اية الله السيد محمد الحسيني الشيرازي
الطبعة الأولي
1426ه 2005م
تهميش:
مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر
العراق / كربلاء المقدسة / ص ب 1094
من المساجد والمزارات
في الحرمين الشريفين
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
إِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ
مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَأَقَامَ الصّلاَةَ وَآتَيَ الزّكَاةَ
وَلَمْ يَخْشَ إِلاّ اللّهَ
فَعَسَيَ أُوْلََئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ
صدق الله العلي العظيم
سورة التوبة: 18
تابع
بسم الله الرحمن الرحيم
من أهم ما يميز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم، امتلاكها لتاريخ ثر مليء بالأحداث والوقائع والذكريات الجميلة والتي هي عبرة ودرس للأجيال، بالإضافة إلي الأماكن المقدسة والتاريخية المنتشرة في كافة أرجاء البلاد الإسلامية، فما من بلد إسلامي تمر به إلا وتجد فيه معلماً من معالم الحضارة الإسلامية. فمن المسجد الأقصي أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين في فلسطين، إلي الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، إلي المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، إلي مسجد الكوفة في الكوفة، ومرقد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف الأشرف، ومراقد الأئمة الأطهار عليهم السلام في كربلاء المقدسة والكاظمية المشرفة وسامراء المقدسة بالعراق، إلي مرقد الإمام الرضا عليه السلام في خراسان بإيران، والأزهر الشريف في القاهرة حيث بناه الفاطميون، وقصر الكرملين في روسيا والذي قام بتشييده المسلمون قبل خمسة قرون كمقر للحاكم الإسلامي هناك، ولكن مما يؤسف له اليوم أنه أصبح بأيدي غير المسلمين كغيره من المعالم الإسلامية، ثم الأندلس في أسبانيا، ثم الآثار الإسلامية في الصين والهند وغيرها من بقاع العالم.
والمسلم يعتز بتاريخه وحضارته ويفتخر بهما، وهذا الاعتزاز والافتخار بالتاريخ والحضارة هو الذي جعل الحضارة الإسلامية حضارة حية، فلم تمت
ولم تندثر مثل باقي الحضارات التي قامت وزالت ثم أصبحت جزءً من التاريخ وربما نسيت.
ومن مظاهر هذا الاعتزاز والافتخار لدي المسلم هو زيارة تلك الأماكن
المقدسة وتبجيلها وتقدسيها والتردد عليها باستمرار، ليس باعتبارها أثراً تاريخياً فحسب، بل لورود الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة الدالة علي ذلك.
يقول تعالي بخصوص الحج: ?وَلِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ?، فالآية الكريمة دلت علي وجوب الحج علي المسلمين المستطيعين منهم، فهي تجمع المسلمين في مكان واحد بلباس واحد ولغة واحدة يطوفون ويلبون حول البيت العتيق ويشاهدون من قرب تلك الآثار الإلهية المباركة وكذلك آثار رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، كما أنهم بعد أداء المناسك يجتمعون ويتبادلون الأحاديث حول مشاكلهم وخططهم ونظرتهم للمستقبل، وهذا فيه مغزي عظيم علي وحدة الأمة وتاريخها المشترك.
وبما أن الدين الإسلامي هو دين الفطرة، وأن كافة تعاليمه لا تخالف الفطرة وما جُبل الإنسان عليه، فقد حثت السنة النبوية الشريفة علي زيارة القبور وذكرت الآثار الإيجابية لها، لما تنطوي عليه من آثار تربوية وأخلاقية تعود بنفعها علي الزائر بالإضافة إلي المزور كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وترك الظلم والمنكرات وغيرها. ففي الحديث الشريف الوارد عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه حث علي زيارة القبور، وقال: ?تذكركم الآخرة?.
وفي حديث آخر: ?فإنها تزهّد في الدنيا?.
وفي حديث ثالث: ?فإن لكم فيها عِبرة?.
