المعاملات المصرفية

اشارة

نام كتاب: المعاملات المصرفية

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: نجفي، كاشف الغطاء، عباس بن علي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

ناشر: مؤسسه كاشف الغطاء

تاريخ نشر: ه ق

المقدمة

اشارة

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

المعاملات المصرفية، ص: 3

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الغر الميامين و صحبه المنتجبين و بعد:

فقد اتجه الإنسان منذ التأريخ إلي محاولة تنمية ماله و كثيراً ما سلك طرائق غير سليمة ليصل إلي هذا الهدف. و كان من أيسرها و أسرعها في تنمية المال (الربا).

و قد جاءت النصوص السماوية قاطعة بتحريمه. لتعبر عن الفطرة السليمة للإنسان.

ثمّ ظهرت في المجتمع الحديث مؤسسات مالية لم تكن موجودة من قبل بشكلها الحالي كالمصارف، و كانت من أخطر الأمور المستجدة التي واجهت الحياة الإسلامية التي تبلورت في صورتها الجديدة تبعاً لظروف النهضة الأوربية الحديثة، و نمت هذه المؤسسات و تعامل بها عدد كبير من الناس. ثمّ بعد ذلك بدأ الكلام علي رأي الإسلام فيها من جهة التحليل و التحريم. و تفاوتت آراء الناس إزاء التعامل مع هذه المؤسسة الطارئة علي حياتهم. و اختلفت لديهم الاتجاهات و المعايير. فمنهم مَنْ آثر العزلة و الابتعاد مفضلًا الحرمان علي الدخول في شبهات الحرام و مزالق الربا. و منهم من تخير في تعامله جانب الاستفادة من الخدمات البعيدة عن الشبهات قدر الإمكان، و منهم من دخل المعترك غير آبه بما يقال من حلال أو حرام.

و لعل الذي يتبادر إلي الذهن مما تقدم هو أن المصلحة تكمن في إلغاء النظام المصرفي. و لكن أسارع إلي القول بأن هذه الفكرة بعيدة كل البعد عن خيالي. لأن النظام المصرفي يسدي خدمات جليلة للمجتمع لا

المعاملات المصرفية،

ص: 4

يمكن الاستغناء عنها، كما أنه يسهم في تقدم الشعوب.

و المصارف ج في عصرنا ج هي المقوم للنشاط الاقتصادي، و هي الحركة المستمرة و المنتجة، مما حدا الكثير علي أن يصفوا المصارف بأنها ملكات الصناعة و التجارة و بأن عصرنا عصر الائتمان.

إن المصارف بشكلها الحالي أجهزة استلزمتها المدنية الحديثة، و قد شاركت في معظم حالات التعامل بين الأفراد و الهيئات داخل الدولة و خارجها، و أصبحت بمثابة أوعية تتجمع فيها النقود،

و المدخرات علي هيئة ودائع، ثمّ تخرج في شكل منظم في مشاريع و خدمات حسب احتياجات المجتمع.

إن فكرة المؤسسة المصرفية صالحة في حد ذاتها فقد كانت لها جذور تاريخية في الحضارة العربية الإسلامية. و لكننا استوردنا الأطر التنظيمية و التشريعية التي تؤمن عمل هذه المؤسسة من تقاليد و أنظمة المجتمع الغربي من دون تكييفها و تعديلها علي أساس الشرع الحنيف. و اعتقد بان الأساليب التنظيمية للمعاملات المصرفية من جهة و اقتصاديات الربح من جهة أخري، إنما هي سنن ثابتة، و قوانين أزلية.

إن الأسلوب القائم علي استيراد الأساليب و الطرائق التنظيمية فيه خطر و المصارف القائمة اليوم في الوطن العربي و المجتمع الإسلامي ما هي إلا صور من المؤسسات الغربية، فهي تعمل بالأسلوب نفسه و تسعي وراء الأهداف نفسها.

و هذه المؤسسات التي تعمل بفلسفة المجتمع الغربي و مبادئه الأخلاقية لا تتلاءم دائما مع المبادئ الأساسية و الأخلاق الاقتصادية للإسلام. و لا سيما ما يتعلق بالفائدة.

و في الوقت نفسه، إننا اتباع دين لا يتهاون في تحريم الربا و لا يهاون من يتعاطاه أو يتعامل معه و من ثمّ كان لا بد:

المعاملات المصرفية، ص: 5

أولا: من تحديد موقف الشريعة من هذه المؤسسة و المعاملات التي تقوم بها، حتي

نتمكن من أن نبين ما يقره الإسلام منها و ما يرفضه، ليكون ضمانا لاستمرار النشاط التجاري و الاقتصادي في دورانه المثمر علي نحو ما شرّعه الله، طاهرا من الربا و منزها عَن سعر الفائدة.

و ثانيا: العمل علي تطهير هذه المؤسسة من شبهة الربا و إقامتها علي أسس إسلامية تجعلها وسيلة لخدمة المجتمع بدلا من أن تكون مركز قوة لراس مال المستغل باستعمال أساليب و طرائق تنظيمية إسلامية للمعاملات التي تقوم بها.

و كانت الخطوة الأولي هي موضع بحثنا من بيان رأي الفقه الإسلامي في المعاملات المصرفية.

أهمية الموضوع:

إنَّ ابرز الدوافع التي حفزتني لاختيار الموضوع نابعةٌ من واقع اطلاعي علي نماذج مختلفة من صور القلق لدي الكثير من المواطنين من شتي المستويات و الثقافات، حيث لاحظت علي اختلاف الحالات و الأشخاص إن العامل المشترك في مسببات هذا القلق إنما يتمثل في حقيقته بعدم الاطمئنان أو الاقتناع بما عليه الحال في العمل المصرفي المعاصر، لما يلابس هذه المعاملات من شبهات الربا.

ما يجده الباحث في البحوث التي كتبت في المعاملات المصرفية:

إن البحوث الإسلامية التي كتبت في صدد هذا الموضوع ليست اكثر من محاولات شكلية. فلم نجد فيها شيئاً من التعريفات الإجرائية المحددة التي تصاغ فيها المسألة بالوضوح الكافي، و لعل ابرز ما لمسناه إنها لم تفرق في المعاملات المصرفية بين لفظ (الفائدة و العمولة و الرسم و الأرباح و المصاريف) فضلًا عن اخذ بعض الباحثين آراء بعض الكتاب الشرعيين أو الاقتصاديين مأخذ المسلمات و هي محل نظر و نقاش.

المعاملات المصرفية، ص: 6

و هنالك من الباحثين من قال بتحريم المعاملات علي الناس من دون دليل، لأنهم يعدون ذلك شدة في الورع و تمسكا بالدين.

و يستطيع القارئ المتتبع لحلقات الكتابات في هذا

الموضوع أن يكشف الولاء السياسي لبعض الباحثين عند ما يلاحظ أن كثيرا من الفتاوي الصادرة مرتبطة بظروف سياسية.

منهجية البحث:

اخترت المصارف التجارية موضوعا لدراستي في هذه الرسالة، لأنها في الغالب تتضمن المعالم الجوهرية لجميع المعاملات المصرفية بوصفها اشمل أنواع العمل المصرفي من ناحية، كما إن أعمال المصارف المتخصصة- من ناحية أخري- إنما تدخل بشكل أو بآخر في نطاق العمل المصرفي بمفهومه العام. حيث إن أعمال هذه المصارف لا تخرج عن كونها صورا من الإقراض و الاقتراض الموجه لقطاعات معينة. و قد راعيت عدم التقيد في وصف المعاملات المصرفية بالحدود الموضوعة لهذه المعاملات في بلد معين أو أنظمة محددة، بل تناولت ما تقوم به المصارف- علي وجه العموم- من أعمال مشتركة فيما بينها مما تغلب عليه صفة العمل المصرفي.

و قد التزمت في هذه الرسالة ببحث كل معاملة مصرفية علي حدة، و كأنها تتم بصورة منفردة من دون اصطحاب عمليات أخري، فعند كلامي عن فتح الاعتماد الذي كثيرا ما يقترن بالحساب الجاري، عالجت كل موضوع علي حدة.

و قد استعملت في هذا البحث المصطلحات التي يستخدمها المصرف، و ان تباينت هذه المصطلحات مع معناها اللغوي، فمثلا إن الإيداع في المصرف يستخدم مظاهر مختلفة بأسماء متباينة غير اسم الوديعة أو الإيداع اللغوي غالبا. و اقتبست في هذا البحث من أقوال

المعاملات المصرفية، ص: 7

الفقهاء المتناثرة من آراء المضيفين و الموسعين علي حد سواء و اتخذت اليسر الذي هو عنوان واضح في هذه الشريعة السمحة و أخذ الأمور و لا سيما في نطاق المعاملات بروح الانفتاح و الاطمئنان لأبواب التوسعة التي جاءت علي يد الأئمة الأعلام.

و قد وقفت علي الآراء المختلفة وقوفا تاما، حتي يخرج القارئ بفكرة واضحة عن هذا الموضوع.

و إني

حين ارجح رأيا أو اعتمد اجتهاداً، لا يعني ذلك تبني ذلك الرأي بخصوصه، إنما رجحته لموافقة تكييف أو تخريج المعاملة المصرفية في الفقه الإسلامي. مع العلم إن الآراء الاجتهادية الشرعية بالنسبة لمذاهبها مداركها صحيحة.

و قد عالجت المعاملات المصرفية بتكييفها و تخريجها علي العقود الفقهية حتي يمكن ردها أو قياس أحكامها علي ما يشبهها من حالات بحثت في كتب الفقه الإسلامي و مؤلفاته الكثيرة. فإذا انطبقت المعاملة علي عقد فقهي واحد من العقود ندرجها تحته أو قد تتدرج المعاملة تحت عقد مزدوج مكون من اكثر من عقد واحد من العقود المعروفة.

أو قد تكيف تحت عقد جديد ينظر في مشروعيته و مطابقته للمقاصد الشرعية و عدم مخالفته للنصوص بحيث لا يحل حراما و لا يحرم حلالًا.

و كان من طبيعة هذا البحث أن ينتظم في مقدمة و بابين و خاتمة.

الباب الأول: كان بعنوان المصارف و الربا و النقود. و يشمل علي ثلاثة فصول: الفصل الأول بحث المصارف و تاريخها و أنواعها في ثلاثة مباحث. تناول المبحث الأول التعريف بالمعاملات المصرفية و تطورها. و درس المبحث الثاني في أنواع المصارف من حيث اختصاصاتها، وصلة الدولة بها. أما المبحث الثالث فتناولت فيه طبيعة المعاملات المصرفية من

المعاملات المصرفية، ص: 8

حيث إنها عقود مستجدة و موقف الشريعة منها و الغاية المستهدفة من المعاملات.

أما الفصل الثاني فكان (بعنوان الربا في الفقه الإسلامي)، و شمل علي ثلاثة مباحث. تناولت في المبحث الأول تعريف الربا لغة و اصطلاحا و العلاقة بينهما.

أما المبحث الثاني فتكلمت فيه علي أنواع الربا من حيث ورود تحريمه إلي الربا في القرآن و الربا في السنة. و بحثت في الربا في القرآن من حيث تعريفه و أدلة تحريمه و تحديده، و

الحكمة من تحريمه و مميزاته.

أما الربا في السنة فقد عرفته، و بينت أقسامه إلي ربا النّساء و ربا الفضل و أدلة تحريمه و علة تحريمه و حكمة من تحريمه. ثمّ تناولت ربا المعدود.

المبحث الثالث فكان بعنوان (الفائدة في الإسلام). و قد بينت فيه نظرة الفقه الإسلامي إلي الفائدة، و تطرقت إلي ما أثير من شبهات بشأن الفائدة و الربا وردها.

الفصل الثالث فكان بعنوان (النقود في الفكر الإسلامي). و شمل ثلاثة مباحث. المبحث الأول في تعريف النقد لغة و اصطلاحا عند الفقهاء و رجال الاقتصاد.

المبحث الثاني فقد تناولت فيه تطور النظام النقدي و وظائف النقود، و بينت في المبحث الثالث حكم الربا في النقود في كل من الذهب و الفضة و المسكوكات الرمزية الفلوس و أوراق البنكوت و العملة الورقية الإلزامية و الأوراق المالية التجارية.

أما الباب الثاني فكان عنوانه (المعاملات المصرفية). و يشمل ثلاثة فصول، خصصت الفصل الأول للكلام علي الودائع و الخدمات المصرفية و اشتمل علي مبحثين. المبحث الأول الودائع المصرفية تناولت

المعاملات المصرفية، ص: 9

فيه الودائع التي ترد بمجرد الطلب و الودائع لأجل و ودائع التوفير و الحسابات الجارية و الودائع المستندية.

أما المبحث الثاني و هو الخدمات المصرفية، فقد بحثت فيه بيع العملات الأجنبية و شراءها (الصرف الآجل) و الحوالات المصرفية و الشيكات السياحية و تحصيل الأوراق التجارية.

و كان الفصل الثاني بعنوان (الاعتمادات المصرفية) و اشتمل علي مبحثين، المبحث الأول الاعتماد المصرفي بالوفاء و تكلمت فيه علي القرض و فتح الاعتماد و الاعتماد المستندي و الخصم.

أما المبحث الثاني فكان في الاعتماد بالضمان و قد بحثت فيه عن خطابات الضمان (الكفالات المصرفية) و القبول المصرفي.

و الفصل الثالث كان في الاستثمار المصرفي في الأوراق التجارية و اشتمل

علي مبحثين. فالمبحث الأول كان في الأسهم، أما المبحث الثاني فكان في السندات.

و أخيراً الخاتمة و كانت في النتائج التي توصلت إليها من هذا البحث.

المصادر:

إن مصادر البحث و مراجعه الخاصة، لم اعثر عليها بسهولة، و لم أجد كتابا في المكتبة العربية الإسلامية تناول هذا البحث التطبيقي. و إنما عثرت علي مقالات و فتاوي في أمور جزئية بعضها سلم من القدح و البعض الأخر أحيط بشتي الاتهامات مما جعل مهمتي صعبة.

و كان كثير ممن استشرتهم قد راقهم الموضوع كفكرة، و لكنهم أشفقوا علي لصعوبة ارتياده و قلة مراجعه، و لاستدعائه جهداً كبيراً. فاستعنت بالله و بدأت أطوف بالمكتبات استنبئها ج و بالندوات الاقتصادية أستخبرها، و بالأشخاص أستشيرهم و أحاورهم.

المعاملات المصرفية، ص: 10

فضلًا عن ذلك عكفت علي دراسة أنواع مختلفة من الكتب و لا سيما الكتب الاقتصادية التي تبحث في طبيعة عمليات المصارف.

أما الكتب الإسلامية ككتب التفسير و الحديث و الفقه فقد رجعت إلي كثير منها و لم أتقيد بمذهب معين.

و علي الرغم من قصر المدة الزمنية لإنجاز البحث، و لا سيما إذا ما قيست بسعة الموضوع و تشعب مباحثه في مصادره الكثيرة، فضلًا عن صعوبة استيفاء جميع ما يمس الموضوع، و شموله جميع قسم المعاملات في الفقه الإسلامي تقريباً، و دراسة المعاملات المصرفية من وجهة اقتصادية قانونية.

(و لست أدعي أنني قد أتيت في بحثي بما لا جديد بعده أو معه، و لكن هذا ما استطعت تحقيقه بالجهد الدائب الموصول الذي عشت معه عاماً كاملًا أرتجي فيه توفيق الله و هداه.

فإن كنت أصبت فذلك من فضل الله، و إن أخطأت فذلك مني، فإنني قصدت بلوغ المرام.)

و يطيب لي أن أختتم حديثي بقوله تعالي: (لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ

نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا لَهٰا مٰا كَسَبَتْ وَ عَلَيْهٰا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنٰا لٰا تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ وَ اعْفُ عَنّٰا وَ اغْفِرْ لَنٰا وَ ارْحَمْنٰا أَنْتَ مَوْلٰانٰا فَانْصُرْنٰا عَلَي الْقَوْمِ الْكٰافِرِينَ).

صدق الله العلي العظيم

سورة البقرة/ آية 286

محرم الحرام 1408 ه أيلول 1987 م

المعاملات المصرفية، ص: 11

الباب الأول المصارف و الربا و النقود

الفصل الأول المصارف تأريخها و أنواعها

المبحث الأول: التعريف بالمعاملات المصرفية و تطورها:

الفرع الأول: التعريف بالمعاملات المصرفية:
أولًا: تعريف المعاملة:
1- المعاملة لغة:

المعاملة جمعها معاملات، و هي علي صيغة المفاعلة من الفعل عمل في اللغة و هو (اشتراك طرفين بعمل ما) «1» و نقل الفيومي قول الصنعاني في معني المعاملة حيث قال: (قال الصنعاني: المعاملة ج في كلام أهل العراق ج هي المساقاة في لغة الحجازيين) «2».

فقد عدَّ مصطلح المعاملة مقابلًا لمصطلح المساقاة، فهو إذن تعريف خاص بنوع من أنواع المعاملة، و ليس لعموم المعاملة.

و قال الفيومي «3»: (إن قولك عاملته في كلام أهل الأمصار يراد به التصرف في البيع و نحوه).

2- المعاملة اصطلاحاً:

فقد وردت بعدة معان و عرفت بعدة تعريفات:

التعريف الأول: فإذا وردت كلمة المعاملة معرفة بأل و بصيغة المفرد

(فهي عبارة عن العقد علي العمل في الخارج مع سائر شرائط

______________________________

(1) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثانية، مطابع دار المعارف، مصر، 1972 م، 2/ 628.

(2) أحمد بن محمد بن علي المقري (ت: 770 ه)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 2/ 81.

(3) أحمد بن محمد بن علي المقري (ت: 770 ه)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مصدر سابق 2/ 81.

المعاملات المصرفية، ص: 12

الجواز) «1».

التعريف الثاني: أما إذا وردت الكلمة معرفة بأل و بصيغة الجمع أي

المعاملات فالمعني المراد عندئذ هو (الأحكام الشرعية المتعلقة بأمر الدنيا، باعتبار بقاء الشخص، كالبيع و الشراء و الإجارة و نحوها) «2». إذ بالمعاملات يكون قضاء مصالح الإنسان الذي لا يستديم وجوده إلا بها.

و قد ترد كلمة معاملة معرفة بالإضافة، و بصيغة المفرد مثل معاملة البيع فيكون المراد بها هذا المعني أيضاً.

و المعاملات بهذا التعريف تشكل القسم الثاني من قسمي الفقه

عند فقهاء المسلمين، حيث تشكل العبادات قسمه الأول، و ما كان هذا

التقسيم إلّا للفرق القائم بينهما.

و يبني علي ما تقدم أن كلمة المعاملات في

هذا التعريف (ذات مدلول واسع فهي تتضمن أبواب الفقه الإسلامي

عدا العبادات). و من التعريف الثاني يفهم أن اصطلاح المعاملة يراد

به مجموعة الأحكام العملية المنظمة لأسلوب التعامل بين الأشخاص، فهو

لفظ مجازي و ليس لفظاً حقيقياً، إذ المعاملة هي طبيعة المعاملة

ذاتها، و ليست الأحكام المنظمة لها، فإذا قلنا معاملة البيع فإن المتبادر

هي التصرفات التي تؤدي إلي تملك البائع للثمن، و تملك المشتري للمثمن (كقبول و إيجاب، و تسليم و استلام)، فتلك أُمور تتطلبها طبيعة المعاملة

و لا تكون إلا بها. و ليس المتبادر الأحكام التي تنظم كيفية إجراء هذه المعاملة. أما لما ذا لا نجد تفريقاً فيما صنفه الفقهاء بين طبيعة المعاملة و أحكامها؟

فذلك راجع إلي أن جل اهتمامهم كان منصباً علي بيان الأحكام العملية

التي تفيد المجتمع في مجال التطبيق، و ليس علي طبيعة المعاملة تحليلًا أو تنظيراً

______________________________

(1) التهانوي، محمد علي الفاروقي، كشاف اصطلاحات الفنون، الطبعة الأولي، كلكته، 1862، 2/ 1046.

(2) المصدر نفسه.

المعاملات المصرفية، ص: 13

و هذا ليس بنقص.

التعريف الثالث:

و عرف بعض الفقهاء المحدثين كلمة المعاملات بتعريف أخص في المعني مما تقدم، فقد عرفت بقولهم (هي حقوق الناس بعضهم قبل البعض) «1». و لكن هذا التعريف ليس بدقيق، إذ أن مدار المعاملات هو المال و الحق و ليس الحق فقط، بل المال أولي لأن الحق إنما يثبت لصاحبه بسبب امتلاكه للمال موضوع المعاملة أو بإذن من مالك المال «2».

و منهم من عرفها بقوله (هي تبادل الأموال و المنافع بين الناس بوساطة العقود و التصرفات) «3»، و هذا التعريف لا يمكن اعتماده بصورة نهائية لاعتراضين:

من جهة عدم تحديده لماهية المعاملات أ هي حال التبادل أم عقود أم تصرفات؟

من جهة وصفها بأنها

تبادلية إذ ليست كل المعاملات تبادلية، فقد تكون تبرعاً أو هبة. بينما التبادل يكون بين الطرفين، يبادل كل منهما صاحبه شيئاً بشي ء.

و عرفها الخير و «4» فقال: (هي مجموعة تصرفات رضائية أو

جبرية مدارها الحقوق و الأموال). و هذا التعريف هو أنسب التعريفات

للمعاملة.

______________________________

(1) د. محمد يوسف موسي، الفقه الإسلامي مدخل لدراسته، نظام المعاملات فيه، طبعة ثالثة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1958، ص/ 158.

(2) علي قراعة، دروس المعاملات الشرعية، مطبعة الفتوح، مصر، 1370 ه- 1950 م، ص 2- 3.

(3) أبو الفتوح، أحمد، المعاملات في الشريعة الإسلامية و القوانين المصرية، الطبعة الأولي، مطبعة البوسفور، مصر، 1332 ه- 1913 م، 1/ 25.

(4) زهير يحيي علي الخير و، المعاملات التجارية و التطبيق العملي لأسس الاقتصاد الاسلامي، رسالة ماجستير، جامعة الازهر، كلية الشريعة و القانون، 1400 ه 1980 م ص 39.

المعاملات المصرفية، ص: 14

ثانياً: تعريف المصرف
1- المصرف لغة:

المصرف لغة صيغة مشتقة من الصرف، هو بيع: الذهب بالفضة، لأنه ينصرف به عن جوهر إلي جوهر. و الصراف و الصيرف و الصيرفي: النقاد من المصارفة و هو من التصرف، و الجمع صيارف و صيارفة «1».

2- المصرف اصطلاحاً:

أما تعريف المصرف (البنك Bank) اصطلاحاً فليس من السهل بيان حقيقته، بسبب اشتراك بعض المنشآت المالية في أداء واحدة أو أكثر من الخدمات التي يؤديها المصرف و تعدد عمليات المصرف و تعقدها و ظروف نشأتها و الأسلوب الذي يتخذ لتحقيق الأهداف المطلوبة منها يجعل تكييف هذه العمليات و تفسيرها مختلفاً و شاقاً «2».

و مع هذا فقد عرفه بعضهم بأنه (جهاز يتولي تقديم الائتمان)Credit(لعملائه، و يتلقي الودائع منهم نقداً) «3».

و عرف الغزي المصارف «4» (بأنها مؤسسة تتعامل أو تتاجر بالائتمان أو الديون).

______________________________

(1) الجوهري، الصحاح، الطبعة الثالثة، دار العلم للملايين، بيروت، 1404 ه- 1984 م، 4/ 1386. أيضاً ابن دريد، جمهرة اللغة، بغداد، 3/ 356.

أيضاً ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، دار بيروت، بيروت، 1388 ه- 1968 م، 9/ 190. أيضاً البستاني، البستان، بيروت، 1927 م، 1/ 1324.

(2) د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، المطبعة العالمية، القاهرة، 1969 م، ص 10. أيضاً: د. الشماع، خليل محمد حسن، إدارة المصارف مع دراسة تطبيقية في الصيرفة العراقية المقارنة، الطبعة الثانية، مطبعة الزهراء، بغداد، 1975 م، ص 11.

(3) د. محمد عزيز، النقود و البنوك، مطبعة المعارف، بغداد، 1965 م، ص 289.

(4) الغزي، فليح حسن خلف، الائتمان المصرفي و دوره في الاقتصاد العراقي، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، كلية الإدارة و الاقتصاد، 1975، ص 22.

المعاملات المصرفية، ص: 15

و كلمة المصرف مرادفة للفظة الإيطالية (بنكو) أي المائدة.

إذ كان لكل صيرفي

في القرون الوسطي مائدة يضعها في الطريق

أمامه، و منها جاءت تسميته ب (البنك). و إن أول بنك جدير بهذا الاسم

كان في إيطاليا بمدينة البندقية عام 1157 م، ثمّ جنوه و فلورنس «1».

و المصارف أنشئت أصلًا مكاناً أميناً لحفظ الأموال، إلا أنها اليوم تقوم بدور خطير ليس في تسيير دفة النشاط الاقتصادي بتجميع المدخرات و توظيف الأموال، و لكن أيضاً في تنمية النشاط الاقتصادي و زيادة سرعة إيقاعه.

إن التطور الاقتصادي الحديث جعل عصرنا (عصر الائتمان) يحتاج بالضرورة إلي مصارف ضخمة و اعتمادات واسعة «2».

و لا بد لكل دراسة من لمحة تاريخية لبيان الحال التي كانت عليها المؤسسة التي ندرسها، و كيف تطورت عبر التاريخ حتي وصلت إلي ما هي عليه الآن.

الفرع الثاني: تطور النشاط المصرفي:
اشاره

إن النشاط المصرفي في اغلب الظن قديم قدم النقود نفسها، إذ وجد مقرض النقود منذ عصور قديمة و في مجتمعات بدائية.

و الأعمال المصرفية لم تبدأ مع بداية نشوء المصارف الحديثة، بل سبقتها منذ عهود بعيدة في ماضي العصور و الأزمان، فقد عرفت هذه الأعمال بأشكال و مظاهر متنوعة في ظل عدد من الحضارات التي ازدهرت هنا و هناك. و قد نستطيع أن نميز بين ثلاث مراحل وجد فيها النشاط المصرفي بما يتناسب و التطور الذي وصلت إليه حضارة تلك المجتمعات.

أولًا: النشاط المصرفي في الحضارات القديمة:

إن الحفريات الأثرية دلت علي أن حركة الائتمان و الصيرفة قد تميزت في

______________________________

(1) وجدي، محمد فريد، دائرة معارف القرن العشرين، الطبعة الثالثة، دار المعرفة، بيروت، 1971 م، 2/ 363.

(2) د. الهواري. سيد، أساسيات إدارة البنوك، مكتبة عين شمس، دار الجيل للطباعة، القاهرة، 1976 م، ص 7.

المعاملات المصرفية، ص: 16

العهد البابلي غضون الحقبة التي تبدأ بالألف الرابع قبل الميلاد (3775 ق. م). و هو العهد الذي عاش فيه (المعبد الأحمر) كأقدم مؤسسة مصرفية عرفها التاريخ البشري. و أن البابليين أول من اخترعوا صكوك التعامل الائتماني و الصيرفي، بوصفهم أقدم شعب حقق مفهوم الوثيقة و استخدمها في معاملاته.

و لا ينكر أن لشريعتي (اشنونا و حمورابي) فضلا في نشر النصوص التي تتعلق بعمليات الائتمان مثل عقد القرض و الوديعة.

و أن العمليات المصرفية الشائعة في الحضارة البابلية هي:

1. قبول الودائع.

2. إجراء تسليف القروض الموثقة برهن أو كفالة أو بضمان.

3. إجراء عمليات الترحيل أو التحويل البسيط.

4. تسلم الأموال بقصد توظيفها لقاء دفع فوائد.

و قد برزت معابد الكهنة التي لم تكن مركزا لتقديس الآلهة فحسب، بل كانت مركزاً لتنظيم الائتمان و ممارسة التجارة و تعاطي المضاربة و غير ذلك مما يمت

بصلة لقواعد الاقتصاد الصيرفي، و منها معبد آنو و معبد اوروك (المعبد الأحمر)، و ذلك بما كان لديها من ملكيات واسعة، و موارد دائمة، و ما يحيطها فوق ذلك من حالات التقديس و الاحترام تؤهلها للقيام بهذا الدور «1»

أما بالنسبة للنشاط المصرفي لدي الإغريق، فقد جاء مماثلًا- تقريباً- في بدايته لما كان عليه الوضع عند البابليين، حيث قامت المعابد أيضاً بدور الرائد في ممارسة الأعمال المصرفية و إن لم تحتكرها كلياً، و قد كان صيارفة اليونان القدماء مشهورين بالأمانة لدرجة أن الرجل منهم كان يعطي أحدهم رأس ماله

______________________________

(1) د. آل جاسم. محمد علي رضا، الائتمان و الصيرفة في العراق القديم، مطبعة دار التضامن، بغداد، 1964 م، ص 33- 69.

أيضا: كونتنيو. جورج، الحياة اليومية في بلاد بابل و آشور، ترجمة و تعليق سليم طه التكريتي و برهان عبد التكريتي، منشورات وزارة الثقافة و الاعلام، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1401 ه- 1979 م، ص 149.

المعاملات المصرفية، ص: 17

بلا كتابة «1». و تتلمذ الرومان علي الإغريق في فنّ العمل المصرفي. و عن طريق هؤلاء الرومان انتشر العمل المصرفي في معظم أرجاء العالم القديم تبعاً لاتساع نفوذهم «2».

و كان الصيارفة الرومان يزاولون مهنتهم في السوق العام، و هم جلوس أمام موائدهم. و كان هنالك صنفان من الصيارفة:

الصنف الأول كانت وظيفتهم قبض الأمانات بربح و بغير ربح، و الاتجار باسم مودعيهم بالنقود و إرباح ذلك المال المودع بكل الوجوه الممكنة.

و أما الصنف الثاني فكانوا مكلفين من قبل الحكومة بإقراض المواطنين نقوداً بضمانات قوية. و قد تأسس هذا الصنف الأخير سنة (1352 ق. م.) «3».

و تميزت الأعمال المصرفية في ظل الحضارات القديمة بميزتين هما:

كانت تتشابه تقريباً بظروف نشأتها و انتعاشها، حيث

تزدهر في الوسط الآمن محتمية أما بقدسية المعبد و إما بالأمان العام في الأسواق.

إن هذه الأعمال كانت تغلب عليها صفة الخدمة المؤداة- و لا سيما عند ما كانت حكراً علي المعابد المقدسة. حيث لم يكن إيداع الأموال مقصوداً به توجيهه للاستثمار، بل للحفظ الأمين.

ثانياً: النشاط المصرفي عند العرب و المسلمين:
اشارة

من المعلوم أن العرب و المسلمين عنوا بشئون المال كغيرهم من الشعوب و الأمم، و من يرجع إلي كتب الفقه الإسلامي، يجدها زاخرة بالتحليل و التأصيل لكثير من قواعد النظم التجارية و المصرفية. و مما عني به فقهاء الشريعة مسائل النقود و الصرف. و قد ذكرت كتب التاريخ العربي الإسلامي أن الكوفة قد

______________________________

(1) وجدي،. محمد فريد، دائرة معارف القرن العشرين، مصدر سابق، 2/ 363.

(2) د. شافعي. محمد زكي، مقدمة في النقود و البنوك، دار النهضة العربية، القاهرة، 1969 م، ص 180.

(3) الغزي، فليح حسن خلف، الائتمان المصرفي و دوره في الاقتصاد العراقي، مصدر سابق، ص 12.

المعاملات المصرفية، ص: 18

أتقنت عمل الصيرفة و نظمته بشكل يشابه (مصارف اليوم)، فكانت الصيرفة تدر ربحاً طائلًا لتوسع التجارة و ازدهارها «1».

و أصبح وجود الصراف لا غني عنه في سوق البصرة في حوالي (400 ه 1010 م). حيث كان العمل بهذه السوق يقتضي أن لكل من معه مال يعطيه للصراف و يأخذ منه رقاعاً، ثمّ يشتري ما يلزمه و يحول ثمنه علي الصراف، و لا يعطون شيئاً غير رقاع الصراف ما داموا بالمدينة. و هذا أرقي ما وصل إليه التعامل المالي في الدولة الإسلامية «2».

و للصرافين ببغداد محلة خاصة بهم في الكرخ تدعي (درب عون) «3».

ففي القرن الرابع الهجري اتخذت المصارف شكل بيوت مالية أوجدتها

ضرورات النشاط التجاري في أسواق بغداد «4». و قد أصبح للصرافين منزلة

عظيمة في المجتمع، فكانوا يخاطبون بألقاب ترفع من شأنهم و يزاولون عملهم في حوانيت خاصة بهم و باستطاعة الناس مراجعتهم «5». و قد كان لحوانيت الصيرفة

______________________________

(1) المبرد، محمد بن يزيد (ت: 285 ه)، الكامل، تحقيق زكي مبارك، مصر 1936 م، 1/ 310.

أيضاً د. الزبيدي محمد حسين، الحياة الاجتماعية و الاقتصادية في الكوفة في القرن الأول الهجري، ساعدت جامعة بغداد علي نشره، المطبعة العالمية، القاهرة، 1970 م، ص 171.

(2) متز. آدم، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريده، مطبعة التأليف و الترجمة و النشر، القاهرة، 1360 ه- 1941 م، 2/ 311.

(3) التنوخي. القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد (327- 384 ه)/ (939- 994 م)، نشوار المحاضرة و أخبار المذاكرة، تحقيق عبود الشالجي، مطابع دار صادر، بيروت، 1392 ه- 1972 م، 1/ 204.

أيضاً د. الكبيسي. حمدان عبد المجيد، أسواق بغداد حتي بداية العصر البويهي، (145 ه- 334 ه)/ (763- 945 م)، منشورات وزارة الثقافة و الفنون، الجمهورية العراقية، سلسلة دراسات (161)، 1979، ص 169.

(4) د. الدوري. عبد العزيز، دراسات في العصور العباسية المتأخرة، مطبعة السريان، بغداد، 1948 م، ص 223.

(5) الصابي، أبو الحسن الهلال بن المحسن بن إبراهيم بن زهروب (359- 448 ه/ 970- 1056 م)، تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء، مطبعة الآباء اليسوعيين، بيروت، 1904 م، ص 158.

المعاملات المصرفية، ص: 19

فروع في بعض الأماكن علي اتصال بالمركز «1». و قد قامت هذه الحوانيت بدور كبير في عالم التجارة و الاقتصاد، و مارست حوانيت الصيرفة الصكوك و السفاتج و الحوالات و القروض و غيرها من الأعمال المصرفية «2».

1- الصكوك:

جمع صك و هو (أمر خطي يدفع بوساطته مقدار من النقود أو

العطاء أو الرزق) إلي الشخص الوارد اسمه فيه «3»، فاستخدام الصك وسيلة لدفع الأموال.

و قد ذكر اليعقوبي في تاريخه: أن عمر بن الخطاب كان أول من صك و ختم أسفل الصك «4». و قد جرت العادة أن يوقع الصك شاهدان ثمّ يختم بأسفله. أما الصكوك الحكومية فكانت تختم بخاتم الخلافة الخاص «5».

و في العصر العباسي، كثرت الإشارة إلي استعمال الصكوك كوسيلة لدفع المال و صرف رواتب الخدمة «6». كما أن الدولة كانت تسترد ديونها من

______________________________

(1) العلي. صالح أحمد، التنظيمات الاجتماعية و الاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري، بغداد، 1953 م، ص 265.

(2) د. الزبيدي. محمد حسين، الحياة الاجتماعية و الاقتصادية في الكوفة، مصدر سابق، ص 173.

(3) د. حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي و الديني و الثقافي و الاجتماعي، الطبعة الأولي، الناشر مكتبة النهضة المصرية، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1968 م، 4/ 418.

أيضاً: د. الزبيدي. محمد حسين، الحياة الاجتماعية و الاقتصادية في الكوفة، مصدر سابق، ص 174.

أيضاً: د. الكبيسي. حمدان عبد المجيد، أسواق بغداد حتي بداية العصر البويهي، مصدر سابق، ص 259.

(4) اليعقوبي. أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب المعروف بابن واضح الأخباري (ت: 292 ه)، تاريخ اليعقوبي، الناشر المكتبة المرتضوية، مطبعة الغري، النجف، 1358 ه، 2/ 132.

(5) ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، الطبعة الأولي، تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، 1384 ه- 1965، 2/ 812.

(6) الصابي، تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء، مصدر سابق، ص 77.

المعاملات المصرفية، ص: 20

المدينين و توفيها باستعمال الصكوك أيضاً «1». و كانت تصرف في المدينة نفسها، و أحياناً في بيت المال أو عند الصرافين «2».

و لم يقتصر أمر الصكوك علي المال،

و إنما تعداها إلي أبعد من ذلك، فقد كانت الأرزاق توزع علي الناس بالصكوك في بعض المدن، و ذلك بأن يعطي الأهالي صكوكاً يأخذون بموجبها الأرزاق من دار الرزق «3».

2- السفاتج:

كلمة غير عربية، مفردها سفتجة، و هي عبارة عن مال يدفع علي سبيل القرض إلي آخر علي أن يدفعه هذا إليه في بلد آخر ليستفيد المقرض بذلك من سقوط خطر الطريق «4».

و قد ظهر استعمال السفاتج في الدولة الإسلامية مبكراً، و ذلك

أن عبد الله بن الزبير كان يأخذ بمكة الورق من التجار فيكتب لهم

إلي البصرة، و إلي الكوفة فيأخذون أجود من ورقِهم. و كذلك

عبد الله بن عباس كان يأخذ الورق بمكة علي أن يكتب لهم إلي الكوفة

بها «5».

و كانت السفاتج محدودة الانتشار في القرنين الأول و الثاني، و ظلت محصورة في الاستعمالات الشخصية طيلة هذه المدة، و ما أن جاء القرن الثالث

______________________________

(1) البيهقي. ابراهيم بن محمد، المحاسن و المساوي ء، الناشر مكتبة الخانجي، مطبعة السعادة، مصر، 1325 ه 1906 م.

(2) الصالح. صبحي، النظم الإسلامية، منشأها و تطورها، الطبعة الأولي، دار العلم للملايين، بيروت، 1965 م، ص 397.

(3) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، مصدر سابق، 2/ 177.

(4) احمد عطية الله، القاموس الإسلامي، الطبعة الأولي، مطابع شركة الإعلانات الشرقية 1390 ه 1970 م، 3/ 275.

(5) السرخسي. شمس الدين، المبسوط، الطبعة الثالثة، دار المعرفة، بيروت، 1398 ه- 1978 م، 14/ 37.

المعاملات المصرفية، ص: 21

و الرابع الهجري حتي شاع استعمالها بشكل واسع، حيث تعددت أغراضها «1». و قام الصرافون بما تقوم به مصارف اليوم في تحويل هذه السفاتج إلي نقود مقابل خصم جزء من المبلغ المحول «2».

و في بعض الأحيان كان التجار يتولون تصريف هذه السفاتج «3». و في أحيان أخري كان

بيت المال يقوم بهذه المهمة «4».

3- القروض:

لقد كان الصيارفة يعطون قروضا أو سلفا للاشخاص المحتاجين لقاء ربح معين و كانت هذه العملية تجلب لهم أرباحا كبيرة لكثرة الفائض الذي يأخذونه «5».

4- الحوالات:

و ذلك بان يودع التاجر أو الشخص الذي لديه المال أو النفائس عند صراف و يأخذ وصلا بها، و عند ما يشتري هذا التاجر حاجة أو بضاعة يعطي حوالة علي الصراف و يقوم هذا الصراف بصرفها، و هذه الودائع كانت من أهم مصادر أموال الصرافين «6».

ثالثاً: النشاط المصرفي في أوروبا:
اشارة

إن تعدد الزعامات و الإقطاعات في أوروبا في العصور الوسطي، و تعدد

______________________________

(1) الزبيدي. محمد مرتضي الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس. الطبعة الأولي، المطبعة الخيرية، مصر، 1306 ه، 6/ 39.

(2) د. الكبيسي. حمدان عبد المجيد، اسواق بغداد حتي بداية العصر البويهي، مصدر سابق، ص 265.

(3) التنوخي. ابو علي المحسن (ت: 384 ه)، الفرج بعد الشدة مصدر سابق، 2/ 121.

(4) الدجيلي. خولة شاكر محمود، بيت المال، نشأته و تطوره من القرن الأول حتي القرن الرابع الهجري، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1974، ص 143.

(5) د. الزبيدي. محمد حسين، الحياة الاجتماعية و الاقتصادية في الكوفة في القرن الأول الهجري، مصدر سابق، ص 176.

(6) المصدر السابق، ص 176.

المعاملات المصرفية، ص: 22

أنواع العملة التي تختلف من إمارة إلي أخري، جعلت الصراف رجلا يقوم بتجارة بيع و شراء العملات المختلفة «1». و كان الصيارفة في تلك المدة يجلسون في الموانئ و الأماكن العامة للاتجار بالنقود و امامهم مناضد تسمي بالإيطالية)Banco(، و منها استعملت كلمة (بنك). و كان الجمهور يحطم منضدة من يعجز عن الوفاء بما تعهد به.

و قد اهتمت الدول و الحكومات المختلفة بتشجيع هذا النوع من التجارة بعد أن ظهرت الحاجة إليها، فاتسع نطاقها «2».

و قد قامت المنظمات الكنائسية و الرهبنات بدور كبير في هذا المجال، حيث تلقت الودائع من الأمراء و الإقطاعيين و الملوك و البابوات و التجار. و السبب في

ذلك يعود إلي أن المكان الذي يودع هؤلاء فيه أموالهم كان محصنا و جيد الحراسة بصورة يطمئن معها المودعون إلي أن أموالهم ستكون بمأمن من السرقة و الضياع. و قد كانت الصلات بين هذه المراكز التي أتخذها رجال هذه المنظمات في مختلف المدن التجارية، وثيقة منتظمة بحيث صار نقل الأموال من مركز إلي آخر يتم بوساطتهم. و بذلك نشأت أولي عمليات تسوية الديون المتعلقة بدائن و مدين يقيمان في مدينتين مختلفتين بوساطة الحوالات.

و قد أدي منع القرض بفائدة من جانب الكنيسة إلي إعطاء اليهود أولوية في القيام بأعمال الإقراض و إلي إحرازهم منذ القديم أرجحية في الأعمال المالية و المصرفية «3».

المصادر الرئيسة لنشأة المصارف:
اشارة

أثبتت الدراسات التاريخية أن نشأة المصارف تنحدر من ثلاثة مصادر

______________________________

(1) د. السباعي. نهاد و الدكتور رزق الله انطاكي، موسوعة الحقوق التجارية، الطبعة الثالثة، مطبعة جامعة دمشق، 1380 ه- 1961 م، 3/ 110.

(2) د. مرعي. عبد العزيز و الدكتور عيسي عبده إبراهيم، النقود و المصارف، الطبعة الأولي، مطبعة لجنة البيان العربي، 1962 م، ص 194.

(3) د. السباعي. نهاد. د. رزق الله انطاكي، موسوعة الحقوق التجارية، مصدر سابق، 3/ 112.

المعاملات المصرفية، ص: 23

رئيسة هي:

أولًا: التاجر:

كان التاجر يصدر قبل نشوء المصارف حوالات تقبل لدي الآخرين و تدفع لصالح طرف ثالث، و ذلك علي أساس سمعته و مركزه المالي، و تعدّ هذه الحوالات أهم مصدر تطورت منه تدريجياً الصكوك المستخدمة الآن «1».

ثانياً: الصائغ)Gold smith(:

و هو الذي يقبل السبائك أو المسكوكات- النقود المعدنية- من الأثرياء لحفظها من السرقة، حيث كانت عنده امتن الخزائن. لذا أصبح الصائغ المخزن الرئيس لما لدي الأغنياء من الذهب و الفضة.

و إحدي النتائج التي تترتب علي ذلك أن الصائغ يستطيع مؤقتا أن يقوم بإقراض جزء من الذهب المخزون لديه «2».

و كانت الإيصالات المعطاة من الصائغين إلي المودعين قد أخذت بصورة تدريجية في التداول عوضا عن استعمال النقود في سداد الديون. ثمّ استعيض عنها بأوامر يصدرها المودعون إلي الصائغ لدفع ودائعهم (الذهب و الفضة) لشخص ثالث. و كان هذا هو مولد الصك «3».

ثالثاً: المقرض (المرابي):

أما المقرض أو المرابي فقد كان يعتمد في تعامله علي ما يملكه من رأس ماله و الادخارات غير المودعة لديه لغرض استثمارها. و كان يقرض هذه

______________________________

(1) د. الشماع. خليل محمد حسن، إدارة المصارف مع دراسة تطبيقية في الصيرفة العراقية المقارنة، مصدر سابق، ص 11.

أيضا: ربيع. حسن محمد، المصارف، الطبعة الأولي، المطبعة الحديثة، بغداد، 1948 م، ص 4.

(2) د. سامي خليل، النقود و البنوك، الطبعة الأولي، الناشر، شركة كاظمة، الكويت، 1982 م، ص 161.

(3) د. قريصة. صبحي تادرس، النقود و البنوك، دار الجامعة، الإسكندرية، 1986 م، ص 93.

المعاملات المصرفية، ص: 24

الأموال للمحتاجين لقاء فوائد معينة. و كان بهذا المعني مصرفا صغيراً «1».

أن القفزة الحقيقية و الخطوات الواسعة التي خطتها هذه المؤسسة، قد تمت مع النهضة الصناعية التي شهدها القرن التاسع عشر، و التي ساعدت علي تكامل المؤسسات المصرفية و وصولها إلي شكلها الحالي.

و في نهاية هذه الدراسة التأريخية، لا بد من الإشارة إلي أمرين هامين يكادان يسودان السياسة المصرفية الحالية «2».

الأول: تدخل الدولة في المصارف بعد الحرب العالمية الأولي، سواء بصورة مباشرة أم غير

مباشرة.

الثاني: أصبحت المصارف بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مراقبة في أعمالها، و أضحت ترتسم السياسة التي تفرضها الدولة عليها ما دامت تقوم بوظيفة شبه عامة. و طغت علي العالم فكرة الاقتصاد الموجه بحيث أصبح المبدأ الأساسي الذي تسير عليه الدول في سياستها الاقتصادية و صار توزيع الاعتماد يجري وفق خطة موضوعة مسبقاً.

المبحث الثاني: أنواع المصارف:

تمهيد: لا تقوم المصارف بأعمال مصرفية من نوع واحد.

كما أنها ليست خاضعة لنظام واحد، و الواقع أن كل إقليم يتجه حال تطوير نظامه المصرفي وجهة تتفق و أوضاعه الخاصة، بحيث أصبح من الميسور للباحث في النظم المصرفية الحديثة أن يجد في خصائص كل نظام قدرا يميزه عن غيره.

إلا أن هناك قدرا مشتركا بين المصارف من حيث الوظائف يمكن

______________________________

(1) د. مرعي. عبد العزيز. د. عيسي عبده إبراهيم، النقود و المصارف، مصدر سابق، ص 193.

(2) د. السباعي. نهاد و الدكتور رزق الله انطاكي، موسوعة الحقوق التجارية، مصدر سابق، 3/ 125.

المعاملات المصرفية، ص: 25

تحديدها بالنقاط الآتية «1»:

1- تسهيل التبادل بمجرد الوعد بدفع ثمن السلعة أو الخدمة. و هذه الوعود بالدفع مكنت الناس من التعامل بينهم من دون الحاجة إلي تداول النقود من يد إلي أخري.

2- تيسير الإنتاج حيث أن المصارف توفر رأس المال اللازم للمشروع الذي يعده الاقتصاديون الأساس في تيسير عملية الإنتاج إلي أن تظهر ثمار المشروع و تعرض في الأسواق، و يتسلم المنتج ثمن ما أنتجه.

3- توفير رأس المال و تعزيز طاقته.

و قد اقتضي تعدد الفعاليات المصرفية و اختلاف اختصاصاتها،

و مدي علاقتها بالدولة أن تصنف إلي فرعين، و ذلك علي النحو الآتي:

* الفرع الأول: اختصاصات المصارف.

* الفرع الثاني: صلة الدولة بالمصارف.

و سأبحث عن كل فرع من هذين الفرعين تفصيلا:

الفرع الأول: في اختصاصات المصارف:
1- المصارف المركزية (البنك المركزي))Central Bank(:

يعرف بأنه ذلك (المصرف الذي وظيفته أن يراعي تدفق النقود و الائتمان، بحيث يساعد علي النمو الاقتصادي المنتظم، و استقرار الوحدة النقدية، و التوازن الطويل الأجل في المدفوعات الدولية) «2».

و يحتل البنك المركزي مركز الصدارة في سلم الجهاز المصرفي، بل هو في قمة هذا الجهاز. فهو مؤسسة عامة تابع في حركته لسيطرة الدولة في اكثر الأنظمة العالمية. و يعني ذلك ضرورة ملكية الشعب أي الدولة

لهذا البنك، و هي

______________________________

(1) د. العربي. محمد عبد الله، محاضرات في الاقتصاد الإسلامي و سياسة الحكم في الإسلام، مطبعة الشرق العربي، القاهرة 1/ 225- 228.

(2) د. محمد عزيز، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 260.

المعاملات المصرفية، ص: 26

ضرورة تمليها أهمية و خطورة الوظائف التي يقوم بها. «1».

و تتميز البنوك المركزية بأنها ليست مؤسسة من أجل الربح بل الغرض الأساسي من أعمالها هو تحقيق المصلحة العامة، و الخضوع لأشراف الحكومات، و القيام بمعظم معاملاتها مع المؤسسات المصرفية الأخري، فقلما تقوم بمعاملات مع الجمهور «2».

أما الوظائف التي يؤديها البنك المركزي فهي: «3»

1- إصدار العملات الورقية القانونية.

2- القيام بالخدمات المصرفية التي تطلبها الحكومة.

3- مراقبة الائتمان كماً و نوعاً و توجيهه وجهة تتفق و السياسة النقدية المطلوبة.

4- إدارة احتياطات البلد من العملات الأجنبية و مراقبة أحوال التجارة الخارجية.

5- تسوية الفروق في حسابات الأرصدة بين المصارف.

2- المصارف التجارية (بنوك الودائع))Gommercail Bank(:

يعرف المصرف التجاري بأنه (المؤسسة التي تتعامل في الدين أو الائتمان) «4».

و يعدّ المصرف التجاري في الدرجة الثانية في التسلسل الرئاسي للجهاز المصرفي لا يسبقه في ذلك إلّا البنك المركزي. حيث يباشر البنك المركزي الرقابة

______________________________

(1) د. حشيش. عادل أحمد و الدكتور محمد حامد دويدار، مبادئ الاقتصاد النقدي و المصرفي، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية، 1984 م، ص 208.

(2) د. محمد عزيز، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 91- 92.

(3) الغزي، فليح حسن خلف، الائتمان المصرفي و دوره في الاقتصاد العراقي، مصدر سابق، ص 92.

(4) د. قريصة. صبحي تادرس، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 93. أيضا د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 183.

المعاملات المصرفية، ص: 27

علي المصرف التجاري بما له من أدوات و وسائل. واهم ما يتميز به المصرف التجاري، هو قبول

الودائع من الجمهور مع إمكان سحبها عند الطلب، كما يقوم بمنح القروض القصيرة الأجل «1».

و السمة الأساسية المميزة للمصرف التجاري تكمن في قدرته علي خلق الائتمان و إضافة نقود جديدة إلي النقد المتداول، و هي النقود التي تعرف بالنقود الكتابية أو نقود الودائع. و يتم ذلك بقيام المصرف التجاري بإقراض مبالغ تفوق حجم النقد المودع لديه «2».

مكونات ميزانية المصرف التجاري: «3»

تتكون ميزانية المصرف التجاري عادة من جانبين:

1- جانب الخصوم و يمثل حقوق الآخرين لدي المصرف.

2- جانب الأصول و يمثل حقوق المصرف لدي الآخرين.

و من الواجب أن تتوازن هذه الميزانية بمعني أن تتساوي الخصوم مع الأصول.

3- المصارف الصناعية)Industrial Banks(:

و تختص بتقديم الاعتمادات و المساعدات للمشاريع

و المؤسسات الصناعية، التي يكون غرضها الأساسي، الإسهام في التنمية الصناعية للنهوض بالقطاع الصناعي في الدولة «4»

______________________________

(1) د. شيحة. مصطفي رشدي، الاقتصاد النقدي و المصرفي، الطبعة الخامسة، دار الجامعة، 1985 م، ص 178.

(2) د. مدحت الصادق، الجهاز المصرفي في الاقتصاد المخطط هيكلُهُ و دوره، الناشر دار الجامعات المصرية، القاهرة، ص 100.

(3) د. حشيش. عادل أحمد و الدكتور محمد حامد دويدار، مبادئ الاقتصاد النقدي و المصرفي، مصدر سابق، ص 178.

(4) د. السباعي. نهاد. د. رزق الله أنطاكي، موسوعة الحقوق التجارية، مصدر سابق، 3/ 162.

أيضا: د. محمد عزيز، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 334.

و أيضا: د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 347.

المعاملات المصرفية، ص: 28

و تعتمد في تمويلها للصناعة علي رأس مالها و ما تستطيع الحصول عليه من قروض من البنك المركزي أو المصارف الأخري أو علي السندات التي تصدرها «1».

و تقدم القروض لأرباب الصناعة و غالباً ما تكون مضمونة بضمانات عينية «2».

4- المصارف الزراعية)Agricultural Banks(:

و تختص بتقديم الاعتمادات و المساعدات لهذا الفرع من

الإنتاج القومي «3»، و العمل علي النهوض بقطاع الزراعة و منح

القروض للمزارعين بهدف تطوير الإنتاج الزراعي «4». و منح

القروض للجمعيات التعاونية الزراعية لمساعدتها علي تحقيق أغراضها «5». و يعتمد نشاطها علي الاقتراض من الحكومة و البنك المركزي

و المصارف الأخري «6».

5- المصارف العقارية)Real- Estate Banks(:

و هي المؤسسات المتخصصة في تقديم السلف العقارية، أو القروض للجمعيات و الهيئات لبناء مساكن للحكومة أو للأفراد أو تأسيس شركات مساهمة لإنشاء مساكن أو شركات عقارية أو عمليات إقراض لهذه الشركات بضمان أوراق مالية «7»

______________________________

(1) د. الهواري. سيد، أساسيات إدارة البنوك، مصدر سابق، ص 227.

(2) د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، 347.

(3) د. السباعي. نهاد. د. رزق الله انطاكي، موسوعة الحقوق التجارية، مصدر سابق، 3/ 192.

(4) د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 347.

(5) د. محمد عزيز، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 338.

(6) د. الهواري، سيد أساسيات إدارة البنوك، مصدر سابق، ص 231.

(7) المصدر نفسه، ص 233.

المعاملات المصرفية، ص: 29

و توضع هذه المصارف تحت إشراف الحكومة لضمان المحافظة علي الثروة القومية «1». و هذا القطاع يحتاج إلي توافر أموال كبيرة «2».

6- مصارف الأعمال (بنوك الأعمال):

و هي مؤسسات متخصصة، تقوم هياكلها علي اقتصاديات الأعمال من حيث البحث عن أحسن فرصة للاستثمار الطويل الأجل، بما في ذلك تحقيق الحد الأقصي للأرباح بأقل تكلفة ممكنة «3».

7- مصارف الاستثمار (بنوك الاستثمار Infestment Banks(:

و تقوم بتسويق السندات للشركات و الحكومة للتمكن من الحصول علي رأس مال طويل الأجل «4».

8- مصارف الرهون:

الغرض منها هو تمكين الافراد من الحصول علي القوة الشرائية الضرورية لسد حاجاتهم الشخصية الجارية أو الطارئة، و مقاصد قروضها استهلاكية و من النادر أن تستخدم في الإنتاج «5».

الفرع الثاني: المصارف حسب صلة الدولة بها:
اشارة

تقوم الدولة بنفسها بتأسيس المصرف و استثماره، و قد تشترك و تساهم في ذلك مع الأشخاص و الجمعيات الخاصة، و قد تبقي بعيدة عن أي نشاط فعلي في الموضوع. و علي هذا فإننا نستطيع أن نميز المصارف حسب صلة الدولة بها إلي:

1- المصارف العامة:

و هي التي تنشئها أو تديرها السلطات العامة كالدولة و المحافظات

بتقديم ما يلزم لها من رأس مال، و مباشرة ادارتها و تعيين الموظفين فيها و تحمل

______________________________

(1) د. مرعي. عبد العزيز. د. عيسي عبده إبراهيم، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 196.

(2) د. شيحة. مصطفي رشدي، الاقتصاد النقدي و المصرفي، مصدر سابق، ص 384.

(3) د. شيحة. مصطفي رشدي. الاقتصاد النقدي و المصرفي، مصدر سابق، ص 396.

(4) د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 344.

(5) د. محمد عزيز، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 356.

المعاملات المصرفية، ص: 30

مسئولية أعمالها، كسائر المصارف بعد التأميم «1».

2- المصارف الخاصة:

و هي التي يكون رأس مالها و إدارتها لشركة أو افراد أو جمعية تعاونية دون أن يكون للدولة أي تدخل فيها، كأغلب المصارف القائمة في البلاد الرأسمالية، و يتولي الأعضاء إدارة المؤسسة و عليهم تقع مسئولياتها «2».

3- المصارف المختلطة:

و هي التي تساهم في تأسيسها و ادارتها كل من الدولة أو مؤسساتها و الأفراد و المؤسسات الخاصة. و تحرص الدولة في هذه المصارف علي حيازة أكثر من نصف أسهمها ليكون لها الشأن الأول في سائر المقررات التي تتخذها سلطات الإدارة فيها «3».

المبحث الثالث: طبيعة المعاملات المصرفية

الفرع الأول: المعاملات المصرفية كعقود مستجدة:
اشارة

إن الشريعة الإسلامية نظمت علاقات الناس و ضروب معاملاتهم و تصرفاتهم طلبا للمصلحة، بجانب عنايتها بالعقائد و العبادات، فقد شرعت العقود للحاجة و المصلحة، و مما يدل علي أنها تحقق للناس مصالحهم وجودها قبل الشرع، و ما يتفق و طبيعتها، و ما يقتضيه إقرار الشرع إياها علي وجه جعلها

______________________________

(1) د. مرعي. عبد العزيز، د. عيسي عبده إبراهيم، النقود و المصارف، مصدر سابق، ص 197،

أيضا: د. السباعي. نهاد. د. رزق الله انطاكي، موسوعة الحقوق التجارية، مصدر سابق، ص 163.

(2) القصار. وفيق. المعاملات المصرفية، بحث مطبوع علي الآلة الكاتبة، السكرتارية الفنية للمؤتمر، مجمع البحوث الإسلامية، المؤتمر الثاني، الأزهر، ص 4.

أيضا: د. مرعي. عبد العزيز و د. عيسي عبده إبراهيم، النقود و المصارف، مصدر سابق، ص 163.

(3) د. السباعي. نهاد. د. رزق الله انطاكي، موسوعة الحقوق التجارية، مصدر سابق، 3/ 163.

أيضا: القصار. وفيق، المعاملات المصرفية، مصدر سابق، ص 5.

المعاملات المصرفية، ص: 31

كفيلة بان تحقق للناس مصالحهم. و إنها تنشأ و توجد بإرادة العاقد، و أن آثارها تحدد بتلك الإرادة و أن العاقدين يلزمان بها بإيجاب من الشارع.

و تنقسم العقود إلي:
أولًا: العقود المسماة:

و هي ما كان لها اسم خاص بها في الشريعة المقدسة، كالبيع و الرهن و الإجارة و غيرها.

ثانياً: العقود غير المسماة:
اشارة

و هي التي لم يصطلح عليها اسم خاص لموضوعها، و تنشأ تبعا للحاجة، و لم تكن موجودة من قبل، و لم يرتب التشريع لها أحكاما. مثل عقد التأمين، و عقود المعاملات المصرفية و غيرها. و هذه العقود كثيرة نشأت في عصور متأخرة، أطلق عليها الفقهاء أسماء خاصة. و قد أختلف الفقهاء في أصل العقود من حيث الإباحة و الحظر و انقسموا إلي اتجاهين رئيسين هما: -

الاتجاه الأول (المضيق):

ذهب أهل الظاهر إلي أن الأصل في العقود، الحظر إلا ما ورد الشرع بإجازته، فلم يصححوا عقدا و لا شرطا إلا ما ثبت جوازه بنص أو إجماع «1». فلا يجوز إحداث عقد لم يرد به الشرع لأنه أن أحدث و لم يجعل ملزما لم يكن عهدا و لا عقدا، و إن الزم فقد أحدث في الدين ما ليس منه، و ذلك لأننا أوجبنا علي أنفسنا ما لم يوجب الله علينا في شرعه. و لا إيجاب إلا من الله تعالي.

الاتجاه الثاني (الموسع):

إن الأصل في العقود و الشروط الجواز و الصحة، و لا يحرم منها و لا يبطل إلا ما دل الشرع علي تحريمه و إبطاله نصا أو قياسا علي من قال به.

______________________________

(1) ابن تيمية (ت: 728 ه)، القواعد النورانية الفقهية، تحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1370 ه- 1951 م، ص 188 ابن حزم/ المحلي/ ج 8 ص 341. و أيضاً ابن حزم. أبو محمد علي بن احمد بن سعيد (ت: 456 ه)، المحلي، طبعه و صححه احمد محمد شاكر، الناشر المكتب التجاري للطباعة و النشر، بيروت، 8/ 341.

المعاملات المصرفية، ص: 32

و كان في مقدمة أصحاب هذا الرأي الحنابلة و من بينهم ابن تيمية، و ابن القيم «1». و مذهب شريح القاضي، و مذهب عبد الله بن شبرمة الكوفي، و الإمامية، و بعض فقهاء المذهب المالكي «2».

أما الحنفية و الشافعية فأطلقوا للإنسان حرية التعاقد في نطاق الأدلة الشرعية القائلين بها «3». و استدل أصحاب هذا الاتجاه علي أن الأصل في العقود الإباحة بأدلة نذكر منها:

1- قوله تعالي: [يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ] «4». وجه الدلالة أن الألف و اللام في (العقود) للاستغراق.

لان لفظ العقود جمع محلي (بأل). و هي إذا ما دخلت أفادت عموم مدخولها، علي ما هو مشهور لدي الأصوليين. فيكون اللفظ شاملا لجميع العقود علي اختلاف أنواعها و أشكالها، و تخصيصه ببعض الأفراد مما يحتاج إلي دليل، و هو غير ثابت. فكل ما يصح إطلاق اسم العقد عليه يكون مشمولا للعموم المذكور.

______________________________

(1) ابن تيمية، نظرية العقد، تصحيح أبو عبد الرحمن ناصر الدين نوح نجاتي الألباني، دمشق، 1368 ه- 1949 م، ص 227.

(2) الزرقا. مصطفي أحمد، المدخل الفقهي العام، الطبعة السابعة، دار الفكر، بيروت، 1/ 501.

أيضا الحكيم. السيد عبد الهادي محسن، المعاطاة في المذاهب الثمانية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية دار العلوم، 1397 ه- 1977 م، ص 64.

أيضا: عمادي. محمد رضا، النظرية العامة في الشروط في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1970 م.، 2/ 295. أيضاً الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء/ تحرير المجلة/ المكتبة الرضوية/ المطبعة الحيدرية/ النجف 1359 ه/ ط 5.

(3) د. بدران. أبو العينين بدران، الشريعة الإسلامية، مطبعة م. ك، الإسكندرية، 1973 م، ص 445.

أيضا: د. محمد يوسف موسي، الأموال و نظرية العقد في الفقه الإسلامي، الطبعة الأولي، مطابع دار الكتاب العربي، القاهرة، 1372 ه- 1952 م، ص 414. أيضاً السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (ت: 911 ه)، الأشباه و النظائر في قواعد و فروع فقه الشافعية، دار إحياء الكتب العربية، مطبعة عيسي البابي الحلبي و شركاه، ص 66.

(4) سورة المائدة، الآية (1).

المعاملات المصرفية، ص: 33

فيكون المعني: أوفوا بجميع العقود سواء في ذلك العقد الذي ورد بالشرع معينا، و الذي لم يرد فيه ما دام لم يخالف القواعد الشرعية العامة.

2- قوله تعالي: [يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ

بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ] «1». فالعقود تعتمد علي التراضي بين المتعاقدين، فإذا تحقق التراضي فيما استحدثه الناس من العقود، و لم تكن مخالفة للقواعد العامة شرعاً، تكون تلك العقود جائزة شرعاً و إن لم يرد نص خاص من الشرع باسمها. و الاستثناء يعم جميع أقسام التجارة عن تراض «2».

3- إن الأصل في الأشياء الإباحة، حتي يدل الدليل علي التحريم، و يعضد هذا الأصل قول الرسول (صلي الله عليه و آله و سلّم) (ما أحل الله فهو حلال، و ما حرم فهو حرام، و ما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته فان الله لم يكن لينسي شيئاً) «3».

4- إن وضع الشرائع إنما هو لصالح العباد في العاجل و الآجل معا. و إن هذا ثابت في جميع الأحكام بالتتبع و الاستقراء فكان أصلا شرعيا «4». كما قامت علي رفع الحرج و التيسير علي الناس، قال تعالي: [يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ] «5»

______________________________

(1) سورة النساء، آية (29).

(2) كاشف الغطاء، الشيخ علي الشيخ محمد رضا، مجلة الأزهر، السنة (37)، الجزء الأول، القاهرة، ص 105.

(3) السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (ت: 911 ه)، الأشباه و النظائر، مصدر سابق، ص 66.

(4) الشاطبي. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي اللخمي الغرناطي المالكي (ت: 790 ه)، الموافقات في أصول الشريعة، صححه و وضع تراجمه عبد الله دراز، الناشر المكتبة التجارية الكبري، مطبعة الشرق الأدني، مصر، 2/ 6.

(5) سورة البقرة، الآية (185).

المعاملات المصرفية، ص: 34

5- صحة مبدأ سلطان الإرادة العقدية في الفقه الإسلامي «1».

الرأي المختار:

إن للإرادة الحرية الكاملة في نشوء العقود المسماة و غير المسماة التي تستخدم منها الإنسانية إذا ما توفرت أركانها اللازمة شرعا

ما دامت لم تخالف حكم الله و لا تناقض الكتاب و السنة النبوية. ففي المعاملات المالية الأصل في العقود صحيحة حتي يقوم الدليل علي الحرمة من نص في الكتاب أو السنة. فالشرع الإسلامي لم يحصر التعاقد في موضوعات معينة يمنع تجاوزها إلي موضوعات أخري، و ليس في نصوص الشريعة ما يوجب تحديد أنواع العقود أو تقييد موضوعاتها عند ما تكون غير منافية لما قرره الشرع من القواعد و الشرائط العامة في التعاقد.

فقد ظهر بالنقل و العقل، أنه لا يحرم من العقود بصفة عامة إلا ما حرمه الشارع، فالوفاء بها واجب من ناحية الشرع و العقل و لا سيما بما يلتزمه الإنسان راضياً مختاراً. و من هذا نستنتج صحة مبدأ سلطان الإرادة في الفقه الإسلامي في إنشاء العقود.

الفرع الثاني: الغاية من المعاملات المصرفية و موقف الشريعة منها:

تهدف المعاملات المصرفية إلي غايتين رئيستين هما:

أولًا: تقديم الخدمات المختلفة إلي عميل المصرف.

ثانياً: استثمار الأموال في المصارف بشكل ملائم لطبيعة رأس مال المجتمع من موارده المختلفة بما يتميز به من حركة متنوعة الموارد و المصادر، و لكنها مستقرة المستوي و ثابتة الحجم من حيث المجموع.

______________________________

(1) أبو زهرة. محمد، ابن حنبل حياته و عصره، آراؤه و فقهه، طبع و نشر دار الفكر العربي، ص 332.

أيضا: الزرقاء مصطفي، عقد التأمين، ص 28.

أيضا: مغنية، الشيخ محمد جواد، فقه الإمام الصادق، الطبعة الأولي، دار العلم للملايين، بيروت، 1965 م، 3/ 18.

المعاملات المصرفية، ص: 35

إن الأسلوب المصرفي في تجميع الأموال و توظيفها هو تحقيق عملي تطبيقي لنظرة الشريعة إلي ما يجب أن يكون عليه دور المال في المجتمع. و هو أسلوب يتحقق فيه التوفيق بين حقوق الأفراد في تملك المال و حق الجماعة في الانتفاع به حتي لا يبقي معطلا بالاكتناز.

و مسألة تباين

المعاملات المصرفية مع الشريعة الإسلامية ليست واردة بالنسبة للغايات المستهدفة من المعاملات، بل هي قائمة في الوسائل المتبعة لتحقيق تلك الغايات، فان مسألة نشوء هذه المعاملات و تطويعها لا حكام الشريعة الغراء لا تبدو أمرا عسير المنال، ذلك لتعدد الوسائل الموصلة إليها، مما يساعد علي تخير الوسيلة الملائمة لتحقيق الغاية نفسها التي يمكن بلوغها بوسيلة أخري مقبولة في نظر الشرع و الانتقال بالمعاملات المصرفية من واقعها القائم حالًا بما فيها من تعارض مع نظر الشريعة الإسلامية، بالاعتماد علي البحث عن تخريجات لتحقيق الغايات المقصودة بما يتلاءم و شريعة العدل الإلهي، علي أساس تكييفها لآراء فقهية تحقق الغايات المستهدفة من المصارف من دون أن نحني للمعاملات المصرفية أحاسيس الناس و نلوي من أجلها نصوص الشريعة بتخريجات باسم الحاجة و الضرورة و دفع الحرج بالتخريجات و الوسائل الكثيرة لتيسير الوصول بلا ضيق أو تضييق.

فقد عرف الفقه الإسلامي منذ عهود مبكرة، فكرة تبدل الوصف التعاقدي للعلاقة الواحدة و دون أن يعدّ هذا التبدل في الوصف مشكلة مستعصية. و لعل في عقد المضاربة ابرز مثال علي سعة أفق الفقه الإسلامي في نظرته لتعدد أوصاف العلاقة التعاقدية في العقد الواحد حسب الأول و المواقف المختلفة. فقد قيل في عقد المضاربة أنه أمانة عند الدفع، و وكالة عند الشراء، و شركة عند الربح، و إجارة عند الفساد، و غضب عند المخالفة «1»

______________________________

(1) السمرقندي. علاء الدين، تحفة الفقهاء، حققه و علق عليه محمد زكي عبد البر، الطبعة الأولي، مطبعة جامعة دمشق، 1377 ه- 1958 م، 3/ 25.

المعاملات المصرفية، ص: 36

و من هذا نستنتج أن المعاملات المصرفية بعقودها الجديدة لا تشكل عائقاً للفقه الإسلامي من حيث نظرته إليها كمعاملات مستجدة من ناحية، كما

أنها لا تسبب بالنسبة لتلونها و تبدلها صعوبة أمام هذا الفقه المرن المتسع العظيم.

الفصل الثاني الربا في الفقه الإسلامي

تمهيد: تتفق جميع الشرائع السماوية مع منهج الإسلام في تحريم الربا.

فقد جاء في التوراة (إن اقترضت فضة للفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي) «1».

