عند خوف الاثارة و الفتنة.

حكم اختلاط النساء بالرجال و تزيُّنهنّ في مجامعهم

قال في العروة: «يكره اختلاط النساء بالرجال إلّا للعجائز و لهنّ حضور الجمعة و الجماعات» «1».

و الظاهر أنّ الجملة الأخيرة عطف علي المستثني أي العجائز دون المستثني منه.

و قد دلّت عدّة نصوص معتبرة و غيرها علي مذمّة اختلاط النّساء بالرجال في الطرق و الأسواق و المجامع.

فمنها: صحيحة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

يا أَهْلَ الْعِراقِ نُبِّئْتُ أَنَّ نِسائَكُمْ يُدافِعْنَ الرِّجالَ في الطَّريقِ أما تَسْتَحْيُونَ؟ «2».

و منها: مرسل الكليني عن أمير المؤمنين قال (عليه السّلام)

أَما تَسْتَحْيُون

وَ لا

______________________________

(1) العروة الوثقي/ ج 2 ص 805 م 49.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 174 ب 132 من مقدمات النكاح ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 168

______________________________

تُغارُونَ، نِساؤُكُمْ يخْرجْنَ إلي الأَسْواقِ وَ يُزاحِمْنَ الْعُلُوجَ «1».

و منها: ما دلّت علي منع خروج غير العجائز من النساء إلي الجمعة و العيدين.

مثل معتبرة محمّد بن شريح قال

سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام) عَنْ خُروجِ النِّساءِ في العيدَيْنِ. فَقالَ (عليه السّلام): لٰا، إلّا الْعَجُوزُ عَلَيْها مَنْقَلاها، يَعني الخُفَّيْنِ «2».

و معتبرة يونس بن يعقوب قال

سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) عَنْ خُروجِ النِّساءِ في العيدَيْنِ وَ الْجُمْعَةِ فَقالَ: لٰا، إلّا امْرأَةٌ مُسِنَّةٌ «3».

و منها: ما دلّ علي منع المرأة عن المشي في وسط الطريق و استحباب مشيها إلي جانب الحائط.

مثل صحيحة الوليد بن صبيح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لَيْسَ لِلنِّساءِ مِنْ سَرَواتِ الطَّريق شي ءٌ وَ لكِنَّها تَمْشي في جانِبِ الحائِطِ وَ الطَّريق «4».

و صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لَيْسَ لِلنِّساءِ مِنْ سِراة الطَّريقِ وَ لكِنْ جَنْبَيْه يَعني وَسَطَهُ «5».

قوله: «يعني وسطه» يحتمل كونه كلام الراوي و المقصود به تفسير سراة الطريق. و غيرها من النصوص «6».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 174 ب 132 من مقدمات النكاح ح 2.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 176 ب 136 من مقدمات النكاح ح 1.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 177 ب 136 من مقدمات النكاح ح 2.

(4) الوسائل/ ج 14 ب 132 ب 97 من مقدمات النكاح ح 1.

(5) الوسائل/ ج 14 ب 132 ب

97 من مقدمات النكاح ح 2.

(6) الوسائل/ ج 14 ص 132 ب 97 من مقدمات النكاح ح 3 و ب 123 من مقدمات النكاح ص 162 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 169

______________________________

و منها: ما دلّ من الكتاب و السنة علي لزوم المرأة قعر بيتها فمن الكتاب قوله تعاليٰ وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ «1». و قد مرّ آنفاً بيان وجه عدم اختصاص ذلك بنساء النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و من السنة ما دلّ علي أنّ مسجد المرأة بيتها و أنّ خير مساجد النِّساء البيوت «2».

و منها: ما دلّ علي عدم جواز خروج المرأة عن البيت إلّا بإذن زوجها.

مثل صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

جاءَتْ امْرَأَةٌ إلي النَّبيِّ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم). فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللّٰه؛ ما حَقُّ الزَّوْجِ عَلَي الْمَرْأَةِ؟ فقال لها: أنْ تُطيعَهُ وَ لا تَعْصيَهُ وَ لا تُصَدِّقَ مِن بَيْتِهِ إلّا باذْنِهِ.. وَ لا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِها إلّا بإذْنِهِ وَ إِنْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَعَنَتْها مَلائِكَةُ السَّماءِ و مَلائِكَةُ الْأَرْضِ وَ مَلائِكَةُ الْغَضَبِ وَ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ حَتّي تَرْجِعَ إلي بَيْتِها.. «3».

و مثل صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ؛ أَ لَها أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إذن زَوْجِها؟ قال (عليه السّلام): لٰا.. «4».

و غيرها من النصوص «5». و في قرب الاسناد

هل لها أن تخرج من بيت زوجها بغير اذنه؟ قال (عليه السّلام): لا «6».

و منها: ما دلّ علي حرمة طاعة الزوجة إذا طلبت منه الذهاب إلي الحمّامات و العرسات و العيدات والنائحات و لبس الثياب الرِّقاق.

مثل موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قال رسول اللّٰه

(صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

مَنْ

______________________________

(1) سورة الأحزاب/ الآية 33.

(2) الوسائل/ ج 3 ب 29 ص 509.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 112 ب 79 من مقدمات النكاح ح 1 ص 113 ح 5.

(4) الوسائل/ ج 14 ص 112 ب 79 من مقدمات النكاح ح 1 ص 113 ح 5.

(5) الوسائل/ ج 14 ص 112 ب 79 من مقدمات النكاح ح 2 و قرب الاسناد/ ص 101.

(6) الوسائل/ ج 14 ص 112 ب 79 من مقدمات النكاح ح 2 و قرب الاسناد/ ص 101.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 170

______________________________

أَطَاعَ امْرَأَتَهُ أَكَبَّهُ اللّٰهُ عَلي وَجْهِهِ في النّٰارِ. قيل: وَ ما تِلْكَ الطّٰاعَةُ؟ قال (عليه السّلام): تَطْلُبُ مِنْهُ الذَّهابَ إلي الْحَمّٰاماتِ وَ الْعَرَساتِ وَ الْعيداتِ وَ النّٰائحاتِ وَ الثّيابَ الرِّقاقِ «4».

و منها: ما أُمر فيه بحبس المرأة و تحصينها في البيت.

مثل: صحيح وهب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حديث

خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرِّجالِ و إنَّما هَمُّها في الرِّجالِ، فَاحْبِسوا نِسائكُمْ يا مَعَاشِرَ الرِّجالِ «5».

و صحيح غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنَ الرَّجُلِ وَ إنَّما هِمَّتُها في الرِّجال فَاحْبِسوا نِسائَكُمْ «1».

و معتبرة عبد الرَّحمن بن سيّابة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنَّ اللّٰهَ خَلَقَ حَوّٰاء مِنْ آدَمَ فَهِمَّةُ النِّساءِ الرِّجالُ فَحَصِّنُوهُنَّ في الْبُيوتِ «2».

و خبر الواسطي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنَّ اللّٰه خَلَقَ آدَمَ مِنَ الْمَاءِ وَ الطّينِ فَهِمَّةُ ابْنِ آدَمَ في الماءِ وَ الطّينِ وَ خَلَقَ حَوّٰاءَ مِنْ آدَمَ فَهِمَّةُ النِّساءِ في الرِّجالِ فَحَصِّنُوهُنَّ في الْبُيوتِ «3».

و خبر عمرو بن أبي المقدام عن أبي جعفر (عليه السّلام)

و خبر عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين في رسالة إلي الحسن (عليه السّلام)

وَ إيّاكَ وَ مُشاوَرَةِ النِّساءِ فإنَّ رَأْيَهُنَّ إلي الْأَفِنِ وَ عَزْمَهُنَّ إلي الْوَهْنِ وَ اكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أبْصارِهِنَّ بِحجابِكَ إيّاهُنَّ فإنَّ شدَّةَ الْحِجابِ خَيْرٌ لَكَ وَ لَهُنَّ مِنَ الارتياب وَ لَيْسَ

______________________________

(4) الوسائل/ ج 14 ص 130 ب 95 من مقدمات النكاح ح 1.

(5) الوسائل/ ج 14 ب 24 من مقدمات النكاح ص 41 ح 1.

(1) الوسائل/ ج 14 ب 24 من مقدمات النكاح ص 42 ح 5.

(2) الوسائل/ ج 4 ب 23 من مقدمات النكاح ص 39 ح 4.

(3) الوسائل/ ج 14 ب 23 من مقدمات النكاح ص 40 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 171

______________________________

خُروجُهُنَّ بأشدَّ مِنْ دُخولِ من لا يُوثَقُ بِه عَلَيْهِنَّ، فإنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَعْرِفَنَّ غَيْرَكَ مِنَ الرِّجالِ فافْعَلْ «1».

و منها صحيح محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السّلام) قال

جائَتْ امْرَأَةٌ إلي رسول اللّٰهِ فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللّٰهِ ما حَقُّ الزَّوجِ عَلَي الْمَرْأَةِ فَقالَ لَها: تُطيعُهُ وَ لا تَعْصيهِ وَ لا تُصَدِّقُ مِنْ بَيْتِهِ بِشَي ءٍ إلَّا بإذْنِهِ.. وَ لا تُخْرِجُ مِنْ بَيْتِهِ إلّا بِإذْنِهِ فَإنْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَعَنَتْها مَلائِكَةُ السَّماء وَ مَلائِكَةُ الْأَرْضِ وَ مَلائِكَةُ الْغَضَبِ وَ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةُ حَتّي تَرْجِعَ إليٰ بَيْتِها «2».

و منها: ما رواه الراوندي في نوادره بإسناده عن موسي بن جعفر قال (عليه السّلام): قالَ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

النِّساءُ عَوْرَةٌ إحْبِسوهُنَّ في الْبُيوتِ وَ اسْتَعينُوا عَلَيْهِنَّ بِالْعريٰ «3».

و نحوه ما رواه الشيخ في أماليه «4» بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن

رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم). و غير ذلك من النصوص المتظافرة البالغة حدّ التواتر. و يستفاد من مجموعها عدم رضي الشارع باختلاط النساء مع الرجال و حضورهنّ في مجامعهم.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 24 من مقدمات النكاح ص 41 ح 2.

(2) البحار/ ج 100 باب أحوال الرجال و النساء ص 248 ح 31.

(3) البحار/ ج 100 باب أحوال الرجال و النساء ص 250 ح 43.

(4) البحار/ ج 100 باب أحوال الرجال و النساء ص 252 ح 50.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 172

حرمة تطيّب المرأة و تعطُّرها في مجامع الرجال الأجانب

______________________________

و قد مُنع عن تطيّب المرأة و تعطّرها في مجامع الرجال الأجانب في عدّة نصوص بعضها معتبرة و ظاهرها حرمة ذلك علي المرأة. و وجه ذلك واضح لأنّ فيه جلب توجه الرجال الأجانب و لفت أنظارهم المنجرّ بالمال إلي الفتنة و الفساد و إشاعة الفحشاء و رواج الفسق و الفجور في مجتمع المؤمنين. و لا يخفي ان ذلك حكمة الحكم لا علته لتدور الحرمة مدارها.

فمن تلك النصوص:

صحيحة الوليد بن صبيح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أيُّ امْرَأَةٍ تَتَطَيَّبَتْ وَ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِها فَهِيَ تُلْعَنُ حَتّي تَرْجِعَ إلي بَيْتِها مَتي ما رَجَعَتْ «1».

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن جعفر بن محمّد عن آبائه (عليهم السّلام) في حديث المناهي قال

نَهي رَسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أَنْ تَخْرُجَ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِها بِغَيْرِ إذن زَوْجِها فَإنْ خَرَجَتْ لَعَنها كُلُّ مَلَكٍ في السَّماءِ وَ كُلُّ شَيْ ءٍ تَمُرُّ عَلَيْهِ منَ الْجِنَّ و الإنْسِ حَتّي تَرْجِعُ إلي بَيْتِها. وَ

نَهيٰ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِغَيْرِ زَوْجِها فَإنْ فَعَلَتْ كانَ حَقّاً عَلَي اللّٰه أَنْ يُحْرِقَها بِالنّٰار «2».

دلالة هذه الرواية علي المطلوب فرع دخول التطيب في عنوان التزيّن و لكن فيه ما لا يخفي.

و منها: مرسل ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يَنْبَغي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُجْمِرَ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 114 ب 80 من مقدمات النكاح ح 4.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 114 ب 80 من مقدمات النكاح ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 173

______________________________

ثَوْبَها إذا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِها.. «1».

قوله (عليه السّلام): «تُجْمِرَ» أي تُطَيِّب المرأة ثوبها ببخور الطيبات و الرياحين.

و منها: رواية سعد بن عمر الجلّاب قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أَيُّما امْرَأَةٌ باتَتْ وَ زَوْجُها عَلَيْها ساخِطٌ في حَقِّهِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْها صَلاةٌ حَتّي يَرْضيٰ عَنْها وَ أَيُّما امْرَأَةٌ تَطَيَّبت لِغَيْرِ زَوْجِها لَمْ يَقْبل اللّٰهُ مِنْها صَلاةً حَتّي تَغْتَسِلَ مِنْ طِيبها كَغُسْلِها مِنْ جِنابَتِها «2».

فان ظاهر غسل التوبة الدال علي حرمة الفعل الذي اغتسل لأجله.

كراهة النظر إلي أدبار النساء الأجانب من وراء الثياب

وردت في عدّة نصوص معتبرة المذمّة علي النظر إلي أدبار النساء الأجانب من وراء الثياب. و وجهه واضح لأنّ الشيطان يوسوس بهذا الطريق في الناظر و يوقعه في الزلّة و الفتنة.

فمن تلك النصوص:

صحيحة هشام و حفص و حمّاد بن عثمان كلُّهم بأسانيد مختلفة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ما يَأْمَنُ الَّذينَ يَنْظُرونَ في أَدْبارِ النِّساء أَنْ يُنْظَرَ بِذلِكَ في نِسائِهم «3».

و صحيحة صفوان بن يحيي

عن أبي الحسن (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قال (عليه السّلام): قال لَها شُعيب: هذا قويٌّ بِرَفْعِ الصَّخْرَةِ. الأَمينُ مِنْ أيْنَ عَرفْتيه؟ قالَت: يا أَبَتِ إنِّي مَشَيْتُ

قُدّامَهُ، فَقال:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 114 ب 80 من مقدمات النكاح ح 5.

(2) الوسائل/ ج 14 ب 80 من أبواب مقدمات النكاح ص 113 ح 1.

(3) الوسائل/ ج 14 ب 108 من أبواب مقدمات النكاح ص 145 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 174

______________________________

امْشي مِنْ خَلْفي، فإنْ ضَلَلْتُ فَارْشديني إلي الطَّريقِ، فإنّا قَوْمٌ لا نَنْظُرُ إلي أدْبار النِّساءِ «1».

و صحيحة أبي بصير أنّه قال للصادق (عليه السّلام)

الرَّجُلُ تَمُرُّ بِهِ الْمَرْأَةُ فَيَنْظُرُ إليٰ خَلْفِها، قال (عليه السّلام): أَ يَسُرُّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَنْظُرَ إلي أهْلِهِ وَ ذاتِ قَرابَتِهِ؟ قُلْتُ: لٰا. قال (عليه السّلام): فَارْضَ لِلنّاسِ ما تَرْضاهُ لِنَفْسِكَ «2».

و في صحيحة أخري عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أَما يَخْشَي اللَّذين يَنْظُرونَ في أدْبارِ النِّساءِ أَنْ يَبْتَلُوا بِذلك في نسائِهم «3».

