المقتطفات

اشارة

سرشناسه: ابن رويش ، عيدروس ، - 1927

عنوان و نام پديدآور: المقتطفات / عيدروس بن احمد السقاف العلوي الحسيني الاندونيسي المعروف بابن رويش ؛ اعداد مهدي الرجائي

مشخصات نشر: قم : المجمع العالمي لاهل البيت ، المعاونيه الثقافيه ، 1415ق . = - 1373.

فروست: (المجمع العالمي لاهل البيت ؛ 17، 18)

يادداشت: جلد دوم (چاپ اول : 1415ق . =)1373

موضوع: اسلام -- مقاله ها و خطابه ها

موضوع: شيعه -- مقاله ها و خطابه ها

شناسه افزوده: رجايي ، مهدي ، گردآورنده ، - 1336

رده بندي كنگره: BP211/5 /الف 12م 7 1373

رده بندي ديويي: 297/08

شماره كتابشناسي ملي: م 73-4270

اين كان مولد الإمام علي

لقد خفي ذلك علي أكثر الناس في بلادنا، حتّي كاد أن يخرج عن دائرة علم أغلب المتعلّمين منهم والمهذّبين، فضلاً عن عوامهم، لماذا؟ يا ليت من مجيب. أيمرّ التاريخ معرضاً مغمضاً عن تلك المنقبة الجليلة، ولا يلوي عليها حتّي بطرفة عين؟ أم قد صار الموضع الذي كان يولد فيه أثراً بعد عين؟

كلاّ ثمّ كلاّ، إنّ هنالك كتباً ألّفها المؤرخون والعلماء، بل وأشعاراً هتف بها الاُدباء والحكماء، ولكن لم خرست ألسنة الفصحاء والخطباء والبلغاء من العلماء عن بيانه، بحيث لم يكن عند ذكرهم فضائله وشمائله مذكوراً، ولا في صفحات مناقبه في الكتب التي قرأها الطلبة مسطوراً؟

أهناك أمر ما يقتضي الاخفاء حتّي كاد أن يفضي الي الخفاء؟ أم إن الرواة الذين سيلي ذكرهم من المتروكين الضعفاء؟ لست أدري فإن تعجب فعجب، انّ الموضع لمعروف بكلّ المعزّة والتكرمة، وموصوف بكلّ الهيبة والعظمة، قديماً كان أو حديثاً لدي جميع الخلق والاُمة، ملكاً كان أو بشراً، مسلماً كان أو كافراً، كبيراً كان أو صغيراً، موضع يكون وجهة للمتعبّدين، وقبلة للمصلّين، وكعبة الركّع السجود، للملك الربّ المعبود. فهلاّ عرفوها حقّ معرفتها؟ بلي، ولكن قلّ من يصرّح بمن ولد فيها بما قد تواترت أخبارها، كما قد نصّ علي ذلك جماعة من

حفظة السنن وشرّاحها.

قال الحاكم في المستدرك [3: 483]: وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد قد ولدت أمير المؤمنين علياً كرّم اللّه وجهه في جوف الكعبة.

وقال الآلوسي صاحب التفسير الكبير في كتابه شرح الخريدة الغيبيّة في شرح القصيدة العينيّة لعبد الباقي العمري [ص 15] عند قول الناظم:

أنت العليّ الذي فوق العلي رفعا

ببطن مكّة عند البيت إذ وضعا

مالفظه: وكون أمير المؤمنين كرّم اللّه وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين: السنّة والشيعة إلي أن قال: ولم يشتهر وضع غيره كما اشتهر وضعه، بل لم تتّفق الكلمة عليه، وما أحري بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قبلة المؤمنين، فسبحان من وضع الأشياء في موضعها وهو أحكم الحاكمين.

وقال الحافظ الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب [ص 261]: لم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه، إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

وقال الشريف الرضي المتوفّي سنة [406] في خصائص الأئمة [ص 39]: لم نعلم مولوداً ولد في الكعبة غيره.

وقال الشيخ أبو عبداللّه المفيد المتوفّي سنة [413] في كتابه الارشاد [ص 5]: لم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله سواه، إكراماً من اللّه جلّ اسمه بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

وقال الشريف المرتضي المتوفّي سنة [436] في شرحه للقصيدة البائيّة للحميري [ص 15 ط. مصر]: لا نظير له في هذه الفضيلة.

وقال أمين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان في كتابه أعلام الوري [ص 93]: لم يولد قّط في بيت اللّه تعالي مولود سواه، لا قبله ولا بعده.

وقال ابن البطريق شمس الدين أبو الحسين يحيي بن الحسن الحلّي المتوفّي سنة [600] في كتابه العمدة [ص 24] لم

يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله سواه.

وقال بهاءالدين الاربلي المتوفّي سنة [692] في كتابه كشف الغمّة [1: 59]: لم يولد في البيت أحد سواه قبله ولا بعده، وهي فضيلة خصّه اللّه بها إجلالاً له، وإعلاءً لرتبته، وإظهاراً لتكرمته.

وقال العلامة الحسن بن يوسف الحلّي المتوفّي سنة [726] في كتابه نهج الحقّ وكشف الصدق [ص 5]: إنه لم يولد أحد سواه فيها لا قبله ولا بعده.

وقال العلامة أحمد بن عبدالرحيم الدهلوي الشهير بشاه ولي اللّه في كتابه ازالة الخفاء: تواترات الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّاً في جوف الكعبة، فإنه ولد في يوم الجمعة ثالث من شهر رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة، ولم يولد فيها أحد سواه قبله ولا بعده.

وحكي الحافظ الكنجي من طريق ابن النجّار، عن الحاكم النيسابوري أنّه قال: ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكّة في بيت اللّه الحرام، ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل.

وقال الآلوسي في شرحه المذكور [ص 75] عند قول العمري:

وأنت أنت الذي حطّت له قدم

في موضع يده الرحمن قد وضعا

وقيل: أحبّ (عليه السلام) يعني عليّاً أن يكافيء الكعبة حيث ولد في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها، فإنّها كما ورد في بعض الآثار كانت تشتكي إلي اللّه تعالي عبادة الأصنام حولها وتقول: أي ربّ حتّي متي تعبد هذه الأصنام حولي؟ واللّه تعالي يعدها بتطهيرها من ذلك، انتهي.

وإلي هذا المعني أشار العلاّمة السيّد رضا الهندي بقوله:

لمّا دعاك اللّه قدماً لأن

تولد في بيت فلبّيته

شكرته بين قريش بأن

طهّرت من أصنامهم بيته

وقال السيّد الحميري المتوفّي سنة [173]:

ولدته في حرم الإله وأمنه

والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة

طابت وطاب وليدها

والمولد

في ليلة غابت نحوس نجومها

وبدت مع القمر المنير الأسعد

مالفّ في خرق القوابل مثله

إلاّ ابن آمنة النبيّ محمّد

وقال الشيخ حسين نجف المتوفّي سنة [1252]:

جعل اللّه بيته لعليّ

مولداً ياله عُليً لا يضاها

لم يشاركه في الولادة فيه

سيّد الرسل لا ولا أنبياها

علم اللّه شوقها لعليّ

علمه بالذي به من هواها

إذا تمنّت لقاءه وتمنّي

فأراها حبيبه ورآها

ما ادّعي مدّع لذلك كلاّ

من تري في الوري يروم ادّعاها

فاكتست مكّة بذاك افتخاراً

وكذا المشعران بعد مناها

بل به الأرض قد علت اذ حوته

فغدت أرضها مطاف سماها

أو ما تنظر الكواكب ليلاً

ونهاراً تطوف حول حماها

وإلي الحشر في الطواف عليه

وبذاك الطواف دام بقاها

وقال الحاج ميرزا إسماعيل الشيرازي المتوفّي سنة [1305] في بعض قصيدته:

حبّذا آناء اُنس أقبلت

أدركت نفسي بها ما أمّلت

وضعت اُمّ العلي ما حملت

طاب أصلاً وتعالي محتدا

مالكا ثقل ولاء الاُمم

آنست نفسي من الكعبة نور

مثل ما آنس موسي نار طور

يوم غشّي الملأ الأعلي سرور

قرع السمع نداء كندا

شاطئ الوادي طوي من حرم

ولدت شمس الضحي بدر التمام

فانجلت عنّا دياجير الضلام

ناد يا بشراكم هذا غلام

وجهه فلقة بدر يهتدي

بسنا أنواره في الظلم

هذه فاطمة بنت أسد

أقبلت تحمل لاهوت الأبد

فاسجدوا ذلاًّ له فيمن سجد

فله الأملاك خرّت سجدا

إذ تجلّي نوره في آدم

كشف الستر عن الحقّ المبين

وتجلّي وجه ربّ العالمين

وبدا مصباح مشكاة اليقين

وبدت مشرقة شمس الهدي

فانجلي ليل الضلال المظلم

نسخ التأبد من نفي تري

فأرانا وجهه ربّ الوري

ليت موسي كان فينا فيري

ماتمنّاه بطور مجهدا

فانثني عنه بكفّي معدم

هل درت اُمّ العلي ما وضعت

أم درت ثدي الهدي ما أرضعت

أم درت كفّ النهي ما رفعت

أم دري ربّ الحجي ما ولدا

جلّ معناه فلمّا يعلم

سيّد فاق علا كلّ الأنام

كان إذ لا كائن وهو امام

شرّف اللّه به البيت الحرام

حين أضحي لعلاه مولدا

فوطا تربته بالقدم

إن يكن يجعل للّه البنون

وتعالي اللّه عمّا يصفون

فوليد البيت أحري أن يكون

لوليّ البيت حقّاً

ولدا

لا عزير لا ولا ابن مريم

هو بعد المصطفي خير الوري

من ذري العرش إلي تحت الثري

قد كست علياءه اُمّ القري

غرّة تحمي حماها أبدا

حيث لا يدنوه من لم يحرم

سبق الكون جميعاً في الوجود

وطوي عالم غيب وشهود

كلّما في الكون من يمناه جود

إذ هو الكائن للّه يدا

ويداللّه مدرّ الأنعم

سيّد حازت به الفضل مضر

بفخار فسما كلّ البشر

وجهه في فلك العليا قمر

فبه لا بالنجوم يهتدي

نحو مغناه لنيل المغنم

هو بدر وذراريه بدور

عقمت عن مثلهم اُمّ الدهور

كعبة الوفّاد في كلّ الشهور

فاز من نحو فناها وفدا

بمطاف منه أو مستلم

ورثوا العلياء قدماً من قصيّ

ونزار ثمّ فهر ولؤيّ

لا يباري حيّهم قطّ بحيّ

وهم أزكي البرايا محتدا

وإليهم كلّ فخر ينتمي

أيّها المرجي لقاه في الممات

كلّ موت فيه لقياك حياة

ليتما عجّل بي ما هو آت

علّني ألقي حياتي في الردي

فائزاً منه بأوفي النعم

وقال السيّد علي النقي اللكهنوي في قصيدة له:

طرب الكون لبشر وهنا

إذ بدا الفخر بنور وسنا

وأتي الوحي ينادي معلنا

قد أتاكم حجّة اللّه الإمام

وأبو الغرّ الهداة النجب

خصّه الرحمن بالفضل الصراح

ومزايا أشرقت غرّاً وضاح

وسما منزله هام الضراح

فغدا مولده خير مقام

طأطأت فيه رؤوس الشهب

إنّه أوّل بيت وضعا

للوري طرّاً فأضحوا خضّعاً

وعلي الحاضر والبادي معا

حجّة أصبح فرضاً لزام

طاعة تتبع أقصي القرب

وهو القبلة في كلّ صلاه

وملاذ يرتجي فيه النجاه

وقد استخلصه اللّه حماه

فلأن يأت إليه مستهام

في ملمّ داعياً يستجب

تلكم فاطمة بنت أسد

أمّت البيت بكرب وكمد

ودعت خالقها الباري الصمد

بحشاً فيه من الوجد الضرام

قد علته قبسات اللهب

نادت اللّهم ربّ العالمين

قاضي الحاجات للمستصرخين

كاشف الكرب مجيب السائلين

إنّني جئتك من دون الأنام

أبتغي عندك كشف الكرب

بينما كانت تناجي ربّها

وإلي الرحمن تشكو كربها

وإذا بالبشر غشّي قلبها

من جدار البيت إذ لاح ابتسام

عن سنا ثغر له ذي شنب

فتق الزهر أم انشقّ القمر

أم عمود الصبح بالليل انفجر

أم أضاء البرق فالكون أزدهر

أم بدا في الاُفق خرق والتئام

فغدا برهان

معراج النبيّ

أم أشار البيت بالكفّ ادخلي

واطمئنّي بالإله المفضل

فهنا يولد ذو العليا علي

من به يحظي حطيمي والمقام

وينال الركن أعلا الرتب

دخلت فاطم فارتدّ الجدار

مثلما كان ولم يكشف ستار

إذ تجلّي النور وانجاب السرار

عن سنا بدر به يجلو الظلام

والوري تنجو به من عطب

ولد الطاهر ذاك ابن جلا

من سما العرش جلالاً وعلا

فله الأملاك تعنو ذلّلا

وبه قد بشّر الرسل العظام

قومهم فيما خلا من حقب

عرف اللّه ولا أرض ولا

رفعت سبع طباق ظللا

فلذا خرّ سجوداً وتلا

كلّما جاء إلي الرسل الكرام

قبله من صحف أو كتب

إن يك البيت مطافا للأنام

فعليّ قد رقي أعلا سنام

إذ به يطوّف البيت الحرام

وسعي الركن إليه لاستلام

فغدا يزهو به من طرب

لم يكن في البيت مولود سواه

إذ تعالي عن مثيل في علاه

اُوتي العلم بتعليم الاله

فغذاه درّه قبل الفطام

يرتوي منه بأهني مشرب

صغر الكون علي سؤدده

وانتمي الوحي إلي محتده

بشّر الشيعة في مولده

واقصدوا العلامة الحبر الإمام

منبع العلم مناط الأدب

وقال السيّد عبدالعزيز محمّد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السريجي:

إن لم أفض في المغاني ماء أجفاني

فما أفظّ إذاً قلبي وأجفاني

وكيف لا يهمل الدمع الهتون فتيً

أمسي أسير صبابات وأحزان

يا ربّة السجف هلاّ كنت قاضية

ديناً وأقلعت عن مطل وليّان

لو كنت في عصر بلقيس لما خلبت

بلقيس قلب ابن داود سليمان

يا قلب كم بالحسان البيض تجعلني

مستهتراً والنهي عن ذاك ينهاني

ولي بودّ أمير النحل حيدرة

شغل عن اللهو والأطراب ألهاني

هات الحديث سميري عن مناقبه

ودع حديث ربي نجد ونعمان

مردي الكماة وفتّاك العتاة وهطّ

ال الهبات وأمن الخائف الجاني

بني بصارمة الإسلام إذ هدم

الأصنام أكرم به من هادم بان

سائل به يوم اُحد والقليب وفي

بدر وخيبر يا من فيه يلحاني

ويوم صفّين والألباب طائشة

وفي حنين اذ التفّ الفريقان

ويوم عمرو بن ودّ حين جلّله

عضباً به قربت آجال أقران

وفي الغدير وقد أبدي النبيّ له

مناقباً أرغمت ذا البغضة الشاني

إذ قال من

كنت مولاه فأنت له

مولي به اللّه يهدي كلّ حيران

اُنزلت منّي كما هارون اُنزل من

موسي ولم يك بعدي مرسل ثانِ

وآية الشمس إذ ردّت مبادرة

غرّاء أقصر عنها كلّ إنسانِ

وإنّ في قصّة الأفعي ومكمنه

في الخفّ هدياً لذي بغض وارعان

وقصّة الطائر المشويّ بيّنة

لكلّ من حاد عن عمد وشنآن

واسأل به يوم وافي ظهر منبره

والناس قد فزعوا من شخص ثعبان

فقال خلّوا له نهجاً ولا تجدوا

بأساً بتمكينه قصدي واتياني

فجاء حتّي رقي أعواد منبره

مهمهماً بلسان الخاضع الجاني

من غيره بطن العلم الخفيّ ومن

سواه قال اسألوني قبل فقداني

ومن وقت نفسه نفس الرسول وقد

وافي الفراش ذوو كفر وطغيان

ومن تصدّق في حال الركوع ولم

يسجد كما سجدت قوم لأوثان

من كان في حرم الرحمن مولده

وحاطه اللّه من بأس وعدوان

من غيره خاطب الرحمنواعتضدت

به النبوّة في سرّ واعلان

من اُعطي الراية الغرّاء إذ ربدت

نار الوغا فتحاماها الخميسان

من ردّت الكفّ إذ بانت بدعوته

والعين بعد ذهاب المنظر الفاني

من أنزل الوحي في أن لا يسدّ له

باب وقد سدّ أبواب لإخوان

ومن به بلغت من بعد أوبتها

براءة لاُولي شرك وكفران

ومن تظلم طفلاً وارتقي كتف

المختار خير ذوي شيب وشبّان

ومن يقول خذي يا نار ذا وذري

هذا وبالكأس يسقي كلّ ظمآن

من غسّل المصطفي من سال في يده

أجلّ نفس نأت عن خير جثمان

ومن تورّك متن الريح طائعة

تجري بأمر مليك الخلق رحمان

حتّي أتي فتية الكهف الذين جرت

علي مراقدهم أعصار أزمان

فاستيقظوا ثمّ قالوا بعد يقظتهم

أنت الوصيّ علي علم وايقان

سيجد القارئ خبر ميلاد الإمام علي (عليه السلام) في هذه الكتب:

1 الحاكم في المستدرك [3: 483].

2 شرح الخريدة الغيبيّة في شرح القصيدة العينيّة للآلوسي صاحب التفسير [ص 15].

3 كفاية الطالب للكنجي الشافعي [ص 260].

4 مروج الذهب لأبي الحسن المسعودي [2: 2].

5 تذكرة خواصّ الاُمّة لسبط ابن الجوزي الحنفي [ص 7].

6 الفصول المهمّة لابن الصباغ المالكي

[ص 14].

7 السيرة النبويّة للحلبي الشافعي [1: 150].

8 شرح الشفاء للشيخ عليّ القاري [1: 151].

9 مطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي [ص 11].

10 محاضرة الأوائل للشيخ علاء الدين السكتواري [ص120].

11 مفتاح النجا للبدخشي الحنفي.

12 المناقب للأمير محمّد صالح الترمذي.

13 مدارج النبوة لعبدالحقّ الدهلوي.

14 نزهة المجالس للصفوري الشافعي [2: 204].

15 آيينة التصوّف للشاه محمد حسن الجشتي.

16 كتاب الحسين للسيد علي جلال الدين [1: 16].

17 روائح المصطفي لصدر الدين البردواني [ص10].

18 كفاية الطالب للشيخ حبيب اللّه السنقيطي [ص37].

19 إزالة الخفاء للشاه ولي اللّه عبدالعزيز الدهلوي.

20 الغدير للاميني [6: 23 ط دار الكتاب العربي بيروت].

تزويجه بفاطمة البتول

أفهل بعد هذا يتسنّي لذي مسكة بأسرار العلوم الدينيّة، وسعة إلمام بالتواريخ الإسلاميّة من ذوي الأفهام الثواقب بدلائل الأحاديث النبويّة، أن يذعن لقول ذوي الآراء السقيمة، والخواطر المظلمة؟ بأن أحداً أبعد النبيّ أفضل ممّن جعل اللّه مولده قبلة الاُمّة؟ واختاره كفؤاً لبنت حبيبه المصطفي سيّدة نساء العالمين فاطمة.

فياليت شعري، فأيّ مؤمن يتجرّأ أن يقول: إنّه تعالي مجده قد اختار زوجاً للبتول، دون الفاضل بل المفضول من أصحاب الرسول، من حيث يزوّجها بعليّ، وقد خطبها شرفاء قريش وعظماؤها، منهم أبو بكر وعمر، كما ذكر ذلك المحدّثون واُمناء المؤرخين من أهل الاخبار والسير؟

وهاك ما جاءنا به ابن حجر، في أوائل الباب الحادي عشر [ص84] وأبو داود السجستاني، كما أورده ابن حجر في الآية الثانية عشرة، في الباب الحادي عشر، من صواعقه [ص 96] أنّ أبا بكر خطبها أي فاطمة فأعرض عنه (صلي الله عليه وآله) ثمّ عمر فأعرض عنه، فأتيا عليّاً فنبّهاه إلي خطبتها، فخطبها. الي آخره.

وأخرجه ابن جرير عن علي، قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، فأبي

عليهما، قال عمر: أنت لها يا علي. الحديث.

وأخرجه الدولابي في الذريّة الطاهرة [ص93] وهو الحديث 6007 من كنز العمّال [6: 392] كما في تعليقات الموسوي من المراجعات [ص 216] وقد أورده أيضاً ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة [3: 257].

وقد روي هذا الحديث جماعة من الصحابة منهم: اسماء بنت عميس، واُمّ أيمن، وابن عبّاس، وجابر بن عبداللّه. راجع: شرح النهج لابن أبي الحديد [3: 257] والغدير [3: 221، و 2: 305] وإلي ذلك أشار العبدي بقوله:

آل النبيّ محمّد

أهل الفضائل والمناقب

المرشدون من العمي

والمنقذون من اللوازب

الصادقون الناطقون

السابقون إلي الرغائب

فولاهم فرض من

الرحمن في القرآن واجب

وهم الصراط فمستقيم

فوقه ناج وناكب

صدّيقة خلقت لصدّ

يق شريف في المناسب

اختاره واختارها

طهرين من دنس المعائب

اسماهما قرنا علي

سطربظلّ العرش راتب

كان الإله وليّها

وأمينه جبريل خاطب

والمهر خمس الأرض مو

هبة تعالت في المواهب

وتهابها من حمل طوبي

طيبت تلك المناهب

فقد أشار الشيخ بالبيت الثامن وذلك قوله «إسماهما قرنا علي سطر» الي آخره إلي حديث كتابة أسماء فاطمة وبعلها وبنيها في ظلّ العرش، وكتبت علي باب الجنّة، كما أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه [1: 259] وغيره عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): ليلة عرج بي إلي السماء، رأيت علي باب الجنّة مكتوباً: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، علي ولي اللّه، والحسن والحسين صفوة اللّه، علي مبغضيهم لعنة اللّه. ورواه الخطيب والخوارزمي في مناقبه [ص240].

وأما قوله:

كان الإله وليّها

وأمينه جبريل خاطب

فاشارة إلي أنّ اللّه تعالي هو الذي زوّج فاطمة عليّاً، وكان وليّ أمرها، وخطب فيه الأمين جبريل (عليه السلام)، كما ورد عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): أيّها الناس! هذا علي بن أبي طالب، أنتم تزعمون أنّني قد زوّجته

ابنتي فاطمة، ولقد خطبها إليّ أشراف قريش فلم اُجب، كلّ ذلك أتوقّع الخبر من السماء، حتّي جاءني جبرئيل ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان، فقال: يا محمّد! العليّ الأعلي يقرأ عليك السلام، وقد جمع الروحانيّين والكروبيين في واد يقال له: الأفيح، تحت شجرة طوبي، وزوّج فاطمة عليّاً وأمرني، فكنت الخاطب، واللّه تعالي الوليّ. الحديث. راجع: كفاية الطالب [299ط. النجف الأشرف].

وأخرج محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبي [ص 31] عن علي، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): أتاني ملك، فقال: يا محمّد! إن اللّه تعالي يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إنّي قد زوّجت فاطمة ابنتك من علي بن أبي طالب في الملأ الأعلي، فزوّجها منه في الأرض.

وأخرج النسائي والخطيب في تاريخه [4: 129] بالاسناد عن عبداللّه بن مسعود، قال: أصاب فاطمة بنت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) صبيح العرس رعدة، فقال لها رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): يا فاطمة! إنّي زوّجتك سيّداً في الدنيا، وإنّه في الآخرة لمن الصالحين. يا فاطمة! إنّي لمّا أردت أن اُملكك لعليّ، أمر اللّه جبرئيل فقام في السماء الرابعة، فصفّ الملائكة صفوفاً، ثمّ خطب عليهم جبريل فزوّجك من علي، ثمّ أمر شجر الجنان فحملت الحليّ والحلل، ثمّ أمرها فنثرته علي الملائكة، فمن أخذ منهم يومئذ أكثر ممّا أخذ صاحبه أو أحسن، افتخر به إلي يوم القيامة، قالت اُم سلمة: فلقد كانت فاطمة تفتخر علي النساء حيث أوّل من خطب عليها جبرئيل.

وذكره الكنجي في الكفاية [ص301] ثمّ قال: حديث حسن عال رزقناه عالياً. ومحبّ الدين في الذخائر [ص32].

وروي الصفوري في نزهة المجالس [2: 225]: عن جبرئيل أنّه قال لرسول اللّه (صلي الله عليه وآله): إنّ اللّه أمر

رضوان أن ينصب منبر الكرامة علي باب البيت المعمور، وأمر ملكاً يقال له: راحيل أن يصعده، فعلا المنبر وحمد اللّه وأثني عليه بما هو أهله، فارتجّت السماوات فرحاً وسروراً، وأوحي اللّه إليّ أن أعقد عقدة النكاح، فإنّي زوّجت عليّاً بفاطمة أمتي بنت محمّد رسولي، فعقدت وأشهدت الملائكة وكتبت شهادتهم في الحريرة، وإنّي أمرت أن أعرضها عليك وأختمها بخاتم مسك أبيض وأدفعها إلي رضوان خازن الجنان، وهناك في هذا المعني أخبار كثيرة.

قوله:

والمهر خمس الأرض مو

هبة تعالت في المواهب

أشار به إلي ما أخرجه شيخ الإسلام الحمويي في فرائد السمطين في الباب الثامن عشر [1: 95] عن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال لعلي: يا علي إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده، وإنّه اُوحي إليّ أن اُزوّجك فاطمة علي خمس الأرض، فهي صداقها، فمن مشي علي الأرض وهو لكم مبغض، فالأرض حرام عليه أن يمشي عليها.

قوله:

وتهابها من حمل طوبي

طيّبت تلك المواهب

أشار إلي حديث النثار المرويّ عن بلال بن حمامة، قال: طلع علينا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ذات يوم متبسّماً ضاحكاً، ووجهه مشرق كدارة القمر، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف، فقال: يا رسول اللّه ما هذا النور؟ قال: بشارة أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي أن اللّه زوّج فاطمة من علي، وأمر رضوان خازن الجنان، فهزّ شجرة طوبي، فحملت رقاقاً يعني صكاكاً بعدد محبّي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكة من نور، ودفع إلي كلّ ملك صكا، فاذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق، فلا تلقي محباً لنا أهل البيت إلاّ دفعت له صكّاً فيه فكاكه من النار، بأخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من اُمّتي من النار.

أخرجه

الخطيب في تأريخه [4: 210] وابن الأثير في اُسد الغابة [1: 206] وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة [ص 26] وأبو بكر الخوارزمي في المناقب [ص 341]، وابن حجر في الصواعق [ص 103] والصفوري في نزهة المجالس [2: 225] والحضرمي في رشفة الصادي [ص 28].

وأخرج أبو عبداللّه الملاّ في سيرته عن أنس، قال، بينما رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)في المسجد إذ قال لعلّي: هذا جبريل يخبرني أنّ اللّه زوّجك فاطمة، وأشهد علي تزويجها أربعين ألف ملك، وأوحي إلي شجرة طوبي: أن انثري عليهم الدرّ والياقوت، فنثرت عليهم الدرّ والياقوت فابتدرت إليه الحور العين يتلقطن في أطباق الدرّ والياقوت، فهم يتهادونه بينهم إلي يوم القيامة.

رواه محبّ الدين الطبري في الذخائر [ص 32] وفي الرياض [2: 184] والصفوري في نزهة المجالس [2: 223].

وللعبدي ايضا:

وزُوّج في السماء بأمر ربّي

بفاطمة المهذّبة الطهور

وصيّر مهرها خمساً بأرض

لما تحويه من كرم وحور

فذا خير الرجال وتلك خير ال

نساء ومهرها خير المهور

وله أيضا:

إذ أتته البتول فاطم تبكي

وتوالي شهيقها والزفيرا

اجتمعن النساء عندي وأقبلن

يطلن التقريع والتعبيرا

قلن إنّ النبيّ زوّجك اليوم

عليّاً بعلاً معيلاً فقيرا

قال يا فاطم اصبري واشكري اللّه

فقد نلت منه فضلاً كبيرا

أمر اللّه جبرئيل فنادي

معلناً في السماء صوتاً جهيرا

اجتمعن الأملاك حتّي إذا ما

وردوا بيت ربّنا المعمورا

قام جبريل خاطباً يكثر التح

ميد للّه جلّ والتكبيرا

خمس أرضي لها حلال فصيّر

ه علي الخلق دونها مبرورا

نثرت عند ذاك طوبي وللحور

من المسك والعبير نثيرا

بيان في قوله:

إذ أتته البتول فاطم تبكي

وتوالي شهيقها والزفيرا

إشارة الي ما أخرجه الخطيب في تاريخه [4: 195] مسنداً عن ابن عبّاس، قال: لمّا زوّج النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) فاطمة من علي، قالت فاطمة: يا رسول اللّه، زوّجتني من رجل فقير ليس له شيء؟ فقال النبي

(صلي الله عليه وآله وسلم): أما ترضين انّ اللّه اختار من أهل الأرض رجلين: أحدهما أبوك، والآخر زوجك؟

وذكره الحاكم في المستدرك [3: 129] وصحّحه، والهيثمي في المجمع [9: 112]. والسيوطي في الجمع كما في ترتيبه [6: 391] والصفوري في النزهة [2: 226].

إذا علمنا هاتين الإثارتين الجليلتين، وهما ميلاده في الكعبة الشريفة، وزواجه في السماء، وكان الولي فيها المولي الجليل، والنائب عنه عظيم الملائكة الأمين جبرئيل، فقد علمنا علماً ضروريّاً أنّ تلكما الفضيلتين إنّما هما غيض من فيض، بالنسبة إلي مناقب بعل البتول أبي الأطهار، فيما شهدت لها الآثار، ونطقت بها الأخبار، كما أسلفناها في هذه الأسطر جليّة كالنار علي المنار، والشمس في رابعة النهار، لا ينكرها الاّ مظلم القلب ذو عوار.

ثمّ إنّنا لو قدرنا أن لو كان هناك بليد غبيّ، أو أحد من أجلاف الأعراب بدويّ، فيقال له: إن أحداً من الصحابة أفضل بعد النبيّ من علي، أفتراه يذعن لذلك القول؟ فضلاً عمّن كان في العلوم من الأعلام الرواسي، وفي مشتبهات الاُمور من ذوي الآراء الصائبة والأفهام الثواقب؛ فإنّ وضوح ذلك عندهم بمكان، يكاد أن يرونه بباصرة أعينهم ونور بصائرهم، إن لم تكن عليها غشاوة، التي منبعها من … والانسان علي نفسه بصيرة ولو ألقي معاذيرة.

وقصاري القول في ذلك: أنّ من يعرف الحقّ يعرف أهله، ولذلك قال بعض الحكماء وما أجدر أن يكون منّا علي بال : إعرف الرجال بالحقّ، ولا تعرف الحقّ بالرجال. أي: كما قال بعضهم في مفهوم ذلك: لاتكن معرفتك بالحقّ في أمر من الاُمور مقصورة علي كون القائل فيه من رجال العلم، ولكن استدل بالحقّ ما ظهر من مقاله علي أنّه من أهل العلم. واللّه أعلم.

نعم انّه قد عبّر إمام الأئمّة

وقدوة الاُمّة، شيخ الفقهاء ابن حجر بعبارات قلّ أن يفهمها أمثالي، مهما قد بذل جهده في تدبّرها، وتبصّر وأمعن نظره متأمّلاً فيها بتدقيق النظر، فما أغني عنه فتلة حتّي يرجع في الضرع الدرّ، بل ربّما لا ينتج من تدبّر تلك العبارات سوي مزيد الحيرة والضجر.

ولا شكّ بأنّ السبب في ذلك أنّنا لم نبلغ عشر معشار ما بلغه من العلم بالأحاديث بمساغبها ومغزاها، ولا ريب أنّنا لم نصل إلي درجة ما وصل إليه بباعه الطويل ما أدرك فيها من أنواع الفنون والمعارف بمفادها ومراميها، فياليت شعري، فأين نحن ممّن هو أشهر في العلم من فلق الصبح؟ وأين الثري وأين الثريّا؟ فالقول الفصل في ذلك، أنّه لا مناسبة بيننا وبينه في العلوم والفنون والمعارف، إلاّ كنسبة البغاث من النسر، والسراج من الشمس.

فمن التباين بين الحالتين، والتفاوت بين الدرجتين، وبعد ما بين المنزلتين علوّاً وسعة، كان الذي يراه الشيخ برأيه الصائب، وما أدركه بفهمه الثاقب، غير الذي كنّا نراه، مثل ما تراءي لنا بأنّ الأحاديث التي احتجّ بها الشيخ في تفضيله أبا بكر، بل وعثمان وعمر علي من لقّبه النبيّ بالصدّيق الأكبر: إمّا باطل كما عند أهل الجرح والتعديل، وإمّا ضعيف، أو منكر.

الفات النظر إلي ما احتج به ابن حجر

اشاره

فهذه بعض الأحاديث نقلناها عن الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي التي جعلها من النصوص الثابتة علي خلافة أبي بكر وغيرها من رفيع شأنه وقدره، وغاية كماله، وغرّة فضله وإفضاله، ولعلّ البعض منها قد ذكرناها فيما تقدّم من هذه السطور.

قد أورد في الفصل الثالث [ص 12] من صواعقه ما أخرجه أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجة والحاكم، عن حذيفة، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر.

وقد ذكر الحديث

أيضاً الأميني في غديره [5: 347] عن عبداللّه بن عمر، وقال: أخرجه العقيلي من طريق مالك، وقال: حديث منكر لا أصل له.

وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد الخليلي الضميري بسنده، ثمّ قال: لا يثبت، لمكان العمري راوي الحديث، فانّه ضعيف يعني بالعمري محمّد بن عبداللّه حفيد عمر بن الخطّاب .

وقال فيه ابن حبّان: لا يجوز الاحتجاج به. وقال الدارقطني: العمري يحدّث عن مالك بأباطيل. وفي ميزان الاعتدال [3: 611] قال: لا يصح حديثه. وقال ابن مندة: له مناكير.

وذكر الذهبي في ميزانه [1: 142] من طريق أحمد بن محمّد الباهلي غلام خليل قال ابن عدي: سمعت ابن عبداللّه النهاوندي يقول لغلام خليل: ما هذه الرقائق التي تحدّث بها؟ قال: وضعناها لنرقّق بها قلوب العامّة. وقال ابن عدي: أمره بيّن. وقال الدارقطني: متروك. وقال أبو داود: أخشي أن يكون دجّال بغداد.

وقال الذهبي: وهذا الحديث من مصائبه.

هذا الحديث عن عقبة بن عامر مرفوعاً، وقد عدّ من موضوعات محمّد بن عبدالرحمن بن غزوان الكذّاب الوضاع، الشهير بابن القواد، كان يضع الحديث لعقبة بن عامر عن ثقات الناس ببواطيل.

راجع: تاريخ الخطيب [2: 311] وميزان الذهبي [3: 931 وتذكرة المقدسي [ص 40] ولسان الميزان لابن حجر العسقلاني [5: 263].

وأورد في الفصل الثالث [ص 45] الحديث الحادي والسبعين، ما أخرجه الحاكم في الكني، وابن عدي في الكامل، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) قال: أبو بكر وعمر خير الأوّلين والآخرين، وخير أهل السماء والأرض، إلاّ النبيّين والمرسلين.

هذا الحديث باطل موضوع لمكان جبرون بن واقد الافريقي في سند الرواية، والثاني محمّد بن داود القنطري، وهو راوي هذه الرواية.

قال الذهبي في ميزانه [1: 388 ط دار المعرفة]: جبرون

متّهم؛ فإنّه روي بقلّة حياء عن سفيان، وروي عنه محمّد بن داود القنطري الحديث وما قبله عن أبي هريرة مرفوعاً، وهما موضوعان.

وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان [2: 94]: إنّ الحديثين منكران. وصرّح في [5: 161] بأن الحديثين موضوعان.

وقال الذهبي في ترجمة محمّد بن داود في ميزانه [3: 540 ط دار المعرفة] عن جبرون الافريقي، إنّ الحديثين باطلان.

وأورد في [ص 48] الحديث الأوّل بعد المائة، ما أخرجه أبو يعلي عن عمّار بن ياسر، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): أتاني جبرئيل آنفاً، فقلت: يا جبرئيل! حدّثني بفضائل عمر بن الخطّاب، فقال: لو حدّثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه، ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر.

هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات. وقال الذهبي في ميزانه [1: 451 ط دار المعرفة]: خبر باطل لا ندري من ذا. راجع: ميزان الاعتدال في ترجمة: حبيب بن ثابت.

وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان [2: 168]: لم يعلّله ابن الجوزي إلاّ بعبداللّه بن عامر الأسلمي، وليست الآفة إلاّ منه. وفي السند ابن بطة والنقّاش المفسّر، وفيهما مقال صعب، وذكره في [2: 189] وقال: قال الدارقطني في غرائب مالك: هذا لا يصحّ عن مالك، وهذا الحديث وحديث المشط موضوعان.

وأورد أيضاً في الصفحة المذكورة الحديث الثالث بعد المائة، ما أخرجه الطبراني عن سهل، قال: لمّا قدم النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) من حجّة الوداع، صعد المنبر وحمد اللّه تعالي وأثني عليه، ثمّ قال: أيّها الناس! إنّ أبا بكرلم يسؤني قطّ، فاعرفوا له ذلك.

هذا الحديث أخرجه أيضاً الخلعي وابن مندة وغيرهما، وأورده المحبّ الطبري في رياضه [1: 127] وابن حجر

العسقلاني في الإصابة [2: 9].

قال ابن مندة: غريب، لا نعرفه إلاّ من وجه خالد بن عمرو والأموي.

وقال ابن حجر العسقلاني في الاصابة [2: 9]: خالد بن عمرو متروك واهي الحديث إلي أن قال: واسناد حديثه مجهولون ضعفاء الي آخر كلامه.

وقال في تهذيب التهذيب [3: 109] في ترجمة خالد بن عمرو: قال أحمد: منكر الحديث ليس بثقة، يروي أحاديث بواطيل. وعن يحيي بن معين قال: ليس حديثه بشيء، كان كذّاباً يكذب، حدّث عن شعبة أحاديث موضوعة. وقال البخاري والساجي وأبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث ضعيف. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال صالح البغدادي: كان يضع الحديث. وقال ابن حبّان: كان يتفرّد عن الثقات بالموضوعات لا يحلّ الاحتجاج بخبره.

وقال ابن عدي: روي عن الليث وغيره أحاديث مناكير، وأورد له أحاديث عن ليث عن يزيد، ثمّ قال: وهذه الأحاديث كلّها باطلة، وعندي أنّه وضعها عن الليث إلي أن قال: وله غير ما ذكرت وعامّتها أو كلّها موضوعة. وعن أحمد بن حنبل أنّه قال: أحاديثه كلّها موضوعة. الي آخر كلامه.

وأورد في الحديث السادس [ص 13] ما أخرجه مسلم عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله) في مرضه الذي مات فيه: اُدعي لي أباك وأخاك، حتّي أكتب كتاباً، فانّي أخاف أن يتمنّي متمنّ ويقول قائل: أنا أولي، يأبي اللّه والمؤمنون إلاّ أبا بكر.

أقول: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة [3: 17]: إنهم يعني البكريّة وضعوه في مقابلة الحديث المرويّ عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) في مرضه، وذلك: إئتوني بدواة وبياض أكتب لكم مالا تضلّون بعده أبدا، فاختلفوا عنده، وقال قوم منهم: قد غلبه الوجع حسبنا

كتاب اللّه. إلي أن قال ابن أبي الحديد: وفضائل أبي بكر المحقّقه المعلومة ما يغني عن تكلّف العصبيّة!

وأورد في [ص 48] الحديث الخامس بعد المائة ما أخرجه ابن عساكر من طريق خازم بن الحسين أبو اسحاق الخميسي عن أنس مرفوعاً: حبّ أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما كفر.

وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو داود: روي مناكير. وقال ابن عدي عامّة ما يرويه لا يتابع عليه. راجع: ميزان الذهبي [1: 626].

وأورد في [ص 46] الحديث السابع والثمانين ما أخرجه البخاري عن أنس، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): ما قدمت أبابكر وعمر ولكن اللّه قدّمهما.

هذا الحديث أخرجه الذهبي في ترجمة الحسن بن إبراهيم الفقيمي الواسطي، فقال: هذا حديث باطل، ورجاله مذكورون بالثقة. ما خلا الحسن فإنّي لا أعرفه.

وأورد في [ص 46] الحديث الثالث والثمانين ما أخرجه الطبراني عن ابن مسعود، قال: قال: رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): إنّ لكلّ نبيّ خاصّة من أصحابه، وانّ خاصّتي أبو بكر وعمر.

قال الذهبي: خبر باطل. راجع: اللآلي المصنوعة للسيوطي [3: 365].

وأورد في [ص 46] الحديث السادس والثمانين ما أخرجه الخطيب في تأريخه، أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: سيّدا كهول أهل الجنّة أبو بكر وعمر، وانّ أبا بكر في الجنّة مثل الثريّا في السماء.

هذا الحديث من موضوعات يحيي بن عنبسة القرشي البصري الوضّاع الدجّال الكذّاب. وذكر الذهبي الشطر الأول منه في ميزانه [3: 126] من طريق عبدالرحمن بن مالك بن مغول الكذّاب الأفّاك الوضّاع.

وأخرج ابن قتيبة في الإمامة والسياسة [1: 9] عن ابن أبي مريم الكذّاب الوضاع، وهو عن أسد بن موسي، قال سعيد بن يونس: حدّثنا بأحاديث منكرة وهو ثقة.

وأخرج الخطيب في

تأريخه [7: 118] من طريق بشّار بن موس الشيباني الخفّاف، بلفظ: هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، ممّن خلا في الاُمم الغابرين ومن يأتي، إلاّ النبيّين والمرسلين لا تخبرهما يا علي.

قال ابن معين في بشّار بن موسي البصري: ليس بثقة انّه من الدجّالين. وقال عمرو بن علي: ضعيف الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث قد رأيته وكتبت عنه وتركت حديثه. وقال الآجوري: ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: ضعيف، وضعّفه ابن المديني.

راجع: تاريخ الخطيب [7: 119] وتهذيب التهذيب للعسقلاني [1: 441] وأخرج الخطيب أيضاً في تأريخه [1: 192] من طريق يونس بن إسحاق عن أبيه المطعون عند القوم. راجع: تهذيب التهذيب [5: 8].

وأورد في [ص 46] الحديث الثاني والثمانين ما أخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية، عن ابن عبّاس أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، قال: إنّ اللّه أيّدني بأربعة وزراء، اثنين من أهل السماء: جبريل، وميكائيل. واثنين من أهل الأرض: أبو بكر وعمر.

هذا الحديث من موضوعات محمّد بن مجيب الصائغ، أخرجه الخطيب في تاريخه [3: 298] من طريقه، وقال: كان كذّابا، عدوّاً لِلّه، ذاهب الحديث.

وأخرجه الذهبي من طريق الكذّاب والوضاع أيضاً وهو: معلّي بن هلال.

وأورده في [ص 15] الحديث الثاني عشر ما أخرجه الدارقطني والخطيب وابن عساكر عن علي، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): سألت اللّه أن يقدّمك ثلاثاً، فأبي عليّ إلاّ تقديم أبا بكر.

وذكره المحبّ الطبري في الرياض النضرة [1: 150] باللفظ المذكور ولفظ: نازلت اللّه فيك ثلاثاً فأبي أن يقدّم إلاّ أبا بكر، ثمّ قال: غريب.

أقول: إنّ من الغريب البعيد عن مستوي نطاق أفهام المتفهمين أن الشيخ نفسه قد زيّف هذا الحديث كما في

كتابه الفتاوي الحديثية [ص 126] وكيف احتج به في صواعقه؟

وأورد في الفصل الرابع [ص 51] ما أخرجه البيهقي: لو وزن إيمان أبي بكر بايمان أهل الأرض لرجح.

أقول: إنّ في سند الحديث عبداللّه بن عبدالعزيز بن أبي رواد، وقد قال فيه الذهبي: قال أبو حاتم وغيره: أحاديثه منكرة. وقال ابن الجنيد: لا يساوي فلساً. وقال ابن عدي: روي أحاديث عن أبيه لا يتابع عليه. راجع: ميزان الاعتدال للذهبي [2: 455].

وأورد في [ص 14] الحديث الثامن ما أخرجه ابن حبّان عن سفينة: لمّا بني رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) المسجد، وضع في البناء حجراً وقال لأبي بكر: ضع حجرك إلي جنب حجري، ثمّ قال لعمر: ضع حجرك إلي جنب حجر أبي بكر، ثمّ قال لعثمان: ضع حجرك إلي جنب حجر عمر.

قال ابن حجر: قال أبو زرعة: اسناده لا بأس به. وأخرجه الحاكم في المستدرك [3: 13] وصحّحه.

أقول: قد أخرج هؤلاء هذا الحديث من طريق نعيم بن حمّاد أبو عبداللّه الأعور، وهو أحد الأئمّة، المتوفّي سنة [228] كما أخبرنا الأميني في الغدير [2: 269] قال الازدي: كان يضع الحديث في تقوية السنّة، وله حكايات مزوّرة في ثلب النعمان كلّها كذب.

راجع: ميزان الاعتدال [3: 241] وشذرات الذهب لابن عماد الحنبلي [2: 67] وتهذيب التهذيب للعسقلاني [10: 463] واللئالي المصنوعة [1: 15] والجوهر النقي لابن التركماني [هامش سنن البيهقي 3: 305].

وأورد في [ص 44] الحديث الخامس والستين ما أخرجه الخطيب البغدادي بسند واه، عن ابن عبّاس، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، قال: هبط جبريل (عليه السلام) وعليه طنفسة متخلّل بها، فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: إنّ اللّه تعالي أمر الملائكة أن تتخلّل لتخلّل أبي بكر

في الارض.

هذا الحديث أخرجه الخطيب في تاريخه [5: 442] من طريق محمّد بن عبداللّه الاُشناني الكذّاب الوضّاع الدجّال، وكان يضع مالا يحسنه، غير أنّه واللّه أعلم أخذ أسانيد صحيحة من بعض الصحف، فركّب عليها هذه البلايا.

قال الخطيب البغدادي: ما أبعد الاُشناني من التوفيق.

راجع: تاريخ بغداد [5: 441 و 443] واللآلي [1: 273].

وأورد في [ص 11] في النصّ الثاني في النصوص الواردة عنه (صلي الله عليه وآله وسلم)بخلافة أبي بكر والمشيرة إليها ما أخرجه أبو القاسم البغوي، عن عبداللّه بن عمر، قال: سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: يكون خلفي إثنا عشر خليفة أبو بكر لا يلبث إلاّ قليلا أمسك الشيخ عنان قلمه عن تمام الحديث وذلك: وصاحب رحي دارة العرب، يعيش حميداً ويقتل شهيداً عمر، وأنت يا عثمان سيسألك الناس أن تخلع قميصاً كساك اللّه عزّ وجلّ إيّاه، بيده، لئن خلعته لا تدخل الجنّة حتّي يلج الجمل في سمّ الخياط.

هذا الحديث أخرجه البيهقي كما في تاريخ ابن كثير [6: 206] باسناده، وفيه عبداللّه بن صالح كاتب الليث، وهو الكذّاب الوضّاع، كما في تذكرة الموضوعات للمقدسي [ص 17 و 44 و 112]. وسلسلة الموضوعات من الغدير [5: 239] للأميني.

وأورد في الفصل الخامس [ص 18] ما أخرجه الطبراني قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): انّ اللّه يكره أن يخطيء أبو بكر. ثمّ قال: فهذا دليل أيّ دليل علي أنّه أكملهم عقلاً ورأياً، وعلي أنّه أعلمهم ولا مرية في ذلك الي آخر ما قال.

أري فيما ذكره الأميني في غديره [5: 312] أنّ الحديث أخرجه الحارث في مسنده من طريق محمّد بن سعيد الكذّاب الوضّاع، فقال: موضوع تفرّد به أبو الحارث نصر بن حمّاد، كذّبه يحيي.

وقال النسائي: ليس بثقة. وقال مسلم: ذاهب الحديث.

وفي سنده أيضاً بكر بن خنيس، قال الدارقطني: متروك. وفي السند أيضاً محمّد بن سعيد وهو المصلوب: كذّاب يضع الحديث. وقال عبداللّه بن أحمد بن سوادة: قلبوا اسمه علي مائة اسم وزيادة.

راجع: ميزان الذهبي [3: 561 ط دار المعرفة] في ترجمة محمّد بن سعيد المصلوب، وتاريخ الخطيب [13: 281] واللآلي [1: 155].

وأورد في الفصل الثاني في ذكر فضائل أبي بكر [ص 42] الحديث الثالث والأربعين، ما أخرجه الطبراني عن معاذ، أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، قال: رأيت أنّي وضعت في كفّة واُمّتي في كفّة، فعدلتها، ثمّ وضع أبو بكر في كفّة واُمّتي في كفّة، فعدلها، ثمّ وضع عمر في كفّة واُمّتي في كفّة، فعدلها، ثمّ وضع عثمان في كفّة واُمّتي في كفّة، فعدلها، ثمّ رفع الميزان.

هذا الحديث قد أخرجه الذهبي في ميزانه [3: 291 ط دار المعرفة] من طريق عمرو بن واقد الدمشقي، وقال: ولا يعرف إلاّ من رواية عمرو الهالك، ولا يشك أنّه كان يكذب.

وأورد في [ص 46] الحديث الحادي والثمانين ما أخرجه أبو نعيم في الحلية، والخطيب وأبو يعلي: أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، قال: أبو بكر وعمر منّي بمنزلة السمع والبصر.

أري كما رآه الأميني فيما ذكره في الغدير [5: 325] وقال: عدّه المقدّسي في تذكرته من الموضوعات.

وذكر ابن عبد البرّ في الاستيعاب [1: 146] بلفظ: هذان بمنزلة السمع والبصر من الرأس. وقال: اسناده ضعيف.

وقال أيضاً في [1: 348] من الاستيعاب: حديث مضطرب الاسناد. وفي الاصابة [2: 299] قال أبو عمر يعني ابن عبد البرّ : حديث مضطرب لا يثبت.

وأورد في [ص 44] الحديث الثاني والستّين ما أخرجه ابن عساكر عن أنس،

قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): حبّ أبي بكر وشكره واجب علي اُمّتي.

وقال الذهبي في ميزانه [3: 180]: منكر جدّا.

وأخرجه الخطيب في تاريخه [5: 453] من طريق عمر بن ابراهيم الكردي، وقال: تفرّد به عمر، وهو ذاهب الحديث.

وأخرج أيضاً في نفس الجزء [ص 73] بلفظ: إنّ من أمنّ الناس عليّ في صحبته وذات يده أبو بكر الصدّيق، فحبّه وشكره وحفظه واجب علي اُمّتي.

قال الدارقطني: عمر بن إبراهيم الكردي: كذّاب خبيث. وقال الخطيب: غير ثقة، يروي مناكير من الاثبات. راجع: ميزان الاعتدال [3: 180 ط دار المعرفة].

وأورد في [ص 45] الحديث السبعين ما أخرجه تمام في فوائده، وابن عساكر عن عبداللّه بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) يقول: أتاني جبريل فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تستشير أبا بكر.

وذكر الذهبي في ميزان الاعتدال [2: 48] وقال في يحيي بن معين: أنا أتعجّب من يحيي مع جلالته ونقده كيف يروي مثل هذا الباطل ويسكت عنه أي ما يصرّح ولا يغمز في أسانيده وربيعة صاحب مناكير وعجائب.

وأورد في [ص 47] الحديث الثامن والتسعين ما أخرجه البزّار عن أبي أروي الدوسي، قال: كنت عند النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: الحمد للّه الذي أيّدني بكما.

إنّ لهذا الحديث ثلاث طرق:

1 من طريق ابن أبي فديك، كما أخرجه الحاكم في المستدرك [3: 74] وهو وإن وثّقه ابن معين غير أنّ ابن سعد قال: ليس بحجّة، وهو عن عاصم بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطّاب، الذي ضعّفه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، وابن عدي. وقال الفروي: ليس بثقة. وقال ابن حبّان: يخطئ ويخالف. وقال أيضاً: منكر الحديث

جدّاً، يروي عن الثقات ما لم يشبه حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به إلاّ فيما وافق الثقات. وقال ابن الجارود: ليس حديثه بحجّة، وتكلّم النسائي علي أحمد بن صالح حيث وثّقه. راجع ميزان الاعتدال [3: 483 و 2: 355 ط: دار المعرفة].

2 عن سهيل بن أبي صالح، قال ابن معين: حديثه ليس بحجّة. وقال أبو حاتم: حديثه لا يحتجّ به. وقال ابن حبّان: يخطئ. وقال ابن أبي خيثمة عن يحيي: لم يزل أهل الحديث يتّقون حديثه. راجع: ميزان الاعتدال [2: 243 ط: دار المعرفة].

3 عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث المدني الذي من طريقه أخرجه البزّار، وأورده ابن حجر في الصفحة المذكورة.

قال الأميني في غديره [7: 299]: وثّقه غير واحد، غير أنّ إمام الحنابلة قال: في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير أو منكرة. وذكره ابن حجر العسقلاني في الاصابة [4: 5] وضعّفه.

وأورد في [ص 41] الحديث التاسع عشر ما أخرجه الطبراني وابن عدي عن سلمة بن الأكوع، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): أبو بكر خير الناس إلاّ أن يكون نبيّ.

فقد ذكر هذا الحديث الذهبي في ميزانه بلفظ: أبو بكر خير أهل الارض بدل خير الناس إلاّ أن يكون نبيّاً. من طريق إسماعيل بن أبي زياد الكذّاب. وقال فيه أبو حاتم: مجهول. وهو عن اياس بن سلمة عن أبيه.

قال الذهبي: فإن لم يكن هو واضعه فالآفة ممّن دونه. راجع: ميزان الاعتدال [1: 231].

وأورد في الحديث الثامن بعد المائة [ص 48] حديث تسبيح الحصي، وذكره البخاري في تاريخه الكبير [4 ق 2: 442] كما ذكره الأميني في غديره [10: 99] عن إسحاق بن إبراهيم، عن عمرو بن الحارث الزبيدي، عن ابن سالم، عن

الزبيدي، قال: قال حميد بن عبداللّه، عن ابن عبد ربّه، عن عاصم بن حميد، قال: كان أبو ذر يقول: التمست النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) في بعض حوائط المدينة، فإذا هو قاعد تحت نخلة، فسلّم عليّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال: ما جاء بك؟ فقال: جئت النبيّ، فأمره أن يجلس، وقال: ليأتينا رجل صالح، فسلّم أبو بكر، ثمّ قال ليأتينا رجل صالح، فجاء عمر فسلّم، وقال: ليأتينا رجل صالح فأقبل عثمان، ثمّ جاء علي فسلّم فردّ عليه مثله، ومع النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) حصيات، فسبّحن في يده، فناولهنّ أبا بكر فسبّحن في يده، ثمّ عمر فسبّحن في يده، ثمّ عثمان فسبّحن في يده.

اليك رجال الاسناد

1 اسحاق بن إبراهيم الحمّصي المعروف بابن زبريق، قال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عون: ما أشكّ أنّ إسحاق بن زبريق يكذب. راجع: تهذيب التهذيب [1: 216].

2 عمرو بن الحارث الحمصي، قال الذهبي: لا تعرف عدالته. راجع: تهذيب التهذيب [8: 14].

3 عبداللّه بن سالم الشامي الحمصي، كان أبو داود يذمّه لقوله: أعان عليّ علي قتل أبي بكر وعمر، راجع: تهذيب التهذيب [5: 228].

4 حميد بن عبداللّه أو ابن عبدالرحمن بن أبي عوف: قال الأميني: مجهول لا يعرف.

5 ابن عبد ربّه، إن كان هو محمّد المروزي، فهو ضعيف كما في لسان الميزان للعسقلاني [5: 244] وإن كان غيره فهو مجهول، ونفس البخاري الذي ذكره لا يعرف منه إلاّ أنّه ابن عبد ربّه، ولا يسمّيه ولا يذكر له غير روايته هذه.

6 عاصم بن حميد الحمصي الشامي، قال البزّار: لم يكن له الحديث ما نعتبر به حديثه. وقال ابن القطان: لا نعرف أنّه ثقة. راجع: تهذيب التهذيب [5: 40].

وأورد في

[ص 49] الحديث الحادي عشر بعد المائة ما أخرجه الشيخان في كتاب المناقب، عن أبي موسي الأشعري، أنّه خرج إلي المسجد، فسأل عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقالوا: وجّه ها هنا، فخرجت في إثره حتّي دخل بئر أريس، فجلست عند الباب، وبابها من جريد، حتّي قضي رسول اللّه حاجته، فتوضّأ، فقمت إليه، فإذا هو جالس علي بئر أريس وتوسط قفها أي رأسها جلست عند الباب، فقلت: لأكونن بوّاباً للنبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم).

فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: علي رسلك، ثمّ ذهبت إلي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقلت: هذا أبو بكر يستأذن، فقال: اِئذن له وبشّره بالجنّة، فأقبلت حتّي قلت لأبي بكر اُدخل ورسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)يبشّرك بالجنّة.

فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) معه في القفّ، ودلي رجليه في البئر، كما صنع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكشف عن ساقيه، ثمّ رجعت فجلست، وقد تركت أخي يتوضّأ، فقلت: إن يرد اللّه بفلان خيراً يعني أخاه يأت به، فإذا إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا علي الباب؟ قال: عمر بن الخطّاب، فقلت: علي رسلك.

ثمّ جئت إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقلت: هذا عمر بن الخطّاب يستأذنك، فقال: إئذن له وبشّره بالجنّة، فجئته، فقلت: اُدخل وبشّرك رسول اللّه بالجنّة، فجلس مع رسول اللّه في القفّ عن يساره، ودلّي رجليه في البئر، فرجعت وجلست، وقلت: إن يرد اللّه بفلان خيراً يأت به.

فجاء إنسان وحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفّان، فقلت: علي رسلك، وجئت إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)

فأخبرته، فقال: إئذن له وبشّره بالجنّة علي بلوي تصيبه، فجئت فقلت: اُدخل ورسول اللّه يبشّرك بالجنّة علي بلوي تصيبك، فدخل، فوجد القفّ قد مُلئ، فجلس وجاهه من الصفّ الآخر.

قال ابن حجر: قال شريك: قال سعيد بن المسيّب: تأويلها قبورهم. انتهي. وأقول أي ابن حجر : تأويلها أيضاً علي خلافة الثلاثة علي ترتيب مجيئهم ممكن، بل هو الموافق لحديث البئر السابقة روايته.

أقول: قال بعضهم: إنّ رواية حديث البئر مضطربة؛ لأنّها عن أبي موسي الأشعري، كما سمعت في هذه الرواية، وأبو موسي هو البوّاب، وفيما أخرجه البيهقي في الدلائل كان البوّاب زيد بن أرقم، وفيما أخرجه ابن داود كان البوّاب هو بلال، وفيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده [3: 408] كان البوّاب نافع بن الحارث.

وعلي ذلك أنّ في سند الرواية سليمان بن بلال، الذي قال فيه ابن أبي شيبة: إنّه ليس ممّن يعتمد علي حديثه. راجع: تهذيب التهذيب [4: 176].

وفي سند الرواية أيضاً ابن أبي نمر، قال النسائي وابن الجارود: إنّه ليس بقويّ. وقال ابن حبّان: ربّما أخطأ. وقال ابن الجارود أيضا: كان يحيي بن سعيد لا يحدّث عنه. وقال الساجي: كان يري القدر. راجع: تهذيب التهذيب [4: 338].

وأورد أيضاً في [ص 48] الحديث السابع بعد المائة عن أنس، قال: صعد النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر وعمر وعثمان اُحداً وفي رواية: حراء فرجف بهم، فضربه النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) برجله، وقال: أثبت احداً فما عليك إلاّ نبيّ وصدّيق وشهيدان.

قال ابن حجر: وإنّما قال له ذلك ليبيّن أنّ هذه الرجفة ليست كرجفة الجبل بقوم موسي لمّا حرفوا الكلم؛ لأنّ تلك الرجفة غضب، وهذه هزّة الطرب، ولذا نصّ علي مقام النبوّة والصديقيّة والشهادة الموجبة

لسرور ما اتّصلت به، لا لرجفاته فأقرّ الجبل بذلك واستقرّ.

ما أحسن ابن حجر فيما ارتآه، وما أجمل فيما تأوّله، ولكن مع الأسف أنّ في سند الرواية ما أخرج الخطيب في تأريخه [5: 365] من طريق محمّد بن يونس الكديمي الكذّاب الوضّاع، الذي وضع علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)أكثر من ألف حديث، وهو أحد الحفّاظ الأعلام بالبصرة، المتوفّي سنة [286].

راجع: تاريخ بغداد [3: 441] وتذكرة الموضوعات [ص 14 و 18] لأبي الفضل المقدسي، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي [2: 194] وميزان الاعتدال للذهبي [3: 152] والغدير [5: 266، و 10: 73]. وطبقات الحفّاظ للذهبي [2: 175] واللآلي المصنوعة للسيوطي [2: 142 و 215].

وفي السند أيضاً عن سعيد بن أبي عروبة البصري، قال ابن سعد: اختلط في آخر عمره. وقال ابن حبّان: بقي في اختلاطه خمس سنين، ولا يحتجّ إلاّ بما روي القدماء مثل: يزيد بن زريع، وابن المبارك. وقال الذهبي: عاش بعد ما خولط تسع سنين. وقال غيرهم: اختلط سنين لم يجز الاحتجاج فيما انفرد. راجع: تهذيب التهذيب [4: 63 و 66].

وفي سند: قريش بن أنس الأموي البصري، قال ابن حبّان: اختلط فظهر في حديثه مناكير، فلم يجز الاحتجاج بافراده. وقال البخاري: اختلط ستّ سنين. راجع: تهذيب التهذيب [8: 375].

وأورد في [ص 13] الحديث الخامس عن الشعبي، عن المصطلقي رجل من بني المصطلق، قال: بعثني قومي بنو المصطلق إلي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)يسألون إلي من يدفعون صدقاتهم بعد وفاته، فلقيني علي بن أبي طالب، فسألني، فقلت: أرسلني قومي بنو المصطلق إلي رسول اللّه، فيسألونه إلي من يدفعون صدقاتهم بعده، فقال علي: إذا سألته فأخبرني ما قال لك! فأتي رسول اللّه

فأخبره أنّ قومه أرسلوه يسألونه إلي من يدفعون صدقاتهم بعدك؟ فقال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): إدفعوها إلي أبي بكر، فرجع المصطلقي إلي علي فأخبره، فقال له علي: إرجع إليه فسائله، إن كان أبو بكر يموت إلي من يدفعونها؟ فأتاه فسأله، فقال: إدفعوها إلي عمر، فرجع إلي علي فأخبره، فقال له علي: إرجع فقل له: إن كان عمر يموت إلي من يدفعونها؟ فقال: إدفعوها إلي عثمان، فرجع إلي علي فأخبره، فقال له علي: إرجع فسائله إلي من يدفعونها بعد عثمان؟ فقال له الرجل: إنّي لأستحي أن أرجع بعد هذا.

هذه الرواية أخرجها الحافظ العاصمي في زين الفتي باسناده عن أبي علي الهروي، هو: أحمد بن عبداللّه الجويباري.

قال ابن عدي: كان يضع الحديث لابن كرام علي ما يريده، فكان ابن كرام يخرجها في كتبه عنه. وقال ابن حبان: دجّال من الدجاجلة، روي عن الأئمّة اُلوف الأحاديث ما حدّثوا بشيء عنها. وقال النسائي: كذّاب. وقال الذهبي: ممّن يضرب المثل بكذبه.

وقال البيهقي: إنّي أعرفه حقّ المعرفة، بوضع الأحاديث علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقد وضع عليه أكثر من ألف حديث، وسمعت الحاكم يقول: هذا كذّاب خبيث، ووضع كثير في فضائل الاعمال، لا تحلّ رواية حديثه من وجه.

وقال الخليلي: كذّاب يروي عن الأئمة أحاديث موضوعة، وكان يضع لابن كرام أحاديث مصنوعة، وكان ابن كرام يسمعها وكان مغفّلاً. وقال أبو سعيد النقّاش: لا نعرف أحداً أكثر وضعاً منه.

راجع: ميزان الإعتدال [1: 50] والغدير [5: 214] ولسان الميزان [1: 193] واللآلي المصنوعة [1: 21].

وهو عن المأمون بن أحمد السلمي الهروي، قال ابن حبّان: دجّال. وقال ابن حبّان أيضاً: سألته متي دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومائتين، قلت:

فإن هشاماً الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين؟ فقال: هذا هشام بن عمّار آخر. وممّا وضع علي الثقات فذكر حديثاً ثمّ قال: وإنّما ذكرته ليعرف كذبه؛ لأنّ الأحداث كتبوا عنه بخراسان.

وقال أبو نعيم: خبيث وضّاع يأتي عن الثقات مثل هشام ودحيم بالموضوعات، ومثله يستحقّ من اللّه تعالي ومن الرسول والمسلمين اللعنة.

وقال الحاكم في المدخل بعد ذكر حديث عنه: ومثل هذه الأحاديث يشهد من رزقه اللّه أدني معرفة بأنّها موضوعة علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)أو كما قال. وقال الذهبي: أتي بطامّات وفضائح.

راجع: ميزان الاعتدال [3: 4] والغدير [10: 98] ولسان الميزان [5: 7].

وهو عن أحمد بن سعد العبادي، قال الأميني: لا أعرفه ولم أجد له ذكراً في الكتب والمعاجم.

وهو عن عبدالأعلي بن مسافر، قال الأميني: الصحيح ابن أبي المساور الزهري أبو مسعود الجرّار الكوفي نزيل المدائن. قال ابن معين: ليس بشيء. زاد إبراهيم: كذّاب. وعن ابن معين أيضاً: ليست بثقة. وعن علي بن المديني: ضعيف ليس بشيء. وقال ابن عمّار الموصلي: ضعيف ليس بحجّة. وقال أبو زرعة ضعيف جدّاً. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث يشبه المتروك.

وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا مأمون. وقال ابن نمير: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقويّ عندهم. وقال الساجي: منكر الحديث. وقال أبو نعيم: ضعيف جدّاً ليس بشيء.

راجع: تهذيب التهذيب [6: 48].

وأورد في [ص 47] الحديث السادس والتسعين، كما أخرجه ابن عساكر في تأريخه [6: 173] من طريق سعيد بن مسلمة بن اُميّة بن هشام بن عبدالملك بن مروان الأموي: عن ابن عمر، ما نحن في غني

عن ذكره.

وذلك أنّه قال: خرج علينا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، أو دخل المسجد وهو آخذ بيد أبي بكر وعمر، أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، ثمّ قال: هكذا نبعث يوم القيامة. ورواه الترمذي، والحاكم في المستدرك [3: 68].

واسناده كما في ميزان الاعتدال: عن سعيد، عن إسماعيل بن اُميّة، عن نافع، عن ابن عمر. قال البخاري في تأريخه: سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن اُميّة فيه نظر، يروي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه مناكير. وقال أيضاً: منكر الحديث، وقال مرّة: ضعيف. وقال يحيي بن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكره. وقال الدارقطني: هو ضعيف الحديث يعتبر به. وقال ابن حبّان: فاحش الخطأ، منكر الحديث جدّاً.

راجع: تاريخ ابن عساكر [6: 174] وميزان الإعتدال [1: 391] وتهذيب التهذيب [4: 83].

وأخرجه الدارقطني من طريق الحارث بن عبداللّه المديني مولي بني سليم، عن إسحاق بن محمّد الفروي الأموي مولي عثمان، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر.

قال الدارقطني: لا يصحّ والحارث هذا ضعيف. واسحاق الأموي وهّاه أبو داود جدّاً، وقال: لو جاء بذلك الحديث عن مالك يحيي بن سعيد، لم يحتمل له. وقال النسائي: متروك. وقال أيضاً: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ضعيف، وقد روي عنه البخاري، ويوبّخونه في هذا. وقال الحاكم: عيب علي محمّد يعني البخاري إخراج حديثه وقد غمزوه.

راجع: ميزان الاعتدال [1: 93] وسلسلة الأميني [10: 88] وتهذيب التهذيب [1: 248] ولسان الميزان [2: 154] كلاهما للعسقلاني.

وقال الشيخ في [ص 20] من صواعقه ما لفظه: لا يقال بل عليّ أعلم من أبي بكر؛ للخبر الآتي في فضائله «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» لأنّا نقول: إنّ ذلك الحديث مطعون فيه، وعلي

تسليم صحّته أو حسنه فأبو بكر محرابها. انتهي.

ثمّ خاض في الحديث بتأويلاته العجبية، واسترسل مبدياً لآرائه الغريبة، حتّي أتي بالعجب العجاب بقوله: علي أنّ تلك الرواية معارضة بخبر الفردوس: أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلي بابها. فهذا صريح في أنّ أبا بكر أعلمهم.

أقول: وكان من الذين زيّفوا هذا الحديث وحكموا عليه بالضعف، كما في كتابه الفتاوي الحديثيّة [ص 197] فقال: حديث ضعيف. وقال أيضاً: وفي لفظ: ومعاوية حلقتها، فهو ضعيف أيضاً. ونحن لا ندري ما الذي قاده إلي أن جعل ما حكم عليه بالضعف نصّاً علي أعلميّة أبي بكر، فلعلّ في وراء ذلك حكمة بالغة لا يحيط بعلمها إلاّ الراسخون في العلم من أمثاله ونظرائه.

قال العجلوني في كتابه كشف الخفاء [1: 204]: روي الديلمي في الفردوس بلا اسناد عن ابن مسعود رفعه: أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلي بابها. وروي أيضاً عن أنس مرفوعاً: أنا مدينة العلم، وعلي بابها، ومعاوية حلقتها. قال في المقاصد: وبالجملة فكلّها ضعيفة، والألفاظ أكثرها ركيكة.

وقال السيّد محمد درويش الحوت في أسني المطالب [ص 73]: أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها، لا ينبغي ذكره في كتب العلم، لا سيّما ابن حجر الهيثمي، وذكر ذلك في الصواعق والزواجر، وهو غير جيّد من مثله.

وقال الأميني في [7: 197] من غديره: ان الطعن في حديث «أنا مدينة العلم» لم يصدر إلاّ من ابن الجوزي ومن يشاكله، من رماة القول علي عواهنه، وأمّا ما ذكر من رواية الفردوس، فلا يختلف اثنان في ضعفها وضعف ما يقاربها.

الاحتجاج علي القوم

فهذه نبذة يسيرة التقطناها من الصواعق ممّا أورده ابن حجر في فضائل الخليفة الأوّل، فعسي أن تكون

مقياساً للقارئ الحليم فيما لم نذكره من المختلقات وتكون له عبرة، فإنّ ما وضعته أيدي الغلاة في الفضائل الكثيرة، لا تحتملها هذه السطور.

وأمّا ما أورده الشيخ في فضائل الخليفة الثاني والثالث، فقد أسلفنا عدّة منه، ولا حاجة لنا إلي إعادته، فلا يستغرب القارئ منه أو يستكثر؛ فإنّ ما ذكره الشيخ ومن يضاهيه كالغيض من الفيض بالنسبة إلي ما سجل في صحائف الكتب والمعاجم، ممّا نسجته أقلام الكذّابين والوضّاعين من المرتزقة والمتزلّفة إلي مرضاة أرباب المناهب والطواغيت الجبابرة، أو ممّا نحتته أيدي الحسدة الذين عدل بهم حسدهم عن آل بيت العترة المطهّرة.

ومنهم: من بلغ بهم الحسد والبغضاء إلي أقصي مبلغ حتّي يذبّ عن أشقي الأوّلين والآخرين، وهو قاتل الامام علي (عليه السلام)، ونصّ علي عدم تجويز لعنه، ويجب تبرير عمله بحكمه عليه أنّه مجتهد مخطئ كابن حزم ومن نحا نحوه.

ومنهم: من حكم بعدم جواز لعنه، زعماً بكونه صحابيّاً، كالقاضي حسين الشافعي، فيما رواه العسقلاني في الاصابة [3: 179] وفي الحقيقة لم يكن كذلك، ولكنّه من رؤوس الخوارج، ولد الرجل بعدالرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) بمدّة. راجع: المصدر المذكور.

بل منهم من يحمده كعمران بن حطّان، حيث قال فيه ممتدحاً:

يا ضربةً من تقيّ ما أراد بها

إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لاَذكره حيناً فأحسبه

أو في البريّة عند اللّه ميزانا

فيا للعجب! من ابن حطّان ومن حذا حذوه. كابن حزم وأتباعه، أين هؤلاء القوم من قول النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي: قاتلك أشقي الآخرين وفي لفظ: أشقي الناس. وفي لفظ: أشقي هذه الأمّة كما أنّ عاقر الناقة أشقي ثمود.

راجع: مسند الامام أحمد [4: 263] وخصائص النسائي [ص 39] والإمامة والسياسة [1: 135] ومستدرك الحاكم عن عمّار [3:

140] وتأريخ الخطيب عن جابر بن سمرة [1: 135] والاستيعاب [3: 60 هامش الإصابة] عن النسائي، ثمّ قال: وذكره الطبري وغيره أيضاً.

وذكره ابن اسحاق في السير، وهو معروف من رواية محمّد بن كعب القرظي، عن يزيد بن جشم، عن عمّار بن ياسر. وذكره ابن خيثمة من طرق. وذكره المحبّ الطبري في رياضه عن علي من طريق أحمد وابن الضحاك، وعن صهيب من طريق أبي حاتم.

ورواه ابن كثير في تاريخه [7: 323] من طريق أبي يعلي، وفي [ص 157] من طريق الدارقطني، وفي [ص 399] من طريق أحمد، والبغوي، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، وأبي نعيم، وابن عساكر، وابن النجّار.

وأين هؤلاء القوم من قوله الآخر (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي: ألا اُخبرك بأشدّ الناس عذاباً يوم القيامة؟ قال: أخبرني يا رسول اللّه؟ قال: أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة: عاقر ناقة ثمود، وخاضب لحيتك بدم رأسك.

راجع: العقد الفريد لابن عبد ربه [2: 298].

وأين اُولئك من قوله الثالث (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي: قاتلك شبه اليهود، وهو يهود، أخرجه ابن عدي في الكامل. وابن عساكر كما في ترتيب الجوامع [6: 412].

وأين هم ممّا ذكره ابن كثير في تاريخه [7: 323] من أنّ عليّاً كان كثيراً يقول: ما يحبس أشقاها، وأخرجه السيوطي في ترتيب جمع الجوامع [6: 411] بطريقين: عن أبي سعيد، وأبي نعيم، وابن أبي شيبة، وفي [ص 413] من طريق ابن عساكر.

وأين هؤلاء القوم من قول أمير المؤمنين لابن ملجم: لا أراك الاّ من شرّ خلق اللّه.

راجع: الطبري في تاريخه [6: 85]. وابن الأثير في الكامل [3: 169].

وقوله (عليه السلام): ما ينتظر بي إلاّ شقيّ. أخرجه الامام أحمد باسناده، كما في البداية والنهاية [7: 359].

وقوله (عليه

السلام) لأهله: واللّه لوددت لو انبعث أشقاها. الرياض النضرة [2: 248]

وقوله (عليه السلام): ما يمنع أشقاكم. الكامل [3: 168] وكنز العمّال [6: 412].

وقوله (عليه السلام): ما ينتظر أشقاها. الرياض النضرة [2: 248] الغدير [1: 325].

ما روي القوم في شهادة الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب

فيا عجباً كيف يرون من غلبت عليه الشقاوة بقتله الإمام المفترض طاعته كان مجتهداً؟ ولسنا ندري أيّ غشاوة غشت بصائرهم وأفئدتهم، حتّي زعموا عملاً يقتضي صاحبه الشقاوة الأبديّة اجتهاداً؟ وأيّ ادران حطت قلوبهم حتّي عموا وصمّوا، فيرون سوء ما عمله حسناً، وبهذه الموبقة استحقّ من الرحمان رضواناً؟

أفيرون من عمل عملاً يبتغي به مرضاة معشوقته، وسعي في نيل مهرها اجتهاداً في الدين؟ كذلك روي أعلام الاُمّة في تواريخهم ومصنّفاتهم، كالطبري في تأريخه [6: 83] وابن كثير في تأريخه [7: 328] وابن الأثير في كامله [3: 168] ذكر ذلك الأميني في غديره [1: 325] والحاكم في المستدرك [3: 143] وابن قتيبة في الإمامة والسياسة [1: 134]. وإليك شطراً من روايته مختصراً.

قدم ابن ملجم الكوفة وكتم أمره، وتزوّج امرأة يقال لها: قطام بنت علقمة، وكانت خارجيّة، وكان عليّ قد قتل أخاها في حرب الخوارج، وتزوّجها علي أن يقتل عليّاً، فأقام عندها مدّة، فقالت له في بعض الأيّام وهو مختف: لطالما أحببت المكث عند أهلك وأضربت عن الأمر الذي جئت بسببه.

وفيما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج [2: 41] عند شرحه قوله (عليه السلام): ملكتني عيني وأنا جالس، فسنح لي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقلت: يا رسول اللّه ماذا لقيت من الاُود واللدد، فقال: اُدع عليهم، فقلت: أبدلني اللّه بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً لهم منّي.

وممّا جاء به الشيخ في شرحه لهذ القول: قول أبي الفرج بالاسناد، عن أبي

طفيل، قال: جمع عليّ (عليه السلام) الناس للبيعة، فجاء عبدالرحمن بن ملجم، فردّه مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ مدّ يده فبايعه، فقال له علي: ما يحبس أشقاها، فو الذي نفسي بيده، ليخضبن هذه من هذه. ثمّ أنشد:

أشدد حيازيمك للمو

ت فإنّ الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت

إذا حلّ بواديكا

قال أبو الفرج: وقد روي لنا من طرق غير هذه: إنّ عليّاً أعطي الناس، فلمّا بلغ ابن ملجم أعطاه وقال له:

اُريد حياته ويريد قتلي

عذيريك من خليلك من مراد

وقال أبو الفرج: وحدّثني أحمد بن عيسي العجلي باسناد ذكره في الكتاب إلي أبي زهير العبسي، قال: كان ابن ملجم من مراد وعداده من كندة، فأقبل حتّي قدم الكوفة، فلقي بها أصحابه وكتمهم أمره، وطوي عنهم ما تعاقد هو وأصحابه عليه بمكّة من قتل اُمراء المسلمين مخافة أن ينتشر، وزار رجلاً من أصحابه ذات يوم من بني تيم الرباب، فصادف عنده قطام بنت الأخضر من بني تيم الرباب، وكان عليّ قتل أخاها وأباها بالنهروان، وكانت من أجمل نساء أهل زمانه، فلمّا رآها شغف بها واشتدّ إعجابه فخطبها، فقالت له: ما الذي تسمّي لي من الصداق؟ فقال: احتكمي ما بدالك، فقالت: احتكم عليك بثلاثة آلاف ووصيف وخادم وأن تقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك جميع ما سألت واما قتل علي فأنّي لي بذلك؟ قالت: تلتمس غرّته، فإن أنت قتلته شفيت نفسي، وهنّاك العيش معي، وإن قتلت فما عنداللّه خير لك من الدنيا. الي آخره.

وقال أبو الفرج: وحدّثني أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري باسناد ذكره في الكتاب، عن أبي عبدالرحمن السلمي: قال: قال الحسن بن علي عليهما السلام: خرجت وأبي يصلّي في المسجد، فقال لي: يا بني انّي بتّ الليلة اُوقظ أهلي

لأنّها ليلة جمعة صبيحة يوم بدر لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فملكتني عيني، فسنح لي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقلت: يا رسول اللّه! ما لقيت من اُمّتك الأود واللدد، فقال لي: اُدع عليهم، فقلت، اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شرّ منّي، قال الحسن (عليه السلام): وجاء ابن أبي الساج فأذنه بالصلاة، فخرج فخرجت خلفه، فأعتوره الرجلان، فأمّا أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأما الآخر فأثبتها في رأسه.

وفي الامامة والسياسة [1: 134]: إنّه لمّا اُصيب بالضربة وقبضوا علي اللعين، قال (عليه السلام): أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا وليّ دمي: إمّا عفوت، وإمّا اقتصصت. فإن أمت فألحقوه بي، ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين.

قال أبو الفرج: ثمّ جمع له أطبّاء الكوفة، فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني، وكان متطبّبا صاحب كرسيّ يعالج الجراحات، وكان من الأربعين غلاماً الذين كان الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم، فلمّا نظر الأثير إلي جرح أمير المؤمنين، دعا برئة شاة حارّة، فاستخرج منها عرقاً فأدخله في الجرح، ثمّ نفخه، ثمّ استخرجه واذا عليه بياض الدماغ، فقال: يا أمير المؤمنين أعهد عهدك، فإنّ عدوّ اللّه قد وصلت ضربته إلي اُمّ رأسك.

فدعا علي عند ذلك بدواة وصحيفة وكتب وصيّته:

وصية الإمام علي

هذا ما أوصي به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: أوصي بأنّه يشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وانّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدي ودين الحقّ ليظهره علي الدين كلّه ولو كره المشركون، صلوات اللّه وبركاته عليه.

إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك اُمرت وأنا أوّل المسلمين.

اُوصيك يا حسن

وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي هذا: بتقوي اللّه ربّنا وربّكم، ولاتموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولاتفرّقوا، فإنّي سمعت رسول اللّه يقول: إصلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام، فإنّ المبيرة حالقة الدين وفساد ذات البين، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم. اُنظروا إلي ذوي أرحامكم، فصلوها يهوّن اللّه عليكم الحساب.

واللّه اللّه في الأيتام، ولا تغيرن أفواههم بجفوتكم، واللّه اللّه في جيرانكم فإنّها وصيّة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، فما زال يوصينا حتّي ظننا سيورثهم اللّه، واللّه اللّه في القرآن، فلا سبقكم بالعمل به غيركم، واللّه اللّه في الصلاة فإنّها عماد دينكم، واللّه اللّه في صيام شهر رمضان فإنّه جنّة من النار.

واللّه اللّه في الجهاد بأموالكم وأنفسكم، واللّه اللّه في زكاة أموالكم، فإنّها تطفئ غضب ربّكم، واللّه اللّه في أهل بيت نبيّكم، فلا يظلمنّ بين أظهركم، واللّه اللّه في أصحاب نبيّكم، فإنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) أوصي بهم، واللّه اللّه في الفقراء والمساكين، فأشركوهم في معاشكم.

واللّه اللّه فيما ملكت أيمانكم فانّه آخر وصيّة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، إذ قال: اُوصيكم بالضعيفين فيما ملكت أيمانكم، ثم الصلاة الصلاة، لا تخافوا في اللّه لومة لائم، يكفكم من بغي عليكم ومن أرادكم بسوء، قولوا للناس حسناً كما أمركم اللّه به، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيتولّي ذلك غيركم وتدعون فلا يستجاب لكم، عليكم بالتواضع والتباذل والتبارّ، وايّاكم والتقاطع والتفرّق والتدابر، وتعاونوا علي البرّ والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان، واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب، حفظكم اللّه من أهل بيت وحفظ فيكم نبيّه، أستودعكم اللّه خير مستودع، وعليكم سلام اللّه ورحمته.

قال

ابن أبي مياس الفزاري وهو من الخوارج:

فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة

كمهر قطام من غني ومعدم

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

وضرب عليّ بالحسام المسمّم

فلا مهر أغلي من عليّ وإن غلا

ولافتك إلاّ دون فتك ابن ملجم

قال الأميني في غديره [1: 326]، ما عمران بن حطّان وحكمه في تبرير عمل ابن ملجم، من إراقة دم وليّ اللّه الإمام الطاهر أمير المؤمنين؟ وما قيمة قوله حتّي يستدلّ به ويركن إليه في أحكام الإسلام؟

وما شأن فقيه مثل ابن حزم من الدين؟ يحذو حذو عمران ويأخذ قوله في دين اللّه، ويخالف به النبيّ الأعظم في نصوصه الصحيحة الثابتة ويردّها؟ ويقذف الاُمّة الإسلاميّة بسخب خارجيّ مارق؟ وهذا معاصره القاضي أبو الطيب طاهر بن عبداللّه الشافعي يقول في عمران ومذهبه:

إني لأبرأ ممّا أنت قائله

عن ابن ملجم الملعون بهتانا

يا ضربة من شقيّ ما أراد بها

إلاّ ليهدم للإسلام أركانا

إنّي لأذكره يوماً فألعنه

دنياً وألعن عمراناً وحطّانا

عليه ثمّ عليه الدهر متّصلاً

لعائن اللّه إسراراً وإعلانا

فأنتما من كلاب النار جاء به

نصّ الشريعة برهاناً وتبيانا

وقال بكر بن حسّان الباهلي:

قل لابن ملجم والأقدار غالبة

هدّمت ويلك للإسلام أركانا

قتلت أفضل من يمشي علي قدم

وأوّل الناس إسلاماً وإيمانا

وأعلم الناس بالقرآن ثمّ بما

سنّ الرسول لنا شرعاً وتبيانا

صهر النبيّ ومولانا وناصره

أضحت مناقبه نوراً وبرهانا

وكان منه علي رغم الحسود له

مكان هارون من موسي بن عمرانا

وكان في الحرب سيفاً صارماً ذكراً

ليثاً إذا ما لقي الأقران أقرانا

ذكرت قاتله والدمع منحدر

فقلت سبحان ربّ الناس سبحانا

إنّي لأحسبه ما كان من بشر

يخشي المعاد ولكن كان شيطانا

أشقي مراد إذا عدت قبائلها

وأخسر الناس عنداللّه ميزانا

كعاقر الناقة الاُولي التي جلبت

علي ثمود بأرض الحجر خسرانا

قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها

قبل المنيّة أزماناً فأزمانا

فلا عفا اللّه عنه ما تحمّله

ولا سقي قبر عمران بن حطّانا

لقوله في شقيّ ظلّ مجترماً

ونال

ما ناله ظلماً وعدوانا

يا ضربة من تقيّ ما أراد بها

إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا

بل ضربة من غويّ أورثته لظي

وسوف يلقي بها الرحمن غضبانا

كأنّه لم يرد قصداً بضربته

إلاّ ليصلي عذاب الخلد نيرانا

وقال محمّد بن أحمد الطيب ردّاً علي عمران بن حطّان:

يا ضربة من غدور صار ضاربها

أشقي البريّة عنداللّه إنسانا

إذا تفكّرت فيه ظلت ألعنه

وألعن الكلب عمران بن حطانا

راجع: الغدير [1: 326 328].

الاحتجاج علي القوم في تبرئتهم معاوية وابنه يزيد

ومنهم: من يقدّس ساحة معاوية من دنس طاماته وموبقاته وجناياته الكبيرة علي الإسلام والمسلمين، وقتله آلافاً من صلحاء اُمّة محمّد (صلي الله عليه وآله وسلم)بكلمة موجزة: لأنّه كان مجتهداً متأوّلاً مخطئاً. كما في الفصل [4: 89] لابن حزم، وتاريخ ابن كثير [7: 279].

ومنهم: من ينزه ساحة يزيد الخمور الفجور من أرجاسه المكفّرة، وينهي عن لعنه وذكره بالسوء، لكونه مسلماً لم يثبت كفره، وانّه إمام مجتهد. راجع: تاريخ ابن كثير [8: 223 و 13: 9].

وأمّا ما جاء في فضائل ابن أبي سفيان، فلم تكن منها واحدة إلاّ وملامح الوضع فيها لائحة واضحة، كما روي عن أنس مرفوعاً: الاُمناء سبعة: اللوح، والقلم، وإسرافيل، وميكائيل، وجبرئيل، ومحمّد، ومعاوية.

وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال [1: 321] عن داود بن عفّان عن أنس، وهو الوضّاع، وذكره ابن كثير في تاريخه [8: 120] من رواية ابن عبّاس، فقال: هذا أنكر من الأحاديث التي قبله وأضعف إسناداً.

وقال الأميني: تعساً لاُمّة تروي مثل هذه المخازي، ولم تند منها جبهتها حياء، أليس عاراً علي الاسلام وأهله أن يجعل معاوية الخؤون لدّة نبيّه واُمناء اللّه المعصومين في الامانة؟.

ائتمان معاوية علي الوحي

وعن واثلة مرفوعاً: إنّ اللّه ائتمن علي وحيه، جبريل وأنا ومعاوية.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه [7: 322] عن رجل.

قال الحاكم: سئل أحمد بن عمر الدمشقي، وكان عالماً بحديث الشام عن هذا الحديث، فأنكره جدّاً. وحدّث بهذا الحديث عبداللّه بن جابر أبو محمّد الطرسوسي البزّار، وهو ذاهب الحديث، وقال مرّة: هو منكر الحديث.

وقال الأميني في غديره [5: 308]: أحسب انّ رواة السوء أرادوا حطّاً من مقام النبوّة لا ترفيعاً لمقام معاوية، لما نعلمه من البون الشاسع بين مرتبة النبوّة التي يعتقد بها المسلمون، وبين متبوّأ هذا المقعي علي أنقاض

مستوي الخلافة، فنسائل القوم عن الذي أوجبه هذا المقام الشامخ، أهو أصله الزاكي تلك الشجرة الملعونة في القرآن ولسان نبيّة؟ أم فرعه الغاشم الظلوم؟ أم دؤبه علي الكفر إلي ما قبل وفاة النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) بأشهر قلائل؟ أم محاربته خليفة وقته المفترضة طاعته عليه؟ وقد بايعه أهل الحلّ والعقد ورضي به المسلمون، فشهر السيف أمامه، وأراق الدماء المحرّمة، أم بوائقه أيّام استحواذه علي الملك؟ من قتل الأبرياء الأخيار كحجر بن عدي وأصحابه؟ وقتل عمرو بن حمق الخزاعي إلي كثير من أمثالهم.

ومن قنوته بلعن أمير المؤمنين والحسن والحسين ولمّة من صفوة المؤمنين، وحمله سماسرة الأهواء علي الوقيعة في أهل بيت النبوّة وافتعال رواة الجرح فيهم، وخلق أحاديث في الأمويّين؟ واستلحاقه زياداً مراغماً للحديث الثابت عند الاُمّة جمعاء؟ الولد للفراش وللعاهل الحجر، وأخذ البيعة ليزيد ذلك الماجن الخائن السكّير، وتسليطه علي الأعراض والدماء؟ وإدمانه علي هذه المخاريق وأمثالها التي سوّدت صحيفة التأريخ حتّي أفعمت كأس بغيه واخترمته منيّته.

ومتي كان معاوية للعلم والقرآن وهو لا يحسن آية واحدة، كقوله سبحانه: (أطِيعُوا اللّهَ وَأطيعُوا الرّسُولَ وَاُولي الأمْرِ مِنْكُم) أولم يكن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)من اُولي الأمر علي أيّ من التفسيرين؟ وكقوله تعالي: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤمِناً مُتَعَمّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنّمُ خالِداً فِيها) وكقوله تعالي: (الّذينَ يُؤذُون المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا فَقَدْ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإثماً مُبِينا) إلي آيات كثيرة تشنّع علي ما كان عليه من الطامات، وهل يؤتمن علي القرآن وهو لا يعمل بآية منه ولا يقيم حدوده؟ (ومن يتعدّ حدود اللّه فقد ظلم نفسه)، (ومن يعص اللّه ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين).

وهل علمه المتكثّر الذي كاد به أن يبعث نبيّاً كان

يدعوه إلي عداء العترة الطاهرة؟ وإلي تلكم البوائق المخزية والفواحش المبيّنة التي حفظها التأريخ عنه وعن أرباب تلك الجباه السود؟ وقد حفظ لنا التأريخ قتله الذريع لشيعة أمير المؤمنين بالكوفة خاصّة، وفي أرجاء المملكة عامّة، وأمّا أذاه المعكّر لصفوة شيعة آل اللّه، فحدّث عنه ولا حرج، وسنعرّفك معاوية بعجره وبجره علي ما يستحقّ.

ثمّ نسائل الرواة عن الأمانة التي استحقّ بها معاوية أن يكون ثالثاً للنبيّ وجبرئيل، أو سابعاً له (صلي الله عليه وآله وسلم) واُمناء اللّه الخمسة المذكورة في الرواية، أهي أمانته علي الكتاب وقد خالفه؟ أم علي السنّة ولم يعمل بها؟ أم علي الدماء وقد أراقها؟ أم علي العترة وقد أضطهدها؟ أم علي أمن الاُمّة وقد أقلقها؟ أم علي الصدق وقد باينه؟ أم علي المين وقد حثّ عليه؟ أم علي المؤمنين وقد أوصي لهم؟ أم علي الاسلام وقد ضيّعه؟ أم علي الأحكام وقد بدّلها؟ أم علي الأعواد وقد شوّهها بلعن أولياء اللّه المقرّبين عليها؟ أم؟ أم؟ أم؟

أبهذه المخازي مع لداتها كاد أن يبعث معاوية نبيّاً كما اختلقه رواة السوء؟ زه بهذه النبوّة يكاد أن يكون مثل هذا الرجل حاملاً لأعبائها.

لا أفتقد أحدا من أصحابي غير معاوية

عن أنس مرفوعاً: لا أفتقد أحداً من أصحابي غير معاوية بن أبي سفيان، لا أراه ثمانين عاماً أو سبعين عاماً فإذا كان بعد ثمانين عاماً أو سبعين عاماً يقبل إليّ علي ناقة من المسك الأذفر، حشوها من رحمة اللّه، قوائمها من الزبرجد، فأقول: معاوية؟ فيقول: لبيّك يا محمّد! فأقول: أين كنت من ثمانين عاماً؟ فيقول: كنت في روضة تحت عرش ربّي يناجيني واُناجيه، ويحييني واُحيّيه، ويقول: هذا عوض ممّا كنت تشتم في دار الدنيا.

وقال ابن حجر في لسان الميزان [4: 105]: الخبر المذكور رواه

ابن عساكر في ترجمته أي عبدالله بن حفص الوكيل ولفظه: إنّي لأدخل الجنّة فلا أفتقد منها أحداً إلاّ معاوية سبعين عاماً، ثم أراه فأقول: يا معاوية أين كنت؟ فيقول: كنت تحت عرش اللّه يتحفني بيده، فقال: هذا ما كان يشتمونك في الدنيا. قال ابن عساكر: هذا حديث منكر، وفيه غير واحد من المجاهيل.

وقال الأميني في سلسلة الموضوعات [5: 299] من غديره: من موضوعات عبداللّه بن حفص الوكيل. وقال ابن عدي: موضوع لا أشك أنّه واضعه.

وقال الخطيب: باطل إسناداً ومتناً، ونراه ممّا وضعه الوكيل، وإنّ اسناد رجاله كلّهم ثقات غيره.

وقال الذهبي في ميزانه [2: 410 ط دار المعرفة] بعد ذكره من طريق ابن عدي: قلت: ما كان ينبغي لابن عدي أن يتشاغل بالأخذ عن هذا الدجّال الأعمي البصر والبصيرة، والذي قال اللّه فيه: (وَمَنْ كانَ في هذِهِ أعْمي فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أعْمي وَأضلّ سَبيلا).

وقال في ترجمة عبيد اللّه بن سليمان: روي عن عبدالرزّاق بخبر باطل، فهو الآفة فيه. راجع: ميزان الاعتدال [3: 10 ط دار المعرفة].

معاوية أمين علي الوحي

عن زياد بن معاوية بن يزيد بن عمر، حفيد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، عن عبدالرحمن بن الحسام، قال: أخبرنا رجل من أهل حوران أخبر عن رجل آخر، قال: اجتمع عشرة من بني هاشم، فغدوا علي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، فلمّا قضي الصلاة قالوا: يا رسول اللّه غدونا إليك لنذكر لك بعض اُمورنا، إنّ اللّه تفضّل بهذه الرسالة، فشرّفك بها وشرّفنا لشرفك، وهذا معاوية بن أبي سفيان يكتب الوحي فقد راينا أنّ غيره من أهل بيتك أولي به منه، قال: نعم، اُنظروا في رجل غيره، قال: وكان الوحي ينزل في كلّ أربعة أيّام من عند اللّه إلي

محمّد فأقام جبرئيل يوماً لا ينزل، فلمّا كان يوم أربعين هبط جبرئيل بصحيفة فيها مكتوب: يا محمّد! ليس لك أن تغيّر ما اختاره اللّه لكتاب وحيه، فأقرّه فانّه أمين، فأقرّه.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه، وقال: هذا خبر منكر، وفيه غير واحد من المجهولين.

وقال ابن حجر في لسان الميزان [3: 411]: قلت: بل هو ممّا يقطع ببطلانه، فو اللّه إنّي لأخشي أن يكون الذي افتراه مدخول الايمان.

وقال الأميني في الغدير [5: 307]: هذه هتيكة لا يتفوّه بها إلاّ المستهزئ باللّه ورسوله، من الذين اتّخذوا آيات اللّه هزواً، ودين اللّه سخريّا، والنبوّة مجهلة، وأجهل من اُولئك الهاجمون علي قدس صاحب هذه الرسالة بوضع هذه السفاسف المخزية عليه (صلي الله عليه وآله وسلم)، هو الحافظ الذي يتكلّم في سندها ويري هذا الحديث منكراً لمكان المجهولين في رجاله، ذاهلاً عن واجب المحدّث، النظرة في متن الحديث قبل البحث عن سنده، فالقول ما قاله ابن حجر.

معاوية رجل من أهل الجنة

عن عبداللّه بن عمر مرفوعاً: الآن يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة، فطلع معاوية. فقال: أنت يا معاوية منّي وأنا منك، لَتُزاحمني علي باب الجنّة كهاتين، وأشار بأصبعيه.

هذا الحديث ذكره الذهبي أيضاً في ترجمة الحسن بن شبيب عنه، مِن طريق عبداللّه بن يحيي المؤدّب، فقال: الحسن حدّث بالبواطيل عن الثقات. وقال في ترجمة عبداللّه بن يحيي: خبر باطل لا يدري من ذا.

راجع: ميزان الاعتدال [2: 133] ولسان الميزان [3: 376].

كيفية حشر معاوية

وعن سعد: أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لمعاوية: أنه يُحشَر وعليه حلّة من نور، ظاهرها من الرحمة، وباطنها من الرضا، يفتخر بها في الجمع لكتابة الوحي.

ذكره الذهبي من أباطيل محمّد بن الحسن الكذّاب الدّجال: راجع: ميزان الاعتدال [3: 516 ط دار المعرفة].

حديث السفرجل

وعن عبداللّه بن عمر: أنّ جعفر بن أبي طالب أهدي الي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)سفرجلاً، فأعطي معاوية ثلاث سفرجلات، وقال: تلقاني بهنَّ في الجنة.

قال ابن حبّان: موضوع آفته إبراهيم بن زكريّا الواسطي، وقال بعضهم: ممّا يبيّن وضعه أنّ معاوية أسلم في الفتح، وجعفر قُتِل قبل الفتح بمؤته. وورد بطرق اُخري كلّهاباطلة فاسدة موضوعة. راجع: اللآلي المصنوعة [1: 199].

وقال الذهبي في ميزانه [1: 16] في ترجمة إبراهيم الواسطي: يروي عن مالك أحاديث موضوعة.

حديث يكون علي هذه الامة اثنا عشر خليفة

وعن عبداللّه بن عمر، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): يكون علي هذه الاُمّة إثنا عشر خليفة: أبو بكر الصدّيق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان بن عفّان ذو النورين قُتِل مظلوماً، أوتي كفلين من الرحمة، ملك الأرض المقدّسة معاوية، وابنه. ثمّ يكون السفاح، ومَنصور، وجابر، والأمين، وسلام، وأمير العصب، لا يري مثله ولا يدري مثله «الحديث».

أخرجه نعيم بن حماد في الفتن، كما في كنز العمّال [6: 67].

قال الأميني: أرسلوا الحديث ورفعوه خوفاً مِن أن يقف الباحث علي ما في إسناده، غير أن نعيم بن حمّاد بِمُفرده يَكفي في المصيبة، ويُستغني به عن عرفان بقيَّة رجاله.

قال الازدي: كان يضع الحديث في تقوية السنّة، وله حكايات مُزوّرة في ثلب النعمان كلّها كذب. راجع: ميزان الذهبي [4: 267] وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي [2: 67] والبداية والنهاية لابن كثير [10: 463] واللآلي [1: 15] والجوهر النقي لابن التركمان كما في هامش سنن البيهقي [3: 47] وسلسلة الكذّابين والوضّاعين للأميني [5: 269].

معاوية يحاسب الخلائق

وعن علي (رضي الله عنه)، قال: أوّل مَن يدخل من الاُمّة أبو بكر وعمر وانّي الموقوف مع معاوية للحساب.

قال الذهبي في ترجمة أصبغ الشيباني: خبر منكر، أخرجه ابن الجوزي في الواهيات. وقال ابن حجر في لسان الميزان: وهذا أولي بكتاب الموضوعات. وقد ذكره العقيلي، فقال: مجهول وحديثه غير محفوظ، ثمّ ساقه. راجع: لسان الميزان [1: 460].

اهداء القلم الي معاوية

وعن أنس مرفوعاً: هبط عليّ جبرئيل ومعه قلم من ذهب إبريز، فقال: إنّ العليّ الأعلي يقرؤك السلام ويقول لك: حبيبي قد أهديت هذا القلم مِن فوق عرشي إلي معاوية، فأوصله إليه ومره أن يكتب آية الكرسي بخطّه بهذا القلم ويشكّله ويعجمه ويعرضه عليك، فإنّي قد كتبت له من الثواب بعدد كلّ من قرأ آية الكرسي من ساعة يكتبها إلي يوم القيامة.

فقال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): من يأتيني بأبي عبدالرحمن؟ يريد به معاوية فقام أبو بكر الصدّيق، ومضي حتّي أخذ بيده وجاءا جميعاً إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، فسلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، ثمّ قال لمعاوية: اُدنُ مني يا أبا عبدالرحمن، فدنا من رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم). فدفع إليه القلم، ثمّ قال له: يامعاوية! هذا قلم أهداه إليك ربّك من فوق العرش لتكتب آية الكرسي بخطّك وتشكّله وتعجمه وتعرضه عليّ، فاحمد اللّه واشكره علي ما أعطاك، فإنّ اللّه قد كتب لك من الثواب من قرأ آية الكرسي من ساعة تكتبها إلي يوم القيامة، فأخذ القلم من يد النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)فوضعه فوق اُذنه.

فقال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): اللهمّ إنّك تعلم انّي قد أوصلته إليه ثلاثاً فجثا معاوية بين يدي النبيّ ولم يزل يحمد اللّه علي ما أعطاه

من الكرامة ويشكره، حتّي أتي بطرس ومحبرة فأخذ القلم ولم يزل يخطّ به آية الكرسي أحسن ما يكون من الخطّ، حتّي كتبها وشكّلها وعرضها علي النبيّ (صلي الله عليه وآله). قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): يا معاوية! إنّ اللّه قد كتب لك من الثواب بعدد كلّ من يقرأ آية الكرسي من ساعة كتبتها إلي يوم القيامة.

قال الحفّاظ: موضوع وأكثر رجاله مجاهيل، ويراه ابن الجوزي من وضع الحسين بن يحيي الختاني، كما في ميزان الاعتدال [1: 257] وعند الذهبي: باطل كأنّه عمله أحمد بن عبداللّه الأيلي، ويري ابن حجر في لسان الميزان: انّ الأمر ينحصر بأحمد الأيلي، وهو الذي وضعه.

وأخرجه النقّاش بلفظ أخصر، وقال: حديث موضوع بلا شكّ، وضعه أحمد أو الحسين.

راجع: ميزان الاعتدال [1: 527 و 52] ولسان الميزان [1: 258] وسلسلة الموضوعات من الغدير [5: 305] واللآلي [1: 216].

عد معاوية من الامناء في أحاديث

وعن جابر فيما أخرجه ابن عساكر في تأريخه: أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)استشار جبرئيل في استكتاب معاوية، فقال: استكتبه فإنّه أمين.

أخرج ابن عساكر باسناده من طريق السري بن عاصم أبي عاصم الهمداني أحد الكذّابين الوضّاعين، والحسن بن زياد، وهو اللؤلؤي الوضّاع الكذّاب. وقاسم بن بهرام المشترك بين ثقّة وكذّاب.

وأمّا ابن كثير فقد زيّفه، كما في البداية والنهاية [5: 354] وقال: والعجب من الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره، واطّلاعه علي صناعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره بل ومن تقدّمه بدهر كيف يريد في تأريخه هذا، وأحاديث كثيرة من هذا النمط، ثم لا يبيّن حالها ولا يُشير الي شيء من ذلك اشارة لا ظاهرة ولا خفيّة؟ ومثل هذا الصنيع فيه نظر واللّه أعلم.

وأخرجه الذهبي في ميزانه [3: 95]

عن أمير المؤمنين مرفوعاً، من طريق أصرم بن حوشب الكذّاب الوضّاع الخبيث، وعدّه من مناكير محمّد بن عبدالمجيد.

وعن عبادة بن الصامت، قال: أوحي اللّه إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم): استكتب معاوية فإنّه أمين مأمون.

أخرجه الطبراني في الأوسط عن محمّد بن معاوية الزيادي، عن أحمد بن عبدالرحمن الحرّاني، عن محمّد بن زهير السلمي، عن أبي محمّد ساكن بيت المقدس، فقال: محمّد بن معاوية كذّاب، وشيخه ليس بمؤمن، والسلمي وشيخه لا يُعرف، وللحديث طرق اُخري كلّها باطلة.

راجع: سلسلة الموضوعات للأميني [5: 305] واللآلي المصنوعة للسيوطي [1: 218] وذكره الذهبي في ميزانه [3: 59] فقال: خبر باطل، لعلّه هو افتر متنه يعني محمّد بن زهير.

وعن يزيد بن محمّد المروزي، عن أبيه، عن جدّه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليّاً (رضي الله عنه)، يقول، فذكر خبراً فيه: بينا أنا جالس بين يدي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)إذ جاء معاوية، فأخذ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) القلم من يدي، فدفعه إلي معاوية، فما وجدت في نفسي إذ علمت أنّ اللّه أمره بذلك.

قال ابن حجر: هذا متن باطل واسناد مختلف. وعدَّه من موضوعات مسرّة بن عبداللّه الخادم. راجع: لسان الميزان لابن حجر العسقلاني [6: 20].

وأخرج الخطيب في تاريخه [13: 273] حديثاً في المناقب، فقال: هذا الحديث كذب موضوع. والرجال المذكورون في اسناده كلّهم ثقات أئمّة سوي مسرّة الخادم والحمل عليه فيه.

وعن أبي هريرة مرفوعاً: الاُمناء عند اللّه ثلاثة: أنا وجبرئيل ومعاوية.

قال الخطيب والنسائي وابن حبّان: هذا الحديث باطل موضوع، رأي الخطيب في تاريخه [11: 8] الحمل فيه علي علي البرداني.

وقال ابن عدي: باطل من كلّ وجه. وزيّف الحاكم طرقه، وفيها جمع من الكذّابين والوضّاعين. راجع: اللآلي

المصنوعة [1: 217] وقال الذهبي في ميزانه [1: 233]: هذا كذّاب. وذكره في ترجمة الحسن بن عثمان، فقال: هذا كذب.

وذكره ابن كثير في تاريخه [8: 120] من طريق أبي هريرة وأنس وواثلة بن الأسقع، فقال: لا يصحّ من جميع وجوهه. وفي لسان الميزان [2: 220]: أورد ابن الجوزي في الموضوعات وجزم بأنّ هذا وضعه يعني وضع الحسن بن عثمان .

وقال ابن عدي: الحسن عندي يضع الحديث، ويسرق حديث الناس، وسألت عنه عبدان الأهوازي، فقال: كذّاب. وقال أبو علي النيسابوري: هذا كذّاب يسرق الحديث. وفي شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي [2: 366] عدّه ابن الجوزي من موضوعات أبي عيسي أحمد الخشّاب.

قال الأميني في سلسلة الموضوعات من غديره [5: 306]: بهذه المخازي هتكوا ناموس الإسلام، ودنّسوا ساحة قدس صاحب الرسالة، فما قيمة أمينين يكون معاوية ثالثهما؟!.

معاوية أحكم الامة وأجودها

وأخرج ابن عساكر في تاريخه [4: 224] من طريق الحسن بن محمّد بن الحسن أبي علي الأبهري المالكي نزيل دمشق إلي شداد بن أوس مرفوعاً: أبو بكر أرأف اُمّتي وأرحمها، وعمر بن الخطّاب خير اُمّتي وأعدلها، وعثمان أحيي اُمّتي وأكرمها وأصدقها، وأبو الدرداء أعبد اُمّتي وأتقاها، ومعاوية أحكم اُمّتي وأجودها.

وفي لفظ العقيلي من طريق بشير بن زاذان، عن عمر بن صبح، عن ركن، عن شدّاد بن أوس مرفوعاً: أبو بكر أوزن اُمّتي، وعثمان أحيي اُمّتي، ومعاوية أحكم اُمّتي. لسان الميزان [2: 37].

وفي لفظ السيوطي نقلاً عن العقيلي أيضاً: أبو بكر أوزن اُمّتي وأرحمها، وعمر خير اُمّتي وأكملها، وعثمان أحيي اُمّتي وأعدلها، وعلي أوفي اُمّتي وأوسمها، وعبداللّه بن مسعود أمين اُمّتي وأوصلها، وأبو ذر أزهد اُمّتي وأرقّها، وأبو الدرداء أعدل اُمّتي وأرحمها، ومعاوية أحلم اُمّتي وأجودها. راجع: اللآلي [1: 428].

قال الاميني في

سلسلة المناقب [10: 89] من غديره: قال الحافظ ابن عساكر: هذا الحديث ضعيف. ونحن علي يقين من أنّ الباحث بعدما أوقفناه علي ترجمة رجال الاسناد، يحكم بالوضع لا بالضعف، كما حكم به الحافظ. واليك الرجال:

1 بشير بن زاذان: ضعّفه الدارقطني وغيره، واتّهمه ابن الجوزي. قال ابن معين: ليس بشيء. وذكره الساجي وابن الجارود والعقيلي في الضعفاء.

وقال ابن عدي: أحاديثه ليس لها نور، وهو ضعيف غير ثقة، يحدّث عن جماعات ضعفاء وهو بيّن الضعف. وقال ابن حجر العسقلاني في ترجمته بعد ذكر الحديث: ولا يتابع بشير بن زاذان علي هذا، ولا يُعرف إلاّ به. ولمّا ذكر له ابن الجوزي حديثاً في فضل الصحابة، قال: هو المتّهم به عندي، فإمّا أن يكون من فعله، أو من تدليسه من الضعفاء. وقال ابن حبّان: غلب الوهم علي حديثه حتّي بطل الاحتجاج.

راجع: ميزان الاعتدال [1: 328] ولسان الميزان [2: 37].

2 عمر بن صبح أبونعيم الخراساني: قال ابن راهويه: أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير في البدعة والكذب: جهم بن صفوان، عمر بن صبح، مقاتل بن سليمان.

وقال البخاري في التأريخ الأوسط: حدّثني يحيي اليشكري، عن علي بن جرير، سمعت عمر بن صبح يقول: أنا وضعت خطبة النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم).

وقال أبو حاتم وابن عدي: منكر الحديث. وقال ابن حبّان: يضع الحديث علي الثقات، لا يحلّ كتب حديثه إلاّ علي وجه التعجّب. وقال الأزدي: كذّاب. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه غير محفوظ، لا متناً ولا اسناداً. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال العقيلي: ليس حديثه بالقائم وليس بالمعروف بالنقل. وقال أبو نعيم: روي عن قتادة ومقاتل الموضوعات.

راجع: ميزان الاعتدال [3: 206 ط دار احياء

الكتب العربية] وتهذيب التهذيب للعسقلاني [7: 463].

3 ركن الشامي: وهّاه ابن المبارك. وقال يحيي ليس بشيء. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال أبو أحمد الحاكم: يروي عن مكحول أحاديث موضوعة. وقال ابن الجارود: ليس بثقة. وقال عبداللّه بن المبارك: لإن أقطع الطريق أحبّ اليّ من أن أروي عن عبدالقدّوس الشامي، وعبدالقدوس خير من مائة مثل ركن.

راجع: تاريخ ابن عساكر [5: 327] تاريخ الخطيب [8: 436] وميزان الاعتدال [2: 54] ولسان الميزان للعسقلاني [2: 462].

معاوية أحلم الامة وأجودها

وعن علي بن عبداللّه، عن علي بن أحمد، عن خلف بن عمرو العكبري، عن محمّد بن ابراهيم، عن يزيد الخلاّل، عن أحمد بن القاسم بن مهران، عن محمّد بن بشير بن زاذان، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): أبو بكر خير اُمّتي وأتقاها، وعمر أعزّها وأعدلها، وعثمان أكرمها وأحياها، وعلي ألبّها وأوسمها، وابن مسعود آمنها وأعدلها، وأبو ذرّ أزهدها وأصدقها، وأبو الدرداء أعبدُها، ومعاوية أحلمها وأجودها.

قال السيوطي في اللآلي المصنوعة [1: 428]: في هذا الطريق مجروحون، وقد خلّط بشير بن زاذان في إسناده.

ونحن نقول: لو لم يكن في الاسناد من المجروحين إلاّ يزيد الخلاّل لكفاه علّة.

قال يحيي بن معين: كذّاب. وقال أبو سعيد: قد أدركت يزيد هذا وهو ضعيف، قريب ممّا قال يحيي. راجع: تاريخ الخطيب [14: 348] وميزان الاعتدال [4: 439].

وقال أبو داود: ضعيف. وقال الدارقطني: ضعيف جدّاً. وقال ابن عدي: ليس بذاك المعروف. راجع: لسان الميزان [6: 293].

دعاء الرسول لمعاوية

وأخرج الترمذي في جامعه [13: 229] وحسّنه عن عبدالرحمن بن أبي عميرة مرفوعاً: اللهمّ اجعله هادياً مهديّاً واهد به.

وأخرجه أيضاً ابن عبدالبرّ في الاستيعاب في ترجمة عبدالرحمن [2: 407 هامش الاصابة] فقال: عبدالرحمن حديثه مضطرب، ولا يثبت في الصحابة وهو شاميّ، ومنهم من يوقف حديثه هذا ولا يرفعه، ولا يصحّ مرفوعا عندهم.

وقال في الأخير: لا يثبت أحاديثه ولا يصحّ صحبته، ورجال الاسناد كلّهم شاميّون، وهم: أبو سهر الدمشقي، وسعيد بن عبدالرحمن الدمشقي، وربيعة بن يزيد الدمشقي، وابن أبي عميرة الدمشقي، وقد تفرّد به ابن أبي عميرة، فما ثقتك برواية تفرّد بها شاميّ، عن شاميّ، إلي شاميّ، إلي رابعهم مثلهم شاميّ. ولا يوجد عند حملة السنّة علم بها؟.

وأخرج

الإمام أحمد في مسنده ما يدافع به ابن حجر عن معاوية، بل ويحتجّ به في ثبوت خلافته كما في [ص 130] من صواعقه: عن العرباض بن سارية: سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: اللهمّ علّم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب.

وأخرجه أيضاً السيوطي في تاريخ الخلفاء [ص 130 ط. ادارة الطباعة المنيرية دمشق سنة 1351] ولكن في اسنادها: الحارث بن زياد، وهو ضعيف مجهول، كما قاله ابن أبي حاتم عن أبيه. وابن عبدالبرّ. والذهبي في ميزانه [1: 201] وفي تهذيب التهذيب [2: 142] وفي لسان الميزان [2: 49] وفي الاستيعاب [3: 401].

نظرة الحفاظ والمحدثين فيما جاء من فضائل معاوية

اشاره

فلذلك نري أنّ الحفّاظ وأساطين المحدّثين قد أنكروا ما جاء من الأخبار والروايات، ما دلت علي فضائل معاوية بن أبي سفيان. منهم:

الامام أحمد بن حنبل

قال عبداللّه بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن علي ومعاوية، فقال: إعلم أنّ عليّا كثير الأعداء، ففتّش له أعداؤه عيباً فلم يجدوا، فجاؤا إلي رجل قد حاربه فاطروه كيداً منهم لعليّ. راجع: تاريخ الخلفاء [1: 33].

الحاكم

قال: سمعت أبا العباس محمّد بن يعقوب بن يوسف يقول: سمعت إسحاق بن ابراهيم الحنظلي يقول: لا يصحّ في فضل معاوية حديث.

البخاري

لم يجد في فضائل معاوية حديثاً صحيحاً فلم يذكر في صحيحه منقبةً لمعاوية، وذلك عندما عدَّ مناقب الصحابة ولكن قال: باب ذكر معاوية، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما.

ابن حجر العسقلاني

قال: قد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، ولكن ليس فيها ما يصحُّ من طريق الإسناد. راجع: فتح الباري في شرح صحيح البخاري [7: 83].

ابن تيمية

قال في منهاجه [2: 207]: وضعوا لمعاوية طائفة فضائل وروَوا أحاديث عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) في ذلك، كلّها كذب.

العجلوني

قال في كتابه كشف الخفاء [ص 420]: باب فضائل معاوية: ليس فيه حديث صحيح.

الفيروزابادي

قال في آخر كتابه سفر السعادة: فضائل معاوية ليس فيه حديث صحيح.

مسلم وابن ماجة

قال الأميني في الغدير [11: 74]: أمّا مسلم وابن ماجة، فلمّا لم يريا حديثا يُعبأ به في فضائل معاوية، ضربا عن اسمه في الصحيح والسنن صفحاً عند عدّ مناقب الصحابة.

العيني

قال في كتابه عمدة القاري: فإن قلت قد ورد في فضله يعني معاوية أحاديث كثيرة. قلت: نعم، ولكن ليس فيها حديث صحيح يصحّ من طريق الإسناد، نصّ عليه إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما، فلذلك قال يعني البخاري : باب ذكر معاوية، ولم يقل فضيلة ولا منقبة.