و في سفر التثنية (لا تقرض أخاك بربا ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شي ء ما مما يقرض بربا للأجنبي تقرض بربا، و لكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرب إلهك) «2». و من هذا النص يظهر لنا أن اليهود أباحوا التعامل بالربا مع غيرهم من الأمم و حرموه بينهم.

و ينقل لنا إنجيل لوقا ما نصه (إذا أقرضتم لمن تنتظرون منهم المكافأة فأي فضل يعرف لكم؟ و لكن افعلوا الخيرات و أقرضوا غير منتظرين عائدتها) «3».

و الوثنيون من عرب الجاهلية أنفسهم، كانوا يشمئزون من الربا و يعدونه من الطرائق غير السليمة في الكسب. و أن قريشاً تنظر إلي الكسب الذي يأتي بطريقة الربا نظرة من يعده سحتاً من الناحية الأخلاقية.

و الفلاسفة القدماء أقروا تحريم الربا. فارسطو يقرر إن الكسب بالربا غير طبيعي و ذلك لأن النقد لا يلد النقد «4»

______________________________

(1) سفر الخروج، الصحاح (28)، فقرة (26).

(2) الصحاح (23)، فقرة (19، 20).

(3) الصحاح (6)، فقرة (34، 35).

(4) د. ماجد علي إبراهيم، البنك الإسلامي للتنمية، الناشر دار النهضة العربية، مطبعة دار الهنا، 1982 م، ص 169.

أيضا: العقاد. عباس محمود، حقائق الإسلام و أباطيل خصومه، الطبعة الأولي، مطبعة مصر، القاهرة 1376 ه- 1957 م، ص 133.

المعاملات المصرفية، ص: 37

أما في الوقت الحاضر فلا يزال النظام الربوي هو أساس التعامل للنظم الاقتصادية المعاصرة. و هو مصدر الكثير من المشكلات الدولية التي يعاني منها المجتمع الدولي، و انقسام العالم إلي دول غنية تحتكر الثروة العالمية مع القدرة علي السيطرة في

مجال العلاقات الاقتصادية الدولية، و دول فقيرة تعاني من عجز دائم في إمكاناتها المالية و الاقتصادية اللازمة للوفاء بمتطلبات شعوبها في الحياة الكريمة.

و لا أعتقد أن هنالك من ينكر تحريم الربا من المسلمين، فهو معلوم التحريم بالضرورة من الشرع كتابا و سنة و إجماعا، فمنكره منكر لا مر ثابت من الدين بالضرورة و هو بذلك داخل في زمرة الكافرين. و لكن وقع الخلاف بين الفقهاء و العلماء في المراد بالربا.

و تعريف الربا و المراد منه ليس بالأمر السهل، و علي ذلك نحتاج اليوم إلي بيانه لمعرفة ما يدخل من المعاملات المصرفية ضمن الربا فيكون محذورا، و ما لا يدخل فيبقي علي الحل الأصلي.

و لغرض تحديد موقف الإسلام من الربا، سنتكلم في ثلاثة مباحث مستقلة تحديد معني الربا، و بيان أنواعه، و الفائدة في منظور الفقه الإسلامي.

المبحث الأول: تعريف الربا:

الفرع الأول: الربا في اللغة و الاصطلاح:
اشارة

الكلام عن حقيقة الربا يقتضي تحديد معناه في اللغة، ثمّ تحديد معناه في الاصطلاح الشرعي:

أولًا: الربا لغةً:

ربا الشي ء يربو ربوا و رباء: زاد و نما، فهو راب و افعل التفضيل أربي. و أربيته: نميته. و في التنزيل العزيز [وَ يُرْبِي الصَّدَقٰاتِ] «1»

______________________________

(1) سورة البقرة، آية (276).

المعاملات المصرفية، ص: 38

و قوله تعالي عز و جل في صفة الأرض [اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ*] «1». ذكر إن معناها عظمت و انتفخت. و الرابية و الربوة: كل ما ارتفع من الأرض «2». و المرابي: الذي يأتي الربا. و الربا مرادف الرَّماء. و كتب الربا في المصحف الشريف بالواو فرقا بينه و بين الزنا، و كان الربا أولي منه بالواو، لأنه من ربا يربو، و زيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع فصار اللفظ علي طبق المعني في كون كل منهما مشتملا علي زيادة غير مستحقة «3».

ثانياً: الربا في الاصطلاح الشرعي:

اختلف الفقهاء في تحديد معني الربا تبعا لاختلافهم في مدلوله عندهم.

و ذلك علي النحو الآتي:

1- عرّف فقهاء الإمامية الربا بأنه: (بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل أو بالوزن في عهد صاحب الشرع عليه السلام أو في العادة مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكما، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة، و إن لم يكونا مقدرين بها إذا لم يكن باذل الزيادة حربيا، و لم يكن المتعاقدان و الدافع ولده، و لا زوجا مع زوجته «4». و يثبت الربا عندهم في كل معاوضة.

2- و عرّفه الشافعية بأنه (اسم لمقابلة عوض بعوض مخصوص غير

______________________________

(1) سورة الحج، آية (5) أيضا سورة فصلت، آية (39).

(2) ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، 14/ 304.

أيضاً: الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، مصدر سابق، 10/ 143.

(3) الزمخشري، أساس البلاغة، الطبعة الأولي، المطبعة الوهبية 1299 ه، 1882 م، 1/ 208.

أيضاً: الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني، دار

إحياء التراث العربي، بيروت، 3/ 46.

أيضاً: الراغب الاصبهاني، المفردات في غريب القرآن، مكتبة الانجلو المصرية، المطبعة الفنية الحديثة، 1970 م، ص 273.

(4) النجفي. الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الطبعة السادسة، دار الكتب الإسلامية، نجف، 1392 ه، 23/ 336.

المعاملات المصرفية، ص: 39

معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد، أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما) «1»، و يقصدون بالشطر الأول من هذا التعريف (ربا الفضل) عندهم، و بالشطر الثاني (ربا النسيئة) و (ربا اليد).

3- و عند فقهاء الحنفية يقع الربا في البيوع و المعاوضات، و قد تحدثوا عن موضوع الربا في باب البيوع، لانهم ألحقوه بالبيع قال السرخسي «2»: (الربا هو الفضل الخالي عن العوض المشروط في البيع).

4- و عرفه بعض فقهاء الحنابلة بأنه (الزيادة في أشياء مخصوصة) «3». بينما سلك بعضهم في تعريفه إلي تقسيم الربا إلي قسمين: جلي، و خفي، و يقصد بالربا الجلي ربا النسيئة، و هو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية. و أما الخفي: فهو ربا الفضل و تحريمه من باب سد الذرائع) «4».

أما علماء المالكية فقد ذكروا أن الربا يوجد في شيئين: في البيع و فيما تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك، و جعلوا الربا الجاهلي من الأنواع

______________________________

(1) السبكي. علي بن عبد الكافي، تكملة المجموع شرح المهذب للنووي، مطبعة الإمام، مصر، 1/ 125.

(2) السرخسي. شمس الدين، المبسوط، مصدر سابق، 12/ 109

(3) ابن قدامة. موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد (ت: 630 ه) المغني، الطبعة الثانية، مطبعة المنار، مصر، 1347 ه، 4/ 122.

أيضاً: المقدسي. شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد (ت: 682 ه)، الشرح

الكبير، الطبعة الثانية، مطبعة المنار، مصر، 1347 ه، 4/ 122.

(4) ابن قيم الجوزية. شمس الدين عبد الله محمد بن أبي بكر (ت: 751 ه)، أعلام الموقعين عن رب العالمين، علق عليه طه عبد الرءوف سعد، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، شركة الطباعة الفنية المتحدة، 1388 ه- 1968 م، 2/ 135.

المعاملات المصرفية، ص: 40

المتفق عليها «1».

الفرع الثاني: العلاقة بين معني الربا في الشرع و معناه اللغوي:

يعدّ الفقهاء الربا الجاهلي أو ربا النسيئة وحده هو الربا الحقيقي و أن ما عداه، ربا مجازي أو محمول علي الربا الحقيقي، فاستعمال لفظ الربا في غير الربا الجاهلي مجازٌ. فإطلاقه علي البيوع المنهي عنها دون أن يكون فيها معني الزيادة المقصودة بالتحريم شرعاً لربويتها، و إطلاقه علي ما ليس من المعاملات أصلًا من باب استعمال اللفظ مجازاً.

فإن ربا البيوع و غيره من المعاملات التي يطلق عليها اسم (الربا) في الشرع لا توجد مطلق زيادة، بل زيادة من نوع خاص. و يدل عليه أن النبي (صلي الله عليه و آله و سلّم) سمي النساء رباً في حديث أسامة بن زيد. فقال (إنما الربا في النسيئة) «2».

و أما إطلاق لفظ (الربا) علي ربا الجاهلية (ربا النسيئة) في عهد الجاهلية ج أي قبل ورود الشرع ج فلفظ الربا في هذا النوع بخصوصه حقيقة عرفية.

أما ربا البيوع فظاهر أنه حقيقة شرعية، و ذلك لأن العرب لم تكن تعرف الربا فيه قبل ورود الشرع «3»

______________________________

(1) ابن رشد الحفيد. أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي الأندلسي (ت: 595 ه)، بداية المجتهد و نهاية المقتصد، دار الفكر بيروت، 2/ 96.

(2) البيهقي. أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت: 458 ه)، السنن الكبري، الطبعة الأولي، دار الصادر، بيروت، 5/ 280. أيضاً: الشوكاني. محمد

بن علي بن محمد، نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار من أحاديث سيد الأبرار، الطبعة الأخيرة، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 5/ 216.

(3) الجصاص. أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي (ت: 370 ه)، أحكام القرآن، الطبعة الأولي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1335 ه، 1/ 464. أيضاً: القرطبي. أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 3/ 202.

المعاملات المصرفية، ص: 41

المبحث الثاني: أنواع الربا:

الفرع الأول: الربا في القرآن:
أولًا: تعريف الربا في القرآن:

(هو الزيادة التي يؤديها المدين إلي الدائن علي رأس المال نظير مدة معلومة من الزمن أجله إليها مع الشرط و التحديد) «1». فالربا متكون من ثلاثة أجزاء:

1- الزيادة علي رأس المال.

2- تجديد الزيادة باعتبار الأجل.

3- كونها شرطاً في المعاملة.

فكل معاملة للدين توجد فيها هذه الأجزاء الثلاثة هي معاملة ربوية.

ثانياً: أدلة تحريم الربا في القرآن:
اشارة

استدل العلماء علي تحريم الربا بالكتاب العزيز و السنة و الإجماع، أما الكتاب فإن حكم الربا فيه التحريم، و قد جاء بتحريمه بأربع مراحل، واحدة في مكة و ثلاث في المدينة، و قد اتبع القرآن في تحريمه الربا الأسلوب نفسه الذي اتبعه في تحريم الخمر. و ذلك بسبب شيوع الربا. و هذا الأسلوب المتدرج في التحريم هو من حكمة الله عز و جل في تطبيق أحكام شريعته «2».

[مراحل تحريم الربا في القرآن]
المرحلة الأولي:

قال تعالي: [وَ مٰا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوٰالِ النّٰاسِ فَلٰا يَرْبُوا عِنْدَ اللّٰهِ وَ مٰا آتَيْتُمْ]

______________________________

(1) المودودي. ابو الاعلي، الربا، تعريب محمد عاصم الحداد، دار الفكر، بيروت، ص 82.

(2) المراغي. أحمد مصطفي، تفسير المراغي، الطبعة الثالثة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1394 ه- 1974 م، 3/ 59. أيضاً: د. دراز. محمد عبد الله، الربا في نظر القانون الإسلامي، الناشر مكتبة المنار بالكويت، مطابع المكتب الإسلامي، بيروت، سلسلة نحو اقتصاد إسلامي سليم (6)، ص 16. أيضاً: السليمان. عبد الله، الربا، مجلة لواء الإسلام، العدد الثاني، السنة الخامسة، شوال 1370 ه- يوليو 1951 م، ص 115.

المعاملات المصرفية، ص: 42

[مِنْ زَكٰاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ] «1». و قد ذكرت هذه الآية ثواب الزكاة عند الله و ألمحت إلي أن الربا غير مرغوب فيه دون أن تذكر تحريمه.

المرحلة الثانية:

ثمّ جاءت المرحلة الثانية و هي قوله تعالي [فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هٰادُوا حَرَّمْنٰا عَلَيْهِمْ طَيِّبٰاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ كَثِيراً وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَكْلِهِمْ أَمْوٰالَ النّٰاسِ بِالْبٰاطِلِ وَ أَعْتَدْنٰا لِلْكٰافِرِينَ مِنْهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً] «2».

إن التحريم لم ينزل بعد، و إنما اكتفت الآية هنا بالتلميح إلي تحريم الربا علي اليهود، و يظهر من هذا العرض القرآني أن المرحلة المقبلة ستكون التحريم.

المرحلة الثالثة:

و جاءت المرحلة و هي قوله تعالي [يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعٰافاً مُضٰاعَفَةً وَ اتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] «3». إن التحريم هنا اقتصر علي الأضعاف المضاعفة و لو اكتفي المشرع بهذا القدر من النصوص لقلنا بأن الربا المحرم هو الأضعاف المضاعفة، و لكن ما لبث أن جاء التحريم الكلي القاطع حيث نزلت الآية الأخيرة التي جاءت بالتحريم الكلي و هي: -

المرحلة الرابعة:

[الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا لٰا يَقُومُونَ إِلّٰا كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا فَمَنْ جٰاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهيٰ فَلَهُ مٰا سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَي اللّٰهِ وَ مَنْ

______________________________

(1) سورة الروم، آية (39).

(2) سورة النساء، آية (160- 161).

(3) سورة آل عمران، آية (130).

المعاملات المصرفية، ص: 43

عٰادَ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ يَمْحَقُ اللّٰهُ الرِّبٰا وَ يُرْبِي الصَّدَقٰاتِ وَ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ كُلَّ كَفّٰارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لٰا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لٰا هُمْ يَحْزَنُونَ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ الرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ] «1».

و أما السنة:

فقد جاء في الحديث الشريف عن تحريم الربا ما روي:

1- عن علي (عليه السلام) و عن جابر الأنصاري أنهما قالا: (لعن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم) في الربا خمسة: آكله و موكله و شاهديه و كاتبه) «2».

2- و عن علي (عليه السلام) قال: (إذا أراد الله بقرية هلاكاً ظهر فيهم الربا) «3».

3- و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال (أخبث المكاسب كسب الربا) «4».

و أما الإجماع:

فقد أجمعت الأمة الإسلامية علي تحريم الربا الذي جاء ذكره في

القرآن الكريم، قال ابن قدامة «5»: (و أجمعت الأمة علي أن الربا محرم). و ذكر

______________________________

(1) سورة البقرة،/ من آية (275) إلي آية (279).

(2) الصدوق، الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ت: 381 ه)، من لا يحضره الفقيه، الطبعة الرابعة، حققه و صححه حسن الموسوي، دار الكتب الإسلامية، مطبعة النجف، 1378 ه، ج 3 ص 174.

أيضاً: الشوكاني: محمد بن علي بن محمد، نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، مصدر سابق، 5/ 214.

(3) الطبرسي. أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبعة الأولي، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1380 ه- 1961 م، 3/ 361.

(4) الحر العاملي. المحدث محمد بن الحسن (ت: 1104 ه)، وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة، صححه عبد الرحيم الرباني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، م 6، 2/ 423.

(5) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 4/ 122.

المعاملات المصرفية، ص: 44

الرملي «1» ذلك حيث أوضح أن إجماع المسلمين علي تحريمه.

ثالثاً: تحديد الربا في القرآن:
اشارة

اختلفت آراء العلماء و تباينت في تحديد الربا في القرآن و ذلك علي ثلاثة آراء:

الرأي الأول:

حصر تحريم الربا في بالقرآن بالربا الجاهلي الذي كان معروفاً عند العرب في الجاهلية و ذلك بأن اللام في الربا للعهد، و إن باقي ما يطلق عليه لفظ الربا شرعاً محرم بالسنة زيادة علي ما حرمه القرآن «2». و ربا الجاهلية كان مداينة ناشئة عن عقد بيع بنسيئة، أي بثمن مؤجل، أو قرضاً مشروطاً فيه الزيادة، أي قرضاً بفائدة «3».

الرأي الثاني:

إن الربا في القرآن يشمل كل أنواع الربا المحرم شرعاً، و ذلك لعموم اللفظ (و حرم الربا)، و يرون أن اللام في الربا للجنس لا للعهد، فيتناول لفظ الربا ما حرمه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم) و نهي عنه من البيع الذي يدخله الربا و ما في معناه من البيوع المنهي عنها «4».

الرأي الثالث:

إن تحريم الربا في القرآن مجمل، و المجمل ما احتمل وجوهاً فصار بحال لا يوقف علي المراد إلا ببيان الشارع المقدس. فكان الربا في القرآن شاملًا لكل

______________________________

(1) شمس الدين محمد بن أبي العباس، احمد بن شهاب الدين (ت: 1004 ه)، نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1357 ه 1931 م، 3/ 409.

(2) ابن قيم الجوزية. شمس الدين عبد الله محمد بن أبي بكر (ت: 751 ه)، أعلام الموقعين عن رب العالمين، مصدر سابق، 1/ 203.

(3) محمد رشيد رضا، الربا و المعاملات في الإسلام، بمقدمة محمد بهجة البيطار، مكتبة القاهرة، مصر، 1379 ه- 1960، ص 62.

(4) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، 3/ 358.

المعاملات المصرفية، ص: 45

أنواع الربا شرعاً. و لكن لا بد له من بيان يعرف منه سبب التحريم. فلا يثبت تحريم الربا في القرآن من دون بيان الشارع المقدس «1». و علي هذا الرأي اعتمد أحد الباحثين الهنود في رسالة كتبها و نشرتها حكومة حيدرآباد الهندية، و وزعتها علي الأقطار الإسلامية لبيان الرأي فيها «2». و ملخص هذا الرأي أن الربا يكون في البيوع دون القروض فيحرم البيع الربوي، دون القرض الربوي. اعتماداً علي رأي علماء الحنفية الذين يلحقون الربا بالبيع، لأن الأحاديث التي وردت في السنة الشريفة لتحريم الربا كانت

واردة في نهي عن بيوع معينة. و لكن علماء الحنفية يحرمون القروض الربوية كما يحرمون البيوع الربوية.

و كذلك ذهب الدكتور عبد الرزاق السنهوري «3» اعتماداً علي هذا الرأي بأن القرض الربوي لا يعدّ أصلًا من أصول العقود الربوية، لأن البيع هو الأصل و يقاس القرض عليه. و لكن القول بأن القرض الربوي غير أصيل في العقود الربوية غير مسلم به، لأن أكثر الفقهاء و المفسرين قالوا: إن تحريم الربا في القرآن هو الربا الجاهلي، و الربا الجاهلي كان في الديون و هي تشمل البيوع و القروض. و علي ذلك يعدّ القرض الربوي محرماً بالنص المباشر، لأنه يدخل ضمن الربا المذكور في القرآن، و ليس بطريق القياس. و يختلف القرض الربوي عن القرض الذي يجر نفعاً، فالقرض الربوي حرام بالإجماع، و هو من الأصول الربوية المحرمة في القرآن. أما القرض الذي يجر نفعاً فيفصل فيه: إن كان النفع مشروطاً فيلحق بالقرض الربوي، و إن كان النفع غير مشروط فهو جائز،

______________________________

(1) الفخر الرازي. محمد فخر الدين بن ضياء الدين عمر المشتهر بخطيب الري، مفاتيح الغيب المشتهر بالتفسير الكبير، الطبعة الأولي، طبع بالمطبعة الشرقية، 1308 ه، 2/ 374.

(2) محمد رشيد رضا، الربا و المعاملات في الإسلام، مصدر سابق، ص 39.

أيضاً: النبهان. محمد فاروق، الفكر الاقتصادي في الإسلام، الموسم الثقافي لجامعة الكويت، الطبعة العصرية، الكويت، 1970 م- 1971 م، ص 226.

(3) مصادر الحق في الفقه الإسلامي، الطبعة الثالثة، مطابع دار المعارف، مصر، 1967 م، 3/ 264.

المعاملات المصرفية، ص: 46

اعتماداً علي فعل النبي (صلي الله عليه و آله و سلّم) الذي كان يقضي الدين و يزيد في القضاء.

الرأي المختار:

هو الرأي الأول الذي يقصر الربا في القرآن علي النوع الذي كان

معروفاً في الجاهلية، و هو ربا النسيئة أو ربا الدين «1». و يؤيد هذا: -

1- الاستعمال اللغوي و وجهه أن لفظ الربا كان مستعملًا عند عرب الجاهلية من المشركين و أهل الكتاب و غيرهم، و ذكر في بعض السور المكية فهو ليس من الألفاظ التي وضعت وضعاً جديداً في الشريعة فكانت مجملة ثمّ فسرت بعد ذلك بالأحاديث عند الحاجة إليها في التشريع العملي، و لأن اللام في الربا للعهد.

2- الحديث الوارد عن الرسول (صلي الله عليه و آله و سلّم) في حجة الوداع (إن كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع و أول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب) «2». فالمقصود بالربا في الحديث الشريف هو ربا الجاهلية الذي كان معهوداً للمخاطب. فلو لم يكن معروفاً و معهوداً لم يخاطبهم به.

و ثمرة الخلاف بين الأقوال الثلاثة ما يتفرع من خلاف قديم بين المسلمين القائلين بتحريم ربا الفضل و من نسب إليهم إنكاره. كما استند إلي ذلك الخلاف القديم بعض المعاصرين من القائلين: بأن (القرض بزيادة مشروطة) لا يدخل

______________________________

(1) محمد رشيد رضا، الربا و المعاملات في الإسلام، مصدر سابق، ص 75.

أيضاً: د. بدوي. إبراهيم زكي الدين، نظرية الربا المحرم في الشريعة الإسلامية، القاهرة، 1383 ه- 1964 م، ص 43.

أيضاً: د. محمد يوسف موسي، فقه الكتاب و السنة، البيوع و المعاملات المالية المعاصرة، الطبعة الأولي، دار الكتاب العربي، مصر، 1373 ه- 1954 م، ص 119.

(2) مسلم، أبو الحسين بن الحجاج بن مسلم القشيري، صحيح مسلم بشرح النووي، الطبعة الثانية، دار الفكر، بيروت، 11/ 26.

أيضاً: ابن كثير. عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت: 774 ه)، تفسير القرآن العظيم، الطبعة الثانية، دار الفكر، بيروت،

1389 ه- 1970 م، 1/ 588.

المعاملات المصرفية، ص: 47

تحت تحريم الربا شرعاً «1».

رابعاً: الحكمة من تحريم الربا في القرآن:

لا شك أن الله سبحانه و تعالي حرم الربا لحكمة فهو الحكيم الخبير، و لكن هذه الحكمة لم ينص عليها فالتمستها العقول و قد تخطئ و تصيب، و من الحكم التي التمست علي هذا النحو منع الظلم «2». و قد استدلوا للقول بهذه الحكمة إلي أن الله سبحانه و تعالي قال: [فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ

وَ لٰا تُظْلَمُونَ] «3». و في هذا إشارة إلي إن أخذ الربا ظلم، كما إن عدم الوفاء برأس المال ظلم، فمنع الربا منع للظلم «4».

و ذهب الإمامية إلي أن الحكمة في تحريمه المستفادة من الأخبار الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) هو لمنع الظلم، و من عدم اصطناع المعروف من قرض و غيره. و أنه لو أحلّ الربا لترك الناس التجارات و فسدت الأموال لكسب غير مشروع «5».

خامساً: مميزات الربا في القرآن (ربا الدين):

1- إنه الربا الذي كان معروفاً في الجاهلية و الذي ورد في القرآن الكريم تحريمه و بحرب من يتعامله.

2- إنه يتعلق بالدين بصرف النظر عن منشئه أ كان بيعاً بثمن مؤجل أم قرضاً

______________________________

(1) محمد رشيد رضا، الربا و المعاملات في الإسلام، مصدر سابق، ص 20.

(2) د. عبد البر. محمد زكي، الربا و أكل المال بالباطل، الطبعة الأولي، دار القلم، الكويت، 1402 ه- 1982 م، ص 22.

(3) سورة البقرة، آية (279).

(4) الخازن. علاء الدين علي بن محمد بن ابراهيم البغدادي الصوفي، تفسير الخازن المسمي لباب التأويل في معاني التنزيل، طبع بمطبعة دار الكتب العربية الكبري، اعدت طبعه بالأوفست مكتبة المثني، بغداد، 1/ 218.

(5) كاشف الغطاء. الشيخ هادي عباس، رسالة مخطوطة في الربا، مكتبة الشيخ علي كاشف الغطاء، ص 3.

المعاملات المصرفية، ص: 48

و غيرهما.

3- إنه الزيادة في الدين نفسه مشروطة مقابل الأجل «1».

إن الإمام

أحمد بن حنبل ذكر أن هذا الربا لا شك فيه، و هو الربا الجلي. و أنه محرم لذاته، و أنه محرم تحريم مقاصد «2» بخلاف ربا الفضل فقد نسب إلي ابن عباس و غيره القول بجوازه «3». و أنه محرم تحريم وسائل «4».

الفرع الثاني: الربا في السنة (ربا البيوع):
اشارة

و هو الربا الذي جاءت به السنة الشريفة وحدها، و الذي جري فيه الاختلاف و يسمي ربا البيوع، أي الربا الذي لم يكن أساسه الدين، بل أساسه علي العقود نفسها و أن هذا النوع من الربا عرف إسلامياً و لم يكن معروفاً عند عرب الجاهلية و لم تسمه ربا فقد قال الجصاص «5»: (إن العرب لم تكن تعرف بيع الذهب بالذهب و الفضة بالفضة نساء (أي مؤجلًا) ربا، و هو ربا في الشرع، و إذا كان ذلك علي ما وصفنا صار بمنزلة الأسماء المجملة المفتقرة إلي البيان، و هي الأسماء المنقولة من اللغة إلي الشرع لمعان لم يكن الاسم موضوعاً لها في اللغة).

أولًا: تعريف الربا في السنة:
اشارة

قسم الفقهاء ربا السنة إلي قسمين:

القسم الأول: ربا النساء:

(و هو زيادة في أحد البدلين سواء أ كانا متحدي الجنس أو لا، من دون

______________________________

(1) ابن العربي. أبو بكر محمد بن عبد الله بن احمد (ت: 542 ه)، أحكام القرآن، الطبعة الأولي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، 1376- 1957 م، 1/ 240.

(2) ابن قيم الجوزية، أعلام الموقعين عن رب العالمين، مصدر سابق، 2/ 154.

(3) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، مصدر سابق، 2/ 370.

(4) ابن قيم الجوزية، أعلام الموقعين عن رب العالمين، مصدر سابق، 2/ 154.

(5) الجصاص، أحكام القرآن، مصدر سابق، 1/ 465.

المعاملات المصرفية، ص: 49

أن تقابل هذه الزيادة بعوض سوي تأخير الدفع) «1». و لذا سمي ربا النساء، فإن النساء معناها التأخير.

و عرفه الكاساني «2» بأنه (هو فضل الحلول علي الأجل، و فضل العين علي الدين في المكيلين أو الموزونين عند اختلاف الجنس، أو في غير المكيلين أو الموزونين عند اتحاد الجنس).

و يمكن تعريفه (بأنه الزيادة المقدرة بفرق الحلول عن الأجل، إذا جري تأجيل قبض أحد البدلين في المال المتحد الصنف ج ما لم يكن قرضاً ج و كذلك إذا جري تأجيل قبض أحد البدلين المختلفي الصنف في حالتي الصرف و المقايضة). فمثال ما اتحد فيه الثمن و المبيع: أن يشتري منه صاعاً من الشعير علي أن يدفعه له صاعاً من الشعير بعد مدة معينة. و مثال ما اختلف فيه الثمن و المبيع: أن يشتري صاعاً من القمح بصاع من الشعير مؤجلًا.

القسم الثاني: ربا الفضل:

(هو زيادة عين مال شرطت في عقد البيع علي المعيار الشرعي و هو الكيل أو الوزن في الجنس) «3». و عرف (بأنه زيادة أحد البدلين المتجانسين من دون أن تقابل هذه الزيادة بعوض، مع التقابض «4» و الفضل هو الزيادة، ففضل

البدل علي المبدل ربا الفضل أي ربا الزيادة. و يسميه الشافعية ب (ربا اليد) أو ب (ربا النقد) ج مثاله كأن يبيع صاعاً من القمح بصاع و نصف منه، فالنصف (ربا). و الفرض أن كلا من البدلين حال.

و هذا لا خلاف في تحريمه بين المتأخرين من الفقهاء، إنما حصل فيه

______________________________

(1) الجزيري. عبد الرحمن، الربا، مجلة الأزهر، المجلد العاشر، مطبعة الأزهر، 1939 ه- 1358 ه، ص 27.

(2) الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود (ت: 587 ه)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مطبعة الإمام، القاهرة، 7/ 31060.

(3) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مصدر سابق، 7/ 31060.

(4) الجزيري، عبد الرحمن، الربا، مصدر سابق، ص 27.

المعاملات المصرفية، ص: 50

الخلاف في الصدر الأول، فقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة، فحكي عن عبد الله بن عباس و أسامة بن زيد و عبد الله بن الزبير أنهم حصروا الربا في النسيئة «1». و ذلك لما روي عن أسامة بن زيد أن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم) قال: (إنما الربا في النسيئة) «2». و فَسَّر ابن نجيم زين الدين (إنما) في الحديث بأنها تفيد الحصر و هو منصرف إلي ما ليس بمكيل و لا موزون «3»، و قد قيل برجوع الصحابة المنتجبين (رضي الله عنهم) عن ذلك القول «4». و الراجح رجوعهم «5».

ثانياً: أدلة تحريم الربا في السنة:

هنالك أحاديث وردت في النهي عن التعامل في أصناف معينة عرفت بأحاديث الأصناف الستة. و قد رويت هذه الأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام) و الصحابة (رضوان الله عليهم)، و أشهر هذه الأحاديث ما روي عن ابي سعيد الخدري، و عبادة بن الصامت، و سنقتصر عليهما في البيان:

1- عن أبي سعيد الخدري

(رضي الله عنه) أن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم) قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، و لا تشفوا بعضها علي بعض، و لا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل، و لا تشفوا بعضها علي بعض، و لا تبيعوا منها غائباً بناجز) «6»

______________________________

(1) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 4/ 123.

(2) الحاكم النيسابوري، المستدرك علي الصحيحين، دار الفكر، بيروت، 1398 ه، 2/ 43.

أيضاً: البيهقي، السنن الكبري، مصدر سابق، 5/ 280.

(3) البحر الرائق شرح كنز الدقائق، الطبعة الأولي، المطبعة العلمية، 2/ 137.

(4) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 4/ 123، أيضا المقدسي، الشرح الكبير، مصدر سابق، 4/ 123.

(5) د. بدوي، نظرية الربا المحرم في الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 265.

أيضاً: خروفة. علاء الدين، الربا و الفائدة في الشرائع الإسلامية، مطبعة السجل، بغداد، 1381 ه- 1962 م، ص 43.

(6) الاشفاف هو التفضيل، و الناجز الحاضر. ينظر:

رواه مالك في الموطأ، المكتبة العلمية، 1399 ه- 1979 م، ص 289.

أيضاً: العيني، عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 11/ 294.

المعاملات المصرفية، ص: 51

2- عن عبادة بن الصامت أن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم) قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب و لا الورق بالورق و لا البر بالبر و لا الشعير بالشعير و لا التمر بالتمر و لا الملح بالملح الّا سواء بسواء، عيناً بعين يداً بيد، فمن زاد أو ازداد فقد أربي، و لكن بيعوا الذهب بالورق، و الورق بالذهب، و البر بالشعير، و التمر بالملح، و الملح بالتمر يداً بيد كيفما شئتم) «1».

ثالثاً: شرح أدلة تحريم الربا في السنة:

إن الأحاديث التي وردت بشأن الربا في السنة (ربا البيوع) التي اختصت بها السنة الشريفة. قد ذكرت

أصنافاً معينة هي: الذهب و الفضة و القمح و الشعير و التمر و الملح. و الإمامية عندهم بدل الملح الزبيب.

و قد ذكرت الأحاديث حالتين، حالة اتخاذ الجنس بين البدلين مثل الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة و حالة اختلاف الجنس بين البدلين مثل الذهب بالفضة، و الفضة بالذهب.

و اشترطت شرطين:

1- اشتراط التقابض: اشترط الفقهاء وجوب التقابض قبل التفرق في معاملات الأصناف الستة وعدوا مخالفة هذا الشرط نوعاً من الربا أطلقوا عليه (ربا اليد) و ذلك أخذ من عبارة (يداً بيد) في الأحاديث الواردة في السنة الشريفة، و بخاصة أن في بعض روايات هذه الأحاديث (عيناً بعين) فيعدّون (يداً بيد) ج علي ظاهرها ج موجبة التقابض قبل التفرق.

2- اشتراط العلم بالمماثلة: و هذا الأصل مستفاد من بعض الروايات ففي حديث أبي سعيد الخدري (لا تبيعوا الذهب بالذهب و لا الورق بالورق

______________________________

(1) النسائي، سنن النسائي، المكتبة التجارية الكبري، المطبعة المصرية بالأزهر، مصر، 7/ 275.

أيضاً: البيهقي، السنن الكبري، مصدر سابق، 5/ 276.

المعاملات المصرفية، ص: 52

إلّا مثلًا بمثل سواء بسواء). فالتصدير بالنهي، أو بالحكم بالربوية ثمّ الاستثناء يجعل الحل معلقاً علي الشرط، و المشروط عدم عند عدم الشرط.

فإذا خولف الشرطان المتقدمان فقد وجد (الفضل) أي الزيادة. و الزيادة ربا و الفضل نوعان «1»: -

1- فضل أحد البدلين علي الآخر بأن كان أحدهما أكثر كأن يبيع صاعاً من القمح بصاع و نصف منه. فالنصف (ربا). و الفرض أن كلًا من البدلين حال.

2- فضل الحاضر علي الآجل بأن كان أحد البدلين حالًا و الآخر مؤجلًا كأن يبيع صاعاً من القمح حالًا بصاع من القمح مؤجلًا.

و يمكن أن يوجد النوعان في حالة واحدة، و هي حالة ما إذا خولف الشرطان (المماثلة و اليد)

في حالة اتحاد الأجناس، كأن يبيع صاعاً من القمح بصاع و نصف من القمح نسيئة.

رابعاً: علة تحريم الربا في السنة:
اشارة

اختلف الفقهاء في تحريم الربا في الأحاديث الشريفة التي اشتملت علي الأصناف الستة التي لا يحل التبادل فيها إلا مثلًا بمثل يداً بيد. مقتصراً علي هذه الأصناف بحيث لا تتجاوزها، أو تمتد إلي كل جنس ينضم تحت هذه الأصناف. فانقسموا إلي قسمين:

القسم الأول: هم القائلون بحجية القياس دليلًا شرعياً،

فعدوا امتداد منطقة الربا خارج الأصناف الستة التي تشملها العلة المستنبطة من هذه الأصناف، إلا أنهم اختلفوا في الأموال التي تمتد إليها نتيجة اختلافهم في العلة.

1- ذهبت الحنفية إلي أن علة ربا الفضل في الأصناف الأربعة المنصوص عليها

______________________________

(1) د. هاشم جميل عبد الله، الإمام سعيد بن المسيب و فقهه، رسالة دكتوراه، مطبعة الإرشاد، 1395 ه- 1975 م، 3/ 34.

المعاملات المصرفية، ص: 53

(الحنطة و الشعير و التمر و الملح) هي الكيل مع الجنس. و في النقدين الذهب و الفضة الوزن مع الجنس. فلا تتحقق العلة إلا باجتماع الوصفين و هما القدر و الجنس، و علة ربا النساء هي أحد وصفي ربا الفضل «1».

2- ذهبت الحنابلة في ظاهر مذهبهم إلي ما ذهب إليه الحنفية، إلا أنهم جعلوا اتحاد الجنس في ربا الفضل شرطاً و ليس علة كما فعل الأحناف «2».

3- و ذهب المالكية إلي أن العلة عندهم في ربا الفضل في الذهب و الفضة الثمنية، و هي قاصرة عليهما.

و في الأصناف الأربعة القمح و الشعير و التمر و الملح القوتية- أي الاقتيات- و الادخار، أي أن العلة مركبة من أمرين أحدهما الاقتيات و الآخر الادخار. فإذا عدم أحدهما انتفت العلة. و ذلك بشرط الجنسية أي اتحاد الجنس.

و المقصود بالادخار، أن لا يفسد بتأخيره إلي الأمد المبتغي منه عادة و لا حد له علي ظاهر المذهب، بل هو في كل شي ء بحسبه، فلا عبرة بما يدخر

نادرا كالرمان.

و الاقتيات هو ما لا يتم الانتفاع إلا به كالملح و التوابل.

أما ربا النساء فالعلة هي مجرد الطعم لا علي وجه التداوي، فتدخل الفاكهة «3».

4- و ذهبت الشافعية إلي أن العلة في الذهب و الفضة هي الثمنية أي كونهما أثمانا.

و في القمح و الشعير و التمر و الملح الطعم أي كونهما مطعومات، سواء

______________________________

(1) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مصدر سابق، 7/ 3110. أيضاً السرخسي، المبسوط، مصدر سابق، 12/ 103.

(2) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 4/ 125.

أيضاً: المقدسي، الشرح الكبير، مصدر سابق، 4/ 125.

(3) ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد، مصدر سابق، 2/ 97.

المعاملات المصرفية، ص: 54

كانت قوتا أو غير قوت، يدخر أولا يدخر.

فيسري الحكم علي الأقوات و الادام و الحلاوات و الفواكه و الأدوية.

و في الماء وجهان: أحدهما يقع الربا فيه لأنه مطعوم كغيره.

و الثاني لا يقع فيه الربا لأنه مباح في الأصل غير متمول أي لا يتخذ مالًا و لا يعد مالًا في العادة. و اتحاد الجنس في حالة ربا الفضل شرط، كما هو الحال عند المالكية و الحنابلة. و ليس شرطا في ربا النساء «1».

و يري الدكتور السنهوري أن العلل التي وقفت عليها الشافعية لها اعتبار اجتماعي اقتصادي، و عند الحنفية لها اعتبار منطقي أقرب إلي الشكل منه إلي الجوهر، و لذلك رجح علل الشافعية «2».

القسم الثاني: هم القائلون بعدم حجية القياس في مسألة الربا.

و انقسموا فريقين:

الفريق الاول:

يري هؤلاء الفقهاء أن القياس دليل شرعي علي الأحكام، و لكنهم لا يعملونه في موضوع الربا لأن علل القياس في مسألة الربا علل ضعيفة و هم: طاوس و الشعبي و مسروق و قتادة و عثمان البتي و ابن عقيل «3».

و أما الفريق الثاني:

فقد أنكر هؤلاء القياس بوصفه دليلا شرعياً للاحكام، و القائلون بذلك

الظاهرية و الإمامية.

حيث خص الظاهرية الأصناف الستة في وقوع الربا دون غيرها. جاء في المحُلّي (و الربا لا يجوز في البيع و السلم إلا في ستة أشياء فقط. في التمر و القمح

______________________________

(1) الخطيب الشربيني، محمد بن احمد (ت: 977 ه)، مغني المحتاج إلي معرفة ألفاظ المنهاج، الناشر المكتبة الاسلامية، 2/ 25.

(2) السنهوري. عبد الرزاق، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، 3/ 184.

(3) ابن قيم الجوزية، اعلام الموقعين، مصدر سابق، 2/ 155.

المعاملات المصرفية، ص: 55

و الشعير و الملح و الذهب و الفضة و هو في القرض في كل شي ء) «1».

و اثبت الإمامية الربا في كل مكيل أو موزون للنصوص الواردة بذلك عن أهل البيت عليهم السلام «2».

فعن أبي عبد الله (ع) قال: (لا يكون الربا إلا فيما يكال و يوزن) «3».

فالربا ثابت عندهم في كل معاوضة و ذلك من إطلاق النصوص المستفيضة و ترك الاستفصال منها ما روي (لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلا أو وزنا) «4».

خامساً: الحكمة من تحريم الربا في السنة:

قال ابن قيم الجوزية «5»: (إن تحريم ربا النسيئة هو تحريم المقاصد و تحريم ربا الفضل تحريم الوسائل وسد الذرائع. و لهذا لم يبح شي ء من ربا النسيئة، و أما ربا الفضل فابيح منه ما تدعو إليه الحاجة، فان ما حرم سدا للذريعة أخف مما حرم تحريم المقاصد. و ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة. و استدل علي ذلك بما روي عن النبي: (صلي الله عليه و آله و سلّم) (لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين، فاني أخاف عليكم الرما)، و الرما هو الربا.

و هذا ما ذهب إليه الشيخ محمد رشيد رضا حيث يري أن سبب النهي عن ربا البيوع، هو أنه سد لذريعة تحريم الربا قطعياً، و هذه

الذريعة مظنونة لا

______________________________

(1) ابن حزم، المحلي، 8/ 467.

(2) المحقق الحلي، ابو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (ت: 676 ه) شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، الطبعة الأولي، تحقيق و إخراج و تعليق عبد الحسين محمد علي، مطبعة الآداب، النجف 1389 1969، 2/ 43.

أيضاً: الشهيد الثاني، زين الدين الجبعي العاملي (ت: 965 ه)، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، تصحيح و تعليق محمد كلانتر، منشورات جامعة النجف الدينية مطبعة الآداب، النجف، 1387 ه 1967 م، 3/ 437.

(3) الحر العالمي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، 6/ 434.

(4) النجفي. الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، مصدر سابق، 23/ 336.

(5) اعلام الموقعين عن رب العالمين، مصدر سابق، 2/ 161.

المعاملات المصرفية، ص: 56

قطعية. و ما كان سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة «1».

كما ذهب الدكتور دراز و الأستاذ بدوي إلي أن ربا البيوع جعل حمي محرما، و هو تحريم الوسائل الممهدة إلي الحرمة الأصلية «2».

و يدل علي أن درجة التحريم في كل منهما ليست واحدة، فما كان تحريمه مقصدا يختلف عما كان تحريمه وسيلة، فالأول أشد من الثاني حرمة لأنه أصيل في حرمته و الثاني حرمته تبعية، لانها وسيلة إلي الربا الأصلي، و ينتج عن هذا أن ما حرم تحريم المقاصد لا يجوز الإتيان به إلا عند الضرورة الملحة و الملجئة التي تبيح أكل الميتة و الدم، بخلاف ما كانت حرمته تحريم الوسائل فانه يجوز للحاجة. و بين الضرورة و الحاجة فرق كبير «3».

و لم توجد في ثنايا كتب الإمامية الفقهية ما يشير إلي هذا التقسيم، بل عدوا الربا بقسميه ربا الدين و ربا البيوع علي درجة واحدة من التحريم.

و قد التمست العقول الحكمة من تحريم بيع النقدين كل منهما بجنسه

إلا متساويا و يد بيد. أو مختلفا كبيع الذهب بالفضة إلا يدا بيد، لأن النقدين جعلا قيما للأشياء فلا يجوز المتاجرة بهما ج فما هي إلا وسيلة لتبادل السلع. فبيعهما يعني تحريف الغاية المقصودة من إيجادهما لأنهما بحد ذاتهما مادة عقيمة و غير منتجة، و النقد لا يلد النقد.

و الحكمة من تحريم بيع الأصناف الأربعة من الأطعمة بعضها ببعض هو لمنع احتكارها لمن يملكها و هو منطق السنة في تحريم المبادلة بالمقايضة في الطعام، و ذلك لفوائد ثلاث: - «4»

______________________________

(1) الربا و المعاملات في الإسلام، مصدر سابق، ص 84.

(2) الربا في نظر القانون الإسلامي، مصدر سابق، ص 21.

أيضاً: نظرية الربا المحرم في الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 157.

(3) النبهان. محمد فاروق، لمحة عن نظرية الربا في الشريعة الإسلامية، مجلة رابطة العالم الإسلامي، العدد العاشر، السنة الخامسة، مكة، ذي الحجة 1378، 34.

(4) أبو زهرة. محمد، تحريم الربا تنظيم اقتصادي، مكتبة المنار، الكويت، ص 31.

المعاملات المصرفية، ص: 57

1- منع الاحتكار لأنواع الطعام، و تمكين من ليس عنده طعام من الشراء.

2- إقامة المقياس المستقيم لقيم الأشياء، فان توسط النقود في المبادلة يجعل التبادل علي أساس سليم يقل فيه الغبن.

3- ترويج التجارة، و تسويق السلع، فان المقايضات لا تكون إلا في الأمم البدائية.

سادساً: ربا المعدود:

لا خلاف في وقوع الربا في المعدود إذا كانت المعاملة تقع علي نحو القرض. فلا يجوز إقراض بيضة ببيضتين. و لكن وقع الاختلاف في وقوع الربا في المعدود إذا كانت المعاملة تقع علي نحو البيع: -

أ- ذهبت الحنفية إلي أن المعدود يتحقق فيه ربا النسيئة سواء وقعت المعاملة علي نحو القرض أو البيع. أما ربا الفضل فلا يتحقق فيه. قال ابن عابدين «1»: (و المذروع و

المعدود لا يتحقق فيهما ربا و المراد ربا الفضل لتحقق ربا النسيئة. فلو باع خمسة أذرع من الهروي بستة أذرع منه أو بيضة ببيضتين جاز لو يدا بيد، لا نسيئة لان وجود الجنس فقط يحرم النساء لا الفضل كوجود القدر فقط).

و قال الكاساني «2»: (يجوز بيع المذروعات و المعدودات المتفاوتة واحد باثنين يدا بيد، كبيع ثوب بثوبين، و عبد بعبدين، و شاة بشاتين، و نصل بنصلين، و نحو ذلك بالإجماع لانعدام أحد الوصفين و هو الكيل و الوزن).

و قال السرخسي «3»: (و إن كان من نوع واحد مما لا يكال و لا يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد هذا ما جري علي ظاهره و هو متفق عليه).

ب- و ذهب فقهاء الحنابلة إلي أن المعدود يتحقق فيه ربا النسيئة إذا وقعت

______________________________

(1) ابن عابدين. محمد أمين، رد المحتار علي الدر المختار، دار احياء التراث العربي، بيروت، 4/ 177.

(2) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مصدر سابق، 7/ 3106.

(3) السرخسي. شمس الدين، المبسوط، مصدر سابق، 12/ 122.

المعاملات المصرفية، ص: 58

المعاملة علي نحو القرض. أما إذا وقعت المعاملة علي نحو البيع فلا يتحقق فيها ربا الفضل، و لا يتحقق ربا النساء علي رواية قال ابن قدامة «1»: (اختلفت الرواية في تحريم النساء في غير المكيل و الموزون علي أربع روايات (إحداهن): لا يحرم النساء في شي ء من ذلك سواء أبيع بجنسه أم بغيره متساويا أم متفاضلا إلا علي قولنا أن العلة الطعم فيحرم النساء في المطعوم و لا يحرم في غيره).

ج- و ذهب فقهاء الشافعية إلي ما ذهب إليه فقهاء الحنابلة بالنسبة لوقوع الربا في المعدود. و لكن افترق الشافعية في وقوع ربا النساء في المعدود

المطعوم. «2»

و

استدلوا بما روي أبو داود عن عبد الله بن عمر (أن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم) أمر أن يجهز جيشا فنفذت الإبل، فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلي ابل الصدقة) «3».

و عن الحسن بن محمد (أن علياً (عليه السلام) باع بعيراً له يقال لهُ عصيفر بأربعة أبعرة إلي أجل، و لأنهما مالا لا يجري فيهما ربا الفضل فجاز في النساء أيضا) «4».

د- و ذهب فقهاء المالكية إلي أن المعدود يتحقق فيه ربا النسيئة إذا وقعت المعاملة علي نحو القرض.

أما إذا وقعت المعاملة علي نحو البيع فلا يتحقق ربا الفضل

و لا ربا النساء إذا لم يكن مقتاتا و مدخرا لان العلة عندهم هي الاقتيات

______________________________

(1) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 4/ 131.

(2) السبكي، تكملة المجموع، مصدر سابق، 10/ 229.

(3) البيهقي، السنن الكبري، مصدر سابق، 5/ 278.

أيضا: الشوكاني، نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار، مصدر سابق، 5/ 230.

(4) البيهقي، السنن الكبري، مصدر سابق، 5/ 278.

المعاملات المصرفية، ص: 59

و الادخار «1».

ه- و ذهب فقهاء الإمامية إلي عدم وقوع الربا في المقدر بالعدد، فيجوز بيع المعدودين مع التفاضل نقداً و نسيئة، مثاله بيع ثوب بثوبين و دابة بدابتين و عبد بعبدين نقداً أو نسيئة، مستدلين علي ذلك باصالة الحليّة بقوله تعالي: [أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا]، و العمومات الكافية في الجواز، و الاجماعات، و شهرة العمل، و بفحوي الأخبار «2» منها ما روي:

1- عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا بأس البيضة بالبيضتين، و الثوب بالثوبين، و لا بأس الفرس بالفرسين، ثمّ قال: كل شي ء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذ كان من جنس واحد، فإذا كان لا

يكال و لا يوزن فلا بأس به اثنين بواحد «3».

2- و بما روي عن علي بن إبراهيم (أن ما عد عددا أو لم يكل أو يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد، و يكره نسيئة) «4».

إلي غير ذلك من الأخبار المستفيضة، و هذه الأخبار تدل باطلاقها و بحسب حصر الربا في المقدار بالكيل و الوزن علي عدم ثبوته في غير المقدار بهما سواء بيع نقداً أو نسيئة.

و نستنتج مما تقدم ما يأتي:

1- يجوز بيع المعدود بجنسه متفاضلًا نقداً و لا يتحقق فيه ربا الفضل و هو ظاهر جميع المذاهب.

2- يجوز بيع المعدود بجنسه متفاضلًا نسيئة عند الإمامية و الشافعية إذا لم يكن مطعوماً و الحنابلة علي رواية.

______________________________

(1) الباجي، المنتقي، الطبعة الأولي، مطبعة السعادة، مصر، 1332 ه، 4/ 241.

(2) العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مطبعة النجف، 1374 ه- 1955 م، 7/ 89. أيضا: العاملي، مفتاح الكرامة، طبع بالمطبعة الرضوية، مصر، 1323 ه، كتاب المتاجر، ص 507.

(3) الشيخ الطوسي، ابو جعفر محمد بن الحسن (ت: 460 ه) الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، الطبعة الثانية، حققه و علق عليه حسن الموسوي، دار الكتب الاسلامية، مطبعة النجف، النجف، 1376 ه 3/ 101.

(4) الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، 6/ 448.

المعاملات المصرفية، ص: 60

المبحث الثالث: الفائدة في الإسلام

الفرع الأول: نظرة الفقه الإسلامي إلي الفائدة

عرّف الاقتصاديون الفائدة (بأنها الأجر أو التعويض الذي يدفع مقابل استثمار أموال الآخرين أو حيازتها) «1».

و الفائدة هي الربا بلغة الاقتصاديين حيث إنها بدل إيجار أو بدل إعارة الرأسمال النقدي بقصد الاستثمار أو عقد لتنفيذ صفقات تجارية قصيرة الأجل «2».

و أهم ما يميز النظام الاقتصادي الإسلامي هو تحريمه للفائدة «3» الربا. و لكن هناك بعض الناس من لا يزال يفرق بين الربا و الفائدة. و كثير

من المؤلفين استعاضوا في استعمالاتهم لفظ الربا بالفائدة، و ذلك لتبرير الربا و امتصاص ما يتضمنه هذا اللفظ من معني يبعث علي ازدرائه و احتقاره.

و هنالك من قسم الفائدة إلي ربوية و غير ربوية، و فرق بين كل منهما في الحكم، و أجاز الفائدة التي نفكر بها اليوم «4».

و قد عمد بعض الكتاب إلي التمييز بين مصطلحي الربا و الفائدة علي أساس معدل الزيادة المفروضة. فعدوا المعدلات الدارجة في الأسواق المالية مباحة لا يشملها الربا. أما المحذورة فهي المعدلات المرتفعة فقط «5»

______________________________

(1) سول. جورج، المذاهب الاقتصادية الكبري، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1953 م، ص 169.

(2) د. الحسب. فاضل عباس، في الفكر الاقتصادي الإسلامي، عالم المعرفة، بيروت، ص 112.

(3) د. العسال. أحمد محمد و الدكتور فتحي أحمد عبد الكريم، النظام الاقتصادي الإسلامي مبادئه و أهدافه، الطبعة الثانية، القاهرة، 1397 ه، ص 90.

(4) د. عبده. عيسي، الفائدة علي رأس المال صورة من صور الربا، دار الفتح، 1390 ه- 1970 م، ص 69.

أيضا: او ستروي. جاك، الإسلام و التنمية الاقتصادية، دار الفكر، دمشق، ص 82.

(5) د. قحف. محمد منذر، الاقتصاد الإسلامي، الطبعة الثانية، دار القلم، كويت، 1401 ه- 1981 م، ص 153.

المعاملات المصرفية، ص: 61

إن القرآن الكريم صريح في أن كل زيادة علي رأس المال مقابل الأجل محرمة دون النظر إلي مقدارها لقوله تعالي: [وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ] «1». فضلًا عن ذلك لا يوجد اتفاق او رأي موحد بشأن جوهر سعر الفائدة. و تعب العلماء و المفكرون في الموضوع دون إجابة حاسمة، و انتقلوا إلي الجدل بشأن أنواع سعر الفائدة و مقدارها، و اثر كل نوع علي النشاط الاقتصادي «2».

و اليوم

أصبح سعر الفائدة محل نقد شديد من علماء الغرب أنفسهم. و نادي كثير منهم بضرورة إلغاء الفائدة من المعاملات الاقتصادية حتي يمكن تحقيق العدالة الكاملة «3».

إن الربا و الفائدة اسمان مختلفان لفظاً و متفقان معنيً. و الفائدة المستعملة اليوم في جميع أعمال الاقتصاد العالمي هي ربا «4». و هناك مواقف صارمة تبلورت في المقررات التي اتخذت في المؤتمرات و اللقاءات الإسلامية المختلفة بشأن حرمة الفائدة.

فالمؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية الذي انعقد في القاهرة سنة (1965 م) و الذي شاركت فيه (35) دولة إسلامية، أكد من جديد حرمة الفائدة «5»

______________________________

(1) سورة البقرة، آية (279).

(2) د. النجار. أحمد محمد عبد العزيز، المدخل إلي النظرية الاقتصادية، الطبعة الأولي، دار الفكر، 1393 ه- 1973، ص 58.

(3) متولي. محمود، المذاهب الاجتماعية الاقتصادية، دار القومية للطباعة، مصر، ص 154.

أيضاً: أبو سعود. محمود، الفائدة بين الربا و النقود، مجلة المسلمين، العدد الأول، المجلد الثامن، ص 71.

(4) د. الخفاجي. محمد عبد المنعم، الإسلام و نظريته الاقتصادية، الطبعة الأولي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1393 ه- 1973 م، ص 104.

(5) قرارات المؤتمر و توصياته في الفترة الثانية، مجمع البحوث الإسلامية، المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، الأزهر، 1385 ه- 1965 م، ص 401.

المعاملات المصرفية، ص: 62

و كان مجلس الفكر الإسلامي في الباكستان يعبر دائما عن رأيه بأن مصطلح (الربا) يشمل الفائدة بجميع مظاهرها، بغض النظر عما إذا كانت تؤخذ علي قروض مهما كان شكلها لأغراض استهلاكية أو لأغراض إنتاجية، أو إذا كانت هذه القروض ذات طبيعة شخصية أو ذات طابع تجاري، أو إذا كان المقترض حكومة أو فردا أو شركة، أو إذا كان سعر الفائدة منخفضا أو مرتفعا «1».

إن الفائدة لارتباط حسابها بعنصر الزمن يؤول

مصيرها إلي ربا المضاعف، و إن قل سعر الفائدة لأنها بتكررها تصبح ربا مضاعفاً «2».

الفرع الثاني: شبهات بشأن الربا و الفائدة:
اشارة

هنالك شبهات يثيرها بعضهم لتبرير التعامل بالربا واخذ الفائدة، و يتداعون عليه باسمها، و يحاولون أن يطوعوا الشرع الإسلامي لتفكيرهم و هي:

الشبهة الأولي و ردها: يدعي بعضهم أن ما حرم من الربا إنما يقتصر علي ما نص عليه القرآن الكريم

في قوله تعالي: [يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعٰافاً مُضٰاعَفَةً وَ اتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] «3». و أن الربا القليل ليس بحرام. و استدلوا بأن القيد في التحريم بقوله: (أضعافا مضاعفة) لا بد أن يكون له فائدة، و تعالي الله عن الإتيان به عبثا. و ما فائدته في زعمهم إلّا أن يؤخذ بمفهومه المخالف، و هو إباحة ما لم يكن أضعافا مضاعفة من الربا. فعدوا النص الثالث- تحريم الربا أضعافا مضاعفة- مرحلته النهائية «4». و أن الربا الذي كان معروفا في الجاهلية، هو تضعيف الفائدة

______________________________

(1) منسي. عبد العليم (ترجمة)، إلغاء الفائدة من الاقتصاد، الطبعة الثانية، جده، 1984 م، ص 16.

(2) المصري. عبد السميع، نظرية الإسلام الاقتصادية، مكتبة الانجلو المصرية، 1971 م، ص 189.

(3) سورة آل عمران، آية (16).

(4) استانبولي. محمود مهدي، الربا، مجلة التمدن الإسلامي، ج 25- 28، المجلد (34)، دمشق، 1387 ه- 1968 م، ص 556.

المعاملات المصرفية، ص: 63

الربوية أضعافا مضاعفة دون سواه «1».

و بهذه الآية تعلق الشيخ عبد العزيز جاويش، و خص تحريم الربا بالأضعاف المضاعفة. فقد قسم الربا إلي نوعين: ربا النسيئة و هو الذي يتقاضي فيه الناس ضعف الدَّين أو اكثر مقابل إرجاء سداده، و هو الربا الذي عناه القرآن في قوله تعالي: [يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعٰافاً مُضٰاعَفَةً] فهذا الربا هو المنهي عنه.

أما النوع الثاني و هو ربا الفضل فهو الفائدة التي تكون دون أصل الدين بكثير و هو ما يسميه الإمام (ابن قيم الجوزية) الربا الخفي فلا يحرم و يجوز تعاطيه و

لا سيما إذا حقق مصلحة للمسلمين «2».

و تُرد هذه الشبهة بان ربا الأضعاف المضاعفة أحد الأنواع التي يتعامل بها العرب عند نزول النص الكريم، بدليل ما ذكره المفسرون من أن العرب كانوا يعطون الدين للمقترض و يتقاضون في مقابل الإقراض قدرا معينا من المال كل شهر، فإذا حل الأجل اخذوا رأس المال كما هو. و كان هذا النوع من التعامل بالربا موجوداً إلي جواز النوع الآخر «3»، و أن قوله تعالي: [أَضْعٰافاً مُضٰاعَفَةً] حال من (الربا) و هو الزيادة. و ليس قيدا له. أي لا تأكلوا تلك الزيادة

______________________________

(1) د. خميس. محمد عبد المنعم، الربا و فوائد القروض و الودائع، مجلة منبر الإسلام، العدد (9)، السنة (32)، رمضان 1394 ه- أكتوبر، 1974 م، ص 65.

(2) ندوة لواء الإسلام، مجلة لواء الإسلام، العدد (10)، السنة (8)، جمادي الآخرة 1374 ه- فبراير 1955 م، ص 657.

أيضا: أحمد صالح، هموم المسلمين و فوائد الديون المصرفية، مجلة الأزهر، ج 1، السنة (48)، القاهرة، محرم 1396 ه- 1976، ص 105.

(3) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، مصدر سابق، 2/ 370.

أيضا: بيت التمويل الكويتي، الربا في الإسلام، الدار الكويتية للطباعة و النشر، الكويت، ص 55.

أيضا: الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، الطبعة الثانية، دار المعرفة، بيروت، 1392 ه- 1972 م، 3/ 69.

المعاملات المصرفية، ص: 64

التي تتضاعف عاما بعد عام، فالمضاعفة في الزيادة لا في أصل الدين، فالوصف جار مجري الواقع من تكرار الزيادة حتي تصل إلي قدر الدين أو تزيد.

ثمّ أنه من المقرر فقهاً أن النهي إذا ورد عاما ثمّ جاء نهي في بعض أفراد هذا العام لا يكون ثمة تعارض حتي يخصص العام، بل أقصاه أن بعض أفراد العام ورد فيه النهي مرتين

فله فضل تأكيد «1». و أن الله سبحانه و تعالي أتي بقوله: [أَضْعٰافاً مُضٰاعَفَةً] توبيخاً لهم علي ما كانوا يفعلون، و إبرازاً لفعلهم السيئ و تشهيرا به. فضلًا عن ذلك أنهم قد تجاهلوا الآيات و الأحاديث التي تحرم كثير الربا و قليله. فقد أعلنت الآيتان: [يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ الرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ] «2». اللتان قد نزلتا في السنة العاشرة من الهجرة. و هي من آخر ما نزل من الآيات التي تخص مسألة الربا، و بذلك تثبت حرمة الربا مطلقا «3». و إعلان الرسول (صلي الله عليه و آله و سلّم) في حجة الوداع (إن كل ربا موضوع) فلم يفرق بين ما إذا كان أضعافاً مضاعفة أم لا.

و ممن تصدي للرد علي هذه الشبهة الدكتور محمد عبد الله دراز في محاضرة له عن الربا في نظر القانون الإسلامي ألقاها في مؤتمر القانون الإسلامي الذي انعقد في باريس عام 1951. و مما قاله في محاضرته «4»: (و إنكم لترون أن الفئة التي تزعم أن الإسلام يفرق بين الربا الفاحش و غيره هي فئة من المتعلمين

______________________________

(1) أبو زهرة. محمد، تفسير القرآن الكريم، مجلة لواء الإسلام، العدد الثالث، السنة الثامنة، ذو العقدة 1373 ه يوليو 1954 م، ص 141.

(2) سورة البقرة، آية (278- 279).

(3) مدخل الفقه الإسلامي، تأليف الأساتذة (أحمد أبو سنة، أحمد البهي، الحسيني الشيخ، حسن و هدان، عبد الله عبد النبي، عبد الجليل القرشاني، محمد الدهمة، محمد المبروك)، الطبعة الثانية، مطبعة لجنة البيان العربي، جامعة الأزهر، كلية الشريعة، 1965

م، ص 28.

(4) الربا في نظر القانون الإسلامي، مصدر سابق، ص 19.

أيضا: د. النبهان. محمد فاروق، الفكر الاقتصادي في الإسلام، مصدر سابق، ص 227.

المعاملات المصرفية، ص: 65

الذين ليس لهم رسوخ قدم في علوم القرآن) و لم تكتف بأنها خالفت إجماع علماء المسلمين في كل العصور، و لا بأنها عكست الوضع المنطقي المعقول، بل أنها قبلت الوضع التاريخي إذ عدّت النص الثالث مرحلة نهائية، بينما هو لم يكن إلا خطوة انتقالية في التشريع لم يختلف في ذلك محدث و لا مفسر و لا فقيه.

الشبهة الثانية و ردها: يحاول بعضهم أن يبرر الربا و ذلك بقياسه علي البيع

(إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا) «1» بزعم أنه إذا كان البيع يحقق فائدة و ربحاً، و الربا يحقق فائدة و ربحاً كذلك. فلما ذا ينبغي القول بحلّية البيع و حرمة التعامل بالربا مع أن الربا اتجار برأس المال.

و الإسلام لم يحرم كل المعاملات التي تدر ربحا من دون عمل، فقد أحلَّ كل دخل ينتج من تأجير الأراضي الزراعية، و احلَّ المشاركة التي يصبح فيها لصاحب رأس المال نصيب من الربح نظير رأس المال الذي يقدمه «2».

و يُجاب بأنّ عمليات البيع قابلة للربح و الخسارة حيث أن المهارة الشخصية و الظروف الطبيعية الجارية هي التي تتحكم في الربح و الخسارة.

أما العمليات الربوية فهي محددة الفائدة في كل حالة. و هذا هو مناط الحرمة و الحلّية «3».

و هنالك فرق بين الفائدة علي رأس المال النقدي و بين أجر أدوات الإنتاج في التشريع الإسلامي فالمقترض لرأس المال النقدي مسئول بحكم القرض عن دفع المبلغ الذي تسلمه فضلًا عن الفائدة في الوقت المحدد.

______________________________

(1) سورة البقرة، آية (275).

(2) قرشي. أنور إقبال، الإسلام و الربا، مكتبة مصر، دار مصر للطباعة، ص 120.

(3) سيد قطب، في ظلال القرآن، الطبعة السابعة،

دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1391- 1971 م، 3/ 480.

أيضا: د. غريب أحمد سيد أحمد، الاقتصاد الإسلامي، دار المعرفة الجامعية، إسكندرية، 1981 م، ص 99.

المعاملات المصرفية، ص: 66

أما أجر أدوات الإنتاج فيؤدي إلي استهلاكها مما يوجب لصاحبها الأجر «1».

و قوله تعالي: [أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا] «2» أحل البيع الذي ربا فيه و حرم البيع الذي فيه الربا، و الفرق بينهما أن الزيادة في الربا لتأخير الدين و في البيع لأجل البيع. و أن البيع فيه الثمن بدل المثمن و الربا زيادة من غير بدل، للتأخير في الأجل أو زيادة في الجنس «3».

الشبهة الثالثة و ردها: هنالك من سوغ أكل الربا أو الفائدة باسم الضرورة
اشارة

استنادا لقوله تعالي: [إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّٰهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] «4»، و تسالم الفقهاء علي قاعدة (إنَّ الضرورات تبيح المحذورات). فإذا حلت الميتة من أجل الضرورة، فيجب أن يحل الربا للغاية نفسها.

و في الحق أن نظرية الضرورة قد لاقت رواجاً، و لا سيما أنها جاءت علي ألسنة علماء في الفقه لا يخضعون أحكام الإسلام لأعراف الناس.

فالشيخ محمود شلتوت أباح للأمة أن تستقرض بفائدة و مما قاله «5»: (و رأي كثيرا منهم أن الحرمة فيما يحرمون، تتناول المتعاقدين ج المقرض و المقترض- و إني أري ان ضرورة المقترض و حاجته مما يرفع عنه إثم ذلك التعامل، لأنه مضطر أو في حكِمهِ: و الله يقول: [وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلّٰا

______________________________

(1) د. شبانه. زكي محمود، معالم رئيسية في نظرية تحريم الربا، مجلة منبر الإسلام، العدد (3)، السنة (30)، ربيع الأول 1392 ه- أبريل 1972 م، ص 85.

(2) سورة البقرة،

آية (275).

(3) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، 3/ 360.

(4) سورة البقرة، آية (173).

(5) الفتاوي، طبعة ثالثة، دار القلم، القاهرة، ص 354.

المعاملات المصرفية، ص: 67

مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ] «1».

و قد صرح بذلك بعض الفقهاء فقالوا: (يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح، و إذا كان للأفراد ضرورة أو حاجة تبيح لهم هذه المعاملة، و كان تقديرها مما يرجع إليهم، و هم مؤمنون بصيرون بدينهم، فان للأمة أيضا ضرورة أو حاجة، كثيرا ما تدعو إلي الاقتراض بالربح، أ إلي أن يقول: و هذا يعطي الأمة في شخص هيئاتها و أفرادها هذا الحق، و يبيح لها ما دمت مواردها في قلة أن تقترض بالربح، تحقيقا لتلك المصالح، التي بها قيام الأمة و حفظ كيانها). و يكمل (غير أني أري أن يكون تقدير الحاجة و المصلحة مما يؤخذ عن (أولي الرأي) من المؤمنين القانونيين و الاقتصاديين و الشرعيين، و يكون ذلك في ناحيتين: ناحية تقدير الحاجة، و ناحية تقدير الأرباح و اختيار مصادر القروض، فلا يكون قرضاً إلا حيث تكون الحاجة حقيقية، و لا يكون قرضاً إلا بالقدر المحتاج إليه، و تدفع إليه الضرورة و الحاجة و لا يكون قرضاً إلا من جهة لا تضمر استغلالنا و استعمارنا).

و تطرق الشيخ محمد رشيد رضا في بحثه الذي ألقاه في نادي دار العلوم بالقاهرة حين نظم محاضرات لعلاج موضوع الربا- إلي تحديد الضرورة المبيحة للأمة اكل الربا قال «2»: (و أما تحديد ضرورة الأمة أو حاجتها فعندي أنه يرد مثل هذا الأمر إلي أولي الأمر من الأمة أي أصحاب الرأي و الشأن فيها و العلم بمصالحها و هم كبار العلماء من المدرسين و القضاة و رجال الشوري و المهندسين و الأطباء و

كبار المزارعين، و يتشاورون بينهم في المسألة ثمّ يكون العمل بما يقررون أنه قد مست إليه الضرورة و ألجأت إليه حاجة الأمة.

______________________________

(1) سورة الأنعام، آية (119).

(2) فتحي عثمان، الفكر الإسلامي و التطور، دار القلم، القاهرة، ص 39.

المعاملات المصرفية، ص: 68

و الدكتور محمد البهي، قد اثبت إباحة الربا لضرورة الأمة. فقد قال «1»: (فإذا كانت هنالك ضرورة أشد أثراً في حياة أحد المتعاقدين من الضرر المترتب علي فقدان التكافؤ ج (التكافؤ في العقود)- حلّ البيع و أصبح العقد صحيحاً في أجناس الربا، عندئذ فقد سلم من الإثم دون تفويت المقصد الشرعي منه، و هو رفع الضرر). ثمّ يكمل (إذا توفر (الرضا النفسي) في المعاملة و تأكدت مصلحة الطرفين فيها، في وقت يدعو إلي ترقب هذه المصلحة و الاطمئنان عليها، و شاع أمر هذه المصلحة بحيث لم يعد من وجهة نظر الطرفين وحدها، بل أصبح بداهة و ضرورة في الأمة).

و ممن سوغ الفائدة استناداً إلي الضرورة الأستاذ مصطفي الزرقا إذ قال «2»: (و المعاملات التجارية اليوم كلُّها علي أساس الفائدة التي هي ربا جزئي تحدد نسبته القوانين- فتطبيق النظرية الإسلامية في تحريم الربا يتنافي مع ذلك ظاهراً. و الجواب أن هذه المشكلة يمكن حلّها في مبادئ الشريعة بطرائق كثيرة: أما الاستناد إلي قاعدة التدابير الاستئنافية الموقوتة- إلي أن يقام في المجتمع الإسلامي نظام اقتصادي متجانس يغني الناس عن الالتجاء إلي الفائدة … ) إلي آخر ما قال.

و للإجابة عن هذه الشبهة أقول: إنه لا اعتراض علي الضرورة القائمة علي الحكم الشرعي بوصفها عنوانا ثانويا إذا تحققت. و لكن الاعتراض علي الضرورة نفسها التي تارة تكون للفرد و أخري للامة.

أ- ضرورة الفرد:

______________________________

(1) نظام التأمين في هدي أحكام الإسلام و

ضرورات المجتمع المعاصر، الطبعة الأولي، الناشر مكتبة وهبة، مطبعة مخيمر، 1385 ه 1965 م، ص 20- 27.