استحباب التفريق بين الأطفال في المضاجع

ورد الأمر بالتفريق بين الأطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين كما في صحيحة عبد اللّٰه بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الصَّبيُّ وَ الصَّبيُّ وَ الصَّبيُّ و الصَّبيَّةُ و الصَّبيَّةُ و الصَّبيَّةُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ في المَضاجِع لِعَشْرِ سِنينَ «4».

و روي الصدوق مرسلًا أنّه «يُفَرَّقُ بَيْنَ الصِّبْيانِ في الْمَضاجِعِ لِسِتِّ سِنين» «5».

فإنّ ظاهر الأمر الوارد في الصحيحة و إن كان وجوب التفريق بين الأطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين إلّا أنّ السيرة القطعية علي الخلاف قرينة علي صرف ظهوره عن الوجوب إلي الاستحباب في المقام.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 108 من أبواب مقدمات النكاح ص 145 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 14 ب 108 من أبواب مقدمات النكاح ص 145 ح 3.

(3)

الوسائل/ ج 14 ب 108 من أبواب مقدمات النكاح ص 145 ح 4.

(4) الوسائل/ ج 14 ب 128 من أبواب مقدمات النكاح ص 171 ح 1.

(5) الوسائل/ ج 14 ب 128 من أبواب مقدمات النكاح ص 171 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 175

حكم الدخول علي المرأة الأجنبية

______________________________

دلّت عدّة نصوص معتبرة علي لزوم استيذان الرجل للدخول علي النساء مطلقاً حتي المحارم منهنّ.

فمنها: صحيحة جرّاح المدايني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

وَ مَنْ بَلَغَ الحُلُمَ فَلا يَلِجُ علي أُمّهِ وَ لا عَلي أُخْتِهِ وَ لا عَلي خالَتِهِ وَ لا عَلي سِوي ذلك إلّا بِإذْنٍ وَ لا تَأْذَنُوا حَتّي يُسَلِّمَ وَ السَّلام طاعَةٌ للّٰهِ عَزَّ وَ جَلَّ «1».

و منها: صحيحة يوسف بن عقيل عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ مِنْكُمْ فَلا يَلِجُ عَلي أُمِّهِ وَ لا عَلي أُخْتِهِ وَ لا عَلي ابْنَتِهِ وَ لا عَلَي مَنْ سِويٰ ذلِكَ إلّا بِإذْنٍ وَ لا يَأْذَنَ لأَحَدٍ حتي يُسَلِّمَ فَإنَّ السَّلامَ طَاعَةُ الرَّحْمٰنِ «2».

فهاتان الصحيحتان دلّتا علي أصل اعتبار الإذن في جواز الدخول علي النساء مطلقاً حتي المحارم، و لكن لم يُعيّن فيهما من يعتبر إذنه للدخول عليهنّ و مقتضي إطلاقهما كفاية إذن النساء أنفسهنّ للدخول عليهنّ.

و لكن ورد في رواية جعفر بن عمر عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

نَهي رَسُولُ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أَنْ يَدْخُلَ الرِّجالُ عَلَي النِّساءِ إلّا بِإذنِ أوْلِيائِهِنَّ «3».

و هي دلّت علي عدم جواز الدخول علي النساء بغير إذن أوليائهن و مقتضي الصّناعة تقييد إطلاق الصحيحتين المزبورتين بها، إلّا أنّ سندها ضعيف فلا تصلح للتقييد و لعلّ السيرة تساعد

جواز الدخول علي المرأة البالغة الرشيدة و لا سيّما المحارم. نعم لو كان في الدخول عليها خوف فتنة أو كان البيت خالياً عن غيرها حتي الصبيان و لم يتمكّن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 120 من مقدمات النكاح ص 158 ح 2.

(2) الوسائل/ ج 14 ب 120 من مقدمات النكاح ص 159 ح 4.

(3) الوسائل/ ج 14 ب 118 من مقدمات النكاح ص 157 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 176

______________________________

أحدٌ من الدخول فيه غيرهم فلا يجوز حينئذٍ للرجل الأجنبي أن يدخل عليها، حتي مع إذنها بل و لو أذن وليّها.

استيذان الولد من أبيه عند الدخول عليه

قال في العروة: «لا يدخل الولد علي أبيه إذا كانت عنده زوجته إلّا بعد الاستيذان و لا بأس بدخول الوالد علي ابنه بغير إذنه» «1».

و الدليل علي ذلك قوله تعاليٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلٰاثَ مَرّٰاتٍ، مِنْ قَبْلِ صَلٰاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيٰابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلٰاةِ الْعِشٰاءِ ثَلٰاثُ عَوْرٰاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لٰا عَلَيْهِمْ جُنٰاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّٰافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَليٰ بَعْضٍ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللّٰهُ لَكُمُ الْآيٰاتِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَ إِذٰا بَلَغَ الْأَطْفٰالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ..» «2».

و لكن لا يختص مدلول هذه الآية بما إذا كان المدخول عليه أباً. بل تدل بإطلاقها علي لزوم الاستيذان للدخول علي كلّ من خليٰ مع زوجته و قد عبّر عنه بالعورات، بلا اختصاص بالآباء.

كما يدل علي نفي هذا الاختصاص ذيل صحيحة أبي أيّوب الخزّاز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال (عليه السّلام)

وَ يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلي ابْنَتِهِ وَ أُخْتِهِ إذا كانَتا مُتَزَوَّجَتَيْنِ «3».

فيفهم

من ذلك أنّ ملاكَ لزوم الاستيذان من المدخول عليه خلوتُه مع

______________________________

(1) العروة الوثقي/ ج 2 ص 805 م 43 من مستحبّات النكاح.

(2) سورة النور/ الآية 58.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 158 ب 120 ح 1، ذكر الكشي الخزاز بالخاء و الزائين المعجمات و العلامة في إيضاح الاشتباه بإهمال الزاء الاولي و في الخلاصة باحتمالين.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 177

______________________________

الزوج أو الزوجة.

نعم قد يفهم الاختصاص من خبر الحلبي، قال

قُلْتُ لِأَبي عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام): الرَّجُلُ يَسْتَأْذِنُ عَلي أبيهِ؟ فَقالَ: نَعَمْ قَدْ كُنْتُ أَسْتَأْذِنُ عَلي أَبي وَ لَيْسَتْ أُمّي عِنْدَهُ إنّما هِيَ امْرَأَةُ أبي، تُوُفِّيَتْ أُمّي وَ أَنا غُلامٌ. وَ قَد يَكُونُ مِنْ خَلْوَتِهما ما لا أُحِبُّ أَنْ أَفْجَأُهُما عَلَيْهِ وَ لا يُحِبّانِ ذلك مِنّي و السَّلامُ أَحْسَنُ و أَصْوَبُ «3».

إلّا أنّه ضعيف سنداً بأبي جميلة. و دلالةً بعدم كون امرأة الأب مَحرماً. فلعلّ الاستيذان كان من هذه الجهة.

أمّا وجه ذكر هذه الساعات الثلاثة و التعبير عنها بالعورات فلأنّ فيها يُخلّيٰ بين الزوج و الزوجة كما في معتبرة جرّاح المدايني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّما أَمَرَ اللّٰهُ تعاليٰ بِذلِكَ لِلْخَلْوَةِ فَإنّها سَاعَةُ غُرَّةٍ وَ خَلْوَةٍ «1».

و أمّا وجه ذكر غير البالغين علي حدة فلعلّه لكثرة دخولهم علي الآباء أو لدفع توهم اختصاص لزوم الاستيذان بالبالغين فانّ غير البالغ و إن لا تكليف عليه شرعاً إلّا أنّه يُلزم بذلك و يؤدّب عليه.

و قد يقال: حيث إنّا نعلم بأنّه لا خصوصية للتزويج فلذا يعلم أنّ ملاك لزوم الاستيذان كون المرأة علي حالة غير مناسبة بأن كانت مجرّدة عن الملابس. و عليه فلو عَلِم الأب أن صبيّته و لو كانت غير متزوّجةٍ علي حالةٍ مجرّدة عن

بعض ثيابها، نائماً كانت أو مستيقظاً يجب عليه الاستيذان للدخول عليها.

و قد دلّت علي ذلك النصوص:

______________________________

(3) الوسائل/ ج 14 ص 157 ب 119 ح 2.

(1) الوسائل: ج 14 ص 160 ب 121 ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 178

______________________________

ففي صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

وَ مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ مِنْكُمْ فَلا يَلِج عَلي أُمِّهِ وَ لا عَليٰ أُخْتِهِ وَ لا عَلي ابْنَتِهِ وَ لا عَلي مَنْ سِويٰ ذلِكَ إلّٰا بإذنٍ و لا يأذن لأحدٍ حتي يُسَلّم، فإنَّ السَّلامَ طاعَةُ الرَّحْمٰنِ «1».

و مثله معتبرة جرّاح المدائني «2».

و لكن يرفع اليد عن إطلاق هذه النصوص بمفهوم قوله (عليه السّلام)

وَ يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَي ابْنَتِهِ وَ أُخْتِهِ إذا كانَتا مُتَزَوَّجَتيْنِ «3».

فإنّه دلّ بمفهوم الشرط علي نفي لزوم استيذان الرجل علي ابنته و أخته و إذا لم تكونا متزوّجتين.

و عليه فالمستفاد من مجموع نصوص المقام أنّ ملاك الاستيذان كون المرأة مع بعلها علي حالة غير مناسبة لا كونها في نفسها علي تلك الحالة. و يؤيد ذلك أنّ في الوسائل جعل عنوان الباب علي أساس هذا المستفاد.

و أمّا إذا لم تكن عند الأب زوجته فهل يلزم علي الولد الاستيذان منه عند إرادة الدخول عليه.

فقد دلّ علي ذلك صحيح أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ إذا دَخَلَ عَلي أبيه وَ لا يَسْتَأْذِنُ الْأَبُ عَلي الابْنِ «4».

و لكن لا يمكن الالتزام بظاهره. و ذلك لقيام السيرة القطعية علي جواز الدخول علي الأب إذا لم تكن زوجته عنده من غير استيذان فإنّه لو كان الحكم بالوجوب ثابتاً لَظَهَرَ و بان. فمن هنا يحمل علي الاستحباب و إنّه حكم أخلاقي حفظاً لمقام الأبوّة و

رعاية لكرامته و شأنه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 159 ب 120 ح 4.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 159 ب 120 ح 2.

(3) الوسائل/ ج 14 ص 158 ب 120 ح 1.

(4) الوسائل/ ص 157 ب 119 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 179

______________________________

و تأدّباً من الولد.

فتحصّل ممّا ذكرنا:

أولًا: أنّه يَجب الاستيذان للدخول علي كل من خلي بامرأة أباً كان أو ابناً أو خلت بزوجها أُمّا كانت أو أختاً أو بنتاً.

و ثانياً: يستحب للولد الاستيذان من أبيه عند الدخول عليه مع عدم خلوته بزوجته.

حكم الخلوة بالمرأة الأجنبية

لا إشكال في حرمة خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية إذا خيف من وقوعهما في الحرام و احتُمل المفسدة بل يجب عليهما حينئذٍ أن يخرجا من ذلك المكان كما قال السيد الماتن (قدّس سرّه) في رسالته الفارسية «1». و هذا لا إشكال فيه و لا يحتاج إثباته إلي آية أو رواية خاصة.

و إنّما الكلام في أنّ خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية في مكان لا يتمكن أحدٌ من الوصول إليه هل هو حرام في نفسه مستقلا بأن كان له موضوعية للحرمة، بحيث كان خوف الوقوع في المفسدة حكمة الحكم لا علّته حتي تدور الحرمة مدارها.

قبل الورود في البحث ينبغي أن يقال: إن الفقهاء لم يتعرّضوا إلي هذا الفرع المهم في مقدمات النكاح. بل إنّما بحثوا عنها في مسائل سكني المطلقة الرجعية.

و قد ذهب عدة من الفقهاء إلي حرمة خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية مطلقاً من

______________________________

(1) توضيح المسائل/ مسائل متفرقة زناشوئي/ مسألة 2445: «اگر مرد و زن نامحرم در محل خلوتي باشند كه كسي در آنجا نباشد و ديگري نمي تواند وارد شود جنانچه بترسند كه به حرام بيفتند بايد از آنجا بيرون بروند».

دليل تحرير الوسيلة

- الستر و الساتر، ص: 180

______________________________

دون إناطة بخوف الوقوع في الحرام و المفسدة.

فمنهم العلامة الحلّي قال في القواعد: «و لو أراد الزوج أن يساكنها فان كانت المطلقة رجعية لم يمنع و إن كانت بائنةً منع إلّا أن يكون معها من الثقات من يحتشمه الزوج» «1».

و منهم الشهيد الثاني قال في المسالك: «فلو كان بيتاً يليق بها لكن الزوج كان ساكناً معها قبل الطلاق وجب عليه الخروج عنها إن كان الطلاق بائناً حيث يجب لها السكني، لتحريم الخلوة بالأجنبية.

و إن كان الطلاق رجعيا فظاهر الأصحاب عدم وجوب انفرادها لأنها بمنزلة الزوجة. و يشكل بأنّ التمتع بها بالنظر و غيره إنّما يجوز بنيّة الرجعة لا مطلقاً فهي بمنزلة الأجنبية في أصل تحريمه و إن كان حكمه أضعف فتكون الخلوة بها محرّمة كغيرها.

و الأصل في تحريم الخلوة بالأجنبية قول النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لا يَخْلُونَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإنَّ ثالِثَهُما الشَّيْطانُ «2»

و هذه المسألة من المهمات و لم يذكرها الأصحاب في باب النكاح و أشاروا إليها في هذا الباب. و المعتبرة من الخلوة المحرّمة أن لا يكون معهما ثالث من ذكر أو أنثيٰ بحيث يحتشم جانبه و لو زوجة أخري أو جاريةً أو محرم له. و ألحق بعضهم بخلوة الرجل بالمرأة خلوة الاثنين فصاعداً بها دون خلوة الواحد بنسوة و فرّقوا بين الأمرين بأنّ استحياءَ المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل و لا يخلو ذلك من نظر. و حيث يحرم عليه مساكنها و الخلوة بها يزول التحريم بسكني كلّ واحد منهما في بيت في الدار الواحدة بشرط تعدّد المرافق فلو كانت مرافق حجرتها كالمطبخ و المستراح و البئر و المِرقي إلي السطح متحدة

في الدار لم يجز بدون

______________________________

(1) الينابيع الفقهية/ ج 20 ص 473.

(2) سنن البيهقي/ ج 7 ص 91 و المستدرك الباب 77 من مقدمات النكاح ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 181

______________________________

الثالث لأن التوارد علي المرافق يُفضي إلي الخلوة» «1».

و منهم الفاضل الهندي قال في كشف اللثام: «فان كانت المطلقة رجعية لم يمنع عندنا، لأنّ له وطئها و مقدماته و يكون رجعة. و إن لم ينوها كما عرفت فالخلوة بها أولي خلافاً للعامّة و إن كانت بائنةً منع للنهي عن الخلوة بامرأة أجنبية علي أن يكون معها من الثقات من يحتشمه الزوج فلا يمنع» «2».

يفهم من تعابير هؤلاء الفقهاء أن حرمة خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية كان أمراً ثابتاً مسلّماً عندهم. و لكن ناقش صاحب الجواهر في ذلك بعدم تمامية الأدلّة لإثبات الحرمة و ضعف أسناد النصوص الدالة علي ذلك. و ردّ دعوي دلالة بعض النصوص علي ذلك قوله (قدّس سرّه): «ضرورة أنّ أمثال هذه الدعاوي لا تورث الفقيه الماهر ظنّاً بمثل هذا الحكم العام البلويٰ الذي تنافيه السيرة القطعية، بل و جملة من النصوص الدالّة علي صحبة غير المحرم في طريق الحج و غيره، لأنّ المؤمن وليّ المؤمنة و غير ذلك» «3».