إن الأنظمة العلمانية المتسلطة علي البلدان الإسلامية أخذت بإحياء تاريخ وحضارة البلد الذي فيه، كالحضارة الفرعونية في مصر، والبابلية في العراق، والرومية في الشام، والفارسية في إيران، والطورانية في تركيا، وتمجيد رموزها، في خطوة منها لإبعاد المسلمين عن تاريخهم وحضارتهم الإسلامية التي تمكنت من توحيد الشعوب والأمم علي اختلاف قومياتها ولغاتها وثقافتها ونمط تفكيرها، وجعلها أمة واحدة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، فكانت
خير أمة أخرجت للناس، وكما نطق القرآن المجيد بذلك، قال تعالي: ?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ?.
إن من الأسباب والوسائل التي أضفت علي الإسلام حيوية وبقاءً هي وفود الأعداد المليونية للمسلمين كل عام في موسم الحج علي الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وزيارة قبر النبي الأعظم صلي الله عليه و اله وآثاره وتذكر مواقفه في غزواته، وكذلك زيارة قبور الأئمة الطاهرين عليهم السلام من ذرية رسول الله صلي الله عليه و اله وقبور الصحابة والتابعين، وزيارة موقعة أحد وقبور الشهداء وموقعة الخندق وغيرها من المشاهد والمساجد المباركة هناك.
فهذه الزيارة والمثول أمام تلك الآثار العظيمة تؤثر في خلود الإسلام ونبيه الكريم صلي الله عليه و اله في النفوس وتزيل عنها الشكوك ووساوس الشيطان، ومن هذا نجد أن الفقهاء أفتوا بأنه يجب علي الحاكم الإسلامي تجهيز المسلمين من بيت المال وإرسالهم إلي الحج إذا خلت الكعبة المشرفة من الزوار والحجاج؛ لئلا تنسي، وتبقي حية خالدة في قلوب المسلمين وضمائرهم، وكذلك قبور الأنبياء والمرسلين وعلي رأسهم نبينا محمد صلي الله عليه و اله وقبور الأئمة الهادين المهديين من آله، وبالخصوص تشييد قبور أئمة البقيع عليهم السلام والتي هدمها الوهابيون التكفيريون في خطوة منهم للقضاء علي آثار النبي صلي الله عليه و اله وكل ما يمت إليه بصلة.
ومن هنا فقد جاء كتاب (من المساجد والمزارات في الحرمين الشريفين) لسماحة المرجع الديني الراحل آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه في هذا الباب، ليذكرنا بعظمة المشاهد والمزارات هناك والوقوف عليها وعدم تجاهلها، وآداب الدعاء والزيارة وبعض الأحكام الفقهية المتعلقة بها.
إن مؤسسة المجتبي يسرها أن تقوم بطبع ونشر هذا السفر
القيم من مؤلفات الإمام الراحل رحمة الله عليه، سائلة المولي العزيز أن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بغيره، وأن يمن علي الإمام الراحل بالمغفرة والرضوان، إنه سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين.
مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر
كربلاء المقدسة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.
يستحب زيارة المساجد والأماكن المتبركة والمشاهد المقدسة والأضرحة الشريفة في مكة المكرمة، وكذا في المدينة المنورة، وغيرهما من تلك الربوع الطاهرة، وقد ذكرنا قسما منها في كتاب (الحاج في مكة والمدينة)()، وسنشير في هذا الكتاب إلي جملة من تلك المساجد والمشاهد والمزارات مع بعض التفصيل والله المستعان.
قال الإمام الصادق عليه السلام: ?لا تدع إتيان المشاهد كلها، مسجد قبا، فإنه المسجد الذي أسس علي التقوي من أول يوم، ومشربة أم إبراهيم، مسجد الفضيخ، وقبور الشهداء، ومسجد الأحزاب، وهو مسجد الفتح، قال: وبلغنا أن النبي صلي الله عليه و اله كان إذا أتي قبور الشهداء قال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار?().