(2) فتحي عثمان، الفكر الإسلامي و التطور، مصدر سابق، ص 39. نقلا عن بحث بعنوان، الشرع بوجه عام و الشريعة الإسلامية و حقوق الأسرة فيها، من كتاب الثقافة الإسلامية و الحياة المعاصرة، مجموعة البحوث التي قدمت لمؤتمر جامعة برنستون، طبعة مؤسسة فرنكلين، بالاشتراك مع مكتبة النهضة، ص 158- 160.

المعاملات المصرفية، ص: 69

(هي الحالة التي تطرأ علي الإنسان بحيث لو لم تراع لجزم أو خيف أن تضيع مصالحة الضرورة) «1». و المصالح الضرورية هي أعلي أنواع المصالح التي قصد الشارع المحافظة عليها، و هي ما لا بد منها في حفظ الأُمور الخمسة: الدين و النفس و المال و العقل و العرض «2». و لا بد للعمل بهذه القاعدة من تحقق ضوابط معينة و هي: - «3»

1- أن يكون الضرر في المحظور الذي يحل عليه الأقدام انقص من ضرر حالة الضرورة.

2- أن يكون مقدار ما يباح أو يرخص فيه مقيدا بمقدار ما يدفع الضرورة.

3- أن لا يكون للمضطر وسيلة يدفع بها ضرورته إلا مخالفة الأوامر و النواهي الشرعية.

4- أن يكون زمن الإباحة و الترخيص مقيدا بزمن بقاء العذر فإذا زال العذر زالت الإباحة.

5- أن لا يكون الاضطرار مبطلًا لحق الآخرين و ذلك لان الضرر لا يزال بالضرر.

6- أن تكون الضرورة قائمة بالفعل لا متوهمة أو متوقعة.

و في ضوء هذا، فان الضرورة بالنسبة للفرد الدافع (المقرض) المسوغ لأكل الربا غير موجودة، لأن المفروض أن لديه من المال مما يقيم به الأوَد و لو يوما واحدا، و الآية الكريمة التي أحلَّت الميتة و الدم و لحم الخنزير للاضطرار لمن أشرف علي الهلاك من

الجوع، لا لمن يرابي لتربو أمواله. أما بالنسبة للفرد القابض (المقترض) المسوغة لأكل الربا اضطراراً، فانه يسوغ له أخذ المال فقط

______________________________

(1) د. الباحسين، يعقوب عبد الوهاب، رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه، جامعة الأزهر، 1972 م، ص 599.

(2) الشاطبي، الموافقات، مصدر سابق، 2/ 4.

(3) د. الباحسين، رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 600.

المعاملات المصرفية، ص: 70

و لا تسوغ له الزيادة التي اشترطت عليه، و إذا أخذت عنه، فلا تحل للآخذ، بل تكون أكلا للمال بالباطل.

و لهذا لا تلازم بين حلَّية الميتة للمضطر، و بين حلّية أكل الربا، فان الاضطرار ليس سببا من أسباب التملك، و لا لصحة المعاملة، بل يرفع التحريم و العقاب فقط. و لا تلازم بين الحكم التكليفي و هو الحلّية و بين الحكم الوضعي. فقد يرفع الحكم التكليفي، فيجوز أكل مال الآخرين بمقدار ما يدفع به الاضطرار، و أما الحكم الوضعي فلا يرفع «1».

و بهذا يتضح أن الربا لا يحل أكله بشتي صوره و أشكاله. أما الاضطرار فانه يرفع الإثم فقط و لا يكون سببا للتمليك و صحة المعاملة.

و أن يكون تطبيق قانون الضرورة علي مسألة ما تطبيقا مشروعا و لا يكفي أن يكون المرء عالما بقواعد الشريعة، بل يجب أن يكون له من الورع و التقوي ما يحجزه عن التوسع أو التسرع في تطبيق الرخصة في غير موضعها، كما يجب أن يبدأ باستنفاد كل الحلول الممكنة المشروعة في الإسلام، فإنه إن فعل ذلك عسي ألا يجد حاجة للاستثناء و الترخص.

ب- ضرورة الأمة:

إن ضابط الضرورة العامة، هو أن يتحقق ولي الأمر من وجود ظلم فاحش، أو ضرر واضح أو حرج شديد، أو منفعة عامة بحيث تتعرض الدولة للخطر إذا لم

تأخذ بمقتضي الضرورة «2»

إن الضرورة هي الاستثناء، فلا يمكن لمشرع فقهي اقتصادي يستوحي

______________________________

(1) كاشف الغطاء. الشيخ هادي عباس، رسالة في الربا، مصدر سابق، ص 1.

أيضا: عز الدين. موسي، الإسلام و قضايا الساعة، الطبعة الأولي، دار الأندلس، بيروت، 1386 ه- 1966 م، ص 57.

أيضا: مغنية. الشيخ محمد جواد، فقه الإمام الصادق عرض و استدلال، مصدر سابق، 3/ 270.

(2) د. الرخيلي. وهبة، نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون الوضعي، مصدر سابق، ص 69.

المعاملات المصرفية، ص: 71

أفكاره من منهج الإسلام أن يقيم نظاما متكاملا، و هيكلا عملاقا للاقتصاد الإسلامي قائما علي الاستثناء، و انه لا يتصور أن يقف حفظ الأمة أو الدولة علي شي ء حرام. و هل وصلت الأمة إلي هذا الحد لأكل الربا للضرورة؟.

و الأستاذ أبو زهرة في نفيه لضرورة الأمة لأكل الربا قال «1»: (إن الضرورة لا يتصور أن تقرر في نظام ربوي، بل تكون في أعمال الآحاد، إذ أن معناها أن النظام كله يحتاج إلي الربا كحاجة الجائع الذي في مخمصةٍ إلي أكل الميتة أو لحم الخنزير، أو شرب الخمر، و أن مثل هذه الضرورة لا تتصور في نظام كهذا النظام. و إذا فرض هذا، فهذهِ تكون ضرورة للاقتراض، و لا تكون ضرورة للإقراض).

و ننتهي إلي أنه لا ضرورة تبيح الربا للفرد الدافع (الإقراض) مطلقا. بل لا ضرورة تبيح الربا للقابض (الاقتراض) إلا في حالات فردية ترفع الإثم فقط، أما بالنسبة لضرورة الأمة فلا يمكن تصورها، لأنه ليس ثمة ضرورة لنظام اقتصادي إسلامي قائم علي الربا.

الشبهة الرابعة و ردها: استند القائلون بإباحة الفائدة علي مزاعم عقلية

تتفق مع الهوي و تحتم وجود النظام الربوي، فزعموا أن المقرض يعرض ماله للخطر و يسد حاجات المقترض و يؤثره علي نفسه. لذلك له الحق في اخذ الفائدة من

المقترض مقابل المخاطرة و الإيثار واجر المال الذي كسبه المقرض بجهده «2».

و منهم من خرّج الفائدة التي يتقاضاها علي أمواله المقرضة بأنها ثمن التضحية بالسيولة، لان القيمة الشرائية للنقود تنخفض بفعل التضخم «3»

______________________________

(1) بحوث في الربا، الطبعة الأولي، دار البحوث العلمية، بيروت، 1970، ص 61.

(2) المصري. عبد السميع، نظرية الإسلام الاقتصادية، مصدر سابق، ص 169.

(3) دراسات في الاقتصاد الإسلامي، بحوث ممتازة من المؤتمر الدولي الثاني للاقتصاد الإسلامي، الطبعة الأولي، 1405 ه- 1985 م، ص 175.

أيضا: د. بركات. عبد الكريم صادق و الدكتور حامد عبد المجيد دراز، مبادئ الاقتصاد العام، مؤسسة شباب الجامعة، إسكندرية، ص 199.

المعاملات المصرفية، ص: 72

و زعم بعضهم بأنَّ الفائدة هي التي تنمي روح الادخار لدي الناس، و تجمع رءوس الأموال لدفع عجلة التطور في الدولة، و تجعل المقترض حريصا علي توظيف المال في أحسن المشاريع و أكثرها جلبا للدخل، فبدل أن يترك المال في الخزائن يجعله ينتقل في الأيدي، فإذا علم المدخر أنه يستطيع أن يدخر ماله من غير أن يتعرض للخسارة، فانه يدخر أكبر قدر من ماله، فتكون ثمة فائدتان:

أحدهما: فائدة المدخر الشخصية.

الثانية: الفائدة الاقتصادية العامة بزيادة الإنتاج «1».

و في هذه التبريرات مغالطات و ذلك:

أولًا: من الوجهة الفلسفية: فقد عارض أرسطو إقراض النقود لغرض الحصول علي الفائدة، وَ سمَّي هذه الفعاليات الاقتصادية (باقتصاد الثراء). فالنقود باعتقاده ما هي إلا وسيلة لتبادل السلع، فإن حصول الفائدة باقراض النقود يعني تحريف الغاية المقصودة من إيجاد النقود، لأن النقود ذاتها عقيمة و غير منتجة و النقد لا يلد النقد «2»

ثانياً: من الوجهة الفقهية: إن كل قرض جَرَّ نفعاً مشروطاً للمقرض فهو ربا. فنجد فقهاء المسلمين يتشددون في اشتراط أي زيادة مهما بلغت علي رأس

المال تجنبا للربا.

ثالثاً: من الوجهة الاقتصادية: فالذي يتحمل المخاطرة، و يعوض الديون الهالكة هو ذلك الفريق من المقترضين الذين يردون القرض و الفائدة، و بالتالي يكون سعر الفائدة مرتفعا بالقدر الذي يعوض ما ضاع من رأس المال عند

______________________________

(1) المصري. عبد السميع، نظرية الإسلام الاقتصادية، مصدر سابق، ص 170.

(2) د. عدنان عباس علي، تاريخ الفكر الاقتصادي، مطبعة عصام، بغداد، 1979 م، 1/ 21.

المعاملات المصرفية، ص: 73

بعض المقرضين. و بهذا يتحمل بعض المقترضين أعباء بعض «1». أما الإيثار الذي يقدمه المقرض، فعليه أن يقتنع بما لهذا العمل الخُلقي من فوائد معنوية دون أن يجعله أداة للكسب.

أما ثمن السيولة و اجرة النقود، فالإسلام لا يفتح بابا لتسويغ الفائدة بحرصه علي ثبات قيمة النقد، لكي لا يكون سببا في تسويغ اخذ الفائدة علي رأس المال بالقياس مع الزمن.

و الأجرة إنما تكون للاشياء التي يبذل الإنسان وقته و جهده و ماله لتهيئتها، و مجي ء سعر الفائدة دون أن يقابله عمل من باب إساءة استعمال النقود، فكأن المسي ء هنا مأجور. و هذا ما لا يقره عقل أو تقبله فطرة سليمة مستقيمة.

فضلا عن أن القبول بهذا الأمر يخرج النقود عن وظيفتها الأصلية، و مدعاة إلي التكالب وراء محظور مدمر و هو الاكتناز «2».

أما الادخار طمعا في فائدة معينة، فانه يحجم الأفراد عن الانفاق، و أن رقي المجتمع و رفاهيته يتوقف علي ما يستهلكه الفرد من منتجات البلاد. و أن سعر الفائدة يعوق الإنتاج و يغري صاحب المال علي الادخار للحصول علي فائدة مضمونة دون استثمار أمواله في مشروعات إنتاجية «3». فضلًا عن ذلك يولد محذوراً آخر حيث يشجع سعر الفائدة علي عمليات اقتصادية غير منتجة لا تخدم الصالح العام، و يقصر نشاط

رأس المال فقط علي معاملات مالية خالية من أي مردود اقتصادي.

______________________________

(1) د. عبده. عيسي، الربا و دوره في استغلال الشعوب، الطبعة الأولي، دار البحوث العلمية، الكويت، 1389 ه- 1969 م، ص 15.

(2) د. شبانه. زكي محمود، في الفكر الاقتصادي الإسلامي، مجلة منبر الإسلام، العدد (3)، السنة (30) ربيع الأول 1392 ه، أبريل 1972 م، ص 85.

(3) المصري. عبد السميع، نظرية الإسلام الاقتصادية، مصدر سابق، ص 170.

المعاملات المصرفية، ص: 74

و الادخار لا تبعث عليه الفائدة، بل تبعث عليه الرغبة في أن يكون للشخص رأس مال يدخره أو ينتج به.

لقد قرر هذه النظرية اللورد كينز و خلاصتها: أن الأفراد لا يدخرون بقصد الفائدة، و لكن بقصد تكوين رءوس الأموال. و الدليل علي هذا أن المضاربات المالية موجودة بغض النظر عن مقدار سعر الفائدة. لأن المغنم الذي يحصل عليه الأفراد من جراء ذلك أكبر من الاستثمار المضمون الذي قد يعود عليهم لو استغلوا مدخراتهم.

لذلك فأنّ سعر الفائدة لا يثبته إلا مجرد التعارف عليه، و سيظل الادخار مستمرا و لو نزل سعر الفائدة إلي الصفر.

إنّ اللورد (كينز) لا يكتفي ببيان أن الفائدة ليست هي الباعث النفسي علي الادخار، بل يبين أن الفائدة إذا قررت لا تكون سريعة التغيير، بينما النظام الاقتصادي متغير متنقل. و في هذه الحال تكون الفائدة أكبر من الإنتاج، و سببا لكساده لا لتشجيعه «1».

و بهذا يتبين أنه لا توجد مصلحة في الفائدة، و ليس من شأنها أن تنمي الاقتصاد بل أنها تضعفه.

الشبهة الخامسة و ردها: ذهب بعض الكتاب إلي أن أحكام الربا خاصة بالأفراد

بوصفه يقضي علي روح التعاطف بينهم، أما إذا كان التعامل مع الجماعات كالمصارف و المؤسسات التجارية و الصناعية ذات الشخصيات الاعتبارية التي تستغل المال علي سبيل المنافع العامة و ينعكس أثرها علي أفراد

المجتمع، فلا يدخل هذا الأسلوب من المعاملات في نطاق تحريم الربا شرعا «2».

و الأستاذ الزرقا ممن ذهب إلي هذا الاتجاه و ذلك جوابا لحل مسألة الربا في المعاملات التجارية المعاصرة حيث قال «3»: (بتأميم المصارف لحساب الدولة ينتفي عندئذ معني الربا من الفائدة الجزئية التي تؤخذ عن القرض إذ تعود عندئذ إلي خزينة الدولة لمصلحة المجموع، فينتفي محذور تمركز رءوس الأموال في

______________________________

(1) أبو زهرة، تحريم الربا تنظيم اقتصادي، مصدر سابق، ص 54.

(2) أحمد عطية الله، القاموس الإسلامي، مصدر سابق، 2/ 485.

(3) فتحي عثمان، الفكر الإسلامي و التطور، مصدر سابق، ص 7، نقلا عن بحث للأستاذ مصطفي الزرقا، الشرع بوجه عام و الشريعة الإسلامية و حقوق الأسرة فيها، من كتاب الثقافة الإسلامية و الحياة المعاصرة، مجموعة البحوث التي قدمت لمؤتمر جامعة برنستون، طبعة مؤسسة فرنكلين بالاشتراك مع مكتبة النهضة، ص 158- 160.

المعاملات المصرفية، ص: 75

أيدي فريق من المرابين).

إن هذه المحاولة لتبرير الربا زيغ عن المبادئ الأساسية للإسلام، و إبطال للفرائض الواضحة الجليلة التي يتضمنها القرآن، فتحريم الربا جاء عاماً من دون أن يخص فردا أو جماعة أو يفرق بين مؤسسة أو حالة فردية.

الفصل الثالث النقود في الفكر الإسلامي

تمهيد: المال: تعريفه و تقسيماته:

اشارة

قبل بيان موقف الفكر الإسلامي من النقود، لا بد من دراسة تمهيدية في تعريف المال و تقسيماته، فقد ذكر المال في القرآن الكريم ست و ثمانون مرة منها:

قال تعالي: [يَوْمَ لٰا يَنْفَعُ مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَي اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] «1». و قال تعالي: [يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تُلْهِكُمْ أَمْوٰالُكُمْ وَ لٰا أَوْلٰادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ] «2». و قال تعالي [إِنَّ اللّٰهَ اشْتَريٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ] «3».

أولًا: المال في اللغة:

يعرف ابن منظور المال فيقول: «4» (المال ما ملكته من جميع الأشياء، و جمعه أموال، و أكثر ما يطلق المال عند العرب علي الإبل، لأنها كانت أكثر أموالهم).

أما ابن الأثير فقد زاد الأمر وضوحا فقال «5»: (المال في الأصل ما يملك

______________________________

(1) سورة الشعراء، آية (88).

(2) سورة المنافقين، آية (9).

(3) سورة التوبة، آية (111).

(4) ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، 11/ 636.

(5) المصدر نفسه.

المعاملات المصرفية، ص: 76

من الذهب و الفضة، ثمّ أطلق علي كل ما يُقتنَي و يملك من الأعيان).

ثانياً: المال في اصطلاح الفقهاء:

عرّف ابن نجيم المصري المال، فقال «1»: (في عرفنا يتبادر من اسم المال النقد و العروض).

و عَرّفه ابن عابدين فقال «2»: (المراد بالمال ما يميل إليه الطبع و يمكن ادخاره لوقت الحاجة. و المالية تثبت بتمول كافة الناس أو بعضهم، و التقوم يثبت بها و بإباحة الانتفاع به شرعاً. فما يباح بلا تمول لا يكون متقوماً كالخمر).

و علي هذا يمكن تحديد المفهوم الإسلامي للمال المتقوم علي الوجه الآتي:

1- إباحة الانتفاع به شرعاً.

2- إمكان ادخاره للانتفاع به وقت الحاجة و قبول المجتمع أو جزء منه للإبراء.

3- ما ترغب به النفس و يميل إليه الطبع، و يقوم كافة الناس بتموله.

4- الزمن ليس بمال متقوم و لذا لا يمكن جعله عوضاً في مقابلة المال.

5- الإنسان ليس بمال.

ثالثاً: أقسام المال عند فقهاء المسلمين:

تعارف الناس فيما بينهم علي أن المال هو العملة المتداولة بينهم في البيع و الشراء، سواء أ كانت هذه العملة معدنية أم ورقية.

و حدد بعضهم لفظ المال بالنقود. إلا أن هذا الفهم لا يستقيم مع فكر و فهم فقهاء المسلمين للمال، حيث قسموه إلي نقود و عروض. و العرض بسكون الراء ج هو ما ليس بنقد.

و في هذا الصدد يقول ابن قدامة «3»: (العروض جمع عرض، و هو غير الأثمان علي اختلاف أنواعه من النبات و الحيوان و العقار و سائر الأموال).

______________________________

(1) البحر الرائق شرح كنز الدقائق، 2/ 242.

(2) ابن عابدين، رد المحتار علي الدر المختار، مصدر سابق، 2/ 3.

(3) المغني، مصدر سابق، 2/ 29.

المعاملات المصرفية، ص: 77

و يقول ابن نجيم المصري «1»: (و كل شي ء فهو عرض سوي الدراهم و الدنانير).

و الخطيب الشربيني قال «2»: (العرض اسم لكل ما قابل النقدين من صنوف الأموال).

و يستفاد مما تقدم أن المقصود من

النقود هو الذهب و الفضة، أما العروض فهي غير ذلك.

المبحث الأول: تعريف النقد:

الفرع الأول: النقد في اللغة و الاصطلاح:
أولًا: النقد لغة:

النقد لغة: خلاف النسيئة. و النقد و التنقاد: تمييز الدراهم و إخراج الزيف منها. و نقيد جيد و نقود جياد. و تنوقد الورق و نقده إياها نقداً: أعطاه فانتقدها أي قبضها «3».

ثانياً: النقد في إصلاح الفقهاء:

أطلق النقد علي جميع ما تتعامل به الشعوب من دنانير ذهبية و دراهم فضية «4». فقد عرف الفراء النقد (هو من خالص العين و الورق ج الذهب و الفضة ج و ليس من مغموشة مدخل في حكمه ج أي لا تعدّ نقوداً مستحقة ج و المطبوع منها بالسكة السلطانية، الموثوق بسلامة طبعها، المأمون من تبديلها و تلبيسها، فكان هو الثابت في الذمم فيما يطلق من أثمان و قيم المتلفات) «5»

______________________________

(1) البحر الرائق شرح كنز الدقائق، مصدر سابق، 2/ 242.

(2) الاقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، مطبعة محمد علي صبيح و أولاده، القاهرة، 2/ 90.

(3) الزمخشري. أبو القاسم محمود بن عمر، أساس البلاغة، مصدر سابق، 2/ 309.

(4) بحر العلوم. السيد محمد السيد علي، النقود الإسلامية، الطبعة الخامسة، منشورات المكتبة الحيدرية و مطبعتها، النجف، 1387 ه- 1967 م، ص 44.

(5) الفراء. أبو يعلي محمد بن الحسين الحنبلي، الأحكام السلطانية للقاضي، صححه و علق عليه محمد حامد الفقي، مطبعة مصطفي الحلبي، مصر، 1357 ه، ص 165.

المعاملات المصرفية، ص: 78

و مفهوم الذهب مأخوذ من الذهاب، و الفضة مأخوذة من انفض الشي ء تفرق، و هذا الاشتقاق يشعر بزوالهما و عدم ثبوتهما كما هو مشاهد «1». فإنهما معدان بأصل الخلقة لأداء وظيفة الثمنية في هذا الكون، و بهما تحدد قيم الأشياء من السلع و الخدمات و يضاف لذلك أنهما أداة للتبادل و إلي هذا أشار فقهاء المسلمين.

فيقول ابن قدامة «2»: (الأثمان هي الذهب و الفضة، و الأثمان هي قيم

الأموال و رأس مال التجارات، و بهذا تحصل المضاربة و الشركة، و هي مخلوقة لذلك، فكانت بأصل خلقتها كمال التجارة).

و يقول الغزالي «3»: (إن الله تعالي قد خلق الدنانير و الدراهم حاكمين و متوسطين بين سائر الأموال حتي تقدر الأموال بهما). و يشير ابن خلدون إلي أن ثمنيتهما بجعل من الشارع. فيقول «4»: (ثمّ إن الله تعالي خلق الحجرين المعدنيين من الذهب و الفضة قيمة لكل متمول «5»، و هما الذخيرة «6» و القنية «7» لأهل العالم في الغالب، و ان اقتني سواهما في بعض الأحيان، فإنما هو لبعض تحصيلها «8»، بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق «9»، اللتان هما عنها بمعزل.

______________________________

(1) الراغب الاصفهاني. أبو القاسم الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، مصدر سابق، ص 181.

(2) المغني، مصدر سابق، 2/ 621.

(3) أبو حامد محمد بن محمد (ت: 505 ه)، إحياء علوم الدين، دار المعرفة للطباعة و النشر، بيروت، 2/ 92.

(4) ابن خلدون. عبد الرحمن المغربي، مقدمة ابن خلدون، الطبعة الثانية، مكتبة المدرسة و دار الكتاب اللبناني للطباعة و النشر، بيروت، 1961 م، 1/ 465.

(5) أي النقود: كمقياس للقيم.

(6) أي النقود: كأداة لاختزان القيم.

(7) أي النقود: كوسيط في التبادل.

(8) أي النقود: كأصل كامل للسيولة.

(9) أي تغيير أسعارها.

المعاملات المصرفية، ص: 79

فهما أصل المكاسب و القنية و الذخيرة).

و يقول النيسابوري «1»: (و إنما كان الذهب و الفضة محبوبين لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء، فمالكها كالمالك لجميع الأشياء).

و من هذا الاستعراض يشير المعني اللغوي للذهب و الفضة إلي صفة أساسية في وظيفتهما النقدية و هي سرعة الحركة و الإنفاق و عدم الركود، كما يشير الفكر الاقتصادي للفقهاء إلي أن النقدين من الذهب و الفضة يؤديان وظيفة الثمنية،

و هي معدة بأصل الخلقة لأن تكون ثمناً في هذا الكون، أي بهما تحدد الأشياء و أنهما أداة للتبادل.

قال المقريزي «2»: (و لا يعلم في خبر صحيح و لا سقيم عن أمة من الأمم، و لا طائفة من طوائف البشر أنهم اتخذوا أبداً في قديم الزمان، و لا حديثه نقداً غيرهما الذهب و الفضة و أن النقود المعتبرة شرعاً و عقلًا و عادة إنما هي الذهب و الفضة فقط، و ما عداهما لا يصلح أن يكون نقداً، حتي قيل أن أول من ضرب الدينار و الدرهم آدم (عليه السلام)، و قال: (لا تصلح المعيشة إلا بهما).

فالذهب و الفضة هما النقد عند المقريزي و هما عنده مسميات مترادفة لمسمي واحد.

لقد قام النظام النقدي الإسلامي علي أساس أن كل من المسكوكات الذهبية و الفضية الدنانير و الدراهم نقوداً رئيسة لها قوة ابراء غير محدودة في داخل الدولة الإسلامية و خارجها، و ذلك لا يمنع أن بعض أجزاء الدولة الإسلامية كمصر كانت نقودها الرئيسية مسكوكات من معدن واحد هو الذهب و بعض الأجزاء الأخري كالعراق نقودها الرئيسة مسكوكات من معدن واحد آخر هو الفضة. أي أن الدولة الإسلامية كانت تسير في جملتها علي نظام

______________________________

(1) تفسير غريب القرآن، 2/ 162.

(2) تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم الشافعي (ت: 845 ه)، شذور العقود في ذكر النقود، الناشر المكتبة الرضوية، المطبعة الحيدرية، النجف، ص 67.

المعاملات المصرفية، ص: 80

المعدنين «1».

و ذكر أن عمر بن الخطاب أراد أن يصنع النقود من الجلود، فلما استشار ذوي الخبرة، لم يقروه علي رأيه فأمسك «2».

إذن فقد عين الإسلام الوحدات النقدية التي يعبر بها المجتمع

عن تقدير القيم للأشياء و الجهود تعييناً ثابتاً، و التي يتم مبادلتها بالسلع في جنس معين هو الذهب و الفضة، لذلك تعدّ النقود من الأشياء التي جاء الإسلام بحكمها، و ليست من الأشياء التي تدخل في الرأي و المشورة، فالنقود من حيث كونها وحدة نقدية، و من حيث جنسها ثابتة بحكم شرعي ترتبط بها الأحكام الشرعية. فالذهب و الفضة خصا بالذكر في تحريم كنزهما، لأنهما قانون التمول و أثمان الأشياء «3»، و وجوب الزكاة فيهما، و جعل أحكام الصرف لهما. و إقرار الرسول التعامل بهما و ربط الدية و قطع يد السارق فيهما، كان ذلك دليلًا واضحاً علي أن النقد يجب أن يكون من الذهب و الفضة، أو أساسه الذهب و الفضة. و قد تكلم مفكرو الإسلام عن أنواع النقود و أوزانها الشرعية و سكتها «4»

______________________________

(1) د. متولي. أبو بكر عمر و الدكتور إسماعيل شحاتة، اقتصاديات النقود في إطار الفكر الإسلامي، الطبعة الأولي، دار التوفيق النموذجية، 1403 ه- 1983 م، ص 64.

(2) البلاذري. أبو الحسن أحمد بن يحيي بن جابر البغدادي، فتوح البلدان، شركة طبع الكتب العربية، طبع شركة المصرية للطباعة، مصر، 1318 ه، ص 476.

أيضاً: د. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الطبعة الثانية، دار العلم للملايين، بيروت، الناشر مكتبة النهضة، بغداد، 1978 م، 7/ 497.

(3) النسفي. أبو بركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، تفسير النسفي، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، 2/ 125.

(4) ابن سلام. أبو عبيد القاسم (ت: 224 ه)، الأموال، صححه محمد حامد الفقي، المكتبة التجارية الكبري، مطبعة عبد اللطيف الحجازي، القاهرة، 1353 ه، ص 524.

أيضاً: الماوردي. أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (ت: 450

ه)، الأحكام السلطانية و الولايات الدينية، الطبعة الأولي، مكتبة مصطفي الحلبي و أولاده، مصر، 1380 ه- 1960 م، ص 120.

أيضاً: المناوي. محمد عبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي (ت: 1031 ه)، النقود و المكاييل و الموازين، تحقيق الدكتور رجاء محمود السامرائي، منشورات وزارة الثقافة و الإعلام، الجمهورية العراقية، سلسلة كتب التراث (107)، 1981 م، ص 125.

أيضاً: محمد سلامة جبر، أحكام النقود في الشريعة الإسلامية، كويت، ص 20.

المعاملات المصرفية، ص: 81

و من هذا يتقرر أن الله سبحانه تعالي أقام الذهب و الفضة

أثماناً بأصل الخلقة، أي أنه خلقها و جعلها أثماناً للأشياء، فلا يملك

الإنسان أن يبطل ثمنية ما أقامه الله ثمناً. أما لما ذا خص الذهب

و الفضة بالثمنية دون غيرهما؟ فالإجابة أن الشارع الحكيم هو أدري

بمصالح الناس في أحوالهم و معايشهم و معاملاتهم، و يكفي هذا الاقتناع

المؤمن دون إطالة الجدل بشأن علل اجتهادية قد تقصر عن الوصول إلي

درجة الاقتناع و الإقناع.

إن الذهب و الفضة بوصفهما نقدان دون سواهما أمر له

سند شرعي و اقتصادي و تاريخي، فمن حيث الناحية الشرعية

فإن أحكام الشريعة كلها متعلقة بالنقدين الذهب و الفضة و من

الناحية الاقتصادية فإن علماء الاقتصاد يعدّون الذهب و الفضة أكثر المعادن

ثباتاً للقيمة.

و أما من الناحية التاريخية، فإن الإسلام أقر التعامل بالذهب و الفضة، و إن أباح استعمال غيرهما كوسيط عام للتبادل، فاستعمال الخبز أو الجلود كوسيط للتبادل لا يعده الإسلام نقداً و له حكم النقدين. فكون الذهب و الفضة وحدهما نقداً لا يعني أنه لا يجوز التبادل بغيرهما. فموضوع النقد غير موضوع التبادل «1»

______________________________

(1) النبهاني. تقي الدين، النظام الاقتصادي في الإسلام، الطبعة الثالثة، 1372 ه- 1953 م، ص 218.

أيضاً: الخالدي. محمود، الأصول الفكرية للثقافة الإسلامية، الطبعة الأولي، دار

الفكر، عمان، 1404 ه- 1984 م، 3/ 247.

المعاملات المصرفية، ص: 82

الفرع الثاني: النقد عند الاقتصاديين:

أما النقد عند الاقتصاديين فهو (أي شي ء يتمتع بقبول عام كوسيط للمبادلة بلا تردد أو استفهام، و مقياس ثابت للقيمة تقاس به قيم الأشياء الأخري و أداة للادخار) «1».

و هذا التعريف يحتوي علي ثلاثة أركان:

1- القبول العام له، لذلك لا يمكن عدّ التذاكر أو البطاقات التي تصدرها بعض الجهات نقوداً، و لا يشترط في القبول العام أن يتمتع بإلزام قانوني يحتم علي الناس قبوله للوفاء بالالتزامات.

2- أن يكون مقياساً ثابتاً للقيمة.

3- أن يكون أداة للادخار.

و من هنا تختلف النقود عن العملة، فالعملة (هي التي يصرح لها القانون بقوة إبراء محدودة أو غير محدودة ضمن حدود الدولة) «2». فالعملة الورقية لا تستعمل إلا في البلد الذي يخضع للقانون الذي أوجدها و حدد قيمتها، علي عكس النقدين الذهب و الفضة، فإن قيمتهما واحدة في كل مكان، و بذلك يقبل تداولهما في البلاد المتقدمة. و من جهة أخري ليس للعملة الورقية قيمة تجارية في ذاتها، لأنها تقوم علي إرادة المشرع، و لذلك كان للقانون الذي خلقها أن يبطلها و إذا أبطلت فلا تبقي في يد صاحبها إلا قطعة ورق لا قيمة لها، علي عكس النقدين فإن لهما قيمة ذاتية تجارية، فإذا أبطل القانون المعدن بوصفه نقداً، فإن

______________________________

(1) د. البيه. عبد المنعم، اقتصاد النقود و البنوك، الطبعة الثانية، 1956 م، ص 5.

أيضاً: حلمي يس، أعمال قسم الخزينة، محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس، 1960 م، ص 1.

(2) د. مراد كاظم، البورصة و أفضل الطرق في نجاح الاستثمارات المالية، الطبعة الثانية، المطبعة التجارية، بيروت، 1967 م، ص 187.

أيضاً: أبو الفتوح، علي باشا، في القضاء

و الاقتصاد و الاجتماع، مطبعة المعارف، مصر، دون تاريخ، ص 171.

المعاملات المصرفية، ص: 83

مالك النقد لا يفقد كل شي ء، بل يبقي في يده قيمة النقدين الذهب و الفضة «1».

فالنقد عند الاقتصاديين له ميزتان:

1- له قيمة ذاتية فيرغب الناس باقتنائه.

2- وسيط عام للتبادل من دون استفهام أو تردد.

و هاتان الميزتان لا توجد إلا في الذهب و الفضة.

أما العملة الورقية فليس لها قيمة ذاتية، فضلًا عن ذلك لها قوة إبراء محدودة ضمن الدولة المصدرة لها، و ليست وسيطاً عاماً للتبادل. فلا يمكن استعمال العملة الورقية العراقية في فرنسا ما لم تتحول إلي عملة فرنسية.

المبحث الثاني: النقد عند الاقتصاديين:

الفرع الأول: تطور النظام النقدي:
اشارة

يري الاقتصاديون أن البشرية مرت بمراحل ثلاث من حيث استعمالها للنقود و هي:

أولًا: مرحلة الاقتصاد الطبيعي (نظام المقايضة):

و هي مرحلة تبادل السلع و الخدمات بعضها ببعض مباشرة، عند ما لم تكن النقود معروفة، مثاله أن يبيع شخص ثوبا لشخص آخر مقابل الحصول علي قمح. أو أن يقوم صاحب المزرعة باستئجار خدمات بعض الأفراد في عملية الزراعة مقابل إعطائهم قدراً عينيا من المحصول في النهاية «2».

إن هذه المرحلة افتراضية، و هي إن كانت موجودة من حيث الواقع،

______________________________

(1) إبراهيم زكي، النقود وسيلة المبادلة، مجلة الأزهر، المجلد (11)، مطبعة الأزهر، 1940 م- 1359 ه، ص 307.

(2) د. عبد الرحمن فهمي محمد، النقود العربية ماضيها و حاضرها، المكتبة الثقافية (103) وزارة الثقافة و الإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للطباعة و النشر، دار القلم، القاهرة، 1964 م، ص 13. أيضا د. عبد الرحمن يسري أحمد، اقتصاديات النقود، الناشر دار الجامعات المصرية، إسكندرية، 1979 م، ص 3.

المعاملات المصرفية، ص: 84

فيعني أن البشرية لم تخترع النقود بعد.

و قد ظهر في نظام المقايضة عدد من الصعوبات نتيجة تطور الحياة الاقتصادية و ازدياد الإنتاج و تنوع السلع و هي: «1»

1- مشكلة تحقيق التوافق المزدوج للرغبات.

2- عدم صلاح نظام المقايضة لاختزان القيم.

3- صعوبة تجزئة عدة أنواع من السلع.

4- صعوبة معرفة نسب مبادلة السلع بعضها ببعض.

إن هذه العيوب في نظام المقايضة مهدت السبيل لظهور النقود.

ثانياً: مرحلة الاقتصاد النقدي:

بدأ المتعاملون يتعارفون علي سلعة معينة لاستخدامها وسيلة للمبادلة و كان هنالك عدد من السلع المتفق عليها لهذا الغرض، مثل المعادن من ذهب و فضة و الجواهر النفيسة، و بمرور الزمن اكتشف الناس بالتجربة أن بعض السلع الوسيطة التي استخدمت كانت اصلح من غيرها في إجراء المبادلات من حيث سهولة حملها و خفة وزنها و إمكان تجزئتها و القدرة علي الاحتفاظ بها إلي أن اتجهت المجتمعات في تطورها

التدريجي و بحثها عن أفضل أنواع النقود إلي الاقتصار علي استخدام المعادن النفيسة مثل الذهب و الفضة التي أثبتت كفاءتها كنقود «2».

و تميزت بثبات قيمتها بالمقارنة بمعظم السلع الأخري و هذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة لوظيفتها في قياس قيم السلع.

و من بين النقود السلعية عموما تميزت المعادن خصوصا تحت مصطلح (النقود المعدنية MetalicMoney) و ثمة حقيقة بشأن النقود المعدنية عموما و هي أن لها قيمة حقيقية مستقلة عن تلك القيمة التي

______________________________

(1) محمد عاشور، دراسة في الفكر الاقتصادي العربي، أبو الفضل جعفر علي الدمشقي (أبو الاقتصاد)، الطبعة الأولي، دار الاتحاد العربي، 1973 م، ص 38.

(2) د. عبد الرحمن فهمي محمد، النقود العربية ماضيها و حاضرها، مصدر سابق، ص 14.

المعاملات المصرفية، ص: 85

تحوزها حينما تستخدم كنقود أي وسيطاً للاستبدال «1».

و لقد استخدم الأفراد و الحكام، الذهب و الفضة في حقبة قديمة من التأريخ، و بمرور الزمن ارتقي فنّ سك العملات النقدية المعدنية كثيرا.

ثالثاً: مرحلة النقود الرمزية و الائتمانية:

يحدد ظهور العملة الورقية)Paper money(في أواخر القرن الثامن عشر في إنكلترا. ثمّ في غضون القرن الماضي في عدد آخر من البلدان الغربية، إلي أن انتشر استخدامها في كل بلدان العالم في القرن العشرين.

و لكن نظام النقود المعدنية لم يتوقف استعماله عند ظهور النقود الورقية، بل ظل يستعمل إلي الحرب العالمية الأولي ثمّ بدأ يضعف استعماله تدريجيا إلي أن أصيب بأزمات حادة في العشرينات و أوائل الثلاثينات، مما أدي إلي انهياره تماما.

و يلاحظ أن معظم النقود المعدنية التي نستخدمها في وقتنا الحاضر تختلف جوهريا في طبيعتها عن تلك النقود المعدنية التي كانت متداولة من قبل أوائل القرن العشرين و القرون السابقة. فالنقود المعدنية في وقتنا الحاضر (الفلوس) لها قيمة زهيدة جدا لا تعبر عن

قيمتها السلعية و ذلك بعكس النقود المعدنية المتداولة قديما حيث كانت قيمتها النقدية معبرة عن قيمتها السلعية «2».

و في أوائل القرن العشرين كانت تحمل النقود الورقية علي ظهرها عبارة تعهد من الهيئة المصدرة لها بالوفاء بالقيمة الحقيقية للنقد عند الطلب. و بعبارة أخري أن هيئة الإصدار كانت علي استعداد

______________________________

(1) محمد عاشور، دراسة في الفكر الاقتصادي العربي، مصدر سابق، ص 43.

(2) د. كاشف. سيدة إسماعيل، النقود العربية في العصر الإسلامي، الموسم الثقافي لجامعة الكويت للعام 1967/ 1968، طباعة المطبعة العصرية، الكويت، ص 250.

المعاملات المصرفية، ص: 86

لتحويل القيمة الاسمية للأوراق النقدية التي تصدرها إلي ذهب أو فضة لمن يطلب منها ذلك، فهي تعدّ نائبة عن كمية الذهب أو الفضة التي يمكن استبدالها بها «1».

و قد تبين صعوبة المحافظة علي مثل هذه التغطية الذهبية الكاملة للنقود الورقية المتداولة في المدي الطويل، فاحتياجات الأسواق و كثرة المبادلات تتطلب زيادة مستمرة و ملموسة في كمية العملات المتداولة، بينما لا ينمو رصيد الذهب سنوياً إلا بمعدلات ضئيلة بفعل القيود الطبيعية.

إن التطور الحتمي في تاريخ النقود أدي إلي اتجاه هيئة الإصدار نحو إنقاص احتياطي الذهب لديها حتي أنه لا يمثل إلا جزءاً يسيرا من قيمة النقود الورقية المتداولة.

إن العملات الورقية أصبحت رمزية حقا في هذهِ الحقبة، بمعني أن قيمتها السلعية في حد ذاتها لا تساوي شيئا، كما أنها لا تعد قابلة للتحويل إلي معدن نفيس، و تعتمد قيمتها النقدية كلياً علي ما تحدده لها هيئة الإصدار. فالوضع القانوني للعملات التي تصدرها الدولة يعطيها حقا و قوة قانونية في تسوية المعاملات و إبراء الديون و لكنه لا يكفل لها بأي حال من الأحوال القبول العام لها من جهة الأفراد الخاصة في حالات انهيار

الثقة بها.

لقد مرت بعض بلدان العالم في هذهِ المدة بظروف اقتصادية شديدة أدت إلي انهيار الثقة تماما في العملة الورقية و العملات المساعدة و أدت إلي ابتعاد الأفراد عن استخدامها و التجائهم إلي وسائل أخري

______________________________

(1) الدلي. عبد الغني، محاضرات في النقود و البنوك و نظام النقد و المصارف الغربية، رسالة ماجستير، طبع المكتب الجامعي علي الآلة الكاتبة، الرباط، 1972، ص 16.

المعاملات المصرفية، ص: 87

بديلة لتسوية المعاملات و الديون فيما بينهم «1».

و أخيرا ظهرت الأوراق المصرفية الائتمانية مثل الشيكات و الكمبيالات، و التي تطورت تطورا هائلا و أصبح لها أهمية كبري في المجتمعات الحديثة كافة. و يتم خلقها في المصارف التجارية فالشيك (هو أمر مكتوب وفقا لأوضاع حددها العرف، يطلب به الساحب (العميل) من المسحوب عليه ج و غالبا ما يكون المصرف أن يدفع بمقتضاه و بمجرد الاطلاع عليه، مبلغا من النقود لشخص معين أو لحامله) «2».

أما الكمبيالة (و هي أمر مكتوب وفقا لأوضاع معينة حددها القانون يتوجه به شخص يسمي الساحب إلي شخص آخر يسمي المسحوب عليه طالبا منه أن يدفع مبلغاً معيناً من النقود في تاريخ معين أو قابل للتعيين لإذن شخص ثالث يسمي المستفيد أو لحامله «3».

و قد نشأت الكمبيالات و الشيكات، عبارة عن وسيلة لتجنب نقل النقود من مكان إلي آخر خوفا من السرقة و الضياع و أخطار الطريق، و كذلك لسداد الديون.

و تعدّ الكمبيالة و الشيك الآن العملة التجارية السائدة غالباً في البلاد المتقدمة اقتصادياً «4»

______________________________

(1) د. لهيطة. محمد فهمي و الدكتور محمد حمزة عليش، النقود و الائتمان، الناشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ص 94.

أيضا: الدلي. عبد الغني، محاضرات في النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 17.

(2) د. الشاوي. خالد، الأوراق

التجارية في التشريعين الليبي و العراقي، الطبعة الأولي، منشورات الجامعة الليبية، كلية الحقوق، مطابع دار الكتب بيروت، 1391 ه 1971 م، ص 292.

(3) د. بدر. أمين محمد، الأوراق التجارية في التشريع المصري، المطبعة العالمية، مصر، 1953 م، ص 20.

(4) أمين ميخائيل عبد الملك، الاعتمادات المستندية، محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس، 1960، ص 2.

المعاملات المصرفية، ص: 88

الفرع الثاني: وظائف النقود:

تؤدي النقود ثلاث وظائف أساسية هي «1»:

1- وسيط عام للتبادل)Medium of Exchange(

و هي الوظيفة الأساسية للنقود.

2- مقياس للقيم)Measure of value(

و هي وحدة للحساب كوحدة قياسية للأثمان أو القيم.

3- مستودع للقيمة أو الثروة)Astore of value(

و هو أداة لاختزان القيم أو حفظها لصعوبة الاحتفاظ بالسلع و الخدمات لأنها قابلة للتلف.

المبحث الثالث: حكم الربا في النقود:

اشارة

إن دراسة حكم الربا في أنواع النقود، ستكون متسلسلة تاريخياً حسب تطور مراحل النظام النقدي. و حيث أن النقود السلعية و هي المرحلة الأولي، فلا نتكلم عنها لأنها فرض من الاقتصاديين لتدرج في تاريخ النقود، و علي فرض وجودها فلا يقع فيها الربا لأنها عروض تجارة.

الفرع الأول: النقود المعدنية:
اشارة

و تنقسم إلي:

أولًا: الذهب و الفضة (النقدان):

إن التعامل فيهما يتوقف علي شرطين لدي جمهور الفقهاء و هما: «2»

______________________________

(1) د. عبد الرحمن يسري أحمد، اقتصاديات النقود، مصدر سابق، ص 21.

أيضا: محمد عاشور، دراسة في الفكر الاقتصادي العربي. أبو الفضل جعفر علي الدمشقي (أبو الاقتصاد)، ص 41.

(2) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 4/ 177.

أيضا: المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مصدر سابق، 2/ 48.

أيضا: ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد (ت: 520 ه)، المقدمات و الممهدات، مكتبة المثني، بغداد، ص 507.

أيضا: الخطيب الشربيني، الإقناع في حل الفاظ ابن شجاع، مصدر سابق، 2/ 186.

أيضا: العيني، البناية في شرح الهداية، الطبعة الأولي، دار الفكر، 1401 ه- 1981 م، 6/ 689.

المعاملات المصرفية، ص: 89

1- المساواة في الكمية بين الثمن و المثمن عند مبادلة الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة، فإذا زاد أحدهما علي الآخر كان ربا. أما إذا كان الثمن و المثمن مختلفين أي كان أحدهما ذهبا و الآخر فضة فلا مانع من زيادة أحدهما علي الآخر.

2- أن تنتهي المعاملة بكل مراحلها فعلا، أي أن يتم التسليم و التسلم بين بائع النقد و المشتري له في مجلس العقد، فإذا افترقا دون أن يقبض كل منهما النقد الذي اشتراه عدّ البيع باطلا. و ذلك لما روي عن عبادة بن الصامت إذ قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم): (الذهب بالذهب و الفضة بالفضة و البر بالبر و الشعير بالشعير و التمر بالتمر و الملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) «1».

و المشهور عند بعض الفقهاء أن الشرط الثاني لازم في بيع الذهب و الفضة بمثلها أو بالنوع الآخر.

و في رأي البعض الآخر غير لازم في حالات بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة مساواة دون التقابض في مجلس العقد.

و يخلص رأيهم إلي أن التعامل بالذهب و الفضة بشرط واحد، لأن الثمن و المثمن إذا كانا معا من الذهب أو الفضة فالشرط هو المساواة بينهما و لا يجب التقابض فورا. و إذا كان الثمن من ذهب أو فضة و المثمن من النوع الآخر فالشرط هو التقابض فورا و لا تجب المساواة في الكمية بين الثمن و المثمن «2»

______________________________

(1) مسلم، صحيح مسلم، مطبعة محمد علي صبيح و أولاده، مصر، 5/ 44.

(2) د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة و القانون، ص 39.

أيضا: د. حمود. سامي حسن أحمد، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق و الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه، الطبعة الثانية، مطبعة الشرق، عمان، 1982 م، ص 39.

المعاملات المصرفية، ص: 90

ثانياً: المسكوكات الرمزية (الفلوس):

و هي عملة معدنية تحتكر الدولة حق إصدارها و تستخدم لتسوية المدفوعات الصغيرة كالنيكل و النحاس و البرونز، و تستمد قيمتها الحقيقية بما تحتوي من معدن أقل من القيمة الاسمية المقررة لها «1». و لا تعد في الحقيقة من النقود و لا قيماً للأشياء «2»، و الفلوس لا يدخلها الربا، سواء كانت رائجة يتعامل بها أم لا.

أ- فقد جوز أبو حنيفة و أبو يوسف بيع بعضها ببعض متفاضلة أو متساوية. و عندهما أنها لما كانت غير أثمان خلقة بطلت ثمنيتها باصطلاح العاقدين، و إذا بطلت تتعين بالتعيين كالعروض «3».

ب- و الشافعية قالوا بعدم تعدي حكم الذهب و الفضة إلي الفلوس إذا راجت، و لا ربا فيها لانتفاء الثمنية الغالبة. فقد جاء في حاشية الجمل (لا ربا في الفلوس و إن راجت) «4».

ج- و الحنابلة

عندهم المأخوذ من معادن غير الذهب و الفضة. كالنيكل و البرونز و النحاس مما يسمونها فلوساً لا يقع فيها الربا. فقد قال البهوتي «5»: (يجوز بيع فلس بفلسين عدداً، و لو نافقة، لأنها ليست بمكيل و لا موزون). و علي هذا يجوز للشخص أن يشتري مائة فلس من العملة بمائتين و خمسين فلساً، يدفعها بعد شهر «6».

د- أما المالكية فيذهبون إلي أن النقود المتخذة من النحاس أو النيكل أو البرونز

______________________________

(1) الدلي. عبد الغني، محاضرات في النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 18.

(2) المقريزي، شذور العقود في ذكر النقود، مصدر سابق، ص 23.

أيضاً: العزاوي. عباس، تاريخ النقود العراقية لما بعد العهود العباسية، طبع شركة التجارة و الطباعة، بغداد، 1377 ه- 1958 م، ص 120.

(3) ابن عابدين، رد المحتار في الدر المختار، مصدر سابق، 5/ 175.

(4) سليمان الجمل، حاشية الجمل علي شرح المنهج، دار الفكر، بيروت، 3/ 46.

(5) البهوتي، كشاف القناع علي متن الاقناع، الناشر مكتبة النصر الحديثة، الرياض، 1/ 252.

(6) الجزيري. عبد الرحمن، الربا، مصدر سابق، ص 106.

المعاملات المصرفية، ص: 91

كعروض التجارة تماماً، فيجوز شراؤها بالذهب و الفضة مع زيادة أو نقص إلي أجل «1».

ه- و الإمامية عندهم إن الفلوس من المعدودات فلا يقع فيها الربا فلو باع الفلوس بالفلوس فلا يشترط فيها التقابض.

و قد اتفق معظم الفقهاء علي أن الفلوس المصنوعة من النيكل و البرونز و النحاس لا يقع فيها الربا، و لا تدخل في حكم النقدين الذهب و الفضة و إن راجت، فتباع و تشتري كما يباع غيرها من السلع.

الفرع الثاني: النقود الائتمانية: و هي:
أولًا: أوراق البنكنوت)Banknot(:

و هي أول ما عرف من النقود الورقية، و كانت عبارة عن تعهد من جانب البنوك المصدرة لها سواء أ كانت أهلية أم حكومية

بدفع مبلغ معيناً من الوحدات النقدية الذهبية لحامل تلك الورقة عند الطلب. و أول بنك أصدر أوراق البنكنوت بصورة منتظمة هو بنك ستكهولم في السويد في منتصف القرن السابع عشر الميلادي ثمّ انتشرت بعد ذلك في بنوك كثيرة من مختلف أنحاء العالم «2».

و مرت أوراق البنكنوت بحقبة أصبحت فيها غير قابلة للصرف أو التحويل إلي المعدن الثمين بسبب عجز البنوك أو الحكومات عن الوفاء بتعهداتها «3».

إن هذه الأوراق تعدّ حاكية و ممثلة للأموال النقدية المستودعة في البنوك

______________________________

(1) الجزيري. عبد الرحمن، الفقه علي المذاهب الأربعة، دار الفكر، بيروت، 1972 م، 2/ 272.

أيضاً: عبد الحليم محمود موسي، الفقه الإسلامي الميسر في العقائد و العبادات و المعاملات علي المذاهب الأربعة، الناشر دار الفكر العربي، طبع بمطابع دار الثقافة العربية، 1394 ه- 1974 م، ص 198.

(2) د. البيه. عبد المنعم، اقتصاد النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 12.

(3) الدلي. عبد العزيز، محاضرات في النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 21.

المعاملات المصرفية، ص: 92

من الذهب و الفضة فيقع فيها الربا، لأنها نائبة عن تلك الأموال و لها قيمة من الذهب و الفضة متساوية، فتنطبق عليها أحكام النقد في الإسلام «1». و الدكتور غريب الجمال لا يشترط فيها التقابض فوراً عند التعامل بها لأنها جميعاً تمثل الذهب «2».

ثانياً: العملة الورقية الإلزامية:

و هي أكثر أنواع النقود انتشاراً في الوقت الحاضر، و ليس لهذه العملات من قيمة ذاتية أكثر من ثمن الورق و النقوش التي تطبع بها، و قد أصبحت العملات الورقية الحكومية في جميع بلدان العالم غير قابلة للتحويل أو الصرف بالذهب أو غيره من السلع، و تعتمد في رواجها علي قوة القانون الذي يدعمها «3»، و إن قيمتها غير ثابتة و ذلك لأنها

ليس لها قيمة ذاتية و ميدان التعامل بها ضيق، فلا سبيل للانتفاع بها إلا في أرض الدولة التي صدرت فيها، و أن قيمتها كثيرة التقلب لأن الحكومات في وسعها أن تزيد من كميتها ما شاءت «4».

و هنالك عِدَّة نظريات شرعية في حقيقة العملة الإلزامية و هي:

1- النظرية السندية:

يري القائلون بهذه النظرية أن الأوراق النقدية سندات بدين علي جهة إصدارها وعدوها كأوراق البنكنوت.

و قال بهذه النظرية مجموعة من أهل العلم، و صدرت عليها فتوي مشيخة

______________________________

(1) النبهاني. محمد تقي، النظام الاقتصادي الإسلامي، مصدر سابق، ص 231.

أيضاً: الموسوي. السيد أبو الحسن، وسيلة النجاة، الطبعة الثانية، تعليق محمد رضا الموسوي، دار التعارف، بيروت 1397 ه- 1977 م، 1/ 417.

أيضاً: كاشف الغطاء. الشيخ محمد حسين، سؤال و جواب، الطبعة الثانية، مطبعة العدل الإسلامي، النجف، 1370 ه، 1/ 259.

(2) المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة و القانون، مصدر سابق، ص 99.

(3) د. لهيطة. محمد فهمي و الدكتور محمد حمزة عليش، النقود و الائتمان، مصدر سابق، ص 94.

(4) أبو الفتوح. علي باشا، في القضاء و الاقتصاد و الاجتماع، مصدر سابق، ص 172.

المعاملات المصرفية، ص: 93

الأزهر «1». و الصحيح أن هذا التعهد القاضي بتسلم المبلغ المرقوم علي العملة لحاملها وقت الطلب ليس له من حقيقة معناه نصيب. و إنما نقش علي الورق فلا يختلف اثنان أن المرء لو تقدم للمصرف أو للبنوك المركزية المختصة بإصدار العملة الورقية بعملة ورقية صادرة ممن تقدم إليه طالباً منه الاستعاضة عنها بما تحتويه من ذهب أو الفضة لما وجد وفاءً لهذا التعهد «2».

إضافة إلي تغطية أوراق البنكنوت بالذهب و الفضة أو بواحد منهما في خزائن مصدرها. و نلاحظ أن العملة الورقية غير مغطاة بالذهب و الفضة. و

إنما قيمتها بقوة القانون. و من مستلزمات هذه النظرية وقوع الربا فيها. و لكن أوراق البنكنوت ليس لها موضوع الآن.

2- النظرية العرضية:

يري القائلون بهذه النظرية أن العملة الورقية عرض من عروض التجارة، لها ما لعروض التجارة من الخصائص و الأحكام. و استدلوا علي أن العملة الورقية مال مرغوب فيه. و مدخر يباع و يشتري و تخالف ذاته ذات الذهب و الفضة و معدنهما، و ليس بمكيل و موزون و انتفاء الجامع بين العملة الورقية و النقد المعدني في الجنس و القدر.

أما الجنس فالعملة الورقية قرطاس، و النقد المعدني معدن نفيس من الذهب و الفضة. و أما القدر فلنقد المعدني موزون أما القرطاس فليس هو موزون و لا مكيل، بل هو معدود «3»

______________________________

(1) الجبالي. إبراهيم، الربا، مجلة نور الإسلام، المجلد الثالث، مطبعة المعاهد الدينية، 1351 ه- 1933 م، ص 427.

(2) منيع. عبد الله سليمان، الورق النقدي تاريخه، حقيقته، قيمته، حكمه، رسالة ماجستير، الطبعة الأولي، مطابع الرياض، 1971، ص 49.

(3) النبهاني. محمد تقي، النظام الاقتصادي الإسلامي، ص 531. أيضاً: اطفيش. أبو إسحاق إبراهيم، محضر الجلسة الرابعة، مؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، الأزهر، 16 محرم 1385 ه، طبع آلة الكاتبة، ص 3.

المعاملات المصرفية، ص: 94

و من مستلزمات هذه النظرية عدم جريان ربا البيع فيها، فلا بأس من بيع بعضها ببعض متفاضلًا نقداً أو نسيئة.

و مما يؤخذ علي هذه النظرية أن القيمة السلعية للعملة الورقية هي أقل من القيمة الاسمية. بل أن هذه العملة ليست لها قيمة ذاتية، فلا يمكن اعتبارها من عروض التجارة. فإن العملة الورقية إذا أسقطتها الدولة أو تركتها بقيت لا قيمة لها. فعلم بالحس و المعني أنها ليست عرضا من عروض التجارة.

3- نظرية إلحاقها بالفلوس:

يري

القائلون بهذه النظرية أن العملة الورقية في طرو الثمنية عليها كالفلوس. و أهم ما استدل به أصحاب هذه النظرية هو أن العملة الورقية ليست في الواقع ذهباً و لا فضة و إنما هي أثمان تتغير كما تتغير بالكساد و الرواج بحسب أمر السلطان و جعل الحكومات لها فتشابها من هذه الناحية، فألحقت العملة الورقية بالفلوس و أعطيت حكمها. أما الذهب و الفضة فمقصودان لذاتهما و الرغبة فيهما «1».

و أن حكم الربا في الفلوس قد مر سابقاً، فيستلزم من هذه النظرية عدم وقوع ربا البيع في العملة الورقية.

و لكن يؤخذ علي هذه النظرية أن الفلوس تستخدم في تقييم المحقرات، أما العملة الورقية في غلاء قيمتها الاسمية كالنقدين. و نظراً لتفاهة الفلوس فإن الصفقات ذات القيمة العالية لا تتم بها. و إنما تتم بالعملة الورقية. إضافة إلي ذلك هو أن قيمة العملة الورقية من جهة القانون أما الفلوس المسكوكة فتعرض لها الثمنية أو ينوي بها التجارة «2»

______________________________

(1) منيع. عبد الله سليمان، الورق النقدي، مصدر سابق، ص 85.

أيضاً: طه حبيب، زكاة الورق النقدي، مجلة نور الإسلام، المجلد الثالث، مطبعة المعاصر الدينية، 1351 ه- 1933 م، ص 211.

(2) منيع. عبد الله سليمان، الورق النقدي، مصدر سابق، ص 85.

أيضاً: طه حبيب، زكاة الورق النقدي، مجلة نور الإسلام، المجلد الثالث، مطبعة المعاصر الدينية، 1351 ه- 1933 م، ص 211.

المعاملات المصرفية، ص: 95

4- النظرية البدلية:

يري القائلون بهذه النظرية أن العملة الورقية بدل لما استعيض بها عنه. و هما النقدان الذهب و الفضة. و للبلد حكم المبدل عنه مطلقاً. و أن العملة الورقية لها ثمن قائم بذاته كقيام الثمنية في كل من الذهب و الفضة. و إن العملات الورقية أجناس تتعدد بتعدد جهات

إصدارها فيجري عليها أحكام النقدين من الذهب و الفضة، و يستلزم من هذه النظرية جريان الربا في العملة الورقية «1».

إن أصحاب هذه النظرية استدلوا بأدلة لا تنهض كدليل شرعي إلي جعل حكم العملة الورقية كحكم النقدين. فليس هنالك دليل علي أخذ البدل حكم المبدل منه في جميع أحكامه مطلقاً. و منهم من لم يميز بين العملة الورقية و أوراق البنكنوت المعتمدة علي الذهب فأعطي حكماً واحداً لكليهما «2».

و منهم من ربط بين وقوع الزكاة و عدمه إلي وقوع الربا فيها و عدمه. فكأن حكم الزكاة و الربا فيهما متلازمين، فإن نفي أحدهما نفي الآخر. و منهم

______________________________

(1) ذهب إلي هذه النظرية كل من الشيخ محمد حسين مخلوف و الأستاذ عبد الوهاب خلاف و الشيخ محمد أبو زهرة و الشيخ يوسف القرضاوي: ينظر كل: د. متولي أبو بكر عمر و الدكتور إسماعيل شحاتة، اقتصاديات النقود في إطار الفكر الإسلامي، مصدر سابق، ص 49

أيضاً: مجلة لواء الإسلام، العدد الخامس و الثامن، السنة الرابعة، 1371 ه- 1951 م، ص 338- 339، ص 601.

أيضاً: د. طنطاوي محمود محمد، ندوة لواء الإسلام، العدد العاشر، السنة الثامنة، جمادي الآخرة 1374 ه- فبراير 1955 م، ص 232.

أيضاً: القرضاوي. يوسف، فقه الزكاة، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1393 ه- 1973 م، 1/ 271- 276.

(2) التقي. حامد، من مزاعم مسقطي الزكاة، مجلة التمدن الإسلامي، العدد (29، 32)، مجلد (26)، دمشق، شعبان 1379 ه- آذار، 1960 م، ص 637.

المعاملات المصرفية، ص: 96

من جعل لها قيمة ذاتية كقيام الثمنية بالذهب و الفضة مع العلم أنها ليست ذات قيمة ذاتية و تستمد قيمتها من القانون الإلزامي لها.

و منهم من استدل بقول (صلي الله عليه و آله و سلّم)

(الورق بالورق). و اعتبر أن المقصود بالورق العملة الورقية مع العلم أن المراد بها هنا الفضة «1».

أما القول بطرو الثمنية علي هذه العملة الورقية يؤدي إلي وقوع ربا البيع فيها «2». فيجاب بأن الثمنية فيها متعلقة بجعل القانون لها. ثمّ إذا كان طرو الثمنية سبباً إلي وقوع ربا البيع فيها. فلما ذا لم يقع في الفلوس ربا البيع بعد ما طرو عليها الثمنية؟ مع العلم أن من قال بعلة غلبة الثمنية في الذهب و الفضة في وقوع ربا البيع فيها باختصاصها بالذهب و الفضة فقط. و إن العلة قاصرة عليهما «3». و منهم من جعل الحكمة التي حرم الربا من أجلها الذهب و الفضة و هي الظلم موجودة في العملة الورقية، فاستنتج علي أن العملة الورقية تأخذ حكم النقدين.

إن القول بصحة القياس المستنبط الحكمة محل نظر علي القول بصحة القياس كدليل شرعي، فقد نسب لأكثر الأصوليين أنه لا يجوز التعليل بالحكمة مطلقاً. و وجهتم في ذلك، إن فائدة التعليل بالعلة، إنما هي تعدية حكم الأصل إلي الفرع لوجود العلة فيه. و التعليل بالحكمة لا يحقق تلك الفائدة لأن الحكمة غير منضبطة غالباً، و مقدارها في الأصل غير معلوم حتي يمكن تحقيقه في الفرع، فلا يتأتي القياس عليها. و إن سلمت بصحة القياس مستنبط الحكمة. و لكن المسألة للعملة الورقية إذا تحقق وقوع ربا البيع و أحكام الصرف في العملة الورقية.

و منهم من ذهب إلي وقوع ربا البيع في العملة الورقية، و ذلك بشمولها لتعريف النقد عند الاقتصاديين فاستدلوا بتعريف الاقتصاديين (كل شي ء يكون

______________________________

(1) د. السامرائي. عبد الله سلوم، حوار في الاقتصاديين الإسلام و الماركسية و الرأسمالية، الطبعة الأولي، المؤسسة العراقية للدعاية و الطباعة، بغداد، 1404

ه- 1984 م، ص 84.

(2) مغنية. الشيخ محمد جواد، فقه الإمام الصادق، مصدر سابق، 3/ 265.

(3) الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، 4/ 25.

المعاملات المصرفية، ص: 97

وسيط للتبادل من غير تردد أو استفهام فهو نقد.

إن هذا التعريف لا ينطبق علي العملة الورقية من حيث إلزامية قانون الدولة المصدرة لها. و نسبية الوسط التي تتبادل فيه، و مجال العملة الورقية في حدود الدولة المصدرة لها.

و ما قيل أن العملة الورقية نقد ضمن الدولة المصدرة لها لقبولها كوسيط عام للتبادل، يقال لما ذا لا تصبح الأوراق المالية و الشيكات و غيرها نقوداً ضمن حدود التجارة و الأغنياء الذين يعتبرونها و يستعملونها كوسيط عام للتبادل فيقع فيها ما يقع في العملة الورقية؟

إن تعريف الاقتصاديين بدقته لا ينطبق علي العملة الورقية. و إن العالم اليوم لا يملك نقداً، بل يملك عملات ورقية مثل الجنية و الدينار و الدولار. و إطلاق لفظ النقد عليها من باب المجاز من الناحية الشرعية و الاقتصادية.

5- النظرية الاعتبارية:

إن هذه النظرية تعتبر العملة الورقية متقومة بالجهة الاعتبارية الصرفة، و ذلك بأن تقرر الدولة بأن كل ورقة تحمل ذلك النقش و الألوان و التقاطيع المخصوصة بها فإنها بمقدار كذا من المال. و هذه العملة الورقية لا تتعدي حدود البلد الذي يخضع للقانون الذي قضي بجعلها عملة رئيسية. و ليس لهذه العملة الورقية قيمة سلعية، و لكن لها قيمة قانونية. إذ هي تستمد قيمتها من إرادة المشروع الذي فرض تداولها، فلو ألغي التعامل بها لأصبحت عديمة الفائدة. و إن العملات الورقية في هذا اليوم من هذا القبيل فلا يتحقق فيها ربا المعاملة البيعية «1»، لأن الربا في المعاملة البيعية إنما يكون إذا اتحد جنس العوضين و كانا

______________________________

(1) الحكيم. السيد

محسن، منهاج الصالحين، الطبعة التاسعة، مطبعة النجف، 1387، 2/ 52.

أيضاً: الخوئي. السيد أبو القاسم، المسائل المنتخبة، الطبعة التاسعة، مطبعة الآداب، النجف، 1394 ه، ص 210.

كاشف الغطاء. الشيخ علي، مجلة الأزهر، الجزء الأول، السنة (37) القاهرة، المحرم ستة 1385 ه- مايو 1965 م، ص 109.

أيضاً: الروحاني. السيد محمد صادق، المسائل المستحدثة، الطبعة الأولي، مؤسسة دار الفكر، 1384 ه، ص 33.

أيضاً: بحر العلوم. السيد عز الدين، بحوث فقهية للشيخ حسين الحلي، مطبعة الآداب، النجف، 1964، ص 52.

المعاملات المصرفية، ص: 98

من المكيل و الموزون. أما العملة الورقية فهي من المعدودات. و لا يجري عليها أحكام الصرف. نعم إنما يتحقق الربا في العملة الورقية في القرض فقط حيث لم يشترط فيه ذلك. فلو باع شخص خمسة دنانير بستة دنانير لمدة ثلاثة أشهر مثلًا صحت المعاملة. بخلاف ما لو أقرضه خمسة دنانير بستة دنانير لمدة ثلاثة أشهر، فإن المعاملة ربوية و تكون باطلة لأنها وقعت بنحو القرض لا البيع.

و قد التبس علي بعض النفر بين المعاملة القرضية و المعاملة البيعية «1». فاتهم القائلين بصحة المعاملة البيعية في العملة الورقية بجواز أخذ الزيادة في العملة الورقية عند المعاملة القرضية. مع أن الإجماع قائم أن المعاملة القرضية باطلة و يقع الربا فيها.

و من خلال استعراض هذه النظريات يتضح أنه لو لا النصوص التي تقيد وقوع ربا البيع في المكيل و الموزون عند الإمامية. و العلل الربوية عند الحنفية و الحنابلة الكيل و الوزن. و المالكية و الشافعية غلبة الثمنية المختصة في النقدين و عدم شمولها للعملة الورقية. لكان الأرجح وقوع ربا البيع فيها. و إن فقهاء المسلمين يتحرجون من فتوي حلية هذه المعاملة لئلا تستعملها العوام و تكون طريقة للكسب.

ثالثاً: الأوراق المالية:

و هي

علامات أو شعارات لنقل العملة الورقية أو النقود من شخص إلي آخر أو لتسوية الحسابات أو تمثل ديناً في الذمة مثل الشيكات و الصكوك و الكمبيالات و الحوالات.

و قد انتشر استعمال الأوراق المالية في معظم بلاد العالم منذ القرن

______________________________

(1) الهمشري. مصطفي عبد الله، الأعمال المصرفية في الإسلام، القاهرة، 1973 م، ص 120.

المعاملات المصرفية، ص: 99

التاسع عشر حتي أصبح في الوقت الحاضر أهم وسائل الدفع و التسوية و الحسابات لأنها أقل تعرضاً للسرقة و الضياع و أسهل في النقل كما أنها توفر مشقة عد العملة الورقية «1». فهي ليست جنساً ذات قيمة. فلا تعتبر من النقود، و لا يجوز بيع بعضها ببعض و ذلك لأنه من قبيل بيع الكالئ بالكالئ أي الغائب بالغائب المنهي عنه لما «2» روي:

1- عن طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم): لا يباع الدين بالدين) «3».

2- و عن ابن عمر (رض) أن النبي (صلي الله عليه و آله و سلّم) نهي عن بيع الكالئ بالكالئ) «4».

النتيجة:

1- إن النقود إذا كانت من الذهب أو الفضة أو معتمدة علي الذهب أو الفضة فيقع فيها ربا البيع و أحكام الصرف.

2- إن العملات الورقية التي يكون أساسها الاعتبار القانوني فهي من المعدودات فلا يقع فيها ربا البيع و أحكام الصرف.

______________________________

(1) د. البيه. عبد المنعم، اقتصاد النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 14.

أيضاً: الدلي. عبد الغني، محاضرات في النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 22.

(2) كاشف الغطاء. الشيخ هادي بن عباس، رسالة في الربا و النقود، مخطوطة في مكتبة الشيخ علي كاشف الغطاء، النجف، ص 48.

أيضاً: د. الخالدي. محمود، الأصول الفكرية للثقافة الإسلامية، مصدر سابق،

3/ 224.

(3) الحر العاملي، وسائل الشيعة، 6/ 99.

(4) الحاكم النيسابوري، المستدرك علي الصحيحين، 2/ 57.

المعاملات المصرفية، ص: 100

الباب الثاني المعاملات المصرفية

الفصل الأول الودائع و الخدمات المصرفية

المبحث الأول: الودائع المصرفية:

تمهيد: تعريف الإيداع:
أولًا- الإيداع لغة:

مصدر بمعني الوديعة. و الودائع جمع وديعة، و هي ما استودع، و المستودع المكان الذي تجعل فيه الوديعة، و يقال استودعته وديعة إذا استحفظته إياه «1».

ثانياً- الإيداع عند الفقهاء:

(هو العقد المقتضي لحفظ الشي ء المودع) «2».

ثالثاً- الإيداع في اصطلاح المصرف:

يتخذ مظاهر مختلفة و معان متباينة غير معاني الوديعة أو الإيداع في اللغة و الفقه غالبا.