و أمّا النصوص التي أشار إليها صاحب الجواهر فيدل بعضها بإطلاقها علي جواز مصاحبة غير المحرم مع المرأة التي ليس لها بمحرم و لا وليٍّ.

مثل صحيح صفوان الجمّال قال

«قُلْتُ لِأَبي عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام) قَدْ عَرَفْتني بِعَمَلي تأتيني الْمَرْأَةُ أَعْرِفُها بِإسلامِها وَ حُبِّها إيّاكُمْ وَ وَلَايَتِها لَكُمْ، لَيْسَ لَها مَحْرَمٌ قال: إذا جاءَتِ الْمَرْأَةُ المُسْلِمَةُ فاحمِلْها فإنَّ الْمُؤْمِنُ مَحْرَمُ الْمُؤْمِنَةِ ثُمَّ تَليٰ هذِهِ الآية وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ «4».

______________________________

(1)

المسالك/ ج 2 ص 51 52.

(2) كشف اللثام/ ج 1 ص 144.

(3) الجواهر/ ج 32 ص 345.

(4) الوسائل/ ج 5 ص 108 من أبواب وجوب الحج ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 182

______________________________

و معتبرة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ وَلِيِّها، فَقالَ: إنْ كانَتْ مَأْمُونَةً تَحُجُّ مَعَ أَخيها الْمُسْلِمِ «1».

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قالَ

سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ. فقال (عليه السّلام): إذا كانَتْ مَأْمُونَةً وَ لَمْ تَقْدِر عَلي مَحْرَمٍ فَلا بَأْسَ بِذلِكَ «2».

و الوجه في دلالة هذه النصوص علي المطلوب أنَّ إطلاقها يشمل صورتين إحداهما: أن يكون مصاحب المرأة متعدداً و الأخري: أن يكون مصاحبها رجلًا واحداً. ففي هذه الصورة لا دلالة لهذه النصوص علي المطلوب. إذ الكلام فيما إذا خلي الرجل و المرأة الأجنبية في مكان لا سبيل لثالثٍ إليه.

و في قبال هذه الطائفة دلّت عدّة نصوص علي نفي البأس عن حجّ المرأة التي ليس لها بمحرم و لا وليٍّ إذا خرجت مع قوم ثقات صالحين و من الواضح أنّه لا خلوه في خروجها معهم.

مثل موثقة معاوية بن عمار قال

سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام) عَنِ الْمَرْأَةِ تَحُجُّ إلي مَكة بِغَيْرِ وَليّ. فقال (عليه السّلام): لا بَأسَ تَخْرُجُ مَعَ قَوْمٍ ثقاتٍ «3».

و معتبرة الحسن بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السّلام)

أَنَّ عَليّاً (عليه السّلام) كانَ يَقُول: لا بَأْسَ أَنْ تَحُجَ الْمَرْأَةُ الصَّرورَةُ مَعَ قَوْمٍ صالحينَ إذا لَمْ يَكُنْ لَها مَحْرَمٌ وَ لا زَوْجٌ «4».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 5 ص 109 ب 58 من أبواب وجوب الحج ح 5.

(2) الوسائل/ ج 5 ص 109

ب 58 من أبواب وجوب الحج ح 6.

(3) الوسائل/ ج 18 ب 58 من أبواب وجوب الحج ص 109 ح 3.

(4) الوسائل/ ج 18 ب 58 من أبواب وجوب الحج ص 109 ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 183

______________________________

فانّ في هذه الطائفة من النصوص و إن لم تستعمل أداة الشرط لكن تدل بمفهوم التحديد علي إناطة جواز الحجّ لها بكونها مع قوم ثقات صالحين. و من الواضح أنّ عنوان القوم لا يطلق علي شخص واحد. و علي ذلك تحمل المطلقات. و عليه فجميع هذه النصوص لا نظر لها إلي خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية. هذا مع أنّ الرجل و المرأة الأجنبية وحدهما لم يمكن لهما طي طريق الحج مع طوله و خطره في الزمان السابق. فلذا كانت العادة علي الذهاب إلي الحجّ مع الرفقة لا بالانفراد. فلم يكن فرض خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية في مكان لم يمكن وصول الغير اليه متحققاً في تلك الأزمنة عند الذهاب إلي الحج. مع أنّ قوله (عليه السّلام)

فإنَّ الْمُؤْمِنَ مَحْرَمُ الْمُؤْمِنَةِ.

ليس بمعناه المصطلح في الفقه لوضوح كونه خلاف ضرورة الدين بل أريد به كون المؤمن مؤتمن المؤمنة و معتمدها حسب مقتضي الايمان فلا يخونها.

و أمّا سيرة المتشرعة فلو لم يحرز استقرارها علي عدم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية بين الرجال المتدينين و النساء المتدينات، فلا أقل من عدم إحرازها علي الخلوة. و كيف يمكن دعوي السيرة علي الجواز؟! مع كون حرمة الخلوة بالمرأة الأجنبية امرأً مسلّماً عند كثير من الفقهاء المحققين كما عرفت، بل لا يبعد دعوي شهرتها بين الفقهاء كما يظهر من نسبة ذلك إلي الأصحاب في المسالك.

و علي أيّ حال فيشكل الحكم بجواز خلوة الشابّ و الشابّة

الأجنبية في مكان لا يتمكن غيرهما من الدخول فيه حيث لٰا يخلو من المفسدة و الوقوع في الحرام غالباً. بل لا يبعد القول بحرمة ذلك في خلوة كل رجل بالمرأة الأجنبية مطلقاً غير العجائز.

و تدل علي ذلك عدّة نصوص:

منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن الطيّار قال

دَخَلْتُ الْمَدينةَ وَ طَلِبْتُ بَيْتاً أتَكاراهُ فَدَخَلْتُ داراً فيها بَيْتانِ وَ فيه امْرَأَةٌ. قالَتْ: تُكاري هذا الْبَيْتِ؟

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 184

______________________________

قُلْتُ: بَيْنَهُما بابٌ و أَنا شابٌّ. فَقالَت: أَنا أَغْلِقُ الْبابَ بَيْني وَ بَيْنَكَ فَحوَّلْتُ مَتاعي فيه. وَ قُلْتُ لها: أغلقي البابَ. فَقالَتْ: يَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ الروحُ. فَقُلْتُ: لا. أنا شابٌّ وَ أنْتِ شابّةٌ أغْلِقيه. قالَت: اقْعُدْ في بَيْتِكَ فَلَسْتُ آتيكَ وَ لا أَقْرَبُكَ وَ أَبَتْ أَنْ تغْلِقَهُ. فَلَقيتُ أَبا عَبْدِ اللّٰهِ (عليه السّلام) فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذلِكَ. فَقالَ (عليه السّلام): تَحَوَّلْ مِنْهُ فإنَّ الرَّجُلَ وَ الْمَرْأَةَ إذا خَلَيا في بَيْتٍ كَانَ ثالِثُهُما الشَّيْطانُ «1».

هذه الرواية دلّ بظاهرها علي حرمة خلوة الشابّ و الشابّة في مكان لا سبيل للغير إليه، نظراً إلي ظهور أمر الإمام (عليه السّلام) بخروج الرّجل و تحوُّله من ذلك المكان في وجوبه و لازمه حرمة الخلوة. و إنّ أمره (عليه السّلام) و إن ورد في قضية شخصية، إلّا أنّه لا يمكن تخصيصه بمورده بلحاظ ما فيه من الخصوصية المعلومة للإمام. حيث إنّ الامام (عليه السّلام) علّل الأمر بالخروج بقوله

فَإنَّ الرَّجُلَ وَ الْمَرْأَةَ إذا خَلَيا في بَيْتٍ كانَ ثالِثُهما الشَّيطانُ.

يفهم من هذا التعليل ثلاث نكات:

إحداها: عموميّة حرمة الخلوة لكل أجنبي و أجنبية بلا اختصاص لمورد الرواية المزبورة.

ثانيتها: عدم اختصاص ذلك بالشابّ و الشابّة نظراً إلي أنّه مع كون مورد السؤال في الشابّ و

الشابّة مع ذلك جعل الامام موضوع الحرمة خلوة الرجل و المرأة.

و ثالثتها: أنّ الامام (عليه السّلام) لمّا حكم في كلّ خلوة بين أيّ رجل و المرأة الأجنبية بأنّ ثالثهما الشيطان علي النحو المطلق، يُفهم منه أنّ خلوة كلِّ أجنبي و أجنبية لا تخلو غالباً من الفتنة و الوقوع في الحرام و الفساد فلذا جعل (عليه السّلام) موضوع الحرمة خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية و ظاهره فعلية الحرمة بتحقق موضوعها. فالخوف من الوقوع

______________________________

(1) الوسائل/ ج 13 ب 31 من أحكام الإجارة ص 280 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 185

______________________________

في الفساد و الحرام من قبيل الحكمة لا العلّة.

و أمّا سنداً فقد رواها في الوسائل بإسناده عن محمد بن الطيّار و في بعض النسخ محمد بن الطيّان. و لكن الموجود منه في النسخة المطبوعة من الفقيه: «رُوِي عن محمد الطيّار..».

فيقع الكلام أولًا: في احتمال كون الراوي محمّد بن الطيّان. و لكن لا يعتني بهذا الاحتمال لأن المسمّي بهذا الاسم لم يذكر في مجامع الرجال.

و ثانياً: في أنّ محمّد بن الطيّار هو متحد مع أبي حمزة محمد الطيّار الذي روي الكشي مدحاً جليلًا عن أبي جعفر في حقّه، و إن روي ذلك نفسه. و الظاهر أنّهما متحدان لأنّ الطيّار لقب جدّ محمّد أو أبيه. فهو لُقّب بلقب جدّه أو أبيه، كما هو المتعارف.

و ثالثاً: أنّ في النسخة الموجودة من الفقيه نقل هذه الرواية من محمّد الطيّار بخلاف الوسائل. فمن المحتمل أنّ في النسخة الموجودة من الفقيه عند صاحب الوسائل نقل هذه الرواية مستنداً، أو كان كتاب آخر للصدوق عنده فنقلها منه، أو كان بلحاظ ما قال الصدوق في مقدمة الفقيه أنّ ما نقله في كتابه يطمئن

فيما بينه و بين ربّه بصدوره عن الحجج المعصومين (عليهم السّلام). و إن كان غاية ما يلزم من ذلك هو القطع بصدورها لٰا أنّ يجعل المرسل مسنداً.

فعلي أيّ حال يشكل الاعتماد علي هذه الرواية سنداً و إن لا إشكال في دلالتها علي المطلوب. و مثلها في الدلالة النبوي العامي المذكور في المسالك.

و ممّا يدل علي ذلك. خبر مسمع بن أبي سيار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

فيما أَخَذَ رَسُولُ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) الْبَيْعَة عَلي النِّساءِ أنْ لا يَحتبينَ وَ لٰا يَقْعُدْنَ مَعَ الرِّجالِ في الخَلاءِ «1».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 19 من مقدمات النكاح ص 133 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 186

______________________________

و مرسل الطبرسي عن الصادق (عليه السّلام) قال

أَخَذَ رَسُولُ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) عَلَي النِّساءِ أَنْ لا يَنحْنَ وَ لا يَخْمشْنَ وَ لا يَقْعُدْنَ مَع الرِّجالِ في الخَلاءِ «1».

و عدم الأخذ بظاهر النهي في بعض فقرأته كالنهي عن نياحة النساء-، لوجود السيرة القطعية علي جوازها لهنّ بين غير الرجال الأجانب لا ينافي الأخذ بظاهره في سائر الفقرات.

و أمّا ما رواه الشيخ في المجالس بإسناده عن موسي بن جعفر عن آبائه (عليهم السّلام) عن رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَبِتْ في مَوْضِعٍ يَسْمَعُ نَفَسَ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ لَهُ بِمَحْرَمٍ «2».

فغاية مدلوله كراهة بيتوتة الرجل في موضع يسمع فيه نفس امرأةٍ ليست له بمحرم و استحباب تركها. لظهوره في كون ترك ذلك من مقتضيات الايمان باللّٰه و اليوم الآخر و هو أَعَمُّ من الواجبات و المندوبات و الفرائض و الفضائل. فهذه

الرواية مع ضعف سندها لا دلالة لها علي المطلوب. فلا تصلح للتأييد فضلًا عن الاستدلال به علي المطلوب.

و كذا ما رواه في المجالس بإسناده عن رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

أَرْبَعَةٌ مُفْسِدَةٌ لِلْقُلُوبِ، الْخَلْوَةُ بِالنِّساءِ «3».

و حاصل الكلام في المقام أنه و إن ليس في المقام رواية تامة سنداً و دلالة لتصلح للدليلية علي المطلوب وحدها إلّا أنَّ عدم الاعتناء بمجموع هذه النصوص التامّة دلالة مشكل مع أنّ ارتكاز المتشرعة بل لعلّ سيرتهم علي عدم الخلوة. فلا أقل من الاحتياط الواجب بتركها خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 19 من مقدمات النكاح ص 134 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 14 ب 99 من مقدمات النكاح ص 133 ح 2.

(3) الوسائل/ ج 11 ب 38 من أبواب الأمر و النهي ص 507 ح 22.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 187

حكم الشعر الموصول ستراً و نظراً

______________________________

إنّ حكم الشعر الموصول تارة: يبحث عنه من حيث إنّه العضو المبان من الأجنبي و الأجنبية. و أخري: من حيث إنّه صار بعد الوصل من أجزاء البدن، فيبحث في أنّه بعد الاتصال هل يكون في حكم أجزاء البدن الأصلية أم لا؟.

و أمّا البحث من الجهة الأُولي: فقد سبق الكلام في حكم العضو المبان من الأجنبي و الأجنبية أنّه لا دليل علي وجوب الاجتناب عن النظر إليه.

و قلنا: إنّ الاحتياط فيه مبنيٌّ علي الاستحباب، و إن فصّل السيد الإمام (قدّس سرّه) هناك بين الشعر المنفصل فاحتاط وجوباً بالاجتناب عن النظر إليه و بين مثل الظفر و السن بالجواز و بين سائر الأعضاء بوجوب الاجتناب.

و أمّا البحث من الجهة الثانية فقد حكم في العروة بوجوب ستر الشعر الموصول و حرمة النظر

إليه و بني علي الاحتياط في القرامل الموصولة من غير الشعر و كذا الحُليّ.

قال في العروة: «الظاهر وجوب ستر الشعر الموصول بالشعر، سواءٌ كان من الرجل أو المرأة و حرمة النظر إليه. و أمّا القرامل من غير الشعر و كذا الحُليّ ففي وجوب سترهما و حرمة النظر إليهما مع مستورية البشرة إشكال و إن كان أحوط» «1».

و لكن السيد الماتن (قدّس سرّه) بني في ذلك الاحتياط الوجوبي، فقال في تعليقته علي العروة: «بل الأحوط وجوبه و كذا في القرامل و الحُليّ».

و قد أشكل علي صاحب العروة في المستمسك بأنّ ما ورد من النهي عن النظر إلي الشعر و الأمر بستره ظاهر في الشعر الأصلي فلا يعمّ الموصول. ثم فصّل بين النظر و الستر فقال بحرمة النظر إلي الشعر الموصول إذا كان من المرأة الأجنبية لاستصحاب

______________________________

(1) العروة الوثقي/ ج 1 ص 550 م 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 188

______________________________

حرمة النظر ثانياً قبل الانفصال. و لكن أشكل في وجوب ستره علي المرأة الواصلة نظراً إلي اختصاص وجوب الستر بالمرأة ذات الشعر لا غيرها.