قم المقدسة
محمد الشيرازي
إن الله عزوجل اختار مكة المكرمة من بين بقاع الأرض فبني بيته عليها.
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إن الله عزوجل اختار من كل شيء شيئا، اختار من الأرض مكة، واختار من مكة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة?().
وقال صلي الله عليه و اله: ?إن الله اختار من البلدان أربعة، فقال عزوجل: ?والتين والزيتون ? وطور سينين ? وهذا البلد الأمين?() التين: المدينة، والزيتون: بيت المقدس، وطور سينين: الكوفة، وهذا البلد الأمين: مكة?().
وعن أبي جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: ?إن الله اختار من الأرض جميعا مكة?().
وعن علي عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله في حديث طويل في قصة آدم عليه السلام إلي أن قال: ? قال أي آدم فأهبطنا برحمتك إلي أحب البقاع إليك، قال: فأوحي الله إلي جبرئيل أن أهبطهما إلي البلدة المباركة مكة، فهبط بهما جبرئيل،
فألقي آدم علي الصفا وألقي حوا علي المروة?().
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?مكة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله صلي الله عليه و اله، والكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة إلا قصمه الله?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ??إن مكة حرم الله حرّمها إبراهيم عليه السلام ?().
وفي الحديث: ?إن إبراهيم عليه السلام كان نازلا في بادية الشام? إلي أن قال: ?ثم أمره تعالي أن يخرج إسماعيل عليه السلام وأمه (عنها)، فقال: يا رب إلي أي مكان؟ قال تعالي: إلي حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الأرض وهي مكة?().
مسألة: يستحب الغسل لدخول مكة المكرمة، وأن يدخلها بسكينة ووقار.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن الله عزوجل يقول في كتابه: ?وَطَهّرْ بَيْتِيَ لِلطّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرّكّعِ السّجُودِ?() فينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلا وهو طاهر قد غسل عرقه والأذي وتطهر?().
وعن الحلبي قال: (أمرنا أبو عبد الله عليه السلام أن نغتسل من فخ قبل أن ندخل مكة)().
وعن عجلان بن صالح قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ?إذا انتهيت إلي بئر ميمون() أو بئر عبد الصمد() فاغتسل واخلع نعليك وامش حافيا وعليك السكينة والوقار?().?
وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ?من دخلها بسكينة غفر له ذنبه? قلت: كيف يدخلها بسكينة؟ قال: ?يدخل غير متكبر ولا متجبر?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لا يدخل مكة رجل بسكينة إلا غفر له? قلت: ما السكينة؟ قال: ?يتواضع?().
عن أبان بن تغلب قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام مزامله ما بين مكة والمدينة، فلما انتهي إلي الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافيا، فصنعت مثل ما صنع، فقال: ?يا أبان من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا لله عزوجل محا الله عنه مائة ألف سيئة، وكتب له مائة ألف حسنة، وبني له مائة ألف درجة، وقضي له مائة ألف حاجة?().
حدود الحرم المكي الشريف هي كالتالي:
شمالاً من جهة المدينة المنورة: المكان المسمي بالتنعيم أو مسجد العمرة، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدر بنحو 7 كم.
غرباً من جهة جدة: عند المكان المسمي العلمين أو الحديبية، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدر ب 18كم.
شرقاً من جهة نجد: عند المكان المسمي بالجعرانة، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام 14.5 كم تقريباً.
جنوباً من جهة عرفة: عند
نمرة، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدر بنحو 20 كم.
مسألة: يستحب مضغ الإذخر عند دخول الحرم للرجل والمرأة، قال
أبو عبد الله عليه السلام: ?إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه، وكان يأمر عليه السلام أم فروة بذلك?(). قال الكليني رضي الله عنه: سألت بعض أصحابنا عن هذا، فقال: يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر الأسود.