فقد عرفت الوديعة المصرفية بأنها: (الأموال التي يعهد بها الأفراد أو الهيئات إلي المصرف علي أن يتعهد المصرف برد مساو لها إليهم أو نفسها لدي الطلب أو بالشروط المتفق عليها) «3».

الفرع الأول: الوديعة الناقصة (النقدية):
اشارة

و هي ما كانت الوديعة فيها مبلغا من النقود أو أي شي ء آخر مما يهلك

______________________________

(1) ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، 8/ 378.

(2) الرملي، شمس الدين محمد بن ابي العباس أحمد بن شهاب الدين، نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج، مصدر سابق، 6/ 109.

(3) د. عوض علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 17.

أيضا: د. الشماع، خليل محمد حسن، إدارة المصارف، مصدر سابق، ص 302.

المعاملات المصرفية، ص: 101

بالاستعمال، و كان المستودع عنده مأذونا في استعمالها، وعدت قرضاً «1».

و قد أطلق اسم الودائع علي تلك المبالغ التي تتقاضاها المصارف لأنها من الناحية التاريخية بدأت بشكل ودائع، و تطورت من تجارب البنوك و اتساع أعمالها إلي قروض، فظلت تحتفظ من الناحية اللفظية باسم الودائع و إن فقدت مضمونها الفقهي و اللغوي، لأن المصرف غير ملزم برد الوديعة عينا، فعند ما يتناول الأموال من جمهور المودعين فهو لا يفكر مطلقا في حفظ هذه الأموال مجموعة لديه ضمن غُلْف خاصة، يحمل كل منها اسم المودع بانتظار استردادها، و إنما يتصرف بها كتصرفه بأمواله الخاصة، علي أن يعيد مثلها لا عينها عند المطالبة بها.

و تؤلف الودائع النقدية المصرفية المصدر الرئيس لأموال المصرف التجاري. و أن دراسة الودائع المصرفية تعد مقدمة لدراسة بقية العمليات المصرفية، لأن الودائع المصرفية هي المقدمة الأولي أو

العملية اللازمة ليستطيع المصرف مباشرة نشاطه في خلق الائتمان و منحه «2».

أولًا- أقسام الودائع النقدية:
اشارة

تقسم الودائع النقدية حسب موعد استردادها إلي ثلاثة أقسام «3»:

1- الودائع التي ترد بمجرد الطلب:

و تكون الشطر الأغلب من موارد المصارف، و فيها يمتلك المصرف المبالغ المودعة، و للمودع أن يطلب استردادها في أي وقت. و تسمي الودائع الجارية.

______________________________

(1) د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، دار الفكر، دمشق، 1969 م، ص 210.

(2) المصدر السابق، ص 49.

(3) د. شافعي. محمد زكي، مقدمة في النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 188.

أيضا: د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق، ص 211.

أيضا: د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 18- 19.

المعاملات المصرفية، ص: 102

و لا تدفع المصارف في العادة فائدة عليها، بل تتقاضي رسوماً نظير خدماتها إذا قلَّ الرصيد عن المبلغ المعين.

2- الودائع لأجل (ودائع التوفير):

و هي الودائع التي لا يلتزم المصرف بردها إلا عند أجل معين.

و هي أقل استخداماً من الودائع الجارية، و لكنها أكثر فائدة للمصرف و لذا يدفع عنها فائدة نظراً لتمتعه بحرية أوفر في استعمالها، و اطمئنانه بعدم استردادها منه قبل تاريخ معين.

3- الودائع ذات الإخبار المسبق:

و هي الودائع التي تكون لمدة غير محددة. و يتفق فيها علي التزام المصرف بالرد بعد انقضاء مدة من إخطاره بطلب الرد، و تعطي فائدة يرتفع سعرها كلما طالت المدة اللاحقة علي الإخطار، و هي علي أية حال أعلي من فائدة الوديعة الواجبة الرد بمجرد الطلب و اقل فائدة من الوديعة المقترنة بأجل.

ثانياً- موقف الفقه الإسلامي من عملية الإيداع:
اشارة

لبيان رأي الفقه الإسلامي من عملية الإيداع، يجمل أن نمهد لذلك بتمهيد نبين فيه ما يبرزه الإيداع من تخريجات. و ما يترتب علي تصرف المصرف بالودائع من الآثار موضحين رأي الإسلام في أخذ الفائدة عن الإيداع.

التخريج الأول- عقد الوديعة:

الأصل في الوديعة الشرعية أن لا يتصرف الأمين بما أودع لديه من المال. و ليس للوديع أن ينتفع بالوديعة، فإذا انتفع بها من دون إذن صريحة أو ضمنية كان متعديا بانتفاعه، فإذا تلفت ضمنها. و إذا أذن المودع بالانتفاع صارت عارية مع بقاء عينها و صارت قرضاً إذا كانت نقوداً لأن النقود لا تعار لاستهلاكها عند الانتفاع «1»

______________________________

(1) البهوتي، كشاف القناع، مصدر سابق، 4/ 167.

أيضا: السبكي، تكملة المجموع شرح المهذب، مصدر سابق، مصر، 14/ 10.

أيضا: الشهيد الثاني، اللمعة الدمشقية، مصدر سابق، 4/ 264.

المعاملات المصرفية، ص: 103

و تصرف المصرف في الوديعة النقدية المودعة عنده لا بأس به «1» لإذن المودع بذلك علي نحو تملك المصرف للوديعة النقدية، لأن مجرد الإباحة في التصرف لا يصح تملك المصرف للأرباح و المنافع في المال المودع عنده «2».

و حيث أن تملك الوديعة النقدية بنحو المجانية و بلا عوض للمصرف لم يتحقق من المودع ج صاحب الوديعة النقدية- و إلا لكان المودع لا يستحق شيئا علي المصرف بعد ذلك. مع العلم أن المودع صاحب الوديعة النقدية لا تسمح له نفسه بذلك، فلا بد أن يكون تمليكه إياه تمليكا ضمانيا لا مجانيا، بمعني أن المودع صاحب الوديعة النقدية يملك المصرف الوديعة النقدية مضمونا عليه بفائدة مقدارها كذا مثلًا.

إن هذه الوديعة النقدية لا تخرج عن كونها قرضا بفائدة، لأن القرض بفائدة عبارة عن تمليك المال غير المضمون عليه، فإذا كان مع الفائدة صار من ربا القرض «3».

التخريج الثاني- علي عقد المضاربة:

و هوَ محاولة للوصول إلي رأي فقهي مناسب لتسويغ و إباحة اخذ الفائدة علي حسابات الإيداع. و يعتمد علي أن تصرف المصرف في الوديعة مأذون فيه، و أن المصرف استثمر هذه الوديعة في اوجه مناسبة، فتصرف

المصرف في حسابات الإيداع كتصرف عامل المضاربة- هذا ينتفع بماله و هذا ينتفع ببدنه- فلم لا يعدّ اخذ الفائدة علي الوديعة جزءا من عائد الاستثمار، و أن المصرف يأخذ الباقي

______________________________

(1) د. الجبوري. عبد الله محمد، أحكام الوديعة في الشريعة الإسلامية، بحث مستل من مجلة كلية الإمام الأعظم، مطبعة سلمان الاعظمي، بغداد، 1392 ه- 1972، ص 231.

(2) الموسوعة الفقهية، النموذج (3)، الحوالة، مشروع الموسوعة الفقهية لوزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية لدولة الكويت، مطبعة حكومة الكويت، ص 237.

(3) الروحاني. السيد محمد صادق، المسائل المستحدثة، ص 58.

أيضا: كفائي. السيد كاظم، بين النجف و الأزهر، الطبعة الأولي، مطبعة الآداب، النجف، 1385 ه- 1965 م، ص 123.

المعاملات المصرفية، ص: 104

في مقابل إدارته لأنواع الاستثمارات المختلفة لمجموع أموال حسابات الإيداع.

و الاعتراض علي هذا التخريج، أنه لا يمكن أن نعدّ الأموال المودعة في المصارف من قبيل المضاربة، لأن الكيفية التي يتم بها الإيداع المعروف تختلف عن الكيفية التي يتم فيها شكل المضاربة، ففي المصرف الربح محدد بالكمية و بنسبة مئوية معينة سلفا. بينما يجب أن يكون الربح في المضاربة مشاعا معلوما مثل الثلث أو الربع أو شابه ذلك «1». فلا يصح أن يشترط لأحدهما دراهم معلومة من الربح علي أي وضع قد يؤدي إلي عدم الاشتراك في الربح «2».

و ذهب بعضهم مثل الشيخ محمود شلتوت «3» و الشيخ عبد الرحمن عيسي، و الشيخ عبد الوهاب خلاف «4» و الشيخ محمد عبده الذي نشر رأيه و تبناه الشيخ محمود رشيد رضا إلي انه يجوز تحديد الربح بمقدار سلفا حيث قال «5»: (و لا يدخل فيه- الربا- من يعطي آخر مالا يستغله و يجعل له من كسبه حظا معينا، لأن مخالفة قواعد الفقهاء في

جعل الحظ معينا، قلَّ الربحُ أو كثر- و الفقهاء لا يجيزون تعيين الربح بمبلغ معين- لا يدخل ذلك في الربا الجلي المركب المخرب).

و علل اجتهاده هذا بقوله: (لأن هذه المعاملة نافعة للعامل و لصاحب المال معا. و ذلك الربا (الحرام) ضار بواحد بلا ذنب غير الاضطرار و نافع لآخر

______________________________

(1) العيني. أبو محمد محمود بن أحمد، البناية في شرح الهداية، مصدر سابق 70/ 654.

أيضا: الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، مصدر سابق، 4/ 219. أيضا: ابن حزم، المحلي، مصدر سابق، 8/ 248.

أيضا: ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 5/ 116.

(2) الخفيف. علي، الشركات في الفقه الإسلامي بحوث مقارنة، مطبعة دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1962 م، ص 70.

(3) الفتاوي، مصدر سابق، ص 351.

(4) د. شلبي. أحمد، النظم الاقتصادية في العالم عبر العصور و اثر الفكر الإسلامي فيها، الطبعة الأولي، الناشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1976 م، ص 334.

(5) تفسير المنار، الطبعة الثانية، دار المعرفة، بيروت، 3/ 116.

المعاملات المصرفية، ص: 105

بلا عمل، سوي القسوة و الطمع، فلا يمكن أن يكون حكمهما في عدل الله واحدا، بل لا يقول عاقل و لا عادل من البشر أن النافع يقاس علي الضار و يكون حكمهما واحداً).

و ذهب الدكتور عبد المنعم النمر إلي الرأي نفسه فقال «1»: (إن الفقهاء هم الذين اشترطوا في المضاربة التي عرفوها، ألّا يعين صاحب المال قدرا معينا من الربح كخمسين جنيها أو مائة خوفا علي المقترض المضارب ألا يكسب هذا المبلغ، و هذا شرط اجتهادي موجود منذ الجاهلية و مرتبط بسببه و حالته و ليس شرطا اشترطه كتاب أو سنة نصا فلا يجوز مخالفتة بحال، فإذا جاءت حالة نسبة الخوف فيها علي عدم ربح المضارب

قليلة أو معدومة جاز لنا أن نجتهد و نلغي هذا الشرط الذي اشترطه الفقهاء اجتهادا منهم، و الاجتهاد يلغي اجتهاد مثله كما هو معروف).

فهؤلاء يقررون أن المضاربة من المسائل الاجتهادية التي لم يثبت فيها نص من كتاب أو سنة. فيمكن تخريج الإيداع علي عقد المضاربة، و تكون فائدة الإيداع للمصارف حلالا.

و لكن الأثر الذي يترتب علي تحديد كمية الربح بعدد من الدراهم أو الدنانير يؤدي إلي بطلان المضاربة و يكون الربح فيها بأجمعه لرب المال، و للعامل اجر المثل «2». فقد اتفق الفقهاء علي شرط كون حصة الربح مشاعة بين رب المال و العامل.

و في الفقه الإمامي توجد نصوص شرعية ظاهرها يثبت أن الربح حصة

______________________________

(1) الاجتهاد، الطبعة الأولي، دار الشروق، القاهرة، 1406 ه- 1986 م، ص 278.

(2) الشافعي. محمد بن إدريس، الأم، الطبعة الأولي، صححه و طبعه محمد زهري النجار، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، شركة الطباعة الفنية المتحدة، 1381 ه- 1961 م، 3/ 6.

أيضا المرداوي، علاء الدين ابي الحسن علي بن سليمان الحنبلي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف علي مذهب الإمام أحمد بن حنبل، صححه و حققه محمد حامد الفقي، الطبعة الأولي، 1376 ه- 1956 م، 5/ 412.

المعاملات المصرفية، ص: 106

مشاعة بين رب المال و العامل في المضاربة، و بطلان المضاربة عند اشتراط ربح معين المقدار معلوم للعامل أو رب المال.

1- عن أبي جعفر عليه السلام (قضي علي عليه السلام في تاجر اتجر بمال و اشترط نصف الربح فليس علي المضاربة ضمان) «1».

2- و عن اسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السلام قال: (سألته عن مال المضاربة، قال: الربح بينهما و الوضيعة علي المال) «2». هذه الأحاديث و غيرها، فضلًا عن الإجماع الذي

يكشف عن رأي الإمام، تثبت أن الربح حصة مشاعة بين رب المال و المضارب (العامل). و قد استفتيت أية الله العظمي السيد أبا القاسم الخوئي في صدد هذه المسألة فقال «3»: (نعم هذا ظاهر نصوص جعل الربح بينهما مضافا إلي أن جواز التمليك و التملك المتعلقين بالمعدوم حال العقد يحتاج إلي دليل خاص لكونه علي خلاف القاعدة، و العمومات لا تشمل ذلك).

و يقيس بعض الباحثين تحديد الربح في المضاربة ببيوع الغرر كبيع المغيبات في الأرض، كالجزر و الفجل. فكما جاز للضرورة بيع هذه المغيبات في الأرض مع ما فيها من غرر، فانه يجوز تحديد الربح للضرورة في المضاربة كذلك، ما دام الغالب هنا و هنالك نفع الناس و عدم استغلال المحتاج «4»

إن قياس تحديد الربح علي بيع المغيبات للضرورة قياس مع الفارق علي القول بصحة القياس، لأن بيع المغيبات فيه مصلحة للطرفين (البائع و المشتري).

أما تحديد الربح في المضاربة فهو لمصلحة رب المال دون العامل، فقد يخسر العامل و لا يحصل علي الربح مما يؤدي إلي تحمله للربح. كما أن: فان بيع

______________________________

(1) الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، 6/ 185.

(2) المصدر نفسه، 6/ 186.

(3) السيد أبو القاسم الخوئي، استفتاء مخطوط في 2/ شهر ذي القعدة، 1407 ه.

(4) د. العربي. محمد عبد الله، محاضرات في الاقتصاد الإسلامي و سياسة الحكم في الإسلام، مصدر سابق، ص 226.

المعاملات المصرفية، ص: 107

المغيبات ليس محل اتفاق بين الفقهاء لوجود بعض النصوص المانعة من بيع المغيبات «1».

فضلًا عن ذلك فانه من المعروف أن المصرف يلتزم بدفع الفائدة للمودع سواء ربحت الأموال المودعة أم لم تربح. و هو ضامن لرب المال ماله في حالة التلف أو الخسارة. بينما العامل في المضاربة لا

يتحمل ما يحدث في المال من تلف أو خسارة، إلا إذا تعمد في ذلك و إذا هلك شي ء من المال هلك علي صاحبه لاتفاق الفقهاء علي أن المضاربة أمانة. و لو شرط رب المال ضمان ماله علي المضارب كانت المضاربة فاسدة عند أحمد و الشافعي و الإمامية، و الشرط فاسد و المضاربة صحيحة عند الحنفية و مالك «2»، مما يخرج اخذ الفائدة عن الوديعة النقدية من عقد المضاربة. و لا يقال هنا انه لا موضوع لضمان المصرف، لعدم وقوع الخسائر فيه، و إن وقعت فهي نادرة، و النادر لا حكم له. فما يفرضه الفقهاء من أن المقترض أو المضارب- و هو المصرف هنا- ربما يتعرض لخسائر يتحملها لا مجال لهذا الفرض «3».

يقال إن الإسلام لا ينظر إلي حالات جزئية، و لا تحدد قواعده علي أساس فرضيات، بل علي قواعد عامة شاملة صالحة لكل زمان و مكان. فلا يمكن الاستثناء من القاعدة علي أساس افتراض عدم وقوع الخسارة في المصارف، إذ أن الواقع قد اثبت أن بعض المصارف قد خسرت و أغلقت أبوابها

______________________________

(1) ابن قيم الجوزية، اعلام الموقعين عن رب العالمين، مصدر سابق، 4/ 4.

(2) الزرقاني. أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف (ت: 1122 ه) شرح موطأ الإمام مالك، الطبعة الأولي، تحقيق إبراهيم عطوه عوض، مكتبة و مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1382 ه- 1962 م، 4/ 325.

أيضا: العيني، البناية في شرح الهداية، مصدر سابق، 7/ 654.

أيضا: الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، مصدر سابق، 4/ 219.

أيضا: مالك بن انس، المدونة الكبري، دار الصادر، بيروت، أوفست، 5/ 109.

أيضا: ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 8/ 162.

(3) د. النمر. عبد المنعم،

الاجتهاد، مصدر سابق، ص 360.

المعاملات المصرفية، ص: 108

جراء تلك الخسارة.

التخريج الثالث- عقد العارية:

تعدّ الوديعة عند المصرف من قبيل العارية الشرعية التي يجوز تصرف المستعير بها، و إعطاء الفرق علي ذلك المال من قبيل الهبة للمودع، و الاعتراض علي هذا التخريج أن العارية يجب أن تبقي عينها، و المصرف يتلف عين العملة و يرجع للمودع بدلها أو مثلها، (و عارية الدراهم و الدنانير قرض، لأن الإعارة إذن في الانتفاع و لا يتأتي الانتفاع بالنقود إلا باستهلاكها) «1»، فينفي تخريج الإيداع علي نحو العارية.

التخريج الرابع علي الإباحة بعوض:

هو أن المودع يبيح للمصرف جميع التصرفات في الوديعة حتي الناقلة و منها التملك بازاء العوض الأكثر المؤجل- و الإباحة بالعوض نفسها من العقود العقلانية و يشهد لإمضائها العمومات- مثل قوله تعالي [إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ] «2». بناء علي ما تقدم من عدم الاختصاص بالعقود المعهودة «3».

و الاعتراض علي هذا التخريج بان هذه التصرفات المأذون بها تقلب الوديعة إلي قرض، و أن صحة العقود الجديدة يتوقف علي عدم وجود دليل علي محذوريتها.

التخريج الخامس علي عقد القرض:

و يقصد بذلك إيداع المبالغ النقدية في المصرف بعنوان القرض، و لا بأس

______________________________

(1) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 5/ 359.

أيضا: السرخسي، المبسوط، مصدر سابق، 11/ 145.

أيضا: المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مصدر سابق، 2/ 174.

أيضا: العيني، البناية في شرح الهداية، مصدر سابق، 7/ 787.

أيضا: الشربيني، مغني المحتاج إلي معرفة الفاظ المنهاج، مصدر سابق، 2/ 265.

(2) سورة النساء، آية 29.

(3) الروحاني. السيد محمد صادق، المسائل المستحدثة، مصدر سابق، ص 59.

المعاملات المصرفية، ص: 109

في نفسه من الجهة الشرعية لو تخلي المودع عن اخذ الفائدة عليها، أما تخريج اخذ الفائدة من المصرف، فحيث لا يكون أخذها شرطا في عقد القرض كما هو واقع المصارف، بل المودع يقرض المصرف المبلغ الذي عنده من دون مساومة و بحث في شروط يتداولها كل من الدائن و المدين في الفائدة. و المصرف يعطيه مبلغا تفضلا. و هذا ليس من الربا في شي ء فيكون حلالا. و في الفقه الاسلامي أن قضاء المستقرض افضل مما استقرض من المندوب عليه ما لم يكن ذلك شرطا بين المقرض و المقترض و أنه من حسن القضاء «1».

فعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلي الله عليه و آله و

سلم و كان لي عليه دين، فقضاني و زادني) «2».

فيجوز إقراض من كان معروفا بحسن القضاء، و جواز اخذ الزيادة إذا لم تكن مشروطة «3». أما حديث (كل قرض جر منفعة فهو ربا) «4»، فقد ذكره الحافظ بن حجر و شرحه الصنعاني و الشوكاني و ذهبا إلي أن إسناده ساقط لأن في إسناده سوار بن مصعب الهمداني المؤذن الأعمي و هو متروك.

و قال الشيخ محمد رشيد رضا «5»: (إن حديث كل قرض جر نفعا فهو ربا) ضعيف، بل قال الفيروزآبادي «6»: انه موضوع. و لا عبرة باخذ كثير من الفقهاء به (و الحديث إذا ثبتت صحته، فلا بد من التوفيق بينه و بين ما تقدم، و ذلك بانه محمول علي أن المنفعة مشروطة من المقرض.

______________________________

(1) السرخسي، المبسوط، مصدر سابق، 14/ 35.

أيضا: ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 4/ 362.

(2) الحديث متفق عليه. الشوكاني، نيل الاوطار شرح منتقي الأخبار، مصدر سابق، 5/ 261.

(3) المقدسي، الشرح الكبير، مصدر سابق، 4/ 362.

(4) الصنعاني، سبل السلام في شرح بلوغ المرام، مطبعة الاستقامة، 1357 ه، 3/ 30.

أيضا: الشوكاني، نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار، مصدر سابق، 5/ 232.

(5) فتاوي محمد رشيد رضا، الطبعة الأولي، جمعها و حققها. صلاح الدين المنجد و يوسف ق. خوري. دار الكتاب الجديد، بيروت، 1390 ه- 1970 م، 3/ 973.

(6) مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت: 817 ه).

المعاملات المصرفية، ص: 110

و قال المحقق الحلي «1»: (القرض إذا شرط فيه المقرض الفائدة كان حراما. أما لو لم يشترط الفائدة، بل التزم المستقرض إعطاء الفائدة فهو ليس من الربا). فجواز أن يؤدي المدين افضل مما اخذ من دون شرط «2». فلا بأس اخذ النفع علي الودائع النقدية من المصرف

من دون شرط في العقد.

و هنالك روايات واردة في هذا الشأن منها:

1- ما رواه علي بن إبراهيم بإسناده عن جعفر بن غياث عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (الربا رباءان أحدهما ربا حلال و الآخر ربا حرام. فأما الربا الحلال فهو أن يقرض الرجل قرضا طمعا أن يزيده و يعوضه بأكثر مما اخذ بلا شرط بينهما فهو مباح له و ليس له عند الله ثواب فيما اقرضه و هو قوله عز و جل: [فَلٰا يَرْبُوا عِنْدَ اللّٰهِ]. و أما الربا الحرام فهو الرجل يقرض قرضا و يشترط أن يرد أكثر مما اخذ فهذا هو الحرام) «3».

2- منها عن أبي الربيع قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل اقرض رجلا دراهم فرد عليه أجود منها بطيبة نفس و قد علم المستقرض و المقرض أنه إنما اقرضه ليعطيه أجود منها قال: (لا بأس إذا طابت نفس المستقرض) «4».

3- و ما رواه الكليني مسندا عن خالد بن الحجاج قال: سألته عن رجل كانت لي عليه مائة درهم عدد اقضانيها مائة وزنا قال: (لا بأس ما لم يشترط. ثمّ قال: جاء الربا من قبل الشروط) «5».

4- عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا أقرضت الدراهم ثمّ أتاك

______________________________

(1) شرائع الإسلام، مصدر سابق، 2/ 117.

(2) الشربيني، مغني المحتاج في معرفة الفاظ المنهاج، مصدر سابق، 2/ 119.

(3) الحر العاملي، وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة، مصدر سابق، 12/ 454.

(4) الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، 12/ 477.

(5) المصدر نفسه، 12/ 476.

المعاملات المصرفية، ص: 111

بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط) «1». و بناء علي هذا تصح هذه المعاملة، و لا تكون من الربا. و

الاعتراض علي هذا التخريج أن دفع الفائدة إزاء إيداع المال و إن لم يصرح فيه بين المودع و المصرف إلا مما تباني عليه الطرفان، فهو منظور أساسي لكلا الطرفين المودع و المصرف و شرط ضمني في صلب العقد لذلك لا تعدّ هذه المعاملة صحيحة لاشتمالها علي الربا «2»

و لكن يمكن الإجابة أن مسألة الربا مسألة تعبدية «3» و الدليل علي ذلك قوله تعالي: [فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ]، [فَمَنْ جٰاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهيٰ فَلَهُ مٰا سَلَفَ] «4» فلو لم يكن الربا تعبديا و كان حكما وضعيا لوجب رد المال الربوي ممن سلف له. و يمكن التخلص من ذلك بأن يبني في نفسه علي أن المصرف لو لم يدفع له الفائدة لم يطالبه بها. فلو دفع المصرف له فائدة جاز له أخذها «5». و ذلك لأن الأعمال بالنيات و العقود تتبع القصد. و قد عدّ الدكتور عبد المنعم النمر الربح المحدد علي الوديعة، منحة و حافزاً من المصرف و حافز، و بين أن القانون وصف هذه الزيادة المأخوذة من المصرف علي الإيداع بالفوائد الممنوحة «6».

التخريج السادس علي عقد البيع:

______________________________

(1) المصدر نفسه، 12/ 477.

(2) أبو سنة. أحمد فهمي، العرف و العادة في رأي الفقه الإسلامي، رسالة جامعية لنيل شهادة العالمية جامع الأزهر، مطبعة الأزهر، 1947 م، ص 171.

(3) الرملي، نهاية المنهاج في معرفة الفاظ المنهاج، مصدر سابق، 3/ 409.

(4) سورة البقرة، آية (279)، (275).

(5) الخوئي، السيد أبو القاسم، المسائل المستحدثة، الطبعة التاسعة، مطبعة الآداب، النجف، 1394 ه، ص 4.

أيضا: فتاوي محمد رشيد رضا، مصدر سابق، 3/ 658

(6) الاجتهاد، مصدر سابق، ص 338.

المعاملات المصرفية، ص: 112

هو إجراء معاملة الإيداع علي نحو البيع بين المودع و المصرف بدلًا

من إجراء المعاملة قرضا. فيقصد صاحب المال البيع بينه و بين المصرف فيبيع ما عنده من المال القليل علي المصرف بمال أكثر، كأن يبيع ألف دينار علي المصرف بألف و مائة دينار إلي مدة معينة كسنة مثلا. فتكون المعاملة صحيحة بناء علي رأي المجيزين الذين ذكر في بحث العملة الورقية، بأنها ليست من الجنس الربوي حيث لم تكن مكيلة و لا موزونة، كما أنها ليست من النقدين (الذهب و الفضة)، فلا يعدّ فيها أحكام الصرف و لا يشترط التقابض في المجلس «1».

و الاعتراض علي هذا التخريج، أنه لا يجوز لكل من المودع و المصرف فسخ العقد قبل المدة المتفق عليها. فضلًا عن ذلك أن هذا التخريج ليس سوي رأي نظري فمن حيث الواقع لا يوجد أي عقد بين المودع و موظف الحسابات في المصرف. و لو سلمنا بتمام شروط العقد فلا يصح التخريج إلا علي الودائع لأجل.

التخريج السابع علي الهبة بشرط العوض:

و يقوم ذلك علي أن المودع يهب للمصرف الأموال المودعة عنده بشرط العوض بالأكثر المؤجل.

و في الفقه الإسلامي اختلف الفقهاء في تكييف الهبة بشرط العوض هل هي بيع أم هبة محضة؟ فإذا كانت بيعا فلا يمكن تخريج اخذ العوض علي الوديعة علي عقد البيع لما سبق في التخريج علي عقد البيع. و أما إذا كانت الهبة بشرط العوض نوعا من الهبة. و هذا ما ذهب إليه فقهاء الإمامية و هو وجه عند الشافعية و الزيدية إلي أنها هبة محضة فتأخذ أحكام الهبة.

______________________________

(1) بحر العلوم. السيد عز الدين، بحوث فقيهة للشيخ حسين الحلي، مطبعة الآداب، النجف، 964، ص 75.

أيضا: الروحاني. السيد محمد صادق، المسائل المستحدثة، مصدر سابق، ص 58.

أيضا: كفائي. السيد كاظم، بين النجف و الأزهر، مصدر سابق، ص

124.

المعاملات المصرفية، ص: 113

قال العلامة الحلي ما نصه «1»: (فإذا اشترط العوض المعين و قلنا بالصحة كما هو مذهبنا، فإنما تكون هبة محضة عندنا).

و قال الرملي «2» بعد أن ذكر الوجه الأول و الثاني: (يكون هبة نظرا للفظ، فلا تلزم إلا بالقبض).

و قال ابن مرتضي «3»: (و في كون حكمها مع العوض حكم الهبة أو البيع وجهان: حكم الهبة لأجل اللفظ، فلا شفعة و لا فسخ بعيب أو رؤية، و حكم البيع لأجل العوض فتتبعها أحكامه).

فتكون الهبة بشرط العوض نوعا من الهبة، فيقتضي أن

تترتب عليها أحكامها إلا ما اختصت به بدليل. و كونها متضمنة

لمعني البيع لا يخرجها عن حقيقتها، لأن المشابهة بين عقد البيع و الهبة

بعوض لا تستلزم اتحادها، نعم لو قام الدليل الشرعي بوصفها بيعا أو

غيره عمل.

و الاعتراض علي هذا التخريج أنه رأي نظري، فمن حيث الواقع لا يوجد أي لفظ بين المودع و موظف المصرف يدل علي الهبة بشرط العوض. فضلًا عن أن الفائدة علي الأموال المودعة متكررة في كل عام. بينما العوض مقابل الهبة مرة واحدة، و مقدار الفائدة نسبيا علي مقدار المدة الزمنية للمبلغ الذي يبقي تحت تصرف المصرف.

أما العوض علي الهبة فيحدد في بداية العقد فلا يمكن تخريج الإيداع بالفائدة علي عقد الهبة بشرط العوض.

التخريج الثامن علي مزاعم عقلية:

استدل هؤلاء علي جواز اخذ الفائدة علي الودائع النقدية من المصرف

______________________________

(1) العاملي، مفتاح الكرامة، مصدر سابق، 9/ 203.

(2) نهاية المحتاج، مصدر سابق، 5/ 420.

(3) ابن مرتضي. احمد بن يحيي (ت: 840 ه)، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1394 ه 1975 م، 5/ 136.

المعاملات المصرفية، ص: 114

بمزاعم عقلية دون الاعتماد علي نصوص شرعية. و يمكن حصر هذه المزاعم بالنقاط الآتية:

1- إن الإيداع

بفائدة بعيد عن صور الربا، فصاحب المال هنا هو الذي يسعي إلي المصرف بينما في الربا كان يسعي إلي المال.

2- إن الفائدة التي يدفعها المصرف ضئيلة جدا بالقياس إلي ما يدفع في صور الربا التي تصل إلي أضعافاً مضاعفة.

3- إن عملية الإيداع قائمة علي التراضي الكامل بين الطرفين، و علي مصلحة متبادلة محققة لكليهما. فالمودع قد حفظ ماله ثمّ عاد إليه و معه فائدة، و المصرف قد انتفع بهذا المال، و جلب به فائدة أكثر من الفائدة التي أعطاها. و ان نية الطرفين لا تتجه إلي استغلال أحدهما للآخر و إملاء شروط عليه كما هو الحال بين المتعاملين بالربا.

4- ليس في الإيداع الآثار السيئة التي ينتجها الربا، و التي من أجلها حرم الربا و هي الظلم (لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ). فقد استطاع الاقتصاد أن يفرض من الضوابط و الموازين ما تضمن رأس المال، و تضمن فائدة مناسبة للمودع. فان حكمة تحريم الربا قد نزعت من الإيداع.

5- إن الإيداع تعويد النفس علي الاقتصاد، و مساعدة المصلحة الحكومية، و هذان غرضان شريفان كلاهما خير و بركة، و يستحق صاحبها التشجيع.

6- عدّ بعض الكتاب أن الإيداع من العقود الحديثة المباحة. و اتخذ بعضهم فتوي بعض علماء المسلمين لمنزلتهم في نفوس الناس دليلا لرأيه.

7- فرق بعضهم بين فوائد المصرف و فوائد صناديق التوفير، فحرم الأول و جوز الثاني، لان مصلحة البريد لا تستثمر الأموال في جهات محرمة، أما المصرف فيستثمر أموال المدخرين في جميع أنواع الاستثمار لا فرق

المعاملات المصرفية، ص: 115

بين المباحة و المحرمة شرعا.

8- استعمل بعضهم كلمة الاستثمار في الإيداع، و جعلها غطاء للقرض، و عدّ استثمار الأموال المودعة في المصرف بمشاريع الدولة سائغاً لأخذ الفائدة، و

نعلم أن المصارف تقرض هذه الأموال إلي جهات معينة بفائدة أكبر لا تستثمرها في المشاريع.

إن هذه التبريرات و المزاعم بجواز الفائدة علي الإيداع في المصارف لم تستند علي أي سند شرعي يجيز الأخذ بها دليلا علي ذلك. و أن ردها قد مر سابقا في حكم الإسلام في الفائدة، و في ثنايا تخريجات الإيداع فلا داعي للتكرار.

و من هذا العرض يتبين جواز الإيداع في المصارف و لا مانع منه شرعا، بشرط عدم الحصول علي الفائدة بلا فرق بين الإيداع الثابت أو المتحرك أو التوفير.

الفرع الثاني: الحساب الجاري)Ghecking accant(:
اشارة

الحساب الجاري (هو عقد اتفاق بين العميل و المصرف علي أن ما يسلمه كل منهما للآخر بدفعات مختلفة من عملات، يعطي لأي منهما حق مطالبة الآخر بما سلمه له بكل دفعة علي حده بحيث يصبح الرصيد النهائي وحده عند إقفال الحساب دينا مستحقا و مهيأ للأداء) «1». فهو عقد له قواعده الخاصة و أحكامه التي فرضها العرف الذي نشأ العقد في ظله «2».

و يتألف الحساب الجاري من فرعين: فرع المطاليب، و فرع الموجودات، و ينصهر هذان الفرعان عند ختام الحساب الجاري في حساب واحد، و يصبح الرصيد وحده المستحق. و يتشكل الحساب الجاري من عدة عمليات تتتابع بسرعة و لذلك أطلق عليه تسمية الحساب الجاري. و لكي يكون الحساب متصفا بصفة الحساب الجاري، يجب أن لا تقتصر الدفعات علي طرف دون الآخر، كما

______________________________

(1) د. انطاكي رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق، ص 13.

(2) ليلي عبد الله الحاج سعيد، المقاصة بين الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي في مصر و العراق، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، ص 354.

المعاملات المصرفية، ص: 116

لو اقتصر الحساب علي قيام العميل بدفع مبالغ في أوقات مختلفة

تقيد في حسابه، و علي استردادها فيما بعد دفعة واحدة أو بالعكس. بل يجب أن تكون الدفعات متبادلة أي أن يقوم كل طرف في الحساب بتسليم دفعات إلي الطرف الآخر، فيكون لهما صفة المسلم أحيانا و صفة المستلم أحيانا أخري. و أن الدفعة تفقد صفاتها و كيانها الذاتي حيث أن الرصيد النهائي للحساب الجاري يصبح وحده دينا مستحق الأداء، و الديون المترتبة لأحد الفريقين إذا دخلت بالحساب الجاري فقدت صفاتها الخاصة و كيانها الذاتي «1».

و فتح الحساب الجاري يحقق للعميل عدة فوائد، فهو يقوم بتسوية و تنظيم معاملاته المالية، و يحصل علي حيازة دفتر للشيكات. و يحقق للمصرف عمولة يتقاضاها في مقابل إدارته لعمليات الحساب الجاري، فلا يدفع المصرف فائدة عادة علي الحساب الجاري، حيث يتقاضي عمولة للعمليات المتعلقة بالشيكات و الإيداع و إعداد كشوف حسابات العملاء و التسجيل في الدفاتر التي تشغل وقت معظم موظفي المصرف «2».

و تنقسم الحسابات الجارية في المصارف علي قسمين:

القسم الأول: الحسابات الجارية (العادية):

يبدأ فتح الحساب الجاري بإيداع العميل أمواله لدي المصرف و هذا الإيداع لا يعد إيداعا بالمعني الشرعي له، و لا تأخذ الوديعة النقدية صفة الوديعة الشرعية، لأن المصرف يخلطها بغيرها و يتصرف فيها، و إنما تأخذ حكم القرض كما مر سابقا.

أما السحب فهو الواجهة الأخري. و المتأمل في سحب العميل من

______________________________

(1) د. عجيمة. محمد عبد العزيز، د. مصطفي رشدي شيحة، النقود و البنوك و العلاقات الاقتصادية الدولية، مصدر سابق، ص 148.

أيضا: شيحة. مصطفي رشدي، الاقتصاد النقدي و المصرفي، مصدر سابق، ص 220.

أيضا: د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 385.

(2) المصدر نفسه.

المعاملات المصرفية، ص: 117

المصرف يلاحظ أنه لم يسحب من عين ماله المودع عند المصرف حتي استردادا لبعض

عين ماله، و بهذا فالسحب من المصرف عبارة عن قرض و كل من المودع و المصرف دائن للآخر، و مدين له فتقع المقاصة «1».

الحساب الجاري في الفقه الإسلامي:

لا يحتاج تفسير الحساب الجاري و ذوبان الفردية الذاتية للحقوق المتقابلة إلي افتراض عقد خاص، سبب إقراض العميل سحب العميل من المصرف و هي عبارة عن اقتراض من المصرف، في مقابل إقراضه للمصرف الذي تم بإيداع العميل أمواله لدي المصرف. فهنالك دينان متقابلان تجري بينهما المقاصة «2»، التي لا يمكن التنازل عنها في الشريعة الإسلامية لا يمكن التنازل عنها، لأنها جبرية و ليس حقا قابلا للإسقاط. و هذا الرأي ذهب إليه جمهور الفقهاء من الإمامية و الحنفية و الحنابلة. و المشهور من مذهب الشافعي في النقدين مطلقا، أما المالكية فلا يقولون بالمقاصة الجبرية التي تقع بنفسها، و إنما يقولون بالمقاصة الجبرية الطلبية أو بالمقاصة الاتفاقية «3»

______________________________

(1) المقاصة تسمي بعض الأحيان بالتهاتر و عرفت (إسقاط مالك من دين علي غريمك في نظير ماله عليك). ينظر: د. مذكور. محمد سلام، المقاصة في الفقه الإسلامي، مطبعة الفجالة الجديدة، ص 8.

أيضا: د. محسن خليل، في الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي، سلسلة منشورات وزارة الثقافة و الإعلام، الجمهورية العراقية، دار الرشيد للنشر، 1982 م، ص 67.

(2) ليلي عبد الله الحاج سعيد، المقاصة بين الشريعة و القانون الوضعي في مصر و العراق، مصدر سابق، ص 354.

(3) النجفي. الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، مصدر سابق، 40/ 389.

أيضا: ابن عابدين، رد المحتار علي الدر المختار، مصدر سابق، 4/ 239.

أيضا: العيني، عمدة القارئ، مصدر سابق، 11/ 223.

أيضا: ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 12/ 229، 387.

أيضا: ابن قيم الجوزية، أعلام الموقعين، مصدر سابق، 2/ 9.

أيضا: ابن جزي، القوانين الفقهية،

الطبعة الأولي، دار القلم، بيروت، 1977 م، ص 192.

أيضا: الحطاب. أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي، مواهب الجليل، الطبعة الأولي، مطبعة السعادة، مصر، 1239 ه، 4/ 549.

المعاملات المصرفية، ص: 118

و يسحب من الحساب بعدة وسائل، أهمها الشيكات. و يتم السحب تارة لنفسه و أخري للمستفيد.

1- أما سحب العميل علي المصرف شيكا لنفسه، فالمصرف هنا يمثل مركزي المسحوب عليه و المستفيد و التكيف الفقهي لهذه العملية هو: أن الساحب كان قد أصبح مدينا للمصرف بأي سبب من الأسباب، فوقعت المقاصة في حدود ذلك الدين بين دائنية المصرف هذه و دائنية العميل المتمثلة في رصيده الدائن في الحساب الجاري. و ليس الشيك إلا وثيقة علي وقوع هذه المقاصة بين ذمتي المصرف و العميل «1».

2- أما سحب العميل علي المصرف شيكا للمستفيد (طرف ثالث) فيمكن تكييفه الفقهي بوجهين:

أ- يمكن تخريج السحب من الحساب الجاري علي أساس أنه استيفاء. فان الشيك الذي يدفعه المدين إلي الدائن بوصفه حوالة من المدين إلي دائنه علي المصرف الذي يملك المدين في ذمته قيمة ودائعه المتحركة، فتكون من حوالة علي مدينِهِ و تصح شرعا. و تحصل بها براءة ذمة المحيل اتجاه المستفيد من الشيك و براءة ذمة المصرف تجاه المحيل بمقدار قيمة الشيك «2».

ب- تخريج السحب من الحساب الجاري علي أساس أنه اقتراض جديد من المصرف حيث يقترض المستفيد من الشيك بوصفه نائبا عن محرر الشيك فينشأ بسببه دينان متقابلان فتقع المقاصة.

و يجب أن يخضع القرض لشروط القروض في الإسلام. و يعدّ قبض

______________________________

(1) د. الخفاجي. محمد عبد المنعم، الإسلام و نظريته الاقتصادية، مصدر سابق، ص 159.

أيضا: د. العربي. محمد عبد الله، الاقتصاد الإسلامي تطبيقه علي المجتمع المعاصر، سلسلة اقتصاد إسلامي سليم،

مكتبة المنار، الكويت، ص 236.

(2) الموسوعة الفقهية، الحوالة نموذج (3)، مصدر سابق، ص 238.

المعاملات المصرفية، ص: 119

المقترض أو نائبه للمال المقترض شرطا أساسيا لصحة القرض في الشريعة الإسلامية «1».

و لكن المستفيد لا يقبض القرض بنفسه- في الغالب- بل يرحله حالًا إلي حسابه، فلا تبرأ ذمة محرر الشيك حينئذ اتجاه المستفيد من الشيك.

أما العمولة التي يتقاضاها المصرف فهي في الواقع عبارة عن أجر لما يقوم به كاتب الحساب من عمل دقيق لا تتوفر في كاتب يدفع له مرتب شهري كبير غالبا، فهو يسجل المدفوعات و يحفظ السجلات و يقوم بعمل المقاصة و يرسل الإشعارات، و المصرف هنا أجير مشترك. و تقاضي العمولة «2» لا بأس به و ما يقال من أن الأجرة التي يحصل عليها المصرف ثابتة المقدار لكل حساب مهما كان مقداره، فلا ضير من أخذ المقابل بشرط أن يكون ذلك المقابل مبلغا معينا لا يتأثر بكثرة أو قلة الحسابات الزائدة (المدينة) «3». و الإجابة عنه ليس هنالك محذور شرعي من حيث عدم تحديد الأجرة بمقدار معين في كل الحسابات الجارية، حيث أنها تحدد علي مقدار الخدمات و حجم الحساب و كثرة استعمال العميل للشيكات علي المصرف. فالأجرة و العمولة تحدد علي مقدار المنفعة.

القسم الثاني: الحساب الجاري المكشوف:

يقصد بالحساب الجاري المكشوف، (المبلغ الذي يسمح المصرف لعميله

______________________________

(1) النجفي. الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، مصدر سابق، 25/ 23.

أيضا: ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 4/ 354.

أيضا: سليمان الجمل، حاشية الجمل علي شرح المنهج، مصدر سابق، 3/ 259.

(2) د. حمود. سامي حسن أحمد، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق و الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 335.

أيضا: الهمشري. مصطفي عبد الله، الأعمال المصرفية و الإسلام، مطبعة الشركة المصرية للطباعة و النشر، القاهرة، 1973 م،

ص 177.

(3) دريب. سعود بن سعد، المعاملات المصرفية و موقف الشريعة منها، الطبعة الأولي، كلية الشريعة، الرياض، 1968 م، ص 49.

المعاملات المصرفية، ص: 120

بسحب ما يزيد عما أودعه في حسابه الجاري. أي بما يزيد عن رصيده الدائن في الحساب الجاري).

و يفرض المصرف فائدة علي العميل فقط في المدة التي تسحب فيها مبالغ تفوق رصيده الدائن في حسابه الجاري.

و بعبارة أخري فان الفائدة تعتمد علي المبلغ الذي (ينكشف) فيه الحساب الجاري (أي يصبح مدينا) و علي مدة الانكشاف. و تحتسب الفائدة علي أساس أيام السحب. و السحب علي المكشوف أما لنفسه أو للمستفيد:

أولًا: سحب العميل لنفسه:

إن سحب العميل لنفسه لا يعدّ استيفاء. بل يؤدي إلي نشوء دين بين المصرف و العميل الساحب، يكون المصرف فيه الدائن و الساحب هو المدين. و أن هذه المعاملة لا تخرج عن كونها قرض من المصرف إلي المودع، و ما يتقاضاه المصرف من الفائدة علي هذا القرض من الفوائد الربوية «1».

ثانياً: السحب لصالح المستفيد:

أما السحب علي المكشوف لصالح المستفيد (الطرف الثالث) فيحرر العميل الشيك لدائنه، و الدائن يسلم الشيك إلي المصرف ليتسلم قيمته في رصيد الدائن (المستفيد) بعد خصم قيمته من رصيد المدين (العميل).

فتكييف السحب علي المكشوف لصالح المستفيد في الفقه الإسلامي هو علي أساس أنه حوالة علي البري ء، و هذه الحوالة تتم باتفاق بين المدين

______________________________

(1) د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 52.

أيضا: بحر العلوم. السيد عز الدين، بحوث فقهية للشيخ حسين الحلي، مصدر سابق، ص 87.

أيضا: الهمشري. مصطفي عبد الله، الأعمال المصرفية و الإسلام، مصدر سابق، ص 176.

أيضا: الخوئي. السيد أبو القاسم، المسائل المستحدثة، مصدر سابق، ص 21.

أيضا: كفائي. السيد كاظم،

بين النجف و الأزهر، مصدر سابق، ص 126.

المعاملات المصرفية، ص: 121

و شخص آخر يتحمل عنه الدين و هو المصرف «1». و المصرف (المحمول عليه) ليس مدينا للمحيل. و الحوالة علي البري ء عند بعض فقهاء الإمامية حوالة صحيحة تنفذ بالقبول من المحال عليه «2».

أما الحنفية فلا تشترط أن يكون للمحيل دين علي المحال عليه، فيجوز أن يحيل علي شخص متبرع بماله. فالحوالة صحيحة سواء أ كان مدينا للمحيل أم غير مدين، و المحال عليه له حق الرجوع علي المحيل لأمره «3». أما فقهاء المالكية فيرون أنه إذا لم يكن للمحيل دين علي المحال عليه كان عقد حمالة، لأن المحال عليه احتمل سداد الدين عن المحيل للمحال و جواز الرجوع علي المحيل، لأنه يكون قد دفعه بطريقة القرض «4».

و للشافعية في هذه المسألة رأيان: الرأي الأول: أن الحوالة علي البري ء صحيحة لأنها استيفاء و ليس اعتياضاً إذا رضي المحال عليه، لأنه ضمان دين يصح، و جاز الرجوع علي المحيل. الرأي الثاني: لا تصح لأن الحوالة معاوضة «5».

فإذا قبل المصرف الشيك، عدّ ذلك قبولا منه للحوالة، فتنشغل ذمته للمحال بقدر ما كان للمحال في ذمة المحول، و يصبح المحول مدينا للمصرف (المحول عليه) بقيمة الحوالة. و لما كان المصرف بريئا فقبوله للحوالة و انتقال دين

______________________________

(1) د. الكبيسي. حمد عبيد، الفقه الإسلامي و التقنين، مجلة الرسالة الإسلامية، العددان 200- 201، السنة العشرون، ربيع الثاني، جمادي الأولي 1407 ه- كانون الأول- 1986 م- كانون الثاني 1987 م. ص 125.

(2) الشهيد الثاني، اللمعة الدمشقية، مصدر سابق، 4/ 146.

أيضا: المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مصدر سابق، 2/ 113.

أيضا: النجفي. الشيخ حسن، جواهر الكلام، مصدر سابق، 26/ 165.

أيضا: كاشف الغطاء. الشيخ محمد حسين، تحرير

المجلة، مصدر سابق، 1360 ه، 2/ 174.

(3) السمرقندي. علاء الدين، تحفة الفقهاء، مصدر سابق، 3/ 416.

(4) الباجي، المنتقي، مصدر سابق، 5/ 68.

(5) السبكي، تكملة المجموع، مصدر سابق، 13/ 431.

المعاملات المصرفية، ص: 122

المحول إلي ذمته يصبح دائنا للمحول بالمقدار نفسه. و للمصرف حق المطالبة بالأجرة علي قبول الحوالة لا علي الحوالة نفسها «1».

و من هذا الاستعراض يصح استعمال الشيك لسحب العميل لنفسه من حسابه الجاري أما إذ أ كان السحب علي المكشوف فيكون قرضا، و أخذ المصرف فائدة تعدّ ربا.

الفرع الثالث: الودائع التامة (الخزائن الحديدية):
الودائع التامة: (عقد يلتزم به المصرف علي أن يتسلم شيئا من آخر،

علي أن يتولي حفظه و إعادته عينا عند طلبه. و هي الودائع المتعلقة بالأسهم و السندات و غيرها من القيم المنقولة مثل المجوهرات) «2».

و إيداع المستندات لدي المصرف عملية منتشرة في الوقت الحاضر بسبب النهضة الصناعية و كثرة إصدار و تداول الأوراق المالية، و لذلك يلجأ مالك هذه الأوراق بغية المحافظة عليها إلي إيداعها لدي المصرف لتوفر أسباب الأمان أكثر مما لدي مالك الأوراق.

و التزامات المصرف هي التزامات الوديع أي حفظ الأوراق المودعة لديه ليتمكن من ردها إلي المودع، و ليس له أن يستعمل الوديعة في غرض خاص به، و يقضي عليه التزام الحفظ تنفيذ التزامات أخري تفرضها طبيعة الأوراق المودعة. و ما يسمي بالالتزامات التبعية مثل: تحصيل الكوبونات و المستندات المستهلكة و التحقق من نتيجة السحب، و زيادة رأس مال الشركة المصدرة للأسهم مع أولوية المساهمين القدامي إلي غير ذلك.

و تقوم معظم المصارف التجارية بإعداد خزائن تؤجرها لعملائها يضعون فيها ما يشاءون، و هي عملية مفيدة للمصرف و للعميل، فهي لا تكلف المصرف

______________________________

(1) الخوئي. السّيد أبو القاسم، استفتاء يوم الأول من جمادي الثاني، 1407 ه.

(2) د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق،

ص 204.

المعاملات المصرفية، ص: 123

كثيرا لأن الخزائن توجد في غرفة محصنة و غالبا في الأرض تحت مبني المصرف. و تأجير خزانة للعميل يدفعه إلي الدخول مع المصرف في عمليات أخري، يأخذ المصرف أجرة ضئيلة بحسب نوع و حجم الخزانة، كما انه يستعملها في سرية تامة فيضع فيها و يستخرج منها ما يريد.

و قد أعد المصرف لكل خزينة مفتاحين يسلم أحدهما للعميل و يبقي الآخر محفوظا لدي إدارة المصرف و ذلك بعد وضعه في مظروف من القماش يختم بالشمع الأحمر بخاتم المصرف الخاص ثمّ يوقع العميل علي أطرافه الأربعة لضمان عدم فتحة، و لا يستعمل هذا المفتاح الّا إذا ضاع من العميل المفتاح الأول. و يسمح للعميل بالدخول إلي الخزانة التي استأجرها في مواعيد عمل المصرف الرسمية و وضع ما يريد بشرط أن لا يكون هذا الشي ء محذورا «1».

و يرتب العقد علي العميل التزامات تتلخص بدفع الأجر المتفق عليه أو الذي جري به العرف و يسمي (اجر الحفظ)، كما عليه أن يدفع العمولة المستحقة عن العمليات المتعلقة بالأوراق المودعة التي يجريها المصرف بناءً علي طلب العميل.

و يرحب المصرف- من ناحيته- بإيداع الودائع المستندية لديه علي الرغم من أنها في الغالب عملية لا تجزي المصرف إلا أجرا بسيطا و ذلك لأن المعتاد أن تؤدي هذه الوديعة إلي معاملات أخري مع المودع تكون هي الهدف الحقيقي الذي يستفيد منه المصرف «2».

موقف الفقه الإسلامي من الودائع التامة:
اشارة

يمكن أن نجد في الفقه الإسلامي للودائع التامة تخريجين:

______________________________

(1) ربيع. حسن محمد، المصارف، مصدر سابق، ص 110.

(2) د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 39.

أيضا: د. مرعي. عبد العزيز و الدكتور عيسي عبده إبراهيم، النقود و المصارف، مصدر سابق، ص 246.

المعاملات

المصرفية، ص: 124

التخريج الأول: عقد وديعة:

و ذلك أن العميل يهدف إلي حفظ و صيانة الأشياء التي يودعها في الخزانة، و يقوم المصرف في حراستها و حفظها من الهلاك و التلف، و ان الخزانة بما فيها لا تختلط بغيرها اختلاطا يذهب بصفاتها و ميزاتها، و أن المصرف لا يتصرف فيها، و أن العميل لا يستطيع أن يصل إلي هذه الخزانة و فتحها إلا بوساطة المصرف و في المواعيد الرسمية له، حيث ينظم إجراءات الدخول إلي قاعة الخزانة.

و يتقاضي المصرف مقابل قبوله لعملية إيداع الودائع المستندية رسوما تسمي (برسوم الإيداع) و يمكن تكييف أخذ المصرف هذه الرسوم بأنها عبارة عن أجر مقابل الإيداع. و يجوز أخذ الأجرة علي الوديعة لحفظها «1»، و يصبح المصرف ضامنا للوديعة المستندية، لأنه في عقد الوديعة، بأجر يضمن المودع عنده الوديعة إذا هلكت «2».

التخريج الثاني: عقد إجارة:

و ذلك أن العميل هو الذي يفتح الخزانة، و له الحق في وضع ما يريد حفظه فيها، و يستطيع أن يترك الخزانة فارغة دون أن يضع شيئا ما دام يقوم بدفع الأجر، و أن الخزانة التي يقدمها المصرف للعميل إنما هي ملك خاص للمصرف و ليس للعميل سوي الانتفاع بها في الحفظ و الصيانة، فخرجت الخزائن الحديدية علي أنها عقد إيجار لأن النفع فيه منصب أساسا علي الانتفاع بالشي ء

______________________________

(1) الجزيري. عبد الرحمن، كتاب الفقه علي المذاهب الأربعة، مصدر سابق، 3/ 263.

(2) ابن عابدين، مجموعة رسائل ابن عابدين، 2/ 178.

أيضا: د. بلتاجي. محمد، عقود التأمين من وجهة الفقه الإسلامي، دار العروبة بالكويت، 1402 ه 1982 م، ص 148.

أيضا: د. شرف الدين. أحمد السعيد، عقود التأمين و عقود ضمان الاستثمار و واقعها الحالي و حكمها الشرعي، مطبعة حسان، القاهرة، 1982 م، ص 128.

المعاملات المصرفية، ص:

125

المستأجر. و تتقاضي المصارف نظير هذه الخدمة أجرا زهيدا نسبيا «1».

أما قيام المصرف بخدمة الأوراق المالية و يعني صرف المستهلك منها، و استبدال الأوراق المالية المجدد إصدارها فلا بأس به.

و يمكن للمصرف أخذ الجعالة أو الأجرة عليها و يرتبط الأخذ بمشروعية الربح، فان كان الربح ربحا تجارة جاز ذلك. و إن كان ربحا ربويا كفوائد القرض فلا يجوز «2».

فنجد أن هذه الخدمة من وجهة نظر الفقه الإسلامي ليس فيها ما يتعارض مع الضوابط العامة، و ذلك لأن المنفعة مقصودة (و هي الحفظ و اتخاذ إجراءات التحصيل) و هي منافع معتبرة. كما أن التوكيل بإجراء مثل هذه الأعمال لا بأس به، فالوكالة من الأمور التي يجوز فيها الأجر. «3»

و من هذا العرض يتبين أن الودائع المستندية هي ودائع بالمعني الفقهي الكامل و علي هذا الأساس يجوز للمصرف أخذ الأجرة لإنجاز العملية سواء أ كانت لقاء منفعة الخزينة الحديدية التي تحفظ فيها وديعة العميل أو لقاء عمل المصرف في تحصيلها و الحفاظ عليها.

كما يصح استعمال الشيك علي المصرف كأداة وفاء (لطرف ثالث مستفيد) علي أساس الحوالة، سواء أ كان لمحرر الشيك رصيد دائن في حسابه أم

______________________________

(1) الهمشري. مصطفي عبد الله، الأعمال المصرفية و الإسلام، مصدر سابق، ص 182.

أيضا: د. حمود. سامي حسن أحمد، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق و الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 339.

(2) د. حمود. سامي حسن أحمد، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق و الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 337.

أيضاً: د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 54.

(3) ابن جزي، القوانين الفقهية، مصدر سابق، ص 216.

أيضاً: العاني. محمد رضا عبد الجبار، الوكالة في الشريعة و القانون، رسالة

ماجستير قدمت إلي جامعة بغداد، مطبعة العاني، بغداد، 1975 م- 1395 ه، ص 191 و ص 273.

المعاملات المصرفية، ص: 126

كان حسابه الجاري علي المكشوف. ففتح الحساب الجاري و إيداع الأموال فيه لا بأس به، من دون أخذ فائدة عليه «1».

المبحث الثاني: الخدمات المصرفية:

الفرع الأول: بيع و شراء العملات الأجنبية (الصرف الآجل):
اشارة

تهتم المصارف بعمليات بيع و شراء العملات الأجنبية لسد حاجات عملائها و علي الأخص التجار المستوردين للبضائع من الخارج، و لتأمين الحماية لهم و ذلك نتيجة تقلبات سعر الصرف بالنسبة للعملة الأجنبية (غير الوطنية). فان تعامل التجار بالاتفاقات و العقود علي أساس العملة غير الوطنية- سواء أ كان ذلك لشراء السلع أو بيعها- يحتمل مخاطر الخسارة نتيجة لتقلبات سعر الصرف و يمكن تقليلها بطريقة عقود الصرف الآجلة)Froward exchange(و هي عبارة عن اتفاق بين مصرف و عميل، أو بين مصرف و مصرف آخر حيث أن أحد الطرفين يستورد بضاعة ليتسلم الطرف الثاني قدرا من العملة الأجنبية في تاريخ محدد.

و تحصل المصارف من بيع و شراء العملات الأجنبية علي ربح نتيجة الفرق بين أسعار الشراء و أسعار البيع لهذه العملات «2».

موقف الفقه الإسلامي من الصرف الآجل (بيع و شراء العملة الأجنبية):

إن عملية بيع و شراء العملات الأجنبية في المصارف تتوقف علي نظرة الفقه الإسلامي إلي العملة الورقية من حيث أحكام الصرف إلي رأيين:

______________________________

(1) مخلوف. حسنين محمد، فتاوي شرعية و بحوث إسلامية، الطبعة الثانية، مكتبة و مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 2/ 161.

(2) ربيع. حسن محمد، المصارف، مصدر سابق، ص 100.

أيضاً: مراد كاظم، البورصة أفضل الطرق في نجاح الاستثمارات المالية، مصدر سابق، ص 192.

أيضاً: محمد محمود فهمي، أعمال قسم الصرف الأجنبي، محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس، 1960، ص 26.

المعاملات المصرفية، ص: 127

الرأي الأول: إن العملة الورقية المحلية و الأجنبية ذات السعر الإلزامي- أي غير القابلة للتحويل إلي الذهب و الفضة- لا يشترط في بيعها في أحكام المصرف من تقابض و مساواة «1». فجاز بيع و شراء العملات الأجنبية بالوطنية في المصارف بالصرف الآجل «2».

الرأي الثاني: إن من نزل العملة

الورقية منزلة النقدين- الذهب و الفضة- فان الفقه الاسلامي يمنع بيع أحد النقدين بالآخر مع تأجيل القبض لقول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (فإذا اختلفت الأصناف بيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) «3». و ما يحدث في المصرف عند بيع العملات الأجنبية بالوطنية من عدم تقابض يؤدي إلي كون البيع باطلًا.

تكييف عملية الصرف الآجل علي من نزل العملة الورقية بمنزلة النقدين:

إن الصرف الآجل إنما هو مجرد مواعدة و اتفاق يسبق عملية البيع الحقيقية التي يتم فيها التقابض فورا بمجرد الانتهاء من إعطاء الوعد و الاتفاق علي سعر الصرف الآجل «4». و التقابض يتم من شخصين يمثلان إرادتين بالنسبة للبائع و المشتري فضلًا عن إرادته الخاصة لنفسه و هو المصرف، أي أن المصرف وكيل للطرفين، و ذلك إلي جانب شخصيته المستقلة و إرادته الخاصة التي يتعامل بها.

و في الفقه الإسلامي يجوز للوكيل أن يكون نائبا في العقد بين الجانبين. فعند الحنابلة و الإمامية و المالكية يصح للشخص الواحد أن يتولي طرفي العقد في جميع العقود بشرط أن يكون له صفة تجيز إنشاء العقد، و لا فرق في ذلك بين

______________________________

(1) د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة و القانون، مصدر سابق، ص 110.

(2) د. النجار. أحمد عبد العزيز، المدخل إلي النظرية الاقتصادية، مصدر سابق، ص 172.

أيضاً: د. الخفاجي. محمد عبد المنعم، الإسلام و نظريته الاقتصادية، مصدر سابق، ص 166.

(3) الصنعاني، سبل السلام شرح بلوغ المرام، مصدر سابق، 3/ 845.

(4) د. حمد. أحمد، فقه الشركات دراسة مقارنة، الطبعة الأولي، دار العلم، بيروت، 1404 ه- 1984 م، ص 434.

المعاملات المصرفية، ص: 128

عقد و آخر، سواء أ كان عقد زواج أم معاوضة مالية «1»

و

بهذا يتحقق القبض في مجلس العقد و يتحقق مبدأ يدا بيد من شخص يمثل إرادتين بالأصالة عن نفسه و بالنيابة عن غيره. و هذا ما يتم في المصرف. و في الفقه الإسلامي أجاز مالك مواعدة الصرف علي كراهية فان عملية بيع العملات الأجنبية و شراءها سينشأ لها مجلس آخر يتم فيه التقابض علي أساس المواعدة و الاتفاق، فلا مانع قبول هذا العمل، و لا بأس في بيع و شراء العملات الأجنبية بالوطنية بعضها مع بعض «2».

الفرع الثاني: في الحوالات المصرفية:
اشارة

من الخدمات التي يقدمها المصرف لعملائه الحوالات المصرفية، و هي طريقة سهلة لنقل العملات سواء أ كانت هذه العملات وفاء لثمن بضاعة أم لمديونية أم كان المقصود منها الانتفاع و الاتفاق من بلد لآخر أم من قطر لآخر بصورة آمنة، و نظير اجر ضئيل. مما يساعد علي تقدم التجارة و ازدهارها بين الأفراد المقيمين في قطر واحد و في أقطار مختلفة.

و قد ترافق الحوالات المصرفية عملية الكامبيو «3»

______________________________

(1) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 5/ 99.

ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد، مصدر سابق، 2/ 226.

أيضاً: العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مصدر سابق، 2/ 121.

أيضاً: د. السنهوري، مصادر الحق، مصدر سابق، 5/ 252.

أيضاً: العاني. محمد رضا عبد الجبار، الوكالة في الشريعة و القانون، مصدر سابق،، ص 318.

أيضاً: د. بدران. أبو العينين بدران، الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 391.

(2) الخطيب. عبد الكريم، السياسة المالية في الإسلام وصلتها بالمعاملات المعاصرة، دار الفكر العربي، دار الحمامي للطباعة، ص 175.

أيضاً: الهمشري. مصطفي عبد الله، الأعمال المصرفية و الإسلام، مصدر سابق، ص 191.

أيضاً: د. علي عبد الرسول، المبادئ الاقتصادية في الإسلام، تقديم الدكتور صلاح الدين نامق، دار الفكر العربي، ص 168.

(3) كلمة لاتينية: معناها مبادلة العملة الوطنية بالعملة

الأجنبية و بالعكس.

ينظر: د. علي عبد الرسول، البنوك التجارية في مصر، مصدر سابق، ص 277.

المعاملات المصرفية، ص: 129

و يمكن تقسيم عمليات التحويل المصرفي علي نوعين:

النوع الأول: عمليات التحويل الداخلي (الحوالات الداخلية):
اشارة

و تتم داخل حدود الدولة بإحدي الطرائق الآتية «1»:

1- التحويلات الخطابية: و تتم بوساطة الخطاب، أي أن المصرف المحول منه يأمر المصرف المحول عليه بدفع المبلغ المحدد لصاحبه بوساطة الخطاب.

2- التحاويل الحسابية: و تتم بان يكلف العميل المصرف تكليفا كتابياً بتحويل مبلغ معين من حسابه الجاري إلي حساب دائنه الجاري، و ذلك في حالة ما إذا كان لكل من المدين و الدائن حساب جارٍ بالمصرف أو بأحد فروعه.

3- الشيكات المصرفية: و هي عبارة عن أمر بالدفع يسلمه العميل إلي المصرف ليرسله إلي الشخص المطلوب في الجهة التي يريدها ليحصله من المصرف.

4- التحويلات الهاتفية أو البرقية: و تتم بإبلاغ المصرف المحول إليه بدفع المبلغ بالهاتف أو البرق.

و يتقاضي المصرف من عملية التحويل الداخلي العمولة علاوة علي أجور البريد في حالة الحوالات البريدية أو أجور البرقية إذا رغب العميل إرسال برقية.

موقف الفقه الإسلامي من الحوالات الداخلية:
اشارة

يقوم المصرف بتحويل المبلغ المراد تحويله داخل حدود الدولة خدمة لعملائه و أداء لوظيفته. فمن أراد أن يحول مبلغا من المال فلا بد أن يكون له رصيد دائن يتمثل في حساب جار في المصرف يغطي قيمة الحوالة، أو يقوم بإيداع هذا المبلغ في خزينة المصرف.

______________________________

(1) ربيع. حسن محمد، المصارف، مصدر سابق، ص 100- 103.

المعاملات المصرفية، ص: 130

و التحويل الداخلي تارة للعميل نفسه، و أخري للمستفيد (الطرف الثالث):

أولًا: التحويل للعميل نفسه:

فان كان للعميل نفسه فهي أما أن تكون بين مصرف و آخر لا يمثل كل منهما ذمة واحدة، أو بين مصرف و فرعه و هما يمثلان كلاهما ذمة واحدة:

1- فان كان بين مصرف و آخر و لا يمثل كل منهم ذمة واحدة، حيث يكون العميل دائنا للمصرف الأول، و المصرف الثاني دائنا للمصرف الأول. و العميل يحول المبلغ لنفسه من المصرف الأول إلي المصرف الثاني.

و مثاله أن يدفع شخص مبلغا من المال أو عنده حساب جار في مصرف الحلة مثلا (100) دينار، و يريد أن يحول المبلغ المذكور علي المصرف في الموصل علي فرض أن كلا المصرفين لا يمثلان ذمة واحدة.

و هذه هي الحوالة الفقهية الحقيقية لتوافر شروط صحة الحوالة من وجود دين مستقر، و مال معلوم و ان يحيل برضا المحيل «1».

و يجوز للمصرف اخذ العمولة، لأنه غير ملزم بقبول الدفع في مكان آخر. و الحوالة علي المدين لا تعني إلزامه بالدفع في مكان معين لم يفرضه عقد القرض الذي نشأت علي أساسه مديونيته بين العميل و المصرف، ففي الفقه الإسلامي لو أن شخصاً اقرض شخصاً ثمّ طالبه بمثله ببلد آخر لم يلزمه، لأنه لا يلزمه حمله إلي ذلك البلد «2». فيأخذ المصرف عمولة لقاء الدفع في

مكان معين و كذلك لا محذور فيه لعدم تحقق الربوية في ذلك لان الربا هو الزيادة التي يأخذها الدائن من المدين، لا الزيادة التي يأخذها المدين من الدائن «3»

______________________________

(1) البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، مصدر سابق، 3/ 383.

(2) الخطيب الشربيني، مغني المحتاج في معرفة الفاظ المنهاج، مصدر سابق، 2/ 119.

أيضا: المرداوي، الانصاف، مصدر سابق، 5/ 135.

(3) د. النمر. عبد المنعم، الاجتهاد، مصدر سابق، ص 354.

أيضا: بحر العلوم. محمد تقي، رسالة الأحكام، مصدر سابق، 2/ 111.

المعاملات المصرفية، ص: 131

2- أو يكون تحويل المصرف للعميل لنفسه علي احد فروعه، و هذه ليست حوالة حقيقية، و إنما هي إذن في الاستيفاء لأن الفرع ممثل للمصرف و ليس له ذمة أخري.

مثاله أن يدفع شخص مبلغا من المال أو عنده حساب جار في مصرف الحلة مثلا (100) دينار، و يريد أن يحول المبلغ المذكور علي المصرف في الموصل علي فرض أن كلا المصرفين يمثلان ذمة واحدة.

و يمكن تخريج هذه الحوالة علي إنها وكالة و إنابة من المصرف إلي فرعه. أما اخذ المصرف للعمولة فيمكن تخريجه علي أنه وكالة بأجر، و الوكالة بأجر جائزة شرعا «1»، فأخذ المصرف للعمولة جائز شرعا.

ثانياً: التحويل إلي صالح المستفيد:

إذا كان التحويل إلي المستفيد (الطرف الثالث)، فالأمر بالتحويل مدين و المستفيد من الحوالة دائن، فيحيل المدين الدائن علي المصرف المأمور بالتحويل، فيصبح المصرف بموجب هذه الحوالة مديناً للمستفيد. فتكون حوالة بالمعني الفقهي الحقيقي.

و قد يكون للمصرف فرع يمثله في بلد إقامة المستفيد فيتصل به و يأمره بالدفع، و لا تكون هذه حوالة ثانية، لأن الفرع ممثل للمصرف المدين و ليس له ذمة أخري ليحال عليها الدين من جديد.

و يجوز للمصرف أخذ العمولة، لأنه غير ملزم بقبول الدفع في

مكان آخر، و الحوالة علي المدين لا تعني إلزامه بالدفع في مكان معين لم يفرضه عقد القرض الذي نشأت علي أساسه مديونيته بين العميل و المصرف.

ففي الفقه الإسلامي لو أن شخصاً أقرض شخصاً آخر ثمّ طالبه بمثله

______________________________

(1) ابن جزي، القوانين الفقهية، مصدر سابق، ص 216.

المعاملات المصرفية، ص: 132

ببلد آخر لم يلزمه، لأنه لا يلزمه حمله إلي ذلك البلد «1».

فيأخذ المصرف عمولة لقاء الدفع في مكان معين. و كذلك لا محذور في أخذ المصرف لها لعدم تحقق الربوية في ذلك لأن الربا هو الزيادة التي يأخذها الدائن من المدين، لا الزيادة التي يأخذها المدين من الدائن «2».