الشوكاني

قال في الفوائد المجموعة: اتّفق الحفّاظ علي أنّه لم يصحّ في فضل معاوية حديث.

السيوطي

في كتابه تاريخ الخلفاء [1: 130]: قد ورد في فضله يعني معاوية أحاديث قلّما تثبت.

لفت نظر

روي ابن كثير في تاريخه [11: 124] كما ذكره الأميني في غديره [11: 75] دخل الحافظ النسائي الي دمشق، فسأله أهلها أن يحدّثهم بشيء من فضائل معاوية، فقال: أما يكفي أن يذهب رأساً برأس حتّي يروي له فضائل؟ فقاموا إليه يطعنون في خصيتيه، حتّي اُخرج من المسجد الجامع، فقال: أخرجوني إلي مكّة، فأخرجوه وهو عليل، فتوفّي بمكّة مقتولاً شهيداً.

واعلم أنّ هذه الموضوعات التي سجّلناها في هذه السطور إنّما نزر يسير من الكثير الذي لو جمع كلّه لجاء بمجلّد ضخم، لأنّ من لعبت بهم الهوي من ذوي الأيدي الأثيمة، في العصور الماضية المظلمة، قد اختلقوا أحاديث كاذبة علي صاحب الشريعة، وكرام أصحابه، وثقات التابعين، لا تدخل تحت الضبط والحصر، وهم فيما بين ذلك علي اختلاف أغراضهم.

فمنهم: من اغترّ بعظيم الهبات، وجليل العطيات من أرباب الحكّام والسلطات، كما أخبرنا بذلك أهل الأخبار والسير، منهم ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة، كما سيوافيك خبره فيما يلي.

ومنهم: من رجال الدين الموصوفين بالزهد والورع والتقوي، وضعوا أخباراً باطلة حسبةً واحتساباً لما عند المولي عزّ وجلّ، لما يرون أنّ ذلك من الضرورة في الدين لعوام المسلمين، إمّا لترقيق قلوبهم في زعمهم، وإمّا لتحريضهم علي فضائل الأعمال، أو غير ذلك ممّا له روابط دينيّة.

فمن ذلك قال يحيي بن سعيد القطّان، فيما ذكره الأميني في غديره [5: 275]: ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث. وذُكرت عبارته هذه أيضاً في مقدّمة صحيح مسلم، وتاريخ بغداد [2: 98].

وقال أيضاً، كما في مقدّمة صحيح مسلم: ما نري أهل الخير أكذب منهم في الحديث.

وقال أيضاً، كما في

اللآلي المصنوعة في خاتمة الكتاب: ما رأيت الكذب في أحد أكثر فيمن يُنْسب الي الخير والزهد.

وقال القرطبي في التذكار [ص 155]: لا التفات لما وضعه الوضّاعون، واختلقه المختلقون، من الأحاديث الكاذبة، والأخبار الباطلة، في فضل سور القرآن، وغير ذلك من فضائل الأعمال، وقد ارتكبها جماعة كثيرة وضعوا الحديث حسبة كما زعموا، يدعون الناس إلي فضائل الأعمال، كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، ومحمّد بن عكاشة الكرماني، وأحمد بن عبداللّه الجويباري وغيرهم.

قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم: من أين لك عن عكرمة عن ابن عبّاس في فضل سور القرآن سورةً سورة؟ فقال: انّي رأيت الناس أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي محمّد بن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة.

وقال القرطبي أيضاً في [ص 156] من نفس المصدر: قد ذكر الحاكم وغيره من شيوخ المحدّثين: أنّ رجلاً انتدب في وضع أحاديث في فضل القرآن وسوره، فقيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: رأيت الناس زهدوا في القرآن فأحببت أن اُرغبهم فيه، فقيل: فإنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، فقال: أنا ما كذبت عليه إنّما كذبت له.

وقال في التحذير من الموضوعات: وأعظمهم ضرراً قوم منسوبون إلي الزهد، وضعوا الحديث حِسبةً فيما زعموا، فتقبّل الناس موضوعاتهم ثقةً منهم بهم وركوناً إليهم، فضلّوا وأضلّوا.

وقال في [ص 268]: وسمعت قول ميسرة بن عبد ربّه، لمّا قيل له: من أين جئت بهذه الأحاديث؟ قال: وضعتها اُرغِّب الناس فيها.

وقال أيضا: إنّي احتسب في ذلك.

وقال الحاكم: كان الحسن الراوي عن المسيّب بن واضح ممّن يضع الحديث حِسبةً. راجع: لسان الميزان [5: 288]. وكان نعيم بن حمّاد يضع الحديث في

تقوية السنّة.

الوضاعون والدجالون من رجال الدين

قال الأميني في غديره [5: 276]: فكأنّ الكذب والإفك وقول الزور ليست من الفواحش، ولم يكن فيها أيّ منقصة ومغمزة، ولا تُنافي شيئاً من فضائل النفس، ولا تمسّ كرامة ذويها.

فهذا حرب بن ميمون، مجتهد عابد وهو أكذب الخلق.

وهذا الهيثم الطائي، يقوم عامّة الليل بالصلاة، وإذا أصبح يجلس ويكذب.

وهذا محمّد بن إبراهيم الشامي، كان من الزهّاد، وهو الكذّاب الوضّاع.

وهذا الحافظ عبدالمغيث الحنبلي، موصوف بالزهد والثقة والدين والصدق والأمانة والصلاح والاجتهاد، واتّباع السنّة والآثار، وهو يؤلّف من الموضوعات كتاباً في فضائل يزيد بن معاوية.

وهذا معلّي بن صبيح، من عبّاد الموصل، وكان يضع ويكذب.

وهذا معلّي بن هلال، عابد وهو كذّاب.

وهذا أبو عمر الزاهد ألّف من الموضوعات كتاباً في فضائل معاوية بن أبي سفيان.

وهذا أحمد الباهلي من كبار الزهّاد، وهو ذلك الكذّاب الوضّاع. قال ابن الجوزي: كان يتزهّد ويهجر شهوات الدّنيا، فحسّن له الشيطان هذا الفعل القبيح.

وهذا البرداني، رجل صالح، ويضع الحديث في فضل معاوية.

وهذا وهب بن حفص من الصالحين، ومكث عشرين سنة لايكلِّم أحداً، وكان يكذب كذباً فاحشاً.

وهذا أبو بشر المروزي الفقيه، أصلب أهل زمانه في السّنة، وأذبّهم عنها، وأخفّهم لمن خالفها، وكان يضع الحديث ويقلّبه.

وهذا أبو داود النخعي، أطول الناس قياماً بليل، وأكثرهم صياماً بنهار، وهو وضّاع.

وهذا أبو يحيي الوكّار، من الكذّابين الكبار، وكان من الصلحاء العبّاد الفقهاء.

وهذا إبراهيم بن محمّد الآمدي، أحد الزهّاد وأحاديثه موضوعة. راجع: لسان الميزان [1: 99].

وهذا رشدين مقلّب متون الحديث، وكان عابداً صالحاً، كما قاله الذهبي.

وهذا إبراهيم أبو إسماعيل الأشهلي، كان عابداً صام ستّين سنة، لا يتابع علي شيء من حديثه، كان يقلّب الأسانيد ويرفع المراسيل. راجع تهذيب التهذيب [1: 104].

وهذا جعفر بن الزبير، كان مجتهداً في العبادة، وهو وضّاع.

راجع: ميزان الاعتدال [1: 406] وغيره من كتب التراجم.

وهذا أبان بن أبي عيّاش، رجل صالح كان من العُبّاد وهو كذّاب. راجع: تهذيب التهذيب [1: 99].

الوضاعون المحتسبون لمرضاة الملوك والولاة

أمّا من كانوا يضعون الأحاديث الكاذبة، والروايات الباطلة، ويبتغون بها الجزاء من الملوك والاُمراء، فقد نبّأنا ابن أبي الحديد بما رواه في شرح نهج البلاغة [3: 15].

قال: وروي أبو الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلي عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمّة ممّن روي شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلي كلّ منبر يلعنون عليّاً، ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته.

وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة؛ لكثرة من بها من شيعة علي (عليه السلام)، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف؛ لأنّه كان منهم أيّام علي (عليه السلام)، فقتلهم تحت كلّ شجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم علي جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلي عمّاله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة.

وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه، فادنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا إليّ بكلّ من يروي كلّ رجل اسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتّي أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لِما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصر، فتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمّال معاوية، فيروي في عثمان فضيلةً

أو منقبةً إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه، فلبثوا في ذلك حيناً.

ثمّ كتب إلي عمّاله: إنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلي الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً من المسلمين في أبي تراب إلاّ وائتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله.

فقرئت كتبه علي الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجري، حتّي أشادوابذكر ذلك علي المنابر، وألقي إلي معلّمي الكتاتيب، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتّي رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتّي علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم، فلبثوا في ذلك ما شاء اللّه.

ثمّ كتب إلي عمّاله نسخةً واحدة إلي جميع البلدان: اُنظروا إلي من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته، فامحوه من الديوان، واسقطوا عطاءه ورزقه.

وشفع ذلك بنسخة اُخري: من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكّلوا به واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق، لا سيّما بالكوفة، حتّي أنّ الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته، فيلقي إليه سرّه ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدّثه حتّي يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنّ عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضي علي ذلك الفقهاء والقضاة والولاة.

وكان أعظم الناس في ذلك بليّةً القرّاء المراؤون، والمستضعفون من أهل الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقرّبوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتّي انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلي أيدي الديّانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان، فقبلوها

ورووها وهم يظنّون أنّها حقّ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ولا تديّنوا بها.

فلم يزل الأمر كذلك حتّي مات الحسن بن علي عليهما السلام، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف علي دمه، أو طريد في الأرض.

ثمّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسين (عليه السلام)، وولّي عبدالملك بن مروان: فاشتدّ علي الشيعة، وولّي عليهم الحجّاج بن يوسف، فتقرّب إليه أهل النسك والدين ببغض علي وموالاة أعدائه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغضّ من علي (عليه السلام) وعيبه والطعن فيه.

قال ابن أبي الحديد: وقد روي ابن عرفة المعروف بابن نفطويه، وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر، وقال: إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة اُفتعلت في أيّام بني اُميّة، تقرّباً إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون به اُنوف بني هاشم. إلي آخر كلامه.

الوضاعون لخدمة مبدأ أو لتعظيم إمام أو لتأييد مذهب

اشاره

فقد رأينا فيما مرّ أنّ الكثير من الوضّاعين لا يخلو أحدهم من أن يكون إماماً يُقتدي به، أو خطيباً مفوّهاً، قد اكتنفه جمع من الاُمّة يصغون إليه، أو حافظاً مشهوراً يتلقّي منه المحدّثون ثقةً بهم منهم، لما ظهرت فيهم ملامح الصلاح والاستقامة والنسك.

ثمّ إنّهم لمّا كانوا من مختلف المذاهب، فممّا لا عجب إذن أن لو كان كلّ واحد منهم يؤيّد مبدأه، وينصر مذهبه، ويعظّم إمامه بالروايات الموضوعة، والأخبار المختلقة، فريةً علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، لشدّة ما بلغ بهم من التعصب المذهبي الناشئ من اختلافات عقائديّة، فبذلك اتّقدت نار العداوة والتباغض بين المسلمين، فتفارقوا وانقسموا فحلّ عليهم الضعف والهوان، فتحقّقت بذلك أهداف أعداء الدين من الكفّار والمنافقين والمستعمرين.

ثم إنّهم لمّا رأو مالديهم من التنافر والاختلاف، وسّعوا الهوّة ما

بين كلّ فريق منهم، فتكاثر الافتعال ووقوع التضارب بين رجال المذاهب حتّي أنّ من كان منهم لم تساعده مقدرته لاقتراف تلك الأفعال الشنيعة والأعمال الفاحشة، عادوا إلي رؤيا مناميّة، وأتوا إلي الناس بمختلقات الأطياف حول المذاهب ورجالاتها.

الحنفية

فالأحناف قد جاؤا بروايات مفتعلة علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) في فضل إمامهم.

كرواية: سيأتي من بعدي رجل يقال له: النعمان بن ثابت، ليُحيِيَنّ دين اللّه وسنّتي علي يديه.

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه [2: 289] من طريق محمّد بن يزيد المستملي الكذّاب الوضّاع، وقال: هو موضوع باطل. وأخرجه الأميني في غديره [5: 278].

ورواية: في كلّ قرن من اُمّتي سابقون، وأبو حنيفة سابق في زمانه. أخرجه الخوارزمي في كتابه مناقب أبي حنيفة [1: 16] وفي جامع مسانيد أبي حنيفة [1: 18] بلفظ: أبو حنيفة سابق هذه الاُمّة. والسند مرسل عن ابن لهيعة من طريق حامد بن آدم الكذّاب. كذّبه الجوزجاني وابن عدي، وعدّه أحمد السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث. وقال ابن معين: كذّاب لعنه اللّه، مات سنة 332. راجع: ميزان الذهبي [1: 447].

ورواية: إنّ في اُمّتي رجلاً اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة، هو سراج اُمّتي، هو سراج اُمّتي، هو سراج اُمّتي.

أخرجه الخطيب البغدادي في تأريخه [13: 335] وقال: حديث موضوع.

ورواية: يكون في آخر الزمان رجل يكنّي بأبي حنيفة، هو خير هذه الاُمّة. أخرجه الخطيب الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة [1: 14] باسناد باطل.

ورواية: سيكون في اُمّتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج اُمّتي. قال الشيخ علي القاري في موضوعاته الكبري: هو موضوع باتّفاق المحدّثين. راجع: كشف الخفاء [1: 33].

ورواية: يكون في اُمّتي رجل يقال له: النعمان، يكنّي أبا حنيفة، يجدّد اللّه له سنّتي علي يديه. عدّه

ابن عدي من موضوعات الجويباري الكذّاب الوضّاع. راجع: لسان الميزان [1: 193]. واللآلي [1: 238] والغدير [5: 278ط 2].

ورواية: سيأتي من بعدي رجل يقال له: النعمان بن ثابت، ويكنّي أبا حنيفة يحيي دين اللّه وسنّتي علي يديه.

أخرجه الخطيب البغدادي في تأريخه [2: 289] وقال: باطل موضوع.

ومحمّد بن يزيد متروك الحديث. وسليمان بن قيس، وأبو المعلي مجهولان. وأبان ابن أبي عياش رمي بالكذب. وعدّه ابن حجر في الخيرات الحسان من الموضوعات، كما في كشف الخفاء [1: 33] قال الأميني في غديره [5: 278]: محمّد بن يزيد راوي الحديث هو أبو بكر الطرسوسي أحد الكذّابين الوضّاع.

ورواية: يجيء رجل، فيحيي سنّتي، ويميت البدعة، إسمه النعمان بن ثابت.

أخرجه الخطيب الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة [1: 15] من طريق إبراهيم بن أحمد الخزاعي، قال ابن حبّان: يخطئ ويخالف. وعن أبي هدية: إبراهيم الكذّاب الوضّاع الخبيث.

ورواية: إنّ سائر الأنبياء تفتخر بي وأنا أفتخر بأبي حنيفة، وهو رجل تقيّ عند ربّي، وكأنّه جبل من العلم، وكأنّه نبيّ من أنبياء بني إسرائيل، فمن أحبّه فقد أحبّني ومن أبغضه فقد أبغضني. قال ابن الجوزي: موضوع. وقال العجلوني: لا يصلح وإن تعدّدت طرقه. راجع: كشف الخفاء [1: 33].

ورواية: إنّ آدم افتخر بي وأنا افتخر برجل من اُمّتي اسمه نعمان، وكنيته أبو حنيفة. وهو سراج اُمّتي.

قال العجلوني: موضوع. راجع: كشف الخفاء [1: 33].

ورواية: لو كان في اُمّة موسي وعيسي مثل أبي حنيفة لما تهوّدوا وما تنصّروا. عدّه العجلوني من الموضوعات، كما في كشف الخفاء [1: 33].

ورواية: يخرج من اُمّتي رجل يقال له: أبو حنيفة، بين كتفيه خال، يحيي اللّه تعالي علي يديه السنّة.

مرسل عن مجاهيل، ذكره الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة [1: 16].

ورواية: عن ابن عبّاس:

يطلع بعد رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) بدر علي جميع خراسان يكنّي بأبي حنيفة. أخرجه الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة [1: 18] وفي جامع المسانيد [1: 17] بإسناد باطل.

ورواية أبي البختري الكذّاب، قال: دخل أبو حنيفة علي جعفر بن محمّد الصّادق، فلمّا نظر إليه جعفر، قال: كأنّي أنظر إليك وأنت تحيي سنّة جدّي (صلي الله عليه وآله وسلم)بعدما اندرست، وتكون مفزعاً لكلّ ملهوف، وغياثاً لكل مهموم، بك يسلك المتحيّرون اذا وقفوا، وتهديهم الواضح من الطريق اذا تحيّروا، فلك من الله العون والتوفيق، حتّي يسلك الربانيّون بك الطريق.

أخرجه الخطيب الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة [1: 19].

وقد كانت اُمّة من الحنفيّة الذين لم يقتصروا في المغالاة علي تلك الروايات، التي لا تقوم علي أساس من الصحّة، بل قد أفرطوا في الثناء علي إمامهم إلي حد أن زعم بعضهم بأنّ أبا حنيفة أعلم من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم). كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي في تأريخه [13: 413]. والأميني في غديره [5: 280].

قال علي بن جرير: كنتُ في الكوفة فقدمت البصرة، وبها عبداللّه بن مبارك، فقال لي: كيف تركت الناس؟ قال: قلت: بالكوفة قوم يزعمون أنّ أبا حنيفة أعلم من رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، قال: قلت: اتخذوك في الكفر إماماً، قال: فبكي حتّي ابتلّت لحيته يعني انّه حدّث عنه .

وروي أيضاً في نفس المصدر [ص 414] عن علي بن جرير، قال: قدمت علي ابن المبارك، فقال له رجل: إنّ رجلين تماريا عندنا في مسألة، فقال أحدهما: قال أبو حنيفة. وقال الآخر: قال رسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، قال: كان أبو حنيفة أعلم في القضاء، فقال ابن المبارك: أعد عليّ، فأعاد عليه.

فقال: كفر كفر، قلت: بك كفروا، وبك اتّخذوا الكافر إماماً، قال: ولِمَ؟ قلت: بروايتك عن أبي حنيفة. قال: أستغفر اللّه من روايتي عن أبي حنيفة.

وروي أبو نعيم في الحلية [6: 358] عن فضيل بن عياض، قال: إنّ هؤلاء اُشربتْ قلوبُهم حبّ أبي حنيفة، فأفرطوا فيه حتّي لا يرون أنّ أحداً كان أعلم منه.

وكان محمّد بن شجاع أبو عبدالله فقيه أهل العراق يحتال في إبطال الحديث عن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) ورَدِّه، نصرةً لأبي حنيفة ورأيه. راجع: تاريخ بغداد [5: 351] كما ذكره الأميني في غديره [5: 280] وقال: وهناك قوم قابلوا هؤلاء بالطعن علي إمامهم، وشنّوا عليه الغارات، وتحاملوا بالوقيعة عليه، لا يسعنا ذكر جُل ما وقفنا عليه فضلاً عن كلّه، غير أنّا نذكر منه النّزر اليسير.

قال ابن عبدالبرّ في الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمّة الفقهاء [ص 149]: فممّن طعن عليه محمّد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح فقال في كتابه في الضعفاء: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، قال نعيم بن حماد، حدّثنا يحيي ابن سعيد، ومعاذ بن معاذ، سمعا سفيان الثوري يقول: قيل: استتيب أبو حنيفة من الكفر مرّتين. وذكر الخطيب البغدادي في تأريخه [13: 379] استتابته من الكفر عن جمع كثير. راجع: الغدير [5: 280].

وقال نعيم عن الفزاري: كنت مع سفيان بن عيينة، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: لعنه اللّه كان يهدم الإسلام عروةً عروةً، وما وُلد في الاسلام مولود أشرّ منه. هذا ما ذكره البخاري.

وقال في [ص 150] من الانتقاء: وذكر الساجي في كتابه العلل في باب أبي حنيفة: إنّه اُستتيب في خلق القرآن فتاب. والساجي ممّن كان ينافس أصحاب أبي حنيفة.

وقال ابن الجارود في كتابه في الضعفاء والمتروكين:

النعمان بن ثابت أبو حنيفة، جُلُّ حديثه وهمٌ قد اختُلِف في إسلامه.

وروي عن مالك رحمه اللّه أنّه قال في أبي حنيفة نحو ما ذكره سفيان: إنّه شرّ مولود في الإسلام، وإنّه لو خرج علي هذه الاُمّة بالسيف كان أهون عليه.

وذكره الساجي قال: سمعت وكيع بن الجراح يقول: وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم). وذكره الخطيب في تاريخه [13: 390].

وذكر الساجي قال: حدّثني محمّد بن روح المدائني، قال: حدّثني معلّي بن أسد، قال: قلت لابن المبارك: كان الناس يقولون إنك تذهب إلي قول أبي حنيفة؟ قال: ليس كلّ ما يقوله الناس يصيبون فيه، كنّا نأتيه زماناً ونحن لا نعرفه، فلمّا عرفناه تركناه.

وقال: حدّثني محمّد بن أبي عبدالرحمن المقري، قال: سمعت أبي يقول: دعاني أبو حنيفة إلي الأرجاء غير مرّة، فلم اُجِبه.

وقال ابن عبدالبرّ في الانتقاء [ص 152] كما ذكره الأميني في غديره [5: 281]: سمع الطحاوي أبو جعفر رجلاً ينشد:

إن كنتِ كاذبةً بما حدّثتِني

فعليكِ إثمَ أبي حنيفة أو زُفر

الواثبين علي القياس تعدّياً

والناكبين عن الطريقة والأثر

وزفر هو ابن الهذيل العنبري ثمّ التميمي، أحد أكابر أصحاب أبي حنيفة، وأفقههم وأحسنهم قياساً، ولّي قضاء البصرة، وقد خلف أبا حنيفة إذ مات في حلقته، توفّي سنة [158] انتهي.

وذكر الخطيب في تأريخه [14: 259]: قال عبداللّه بن أحمد بن حنبل: أصحاب أبي حنيفة لاينبغي أن يُروي عنهم شيء. وسئل عن أبي حنيفة: يُروي عنه؟ قال: لا.

وفي حلية الأولياء [6: 325] وتاريخ بغداد [13: 400] عن منصور بن أبي مزاحم، قال: سمعت مالك بن أنس وذُكر أبو حنيفة، قال: كاد الدين، ومن كاد الدين فليس من أهله.

وفي الصفحة المذكورة من الحلية: عن الوليد بن

مسلم، قال: قال لي مالك ابن أنس: يُذكر أبو حنيفة ببلدكم؟ قلت: نعم، قال: ما ينبغي لبلدكم أن يُسكن.

وفي الغدير [5: 282] نقلاً عن تاريخ بغداد [13: 380]: كان ابن أبي ليلي يتمثّل بأبيات منها:

إلي شنان المرجئين ورأيهم

عمرو بن ذرّ وابن قيس الماصر

وعتيبة الدبّاب لا نرضي به

وأبو حنيفة شيخ سوء كافر

وعن يوسف بن أسباط: ردّ أبو حنيفة علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، أربعمائة حديث أو أكثر.

وعن مالك أنّه قال: ما ولد في الإسلام مولود أضرّ علي أهل الإسلام من أبي حنيفة.

وقال أيضا: كانت فتنة أبي حنيفة علي هذه الاُمّة من فتنة إبليس في الوجهين جميعا: في الأرجاء، وما وضع من نقض السنن.

وعن عبدالرحمن بن مهدي: ما أعلم في الإسلام فتنة بعد فتنة الدجّال أعظم من رأي أبي حنيفة.

وعن شريك: لأن يكون في كلّ حيّ من الأحياء خمّار خير من أن يكون فيه رجل من أصحاب أبي حنيفة.

وعن الأوزاعي: عمد أبو حنيفة إلي عري الإسلام فنقضها عروة عروة، ما وُلد مولود في الإسلام أضرّ علي الإسلام منه.

وعن سفيان الثوري أنّه قال، إذ جاء نعي أبي حنيفة: الحمد للّه الذي أراح المسلمين منه. لقد كان ينقض عري الإسلام عروة عروة، ما ولد في الإسلام مولود أشأم علي أهل الإسلام منه.

وعن عبداللّه بن إدريس: أبو حنيفة ضالّ مُضلّ.

وفي تاريخ الخطيب البغدادي [7: 17]: عن أحمد بن حنبل أنّه قال: كان أبو حنيفة يكذب. وقال أيضاً: أصحاب أبي حنيفة ينبغي أن لا يُروي عنهم شيء.

وعن أبي حفص عمرو بن علي: أبو حنيفة صاحب الرأي ليس بالحافظ، مضطرب الحديث. واهي الحديث، وصاحب هويً.

الشافعية

أمّا الشافعيّة، فقد رووا رواية لا تثبت صحّتها، وحملوها علي إمامهم محمّد بن ادريس

الشافعي، كحديث: عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً.

قال ابن الحوت في أسني المطالب [ص 14]: خبر لم يصح، فهو ضعيف. انتهي.

وجاء البعض منهم بفضائل لإمامهم نشأت من رؤيا مناميّة، كما رواه الخطيب البغدادي في تأريخه [1: 8 366] وذلك عن المزني أنّه رأي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)في المنام، فسأله عن الشافعي، فقال: من أراد محبّتي وسنّتي، فعليه بمحمّد بن إدريس الشافعي المطلبي، فإنّة منّي وأنا منه.

وفي الصفحة المذكورة أيضاً عن محمّد بن نصر الترمذي. أنّه قال: كتبت الحديث تسعاً وعشرين سنة، وسمعت مسائل مالك وقوله، ولم يكن لي حُسن رأي في الشافعي، فبينا أنا قاعد في مسجد النبيّ (صلي الله عليه وآله) بالمدينة إذ غفوت غفوة، فرأيت النبيّ (صلي الله عليه وآله) في المنام، فقلت: يا رسول اللّه أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا، قلت: أكتب رأي مالك؟ قال: ما وافق حديثي، قلت له: أكتب رأي الشافعي؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان لقولي، وقال: ليس هذا بالرأي، هذا ردّ علي من خالف سنتي، فخرجت علي إثر هذه الرؤيا إلي مصر، فكتبت كتب الشافعي.

وقال أحمد بن نصر، كما في تاريخ الشام: رأيت النبي (صلي الله عليه وآله) في منامي، فقلت: يار سول اللّه بمن تأمرني أن نقتدي به من اُمّتك في عصرنا، ونركن إلي قوله ونعتقد مذهبه؟ فقال: عليكم بمحمّد بن إدريس الشافعي، فإنّه منّي، وإنّ اللّه قد رضي عنه وعن جميع أصحابه ومن يصحبه ويعتقد مذهبه إلي يوم القيامة، قلت له: وبمن؟ قال: بأحمد بن حنبل، فنعم الفقيه الورع الزاهد. راجع تاريخ الشام لابن عساكر [2: 48] والغدير للأميني [5: 283].

وعن أحمد بن الحسن الترمذي، كما في تاريخ بغداد [6: 69]: كنت في الروضة

فأغفيت فإذا النبيّ (صلي الله عليه وآله) قد أقبل، فقمت إليه فقلت: يا رسول اللّه قد كثر الاختلاف في الدين، فما تقول في رأي أبي حنيفة؟ فقال: اُفّ، ونفض يده، قلت: فما تقول في رأي مالك؟ فرفع يده وطأطأ، وقال: أصاب وأخطأ، قلت: فما تقول في رأي الشافعي؟ قال: بأبي ابن عمّي، أحيا سنّتي.

وعنه أيضاً، كما في نفس المصدر [4: 231]: رأيت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) في المنام، فقلت: يا رسول اللّه أما تري في الناس من الاختلاف؟ قال: فقال لي: في أيّ شيء؟ قلت: أبو حنيفة ومالك والشافعي، فقال: أمّا أبو حنيفة فما أدري من هو، وأمّا مالك فقد كتب العلم، وأمّا الشافعي فمنّي وإليّ.

المالكية

أمّا المالكية، فقد أتي بعضهم بمختلقات، ووضعوها علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، وطبقوها علي إمامهم، كرواية: يكاد الناس يضربون أكباد الإبل، فلا يجدون أعلم من عالم المدينة. أخرجه ابن الحوت في أسني المطالب [ص 14] وعدّه من الموضوعات، وقال سمعته من المالكيّة ولم أره.

أقول: فياليت فيهم من مسائل: اين كان عيال الرسول (صلي الله عليه وآله) في عهد أنس بن مالك، هل انقرضوا؟ أم لم يكن لهم نصيب من العلم، كما لا نصيب لهم ممّا ترك جدّهم الأعظم صلوات اللّه عليه وعليهم؟ أم لم يكونوا أحد الثقلين وأعدال القرآن العظيم؟

ثمّ إنّ منهم من قال بدعوي الإجماع المجرّدة من المسلمين علي أنّ المراد من ذلك الحديث المزوّر هو مالك بن أنس، ذاهلاً عن قول محمّد بن عبدالرحمن وكثيرين من الشيوخ المتقدّمين، أنّ هناك رجالاً أفضل من مالك بن أنس، كما رواه الأميني في غديره [5: 284] عن تاريخ بغداد [2: 298] فمنهم:

1 الإمام أحمد، قال: كان

ابن أبي ذئب أفضل من مالك بن أنس، تاريخ بغداد [2: 298].

2 يحيي بن سعيد، قال: إنّ سفيان فوق مالك من كلّ شيء في الحديث والفقه والزهد. تاريخ بغداد [9: 164].

3 عطيّة بن أسباط، قال: إنّ أبا حنيفة أفقه من ملأ الأرض مثل مالك. مناقب أبي حنيفة للشيخ علي القاري المطبوع مع الجواهر المضيئة [ص 461].

4 الشافعي وإبن بكير، قالا: إن ليث بن سعيد الفهمي شيخ الديار المصريّة أفقه من مالك. خلاصة التهذيب لصفي الدين الخزرجي [ص 275] وطبقات الحفّاظ للذهبي [1: 208].

5 أبو موسي الأنصاري، قال: سألت سفيان بن عيينة، فحدّثنا عن ابن جريج مرفوعاً: يوشك أن يضرب الرجل أكباد الإبل في طلب العلم، فلا يجد عالماً أعلم من عالم المدينة. قال أبو موسي: فقلت لسفيان: أكان ابن جريج يقول: نري أنّه أنس؟ فقال: إنّما العالم من يخشي اللّه، ولا نعلم أحدا كان أخشي للّه من العمري يعني عبداللّه بن عبدالعزيز العمري راجع تاريخ بغداد [6: 377].

6 يحيي بن صالح، قال: محمّد بن حسن يعني الشيباني أفقه من مالك. تاريخ بغداد [6: 377].

وأمّا ثناء النبيّ (صلي الله عليه وآله) علي الإمام مالك في الرؤيا المناميّة التي رآها بعض المالكيّة، فيوجد شطر منها في حلية الأولياء [6: 317].

الحنابلة

وأمّا الحنابلة، فإنّهم قد بالغوا في الدعاية إلي مذهبهم وإمامهم مبلغاً لا يصل إلي غيرهم من أهل المذاهب، كما ستري من التقوّلات والأطياف ما يتعجّب منها ذوو الانصاف والتمييز، وقد بلغت مغالاتهم إلي حدّ ما قاله المديني، فيما ذكره الأميني في غديره [5: 287] نقلاً عن تاريخ بغداد [4: 418]: إنّ اللّه أعزّ هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر الصدّيق يوم الردّة، وأحمد بن حنبل

يوم المحنة.

وقال أيضاً: ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ما قام به أحمد بن حنبل، قال الميموني: قلت له: يا أبا الحسن ولا أبو بكر الصدّيق؟ قال: ولا أبو بكر الصدّيق، إنّ أبا بكر الصدّيق كان له أعوان وأصحاب، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان وأصحاب.

ومنها: ما حكاه ابن الجوزي في مناقب أحمد [ص 297]: عن عبداللّه بن موسي، قال: خرجت أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور أحمد، فاشتدّت الظلمة، فقال أبي: يا بنيّ تعال نتوسّل إلي اللّه بهذا العبد الصالح حتّي يضيء لنا الطريق، فإنّي منذ ثلاثين سنة ما توسّلت به الاّ قُضيت حاجتي، فدعا أبي وأمّنت علي دعائه، فأضاءت السماء كأنّها ليلة مقمرة حتّي وصلنا إليه.

وأما ما جاءوا به من الرؤيا المناميّة مما تبهت منها العقول فكثيرة. وإليك شطراً، منها: ما حكاه ابن الجوزي في مناقب أحمد [ص 454] قال: حدّثني أبو بكر ابن مكارم بن أبي يعلي الحربي وكان شيخاً صالحاً قال: قد جاء في بعض السنين مطر كثير جدّاً قبل دخول شهر رمضان بأيّام.

فنمت في ليلة رمضان، فاُريت في منامي كأنّي قد جئت علي عادتي إلي قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره، فرأيت قبره قد التصق بالأرض مقدار ساف أو سافين والساف والسافة: الصفّ من الطين أو اللّبن - فقلت: إنّما تّم هذا علي قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث، فسمعته من القبر وهو يقول: لا، هذا من هيبة الحقّ عزّ وجلّ؛ لأنّه عزّ وجلّ قد زارني، فسألته عن سرّ زيارته إيّاي في كلّ عام، فقال عزّ وجلّ: يا أحمد لأنّك نصرت كلامي وهو ينشر ويتلي في المحاريب.

فأقبلت علي لحده اُقبّله، ثمّ قلت: يا

سيدي ما السرّ في أنّه لا يقبّل قبر إلاّ قبرك؟ فقال لي: يا بنيّ ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)؛ لأن معي شعرات من شعره (صلي الله عليه وآله) ألا ومن يحبّني يزورني في شهر رمضان. قال ذلك مرّتين.

وأخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه [2: 460] كما ذكره الأميني في غديره [5: 199] عن أبي بكر بن أنزويه، قال: رأيت في المنام رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ومعه أحمد ابن حنبل، فقلت: يا رسول اللّه من هذا؟ فقال: هذا أحمد بن حنبل وليّ اللّه ووليّ رسول الله علي الحقيقة، وأنفق علي الحديث ألف دينار، ثمّ قال: من يزوره غفر اللّه له، ومن يُبغض أحمد فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه.

وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه [4: 423] وابن الجوزي في مناقب أحمد [ص 481] عن عبدالعزيز قال: سمعت أبا الفرج الهندبائي يقول: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل، فتركت مدّة، فرأيت في منامي قائلاً يقول لي: تركت قبر إمام السنّة؟.

وقال ابن الجوزي، كما في البداية والنهاية لابن كثير [12: 423] رأي رجل في صفر سنة (542) في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غُفر له، قال: فلم يبق خاصّ ولا عامّ الاّ زاره، وعقدتُ يومئذ ثمّ مجلساً، فاجتمع فيه اُلوف من الناس.

وأخرج ابن الجوزي في مناقب أحمد [ص 481] عن أحمد بن الحسين، عن أبيه، قال: قال الشيخ أبو طاهر ميمون: يا بنيّ رأيت رجلاً بجامع الرصافة في شهر ربيع الأوّل سنة (460) فسألته، فقال: قد جئت من ستمائة فرسخ، فقلت: في أيّ حاجة؟ قال: رأيت وأنا ببلدي في ليلة جمعة، كأنّي في صحراء

أو في فضاء عظيم والخلق قيام، وأبواب السماء قد فُتحت، وملائكة تنزل من السماء، تُلبِس أقواماً ثياباً خضراً، وتطير بهم في الهواء، فقلت: من هؤلاء الذين قد اختصّوا بهذا؟ فقالوا لي: هؤلاء الذين يزورون أحمد بن حنبل، فانتبهت ولم ألبث أن أصلحت أمري وجئت إلي هذا البلد وزرته دفعات، وأنا عائد إلي بلدي إن شاء اللّه.

وأخرج أيضاً ابن الجوزي في مناقب أحمد (ص 482) عن أبي يوسف بن بختان وكان من خيار الصالحين قال: لمّا مات أحمد بن حنبل رأي رجل في منامه كأنّ علي كلّ قبر قنديلاً، فقال: ما هذا؟ فقيل له: أما علمت أنّه نور لأهل القبور، ينوّرهم بنزول هذا الرجل بين أظهرهم، فقد كان فيهم مَن يعذّب فرُحم.

وباسناده عن عبيد بن شريك، قال: مات رجل مخنّث فرئي في النوم، فقال: قد غفر لي، دفن عندنا أحمد بن حنبل، فغفر لأهل القبور.

وباسناده في [ص 483] عن أبي علي الحسن بن أحمد الفقيه، قال: لمّا ماتت اُمّ القطيعي دفنها في جوار أحمد بن حنبل، فرآها بعد ليال، فقالت: يا بنيّ رضي اللّه عنك، فلقد دفنتني في جوار رجل ينزل علي قبره في كلّ ليلة أو قالت: في كلّ ليلة جمعة رحمةً تعمّ بجميع أهل المقبرة وأنا منهم.

وقال: قال أبو علي وحكي أبو ظاهر الجمّال شيخ صالح قال: قرأت ليلةً وأنا في مقبرة أحمد بن حنبل قوله تعالي: (فَمِنْهُمْ شَقِيّ وَسَعيد) ثمّ حملتني عيني، فسمعت قائلاً يقول: ما فينا شقيّ والحمد للّه ببركة أحمد.

وقال: بلغني عن بعض السلف القدماء، قال: كانت عندنا عجوز من المتعبّدات قد خلت بالعبادة خمسين سنة، فأصبحت ذات يوم مذعورةً، فقالت: جاءني بعض الجنّ في منامي، فقال: إنّي قرينكِ من الجنّ،

وإنّ الجنّ استرقت السمع بتعزية الملائكة بعضها بعضاً بموت رجل صالح يقال له أحمد بن حنبل، وتربته في موضع كذا، وإنّ اللّه يغفر لمن جاوره، فإن استطعتِ أن تجاوريه في وقت وفاتك فافعلي، فانّي لكِ ناصح، وانّكِ ميتة بعده بليلة، فماتت كذلك، فعلمنا أنّه منام حقٍّ.

المنازعات والاختلافات الفريقية

وما زال كلّ واحد من أرباب المذاهب يتغالون في إمامهم، ويتعصّبون كلّ منهم لمذهبهم، فيتنافسون في اختلاف المناقب والفضائل غلوّاً في إمامهم، حتّي أدّت بهم المنافسة إلي المطاعنة فيما بينهم البين، ثمّ انتهت بهم إلي العداء والمقاتلة التي تطرّقت إلي المعارك الهائلة، التي ذهبت فيها نفوس كثيرة، وهلكت أموال وفيرة للمسلمين، كما أخبرنا بذلك الاُستاذ الكبير البحّاث أسد حيدر في كتابه الإمام جعفر الصادق والمذاهب الأربعة [1: 191].

منها: ما وقع في مرو من النزاع من أهل المذاهب، حتّي كانت الحنفيّة تلعن الحنابلة والشافعيّة علي المنابر، وكانت الحنابلة يحرقون مسجداً للشافعيّة.

ووقعت في نيسابور سنة (554) ه فتنة هائلة للخلاف بين الشافعيّة والحنفيّة، حتّي ذهب تحت هياجها خلق كثير، فحُرقت الأسواق والمدارس، وكثر القتل في الشافعيّة، فانتصروا بعد ذلك علي الحنفيّة، وكانوا يسرفون في أخذ الثأر منهم.

ووقعت في اصفهان سنة (716) ه منازعة بين الشافعيّة والحنابلة، نشأت من التعصّب المذهبي، حتّي كثر القتلي، وحُرقت المساكن والأسواق. وذكر ذلك أيضاً ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية [14: 76] وفي مرآة الجنان [3: 343].

وكانت الحنابلة في دمشق سنة (323) ه يستظهرون بالعميان علي الشافعيّة الذين كانوا يأوون للمساجد، فإذا مرّ بهم شافعيّ المذهب اغروا به العميان، فيضربونه بعصيّهم، وكان رئيس الحنابلة وزعيمهم الديني الشيخ البربهاري يتولي اثارة الفتنة. راجع «تاريخ ابن الاثير» [8: 239].

وقد اجتعمت بقية المذاهب علي الحنابلة غضباً من أعمال ابن

تيمية، ونودي في دمشق وغيرها: من كان علي دين ابن تيمية حلّ ماله ودمه يعني أنّهم كفرة .

وقال الشيخ أبو الحاتم الحنبلي، كما في تذكرة الحفّاظ [3: 275]: من لم يكن حنبليّاً فليس بمسلم.

وفي شذرات الذهب [3: 253]: كان الشيخ عبدالغني المقدسي الحنبلي المتوفي سنة (600) ه قد لقي من التحامل عليه والتكفير له وللحنابلة بدمشق، ووقع الشيء الكثير حتّي هجر دمشق.

وقد بلغ من فرط تعصّبهم أنهم ذهبوا إلي أشياء بعيدة من الدين، كما ذهب إليها الكيدانيّ وغيره من الحنفيّة من منع اقتداء بعض المذاهب بالبعض الآخر، وكسّر بعضهم سبابة مصلّ في التشهّد؛ لأن ذلك محرّم عندهم. راجع: الوحدة الاسلاميّة [ص 145 146] والإمام الصادق [1: 170].

وكان سلطان محمود سنة (408) هجرية قد قتل جماعة ونفي آخرين من المعتزلة والشيعة وأمر بلعنهم علي المنابر.

وكا في سنة (403) قد صدر مرسوم من البلاط العبّاسي يتضمّن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر، وانّهم ليسوا من أبناء علي (رضي الله عنه). راجع: الامام الصادق [1: 313] وشذرات الذهب [2: 186].

وكانت الحنابلة كما في طبقات الشافعيّة [3: 109] قد تعصّبوا علي شيخ الشافعيّة، وكان عالمهم المبرّز، فتكلّموا فيه وبالغوا بالأذي بألسنتهم، فثارت فتنة عظيمة أدّت إلي ذهاب النفوس من الطرفين، وانتصر السلطان لأبي إسحاق إبراهيم بن يوسف الفيروزآبادي، فسجن شيخ الشافعيّة. وتعصّبوا أيضاً علي الفقيه الشافعي أبي منصور المتوفي سنة (567) ه حتّي قتلوه بالسمّ، وكان من زعماء الشافعيّة المبرّزين.

قال ابن الجوزي: ان الحنابلة دسّوا إليه امرأةً جاءت اليه بصحن حلوي، وقالت: هذا يا سيّدي من غزلي، فأكل هو وامرأته وولد له صغير فأصبحوا موتي.

وقتل كذلك أبو الحسن بن فورك بالسم بسبب التعصّب المذهبي.

وحبس أبو علي خادم المستنصر أحد

أئمّة الشافعيّة في مصر، وكان يجلس في حلقة ابن عبدالحكيم ويناظرهم، فسعوا به إلي السلطان وقالوا: هذا جاسوس فحبسه سبع سنين.

واجتمع أئمّة المذاهب في هراة عند ملك ألب أرسلان يستغيثون به من الشيخ محمد بن عبداللّه الأنصاري الحنبلي، بعد أن جعلوا صنماً تحت سجّادته، وقالوا للملك: إنّه مجسِّم، وانّه يترك في محرابه صنما يزعم أنّ اللّه علي صورته، ففحص الملك فوجد الأمر كذلك. راجع: تذكرة الحفّاظ [3: 358].

ولعلّ من أعظم تلك الفتن التي وقعت بين المذاهب هي فتنة ابن القشيري عندما ورد بغداد سنة (469) هجريّة، وكان يذمّ الحنابلة وينسبهم إلي التجسيم، وكتب إلي الوزير يشكو الحنابلة ويسأله المعونة، وهجم علي زعيم الحنابلة عبدالخالق بن عيسي، ووقع قتال بين الطرفين عظيم. راجع: طبقات الحنابلة [1: 22] لابن رجب.

فياليت شعري أليست تلكم الثورات الدمويّة التي ذهب تحت هيجانها كثير من النفوس والأموال إلاّ نتائج الخلاف المذهبي، حتّي أصبح المسلمون أعداء متخاصمين متحاسدين متقاتلين متباغضين؟ وأين يا تري مصداق قول من قال: الاختلاف بين الاُمّة رحمة؟ أذلك كلّه هو المعنيّ عندهم بالرحمة المستفادة من الخلاف والاختلاف حتّي همّ أنصار كلّ فرقة من الفرق أن تبتغي سُلّماً لإيصال الاساءات والأذيّات إلي الفرقة الاُخري بأي وسيلة وبكل ما لديهم من الطاقة؟

قال قاضي دمشق محمّد بن موسي الحنفي، المتوفّي سنة (506) هجرية: لو كان لي من الأمر شيء لأخذت علي الشافعيّة الجزية.

وقال أبو حامد الطوسي، المتوفّي سنة (567) هجرية: لو كان لي أمر لوضعت علي الحنابلة الجزية. راجع: الامام الصادق [1: 190].

وهذا الآمدي المتوفّي سنة (631) هجرية، وكان في أوّل أمره حنبليّاً، ولما سافر إلي بغداد انتقل إلي مذهب الشافعي، وعاد إلي مصر، فحسده جماعة من فقهاء البلاد، وتعصّبوا عليه،

ونسبوه إلي فساد العقيدة حتّي وضعوا خطوطهم، بما يستباح بها دمه.

وكان القاضي المالكي الحارث بن مسكين أمر بإخراج الشافعيّة والحنفيّة من المسجد وينزع إلي حصرهم، وكان حينئذ يتولّي القضاء في مصر.

وكان الحسن بن أبي بكر النيسابوري لمّا قدم بغداد سنة (538) تحامل علي الأشعري وعلي الشافعيّة حتيّ اُخرج أبو الفتح الاسفرائيني من بغداد لما حصل فيها من الفتن بين الأشعرية والشافعيّة. راجع: وفيات الاعيان [1: 301] لابن خلكان، والإمام الصادق [1: 193] لأسد حيدر.

وكان الشيخ علي بن حسن الملقّب بسيف الدين حنبليّاً ثمّ صار شافعيّاً، فتعصّب عليه فقهاء البلاد وحكموا عليه بالكفر والزندقة. مرآة الجنان [4: 24] والامام الصادق [1: 193].

وكان أبو سعيد المتوفّي سنة (562) هجريّة حنفيّ المذهب، وتحوّل شافعيّاً، ولقي عناءً وامتحن لذلك. وكان السمعاني ممّن انتقل من المذهب الحنفي إلي المذهب الشافي، ولقي عناءً وتعصّبا، وقامت الحروب علي ساق، واضطرمت نيران الفتنة بين الطرفين، فكانت تملأ ما بين خراسان والعراق. واضطرب أهل مرو اضطراباً فظيعاً، وكان عبدالعزيز الخزاعي من أكابر المالكيّة فلمّا قدم الإمام الشافعي بغداد تبعه وقرأ عليه كتبه ونشر علمه.

وكان الشيخ محمّد بن عبداللّه، المتوفّي سنة (268) مالكيّاً، فلمّا قدم الشافعي إلي مصر، انتقل إلي مذهبه.

وكان أبو جعفر بن نصر الترمذي سنة (295) ه حنفيّاً، فلمّا حجّ انتقل إلي مذهب الشافعي.

وكان أبو جعفر الطحاوي شافعيّاً وتفقّه علي خاله المزني، ثمّ تحوّل حنفيّاً بعد ذلك. وكذا الخطيب البغدادي كان في سنة (493) ه حنبليّاً، ثم صار شافعيّاً. وكذا ابن فارس صاحب كتاب المجمل في اللغة كان شافعيّاً تبعاً لوالده، ثمّ انتقل إلي مذهب مالك. وكذلك الشيخ محمّد بن الدهان النحوي، كان في سنة (590) ه حنبليّاً، ثمّ انتقل إلي مذهب الشافعي،

ثمّ تحوّل حنفيّاً حين طلب الخليفة أن يعلّم ولده النحو، ثمّ تحوّل شافعيّاً. وكذا الشيخ تقي الدين بن دقيق كان مالكي المذهب، ثمّ تحوّل إلي مذهب الشافعي. راجع: الدين الخالص [3: 355].

وكلّ هؤلاء امتحنوا وعذّبوا من قبل أنصار المذاهب الذين يتحوّلون منها، وأمثالهم كثير حتّي أصبح التكتّم لازماً. وإلي ذلك أشار الشاعر أبو بكر محمّد بن عبدالباقي المتوفي سنة (535) وكان حنبليّاً:

إحفظ لسانك لا تبح بثلاثة

سنٍّ ومال ما استطعت ومذهبِ

فعلي الثلاثة تبتلي بثلاثة

بمكفّر وبحاسد ومكذّبِ

ومن هذا القبيل قال الزمخشري:

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به

وأكتمه كتمانه لي أسلم

فإن حنفيّاً قلت قالوا بأنّني

أبيح الطِلا وهو الشراب المحرّم

وان شافعيّاً قلت قالوا بأنّني

أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن مالكيّاً قلت قالوا بأنّني

أبيح لهم لحم الكلاب وهم هم

وقال أيضا كما في تفسيره الكشاف [2: 498 ط. بولاق]:

كثر الشك والخلاف فكلّ

يدّعي الفوز بالصراط. السويّ

فاعتصامي بلا إله سواه

ثمّ حبّي لأحمد وعليّ

فاز كلب بحب أصحاب كهف

كيف أشقي بحبّ آل نبيّ

التناكر والاختلاف بين الفرق الاسلامية

ومن نتائج الخلاف والاختلاف إنكار بعضهم علي بعض، ومن ذلك إنكار السنيّين يوم الغدير ويوم عاشورا ما قامت به الشيعة، وكان يصحب هذا الإنكار اعتداء أدّي إلي إراقة الدم بين الفريقين وقَتْلِ خلق كثير. ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية [11: 235].

وممّا يضحك الثاكل الحزين، ويبكي ذوي الإنصاف من المؤمنين، ما رواه ابن كثير في نفس المصدر [ص 102] أنّ السنيّين قاموا بما قامت به الشيعة، من النياحة علي ابن الزبير مقابلةً للحسين (عليه السلام)، وأقاموا الزينة يوم الغار مقابل يوم الغدير. وذكر ذلك أيضا ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب [3: 130] وأسد حيدر في كتابه الامام الصادق (عليه السلام) [1: 203].

ثمّ إنّ الشيعة لمّا استمرّت بإقامة عيد الغدير وإقامة يوم

عاشورا، ضاق أعداؤهم ذرعاً، فعمدوا إلي مقابلة الشيعة بأن اركبوا امرأة وسمّوها عائشة، وتَسمّي بعضهم بطلحة، وقالوا: نقاتل أصحاب علي، وذلك في سنة (363) ه، فقتل بسبب ذلك خلق كثير. راجع البداية والنهاية [11: 235].

ثمّ انّ الحنابلة أقامت النياحة علي إمامهم أحمد بن حنبل، ولازموا قبره مدةً من الزمن إظهاراً للتفجيع، واُقيمت مجالس العزاء عليه.

قال محمّد بن عيسي النيسابوري: ينبغي لكلّ أهل دار في بغداد أن يقيموا علي أحمد بن حنبل النياحة في كلّ دورهم. كذا في طبقات الحنابلة [2: 51].

وكذلك لمّا مات ابن تيميّة سنة (728) ه ناح عليه خمسون ألف امرأة، ومائتا ألف رجل يرفعون أصواتهم بالتكبير ممزوجاً بالبكاء والعويل، ولما غسل شربوا ماء غسله تبرّكاً به، ونادي مناد أمام جنازته: هكذا جنائز أهل السنّة، واُقيمت عليه المآتم ينوح عليه خلق كثير، منهم شمس الدين الذهبي. كذا في العقود الدريّة في مناقب ابن تيميّة [ص 299].

وفعلوا كذلك بكثير غيرهم، كشيخ الحرمين حتّي تطوّف تلامذته في الشوارع ينوحون عليه إلي سنة كاملة، كما في طبقات الشافعيّة [3: 259] والامام الصادق (عليه السلام) [1: 204].

وكذلك ما وقع لأبي عمر الحنبلي، المتوفّي سنة (607) ه حتّي أنّهم تسابقوا إلي تمزيق كفنه يتبرّكون به، ولولا الدولة لما وصل من كفنه إلي قبره شيء. كذا في شذرات الذهب [3: 30].

والعجيب أنّهم ينكرون علي الشيعة ما أقاموها يوم كربلاء ويوم الغدير، وينسبون ذلك إلي بدعة وهم بأنفسهم يعملونه، ويرون ذلك من الاُمور المستحسنة، كما قاله محمّد بن عيسي الذي أسلفنا ذكره.

ومُلخّص القول وصل ما جري بين أرباب المذاهب وأنصارها إلي حدّ أن يدّعي القوم لإمامهم اُموراً، حتّي أنّ المالكيّة قالوا: إنّه مكتوب علي فخذ إمامهم بقلم القدرة: مالك حجة

اللّه في أرضه، كذا ذكره الشرنوبي في كتابه شرح تائيّة ابن الفارض كما في كتاب الامام الصادق والمذاهب الأربعة [1: 196] وقال شاعر المالكي:

إذا ذكروا كتب العلوم فحيّ هل

بكتب الموطّأ من تصانيف مالك

فشُدَّ به كفّ الصيانة تهتدي

فمن حاد عنه هالك في الهوالك

وجاءت الحنابلة وقالوا ما قالوا غلُوّاً في إمامهم الي حدّ أن زعموا أنّه ما قام بأمر الإسلام أحد بعد رسول اللّه كما قام به أحمد بن حنبل، ولا أبو بكر الصدّيق مثله، وإنّ اللّه جلّ وعلا كان يزور قبره، كما أسلفنا ذكره عن مناقب أحمد لابن الجوزي.

وفي طبقات الحنابلة [1: 13]: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر، فقيل له: أتطلق عليه اسم الكفر؟ قال: نعم، من أبغض أحمد عاند السنّة. ومن عاند السنّة، قصد الصحابة، ومن قصد الصحابة أبغض النبيّ (صلي الله عليه وآله)، ومن أبغض النبيّ كفر باللّه العظيم.

وفي تذكرة الحفّاظ [3: 375]: قال أبو حاتم بن جاموس بالريّ، وكان مقدّم أهل السنة: كلّ من لم يكن حنبليّاً فليس بمسلم.

وقال شاعر الحنبلي:

سبرت شرائع العلماء طرّاً

فلم أر كاعتقاد الحنبليّ

فكن من أهله سرّاً وجهراً

تكن أبداً علي النهج السويّ

وقال شاعر الحنفي:

غدا مذهب النعمان خير المذاهب

كذا القمر الوضّاح خير الكواكب

مذاهب أهل الفقه عندي تقلّصت

وأين عن الروسي نسج العناكب

وقال شاعر الشافعي:

مثل الشافعي في العلماء

مثل البدر في نجوم السماء

قل لمن قاسه بالنعمان جهلاً

أيُقاس الضياء بالظلماء

وان تعجب فعجب ما يقوله كثير من الناس انّ الاختلاف رحمة وسعة افتتحت به سبل الافتكار، واتّسع به مجال للاجتهاد والابتكار، اخذاً بقول القاسم بن محمّد بن أبي بكر فيما روي عنه مسنداً أنّه قال فيما ذكره ابن عبدالبرّ في كتابه جامع بيان العلم [2: 96]: لقد نفع اللّه باختلاف أصحاب محمّد.

وفي رواية: لقد

أوسع علي الناس باختلاف أصحاب محمّد (صلي الله عليه وآله).

وإلي ذلك ذهب عمر بن عبدالعزيز، حيث قال كما في نفس المصدر: ما اُحبّ أنّ أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) لم يختلفوا؛ لأنّه لو كان قولاً واحداً كان الناس في ضيق.

قال ابن عبدالبرّ: فهذا مذهب القاسم بن محمّد بن أبي بكر ومن تابعه، وهذا المذهب ضعيف عند أهل العلم، وقد رفضه أكثر الفقهاء، وأهل النظر. انتهي.

وكانت حجّة اُولئك القوم في ذلك حديث: أصحابي كالنجوم فبأيّهم اقتديتم اهتديتم، وهذا الحديث كما هو معلوم باطل عند الباحثين والمحقّقين من العلماء وأهل النظر، لا يقتضي علماً ولا عملاً، ومطعون في سنده ودلالته.

أمّا من حيث سنده، فلأنّ في طريقه حمزة النصيبي، والحارث بن غصين، والأوّل متّهم، والثاني مجهول.

قال الحافظ الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال [1: 284]: قال ابن معين: حمزة النصيبي لا يساوي فلساً. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: مرويّاته موضوعة. وقال ابن حجر العسقلاني: الحارث بن غصين قال ابن عبدالبرّ: مجهول. راجع: لسان الميزان [2: 156] للعسقلاني.

وقال ابن عبدالبرّ في كتابه جامع العلم [2: 111] عند إيراده الحديث المذكور: هذا إسناد لا تقوم به الحجّة؛ لأنّ فيه الحارث بن غصين مجهول.

وأمّا بطلان دلالته، فلأنّ المخاطبين حينئذ بلفظ «اقتديتم» هم أصحابه، والمشبهون بالنجوم هم جميع أصحابه؛ لأنّ الجمع المنكر المضاف في قوله (صلي الله عليه وآله): «أصحابي» يفيد العموم عند علماء الاُصول.

أفيحتمل إذن أن يكون المراد والمدلول أن يقتدي كلّ فرد منهم بغيره، مع أنّ كلّ واحد منهم نجم يقتدي به؟ وما عسي أن يقال إذن في قتلة عثمان والمتقاعدين عن نصرته؟

ثمّ إنّ ممّا يؤيّد قول من قال ببطلان صحّة الحديث المذكور كونه

معارضاً بما هو صحيح السند وصريح الدلالة لخلافه، هو حديث الحوض، ما أخرجه البخاري في صحيحه [4: 94] في باب الصراط جسر جهنّم، أنّه (صلي الله عليه وآله) قال: يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي فيجلون عنه. فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقال: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا علي أدبارهم القهقري.

وأخرج أيضاً في الصفحة المذكورة، أنّه (صلي الله عليه وآله) قال: ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثمّ يحال بيني وبينهم، فأقول: إنّهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي.

وأخرج أيضا في [3: 85] في باب «وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم» انّه (صلي الله عليه وآله) قال: يجاء برجال يوم القيامة، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقال: إنّك لاتدري ما أحدثوا بعدك، إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين علي أعقابهم منذ فارقتهم.

وأخرج أيضاً في [4: 174]: انّه (صلي الله عليه وآله) قال: لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتّي لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموهم، قلنا: يا رسول اللّه! اليهود والنصاري؟ قال: فمن.

فلنعد إلي ما نحن بصدده، وذلك في قول بعضهم: إنّ الاختلاف رحمة وسعة.

وأمّا مالك والشافعي ومن سلك سبيلهما، كالليث بن سعد، والأوزاعي، وأبي ثور، وجماعة من أهل النظر، فإنّهم قالوا: إنّ الاختلاف إذا تدافع فهو خطأ وصواب.

قال ابن عبدالبر: كان مالكاً والليث يقولان في اختلاف أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ليس كما قال ناس فيه توسعة، ليس كذلك إنّما هو خطأ وصواب.

وفي رواية: قال مالك: في اختلاف أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) مخطئ ومصيب، فعليك بالاجتهاد.

وفي رواية: قد ذكره إسماعيل بن اسحاق في كتابه المبسوط

عن أبي ثابت، قال: سمعت ابن القاسم يقول: سمعت مالكاً والليث بن سعد يقولان في اختلاف أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) أنّ اُناساً يقولون فيه توسعة، فقالا: ليس كذلك إنّما هو خطأ وصواب.

وفي رواية لمّا سئل مالك عن ذلك، فقال: لا واللّه حتي يصيب الحقّ وما الحقّ إلاّ واحد، قولان مختلفان يكونان صوابين جميعاً؟ وماالحقّ والصواب إلاّ واحد.

وأمّا المزني، فقد احتجّ في ذلك علي اُولئك بقوله عزّ وجلّ: (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْد غَيْرِ اللّهِ لَوَجدَوا فيه اختلافاً كثيراً) [النساء: 82] قال: فذمّ الاختلاف، وقال تعالي: (وَلا تَكُونُوا كَالّذينَ تَفَرّقُوا وَاخْتَلَفُوا) [آل عمران: 105] وقال تعالي: (فَاِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيء فَرُدّوهُ إلي اللّهِ وَرَسُولِه) الآية [النساء: 59] فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمّه. ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع إلي الكتاب والسنّة.

قال أبو العالية في قوله تعالي: (شَرَعَ لَكُمْ مِن الدّينِ ما وَصّي بِهِ نُوحاً وَالذي أوْحَيْنا إلَيْكَ وَما وَصّينا بِهِ إبْراهيمَ وَمُوسي وَعيسي أنْ أقيمُوا الدّينَ وَلا تَتَفرّقُوا فيه) [الشوري: 13] قال: إقامة الدين: إخلاصه (وَلا تَتَفَرّقوا فِيه) قال: لا تتعادوا عليه وكونوا إخوانا، ثمّ ذكر بني إسرائيل وحذّرهم أن يأخذوا بسنتهم، قال جلّ ذكره: (وَما تَفَرّقُوا إلاّ مِنْ بَعْدِ ما جَاءَهُم الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُم).

قال مجاهد: (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِين) أهل الباطل (إلاّ مَنْ رَحِمَ ربّي) قال: أهل الحقّ. وقد ذكر ابن عبدالبرّ اختلاف جمع من الصحابة في كتابه جامع بيان

العلم [2: 104] في باب الدليل في أقاويل السلف علي أنّ الاختلاف خطأ وصواب.

ومنه قطع عمر بن الخطّاب اختلاف الصحابة في الكبير علي الجنائز وردّهم إلي أربع تكبيرات. وقال في آخر الباب المذكور: وفي رجوع أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه

وآله)بعضهم إلي بعض وردّ بعضهم علي بعض، دليل واضح علي أنّ الاختلاف عندهم خطأ وصواب.

ولقد أحسن القائل:

إثبات ضدّين معاً في الحال

أقبح ما اُتي من المحال

التخطي في الاجتهاد منشأ الاختلاف

وأمّا ما ارتأي لبعضهم بأنّ الاجتهاد منشأه الاختلاف، فلولاه لما اتّسعت دائرة العلوم والمعارف، واستدلوا في ذلك بالحديث المروي عن عمرو بن العاص، وعن أبي هريرة، بطريق عبدالرزّاق عن معمّر، الذي قال البخاري فيه: أخشي أن يكون وهم فيه اي في إسناده .

ولفظ الحديث: اذا حكم الحاكم واجتهد وأصاب فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر.

فقد اختلف الفقهاء في تأويل هذا الحديث، كما ذكره ابن عبدالبرّ في كتابه جامع بيان العلم [2: 86] فقال قوم منهم: لا يؤجر من أخطأ؛ لأنّ الخطأ لا يؤجر أحد عليه، وحسبه أن يرفع عنه المأثم، وردّوا ذلك الحديث بقوله (صلي الله عليه وآله): تجاوز اللّه لاُمّتي عن خطئها ونسيانها.

وبحديث القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنّة. فأمّا اللذين في النار: فرجل جار متعمّداً فهو في النار، ورجل إجتهد فأخطأ فهو في النار. وأمّا الذي في الجنّة، فرجل إجتهد فأصاب الحقّ فهو في الجنّة. قال قتادة: فقلت لأبي العالية: ما ذنب هذا الذي اجتهد فأخطأ؟ قال: ذنبه أن لا يكون قاضياً إذا لم يعلم. وأمّا الشافعي، فإنّه قال: لا يؤجر علي الخطأ؛ لأنّ الخطأ في الدين لا يؤجر به أحد، وإنّما يؤجر لإرادته الحقّ الذي أخطأه.

قال المزني: أثبت الشافعي في قوله هذا، أنّ المجتهد المخطئ أحدث في الدين ما لم يؤجر به ولم يُكلّفه، وانّما اُوجر في نيّته لا في خطئه.

وأمّا مالك فإنّه قال: من سعادة المرء أن يوفّق في الصواب والخير. ومن شقوة المرء أنّه لا يزال يخطئ. فهذا دليل علي أن المخطئ

عنده وان اجتهد فليس بمرضيّ الحال.

وأمّا أبو حنيفة، فقد اختلف قوله في هذ الباب، فمرّة يقول: أمّا أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) فآخذ بقول من شئت منهم، ولا أخرج عن قول جميعهم، وإنّما يلزمني النظر في أقاويل من بعدهم من التابعين ومن دونهم.

قال ابن عبدالبرّ: جعل للصحابة في ذلك ما لم يجعل لغيرهم، وأظنّه مال إلي ظاهر حديث «أصحابي كالنجوم» واللّه أعلم. وإلي نحو هذا كان أحمد بن حنبل يذهب.

وذكر العقيلي قال: حدّثنا هارون بن علي المقري، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالرحمن الصيرفي، قال: قلت لأحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)في مسألة هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم لنعلم مع من الصواب منهم فنتبعه؟ فقال لي: لا يجوز النظر بين أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، فقلت: كيف الوجه في ذلك؟ قال: تقلّد أيّهم أحببت.

قال أبو عمر: لم ير النظر فيما اختلفوا فيه خوفاً من التطرّق إلي النظر فيما شجر بينهم وحارب فيه بعضهم بعضاً. وقد روي السمتي عن أبي حنيفة أنّه قال في قولين للصحابة، أحد القولين خطأ، والمأثم فيه موضوع.

وقال أيضا كما في [ص 103] من كتابه المذكور: وقد اختلف أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، فخطّأ بعضهم بعضاً، ونظر بعضهم في أقاويل بعض وتعقّبها، ولو كان قولهم كلّه صواباً عندهم لما فعلوا ذلك.

وقد جاء عن ابن مسعود في غير مسألة أنّه قال: أقول فيها برأيي، فإن يك صواباً فمن اللّه، وإن يك خطأ فمنّي وأستغفر اللّه.

وغضب عمر بن الخطّاب من اختلاف اُبي بن كعب وابن مسعود في الصلاة في الثوب الواحد، إذ قال اُبي: الصلاة في الثوب الواحد حسن جميل، وقال

إبن مسعود: إنما كان ذلك والثياب قليلة، فخرج عمر مغضباً، فقال: اختلف رجلان من أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ممّن يُنظر إليه ويُؤخذ عنه، وقد صدق اُبيّ ولم يأل ابن مسعود، ولكنّي لا أسمع أحداً يختلف فيه بعد مقامي هذا إلاّ فعلت به كذا وكذا.

اختلاف أئمة المذاهب في مسائل عديدة

وقد اختلف أئمّة المذاهب في مسائل عديدة يعرفها من يتصفّح كتبهم ومصنّفاتهم.

منها: في الجمع بين الصلاتين، فأبو حنيفة ذهب إلي عدم جواز الجمع بين الصلاتين بعذر السفر بحال، سوي الظهر والعصر بعرفة، والمغرب والعشاء بمزدلفة.

وأمّا الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل، فقد ذهبوا بجواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت واحد بعذر السفر تقديماً أو تأخيراً، كما ذكره في غنية المتملّي [ص 244] علي ما في كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة [6: 356] بل وقد أجاز الشافعي الجمع بين الصلاتين تقديماً في وقت الاُولي منها بعذر المطر، وكذلك مالك وأحمد، غير أنهما أجازا الجمع بين العشاءين فقط، سواء قوي المطر أو ضعف إذا كان يبل الثوب، لا بين الظهر والعصر سواء قوي المطر أو ضعف.

قال أبو اسحاق الشيرازي: ويجوز الجمع بين الصلاتين في المطر، لما روي ابن عبّاس رضي اللّه عنه، قال: صلّي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعاً من غير خوف ولا سفر. قال مالك: أري ذلك في وقت المطر. الي آخر كلامه.

ورأي مالك هذا مدفوع عند بعضهم، الذين يرون جواز الجمع مطلقا، والحديث كما نري دليل لهم في ذلك، لانتفاء علّة الخوف من أيّ كان، سواء من البلل، أو من أعباء السفر، أو غير ذلك.

ولقد قال ابن المنذر كما في الامام الصادق والمذاهب الأربعة [6: 357]: لا معني لحمل الأثر

علي عذر من الأعذار، لأنّ ابن عبّاس أخبر بالعلّة، وهو قوله: أراد أن لا يحرج اُمّته، كما في الرواية الاُخري التي سيلي ذكرها.

وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم [5: 218 219] بعد ذكر أخبار الجمع: أمّا حديث ابن عبّاس، فلم يجمعوا علي ترك العمل به، بل لهم أقوال:

منهم من تأوّله علي أنّه (صلي الله عليه وآله) جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن كبار المتقدّمين، وهو ضعيف بالرواية الاُخري: «من غير خوف ولا مطر».

ومنهم من تأوّله علي أنّه كان في غيم، فصلّي الظهر، ثمّ انكشف الغيم وبان وقت العصر فصلاّها. وهذا أيضاً باطل؛ لأنّه وإن كان فيه أدني احتمال في الظهر والعصر، فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء.

ومنهم من تأوّله علي تأخير الاُولي إلي آخر وقتها، فلمّا فرغ منها دخلت الثانية فصلاّها، فصارت صلاته صورة جمع. وهذا أيضا ضعيف أو باطل؛ لأنّه مخالف للظاهر مخالفةً لا تُحتمل، وفعل ابن عبّاس الذي ذكرناه حين خطب، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله، وتصديق أبي هريرة له وعدم انكاره، صريح في ردّ هذا التأويل.

ومنهم من قال: هو محمول علي الجمع بعذر المرض، أو نحوه ممّا هو في معناه من الأعذار. وهذا قول أحمد بن حنبل، والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي، والرؤياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عبّاس، وموافقة أبي هريرة، ولأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر.

وذهب جماعة من الأئمّة، كما في شرح النووي لصحيح مسلم [5: 218 219] إلي جواز الجمع في الحضر للحاجة، لا لمن يتخذه عادة. وهو قول ابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال، عن أبي إسحاق المروزي، عن جماعة من أصحاب الحديث. واختاره ابن المنذر، ويؤيّده ظاهر

قول ابن عبّاس: أراد أن لا يحرج اُمّته. فلم يعلّله بمرض ولا غيره، واللّه اعلم.

وقال أشهب: إنّ للمقيم رخصة الجمع بين الصلاتين لغير عذر مطر ولا مرض. قال الباجي، كما في شرح الموطأ [1: 255]: وهذا قول ابن سيرين.

وقال شيخ الإسلام الأنصاري، كما في تحفة الباري في شرح البخاري [2: 292] ما معناه: والتأوّل بأنّه فرغ من الاُولي فدخل وقت الثانية خلاف الظاهر.

وقال القسطلاني في كتابه ارشاد الساري في شرح البخاري [2: 293] ما معناه: والتأوّل علي الجمع الصوري، بأن يكون أخّر الظهر إلي آخر وقتها، وعجّل العصر في أوّل وقتها، ضعيف لمخالفة الظاهر.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير [21: 25] في قوله تعالي: (أقِم الصّلاةِ لِدُلُوكِ الشّمْس) [الاسراء: 78] ما ملخّصه: انّ أوقات الصلاة ثلاثة: وقت الزوال، ووقت المغرب، ووقت الفجر. وقال: وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين الصلاتين، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء، الي آخر كلامه.

وقال البغوي، كما في معالم التنزيل بهامش الخازن [4: 141]: كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها، فدلوك الشمس يتناول الظهر والعصر، وإلي غسق الليل يتناول المغرب والعشاء، وقرآن الفجر هو صلاة الصبح. انتهي.

وأمّا الأحاديث: فقد أخرج مسلم في صحيحه [1: 285 ط بندوغ] في باب الجمع بين الصلاتين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: صلّي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعاً، من غير خوف ولا سفر.

وأخرج أيضاً عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس بلفظ: صلّي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)الظهر والعصر جميعاً في المدينة من غير خوف ولا سفر. وأخرجه مالك في الموطأ [1: 291] شرح الزرقاني.

قال أبو الزبير: فسألت

سعيداً لِمَ فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عبّاس كما سألتني، فقال: أن لا يحرج أحداً من اُمّته. راجع شرح النووي لصحيح مسلم [5: 215].

وفيه أيضاً عن مسلم، عن جابر بن زيد، عن ابن عبّاس: أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)صلّي بالمدينة سبعاً وثمانياً، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

وعن عبداللّه بن شقيق، كما في شرح النووي [5: 217] قال: خطبنا ابن عبّاس يوماً بعد العصر حتّي غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، قال: فجاء رجل لا يفتر ولا ينثني، فقال: الصلاة الصلاة، فقال ابن عبّاس: أتعلّمني بالسنّة؟ لا اُمّ لك، ثمّ قال: رأيت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

وقال عبداللّه بن شقيق: فحاك في ذلك في صدري شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدّق مقالته.

وفي رواية اُخري كما في نفس المصدر [ص 218] قال رجل لابن عبّاس: الصلاة فسكت، ثمّ قال: الصلاة، فسكت. ثمّ قال: الصلاة، فسكت، ثمّ قال ابن عبّاس: لا اُمّ لك، أتعلّمنا بالصلاة؟ كنّا نجمع بين الصلاتين علي عهد رسول اللّه (صلي الله عليه وآله). أخرجه مسلم في صحيحه في باب جواز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

قال الاُستاذ أسد حيدر في كتابه الامام الصادق والمذاهب الأربعة [6: 361]: هذه الآثار تدلّ بصراحة علي جواز الجمع بين الصلاتين وأنّه مشروع، وعلّة تشريعه هي التوسعة علي الاُمّة، وعدم إحراجها بسبب التفريق.

وهذه الآثار منها ما يدلّ علي الجواز في السفر، ومنها ما هو مطلق لا يختصّ بمورد، وهذا يدلّ علي ما نقوله، وإنّ تأويلها علي خلاف ذلك، أو حملها علي شيء غيره، أمر لا يتّفق مع الواقع، وقد تقدم ذلك فيما ذكره النووي.

والأحاديث الواردة في جواز الجمع

متّفق علي صحّتها ولزوم الأخذ بها، وإن كان البخاري قد أهمل الكثير منها، فذلك لا يضرّ بعد أن كان تخريجها علي شرطه.

وكيف كان فإنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) شرع ذلك لئلاّ يحرج اُمّته، كما نطقت به الأخبار السابقة. وورد ذلك أيضاً عن أهل البيت (عليهم السلام).

قال الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر، من غير علّة، بأذان واحد وإقامتين.

وعنه أيضاً قال: إنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) صلّي الظهر والعصر في مكان واحد من غير علّة ولا سفر، فقال له عمر: أحدث في الصلاة شيء؟ قال (صلي الله عليه وآله): لا، ولكن أردت أن اُوسّع علي اُمّتي.

وعنه أيضاً قال: صلّي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة. وصلّي بهم المغرب والعشاء الآخر قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة، وإنّما فعل رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ليتّسع الوقت علي اُمّته. إلي غير ذلك من الأخبار الواردة في الباب. راجع: الوسائل [3: 160] باب جواز الجمع بين الصلاتين لغير عذر من أبواب المواقيت.

وعلي أيّ حال فإنّ المتتبّع المنصف لا يجد دليلاً علي منع الجمع في الحضر من غير عذر، وإنّما كانت هناك تأويلات وظنون، أو حمل للأخبار علي غير مؤدّاها.

وقد جمع النبيّ (صلي الله عليه وآله) في حال العذر، كما جمع في حال عدمه، لئلاّ يحرج اُمّته. وقد وردت عنه (صلي الله عليه وآله) سنّة صحيحة صريحة، ونطق الكتاب بها، كقوله تعالي: (أقِم الصّلاةِ لِدُلُوكِ الشّمْس ِإلي غَسَقِ الّليْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً)كما

تقدّم بيانه في كلمة الرازي السابقة، وعليه جمع من المفسّرين.

وقد أخذ الشيعة بتلك النصوص الصريحة فجوّزوا الجمع، ووافقهم جمع من علماء المسلمين، ولا خلاف بينهم بأنّ التفريق أفضل.

والذي يظهر من مجموع الأقوال وموارد الخلاف، أنّ المراد بالجمع بين الصلاتين، هو إيقاعهما في وقت واحد تقديماً أو تأخيراً، من غير وقوع شيء بينهما من نافلة وأوراد مستحبّة.

وإذا نظرنا بعين الواقع، فإنّ عمل أكثر الشيعة يقع علي جهة التفريق، من حيث الالتزام بالنوافل، وأداء المستحبّات، وبذلك تقع الصلاة في وقت الفضيلة.

فلنقف عند هذا الحدّ من البحث في موضوع الفقه، ولعلّ في هذا البيان من ذكر اختلاف الآراء وكثرة الأقوال الذي تعرّضنا لها كفاية لمن أراد أن يتحقّق جليّة الأمر الواقع في عهد الرسول (صلي الله عليه وآله) من بين متضارب الأقوال، ومختلفات آراء الرجال.

قائمة الموضوعات وسلسلة الكذابين

اشاره

ونحن لم نعدل عمّا نحن بصدده حتّي نخوض في المسائل الفقهية، لولا أن دفعتنا إليها كثرة اختلافات الآراء، وكثرة ما نسجته أيادي المختلقين الوضّاعين من أهل الأهواء.

ولنستأنف السير مستكشفاً عن مقياس نقيس به مقدار ما وضعه اُولئك الدجّالون بما نقل إلينا من بركات اجتهاد البحّاثين الاُمناء، وما بذلوه من عظيم جهودهم في البحث، حتّي تبيّن لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود فيما جمعه حاطب ليل. وإلاّ فسيلتقطه من لا يعرف الحي من الليّ لما اختلط الحابل بالنابل، فإليك المقياس فقس به قياساً.

وأمّا عدد الأحاديث الموضوعة، فممّا لا يحيط بعلمه الجهابذة من الحفظة والبحّاثة من أساطين المحدّثين المتبحّرين في هذا الفنّ.

قال الأمينيّ في قائمة الموضوعات والمقلوبات من غديره [5: 288]: في وسع الباحث أن يتّخذ ممّا ذكر في سلسلة الكذّابين من عدّ ما وضعوه أو قلّبوه قائمةً تقرّب له الوقوف علي حساب الموضوعات والمقلوبات

من الأحاديث المبثوثة في طيّات كتب القوم ومسانيدهم، وإن لم يمكنه عرفان جُلّها فضلاً عن كلّها، إذ لم يكن هناك ديوان لتسجيل الوضّاعين، وضبط ما افتعلوه، وحصر ما لفّقوه من موضوع أو مقلوب، والذي يوجد في ترجمة شرذمة قليلة من اُولئك الجمّ الغفير إنّما هو من لقطات التاريخ حفظته يد الصّدفة لا عن قصد، وإليك جملة من تلك الثويلة:

الاعلام: عدد الأحاديث

أبو سعيد أبان بن جعفر، وضع أكثر من 300

أبو علي أحمد الجويباري، وضع هو وابنا عكاشة وتميم أكثر من 10000

أحمد بن محمّد القيسي، لعلّه وضع علي الأئمّة أكثر من 3000

أحمد بن محمّد الباهلي، أحاديثه الموضوعة 400

أحمد بن محمّد المروزي، قلّب علي الثقات أكثر من 10000

أحمد أبو سهل الحنفي، أحاديثه المكذوبة 500

بشر بن الحسين الأصبهاني، له نسخة موضوعة فيها 150

بشر بن عون، له نسخة موضوعة نحو 100

جعفر بن الزبير، وضع علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) 400

الحارث بن اُسامة، أخرج أحاديث موضوعة تعدّ 30

الحسن العدوي، حدّث بموضوعات تربو علي 1000

الحكم بن عبداللّه أبو سلمة، وضع نحو 50

دينار الحبشي روي عن أنس من الموضوعات قريباً من 100

زيد بن الحسن، وضع 40

زيد بن رفاعة أبو الخير له من الموضوعات 40

سليمان بن عيسي، وضع بضعاً و 20

شيخ بن أبي خالد البصري، وضع 400

صالح بن أحمد القيراطي، لعلّه قلّب أكثر من 10000

عبدالرحمن بن داود، له من الموضوعات 40

عبدالرحيم الفاريابي، وضع أكثر من 500

عبدالعزيز، موضوعاته ومقلوباته 100

عبدالكريم بن أبي العوجاء، وضع 4000

عبداللّه القزويني، وضع علي الشافعي نحو 200

عبداللّه القدامي، قلّب علي مالك أكثر من 150

عبداللّه الروحي، روي من الموضوع أكثر من 100

عبدالمنعم، أخرج من الحديث الكذب نحواً من 200

عثمان بن مقسم، له عند شيبان ممّا لا يسمع 25000

عمر بن شاكر، له

نسخة غير محفوظة نحو 20

محمّد بن عبدالرحمن البيلماني، حدّث كذباً 200

محمّد بن يونس الكديمي، وضع أكثر من 1000

محمّد بن عمر الواقدي، روي ممّا لا أصل له 30000

معلّي يعلي بن عبدالرحمن الواسطي، وضع 90

ميسرة بن عبد ربّه البصري، وضع 40

نوح بن أبي مريم، وضع في فضل السور 114

هشام بن عمّار، حدّث كذباً 400

فمجموع موضوعات هؤلاء المذكورين ومقلوباتهم: [98684]

أضف اليها ما تركوا من حديث عبّاد البصري من 60000

وما رمي من حديث عمر بن هارون من 70000

وما رمي من حديث عبداللّه الرازي من 10000

وما ترك من حديث ابن زبالة من 100000

وما رمي من أحاديث محمّد بن حميد من 50000

وما أسقطوه ممّا كتبوه من حديث نصر من 20000

فمجموع مالا يصحّ من أحاديث هذا الجمع القليل فحسب 408684

يقدّر بأربعمائة وثمانية آلاف وستمائة وأربعة وثمانين حديثاً.

ولا يعزب عن الباحث أنّ هذا العدد إنّما هو نزر يسير نظراً الي ما اختلقته أيدي الافتعال الأثيمة المتكثّرة، وكان لجلّ الكذّابين الوضّاعين إن لم يكن كلّهم تآليف تحوي شتات ما لفّقوه ممّا لا يحدّ ولا يقدّر، والتاريخ لم يحفظ لنا شيئاً منها غير الإيعاز إليها في تراجم جمع مؤلّفيها، كما مرّ من اقوالهم:

أحمد بن إبراهيم المزني، له نسخة موضوعة.

أحمد بن محمّد الحمّاني، صنّف في مناقب أبي حنيفة كلّها موضوعة.

إسحاق بن محمشاذ، له مصنّف في فضائل ابن كرام كلّها موضوعة.

أيّوب بن مدرك الحنفي، له نسخة موضوعة.

بريه بن محمّد البيّع، له كتاب أحاديثه موضوعة.

الحسن بن علي الأهوازي، صنّف كتاباً أتي بالموضوعات.

الحسين بن داود البلخي، له نسخة أكثرها موضوع.

داود بن عفّان، له نسخة موضوعة علي أنس.

زكريّا بن دريد، له نسخة كلّها موضوعة.

عبدالرحمن بن حمّاد، عنده نسخة كلّها موضوعة.

عبد العزيز بن أبي زواد، عنده نسخة موضوعة.

عبدالكريم بن عبدالكريم، له

كتاب موضوع.

عبداللّه بن الحارث، له نسخة كلّها موضوعة.

عبداللّه بن عمير القاضي، له نسخة موضوعة علي مالك.

عبدالمغيث بن زهير الحنبلي، له جزء في فضائل يزيد.

عبيد بن القاسم، له نسخة موضوعة.

العلاء بن زيد البصري، له نسخة موضوعة.

لاحق بن الحسين المقدسي، كتب من حديثه الموضوع ما يزيد علي خمسين جزأً.

محمّد بن أحمد المصري، له نسخة موضوعة.

محمّد بن الحسن السلمي، ألّف كتباً تبلغ مائة كتاب.

محمّد بن عبدالواحد الزاهد، له جزء في فضائل معاوية.

محمّد بن يوسف الرقّي، وضع نحواً من ستّين نسخة.

موسي بن عبدالرحمن الثقفي، وضع كتاباً في التفسير.

وعلي القارئ أن يتّخذ مقياساً ويقدّر به موضوعات جميع ما ذكرناه من الكذّابين والوضّاعين ومقلوباتهم ومن لم نذكرهم، فلا يستكثر عندئذ قول يحيي ابن معين: كتبنا عن الكذّابين وسجرنا به التنّور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً. تاريخ بغداد [14: 184].

وقول البخاري صاحب الصحيح: أحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح. إرشاد الساري [1: 22] للقسطلاني.

وقول إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: إنّه حفظ أربعة آلاف حديث مزوّرة. تاريخ بغداد [6: 352] للخطيب البغدادي.

وقول يحيي بن معين: أيّ صاحب حديث لا يكتب عن كذّاب ألف حديث؟ تاريخ بغداد [1: 43].

وقول الخطيب البغدادي: لأهل الكوفة وأهل خراسان، من الأحاديث الموضوعة والأسانيد المصنوعة نسخ كثيرة، وقلّ ما يوجد بحمد اللّه في محدّثي البغداديّين ما يوجد في غيرهم من الاشتهار بوضع الحديث والكذب في الرواية. تاريخ بغداد [1: 44].

وقول أبي بكر بن أبي سبرة الوضّاع الكذّاب: عندي سبعون ألف حديث في الحلال والحرام. تهذيب التهذيب [12: 27] لابن حجر العسقلاني.

وقد عدّ الفيروزآبادي صاحب القاموس في خاتمة كتابه سفر السعادة واحداً وتسعين باباً توجد فيها أحاديث كثيرة في كتبهم، فقال: ليس منها شيء صحيح، ولم يثبت منها عند جهابذة علماء الحديث.

وذكر

العجلوني في خاتمة كتابه كشف الخفاء جملةً من الموضوعات والوضّاعين والكتب المزوّرة، وعدّ في [ص 419 424] مائة باب أكثرها في الفقه وقال بعد كلّ باب: لم يصحّ فيه حديث. أو ليس فيه حديث صحيح، وما يقرب من ذلك.

وعدّ ابن الحوت البيروتي في أسني المطالب ما يربو علي ثلاثين مبحثاً ممّا يري الأحاديث الواردة فيه باطلاً لم يصحّ شيء منها.

ويُعرب عن كثرة الموضوعات اختيار أئمّة الحديث أخبار تآليفهم الصحاح والمسانيد من أحاديث كثيرة هائلة والصفح عن ذلك الهوش الهائش. قد أتي أبو داود كما في طبقات الحفّاظ [2: 154] وتاريخ بغداد [9: 57] والمنتظم [5: 97] لابن الجوزي في سننه بأربعة آلاف وثمانمئة حديث، وقال: انتخبته من خمسمائة ألف حديث.

ويحتوي صحيح البخاري من الخالص بلا تكرار ألفي حديث وسبعمائة وواحد وستّين حديثاً، اختاره من زهاء ستّمائة ألف حديث، كما ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه [2: 8] والقسطلاني في ارشاد الساري [1: 28] وابن الجوزي في صفة الصفوة [4: 143].

وفي صحيح مسلم أربعة آلاف حديث اُصول، دون المكرّرات، صنّفه من ثلاثمائة ألف، كما ذكره ابن الجوزي في المنتظم [5: 32] والذهبي في طبقات الحفّاظ [2: 151، و 157] والنووي في شرح صحيح مسلم [1: 32].

وذكر أحمد بن حنبل في مسنده ألف حديث وقد انتخبه من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث، وكان يحفظ ألف ألف حديث، كما ذكره الذهبي في طبقاته [2: 17] وفي ترجمة أحمد المنقولة عن طبقات ابن السبكي المطبوعة في آخر الجزء الأوّل من مسنده.

وكتب أحمد بن الفرات، كما في خلاصة التهذيب لصفي الدين الخزرجي [ص 9] ألف ألف وخمسمائة ألف حديث، فأخذ من ذلك ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد وغيرها.

نظرة في تعديلات القوم وجرحهم

فقد

علمنا بحمد اللّه مئات الاُلوف من الموضوعات، والنسخ التي تتضمّن المختلقات والمقلوبات وواضعيها، التي شحنت بها الكتب والمؤلفّات، وانبثّت في طيّات التآليف والصحف والمؤرّخات. فما أعظم منّة من كشفوا عنها حجابها، حتّي ظهر لنا وجه الحقّ جليّاً لا غبار عليه. فرضي اللّه عنهم علي تلك المنن الغرّاء والأيادي البيضاء، التي لا يفي بحقّها، ولا يقوم بشكرها شكر الشاكرين.

ثمّ إنّهم ما كانوا ليدّخروا وُسعاً في ذلك السعي المشكور، ولا ليألوا جهداً في ذلك العمل المبرور، إلاّ لئلاّ يحدّث محدّث حديثاً عن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) من قبل أن يتثبّت ويتبصّر ويتدبّر في منطوقه، ومدلوله، ووجه دلالته، إلي غير ما هنالك ما هو لابدّ منه، ومن باب أولي في أسانيده ورجال اسناده، لا اعتماداً علي كتاب من الكتب لشهرته، ولا اقتصاراً علي معرفة مؤلّفه لانتشار صيته. فكم من وضّاع كذّاب وكان ما كان، كما قد علمت فيا أسلفنا ذكرهم قريباً.

وملخّص القول أن لا يروي أحدٌ إلاّ عن الثقات، مهما لم يكن يعلم ما الثقات أو الثقة، وما يراد بها، وما معناها، لأنّ السبيل للوصول إلي معرفتها، والطريق للبلوغ إلي العلم بحقيقتها وعرة جدّاً لأيّ مثقّف مهما بلغ في الثقافة أعلاها، فضلاً عن غيرهم، لكثرة اختلاف رجال الجرح والتعديل فيها، وتضارب أقوالهم فيمن هو الموصوف بها.

فكم من موثوق عند بعضهم وهو مطعون عند البعض، وصدوق عند آخرين وهو متّهم عند غيرهم، وهذه مشكلة لا تنحلّ، حتّي من كان مثل عمران بن حطان صاحب الشعر المشهور في المدح علي قاتل الإمام الطاهر علي عليه السلام، قد وثّقه العجلي، وصار من رجال البخاري، وأخرج عنه في صحيحه، كما ذكر ذلك الأميني في غديره [5: 294] وإليك ما قاله

في ابن ملجم ممتدحاً:

يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بها

إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره حيناً فأحسبه

أوفي البريّة عند اللّه ميزانا

وقال خليفة بن خيّاط في زياد بن أبيه، صاحب الطامات والجرائم الموبقة: كان يعدّ من الزهّاد. وقال فيه أحمد بن صالح: لم يكن يُتّهم بالكذب، كما ذكره ابن عساكر في تاريخه [5: 406].

وقال العجلي كما في خلاصة التهذيب [ص 140] لصفي الدين الخزرجي: بأنّ عمر بن سعد بن أبي وقّاص قاتل الإمام السبط الشهيد: ثقة.

وقد وثّق ابن حبان خالد القسريّ الأمير الناصبيّ الظلوم هكذا وصفه الذهبي وكان كما في تاريخ ابن كثير [10: 20 21]: رجل سوء، يقع في علي بن أبي طالب، وكانت اُمّه نصرانيّة، وكان متّهماً في دينه، وقد بني كنيسة لاُمّه في داره.

وقد وثّق النسائي، كما في ميزان الاعتدال [1: 97] وفي لسان الميزان [1: 385] أسد بن وداعة الشاميّ التابعيّ الناصبيّ، وكان يسبّ عليّاً وكان عابداً.

ووثّق ابن معين إسماعيل بن أوسط البجليّ أمير الكوفة، المتوفّي سنة (117) وعدّه ابن حبّان من الثقات، كما في ميزان الاعتدال [1: 103] وفي لسان الميزان [1: 395] وكان من أعوان الحجّاج بن يوسف الثقفي، وقدّم سعيد بن جبير للقتل.

ووثّق النسائي، كما في ميزان الاعتدال [3: 243] نعيم بن أبي هند الناصبيّ، المتوفّي سنة (211) وكان يتناول عليّاً أمير المؤمنين.

ووثّق أحمد بن حنبل وابن معين والنسائيّ، إسحاق بن سويد العدوي البصري، المتوفي سنة (131) وكان يحمل علي عليّ تحاملاً شديداً، وقال: لا اُحبّ عليّاً، ومع ذلك كان من رجال صحاح البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي. كما ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب [1: 236].

واحتج البخاريّ بحديث حريز بن عثمان، وكذا أبو داود والترمذي،

وقد كان يصلّي في المسجد ولا يخرج منه حتّي يلعن عليّاً سبعين لعنة كلّ يوم.

قال اسماعيل بن عياش: رافقت حريز من مصر إلي مكّة، فجعل يسبّ عليّاً ويلعنه، وقال لي: هذا الذي يرويه الناس، أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال لعلي: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، حقّ، ولكن أخطأ السّامع، قلت: فما هو؟ قال: إنّما هو: أنت منّي بمكان قارون من موسي، قلت: عمّن ترويه؟ قال: سمعت الوليد بن عبدالملك يقوله علي المنبر. هكذا روي ابن عساكر في تاريخه [4: 115] والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد [8: 268].

ووثّق العجليّ أزهر بن عبداللّه الحمصي وكان يسبّ عليّاً. وقد جعله أبو داود والترمذي والنسائي من رجالهم، كما في تهذيب التهذيب للعسقلاني [1: 204].

وقد روي البخاريّ عن عبدالرحمن بن إبراهيم الشّهير بدُحيم الشاميّ القائل بأنّ من قال: إن الفئة الباغية هم أهل الشام فهو ابن الفاعلة، وقد عرّف بالثقة وانّه حجّة.

وقد ترجم بالزهد والثقة والدين والصدق والأمانة والصلاح والاجتهاد الحافظ عبد المغيث الحنبلي، وقد ألّف كتاباً في فضائل يزيد بن معاوية، وأتي فيه بالموضوعات.

ووثّق ابن معين الحافظ زيد بن حباب، وهو يقلّب حديث الثوري، كما في خلاصة التهذيب [ص 108].

ووثّق أحمد إمام الحنابلة خلف بن هشام، وكان يشرب الخمر، فقيل له: يا أبا عبداللّه إنّه يشرب، فقال: قد انتهي إلينا علم هذا عنه، ولكن هو واللّه عندنا الثقة الأمين. ذكره الخطيب البغدادي في تأريخه [8: 326].

ووثّق الإمام أحمد وابن معين خالد بن مسلمة بن العاص (أبو سلمة القرشي) وقال: شيخ يكتب حديثه. وقال ابن عدي: هو في عداد من يُجمع حديثه، حديثه قليل ولا أري بروايته بأساً، وكان رأساً في المرجئة، ويبغض عليّاً. راجع: تاريخ الشام

لابن عساكر [5: 53].

وإن تعجب من توثيق العجلي، وجعل البخاري عمران بن حطّان من رجاله، وهو من رأس الخوارج وشاعرها، وأخرج عنه، واحتجاجه هو وأبو داود والترمذي بحريز بن عثمان الذي كان لا يخرج كلّ يوم من المسجد إلاّ بعد أن يلعن أخا رسول اللّه وأبا سبطيه سبعين لعنة، ومن توثيق ابن معين والنسائي وأحمد بن حنبل من يسّب عليّاً، ويتحامل عليه تحاملاً شديداً، فحقّ لك أن تعجب.

وإليك ما يزيدك عجباً علي عجب، وذلك أنّ الإمام أحمد نفسه قد ترك الحديث المرويّ عن عبيداللّه بن موسي العبسي، لما سمعه يتناول معاوية بن أبي سفيان، وعلي ذلك لم يقتصر علي تركه فحسب، بل لم يطب نفساً بسماع من يروي عنه، حتّي أنّه بعث رسوله إلي يحيي بن معين، فقال له: أخوك أبو عبداللّه أحمد بن حنبل يقرأ عليك السلام، ويقول لك: هو ذا تكثر الحديث عن عبيداللّه وأنا وأنت سمعناه يتناول معاوية بن أبي سفيان، وقد تركت الحديث عنه.

فقال يحيي بن معين للرسول: إقرأ علي أبي عبد اللّه السلام، وقل له: يحيي بن معين يقرأ عليك السلام، وقال لك: أنا وأنت سمعنا عبدالرزّاق يتناول عثمان بن عفّان، فاترك الحديث عنه، فإنّ عثمان أفضل من معاوية. كذا ذكره الخطيب البغدادي في تأريخه [14: 427] علي ما في الغدير [5: 296].

ولتضف إلي ذلك بما يتضاعف به عجبك، وذلك أنّ البخاري قد ترك الرواية عن الإمام جعفر الصادق بن الامام الطاهر محمّد الباقر، الذي قد حظي بالسلام من جدّه النبيّ الأعظم (صلي الله عليه وآله) وهو لم يولد بعد، ولم يزل في صلب أبيه أو جدّه الحسين السبط أبي الشهداء (عليهم السلام)، كما رواه الإمام ابن قتيبة في كتابه

عيون الأخبار [2: 212] وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب [3: 328 و 4: 196 ط.ايران] بطرق كثيرة، عن عبداللّه بن جابر الأنصاري.

وذلك: أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال له: يا جابر انّك ستعمّر بعدي حتّي يولد لي مولود، اسمه كاسمي، يبقر العلم بقراً، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام، فكان جابر يتردّد في سكك المدينة بعد ذهاب بصره، وهو ينادي: يا باقر! يا باقر! حتّي قال الناس: قد جنّ جابر، فبينما هو ذات يوم بالبلاط، إذ بصر بجارية يتورّكها صبيّ، فقال لها: من هذا الصبيّ؟ قالت: هذا محمّد بن عليّ بن حسين بن علي بن أبي طالب. قال: اُدنيه منّي، فأدنته فقبّل بين عينيه، وقال: يا حبيبي رسول اللّه يقرؤك السلام، ثمّ قال: لقد نعيت إليّ نفسي وربّ الكعبة. ثمّ انصرف الي منزله وأوصي فمات من ليلته.

وفيه قال ابن الحجاج:

إذا غاب بدر الدجي فانظر

إلي ابن النبيّ أبي جعفر

تري خلَفاً منه يزري به

وبالفرقدين وبالمشتري

إمام ولكن بلا شيعة

ولا بمصلّي ولا منبر

وقال المغربي:

يا ابن الذي بلسانه وبيانه

هُدِي الأنام ونُزّل التنزيل

عن فضله نطق الكتاب وبشّرت

بقدومه التوراة والإنجيل

لولا انقطاع الوحي بعد محمّد

قلنا محمّد من أبيه بديل

هو مثله في الفضل إلاّ أنّه

لم يأته برسالة جبريل

وقال آخر:

يا ابن الذين متي استقرّ هواهم

في نفس إنسان هوي شيطانه

فإذا أراد اللّه سرّاً للعلي

فهم علي رغم العِدي خُزّانه

فيا عجباً ممّا كان من الإمام أحمد وغيره، كأبي حاتم بن حبّان البستي، حيث قال كما في أنساب السمعاني في باب الراء والضاد: بأنّ علي الرضا يروي عن أبيه العجائب، وذكره أيضاً العسقلاني في تهذيب التهذيب [7: 388] وما عساني أن أقول في ذلك إلاّ كما قال القائل:

فهبني أقول إنّ الصبح ليل

فهل يخفي علي ذي العين ضوء

أقول

ذلك لما هنالك من معالم الدين، وبقايا الصحابة، ووجوه التابعين، ورؤساء فقهاء المسلمين، قد رووا عنه (عليه السلام)، كما نصّ علي ذلك ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب [3: 723 ط. النجف و 4: 195 ط. ايران].

فمن الصحابة: جابر بن عبداللّه الأنصاري، ومن التابعين: جابر بن يزيد الجعفي، وكيسان السختاني صاحب الصوفيّة، ومن الفقهاء: ابن المبارك، والزهري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وزياد بن المنذر النهدي.

ومن المصنّفين: الطبري، والبلاذري، والسلامي، والخطيب في تواريخهم. وفي: الموطّأ، وشرف المصطفي، والإبانة، وحلية الأولياء، وسنن أبي داود، والألكاني، ومسندي أبي حنيفة والمروزي، وترغيب الاصفهاني، وبسيط الواحدي، وتفسير النقّاش، والزمخشري، ومعرفة اُصول الحديث، ورسالة السمعاني، فيقولون: قال محمّد بن علي، وربّما قالوا: قال محمّد الباقر، ولذلك لقّبه رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) بباقر العلم.

وإلي ذلك أشار زيد بن علي لمّا قال له هشام: ما فعل أخوك البقرة؟ فقال له زيد: سمّاه رسول اللّه باقر العلم وأنت تسمّيه بقرة؟ لشدّ ما اختلفتما إذاً.

ثوي باقر العلم في ملحد

إمام الوري طيّب المولد

فمن لي سوي جعفر بعده

إمام الوري الأوحد الأمجد

أبا جعفر الخير أنت الإمام

وأنت المرجي لبلوي غد

وفي مسند أبي حنيفة، قال الراوي: ما سألت جابر الجعفي قطّ مسألةً إلاّ أتي فيها بحديث، وكان جابر الجعفي إذا روي عنه، قال: حدّثني وصيّ الأوصياء، ووارثُ علم الأنبياء.

قال أبو نعيم في الحلية [3: 180 ط دار الفكر]: الحاضر الذاكر الخاشع الصابر، أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر.

وقال غيره: الإمام الباقر، والنور الباهر، والقمر الزاهر، والعلم القاهر، باقر العلم، معدن الحلم، أظهر الدين إظهاراً، وكان للإسلام مناراً، الصادع بالحقّ، والناطقُ بالصدق، وباقر العلم بقراً، وناثرهُ نثراً، لم تأخذه في اللّه لومة لائم، وكان لأمره غير مكاتم،

ولعدوّه مُراغم.

وقالوا: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وكذلك السّيد ابن السّيد ابن السّيد ابن السيّد: محمّد بن علي ابن الحسين بن علي (عليهم السلام).

وفي ذلك قال ابن حمّاد:

ولاء النبيّ وآل النبيّ

عقدي وأمني من مفزعي

ووجّهت وجهي لا أبتغي

سوي السادة الخشّع الركّع

ومالي هداةٌ سوي الطاهرين

بدور الهدي الكُمّل اللمّع

بحارُ النوال بدور الكمال

غيوث الوري الهطّل الهمّع

هم شفعائي إلي ربّهم

وليس سواهم بمستشفع

بهم يرفع اللّه أعمالنا

ولولا الولاية لم تُرفع

وله أيضاً:

يا أهل بيت النبيّ حبّكمُ

تجارة الفوز للاُولي اتّجروا

يا أهل بيت النبيّ حبّكمُ

يبلي به ربُّنا ويختبر

الآيات المعبرة عن الامامة والخلافة

فكيفما كان في علي (عليه السلام)، فإنّه أبو الأئمّة الأوصياء، أوحد من حاز بمرتبة الاُخوّة معدن الفخّار والعلوم والنبوّة، من آل إبراهيم ذرّيّة بعضها من بعض، كما قال عزّت قدرته، وعظمت منّته وحكمته، لإبراهيم (عليه السلام): (إنّي جاعِلُكَ لِلنّاس ِ إماماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتي قالَ لا يَنالُ عَهْدي الظّالِمين) [البقرة: 124] وقال جلّ جلاله وعظم شأنه: (إنّي جاعِلٌ فِي الأرْض َ خَليفَة) [البقرة: 30].

قال ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 212 ط النجف و 245 ط ايران] في الآية المذكورة: بدأ بالخليفة قبل الخليقة، والحكيم العليم يبدأ بالأهمّ قبل الأعمّ، وقال: في قوله تعالي: (اُولئِك الّذينَ هَدَي اللّهُ فَبِهُداهُم اقْتَدِه) [الانعام: 90] دليل علي أنّه لا يخلو كلّ زمان من حافظ للدين، إمّا نبيّ، أو إمام.

فمن ذلك ما ورد عن النبيّ الأعظم (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: في كلّ خلف من اُمّتي عدل من أهل بيتي، ينفون من هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

وقال (صلي الله عليه وآله): من مات ولم يعرف إمام زمانه، فقد مات ميتة الجاهلية. ففي ذلك قال الحميري:

فمن لم يكن يدري إمام

زمانه

ومات فقد لاقي المنية بالجهل

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: لا تخلو الارض من قائم بحجّة اللّه: إمّا ظاهر مشهور، وإما خائف مغمور.

وعن أبي عبيدة، قال: سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن قوله تعالي: (إئتُونِي بِكِتاب مِن قَبْلِ هذا أوْ أثارَة مِنْ عِلْم) [الاحقاف: 4] قال (عليه السلام): عني بالكتاب: التوراة والانجيل، وبالأثارة من علم، فإنّما عني بذلك: علم أوصياء الأنبياء.

وقال الصادق (عليه السلام): لاتخلو الأرض من عالم يفزع الناس إليه في حلالهم وحرامهم، ثمّ فسّر قوله تعالي: إصبرو علي دينكم، وصابروا عدوّكم ممّن خالفكم، ورابطوا إمامكم، واتّقوا اللّه فيما أمركم به وفرض عليكم.

وقد سئل الرضا (عليه السلام) كما سئل الصادق من قبل، وذلك: أتكون الأرض ولا إمام؟ قالا: إذن لساخت، وإلي ذلك أشار العوني بقوله:

ولولا حجّة في كلّ وقت

لأضحي الدين مجهول الرسوم

وحار الناس في طخياء منها

نجونابالأهلّة والنجوم

قال الامام الرضا (عليه السلام): الإمام زمام الدين، ونظام اُمور المسلمين، وعزّ المؤمنين، وبوار الكافرين، واُسّ الإسلام، وصلاح الدنيا، والنجم الهادي، والسراج الزاهر، والماء العذب علي الظمأ، والنور الدّال علي الهدي، والمنجي من الردي، والسحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والأمين الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق والاُمّ البارّة بالولد الصغير، وأمين اللّه في خلقه، وحجّته علي عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلي اللّه، والذابّ عن حرم اللّه.

وقد أورد المؤلّف في نفس المصدر [1: 248 ط ايران] خبراً يعرب عن معني الظّالمين في الآية المذكورة. وذلك لمّا قال اللّه تعالي: (لاَيَنَالُ عَهْدِي الظّالِمين) قال ابراهيم (عليه السلام): ومن الظّالم من ولدي؟ قال تعالي: من سجد لصنم من دوني. فقال إبراهيم: واجنبني وبنيّ أن نعبد الاصنام.

وقد ثبت أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) وعليّاً

(عليه السلام) ما عبدا الأصنام، فانتهت الدّعوة إليهما، فصار محمّد نبيّاً، وعليّ وصيّاً.

وقال في تفسير قوله تعالي: (وَوَهَبْنا لَهُ إسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِين- وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُوْنَ بِأمْرِنَا وَأوْحَيْنَا إلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإقَامَ الصَّلاَةِ وَإيْتَاءِ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِين) [الأنبياء: 72 73] فلم يزل في ذرّيّته، يرثها بعض عن بعض حتّي ورثها النبيّ (صلي الله عليه وآله)، فقال تعالي: (إنَّ أوْلي النَّاسِ بِابْراهيمَ لَلَّذِينَ اتّبَعُوهُ وَهَذا النَّبِيُّ وَالذينَ آمَنُوا) فكانت له (صلي الله عليه وآله) خاصّة، فقلّدها عليّاً (عليه السلام)بأمر اللّه علي رسم مافرضها اللّه، فصارت في ذرّيّته الأصفياء، الّذين اُوتوا العلم والايمان، وذلك قوله تعالي: (وقال الذين اُوْتُوا العِلْمَ والايمَانَ) الآية [الروم: 56] فهي في ولد عليّ (عليه السلام) إلي يوم القيامة.

وقال عبداللّه بن عجلان عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) إنّه قال في تفسير آية الإمامة، وهو قوله تعالي لإبراهيم: (إنّي جَاعِلكَ للناسِ إمَاماً) هم الأئمّة ومن تبعهم. قال إبراهيم: ومن ذرّيّتي؟ قال الباقر (عليه السلام): ومن: للتّبعيض، ليعلم أنّ فيهم من يستحقّها ومن لا يستحقّها، ومستحيل ان يدعو إبراهيم إلاّ من هو مثله في الطّهارة، لقوله تعالي: (لاَ يَنال عَهْدِي الظَالمين) إلي أن قال (عليه السلام): ولمّا سأل إبراهيم الرّزق قال: (وَارْزُقْ اَهَلَهُ مِنَ الثَمَرات) [البقرة: 126] قال (عليه السلام): سأل عامّاً. ولمّا سأل الإمامة، سأل خاصّاً، بقوله: (ومن ذرّيّتي).

وقال الصادق (عليه السلام) في قوله تعالي: (وجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِه) [الزخرف: 28] أي الإمامة إلي يوم القيامة، وقال السّدّي: عقبه: آل محمّد.

والي ذلك أشار العوني:

فقال من فرح يارب عهدك في

ذرّيّتي هل تبقيه مؤنفه

فقال ليس ينال الظّالمين معاً

عهدي ووعدي فيه لست أخلفه

والشرك ظلم عظيم والعكوف علي

الأصنام لا يلحق التأمين عكّفه

فانظر الي

الرّمز والإيماء كيف أتي

من لم يكن عبد الأصنام مصرفه

وله أيضاً:

ألم يكن في حاله نبيّا

ثم رسولاً منذراً رضيّا

ثمّ خليلاً صفوه صفيّا

ثمّ إماماً هادياً مهديّا

وكان عند ربّه مرضيّا

فعندها قال ومن ذرّيتي

قال له لا لن ينال رحمتي

وعهدي الظّالم من بريّتي

أبت لملكي ذاك وحدانيّتي

سبحانه لا زال وحدانيّا

وفي العيون والمحاسن قال هشام بن الحكم: قلت لعمرو بن عبيد: لي سؤال. قال عمرو: هات. قلت: ألك عين؟ قال: نعم. قلت: فما تري بها؟ قال: الألوان والأشخاص، قلت: فلك أنف. قال: نعم، قلت فما تصنع به؟ قال: أشمّ به الرّائحة، قلت: فلك فم؟ قال: نعم، قلت: وما تصنع به؟ قال: أذوق به الطّعم، قلت: ألك قلب؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: اُميّز به كلّ ما ورد علي هذه الجوارح، قلت: أليس لها غنيً عن القلب؟ قال: لا. قلت: وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة؟ قال: يا بنيّ الجوارح اذا شكّت في شيء، شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردّته الي القلب، فيتقن اليقين ويبطل الشّكّ، قلت: فإنّما أقامه اللّه لشكّ الجوارح؟ قال: نعم، قلت: فلابدّ من القلب، وإلاّ لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم.

قلت: يا أبا مروان، إنّ اللّه لا يترك جوارحك حتّي جعل لها إماماً يصحّح لها الصّحيح، ويتقن لها ما شكّت فيه، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم؟ ولا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم؟ ويقيم لك إماماً لجوارحك، يردّ إليه حيرتك وشكّك؟. راجع: اختيار معرفة الرجال [ص271 برقم: 490 ط. جامعة مشهد].

وقال متكلّم موعزاً إلي من قال بأنّ الإمامة العامّة ليست من اُصول الدين، وذلك: إمّا أنّ النبيّ قد علّم جميع اُمّته الأوّلين والآخرين وجميع ما يحتاجون إليه في حياته حتّي استغنوا بعد وفاته، أو

علمت الاُمّة بعده، أو استغنت عن مؤدّب ومعلّم من اللّه، أو قد رفع اللّه التّكليف عن الاُمّة بعد النبيّ فصارت كالبهائم، وكلّ ذلك باطل، لأنّ التكليف واجب، واللّطف واجب، والناس غير معصومين، فلابدّ من حافظ شرع معصوم، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيي من حيّ عن بيّنة.

قال الأفوه الاوديّ:

لا يصلح القوم فوضي لاسراة لهم

ولا سراة إذا جهّالهم سادوا

والبيت لا يبتني إلاّ بأعمدة

ولا عماد اذا لم ترس أوتاد

فإن تجمّع أوتاد وأعمدة

وساكن أدركوا الأمر الذي كادوا

تهدي الاُمور بأهل الرأي ماصلحت

فإن تولّت فبالأشرار تنقاد

وقال المؤلّف في نفس المصدر [ص 025 ط ايران] في الآيات المعبّرة بأنّ الخلافة أو الامامة لم تثبت إلاّ بالنّصّ والعهد أو بالوصيّة، كقوله تعالي في آدم: (إنّ اللّهَ اصْطفي آدَمَ) [آل عمران: 33] وفي موضع آخر: (إنّي جَاعِلٌ في الاَرْضِ خَليفَة) وفي إبراهيم قوله تعالي: (ولقد اصْطَفَيْناهُ في الدُّنْيَا) الآية [البقرة: 130] وفي موضع آخر: (إنّي جَاعِلُكَ للناسِ امَاماً).

وفي موسي قوله تعالي: (إنّي اصْطَفَيْتُكَ عَلي النَّاسِ) الآية [الأعراف: 144] وفي موضع آخر كقوله تعالي: (واصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) الآية [طه: 41].

وفي طالوت قوله تعالي: (إنّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَليْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ) الآية [البقرة: 247].

وفي سائر الأنبياء والأوصياء قوله تعالي: (اِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَي) [الأنبياء: 101] وقوله تعالي: (اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاس) [الحج: 75] وقوله تعالي: (وانَّهُ عِنْدَنَا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأَخْيَار) [ص: 47] وقوله تعالي: (وَلَقَدْ اخْتَرْناهُمْ عَلَي عِلْم عَلَي العَالَمِين) [الدخان: 32] وقوله جلّ وعلا: (وَجَعَلْنَاهُمْ أئِمَّةً يَهْدُونَ بِامْرِنا) [الأنبياء: 73] وقوله جلّ جلاله: (يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) [البقرة: 269] وقوله تعالي: (وَعَدَ اللّهُ الذين آمَنُوا منكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرضِ كما استخلف الذين من قبلهم) [النور: 55]

وقوله تعالي: (ذلك فَضْلُ اللّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشاءُ) الآية [المائدة: 54] وقوله تعالي: (قُلْ اِنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ) الآية [آل عمران: 73] وقوله تعالي: (ولا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّل اللّه) الآية [النساء: 32] وقوله تعالي: (شَهِدَ اللّهُ أنَّهُ لا اِلهَ إلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ واُوْلُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسطِ) [آل عمران: 18] وقوله عزّت قدرته وعظمت منّته: (وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَي بَعْض) الآية [النحل: 71] وقوله: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَات) [الزخرف: 32] إلي غير ذلك من الآيات البيّنات في هذا الموضوع.

وإلي ذلك أشار الحميري بقوله:

هبة وما وهب المليك لعبده

يبقي ومهما لم يهب لم يوهب

يمحو ويثبت ما يشاء وعنده

علم الكتاب وعلم ما لم يكتب

وقال العوني:

في النصّ آي من الفرقان منزلة

يقرّ طوعاً بها من لا يحرّفه

منهنّ رمز وإيماء وتسمية

تلويح حقّ وتصريح تنقّفه

وقال ابن حمّاد:

رأيت النّصّ يفضح جاحديه

ويلجئهم إلي ضيق الخناق

ولو كان اجتماع القوم رشداً

لما أدّي إلي طول افتراق

وقال النّاشي:

ومن لم يقل بالنصّ منه معانداً

غدا عقله بالرّغم منه يحاوله

يعرّفه حقّ الوصيّ وفضله

علي الخلق حتّي تضمحلّ بواطله

وقال البشنوي:

يامصرف النصّ جهلاًعن أبي حسن

باب المدينة عن ذي الجهل مقفول

مولي الأنام عليّ والوليّ معاً

كما تفوّه عن ذي العرش جبريل

سأل حمران بن أعين يحيي بن أكثم عن قول النبيّ (صلي الله عليه وآله) حيث أخذ بيد عليّ (عليه السلام)وأقامه للنّاس، فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، أبأمر من اللّه تعالي ذلك أم برأيه؟ فسكت عنه حتّي انصرف، ثمّ قيل له في ذلك، فقال: إن قلت: برأيه نصبه للناس خالفت قول اللّه تعالي: (وما يَنْطِقُ عَنِ الهَوَي) [النجم: 3] وإن قلت: بأمر من اللّه تعالي، فقد ثبتت إقامته، قال: فلم خالفوه واتّخذوا ولِيّاً غيره؟

قال العوني معرباً عن جواب ذلك:

فما ترك النبيّ النّاس شوري

بلا هاد ولا علم

مقيم

ولكن سوَّل الشّيطان أمراً

فأودي بالسّوام وبالمسيم

قال الصادق (عليه السلام) في قوله تعالي: (إِنَّ اللّهَ يَاْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ اِلي اَهْلِها)الآية [النساء: 58]: يعني يوصي إمام الي إمام عند وفاته.

عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: من مات ولم يوص مات ميتة الجاهليّة.

وفي رواية: من مات ولم يوص فقد ختم عمله بمعصية.

قال ابن العودي النّيلي:

وكلّ نبيٍّ جاء قبلي وصيّه

مطاع وأنتم للوصيّ عصيتم

ففعلكم في الدّين أضحي منافياً

لفعلي وأمري غير ما قد اُمرتم

وقلتم مضي عنّا بغير وصيّة

ألم اُوص لوطاوعتم وعقلتم

نصبت لكم بعدي إماماً يدلّكم

علي اللّه فاستكبرتم وضللتم

وقد قلت في تقديمه وولائه

عليكم بما شاهدتم وسمعتم

عليّ غداً منّي محلاً وقربةً

كهارون من موسي فلم عنه حلتم

عليّ رسولي فاتبعوه فإنّه

وليّكم بعدي إذا غبت عنكم

وقال امير المؤمنين (عليه السلام):

أنا عليّ صاحب الصّمصامة

وصاحب الحوض لدي القيامة

أخو نبيّ اللّه ذي العلامة

قد قال إذ عمّمني العمامة

أنت أخي ومعدن الكرامة

ومن له من بعدي الإمامة

وقال النّاشي:

ولو آمنوا بنبيّ الهدي

وباللّه ذي الطّول ما خالفوكا

ولو أيقنوا بمعاد فما

أزالوا النّصوص ولا مانعوكا

ولكنّهم كتموا الشّكّ في

أخيك النّبيّ وأبدوه فيكا

لهم خَلَف نصروا قولهم

ليبغوا عليك وما عاينوكا

إذا صحّح النّصّ قالوا لنا

تواني عن الحقّ واستضعفوكا

فقلنا لهم نصّ خير الوري

يزيل الظّنون وينفي الشّكوكا

وعن علي بن الجعد، عن شعبة، عن حمّاد بن مسلمة، عن أنس بن مالك، قال النبيّ (صلي الله عليه وآله): انّ اللّه خلق آدم من طين كيف يشاء، ثمّ قال: ويختار، إنّ اللّه اختارني وأهل بيتي عن جميع الخلق، فانتجبنا، فجعلني الرسول وجعل عليّ بن أبي طالب الوصيّ، ثمّ قال تعالي: (ما كَانَ لَهُمُ الخِيَرة) يعني: ما جعلت للعباد أن يختاروا، ولكنّي أختار من أشاء، فأنا وأهل بيتي صفوة اللّه وخيرته من خلقه، ثمّ قال: «سبحان اللّه» تنزيهاً للّه «عمّا يشركون» به كفّار

مكّة. ثمّ قال: «وربّك» يا محمّد «يعلم ما تكنّ صدورهم» من بغض المنافقين لك ولأهل بيتك «ومايعلنون» بألسنتهم من الحبّ لك ولأهل بيتك.