وفي (علل الشرائع) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?أمر الله تعالي إبراهيم عليه السلام أن يحج ويحج بإسماعيل عليه السلام معه ويسكنه الحرم? قال: ?فحجا علي جمل أحمر ما معهما إلا جبرئيل، فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل عليه السلام: يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم، فنزلا واغتسلا? ()، الحديث.
وفي البحار عن فقه الرضا عليه السلام: ?فإذا بلغت الحرم فاغتسل قبل أن تدخل مكة، وامش هنيئة وعليك السكينة والوقار?().
وفي الفقيه: قل عند دخول الحرم: ?اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ فِي كِتَابِكَ الْمُنْزَلِ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلي كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، اللَّهُمَّ وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ أَجَابَ دَعْوَتَكَ، وَقَدْ جِئْتُ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَمِنْ فَجٍّ عَمِيقٍ، سَامِعاً لِنِدَائِكَ، وَمُسْتَجِيباً لَكَ، مُطِيعاً لأمْرِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِكَ عَلَيَّ، وَإِحْسَانِكَ إِلَيَّ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَي مَا وَفَّقْتَنِي لَهُ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ الزُّلْفَةَ عِنْدَكَ، وَالْقُرْبَةَ إِلَيْكَ وَالْمَنْزِلَةَ لَدَيْكَ وَالْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِي وَالتَّوْبَةَ عَلَيَّ مِنْهَا بِمَنِّكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَحَرِّمْ بَدَنِي عَلَي النَّارِ وَآمِنِّي مِنْ عَذَابِكَ وَعِقَابِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ?().
قال تعالي: ?قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون?().
وقال سبحانه: ?سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من
المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير?().
وقال جل جلاله: ?لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً?().
وعن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «أربعة من قصور الجنة في الدنيا: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلي الله عليه و اله ومسجد بيت المقدس ومسجد الكوفة» ().
وفي العيون: «إن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في غيره ستين سنة أو شهراً» ().
وقد توالت علي المسجد الحرام توسعات متعددة() وهي بحاجة إلي توسعات أخري لتضم خمسين مليوناً من الحجاج علي ما ذكرناه في كتاب (ليحج خمسون مليوناً كل عام)().
مسألة: يستحب أن يدخل المسجد الحرام حافياً بكل خضوع وخشوع حتي يغفر الله تعالي له.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا علي السكينة والوقار والخشوع? وقال: ?ومن دخله بخشوع غفر له إن شاء الله? قلت: ما الخشوع، قال: ?السكينة، لا تدخله بتكبر، فإذا انتهيت إلي باب المسجد فقم وقل:
(السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكَاتُهُ، بِسْمِ اللَّهِ وبِاللَّهِ، ومِنَ اللَّهِ ومَا شَاءَ اللَّهُ، والسَّلامُ عَلَي أَنْبِيَاءِ اللَّهِ ورُسُلِهِ، والسَّلامُ عَلَي رَسُولِ اللَّهِ، والسَّلامُ عَلَي إِبْرَاهِيمَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
فإذا دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل البيت وقل:
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِي مَقَامِي هَذَا، فِي أَوَّلِ مَنَاسِكِي، أنْ تَقْبَلَ تَوْبَتِي، وأَنْ تَجَاوَزَ عَنْ خَطِيئَتِي، وتَضَعَ عَنِّي وِزْرِي، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ الْحَرَامَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا بَيْتُكَ الْحَرَامُ، الَّذِي جَعَلْتَهُ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وأَمْناً مُبَارَكاً وهُدًي لِلْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ
إِنَّي عَبْدُكَ، والْبَلَدَ بَلَدُكَ، والْبَيْتَ بَيْتُكَ، جِئْتُ أَطْلُبُ رَحْمَتَكَ، وأَؤُمُّ طَاعَتَكَ، مُطِيعاً لأَمْرِكَ، رَاضِياً بِقَدَرِكَ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْفَقِيرِ إِلَيْكَ، الْخَائِفِ لِعُقُوبَتِكَ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، واسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِكَ ومَرْضَاتِكَ)،? ().