و في محكي كشف الغطاء: «و الزينة المتعلقة بما لا يحب ستره في النظر، علي الأصح و الصلاة من خضاب أو كحل أو حمرة أو سوار أو حُليّ أو شعر خارج وُصل بشعرها و لو كان من شعر الرجال و قرامل من صوف و نحوه يجب ستره عن الناظر دون الصلاة علي الأقوي» «1».

و الأقوي ما ذهب إليه في العروة فمقتضي التحقيق في المقام وجوب ستر الشعر الموصول و حرمة النظر إليه مطلقاً و أمّا القرامل و الحُلي و ما عُدّ منها عرفاً من الزينة الباطنة يلحق بالشعر الموصول ستراً و نظراً.

و أمّا ما عُدّ من الزينة الظاهرة فلا إشكال في النظر إليه كما لا يجب ستره.

فالبحث في مقامين:

المقال الأوّل: في حكم الشعر الموصول.

فنقول: تارة يبحث عن ذلك بمقتضي مدلول الخطابات اللفظية.

و أخري: بمقتضي الأصل.

و في المقام لمّا دلّت الأدلّة اللفظية علي المطلوب لا تصل النوبة إلي الأصل العملي. و عليه فما استدل به في المستمسك علي حرمة النظر إلي الشعر الموصول من الأجنبية باستصحاب حرمة النظر الثابتة قبل الانفصال لا حاجة إليه في المقام لإثبات المطلوب. مضافاً إلي الإشكال في أصل التمسك بالاستصحاب في المقام، نظراً إلي اختلال أركانه بتبدّل الموضوع بالإبانة و الانفصال كما قلنا في حكم العضو المبان من الأجنبية.

______________________________

(1) مستمسك العروة/ ج 5 ص 249.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 189

______________________________

و أما الأدلة اللفظية المستدل بها لإثبات المطلوب. فمن الكتاب قوله تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ «1». بتقريب أنّ المقصود من الزينة ما يعم الزينة الذاتية و العرضية و مواضع الزينة و نفسها و إن اختصّت بالباطنة بدلالة النصوص المعتبرة. و من الواضح أنّ الشعر يُعدّ من الزينة الباطنة مطلقاً، و إن كان موصولًا من الغير. و عليه فلا فرق بين الشعر الأصلي و غيره الموصول به من جهة كونهما معدوداً من الزينة الباطنة عرفاً.

و لكن لا يخفي أنّ غاية ما يثبت بهذه الآية حرمة كشف الشعر الموصول للرجال الأجانب علي المرأة الواصلة و حرمة نظرهم إليه. و أمّا حرمة نظر الزوج إليها فلا يثبت، بل يدل قوله تعاليٰ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ علي جواز كشفه بعنوان إبداء الزينة الباطنة للزوج و كذا نظره إليه. إلا أنه وردت عدة نصوص دلّت علي حرمة كشف شعر الأجنبية الموصول حتي للزوج

و علي حرمة النظر إليها بالتقريب الآتي. و هي ما ورد من النهي عن وصل شعر الأجنبية حيث إنّها دلّت بسياقها و بمناسبة الحكم و الموضوع علي كون منع وصل شعر الأجنبية لأجل ما يترتب عليه من الكشف و النظر المحرّم لزوج المرأة الواصلة بلحاظ حرمة نظره إلي شعر الأجنبية. و يتضح للمتأمّل أنّ المنع في هذه النصوص إرشادٌ إلي منع ارتكاب ما يلزم من الكشف و النظر الحرام. و إلّا فلم يكن وجهاً لتفصيلها بين ما لو كان الموصول بالشعر شعراً لامرأة أخري غير الواصلة و بين ما لو كان شعر نفسها أو صوفاً و نحو ذلك من شعور الحيوانات. و أمّا احتمال كون المنع فيها بلحاظ حرمة كشفها للرجال الأجانب بعنوان إبداء الزينة الباطنة و إن كان من البعيد إذ المرأة المؤمنة لا يكشف رأسها أمام الرجال الأجانب لكي يُصدَّ سبيل ذلك عليها بالنهي عن أصل الوصل إلّا أنّه باستظهار حرمة

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 31.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 190

______________________________

ذلك في حقّ الزوج يثبت حرمته للرجال الأجانب بالأولوية.

فمن هذه النصوص خبر عبد اللّٰه بن الحسن قال

سَأَلْتُهُ عَنِ الْقَرامِلِ. قالَ: وَ ما الْقَرامِلُ؟ قُلْتُ صُوفٌ تَجْعَلُهُ النِّساءُ في رُؤُسِهِنَّ. قال: إذا كانَ صُوفاً فَلا بأْسَ. وَ إن كانَ شَعْراً فَلا خَيْرَ فيهِ مِنَ الواصِلَةِ وَ الْمَوْصُولَةِ «1».

و منها: مرسل الصدوق قال: قال (عليه السّلام)

وَ لا تَصِلُ شَعْرَ الْمَرْأَةِ بشَعْرِ امْرَأَةٍ غَيْرِها «2».

و مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

دَخَلَتْ ماشِطَةٌ عليٰ رسول اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): فَقالَ لَها: هَلْ تَرَكْتِ عَمَلَكِ أوْ أَقَمْتِ عَلَيْهِ؟ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللّٰه أنا أَعْمَلُهُ إلّا أَنْ تَنْهاني

عَنْهُ فَأنْتَهي عَنْهُ، افْعَلي فَإذا مَشَطْتِ فَلا تَجْلي الْوَجْهَ بِالْخِرَقِ فَإنَّهُ يَذْهَبُ بِماءِ الْوَجْهِ وَ لٰا تصِلي الشَّعْرَ بِالشَّعْرِ «3».

و خبر علي بن أبي حمزة قال

سَأَلْتُهُ عَنْ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تَمْشُطُ الْعَرائِسَ لَيْسَ لَهٰا مَعيشَةٌ غَيْرُ ذلِكَ وَ قَد دَخَلَها ضيقٌ قال: لٰا بأْسَ وَ لكِنْ لٰا تَصِلُ الشَّعْرَ بِالشَّعْرِ «4».

و خبر ثابت بن سعيد قال

«سُئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن النِّساءِ تَجْعَلُ في رُؤوسِهِنّ الْقَرامِلَ، قال: يَصْلحُ الصُّوفَ وَ ما كانَ مِنْ شعر امْرأَةٍ بِنفسها وَ كَرِهَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَجْعَلَ الْقَرامِلَ مِنْ شَعْرِ غَيْرها فَإنْ وَصَلَتْ شَعْرَها بِصوفٍ أو بِشَعْرِ نَفْسِها فَلا يَضُرُّها «5».

و ما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق عن سليمان بن خالد قال

قُلْتُ لَهُ:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12 ب 19 من أبواب ما يكتسب به ص 94 ح 5.

(2) الوسائل/ ج 12 ب 19 من أبواب ما يكتسب به ص 95 ح 6.

(3) الوسائل/ ج 12 ب 19 من أبواب ما يكتسب به ص 94 ح 2.

(4) الوسائل/ ج 12 ب 19 من أبواب ما يكتسب به ص 94 ح 4.

(5) الوسائل/ ج 14 ب 101 من مقدمات النكاح ص 135 ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 191

______________________________

الامْرَأَةُ تَجْعَلُ في رَأْسِها الْقَرامِلَ قالَ: يَصْلح لَهُ الصُّوفُ وَ ما كانَ مِنْ شَعْرِ الْمَرْأَةِ نَفْسِها وَ كَرِهَ أَنْ يُوصِلَ شَعْرَ الْمَرْأَةِ مِنْ شَعْرٍ بشَعْرِ غَيْرها فَإنْ وَصَلَتْ شَعْرَها بِصُوفٍ أوْ شَعْرِ نَفْسِها فَلا بَأْسَ به «1».

هذه النصوص و إن كان أكثرها ضعافاً بآحادها إلّا أنّها مع كثرتها فمن البعيد جدّاً عدم صدور مضمونها من الإمام (عليه السّلام). بل لا يبعد دعوي التواتر الإجمالي أو المعنوي، مع أنّ فيها معتبرة سعد الإسكاف و

مرسل ابن أبي عمير الذي عمل الأصحاب بمرسلاته كمسنداته بلا فرق في الاعتبار. كما لا إشكال في دلالتها علي المطلوب بدلالة السياق و مناسبة الحكم و الموضوع. إذ لا وجه لمنع وصل شعر المرأة الأخري إلّا من جهة وجوب ستره و حرمة النظر إليه و لو لزوج الواصلة نظراً إلي وضوح عدم جواز نظره إلي شعر المرأة الأجنبية غير زوجتها و وجوب سترها علي المرأة الواصلة. فلمّا كانت لم يسترها عن زوجها و كان الزوج أيضاً ينظر إليها كنظره إلي أعضاء بدن زوجته فلذا ورد النهي عن ذلك حذراً من الوقوع في الحرام.

و أمّا معتبرة سعد الإسكاف، قال

سُئِلَ أبو جَعْفرٍ (عليه السّلام) عَنِ الْقَرامِلِ الَّتي تَضَعُها النِّساء في رُؤُسِهِنَّ يَصِلْنَهُ بِشُعُورِهنَّ، فَقالَ: لَا بَأْسَ بهِ عَلَي الْمَرْأَةِ بِما تَزَيَّنَتْ بِهِ لِزَوْجِها «2».

فانّ قوله (عليه السّلام)

لا بَأْسَ بِهِ عَلي الْمَرْأَةِ بِما تَزَيَّنتْ بِه لِزُوْجِها

و إن يشمل بإطلاقه ما إذا كان الشعر الموصول من الأجنبية و لكن بقرينة دلالة النصوص الآتية يحمل علي ما إذا كانت القرامل الموصولة من شعر نفس المرأة الواصلة أو من الصوف و نحوه من شعور الحيوانات.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 101 من مقدمات النكاح ص 136 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 12 ب 19 من أبواب ما يكتسب به ص 94 ح 3 و ج 14 ب 101 ص 125 ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 192

______________________________

هذا مضافاً إلي ما دلّ من النصوص المعتبرة علي حرمة تَزيُّن المرأة لغير زوجها كما سبق ذكرها آنفاً في الاستدلال علي ذلك. و كما يستفاد ذلك أيضاً من معتبرة سعد الإسكاف. و هذه الطائفة من النصوص تدل بالالتزام علي حرمة كشفها و حرمة نظر

الرجل الأجنبي إليها.

المقام الثاني: التفصيل في القرامل و الحُلي بين ما عُدّ عرفاً من الزينة الباطنة و بين ما عُدّ من الزينة الظاهرة فيحرم نظر الرجل الأجنبي إلي الأوليٰ و يجب سترها دون الثانية. و يدلُّ علي هذا التفصيل الآية المزبورة بالتقريب المتقدم و كذا نصوص تحريم تزيّن المرأة لغير زوجها بالفحويٰ. و الأقوي في المقام ما ذهب إليه في العروة، و لكن علي التفصيل الذي ذكرناه.

و لكن يخطر بالبال في المقام أنّ مقتضي الجمع بين النصوص المزبورة هو الحكم بترك نظر الزوج إلي شعر الأجنبية الموصول بشعر زوجته بالاحتياط الواجب نظراً إلي احتمال حمل البأس و النهي المتعلق بذلك في هذه النصوص علي الكراهة. بقرينة قوله (عليه السّلام)

وَ كُرِهَ للْمَرْأَةِ أَنْ تَجْعَلَ الْقَرامِلَ مِنْ شَعْرِ غَيْرِها «1».

و قوله

وَ إِنْ كانَ شَعْراً فَلا خَيْرَ فيهِ مِنَ الْواصِلَةِ و الْمُسْتَوْصِلَةِ «2»

و كذا للرجال الأجانب إذا لم يوصل بشعر أجنبية بعد الانفصال.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ب 101 من مقدمات النكاح ص 135 ح 1.

(2) الوسائل/ ج 12 ب 19 من أبواب ما يكتسب به ص 94 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 193

حكم النظر إلي الأجنبية في المرآة و الماء الصافي و الفلم و نحوه

______________________________

وقع الكلام في أنّ ما يحرم النظر إليه من مواضع بدن الرجل الأجنبي و المرأة الأجنبية، فهل يحرم النظر إليه أيضاً من وراء الزجاج أو في المرآة و الماء الصافي و نحو ذلك أم لا؟

و إن مصبّ البحث في الواقع أنّ المستفاد من الأدلّة هل هو حرمة النظر إلي عين بدن الأجنبية نفسها أو الأعم منه و صورتها المنطبعة في مثل المرآة و الماء و نحوهما؟

قبل الورود في البحث ينبغي أن يقال:

أولًا: إنّ هذه المسألة قد وقع مورداً للبحث في موضعين

من الفقه. أحدهما: في أحكام ستر العورة حال التخلّي و أنّه هل يجوز النظر إلي عورة الغير من وراء الزجاج أو في المرآة و الماء الصافي أم لا؟

فقال هناك السيد الامام (قدّس سرّه): «لا يجوز النظر إلي عورة الغير من وراء الزجاج، بل و لا في المرآة و الماء الصافي» «1».

و نظير ذلك في العروة، قال: «لا يجوز النظر إلي عورة الغير من وراء الشيشة بل و لا المرآة أو الماء الصافي» «2».

و الموضع الآخر: أحكام الستر و الساتر في الصلاة. فإنّ صاحب العروة قد بحث هناك في مقامين: أحدهما في حكم النظر إلي كل ما يحرم النظر إليه من أعضاء بدن الأجنبي و الأجنبية في مثل المرآة و الماء الصافي. و الآخر في النظر إليه في مثلهما حال الصلاة. ففي المقام الأول قال (قدّس سرّه): «الظاهر حرمة النظر إلي ما يحرم النظر إليه في المرآة

______________________________

(1) تحرير الوسيلة/ ج 1 ص 18 م 3.

(2) العروة الوثقي/ ج 1 ص 165 م 8.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 194

______________________________

و الماء الصافي مع عدم التلذُّذ، و أمّا معه فلا إشكال في حرمته» «1».

فالكلام هنا واقع في أنّ الأدلّة اللفظية الواردة في المقام هل هي ظاهرة في حرمة النظر إلي عين بدن الأجنبي و الأجنبية بأنفسهما الموجود في الخارج مستقيماً أو لٰا بل يشمل النظر إلي بدنهما في مثل المرآة و الماء الصافي من غير مستقيم.

فنقول: لا إشكال أنّ الكلام في صورة عدم التلذّذ و الريبة. و إلّا فلا إشكال في حرمة النظر حتي إلي الصورة المنطبعة من الأجنبي و الأجنبية في القرطاس.

ثمّ إنّ النظر إلي المرآة الأجنبية تارة: يقع إلي عين بدنها الموجود في الخارج

مستقيماً من دون انكسار و انعكاس و ذلك مثل النظر إلي بدن الأجنبية من وراء الزجاج، فلا إشكال حينئذٍ في حرمته. و ذلك لأنّ الزجاج مانع من لمس البشرة و ليس بمانع من رؤيتها نظراً الي نفوذ نور العين في الزجاج و بنفوذه يقع النظر إلي عين العورة. و يصح أن يقال حينئذٍ: إنّه نظر إلي بدن المرأة الأجنبية حقيقة من دون مسامحة. و ذلك مثل النظر إليها بنظّارة. فهل يشك أحدٌ حينئذٍ في صدق النظر إلي الأجنبية حقيقة؟ فكذلك في النظر إليها من وراء الشيشة بلا فرق. فهذا لا ينبغي أن يتكلم فيه.