فعمليات التحويل الداخلي جائزة شرعاً، و كذلك أخذ العمولة عليها «3».

النوع الثاني: عمليات التحويل الخارجي (الحوالات الخارجية):
اشارة

لا تختلف عمليات التحويل الخارجي عن عمليات التحويل الداخلي إلا بما يتطلب من بيع و شراء لعملة أجنبية، و هنالك ثلاث طرائق تستطيع بوساطتها المصارف أن ترسل تحويلاتها إلي عملائها في الخارج «4».

1- التحويلات البريدية)MailTransfer(:

و يقصد بتعبير التحويلات البريدية، التحويلات التي تتم بوساطة البريد الجوي أو البريد العادي. و هي عبارة عن تعليمات مرسلة من مصرف في دولة إلي مصرف في دولة أخري، لغرض دفع مبلغ معين لطرف مسمي و يكون توثيق هذه التعليمات بالتوقيعات المعتمدة.

2- التحويلات التلغرافية أو التحويلات التلكسية)TelegraphicT ransfer(:

و تتم هذه التحويلات بالتلكس، و ذلك بإرسال التعليمات بالتلغراف من

______________________________

(1) الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، مصدر سابق، 2/ 119. أيضاً: البهوتي، كشاف القناع، مصدر سابق، 3/ 319.

(2) د. النمر. عبد المنعم، الاجتهاد، مصدر سابق، ص 354.

أيضاً: دريب. سعود بن سعد، المعاملات المصرفية و موقف الشريعة منها، مصدر سابق، ص 78.

(3) د. الساهي. شوقي عبده، المال و طرق استثماره في الإسلام، مصدر سابق، ص 218.

أيضاً: د. علي عبد الرسول، المبادئ الاقتصادية في الإسلام، مصدر سابق، ص 168.

(4) د. خليل سامي، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 206.

المعاملات المصرفية، ص: 133

مصرف في دولة إلي مصرف في دولة أخري، لغرض دفع مبلغ معين لطرف مسمي.

3- الشيكات المصرفية)Drafts(:

و هذه حوالات تحت الطلب مسحوبة بوساطة مصرف علي مصرف في الخارج. و يتم توثيق هذه الحوالات بالطريقة نفسها المتبعة في التحويلات البريدية. و عادة ما يرسل المصرف الساحب صورة من الحوالة إلي المصرف المسحوب عليه مع خطاب خاص موقع من مسئولي المصرف ذوي التوقيعات المعتمدة.

موقف الفقه الإسلامي من التحويل الخارجي:

إن عمليات التحويل الخارجي تارة تكون للعميل نفسه و أخري لطرف ثالث مستفيد:

أولًا: فإن كانت عملية التحويل الخارجي للعميل نفسه، فإذا أراد شخص الحصول علي مبلغ من العملات في دولة أخري، فيدفع إلي المصرف في بلده قيمة الحوالة نقداً ثمّ يتسلمه في الدولة المراد تحويل المبلغ إليها من مصرف آخر مراسل.

و المحول هنا هو المصرف الذي أصبح بتسلم المبلغ مديناً فيحول دائنه علي مصرف آخر، فإن كان المصرف الآخر مديناً للمصرف الأول لديه رصيد دائن له كانت حوالة علي مدين. و إلا فهي حوالة علي برئ و هي علي أية حال صحيحة، و يمكن للمصرف أن يتقاضي عمولة عن هذا التحويل لقاء قبوله بالدفع في مكان

معين، كما يمكن أن يفرض شرطاً في عقد القرض نفسه علي عميلة أن لا يقبل منه الحوالة إلا بعمولة فيلزمه ذلك.

ثانياً: و إن كانت عملية التحويل إلي طرف ثالث مستفيد (غير العميل)، أي لمصلحة شخص في دولة أخري ليس دائناً للمحول كما إذا كان التحويل بقصد إقراض ذلك الشخص أو التبرع له. ففي هذه الحال يجوز التحويل، و لا يكون المحول له مالكاً لقيمة الحوالة إلا إذا قبضها نقداً علي أساس أن التحويل هنا ليس حوالة بالمعني الحقيقي الفقهي، لأنه يشترط في المحيل أن يكون مديناً للمحال

المعاملات المصرفية، ص: 134

له «1»، فإذا أحال من ليس عليه دين علي من له عليه دين. فهذه المعاملة في الحقيقة ليست حوالة بل وكالة بقبض الدين «2». فيكون التحويل تفويضا للمحول إليه في التصرف في مبلغ الحوالة وفقا لما اتفق عليه بين المحول و المحول إليه.

أما تكييف أخذ العمولة علي الحوالات الخارجية فهي تخريجات الحوالة الداخلية نفسها و قد ترافق عملية الحوالة الخارجية عمليات بيع و شراء العملات الأجنبية و هي جائزة كما مر سابقا. فعمليات التحويل الخارجي واخذ العمولة عليها لا بأس بها «3».

الفرع الثالث: الشيكات السياحية (خطابات الاعتماد))Travellers Cheques(:
اشارة

إن الشيكات السياحية إنما يتم إصدارها من المصرف لخدمة المسافرين إلي الخارج من الأفراد، و هي التي يتمكن فيها المسافرون أن يحملوا معهم العملات اللازمة لنفقاتهم في الخارج التي تمثلها الشيكات السياحية (خطابات الاعتماد). و يقوم الأفراد بدفع مبلغ من العملة الوطنية إلي المصرف بما يساوي قيمة الشيكات السياحية التي يحصلون عليها، و ذلك علي أساس سعر الصرف السائد وقت المعاملة. و يأخذ المصرف غالبا عمولة علي هذه المعاملة.

و في أغلب الأحيان لا يستطيع حامل الشيكات السياحية أن يلزم المصرف الأجنبي بصرف هذه الشيكات

ما لم يكن هذا المصرف هو أحد

______________________________

(1) العيني، البناية في شرح الهداية، مصدر س سابق، 6/ 808.

أيضاً: البهوتي، كشاف القناع عن متن الاقناع، مصدر سابق، 3/ 383.

أيضاً: الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلي معرفة ألفاظ المنهاج، مصدر سابق، 2/ 193.

(2) الملطاوي. حسن كامل، فقه المعاملات علي مذهب الإمام مالك، مطابع الأهرام التجارية، مصر، 1972 م، ص 126

أيضا: د. زيدان. عبد الكريم، الكفالة و الحوالة في الفقه المقارن، المكتب الاسلامي، مكتبة القدس، 1395 ه 1975 م، ص 218.

(3) الخطيب. عبد الكريم، السياسة المالية في الإسلام وصلتها بالمعاملات المعاصرة، مصدر سابق، ص 175.

أيضا: المصري، عبد السميع، نظرية الإسلام الاقتصادي، مصدر سابق، ص 207.

المعاملات المصرفية، ص: 135

المصارف المراسلة المعتمدة بوساطة المصرف الذي اصدر هذه الشيكات السياحية.

و في هذه الأيام نادرا ما يرفض مصرف صرف الشيكات السياحية أو يرفض قبولها في السداد، و لا سيما حين يطلب المصرف من حامل الشيكات السياحية أن يقدم جواز سفره أو بطاقة تحقيق شخصيته كشرط لصرف هذه الشيكات. و علي حامل هذه الشيكات أن يوقعها في حضور الشخص الذي سيقوم بصرفها أو قبولها في الدفع، كما يجب أن يكون هذا التوقيع مطابقا للتوقيع الموجود أصلا علي الشيك السياحي.

واهم ميزات الشيكات السياحية، البساطة و القبول العام و إنها غير مكلفة، و الأمان النسبي في حملها عن حمل العملات «1».

التكييف الشرعي للشيكات السياحية:

يمكن تكييف الشيكات السياحية علي عدة تخريجات:

أولًا- تخريج الشيكات السياحية علي عقد الجعالة:

و ذلك بوصفها تفويض من المصرف للمستفيد (العميل) بان يشتري في حدود قيمة الشيك السياحي أو خطاب الاعتماد عملة أجنبية من رصيد المصرف المصدر للخطاب لدي المصارف الأجنبية، و ذلك في مقابل عملة داخلية يدفعها طالب الشيك السياحي أو خطاب الاعتماد. و بإمكان المصرف في هذه الحال

اخذ عمولة كجعالة علي هذا التفويض «2».

فقد ذهبت الشافعية و الإمامية إلي جواز اخذ الجعالة إذا كانت مقابل

______________________________

(1) د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 208.

(2) د. عتر. نور الدين، المعاملات المصرفية و الربوية و علاجها في الإسلام، الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة، بيروت 1397 ه 1977 م، ص 38.

أيضا: د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 112.

المعاملات المصرفية، ص: 136

الكلفة المعنوية «1»، لأن الأساس الذي يستحق به المصرف الجعل هو إنجاز العمل، و ثم أعمال لا تنجز إلا بالكلفة المعنوية.

ثانياً- تخريج الشيكات السياحية علي عقد الوكالة:

تعد الشيكات السياحية (خطابات الاعتماد) توكيلا من المصرف للمستفيد من الشيك السياحي لاستيفاء دينه من حساب المصرف الصادر منه لدي المصارف المراسلة في الخارج، و هو الاستيفاء بغير الجنس (أي بعملة أجنبية)، و لا بأس مع رضا الدائن «2»، ثمّ تحدث المقاصة بين أرصدة المصارف «3».

و يمكن تخريج عمولة المصرف من التبادل بين العملات بغير أجناسها، فيأخذ المصرف من ذلك الفرق.

ثالثاً: تخريج الشيكات السياحية علي عقد القرض:

إن الشيكات السياحية عبارة عن قرض المسافر مبلغاً من العملة الوطنية إلي المصرف، أي اقراض المصرف ذلك المبلغ. و المصرف يحول المبلغ له إلي البلدان الأخري.

______________________________

(1) سليمان. الجمل، حاشية الجمل علي شرح المنهج، مصدر سابق، 3/ 623.

الرملي، نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج، مصدر سابق، 5/ 475.

العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مصدر سابق، ص 283.

د. الجميلي. خالد رشيد، الجعالة و أحكامها في الشريعة الإسلامية و القانون، جامعة بغداد، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1399 ه- 1979 م، ص 79.

أيضا: المدرس. عبد الكريم، جواهر الفتاوي أو خير الزاد في الإرشاد، مطبعة دار البصري، بغداد، 2/ 150.

(2) السبكي، تكملة المجموع، مصدر سابق، 13/ 430.

أيضا: كاشف الغطاء. الشيخ محمد حسين، تحرير المجلة، مصدر سابق، 2/ 174.

(3) د. عتر. نور الدين، المعاملات المصرفية الربوية و علاجها في الإسلام، مصدر سابق، ص 38.

أيضاً: د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 112.

المعاملات المصرفية، ص: 137

و يصح للمصرف أخذ العمولة من المسافر (العميل) علي أساس أن العمولة التي يتقاضاها المصرف قد جرت نفعاً إلي المدين و خرجت من الدائن. فالمصرف قد شرط أن يوفيه أقل مما أقرضه، و لأن القرض جعل للرفق بالمستقرض، و شرط النقصان لا يخرجه عن موضوعه، بخلاف الزيادة التي يجري فيه الربا.

و هذا ما ذهبت إليه الشافعية في أحد قوليها «1».

و ذهب فقهاء الإمامية إلي أن الشرط إذا جرّ نفعاً للمستقرض من دون المقرض جاز «2»، و إن الفائدة الربوية هي ما خرجت من المدين و قد جرت نفعاً للدائن «3».

و قال ابن بطال من المالكية «4»: (إذا قضي المديون دون حق صاحب الدين و حلله فهو جائز).

و قال الشوكاني: (إذا قضي المقترض المقرض دون حقه و حلله من البقية كان ذلك جائزا) «5»، فجاز استيفاء العميل بغير الجنس مع رضاه و بصورة أنقص.

و من هذا يتبين أن معاملة الشيكات المصرفية (خطابات الاعتماد)، جائزة شرعاً، و لا بأس بدفع العمولة إلي المصرف «6»

______________________________

(1) الرملي، نهاية المحتاج، مصدر سابق، 1/ 4093.

أيضاً: ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 4/ 363.

(2) النجفي. الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، مصدر سابق، 25/ 13.

(3) الموسوي. السيد أبو الحسن، وسيلة النجاة، مصدر سابق، 2/ 53.

(4) العيني، عمدة القارئ، مصدر سابق، 11/ 232.

(5) نيل الأوطار، مصدر سابق، 5/ 262.

(6) د. الطحاوي. إبراهيم، الاقتصاد الإسلامي مذهباً و نظاماً، مطبوعات البحوث الاسلامية، القاهرة، 1394 ه 1974 م، ص 424. أيضاً: د. العربي. محمد عبد الله، الاقتصاد الإسلامي تطبيقه علي المجتمع المعاصر، مصدر سابق، ص 42. أيضاً: الخطيب. عبد الكريم، السياسة المالية في الإسلام وصلتها بالمعاملات المعاصرة، مصدر سابق، ص 175.

أيضاً: د. النجار. عبد الهادي علي، الإسلام و الاقتصاد، ص 104.

المعاملات المصرفية، ص: 138

الفرع الرابع: تحصيل الأوراق التجارية)Collection of Bills(:
اشارة

تؤدي المصارف لعملائها خدمة حين تنوب عنهم في تحصيل ما لديهم من أوراق تجارية و لا سيما إذا كان كل من المدين و الدائن في بلدين مختلفين لما قد يترتب علي اجتماعهما في يوم الاستحقاق من مصاريف و تعطيل تفوق ما يتقاضاه المصرف من

أجر نظير القيام بهذه الخدمة. و يعود إلي المصرف من عملية التحصيل شيئان:

أ- أحدهما معنوي و هو ثقة العميل في المصرف، و توليته عنه في التحصيل و تلك سمعة طيبة للمصرف.

ب- أما الآخر فهو مادي، و يشمل العمولة التي يتقاضاها المصرف من العميل مقابل قيامه بتحصيل الأوراق التجارية. و العمولة تحدد علي شخصية العميل و مركزه من حيث الثقة به و أهمية الورقة المسحوبة و حركة حساب العميل و الخدمات التي يقدمها المصرف للتحصيل كإرسال اخطارات الطلب البريدية و غيرها. حيث يقوم قبل استحقاق الأوراق التجارية ببضعة أيام بإرسال اخطار للمدين يذكر فيه قيمة الدين و موعد استحقاقه «1».

موقف الفقه الإسلامي من تحصيل الأوراق التجارية:
اشارة

يمكن تكييف تحصيل المصرف للأوراق التجارية في الفقه الإسلامي لحساب عملائه بما سنذكره. و لما كان تحصيل الأوراق التجارية يحصل علي شكل شيكات أو سندات أو كمبيالات فسنبحث كلًا منها علي حدة: -

أولًا: تحصيل الشيكات:
اشارة

إن تحصيل الشيكات يكون علي عدة حالات:

______________________________

(1) د. محمد عبد العزيز عبد الكريم، محاسبة البنوك، الطبعة الرابعة، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، ص 120.

أيضاً: ربيع. حسن محمد، المصارف، مصدر سابق، ص 66.

أيضاً: د. علي عبد الرسول، البنوك التجارية في مصر، ص 276.

المعاملات المصرفية، ص: 139

الحالة الأولي: قيام العميل بسحب الشيك علي المصرف نفسه

الذي يقوم بتحصيله لحساب المستفيد و ذلك كما يأتي: -

1- أن يسحبه علي رصيده، فنواجه حوالة واحدة من محرر الشيك (العميل) للمستفيد (دائنه) علي المصرف المدين للعميل (المحرر للشيك) «1». و الحوالة علي المدين ليست بحاجة إلي قبول المحال عليه. و يكون المصرف مديناً للمستفيد و يجب عليه وفاء دينه أو إضافته إلي رصيد الدائن و لا يمكن للمصرف أخذ أجرة علي وفاء دائنه «2».

أما تكييف أخذ المصرف للعمولة و ذلك باشتراطه علي كل دائن حين تولد دينه أن لا ينقل ملكية الدين بطريقة الحوالة إلا بإذنه، و بذلك يمكن للمصرف أن يأخذ أجرة عمولة في مقابل قبوله الحوالة و إسقاط الشرط، فتصح الحوالة بالتعليق علي شرط أو وصف كما مال إليه بعض متأخري فقهاء الإمامية «3».

2- أن يسحب العميل قيمة الشيك من حسابه الجاري علي المكشوف، فيقوم، المصرف بتحصيله لحساب المستفيد. فنواجه حوالة واحدة أيضاً من محرر الشيك (العميل) للمستفيد (دائنه) علي المصرف البري ء الذمة. فهي حوالة علي بري ء الذمة، و البري ء يمكنه أن لا يقبل الحوالة إلا بأجر من المحول. فضلًا عن أن العمولة التي يتقاضاها المصرف، هي من باب الأجر الذي يتقاضاه المدين من الدائن في مقابل قبوله للحوالة ليصبح مدينا «4»

______________________________

(1) بحر العلوم. السيد عز الدين، بحوث فقهية للشيخ حسين الحلي، مصدر سابق، ص 85.

(2) د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون،

مصدر سابق، ص 40.

(3) الحكيم. السيد محسن، مستمسك العروة الوثقي، الطبعة الثالثة، مطبعة الآداب، النجف، 1389 ه 1970 م، 11/ 339.

(4) د. حمد. أحمد، فقه الشركات دراسة مقارنة، مصدر سابق، ص 334.

المعاملات المصرفية، ص: 140

الحالة الثانية: قيام العميل بتحرير الشيك علي فروع المصرف

الذي يتعامل معه و يقوم فرع المصرف الآخر مصرف المستفيد بتحصيل الشيك علي فرض أن كلا المصرفين لهما ذمة واحدة فإنه لا توجد إلا حوالة واحدة أيضاً، لأن مركز المصرف و كل فروعه لها ذمة واحدة لوحدة المالك و المدين.

و مثاله ما إذا كان العميل قد حرر شيكاً للمستفيد علي فرعه المتعامل معه في البصرة مثلًا، و قام المستفيد بتقديم الشيك إلي فرع مصرف الموصل لتحصيله.

أما تكييف أخذ فرع مصرف الموصل العمولة علي تحصيل قيمة الشيك، فذلك أن فروع المصارف تمثل وكلاء متعددين لجهة واحدة و هي أصحاب المصرف، فكل فرع هو وكيل للجهة العامة التي تملك المصرف، و كل رصيد دائن في فرع من فروع المصرف هو في الحقيقة دين علي تلك الجهة العامة.

فصاحب الشيك علي فرع المصرف في البصرة هو دائن لتلك الجهة بحكم إيداعه مبلغاً لدي فرع البصرة و فتحه حساباً جارياً عنده. فإذا سحب العميل شيكاً علي فرع البصرة لصالح دائنه فقد حول في الحقيقة دائنه علي الجهة العامة التي تمثلها الفروع جميعاً، و هو من الحوالة علي المدين، و لكن تلك الجهة العامة غير ملزمة بدفع الدين إلي المستفيد (المحال) إلا في المكان نفسه الذي وقع فيه عقد القرض بين الساحب محرر الشيك (العميل) و بين فرع مصرف البصرة. فلا يلزم علي الجهة التي تمثلها كل فروع المصرف أن تسدد الدين المحول عليها إلا في المكان نفسه الذي وقع فيه القرض. فيمكن للمصرف في الموصل

أن يأخذ عمولة علي تحصيل الشيكات لتحصيل الدين في مكان غير المكان الذي وقع فيه القرض.

الحالة الثالثة: و هي قيام العميل بتحرير شيك علي مصرفه لصالح المستفيد،

و قيام مصرف آخر لتحصيل قيمة الشيك للمستفيد. فيمكن تخريج العملية علي تكييفين فقهيين:

المعاملات المصرفية، ص: 141

التكييف الأول:

علي أساس حوالتين الأولي هي حوالة محرر الشيك للمستفيد علي المصرف المسحوب عليه و بموجب هذه الحوالة يصبح المستفيد مالكا لقيمتها في ذمة المصرف المحول عليه. و الأخري حوالة المصرف المسحوب عليه دائنه (المستفيد) علي المصرف المحصل، سواء أ كان المصرف المحصل مدينا لمصرف محرر الشيك أم بريئا.

أما تكييف أخذ العمولة فيجوز للمصرف المحصل أن يأخذ من المستفيد أجرة علي قيامه بتحصيل الشيك له باتصاله بالمصرف المسحوب عليه، و طلب تحويل قيمة الشيك عليه «1».

التكييف الثاني:

علي أساس حوالة و بيع الدين. أما الحوالة فهي حوالة محرر الشيك للمستفيد علي مصرف العميل (المسحوب عليه) و بموجب هذه الحوالة يصبح المستفيد مالكا لقيمتها في ذمة المصرف المحول عليه. و أما البيع فيمارسه المستفيد نفسه بعد أن أصبح مالكا لقيمة الشيك في ذمة مصرف العميل (محرر الشيك المسحوب عليه) إذ يبيع ما يملكه في ذمة ذلك المصرف بازاء مبلغ نقدي يتسلمه من المصرف الذي دفع إليه الشيك لتحصيله و يصح هذا من بيع الدين باقل منه «2».

و من هذا يتبين أن تحصيل المصرف للشيكات واخذ العمولة عليها لا

______________________________

(1) د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 71.

(2) النجفي. الشيخ محمد حسين، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، مصدر سابق، 25/ 36.

أيضا: المرداوي، الإنصاف، مصدر سابق، 5/ 112.

أيضا: العيني. بدر الدين، عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، مصدر سابق، 13/ 232.

المعاملات المصرفية، ص: 142

بأس به «1»

ثانياً- تحصيل المستندات:

يقوم المصرف بتحميل قيمة مستندات شحن البضائع المصدرة من مصرف آخر مراسل له. و تتم هذه العملية في التجارة الخارجية،

حيث يقدم المصدر إلي مصرفه المستندات المتفق عليها بينه و بين المستورد، و يتولي المصرف إرسال هذه المستندات إلي المصرف المراسل في بلد المستورد، و يطلب منه تسليم مستندات الشحن إلي المستورد مقابل دفع ثمن البضاعة المبينة بتلك المستندات. و عند ما يسدد المستورد الثمن يخطر المصرف المراسل مصرف المصدر بما يفيد تحصيل القيمة و قيدها في الحساب الجاري له «2».

و هذه الخدمة من قبيل الوكالة بأجر «3»، حيث يقوم بها المصرف بقصد تسهيل التبادل التجاري و مؤداها توسط المصرف في إيصال مستندات

الشحن إلي المستورد بوساطة مصرف المستورد في بلد ذلك المستورد. و تسليم الثمن إلي المصدر بوساطة مصرف المصدر و للمصرف المصدر اخذ العمولة من المصدر في تحصيل قيمة المستندات علي أساس الوكالة بأجر «4».

ثالثا- تحصيل الكمبيالات:

يقوم المصرف بخدمة أخري من خدمات التحصيل و هي استحصال قيمة الكمبيالة لحساب عميله، إذ يقوم عادة قبل حلول موعد استحقاق الكمبيالة ببضعة أيام بإرسال إخطار إلي المدين يوضح فيه رقم الكمبيالة و تاريخ

______________________________

(1) د. النجار. أحمد عبد العزيز، المدخل إلي النظرية الاقتصادية، مصدر سابق، ص 167.

(2) د. محمد عبد العزيز. عبد الكريم، محاسبة البنوك، مصدر سابق، ص 121.

(3) د. المصري. رفيق، مصرف التنمية الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1397 ه- 1977 م، ص 394.

أيضا: العربي. محمد عبد الله، الاقتصاد الإسلامي تطبيقه علي المجتمع المعاصر، مصدر سابق، ص 45.

(4) د. الساهي. شوقي عبده، المال و طرق استثماره في الإسلام، مصدر سابق، ص 218.

أيضا: بحر العلوم. السيد محمد تقي، رسالة الأحكام، مصدر سابق، 2/ 58.

المعاملات المصرفية، ص: 143

استحقاقها و قيمتها و بعد الحصول علي قيمتها من المدين يقيدها في رصيد الدائن للمستفيد من الكمبيالة بعد خصم المصاريف «1». و هنالك حالتان

لتحصيل الكمبيالات في المصارف:

الحالة الأولي:

أن يتقدم المستفيد إلي المصرف بكمبيالة غير محولة ابتداء علي المصرف و يطلب منه تحصيلها، و يجوز للمصرف اخذ عمولة لقاء اتصاله بالمدين و مطالبته بالوفاء الذي يتم أما بتسليم المبلغ أو بترحيل الحساب. و يمكن تكييف تحصيل الكمبيالة علي أنها وكالة بأجر علي استخلاص الدين «2».

الحالة الثانية:

أن يتقدم المستفيد إلي المصرف بكمبيالة محولة علي مصرف العميل محرر الكمبيالة (أي عميل المصرف الدائن). و حيث أن المصرف يصبح بتحويل محرر الكمبيالة عليه مديناً للمستفيد بقيمة الكمبيالة من دون حاجة إلي قبول المصرف المحول إليه، لان المحرر له رصيد دائن في المصرف و التحويل من الدائن علي مدينه ينفذ دون حاجة إلي قبول المدين و إذا اصبح المصرف مدينا فلا مبرر لأخذ عمولة علي وفاء دينه. غاية ذلك أن الحوالة معلقة علي أجل استحقاق الكمبيالة، و لا بأس شرعا بتلك الحوالة، لأن الحوالة المؤجلة تعد صحيحة «3».

و يمكن تكييف اخذ المصرف عمولة علي تحصيل الكمبيالة للمستفيد علي اشتراط المصرف علي عملائه الدائنين منذ البدء أن لا يحولوا عليه من دون إذنه فيمكنه حينئذ أن يتقاضي عمولة لقاء إسقاط هذا الشرط. فتحصيل الكمبيالات من جانب المصرف و أخذ العمولة جائز شرعا «4»

______________________________

(1) د. محمد عبد العزيز عبد الكريم، محاسبة البنوك، مصدر سابق، ص 121.

(2) الملطاوي، فقه المعاملات علي مذهب الإمام مالك، مصدر سابق، ص 125.

(3) د. زيدان. عبد الكريم، الكفالة و الحوالة في الفقه المقارن، مصدر سابق، ص 227.

(4) د. النجار، أحمد عبد العزيز، المدخل إلي النظرية الاقتصادية، مصدر سابق، ص 167.

أيضا: د. علي عبد الرسول، المبادئ الاقتصادية في الإسلام، مصدر سابق، ص 168.

أيضا: المصري. عبد السميع، نظرية الإسلام الاقتصادية، مصدر سابق، ص

207.

المعاملات المصرفية، ص: 144

و من هذا العرض يتبين إن تقديم الأوراق التجارية إلي المصارف للتحصيل لا محذور فيها، و لا ضير من اخذ المصارف عمولة علي ذلك.

الفصل الثاني الاعتمادات المصرفية

تمهيد: تعريف الاعتماد المصرفي و صوره:

أولًا: تعريف الاعتماد المصرفي:

الاعتماد في المفهوم المصرفي هو الثقة التي يمنحها المصرف لعميله ليمكنه من الحصول علي ثقة الآخرين فيه. فالعميل يطمح في أن يكون محل ثقة المصرف الذي يتعامل معه، كما يأمل أن يمكنه هذا المصرف من الحصول علي هذه الثقة لدي الآخرين «1».

و عرّفه فقهاء القانون: (بأنه العملية التي تقوم بها المصارف بوضع مبلغ من المال تحت تصرف شخص آخر مقابل تعهده بإعادة المبلغ المذكور مع الفوائد في الميعاد المتفق عليه) «2». و لفظ الاعتماد هو مرادف للائتمان. و تتطلب هذه العملية مبدئياً تدخل شخصين اثنين هما المصرف و المتعهد له.

و يلعب الاعتماد المصرفي بدور هامٍّ في الحياة الاقتصادية. و يقدم مساعدته القيمة في جميع مراحل العمليات التجارية «3».

إن منح المصرف الائتمان لعملائه يقوم علي الاعتبارات الآتية «4»:

1- تمكين العميل من الحصول علي الائتمان للوفاء بالتزاماته لدي الآخرين، أو

______________________________

(1) د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 65.

(2) د. السباعي. نهاد، د. رزق الله انطاكي، موسوعة الحقوق التجارية، مصدر سابق، 3/ 397.

(3) د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق، ص 232.

(4) شلاش. صاحب حسون، الاعتماد المستندي من الناحية القانونية، رسالة ماجستير، القانون و السياسة، 1973، ص 6.

المعاملات المصرفية، ص: 145

الحصول علي أجل لسداد ديونه، و ذلك لثقة دائنيه به نتيجة تدخل المصرف بما له من سمعة مالية كبيرة تبعث الطمأنينة و الثقة في نفوس الآخرين.

2- لا يشترط أن يقوم المصرف بتقديم وسائل الوفاء فعلًا، بل يكفي في ذلك أن يتعهد بتقديمها

متي طلب العميل ذلك.

3- للعميل مطلق الحرية في استعمال الاعتماد المخصص له أو عدم استعماله، فإذا استعمله التزم برد ما قدمه له المصرف من نقود أو أية وسيلة ائتمانية أخري مع ما يترتب علي ذلك من عمولة أو فائدة، و إذا لم يستخدمه فلا يكون ملزماً بدفع أية عمولة أو فائدة.

4- إن الاعتماد يقوم علي الاعتبار الشخصي. و لذلك ينقضي الاعتماد في حالة وفاة المستفيد أو الحجر عليه أو توقفه عن الدفع.

5- إن منح الائتمان يقوم علي الثقة بين العميل و المصرف، و حماية للائتمان و لاستقرار المعاملات. فقضت أكثر التشريعات أن ليس من حق المصرف إلغاء الاعتماد غير معين المدة إلا بعد إخطار العميل، و كل اتفاق علي خلاف ذلك يعد باطلًا.

ثانياً: صور الاعتماد المصرفي:

إن الاعتماد المصرفي أما أن يأخذ صورة مبلغ نقدي يقدمه المصرف إلي عميله و يعرف الاعتماد بالوفاء و تتمثل هذه الصورة بالقرض. و إما أن يتخذ صورة ضمان يقدمه له المصرف لكي يمكنه هذا الضمان من الحصول علي ثقة الآخرين فيه فيمنحه أجلًا و يبادر إلي التعاقد معه و هو مطمئن إلي ضمان حقوقه نتيجة لتدخل المصرف لما يقدمه من ضمانات للآخرين. و هذا هو الاعتماد بالضمان و فيه لا يدفع المصرف مبلغاً فورياً و لو أنه من المحتمل أن يجد نفسه مضطراً إلي ذلك إذا ما تخلف العميل عن أداء الدين الذي ضمنه المصرف «1»

______________________________

(1) د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 65.

أيضاً: شلاش. صاحب حسون، الاعتماد المستندي من الناحية القانونية، مصدر سابق، ص 9.

المعاملات المصرفية، ص: 146

المبحث الأول:

الفرع الأول: القرض المصرفي:
تمهيد: تعريف القرض و مكانته في الشريعة:
اشارة

الكلام علي القرض المصرفي يقتضي أن نمهد له بالكلام علي تعريف القرض لغة و اصطلاحاً ثمّ نتبعه بالكلام عن مكانة القرض في الشريعة الإسلامية الغراء.

أولًا: القرض لغة:

القرض لغةً: القطع. قرِضه يقرضه ج بالكسر ج قرضاً و قرضه: قطعه. هذا هو الأصل فيه ثمّ استعمل في قطع الفأر، و السلف و السبر و الشعر و المجازاة. و من معني المجازاة قول أبي الدرداء: (إن قارضت الناس قارضوك، و إن تركتهم لم يتركوك، و إن هربت منهم أدركوك).

قال أبو عبيدة معني قوله تعالي: [وَ إِذٰا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذٰاتَ الشِّمٰالِ] «1» أي (تخلفهم شمالًا، و تجاوزهم و تقطعهم و تتركهم علي شمالها).

و قال أبو إسحاق النحوي معني القرض في قوله تعالي: [مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً*] «2» البلاء الحسن. و عنده أصل أن القرض: ما يعطيه الرجل أو يفعله ليجازي عليه) «3».

ثانياً: القرض في اصطلاح الفقهاء:

قال الرملي «4»: (هو تمليك الشي ء شرعاً علي أن يرد مثله).

______________________________

(1) سورة البقرة، آية (245).

(2) سورة الكهف، آية (17).

(3) ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، 7/ 216.

أيضاً: الزبيدي، تاج العروس، مصدر سابق، 19/ 13.

أيضاً: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، 3/ 1100.

(4) نهاية المحتاج، مصدر سابق، 4/ 215

المعاملات المصرفية، ص: 147

و عرفه البهوتي «1»: (دفع مال إرفاقاً لمن ينتفع به و يرد بدله).

وسمي بذلك لأن المقرض يقطع للمقترض قطعة من ماله. و يسميه أهل الحجاز سلفاً. و هو جائز بالسنة و الاجماع.

و لا يجوز الاقراض بشرط الزيادة للمقرض سواء أ كانت في الصفة أم في القدر، كردّ نقود صحيحة عن مكسرة ورد جيدة عن رديئة، أو رد المقترض مائة دينار عن تسعين دينار.

و يجب علي المقترض الاقتصار علي رد العوض فقط، فلا يجوز للمقرض اشتراط النفع مقابل القرض، فلو اشترطه، فقد حكي إجماع المسلمين علي أنه ربا «2». و لو رد المقترض زائداً في القدر أو الصفة بلا شرط عن طيبة نفس

منه بالتبرع، فهو حسن بل مستحب. و لا يكره للمقرض أخذه، و لا أخذ هدية المستقرض بغير شرط «3».

و قد استدل فقهاء المسلمين علي ذلك بما يأتي:

1- ما رواه البخاري (إن رجلًا تقاضي عن رسول الله (ص) فأغلظ له فهّم أصحابه به فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا و اشتروا له بعيراً فأعطوه إياه و قالوا لا نجد إلا أفضل من سنه. قال: اشتروه فأعطوه إياه فإن خيركم

______________________________

(1) كشاف القناع عن متن الإقناع، مصدر سابق، 3/ 312.

(2) السرخسي، المبسوط، مصدر سابق، 14/ 36.

أيضاً: المرداوي، الإنصاف، مصدر سابق، 5/ 123.

أيضاً: ابن حزم، المحلي، مصدر سابق، 8/ 77.

أيضاً: الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، مصدر سابق، 2/ 117.

أيضاً: الشهيد الثاني، اللمعة الدمشقية، مصدر سابق، 4/ 11.

(3) الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، مصدر سابق، 2/ 119.

أيضاً: العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مصدر سابق، 7/ 354.

أيضاً: المرداوي، الإنصاف، مصدر سابق، 5/ 123.

أيضاً: السرخسي، المبسوط، مصدر سابق، 14/ 36.

المعاملات المصرفية، ص: 148

أحسنكم قضاء) «1».

و روي بلفظ (إن خياركم (أو من خيركم) أحاسنكم قضاء) «2».

2- و روي عن خالد بن الحجاج (سألته عن رجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً فقضاها مائة وزناً. قال: لا بأس ما لم يشترط. قال: و قال جاء الربا من قبل الشروط، إنما يفسده الشروط) «3».

3- و عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا أقرضت الدراهم ثمّ أتاك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط) «4».

ثالثاً: مكانة القرض في الشريعة الإسلامية:

إن القرض فعل خير، و فضله عظيم، و هو افضل من الصدقة و السر فيه: إن الصدقة تقع في يد المحتاج و غيره، و القرض لا يقع إلا في يد المحتاج غالباً، و إن درهم

القرض يعود فيقرض ثانياً، و درهم الصدقة لا يعود «5».

فقد روي عن أنس بن مالك قال: قال رسوله الله (صلي الله عليه و آله و سلّم): (رأيت ليلة أُسري بي علي باب الجنة مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها، و القرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل و عنده، و المستقرض لا يستقرض إلا من حاجة «6».

و هو نوع من المعاملات علي غير قياسها لاحظها الشارع للمحتاجين «7».

القرض المصرفي (السلفة):

هو عقد يتحقق بتقديم المصرف الأموال إلي المستفيد (المقترض)، و الذي

______________________________

(1) العيني، عمدة القارئ، مصدر سابق، 12/ 230.

(2) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، دار إحياء الكتب العربية، 1373 ه 1953 م، 2/ 809.

(3) الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، 6/ 476.

(4) المصدر السابق، 6/ 477.

(5) الشهيد الثاني، اللمعة الدمشقية، مصدر سابق، 4/ 11.

(6) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، مصدر سابق، 2/ 812.

(7) البهوتي، كشاف القناع، مصدر سابق، 3/ 312.

المعاملات المصرفية، ص: 149

يتعهد بموجبه المقترض برد قيمة القرض و سعر الفائدة، طبقاً للشروط المقررة في العقد، سواء بأقساط دورية أو بتسديد قيمة القرض بأكمله مرة واحدة عند نهاية مدته «1». إذ من المعلوم أن المصرف هو الذي يحدد مقدار الفائدة علي أساس مقدار القرض و مدته و مركز المقترض. و هذا النوع من النشاط المصرفي يعدّ أهم بند من بنود ميزانية المصرف التجاري إذ يمثل نشاطه الرئيس، فهو يمثل نسبة كبيرة من أصول المصرف، و هو أبسط صور الاعتماد المصرفي. و بهذا النشاط يستطيع المصرف التجاري أن يخلق نقوداً جديدة تتداول في السوق.

و أهم ما يميز قروض المصرف التجاري، أنها قروض قصيرة الأجل، و يجري العرف المصرفي علي التفرقة بين القروض

و السلفيات، و إن كان جميع ما يقدمه المصرف من ديون لعملائه إنما هي قروض «2».

و يتمثل الفرق في أن القرض تمنح قيمته بالكامل بعد الموافقة عليه، في حين تقيد السلفة الممنوحة في حساب جارٍ مدين، حيث يسمح للعميل بالسحب منها في حدود المبالغ المصرح بها «3». و عند قيام المصرف بعقد القرض يتم التفاوض بين المصرف و بين المقترضين علي مقدار القرض و سعر الفائدة، و المصادقة علي القرض و ضمانات القرض و مدة ميعاد استحقاق القرض.

و يراعي المصرف عند عقد القرض، الغرض من القرض، و سداد المقترض للقرض، و دراسة مركزه المالي «4»

______________________________

(1) د. شيحة. مصطفي رشدي، الاقتصاد النقدي و المصرفي، مصدر سابق، ص 225.

أيضاً: د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 67.

(2) د. حشيش. عادل أحمد و الدكتور حامد دويدار، مبادئ الاقتصاد النقدي و المصرفي، مصدر سابق، ص 194.

(3) د. قريصة. صبحي تادرس، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 155.

(4) د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 191- 194.

أيضاً: محمود علي مراد.، مهام البنوك التجارية، محاضرة القاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس، 1960 م، ص 5.

المعاملات المصرفية، ص: 150

و عند ما يكون غرض القرض سليماً فإن المصرف لا يطلب ضماناً للقرض. و لكن قد تحصل مشكلات في تحصيل المصارف للقروض من العملاء، و يرجع السبب في الغالب إلي عدم التحليل السليم للمركز المالي للمقترض، هذا فضلًا عن عدم الاهتمام و الإصرار علي الغرض من القرض. كما أن هنالك الكثير من القروض التي كانت قروضاً سليمة عند منحها معروفة تصبح ديوناً معدومة نتيجة لإهمال إدارة الائتمان في المصرف في تتبع هذه

القروض «1».

موقف الفقه الإسلامي من القروض المصرفية:
اشارة

إن القرض المصرفي للعميل (المقترض) يشترط فيه المصرف (المقرض)، ردّ قيمة القرض و سعر الفائدة (الزيادة) طبقاً للشروط المقررة في العقد. و في الفقه الإسلامي لا يجوز الإقراض بشرط الزيادة للمقرض سواء أ كانت الزيادة في الصفة أم القدر، و يجب علي المقرض الاقتصار علي رد العوض فقط. فلو اشترط المصرف النفع مقابل القرض كان ربا «2».

و هنالك من الباحثين من أراد تخريج الفائدة عن القرض المصرفي بعدّة تخريجات نذكرها فيما يأتي: -

أولًا: تخريج فائدة القرض بالأجر:

خرج أخذ الفائدة من العميل علي القرض المصرفي بقصد تغطية نفقات معينة في المصرف، و ذلك بجعلها نفقة مشروعة لإخراجها من إطار الربا أو الفائدة، و جعلها أجرة علي كتابة وثائق الدين و الخطاب و إمساك الدفاتر و السجلات و غيرها من الخدمات «3»

______________________________

(1) د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، ص 265.

(2) الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلي الفاظ المنهاج، مصدر سابق، 2/ 119.

أيضاً: العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مصدر سابق، 7/ 354.

أيضاً: المرداوي، الإنصاف، مصدر سابق، 5/ 123.

أيضاً: السرخسي، المبسوط، مصدر سابق، 14/ 36.

(3) د. النجار. عبد الهادي علي، الإسلام و الاقتصاد، مصدر سابق، ص 107.

المعاملات المصرفية، ص: 151

و الاعتراض علي هذا التخريج، أن سعر الفائدة يختلف عن الأجرة حيث أنه يتحدد بالنظر إلي نوع القرض و مدته و المركز المالي للمقترض و الظروف الاقتصادية السائدة، فضلًا عن أنه إذا كانت الفائدة تقابل النفقة أو الأجرة، فإنه يتعين أن يكون سعرها موحداً لكل قرض، و تصبح واجبة الأداء للمصرف مرة واحدة عند عقد القرض، بينما يأخذ المصرف الفائدة المستحقة كلما تأخر القرض عن موعد استحقاقه.

و إن القول بأن الأجر النسبي مقبول في القرض المصرفي، كما في السمسار أو المحامي، فالإجابة لا

يوجد هنا دين و لا قرض، و تقدير الأجر متروك لما يتفق عليه الطرفان برضاهما، أما إذا وجد العنصر الأول المكون للربا و هو القرض، فلا عبرة بالرضا الذي ينطوي علي ما يخالف شريعة العدل الإلهي، و ذلك لأن الجهد الذي يبذله المصرف في إعداد عقد القرض الذي قيمته ألف دينار، لا يختلف عن الجهد المبذول في إعداد عقد قيمته مائة ألف دينار أو أكثر. فالقول بالأجر النسبي يعني تقاضي المصرف عمولة مختلفة بين العقدين بلا سبب ظاهر.

ثانياً: تخريج فائدة القرض ببيع المعاملة:

ذهب الأستاذ مصطفي الزرقا إلي تبرير أخذ القرض بفائدة من المصارف و ذلك بتأميم المصارف لحساب الدولة، فينتفي عندئذ معني الربا من الفائدة الجزئية التي تؤخذ عن القرض و تعود إلي خزينة الدولة لمصلحة المجموع، و ينتفي محذور تمركز رءوس الأموال في أيدي فريق المرابين «1».

و استند علي فتوي من متأخري فقهاء المذهب الحنفي فيها جواز تحديد السلطان منفعة مالية عن القروض تعقد بعقد ملحق نظراً للحاجة، و قالوا: (لا يجوز عندئذ للناس شرعاً أن يتجاوزوا في فائدة القروض النسبة المعينة من قبل

______________________________

(1) نقلًا عن فتحي عثمان، الفكر الإسلامي و التطور، مصدر سابق، ص 70.

المعاملات المصرفية، ص: 152

السلطان). و قد سموا هذا التدبير (بيع المعاملة) «1».

إن هذه الفتوي من بعض فقهاء الأحناف المتأخرين بجواز بيع المعاملة لا ترقي إلي مستوي الدليل الشرعي، إذ لا اجتهاد في معرض النص. فضلًا عن أن بيع المعاملة محل نظر، و لم يرد عن الشارع ما يدل علي جوازه، و لكن جري العرف و التعامل به للحاجة، خصوصاً و إن المسألة خلافية بالنسبة لفقهاء الأحناف المتأخرين، فقد جاء في رد المحتار عبارة (و عليها العمل) «2».

ثالثاً: تخريج فائدة القرض لضرورة أو حاجة:

ذهب بعض الفقهاء إلي أن الحرمة ترفع عن المقترض لضرورته أو في حكم المضطر لحاجته، مما يرفع عنه إثم ذلك التعامل «3». فقد قال الشيخ محمود شلتوت «4»: (يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح و إذا كان للأفراد ضرورة أو حاجة تبيح لهم هذه المعاملة، و كان تقديرها يرجع إليهم وحدهم ج و هم مؤمنون بصيرون بدينهم- فإن للأمة أيضاً ضرورة أو حاجة كثيراً ما تدعو إلي الاقتراض بالربح. و يجب أن يكون تقدير الحاجة و المصلحة مما يؤخذ عن (أولي الأمر) من المؤمنين القانونيين و

الاقتصاديين و الشرعيين و يكون ذلك من ناحيتين: ناحية تقدير الحاجة، و ناحية تقدير الأرباح و اختيار مصادر الحق).

و قد تقدم الشيخ عبد الجليل عيسي ببحث مقارن بين فيه موضوع القرض بفائدة، و ما يعمله من فوائد كثيرة، و قاعدة تغليب المصلحة الراجحة علي جانب المفسدة حيث قال: (هل يمكن أن نقول: إن هذا حرام؟ و ما جهة حرمته؟ و أمامنا قاعدة تغليب المصلحة الراجحة علي المفسدة؟ ثمّ قال: (و إني

______________________________

(1) ابن عابدين، رد المحتار علي الدر المختار، مصدر سابق، 4/ 175.

(2) د. زكي الدين شعبان، الشروط الشائعة في المعاملات و أحكامها في الشريعة و القانون، مجلة القانون و الاقتصاد، العدد (43)، السنة (45)، مطبعة جامعة القاهرة، 1957 م، ص 361.

(3) الخطيب. عبد الكريم، السياسة المالية في الإسلام، مصدر سابق، ص 184.

أيضاً: فتحي عثمان، الفكر الإسلامي و التطور، مصدر سابق، ص 46.

(4) الفتاوي، مصدر سابق، ص 353.

المعاملات المصرفية، ص: 153

أعرض علي حضراتكم حالة عامة في مجتمعنا، تحتاج إلي حل سريع، ذلك أن المسلمين كلما سمعوا أن الفائدة حرام مطلقاً، و هم في حاجة إليها في بعض الظروف، اضطربت مشاعرهم، و تنازعتهم عوامل مختلفة، ما بين مجتمع غلب عليه الشح و بين حاجة ملحة، و يخشي إذا ترك هؤلاء علي ما هم عليه، أن يتدخل الشيطان، لنصرة الهواجس التي بين جوانحهم، فيضجرون من الإسلام، و تكون العاقبة وخيمة فهل عندكم حل لهذه الحالة و لو موقتاً؟ و الرسول يقول: (لا تعينوا الشيطان علي أخيكم) «1».

و الدكتور عبد المنعم النمر أثبت حالة الضرورة و الحال التي تنزل عند الفقهاء منزلة الضرورة لأمة للاقتراض بفائدة، و أوضح أن يقدر حالة الضرورة أو حاجتها متخصصون يبنون حكمهم علي هذا

الأساس «2». إن إباحة المحظور للضرورة لها أحكامها، و لا يصح أن نعممها علي كل الحالات التي يظن أنها ضرورة و هي ليست كذلك. و إذا كانت هنالك ضرورة حقة اقتضت فإن الإثم في هذه الحال علي المقرض وحده دون غيره «3».

و هنالك شروط لا بد أن تتحقق في المقترض حتي يصدق عليه وصف الاضطرار و هي «4»:

1- أن تكون هنالك ضرورة حتمية لا مجرد التوسع في الأمور الكمالية التي يمكن الاستغناء عنها.

2- أن يقتصر المقترض علي قدر الضرورة فقط، فالقاعدة الفقهية تقول:

______________________________

(1) د. النمر. عبد المنعم، الاجتهاد، مصدر سابق، ص 357- 358.

(2) المصدر نفسه.

(3) د. بابللي. محمود، هل المصارف ضرورة لا بد منها في الاقتصاد الإسلامي؟ مجلة رابطة العالم الإسلامي، العدد العاشر، السنة الثامنة، مكة المكرمة، ذو الحجة (1390 ه)- شباط (1971 م)، ص 25.

(4) د. طنطاوي. محمود محمد، القروض المصرفية في ضوء الشريعة الإسلامية، ندوة الاقتصاد الاسلامي، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، معهد البحوث و الدراسات العربية، بغداد، ص 226.

المعاملات المصرفية، ص: 154

(الضرورات تبيح المحذورات) «1». و الأخري تكملها و تقول: (الضرورة تقدر بقدرها) «2». فلو كان مضطراً إلي مائة دينار فلا يقترض أكثر منها.

3- أن يسلك كل الوسائل التي توصله إلي الخروج من مأزقه غير طريقة الربا. و علي المسلمين أن يعينوه، و يستنفد كل الوسائل الشرعية و لا يجد المضطر غير وسيلة القرض بفائدة «3».

أما بالنسبة إلي ضرورة الأمة للاقتراض بفائدة فلا يتصور حفظ الأمة علي ذلك كما مر سابقاً «4».

رابعاً: تخريج فائدة القرض علي أساس قروض إنتاجية:

عدّ بعض الكتاب أن تحريم الفائدة ينطبق فقط علي القروض الاستهلاكية «5» التي تستهلك في النواحي الإنسانية البحتة، من أطعمة و نفقات و غيرها، و لا ينطبق علي

القروض الانتاجية: و هي الديون التي تؤخذ للأغراض التجارية المحضة كما هو الحال في قروض المصارف، علي أساس أن النوع الأول من الفائدة يمثل شكلًا من أشكال استغلال المحتاج و الفقير (المقترض) و هو بذلك يناقض روح الإسلام، في حين أن القروض الإنتاجية ليست أكثر من تعاون بين المقرض و المقترض علي زيادة المنفعة المستخرجة من المبلغ، و بذلك ينبغي لهما أن يتقاسما الزيادة الناتجة «6»

______________________________

(1) السيوطي، الأشباه و النظائر، مصدر سابق، ص 76- 77.

(2) المصدر نفسه.

(3) القرضاوي. يوسف، الحلال و الحرام في الإسلام، الطبعة السادسة، المكتب الإسلامي، بيروت (1392 ه- 1972 م)، ص 257.

(4) انظر صفحة (109).

(5) ذهب إلي هذا الرأي الدكتور معروف الدواليبي في محاضرة ألقاها في مؤتمر الفقه الإسلامي في باريس سنة 1951 م.

ينظر: د. خروفة. علاء الدين، عقد القرض في الشريعة الإسلامية، ص 352.

(6) الغزالي. محمد، الإسلام و المناهج الاشتراكية الطبعة الرابعة، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1380 ه 1960 م، ص 179.

أيضاً: د. قحف. محمد منذر، الاقتصاد الإسلامي، مصدر سابق، ص 151.

المعاملات المصرفية، ص: 155

و قد زعم هؤلاء أن نصوص القرآن الكريم لا تتناول القروض الإنتاجية (الاستثمارية) بالتحريم لأن المجتمع الجاهلي كان لا يعرف سوي القروض الاستهلاكية «1».

و يمكن نقض هذه الشبهة بأمرين:

أحدهما: عموم النص القرآني بالتحريم، فهو عام في كل قرض جر زيادة مشروطة فوق رأس المال للمقرض. بدليل قوله تعالي: [وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ] «2».

ثانيهما: إن من يتأمل في الظروف المادية التي أحاطت بالاقتصاد الجاهلي و البيئة الجاهلية ج بيئة مكة و ما حولها من قري الحجاز- ليوقن أن القروض الإنتاجية كانت ضرورة حيوية من ضرورات اقتصادهم، و إن المقترضين كانوا تجاراً. فقد اشتهرت مكة بالتجارة، و

كان تجارها ينقلون بضائع الروم إلي الفرس و بضائع الفرس إلي الروم. و كانت اليمن فيها الجلب و العرض، كما قال تعالي: [لِإِيلٰافِ قُرَيْشٍ إِيلٰافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتٰاءِ وَ الصَّيْفِ] «3». فشيوع الربا في ذلك الجو التجاري يدل علي أنه كان ثمة قروض إنتاجية (استثمارية) «4».

و لا يصح أن تسمي القروض الإنتاجية مشاركة في الربح،

لأن أصول المشاركة أن يكون ثمة شركة في المغنم و المغرم معاً لا أن تكون

شركة في المغنم دون المغرم، فالمال لا يربح إلا بالعمل، و العمل هو

______________________________

(1) د. المصري. رفيق، النظام المصرفي، بحوث في دراسات في الاقتصاد الإسلامي، ص 145.

(2) سورة البقرة، آية (279).

(3) سورة الفيل، آية، (1، 2).

(4) د. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب الجاهلي، مصدر سابق، 7/ 404.

أيضاً: أبو زهرة. محمد، تفسير القرآن الكريم، مصدر سابق، ص 141.

د. طعيمة. صابر عبد الرحمن، إرادة التغيير في الإسلام، الطبعة الأولي، مكتبة القاهرة الحديثة، مطبعة الاستقلال الكبري، 1968 م، ص 133.

المعاملات المصرفية، ص: 156

المعول عليه في الإسلام «1».

و من هذا العرض يتبين أن تحريم الفائدة علي القروض الاستهلاكية و الإنتاجية علي حد سواء «2».

الفرع الثاني: فتح الاعتماد:
أولًا: تعريف فتح الاعتماد:

و هو: (اتفاق بين المصرف و عميله يتعهد المصرف بمقتضاه بوضع مبلغ من المال تحت تصرف عميله في مدة معينة، و يستفيد العميل من هذا المبلغ بقبضه كله أو بعضه في هذه المدة، أو بسحب شيكات عليه أو تحرير أوراق تجارية، و في مقابل ذلك يتعهد العميل برد المبالغ التي سحبها فعلًا، و ما قد يترتب عليها من فوائد و مصروفات) «3».

ثانياً: الطبيعة القانونية لفتح الاعتماد:

اختلفت الآراء بشأن الطبيعة القانونية لاتفاق فتح الاعتماد، فذهب أغلبية فقهاء القانون إلي أن فتح الاعتماد يعدّ وعداً بالقرض من جانب المصرف «4». و يلتزم العميل أن يدفع للمصرف عمولة معينة تستحق غالباً بمجرد

______________________________

(1) سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، ص 123.

(2) المودودي. أبو الأعلي، أسس الاقتصاد بين الإسلام و النظم المعاصرة و معضلات الاقتصاد و حلها في الإسلام، ترجمة محمد عاصم الحداد، سلسلة ذخائر الفكر الإسلامي، ص 172.

أيضاً: منان. م. أ.، الاقتصاد الإسلامي بين النظرية و التطبيق دراسة مقارنة، ترجمة الدكتور منصور إبراهيم التركي، الناشر المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1975، ص 185.

د. ماجد علي إبراهيم، البنك الإسلامي للتنمية، مصدر سابق، ص 206.

د. عفيفي. محمد صادق، المجتمع الإسلامي و فلسفته المالية و الاقتصادية، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1980 م، 2/ 344.

(3) د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 92.

(4) د. علم الدين. محيي الدين إسماعيل، الاعتمادات المستندية في الفقه و القضاء و العمل، الناشر دار النهضة العربية، القاهرة، 1969، ص 5.

أيضاً: د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق، ص 253- 259.

المعاملات المصرفية، ص: 157

إبرام فتح الاعتماد سواء استخدمه أم لم يستخدمه، و تفسر العمولة مقابل ما يتحمله المصرف ليكون مستعداً لمواجهة احتياجات العميل، و إذا

قام العميل بسحب من فتح الاعتماد استحق عليه سعر الفائدة ابتداءً من تاريخ السحب و يعتمد علي مقدار المبلغ المسحوب «1».

و تسعي المصارف دائماً للحصول علي ضمانات تؤمن لها استيفاء مبلغ الاعتماد أو المقدار المسحوب منه في حالة عجز المعتمد له عن الوفاء. و يلجأ العميل إلي فتح الاعتماد دون القرض، لأن القرض لا يتميز بالمرونة اللازمة لسير العمليات التجارية التي تتطلب الائتمان القصير الأجل، فالعميل الذي يقترض من المصرف وفقاً للقواعد يتسلم المبلغ فور انعقاد العقد، بينما في فتح الاعتماد قد لا يكون العميل محتاجاً إلي هذا المبلغ المقترض فوراً، بل يريد أن يواجه به حاجات مختلفة في آجال مستقبلة متفاوتة محتملة، و لو قبض العميل المبلغ المقترض من المصرف فوراً للزمته الفوائد، و لا شك أن من الأفضل له أن يودع المبلغ الذي سمح له المصرف به مكتفياً بالتزام المصرف بتقديمه له عند الطلب، أي عند حلول الآجال المستقبلة المتفاوتة المحتملة.

ثالثاً: أوجه الاختلاف بين القرض و فتح الاعتماد في النقاط الآتية «2»:

1- إن المقترض يحصل علي قيمة القرض بكامله يوم توقيع العقد، و فاتح الاعتماد يسحب منه ما يشاء بموجب شيكات أو غيرها في أثناء المدة المسموح بها للاعتمادات بحيث لا يتعدي ما يسحبه قيمة الاعتماد نفسه و قد لا يسحب كله.

2- في القرض يحاسب المقترض علي الفائدة الكاملة بالمعدل المتفق عليه طول مدة القرض، أما في فتح الاعتماد فإن العميل لا يحاسب علي الفائدة إلا علي ما سحبه من المصرف.

______________________________

(1) د. شيحة. مصطفي رشدي، الاقتصاد النقدي و المصرفي، مصدر سابق، ص 225.

(2) د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 92.

المعاملات المصرفية، ص: 158

3- في القرض يجب علي المقترض رد القرض و فوائده المتفق عليها في نهاية

مدة القرض، أما في الاعتمادات فإن العميل لا يرد إلا ما قد سحبه فعلًا و ما يستحق من نسبة الفوائد.

4- تنقطع عادة علاقة المقترض بالمصرف عند ما يتسلم مبلغ القرض إلي أن يحين ميعاد الاستحقاق أما في الاعتمادات فإن العلاقة تبقي قائمة.

موقف الفقه من فتح الاعتماد:

يعدّ فتح الاعتماد من جانب المصرف للعميل قبل السحب منه مجرد وعد بالقرض، لأن عقد القرض لا يتم إلا بقبض المقترض للقرض. و بناءً علي هذا إذا فتح المصرف الاعتماد و لم يسحب العميل أي مبلغ و انتهت المدة اللازمة فلا شي ء في ذلك إلا كراهة الاتفاق علي قرض بفائدة لم يتحقق «1».

قال آية الله العظمي السيد أبو القاسم الخوئي: (لا يجوز حتي مع عدم تسلم القرض نفس الاتفاق حرام، لا يكشف عدم الاستلام عن عدم وقوعه) «2».

أما في حال سحب العميل من فتح الاعتماد أي مبلغ، فإن الفائدة تسري عليه، و يكون حكم فتح الاعتماد حكم القرض الذي صاحبته الفائدة فهو ربا «3».

الوعد في منظور الفقه الإسلامي: «4»

______________________________

(1) د. النجار. عبد الهادي علي، الإسلام و الاقتصاد، مصدر سابق، ص 111.

(2) استفتاء مخطوط في 2 شهر ذي القعدة، 1407 ه.

(3) د. عفر. محمد عبد المنعم عبد القادر، النظام الاقتصادي الإسلامي، جدة، 1399 ه- 1979 م، ص 82- 83.

أيضاً: د. الخفاجي. محمد عبد المنعم، الإسلام و نظريته الاقتصادية، مصدر سابق، ص 198.

أيضاً: د. علي عبد الرسول، المبادئ الاقتصادية في الإسلام، مصدر سابق، ص 165.

(4) الوعد: هو أن يعد إنسان إنساناً آخر بتصرف من التصرفات الفعلية أو القولية يعود علي الموعود بفائدة.

ينظر: د. خروفة. علاء الدين، عقد القرض في الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 65.

المعاملات المصرفية، ص: 159

لا بد من الكلام بشأن إلزامية الوعد بالقرض

(فتح الاعتماد) من المصرف للعميل، و بيان نظرة الفقه الإسلامي لمسألة الوعد من حيث اللزوم بالنسبة للواعد فهنالك أربعة آراء:

الرأي الأول: ذهبت الحنفية و الشافعية و الظاهرية و الإمامية إلي أنه لا سبيل للموعود له علي إجبار الواعد لتنفيذ وعده، لأن الموعود له لا يملك إلا حقاً أدبياً فقط. و من الأفضل ورعاً الوفاء بما وعد «1».

الرأي الثاني: ذهب المالكية في المشهور من مذهبهم إلي أن الوعد بالعقد ملزم للواعد قضاءً، إذا ذكر السبب بناء علي الوعد، و دخل الموعود له تحت التزام مالي بمباشرة ذلك السبب بناء علي الوعد، و ذلك كما لو وعد شخص آخر بأن يقرضه مبلغاً من المال بمناسبة عزم الموعود علي شراء بضاعة، ثمّ نكل الواعد عن القرض، فإنه يجبر قضاء علي تنفيذ وعده «2».

هذا الرأي يبني الإلزام بالوعد علي فكرة دفع الضرر المتسبب عن الوعد، و ذلك إذا حصل فعلًا بأن دخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد.

الرأي الثالث: ذهب أصبغ من فقهاء المالكية إلي أنه يكفي للإلزام بالوعد ذكر السبب، و لو لم تتم مباشرة ذلك فعلًا «3».

يلاحظ في هذا الرأي أن دفع الضرر مراعي و لو لم يتحقق الضرر بعد.

الرأي الرابع: ذهب ابن شبرمة إلي أن الوعد كله لازم، و يقضي به علي الواعد و يجبر علي الوفاء به «4»

______________________________

(1) ابن حزم، المحلي، مصدر سابق، 8/ 28، أيضاً كاشف الغطاء. الشيخ محمد حسين، تحرير المجلة، مصدر سابق، 2/ 238.

(2) القرافي. شهاب الدين. أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي، الفروق، الطبعة الأولي، طبع مطبعة دار الكتب العربية، مصر، 1346 ه، 4/ 25.

أيضاً: الزرقا. مصطفي أحمد، المدخل الفقهي العام، مصدر سابق، 2/ 1024.

(3) المصدر نفسه.

(4) ابن حزم،

المحلي، مصدر سابق، 8/ 28.

المعاملات المصرفية، ص: 160

فضلًا عن النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية الشريفة التي جاءت بهذا الصدد تحث علي الوفاء بالوعد و منها قوله تعالي: [وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلًا] «1»، و قوله تعالي: [وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّٰهِ إِذٰا عٰاهَدْتُمْ] «2»، و قوله تعالي: [كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ] «3».

و ما روي عن النبي (ص) قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، و إذا وعد أخلف، و إذا ائتمن خان) «4».

و عن النبي (ص) قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، و من كانت فيه خلة منهن كانت خلة من نفاق حتي يدعها: إذا حدث كذب، و إذا عاهد غدر، و إذا وعد أخلف، و إذا خاصم فجر) «5».

و ما ورد عن الصحابة عن يحيي بن سعيد: أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه قال: (ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقي في قلوبهم الرعب، و لا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت، و لا نقص قوم المكيال و الميزان إلا قطع عنهم الرزق، و لا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم، و لا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو) «6».

الرأي المختار:

و مما تقدم يبدو أن القول بعدم إلزامية الوعد قد يحدث ثمة ضرراً قد يصيب العميل من المصرف جراء التزامه و من ملاحظة هذه الاعتبارات، ذهبوا

______________________________

(1) سورة الإسراء، آية (24).

(2) سورة النحل، آية (19).

(3) سورة غافر، آية (35).

(4) الحسين بن المبارك، التجريد الصحيح لأحاديث الجامع الصحيح، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1/ 11.

(5) مسلم، صحيح مسلم، مصدر سابق، 1/ 56.

(6) ختر) بفتح الخاء المعجمة

معناه: غدر.

ينظر: الزرقاني، شرح موطأ الإمام مالك، مصدر سابق، 3/ 322.

المعاملات المصرفية، ص: 161

إلي الأخذ بإلزامية الوعد، و قد أخذ بيت التمويل الكويتي بمبدإ إلزامية الوعد. و أخذ بهذا الرأي مؤتمر المصرف الإسلامي الأول. و إن الرأي الغالب لدي النظر الفقهي المعاصر، هو الأخذ بإلزامية الوعد. فهو ما تمليه الاعتبارات العملية و المصلحة في التعامل «1». و بناءً علي ذلك، تقتضي الحاجة و المصلحة أن يكون الوعد بين العميل و المصرف ملزماً.

أما بالنسبة لتكييف قيام العميل (المقترض) بالدفع من حسابه الجاري فلا يعدّ وفاء منه و دون وقوع المقاصة بين الدينين.

ففي الفقه الإسلامي أن المقاصة الاتفاقية التي لا تكون إلا برضا الطرفين و اتفاقهما علي أن لا يسقط كل من الدينين في مقابل الآخر، قد ذهب إليها الشافعية و الحنابلة و المالكية في أحد أقوالها «2».

و إن بقاء المصرف (الواعد) في فتح الاعتماد علي وعده المستمر بالإقراض للمدة المتفق عليها بحسب شروط العقد من شأنه أن يذهب بأحد الشروط الرئيسة التي تحول دون وقوع المقاصة، لأن الدين الناجم عن القرض المصرفي في فتح الاعتماد ليس حالًا. و عليه لا يكون ما يدفعه المقترض وفاء منه. إذْ هو لا يقصد ذلك أصلًا، و إنما هو إيداع يملك فيه حق الاسترداد في الوقت الذي يريد.

أما أخذ المصرف للعمولة من العميل علي فتح الاعتماد، سواء

استعمل العميل هذا أم لم يستعمل منه شيئاً، فالعمولة مقابل الخدمة الحقيقية، يمكن تكييفها علي أساس أجر مقابل خدمة، و لا تعدّ فائدة ما دام يقابلها خدمة

______________________________

(1) د. الجندي. محمد الشحات، عقد المرابحة بين الفقه الإسلامي و التعامل المصرفي، الناشر دار النهضة العربية، القاهرة، 1406 ه 1986 م، ص 193.

أيضاً: بدران. أبو العينين بدران،

الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 256.

أيضاً: د. شرف الدين. أحمد السعيد، عقود التأمين و عقود ضمان الاستثمار، مصدر سابق، ص 130.

(2) د. مذكور. محمد سلام، المدخل للفقه الإسلامي، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، المطبعة العالمية، القاهرة، 1383 ه- 1963 م، ص 712،

المعاملات المصرفية، ص: 162

حقيقية يؤديها المصرف للعميل.

و يشترط في العمولة المأخوذة كأجر أن تكون غير محددة في مقدارها علي أساس المقدار المقطوع و غير متكررة إلا بتكرار الخدمة و المنفعة، فلا يؤخذ الأجر كل شهر أو كل عام، بل يستوفي عند إبرام العقد و لا يعاد الاستيفاء مرة أخري إلا إذا نظم عقد جديد أو جرت عملية جديدة.

إن العمولة في فتح الاعتماد تكون ربا إذا لم تكن مقابل خدمة، لأن أحد عنصري الربا و هو القرض موجود، و كانت تستوفي بشكل نسبة مئوية علي أساس مقدار الدين و مدته «1».

الفرع الثالث: الاعتماد المستندي:
أولًا: تعريف الاعتماد المستندي:

عُرِف الاعتماد المستندي (بأنه تعهد كتابي صادر من المصرف بناء علي طلب العميل المستورد للبضائع (يسمي الآمر) لصالح المصدر للبضائع (و يسمي المستفيد) يلتزم المصرف بمقتضاه بدفع أو بقبول كمبيالات مسحوبة عليه من المستفيد بناءً علي طلب العميل الآمر، و ذلك بشروط معينة واردة في هذا التعهد و مضمون برهن حيازي علي المستندات الممثلة للبضائع المصدرة) «2».

و سبب التسمية بالاعتماد المستندي، لأنه يطلب تقديم مستندات تثبت انتقال الملكية للبضائع.

و الاعتماد المستندي هو أقدر الوسائل المعروفة في العصر الحديث معاونة

______________________________

(1) د. الهواري. سيد، ما معني بنك إسلامي؟، الناشر و الطابع الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، القاهرة، 1402 ه- 1982 م، ص 66.

(2) د. علم الدين. محيي الدين إسماعيل، الاعتمادات المستندية في الفقه و القضاء و العمل، مصدر سابق، ص 7.

أيضاً: محمود علي مراد، مهام البنوك التجارية،

مصدر سابق، ص 15.

أيضاً: نعوم. إدمون شاكر، جابر مهدي الصالح، دليل الاعتمادات المستندية، مطبعة الأسواق التجارية، بغداد، 1958 م، ص 6.

المعاملات المصرفية، ص: 163

علي إتمام الصفقات بين الدول المختلفة في ثقة تامة، و من دونه يصعب و قد يستحيل إتمام هذه الصفقات «1».

ثانياً: وصف عملية الاعتماد المستندي:

إن عملية الاعتماد المستندي التي تجري بين المستورد و المصدر، و ذلك إذا أراد تاجر عراقي مثلًا أن يستورد بعض البضائع من تاجر في فرنسا. و في أغلب الأحيان لا يطمئن التاجر العراقي إلي دفع ثمن البضاعة هذه قبل أن تصل إليه، و نجد أن التاجر الفرنسي لا يطمئن إلي إرسال البضاعة إلا إذا قبض ثمنها، فإذا اتخذ كل من التاجرين هذا الموقف استحال إبرام هذه الصفقة و استحالت للأسباب نفسها آلاف الصفقات التي تبرم كل يوم في مجال التجارة الدولية. و هنا تبرز أهمية الاعتماد المستندي إذ يحل هذه المشكلة بقيام المصارف بدور الوسيط في العملية، فيقوم مصرف المستورد العراقي (المشتري للبضاعة) بفتح اعتماد لصالح المصدر الفرنسي (البائع للبضاعة)، و يتعهد لدي هذا المصدر بأن يدفع إليه ثمن البضاعة بعد فحص مستندات شحنها، و ذلك بالاتصال مع مصرف المصدر الموجود في بلد المصدر. و بهذه الطريقة يجد المستورد حلًا لمشكلته، مشكلة الثقة بينه و بين المصدر، لأنه لن يدفع قيمة البضاعة إلا عند ما تأتي مستندات تثبت أن البضاعة قد خرجت من يد المصدر و أنها في طريقها إلي المستورد. فالمصرف يقدم للمستورد الائتمان الذي لم يستطع المصدر أو لم يشأ أن يقدمه إليه. و يجد المصدر حلًا للمشكلة نفسها من زاويته الخاصة، لأنه يستطيع أن يحصل علي قيمة البضاعة من المصرف، و هو مدين ملئ لا يتوقع إعساره و لا

يخشي مماطلته «2»

______________________________

(1) أمين ميخائيل عبد الملك، الاعتمادات المستندية، مصدر سابق، ص 2.

(2) د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق، ص 317.

أيضاً: د. علم الدين. محيي الدين إسماعيل، الاعتمادات المستندية في الفقه و القضاء و العمل، مصدر سابق، ص 7.

المعاملات المصرفية، ص: 164

و هكذا نجد أن الاعتماد المستندي هو من الأعمال المعقدة، و يدخل في هذه العملية أربعة أشخاص هم «1»:

1- المصدر الأول (البائع):

هو الذي أنتج البضاعة المصدرة، أو قد يكون اشتراها من منتج آخر لتصديرها. و في كلا الحالين يكون مضطراً لدفع قيمتها أو نفقات إنتاجها، مما يحمله علي السعي في سبيل الحصول علي المال اللازم لذلك، و هو لا يستطيع الاطمئنان إلي المستورد الذي لا يعرفه حق المعرفة من جهة، و من جهة أخري لا يتحمل الانتظار حتي وصول البضاعة للمستورد كي يعمد إلي دفع قيمتها إليه.