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تقول وأنت علي باب المسجد: ?بِسْمِ اللَّهِ وبِاللَّهِ ومِنَ اللَّهِ وإِلَي اللَّهِ ومَا شَاءَ اللَّهُ وعَلَي مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وخَيْرُ الأَسْمَاءِ لِلَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ والسَّلامُ عَلَي رَسُولِ اللَّهِ، السَّلامُ عَلَي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَي أَنْبِيَاءِ اللَّهِ ورُسُلِهِ، السَّلامُ عَلَي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، السَّلامُ عَلَي الْمُرْسَلِينَ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْنَا وعَلَي عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وبَارِكْ عَلَي مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وارْحَمْ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَي إِبْرَاهِيمَ وآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ وعَلَي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ وعَلَي أَنْبِيَائِكَ ورُسُلِكَ وسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وسَلامٌ عَلَي الْمُرْسَلِينَ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ واسْتَعْمِلْنِي فِي طَاعَتِكَ ومَرْضَاتِكَ واحْفَظْنِي بِحِفْظِ الْإِيمَانِ أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنِي، جَلَّ ثَنَاءُ وَجْهِكَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي مِنْ وَفْدِهِ وزُوَّارِهِ وجَعَلَنِي مِمَّنْ يَعْمُرُ مَسَاجِدَهُ وجَعَلَنِي مِمَّنْ يُنَاجِيهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وزَائِرُكَ وفِي بَيْتِكَ، وعَلَي كُلِّ مَأْتِيٍّ حَقٌّ لِمَنْ أَتَاهُ وزَارَهُ وأَنْتَ خَيْرُ مَأْتِيٍّ وأَكْرَمُ مَزُورٍ، فَأَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ، وبِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، وبِأَنَّكَ وَاحِدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ، لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ له كُفُواً أَحَدٌ، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ ورَسُولُكَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلَي أَهْلِ بَيْتِهِ، يَا جَوَادُ يَا مَاجِدُ، يَا جَبَّارُ يَا كَرِيمُ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ تُحْفَتَكَ إِيَّايَ مِنْ زِيَارَتِي إِيَّاكَ
أَنْ تُعْطِيَنِي فَكَاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ فُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، تقولها ثلاثاً، وأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ الطَّيِّبِ، وادْرَأْ عَنِّي شَرَّ شَيَاطِينِ الْجِنِّ والإنْسِ، وشَرَّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ والْعَجَمِ?().
مسألة: يستحب أن يكثر الإنسان من الصلاة في المسجد الحرام، فعن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: ?الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي?().
وقال أبو جعفر عليه السلام لأبي حمزة الثمالي: ?المساجد الأربعة، المسجد الحرام ومسجد الرسول صلي الله عليه و اله ومسجد بيت المقدس ومسجد الكوفة، يا أبا حمزة الفريضة فيها تعدل حجة والنافلة تعدل عمرة?().
قال تعالي: ?إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهديً للعالمين? فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين?().
كانت الكعبة المشرفة في السماء علي الهيئة التي عليها الآن في الأرض، وكانت الملائكة تطوف حولها، فلما هبط هبط آدم عليه السلام شرع بأمر الله عزوجل ببناء البيت ليحج إليه، وتسمي الكعبة بالبيت الحرام والبيت العتيق أيضا.
عن أبان بن عثمان عمن أخبره عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له لم سمي البيت العتيق؟ قال: ?لأنه بيت حر عتيق من الناس ولم يملكه أحد?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق وأعتق الحرم معه كف عنه الماء?().
عن أبي عباد عمران بن عطية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?بينا أبي عليه السلام وأنا في الطواف إذ أقبل رجل شرجب من الرجال?.