قال ابن حمّاد:

تروم فساد دليل النّصوص

ونصراً لإجماع ما قد جمع

ألم يستمع قوله صادقاً

غداة الغدير بماذا صدع

ألا إنّ هذا وليّ لكم

أطيعوا فويل لمن لم يطع

وقال له أنت منّي أخي

كهارون من صنوه فاقتنع

وقال له أنت باب إلي

مدينة علمي لمن ينتجع

وسمّاه في الذّكر نفس الرّسول

في يوم باهل لمّا خشع

ففيم تخيّرتم غير من

تخيّره ربّكم واصطنع

واجتمعت الاُمّة علي أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) شاور الصّحابة في الاُساري، فاتّفقوا علي قبول الفداء، واستصوبه النّبيّ، وكان عند اللّه خطأ، فنزل قوله تعالي: (مَا كَانَ لِنَبِيّ انْ يَكونَ لَهُ أسْرَي) [الأنفال: 67 68].

وروي ابن جرير الطّبري: لمّا كان النبيّ (صلي الله عليه وآله) يعرض نفسه علي القبائل جاء إلي بني كلاب، فقالوا: نبايعك علي أن يكون الأمر لنا بعدك، فقال (صلي الله عليه وآله) الأمر للّه، فإن شاء كان فيكم أو في غيركم فمضوا فلم يبايعوه، وقالوا: لا نضرب لحربك بأسيافنا، ثمّ تحكّم علينا غيرنا.

وروي الماوردي في أعلام النبوّة أنّه قال عامر بن الطّفيل للنبيّ (صلي الله عليه وآله) وقد أراد به غيلةً: يا محمّد ما لي إن أسلمت؟ فقال (صلي الله عليه وآله): لك ما للاسلام وعليك ما علي الإسلام، فقال: ألا تجعلني الوالي من بعدك؟ قال: ليس لك ذلك ولا لقومك، ولك أعنّة الخيل، تغزو في سبيل اللّه. الرواية.

وعن الوليد بن صبيح قال: قال أبو عبداللّه جعفر الصادق (عليه السلام): إنّ هذا الأمر لا يدّعيه غير صاحبه إلاّ بتر اللّه عمره.

وقال أبو الحسن الرّفا لابن رامين الفقيه: لمّا خرج النبيّ من المدينة ما استخلف عليها أحداً؟ قال ابن

رامين: بلي استخلف عليّاً. قال الرّفا: وكيف لم يقل الرّسول لأهل المدينة اختاروا، فإنكم لا تجتمعون علي الضلال؟ قال ابن رامين: خاف عليهم الخلف والفتنة. قال الرّفا: فلو وقع بينهم فساد لأصلحه عند عودته. قال ابن رامين: هذا أوثق. قال الرّفا: أفاستخلف أحداً بعد موته؟ قال ابن رامين: لا. قال الرّفا: فموته أعظم من سفره وهو حيّ عليهم؟ فسكت.

ففي ذلك قال العبدي:

وقالوا رسول اللّه ما اختار بعده

إماماً ولكنا لأنفسنا اخترنا

أقمنا إماماً إن قام علي الهدي

أطعنا وإن ضلّ الهداية قوّمنا

فقلنا إذن أنتم امام إمامكم

بحمد من الرحمن تهتمّ ولا تهنا

ولكنّنا اخترنا الذي اختار ربّنا

لنا يوم خمٍّ ما اعتدينا ولا حلنا

سيجمعنا يوم القيامة ربّنا

فتجزون ما قلتم ونجزي الذي قلنا

هدمتم بأيديكم قواعد دينكم

ودين علي غير القواعد لا يبني

ونحن علي نور من اللّه واضح

فيا ربّ زدنا نوراً وثبّتنا

وقال ابن هاني المغربي:

عجبت لقوم أضلّوا السّبيل

وقد بيّن اللّه أين الهدي

فما عرفوا الحقّ لمّا استبان

ولا أبصروا الرّشد لمّا بدا

وما خفي الرّشد لكنّما

أضلّ الحلوم اتّباع الهوي

راجع مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب [1: 245 258 ط ايران].

تنبيه في الرد علي الغلاة

وإيّاك أيّها القارئ الكريم، بعدما اطّلعت عليه من عظائم الفضائل، وجلائل النّعم الّتي منّ اللّه بها علي أهل بيت النبوّة، وأبناء من حاز بمرتبة الاُخوّة، أن تذهب إلي ما ذهب إليه الغلاة الكفرة والغواة، وإن لم يكن لهم أشخاص في عصرنا فيما أظنّ ولم يكن لهم عين ولا أثر، سوي ما انطوي في طيّات الصّحف وبواطن الكتب من الخبر وما تفوّه به المتفوّهون فعن فم بغير علم منه بأهل الاخبار والسّير.

وإنّي لعلي يقين إن كنتَ ناسياً، فلن تَنسي أنّ غاية القول فيه (عليه السلام)، أنّه قد بلغ منزلةً ليست فوقها لغيره من الصّحابة، وهي منزلة النبوّة، كما

أخبرنا بذلك حديث المنزلة، ولكنّه لم يكن نبيّاً، كما صرّح به الرّسول (صلي الله عليه وآله) بقوله: إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي. ومهما قد اجتمعت فيه أيضاً من الصّفات النّبويّة، كما قد علمنا فيما مضي من حديث الأشباه.

ثمّ إنّه كما لا يخفي عليك أنّ اللّه جلّ جلاله، وعظم شأنه، قد قال في كتابه العزيز: (لا تَغْلُوا في دِيْنِكُمْ ولا تَقُولُوا عَلَي اللّهِ إلاّ الحَقّ) [النساء: 171].

وقال النبيّ (صلي الله عليه وآله) فيما روي عن معقل بن يسار: رجلان من اُمّتي لا تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وغال في الدّين مارق منه. راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب [1: 263 ط ايران] وكذا فيما سيأتي من الأحاديث والأقوال.

وقال الامام عليّ فيما روي عن الأصبغ بن نباتة: اللّهم انّي بريء من الغلاة، كبراءة عيسي بن مريم من النّصاري، اللهمّ اخذلهم أبداً، ولا تنصر منهم أحداً.

وقال (عليه السلام) أيضاً: يهلك فيّ إثنان: محبّ غال، ومبغض قال.

وعنه أيضا: يهلك فيّ رجلان: رجل محبّ مفرط يقرّ ظني بما ليس لي، ومبغض يحمله شنآني علي أن يبهتني.

وقال الامام الصادق (عليه السلام) فيما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 263]: الغلاة شرّ خلق اللّه، يصغّرون عظمة اللّه، ويدّعون الربوبيّة لعباد اللّه، واللّه إن الغلاة لشرّ من اليهود والنّصاري، والمجوس والذين أشركوا.

قال المؤلّف ابن شهرآشوب:

فلا تدخلنّ في عُلا الأنبياء

وفي الأوصياء بجهل غلوّاً

ولا تنسينّ الذي قاله

جعلنا لكلّ نبيّ عدوّاً

وكان النبيّ (صلي الله عليه وآله) قد أخبر أخاه وأبا سبطيه بذلك، فيما رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو السّعادات في فضائل العشرة: أنّه (صلي الله عليه وآله) قال: يا علي، مثلك في هذه الأمّة كمثل عيسي بن مريم، أحبّه قوم فأفرطوا فيه، وأبغضه قوم

فأفرطوا فيه، قال: فنزل الوحي: (ولمّا ضربَ ابنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذَا قومُكَ مِنْهُ يَصِدُّون) [الزخرف: 57] راجع إحقاق الحق [3: 398 401].

وروي أبو سعد الواعظ في شرف المصطفي أنّه قال (صلي الله عليه وآله) لعيّ (عليه السلام): لولا أنّي أخاف أن يقال فيك ما قالت النّصاري في المسيح، لقلت اليوم فيك مقالة لاتمرّ بملأ من المسلمين إلاّ أخذوا تراب نعليك وفضل وضوئك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك، ترثني وأرثك، الخبر. ورواه أبو بصير عن الصّادق (عليه السلام).

وفي الألفيّة قال بعضهم:

لولا مخافة مفتر من اُمّتي

ما في ابن مريم يفتري النّصراني

اظهرت فيك مناقباً في فضلها

قلب الأريب يظلّ كالحيرانِ

ولسارع الأقوام منك لأخذما

وطأته منك من الثّري العَقبان

وعن عبداللّه بن سنان: أنّ عبداللّه بن سبأ كان يدّعي النبوّة، ويزعم أنّ أمير المؤمنين هو اللّه، فبلغ ذلك أمير المؤمنين، فدعاه وسأله فأقرّ بذلك، وقال: أنت هو، فقال له: ويلك قد سخر منك الشّيطان فارجع عن هذا ثكلتك اُمّك وتب، فلمّا أبي حبسه واستتابه ثلاثة أيّام، فأحرقه بالنّار.

وروي أنّ سبعين رجلاً من الزّط أتوه (عليه السلام) بعد قتال أهل البصرة يدعونه إلهاً بلسانهم وسجدوا له، فقال لهم: ويلكم لاتفعلوا إنّما أنا مخلوق مثلكم، فإن لم ترجعوا عمّا قلتم فيّ وتتوبوا إلي اللّه لأقتلنكم، قال: فأبوا فخدّ لهم أخاديد وأوقد ناراً، فكان قنبر يحمل الرّجل بعد الرّجل علي منكبيه فيقذفه في النّار.

ثمّ قال (عليه السلام):

إنّي اذا أبصرت أمراً منكرا

أوقدت ناراً ودعوت قنبرا

ثمّ أحفترت حفراً فحفرا

وقنبر يخطم خطماً منكرا

وقال السيد الحميري:

قوم غلوّا في عليٍّ لا أبالهم

وجشموا أنفساً في حبّه تعبا

قالوا هو اللّه جلّ اللّه خالقنا

من أن يكون ابن اُمٍّ أو يكون أبا

فمن أدار اُمور الخلق بينهم

إذ كان في المهدأوفي البطن

محتجبا

نعم انّ لعليّ (عليه السلام) من الفضائل السّابقة ما اختصّ بها دون غيره من الصّحابة، وله (عليه السلام) من المناقب الرائقة ما تفرّد بها عن غيره من القرابة، كما قال جابر بن عبداللّه فيما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 287 ط النجف و 2: 3 ط ايران]: كانت لأصحاب النبيّ (صلي الله عليه وآله) ثماني عشرة سابقةً. خُصّ منها عليّ بثلاث عشرة، وشركنا في الخمس.

وفي كتاب الفضائل لعبدالملك بن عيسي العكبري: قال عبداللّه بن شدّاد ابن الهاد: قال ابن عبّاس: كان لعليّ ثماني عشرة منقبة، ما كانت لأحد من هذه الاُمّة مثلها.

وفي مناقب ابن مردويه: قال نافع بن الأزرق لعبداللّه بن عمر: إنّي أبغض عليّاً، فقال: أبغضك اللّه، أتبغض رجلاً سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها.

قال الحميري:

أين الجهاد وأين فضل قرابة

والعلم بالشّبهات والتّفصيل

أين التقدّم بالصّلاة وكلّهم

للات يعبد جهرةً ويحول

أين الوصيّة والقيام بوعده

وبدينه أن غرّك المحصول

أين الجوار بمسجد لا غيره

حيناً يمرّ به فأين تحول

هل كان فيهم إن نظرت مناصحاً

لأبي الحسين مقاسط وعديل

المسابقة بالاسلام

قال ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 288 ط النجف و 2: 4 ط ايران]: استفاضت الرّواية أنّ أوّل من أسلم: عليّ، ثمّ خديجة، ثمّ جعفر، ثمّ زيد، ثمّ أبو ذرّ، ثمّ عمرو بن عنبسة السّلمي، ثم خالد بن سعيد بن العاص، ثمّ سميّة اُمّ عمّار، ثمّ عبيدة بن الحارث، ثمّ حمزة، ثمّ خبّاب بن الأرت، ثمّ سلمان، ثمّ المقداد، ثمّ عمّار،ثمّ عبداللّه بن مسعود في جماعة، ثم أبو بكر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقّاص، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن زيد، وصهيب، وبلال.

وفيه نقلاً عن تاريخ النّسوي، قال الحسن بن زيد: كان أبو بكر الرابع في الإسلام. وقال القرطبي: أسلم

عليّ قبل أبي بكر، واعترف الجاحظ كما في العثمانيّة بعدما كرّ وفرّ: أنّ زيداً وخباباً أسلما قبل أبي بكر، ولم يقل أحد أنّهما أسلما قبل عليّ. وقد شهد أبو بكر لعليّ بالسّبق إلي الإسلام.

وروي أبو زرعة الدّمشقيّ، وأبو إسحاق الثّعلبي في كتابيهما، أنّه قال أبو بكر: يا أسفي علي ساعة تقدّمني فيها عليّ بن أبي طالب، فلو سبقته لكان لي سابقة في الإسلام.

وفيه نقلاً عن الكافي للكليني [8: 103]: روي أبو بصير عن الباقرين (عليهما السلام)، أنّهما قالا: إنّ النّاس لمّا كذّبوا برسول اللّه (صلي الله عليه وآله) همّ اللّه تبارك وتعالي بهلاك أهل الارض إلاّ عليّاً فما سواه، بقوله تعالي: (فَتَوَلَّ عَنهم فَمَا أنْتَ بِمَلُوم) [الذاريات: 54] ثمّ بدا له فرحم المؤمنين، ثمّ قال: (فَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَي تَنْفَعُ المُؤمِنين).

قال الحميري في ذلك:

فإنّك كنت تعبده غلاماً

بعيداً من أساف ومن مناة

ولا وثناً عبدت ولا صليباً

ولا عزّي ولم تسجد للات

وله أيضاً:

وعليّ أوّل النّاس اهتدي

بهدي اللّه وصلّي وادّكر

وحّد اللّه ولم يشرك به

وقريش أهل عود وحجر

وله أيضاً:

وصيّ محمّد وأبو بنيه

وأوّل ساجد للّه صلّي

بمكّة والبريّة أهل شرك

وأوثان لها البدنات تهدي

وقال العوني:

غصن رسول اللّه أحكم غرسه

فعلا الغصون نضارةً وتماماً

واللّه ألبسه المهابة والحجي

وربا بِهِ أن يعبد الأصناما

ما زال يغذوه بدين محمّد

كهلاً وطفلاً ناشياً وغلاما

وقال بعض الأعراب:

ألا إنّ خير الناس بعد محمّد

عليّ وان لام العذول وفنّدا

وإنّ عليّاً خير من وطيء الحصي

سوي المصطفي أعني النبيّ محمّدا

هما أسلما قبل الأنام وصلّيا

أغار العمري في البلاد وأنجدا

فإذا علمنا بما مضت من الأخبار والآثار والأشعار، بأنّه (عليه السلام) اوّل من أسلم وآمن باللّه بعد أخيه وابن عمّه خاتم أنبياء اللّه، وأوّل من صلّي مع رسول اللّه، وأوّل من فدي بنفسه في سبيل اللّه، وأوحد من باهي به اللّه

ملائكته حين بات علي فراش رسول اللّه، فكان مع ذلك كلّه أوّل من بايع رسول اللّه علي الموت في إعلاء كلمة اللّه، وأثبتهم قدماً في الوغي لنصر دين اللّه، وأوفاهم بالعهد لمّا عاهدوا اللّه، حتّي حظي بفضل اللّه في أشياء ساوي فيها أنبياء اللّه، وأوّل من حاز من بين الصّحابة رضاء اللّه، كما سيأتي ذكره فيما يلي.

المسابقة بالبيعة

أمّا مسابقته (عليه السلام) بالبيعة، فممّا لا يدافع فيه ولا ينازع.

ذكر ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 303 ط النجف و 2: 21 ط ايران]: أنّه كان للنّبيّ (صلي الله عليه وآله) بيعتان: بيعة عامّة، وبيعة خاصّة.

فالبيعة الخاصّة هي: بيعة الجنّ، ولم يكن فيها للإنس نصيب. وبيعة الأنصار، ولم يكن فيها للمهاجرين نصيب. وبيعة العشيرة، وذلك في ابتداء البيعة في دعوته (صلي الله عليه وآله)الخاصّة للأقربين. وبيعة الغدير، وذلك آخر البيعة حين نصب (صلي الله عليه وآله)عليّاً وليّاً بعده، وقد تفرّد بهما عليّ وأخذ بطرفيهما.

وأمّا البيعة العامّة: وهي بيعة الشجرة، ويقال: بيعة الرّضوان، لقوله تعالي فيها: (لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ المؤمنين إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشّجَرَة) [الفتح: 18]. وقد سبق عليّ أيضاً في هذه البيعة العامّة كلّ الصحابة جميعهم.

ذكر أبو بكر الشّيرازي في تفسيره ما نزل من القرآن في عليّ، عن جابر بن عبداللّه الأنصاري، قال: إنّ أوّل من قام للبيعة أمير المؤمنين علي، ثمّ أبو سنان عبداللّه بن وهب الاسدي، ثمّ سلمان الفارسي.

وفي أحاديث البصريّين عن أحمد، قال أحمد بن يسار: إنّ أهل الحديبيّة بايعوا رسول اللّه علي أن لا يفرّوا، وقد صحّ أنّه (عليه السلام) لم يفرّ في موضع قطّ، ولم يصحّ ذلك لغيره. انتهي.

ثمّ إنّ اللّه تعالي علّق الرّضا في الآية المذكورة بالمؤمنين، وكان المبايعون وقت ذاك

فيما رواه ابن أبي أوفي ألفاً وثلاثمئة. وفيما رواه جابر بن عبداللّه ألفاً واربعمئة. وفيما رواه ابن المسيّب ألفاً وخمسمئة. وفيما رواه ابن عبّاس ألفاً وستّمئة.

ولا شكّ أنّه كان فيهم جماعة من المنافقين، مثل: جد بن قيس. وعبداللّه ابن أبي سلول.

ثمّ إن اللّه علّق الرضا بالمؤمنين المتّصفين بالوفاء، وذلك قوله تعالي: (وأوْفُوا بعَهْدِ اللّهِ إذا عَاهَدْتُمْ ولا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بعدَ تَوْكِيدِها وقدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُم كَفيلاً) [النحل: 91] وقوله تعالي: (إنّ الّذيِنَ يُبَايِعُونَكَ إنَّما يُبايِعُونَ اللّه يَدُ اللّهِ فَوْقَ أيْديِهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فإنّما يَنْكُثُ عَلَي نَفْسِه) [الفتح: 10].

قال السدي ومجاهد: فأوّل من رضي اللّه عنه ممّن بايعه عليّ (عليه السلام).

أقول: لِما علم اللّه بما في قلبه من الصّدق والوفاء، وذلك لقوله تعالي: (فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِمْ فأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهم وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَريْباً) [الفتح: 4].

قال ابن عبّاس: أخذ النبيّ (صلي الله عليه وآله) تحت شجرة السّمرة بيعتهم علي أن لا يفرّوا، وليس أحدٌ من الصّحابة إلاّ نقض عهداً في الظّاهر، بفعل أو بقول، فقد ذمّهم اللّه تعالي، فقال تعالي في يوم الخندق: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدوا اللّهَ مِنْ قَبلُ لاَ يُوَلُّونَ الأدْبارَ) [الأحزاب: 15] وقال تعالي فيهم يوم حنين: (وضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرضُ بِمَا رَحُبَتْ ثمَّ وَلَّيْتُم مُدْبِرين) [التوبة: 25] انتهي.

وقد انهزم أبو بكر وعمر يوم خيبر، وكان الفتح علي يد عليّ بالاتّفاق، وذلك قوله تعالي: (وَأثَابَهُمْ فتحاً قَرِيْباً) فإنّه لم يفرّ قطّ في كلّ المشاهد والمعارك، بل ثبت (عليه السلام) مع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) في جميعها، حتي نزل قوله تعالي: (رِجَالٌ صدقوا مَا عَاهَدُوا اللّه) [الاحزاب: 23].

قال ابن شهرآشوب: وقد وجدنا النّكث في أكثرهم، خصوصاً في الأوّل والثّاني لمّا قصدوا في تلك السّنة إلي

بلاد خيبر، فانهزم الشّيخان، ثمّ انهزموا في حنين، فلم يلبث منهم تحت راية عليّ إلاّ ثمانية من بني هاشم، وواحد من غيرهم، كما ذكرهم ابن قتيبة في كتابه المعارف.

قال الشيخ المفيد في كتابه الارشاد [ص 141]: من الذين ثبتوا مع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)في حنين هم: العبّاس بن عبدالمطّلب عن يمين رسول اللّه، وولده الفضل بن العبّاس عن يساره، وأبو سفيان بن الحرث بن عبدالمطّلب ممسك بسرجه عند لغد [1] بغلته، وأمير المؤمنين عليّ بين يديه يقاتل بسيفه، ونوفل بن الحرث بن عبدالمطلب، وأخوه ربيعة بن الحرث، وعبداللّه بن الزّبير بن عبدالمطّلب، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب بن عبدالمطّلب حوله، والتّاسع أيمن بن عبيد قتل بين يدي النبيّ (صلي الله عليه وآله).

قال العبّاس:

نصرنا رسول اللّه في الحرب تسعةً

وقد فرّ من قد فرّ عنه فأقشعوا

وقال مالك بن عبادة:

لم يواس النبيّ غير بني ها

شم عند السّيوف يوم حنين

هرب الناس غير تسعة رهط

وهم يهتفون بالنّاس أين

وقال السوسي:

ذاك الامام المرتضي

إن غدر القوم وفي

أو كدر القوم صفا

فهو له مطاول

مؤنسه في وحدته

صاحبه في شدّته

حقّاً مجلي كربته

والكرب كرب شامل

وقال العوني:

وهل بيعة الرّضوان إلاّ أمانة

فأوّل من قد خانها السّلفان

وقال الحميري:

أبو حسن غلامٌ من قريش

أبرّهم وأكرمهم نصابا

دعاهم أحمد لمّا أتته

من اللّه النّبوّة فاستجابا

فأدّبه وعلّمه وأملي

عليه الوحي يكتبه كتابا

فأحصي كلّما أملي عليه

وبيّنه له باباً فبابا

وله أيضاً:

لأقدم اُمّته الأوّلين

هديً ولأحدثهم مولدا

دعاه ابن آمنة المصطفي

وكان رشيدا الهدي مرشداً

إلي أن يوحّد ربّ السماء

تعالي وجلّ وان يعبدا

فلبّاه لما دعاه إليه

ووحّده مثلما وحّدا

وأخبره أنّه مرسل

فقال صدقت وما فنّدا

فصلّي الصّلاة وصام الصّيام

غلاماً وافي الوغي أمردا

فلم يُرَ يوماً كأيّامه

ولا مثل مشهده مشهدا

وقال العوني:

إنّ رسول اللّه مصباح الهدي

وحجّة اللّه علي كلّ البشر

جاء بقرآن مبين ناطق

بالحقّ من عند مليك مقتدر

فكان من أوّل من

صدّقه

وصيّه وهو بسنٍّ من صغر

ولم يكن أشرك باللّه ولا

دنس يوماً بسجود لحجر

فذاكم أوّل من آمن باللّه

ومن جاهد فيه وصبر

أوّل من صلّي مع القوم ومن

طاف ومن حجّ بنسك واعتمر

وقال دعبل:

سقياً لبيعة أحمد ووصيّه

أعني الإمام وليّنا المحسودا

أعني الذي نصر النبيّ محمّداً

قبل البريّة ناشئاً ووليدا

أعني الذي كشف الكروب ولم يكن

في الحرب عند لقائها رعْديدا

أعني الموحّد قبل كلّ موحّد

لا عابداً وثناً ولا جلمودا

وقال آخر:

فلمّا دعا المصطفي أهله

إلي اللّه سرّاً دعاه رفيقا

ولاطفهم عارضاً نفسه

علي قومه فزجروه عقوقا

فبايعه دون أصحابه

وكان لحمل أذاه مطيقا

ووحّد من قبلهم سابقا

وكان إلي كلّ فضل سبوقا

راجع مناقب ابن شهرآشوب [2: 21 28 ط ايران].

مسابقته بالعلم

عن سفيان، عن ابن جُريج، عن عطاء عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (والذين أُوتُوا العِلمَ والايمانَ) [الروم: 56] قال: قد يكون مؤمناً ولا يكون عالماً، فواللّه لقد جمع لعليّ كلاهما، العلم والايمان.

وعن مقاتل بن سليمان، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، في قوله تعالي: (إنَّما يَخْشي اللّهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ) [فاطر: 28] قال: كان علي يخشي اللّه ويراقبه، ويعمل بفرائضه، ويجاهد في سبيله.

وعن محمّد بن مسلم، وأبي حمزة الثمالي، وجابر بن يزيد، عن الباقر (عليه السلام). وعن علي بن فضّال، وفضيل بن يسار، وأبي بصير عن الصادق (عليه السلام). وعن أحمد بن محمّد الحلبي، ومحمّد بن فضيل، عن الرضا (عليه السلام). وقد روي عن موسي بن جعفر (عليه السلام). وعن زيد بن علي، وعن محمّد بن الحنفيّة، وعن سلمان الفارسي، وعن أبي سعيد الخدري، وعن إسماعيل السّديّ، أنّهم قالوا في قوله تعالي: (قُلْ كَفَي بِاللّهِ شَهِيداً بَيْني وَبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلمُ الكِتاب) [الرعد: 43] هو: علي بن أبي طالب.

وفي تفسير الثّعلبيّ بإسناده عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس.

وقد روي أيضاً عن عبداللّه بن عطاء، عن أبي جعفر الباقر (عليهما السلام)، أنّه قيل لهما: زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب هو عبداللّه بن سلام، قال: ذاك عليّ بن أبي طالب.

وروي أيضاً أنّه سئل سعيد بن جبير في قوله تعالي: (ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتاب) أهو عبداللّه بن سلام؟ قال: لا، فكيف وهذه السّورة مكّيّة.

وقد سئل أيضاً ابن عبّاس عن هذه الآية، فقال: لا واللّه، وما هو إلاّ عليّ بن أبي طالب، لقد كان عالماً بالتّفسير، والنّاسخ والمنسوخ، والحلال والحرام.

وروي عن ابن الحنفيّة أنّه قال: علي بن أبي طالب عنده علم الكتاب، الأوّل والآخر.

وفي رواية النطنزي في الخصائص العلويّة أنّه قال: ومن المستحيل أنّ اللّه تعالي يستشهد بيهوديّ ويجعله ثاني نفسه.

قال العوني:

ومن عنده علم الكتاب وعلم ما

يكون وما قد كان علماً مكتّماً

وقال نصر بن المنتصر:

ومن حوي علم الكتاب كلّه

علم الذي يأتي وعلم ما مضي

وقال ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 29] قال الجاحظ: اجتمعت الاُمّة علي أنّ الصّحابة كانوا يأخذون العلم من أربعة: عليّ، وابن عبّاس، وابن مسعود، وزيد ابن ثابت. وقالت طائفة: وعمر بن الخطاب.

ثمّ إنّهم أجمعوا علي أن الأربعة كانوا أقرأ لكتاب اللّه من عمر، وقد قال (صلي الله عليه وآله): يؤمُّ بالنّاس أقرؤهم. فسقط عمر.

ثمّ أجمعوا علي أن النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: الأئمّة من قريش. فسقط ابن مسعود و زيد بن ثابت، وبقي عليّ وابن عبّاس، إذ كانا عالمين فقيهين قرشيّين، فأكثرهما سنّاً وأقدمهما هجرةً عليّ، فسقط ابن عبّاس وبقي عليّ. فهو أحقُّ بالإمامة بالإجماع.

وكانوا يسألونه ولم يسأل هو أحداً. وقال النبيّ (صلي الله عليه وآله): إذا اختلفتم في شيء فكونوا مع عليّ بن أبي طالب.

وعن عبادة بن الصّامت، قال: قال

عمر: كنّا اُمرنا إذا اختلفنا في شيء أن نحكّم عليّاً، ولهذا تابعه المذكورون بالعلم من الصّحابة، مثل: سلمان الفارسي، وعمّار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبي ذرالغفاري، واُبي بن كعب، وجابر بن عبداللّه الأنصاري، وابن عبّاس، وابن مسعود، وزيد بن صوحان. ولم يتأخّر الاّ زيد بن ثابت، وأبو موسي، ومعاذ، وعثمان، وكلّهم معترفون له بالعلم، مقرّون له بالفضل.

وفي أمالي ابن بابويه [ص 491 ط النجف] قال محمّد بن المنذر: كان عليّ إذا قال شيئاً لم يشكّ فيه، وذلك انّا سمعنا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) يقول: خازن سرّي بعدي عليّ.

وعن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: إنّ عمر بن الخطّاب قال لعليّ (عليه السلام): يا أبا الحسن إنّك لتعجل في الحكم والفصل للشيء إذا سئلت عنه؟ قال: فأبرز عليّ كفّه، وقال له: كم هذا؟ فقال عمر: خمسة، فقال عليّ (عليه السلام): عجلت يا أبا حفص. قال عمر: لم يخف عليَّ. فقال عليّ: أنا أسرع فيما لا يخفي عليَّ.

وذكر ابن بطّة في الابانة، والزّمخشري في الفائق قول عمر: أعوذ باللّه من معضلة ليس فيها أبو الحسن. وقد ظهر رجوعه الي عليّ (عليه السلام) في ثلاث وعشرين مسألة: حتّي قال: لولا علي لهلك عمر.

قال الخوارزمي:

إذا عمر تخطّي في جواب

ونبّهه عليّ بالصّواب

يقول بعدله لولا عليّ

هلكت هلكت في ذاك الجواب

وفي كتاب الجلاء والشّفاء، وفي كتاب «الإحن والمحن» قال الصادق (عليه السلام): قضي عليّ باليمن، فأتوا النبيّ (صلي الله عليه وآله) فقالوا: إنّ عليّاً ظلمنا، فقال (صلي الله عليه وآله): إنّ عليّاً ليس بظالم، ولم يخلق للظّلم، وانّ عليّاً وليّكم بعدي، والحكم حكمه، والقول قوله، ولا يردّ حكمه إلاّ كافر، ولا يرضي به إلاّ مؤمن.

راجع مناقب ابن شهرآشوب [2: 28

33 ط ايران].

وإذا ثبت ذلك أفهل ينبغي لهم أن يرجعوا بعد النبيّ (صلي الله عليه وآله) إلي غير عليّ ويحلّ مقامه (صلي الله عليه وآله) غيره في الحكم والقضاء؟ فإذا كان عليّ أعلمهم علي الاطلاق فهو أفضلهم بلا شكٍّ ولا ريب عند من له أدني تمييز، ولا يستساغ طبعاً أن يتقدّم المفضول، أو يقدّم علي الفاضل؛ لقوله تعالي: (أفَمَنْ يَهْدِي إِلَي الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمْ مَنْ لا يَهِدِّي إلاّ انُ يُهْدَي مالكُمْ كيف تحكمون) [يونس: 35].

كونه أعلم الصحابة

اشاره

أمّا كونه (عليه السلام) أعلمهم فممّا لا كلام فيه، إذ كان (عليه السلام) مع النبيّ (صلي الله عليه وآله) في البيت وفي المسجد يكتب وحيه ومسائله، ويسمع فتاويه ويسأله، فقد روي أن النبيّ (صلي الله عليه وآله) إذا نزل عليه الوحي ليلاً لم يصبح حتي يخبر به عليّاً، وإذا نزل الوحي نهاراً لم يمس حتّي يخبر عليّاً.

وروي أبو نعيم في حلية الأولياء باسناده عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جدّه عن علي (عليه السلام)، أنّه قال: علّمني رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ألف باب، يفتح كلّ باب إليّ ألف باب.

وقد روي أبو جعفر بن بابويه هذا الخبر في كتابه الخصال [ص 645 651] من أربع وعشرين طريقاً.

وروي سعد بن عبداللّه القمّي في كتابه بصائر الدرجات من ستّة وستّين طريقاً. راجع «مناقب آل ابي طالب» [1: 315 ط النجف و 2: 36 ط ايران].

قال الحميري:

عليّ أمير المؤمنين أخو الهدي

وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا

أسرّ إليه أحمد العلم جملةً

وكان له دون البريّة واعيا

ودوّنه في مجلس منه واحد

بألف حديث كلّها كان هاديا

وكلّ حديث من اُولئك فاتح

له ألف باب فاحتواها كماهيا

وقال الاصفهاني:

وله يقول محمّد أقضاكم

هذا وأعلم يا ذوي الأذهان

إنّي مدينة

علمكم وأخي له

باب وثيق الرّكن مصراعان

فأتوا بيوت العلم من أبوابها

فالبيت لا يؤتي من الحيطان

وقال العوني:

أمّن سواه إذا أتي بقضيّة

طرد الشّكوك وأخرس الحكّاما

فإذا رأي رأياً فخالف رأيه

قوم وإن كدّوا له الأفهاما

نزل الكتاب برأيه فكأنّما

عقد الإله برأيه الأحكاما

وقال ابن حمّاد:

عليم بما قد كان أو هو كائن

وما هو دقّ في الشرائع أو جلّ

مسمّي مجلي في الصّحائف كلّها

فسل أهلها واسمع تلاوة من يتلو

ولولا قضاياه التي شاع ذكرها

لعطّلت الأحكام والفرض والنّفل

قال الصادق وأمير المؤمنين عليّ (عليهما السلام) في قوله تعالي: (وَلَيْسَ الْبِرّ بَأنْ تَأتُوا الْبُيُوت) الآية [الطور: 189] وقوله تعالي: (اُدْخُلُوا هذهِ القَريَة) الآية [البقرة: 58]: نحن البيوت التي أمر اللّه أن يؤتي من أبوابها، نحن باب اللّه وبيوته التي تؤتي منه، فمن تابعنا وأقرّ بولايتنا، فقد أتي البيوت من أبوابها، ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتي البيوت من ظهورها.

قال البشنوي:

فمدينة العلم التي هو بابها

أضحي قسيم النار يوم مآبه

فعدوّه أشقي البريّة في لظي

ووليّه المحبوب يوم حسابه

وقال ابن حمّاد:

هذا الإمام لكم بعدي يسدّدكم

رشداً ويوسعكم علماً وآداباً

إنّي مدينة علم اللّه وهُوَ لها

باب فمن رامها فليقصد البابا

وقال خطيب منيح:

أنا دار الهدي والعلم فيكم

وهذا بابها للدّاخلينا

أطيعوني بطاعته وكونوا

بحبل ولائه مستمسكينا

وروي ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 316 ط النجف و 2: 37 ط ايران] عن أبان بن تغلب، والحسين بن معاوية، وسليمان الجعفري، وإسماعيل بن عبداللّه ابن جعفر كلّهم، عن أبي عبداللّه جعفر الصادق (عليه السلام)، قال: لمّا حضر رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)الموت دخل عليه عليّ (عليه السلام)، فأدخل رأسه معه، ثمّ قال (صلي الله عليه وآله): يا علي إذا متّ فغسّلني وكفّنّي، ثمّ أقعدني وسائلني واكتب.

وفي كتاب تهذيب الاحكام [1: 435] قال (صلي الله عليه وآله): فخذ بمجامع كفني وأجلسني، ثمّ

اسألني عمّا شئت، فو اللّه ما سألتني عن شيء إلاّ أجبتك فيه.

وفي رواية: عن أبي عوانه باسناده: قال علي (عليه السلام): فسألت فأنبأني بما هو كائن إلي يوم القيامة.

وعن جميع بن عمير التيمي، عن عائشة في خبر أنّها قالت: وسالت نفس رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) في كفّه ثمّ ردّها في فيه.

وروي حنش الكناني أنّه سمع عليّاً يقول: واللّه لقد علمت بتبليغ الرّسالات، وتصديق العدات، وتمام الكلمات.

وسمعت قوله (عليه السلام): إنّ بين جنبي لعلماً جمّاً لو أصبت حملة.

وقوله (عليه السلام): لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً.

وقال ابن العودي:

ومن ذا يساميه بمجد ولم يزل

يقول سلوني ما يحلّ ويحرم

سلوني ففي جنبيّ علم ورثته

عن المصطفي ما فات منّي به الفم

سلوني عن طرق السّماوات إنّني

بهاعن سلوك الطّرق في الأرض أعلم

ولو كشف الله الغطا لم أزد به

يقيناً علي ما كنت أدري وأفهم

وقال الزاهي:

ما زلت بعد رسول اللّه منفرداً

بحراً يفيض علي الورّاد زاخره

أمواجه العلم والبرهان لجّته

والحلم شطّاه والتقوي جواهره

وفي النهج [الخطبة 93]: قال (عليه السلام): فو الذي نفسي بيده، لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضلّ مائة، إلاّ أخبرتكم بناعقها، وقائدها، وسائقها، ومناخ ركابها، ومحطّ رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً ويموت موتاً.

وفي رواية: قال: [الخطبة 175] لو شئت أخبرت كلّ واحد منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفلعت.

وقال العوني:

وكم علوم مقفلات في الوري

قد فتح اللّه به أقفالها

حرّم بعد المصطفي حرامها

كما أحلّ بينهم حلالها

وكم بحمد اللّه من قضيّة

مشكلة حلّ لهم أشكالها

حتّي أقرّت أنفس القوم بأن

لولا الوصيّ ارتكبت ضلالها

قال ابن حمّاد:

سلوني أيّها الناس

سلوني قبل فقداني

فعندي علم ما كان

وما يأتي وما ياني

شهدنا أنّك العالم

في علمك ربّاني

وقلت الحقّ يا حقّ

ولم تنطق ببهتان

فمن ذلك قال ابن شهرآشوب في

مناقبه [2: 40 ط ايران]: ومن عجب أمره في هذا الباب: أنّه لا شيء من العلوم إلاّ وأهله يجعلون عليّاً قدوةً، فصار قوله قبلةً في الشريعة، فمنه سمع القرآن، كما ذكر الشيرازي في تفسيره نزول القرآن في علي، واليعقوبي في تفسيره، عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (لا تُحَرّك بِهِ لِسانَكَ)كان النبيّ يحرّك شفتيه ليحفظه، فقيل له: لا تُحرّك به لسانك، يعني: بالقرآن «لتعجل به» يعني: من قبل ان يفرغ به من قراءته عليك، (إنّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرآنَه) [القيامة: 16 17] قال: ضمن اللّه محمّداً أن يجمع القرآن بعد رسول اللّه عليّ بن أبي طالب. قال ابن عبّاس: فجمع اللّه القرآن في قلب عليّ بعد موت رسول اللّه بستّة أشهر.

وقد نقل إلينا أيضا فيما سجّله أهل الأخبار والسّير والسنن أنّه: انّما أبطأ عليّ (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر لتأليف القرآن، كما روي ذلك أبو نعيم في الحلية، والخطيب في الأربعين، بالاسناد عن السّدّي، عن عبد خير، عن علي (عليه السلام) أنّه قال: لمّا قبض رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) أقسمت أن لا أضع ردائي علي ظهري حتّي أجمع ما بين اللوّحين، فما وضعت ردائي حتّي جمعت القرآن.

وفي الأخبار عن أهل البيت (عليهم السلام): أنّه (عليه السلام) آلي أن لا يضع رداءه علي عاتقه إلاّ للصّلاة حتّي يؤلّف القرآن ويجمعه، فانقطع عنهم مدّة إلي أن جمعه، ثمّ خرج إليهم في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد، فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع اُلبَتِه [2]، فقالوا: الأمر ما جاء به أبو الحسن، فلمّا توسّطهم وضع الكتاب بينهم، ثمّ قال: إنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) قال: إنّي مخلف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوّا

كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، وهذا الكتاب وأنا العترة، فقام اليه الثّاني لعلّ المراد به عمر فقال له: إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله، فلا حاجة لنا فيكما، فحمل (عليه السلام)الكتاب بعد أن ألزمهم الحجّة. انتهي.

ولهذا قرأ ابن مسعود: انّ عليّاً جمعه وقرأ به، فإذا قرأه فاتّبعوا قراءته.

ومن ذلك كما في نفس المصدر: روي أحمد بن حنبل، وابن بطّة، وأبو يعلي الموصلي في مصنّفاتهم، عن الأعمش، عن أبي بكر بن عياش في خبر طويل أنّه قرأ رجلان ثلاثين من الأحقاف، فاختلفا في قراءتهما، فقال ابن مسعود: هذا خلاف ما أقرأه، فذهب بهما إلي النبي (صلي الله عليه وآله) فغضب وعليّ عنده، فقال عليّ: رسول اللّه يأمركم أن تقرأوا كما علمتم. وهذا دليل علي علم عليّ بوجوه القراءات المختلفة.

وروي أنّ زيداً لمّا قرأ التابوة، قال عليّ: اُكتبه التابوت، فكتبه كذلك.

ومّما يدلّ علي أنّه (عليه السلام) أعلمهم بالقرآن العظيم: رجوع القرّاء السّبعة إلي قراءته، كما ذكر ذلك ابن شهرآشوب في المصدر المذكور، فحمزة والكسائيّ قد كانا يعوّلان علي قراءة عليّ وابن مسعود، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود، فهما إنّما يرجعان إلي عليّ (عليه السلام)، ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجري الإعراب، وقد قال ابن مسعود: ما رأيت أحداً أقرأ من عليّ بن أبي طالب.

وأمّا نافع وابن كثير وأبو عمرو، فمعظم قراءاتهم ترجع إلي ابن عبّاس، وابن عبّاس قرأ علي اُبي بن كعب وعليّ، والذي قرأه هؤلاء الثلاثة يخالف قراءة اُبي بن كعب، فهو إذن مأخوذ عن عليّ (عليه السلام).

وأمّا عاصم، فإنّه قد قرأ علي عبدالرحمن السلمي، وقال السلميّ: قرأت القرآن كلّه علي علي بن أبي طالب، وقد قالوا: أفصح القراءات قراءة عاصم؛ لأنّه أتي بالأصل، وذلك أنّه

يظهر ما أدغمه غيره، ويحقّق في الهمزة ماليّنه غيره، ويفتح من الألفات ما أماله غيره.

وذكر النقاش في تفسيره أنّه قال ابن عبّاس: جلّ ما تعلّمت من التفسير من علي بن أبي طالب.

وقال ابن مسعود: إنّ القرآن اُنزل علي سبعة أحرف، ما منها إلاّ وله ظهر وبطن، وإن عليّ بن أبي طالب علم الظاهر والباطن.

وقال الشعبي، كما في الفضائل للعكبري: ما أحد أعلم بكتاب اللّه بعد نبيّ اللّه من عليّ بن أبي طالب.

وقال عليّ (عليه السلام)، كما في تاريخ البلاذري، وحلية أبي نعيم: ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت، أبليل نزلت أم بنهار نزلت، أو سهل أو جبل، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً.

وفي قوت القلوب لأبي طالب المكّي، قال علي: لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في تفسير فاتحة الكتاب، ولما وجد المفسّرون قوله لاياخذون إلاّ به.

راجع مناقب ابن شهرآشوب [2: 33 43 ط ايران].

علمه بالفقه

وأمّا البحث عنه (عليه السلام) في علمه بالفقه، فلا شكّ أنّه بحره الزاخر الذي لا ساحل له، وانّه ما ظهر عن جميعهم مثل ما تفجّر منه، بل إنّ جميع فقهاء الأمصار إليه يرجعون، ومن لجاجه يغترفون.

أمّا فقهاء الكوفة، كسفيان الثوري، والحسن بن صالح بن حيّ، وشريك بن عبداللّه، وابن أبي ليلي، فإنّهم كانوا يفرّعون المسائل ويقولون: هذا قياس عليّ، ويترجمون الأبواب بذلك.

وأمّا فقهاء أهل البصرة البّارزين فيها، فأشهرهم: الحسن البصري، وابن سيرين، وكلاهما كانا ياخذان عمّن أخذ عن علي. وقد صرح ابن سيرين بأنّه أخذ عن الكوفيّين، وعن عبيدة السمعاني، وهو أخصّ الناس بعليّ (عليه السلام).

وأمّا أهل مكّة، فانّهم أخذوا عن ابن عبّاس وعن علي، وقد أخذ ابن عبّاس معظم علمه عنه (عليه السلام).

وقد صنّف

الشافعيّ فيما رواه ابن شهرآشوب كتاباً مفرداً في الدّلالة علي اتّباع أهل المدينة لعليّ وعبداللّه لعله ابن عبّاس وقال محمّد بن الحسن الفقيه: لولا عليّ بن أبي طالب ماعلمنا حكم أهل البغي. ولمحمّد بن الحسن كتاب يشتمل علي ثلاثمئة مسألة في قتال أهل البغي بناءً علي فعله (عليه السلام).

وفي مسند أبي حنيفة: قال هشام بن الحكم: قال جعفر الصادق (عليه السلام) لأبي حنيفة: من أين أخذت القياس؟ قال: من علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وذلك حين شاهدهما عمر في الجدّ مع الاخوة.

فقال علي: لو أنّ شجرة انشعب منها غصن، وانشعب منها غصنان، أيّهما أقرب إلي الغصنين؟ أصاحبه الذي يخرج معه أو الشّجرة؟ وقال زيد: لو أنّ جدولاً انبعث فيه ساقية، فانبعث من السّاقية ساقيتان، أيّهما أقرب أحد السّاقيتين إلي صاحبهما أم الجدول؟ راجع مناقب ابن شهرآشوب [2: 44 ط ايران].

علمه بالفرائض

وأمّا الخوض في سعة علمه بالفرائض، فكتطويل في القول بلا طائل، بعد أن فوجئ بالسّؤال وهو قائم خطيباً علي المنبر، فأتي بجواب شاف، وبيان واف، كما روي ذلك الإمام أحمد بن حنبل في كتابه فضائل الصحابة، قال عبداللّه بن مسعود: إنّ أعلم أهل المدينة بالفرائض عليّ بن أبي طالب.

وقال الشعبي: ما رأيت أفرض من عليّ ولا أحسب منه، وقد سئل وهو علي المنبر يخطب عن رجل مات وترك امرأةً وأبوين وابنتين، كم نصيب المرأة؟ فقال (عليه السلام)صار ثمنُها تسعاً، فلقبت بالمسألة المنبرية.

وشرح ذلك: للأبوين السّدسان، وللبنتين الثّلثان، وللمرأة الثّمن، عالت الفريضة فكان ثلث من أربعة وعشرين ثمنها، فلمّا صارت إلي سبعة وعشرين صار ثمنها تُسعاً، فإنّ ثلاثةً من سبعة وعشرين تُسعها، ويبقي أربعة وعشرون، للابنتين ستّة عشر، وثمانية للأبوين سواءً، قال هذا علي

الاستفهام، أو علي قولهم صار ثُمنها تُسعاً، أو قال علي مذهب نفسه، أو بيّن كيف يجييء الحكم علي مذهب من يقول بالعول، فبيّن الجواب والحساب والقسمة والنّسبة، ومنه المسألة الدّيناريّة وصورتها.

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [2: 44 45].

علمه بالحديث والروايات

وأمّا علمه بالروايات والأحاديث النّبويّة. فإنّه قد فاق نيّفاً وعشرين رجلاً من أجلاّء المحدّثين من أهل الرّوايات وكبار الصّحابة، منهم: عبداللّه بن عبّاس، وابن مسعود، وجابر بن عبداللّه الأنصاري، وأبو أيّوب الأنصاري، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو رافع وغيرهم. وكلّ اُولئك الحفظة معترفون بأنّه (عليه السلام) أكثرهم روايةً، وأتقنهم حجّة، ومع ذلك أنّه لديهم مأمون الباطن، لقوله (صلي الله عليه وآله): عليّ مع الحق والحقّ مع عليّ.

ثمّ إنّ منهم من لم يكن الاعتراف موقفهم، يقف فيه وقوف المذعن فحسب، بل قد تطرّق إليه العجب، حتّي ألجأه إلي أن يقرع باب السؤال، كما رواه التّرمذي والبلاذريّ في كتابيهما، وذلك أنّه قيل لعليّ: ما بالك أكثر أصحاب النبيّ (صلي الله عليه وآله)حديثاً؟ قال (عليه السلام): كنت إذا سألته أنبأني، واذا سكتّ عنه ابتدأني.

وفي رواية ابن مردويه: أنّه (عليه السلام) قال: كنت إذا سألت اُعطيت، وإذا سكتّ اُبتدئت.

قال محمّد الاسكافي:

حبر عليم بالذي هو كائن

وإليه في علم الرّسالة يرجع

أصفاه أحمد من خفيّ علومه

فهو البطين من العلوم الأنزع

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [2: 45].

علمه بعلم الكلام

أمّا سعة تفنّنه في علم الكلام، فإنّه قد بلغ أعلاه وغايته القصوي، بل كان هو الأصل فيه، قال (صلي الله عليه وآله): عليّ ربّانيّ هذه الاُمّة.

وكان (عليه السلام) أوّل من سنّ دعوة المبتدعة بالمجادلة إلي الحقّ، كما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 45]. وقد ناظر الملاحدة في مناقضات القرآن، وأجاب مشكلات مسائل الجاثليق حتّي أسلم.

قال سفيان فيما ذكره ابن مردويه: ما حاجّ علي أحداً الاّ حجّه.

وذكر الشيرازي أبو بكر في كتابه: أنّه (عليه السلام)قال لرأس الجالوت لمّا قال له: لم تلبثوا بعد نبيّكم الاّ ثلاثين سنةً حتي ضرب بعضكم وجه بعض بالسيف.

فأجابه (عليه السلام)بقوله: وأنتم لم تجفّ أقدامكم من ماء البحر حتي قلتم لموسي: إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة.

وفيه أنّ أهل البصرة أرسلوا إليه (عليه السلام) كليباً الجرمي بعد يوم الجمل ليزيل الشّبهة عنهم في أمره، فذكر (عليه السلام) له ما علم أنّه علي الحقّ، ثمّ قال: بايع، فقال: إنّي رسول القوم فلا احدث حدثاً حتّي أرجع إليهم، فقال (عليه السلام): أرأيت لو أنّ الذين ولّوك بعثوك رائداً تبتغي لهم مساقط الغيث، فرجعت إليهم فاخبرتهم عن الكلأ والماء؟ قال: فامدد إذن يدك، قال كليب: فو اللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليَّ، فبايعته.

قال الورّاق القمي:

عليّ لهذي الناس قد بيّن الّذي

هم اختلفوا فيه ولم يتوجّم

عليّ أعاش الدّين وفاه حقّه

ولولاه ما أفضي الي عشر درهم

قال العبدي:

وعلّمك الذي علم البرايا

وألهمك الذي لا يعلمونا

فزادك في الوري شرفاً وعزّاً

ومجداً فوق وصف الواصفينا

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [2: 45 46].

علمه بالنحو

أمّا علمه بالنّحو، فبسط القول فيه تطويل بلا طائل، كيف وقد كان (عليه السلام) هو مبتدع هذا العلم، وواضعه، ومؤسّس بنيانه، كما أقرّ بذلك النحويّون، ورواه النحاة عن الخليل بن أحمد بن عيسي بن عمرو الثقفي، عن عبداللّه بن إسحاق الحضرمي، عن أبي عمرو بن العلاء، عن ميمون الأقرن، عن عنبسة الفيل، عن أبي الأسود الدّؤلي عنه (عليه السلام). والسّبب في ذلك:

أوّلاً: أنّ قريشاً كانوا يزوّجون بالأنباط، فوقع فيما بينهم أولاد، ففسد لسانهم حتّي أنّ بنتاً لخويلد الأسدي كانت مزوّجةً بالأنباط، فقالت: إن أبويّ مات، وترك عليّ مال كثير، فلمّا رأوا فساد لسانها أسّس النّحو.

ثانياً: روي أنّ أعرابيّاً سمع من سوقي يقرأ: (إنّ اللّه بريء من المشركين ورسوله)، فشجّ رأسه، فخاصمه إلي أمير المؤمنين، وقال له في ذلك: إنّه قد

كفر باللّه في قراءته، فقال (عليه السلام): إنّه لم يتعمّد ذلك.

ثالثاً: أنّه روي أنّ أبا الأسود الدؤلي كان في بصره سوء، وله بنيّة تقوده إلي علي (عليه السلام)، فقالت: يا أبتاه: ما أشدّ حرّ الرّمضاء، تريد التعجّب، فنهاها عن مقالتها، فأخبر أمير المؤمنين بذلك فأسس.

رابعاً: روي أنّ أبا الأسود الدؤلي كان يمشي خلف جنازة، فقال له رجل: من المتوفّي؟ فقال: اللّه، ثمّ أخبر عليّاً بذلك فأسّس.

راجع: المناقب لأبن شهرآشوب [2: 46 47].

تفننه في الخطابة

أمّا علوّ تفنّنه في الخطابة، وتفوّقه (عليه السلام)علي غيره من مصاقيع الخطباء واُسود المنابر، فليس يخفي علي من له أدني إلمام بهذا الفنّ، فحسبنا بما هو مسطور في كتاب نهج البلاغة عن الشريف الرضي، وكتاب خطب أمير المؤمنين، عن إسماعيل بن مهران السّكوني، وعن زيد بن وهب أيضا.

قال الحميري:

من كان أخطبهم وأنطقهم ومن

قد كان يشفي حوله البرحاء

من كان أنزعهم من الإشراك أو

للعلم كان البطن منه خفاء

من ذا الذي أمروا اذ اختلفوا بأن

يرضوا به في أمرهم قضاء

من قيل لولاه ولولا علمه

هلكوا وعاثوا فتنةً صمّاء

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [2: 47 48].

فصاحته وبلاغته

فلقد تفرّد (عليه السلام) في الفصاحة والبلاغة، وباخ قمّة كلّ الفصحاء فيها أن يجاروه، وعيّ البلغاء أن يباروه، وظلّوا إلي عصرنا هذا منكسي رؤوسهم تحت قدميه، وما أغنانا عن بسط القول فيه.

وحسبنا دليلاً ما قاله الشريف الرضيّ فيه، وما رواه المؤرخون من الدّرر الحكميّة ما تساقطت من فيه. كما في خطبته المسمّاة بالشقشقيّة، والتوحيد، والملاحم والهداية، وغيرها ممّا سجّله الشريف الرضيّ في نهج البلاغة قال الرضي: كان أمير المؤمنين مشرع البلاغة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه ظهر مكنونها، وعنه اُخذ قوانينها.

وذكر الجاحظ في كتابه الغرّة أنّه كتب (عليه السلام) إلي معاوية: غرّك عزّك، فصار قصاري ذلك ذُلّك، فاخش فاحش فعلك، فلعلّك تهدي بهدي.

وقال (عليه السلام): من آمن أمن.

وروي الكلبيّ عن أبي صالح وأبي جعفر بن بابويه باسناده عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام): أنّه اجتمعت الصحابة، فتذاكروا أنّ الألف أكثر دخولاً في الكلام، فارتجل (عليه السلام)الخطبة المونقة التي أوّلها: حمدت من عظمت منّته، وسبغت نعمته، وسبقت رحمته، وتمّت كلمته، ونفذت مشيئته، وبلغت قضيّته. الي آخرها.

ثمّ ارتجل خطبةً اُخري من غير نّقط أوّلها: الحمد للّه أهل الحمد

ومأواه، وله أوكد الحمد وأحلاه، وأسرع الحمد وأسراه، وأظهر الحمد وأسماه، وأكرم الحمد وأولاه. الي آخرها.

ومن كلامه: تخفّفوا تلحقوا فإنّما ينتظر بأوّلكم آخركم.

وقوله: ومن تلن حاشيته يستدم من قومه الموّدة.

وقوله: من جهل شيئاً عاداه، ومثله من الآية: (بل كذّبُوا بما لم يُحِيْطُوا بِعِلْمِه) [يونس: 39].

وقوله: المرء مخبوء تحت لسانه. ومثله: (ولتَعْرِفَنّهُم في لَحْنِ القَول) الآية [محمّد (صلي الله عليه وآله): 30].

وقوله: القتل يقل القتل. ومثله: (وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاة) الآية [البقرة: 179].

وغير ذلك من العلوم والفنون، كالحساب، والشعر، والهندسة، والفلسفة، والنجوم، كما هو معروف لدي من له سعة الاطّلاع علي كتب السّير والأخبار والتراجم والمناقب، إلي ما هنالك من المصنّفات والمؤلّفات.

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [2: 48].

مسابقته إلي الهجرة

للصحابة الهجرة، وهي في معناها الدّينيّ: الانتقال من بلدة إلي أخري، أو من موضع إلي غيره، فراراً بالدين من فرط الرغبة عن تركه، ورهبةً وصيانةً للنفس من أن تصيبها مضرّات من قبل الظّلمة أعداء الدين، أو حنوّاً أو غيرةً علي مشرّعه الهاشميّ الصادق الوعد الامين (صلي الله عليه وآله).

فالهجرة الاُولي: هي الهجرة إلي شعب أبي طالب وعبدالمطلب، وكان أهلها باتّفاق المؤرّخين هم بنو هاشم، فهؤلاء بطبع الحال السابقون الأوّلون من المهاجرين والانصار، وإن لم يكن وقتذاك للسّيف ذكر، وكان (عليه السلام)أسبقهم إليها، بل وأعظمهم فيها مؤاساةً لعظيمهم (صلي الله عليه وآله) حيث كان (عليه السلام)يرقد في مرقده كلّ ليلة مدّة ثلاث سنين بأمر من أبيه شيخ الأبطح الذي ما برح متخوّفاً علي كفيله أن يهتك أو يفتك به اغتيالاً علي حين غفلته أو غفوته، حتّي أنّه لو تحقّق وجود المخوف لكان علي ابنه لا علي ابن أخيه المحبوب لديه حباً عجز عن تصويره القلم والبنان، وكلّ عن شرحه اللّسان.

حتّي

كأنّه (عليه السلام)قد امتحن بما ابتلي به اللّه إسماعيل، حين صار ذبيحاً لأبيه إبراهيم (عليهم السلام). كما أنبأنا اللّه في كتابه العزيز بقوله تعالي حكايةً عنه: (فلمّا بلغ معه السعي قال يا بُنيّ إنّي أري في المنام أنّي أذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَري قَال يا أبتِ افْعَلْ ما تُؤمَر سَتَجِدُني إنْ شاءَ اللّهُ مِن الصّابِرين) [الصافات: 102].

فما أشبه القضيّتين الجليلتين؟ غير أنّ من صار ذبيحاً لأبيه كان آمن له، لبقاء الحنان الأبويّ في قلب الأب، مهما كان وكيفما كان فإنّه سيتلطّف في قتله، بخلاف من صار ضحيّة للأعداء الأكاسرة الشرسين الكفرة، فليس له أن يرتجي أدني شيء من الإنسانيّة والمروءة يكون في قلوبهم.

والثانية: هجرة الحبشة، وهم إثنان وثمانون رجلاً، قال كما في كتاب المعرفة للنسوي: أمرنا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) أن ننطلق مع جعفر إلي أرض الحبشة.

قال الواحديّ في تفسيره أسباب النزول: نزل فيهم قوله تعالي: (إنّما يُوَفّي الصابرون أجْرَهُمْ بغيرِ حساب) [الزمر: 10] حين لم يتركوا دينهم، ولمّا اشتدّ عليهم الأمر صبروا وهاجروا.

والثالثة: للأنصار الأوّلين، وهم: العقبيّون بإجماع أهل الأثر، وكانوا سبعين رجلاً، وأوّل من بايع فيها أبو الهيثم بن التيّهان.

والرابعة: للمهاجرين إلي المدينة، والسّابق فيها: مصعب بن عمير، وعمّار بن ياسر، وأبو سلمة المخزومي، وعامر بن ربيعة، وعبداللّه بن جحش، وابن أمّ مكتوم، وبلال، وسعد، ثم ساروا إرسالاً.

ونزل فيهم كما قال ابن عباس قوله تعالي: (وَالّذينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا في سَبِيل اللّهِ وَالّذينَ آوَوْا ونَصَرُوا اُولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ، والذين آمنوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأولئِكَ مِنْكُمْ وَأولُو الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلي بِبَعْض في كِتابِ اللّه) [الأنفال: 74 75].

ثم إنّنا إذا نظرنا في الآية من جهة التّفصيل، بدا

لنا من خلالها أنّها تضمّنت ثلاث رتب، واستحقّ ذووها من اللّه تعالي المغفرة والرزق الكريم: فالاُولي منها: رتبة من اختصّهم بالإيمان، كما بدأ بهم في قوله تعالي: (اِنّ الّذينَ آمَنُوا) ثم ذكر المهاجرين، ثم المجاهدين وفضّلهم عليهم كلّهم، وكان عليّ قد ساد أهل هذه الرتب الثلاثة بأسبقيّته إلي الإسلام، والهجرة الي الشعب والجهاد، وكان علي ذلك كلّه من ذوي الارحام، بل من أولاهم، لقوله تعالي: (وَاُولُو الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلي ببعْض).

فان قلت: إنّ أبا بكر قد خرج مع النبيّ هارباً الي الغار.

قلنا: نعم إنّ له في ذلك فضلاً عظيماً، ولكن ما كان لعليّ بتخلّفه وتأخّره عن ذلك أعظم وأعظم، فإنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) أمره أن يرقد في مرقده باذلاً مهجته، بقوله فيما رواه الطبريّ والخطيب في تاريخهما، والثعلبيّ والقزوينيّ في تفسيريهما، وذلك قوله (صلي الله عليه وآله): يا عليّ إنّ اللّه قد أذن لي بالهجرة، وانّي آمرك أن تبيت علي فراشي، وإنّ قريشاً اذا رأوك لم يعلموا بخروجي.

ومّما لا جدال فيه أنّ بذل النّفس أفضل من اتّقاء علي النّفس في الغار. فشتّان ما بين المفخرتين. وشتّان ما بين قوله تعالي: (ومِنَ الناسِ من يَشْري نفسَهُ ابْتِغَاءَ مرضاتِ اللّه) [البقرة: 207] وبين قوله تعالي: (لا تَحْزَنْ إنّ اللّهَ مَعَنا) [التوبة: 40].

ولهذا انبهتت عائشة لمّا فخرت بأبيها وردّ عليها ابن الهاد، وذلك فيما رواه أبو الفضل الشّيباني بإسناده عن مجاهد، قال: فخرت عائشة بأبيها ومكانه في الغار مع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، فقال عبداللّه بن شدّاد بن الهاد: فأين أنت من علي بن ابي طالب، حيث نام في مكانه وهو يري أنّه يقتل؟ فسكتت ولم تحر جواباً.

وإلي ذلك أشار ابن علويّة بقوله:

أمّن شري للّه

مهجة نفسه

دون النبيّ عليه ذا تكلان

هل جاد غير أخيه ثمّ بنفسه

فوق الفراش يغطّ كالنّعسان

وقال العوني:

أبن لي من كان المقدّم في الوغي

بمهجته عن وجه أحمد دافعا

أبن لي من في القوم جدّل مرحباً

وكان لباب الحصن بالكفّ قالعا

ومن باع منهم نفسه واقياً بها

نبيّ الهدي في الفرش أفداه يافعا

وقد وقفوا طرّاً بجنب مبيته

قريش تهزّ المرهفات القواطعا

ومولاي يقظان يري كلّ فعلهم

فما كان مجزاعاً من القوم فازعا

ثمّ انّه (صلي الله عليه وآله) استخلفه لردّ الودائع، ووصّي إليه في ماله وأهله وولده، فقام (عليه السلام)مقامه (صلي الله عليه وآله) في كلّ ما وصّي إليه بعد أن أنامه في سريره.

ثمّ قام علي الكعبة فنادي بصوت رفيع: يا أيّها الناس هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وصيّة؟ هل من عدة له قبل رسول اللّه؟ فلمّا لم يأت إليه أحد لحق بالنبيّ (صلي الله عليه وآله). وكان ذلك أبهي دلالة علي خلافته وأمانته وشجاعته. ثمّ حمل نساء الرسول خلفه بعد مضيّ ثلاثة أيّام وفيهنّ عائشة، فله المنّة علي أبي بكر بحفظه بنته، بعد أن كانت له المنّة عليه في هجرته.

وروي الواقديّ، وأبو الفرج النّجدي، وأبو الحسن البكري، وإسحاق الطبراني، أنّ عليّاً لمّا عزم علي الهجرة، قال له العبّاس: إنّ محّمداً ما خرج إلاّ خفيّاً، وقد طلبته قريش أشدّ طلب، وأنت تخرج جهاراً في إناث ومال ورجال ونساء، وتقطع بهم السّباسب [3] والشّعاب من بين قبائل قريش، ما أري لك أن تمضي في خفارة خزاعة، فقال عليّ:

إنّ المنيّة شربة مورودة

لا تنزعنّ وشدّ للتّرحيل

إنّ ابن آمنه النبيّ محمّداً

رجل صدوق قال عن جبريل

أرخ الزّمام ولا تخف من عائق

فاللّه يرديهم عن التنكيل

إنّي بربّي واثق وبأحمد

وسبيله متلاحق بسبيلي

قال أهل الأخبار والسّير: فكمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في

طريقه بالليل، فلمّا رآه سلّ سيفه ونهض إليه، فصاح عليّ صيحة خرّ علي وجهه، وجلّله بسيفه، فلمّا أصبح توجّه نحو المدينة.

فلمّا شارف ضجنان أدركه الطّلب بثمانية فوارس، وقالوا: يا غدر أظننت أنّك ناج بالنّسوة؟ فقاتلهم عليّ.

راجع مناقب ابن شهرآشوب [2: 57 64]

مسابقته بالجهاد

اشاره

اختلفت الآراء في القول بالأفضليّة، وتضاربت فيه الأقوال حتّي احتجبت الحقيقة بين مشتبكات النّظريّات ممّا نسجته أيادي المغالين في محبوبهم، فالتبس الحقّ بالباطل أمام نظر العامّة وافترقوا، وكلّ حزب بما لديهم مطمئنّون، لما رأوا بأنّهم هم المصيبون: فمنهم:

البكرية

وهم الذين ذهبوا إلي تفضيل أبي بكر علي غيره من الصحابة، وبالغوا في القول إلي حدّ ما لا يستسيغه العقل، لمجاوزة أقصي حدّ الإفراط ومخالفة النّقل، كقولهم بأنّ أبا بكر أعلم الصحابة علي الاطلاق، وانّه أشجعهم.

وياليت تلك الأقوال كانت مشفوعة بالبرهنة، أو مبنيّة علي أوضح البيّنة، فضلاً عن أن تكون قائمةً علي أساس من الكتاب والسّنة، فصارت لهم علي من بعدهم عظيم منّة.

ولكن ياللأسف وهل أتوا فيما يزعمون فيه إلاّ ببيانات واهية، منسوجة بعبارات متضادّة ملتوية، واحتمالات باردة، تمثّل لقارئها تصويرات خياليّة، ما يتعجّب منها كرام الناس وذوو النّفوس الأبيّة.

والعمرية

وهم الذين يقولون انّ عمر أفضل من أبي بكر وغيره، وذهبوا منقادين إلي ما نقل إليهم من الروايات المناميّة وغيرها من القصص، فهاموا في جوّ التّعصّب لمحبوبهم وجالوا فيه كلّ مجال، حتّي بلغت بهم العصبيّة أن قالوا وزعموا: بأنّ علم ما عند عليّ نصف ما عند عمر، ولعلّ ذلك مصداق قول النبيّ (صلي الله عليه وآله)ماظهر لنا عياناً، وذلك قوله: حبّك لشيء يعمي ويصمّ. فكأنّ هؤلاء عموا أو تعاموا عن اعترافات عمر المتوالية بأعلميّة عليّ (عليه السلام)، كقوله: لولا عليّ لهلك عمر، إلي غير ذلك ممّا أسفلناه بالتّفصيل في المجلّد الأولّ من مقتطفاتنا.

والعثمانية

وهم الذين يغالون في تفضيل عثمان علي من سواه من الصحابة، من فرط محبّتهم وتعصّبهم له، حتّي ذهب بهم الغلوّ إلي أن وضعوا في عثمان أحاديث مختلقة، كما اختلقت في الشيخين السّالفين، وقد صرّح بذلك ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة، فاحتجّ بها أتباع كل فرقة منهم، واحتفظوا عليها لتشييد مذهب كلّ منهم مذهبه، وقد فصّلنا القول حول تلك الأحاديث الموضوعة، وما قاله فيها أهل الجرح والتعديل في مجلّدنا الأوّل من مقتطفاتنا.

وجاءت طائفة بعدهم، ورأوا أنّ الأفضليّة تترتّب بترتيب الخلافة، ولا عبرة لنا بهذا القول المحض، المجرّد عن الدّليل والبرهان، العاري عن المحجّة والبيان، لما ذكرنا قول من قال: إنّ الأمر لمن غلب.

ومنتهي القول في هذا الموضوع ما ينكشف لنا به وجه الحقّ جليّاً لا غبار عليه، أن نهتدي في ذلك بالرجوع إلي المرجع الأعظم، الذي فيه تبيان كلّ شيء، وفيه بيان للنّاس، لقوله تعالي: (فإذا تَنَازَعتُمْ في شَيء فَرُدّوهُ إلي اللّهِ والرسول) [النساء: 59].

وعلي كلّ تقدير، قد علمت الاُمّة واجتمعت علي أنّ للّه خيرةً من خلقه، وأنّ خيرته منهم

هم الأتقياء، لقوله تعالي (إنّ أكرمَكم عند اللّهِ أتْقَاكم) [الحجرات: 13] وانّ خيرته من المتّقين هم المجاهدون في سبيله، لقوله تعالي: (فَضَّل اللّه المُجَاهِدينَ بأمْوالِهِم وأنْفُسِهِمْ عَلي القاعِدِينَ دَرَجَة) [النساء: 95] وانّ خيرته من المجاهدين هم السّابقون إلي الجهاد، لقوله عزّ وجلّ: (لا يستوي منكم مَنْ أنْفَقَ من قَبْل الفَتْحِ وَقَاتَل) الآية [الحديد: 10]

وقد اجتمعت الاُمّة علي أنّ السّابقين إلي الجهاد هم البدريّون، وانّ خيرة البدريّين عليّ لا غير، فعليّ إذن خيرة هذه الاُمّة بعد نبيّها بهذه النّصوص، وانّه أشجعها، الذي لا يقاس به الشجعان المعروفون بالجهاد، كحمزة، وجعفر، وعبيدة بن الحارث، والزبير، وطلحة، وأبي دجانة، وسعد بن أبي وقّاص، والبرّاء ابن عازب، وسعد بن معاذ، ومحمّد بن مسلمة، وهيهات أن يكون من لم يوجد له في كتب المغازي أثر ولا ذكر أشجع منه.

وكيف يتسنّي لعالم منصف ان يقول إنّ أحداً أشجع من أبي السّبطين، المجاهد في سبيل اللّه، والكاشف الكروب عن وجه رسول اللّه، والمقدّم في سائر الغزوات إذا لم يحضر النبيّ؟ وإذا حضر فهو تاليه وصاحب الراية واللّواء معاً، وما كان تحت لواء أحد من الجماعة، ولا فرّ من زحف قطّ، كما قد فرّ الشيخان وثالثهما وغيرهم، وقد كانوا تحت لواء الجماعة.

قال ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 66]: واستدلّ أصحابنا بقوله تعالي: (ليس البِرّ أَنْ تُوَلّوا وُجُوهَكم قِبَلَ المشْرقِ والمغْرب ولكنّ البرّ من آمنَ باللّهِ واليومِ الآخِر)الآية [البقرة: 177] أنّ المعنيّ بها أمير المؤمنين علي لأنّه كان جامعاً لهذه الخصال، ولا قطع علي كون غيره جامعاً لها. ولهذا قال الزجّاج والفرّاء: كأنّها مخصوصة بالأنبياء والمرسلين.

وعن ابن عبّاس في قوله تعالي: (وَلَهُ أسلَمَ مَنْ في السّمَاواتِ وَالأرض) [آل عمران: 83] قال: أسلمت الملائكة في

السماوات، والمؤمنون في الأرض، وأوّلهم عليّ إسلاماً، ومع المشركين قتالاً، وقاتل من بعده المقاتلين ومن أسلم كرهاً، انتهي.

قال اللّه سبحانه وتعالي للنبيّ (صلي الله عليه وآله) آمراً: (يا أيّهَا النبيّ جّاهِدِ الكُفّارَ وَالمُنَافِقِين) [التوبة: 73 والتحريم: 9] فقد جاهد النبيّ (صلي الله عليه وآله) الكفّار في حياته، وأمر عليّاً بقتال المنافقين، وذلك قوله (صلي الله عليه وآله)لعليّ: تقاتل النّاكثين والقاسطين والمارقين.

قال ابن شهرآشوب: وحكم المسمّين بأهل الرّدّة لا يخفي علي منصف.

قال ابن عبّاس كما في تفسير عطاء الخراساني في قوله تعالي: (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ، الذي أنْقَضَ ظَهْرَكَ) [الشرح: 2 3] أي: قوّي ظهرك بعلي بن أبي طالب.

وقال أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله تعالي: (هُوَ الذي أيّدَكَ بِنَصْرِهِ) [الأنفال: 62] أي: قوّاك بأمير المؤمنين علي، وجعفر، وحمزة، وعقيل. وقد روي مثل ذلك عن الكلبي عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

وفي تفسير أبي بكر الشيرازي، قال ابن عبّاس في قوله تعالي: (وقل رَبِّ أَدخِلْني مُدْخَلَ صِدْق وَأخْرِجْني مُخْرَجَ صِدْق) يعني: مكّة (وَاجْعَلْ لي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصيراً) [الاسراء: 80] قال ابن عبّاس: لقد استجاب اللّه لنبيّه دعاءه، وأعطاه علي بن أبي طالب سلطاناً ينصره علي أعدائه.

وفي فضائل الصحابة للعكبري، عن ابن عبّاس، قال: رأيت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)يوم فتح مكّة متعلّقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: اللهمّ ابعث إليّ من بني عمّي من يعضدني. فهبط جبرئيل، فقال: يا محمّد أو ليس قد أيّدك بسيف من سيوف اللّه مجرّد علي أعداء اللّه؟ يعني بذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وعن أبي المضا صبيح مولي الرّضا عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) في قوله تعالي: (لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالّذينَ آمَنُوا) [غافر: 51] منهم علي بن

أبي طالب.

قال الناشي:

أيا ناصر المصطفي أحمد

تعلّمت نصرته من أبيكا

وناصبت نصّابه عنوةً

فلعنة ربّي علي ناصبيكا

ولو آمنوا بنبيّ الهدي

وباللّه ذي الطّول ما ناصبوكا

راجع مناقب ابن شهرآشوب [2: 65 67].

سئل الباقر (عليه السلام)لأيّ علّة ترك أمير المؤمنين فدكاً لمّا ولي النّاس؟ فقال: للاقتداء برسول اللّه (صلي الله عليه وآله) لمّا فتح مكّة، وقد باع عقيل داره، فقيل لعقيل: ألا ترجع إلي دارك؟ فقال (صلي الله عليه وآله): فهل ترك عقيل لنا داراً؟ إنّا أهل بيت لا نسترجع شيئاً يؤخذ منّا ظلماً.

وقال ضرار لهشام بن الحكم: ألا دعا علي الناس عند وفاة النبي (صلي الله عليه وآله) إلي الإئتمام به إن كان وصيّاً؟ قال هشام: لم يكن واجباً عليه؛ لأنه قد دعاهم إلي موالاته والائتمام به النبي (صلي الله عليه وآله) يوم الغدير ويوم تبوك وغيرهما ولم يقبلوا منه. ولو كان ذلك جائزاً لجاز علي آدم أن يدعو إبليس إلي السجود له، بعد إذ دعاه ربّه إلي ذلك. ثمّ إنّه (عليه السلام)صبر كما صبر اُولو العزم من الرسل.

وسئل أبو حنيفة الطاقي بقوله: لم لم يطلب عليّ بحقّه بعد وفاة رسول اللّه إن كان له حقّ؟ فقال: خاف أن يقتله الجنّ، كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة ابن شعبة.

وقيل لعليّ بن ميثم: لم قعد عليّ عن قتالهم؟ فقال: كما قعد هارون عن قتال السّامريّ، وقد عبدوا العجل، قيل: فكان هارون ضعيفاً؟ قال ابن ميثم: كان (عليه السلام)كهارون حيث يقول: (يا ابْنَ اُمّ إنّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُوني) وكنوح إذ قال: (إنّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِر) وكلوط اذ قال: (لَوْ أنّ لي بِكُم قُوّةً أو آوِي إلي رُكن شَديد)وكموسي وهارون إذ قال موسي: (رَبِّ إنّي لا أملك إلاّ نفسي وأخي).

قال ابن شهرآشوب: وهذا المعني

قد أخذه ابن ميثم من قول امير المؤمنين لمّا اتّصل به الخبر أنّه لم ينازع الأوّلين. قال (عليه السلام): لي بستّة من الأنبياء اُسوة:

أوّلهم خليل الرحمن، إذ قال: (وَأعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه) [مريم: 48] ثمّ قال (عليه السلام): إن قلتم إنّه اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم، وإن قلتم إنّه اعتزلهم لما رأي المكروه منهم فالوصيّ أعذر.

وبلوط إذ قال: (لَوْ أنّ لي بكم قوّةً أو آوي إلي رُكْن شَدِيد) [هود: 80] فإن قلتم: إنّ لوطاً كانت له بهم قوّة، فقد كفرتم. وإن قلتم: لم يكن له بهم قوة، فالوصيّ أعذر.

وبيوسف إذ قال: (ربّ السجنُ أحَبّ إليّ ممّا يدعونَني إليه) [يوسف: 33] فإن قلتم: إنّه طالب بالسجن بغير مكروه يسخط اللّه فقد كفرتم، وإن قلتم: إنّه دعي إلي ما يسخط اللّه، فالوصيّ أعذر.

وبموسي إذ قال: (فَفَرَرْتُ منكم لما خِفْتُكُمْ) [الشعراء: 21] فان قلتم: إنّه فرّ من غير خوف فقد كفرتم. وإن قلتم: إنّه فرّ لسوء أرادوا به، فالوصيّ أعذر.

وبهارون إذ قال لاخيه: (يا ابنَ اُمَّ إنّ القومَ اسْتَضْعَفُونِي وكَادُوْا يَقْتُلُونَنِي) [الاعراف: 150] فإن قلتم: إنّهم لم يستضعفوه ولم يشرفوا علي قتله، فقد كفرتم. وإن قلتم: استضعفوه وأشرفوا علي قتله، فلذلك سكت عنهم، فالوصيّ أعذر.

وبمحمّد إذ هرب الي الغار، وخلفني علي فراشه، ووهبت مهجتي للّه. فإن قلتم: إنّه هرب من غير خوف أخافوه، فقد كفرتم. وإن قلتم: أخافوه فلم يسعه إلاّ الهرب إلي الغار، فالوصيّ أعذر.

فقال الناس: صدقت يا أميرالمؤمنين.

قال العوني:

كم من نبيّ غدا مستضعفاً وله

ربّ السّماوات بالأملاك يردفه

للّه في الأرض مكر ليس يأمنه

الاّ كفور شقيّ الجدّ مقرفه

قال علي (عليه السلام)كما في نهج البلاغة [الخطبة: 26]: فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي، فضننت

بهم عن الموت، فأغضيت علي القذي، وضربت علي الشجي، وصبرت علي أخذ الكظم، وعلي أمرّ من طعم العلقم.

وفي الخصال من آداب الملوك أنّه (عليه السلام)قال: ولي في موسي اُسوة، وفي خليلي قدوة، وفي كتاب اللّه عبرة، وفيما أودعني رسول اللّه برهان، وفيما عرفت تبصرة، إنّ يكذّبوني فقد كذّبوا الحقّ من قبلي، وإن ابتلي به فتلك سربي المحجّة البيضاء، والسّبيل المفضية لمن لزمها من النّجاة، لم أزل عليها لا ناكلاً ولا مبدّلاً، لن أضيع بين كتاب اللّه وعهد ابن عمّي به.

ومن كلام له فيما رواه محمّد بن سلام: فنزل بي من وفاة رسول اللّه مالم تكن الجبال حملته، ورأيت من أهل بيته (صلي الله عليه وآله) بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوي علي حمل ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والإفهام، وبين القول والاستماع.

ثمّ قال بعد كلام: وحملت نفسي علي الصّبر عند وفاته، ولزمت الصّمت والأخذ فيما أمرني من تجهيزه.

فبهذه العبارات النّابغة، والأساليب السّائغة، علمنا يقيناً بأنّ قعوده (عليه السلام)عن الجماعة، وسكوته عن القيام عليهم، ليس عن خوف يتغشّاه، أو عن رهبة نالته، ولكن محافظةً ورعايةً علي سلامة بيضة الدين.

بل لو سلّمنا أنّه قد دبّت في قلبه خيفة، فإنّه ليس بمعيّر ولا ينقص من فضله ذرّة. كيف؟ وقد قتل موسي واحداً علي وجه الدّفع فأصبح في المدينة خائفاً يترقّب. وذلك قوله تعالي فيما حكي عنه: (فخَرَجَ منها خَائِفاً)وفي موضع قال: (فَفَرَرْتُ منكم لمّا خِفْتُكُمْ) وفي آخر قال: (رَبّي إنّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ) وقال: (إنّي أخافُ أن يقتُلُون) وقد قتل عليّ (عليه السلام)اُناساً، ووترهم بالنّهب وأفناهم بالحصيد واستأسرهم، فلم يدع قبيلةً من أعلاها إلي أدناها إلاّ وقد

قتل صناديدهم.

قيل لأمير المؤمنين في جلوسه عنهم، فقال (عليه السلام): إنّي ذكرت قول النبيّ (صلي الله عليه وآله): إن القوم نقضوا أمرك، واستبدّوا بها دونك، وعصوني فيك، فعليك بالصّبر حتّي ينزل الامر، إنهم سيغدرون بك، وأنت تعيش علي ملّتي، وتقتل علي سُنّتي، فمن أحبّك أحبّني، ومن أبغضك أبغضني، وإنّ هذه ستخضب من هذه.

وسئل الصّادق: ما منع عليّاً أن يدفع أو يمتنع؟ فقال (عليه السلام): منع عليّاً من ذلك آية من كتاب اللّه تعالي، وذلك قوله تعالي: (لَوْ تَزَيّلُوا لَعَذّبْنا الّذينَ كَفَروا منهم عَذاباً أليماً) [الفتح: 25] ثمّ قال: إنّه كان للّه ودائع مؤمنين في أصلاب الكفّار والمنافقين، فلم يكن عليّ ليقتل حتّي تخرج الودائع، فإذا خرج ظهر علي من ظهر وقتله.

وعن زرارة بن أعين، قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام): ما منع أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يدعو الناس الي نفسه ويجرّد في عدوّه سيفه؟ فقال (عليه السلام): لخوف أن يرتدّوا، فلا يشهدوا أنّ محمّداً رسول اللّه.

قال الناشي:

إنّ الذي قبل الوصيّة ما أتي

غير الّذي يرضي الإله وما اغتدي

أصلحت حال الدّين بالأمر الذي

أضحي لحالك في الرّئاسة مفسدا

وعلمت أنّك إن أردت قتالهم

ولّوا عن الإسلام خوفك شرّدا

فجمعت شملهم بترك خلافهم

وإن اغتديت من الخلافة مبعدا

لتتمّ ديناً قد أمرت بحفظه

وجمعت شملاً كاد أن يتبدّدا

وسأل صدقة بن مسلم عمرو بن قيس الماصر عن جلوس عليّ في الدّار، فقال الماصر: إنّ عليّاً في هذه الاُمّة كان فريضةً من فرائض اللّه، أدّاها نبيّ اللّه إلي قومه، مثل الصّلاة والزكاة والصوم والحجّ، وليس علي الفرائض أن تدعوهم إلي شيء، إنّما عليهم أن يجيبوا الفرائض، وكان عليّ أعذر من هارون لمّا ذهب موسي الي الميقات، فقال لهارون: (اُخْلُفني في قومي ولا تَتَّبِعْ سَبيلَ المُفْسِدين) فجعله رقيباً

عليهم، وانّ نبيّ اللّه (صلي الله عليه وآله). نصب عليّاً لهذه الاُمّة علماً ودعاهم اليه. فعليّ في غدرهم جلس في بيته، وهم في حرج حتّي يخرجوه، فوضعوه في الموضع الذي وضعه رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

قال العوني:

تقول لم لم يقاتلهم هناك علي

حقّ ليدفع عنه الضّيم مرهفه

أم كيف أمهل من لو سلّ صارمه

في وجهه لرأيت الطّير يخطفه

فقلت تثّبّتت في العقل حكمته

فلا اعتراض عليه حين ينصفه

لم عمّر اللّه إبليساً وسلّطه

علي ابن آدم في الآفات يقرفه

لم يمهل اللّه فرعوناً يقول لهم

إنّي أنا اللّه محيي الخلق متلفه

في مجلس لو أراد اللّه كان به

وبالأولي نصروه كان يخسفه

أملي لهم فتمادوا في غوايتهم

إنّ الغويّ كذا الدّنيا تسوّفه

وهل خلا حجّة للّه ويحك من

جبّار سوء علي البأساء يعطفه

ومن كلامه وقد سئل عن أمرهما: فقال: وكنت كرجل له علي النّاس حقّ، فإن عجّلوا ماله أخذه وحمدهم، وإن أخّروه أخذه غير محمودين، وكنت كرجل يأخذ بالسّهولة، وهو عند النّاس مخذول الهدي، بقلّة من يأخذه من الناس، فاذا سكتّ فاعفوني.

وقال (عليه السلام)لعبدالرحمن بن عوف يوم الشّوري: إنّ لنا حقّاً إن اُعطيناه أخذنا، وإن منعنا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال بنا السّري.

وسئل متكلّم: لم لم يقاتل عليّ الأوّلين علي حقّه وقاتل الآخرين؟ فقال: لم لم يقاتل رسول اللّه في حال الغار ومدّة الشّعب وقاتل بعدهما؟.

وقال بعض النّواصب للطّاقي: كان عليّ يسلّم علي الشّيخين بإمرة المؤمنين، أفصدق أم كذب؟ فقال الطاقي: أخبرني أنت عن الملكين اللذين دخلا علي داود، فقال أحدهما: (إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجةً ولي نعجة واحدة)، كذب أم صدق؟

وسأل سليمان بن حريز هشام بن الحكم بقوله: يا هشام أخبرني عن قول عليّ لأبي بكر: يا خليفة رسول اللّه، أصدق أم كذب؟ فقال هشام:

وما الدّليل علي أنّه قاله؟ ثمّ قال: وان كان قاله، فهو كقول إبراهيم: (إنّي سَقِيم) وكقوله: (بَلْ فَعَلَهُ كَبيرُهُمْ) وكقول يوسف: (أيّتُهَا العِيْرُ اِنّكُمْ لَسَارِقوُن).

قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم: الدّليل علي صحّة معتقدنا وبطلان معتقدكم، كثرتنا وقلّتكم، مع كثرة أولاد عليّ وادّعائهم. فقال هشام: لست إيّانا طعنت، أردت بهذا القول، انّما أردت الطّعن علي نوح، حيث لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، يدعوهم الي النّجاة ليلاً ونهاراً، وما آمن معه إلاّ قليل.

وسأل هشام جماعة من المتكلّمين، فقال: أخبروني حين بعث اللّه محمّداً، بعثه بنعمة تامّة أو بنعمة ناقصة؟ قالوا: بنعمة تامّة، فقال هشام: فأيّما أتمّ أن يكون في أهل بيت واحد نبوّة وخلافة، أو يكون نبوّة بلا خلافة؟ قالوا: بل يكون نبوّة وخلافة. قال: فلماذا جعلتموها في غيرها؟ فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسّيف؟ فاُفحموا.

قال الصاحب:

من كالوصيّ عليّ عند سابقة

والقوم ما بين تضليل وتسفيه

من كالوصيّ عليّ عند مشكلة

وعنده البحر قد فاضت نواحيه

من كالوصيّ علي عند مخمصة

قد جاد بالقوت ايثاراً لعافيه

يا يوم بدر تجشّم ذكر موقعه

فاللوح يحفظه والوحي يمليه

وأنت يا اُحد قل هل في الوري أحد

يطيق جحداً لما قد قلته فيه

براءة استرسلي في القوم وانبسطي

فقد لبست جمالاً من تواليه

لقد أوعز الصّاحب رحمه اللّه بالبيت الأخير من شعره إلي أخذ عليّ سورة البراءة من أبي بكر، حتّي هاب أن ينزل فيه شيء. فسأل رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) عن سبب ذلك، راجع المجلد الاول من مقتطفاتنا، فإنّ فيه ما يروي الغليل ويشفي العليل في هذا الموضوع.

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [1: 270 276].

مسابقته بالسخاء والإنفاق في سبيل الله

قال اللّه تعالي: (لاَ يَسْتَوي مِنْكم مَنْ أنْفَقَ من قَبْلِ الفَتْحِ وقَاتَلَ اُولئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً من الَّذين أنْفَقُوا

مِنْ بَعدُ وَقَاتَلُوا) [الحديد: 10].

حوت هذه الآية الشّريفة معنيً جليلاً يفتهم منه ما يتميّز بين ثلّتين أنفقتا في سبيل اللّه عزّ وجلّ مع عدم استوائهما في الرّتبة، وأعظميّة إحداهما علي الاُخري في الدّرجة، مهما استويتا في نفس الأمر، وهو الإنفاق من قبل الفتح وبعده.

ثمّ إنّه كان الإنفاق من أعاظم الأعمال ثواباً ودرجةً وجزاءً في الآخرة، حيث لا يتصوّر ظهوره أو وجوده إلاّ من نفوس جبلت علي السّخاء والجود، فكانت خيرة المولي عزّ وجلّ من بين الصّحابة المشهورين بالنّفقة، عليّاً، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة.

ولكن لعليّ في ذلك فضل عليهم، بل وفضائل، لكونه (عليه السلام)أليقهم بتلك الخصلة الحميدة المذكورة في هذه الآية، لأنّه هو الجامع بين الإنفاقين.

وثمّ وجه آخر من حيث أنّ كون الجود عند أرباب العلم جودان: نفسيّ، وماليّ. وذلك باعتبار ما أشار إليه المولي عزّ وجلّ بقوله آمراً: (جاهِدُوا بأموالِكم وأنفُسِكُمْ) [التوبة: 41] وقال (صلي الله عليه وآله) في خبر: أجود الناس من جاد بنفسه. وكان عليّ (عليه السلام)أجود الناس بنفسه ومهجته في سبيل اللّه، ونصرة أخيه رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)كما دلّ علي ذلك ما مضي من الأخبار والأشعار، ولا قائل بخلاف ذلك إلاّ مكابر طاغ، أو طائش باغ، أو جهول لاغ.

فكم من آية نزلت فيه معربةً عن عظيم الثّناء عليه.

منها: ما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 345 ط النجف و 2: 71 ط ايران] نقلاً عن جماعة من أعلام المفسّرين وأساطينهم، كابن عبّاس، والسّدّي، ومجاهد، وأبي صالح، والواحدي، والطوسي، والثعلبي، والطبرسي، والماوردي، والقشيري، والثمالي، والنقّاش، والفتّال، وعبيداللّه بن الحسين، وعلي بن حرب الطائي: أنّه كان عند علي بن أبي طالب أربعة دراهم من الفضّة، فتصدّق بواحد ليلاً،

وبواحد نهاراً، وبواحد سرّاً، وبواحد جهراً، فنزل قوله تعالي: (الذين يُنْفِقون أموالَهُم بالليلِ والنهارِ سِراً وَعَلانِيَةً) الآية [البقرة: 274].

وهل عظّم اللّه تلك الدّراهم الأربعة، حتّي سمّي كلّ واحد منها مالاً إلاّ لعظيم منزلة منفقيه عنده عزّ وجلّ جلاله؟

وفي تفسير النقّاش، وأسباب النّزول، قال الكلبي: فقال النبيّ (صلي الله عليه وآله) لعليّ: ما حملك علي هذا؟ قال (عليه السلام): حملني أن أستوجب علي اللّه الذي وعدني. فقال له رسول اللّه: ألا إنّ ذلك لك فأنزل اللّه هذه الآية.

ومنها: ما رواه الضحّاك عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (ثمّ لا يُتْبِعُونَ ما أنفقوا مَنّاً وَلاَ أَذَي) [البقرة: 262] نزلت في عليّ.

وعنه أيضاً عن ابن عبّاس، قال: لمّا أنزل اللّه: (للفقراءِ الذين اُحْصِرُوا في سبيل اللّه) [البقرة: 273] بعث عبدالرحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلي أصحاب الصّفّة حتّي أغناهم، وبعث علي بن أبي طالب في جوف الليل بوسق من تمر، فكان أحبّ الصّدقتين إلي اللّه صدقة عليّ، واُنزلت الآية، انتهي.

ولعلّ ذلك مصداق قوله (صلي الله عليه وآله) لمّا سئل: أيّ الصّدقة أفضل في سبيل اللّه؟ قال (صلي الله عليه وآله): جهد من مقلّ.

وفي تاريخ البلاذري، وفضائل الإمام أحمد أنّه كانت غلّة علي أربعين ألف دينار، فجعلها صدقةً، وأنّه باع سيفه، وقال: لو كان عندي عشاء ما بعته.

ومن الآيات اللاّتي نزلن فيه، آية لا يعمل بها أحد قبله من الاوّلين، ولا أحد بعده من الآخرين غيره، كأنّها اختصّت به دون الاُمّة المحمّديّة، أو النّائب عنهم في إمضاء وقضاء بما احتوت فيها من أمر اللّه؛ لأنه تفرّد في العمل بها، وهي آية النّجوي.

عن شريك، والليث، والكلبي، وأبي صالح، والضحّاك، والزجّاج، ومقاتل، ومجاهد، وقتادة، وابن عبّاس: كانت الاغنياء يكثرون مناجاة الرّسول

(صلي الله عليه وآله) فلمّا نزل قوله تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا إذا ناجَيْتُمُ الرسول فَقَدّموا بَينَ يَدَيْ نجوَاكم صَدَقَة) [المجادلة: 12] انتهوا، فاستقرض عليّ (عليه السلام)ديناراً وتصدّق به، فناجي النبيّ (صلي الله عليه وآله)عشر نجوات، ثمّ نسختها الآية التي بعدها.

قال عليّ: كان لي دينار فبعته بعشر دراهم، فكنت كلّما أردت أن اُناجي رسول اللّه قدّمت درهماً، فنسختها الآية الاُخري.

وروي الواحديّ في أسباب نزول القرآن وفي الوسيط، والثعلبيّ في تفسيره الكشف والبيان، ما رواه علي بن علقمة ومجاهد، أنّ عليّاً قال: إنّ في كتاب اللّه آية، ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، ثمّ تلا قوله تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا إذا ناجيتُمُ الرسولَ) الآية.

وروي الترمذيّ في جامعه، وأبو يعلي في مسنده، وأبو بكر بن مهدويه في أماليه، والخطيب في أربعينه، والسمعاني في فضائله، مسنداً الي جابر بن عبداللّه الانصاري قال: ناجي النبي (صلي الله عليه وآله) في يوم الطائف عليّاً فأطال نجواه، فقال أحد الرّجلين للآخر: لقد أطال نجواه مع ابن عمّه.

وفي رواية الترمذي [5: 597 ط دار الفكر]: فقال الناس: لقد أطال نجواه.

وفي رواية غيره: أنّ رجلاً قال: أتناجيه دوننا؟ فقال النبيّ (صلي الله عليه وآله) ما انتجيته ولكنّ اللّه انتجاه، ثمّ قال الترمذي: أي أمر ربيّ أن أنتجي معه.

وإلي ذلك أشار العبدي:

وكان بالطّائف انتجاه

فقال أصحابه الحضور

أطلت نجواك مع عليّ

فقال ما ليس فيه زور

ما أنا ناجيته ولكن

ناجاه ذو العزّة الخبير

وقال الحميري:

وفي يوم ناجاه النبيّ محمّد

يسرّ إليه ما يريد ويطلع

فقالوا أطال اليوم نجوي ابن عمّه

مناجاته بغي وللبغي مصرع

فقال لهم لست الغداة انتجيته

بل اللّه ناجاه فلم يتورّعوا

وفي جامع الترمذيّ أيضاً [5: 379 ط دار الفكر]، وتفسير الثعلبيّ، عن الأشجعي، والثّوري، وسالم بن

أبي حفصة، وعلي بن علقمة الأنماري، عن عليّ (عليه السلام)أنّه قال في آية النّجوي: فبي خفّف اللّه ذلك عن هذه الاُمّة.

وفي مسند أبي يعلي الموصلي: فبه خفّف اللّه عن هذه الاُمّة.

وفي رواية أبي القاسم الكوفي: إنّ اللّه امتحن الصّحابة بهذه الآية، فتقاعسوا كلّهم عن مناجاة الرّسول، فكان الرسول احتجب في منزله عن مناجاة أحد، إلاّ من تصدّق بصدقة، فكان معي دينار.

وساق (عليه السلام)كلامه إلي أن قال: فكنت أنا سبب التّوبة من اللّه علي المسلمين حين عملت بالآية فنسخت، ولو لم أعمل بها حين كان عملي بها سبباً للتّوبة عليهم، لنزل العذاب عند امتناع الكلّ عن العمل بها. انتهي.

فمن ذلك قال القاضي الطرثيثي: إنّهم عصوا في ذلك إلاّ عليّاً، فنسخه عنهم، يدلّ عليه قوله تعالي: (فإذ لم تَفْعَلُوا وَتَابَ اللّهُ عَلَيْكُم) ولقد استحقّوا العذاب. لقوله تعالي: (أأشْفقْتُم) الآية.

ولذلك تمنّي عمر أن تكون احدي الثّلاثة التي كانت لعليّ له، وكانت الواحدة منهنّ أحبّ إليه من حمر النعم. كما رواه الثعلبي في تفسيره عن أبي هريرة، وابن عمر أنّه قال، قال عمر بن الخطّاب: كان لعليّ ثلاث، لو كان لي واحدة منهنّ كانت أحبّ إليّ من حمر النعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الرّاية يوم خيبر، وآية النجوي.

أقول: وكفاه فضلاً من اللّه وفخراً، بما تضمّنته سورة هل أتي علي الانسان، ما عجز عن شرح بيانه كلّ لسان، وكلّ عن تصوير معانيه كلّ بنان، بإنفاقه أرغفة ثلاثةً علي ثلاث ضيفان، قوت ثلاث ليال، فنزّلت فيه ثلاثون آية، وكفانا علماً بعلوّ منزلته وعظيم جود الله تعالي له قوله: (عَيْناً يَشْرَب بِها عِبادُ اللّه) [الانسان: 6].

وفي ذلك قال العيني:

من أطعم المسكين واليتيم وال

أسير للّه ثلاثاً وطوي

وقد تعدّدت الروايات في عظيم سخائه، كما جاء

بها أهل السّنن والتّراجم، ما يحتاج في جمعها إلي مجلّد ضخم.

فمنها: ما حدّث أبو هريرة: أنّه كان في المدينة مجاعة، ومرّ بي يوم وليلة لم أذق شيئاً، وسألت أبا بكر آيةً كنت أعرف بتأويلها منه، ومضيت معه إلي بابه، وودّعني وانصرفت جائعاً يومي، وأصبحت وسألت عمر آية كنت أعرف منه بها، فصنع كما صنع أبو بكر، فجئت في اليوم الثالث إلي عليّ، وسألته ما يعلمه فقط، فلمّا أردت أن أنصرف دعاني إلي بيته، فأطعمني رغيفين وسمناً، فلما شبعت انصرفت إلي رسول اللّه، فلمّا بصر بي ضحك في وجهي، وقال: أنت تحدّثني أم اُحدّثك؟ ثمّ قصّ عليّ ما جري، وقال لي: جبريل عرّفني.

ورؤي أمير المؤمنين حزيناً، فقيل له: ممّ حزنك؟ قال: لسبع أتت لم يضف إلينا ضيف.

وفي تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان، وعلي بن حرب الطائي، ومجاهد، بأسانيدهم، عن ابن عبّاس، وأبي هريرة، وروي جماعة عن عاصم بن كليب، عن أبيه، واللّفظ له: عن أبي هريرة أنّه جاء رجل إلي رسول اللّه، فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللّه إلي أزواجه، فقلن: ما عندنا إلاّ الماء، فقال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): من لهذا الرجل الليلة؟ فقال عليّ: أنا يا رسول اللّه، وأتي فاطمة وسألها: ما عندك يا بنت رسول اللّه؟ فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصّبية، لكنّا نؤثر به ضيفنا.

فقال علي (عليه السلام): يا بنت محمّد نوّمي الصّبية، وأطفي المصباح، وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغ من الأكل أتت فاطمة بسراج، فوجدت الجفنة مملوءة من فضل اللّه.

فلمّا أصبح صلّي عليّ مع النبيّ (صلي الله عليه وآله)، فلمّا سلّم من صلاته نظر إلي عليّ وبكي بكاءً شديداً، وقال (صلي الله عليه وآله): يا أمير المؤمنين لقد

عجب الربّ من فعلكم البارحة، إقرأ: (ويُؤثِرون علي أنفسِهم ولو كان بِهِم خَصاصَة (أي: مجاعة)ومن يُوْقَ شُحَّ نَفْسِهِ (يعني: عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (فاُولئك هُمُ المفلحون)[الحشر: 9].

قال الحميري:

قائل للنّبيّ إنّي غريب

جائع قد أتيتكم مستجيرا

فبكي المصطفي وقال غريب

لا يكن للغريب عندي ذكورا

من يضيف الغريب قال عليّ

أنا للضّيف فانطلق مأجورا

إبنة العمّ هل من الزّاد شيء

فأجابت أراه شيئاً يسيرا

كفّ برّ قال اصنعيه فإنّ

اللّه قد يجعل القليل كثيرا

ثمّ أطفي المصباح كي لا يراني

فاُخلّي طعامه موفورا

جاهد يلمظ الاصابع والضّيف

يراه إلي الطّعام مشيرا

عجبت منكم ملائكة اللّه

وأرضيتم اللّطيف الخبيرا

ولهم قال يؤثرون علي

أنفسهم نال ذاك فضلاً كبيرا

وله أيضاً:

وآثر ضيفه لمّا أتاه

فظلّ وأهله يتلمّظونا

فسمّاه الإله بما أتاه

من الإيثار باسم المفلحينا

وفي تفسير أبي بكر الشيرازي بإسناده، عن مقاتل، عن مجاهد، عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (رِجَالٌ لاَ تُلهِيهِم تجارة ولاَبَيعٌ عَنْ ذِكرِ اللّه) إلي قوله: (بغير حساب) [النور: 37] قال: هو واللّه أمير المؤمنين.

ثمّ قال بعد كلام: وذلك أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) أعطي عليّاً يوماً ثلاثمائة دينار اُهديت إليه، قال عليّ: فأخذتها وقلت واللّه لأتصدّقنّ الليلة من هذه الدّنانير صدقة يقبلها اللّه منّي، فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه، أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد، فاستقبلتني امرأة، فأعطيتها الدّنانير، فأصبح الناس بالغد يقولون تصدّق عليّ الليلة بمائة دينار علي امرأة فاجرة، فاغتممت غمّاً شديداً.

فلمّا صلّيت الليلة القابلة صلاة العتمة، أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد، وقلت: واللّه لأتصدّقنّ اللّيلة بصدقة يتقبّلها ربّي منّي، فلقيت رجلاً فتصدّقت عليه بدنانير. فأصبح أهل المدينة يقولون: تصدّق عليّ البارحة بمائة دينار علي رجل سارق، فاغتممت غمّاً شديداً، وقلت: واللّه لأتصدّقنّ الليلة صدقةً يتقبّلها ربّي منّي.

فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ثمّ

خرجت من المسجد ومعي مائة دينار، فلقيت رجلاً فاعطيته إيّاها، فلمّا أصبحت قال أهل المدينة: تصدّق عليّ البارحة بمائة دينار علي رجل غنيٍّ، فاغتممت غمّاً شديداً، فأتيت رسول اللّه فخبّرته.

فقال لي: يا علي هذا جبرئيل يقول لك: إنّ اللّه عزّ وجلّ قد قبل صدقاتك وزكّي عملك، إنّ المائة دينار التي تصدّق بها أوّل ليلة وقعت في يدي إمرأة فاسدة، فرجعت إلي منزلها، وتابت إلي اللّه عزّ وجل من الفساد، وجعلت تلك الدّنانير رأس مالها وهي في طلب بعل تتزوّج به.

وأنّ الصّدقة الثانية وقعت في يدي سارق، فرجع إلي منزله، وتاب إلي اللّه من سرقته، وجعل الدنانير رأس ماله يتّجر بها.

وإن الصّدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غنيّ لم يزكّ ماله منذ سنين، فرجع إلي منزله ووبّخ نفسه، وقال شحّاً عليك يا نفس، هذا عليّ بن أبي طالب تصدّق عليَّ بمائة دينار ولا مال له، وأنا قد أوجب اللّه علي مالي الزّكاة لأعوام كثيرة لم أزكّه، فحسب ماله وزكّاه، وأخرج زكاة ماله كذا وكذا ديناراً، وأنزل اللّه فيك: (رِجال لا تلهيهم تجارةٌ ولا بَيْعٌ عن ذِكْرِ اللّه) الآية.

وروي أبو الطّفيل: رأيت عليّاً يدعو اليتامي، فيطعمهم العسل، حتّي قال بعض أصحابه: لوددت أنّي كنت يتيماً.

وروي المعلّي بن خنيس، عن الصادق أنّه (عليه السلام)أتي ظلّة بني ساعدة في ليلة قد رشت السماء ومعه جراب، فإذا نحن بقوم نيام، فجعل يدسّ الرّغيف والرّغيفين حتّي أتي علي آخره.

قال الحميري:

ومن ذا كان للفقراء كنزاً

إذا نزل الشّتاء بهم كنينا

وروي محمّد بن الصّمّة، عن أبيه، عن عمّه، قال: رأيت في المدينة رجلاً علي ظهره قربة وفي يده صحفة، يقول: اللهمّ وليّ المؤمنين وإله المؤمنين وجار المؤمنين إقبل قرباتي الليلة، فما أمسيت أملك سوي

ما في صحفتي وغير ما يواريني، فإنّك تعلم أنّي منعته نفسي مع شدّة سغبي في طلب القربة إليك غنماً، اللهمّ فلا تخلق وجهي ولا تردّ دعوتي. قال: فأتيته حتّي عرفته، فإذا هو علي بن أبي طالب، فأتي رجلاً فأطعمه.

وروي عبداللّه بن علي بن الحسين مرفوعاً، أنّ النبيّ أتي مع جماعة من أصحابه إلي علي (عليه السلام)، فلم يجد عليّ شيئاً يقرّبه إليهم، فخرج ليحصل لهم شيئاً، فاذا هو بدينار علي الأرض، فتناوله وعرّف به فلم يجد له طالباً، فقوّمه علي نفسه، واشتري به طعاماً وأتي به اليهم. ولمّا أصاب عوضه جعل ينشد صاحبه فلم يجده، فأتي به النبيّ وأخبره بالخبر، فقال (صلي الله عليه وآله): يا علي إنّه شيء أعطاكه اللّه لمّا اطّلع علي نيّتك وما أردته، وليس هو شيئاً للنّاس، ودعا له بخير.

قال الحميري:

فمال إلي أدناهم منه بيعاً

توسّم فيه خير ما يتوسّم

فقال له بعني طعاماً فباعه

جميل المحيّا ليس منه التّجهّم

فكال له حبّاً به ثمّ ردّه

إليه وأرزاق العباد تقسم

فآب برزق ساقه اللّه نحوه

إلي أهله والقوم للجوع رزّم

فلا ذلك الدّينار أحمي تبره

يقيناً وأمّا الحبّ فاللّه أعلم

أمن زرع أرض كان أم حبّ جنّة

حباه به من ناله منه أنعم

وبيعه جبريل أطهر بيع

فأيّ أيادي الخير من تلك أعظم

يكلّم جبريل الأمين فإنّه

لأفضل من يمشي ومن يتكلّم

وروت الخاصّة والعامّة، منهم: ابن شاهين المروزي، وابن شيرويه الدّيلمي، عن الخدريّ، وأبي هريرة: أنّ عليّاً أصبح ساغباً، فسأل فاطمة طعاماً، فقالت: ما كان إلاّ ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به علي نفسي وعلي الحسن والحسين، فقال: ألا أعلمتني فأتيتكم بشيء؟ فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحيي من إلهي أن اُكلّفك ما لا تقدر عليه، فخرج واستقرض من النبيّ ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً، فاستقبله

المقداد قائلاً ما شاء اللّه، فناوله علي الدّينار، ثمّ دخل المسجد فوضع رأسه فنام.

فخرج النبيّ فإذا هو به فحرّكه، فقال (صلي الله عليه وآله): ما صنعت؟ فاخبره، فقام وصلّي معه فما قضي النبيّ صلاته الاّ وقال: يا أبا الحسن هل عندك شيء نفطر عليه فنميل معك؟ فأطرق لا يجيب جواباً حياءً منه، وكان اللّه أوحي إليه أن يتعشّي تلك الليلة عند عليّ.

فانطلقا حتّي دخلا علي فاطمة وهي في مصلاّها وخلفها جفنة تفور دخاناً، فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما، فسأل عليّ (عليه السلام)أنّي لكِ هذا؟ قالت: هو من فضل اللّه ورزقه، إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب، قال: فوضع النبيّ كفّه المبارك بين كتفي عليّ، ثمّ قال: يا علي هذا بدل دينارك، ثمّ استعبر النبيّ باكياً، وقال: الحمد للّه الذي لم يمتني حتّي رأيت في ابنتي ما رأي زكريا لمريم.

وفي رواية الصادق (عليه السلام): أنّه أنزل اللّه فيهم: (ويُؤثِرُون علي أنْفُسِهِم ولو كَان بِهم خَصاصَة) [الحشر: 9].

قال الحميري:

وحدّثنا عن حارث الأعور الّذي

نصدّقه في القول منه وما يروي

بأنّ رسول اللّه نفسي فداؤه

وأهلي ومالي طاوي الحشي يطوي

لجوع أصاب المصطفي فاغتدي الي

كريمته والنّاس لاهون في سهو

فصادفها وابني عليّ وبعلها

وقد أطرقوا من شدّة الجوع كالنّضو

فقال لها يا فطم قومي تناولي

ولم يك فيما قال ينطق بالهزو

هديّة ربّي إنّه مترحّم

فقامت إلي ما قال تسرع بالخطو

فجاءت عليها اللّه صلّي بجفنة

مكرمة باللّحم جزواً علي جزو

فسمّوا وظلّوا يطعمون جميعهم

فبخ بخ لهم نفسي الفداء وما أحوي

فقال لها ذاك الطّعام هديّة

من اللّه جبريل أتاني به يهوي

ولم يك منه طاعماً غير مرسل

وغير وصيٍّ خصّه اللّه بالصّفو

وفي حديث ابن عبّاس أنّ المقداد قال له: أنا منذ أيّام ما طعمت شيئاً، فخرج أمير المؤمنين وباع درعه بخمسمائة ودفع

إليه بعضها، وانصرف متحيّراً، فناداه أعرابّي: إشتر منّي هذه النّاقة مؤجّلاً، فاشتراها بمائة درهم ومضي الأعرابّي، فاستقبله أعرابّي آخر وقال: بعني هذه النّاقة بمائة وخمسين درهماً، فباع وصاح يا حسن ويا حسين إمضيا في طلب الأعرابّي وهو علي الباب، فرآه النبيّ، فقال وهو مبتسم: يا علي الأعرابيّ صاحب الناقة جبرئيل والمشتري ميكائيل، يا علي المائة عن النّاقة، والخمسين بالخمس التي دفعتها إلي المقداد، ثمّ تلا: (وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ له مخرجاً) الآية [الطلاق: 2 - 3].

قال السيّد الحميري:

أليس المؤثر المقداد لمّا

أتاه مقوّياً في المقويينا

بدينار وما يحوي سواه

وما كلّ الأفاضل مؤثرينا

وسمع أمير المؤمنين (عليه السلام)أعرابياً يقول وهو آخذ بحلقة الباب: البيت بيتك، والضّيف ضيفك، ولكلّ ضيف قري، فاجعل قراي منك في هذه الليلة المغفرة.

فقال (عليه السلام): يا أعرابي هو واللّه أكرم من أن يردّ ضيفه بلا قري.

وسمعه في الليلة الثّانية قائلاً: يا عزيزاً في عزّك يعزّ من عزّ عزّك، أنت أنت لا يعلم أحد كيف أنت إلاّ أنت، أتوجّه إليك بك وأتوسّل بك إليك، وأسألك بحقّك عليك، وبحقّك علي آل محّمد أعطني ما لا يملكه غيرك، واصرف عنّي ما لا يصرفه سواك، يا أرحم الراحمين، فقال (عليه السلام): هذا إسم اللّه الأعظم بالسّريانيّة.

وسمعه في الليلة الثالثة يقول: يا زين السّماوات والأرض، اُرزقني أربعة آلاف درهم، فضرب (عليه السلام)يده علي كتف الاعرابي، ثمّ قال: قد سمعت ما طلبت وما سألت ربّك، فما الذي تصنع بأربعة آلاف درهم؟ قال: ألف صداق امرأتي، وألف أبني به داراً، وألف أقضي به ديني، وألف ألتمس به المعاش، قال: أنصفت يا أعرابي، إذا قدمت المدينة فسل عن علي بن أبي طالب.

قال: فلمّا أتي الأعرابي المدينة، قال للحسين (عليه السلام): قل لأبيك صاحب

الضّمان بمكّة، فدخل فأخبره، قال: إي واللّه يا حسين، إئتني بسلمان، فلمّا أتاه قال: يا سلمان أجمع لي التجّار، فلمّا اجتمعوا قال لهم: إشتروا منّي الحائط الذي غرسه لي رسول اللّه بيده، فباعه منهم باثني عشر ألف درهم، فدفع إلي الأعرابي أربعة آلاف، فقال: كم انفقت في طريقك؟ قال: ثلاثة عشر درهماً، قال: ادفعوا له ستّاً وعشرين درهماً حتي يصرف الأربعة آلاف حيث سأل، وصيّر بين يديه الباقي، فلم يزل يعطي قبضةً قبضةً حتي لم يبقَ منها درهم.

فلمّا أتي فاطمة ذكر بيع الحائط، فقالت: فأين الثّمن؟ قال: دفعته واللّه إلي عيون استحييت منها أن أحوجها إلي ذلّ المسألة، فأعطيتهم قبل أن يسألوني، فقالت: لا اُفارقك أو يحكم بيني وبينك أبي، إذ أنا جائعة وابناي جائعان لم يكن لنا في اثني عشر ألف درهم درهم نأكل به الخبز؟ فقال: يا فاطمة لا تلاحيني وخلّي سبيلي.

فهبط جبرئيل علي النّبيّ، فقال: السلام يقرأ عليك السّلام، ويقول: بكت ملائكة السّماوات للزوم فاطمة عليّاً، فاذهب إليهما، فجاء إليهما، فقال (صلي الله عليه وآله): يا بنتي مالكِ تلزمين عليّاً؟ فقصّت عليه القصّة، فقال (صلي الله عليه وآله) خلّي سبيله فليس علي مثل عليّ تضرب يد، ثمّ خرجا من الدار، فما لبث أن رجع النبيّ، فقال: يافاطمة رجع أخي؟ فقالت: لا، فأعطاها سبعة دراهم سوداء هجريّة، وقال: قولي له يبتاع لكم بها طعاماً.

فلمّا أتاها أعطته الدّراهم فأخذها وقال: بسم اللّه والحمد للّه كثيراً طيّباً من فضل اللّه، فذهب إلي السّوق فإذا سائل يقول: من يقرض اللّه المليّ الوفيّ. فقال في نفسه: يا أبا الحسن!! أتسمع ما يقول: إقرض اللّه، ثمّ مضي ليستقرض من أحد، فإذا بشيخ معه ناقة، فقال: يا عليّ إبتع

منّي هذه النّاقة، فقال (عليه السلام): ليس معي ثمنها، قال الشيخ: إني اُنظرك بثمنها، فابتاعها بمائة درهم ثمّ اشتري، الي آخر القصّة المذكورة.

قال بعضهم:

أمّن طوي يومين لم يطعم ولم

تطعم حليلته ولا الحسنان

فمضي لزوجته ببعض ثيابها

ليبيعه في السّوق كالعَجلان

يهوي ابتياع جرادق لعياله

من بين ساغبة ومن سغبان

إذ جاءه مقداد يخبر أنّه

مذ لم يذق أكلاً له يومان

فهوي إلي ثمن المثال فصبّه

من كف أبيض في يد غرثان

فطرا من الأعراب سائق ناقة

حسناء تأجره له معسان

نادي ألا اشترها فقال وكيف لي

بشرا البعير وما معي فلسان

قال الفتي ابتعها فإنّك منظر

فيما به الكفّان تصطفقان

فبدا له رجل فقال أبائع

منّي بعيرك أنت يا ربّاني

أخبر شراك لهن ربحك قالها

مائة فقال فهاكها مائتان

وأتي النبيّ معجباً فأهابه

وإليه قبل قد انتهي الخبران

نادي أبا حسن أأبدأ بالّذي

أقبلت تنبئنيه أم تبداني

قال الوصيّ له فأنبئني به

انّي اتّجرت فتاح لي ربحان

ربح لآخرتي وربح عاجل

وكلاهما لي يا أخي فخران

فأبثّه ما في الضّمير وقال هل

تدري فداك أحبّتي من ذان

جبريل صاحب بيعها والمشتري

ميكال طبت وانجح السّعيان

والنّاقة الكوماء كانت ناقةً

ترعي بدار الخلد في بطنان

ويا هل تري، وياليت شعري وما يقال في رجل لم يردّ سائلاً قط، حتّي أنّه يعطي سائلاً وهو راكع للّه، كما نطق القرآن بذلك شاهداً بأنّه خليفة اللّه في أرضه بعد رسوله، وذلك قوله تعالي: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذين آمَنُوا اَلَّذين يقيمون الصلاة و يُؤتُونَ الزَكَاةَ وَهُمْ راكِعُون) [المائدة: 55] وهل شاركه أحد من العالمين في هذه؟ حاش وكلاّ وحقّ الحقّ.

راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب [2: 70 80].

مسابقته بالشجاعة

قال اللّه تعالي مجده في كتابه الكريم مخبراً بما وصف به أصحاب محمّد (صلي الله عليه وآله) بقوله: (محمّدٌ رَسُولُ اللّه وَالذين مَعَهُ أشدّاءُ عَلَي الكفَّار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29] والشدّة علي الكفّار

هي حليتهم الّتي حلاّهم اللّه بها، وإنّا إذا نجول خلال معاني هذه الآية، ونجول ببصرنا تجاه أخبار الصّحابة، في أساطير اُمناء التّاريخ وأهل السّير، وجدنا أن أولي من اتّصف بهذه الصّفة عليّ (عليه السلام)دون غيره ممّن تُدّعي له الشدّة علي الكفّار، ويؤيّد فيما قلناه قوله تعالي فيما روينا عن الرّضا والباقر (عليهما السلام): (لِيُنْذِرْ بَأساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) [الكهف: 2]قالا: البأس الشّديد: علي بن أبي طالب، وهو لدن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) يقاتل معه عدوّه.

وقد روي أيضاً أنّ قوله تعالي: (والصّابِرُون في البَأساءِ والضرّاءِ وَحيْنَ البَأسِ) [البقرة: 177] نزل فيه (عليه السلام).

قال الحيص بيص:

وأنزع من شرك الرّجال مبرّأ

بطين من الأحكام جمّ النّوافل

سديد مضاء البأس يغني بلاؤه

إذا زحموه بالقنا والقبائل

وممّا يدل علي صحّة ما قلناه أنه (عليه السلام)كان واللّه الأوحديّ من بين الصّحابة الّذي هدّد به الرّسول الكفّار وأنذرهم به، كما روي ذلك الإمام أحمد بن حنبل في كتابه فضائل الصحابة، عن شدّاد بن الهاد، قال: لما قدم علي رسول اللّه وفد من اليمن ليسرح، فقال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): اللهمّ لتقيمنّ الصّلاة أو لأبعثنّ إليكم رجلاً يقتل المقاتلة ويسبي الذرّيّة، قال: ثم قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): اللهمّ أنا أو هذا، وانتثل [4] بيد عليّ.

وقد تكرّر قوله ذلك فيه (عليه السلام)في عدّة مواطن تجاه الكفّار والمشركين.

وفي تاريخ النسوي: قال عبدالرحمن بن عوف: قال النبيّ لأهل الطّائف: والذي نفسي بيده، لتقيمنّ الصّلاة، ولتؤتنّ الزكاة، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً منّي أو كنفسي، فليضربنّ أعناق مقاتليكم أو ليسبينّ ذراريكم، قال: فرأي النّاس أنّه عني أبا بكر وعمر، فأخذ بيد عليّ، فقال: هذا.

أقول: لقد اتّفقت تلكم الأحاديث مع قوله تعالي: (وَمَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ

عَنْ دِينهِ فَسَوْفَ يَأتي اللّه بِقَوْم يُحبّهم وَيُحِبُّونَهْ أذِلَّة عَلي المؤمِنينَ أعِزَّة عَلي الكافرين) [المائدة: 154] ولهذا لم يكن أحد غيره، إذا رأته قريش في الحرب تواصت خوفاً منه، ولا أحد سواه إذا تهجّم علي العدوّ وخاض فيهم حتّي شقَّهم، قالوا فيه: بأنّ ملك الموت بجانبه.

كما رواه الزمخشري في كتابه الفائق أنّ عليّاً حمل علي المشركين فما زالوا يبقطون إلي الجبال منهزمين، وكانت قريش إذا رأوه في الحرب تواصت خوفاً منه، وقد نظر اليه رجل وقد شقّ (عليه السلام)العسكر، فقال: علمت بأنّ ملك الموت في الجانب الذي فيه عليّ، ففي ذلك قال النّاشي:

همام ملك الموت

إذا بادر في كدّ

لذاك الموت يقضي حا

جةً في صورة العبد

ولا يبرح حتّي يو

لج المرهف في الغمد

ولا يقتل إلاّ كلّ

ليث باسل نجد

ولا يتبع من ولّي

من الحرّ إلي العبد

وقد سمّاه رسول اللّه كرّاراً غير فرّار في حديث خيبر. قال الصاحب:

قد كان كرّاراً فسمّي غيره

في الوقت فرّاراً فهل من معدل

وقال غيره:

نفسي فداء عليّ من إمام هدي

مجاهداً في سبيل اللّه كرّارا

وفي صحيح الترمذي[5: 592 ط. دار الفكر]، وتاريخ الخطيب [8: 433 ط. دار الكتب العلمية]، وفضائل السمعاني: أنّه (صلي الله عليه وآله) قال يوم الحديبيّة لسهيل بن عمير: يا معشر قريش، لتنتهنّ أو ليبعثنّ اللّه عليكم من يضرب رقابكم علي الدّين.

ولذلك قال الرّضا (عليه السلام)في تفسيره تلك الآية: إنّ عليّاً منهم.

ونقول: بلي واللّه وألف بلي، فكيف لا يكون منهم؟ وقد كان أليقهم بتلك الصّفة، باعتراف المؤالف والمخالف، وبإقرار كلّ صديق وزنديق. قال عمر بن الخطّاب كما في شرح نهج البلاغة : لولا سيف عليّ لما قام عمود في الإسلام.

وقال معاوية يوم صفّين: اُريد منكم واللّه أن تشجّروه بالرّماح، فتريحوا العباد والبلاد منه. فقال مروان: واللّه

لقد ثقلنا عليك يا معاوية، إذ كنت تأمرنا بقتل حيّة الوادي، والأسد العادي، ونهض معاوية مغضباً، فأنشأ الوليد بن عقبة:

يقول لنا معاوية بن حرب

أما فيكم لواتركم طلوب

يشدّ علي أبي حسن عليّ

بأسمر لا تهجّنه الكعوب

فقلت له أتلعب يا ابن هند

فإنّك بيننا رجل غريب

أتأمرنا بحيّة بطن واد

يتاح لنا به أسد مهيب

كأنّ الخلق لما عاينوه

خلال النّقع ليس لهم قلوب

فقال عمرو بن العاص: واللّه ما يعيّر أحد بفراره من علي بن أبي طالب، ولمّا نعي بقتل أمير المؤمنين (عليه السلام)دخل عمرو بن العاص علي معاوية مبشّراً، فقال: إنّ الأسد المفترس ذراعيه بالعراق لاقي شعوبه.

فقال معاوية:

قل للأرانب تربع حيث ماسلكت

وللظّباء بلا خوف ولا حذر

وقال أبو العلاء السّروي:

تخاله أسداً يحمي العرين إذا

يوم الهياج بأبطال الوغي رجفا

يضلّه النّصر والرّعب اللذان هما

كانا له عادة إذ سار أو وقفا

شواهد فرضت في الخلق طاعته

برغم كلّ حسود مال وانحرفا

ومن أعجب ما يتعجّب به كلّ ذي عقل سليم، من الجنّة والنّاس أجمعين أن يقال: كان الفرّار أشجع الصّحابه علي الاطلاق حتي من الكرّار، وهل يقاس من لم يصب محجمةً من دم في الجاهليّة او الإسلام، بقتال الشّجعان والاقران، وهجّاج الكتائب وعجّاج الميدان؟ هيهات وهيهات، لم يثبت مثل ذلك لكرد من الفرس، مثل: رستم، واسفنديار، وبهمن، أو لفرسان العرب، مثل: عنتر العبسي، وعامر بن الطفيل. أو لمبارز من التّرك، مثل: افراسياب، وشبهه.

فهو (عليه السلام)الفارس الذي يفرّق العسكر، كفرق الشّعر، ويطويهم كطيّ السّجل. الحرب دأبه، والجدّ آدابه. والنصر طبعه، والعدوّ غنمه، جريّ خطّار، وجسور هصّار، ما لسيفه إلاّ الرّقاب، وانّه لو حضر لكفي الحذر، ويقال له: غالب كلّ غالب، علي بن أبي طالب.

الذي روّي سيفه في يوم بدر بدماء خمسة وثلاثين مبارزاً من المشركين، دون الجرحي منهم، وهم: الوليد

بن عقبة، والعاص بن سعيد بن العاص، ومطعم ابن عدي بن نوفل، وحنظلة بن أبي سفيان، ونوفل بن خويلد، وزمعة بن الأسود، والحارث بن زمعة، والنّضر بن الحارث بن عبدالدّار، وعمير بن عثمان بن كعب عمّ طلحة، وعثمان ومالك أخو طلحة، ومسعود بن أبي اُميّة بن المغيرة، وقيس بن الفاكه بن المغيرة، وأبو القيس بن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن مخزوم، والمنذر بن أبي رفاعة، ومنبّه بن الحجّاج السّهمي، والعاص بن منبّه، وعلقمة بن كلدة، وأبو العاص بن قيس بن عدي، ومعاوية بن المغيرة، والحاجب بن السائب بن عويمر، وأوس بن المغيرة بن لوذان، وزيد بن مليص، وعاصم بن أبي عوف، وسعيد بن وهب، ومعاوية بن عامر بن عبدالقيس، وعبداللّه بن جميل بن زهير، والسّائب بن سعيد بن مالك، وأبو الحكم بن الأخنس، وهشام بن أبي اُميّة.

ويقال: إنّه (عليه السلام)قتل في بدر بضعة وأربعين رجلاً، لا خمسة وثلاثين.

وقتل (عليه السلام)في يوم اُحد كبش الكتيبة: طلحة بن أبي طلحة، وإبنه أبا سعيد، وإخوته خالداً ومخلّداً وكلّدة والمحالس، وعبدالرحمن بن حميد بن زهرة، والحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي، والوليد بن اُرطاة، واُميّة بن أبي حذيفة، واُرطاة بن شرحبيل، وهشام بن اُميّة، ومسافع، وعمرو بن عبداللّه الجمحي، وبشر ابن مالك المغافري، وصوّاب مولي عبدالدّار، وأبا حذيفة بن المغيرة، وقاسط بن شريح العبدي، والمغيرة بن المغيرة، سوي من قتلهم بعدما هزمهم.

وقتل (عليه السلام) في يوم الاحزاب: عمرو بن عبد ودٍّ وولده، ونوفل بن عبداللّه بن المغيرة، ومنبّه بن عثمان العبدري، وهبيرة بن أبي هبيرة المخزومي، وهاجت الرّياح، وانهزم الكفّار.

وقتل (عليه السلام) يوم حنين أربعين رجلاً وفارسهم أبو جرول، وأنّه قدّه نصفين بضربة في الخوذة والعمامة، والجوشن والبدن إلي

القربوس، وقد اختلفوا في اسمه.

ووقف (عليه السلام) يوم حنين في وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف، إلي أن ظهر المدد من السّماء.

وفي غزوة السّلسلة قتل السّبعة الأشدّاء، وكان أشدّهم آخرهم وهو سعيد ابن مالك العجلي. وفي بني النضير قتل أحد عشر منهم غروراً. وفي بني قريظة ضرب أعناق رؤساء اليهود مثل: حيّ بن أخطب، وكعب بن الاشرف. وفي غزوة بني المصطلق، قتل مالكاً وإبنه.

وروي الزمخشري في كتابه الفائق: كانت لعليّ ضربتان إذا تطاول قدّ، واذا تقاصر قطّ، وقالوا: كانت ضرباته أبكاراً، إذا اعتلي قدّ، وإذا اعترض قطّ، وإذا أتي حصناً هدّ، كانت ضرباته مبتكرات لا عوناً، يقال ضربة بكر، أي: قاطعة لا تثني. والعون: التي وقعت مختلسة فأخوجت الي المعاودة، ويقال: انّه كان يوقعها علي شدّة في الشّدّة لم يسبقه الي مثلها بطل، زعمت الفرس أنّ اُصول الضّرب ستّة، وكلّها مأخوذة عنه، وهي: علويّة. وسفلية، وغلبة، ومالة، وجالة، وجرّ هام.

وفي يوم الفتح قتل (عليه السلام) فاتك العرب أسد بن غويلم. وفي غزوة وادي الرّمل قتل مبارزيهم، وبخيبر قتل مرحباً وذا الخمار وعنكبوتاً. وبالطائف هزم خيل خثعم، وقتل شهاب بن عيسي، ونافع بن غيلان. وقتل مهلعاً وجناحاً وقت الهجرة.

وقتاله لأحداث مكّة عند خروج النبيّ (صلي الله عليه وآله) من داره إلي المسجد، ومبيته علي فراشه ليلة الهجرة، وله المقام المشهود في الجمل حتّي قطع يد الجمل، ثمّ قطع رجليه حتّي سقط، وله ليلة الهرير ثلاثمئة تكبيرة أسقط بكلّ تكبيرة عدوّاً. وفي رواية: خمسمئة وثلاث وعشرون، فيما رواه الأعثم. وفي رواية: سبعمئة. ولم يكن لدرعه ظهر ولا لمركوبه كرّ وفرّ.

وفيما كتب أمير المؤمنين إلي عثمان بن حنيف: لو تظاهرت العرب علي قتالي لما ولّيت عنها، ولو أمكنت

الفرصة من رقابها لسارعت اليها.

وروي أبو السّعادات في فضائل العشرة أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يحارب رجلاً من المشركين، فقال المشرك: يا بن أبي طالب هبني سيفك، فرماه إليه، فقال المشرك: عجباً يا بن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع اليّ سيفك؟ فقال (عليه السلام): يا هذا إنّك مددت يد المسألة إليّ، وليس من الكرم أن يردّ السّائل. فرمي الكافر نفسه إلي الأرض، وقال: هذه سيرة أهل الدّين، فباس قدمه وأسلم.

وروي محمّد بن أبي السّري التميمي، عن أحمد بن الفرج، عن النّهدي، عن وبرة، عن ابن عبّاس، قال: لمّا خرج النبيّ (صلي الله عليه وآله) إلي بني المصطلق نزل بقرب واد وعر، فلمّا كان آخر الليل هبط عليه جبرئيل، يخبره أنّ كفّاراً من الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده، فدعا (صلي الله عليه وآله) عليّاً وقال: إذهب إلي هذا الوادي.

فلمّا ذهب عليّ (عليه السلام) وقارب شفيره، أمر أصحابه أن يقفوا بقرب الشّفير، ولا يحدثوا شيئاً حتّي يأذن لهم، ثمّ تقدّم فوقف علي شفير الوادي، وتعوّذ باللّه من أعدائه، وسمّاه بأحسن أسمائه، ثمّ أمر أصحابه أن يقربوا منه، ثمّ أمر بالهبوط إلي الوادي، فاعترضتهم ريح عاصف كاد القوم يقعون علي وجوههم لشدّتها، فصاح: أنا علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب، وصيّ رسول اللّه وابن عمّه، اُثبتوا إن شئتم، وظهر أشخاص مثل الزطّ يخيّل إلينا أنّ في أيديهم شعل النار، وقد اطمأنّوا بجنبات الوادي.

فتوغّل أمير المؤمنين بطن الوادي، وهو يتلو القرآن، ويومئ بسيفه يميناً وشمالاً، فما لبث الأشخاص حتّي صارت كالدّخان الأسود، وكبّر أمير المؤمنين ثمّ صعد، فقال: كفي اللّه كيدهم وكفي المسلمين شرّهم، وسيسبقني بقيّتهم إلي النبيّ فيؤمنوا به، فلمّا وافي النبيّ، قال له: لقد

سبقك يا عليّ إليّ من أخافه اللّه بك فأسلم.

وقال أبو الحسن البياضي:

من قاتل الجنّ غير حيدرة

وصاح فيهم بصوته الجَهْور

فصوته علا عزيفهم

إذ قال هات الحسام يا قنبر

فانهزموا ثمّ مُزّقت شيعاً

منه العفاريت خيفةً تُذعر

وقال أبو الحسن الأسود:

من قاتل الجن الطّغاة فأسلموا

في البئر كرهاً يا اُولي الألباب

من هزّ خيبر هزّةً فتساقطت

أبراجها لمّا دحي بالباب

وروي محمّد بن إسحاق، عن يحيي بن عبداللّه بن الحارث، عن أبيه، عن ابن عبّاس. وروي أبو عمرو عثمان بن أحمد، عن محمّد بن هارون بإسناده عن ابن عبّاس في خبر طويل: أنّه أصاب الناس عطش شديد في الحديبيّة، فقال النبيّ: هل من رجل يمضي مع السّقاة إلي بئر ذات العلم فيأتينا بالماء، وأضمن له الجنّة؟ فذهب جماعة فيهم سلمة بن الأكوع، فلمّا دنوا من الشّجرة والبئر سمعوا حسّاً وحركةً وقرع طبول، ورأوا نيراناً تتّقد بغير حطب فرجعوا خائفين. ثمّ قال (صلي الله عليه وآله): هل من رجل يمضي مع السّقاة فيأتينا بالماء أضمن له علي اللّه الجنّة؟ فمضي رجل من بني سليم وهو يرتجز:

أمن عزيف ظاهر نحو السّلم

ينكل من وجّهه خير الاُمم

من قبل أن يبلغ آبار العلم

فيستقي واللّيل مبسوط الظّلم

ويأمن الذّمّ وتوبيخ الكلم

فلمّا وصلوا الي الموضع رجعوا وجلين. فقال النبيّ (صلي الله عليه وآله): هل من رجل يمضي مع السّقاة إلي البئر ذات العلم فيأتينا بالماء أضمن له علي اللّه الجنّة؟ فلم يقم أحد. واشتدّ بالنّاس العطش وهم صيام، ثمّ قال (صلي الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): سر مع هؤلاء السّقاة حتّي ترد بئر ذات العلم وتستقي وتعود إن شاء اللّه، فخرج عليّ (عليه السلام) قائلاً:

أعوذ بالرحمن أن أميلا

من عزف جنٍّ أظهروا تأويلا

وأوقدت نيرانها تهويلا

وقرعت مع عزفها طبولا

قال السّقاة: فداخلنا الرّعب، فالتفت عليّ

إلينا وقال: اتّبعوا أثري ولا يفزعنّكم ما ترون وتسمعون، فليس بضائركم إن شاء اللّه.

ثمّ مضي، فلمّا دخلنا الشّجر، فإذا بنيران تضطرم بغير حطب، وأصوات هائلة ورؤوس مقطّعة لها ضجّة، فقال عليّ: اتّبعوني ولا خوف عليكم، ولا يلتفت أحد منكم يميناً ولا شمالاً.

فلمّا جاوزنا الشّجرة ووردنا الماء أدلي البراء بن عازب دلوه في البئر، فاستقي دلواً أو دلوين، ثم انقطع الدّلو فوقع في القليب، والقليب ضيّق مظلم بعيد القعر، فسمعنا من أسفل القليب قهقهةً وضحكاً شديداً.

فقال عليّ: من يرجع إلي عسكرنا ويأتينا بدلو ورشاء؟ فقال أصحابه: لن نستطيع ذلك، فاتّزر (عليه السلام) بمئزر ونزل في القليب، وما تزداد القهقهة إلاّ علوّاً، وجعل (عليه السلام) ينحدر في مراقي القليب إذ زلّت رجله فسقط فيه، فسمعنا وجبةً شديدةً واضطراباً وغطيطاً كغطيط المخنوق، ثمّ نادي (عليه السلام): اللّه أكبر اللّه أكبر، أنا عبداللّه وأخو رسول اللّه، هلمّوا قربكم، فاقعمها وأصعدها علي عاتقه شيئاً فشيئاً. ومضي بين أيدينا فلم نر شيئاً. فسمعنا صوتاً يقول:

أيّ فتي ليل أخي روعات

وأيّ سبّاق إلي الغايات

للّه درّ الغرر السّادات

من هاشم الهامات والقامات

مثل رسول اللّه ذي الآيات

أو كعليّ كاشف الكربات

كذا يكون المرء في الحاجات

فارتجز أمير المؤمنين عليه السلام:

اللّيل هول يرهب المهيبا

ويذهل المشجّع اللّبيبا

فإنّني أهول منه ذيباً

ولست أخشي الرّوع والخطوبا

إذا هززت الصّارم القضيبا

أبصرت منه عجباً عجيبا

وانتهي خبر ذلك إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله) فقال له: ماذا رأيت في طريقك يا علي؟ فأخبره الخبر كلّه، فقال (صلي الله عليه وآله): إنّ الذي رأيته مثل ضربه اللّه لي ولمن حضر معي في وجهي هذا، قال عليّ: إشرحه لي يا رسول اللّه.

فقال (صلي الله عليه وآله): أمّا الرّؤوس التي رأيتم لها ضجّة ولألسنتها لجلجة، فذلك مثل قوم معي يقولون

بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ولا يقبل اللّه منهم صرفاً ولا عدلاً، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزناً، وأمّا النّيران بغير حطب، ففتنة تكون في اُمّتي بعدي، القائم فيها والقاعد سواء، لا يقبل اللّه لهم عملاً، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزناً، وأمّا الهاتف الذي هتف بك، فذاك سلقعة. وهو سملقة بن غراف الذي قتل عدوّ اللّه مسعراً شيطان الأصنام، الذي كان يكلّم قريشاً منها ويشرع في هجاي:

قال العبدي:

من قاتل الجنّ في القليب تري

من قلع الباب ثمّ أدحاها

من كان في الحرب فارساً بطلاً

أشدّهم ساعداً و أقواها

قال السروجي:

والبئر لمّا عندها محمّد

حلّ وللبئر لهيب قد سعر

وأدلي الوارد منها دلوه

فعاد مقطوعاً إلي حيث انحدر

واُظهرت نار فوليّ هارباً

عنها وفي أعقابه رمي الحجر

فعندها وافي وصيّ أحمد

صلّي عليه من عفا ومن غفر

ومرّ فيها نازلاً حتّي إذا

صار إلي النصّف به الحبل انبتر

فطال فيها لبثه ثمّ ارتقي

لسانه القرآن يقرأ والسّور

فاغترف الناس وأسقي وسقي

والماء فيه من دم الجان عكر

وله أيضاً:

فقلت أمّا عليّ آيةً خلقت

واللّه أظهرها للنّاس في رجل

مخيفةً بعليّ ثمّ ألحقها

بذي الفقار وفيه قبضة الأجل

ما سلّه ورحاء الحرب دائرة

إلاّ وأغمده في هامة البطل

ما صاح في الجيش صوتاً ثمّ أتبعه

أنا عليّ تولّي الجيش من جفل

وقال الزاهي:

هذا الذي أردي الوليد وعتبةً

والعامريّ وذا الخمار ومرحبا

هذا الذي هشمت يداه فوارساً

قسراً ولم يك خائفاً مترقّبا

في كلّ منبت شعرة من جسمه

أسد يمدّ إلي الفريسة مخلبا

وقال دعبل:

سنان محمّد في كلّ حرب

إذا نهلت صدور السّمهري

وأوّل من يجيب إلي براز

إذا زاغ الكميّ عن الكمي

مشاهد لم تفلّ سيوف تيم

بهنّ ولا سيوف بني عدي

وقال ابن حمّاد:

ذاك الفتي النّجد الذي إذا بدا

بمعرك ألقت له فتيانه

ليث لو الليث الجريّ خاله

أطار من هيبته جنانه

ذاك الشّجاع إذا بدا بمعرك

تفرّقت من خوفه شجعانه

تبكي الطّلا إن ضحكت أسيافه

ويرتوي إن عطشت سنانه

صقر

ولكن صيده صيد الوغي

ليث ولكن فرسه فرسانه

تري سباع البيد تقفو إثره

لأنّها يوم الوغي ضيفانه

يقرن أرواح الكماة بالرّدي

كذاك خاضت دونه أقرانه

وكم كميّ قد سقاه في الوغي

وليس تخبو للقري نيرانه

ومن قول ابن حمّاد:

مجلّي الكرب يوم الحرب

في بدر وفي اُحد

إذ الهيجاء هاج لها

بقلب غير مرتعد

تري الأبطال باطلةً

لخوف الفارس الأسد

فأنفسهم مودّعة

لها بتنفّس الصّعد

وقد خنقوا لخيفته

فلست تحسّ من أحد

فلا صوت بغير البيض

فوق البيض والزّرد

سقي عمرواً منيّته

وعمرواً قاد في الصّفد

أمير النّحل مولي الخلق

غير الواحد الصّمد

فلن تلد النّسا شبهاً

له كلاّ ولم تلد

شبيه المصطفي في الفضل

لم ينقص ولم يزد

وقالت جرهمة الأنصارية:

صهر النّبيّ فذاك اللّه أكرمه

اذا اصطفاه وذاك الصّبر مدّخر

لا يسلم القرن منه إن ألمّ به

ولا يهاب وإن أعداؤه كثروا

من رام صولته وافت منيّته

لا يدفع الثكل عن أقرانه الحذر

راجع المناقب لابن شهرآشوب [2: 81 93 ط. ايران].

مسابقته بالزهد والقناعة

وأمّا الخوض في الرّوايات عن زهد الزّاهدين، وقناعة القانعين، فلربّما لم تقرع اُذن بسماع زهد فاق زهده (عليه السلام). ولم ترنّ قناعة فاقت قناعته في مسامع السّامعين، ولا سيّما بعد أن اجتمع علماء الاُمّة علي أنّه من فقراء المهاجرين.

ولا شكّ لدي ذي مسكة من العلم بالكتاب والتّنزيل أنّه (عليه السلام) كان في طليعة من قال فيهم اللّه عزّ وجلّ: (لِلفقَراءِ المُهَاجِريْنَ الذِينَ اُخْرِجُوا من دِيارِهِم وأمْوَالِهِمْ يَبْتَغون فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ اُولئكَ هُمُ الصَّادِقُون) [الحشر: 8].

وقد نزل فيه أيضاً فيما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 364 ط النجف و 2: 94 ط ايران] عن سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن ابن عبّاس أنّه قال في قوله تعالي: (فأمّا مَنْ طَغَي، وآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيا) [النازعات: 37 38]: هو علقمة ابن الحارث بن عبد الدار. (وَأمّا مَنْ خَافَ مَقامَ ربِّه وَنَهيَ النفْسَ عَنِ الهَوَي، فإنّ

الجَنّةَ هِيَ الماوي) [النازعات: 39 40] هو علي بن أبي طالب، خاف فانتهي عن المعصية، ونهي عن الهوي نفسه، فإنّ الجنّة هي المأوي، خاصّاً لعليّ، وعامّاً لمن كان علي منها.

ولذلك قال ابن عُيينة، كما في قوت القلوب لأبي طالب المكّي: أزهد الصّحابة عليّ بن أبي طالب. وقال عمر بن عبدالعزيز: ما علمنا أحداً كان في هذه الاُمّة أزهد من عليّ بن أبي طالب بعد النبيّ (صلي الله عليه وآله).

وعن قتادة، عن الحسن، عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (إنَّ للمُتَّقِيْنَ مَفَازاً) [النبأ: 31] قال: عليّ بن أبي طالب هو سيّد من اتّقاه عن ارتكاب الفواحش.

وحسبنا دليلاً علي ما ثبت من زهده، وعدم احتفاله بالدّنيا ولابالرّئاسة فيها، عكوفه علي غسل وتجهيز سيّد المرسلين، والنّاس في هرج ومرج في سقيفة بني ساعدة من أجل الخلافة، من بين قائل منّا أمير ومنكم أمير، إلي أن تقمّصها أبو بكر، ونبيّ الرحمة والعظمة مسجّي قد اكتنفه ذوو قرباه من بين باك ومتحيّر ذاهل وصارع.

وكما هو من المعلوم أيضاً لدي من تصفّح كتب التواريخ أنّه: لمّا توفّي أبو بكر كان عليه لبيت مال المسلمين نيّف وأربعون ألف درهم. ومات عمر وعليه نيّف وثمانون ألف درهم، ومات عثمان وعليه مالا يحصي كثرةً. وليس ما ترك عليّ حين توفي سوي سبعمئة درهم فضلاً عن عطائه.

قد ذكر ابن شهر آشوب في مناقبه [2: 52 ط النجف] أنّه: أورد الشافعيّ عن أبي حنيفة بإسناده عن ابن أبي ليلي: أنّ في عهد عمر اُتي بمال كثير من فارس والسّوس والأهواز، فقال عمر: يا بني هاشم لو أقرضتموني حقّكم من هذه الغنائم، لاُعوّض مرّة اُخري، فقال عليّ: يجوز، فقال العبّاس: أخاف فوت حقّنا، فكان كما قال، ومات

عمر وما ردّ عليهم حقّهم، وفات.

وروي أبو نعيم في حليته، أنّه قال سالم بن الجعد: رأيت الغنم تبعر في بيت المال في زمن أمير المؤمنين علي.

فيها أيضاً عن الشعبي أنّه قال: كان أمير المؤمنين ينضح بيت المال، ثمّ يصلّي فيه.

وروي أبو عبداللّه بن حموية البصريّ بإسناد عن سالم الجحدريّ، قال: شهدت عليّ بن أبي طالب اُتي بمال عند المساء، فقال (عليه السلام): اقتسموا هذا المال، فقالوا: قد أمسينا يا أمير المؤمنين فأخّره إلي غد، فقال لهم: أتضمنون لي أن أعيش إلي غد؟ فقالوا: ماذا بأيدينا؟ فقال: لاتأخّروه حتّي تقسّموه.

وروي أنّه (عليه السلام) كان يأتي عليه وقت لا يكون عنده قيمة ثلاثة دراهم يشتري بها إزاراً وما يحتاج إليه، ثمّ يقسّم كلّ ما في بيت المال علي الناس، ثمّ يصلّي فيه ويقول: الحمد للّه الذي أخرجني منه كما دخلته.

وروي أبو جعفر الطّوسي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قيل له: أعط هذه الأموال لمن يخاف عليه من الناس أن يفرّ إلي معاوية، فقال (عليه السلام): أتأمروني أن أطلب النّصر بالجور؟ لا واللّه لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السّماء نجم، واللّه لو كان مالهم لي لواسيت بينهم، وكيف وإنّما هي أموالهم.

قال الباقر (عليه السلام) في خبر: ولقد ولّي خمس سنين وما وضع آجرة علي آجرة، ولا لبنة علي لبنة، ولا أقطع قطيعاً ولا أورث بيضاً ولا حمراً.

وفي خصال الكمال، عن أبي الحسن البلخي أنّه (عليه السلام) اجتاز بسوق الكوفة، فتعلّق به كرسيّ فتخرّق قميصه، وأخذه بيده ثمّ جاء به الي الخيّاطين، فقال: خيّطوا لي ذا بارك اللّه فيكم.

وعن الأشعث العبدي، قال: رأيت عليّاً في الفرات يوم جمعة، ثمّ ابتاع قميصاً كرابيس بثلاثة دراهم، فصلّي بالنّاس

الجمعة، وما خيط جربانه بعد.

وفي فضائل أحمد بن حنبل: أنّه رؤي علي عليّ (عليه السلام) إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم، ورؤي عليه إزار مرقوع، فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام): يقتدي به المؤمنون، ويخشع له القلب، وتذلّ به النّفس، ويقصد به المبالغ.

وفي رواية: هذا أبعد لي من الكبر، وأجدر أن يقتدي به المسلم.

وفيه قال أمير المؤمنين: ما كان لنا إلاّ أهاب كبش أبيت مع فاطمة بالّليل، ويعلف عليها الناضح.

وفي مسند أبي يعلي الموصلي، عن الشّعبي، عن الحارث، عن عليّ، قال: ما كان ليلة أهدت لي فاطمة بشيء ينام عليه الاّ جلد كبش، واشتري (عليه السلام) ثوباً فأعجبه فتصدّق به.

وروي الغزاليّ في الإحياء: كان عليّ بن أبي طالب يمتنع من بيت المال حتّي يبيع سيفه ولا يكون له إلاّ قميص واحد، في وقت الغسل لا يجد غيره.

وفي فضائل الإمام أحمد، قال زيد بن محجن: قال علي (عليه السلام): من يشتري سيفي هذا، فو اللّه لو كان عندي ثمن إزار ما بعته.

وعن الأصبغ بن نباتة، وأبي مسعدة، والباقر (عليه السلام): أنّه أتي البزّازين، فقال لرجل: بعني ثوبين، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، فلمّا عرفه مضي عنه، فوقف علي غلام فأخذ ثوبين، أحدهما بثلاثة دراهم، والآخر بدرهمين، ثمّ قال (عليه السلام): يا قنبر خذ الذي بثلاثة، قال قنبر: أنت أولي به، تصعد المنبر وتخطب النّاس.

فقال (عليه السلام): أنت شابّ ولك شره الشّباب، وأنا أستحيي من ربّي أن أتفضّل عليك، سمعت رسول اللّه يقول: ألبسوهم ممّا تلبسون، وأطعموهم ممّا تأكلون، فلمّا لبس القميص مدّ كمّ القميص فأمر بقطعه واتّخاذه قلانس للفقراء، ثمّ قال الغلام له: هلمّ أكفّه. فقال: دعه كما هو، فإنّ الأمر أسرع من ذلك،

فجاء أبو الغلام فقال: يا أمير المؤمنين أنّ ابني لم يعرفك، وهذان درهمان ربحهما، فقال (عليه السلام): ما كنت لأفعل، قد ما كست وما كسني واتّفقنا علي رضا. رواه أحمد في فضائل الصّحابة.

وروي الغزّاليّ في الإحياء: أنّه (عليه السلام) كان له سويق في إناء مختوم يشرب منه، فقيل له في ذلك: أتفعل هذا بالعراق مع كثرة طعامه؟ فقال (عليه السلام): أما إنّي لا أختمه بخلاً به، ولكنّي أكره أن يجعل فيه ما ليس منه، وأكره أن يدخل بطني غير طيّب.

وعن معاوية بن عمّار، عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: كان علي (عليه السلام) لا يأكل ممّا هنأ، حتّي يؤتي به من ثمّ يعني الحجاز.

وعن الأصبغ بن نباتة، قال: قال علي (عليه السلام): دخلت بلادكم بأشمالي هذه، ورحلتي وراحلتي ها هي، فان أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنّني من الخائنين.

وفي رواية: يا أهل البصرة، ما تنقمون منّي، إنّ هذا من غزل أهلي، وأشار إلي قميصه.

ورآه سويد بن غفلة وهو يأكل رغيفاً يكسّر بركبتيه ويلقيه في لبن حاذر يجد ريحه من حموضته، فقلت لجاريته: ويحكِ يا فضّة، أما تتّقون اللّه في الشّيخ فتنخلون له طعاماً؟ لما أري فيه من النخّال، فقال أمير المؤمنين: بأبي واُمّي، من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البرّ حتّي قبضه اللّه؟

وقال (عليه السلام) لعقبة بن علقمة: يا أبا الجنوب، أدركت رسول اللّه (عليه السلام) يأكل أيبس من هذا، ويلبس أخشن من هذا، فإن أنا لم آخذ به خفت أن لا اُلحق به.

وترصّد عمرو بن حريث غداءه (عليه السلام)، فأتت فضّة بجراب مختوم، فأخرج منه خبزاً متغيّراً خشناً، فقال عمرو: يا فضّة لو نخلت هذا الدّقيق وطيّبته، قالت: كنت أفعل

فنهاني، وكنت أضع في جرابه طعاماً طيّباً فختم جرابه.

ثمّ أنّ أمير المؤمنين أخذه وطرحه في قصعة وصبّ عليه الماء، ثمّ ذرّ عليه الملح وحسر عن ذراعه، فلمّا فرغ قال: يا عمرو لقد حانت هذه، ومدّ يده إلي محاسنه، وخسرت هذه إن أدخلها النّار من أجل الطّعام.

ورآه عديّ بن حاتم وبين يديه شنّة فيها قراح ماء وكسرات من خبز شعير وملح، فقال: عديّ: إنّي لاَ أري لك يا أمير المؤمنين لتظلّ نهارك طاوياً ومجاهداً، وبالليل ساهراً مكابداً، ثمّ هذا فطورك؟ فقال (عليه السلام): علّل النّفس بالقنوع، وإلاّ طلبت منك فوق ما يكفيها.

وروي ابن بطّة في الإبانة، عن جندب أنّ عليّاً قدّم إليه لحم غثّ، فقيل له: نجعل لك فيه سمناً؟ فقال (عليه السلام): إنّا لا نأكل إدامين جميعاً.

وروي العرني: أنّه وضع خوان من فالوذج بين يديه، فوجأ باصبعه حتّي بلغ أسفله، ثمّ سلّها ولم يأخذ منه شيئاً، وتلمّظ بأصبعه وقال: طيّب طيّب وما هو بحرام، ولكن أكره أن اُعوّد نفسي بما لم اُعوّدها.

وفي رواية عن الصادق (عليه السلام): أنّه مدّ يده اليه ثمّ قبضها، فقيل له في ذلك، فقال: ذكرت رسول اللّه أنّه لم يأكله قطّ، فكرهت أن آكله.

وفي خبر آخر عن الصادق: أنّه قالوا له: تحرّمه؟ قال: لا، ولكن أخشي أن تتوق إليه نفسي. ثمّ تلا: (أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا).

وقال الشّريف المرتضي:

وإذا الاُمور تشابهت وتبهّمت

فجلاؤها وشفاؤها أحكامه

وإذا التفتّ إلي التّقيّ صادفته

من كلّ برّ وافراً أقسامه

فالّليل فيه قيامه متهجّداً

يتلو الكتاب وفي النّهار صيامه

يعفي الثّلاث تعفّفاً وتكرّماً

حتّي يصادف زاده ومقامه

فمضي بريئاً لم تشنه ذنوبه

يوماً ولا ظفرت به آثامه

وقال الحيص بيص:

صدوق عن الزّاد الشّهيّ فؤاده

رغيب إلي زاد التّقي والفضائل

جريء إلي قول الصّواب لسانه

إذا ما الفتاوي أفحمت بالمسائل

اُعيدت

له الشّمس الأصيل جلالةً

وقد حال ثوب الصّبح في أرض بابل

وعن ابن عبّاس، ومجاهد، وقتادة في قوله تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا لا تُحَرّمُوْا طَيّبَاتِ ما أحلّ اللّه لكم) الآية [المائدة: 87] قالوا: نزلت في عليّ، وأبي ذرٍّ، وسلمان، والمقداد، وعثمان بن مظعون، وسالم، إنّهم اتّفقوا علي أن يصوموا النّهار ويقوموا اللّيل، ولا يناموا علي الفراش، ولا يأكلوا اللّحم، ولا يقربوا النّساء والطّيب، ويلبسوا المسوح، ويرفضوا الدّنيا، ويسيحوا في الأرض، وهمّ بعضهم ان يجبّ مذاكيره، فخطب النبيّ (صلي الله عليه وآله)، وقال: ما بال أقوام حرّموا النّساء والطيب والنوم وشهوات الدّنيا، أما إنّي لستُ آمركم أن تكونوا قسّيسين ورهباناً، فإنّه ليس في ديني ترك اللّحم والنّساء ولا اتّخاذ الصّوامع، وإنّ سياحة اُمّتي ورهبانيّتهم الجهاد. الي آخر الخبر.

قال ابن رزيك:

هو الزّاهد الموفي علي كلّ زاهد

فما قطع الأيّام بالشّهوات

بإيثاره بالقوت يطوي علي الطّوي

إذا أمّه المسكين في الأزمات

تقرّب للرّحمن إذ كان راكعاً

بخاتمه في جملة القربات

وفي تاريخ الطّبري، والبلاذري: أنّه دخل ابن عبّاس علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقال له: إنّ الحاجّ قد اجتمعوا ليسمعوا منك، وهو يخصف النّعل، فقال: أما واللّه إنّها لأحبّ إليّ من إمرتكم هذه، إلاّ أن اُقيم حقّاً أو أدفع باطلاً.

وكان يقول (عليه السلام): يادنيا يادنيا، أبي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك، هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك. وله (عليه السلام):

طلّق الدّنيا ثلاثاً

واتّخذ زوجاً سواها

إنّها زوجة سوء

لا تبالي من أتاها

وقال ابن رزيك:

ذاك الذي طلّق الدنيا لعمري عن

زهد وقد سفرت عن وجههاالحسن

وأوضح المشكلات الخافيات وقد

دقّت عن الفكرواعتاضت علي الفطن

وروي البلاذري في أنساب الأشراف: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مرّ علي قذر بمزبلة، وقال: هذا ما بخل به

الباخلون.

ويروي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان في بعض حيطان فدك، وفي يده مسحاة، فهجمت عليه امرأة من أجمل النّساء، فقالت: يا بن أبي طالب، إن تزوّجتني اُغنيك عن هذه المسحاة، وأدلّك علي خزائن الأرض، ويكن لك الملك ما بقيت، فقال لها: فمن أنت حتّي أخطبك من أهلك؟ قالت: أنا الدّنيا. فقال (عليه السلام): إرجعي فاطلبي زوجاً غيري، فلست من شأني. وأقبل علي مسحاته وأنشأ يقول:

لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة

وما هي إنْ غرّت قروناً بباطل

أتتنا علي زيّ العروس بثينة

وزينتها في مثل تلك الشّمائل

فقلت لها غرّي سواي فإنّني

عزوف عن الدنيا ولست بجاهل

وما أنا والدّنيا وانّ محمّداً

رهين بقفر بين تلك الجنادل

وهبها أتتني بالكنوز ودرّها

وأموال قارون وملك القبائل

أليس جميعاً للفناء مصيرنا

ويطلب من خزّانها بالطّوائل

فغرّي سواي إنّني غير راغب

لما فيك من عزٍّ وملك ونائل

وقد قنعت نفسي بما قد رزقته

فشأنك يادنيا وأهل الغوائل

فإنّي أخاف اللّه يوم لقائه

وأخشي عذاباً دائماً غير زائل

وقال معاوية لضرار بن ضمرة: صف لي عليّاً، قال: كان واللّه صوّاماً بالنّهار، قوّاماً باللّيل، يحبّ من اللباس أخشنه، ومن الطعام أجشبه، وكان يجلس فينا ويبتدي إذا سكتنا، ويجيب إذا سألنا، يقسّم بالسويّة، ويعدل في الرّعيّة، لا يخاف الضّعيف من جوره، ولا يطمع القويّ في ميله، واللّه لقد رأيته ليلةً من اللّيالي وقد أسبل الظّلام سدوله، وغارت نجومه، وهو يتململ في المحراب تململ السّليم، ويبكي بكاء الحزين، ولقد رأيته مسيلاً للدّموع علي خدّه، قابضاً علي لحيته، يخاطب دنياه، فيقول: يا دنيا أبي تشوّقت ولي تعرّضت، لا حان حينك، فقد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعيشك قصير، وخطرك يسير، آه من قلّة الزّاد، وبعد السّفر، ووحشة الطّريق.

وفي الابانة لابن بطّة، والأمالي لأبي بكر بن عياش، عن أبي داود، عن

السّبيعي، عن عمران بن حصين، قال: كنت عند النبيّ (صلي الله عليه وآله) وعليّ إلي جنبه، إذ قرأ النبيّ هذه الآية: (أمّنْ يُجِيب المُضْطَرّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السّوْءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْض) [النمل: 62] قال: فارتعد عليّ، فضرب النبيّ علي كتفيه، وقال: مالك يا علي؟ قال: قرأت يا رسول اللّه هذه الآية، فخشيت أن اُبتلي بها، فأصابني ما رأيت. فقال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): لا يحبّكَ إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق إلي يوم القيامة:

قال الحميري:

وإنّك قد ذكرت لدي مليك

يذلّ لعزّه المتجبّرونا

فخرّ لوجهه صعقاً وأبدي

لربّ النّاس رهبة راهبينا

وقال لقد ذكرت لدي إلهي

فأبدي ذلّة المتواضعينا

وقال حسّان بن ثابت:

جزي اللّه خيراً والجزاء بكفّه

أبا حسن عنّا ومن كأبي حسن

سبقت قريشاً بالذي أنت أهله

فصدرك مشروح وقلبك ممتحن

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [2: 93 103 ط ايران].

تواضعه

أمّا مقامه في التّواضع، فليس أحد من الخلفاء والاُمراء والأولياء يبلغ ما بلغه أمير المؤمنين (عليه السلام) فيه، كيف؟ وقد كان يكنس بيت المال بنفسه كما علمناه قريباً، وهو إذ ذاك أمير المؤمنين، دون أن يأمر أحداً من المسلمين، علي أنّ الأمر أمره، والقول قوله، والمال طوع يده.

وهو (عليه السلام) مع علوّ قدره وعظيم منزلته عند اللّه وجليل مكانته ومقداره أمام جماعته، كان يحطب ويستسقي، وكانت حليلته (عليها السلام) تطحن وتعجن وهي سيّدة نساء الدنيا والآخرة، فهل يا تري أو تسمع من كان قبله من أحد سبقه بمثل ما عمل؟ ولو لم يكن منه (عليه السلام) غير هذا، فلقد كفاه واللّه به سابقةً في التّواضع، وكفي بذلك عبرةً للمعتبرين.

وقد روي الأصبغ بن نباتة عن عليّ في قوله تعالي: (وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذين يَمْشُوْنَ عَلَي الاَرْضِ هَوْناً) الآية [الفرقان: 63] قال (عليه السلام): فينا نزلت،

وكذلك في قوله تعالي، كما روي عن أبي الجارود عن الباقر: (الذين هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُون) [المؤمنون: 57].

وروي ابن بطّة في الإبانة، والإمام أحمد في فضائل الصّحابة: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اشتري تمراً بالكوفة، فحمله في طرف ردائه، فتبادر النّاس إلي حمله وقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نحمله، فقال (عليه السلام): ربّ العيال أحقّ بحمله.

وروي أبو طالب المكّي في قوت القلوب: كان عليّ يحمل التّمر والملح بيده، ويقول:

لا ينقص الكامل من كماله

ماجرّ من نفع إلي عياله

وروي زيد بن علي: أنّه كان يمشي في خمسة حافياً، ويعلّق نعليه بيده اليسري: يوم الفطر، ويوم النّحر، ويوم الجمعة، وعند العيادة، وتشييع الجنازة، ويقول: إنّها مواضع اللّه، واُحبّ أن أكون فيها حافياً.

وعن زاذان: أنّه كان (عليه السلام) يمشي في الأسواق وحده، وهو ذاك يرشد الضّالّ ويعين الضّعيف، ويمرّ بالبيّاع والبقّال، فيفتح عليه القرآن ويقرأ: (تلكَ الدّارُ الآخرةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَيُرِيدُونَ عُلُوّاً) الآية [القصص: 83].

وعن الصّادق (عليه السلام)، قال: خرج أمير المؤمنين علي أصحابه وهو راكب، فمشوا معه فالتفت إليهم، فقال: ألكم حاجة؟ قالوا: لا، ولكنّا نحبّ أن نمشي معك، فقال لهم: انصرفوا وارجعوا، النّعال خلف أعقاب الرّجال مفسدة لقلوب النّوكي.

وترحّل دهاقين الأنبار له واسندوا بين يديه، فقال (عليه السلام): ما هذا الّذي صنعتموه؟ قالوا: خلق منّا نعظّم به اُمراءنا، فقال (عليه السلام): واللّه ما ينتفع بهذا اُمراؤكم، وإنّكم لتشقّون به علي أنفسكم، وتشقّون به في آخرتكم، وما أخسر المشقّه وراءها العقاب، و ما أربح الرّاحة معها الأمان من النار.

وعن أبي عبداللّه (عليه السلام): افتخر رجلان عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أتفتخران بأجساد بالية وأرواح في النار، إن لم يكن له عقل فإنّ لك خلفاً، وإن لم

يكن له تقوي فإنّ لك كرماً، وإلاّ فالحمار خير منكما ولست بخير من أحد.

وفي حلية الأولياء، ونزهة الأبصار: أنه مضي عليّ (عليه السلام) في حكومة إلي شريح القاضي مع يهوديّ، فقال (عليه السلام): يايهوديّ الدّرع درعي ولم أبع ولم أهب، فقال اليهوديّ الدرع لي وفي يدي، فسأله شريح البيّنة، فقال (عليه السلام): هذا قنبر والحسين يشهدان لي بذلك، فقال شريح: شهادة الابن لاتجوز لأبيه، وشهادة العبد لاتجوز لسيّده، وإنّهما يجرّان إليك.

فقال (عليه السلام): ويلك ياشريح أخطأت من وجوه: أمّا الواحدة، فأنا إمامك تدين اللّه بطاعتي، وتعلم أنّي لا أقول باطلاً، فرددت قولي وأبطلت دعواي، ثم سألتني البيّنة، فشهد عبدي وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة، فرددت شهادتهما، ثمّ ادّعيت عليهما أنّهما يجرّان إلي أنفسهما. أما إنّي لا أري عقوبتك إلاّ أن تقضي بين اليهود ثلاثة أيّام، أخرجوه.

فأخرجه الي قبا، فقضي بين اليهود ثلاثاً ثمّ انصرف. فلما سمع اليهوديّ ذلك، قال: هذا أمير المؤمنين جاء إلي الحاكم، والحاكم حكم عليه، فأسلم، ثمّ قال: الدّرع درعك، سقط يوم صفّين من أورق فأخذته.

وفي الاحكام الشّرعيّة، عن الخزّاز القمّي: أنّ عليّاً كان في مسجد الكوفة، فمرّ به عبداللّه بن قفل التيمي ومعه درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة، فقال (عليه السلام): هذه درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة، فقال ابن قفل: ياأمير المؤمنين إجعل بيني وبينك قاضياً، فحكّم شريحاً، فقال عليّ (عليه السلام): هذه درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة، فسأل شريح البيّنة، فشهد الحسن بن علي بذلك، فسأل آخر، فشهد قنبر بذلك. فقال شريح: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة المملوك، فغضب عليّ ثّم قال: خذ الدّرع فقد قضي بجور ثلاث مرّات، فسأله شريح عن ذلك. فقال (عليه السلام): إنّي

لمّا قلت لك إنّها درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة، فقلت: هات علي ما قلت بيّنة. فقلت: رجل لم يسمع الحديث، وقد قال رسول اللّه: حيث ما وجد غلولاً اُخذ بغير بيّنة. ثمّ أتيتك بالحسن فشهد، فقلت: هذا شاهد ولا أقضي بشاهد حتّي يكون معه آخر، وقد قضي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) بشاهد ويمين، فهذان اثنتان، ثم أتيتك بقنبر فقلت: هذا مملوك، ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً، فهذه الثالثة.

ثّم قال (عليه السلام): ياشريح إنّ إمام المسلمين يؤتمن باُمورهم علي ما هو أعظم من هذا.

وعن الباقر (عليه السلام) في خبر: أنّه رجع عليّ إلي داره في وقت القيظ، فإذا امرأة قائمة تقول: إنّ زوجي ظلمني وأخافني وتعدّي عليَّ وحلف ليضربني، فقال «ع»: ياأمة اللّه إصبري حتي يبرد النّهار، ثمّ أذهب معكِ إن شاء إللّه. فقالت: سيشتدّ غضبه وحرده [5] عليَّ، فطاطأ (عليه السلام) رأسه، ثمّ رفعه وهو يقول: لا واللّه أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع، أين منزلكِ؟

فمضي إلي بابه، فوقف علي الباب فقال: السلام عليكم، فخرج شابّ، فقال عليّ: ياعبداللّه إتّق اللّه، فإنّك قد أخفتها وأخرجتها، فقال الفتي: فما أنت وذاك، واللّه لاحرقنّها لكلامك، فقال أمير المؤمنين: آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر، أو تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف؟ قال: فأقبل الناس من الطّرق ويقولون: سلام عليكم ياأمير المؤمنين، فسقط الفتي في يديه، فقال: يا أمير المؤمنين أقلني عثرتي، فو اللّه لأكوننّ لها أرضاً تطأني، فأغمد عليّ سيفه، وقال: يا أمة اللّه اُدخلي منزلك، ولا تلجئي زوجك إلي مثل هذا وشبهه.

وروي الفنجر كردي في سلوة الشّيعة له (عليه السلام):

ودع التّجبّر والتّكبّر يا أخي

إنّ التّكبّر للعبيد وبيل

واجعل فؤادك للتّواضع منزلاً

إنّ التّواضع بالشّريف جميل

راجع: المناقب

لابن شهرآشوب [2: 104 106].

عدله وأمانته

أمّا عدله وعدالته (عليه السلام) بين الرّعيّة، فما عسي أن يقال فيه، فانّما كان هو الإمام بعد رسول اللّه في تشييد قوائمها، والباذل جهده بكلّ حول وطول في إعادتها إلي مظهرها، حتّي استوت قائمة كما كانت مشهودة في عهد مؤسّسها الأعظم (صلي الله عليه وآله).

لا سيّما بعد أن ارتحل النبيّ (صلي الله عليه وآله) الي الملأ الاعلي حيث كاد أن يضمحلّ نورها شيئاً فشيئاً بإقبال الدّنيا عليهم بزخرفها وزهرتها. حتّي انفضّ من حوله من فرط رغبته بإقامة العدل والعدالة بعض من غرّته زينتها وحلاوتها، ولكن لا يهمّه ذلك، وظلّ ثابت العزم راسخ القدم في تقويم ركنها المائل، حتّي صار آيةً قائمةً لها. وعلماً يهتدي به النّاس اليها، وقدوةً فائقةً وعبرةً يعتبرها المعتبرون.

ولا تغرّنّك الدعاية التي ادّعت بها بعض الاُمم في عصرنا، فإنّها لن تبلغ عشر معشارها علي فرض صحّة إدّعائها، وإلاّ فهي أوهام وظنون، أو مزعمات عاريات وادّعاءات فارغات عن حقيقتها، وحاش أن تهتدي اُمّة من الاُمم إلي كنه جوهرها ما لم يعمدوا وينقادوا إلي ما سار إليه سيّد المرسلين فيها، أو يعودوا ويقتدوا بسيرة وصيّه علم المهتدين.

قال ابن مسعود فيما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 374 ط النجف و 2: 107 ط. ايران] عن عبد الرّزّاق، عن عطاء في قوله تعالي: (إنّا جَعَلْنَا ما عَلَي الاَرْضِ زِيْنَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الكهف: 7] زينة الأرض الرّجال، وزينة الرّجال علي بن أبي طالب.

وعن حمزة بن عطاء، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنّه قال في قوله تعالي: (هَلْ يَسْتَويْ هُوَ وَمَنْ يَأمُرُ بِالعَدْلِ) [النحل: 76]: هو علي بن أبي طالب يأمر بالعدل وهو علي صراط مستقيم.

وروي نحواً منه

أبو المضاء عن الرّضا (عليه السلام).

وروي الزّمخشري في الفائق أنّه نزل بالحسن ضيف، فاستقرض من قنبر رطلاً من العسل الّذي جاء من اليمن، فلمّا قعد علي ليقسّمها، قال: يا قنبر قد حدث في هذا الزّقّ حدث، قال قنبر: صدق فوك يا أمير المؤمنين، وأخبره الخبر، فهمّ بضرب الحسن، وقال: ما حملك علي أن أخذت منه قبل القسمة؟ قال الحسن: إنّ لنا فيه حقّاً، فإذاً رددناه.

فقال علي: فداك أبوك، وإن كان لك فيه حقّ، فليس لك أن تنتفع بحقّك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، لولا أنّي رأيت رسول اللّه يقبّل ثنيّتك لاُوجعنّك ضرباً، ثمّ دفع إلي قنبر درهماً، وقال: اشتر به أجود عسل تقدر عليه.

قال الرّاوي: فكأنّي أنظر إلي يدي عليّ علي فم الزّقّ وقنبر يقلّب العسل فيه، ثمّ شدّه ويقول: اللّهمّ اغفرها للحسن فإنّه لا يعرف.

وفي التهّذيب [10: 51]قال علي بن أبي رافع: وكان علَيَّ مال أمير المؤمنين، فأخذت منّي ابنته عقد لؤلؤ عاريةً مضمونةً مردودةً بعد ثلاثة أيّام في أيّام الأضحي، فرآه عليّ عليها فعرفه وقال لي: أتخون المسلمين؟ فقصصت عليه وقلت له: قد ضمنته من مالي، فقال (عليه السلام) ردّه من يومك هذا، وإيّاك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي.

ثمّ قال (عليه السلام): لو كانت ابنتي أخذت هذا العقد علي غير عارية مضمونة، لكانت إذن أوّل هاشميّة قطعت يدها علي سرقة، فقالت ابنته في ذلك مقالاً، فقال (عليه السلام): يا بنت علي بن أبي طالب، لاتذهبنّ بنفسك عن الحقّ، أكلّ نساء المهاجرين يتزيّنّ في هذا العيد بمثل هذا؟

وفي فضائل الإمام أحمد: أنّ رجلاً من خثعم رآي الحسن والحسين (عليهما السلام) يأكلان خبزاً وبقلاً وخلاّ، فقال لهما: أتأكلان من هذا وفي الرّحبة ما فيها؟

فقالا له: ما أغفلك عن أمير المؤمنين.

وعن زاذان: أنّ قنبراً قدّم إلي أمير المؤمنين جامات من ذهب وفضّة في الرّحبة، وقال: إنّك يا أمير المؤمنين لا تترك شيئاً إلاّ قسمته، فخبئت لك هذا. فسلّ (عليه السلام) سيفه، وقال: ويحك لقد أحببت أن تدخل بيتي ناراً، ثمّ استعرضها بسيفه فضربها، حتّي انتثرت من بين إناء مقطوع بضعة وثلاثين، وقال: عليّ بالعرفاء فجاءوا، فقال: هذا بالحصص، وهو يقول:

هذا جناي وخياره فيه

وكلّ جان يده الي فيه

وفي أنساب الأشراف: أنّه قدم عقيل عليه، فقال (عليه السلام) للحسن: اكس عمّك، فكساه قميصاً من قميصه ورداءً من أرديته، فلمّا حضر العشاء، فإذا هو خبز وملح، فقال عقيل: ليس ما أري، فقال (عليه السلام): أوليس هذا من نعمة اللّه، فله الحمد كثيراً، فقال عقيل: أعطني ما أقضي به ديني، وعجّل سراحي حتّي أرحل عنك، قال (عليه السلام): فكم دينك يا أبا يزيد؟ قال: مائة ألف درهم.

قال (عليه السلام): واللّه ماهي عندي ولا أملكها، ولكن إصبر حتّي يخرج عطائي فاُواسيكه، ولولا أنّه لا بدّ للعيال من شيء لأعطيتك كلّه. فقال عقيل: بيت المال في يدك وأنت تسوّفني إلي عطائك؟ وكم عطاؤك؟ وما عسي يكون ولو أعطيتنيه كلّه؟ فقال: ما أنا وأنت فيه إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين.

وكانا يتكلّمان فوق قصر الامارة مشرفين علي صناديق أهل السّوق، فقال له عليّ (عليه السلام): إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلي بعض هذه الصّناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه، فقال: وما في هذه الصّناديق؟ قال (عليه السلام) فيها أموال التّجار، قال أتأمرني أن اُكسّر صناديق قوم قد توكّلوا علي اللّه وجعلوا فيها أموالهم.

فقال أمير المؤمنين: أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فاُعطيك أموالهم، وقد

توكّلوا علي اللّه وأقفلوا عليها، وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعا إلي الحيرة، فإنّ بها تجّاراً مياسير، فدخلنا علي بعضهم فأخذنا ماله، فقال: أو سارق جئت؟ قال: تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعاً.

قال: أفتأذن لي أن أخرج إلي معاوية؟ فقال له: قد أذنت لك، قال: فأعنّي علي سفري هذا، قال: ياحسن أعط عمّك أربعمئة درهم، فخرج عقيل وهو يقول:

سيغنيني الّذي أغناك عنّي

ويقضي ديننا ربّ قريب

وذكر عمرو بن العاص أنّ عقيلاً لمّا سأل عطاءه من بيت المال، قال له أمير المؤمنين: تقيم إلي يوم الجمعة، فأقام فلمّا صلّي أمير المؤمنين الجمعة، قال لعقيل: ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين؟ قال: بئس الرجل ذاك، قال: فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء واُعطيك؟.

ومن خطبة له (عليه السلام) [برقم: 422]: ولقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتّي استماحني من برّكم صاعاً، وعاودني في عشر وسق من شعيركم يقضمه جياعه، وكاد يطوي ثالث أيّامه، خامصاً ما استطاعه، ولقد رأيت أطفاله شعث الألوان من صرّهم كأنّما اشمأزّت وجوههم من قترهم، فلمّا عاودني في قوله وكره أصغيت إليه سمعي فغره، وظنّني أبيعه ديني وأتّبع ما أسرّه، أحميت له حديدةً لينزجر إذ لا يستطيع مسّها ولايصبر، ثمّ أدنيتها من جسمه فضجّ من ألمه، ضجيج دنف يئنّ من سقمه، وكاد يسبّني سفهاً من كظيمه، ولحرقة في لظي اُدني له من عدمه، فقلت له: ثكلتك الثّواكل يا عقيل، أتئنّ من أذي، ولا أئنّ من لظي؟

وعن اُمّ عثمان اُمّ ولد عليّ (عليه السلام) قالت: جئت عليّاً وبين يديه قرنفل مكتوب في الرّحبة، فقلت: يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادةً، فقال: هاك ذا - ونفذ بيده إليّ درهماً - فإنّما

هذا للمسلمين أولا فاصبري حتيّ يأتينا حظّنا منه، فنهب لابنتك قلادة.

وسأله عبداللّه بن زمعة مالاً، فقال: إنّ هذا المال ليس لي ولا لك وانّما للمسلمين، وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم، وإلاّ فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم.

وفي تاريخ الطّبري، وفضائل أمير المؤمنين، عن ابن مردوية: أنّه لمّا أقبل من اليمن تعجّل إلي النّبيّ واستخلف علي جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرّجل، فكسا كلّ رجل من القوم حلّةً من البزّ الذي كان مع عليّ، فلمّا دنا جيشه خرج عليّ ليتلقّاهم، فإذا هم عليهم الحلل، فقال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوتهم ليتجمّلوا إذا قدموا في النّاس، قال: ويلك من قبل أن تنتهي الي رسول اللّه، قال: فانتزع الحلل من الناس وردّها في البزّ، وأظهر الجيش شكايةً لما صنع بهم.

وروي عن الخدريّ أنّه قال: شكا النّاس عليّاً، فقام رسول اللّه خطيباً، فقال: أيّها الناس لا تشكوا عليّاً، فواللّه إنّه لخشن في ذات اللّه.

وسمعت مذاكرةً أنّه دخل عليه عمرو بن العاص ليلةً وهو في بيت المال، فاطفأ السّراج وجلس في ضوء القمر، ولم يستحلّ أن يجلس في الضوء من غير استحقاق.

وفي رواية عن أبي الهيثم بن التّيهان، وعبداللّه بن أبي رافع أنّ طلحة والزّبير جاءا إلي أمير المؤمنين، وقالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر، قال: فما كان يعطيكما رسول اللّه؟ فسكتا، قال: أليس كان رسول اللّه يقسّم بالسّويّة بين المسلمين؟ قالا: نعم، قال: فسنّة رسول اللّه أولي بالاتّباع عندكم أم سنّة عمر؟ قالا: سنّة رسول اللّه. يا أمير المؤمنين لنا سابقة وعناء وقرابة، قال: سابقتكما أقرب أم سابقتي؟ قالا: سابقتك، قال: فقرابتكما أم قرابتي؟ قالا: قرابتك، قال: فعناؤكما أعظم من عناي؟

قالا: عناؤك، قال: فو اللّه ما أنا وأجيري هذا إلاّ بمنزلة واحدة، واومي بيده إلي الأجير.

وسأله (عليه السلام) بعض مواليه مالاً، فقال: يخرج عطاي فاُقاسمكم، فقال: لا أكتفي وخرج إلي معاوية فوصله، فكتب إلي أمير المؤمنين يخبره بما أصاب من المال. فكتب إليه أمير المؤمنين:

أمّا بعد: فإنّ ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك، وهو صائر إلي أهل من بعدك، فإنّما لك ما مهّدت لنفسك، فآثر نفسك علي أحوج ولدك، فإنّما أنت جامع لأحد رجلين: إمّا رجل عمل فيه بطاعة اللّه فسعد بما شقيت، وإمّا رجل عمل بمعصية اللّه، فشقي بما جمعت له، وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره علي نفسك، ولا تبرد له علي ظهرك، فارج لمن مضي رحمة اللّه، وثق لمن بقي برزق اللّه.

قال مهيار:

بنفسي من كانت مع اللّه نفسه

إذا قلّ يوم الخلق من لم يحارف

أبا حسن إن أنكر القوم فضله

علي أنّه واللّه إنكار عارف

إذا ما عزوا ديناً فأوّل عابد

وإن أقسموا دنيا فأوّل عائف

وأغري بك الحسّاد أنّك لم تكن

علي صنم فيما رووه بعاكف

اُسرّ لمن والاك حبّ موافق

واُبدي لمن عاداك سبّ مخالف

راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب [2: 107 112].

حلمه وشفقته

وأمّا حلمه وشفقته علي النّاس، فماذا يقال لمن كان حلمه مبذوذ حتّي علي مقاتليه؟ ويأمن من غضبه خدامه ومواليه، ويحسن إلي من يتكلّم بما ليس فيه، ويجزي خيراً من ينال منه ويقع فيه، ويسكت عمّن يسبّه ويعاتبه مع قدرته فيه، حتّي قال أحد من أمن من اساءته ومساويه:

آمنني منه ومن خوفه

خيفته من خشية الباري

وقال أبو نواس:

قد كنت خفتك ثمّ آمنني

من أن أخافك خوفك اللاّها

وروي ابن شهر آشوب نقلاً عن مختار التّمار: أنّه (عليه السلام) دعا غلاماً له مراراً فلم

يجبه، فخرج فوجده علي باب البيت، فقال له: ما حملك علي ترك إجابتي؟ قال: كسلت عن إجابتك وأمنت من عقوبتك، فقال (عليه السلام): الحمد للّه الذي جعلني ممّن تأمنه خلقه، إمض فأنت حرّ لوجه اللّه.

وفيه أيضاً عن أبي مطر البصري: أنّ أمير المؤمنين مرّ بأصحاب التّمر، فإذا هو بجارية تبكي، فقال: يا جارية ما يبكيك؟ فقالت: بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمراً فأتيتهم به، فلم يرضوه، فلمّا أتيت به إلي صاحبه أبي أن يقبله، فقال (عليه السلام) للتمّار: يا عبداللّه انّها خادم وليس لها أمر، فاردد إليها درهمها وخذ التّمر، فقام إليه الرّجل فلكزه، فقال النّاس: هذا أمير المؤمنين، فربا الرّجل واصفرّ، وأخذ التمر وردّ إليها درهمها، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين إرض عنّي. فقال (عليه السلام): وما أرضاني عنك إن اصلحت اَمرك.

وفي رواية الإمام أحمد: وما أرضاني إذا وفيت النّاس حقوقهم.

وأمّا ما جاء في بعض إحسانه إلي من تكلّم فيه، فقد روي في نفس المصدر: أنّه جاءه أبو هريرة، وكان يتكلّم فيه وأسمعه في اليوم الماضي، ثمّ سأله حوائجه فقضاها (عليه السلام)، فعاتبه أصحابه علي ذلك، فقال (عليه السلام): إنّي لأستحيي أن يغلب جهله علمي، وذنبه عفوي، ومسألته جودي.

ومن كلامه: إلي كم أغضي الجفون علي القذي، وأسحب ذيلاً علي الأذي، وأقول لعلّ وعسي؟

وأمّا ما ورد في حلمه علي بعض معاتبيه وسبّابه، فقد روي صاحب العقد الفريد، و نزهة الابصار: أنّه قال قنبر: دخلت مع أمير المؤمنين علي عثمان، فأحبّ الخلوة، فاومي إليّ بالتّنحّي، فتنحّيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتبه وهو مطرق رأسه، وأقبل إليه عثمان فقال: ما لك لا تقول؟ فقال (عليه السلام): ليس جوابك إلاّ ما تكره، وليس لك عندي إلاّ ما

تحب، ثمّ خرج قائلاً:

ولو أنّني جاوبته لأمَضّه

نواقد قولي واحتضار جوابي

ولكنّني اُغضي علي مضض الحشا

ولو شئت إقداماً لأنشب نابي

وأمّا سعة عفوه عن مقاتليه ومعاديه: لمّا أسر مالك الاشتر يوم الجمل مروان بن الحكم ما زاد علي أن عاتبه فاطلق سراحه.

وقالت عائشة له يوم الجمل: ملكت فاسجح [6]، فجهّزها (عليه السلام) أحسن الجهاز، وبعث معها بتسعين امرأةً أو سبعين.

واستأمنت عائشة لعبداللّه بن الزّبير علي لسان محمّد بن أبي بكر فآمنه، وآمن معه سائر النّاس.

وجيء بموسي بن طلحة بن عبداللّه، فقال له: قل أستغفر اللّه وأتوب إليه ثلاث مرّات، فخلّي سبيله، وقال: إذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتّق اللّه فيما تستقبله من أمرك، واجلس في بيتك.

وروي ابن بطّة باسناده عن عرفجة، عن أبيه، قالا: لمّا قتل عليّ أصحاب النّهر، جاء بما كان في عسكرهم، فمن كان يعرف شيئاً أخذه، حتّي بقيت قِدر، ثمّ رأيتها بعد قد اُخذت.

وعنه أيضاً وأبي داود السّجستاني، عن محمّد بن إسحاق، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كان عليّ (عليه السلام) إذا أخذ أسيراً في حروب الشّام، أخذ سلاحه ودابّته، واستحلفه أن لا يعين عليه.

وروي الطّبري: أنّه لمّا ضرب عليّ طلحة العبدريّ بركه، فكبّر رسول اللّه وقال لعلي: ما منعك أن تجهز عليه؟ فقال (عليه السلام): إنّ ابن عمّي ناشدني اللّه والرّحم حين انكشفت عورته فاستحييته. ولما أدرك عمرو بن عبد ودٍّ لم يضربه، فوقعوا في عليّ (عليه السلام)، فردّ عنه حذيفة، فقال النبي (صلي الله عليه وآله): مه يا حذيفة، فإنّ عليّاً سيذكر سبب وقفته، ثمّ انّه (عليه السلام) ضربه، فلمّا جاء سأله النبيّ عن ذلك، فقال: قد شتم اُمّي وتفل في وجهي، فخشيت أن

أضربه لحظّ نفسي، فتركته حتّي سكن ما بي، ثمّ قتلته في اللّه.

وأنّه (عليه السلام) لمّا امتنع من البيعة جري من الأسباب ما هو معروف، فاحتمل وصبر.

وروي أنّه لمّا طالبوه بالبيعة، قيل له: بايع، قال (عليه السلام): فإن لم أفعل فمه؟ قال عمر: واللّه الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك، قال: فالتفت عليّ إلي القبر، فقال: يابن اُمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.

وروي الجاحظ في البيان والتّبيين: أنّ أوّل خطبة خطبها أمير المؤمنين قوله: قد مضت اُمور لم تكونوا فيها بمحمودي الرّأي، أما لو أشاء اَن أقول لقلت، ولكن عفا اللّه عمّا سلف، سبق الرّجلان وقام الثّالث كالغراب، همّته بطنه، يا ويله لو قصّ جناحه وقطع رأسه لكان خيراً له.

وقد روي الكافّة عنه أنّه قال: اللهمّ إنّي أستعديك علي قريش، فإنّهم ظلموني في الحجر والمدر.

وروي إبراهيم الثّقفي، عن عثمان بن أبي شيبة، والفضل بن دكين بإسنادهما، قال عليّ: مازلت مظلوماً منذ قبض اللّه نبيّه إلي يومي هذا.

وروي إبراهيم بإسناده عن المسيّب بن نجيّة، قال: بينما عليّ يخطب إذ قال أعرابيّ: وامظلمتاه، فقال (عليه السلام): اُدن، فدنا، فقال: لقد ظلمت عدد المدر والمطر والوبر.

وروي أبو نعيم، عن الفضل بن دكين بإسناده، عن حريث، قال: إنّ عليّاً لم يقم مرّةً علي المنبر إلاّ قال في آخر كلامه قبل أن ينزل: مازلت مظلوماً منذ قبض اللّه نبيّه.

وكان (عليه السلام) بشره دائم، وثغره باسم، غيث لمن رغب، وغياث لمن وهب، مآل الآمل، وثمال الأرامل، يتعطّف علي رعيّته، ويتصرّف علي مشيته، ويكلأه بحجّته، ويكفيه بمهجته.

ونظر عليّ (عليه السلام) إلي امرأة علي كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة، فحملها إلي موضعها، وسألها عن حالها، فقالت: بعث عليّ بن أبي طالب صاحبي

إلي بعض الثّغور فقتل، وترك عليَّ صبياناً يتامي، وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضّرورة إلي خدمة النّاس.

فانصرف (عليه السلام) وبات ليلته قلقاً، فلمّا أصبح حمل زنبيلاً فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فقال (عليه السلام): من يحمل وزري عنّي يوم القيامة، فأتي وقرع الباب، فقالت من هذا؟ قال: أنا ذلك العبد الّذي حمل معك القربة، فافتحي، فإنّ معي شيئاً للصّبيان، فقالت: رضي اللّه عنك، وحكّم بيني وبين علي بن أبي طالب.

فدخل (عليه السلام) وقال: إنّي أحببت اكتساب الثّواب، فاختاري بين أن تعجني وتخبزي وبين أن تعلّلي الصّبيان لاَخبز أنا، فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، ولكن شأنك والصّبيان، فعلّلهم حتّي أفرغ من الخبز، فعمدت الي الدّقيق فعجنته، وعمد عليّ إلي اللحم فطبخه، فجعل (عليه السلام) يلقم الصّبيان من اللحم والتّمر وغيره، فكلّما ناول صبياً من الصّبيان من ذلك شيئاً قال له: يا بنيّ إجعل علي بن أبي طالب في حلٍّ ممّا مرّ في أمرك.

فلمّا اختمر العجين، قالت المرأة يا عبداللّه سجّر التّنّور فبادر لسجره، فلمّا أشعله ولفح في وجهه جعل يقول: ذق يا عليّ هذا جزاء من ضيّع الأرامل واليتامي، فرأته إمرأة تعرفه، فقالت: ويحكِ هذا أمير المؤمنين، فبادرت المرأة وهي تقول: يا حيائي منك يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): بل وحيائي منكِ يا أمة اللّه فيما قصّرت في أمركِ.

قال الناشي:

يا هالكاً هلك الرّشاد بهلكه

فلقد يئسنا بعده أن يوجدا

هتكت جيوب الصالحات فيابها

أضحي لاجلك مذ نأيت مسوّدا

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [2: 112 116 ط ايران].

اقربيته إلي النبي

قال عزّ وجلّ وهو أصدق القائلين: (واُولو الأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْض)[الأنفال: 75].

لعلّ البصير المتحرّر من قيد التّقليد المحض، والعصبيّة العمياء، يري بنور فهمه وجلاء إنصافه، بأنّ هذه الآية الشّريفة

قد أثبتت ولاية عليّ بعد النّبيّ (صلي الله عليه وآله)، لوجود أولويّته به من وجوه، دون غيره من ذوي رحمه فضلاً عن غيرهم.

وذلك لأنّه كان (عليه السلام) أخا النبيّ (صلي الله عليه وآله) في الدّنيا والآخرة، كما ثبت ذلك بحديث المؤاخاة، بل كان نفسه (عليه السلام)، نفس النبيّ، وإبناه الحسن والحسين إبني النّبيّ «ص» حكماً وشرعاً، كما ثبت بنصٍّ من الكتاب في آية المباهلة، وهو قوله تعالي: (فَقُلْ تعالوا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ)[آل عمران: 61]واتّفق علي ذلك جمع من أعلام المفسرّين.

فلذلك قال عليّ في ابنه محمّد بن الحنفيّة: ابني. وقال في الحسنين: ابنا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله). وكان (عليه السلام) أيضاً وارث علمه (صلي الله عليه وآله)، كما شهدت بذلك الأحاديث المتواترة، أسلفنا ذكرها في مجلّدنا الأوّل من مقتطفاتنا.

وكان (عليه السلام) هو الحائز لميراثه، وسلاحه، ومتاعه، وبغلته الشّهباء، وجميع ما تركه النّبيّ (صلي الله عليه وآله)، وكان (عليه السلام) أيضاً وارث كتابه، والجامع له وكاتبه، كما علمنا فيما مرّ من هذه السطور، فاتّفق إذن حالاً ومعنيً مع قوله تعالي: (ثُمَّ أوْرَثْنَا الْكِتَابَ الذِيْنَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) [فاطر: 32] والكتاب في هذه الآية هو: القرآن.

ونحن لا نشكّ ولا يشكّ عالم عاقل منصف مستقيم أنّه (عليه السلام) كان من المصطفين الأخيار، وأحد من قال فيهم اللّه: (الذِيْنَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) لأنّ اللّه عزّ وجلّ فيما أخبرنا به النبيّ (صلي الله عليه وآله) اصطفي كنانة من ولد إسماعيل، واصطفي قريشاً من كنانة، واصطفي هاشماً من قريش، فكان (عليه السلام) من الذين هم في الصّفوة الصّفوة، ولم يكن المشائخ المتقدّمون عليه بالخلافة منهم.

ولهذا قال عليّ فيما رواه ابن أبي الحديد في شرح النّهج: لمّا

قيل له: إنّك يا ابن أبي طالب علي هذا الأمر لحريص، فقلت: بل أنتم واللّه أحرص وأبعد، وأنا أخصّ وأقرب، وإنّما طلبت حقّاً لي، وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه. ثمّ قال (عليه السلام): فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين بهت لا يدري ما يجيبني.

ثمّ إنّه كان (عليه السلام) هاشميّ من هاشميّين، ولم يكن في زمانه غيره وغير أخويه وغير ابنيه، ثمّ انّه (عليه السلام) ختن النّبيّ زوج سيّدة نساء العالمين، وابناه سيّدا شباب أهل الجنّة، وعمّه حمزة سيّد الشّهداء، وأخوه جعفر انسيّ ملكيّ سيّد طيور الجنّة يطير مع الملائكة، وأبوه شيخ الأبطح وسيّدها، حامي رسول اللّه، وجدّه رئيس مكّة، وجدّ أبيه هاشم سيّد العرب، وصهرته أمّ المؤمنين خديجة، وهي أوّل من أسلمت وصلّت وأنفقت علي رسول اللّه، فأغناه اللّه بمالها. وفي ذلك قال اللّه تعالي: (ووجدك عَائِلاً فَأغْنَي) [الضحي: 8]. ومنها نسل النّبيّ (صلي الله عليه وآله).

قال ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 19 ط النجف و 2: 170 ط ايران]: وروي الثقات عن النّبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: يا علي، لك أشياء ليست لي منها: أنّ لك زوجةً مثل فاطمة وليس لي مثلها، ولك ولدين من صلبك وليس لي مثلهما من صلبي، ولك مثل خديجة اُمّ أهلك وليس لي مثلها حماة.

وقال عليّ (عليه السلام) مستدلاًّ في أقربيّته إلي الرّسول فيما ذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: وقد علمتم موضعي من رسول اللّه بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلي صدره، ويلفّني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشّيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول، ولا خطلةً في فعل، ولقد قارن اللّه

به (صلي الله عليه وآله) من لدن كان فطيماً أعظم ملكاً من ملائكة، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل اِثر اُمّه، يرفع لي كلّ يوم علماً من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به. المناقب [2: 180].

ومن خطبته القاصعة: ولم يجمع بيت في الاسلام غير رسول اللّه وخديجة وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرّسالة، وأشمّ روح النُبوّة، ولقد سمعت رنّة الشّيطان حين نزل الوحي عليه، فمن استقي عروقه من منبع النّبوّة، ورضعت شجرته ثدي الرّسالة، وتهدّلت أغصانه من نبعة الإمامة، ونشأ في دار الوحي، وربّي في بيت التّنزيل، ولم يفارق النّبيّ في حال حياته إلي حال وفاته، لا يقاس بسائر. المناقب [2: 018].

قال ابن شهرآشوب: وإذا كان (عليه السلام) في أكرم أرومة، وأطيب مغرس، والعرق الصّالح ينمي، والشّهاب الثّاقب يسري، وتعليم الرّسول ناجع، ولم يكن الرّسول (صلي الله عليه وآله) يتولّي تأديبه ويتضمّن حضانته وحسن تربيته إلاّ علي ضربين: إمّا علي التّفرّس فيه، أو بالوحي من اللّه تعالي، فإن كان بالتّفرّس فلا تخطيء فراسته، ولا يخيب ظنّه، وإن كان بالوحي، فلا منزلة أعلي، ولا حال أدلّ علي الفضيلة والإمامة منه. المناقب [2: 018] وليس في العقل والشّرع تبعيد القريب وتقريب البعيد إلاّ للكفر وللفسق.

ولذلك قال (عليه السلام) في خطبة له: ما لنا ولقريش؟ وما تنكر منّا قريش؟ غير أنّا أهل بيت شيّد اللّه فوق بنيانهم بنياننا، وأعلي اللّه فوق رؤوسهم رؤوسنا، واختارنا اللّه عليهم، فنقموا عليه أن اختارنا عليهم، وسخطوا ما رضي اللّه، وأحبّوا ما كره اللّه، فلمّا اختارنا عليهم شركناهم في حريمنا، وعرّفناهم الكتاب والسنّة، وعلّمناهم الفرائض والسّنن، وحفظناهم الصّدق واللين وديّنّاهم الدّين والاسلام، فوثبوا علينا، وجحدوا فضلنا، ومنعونا

حقّنا، والتوَوْنا أسباب أعمالنا وأعلامنا.

اللهمّ فإنّي أستعديك علي قريش، فخذ لي بحقّي منها، ولا تدع مظلمتي لها، وطالبهم يا ربّ بحقّي فإنّك الحكم العدل، فإنّ قريشاً قد صغّرت قدري، واستحلّت المحارم منّي، واستخفّت بعرضي وعشيرتي، وقهرتني علي ميراثي من ابن عمّي، وأغروا بي أعدائي، ووتروا بيني وبين العرب والعجم، وسلبوني ما مهّدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وكدّي، ومنعوني ما خلّفه أخي وحميمي وشقيقي، وقالوا: إنّك لحريص متّهم.

أليس بنا اهتدوا من متاه الكفر، ومن عمْي الضّلالة، وغيّ الظّلماء؟ أليس أنقذتهم من الفتنة الظّلماء، والمحنة العمياء؟ ويْلَهم ألمْ أخلّصهم من نيران الطّغاة وكره العتاة وسيوف البغاة، ووطأة الأسد، ومقارعة الصّمّاء، ومجادلة القماقمة، الّذين كانوا عجم العرب، وغنم الحرب، وقطب الأقدام وجبال القتال، وسهام الخطوب، وسلّ السّيوف؟ اليس بي تسنّموا الشّرف، ونالوا الحقّ والنّصف؟

ألست آية نُبوّة محمّد ودليل رسالته، وعلامة رضاه وسخطه؟ الذي كان يقطع الدّرع الدّلاص، ويصطلم الرّجال الحراص، وبي كان يبرئ جماجم البهم وهام الأبطال، إلي أن فزعت تيم إلي الفرار، وعدي الي الانتكاص.

أما إنّي لو أسلمت قريشاً للمنايا والحتوف، وتركتها لحصدتها سيوف الغواة، ووطأتها الأعاجم، وكرّات الأعادي، وحملات الأعالي، وطحنتهم سنابك الصّافنات، وحوافر الصّاهلات، في مواقف الازل والزّلزال، في طلاب الأعنّة، وبريق الاسنّة ما بقوا لهضمي، ولا عاشوا لظلمي، ولما قالوا إنّك لحريص متّهم.

ثمّ قال بعد كلام: سبقني إليها التّيميّ والعدوي، كسباق الفرس، احتيالاً واغتيالاً وغيلة.

ثمّ قال بعد كلام: يا معشر المهاجرين والأنصار، أين كانت سبقة تيم وعديّ إلي سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة؟ ألا كانت يوم الأبواء، إذ تكاثفت الصّفوف، وتكاثرت الحتوف، وتقارعت السّيوف؟ أم هلاّ خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ود، وقد نفح بسيفه، وشمخ بأنفه، وطمح بطرفه؟ ولمَ لمْ يشفقا

علي الدّين وأهله يوم بواط؟ إذ اسودّ لون الاُفق، واعوجّ عظم العنق، وانحلّ سيل الغرق.

ولمَ لمْ يشفقا يوم رضوي؟ إذ السّهام تطير، والمنايا تسير، والأُسد تزأر، وهلاّ بادرا يوم العشيرة؟ إذ الأسنان تصتك، والآذان تستك، والدّروع تهتك. وهلاّ كانت مبادرتهما يوم بدر؟ إذ الأرواح في الصّعداء ترتقي، والجياد بالصّناديد ترتدي، والأرض من دماء الأبطال ترتوي.

ولمَ لمْ يشفقا علي الدّين يوم بدر الثّانية؟ والدّعاس ترعب، والأدواج تشخب، والصّدور تخضب، وهلاّ بادرا يوم ذات الّليوث؟ وقد اُبيح التّولب، واصطلم الشّوقب، وأدلهمّ الكوكب، ولم لا كانت شفقتهما علي الاسلام يوم الأكدر؟ والعيون تدمع، والمنيّة تلمع، والصّفائح تنزع، ثمّ عدّد وقائع النّبيّ وقرعهما بأنّهما في هذه المواقف كلّها كانا مع النّظّارة.

ثمّ قال: ما هذه الدّهماء والدّهياء الّتي وردت علينا من قريش، أنا صاحب هذه المشاهد، وأبو هذه المواقف، وأين هذه الأفعال الحميدة؟ إلي آخر الخطبة. المناقب [2: 201 203].

وفي نهج البلاغة [الخطبة: 217]: اللّهمّ إنّي أستعديك علي قريش ومن أعانهم، فإنّهم قطعوا رحمي، وأكفؤوا إنائي، وأجمعوا منازعتي حقّاً، وكنت أولي به من غيري، وقالوا: ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه، وفي الحقّ أن تمنعه، فاصبر مغموماً، أو مت متأسّفاً، فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا ذابّ، ولا مساعد إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم علي المنيّه، فأغضيت علي القذي، وجرعت ريقي علي الشّجي، وصبرت علي الأذي، وطبت نفسي علي كظم الغيظ، وما هو أمرّ من العلقم، وألمّ من حرّ الشّفار.

ومن خطبته: الشّقشقيّة أو المقمّصة. [الخطبة: 3]:

أما واللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وانّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحي، ينحدر عنّي السّيل، ولا يرقي اليّ الطّير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت ارتئي بين أن أصول بيد

جذّاء، أو أصبر علي طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصّغير، ويكدح فيها مؤمن حتّي يلقي ربّه، فرأيت أنّ الصّبر علي هاتا أحجي، فصبرت وفي العين قذي، وفي الحلق شجي، أري تراثي نهباً، حتّي مضي الأوّل لسبيله، فأدلي بها إلي ابن الخطّاب بعد.

فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشدّ ما تشطّر لضرعيها، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصّعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم.

فمني النّاس لعمر اللّه بخبط وشماس، وتلوّن واعتراض، فصبرت علي طول المدّة، وشدّة المحنة، حتّي إذا مضي لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم.

فياللّه وللشوري، متي اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم، حتّي صرت اُقرن إلي هذه النّظائر؟ لكنّي أسففت إذ أسفّوا، وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلي أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضمة الإبل نبتة الرّبيع، إلي أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.

فما راعني إلاّ والنّاس كعرف الضّبع إليّ، ينثالون عليَّ من كلّ جانب، حتّي لقد وطئ الحسنان، وشقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت اُخري، وقسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه حيث يقول: (تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِيْنَ لاَ يُريدُوْنَ عُلُوّاً في الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين).

بلي واللّه لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها، أما والذي فقل الحبّة وبرأ النّسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود النّاصر، وما أخذ اللّه علي العلماء أن لا يقارّوا علي كظّة ظالم، وسغب

مظلوم، لألقيت حبلها علي غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.

فنووِلَ كتاباً، فجعل يقرأ، فلمّا فرغ من قراءته، قال ابن عبّاس: يا أمير المؤمنين لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت، فقال: هيهات يا ابن عبّاس، تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت.

ودخلت اُمّ سلمة علي فاطمة (عليها السلام)، فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول اللّه؟

قالت: أصبحت بين كمد وكرب، فقد النّبيّ (صلي الله عليه وآله)، وظلم الوصيّ، هتك واللّه حجبه، أصبحت إمامته مقتصّةً علي غير ما شرع اللّه في التّنزيل، وسنّها النّبيّ في التّأويل، ولكنّها أحقاد بدريّة، وترات اُحديّة، كانت عليها قلوب النّفاق مكتمنة لإمكان الوشاة، فلمّا استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الاثار من مخيلة الشّقاق، فيقطع وتر الإيمان من قسي صدروها، وليس علي ما وعد اللّه من حفظ الرّسالة وكفالة المؤمنين، أحرزوا عائدتهم غرور الدّنيا بعد انتصار، ممّن فتك بآبائهم في مواطن الكروب ومنازل الشّهادات.

وقالت (عليها السلام) لمّا تكلّمت مع الأولّ: معاشر المسلّمة المسرّعة إلي قبل الباطل، المغضية إلي الفعل الخاسر، أفلا تتدبّرون القرآن أم علي قلوب أقفالها؟ كلاّ بل ران علي قلوبكم بتتابع سيّئاتكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأوّلتم وساء ما به أشرتم، وشرّما منه اعتصمتم، لتجدنّ واللّه محلّها ثقيلاً، وغيّها وبيلاً، إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه الضّرّاء، وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون.

ومن ذلك لمّا انصرفت من عند أبي بكر، أقبلت علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقالت له: يابن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظّنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحلة أبي وبلغة ابني، واللّه لقد أجهد في

ظلامتي، وألدّ في خصامي، حتّي منعتني القيلة نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضّت الجماعة دوني طرفها، فلا مانع ولا دافع، خرجت واللّه كاظمة، وعدت راغمة، ولا خيار لي، ليتني متّ قبل ذلّتي، وتوفّيت دون منيتي، عذيري فيك حامياً، ومنك داعياً، وبلائي في كلّ شارق، ويلاه مات العمد، ووهن العضد، شكواي إلي ربّي، وعدواي إلي أبي، اللّهمّ أنت أشدّ قوّة.

فأجابها أمير المؤمنين بقوله: لا ويل لكِ بل الويل لشانئك، نهْنهي عن وجدكِ يا بنت الصّفوة، وبقيّة النُبوّة، ما ونيت في ديني، ولا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البلغة فرزقكِ مضمون، وكفيلكِ مأمون، وما أعدّ لكِ خير ممّا قطع عنكِ، فاحتسبي.

فقالت: حسبي اللّه ونعم الوكيل.

ولها (عليها السلام) ترثي أباها:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت حاضرها لم تكثر الخطب

انّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختلّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا

أبدت رجال لنا فحوي صدورهم

لمّا فقدت وكلّ الإرث قد غصبوا

وكلّ قوم لهم قربي ومنزلة

عند الإله وللأدنين مقترب

تجهّمتنا رجال واستخفّ بنا

جهراً وقد أدركونا بالّذي طلبوا

سيعلم المتولّي ظلم خاصتنا

يوم القيامة عنّا كيف ينقلب

وقال الناشي:

ولم يوم خيبر لم يثبتوا

صحابة أحمد واستركبوكا

فلاقيت مرحبَ والعنكبوت

واُسداً يحامون إذ واجهوكا

فدكدكت حصنهم قاهراً

وطوّحت بالباب إذ حاجزوكا

ولم يحضروا بحنين وقد

صككت بنفسك جيشاً صكوكا

فأنت المقدّم في كلّ ذاك

فللّه درّك لِمْ أخّروكا

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [2: 204 209].

مصائب أهل البيت

وروي الدّيلمي، وابن فورك الأصفهاني، وعبدوس الهمداني، عن أبي سعيد الخدري، قال: ذكر رسول اللّه لعليّ ما يلقاه بعده، قال: فبكي عليّ، وقال: أسألك بحقّ قرابتي وصحبتي، إلاّ دعوت اللّه أن يقبضني إليه، قال (صلي الله عليه وآله): يا علي تسألني أن أدعو اللّه لأجل مؤجّل؟ «الخبر».

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) إذ التفت إليّ

فبكي، فقلت: ما يبكيك يا رسول اللّه؟ قال: أبكي من ضربتك علي القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعن الحسن في فخذه والسّمّ الذي يسقاه، وقتل الحسين.

ورأي أمير المؤمنين في المنام قائلاً:

إذا ذكر القلب رهط النّبيّ

وسبي النّساء وهتك السّتر

وذبح الصّبيّ وقتل الوصيّ

وقتل الشّبير وسمّ الشّبر

ترقرق في العين ماء الفؤاد

وتجري علي الخدّ منه الدّرر

فيا قلب صبراً علي حزنهم

فعند البلايا تكون العبر

وقال الحميري:

توفّي النّبيّ عليه السلام

فلمّا تغيّب في الملحد

أزالوا الوصيّة عن أقربيه

إلي الأبعد الأبعد الأبعد

وكادوا مواليه من بعده

فيا عين جودي ولا تجمدي

وأولاد بنت رسول الإله

يضامون فيها ولم تكمد

فهم بين قتلي ومستضعف

ومنعفر في الثّري مفصد

قال ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 209]: وكان عبيد اللّه بن عبداللّه بن طاهر كثيراً ما يقول:

تعزّ فكم لك من اُسوة

تسكّن عنك غليل الحزن

بموت النّبيّ وخذل الوصيّ

وذبح الحسين وسمّ الحسن

وجرّ الوصيّ وغصب التّراث

وأخذ الحقوق وكشف الإحن

وهدم المنار وبيت الإله

وحرق الكتاب وترك السّنن

وقال أيضا:

إذا ما المرء لم يعط مناه

وأضناه التّفكّر والنّحول

ففي آل الرّسول له عزاء

وما لاقته فاطمة البتول

أراد ابن طاهر بقوله: «ما لاقته فاطمة» أي ما نالته (عليها السلام) من قبل القوم من الحوادث المؤسفة، والوقائع المؤلمة المترادفة، ما لو نزلت علي النّهار لعاد ليلاً.

فمنها: همّ القوم بإحراق دارها ومنزلها بعد أن كانت محترمة مكرّمة، عظيمة القدر في عين الاُمّة، باختلاف أبيها في حياته إلي تلك الدّار.

ولكن يا للعجب، لسرعان ما انعكست وانقلبت في منظر بعضهم، حيث لم تمض عليهم الاّ مدّة يسيرة من وفاة أبيها حتّي كان ما كان من عمر، بأمر الخليفة الأوّل مالم يكن يتصوّر من أشجع شجاع في الإسلام، ولعلّه لم يكن مصداق قول من يقول بأشجعيّة أبي بكر وعمر إلاّ من هذا القبيل، بإقباله علي دار فيه بطل الإسلام وسيّدة اُمّته، بشعلة

نار ليحرقها، كما روي ذلك جماعة من أهل السّير والمؤرخين، منهم:

ابن قتيبة في كتابه الامامة والسياسة [1: 19].

الطّبري في تاريخه في أحداث السنة الحادية عشرة.

ابن عبد ربّه في حديث السّقيفة من كتابه العقد الفريد [3: 63].

الجوهريّ في كتاب السّقيفة، كما في شرح نهج البلاغة [1: 134].

الشّهرستانيّ في كتابه «الملل والنّحل» عند ذكر الفرقة النّظاميّة.

المسعوديّ في كتابه مروج الذّهب [2: 301].

الموسوي في كتابه المراجعات [ص 252].

محمد هيكل في كتابه أبو بكر الصدّيق [ص 68].

عبد الفتّاح عبدالمقصود في كتابه علي بن أبي طالب [ص 226].

أبو الفداء في تاريخه [1: 156].

فيا ليت شعري فأيّ مسلم وأيّ صحابي أشجع منه وأجرأ فيقارنه في ذلك؟ ولذلك قال مفتخراً وممتدحاً من رأي وحسب أنّ ذلك حسنة من حسناته، ومنقبة من مناقبه العظمي في حياته حيث أنشأ قائلاً:

وقولة لعليّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بمقيلها

حرّقت دارك لا اُبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفي فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها

أمام فارس عدنان وحاميها

وممّا تتظلّم منه بعد وفاة أبيها، منعهم إيّاها إرث أبيها، وما أنحلها من الأنفال، وإسقاطهم سهم ذوي القربي من الخمس الخمس.

أمّا منعهم إرثها، فقد علم النّاس ما بين الزّهراء وبين أبي بكر وقتذاك، إذ أرسلت إليه تسأله ميراثها من رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، فقال أبو بكر: قال رسول اللّه: لا نورث ما تركناه صدقة. فغضبت وأقبلت بنفسها علي أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، ثمّ أنّت أنّةً أجهش لها القوم بالبكاء، حتّي إذا سكن نشيجهم ابتدأت في الكلام، وافتتحت بحمد اللّه فخطبت خطبتها المشهورة، المذكورة في شرح نهج البلاغة في المجلّد الرابع، وغيره من كتب السّير.

وممّا قالته لأبي بكر: أعلي عمد تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم؟

إذ يقول اللّه: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ داوُد)الآية. وقال تعالي فيما اقتصّ من خبر زكريّا: (فهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً، يَرِثُني وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)وقال تعالي: (وَاُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُم أوْلَي بِبَعْض في كِتَابِ اللّه) الآية. وقال تعالي: (يُوْصِيْكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْن) إلي أن قالت (عليها السلام): أخصّكم اللّه بآية أخرج بها أبي؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟ الي آخر ما قالت له ما هو مبسوط في كتب السّير.

وأمّا منعهم ما أنحلها رسول اللّه فدكاً، حيث قالت له: لئن متّ اليوم يا أبا بكر من يرثك؟ قال: ولدي وأهلي. قالت: فلم أنت ورثت رسول اللّه دون ولده وأهله؟ قال: ما فعلت يا بنت رسول اللّه، قالت: بلي، إنّك عمدت إلي فدك، وكانت صافيةً لرسول اللّه فأخذتها منّا.

وروي الجوهريّ في كتاب السّقيفة وفدك، كما في شرح نهج البلاغة [4: 82]بالإسناد إلي أبي سلمة: أنّ فاطمة طلبت إرثها، فقال لها أبو بكر: سمعت رسول اللّه يقول: إنّ النّبيّ لا يورث، ولكن أعول علي من كان النّبيّ يعوله، واُنفق علي من كان النّبيّ ينفق عليه، فقالت: يا أبا بكر، أيرثك بناتك ولا يرث رسول اللّه بناته؟ فقال: هو ذاك.

قال الشاعر العربي:

ما المسلمون باُمّة لمحمّد

كلاّ ولكن اُمّة لعتيق

جاءتهم الزّهراء تطلب حقّها

فتقاعدوا عنها بكلّ طريق

وتواثبوا لقتال آل محمّد

لمّا أتتهم ابنة الصدّيق

فقعودهم عن هذه وقيامهم

مع هذه يغني عن التّحقيق

وفي نفس المصدر [4: 87] روي بالإسناد إلي عبداللّه بن الحسن بن الحسن السّبط، عن اُمّه فاطمة، قالت: لمّا اشتدّ بفاطمة بنت رسول اللّه الوجع وثقلت في علّتها، اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: كيف أصبحت يا ابنة رسول اللّه؟ قالت (عليها السلام):

أصبحت واللّه عائفةً لدنياكنّ وقاليةً لرجالكنّ، الخ:

ولأي الاُمور تدفن ليلاً

بضعة المصطفي ويعفي ثراها

وفي نفس المصدر [4: 80] قال أبو بكر: يا ابنة رسول اللّه، واللّه ما خلق اللّه خلقاً أحبّ إليَّ من رسول اللّه أبيك، ولوددت أنّ السّماء وقعت علي الأرض يوم مات أبوك، وواللّه لأن تفتقر عائشة أحبّ إليَّ من أن تفتقري، أرأيتني اُعطي الأبيض والأحمر حقّه وأظلمك حقّكِ وأنتِ بنت رسول اللّه؟ إنّ هذا المال لم يكن للنّبيّ، إنّما مالاً من أموال المسلمين، يحمل به النّبيّ الرّجال وينفقه في سبيل اللّه، فلمّا توفّي وليته كما كان يليه، فقالت فاطمة (عليها السلام): واللّه لا كلّمتك أبداً. قال أبو بكر: واللّه لا هاجرتك أبداً، قالت: واللّه لأدعون اللّه عليك، وقال: واللّه لأدعونّ لكِ، فلمّا حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلّي عليها.

وأمّا اسقاط القوم سهم ذوي القربي من الخمس الخمس الّذي فرض اللّه لهم بمحكم آياته، حتّي أتي عزّ وجلّ بأداة الشّرط في قوله: (إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ باللّه)وذلك في آية: (وَاعْلموا أنّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فأنّ لِلّه خُمُسَهُ وَللرّسُولِ وَلِذي القُرْبَي وَاليَتَامَي وَالمَسَاكين وَابْن السَّبيلِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّه) [الأنفال: 41].

فقد أجمع أهل القبلة كافّةً علي أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) كان يختصّ بسهم من الخمس، ويخصّ أقاربه بسهم آخر منه.

قال ابن هرمز فيما رواه مسلم في صحيحه [2: 105] في باب «النّساء الغازيات» وهو آخر كتاب الجهاد والسّير: كتب نجدة بن عامر الحروري الخارجيّ إلي ابن عبّاس، فشهدت ابن عبّاس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه، وقال: واللّه لولا أن أردّه عن نتن يقع فيه ما كتبت إليه، ولا نعمة عين، قال: فكتب إليه: إنّك سألتني عن سهم ذي القربي الّذي ذكرهم اللّه،

من هم؟ وإنّا كنّا نري انّ قرابة رسول اللّه هم: نحن. فأبي ذلك علينا قومنا.

وسئل الصّادق (عليه السلام) فيما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 52 ط النجف و2: 210 ط ايران]عن الخمس، فقال: الخمس لنا فمنعنا وصبرنا.

وفيه أيضاً: كان عمر بن عبدالعزيز قد ردّ فدكاً إلي محمّد الباقر (عليه السلام) وكذلك المأمون. ونحن لا ندري في هذا الاختلاف ما بين أبي بكر وأعدل بني اُميّة عمر بن عبدالعزيز، أيّ الرّجلين كان أهدي للحقّ، فيا هل تري ماذا يقال فيمن حرمت عليهم الصّدقة، وفرضت لهم الكرامة والمحبّة؟ وقد كانوا يتكفّفون صبراً، ويهلكون فقراً، يرهن أحدهم سيفه، ويبيع آخر ثوبه، وينظر الي فيئه بعين مريضة، ويتشدّد علي دهره بنفس ضعيفة، ليس له ذنب إلاّ أنّ جدّه النبيّ وأباه الوصيّ. قال السيّد الرّضيّ:

رمونا كما ترمي الظّماء عن الرّوي

يذودوننا عن إرث جدٍّ ووالد

بني لهم الماضون أساس هذه

فعلوا علي بنيان تلك القواعد

وقال دعبل:

أري فيئهم في غيرهم متقسّماً

وأيديهم من فيئهم صفرات

وقال أبو فرّاس:

الحقّ مهتضم والدّين مخترم

وفيء آل رسول اللّه مقتسم

وقال الصاحب:

أيا اُمّة أعمي الضّلال عيونها

وأخطأها نهج من الرّشد لاحب

أأسلافكم أودوا بآل محمّد

حروباً سيدري كيف منها العواقب

وأنتم علي آثارهم واختيارهم

تميتونهم جوعاً فهذي المصائب

دعوا حقّهم ما يبتغون جداكم

وخلّوا لهم من فيئهم لا يساغبوا

ألا ساء ذا عاراً علي الدّين ظاهراً

يسير إليه الأجنبيّ المحارب

إذا كانت الدّنيا لآل محمّد

وأولاده غرثي يليها المحازب

ومن كثرة الظّلم دفن الإمام (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام) ليلاً، وأوصي بدفن نفسه سرّاً، ولقد هدم سعيد بن العاص دار عليٍّ والحسن والحسين وعقيل (عليهم السلام) من قبل يزيد، وهدم عبدالملك بن مروان بيت عليّ الّذي كان في مسجد المدينة.

وأمر المتوكّل بتحرير قبر الحسين (عليه السلام) وأصحابه، وكرب موضعها، وإجراء الماء عليها، وقتل

زوّارها، وسلّط قوماً من اليهود حتّي تولّوا ذلك إلي أن قتل المتوكّل، فأحسن المنتصر سيرته، وأعاد التّربة في أيّامه.

وحرّق المعتزّ المشهد بمقابر قريش علي ساكنه السّلام. وكان الصّادق يتمثّل:

لآل المصطفي في كلّ يوم

تجدّد بالأذي زفر جديد

وقال الزاهي:

أين بنو المصطفي الّذين علي

الخلق جميعاً هواهم فرضا

أين المصابيح للظّلام ومن

عليَّ في الذّرّ حبّهم فرضا

أين النجار التي محضت لها

وحق مثلي لودها محضا

أين بنو الصّوم والصّلاة ومن

ابرامهم في الإله ما انتقضا

أين الجبال التي يضيق بها

عند اتّساع العلوم كلّ فضا

تشتّتوا في الوري فأصبحت الأج

فان قرحي بدمعها فضضا

وذبحوا في الثّري علي ظمأ

فانحطّ عزّ العزاء وانخفضا

راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب السروي [2: 210 212].

وقد ذكر المفسّرون في تفاسيرهم إسقاط القوم سهم ذوي القربي من الخمس الخمس، عند قولهم في آية: (وَاعْلَمُوا اَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيء) [الأنفال: 41].

ففي تفسير الشّوكاني في فتح القدير [2: 312] وفي جامع البيان للطّبري [1: 6]وفي تفسير النيسابوري هامش جامع البيان [10: 4] وفي الكشّاف للزّمخشري [2: 159] وفي مجمع البيان للطّبرسي [2: 672] وفي تفسير ابن كثير [2: 312]وفي شرح النّهج لابن أبي الحديد [2: 156].

ولقد استرسل القلم حتّي أدخلنا في هذه المسألة المشكلة، وأخرجنا عمّا نحن بصدده، وعلي كلّ تقدير انّ القارئ النّابه الناقد بعد أن وقف علي ما احتجّ به أبو بكر من الحديث، وما أقامت الزّهراء من الحجج القرآنيّة لم يخرج إلاّ بوهن حجّة أبي بكر، وسقوطها عن ميزان الاعتبار من وجوه:

الأوّل: إنّ وجود التّعارض بين الحديث الّذي أورده أبو بكر وبين آيات الذّكر الحكيم التي احتجّت بها الزّهراء لممّا يغني البصير المنصف عن تحقيق صحّة الحديث أو بطلانه.

فإن قيل: إنّ معني الميراث في مضمون هذه الآية، هو: النّبوّة أو العلم.

فنقول: إذن كان

خوف زكريّا (عليه السلام) من أن يرث الموالي من ورائه من المستبعد جدّاً عن نطاق الفهم. علي أنّ زكريّا أعزّ أن لا يعلم بأنّ اللّه أعلم حيث يجعل رسالته. ولكان دعاؤه لوليّه أن يجعله اللّه رضيّاً بالنّبوّة أو العلم لمن أغرب غريب عن مستوي معناه. وذلك في قوله تعالي: (رَبِّ هَبْ لِيْ مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً، يَرِثُني وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً) [مريم: 5 6].

الثّاني: إنّ الحديث الّذي احتجّ به أبو بكر علي فرض صحّته، كان من الأحاديث الآحاد، وإلاّ فقد كان في حياة المشرّع الأعظم مجهولاً لدي الاُمّة، غريباً عن مسامعهم، بل لا ذكر له ولا ذاكر بعد وفاته أيضاً، حتّي إذا جاءت إليه الزّهراء (عليها السلام)، تطالب بميراثها ونحلتها فاستحضره أبو بكر من خفيّ غيبته، واستقدمه من طول غربته. ففاجأها به (عليها السلام) وكافّة بني هاشم طرّاً، حتّي خليل النّبوّة، والمخصوص بالاُخوّة.

أفتري أنّه من المحتمل أن يكتم رسول اللّه أمراً ذا علاقة بالإرث والميراث عن ورثته. ويخبر به من هو غير الأولي بعلمه ومعرفته؟ هيهات أن يتصوّر صدور ذلك منه؛ لما يستلزم التّنقّص في حقّه والتّقصير في حقّهم. واللّه أعلم.

الثّالث: إنّ فدكاً كانت نحلةً لفاطمة أنحلها أبوها، لمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ: (فَآتِ ذَا القُرْبَي حَقّهُ) [الروم: 38] كما ذكره الإمام الطّبرسي في تفسيره [4: 395]والشّوكاني في تفسيره فتح القدير [5: 224] وغيرهما.

قال الإمام الفخر الرّازيّ: فلمّا مات رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ادّعت فاطمة (عليها السلام) أنّه (صلي الله عليه وآله) كان نحلها فدكاً، فقال أبو بكر: أنت أعزّ النّاس عليَّ فقراً، وأحبّهم إليَّ غنيً، لكنّي لا أعرف صحّة قولك، فلا يجوز أن أحكم لكِ. فشهدت لها اُمّ أيمن ومولي

رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

أقول: هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا ممّا لا ريب فيه، وكأنّ الرّازيّ استفظع ردّ شهادة عليّ احتراماً له ولأبي بكر، فلم يصرّح باسمه، فكني عنه بمولي رسول اللّه.

وروي ابن حجر في صواعقه آخر [ص 21] في الشّبهة السّابعة من شبه الرّافضة، وإليك لفظه: ودعوي فاطمة أنّه (صلي الله عليه وآله) نحلها فدكاً لم تأت عليها إلاّ بعليّ واُمّ أيمن، فلم يكمل نصاب البيّنة.

ومن المعجب جدّاً لمن كان مثلي، كيف يرتاب الصّدّيق في صدق دعوي الزّهراء وهي بنت رسول اللّه الطّاهرة المطهّرة من الأرجاس بنصّ آية التّطهير، وأبو بكر أجلّ من أن لا يعرفها، وأكرم من أن يكون أقلّ الصّحابة معرفةً بفضلها.

أيتصوّر من كان مثله أن يتّهم الزّهراء بالكذب، وهو مالا يتصوّر صدوره من أجهل الصّحابة؟ وإن كان فيه أدني شيء من ذلك، ومعاذ اللّه أن يكون فيه وحاشاه، فقد شهد لها زوجها، وهو علي بن أبي طالب، الذي لا يجهل فضله وأمانته وإخلاصه ووفاءه في الدّين مسلم قريب العهد في الاسلام، فضلاً عن أوّل من أسلم.

وقد شهدت لها أيضاً مولاة رسول اللّه وحاضنته، وهي اُمّ أيمن الّتي قال فيها (صلي الله عليه وآله) كما في ترجمتها من الإصابة: اُمّ اَيمن اُمّي بعد اُمّي.

وقال (صلي الله عليه وآله) فيها أيضاً: هذه بقيّة أهل بيتي.

وقال أيضاً: إنّها من أهل الجنّة.

أنا لا أدري، أفهل يختلج ريب في قلب فيه ذرّة من الإيمان في صدق قولهم حيث يتّهمون بالكذب؟

وإن قيل: إنّما فعل ذلك الصّدّيق عملاً بالحكم الشّرعيّ، ولمّا لم تتمّ البيّنة بشهادة رجل وامرأة رفضهم كلّهم.

نقول: هذا هو المحتمل يقيناً ولاشكّ فيه!

بل ونقول: يا نعم ويا حبّذا له، فأكرم

به من حاكم شديد في دين اللّه عزّ وجلّ، ولكن يا للأسف لعلّه نسي حيث لم يستحلفها أو يستحلف أحد الشّاهدين، حتّي يقف علي جليّة الأمر، كما أنّه نسي استحلاف جابر ومطالبته بالبيّنة حين قال: وعدني رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) عند مجيء مال البحرين أن يحثني ثلاث حثيات، فحثا له ذلك. كما رواه البخاريّ في صحيحه [2: 92 ط دار الفكر لبنان] من كتاب الهبة وفضلها باب «اذا وهب هبةً أو وعد».

وذلك: حدّثنا عليّ بن عبداللّه، حدّثنا سفيان، حدّثنا ابن المنكدر، سمعت جابراً (رضي الله عنه)، قال: قال لي النبيّ (صلي الله عليه وآله): لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا ثلاثاً، فلم يقدم حتّي توفّي النّبيّ (صلي الله عليه وآله) فأمر أبو بكر منادياً فنادي: من كان له عند النبيّ (صلي الله عليه وآله) عدة أو دين فليأتنا، فأتيته فقلت: إنّ النّبيّ وعدني، فحثا لي ثلاثاً.

فلعلّ أحسن ما يقوله الخائض في هذه المسألة: أنّه لم يكن يتصمّم أبو بكر فيما هو عليه، إلاّ لرأي ارتآي له ما تعود مصلحته لعوام الاُمّة أو خاصّتها، وإلاّ فانّ ذا الشّهادتين لم يكن بمعزل عنه، ولا كان خبره مجهولاً لديه، ولم يكن فيما نظنّ به بأجلّ وأعظم في عين أبي بكر من عليّ حتّي يردّ شهادته.

وخبر ذي الشّهادتين قد أخرجه المتّقي الهندي في أواخر [ص 178] من منتخب الكنز بهامش الجزء الخامس من مسند الإمام أحمد. وابن عبدالبرّ في الإستيعاب في ترجمة خزيمة بن ثابت، والحاكم في مستدركه [3: 396] والذّهبي في تلخيصه بهامش المستدرك، والدّميري في حياة الحيوان [2: 169] في باب «فرس» وغيرهم.

ولعمر اللّه إنّ عليّاً أولي بهذا من خزيمة وغيره، وأحقّ بكلّ فضيلة من

سائر أبدال المسلمين، لما منّ اللّه عليه بمتنوّعات الكرامة والفضل، منها ما يعقله العقلاء، ومنها ما لا يحتمله العقل، كما هو مسجّل في كتب أهل الأخبار والنّقل.

منها: ما عقده ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 120 ط النجف و 2: 287 ط ايران]عن أنس، عن عمر بن الخطاّب: أنّ عليّاً رأي حيّةً تقصده وهو في المهد، وقد شدّت يداه في حال صغره، فحوّل نفسه فأخرج يده وأخذ بيمينه عنقها، وغمزها غمزةً حتيّ أدخل أصابعه فيها وأمسكها حتّي ماتت، فلمّا رأت ذلك اُمّه نادت واستغاثت، فاجتمع الحشم، ثمّ قالت: كأنّك حيدرة. وإلي ذلك أشار الحميري:

ويا من اسمه في الكتب

معروف به حيدر

وسمّته به اُمّ

له صادقة المخبر

وقال دعبل:

أبو تراب حيدرة

ذاك الإمام القسورة

مبيد كلّ الكفرة

ليس له مناضل

مبارز ما يهب

وضيغم ما يغلب

وصادق لا يكذب

وفارس محاول

سيف النّبيّ الصادق

مبيد كلّ فاسق

بمهرهف ذي بارق

أخلصه الصّياقل

وعن جابر الجعفيّ قال: كانت ظئرة عليّ (عليه السلام) التيّ أرضعته امرأة من بني هلال، قد خلفته في خبائها مع أخ له من الرّضاعة، وكان اكبر منه سنّاً بسنة، وكان عند الخباء قليب، فمرّ الصّبيّ نحو القليب ونكس رأسه فيه، فتعلّق بفرد قدميه وفرد يديه، أمّا اليد ففي فم عليّ، وأمّا الرجلّ ففي يديه، فجاءت اُمّه فنادت في الحيّ: يا للحيّ من غلام ميمون أمسك علي ولدي، فمسكوا الطّفل من رأس القليب، وهم يعجبون من قوّته وفطنته. فسمّته اُمّه مباركاً.

وكان الغلام في بني هلال يعرف: بمعلّق الميمون، وولده الي اليوم.

قال العوني:

واسم أخيه في بني هلال

فاسأل به إن كنت ذا سؤال

معلّق الميمون ذا المعالي

يذكره القوم علي اللّيالي

موهبة خصّ بها صبيّا

وكان ابو طالب يجمع ولده وولد إخوته، ثمّ يأمرهم بالصّراع، وذلك خلق في العرب، فكان (عليه السلام) يحسر عن ذراعيه وهو طفل

ويصارع كبار إخوته وصغارهم، وكبار بني عمّه وصغارهم فيصرعهم، فيقول أبوه: ظهر عليّ، فسمّاه ظهيراً. قال العوني:

هذا وقد لقّبه ظهيراً

أبوه إذ عاينه صغيراً

يصرع من إخوته الكبيرا

مشمّراً عن ساعد تشميرا

تراه عبلاً فتلاً قويّا

وانه (عليه السلام) لم يمسك بذراع رجل إلاّ مسك بنفسه، فلم يستطع أن يتنفس، وكان منه في ضرب يده في الاُسطوانه حتّي دخل إبهامه وهو باق في الكوفة، وكذلك مشهد الكفّ في تكريت وموصل وقطيعة الدقيق وغير ذلك، ومنه أثر سيفه في صغرة جبل ثور عند غار النّبيّ.

فلمّا ترعرع (عليه السلام) كان يصارع الرّجل الشّديد فيصرعه، ويعلق بالجبار بيده ويجذبه فيقتله، وربّما قبض علي مراق بطنه ورفعه الي الهواء، وربّما يلحق للحصان الجاري فيصدمه فيردّه علي عقبيه.