2- المستورد (المشتري):

قد لا تكون لديه أموال جاهزة تكفي لدفع قيمة البضاعة المستوردة قبل شحنها، و قد يعتمد علي إرسال البضاعة و تسليمها للمصرف (الناقل) ليتمكن من إجراء ما يستطيع من العقود عليها و الحصول علي المال اللازم. فهو إذن مضطر لعدم دفع القيمة إلا بعد وصول البضاعة، أو بعد شحنها علي الأقل.

3- مصرف المستورد (المشتري):

يتدخل لحل الصعوبات الناشئة من الوضع المالي الخاص بالمستورد من جهة، و يقدم اعتماده للمصدر ليتيح له أن يباشر العملية بثقة و اطمئنان من جهة أخري. و يبذل المصرف جهده ليضمن لنفسه تسديد الاعتماد، و ذلك بحيازته رهناً علي البضاعة المستوردة، و هو رهن و إن لم يكن ماديّاً صرفاً إلا أنه حائز لجميع الشروط القانونية و قائم علي حيازة الوثائق و المستندات التي تمثل البضاعة المرهونة.

4- مصرف المصدر

(البائع):

يتدخل مصرف المصدر في العملية ليقوم بدور العميل لمصرف المستورد حيث يشرف ج نيابة عنه ج علي تنفيذ العملية و يتسلم باسمه الوثائق المتعلقة بها،

______________________________

(1) د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق، ص 317- 319.

المعاملات المصرفية، ص: 165

و كفاتح اعتماد من جهة أخري، لأنه يقدم للمصدر اعتماده الخاص بتأكيده الاعتماد الذي فتحه مصرف المستورد. و بذلك يزداد وضع المصدر ثقة و اطمئناناً لاستناده إلي اعتماد مصرف في بلده.

و ترتب علي إنشاء الاعتماد المستندي التزامات هي «1»:

أ. التزام الآمر بفتح الاعتماد المستندي (المستورد) بدفع عمولة المصرف و تلقي المستندات و دفع قيمتها عند ورودها إلي المصرف المنشئ لفتح الاعتماد المستندي (مصرف المستورد).

ب. التزام المصرف المنشئ لفتح الاعتماد المستندي (مصرف المستورد) بدفع قيمة المستندات ج بعد فحصها- إلي المستفيد أو إلي المصرف المؤيد (الوسيط) إذا كان هذا الأخير قد قام بالوفاء. و قد يلتزم المصرف المنشئ لفتح الاعتماد بقبول كمبيالة بدلًا من الدفع. و يلتزم المصرف المنشئ بأن يضع المستندات تحت تصرف المستورد (الآمر) لفتح الاعتماد المستندي مقابل الحصول علي قيمتها، و يلتزم برد غطاء الاعتماد إذا انقضت مدته دون حصول الوفاء.

ج. التزام مصرف المؤيد (و هو غالباً مصرف المصدر) بدفع قيمة المستندات ج بعد فحصها- أو قبول كمبيالة مستندية، و إرسال المستندات إلي المصرف المنشئ فوراً (مصرف الآمر أو المستورد) أما المستفيد من الاعتماد المستندي و هو المصدر فإنه لا يتحمل أي التزام، بل علي العكس من ذلك ينشأ له حق في الحصول علي قيمة الاعتماد المستندي، و إذا لم يتقدم بها سقط حقه عليه بانتهاء مدته فليس ثمة التزام علي المستفيد بموجب الاعتماد المستندي بتقديم المستندات المذكورة، و إن كان ملتزماً نحو

المستورد لا مصرفه بموجب عقد البيع

______________________________

(1) د. علم الدين. محيي الدين إسماعيل، الاعتمادات المستندية في الفقه و القضاء و العمل، مصدر سابق، ص 61- 62.

المعاملات المصرفية، ص: 166

بتقديم هذه المستندات.

ثالثاً: أنواع الاعتماد المستندي من حيث قوة التزام المصرف «1»:
النوع الأول: الاعتماد المستندي القطعي غير القابل للإلغاء:

هو تعهد المصرف اتجاه المصدر بأن يقبل أو يدفع قيمة السند الذي يسحبه عليه دون أن يحق له بأي حال الرجوع عن هذا الاعتماد، و بذلك يبقي المصرف ملتزماً سواء رجع المستورد عن عقده أم لا، و سواء بقي في وضع مالي حسن أم ساءت حاله. و إذا حدث أن أراد المصرف الرجوع عن تعهده فإنه لا يستطيع أن يفعل ذلك إلا باتفاق ثلاثي يجري بينه و بين المستورد و المصدر.

النوع الثاني: الاعتماد المستندي غير القطعي القابل للإلغاء:

هو تعهد مصرف المستورد المنشئ للاعتماد المستندي الذي لا يكون أكيداً، و لا يعطي المصدر الضمانة الكافية، فهو لا ينشئ علاقة قانونية بين المصرف و المستفيد (المصدر)، و لذلك يجوز في كل لحظة تعديله أو سحبه دون إخطار المستفيد، و يقال له أيضاً الاعتماد البسيط.

النوع الثالث: الاعتماد المستندي المؤكد (المؤيد):

هو تعهد مصرف المصدر (البائع) إلي جانب تعهد مصرف المنشئ للاعتماد المستندي في العملية. حيث يقدم اعتماده الشخصي إلي المصدر، و يتم ذلك بأن يؤكد هذا المصرف للمصدر الاعتماد الذي تعهد به مصرف المستورد، بمعني أنه يصبح ملزماً بصورة شخصية إذا لم يقم المصرف المستورد بتنفيذ التزامه بالقبول أو الوفاء.

موقف الفقه الإسلامي من الاعتماد المستندي:

______________________________

(1) د. علم الدين. محيي الدين إسماعيل، الاعتمادات المستندية في الفقه و القضاء و العمل، مصدر سابق، ص 25.

أيضاً: أمين ميخائيل عبد الملك، الاعتمادات المستندية، مصدر سابق، ص 6.

المعاملات المصرفية، ص: 167

هنالك عدة تخريجات لعملية الاعتماد المستندي:
أولًا: تخريجه علي عقد الوكالة:

لما كان المصرف يقوم بفحص المستندات بدقة، و يستوثق من أنها وفق شروط الاعتماد المستندي قبل دفع الثمن «1»، فالمصرف نائب عن المستورد ج معطي الآمر لفتح الاعتماد المستندي- و ذلك لأن الخطاب الذي يوجهه المستورد إلي المصرف لفتح الاعتماد المستندي ما هو إلا توكيل بدفع قيمة الاعتماد متي تحققت شروطه.

و هذه الوكالة نظراً لتعلقها بحق المصدر (المستفيد)، تصبح غير قابلة للنقض إلا بموافقة المصدر. فإن اللزوم الطارئ علي الوكالة بطروء ما يوجب لزومها. بجعلها لازمة و يؤدي إلي استطاعة العاقدين إنهاء الوكالة متي شاءا. بل إن إنهاء الوكالة اللازمة متوقف علي قبول من تهمه الوكالة لتعلق الحق به. و إن الوكيل بتقاضيه الأجر علي ما يقوم به، إنما هو في حكم الأجير «2» فأخذ المصرف الأجر مقابل القيام بأعمال النيابة عن المستورد في عملية فتح الاعتماد المستندي، مقابل دفع الثمن و فحص المستندات و صرف العملات لا بأس به.

ثانياً: تخريجه علي الضمان:

تعرف المصارف بيسار ذمتها المالية، فتكون ضماناً لكل من الطرفين المصدر و المستورد فيما له من حقوق متفرعة من عقد البيع فلولا يسار المصرف و سمعته و وجاهته و قبوله التدخل لضمان الحقوق لما تمت الصفقة بين الطرفين المصدر و المستورد. فإن المصدر للبضائع لا يقبل التخلي عنها للمستورد دون أن يطمئن سلفاً إلي إمكان اقتضائه الثمن و كذلك الحال بالنسبة للمستورد فإنه لا يشتري بضاعة لم يرها بنفسه و لم يتسلمها، و هو لا يريد أن يدفع ثمنها قبل أن

______________________________

(1) محمد عبود محمد، دور سند الشحن في الاعتماد المستندي، بحث لنيل الدبلوم العالي، جامعة بغداد، كلية الإدارة و الاقتصاد، 1978 م، ص 118.

(2) العاني. محمد رضا عبد الجبار، الوكالة في الشريعة و القانون، مصدر

سابق، ص 222.

المعاملات المصرفية، ص: 168

يستوثق من أن البضائع المشحونة بعينها هي البضائع المطلوبة.

فتدخل المصرف بيساره و ضمان حق المصدر في الثمن إذا قدم المستندات و ضمان حق المستورد بتسلم المستندات و فحصها هو الذي أبرز هذا التخريج. و قيام المصرف بهذا الدور و فتح الاعتماد المستندي و التعهد للمصدر بتسديد الثمن المستحق لهم علي المستوردين لدي وصول المستندات إليه أو قبول المستورد لها عمل لا بأس به «1».

ثالثاً: التخريج علي بيع المرابحة: «2»
اشارة

هنالك من خرج الاعتماد المستندي علي بيع المرابحة لوجود التشابه بين العقدين من ناحية طلب العميل للسلعة من المصرف لشرائها له مع تحديد جميع أوصافها، و معرفة ثمنها، و دفع زيادة معينة لقاء قيام المصرف بالحصول علي هذه السلعة و تسليمها للعميل «3».

مناقشة هذا التخريج و ردُّهُ:

1- في الاعتماد المستندي هنالك رغبة مسبقة بشراء المستورد للسلعة من المصدر. بينما لا يتضمن بيع المرابحة مرحلة الرغبة المسبقة.

2- في الاعتماد المستندي ينعقد العقد قبل تدخل المصرف بين المستورد و المصدر، و يعدّ المصرف وسيطا بينهما. أما في بيع المرابحة فلا يوجد وسيط بين البائع و المشتري.

3- إن ما يحصله المصرف في الاعتماد المستندي يعد أجراً نظير قيامه بهذا العمل.

______________________________

(1) بحر العلوم. السيد عز الدين، بحوث فقهية للشيخ حسين الحلي، مصدر سابق، ص 100- 103.

أيضاً: الهمشري. مصطفي عبد الله، الأعمال المصرفية و الإسلام، مصدر سابق، ص 109.

(2) بيع المرابحة (هو البيع برأس المال و ربح معلوم، و يشترط علمهما- البائع و المشتري- برأس المال). ينظر: ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 4/ 259.

أيضاً: المقدسي، الشرح الكبير، مصدر سابق، 4/ 102.

(3) د. الجندي. محمد الشحات، عقد المرابحة بين الفقه الاسلامي و التعامل المصرفي، مصدر سابق، ص 76.

المعاملات المصرفية، ص: 169

و ما يحصل في عقد بيع المرابحة من زيادة علي الثمن يعد ربحا.

رأي الفقه الإسلامي في اخذ الزيادة في الاعتماد المستندي:

1- يعدّ اخذ الزيادة في الاعتماد المستندي أجرا علي تعهد المصرف بدين المستورد و اتصاله بالمصدر و مطالبتِهِ بمستندات الشحن و إيصالها إلي المستورد و تخزين البضائع داخل و خارج المنطقة الجمركية في حال وصول البضاعة قبل أن يتسلم المستورد المستندات الخاصة بتلك البضاعة، و نحو ذلك من الخدمات العملية. و هذا الأجر جائز شرعا «1».

2- يعدّ اخذ الزيادة في الاعتماد المستندي علي المبلغ غير المغطي من قيمة البضاعة التي دفعها المصرف إلي المصدر علي أساس أن هذا المبلغ غير المغطي يصبح قرضا من المصرف فيتقاضي عليه فائدة يحددها الزمن الذي يتخلل بين دفع ذلك المبلغ و تسديد المستورد للمصرف قيمة البضاعة. فيكون اخذ

المصرف لهذه الزيادة فائدة ربوية «2».

و التكييف الفقهي لهذه الزيادة، أن المصرف حينما يسدد ثمن البضاعة إلي المصدر إنما يسدد بذلك دين المستورد و لا يقوم بعملية إقراض للمستورد، لأن ثمن البضاعة المدفوع إلي المصدر من مصرف المستورد لا يدخل أولا في ملكية المستورد بعقد القرض و بعد ذلك يدخل ثانية ملكية المصدر بعنوان الوفاء.

و لكن المصرف في حقيقة الأمر يدفعه من موارده، و سداد دين المستورد يتم بأمر المستورد و لصالحه فيكون مضمونا عليه بقيمته، لأنه هو المتلف للمبلغ المسدد من

______________________________

(1) د. النجار. أحمد، المدخل إلي النظرية الاقتصادية في المنهج الإسلامي، مصدر سابق، ص 168.

(2) بحر العلوم. السيد عز الدين، بحوث فقهية للشيخ حسين الحلي، مصدر سابق، ص 100.

أيضا: د. النجار. أحمد، المدخل إلي النظرية الاقتصادية في المنهج الإسلامي، مصدر سابق، ص 168.

المعاملات المصرفية، ص: 170

المصرف، فتشتغل ذمته بقيمته دون أن يدخل في ملكيته شي ء، أي أن ضمان المستورد لقيمة البضاعة ضمان غرامة بقانون الإتلاف لا بقانون عقد القرض. و تقرر القواعد الفقهية في المعاملات أن إتلاف مال الآخرين سبب لضمانه و تعويضه، و ليس شرطاً أن إتلاف المتلف مقتصر علي فعله المادي، بل يتسع الإتلاف لما هو قولي «1». و فرض الزيادة من المصرف علي المستورد مؤديا إلي قرض ربوي مستبعد تماما، لضرورة التمييز بين ضمان الغرامة بقانون الإتلاف و ضمان الغرامة بعقد القرض، و المسلم به أن ضمان الغرامة بقانون الإتلاف لا يقتضي وقوع قرض ضمني، و دخول المال في ملكية الآمر بالإتلاف- و هو المستورد- و لا تكون الزيادة في مقابل المال المقترض، بل أخذها عوضا عن الضمان.

و هو ليس من المعروف الواجب فعله، فجاز اخذ العوض عن الضمان الإنشائي «2».

و

ذهب الكتاب المحدثون إلي أن جواز اخذ العوض عن الضمان أمر تدعو إليه المصلحة و هو مباح بالإباحة الأصلية «3». فلا بأس بالأجر مقابل الضمان في عملية فتح الاعتماد المستندي.

3- اخذ الزيادة- الفوائد- علي المبلغ المستحق طوال المدة التي تسبق

______________________________

(1) عمادي. محمد رضا، النظرية العامة في الشروط في الفقه الإسلامي. دراسة مقارنة بالفقه الغربي، مصدر سابق، 2/ 16.

أيضا: الصافي. السيد علي عبد الحكيم، الضمان في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1975 م، ص 114.

أيضا: يوسف محسن محمد علي، الضمان الناشئ عن العمل غير المشروع أو المسئولية التقصيرية في الشريعة الإسلامية، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1972 م، ص 75.

(2) الحكيم. السيد محسن، مستمسك العروة الوثقي، مصدر سابق، 12/ 349.

(3) الخفيف. علي، الضمان في الفقه الإسلامي، معهد البحوث و الدراسات العربية، المطبعة الفنية الحديثة، 1971 م، ص 19.

أيضاً: د. شرف الدين. أحمد السعيد، عقود التأمين و عقود ضمان الاستثمار، مصدر سابق، ص 103.

أيضا: الصافي. السيد علي عبد الحكيم، الضمان في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 251.

أيضا: د. متولي. أبو بكر الصديق و الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة، اقتصاديات النقود في إطار الفكر الإسلامي، مصدر سابق، ص 74.

المعاملات المصرفية، ص: 171

تحصيله في الخارج من مصرف المصدر التي يحملها علي مصرف المستورد و يحملها مصرف المستورد علي المستورد نفسه، علي أساس الشرط في عقد البيع. بمعني أن المصدر في عقد البيع مع المستورد يشترط عليه دفع مبلغ معين عن كل يوم يسبق تحصيل الثمن حال وصول البضاعة إلي المستورد. فيصبح المستورد و المصرف الممثل له ملزما بدفع المبلغ المشروط و أن الزيادة- الفوائد- المشروطة علي المبلغ ليست من الزيادة الربوية، لأن الإلزام بدفع ذلك المبلغ

إنما هو بحكم عقد البيع لا بحكم عقد القرض، و المحرم هو جعل شي ء في مقابل القرض حدوثا أو بقاء لا إلزام بدفع شي ء بحكم الشرط ضمن عقد البيع «1».

الفرع الرابع: الخصم:
أولًا- تعريف عملية الخصم:
اشارة

تعرف عملية الخصم بأنها (تظهير الكمبيالة «2» تظهيرا ناقلا للملكية إلي مصرف لغرض الحصول علي مبلغها في تاريخ الخصم الذي يسبق تاريخ الاستحقاق في العادة) «3».

و تقوم عملية الخصم بدور مهم في الحياة الاقتصادية، و تؤدي خدمة كبيرة إلي كل من صاحب الكمبيالة و المصرف «4».

أ- بالنسبة لصاحب الكمبيالة:

______________________________

(1) د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 108.

(2) التظهير: (هو تأشير الورقة التجارية علي ظهرها عادة لينقلها بمقتضاه إلي شخص آخر يسمي المظهر إليه، بينما يسمي الحامل القديم المظهر. و يتم أما بأمر مع توقيع أو بالتوقيع المجرد، لغرض إحداث اثر قانوني في الإدارة المنفردة).

ينظر: د. الشاوي. خالد، الأوراق التجارية في التشريعين الليبي و العراقي، مصدر سابق، ص 176.

أيضا: بدر. أمين محمد، الأوراق التجارية في التشريع المصري، مصدر سابق، ص 101.

(3) د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية مصدر سابق، ص 72.

(4) د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق، ص 272.

المعاملات المصرفية، ص: 172

إن الكمبيالة تمثل في الواقع دينا علي أحد. و لما كان حاملها مضطرا إلي الحصول علي المال، فالخصم يقدم له الحل العملي الذي يتيح له الحصول علي المال اللازم بضمانة الكمبيالة، و يؤدي إلي تقصير المدة التي كان علي حامل الكمبيالة أن ينتظر لاستيفاء قيمتها. فتصبح البيوع المؤجلة التي أدت إلي إيجاد الكمبيالة بمثابة البيوع المعجلة مع فارق بسيط هو أن ثمن المبيع في هذه الحال اقل منه في البيع المؤجل. و هذا الفرق يقابل مقدار الخصم الذي تنازل عنه حامل الكمبيالة للمصرف.

ب- أما بالنسبة للمصرف:

فان الخصم يقدم للمصرف الوسيلة الطبيعية لاستثمار الأموال الموجودة بحوزته استثمارا قصير الأجل. و تتمتع عملية الخصم- بالنسبة للمصرف- بخصائص ثلاث:

1- فهي عملية مثمرة، لأن المصرف يستفيد من مبلغ الخصم الحقيقي، و هو الفرق بين فائدة المال الذي يقترضه و فائدة المال الذي يقرضه في مقابل الخصم.

2- و هي عملية سهلة التحقيق لأن الكمبيالات تصدر عادة لآجال قصيرة و يكون استحقاقها في أوقات متقاربة

لا فواصل كبيرة بينها.

3- و هي بعد ذلك مضمونة لأن المصرف يستفيد من الضمانة التي يقدمها الموقعون المتعاقبون علي الكمبيالة، و هي ضمانة شخصية تضامنية. فلا يقبل المصرف خصم الكمبيالات إلا إذا كانت بتوقيعين أي توقيع المدين و توقيع المجير الأخير، الذي يظهرها لصالح المصرف عند الخصم، و ذلك زيادة في التوثيق، و يعدّ كل من وقع الورقة ضامنا لها.

و تستطيع المصارف بإعادة خصم الكمبيالات لدي البنك المركزي الحصول علي الأموال التي قدمتها لمواجهة مسحوبات أو لمنح اعتمادات جديدة. و يلاحظ بهذا الصدد أن سعر الخصم الذي تطبقه المصارف علي عملائها أعلي مما يطبقه عليها البنك المركزي، و الربح الذي تحصل عليه في حال

المعاملات المصرفية، ص: 173

إعادة الخصم هو الفرق ما بين السعرين «1».

ثانياً- المبالغ التي يقتطعها المصرف مقابل خصم الكمبيالة: «2»

تتألف المبالغ التي يقتطعها المصرف مقابل خصم الكمبيالات- يقال لها آجيو)Agio(من عناصر ثلاثة: -

العنصر الأول: فائدة الخصم: - و هي فائدة قيمة الكمبيالة عن مدة الخصم «3».

العنصر الثاني: عمولة التحصيل: - و تقابل النفقات التي ينفقها المصرف لتحصيل قيمة الكمبيالة. و هذهِ العمولة مبلغا مقطوعا يختلف مقدارها حسب المركز الذي يستحق فيه الكمبيالة من حيث بعده وصفته التجارية.

العنصر الثالث: العمولة العادية (المصاريف): - و يتقاضاها المصرف عن كل عملية يقوم بها، و ذلك لتغطية النفقات العامة.

ثالثاً- الطبيعة القانونية لعملية الخصم:

اختلف رجال القانون في تفسير عملية الخصم للكمبيالة علي ثلاثة آراء: -

الرأي الأول: إن الخصم عبارة عن حوالة مقابل الوفاء التي تمثله

الكمبيالة قبل الاستحقاق، فالمصرف يشتري قيمة الدين الذي تتضمنه الكمبيالة بسعر معين يحدد بالاتفاق مع حامله المتنازل «4».

الرأي الثاني: إن الخصم قرض بضمانة الكمبيالة، فيتضامن فيها

المدين و الدائن و جميع المظهرين «5»

______________________________

(1) محمود علي مراد، مهام البنوك التجارية، مصدر سابق، ص 11.

(2) د. الشاوي. خالد، الأوراق التجارية في التشريعين الليبي و العراقي، مصدر سابق، ص 176.

أيضا: د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق، ص 39.

(3) مدة الخصم: (المدة الممتدة بين تاريخ إجراء الخصم و موعد استحقاق الورقة التجارية زائدا يومين- المهلة القانونية- و هي أساس احتساب الفائدة علي مبلغ الورقة المخصومة).

ينظر: د. الشماع. خليل محمد حسن، إدارة المصارف مع دراسة تطبيقية في الصيرفة العراقية المقارنة، مصدر سابق، ص 572.

(4) د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات، مصدر سابق، ص 293.

(5) أمين ميخائيل عبد الملك، الاعتمادات المستندية، مصدر سابق، ص 38.

المعاملات المصرفية، ص: 174

الرأي الثالث: إن عملية الخصم عبارة عن عقد ذي صفة مجردة

و تستمد أسسها من القواعد الخاصة بالأوراق التجارية، فهي

عقد ذو طبيعة خاصة «1».

موقف الفقه الإسلامي من عملية الخصم:
اشارة

إن عملية خصم الكمبيالة هي في الواقع تقديم قرض من المصرف إلي المستفيد من الكمبيالة مع تحويل المستفيد المصرف علي محرر الكمبيالة. و هذه هي الحوالة الحقيقية من تحويل الدائن علي مدينه «2».

و هناك عنصر آخر إلي جانب التحويل و القرض و هو تعهد المستفيد الذي خصم الكمبيالة لدي المصرف بوفاء الكمبيالة عند حلول أجلها. فبحكم القرض يصبح المستفيد مالكا للمبلغ الذي خصم به الكمبيالة، و بحكم الحوالة يصبح المصرف دائنا للمدين بهذه الكمبيالة، و بحكم

تعهد المستفيد بالوفاء يحق للمصرف أن يطالبه بتسديد قيمة الكمبيالة إذا تخلف المدين عن ذلك عند حلول موعد الوفاء.

و علي هذا الأساس يعدّ ما يقتطعه المصرف الذي تولي خصم الكمبيالة من أصل قيمتها لقاء الأجل الباقي لموعد حلول الدفع، مثلا للفائدة التي يتقاضاها نظير تقديم القرض إلي المستفيد طالب الخصم. و هذه الفائدة محذورة لانها ربا. و أما ما يقتطعه المصرف كعمولة لقاء الخدمة أو لقاء تحصيل الكمبيالة فلا بأس به «3».

و يبرز عند محاولة تكييف طبيعة هذه العملية في الفقه الإسلامي مجموعة

______________________________

(1) د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات، مصدر سابق، ص 293.

(2) د. زيدان. عبد الكريم، الكفالة و الحوالة، مصدر سابق، ص 224.

(3) د. الساهي. شوقي عبده، المال و طرق استثماره في الإسلام، مصدر سابق، ص 221.

أيضا: د. الخفاجي. محمد عبد المنعم، الإسلام و نظريته الاقتصادية، مصدر سابق، ص 165.

أيضا: د. العربي. محمد عبد الله، محاضرات في الاقتصاد الإسلامي و سياسة الحكم في الإسلام، مطبعة الشرق العربي، القاهرة، 1/ 226.

المعاملات المصرفية، ص: 175

من التخريجات: -

التخريج الأول: بيع الدين بأقل منه:

إن تخريج عملية الخصم علي أساس بيع الدين بالعملة الورقية بوصف الكمبيالة وثيقة دين، و ذلك بافتراض أن المستفيد الذي تقدم إلي المصرف طالبا خصم الكمبيالة ببيع الدين الذي تمثله الكمبيالة. فيملك المصرف بموجب هذا البيع الدين الذي كان للمستفيد الذي يملكه في ذمة المدين محرر الكمبيالة بالكمبيالة لقاء الثمن الذي يدفعه إلي المستفيد. فيكون من بيع الدين بأقل منه «1».

و في الفقه الإسلامي نجد أن عملية بيع الدين علي من هو عليه و علي غيره بأقل من الدين قد أجازها الإمامية و المالكية و الشافعية في المشهور من مذهبهم، و ابن تيمية و تلميذه ابن القيم «2»،

مقيدة بقيدين هما:

1- رعاية السلامة من الربا لو كانا ربويين، و رعاية شروط الصرف لو كانا من الأتمان.

2- أن يغلب علي الظن الحصول علي الدين.

و من المعلوم أن المصرف لا يقبل خصم كل كمبيالة لكل مستفيد يتقدم إليه بالكمبيالة. حيث تتوقف عملية الخصم علي شخصية المستفيد و مركزه المالي و رأي السوق فيه و مركز محرر الكمبيالة (المدين).

كما يتوقف الخصم علي نوع الكمبيالة، حيث تفضل الكمبيالة التي تمثل دينا تجاريا. و بهذا يتوفر أحد الشرطين، و يبقي الشرط الثاني قائما و هو ما يؤدي إلي محظور شرعي. و هذا ما يخل بعملية البيع و تصبح محذورة عند من

______________________________

(1) د. مصلح الدين. محمد، أعمال البنوك و الشريعة الإسلامية، الطبعة الأولي، دار البحوث العلمية، الكويت، ص 147.

(2) الرملي، نهاية المحتاج، مصدر سابق، 4/ 90.

أيضا: العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مصدر سابق، 7/ 349.

أيضا: عيسوي. أحمد عيسوي، بيع الدين و نقله (2)، مجلة الأزهر، ج 10، مجلد (27)، شوال 1375 ه- مايو 1956، ص 1122.

المعاملات المصرفية، ص: 176

أنزل العملة الورقية منزلة النقدين، لا سيما و أن هذا البيع يكون موضوعه بيع نقد آجل بنقد عاجل أقل منه، مما يجعله عرضة لوقوع الربا فيه. و لا يجوز بيع النقود بجنسها مع التفاضل «1».

و المحظور الشرعي في عملية الخصم هو زيادة أحد العوضين باسم (الاجيو). و بناء علي هذا تكون العملية علي هذه الصورة محظورة لما فيها من الربا. أما من عدّ العملة الورقية غير ربوية فيصبح الدين غير ربوي، فلا مانع من بيع الدين بأقل أو اكثر. فيبيع المستفيد ماله بذمة المدين (محرر الكمبيالة) إلي المصرف بأقل منه و لا تكون المعاملة ربوية، لأن الدين المباع بأقل منه بعمليات الخصم

ليس من الذهب و الفضة، و إنما هو دين بأوراق نقدية ذات سعر الزامي فيجوز بيعه بأقل منه «2».

و لا يصح جعل الثمن دينا، فانه حينئذ من قبيل بيع الدين بالدين و هو منهي عنه لما روي:

1- عن طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لا يباع الدين بالدين) «3».

2- و روي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم انه نهي عن بيع الكالئ بالكالئ) «4».

رجوع المصرف علي المستفيد من الكمبيالة عند عدم وفاء محرر الكمبيالة للدين:

أما تخريج مسئولية المستفيد من الكمبيالة عن وفاء الدين

______________________________

(1) الموسوعة الفقهية، الحوالة نموذج (3)، مصدر سابق، ص 242.

أيضا: عيسوي. أحمد عيسوي، بيع الدين و نقله (3)، مجلة الأزهر، ج 2، مجلد (28)، صفر 1376 ه- سبتمبر 1956 م، ص 171.

(2) الروحاني. السيد محمد صادق، المسائل المستحدثة، مصدر سابق، ص 40.

أيضا: الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 99.

(3) الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، 6/ 99.

(4) الحاكم النيسابوري. ابو عبد الله، المستدرك علي الصحيحين، مصدر سابق، 2/ 57.

المعاملات المصرفية، ص: 177

أمام المصرف عند عدم وفاء المدين (محرر الكمبيالة)، فإن القواعد

الفقهية لا تلزم المستفيد برجوع المصرف عليه. و لكن يمكن تخريج ذلك

علي أساس الشرط في عقد شراء الدين منه بان يوفيه عند حلوله إذا

طالبه المصرف بذلك.

و هذا الشرط سواء أ كان مصرحا به أو لم يصرح به و كان مبنياً عليه بحيث كان معروفا و متعارفا عليه عندهم. فان هذا النحو من المعاملات مبني علي هذا الشرط. فيكون من قبيل الشروط الضمنية التي ينصرف إليها إطلاق العقد.

اعتراض و رده:

اعترض علي

هذا التخريج الذي يؤدي إلي اجازة عملية الخصم بأن موضوع إجازة بيع الدين بأقل منه موضع نظر، لأن الدين المبيع و إن كان ليس من الذهب و الفضة، فان بعض الروايات دلت علي أن الدائن إذا باع دينه بأقل منه فلا يستحق المشتري من المدين إلا بقدر ما دفع إلي البائع. و يعدّ الزائد ساقطا من ذمة المدين رأسا. و هذا ما ذهب إليه الشيخ الطوسي «1».

1- عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل كان له علي رجل دين فجاءه رجل فاشتراه منه بعرض. ثمّ انطلق إلي الذي عليه دين فقال: اعطني ما لفلان عليك فإني قد اشتريت منه. كيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: (يرد الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشتري به من الرجل الذي له الدين) «2».

2- و عن محمد بن الفضيل قال: قلت للرضا عليه السلام: رجل اشتري دينا علي رجل ثمّ ذهب إلي صاحب الدين. فقال له: ادفع إلي ما لفلان عليك فقد اشتريته منه. قال: (يدفع إليه قيمة ما دفع إلي صاحب الدين.

______________________________

(1) النهاية، الطبعة الأولي، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، 1390 ه- 1970 م، ص 311.

(2) الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، 6/ 99.

المعاملات المصرفية، ص: 178

و برئ الذي عليه المال من جميع ما بقي عليه) «1». فلا يستحق المصرف من محرر الكمبيالة (المدين) إلا بقدر ما دفع إلي المستفيد من الكمبيالة. ورد العلامة الحلي علي ما أفاده الشيخ الطوسي، و ذلك بان سند الروايتين ضعيف. و أوضح أن ما أفاده الشيخ غير صريح في الروايتين لغرض أن يكون المدفوع مساويا من المشتري في الرواية الأولي، و يحتمل في الرواية

الثانية أن يكون الدين ربوياً. و قد اشتراه بأقل فيبطل الشراء. و دفع المدين إلي المشتري جائز بالإذن المطلق المندرج تحت البيع. فيقول: (و إذا اثبت هذا فالواجب علي المديون دفع جميع ما عليه إلي المشتري مع صحة البيع) «2».

التخريج الثاني- حوالة بأجر:

يعتمد هذا التخريج علي أن عملية الخصم عملية استيفاء باجر و هو أحد مفهومي الحوالة، و قد ذهب إلي هذا التخريج الشيخ محمد رشيد رضا «3» عند اجابته علي سؤال بشأن جواز بيع الدين إلي بعض المصارف أو غيرها بأحد النقدين أو الأوراق المالية؟

و الإجابة كما وردت: - (لا اعرف نصاً في الكتاب أو السنة يمنع ذلك و هو في القياس أشبه بالحوالة منه ببيع النقد. فان المراد من هذه المعاملة أن يقتضي المشتري ذلك الدين لأنه اقدر علي اقتضائه و ليس فيه من معني الربا شي ء، و لكن صورته تشبه بعض صوره الخفية غير المحرمة في القرآن و لذلك يشدد فيه الفقهاء، و لمن احتاج إلي ذلك أن يأخذ ما يأخذ من المصرف أو غيره علي أنه دين يحوله بقيمته علي مدينه أو بأكثر منه و يجعل الزيادة أجرة أو ما شاء).

و يعتمد هذا التخريج علي أساس دمج الفائدة المتمثلة عن مدة الخصم

______________________________

(1) المصدر نفسه، 6/ 110.

(2) العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مصدر سابق، 7/ 349.

(3) فتاوي الشيخ محمد رشيد رضا، مصدر سابق، 20/ 527.

المعاملات المصرفية، ص: 179

بالعمولة لتصبح اجرا. و هذا التخريج يصلح فيما إذا خصم المستفيد الكمبيالة علي مصرف محرر الكمبيالة، فهي من باب إحالة المحيل علي دائنه. أما إذا خصمها عند مصرف آخر غير مصرف محرر الكمبيالة، فلا يصح هذا التخريج، لأنه يشترط في صحة هذه الحوالة وجود دين للمحيل في ذمة

المحال عليه «1»، و إلا انقلب إلي قرض بزيادة فيقع محذور الربا.

التخريج الثالث- قرض بضمان و توكيل بأجر:

عملية الخصم للكمبيالة بهذا التخريج ليس فيها بيع يؤدي إلي محظور شرعي، ففي التخريج يقدم المصرف إلي المستفيد من الكمبيالة القرض بضمان الكمبيالة، و يجوز اخذ المصرف في عملية القرض للمستفيد النفقة و المئونة، و يصبح المصرف وكيلا عن المستفيد في استيفاء حقه من المدين.

و الإسلام يقر القرض بضمان. قال الرملي «2»: (و له أي المقرض شرط رهن و كفيل عينا علي ما مر في البيع، و إقرار به عند حاكم و أشهاد عليه. لأن هذه الأُمور توثيقات لا منافع زائدة، فله إذا لم يوف بها المقترض الفسخ). كما يقر الوكالة بأجر. قال ابن قدامة «3»: (و يجوز التوكيل بجعل و غير جعل. فان النبي صلي الله عليه و سلم … و كان يبعث عماله لقبض الصدقات و يجعل لهم عمالة).

و يوزع ما يؤخذ علي الخصم باسم (الاجيو) علي نفقة القرض الذي أخذه المستفيد بضمان الكمبيالة، و علي مصاريف تحصيل القرض كالانتقال و إرسال الاخطارات، و علي اجر الوكالة لاستيفاء المبلغ من المدين، و أن (الاجيو) في عملية الخصم مكون من ثلاثة عناصر كما سبق، و هي الفائدة و العمولة و المصروفات. و في هذا التخريج يحصل المصرف علي عائد يتكون من ثلاثة أشياء نفقة القرض، و اجرة الوكالة، و مصاريف التحصيل. و اجتماع

______________________________

(1) د. زيدان. عبد الكريم، الكفالة و الحوالة في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 225.

(2) الرملي، نهاية المحتاج في شرح المنهاج، مصدر سابق، 4/ 226.

(3) المغني، مصدر سابق، 5/ 210.

المعاملات المصرفية، ص: 180

القرض بضمان مع التوكيل بأجر لا تنافي بينهما، لأنه لو حصل و قبض الوكيل (المصرف) قيمة الكمبيالة المخصومة،

فان المقاصة تقع بين المستفيد من الكمبيالة و المصرف بين الدين الذي له و الدين الذي اصبح عليه نتيجة القبض لحساب الموكل (محرر الكمبيالة) «1». و يستأنس لهذا التخريج- بأنه توكيل للاستيفاء و استيثاق في القرض- بما ذكره ابن القيم تحت الحيل المباحة. حيث قال: (إذا أحاله بدينه علي رجل فخاف أن يتوي (يهلك) ماله علي المحال عليه فلا يتمكن من الرجوع علي المحيل لأن الحوالة تحول الحق و تنقله فله ثلاث حيل أحدهما: أن يقول أنا لا احتال و لكن اكون وكيلا لك في قبضه فإذا قبضته و استنفقه ثبت له ذلك في ذمة الوكيل، و له في ذمة الموكل نظيره فيتقاصان، فإن خاف الموكل أن يدعي الوكيل ضياع المال من غير تفريط فيعود يطالبه بحقه، فالحيلة له أن يأخذ إقراره متي ثبت قبضه منه فلا شي ء له علي الموكل، و ما يدعي عليه بسبب هذا الحق أو من جهته فدعواه باطلة و ليس هذا إبراء معلقا بشرط حتي يتوصل إلي إبطاله، بل هو إقرار بأنه لا يستحق عليه شيئا في هذه الحالة) «2»

و هذا التصور يقترب منه ما يصنعه المصرف مع المستفيد في عملية الخصم فالمستفيد يوكل المصرف بأجر و المصرف يستوثق لنفسه من المستفيد بتظهير الكمبيالة لأمر المصرف. و بناء علي هذا التخريج يمكن للمصرف أن يأخذ (الاجيو) في عملية الخصم. و توزع عناصر (الاجيو) في عملية الخصم علي أجر الوكالة و نفقة القرض و المصاريف التي يتحملها المصرف.

و بهذا يسلم التخريج من الاعتراض اللهم إلا الغلو في اخذ النفقة و تسمية الأشياء بغير أسمائها حيث يطلق لفظ الفائدة و يريد به نفقة القرض وصولا إلي الحل و الإباحة و خروجا من

الحرمة و المنع.

التخريج الرابع- حط و تعجل:

______________________________

(1) د. حمود. سامي محمود أحمد، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق و الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 285.

(2) ابن قيم الجوزية، أعلام الموقعين عن رب العالمين، مصدر سابق، 4/ 38.

المعاملات المصرفية، ص: 181

و يعتمد هذا التخريج علي جواز اخذ الأقل من قيمة ما يستحق بعقد المداينة، و يكون الفرق متنازلا عن سبيل الإبراء و الإسقاط- الهبة-. و في الفقه الإسلامي هنالك اتجاهان في هذه المسألة:

الاتجاه الأول- المجيزون:

فقد صور هذه المعاملة ابن رشد بأن يتعجل الدائن في دينه المؤجل عوضا يأخذه و إن كانت قيمته أقل من دينه، فقد أجازها ابن عباس و أبو ثور و النخعي و مالك و الزرقاني و ابن بطال و قول للشافعي و زفر من الحنفية و الإمامية و الظاهرية و الزيدية «1».

قال ابن بطال «2»: (و إذا قضي المديون دون حق صاحب الدين و حلله فهو جائز).

و ذكر الشوكاني «3»: (إذا قضي المقترض القرض دون حقه و حلله من البقية كان ذلك جائزا).

و حجة من أجازها أن من فعل ذلك فقد أخذ بعض حقه و ترك بعضه مع التراضي. و يؤيد ذلك بما روي:

1- عن ابن عباس قال: (لما أمر رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم) بإخراج بني النضير من المدينة أتاه أناس منهم فقالوا له: إن لنا ديوناً لم تحل فقال:

______________________________

(1) ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد و نهاية المقتصد، مصدر سابق، 2/ 108.

أيضا: د. ابو يقظان. عطية الجبوري، الإمام زفر و آراءه الفقهية، رسالة دكتوراه، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1980، ص 126.

أيضا: د. هاشم جميل عبد الله، الامام سعيد بن المسيب و فقهه، مصدر سابق، 3/ 33.

أيضا: ابن حزم، المحلي، مصدر سابق، 8/

81.

أيضا: الشهيد الثاني، اللمعة الدمشقية، مصدر سابق، 3/ 521.

(2) العيني، عمدة القارئ، مصدر سابق، 11/ 232.

(3) نيل الأوطار، مصدر سابق، 5/ 262.

المعاملات المصرفية، ص: 182

ضعوا و تعجلوا) «1».

2- و عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه (عليه السلام): (قال سألته عن رجل يكون له علي الرجل دين، فيقول له قبل أن يحل الأجل عجل النصف من حقي علي أن أضع عنك النصف. أ يحل ذلك لواحد منهما منه. قال: نعم) «2».

3- و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (في رجل يكون عليه دين إلي أجل مسمي فيأتيه غريمه فيقول: انقدني من الذي لي كذا و كذا، و أضع لك بقيته. أو يقول: انقدني بعضا و أمد لك في الأجل فيما تبقي. فقال: لا أري بأسا ما لم يزد علي رأس ماله شيئا) «3».

4- عن عبد الله بن كعب بن مالك (ان كعب بن مالك أخبره أنه تقاضي ابن أبي حد رد دينا كان له عليه في عهد رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم) و هو في بيته فخرج إليهما رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلّم) حتي كشف سجف حجرته و نادي كعب بن مالك فقال: يا كعب فقال: لبيك يا رسول الله فأشار بيده أن ضع الشطر من دينك. قال كعب قد فعلت يا رسول الله. قال النبي (صلي الله عليه و آله و سلّم): قم فاقضه) «4».

فلا بأس من خصم الكمبيالات لدي المصارف إن تنازل المستفيد من الكمبيالة للمصرف بأخذ أقل من حقه لما فيه من تيسير التجارة و إتاحة الفرصة

______________________________

(1) أبو بكر الهيثمي. نور الدين علي بن أبي بكر (ت: 807 ه)

مجمع الزوائد و منبع الفوائد، مكتبة القدس، القاهرة، 1352 ه، 4/ 130.

(2) الحر العاملي، مفتاح الكرامة، مصدر سابق، 5/ 55.

(3) الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، 6/ 99.

(4) سجف: بكسر السين المهملة و فتحها و سكون الجيم و هو الستر.

ينظر: أبو داود، سنن أبو داود، دار الكتاب العربي، بيروت، 3/ 333.

المعاملات المصرفية، ص: 183

للمستفيد من الكمبيالة لتنشيط أعماله و التوسع فيها «1».

الاتجاه الثاني ج المانعون:

قال ابن قدامة «2»: (إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه ضع عني بعضه و اعجل لك بقيته لم يجز).

و سند من لم يجز صورة الحَطِيطة أنها شبيهة بالزيادة مع النظرة المحرمة. و وجه شبهها أنه جعل للزمان مقداراً من الثمن بدلًا منه.

الرأي المختار:

إن سبب الخلاف بين المانعين و المجيزين معارضة قياس الشبه لهذه الأحاديث. و قد عرف ما في قياس الشبه من ضعف، و أنه لا يصار إليه إلا عند عدم قياس العلة، و ذلك عند القائلين بالقياس. فما بال إذا كانت تعارضه نصوص و هي هذه الأحاديث؟ «3».

إن المحرم هي الزيادة علي رأس المال في مقابل الأجل أما النقص عن الحق برضا صاحبه في مقابل التعجيل لدينه فلم يرد فيه بخصوصه شي ء.

المبحث الثاني: الاعتماد بالضمان:

تمهيد: تعريف الاعتماد بالضمان:

عرف الاعتماد بالضمان بأنه:

(تدخل المصرف لصالح عميله بأن يضمنه لدي الآخرين بحيث يقدمهم إلي التعاقد مع هذا العميل و منحه الأجل الذي يحتاجه و هو مطمئن إلي الحصول

______________________________

(1) المصري. عبد السميع، مقومات الاقتصاد الإسلامي، الطبعة الثالثة، دار التوفيق النموذجية، 1403 ه- 1983 م، ص 202.

أيضاً: د. بدوي. إبراهيم زكي الدين، نظرية الربا المحرم في الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 205.

(2) المغني، مصدر سابق، 4/ 174.

(3) ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد و نهاية المقتصد، مصدر سابق، 2/ 108.

المعاملات

المصرفية، ص: 184

علي حقوقه معتمداً علي ضمان المصرف) «1».

فقد يحتاج عميل المصرف، في بعض الأحيان إلي نوع من الاعتماد لا يريد منه الحصول علي مبلغ من المال ج سواء بصورة آنية فورية أو مستقبلية- بل تقديم ضمان للأشخاص الذين يتعاملون معه لتنفيذ الالتزامات التي تعهد بها اتجاههم، ففي هذه الحال يتدخل المصرف لتقديم هذا الضمان. و الغاية من الاعتماد بالضمان، إفساح المجال أمام العميل علي عدم دفع المبالغ التي يطلب إليه دفعها ضماناً لتنفيذ تعهداته.

علي أن الاعتماد بالضمان إذا كان المصرف لا يقضي بدفع المال بصورة آنية فورية، فإنه قد يتحول إلي التزام بالدفع الفعلي، و ذلك عند ما يمتنع العميل أو يعجز عن الوفاء به «2».

الفرع الأول: خطابات الضمان (الكفالات المصرفية):
أولًا: تعريف خطاب الضمان:

عرف خطاب الضمان بأنه: (تعهد يصدره المصرف بناء علي طلب عميل له الآمر بدفع مبلغ معين لطرف ثالث ج المستفيد- و ذلك للالتزام الملقي علي عاتق العميل و ضماناً لوفائه بالتزامه اتجاه ذلك المستفيد، لأن المستفيد يعلم أن في استطاعته دائماً، إذا ما أخل العميل القيام بالتزامه بدفع خطاب الضمان، فيطلب من المصرف أن يدفع له مبلغ خطاب الضمان) «3»

______________________________

(1) شلاش. صاحب حسون، الاعتماد المستندي من الناحية القانونية، مصدر سابق، ص 10.

(2) د. انطاكي. رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق، ص 309.

أيضاً: محمود علي مراد، مهام البنوك التجارية، مصدر سابق، ص 17.

(3) حبشي. راغب، خطابات الضمان، محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس، 1960 م، ص 1.

أيضاً: د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 78.

أيضاً: الشماع. خليل محمد حسن، إدارة المصارف، مصدر سابق، ص 576.

المعاملات المصرفية، ص: 185

و يؤدي المصرف بهذا الضمان خدمة كبيرة لعملائه و

للاقتصاد القومي. إذ يغلب في العمليات الإنشائية و المقاولات الكبيرة أن يشترط صاحب المشروع سواء أ كان دولة أو شخصاً آخر علي المقاول الذي يطلب إليه تنفيذ العملية أن يقدم ضماناً نقدياً لحسن تنفيذه المشروع، و لكن تقديم هذه الضمانة النقدية تضر المقاول لأن فيها تجميداً لمبلغ ضخم مدة طويلة بينما هو في حاجة إليه لتنفيذ المشروع، كما أن إجراءات استرداده بعد الانتهاء من المشروع معقدة و طويلة، لذلك يفضل المقاول أن يقدم لصاحب المشروع خطاباً من المصرف يحل محل هذه الضمانة بحيث أنه إذا أخل المقاول بالتزاماته رجع صاحب المشروع علي المصرف الضامن. و يصدر المصرف هذا الخطاب لعملائه نظير عمولة معينة «1».

و غالباً ما يطلب من العميل دفع تأمينات نقدية تساوي نسبة مئوية معينة من مبلغ الخطاب، و تبقي لدي المصرف لحين انتهاء مدة الخطاب. و يجب أن يشير الخطاب إلي اسم الجهة المستفيدة و المبلغ و الأمد و التاريخ «2».

ثانياً: أطراف خطاب الضمان:

نستطيع أن نشخص أطراف خطاب الضمان بما يأتي: «3»

1- المصرف: و هو الذي يصدر عنه التعهد أو الالتزام اتجاه المستفيد بالدفع فوراً إذا ما قام الأخير بالمطالبة بذلك، و التزام المصرف هو بالنيابة عن الآمر بالخطاب (العميل).

2- العميل أو الآمر بخطاب الضمان: و هو الطرف الذي يطلب من المصرف إصدار خطاب الضمان باسمه و لمنفعة شخص ثالث هو المستفيد.

______________________________

(1) د. انطاكي، رزق الله، الحسابات و الاعتمادات المصرفية، مصدر سابق، ص 310.

أيضاً: د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 78.

(2) د. الشماع، إدارة المصارف، ص 576.

(3) المحاويلي. عصام محمد حسن، دراسة تحليلية لإدارة خطابات الضمان الخارجية في مصرف الرافدين، بحث مقدم إلي كلية الإدارة و الاقتصاد، دبلوم

عالي، 1977 م، ص 4.

المعاملات المصرفية، ص: 186

3- المستفيد: و هو الطرف الذي يصدر المصرف خطاب الضمان لمنفعته.

ثالثاً: العلاقات الناشئة من خطاب الضمان:

هنالك ثلاث علاقات «1» ناشئة من خطاب الضمان هي: -

1- علاقة المصرف بعميله و يحكمها خطاب الضمان.

2- علاقة العميل بصاحب المشروع أو التعامل معه أياً كان و يحكمها عقد المقاولة.

3- علاقة المصرف بصاحب المشروع و هو المستفيد الذي أصدر لصالحه خطاب الضمان و يحكمها خطاب الضمان.

موقف الفقه الإسلامي من خطابات الضمان (الكفالات المصرفية):
اشارة

يبرز في خطاب الضمان (الكفالة المصرفية) تخريجان:

أولًا: التخريج علي الوكالة:

إن المصرف وكيل و نائب عن العميل في تنفيذ الالتزام لمواجهة المستفيد إذا قصر العميل (المقاول)، و لا سيما أنه قد سبق أن استوثق لنفسه عند ما أقام نفسه مقام العميل بطلب إيداع بعض المبلغ من قيمة ما يقوم به من التزام «2».

و لما كانت الوكالة عقداً مشروعاً في الإسلام و يمكن أخذ الوكيل أجراً مقابل قيامه بأعمال نيابة عن الموكل. و للوكيل حق الرجوع علي الموكل بما يدفع إذا أمره بذلك «3»،

فيجوز للمصرف أخذ الأجر مقابل قيامه بأعمال النيابة عن العميل ج

______________________________

(1) حبشي. راغب، خطابات الضمان، مصدر سابق، ص 1.

أيضاً: د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، مصدر سابق، ص 87.

(2) د. الساهي. شوقي عبده، المال و طرق استثماره في الإسلام، مصدر سابق، ص 222.

أيضاً: د. النجار. عبد الهادي علي، الإسلام و الاقتصاد، مصدر سابق، ص 112.

(3) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 5/ 232.

أيضاً: المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مصدر سابق، 2/ 205.

المعاملات المصرفية، ص: 187

المقاول- و الرجوع عليه بما يدفع إلي المستفيد ج الجهة المستفيدة من خطاب الضمان.

و من هذا يتبين أن تخريج خطاب الضمان علي أنه وكالة لا يبدو متبايناً مع نظرة الفقه الإسلامي «1».

ثانياً: التخريج علي الضمان:

يصح التعهد من المصرف بإيجاب منه بكل ما يدل علي تعهده و التزامه من قول أو كتابة أو فعل، و بقبول من المتعهد له (المستفيد) بكل ما يدل علي رضاه بذلك.

ففي حال صدور خطاب الضمان النهائي، يكون هنالك عقد قائم بين الجهة المستفيدة من خطاب الضمان و العميل الذي يطلب إصدار خطاب الضمان من المصرف.

و هذا العقد ينص بشرط علي العميل (المقاول) لصالح الجهة التي تعاقد معها (المستفيد). و هذا الشرط هو أن تتملك هذه

الجهة نسبة معينة من المبلغ ج مبلغ المقاولة أو العملية- في حال تخلف العميل ج المقاول- عن الوفاء بالتزاماته. و يعدّ هذا الشرط جائزاً ما دام واقعاً في عقد صحيح كعقد الإيجار مثلًا «2».

قال الشيخ علي الخفيف «3»: (و كما يرتب الضمان علي بعض العقود أثراً لازماً لأحكامها، يترتب عليها أثر لاشتراط شرط صحيح فيها أو لاشتراط فرضه العرف، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً). و يصبح للجهة المستفيدة من خطاب الضمان النهائي المتفقة مع العميل ج المقاول- الحق في أن تملك نسبة معينة من المبلغ ج مبلغ المقاولة أو العملية- في حال تخلف العميل ج المقاول- و هذا الحق

______________________________

(1) د. حمود. سامي حسن أحمد، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق و الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 300.

(2) د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 122.

(3) الضمان في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 17.

المعاملات المصرفية، ص: 188

قابل للتوثيق و التعهد من المصرف.

أما بالنسبة لتوقيت التعهد، و هو الذي تحدد فيه مسئولية المتعهد بمدة معينة يبرأ بعدها من التزامه. فإذا انتهت مدة التعهد انتهي التعهد.

فقد أجاز فقهاء الإمامية و الحنفية توقيت الضمان. قال الشيخ كاشف الغطاء «1»: (فلو علق الضمان علي شرط بطل عندهم- (الإمامية)- أما لو علقه علي وصف أي أمر محقق الوقوع كالتوقيت صح). و قال السمرقندي «2»: (و لا خلاف في جواز الكفالة إلي أجل معلوم من الشهر أو السنة و نحوها).

أما الحنابلة فيجوز عندهم تعليق الكفالة و الضمان علي شرط صحيح.

قال البهوتي «3»: (إذا أقدم الحاج فأنا كفيل بفلان شهراً. صح

ذلك لأنها جمعت تعليقاً و توقيتاً و كلاهما صحيح مع الانفراد فكذا مع الاجتماع).

أما إلزام المصرف

بدفع ما علي العميل إلي المستفيد له تخلف العميل:

فإن المصرف ملزم بدفع ما علي العميل ج المقاول- إلي المستفيد لو تخلف العميل عن القيام بما اتفق عليه الطرفان في خطاب الضمان، و ذلك يجب علي المتعهد بدفع ما علي المتعهد عنه إلي المتعهد له عند تخلف المتعهد عنه عن الوفاء بشرط.

أما رجوع المصرف علي العميل ج المقاول- فيما دفعه عنه إلي المستفيد:

فقد اختلف الفقهاء في رجوع الضامن علي المضمون عنه بما دفع للمضمون له. فإن كان أداء الضامن بنية التبرع عن المضمون عنه فلا يرجع عليه بشي ء. و إلا ففي ثبوت حق رجوع الضامن علي المضمون عنه مذاهب «4»

______________________________

(1) كاشف الغطاء. الشيخ محمد حسين، تحرير المجلة، مصدر سابق، 2/ 241.

(2) تحفة الفقهاء، مصدر سابق، 3/ 404.

(3) كشاف القناع عن متن الإقناع، مصدر سابق، 3/ 285.

(4) المحقق الحلي، المختصر النافع في فقه الإمامية، نشر المكتبة الأهلية، مطبعة مطبعة النعمان، النجف، 1386 ه- 1966 م، ص 171.

أيضاً: ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد، مصدر سابق، 2/ 224.

أيضاً: السمرقندي، تحفة الفقهاء، مصدر سابق، 3/ 402.

أيضاً: الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، مصدر سابق، 2/ 208.

أيضاً: ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 5/ 86.

المعاملات المصرفية، ص: 189

1- ذهبت الإمامية إلي رجوع الضامن علي المضمون عنه بما أداه إن ضمن بإذنه، و لو أدي بغير إذنه. و لا يرجع إذا ضمن بغير إذنه و لو أدي بإذنه.

2- و ذهبت المالكية إلي أنه يثبت للضامن حق الرجوع إذا أدي سواء أ كان الضامن بأمر المضمون عنه أم لا، و سواء أذن بالأداء أم لا.

3- ذهبت الحنفية إلي أنه يرجع الضامن علي المضمون عنه إذا كان الضامن بإذن المضمون عنه، و سواء أدي بإذنه أم لا.

4-

ذهبت الشافعية إلي أنه لا يرجع الضامن علي المضمون عنه إلا إذا كان الضمان و الأداء بإذن المضمون عنه.

5- ذهبت الحنابلة إلي أنه يثبت للضامن حق الرجوع إذا كان الضمان بأمر المضمون عنه و أدي بإذنه أو لا، أو كان الضمان بغير إذنه و لكن أدي بإذنه.

فاتفاق المذاهب علي رجوع الضامن علي المضمون عنه بما دفع للمضمون له أن ضمن بإذن المضمون عنه.

و لما كان تعهد المصرف و ضمانه للشرط بطلب من العميل ج المقاول-، فيكون العميل ضامناً لما يخسره المصرف نتيجة لتعهده فيحق للمصرف أن يطالبه بقيمة ما دفعه إلي الجهة المستفيدة التي وجه خطاب الضمان لفائدتها.

أخذ المصرف العوض عن الضمان:

اختلف الفقهاء في جواز أخذ العوض عن الضمان إلي اتجاهين رئيسين هما:

الاتجاه الأول:

ذهب جمهور الفقهاء إلي أن أخذ العوض عن الضمان من قبيل أكل أموال الناس بالباطل. لأن الضمان و الكفالة و الزعامة و الحمالة لله، و لأنها عقود

المعاملات المصرفية، ص: 190

مبنية علي الاتفاق فلو اشترط الجعل و اعطائه للضامن علي ضمانه فإنه يفسد الضمان «1».

الاتجاه الثاني:

ذهبت الإمامية و الشافعية و الكتاب المحدثون إلي جواز أخذ العوض عن الضمان. فالإمامية عندهم الضمان ليس من المعروف الواجب فعله و لأنه عمل محترم، فجاز أخذ العوض عنه أن علي نحو الجعالة «2».

أما الشافعية فقد جوزوا أخذ الأجرة علي الجاه، قال الإمام الشافعي «3»: (و ليس من الرشوة بذل المال لمن يتكلم مع السلطان مثلا في جائز، فإن هذه جعالة جائزة). و (أن من حبس فبذل لغيره مالا ليشفع له في خلاصة جاز و كانت جعالة جائزة) «4».

و قد أجاز النووي الجعل علي الكلفة المعنوية، فلو وعد سجين من يعمل علي إخراجه من سجنه بشي ء و قام

الملتزم له استحق الجعل، لأنه قام بعمل فيه كلفة معنوية.

قال الرملي «5»: (أفتي المصنف (الإمام النووي) فيمن حبس ظلما فبذل المال لمن يتكلم في خلاصه بجاهه أو غيره بأنها جعالة مباحة واخذ عوضها حلال).

و ذهب الكتاب المحدثون إلي أن اخذ العوض عن الضمان أمر تدعو إليه

______________________________

(1) العزاوي. أجود علي غالب، الكفالة في الشريعة و القانون دراسة مقارنة، مصدر سابق، ص 583.

(2) الخوئي. السيد أبو القاسم، المسائل المنتخبة، مصدر سابق، ص 13.

أيضاً: الروحاني. السيد محمد صادق، المسائل المستحدثة، مصدر سابق، 2/ 55.

الحكيم. السيد محسن، مستمسك العروة الوثقي، مصدر سابق، 12/ 319.

(3) ابن حجر الهيثمي، أبو العباس أحمد بن علي بن حجر المكي (ت: 974 ه)، الزواجر عن اقتراف الكبائر، الطبعة الأولي، المكتبة التجارية الكبري، مطبعة مصطفي محمد، مصر، 1356 ه، 2/ 159.

(4) المصدر نفسه.

(5) الرملي، نهاية المحتاج، مصدر سابق، 5/ 475.

المعاملات المصرفية، ص: 191

المصلحة و هو مباح بالإباحة الأصلية، و أنها راجعة إلي العرف و الاجتهاد «1». و قد أجاز ذلك بعضهم إذا كان العوض علي نحو الجعالة «2».

و من ذلك يتبين أنه يجوز للمصرف أن يأخذ عمولة معينة (عوضاً)، من العميل- المقاول- لإنجاز العمل لقاء ضمانه و تعهده.

الفرع الثاني: القبول المصرفي:
القبول المصرفي:)Acceptance(: (هو تعهد المسحوب عليه- المصرف

- بأداء قيمة الورقة التجارية- الشيك و الكمبيالة و السند الأذني- في ميعاد الاستحقاق. و ينتج هذا التعهد من التوقيع علي الورقة التجارية بما يفيد رضا المسحوب عليه بتنفيذ الأمر الصادر إليه من الساحب- العميل- و الخاص بوفاء قيمة الورقة التجارية عند حلول أجلها) «3».

إن القبول المصرفي يعدّ مناسبا من وجهة نظر المصرف، لأن العملية كلها إنما تكون مبنية علي الائتمان المصرفي، و ليس علي أساس الدفع النقدي.

و قد يستخدم العميل هذا الاعتماد بالقبول من المصرف لا

لمجرد الحصول علي أجل من دائنه لسداد دينه، و لكن قد يستخدمه للحصول علي قرض، حيث يتفق مع المصرف مثلا علي أن يسحب عليه كمبيالة يوقعها بالقبول ثمّ يخصم العميل هذه الكمبيالة لدي مصرف آخر يرحب بخصمها، لأنها تحمل

______________________________

(1) الخفيف. علي، الضمان في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 19.

أيضا: الدوري. قحطان عبد الرحمن، التأمين في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، معهد الدراسات الإسلامية العليا، 1388 ه- 1968 م، ص 74.

أيضا: الصافي. السيد علي عبد الحكيم، الضمان في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 251.

(2) د. متولي. أبو بكر الصديق و الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة، اقتصاديات النقود في إطار الفكر الإسلامي، مصدر سابق، ص 74.

أيضا: د. النجار. عبد الهادي، الاقتصاد و الإسلام، مصدر سابق، ص 113.

أيضا: د. علي عبد الرسول، المبادئ الاقتصادية في الإسلام، مصدر سابق، ص 167.

(3) د. بدر. أمين محمد، الأوراق التجارية في التشريع المصري، مصدر سابق، ص 164.

أيضا: أمين ميخائيل عبد الملك، الاعتمادات المستندية، مصدر سابق، ص 19.

المعاملات المصرفية، ص: 192

قبول المصرف المسحوب عليه، و بذلك يحصل العميل بطريقة غير مباشرة علي النقود التي أرادها من مصرف آخر غير الذي يعرفه و يثق فيه علي أن يقدم لمصرفه المال اللازم لوفاء الكمبيالة قبل حلول أجلها. و يحصل المصرف علي عمولة نظير السماح باستخدام اسمه و سمعته.

و يفضل العميل الالتجاء إلي الاعتماد بالقبول لأنه لا يكلفه الإقراض نقدا من المصرف. لأن الاعتماد بالقبول المصرفي إنما يكون بمثابة إقراض لاسم المصرف بدلا من إقراض نقوده. و كثيرا ما يستخدم الاعتماد بالقبول في التجارة الخارجية و لا سيما في عملية الاعتماد المستندي «1».

موقف الفقه الإسلامي من القبول المصرفي:
أولًا- القبول المصرفي للشيكات:

إن قبول المصرف للشيكات التي يقدمها العملاء إليه لتعزيزها بتوقيعه علي نوعين:

النوع الأول:

الشيك الذي يتحمل مسئولية أمام من سوف يتسلمه من المدين كوفاء لدينه تسهيلا لتداوله. و هذا عبارة عن تعهد المصرف للعميل المدين إلي مستفيد غير معين. و في الفقه الإسلامي لم يشترط الحنابلة و المالكية و الإمامية و الراجح من الشافعية معرفة الضامن للمضمون له «2».

فهذا التعهد من المصرف للعميل المدين إلي مستفيد غير معين جائز في قبوله للشيك. واخذ العوض عنه.

النوع الثاني: قبول المصرف للشيك بالمعني الذي لا يتحمل أية مسئولية، و إنما

______________________________

(1) د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 203.

(2) المرداوي، الإنصاف، مصدر سابق، 5/ 195.

أيضا: الباجي. القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الأندلسي (ت: 494 ه)، المنتقي شرح موطأ الإمام مالك، مصدر سابق، 6/ 83.

أيضا: الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، مصدر سابق، 4/ 112.

أيضا: الرملي، نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج، مصدر سابق، 4/ 445.

المعاملات المصرفية، ص: 193

يعني تأكيده علي وجود رصيد لعميل دائن له و استعداده لخصم قيمة الشيك من رصيد المستفيد إذا قدم إليه من ذلك الرصيد من مستفيد و هذا إقرار من المصرف بما في ذمته كتأمين عيني لقيمة الشيك.

و لا بأس بهذا العمل. و يمكن للمصرف اخذ جعالة عنه، لقيامه بعمل فيه كلفة معنوية، تعزز ثقة المستفيد بالشيك. أخذ الجعالة علي العمل الذي فيه كلفة معنوية «1».

ثانياً- القبول المصرفي للكمبيالات و السندات الإذنية: «2»

إن قبول المصرف للكمبيالات و السندات الاذنية إنما هو تعهد منه و ضمان بأداء المدين (المدين بالسند الاذني و المسحوب عليه الكمبيالة) للدين (قيمة الكمبيالة أو السند الاذني) في موعد الاستحقاق و متي قبل المصرف الكمبيالة أو السند الاذني فقد نفذ التزامه الناشئ من العقد أمام العميل و لا يلتزم بخصمها

بعد ذلك، لأنه إنما تعهد بمجرد القبول و كذلك لا يلتزم أمام العميل بوفاء الورقة في موعد استحقاقها بدلا منه، إذ المفروض أن يزوده العميل بمقابل وفائها قبل حلول الأجل، و لكن متي انطلقت الورقة في التداول كان المصرف ملتزما التزاما صرفيا أمام كل حامل لها طبقا لقواعد الصرف.

و يلتزم العميل بان يقدم للمصرف القابل مقابل وفاء الكمبيالة أو السند الاذني قبل حلول الأجل، لأن العقد لا يلزم المصرف بالوفاء بقيمة الورقة من خزينته و هدفه الوحيد هو تسهيل تداول الورقة، و لا يعني ذلك ضرورة وجود مقابل الوفاء تحت يده. و علي هذا الأساس يوجد في القبول المصرفي فرضان:

______________________________

(1) د. الجميلي. خالد رشيد، الجعالة و أحكامها في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 79.

(2) (السندات الاذنية): الوثائق التي تثبت الشحن أو الإرسال أو تسلم عهدة البضاعة كضمان للمصرف في تعامله مع الأطراف الأخري التي تمثل بدورها البضاعة نفسها. و هذا السند هو الغالب في التعامل التجاري.

ينظر: محمد عبود محمد، دور سند الشحن في الاعتماد المستندي، مصدر سابق، ص 116.

المعاملات المصرفية، ص: 194

الفرض الأول:

أن يكون مقابل الوفاء تحت يد المصرف فعلا، و أنه باق

تحت يده حتي تاريخ استحقاق الكمبيالة أو السند الاذني تأمينا

عينياً لسداد قيمتها و أن يكون عميل المصرف- طالب القبول- قد

تعهد بتوفير هذا المقابل تحت يد المصرف إذا اضطر لسداد القيمة في حال ما إذا تخلف المدين بالسند الاذني أو الكمبيالة (المسحوب عليه) عن السداد في الموعد المحدد. و في جميع هذه الصور يكتفي المصرف بتحصيل عمولته عن عملية القبول.

الفرع الثاني:

أن لا يتوفر تحت يد المصرف مقابل الوفاء و يضطر للسداد لعدم وفاء المدين بالكمبيالة (المسحوب عليه) أو بالسند الاذني بالتزاماته في

ميعاد الاستحقاق و في حالة دفع المصرف مبلغ الكمبيالة أو السند الاذني عن عميلِهِ، يصبح العميل مدينا نتيجة عدم وجود تغطية له لدي المصرف. فتحسب الفوائد و العمولات بدءاً بالسريان يوما بيوم.

و ليس من شك أن الفائدة المحتسبة علي العميل بسبب القرض فائدة ربوية «1».

التكييف الفقهي لقبول الكمبيالة أو السند الاذني المصرفي:

يعدّ القبول المصرفي للكمبيالة أو السند الاذني نوعا من التعهد من المصرف بالدين يسمح للدائن أن يرجع عليه إذا تخلف المدين عن الوفاء.

و هذا التعهد مشروع، و لكنه ليس عقد ضمان بمعناه الفقهي المعروف، و أن ضمان الدين في الفقه الإسلامي له ثلاثة اتجاهات:

______________________________

(1) د. حمود. سامي حسن أحمد، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق و الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 307.

أيضا: د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة و القانون، مصدر سابق، ص 124.

المعاملات المصرفية، ص: 195

الاتجاه الأول:

يتعلق الدين بذمة الضامن مع بقائه متعلقا بذمة الأصيل (المضمون عنه) و شاغلا لها. و هذا الرأي ذهبت إليه كل من الشافعية و المالكية و الحنابلة و أكثر الحنفية «1».

الاتجاه الثاني:

يبقي الدين شاغلا ذمة الأصيل (المضمون عنه) فقط دون الضامن مع ثبوت حق مطالبتهما به. و هذا ما ذهب إليه بعض فقهاء الحنفية «2».

الاتجاه الثالث:

ينتقل الدين من ذمة الأصيل إلي ذمة الضامن علي وجه تبرأ فيه ذمة الأصيل من الدين، و لا يبقي للدائن أي حق قبله، و إلي هذا ذهب ابن شبرمة و ابن أبي ليلي و أبو ثور و به قال الظاهرية و الإمامية «3».

و التعهد المصرفي في قبول الكمبيالات و السندات الاذنية تعهد عن أداء الدين لا الدين نفسه مع بقاء الدين في ذمة المضمون عنه (المدين) و هو المسئول و المشغول

الذمة بذات المبلغ، و الضامن (المصرف) تقتصر مسئوليته علي ضمان أداء ذلك المبلغ، أي أنه مسئول عن خروج المدين عن عهده و مسئوليته و تفريغ ذمته، و ليس للدائن (المضمون له) أن يرجع ابتداء علي الضامن (المصرف) بالمعني المذكور و يطالبه بالمبلغ.

و مثل هذا التعهد من الضمان إنما ينتهي إلي استحقاق الدائن للمطالبة

______________________________

(1) الرملي، نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج، مصدر سابق، 4/ 443.

أيضا: الحطاب، مواهب الجليل، شرح مختصر الخليل، مصدر سابق، 5/ 96.

أيضا: المرداوي، الإنصاف، مصدر سابق، 5/ 188.

أيضا: السرخسي، المبسوط، مصدر سابق، 19/ 160.

(2) ابن عابدين. محمد أمين، رد المحتار علي الدر المختار شرح تنوير الأبصار، مصدر سابق، 5/ 281.

(3) ابن حزم، المحلي، مصدر سابق، ص 110.

أيضا: الشهيد الثاني، اللمعة الدمشقية، مصدر سابق، 4/ 119.