فقلت: وما الشرجب أصلحك الله؟
قال: ?الطويل? فقال: السلام عليكم، وأدخل رأسه بيني وبين أبي.
قال: فالتفت إليه أبي وأنا، فرددنا عليه السلام.
ثم قال: أسألك رحمك الله؟
فقال له أبي: نقضي طوافنا ثم تسألني.
فلما قضي أبي الطواف دخلنا الحجر فصلينا الركعتين ثم التفت فقال: أين الرجل يا بني؟ فإذا هو وراءه قد صلي، فقال: ممن الرجل؟
قال: من أهل الشام.
فقال: ومن أي أهل الشام؟
فقال: ممن يسكن بيت المقدس.
فقال: قرأت الكتابين؟
قال: نعم.
قال: سل عما بدا لك.
فقال: أسألك عن بدء هذا البيت..
وعن قوله: ?ن والقلم وما يسطرون?()، وعن قوله: ?والذين في أموالهم حق معلوم ? للسائل والمحروم?().
فقال: ?يا أخا أهل الشام اسمع حديثنا ولا تكذب علينا فإنه من كذب علينا في شيء فقد كذب علي رسول
الله صلي الله عليه و اله ومن كذب علي رسول الله صلي الله عليه و اله فقد كذب علي الله، ومن كذب علي الله عذبه الله عزوجل، أما بدء هذا البيت فإن الله تبارك وتعالي قال للملائكة: ?إني جاعل في الأرض خليفةً?() فردت الملائكة علي الله عزوجل فقالت: ?أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء?() فأعرض عنها، فرأت أن ذلك من سخطه فلاذت بعرشه، فأمر الله ملكاً من الملائكة أن يجعل له بيتاً في السماء السادسة يسمي الضراح بإزاء عرشه، فصيره لأهل السماء يطوف به سبعون ألف ملك في كل يوم لا يعودون ويستغفرون، فلما أن هبط آدم إلي السماء الدنيا أمره بمرمة هذا البيت وهو بازاء ذلك، فصيره لآدم وذريته كما صير ذلك لأهل السماء، قال: صدقت يا ابن رسول الله?().
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: ?إن الله وضع تحت العرش أربعة أساطين وسماه الضراح وهو البيت المعمور، وقال للملائكة: طوفوا به، ثم بعث ملائكة فقال لهم: ابنوا في الأرض بيتا بمثاله وقدره، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به، وقال: ولما أهبط الله آدم من الجنة قال: إني منزل معك بيتا يطوف حوله كما يطاف حول عرشي ويصلي عنده كما يصلي عند عرشي، فلما كان زمن الطوفان رفع، فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه، حتي بوأه الله لإبراهيم عليه السلام فأعلمه مكانه فبناه من خمسة أجبل من حراء وثبير ولبنان وجبل الطور وجبل الخمر()?().
وفي الروايات: أن أول من حج آدم عليه السلام حج واعتمر ألف مرة علي قدميه من الهند().
إبراهيم عليه السلام وبناء البيت
قال عز من قائل: ?وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل
أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ? وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلي عذاب النار وبئس المصير ? وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم? ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم?().
وفي تفسير القمي: (إن آدم عليه السلام لما بني البيت الحرام عفي أثره، فقام إبراهيم عليه السلام بتجديده، فكان إبراهيم عليه السلام يبني وإسماعيل عليه السلام يناوله الحجر، وبعدما اكتمل بناء البيت أمره الله عزوجل بدعوة الناس للحج، قال سبحانه: ?وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق?() ولما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج.
فقال: يا رب وما يبلغ صوتي.
فقال الله: أذن عليك الأذان وعليّ البلاغ، وارتفع علي المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت، فارتفع المقام حتي كان أطول من الجبال فنادي وأدخل إصبعيه في أذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا، يقول: أيها الناس كتب عليكم الحج إلي البيت العتيق فأجيبوا ربكم، فأجابوه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلي منقطع التراب من أطراف الأرض كلها، ومن أصلاب الرجال وأرحام النساء بالتلبية: لبيك اللهم لبيك)().