وكان (عليه السلام) يأخذ من رأس الجبل حجراً ويحمله بفرد يديه، ثمّ يضعه بين يدي النّاس، فلا يقدر الرّجل والرّجلان والثّلاثة علي تحريكه، حتّي قال أبو جهل فيه:

يا أهل مكّة إنّ الذّبح عندكم

هذا عليّ الّذي قد جلّ في النّظر

ما ان له مشبه في النّاس قاطبةً

كأنّه النّار ترمي الخلق بالشّرر

كونوا علي حذر منه فإنّ له

يوماً سيظهره في البدو والحضر

وعن أبي سعيد الخدريّ، وجابر الأنصاري، وعبداللّه بن عبّاس في خبر طويل أنّه قال خالد بن الوليد: أتي الاصلع يعني عليّاً عند منصرفي من قتال أهل الرّدّة في عسكري، وهو في أرض له، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد، وقعقعة الرّعد، فقال لي عليّ: ويلك أكنت فاعلاً؟ فقلت: أجل، فاحمرّت عيناه، وقال: يا ابن اللخناء أمثلك يقدم علي مثلي، أو يجسر أن يدير اسمي في لهواته؟

ثمّ قال خالد: فنكّسني الرّحي عن فرسي، ولا يمكنني الامتناع منه، فجعل يسوقني إلي رحيً للحارث بن كلدة، ثمّ عمد إلي قطب الرّحي الحديد الغليظ

الذي عليه مدار الرّحي، فمدّه بكلتا يديه ولوّاه في عنقي كما يتفتّل الأديم، وأصحابي كأنّهم نظروا الي ملك الموت، فأقسمت عليه بحقّ اللّه ورسوله، فاستحي وخلّي سبيلي.

قال: فدعا أبو بكر جماعة من الحدّادين، فقالوا: إنّ فتح هذا القطب لايمكننا إلاّ أن نحميه بالنّار، فبقي في ذلك أيّاماً، والنّاس يضحكون منه، فقيل: إنّ عليّاً قد جاء من سفره، فأتي أبو بكر إلي عليّ يشفع إليه في فكّه، فقال عليّ: إنّه لمّا رأي تكاثف جنوده وكثرة جموعه أراد أن يضع منّي في موضعي، فوضعت منه عندما خطر بباله، وهمّت به نفسه.

ثمّ قال: وأمّا الحديد الذي في عنقه، فلعلّه لا يمكنني في هذا الوقت فكّه، فنهضوا بأجمعهم وأقسموا عليه، فقبض عليّ علي رأس الحديد من القطب، فجعل يفتل منه يمينه شبراً شبراً فيرمي به، وهذا كقوله تعالي: (وَألَنَّا لَهُ الحَدِيد)[سبأ: 10].

وفي رواية أبي ذرّ: أنّ أمير المؤمنين أخذه بأصبعه السّبّابة والوسطي، فعصره عصرةً، فصاح خالد صيحة منكرة، وأحدث في ثيابه وجعل يضرب برجليه.

وفي رواية البلاذري: أنّ أمير المؤمنين أخذه بأصبعيه السّبّابة والوسطي في حلقه، وشاله بهما وهو كالبعير عظماً، وضرب به الأرض.

وروي أهل السّير، عن حبيب بن الجهم، وأبي سعيد التّميمي، والنّطنزي في الخصائص، والاعثم في الفتوح والطّبري في كتاب الولاية باسناد له عن محمّد بن القاسم الهمداني، وأبو عبداللّه البرقي، عن شيوخه، عن جماعة من أصحاب عليّ: أنّه نزل أمير المؤمنين (عليه السلام) بالعسكر عند وقعة صفّين في قرية «صندودياء» فقال مالك الأشتر لأمير المؤمنين (عليه السلام): ينزل النّاس علي غير ماء، فقال (عليه السلام): يا مالك إنّ اللّه سيسقينا في هذا المكان، إحتفر أنت وأصحابك.

فاحتفروا، فاذا هم بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة لجين، فعجزوا عن قلعها

وهم مائة رجل، فرفع أمير المؤمنين يده إلي السّماء، وهو يقول: طاب طاب يا عالم يا طيبوثا بوثة شميا كرباجا نوثا توذيثا برجوثا، آمين آمين يا ربّ العالمين، يا ربّ موسي وهارون، ثمّ اجتذبها، فرماها عن العين أربعين ذراعاً، فظهر ماء أعذب من الشّهد، وأبرد من الثلج، وأصفي من الياقوت، فشربنا وسقينا، ثمّ ردّ الصّخرة وأمرنا أن نحثو عليها التّراب.

فلمّا سرنا غير بعيد، قال: من منكم يعرف موضع العين؟ قلنا: كلّنا، فرجعنا فخفي مكانها علينا، فإذا راهب مستقبل من صومعة، فلمّا بصر به أمير المؤمنين قال: شمعون؟ قال: نعم هذا إسمي سمّتني به اُمّي، ما اطّلع عليه إلاّ اللّه، ثمّ أنت، قال: وما تشاء يا شمعون؟ قال: هذا العين واسمه، قال (عليه السلام): هذا عين زاحوما وفي نسخة: راجوه وهو من الجنّة شرب منها ثلاثمائة نبي وثلاثة عشر وصيّاً، وأنا آخر الوصيّين شربت منه.

قال الرّاهب: هكذا وجدت في كتب الإنجيل، وهذا الدّير بني علي قالع هذه الصّخرة، ومخرج الماء من تحتها، ولم يدركه عالم قبلي غيري، وقد رزقنيه اللّه، وأسلم.

وفي رواية أنّ العين «جبّ شعيب» ثمّ رحل أمير المؤمنين والرّاهب يقدمه حتّي نزل صفّين، فلمّا التقي الصّفّان، كان أوّل من أصابته الشّهادة، فنزل أمير المؤمنين وعيناه تهملان وهو يقول: المرء مع من أحبّ، الرّاهب معنا يوم القيامة.

وفي رواية عبداللّه بن أحمد بن حنبل، حدّثنا أبو محمّد الشّيباني، حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي سعيد التّميميّ، قال: فسرنا فعطشنا، فقال بعض القوم: لو رجعنا فشربنا، قال فرجع اُناس وكنت فيمن رجع، قال: فالتمسنا فلم نقدر علي شيء فأتينا الرّاهب، قال: فقلنا: أين العين الّتي هاهنا؟ قال: أيّة عين؟ قلنا: الّتي شربنا منها، واستقينا وسقينا، فالتمسناها

فلم نجدها، قال الرّاهب: لا يستخرجها إلاّ نبيّ أو وصيّ.

وقال السّروجيّ:

وصخرة الرّاهب عن قليبه

أقلبها كمثل شيء يحتقر

حتّي إذا ما شربوا أوردها

إلي المكان عاجلاً بلا ضجر

فأبصر الرّاهب أمراً قد علا

عن بشر يفعل أفعال القدر

آمن باللّه تعالي وأتي

إلي الإمام تارك الدّين ستر

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [2: 287 293].

ومن نواقض العادات قلعه باب خيبر

روي الإمام أحمد بن حنبل، عن مشيخته، عن جابر بن عبداللّه الأنصاري: أنّ النّبيّ (صلي الله عليه وآله) دفع الرّاية إلي عليّ (عليه السلام) في يوم خيبر بعد أن دعا له، فجعل يسرع السّير وأصحابه يقولون له: أرفق، حتّي انتهي إلي الحصن فاجتذّ بابه، فألقاه علي الأرض، ثمّ اجتمع منّا سبعون رجلاً، وكان جهدهم أن أعادوا الباب.

وعن أبي عبداللّه الحافظ بإسناده إلي أبي رافع: لمّا دنا عليّ من القموص أقبلوا يرمونه بالنّبل والحجارة، فحمل حتّي دنا من الباب، فاقتلعه، ثمّ رمي به خلف ظهره أربعين ذراعاً، ولقد تكلّف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوه، قال الحميري:

وألقي باب حصنهم بعيداً

ولم يك يستقلّ بأربعينا

وعن أبي القاسم محفوظ البستيّ في كتاب الدّرجات: أنّه حمل بعد قتل مرحب عليهم فانهزموا، فتقدّم عليّ إلي باب الحصن وضبط حلقته، وكان وزنها أربعين منّاً والمنّ عبارة عن 280 مثقالاً وهزّ الباب فارتعد الحصن بأجمعه حتّي ظنّوا زلزلةً، ثمّ هزّه مرّة اُخري فقلعه، ودحا به في الهواء أربعين ذراعاً.

وعن أبي سعيد الخدريّ: ولمّا هزّ علي حصن خيبر، قالت صفيّة: قد كنت جلست علي طاق كما تجلس العروس، فوقعت علي وجهي فظننت زلزلةً، فقيل لي: هذا عليّ هزّ الحصن يريد أن يقلع الباب.

وفي حديث أبان، عن زرارة، عن الباقر (عليه السلام): فاجتذبه اجتذاباً وتترّس به، ثمّ حمله علي ظهره واقتحم الحصن اقتحاماً، واقتحم المسلمون والباب علي ظهره.

وفي كتاب الارشاد

للشّيخ أبي عبداللّه المفيد، المتوفّي سنة (413). قال جابر بن عبداللّه الانصاريّ: إنّ عليّاً حمل الباب يوم خيبر، حتّي صعد المسلمون عليه ففتحوها، وأنّهم جرّبوه بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلاً، رواه أبو الحسن الورّاق المعروف بغلام المصريّ، عن ابن جرير الطّبريّ التّاريخيّ. وفي رواية جماعة: خمسون رجلاً، وفي رواية أحمد: سبعون رجلاً.

وروي ابن جرير الطّبريّ صاحب كتاب المسترشد: أنّه حمل بشماله، وهو أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربع أصابع عمقاً، حجراً أصلد دون يمينه، فأثّرت فيه أصابعه، وحمله بغير مقبض، ثمّ تترّس به فضارب الأقران حتّي هجم عليهم، ثمّ زجّه من ورائه أربعين ذراعاً.

قال ديك الجن:

سطا يوم بدر بأبطاله

وفي اُحد لم يزل يحمل

وعن بأسه فتحت خيبر

ولم ينجها بابها المقفل

دحا أربعين ذراعاً به

هزبر به دانت الأشبل

وفي رامش أقراني: كان طول الباب ثمانية عشر ذراعاً، وعرض الخندق عشرون، فوضع جانباً علي طرف الخندق وضبط جانباً حتّي عبر عليه العسكر وكانوا ثمانية آلاف وسبعمائة رجل، وفيهم من كان يتردّد ويخفّ عليه. أي: يسرع.

وعن أبي عبداللّه الجذليّ، قال عمر لعليّ: لقد حملت منه ثقلاً، فقال (عليه السلام): ما كان إلاّ مثل جُنّتي الّتي في يدي.

وفي رواية أبان، قال: فو اللّه ما لقي عليّ من البأس تحت الباب أشدّ ما لقي من قلع الباب.

وفي الارشاد [ص 128]: أنّه لمّا انصرفوا من الحصون، أخذه عليّ بيمناه، فدحا به أذرعاً من الأرض، وكان الباب يغلقه عشرون رجلاً.

وفي رواية عليّ بن الجعد، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن ابن عبّاس في خبر طويل: وكان لا يقدر علي فتحه إلاّ أربعون رجلاً.

وفي تاريخ الطّبريّ عن أبي رافع، قال: سقط ترس عليّ من شماله، فقلع بعض أبوابه وتترّس بها، فلمّا فرغ عجز

خلق كثير عن تحريكها.

قال ابن زريك:

والباب لمّا دحاه وهو في سغب

من الصّيام وما يخفي تعبّده

وقلقل الحصن فارتاع اليهود له

وكان أكثرهم عمداً يفنده

نادي بأعلي العلي جبريل ممتدحاً

هذا الوصيّ وهذا الطّهر أحمده

قال بعض الأنصار:

إنّ امرأً حمل الرّتاج بخيبر

يوم اليهود بقدوة لمؤيّد

حمل الرّتاج رتاج باب قموصها

والمسلمون وأهل خيبر شهد

فرمي به ولقد تكلّف ردّه

سبعون كلّهم له متسدّد

ردّوه بعد تكلّف ومشقّة

ومقال بعضهم لبعض أزدد

راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب السروي [2: 293 297].

عجائبه

منها: طول ما لقي من الحروب، لم ينهزم قطّ، ولم ينله فيها شين ولا جراح سوء، ولم يبارز أحداً إلاّ ظفر به، ولا نجا من ضربته أحد فصلح منها، ولم يفلت منه قرن، ولم يخرج في حروبه الاّ وهو ماش يهرول طوال الدّهر بغير جند إلي العدوّ، وما قدمت راية قوتل تحتها عليّ إلاّ انقلبوا صاغرين.

قال الحميري:

ما امّ يوم الوغي زحفاً برايته

إلاّ تضعضع ثمّ انصاع منهزما

أو بلّ مفرق من لم ينجه هرب

بأبيض منه من دم الفلاة دما

أو نال مهجته طعناً بنافذة

نجلاً تفرغ من تحت الحجاب فما

ويروي وثبته أربعون ذراعاً إلي عمرو ورجوعه إلي خلف عشرون ذراعاً، وذلك خارج عن العادة.

وروي أنّه ضرب مرحباً الكافر يوم خيبر علي رأسه، فقطع العمامة والخوذة والرّأس والحلق وما عليه من الجوشن من قدّام وخلف إلي أن قدّه نصفين، ثمّ حمل علي سبعين ألف فارس، فبدّدهم، وتحيّر الفريقان من فعله، فانهزموا إلي الحصن.

وأصل مشهد البوق عند رحبة الشام: أنّه (عليه السلام) أخبر أنّ السّاعة خرج معاوية في خيله من دمشق وضرب البوق، وسمع ذلك من مسيرة ثمانية عشر يوماً، وهو خرق العادة.

ومنها: ما روي حبيب بن حسن العتكي، عن جابر بن عبداللّه الأنصاريّ، قال: صلّي بنا أمير المؤمنين صلاة الصّبح، ثمّ

أقبل علينا، فقال: معاشر النّاس أعظم اللّه أجركم في أخيكم سلمان، فقالوا في ذلك، ثمّ لبس (عليه السلام) عمامة رسول اللّه ودراعته، وأخذ قضيبه وسيفه وركب علي العضباء، وقال لقنبر: عدّ عشراً، قال قنبر: ففعلت، فإذا نحن علي باب سلمان الفارسي.

وقال زاذان: فلمّا أدرك سلمان الوفاة: قلت له: من المغسّل لك؟ قال سلمان: من غسّل رسول اللّه، فقلت: إنّك في المدائن وهو بالمدينة، فقال: يازاذان إذا شددت لحيتي تسمع الوجبة، فلمّا توفّي شددت لحيته، فسمعت الوجبة، وأدركت الباب، فإذا أنا بأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا زاذان قضي أبو عبداللّه سلمان؟ قلت: نعم يا سيّدي.

فدخل (عليه السلام) وكشف الرّداء عن وجهه، فتبسّم سلمان إلي أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): مرحباً يا أبا عبداللّه، إذا لقيت رسول اللّه فقل له ما مرّ علي أخيك من قومك، ثمّ أخذ في تجهيزه، فلمّا صلّي عليه كنّا نسمع من أمير المؤمنين تكبيراً شديداً، وكنت رأيت معه رجلين فسألته عنهما، فقال (عليه السلام): أحدهما جعفر أخي، والآخر الخضر (عليهما السلام)، ومع كلّ واحد منهما سبعون صفّاً من الملائكة، في كلّ صفّ ألف ألف ملك.

قال أبو الفضل التّميمي:

سمعت منّي يسيراً من عجائبه

وكلّ أمر عليّ لم يزل عجبا

أدريت في ليلة سار الوصيّ إلي

أرض المدائن لمّا أن لها طلبا

فألحد الطّهر سلماناً وعاد إلي

عراص يثرب والإصباح ما قربا

كآصف قبل ردّ الطّرف من سبأ

بعرش بلقيس وافي يخرق الحجبا

في آصف لم تقل أنت قلت بلي

أنا بحيدر غال اُورد الكذبا

إن كان أحمد خير المرسلين فذا

خير الوصيّين أو كلّ الحديث هبا

وقلت ما قلت من قول الغلاة فما

ذنب الغلاة إذا قالوا الّذي وجبا

قال ابن حمّاد:

حدّث بلا حرج عن اللّيث الّذي

تفني لهيبته اللّيوث وتخشع

حدّث ولا حرج عن البحر الّذي

فيه عجائب

كلّها مستبدع

كم كربة قد فرّجتها كفّه

عن وجه أحمد والقوارع تقرع

وبذكره عرج الأمين منادياً

في الاُفق يجهر بالنّداء ويصدع

لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي

إلاّ عليّ المستعدّ الأصلع

لو رام يذبل كاد يذبل رهبةً

أو رام رضوي لانثني يتضعضع

ما قام قائم سيفه في كفّه

إلاّ رأيت له الفوارس تركع

سيف مضاربه الغوارب ماله

إلاّ يد العالي عليّ مطّلع

أسد فرائسه الفوارس في الوغي

وكذا حماه هو الحمي المتشرّع

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [2: 297 303].

انقياد الحيوانات له

ومنها: ما روي عن الباقر (عليه السلام)، أنّه قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لجويريّة بن مسهر وقد عزم علي الخروج: أما انّه سيعرض لك في طريقك الأسد، قال جويريّة: فما الحيلة يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): تقرؤه السّلام وتخبره أنّي أعطيتك منه الأمان، فبينما هو يسير إذ أقبل نحوه أسد، فقال له: يا أبا الحارث إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقرؤك السّلام، وأنّه قد آمنني منك، قال جويريّة: فولّي وهمهم خمساً، قال: فلمّا رجع حكي ذلك لأمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): فإنّه قال لك: فاقرأ وصيّ محمّد منّي السّلام وعقد بيده خمساً.

وفي رواية الشّيباني عن جويريّة أنّه رأي أسداً أقبل نحو المؤمنين، وهو يهمهم ويمسح برأسه الأرض، فتكلّم (عليه السلام) معه بشيء، فسئل عنه، فقال (عليه السلام): إنّه يشكو الحبل ودعا لي، وقال: لا سلّط اللّه أحداً منّا علي أوليائك.

ومنها: ما روي عمرو بن حمزة العلويّ في فضائل الكوفة: أنّه كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم في محراب جامع الكوفة، إذ قام بين يديه رجل للوضوء، فمضي نحو رحبة الكوفة يتوضّأ، فإذا بأفعي قد لقيه في طريقه ليلتقمه، فهرب من بين يديه إلي أمير المؤمنين، فحدّثه بما لحلقه في طريقه، فنهض أمير المؤمنين حتّي وقف علي باب الثّقب

الّذي فيه الأفعي، فأخذ سيفه وتركه في باب الثّقب، وقال: إن كنت معجزةً مثل عصي موسي فاخرج الأفعي، فما كان إلاّ ساعة حتّي خرج يساره، ثمّ رفع (عليه السلام) رأسه إلي الأعرابيّ، وقال: إنّك ظننت أنّي رابع أربعة لمّا قمت بين يديّ، فقال: هو صحيح، ثمّ لطم علي رأسه وأسلم.

وفي كتاب المعجزات، والرّوضة، ودلائل ابن عقدة، عن أبي إسحاق السّبيعي، والحارث الأعور، قالا: رأينا شيخاً باكياً وهو يقول: أشرفت علي المائة، وما رأيت العدل إلاّ ساعة.

فسئل عن ذلك، فقال: أنا حجر الحميريّ، وكنت يهوديّاً أبتاع الطّعام، فقدمت يوماً نحو الكوفة، فلمّا سرت بالقبّة بالمسجد فقدت حمري، فدخلت الكوفة إلي الأشتر، فوجّهني الي أمير المؤمنين، فلمّا رآني قال (عليه السلام): يا أخا اليهود، إنّ عندنا علم البلايا والمنايا ما كان ومايكون، اُخبرك أم تخبرني بما جئت؟ فقلت: بل تخبرني، فقال (عليه السلام): اختلست الجنّ مالك في القبّة، فما تشاء؟ قلت: إن تفضّلت عليَّ آمنت بك.

قال (عليه السلام): فانطلق معي، حتّي اذا أتي القبّة وصلّي ركعتين ودعا بدعاء، وقرأ: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَار وَنُحَاس فَلاَ تَنْتَصِرَان) الآية، ثمّ قال: يا عبداللّه ما هذا العبث؟ واللّه ما علي هذا بايعتموني وعاهدتموني يا معشر الجن، فرأيت مالي يخرج من القبة، فقلت: أشهد أن لا اله إلاّ اللّه وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه، وأشهد أنّ عليّاً وليّ اللّه، ثمّ إنّي لمّا قدمت الآن وجدته مقتولاً، قال ابن عقدة: إنّ اليهودي من سورات المدينة.

قال الوارق القمّي:

عليّ دعا جِنّاً بكوفان ليلةً

وقدْ سرقوا مال اليهوديّ عهرم

علي نقض عهد أو بردِّ متاعه

فردّوا عليه ماله لم يقسّم

وفي الأغاني [7: 277] أنّه قال المدائني: إنّ السيّد الحميري وقف بالكناس، وقال: من جاء بفضيلة لعليّ بن

أبي طالب لم أقل فيها شعراً، فله فرسي هذا وما عليّ، فجعلوا يحدّثونه وينشدهم فيه، حتّي روي رجلٌ عن أبي الرّعل المرادي: أنّه قدم أمير المؤمنين فتطهّر للصّلاة ونزع خفّه، فانسابت فيه أفعيّ، فلمّا عاد ليلبسه انقضّ غرابٌ فحلق به، ثمّ ألقاه فخرجت الأفعي منه، قال: فأعطاه السيّد الحميري ما وعده وأنشأ يقول:

ألا يا قوم للعجب العجاب

لخفّ أبي الحسين وللحباب

عدوّ من عداة الجنّ عبدٌ

بعيدٌ في المرارةِ من صواب

كريه اللّون أسود ذو بصيص

حديد النّاب أزرق ذو لعاب

أتي خفّاً له فانساب فيه

لينهش رجله منها بناب

فقضّ من السماء له عقابٌ

من العقبان أو شبه العقاب

فطار به فحلق ثمّ أهوي

به للأرض من دون السّحاب

فصكّ بخفّه فانساب منه

ووليّ هارباً حذر الحصاب

فدوفع عن أبي حسن عليّ

نقيعُ سُمامه بعد انسياب

وحكي محمّد بن الحنفيّة انقضاض غراب علي خفّه، وقد نزعه ليتوضّأ وضوء الصلاة، فانساب فيه أسود فحمله الغُراب حتّي صار به في الجوّ، ثمّ ألقاه فوقع منه الأسود، ووقاه اللّه من ذلك.

وفي كتاب هواتف الجنّ، عن محمد بن إسحاق، عن يحيي بن عبداللّه بن الحارث، عن أبيه، قال: حدّثني سلمان الفارسيّ في خبر: كنّا مع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) في يوم مطير ونحن ملتفتون نحوهُ، فهتف هاتفٌ: السّلام عليك يا رسول اللّه، فردّ عليه السلام، وقال: من أنت؟ قال: عَرفطة بن شَمْراخ أحد بني نجاح، قال: إظهر لنا رحمك اللّه في صورتك.

قال سلمان: فظهر لنا شيخٌ أزَبُّ أشعر، قد لبس وجهه شعرٌ غليظ متكاثفٌ قد واراه، وعيناه مشقوقتان طولاً، وفمه في صدره، فيه أنياب بادية طوال، وأظفاره كمخالب السّباع، فقال الشيخ: يا نبيّ اللّه إبعث معي من يدعو قومي إلي الإسلام، وأنا أردّه إليك سالماً، فقال النبيّ (صلي الله عليه وآله): أيّكم

يقوم معه فيبلغ الجنّ عنّي وله الجنّة؟ فلم يقم أحدٌ، فقال ثانيةً وثالثةً، فقال عليّ (عليه السلام): أنا يا رسول اللّه، فالتفت النبيّ (صلي الله عليه وآله) إلي الشيخ فقال: وافني الي الحرّة في هذه الليلة، أبعث معك رجلاً يفصّل حكمي وينطق بلساني، ويبلغ الجنّ عنّي.

قال سلمان: فغاب الشّيخ، ثمّ أتي في اللّيل وهو علي بعير كالشّاة، ومعه بعير آخر كارتفاع الفرس، فحمل النبيّ عليّاً (عليه السلام) عليه، وحملني خلفه، وعصب عينيّ، وقال: لا تفتح عينيك حتّي تسمع عليّاً يؤذّن، ولا يروعك ما تري فإنّك آمنٌ، فسار البعير فدفع سائراً يدفُّ كدفيف النّعام وعليّ يتلو القرآن، فسرنا ليلتنا حتّي اذا طلع الفجر أذّن عليّ وأناخ البعير، وقال: إنزل يا سلمان، فحللت عينيّ ونزلت فإذا أرضٌ قوراء، فأقام الصّلاة وصلّي بنا.

ولم أزل أسمع الحسّ حتّي إذا سلّم عليّ التفت، فإذا خلقٌ عظيمٌ، وأقام عليٌ يسبّح ربّه حتّي طلعت الشّمس، ثمّ قام خطيباً فخطبهم فاعترضته مردة منهم، فأقبل عليّ (عليه السلام) فقال: أبالحقّ تكذّبون، وعن القرآن تصدفون، وبآيات اللّه تجحدون؟

ثمّ رفع طرفه إلي السّماء، فقال: اللهمّ بالكلمة العظمي، والأسماء الحسني، والعزائم الكبري، والحيّ القيّوم، ومحيي الموتي، ومميت الأحياء، وربّ الأرض والسّماء، يا حرسة الجنّ ورصدة الشّياطين، وخدّام اللّه الشّرهاليّين وذوي الأرحام الطّاهرة، إهبطوا بالجمرة الّتي لا تطفأ، والشّهاب الثّاقب، والشّواظ المحرق، والنّحاس القاتل، بكهيعص والطّواسين، والحواميم، ويس، ونون، والقلم وما يسطرون، والذّاريات، والنّجم إذا هوي، والطّور وكتاب مسطور، في رقّ منشور، والبيت المعمور، والأقسام العظام، ومواقع النّجوم، لما أسرعتم الانحدار إلي المردة المتولّعين المتكبّرين، الجاحدين آثار ربّ العالمين.

قال سلمان: فأحسست بالأرض من تحتي ترتعد، وسمعت في الهواء دويّاً شديداً، ثمّ نزلت نارٌ من السّماء صعق كلّ من

رآها من الجنّ، وخرّت علي وجوهها مغشيّاً عليها، وسقطت أنا علي وجهي، فلمّا أفقت إذا دخانٌ يفور من الأرض، فصاح بهم عليّ: إرفعوا رؤوسكم فقد أهلك اللّه الظّالمين.

ثمّ عاد إلي خطبته، فقال: يا معشر الجنّ والشّياطين والغيلان، وبني شمراخ، وآل نجاح، وسكّان الآجام والرّمال والقفار، وجميع شياطين البلدان، إعلموا أنّ الأرض قد ملئت عدلاً كما كانت مملوءةً جوراً، هذا هو الحقّ فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال فأنّي تصرفون، فقالوا: آمنّا باللّه ورسوله وبرسول رسوله، فلمّا دخلنا المدينة قال النبيّ (صلي الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): ماذا صنعت؟ قال: أجابوا وأذعنوا، وقصّ عليه خبرهم فقال: لا يزالون كذلك هائبين إلي يوم القيامة.

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [2: 302 310].

طاعات الجمادات له

وروي أبو بكر بن مردويه في المناقب، وأبو إسحاق الثّعلبي في تفسيره، وأبو عبداللّه بن مندة في المعرفة، وأبو عبداللّه النّطنزي في الخصائص، والخطيب في الأربعين، وأبو أحمد الجرجاني في تاريخ جرجان، بأنّ الشّمس قد ردّت لعليّ (عليه السلام).

ولأبي بكر الورّاق كتاب طرق من روي ردّ الشّمس، ولأبي عبداللّه الجعل مصنَّف في جواز ردّ الشّمس، ولأبي القاسم الحسكاني مسألةٌ في تصحيح ردّ الشّمس، ولأبي الحسن الشّاذان كتابٌ في بيان ردّ الشّمس علي أمير المؤمنين.

قال ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 143 ط النجف و2: 316 ط ايران] ذكر أبو بكر الشّيرازي في كتابه ما نزل من القرآن في عليّ بالإسناد عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن البصري، عن اُمّ هاني حديثاً مستوفي، ثمّ قال: قال الحسن البصريّ عقيب هذا الخبر: وأنزل اللّه عزّوجلّ آيتين في ذلك، وهو قوله تعالي: (وَهُوَ الّذي جَعَلَ اللّيْلَ وَالنّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أرادَ أنْ يَذّكَرَ أوْ أرادَ شُكوراً) [الفرقان: 62] يعني: هذا يخلف هذا،

لمن أراد أن يذكر فرضاً، أو نام عليه، أو أراد شكوراً. وأنزل أيضاً: (يُكَوّرُ اللّيْلَ عَلي النّهارِ وَيُكَوّرُ النّهارَ عَلي اللَيْل) [الزمر: 5].

وذكر أنّ الشّمس رُدّت عليه مراراً، كالّذي رواهُ سلمان، ويوم البساط، ويوم الخندق، ويوم حنين، ويوم خيبر، ويوم قرقيساء، ويوم براثا، ويوم الغاضريّة، ويوم النهروان، ويوم بيعة الرّضوان، ويوم صفّين، وفي النّجف، وفي بني مازر، وبوادي العقيق، وبعد اُحد.

وروي الكليني في الكافي[4: 562]: أنّها رجعت بمسجد الفضيخ من المدينة.

وأمّا المعروف، فمرّتان في حياة النبيّ (صلي الله عليه وآله): بكراع الغميم، وبعد وفاته ببابل.

وأمّا في حالِ حياته، ما روت اُمّ سلمة، وأسماء بنت عميس، وجابر بن عبداللّه الأنصاري، وأبو ذرّ الغفاري، وابن عبّاس، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو هريرة، وجعفر الصّادق: أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) صلّي بكراع الغميم، فلمّا سلّم نزل عليه الوحي، وجاء عليّ (عليه السلام) وهو علي ذلك الحال، فأسنده إلي ظهره، فلم يزل علي تلك الحال حتّي غابت الشّمس، والقرآن ينزل علي النبيّ، فلمّا تمّ الوحي قال (صلي الله عليه وآله) يا عليّ صلّيت؟ قال: لا، وقصّ عليه، فقال النبيّ (صلي الله عليه وآله) لعليّ: اُدع ليردّ اللّه عليك الشّمس، فسأل اللّه، فردّت عليه بيضاء نقيّة.

وفي رواية أبي جعفر الطّحاوي: أنّ النبي (صلي الله عليه وآله) قال: اللّهمّ إنّ عليّاً كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشّمس، فردّت، فقام عليّ وصلّي، فلمّا فرغ من صلاته وقعت الشّمس، وبدت الكواكب.

وفي رواية أبي بكر مهرويه، قالت أسماء بنت عميس: أما واللّه لقد سمعنا لها عند غروبها صريراً كصرير المنشار في الخشب، قال: وذلك بالصّهباء في غزوة خيبر.

وروي أنّه صلّي إيماءً، فلمّا ردّت الشّمس أعاد الصّلاة بأمر رسول اللّه.

وسئل الصّاحب أن

ينشد في ذلك، فأنشأ:

لا تقبل التّوبة من تائب

إلاّ بحبّ ابن أبي طالب

أخي رسول اللّه بل صهره

والصّهر لا يعدل بالصّاحب

يا قوم من مثل عليّ وقد

ردّت عليه الشّمس من غائب

وقال المفجِّع البصري:

وعليّ إذ نال رأس رسول

اللّه من حجره وساداً وطِيّاً

إذ يخال النبيّ لمّا أتاه

الوحي مغميً عليه أو مغشيّاً

فتراخت عنه الصّلاة ولم يو

قظه إلي أن كان شخصه منحيّاً

فدعا ربّه فأنجزه الميع

اد من كان وعده مأتيّاً

قال هذا أخي بحاجة ربّي

لم يزل شطر يومه مغشيّاً

فارددالشّمس كي يصلّي في الوقت

فعاد العشيّ بعد مضيّاً

قال الحميري

ردّت عليه الشّمس لمّا فاته

وقت الصّلاة وقد دنت للمغرب

حتّي تبلج نورها في اُفقها

للعصر ثمّ هوت هويّ الكوكب

وعليه قد ردّت ببابل مرّةً

اُخري وما رُدّت لخلق معرب

إلاّ ليوشع أو له من بعده

ولردّها تأويل أمر معجب

وله أيضاً

فلمّا قضي وحي النبيّ دعا له

ولم يك صلّي العصر والشّمس تنزع

فردّت عليه الشّمس بعد غروبها

فصار لها في أوّل اللّيل مطلع

وله أيضاً:

عليّ عليه ردّت الشّمس مرّةً

بطيبة يوم الوحي بعد مغيب

وردّت له اُخري ببابل بعدما

افت وتدلّت عينها لغروب

وقال ابن حمّاد:

قرن الإله ولاءه بولائه

لمّا تزكّي وهو حان يركع

سمّاه ربّ العرش نفس محمّد

يوم البهال وذاك ما لا يدفع

فالشّمس قد ردّت عليه بخيبر

وقد ابتدت زهر الكواكب تطلع

وببابل ردّت عليه ولم يكن

واللّه خيرٌ من عليّ يوشع

وقال علي بن أحمد:

وغدير خمٍّ ليس ينكر فضله

إلاّ زنيمٌ فاجرٌ كفّار

من ذا عليه الشّمس بعد مغيبها

ردّت ببابل نبّئنّ يا حارُ

وعليه قد ردّت ليوم المصطفي

يوماً وفي هذا جرت أخبار

حاز الفضائل والمناقب كلّها

أنّي تحيط بمدحه الأشعار

وأمّا بعد وفاته (عليه السلام)، ما روي جويريّة بن مسهر، وأبو رافع، والحسين بن علي (عليهما السلام) أنّ أمير المؤمنين لمّا عبر الفرات ببابل، صلّي بنفسه في طائفة معه العصر، ثمّ لم يفرغ النّاس من عبورهم حتّي غربت الشّمس، وفاتت صّلاة العصر من

الجمهور، فتكلّموا في ذلك، فسأل اللّه تعالي ردّ الشّمس عليه، فردّها عليه، فكانت في الاُفق، فلمّا سلّم القوم غابت الشّمس، فسمع لها وجيبٌ شديدٌ هال النّاس ذلك. وأكثر التّهليل والتّسبيح والتّكبير، ومسجد الشّمس بالصّاعديّة من أرض بابل شائعٌ ذائعٌ.

وعن ابن عبّاس بطرق كثيرة أنّه لم تُردّ الشّمس إلاّ لسليمان وصيّ داود، وليوشع وصيّ موسي، ولعليّ بن أبي طالب وصيّ محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين.

قال قدامة السعدي:

ردّ الوصيّ لنا الشّمس الّتي غربت

حتّي قضينا صلاة العصر في مهل

لا أنسه حين يدعوها فتتبعه

طوعاً بتلبية هاها علي عجل

فتلك آيته فينا وحجّته

فهل له في جميع النّاس من مثل

أقسمت لا أبتغي يوماً به بدلاً

وهل يكون لنور اللّه من بدل

حسبي أبو حسن موليً أدين به

ومن به دان رسل اللّه في الأوّل

وقال العوني:

ولا تنسَ يوم الشّمس إذ رجعت له

بمنتشر وادي من النّور ممتع

فذلك بالصّهبا وقد رجعت له

ببابل أيضاً رجعة المتطوع

وقال السّروجي:

والشّمس لم تعدل بيوم بابل

ولا تعدّت أمره حين أمر

جاءت صلاة العصر والحرب علي

ساق فأومي نحوها ردّ النّظر

فلم تزل واقفة حتّي قضي

صلاته ثمّ هوت نحو المقر

وقال ابن حمّاد:

ردّت لك الشّمس في بابل

فساميت يوشع لمّا سما

ويعقوب ما كان أسباطه

كنجليك سبطي نبيّ الهدي

وقال غيره:

من لم تردّ الشّمس بعد نبيّه

إلاّ له بعد الحجاب المسدل

وببابل والقوم فرضٌ دونه

يتقارعون علي ورود المنهل

للّه معجزةٌ أتت لوليّه

بين الملا بعد النبيّ المرسل

قال ابن شهرآشوب: حدّثني ابن شيرويه الدّيلمي، وعبدوس الهمداني، والخطيب الخوارزمي من كتبهم، وأجازني جدّي الْكِيا شهرآشوب، ومحمّد الفتّال، من كتب أصحابنا، نحو: ابن قولويه، والكشّي، والعبدكي، عن سلمان، وأبي ذر، وابن عبّاس، وعلي بن أبي طالب، أنّه: لمّا فتح مكّة وانتهيا إلي هوازن، قال النبيّ (صلي الله عليه وآله): قم يا عليّ وانظر كرامتك علي اللّه، كلّم الشّمس إذا طلعت،

فقام عليّ، فقال: السّلام عليك أيّتها العبد الدّائب في طاعة ربّه، فأجابته الشّمس، وهي تقول: وعليك السّلام يا أخا رسول اللّه ووصيّه وحجّة اللّه علي خلقه.

فانكبّ عليّ ساجداً شكراً للّه تعالي، فأخذ رسول اللّه يقيمه ويمسح وجهه وقال: قمْ يا حبيبي فقد أبكيت أهل السّماء من بكائك، وباهي اللّه بك حملة عرشه، ثمّ قال: الحمد للّه الّذي فضّلني علي سائر الأنبياء، وأيّدني بوصيّي سيّد الأوصياء، ثمّ قرأ: (وَلَهُ أسْلَمَ مَنْ في السّماواتِ وَالأرْض ِ طَوْعاً وَكَرْها) الآية [آل عمران: 83].

وقال الاصفهاني:

أمّن عليه الشّمس رُدّت بعدما

كسي الظّلام معاطف الجدران

حتّي قضي ما فات من صلواته

في دبر يوم مشرق ضحيان

والنّاس من عجب رأوه وعاينوا

يترجّحون ترجّح السّكران

ثمّ انثنت لمغيبها منحطّةً

كالسّهم طار بريشه الظّهران

وقال أبو الفضل الإسكافي:

من ذا له شمس النّهار تراجعت

بعد الاُفول وقد تقضي المطلع

حتّي إذا صلّي الصّلاة لوقتها

أفلت ونجم عشا الأخيرة تطلع

في دون ذلك للأنام كفاية

من فضله ولذي البصيرة مقنع

وفي تاريخ البلاذري قال أبو سحيلة: مررت أنا وسلمان بالرّبذة علي أبي ذرّ، فقال: إنّه سيكون فتنة، فإن أدركتموها فعليكم بكتاب اللّه وعلي بن أبي طالب، فإنّي سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله(يقول: عليّ أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو يعسوب المؤمنين، وقال النبيّ: يا علي أنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظّالمين.

وعن أبي الفرج في حديث: أنّ المعلّي بن طريف، قال: ما عندكم في قوله تعالي: (وَأوْحي رَبّكَ إلي النّحْل)؟ [النحل: 68] فقال بشّار، النّحل المعهود، قال: هيهات يا أبا معاذ، النّحل بنو هاشم (يخرج من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيه شفاءٌ للنّاس) [النحل: 69] يعني العلم.

عن الرّضا (عليه السلام(في هذه الآية، قال: قال النبيّ (صلي الله عليه وآله): عليٌّ أميرها فسميّ أمير النّحل.

ويقال:

إنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) وجّه عسكراً إلي قلعة بني ثعل، فحاربهم أهل القلعة حتّي نفدت أسلحتهم، فأرسلوا إليهم كوار النّحل، فعجز عسكر النبيّ عنها، فجاء عليٌّ فذلّت النّحل له، فذلك سمّي أمير النّحل.

وروي أنّه وجد في غار نحلٌ، فلم يطيقوا به، فقصده عليٌّ وشار منه عسلاً [7] كثيراً، فسمّاه رسول اللّه أمير النّحل واليعسوب، ويُقال: هو يعسوب الآخرة. وهذا في الشّرف في أقصي ذروته، واليعسوب: ذكر النّحل وسيّدها ويتّبعه سائر النّحل.

قال أبو حنيفة الدّينوري: متي عجز اليعسوب عن الطّيران حملته النّحل حملاً، وبقيّة النّحل لا تعسل بعده، وجعل يطير في وجه الأرض. والصَّحيح: أنّه أنزل اللّه تعالي الملائكة النّحليّين، فكان (عليه السلام) أميرهم.

قال العوني:

عليٌّ أمير النّحل والنّحل جنده

فهل لك علمٌ بالأمير وبالنّحل

وقال الصاحب:

أيعسوب دين اللّه صنو نبيّه

ومن حبّه فرضٌ من اللّه واجب

مكانك من فوق الفراقد لائحٌ

ومجدك من أعلي السّماك مراقب

وسيفك في جيد الأعالي قلائد

قلائد لم يعكف عليهنّ ثاقب

وذكر ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 324] أنّه أصاب النّاس زلزلة علي عهد أبي بكر، ففزع إلي عليّ (عليه السلام) أصحابه، فقعد عليٌّ علي تلعة، وقال: كأنّكم قد هالكم، وحرّك شفتيه وضرب الأرض بيده، ثمّ قال: مالك اُسكني، فسكنت، ثمّ قال: أنا الرّجل الّذي قال اللّه تعالي: (إذا زُلْزِلَتِ الأرْض) الآية فأنا الإنسان الّذي أقول لها: مالك، يومئذ تُحَدّثُ أخْبارَها إيّاي تُحدّث.

وفي خبر آخر أنّه قال: لو كانت الزّلزلة التي ذكرها اللّه في كتابه لأجابتني، ولكنّها ليست بتلك.

وفي رواية سعيد بن المسيّب وعباية بن ربعي: أنّ عليّاً (عليه السلام) ضرب الأرض برجله، فتحرّكت، فقال: اُسكني فلم يأنِ لكِ، ثمّ قرأ: (يَوْمَئِذ تُحَدّثُ أخْبارَها).

وفيه أيضاً أنّه شكا أبو هريرة إلي أمير المؤمنين شوق أولاده، فأمره (عليه السلام)

بغضّ الطّرف، فلّما فتحها كان في المدينة في داره، فجلس فيها هنيئةً، فنظر إلي عليّ في سطحه، وهو يقول: هلمّ ننصرف، وغضّ طرفه، فوجد نفسه في الكوفة، فاستعجب أبو هريرة، فقال أمير المؤمنين: إنّ آصف أورد تختاً من مسافة شهرين بمقدار طرفة عين إلي سليمان، وأنا وصيُّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

وفيه أيضاً أنّه وجد (عليه السلام) مؤمناً لازمه منافقٌ بالدّين، فقال: اللّهمّ بحقّ محمّد وآله الطّاهرين لمّا قضيت عن عبدك هذا الدّين، ثمّ أمره بتناول حجر ومدر، فانقلبت له ذهباً أحمر فقضي دينه، وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم.

وروي جماعة عن خالد بن الوليد أنّه قال: رأيت عليّاً يسرد حلقات درعه بيده ويصلحها، فقلت: هذا كان لداود (عليه السلام)، فقال عليٌّ (عليه السلام): يا خالد بنا ألان اللّه الحديد لداود، فكيف لنا؟

وفيه أيضاً عن صالح بن كيسان، وابن رومان، رفعاه إلي جابر الأنصاري، قال: جاء العبّاس إلي عليٍّ يطالبه بميراث النبيّ (صلي الله عليه وآله)، فقال له: ما كان لرسول اللّه شيءٌ يورث إلاّ بغلته دلدل، وسيفه ذوالفقار ودرعه، وعمامته السّحاب، وأنا أربأ بك أن تطالب بما ليس لك، فقال: لا بدّ من ذلك وأنا أحقُّ عمّه ووارثه دون النّاس كلّهم.

فنهض أمير المؤمنين ومعه النّاس، حتّي دخل المسجد، ثمّ أمر بإحضار الدّرع والعمامة والسّيف والبغلة، فاُحضر، فقال للعبّاس: يا عمّ إن أطقت النّهوض بشيء منها فجميعه لك، فإنّ ميراث الأنبياء لأوصيائهم دون العالم ولأولادهم، فإن لم تطق النّهوض فلا حقّ لك فيه، قال: نعم.

فألبسه أمير المؤمنين الدّرع بيده، وألقي عليه العمامة والسّيف، ثمّ قال: إنهض بالسيف والعمامة يا عمّ، فلم يطق النّهوض، فأخذ منه وقال له: إنهض بالعمامة فإنّها آية من

نبيّنا، فأراد النّهوض فلم يقدر علي ذلك، وبقي متحيّراً، ثمّ قال له: يا عمّ هذه البغلة بالباب لي خاصّة ولولدي، فإن أطقت النّهوض وركوبها فاركبها، فخرج ومعه عدويٌّ، فقال له: يا عمّ رسول اللّه خدعك عليٌّ فيما كنت فيه، فلا تخدع نفسك في البغلة إذا وضعت رجلك في الرّكاب، فاذكر اللّه وسمّ واقرأ: (إنّ اللّه يُمْسِكُ السّماواتِ وَالأرْضَ أنْ تَزُولا).

قال فلمّا نظرت البغلة إليه مقبلاً مع العبّاس، نفرت وصاحت صياحاً ما سمعناه منها قطّ. فوقع العبّاس مغشيّاً عليه، واجتمع النّاس وأمر بإمساكها فلم يقدر عليها، ثمّ أنّ عليّاً دعا البغلة باسم ما سمعناه، فجاءت خاضعةً ذليلةً، فوضع رجله في الرّكاب ووثب عليها، فاستوي عليها راكباً، فاستدعي أن يركبا الحسن والحسين، فأمرهما بذلك، ثمّ لبس عليٌّ الدّرع والعمامة والسّيف وركبها وسار عليها إلي منزله، وهو يقول: هذا من فضل ربّي ليبلوني أأشكر أنا وهما أم تكفر أنت يا فلان.

قال الحميري:

رجلٌ حوي إرث النبيّ محمّد

قسماً له من منزل الأقسام

بوصيّة قضيت بها مخصوصة

دون الأقارب من ذوي الارحام

ولقد دعا العبّاس عند وفاته

بقبولها فأصبح بالاعدام

فحبا الوصيَّ بها فقام بحقّها

لمّا حباه بها علي الأعمام

وله أيضاً:

وارث السِّيفِ والعمامة والرّاية

مطويّةٌ وذاتِ القيود

منه والبغلة الّتي كان عليها

والحرب يلقاه يوم الوقود

وفيه أيضاً: انّ أمير المؤمنين أنفذ ميثم التّمّار في أمر، فوقف (عليه السلام) علي باب دكّانه، فأتي رجل يشتري التّمر، فأمره (عليه السلام) بوضع الدّرهم ورفع التّمر، فلّما انصرف ميثم وجد الدّرهم بهرجاً، فقال في ذلك، فقال (عليه السلام): فإذاً يكون التّمر مرّاً، فإذا هو بالمشتري رجع، وقال: هذا التمر مرّ.

وعن سهل بن حنيف في حديثه أنّه لمّا أخذ معاوية مورد الفرات، أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر أن يقول لمن علي جانب الفرات:

يقول لكم عليٌّ اعدلوا عن الماء، فلمّا قال ذلك عدلوا عنه، فورد قوم أمير المؤمنين الماءَ وأخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية، فأحضرهم وقال لهم في ذلك، فقالوا: إنّ عمرو بن العاص جاء وقال: إنّ معاوية يأمركم أن تفرّجوا عن الماء، فقال معاوية لعمرو: إنّك لتأتي أمراً ثمّ تقول ما فعلته.

فلمّا كان من غد وكّل معاوية حجل بن عتاب النّخعي في خمسة آلاف، فأنفذ أمير المؤمنين (عليه السلام) مالكاً، فنادي مثل الأوّل، فمال حجلٌ عن الشّريعة، فأورد أصحاب عليّ وأخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية، فأحضر حجلاً وقال له في ذلك، فقال له: إنّ ابنك يزيد أتاني، فقال: إنّك أمرت بالتّنحي عنه، فقال ليزيد في ذلك، فأنكر، فقال معاوية: فإذا كان غداً فلا تقبل من أحد ولو أتيتك حتّي تأخذ خاتمي.

فلمّا كان يوم الثالث أمر أمير المؤمنين لمالك مثل ذلك، فرأي حجلٌ معاوية وأخذ منه خاتمه وانصرف عن الماء، وبلغ معاوية فدعاه وقال له في ذلك، فأراه خاتمه، فضرب معاوية يده علي يده، فقال: نعم وإنّ هذا من دواهي عليّ.

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [2: 315 332].

اموره مع المرضي والموتي

وعن عبدالواحد بن زيد: كنت في الطّواف اذ رأيت جاريةً تقول لاختها: لا وحقّ المنتجب بالوصيّة، الحاكم بالسويّة، العادل في القضيّة، العالي البنية، زوج فاطمة المرضيّة ما كان كذا، فقلت: أتعرفين عليّاً؟ قالت: وكيف لا أعرف من قُتِل أبي بين يديه في يوم صفّين، وإنّه (عليه السلام) دخل علي أمّي ذات يوم، فقال لها: كيف أنتِ يا اُمَّ الأيتام؟ فقالت: بخير، ثمّ أخرجتني أنا واُختي هذه إليه، وكان قد ركبني من الجدريّ ما ذهب له بصري، فلمّا رآني تأوّه، ثمّ قال:

ما إن تأوّهت من شيء رزيت به

كما تأوّهت للأطفال في الصّغر

قد

مات والدهم من كان يكفلهم

في النّائبات وفي الأسفار والحضر

ثمّ أمرّ يده علي وجهي، فانفتحت عينيّ لوقتي، وإنّي لأنظر إلي الجمل الشّارد في اللّيلة الظّلماء.

وفي تفسير الإمام أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) [ص 446] في قوله تعالي: (قُلْ يا أيّها الَّذِينَ هَادُوا) الآية [الجمعة: 6] إنّ اليهود قالوا: يا محمّد إن كان دعاؤكم مستجاباً، فادعوا لابن رئيسنا هذا ليعافيه اللّه من البرص، فقال النبيّ (صلي الله عليه وآله): يا أبا الحسن اُدع اللّه له بالعافية، فدعا فعوفي، فصار أجمل النّاس، فشهد الشّهادتين، فقال أبوه: كان هذا وفاق صحّته، فادع عليّ، فقال: اللّهمّ ابله ببلاء ابنه، فصار في الحال أبرص أجذم أربعين سنة آيةً للعالمين.

وفيه عن الحاتمي بإسناده، عن ابن عبّاس: أنّه دخل أسود إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأقرَّ أنّه سرق، فسأله ثلاث مرّات، قال: يا أمير المؤمنين طهّرني فإنّي سرقت، فأمر (عليه السلام) بقطع يده، فاستقبله ابن الكواء، فقال: من قطع يدك؟ فقال: ليث الحجاز، وكبش العراق، ومصادم الأبطال، المنتقم من الجهّال، كريم الأصل، شريف الفضل، محل الحرمين، وارث المشعرين، أبو السبطين، أوّل السّابقين، وآخر الوصيّين، من آل يس، المؤيّد بجبرائيل، المنصور بميكائيل، الحبل المتين، المحفوظ بجند السّماء أجمعين، ذاك واللّه أمير المؤمنين، علي رغم الرّاغمين.

قال ابن الكواء: قطع يدك وتثني عليه؟؟ قال: لو قطعني إرباً إرباً ما ازددت له إلاّ حبّاً، فدخل علي أمير المؤمنين وأخبره بقصّة الأسود، فقال: يابن الكواء إنّ محبّينا لو قطعناهم إرباً إرباً ما ازدادوا لنا إلاّ حبّاً، وإنّ في أعدائنا من لو ألعقناهم السّمن والعسل ما ازدادوا لنا إلاّ بغضاً.

وقال للحسن (عليه السلام): عليك بعمّك الأسود، فأحضر الحسن الأسود إلي أمير المؤمنين وأخذ يده ونصبها في موضعها وتغطي

بردائه، وتكلّم بكلمات يخفيها فاستوت يده، وصار يقاتل بين يدي أمير المؤمنين: إلي أن استشهد بالنّهروان، ويقال كان اسم هذا الأسود أفلح. وقال المشتاق:

فقال له إنّي جنيت فحدّني

ومن بعد حدّ اللّه مولاي فاقتلني

فجزّ يمين العبد من حدّ قطعها

ومرّ بها راض علي المرتضي يُثني

فقال له تمدح لمن لك قاطعٌ

وذا عجبٌ يسري به النّاس في المدن

فقال لهم ما كان مولاي جائراً

أقام حدود الله بالعدل وأنصفني

فمرّوا بنحو المرتضي يخبرونه

فقال نعم إستبشروا شيعتي منّي

ولو أنّني قطعتهم في محبّتي

لما زال منهم بالولاء أحدٌ عني

فألزق كفَّ العبد مع عظم زنده

وعاد كأيّام الرّفاهة يستثني

ومرّ ينادي إنّني عبد حيدر

علي ذاك يحييني الإله ويقبرني

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [2: 334 336].

ومن كراماته الظاهرة بعد وفاته

وروي ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 170 ط النجف و2: 346 ط ايران] عن علي بن الجعد، عن شعبة، عن قتادة، ومجاهد عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): إنّ السماء والأرض لتبكي علي المؤمن إذا مات أربعين صباحاً، وانّها لتبكي علي العالم إذا مات أربعين شهراً، وإنّ السماء والأرض ليبكيان علي الرسول أربعين سنة، وانّ السماء والأرض ليبكيان عليك يا عليّ إذا قتلت أربعين سنة، قال ابن عبّاس: لقد قتل أمير المؤمنين علي الأرض بالكوفة، فأمطرت السّماء ثلاثة أيّام دماً.

وعن أبي حمزة، عن الصادق (عليه السلام)، وقد روي أيضاً عن سعيد بن المسيّب: أنّه لمّا قبض أمير المؤمنين لم يرفع من وجه الأرض حجرٌ إلاّ وجد تحته دمٌ عبيط.

وروي الخطيب في أربعينه، والنّسوي في تاريخه أنّه سأل عبدالملك بن مروان الزّهري: ما كانت علامة يوم قتل علي؟ قال: ما رُفع حصاةٌ من بيت المقدس إلاّ كان تحتها دمٌ عبيط، ولمّا ضرب (عليه السلام) في المسجد سُمع صوتٌ: للّه الحكم،

لا لك يا عليّ ولا لأصحابك، فلمّا توفيّ سمع في داره: (أفَمَنْ يُلْقي فِي النّارِ خَيْرٌ أمْ مَنْ يَأتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) الآية، ثمّ هتف هاتفٌ آخر: مات رسول اللّه ومات أبوكم.

وروي الصّفواني في الإحَن والمِحن والكليني في الكافي [1: 454] أنّه لمّا توفّي أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء شيخٌ يبكي، وهو يقول: اليوم انقطعت علاقة النبوّة، حتّي وقف بباب البيت الّذي فيه أمير المومنين، فأخذ بعضادتي الباب، فقال:

رحمك اللّه فلقد كنت أوّل النّاس إسلاماً، وأخلصهم إيماناً، وأشدّهم يقيناً، وأخوفهم من اللّه، وأطوعهم لنبيّ اللّه، وآمنهم علي أصحابه، وأفضلهم مناقباً، وأكثرهم سوابقاً، وأشبههم به خلقاً وخُلُقاً وسيماءً وفضلاً، وكنت أخفضهم صوتاً، وأعلاهم طوداً، وأقلّهم كلاماً، وأصوبهم منطقاً، وأشجعهم قلباً، وأحسنهم عملاً، وأقواهم يقيناً، حفظت ما ضيّعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمّرت إذ اجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا، ووقفت إذ شرعوا، وأدركت أوتار ما ظلموا، كنت علي الكافرين عذاباً واصباً، وللمؤمنين كهفاً وحصناً، كنت كالجبل الرّاسخ لا تحرّكك العواصف، كنت للطّفل كالأب الشّفيق، وللأرامل كالبعل العطوف، قسمت بالسويّة، وعدلت في الرعيّة، وأطفأت النّيران، وكسّرت الأصنام، وأذللت الأوثان، وعبدت الرّحمن، فالتفتوا فلم يروا أحداً، فسئل الحسن (عليه السلام) من كان الرّجل؟ قال: الخضر.

قال الغزالي: ذهب النّاس إلي أنّ عليّاً دفن علي النّجف، وأنّهم حملوه علي النّاقة، فسارت حتّي انتهت إلي موضع قبره فبركت، فجهدوا أن تنهض فلم تنهض، فدفنوه فيه.

وروي أبو بكر الشّيرازي في كتابه، عن الحسن البصريّ، قال: أوصي عليٌّ (عليه السلام) عند موته للحسن والحسين، وقال لهما: إن أنا متُّ فإنّكما ستجدان عند رأسي حنوطاً من الجنّة، وثلاثة أكفان من إستبرق الجنّة، فغسّلوني وحنّطوني بالحنوط وكفّنوني.

قال الحسن (عليه السلام): فوجدنا عند رأسه طبقاً من الذّهب عليه خمس

شِمامات من كافور الجنّة، وسدراً من سدر الجنّة، فلما فرغوا من غسله وتكفينه أتي البعير، فحملوه علي البعير بوصيّة منه، وكان قال: فسيأتي البعير إلي قبري، فيقف عنده، فأتي البعير حتّي وقف علي شفير القبر، فواللّه ما علم أحدٌ من حفره، فالحد فيه بعدما صلّي عليه، وأظلّت النّاس غمامةٌ بيضاء، وطيورٌ بيضٌ، فلمّا دفن ذهبت الغمامة والطّيور.

ومن طريق أهل البيت (عليهم السلام) ما جاء في تهذيب الأحكام [6: 106 107 ح3]عن سعد الإسكاف، قال: حدّثني أبو عبداللّه (عليه السلام) قال: لما اُصيب أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال للحسن والحسين (عليهما السلام): غسّلاني وكفّناني وحنّطاني واحملاني علي سريري، واحملا مؤخّره تُكفيان مقدّمه، فانّكما تنتهيان إلي قبر محفور، ولحد ملحود، ولبن موضوع، فالحداني واشرجا اللّبن عليّ، وارفعا لبنةً ممّا يلي رأسي، فانظرا ما تسمعان.

وعن منصور بن محمّد بن عيسي، عن أبيه، عن جدّه زيد بن علي، عن أبيه، عن جدّه الحسين بن عليّ في خبر طويل يذكر فيه: اُوصيكما وصيّةً، فلا تُظهرا علي أمري أحداً، فأمرهما أن يستخرجا من الزّاوية اليُمني لوحاً وأن يكفّناه فيما يجدان، فإذا غسّلاه وضعاه علي ذلك اللّوح، وإذا وجدا السّرير يشال مقدّمه فيشيلان مؤخّره، وأن يصلّي الحسن مرّةً، والحسين مرّةً صلاة إمام، ففعلا كما رسم، فوجد اللّوح، وعليه مكتوب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما ذخره نوح النبيّ (عليه السلام) لعليّ بن أبي طالب. وأصاب الكفن في دهليز الدّار موضوعاً فيه حنوطٌ قد أضاء نوره علي نور النّهار.

وروي أنّه قال الحسين للحسن (عليهما السلام) وقت الغُسل: أما تري إلي خفّة أمير المؤمنين؟ فقال الحسن: يا أبا عبداللّه إنّ معنا قوماً يعينوننا، فلمّا قضيا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدّم السرير، ولم

نزل نتّبعه إلي أن وردنا إلي الغريّ، فأتينا إلي قبر علي ما وصف أمير المؤمنين، ونحن نسمع خفق أجنحة كثيرة وضجّة وجلبة [8]، فوضعنا السّرير، وصلّينا علي أمير المؤمنين كما وصف لنا، ونزلنا قبره فأضجعناه في لحده، ونضدنا عليه اللّبن.

وفي الخبر عن الصادق (عليه السلام): فأخذ اللّبنة من عند الرّأس بعدما أشرجا عليه اللّبن، فإذا ليس في القبر شيءٌ وإذا هاتفٌ يهتف: أمير المؤمنين كان عبداً صالحاً، فألحقه اللّه بنبيّه، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتّي لو أنّ نبيّاً مات بالمشرق ومات وصيّه بالمغرب لاُلحق الوصيّ بالنبيّ.

وفي خبر عن اُمّ كلثوم بنت عليّ (عليه السلام): فأنشقّ القبر عن ضريح، فإذا هو بساجة مكتوب عليها بالسّريانيّة: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، هذا قبرٌ حفره نوحٌ لعليّ بن أبي طالب وصيّ محمّد قبل الطّوفان بسبعمائة سنة. فانشقّ القبر فلا ندري.

وعنها أيضاً رضي اللّه عنها: أنّه لمّا دفن (عليه السلام) سمع ناطقٌ يقول: أحسن اللّه لكم العزاء في سيّدكم وحجّة اللّه علي خلقه.

وفي التّهذيب [6: 112] في خبر أنّه أنفذ إسماعيل بن عيسي غلاماً له أسود شديد البأس يعرف بالجمل في ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومئة في جماعة، وقال: امضوا إلي هذا القبر الّذي قد افتتن به النّاس، ويقولون إنّه قبر عليّ حتّي تنبشون إلي قعره، فحفروا حتّي نزلوا خمسة أذرع، فبلغوا إلي موضع صُلب عجزوا عنه، فنزل الحبشيّ فضرب ضربة سُمع طنينها في البرّ، ثمّ ضرب ثانيةً وثالثةً، ثمّ صاح صيحةً وجعل يستغيث، فأخرجوه بالحبل، فإذا علي يده من أطراف أصابعه إلي ترقوته دمٌ. فحملوه علي البغل ولم يزل ينتشر من عضده وسائر شقّه الأيمن، فرجعوا إلي العبّاسي، فلمّا رآه التفت إلي القبلة وتاب من فعله وتبرّأ،

ومات الغلام من وقته، وركب في اللّيل إلي عليّ بن مصعب بن جابر، فسأله أن يعمل علي القبر صندوقاً.

ومن ذلك تسخير الجماعة اضطراراً لنقل فضائله مع ما فيها من الحجّة عليهم، حتّي إن أنكره واحدٌ، ردّ عليه صاحبه، وقال: هذا في التّواريخ والصّحاح والسّنن والجوامع والسّير والتّفاسير ممّا أجمعوا علي صحّته، فإن لم يكن في واحد يكن في آخر.

ومن جملة ذلك ما أجمعوا عليه أو روي مناقبه خلقٌ كثيرٌ منهم حتّي صار علماً ضروريّاً، كما صنّف ابن جرير الطّبري كتاب الغدير، وابن شاهين كتاب المناقب، وكتاب فضائل فاطمة (عليها السلام)، ويعقوب بن شيبة كتاب تفضيل الحسن والحسين (عليهما السلام)، ومسند أمير المؤمنين وأخباره وفضائله، والجاحظ كتاب العلوي، وكتاب فضل بني هاشم علي بني اُميّة، وأبو نعيم الأصفهاني كتاب منقبة المطهّرين في فضائل أمير المؤمنين، وما نزل في القرآن في أمير المؤمنين (عليه السلام).

وأبو المحاسن الرّؤياني كتاب الجعفريّات، والموفّق المكّي في كتاب قضايا أمير المؤمنين، وكتاب ردّ الشّمس لأمير المؤمنين، وأبو بكر محمّد بن مؤمن الشّيرازي في كتاب ما نزل من القرآن في شأن أمير المؤمنين، وأبو صالح عبدالملك المؤذّن كتاب الأربعين في فضائل الزّهراء (عليها السلام)، وأحمد بن حنبل مُسند أهل البيت، وفضائل الصّحابة.

وأبو عبداللّه محمّد بن أحمد النطنزي كتاب الخصائص العلويّة علي سائر البريّة، وابن المغازلي كتاب المناقب، وأبو القاسم البُستي كتاب المراتب، وأبو عبداللّه البصري كتاب الدّرجات، والخطيب أبو تراب كتاب الحدائق مع الكتمان والميل، وذلك خرق العادة شهد بفضائله معادوه، وأقرّ بمناقبه جاحدوه. قال الشّاعر:

شهد الأنام بفضله حتّي العدا

والفضل ما شهدت به الأعداء

وقال آخر:

يروي مناقبهم لنا أعداؤهم

لا فضل إلاّ ما رواه حسود

ومن جملة ذلك كثرة مناقبه، مع ما كانوا يدفنونها ويتوعّدون علي

روايتها، روي مسلم، والبخاري، وابن بطّة، والنّطنزي، عن عائشة في حديثها بمرض النبيّ (صلي الله عليه وآله)، فقالت في جملة ذلك: فخرج النبيّ بين رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل، ورجلٌ آخر يخطّ قدماه عاصباً رأسه. تعني عليّاً (عليه السلام).

وقال معاوية لابن عبّاس: إنّا كتبنا في الآفاق ننهي عن ذكر مناقب عليّ، فكفّ لسانك، فقال ابن عبّاس: أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال: لا، قال: أفتنهانا عن تأويله؟ قال: نعم، قال: أفنقرأه ولا نسأل؟ قال: سل عن غير أهل بيتك، قال ابن عبّاس: إنّه منزّلٌ علينا أفنسأل غيرنا؟ أتنهانا أن نعبد اللّه؟ فإذاً تهلك الاُمّة، قال معاوية: إقرأوا ولا ترووا ما أنزل اللّه فيكم (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأفْوَاهِهِمْ).

ثمّ نادي معاوية: أن برئت الذمّة ممّن روي حديثاً من مناقب عليّ، حتّي قال عبداللّه بن شدّاد اللّيثي: وددت أنّي أترك أن أحدّث بفضائل علي بن أبي طالب يوماً إلي اللّيل وإنْ عنقي ضربت، فكان المحدّث يحدّث بحديث في الفقه، أو يأتي بحديث المبارزة، فيقول: قال رجلٌ من قريش.

وكان عبدالرحمن بن أبي ليلي يقول: حدّثني رجلٌ من أصحاب رسول اللّه. وكان الحسن البصري يقول: قال أبو زينب. وسئل ابن جبير عن حامل اللّواء، فقال: كأنّك رخي البال.

وقال الشّعبي: لقد كنت أسمع خطباء بني اُميّة يسبّون عليّاً علي منابرهم، فكأنّما يُشال بضبعه إلي السّماء، وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم يكشفون عن جيفة.

وروي أن أعرابيّة في مسجد الكوفة، تقول: يا مشهوراً في السّماوات، ويا مشهوراً في الأرضين، ويا مشهوراً في الآخرة، جهدت الجبابرة والملوك علي إطفاء نورك، وإخماد ذكرك، فأبي اللّه لذكرك إلاّ علوّاً، ولنورك إلاّ ضياءً ونماءً، ولو كره المشركون، قيل: لمن تصفين؟ قالت: ذاك أمير المؤمنين، فالتفت فلم ير

أحداً.

ومن ذلك ما طبّقت الأرض بالمشاهد لأولاده، وفشت المنامات من مناقبه، فيبرئ الزّمني ويفرّج المبتلي، وما سُمع هذا لغيره (عليه السلام).

راجع: مناقب آل ابي طالب لابن شهرآشوب السروي [2: 346 352].

قضاياه في عهد النبي وفي عهد الخلفاء الثلاثة

اشاره

أمّا قضاؤه في حال حياة النبيّ، فقد روي يوسف القطّان في تفسيره عن وكيع، والثّوري، عن السّدي، قال: كنت عند عمر بن الخطّاب إذ أقبل كعب بن الأشرف، ومالك بن الصّيفي، وحيّ بن أخطب، فقالوا: إنّ في كتابكم (َجَنّةٌ عَرْضُهَا السّماواتُ وَالأرْضُ) [آل عمران: 133] إذا كان سعة جنّة واحدة كسبع سماوات وسبع أرضين، فالجنان كلّها يوم القيامة أين تكون؟ فقال عمر: لا أعلم.

فبينما هم في ذلك إذ دخل عليّ (عليه السلام)، فقال: في أيّ شيء أنتم؟ فالتفت اليهوديّ وذكر المسألة، قال (عليه السلام) لهم: خبّروني إنّ النّهار إذا أقبل اللّيل أين يكون؟ واللّيل اذا أقبل النّهار أين يكون؟ فقال له: في علم اللّه يكون، قال عليٌّ: كذلك الجنان تكون في علم اللّه، فجاء عليّ (عليه السلام) إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله) وأخبره بذلك، فنزل (فَاسْألُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) [النحل: 43 والأنبياء: 7].

وروي الواقدي والطّبري: أنّ عمير بن وائل الثّقفي أمره حنظلة بن أبي سفيان أن يدّعي علي عليّ (عليه السلام) ثمانين مثقال من الذّهب وديعة عند محمّد (صلي الله عليه وآله)، وأنّه هرب من مكّة وأنت وكيله، فإن طلب بينّة الشهود، فنحن معشر قريش نشهد عليه، وأعطوه علي ذلك مئة مثقال من الذّهب، منها قلادة عشر مثاقيل لهند.

فجاء وادّعي علي عليّ (عليه السلام) فاعتبر الودائع كلّها ورأي عليها أسامي أصحابها، ولم يكن لما ذكره عميرٌ خبراً، فنصح له نصحاً كثيراً، فقال: إنّ لي من يشهد بذلك، وهو أبو جهل،

وعكرمة، وعتبة بن أبي معيط، وأبو سفيان، وحنظلة، فقال عليّ (عليه السلام)، مكيدة تعود إلي من دبّرها، ثمّ أمر الشّهود أن يقعدوا في الكعبة، ثمّ قال لعمير: يا أخا ثقيف أخبرني الآن حين دفعت وديعتك هذه إلي رسول اللّه أيّ الأوقات كان؟ قال: ضحوة نهار فأخذها بيده ودفعها إلي عبده.

ثمّ استدعي بأبي جهل وسأل عن ذلك، قال: ما يلزمني ذلك، ثمّ استدعي بأبي سفيان وسأله، فقال: دفعها عند غروب الشّمس وأخذها من يده وتركها في كمّه، ثمّ استدعي حنظلة وسأله عن ذلك، فقال: كان عند وقت وقوف الشّمس في كبد السّماء، وتركها بين يديه إلي وقت انصرافه، ثمّ استدعي بعقبة وسأله عن ذلك، فقال: تسلّمها بيده وأنفذها في الحال إلي داره وكان وقت العصر، ثمّ استدعي بعكرمة وسأله عن ذلك، فقال: كان بزوغ الشّمس أخذها فأنفذها من ساعته إلي بيت فاطمة.

ثمّ أقبل علي عمير، وقال له: أراك قد اصفرّ لونك وتغيّرت أحوالك، قال عمير: أقول الحقّ، ولا يفلح غادرٌ. وبيت اللّه، ما كان لي عند محمّد وديعة، وإنّهما حملاني علي ذلك، وهذه دنانيرهم وعقد هند عليها اسمها مكتوبٌ.

ثمّ قال عليّ: إيتوني بالسّيف الّذي في زاوية الدّار فأخذه، وقال: أتعرفون هذا السّيف؟ فقالوا: هذا لحنظلة، فقال أبو سفيان: هذا مسروق، فقال (عليه السلام): إن كنت صادقاً في قولك فما فعل عبدك مهلع الأسود؟ قال: مضي إلي الطائف في حاجة لنا، فقال (عليه السلام): هيهات أن يعود وتراه، إبعث إليه احضره إن كنت صادقاً، فسكت ابو سفيان.

ثمّ قام (عليه السلام) في عشرة عبيد لسادات قريش، فنبشوا بقعة عرفها، فإذا فيها العبد مهلع قتيلٌ، فأمرهم بإخراجه، فأخرجوه وحملوه إلي الكعبة، فسأله النّاس عن سبب قتله، فقال (عليه السلام):

إنّ أبا سفيان وولده ضمنوا له رشوة عتقه وحثّاه علي قتلي، فكمن لي في الطّريق، ووثب عليّ ليقتلني، فضربت رأسه وأخذت سيفه، فلمّا بطلت حيلتهم أرادوا الحيلة الثّانية بعمير، فقال عمير: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه.

وعن مصعب بن سلام، عن الصّادق (عليه السلام) أنّ رجلين اختصما إلي النبيّ في بقرة قتلت حماراً، فقال (صلي الله عليه وآله): إذهبا إلي أبي بكر واسألاه عن ذلك، فلمّا سألاه، قال: بهيمة قتلت علي بهيمة لا شيء علي ربّها، فأخبر رسول اللّه، فأشار بهما إلي عمر، فقال كما قال أبو بكر، فأخبر رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) بذلك، فقال (صلي الله عليه وآله) إذهبا إلي عليّ، فكان قوله (عليه السلام): إن كانت البقرة دخلت علي الحمار في مأمنه، فعلي ربّها قيمة الحمار لصاحبه، وإن كان الحمار دخل علي البقرة في مأمنها فقتلته، فلا غرم علي صاحبها، فقال رسول اللّه: لقد قضي بينكما بقضاء اللّه.

راجع المناقب لابن شهرآشوب [2: 352 354].

قضاياه في عهد أبي بكر

منها: ما روت الخاصّة والعامّة: أنّ أبا بكر أراد أن يقيم الحدّ علي رجل شرب الخمر، فقال الرّجل: إنّي شربتها ولا علم لي بتحريمها، فارتجّ عليه، فأرسل إلي عليّ (عليه السلام) يسأله عن ذلك، فقال: مر نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به علي مجالس المهاجرين والأنصار وينشدانهم هل فيهم أحدٌ تلا عليه آية التحريم، أو أخبره بذلك عن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحدّ عليه، وإن لم يشهد أحدٌ بذلك، فاستتبه وخلّ سبيله، وكان الرّجل صادقاً في مقاله، فخلّي سبيله.

وعن أبي بصير، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، قال: أراد قوم علي عهد أبي بكر أن يبنوا

مسجداً بساحل عدن، فكان كلّما فرغوا من بنائه سقط، فعادوا إليه فسألوه، فخطب أبو بكر وسأل النّاس وناشدهم إن كان عند احد منكم علم هذا فليقل، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) احتفروا في ميمنته وميسرته في القبلة، فإنّه يظهر لكم قبران مكتوبٌ عليهما: أنا رضوي واُختي حباء متنا لا نشرك باللّه العزيز الجبّار، وهما مجرّدتان، فاغسلوهما وكفّنوهما وصلّوا عليهما وادفنوهما، ثمّ ابنوا مسجدكم، فإنّه يقوم بناؤه، ففعلوا ذلك فكان كما قال (عليه السلام).

قال ابن حمّاد:

وقال للقوم امضوا الآن فاحتفروا

أساس قبلتكم تفضوا إلي خزن

عليه لوحٌ من العقبان محتفرٌ

فيه بخطّ من الياقوت مندفن

نحن ابنتا تبّع ذي الملك من يمن

حبا ورضوي بغير الحقّ لم ندن

متنا علي ملّة التوحيد لم نك من

صلّي إلي صنم كلاّ ولا وثن

وسأله نصرانيّان: ما الفرق بين الحبّ والبغض ومعدنهما واحدٌ؟ وما الفرق بين الرّؤيا الصّادقة والرّؤيا الكاذبة ومعدنهما واحد؟ فأشار إلي عمر، فلمّا سألاه أشار إلي عليّ، فلمّا سألاه عن الحبّ والبغض، قال: إنّ اللّه تعالي خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فأسكنها الهواء، فمهما تعارف هناك اعترف هاهنا، ومهما تناكر هناك اختلف هاهنا.

ثمّ سألاه عن الحفظ والنّسيان، فقال: إن الله تعالي خلق آدم، وجعل لقلبه غاشيةً، فمهما مرّ بالقلب والغاشية منفتحة حفظ وحصي، ومهما مرّ بالقلب والغاشية منطبقة لم يحفظ ولم يحص.

ثمّ سألاه عن الرّؤيا الصّادقة والرّؤيا الكاذبة، فقال (عليه السلام): إنّ اللّه تعالي خلق الرّوح وجعل لها سلطاناً، فسلطانها النّفس، فإذا نام العبد خرج الرّوح وبقي سلطانه، فيمرّ به جيلٌ من الملائكة وجيلٌ من الجنّ، فمهما كان من الرؤيا الصّادقة فمن الملائكة، ومهما كان من الرّؤيا الكاذبة فمن الجنّ، فأسلما علي يديه وقتلا معه يوم صفّين.

وروي ابن جريج، عن الضحّاك، عن ابن

عبّاس أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) اشتري من أعرابيّ ناقةً بأربعمائة درهم، فلمّا قبض الأعرابيّ المال صاح: الدّراهم والنّاقة لي، فأقبل علي أبو بكر، فقال: إقض فيما بيني وبين الأعرابيّ، فقال: القضيّة واضحةٌ تطلب البينّة، فأقبل عمر فقال كالاوّل.

فأقبل عليّ فقال (صلي الله عليه وآله): أتقبل الشابّ المقبل؟ قال: نعم، فقال الأعرابيّ: النّاقة ناقتي والدّراهم دراهمي، فإن كان لمحمّد شيء فليقم البيّنة علي ذلك، فقال (عليه السلام): خلّ عن النّاقة وعن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ثلاث مرّات فاندفع، فضربه ضربةً، فأجمع أهل الحجاز أنّه رمي برأسه، وقال بعض أهل العراق: بل قطع منه عضواً، فقال: يا رسول اللّه نصدّقك علي الوحي ولا نصدّقك علي أربعمائة درهم.

وفي خبر عن غيره: فالتفت النبيّ إليهما، فقال: هذا حكم اللّه لا ما حكمتما به. ذكره ابن بابويه في الأمالي [ص: 90 91 طبع الاعلمي] ومن لا يحضره الفقيه [3: 108 ح 8].

وفي خبر عن الصّادق (عليه السلام): قال رسول اللّه: (صلي الله عليه وآله): يا علي أقتلت الأعرابي؟ قال: لأنّه كذّبك يا رسول اللّه، ومن كذّبك فقد حلّ دمه.

وفي كتاب الفتيا للجاحظ، وتفسير الثّعلبي: أنّه سئل أبو بكر عن قوله تعالي: (وَفاكِهَةً وَأبّاً) فقال: أيّ سماء تُظلّني، أو أيّة أرض تقلّني، أم أين أذهب، أم كيف أصنع إذا قلت في كتاب اللّه بما لم أعلم. أمّا الفاكهة، فأعرفها. وأمّا الأب، فاللّه أعلم.

وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام) أنّه بلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: إنّ الأبّ هو الكلأ والمرعي، وإنّ قوله: (وَفاكِهَةً وَأبّاً) اعتدادٌ من اللّه علي خلقه فيما غذاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم ممّا يحيي به أنفسهم.

وسأل رسول ملك الرّوم أبا بكر عن رجل

لا يرجو الجنّة، ولا يخاف النّار، ولا يخاف اللّه، ولا يركع ولا يسجد، ويأكل الميتة والدّم، ويشهد بما لا يري، ويحبّ الفتنة، ويبغض الحقّ، فلم يجبه، فقال عمر: إزددت كفراً إلي كفرك.

فاُخبر بذلك علي (عليه السلام)، فقال: هذا رجلٌ من أولياء اللّه، لا يرجو الجنّة، ولا يخاف النّار ولكن يخاف اللّه، ولا يخاف اللّه من ظلمه، وإنّما يخاف من عدله، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة، ويأكل الجراد والسّمك، ويأكل الكبد، ويحبّ المال والولد (إنّما أمْوالُكُمْ وَأوْلادُكُمْ فِتْنَة) ويشهد بالجنّة والنّار، وهو لم يرها، ويكره الموت وهو حقّ.

وفي خبر قال رسول ملك الروم: لي ما ليس للّه يعني لي صاحبةٌ وولد، ومعي ما ليس مع اللّه يعني معي ظلمٌ وجورٌ، ومعي ما لم يخلق اللّه يعني فأنا حامل القرآن، وهو غير مفتري، وأعلم ما لم يعلم اللّه يعني هو قول النّصاري أنّ عيسي ابن اللّه، وصدّق النّصاري واليهود يعني في قولهم: (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النّصاري عَلي شَيء) الآية، وكذّب الأنبياء والمرسلين يعني كذّب إخوة يوسف، حيث قالوا أكله الذئب وهم أنبياء اللّه ومرسلون إلي الصحراء، وأنا أحمد النبيّ يعني أحمده، وأنا عليّ يعني عليّ في قومي، وأنا ربّكم أرفع وأضع يعني ربّ كمّي أرفعه وأضعه.

وسأله (عليه السلام) رأس جالوت بعد ما سأل أبا بكر فلم يعرف: ما أصل الأشياء؟ فقال (عليه السلام): هو الماء، لقوله تعالي: (وَجَعَلْنا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيء حَيّ)وما جمادان تكلّما؟ فقال: هما السّماء والأرض، وما شيئان يزيدان وينقصان ولا يري الخلق ذلك؟ فقال: هما اللّيل والنّهار، وما الماء الّذي ليس من أرض ولا سماء؟ فقال: الماء الّذي بعث سليمان إلي بلقيس، وهو عرق الخيل إذا هي اُجريت في الميدان، وما

الّذي يتنفّس بلا روح؟ فقال: والصّبح إذا تنفّس، وما القبر الّذي سار بصاحبه؟ فقال: ذاك يونس لما سار به الحوت في البحر. قال ابن حمّاد:

علم الّذي قد كان أو هو كائن

والعلم فيه مقسّمٌ ومجمع

كم مشكل أعيي علي حسّاده

حتّي اذا بلغوا به وتسكّعوا

لجؤوا إليه أذلّة فأناره

حتّي غدت ظلماؤه تتقشّع

وهو الغنيّ بعلمه عن غيره

والخلق مفتقرٌ إليه أجمع

وقال غيره:

وكيف يعدله قومٌ وإن علموا

علماً وما بلغوا معشار ما علما

او كيف يعدله في الحرب معتدلٌ

قومٌ إذا نكلوا عنها مضي قدما

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [2: 356 359].

قضاياه في عهد عمر

وروي ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 181 ط النجف و2: 359 ط ايران] أنّ غلاماً طلب مال أبيه من عمر وذكر أنّ والده توفّي بالكوفة، والولد طفل بالمدينة، فصاح عليه عمر وطرده، فخرج يتظلّم منه، فلقيه عليّ (عليه السلام)، وقال: إئتوني به إلي الجامع حتّي أكشف أمره، فجيء به، فسأله عن حاله، فأخبره بخبره، فقال علي: لأحكمنّ فيكم بحكومة، حكم اللّه بها من فوق سبع سماء، وانّه لا يحكم بها إلاّ من ارتضاه لعلمه.

ثمّ استدعي بعض أصحابه، وقال: هات محفرة [9]، ثمّ قال: سيروا بنا إلي قبر والد الصبيّ، فساروا، فقال: احفروا هذا القبر وانبشوه واستخرجوا لي ضلعاً من أضلاعه، فدفعه إلي الغلام، فقال له: شمه، فلمّا شمّه انبعث الدم من منخريه، فقال (عليه السلام): إنّه ولده، فقال عمر: بانبعاث الدم تسلم إليه المال، فقال: إنّه أحقّ بالمال منك ومن سائر الخلق أجمعين. ثمّ أمر الحاضرين بشمّ الضلع، فشمّوه، فلم ينبعث الدم من واحد منهم، فأمر أن اُعيد إليه ثانية، وقال: شمّه، فلّما شمّه انبعث الدم انبعاثاً كثيراً، فقال (عليه السلام): إنّه أبوه، فسلّم إليه المال، ثمّ قال: واللّه ما كذبت ولا كذبت.

وفي روض

الجنان، عن أبي الفتوح الرازي: أنّه حضر عنده أربعون امرأة، وسألنه عن شهوة الآدمي، فقال: للرجل واحد، وللمرأة تسعة، فقلن: ما بال الرجال لهم دوام ومتعة وسراري بجزء من تسعة، ولا يجوز لهنّ إلاّ زوج واحدة من تسعة أجزاء؟ فافحم ورفع ذلك إلي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأمر أن تأتي كلّ واحدة منهنّ بقارورة من ماء، وأمرهنّ بصبّها في إجانة، ثمّ أمر كلّ واحدة منهنّ تغرف ماءها، فقلن لا يتميّز ماؤنا، فأشار (عليه السلام) أن لا يفرقن بين الأولاد وإلاّ لبطل النسب والميراث.

وفي رواية يحيي بن عقيل أنّ عمر قال: لا أبقاني اللّه بعدك يا علي.

وجاءت إمرأة إليه، فقالت:

ما تري أصلحك اللّه

وأثري لك أهلا

في فتاة ذات بعل

أصبحت تطلب بعلا

بعد إذن من أبيها

أتري ذلك حلا

فأنكر ذلك السّامعون، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أحضريني بعلك، فأحضرته، فأمره بطلاقها، ففعل ولم يحتج لنفسه بشيء، فقال (عليه السلام): إنّه عنين، فأقرّ الرجل بذلك، فأنكحها رجلاً من غير أن تقضي عدّة.

ولذلك قال أبو بكر الخوارزمي: إذا عجز الرجال عن الامتاع، فتطليق الرجال إلي النساء.

وفي إحياء علوم الدين عن الغزالي [1: 288]: أنّ عمر قبّل الحجر الأسود، ثمّ قال: إنّي لأعلم انّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت رسول اللّه يقبّلك لما قبّلتك، فقال علي (عليه السلام): بل هو يضرّ وينفع، فقال عمر: وكيف؟ قال. إنّ اللّه تعالي لمّا أخذ الميثاق علي الذريّة، كتب اللّه عليهم كتاباً، ثمّ ألقمه هذا الحجر، فهو يشهد للمؤمن بالوفاء، ويشهد علي الكافر بالجحود.

قيل: فذلك قول الناس عند الاستلام: اللهمّ إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، هذا ما رواه أبو سعيد الخدري.

وفي رواية شعبة، عن قتادة، عن أنس، فقال له علي: لا تقل ذلك،

فإنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ما فعل فعلاً، ولا سنّ سنّة إلاّ عن أمر اللّه، نزل علي حكمه، وذكر باقي الحديث.

وروي أنّ امرأتين تنازعتا علي عهده في طفل ادّعته كلّ واحدة منهما ولداً لها بغير بيّنة، فغمّ عليه وفزع فيه إلي أمير المؤمنين، فاستدعي المرأتين ووعظهما وخوّفهما، فأقامتا علي التّنازع، فقال (عليه السلام): إئتوني بمنشار، فقالتا: ما تصنع به؟ قال: أقدّه نصفين لكلّ واحدة منكما نصفه، فسكتت إحداهما، وقالت الاُخري: اللّه اللّه يا أبا الحسن إن كان لا بدّ من ذلك، فقد سمحتُ له بها، فقال (عليه السلام): اللّه أكبر، هذا ابنكِ دونها، ولو كان ابنها لرقّت عليه وأشفقت، فاعترفت الاُخري بأنّ الولد لها دونها، وهذا حكم سليمان في صغره.

وروي قيس بن الربيع، عن جابر الجعفي، عن تميم بن حزام الأسدي، أنّه دفع إلي عمر منازعة جاريتين تنازعتا في ابن وبنت، فقال: أين أبو الحسن مفرّج الكرب؟ فدعي له به فقصّ عليه القصّة، فدعي (عليه السلام) بقارورتين فوزنهما ثمّ أمر كلّ واحدة فحلبت في قارورة، ووزن القارورتين فرجحت إحداهما علي الاُخري، فقال: الابن للتي لبنها أرجح، والبنت للتي لبنها أحقّ، فقال عمر: من أين قلت ذلك يا أبا الحسن؟ فقال: لأنّ اللّه جعل للذّكر مثل حظّ الاُنثيين، وقد جعلت الأطبّاء ذلك أساساً في الاستدلال علي الذّكر والاُنثي.

وصبّت امرأة بياض البيض علي فراش ضرّتها، وقالت: قد بات عندها رجلٌ، وفتّش ثيابها فأصاب ذلك البياض، وقصّ علي عمر فهمّ أن يعاقبها، فقال أمير المؤمنين: إئتوني بماء حارّ قد اُغلي غلياناً شديداً، فلّما اُتي به أمرهم فصبّوا علي الموضع، فانشوي ذلك البياض، فرمي به إليها وقال: إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيم، امسك عليك زوجك فإنّها

حيلة تلك الّتي قذفتها، فضربها الحد.

واُتي إليه بامرأة تزوّج بها شيخٌ، فلمّا أن واقعها مات علي بطنها، فجاءت بولد، فأذاع بنوه أنّها فجرت، فأمر برجمها، فرآها أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: هل تعلمون أيّ يوم تزوّجها؟ وفي أيّ يوم واقعها؟ وكيف كان جماعه لها؟ قالوا: لا، قال: ردّوا المرأة، فلّما أن كان من الغد بعث إليها، فجاءت ومعها ولدها، ثمّ دعا أمير المؤمنين بصبيان أتراب، فقال لهم: العبوا، حتّي إذا ألهاهم اللّعب صاح بهم أمير المؤمنين، فقام الصبّيان وقام الغلام، فاتّكأ علي راحتيه، فدعا به أمير المؤمنين وورّثه من أبيه، وجلد إخوته المفترين حدّاً حدّاً، وقال: عرفت ضعف الشّيخ باتّكاء الغلام علي راحتيه حين أراد القيام.

وفي تهذيب الأحكام [6: 29] أنّه استودع رجلان امرأةً وديعةً، وقالا لها: لا تدفعيها إلي واحد حتّي نجتمع عندك، ثمّ انطلقا فغابا، فجاء أحدهما إليها، فقال: أعطيني وديعتي، فإنّ صاحبي قد مات، فأبت حتّي كثر اختلافه فأعطته، ثمّ جاء صاحبه، فقال: هاتي وديعتي، فقالت المرأة: أخذها صاحبك، وذكر أنّك قد متَّ، فارتفعا إلي عمر، فقال لها عمر: ما أراك إلاّ قد ضمنت، فقالت المرأة: إجعل عليّاً بيني وبينه، فقال عليٌّ: هذه الوديعة عندي، وقد أمرتماها أن لا تدفعها إلي واحد منكما حتّي تجتمعان عندها، فأتني بصاحبك فلم يضمّنها، وقال: إنّما أرادا أن يذهبا بمال المرأة.

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [2: 359 370].

قضاياه في عهد عثمان

روت العامّة والخاصّة: أنّ امرأةً نكحها شيخٌ كبيرٌ، فحملت، فزعم الشّيخ أنّه لم يصل إليها وأنكر حملها، فسأل عثمان المرأة: هل افتضّكِ الشّيخ؟ وكانت بكراً، فقالت: لا، فأمر بالحدّ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ للمرأة سمّين: سمّ الحيض، وسمّ البول، فلعلّ الشّيخ كان ينال منها، فسال ماؤه في

سمّ المحيض فحملت منه، فقال الرجل: قد كنت أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض، فقال أمير المؤمنين: الحمل له، والولد له، وأري عقوبته علي الإنكار له.

وفي تفسير الثعلبي، وأربعين الخطيب، وموطّأ مالك بأسانيدهم، عن بعجة بن بدر الجهني: أنّه اُتي بامرأة قد ولدت لستّة أشهر فهمّ برجمها، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك انّ اللّه تعالي يقول: (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) ثمّ قال: (وَالوَالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أرادَ أنْ يُتِمّ الرَّضاعَةَ) فحولين مدّة الرّضاع وستّة أشهر مدّة الحمل، فقال عثمان: ردّوها، ثمّ قال: ما عند عثمان بعد أن بعث إليها ترد.

وفيه: كانت يتيمة عند رجل، فتخوّفت المرأة أن يتزوّجها، فدعت بنسوة حتّي أمسكنها وأخذت عذرتها باصبعها، فلمّا قدم زوجها رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة، وأقامت البيّنة من جاراتها، فرفع ذلك إلي عثمان أو إلي عمر، فجاء بهم إلي علي (عليه السلام)، فسألها البيّنة، فقالت: جيران هؤلاء، فأخرج أمير المؤمنين السّيف من غمده، فطرحه بين يديه.

ثمّ دعا امرأة الرّجل، فأدارها بكلّ وجه، فأبت أن تزول عن قولها فردّها، ودعا بإحدي الشّهود وجثا علي ركبتيه ثمّ قال: تعرفيني أنا علي بن أبي طالب وهذا سيفي، وقد قالت امرأة الرّجل ما قالت، وأعطيتها الأمان، وإن لم تصدقيني لاُمكننّ السّيف منك، فقالت: الأمان علي الصّدق، قال (عليه السلام): فاصدقيني، فقالت: لا واللّه إنّها رأت جمالاً وهيئةً، فخافت فساد زوجها، فسقتها المسكر ودعتنا، فأمسكناها فافتضّتها باصبعها.

فقال (عليه السلام): اللّه أكبر أنا أوّل من فرّق الشّهود بعد دانيال النّبي، فألزمها حدّ القاذف وألزمهنّ جميعاً العقر، وجعل عقرها أربعمائة درهم، وأمر المرأة أن تنفي من الرّجل ويطلقها زوجها وزوّجه الجارية.

فقال عمر: يا أبا الحسن

فحدّثنا بحديث دانيال، فحكي (عليه السلام) أنّ ملكاً من ملوك بني إسرائيل كان له قاضيان، وكان لهما صديق، وكان رجلاً صالحاً، وكان له امرأة جميلة، فوجّه الملك الرّجل إلي موضع، فقال الرّجل للقاضيين، اُوصيكما بامرأتي خيراً، فقالا: نعم، فخرج الرّجل وكان القاضيان يأتيان بباب الصّديق فعشقا امرأته، فراوداها عن نفسها فأبت، فقالا: لنشهدنّ عليكِ عند الملك بالزني ثم لنرجمنّك، فقالت: إفعلا ما احببتما.

فأتيا الملك فشهدا عنده بأنّها بغت، فدخل علي الملك من ذلك أمر عظيم وقال للوزير: مالك في هذا من حيلة؟ فقال: ما عندي في هذا شيء، ثمّ خرج فإذا هو بغلمان يلعبون وفيهم دانيال، فقال دانيال: يا معشر الصّبيان تعالوا حتّي أكون أنا الملك وتكون أنت يا فلان العابدة، ويكون فلان وفلان القاضيين الشّاهدين عليها، ثمّ جمع تراباً وجعل سيفاً من قصب، ثمّ قال للصّبيان: خذوا هذا فنحّوه إلي مكان كذا وكذا، وخذوا بيد هذا إلي موضع كذا.

ثمّ دعا بأحدهما، فقال له: قل حقّاً فإن لم تقل حقّاً قتلتك بما تشهد، قال: أشهد أنّها بغت، قال: متي؟ قال: يوم كذا وكذا، قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان، قال: وأين؟ قال: موضع كذا وكذا، قال: ردّوه إلي مكانه، وهاتوا الآخر، فلمّا جاء قال له: بما تشهد؟ فقال: اشهد انّها بغت، قال: متي؟ قال: يوم كذا وكذا، قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان، قال: فأين؟ قال: في موضع كذا وكذا، فخالف صاحبه، فقال دانيال: اللّه أكبر شهدا بزور يا فلان، ناد في النّاس إنّما شهدا علي فلانة بالزّور، فاحضروا قتلهما، فذهب الوزير إلي الملك مبادراً فأخبره الخبر، فحكم الملك في القاضيين، فاختلفا فقتلهما.

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [2: 370 373].

بعض قضاياه فيما بعد بيعة العامة

عن جعفر

الصّادق، عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) في رجل أمر عبده أن يقتل رجلاً، فقال: وهل العبد عند الرّجل إلاّ كسوطه، أو كسيفه، يقتل السيّد، ويودع العبد السّجن.

قال: ولي ثلاثة قتلا، فدعوا إلي علي (عليه السلام) أمّا واحد منهم أمسك رجلاً، وأقبل الآخر فقتله، والثّالث وقف في الرّؤية يراهم، فقضي في الّذي كان في الرّؤية أن تسمل عيناه، وفي الّذي أمسك أن يسجن حتّي يموت كما أمسك، وفي الّذي قتله أن يقتل.

وعن عمّار الذّهبي، عن أبي الصّهباء، قال: قام ابن الكواء إلي عليٍّ (عليه السلام) وهو علي المنبر، وقال: إنّي وطأت دجاجة ميّتة، فخرجت منها بيضة أفآكلها؟ قال: لا، قال ابن الكواء: فإن استحضنتها فخرج منها فرخ أفآكله؟ قال: نعم، قال: فكيف؟ قال: لأنّه حيّ خرج من ميت، وتلك ميتة خرجت من ميتة.

عن الحسن بن علي العبدي، عن سعد بن طريف، عن شريح: أنّ امرأة أتت إليه، فقالت: إنّ لي ما للرّجال وما للنّساء، فقال: إنّ أمير المؤمنين يقضي علي المبال، قالت: فإنّي أبول بهما وينقطعان معاً، فاستعجب شريح، قالت: وأعجب من هذا: جامعني زوجي فولدت منه، وجامعت جاريتي فولدت منّي.

فضرب شريح إحدي يديه علي الاُخري متعجّباً، ثمّ جاء إلي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقالت: هو كما ذكر، فقال لها: فمن زوجك؟ قالت: فلان بن فلان، فبعث إليه فدعاه وسأله عمّا قالت، قال: هو كذلك، فقال له (عليه السلام): لأنت أجري من صائد الأسد حين تقدم عليها بهذه الحال.

ثمّ قال: يا قنبر اُدخل مع أربع نسوة فعدّ أضلاعها، فقال زوجها: لا آمن عليها رجلاً ولا أأتمن عليها امرأة، فأمر دينار الخصيّ أن يشدّ عليه ثياباً وأخلاه في بيت، ثمّ ولجه وأمره بعدّ أضلاعها، فكانت من الجانب

الأيمن ثمانية، ومن الجانب الأيسر سبعة، فلبّسها ثياب الرّجال، وألحقها بهم، فقال الزّوج: يا أمير المؤمنين ابنة عمّي قد ولدت منّي تلحقها بالرّجال؟ فقال: إنّي حكمت فيها بحكم اللّه، إنّ اللّه تعالي خلق حوّاء من ضلع آدم الأيسر الأقصي، فأضلاع الرّجال تنقص، وأضلاع النّساء تمام.

وروي بعض أهل النّقل أن أمير المؤمنين أمر عدلين أن يحضرا بيتاً خالياً، وأحضر الشّخص معهما، وأمر بنصب مرآتين إحداهما مقابلة لفرج الشّخص، والاُخري مقابلة للمرأة الاُخري، وأمر الشخص أن يكشف عن عورته في مقابلة المرآة حيث لا يراه العدلان، وأمر العدلين بالنّظر في المرآة المقابلة لها، فلمّا تحقّق العدلان صحّة ما ادّعاه الشّخص من الفرجين، اُعتبر حاله بعدّ أضلاعه.

وفي كتاب التّهذيب [9: 74] في خبر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه لمّا نهي عن أكل الطّحال، قال قصّاب: يا أمير المؤمنين ما الكبد والطّحال إلاّ سواء، فقال له: كذبت يالكع إئتني بتور من ماء اُنبئك بخلاف ما بينهما، فأتي بكبد وطحال وتور من ماء، فقال: شقّ الكبد من وسطه، والطّحال من وسطه، ثمّ رماها في الماء جميعاً، فابيضت الكبد ولم ينقص منه شيء، ولم يبيضّ الطّحال، وخرج ما فيه كلّه وصار دماً كلّه وبقي جلداً وعروقاً، فقال له: هذا خلاف ما بينهما، هذا لحم وهذا دم.

وروي أبو جعفر القمّي في كتابه فيمن لا يحضره الفقيه [3: 24] والكليني في الكافي [7: 372] والطّوسي في التّهذيب [6: 316] وابن فيّاض في شرح الاخبار: أنّه (عليه السلام) قال: إنّي أحكم بحكم داود (عليه السلام)، ونظر في وجوههم، ثمّ قال: ما تظنّون؟ تظنّون انّي لا أعلم بما صنعتم بأبي هذا الفتي؟ إنّي إذاً لقليل العلم، ثمّ فرّق بينهم، ودعا واحداً واحداً، يقول اخبرني

ولا ترفع صوتك، وسأله عن ذهابهم، ونزولهم، وعامهم، وشهرهم، ويومهم، ومرض الرّجل، وموته، وغسله، وتكفينه، والصّلاة عليه، ودفنه، وموضع قبره.

وأمر عبداللّه بن أبي رافع بكتابة قوله، فلمّا كتب كبّر وكبّر النّاس معه، فظنّ الآخر أنّه أخبرهم بذلك، ثمّ أمر بردّ الرّجل إلي مكانه، ودعا بآخر عمّا سأل الأوّل، فخالفه في الكلام كلّه، فكبّر أيضاً، ثمّ دعا بثالث، ثمّ برابع، فكان يتلجلج فوعظه وخوّفه، فاعترف أنّهم قتلوا الرّجل وأخذوا ماله، وأنّهم دفنوه في موضع كذا بالقرب من الكوفة.

فكان يستدعي بعد ذلك واحداً واحداً، ويقول: اُصدقني عن حالك، وإلاّ نكلت بك، فقد وضح لي الحقّ في قضيّتكم، فيعترف الرّجل مثل صاحبه، فأمر بردّ المال وإنهاك العقوبة، وعفا الشّابّ عن دمائهم.

فسألوه عن حكم داود، فقال (عليه السلام): انّ داود (عليه السلام) مرّ بغلمان يلعبون وينادون واحداً منهم أي مات الدّين فقال داود: ومن سمّاك بهذا الإسم؟ قال اُمّي، قال: انطلق بنا إلي اُمّك، فقال: يا أمة اللّه ما اسم ابنكِ هذا؟ وما كان سبب ذلك؟ قالت: إنّ أباه خرج في سفر له ومعه قوم وأنا حامل بهذا الغلام.

فانصرف قومي ولم ينصرف زوجي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، وسألتهم عن ماله، فقالوا: ما ترك مالاً، فقلت لهم: أوصاكم بوصيّة؟ قالوا: نعم، زعم انّك حبلي وإن ولدت جاريةً او غلاماً فسمّيه: مات الدّين، فسميّته كما وصّي، فقال لها: فهل تعرفين القوم؟ قالت: نعم، قال: انطلقي معي إلي هؤلاء، فاستخرجهم من منازلهم، فلمّا حضروا حكم فيهم بهذه الحكومة، فثبت عليهم الدّم، واستخرج منهم المال، ثمّ قال: يا أمة اللّه سمّي ابنك هذا عاش الدّين.

وفيه عن ابن المسيّب: أنّه كتب معاوية إلي أبي موسي الأشعري يسأله أن يسأل عليّاً عن رجل يجد مع

امراته رجلاً يفجر بها فقتله، ما الّذي يجب عليه؟ قال: إن كان الزّاني محصناً، فلا شيء علي قاتله؛ لأنّه قتل من يجب عليه القتل.

وفيه أيضاً: أنّه أنفذ رجل غلاماً مع ابنه الي الكوفة، فتخاصما، فضربه الابن، فنكل عنه الغلام، وسبّه حتّي ادّعي أنّه مملوكه، فتحا كما إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لقنبر: اثقب في الحائط ثقبين، ثمّ قال لاحدهما: ادخل رأسك في هذا الثّقب، ثمّ قال: يا قنبر عليّ بالسّيف سيف رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، عجّل إضرب رقبة العبد منهما، قال: فأخرج الغلام رأسه مبادراً، ومكث الآخر في الثّقب، فأدّب الغلام علي ما صنع، ثمّ ردّه إلي مولاه، وقال: لئن عدت لأقطعنّ يدك.

وفيه روي عن الصّادق (عليه السلام): أنّه تزوّج رجل من الأنصار امرأةً علي عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلمّا كان ليلة البناء بها عمدت المرأة إلي رجل صديق لها فأدخلته الحجلة، فلمّا دخل الزّوج يباضع أهله ثأر الصّديق واقتتلا في البيت، فقتل الزّوج الصّديق، وقامت المرأة فضربت الزّوج ضربةً فقتلته بالصديق، فقال (عليه السلام): تضمن المرأة دية الصّديق، وتقتل بالزّوج.

وحكم (عليه السلام) في وصيّة بجزء من مال أنّه السّبع، من قوله تعالي: (لِكُلّ بَاب مِنْهُمْ جُزء مَقْسُوم) [الحجر: 44] وفي وصيّة بسهم أنّه الثُّمن، من قوله تعالي: (إنَّما الصَّدَقَاتُ) الآية [التوبة: 60].

وفي قول واحد: اعتق عنّي كلّ عبد قديم في ملكي، فقال (عليه السلام): أن يعتق ما في ملكه ستّة أشهر، من قوله تعالي: (وَالْقَمرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) الآية [يس: 39]وفي نذر حين، أن يصوم ستّة أشهر، من قوله تعالي: (تُؤْتي اُكُلَهَا كُلَّ حِيْن) الآية [ابراهيم: 25].

وفيه أيضاً أنّه: كتب ملك الرّوم إلي معاوية يسأله عن خصال، فكان فيما سأله: أخبرني

عن لا شيء، فتحيّر، فقال عمرو بن العاص: وجّه فرساً فارها إلي معسكر عليّ ليباع. فاذا قيل للّذي هو معه بكم؟ يقول: بلا شيء، فعسي أن تخرج المسألة، فجاء الرّجل الي عسكر عليّ، إذ مرّ به عليّ ومعه قنبر، فقال: يا قنبر ساومه، فقال: بكم الفرس؟ قال بلا شيء. فقام الامام (عليه السلام): يا قنبر خذ منه، قال: أعطني لا شيء، فأخرجه الي الصّحراء وأراه السّراب، فقال: ذلك لا شيء، قال: إذهب فخبّره، قال: وكيف قلت؟ قال: أما سمعت بقول اللّه تعالي: (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حتّي إذَا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور: 39].

وسأله (عليه السلام)، ابن الكواء: كم بين السّماء والأرض؟ فقال (عليه السلام): لحظة للدّعوة المستجابة. قال: وما طعم الماء؟ قال: طعم الحياة. وكم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشّمس. وما أخوان ولدا في يوم وماتا في يوم، وعمر أحدهما مئة وخمسون سنة، وعمر الآخر خمسون سنة. فقال (عليه السلام): عزير وعزرة أخوه، لأنّ عزيراً أماته اللّه مئة عام ثمّ بعثه.

وعن بقعة ما طلعت عليها الشّمس الاّ لحظةً واحدةً؟ فقال (عليه السلام): ذلك البحر الّذي فلقه اللّه لبني إسرائيل. وعن إنسان يأكل ويشرب ولا يتغوّط؟ قال (عليه السلام): ذلك هو الجنين، وعن شيء شرب وهو حيّ وأكل وهو ميّت؟ قال (عليه السلام): ذلك عصا موسي، شربت وهي في شجرتها غضّةً، وأكلت لمّا التقفت حبال السّحرة وعصيّهم.

وعن بقعة علت علي الماء في أيّام طوفان؟ فقال (عليه السلام): ذلك موضع الكعبة؛ لأنّها كانت ربوةً. وعن مكذوب عليه ليس من الجنّ ولا من الإنس؟ فقال: ذلك الذّئب، إذ كذب عليه إخوة يوسف.

وعن من اُوحي اليه ليس من الجنّ ولا من الإنس؟ فقال (عليه السلام): وأوحي ربّك

الي النّحل.

وعن أطهر بقعة علي وجه الأرض لا تجوز الصّلاة عليها؟ فقال: ذلك ظهر الكعبة. وعن رسول ليس من الجنّ والإنس ولا من الملائكة والشّياطين؟ فقال: ذلك الهدهد، قال سليمان: إذهب بكتابي هذا.

وعن مبعوث ليس من الجنّ والإنس ولا من الملائكة والشّياطين؟ فقال (عليه السلام): ذلك الغراب، فبعث اللّه غُراباً. وعن نفس في نفس ليس بينهما قرابة ولا رحم؟ فقال (عليه السلام): ذلك يونس النّبيّ في بطن الحوت.

ومتي القيامة؟ قال: عند حضور المنية وبلوغ الأجل. وما عصا موسي؟ فقال (عليه السلام): كان يقال لها: الاُربية، وكان من عوسج طولها سبعة أذرع بذراع موسي، وكانت من الجنّة أنزلها جبرئيل علي شعيب.

وسئل (عليه السلام): كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت وأنا الصّدّيق الأوّل، والفاروق الأعظم، وأنا وصيّ خير البشر، وأنا الأوّل وأنا الآخر. وأنا الباطن وأنا الظّاهر، وأنا بكلّ شيء عليم، وأنا عين اللّه، وأنا جنب اللّه، وأنا أمين اللّه علي المرسلين، بنا عُبداللّه، ونحن خزّان اللّه في أرضه وسمائه، وأنا اُحيي واُميت، وأنا حيّ لا أموت.

فتعجّب الأعرابيّ من قوله، فقال (عليه السلام): أنا الاوّل: أوّل من آمن برسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، وأنا الآخر، آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده، وأنا الظّاهر: فظاهر الإسلام، وأنا الباطن: بطين من العلم، وأنا بكلّ شيء عليم: فانّي عليم بكلّ شيء أخبره اللّه به نبيّه فأخبرني به.

فأمّا عين اللّه: فأنا عينه علي المؤمنين والكفرة، وأمّا جنب اللّه، فأن تقول نفس يا حسرتا علي ما فرّطت في جنب اللّه، ومن فرّط فيّ فقد فرّط في اللّه، ولم يخبر لنبيٍّ نبوّة حتي يأخذ خاتماً من محمّد، فلذلك سمّي خاتم النّبيّين، ومحمّد سيّد النّبيّين، فأنا سيّد الوصيّين.

وأمّا خزّان اللّه في أرضه، فقد

علّمنا ما علمنا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) بقول وصدق، وأنا اُحيي: اُحيي سنّة رسول اللّه، وأنا اُميت: اُميت البدعة، وأنا حيّ لا أموت، لقوله تعالي: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ قُتِلُوْا في سَبِيلِ اللّهِ أمْواتاً بَلْ أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُون)[آل عمران: 169].

قال العبدي:

لك قال النّبيّ هذا عليّ

أوّل آخر سميع عليم

ظاهر باطن كما قالت الشمس

جهاراً وقولها مكتوم

وقال محمد بن أبي نعمان:

جسد طهّره ربّ البرايا

واجتباه واصطفاه من عليّ

وارتضاه وحباه لمعان

لطفت عن كلّ معنيً معنويّ

وصفيّ ووصيّ وإمام

عادل بعد النّبيّ

وهو في الباطن من

مكنون سرّ أوحديّ

أوّل في الكون من قبل البرايا

آخر في الآخريّ

فهو في الظّاهر شخص بشريّ

ناطق من جسم ربّ آدميّ

وهو في الباطن جسم ملكيّ

أبطحيّ قرشيّ هاشميّ ووليّ

قال الزاهي:

وهو لكلّ الأوصياء آخر

يضبطه التّوحيد في الخلق انضبط

باطن علم الغيب والظّاهر في

كشف الإشارات وقطب المغتبط

محيي بحدّي سيفه الدّين كما

أمات ما أبدع أرباب اللّغط

ومن بعض ما قاله (عليه السلام): أنا دحوت أرضها، وأنشأت جبالها، وفجّرت عيونها، وشققت أنهارها، وغرست أشجارها، وأطعمت ثمارها، وأنشأت سحابها، وأسمعت رعدها، ونوّرت برقها، وأضحيت شمسها، وأطلعت قمرها، وأنزلت قطرها، ونصبت نجومها، وأنا البحر القمقام الزّاخر، وسكنت أطوادها، وأنشأت جواري الفلك فيها، وأشرقت شمسها، وأنا جنب اللّه وكلمته، وقلب اللّه وبابه الّذي يؤتي منه، اُدخلوا الباب سجّداً، أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين، وبي وعلي يديّ تقوم السّاعة، وفيّ يرتاب المبطلون، وأنا الأوّل والآخر، والظاهر والباطن، وأنا بكلّ شيء عليم.

شرح ذلك عن الباقر (عليه السلام): أنا دحوت أرضها، يعني: أنا وذرّيتي الأرض الّتي يسكن إليها، وأنا أرسيت جبالها، يعني: الأئمّة ذرّيتي هم الجبال الرّواكد التي لا تقوم الارض إلاّ بهم. وفجّرت عيونها، يعني: العلم الّذي ثبت في قلبه وجري علي لسانه. وشققت أنهارها، يعني: منه انشعب الّذي من تمسّك بها

نجا. وأنا غرست أشجارها، يعني: الذّريّة الطّيّبة، وأطعمت أثمارها، يعني: أعمالهم الزّكيّة.

وأنا أنشأت سحابها، يعني: ظلّ من استظلّ ببنائها، وأنا أنزلت قطرها، يعني: حياةً ورحمةً. وأنا أسمعت رعدها، يعني: لمّا يسمع من الحكمة. ونوّرت برقها، يعني: بنا استنارت البلاد. وأضحيت شمسها، يعني: القائم منّا نور علي نور ساطع، وأطلعت قمرها، يعني: المهديّ من ذرّيّتي. وأنا نصبت نجومها، يعني: يهتدي بنا ويستضاء بنورنا.

وأنا البحر القمقام الزّاخر، يعني: أنا إمام الاُمّة، وعالم العلماء، وحكم الحكماء، وقادة القادة، يفيض علمي ثمّ يعود إليّ، كما أنّ البحر يفيض ماؤه علي ظهر الأرض ثمّ يعود إليه باذن اللّه، وأنشأت جواري الفلك فيها، يعني: أعلام الخير وأئمّة الهدي منّي. وسكّنت أطوادها، يعني: فقأت عين الفتنة، وأقتل اُصول الضّلالة، وأنا جنب اللّه وكلمته، وأنا قلب اللّه يعني: سراج علم اللّه، وأنا باب اللّه من توجّه بي إلي اللّه غفر اللّه له.

راجع: مناقب ابن شهرآشوب [2: 374 387].

الآيات المنزلة فيهم

وقال ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 240 ط النجف و 1: 280 ط ايران]: تظاهرت الرّوايات عن النّبي (صلي الله عليه وآله) في قوله تعالي: (اَللّهُ نُوْرُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ)[النور: 35]أنّه قال: يا علي النّور: اسمي، والمشكاة: أنت يا علي، والمصباح: الحسن والحسين، الزّجاجة: علي بن الحسين، كأنّها كوكب درّيّ: محمّد بن علي، يوقد من شجرة: جعفر بن محمّد، مباركة: موسي بن جعفر، زيتونة: علي بن موسي، لا شرقيّة: محمّد بن علي، ولا غربيّة: علي بن محمّد، يكاد زيتها: الحسن بن علي، يضيء: القائم المهديّ.

وفيه نقلاً عن كتاب التّوحيد [ص 152] عن ابن بابويه باسناده عن الباقر (عليه السلام) في قوله: (كشمِشْكَاة فِيْهَا مِصْبَاح) قال: نور العلم في صدر النّبيّ (صلي الله عليه وآله). (المصباح في

زجاجة الزّجاجة) صدر علي. صار علم النّبيّ إلي صدر علي، علّم النّبيّ عليّاً (يوقد من شجرة مباركة) نور العلم (لا شرقية ولا غربيّة)لا يهوديّة ولا نصر4انيّة (يَكادُ زيْتُها يُضيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) قال: يكاد العالم من آل محمّد يتكلّم بالعلم قبل أن يسأل (نُورٌ عَلي نُور) أي: إمام مؤيّد بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمّد.

وذلك من لدن آدم إلي أن تقوم السّاعة، فهؤلاء الأوصياء الّذين جعلهم اللّه خلفاءه في أرضه، وحججه علي خلقه، لا تخلو الأرض في كلّ عصر من واحد منهم.

وقالوا: الشّجرة الرّضوان والبيعة للنّبيّ (صلي الله عليه وآله) وللصّحابة، لقد رضي اللّه عن المؤمنين، وشجرة النّور والمباركة هي: الأئمّة الإثنا عشر، يوقد من شجرة «الآية».

والشّجرة الملعونة: هم بنو اُميّة، كما صرّح بذلك الباقر وابن المسيّب، وذكره المفسّرون في تفاسيرهم عند قوله تعالي: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الّتِي أرَيْنَاكَ الاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآن) [الأسراء: 60] كما أسلفنا شرحه في مجلّدنا الأوّل.

قال الزّاهي:

فهم في الكتاب زيتونة النّور

وفيها من غير نار وقود

وهم النّخل باسقات كما قال

سوار لهنّ طلع ونضيد

وبأسمائهم إذا ذُكر اللّه

بأسمائه اقتران وكيد

وقال الحميري:

غرست نخيلاً من سلالة آدم

شرفاً فطاب بفخر طيب المولد

زيتونة طلعت فلا شرقيّة

تلقي ولا غربيّة في المحتد

ما زال يشرق نورها من زيتها

فوق السّهول وفوق صمّ الجلمد

وسراجها الوهّاج أحمد والّذي

يهدي إلي نهج الطّريق الأزهد

وقال أيضا:

الفجر فجر الصّبح والعشر عشر

الفجر والشّفع النّجيّان

محمّد وابن أبي طالب

والوتر ربّ العزّة الثّاني

مقاتل فسّر هذا كذي

تفسير ذي صدق وإيمان

أعني ابن عبّاس وكان امرأً

صاحب تفسير وتبيان

وعن جابر الجعفي عنه (عليه السلام) في تفسير قوله: (وَالْفَجْرِ، وَلَيَال عَشْر) يا جابر والفجر: جدّي، وليال عشر: عشرة أئمّة، والشّفع: أمير المؤمنين: والوتر اسم القائم المهدي.

قال ابن الحجّاج:

أقسمت بالشّفع

وبالوتر

والنّجم واللّيل إذا يسري

إنّي امرؤ قد ضقت ذرعاً بما

أطوي من الهمّ علي صدري

وعن الرّضا (عليه السلام) في تفسير قوله: (اَللّهُ نُورُ السّمواتِ وَالأرْضِ) قال: هدي من في السّماوات وهدي من في الأرض.

وفي رواية: هاد لأهل السّماوات، وهاد لأهل الأرض.

وقال الصّادق (عليه السلام): هو مثل ضربه اللّه لنا، ويقال، أي مزيّنهما.

وذكر صاحب مصباح الواعظ: أنّ اللّه تعالي زيّن كلّ شيء بإثني عشر شيئاً: السّماء بالبروج (وَزَيّنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا) [فصّلت: 12] والسّنة بالشّهور (إن عِدَّةَ الشَّهُورِ عِنْدَ اللّه) [التوبة: 36] والبحار بالجزائر وهي اثنا عشر، والارض بمكان الأئمّة من أولاد عليّ وفاطمة.