المعاملات المصرفية، ص: 196

بالمبلغ من المصرف (الضامن) فيما إذا امتنع المدين (المضمون) عنه، (محرر الكمبيالة) عن الوفاء، و هذا الامتناع إنما تعهد به المصرف (الضامن) و هو أداء المدين لدين لم يتحقق. و لما كان الأداء بنفسه ذا قيمة مالية، و المفروض أنه تلف علي الدائن بامتناع المدين عنه، فيصبح مضمونا علي من كان متعهدا به و تشتغل حينئذ ذمة المصرف بقيمة الأداء و هي قيمة الدين.

و قد استفتيت آية الله العظمي السيد أبا القاسم الخوئي عن هذا النوع من التعهد و الضمان فقال: (باسمه تعالي: لا بأس بالضمان بالمعني المذكور في السؤال بمعني أن لو لم يؤد المضمون عنه أن يرجع المضمون له حينئذٍ إلي الضامن) «1».

الفصل الثالث الاستثمار المصرفي

تمهيد:

أولًا: تعريف الاستثمار المصرفي:

المقصود بالاستثمار المالي: هو استخدام الأموال الفائضة بغرض الحصول علي ربح في مدة من الزمن «2».

و يمكن تعريف الاستثمار في المصرف التجاري (بأنه تلك الموجودات التي يمسكها المصرف التجاري علي شكل أوراق

مالية تدر له إيراداً، و تتمتع بدرجة مناسبة من السيولة) «3»

______________________________

(1) استفتاء مخطوط في 2/ شهر ذي القعدة، 1407 ه.

(2) د. الهواري. سيد، أساسيات إدارة البنوك، مصدر سابق، ص 161.

(3) حسن جميل محمود، سياسات الاستثمار في المصارف العراقية، بحث مقدم لجامعة بغداد، لنيل درجة الدبلوم العالي، 1977، ص 1.

المعاملات المصرفية، ص: 197

و الاستثمار المصرفي يتم بعد توفير متطلبات السيولة، و بعد منح القروض. المطلوبة و تقوم المصارف التجارية بممارسة هذا النوع من الاستخدام مستهدفة تحقيق أرباح ما دامت الموجودات التي تمسكها علي شكل أوراق مالية تدر لها عائداً، إلا أن هذا العائد ليس كبيراً، و يمكن استخدامه في أوجه أخري لتحقيق عائد جيد.

إلا أن المصارف التجارية تكون مدفوعة لهذا النوع من الاستخدام لتمنع الموجودات التي تمسكها من الأوراق المالية بدرجة مناسبة من السيولة، و يقصد بذلك تحويل هذه الموجودات إلي نقد سائل في وقت قصير، و الحصول علي النقد في حال تعرضها إلي مخاطر توفر السيولة.

و من ذلك يبرز هدف الاستثمار في الأوراق المالية للحصول علي الربح أولًا، و السيولة بالدرجة الثانية «1».

و تعدّ الأعمال الاستثمارية من أهم الأعمال التي تباشرها المصارف، حيث تؤدي خدمة جوهرية للاقتصاد القومي. و هذه الوظيفة لا تتولاها عادة المصارف التجارية إلا في حدود ضيقة، و من ثمّ فهي معدة بطبيعتها و ظروفها لأن تتولاها المصارف المتخصصة كالمصارف العقارية و الزراعية و الصناعية، و لا سيما ذات الطابع التنموي التي تتجه إلي تمويل عمليات التنمية الكبري من إنشاء و تعمير و تصنيع، و من ثمّ فهي عمليات طويلة الأمد يستغرق تنفيذها و تصفية نتائجها آجالًا متوسطة أو طويلة لا تستطيع المصارف التجارية مزاولتها، لتخصصها عادة في عمليات قصيرة الأجل.

و الدليل

علي أن استثمار المصرف التجاري لأمواله علي شكل أوراق مالية قليل نسبياً، هو انخفاض نسبتها المئوية إلي مجموع الودائع فهي لا تزيد عن (10 بالمائة) من مجموع ودائع المصارف التجارية «2»

______________________________

(1) محمد صالح جبر، الاستثمار بالأسهم و السندات، الطبعة الأولي، دار الرشيد للنشر، مؤسسة الفليح للطباعة، الكويت، 1982 م، ص 28.

(2) د. عجيمة. محمد عبد العزيز. و الدكتور مصطفي رشدي شيحة، النقود و البنوك و العلاقات الاقتصادية، مصدر سابق، ص 146.

أيضاً: د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 511.

المعاملات المصرفية، ص: 198

ثانياً: حسابات بيع الأوراق المالية و شرائها (الترست):

إن هنالك أموالًا يتسلمها المصرف من عملائه علي سبيل المتاجرة بها لحساب العميل. و توظف الأموال من هذا النوع في الأوراق المالية ج (من أسهم و سندات)- فيقوم المصرف بادارتها لحساب العميل، و ذلك بشراء أو بيع الأوراق المالية، حيث يعهد العميل و يخول المصرف القيام بهذه المهمة و تسمي الدائرة أو القسم الذي يتولي القيام بها، (قسم حسابات الترست). و يختلف استثمار أموال المصرف عن استثمار أموال العملاء في حسابات الترست، حيث أن الاستثمار الأول لحساب المصرف، بينما الاستثمار الثاني لحساب العميل علي الرغم من أن كلتا العمليتين تتمان بشراء أو بيع الأوراق المالية «1».

ثالثاً: الفرق بين الأعمال المصرفية الاستثمارية و الأعمال المصرفية الاقراضية:

تتميز الأعمال المصرفية الاستثمارية عن الأعمال المصرفية الاقراضية التي تناولناها بعدة اعتبارات أهمها «2»:

1- في حالة الإقراض نجد أن المقترض هو الذي ينشئ القرض. أما في حالة الاستثمارات فإن المصرف هو الذي ينشئ العملية بالدخول في أسواق المال للشراء أو البيع.

2- في حالة القروض يكون المصرف هو الدائن الأساسي، أما في حالة الاستثمارات فإنه أحد الدائنين.

3- في الاقتراض المصرفي تبرز العلاقة الشخصية بين المقرض و المصرف. فالقرض

ينشأ نتيجة التشاور بين المقترض و مصرفه.

أما في الاستثمار المصرفي فإنه لا يوجد مثل تلك العلاقة الشخصية، فالاستثمارات تتم عادة في السوق، فكل شركة أو مؤسسة تستطيع أن تقترض

______________________________

(1) حسن جميل محمود، سياسات الاستثمار في المصارف العراقية، مصدر سابق، ص 7.

(2) د. سامي خليل، النقود و البنوك، مصدر سابق، ص 450.

أيضاً: د. الهواري. سيد، أساسيات إدارة البنوك، مصدر سابق، ص 162.

المعاملات المصرفية، ص: 199

بإصدار السندات التي يتم شراؤها من المصارف أو المؤسسات المالية الأخري أو الأفراد، و الكثير من هذه السندات تنتقل من يد إلي أخري عدة مرات من تاريخ إصدارها حتي تاريخ الاستحقاق، و يتم تداولها في السوق المفتوحة. فالعلاقة هنا بين المقترض و المقرض علاقة غير شخصية.

4- إن القروض تتم بوساطة و عود أو أوامر دفع. أما الاستثمارات فتتم بوساطة أدوات ائتمان.

5- يقوم القرض غالباً علي استعمال الأموال لمدة قصيرة نسبياً خلافاً للاستثمارات التي تؤدي إلي استعمال الأموال لآجال طويلة.

6- القروض عادة أقل حجماً من الاستثمارات التي تتناول في الغالب مبالغ ضخمة تبلغ أضعاف حجم القروض.

و بما أن الاستثمار المصرفي يوظف في الأوراق المالية من أسهم و سندات فلا بد من معرفة رأي الفقه الاسلامي بهما.

المبحث الأول: الأسهم:

الفرع الأول: الأسهم في القانون التجاري:
أولًا: تعريف السهم:

و يمثل جزءاً من رأس مال إحدي الشركات المساهمة، و يعطي لصاحبه الحق في حصة من الأرباح التي تحققها الشركة، و توافق الجمعية العمومية للمساهمين علي توزيعها «1».

و تتألف شركة المساهمة من عدد من الأشخاص يكتتبون فيها بأسهم قابلة للتداول يكونون مسئولين عن ديونها بمقدار القيمة الاسمية لما اكتتبوا به

______________________________

(1) زكي زكي تكلا، أعمال قسم الأوراق المالية بالبنوك، محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس 1960، ص 1.

أيضاً: قنديل. عبد الحميد، محاسبة البنوك التجارية،

الطبعة الأولي، دار الطباعة الحديثة، 1966 م، ص 52.

المعاملات المصرفية، ص: 200

من أسهمها. فيكون رأس مالها مكوناً من الأسهم، و هو يساوي مجموع القيم الاسمية لجميع الأسهم التي ينقسم إليها رأس مال الشركة «1».

ثانياً: حقوق المساهم:

يعطي تملك السهم للمساهم حقوقاً أساسية بصفته شريكاً، فلا يجوز حرمانه أو المساس بها، و تتلخص فيما يأتي «2»:

1- حق البقاء في الشركة، فلا يجوز فصل أي مساهم منها، لأن المساهم متملك في الشركة، و لا يجوز نزع ملكيته إلا برضائه.

2- حق التصويت في الجمعية العمومية للشركة و إدارتها.

3- حق الرقابة علي أعمال الشركة، و حق رفع دعوي المسئولية عن المديرين بسبب أخطائهم في الإدارة.

4- الحق في نصيب من الأرباح، و ذلك لأن المساهم يقدم حصته في رأس المال من أجل الربح فلا يصح حرمانه من هذا الحق عند توزيع الأرباح المحققة.

5- الأولوية في الاكتتاب و ذلك إذا قررت الشركة زيادة في رأس المال فإن الأولوية في الاكتتاب تكون للمساهمين القدامي، لأنهم أولي بالأموال الاحتياطية و موجودات الشركة، فيعطي لهم الحق في المساهمة في زيادة رأس المال في مدة معينة ثمّ يباح للمساهمين الجدد بعد ذلك.

6- حق التنازل عن السهم، فللمساهم أن يتصرف في أسهمه بالبيع أو الهبة أو غيرها.

حق اقتسام موجودات الشركة عند حلها، و ذلك لأنه عضو فيها قد قدم حصته في رأس المال، فإذا صفيت الشركة كان حقه متعلقاً في موجوداتها لأنه

______________________________

(1) د. الناهي. صلاح الدين و السيد أحمد عباس الشالجي، الموجز العلمي و النظري في القانون التجاري العراقي، الطبعة الرابعة، شركة الطبع و النشر الأهلية، بغداد، 1377 ه- 1958 م، ص 136.

(2) د. مراد كاظم، البورصة و أفضل الطرق في نجاح الاستثمارات المالية، مصدر سابق، ص 19.

د.

الناهي. صلاح الدين و السيد أحمد عباس الشالجي، الموجز العلمي و النظري في القانون التجاري العراقي، مصدر سابق، ص 151.

المعاملات المصرفية، ص: 201

نماء رأس المال.

الفرع الثاني: الأسهم في الفقه الإسلامي:
اشارة

تناول الكتاب المحدثون موضوع الأسهم، و حاول كل منهم بذل جهده، في توضيح الحكم الشرعي فيها، و معظمهم تناوله مقتضباً في بحث الشركة أو بحث الربا أو بفتوي صدرت إجابة عن سؤال. و هم في شأن الأسهم فريقان:

الفريق الأول ج إباحة إصدار الأسهم:

عد القائلون بإباحة إصدار السهم بمثابة حصة في رأس مال الشركة، و جزء من رأس المال المساهم في قيام المشروع، و حامله يعد أحد أصحاب المشروع و السهم يتعرض للربح أو الخسارة، و هذا ما يتفق و مفهوم المضاربة و هي عقد من عقود المعاوضة التي تكلم عنها فقهاء السلف:

1- عرفها المرداوي «1» من الحنابلة بأنها: (دفع ماله إلي آخر ليتجر به و الربح بينهما).

2- و قال الرملي «2» من الشافعية: (القراض و المضاربة: هو العقد المشتمل علي توكيل المالك لآخر و علي أن يدفع إليه مالًا ليتجر فيه و الربح مشترك بينهما).

3- و عرفها الشهيد الأول من الإمامية «3»: (بأن يدفع مالًا إلي غيره ليعمل فيه بحصة معينة من ربحه).

4- و عرفها الأحناف. قال العيني «4»: (المضاربة عقد يقع علي الشركة بمال من أحد الجانبين).

5- و ذكر المالكية القراض. قال الحطاب «5»: (توكيل مال لمن يتجر به بجزء من

______________________________

(1) الإنصاف، مصدر سابق، 5/ 427.

(2) نهاية المنهاج، مصدر سابق، 5/ 218.

(3) اللمعة الدمشقية، مصدر سابق، 4/ 211.

(4) البناية في شرح الهداية، مصدر سابق، 7/ 657.

(5) مواهب الجليل شرح مختصر الخليل، مصدر سابق، 5/ 356.

المعاملات المصرفية، ص: 202

ربحه).

و تناول الكتاب المحدثون موضوع الأسهم. و لعل من المفيد أن أذكر بعض أسماء الذين اباحوا إصدارها. فالشيخ علي الخفيف قد قال «1»: (و العمل في مالها في شركات المساهمة يكون عادةً لغير أرباب الأموال فيها و لذلك فهي تعد من

قبيل القراض في هذه الحال). و الشيخ محمد أبو زهرة «2»، و الشيخ محمود شلتوت قال «3»: (إن الأسهم من الشركات التي أباحها الإسلام باسم المضاربة، و هي التي تتبع الأسهم فيها الشركة و خسارتها).

و الشيخ محمد رشيد رضا «4» و الشيخ محمد عبده «5»، الشيخ عبد الوهاب خلاف «6» و الدكتور محمد يوسف موسي حيث قال «7»: (و لا ريب في جواز المساهمة في الشركات بملكية عدد من أسهمها، لتوافر الشروط الشرعية فيها لصحتها، و لأن لها حصتها من الربح و عليها نصيبها من الخسارة). و الدكتور عبد المنعم الخفاجي «8» و الأستاذ عبد السميع المصري «9» و الأستاذ فتحي عثمان «10» و الأستاذ إبراهيم زكي «11» و الدكتور علاء الدين خروفة «12» و الدكتور

______________________________

(1) الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 96.

(2) تحريم الربا تنظيم اقتصادي، مصدر سابق، ص 69.

(3) الفتاوي، مصدر سابق، ص 348- 349.

(4) فتاوي الشيخ محمد رشيد رضا، مصدر سابق، 2/ 707.

(5) نقلًا عن د. الخياط. عبد العزيز، الأسهم و السندات، بحث مقدم لندوة الاقتصاد الإسلامي، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، معهد البحوث و الدراسات العربية، بغداد، ص 201.

(6) مجلة لواء الإسلام، العدد (11)، السنة (4)، 1951 م، ص 726.

(7) الإسلام و مشكلاتنا الحاضرة، سلسلة الثقافة الإسلامية، مطبعة دار الجهاد، القاهرة، 1958 م، ص 58.

(8) الإسلام و نظريته الاقتصادية، مصدر سابق، ص 170.

(9) نظرية الإسلام الاقتصادية، مصدر سابق، ص 77.

(10) الفكر الإسلامي و التطور، مصدر سابق، ص 50.

(11) الفائدة و الربا بين النظريتين الغربية و الإسلامية، مجلة الأزهر، المجلد العاشر، مطبعة الأزهر، 1939 م- محرم سنة 1358 ه، ص 604.

(12) عقد القرض في الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص

341.

المعاملات المصرفية، ص: 203

عبد الهادي النجار «1».

و لدراسة الأسهم في الفقه الاسلامي بشكل تفصيلي، لا بد من توضيح ما يأتي:

تقسيم الربح علي المساهمين بصورة دورية:

هنالك إشكال بشأن تخريج الأسهم علي عقد المضاربة فيما يتعلق بقسمة الربح. فإن اقتسام الأرباح مبني علي أساس التصفية الكاملة للمضاربة، و الغاية من ذلك أن يعود رأس المال نقوداً كما كان، حتي يتمكن رب المال من استرداد رأس ماله أولًا، ثمّ تجري قسمة الربح المتبقي بعد ذلك، لأن الأصل في الربح وقاية لرأس المال، فلا ربح إلا بعد سلامة رأس مال صاحبه «2».

قال الكاساني «3»: (لو دفع إلي رجل ألف درهم مضاربة بالنصف، فربح ألفاً فاقتسما الربح، و رأس المال في يد المضاربة لم يقبضه رب المال، فهلكت الألف التي في يد المضارب بعد قسمتهما، فإن القسمة الأولي لم تصح و ما قبض رب المال محسوب عليه من رأس ماله، و ما قبضه المضارب دين عليه يرده إلي رب المال حتي يستوفي رب المال رأس ماله، و لا تصح قسمة الربح حتي يستوفي رب المال رأس المال).

أما قسمة الأرباح المتحققة بين المساهمين بصورة دورية سنوياً و المضاربة مستمرة فهنالك رأي، هو أن الربح يستحق بمجرد ظهوره سواء قبض أم لم يقبض.

و هذا ما ذهب إليه كل من الحنابلة و الإمامية و الزيدية و هو الرأي الثاني

______________________________

(1) الإسلام و الاقتصاد، مصدر سابق، ص 115.

(2) الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، مصدر سابق، 2/ 318.

أيضاً: ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد، مصدر سابق، 2/ 181.

أيضاً: الحر العاملي، مفتاح الكرامة، مصدر سابق، 7/ 488.

(3) بدائع الصنائع، مصدر سابق، 8/ 2652.

المعاملات المصرفية، ص: 204

عند الشافعية.

قال ابن قدامة «1»: (أما ملك العامل لنصيبه من الربح بمجرد الظهور قبل

القسمة، فظاهر المذهب).

و قال صاحب جواهر الكلام «2»: (و العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره ملكاً متزلزلًا، و لا يتوقف ذلك علي وجوده ناضاً علي المشهور بين الأصحاب، بل لا يكاد يتحقق مخالف فيه منا كما في المسالك، بل لعله ظاهر التذكرة أيضاً، لاتفاق اقتضاء العقد و النص و الفتوي علي كون الربح بينهما، و لا ريب في تحققه بمجرد ظهوره لغة و عرفاً.

و قال ابن مرتضي «3»: (و يملك العامل حصته بالظهور كملكه المطالبة بها).

و قال الرملي «4»: (و الثاني: يملك بالظهور قياساً علي المساقاة).

فإذا ما استمرت المضاربة مدة ما تمت فيها بضعة صفقات و هي مستمرة، فكأن عقد المضاربة تجدد في الحقيقة بمقدار تعدد هذه الصفقات، فكأن هنالك عقوداً متعددة متلاحقة تلاحقاً ذاتياً يفرضه القانون. و علي هذا تعد كل صفقة عقداً قائماً بذاته تطبق عليه أحكام العقد المقرر بمقتضي الاتفاق «5».

و قد استفتيت آية الله العظمي السيد أبو القاسم الخوئي بجواز تقسيم الربح بصورة دورية في المضاربة. قال «6»: (حيث أن الربح في مورد المضاربة، وقاية لرأس المال تجبر به الخسارة لو وقعت، فتقسيم الربح دون فسخ المضاربة

______________________________

(1) المغني، 5/ 169.

(2) النجفي. محمد حسن، 26/ 256.

(3) البحر الزخار، مصدر سابق، 4/ 84.

(4) نهاية المحتاج، مصدر سابق، 5/ 234.

(5) د. ذنون. حسن علي، العقود المسماة شرح القانون المدني العراقي، شركة الرابطة للطبع و النشر، بغداد، 1954 م، ص 186.

(6) استفتاء في 25 شهر رمضان 1407 ه.

المعاملات المصرفية، ص: 205

بل استمرارها بصورة دورية لا يؤمن معه في الدور من حصول خسارة لا وقاية لتداركها، إلا أن يعتبر ذلك فسخاً منهما حتي يستقر ملك العامل في حصته و الدور الآتي شروعاً لمضاربة جديدة، أو

يعلما بحصول الربح في مستقبلها بما لا يقل عن سابقه بتدارك الخسارة به لو وقعت. و إلا فمع عدم الفرضين لا يستقر ملك العامل في حصته من الربح و إن ملكها ملكاً غير ثابت).

ثمّ أن الربح لو قسم بين الطرفين و حدثت خسارة بعد القسمة فلا يجبر بربح ما حدث قبلها، ما دام الربح قد دخل في ملك كل واحد منهما و تصرفا فيه علي أساس أنه أصبح ملكاً لكل منهما، فليس من السهل إرجاعه في هذه الحال.

و إن العقد الأول بعد القسمة يعد كأنه انتهي، لأن مقصود المتعاقدين الربح و قد حصل، فإذا حدث نقص في المال بعد القسمة يصبح بمثابة ما لو حدث بمقتضي عقد جديد «1».

و هذا هو الحال في أرباح الأسهم، فإن الربح لو قسم بين المساهمين و حدثت خسارة بعد القسمة فلا يجبر. فيجوز إجراء قسمة الأرباح المتحققة بين المساهمين، حيث أن استمرار العمل في الشركة مما يجعل المضاربة مستمرة. و هذا يجعل من المناسب أن تتم قسمة الأرباح بشكل دوري، و لا بأس في ذلك سنوياً.

أولًا: قيم الأسهم في الفقه الإسلامي:

من المعروف أن للسهم أربع قيم:

1- القيمة الاسمية:

و هي القيمة المدونة علي شهادة الأسهم، حيث أوجبت القوانين الوضعية أن تكون للسهم عند إصداره قيمة اسمية، يترتب عليها توزيع الأرباح، و السهم يثبت حصة الشريك في رأس مال الشركة المضارب فيها «2»

______________________________

(1) الدبو. إبراهيم فاضل، عقد المضاربة، مصدر سابق، ص 278.

(2) محمد صالح جابر، الاستثمار بالأسهم و السندات، مصدر سابق، ص 35.

المعاملات المصرفية، ص: 206

و الفقه الإسلامي يفرض أن تكون القيمة الاسمية للسهم مطابقة للمبلغ الذي ساهم به، لأن رب المال يستحق الربح بما قدمه من رأس مال في المضاربة

«1». فيترتب علي القيمة الاسمية توزيع الأرباح شرعاً.

2- قيمة الإصدار:

يقصد بقيمة الإصدار (القيمة التي تصدر بها الأسهم عند تأسيس الشركة أو عند زيادة رأس مالها) «2». ففي بعض الأحيان تلجأ بعض الشركات إلي إصدار أسهم أقل من قيمتها الاسمية، و ذلك كأن تكون قيمة السهم الاسمية خمسة دنانير فتصدر الشركة السهم بقيمة أربعة دنانير، و ذلك بقصد زيادة رأس مال الشركة، لإنقاذها من الانهيار، أو للتوسع في أعمالها، فترغب المساهمين بأن تعطيهم أسهماً قيمتها خمسة دنانير، و لكن يدفع المساهم أقل من قيمتها بقيمة إصدارية قدرها أربعة دنانير.

و هذا السهم بقيمة الإصدار إذا تساوي مع السهم الاسمي في اقتسام الربح تكون المضاربة باطلة.

ففي الفقه الإسلامي (إذا كان المال مشتركاً بين شخصين و قارضاً واحداً، و اشترطا له النصف، و تفاضلا في النصف الآخر بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في رأس المال أو تساويا فيه بأن كانت حصة كل منهما مساوية لحصة الآخر مع تفاضلهما في رأس المال، فالظاهر بطلان المضاربة) «3».

لأن الزيادة التي يتقاضاها صاحب السهم الاصداري، و هي ربح دينار

______________________________

(1) الخفيف. علي، الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 85.

أيضاً: الدبو. إبراهيم فاضل يوسف، عقد المضاربة، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1393 ه 1973 م، ص 124.

(2) محمد صالح جابر، الاستثمار بالأسهم و السندات، مصدر سابق، ص 36.

(3) الخوئي. السيد أبو القاسم، منهاج الصالحين، الطبعة الأولي، مطبعة الآداب، النجف، 1392 ه- 1972 م، 2/ 153.

المعاملات المصرفية، ص: 207

لم يدفعه، و الذي استحقها من دون مقابل مال أو عمل. قد دفعه صاحب السهم الاسمي.

فضلًا عن إضراره بالمساهمين الأولين الذين دفعوا القيمة الاسمية الكاملة للسهم، لأنهم تساووا في الربح مع من دفع

قيمته بأقل و مشاركتهم في موجودات الشركة بشكل متساو.

و في القانون لا يجوز إصدار مثل هذه الأسهم بأقل من قيمتها الاسمية بحال من الأحوال «1».

3- القيمة الحقيقية (الدفترية) للسهم:

و هي المبلغ الذي يصيب السهم من صافي أصول الشركة بعد خصم ديونها. فإذا كان صافي أصولها يعادل رأس المال، كانت القيمة الحقيقية للسهم مساوية للقيمة الاسمية.

أما إذا كانت الشركة ناجحة و قد حققت أرباحاً، فإن صافي أصولها يجاوز رأس المال. و في هذه الحال تكون القيمة الحقيقية للسهم أعلي من قيمته الاسمية. و عكس ذلك إذا كان مركز الشركة سيئاً فإن قيمة السهم الحقيقية قد تقل عن قيمته الاسمية «2».

و تعدّ هذه القيمة أمر لا بأس به «3»، إذ لا تأباه قواعد

الشريعة. لأن أرباح الشركة قد تتضاعف و أعمالها قد تنمو، و موجوداتها قد تكثر، فتصبح القيمة الحقيقية للسهم أكثر من القيمة الاسمية و قد يكون العكس.

القيمة السوقية:

هي قيمة السهم التي تحدد في البورصة «4» وفقا لعدة اعتبارات، منها

______________________________

(1) د. الناهي. صلاح الدين و السيد عباس الشالجي، الموجز العملي و النظري في القانون التجاري، مصدر سابق، ص 139.

(2) محمد صالح جابر، الاستثمار بالأسهم و السندات، مصدر سابق، ص 36.

(3) السيد أبو القاسم الخوئي، المسائل المنتخبة، مصدر سابق، ص 14.

(4) البورصة (هي السوق المالية الخاصة التي يتم بيع و شراء الأوراق المالية العامة و الأوراق المالية التي تصدرها الشركات من أسهم و سندات بصورة دورية و قيام المتعاملين بالتعامل و عقد الصفقات.

د. الناهي. صلاح الدين و السيد أحمد عباس الشالجي، الموجز العملي و النظري في القانون التجاري، مصدر سابق، ص 66.

المعاملات المصرفية، ص: 208

العرض و الطلب، و نجاح الشركة في أعمالها و ضخامة موجوداتها، و بحسب رأس

مالها الاحتياطي، و الظروف و الأزمات المالية و السياسية «1»

إن قيمة السهم السوقية تختلف عن قيمته الاسمية، لأنه يمثل حصة رأس مال المساهم في الشركة، و ربما تحول قسم كبير من أموال أربابها إلي أموال عينية تمتلكها الشركة، أو أدوات إنتاج. و قد يمثل رأس المال الاحتياطي و الأرباح التي لم توزع. فقيمة السهم تختلف حسب الأحوال.

جواز بيع و شراء الأسهم بالقيمة السوقية:

من المعروف في نظام الشركات قانون حق تصرف المساهم في أسهمه من بيع و غيره. فكأن موافقة شركة المساهمة علي تصرف المساهم في أسهمه حاصلة مقدما.

فلا بأس ببيع هذه الأسهم و شرائها بالقيمة السوقية أي بأكثر أو أقل من قيمتها الاسمية.

و في الفقه الإسلامي إذا وافق المضارب علي تصرف رب المال في مال المضاربة جاز ذلك. فذهبت الحنفية إلي جواز بيع رب المال، مال المضاربة. قال الكاساني «2»: (إذا باع رب المال مال المضاربة بمثل قيمته أو أكثر جاز بيعه).

و قد أيد الأستاذ الخفيف جواز رب المال مال المضاربة، حيث قال «3»: (و في رأيي أن هذا لا يتفق مع ما هو مقرر في الشريعة، من أن إقامة وكيل في التصرف لا يسلب الموكل الحق في مباشرته. و بناء علي هذه القاعدة، إذا تصرف

______________________________

(1) محمد صالح جابر، الاستثمار بالأسهم و السندات، مصدر سابق، ص 64.

(2) بدائع الصنائع، مصدر سابق، 8/ 2635.

(3) الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 76، 77.

المعاملات المصرفية، ص: 209

رب المال في مال المضاربة نفذ تصرفه).

فلا يوجد محذور يمنع من بيع الأسهم و تداولها بالقيمة السوقية. و قد أجازها العلماء المحدثون «1».

اعتراض و رده:

نص الفقهاء علي أن انتقال حصة رب المال في المضاربة إلي آخر، يؤدي إلي بطلان المضاربة سواء

أ كان الانتقال بطريقة البيع إلي آخر أو بالموت إلي الورثة.

فقد جاء في المحلي «2»: (و أيهما مات بطل القراض، أما في موت صاحب المال فلئن المال قد صار للورثة).

و قال المحقق الحلي «3»: (فبموت كل منهما تبطل المضاربة، لأنها في المعني وكالة).

فان انتقال السهم من المساهم إلي آخر يؤدي إلي إنهاء الشركة ما لم يتفق المساهمون علي الاستمرار مع المساهم الجديد.

و حيث أن تداول الأسهم مشروط عرفا، و ينص عليه قانوناً في عقد الشركة أو نظامها، يكون المساهمون قد ارتضوه و لم يعدّوه مؤديا إلي فسخ الشركة.

و في الفقه الإسلامي ما يثبت عدم بطلان المضاربة مع انتقال حصة رب المال فيها من صاحبه إلي آخر، إذا رغب رب المال الجديد استمرار المضاربة.

فقد ورد عن المالكية جواز استمرار العامل علي عمله في المضاربة بعد وفاة رب المال سواء أ كان المال نقدا أو عرضا، إذا رغب الورثة في ذلك. فقد

______________________________

(1) السيد أبو القاسم الخوئي، المسائل المنتخبة، مصدر سابق، ص 14

أيضا: الدبو، عقد المضاربة، ص 124.

أيضا: د. الخياط. عبد العزيز، الأسهم و السندات، مصدر سابق، ص 204.

(2) ابن حزم، المحلي، مصدر سابق، 8/ 249.

(3) شرائع الإسلام، مصدر سابق، 2/ 138.

المعاملات المصرفية، ص: 210

جاء في المدونة «1»: (قلت: فان مات رب المال. قال: فهؤلاء علي قراضهم بحال ما كانوا، إن أراد الورثة ذلك). و بهذا قال أبو إسحاق الشافعي «2»: (و إن مات رب المال أو جن و أراد الوارث و الولي أن يعقد القراض و المال عرض فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق يجوز لأنه ليس بابتداء قراض و إنما هو بناء علي مال قراض فجاز)،

و في رواية ثانية للحنابلة (فظاهر كلام أحمد جواز الاستمرار

علي بقاء المضاربة لأنه قال في رواية علي بن سعيد إذا مات رب المال لم يجز للعامل أن يبيع و لا يشتري إلا بإذن الورثة. فظاهر هذا بقاء العامل علي قراضه) «3».

و أما وجهة نظر الإمامية الثانية فقد أجاز صاحب جامع الشرائع، للعامل أن يستمر علي العمل بعد موت رب المال، إذا رغب الورثة في ذلك «4».

و هذا ما ذهب إليه الشيخ علي الخفيف حيث قال «5»: (و بما أن جواز تداول الأسهم و بيعها كأنه مشروط عرفا في نظام الشركة. فلم يعتبر مؤديا إلي انفساخ الشركة).

فيجوز تداول الأسهم. و يكون رضاء المساهمين عند انتقال حصة رب المال في المضاربة إلي مساهم جديد موافقة علي استمرار الشركة.

و يمكن شرعا و قانونا أن توضع قيوداً علي تداول الأسهم ضمانا لحقوق المساهمين و منعاً لتسرب الأسهم إلي جهات أجنبية، كأن يجعل حق الشفعة في شرائها للمساهمين الأقدمين. أو يشترط موافقة مجلس الإدارة للشركة. و لما كان ذلك في عقد الشركة أو في نظامها، فهو اتفاق عن تراض يبيحه الشرع و يؤيده

______________________________

(1) مالك بن انس، المدونة الكبري، دار الصادر، طبعة أوفست، بيروت، 5/ 130.

(2) ابو إسحاق الشيرازي، المهذب، مطبعة عيسي البابي الحلبي، مصر، 1/ 388.

(3) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 5/ 182.

(4) نقلًا عن مفتاح الكرامة، للعاملي، مصدر سابق، 7/ 508.

(5) الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 124.

المعاملات المصرفية، ص: 211

قوله عليه الإسلام: (المؤمنون عند شروطهم فيما أُحل) «1».

ثانياً: خصائص الأسهم في الفقه الإسلامي:

1- تساوي قيمة السهم و حقوقها «2»:

يجيز الفقه الإسلامي أن تتساوي الحصص أو تتفاضل في المضاربة

لأرباب الأموال، و أن رب المال يستحق الربح بما قدمه من رأس المال في المضاربة «3».

و السهم يدل بحسب

عدده علي حصة المساهم في الشركة و لا بد أن يتساوي في القيمة حتي يتمكن من عمل حساب الأرباح و توزيعها علي أساس ما يملكه المساهم من عدد الأسهم.

و هذه الخصوصية لا تتعارض مع قواعد الشريعة، و ليس هنالك مانع من تساوي قيمة الأسهم ما دامت إمكانية التفاضل قائمة بعدد الأسهم التي يكتتب فيها الشريك.

2- عدم قابلية السهم للتجزئة: «4»

هذه الخصوصية حفظا لحقوق المساهمين، و عدم تجزئة السهم اتفاقاً عرفياً، فكأنه اشترط ذلك، فلا بأس به. (و المؤمنون عند شروطهم فيما أحل) «5»

3- مسئولية الشركاء بحسب الأسهم: «6»

______________________________

(1) مالك بن إنس، المدونة الكبري، مصدر سابق، 10/ 20.

(2) د. الناهي. صلاح الدين و السيد أحمد عباس الشالجي، الموجز العملي و النظري في القانون التجاري، مصدر سابق، ص 153.

(3) الخفيف. علي، الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 85.

أيضا: الدبو. إبراهيم فاضل، عقد المضاربة، مصدر سابق، ص 124.

(4) د. الناهي. صلاح الدين و السيد عباس الشالجي، الموجز العملي و النظري في القانون التجاري، مصدر سابق، ص 153.

(5) مالك بن انس، المدونة الكبري، مصدر سابق، 10/ 20.

(6) د. الناهي. صلاح الدين و السيد عباس الشالجي، الموجز العملي و النظري في القانون التجاري، مصدر سابق، ص 153.

المعاملات المصرفية، ص: 212

إن مسئولية المساهمين اتجاه الشركة بحسب أسهمهم فيها تجعلهم غير مسئولين عن ديونها إلا بمقدار الأسهم التي يملكونها.

و هذه هي نظرة الفقه الإسلامي في تحديد مسئولية المضاربين بمقدار رأس مالهم. فلا يسألون عن ديون المضاربة إلا بمقدار المال الذي قدموه في المضاربة.

و قد أفتي بذلك أية الله العظمي السيد أبو القاسم الخوئي حيث قال «1»: (إذا خسرت المضاربة بذهاب جميع رأس المال من غير تفريط من العامل كانت الخسارة علي

رب المال و لا ضمان علي العامل فيها كمالا عوض أيضا لعمله الذي عمله في تجارته للمالك، و لو حصلت ديون في التجارة المأذون فيها فهي أيضا علي رب المال و ليس العامل مؤولا عن شي ء منها فان الخسران كالريح يتبع المال و هو مملوك رب المال).

و هذا ما ذهب إليه الشيخ علي الخفيف حيث قال «2»: (أن الوضيعة فهي في جميع الأحوال علي رأس المال، لا يسأل عنها المضارب إلا إذا كانت نتيجة تعدي أو تقصير و لا ضمان علي الأمين إلا بالتعدي أو التقصير).

ثالثاً: أشكال الأسهم في الفقه الإسلامي:

تنقسم الأسهم من حيث الشكل إلي:

1- الأسهم لحاملها:

و هي الأسهم التي لا تحمل اسم صاحبها، بل هي تمثل حصة أي شخص في الشركة يحملها. مما تفضي إلي النزاع و الخصومة، و تؤدي إلي إضاعة الحقوق. فإذا سرقت أو استولي عليها مغتصب أو ضاعت و التقطها آخر، فان حاملها هو الذي يصبح مالكا لها مشتركا في الشركة «3»

______________________________

(1) استفتاء في 25 شهر رمضان/ 1407 ه.

(2) الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 88.

(3) د. الناهي. صلاح الدين و السيد أحمد عباس الشالجي، الموجز العملي و النظري في القانون التجاري العراقي، مصدر سابق، ص 154.

المعاملات المصرفية، ص: 213

و في الفقه الإسلامي لا بد من وجود طرفين متعاقدين في المضاربة. و المضاربة من العقود التي تنشأ بتلاقي إرادتين أي ارتباط القبول بالإيجاب ارتباطا يظهر أثره في المحل. و نعني بالمتعاقدين رب المال و العامل «1». فضلًا عن جهالة المشترك قد تؤدي إلي أن يكون المشترك فاقد الأهلية لذلك لا يصح اشتراكه بنفسه، فيشترط في كل من رب رأس المال أن يكون أهلا لان يوكل و يكون المضارب صالحا

لأن يكون وكيلا «2».

و علي هذا لا يصح إصدار الأسهم لحاملها.

2- الأسهم للآمر (الاسمية):

و هي الأسهم التي يكتب عليها اسم حاملها و عبارة (للآمر). و تتداول بطريقة التظهير، فتنتقل من شريك إلي آخر، فيصبح الثاني هو مالك السهم و الأول متخلياً عنه. و يكون المشترك معروفا للشركة.

فإذا أراد المساهم أن يحول السهم إلي شخص آخر معروف لديه، فيجب أن يحمل عبارة التظهير باسم الشريك الجديد «3».

و هذا النوع من الانتقال للأسهم لا بأس به في الفقه الإسلامي كما مر سابقا في جواز بيع و شراء الأسهم و تداولها، سواء أ كان بعوض كالبيع أو بغير عوض كالهبة.

كما يصح إصدار الأسهم للآمر (الاسمية) لأنها لا تفضي إلي النزاع و الخصومة.

3- الأسهم الممتازة:

و هي نوع من الأسهم تتضمن بعض الصفات الخاصة و التي تعطي

______________________________

(1) الدبو. إبراهيم فاضل، عقد المضاربة، مصدر سابق، ص 39.

(2) العاملي، مفتاح الكرامة، مصدر سابق، 7/ 430.

أيضا: الخفيف. علي، الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 68.

(3) د. الناهي. صلاح الدين و السيد أحمد عباس الشالجي، الموجز العملي و النظري في القانون التجاري العراقي، مصدر سابق، ص 154.

المعاملات المصرفية، ص: 214

لأصحابها حقوقا تتميز عن الأسهم العادية. و هي علي أنواع «1»:

أ- أن يكون الامتياز بأن تعطي بعض الأسهم بربح زائد بنسبة معينة إذا وصل الربح إلي مقدار معين من المبلغ، فيكون أصحاب الأسهم الممتازة قد اشتركوا مع أصحاب الأسهم العادية بالربح، و امتازوا عليهم بربح زائد.

و في الفقه الإسلامي يجب أن تكون الحصة في الربح جزءاً شائعا كالثلث أو الربع بين رب المال و العامل، و عند الإمامية أنه (لو شرط أحدهما شيئا معينا و الباقي بينهما فسد لا لعدم الوثوق بحصول الزيادة فلا

تتحقق الشركة. بل لعدم ثبوت ما يدل علي الصحة في الغرض، ضرورة اقتصار النص و الفتوي علي صحة المشتمل علي اشتراك جميع الربح بينهما علي جهة الإشاعة بنحو النصف و الثلث و الربع و ما يؤدي مؤداها. و منهما ينقدح الشك في تناول الاطلاقات له، هذا مع قطع النظر عن ظهور النصوص في البطلان و لظهورها في اعتبار الشركة الاشاعية في جميع الربح، فضلا، عن صريح الفتاوي. فحينئذٍ يبطل القراض و إن وثق بالزيادة، لعدم اشتراك جميع الربح بينهما حينئذٍ بعد اختصاص أحدهما بشي ء معين منه) «2». إلا ان هنالك رأياً ثانيا للزيدية يختلف مع رأي الجمهور و الإمامية و الرأي الأول للزيدية. من حيث اشتراط أحد المتعاقدين لنفسه مبلغا معينا مما يحصل من الربح إذا وصل الربح مقدارا معينا.

فقد جاء في كتاب البحر الزخار «3»: (فان قال أحدهما علي أن لي عشرة إن ربحنا اكثر منها، أو مما يزيد عليها صحت و لزم الشرط، إذ لا مقتضي للفساد).

و قد ذهب إلي هذا الرأي الأستاذ الدبو «4»، و الشيخ علي الخفيف حيث

______________________________

(1) محمد صالح جابر، الاستثمار بالأسهم و السندات، مصدر سابق، ص 38.

(2) النجفي. محمد حسن، جواهر الكلام، مصدر سابق، 26/ 367.

(3) ابن مرتضي. أحمد بن يحيي (ت: 840 ه)، مصدر سابق، 5/ 82.

(4) عقد المضاربة، مصدر سابق، ص 138.

المعاملات المصرفية، ص: 215

قال «1»: (و علي الجملة فكل شرط يقتضي جهالة الربح أو يفضي في بعض الأحيان إلي قطع الشركة فيه فيفسد المضاربة، أما إذا لم يؤد إلي ذلك فانه يصح متي لم يخالف مقتضاها، و علي ذلك إذا شرط لأحدهما دراهم معدودة معلومة إن زاد الربع علي مقدار كذا من الدراهم، فإن ذلك شرط

صحيح لا يؤثر في صحة المضاربة، و ذلك كأن يشترط لرب المال نصف الربح و للعامل نصفه علي أن يكون لرب المال قبل قسمة الربح منه ألف جنيه إن وصل الربح في السنة خمسة آلاف جنيه، فان هذا الشرط كما يري لا يؤدي إلي قطع الشركة فيه، فإذا وصل الربح فيها خمسة آلاف جنيه، كان لرب المال ابتداء ألف جنيه و الباقي مناصفة بينهما).

و هذا ما ذهب إليه آية الله العظمي السيد أبو القاسم الخوئي بعد استفتائه في 25 من شهر رمضان/ 1407 ه. و هو (إذا كان حصة ربح المضاربة بين رب المال و العامل شائعة و لكن رب المال شرط إذا وصل مقدار الربح مثلا (1000) دينار فله (10) دنانير. ثمّ يقسم الربح بينهما بالثلث أو الربع أو المناصفة حسب الاتفاق. فهل يصح هذا الشرط).

فأجاب: (شرط هذا الاستثناء لا بأس به، فتكون الحصة في البقية).

و هذا هو المختار لأن الربح حق رب المال و العامل، يتصرفان فيه كما يريدان، علي أن لا يستأثر أحدهما به، لأن ذلك يخل بالمشاركة في الربح، و هذا ما لا يجوز في المضاربة.

أما لو أرد أحدهما أن يشترط لنفسه مبلغا معينا من الربح إذا وصل مقدارا معينا لا يستغرق الربح كله فلا مانع من ذلك و لا بأس بإصدار هذه الأسهم بهذا الامتياز.

ب- أن يكون الامتياز بتقدير فائدة سنوية ثابتة لبعض الأسهم، و توزع علي أصحابها سواء ربحت الشركة أم خسرت.

______________________________

(1) الخفيف. علي، الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 71.

المعاملات المصرفية، ص: 216

إن هذا الامتياز لا يجوز شرعا، لاتفاق الفقهاء علي أن الحصة المشروطة للعامل من الربح أو لرب المال يشترط فيها أن تكون مقدرة بنسبة معينة

من الربح كالثلث أو الربع و ما شابه ذلك. و متي جعل نصيب أحد المتعاقدين مقدارا محددا معلوما كانت المضاربة باطلة «1».

و كذلك الحكم لو كان الامتياز يتعلق بإعفاء أحد الشركاء من تحمل الخسائر مع مقاسمته في الربح، فيعدّ هذا الشرط باطلا و لا يصح إصدار هذه الأسهم بهذا الامتياز «2».

ج- أن يمنح الامتياز بعض أصحاب الأسهم حق استرجاع قيمة السهم بكاملها عند تصفية الشركة و قبل إجراء القسمة بين الشركاء.

و في الفقه الإسلامي لا يجوز لرب المال في المضاربة أن يشترط علي العامل (المضارب) ضمان ماله، فإذا اشترط ذلك في العقد كانت المضاربة فاسدة، لأنها مبنية علي الأمانة و الوكالة، و العامل فيها وكيل عن رب المال، و المال أمانة في يده عند قبضه.

هذا ما ذهب إليه المالكية و الحنفية و الإمامية و الشافعية و الزيدية و الحنابلة عندهم العقد صحيح و الشرط باطل «3»

______________________________

(1) المرداوي، الإنصاف، مصدر سابق، 5/ 412

أيضا: الحر العاملي، مفتاح الكرامة، مصدر سابق، 7/ 454.

أيضا: أبو إسحاق الشيرازي، المهذب، مصدر سابق، 1/ 284.

أيضا: محمد علاء الدين أفندي، تكملة رد المحتار علي الدر المختار، الطبعة الثانية، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1386 ه- 1966 م، 8/ 284.

(2) الخفيف. علي، الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 30.

(3) الزرقاني، شرح موطأ الإمام مالك، مصدر سابق، 4/ 325.

أيضا: العيني، البناية في شرح الهداية، مصدر سابق، 7/ 654.

أيضا: الحر العاملي، مفتاح الكرامة، مصدر سابق، 7/ 425.

أيضا: الرملي، نهاية المحتاج، مصدر سابق، 5/ 228.

أيضا: ابن مرتضي، البحر الزخار الجامع لمذاهب الأمصار، مصدر سابق، 4/ 89.

أيضاً: ابن قدامة/ المغني، مصدر سابق،/ 5/ 188.

المعاملات المصرفية، ص: 217

و الشركة تقوم علي المخاطرة فأما ربح و إما

خسارة. و تكون من رأس المال، فإذا ضمن لأصحاب هذه الأسهم حق استرجاع قيمتها كان ذلك منافيا لمعني الشركة.

و علي هذا لا يجوز إصدار هذه الأسهم بهذا الامتياز.

د- أن يمنح الامتياز بعض الأسهم اكثر من صوت في الجمعية العمومية، فذلك غير جائز شرعا لأن المفروض تساوي الشركاء في الحقوق، و منها التساوي في الأصوات بحسب الأسهم. أما إعطاء الامتياز لأصحاب الأسهم القدامي بان يكون لهم حق الأولوية في الاكتتاب في الأسهم الجديدة، لأنهم هم المساهمون الأولون، و هم أولي من غيرهم بأن تظل الشركة منحصرة فيهم. و لا يصح أصلا أن تطرح أسهم جديدة للاكتتاب إلا بموافقتهم في الجمعية العمومية التي تتكون منهم.

و الشرع يقرر أن الشركة تنعقد بالإيجاب و القبول كما مر سابقا. فإذا أرادوا توسيع أعمال الشركة فلهم أن يقرروا ذلك بان يزيدوا من رأس المال منهم أو من بعضهم أو أن يدخلوا مساهمين جدد، و تنعقد شركة جديدة، فلهم أن يجعلوا حق الأولوية لهم أو لبعضهم في امتلاك الأسهم الجديدة امتيازا لهم. كما أن حق الشفعة حق مقرر في الشرع. و هو هنا حق للمساهمين القدامي في أن يكونوا أولي من غيرهم بشراء الأسهم الجديدة، فلا بأس بهذا الامتياز «1».

4- أسهم التمتع في الفقه الإسلامي:

و هي الأسهم التي استهلكت قيمتها بأن ردت إلي أصحابها مع البقاء في الشركة، و يتم بعدة طرائق كأن تسحب الشركة جزءاً من الأسهم و تعطي قيمتها لأصحابها أو تسحبها من التداول بطريقة القرعة، و يبقي لأصحابها أسهم تسمي (أسهم التمتع) حيث يحق لهم التمتع بأخذ نصيب من الأرباح أقل من أسهم

______________________________

(1) د. الخياط. عبد العزيز، الأسهم و السندات، مصدر سابق، ص 209.

المعاملات المصرفية، ص: 218

رأس المال و

تبيح لهم المشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية.

و هذه الأسهم بالنسبة إلي القيمة التي أعطيت إلي المساهم تنقسم:

أ- أما أن تكون القيمة التي أعطيت للمساهم هي القيمة الحقيقية للسهم. فحينئذٍ لا يجوز أخذ الربح، سواء أ كانت أقل من القيمة الاسمية أو أعلي فإن صلته بالشركة تكون قد انتهت، و يكون المساهم (رب المال) قد استوفي من المال ما يوازي حصته، التي تتمثل في رأس المال المدفوع و حقه في موجودات الشركة و رأس مالها الاحتياطي، أو أي حق آخر، فلا يستحق بعد ذلك شيئاً من ربح الشركة، و الربح كما هو مقرر شرعاً يستحق بالمال أو بالعمل «1»، و هو قد أخرج من الشركة فلا اشتراك في عقدها و لا مال و لا عمل فلا استحقاق للربح و بالتالي فلا يصح إصدار سهم التمتع في هذه الحال.

ب- و إما أن تكون هي القيمة الاسمية فينظر:

1- إذا كانت القيمة التي أعطيت للمساهم أقل من قيمة السهم الحقيقية، فإن علاقة الشريك المساهم بالشركة تظل قائمة إذا أخذ قيمة السهم الاسمية و هو رأس ماله المدفوع في بدء قيامها فيبقي له حق في موجوداتها و في رأس مالها الاحتياطي و في أي حق آخر غير رأس ماله الذي استرده. فيستحق حينئذٍ جزءاً من أرباحها و لو كان أقل من أرباح أولئك الذين لم يأخذوا قيمة أسهمهم منها لأن الربح هنا استحق بالمال الذي بقي له في الشركة فلا بأس بإصدار سهم التمتع في هذه الحال و أخذ الربح عليه.

2- أما إذا أعطيت للمساهم القيمة الاسمية و كانت أعلي من القيمة الحقيقية للسهم فإنه لا يبقي له حق في الشركة لأنه استوفي رأس ماله كاملًا غير منقوص و انقطع

عن الشركة. فإذا ربحت بعد ذلك فلا حق له في أرباحها لعدم وجود السبب الذي يستحق به الربح

______________________________

(1) الخفيف. علي، الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 22.

المعاملات المصرفية، ص: 219

شرعاً، فلا يجوز حينئذٍ سهم التمتع في هذه الحال لأن استحقاق الربح في الشركة أما بالمال و أما بالعمل و استحقاقه بالمال لأنه يعد نماء للمال، فوجب أن يكون لمالكه. و بناء علي ذلك استحق رب المال في المضاربة ما يشرط له من ربح «1».

الفريق الثاني: المحرمون من الأسهم و تداولها:

ينظر هذا الفريق إلي الأسهم علي أنها:

1- تمثل ثمن الشركة في وقت تقديرها و لا تمثل رأس مال الشركة عند إنشائها. و قد أوضحنا أن قيمة السهم الحقيقية قد ترتفع عن قيمته الاسمية لعدة أسباب منها نجاح الشركة و كثرة أرباحها و زيادة رأس مالها الاحتياطي، و قد يحدث العكس و لا بأس به كما مر سابقاً.

2- هي جزء من كيان الشركة أي بمثابة سندات بقيمة موجوداتها، و لذلك لا تكون جزءاً من رأس المال. و قد ردّ بأن الأسهم هي عبارة عن جزء من رأس مال الشركة.

3- ليست الأسهم موحدة القيمة في كل السنين بل تتفاوت قيمتها و تتغير. و علي ذلك فالسهم لا يمثل رأس المال المدفوع عند تأسيس الشركة، و إنما يمثل رأس مالها حين البيع. و قد بينت أن قيمة السهم ترتفع و تنخفض حسب نجاح الشركة أو فشلها، و لا محذور في ذلك.

فضلًا عن ذلك أجاز المحرمون للأسهم إصدار العملة الورقية التي تصدرها الدولة و هي تخضع في الأسواق العالمية للعرض و الطلب و الهزات المالية و السياسية فترتفع قيمتها و تنخفض، فهؤلاء الذين يحرمون اصدار الأسهم و التعامل بها، لا يقوم رأيهم علي دراسة

واقع الأسهم حيث ينبغي أن يفرق بين صحة الشي ء في ذاته و بين ما يعرض له مما ليس في ذاته فيجعله فاسداً. و يمكن أن يصحح فساده بإزالة سببه كأن تتعامل شركة الأسهم ببيع الخمر أو تتعامل بالربا، فالشركة صحيحة لكن التعامل بالربا أو ببيع الخمر باطل «2»

______________________________

(1) الخفيف. علي، الشركات في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 22.

(2) د. الخفاجي. محمد عبد المنعم، الإسلام و نظريته الاقتصادية، مصدر سابق، ص 170.

المعاملات المصرفية، ص: 220

المبحث الثاني: السندات:

الفرع الأول: السندات في القانون التجاري:
أولًا: تعريف السند:

السند: (عبارة عن صك يمثل ديناً علي الهيئة التي أصدرته سواء أ كانت إحدي الشركات أو هيئة حكومية، و يتعلق بقرض طويل الأجل) «1». و يعدّ حامل السند دائناً لهذه الهيئة له حق قبلها، مضمون بجميع ممتلكاتها، و يعقد عادة بطريقة الاكتتاب العام.

و الباعث علي إصدار السندات لشركة أو هيئة ما شعور بحاجة إلي مال بسبب عجز طارئ أو بقصد توسيع مشاريعها، فتعمد من أجل زيادة رأسمالها إلي الاقتراض، و الإعلان عن المبلغ الذي تحتاجه و تقسيمه إلي أجزاء متساوية القيمة و تحديد أجل طويل للدفع لقاء فوائد ثابتة «2».

ثانياً: الفرق بين السند و القرض:

يختلف السند عن القرض بقابليته للتداول، فعند ما يقدم المصرف

قرضاً لأحد زبائنه، فإنه يظل محتفظاً به لحين استحقاقه. أما السند

فيمكن بيعه و هذا التمييز له أهمية خاصة، فهو يسمح لحملة السندات

الذين قد يحتاجون إلي أموالهم قبل مواعيد استحقاقها التصرف بها و تحصيل قيمتها فوراً.

و تستعمل السندات في عدة دول كوسيلة لضبط الائتمان و عرض النقد بالسوق، و تقوم البنوك المركزية بإصدارها لتقليص حجم السيولة و السيطرة علي التضخم بالاقتصاد «3»

______________________________

(1) قنديل. عبد الحميد، محاسبة البنوك التجارية، مصدر سابق، ص 52.

أيضاً: زكي زكي تكلا، أعمال قسم الأوراق المالية بالبنوك، مصدر سابق، ص 7.

(2) د. مراد كاظم، البورصة و أفضل الطرق في نجاح الاستثمارات المالية، مصدر سابق، ص 31.

(3) محمد صالح جابر، الاستثمار بالأسهم و السندات، مصدر سابق، ص 41.

المعاملات المصرفية، ص: 221

ثالثاً: الفرق بين السند و السهم: «1»

1- ليس لحامل السند التدخل في إدارة الشركة، و ليس له حضور جمعياتها العمومية، بينما هذا الحق مخول لحامل السهم.

2- لحامل السند حق الحصول علي فائدة ثابتة سنوياً، و لو لم تنتج الشركة أرباحاً. في حين أن حامل السهم يحصل

علي ربح متغير حسب حالة الشركة.

3- لحامل السند أن يحصل علي قيمته عند انتهاء الأجل المتفق عليه. أما السهم فلا ترد قيمته طالما أن الشركة قائمة إلا في حال استهلاك الأسهم التي قد تلجأ الشركة إليها.

4- لحامل السند ضمان عام علي أموال الشركة فلا يستولي أصحاب الأسهم علي قيمتها إلا بعد أن يحصل حامل السند علي قيمة السند و فوائده المستحقة.

رابعاً: حقوق حاملي السندات: «2»

يتمتع حامل السند بالحقوق الآتية:

1- يستحق حامل السند فائدة سنوية ثابتة ج تحدد عند الإصدار ج و لو لم تنتج. الشركة أرباحاً.

2- استيفاء قيمة السند عند حلول الأجل.

3- إقامة دعوي الإفلاس علي الشركة عند تأخرها عن دفع قيمة السندات.

4- وضع السند في التداول وفقاً للأصُول التجارية، فإذا كان السند للحامل باعه للآخرين بمجرد التسليم و إذا كان اسمياً سجل البيع في سجلات الشركة، و إذا كان للآمر نقل ملكيته بالتظهير.

و بصورة عامة يتمتع حامل السند بجميع الحقوق التي يتمتع بها الدائن

______________________________

(1) المصدر نفسه.

(2) د. مراد كاظم، البورصة و أفضل الطرق في نجاح الاستثمارات المالية، مصدر سابق، ص 34.

أيضاً: زكي زكي تكلا، أعمال قسم الأوراق المالية بالبنوك، مصدر سابق، ص 7.

المعاملات المصرفية، ص: 222

اتجاه مدينه.

الفرع الثاني: السندات في الفقه الإسلامي:
اشارة

افترق الباحثون في رأي الفقه الإسلامي في الاستثمار بالسندات إلي رأيين هما:

الرأي الأول هو الحرمة:

من تعريف السند يتضح أنه عبارة عن قرض بفائدة معينة لا يتبع الربح و الخسارة، فأساسه تطبيق للمعاملات الربوية، و يحمل فائدة ربوية يرتبط بها من البداية بفائدة ثابتة هي من الربا. و من الواضح أن السند أداة لقرض يأخذه مصدره، ثمّ يسدده بفائدة ربوية يأخذها حامله. و من ذلك نجد أن السند جزء من مال مقترض، و مصدره مدين لحامله، و يتقاضي حامل السند فائدة محددة بصرف النظر عن الربح أو الخسارة.

و عند تصفية المشروع تكون الأولوية في السداد لحامل السند، لأنه دائن و حامل السند لا يسهم بنشاط ما في المشروع الذي يحمل بعض سنداته و له أن يطلب إشهار الإفلاس عند توقف مصدر السند عن الدفع، و من هذا يتبين أن إصدار السندات و التعامل بها محذور شرعاً «1».

الرأي الثاني هو الجواز:
اشارة

هنالك عدة تخريجات للباحثين في جواز الاستثمار بالسندات و هي:

أولًا: التخريج علي عقد المضاربة:
اشارة

يري بعض الباحثين أن السندات عبارة عن شركة مضاربة، و يجب أن يطبق عليها حكم المضاربة في الإسلام «2». و معني صاحب المال في المضاربة

______________________________

(1) د. النجار. عبد الهادي، الإسلام و الاقتصاد، مصدر سابق، ص 115.

أيضاً: د. الخفاجي. محمد عبد المنعم، الإسلام و نظريته الاقتصادية، مصدر سابق، ص 171.

أيضاً: المصري. عبد السميع، نظرية الإسلام الاقتصادية، مصدر سابق، ص 77.

أيضاً: د. الساهي. شوقي عبده، المال و طرق استثماره في الإسلام، مصدر سابق، ص 223.

(2) د. النمر. عبد المنعم، الاجتهاد، مصدر سابق، ص 309.

المعاملات المصرفية، ص: 223

يتحقق في صاحب السند، و تعدد أصحاب السندات و الجهات العاملة في المؤسسة التي تطرح السندات، جائز كتعدد المضاربين.

اعتراض:

ما يعترض علي هذا التخريج:

1- مسألة الربح

اتفق الفقهاء علي أن الحصة المشروطة للعامل من الربح أو لرب المال في المضاربة يشترط فيها أن تكون مقدرة بنسبة معينة من الربح كالثلث و الربع و السدس و ما شابه ذلك. و متي جعل نصيب أحد المتعاقدين دراهم معلومة كانت المضاربة باطلة باتفاق الفقهاء «1» بخلاف السند فإن له حصة ثابتة معينة من الفائدة.

رد الاعتراض:

و ردّ الاعتراض بأن الشروط التي اتفق عليها في المضاربة في كتب الفقه هي شروط اجتهادية مستنبطة من القواعد الشرعية العامة لا من نصوص شرعية خاصة بها من القرآن أو السنة، و أن صورة القراض البدائية التي كانت معروفة لأولئك الفقهاء كان يراعي فيها شرط كون الربح نسبة معينة لأنها هي التي يكون فيها الاحتمال الموجب لهذا الشرط احتمالًا قريباً يعتد به عرفاً و شرعاً في بناء الحكم في محله علي مقتضاه، بخلاف المضاربة التي تكون بين الأفراد و المؤسسات العامة، التي يجري فيها استثمار المال علي طرائق علمية مدروسة فإنها ليست محلًا

لهذا الشرط، لأن الاحتمال الموجب لاشتراطه لا يجري فيها، فلا مبرر إذاً لاشتراطه في هذه المعاملة و تطبيقه عليها، لأنه ليس شرطاً تعبدياً

______________________________

(1) البجيرمي، حاشية البجيرمي علي المنهج، الطبعة الأخيرة، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1369 ه- 1950 م، 3/ 148.

أيضاً: الحر العاملي، مفتاح الكرامة، مصدر سابق، 7/ 454.

أيضاً: المرداوي، الإنصاف، مصدر سابق، 5/ 412.

أيضاً: محمد علاء الدين افندي، تكملة رد المحتار علي الدر المختار، مصدر سابق، 8/ 284.

المعاملات المصرفية، ص: 224

يجب التزامه في كل قراض كيفما كانت صورته و كيفيته «1».

و للشيخ محمد عبده رأي يؤيد ذلك إذ يقول «2»: (و لا يدخل فيه أيضاً ج في الربا المحرم الذي لا يشك فيه- من يعطي آخر مالًا يستغله من كسبه حظاً معيناً، لأن مخالفة قواعد الفقهاء في جعل الحظ معيناً، قلّ الربح أو كثر لا يدخل ذلك في الربا الجلي المركب المخرب للبيوت لأن هذه المعاملة نافعة للعامل و لصاحب المال معاً، و ذلك الربا ضار بواحد بلا ذنب سوي الاضطرار و نافع لآخر بلا عمل سوي القسوة و الطمع. فلا يمكن أن يكون حكمهما في عدل الله واحداً.

و ذهب الشيخ عبد الوهاب خلاف إلي أن اشتراط الفقهاء لصحة المضاربة ألا يكون لأحدهما من الربح نصيب معين، اشتراط لا دليل عليه، كما يصح أن يكون الربح بينهما بالنسبة، يصح أن يكون حظاً معيناً فقال «3»: (إذا أعطي إنسان ألف جنيه لتاجر أو مقاول ليعمل بها تجارته أو أعماله، علي أن يتجر بها و يعمل فيها و يعطيه كل سنة خمسين جنيها، أري أن هذه مضاربة و شركة بين اثنين، فأحدهما شريك بماله، و الآخر شريك بعمله أو بعمله و ماله معاً، و

الربح الذي يربحه التاجر أو المقاول هو ربح المال و العمل معاً، و الخمسون جنيهاً التي يأخذها صاحب المال هي من ربح ماله، و ليس في أخذها ظلم للتاجر أو المقاول، بل هو مشاركة له في نماء ربحه بالمال و العمل معاً.

و الاعتراض علي ذلك، هو أن المضاربة يشترط لصحتها أن يكون الربح نسبياً لا قدراً معيناً. ورد هذا الاعتراض بوجوه:

الأول: إن هذا الاشتراط لا دليل عليه في القرآن أو السنة، و المضاربة تكون حسب اتفاق الشركاء و نحن الآن في زمان ضعف فيه ذمم الناس، و لو لم يكن

______________________________

(1) د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 143.

(2) محمد رشيد رضا، تفسير المنار، مصدر سابق، 3/ 116.

(3) مجلة لواء الإسلام، العدد (11، 12)، السنة الرابعة، 1951 م، 1380 ه، مصدر سابق، ص 726، 906.

المعاملات المصرفية، ص: 225

لرب المال نصيب معين من الربح أكله شريكه.

ثانياً: نص الفقهاء علي أن المضاربة إذا فسدت لفقد شرط من شروطها صار العامل بمنزلة أجير لرب المال، و صار ما يأخذه من الربح بمنزلة أجره، فليكن هذا و سيان أن يكون مضاربة أو يكون إجارة فهذا تعامل صحيح فيه نفع لرب المال الذي لا خبرة له في استثمار ماله بنفسه، و فيه نفع للتاجر الماهر أو المقاول الناجح علي أن يكون له رأس مال يعمل فيه و يربح. فهو تعامل نافع للجانبين و ليس فيه ظلم لأحدهما و لا لأحد من الناس، وسد هذا الباب من التعاون فيه أضرار، فقال (عليه الصلاة و السلام): (لا ضرر و لا ضرار) «1».

مناقشة رد الاعتراض:

و الرد علي الاعتراض هنالك نصوص شرعية في الفقه الإمامي تثبيت كون

الربح في المضاربة حصة مشاعة بين الطرفين منها:

1- عن أبي جعفر (عليه السلام) (قضي علي (عليه السلام) في تاجر اتجر بمال و اشترط نصف الربح فليس علي المضاربة ضمان) «2».

2- و عن إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن مال المضاربة، قال: (الربح بينهما و الوضيعة علي المال) «3» و غيرها من الأحاديث التي تثبت الربح حصة مشاعة بين رب المال و المضارب (العامل).

أما ما ورد من دليل مشروعية القراض فهو إقرار الرسول (صلّي الله عليه و آله و سلّم) لهذه المعاملة، و إن ما استند إليه من شروطها اجتهادية. يرد هو أن من يعلم أن الرسول الكريم (صلّي الله عليه و آله و سلّم) يقر التعامل بالقراض لو لم تكن حصة الطرفين من الربح جزءاً شائعاً منه؟

فضلًا عن أن اتفاق الفقهاء و المذاهب علي أن اشتراط نصيب أحد

______________________________

(1) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، 3/ 147.

(2) الحر العاملي، وسائل الشيعة لتحصيل مسائل الشريعة، مصدر سابق، 6/ 185.

(3) المصدر نفسه، 6/ 186.

المعاملات المصرفية، ص: 226

المتعاقدين من الربح مقدار معلوم كانت المضاربة باطلة.

و أما كون المضاربة إذا فسدت لفقد شرط من شروطها صار العامل بمنزلة أجير لرب المال و صار ما يأخذه من الربح بمنزلة أجرة «1». و قول الشيخ عبد الوهاب خلاف (سيان أن يكون مضاربة أو إجارة فهو تعامل صحيح فيه نفع لرب المال و للعامل).

و الجواب، أن أجرة العامل تبقي غير محددة بمقدار معين، لأن العامل يأخذ أجرة مثله، و الباقي يأخذه صاحب رأس المال فيما إذا انعقدت مضاربة و انقلبت إجارة مع العلم أن الفائدة علي السندات تكون بمقدار ثابت محدد.

2- مسألة الضمان:

إن المضاربة مبنية علي الأمانة

و الوكالة، و يكون المال أمانة في يد العامل عند قبضه، و هو وكيل عن رب المال. فالأصل فيه إذا أهلك من دون تعمد منه و لا تقصير هلك علي صاحبه. لذلك لا يجوز لرب المال أن يشترط علي المضارب ضمان ماله، فإذا اشترط ذلك كانت المضاربة فاسدة عند أحمد و الشافعية و الإمامية، و الشرط فاسد و المضاربة صحيحة عند الحنفية و مالك «2».

مع العلم أن لحامل السند الضمان علي الجهة التي أصدرته سواء ربحت تلك الجهة أم خسرت.

و قد صحح الدكتور غريب الجمال الضمان في السندات. بتبرع المصرف

______________________________

(1) محمد علاء الدين أفندي، تكملة رد المحتار علي الدر المختار، مصدر سابق، 8/ 279.

أيضاً: الحر العاملي، مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة، مصدر سابق، 7/ 438.

أيضاً: الزرقاني، شرح موطأ الإمام مالك، مصدر سابق، 4/ 327.

أيضاً: المرداوي، الإنصاف، مصدر سابق، 5/ 429.

أيضاً: الرملي، نهاية المحتاج شرح ألفاظ المنهاج، مصدر سابق، 5/ 228.

(2) ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، 8، 162.

أيضاً: الحر العاملي، مفتاح الكرامة، مصدر سابق، 7/ 425.

أيضاً: العيني، البناية في شرح الهداية، مصدر سابق، 7/ 654.

أيضاً: مالك بن أنس، المدونة الكبري، مصدر سابق، 5/ 109.

المعاملات المصرفية، ص: 227

بسلامة رأس المال لصاحبه و الوفاء بما اشترط له من ربح علي أي وضع انتهي إليه الاستثمار و هو ضمان تبرع به المصرف اختياراً بين رب المال و الجهة المصدرة للسند المستثمرة «1».

و الاعتراض علي هذا التصحيح بأن ضمان المصرف لا يصح لعدم توفر ما يشترط في المال المضمون من شروط. كما لا يسلم القول بالتبرع بضمان ما ليس مضموناً في الأصل من الرد. فإن عقود الأمانات كالمضاربة و الشركة و الوكالة و الوديعة، لا يجوز الضمان فيها عند التلف

«2». فضلًا عن أن رب المال قد تعاقد مع المصرف في استثمار ماله، فكيف يتبرع بالضمان؟ مع العلم أن من قال بتبرع المصرف جعله طرفاً وسيطاً بين أرباب الأموال و المضاربين.

التخريج الثاني: عقد مستحدث:

يستند هذا الرأي إلي أن هذه المعاملة لم تكن موجودة في عهد نزول التشريع الإسلامي، فتأخذ حكم المسكوت عنه، و هو أن الأصل في المنافع الإباحة و في المضار الحظر، فتكون مباحة شرعاً. لأن استثمار المال بالسندات معاملة نافعة لكل من العامل (أي المصرف) و أرباب المال، فالعامل يحصل علي ثمرة عمله، و رب المال يحصل علي ثمرة ماله. فالرأي بتحريم ربح السند، بناء علي أنها فوائد قروض رأي مبني علي أساس مخالف للواقع و للقواعد المقررة في الفقه و أصوله.

أما مخالفته للواقع، فلئن هذه الأموال لا تدفع و لا تؤخذ علي أنها قروض أو ديون بالمعني الشرعي لكل منها. و إنما تدفع و تؤخذ علي أنها رءوس أموال تستثمر في مشروعات تجارية دون نظر من الدافع و الأخذ إلي أسمائها.

و أما مخالفته للقواعد المقررة في الفقه و أصوله فلئن الحكم الشرعي إنما يتعلق بأفعال العباد بحقائقها لا بأسمائها، أي أن العبرة بالمسميات لا

______________________________

(1) المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 149.

(2) الخفيف. علي، الضمان في الفقه الإسلامي، مصدر سابق، ص 21.

المعاملات المصرفية، ص: 228

بالأسماء «1».

و الجواب عن هذا الرأي أنه قد خالف الواقع و القواعد، فالواقع لا تدفع و لا تؤخذ أموال السندات إلا علي أنها قروض.

و أما مخالفته للقواعد، فلئن المقرر أن الحكم الشرعي إنما يتعلق بأفعال العباد بحقائقها لا بأسمائها. و حقيقة السند هو عبارة عن قرض، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء علي أنها أموال مستثمرة.