و إنّما الكلام فيما إذا نظر إلي الأجنبية في المرآة أو الماء الصافي ممّا تنطبع فيه صورة جسد المرأة فقد يقال: إنّ الناظر في هذه الصورة لا ينظر إلي جسد المرأة حقيقة بل ينظر إلي صورتها المنطبعة في الماء و المرآة و إنّ نصوص حرمة النظر إلي الأجنبية ظاهرة في حرمة النظر إلي عين بدن المرأة الأجنبية الموجود في الخارج و لا الصورة المنطبعة منها.

و لكن لتحقيق المطلب في المقام ينبغي التأمّل في ملاك حرمة النظر بأنه هل هو النظر إلي جسد الأجنبية بعينه الموجود في الخارج أو صدقه العرفي مطلقاً. أو لٰا بل

______________________________

(1) العروة الوثقي/ ج 1 ص 550 م 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 195

______________________________

الملاك هو الإحساس الخاص الحاصل بانطباع صورة جسد الأجنبية في عين الناظر مطلقاً بأيّ طريق كان أو أنّ الملاك في ذلك هو هتك الحرمة و التعرُّض بعرض المرأة المؤمنة بالتطلع علي بدنها بأيّ طريق كان.

فنقول: لا إشكال أنّ حرمة النظر حكم من الأحكام الشرعية تعلّق في خطاب الشارع بموضوع خارجي هو النظر إلي

بدن الأجنبية الموجودة في الخارج. و كأيّ حكم شرعي آخر يكون فعليته بتحقق موضوعه في الخارج و لا شك في أنّ الملاك في صدق موضوع الحكم الشرعي هو نظر العرف. فكلّما صدق النظر إلي بدن الأجنبية عرفاً يتحقق موضوع الحرمة و إلّا فلا.

و لتنقيح ذلك ينبغي تمهيد مقدمة حاصلها: أنّه لا ريب في أنّ الميزان في تشخيص جميع المفاهيم و مصاديقها و كيفية صدقها هو نظر العرف. و ذلك لأنّ الشارع لم يسلك في بيان الأحكام و إلقاء خطاباته طريقة خاصة و لا مسلكاً آخر غير طريقة أهل العرف و مسلكهم، لوضوح أنّ الشارع لم يخاطب في بيان الأحكام و تشريع التكاليف إلّا ما سلكه أهل العرف و عامّة الناس. فلا بُدّ له أن يتكلّم معهم حسب ديدنهم و اصطلاحهم في المخاطبات و المحاورات حتي يفهموا كلامه فيعرفوا وظائفهم الشرعية و تكاليفهم الدينية ليعملوا بها، بداهة أنّ البعث و الانبعاث يتفرّع علي هذا الأساس. فانّ المكلّفين ما داموا لم يفهموا مقصود الشارع و مراده من الخطابات كيف يتحقق فيهم الانبعاث و الانزجار من بعثه و زجره؟ كما أشار إلي ذلك بقوله (عليه السّلام) وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلّٰا بِلِسٰانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ «1».

فليس مخاطبة الشارع في بيان الأحكام إلا كمخاطبة بعضهم بعضاً. فكيف يفهم أبناءُ العرف من قول بعضهم مثلًا: «اجتنب عن الدم و اغسل ثوبك و بدنك من

______________________________

(1) سورة إبراهيم/ الآية 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 196

______________________________

البول» الدم و الغسل بمعناهما المرتكز في أذهان أهل العرف؟ فكذلك فيما ورد من الشارع.

فالعرف كما يكون محكّماً في تشخيص مفاهيم موضوعات الأحكام الشرعية كذلك يكون مرجعاً في تشخيص مصاديقها فما ليس مصداقاً لموضوع

الحكم الشرعي لا يكون مصداقاً له في نظر الشارع أيضاً.

و في المقام تارة: يقول أهل العرف إنّ فلاناً نظر إلي بدن الأجنبية الفلانية بحيث يُعاتَب الناظر بأنّك لِمَ تَنظر إلي المرأة الأجنبية. أو يقول الناظر في مقام الأخبار إنّي نظرت إلي المرأة الفلانية أو رأيته في المرآة أو التليفزيون. و أخري يقولون: إنّ فلاناً نظر إلي صورتها المنطبعة في القراطيس و الجرائد.

فكلما صدق النظر إلي بدن الأجنبية بنظر أهل العرف يتحقق موضوع الحرمة و كلّما لم يصدق ذلك كأن يقال مثلًا: رأيت صورة المرأة الفلانية في الجريدة أو القرطاس لا يتحقق موضوع الحرمة.

و بذلك اتضح عدم الفرق في ذلك بين النظر إلي الأجنبية في مثل المرآة أو الماء الصافي أو أيّ شي ءٍ صيقلي آخر مما ينعكس نور العين منهما إلي بعد الانكسار إلي ذي الصورة المرئية بأن يقع شعاع النور علي الأجسام الشفّافة الصيقلية مستقيماً بعد ما خرج من العين ثم ينكسر و ينعكس إلي ذي الصورة. و عليه يقع النظر في الحقيقة إلي عين البدن الموجود و بين النظر إلي الأجنبية في مثل التليفزيون مما ليست رؤيتها بطريق انعكاس نور العين من الشي ء الشفّاف الصيقلي إلي ذي الصورة بل تنتقل صورة الشي ء إلي شاشة التليفزيون بطريق الأمواج. ففي هذه الصورة و إن ينظر الناظر إلي الصورة المنطبعة في شاشة التليفزيون، و لكن يقال عرفاً: رأيت المرأة الفلانية في التليفزيون لا صورتها خاصّة. بل يقال: إنّ فلاناً قد تكلّم الليلة الماضية في التليفزيون

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 197

______________________________

مثلًا و لو قيل انّ صورة فلان تكلّم في التليفزيون يكون غلطاً بنظر أهل العرف.

و عليه فكلّ حكم ثبت للنظر إلي الأجنبية في المرآة أو

الماء الصافي يثبت للنظر إليها في التليفزيون بمقتضي القاعدة و إن يوجد فرقٌ ما بينهما في ارتكاز أهل العرف و لكن في كفايته لعدم صدق موضوع الحرمة علي هذا الفرد من النظر تأمّلٌ واضح. و عند الشك في الشمول و احتمال عدم حرمة النظر لاحتمال دخل خصوصية في الموضوع يرجع إلي ظاهر عموم المنع بعد الصدق العرفي. اللّهمّ إلا أن يقال: إنّ عمومات المنع كآية وجوب الغضّ و حرمة إبداء الزينة و غيرهما من الآيات و النصوص الدالة علي ذلك ظاهرة في حرمة النظر إلي عين بدن الأجنبية الموجودة في الخارج و أنّها منصرفة عن النظر إلي صورتها المنعكسة في المرآة و الماء و نحو ذلك من الأشياء الشفّافة و كذا عن صورتها المنتقلة إلي شاشة التليفزيون و السينما و نحوهما من طريق الأمواج و لكن الالتزام بذلك مشكل كما قلنا.

و علي أيّ حال لا أقل من الاحتياط الواجب بترك النظر إلي الأجنبية في التليفزيون علي تفصيل سبق منّا في النظر إلي وجه الأجنبية.

و قد يقال بالفرق بين ما لو كانت الأجنبية معروفة للناظر و بين ما إذا كانت غير معروفة له فيحكم بحرمة النظر إليها علي الأوّل دون الثانية بدعوي أنّ النظر إلي المرأة المعروفة هتكٌ لها و تعدٍّ إلي عرضها عرفاً بخلاف غير المعروفة.

و فيه أوّلًا: أنّ كون مجرد النظر إلي الأجنبية هتكاً لها غير معلوم ما دام لم ينقل ذلك لأحدٍ و لم يصف محاسنها عند شخص.

و ثانياً: علي فرض كون النظر إلي الأجنبية هتكاً لحرمتها يكون كذلك في جميع النساء المؤمنات لا خصوص التي يعرفها الناظر و ذلك لأنّ ملاك الحرمة قد بُيِّن في نصوص المقام أنّه بالأيمان كما يستفاد ذلك

من تعليل نفي البأس عن النظر إلي نساء

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 198

______________________________

أهل الذمّة في النصوص بأنهنّ لا حرمة لهن. حيث لا وجه لعدم حرمتهن إلّا كفرهنّ، مع أنّه لم يعلم كون ذلك علّة للحكم بحيث تدور حرمة النظر مدارها بل الظاهر كونها من قبيل الحكمة. لوضوح عدم تحقق هتكٍ بمجرّد النظر السرّي في الخفاء من دون إخبار و لا توصيف للغير. فهذا الفرق لا يمكن المساعدة عليه.

هل يعتبر في الستر ساتر مخصوص؟

إنّ من أهم مسائل الستر تعيين نوع الساتر. فوقع الكلام في أنّه هل يعتبر في تحقق الستر الواجب ساتر خاص، من جلباب و عباية و ملائة و كساء و نحو ذلك مما يشتمل جميع أعضاء البدن و يغطّي حجمها؟ أم لا، بل يكفي التستر بكل ما يستر بدن المرأة و لو بطلي الطين و الورق و الحشيش و نحو ذلك مما يستر البشرة أو يعتبر كون الساتر من جنس الثوب.

و علي فرض اعتبار كون الساتر من جنس الثوب و الصوف و نحو ذلك من المنسوجات، فهل يعتبر اشتمال الساتر علي جميع مواضع البدن بحيث يختفي حجم الأعضاء و لا يُريٰ من تحت الساتر؟ أو لا، بل يجوز تستر البدن بمطلق الثوب و لو كان حجم أعضاء البدن بارزاً من تحته.

فنقول تارة: يقع الكلام في ستر بدن الرجل و أخري: في ستر بدن المرأة. و في كلّ منهما تارة: يقع الكلام في الستر حال الصلاة و أخري في الستر عن غير المحارم مطلقاً بلا اختصاص بحال الصلاة.

أمّا حكم ستر بدن كل من الرجل و المرأة حال الصلاة فيبحث عنه في كتاب الصلاة و نوكله إلي محلّه.

و عليه فموضوع الكلام في المقام حكم ستر كل من

الرجل و المرأة بدنه عن

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 199

______________________________

غير المحارم.

أمّا الرجال فلا إشكال في عدم وجوب ستر البدن عليهم غير العورة كما مرّ سابقاً. و أمّا العورة فالأقوي تحقق سترها بكل ما يسترها كما قال في العروة: «لا فرق بين أفراد الساتر فيجوز بكل ما يستر و لو بيده أو يد زوجته أو مملوكته» «1». و قال السيد الامام (قدّس سرّه): «يكفي الستر بكل ما يستر و لو بيده أو يد زوجته مثلًا» «2». و ذلك لأنّ الغرض من إيجاب الستر هنا تحفظ العورة و صيانتها عن نظر الغير إليها و هذا الغرض يتحقق بكلّ ما يغطّي العورة و يمنع من نظر الغير إليها. نعم بمجرد ستر بشرتها بشي ءٍ كطلي الطين و النورة و نحوهما مع انكشاف حجم العورة يشكل تحقق غرض الشارع. و عليه فالاكتفاء في ستر العورة بمثل طلي الطين و النورة محل إشكال. فعلي أيّ حال لا يكون ذلك محل البحث و الكلام في المقام.

و إنّما الكلام هنا في أنّه هل يعتبر في ستر بدن المرأة عن غير المحارم ساتر مخصوص أم لا؟ فنقول:

يظهر من صاحب العروة عدم اعتبار ساتر مخصوص و لا كيفية مخصوصة في الستر الواجب في نفسه و كفاية مطلق الساتر.

قال في العروة: «لا يشترط في الستر الواجب في نفسه ساتر مخصوص و لا كيفية خاصّة بل المناط مجرد الستر و لو كان باليد و طلي الطين و نحوهما» «3». ظاهر كلامه (قدّس سرّه) مطلق الستر الواجب فيشمل ستر المرأة بدنها عن الرجال الأجانب.

و لكن فيه نظر. و ذلك لأنّ بالتأمّل في آيات وجوب الستر علي النساء و حرمة

______________________________

(1) العروة الوثقي/ ج 1 ص 165

م 6.

(2) تحرير الوسيلة/ ج 1 ص 18 م 2.

(3) العروة الوثقي/ ج 1 ص 550 م 3.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 200

______________________________

نظر الرجال الأجانب إليهنّ مثل آية الغضّ و تحريم إبداء الزينة و إيجاب إدناء الجلباب و ضرب الخمر و الرخصة للقواعد و غيرها من النصوص الواردة في تفسير هذه الآيات يعلم جزماً أنّ غرض الشارع من إيجاب الحجاب و ستر البدن علي النساء هو اختفاء محاسنهنّ و مواضع زينتهنّ و جمالهنّ عن نظر الرجال الأجانب حتي لا يتأثّروا بالنظر إليهنّ و لا يقعوا بذلك في الفتنة و الفساد. و لكي لا يتلوّث مجتمع المؤمنين بالفحشاء و المنكر و البغي المحرّم في قوله تعالي وَ يَنْهيٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ «1».

و السرّ في ذلك أنّ بمقتضي الغريزة و الميل الجنسي الذي أودعه اللّٰه (تعاليٰ) في الرجال بالنسبة إلي النساء يحدث فيهم الانفعال و التأثُّر الشهواني بسبب النظر إلي جمال النساء و مواضع زينتهنّ. فيجرُّهم ذلك إلي الفساد و الفحشاء. كما أشار إلي ذلك الامام الصادق (عليه السّلام) في صحيح الكاهلي بقوله (عليه السّلام)

النَّظْرَةُ بَعْدَ النَّظْرَةِ تَزْرَعُ الشَّهْوَةَ في الْقَلْبِ وَ كفيٰ بِها لصاحِبِها فتنة «2».

و إنّ تأثير النظر إلي الأجنبية في نفس الناظر في غاية السرعة و الشدة بحيث شُبِّه في النصوص بالسهم المسموم. كما ورد عن الصادق (عليه السّلام) في صحيح عقبة

النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سَهامِ إبْليسَ مَسْمُومٌ «3».

و غير ذلك من النصوص. و قد أشبعنا الكلام عن ذلك في بيان فلسفة الحجاب في مقدمة الكتاب.

و قد اتّضح بهذا البيان أنّ غرض الشارع من إيجاب الحجاب علي المرأة و حرمة كشف بدنها أمام الأجانب هو منع جلب توجّه الرجال

الأجانب إلي محاسن النساء

______________________________

(1) سورة النحل/ الآية 90.

(2) الوسائل/ ج 14 ب 104 من مقدمات النكاح ص 139 ح 6.

(3) الوسائل/ ج 14 ب 104 من مقدمات النكاح ص 138 ح 1 وص 139 ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 201

______________________________

بذلك، و أن لا يُهَيَّج شهوتهم بالنظر إليهنّ.

و عليه فلو سترت المرأة بدنها بثوب ملصق بأجزاء بدنها بحيث يبرز حجم أعضاء بدنها في مرأي الأجانب و يُري بوضوح من وراء الثوب. فلا شك في أنّه لا يتحقق غرض الشارع من تشريع الحجاب بمثل هذا النحو من الستر بل ربما يكون أجلب توجهاً و أشدّ تهييجاً.

و عليه فلا بدّ للمرأة أن يستر بدنها علي نحو لا يبرز حجم أعضاء بدنها، كالثديين و العقبين و نحوهما من المحاسن الجاذبة لأنظار الرجال و المواضع المهيّجة لشهوتهم. بلا فرق في ذلك بين الستر بالكساء و العباية و الملاءة و أيّ ساتر آخر يشتمل علي جميع بدن المرأة من فوق الرأس إلي تحت القدمين.