للحديث المرويّ عن زيد الرّقاشي، عن أنس، قال: صلّي بنا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) صلاة الفجر، ولمّا انفتل من الصّلاة أقبل علينا بوجهه الكريم، فقال: يا معشر النّاس من افتقد الشّمس، فليستمسك بالقمر، ومن افتقد القمر فليستمسك بالزهرة، ومن افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين، فسئل عن ذلك، فقال: أنا الشّمس، وعليّ القمر، وفاطمة الزّهرة، والحسن والحسين الفرقدان، ذكره النّطنزي في الخصائص.

وقال ابن شهرآشوب: وفي روايتنا روي القاسم، عن سلمان: فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنّجوم الزّاهرة، ثمّ قال: وأمّا النّجوم الزّاهرة، فهم الأئمّة التّسعة من صلب الحسين، والتّاسع مهديّهم، وقد سمّي اللّه في كتابه العزيز ثلاثة عشر شيئاً نوراً، وذلك:

النور الأوّل يعني: نفسه، وذلك في قوله: (اللّه نُورُ السَّمواتِ والأرْضِ)[النور: 35].

النور الثاني يعني: نبيّه محمداً، (صلي الله عليه وآله) في قوله: (قَدْ جَاءكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ)[المائدة: 15].

النور الثالث يعني: وليّه عليّ بن أبي طالب، في قوله: (نُورٌ علي نُور)[النور: 35].

النور الرابع يعني: الأئمّة الاثني عشر، في قوله: (يُريْدُوْنَ أنْ يُطفئوا نُورَ اللّهِ) [التوبة: 32] لما لاقوا من النكد والنكال والقتل وأنواع العذاب وغير ذلك من المظالم،

من قبل الملوك وأرباب السّلطات.

النور الخامس يعني: الايمان، في قوله: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة) [النور: 35].

النور السادس يعني: النّهار، في قوله: (وَجَعَلَ الظلمَاتِ وَالنُّورَ)[الانعام: 1].

النور السّابع يعني: القمر، كقوله تعالي: (وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً)[نوح: 16].

النور الثامن يعني: السّعادة، كقوله تعالي: (يَسْعَي نُورُهُمْ) [الحديد: 12].

النور التاسع يعني: النّار، كقوله تعالي: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذي) [البقرة: 17].

النور العاشر يعني: الطّاعة، كقوله تعالي: (ليُخرجكم مِن الظّلُمَاتِ الي النُّور) [الأحزاب: 43].

النور الحادي عشر يعني: التّوراة، كقوله تعالي: (إنّا اَنْزَلْنَا التوراةَ فيها هديً) [المائدة: 44].

النور الثاني عشر يعني: القرآن، كقوله تعالي: (وَاتَّبِعُوا النُّورَ الَّذي)[الأعراف: 157].

النور الثالث عشر يعني: العدل، كقوله تعالي: (وَاَشْرَقَتِ الاَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا)[الزمر: 69].

وعن جابر الجعفي في تفسيره، عن جابر الأنصاري، قال: سألت النّبيّ (صلي الله عليه وآله) عن قوله تعالي: (يا أيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا أطيعُوا اللّهَ وأطيعُوْا الرَّسول) [النساء: 59]عرفنا اللّه ورسوله، فمن اُولو الأمر؟ قال: هم خلفائي يا جابر وأئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي المعروف في التّوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه منّي السّلام، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسي بن جعفر، ثمّ علي بن موسي، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ سميّي وكنيتي حجّة اللّه في أرضه وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن علي، الذي يفتح اللّه علي يده مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته غيبة لا يثبت علي القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه بالإيمان.

وعن أبي بصير عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية، قال: الأئمّة من ولد علي وفاطمة إلي أن تقوم السّاعة.

قال العوني:

نصّ علي ستٍّ

وستٍّ بعده

كلّ إمام راشد برهانه

صلّي عليه ذو العلي ولم يزل

يغشاه منه أبداً رضوانه

وعن جابر بن يزيد الجعفي، عن الباقر (عليه السلام)، في خبر طويل في قوله تعالي: (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلّ اُنَاس مَشْرَبَهُمْ)الآية [البقرة: 60] فقال: إنّ قوم موسي لمّا شكوا إليه الجدب والعطش، استسقوا موسي، فاستسقي لهم، فسمعتُ ما قال اللّه له، ومثل ذلك جاء المؤمنون إلي جدّي رسول اللّه، قالوا: يا رسول اللّه تُعرّفنا مَن الأئمّة بعدك؟

فقال وساق الحديث إلي قوله: فإنّك إذا زوّجت عليّاً من فاطمة خلفت منها أحد عشر إماماً من صلب عليٍّ، يكونون مع علي إثنا عشر إماماً، كلّهم هداة لاُمّتك يهتدون بهم كلّ اُمّة بامام منهم، ويعلمون كما علم قوم موسي شربهم، قوله: (وَاِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبيِّينَ مِيْثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوح) [الأحزاب: 7] (وَإذْ اَخَذَ اللّهُ مِيْثَاق النَّبيِّينَ) [آل عمران: 81] (وَلقدْ أخَذَ اللهُ ميْثَاقَ بَني اِسْرائِيْلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُم اثْنَيْ عَشَرَ نَقيباً) [المائدة: 12].

وفيه عن قيس بن أبي حازم، عن اُمّ سلمة، قالت: قال رسول اللّه في قوله: (اُولئِكَ الَّذيْنَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبيّين): أنا (والصّدّيقين) علي (والشّهداء)الحسن والحسين (والصّالحين) حمزة (وحسن اُولئك رفيقاً)[النساء: 69]الأئمّة الإثنا عشر بعدي.

وعن الباقر (عليه السلام) في قوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ) المراد بالأنبياء المصطفي، وبالصّدّيقين المرتضي، وبالشّهداء الحسن والحسين، وبالصّادقين تسعة من أولاد الحسين، وحسن اُولئك رفيقاً: المهدي.

وفي كتاب النّبوّة عن ابن بابويه، بإسناده عن المفضّل بن عمر، قال: سألت الصّادق عن قوله تعالي: (وَاِذ ابْتَلَي إبْرَاهيْمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات) ما هذه الكلمات؟ قال: الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه وهو أنّه قال: يا ربّ أسألك بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، إلاّ تبت

عليَّ، فتاب اللّه عليه إنّه هو التوّاب الرّحيم، فقلت ما يعني بقوله (فَأَتَمَّهُنَّ) [البقرة: 124] قال: أتمهنّ إلي القائم إثني عشر إماماً.

وفيه عن الباقر والصّادق (عليهما السلام) في قوله: (والشَّمْسِ وضُحَاهَا) قالا: هو رسول اللّه (وَالْقَمَرِ إذَا تَلاَهَا) علي بن أبي طالب (وَالنَّهَارِ إذا جَلاَّهَا) الحسن والحسين وآل محمّد، قالا: (وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَاهَا) عتيق وابن صهّاك وبنو اُميّة ومن تولاّهما.

وفي الكافي [8: 50] قال الصّادق (عليه السلام): الشّمس رسول اللّه به أوضح اللّه عزّ وجلّ للنّاس دينهم، (وَالقَمَرِ إذَا تَلاهَا) ذاك أمير المؤمنين تلا رسول اللّه ونقبه بالعلم نقباً (وَاللَّيْلِ إذَا يَغَشاهَا) ذاك أئمّة الجور الّذين استبدّوا بالأمر دون الرّسول، وجلسوا مجلساً كان الرّسول أولي به منهم، فغشّوا دين اللّه بالظّلم والجور، فحكي اللّه فعلهم، فقال: واللّيل إذا يَغْشَاهَا (والنَّهَارِ اِذَا جَلاَّهَا) ذاك الإمام من ذريّة فاطمة يُسأل عن دين اللّه، فحكي اللّه عزّ وجلّ قوله، فقال: (وَالنَّهَارِ إذَا جَلاَّهَا).

وفي كتاب كشف الحيرة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ اللّه أنزل في سورة الحجّ: (يَا أَيُّهَا الذِيْنَ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) الآية [الحج: 77]، فقام سلمان فقال: يا رسول اللّه من هؤلاء الّذين أنت عليهم شهيد؟ وهم الشّهداء علي النّاس، الذّين اجتباهم اللّه ولم يجعل عليهم في الدّين من حرج ملّة إبراهيم؟ قال النّبيّ: عني بذلك ثلاثة عشر رجلاً خاصّة، دون هذه الاُمّة، قال سلمان: بيّنهم لنا يا رسول اللّه، قال: أنا وأخي علي وأحد عشر من ولدي، قالوا: اللهمّ نعم. الخبر.

وعن جابر بن يزيد الجعفي، عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي: (اِنَّ عِدَّةَ الشّهُور)الآية [التوبة: 36] قال: قال الباقر (عليه السلام): شهورنا إثنا عشر، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) وعدد

الأئمّة بعده، ثمّ قال بعد كلام طويل: في قوله: (مِنْهَا أرْبَعَهٌ حُرُم)أربعة منهم باسم واحد: علي أمير المؤمنين، وأبي علي بن الحسين، وعلي بن موسي، وعلي بن محمد (فَلاَ تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أنْفُسَكُمْ) أي قولوا بهم جميعاً تهتدوا.

وفي خبر: أربعة حرم: علي، والحسن، والحسين، والقائم، بدلالة قوله: (ذلِكَ الدِّينُ القَيّم).

وقال سلمان القصريّ: سألت الحسن بن علي (عليهما السلام)، فقال: عددهم عدد شهور الحول.

قال بعضهم:

العمر أقصر أن يقضّي

بالبطالة والسّرور

فتروح بالخسران من

دنياك في يوم النّشور

فافزع إلي مولاك ذي

الإنعام والفضل الكبير

متوسلاً بالمصطفي

ووصيّه البرّ الطّهور

السّادة الأبرار والأ

نوار في عدد الشّهور

فهم الهداة لنا علي

مرّ الليالي والدّهور

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [1: 280 284].

النصوص الواردة علي ساداتنا

وأمّا النّصوص الواردة علي هؤلاء الائمّة، فقد أوردها ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 245 ط النجف و 1: 285 ط ايران] من الرّوايات، منها: المتناقل من قبل آدم، ومنها: المرويّ قبل شرع الإسلام، ومنها: ما تظافرت به الرّوايات عن النّبيّ (صلي الله عليه وآله)، وذلك نوعان: منها ما روته العامّة، ومنها: ما روته الخاصّة، فما جاء قبل آدم نحو حديث الميثاق، وحديث الأصل، وحديث الأسماء المكتوبة علي العرش، وحديث الكلمات، وغير ذلك، فلتؤخذ من مواضعها في هذا الكتاب.

2 وأمّا ما جاء قبل الإسلام خبر الهاروني الّذي سأل عمر بن الخطّاب، وهو خبر طويل، ذكرنا بعضه فيه، وقد ذكر أبو علي الطّبرسي في أعلام الوري [ص 7]قال: حدّثني من أثق به كانت بشارة موسي بالنّبيّ (صلي الله عليه وآله) في السّفر الأوّل من التّوراة «وليشمعيل شمعتنح هنه برختي أتو وهفرتي أتو وهربتي أتو بمادماد شنيم عاسار نستيم يوالد وانا تيتولگري كادل وات برني هانيم» [10].

وتفسيره بالعربيّة: إسماعيل قبلت صلواته، وباركت فيه، وأنميته وكثّرت عدده بولد له اِسمه محمّد، يكون إثنين

وتسعين في الحساب، وساُخرج اثني عشر اماماً من نسله واُعطيه قوماً كثير العدد.

وقال القاضي الكراجكي في الاستبصار: هذا من التّوراة العتيقة يوجد عند اليونانيّين.

وروي الشّيخ المفيد حديث الخضر ومحبّته إلي أمير المؤمنين، وسؤاله عن مسائل وأمره لولده الحسن بالإجابة عنها، فلمّا أجاب أعلن الخضر بحضرة الجماعة، فقال: أشْهَدُ أنْ لا إله إلاّ اللّهْ ولمْ أزلْ أشهَدُ بِهَا وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأشْهَدُ أنّ محمّداً رسول اللّه، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيّه والقائم بحجّته.

وأشار بيده إلي الحسن أنّه وصيّ أبيه والقائم بحجّته بعده، وأشهد أنّ الحسين بن علي وصيّ أبيه والقائم بحجّته بعدك، وأشهد علي عليّ بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين، وأشهد علي محمّد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين، وأشهد علي جعفر بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد بن علي، وأشهد علي موسي بن جعفر أنّه القائم بأمر جعفر، وأشهد علي علي بن موسي أنّه القائم بأمر موسي، وأشهد علي محمّد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسي، وأشهد علي عليّ بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد بن علي، وأشهد علي الحسن بن علي أنّه القائم بأمر علي بن محمّد، وأشهد أنّ رجلاً من ولد الحسين لا يسمّي ولا يكنّي، حتّي يظهر اللّه أمره فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، والسّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته.

وروي الكلبي عن الشّرقي بن القطامي، عن تميم بن وعلة المرّي، عن الجارود بن المنذر العبدي وكان نصرانيّاً، فأسلم عام الحديبيّة وأنشد:

يا نبيّ الهدي أتتك رجال

قطعت فدفداً وأفرت جبالا

جابت البيد والمهامة حتّي

غالها من طوي السّري ما غالا

أخبر الأوّلون باسمك فينا

وبأسماء بعده تتتالا

فقال رسول اللّه: أفيكم من يعرف قسّ بن ساعدة الأيادي؟ فقال الجارود:

كلّنا يا رسول اللّه نعرفه، غير أنّي من بينهم عارف بخبره، واقف علي أثره، فقال سلمان: أخبرنا؟ فقال الجارود: يا رسول اللّه لقد شهدت قسّاً وقد خرج من ناد من أندية أياد إلي ضحضح ذي قتاد وسمر وغياد، وهو مشتمل بنجاد، فوقف في أضحيان ليل كالشّمس رافعاً إلي السّماء وجهه واصبعه، فدنوت منه فسمعته يقول:

اللّهمّ ربّ السّماوات الأرفعة، والارضين الممرعة، فحقّ محمّد والثّلاثة المحاميد معه، والعليّين الأربعة، وفاطم والحسنين الأبرعة، وجعفر وموسي التّبعة، سميّ الكليم الصّرعة، اُولئك النّقباء الشّفعة، والطّريق المهيعة، رأسة الأناجيل، ومحاة الأضاليل، ونقاة الأباطيل، الصّادقو القيل، عدد نقباء بني إسرائيل، فهم أوّل البداية، وعليهم تقوم السّاعة، وبهم تنال الشّفاعة، ولهم من اللّه فرض الطّاعة، إسقنا غيثاً مغيثاً، ثمّ قال: ليتني مدركهم ولو بعد لأي من عمري ومحياي. ثمّ أنشأ يقول:

أقسم قسّ قسماً

ليس به مكتتما

لو عاش ألفي سنة

لم يلق منها سأما

حتّي يلاقي أحمداً

والنّجباء الحكما

هم أوصياء أحمد

أفضل من تحت السّما

يعمي الأنام عنهم

وهم ضياء

للعمي لست بناس ذكرهم

حتّي أحلّ الرّجما

قال الجارود: فقلت: يا رسول اللّه أنبئني أنبأك اللّه بخبر هذه الأسماء الّتي لم نشهدها وأشهدنا قسّ ذكرها؟

فقال رسول اللّه: يا جارود ليلة أسري بي إلي السّماء أوحي اللّه عزّ وجلّ إليّ: أن سل من قد أرسلناك قبلك من رسلنا علي ما بعثوا، قلت: علي ما بعثوا؟ قال: بعثهم علي نبوّتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمّة منكما، ثمّ عرّفني اللّه تعالي بهم وبأسمائهم، ثمّ ذكر رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) للجارود أسماءهم واحداً واحداً إلي المهديّ (عليهم السلام)، قال لي الرّبّ تبارك وتعالي: هؤلاء أوليائي وهذا المنتقم من أعدائي يعني المهدي، فقال الجارود:

أتيتك يا ابن آمنة رسولاً

لكي بك أهتدي النّهج السّبيلا

فقلت وكان قولك قول حقّ

وصدق

ما بدا لك أن تقولا

وبصرت العما من عبد شمس

وكلاًّ كان من شمس ظليلا

وأنبأناك عن قسٍّ الأيادي

مقالاً أنت طلت به جديلا

وأسماء عمت عنّا فآلت

إلي علم وكنت بها جهولا

وقد ذكر صاحب الرّوضة: أنّ هذا الاستسقاء كان قبل الدّعوة بعشر سنين، وشهادة سلمان الفارسي بمثل ذلك مشهورة.

وقال الشّعبي: قال لي عبدالملك بن مروان: وجد وكيلي في مدينة الصّفر الّتي بناها سليمان بن داود علي سورها أبياتاً منها:

هذا مقاليد أهل الأرض قاطبةً

والأوصياء له أهل المقاليد

هم الخلائف إثنا عشرة حججاً

من بعده الأوصياء السّادة الصّيد

حتّي يقوم بأمر اللّه قائمهم

من السّماء إذا ما باسمه نودي

فقال عبدالملك للزّهري: هل علمت من أمر المنادي باسمه من السّماء شيئاً؟ قال الزّهري: أخبرني علي بن الحسين أنّ هذا المهديّ من ولد فاطمة، فقال عبدالملك: كذبتما، ذاك رجل منّا يا زهري، هذا القول لا يسمعه أحد منك.

وإذا كانت النّصوص علي ساداتنا متناصرة، والأخبار بعددهم قبل وجودهم متظاهرة، وقد ذكرهم اللّه في الكتب السّالفة، وأعلمت الأنبياء بهم الاُمم الماضية، دلّ علي كونهم أئمّة الزّمان، وحجج اللّه علي الانس والجانّ.

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [1: 285 288].

مساواته مع الأنبياء العظام

اشاره

وأمّا ما روته العامّة في هذا الموضوع، فقد أسلفنا ذكره وأتينا بما نصّ عليه الأثبات والثّقات، مالا ينازع ولا يدافع، ولا ينكره إلاّ مكابر.

وممّا انفرد به من المناقب التي اختصّه اللّه بها ومنّ عليه: مساواته في بعض الأشياء مع أنبياء اللّه صلوات اللّه عليهم أجمعين، ولا زال شاهداً علي أفضليّته، وسؤدده، دون غيره من فضلاء القرابة، ووجوه الصّحابة، ما استخرجه ذوو النبوغ في العلم، المدققون في تحقيق دقائق غور الكلم، من النّكت واللّطائف والإشارات ما تعرب عن علوّ مقامه ورفعة درجته، بما لا سبيل لاُولي النّهي والحجي والإنصاف، وذوي القلوب السّليمة من رذائل

الأوصاف، إلي جحدها وإنكارها، مهما تنضّدت أقاويل المستبدّين المزخرفة بالتّأويلات الباردة، والعبارات التّافهة، والاحتمالات البعيدة، الّتي لا ينقاد إليها ويغترّ بها إلاّ ذوو العقول الجامدة، ولا يتعرّض لقبولها إلاّ الحمقي أو الحسدة، من الّذين سيطيّنون عين الشمس، كأنّهم يحسبون أنّ شعاع الشّمس يخفي، ونور الحقّ يطفي، ويخفي علي النّاس القمر.

واليك أيّها القارئ الكريم نبذة من تلكم النّكت واللّطائف:

مساواته مع آدم

قال اللّه عزّ وجلّ في آدم (عليه السلام): (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا) [البقرة: 31]وكان لعليّ (عليه السلام) قوله (صلي الله عليه وآله): أنا مدينة العلم وعليّ بابها.

وقد زوّج آدم بحوّاء في الجنّة، وكان تزويج عليّ بفاطمة (عليها السلام) في السّماء.

وقد خلق اللّه آدم من تراب فكان ترابيّاً، وقد سمّي النّبيّ (صلي الله عليه وآله) عليّاً أبا تراب.

وقد روي أنّ آدم خلق بين مكّة والطّائف، وقد ولد علي (عليه السلام) في جوف الكعبة.

وقيل: إنّ آدم خرج من الجنّة علي حبّه حنطة، أو ثمرة فاُمر بالخروج منها، وقد اشتري عليّ الجنّة بقرص فاُذن له بالدّخول فيها، وذلك قوله تعالي: (وَجَزاهُمْ بِمَا صَبَرُوْا جَنَّةً وَحَرِيراً) الآية [الانسان: 12].

وقد نسب أولاد آدم إليه فقالوا: آدمي. وقد نسب أولاد النّبيّ (صلي الله عليه وآله) الي عليّ، فقالوا: علويّ.

وفي خبر رواه ابن شهرآشوب في مناقبه [3: 38 ط النجف و 3: 242 ط ايران]باسناده عن ابن عمر أنّه قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) يفتخر يوم القيامة آدم بابنه شيث، وأفتخر أنا بعليّ بن أبي طالب.

وانّ اللّه أمر الملائكة بالسّجود لآدم، وكان عليّ قد اُمر بأن يؤتي إليه، كما جاء في خبر: روي العبّاس بن بكّار، عن شريك، عن سلمة بن كهيل، عن عليّ (عليه السلام) قال النّبيّ (صلي الله عليه

وآله): يا علي أنت بمنزلة الكعبة، تؤتي ولا تأتي. واللّه أعلم بالصّواب.

راجع: المناقب [3: 241 242].

مساواته بإدريس

وقد ساواه مع ادريس (عليه السلام) بأشياء، وذلك قيل: إنّه سمّي إدريس لأنّه درس الكتب كلّها، وقد قال اللّه تعالي في علي (عليه السلام): (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَاب)[الرعد: 4].

وكان إدريس أوّل من وضع الخطّ، وكان (عليه السلام) أوّل من وضع النّحو وعلم الكلام. راجع: المناقب [3: 242].

مساواته مع نوح

وكان نوح (عليه السلام) شيخ المرسلين، وكان عليّ (عليه السلام) شيخ الأئمّة والمهاجرين والأنصار.

وقد أهلك اللّه جميع الخلائق بالطّوفان سوي قومه، كما قال تعالي: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ في الفُلْكِ) [الشعراء: 119] وأهلك أعداء عليٍّ في طوفان النصب، فيُلقون في جهنّم، ويفوز أحبّاؤه، بقوله تعالي: (إِنَّ للمُتَّقينَ مَفَازاً)[النبأ: 31].

ونوح (عليه السلام) أبو البشر الثّاني، وعليّ أبو الأئمّة والسّادات.

وسمّي اللّه نوحاً (عليه السلام) شكوراً، بقوله: (انَّهُ كَانَ عَبْداً شكُوراً) [الاسراء: 3]وسمّي عليّاً باسمه في قوله تعالي: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْق عَلِيّاً) [مريم: 50].

واشتقّ لنوح اسمه من صفته لمّا ناح، واشتقّ اسم عليّ من صفته لأنّه علا.

وحمل نوحاً علي السّفينة عند طوفان الماء، وذلك لقوله تعالي: (وَحَمَلْنَاهُ عَلي ذاتِ الْواح وَدُسُر) [القمر: 13] وقيل لعليّ (عليه السلام): مثل أهلي بيتي كسفينة نوح. الحديث. فسفينة عليّ نجاة من النّار.

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 242 243].

مساواته مع ابراهيم

قال اللّه سبحانه وتعالي في إبراهيم: (وَهَدَيْنَاهم إلي صراط مستقيم)[الانعام: 87] وقد قال عزّ وجلّ في عليّ: (وَلِكُلّ قَوْم هَاد) [الرعد: 7]

وقال تعالي في إبراهيم (عليه السلام): (وَآتَيْنَاهُ في الدُّنْيَا حَسَنَة) [النحل: 122]وقال في عليّ: (مَنْ جَاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ اَمْثَالِهَا) [الانعام: 160].

وقال في إبراهيم: (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ) الآية [الصافات: 113] وقال في عليّ: (وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ) [هود: 73].

وقال في إبراهيم: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإسْحَاقَ) [الصافات: 112] وقال في عليّ: (وَهُوَ الَّذِي خلق مِنَ الماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) [الفرقان: 54].

وقال في إبراهيم: (سَلاَم عَلَي ابْراهِيم) [الصافات: 109] وقال في عليّ: (سَلاَم عَلَي آل ياسين) [الصافات: 130].

وانّ اللّه أمر ابراهيم بتطهير البيت، وذلك قوله تعالي: (وَطَهرْ بَيْتيَ لِلطّائِفيْنَ) [الحج: 26] وقد طهّر اللّه أهل بيت عليّ بقوله تعالي: (إنّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ

وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) [الاحزاب: 33].

وأسّس ابراهيم الكعبة، وذلك قوله تعالي: (اِنَّ أوَّلَ بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ)الآية [آل عمران: 96] وقد طهّر عليّ الكعبة من الأزلام، وأظهر الاسلام.

وإنّ ابراهيم كسّر أصناماً، وذلك في قوله تعالي: (قَالُوْا مَنْ فَعَلَ هذا بآلِهَتَنَا) (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبيرُهُمْ) [الأنبياء: 59 63] يعني: أفْلون، وقد كسّر عليّ ثلاثمائة وستّين صنماً، وأكبرهم هبل.

وإنّ ابراهيم فارق قومه، كما في قوله تعالي: (وَاَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُوْنِ اللّهِ) الآية [مريم: 48] فأخرج اللّه من نسله سبعين ألف نبيّ. وقد فارق عليّ قريشاً، فجعله اللّه في أفضلها، وهم بنو هاشم، وأعطاه من الذّريّة الكثير الطّيّب.

وعادي إبراهيم قومه، كما أخبرنا اللّه بقوله: (فَإنَّهُمْ عَدُوُّ لِيْ الاَّ رَبَّ العَالَمينْ) [الشعراء: 77] وقد عادت قريش عليّاً، فأبادهم بالسّيف.

وقد ابتلي اللّه ابراهيم بقربان الولد، وذلك في قوله تعالي: (إنّي أرَي في المَنَامِ أنّي أذْبَحُكَ) [الصافات: 102] وقد أبات أبو طالب عليّاً كلّ ليلة في الشّعب، وأباته النّبيّ ليلة الهجرة، ويا له من الفرق بين الفدائين، لأنّ الوالد ربّما يشفق علي ولده فلا يذبحه، وكان عليّ لعلي يقين من الكفّار، وقد يقوي أيضاً في ظنّ الولد، أنّ أباه يمتحنه في طاعته، فيزول كثير من الخوف ويرجو السّلامة، وعليّ خائف بلا رجاء.

وفي ذلك قال المفجّع البصريّ:

وله من صفات إسحاق حال

صار في فضلها لإسحاق سيّاً

صبره إذ يتلّ للذّبح حتّي

ظلّ بالكبش عندها مفديّاً

وكذا استسلم الوصي لأسيا

ف قريش إذ بيّتوه عشيّاً

فوقي ليلة الفراش أخاه

بأبي ذاك واقياً ووليّاً

وله أيضاً:

من أبيه ذي الأيدي إسما

عيل شبه ما كان عنّي خفيّاً

إنّه عاون الخليل علي الكعبة

إذ شاد ركنها المبنيّا

ولقد عاون الوصيّ حبيب

اللّه أن يغسلان منه الصّفيّا

كان مثل الذّبيح في الصّبر والتّس

ليم سمحاً بالنَّفس ثمّ سخيّاً

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 243 245].

مساواته مع يعقوب

كان ليعقوب إثنا عشر ابناً، أحبّهم إليه يوسف وبنيامين، وكان لعليّ سبعة عشر ابناً أحبّهم إليه الحسن والحسين.

وكان ليعقوب بيت الأحزان، وكان لآل النّبيّ (صلي الله عليه وآله) كربلاء.

وقد ارتدَّ يعقوب بصيراً بقميص ابنه، وكان لعليّ من غزل فاطمةَ عليها السّلام يتّقي به نفسه في الحروب.

وقد كلّم ذئب يعقوب، وقال: لحوم الأنبياء حرام علينا، وقد علّم الثّعبان عليّاً علي المنبر، والأسد أيضاً كما قد مر.

وكان ليعقوب إثنا عشر ولداً، منهم مطيع ومنهم عاص، ولعليّ إثنا عشر ولداً كلّهم مطهّرون، أي: الائمّة الإثنا عشر. قال المفجّع:

وله من نعوت يعقوب نعت

لم أكن فيه ذا شكوك عتيّاً

كان أسباطه كأسباط يعقوب

وإن كان نجرهم نبويّاً

أشبهوهم في البأس والعدّة والعلم

فافهم إن كنت ندباً ذكيّاً

كلّهم فاضل وحاز حسين

وأخوه بالسّبق فضلاً سنيّا

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 245 246].

مساواته مع يوسف

قال يوسف كما في القرآن الكريم: (رَبّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ المُلْكِ)[يوسف: 101]وقال تعالي في عليّ: (وَإذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعيَماً وَمُلْكاً كَبِيراً)[الانسان: 20].

ولمّا رأي إخْوَة يوسف زيادة النّعمة والشّفقة عليه حسدوه، وكذلك حال عليّ، كما في قوله تعالي: (أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلي مَا آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِه)[النساء: 54]فزادهما اللّه علوّاً وشرفا، وكذا قوله تعالي: (وَلاَ تَتَمَنَّوَا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَي بَعْض) [النساء: 32].

وقال اخوة يوسف في الظّاهر: (وَإنَّا لَهُ لَنَاصِحُون) (وَاِنَّا لَهُ لَحَافِظُون)[يوسف: 11 12] وعادوه في الباطن. وكذلك حال عليّ، نصحوه ظاهراً، ومقتوه باطناً.

وقالوا لأبيه: (إنَّا له لَحَافِظُون) وهم مضيّعوه، وكذلك قال المنافقون: عليّ مولانا، وظلموه بعد وفاته (صلي الله عليه وآله).

وسلّم يعقوب إليهم يوسف بالأمانة، وقال: (انّي لَيَحْزُنُني أنْ تَذهَبُوا به)[يوسف: 13] وكذلك المصطفي (صلي الله عليه وآله) قال لاُمّته: انّي تارك فيكم الثّقلين». الحديث.

وقال أيضاً (صلي الله عليه وآله): اللّه

اللّه في أهل بيتي. الي غير ذلك من الأحاديث.

وقال اللّه تعالي في يوسف: (ولمّا بَلَغَ أشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً)[يوسف: 22] وقد اُوتي عليّ حكمةً في صغره بأشياء كما تقدّم.

وقد مدح يوسف نفسه فقال: (إنّي حَفيظٌ عَلِيم) [يوسف: 55]وقال أيضاً: (ألا تَرَوْنَ أنّي اُوْفي الكَيْلَ) [يوسف: 59] وقد مدح عزّ وجلّ عليّاً بقوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلي حُبِّهِ مِسْكينَاً وَيَتيماً وَأسيراً) [الانسان: 8] وقال فيه أيضاً: (يُوفُونَ بِالنَذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسُتَطيراً) [الانسان: 7].

راجع: المناقب [3: 246 247].

مساواته مع موسي

قال موسي كما في كتاب اللّه العزيز: (إجْعَلْ لي وَزِيراً مِنْ أهْلي، هَارونَ أخي) [طه: 29 30] وقد قال (صلي الله عليه وآله) لعليّ: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي.

وسخّرت الأرض لموسي حتّي خسف بقارون، وقد دمّر عليّ أعداء النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله، كما في قوله تعالي: (فإنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُون) [الزخرف: 41] أي بعليّ.

وقد خاصم موسي وهارون فرعون مع كثرة خيله، وظفرا بهم. وأنّ محمّداً وعليّاً خاصما اليهود والنّصاري والمجوس والمشركين والزّنادقة، وقد ظفرا عليهم، وذلك في قوله تعالي: (هُوَ الّذي أيَّدَكَ بِنَصْرِه) الآية [الأنفال: 62].

وخاف موسي من الحيّة في كبره، فقيل له: (خُذْهَا وَلا تَخَفْ) الآية [طه: 21]وقد مزّق عليّ الحيّة في صغره، كما مرّت الرّواية في ذلك.

وكان لموسي عصاً، ولعليّ سيف. وكان في عصا موسي عجائب عجزت السّحرة عنها، وفي سيف عليّ عجائب عجزت الكفرة عنها.

وكان لموسي اثنا عشر سبطاً، ولعليّ اثنا عشر إماماً.

وربّي موسي في حجر عدوّ اللّه فرعون، وقد ربّي عليّ في حجر حبيب اللّه محمّد.

وارتفع موسي علي الطّور، وارتفع عليّ علي كتف الرّسول.

وقال تعالي لموسي: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسي) [طه: 41] وقال في عليّ: (إنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولَه وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يقيمون الصلاة ويُؤتُونَ

الزَكاةَ وَهُمْ راكِعُون [)المائدة: 55].

وقال تعالي لموسي: (إنَّه كَانَ مُخْلصاً) [مريم: 51] وقال في عليّ: (إنَّما نُطْعِمُكُم لِوَجْهِ اللّه لاَ نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) [الانسان: 9].

وقال تعالي في موسي: (وَاِذْ قَالَ موسي لِفَتَاهُ) [الكهف: 60] وكان فتي موسي يوشع. وفتي محمّد عليّ، ولا فتي إلاّ عليّ.

وكان لموسي شبر وشبير. ولعليّ حسن وحسين.

وكانت ولاية موسي في أولاد هارون. وولاية محمّد (صلي الله عليه وآله) في أولاد عليّ (عليهم السلام).

وترك قوم موسي هارون وعبدوا العجل (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ) الآية [الأعراف: 148] وترك عليّاً قومه وعبدوا بني اُميّة (اِذَا قَوْمَكَ مِنْهُ يَصُدّون) الآية [الزخرف: 57].

وموسي ساقي بنات شعيب، كما قال تعالي: (وَوَجَدَ مِنْ دُوْنِهِمْ امرَأتيْنِ تَذُوْدان) الآية [القصص: 23] وعليّ ساقي المؤمنين يوم القيامة.

والولدان سقاة أهل الجنّة. والمولي عزّ وجلّ ساقي عليّ، وذلك في قوله تعالي: (وَسَقَاهُم رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً) [الانسان: 21].

وجرّ موسي الحجر من رأس البئر، وكان يجرّه أربعون رجلاً، وذلك في قوله تعالي: (وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَن) [القصص: 23] وقد جرّ عليّ الحجر من عين زاحوما، وكان مائة رجل عجزوا عن قلعه.

قال المفجّع:

كان فيه من الكليم جلال

لم يكن عنك علمها مطويّاً

كلّم اللّه ليلة الطّور موسي

واصطفاه علي الأنام نجيّاً

وأبان النّبيّ في ليلة الطّا

ئف أنّ الإله ناجي عليّاً

وله منه عفّة عن اُناس

عكفوا يعبدون عجلاً خليّاً

حرّق العجل ثمّ منّ عليهم

اذ أنابوا وأمهل السّامريّا

وعليّ فقد عفا عن اُناس

شرعوا نحوه القنا الزّاعبيّا

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 248 251].

مساواته مع هارون ويوشع ولوط

اشاره

قول النبيّ (صلي الله عليه وآله) يوم بيعة العشيرة، ويوم اُحد، ويوم تبوك وغيرها: «يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسي» فالمؤمنون أحبّوا عليّاً، كما أحبّ أصحاب هارون هارون، ولم يكن لأحد منزلة عند موسي كمنزلة هارون، ولا أحد عند

النّبيّ كمنزلة عليّ.

وكان هارون خليفة موسي. وعليّ خليفة محمّد (صلي الله عليه وآله).

وكان أوّل من صدّق بموسي هارون. وهكذا أوّل من صدّق بالنّبيّ عليّ.

ولمّا ولد الحسن سمّاه عليّ حرباً، فقال النّبيّ: سمّه حسناً، فلمّا ولد الحسين سمّاه أيضاً حرباً، فقال النّبيّ (صلي الله عليه وآله): لا، هو الحسين، كأولاد هارون شبر وشبير ومشبّر.

قال المفجّع:

إنّ هارون كان يخلف موسي

وكذا استخلف النّبي الوصيّا

وكذا استضعف القبائل هارو

ن وراموا له الحمام الوحيّا

نصبوا للوصيّ كي يقتلوه

ولقد كان ذا محال قويّاً

وأخو المصطفي كما كان هارو

نُ أخاً لابن اُمّه لا دعيّاً

مساواه مع يوشع بن نون بقول النبي عند وفاته

أنت بمنزلة يوشع بن نون من موسي. كذا أورده ابن شهرآشوب في مناقبه [3: 46 ط النجف و 3: 252 ط ايران] نقلاً عن علي بن مجاهد في تأريخه مسنداً.

وإلي ذلك أشار المفجّع:

وله من صفات يوشع عندي

رتب لم أكن لهنّ نسيّاً

كان هذا لمّا دعا الناس موسي

سابقاً قادحاً زناداً وريّاً

وعليّ قبل البريّة صلّي

خائفاً حيث لا يعاين ريّاً

كان سبقاً مع النّبيّ يصلّي

ثاني اثنين ليس يخشي ثويّاً

وساواه مع أيّوب، فأيّوب أصبر الأنبياء، وعليّ أصبر الأوصياء، صبر أيّوب ثلاث سنين في البلايا. وعليّ صبر في الشّعب مع النّبيّ ثلاث سنين، ثمّ صبر بعده ثلاثين سنة. وقد وصف اللّه صبر أيّوب: (اِنّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً) [ص: 44] وقال في عليٍّ: (اَلَّذينَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصيبَةٌ) [البقرة: 156] وقال أيضاً: (وَالصَّابِرينَ في البَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِيْنَ البَأسِ) [البقرة: 177].

وساواه مع لوط، وقد ذكره اللّه في كتابه في ستّة وعشرين موضعاً، وذكر عليّاً في كذا موضعا. قال المفجّع:

ودعا قومه فآمن لوط

أقرب الناس منه رحماً وريّا

وعلي لمّا دعاه أخوه

سبق الحاضرين والبدويا

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 251 252].

مساواته مع داود

قال اللّه تعالي: (يَا دَاوُدُ إنّا جَعَلْنَاكَ خَليفَةً في الأرْضِ) [ص: 26] وعليّ قال: من لم يقل انّي رابع الخلفاء، الخبر. وقال تعالي في داود: (وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ) [البقرة: 251] وقد قتل عليّ عمرواً ومرحباً.

وكان له حجر فيه سبب قتل جالوت. ولعليّ سيف يدمّر به الكفّار.

وقال تعالي لداود: (بَقِيّةٌ ممّا تَرَكَ آل موسَي وَآل هَارون) [البقرة: 248]ولعليّ وولده: (بَقِيّةُ اللّه خَيْرٌ لَكُمْ) [هود: 86] وبقيّة اللّه خير من بقيّة موسي.

ولداود سلسلة الحكومة، وعلي فلاّق الاغلاق: أقضاكم عليّ.

وقال داود: (اَلْحَمدُ للّهِ الَّذي فَضَّلَنَا عَلَي كثير مِنَ عِبَادِهِ المُؤمِنين)[النمل: 15]، وهذا دعوي، وقال اللّه في عليّ: (وَفَضَّلَ اللّهُ المُجَاهِدينَ) الآية [النساء:

95]وهذا دليل.

وقال اللّه في داود: (فَهَزَمُوهُمْ بِإذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ) [البقرة: 251]وقد هزم عليّ جنود الكفر والبغي.

قال بعضهم شعراً:

كان داود سيف طالوت حتّي

هزم الخيل واستباح العديّا

وعليّ سيف النّبيّ بسلع

يوم أهوي بعمرو المشرفيّا

فتوليّ الأحزاب عنه وخلّوا

كبشهم ساقطاً بحال كديّاً

أنبئوا الوحي أنّ داود قد كا

ن بكفّيه صانعاً هالكيّاً

وعليّ من كسب كفّيه قد أع

تق الفاً بذاك كان جزيّا

راجع: المناقب [3: 255 256].

مساواته مع طالوت

قال اللّه تعالي في طالوت: (وَزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ وَالجسْمِ) [البقرة: 247]وكان عليّ أعلم الاُمّة وأشجعهم.

وقال تعالي: (إنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالوت مَلِكاً قَالُوا أنّي يَكُونُ لَهُ المُلك عَلَيْنَا وَلمْ يُؤتَ سَعَةً مِنَ المَالِ) [البقرة: 247] ومثله لمّا أقام النّبيّ (صلي الله عليه وآله) عليّاً مقامه، فقالوا نحوه، كما بسطنا القول في مجلّدنا الأوّل.

وقال تعالي في طالوت: (إنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ) الآية [البقرة: 247] وقد قال في عليّ: (وآلَ عِمْرانَ عَلَي العَالَمين) [آل عمران: 33] وهذا في قول من قال: إنّ اسم أبي طالب عمران.

قال ابن علويّة:

في قصّة الملأ الّذين نبيّهم

سألوا له ملكاً أخا أركان

قال النّبيّ فإنّ ربّي باعث

طالوت يقدمكم أخا أقران

قالوا وكيف يكون ذاك وليس ذا

سعة ونحن أحقّ بالسّلطان

قال اصطفاه عليكم بمزيده

من بسطة في العلم والجسمان

واللّه يؤتي من يشاء ولم يكن

من نال منه كرامةً بمهان

وكذاك كان وصيّ أحمد بعده

متبسّطاً في الجسم والعرفان

لمّا تولّي الأمر شدّ عصابة

عنه شدود توافر الثّيران

بكم وهم لا يعقلون ولا هم

يتصفّحون عمون كالصّمّان

قال النّبيّ فإنّ آية ملكه

إتيان تابوت له تيّان

إتيان تابوت سيأتيكم به

أملاك ربّي أيّما اتيان

فيه سكينة ربّكم وبقيّة

يا قوم ممّا ورث الآلان

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 256 257].

مساواته مع سليمان

لقد سأل اللّه سليمان خاتم الملك، وذلك في قوله تعالي: (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأحَد) الآية [ص: 35] ولقد أعطي عليّ خاتمه، فوهب له اللّه الملك والولاية، وذلك في تفسير قوله تعالي: (يُقِيمُونَ الصّلاةَ وَيُؤتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ راكِعُون) [المائدة: 55] واليد العليا خير من اليد السّفلي، فقد كان سليمان سائلاً، وعليّ معطياً. قال سليمان: (وهَبْ لِي مُلْكاً) وكان علي قال: يا صفراء ويا بيضاء غرّي غيري.

وتزوّج سليمان (عليه السلام) من بلقيس بالعنف [11]، وقد زوّج اللّه عليّاً من فاطمة باللّطف.

وقال

تعالي في سليمان: (فَفَهّمْنَاها سُلَيْمَانَ) الآية [الأنبياء: 79] وكان يحكم بالغرائب. وقد قال في عليّ: (فَاسْألُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون)[الأنبياء: 7].

راجع: المناقب [3: 257 258].

مساواته مع عيسي

خرجت اُمّ عيسي مريم بنت عمران (عليها السلام) حين جاءها المخاض، فاختارت مكاناً قصيّاً، كما أخبرنا اللّه في كتابه العزيز بقوله: (فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً)[مريم: 22]وكانت اُمّ عليّ فاطمة بنت أسد لمّا جاءها المخاض، دخلت في الكعبة ووضعت عليّاً في جوفها.

وقال عيسي كما جاء في القرآن الكريم: (إنّي عَبْدُ اللّه) الآية [مريم: 30]وهو أوّل من تكلّم بهذا، وقد قال عليّ: أنا عبداللّه وأخو رسول اللّه.

وقال تعالي في عيسي: (وَيُعَلّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَة) [آل عمران: 48] وقال في عليّ: (قُلْ كَفي بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عَنْدَهُ عَلْمُ الْكِتاب) [الرعد: 43].

وقال تعالي في عيسي: (مُبَشّراً بِرَسُول يَأتِي مِنْ بَعْدِيِ اسْمُهُ اَحْمَد)[الصف: 6]وكان عليّ (عليه السلام) ناصره، ووصيّه، وختنه، وابن عمّه، وأخاه.

وقد حفظه اللّه تعالي من اليهود، كما في قوله تعالي: (مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبّهَ لَهُم) [النساء: 157] وقد حفظ تعالي عليّاً علي فراش رسول اللّه من المشركين، وأنزل فيه: (وَمِن النّاس ِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاةِ اللّهِ)[البقرة: 207].

وكان عيسي (عليه السلام) زاهداً فقيراً، وقد قال النبي (صلي الله عليه وآله) في عليّ لمّا سئل: من أزهد النّاس وأفقرهم؟ فقال (صلي الله عليه وآله): عليّ وصيّي، وابن عمّي، وأخي، وحيدري وكرّاري، وصمصامي، وأسدي وأسد اللّه.

وروي ابن شهرآشوب في مناقبه [3: 53 ط النجف و3: 260 ط ايران] نقلاً عن مسند أبي يعلي الموصلي، قال النّبيّ (صلي الله عليه وآله) لعليّ: فيك مثلٌ من عيسي بن مريم، أبغضه اليهود حتّي بهتوا اُمّه، وأحبّته النّصاري حتّي أنزلوه بالمنزلة الّتي ليست

له.

واختلفت الاُمّة في عيسي، فقالت اليعقوبيّة: هو اللّه، وقالت النسطوريّة: هو ابن اللّه. وقالت الإسرائيليّة: هو ثالث ثلاثة. وكذا اختلفت الاُمّة في عليّ، فقالت الغلاة: إنّه المعبود. وقالت الخوارج: إنّه كافر. وقالت المرجئة: انّه المؤخّر. وقالت الشّيعة: إنّه المقدّم.

وقال النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم): يدخل من هذا الباب رجلٌ أشبه الخلق بعيسي، فدخل عليّ (عليه السلام)، فضحكوا من هذا القول، فنزل قوله تعالي: (وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصدّون) [الزخرف: 57].

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 258 260].

المفردات من مناقبه

وقد مدح اللّه حركاته (عليه السلام) وسكناته، فقال في صلاته: (إلاّ المُصَلّين)[المعارج: 22] وفي قنوته: (أمْ مَنْ هُوَ قَانِت) [الزمر: 9] وفي صومه: (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) [الانسان: 12] وفي زكاته: (وَيُؤتُونَ الزّكَاةَ) [المائدة: 55] وفي صدقاته: (الّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهُمْ) [البقرة: 262] وفي حجّه: (وَأذانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة: 3] وفي جهاده: (أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحَاجّ) [التوبة: 19] وفي صبره: (الّذِينَ إذا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) [البقرة: 156] وفي دعائه: (الّذِينَ يَذْكُرونَ اللّهَ)[آل عمران: 191] وفي وفائه: (يُوفُونَ بِالنّذْرِ) [الانسان: 7] وفي ضيافته: (إنّما نُطْعِمُكُم لِوَجْهِ اللّهِ) [الانسان: 9] وفي تواضعه: (إنّما يَخْشي اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]وفي صدقه: (وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِين) [التوبة: 119]وفي آبائه: (وَتَقَلّبَكَ فِي السّاجِدِين) [الشعراء: 219] وفي أولاده: (إنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ) [الأحزاب: 33] وفي ايمانه: (السّابِقُونَ السَابِقُون) [الواقعة: 10]وفي علمه: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) [الرعد: 43].

ومن النّكت العجيبة واللّطائف الغريبة: أنّه سبحانه وتعالي سمّي سبعة نفر ملكاً: فملك التدّبير ليوسف (عليه السلام)، وذلك قوله تعالي: (رَبّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ)[يوسف: 101] وملك الحكم والنبوّة لابراهيم (عليه السلام)، وذلك قوله تعالي: (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُلْكاً

عَظِيماً) [النساء: 54] وملك العزّة والقدرة لداود (عليه السلام)، وذلك قوله تعالي: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ) [ص: 20] وقوله: (وَألَنّا لَهُ الْحَدِيدَ) [سبأ: 10] وملك الرّياسة لطالوت (عليه السلام)، وذلك قوله تعالي: (إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً) [البقرة: 247]وملك الكنوز لذي القرنين (عليه السلام)، وذلك قوله تعالي: (إنّا مَكّنّا لَهُ فِي الأرْض ِ) [الكهف: 56]وملك الدّنيا لسليمان (عليه السلام)، وذلك قوله تعالي: (هَبْ لِي مُلْكاً) [ص: 35]وملك الآخرة لعليّ (عليه السلام)، وذلك قوله تعالي (وَإذا رَأيْتَ ثَمّ رَأيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) [الانسان: 20].

وقد سمّي اللّه تعالي خمسة نفر صدّيقين:

1 يوسف (عليه السلام)، وذلك كما في قوله تعالي: (يُوسُفُ أيّهَا الصّدّيقُ)[يوسف: 46].

2 إدريس (عليه السلام)، وذلك كما في قوله تعالي: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إدْرِيسَ إنّهُ كَانَ صِدّيقاً) [مريم: 56].

3 مريم (عليها السلام) وذلك كما في قوله تعالي: (وَاُمّهُ صِدّيقَةٌ) الآية [المائدة: 75].

4 إسماعيل (عليه السلام) وذلك كما في قوله تعالي: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) [مريم: 54].

5 عليّ (عليه السلام) وذلك كما في قوله تعالي: (وَالّذِي جَاءَ بِالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ)[الزمر: 33].

وكذلك قوله تعالي: (وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلُهِ اُولَئِكَ هُم الصدّيقُون)[الحديد: 19]. فإخوة يوسف عادوه، فصاروا له منقادين. وأحبّه أبوه فبشّر به، وذلك قوله تعالي: (فَلَمّا أنْ جَاءَ البَشِيرُ) الآية [يوسف: 96].

وعادي إدريس قومه، ونجّاه اللّه بالرّفع إليه، كما قال تعالي: (بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إلَيْهِ)الآية [النساء: 158].

وعادي نمرود إبراهيم فهلك، وأحبّته سارة فبُشّرت، وذلك قوله تعالي: (وَبَشّرْنَاهُ بِإسْحَاقَ) [الصافات: 112].

وعادت اليهود مريم فلُعنت، فأحبّها زكريّا فبشّر، كما قال تعالي: (إنّا نُبَشّرُكَ بِغُلام) [مريم: 7].

وعادت النّواصب عليّاً، فلعنهم اللّه في الدّنيا والآخرة، وأحبّته الشّيعة، فبشّرهم بالجنّة، كما قال اللّه تعالي: (يُبَشّرُهُمْ رَبّهُمْ بِرَحْمَة مِنْهُ) الآية

[التوبة: 21].

قال ابن مكّي:

فإن يكن آدم من قبل الوري

نبّي وفي جنّة عدن داره

فإنّ مولاي عليّ ذو العلي

من قبله ساطعةٌ أنواره

تاب علي آدم من ذنوبه

بخمسة وهو بهم أجاره

وإن يكن نوحٌ بني سفينةً

تنجيه من سيل طمي تيّاره

فإنّ مولاي عليّ ذو العلي

سفينة ينجي بها أنصاره

وإن يكن ذوالنّون ناجي حوته

في اليمّ لمّا كضّه حضّاره

ففي جلندي للأنام عبرةٌ

يعرفها من دلّه اختياره

رُدّت له الشّمس بأرض بابل

واللّيل قد تجلّلت أستاره

وإن يكن موسي رعي مجتهداً

عشراً إلي أن شفّه انتظاره

وسار بعد ضرّه بأهله

حتّي علت بالواديين ناره

فإنّ مولاي عليّ ذو العلي

زوّجه واختار من يختاره

وإن يكن عيسي له فضيلة

تدهش من أدهشه انبهاره

من حملته اُمّه ما سجدت

للاّت بل شغلها استغفاره

راجع: المناقب [3: 262 266].

اسماؤه وألقابه وكناه

أورد ابن شهرآشوب في مناقبه [3: 66 ط النجف و3: 275]نقلاً عن كتاب الأنوار: أنّ لعليّ (عليه السلام) في كتاب اللّهِ ثلثمئة اسم، وإلي ذلك أشار ابن حمّاد بقوله:

اللّه سمّاه أسماءً تردّد في ال

قرآن نقرؤها في محكم السّور

في الحجر والنّمل والأنفال قبلهما

والصّافات وفي صاد وفي الزّمر

وقيل سمّاه في التّوراة ثمّة في

الإنجيل يعرفه التّالون في الزّبر

واختاره وارتضاه للنّبيّ أخاً

وللبتولة بعلاً خيرة الخير

وله أيضاً:

وكم قد حوي القرآن من ذكر فضله

فما سورةٌ منه ومن فضله تخلو

ألم تكفك الأنعام في غير موضع

ويونس إن فتّشت والحجر والنّحل

وسورة إبراهيم والكهف فيهما

وطه ففي تلك العجائب والنّمل

قال صاحب كتاب الأنوار: ويسمّونه أهل السّماء: شمساطيل، وفي الأرض: جمحائيل، وفي اللّوح: قنسوم، وعلي القلم: منصوم، وعلي العرش: المعين، وعند رضوان: الأمين، وعند الحور العين: أصب، وفي صحف إبراهيم: حزبيل، وفي العبرانيّة: بلقياطيس، وفي السّريانيّة: شروحيل، وفي التّوراة: ايليا، وفي الزّبور: أريا، وفي الإنجيل: بريا، وفي الصّحف: حجر العين.

وفي القرآن: علي، وعند النّبيّ: ناصر، وعند العرب: مليّ، وعند الهند: كبكرا ويقال: لنكرا، وعند الرّوم:

بطريس، وعند الأرمن: فريق، وقيل: أطفاروس، وعند الصّقلاب: فيروق، وعند الفرس: حيروقيل: وقيل: فيروز.

وعند التّرك تبير أو عنبر، وقيل: راج، وعند الخزر: برين، وعند النّبط: كريا، وعند الدّيلم: بني، وعند الزّنج: حنين، وعند الحبشة: تبريك، وقالوا: كرقنا، وعند الفلاسفة: يوشع، وعند الكهنة: بوي.

وعند الجنّ: حبين، وعند الشّياطين: مدمر، وعند المشركين: الموت الأحمر، وعند المؤمنين: السّحابة البيضاء. وعند والده: حرب، وقيل: ظهير، وعند اُمّه: حيدرة، وقيل: أسد، وعند ظئره: ميمون. وعند الله: عليّ.

قال العوني:

من اسمه يعرف في الإنجيل

برتبة الإعظام والتّبجيل

يدعو عليّاً أهله إليا

وهو الّذي سمّي في التّوراة

عند الاُولي هاد من الهداة

من كلّ عيب في الوري برياً

وهو الّذي يعرف عند الكهنة

وهم لأسماء الجليل الخزنة

مبوّئ الحقّ الوري بويا

وهو الّذي يعرف في الزّبور

باسم الهزبر العنبس الهصور

ليث الوري ضرغامها اريا

وهو الّذي يدعونه بكبكرا

في كتب الهند العظيم القدرا

حقّاً وعند الرّوم بطريسيّا

وبطرسي قابض الأرواح

وفي كتاب الفرس رغم اللاّحي

خيرٌ وخيرٌ عند ذي الإفصاح

حين يسمّي فُرسنا الباريا

وهو تبيرٌ بلسان التّرك

معني تبير نمرٌ ذو محك

إذا عرفت منطق التّركيّا

والزّنج تدعوه لعمري حنينا

قطّاع أوصال إذا ما أن دنا

فاسأل بمعني حنينا الزّنجيا

وقد دعاه الحبشيّ المجبر

تبريك وهو الملك المدمّر

إن شئته فاسأل الحبشيّا

واُمّه قالت هو ابني حيدرة

ضرغام آجام وليثٌ قسورة

وحيدرٌ ما كان باطنيّا

وقد دعته ظئره ميمونا

وفي أخي رضاعه الميمونا

وهو رضيعٌ حبّذا غذيا

واسم أخيه في بني هلال

معلّق الميمون ذو المعالي

موهبة خصّ بها صبيّا

وهو فريقٌ بلسان الأرمن

فاروقه الحقّ لكلّ مؤمن

فاسأل به من كان أرمنيّا

راجع: المناقب [3: 275 277].

القصائد

قال السيّد الحميري:

عليّ أمير المؤمنين وعزّهم

إذا النّاس خافوا مهلكات العواقب

عليّ هو الحامي المرجي فعاله

لدي كلّ يوم باسل الشرّ غاصب

عليّ هو المرهوب والذّائد الّذي

يذود عن الإسلام كلّ مناصب

عليّ هو الغيث الرّبيع مع الحبا

اذا نزلت بالناس احدي المصائب

عليّ هو العدل الموفق والرّضا

وفارج لبس المبهمات الغرائب

عليّ هو

المأوي لكلّ مطرّد

شريد ومنحوب من الشرّ هارب

عليّ هو المهديّ والمقتدي به

إذ النّاس حاروا في فنون المذاهب

عليّ هو القاضي الخطيب بقوله

يجيء بما يعني به كلّ خاطب

عليّ هو الخصم القؤول بحجّة

يردّ بها قول العدوّ المشاغب

عليّ هو البدر المنير ضياؤه

يضيء سناه في ظلام الغياهب

عليّ أعزّ النّاس جاراً وحامياً

وأقتلهم للقرن يوم الكتائب

عليّ أعمّ النّاس حلماً ونائلاً

وأجودهم بالمال حقّاً لطالب

عليّ أكفّ النّاس عن كلّ محرم

وأبقاهم للّه في كلّ جانب

وقال العوني:

من شارك الطّاهر في يوم العبا

في نفسه من شكّ في ذاك كفر

من جاد بالنّفس وما ظنّ بها

في ليلة عند الفراش المشتهر

من صاحب الدّار الّذي انقضّ بها

نجمٌ من الجوّ نهاراً فانكدر

من صاحب الرّاية لمّا ردّها

بالأمس بالذلّ قبيع وزفر

من خصّ بالتّبليغ في براءة

فتلك للعاقل من إحدي العبر

من كان في المسجد طلقاً بابه

حلاًّ وأبواب اُناس لم تذر

من حاز في خمٍّ بأمر اللّه ذاك

الفضل واستولي عليهم واقتدر

من فاز بالدّعوة يوم الطائر

المشويّ من خصّ بذاك المفتخر

من ذا الّذي اُسري به حتّي رأي

القدرة في حندس ليل معتكر

من خير خلق الله أعني أحمداً

لمّا دعا الله سراراً وجهر

من خاصف النّعل ومن خبّركم

عنه رسول اللّه أنواع الخبر

سائل به يوم حنين عارفاً

من صدّق الحرب ومن ولّي الدّبر

كليم شمس ِ الله والرّاجعها

من بعد ما انجاب ضياها واستتر

كليم أهل الكهف إذ كلّمهم

في ليلة المسح فشا عنها خبر

وقصّة الثّعبان إذ كلّمه

وهو علي المنبر والقوم زمر

والأسد العابس إذ كلّمه

معترفاً بالفضل منه وأقر

بأنّه مستخلف اللّه علي

الاُمّة والرّحمن ما شاء قدر

عيبة علم اللّه والباب الّذي

يوفي رسول اللّه منه المشتهر

لم يلجَ في شيء إلي القوم وكلّ

القوم محتاجٌ إليه إن حضر

طبّ حكيم ما احتبي في جمعهم

إلاّ أبان الفضل فيهم والخطر

صدّيقنا الأكبر والفاروق بي

ن الحقّ والباطل بالسيّف الذكر

المناقب [3: 290 292].

أوعز العوني رحمه اللّه بالبيت الثّالث، وذلك في قوله: «من

صاحب الدّار الّذي انقضّ بها نجمٌ» إلي آخره إلي ما أورده أبو جعفر ابن بابويه في أماليه بطرق كثيرة، كما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 214 ط النجف و3: 10 ط ايران] عن جويبر، عن الضّحّاك، عن أبي هارون العبدي.

وروي أيضاً عن أبي إسحاق الفزاري، عن جعفر بن محمّد الصّادق، عن آبائه (عليهم السلام)، وكلّهم عن ابن عبّاس. وروي أيضاً عن منصور بن الأسود، عن الصّادق، عن آبائه (عليهم السلام)، واللّفظ له.

قال: لمّا مرض النّبيّ (صلي الله عليه وآله) مرضه الّذي توفّي فيه اجتمع إليه أهل بيته وأصحابه، فقالوا: يا رسول اللّه إن حدث بك حدثٌ فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فلم يجبهم جواباً وسكت عنهم.

فلمّا كان اليوم الثاني أعادوا عليه القول، فلم يجبهم عن شيء ممّا سألوه. فلمّا كان اليوم الثّالث، قالوا: يا رسول اللّه إن حدث بك حادثٌ، فمن لنا بعدك؟ ومن القائم بأمرك؟

فقال لهم: إذا كان غداً هبط نجمٌ من السّماء في دار رجل من أصحابي، فانظروا من هو، فهو خليفتي فيكم من بعدي والقائم بأمري، ولم يكن فيهم أحدٌ إلاّ وهو يطمع أن يقول له: أنت القائم من بعدي.

فلمّا كان اليوم الرّابع جلس كلّ واحد منهم في حجرته ينتظر هبوط النّجم، إذ انقضّ نجمٌ من السّماء، قد علا ضوؤه علي ضوء الدّنيا، حتّي وقع في حجرة عليّ، فماج القوم، وقالوا: لقد ضلّ هذا الرّجل وغوي، وما ينطق في ابن عمّه إلاّ بالهوي، فأنزل اللّه في ذلك: (وَالنّجْمِ إذا هَوَي، مَا ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوي)الآيات. ويقال: ونزل قوله تعالي: (جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوي أنْفُسُكُمْ)[البقرة: 87].

وقال ابن حمّاد:

قال الإمام هو الّذي في داره

ينقضّ نجم اللّيل ساعة يطلع

فانقضّ في دار

الوصيّ فغاضهم

وغدت له ألوانهم تتمقّع

قالوا أمال به الهوي في صنوه

وتوازروا إلباً عليه وشنّعوا

وقال خطيب منيح:

ويوم النّجم حين هوي فقاموا

علي أقدامهم متألّمينا

فقالوا ضلّ هذا في عليّ

وصار له من المتعصّبينا

وأنزل ذو العلي في ذاك وحياً

تعالي اللّه خير المنزلينا

بأنّ محمّداً ما ضلّ فيه

ولكن أظهر الحقّ المبينا

راجع: المناقب [3: 10 11].

وقال ابن الصباح:

قال فبعد المصطفي الأمر لمن

كان فقلت الأمر للطهر العلم

قال فمن خير الوري من بعده

قلت عليّ خيرهم أباً واُم

قال فمن أقربهم لأحمد

قلت شقيق الرّوح أولي والرّحم

قال فصحب المصطفي قلت فهل

يبلغ للمختار صهراً وابن عم

قال فمن أدينهم قلت الّذي

لم يتّخذ من دون ذي العرش صنم

قال فمن أكرمهم قلت الّذي

صدّق بالخاتم في يوم العدم

قال فمن أفتكهم قلت الّذي

تعرفه الحرب إذا فيها هجم

قال فمن أقدمهم قلت الّذي

كان له المختار آخي يوم خم

قال فمن أعلمهم قلت الّذي

كان له العلم ومذ كان علم

قال واُحد قلت ما زال بها

مثابتاً حتّي له الجمع انهزم

قال فسل عمرو بن ودّ ما لَه

قلت سقي عمرواً بكأس لم يرم

قال وفي خيبر من نازله

قلت له من لم يكن منه سلم

قال فباب الحصن من دكدكه

قلت الّذي أومي إليه فانهدم

قال فبالبصرة ماذا نالها

قلت ملا الغدران بالبصرة دم

قال بصفّين أبِن لي أمرها

قلت علا بالسّيف أولاد التّهم

قال ومن خاطب ثعباناً ومن

كلّمه الذّئب إذ الذّئب ظلم

قال فمن ردّت له الشّمس الضّحي

وخاطبته بلسان منعجم

قال فعند الحوض من يسقي الوري

قلت عليّ فهو يسقي من قدم

قال فمن هذا فدتك مهجتي

قلت له ذاك الإمام المحترم

قال فما في عبد شمس مثله

قلت ولا في الخلق شبه بابن عم

وقال الصاحب:

قالت فمن بعده تصفي الولاء له

قلت الوصيّ الّذي أربي علي رجل

قالت فهل أحدٌ في الفضل يقدمه

فقلت هل هضبةٌ توفي علي جبل

قالت فمن أوّل الأقوام صدقه

فقلت من لم يصر يوماً إلي هبل

قالت فمن بات

من فوق الفراش فدي

فقلت أثبت خلق اللّه في الوهل

قالت فمن ذا الّذي آخاه عن مقة

فقلت من حاز ردّالشّمس في الطفل

قالت فمن زوّج الزّهراء فاطمةً

فقلت أفضل من حاف ومنتعل

قالت فمن والدُ السّبطين إذ فرعا

فقلت سابق أهل السّبق في مهل

قالت فمن فاز في بدر بمعجزها

فقلت أضرب خلق اللّه في القلل

قالت فمن ساد يوم الرّوع في اُحد

فقلت من نالهم بأساً ولم يهل

قالت فمن أسد الأحزاب يفرسها

فقلت قاتل عمرو الضّيغم البطل

قالت فخيبر من ذا هدّ معقلها

فقلت سائق أهل الكفر في غفل

قالت فيوم حنين من قرا وبرا

فقلت حاصد أهل الشّرك في عجل

قالت براءةٌ من أدّي قوارعها

فقلت من صين عن ختلوعن دغل

قالت فمن صاحب الرّايات يحملها

فقلت من حيط عن عمش وعن نعل

قالت فمن ذا دعي للطّير يأكله

فقلت أقرب مرضيّ ومنتحل

قالت فمن تلوه يوم الكساء أجب

فقلت أفضل مكسوّ ومشتمل

قالت فمن ساد في يوم الغدير أبن

فقلت من كان للإسلام خير ولي

قالت ففي من أتي في هل أتي شرفٌ

فقلت أبذل أهل الأرض للنّفل

قالت فمن راكعٌ زكّي بخاتمه

فقلت أطعنهم مذ كان بالاُسل

قالت فمن ذا قسيم النّار يسهمها

فقلت من رأيه أزكي من الشّعل

قالت فمن باهل الطّهر النّبيّ به

فقلت تاليه في حلّ ومرتحل

قالت فمن شبه هارون لنعرفه

فقلت من لم يحل يوماً ولم يزل

قالت فمن ذا غدا باب المدينة قل

فقلت من سألوه وهو لم يسل

قالت فمن قاتل الأقوام إذ نكثوا

فقلت تفسيره في وقعة الجمل

قالت فمن حارب الأرجاس إذقسطوا

فقلت صفّين تبدي صفحة العمل

قالت فمن قارع الأنجاس إذ مرقوا

فقلت معناه يوم النّهروان جلي

قالت فمن صاحب الحوض الشريف غداً

فقلت من بيته في أشرف الحلل

قالت فمن ذالواء الحمد يحمله

فقلت من لم يكن في الرّوع بالوجل

قالت أكلّ الّذي قد قلت في رجل

فقلت كلّ الّذي قد قلت في رجل

قالت فمن هو ذاك الفرد سمّ

لنا

فقلت ذاك أمير المؤمنين علي

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 292 294].

انه الخليفة والإمام والوارث

وروي ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 261 ط. النجف و3: 63 ط. ايران] نقلاً عن تفسير أبي عبيدة، وعلي بن حرب الطّائي، قال عبداللّه بن مسعود: الخلفاء أربعة: آدم، وذلك قوله تعالي: (إنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَة) [البقرة: 30]وداود، وذلك قوله تعالي: (يَا دَاوُدُ إنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْض) [ص: 26]يعني: بيت المقدس. وهارون، وذلك قول موسي كما في القرآن العظيم: (اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)[الأعراف: 142] وعليّ، وذلك في قوله تعالي: (وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنّهُمْ فِي الأرْض ِ كَما اسْتَخْلَفَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم)يعني: آدم وداود وهارون (وَلَيُمَكّنَنّ لَهُمْ دِينَهُم الّذي ارْتَضي لَهُمْ)يعني: الإسلام (وَلَيُبَدّلَنّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْناً) يعني: أهل مكّة (يَعْبُدونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ) أي: بولاية علي بن أبي طالب (فَاُولئِكَ هُمُ الفَاسِقُون)[النور: 55] يعني: العاصين للّه ولرسوله.

وروي أبو بكر بن مردويه في كتابه، والسّمعاني في فضائله بإسنادهما، عن عبدالرّزاق، عن أبيه عن مينا، عن ابن مسعود، قال: كنت مع النّبيّ (صلي الله عليه وآله) وقد تنفّس الصّعداء، فقلت: ما لك يا رسول اللّه؟ قال: نعيت إليّ نفسي يابن مسعود. قلت: استخلف. قال: من؟ قلت: أبا بكر. فسكت، ثمّ مضي ساعةً، ثمّ تنفّس، فقلت: ما شأنك يا رسول اللّه؟ قال: نُعيت إليّ نفسي فقلت: استخلف، قال: من؟ قلت: عمر، فسكت، ثمّ مضي ساعةً، ثمّ تنفّس، فقلت: ما شأنك يا رسول اللّه؟ قال: نُعيت إليّ نفسي، قلت: فاستخلف، قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب، فسكت، ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، لئن أطاعوه ليدخلنّ الجنّة أجمعين أكتعين.

ونهي هارون الرّشيد أن يقال لعليّ (عليه السلام) خليفة. قال

أبو معاوية الضّرير: يا أمير المؤمنين قالت تيمٌ: منّا خليفة رسول اللّه، وقالت بنو اُميّة: منّا خليفة الخلفاء، فأين حظّكم يا بني هاشم من الخلافة؟ واللّه ما حظّكم منها إلاّ علي بن أبي طالب (عليه السلام). فرجع الرّشيد عمّا كان يقول.

وقال الحميري:

أشهد باللّه وآلائه

والمرء عمّا قاله يُسأل

إنّ علي بن أبي طالب

خليفة اللّه الّذي يعدل

وأنّه قد كان من أحمد

كمثل هارون ولا مرسل

لكن وصيّاً خازناً عنده

علمٌ من اللّه به يعمل

وقال الصّاحب بن عبّاد:

عليّ أمير المؤمنين خليفةٌ

شهدت له بالجنّة المتعالية

وإنّي لأرجو من مليكي كرامة

بحبّ عليّ يوم اُعطي كتابية

وفي الألفيّة:

لمن الخلافة والوزارة هل هما

إلاّ له وعليه يتّفقان

أوما هما فيما تلاه إلهكم

في محكم الآيات مكتوبان

أدلوا بحجّتكم وقولوا قولكم

ودعوا حديث فلانكم وفلان

هيهات ظلّ ضلالكم أن تهتدوا

وتفهّموا لمقطّع السّلطان

راجع: المناقب [3: 63 64].

الصراط المستقيم

روي ابن شهرآشوب في مناقبه: نقلاً عن تفسير وكيع بن الجرّاح، عن سفيان الثّوري، عن السدي، عن أسباط ومجاهد، عن عبداللّه بن عبّاس في قوله تعالي: (إهْدِنَا الصّراطَ الْمُسْتَقِيم) [الفاتحة: 6] قال: قولوا معاشر العباد: أرشدنا إلي حبّ النبيّ وأهل بيته.

وفي تفسير الثّعلبي، وكتاب ابن شاهين، عن رجاله، عن مسلم بن حيّان، عن بريدة في قوله تعالي: (إهْدِنَا الصّراطَ الْمُسْتَقِيم) قال: صراط محمّد وآله.

قال أبو عبداللّه جعفر الصّادق (عليه السلام) في قوله تعالي: (أفَمَنْ يَمْشي مُكِبّاً عَلي وَجْهِهِ أهْدي) أي أعداؤهم (أمّنْ يَمْشي سَوِيّاً عَلي صَراط مُسْتَقِيم)[الملك: 22]قال: سلمان والمقداد وعمّار وأصحابه.

وفي التّفسير: (وَأنّ هَذا صِراطي مُسْتَقِيماً) [الأنعام: 153] يعني: القرآن وآل محمّد.

وروي الثّمالي عن أبي جعفر محمّد الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي: (فَاسْتَمْسِكْ بَالّذي اُوحِي إلَيْكَ إنّكَ عَلي صِراط مُسْتَقِيم) [الزخرف: 43] قال: إنّك علي ولاية عليّ (عليه السلام) وهو الصّراط المستقيم.

ومعني ذلك أنّ عليّ بن أبي

طالب (عليه السلام) الصّراط إلي اللّه، كما يقال: فلانٌ باب السّلطان، إذا كان يوصل به إلي السّلطان.

ثمّ إنّ الصراط هو الّذي عليه عليّ، يدلّك وضوحاً علي ذلك قوله تعالي: (صِراطَ الّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِم) [الفاتحة: 7] يعني: نعمة الإسلام، لقوله تعالي: (وَأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) [لقمان: 20] والعلم، وذلك في قوله تعالي: (وَعَلّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَم)[النساء: 113] والذريّة الطيّبة لقوله: (إنّ اللّهَ اصْطَفي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلي الْعالَمين، ذُريّةً بَعْضُها مِنْ بَعْض) [آل عمران: 33 34]وإصلاح الزّوجات لقوله تعالي: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيي وَأصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ [)الأنبياء: 90] فكان عليّ (عليه السلام) في هذه النّعم في أعلي ذُراها.

وقال الحميري:

سمّاه جبّار السّما

صراط حقّ فسما

فقال في الذّكر وما

كان حديثاً يُفتري

هذا صراطي فاتبعوا

وعنهم لا تخدعوا

فخالفوا ما سمعوا

والخلف ممّن شرعا

واجتمعوا واتّفقوا

وعاهدوا ثمّ التقوا

إن مات عنهم وبقوا

أن يهدموا ما قد بني

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 73 75].

حبل الله

عن أبي جعفر الصّائغ، قال: سمعت الصّادق يقول في قوله تعالي: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرّقُوا) [آل عمران: 103] قال: نحن حبل اللّه.

وعن محمّد بن علي العنبري بإسناده، عن النّبيّ أنّه سأل أعرابيّ عن هذه الآية، فأخذ رسول اللّه يده فوضعها علي كتف عليّ، فقال: يا أعرابيّ هذا حبل اللّه فاعتصم به، فدار الأعرابيّ من خلف عليّ والتزمه، ثمّ قال: اللّهمّ اُشهدك أنّي اعتصمت بحبلك، فقال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): من سرّه أن ينظر إلي رجل من أهل الجنّة فلينظر إلي هذا.

وروي نحواً من ذلك الباقر والصّادق (عليهما السلام).

وقال الحميري:

انا وجدنا له فيما نخبّره

بعروة العرش موصولاً بها سببا

حبلاً متيناً بكفيّه له طرق

سد العراج إليه العقد والكربا

من يعتصم بالقوي من حبله فله

أن لا يكون غداً في حال من

عطبا

قال العوني:

إمامي حبل اللّه عروة حقّه

فطوبي وطوبي من تمسّك بالحبل

راجع: المناقب: [3: 75 76].

العروة الوثقي

وروي سفيان بن عيينة، عن الزّهري، عن أنس بن مالك في قوله تعالي: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلي اللّهِ) قال: نزل في علي، كان أوّل من أخلص وجهه للّه (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي: مؤمن مطيعٌ (فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقي) أي قول: لا إله إلاّ اللّه (وَإلي اللّهِ عَاقِبَةُ الأمُور) [لقمان: 22] واللّه ما قُتل عليّ بن أبي طالب إلاّ عليها.

وروي أيضاً: (فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي) يعني: ولاية عليّ.

وعن الإمام الرّضا (عليه السلام)، قال النبيّ (صلي الله عليه وآله): من أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقي، فليتمسّك بحبّ علي بن أبي طالب.

قال ابن حمّاد:

هو العروة الوثقي هو الجنب إنّما

يفرّط فيه الخاسر العمه الغفل

وله أيضاً:

عليّ عليّ القدر عند مليكه

وإن أكثرت فيه الغواة ملالها

وعروته الوثقي التي من تمسّكت

يداه بها لم يخش قطّ انفصامها

راجع: المناقب [3: 76].

وقال أبو نواس:

يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرةً

فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم

أدعوك ربّي كما أمرت تضرّعاً

فاذا رددت يدي فمن ذا يرحم

إن كان لا يرجوك إلاّ محسنٌ

فمن الّذي يرجو ويدعو المجرم

ما لي إليك وسيلةٌ إلاّ الرّجا

وجميل ظنّي ثمّ انّي مسلم

مستمسكاً بمحمّد وبآله

إنّ الموفّق من بهم يستعصم

ثمّ الشّفاعة من نبيّك أحمد

ثمّ الحماية من عليّ أعلم

ثمّ الحسين وبعده أولاده

ساداتنا حتّي الإمام المكتم

سادات حرّ ملجأ مستعصم

بهم ألوذ فذاك حصن محكم

راجع: المناقب [2: 165 166].

أشياء لعليّ ليست للنّبيّ

قال ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 19 ط النجف و2: 170 ايران] روي الثقات عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: يا علي لك أشياء ليست لي منها: إنّ لك زوجة مثلُ فاطمة، وليس لي مثلها. ولك ولدين من صلبك، وليس لي مثلهما من صلبي. ولك مثل خديجة اُمّ

أهلك، وليس لي مثلها حماة. ولك صهرٌ مثلي، وليس لي صهرٌ مثلي، ولك أخٌ في النّسب مثل جعفر، وليس لي مثله في النّسب. ولك اُمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشميّة المهاجرة، وليس لي مثلها.

انه صالح المؤمنين

روي ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 274 ط النجف: 3: 76] نقلاً عن تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان النّسوي، والكلبي، ومجاهد. وأبي صالح، والمغربي، عن ابن عبّاس: أنّه رأت حفصة بنت عمر بن الخطّاب النّبيّ في حجرة عائشة مع مارية القبطيّة، فقال (صلي الله عليه وآله): أتكتميني علي حديثي؟ قالت: نعم، قال: فإنّها عليّ حرامٌ، ليطيب قلبها، فأخبرت عائشة وبشّرتها بتحريم مارية.

فكلّمت عائشة النّبيّ في ذلك، فنزل: (وَإذْ أسَرّ النّبيّ إلي بَعْض ِ أزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمّا نَبّأتْ بِهِ وَأظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرّفَ بَعْضَهُ وَأعْرَضَ عَنْ بَعْض فَلَمّا أنْبَأهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أنبأكَ هَذا قَال نَبّأنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِير، إنْ تَتُوبَا إلي اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإنّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْريلُ وَصَالِحُ الْمُؤمِنين) قال ابن عبّاس: صالح المؤمنين واللّه: علي، يقول اللّه: واللّه حسبه (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِير) [التحريم: 3 4].

وروي الثّعلبيّ بالإسناد عن الامام موسي بن جعفر (عليهما السلام)، وعن أسماء بنت عميس، عن النّبيّ (صلي الله عليه وآله)، قال: وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب.

وروي أبو نعيم الاصفهاني بالإسناد، عن أسماء بنت عميس، عن ابن عبّاس عن النّبيّ (صلي الله عليه وآله)، قال: إنّ عليّاً باب الهدي بعدي، والدّاعي إلي ربّي، وهو صالح المؤمنين (وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلي اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) الآية [فصّلت: 33].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) علي المنبر: أنا أخو المصطفي خير البشر، من هاشم سنامه الأكبر، ونبأ عظيم جري به القدر، وصالح

المؤمنين مضت به الآيات والسّور.

قال ابن شهرآشوب: وإذا ثبت أنّه صالح المؤمنين، فينبغي كونه أصلح من جميعهم، بدلالة العرف والاستعمال؛ كقولهم: فلان عالم قومه، وشجاع قبيلته.

قال الناشي:

إذ أسرّ النّبيّ فيه حديثاً

عند بعض الأزواج ممّن يليه

نبّأتها به وأظهره اللّه

عليه وجاء من قبل فيه

يسأل المصطفي فيعرف بعضاً

بعد إبطان بعضه يستحيه

وغداً يعتب اللّتين بقصد

أبديا سرّه إلي حاسديه

فأبي اللّه أن يتوبا إلي اللّه

فقد صاغ قلب من يتّقيه

أو تحيا تظاهراً فهو مولاه

وجبريل ناصر في ذويه

ثمّ خير الوري أخوه عليّ

ناصر المؤمنين من ناصريه

راجع: المناقب [3: 76 77].

انه الاذن الواعية

روي أبو نعيم في حليته، عن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه. والواحدي في تفسيره أسباب النّزول، عن بريدة. وأبو القاسم بن حبيب في تفسيره، عن زرّ بن حبيش، عن علي بن أبي طالب، واللّفظ له، قال علي بن أبي طالب: ضمّني رسول اللّه، وقال: أمرني ربّي أن اُدنيك ولا اُقصيك، وأن تسمع وتعي.

وفي تفسير الثّعلبي، عن بريدة: وأن اُعلّمك وتعي، وحقّ علي اللّه أن تسمع وتعي، فنزلت: (وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَة) [الحاقة: 12] وذكره النّطنزي في خصائصه.

وفي المحاضرات لأبي القاسم الاصفهاني، قال الضّحّاك وابن عبّاس في قوله تعالي: (وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَةٌ) اُذن عليّ.

وفي كتاب الياقوت، عن ابي عمر، وغلام بن تغلب، وفي الكشف والبيان عن الثّعلبي، قال عبداللّه بن الحسن كما في كتاب الكليني، واللّفظ له، عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس، عن النّبيّ (صلي الله عليه وآله): لمّا نزلت: (وتَعِيَها اُذُنٌ وَاعِيَة)قلت: اللّهمّ اجعلها اُذن عليّ، فما سمع شيئاً بعده الاّ حفظه.

وعن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس: (وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَة) علي بن أبي طالب. ثمّ قال: قال النّبيّ (صلي الله عليه وآله): ما زلت أسأل اللّه تعالي منذ اُنزلت

أن تكون اُذنك يا علي.

وفي تفسير القشيري، وغريب العزيزي: لمّا نزلت هذه الآية قال النّبيّ لعلي بن أبي طالب: انّي دعوت اللّه أن يجعل هذه اُذنك.

وعن جابر الجعفي، وعبداللّه بن الحسين، ومكحول، قال رسول اللّه (عليهم السلام): إنّي سألت ربّي أن يجعلها اُذنك يا علي، اللّهمّ اجعل «اُذن واعية» اُذن عليّ ففعل، فما نسيت شيئاً سمعته بعد.

قال الحميري:

وصيّ محمّد وأمين غيب

ونعم أخو الإمامة والوزير

إذا ما آية نزلت عليه

يضيق بها من القوم الصّدور

دعاها صدره وحنت عليها

أضالعه وأحكمها الضّمير

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 78 79].

انه النبأ العظيم

روي القطّان في تفسيره عن وكيع عن سفيان، عن السّدي، عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: أقبل صخر بن حرب حتّي جلس إلي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، فقال: يا محمّد هذا الأمر بعدك لنا أم لمن؟ قال: يا صخر الأمر بعدي لمن هو بمنزلة هارون من موسي، وقال: فأنزل اللّه تعالي: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، عَنِ النَبَأِ العَظيمِ، الَّذي هُمْ فيهِ مَخْتَلِفُون) منهم المصدّق بولايته وخلافته، ومنهم المكذّب بهما.

ثمّ قال: «كلاّ» ردّ هو عليهم «سَيَعْلمون» خلافته بعدك أنّها حقّ. (ثمّ كلاّ سيعلمون) ويقول: يعرفون ولايته وخلافته إذ يسألون عنها في قبورهم، فلا يبقي ميّت في شرق ولا في غرب، ولا في بر ولا في بحر، إلاّ ومنكر ونكير يسألانه عن الولاية لأمير المؤمنين بعد الموت، يقولان للميّت: من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك.

وروي علقمة أنّه خرج يوم صفّين رجل من عسكر الشّام وعليه سلاح ومصحف فوقه، وهو يقول: عمَّ يتساءلون، فأردت البراز، فقال (عليه السلام): مكانك، وخرج بنفسه وقال: أتعرف النَّبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون؟ قال: لا، قال: واللّه إنّي أنا النّبأ العظيم، الّذي

فيّ اختلفتم، وعلي ولايتي تنازعتم، وعن ولايتي رجعتم بعدما قبلتم، وببغيكم هلكتم بعدما بسيفي نجوتم، ويوم غدير قد علمتم، ويوم القيامة تعلمون ما علمتم، ثمّ علاه بسيفه فرمي رأسه ويده، ثمّ قال:

أبي اللّه إلاّ أنّ صفّين دارنا

وداركم مالاح في الاُفق كوكب

وحتّي تموتوا أو نموت ومالنا

ومالكم عن حومة الحرب مهرب

وفي رواية الاصبغ، قال (عليه السلام): واللّه إنّي أنا النبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون، كلاّ سيعلمون حين أقف بين الجنّة والنّار، فأقول: هذالي وهذالك.

وفي الخبر عن أبي المضا صبيح، عن الإمام الرّضا (عليه السلام)، قال عليّ (عليه السلام): ما للّه نبأ أعظم منّي.

وروي أنّه لمّا هربت الجماعة يوم اُحد، كان عليّ يضرب قدّامه، وجبرئيل علي يمين النّبيّ، وميكائيل عن يساره، فنزل قوله تعالي: (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظيم، أنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُون) [ص: 67 68].

قال العوني:

يا أيّها النّبأ العظيم كفاك أن

سمّاك ربّك في القرآن عظيماً

انّي لأعلم أنّ من والاكم

والي الإله الواحد القيّوما

وله أيضاً:

هو النّبأ العالي العظيم الّذي دعا

تطيل البرايا في نباه اختصامها

فهل يطفئ الكفّار أنوار فضله

وربّ العلي قد مدّها وأدامها

وقال السّوسي:

إذا نادت صوارمه سيوفاً

فليس لها سوي نعم جواب

طعام سيوفه مهج الأعادي

وفيض دم الرّقاب لها شراب

وبين سنانه والدّرع صلح

وبين البيض والبيض اصطحاب

هو النّبأ العظيم وفلك نوح

وباب اللّه وانقطع الخطاب

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 79 80].

انه النور

روي الواحدي في الوسيط، وفي أسباب النّزول، قال عطاء في قوله تعالي: (أفَمَنْ شَرَحَ اللّه صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ فَهُوَ عَلَي نُوْر مِنْ رَبِّه) [الزمر: 22] نزلت في عليّ، وحمزة، وقوله تعالي: (فَوَيْلُ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) [الزمر: 22] نزلت في أبي جهل وولده.

وقال أبو جعفر وجعفر (عليهما السلام) في قوله تعالي: (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلي النُّور) [الاحزاب: 43] يعني: من الكفر الي الايمان يعني: إلي الولاية لعليّ

(عليه السلام).

وعن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (وَمَا يَسْتَوي الأعْمَي) أي: أبو جهل (وَلاَ البَصيرُ) يعني: أمير المؤمنين (عليه السلام) (وَلا الظُّلُمَاتُ) أي: أبو جهل (وَلاَ النُّور) أمير المؤمنين (عليه السلام) (وَلاَ الظِّلُّ) يعني ظلّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في الجنّة. (وَلاَ الحَرُور) يعني جهنّم. ثمّ جمعهم جميعاً فقال: (وَمَا يَسْتَوي الأحْيَاءُ) يعني: عليّاً، وحمزة، وجعفراً، والحسن، والحسين، وفاطمة، وخديجة (وَلاَ الأمْوَاتُ) [فاطر: 19 22]كفّار مكّة.

وقال ابن شهرآشوب: وحدّثني شيرويه الدّيلمي، وأبو الفضل الحسيني السّروي بالإسناد، عن حمّاد بن ثابت، عن عبيد بن عمير اللّيثي، عن عثمان بن عفّان، قال عمر بن الخطّاب: إنّ اللّه تعالي خلق ملائكته من نور وجه علي بن أبي طالب (عليه السلام).

قال ابن رزيك:

هو النّور نور اللّه والنّور مشرق

علينا ونور اللّه ليس يزول

سما بين أملاك السّماوات ذكره

نبيه فما أن يعتريه خمول

راجع: المناقب [3: 80 82].

انه الهادي

قال ابن شهرآشوب: صنّف أحمد بن محمّد بن سعيد كتاباً في قوله تعالي: (اِنَّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد) [الرعد: 7] نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام).

وروي الحاكم الحسكاني في شواهد التّنزيل [1: 301] والاصفهاني [12] فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين، قال ابو برزة: دعا لنا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) بالطّهور وعنده علي بن أبي طالب، فأخذ بيد عليٍّ بعدما تطهّر فألصقها بصدره، ثمّ قال: إنّما أنا منذر، ثمّ ردّها إلي صدر عليّ بن أبي طالب، ثمّ قال: ولكلّ قوم هاد، ثمّ قال: أنت منار الأنام، وراية الهدي، وأمين القرآن، وأشهد علي ذلك انّك كذلك.

وروي الحافظ أبو نعيم بثلاث طرق، عن حذيفة بن اليمان، قال النّبيّ (صلي الله عليه وآله): إن

تستخلفوا عليّاً وما أراكم فاعلين، تجدوه هادياً مهديّاً، يحملكم علي المحجّة البيضاء.

وعنه فيما نزل في أمير المؤمنين بالإسناد، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، وعن شيرويه في الفردوس عن ابن عبّاس، واللّفظ لأبي نعيم، قال رسول اللّه: أنا المنذر، والهادي عليّ. يا عليّ بك يهتدي المهتدون. ورواه الفلكي المفسّر.

وروي الثّعلبي في الكشف والبيان: عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: لما نزلت هذه الآية وضع رسول اللّه يده علي صدره، وقال: أنا المنذر، وأومي بيده إلي منكب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون بعدي.

وعن عبداللّه بن عطاء، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال النّبيّ (صلي الله عليه وآله): أنا المنذر وعلي الهادي.

وعن أبي هريرة عن النّبيّ (صلي الله عليه وآله)، قال: أنا المنذر وأنت الهادي لكّل قوم.

وعن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، قال: سألت رسول اللّه عن هذه الآية، فقال لي: هادي هذه الاُمّة عليّ بن أبي طالب.

وروي الثّعلبي عن السّدي، عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب، قال: المنذر النّبيّ (صلي الله عليه وآله)، والهادي رجل من بني هاشم، يعني نفسه. ورواه أبو نعيم بالسّند المذكور.

وفي الحساب (إنَّمَا اَنْتَ مُنْذِرٌ) وزنه: خاتم الانبياء الحجج محمّد المصطفي، فعدد حروف كلّ واحد منهما: ألف وخمسمائة وثلاثة وثلاثون، وباقي الآية (وَلِكلِّ قَوْم هَاد) وزنه: عليّ وولده بعده، وعدد كلّ واحد منهما مائتان وإثنان وأربعون.

قال الحميري:

هما اخوان ذا هاد إلي ذا

وذا فينا لاُمّته نذير

فأحمد منذر وأخوه هاد

دليل لا يضل ولا يحير

وكذلك في قوله تعالي: (اُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُون) [الاعراف: 181]كما رواه أبو معاوية الضّرير، عن الاعمش، عن

مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: يعني بالاُمّة من اُمّة محمّد: علي بن أبي طالب (يَهْدُونَ بِالحَقِّ) يعني: يدعو بعدك يا محمّد إلي الحقّ (وَبِهِ يَعْدِلُون) أي في الخلافة بعدك.

ومعني الاُمّة: العَلَم في الخير، كما في قوله تعالي: (اِنَّ ابرَاهيمَ كَانَ اُمّةً قَانِتاً لِلّهِ)الآية [النحل: 120].

وكذا في قوله تعالي: (وَاِنّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَي [طه: 82] أي: إلي ولاية عليّ وأهل البيت. كما رواه ثابت البناني.

وفي الحساب: (إلاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَي) وزنه: إلي ولاية المرتضي علي والأئمّة بعده، فعدد حروف كلّ واحد منهما: ألف وثمانمائة واثنان وخمسون.

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 83 85].

انه الشاهد والشهيد

روي الطّبري باسناده عن جابر بن عبداللّه الأنصاري، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): في قوله تعالي: (اَفَمَنْ كَانَ عَلي بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ)[هود: 17]أنا، يعني: الشّاهد.

وروي الحافظ ابو نعيم بثلاث طرق، عن عبّاد بن عبداللّه الأسدي، قال: سمعت عليّاً يقول: (أفَمَنْ كَانَ عَلي بيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ) الآية: رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) علي بيّنة من ربّه، وأنا الشّاهد. وذكر ذلك أيضاً النّطنزي في الخصائص.

وعن حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: (أفَمَنْ كَانَ عَلَي بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ)هو رسول اللّه (وَيَتْلُوه شَاهِدٌ مِنْهُ) هو عليّ بن أبي طالب، كان واللّه لسان رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

وروي الثّعلبيّ عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، أنّه قال في قوله تعالي: (أفَمَنْ كَانَ عَلَي بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) الشّاهد علي بن أبي طالب. وقد رواه القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد، وأبو نصر القشيريّ في كتابيهما، والفلكيّ المفسّر رواه عن مجاهد، وعن عبداللّه بن شدّاد.

وروي الثّعلبيّ في

تفسيره: عن حبيب بن يسار، عن زاذان، وعن جابر بن عبداللّه كليهما، عن عليّ (عليه السلام)، قال: (أفَمَنْ كَانَ عَلَي بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ)يعني: فرسول اللّه علي بيّنة من ربّه ويتلوه، وأنا شاهد منه. وفي الحساب (أفَمَنْ كَانَ عَلَي بَيّنَة مِنْ ربِّهِ) وزنه: رسول اللّه سيّد الأنبياء أحمد الأمين، فجملة حروف كلّ واحد منهما سبعمائة وستّة عشر، وتمام الآية (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ)وزنه: علي بن أبي طالب شاهد برّ زكيّوفيّ،وعدد حروف كلّ واحدمنهماثمانمائة وإثنان وستّون.

قال ابن حمّاد:

ذا علي التّبيان يتلوه منه

شاهد ناب عنه كلّ مناب

ذا نذير وذاك هاد فهل

يجحد ذا غير جاهل مرتاب

وقال ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 283 ط النجف و 3: 86 ط ايران] وقرأ ابن مسعود: أفمن اُوتي علماً من ربّه ويتلوه شاهد منه. عليّ كان شاهد النّبيّ علي اُمّته بعده، فشاهد النّبيّ يكون أعدل الخلائق، فكيف يتقدّم عليه دونه؟!

وكذا في قوله تعالي: (فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كلّ اُمَّة بِشَهيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَي هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء: 41] فالأنبياء شهداء علي اُممهم، ونبيّنا شهيد علي الانبياء، وعليّ شهيد للنّبيّ (صلي الله عليه وآله)، ثمّ صار في نفسه شهيداً، بقوله تعالي: (قُلْ كَفَي بِاللّهِ شهيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَاب) الآية [الرعد: 43] وقد بيّنّا صحّته فيما تقدّم.

وعن سليم بن قيس الهلالي، عن عليّ (عليه السلام) قال: إنّ اللّه تعالي إيّانا عني بقوله: (شَهِيداً عَلَي النَّاس) فرسول اللّه شهيد علينا، ونحن شهداء اللّه علي خلقه، وحجّته في أرضه، ونحن الذين قال اللّه تعالي: (وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونوا شُهَدَاءَ عَلي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة: 143] ويقال: إنّه المعنيّ بقوله: (وَجِيءَ بِالنَّبِيّيْنَ وَالشُهَداء) [الزمر: 69].

وعن مالك بن أنس، عن سميّ عن

أبي صالح في قوله تعالي: (وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فُاُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمُ مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقِينَ وَالشُّهَدَاء)قال: الشّهداء يعني: عليّاً، وجعفراً، وحمزة، والحسن، والحسين، هؤلاء سادات الشّهداء (وَالصَّالِحينَ) يعني: سلمان، وأبا ذرٍّ، والمقداد، وعمّاراً، وبلالاً، وخباباً (وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفِيقاً) يعني: في الجنّة (ذلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَي بِاللّهِ عَليماً)[النساء: 69 70] يعني: أنّ منزل عليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين ومنزل رسول اللّه واحد.

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 85 87].

انه الصديق والفاروق

وهو (عليه السلام) المعنيّ بقوله تعالي: (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُداًّ) [مريم: 96].

وعن علي بن الجعد، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (وَالَّذينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ اُولئِكَ هُمُ الصِّدّيقُون) قال: صدّيق هذه الاُمّة علي بن أبي طالب، هو الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم، ثم قال: (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قال ابن عبّاس: وهم: عليّ، والحمزة، وجعفر، فهم صدّيقون وهم شهداء الرّسول علي اُممهم قد بلّغوا الرّسالة. ثمّ قال: (لَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)[الحديد: 19] علي التّصديق بالنّبوّة، ونورهم علي الصّراط.

وعن مالك بن أنس عن سميّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَاُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيّين)يعني: محمّداً. (وَالصِّدِّقينَ) يعني: عليّاً، وكان أوّل من صدّقه (وَالشُّهَداء)[النساء: 69]يعني: عليّاً، وجعفراً، وحمزة، والحسن والحسين (عليهم السلام)، فالنّبيّيون كلّهم صدّيقون، وليس كلّ صدّيق نبيّاً، والصّدّيقون كلّهم صالحون. وليس كلّ صالح صدّيقاً، ولا كلّ صدّيق شهيداً، وقد كان أمير المؤمنين صدّيقاً شهيداً صالحاً، فاستحقّ (عليه السلام) ما في الآيتين من وصف سوي النّبوّة.

وكان أبو ذرّ يحدّث شيئاً فكذّبوه، فقال النّبيّ (صلي الله عليه وآله) فيه: ما أظلّت الخضراء، وأقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفي من أبي

ذرٍّ، شبه عيسي بن مريم. الحديث، فدخل وقتئذ عليّ (عليه السلام)، فقال (صلي الله عليه وآله): ألا إنّ هذا الرّجل المقبل فإنّه الصّدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم.

وروي ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 286 ط النجف و 3: 90 ط ايران] عن ابن عبّاس، عن النّبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: إنّ عليّاً صدّيق هذه الاُمّة، وفاروقها، ومحدّثها، إنّه هارونها، ويوشعها، وآصفها، وشمعونها، إنّه باب حطّتها وسفينة نجاتها، إنّه طالوتها، وذو قرنيها.

وفيه: روي عن كعب الأحبار أنّه سأل عبداللّه بن سلام قبل أن يسلم: يا محمّد ما اسم عليّ فيكم؟ قال: عندنا الصّدّيق الأكبر، فقال عبداللّه: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه إنّا لنجد في التّوراة: محمّد نبيّ الرّحمة، وعلي مقيم الحجّة.

قال السيّد الحميري:

شهيدي اللّه يا صدّيق

هذي الاُمّة الأكبر

بأنّي لك صافي الودّ

في فضلك لا أستر

وقال شاعر:

فقال من الفاروق إن كنت عالماً

فقلت الّذي قد كان للدّين مظهر

عليّ أبو السّبطين علاّمة الوري

وما زال للأحكام يبدي وينشر

قال ابن شهرآشوب: وقد روي العلماء من أهل البيت عن الباقر، والصّادق، والكاظم، والرّضا، وزيد بن علي (عليهم السلام) في قوله تعالي: (وَالَّذي جَاءَ بِالصَّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ اُولئِكَ هُمُ المُتَّقُون) [الزمر: 33] قالوا: هو عليّ. أي: المصدّق به.

وروت العامّة عن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن السدّي، عن ابن عبّاس، وروي عبيدة بن حميد، عن منصور. وروي النّطنزي في الخصائص عن ليث، عن مجاهد، وروي الضّحّاك عن ابن عبّاس، أنّه قال: فرسول اللّه جاء بالصّدق، وعليّ صدّق به.

روي عن الإمام الرّضا (عليه السلام) في قوله تعالي: (فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ علي اللّه وكذّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جاءَهُ) [الزمر: 32] قال: قال النّبيّ (صلي الله عليه وآله): وكذّب بالصّدق، الصّدق:

علي بن أبي طالب.

وفي رواية عن الإمامين الصّادق والرّضا (عليهما السلام)، قالا: إنَّه محمّد وعليّ.

وفي تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان: حدّثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: (يَا ايُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقوا اللّهَ) أمر اللّه الصّحابة أن يخافوا اللّه (وَكونُوا مَعَ الصَّادِقِين) [التوبة: 119] يعني: مع محمّد وأهل بيته.

وفي «شرف النّبيّ» للخركوشي، والكشف والبيان للثّعلبيّ، قالا: روي الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، عن جابر الجعفي، عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية، قال: محمّد وعليّ.

وعن عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن عليّ (عليه السلام)، قال: فينا نزلت: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ) الآية [الاحزاب: 23] فأنا واللّه المنتظر، وما بدّلت تبديلاً.

قال ابن طوطي:

ومظهر دين اللّه بالسّيف عنوةً

وما كان دين اللّه لولاه يظهر

ولولاه ما صلّي لذي العرش مسلم

ولكن سبيل الحقّ يعفو ويدثر

وقال السّروجي:

كلاّ وحقّ أمير النّحل حيدرة

صنو النّبيّ أمير المؤمنين علي

خير البريّة آباءً وأشرفها

قدراً وأسمحها كفّاً لمبتذل

لولاه ما قام للإسلام قائمة

ولا استقام طريق غير مشتكل

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 89 95].

انه حجة الله وذكره

روي الخطيب البغدادي في تأريخه [2: 88]: عن أنس أنّه نظر النّبيّ (صلي الله عليه وآله) إلي عليّ، فقال: أنا وهذا حجّة اللّه علي خلقه.

وروي الدّيلميّ في الفردوس قال (صلي الله عليه وآله): أنا وعليّ حجّة اللّه علي عباده.

وفي الحساب وزنه: كمال حججي بعلي، اتّفقا في مائة واثني عشر،

قال ابن حمّاد:

يا حجّة اللّه والدّليل علي

الحقّ إليك السّبيل قد وضحا

وقال:

وحجّته الّتي ثبتت وقامت

علينا يا أبا حسن وفينا

وروي ابن شهرآشوب نقلاً عن كتاب ابن رميح، قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي: (قُلْ مَا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْر وَمَا أنَا مِنَ المُتَكَلّفين، إنْ هُوَ إلاّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمينَ) [ص:

86 87] يعني أمير المؤمنين (عليه السلام).

وعن ابن عبّاس في قوله تعالي: (ذِكْراً رَسُولاً) [الطلاق: 10 11] قال: النّبيّ ذكر من اللّه، وعليّ ذكر من محمّد، كما قال: (وَإنَّهُ لذكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِك)[الزخرف: 44].

وفي تفسير الثّعلبيّ: قال عليّ (عليه السلام) في قوله تعالي: (فاسْألُوا أهْلَ الذِكْرِ إنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُون) [النحل: 43]: نحن أهل الذّكر.

وفي الإبانة لأبي العبّاس الفلكي، قال عليّ (عليه السلام): ألا إنّ الذّكر رسول اللّه، ونحن أهله، ونحن الرّاسخون في العلم، ونحن منار الهدي، وأعلام التّقي، ولنا ضربت الأمثال.

وقال ابن مكي:

ذكره في القرآن غُمر السّفور

والتّوراة ثمّ الإنجيل ثمّ الزّبور

خصّه اللّه بالعلوم فأضحي

وهو ينبي بسرّ كلّ ضمير

حافظ العلم عن أخيه عن اللّه

خبيراً عن اللّطيف الخبير

وقال شاعر:

تولّي الشّباب وجاء المشيب

فايقظني فعرفت الطّريقا

فتمّمته قاصداً للّذي

له أخذ اللّه أخذاً وثيقا

وأكّده المصطفي موجباً

له كلّ وقت عليه حقوقا

وواخاه من دون أصحابه

وكان بذلك منه حقيقا

وزوّجه المصطفي فاطماً

وكان عليه عطوفاً شفيقا

وقال دعبل:

أعدّ للّه يوم يلقاه

دعبل أن لا إله إلاّ هو

يقولها صادقاً عساه بها

يرحمه في القيامة اللّه

اللّه مولاه والنّبيّ ومن

بعدهما فالوصيّ مولاه

وقال البشنوي:

ولست اُبالي بأيّ البلاد

قضي اللّه نحبي إذا ما قضاه

ولا أين حطت إذا مضجعي

ولا من جفاه ولا من قلاه

إذا كنت أشهد أن لا إله

إلاّ هو الحقّ فيما قضاه

وانّ محمّداً المصطفي

نبيّ وأنّ عليّاً أخاه

وفاطمة الطّهر بنت الرّسول

رسولاً هدانا إلي ما هداه

وابناهما فهما سادتي

فطوبي لعبد هما سيّداه

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 97 102].

انه المعني بالإنسان والرجال والوالد

لقد جاء في تفسير أهل البيت (عليهم السلام) أنّ قوله تعالي: (هَلْ أتي علي الإنْسَانِ حِيْنٌ مِنَ الدَّهْرِ) يعني به عليّاً، وتقدير الكلام ما أتي علي الإنسان زمان من الدّهر إلاّ وكان (عليه السلام) فيه شيئاً مذكوراً، وكيف لم يكن مذكوراً وأنّ اسمه مكتوب علي ساق العرش وعلي باب الجنّة.

والدّليل علي هذا القول قوله تعالي: (إنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَة)؛ ومعلوم أنّ آدم لم يخلق من النطفة.

وروي الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل [2: 119] بالإسناد عن أبي الطّفيل، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالي: (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُل) [الزمر: 29]قال (عليه السلام): أنا ذلك الرّجل السّلم علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

قال السّديّ: كلّ موضع روي عبدالرّحمن بن أبي ليلي يقول: حدّثني رجل من أصحاب رسول اللّه، أو قال رجل من البدريّين، إنّما عني عليّ بن أبي طالب، وكان أصحابه يعرفون ذلك ولا يسألونه عن اسمه، وقد ثبت أنّ قوله تعالي: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدوا اللّه عَلَيْهِ) [الاحزاب: 23] وقوله تعالي: (وَعَلي الاَعْرافِ رِجَالٌ [)الاعراف: 46] نزلتا فيه (عليه السلام).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة البصرة: أنا عبداللّه، وأخو رسول اللّه، وأنا الصّدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، لا يقوله غيري إلاّ كذّاب. فهو عبداللّه علي معني الافتخار، كما قال: كفي لي فخراً أن أكون لك عبداً.

قال ابو فراس:

إقرأ وع القرآن [13] ما في فضله

وتأمّلوه واعرفوا فحواه

لو لم ينزّل فيه الاّ هل أتي

من دون كلّ منزل لكفاه

من كان أوّل من حوي القرآن من

نطق النّبيّ ولفظه وحكاه

من بات فوق فراشه متنكّراً

لمّا أظلّ فراشه أعداه

من ذا أراد الهنا بمقاله

الصّادقون القانتون سواه

من خصّه جبريل من ربّ العلي

بتحيّة من جنّة وحباه

أنسيتم يوم الكساء وأنّه

ممّن حواه مع النّبيّ كساه

إذ قال جبريل بهم متشرّفاً

أنا منكم قال النّبيّ كذاه

وعن أبان بن تغلب، عن الصّادق (عليه السلام) في قوله تعالي: (وَبِالْوَالِدَينِ اِحْسَاناً)[البقرة: 83] قال: الوالدان: رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، وعليّ (عليه السلام).

وعن سالم الجعفي، عن أبي جعفر، وروي أبان بن تغلب، عن أبي عبداللّه: أنّها نزلت في رسول اللّه

وفي علي.

وروي أبو المضا صبيح، عن الرّضا (عليه السلام) أنّه قال النّبيّ (صلي الله عليه وآله): أنا وعلي الوالدان.

وقال النّبيّ (صلي الله عليه وآله) أنا وعليّ أبوا هذه الاُمّة، أنا وعليّ موليا هذه الاُمّة.

وروي الثّعلبيّ في ربيع المذكّرين، والخركوشي في شرف النّبيّ، عن عمّار وجابر، وأبي أيّوب. وفي الفردوس عن الدّيلمي وفي أمالي الطّوسي [ص: 5]: عن أبي الصّلت بإسناده، عن أنس، كلّهم عن النّبيّ، قال: حقّ عليّ علي الاُمّة كحقّ الوالد علي الولد.

وفي كتاب الخصائص: عن أنس: حقّ عليّ بن أبي طالب علي المسلمين كحقّ الوالد علي الولد.

وفي مفردات أبي القاسم الرّاغب [ص 7]: قال النّبيّ: يا علي أنا وأنت أبوا هذه الاُمّة، ولحقّنا عليهم أعظم من حقّ أبوي ولادتهم، فانّا ننقذهم إن أطاعونا من النّار إلي دار القرار، ونلحقهم من العبوديّة بخيار الأحرار.

وقال حارثة بن قدامة السّعدي:

من حقّه عندي كحقّ الوالد

ذاك عليّ كاشف الاوابد

خير إمام راكع وساجد

قال السّوسي:

أنت الأب البرّ صلّي اللّه خالقنا

عليك من مشفق برٍّ بنا حدب

نحن التّراب بنا كنّاك أحمد يا

أبا تراب لمعني ذاك لا لقب

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 103 106].

في تسميته بعلي

ذكر صاحب التّهذيب [3: 145] والمصباح [ص 692] في دعاء الغدير كما قاله

ابن شهرآشوب في مناقبه [3: 107] منه: «وأشهد أنّ الإمام الهادي الرّشيد، امير المؤمنين الّذي ذكرته في كتابك فقلت: (وإنّه في اُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيّ حَكِيمْ).

وروي الصّادق عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام)، أنّه قيل يوماً لرسول اللّه (صلي الله عليه وآله): إنّك لا تزال تقول لعليّ: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، فقد ذكر اللّه هارون في اُمّ الكتاب ولم يذكر عليّاً، فقال (صلي الله عليه وآله): يا غليظ يا جاهل أما سمعت اللّه يقول: (هذا

صراط عليّ مستقيم)، وقرئ مثله في رواية جابر.

وروي أبو بكر الشّيرازي في كتابه بالإسناد عن شعبة، عن قتادة، قال: سمعت البصريّ يقرأ هذا الحرف: (هذا صراط عليّ مستقيم) قلت ما معناه؟ قال: هذا طريق عليّ بن أبي طالب، ودينه طريق دين مستقيم، فاتّبعوه وتمسّكوا به، فإنّه واضح لا عوج له.

قال العوني:

هذا وتسمية جاءت مصرّحة

لصاحب الأمر للألباب تكشفه

إنّا جعلنا لهم من فوز رحمتنا

لسان صدق عليّاً ثمّ يردفه

بقوله هو في اُمّ الكتاب لدي ال

باري عليّ حكيم لا يعنفه

الاّ ضعيف أساس العقل باطله

عن احتمال صريح الحقّ مضعفه

وله أيضاً:

اللّه قال فاستمع ما قالا

إذ شرّف الآباء والانسالا

وآل إبراهيم فازوا آلا

إنّا وهبنا لهم افضالا

لسان صدق منهم عليّا

وقال ابن حمّاد:

سلام علي أحمد المرسل

سلام علي الفاضل المفضل

سلام علي من علا في العلي

فسمّاه ربّ عليّ علي

وقيل: سمّي عليّاً لأنّه أعلي من ساجله في الحرب، من قوله: (وَأَنْتُمُ الاَعْلَوْنَ) [آل عمران: 139] والعليّ: الفرس الشّديد الجري، أو الشّديد من كلّ شيء.

قال بعضهم شعراً:

يا عليّ لقد علوت علي الخلق

وسمّاك ذو الجلال عليّا

وقيل: لأنّ داره في الجنان تعلو، حتّي تحاذي منازل الأنبياء.

وقال ابن حمّاد:

يا خير ناء وخير دان

يا صاحب الذّكر والمثاني

يا حجّة اللّه في البرايا

نورك باق علي الزّمان

يا صاحب الحوض والمسمّي

بقاسم النّار والجنان

يا عروةً فاز ماسكوها

في عرصه الحشر بالأمان

سمّاك ربّ العلي عليّاً

إذ لم تزل عالي المكان

يا سيّداً ماله نظير

ولا شبيه ولا مدان

وقيل: سمّي عليّاً لانّه في أعلي السّماوات، ولم يزوّج أحد من خلق اللّه في ذلك الموضع غيره.

قال العوني:

عليّ عليّ عند ذي العرش عالياً

عليّ تعالي عن شبيه وعن ندّ

سمام العدي بحر النّدي علم الهدي

بعيد المدي من خصّ بالعلم والرّشد

له زوّج المختار للطّهر فاطماً

وردّ سواه مرغماً أقبح الرّدّ

وقيل: سمّي عليّاً لأنّه علا علي منكب رسول اللّه (صلي الله

عليه وآله) بقدميه طاعةً للّه عند حطّ الأصنام من سطح مكّة، ولم يعل أحد علي ظهر نبيٍّ غيره.

وقيل: لأنّه مشتقّ من اسم اللّه.

وقال ابن حمّاد:

اللّه سمّاه عليّاً باسمه

فسما علوّاً في العلي وسموقا

واختاره دون الوري وأقامه

علماً إلي سبل الهدي وطريقاً

أخذ الإله علي البريّة كلّها

عهداً له يوم الغدير وثيقاً

وغداة واخي المصطفي أصحابه

جعل الوصيّ له أخاً وشفيقاً

قال ابن شهرآشوب في مناقبه: وهذه الجملة انّما تكون من أسماء الأفعال، وقد جمع العوني بقوله:

انّ عليّاً عند أهل العلم

أوّل من سمّي بهذا الاسم

سبقاً كذا في فضله مليّاً

وقال قوم قد علا برازاً

أقرانه يبتزّها ابتزازا

فهو عليّ إذ علا العديّا

وفرقة قالت عليّ الدّار

في جنّة الخلد مع الأبرار

إذ نال منه المنزل العلويّا

وقال قوم بل علا مكانا

ظهر النّبيّ إذ حطم الأوثانا

فنال منه المرتقي العليّا

وفرقة قالت عليّ إنّما

معناه إذ اُملك في اعلي السّما

خصّ بها لولاه آدميّا

وفرقة قالت علاهم علماً

وكان أعلاهم أباً و اُمّا

فوال كهف الكرم الفتيّا

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 107 110].

في تسميته بأبي تراب

روي البخاري، ومسلم، والطّبري، وابن البيّع، وأبو نعيم، وابن مردويه، وابن شاهين في حديث: انّ عليّاً (عليه السلام) غضب علي فاطمة (عليها السلام) وخرج، فوجده رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) فقال: قم يا أبا تراب، قم يا أبا تراب.

وروي الطّبري، وابن إسحاق، وابن مردويه، أنّه قال عمّار بن ياسر: خرجنا مع النّبيّ (صلي الله عليه وآله) في غزوة العشيرة، فلمّا نزلنا منزلاً نمنا، فما نبّهنا إلاّ كلام رسول اللّه لعليٍّ: يا أبا تراب،لمّا رآه ساجداً معفّراً وجهه في التّراب، أتعلم من أشقي النّاس؟ أشقي النّاس إثنان: اُحيمر ثمود الّذي عقر النّاقة، وأشقاها الّذي يخضب هذه، ووضع يده علي لحيته (عليه السلام).

وفي علل الشّرائع [ص 157] عن القمّي في حديث ابن عمر أنّه نظر النّبيّ

الي عليّ، وهو يعمل في الأرض وقد اغبرّ، فقال: ما ألوم النّاس في أن يكنّوك أبا تراب. فتحمّز وجه عليّ، فأخذ بيده وقال: أنت أخي، ووزيري وخليفتي في أهلي. الحديث.

وقال الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، وقد سئل عن ذلك، فقال: إنّ اللّه يباهي بمن يصنع كصنيعك الملائكة، والبقاع تشهد له، قال: فكان (عليه السلام) يعفّر خدّيه ويطلب الغريب من البقاع لتشهد له يوم القيامة، فكان إذا رآه والتّراب في وجهه يقول: يا أبا تراب إفعل كذا ويخاطبه بما يريد.

وحدّثني أبو العلاء الهمداني بالإسناد عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عبّاس في حديث: أنّ عليّاً خرج مغضباً، فتوسّد ذراعه، فطلبه النّبيّ حتّي وجده، فوكزه برجله، فقال: قم فما صلحت أن تكون إلاّ أبا تراب، أغضبت عليَّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار، ولم اُواخ بينك وبين أحد منهم؟ أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي؟ الحديث.

وجاء في رواية: أنّه كني (عليه السلام) بأبي تراب لأنّ النّبيّ قال: يا عليّ أوّل من ينفض التّراب عن رأسه أنت.

وروي عن النّبيّ أنّه كان يقول: إنّا كنّا نمدح عليّاً إذا قلنا له: يا أبا تراب.

قال السّوسي:

أنا وجميع من فوق التّراب

فداً لتراب نعل أبي تراب

إمام مدحه ذكري ودأبي

وقلبي نحوه ما عشت صاب

قال أبو نواس:

ومدامة من خمر حانة قرقف

صفراء ذات تلهّب وتشعشع

رقّت كدين النّاصبيّ وقد صفت

كصفا الوليّ الخاشع المتشيّع

باكرتها وجعلت أنشق ريحها

وأمصّ درّتها كدرّة مرضع

في فتية رفضوا العتيق ونعثلاً

وعتوا باروع في العلوم مشفّع

وتيقّنوا أن ليس ينفع في غد

غير البطين الهاشميّ الأنزع

وذكر ابن البيّع في اُصول الحديث، والخركوشي في شرف النّبيّ، وشيرويه في الفردوس، واللّفظ له بأسانيدهم: إنّه كان الحسن والحسين في حياة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) يدعوانه يا أبه،

ويقول الحسن لأبيه: يا أبا الحسين، والحسين يقول: يا أبا الحسن، فلمّا توفّي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) دعواه يا أبانا.

وفي رواية عن أمير المؤمنين: ما سمّاني الحسن والحسين يا أبه حتّي توفّي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

وقيل: أبو الحسن: مشتقّ من اسم الحسن.

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 111 113].