و ما قيل من

أن نصيب رب المال في الربح معلوم القدر ابتداءً في هذا التخريج، لأنه مقدر بنسبة مئوية من رأس المال، و هذا قد يؤدي إلي ضرر العامل (و هو المصرف) لاحتمال أن المال لا يربح إلا القدر المجعول لربه فيأخذه كاملًا و يضيع ثمرة استثماره له، و هذه المعاملة ممنوعة شرعاً بمقتضي حكم المسكوت عنه لاشتمالها علي الضرر.

يقال إن واقع هذه المعاملة يفيد الظن القوي بل اليقين بأن هذا الاحتمال نادر الوقوع فيها، و أن الكثير الغالب هو حصول المصرف علي نصيب وافر من أرباح الاستثمار. و إنكار هذا الواقع أو التشكيك فيه مكابرة لا يلتفت إليها «2».

اعتراض علي أصل التخريج:

و يعترض علي أصل هذا التخريج: أن العقد إذا كان له اشتراك بعقد معين من العقود المعروفة شرعاً الحق به. فعقد الاستثمار في السندات هو محل بحثنا إذ يري له اشتراك و شبه بعقد المضاربة من ناحية أن المال في كل منهما من طرف و العمل فيه من طرف آخر و الاشتراك في أركان العقد و عناصره و معناه و غرض المتعاقدين منه. وجب حينئذٍ إلحاقه بشبيهه، و عدّه صورة من صور المضاربة. إذ ليس بعد هذا الوفاق اختلاف جوهري يستوجب التغاير و التعدد،

______________________________

(1) د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 140.

(2) د. الجمال. غريب، المصارف و الأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية و القانون، مصدر سابق، ص 139.

المعاملات المصرفية، ص: 229

و لذا يكون لهذه الصورة عندئذ ما رتبه الفقهاء علي عقد المضاربة. و لما كان تخريج السندات علي عقد المضاربة غير جائز لمحذوريتها. فلا يجوز تخريجها لكونها عقداً مستحدثاً مباحاً.

التخريج الثالث: عقد قرض:

هناك من أباح إصدار السندات و التعامل معها

علي أنها قروض، فالدكتور عبد العزيز الخياط «1» عدّ السند عبارة عن قرض، و زعم أن قاعدة كل قرض جر نفعاً ليس لها أصل و ان هذا الحديث منكر، رده بعض علماء الحديث فلا أصل له و لا يعمل به. و ان النفع المعين المشروط في القرض ليس من الربا لأن آية الربا مجملة. و ذهب إلي جواز نفع القرض المشروط أو غير المشروط. و أكد قوله بأن الفقهاء الأحناف المتأخرين أجازوا تحديد السلطان منفعة مالية علي القروض تعقد بعقد ملحق نظراً للحاجة. و لم يجيزوا للناس أن يتجاوزوا الفائدة التي حددها السلطان وسموا هذا البيع ب (بيع المعاملة) «2». و لكن اشترط أن تكون نسبة الربح شائعة، أما إذا كانت معينة و محددة فهي موضع خلاف و الأصح عدم جوازها. و علي هذا يكون طرح السندات بطريقة الاكتتاب جائزاً شرعاً عنده.

مناقشة هذا الرأي:

لا نوافق الدكتور الخياط فيما ذهب إليه، فإن القرض المشروط النفع هو من الأصول الربوية المحرمة. و أما القرض الذي يجر نفعاً فيفصل فيه: إن كان النفع مشروطاً فيلحق بالقرض الربوي، و إن كان النفع غير مشروط فهو جائز، اعتماداً علي فعل النبي (صلّي الله عليه و آله و سلّم) الذي كان يقضي الدين و يزيد في قضائه. و أما تأكيده بجواز تحديد السلطان منفعة مالية علي القروض للحاجة، فإن هذه الفتوي من بعض متأخري الحنفية بجواز بيع المعاملة لا يرقي إلي مستوي الدليل

______________________________

(1) الأسهم و السندات، مصدر سابق، ص 214.

(2) ابن نجيم، الأشباه و النظائر، مصدر سابق، ص 41.

أيضاً: ابن عابدين، رد المحتار علي الدر المختار، مصدر سابق، 4/ 175.

المعاملات المصرفية، ص: 230

الشرعي، إذ لا اجتهاد في معرض النص، و لا

سيما و أن المسألة خلافية فقد جاء في رد المحتار عبارة (و عليها العمل). فضلًا عن أن بيع المعاملة محل نظر. حيث أن البائع يجعل لنفسه بشرط الوفاء الحق في أخذ السلعة و رجوعها إلي ملكه متي رد الثمن إلي المشتري في المدة التي يتفقان عليها. و علي هذا لا يكون الملك المستفاد من هذا البيع مستقراً في تلك المدة. فقد يزول إذا قدر البائع علي الثمن، و رغب في رده إلي المشتري. و قد يستمر إذا لم يقدر علي الثمن أو قدر و لكنه لم يرغب في رده. هذا بلا ريب يخالف حكم البيع المطلق و ينافي مقتضاه، لأن مقتضاه ثبوت الملك في كل من العرضين علي وجه اللزوم و الاستقرار بحيث لا يكون للبائع سلطان علي أخذ المبيع و استرداده من دون رضا المشتري. و فوق هذا أنه يتضمن فائدة مقصودة للشارط و هو البائع إذ به يتوصل إلي إرجاع ملكه الذي قد يكون راغباً في بقائه. كما أنه لم يرد عن الشارع ما يدل علي جوازه. و لكن جري العرف و التعامل به «1».

التخريج الرابع: للضرورة:

يري بعض الكتاب أن السندات هي قرض بفائدة معينة لا تتبع الربح و الخسارة و لا يبيحها الإسلام إلا إذا دعت الضرورة لذلك. فالشيخ محمود شلتوت قال «2»: (و أما السندات و هي القرض بفائدة معينة فلا تتبع الربح و الخسارة، فإن الإسلام لا يبيحها إلا حيث دعت إليها الضرورة الواضحة، التي تفوق أضرار السندات التي يعرفها الناس و يقررها الاقتصاديون).

و يظهر من رأيه هذا تضارب أو شبهة في إفتائه بحل أرباح صندوق التوفير المحددة مقدماً و بين هذا الرأي. حيث أنه في السندات يعدّها قرضاً بفائدة معينة،

و هي لذلك لا تجوز إلا عند الضرورة. و المعاملتان في موضوعهما و وظيفتهما واحدة، فالمال المقدم من الشخص إلي صندوق التوفير، أو في

______________________________

(1) د. زكي الدين شعبان، الشروط الشائعة في المعاملات و أحكامها في الشريعة و القانون، مصدر سابق، 1957 م، ص 361.

(2) الفتاوي، مصدر سابق، ص 348- 349.

المعاملات المصرفية، ص: 231

السندات التي تطرحها الحكومة أو الشركة تعد قرضاً.

أما الفائدة المأخوذة فهي محددة مقدماً لا تتوقف علي الربح أو الخسارة. و لذلك أري أن المعاملتين واحدة لا فرقَ بينهما في الحكم، مع أنه لم يبح التعامل في السندات إلا للضرورة.

و قد ذهب الدكتور محمد يوسف موسي إلي إثبات ضرورة التعامل بالسندات حيث قال «1»: (إنني أري و العلم لله وحده، أنه لا يجوز شرعاً أن يتوسع تاجرٌ أو صانع أو صاحب أي مؤسسة أو شركة في أعماله معتمداً علي الاقتراض بفائدة و لكن هنالك مشاريع عمرانية لا بد منها للبلد تقوم بها الدولة أو بعض الأفراد، و هنالك شركات صناعية تقوم بأعمال حيوية للأمة لا تستغني عنها بحال، و يتوقف علي هذه الأعمال كثير من المرافق العامة القومية. فهذه المشروعات و الشركات و المؤسسات العامة و أمثالها يجب أن يسندها القادرون بالمساهمة فيها علي الوجه الذي لا خلاف في جوازه شرعاً، أي بأن يكونوا أصحاب أسهم لا سندات، فإن لم يكن هذا ممكناً و كان من الضروري أن تظل قائمة بأعمالها التي لا غني للأمة عنها، كان لها شرعاً إصدار سندات بفائدة مضمونة تدفع من الأرباح التي لا شك في الحصول عليها من المشروع، ما دام لا وسيلة غير هذه تضمن لها البقاء، و ما دام وجودها و بقاؤها ضرورياً للأمة).

و الدكتور عبد العزيز

الخياط أباح السندات للضرورة، و الحاجة المنزلة بمنزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة «2». و قد بحثنا موضوع الضرورة في شبهات بشأن جواز أخذ الفائدة أو الربا، و لا داعي للتكرار و لما كانت ضرورة السندات للأمة لا للأفراد فلا تتصور هذه الضرورة من حيث الواقع. لأن الأمة إذا كانت محتاجة إلي المال، فلولي الأمر أن يأخذ الأموال من موارد أخري حتي و لو كان كرها. أما الضرورة بالنسبة لحاملها الذي هو المقرض فلا تتصور لأنه هو ما كان

______________________________

(1) الإسلام و مشكلاتنا الحاضرة، مصدر سابق، ص 62.

(2) الأسهم و السندات، مصدر سابق، ص 216.

المعاملات المصرفية، ص: 232

عنده من المال أكثر من حاجته فلا ضرورة للتعامل بالسندات، و لا ضرورة لإصدارها.

النتيجة:

و من ذلك، يتبين رأي الفقه الإسلامي في كل من الأسهم و السندات: فيجوز إصدار الأسهم و التعامل بها، كما يجوز استثمار المصرف أمواله بها. و كذلك تقديم مساعدة ممكنة لترويج بيع الأسهم للشركة مقابل عمولة. و هذه المعاملة تكيف بالوكالة بأجر أو بالجعالة علي ذلك. و يستحق المصرف عمولة جائزة مقابل تقديمه المساعدة.

أما السندات، فلا يجوز إصدار الشركات و المؤسسات أو الهيئات لها، و كذلك استثمار المصرف أمواله بها، و تقديم مساعدة لترويج بيعها مقابل إجارة أو جعالة، فإنها تمثل قرضاً بزيادة مشروطة و هي فائدة ربوية محرمة، و إن كانت بنحو الشركة.

المعاملات المصرفية، ص: 233

الخاتمة و تحتوي علي النتائج التي توصل الباحث إليها:

1- إن الأعمال المصرفية لها جذور تاريخية في الحضارة العربية و الإسلامية.

2- إن تباين المعاملات المصرفية مع الشريعة الإسلامية ليست واردة بالنسبة للغايات المستهدفة من المعاملات، بل هي قائمة في الوسائل المتبعة لتحقيق تلك الغايات.

3- إن الإسلام عين الوحدات النقدية التي يعبر بها المجتمع الإسلامي عن تقدير القيم للأشياء

و الجهود تعييناً ثابتاً، و الذي يتم مبادلته بالسلع في جنس معين إنما هو الذهب و الفضة و خصهما من دون غيرهما. و لكن جوز استعمال بدلهما كوسيط للتبادل بين الناس.

4- إن النقود إذا كانت من الذهب أو الفضة أو معتمدة علي الذهب أو الفضة يقع فيها أحكام الصرف و ربا البيع.

5- العملات الورقية التي تكون أساسها الاعتبار القانوني هي من المعدودات فلا يقع فيها ربا البيع و لا تشملها أحكام الصرف.

6- لا بأس بالإيداع في المصارف و لا مانع منه شرعاً، بشرط عدم الحصول علي الفائدة بلا فرق بين الإيداع الثابت أو المتحرك أو التوفير.

7- إن الخدمات المصرفية من بيع و شراء العملات الأجنبية و الحوالات المصرفية، و الخزائن الحديدية، و الشيكات السياحية و تحصيل الأوراق التجارية لا بأس بها و يجوز أخذ المصرف عمولة عليها.

8- إن شبهات الربا تقع في صور الاعتماد المصرفي، و لا سيما في الاعتماد المصرفي بالوفاء في معاملتي القرض و فتح الاعتماد.

و إن المعاملات الباقية المندرجة في الاعتماد المصرفي سواء أ كان بالوفاء أم بالضمان و إن كيفت بتخريجات شرعية ما زالت حمي شبهات الربا تدور حولها.

المعاملات المصرفية، ص: 234

9- إن استثمار أموال المصرف أو أموال عملائه في الأوراق التجارية من الأسهم جائز شرعاً. أما السندات فلا يجوز ذلك فيها.

10- لا يمكن الجزم بأن المجتمع سينهدم إذا ما خلت معاملاته من تلك الفوائد الموضوعة في بعض المعاملات المصرفية لشبهات الربا. و العكس هو الصحيح.

المعاملات المصرفية، ص: 235

كشاف المراجع و المصادر

1- القرآن الكريم

2- التوراة ج العهد القديم

3- إنجيل لوقا ج العهد الجديد

أولًا: كتب التفسير:

4- ابن كثير. عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت: 774 ه)، تفسير القرآن العظيم، الطبعة

الأولي، دار الفكر، بيروت، 1389 ه- 1970 م.

5- الآلوسي. أبو الفضل شهاب الدين محمود البغدادي (ت: 1270 ه)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني، نشره و علق عليه السيد محمود شكري الآلوسي، دار إحياء التراث العربي، إدارة الطباعة المنيرية، بيروت.

6- الخازن. علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي الصوفي، تفسير الخازن المسمي لباب التأويل في معاني التنزيل، مطبعة دار الكتب العربية الكبري، إعادة طبعة بالأوفست، مكتبة المثني، بغداد.

7- سيد قطب، في ظلال القرآن، الطبعة السابعة، دار أحياء التراث العربي، بيروت 1391 ه- 1971 م.

8- الطبرسي. أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبعة الأولي، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1380 ه- 1961 م.

9- الطبري. أبو جعفر محمد بن جرير، جامع البيان في تفسير القرآن، الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة و النشر، بيروت، أوفست، 1392 ه- 1972 م.

10- القرطبي. أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار أحياء التراث العربي، بيروت، القاهرة.

11- الفخر الرازي. محمد فخر الدين ضياء الدين عمر المشتهر بخطيب الري،

المعاملات المصرفية، ص: 236

مفاتيح الغيب المشتهر بالتفسير الكبير، الطبعة الأولي، طبع المطبعة الشرفية، 1308 ه.

12- محمد رشيد رضا، تفسير المنار، الطبعة الثانية، دار المعرفة، بيروت.

13- المراغي. أحمد مصطفي، تفسير المراغي، الطبعة الثالثة، دار أحياء التراث العربي، بيروت، 1394 ه- 1974 م.

14- النسفي. أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، تفسير النسفي، الناشر، دار الكتاب العربي، بيروت.

ثانياً- كتب الحديث الشريف:

15- أبو بكر الهيثمي. نور الدين علي بن أبي بكر (ت: 807 ه)، مجمع الزوائد و منبع الفوائد، مكتبة القدس، القاهرة، 1352 ه.

16- أبو داود السجستاني. سليمان بن الاشعث بن إسحاق الأزدي، (ت: 275 ه)،

سنن أبو داود، دار الكتاب العربي، بيروت.

17- ابن ماجة. أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني (ت: 275 ه)، سنن ابن ماجة، دار أحياء الكتب العربية، حققه محمد فؤاد عبد الباقي، 1373 ه- 1953 م.

18- البيهقي. أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت: 458 ه)، السنن الكبري، الطبعة الأولي، دار الصادر، بيروت.

19- الحاكم النيسابوري، المستدرك علي الصحيحين، دار الفكر، بيروت، 1398 ه.

20- الحر العاملي. محمد بن الحسن (ت: 1104 ه)، وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة، صححه الرحيم الرباني، دار أحياء التراث العربي، بيروت.

21- الحسين بن مبارك، التجريد الصحيح لأحاديث الجامع الصحيح، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر.

المعاملات المصرفية، ص: 237

22- الشوكاني. محمد بن علي بن محمد، نيل الاوطار منتقي الأخبار من أحاديث سيد الأبرار، الطبعة الأخيرة، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر.

23- الشيخ الصدوق. أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ت: 381 ه)، من لا يحضره الفقيه، الطبعة الرابعة، حققه و صححه حسن الموسوي، دار الكتب الإسلامية، مطبعة النجف، 1378 ه.

24- الصنعاني. محمد بن إسماعيل الأمير اليميني (ت: 1182 ه)، سبل السلام شرح بلوغ المرام، صححه و علق عليه محمد عبد العزيز الخولي، دار الجيل، بيروت، 1400 ه- 1980 م.

أيضا، مطبعة الاستقامة، 1357 ه.

25- الشيخ الطوسي. أبو جعفر محمد بن الحسن (ت: 460 ه) الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، الطبعة الثانية، حققه و علق عليه حسن الموسوي، دار الكتب الإسلامية، مطبعة النجف، النجف، 1376 ه- 1956 م.

26 ج العيني. بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد (ت: 855 ه)، عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري، عنيت بنشره و تصحيحه و التعليق عليه إدارة الطباعة المنيرية، دار أحياء التراث

العربي، بيروت.

27- مالك. أبو عبد الله مالك بن أنس الاصبحي (ت: 179 ه)، موطأ مالك، رواية محمد بن الحسن الشيباني، الطبعة الثانية، تعليق و تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية، 1399 ه- 1979 م.

28 ج مسلم. أبو الحسين بن الحجاج بن مسلم القشيري، صحيح مسلم بشرح النووي، الطبعة الثانية، دار الفكر، بيروت. مسلم، صحيح مسلم، مطبعة محمد علي صبيح و أولاده، مصر.

29 ج النسائي. أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب الخرساني (ت: 303 ه)، سنن النسائي بشرح جلال الدين السيوطي و حاشية السندي، صححه حسن محمد المسعودي، المكتبة التجارية الكبري، المطبعة المصرية بالأزهر، مصر.

المعاملات المصرفية، ص: 238

ثالثاً- كتب الفقه:

أ- الإمامية:

30 ج الشهيد الثاني. زين الدين الجبعي العاملي (ت: 965 ه)، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، تصحيح و تعليق محمد كلانتر، منشورات جامعة النجف الدينية، مطبعة الآداب، النجف، 1387 ه- 1967 م.

31 ج الشيخ الطوسي. أبو جعفر محمد بن الحسن (ت: 460 ه)، النهاية، الطبعة الأولي، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، 1390 ه- 1970 م.

32 العلامة الحلي. الحسين بن يوسف المطهر (ت: 726 ه)، تذكرة الفقهاء، مطبعة النجف، 1374- 1955 م.

33- العاملي. محمد جواد بن محمد بن محمد الحسيني الموسوي (ت: 1226 ه)، مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، المطبعة الرضوية، مصر 1323 ه.

أيضا مطبعة الشوري، مصر، 1326 ه.

34- المحقق الحلي. أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (ت: 676 ه)، شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، الطبعة الأولي، تحقيق و إخراج و تعليق عبد الحسين محمد علي، مطبعة الآداب، النجف، 1389 ه- 1969 م.

35- المحقق الحلي، المختصر النافع في فقه الإمامية، مكتبة الأهلية، مطبعة النعمان، النجف، 1386 ه- 1966 م.

36- النجفي. محمد

حسن (ت: 1226 ه)، جواهر الكلام في شرائع الإسلام، الطبعة السادسة، دار الكتب الإسلامية، نجف، 1392 ه.

ب- الحنفية:

37- ابن عابدين. محمد أمين، رد المحتار علي الدر المختار، دار أحياء التراث العربي، بيروت.

38- ابن نجيم زين الدين (ت: 970 ه)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، الطبعة الأولي، المطبعة العلمية.

المعاملات المصرفية، ص: 239

39- الجصاص. أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي (ت: 370 ه)، أحكام القرآن، الطبعة الأولي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1335 ه.

40- السرخسي. شمس الدين، المبسوط الطبعة الثالثة، دار المعرفة، بيروت، 1398 ه- 1978 م.

41- السمرقندي. علاء الدين، تحفة الفقهاء، حققه و علق عليه محمد زكي عبد البر، الطبعة الأولي، مطبعة جامعة دمشق، 1377 ه- 1958 م.

42- عالمكير غازي. أبو مظفر محي الدين محمد اوزنك بهاء، الفتاوي الهندية، المسماة بالفتاوي العالمكيرية، الطبعة الثانية، مطبعة بولاق، مصر 1310 ه.

43- العيني. أبو محمد محمود بن أحمد، البناية في شرح الهداية، الطبعة الأولي، تصحيح محمد عمر الشهير بناصر الإسلام الرامفوري، دار الفكر، 1401 ه- 1981 م.

44 ج الكاساني. علاء الدين أبو بكر بن مسعود (ت: 587 ه)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتاب العربي، بيروت، أيضاً: مطبعة الإمام القاهرة.

45- محمد علاء الدين أفندي، تكملة رد المحتار علي الدر المختار، الطبعة الثانية، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1386 ه- 1966 م.

ج- الحنابلة:

46 ج ابن تيمية (ت: 728 ه)، القواعد النورانية الفقهية، تحقيق حامد الفقي، الطبعة الأولي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1370 ه- 1951 م.

47- ابن تيمية، نظرية العقد، تصحيح ابي عبد الرحمن ناصر الدين نوح نجاتي إلا لبناني، دمشق، 1368 ه- 1949 م.

48 ج ابن قدامة. موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد

(ت: 630 ه)، المغني، الطبعة الثانية، مطبعة المنار، مصر.

49- ابن قيم الجوزية. شمس الدين عبد الله محمد بن أبي بكر (ت: 751 ه)، إعلام الموقعين عن رب العالمين، علق عليه طه عبد الرءوف سعد، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، شركة الطباعة الفنية المتحدة، 1388 ه- 1968 م.

المعاملات المصرفية، ص: 240

50- البهوتي. منصور بن يونس بن إدريس (ت: 1051 ه)، كشاف القناع عن متن الإقناع، الناشر مكتبة النصر الحديثة، الرياض.

51- الفراء. أبو يعلي محمد بن الحسين الحنبلي، الأحكام السلطانية للقاضي، صححه و علق عليه حامد الفقي، مطبعة مصطفي الحلبي، مصر 1357 ه.

52 ج المقدسي. شمس الدين أبي الفرح عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد (ت: 682 ه)، الشرح الكبير، الطبعة الثانية، مطبعة المنار، مصر، 1347 ه.

53- المرداوي. علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان الحنبلي (ت: 885 ه)، الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف علي مذهب الإمام أحمد بن حنبل صححه و حققه محمد حامد الفقي، الطبعة الأولي، 1376 ه- 1956 م.

د- الشافعية:

54- أبو إسحاق. إبراهيم علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي (ت: 476 ه)، المهذب، مطبعة عيسي البابي الحلبي، مصر.

55- ابن حجر الهيثمي. أبو العباس أحمد بن علي بن حجر المكي (ت: 974 ه)، الزواجر عن اقتراف الكبائر، الطبعة الأولي، المكتبة التجارية الكبري، مطبعة مصطفي محمد، مصر 1356 ه.

56- البجيرمي. سليمان بن عمر بن محمد (ت: 1221 ه)، حاشية البجيرمي علي المنهج، الطبعة الأخيرة، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1369 ه- 1950 م.

57- الخطيب الشربيني. محمد بن أحمد (ت: 977 ه)، مغني المحتاج إلي معرفة ألفاظ المنهاج، الناشر المكتبة الإسلامية.

58- الخطيب الشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، مطبعة محمد علي صبيح و

أولاده، القاهرة.

المعاملات المصرفية، ص: 241

59- الرملي. شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن شهاب الدين (ت: 1004 ه)، نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1357 ه- 1931 م.

60- السبكي. علي بن عبد الكافي، تكملة المجموع شرح المهذب، الناشر زكريا علي يوسف، مطبعة الامام، مصر.

61- سليمان الجمل. سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الأزهري، حاشية الجمل علي شرح المنهج، دار الفكر، بيروت.

62- السيوطي. جلال الدين عبد الرحمن (ت: 911 ه)، الأشباه و النظائر في قواعد و فروع الفقه الشافعية، دار أحياء الكتب العربية، مصطفي عيسي البابي الحلبي و شركاه.

63- الشافعي. محمد بن إدريس (ت: 204 ه)، الأم، الطبعة الأولي، صححه و طبعه محمد زهري النجار، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، شركة الطباعة الفنية المتحدة، 1381 ه- 1961 م.

64- الماوردي. أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (ت: 450 ه)، الأحكام السلطانية و الولايات الدينية، الطبعة الأولي، مكتبة و مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1380 ه- 1960 م.

65- ابن جزي. أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن جزي الكيني (ت: 757 ه). القوانين الفقهية، الطبعة الأولي، دار القلم، بيروت، 1977 م.

66- ابن رشد. أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد (ت: 520 ه)، المقدمات و الممهدات، مكتبة المثني، بغداد.

67- ابن رشد الحفيد. أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي (ت: 595 ه)، بداية المجتهد و نهاية المقتصد، دار الفكر، بيروت.

68- ابن العربي. أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد

المعاملات المصرفية، ص: 242

(ت: 542 ه)، أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الكتب العربية،

1376 ه- 1957 م.

69- الباجي. القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الأندلسي (ت: 494 ه)، المنتقي شرح موطأ الامام مالك، الطبعة الأولي، مطبعة السعادة، مصر، 1332 ه.

70- الحطاب. أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي (ت: 954 ه)، المواهب الجليل، الطبعة الأولي، مطبعة السعادة، مصر، 1239 ه. مواهب الجليل، شرح مختصر الخليل، مكتبة النجاح، طرابلس.

71- الزرقاني. أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف (ت: 1122 ه)، شرح موطأ الامام مالك، الطبعة الأولي، تحقيق إبراهيم عطوة عوض، مكتبة و مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1382 ه- 1962 م.

72- الشاطبي. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي اللخمي الغرناطي المالكي، (ت: 790 ه)، الموافقات في أصول الشريعة، صححه و وضع تراجمَهُ عبد الله دراز، الناشر مكتبة التجارية الكبري، مطبعة الشرق الأدني، مصر.

73- القرافي. شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي (ت: 684 ه)، الفروق، الطبعة الأولي، مطبعة دار أحياء الكتب العربية، مصر، 1346 ه.

74- مالك بن أنس أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمر بن الحرث الاصبحي (ت: 179 ه)، المدونة الكبري، دار الصادر، بيروت. أوفست.

و- الزيدية و الظاهرية:

75- ابن حزم. أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد (ت: 456 ه)، المحلي، طبعة و صححه أحمد محمد شاكر، الناشر المكتب التجاري للطباعة و النشر، بيروت.

المعاملات المصرفية، ص: 243

76- ابن مرتضي. أحمد بن يحيي (ت: 840 ه)، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1394 ه- 1975 م.

77- السياغي. شرف الدين الحسين بن أحمد (ت 1221 ه)، الروض النظير شرح مجموع الفقه الأكبر، الطبعة الثانية، مكتبة المؤيد،

الطائف، 1388 ه- 1968 م.

رابعاً- الكتب الفقهية الحديثة:

78- أبو زهرة. محمد، بحوث في الربا، الطبعة الأولي، دار البحوث العلمية، بيروت، 1970 م.

79- أبو زهرة. محمد، ابن حنبل حياته و عصره، آراؤه و فقهه، طبع و نشر دار الفكر العربي.

80- أبو الفتوح. أحمد، المعاملات في الشريعة الإسلامية و القوانين المصرية، الطبعة الأولي، مطبعة البوسفور، مصر، 1332 ه- 1913 م.

81- بحر العلوم. السيد عز الدين، بحوث فقهية للشيخ حسين الحلي، مطبعة الآداب، النجف، 1964 م.

82- بدران. أبو العينين بدران، الشريعة الإسلامية، مطبعة م. ك، الإسكندرية، 1973 م.

83- د. بدوي. إبراهيم زكي الدين، نظرية الربا المحرم في الشريعة الإسلامية، القاهرة، 1383 ه 1964 م.

84- الجزيري. عبد الرحمن، الفقه علي المذاهب الأربعة، دار الفكر، بيروت، 1972 م.

85- د. الجميلي. خالد رشيد، الجعالة و أحكامها في الشريعة الإسلامية و القانون، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1399 ه 1979 م.

86- د. الجندي. محمد الشحات، عقد المرابحة بين الفقه الإسلامي، و التعامل المصرفي، الناشر دار النهضة العربية، دار الاتحاد العربي للطباعة، القاهرة، 1406 ه- 1986 م.

المعاملات المصرفية، ص: 244

87- الروحاني. السيد محمد صادق، فقه الصادق، الطبعة الثانية، بدون مكان الطبع، بدون تاريخ.

88- السيد أبو القاسم الخوئي، المسائل المستخدمة، الطبعة الأولي، مؤسسة دار الفكر، 1384 ه.

89- الحكيم. السيد محسن، منهاج الصالحين، الطبعة التاسعة، مطبعة النجف، 1387 ه.

90- الحكيم. السيد محسن، مستمسك العروة الوثقي، الطبعة الثالثة، مطبعة الآداب، النجف، 1389 ه 1970 م.

91- الخطيب. عبد الكريم، السياسة المالية في الإسلام وصلتها بالمعاملات المعاصرة، دار الفكر العربي، دار الحمامي للطباعة.

92- الخفيف. علي، الضمان في الفقه الإسلامي، معهد البحوث و الدراسات العربية، المطبعة الفنية الحديثة، 1971 م.

93- الزرقاء. مصطفي أحمد، المدخل الفقهي العام، الطبعة السابعة، دار الفكر،

بيروت.

94- د. زيدان. عبد الكريم، الكفالة و الحوالة في الفقه المقارن، المكتب الإسلامي، مكتبة القدس، 1395 ه- 1975 م.

95- د. السنهوري. عبد الرزاق أحمد، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، الطبعة الثالثة، جامعة الدول العربية، معهد البحوث الإسلامية، مطابع دار المعارف، مصر، 1967 م.

96- شلتوت. محمود، الفتاوي، طبعة الثالثة، دار القلم، القاهرة.

97- د. عبد البر. محمد زكي، الربا و أكل المال بالباطل، الطبعة الأولي، دار القلم، الكويت، 1402 ه- 1982 م.

98- عبد الحليم محمد موسي، الفقه الإسلامي الميسر في العقائد و العبادات و المعاملات علي المذاهب الأربعة، دار الفكر العربي، طبع دار الثقافة

المعاملات المصرفية، ص: 245

العربية، 1394 ه- 1974 م.

99- فتاوي الامام محمد رشيد رضا، الطبعة الأولي، جمعها و حققها الدكتور صلاح الدين المنجد و يوسف. ق. خوري، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1390 ه- 1970 م.

100- القرضاوي. يوسف، فقه الزكاة، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1393 ه- 1973 م.

101- القرضاوي. يوسف، الحلال و الحرام في الإسلام، الطبعة السادسة، المكتب الإسلامي، بيروت، 1392 ه- 1972 م.

102- كاشف الغطاء. الشيخ هادي عباس، رسالة مخطوطة في الربا، مكتبة الشيخ علي كاشف الغطاء.

103- كاشف الغطاء. الشيخ محمد حسين، سؤال و جواب، الطبعة الثالثة، مطبعة العدل الإسلامي، النجف، 1370 ه.

104- كاشف الغطاء. الشيخ محمد حسين، تحرير المجلة، المكتبة الرضوية، المطبعة الحيدرية، النجف، 1360 ه.

105- محمد سلامة جبر، أحكام النقود في الشريعة الإسلامية، الكويت.

106- محمد رشيد رضا، الربا و المعاملات في الإسلام، مقدمة محمد بهجة البيطار، مكتبة القاهرة، مصر، 1379 ه- 1960.

107- د. محمد يوسف موسي، الفقه الإسلامي مدخل لدراسته، نظام المعاملات فيه، دار الكتاب العربي، طبعة الثالثة، 1958 م.

108- د. محمد يوسف موسي، الأموال و نظرية العقد في الفقه الإسلامي، الطبعة

الأولي، مطابع دار الكتاب العربي، القاهرة، 1372 ه- 1952 م.

109- د. محمد يوسف موسي، الإسلام و مشكلاتنا الحاضرة، سلسلة الثقافة العربية، مطبعة الثقافة العربية، مطبعة دار الجهاد، القاهرة، 1958 م.

110- د. محمد يوسف موسي، فقه الكتاب و السنة. البيوع و المعاملات المالية المعاصرة، الطبعة الأولي، دار الكتاب العربي، مصر، 1373 ه- 1954 م.

المعاملات المصرفية، ص: 246

111- مدخل الفقه الإسلامي، تأليف الأساتذة (أحمد أبو سنه، أحمد البهي، الحسني الشيخ، حسن و هدان، عبد الله عبد النبي، عبد الجليل القرشاني، محمد الدهمة، محمد المبروك)، الطبعة الثانية، مطبعة لجنة البيان العربي، جامعة الأزهر، كلية الشريعة، 1965 م.

112- المدرس. عبد الكريم، جواهر الفتاوي أو خير الزاد في الإرشاد، مطبعة دار البصري، بغداد.

113- مخلوف. حسنين محمد، فتاوي شرعية و بحوث إسلامية، الطبعة الثانية، مكتبة و مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده، مصر.

114- د. مذكور. محمد سلام، المدخل للفقه الإسلامي، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، المطبعة العالمية، القاهرة، 1383 ه- 1963 م.

115- د. مذكور. محمد سلام، المقاصة في الفقه الإسلامي، مطبعة الفجالة الجديدة.

116- مغنية. الشيخ محمد جواد، فقه الإمام الصادق، الطبعة الأولي، دار العلم للملايين، بيروت، 1965 م.

117- الموسوي. السيد أبو الحسن، وسيلة النجاة، الطبعة الثانية، تعليق محمد رضا الموسوي، دار التعارف، بيروت، 1397 ه- 1977 م.

118- الخوئي. السيد أبو القاسم، منهاج الصالحين، الطبعة الأولي، مطبعة الآداب، النجف، 1392 ه- 1972 م.

119- الخوئي. السيد أبو القاسم، المسائل المنتخبة، الطبعة التاسعة، مطبعة الآداب، النجف، 1394 ه.

120- الموسوعة الفقهية، النموذج (3) الحوالة، وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية، مطبعة حكومة الكويت، الكويت.

121- الملطاوي. حسن كامل، فقه المعاملات علي مذاهب الامام مالك، مطابع الأهرام، مصر، 1972 م.

المعاملات المصرفية، ص: 247

122- د. النمر. عبد المنعم، الاجتهاد،

الطبعة الأولي، دار الشروق، القاهرة، 1406 ه- 1986 م.

خامساً- كتب الاقتصاد الإسلامي:

123- أبو زهرة. محمد، تحريم الربا تنظيم اقتصادي، مكتبة المنار، الكويت.

124- أو ستري. جاك، الإسلام و التنمية الاقتصادية، تعريب الدكتور نبيل صبحي الطويل، دار الفكر، دمشق.

125- د. بلتاجي. محمد، عقود التأمين من وجهة الفقه الإسلامي، دار العروبة بالكويت، دار الفصحي بالقاهرة، 1402 ه- 1982 م.

126- د. البهي. محمد، نظام التأمين في صدي أحكام الإسلام و ضرورات المجتمع المعاصر، الطبعة الأولي، الناشر مكتبة وهبة، مطبعة مخيمر، 1385 ه- 1965 م.

127- بيت التمويل الكويتي، الربا في الإسلام، الدار الكويتية للطباعة و النشر، الكويت.

128- د. الحسب. فاضل عباس، في الفكر الاقتصادي الإسلامي، عالم المعرفة، بيروت.

129- د. محمد. أحمد، فقه الشركات دراسة مقارنة، الطبعة الأولي، دار العلم، الكويت 1404 ه- 1984 م.

130- د. الخالدي. محمود، الأصول الفكرية للثقافة الإسلامية، الحالة الاقتصادية، الطبعة الأولي، الناشر دار الفكر، عمان، 1404 ه- 1984 م.

131- د. خروفة. علاء الدين، الربا و الفائدة في الشرائع الإسلامية، و المسيحية و اليهودية و القانون الوضعي، مطبعة السجل، بغداد، 1381 ه- 1962 م.

132- د. الخفاجي. محمد عبد المنعم، الإسلام نظريته الاقتصادية، الطبعة الأولي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1393 ه- 1973 م.

133- د. دراز. محمد عبد الله، الربا في نظر القانون الإسلامي، الناشر مكتبة المنار، الكويت، مطابع المكتب الإسلامي، بيروت، سلسلة نحو اقتصاد

المعاملات المصرفية، ص: 248

إسلامي سليم.

134- دراسات في الاقتصاد الإسلامي، بحوث ممتازة عن المؤتمر الدولي الثاني للاقتصاد الإسلامي، الطبعة الأولي، جامعة الملك عبد العزيز، 1405 ه- 1985 م.

135- دريب. سعود بن سعد، المعاملات المصرفية و موقف الشريعة الإسلامية منها، الطبعة الأولي، كلية الشريعة، الرياض، 1968 م.

136- د. الزرقا. مصطفي، عقد التأمين.

137- د. السامرائي. عبد الله سلوم،

حوار في الاقتصاد بين الإسلام و الماركسية و الرأسمالية، الطبعة الأولي، المؤسسة العراقية للدعاية و الطباعة، بغداد، 1404 ه- 1984 م.

138- د. شلبي. أحمد، النظم الاقتصادية في العالم عبر العصور و اثر الفكر الإسلامي فيها، الطبعة الأولي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1976 م.

139- د. شرف الدين. أحمد السعيد، عقود التأمين و عقود ضمان الاستثمار و واقعها الحالي و حكمها الشرعي، مطبعة حسان، القاهرة، 1982 م.

140- د. الطحاوي. إبراهيم، الاقتصاد الإسلامي مذهبا و نظاما، مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة، 1394 ه- 1974 م.

141- د. عبده. عيسي، الفائدة علي رأس المال صورة من صور الربا، سلسلة بنوك بلا فوائد، دار الفتح، 1390 ه- 1970 م.

142- د. عبده عيسي، الربا و دوره في استغلال موارد الشعوب، دار البحوث العلمية، الكويت، 1389 ه 1969 م.

143- د. عتر. نور الدين، المعاملات المصرفية و الربوية و علاجها في الإسلام، الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1397 ه- 1977 م.

144- د. العربي. محمد عبد الله، محاضرات في الاقتصاد الإسلامي و سياسة الحكم في الإسلام، مطبعة الشرق العربي، القاهرة.

المعاملات المصرفية، ص: 249

145- د. العربي. محمد عبد الله، الاقتصاد الإسلامي تطبيقه علي المجتمع المعاصر، سلسلة اقتصاد إسلامي سليم، مكتبة المنار، الكويت.

146- د. العسال. أحمد محمد و الدكتور فتحي أحمد عبد الكريم، النظام الاقتصادي الإسلامي مبادئه و أهدافه، الطبعة الثانية، الناشر مكتبة وهبة، مطبعة الاستقلال الكبري، القاهرة، 1397 ه- 1977 م.

147- د. عفر. محمد عبد المنعم عبد القادر، النظام الاقتصادي الإسلامي، جدة، 1399 ه- 1979 م.

148- د. عفيفي. محمد الصادق، المجتمع الإسلامي فلسفته المالية و الاقتصادية، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1980 م.

149- د. علي عبد الرسول، المبادئ الاقتصادية في الإسلام، تقديم الدكتور صلاح الدين نامق، دار الفكر

العربي.

150- د. غريب أحمد سيد أحمد، الاقتصاد الإسلامي، دار المعرفة الجامعية، إسكندرية، 1981 م.

151- الغزالي. محمد، الأسهم و المناهج الاشتراكية، الطبعة الرابعة، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1380 ه- 1960 م.

152- فتحي عثمان، الفكر الإسلامي و التطور، دار القلم، القاهرة.

153- د. قحف. محمد منذر، الاقتصاد الإسلامي دراسة تحليلية للفعالية الاقتصادية في مجتمع يتبني النظام الاقتصادي الإسلامي، الطبعة الثانية، دار القلم، الكويت.

154- قرشي. أنور إقبال، الإسلام و الربا، ترجمة فاروق حلمي، الناشر مكتبة مصر، دار مصر للطباعة.

155- د. متولي. أبو بكر عمر و الدكتور إسماعيل شحاتة، اقتصاديات النقود في إطار الفكر الإسلامي، الطبعة الأولي، دار التوفيق النموذجية، 1403 ه- 1983 م.

156- متولي. محمود، المذاهب الاجتماعية و الاقتصادية، دار القومية للطباعة

المعاملات المصرفية، ص: 250

و النشر، مصر.

157- د. محسن خليل، في الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي، سلسلة منشورات وزارة الثقافة و الإعلام، الجمهورية العراقية، دار الرشيد للنشر، 1982 م.

158- محمد عاشور، دراسة في الفكر الاقتصادي. أبو الفضل جعفر علي الدمشقي (أبو الاقتصاد)، الطبعة الأولي، دار الاتحاد العربي، 1973 م.

159- د. المصري. رفيق، مصرف التنمية الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1397 ه- 1977 م.

160- المصري. عبد السميع، نظرية الإسلام الاقتصادية، مكتبة الانجلو المصرية، 1971 م.

161- المصري. عبد السميع، مقومات الاقتصاد الإسلامي، الطبعة الثالثة، دار التوفيق النموذجية، 1403 ه- 1983 م.

162- د. مصلح الدين. محمد، أعمال البنوك و الشريعة الإسلامية، ترجمة حسين محمود صالح، مراجعة الدكتور محمد عبد المنعم عبد الحميد، الطبعة الأولي، الناشر دار البحوث العملية، الكويت، 1976 م.

163- منان. م. أ. الاقتصاد الإسلامي بين النظرية و التطبيق دراسة مقارنة، ترجمة الدكتور منصور إبراهيم التركي، الناشر مكتبة المصري الحديث، القاهرة، 1975 م.

164- منسي. عبد العليم (ترجمة)، إلغاء الفائدة من الاقتصاد، الطبعة الثانية،

راجعه الدكتور حسين عمر إبراهيم، مطبعة جامعة الملك، جده، 1984 م.

165- المودودي. أبو الأعلي، الربا، تعريب محمد عاصم الحداد، دار الفكر، بيروت.

166- المودودي. أبو الأعلي، أسس الاقتصاد بين الإسلام و النظم المعاصرة و عضلات الاقتصاد و حلها في الإسلام، ترجمة عاصم الحداد سلسلة

المعاملات المصرفية، ص: 251

ذخائر الفكر الإسلامي.

167- النبهان. محمد فاروق، الفكر الاقتصادي في الإسلام، الموسم الثقافي لجامعة الكويت، الطبعة العصرية، الكويت، 1970 م.

168- النبهاني. تقي الدين، النظام الاقتصادي في الإسلام، منشورات حزب التحرير القدس، الطبعة الثالثة، 1372 ه- 1953 م.

169- د. النجار. أحمد محمد عبد العزيز، المدخل إلي النظرية الاقتصادية، الطبعة الأولي، دار الفكر، 1393 ه- 1973 م.

170- الهمشري. مصطفي عبد الله، الأعمال المصرفية في الإسلام، مطبعة الشركة المصرية للطباعة و النشر، القاهرة، 1973 م.

سادساً- كتب الاقتصاد الحديث (المصارف):

171- آل جاسم. محمد علي رضا، الائتمان و الصيرفة في العراق القديم، مطبعة دار التضامن من، بغداد، 1964 م.

172- د. انطاكي. رزق الله، الحسابات المصرفية، دار الفكر، دمشق، 1969 م.

173- د. بدر. أمين محمد، الأوراق التجارية في التشريع المصري، المطبعة العالمية، مصر، 1953 م.

174- د. بركات. عبد الكريم صادق و الدكتور حامد عبد المجيد دراز، مبادئ الاقتصاد العام، الناشر مؤسسة شباب الجامعة، إسكندرية.

175- د. البيه. عبد المنعم، اقتصاد النقود و البنوك، الطبعة الثانية، 1956 م.

176- د. حشيش عادل أحمد و الدكتور محمد حامد دويدار، مبادئ الاقتصاد النقدي و المصرفي، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية، 1984 م.

177- ربيع. حسن محمد، المصارف، الطبعة الأولي، المطبعة الحديثة، بغداد، 1948 م.

178- د. سامي خليل، النقود و البنوك، الطبعة الأولي، الناشر شركة كاظمة، الكويت، 1982 م.

179- د. السباعي. نهاد و الدكتور رزق الله انطاكي، موسوعة الحقوق التجارية،

المعاملات المصرفية، ص: 252

الطبعة الثالثة، مطبعة

جامعة دمشق، 1380 ه- 1961 م.

180- سول. جورج، المذاهب الاقتصادية الكبري، ترجمة الدكتور راشد البراوي، الناشر مكتبة النهضة المصرية، مؤسسة فرانكلين للطباعة و النشر، القاهرة، نيويورك، 1953 م.

181- د. شافعي. محمد زكي، مقدمة في النقود و البنوك، دار النهضة العربية، القاهرة، 1969 م.

182- د. الشاوي. خالد، الأوراق التجارية في التشريعين الليبي و العراقي، الطبعة الأولي، مطبعة دار الكتاب، بيروت، 1391 ه- 1971 م.

183- د. الشماع. خليل محمود حسن حسن، إدارة المصارف مع دراسة تطبيقية في الصيرفة العراقية المقارنة، الطبعة الثانية، مطبعة الزهراء، بغداد، 1975 م.

184- د. شيحة. مصطفي رشدي، الاقتصاد النقدي و المصري، الطبعة الخامسة، دار الجامعة، 1985 م.

185- د. عبد الرحمن يسري أحمد، اقتصاديات النقود، الناشر دار الجامعات المصرية، إسكندرية، 1979 م.

186- د. عدنان عباس علي، تاريخ الفكر الاقتصادي، مطبعة عصام، بغداد، 1979 م.

187- د. علم الدين. محي الدين إسماعيل، الاعتمادات المستندية في الفقه و القضاء و العمل، الناشر دار النهضة، القاهرة، 1969 م.

188- د. عوض. علي جمال الدين، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، المطبعة العالمية، القاهرة، 1969 م.

189- د. قريصة. صبحي تادرس، النقود و البنوك، دار الجامعة الإسكندرية، 1986 م.

190- قنديل. عبد الحميد، محاسبة البنوك التجارية، الطبعة الأولي، دار الطباعة

المعاملات المصرفية، ص: 253

الحديثة، 1966 م.

191- د. القيسي. فوزي، النظرية النقدية، الطبعة الأولي، مطابع دار التضامن، بغداد، 1962 م.

192- د. لهيطة. محمد فهمي و الدكتور محمد حمزة عليش، النقود و الائتمان، الناشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1949 م.

193- د. محمد عبد العزيز عبد الكريم، محاسبة البنوك، الطبعة الرابعة، مكتبة النهضة العربية، القاهرة.

194- د. محمد عزيز، النقود و البنوك، مطبعة المعارف، بغداد، 1965 م.

195- د. مدحت صادق، الجهاز المصرفي في الاقتصاد المخطط

هيكله و دوره، الناشر دار الجامعات المصرية، القاهرة.

196- د. مراد كاظم، البورصة و افضل الطرق في نجاح الاستثمارات المالية، الطبعة الثانية، المطبعة التجارية، بيروت، 1967 م.

197- د. مرعي. عبد العزيز و الدكتور عيسي عبده إبراهيم، النقود و المصارف، الطبعة الأولي، مطبعة لجنة البيان العربي، 1962 م.

198- د. الناهي. صلاح الدين و السيد أحمد الشالجي، الموجز العملي و النظري في القانون التجاري العراقي، الطبعة الرابعة، شركة الطبع و النشر الأهلية، بغداد، 1377 ه- 1958 م.

199- نعوم. ادمون شاكر و جابر مهدي الصالح، دليل الاعتمادات المستندية مطبعة الأسواق التجارية، بغداد، 1958 م.

200- د. الهواري. سيد، أساسيات إدارة البنوك، مكتبة عين شمس، دار الجيل للطباعة، القاهرة، 1976 م.

سابعاً- الرسائل العلمية:

201- أبو سنة. أحمد فهمي، العرف و العادة في رأي الفقه الإسلامي، رسالة جامعية لنيل شهادة العالمية، جامع الأزهر، مطبعة الأزهر، 1947 م.

202- د. أبو يقظان عطية الجبوري، الامام زفر و آراءه الفقهية، رسالة دكتوراه،

المعاملات المصرفية، ص: 254

دار الحرية للطباعة، بغداد، 1980.

203- د. الباحسين. يعقوب عبد الوهاب، رفع الحرية في الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه، جامعة الأزهر، 1972 م.

204- د. حمود. سامي حسن أحمد، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق و الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه، الطبعة الثانية، مطبعة الشرق، عمان، 1982 م.

205- حسن جميل محمود، سياسات الاستثمار في المصارف العراقية، بحث مقدمة لجامعة بغداد، لنيل درجة الدبلوم العالي، 1977 م.

206- الخير و. زهير يحيي علي، المعاملات التجارية و التطبيق العملي لأسس الاقتصاد الإسلامي، رسالة ماجستير، جامعة الأزهر، كلية الشريعة و القانون، 1400 ه- 1980 م.

207- الدبو. إبراهيم فاضل يوسف، عقد المضاربة، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1393 ه- 1973 م.

208- الدجيلي. خولة شاكر محمود، بيت المال، نشأته و تطوره من

القرن الأول حتي القرن الرابع الهجري، رسالة ماجستير، قدمت إلي كلية الآداب، جامعة بغداد، 1974 م.

209- الدلي. عبد الغني، محاضرات في النقود و البنوك و نظام النقد و المصارف الغربية، رسالة ماجستير، جامعة الرباط، 1972 م.

210- الدوري. قحطان عبد الرحمن، التأمين في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، معهد الدراسات الإسلامية العليا، 1388 ه- 1968 م.

211- الصافي. علي عبد الحكيم، الضمان في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1975 م.

212- د. العاني. محمد رضا عبد الجبار، الوكالة في الشريعة و القانون، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، مطبعة العاني، بغداد، 1975 م- 1395 ه.

المعاملات المصرفية، ص: 255

213- العزاوي. أجود علي غالب، الكفالة في الشريعة و القانون دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية دار العلوم، قسم الشريعة الإسلامية، جامعة القاهرة، 1392 ه- 1972 م.

214- عمادي. محمد رضا، النظرية العامة في الشروط في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1970 م.

215- الغزي. فليح حسن خلف، الائتمان المصرفي و دوره في الاقتصاد العراقي، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، كلية الإدارة و الاقتصاد، 1975 م.

216- ليلي عبد الله الحاج سعيد، المقاصة بين الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي في مصر و العراق، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الحقوق.

217- المحاويلي. عصام محمد حسن، دراسة تحليلية لإدارة خطابات الضمان الخارجية في مصرف الرافدين، بحث مقدم إلي كلية الإدارة و الاقتصاد، دبلوم عالٍ، 1977 م.

218- محمد عبود محمد، دور سند الشحن في الاعتماد المستندي، بحث لنيل الدبلوم العالي، جامعة بغداد، كلية الإدارة و الاقتصاد، 1978 م.

219- منيع. عبد الله بن سليمان، الورق النقدي تاريخه. حقيقته. قيمته. حكمه، رسالة ماجستير، الطبعة الأولي، مطبعة الرياض، 1971 م.

220- د. هاشم جميل عبد الله، الامام سعيد بن

المسيب و فقهه، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة و القانون، جامعة الأزهر، الطبعة الأولي، مطبعة الإرشاد، منشورات وزارة الأوقاف و الشئون الدينية في العراق، 1395 ه- 1975 م.

221- يوسف محسن محمد علي، الضمان الناشئ عن العمل غير المشروع أو المسئولية التقصيرية في الشريعة الإسلامية، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1972 م.

ثامناً- الكتب العامة:

222- أحمد عطية الله، القاموس الإسلامي، الطبعة الأولي، الناشر مكتبة

المعاملات المصرفية، ص: 256

النهضة المصرية، مطابع شركة الإعانات الشرقية، 1390 ه 1970 م.

223- ابن خلدون. عبد الرحمن المغربي، مقدمة ابن خلدون، الطبعة الأولي، تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، 1384 ه- 1965 م.

224- ابن خلدون عبد الرحمن المغربي، الطبعة الثانية، مكتبة المدرسة و دار الكتاب اللبناني للطباعة و النشر، بيروت، 1961.

225- ابن دريد. أبو بكر محمد بن الحسن الازدي البصري (ت: 321 ه)، كتاب جمهرة اللغة، مكتبة المثني، طبعة جديدة أوفست، بغداد.

226- ابن سلام. أبو عبيد القاسم (ت: 224 ه)، الأموال، صححه محمد حامد الفقي، المكتبة التجارية الكبري، مطبعة عبد اللطيف الحجازي، القاهرة، 1353 ه.

227- أبو الفتوح. علي باشا، في القضاء و الاقتصاد و الاجتماع، مطبعة المعارف، مصر.

228- ابن منظور. أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأفريقي المصري، لسان العرب، دار الصادر و دار بيروت، بيروت، 1388 ه- 1968 م.

229- بحر العلوم. السيد محمد السيد علي، النقود الإسلامية، الطبعة الخامسة، منشورات المكتبة الحيدرية و مطبعتها، النجف، 1387 ه- 1967 م.

230- البستاني. عبد الله اللبناني، البستان، المطبعة الأميركانية، بيروت، 1927 م.

231- البلاذري. أبو الحسن أحمد بن يحيي بن جابر البغدادي، فتوح البلدان، شركة طبع الكتب العربية، طبع شركة المصرية للطباعة، مصر، 1318 ه.

232- البيهقي. إبراهيم بن محمد، المحاسن و

المساوئ، صححه محمد بدر الدين النعساني الحلبي، الناشر مكتبة الخانجي، مطبعة السعادة، مصر 1325 ه- 1906 م.

233- التنوخي. القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد (ت: 384 ه)،

المعاملات المصرفية، ص: 257

نشوار المحاضرة و إخبار المذاكرة، تحقيق عبود الشالجي، مطابع دار الصادر، بيروت، 1392 ه- 1972 م.

234- د. جواد علي، الفضل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الطبعة الثانية، دار العلم للملايين، بيروت، مكتبة النهضة، بغداد، 1978 م.

235- الجوهري. إسماعيل بن حماد، الصحاح تاج اللغة و صحاح العربية الطبعة الثالثة، تحقيق عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، 1404 ه- 1984 م.

236- د. حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي و الديني و الثقافي و الاجتماعي، الطبعة الأولي، الناشر مكتبة النهضة المصرية، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1965 م.

237- د. الدوري. عبد العزيز، دراسات في العصور العباسية المتأخرة، مطبعة سريان، بغداد، 1948 م.

238- د. ذنون. حسن علي، العقود المسماة شرح القانون المدني العراقي، شركة الرابطة للطبع و النشر، بغداد، 1954 م.

239- الراغب الأصبهاني. الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، نشرة الدكتور محمد أحمد خلف الله، مكتبة الانجلو مصرية، المطبعة الفنية الحديثة، 1970 م.

240- الزبيدي. محب الدين أبو الفيض محمد مرتضي الحسيني الواسطي، تاج العروس من جواهر القاموس، الطبعة الأولي، المطبعة الخيرية، مصر، 1306 ه.

241- د. الزبيدي. محمد حسين، الحياة الاجتماعية و الاقتصادية في الكوفة في القرن الأول الهجري، المطبعة العالمية، القاهرة، 1970 م.

242- الزمخشري. جار الله أبو القاسم محمود بن عمر، أساس البلاغة، الطبعة الأولي، المطبعة الوهبية، 1299 ه- 1882 م.

243- د. شلبي. أحمد، الحياة الاجتماعية في الفكر الإسلامي، الطبعة الأولي،

المعاملات المصرفية، ص: 258

مكتبة النهضة المصرية، دار الاتحاد العربي للطباعة، القاهرة، 1968 م.

244- الصابي. أبو الحسن الهلال

بن المحسن بن إبراهيم زهروب (ت: 448 ه)، تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء، مطبعة الآباء اليسوعيين، بيروت، 1904 م.

245- الصالح. صبحي، النظم الإسلامية منشأها و تطورها، الطبعة الأولي، دار العلم للملايين، بيروت، 1965 م.

246- د. طعيمة. صابر عبد الرحمن، إدارة التغيير في الإسلام، الطبعة الأولي، مكتبة القاهرة الحديثة، مطبعة الاستقلال الكبري، 1968 م.

247- د. عبد الرحمن فهمي محمد، النقود العربية ماضيها و حاضرها، المكتبة الثقافية، وزارة الثقافة و الإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للطباعة و النشر، دار القلم، 1984 م،

248- العزاوي. عباس، تاريخ النقود العراقية لما بعد العهود العباسية، شركة التجارة للطباعة، بغداد، 1337 ه- 1958 م.

249- العلي. صالح أحمد، التنظيمات الاجتماعية و الاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري، بغداد، 1953 م.

250- الغزالي. أبو حامد محمد بن محمد (ت: 505 ه)، أحياء علوم الدين، دار المعرفة للطباعة و النشر، بيروت.

251- الفيومي. أحمد بن محمد بن علي المقري (ت: 770 ه)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مطبعة مصطفي البابي الحلبي، مصر.

252- د. كاشف. سيدة إسماعيل، النقود العربية في العصر الإسلامي، الموسم الثقافي لجامعة الكويت للعام 67/ 1968 م، طباعة المطبعة العصرية، الكويت.

253- د. الكبيسي. حمدان عبد المجيد، أسواق بغداد حتي بداية العصر البويهي (ت: 334 ه)، منشورات وزارة الثقافة و الفنون، الجمهورية العراقية، سلسلة دراسات (161)، 1979 م.

المعاملات المصرفية، ص: 259

254- كونتنيو. جورج، الحياة اليومية في بلاد بابل و آشور، ترجمة و تعليق سليم طه التكريتي و برهان عبد التكريتي، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1401 ه- 1979 م.

255- المبرد. محمد بن يزيد (ت: 285 ه)، الكامل، تحقيق زكي مبارك، مصر، 1936 م.

256- متز. آدم، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة محمد عبد الهادي

أبو ريده، مطبعة التأليف و الترجمة و النشر، القاهرة، 1360 ه- 1941 م.

257- معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثانية الهيئة المصرية العامة للتأليف و النشر، المطبعة الثقافية، 1390 ه- 1970 م.

258- المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثانية، مطابع دار المعارف، مصر، 1972 م.

259- المقريزي. تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم الشافعي (ت: 845 ه)، شذور العقود في ذكر النقود، المكتبة الرضوية، المطبعة الحيدرية، النجف.

260- المناوي. محمد عبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي (ت: 1031 ه)، النقود و المكاييل و الموازين، تحقيق الدكتور رجاء محمود السامرائي، سلسلة كتب التراث (107)، دار الرشيد للنشر، 1981 م.

261- وجدي. محمد فريد، دائرة معارف القرن العشرين، الطبعة الثالثة، دار المعرفة، بيروت، 1971 م.

262- اليعقوبي. أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب الإخباري (ت: 292 ه)، تاريخ اليعقوبي، الناشر المكتبة الرضوية، مطبعة الغري، النجف، 1358 ه.

تاسعاً- البحوث و المقالات المنشورة في المجلات و المؤتمرات:

263- إبراهيم زكي، الفائدة و الربا بين النظريتين الغربية و الإسلامية، مجلة

المعاملات المصرفية، ص: 260

الأزهر، المجلد العاشر، مطبعة الأزهر، 1939 م- محرم 1358 ه.

264- أبو زهرة. محمد، تفسير القرآن الكريم، مجلة لواء الإسلام، العدد الثالث، السنة الثامنة، ذو القعدة، 1373 ه- يوليو 1954 م.

265- أبو سعود. محمود، الفائدة بين الربا و النقود، مجلة المسلمون، العدد الأول، المجلد الثامن.

266- أحمد صالح، هموم المسلمين و فوائد الديون المصرفية، مجلة الأزهر، الجزء (1)، السنة (48)، القاهرة، محرم 1396 ه- 1976 م.

267- استانبولي. محمود مهدي، الربا، مجلة التمدن الإسلامي، ج 25- 28، المجلد (34)، دمشق، 1387 ه- 1968 م.

268- اطفيش. أبو إسحاق إبراهيم، محضر

الجلسة الرابعة، مؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، الأزهر، طبع آلة الكاتبة، من محرم 1385 ه- 27 مايو 1965 م.

269- أمين ميخائيل عبد الملك، الاعتمادات المستندية، محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس، 1960 م.

270- د. بابللي. محمود، هل المصارف ضرورة لا بد منها في الاقتصاد الإسلامي؟، مجلة رابطة العالم الإسلامي، العدد العاشر، السنة الثامنة، مكة المكرمة، ذو الحجة (1390 ه)- شباط (1971 م).

271- التقي. حامد، من مزاعم مسقطي الزكاة، مجلة التمدن الإسلامي، العدد (29، 32)، مجلد (26)، دمشق، شعبان 1379 ه- آذار. 1960 م.

272- الجبالي. إبراهيم، الربا، مجلة نور الإسلام، المجلد الثالث، مطبعة المعاهد (الدينية)، 1351 ه- 1933 م.

273- الجزيري. عبد الرحمن، الربا، مجلة الأزهر، المجلد العاشر، مطبعة الأزهر، 1939 م- 1358 ه.

274- د. الجبوري. عبد الله محمد، أحكام الوديعة في الشريعة الإسلامية، بحث

المعاملات المصرفية، ص: 261

مستل من مجلة كلية الإمام الأعظم، مطبعة سلمان الأعظمي، بغداد، 1392 ه- 1972 م.

275- حبشي. راغب، خطابات الضمان، محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس، 1966 م.

276- حلمي يس، أعمال قسم الخزينة، محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس، 1960 م.

277- د. خميس. محمد عبد المنعم، الربا و الفوائد القروض و الودائع، مجلة منبر الإسلام، ص 353، العدد (9)، السنة (32)، رمضان 1394 ه- أكتوبر، 1974 م.

278- د. الخياط. عبد العزيز، الأسهم و السندات، بحث مقدم لندوة الاقتصاد الإسلامي، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، معهد البحوث و الدراسات العربية، بغداد.

279- د. الدبو. إبراهيم فاضل، حكم الأوراق النقدية و بيع الذهب بالآجل، بحث خطي مقدم إلي بيت التمويل الكويتي.

280- زكي زكي تكلا، أعمال قسم الأوراق المالية بالبنوك،

محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي، 1960 م.

281- د. زكي الدين شعبان، الشروط الشائعة في المعاملات و أحكامها في الشريعة و القانون، مجلة القانون و الاقتصاد، العدد (43)، السنة (45)، مطبعة جامعة القاهرة، 1957 م.

282- السليمان. عبد الله، الربا، مجلة لواء الإسلام، العدد الثاني، السنة الخامسة، شوال. 1370 ه- يوليو، 1951 م.

283- السمان. محمد عبد الله، الكتب نقد و تعريف (المعاملات الحديثة و أحكامها للشيخ عبد الرحمن عيسي)، مجلة الأزهر، ج 9، المجلد (32)، رمضان 1380 ه- فبراير 1961 م.

284- د. شبانة زكي محمود، معالم رئيسية في نظرية تحريم الربا، مجلة منبر

المعاملات المصرفية، ص: 262

الإسلام، العدد (3)، السنة (30)، ربيع الأول 1392 ه- ابريل 1972 م.

285- شلتوت. محمود، مجلة الأزهر، المجلد (35) جمادي الأول 1380 ه- اكتوبر 1960 م.

286- د. طنطاوي. محمد، القروض المصرفية في ضوء الشريعة الإسلامية، ندوة الاقتصاد الإسلامي، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، معهد البحوث و الدراسات العربية، بغداد.

287- د. طنطاوي. محمود محمد، ندوة لواء الإسلام، مجلة لواء الإسلام، العدد العاشر، السنة الثامنة، جمادي الآخرة، 1374 ه- فبراير 1955 م.

288- طه حبيب، زكاة الورق النقدي، مجلة نور الإسلام، المجلد الثالث، مطبعة المعاصر الدينية، 1351 ه- 1933 م.

289- عيسوي. أحمد عيسوي، بيع الدين و نقله (2)، مجلة الأزهر، ج 10، مجلد 271، شوال 1375 ه- مايو 1956 م، نفس المصدر، ج (2)، مجلة (28)، صفر 1376 ه.

290- قرارات المؤتمرات و توصياته في الفترة الثانية، مجمع البحوث الإسلامية، المؤتمر الثاني، الأزهر، 1385 ه- 1965 م.

291- القصار. وفيق، المعاملات المصرفية، بحث طبع آلة طابعة، السكرتارية الفنية للمؤتمر، مجمع البحوث الإسلامية، المؤتمر الثاني، الأزهر.

292- كاشف الغطاء. الشيخ علي محمد رضا،

مجلة الأزهر، السنة (37)، الجزء الأول، القاهرة، المحرم 1385 ه- مايو 1965 م.

293- د. الكبيسي. حمد عبيد، الفقه الإسلامي و التقنين، مجلة الرسالة الإسلامية، العددان (200- 201)، السنة العشرون، ربيع الثاني- جمادي الأولي 1407 ه- كانون الأول، 1986 م- كانون الثاني 1987 م.

294- محمد محمود فهمي، أعمال قسم الصرف الأجنبي، محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس، 1960 م.

المعاملات المصرفية، ص: 263

295- محمود علي مراد، مهام البنوك التجارية، محاضرة ألقاها في معهد الدراسات المصرفية، مجموعة محاضرات العام الدراسي السادس، 1960 م.

296- د. المصري. رفيق، النظام المصرفي، بحوث في دراسات في الاقتصاد الإسلامي.

297- النبهان. محمد فاروق، لمحة عن نظرية الربا في الشريعة الإسلامية، مجلة رابطة العالم الإسلامي، العدد العاشر، السنة الخامسة، مكة، ذو الحجة 1378 ه.

298- ندوة لواء الإسلام، مجلة لواء الإسلام، العدد (10)، السنة (8)، جمادي الآخرة 1374 ه- فبراير 1955 م.

المعاملات المصرفية، ص: 264

دليل الكتاب

الموضوع الصفحة

المقدمة … 3

الباب الأول: المصارف و الربا و النقود … 11

الفصل الأول: المصارف تاريخها و أنواعها … 11

المبحث الأول: التعريف بالمعاملات المصرفية و تطويرها … 11

الفرع الأول: التعريف بالمعاملات المصرفية … 11

أولًا: تعريف المعاملة … 11

ثانياً: تعريف المصرف … 14

الفرع الثاني: تطور النشاط المصرفي … 15

أولًا: النشاط المصرفي في الحضارات القديمة … 15

ثانياً: النشاط المصرفي عند العرب و المسلمين … 17

ثالثاً: النشاط المصرفي في أوروبا … 21

المصادر الرئيسية لنشأة المصارف … 22

المبحث الثاني: أنواع المصارف … 24

الفرع الأول: في اختصاصات المصارف … 25

الفرع الثاني: المصارف حسب صلة الدولة بها … 29

المبحث الثالث: طبيعة المعاملات المصرفية … 30

الفرع الأول: المعاملات المصرفية كعقود مستجدة … 30

الفرع الثاني: الغاية من المعاملات المصرفية و موقف الشريعة منها … 34

الفصل

الثاني: الربا في الفقه الإسلامي … 36

المبحث الأول: تعريف الربا … 37

الفرع الأول: الربا في اللغة و الاصطلاح … 37

الفرع الثاني: العلاقة بين معني الربا في الشرع و معناه اللغوي … 40

المعاملات المصرفية، ص: 265

المبحث الثاني: أنواع الربا … 41

الفرع الأول: الربا في القرآن … 41

أولًا: تعريف الربا في القرآن … 41

ثانياً: أدلة تحريم الربا في القرآن … 41

ثالثاً: تحديد الربا في القرآن … 44

رابعاً: الحكمة في تحريم الربا في القرآن … 47

خامساً: مميزات الربا في القرآن (ربا الدين) … 47

الفرع الثاني: الربا في السنة (ربا البيوع) … 48

أولًا: تعريف الربا في السنة … 48

ثانياً: أدلة تحريم الربا في السنة … 50

ثالثاً: شرح أدلة تحريم الربا في السنة … 51

رابعاً: علة تحريم الربا في السنة … 52

خامساً: الحكمة من تحريم الربا في السنة … 55

سادساً: ربا المعدود … 57

المبحث الثالث: الفائدة في الإسلام … 60

الفرع الأول: نظرة الفقه الإسلامي إلي الفائدة … 60

الفرع الثاني: شبهات بشأن الربا و الفائدة … 62

الفصل الثالث: النقود في الفكر الإسلامي … 75

المال: تعريفه و تقسيماته … 75

المبحث الأول: تعريف النقد … 77

الفرع الأول: النقد في اللغة و الاصطلاح … 77

الفرع الثاني: النقد عند الاقتصاديين … 82

المبحث الثاني: النظام النقدي عند الاقتصاديين … 83

المعاملات المصرفية، ص: 266

الفرع الأول: تطور النظام النقدي … 83

الفرع الثاني: وظائف النقود … 88

المبحث الثالث: حكم الربا في النقود … 88

الفرع الأول: النقود المعدنية … 88

أولًا: الذهب و الفضة (النقدان) … 88

ثانياً: المسكوكات الرمزية (الفلوس) … 90

الفرع الثاني: النقود الائتمانية … 91

أولًا: أوراق البنكنوت … 91

ثانياً: العملة الورقية الإلزامية … 92

ثالثاً: الأوراق المالية … 98

الباب الثاني: المعاملات المصرفية … 100

الفصل الأول: الودائع و الخدمات المصرفية …

100

المبحث الأول: الودائع المصرفية … 100

الفرع الأول: الوديعة الناقصة … 100

أولًا: أقسام الودائع النقدية … 101

ثانياً: موقف الفقه الإسلامي من عملية الإيداع … 102

الفرع الثاني: الحساب الجاري … 115

القسم الأول: الحسابات الجارية … 116

القسم الثاني: الحساب الجاري المكشوف … 119

الفرع الثالث: الودائع التامة … 122

موقف الفقه الإسلامي من الودائع التامة … 123

المبحث الثاني: الخدمات المصرفية … 126

الفرع الأول: بيع و شراء العملات الأجنبية (الصرف الآجل) … 126

المعاملات المصرفية، ص: 267

موقف الفقه الإسلامي

من الصرف الآجل (بيع و شراء السلعة الأجنبية) … 126

الفرع الثاني: في الحوالات المصرفية … 128

النوع الأول: عمليات التحويل الداخلي (الحوالات الداخلية) … 129

النوع الثاني: عمليات التحويل الخارجي (الحوالات الخارجية) … 132

الفرع الثالث: الشيكات السياحية (خطابات الاعتماد) … 134

الفرع الرابع: تحصيل الأوراق التجارية … 138

الفصل الثاني: الاعتمادات المصرفية … 144

المبحث الأول: الاعتماد بالقرض … 146

الفرع الأول: القرض المصرفي … 146

الفرع الثاني: فتح الاعتماد … 156

الوعد في منظور الفقه الإسلامي … 158

الفرع الثالث: الاعتماد المستندي … 162

الفرع الرابع: الخصم … 171

المبحث الثاني: الاعتماد بالضمان … 183

الفرع الأول: خطابات الضمان (الكفالات المصرفية) … 184

الفرع الثاني: القبول المصرفي … 191

الفصل الثالث: الاستثمار المصرفي … 196

المبحث الأول: الأسهم … 199

المبحث الثاني: السندات … 220

الخاتمة … 233

كشاف المراجع و المصادر … 235

دليل الكتاب … 263

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.