هذا مضافاً إلي دلالة آية الجلباب علي ذلك بتقريب تقدّم منّا في محلّه. و حاصله أنّا لو قايسنا بين نوعين من الحجاب أحدهما: تستُّر المرأة بدنها بلبس ما يشتمل جميع بدنها من فوق الرأس و القدمين من عباية و ملاية و نحوهما بحيث لم يبرز شي ءٌ من حجم بدنها من تحت الساتر. و الآخر: أن تستر بشرة بدنها بثوب ملصق بأعضاء بدنها بتمامه بحيث يبرز حجم أعضائها و يُري من تحت الثوب. فمن الواضح عند المقايسة بين هذين النوعين من الحجاب أن النوع الأوّل هو أشمل ستراً و أقرب إلي العفاف و أنّه أدني للنساء أن يُعرفن بالعفاف و الورع حتي لا يقعن مورداً

لبصبصة الأجانب و طمع الذين في قلوبهم مرض.

فالأقوي في المقام وجوب ستر البدن علي المرأة بساتر يشتمل علي جميع جسدها و يغطّي أعضائها بتمامها بحيث يختفي حجمها تحت الساتر و لا يبرز شي ءٌ منه. و قد اتّضح بما قلنا عدم جواز التستُّر بالألبسة الجالبة لأنظار الأجانب و المثيرة لشهوتهم كالمانتو و السروال الملصق بأعضاء بدن المرأة. و أمّا الشفّافة الحاكية للون

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 202

______________________________

البشرة و خصوصيات الأعضاء فلا إشكال في عدم جواز التستر بها إذ لا يتحقق الستر الواجب بذلك في الحقيقة.

حكم لبس الأحذية المصوّتة للنساء في مجامع الأجانب

من المسائل المبتلي بها في المقام حكم لبس الأحذية المصوِّتة للنساء في مجامع الرجال الأجانب. فالبحث هنا في أنّ لبسها هل يحرم بلحاظ ما لها من الصوت الجالب لأنظار الرجال الأجانب؟ أم لا.

لا يخفي أنّه لا إشكال في الحرمة إذا ترتّب عليه الفساد فعلًا. و إنّما الكلام فيما إذا لم يترتّب عليه الفساد فعلًا. فقد يستدل للحرمة بقوله تعاليٰ وَ لٰا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلَي اللّٰهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «1».

فإنّ النَّهي فيها ظاهر في الحرمة و يؤكّده ظاهر الأمر بالتوبة في ذيل الآية حيث لا توبة من غير الحرام.

و أمّا وجه الاستدلال بها في المقام أنّ هذه الآية و إن كان في مورد الخلخال كما قال في الكشّاف: «كانت الامرأة تضرب الأرض برجلها ليقعقع خلخالها فيُعلم أنّها ذات خلخال. و قيل كانت تضرب بإحدي رجليها الأخري ليعلم أنّها ذات خلخالين و إذا نُهين عن إظهار صوتها بعد ما نهين عن إظهار الحلي علم بذلك أنّ النهي عن إظهار مواضع الحلي أبلغ و أبلغ» «2».

______________________________

(1) سورة النور/ الآية 31.

(2) الكشاف/ ج

3 ص 62 63.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 203

______________________________

و قال السيوطي: «إنّ المرأة كانت يكون في رجلها الخلخال فيه الجلاجل فاذا دخل عليها غريب تحرّك رجلها عمداً ليستمع صوت الخلخال» «1».

و قال المقدّس الأردبيلي: «قيل كانت المرأة تضرب برجلها لتُسمع صوت الخلخال منها فنهاهن عن ذلك، و قيل معناه و لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت ليتبيَّن خلخالُها أو يُسمع صوته، عن ابن عباس. فيكون ذلك لقصد أن يُتوجه إليهنّ و يرينهم موضع زينتهنّ الباطنة حراماً حيث يؤول إلي الحرام. و يحتمل التحريم مطلقاً عمداً و إن لم يؤول إلي ذلك كما هو ظاهر الآية» «2».

و لكن من الواضح الثابت في محلّه أنّ المورد لا يُخصِّص الآية الظاهرة في العموم. فإنّ النهي في الآية قد توجّه إلي إظهار صوت أي حلي تزيّنت به المرأة، و الخلخال من أحد مصاديقها.

هذا غاية تقريب الاستدلال بالآية. و لكن يمكن النقاش بأنّ متعلق النهي في الآية هو إظهار صوت الزينة الخفية الباطنة المنهي أنّ إبداء نفسها في صدر الآية. و إنّ نطاق العام لٰا يشمل الخارج من دائرة موضوعه ففي المقام لا يشتمل عموم النهي لإظهار صوت الزينة الظاهرة. و لا إشكال في أنّ الأحذية المصوِّتة لو كانت من الزينة عرفاً لا تكون من الزينة الباطنة قطعاً لوضوح كونها ظاهرة. مع أن كونها من الزينة أوّل الكلام. اللّهمّ إلّا بلحاظ مالها من الصوت الموزون الجالب لتوجه الرجال.

و عليه فالحكم بحرمة لبسها لا يمكن الالتزام به بل مقتضي القاعدة الجواز نظراً إلي كون الأحذية المصوّتة من الزينة الظاهرة علي فرض كونها من الزينة عرفاً.

______________________________

(1) الدر المنثور/ ج 6 ص 186.

(2) زبدة البيان/ ص 547 548.

دليل تحرير الوسيلة

- الستر و الساتر، ص: 204

مسألة: «لبس لباس الشهرة و إن كان حراماً علي الأحوط و كذا ما يختصّ بالنساء للرجال و بالعكس علي الأحوط، لكن لا يضرّ لبسهما بالصلاة». (1)

(تحرير الوسيلة/ ج 1/ ص 146/ م 17)

______________________________

نعم لا بأس بالاحتياط بترك لبسها بلحاظ ما فيها من جلب توجه الأجانب بل و تهييجهم علي النظر و التفاتهم إلي المرأة الأجنبية اللّابسة للأحذية المصوِّتة و انجرار ذلك إلي الفساد و الوقوع في الفتنة طبعاً. فينبغي الاحتياط بترك لُبسها لأجل ذلك.

و لا يخفي أنّ هذا الأثر الذي ذكرناه للأحذية المصوِّتة طبعاً غير الفساد المترتب علي لبسها في الخارج فعلًا و إلا فلا إشكال في حرمة لبسها كما قلنا في صدر البحث.

حرمة لباس الشهرة

(1) قال في العروة: «يحرم لبس لباس الشهرة بأن يلبس خلاف زيّه من حيث جنس اللباس أو من حيث لونه أو من حيث وضعه و تفصيله و خياطته كأن يلبس العالم لباس الجندي أو بالعكس مثلًا و كذا يحرم علي الأحوط لبس الرجال ما يختصّ بالنساء و بالعكس و الأحوط ترك الصلاة فيهما و إن كان الأقوي عدم البطلان» «1».

قبل التعرّض للبحث ينبغي التنبيه علي أمر و هو أنّ ذيل المسألة المزبورة خارج عن محل الكلام و هو مانعية لبس لباس الشهرة و المختص بكل من النساء و الرجال للآخر عن صحة الصلاة. فنوكله إلي محلّه من شرائط لباس المصلّي.

و إنَّما الكلام يقع في مقامين:

______________________________

(1) العروة الوثقي/ ج 1 ص 568 م 42.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 205

______________________________

الأوّل: في حكم لبس لباس الشهرة.

فنقول: إن المقصود من لباس الشهرة ما كان لبسه غير متعارف و خارجاً عن زي اللّٰابس بحيث يجلب أنظار الناس و

التفاتهم إليه نظر الخفّة و الإهانة سواءٌ كان ذلك لأجل خصوصية في نوع القماش أو خياطته أو لونه أو كيفية لبسه أو صِغَره أو كِبَره. و أمّا لبس لباس الجندي ففي كونه مصداقاً لذلك محل نظر بل منع كما صرّح بذلك السيد الماتن (قدّس سرّه) في بعض محاضراته العامّة.

ثمّ إنّ السيد الماتن (قدّس سرّه) حكم بحرمة لبس لباس الشهرة بالاحتياط الوجوبي.

و قد دلّت علي حرمته عدّة نصوص بعضها معتبرة:

فمنها: صحيح أبي أيوب الخزّاز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنَّ اللّٰهَ يُبْغِضُ شُهْرَةَ اللِّباسِ «1»

؛ أي الشهرة من ناحية اللباس.

و منها: خبر أبي سعيد عن الإمام الحسين (عليه السّلام) قال

مَنْ لَبِسَ ثَوْباً يَشْهَرُهُ كَساهُ اللّٰه يَوْمَ الْقِيامَةِ ثَوْباً مِنَ النّٰارِ «2».

و منها: مرسل عثمان بن عيسي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الشُّهْرَةُ خَيْرُها وَ شَرُّها في النّٰارِ «3».

و خبر علي بن فضّال عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال

مَنْ شَهِرَ نَفْسَهُ بِالْعِبادَةِ فاتَّهِمُوهُ عَلي دينهِ فإنَّ اللّٰهَ عَزَّ وَ جلَّ يَكْرَهُ شُهْرَةَ الْعِبادَةِ وَ شُهْرَةَ اللِّباسِ «4».

و مرسل أبي مسكان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كَفيٰ بِالْمَرْءِ خِزْياً أَنْ يَلْبِسَ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3 ص 354 ب 12 من أحكام الملابس ح 1.

(2) الوسائل/ ج 3 ص 354 ب 12 من أحكام الملابس ح 4.

(3) الوسائل/ ج 3 ص 354 ب 12 من أحكام الملابس ح 3.

(4) الوسائل/ ج 1 ب 16 من مقدمة العبادات ص 58 ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 206

______________________________

ثَوْباً يَشْهَرُهُ أَوْ يَرْكَبَ دابَّةً تُشهِّرُهُ «1».

و ما رواه الكشّي بإسناده عن الحسين بن المختار قال

دَخَلَ عبّٰادُ بْنِ بَكْرِ الْبَصْري علي أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) وَ عَلَيْهِ

ثِيابُ شُهْرَةٍ غِلاظٍ. فقال (عليه السّلام): يا عبّٰادُ ما هذِهِ الثيابُ؟ فقال: يا أبا عَبْدِ اللّٰه تَعيبُ عَلَيَّ هذا؟ قال (عليه السّلام): نَعَمْ، قالَ رَسُولُ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): مَنْ لَبِسَ ثِيابَ الشُّهْرَةِ في الدُّنيا أَلْبَسَهُ اللّٰهُ ثِيابَ الذُّلِّ يَوْمَ الْقِيامَةِ «2».

و ما رواه في مكارم الأخلاق عن أبي الحسن الأوّل قال

لَمْ يَكُنْ شي ءٌ أَبْغَض إِلَيْهِ مِنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْمَشْهُورِ وَ كانَ يَأْمُرُ بِالثّوْبِ الْجَديدِ فَيَغْمِسُ في الماءِ فَيَلْبِسُهُ «3».

و ما رواه في مشكاة الأنوار نقلًا عن المحاسن عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنَّ اللّٰهَ يُبْغِضُ الشُّهْرَتَيْنِ؛ شُهْرَةَ اللِّباسِ، و شُهْرَةَ الصَّلاةِ «4».

هذه الروايات غير صحيح أبي أيّوب و إن كانت بآحادها ضعافاً، و لكن بما لها من الكثرة توجب الاطمئنان بصدورها عن المعصوم، بل يمكن دعوي تواترها المعنوي.

و أمّا دلالة فلا إشكال في تماميتها لوضوح عدم كون الفعل الغير الحرام مبغوضاً عند الشارع و لا يوجب استحقاق نار جهنّم لفاعله و لا خزيه و ذلّة يوم القيامة.

ثم إنه بلحاظ تمامية هذه النصوص بمجموعها سنداً و دلالة لا حاجة إلي الفحص التام عن آراء الفقهاء في ذلك. و أمّا عنوان الباب في الوسائل من الكراهة فهو

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3 ص 354 ب 12 من أحكام الملابس ح 2.

(2) بحار الأنوار/ ج 76 ص 316 ح 29.

(3) بحار الأنوار/ ص 314 ح 15 مكارم الأخلاق ص 116 في لباس الشهرة.

(4) بحار الأنوار/ ج 81 ص 261 ح 61 مشكاة الأنوار ص 320.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 207

______________________________

مبني علي أساس استنباط مؤلّفه و لا حجية له.

فالأقوي حرمة لبس لباس الشهرة، وفاقاً لصاحب العروة.

حرمة اللباس المختصّ بالنساء للرجل و بالعكس

المقام الثاني: في حكم لبس ما يختص

من اللباس بالنساء للرجال و بالعكس.

و قد دلّ علي حرمته بعض النصوص مثل خبر عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) في حديث

لَعَنَ اللّٰهُ الْمُحَلِّلَ وَ الْمُحَلَّلَ لَهُ وَ مَنْ تَوَلّيٰ غَيْرَ مَوالِيه وَ مَنِ ادَّعيٰ نَسَباً لا يُعْرَفُ وَ الْمُتَشَبِّهينَ مِنَ الرِّجالِ بالنِّساء و الْمُتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّساءِ بالرّجال «1».

و ما رواه في العلل بإسناده عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السّلام)

أَنَّهُ رَأي رَجُلًا بِهِ تَأْنيثٌ في مَسْجِدِ رَسولِ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالَ لَهُ: أُخْرُجْ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) يا لُعْنَةَ رَسولِ اللّٰهِ ثُمَّ قالَ عَليٌّ (عليه السّلام): سَمِعْتُ رَسُولَ اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) يَقُولُ: لَعَنَ اللّٰهُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجالِ بِالنِّساء وَ الْمُتَشبِّهاتِ مِنَ النِّساءِ بالرِّجالِ «2».

هاتان الروايتان قاصرتان لإثبات المطلوب سنداً و دلالة. أمّا سنداً لضعفهما و أمّا دلالة لاحتمال إرادة خصوص فعل يُشَبِّه الفاعل بإتيانه نفسَه بالجنس المخالف. و إن شملتا بعمومهما التشبّه بلبس الثوب إذ هو من أحد مصاديق التشبّه. و علي أيّ حال يكفي الاحتمال المزبور في عدم تمامية ظهورهما في المطلوب.

فالعمدة في المقام ذهاب مشهور الفقهاء إلي ذلك بل احتمل في الرياض تحقق الإجماع علي ذلك. و يشكل انجبار ضعف سند هاتين الروايتين بعمل المشهور

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12 ص 211 ب 87 من أبواب ما يكتسب به ح 1.

(2) الوسائل/ ج 12 ص 211 ب 87 من أبواب ما يكتسب به ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 208

______________________________

نظراً إلي ما في دلالتهما من

النقاش. فان بإسناد المشهور إلي الرواية الضعيفة تنجبر ضعف سندها لا دلالتها كما ثبت في محلّه. و لكن مع ذلك يشكل مخالفة المشهور و هاتين الروايتين. و لذلك احتاط السيد الماتن (قدّس سرّه) بترك لبس ما يختص بالنساء للرجال و بالعكس.

حكم الأحذية و نعال الشهرة و المختصّة

قد تبيّن ممّا ذكرناه في تعريف لباس الشهرة و من نطاق نصوصه عدم اختصاص حرمة لباس الشهرة بالثوب بل تشمل الأحذية و السراويل. و لا سيّما بلحاظ عموم منع لبس لباس الشهرة و إطلاق النهي عن الاشتهار باللباس الشامل للبس أيّ شي ءٍ يوجب الاشتهار. و إنّ من مصاديقها لبس النعال و الأحذية الموجب للاشتهار.