في مغازيه

قال أمير المؤمنين، فيما ذكره ابن شهرآشوب في مناقبه: أنا سيف اللّه علي

أعدائه، ورحمته علي أوليائه، فلذلك ترادفت أقوال الشّعراء في ذكر مآثره الجليلة، وبراعته الهائلة في مغازيه:

منهم: العوني:

إمامي الّذي أردي الفوارس منهم

وقالع اُسد من سروجهم قهرا

وشيبة أرداه ومرحب بعده

وأردي بحدّ المشرفي الفتي عمروا

وقال ابن حمّاد:

فاسأل به يوم بدر والقليب وما

سواه كان إلي الهيجا بمبتدر

وأسأل بخيبر إذ ولّي برايته

أفني اليهود بضرب السّلة البتر

وفل رايات قوم وحده وهم

من خيفة القتل قد ولّوا علي الدّبر

ويوم سلع فسل عمراً غداة ثوي

منه بخدٍّ علي الرّمضاء منعفر

وقاد عمرو بن معدي في عمامته

مطوّقاً منه طوق الذل والصّغر

ويوم بدر سلوا الرّايات خافقةً

ماذا لقوا من هريت الشّدق ذي مرر

ويوم صفّين إذ ملّت صفوفهم

واجعل القوم خوف الموت كالحمر

والنّهروان فسل عنه الشّراة لقد

أضحوا ضحاياه فوق التّرب كالجزر

ومن قصائد الصّاحب:

هو البدر في هيجاء بدر وغيره

فرائصه من ذكره السّيف ترعد

وكم خبر في خيبر قد رويتم

ولكنّكم مثل النّعام تشرّدوا

وفي اُحد قد ولّي رجال وسيفه

يسوّد وجه الكفر وهو مسود

ويوم حنين حنّ للغلّ بعضكم

وصارمه غضب الغرار مهنّد

وقال الشّاعر:

إذا الحرب قامت علي ساقها

وشبّت وخلّي الصّديق الصّديقا

وضاع الزّمام وطاب الحمام

ولم يبلع اللّيث في الحلق ريقا

رأيت عليّاً إمام الهدي

يميت فريقاً ويحيي فريقا

وتلك له عادة لم تزل

به منذ كان وليداً خليقا

فأوّل حرب جرت للرّسول

فأضرم في جانبيها حريقا

يقهقه في كفّه ذو الفقار

وتسمع للهام منه شهيقا

تضعضع أركانه ضربة

كأنّ براحته منجنيقا

وكم من قتيل وكم من

أسير

فدوه فأطلق يدعي الطليقا

وأنشد آخر:

ليث الحروب إذا الكروب تحلّلت

يسقي بكأس الموت من لاقاه

كم من عزيز قد أذلّ بسيفه

وأزال عنه عزّه وعلاه

سل عنه يوم بني النّضير وخيبر

وباُحد كم من فارس أرداه

وبسلع عمرو العامريّ أباده

لمّا أتي جهلاً يروم لقاه

وأتي بعمرو في العمامة خاضعاً

كالعبد يخشع في يدي مولاه

وأباد شيبة والوليد وعتبةً

ولذي الخمار بذي الفقار علاه

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 115 118].

مفاخره في يوم بدر

منها: ما رواه الشّيخان في صحيحيهما صحيح مسلم [8: 245] وصحيح البخاري [6: 98]: أنّه نزل قوله تعالي: (هذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوْا) [الحج: 19]في ستّة نفر من المؤمنين والكفّار تبارزوا يوم بدر، وهم: حمزة، وعبيدة، وعليّ، والوليد، وعتبة، وشيبة.

وقال البخاريّ: وكان أبو ذرّ يقسم باللّه أنّها نزلت فيهم. وبه قال عطاء، وابن خيثم، وقيس بن عبادة، وسفيان الثّوري، والأعمش، وسعيد بن جبير، وابن عبّاس.

قال ابن عبّاس: (فَالَّذين كَفَروا) يعني: عتبة وشيبة والوليد (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَار يُصَبُّ مِنْ فَوْقَ رُؤوُسِهِمُ الحَميم، يُصْهَرُ بِهِ مَا في بُطُونِهِمْ وَالجُلُود، وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيد، كُلَّما أرادوا أن يَخْرُجوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ اُعيدوا فِيْهَا وَذُوقُوْا عَذَابَ الحَرِيق) [الحج: 19: 22] وأُنزل في عليّ وحمزة وعبيدة قوله تعالي: (إنّ اللّهَ يَدخِلُ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحتِهَا الاَنْهَار يُحَلَّوْنَ فيها مِنْ اَسَاوِرَ مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِير، وَهُدُوا إلي الطَّيّبِ مِنَ القَوْلِ وَهُدُوْا إِليَ صِراطِ الحَمِيدِ) [الحج: 23 24].

وقال الواحدي في أسباب النّزول: روي قيس بن سعد بن عبادة، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: فينا نزلت هذه الآية، وفي مبارزينا يوم بدر، إلي قوله: تعالي (عَذَابَ الحَرِيق).

وروي جماعة عن ابن عبّاس، أنّ قوله تعالي: (أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيّئاتِ أنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات

سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُم سَاءَ مَا يَحْكُمُون) [الجاثية: 21] نزلت في يوم بدر في هؤلاء السّتّة.

وروي شعبة، وقتادة، وابن عبّاس في قوله تعالي: (وَأَنّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَي) [النجم: 43] أي: أضحك أمير المؤمنين وحمزة وعبيدة يوم بدر المسلمين، وأبكي كفّار مكّة حتّي قتلوا ودخلوا النّار.

وروي الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرِة رِزْقاً قَالُوا هذَا الَّذي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَاُتوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيْهَا أزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فيهَا خَالِدُون)[البقرة: 25]نزلت في حمزة وعليّ وعبيدة.

وروي أبو يوسف النّسوي في تفسيره، وقبيصة بن عقبة، عن الثّوري، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عبّاس أنّ قوله تعالي: (أمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) الآية نزلت في عليّ وحمزة وعبيدة (كَالمُفْسِدينَ في الأرْضِ)[ص: 28] نزلت في عتبة وشيبة والوليد.

وروي الكلبي أنّ قوله تعالي: (يا أيّهَا النَّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنين) [الانفال: 64] نزلت في بدر، وأورده النّطنزي في الخصائص، عن الحدّاد، عن أبي نعيم والصّادق والباقر (عليهما السلام). وكذا قوله تعالي: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْر وَأَنْتُمْ أذِلَة) الآية [آل عمران: 123] أنّها نزلت في عليّ (عليه السلام).

وروي الأصفهاني في الأغاني، ومحمّد بن إسحاق في تأريخه، كما أورده ابن شهرآشوب في مناقبه: كان صاحب راية رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) يوم بدر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولمّا تقابل الجمعان تقدّم عتبة وشيبة والوليد، وقالوا: يا محمّد اخرج إلينا أكفاءنا من قريش، فتطاولت الأنصار لمبارزتهم، فدفعهم النّبيّ وأمر عليّاً وحمزة وعبيدة بالمبارزة، فحمل عبيدة علي عتبة، فضربه علي رأسه ضربةً فلقت هامته، وضرب عتبة عبيدة علي ساقه فأطنها فسقطا جميعاً، وحمل

شيبة علي حمزة، فتضاربا بالسّيف، حتي انثلما، وحمل عليّ علي الوليد، فضربه علي حبل عاتقه وخرج السّيف من إبطه.

وروي الفلكي في الإبانة: أنّ الوليد كان إذا رفع ذراعه ستر وجهه من عظمها وغلظها، ثمّ اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا عليّ أما تري هذا الكلب يهرّ عمك؟ فحمل عليٌّ عليه، ثمّ قال: يا عمّ طأطئ رأسك، وكان حمزة أطول من شيبة، فأدخل حمزة رأسه في صدره، فضربه عليّ فطرح نصفه، ثمّ جاء إلي عتبة وبه رمق فأجهز عليه.

وكان حسّان يقول في قتل عمرو بن عبد ود:

ولقد رأيت غداة بدر عصبةً

ضربوك ضرباً غير ضرب المحضر

أصبحت لا تدري ليوم كريهة

يا عمرو أو لجسيم أمر منكر

فأجابه بعض بني عامر:

كذبتم وبيت اللّه لا تقتلوننا

ولكن بسيف الهاشمين فافخروا

بسيف ابن عبداللّه أحمد في الوغي

بكف عليٍّ نلتم ذاك فاقصروا

ولم تقتلوا عمرو بن ود ولا ابنه

ولكنّه كفو الهزبر الغضنفر

عليّ الّذي في الفخر طال ثناؤه

فلا تكثروا الدّعوي عليه فتفجروا

ببدر خرجتم للبراز فردّكم

شيوخ قريش حسرةً وتأخّروا

فلمّا أتاهم حمزة وعبيدة

وجاء عليّ بالمهنّد يخطر

فقالوا نعم اكفاء صدق فاقبلوا

إليهم سراعاً إذ بغوا وتجبّروا

فجال عليّ جولةً هاشميّةً

فدمّرهم لمّا عتوا وتكبّروا

وكان القتلي من المشركين يوم بدر سبعين، وأكثرهم لعليّ (عليه السلام)، كما ذكره محمّد بن إسحاق في تاريخه فيما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه.

وقال الإمام عليّ (عليه السلام): قتلنا من المشركين يوم بدر سبعين وأسرنا سبعين.

وروي الطّبرسي في تفسيره مجمع البيان [2: 559] أنّه (عليه السلام) قتل سبعةً وعشرين مبارزاً.

وفي كتاب الإرشاد [ص 72] أنّه قتل خمسة وثلاثين مبارزاً.

وروي الزّمخشريّ في كتابه الفائق: أنّه قال سعد بن أبي وقّاص: رأيت عليّاً يحمحم فرسه وهو يقول:

بازل عامين حديث سنّي

منحنح اللّيل كأنّي جنّي

لمثل هذا ولدتني اُمّي

وروي المرزباني في كتابه أشعار الملوك والخلفاء:

إنّ عليّاً أشجع العرب حمل يوم بدر، وزعزع الكتيبة وهو يقول:

لن يأكلوا التّمر بظهر مكّة

من بعدها حتّي تكون الرّكّة

وقال عبداللّه بن رواحة:

ليهن عليّ يوم بدر حضوره

ومشهده بالخير ضرباً مرعبلا

كأيّن له من مشهد غير حامل

يظلّ له رأس الكميّ مجدّلا

وغادر كبش القوم في القاع ثاوياً

تخال عليه الزّعفران المعلّلا

صريعاً يبوء القشعمان برأسه

وتدنو إليه الضّبع طولاً لتأكلا

وقال الحميري:

من كان أوّل من أباد بسيفه

كفّار بدر واستباح دماءا

من ذاك نوّه جبرئيل باسمه

في يوم بدر يسمعون نداءا

لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي

إلاّ عليّ رفعةً وعلاءا

وأنشد بعضهم:

وله ببدر وقعة مشهورة

كانت علي أهل الشّقاء دمارا

فأذاق شيبة والوليد منيّةً

إذ صبّحاه جحفلاً جرّارا

وأذاق عتبة مثلها أهوي لها

عضباً صقيلاً مرهفاً بتّارا

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 118 122].

مفاخره في يوم احد

قال ابن عبّاس في قوله تعالي: (ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِالْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشيَ طائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [آل عمران: 154]: نزلت في عليّ (عليه السلام)، غشيه النّعاس يوم اُحد، والخوف مسهر والأمن منيم.

وذكر الشّيرازي في كتابه: روي سفيان الثّوري، عن واصل، عن الحسن، عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (وَاسْتَفْزِزْ مِنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وأجلبْ عليهمْ بخيلِكَ وَرَجلِكَ) قال: صاح إبليس يوم اُحد في عسكر رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): انّ محمّداً قد قتل (وَاجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجلِكَ) [الإسراء: 64] قال ابن عبّاس: واللّه لقد أجلب إبليس علي أمير المؤمنين كلّ خيل كانت في غير طاعة اللّه، واللّه إنّ كلّ راجل قاتل أمير المؤمنين كان من رجالة إبليس.

وروي الطّبريّ في تأريخه، والأصفهاني في الأغاني: أنّه كان صاحب لواء قريش كبش الكتيبة، طلحة بن أبي طلحة العبدريّ، نادي: معاشر أصحاب محمّد، إنّكم تزعمون أنّ اللّه يعجّلنا بسيوفكم إلي النّار، ويعجّلكم بسيوفنا إلي الجنّة، فهل منكم من

أحد يبارزني؟ قال قتادة: فخرج إليه عليّ، وهو يقول:

انا ابن ذي الحوضين عبدالمطّلب

وهاشم المطعم في العام السّغب

أفي بميعادي وأحمي عن حسب

قال: فضربه عليّ، فقطع رجله، فبدت سوأته. وهو قول ابن عبّاس والكلبيّ.

وفي روايات كثيرة: أنّه ضربه في مقدّم رأسه، فبدت عيناه، فقال طلحة بن أبي طلحة: أنشدك اللّه والرّحم يا ابن عم، فانصرف عنه ومات في الحال، ثمّ بارزهم حتّي قتل منهم ثمانية، ثمّ أخذ باللواء صواب عبد حبشيّ لهم، فضرب علي يده، فأخذه باليسري، فضرب عليها، فأخذ اللواء وجمع المقطوعتين علي صدره، فضرب علي اُمّ رأسه، فسقط اللّواء، قال حسّان بن ثابت:

فخرتم باللّواء وشرّ فخر

لواء حين ردّ إلي صواب

فسقط اللّواء، فأخذته عمرة بنت الحارث بن علقمة بن عبدالدّار، فصرعت وانهزموا.

قال زيد بن وهب: قلت لابن مسعود: انهزم النّاس إلاّ عليّ، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، قال: انهزموا إلاّ عليّ وحده، وتاب إليهم أربعة عشر: عاصم بن ثابت، وأبو دجانة، ومصعب بن عمير، وعبداللّه بن جحش، وشماس بن عثمان بن شريد، والمقداد، وطلحة، وسعد، والباقون من الأنصار. وأنشد بعضهم:

وقد تركوا المختار في الحرب مفرداً

وفرّ جميع الصّحب عنه وأجمعوا

وكان عليّ غائصاً في جموعهم

لهاماتهم بالسّيف يفري ويقطع

وعن عكرمة قال عليّ (عليه السلام): ألحقني من الجزع ما لم أملك نفسي، وكنت أمامه (صلي الله عليه وآله) أضرب بسيفي، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان رسول اللّه ليفرّ، وما رأيته في القتلي، وأظنّه رفع من بيننا، فكسرت جفن سيفي وقلت في نفسي: لاُقاتلنّ به حتيّ اُقتل، وحملت علي القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول اللّه (صلي الله عليه وآله) قد وقع علي الأرض مغشيّاً عليه، فوقفت علي رأسه، فنظر اليّ وقال: ما صنع النّاس يا عليّ؟ قلت: كفروا يا

رسول اللّه، وولّوا الدّبر من العدوّ، وأسلموك.

وفي تأريخ الطبري، وأغاني الأصفهاني، ومغازي ابن إسحاق، وأخبار أبي رافع: أنّه أبصر رسول اللّه إلي كتيبة، فقال لعليّ: أحمل عليهم فحمل عليهم وفرّق جمعهم، وقتل عمرو بن عبداللّه الجمحي، ثمّ أبصر (صلي الله عليه وآله) كتيبة اُخري فقال لعليّ: ردّ عنّي، فحمل عليهم، ففرّق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك العامري.

وفي رواية أبي رافع، ثمّ رأي كتيبةً اُخري، فقال: إحمل عليهم، فحمل عليهم فهزمهم، وقتل هاشم بن اُميّة المخزومي، فقال جبرئيل (عليه السلام): يا رسول اللّه إنّ هذه لهي المواساة، فقال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): إنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، فسمعوا صوتاً: «لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي الاّ عليّ».

وزاد إسحاق في روايته: فاذا ندبتم هالكاً فابكو الوفاء وأخي الوفاء، وكان المسلمون لما أصابهم من البلاء أثلاثاً: ثلث جريح، وثلث قتيل، وثلث منهزم.

وفي تفسير القشيري، وتأريخ الطّبري: أنّه انتهي أنس بن النّضر إلي عمر وطلحة في رجال، وقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل محمّد رسول اللّه، قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا علي ما مات عليه رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، ثمّ استقبل القوم فقاتل حتّي قتل.

وروي أنّ أبا سفيان رأي النّبيّ مطروحاً علي الأرض، فتفأل بذلك ظفراً، وحثّ النّاس علي النّبيّ، فاستقبلهم عليّ وهزمهم، ثمّ حمل النّبيّ إلي اُحد ونادي: يا معاشر المسلمين إرجعوا إلي رسول اللّه، فكانوا يثوبون ويثنون علي عليّ ويدعون له، وكان قد انكسر سيف عليّ (عليه السلام)، فقال النّبيّ (صلي الله عليه وآله): خذ هذا السّيف فأخذ ذوالفقار وهزم القوم.

وروي عن أبي رافع بطرق كثيرة: أنّه لمّا انصرف المشركون يوم اُحد بلغوا الرّوحاء، قالوا لا للكواعب أردفتم

ولا محمّداً قتلتم إرجعوا، فبلغ ذلك رسول اللّه، فبعث في أثرهم عليّاً في نفر من الخزرج، فجعل لا يرتحل المشركون من منزل إلاّ نزله عليّ، فأنزل اللّه تعالي: (اَلَّذينَ اسْتَجَابُوا للّهِ وَالرَّسُولُ مِنْ بَعْدِ مَا أصَابَهُم القَرْحُ) [آل عمران: 172] وفي خبر أبي رافع: أنّ النّبيّ تفل علي جراحه ودعا له، وبعثه خلف المشركين، فنزلت فيه الآية.

وقال السّوسي:

وفي اُحد سل عنه تخبر إذ أتي

إليه أبو سفيان في الشّوك والشّجر

فوافاه جبريل عن اللّه قائلاً

أبا قاسم ألق الحديد علي الحجر

فنادي الهزبر اللّيث حيدر في الوغي

وقال لهذا اليوم مثلك أنتظر

وشبّهته إذ ذو الفقار بكفّه

كبدر الدّجي في كفّه كوكب السّحر

وقال ابن العلويّة:

وله باُحد بعد ما في وجهه

شبح النّبيّ وكلّم الشّفتان

وانفضّ منه المسلمون وأظهروا

متطايرين تطاير الخيفان

ونداؤهم قتل النّبيّ وربّنا

قتل النّبيّ فكان غير معان

ويقول قائلهم ألا يا ليتنا

نلنا أماناً من أبي سفيان

وأبو دجانة والوصيّ وصيّه

بالرّوح أحمد منهما يقيان

فرّوا وما فرّا هناك وأدبروا

وهما بحبل اللّه معتصمان

حتّي إذا ولّي سماك مثخناً

فغشي عليه أيّما غشيان

وأخو النّبيّ مطاعن ومضارب

عنه ومنه وقد وهي العضدان

يدعو أنا القضم القضاضة الّذي

يقمي العدوّ إذا دنا الرّحوان

وقال نصر بن المنتصر الأنصاري:

ومن ينادي جبرئيل معلناً

والحرب قد قامت علي ساق الوري

لا سيف الاّ ذو الفقار فاعلموا

ولا فتي إلاّ عليّ في الوغي

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 122 127].

مفاخره في غزوة خيبر

روي أبو كريب ومحمّد بن يحيي الأزدي في أماليهما، ومحمّد بن إسحاق والعمادي في مغازيهما، والنّطنزي والبلاذري في تأريخهما، والثّعلبيّ والواحديّ في تفسيريهما، وأحمد بن حنبل وأبو يعلي الموصلي في مسنديهما، وأحمد والسّمعاني وأبو السّعادات في فضائلهم، وأبو نعيم في حليته، والاشنهي في اعتقاده، وأبو بكر البيهقي في دلائل النّبوّة، والتّرمذي في جامعه، وابن ماجة في سننه، وابن بطّة في إبانته، من سبع عشرة طريقاً عن

عبداللّه بن عبّاس، وعبداللّه بن عمر، وسهل بن سعد، وسلمة بن الأكوع، وبريدة الأسلمي، وعمران بن الحصين، وعبدالرّحمن بن أبي ليلي، عن أبيه، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبداللّه الأنصاري وسعد بن أبي وقّاص، وأبي هريرة.

أنّه: لمّا خرج مرحب برجله، بعث النّبيّ أبا بكر برايته مع المهاجرين في راية بيضاء، فعاد يؤنّب قومه ويؤنّبونه، ثمّ بعث عمر من بعده، فرجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه، حتّي ساء النّبيّ (صلي الله عليه وآله) ذلك، فقال: لاُعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ اللّه ورسوله، كرّاراً غير فرّار، يأخذها عنوةً.

وفي رواية: يأخذها بحقّها.

وفي رواية: لا يرجع حتّي يفتح اللّه علي يديه.

قال بعضهم:

فمن أحقّ بهذا الأمر من رجل

يحبّه اللّه بل من ثمّ يشرفه

أحبّ ذا الخلق عنداللّه أكرمه

وأكرم الخلق أتقاه وأرأفه

وروي البخاري [5: 76] ومسلم [7: 121] أنّه قال: لمّا قال النّبيّ (صلي الله عليه وآله) حديث الرّاية، بات النّاس يذكرون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلمّا أصبح الصّبح غدوا علي رسول اللّه، كلّهم يرجون أن يعطاها، فقال النّبيّ: أين عليّ بن أبي طالب؟ فقال: هو يشتكي عينيه، فقال: فأرسلوا إليه، فاُتي به، فتفل النبيّ في عينيه ودعا له، فبرئ فأعطاه الرّاية.

وفي رواية ابن جرير ومحمّد بن إسحاق: فغدت قريش يقول بعضهم لبعض: أمّا عليّ فقد كفيتموه فإنّه أرمد، لا يبصر موضع قدمه، فلمّا أصبح قال: اُدعوا لي عليّاً، فقالوا: به رمد، فقال النّبيّ (صلي الله عليه وآله): أرسلوا إليه وادعوه، فجاء علي بغلته وعينه معصوبة بخرقة برد قطريّ، فأخذ سلمة بن الأكوع بيده وأتي به إلي النّبيّ. الرّواية.

وفي رواية الخدريّ: أنّه بعث إليه سلمان وأبا ذرّ، فجاءا به يقاد، فوضع النّبيّ رأسه علي فخذه وتفل في عينيه، فقام وكأنّهما جزعان، فقال له: خذ الرّاية

وامض بها، فجبرئيل معك، والنّصر أمامك، والرّعب مثبوت في صدور القوم، واعلم يا عليّ إنّهم يجدون في كتابهم أنّ الّذي يدمّر عليهم إسمه إليا، فاذا لقيتهم فقل أنا عليّ، فإنّهم يخذلون إن شاء اللّه تعالي.

وفي الفضائل للسّمعاني: أنّه قال سلمة: فخرج أمير المؤمنين بها يهرول هرولةً حتّي ركز رايته في رضخ من حجارة تحت الحصن، فاطّلع إليه يهوديّ، فقال: من أنت؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهوديّ: غلبتم وما اُنزل علي موسي.

وفي الإبانة لابن بطّة: عن سعد وجابر وسلمة: فخرج (عليه السلام) يهرول هرولة وسعد يقول: يا أبا الحسن إربع يلحق بك النّاس، فخرج إليه مرحب في عامّة اليهود، وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة علي اُمّ رأسه، وهو يرتجز ويقول:

قد علمت خيبر انّي مرحب

شاك سلاحي بطل مجرّب

أطعن أحياناً وحيناً أضرب

إذا اللّيوث أقبلت تلتهب

فقال عليّ (عليه السلام):

أنا الّذي سمَتني اُمّي حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

علي الأعادي مثل ريح صرصرة

أكيلكم بالسّيف كيل السّندرة

أضرب بالسّيف رقاب الكفرة

قال مكحول: فأحجم عنه مرحب لقول ظئر له: غالب كلّ غالب، الحيدر بن أبي طالب، فأتاه إبليس في صورة شيخ، فحلف أنّه ليس بذلك الحيدر، والحيدر في العالم كثير فرجع.

وقال الطّبريّ وابن بطّة: روي بريدة أنّه (عليه السلام) ضربه علي مقدمه، فقدّ الحجر والمغفر ونزل في رأسه حتّي وقع في الأضراس وأخذ المدينة.

وروي الطّبري في التأريخ والمناقب، وأحمد في الفضائل، ومسند الأنصار: أنّه سمع أهل العسكر صوت ضربته.

وفي مسلم: لمّا فلق عليّ رأس مرحب كان الفتح.

وابن ماجة في السّنن: أنّ عليّاً (عليه السلام) لمّا قتل مرحب أتي برأسه إلي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

وقال الأسود:

أم من يقول له سأعطي رايتي

من لم يفرّ ولم يكن بجبان

رجلاً يحبّ اللّه وهو

يحبّه

فيما ينال السّبق يوم رهان

وعلي يديه يفتح اللّه بعدما

وافي النّبيّ بردّها الرّجلان

فدعا عليّاً وهو أرمد لا يري

أن تستمرّ بمشيه الرّجلان

فهوي إلي عينيه يتفل فيهما

وعليهما قد أطبق الجفنان

فمضي بها مستبشراً وكأنّما

من ريقه عيناه مرءاتان

فأتاه بالفتح النّجيح ولم يكن

يأتي بمثل فتوحه العُمَران

وقال آخر:

خذ الرّاية الصّفراء أنت أميرها

وأنت لكشف الكرب في الحرب تدخر

وأنت غداً في الحشر لا شكّ حامل

لوائي وكلّ الخلق نحوك تنظر

فصادفه شرّ البرية مرحب

علي فرس عال من الخيل أشقر

فجد له في ضربة مع جواده

وأهوي ذبال السّيف في الأرض يحفر

ومرّ أمين اللّه في الجوّ قائلاً

وقد أظهر التّسبيح وهو مكبّر

ولا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي

لمعركة إلاّ عليّ الغضنفر

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 127 134].

مفاخره في يوم الأحزاب

وروي ابن مسعود والصّادق (عليه السلام) في قوله تعالي: (وَكَفَي اللّهُ المُؤمِنينَ القِتَال) [الأحزاب: 25] يعني بعليّ بن أبي طالب، وقتله عمرو بن عبد ودّ. وقد رواه أبو نعيم الأصفهاني فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين بالإسناد، عن سفيان الثّوري، عن رجل، عن مرّة بن عبداللّه.

وروي جماعة من المفسّرين في قوله تعالي: (اُذْكُروا نِعْمَةَ اللّهِ عَليْكُمْ إذْ جَاءتْكُمْ جُنُود) [الأحزاب: 9] أنّها نزلت في عليّ يوم الاحزاب، ولمّا عرف النّبيّ اجتماعهم حفر الخندق بمشورة سلمان، وأمر بنزول الذراري والنّساء في الآكام.

وكانت الأحزاب علي الخمر والغناء، والمسلمون كأنّ علي رؤوسهم الطّير، لمكان عمرو بن عبد ود العامري الملقّب بعماد العرب. وكان يعدّ بألف فارس، وقد سمّي أيضاً بفارس يليل، سمّي بذلك لأنّه أقبل في ركب من قريش حتّي اذا كان بيليل وهو اسم واد عرضت لهم بنو بكر، قال لأصحابه: امضوا، فمضوا وقام في وجوه بني بكر.

وفي مغازي محمّد بن إسحاق: أنّه لمّا ركز عمرو رمحه علي خيمة النّبيّ (صلي الله عليه وآله)

قال: يا محمّد اُبرز. ثمّ أنشأ يقول:

ولقد بححت من النّداء

بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن الشّجاع

بموقف البطل المناجز

إنّي كذلك لم أزل

متسرّعاً نحو الهزاهز

انّ الشّجاعة والسّماحة

في الفتي خير الغرائز

وفي كلّ ذلك يقوم عليّ ليبارزه، فيأمره النّبيّ (صلي الله عليه وآله) بالجلوس، لمكان بكاء فاطمة عليه من جراحاته في يوم اُحد، وقولها (عليها السلام): ما أسرع أن يأتم الحسين والحسن باقتحامه الهلكات. فنزل جبرئيل عن اللّه تعالي أن يأمر عليّاً بمبارزته، فقال (صلي الله عليه وآله): يا علي اُدن منّي، وعمّمه بعمامته السّحاب وأعطاه سيفه، وقال: إمض لشأنك، ثمّ قال: اللّهم أعنه، فلمّا توجّه (عليه السلام) إليه، قال النبيّ (صلي الله عليه وآله): خرج الإيمان كلّه إلي الكفر كلّه.

قال محمّد بن إسحاق: فلمّا لاقاه عليّ أنشأ يقول:

لا تعجلنّ فقد أتاك

مجيب صوتك غير عاجز

ذو نيّة وبصيرة

والصّبر منجي كلّ فائز

إنّي لأرجو أن اُقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقي

ذكرها عند الهزاهز

وروي أنّ عمرواً قال: ما أكرمك قرناً!.

وفي رواية الطّبري والثّعلبي، قال عليّ: يا عمرو إنّك كنت في الجاهليّة تقول: لا يدعوني أحدٌ إلي ثلاثة إلاّ قبلتها أو واحدة منها. قال: أجل. قال عليّ: فإنّي أدعوك إلي شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه، وأن تسلم لربّ العالمين، قال: أخّر عنّي هذه، قال عليّ (عليه السلام): أما إنّها خيرٌ لك لو أخذتها. ثمّ قال: أو ترجع من حيث جئت، قال عمرو: لا تحدّث نساء قريش بهذا أبداً، قال (عليه السلام): تنزل تقاتلني، فضحك عمرو، وقال: ما كنت أظنّ أحداً من العرب يرومني عليها، وإنّي لأكره أن أقتل الرّجل الكريم مثلك، وكان أبوك لي نديما، قال (عليه السلام): لكنّي اُحبّ أن أقتلك قال: فتناوشا فضربه عمرو في الدّرقة فقدّها،

وأثبت فيه السّيف وأصاب رأسه فشجّه، وضربه عليّ علي عاتقه فسقط.

وفي رواية حذيفة: ضربه عليّ علي رجليه بالسيّف من أسفل، فوقع علي قفاه. قال جابر: فثار بينهما قترة فما رأيتهما، وسمعت التّكبير تحتها، وانكشف أصحابه حتّي طفرت خيولهم الخندق، وتبادر المسلمون يكبّرون، فوجدوه علي فرسه برجل واحدة يحارب عليّاً (عليه السلام)، ورمي رجله نحو عليّ، فخاف من هيبتها رجلان ووقعا في الخندق.

وقال الطّبري: ووجدوا نوفلاً في الخندق، فجعلوا يرمونه بالحجارة، فقال لهم: قتلة أجمل من هذه، ينزل بعضكم لقتالي، فنزل إليه عليّ، فطعنه في ترقوته بالسّيف حتّي أخرجه من مراقه. ثمّ جرح منية بن عثمان العبدري، فانصرف ومات في مكّة.

وروي: ولحق هبيرة فأعجزه، فضرب عليّ قربوس سرجه وسقط درعه، وفرّ عكرمة وضرار.

قال جابر: شبّهت قصّته بقصّة داود (عليه السلام) في قوله تعالي: (فَهَزَمُوهُمْ بِإذْنِ اللّه)الآية [البقرة: 251] قالوا: فلمّا حزّ رأسه من قفاه بسؤال منه، قال علي (عليه السلام):

أعليّ تقتحم الفوارس هكذا

عنّي وعنهم خبّروا أصحابي

عبد الحجارة من سفاهة رأيه

وعبدت ربّ محمّد بصوابي

اليوم تمنعني الفرار حفيظتي

ومصمّم في الهام ليس بناب

أرديت عمرواً إذ طغي بمهنّد

صافي الحديد مجرّب قصّاب

لا تحسبنّ اللّه خاذل دينه

ونبيّه يا معشر الأحزاب

ويروي عمرو بن عبيد: لمّا قدم عليّ برأس عمرو استقبله الصّحابة، فقبّل أبو بكر رأسه. وقال المهاجرون والأنصار: رهين شكرك ما بقوا.

وروي الواقدي، والخطيب، والخوارزمي: عن عبدالرّحمن السّعدي بإسناده، عن بهرم بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله)، قال: لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبدودّ أفضل من عمل اُمّتي إلي يوم القيامة.

وقال أبو بكر بن عياش: لقد ضرب عليّ ضربةً ما كان في الإسلام أعزّ منها، وضُرب ضربةً ما كان فيه أشأم منها، ويقال: إنّ ضربة

ابن ملجم وقعت علي ضربة عمرو.

ومن شعر السيّد الحميري:

وفي يوم جاء المشركون بجمعهم

وعمرو بن ودّ في الحديد مقنع

فجدّ له شلواً صريعاً لوجهه

رهيناً بقاع حوله الضّبع يجمع

وأهلكهم ربّي وردّوا بغيظهم

كما اُهلكت عادٌ الطّغاة وتٌبّع

وقال ابن حمّاد:

من دعاه المصطفي عند انقطاع الحيل

يوم سلع والوغي يرمي بمثل الشّعل

حين كان القوم من عمرو الكمي البطل

أين صنوي أين صهري أين من هو بدلي

أين من يكشف عنّي كلّ خطب جلل

عندها أيقن عمرو باقتراب الأجل

بحسام من كمي فالق للقلل

ثمّ ألقاه لقي الجسم تريب الحلل

وانثني نحو أخيه غير ما محتفل

وغدا في الجوّ جبريل مليّاً يسأل

رافع الصّوت ينادي لا فتي إلاّ علي

وقال المرزكي:

وفي الأحزاب جاءتهم جيوش

تكاد الشّامخات لها تميد

فنادي المصطفي فيه عليّاً

وقد كادوا بيثرب أن يكيدوا

فأنت لهذه ولكلّ يوم

تذلّ لك الجبابرة الاسود

فسقي العامريّ كؤوس حتف

فهزمت الجحافل وا لجنود

وقال غيره:

ووقعة الأحزاب إذ طار لها

من خيفة الأبطال عقل البطل

والنّاس ممّا نالهم في حيرة

حول رسول اللّه عند الدّلدل

وقد بدا عمرو وعمرو بطلٌ

تخافه نفس الكميّ البطل

فذاق من سيف عليّ ضربةً

أنسأه طعم الرّحيق السّلسل

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 134 140]

فيما ظهر منه في غزاة السلاسل

السّلاسل اسم ماء، روي أبو القاسم بن شبل الوكيل، وأبو الفتح الحفّار، بإسنادهما عن الصّادق (عليه السلام)، ومقاتل، والزّجّاج، ووكيع، والثّوري، والسّدي، وأبو صالح، وابن عبّاس: أنّه أنفذ النبيّ (صلي الله عليه وآله) أبا بكر في سبعمائة رجل، فلمّا صار إلي الوادي وأراد الانحدار، فخرجوا إليه، فهزموه، وقتلوا من المسلمين جمعاً كثيراً، فلمّا قدموا علي النبيّ بعث عمر فرجع منهزماً، فقال عمرو بن العاص: إبعثني يا رسول اللّه، فإنّ الحرب خدعة ولَعَلي أخدعهم فبعثه، فرجع منهزماً.

وفي رواية: أنّه أنفذ خالداً، فعاد كذلك، فساء النّبيّ ذلك فدعا عليّاً، وقال: أرسلته كرّاراً غير فرّار، فشيّعه إلي مسجد الأحزاب، فسار بالقوم متنكّباً

عن الطريق، يسير باللّيل ويكمن بالنّهار، ثمّ أخذ عليّ محجّة غامضة، فسار بهم حتّي استقبل الوادي من فمه، ثمّ أمرهم أن يعكموا الخيل، وأوقفهم في مكان، وقال: لا تبرحوا، وانتبذ أمامهم وأقام ناحيةً منهم.

فقال خالد وفي رواية قال عمر : أنزلنا هذا الغلام في واد كثير الحيّات والهوام والسّباع، إمّا سبعٌ يأكلنا، أو يأكل دوابّنا، وإمّا حيّات تعقرنا وتعقر دوابّنا، وإمّا يعلم بنا عدوّنا فيأتينا ويقتلنا، فكلّموه نعلو الوادي، فكلّمه أبو بكر فلم يجبه، فكلّمه عمر فلم يجبه، فقال عمرو بن العاص: إنّه لا ينبغي أن نضيّع أنفسنا، إنطلقوا بنا نعلو الوادي، فأبي ذلك المسلمون.

ومن روايات أهل البيت (عليهم السلام): أنّه أبت الأرض أن تحملهم، قالوا: فلمّا أحسّ (عليه السلام) الفجر قال: إركبوا بارك اللّه فيكم وطلع الجبل حتّي اذا انحدر علي القوم وأشرف عليهم، قال لهم: اُتركوا عكمة دوابّكم، قال: فشمّت الخيل ريح الإناث فصهلت، فسمع القوم صهيل خيلهم فولّوا هاربين.

وفي رواية مقاتل والزّجّاج: أنّه كبس القوم وهم غادون، فقال: يا هؤلاء أنا رسول رسول اللّه إليكم، أن تقولوا لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه، وإلاّ ضربتكم بالسّيف، فقالوا: انصرفوا عنّا كما انصرف الثّلاثة، فإنّك لا تقاومنا، فقال (عليه السلام): إنّني لا أنصرف أنا علي بن أبي طالب، فأضطربوا وخرج إليه الأشدّاء السّبعة، وناصحوه وطالبوا الصّلح، فقال (عليه السلام): إمّا الإسلام، وإمّا المقاومة.

فبرز إليه واحدٌ بعد واحد، وكان أشدّهم آخرهم، وهو سعد بن مالك العجلي وهو صاحب الحصن، فقتلهم فانهزموا، ودخل بعضهم في الحصن، وبعضهم استأمنوا، وبعضهم أسلموا، وأتوه بمفاتيح الخزائن.

قالت اُمّ سلمة: انتبه النّبيّ من القيلولة، فقلت: اللّه جارك مالك؟ فقال (صلي الله عليه وآله): أخبرني جبرئيل بالفتح. ونزلت: (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً).

وإلي

ذلك أشار المدني:

وقوله والعاديات ضبحاً

يعني عليّاً إذ أغار صبحا

علي سليم فشناها كفحا

فأكثر القتل بها والجرحا

وأنتم في الفرش نائمونا

فبشّر النّبيّ أصحابه بذلك، وأمرهم باستقباله والنّبيّ تقدّمهم، فلمّا رأي علي (عليه السلام) النبيّ (صلي الله عليه وآله) ترجّل عن فرسه، فقال النبيّ: إركب فإنّ اللّه ورسوله عنك راضيان، فبكي عليّ فرحاً، فقال النبيّ: يا علي لولا أنّي اُشفق أن تقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النّصاري في المسيح … الخبر.

وقال العوني:

من ذا سواه إذا تشاجرت القنا

وأبي الكماة الكرّ والإقداما

ورأيت من تحت العجاج لنقعها

فوق المغافر والوجوه قتاما

كشف الإله بسيفه وبرأيه

يظمي الجواد ويروي الصّمصاما

وقال الحميري:

وفي ذات السلاسل من سليم

غداة أتاهم الموت المبير

وقد هزموا أبا حفص وعمراً

وصاحبه مراراً فاستطيروا

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 140 142].

فيما ظهر منه في غزوة حنين

قال تعالي: (وَيَوْمَ حُنَيْن إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُم الأرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمّ وَلّيْتُمْ مُدْبِرين، ثُمّ أنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلي رَسُولِهِ وَعَلي الْمُؤمِنين) [التوبة: 25 26] يعني: الّذين ثبتوا مع النبيّ (صلي الله عليه وآله) يوم حنين بعد هزيمة النّاس، وهم عليّ وثمانية من بني هاشم، وقد أسلفنا ذكرهم فيما مضي من الحديث.

وفي ذلك قال خطيب منيح:

وقد ضاقت فجاج الأرض جمعاً

عليهم ثمّ ولّوا مدبرينا

وليس مع النبيّ سوي عليّ

يقارع دونه المتحاربينا

وعبّاس يصيح بهم أثيبوا

ليثبتهم وهم لا يثبتونا

فأومي جبرئيل إلي عليّ

وقد صار الثّري بالنّقع طينا

فقال هو الوفيّ فهل رأيتم

وفيّاً مثله في العالمينا

وقال المرزكي:

ويوم حنين إذ ولّوا هزيماً

وقد نشرت من الشّرك البنود

فغادرهم لدي الفلوات صرعي

ولم تغن المغافر والحديد

فكم من غادر ألقاه شلواً

عفير التّرب يلثمه العبيد

هم بخلوا بأنفسهم وولّوا

وحيدرةٌ بمهجته يجود

فكانت الأنصار خاصّة تنصرف إذ كمن أبو جرول علي المسلمين، وكان علي جمل أحمر بيده رايةٌ سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن، إذا

أدرك أحداً طعنه برمحه، وإذا فاته النّاس دفع لمن وراءه وجعل يقتلهم وهو يرتجز:

أنا أبو جرول لا براح

حتّي يبيح القوم أو يباح

فنهد له أمير المؤمنين (عليه السلام)، فضرب عجز بعيره فصرعه، ثمّ ضربه فقطّره، ثمّ قال:

قد علم القوم لدي الصباح

إنّي لدي الهيجاء ذو نطاح

فانهزموا، وعدّ قتلي عليّ فكانوا أربعين، وقال (عليه السلام):

ألم تر أنّ اللّه أبلي رسوله

بلاءً عزيزاً ذا اقتدار وذا فضل

بما أنزل الكفّار دار مذلّة

فذاقوا هواناً من أسار ومن قتل

فأمسي رسول اللّه قد عزّ نصره

وكان رسول اللّه اُرسل بالعدل

فجاء بفرقان من اللّه منزل

مبيّنة آياته لذوي العقل

فأنكر أقوامٌ فزاغت قلوبهم

فزادهم الرّحمن خبلاً إلي خبل

وقال سلامة:

أين كانوا في حنين ويلهم

وضرام الحرب تخبو وتهب

ضاقت الأرض علي القوم بما

رحبت فاستحسن القوم الهرب

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 143 144].

فيما ظهر منه في غزوات شتي مختصرا

وفي غزوة الطّائف: كان النبيّ حاصرهم أيّاماً، وأنفذ عليّاً في خيل، وأمره أن يطأ ما وجد، ويكسر كلّ صنم وجده، فلقيته خيل خثعم وقت الصّبوح في جموع، فبرز فارسهم، وقال: هل من مبارز؟ فقال النبيّ: من له؟ فلم يقم أحدٌ، فقام إليه عليّ، وهو يقول:

إنّ علي كلّ رئيس حقّاً

أن يروي الصّعدة أو يدقّا

ثمّ ضربه فقتله، ومضي حتّي كسر الأصنام، فلمّا رآه النّبيّ (صلي الله عليه وآله) كبّر للفتح، وأخذ بيده وناجاه طويلاً، ثمّ خرج من الحصن نافع بن غيلان بن مغيث، فلقيه عليّ ببطن وجّ، فقتله وانهزموا.

وفي يوم الفتح: برز أسد بن غويلم قاتل العرب، فقال النبيّ (صلي الله عليه وآله): من خرج إلي هذا المشرك فقتله، فله علي اللّه الجنّة، وله الإمامة بعدي، فاحرنجض النّاس، فبرز عليّ (عليه السلام)، فقال:

ضربته بالسّيف وسط الهامه

بضربة صارمة هدّامه

فبتكت من جسمه عظامه

وبيّنت من رأسه عظامه

وقتل (عليه السلام) من بني النّظير خلقاً منهم غرور

الرّامي إلي خيمة النبيّ (صلي الله عليه وآله)، فقال حسّان:

للّه أيّ كريهة أبليتها

ببني قريظة والنّفوس تطلع

أردي رئيسهم وآب بتسعة

طوراً يشلّهم وطوراً يدفع

وقال السّوسي:

فلمّا أتاهم حيدرٌ قال ذا لذا

أتاكم مليك الأمر فالحذر الحذر

أتاكم فتيً ما فرّ قطّ خلاف من

كمن زاركم يوماً برايته وفر

فلاقاهم مولاي بالسّيف ضارباً

كجمر الغضا لم يبق منه ولم يذر

وأنفذ النبيّ (صلي الله عليه وآله) عليّاً إلي بني قريظة، وقال: سر علي بركة اللّه، فلّما أشرفوا ورأوا عليّاً، قالوا: أقبل إليكم قاتل عمرو، وقال آخر:

قتل عليّ عمروا صاد عليّ صقرا

قصم عليّ ظهراً هتك عليّ سترا

فقال عليّ (عليه السلام): الحمد للّه الّذي أظهر الإسلام وقمع الشّرك، فحاصرهم حتّي نزلوا علي حكم سعد بن معاذ، فقتل عليّ منهم عشرةً، وقتل (عليه السلام) في بني المصطلق مالكاً وابنه.

قال الشاعر:

إمامي الّذي حسر الكرب

عن وجه أحمد حتّي انحسر

ومن في حنين حني سيفه

ظهوراً من الشّرك لمّا ظهر

ومن جرّع الموت عمرو بن ودّ

كذلك عمرو بن معدي أسر

ويوم قريظة اُخت النّظير

لتقريظه فيه يوماً أمر

وروي محمد بن إسحاق في تأريخه والطبري [تاريخ الطّبري 2: 349]: لمّا انهزمت هوازن كانت رايتهم مع ذي الخمار، فلمّا قتله عليّ أخذها عثمان بن عبداللّه بن ربيعة، فقاتل بها حتّي قتل. قال المرزكيّ:

هذا الّذي أردي الوليد وعتبة

والعامريّ وذا الخمار ومرحبا

وروي الزّمخشريّ في ربيع الأبرار [3: 302]: أنّ عمر بن الخطّاب كان إذا رأي عمرو بن معدي كرب، قال: الحمد للّه الّذي خلقنا وخلق عمرواً، وكان عمر كثيراً ما يسأله عن غاراته، فيقول: قد محا سيف عليّ الصّنائع.

قال العوني:

ومن منهم قدّ ابن ودّ بسيفه

وقاد ابن معدي بالعمامة خاضعا

وكان ابن معدي حين يلقاه واحدٌ

يعدّ بألف منهم أن يدافعا

وكان أبو حفص يلذّ حديثه

بما كان من غاراته قبل شائعاً

فنبّاه عنه إذ أتي

بحديثه

عليّ فأضحي ساكناً متراجعا

فإن قيل حدّث قال قد جاء من محت

صنائعه بالسّيف تلك الصّنائعا

ومع مبارزته جذبه أمير المؤمنين (عليه السلام) والمنديل في عنقه حتّي أسلم، وكان أكثر فتوح العجم علي يديه، قال ابن حمّاد:

وفي يوم سلع سقي العامريّ

عمرو بن ودّ كؤوس السّلع

وجاء بعمرو بن معدي كرب

وهو للعتاة قديماً قمع

وله أيضاً:

والعنكبوت غداة جاء بجحفل

لحب الحوائب بالفوارس مزيد

فسقاه كأساً ظلّ بعد وروده

شرب المنيّة وهو عطشان صد

راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب السروي [3: 144 147 ط. ايران].

في أزواجه وأولاده وأقربائه وخدامه

أبوه: أبو طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم. واُمّه: فاطمة بنت أسد بن هاشم. وهو أوّل هاشميّ من هاشميّين.

إخوته: خمسة، من الذّكور ثلاثة، وهم: طالب وعقيل وجعفر وهو أصغرهم. وكلّ واحد منهم أكبر من أخيه بعشر سنين بهذا التّرتيب، وأسلموا كلّهم، وأعقبوا إلاّ طالب، فإنّه أسلم ولم يعقب.

ومن الإناث اثنتان: اُمّ هاني، واسمها فاختة، وجُمانة.

وخاله: حنين بن أسد بن هاشم. وخالته: خالدة بنت أسد. وربيبه: محمّد بن أبي بكر. وابن اُخته جعدة بن هبيرة.

وذكر ابن شهرآشوب في مناقبه [3: 89 ط النجف و3: 304 ط ايران] نقلاً عن كتاب الإرشاد [1: 354] للشّيخ المفيد، أنّ أولاده سبعة وعشرون، ورُبّما يزيدون إلي خمسة وثلاثين.

وذكر النسّابة العمريّ في كتاب الشّافي، وكذا صاحب كتاب الأنوار: البنون خمسة عشر، والبنات ثماني عشرة. ومنهم:

الحسن، والحسين، والمحسن سقط، وزينب الكبري، وأم كلثوم الكبري التي تزوجها عمر.

وذكر أبو محمّد النّوبختي في كتاب الإمامة: أنّ اُمّ كلثوم كانت صغيرة، ومات عمر قبل أن يدخل بها، وكلّ اُولئك من سيّدتنا فاطمة الزّهراء زوجته الاُولي الّتي لم يتزوّج (عليه السلام) بأحد من النّساء في حياتها إكراماً لها، كما كان النبيّ (صلي الله عليه وآله) مع سيّدتنا خديجة (عليها السلام). وأمّا

بعد وفاتها، فقد تزوّج (عليه السلام) بتسع نسوة:

الاُولي منهنّ: خولة بنت جعفر بن قيس الحنفيّة، وولد له منها: محمّد ابن الحنفيّة.

الثانية: اُمّ البنين ابنة حزام بن خالد الكلابيّة، ومنها: عبداللّه، وجعفر الأكبر، والعبّاس، وعثمان.

الثّالثة: اُمّ حبيب بنت ربيعة التّغلبيّة، وولد له منها: عمر، ورقيّة، وهما توأمان في بطن.

الرّابعة: أسماء بنت عميس الخثعميّة، ومنها: يحيي، ومحمّد الأصغر.

وقيل: قد ولدت له أيضاً اُمّ ولد: عوناً، ومحمّداً الأصغر.

الخامسة: اُمّ سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفيّة، ومنها: نفيسة، وزينب الصّغري، ورقيّة الصّغري.

السّادسة: اُمّ شعيب المخزوميّة، ومنها: اُمّ الحسن، ورملة.

السّابعة: الهملاء بنت مسروق النّهشليّة، ومنها: أبو بكر، وعبداللّه.

الثّامنة: أمامة بنت أبي العاص بن الرّبيع، واُمّها زينب بنت رسول اللّه، ومنها: محمّد الأوسط.

التّاسعة: محياة بنت امرئ القيس، ومنها: جاريةٌ ماتت وهي صغيرة.

وكان له (عليه السلام): خديجة، واُمّ هاني، وتميمة، وميمونة، وفاطمة، وكلّهنّ لاُمّهات أولاد.

ومن أولاده من يتوفّون قبله، منهم: يحيي، واُمّ كلثوم الصّغري، وزينب الصّغري المكنّاة باُمّ الكرام. وجمانة وكنيتها أمّ جعفر، وأمامة، واُمّ سلمة، ورملة الصّغري.

وقد زوّج زينب الكبري من عبداللّه بن جعفر. وميمونة من عقيل بن عبداللّه بن عقيل. واُمّ كلثوم الصّغري من كثير بن عبّاس بن عبدالمطّلب. ورملة الكبري من أبي الهياج عبداللّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطّلب. ورملة الصّغري من الصّلت بن عبداللّه بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب. وفاطمة من محمّد بن عقيل بن أبي طالب.

والمعقبون له (عليه السلام) من أولاده خمسةٌ: الحسن، والحسين، ومحمّد بن الحنفيّة، والعبّاس الأكبر، وعمر.

وذكر في قوت القلوب: أنّه (عليه السلام) تزوّج بعد وفاة سيّدتنا فاطمة بتسع ليال، وأنّه تزوّج بعشر نسوة، وتوفّي عن أربعة: أمامة واُمّها زينب بنت النبيّ، وأسماء بنت عميس، وليلي التّميميّة، واُمّ البنين الكلابيّة.

وأنّهنّ لم

يتزوّجن بعده، فقد خطب المغيرة بن نوفل أمامة، ثمّ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطّلب، فروت عن عليّ (عليه السلام): أنّه لا يجوز لأزواج النّبيّ والوصيّ أن يتزوّجن بغيره بعده، فلم تتزوّج امرأة ولا اُمّ ولد بهذه الرّواية.

وتوفّي (عليه السلام) عن ثماني عشرة اُمّ ولد، فقال (عليه السلام): جميع اُمّهات أولادي الآن محسوبات علي أولادهنّ بما ابتعتهنّ به من أثمانهنّ، فقال: ومن كان من إمائه غير ذوات أولاد، فهنّ حرائر من ثلثه.

وكتّابه: عبيداللّه بن أبي رافع، وسعيد بن نمران الهمداني، وعبداللّه بن جعفر، وعبيداللّه بن عبداللّه بن مسعود.

وبوّابه: سلمان الفارسي.

ومؤذّنه: جويريّة بن مسهر العبدي، وابن النّبّاح، وهمدان الّذي قتله الحجّاج.

وخدّامه: أبو نيرز من أبناء ملوك العجم، رغب في الإسلام وهو صغير فأتي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) فأسلم وكان معه، فلمّا توفّي (صلي الله عليه وآله) صار مع فاطمة وولديها، وكان عبداللّه بن مسعود في سبي فزارة، فوهبه النّبيّ لفاطمة (عليه السلام)، فكان بعد ذلك مع معاوية.

وكان له (عليه السلام) ألف نسمة، منهم: قنبر، وميثم، قتلهما الحجّاج. وسعد، ونصر، قتلا مع الحسين (عليه السلام)، وأحمر، قتل معه (عليه السلام) في صفّين، ومنهم: غزوان، وثبيت، وميمون.

وخادماته: فضّة، وزبراء، وسلافة.

وكانت له بغلة يقال لها الشّهباء، ودلدل الّتي أهداها إليه النّبيّ (صلي الله عليه وآله).

قال كشاجم:

ووالدهم سيّد الأوصياء

معطي الفقير ومردي البطل

ومن علم السّمر طعن الكليّ

لدي الرّوع والبيض ضرب القلل

ولو زالت الأرض يوم الهياج

لمن تحت أخمصه لم يزل

ومن صدّ عن وجه دنياهم

وقد لبست حليها والحلل

وكانوا إذا ما أضافوا إليه

بأرفعهم رتبةً في المثل

سماء أضفت إليها الحضيض

وبحراً قرنت إليه الوشل

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [3: 304 306].

شمائله وتأريخه

وقد ذكر في كتاب صفّين [ص 233] ونحوه عن

جابر وابن الحنفيّة: أنّه كان عليّ رجلاً دحداحاً، ربع القامة، أزجّ الحاجبين، أدعج العينين، أنجل تميل إلي الشّهلة، كان وجهه القمر ليّلة البدر حسناً، وهو إلي السّمرة، أصلع له حفاف من خلفه كأنّه إكليل، وكأن عنقه إبريق فضّة، وهو أرقب، ضخم البطن، أقري الظّهر، عريض الصّدر، محض المتن، شثن الكفّين، ضخم الكسور، لا يبين عضده من ساعده تدامجت إدماجاً، عبل الذّراعين، عريض المنكبين، عظيم المشاشين كمشاش السّبع الضّاري، له لحية قد زانت صدره، غليظ العضلات، حمش السّاقين [14].

قال المغيرة: كان عليّ (عليه السلام) علي هيئة الأسد، غليظاً منه ما استغلظ، دقيقاً منه ما استدقّ.

ولد (عليه السلام) في البيت الحرام في اليوم الثّالث عشر من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، وروي ابن همام بعد تسعة وعشرين سنة.

وقبض قتيلاً في مسجد الكوفة وقت التّنوير ليلة الجمعة لتسعة عشر مضين من شهر رمضان، علي يدي عبدالرّحمن بن ملجم المراديّ، وقد عاونه وردان بن مجالد من تيم الرّباب، وشبيب بن بجرة، والأشعث بن قيس، وقطام بنت الأخضر، فضربه سيفاً علي رأسه مسموماً، فبقي يوماً إلي نحو ثلث من اللّيل، وله يومئذ خمس وستّون سنةً في قول الصّادق (عليه السلام): وقالت العامّة: ثلاث وستّون سنة.

عاش مع النّبيّ (صلي الله عليه وآله) بمكّة ثلاث عشره سنةً، وبالمدينة عشر سنين.

وقد كان هاجر وهو ابن أربع عشرة سنة، وضرب بالسيّف بين يدي النّبيّ وهو ابن ستّ عشرة سنة، وقتل الأبطال وهو ابن تسع عشرة سنة، وقلع باب خيبر وله اثنتان وعشرون سنة.

وكانت مدّة إمامته ثلاثون سنة، منها أيّام أبي بكر سنتان وأربعة أشهر، وأيّام عمر تسع سنين وأشهر وأيّام وفي رواية الفرياني: عشر سنين وثمانية أشهر وأيّام عثمان اثنتا عشرة سنة، ثمّ

آتاه اللّه الحقّ خمس سنين وأشهرا.

وكان (عليه السلام) أمر بأن يخفي قبره، لما عرف من بني اُميّة وعداوتهم فيه، إلي أن أظهره الصّادق (عليه السلام)، ثمّ انّ محمّد بن زيد الحسنيّ أمر بعمارة الحائر بكربلاء والبناء عليها، وبعد ذلك زيد فيه، وبلغ عضد الدّولة العناية في تعظيمها والوقف عليها.

وقال دعبل:

ألا إنّه طُهرٌ زكيّ مطهّر

سريعٌ إلي الخيرات والبركات

غلاماً وكهلاً خير كهل ويافع

وأبسطهم كفّاً إلي الكربات

وأشجعهم قلباً وأصدقهم أخاً

وأعظمهم في المجد والقُربات

أخو المصطفي بل صهره ووصيّه

من القوم والسّتّار للعورات

كهارون من موسي علي رغم معشر

سفال لئام شقق البشرات

راجع: المناقب [3: 307 308].

مقتله

وروي أبو بكر بن مردويه في فضائل أمير المؤمنين، وأبو بكر الشّيرازي في نزول القرآن: أنّه قال سعيد بن المسيّب: كان عليّ يقرأ: (إذ انْبَعَثَ أشْقَاهَا)[الشمس: 12] قال: فوالّذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذا، وأشار إلي لحيته ورأسه.

وروي الثّعلبي والواحديّ بإسناديهما عن عمّار، وعن عثمان بن صهيب، عن الضحّاك، وروي ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة، وعن صهيب، وعن عمّار، وعن عدي، وعن الضحّاك، والخطيب في التاّريخ عن جابر بن سمرة، وروي الطّبريّ والموصليّ عن عمّار، وروي أحمد بن حنبل عن الضحّاك، أنّه قال النّبيّ: يا علي أشقي الأوّلين عاقر النّاقة، وأشقي الآخرين قاتلك.

وفي رواية: من يخضب هذه من هذا.

قال الصنوبري:

قال النبيّ له أشقي البريّة يا

عليّ إذ ذكر الأشقي شقيّان

هذا عصي صالحاً في عقر ناقته

وذاك فيك سيلقاني بعصيان

ليخضبن هذه من ذا أبا حسن

في حين يخضبها من أحمر قان

وكان عبدالرّحمن بن ملجم التّجوبي عداده من مراد، قال ابن عبّاس: كان من ولد قدار عاقر ناقة صالح، وقصّتها واحدةٌ، لأنّ قدار عشق امراةً يقال لها رباب، كما عشق ابن ملجم قطاماً.

سمع ابن ملجم وهو يقول: لأضربنّ

عليّاً بسيفي هذا، فذهبوا به إليه (عليه السلام)، فقال: ما اسمك؟ قال: عبدالرّحمن بن ملجم، قال: نشدتك باللّه عن شيء تخبرني؟ قال: نعم، قال: هل مرّ عليك شيخٌ يتوكّأ علي عصاه وأنت في الباب فشقّك بعصاه ثمّ قال: بؤساً لك لَشقيّ من عاقر ناقة ثمود؟ قال: نعم، قال: هل كان الصّبيان يُسمّونك ابن راعية الكلاب وأنت تلعب معهم؟ قال: نعم. قال: هل أخبرتك اُمّك أنّها حملت بك وهي طامث؟ قال: نعم، قال (عليه السلام): فبايع، فبايع، ثمّ قال (عليه السلام): خلّوا سبيله.

وروي أنّ ابن ملجم جاءه ليبايعه، فردّه (عليه السلام) مرّتين أو ثلاثاً، فلمّا بايعه توثّق منه أن لا يغدر ولا ينكث، فلّما بايعه قال: واللّه ما رأيتك تفعل هذا بغيري، فقال (عليه السلام): يا غزوان احمله علي الأشقر، فأركبه، فتمثّل أمير المؤمنين (عليه السلام):

اُريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

ثمّ قال (عليه السلام): امض يا ابن ملجم فواللّه ما أري تفي بما قلت.

وفي رواية: والّذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذا.

وروي أنّه (عليه السلام) سهر في اللّيلة الّتي قُتل فيه، فأكثر الخروج والنّظر إلي السّماء وهو يقول: واللّه ما كذبت، وإنّها اللّيلة الّتي وعدت بها، ثمّ يعاود مضجعه، فلمّا طلع الفجر أتاه مؤذّنه ابن التّياح، ونادي: الصّلاة، فقام فاستقبله الإوز فصحن في وجهه، فقال: دعوهنّ فإنهنّ صوائح تتبعها نوائح، وتعلّقت حديدةٌ في مئزره، فشدّ إزاره علي الباب، وهو يقول:

اُشدد حيازيمك للموت

فإنّ الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت

إذا حلّ بواديكا

فقد أعرف أقواماً

وإن كانوا صعاليكا

مساريع إلي الخير

وللشرّ متاريكا

وروي أنّه (عليه السلام) قال لاُمّ كلثوم: يا بنيّة إنّي أراني قلّ ما أصحبكم، قالت: وكيف ذاك يا أبتاه؟ قال: إنّي رأيت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) في

منامي وهو يمسح الغبار عن وجهي، ويقول: يا علي لا عليك قد قضيت ما عليك، قالت: فما مكثنا حتّي ضرب تلك اللّيلة الضّربة.

وفي رواية أنّه قال: يا بنيّة لا تفعلي، فإنّي أري رسول اللّه يشير إليّ بكفّه، يا علي إلينا. فإنّ ما عندنا هو خيرٌ لك.

وروي أبو مخنف الأزدي، وابن راشد، والرّفاعي، والثّقفي جميعاً: أنّه اجتمع نفرٌ من الخوارج بمكّة، فقالوا: إنّا اشترينا أنفسنا للّه، فلو أتينا أئمّة الضّلال وطلبنا غرّتهم، فأرحنا منهم البلاد والعباد، فقال عبدالرّحمن بن ملجم: أنا أكفيكم عليّاً، وقال الحجّاج بن عبداللّه السّعدي الملقّب بالبرك: أنا أكفيكم معاوية، فقال عمرو بن بكر التّميمي: أنا أكفيكم عمرو بن العاص واتّعدوا التّاسع عشر من شهر رمضان، ثمّ تفرّقوا.

فدخل ابن ملجم الكوفة، فرأي رجلاً من أهل التّيم تيم الرّباب عند قطام التّميميّة، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قتل أباها الأخضر، وأخاها الأصبغ بالنّهروان، فشغف بها ابن ملجم وخطبها فأجابته بمهر، ذكره العبدي في كلمة له، فقال:

فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة

كمهر قُطام من فصيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعبدٌ وقينة

وضرب عليّ بالحسام المسمّم

فلا مهر أغلي من عليّ وإن غلا

ولا قتل إلاّ دون قتل ابن ملجم

فهذا ملخّص ما نُقل إلينا من أخبار الإمام عليّ (رضي الله عنه) وأرضاه، ورضي به عنّا آمين.

راجع: كتاب مناقب آل أبي طالب لابي جعفر ابن شهرآشوب السروي [3: 308 311 ط ايران].

أيا ليت شعري! أليس من المستغرب لمن له أقلّ إلمام بالتأريخ الإسلامي، وأحوال الصحابة، أن يخفي عليه ما كان لعلي من الفضائل القصوي والدرجات العليا، ما لم تكن لغيره من الصحابة؟

أليس من المستبعد لمن عنده أدني علم بالكتاب والسنّة، أن يعزب عنه ما كانت لعلي من المفاخر والمكرمات؟ أو يحتمل أن

يكون ذاهلاً عمّا اختصه به اللّه ورسوله من الخصائص دون غيره من الصحابة والقرابات، حتّي يتصوّر صحّة قول من قال: إنّ النّاس بعد الثلاثه سيّان، لا يفاضل أحد علي أحد؟ أو يزعم أن لو كان هناك أحد أفضل بعد النبيّ لكان غير علي؟ هيهات هيهات ممّا يزعمون، بلي وشتّان ما بينه وبين الثلاثة المفاضلين عليه بقول عار من الدّليل والبيّنة، خال من الحجّة والبرهنة، ما يأباه دين وعقل وطبع ومنطق. ألا انّ هذا لشيء عجاب.

انه أحد الكلمات التي توسل بها آدم

أليس هو من أحد المعبّرين عنهم في الكلمات التي توسّل بها آدم فتاب اللّه عليه؟ كما فسّرها بعض أعاظم الاُمّة المحمّديّة في قوله تعالي: (فَتَلَقّي آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ) [البقرة: 37] فانّهم استدلّوا بحديث مسند إلي ابن عبّاس (رضي الله عنه)، قال: سئل النبيّ (صلي الله عليه وآله) عن الكلمات الّتي تلقاها آدم من ربّه فتاب عليه. فقال (صلي الله عليه وآله): سأله بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. رواه:

1 الحافظ ابن المغازلي في مناقبه [ص 63].

2 الحمويي وهو العلاّمة محمّد بن محمّد بن إسحاق في كتابه مناهج الفاضلين [ص 147].

3 البدخشي في مفتاح النجا [ص 16] روي من طريق الدارقطني، وابن النجار.

4 العلاّمة عبداللّه الشافعي في المناقب [ص 33].

5 العلاّمة ابن حسنويه وهو الحافظ العارف جمال الدّين محمّد بن أحمد الحنفي الموصلي المتوفي سنة [680] في كتابه بحر درر المناقب.

6 السيوطي في كتابه ذيل اللآلي [ص 58 ط لكهنو].

7 العلاّمة القندوزي وهو الشيخ سليمان البلخي المتوفي سنة [1239] في ينابيع المودّة [ص 62 وص 79].

8 البيهقي في دلائل النبوّة علي ما في إحقاق الحقّ وازهاق الباطل [3: 76].

9 ابن عساكر في مسنديه علي ما في احقاق الحقّ

وازهاق الباطل [3: 77].

10 السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور [1: 60].

11 الكاشفي في معارج النبوّة [2: 9 ط. الهند].

12 النطنزي في خصائص العلويّة علي ما في أرجح المطالب [ص 320]

انه أحد الذين جعل الله مودتهم أجر الرسالة

أليس هو من أحد الّذين جعل اللّه مودّتهم أجر الرسالة؟ كما قال عزّ سلطانه وعظم شأنه: (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبي) [الشوري: 23] وقد روي جمع من الأعلام حديثاً مسنداً إلي عليّ (عليه السلام)، وبعضهم روي مسنداً إلي ابن عبّاس (رضي الله عنه)، منهم:

1 الثعلبي عن ابن عباس أنّه قال: لما نزلت: (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبي) قالوا: يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلي الله عليه وآله): عليّ وفاطمة والحسن والحسين.

2 الطبراني في المعجم الكبير [ص 131].

3 أبو نعيم في كتابه نزول القرآن.

4 الزمخشري في تفسيره [3: 402 ط القاهرة].

5 الخوارزمي في مقتل الحسين [ص 57 ط النجف].

6 الطبري في ذخائر العقبي [ص 25 ط مصر].

7 ابن تيميّة الحنبلي في منهاج السنة [2: 250].

8 التفتازاني الشافعي في شرح المقاصد [7: 2].

9 القسطلاني في المواهب اللدنّية [7: 3 ط مصر].

10 ابن حجر العسقلاني في الكافي الشافي [ص 125].

11 السيوطي في إحياء الميت [ص 110 وص 191 ط مصر].

12 الشبراوي في الإتحاف [ص 13 وص 5 ط مصر].

13 البدخشي في مفتاح النجا [ص 12].

انه أحد المعنيين بآل يس

أليس هو من أهل البيت الذين سلّم عليهم ربّ العزّة بقوله جلّ جلاله: (سَلام عَلَي آل يس) [الصافّات: 130]؟ فقد روي جماعة من أعلام القوم في أنّ معني آل يس هم: آل محمّد عليه وعليهم الصلاة والسلام، وممّن ذكر ذلك:

1 العلامة الحافظ المحدث الفقيه ابن المغازلي الشافعي المتوفي [483]في كتابه المناقب كما في الاحقاق [9: 127].

2 - الزرندي وهو العلامة جمال الدين محمد بن يوسف المتوفي، سنة [750]في كتابه نظم درر السمطين [ص 94 ط مطبعة القضاء].

3 الحافظ العلامة

حميد بن أحمد المحلي في الحدائق الوردية، كما في الاحقاق [9: 127].

4 النويري في كتابه نهاية الأدب [2: 338 ط مصر].

5 السيد محمّد صديق حسن خان ملك بهوپال في تفسيره فتح البيان [8: 78 ط بولاق بمصر].

6 الحافظ ابن مردويه علي ما في مفتاح النجا [ص 6].

7 الرازي في تفسيره [26: 162 ط. مصر].

8 القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن [15: 119 ط القاهرة].

9 أبو حيّان في تفسيره البحر المحيط [7: 373 ط. السعادة بمصر].

10 ابن كثير في تفسيره [4: 20 ط. مصطفي محمد بمصر].

11 السيوطي في تفسيره الدر المنثور [5: 286 ط. مصر].

12 الشوكاني في تفسيره فتح القدير [4: 400 وفي ط. مصطفي الحلبي وأولاده 4: 410].

13 الآلوسي في تفسيره روح المعاني [23: 129].

14 الطبرسي في تفسيره مجمع البيان [23: 80].

15 ابن حجر الهيثمي في الصواعق [146 ط. المحمدية بمصر] في الآية الثالثة باب 11.

16 ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان [6: 125 ط. حيدر اباد].

17 الكشفي في المناقب المرتضوية [ص 52 ط. بمبي].

18 الحافظ العلامة علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد [6: 174 ط.القدسي بالقاهرة].

19 القندوزي في ينابيع المودة [ص 7 ط. إسلامبول].

20 العلامة الحبيب أبو بكر بن شهاب العلوي الحضرمي في رشفة الصادي [ص 24 ط. مصر].

21 نور اللّه الحسيني في إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل [9: 127].

-پله=1

ان مودته من الحسنة المعنية في الآيات

أليست مودّته من الحسنة المعنيّة في قوله تعالي: (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْناً) [الشوري: 23]؟ فقد فسّر الأعلام من الحفّاظ والمفسّرين في أن معني الحسنة في هذه الآية هي: المودّة لآل محمّد عليه وعليهم الصلاة والسلام. فمنهم:

1 السيوطي في الدرّ المنثور [4: 7 ط مصر].

2 المحلي في الحدائق الوردية كما في

الاحقاق [9: 130].

3 الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان كما في الاحقاق [9: 130].

4 ابن المغازلي الشافعي في المناقب [ص 316].

5 الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين [ص 86].

6 العلامة عبداللّه الشافعي في المناقب [ص 156].

7 المبيدي في شرح ديوان امير المؤمنين [191].

8 ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة [ص 11 ط نجف].

9 البدخشي في مفتاح النجا [ص 6 و 13 مخطوط].

10 الآلوسي في روح المعاني [25: 31].

11 القندوزي في ينابيع المودة [ص 118 ط اسلامبول].

12 الحبيب علوي الحداد في القول الفصل [1: 486 ط جاوا].

13 النبهاني في الشرف المؤبّد [ص 174 ط مصر].

14 ابن شهاب الدين في رشفة الصادي [ص 23 ط مصر].

15 ابن أبي حاتم في تفسيره كما في شرف المؤبد [ص 174 ط مصطفي البابي الحلبي وأولاده].

16 الشهيد التستري في احقاق الحقّ [9: 130].

وكذلك قول الأعيان من العلماء والمحدّثين في معني الحسنة التي في قوله تعالي: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَع يَوْمَئِذ آمِنُون، وَمَنْ جاءَ بِالسيّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النّارِ) [النمل: 89 90] فإنّ الحسنة المذكورة في هذه الآية الشريفة هي: محبّة أهل البيت. والسيئة هي: بغض أهل البيت.

واستدلّوا بحديث مسند عن عبداللّه الجدلي، قال: قال لي علي (رضي الله عنه): يا أبا عبداللّه!! ألا اُخبرك بالحسنة التي من جاء بها أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة؟ وبالسيّئة التي من جاء بها كبّت وجوههم في النار فلم يقبل منه عمل؟ ثمّ قرأ: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَع يَوْمئِذ آمِنُونَ، وَمَنْ جاءَ بِالسيّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النّار) ثمّ قال: يا أبا عبداللّه!! الحسنة: حبّنا. والسيّئة: بغضنا. رواه كما في الإحقاق [9: 134]:

1 الحمويي في فرائد السمطين

[2: 299].

2 الثعلبي الشافعي في تفسيره، كما في الإحقاق [9: 135].

3 أبو نعيم في نزول القرآن في أمير المؤمنين.

4 ابن المغازلي في مناقبه كما في الإحقاق [9: 135].

5 البدخشي في مفتاح النجا [ص 6 مخطوط].

6 الأمرتسري في أرجح المطالب [ص 84 ط. لاهور] من طريق ابن مردويه.

7 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 98].

8 ابن مردويه في مناقبه علي ما في كشف الغمّة [ص 94 ط. طهران].

-پله=1

بيته من جملة البيوت المقصودة في الآية الشريفة

أليس بيته من البيوت المذكورة في القرآن الكريم؟ فقد روي عدّة من أعاظم

الحفّاظ والمفسّرين حديثاً ما يدلّ علي أنّ بيته (عليه السلام) من جملة البيوت المقصودة في هذه الآية، وإليك من ذكر ذلك:

1 ابن حسنويه الحنفي في كتابه بحر در المناقب قال: روي ابن عبّاس (رضي الله عنه) أنّه قال: كنت في مسجد رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) وقد قرأ القاري: (في بُيُوت أذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيها اسْمُه يُسبّحُ له فيها بِالغُدُوِّ وَالآصالِ)الآية [النور: 36]فقلت: يا رسول اللّه ما البيوت؟ فقال (صلي الله عليه وآله): بيوت الأنبياء، وأومأ بيده إلي منزل فاطمة (عليها السلام). الإحقاق [9: 137].

2 الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان، فقد أورد فيه حديثاً مسنداً إلي أنس بن مالك، وبريدة، قالا: قرأ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) هذه الآية، فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول اللّه هذا البيت منها؟ يعني بيت علي وفاطمة، قال (صلي الله عليه وآله): نعم، من أفضلها. الإحقاق [9: 137].

3 الامرتسري الحنفي في كتابه أرجح المطالب [ص 75 ط لاهور] أنّه روي الحديث من طريق ابن مردويه، والسيوطي في تفسيره الدرّ المنثور.

4 قال الإمام شرف الدين الموسوي في تعليقاته من كتاب المراجعات [ص: 45]: وفي الباب الثاني عشر

من كتاب غاية المرام للبحريني تسعة صحاح، تنشقّ منها عمود الصباح.

-پله=1

السؤال عن ولايتهم

أليست ولايته كرّم اللّه وجهه ممّا يسأل عنه كلّ مسلم غداً؟ كما توقفنا الآية عند قوله عزّ وجلّ: (وَقِفُوهُمْ إنّهُمْ مَسْؤولُون) [الصافات: 24] فقد فسّر بعض أعلام المفسّرين بأنّ المسؤول عنه وقتئذ هو: ولاية إمامنا الأكرم ووليّنا الأعظم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام). وممّن قال بذاك في كتبهم:

1 المفسر الكبير الإمام الواحدي في أسباب النزول، قال في قوله تعالي: (وَقِفُوهُمْ إنّهُمْ مَسْؤولُون) أي: عن ولاية علي وأهل البيت.

2 أبو المظفّر سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة خواصّ الاُمّة [ص 10] قال: قال مجاهد: وقفوهم انّهم مسؤولون عن حبّ عليّ.

3 ابن حجر الهيثمي، فانّه قد عدّ الآية في الآيات النازلة فيهم. راجع الباب الحادي عشر في الآية الرابعة من الصواعق المحرقة [ص 89].

4 الآلوسي في تفسيره روح المعاني [23: 80] ذكر عند الآية الشريفة أقوالاً، ثمّ أعقبها بقوله: وأولي هذه الأقوال أنّ السؤال عن العقائد والأعمال، ورأس ذلك: لا إله إلاّ اللّه، ومن أجلّه ولاية علي كرّم اللّه وجهه.

5 الإمام الطبرسي في تفسيره مجمع البيان [23: 53].

6 ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب [3: 4].

7 الأميني في رسالته سيرتنا وسنّتنا [ص 15 ط. مطبعة الحيدريّة بطهران].

-پله=1

انه هو الهادي في الآية الشريفة

أليس هو المراد بالهادي في معني قوله: (إنّما أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْم هاد)؟ الآية [الرعد: 7] فقد روي بعض الأئمّة من المفسّرين، وغير واحد من أصحاب السنن حديثاً عن ابن عبّاس، وذلك حين نزلت الآية الشريفة.

قال ابن عبّاس: لمّا نزل قوله عزّ وجلّ: (إنّما أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْم هاد)وضع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) يده علي صدره، وقال: أنا المنذر. وعليّ الهادي. وبك يا علي يهتدي المهتدون.

وعن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا

عبداللّه جعفر الصّادق (عليه السلام) عن هذه الآية، فقال: كلّ إمام هاد في10 زمانه.

وقال الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) في تفسيرها: المنذر رسول اللّه، والهادي عليّ، ثمّ قال: واللّه ما زالت فينا إلي الساعة.

أخرجه:

1 الثعلبي في تفسيره، كما في تعليقات الموسوي في مراجعاته [ص 40].

2 والطبري في تفسيره [13: 72 ط. بيروت].

3 والطبرسي في تفسيره مجمع البيان [3: 360 ط. بيروت].

4 والشوكاني في تفسيره فتح القدير [3: 70] من عدة طرق.

5 والديلمي في السنن، وغيرهم.

-پله=1

انه هو المعني بالعطاء في الآية الشريفة

أليس هو من المعبّر عنهم في معني العطاء الذي سيرضي اللّه به رسوله وحبيبه ويقرّ به عين مصطفاه، كما صرّح به أساطين المحدّثين وأعاظم المفسّرين؟ وذلك في قوله تعالي: (وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبّكَ فَتَرْضي) [الضحي: 5].

فقد روي السيوطي في مسالك الحنفاء [ص 13 ط حيدر آباد] حديثاً عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبّكَ فَتَرْضي) قال: ومن رضا محمّد (صلي الله عليه وآله) أن لا يدخل أحداً من أهل بيته النار. وروي ذلك أيضا:

1 ابن المغازلي في المناقب [ص 5 علي ما في الإحقاق].

2 والسيوطي أيضاً في كتابه الحاوي للفتاوي [2: 207 ط القاهرة] وفي كتابه إحياء الميت.

3 والحافظ المفسر ابن كثير في تفسيره الآية المذكورة.

4 والعلاّمة النبهاني في كتابه الشرف المؤبّد [ص 44 الطبعة الاولي من مطبعة الحلبي وأولاده]. وقال فيه: وأدلّة ذلك في السنّة كثيرة، فذكر من السنن النبويّة المشيرة إلي المعني، ما أخرجه القرطبي. وأمّا ما في تفسير ابن كثير، فقد أخرج المؤلّف عن السدّي وابن أبي حاتم.

5 العلاّمة السيد أبو الطيّب صديق حسن خان ملك بلهوپال في تفسيره فتح البيان [10: 173 ط بولاق].

6 والزبيدي الحنفي في كتابه إتحاف السادة المتّقين [9: 175 ط الميمنية

بمصر].

7 والقندوزي في ينابيع المودّة [ص 268 ط. اسلامبول].

8 والأمرتسري في أرجح المطالب [ص 332 ط. لاهور] كما في إحقاق الحق للحسيني [9: 140 ط. مطبعة الإسلاميّة بطهران].

-پله=1

المراد من الاهتداء في الآية الشريفة

أليس معني اهتدي في قوله عزّ من قائل عليم: (وإنّي لغفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَن وَعَمِلَ صالِحاً ثُمّ اهْتَدي) [طه: 82] أي: اهتدي إلي ولاية أهل بيته (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ أوليس علي عظيمهم وكبيرهم؟

قال ابن حجر في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر في كتابه الصواعق المحرقة علي ما في تعليقات الموسوي من مراجعاته [ص 41] مالفظه: الآية الثامنة قوله تعالي: (وَإنّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمّ اهْتَدي) قال: قال ثابت البنائي: اهتدي إلي ولاية أهل بيته (صلي الله عليه وآله وسلم).

وقال: وجاء ذلك عن أبي جعفر الباقر أيضاً. ثمّ روي ابن حجر أحاديث في نجاة من اهتدي اليهم (عليهم السلام)، إلي أن أشار إلي قول الباقر (عليه السلام) للحارث بن يحيي: يا حارث ألا تري كيف اشترط اللّه ولم تنفع إنساناً التوبة ولا الإيمان ولا العمل الصالح حتّي يهتدي إلي ولايتنا.

ثمّ روي (عليه السلام) بسنده إلي جدّه أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، قال: واللّه لو تاب رجل وآمن وعمل صالحاً ولم يهتد إلي ولايتنا ومعرفة حقّنا ما أغني عنه.

وروي ذلك:

1 الطبرسي في تفسيره مجمع البيان [4: 35 ط.بيروت]، وقال: وروي الحسكاني في تفسيره شواهد التنزيل، والعياشي في تفسيره من عدّة طرق.

2 والمفسّر الكبير في تفسيره جامع البيان [16: 145 ط دار المعرفة بيروت لبنان] للطبري.

أقول: إلي غير ما هنالك من الأحاديث النبويّة المشيرة إلي هذا المعني، الدالّة علي ما لأهل بيت النبوّة ومهبط الوحي ومختلف الملائكة ممّا تفضّل اللّه سبحانه وتعالي عليهم بالفضائل

العظيمة، وما تكرّم عليهم بمننه الجسيمة، المبثوتة في طيّات الكتب، ولا تخفي علي من تصفّح المسانيد والمعاجم والصحاح.

فمنها: ما اقتطفناها، وأوقفنا اللّه عليها بمنّه وفضله وسعة كرمه، فيما نُقل إلينا وجاء بذلك أعيان الاُمّة وأماثل الأئمة. وإليك نبذة من ذلك:

-پله=2

حديث اللهم إليك لا إلي النار أنا وأهل بيتي

اشاره

قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): اللهمّ إليك لا إلي النار أنا وأهل بيتي، قالت اُمّ سلمة: وأنا يا رسول اللّه؟ قال (صلي الله عليه وآله): وأنتِ. رواه جماعة من أعلام القوم. منهم:

1 الإمام أحمد في مناقبه بالإسناد إلي اُمّ سلمة.

2 الإمام الدولابي في الكني والأسماء [2: 121 حيدر آباد الدكن].

3 الطبراني في المعجم الكبير.

4 ابن حجر في الاصابة [1: 329 ط. مصر].

5 المتقي الهندي في منتخب الكنز [هامش مسند الامام أحمد 5: 96 ط. الميمنية بمصر].

6 الخوارزمي في مقتل الحسين [ص 25 ط. الغري].

7 الهيثمي في مجمع الزوائد [9: 166 ط. القدسي].

8 القندوزي في ينابيع المودة [ص 228 و ص 167].

9 ابن عساكر في تأريخه.

10 الطبري محبّ الدين في ذخائر العقبي [ص 21].

11 البدخشي في مفتاح النجا.

12 المناوي الشافعي في كنوز الحقائق [ص 24].

13 الأمرتسري في أرجح المطالب [ص 323 ط. بولاق].

14 النبهاني في شرف النبيّ.

15 الحبيب العلاّمة علوي بن طاهر الحدّاد العلوي الحسيني الحضرمي الأصل الاندونيسيّ المسكن صاحب الفتاوي في جوهور في القول الفصل [2: 198 ط. جاوا].

حديث أنا حرب لمن حاربكم

قوله (صلي الله عليه وآله): أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم. رواه جماعة من أعلام القوم عن أبي هريرة، ومنهم بالإسناد عن أبي بكر بزيادة لفظ: لا يحبّهم إلاّ سعيد الجدّ، ولا يبغضهم إلاّ شقيّ الجدّ رديء المولد. كما أخرجه:

1 الإمام أحمد، رفعه إلي أبي هريرة في مسنده [2: 442].

2 الحاكم في المستدرك [3: 149 ط حيدر اباد].

3 الطبراني في معجميه الكبير والصغير [ص 130 و 158].

4 ابن كثير صاحب التفسير في البداية والنهاية [8: 205].

5 الذهبي في تأريخ الإسلام [3: 90] وفي سير أعلام النبلاء [2: 91]وفي ميزان الاعتدال [1: 463 ط.

مصر].

6 الخطيب البغدادي في تأريخه [7: 136].

7 المتقي الهندي في منتخبه [هامش مسند الإمام أحمد 5: 92].

8 الخوارزمي في مناقبه [234] وفي مقتل الحسين [ص 99].

9 الكنجي الشافعي في كفاية الطالب [ص 189 ط. الغري].

10 ابن عساكر في تأريخه علي ما في منتخبه [4: 207].

11 الهيثمي في مجمعه [9: 166 ط. القدسي بالقاهرة].

12 الطبري في رياضه [2: 189] وفي مناقبه [ص 236].

13 ابن ماجة في سننه [1: 65] عن زيد بن أرقم.

14 الترمذي في صحيحه [13: 248] عن ابن أرقم.

15 ابن الاثير مجدالدين في جامع الأصول [10: 102].

16 ابن الأثير عزّ الدين في أسد الغابة [5: 523].

17 ابن حجر في صواعقه [ص 158 ط. عبداللطيف].

18 الدولابي في الكني والأسماء [2: 160 ط. حيدر اباد].

19 التبريزي في مشكاة المصابيح [3: 258 ط. دمشق].

20 الصنعاني في طبقات المعتزلة [ص 82 ط. بيروت].

21 البدخشي الحنفي في مفتاح النجا [ص 15].

22 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 241 و ص 294 ط. اسلامبول].

23 الامرتسري في أرجح المطالب [ص 512 و ص 309 ط. لاهور].

24 ابن المغازلي الشافعي في المناقب [ص 64].

25 الميبدي اليزدي في شرح ديوان امير المؤمنين [ص 189].

26 الحبيب علوي الحداد في القول الفصل [2: ص 7 ط. جاوا].

حديث من أحب هذين و أباهما و امهما كان معي في درجتي يوم القيامة

قوله (صلي الله عليه وآله): من أحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة. رواه:

1 الطبراني في المعجم الكبير [ص 133] وفي الصغير [ص 199].

2 الإمام أحمد في مسنده [1: 77] وفي فضائله [2: 260].

3 الترمذي في صحيحه [13: 146 ط. الصاوي بمصر].

4 الخطيب البغدادي في تأريخه [13: 287 ط. السعادة].

5 القاضي عياض في الشفاء [2: 42 و 16].

6 أبو نعيم في أخبار اصفهان [1: 91].

7 الصفوري

في نزهة المجالس [2: 232 ط. القاهرة].

8 النبهاني في جواهر البحار [3: 141 ط. القاهرة].

9 سبط ابن الجوزي في التذكرة [ص 244 ط. الغري].

10 ابن الأثير في أسد الغابة [4: 29 ط. مصر].

11 ابن عساكر في تأريخ دمشق علي ما في منتخبه [4: 203].

12 الخوارزمي في مناقبه [ص 82 ط تبريز].

13 الطبري في ذخائر العقبي [ص 23 و ص 91] وفي رياضه [2: 214 ط. محمد امين الخانجي بمصر].

14 ابن حجر في صواعقه [ص 185 ط. عبد اللطيف بمصر].

15 الذهبي في تأريخ الاسلام [3: 6 ط. مصر].

16 الحلبي في سيرته [3: 322 ط. القاهرة].

17 الصبان في إسعاف الراغبين [هامش نور الأبصار ص 129].

18 الحبيب علوي الحداد في القول الفصل [2: ص 34 ط. جاوا].

حديث الوسيلة

ما رواه اعيان الحفّاظ والمفسّرين في كتبهم، عن علي (عليه السلام)عن النّبيّ (صلي الله عليه وآله)أنّه قال: في الجنّة درجة تدعي الوسيلة، فإذا سألتم اللّه تعالي فاسألوا لي الوسيلة، قالوا: يا رسول اللّه من يسكن فيها معك؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين.

وفي لفظ: وهي لنبيّ وأرجو أن أكون أنا، فإذا سألتموها فاسألوها لي، فقالوا: من يسكن معك فيها يا رسول اللّه؟ قال: فاطمة وبعلها والحسن والحسين. أورده:

1 الحافظ الخوارزمي في مقتل الحسين [ص 66 ط الغري] رواه عن الحافظ ابن مردويه.

2 ابن كثير في تفسيره المطبوع بهامش فتح البيان [3: 341 ط المنيرية].

3 النبهاني في الأنوار المحمّديّة [ص 629 ط. الأدبية بيروت].

4 المتّقي الهندي في منتخب الكنز هامش مسند الإمام أحمد [5: 94 ط. الميمنيه بمصر].

5 الحبيب علوي بن طاهر الحداد في القول الفصل [2: 29].

6 ابن المغازلي في مناقبه [ص 247].

حديث القبة ما تحت العرش

ما رواه جماعة من الحفّاظ، عن أبي موسي الأشعري، قال: سمعت النبيّ (صلي الله عليه وآله)يقول: أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين في قبّة تحت العرش.

أورده:

1 الحمويي المتوفّي سنة [730] في فرائد السمطين [1: 49].

2 وابن حجر العسقلاني في لسان الميزان [2: 94 ط. حيدر اباد].

3 الهيثمي في مجمع الزوائد [9: 174 ط. القدسي بالقاهرة].

4 البدخشي في مفتاح النجا [ص 15].

5 الحبيب علوي بن طاهر الحداد في القول الفصل [2: 29] من طريق ابن عساكر، والدارقطني عن عمر بن الخطّاب مرفوعاً، والطبراني عن جبار الطائي عن أبي موسي، علي ما في القول الفصل.

حديث حظيرة القدس

ما رواه الأعلام مسنداً عن عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين في حظيرة القدس في قبّة بيضاء، وسقفها عرش الرحمان. أخرجه:

1 الحمويي في فرائد السمطين [1: 49].

2 المتّقي الهندي في منتخب الكنز هامش مسند إمام أحمد [5: 92 ط الميمنية بمصر].

3 والبدخشي في مفتاح النجا [ص 15].

4 الأمرتسري في أرجح المطالب [ص 311 ط. لاهور].

5 الخوارزمي في مناقبه [ص 240 ط. تبريز].

6 الحبيب علوي بن طاهر الحدّاد في القول الفصل [2: 29 ط. جاوا].

7 احقاق الحق [9: 195 196].

حديث فيما ورد أن الخمسة الطاهرة في مكان واحد يوم القيامة

ما رواه الحفظة في كتبهم من وجهين: أحدهما عن أبي سعيد الخدري، والآخر عن علي (رضي الله عنه)، أن النبيّ (صلي الله عليه وآله)دخل علي فاطمة رضي الله عنها، فقال: إنّي و إيّاكِ وهذا النائم يعني: علياً وهما يعني: الحسن والحسين لفي مكان واحد يوم القيامه. أخرجة:

1 الحاكم في المستدرك [3: 137 ط. حيدر آباد].

2 الذهبي في تلخيصه بذيل المستدرك [3: 137].

3 الإمام أحمد في المسند [1: 101] عن علي (عليه السلام).

4 الطبراني في المعجم الكبير [ص 130 نسخة جامعة طهران].

5 أبي داود الطيالسي في مسنده [ص 26 ط. حيدر آباد].

6 الخوارزمي في مقتل الحسين [ص 75 ط. الغري].

7 الطبري في رياضه [2: 209] وفي ذخائره [ص 25].

8 ابن كثير في البداية والنهاية [8: 207 ط. القاهرة].

9 الهيثمي في مجمع الزوائد [9: 169 ط. القدسي بمصر].

10 ابن الاثير في أسد الغابة [5: 269 و 523].

11 السمهوري في تأريخ المدينة المنورة [1: 332 ط. مصر].

12 الحبيب علوي الحداد في القول الفصل [2: 35 ط. جاوا].

حديث في إباحة دخول الخمسة الطاهرة إلي المسجد النبوي جنبا

عن اُمّ سلمة رضي اللّه عنها، قالت: خرج رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، فتوجّه إلي المسجد، فقال: ألا لا يحلّ هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلاّ لرسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلّوا.

وفي رواية: قال (صلي الله عليه وآله): ألا أنّ مسجدي حرام علي كلّ حائض من النساء، وعلي كلّ جنب من الرجال، إلاّ علي محمّد وأهل بيته: علي وفاطمة والحسن والحسين. رواه:

1 البيهقي في سننه الكبري [7: 65 ط. حيدر آباد].

2 المتّقي الهندي في منتخب الكنز هامش مسند إمام أحمد [5: 93 ط. الميمنية بمصر].

3 الحمويي في فرائد السمطين [2: 29].

4 ابن

المغازلي في مناقبه [ص 252 و 299].

5 الكازروني في شرف النبي [ص 74].

6 البدخشي في مفتاح النجا [ص 15].

7 الأمرتسري في ارجح المطالب [ص 416 ط. لاهور].

8 إحقاق الحقّ وازهاق الباطل لنور اللّه الحسيني المرعشي [5: 571 582].

في بيان سادات أهل الجنة

ما رواه جماعة من أعلام المحدّثين من طرق متعدّدة، منها: عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): نحن سبعه سادات أهل الجنّة: أنا وعلي أخي، وعمي حمزة وجعفر، والحسن والحسين والمهدي. أورده:

1 الحافظ البغدادي في تأريخه [9: 434 ط. السعادة].

2 الخوارزمي في مقتل الحسين [ص 108 ط. الغري].

3 الطبري في ذخائره [ص 89] وفي رياضه [7: 209 ط. محمد أمين الخانجي بمصر].

4 ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة [ص 276].

5 ابن أبي الحديد في شرح النهج [2: 181 ط. القاهرة].

6 المتّقي الهندي في منتخب الكنز هامش مسند امام أحمد [5: 92 ط. مصر].

7 السيوطي في الحاوي للفتاوي [2: 57 ط. مصر].

8 ابن المغازلي في مناقبه [ص 48].

9 الطبراني في معجمه علي ما في الإحقاق.

10 السمهودي الشافعي المتوفي سنة [911] في كتابه جواهر العقدين علي ما في ينابيع المودة [ص 434].

11 ابن حجر في صواعقه [ص 232 ط. عبداللطيف بمصر].

12 النابلسي وهو العلامة الشيخ عبدالغني بن اسماعيل الدمشقي في كتابه ذخائر المواريث [1: 54 ط. مصر].

13 القندوزي في ينابيع المودة [ص 269 و ص 178 و 212 ط. اسلامبول].

14 النبهاني في الفتح الكبير [3: 261 ط. مصر].

15 البدخشي في مفتاح النجا [ص 17].

16 الأمرتسري الحنفي في كتابه أرجح المطالب [ص 312].

17 الحسيني في إحقاق الحق [13: 217 220].

حديث في إعطاء الله سبع خصال لأهل البيت

ما رواه جمع من أعلام العلماء والمحدّثين، منهم:

1 الطبراني في كتابه المعجم الكبير [ص135 نسخة جامعة طهران]بسنده عن علي المكي الهلالي، عن ابيه، قال: دخلت علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)في شكاته التي قبض فيها، فإذا فاطمة رضي اللّه عنها عند رأسه.

قال: فبكت حتّي ارتفع صوتها، فرفع رسول اللّه طرفه إليها، فقال:

حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيكِ؟ فقالت: أخشي الضيعة من بعدك.

فقال: يا حبيبتي، أما علمتِ أنّ اللّه عزّ وجلّ اطّلع إلي الأرض اطّلاعة، فاختار منها أباكِ فبعثه برسالته، ثمّ اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك، وأوحي إليّ أن انكحك اياه، يا فاطمة نحن أهل بيت قد اعطانا اللّه سبع خصال لم يعط أحد قبلنا، ولايعطي أحداً بعدنا:

أنا خاتم النبيين، وأكرم النبيين علي اللّه، وأحبّ المخلوقين إلي اللّه عزّ وجلّ وأنا أبوكِ، ووصيي خير الأوصياء، وأحبّهم إلي اللّه، وهو بعلكِ، وشهيدنا خير الشهداء وأحبّهم إلي اللّه؛ وهو عمّك حمزة بن عبدالمطلب وهو عم أبيكِ وعم بعلكِ. ومنّا من له جناحان أخضران يطير بهما في الجنّة مع الملائكة حيث يشاء، وهو ابن عمّ أبيكِ وأخو بعلكِ. ومنّا سبطا هذه الاُمّة، وهما ابناكِ الحسن والحسين، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة. وأبوهما والذي بعثني بالحقّ خير منهما.

يا فاطمة والذي بعثني بالحقّ أنّ منهما مهديّ هذه الاُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطّعت السبل، وأغار بعضهم علي بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، ويبعث اللّه عزّ وجلّ عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين آخر الزّمان كما قمت به أوّل الزّمان، وملئت الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً.

يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي، فإنّ اللّه عزّ وجلّ أرحم بكِ، وأرأف عليكِ منّي، وذلك لمكانك منّي، وموضعك من قلبي. وزوّجك اللّه زوجاً، وهو أشرف أهل بيتكِ حسباً، وأكرمهم منصباً، وأرحمهم بالرعيّة، وأعدلهم بالسويّة، وأبصرهم بالقضيّة، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل من يلحقني من أهل بيتي وآل عليّ (رضي الله عنه).

فلمّا قبض النّبيّ (صلي الله عليه وآله)لم تبقَ فاطمة رضي اللّه عنها بعده

إلاّ خمسة وسبعين يوماً حتّي ألحقها اللّه به (صلي الله عليه وآله).

وفي رواية: ستة أشهر.

2 الطبري في ذخائر العقبي [ص 135 ط القدسي].

3 الحمويي في كتابه فرائد السمطين [2: 84 86].

4 السيوطي في كتابه ذيل اللآلي [ص 56 ط لكهنو].

5 البدخشي في كتابه مفتاح النجا.

6 ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة [ص 277 ط. الغري].

7 السمهودي في جواهر العقدين علي ما في ينابيع المودة [ص 436 ط. إسلامبول].

8 الهيثمي في مجمع الزوائد [8: 253 ط. القدسي].

9 الكنجي الشافعي في البيان في اخبار آخر زمان [ص 81 و 305 ط. نجف].

10 إحقاق الحق [4: 107 112، و 13: 116 118].

حديث السفينة

الذي يبلغ رواته عدداً كبيراً من أعلام القوم، يكاد لا يخلو كتاب من كتبهم منه، فمن جملتهم:

1 العلاّمة ابن قتيبة الدينوري في كتابيه: عيون الأخبار [1: 211 ط. مصر دار الكتب] والمعارف [ص 86 ط. مصر] روي عن حنش بن المغيرة، قال: جئت وأبو ذر آخذ بحلقة الكعبة، وهو يقول: أنا أبو ذر من لم يعرفني فأنا جندب صاحب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، سمعت رسول اللّه يقول: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا.

وقد روي غيره من الحفّاظ بزيادة لفظ: ومن تخلّف عنها غرق. وبعضهم بلفظ: هلك. ومنهم: بلفظ: زْج في النار.

2 الطبراني في كتابيه المعجم الكبير [ص 130] والمعجم الصغير [ص 78 ط. الدهلي] بزيادة قوله (صلي الله عليه وآله): فمن قاتلنا فكأنما قاتل مع الدجّال.

3 الحاكم في المستدرك [3: 150، و ج 2: 343].

4 ابن المغازلي في مناقب امير المؤمنين رواه عن ابي ذر [ص 132].

5 الخوارزمي في مقتل الحسين [كما في الإحقاق].

6 الحمويي في فرائد السمطين [2: 242].

7 الزرندي

الحنفي في نظم درر السمطين [ص 235 ط. القضاء].

8 الصفوري في المحاسن المجتمعة [ص 188].

9 ابن كثير في تفسيره المطبوع بهامش فتح البيان [9: 115 ط. بولاق بمصر].

10 الهيثمي في مجمع الزوائد [9: 168 ط. القدسي].

11 السيوطي في تأريخ الخلفاء [ص 573 ط. الميمنية بمصر].

12 السيوطي في الخصائص الكبري [2: 266 ط. حيدرآباد].

13 السيوطي في إحياء الميت هامش الأتحاف [ص 113 ط. الحلبي].

14 السيوطي في الجامع الصغير [ص 291 ط. دار القلم سنة 1966].

15 ابن حجر في الصواعق [ص 184 ط. عبداللطيف بمصر].

16 الميبدي اليزدي في شرح ديوان أمير المؤمنين [ص 189].

17 البدخشي في مفتاح النجا[ص 9].

18 الحبيب أبو بكر بن شهاب الدين في رشفة الصادي [ص 79].

19 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 28 و 183 و 241 و ص 878 ط. إسلامبول].

20 النبهاني في كتابه الفتح الكبير [ص 113 و ص 414 ط. مصر] وفي كتابه جواهر البحار [1: 361 ط القاهرة] وفي كتابه الشرف المؤبّد [ص 58 ط. الحلبي وأولاده].

21 الطبري في ذخائر العقبي [ص 20 ط. القدسي بمصر].

22 الخطيب البغدادي في تأريخ بغداد [12: 91 ط. مصر].

23 أبو نعيم في حلية الأولياء [4: 306 ط. السعادة].

24 المتقي الهندي في منتخب الكنز هامش مسند امام أحمد [5: 92 ط. الميمنية بمصر].

25 الدولابي في الكني والاسماء [1: 67 ط. حيدر آباد].

26 ابن أبي الحديد في شرح النهج [1: 73 ط. مصر].

27 الآلوسي في تفسيره [25: 29 ط. مصر].

28 ابن الصبان في اسعاف الراغبين [هامش نور الأبصار ص 123 ط. مصر].

29 إحقاق الحق [9: 270 293].

حديث النجوم اللاتي هن أمان لأهل الأرض

فقد روي الحديث جمع من أعاظم المحدّثين والحفّاظ ما عدا البخاري ومسلم، منهم:

1 الحاكم في المستدرك [3: 149] بالإسناد

الصحيح الي ابن عبّاس (رضي الله عنه)قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله):

النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب، اختلفوا فصاروا حزب إبليس. هذا حديث صحيح الإسناد.

وفي [2: 448] روي مسنداً عن جابر (رضي الله عنه)، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): وإنّه لعلم للساعة، فقال: النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي ما كنت، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لاُمّتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون. هذا الحديث صحيح الاسناد. ولم يخرجاه أي: البخاري ومسلم.

2 السيوطي في كتابيه إحياء الميت بهامش الاتحاف [ص 114 ط. الحلبي]وفي الجامع الصغير [ص 322 ط. دار القلم].

3 الذهبي في تلخيصه بذيل المستدرك [3: 145].

4 المتّقي الهندي في منتخبه هامش مسند إمام أحمد [5: 93 و 92 ط. الميمنية بمصر].

5 ابن حجر في الصواعق [ص 233 و 158].

6 البدخشي في مفتاح النجا [ص 8].

7 الصبان في إسعاف الراغبين هامش نور الأبصار [ص 144 ط. مصر].

8 الطبري في ذخائر العقبي [ص 17 ط. القدسي بالقاهرة].

9 الزرندي في نظم درر السمطين [ص 234 ط. القضاء].

10 الهيثمي في مجمع الزوائد [9: 174 ط. القدسي].

11 الكافي وهو السيّد محمّد الحسيني المالكي التونسي في كتابه السيف اليمني [ص 64 ط. الشام].

12 الكازروني في كتابه شرف النبي [ص 283].

13 - الأمرتسري في أرجح المطالب [ص 328 ط. لاهور].

14 الخوارزمي في مقتل الحسين [ص 18 ط. الغري].

15 الحبيب أبو بكر بن شهاب الدّين في رشفة الصادي [ص 78 ط. مصر].

16 النبهاني في كتابه الشرف المؤبّد [ص 29 و 95 و 58 ط. الحلبي]. وفي

جواهر البحار [1: 361 ط. القاهرة] وفي كتابه الفتح الكبير [3: 267 ط. مصر].

17 القندوزي في الينابيع [ص 20 و 19 و 191 و 188].

18 إحقاق الحق [9: 394 308].

حديث أول من يشفع لهم النبي

ما رواه أعلام القوم في كتبهم، منهم:

1 ابن حجر الهيثمي في الصواعق [ص 184 ط. عبداللطيف بمصر] قال: أخرج الطبراني، عن ابن عمر، قال النبيّ (صلي الله عليه وآله): أوّل من أشفع له يوم القيامة من اُمّتي أهل بيتي، ثمّ الأقرب فالأقرب من قريش، ثمّ الأنصار، ثمّ من آمن بي واتّبعني من أهل اليمن، ثمّ من سائر العرب، ثمّ الأعاجم، ومن أشفع له أوّلاً أفضل.

2 السيوطي في مسالك الخفاء [ص 14 ط. حيدر آباد].

3 البدخشي في مفتاح النجا[ص 8].

4 القندوزي في ينابيع المودة [ص 268 ط. اسلامبول].

5 الصبان في إسعاف الراغبين هامش نور الأبصار [ص 123 ط. مصر].

6 الشعراني في كشف الغمّة [2: 260 ط. مصر].

7 النبهاني في الشرف المؤبّد [ص 79 ط. الحلبي وأولاده] وفي جواهر البحار [4: 315 ط القاهرة].

8 الحبيب علوي بن طاهر الحدّاد في القول الفصل [2: 40 ط. جاوا].

9 إحقاق الحق [9: 380 381].

حديث باب حطة

ما رواه جماعة من الأعلام عن ابن عبّاس، وأبي ذرّ، وأبي سعيد الخدري رضي اللّه عنهم:

1 العلاّمة السيّد أبو التيسير عثمان مدوخ الحسيني المصري في كتابه العدل الشاهد [ص 143 ط القاهرة] قال: يقول رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): مثل أهل بيتي مثل باب حطّة في بني إسرائيل من دخله غفر له.

وروي في [ص 123] عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قال أبو ذر (رضي الله عنه): سمعت نبيّكم يقول، فذكر الحديث كما تقدّم.

2 الخركوشي وهو العلاّمة عبدالملك بن محمّد النيسابوري في كتابه شرف النبيّ.

3 القندوزي في ينابيع المودّة [1: 17 ط. دار العرفان].

4 الحلبي في سيرته [3: 11 ط القاهرة].

5 الأمرتسري الحنفي في كتابه أرجح المطالب [ص 329 ط. لاهور].

6 الطبراني في كتابيه المعجم

الكبير، والمعجم الصغير، علي ما في أرجح المطالب، عن أبي سعيد الخدري.

7 إحقاق الحق وإزهاق الباطل لنور اللّه الحسيني [9: 385 386 ط. بمطبعة الإسلامية بطهران].

حديث فيما سيلقي أهل البيت من البلاء والتشريد

رواه جماعة من الأعلام مسنداً ينتهي إلي عبداللّه بن مسعود، منهم:

1 ابن ماجة في كتابه سنن المصطفي [2: 517 ط التازية بمصر] عن عبداللّه بن مسعود، قال: بينما نحن عند رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلمّا رآهم النبيّ (صلي الله عليه وآله)اغرورقت عيناه، وتغيّر لونه، فقلت: ما نزال نري في وجهك شيئاً نكرهه.

فقال (صلي الله عليه وآله): إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة علي الدنيا، وانّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً، حتّي يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون وينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتّي يدفعوها إلي رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً كما ملأوها جورا، فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبواً علي الثلج.

2 ابن حجر في الصواعق [ص 237 ط. عبداللطيف بمصر].

3 احمد دحلان الشافعي في السيرة النبويّة المطبوع بهامش السيرة الحلبيّة [3: 189 ط. مصر].

4 الكنجي الشافعي في البيان في آخر الزمان [ص 314].

5 القندوزي في الينابيع [ص 135 و 241 ط. اسلامبول].

6 ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة [ص 155 ط. الغري].

7 الطبري في ذخائر العقبي [ص 12 ط. القدسي].

8 المناوي الشافعي في كنوز الحقائق [ص 35 ط. بولاق].

9 ابن حمزة وهو العلامة ابراهيم الحسيني في البيان والتعريف [1: 254].

10 الزرندي في نظم درر السمطين [ص 236 ط. القضاء].

11 النبهاني في الشرف المؤبد [ص 138 ط. الحلبي وأولاده]من طريق الحاكم.

12 الحاكم في المستدرك بزيادة لفظ: انّ أشدّ قومنا بغضاً.

13

احقاق الحق [9: 386 389].

حديث انتفاء الإيمان بعدم محبة النبي وأهل بيته

قد رواه جماعة من أعلام المحدّثين في كتبهم من طريق الديلمي، والطبراني، وأبي الشيخ، وابن حبّان، والبيهقي، منهم:

1 ابن المغازلي الشافعي في مناقبه [علي ما في الاحقاق 9: 392 وغير موجود في المناقب المطبوع] عن أبي ليلي قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): لا يؤمن عبد حتّي أكون أحبّ إليه من نفسه، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله، ويكون ذاتي أحبّ إليه من ذاته.

2 الزرندي في نظم درر السمطين [ص 233 ط. مطبعة القضاء].

3 الهيثمي في مجمع الزوائد [1: 88 ط. القدسي بالقاهرة].

4 الصبان في اسعاف الراغبين هامش نور الأبصار للشبلنجي الشافعي [ص 123 ط. مصر].

5 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 271 ط. إسلامبول].

6 الشبلنجي في نور الأبصار [ص 105 ط. مصر].

7 الأمرتسري الحنفي في أرجح المطالب [ص 446 ط. لاهور].

8 الكازروني في شرف النبي علي ما في مناقب الكاشي [ص 285]بلفظ: واللّه لا يؤمنون بي. الي آخره.

9 القاضي عياض في كتابه الشفاء [2: 40 ط. العثمانيه].

10 الحبيب أبو بكر بن شهاب الدين العلوي الحضرمي في كتابه رشفة الصادي [ص 46 ط. القاهرة].

11 النبهاني في كتابه الشرف المؤبّد [ص 85 ط. مصر، وفي ط الحلبي وأولاده ص179 و 175].

12 إحقاق الحق [9: 392 393].

حديث فيما سأله النبي ربه لأهل بيته

ما رواه أعلام المحدّثين في كتبهم، منهم:

1 الطبراني، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): سألت ربّي أن لا يدخل النار أحد من أهل بيتي فأعطاني ذلك.

2 السيوطي في كتابه السبل الجلية [ص 5 ط. حيدر آباد] وفي الجامع الصغير [ص 196 ط. دار القلم] وفي الحاوي للفتاوي [2: 207 ط. القاهرة].

3 ابن حجر في الصواعق [ص 184 ط. عبداللطيف بمصر].

4 العلامة باكثير الحضرمي

في وسيلة المآل [ص 62 نسخة مكتبة الظاهرة بدمشق].

5 الكازروني في شرف النبي علي ما في مناقب الكاشي [ص 292].

6 البدخشي في مفتاح النجا [ص 8].

7 المتقي الهندي في منتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد [5: 92].

8 القندوزي في الينابيع [ص 240 و 248 و 193].

9 الأمرتسري في أرجح المطالب [ص 333 ط. لاهور].

10 الحبيب أبو بكر بن شهاب الدين في رشفة الصادي [ص 81].

11 النبهاني في الشرف المؤبّد [ص 21 ط. مصر، وفي ط. الحلبي وأولاده ص 44] وفي كتابه جواهر البحار [3: 315 ط القاهرة].

12 إحقاق الحق [9: 394 396].

حديث أساس الدين حب النبي وأهل بيته

ما رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 ابن حجر العسقلاني في كتابه لسان الميزان [5: 380 ط. حيدر آباد] في حديث طويل بالإسناد، عن جابر، قال: سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)يقول: لكل شيء أساس، وأساس الدّين حبّنا أهل البيت.

2 الكشفي نقلاً عن التشريح، و هداية السعداء، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): لكل شيء أساس، وأساس الدّين حبّ أهل بيتي.

3 المتّقي الهندي في كنز العمّال [6: 218 ط. حيدر آباد]. أخرج بسنده إلي علي أنّه قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): يا عليّ أنّ الإسلام عريان، لباسه التقوي، ورياشه الهدي، وزينته الحياء، وعماده الورع، وملاكه العمل الصالح، وأساس الإسلام حبّي وحبّ أهل بيتي.

ورواه النقشبندي أحمد ضياء الدين الكمشخانوي في كتابه رموز الأحاديث [ص 498].

والنبهاني في الشرف المؤبّد [ص 178] مع زيادة لفظ: وأصحابي.

حديث سؤال الله العباد عن حب أهل البيت يوم القيامة

رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 ابن المغازلي الشافعي في كتابه مناقب أمير المؤمنين [ص 120]بالاسناد إلي ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّي يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه، ومن أين اكتسبه، وعن حبّنا أهل البيت.

2 الهيثمي في مجمع الزوائد [10: 346 ط. القدسي بالقاهرة].

3 السيوطي في إحياء الميت هامش الاتحاف [ص 115 ط. الحلبي].

4 القندوزي في الينابيع [ص 271 ط. اسلامبول].

5 الحمويي في فرائد السمطين [2: 301].

6 - الخوارزمي في مناقبه [ص 45 ط. تبريز] وفي مقتل الحسين [ص 43 ط. الغري] روي عن أبي برزة.

7 الكشفي في المناقب المرتضويّة [ص 99 ط. بمبي].

8 الأمرتسري في أرجح المطالب [ص 524 ط. لاهور].

9 الكنجي الشافعي في

كفاية الطالب [ص 183].

10 الذهبي في ميزانه [1: 206 ط. القاهرة].

11 العسقلاني في لسان الميزان [4: 159].

12 ابن شهاب الدين في رشفة الصادي [ص 45].

13 النبهاني في الشرف المؤبد [ص 178 ط. الحلبي وأولاده، وفي ط مصر ص 74].

14 الثعلبي في تفسيره، كما في مناقب آل أبي طالب [2: 4 ط. الحيدريّة النجف الاشرف].

15 الحاكم في المستدرك عن أبي برزة.

16 ابن بطة في الابانة، كما في مناقب ابن شهرآشوب [2: 4 ط الحيدريّة النجف الاشرف].

17 ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 4].

18 إحقاق الحق [9: 409 412].

حديث المكافأة

الذي رواه جمع من أعلام المحدّثين، منهم: الطبري في ذخائر العقبي [ص 19 ط. مكتبة القدسي بمصر] روي من طريق أبي سعيد، والملاّ، عن علي (رضي الله عنه)، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): من صنع مع أحد من أهل بيتي يداً، كافأته عنها يوم القيامة.

وفي لفظ: من صنع إلي أهل بيتي معروفاً، فعجز عن مكافأته في الدنيا، فأنا المكافئ له يوم القيامة.

وفي لفظ: من اصطنع لأحد من ولد عبدالمطلب، فَعليَّ مكافأته غداً يوم القيامة إذا لقيني.

2 والزرندي الحنفي في نظم درر السمطين [ص 236].

3 الذهبي في ميزانه [2: 313 ط. القاهرة].

4 ابن حجر في صواعقه [ص 185 ط. عبداللطيف بمصر].

5 السيوطي في إحياء الميت هامش الاتحاف [ص 116]. وفي الجامع الصغير [ص 309 ط. دار القلم سنة 1966].

6 المتقي الهندي في منتخب الكنز هامش مسند الإمام أحمد [5: 93 ط. مصر].

7 ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان [4: 399].

8 القندوزي في ينابيعه [ص 192 ط. إسلامبول].

9 الهروي في شرح عين العلم وزين العلم [ص 14 ط. القاهرة].

10 الكازروني في شرف النبيّ علي ما في مناقب الكاشي

[ص 284].

11 القسطلاني في المواهب [7: 9 ط. الازهرية بمصر].

12 أحمد دحلان في سيرته هامش السيرة الحلبيّة [3: 332 ط. مصر].

13 ابن شهاب الدين العلوي في رشفته [ص 89 ط. مصر].

14 الباكثير الحضرمي في وسيلة المآل [ص 62 ط. الظاهريّة].

15 النبهاني في الفتح الكبير [3: 209 ط. مصر] وفي الشرف الموبد [ص 771 ط. الحلبي وأولاده].

16 إحقاق الحقّ [9: 418 421].

حديث شفاعة النبي لمحبي أهل بيته

ما رواه جماعة من أعلام القوم منهم:

1 الخطيب البغدادي في تأريخ بغداد [2: 146 ط. القاهرة] روي بسنده عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): شفاعتي لاُمّتي إلي من أحبّ أهل بيتي وهم شيعتي.

2 المتقي الهندي في منتخب الكنز هامش مسند الإمام أحمد [5: 93 ط. الميمنيّة بمصر].

3 السيوطي في الجامع الصغير [2: 180 ط. دار القلم].

4 البدخشي في مفتاح النجا.

5 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 185 ط. إسلامبول].

6 الأمرتسري في أرجح المطالب [ص 343 ط. لاهور].

7 إحقاق الحقّ [9: 422 423].

حديث لا ينفع عمل عبد إلا بمعرفة حق أهل البيت

ما رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد [9: 172 ط. مكتبة القدسي بالقاهرة]روي من طريق الطبراني، عن الحسن بن علي أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)قال: إلزموا مودّتنا أهل البيت، فإنّه من لقي اللّه عزّوجلّ وهو يودّنا، دخل الجنّة بشفاعتنا، والّذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا.

2 ابن حجر في الصواعق [ص 230 ط. عبداللطيف].

3 السيوطي في إحياء الميت هامش الاتحاف [ص 112].

4 القندوزي في الينابيع [ص 272 ط. إسلامبول].

5 الحمزاوي في مشارق الأنوار [ص 91 ط. الشرفية بمصر].

6 الصبان في إسعاف الراغبين هامش نور الأبصار [ص 123 ط. مصر].

7 العلاّمة باكثير في وسيلة المآل [ص 64 خ. الظاهريّة].

8 الحبيب أبو بكر بن شهاب الدين في رشفة الصادي [ص 44].

9 النبهاني في الشرف المؤبّد [ص 176 ط. الحلبي وأولاده].

10 الحبيب علوي بن طاهر الحدّاد في القول الفصل.

11 الطبراني في الأوسط.

12 الأميني في الغدير [2: 351].

13 إحقاق الحقّ [9: 428 430].

حديث في وصيته بأهل بيته خيرا

رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 الطبري في كتابه ذخائر العقبي [ص 18] روي عن عبدالعزيز، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): استوصوا بأهل بيتي خيراً، فإنّي أخاصمكم عنهم غداً، ومن أكن خصمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النّار.

وفي لفظ: اُوصيكم بعترتي خيراً.

2 ابن حجر في الصواعق [ص 228 ط عبداللطيف بمصر. وفي ط. الميمنيّة ص 75].

3 الشبلنجي الشافعي في نور الأبصار [ص 105 ط. العامرة بمصر].

4 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 373 ط. إسلامبول].

5 الأمرتسري الحنفي في أرجح المطالب [ص 341 ط. لاهور].

6 العلاّمة محمّد بن عبدالغفّار الحنفي في أئمّة الهدي [ص 148].

7 ابن شهاب العلوي في رشفته [ص 89 و273 ط. مصر].

8 الكاظمي

السيّد شاه تقي علي في الروض الأزهر [ص 357 ط. حيدر آباد].

9 النبهاني في الشرف المؤبّد [ص 189 ط. الحلبي وأولاده].

10 الشعراني في لطائف المنن [ص 129 ط. مصر] بلفظ: اللّه اللّه في أهل بيتي.

11 القاضي عياض في كتابه الشفاء [2: 40 ط. الاستانة] وفي ط العثمانيّة بلفظ: أنشدكم اللّه أهل بيتي.

12 العطاس وهو العلاّمة المحدّث عمر بن سالم العلوي الحضرمي في فتاويه، كما في تاريخ حضرموت [2: 246 ط. مصر].

13 إحقاق الحق [9: 432 434].

حديث في أمره بتأديب الأولاد علي محبته ومحبة أهل بيته

رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 السيوطي في كتابه إحياء الميت المطبوع بهامش الإتحاف للشبراوي [ص 115 ط. مصطفي الحلبي بمصر] قال: أخرج الديلمي عن علي (رضي الله عنه)، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): أدّبوا أولادكم علي ثلاث خصال: حبّ نبيّكم وحبّ أهل بيته، وعلي قراءة القرآن، فإنّ حملة القرآن في ظلّ اللّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه مع أنبيائه وأصفيائه.

وذكره أيضاً في كتابه الجامع الصغير [1: 42 ط. مصر، وص 13 ط دار القلم].

2 القندوزي في كتابه ينابيع المودّة [ص 271 ط. إسلامبول].

3 النبهاني في كتابه الفتح الكبير [1: 59 ط. مصر].

4 القدوسي الحنفي، وهو العلاّمة الشيخ عبدالنبيّ بن أحمد في كتابه سنن الهدي [ص 19].

5 العلاّمة باكثير الحضرمي في كتابه وسيلة المآل [ص 41 ط. مكتبة الظاهريّة بالشام] روي من طريق الديلمي، واسمه الشيخ أحمد بن الفضل باكثير الحضرمي.

6 النبهاني في كتابه الشرف المؤبّد [ص 80 ط. الحلبي وأولاده].

7 إحقاق الحقّ [9: 445].

حديث ما تكلم به النبي

رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد [9: 143 ط. مكتبة القدسي بالقاهرة]روي من طريق الطبراني، عن ابن عمر، قال: آخر ما تكلّم به رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): أخلفوني في أهل بيتي. رواه الطبراني في الأوسط.

2 السيوطي في الجامع الصغير [1: 41].

3 البدخشي في مفتاح النجا.

4 القندوزي في الينابيع [ص 41].

5 الباكثير الحضرمي في وسيلة المآل [ص 60].

6 النبهاني في الفتح الكبير [1: 59].

7 في الشرف المؤبّد [ص 180 ط. الحلبي وأولاده].

8 في أرجح المطالب للحنفي [ص 446 ط. لاهور].

9 إحقاق الحقّ [9: 447 449].

في أن الإيمان مقرون بمحبة ذوي القربي

رواه جماعة من أعلام القوم وأساطين المحدّثين، منهم:

1 الديلميّ في الفردوس علي ما في مناقب عبداللّه الشافعي [ص 12]روي بسند يرفعه إلي العبّاس عمّ النبيّ (صلي الله عليه وآله)، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): ما بال أقوام يتحدّثون بينهم، فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم، واللّه لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتّي يحبّهم للّه ولقرابتي.

2 المفسّر الكبير ابن كثير في تفسيره عند آية المودّة.

3 الحبيب علوي بن طاهر الحدّاد في كتابه القول الفصل [1: 497 ط. جاوا]وقال في ذيل [1: 64]: هذا حديث رواه أبو داود الطيالسي، وسعيد بن منصور، والحاكم، ومحمّد بن نصر المروزي، والنسائي، والطبراني، والخطيب البغدادي، وابن عساكر، وابن النجار، والروياني من طرق متعدّدة، وصحّح الاحتجاج به ابن تيميّة.

4 ابن حجر في صواعقه [ص 185 ط. مصر].

5 المتقي الهندي في منتخب الكنز هامش مسند الإمام أحمد [5: 93 ط. الميمنيّة بمصر].

6 القندوزي في الينابيع [ص 231 ط. إسلامبول].

7 القلندر في الروض الأزهر [ص 357 ط. حيدرآباد].

8 الصبّان في إسعاف الراغبين هامش نور الأبصار [ص 123 ط.

مصر].

9 ابن شهاب الدين العلوي في رشفته [ص 46 ط. القاهرة].

10 النبهاني في الفتح الكبير [3: 85 ط. مصر] وفي كتابه الشرف المؤبّد [ص 179 ط. الحلبي وأولاده].

11 إحقاق الحقّ [9: 450 451].

في علامة المنافق والمؤمن

رواه جماعة من أعلام العلماء، منهم:

1 الطبري في كتابه ذخائر العقبي [ص 18 ط. القدسي بمصر] روي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): من أبغض أهل البيت فهو منافق.

وروي من طريق الملاّ في الصفحة المذكورة: لا يحبّنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقيّ، ولا يبغضنا إلاّ منافق شقيّ.

2 السيوطي في إحياء الميت هامش الاتحاف [ص 111 ط. مصر] وفي الاكليل [ص 190 ط. مصر].

3 القسطلاني في المواهب [7: 9 طبع مع شرحه بمطبعة الأزهريّة بمصر].

4 المناوي في كنوز الحقائق [ص 144 ط. بولاق].

5 القندوزي في الينابيع [ص 37 ط. إسلامبول] وفي [ص 181] روي عن طريق الملاّ.

6 العلاّمة باكثير في وسيلة المآل [ص 61 ط. الظاهريّة].

7 الصبّان في إسعاف الراغبين هامش نور الأبصار [ص 126].

8 الأمرتسري في أرجح المطالب [ص 341 ط. لاهور].

9 ابن حجر في الصواعق [ص 230 ط. عبداللطيف بمصر].

10 أحمد دحلان في سيرته هامش السيرة الحلبيّة [3: 332 ط. مصر].

11 الكازروني في شرف النبي، علي ما في مناقب الكاشي [ص 292].

12 النبهاني في الأنوار المحمّديّة [ص 346 ط. بيروت].

13 الحبيب أبو بكر بن شهاب الدين في رشفته [ص 47].

14 الحبيب علوي بن طاهر الحدّاد العلوي الحضرمي في كتابه القول الفصل [1: 448 ط. جاوا].

15 إحقاق الحقّ [9: 455 457].

حديث فيمن ظلم أهل البيت وآذاهم

رواه جماعة من أعلام القوم من المفسّرين والمحدّثين، منهم:

1 الزمخشري في تفسيره الكشّاف [3: 402 ط. مصر] عن النبيّ (صلي الله عليه وآله)قال: حُرّمتِ الجنّة علي من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي.

2 النيسابوري في تفسيره [25: 31 ط. مصر].

3 الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان [مخطوط].

4 ابن حجر الهيثمي في الكاف الشاف [ص 145 ط. مصطفي محمّد بمصر].

5

العلاّمة محمّد خواجه پارسا البخاري في فصل الخطاب علي ما في الينابيع [ص 249 ط. إسلامبول].

6 العلاّمة السيّد محمّد بن عبدالغفّار الهاشمي الأفغاني في أئمّة الهدي [ص 5 ط. مصر].

7 إحقاق الحقّ [4: 459 460].

حديث في إدخال الله مبغضي أهل البيت النار

رواه جماعة من أعلام المحدّثين في كتبهم وزبرهم، منهم:

1 الحاكم في المستدرك [3: 150 ط حيدرآباد] روي بسنده إلي أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلاّ أدخله اللّه النار.

2 ابن المغازلي في المناقب [138].

3 الزرندي في نظم درر السمطين [ص 106].

4 الكازروني في شرف النبي [ص 281].

5 الذهبي في تأريخ الإسلام [2: 90 ط. دار المعارف].

6 السيوطي في الخصائص الكبري [2: 266 ط. حيدآباد] وفي إحياء الميت هامش الاتحاف [ص 111 ط. الحلبي] وفي الإكليل [ص 190 ط. مصر].

7 المتّقي الهندي في منتخب الكنز هامش مسند الإمام أحمد [5: 94 ط. الميمنيّة بمصر].

8 ابن حجر في الصواعق [ص 237 ط. عبداللطيف بمصر].

9 الصبان في الإسعاف هامش نور الأبصار [ص 126].

10 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 48 ط. إسلامبول].

11 أحمد زيني دحلان في سيرته هامش السيرة الحلبيّة [3: 333 ط. مصر].

12 البدخشي في مفتاح النجا [ص 11].

13 الأمرتسري الحنفي في أرجح المطالب [ص 334 ط. لاهور].

14 القلندر وهو السيّد شاه تقي العلوي في الروض الأزهر [ص360].

15 العلاّمة باكثير، وهو الشيخ أحمد بن الفضل الحضرمي المتوفي (سنة 1042) في كتابه وسيلة المآل [ص 16 ط. دمشق].

16 ابن شهاب الدّين العلوي في رشفته [ص 47 ط. القاهرة].

17 النبهاني في جواهر البحار [1: 341 ط. القاهرة] وفي الأنوار المحمديّة [ص 438 ط. الأدبيّة بيروت].

18 الحبيب علوي الحدّاد في

القول الفصل [1: 65 و447 ط. جاوا].

19 إحقاق الحقّ [9: 460 463].

حديث فيمن أراد أن يؤخر في أجله

رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 ابن حجر في صواعقه [ص 29 ط. عبداللطيف بمصر] قال: ورد أنّه (صلي الله عليه وآله)، قال: من أحبّ أن يُنسأ أي يؤخَّر في أجله، وأن يمتَّع بما خوّله اللّه، فليخلفني في أهلي خلافةً حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره، وورد عليّ يوم القيامة مسودّاً وجهه.

2 القلندر الكاظمي الحنفي في الروض الأزهر [ص 360 ط. حيدرآباد].

3 الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين [ص 231 ط. القضاء].

4 البدخشي في مفتاح النجا [ص 10].

5 النبهاني في الشرف المؤبّد [ص 99 ط. الحلبي وأولاده].

6 ابن شهاب الدين العلوي في رشفته [ص 89 ط. مصر].

7 العلاّمة باكثير الحضرمي في وسيلة المآل [ص 57 ط. دمشق].

8 إحقاق الحقّ [9: 465 466].

حديث في عدم منفعة العبادة ببغض آل محمد

رواه جماعة من أعلام القوم مسنداً، ينتهي إلي ابن عبّاس، وبعضهم إلي أبي اُمامة الباهلي، من طرق متعدّدة، منهم:

1 الخطيب البغدادي في تأريخ بغداد [3: 122 ط السعادة بمصر] روي عن ابن عبّاس (رضي الله عنه) قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): لو أنّ عبداً عبد اللّه بين الركن والمقام ألف عام وألف عام، حتّي يكون كالشنّ البالي ولقي اللّه مبغضاً لآل محمّد، أكبّه اللّه علي منخريه في نار جهنّم.

2 الحاكم في المستدرك [3: 148 ط. حيدرآباد] غير أنّه أتي بلفظ «صفن» بدل «عبد» وقال: حديث حسن صحيح.

3 الكنجي الشافعي في كفاية الطالب [ص 178 ط. الغري] روي عن أبي أمامة الباهلي.

4 الكازروني في شرف النبي، علي ما في مناقب الكاشي [ص 288].

5 العلاّمة باكثير في وسيلة المآل [ص 61 ط. الظاهريّة دمشق].

6 البدخشي في مفتاح النجا.

7 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 192 ط. إسلامبول].

8 النبهاني في جواهر البحار [1:

361 ط. القاهرة].

9 الأمرتسري في أرجح المطالب.

10 الطبري في ذخائر العقبي [ص 18 ط. القدسي بمصر].

11 الهيثمي في مجمع الزوائد [9: 171 ط. القدسي بمصر].

12 السيوطي في احياء الميت هامش الإتحاف [ص 111 ط. الحلبي] وفي الخصائص الكبري [2: 265 ط. حيدرآباد].

13 الحبيب أبو بكر بن شهاب الدين العلوي الحضرمي في كتابه رشفة الصادي [ص 47 ط. مصر].

14 إحقاق الحقّ [9: 491 494].

حديث في جزاء معرفة آل محمد وحبهم وموالاتهم

رواه جماعة من الحفّاظ وأعلام المحدّثين مسنداً إلي المقداد بن الأسود (رضي الله عنه)، منهم:

1 الحمويي في كتابه فرائد السمطين [2: 256] قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): معرفة آل محمّد براءة من النار، وحبّ آل محمّد جواز علي الصراط، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب.

2 القاضي عياض في كتاب الشفاء [2: 41 ط. الإستانة].

3 الصفوري في نزهة المجالس [2: 150 ط. القاهرة].

4 ابن حجر في الصواعق [ص 23 ط. عبداللطيف بمصر].

5 اليزدي في شرح ديوان أمير المؤمنين [ص 191].

6 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 263 ط. إسلامبول، وفي ط العرفان بيروت 3: 19].

7 الكشفي الحنفي في المناقب المرتضويّة [ص 102 ط. بمبي].

8 العلاّمة باكثير في وسيلة المآل [ص 64 ط. الظاهريّة دمشق].

9 الشبراوي الشافعي في الإتحاف [ص 4: ط. مصر].

10 القلندر الكاظمي في الروض الأزهر [ص 357 ط. حيدرآباد].

11 ابن شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي.

12 البدخشي في مفتاح النجا [ص 11].

13 إحقاق الحقّ [9: 494 497].

حديث فيمن حفظ حرمات الله الثلاثة

ما رواه جماعة من الأعلام والمحدّثين منهم:

1 الطبراني في المعجم الكبير [ص 148] مسنداً إلي أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): إنّ للّه حرمات ثلاث، من حفظهنّ حفظ اللّه له أمر دينه ودنياه، ومن لم يحفظهنّ لم يحفظ اللّه له شيئاً: حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي.

2 الهيثمي في مجمع الزوائد [1: 88 ط. القدسي: بمصر].

3 الخوارزمي في مقتل الحسين [2: 97 ط. الغري].

4 السيوطي في إحياء الميت هامش الإتحاف [ص 118].

5 النقشبندي الكمشخانوي في رموز الأحاديث [ص 129].

6 الخركوشي في شرف النبي [ص 295].

7 ابن شهاب الدين العلوي في رشفته [ص 11 ط. مصر].

8 النبهاني في الشرف المؤبّد

[ص 180 ط. الحلبي وأولاده].

9 الحبيب علوي بن طاهر الحداد في القول الفصل [2: 25 ط. جاوا] وقال: قد أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، والحاكم في تأريخه، والديلمي، وأبو الشيخ.

10 إحقاق الحقّ [9 511 513].

حديث في أن رحم النبي نافع يوم القيامة

رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 البيهقي في كتابه الاعتقاد علي مذهب السلف أهل السنّة والجماعة [ص 165 ط. دار العهد الجديد بالقاهرة] روي بالإسناد إلي أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)يقول علي المنبر: ما بال رجال يقولون: إنّ رحم رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)لا ينفع يوم القيامة، بلي واللّه إنّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإنّني أيّها الناس فرط لكم علي الحوض.

2 ابن كثير في تفسيره [7: 34 ط. بولاق].

3 السيد حسن خان ملك بهوپال في تفسيره فتح البيان [6: 261 ط. بولاق بمصر].

4 القندوزي في الينابيع [ص 267 ط. اسلامبول].

5 الادريسي وهو السيّد أحمد بن سودة خطيب الحرم في رفع اللبس والشبهات [ص 80 ط. مصر].

6 النبهاني في الشرف المؤبّد [ص 62 ط. الحلبي وأولاده].

7 الحبيب علوي بن طاهر الحدّاد العلوي الحضرمي مفتي جوهور في كتابه القول الفصل [2: 16 ط. جاوا]. وقال: ورواه الإمام أحمد، والحاكم في صحيحه والطبراني. وذكر ذلك أيضاً في [ص 25] من الكتاب المذكور.

8 إحقاق الحقّ [9: 514 515].

حديث في أمر النبي بإنزال آله بمنزلة الرأس والعين

رواه جماعة من الأعلام والحفّاظ، منهم:

1 الطبراني في كتابه المعجم الكبير [ص 131 خ. جامعة طهران] روي بالإسناد عن سلمان الفارسي، قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): أنزلوا آل محمّد بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العين من الرأس، فإنّ الجسد لا يهتدي إلاّ بالرأس، والرأس لا يهتدي إلاّ بالعينين.

2 أبو نعيم في أخبار اصفهان [1: 44 ط. ليدن].

3 والخوارزمي في مقتل الحسين [ص 110 ط. الغري].

4 والهيثمي في مجمع الزوائد [9: 172 ط. القدسي بمصر].

5 وابن المغازلي الشافعي في المناقب [ص 20 كما في الإحقاق].

6 والنبهاني في الشرف المؤبّد [ص 58 ط.

الحلبي وأولاده] روي عن أبي ذر (رضي الله عنه).

7 إحقاق الحقّ [9: 505 506].

حديث فيمن جهل حق العترة والأنصار

رواه جمع من أعلام القوم، منهم:

1 السيوطي في كتابه إحياء الميت [ص 111 المطبوع بهامش الإتحاف]روي عن علي (رضي الله عنه)، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار، فهو لإحدي ثلاث: إمّا منافق، و إمّا لزنية، و إمّا لغير طهور يعني: حملته اُمّه لغير طهر.

2 ابن حجر في الصواعق [ص 231 ط. عبداللطيف بمصر].

3 الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين [ص 233 ط. مطبعة القضاء].

4 البدخشي في مفتاح النجا.

5 الكمشخانوي النقشبندي في رموز الأحاديث [ص 442 ط. قشلة همايون بالإستانة].

6 العلاّمة باكثير في وسيلة المآل [ص 64 ط. دمشق].

7 البيهقي علي ما في احياء الميت هامش الإتحاف [ص 111].

8 ابن عدي علي ما في إحياء الميت هامش الاتحاف [ص 111].

9 النبهاني في الشرف المؤبّد [الطبعة الاُولي ص 191 ط. الحلبي وأولاده].

10 إحقاق الحقّ [9: 517 518].

حديث في اشتداد غضب الله ورسوله علي مؤذي العترة

رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 ابن المغازلي الشافعي، في مناقبه [ص 292] روي بسند يرفعه إلي أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): اشتدّ غضب اللّه علي اليهود، واشتدّ غضب اللّه علي النصاري، واشتدّ غضب اللّه ورسوله علي من آذاني في عترتي.

2 الخوارزمي في مقتل الحسين [2: 83 ط. النجف الأشرف].

3 ابن حجر في الصواعق [ص 184 ط. عبداللطيف بمصر].

4 السيوطي في احياء الميت هامش الإتحاف [ص 115 ط. الحلبي].

5 البدخشي في مفتاح النجا [ص 11].

6 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 183 ط. إسلامبول].

7 الصبان في الإسعاف هامش نور الأبصار [ص 126 ط. مصر].

8 المناوي في كنوز الحقائق [ص 17 ط. بولاق بمصر].

9 النبهاني في الفتح الكبير [1: 185 ط. مصر].

10 القدوسي الحنفي في سنن الهدي [ص

23 و564 مخطوط].

11 العلاّمة السيّد خواجه مير في علم الكتاب [ص 254 ط. دهلي].

12 الأمرتسري الحنفي في أرجح المطالب [ص 446 ط. لاهور].

13 إحقاق الحقّ [9: 518 519].

حديث في أن الله وعد رسوله بأن لا يعذب أهل بيته

رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 الحاكم في المستدرك [3: 150 ط. حيدرآباد] روي مسنداً إلي أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): وعدني ربّي في أهل بيتي من أقرّ منهم بالتوحيد، ولي بالبلاغ أن لا يعذّبهم.

2 الحبيب علوي بن طاهر الحدّاد في القول الفصل [2: 42 ط. جاوا]بلفظ: وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد والبلاغ أن لا يعذبّهم.

3 العلاّمة باكثير في وسيلة المآل [ص 63 خ. الظاهريّة بدمشق].

4 السيوطي في إحياء الميت هامش الإتحاف [ص 144 ط. الحلبي].

5 ابن حجر في الصواعق [ص 185 عبداللطيف بمصر].

6 البدخشي في مفتاح النجا [ص 8].

7 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 193 ط. إسلامبول].

8 الامرتسري في أرجح المطالب [ص 333 ط. لاهور].

9 النبهاني في جواهر البحار [1: 361 ط. القاهرة].

10 الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع بذيل المستدرك [3: 105 ط. حيدرآباد].

11 نوراللّه الحسيني في إحقاق الحقّ [9: 474 475].

حديث شفاعة النبي لمكرمي ذريته

ما رواه جماعة من أعلام القوم، منهم:

1 الإمام السيوطي في كتابه إحياء الميت المطبوع بهامش الاتحاف [ص 115 ط. مصطفي الحلبي بمصر] قال: أخرج الديلمي عن علي (رضي الله عنه)، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريّتي، والقاضي لهم الحوائج، والساعي لهم في اُمورهم عندما اضطرّوا إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه.

وفي لفظ الخوارزمي في كتابه مقتل الحسين [2: 25] قال: روي الناصر للحقّ عن آبائه رضوان اللّه عليهم، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة، ولو أتوا بذنوب أهل الأرض: الضاربُ بسيفه أمام ذرّيّتي، والقاضي لهم الحوائج، والساعي لهم في حوائجهم، والمحبّ لهم

بقلبه ولسانه.

2 ابن حجر في الصواعق [ص 237 ط. عبداللطيف].

3 الطبري في دخائر العقبي [ص 18 ط. القدسي بمصر].

4 المتقي الهندي في منتخب الكنز المطبوع بهامش مسند الإمام أحمد [5: 93 ط. الميمنيّة بمصر].

5 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 192 و245 و278 ط. إسلامبول].

6 الحمزاوي في مشارق الأنوار [ص 91 ط. الشرفيّة بمصر].

7 العلاّمة المعاصر محمّد بن عبدالغفّار الهاشمي الحنفي في كتابه أئمّة الهدي [ص 148 ط. القاهرة].

8 ابن شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي [ص 46].

9 العلاّمة باكثير الحضرمي في وسيلة المآل [ص 40 خ. دمشق].

10 النبهاني في الشرف المؤبّد [ص 177 ط. الحلبي وأولاده].

11 إحقاق الحقّ [9: 481 482].

حديث من مات علي حب آل محمد

رواه جماعة من أعلام المحدّثين، منهم:

1 الثعلبي في تفسيره: روي بالإسناد إلي جرير بن عبداللّه البجلي، قال: قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): من مات علي حبّ آل محمّد مات شهيداً، ومن مات علي حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات تائباً، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد يزفّ إلي الجنّة كما تزفّ العروس إلي بيت زوجها.

ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد فتح له في قبره باباً إلي الجنّة، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد جعل اللّه زوّار قبره ملائكة الرحمة، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات علي السنّة والجماعة، ألا ومن مات علي بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة اللّه، ألا ومن مات علي بغض آل محمّد مات كافراً،

ألا ومن مات علي بُغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة.

2 ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة [ص 110 ط الغري].

3 ابن المغازلي في مناقبه [علي ما في الإحقاق 9: 487] غير أنّه أسقط قوله (صلي الله عليه وآله) «فتح له باباً إلي الجنّة» وقوله «مات كافراً».

4 الإدريسي خطيب الحرم في رفع اللبس والشبهات [ص 53 ط. مصر].

5 الدهلوي في تجهيز الجيش [ص 13].

6 الأمرتسري الحنفي في أرجح المطالب [ص 320 ط. لاهور].

7 الصفوري في نزهة المجالس [2: 222] وفي كتابه المحاسن المجتمعة [ص 89 خ خزانة الظاهريّة].

8 الزمخشري في تفسيره الكشاف [3: 403 ط. مصر].

9 نور اللّه الحسيني في إحقاق الحقّ [9: 487 490 ط. الإسلاميّة بطهران].

10 ابن شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي [ص 45].

11 القندوزي في ينابيعه [ص 207 وص 263 ط. إسلامبول].

12 الحمويي في فرائد السمطين [2: 255 256].

13 ابن حجر في صواعقه [ص 203 ط. عبداللطيف بمصر].

14 ابن حجر العسقلاني في كتابه الكاف الشاف [ص 145 ط. مصطفي محمد بمصر] وفي كتابه لسان الميزان [2: 450 ط. حيدرآباد].

15 ابن الفوطي في كتابه الحوادث الجامعة [ص 153 ط. بغداد].

16 العلاّمة باكثير الحضرمي في وسيلة المآل [ص 119 مخطوط].

17 النبهاني في الشرف المؤبّد [ص 152 ط. الحلبي وأولاده].

حديث في قوله أنا عصبة ولد فاطمة

رواه جماعة من أعلام القوم والمحدّثين، منهم:

1 الطبراني في كتابه المعجم الكبير [22: 423] روي مسنداً إلي عمر، قال: سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)يقول: كلّ بني اُنثي، فإنّ عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة، فإنّي عصبتهم، وأنا أبوهم. ورواه في [ص 130]بالإسناد عن فاطمة (عليها السلام).

2 الطبري في ذخائر العقبي [ص 121 ط. مكتبة القدسي بمصر] روي عن عمر، قال: قال رسول

اللّه (صلي الله عليه وآله): كلّ ولد أب فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة، فانّي أنا أبوهم وعصبتهم.

3 القندوزي في كتابه ينابيع المودّة [ص 267 ط. إسلامبول] روي عن عمر ابن الخطاب أيضاً بلفظ: كلّ ولد اُمّ فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة، فانّي أنا أبوهم وعصبتهم. أخرجه أبو صالح، والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر، وأبو نعيم في معرفة الصحابة، والدارقطني، والطبراني في الأوسط.

4 الهيثمي في مجمع الزوائد [4: 224 ط. القاهرة] وفي [ص 172] روي عن فاطمة (عليها السلام).

5 السيوطي في الجامع الصّغير [2: 234 ط. مصر] وفي كتابه إحياء الميت المطبوع بهامش الإتحاف [ص 113].

6 النبهاني في الفتح الكبير [2: 323 ط. مصر].

7 ابن حمزة وهو العلاّمة نقيب مصر والشام السيّد إبراهيم بن محمّد الحسيني في البيان والتعريف [2: 145 و 144].

8 الحبيب علوي الحداد في القول الفصل [2: 18 ط. جاوا].

9 الادريسي وهو السيّد أحمد بن سودة المغربي خطيب الحرم في كتابه رفع اللبس والشبهات [ص 87 ط. مصر].

10 الامرتسري الحنفي في أرجح المطالب [ص 261 ط. لاهور].

11 ابن حجر في الصواعق [ص 185 ط. عبداللطيف] عن ابن عمر.

12 البدخشي في مفتاح النجا [ص 100 مخطوط].

13 الكاظمي وهو السيّد العلاّمة شاه تقي علي الحنفي في كتابه الروض الأزهر [ص 103 ط. حيدرآباد].

14 الخوارزمي في مقتل الحسين [ص 88 ط. الغري] روي عن فاطمة (عليها السلام).

15 الحاكم في المستدرك [3: 164 ط. حيدرآباد] روي عن جابر.

16 الكمشخانوي في كتابه راموز الأحاديث [ص 128 ط. قشلة همايون بالاستانة].

17 النبهاني في كتابه الشرف المؤبّد [ص 97 ط. الحلبي وأولاده].

18 نور اللّه الحسيني في إحقاق الحقّ [9: 644 655 ط. الإسلاميّة طهران].

حديث في اتصال نسبه وسببه إلي يوم القيامة

اشاره

رواه جماعة من

أعاظم المحدّثين وأعلام القوم، منهم:

1 ابن سعد في كتابه الطبقات الكبري [8: 463 ط. بيروت] روي عن عمر بن الخطّاب، قال: قال النبيّ (صلي الله عليه وآله): كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة، إلاّ نسبي وسببي:

2 الخطيب البغدادي في كتابه تأريخ بغداد [6: 182] روي عن عمر بن الخطاب أيضاً بلفظ: كلّ سبب وصهر منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي.

3 الطبراني في كتابه المعجم الكبير [ص 130] روي عن عمر أيضاً بلفظ: ينقطع يوم القيامة كلّ سبب ونسب إلاّ سببي ونسبي.

4 الاصفهاني في كتابه محاضرات الأدباء [4: 479 ط. مكتبة الحياة بيروت].

5 البيهقي في السنن الكبري [4: 63 ط. حيدرآباد].

6 ابن أبي الحديد في شرح النهج [3: 124 ط. القاهرة].

7 الذهبي في تذكرة الحفّاظ [3: 117 ط. حيدرآباد].

8 الهيثمي في مجمع الزوائد [9: 173 ط. القدسي بالقاهرة].

9 السيوطي في الجامع الصغير [ص 236 ط. مصر].

10 ابن الديبع في تمييز الطيب من الخبيث [ص 150 ط. مصر].

11 الادريسي في رفع اللبس والشبهات [ص 81 ط. مصر].

12 البدخشي في مفتاح النجا [ص 100 مخطوط].

13 القندوزي في ينابيع المودّة [ص 186 ط. إسلامبول].

14 الكمشخانوي في راموز الأحاديث [ص 340 ط. قشلة همايون بالاستانة].

15 المناوي في كنوز الحقائق [ص 113 ط. بولاق بمصر].

16 النبهاني في كتابه الفتح الكبير [2: 324] وفي الشرف المؤبّد [ص 55 ط. الحلبي وأولاده].

17 الحبيب علوي الحدّاد في القول الفصل [2: 19 ط. جاوا].

18 الأمرتسري الحنفي في أرجح المطالب [ص 242 ط. لاهور].

19 ابن كثير في تفسيره [7: 34 ط. الخيريّة ببولاق مصر] روي عن ابن عمر.

20 السيّد صديق حسن خان ملك بهوپال في تفسيره فتح البيان [6: 261 ط. بولاق بمصر].

21 الحاكم في المستدرك

[3: 158 ط. حيدرآباد الدكن] روي عن المسور بن مخرمة.

22 ابن حجر في الصواعق [ص 186 وص 234 ط. عبداللطيف].

23 ابن عبد ربّه في العقد الفريد [2: 32 ط. الشرقيّة بمصر].

24 ابن الأثير في النهاية [2: 149 ط. الخيريّة بمصر].

25 ابن منظور في لسان العرب [1: 459 ط. بيروت].

26 إحقاق الحقّ [9: 656 670].

شعر العبدي في مدح العترة الطاهرة

إلي ما هنالك من الأحاديث المبثوثة في طيّات كتب القوم ما يضيق بإيرادها وجه السطور، وإلي ذلك أشار العبدي بشعره:

لأنتم علي الاعراف أعرف عارف

بسيما الذي يهواكم والذي يشنا

أئمّتنا أنتم سندعي بكم غداً

إذا ما إلي ربّ العباد معاً قمنا

بجدكم خير الوري وأبيكم

هدينا إلي سبل النجاة وأنقذنا

ولولاكم لم يخلق اللّه خلقه

ولا لقّب الدنيا الغَرور ولا كنّا

ومن أجلكم أنشا الإله لخلقه

سماءً وأرضاً وابتلي الإنس والجنّا

فقد أشار رحمه اللّه تعالي بالبيت الأوّل إلي قوله عزّ وجلّ: (وَعلي الأعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفونَ كُلاًّ بِسيمَاهُم) [الأعراف: 46] و إلي ما ورد فيما أخرجه الحاكم ابن الحدّاد الحسكاني في كتابه شواهد التّنزيل [1: 198 ط. بيروت]بإسناده عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنت جالساً عند علي (عليه السلام)فأتاه ابن الكوّاء، فسأله عن قوله تعالي: (وَعلي الأعْرافِ رِجالٌ) الآية فقال (عليه السلام): ويحك يا ابن الكوّاء نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنار، فمن نصرنا عرفناه بسيماه، فأدخلناه الجنّة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه، فأدخلناه النار.

ولعلّ نظير ذلك ما ورد عن النبيّ (صلي الله عليه وآله)في قوله: علي قسيم الجنّة والنار. الحديث.

وأخرج أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان، عن ابن عبّاس أنّه قال: الأعراف موضع عال من الصراط عليه العبّاس، وحمزة، وعلي بن أبي طالب، وجعفر ذو الجناحين، يعرفون محبيّهم ببياض الوجوه، ومبغضيهم بسواد الوجوه.

رواه ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول

[ص 17] وابن حجر في الصواعق [ص 101] والشوكاني في تفسيره فتح القدير [2: 198].

وأخرج الحاكم بسنده إلي علي كما في كتاب إحقاق الحقّ [13: 74] عن سلمان الفارسي، قال: سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)يقول: يا علي انّك والأوصياء من ولدك علي الاعراف.

وممّا يؤيّد ذلك ما أخرجه الطبراني ورواه ابن حجر في صواعقه في أواخر الفصل الثاني الباب التاسع: أنّ عليّاً قال للستّة الذين جعل عمر شوري بينهم كلاماً طويلاً، ومن جملته: أنشدكم باللّه هل فيكم أحد قال له رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): أنت قسيم الجنّة والنار غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا، قال ابن حجر: معناه: ما رواه عنترة عن علي الرضا أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله)قال له: يا علي أنت قسيم الجنّة والنار، فيوم القيامة تقول للنار: هذا لي، وهذا لك.

وقال ابن حجر في نفس المصدر: وروي ابن السماك أنّ أبا بكر قال لعلي: سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)يقول: لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز.

وذكر ذلك أيضاً الإمام الطبرسي في تفسيره مجمع البيان [2: 525 ط. بيروت]، ثمّ قال: قال أبو جعفر الباقر: هم آل محمّد (عليهم السلام) يعني رجال الأعراف لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النّار إلاّ من أنكرهم وأنكروه.

وأمّا البيت الثاني في قوله: «أئمّتنا أنتم سندعي بكم غداً» فقد أشار إلي معني قوله تعالي: (يَوْمَ نَدْعُو كُلّ اُناس بِإمامِهِم) الآية [الاسراء: 71] فمن ائتمّ بالعترة فسيحشرون معهم، كما ورد في ذلك قوله (صلي الله عليه وآله): المرء مع من أحبّ، وقوله (صلي الله عليه وآله): من أحبّ قوماً حشر معهم. أخرجه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والإمام أحمد.

اهل البيت في كلام أساطين العلم

اشاره

ولنختم هذه السطور ببعض ما نصّه أعاظم العلماء وأعيانهم في زبرهم مما ارتبط بما سبق من الأشعار والأخبار والآثار، عسي أن يكون للقارئ مقياساً للاعتبار، ومفتاحاً افتتحت به سبل الافتكار. نقلاً عن كتاب إحقاق الحقّ و إزهاق الباطل [9: 670] لنور اللّه الحسيني، وبعضها عن كتاب القول الفصل للحبيب العلاّمة علوي بن طاهر الحدّاد العلوي الحسيني الحضرمي مفتي جوهور وغيرهم.

البيطار

وهو العلاّمة المعاصر الشيخ محمّد بهجت ابن الشيخ بهاء الدين الدمشقي في كتابه نقد عين الميزان [ص 13 مطبعة مجلة القمر] قال: أمّا مودّة أهل البيت وكونها من الواجبات، فقضيّة مسلّمة مقبوله ومعلومة غير مجهولة.

النجار

وهو العلاّمة المعاصر الشيخ حسن المصري في كتابه الأشراف [ص 21 ط. مصر]. قال: وروي عن سيّدي الخوّاص أنه كان يقول: ومن حقّ الأشراف علينا أن نُفديهم بكلّ ما نملك؛ لسريان لحم رسول اللّه ودمه الكريمين فيهم، فهم بضعة منه، وللبعض في الإجلال والتوقير والتعظيم ما للكّل، وحرمة جزئه (صلي الله عليه وآله) ميّتاً كحرمة جزئه حيّاً علي حدٍّ سواء.

ابن شهاب

وهو العلاّمة المتفنن السيّد أبو بكر بن عبدالرحمن العلوي الحضرمي، قال في كتابه رشفة الصادي من بحر فضائل النبي الهادي [ص 50 ط القاهرة]: ونقل السيّد السمهودي في كتابه جواهر العقدين، نقلاً عن كتاب توثيق عري الإيمان للبارزي، نقلاً عن الشيخ العلاّمة العارف باللّه أبي الحسن الحراني، قال في جملة كلام له: وبالحقيقة لا يعدّ من المؤمنين من لم يجد رسول اللّه وذرّيّته أحبّ إليه وأعزّ عليه من أهله وولده والناس أجمعين.

القاضي عياض

في كتابه الشفاء، نقلاً عن رشفة الصادي [ص 63 ط. القاهرة] قال ما حاصله: إن من سبّ أبا أحد من ذرّيّة النبيّ (صلي الله عليه وآله)ولم تقم بيّنة علي إخراجه قتل.

الكمال الرداد

قد أفتي في من قال: «لعن اللّه والدي الشريف» أنّه يصير بذلك مرتداً خارجاً عن الإسلام، ويجب تجديد الشهادتين، فإن لم يسلم قتل بالسيف، وجاز طرحه للكلاب والحالة هذه. انتهي. نقلاً عن رشفة الصادي [ص 64 ط. القاهرة].

الامام أحمد بن حنبل

قال بعد إيراده حديث: «النجوم أمان لأهل السّماء، وأهل بيتي أمان لأهل الارض، فاذا ذهب أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون»: إنّ اللّه خلق الأرض من أجل النبيّ، فجعل دوامها بدوام أهل بيته وعترته (صلي الله عليه وآله).

العزيزي

قال رحمه اللّه لدي شرحه في حديث «النجوم»: أراد بأهل بيته علماءهم، ويحتمل الاطلاق؛ لأن اللّه لمّا خلق الدنيا لأجله (صلي الله عليه وآله)جعل دوامها بدوام أهل بيته. السراج [3: 416] نقلاً عن سيرة الاميني [ص 20 طبعة الثانية بطهران سنة 1386 هجرية].

الحفني

قال رحمه اللّه مفسّراً في معني «أهل بيتي»: وأهل بيتي أي ذرّيّتي، فسبب وجودهم يرفع البلاء عن الاُمّة. «نفس المصدر».

الصبان

قال في كتابه إسعاف الراغبين بعد ذكره لحديث «النجوم»: وقد يشير إلي هذا المعني قوله تعالي: (وما كان اللّه ليعذّبهم وأنت فيهم) [الأنفال: 33]: اُقيم أهل بيته مقامه في الأمان؛ لأنّهم منه وهو منهم، كما ورد في بعض الطرق. انتهي. «نفس المصدر».

ابن حجر الهيثمي

قال في كتابه الصواعق لدي حديث «السفينة» قال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد من أهل البيت الذين هم أمان، علماؤهم؛ لأنّهم الذين يهتدي بهم كالنجوم، والذين إذا فقدوا جاء أهل الارض ما يوعدون، وذلك عند نزول المهدي (عليه السلام)؛ لما يأتي في أحاديثه: أنّ عيسي يصلّي خلفه، ويقتل الدجّال في زمنه، وبعد ذلك تتتابع الآيات.

إلي أن قال: ويحتمل وهو الأظهر عندي أنّ المراد بهم سائر أهل البيت، فإنّ اللّه لمّا خلق الدنيا بأسرها من أجل النبيّ (صلي الله عليه وآله)جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بيته؛ لأنّهم يساوونه في أشياء يريد بها ما قاله الفخر الرازي في تفسيره كما سيأتي ذكره لأنّه (صلي الله عليه وآله)قال في حقّهم: اللهمّ انّهم منّي وأنا منهم. ولأنّهم بضعة منه بواسطة أنّ فاطمة اُمّهم بضعته. فأُقيموا مقامه في الأمان. «نفس المصدر».

ابن عباس

وذكر ابن شهاب الدين في رشفة الصادي، [ص 95] ما درج عليه السلف من تعظيم أهل البيت المطهرين (عليهم السلام)، منه: أنّه أتي زين العابدين بن علي بن الحسين مجلس ابن عبّاس، فقام إليه، وقال: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب.

عمر بن عبدالعزيز

كان لمّا دخل عبداللّه بن الحسن المثنّي عليه يوماً، قام إليه وأقبل عليه وقضي حوائجه، ثمّ أخذ بعكنة من عكنه، فغمزها حتّي أوجعه، وقال: اُذكرها عندك للشفاعة، فلامه قومه، فقال: حدّثني الثقة حتّي كأنّي أسمعه من في رسول اللّه (صلي الله عليه وآله): أنّه قال: فاطمة بضعة منّي يسرّني ما يسرّها. ما فعلت بابنها وغمزت بطنه لأنّه ليس أحد من بني هاشم إلاّ وله شفاعة، ورجوت أن أكون في شفاعة هذا.

وروي عنه أيضاً أنّه يقول: لو كنت من قتلة الحسين (رضي الله عنه) واُمرت أن أدخل الجنّة، لما فعلت حياءً أن تقع عليّ عينا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

الامام مالك

كان لمّا أمر المنصور العبّاسي أن يقتصّ له من جعفر بن سليمان العبّاسي، وكان أميراً بالمدينة، قال: واللّه ما ارتفع سوط عن جسمي إلاّ وقد جعلته في حلٍّ وأبرأت ذمته لقرابته من رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)انتهي.

قال ابن شهاب الدين: وقد بلغ به تعظيم جعفر العبّاسي هذا المبلغ، فما ظنّك بتعظيم أهل بيت نبيّه وذرّيّته الذين هم بضعة منه (صلي الله عليه وآله).

ابو حنيفة

كان من المستمسكين بولايتهم، والمتمسّكين بودادهم، ويتقرّب إلي اللّه بالإنفاق علي المستترين منهم والظاهرين، حتّي أنّه بعث إلي المستترين منهم في زمانه إثني عشر ألف درهم دفعة واحدة، وكان يأمر أصحابه برعاية أحوالهم، والاقتفاء لآثارهم، والاقتداء بأنوارهم.

الامام أحمد

كان فيما ذكره ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعيّة: أنّه تصادف الامام أحمد عند باب الجامع بصبي من بني هاشم صغير السنّ يريد الخروج من الباب، فرأي الصبي الإمام خارجاً، فوقف اجلالاً للامام أحمد ليخرج قبله، فلمّا رآه الإمام واقفاً أحجم عن الخروج، وأخذ يد الغلام الهاشمي فقبّلها، ووقف حتيّ خرج الصبي قبله، ثمّ قال: إنّ هذا من أهل بيت أوجب اللّه علينا احترامهم.

محيي الدين ابن عربي

وقد روي من شدّة تعظيمه لأهل بيت النبوّة، أنّه: اُتي إليه ببعض الأشراف ليعلمه العلم، فأجلسه علي شيء مرتفع وجلس الشيخ تحته، وجعل يبكي وهو يقول: قال جدّك رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)كذا. انتهي.

قال ابن شهاب الدين: فانظر إلي هذا التواضع من هذا الإمام علي جلالة قدره وعلوّ منصبه لذلك الشريف الذي اُتي به إليه ليعلمه، لكن لا يعرف الفضل لأهل الفضل غير اُولي الفضل، كما قيل: لا يعرف الدرّ إلاّ عارف القيم.

ابويزيد البسطامي

وقد كان سقّاء في بيت الإمام جعفر الصادق بن محمّد الباقر (عليهما السلام).

وكان الإمام معروف الكرخي بوّاباً علي دار الإمام علي بن موسي الرضا (عليهما السلام).

الامام العارف عبدالوهاب الشعراني

قال: وممّا منّ اللّه به عليَّ تعظيمي للأشراف، وان طعن الناس في نسبهم، أدباً مع رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وإن كانوا علي غير قدم الاستقامة مثل آبائهم، ثمّ أقلّ مقام أحدهم عندي ان اُعامله بالإجلال والتعظيم كما اُعامل نائب مصر، وهذا خلق غريب قلّ من يعمل به من الناس.

ثم قال: وأعلم أنّ من جملة تعظيمنا لمن ذكر أن لا نتزّوج امةً ولا زوجة طلّقوها.

وقال كما في كتابه البحر المورود: اُخذ علينا العهود أن لا نري أنفسنا قطّ علي شريف، ولا نتزوج له مطلقةً ولو فلاناً، وإن كان مباحاً في الشرع، فلنا ترك المباح، وهذا الأدب علينا لو كان الشريف جاهلاً، فضلاً عن كونه عالماً، فلا نري قطّ أنفسنا عليه بعلم ولا عمل ولا صلاح، وكذلك لا نأخذ قطّ العهد علي شريف؛ لأنّ ذلك يصير تحت حكمنا وخدمتنا.

وقال أيضاً: وكذلك ينبغي أن لا نفتح الذكر في مجلس فيه شريف، ولو كان أصغر منّا سنّاً بل نأمره، و إذا أبي نسأل من فضله أن يستفتح بالجماعة تبركاً ببضعة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

واذا كان الشريف غلاماً يخدم الناس، فلا ينبغي لأحد أن يستخدمه، ولو كان شيخ مشائخ في العرف، فإنه لو كان معه أدب ما استخدم شريفاً، ولا مكّنه أن يمشي خلف دابّته، ولا أن يحمل غاشية سرجه، ولا أن يحمل سجّادته، ولقلّة أدب هؤلاء حرموا الترقي.

وكذلك إذا دعينا إلي وليمة لا نجلس بصفة عالية، أو فرش نفيس، حتّي ننظر يميناً وشمالاً، هل ثمّ أحد من الشرفاء خوفاً

أن نجلس في مرتبة فوقه، فإن كان هناك شريف وعزم علينابالجلوس علي تلك الرّتبة، جلسنا امتثالاً لأمره.

ابراهيم المتبولي

قال الإمام الشعراني كما في نور الأبصار علي ما في رشفة الصادي [ص 110]: كان سيّدي إبراهيم المتبولي إذا جلس إليه شريف يظهر الخشوع والانكماش بين يديه، ويقول: إنّه بضعة من رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

وكان يقول: من آذي شريفاً فقد آذي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

وكان يقول: يتأكّد علي كلّ صاحب مال إذا رأي شريفاً عليه دين أن يفديه بماله؛ لأنّه جزء من رسول اللّه (صلي الله عليه وآله).

وكان يقول: لا ينبغي لمن يؤمن باللّه ويحبّ رسوله أن يتوقّف عن تعظيم الشريف والإحسان إليه حتي يعرف صحة نسبه، بل يكفيه تظاهر الشريف بالشرف.

ابن حجر الهيثمي

قال في فتاويه كما في رشفة الصادي، وذلك لمّا سئل: هل الشريف الجاهل أم العالم العامل أفضل؟ وأيّهما أحقّ بالتوقير إذا اجتمعا؟ واُريد تفريق نحو قهوة، فأيّهما أولي بالبداءة؟ أو أراد شخص التقبيل فأيّهما يبدأ به؟ فأجاب بقوله: في كلّ منهما فضل. أمّا الشريف، فلما فيه من البضعة الكريمة التي لا يعادلها شيء، ومن ثمّ قال بعض العلماء: لا اُعادل بضعته (صلي الله عليه وآله)أحداً الي أن قال: والمبدوء به الشريف، لقوله (صلي الله عليه وآله): قدّموا قريشاً. ولَمِا فيه من البضعة.

والمراد بالشريف المنسوب إلي الحسن والحسين، كرّم اللّه وجهيهما، واللّه تعالي أعلم.

العلامة الشيخ باصهي الحضرمي

قال في فتاويه علي ما في رشفة ابن شهاب الدّين [ص 63] وذلك لمّا سئل عن حكم من ثلب ذرية رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، وحاصل ما أجاب به: أنّه قدم علي ما يسخط اللّه عليه ويمقته به؛ لأن الإيمان منوط بحبهم، والنفاق مربوط ببغضهم، وأطال في ذلك إلي أن قال: فيجب علي الوالي استتابته وتعزيره، فإن لم يتب مستحلاً لذلك قتل، واُغري بجيفته الكلاب.

السلف الصالح

وقد روي كما في نفس المصدر: أنّهم قالوا: إنّ من أطلق لسانه في الذريّة العليّة لا يموت إلاّ مرتدّاً عن الإسلام، إن لم يتب توبة مثمرة للندم والاقلاع، والعزم علي أن لا يعود، مع استيفاء التعزير الشرعيّ من السابّ، والاستحلال من الشريف الذي سبّه، فواجب علي ولاة المسلمين أن يشدّدوا في التنكيل والتهديد علي فعل ذلك؛ لمخالفته للقرآن وعناده للسنّة، وقد شوهد كثير من المبتلين بسبّ الذريّة لم يلبثوا قليلاً حتّي عجّل اللّه العقوبة عليهم بالمصائب العظام، ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون. وقد قيل في هذا المعني:

حذراً أيّها الباغي ظلامتنا

فإنّ لحم بني الزهراء مسموم

الشيخ الأكبر ابن عربي

قال، كما في فتوحاته علي ما في رشفة ابن شهاب الدين [ص 65]: إنّه لا ينبغي لمسلم أن يذمّهم بما يقع منه أصلاً، فإنّ اللّه طهّرهم، فليعلم الذامّ لهم أنّ ذلك راجع إليه ولو ظلموه. فذلك الظلم الذي هو في زعمه ظلم لا في نفس الأمر، يشبه جري المقادير علي العبد في ماله ونفسه بغرق أو حرق، أو غير ذلك من الأمور المهلكة، فيحرق أو يموت له أحد من أحبابه أو يصاب هو في نفسه، وهذا كلّه ممّا لا يوافق له غرضه، ولا ينبغي أن يذمّ قدر اللّه ولا قضاءه، بل ينبغي أن يقابل ذلك بالتسليم والرضا. و إن نزل عن هذه المرتبة فبالصبر، و إن ارتفع عن تلك المرتبة فبالشكر، فإن في طيّ ذلك نعماً من اللّه لهذا المصاب، وليس وراء ما ذكرناه خير، فإنّ ما وراءه إلاّ الضجر والسخط وعدم الرضاء وسوء الأدب مع اللّه تعالي.

فكذا ينبغي أن يقابل المسلم جميع ما يطرأ عليه من أهل البيت، في ماله ونفسه وعرضه وأهله وذويه. فيقابل ذلك كلّه بالرضا والتسليم

والصبر، ولا يلحق المذمّة بهم أصلاً، وان توجهت عليهم الأحكام المقرّرة شرعاً، فإنّ ذلك لا يقدح في هذا، بل يجريه جري المقادير، وانّما منعنا الذمّ بهم وسبّهم إذ قد ميّزهم اللّه عنّا بما ليس لنا فيه معهم قدم.

وأما أداء الحقوق المشروعة، فهذا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)كان يقترض من اليهود، وإذا طالبوه أدّاها علي أحسن ما يمكن، وان تطاول اليهود عليه في القول يقول: دعوه فلصاحب الحقّ مقالٌ.

السيد أبو الهدي محمد بن حسن الرفاعي

قال في كتابه ضوء الشمس علي ما في نفس المصدر، وذلك بعد أن ذكر فيه مفاخر البيت الطاهر ومزاياهم: والعجب كلّ العجب من بعض من يدّعي العلم من الحسدة الممقوتين، كيف يري الواحد منهم حريصاً علي إعلاء نفسه الدنيّة علي أهل البيت أهل المراتب العلية، و إذا ذكر شرف الشرفاء وانتسابهم إلي شرف المصطفي الرسول، اشتدّ كربه وضاق صدره، مخافة أن يصغر عند الناس قدره، ولم يجد سبيلاً إلي ادّعاء هذه الفضيلة، ولا إلي اقتناء هذه المكرمة الجليلة، وعمي قلبه عن ادراك نعمة الإسلام التي وصلت إليه بواسطة جدّهم الأعظم (صلي الله عليه وآله)وانقذ من ذلّ الحال وخيبة المآل ببركة جدّهم الأعظم (صلي الله عليه وآله) وقام حسداً لما منّ اللّه به من شرف النسب وعلو الحسب، يسعي لهدم منارهم و إذلال فخارهم. ويجترئ علي خفض علمهم مع أنّه يتقلّب في نعمهم، وللّه درّ القائل:

وأظلم أهل الظلم من بات حاسداً

لمن بات في نعمائه يتقلّب

وقال آخر:

بهم أيّد اللّه المحبّين في الوري

ونعماؤهم تجري بحكم التسلسل

وبعد كلام اللّه بالنص حزبهم

بقيّة طه في البريّة فاعقل

مقام عظيم عزّ عن نيل طامع

ونور الهدي للمخلص المتأمّل

وقال آخر:

أراد الحاسدون بغير علم

ولا هدي رأوه ولا كتاب

سقوط مقام أبناء التهامي

لعمرك ذا من العجب العجاب

بني المختار سادات

البرايا

وكيف وجدّهم عالي الجناب

علوا بالمصطفي قدراً وفيه

رقوا حتّي إلي كشف الحجاب

فبغضهم الخسارة يوم حشر

وحبّهم الذخيرة للحساب

وتنقيص احترامهم ضلال

وهل بعد الضلالة من ثواب

وهل لميقّن بلقاء طه

علي حسد القرابة من جواب

ومن عجب تستره لحمق

بإظهار المحبّة للصحاب

فلو صدق الخبيث بمدّعاه

دري ما للقرابة في الكتاب

راجع: رشفة الصادي [ص 58 ط. القاهرة].

السيد السمهودي

قال في كتابه جواهر العقدين، علي ما في رشفة الصادي [ص 50] لابن شهاب الدين العلوي الحضرمي: إنّ خواص العلماء رحمهم اللّه من هذه الاُمّة يجدون لأجل اختصاصهم بهذا الإيمان محبّةً خاصّة لنبيّهم، وتقرّباً له في قلوبهم، حتّي يجدوا إيثاره علي أنفسهم وأهليهم وأموالهم، ويحبّون بحبّه قرابته وذرّية أصحابه، ويجدون لهم في قلوبهم مزيّةً علي غيرهم، ويستحبون أن يعينوهم ويدنوهم رعايةً لآبائهم، وعلماً باصطفاء نطفهم الكريمة. قال تعالي: (والذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء) [الطور: 21]فلا يكونون كمن ليست له سابقة.

قال: وبالحقيقة لا يعدّ من المؤمنين من لم يجد رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)وذرّيّته أحبّ إليه وأعزّ عليه من أهله وولده والناس أجمعين.

الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي

قال في كتابه الفتوحات المكيّة علي ما في الرشفة [ص 25]: ولقد أخبرني الثقة عندي بمكّة، أنّ شخصاً كان يكره ما يفعله الشرفاء بمكّة في الناس، فرآي في منامه فاطمة ابنة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)وهي معرضة عنه: فسلّم عليها وسألها عن إعراضها عنه، فقالت له: انّك تقع في الشرفاء، قال: فقلت: يا سيّدتي ألا ترين ما يفعلونه في النّاس؟ فقالت: أليس هم بنيّ؟ قال: فقلت لها: من الآن تبت إلي اللّه، فأقبلت عليّ وتبسّمت.

فلا تعدل يا أخي بأهل البيت أحداً؛ لأنّهم أهل الشهادة، فبغض الانسان لهم خسران حقيقيّ، وحبّهم عبادة شرعيّة. وذكر هذين البيتين:

فلا تعدل بأهل البيت خلقاً

فأهل البيت هم أهل السيادة

وبغضهم لأهل العقل خسر

حقيقيّ وحبّهم عبادة

وقال أيضاً في الباب التاسع والعشرين بعد كلام طويل في التحذير من ذمّهم: فإنّ النّبيّ (صلي الله عليه وآله)ما طلب منّا عن أمر اللّه إلاّ المودّة في القربي، وفيه سرّ صلة الأرحام، ومن لم يقبل

سؤال نبيّه فيما سأله فيه ممّا هو قادر عليه، بأيّ وجه يلقاه غداً أو يرجو شفاعته؟ وهو ما أسعف نبيّه فيما طلب منه من المودّة في قرابته، فكيف بأهل بيته وهم أخصّ القرابة؟

الامام الرازي

قال في تفسيره [7: 391]: إنّ الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد، وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل، فكلّ ذلك يدل علي أنّ حبّ آل محمّد واجب. إلي أن قال: أهل بيته (صلي الله عليه وآله)ساووه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهد؛ وفي السلام وفي الطهارة، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبّة.

ابن أبي الحديد

قال في شرحه لخطبة الامام علي (عليه السلام)في قوله: «إنّا صنائع ربّنا والناس بعد صنائع لنا»: هذا كلام عظيم، عال علي الكلام، ومعناه عال علي المعاني، وصنيعة الملك من يصطنعه الملك ويرفع قدره. ويقول (عليه السلام): «ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل اللّه تعالي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والنّاس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بينهم وبينه تعالي» وهذا مقام جليل، ظاهره ما سمعت، وباطنه أنّهم عبيداللّه، وانّ النّاس عبيدهم، وربّما يستفاد هذه المأثرة من قول عمر بن الخطّاب للحسين السبط: هل أنبت الشعر علي الرأس غيركم.

وفي لفظ الدارقطني: هل أنبت الشعر في الرأس بعداللّه إلاّ أنتم.

وقوله في حديث ابن سعد: هل أنبت علي رؤوسنا الشعر الاّ أنتم.

وفي لفظ: إنّما أنبت الشعر في رؤوسنا ما تري اللّه ثمّ أنتم.

أخرجه: ابن سعد، والدارقطني، وابن عساكر، والحافظ الكنجي الشافعي، وابن حجر في الإصابه [2: 15، و في ط. دار صادر 1: 333].

الامام جعفر الصادق

قال: إحفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين. أخرجه عبدالعزيز الأخضر في كتابه معالم العترة.

ابن عربي

قال في كتابه الفتوحات المكّية في الباب الثاني بعد الخمسمائة، كما في كتاب احقاق الحق وازهاق الباطل [9: 672] وفي رشفة الصادي [ص 52 ط. القاهرة]: إعلم أنّ من الخيانة لرسول اللّه (صلي الله عليه وآله) أن تخونه فيما سألك فيه من المودّة لقرابته وأهل بيته، فإنّ من كره أحداً من أهل بيته، فقد كره رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)؛ لأنّ رسول اللّه واحد من أهل البيت، وحبّ أهل البيت لايتبعّض؛ فإنّه ما تعلّق إلاّ بمطلق الأهل لا بواحد بعينه، فاجعله ببالك، واعرف قدر أهل البيت، فمن خان أهل البيت فقد خان رسول اللّه في سننه، ومن خان ما سنّه رسول اللّه فقد خانه.

القطب الشعراني

قال في كتابه اليواقيت والجواهر، كما في المصدرين المذكورين: ويجب اعتقاد وجوب محبّة ذرّيّة نبيّنا محمّد (صلي الله عليه وآله)و إكرامهم واحترامهم، وهم: الحسن والحسين ابنا فاطمة، وأولادهما الي يوم القيامة. وأن نكره لمن آذي شريفاً وهجره، ولو كان من أعزّ أصحابنا، لقوله تعالي: (قل لا اسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي) [الشوري: 23].

السيد القطب أحمد الكبير الرفاعي

قال علي ما في إحقاق الحق [9: 672] ورشفة الصاديّ [ص 53 ط القاهرة]: نوّروا قلوبكم بمحبّة آله الكرام، عليه أفضل الصلاة والسلام، فهم أنوار الوجود اللامعة، وشموس السعود الطالعة، من أراد اللّه به خيراً ألزمه وصيّة نبيّه في آله، فأحبّهم واعتني بشأنهم، وعظّمهم وحاماهم وصان حماهم، وكان لهم مراعياً. ولحقوق رسوله فيهم راعياً، المرء مع من أحبّ. ومن أحبّ اللّه أحبّ رسول اللّه، ومن أحبّ رسول اللّه أحبّ آل رسول اللّه، ومن أحبّهم كان معهم، وهم مع أبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام، قدّموهم عليكم، ولا تقدّموهم، وأعينوهم وأكرموهم، يعد خير ذلك عليكم.

ابن تيمية

اشاره

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة في رسالة الفرقان [ص 163]: والمقصود أنّ النّبيّ (صلي الله عليه وآله)قال: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه، فحضّ علي كتاب اللّه، ثمّ قال: وعترتي أهل بيتي اُذكّركم اللّه في أهل بيتي ثلاثاً. انتهي.

وقال في الوصيّة الكبري [ص 297]: وكذلك آل بيت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)لهم من الحقوق ما يجب رعايتها؛ فإنّ اللّه جعل لهم حقّاً في الخمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة علي الرسول (صلي الله عليه وآله)، فقال: قولوا اللهمّ صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد، كما صلّيت علي إبراهيم وآل ابراهيم، إنّك حميد مجيد، وبارك علي محمّد وعلي آل محمّد، كما باركت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم وآل محمّد الذين حرّمت عليهم الصدقة.

هكذا قال الشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهما من العلماء رحمهم اللّه، فإنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله)قال: إنّ الصدقة لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد، وقال اللّه في كتابه: (انّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا) وحرّم اللّه الصدقة عليهم لأنّها أوساخ الناس.

وفي المسانيد والسنن، أنّ

النّبيّ (صلي الله عليه وآله)قال للعبّاس، لمّا شكي إليه جفوة قوم لهم، قال: والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنّة حتّي يحبّوكم من أجلي.

وفي الصحيح: عن النّبيّ (صلي الله عليه وآله)أنّه قال: إنّ اللّه اصطفي بني إسماعيل، واصطفي بني كنانة من بني اسماعيل، واصطفي قريشاً من كنانة، واصطفي بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم.

وقال في رسالة العقيدة الواسطيّة، وهو يذكر عقيدة أهل السنّة ما نصّه: ومن اُصول السنّة والجماعة أنّهم يحبّون أهل بيت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)وسلّم ويتولّونهم، ويحفظون وصيّة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، حيث قال يوم غدير خم: اُذكّركم اللّه في أهل بيتي. راجع كتابه الفتاوي الكبري [3: 154].

وقال في كتابه رسالة درجات اليقين [ص 149]: وليس للخلق محبّة أعظم ولا أكمل ولا أتمّ من محبّة المؤمنين لربّهم، وليس في الوجود ما يستحقّ أن يحبّ لذاته من كلّ وجه إلاّ اللّه تعالي، وكل ما يحبّ سواه فمحبّته تبع لحبّه؛ فإنّ الرسول (صلي الله عليه وآله)إنّما يحبّ لأجل اللّه، ويطاع لأجل اللّه، ويتبع لأجل اللّه تعالي، كما قال تعالي: (قل إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه) [آل عمران: 31] وفي الحديث: أحبّوا اللّه لما يغذوكم من نعمة، فأحبّوني لحبّ اللّه، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي. انتهي.

وقال في رسالته فضل أهل البيت وحقوقهم [ص 24 ط. دار القبلة جدة]: وثبت عنه أنّ ابنه الحسن لمّا تناول ثمرة من ثمرة الصدقة، قال له: كخ كخ أما علمت انّا آل بيت لا تحلّ لنا الصدقة. وقال: إنّ الصدقة لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد.

وهذا واللّه أعلم من التطهير الذي شرع لهم، فإنّ الصدقة أوساخ النّاس. فطهّرهم اللّه من الأوساخ، وعوّضهم بما يقيتهم من

خمس الغنائم، ومن الفيء الذي جعل منه رزق محمّد حيث قال (صلي الله عليه وآله وسلم). فيما رواه أحمد وغيره: بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتّي يعبداللّه وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذلّة والصغار علي من خالف أمري ومن تشبّه بقوم فهو منهم.

ولهذا ينبغي أن يكون اهتمامهم بكفاية أهل البيت الذين حرّمت عليهم الصدقة أكثر من اهتمامهم بكفاية الآخرين من الصدقة، لا سيّما إذا تعذّر أخذهم من الخمس والفيء: إمّا لقلّة ذلك، و إمّا لظلم من يستولي علي حقوقهم، فيمنعهم إيّاها من ولاة الظلم. فيعطون من الصدقة المفروضة ما يكفيهم إذا لم تحصل كفايتهم من الخمس والفيء. انتهي.

وقد أفتي لذلك صاحب الغزالي محمّد بن يحيي، كما قال أبو سعيد الأصطخري عن الرافعي، اُنظر شرح المهذب للنووي [6: 227].

من هم آل النبي

قال شيخ الإسلام ابن القيّم في كتابه جلاء الأفهام [ص 138]: واختلف في آل النبيّ علي أربعة أقوال، فقيل: هم الذين حرمت عليهم الصدقة، وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء:

القول الأوّل:

1 أنّهم بنو هاشم وبنو المطلب، وهذا مذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه.

2 أنّهم بنو هاشم خاصّة. وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في بعض الرواية عنه، واختار ذلك أبو القاسم صاحب مالك.

3 أنّهم بنو هاشم ومن فوقهم إلي بني غالب، وذهب إلي ذلك أشهب من أصحاب مالك، كما رواه صاحب الجواهر واللخمي في التبصر.

ثمّ قال ابن القيّم: هذا القول في الآل أعني الذين تحرم عليهم الصدقة، هو منصوص الشافعي وأحمد والأكثرين، وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي.

القول الثاني:

انّ آل النبي هم ذرّيّته وأزواجه، كما حكاه ابن عبدالبر في التمهيد في باب عبداللّه بن أبي بكر، في شرح حديث أبي حميد الساعدي، واستدلّ اُولئك بحديث

مالك عن نعيم المجمر وغيره في الصلاة علي النبيّ (صلي الله عليه وآله)، وذلك: اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد وأزواجه وذرّيّته، قالوا: فهذا يفسّر ذلك الحديث ويبيّن أنّ آل محمّد هم: أزواجه وذرّيّته، ثمّ قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكلّ من كان من أزواج محمّد وذرّيّته عند المخاطبة: صلّي اللّه عليك، وعند الغياب، صلّي اللّه عليه، ولا يجوز ذلك لغيرهم.

القول الثالث:

أن آله أتباعه، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم. كما رواه البيهقي عن جابر، ورواه الثوري وغيره، واختاره بعض الشافعيّة، ورجّحه النووي كما في شرح مسلم، واختاره الأزهري.

القول الرابع:

أنّ آله الأتقياء من اُمّته، كما حكاه القاضي حسين، والراغب، وجماعة، ثمّ فصّل الشيخ ابن القيّم احتجاج كلّ قوم من اُولئك الأربعة، وساق الأحاديث التي احتجّوا بها، إلي أن قال مصرّحاً:

فهذا ما احتجّ به كلّ قول من هذه الأقوال، والصحيح هو: القول الأوّل والثاني. وأمّا القول الثالث والرابع، فضعيفان؛ لأنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله)قد رفع الشبهة بقوله: إنّ الصدقة لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد. وقوله: اللهمّ اجعل رزق آل محمّد قوتاً. وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الاُمّة قطعاً.

وقال أيضاً في [ص 40]: فإنّ الصلاة علي النبيّ (صلي الله عليه وآله)حقّ له ولآله دون سائر الاُمّة. ولهذا تجب عليه وعلي آله عند الشافعي وغيره، إلي أنّ قال: فمن قال إن آله في الصلاة هم الاُمّة، فقد أبعد غاية الإبعاد.

وحجّة الشيخ ذلك: بأنّ النبي (صلي الله عليه وآله)شرع في التشهّد السلام والصلاة، فشرع في السلام: تسليم المصلّي أوّلاً علي الرسول، وثانياً علي نفسه8، وثالثاً علي سائر عباد اللّه الصالحين. وأمّا الصلاة، فلم يشرعها الرسول الاّ عليه وعلي آله فقط، فدلّ علي أنّ

آله هم أهله وأقاربه.

فهذا ما اقتطفناه مختصراً من كتاب القول القيّم فيما يرويه ابن تيمية وابن القيّم من منشورات دار مكتبة الحياة بيروت، فمن رام الاستقصاء فليراجع الكتاب المذكور.

فيما اختص الله أهل بيت نبيه

أمّا ما ذكره الشيخ فيما اختصّ به أهل بيت النبوة، فقد قال في الكتاب المذكور[ص 46] عن كتابه جلاء الأفهام [ص 210] فبدأ منذ إبراهيم الخليل إلي محمّد خاتم النبيّين وذرّيّته. و إليك لفظه:

ولمّا كان هذا البيت المبارك المطهّر أشرف بيوت العالم علي الإطلاق، خصّهم اللّه سبحانه وتعالي بخصائص:

منها: أنّه تعالي جعل فيه النبوّة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم إلاّ من أهل بيته.

ومنها: أنّه سبحانه وتعالي جعلهم أئمّة يهدون بأمره إلي يوم القيامة، فكلّ من دخل الجنّة من أولياء اللّه بعدهم، فإنّما دخل من طريقهم وبدعوتهم.

ومنها: أنّه سبحانه اتّخذ إبراهيم خليلا، وقال النبيّ (صلي الله عليه وآله): إنّ اللّه اتّخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، وهذا من خواصّ هذا البيت.

ومنها: أنّه سبحانه وتعالي جعل صاحب هذا البيت إماماً للعالمين، كما قال تعالي: (وإذ ابْتَلي إبْراهيمَ رَبّهُ بِكَلِمات فَأتَمّهُنَّ قالَ إنّي جاعِلُكَ لِلنّاسَ إماماً)الآية [البقرة: 124].

ومنها: أنّه أجري علي يديه بناء بيته الّذي جعله قياماً للنّاس، وحجّاً لهم، فكان ظهور هذا البيت من أهل هذا البيت الأكرمين.

ومنها: أنّه أمر عباده أن يصلّوا علي أهل هذا البيت، كما صلّي علي أهل بيتهم وسلفهم وهم إبراهيم وآله، وهذه خاصيّة لهم.

ومنها: أنّه تعالي أخرج منهم الاُمّتين العظيمتين اللتين لم تخرجا من بيت غيرهم، وهم اُمّة موسي واُمّة محمّد، تمام سبعين اُمّة وهم خيرها وأكرمها علي اللّه.

ومنها: أنّ اللّه سبحانه وتعالي أبقي عليهم لسان صدق وثناءً حسناً في العالم، فلا يذكرون إلاّ بالثناء عليهم والصلاة والسلام عليهم، قال اللّه تعالي: (وَتَرَكْنا

عَلَيْه في الآخِرينَ - سَلامٌ عَلي إبْراهيمَ - كَذلِكَ نَجْزي المُحْسِنين)[الصافات: 108 110].

ومنها: أنّه تعالي جعل أهل هذا البيت فرقاناً بين النّاس، فالسعداء أتباعهم، والنار لأعدائهم ومخالفيهم.

ومنها: أنّه سبحانه وتعالي جعل ذكرهم مقروناً بذكره، فيقال: إبراهيم خليل اللّه ورسوله ونبيّه، ومحمّد رسول اللّه وحبيبه ونبيّه، وموسي كليم اللّه ورسوله، قال اللّه تعالي يذكره بنعمته: (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَك) [الشرح: 4] قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: إذا ذكرتُ ذكرتَ معي، فيقال: لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه في كلمة الإسلام، وفي الأذان، وفي الخطب، وفي التشهد وغير ذلك.

ومنها: أنّه سبحانه وتعالي جعل خلاص خلقه من شقاء الدنيا والآخرة علي أيدي هذا البيت، فلهم علي النّاس من النعم مالا يمكن إحصاؤه ولا جزاؤها، ولهم المنن الجسام في رقاب الأوّلين والآخرين من أهل السعادة، والأيدي العظام عندهم التي يجازيهم اللّه عزّ وجلّ عليها.

ومنها: أنّ كلّ نفع وعمل صالح وطاعة للّه في العالم، فلهم من الأجر مثل اُجور عامليها، فسبحان من يختصّ بفضله من يشاء من عباده.

منها: أنّه سبحانه وتعالي سدّ جميع الطرق بينه وبين العالمين، وأغلق دونهم الأبواب، فلم يفتح لأحد قطّ إلاّ من طريقهم وبابهم، قال تعالي: وعزّتي وجلالي لو أتوني من كلّ طريق واستفتحوا من كلّ باب لما فتحت لهم حتّي يدخلوا خلفك.

ومنها: أنّه سبحانه وتعالي خصّهم من العلم بما لم يخصّ به أهل بيت سواهم من العالمين، فلم يطرق العالم أهل بيت أعلم باللّه وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله وثوابه وعقابه وشرعه ومواقع رضاه وملائكته ومخلوقاته منهم، فسبحان من جمع لهم علم الأوّلين والآخرين.

ومنها: أنّه سبحانه وتعالي خصّهم من توحيده ومحبّته وقربه، والاختصاص به مالم يخصّ به أهل بيت سواهم.

منها: أنّه سبحانه وتعالي مكّن لهم

في الأرض واستخلفهم فيها وأطاع لهم أهل الأرض ما لم يحصل لغيرهم.

ومنها: أنّه سبحانه وتعالي محا بهم من آثار الضلال والشرك، ومن الآثار التي يبغضها ويمقتها مالم يمحه بسواهم.

ومنها: أنّه سبحانه وتعالي جعل آثارهم في الأرض سبباً لبقاء العالم وحفظه، فلا يزال العالم باقياً ما بقيت آثارهم، فإذا ذهبت آثارهم من الأرض، فهذا أوّل خراب العالم، قال اللّه تعالي: (جَعْلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرام قِياماً لِلنّاس ِ وَالشّهْرَ الْحَرام وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِد) [المائدة: 97] قال ابن عبّاس في تفسيرها: ولو ترك الناس الحج لوقعت السماء علي الأرض.

وأخبر النبيّ (صلي الله عليه وآله)أنّ في آخر الزمان يرفع اللّه بيته من الأرض، وكلامه من المصاحف وصدور الرجال، فلا يبقي في الأرض بيت يحجّ ولا كلام يتلي. فحينئذ يقرب خراب الأرض.

وهكذا الناس اليوم إنّما قيامهم بقيام آثار نبيّهم وشرائعه بينهم، وقيام أمورهم وحصول مصالحهم واندفاع أنواع البلاء والشرّ عنهم، بحسب ظهورها بينهم وقيامها، وهلكهم وعنتهم وحلول البلاء والشرّ بهم عند تعطلها، والإعراض عنها، والتحاكم إلي غيرها، واتّخاذ سواها.

ومن تأمّل تسليط اللّه علي البلاد والعباد من الأعداء، علم أنّ ذلك بسبب تعطيلهم لدين نبيّهم وسنّته وشرائعه، فسلّط اللّه عليهم من أهلكهم وانتقم منهم، وحتّي أنّ البلاد التي لا آثار للنبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)وسنّته وشرائعه فيها ظهور دفع عنها بحسب ظهور ذلك بينهم.

وهذه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثار رحمة اللّه وبركاته علي أهل هذا البيت، فلهذا أمرنا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)أن نطلب له من اللّه أن يبارك عليه وعلي آله، كما بارك علي هذا البيت العظيم، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.

ومن بركات أهل هذا البيت أنّه سبحانه وتعالي أظهر علي أيديهم من بركات الدنيا والآخرة، ما لم

يظهره علي أيدي أهل بيت غيرهم. الي أن قال الشيخ أخيراً: وحقّ لأهل هذا البيت هذه بعض فضائلهم وخصائصهم.

سيدي العارف بالله الحبيب الشيخ ابن عبدالله العيدروس

قال في كتابه العقد النبوي علي ما في رشفة الصادي [ص 59 ط القاهرة]وإحقاق الحق [9: 673]: واعلم أنّ حبّهم يبلغ صاحبه عند اللّه الدرجة العالية، والقربي من رسول اللّه. وحبّ رسول اللّه دليل علي محبّة اللّه وطاعته، كما قال عزّ وجلّ: (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَودّة في القُربي) [الشوري: 32] الي آخر كلامه.

الحبيب علوي بن طاهر الحداد

قال رحمه اللّه في كتابه القول الفصل [2: 38 ط جاوا]: فمحبّة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)ومحبّة أهل بيته متلازمة، ومن أحبّهم أحبّ ذرّيّتهم وذوي قرباهم لا محالة؛ لأنّ من أحبّهم إنّما أحبّهم بحبّه لسلفهم، ومن أبغضهم فإنّما أبغضهم لبغضه لسلفهم.

وقال في [1: 442]: فعلي السعيد بحبّهم، والمغتبط بودّهم وقربهم، والمتشوّق الي الإطلاع علي مالهم من المناقب، وما خُصّوا به من الخصائص والمواهب، أن يرجع إلي ما كتبه الأئمّة في ذلك، فقد صنّفوا وألّفوا في ذلك الدواوين النافعة، والمؤلّفات الجامعة. وممّن ألّف في ذلك:

1 الامام الحافظ الناقد الحجّة عبدالرحمن بن أبي حاتم، صاحب التأليف في علم الجرح والتعديل، المتوفّي سنة [327].

2 الحافظ الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، المتوفّي سنة [385]له كتاب ثناء الصحابة علي القرابة.

3 الحافظ الجليل الإمام أبو بشر محمّد بن أحمد بن حمّاد الأنصاري، المعروف بالدولابي، المتوفّي سنة [310] له كتاب الذرّيّة الطاهرة.

4 الحافظ الإمام أبو محمّد الحسن بن أحمد بن صالح الهمداني السبيعي الحلبي، المتوفّي سنة [371] له كتاب التبصرة بفضائل العترة الطاهرة.

5 الحافظ أبو عبداللّه محمد بن أبي المظفّر يوسف الزرندي له كتاب نظم درر السمطين في ذرّيّة السبطين، وكتاب معراج الوصول إلي معرفة فضائل آل الرسول.

6 حافظ الحنابلة عبدالعزيز بن محمّد بن مبارك الجنابذي البغدادي، له كتاب معالم العترة النبويّة ومعارف

أهل البيت الفاطميّة.

7 المحدّث الكبير أبو عبداللّه الحسين بن محمّد بن خسرو البلخي الحنفي، مؤلّف مسند الإمام أبي حنيفه، له كتاب مناقب أهل البيت.

8 الحافظ أبو جعفر أحمد المعروف بالمحبّ الطبري، له كتاب ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي.

9 الشريف العلاّمة الفقيه المحدّث علي بن عبداللّه السمهودي المدني، له كتاب جواهر العقدين في فضل الشرفين.

10 الحافظ أبو عبداللّه ابن الأبار، له كتاب درر السمط في خبر السبط.

11 الحافظ السيوطي، له كتاب إحياء الميت بفضائل أهل البيت.

12 العلاّمة الشيخ أحمد باكثير الحضرمي، له كتاب وسيلة المآل في عدد مناقب الآل.

13 العارف باللّه فريد عصره السيّد الحبيب عبدالرحمن بن مصطفي العيدروس، له كتاب عقد اللآل في فضائل الآل، وكتاب عقد الجواهر في فضائل أهل البيت الطاهر.

14 العلاّمة السيّد أحمد بن علوي جمل الليل العلوي، له كتاب الذخيرة.

15 العلاّمة الشيخ حسن العدوي الحمزاوي، له كتب كثيرة من مؤلّفاته، منها: مشارق الأنوار.

16 العلاّمة الشيخ الصبان، له كتاب إسعاف الراغبين في سيرة المصطفي وفضائل أهل بيته الطاهرين.

17 الشيخ عبداللّه بن محمّد الشبراوي المصري، له كتاب الإتحاف بحبّ الأشراف.

18 الحافظ الشيخ محمّد بن علي الشوكاني، له كتاب وبل الغمام ودرر السحابة في مناقب القرابة والصحابة.

19 السيّد العلاّمة المحقّق العارف باللّه عبداللّه بن عمر بن يحيي العلوي، له رسالة جامعة في فضائل أهل البيت.

20 حافظ العصر العلاّمة حسن الزمان بن محمّد قاسم ذو الفقار الهندي، له كتاب القول المستحسن في فخر الحسن، وكتاب الفقه الأكبر، فيهما مناقب أهل البيت كثير.

21 العلاّمة عالم العصر الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني، له كتاب الشرف المؤبّد.

22 العلاّمة المحقّق المتفنن الشريف الأصيل السيّد أبو بكر بن شهاب الدين، له كتاب رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي

الهادي.

23 الامام أحمد بن حنبل، له كتاب مناقب علي.

24 الإمام الحافظ النسائي، له كتاب خصائص علي.

25 الحافظ ابن جرير الطبري، له كتاب ينابيع الموالاة في طرق حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، في مجلّدين. وكتاب طرق حديث الطير، في مجلد.

26 الحافظ الحجّة أحمد بن سعيد بن عقدة، له كتاب الموالاة في حديث من كنت مولاه.

27 المحدث محمّد بن محمّد الجزري الشافعي، له كتاب أسني المطالب في مناقب المولي علي بن أبي طالب.

وقد صنف في ذلك جماعة غيرهم من أعلام الأئمّة من الحفّاظ والمحدّثين، كالحافظ ابن مردويه، وأبي عبداللّه الحاكم، وأبي طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان الخراساني، والحافظ أبي مسعود السجستاني.

حتي قال الحبيب علوي بن طاهر الحداد أخيراً: وبالجملة فإنّ مناقب أهل البيت الطاهر، ومالهم من الفضائل والمفاخر، قد ملئت بها الأسفار، وسارت سير المثل في الأقطار، وبلغت مبلغ الليل والنهار. إلي آخر ما قال (رضي الله عنه).

راجع: إحقاق الحقّ [9: 671 678].

الابيات المنظومة في مدح أهل بيت النبوة

اشاره

وأمّا ما ورد في كتب القوم من الأبيات المنظومة في مدح أهل البيت فكثيرة، منهم:

الامام الشافعي

قالوا ترفّضت قلت كلاّ

ما الرّفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت بغير شك

خير أمام وخير هادي

إن كان حبّ الولي رفضاً

فإنني أرفض العباد

فقد روي ذلك عنه في كتاب ينابيع المودة [ص 275 ط. إسلامبول] وفي الروض الأزهر [ص 369 ط. حيدر آباد] وفي رشفة الصادي [ص 97 ط. مصر] غير أنّه ذكر البيت الثالث بلفظ «الوصي» في محل الولي. وذكر أيضاً هذه المنظومة في كتاب نظم درر السمطين.

وله أيضاً، فما نقله العلاّمة الملاّ علي القاري الهروي في كتابه جمع الوسائل [1: 208 ط. مصر]:

إن كان رفضاً حبّ آل محمد

فليشهد الثقلان أنّي رافضي

وله أيضاً، فما روي عنه في كتاب الروض الأزهر [ص 369 ط حيدر آباد]وفي كتاب نظم درر السمطين:

إذا نحن فضّلنا عليّاً فإنّنا

روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل

وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته

رميت بنصب عند ذكري للفضل

فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما

بحبّهما حتّي اُوسّد في الرمل

وله أيضاً:

آل النبي ذريعتي

وهم إليه وسيلتي

أرجو بهم اُعطي غداً

بيدي اليمين صحيفتي

وله أيضاً، فيما رواه العلامة القندوزي في كتابه ينابيع المودّة [ص 275 ط اسلامبول] حيث قال: قد نقل البيهقي عن الربيع بن سليمان أحد أصحاب الإمام الشافعي، قال: قيل للشافعي: إن اُناساً لا يصبرون علي سماع منقبة أو فضيلة لأهل البيت، فإذا رأوا أحداً منّا يذكرها يقولون: هذا رافضيّ، ويشتغلون بكلام آخر، فأنشأ الإمام الشافعي يقول:

إذا في مجلس ذكروا عليّاً

وسبطيه وفاطمة الزكيّة

فأجري بعضهم ذكري سواهم

فأيقن أنّه لسلقلقية

إذا ذكروا عليّاً أو بنيه

تشاغل بالروايات العليّة

وقال تجاوزوا يا قوم هذا

فهذا من حديث الرافضيّة

برئت إلي المهيمن من اُناس

يرون الرفض حبّ الفاطميّة

علي آل الرسول صلاة ربّي

ولعنته لتلك الجاهليّة

وروي تلك الأبيات أيضاً العلامة الحبيب أبو

بكر بن شهاب الدين في كتابه رشفة الصادي[ص 98 ط. القاهرة] والشيخ حسن المصري في كتابه الأشراف [ص 24 ط. مصر].

وله أيضاً علي ما ذكره الفخر الرازي في كتابه مناقب الشافعي [ص 51]والاستاذ أسد حيدر في كتابه الامام الصادق والمذاهب الأربعة [1: 286 ط. الثانية]:

أنا الشيعيّ في ديني وأصلي

بمكّة ثمّ داري عسقليّة

بأطيب مولد وأعزّ فخر

وأحسن مذهب يسمو البريّة

وله أيضاً فيما روي الحبيب أبو بكر بن شهاب الدين في كتابه رشفة الصادي [ص 59] حيث قال: وقد جعل الإمام الأعظم روّح اللّه روحه، حبّ أهل البيت رضوان اللّه عليهم موازياً ومعادلاً لمحلّ التوحيد والشريعة في القلب، الذي هو موضع نظر ربّه، حيث قال:

لو شقّ قلبي لبدا وسطه

سطران قد خطّا بلا كاتب

الشرع والتوحيد في جانب

وحبّ أهل البيت في جانب

وله أيضاً فيما رواه القندوزي في كتابه ينابيع المودّة [ص 357 ط. إسلامبول]حيث قال: قال الحافظ أبو عبداللّه جمال الدين محمّد بن أبي المظفّر يوسف الزرندي في كتابه «معراج الوصول في معرفة آل الرسول»: قال الإمام الشافعي:

يا أهل بيت رسول اللّه حبّكم

فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

وذكر البيتان في القول البديع بواسطة المجد الشيرازي، وفي كتاب مشارق الأنوار [ص 111 ط. مصر] وفي مفتاح النجا [ص 12 مخطوط] وفي الشرف المؤبّد، ورشفة الصادي، حيث قال المؤلف رحمه اللّه:

وانظر كيف كانت منازل محبّيهم عند اللّه تعالي، وعند جدّهم الأكبر محمّد صلوات اللّه عليه وعليهم، ولا جرم أنّ كلّ مؤمن يؤمن باللّه وبرسوله واليوم الآخر يكون ممتلئ القلب بحبّهم ومودّتهم، لا سيّما إذا بلغه في ذلك من الآيات والأحاديث، ومن لم يكن بهذه الصفة فليتّهم نفسه في إيمانه، وقد اقتضت الأحاديث

المذكورة في هذا الباب محبّة أهل البيت الطاهر وتحريم بغضهم، وقد صرّح بذلك الإمام الأعظم محمّد بن إدريس الشافعي.

الامام أبو حنيفة

قال العلاّمة البدخشي في كتابه مفتاح النجا [ص 12 مخطوط]: وكان الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي رحمه الله، يعظّم أهل البيت كثيراً، ويتقرّب بالإنفاق علي المستترين منهم والظاهرين، وهذه الأبيات منسوبة إليه:

حبّ اليهود لآل موسي ظاهر

وولاؤهم لبني أخيه باد

وكذا النصاري يكرمون محبّةً

لمسيحهم نجراً من الأعواد

فمتي يوالي آل أحمد مسلم

قتلوه أو سمّوه بالإلحاد

لم يحفظوا حقّ النبيّ محمد

في آله واللّه بالمرصاد

وذكر هذه الأبيات أيضاً العلاّمة العارف المولوي السيّد شاه تقي علي الكاظمي العلوي الهندي الحنفي الشهير «بقلندر» المتوفي سنة [1290] في كتابه الروض الأزهر [ص 359 ط. حيدر آباد].

ابو تمام

قال رحمه اللّه فيما نقله الحبيب علوي بن طاهر الحداد في كتابه القول الفصل [1: 93 ط. جاوا]:

بجدّكم نالوا علاها فأصبحوا

يرون بها فخراً عليكم ومظهرا

وقال:

ومن الحزامة أن تكون حزامة

أن لا تؤخّر من به تتقدّم

منصور الفقيه

قال رحمه اللّه كما ذكره العلاّمة الشيخ سلمان القندوزي في كتابه ينابيع المودّة [ص 4 ط اسلامبول] نقلاً عن الثعلبي في تفسيره، عقيب ذكر حديث الخمسة أهل الكساء:

إن كان حبّي خمسةً

زكت به فرائضي

وبغض من عاداهم

رفضاً فإنّي رافضي

ابن هرمة

قال رحمه اللّه فيما نقله العلاّمة أبو إسماعيل بن القاسم القالي البغداديّ، المتوفّي سنة [356] في كتابه ذيل الأمالي والنوادر [ص 174] حيث قال كما في احقاق الحق [9: 690]: وحدّثنا أبو بكر بن أبي الأزهر، قال: حدّثنا الزبير، قال: أخبرنا ابن ميمون، عن ابن مالك، قال: قال ابن هرمة:

مهما اُلام علي حبّهم

فإنّي اُحبّ بني فاطمة

بني بنت من جاء بالمحكماتِ

والدين والسّنن القائمة

فسأله رجل لمّا قال ذلك بقوله: من قائلها؟ فقال: من عضّ ببظر اُمّه، فقال له ابنه: يا أبت ألست قائلها؟ قال: بلي، قال ابنه: فلم تشتم نفسك؟ قال: أليس الرجل يعضّ بظر اُمّه خيراً له من أن يأخذه ابن قحطبة.

السيد محمد أبو الهدي الصيادي الرفاعي

حبّ آل النبي حبل نجاة

وطريق إلي النّبي الكريم

وسبيل الي الوصول إلي اللّه

وباب لكلّ خير عظيم

وله أيضاً:

حبّ آل النبيّ باب الترقي

وسبيل العلا وحرز الأمان

فضلهم والثنا عليهم أتانا

ضمن آي بمحكم القرآن

الزمخشري

قال رحمه اللّه كما ذكره العلاّمة السيّد القاضي نور اللّه الحسيني المرعشي التستري في كتابه إحقاق الحقَّ [2: 157] نقلاً عن الريحانة [2: 127] وقال: إنّ هذا الشعر للزمخشري عن ترجمته المذكورة في آخر الجزء الثاني من كشافه:

كثر الشكّ والخلاف فكلّ

يدّعي الفوز بالصراط السويّ

فاعتصامي بلا إله سواه

ثمّ حبّي لأحمد وعليّ

فاز كلب بحبّ أصحاب كهف

كيف أشقي بحبّ آل نبيّ

الحبيب عبدالله بن علوي الحداد

قال (رضي الله عنه)فيما نقله العلاّمة الحبيب أبو بكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي [ص 50 ط. مصر]:

وآل رسول اللّه بيت مطهّر

محبّتهم مفروضة كالمودّة

هم الحاملون السرّ بعد نبيّهم

وورّاثه أكرم بها من وراثة

ابن عربي

قال فيما ذكره الأميني في غديره، عن الصواعق المحرقة [ص 101] لابن حجر الهيثمي:

رأيت ولائي آل طه فريضةً

علي رغم أهل البعد يورثني القربا

فما سأل المختار أجراً علي الهدي

بتبليغه إلاّ المودّة في القربي

الشهاب البكري

قال رحمه اللّه محرضاً علي التمسّك بجناب آل بيت الرسول، ومحبّة النبيّ وآله الكرام وأصحابه العظام:

حبّ النبي وآله

والصحب فرضٌ لازم

فتمسّكَنْ بجنابهم

يا أيُّهذا الخادم

فتكون في الدنيا وفي

دار البقاء الغانم

فلك الهنا ولك المني

ولك النعيم الدائم

نقله الحبيب أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصادي [ص 49 ط. مصر] حيث قال: قال المجد البغوي في تفسيره: إنّ مودّة النبيّ (صلي الله عليه وآله)ومودّة أقاربه من فرائض الدين. وذكر نحوه الثعلبي، وجزم به البيهقي.

قال القرطبي: والأحاديث تقتضي بوجوب احترام آله (صلي الله عليه وآله)، وتوقيرهم ومحبّتهم وجوب الفروض التي لا عذر لها لأحد منها. ويوافقه ما جاء عن الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، ثمّ ذكر الأبيات السابقة المنسوبة اليه.

ابوالحسن بن سعيد

قال رحمه اللّه فيما نقله العلاّمة القندوزي في كتابه ينابيع المودّة [ص 357 ط. إسلامبول]:

يا أهل بيت المصطفي عجباً لمن

يأبي حديثكم من الأقوام

واللّه قد أثني عليكم قبلها

وبهَديكم شُدّت عُري الإسلام

اللّه يحشر كلّ مَن عاداكم

يوم الحساب مزلزل الأقدام

ويري شفاعة جدّكم من دونه

ويُذادُ عن حوض طريداً ظامي

وقال بعضهم فيما نقله العلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة [ص 11 ط. الغري]:

هم القوم من أصفاهم الودّ مخلصاً

تمسك في اُخراه بالسّبب الأقوي

هم القومُ فاقوا العالمين مناقباً

محاسنُها تُجلي وآياتها تُروي

موالاتهم فرضٌ وحبّهم هدي

وطاعتهم ودٌّ وودُّهم التقوي

وقال بعضهم فيما نقله العلاّمة الحبيب أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصاديّ [ص 25 ط مصر]. والأميني في كتابه الغدير [2: 301] غير أنّه أثبت أنّ هذه الأبيات منسوبة إلي الإمام الشافعي:

ولمّا رأيتُ الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل

ركبت علي اسم اللّه في سفن النّجا

وهم أهل بيت المصطفي خاتم الرسل

وأمسكت حبل اللّه وهو ولاؤهم

كما قد أمرنا بالتمسّك بالحبل

وقال بعضهم فيما

نقله العلاّمة عثمان مدوخ بن السيّد محمّد مدوخ الحسيني في كتابه العدل الشاهد [ص 22 ط القاهرة] كما في كتاب إحقاق الحقّ وازهاق الباطل لنور اللّه الحسيني [9: 700]:

لي خمسة أنجو بها من شرّ نار الحاطمة

المصطفي والمرتضي وابنيهما والفاطمة

ابن عريف

قال رحمه اللّه فيما نقله النبهاني في كتابه سعادة الدارين [ص 110 ط الغري]:

وإذا ابتغيت وسيلة

ومدحته ومدحت آله

فاقطع بأنّك آمن

يوم القيامة لا محاله

ابن خريم

نقل النبهاني في كتابه سعادة الدارين [ص 539 ط. بيروت] بعض ما قاله (رحمه الله):

أأجعلكم وأقواماً سواءً

وبينكم وبينهم الهواء

وهم أرضٌ لأرجلكم وأنتم

لأرؤسهم وأعينهم سماء

وقال بعضهم فيما نقله الحبيب أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصاديّ [ص 58 ط. القاهرة]:

وإذا صحّ أنّهم بضعة

فقل لي يا ذا الحجاء الرجاح

أيدخل بعض النبيّ الجحيم

لعمري هذا محالٌ مطاح

ومن هاهنا قال كم جهبذٌ

من القادة الغرّ شمّ المراح

من المستحيلات كفر الشريف

سلالة أفصح كلّ الفصاح

عليه الصلاة معاً والسّلام

وما قاله فالصواب الصراح

إذ الكفر لا يغفر اللّه منه

ولو كان ما كان فهو المطاح

وقد ثبت العفو عن ذنبهم

فكفرهم مستحيل طياح

وهذا بحكم القيامة لا

بحكم ذه الدار دار الطماح

لهذا عليهم أقمنا الحدود

بوفق الشريعة دون انقماح

وما ذاك من قدرهم واضعاً

فقدرهم فوق هام الضراح

وقال بعضهم فيما نقله ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة [ص 11 ط الغري] وكذا الأميني في غديره [2: 310]:

هم العروة الوثقي لمعتصم بهم

مناقبهم جاءت بوحي وانزال

مناقب في الشوري وسورة هل أتي

وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

وهم أهل بيت المصطفي فودادهم

علي النّاس مفروضٌ بحكم وإسجال

ابوالحسن بن جبير

قال رحمه اللّه فيما ذكره الشبلنجي في كتابه نور الابصار [ص 13] والأميني في غديره [2: 311]

اُحبّ النبي المصطفي وابن عمّه

عليّاً وسبطيه وفاطمة الزهرا

هم أهل بيت اُذهب الرجسُ عنهم

وأطلعهم اُفق الهدي أنجماً زهرا

موالاتهم فرض علي كلّ مسلم

وحبّهم أسني الذخائر للاُخري

وما أنا للصّحب الكرام بمُبغض

فإنّي أري البغضاء في حقّهم كفرا

راجع: إحقاق الحقّ [9: 685 700].

العجلوني

قال رحمه اللّه في كتابه كشف الخفاء [1: 19] كما نقله الأميني في غديره [3: 173]:

لقد حاز آل المصطفي أشرف الفخر

بنسبتهم للطاهر الطيّب الذكر

فحبّهم فرضٌ علي كلّ مؤمن

أشار إليه اللّه في محكم الذكر

ومن يدّعي من غيرهم نسبة له

فذلك ملعون أتي أقبح الوزر

وقد خصّ منهم نسلُ زاهراءالأشرف

بأطراف تيجان من السندس الخضر

ويُغنيهم عن لبس ما خصّهم به

وجوهٌ لهم أبهي من الشمس والبدر

الشيخ أحمد بن الحاج رشيد مندو

هم حجج الباري وأعلام دينه

وأطواده في العاملين الرواسب

ومن بالمعالي الغُرّ والفضل والابا

لهم شهدت أعداؤهم والأجانب

ومن شيّدوها بالصوارم والقنا

وغيرهم تحت العُجاجة هاربُ

ومن طُهّروا من كلّ رجس وجرّبوا

وهم آله الغرّ الكرام الأطائب

أجلّ الوري أصلاً وعلماً وسؤدداً

ومن في سماء الجوّ سحبٌ سواكب

ومن هو أولي منهم وهم الاُولي

تُشدّ لهم في العالمين الركائب

إذا ما بدا فخرٌ لهم غيره اختفي

كما يختفي فجرٌ من الشمس كاذب

وهم أبحر المعروف والجود والندي

وفي الكون منها تستمدّ السحائب

وهم في الوغي أردوا غريمة مرحب

وقامت علي عمرو بسرع نوادب

بيوتهم للوحي مأوي ومهبطٌ

وضيفٌ لهم جبريل فيه وصاحب

يزاحمهم تحت الكسا وبه علت

له فوق أملاك السماء مراتب

وهم فلك نوح للنجاة من الردي

ومن حاد عنها فهو لا شكّ شاجب

وهم وكتاب اللّه شقّا يراعة

بغيرهما لا يُحسن الخطّ كاتب

وهم كالنجوم الزهر في أفق السما

أمان لأهل الأرض إن جاء حاصب

ومن شهدت بالفضل أعداؤهم لهم

وأثنت عليهم شرقها والمغارب

وهم صفوة الباري وخزّان علمه

وفيهم علت قدراً نزارٌ وغالب

هداةٌ كرامٌ أولياء أئمّةٌ

بها ليل ابدال بدور ثواقب

لهم في سجل الدين والمجد والعلا

مناقب لا تحصي وفيها غرائب

أبت أن يحيط الواصفون ببعضها

ولو أنّ كلّ الكون محص وحاسب

بها صدع الباري وأحمد لا بها

تشدّق وضّاعٌ مضلّ وناصب

أبوهم أمير المؤمنين وحسبهم

به كشفت عن وجه طه الشطائب

سري علمه في الناس شرقاً ومغرباً

ومنه استنارت عجمها والأعارب

فيا ليت شعري كيف قدّم غيرهم

عليهم وهم بين العباد الأطائب

وهم عترة الهادي

الرسول وآله

ومن نزل القرآن فيهم يخاطب

ينادي اُولو الأرحام أولي ببعضهم

فأولي بميراث النبيّ الأقارب

فيا عادلاً فيهم سواهم جهالة

علي عالم حبر وكان يناسب

وتحكم آساد العرين ضباعها

وتسكن غابات الاُسود الثعالب

وهل يستوي من يعلمون وغيرهم

بها لذوي الانصاف تجلي المطالب

هم العروة الوثقي وهم أنجم الهدي

بهم تهتدي في الحالكات المواكب

وفي الدين يبقي مذهب الحق نيّراً

ولو فاقت السبعين فيه المذاهب

وهم آل إبراهيم في النّاس من دبت

عليهم قلوب الحاسدين العقارب

ولا عجب من أن يحسدوا فمقامهم

علت فوق هام النجم منه الجوانب

إله السماء قدماً له اختارهم فلا

يساويهم فيه حسودٌ وغاصب

وعندهم ثارات بدر وغيرها

وهم غير أرباب الهوي لم يحاربوا

ولولا جهاد الآل في كلّ موقف

يخادع من قد جاده ويداعب

لذلك لا أهوي مديح سواهم

لئلاّ يقول الشعر انّك كاذب

اتّخذت ولاهم في الحياة فريضةً

وودّهم فرضٌ علي النّاس لازب

وطه وليّ للموالي لأهله

وخصمٌ لمن عاداهم ومحارب

وإنّي علي طول الزمان وليّهم

وإنّي لمن قد جانبوه مجانب

وإن كان رفضاً حبّهم وولاؤهم

فإنّي بهذا رافضيٌّ مشاغب

عليهم سلام اللّه ما دام نورهم

به عن طريق الدين تُجلي الغياهب

الحافظ البرسي

رضي الدين رجب بن محمّد بن رجب الحلّي

ولائي لآل المصطفي وبنيهم

وعترتهم أزكي الوري وذويهم

بهم سمة من جدّهم وأبيهم

هم القوم أنوار النبوّة فيهم

تلوح وأنوار الإمامة تلمع

نجوم سماء المجد أقمار تمّه

معالم دين اللّه أطواد حلمه

منازل ذكر اللّه حكّام حكمه

مهابط وحي اللّه خزّان علمه

وعندهم سرّ المهيمن مودع

مديحهم في محكم الذّكر محكم

وعندهم ما قد تلقّاه آدم

فدع حكم باقي النّاس فهو تحكم

إذا جلسوا للحكم فالكلّ أبكم

وإن نطقوا فالدهر أذنٌ ومسمع

بحبّهم طاعاتا تتقبّل

بفضلهم جاء الكتاب المنزّل

يعمّ شذاهم كلّ أرض ويشمل

وإن ذكروا فالكون ندّ ومندل

لهم أرجٌ من طيبهم يتضوّع

دعابهم موسي ففرّج كربه

وكلّمه من جانب الطور ربّه

إذا حاولوا أمراً تسهّل صعبه

وإن برزوا فالدّهر يخفق قلبه

لسطوتهم والاُسد في الغاب تفزع

فلولاهم ما سار فلكٌ ولا جري

ولا ذرأ اللّه الأنام ولا بري

كرامٌ

متي ما زرتهم عجّلوا القري

وإن ذكر المعروف والجود في الوري

فبحر نداهم زاخرٌ يتدفّع

أبوهم أخو المختار طه ونفسه

وهم فرع دوح في الجلالة غرسه

واُمّهم الزهراء فاطمُ عرسه

أبوهم سماء المجد والاُمّ شمسه

نجومٌ لها برج الجلالة مطلع

لهم نسبٌ أضحي بأحمد معرقا

رقي منه للعلياء أبعد مرتقي

وزادهم من رونق القدس رونقا

فيا نسباً كالشمس أبيض مشرقا

ويا شرفاً من هامة النجم أرفع

كرامٌ نماهم طاهرٌ متطهّر

وبثّ بهم من أحمد الطّهر عنصر

واُمّهم الزهراء والأب حيدر

فمن مثلهم في النّاس ان عدّ مفخر

أعد نظراً يا صاح إن كنت تسمع

عليٌ أمير المؤمنين أميرهم

وشبّرهم أصل التّقي وشُبيرهم

بهاليل صوّامون فاح عبيرهم

ميامين قوّامون عزّ نظيرهم

هداةٌ ولاةٌ للرسالة منبع

مناجيب ظلّ اللّه في الأرض ظلّهم

وهم معدنٌ للعلم والفضل كلّهم

وفضلهم أحيا البرايا وبذلهم

فلا فضل إلاّ حين يذكر فضلهم

ولا علم إلاّ علمهم حين يرفع

إليهم يفرّ الخاطئون بذنبهم

وهم شفعاء المذنبين لربّهم

ولا طاعة ترضي لغير محبّهم

ولا عمل ينجي غداً غير حبّهم

إذا قام يوم البعث للخلق مجمع

حلفت بمن قد أمّ مكة وافدا

لقد خاب من قد كان للآل جاحدا

ولو أنّه قد قطع العمر ساجدا

ولو أنّ عبداً جاء للّه عابدا

بغير وِلا أهل العبا ليس ينفع

بني أحمد ما لي سواكم أري غدا

إذا جئت في قيد الذنوب مقيّدا

اُناديكم يا خير من سمع النّدا

أيا عترة المختار يا راية الهدي

إليكم غداً في موقفي أتطلّع

فو اللّه لا أخشي من النار في غد

وأنتم ولاة الأمر يا آل أحمد

وها أنا قد أدعوكم رافعاً يدي

خذوا بيدي يا آل بيت محمّد

فمن غيركم يوم القيامة يشفع

وله أيضاً:

يا آل طه أنتم أملي

وعليكم في البعث متّكلي

إن ضاق بي ذنب فبحبكم

يوم الحساب هناك يوسّع لي

بولائكم وبطيب مدحكم

أرجو الرضا والعفو عن زللي

رجب المحدّث عبد عبدكم

والحافظ البرسيّ لم يزل

لا يخشي في الحشر حرّ لظي

إذ سيّداه محمّدٌ وعلي

سيثقّلان وزان صالحه

ويبيّضان صحيفة العمل

لم ينشعب فيكون منطلقاً

من ظلّه

للشعب ذي الظلل

وله أيضاً:

سرّكم لا تناله الفكر

وأمركم في الوري له خطر

مستصعبٌ فكّ رمزه خطر

ووصفكم لا يطيقه البشر

ومدحكم شرفت به السور

وجودكم للوجود علّته

ونوركم للظهور آيته

وأنتم للوجود قبلته

وحبّكم للمحبّ كعبته

يسعي بها طائفاً ويعتمر

لولاكم ما استدارت الاُكر

ولا استنارت شمسٌ ولا قمر

ولا تدلّي غصنٌ ولا ثمر

ولا تندّي ورقٌ ولا خضر

ولا سري بارقٌ ولا مطرُ

عندكم في الآيات مجمعنا

وأنتم في الحساب مفزعنا

وقولكم في الصراط مرجعنا

وحبّكم في النشور ينفعنا

به ذنوب المحبّ تغتفر

يا سادة قد زكت معارفهم

وطاب أصلاً وساد عارفهم

وخاف في بعثه مخالفهم

إن يختبر للوري صيارفهم

فأصلهم بالولاء يختبر

أنتم رجائي وحبّكم أملي

عليه يوم المعاد متّكلي

فكيف يخشي حرّ السعير ولي

وشافعاه محمّدٌ وعلي

أو يعتريه من شرّها الشرر

عبدكم الحافظ الفقير علي

أعتاب أبوابكم يروم فلا

تخيّبوه يا ساداتي أملا

وأقسموه يوم المعاد إلي

ظلّ ظليل نسيمه عطر

صلّي عليكم ربّ السماء كما

أصفاكم وأصطفاكم كرما

وزاد عبداً والاكم نعما

ما غرّد الطير في الغصون وما

ناح حمامٌ وأورق الشجر

راجع: الغدير [7: 45 49].

الناشيء الصغير أبو الحسن علي بن عبدالله بن الوصيف الناشيء الأصغر البغدادي

يا آل ياسين من يحبّكم

بغير شكّ لنفسه نصحا

أنتم رشادٌ من الضلال كما

كلّ فساد بحبّكم صلحا

وكلّ مستحسن لغيركم

إن قيس يوماً بفضلكم قبحا

ما محيت آية النهار لنا

وآية اللّيل ذو الجلال محا

وكيف تُمحي أنوار رشدكم

وأنتم في دجي اللّيل ضحي

أبوكم أحمد وصاحبه

الممنوح من علم ربّه منحا

ذاك علي الذي تفرّده

في يوم خمّ بفضله اتّضحا

وله أيضاً:

بآل محمّد عُرف الصواب

وفي أبياتهم نزل الكتاب

هم الكلمات والأسماء لاحت

لآدم حين عزّ له المتاب

وهم حجج الإله علي البرايا

بهم وبحكمهم لا يستراب

بقيّة ذي العلي وفروع أصل

بحسن بيانهم وضح الخطاب

وأنوارٌ هم في كلّ عصر

لإرشاد الوري فهم شهاب

ذراري أحمد وبنو عليّ

خليفته فهم لبٌّ لباب

محبّتهم صراطٌ مستقيمٌ

ولكن في مسالكه عقاب

لقد أشار الناشيء في البيت الثاني إلي ما ورد عن النبيّ (صلي الله عليه وآله)في قوله تعالي: (وَتَلّقي آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِمات فَتَابَ عَلَيْهِ) [البقرة: 37] كما أخرجه الديلمي

في الفردوس، ورواه السيوطي في الدرّ المنثور [1: 60] بإسناده عن علي، قال: سألت النبيّ (صلي الله عليه وآله)عن قول اللّه تعالي: (فَتَلّقي آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِمات فَتَابَ عَلَيْهِ)فقال (صلي الله عليه وآله): إنّ اللّه أهبط آدم بالهند، وحواء بجدّة.

إلي أن قال (صلي الله عليه وآله): حتّي بعث اللّه إليه جبريل، وقال: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم اُسجِد لك ملائكتي؟ ألم اُزوّجك حوّاء أمتي؟ قال: بلي، قال: فما هذا البكاء؟ قال: و ما يمنعني من البكاء؟ وقد اُخرجت من جوار الرحمن، قال: فعليك بهؤلاءِ الكلمات، فإنّ اللّه قابل توبتك وغافر ذنبك، فقال: اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، سبحانك لا إله إلاّ أنت، عملتُ سوءً وظلمت نفسي، فاغفر لي انّك أنت الغفور الرحيم. فهؤلاءِ الكلمات التي تلقّي آدم.

وأخرج ابن النجّار عن ابن عبّاس، قال: سألت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال (صلي الله عليه وآله): سأل بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ، فتاب عليه.

راجع: الدرّ المنثور [1: 60] وأخرجه ابن المغازلي في المناقب [ص 63]والقندوزي في ينابيع المودّة [ص 239].

وروي أبو الفتح محمّد بن علي النطنزي المولود سنة [480] في كتابه الخصائص كما ذكره الأميني في غديره [7: 301] عن ابن عبّاس أنّه قال: لمّا خلق اللّه آدم ونفخ فيه من روحه عطس، فقال: الحمد للّه، فقال له ربّه: يرحمك ربّك، فلمّا أسجَد له الملائكة، فقال: يا ربّ هل خلقت خلقاً هو أحبّ إليك منّي؟ قال: نعم، ولولاهم ما خلقتُك، قال: يا رب فأرنيهم، فأوحي اللّه إلي ملائكة الحجب: أن ارفعوا الحجب، فلّما رُفعت إذا

آدم بخمسة أشباح قدّام العرش، قال: يا ربّ من هؤلاء؟ قال: يا آدم هذا محمّد نبيي، وهذا علي أمير المؤمنين ابن عمّ نبيّي ووصيّه، وهذه فاطمة بنت نبيّي، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولدا نبيّي.

ثمّ قال: يا آدم هم ولدك، ففرح بذلك، فلّما اقترف الخطيئة، قال: يا ربّ أسألك بمحمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي، فغفر اللّه له، فهذا الّذي قال اللّه تعالي: (فَتَلقّي آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِمات) انّ الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه: اللّهمّ بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تُبت عليّ، فتاب اللّه عليه.

وروي نحواً منه شيخ الإسلام الحمويي في فرائد السمطين [1: 36]والخوارزمي في المناقب [ص 254] روي قريباً منه كلاهما عن أبي هريرة.

البشنوي أبو عبدالله الحسين بن داود الكردي

يا ناصبيّ بكلّ جهدك فاجهد

انّي علقت بحبّ آل محمّد

الطيّبين الطاهرين ذوي الهدي

طابوا وطاب وليّهم في المولد

واليتهم وبرئت من أعدائهم

فاقلل ملامك لا أباً لك أو زد

فهم أمان كالنجوم وانّهم

سفن النجاة من الحديث المسند

وله في الزهراء (عليها السلام)قوله:

وقف الندا في موضع عبرت

فيه البتول عيونكم غضّوا

فتغضّ والأبصار خاشعة

وعلي بنان الظالم العضّ

تسودّ يومئذ وجوههم

ووجوه أهل الحقّ تبيضّ

الصاحب بن عباد

حبّ علي بن أبي طالب

هو الذي يهدي إلي الجنّة

إن كان تفضيلي له بدعةً

فلعنة اللّه علي السنّة

العوني أبو محمد طلحة بن عبيد الله أبي العون الغساني

يا آل أحمد لولاكم لما طلعت

شمسٌ ولا ضحكت أرض من العشب

يا آل أحمد لا زال الفؤاد بكم

صبّا بوادره تبكي من الندب

يا آل أحمد أنتم خير من وخدت

به المطايا فأنتم منتهي الأرب

أبوكم خير من يُدعي لحادثة

فيستجيب بكشف الخطب والكرب

عدل القرآن وصي المصطفي وأبوالس

بطين أكرم به من والد وأب

بعل المطهّرة الزهراء ذو الحسب الط

هر الذي ضمّه شفعاً إلي النسب

وله أيضاً:

نعم آل طه خير من وطئ الحصي

وأكرم أبصار علي الأرض تطرف

هم الكلمات الطيّبات التي بها

يُتاب علي الخاطي فيحبا ويزلف

هم البركات النازلات علي الوري

تعمّ جميع المؤمنين وتكنف

هم الباقيات الصالحات بذكرها

لذاكرها خير الثواب المضعّف

ابن حماد العبدي أبو الحسن علي بن حماد بن عبدالله بن حماد العدوي العبدي

أرض الإله وأسخط الشيطانا

تعط الرضا في الحشر والرضوانا

وامحض ولاءك للذين ولاؤهم

فرضٌ علي من يقرأ القرآنا

آل النبيّ محمّد خير الوري

وأجلّهم عند الإله مكانا

قومٌ قوام الدين والدنيا بهم

إذ أصبحوا لهما معاً أركاناً

قومٌ يطيع اللّه طائعُ أمرهم

وإذا عصاه فقد عصي الرحمانا

وهم الصراط المستقيم وحبّهم

يوم المعاد يثقل الميزانا

واللّه صيّرهم لمحنة خلقه

بين الضلالة والهدي فرقانا

حفظوا الشريعة قائمين بحفظها

ينفون عنها الزور والبهتانا

وأتي القرآن بفرض طاعتهم علي

كلّ البريّة فاسمع القرآنا

وتوالت الأخبار أنّ محمّداً

بولائهم وبحفظهم أوصانا

الحميري أبو هاشم إسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري الملقب بالسيد

علي آل الرسول وأقربيه

سلامٌ كلّما سجع الحمام

أليسوا في السّماء هم نجوم

وهم أعلام عزّ لا يُرام

فيا من قد تحيّر في ضلال

أمير المؤمنين هو الإمام

رسول اللّه يوم غدير خمّ

أناف به وقد حضر الأنام

وله أيضاً:

إنّي لأكره أن اُطيل بمجلس

لا ذكر فيه لفضل آل أحمد

لأذكر فيه لأحمد ووصيّه

وبنيه ذلك مجلس نطف ردي

انّ الذي ينساهم في مجلس

حتّي يفارقه لغير مسدّد

وله أيضاً:

أتنهينني عن حبّ آل محمّد

وحبّهم ممّا به أتقرّب

وحبّهم مثل الصلاة وإنّه

علي النّاس من بعد الصلاة لأوجب

القاضي نظام الدين محمد بن قاضي القضاة إسحاق ابن المظهر الإصبهاني

للّه درّكم يا آل ياسينا

يا أنجم الحقّ أعلام الهدي فينا

لا يقبل اللّه إلاّ في محبّتكم

أعمال عبد ولا يرضي له دينا

أرجو النجاة بكم يوم المعاد وإن

جنت يداي من الذنب الأفانينا

بلي أخفف أعباء الذنوب بكم

بلي أثقل في الحشر الموازينا

من لا يواليكم في اللّه لم ير من

قيح اللظي وعذاب القبر تسكينا

لأجل جدّكم الأفلاك قد خلقت

لولاه ما اقتضت الأقدار تكوينا

كمال الدين الشافعي أبو سالم محمد بن طلحة بن الحسن القرشي العدوي

هم العروة الوثقي لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحي وإنزال

مناقب في الشوري وسورة هل أتي

وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

وهم أهل بيت المصطفي فودادهم

علي النّاس مفروضٌ بحكم وإسجال

فضائلهم تعلو طريقة متنها

رواة علوا فيها بشدّ وترحال

يريد رحمه اللّه في قوله: «في الشوري» قوله تعالي: (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبي) وقوله تعالي: (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فَيها حُسْناً) [الآية: 23].

وقوله: في سورة هل أتي يريد به قوله تعالي: (يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كَانَ شَرّهُ مُسْتَطِيراً) [الآية: 7]. وقوله تعالي: (وَيُطْعِمُونَ الطّعامَ عَلي حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأسيراً) [الآية: 8].

وأمّا قوله: في سورة الأحزاب يريد به قوله تعالي: (إنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهيراً) [الآية: 33].

پاورقي

[1] اللغد بالضمّ: منتهي شحمة الاُذن من أسفلها.

[2] الالبة بالضمّ: المجاعة.

[3] السباسب جمع السبسب: وهي المفازة أو الأرض المستوية البعيدة.

[4] انتثل أي: أخرج.

[5] الحرد: الغضب.

[6] أي: قدرت فسهّل وأحسن العفو.

[7] شار العسل: استخرجه واجتناه.

[8] الجلبة: اختلاط الصوت.

[9] وفي نسخة: مجرفة.

[10] مع اختلاف في بعض الألفاظ مع المنقول عن مناقب ابن شهرآشوب.

[11] لا تؤمن الأمامية بهذا المبدأ بأن سليمان (عليه السلام) تزوج بالعنف لأنه نبي معصوم عن مثل ضد الانحراف الذي لا يقوم به جهّال الأمة فضلاً عن علمائها بل كل المذاهب الاسلامية ترفض مثل هذا الزواج.

[12] في المصدر: والمرزباني.

[13] في المناقب: اقرأوا عن القرآن.

[14] الدحداح: القصير السمين، والازج: من تقوّس حاجبه مع طول في طرفه. والأدعج: شديد السواد في العين. والأنجل: واسع العين. والشهلة: أن يشوب سواد العين زرقة. والأصلع: من انحسر شعر مقدّم رأسه. والحفاف ككتاب: الطرة حول الرأس الاصلع. والأكليل: شبه عصابة تزين بالجوهر. والأرقب: الغليظ الرقبة. القرئ: الظهر. وشثن الكفّين: أي خشنهما وغليظهما. والكسور

جمع الكسر: الجزء من العضو، والمشاشة: رأس العظم اللين. والضاري: السباع كالأسد والنمر.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.