و أمّا حرمة لبس النعال و الأحذية المختصّة بالنساء للرجل و بالعكس فيشكل استفادتها من الدليل، نظراً إلي توجّه اللَّعن في نصوصها إلي تشبّه كلٍّ منهما بالآخر.

و في تحقق التشبّه عرفاً بمجرّد لبس الحذاء و النعل المختص مشكل بل منعٌ جدّاً. هذا مضافاً إلي قصور نصوصها عن إثبات أصل حرمة لبس الملابس المختصّة سنداً و دلالةً، كما سبق آنفاً، فضلًا عن إثبات حرمة لبس النعال و الأحذية المختصّة.

فتحصّل أنّ الأقوي عدم جواز لبس الأحذية و نعال الشهرة لكلّ من الرجال و النساء في المجامع و الشوارع و الأسواق دون مواضع الخلوة كالبيت و نحوه ممّا لا يتحقق فيه الاشتهار.

و أمّا الأحذية و النعال المختصّة بالنساء أو الرجال فالإنصاف أنّ الحكم بحرمة لبس كلّ منهما ما يختص بالآخر من الأحذية و النعال مشكل جدّاً.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 209

______________________________

و العجب من بعض حيث حكم بحرمة لبسها مطلقاً حتي آناً ما في البيت.

حكم الجواريب

إنّ الجورب تارة: يكون شفّافاً حاكياً للون بشرة رِجل المرأة. فلا إشكال في عدم جواز ذلك نظراً إلي وضوح عدم تحقق الستر الواجب بذلك.

و أخري: لا يحكي خصوصيات البشرة و شعرات الرجل و لكن يكون ملصقاً بالرجل بحيث يحكي حجم ساق الرِّجْل و معالمه، فحينئذٍ لا بد من التفصيل بين مواضع من الرجل يكون بروز حجمه مثيراً للشهوة

كالركبتين و أعلي الساقين. و الأحوط وجوباً عدم جواز لبس مثل هذه الجواريب الحاكية لحجم هذه المواضع من الرِّجل.

و ثالثة: يحكي حجم أسفل الرجل كالقدمين و تحتهما مما لا يثير الشهوة عادة فلا إشكال في لبس مثل هذه الجواريب إذا كان ما فوق القدمين مستوراً بساتر لا يحكي حجمه.

و السرّ في ذلك ما سبق في البحث عن اعتبار الساتر المخصوص من حرمة أي ساتر يجلب أنظار الأجانب و يثير طبعاً و عادة شهوتهم.

و قد أشبعنا الكلام هناك في الاستدلال علي ذلك فراجع.

حكم الجلابيب و الألبسة الشفّافة و المثيرة

إنّ بعض أنواع الجلابيب شفّاف و يحكي حجم أعضاء بدن المرأة مطلقاً أو يحكي ظلّها أمام ضوء الشمس. و بعض آخر منه يجلب انتباه الأجانب بل و ربما يثير شهوتهم كالجلباب الشرمن و نحوه.

كما أنّ بعض أنواع الألبسة ملصقة ببدن المرأة بحيث يبرز حجم أعضاء البدن

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 210

______________________________

من ورائها و تجلب أنظار الأجانب و تهييجهم كالمانتو و السروال.

فانّ هذه الجلابيب و الألبسة تارة: تترتب علي لبسها المفسدة فعلًا باثارة شهوة الناظر و تهييجه و جرّه إلي الوقوع في الفتنة فلا إشكال في حرمة لبسها مطلقاً بلا فرق بين أنواعها.

و أخري: لا تترتب علي لبسها المفسدة فعلًا بل يقتضي ذلك بالطبع و حسب اقتضاء العادة ففي هذه الصورة أيضاً الأحوط وجوباً ترك هذه الألبسة للنساء. و إن كان في بعض مصاديقها كالشرمن كلام. حيث لم يعلم كونه مقتضياً لذلك طبعاً و حسب العادة.

و أمّا وجه الاحتياط الوجوبي فقد أشبعنا الكلام في الاستدلال علي بعض ما يعتبر لساتر النساء فراجع.

و أمّا بيع هذه الألبسة و شرائها فلا إشكال فيه قطعاً لوضوح إمكان أن تلبسها النساء علي الوجه المحلّل كلبسها

في مجالس النساء أو لبعولتهنّ في البيوت. اللّهمّ إلّا أن يكون بيعهها و شرائها لغرض لبسها علي الوجه المحرّم فيحرم حينئذٍ.

حكم تزيُّن الوجه و الكفّين في مرأي الأجانب

قد سبق الكلام في استثناء الوجه و الكفّين و عدم وجوب سترهما علي المرأة و أنَّهما من الزينة الظاهرة المستثني من تحريم إبداء الزينة في ظاهر قوله تعاليٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ.. بدلالة النصوص المعتبرة.

و إنّما الكلام هنا في حكم تزيّنهما بأنواع الزينة كالتسوُّر بالسوار و التختُّم بالخاتم و حفّ شعر الحواجب و تلوين الشفتين و نحو ذلك.

فنقول: أما التزيّن بالخاتم و السوار و الكحل إذا لم تقصد به المرأة جلب أنظار

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 211

______________________________

الأجانب و لا إثارة شهوتهم و إيقاعهم في الحرام و لم تترتب عليه المفسدة فعلًا فالأقوي جوازه.

و ذلك لدلالة معتبرة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّٰهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا، قال (عليه السّلام): الْخاتَمُ وَ الْمِسْكَةُ وَ هيَ الْقُلْبُ «1».

و معتبرة زرارة

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا. قال الزِّينَةُ الظّٰاهِرَةُ؛ الْكُحْلُ وَ الْخاتَمُ «2».

لا إشكال في دلالتهما علي المطلوب و أما سنداً فقد بيّنا وجه اعتبارهما مفصلًا في البحث عن حكم ستر الوجه و الكفّين في أوائل الكتاب.

و أمّا التزيّن بغير ذلك مثل تلوين الشفتين و الأظفار و إطالتها و نحو ذلك فما دام لم يكن بقصد إيقاع الغير في الحرام و لم تترتب عليه فتنة و لا مفسدة فالأقوي جوازه للمرأة لأنّه من الزينة الظاهرة عرفاً فيدخل في عموم المستثني بقوله تعالي إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا. أمّا تفسيرها

بالوجه و الكفّين في النصوص فعلي فرض إفادة الحصر بلحاظ وروده في مقام التحديد فلا ينفي جواز إبداء ما عليهما من الزينة بدعوي ظهورهما في الوجه و الكفّين الخاليين من أيّة زينة. و ذلك أوّلًا: لأن هذه الدعوي خلاف ظهور استثناء تحريم إبداء الزينة في إخراج ما كان داخلًا في المستثني منه من مصاديق الزينة عرفاً، و لذا تري في النصوص تقسيم زينة المرأة إلي ظاهرة و باطنة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 146 ب 109 من مقدمات النكاح ح 4 و فروع الكافي/ ج 3 ص 521 ح 3.

(2) الوسائل/ ج 14 ص 146 ب 109 من مقدمات النكاح ح 5 و فروع الكافي/ ج 5 ص 521 ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 212

______________________________

بلحاظ هذا الاستثناء كما في صحيح فضيل و مسعدة و زرارة و أبي بصير و غير ذلك من النصوص المفسرة للآية.

هذا كلّه من جهة إظهار ما عدا الوجه و الكفّين من أنواع الزينة و أمّا نظر الرجل إليها فلا إشكال في حرمته مع قصد اللذة و خوف الفتنة. و مع عدمهما فالأقوي حرمة النظر إليها أيضاً إذا كان عن إمعان و تأمّل و أمّا بدون ذلك فلا يحرم و قد أشبعنا الكلام في الاستدلال علي هذا التفصيل في مبحث استثناء الوجه و الكفّين في أوائل الكتاب فراجع.

ثمّ إن مما تبيّن في خلال ما ذكرنا حرمة كل عمل للمرأة بغرض جلب انتباه نظر الرجل الأجنبي و تهييجه و إثارة شهوته و إيقاعه في الحرام سواءٌ كان ذلك في كيفية لبس الثياب و الجواريب أو كيفية المشي و التكلّم و التبسّم و نحو ذلك ممّا تتظاهر به المرأة أمام الأجانب،

نظراً إلي وضوح أنّ ذلك هو الأساس الذي يبتني عليه تحريم إبداء الزينة علي النساء و نظر الرجال الأجانب إليهنّ في الآيات و النصوص. فلا مناص من الالتزام بحرمة كلّ ما يوجب ذلك.

هل يجوز كشف المرأة أمام الشيخ الهَرِم؟

قد يتوهم جواز كشف المرأة عن جسدها و عن محاسنها أمام الشيخ الهَرِم قياسا بما دلّ من الكتاب و السنة علي جواز كشف الرأس و الشعر للقواعد من النساء أمام الأجانب.

و لكنّه قياس باطل في غير محلّه فإنّ الأحكام الشرعية لا يصح استنباطها بالقياس كما ورد المنع الشديد عن ذلك في النصوص الواردة من أهل البيت. و إنّ آية الرخصة للقواعد مخصّصة لعموم تحريم إبداء الزينة للنساء المؤمنات و مقتضي القاعدة

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 213

______________________________

في التخصيص هو الاقتصار بموضع النص و أنّ الذي دلّت عليه آية الرخصة هو جواز كشف القواعد من النساء فقط. و أمّا الشيخ الهَرِم فلم يدل أيّ دليل علي جواز كشف المرأة الأجنبية أمامه، و إنّ سقوط شهوته و عدم تحقق إثارةٍ و لا تهييجٍ فيه بالنظر إلي الأجنبية لا يصلح للدليلية علي الجواز إلّا بطريق القياس المحرّم. فلا إشكال في عدم جواز كشف المرأة عن رأسها و شعرها و ساير مواضع جسدها أمام الشيخ الهَرِم.

حكم النظر إلي حجم بدن الأجنبي و الأجنبية

إن الكلام تارة: يقع في حكم النظر إلي حجم بدن المرأة الأجنبية فنقول: إنّ النظر إلي حجم أعضاء بدنها من وراء الثوب الملصق و الجلابيب الشفّافة الحاكية لحجم أعضاء بدنها لا إشكال في حرمته بقصد الشهوة و كذا عند الخوف من الوقوع في المفسدة حال النظر.

و أمّا بدون ذلك فالأقوي أيضاً حرمة النظر، و ذلك لدلالة آية الغضّ بإطلاقها علي حرمة النظر إلي كلّ موضع من محاسن بدن المرأة ممّا فيه تهييج للناظر بإثارة شهوته عادة و لا سيّما مع تزيّن حجم أعضائها بالثياب الجميلة المنقوشة المتلوّنة.

و أخري: في حكم نظر المرأة إلي حجم بدن الرجل الأجنبي غير العورة فالأقوي جوازه.

و ذلك لقيام السيرة القطعية من المتشرعة علي النظر غير نكير. نظراً إلي كون الرجال المؤمنين دائماً في مرأي النساء المؤمنات بما لهم من الثياب الضيّقة الملصقة بأبدانهم المرئي من ورائها حجم أعضائها.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 214

حكم النظر إلي الكعب و باطن قدم المرأة

______________________________

لا إشكال في حرمة نظر الأجنبي إلي باطن قدم المرأة و إلي الكعب و أصابع رجليها. و ذلك لعموم وجوب الغض عن الأجنبية و إطلاق حرمة إظهار البدن عليها الظاهر في حرمة نظر الأجنبي إلي جميع مواضع بدنها و إنما استثني من ذلك خصوص الوجه و الكفّين فيبقي سائر مواضع بدنها تحت عموم حرمة الإبداء و وجوب الغض.

حكم النظر إلي النساء الرديئة الحجاب و المتبرجات

و قد سبق في البحث عن حكم النظر إلي نساء أهل البوادي و القري أنّ ما علّل به حرمة النظر إليهنّ في النصوص من قبيل الحكمة و لا يدور الحكم مداره.

ثم إنّ النساء المتبرجات و الرديئة الحجاب علي قسمين نظراً إلي تمتّع عدّة منهنّ بالفهم و الإدراك الديني و ينتهين بالنهي و لكن لا تبالي كثيرٌ منهنّ بالأحكام الشرعية و لا يعتنين بقانون الحجاب فإنّهنّ من هذه الجهة مثل نساء أهل البوادي و القري. و لكن لمّا لا يكون عدم الانتهاء بالنهي علّة تامة لجواز النظر فلذا لا يمكن الحكم بجواز النظر إلي النساء الرديئة الحجاب و المتبرجات لأجل ذلك.

و قد يوجّه جواز النظر إليهنّ بأن ملاك حرمة النظر هو حرمة النساء المؤمنات و أنّه منتف في حقّهن حيث إنهنّ بعدم مبالاتهن بقانون الحجاب و عدم اعتنائهنّ بأحكام الشارع المقدّس قد أسقطن حرمتهن بفعل أنفسهنّ. فلذا لا حرمة لهنّ كنساء أهل الذمة فيجوز النظر إليهنّ.

بيان ذلك: أنّ جواز النظر إلي نساء أهل الذمة و إن علّل في موثقة السكوني بأنهنّ لا حرمة لهنّ و ظاهره عدم الحرمة لهنّ بلحاظ عدم إيمانهن. نظراً إلي أنّ الايمان يوجب الاحترام للنساء المؤمنات و صيانة أعراضهن من التعرض بتطلّع الأجانب

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 215

______________________________

علي مواضع بدنهن و

مالهنّ من الجمال و المحاسن. إلّا أَنّ النساء الرديئة الحجاب لمّا أسقطن حرمتهن بعدم المبالاة بأحكام الشارع و عدم اعتنائهن بقانون الحجاب فلذا لا مانع في جواز النظر إليهنّ شرعاً من هذه الجهة.

و لكن فيه: ما سبق منّا كراراً في بيان فلسفة الحجاب و مواضع أخري من خلال المباحث السابقة أنّ عمدة وجه حرمة النظر إلي الأجنبية و وجوب الستر عليها هو عدم تهييج الرجال و إثارة شهوتهم و صونهم من الوقوع في الفتنة و المفسدة. و هذا الملاك موجود في النساء المتبرجات و الرديئة الحجاب علي نحو أشدّ و آثر.

و علي فرض الشك في شمول الدليل المخصّص، نظراً إلي عدم انتهائهنّ بالنهي و سقوط حرمتهن بعدم مبالتهن، فمقتضي القاعدة هو الرجوع إلي عمومات المنع. فالأحوط وجوباً حرمة النظر إليهنّ.

التَّماس البدني مع الأجنبية و غمز كفّها مصافحةً

قد سبق في البحث عن حكم المصافحة من السيد الماتن (قدّس سرّه) أنّ «كلّ من يحرم النظر إليه يحرم مسّه» فلا يجوز مسّ الأجنبي الأجنبية و بالعكس. بل لو قلنا بجواز النظر إلي الوجه و الكفّين من الأجنبية لم نقل بجواز مسّها منها» «1».

و لكن الكلام هنا في التماس البدني الحاصل بين الرجل و المرأة الأجنبية في المجامع العامّة و الأماكن المزدحمة مثل الأسواق و الميادين و التظاهرات و صلاة الجمعة و تشييع الجنائز و كذا جلوس المرأة في الباصات و نحوها من السيّارات العامة. فهل في ذلك إشكال أم لا.

فنقول: لا إشكال في حرمة التماس البدني إذا كان بمس بشرة بدن المرأة. و أمّا

______________________________

(1) تحرير الوسيلة/ ج 2 ص 243 م 20.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 216

______________________________

إذا كان من وراء الجلباب و الثوب كما هو الأغلب في الأماكن المزدحمة. فتارة: يكون

بقصد الشهوة و خوف الفتنة أو تترتب عليه المفسدة فلا إشكال في حرمته.

و أمّا بدون ذلك فالأقوي عدم الجواز إذا كان عند تعمّد و قصد لأنّه و إن لا يتحقق به مس البشرة. و لكنّه مثار للشهوة طبعاً و فيه خوف الوقوع في الحرام و الفتنة. و إنّه لا يقصر من هذه الجهة عن النظر إلي حجم بدن المرأة و محاسنها. إلّا إذا كان عن غفلة و من غير توجه و التفات. و أمّا ما دلّ علي جواز مصافحة الأجنبية من وراء الثوب فإنَّما هو بدليل خاص مع إمكانها المصافحة بدون المسّ و لمس بدن الأجنبية حتي من وراء الثوب.

و أمّا غمز كفّ الأجنبية مصافحةً فلا يجوز لما قلناه آنفاً و لدلالة موثقة سماعة بن مهران علي حرمته بالخصوص.

قال

سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللّٰه (عليه السّلام) عَنْ مُصافَحَةِ الرَّجُل الْمَرْأَةَ قال (عليه السّلام): لٰا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصافِح الْمَرْأَةَ إلّا امْرَأَةً يَحْرُمُ عَلَيْه أَنْ يَتَزَوَّجَها.. و أَمّا الْمَرْأَةُ التي يَحل لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَها فَلا يصافِحُها إلّا مِنْ وَراءِ الثَّوْبِ وَ لٰا يَغْمِزُ كَفَّها «1».

لا إشكال في تمامية دلالة ذيل هذه الموثقة علي المطلوب.

التفكير بالقضايا المثيرة

قد سبق كراراً في خلال المباحث الآتية أنّ الغرض الأصلي من تحريم النظر إلي النساء الأجنبيات و وجوب الستر عليهنّ هو عدم تهييج الرجال و إثارة شهوتهم و أن لا يقعوا بذلك في الفتنة و الفساد لكي لا يُصدَّ بذلك سبيل رشدهم و كمالهم.

و عليه فالإتيان بأي فعل بقصد تهييج الغريزة الجنسية و إثارة الشهوة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 14 ص 151 ب 115 من مقدمات النكاح ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 217

______________________________

و ارتكاب الحرام يكون حرام شرعاً. و لا ريب أنّ

التفكير فعلٌ من أفعال الإنسان و اختياري له. و لذا يحرم التفكير في القضايا الجنسية بغرض التهييج و إثارة الشهوة و خروج المني.

بل كل ما وجد الرجل نفسه مفكّراً في المسائل المثيرة للشهوة يجب عليه أن يَفِرّ من هذه الحالة الشيطانية بالاشتغال بأيّ عمل يوجب انصرافه عن تهيئة مقدمات الوقوع في المعصية.

حرمة الرقص

يمكن الاستدلال علي حرمة الرقص بطائفتين من النصوص:

الاولي: موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قالَ: قالَ رَسُولُ اللّٰهِ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أنْهاكُمْ عَنِ الزَّفْنِ وَ الْمِزْمارِ وَ عَنِ الْكُوباتِ وَ الْكَبَراتِ «1».

لا إشكال في سندها كما أنّ الأظهر تمامية دلالتها، نظراً إلي كون لفظ «الزفن» بمعني الرقص كما ذكر في أكثر مجامع اللغات فراجع.

و أمّا التوهّم بأنّ هذه الرواية فقرةٌ من حديث مناهي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لمّا تعلق فيه النهي بكثيرٍ من غير المحرمات فلذا يشكل ظهور النهي عن الزفن في الحرمة.

ففيه ما لا يخفي حيث إنَّ هذه الموثقة قد رواها الكليني مستقلا في فروع الكافي. و ما تعلق به النهي فيما من المزمار و الكوبات و الكبرات من آلات الملاهي فلا إشكال في حرمة استعمالها بكيفية مناسبة لمجلس الرقص و الطرب.

الثانية: إنّه عند الفرق و الفصل بين ما يدخل من الأفعال في الحق و بين ما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12 ص 233 ب 100 من أبواب ما يكتسب به ح 6 و فروع الكافي/ ج 6 ص 432 باب الغناء ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 218

______________________________

يدخل منها في الباطل فلا ريب أنّ الرقص في ارتكاز المتشرعة بل عند كل ضمير يَقِظٍ و أي قلب سليم لا يكون من

الحق بل من قبيل الباطل المقبوح عند العقلاء و من مكائد الشيطان و مصاديق الفساد. و لا ريب أنّ الشارع لا يرخص في ارتكاب ما هو باطل قبيح عند العقل و يكون من مكائد الشيطان و موجبات الفساد. فلذا تري في عدّة من النصوص علّلت حرمة الغناء و اللعب بالنرد و الشطرنج بذلك.

فمنها: موثقة عبد الأعلي قال

سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللّٰهِ عَنِ الْغِناء وَ قُلْتُ إنّهُمْ يَزْعُمونَ أَنَّ رَسُولَ اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) رَخَّصَ في أَنّ يُقالَ: جِئْناكُمْ جِئْناكُمْ حَيُّوناً حَيُّونا نُحَيّيكُمْ. فقالَ: كَذبُوا، إِنَّ اللّٰهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لٰاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ. ثُمَّ قال (عليه السّلام): وَيْلٌ لِفُلانٍ مِمّٰا يَصِفُ «1».

بتقريب أنّ الإمام (عليه السّلام) استدلّ في توجيه حرمة الغناء بدخولها في عنوان اللعب و اللهو و الباطل فلا بدّ من حرمة فعل هذه الأمور أنفسها لكي تصلح للاستدلال بها علي حرمة الغناء.

و يمكن النقاش في ذلك بأنّه لا إشكال في أنّ كلَّ واحدٍ من اللّعب و اللهو و الباطل لا حرمة لكثير من أفراده و مصاديقه. فليس الاستشهاد بالآية المزبورة في هذه الموثقة من باب التعليل بل من قبيل الإشارة إلي حكمة حرمة الغناء.

بيان ذلك: أنّ النسبة بين عنوان الباطل و عنواني اللعب و اللهو هي العموم و الخصوص من وجه، نظراً إلي عدم كون كثير من مصاديق الباطل لعب و لا لهواً. كما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12 ص 228 ب 99 من أبواب ما يكتسب به ح 15

و فروع الكافي ج 6 ص 433 ح 12.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 219

______________________________

انه ربّ لعب و لهو لا يكون باطلًا محرّماً. و إنّ موضوع الحرمة في هذه الموثقة هو مجمع العنوانين و إنّه اللَّعْب و اللهو اللَّذان كانا باطلان. و من المقطوع به أنّ المقصود من الباطل ليس بمعناه العام الشامل لفعل اللغو و العَبَث، نظراً إلي عدم حرمة ذلك. فلا يصح للاستدلال به علي حرمة ما سأل الراوي عن حكمه.

فالحاصل أنّ الملاك المستدلّ به علي الحرمة في كلام الإمام (عليه السّلام) هو اللعب و اللهو الباطل المحرّم. و أمّا الاستشهاد بالآية الشريفة فمن باب الإشارة إلي حكمة التحريم لئلّا يتوهم أنّ حرمة الغناء جزافيٌ لا أساس له. كما أنّ قوله (عليه السّلام)

وَيْلٌ لِفُلانٍ مِمّٰا يَصِفُ

لعلّه للردّ علي التفوّه بهذا التوهم.

هذا غاية تقريب النقاش في دلالة هذه الموثقة.

و لكن الإنصاف أنّ ما يستفاد من الاستدلال بالآية المزبورة علي حرمة الغناء هو حرمة اللعب و اللهو بالباطل.

و عليه فتارة: يكون اللعب و اللهو بغير الباطل مما لا قبح و لا شناعة في فعله. و أخري: يكون اللعب و اللهو بالباطل و هذا القسم هو مقصود الإمام (عليه السّلام) و لا ريب في حرمته.

و بناءً علي ذلك لا حاجة إلي رفع اليد عن ظاهر الاستشهاد و هو التعليل و حمله علي بيان الحكمة.

و لا يخفي أنّ تشخيص موضوعه ليس تعبدياً بل يمكن إدراكه لكل ضمير يقظٍ و ذوق سليم كما سيأتي بيان أنّ الرقص من هذا القبيل عند كل عاقل سليم الفكر.

و من هذه النصوص صحيح الريان بن الصلت قال

قُلْتُ لِلرّضا (عليه السّلام) أَنَّ العَبّاسي أَخْبَرَني أنَّكَ رَخَّصْتَ في سِماعِ الْغناءِ. فقال (عليه

السّلام): كَذِبَ الزِّنْديقُ ما هٰكذا كانَ. إنّما سَأَلني عَنْ سِماع الْغِناء فَأَعْلَمْتُهُ أَنَّ رَجُلًا أتي أبا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَليِّ بْنِ

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 220

______________________________

الْحُسَيْنِ فَسَأَلَهُ عَنْ سِماع الْغِناء. فَقالَ له: أَخْبِرْني إذا جَمَعَ اللّٰهُ بَيْنَ الْحَقِّ و الْباطِلِ فَأَنّيٰ يَكُونُ الْغِناء؟ فَقالَ الرَّجُلُ: مَعَ الباطِلِ. فقالَ لَهُ أبو جعفر (عليه السّلام): حَسْبُكَ فَقدْ حَكَمْتَ علي نَفْسِكَ. فَهكذا كَانَ قَوْلي لَهُ «1».

و نظيره ما رواه الكافي «2».

و منها خبر الفضيل قال

سَأَلْتُ أبا جَعْفَرٍ (عليه السّلام) عَنْ هذه الْأَشْياءِ الَّتي يَلْعَبُ بِهِ النّٰاسُ، النَّرْدُ و الشطْرَنْجُ حَتّي انْتَهَيْتُ إلي السِّدْرِ فَقالَ إذا مَيَّز اللّٰهُ بَيْنَ الْحقِّ وَ الْباطِلِ في أيِّهما يَكُونُ؟ قُلْتُ: مَعَ الْباطِلِ. قالَ: فَمالَكَ وَ الْباطِلُ «3».

و منها: ما رواه ابن الشيخ في مجالسه بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه (عليهم السّلام)

أَنَّ إبْليسَ قالَ لِيَحْيَي النَّبيِّ (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنَّ الْقَوْمَ لَيَجْلِسُونَ إلي شَرابِهِمْ فَلا يَسْتَلِذُّونَهُ فَأُحَرِّكُ الْجَرَسَ فيما بَيْنَهُمْ فإذا سَمِعُوه اسْتَخَفَّهُمْ الطَّرَبُ فَمِنْ بَيْنِ مَنْ يُرقِّصُ وَ مِنْ بَينِ مَنْ يُفَرْقِعُ أصابِعَهُ و مِنْ بَيْنِ مَنْ يَشُق ثيابَهُ «4».

و لا يخفي أنّ المقصود من الباطل في هذه الطائفة من النصوص بقرينة السياق و تناسب الحكم و الموضوع ليس بمعناه الأعم بل المقصود هو الباطل بمعناه الأخص الموجب لخفّة النفس و حالة الطرب و هو مما يقبح فعله عند العقل و العقلاء. و إنّ الرقص لا يتأتّي من الراقص إلّا بعد حدوث خفّةٍ و طرب في النفس. و لذا يستلزم الرقص دائماً حالة الخفّة و الطرب و الهيجان المزيل للعقل في شخص الراقص و يكون ذلك مورداً لتقبيح العقلاء. و من الثابت في محلّه

بين الفقهاء أنّ هذه الحالة هي قوام حقيقة الغناء و هي ملاك حرمتها. فكلّ عمل و قول كانت فيه هذه الحالة يكون من

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12 ص 267 ب 99 من أبواب ما يكتسب به ح 4 و قرب الاسناد ص 148.

(2) الوسائل/ ج 12 ص 267 ب 99 من أبواب ما يكتسب به ح 13 و فروع الكافي ج 6 ص 435 ح 25.

(3) الوسائل/ ج 12 ص 242 ب 104 ح 3 و فروع الكافي ج 6 ص 433 ح 9.

(4) بحار الأنوار/ ج 60 ص 225 ح 70.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 221

______________________________

مصاديق اللهو و اللعب الباطل المحرّم و موضوعاً للحرمة في موثقة عبد الأعليٰ و غيرها من النصوص المزبورة.

فالحاصل: أنّ الأقوي حرمة الرقص إلّا رقص الزوجة للزوج إذا طلب منها. نظراً إلي كونه من مصاديق الاستمتاع الذي هو حق للزوج المحلّل له بالزوجية ما يحرم في حق غيره.

حكم التصفيق

إنّ التصفيق تارة: يكون علي نحو غير موزون لغرض تشويق شخص فلا إشكال فيه حينئذٍ و لا كلام.

و أُخري علي النحو المنظَّم المناسب لمجالس الرقص و اللهو بنحو موزون منظّم فلا يخلو حينئذٍ من إشكال لكونه من الباطل و فعل الشيطان كما سبق آنفاً في الرقص. و إنّه من هذه الجهة في حكم الرقص فالأحوط وجوباً الاجتناب عنه.

فالتصفيق بنفسه ليس بحرام ما لم يكن منظماً موزوناً مناسباً لمجالس الرقص و اللهو.

ثمّ إنّ التصفيق كان من عادة مشركي قريش و من دسائس المنافقين في المقابلة مع النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) كما قال (تعاليٰ) وَ مٰا كٰانَ صَلٰاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلّٰا مُكٰاءً وَ تَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذٰابَ بِمٰا كُنْتُمْ

تَكْفُرُونَ «1».

فقد فسّر التصدية بالتصفيق كما قال في الصحاح و مجمع البحرين و في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال

وَ سُمِّيَتْ مَكَّةَ مَكَّةَ لِأَنَّ النّٰاسَ كانُوا يَمُكُّونَ فيها وَ كان يُقالُ لِمَنْ قَصَدَها قَدْ مَكّٰا وَ ذلِكَ قَوْلُ اللّٰهِ عَزَّ وَ جلَّ:

______________________________

(1) سورة الأنفال/ الآية 35.

دليل تحرير الوسيلة - الستر و الساتر، ص: 222

______________________________

وَ مٰا كٰانَ صَلٰاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلّٰا مُكٰاءً وَ تَصْدِيَةً. فَالْمُكاءُ الصَّفيرُ و التَّصْدِيَةُ صَفْقُ الْيَدَيْن «1».

و قال علي بن إبراهيم في تفسير هذه الآية: «لما اجتمعت قريش أن يدخلوا علي النبي ليلًا فيقتلوه، و خرجوا إلي المسجد يصفّرون و يصفّقون و يطوفون بالبيت فأنزل اللّٰه وَ مٰا كٰانَ صَلٰاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلّٰا مُكٰاءً وَ تَصْدِيَةً. فالمكاء التصفير و التصدية صفق اليدين».

و لكن لا تصلح هذه الآية لإثبات حرمة التصفيق في نفسه بل غاية مدلولها حرمته بلحاظ أنّ المشركين كانوا يستهزءون بذلك النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) فالحرمة لأجل كونه من مصاديق استهزاء النبي و إهانة الدين.

الحمد للّٰه ربّ العالمين و الصلاة علي محمد و آله الطاهرين المعصومين فرغت من تنقيح مطالب هذا الكتاب بعون اللّٰه (تعاليٰ) و لطفه في اليوم السادس من شهر ربيع الأوّل سنة 1417 ه. ق أحقر الطلاب الخجلان من ساحة رب الغفّار علي أكبر السيفي المازندراني

______________________________

(1) بحار الأنوار/ ج 6 ص 97.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.