وفي (علل الشرائع) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?أمر الله تعالي إبراهيم عليه السلام أن يحج ويحج بإسماعيل عليه السلام معه ويسكنه الحرم? قال: ?فحجا علي جمل أحمر ما معهما إلا جبرئيل، فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل عليه السلام: يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل
أن تدخلا الحرم، فنزلا واغتسلا وأراهما كيف يتهيئا للإحرام ففعلا، ثم أمرهما فأهلا بالحج وأمرهما بالتلبيات الأربع التي لبي بها المرسلون، ثم سار بهما حتي أتي بهما باب الصفا فنزلا عن البعير وقام جبرئيل بينهما فاستقبل البيت فكبر وكبرا، وحمد الله وحمدا، ومجد الله ومجدا، وأثني عليه ففعلا مثل ما فعل، وتقدم جبرئيل وتقدما يثنون علي الله ويمجدونه حتي انتهي بهما إلي موضع الحجر فاستلم جبرئيل عليه السلام (الحجر) وأمرهما أن يستلما، وطاف بهما أسبوعا ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيم عليه السلام فصلي ركعتين وصليا، ثم أراهما المناسك وما يعملانه، فلما قضيا نسكهما أمر الله عزوجل إبراهيم عليه السلام بالانصراف وأقام إسماعيل عليه السلام وحده ما معه أحد غيره، فلما كان من قبل قابل أذن الله تعالي لإبراهيم عليه السلام في الحج وبناء الكعبة، وكانت العرب تحج إليه وكان ردما إلا أن قواعده معروفة، فلما صدر الناس جمع إسماعيل عليه السلام الحجارة وطرحها في جوف الكعبة فلما أن أذن الله تعالي في البناء قدم إبراهيم عليه السلام فقال: يا بني قد أمرنا الله تعالي ببناء الكعبة فكشفا عنها فإذا هو حجر واحد أحمر، فأوحي الله تعالي إليه ضع بناءها عليه وأنزل الله تعالي عليه أملاكاً يجمعون له الحجارة، فصار إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يضعان الحجارة والملائكة تناولهما حتي تمت اثنا عشر ذراعا وهيئا له بابين، بابا يدخل منه وبابا يخرج
منه? (). الحديث.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله ساهم قريشا في بناء البيت، فصار لرسول الله من باب الكعبة إلي النصف ما بين الركن اليماني إلي الحجر الأسود?().
وفي رواية أخري: ?إنه كان لبني هاشم
من الحجر الأسود إلي الركن الشامي?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لما قدم رسول الله صلي الله عليه و اله مكة يوم افتتحها، فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست، فأخذ بعضادتي الباب فقال:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ما ذا تقولون وما ذا تظنون?؟
قالوا: نظن خيرا ونقول خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت.
قال: ?فإني أقول كما قال أخي يوسف: ?لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين?()، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلي يوم القيامة، لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلي خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد?().
في نهج البلاغة: ?أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ (صلوات الله عليه) إلي الآخِرِينَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، بِأَحْجَارٍ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَسْمَعُ، فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ، الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً.
ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الأَرْضِ حَجَراً، وَأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً، وَأَضْيَقِ بُطُونِ الأَوْدِيَةِ قُطْراً، بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ، وَرِمَالٍ دَمِثَةٍ، وَعُيُونٍ وَشِلَةٍ، وَقُرًي مُنْقَطِعَةٍ، لاَ يَزْكُو بِهَا خُفٌّ، وَلاَ حَافِرٌ وَلاَ ظِلْفٌ.
ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ عليه السلام وَوَلَدَهُ، أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ، فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ، وَغَايَةً لِمُلْقَي رِحَالِهِمْ، تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الأَفْئِدَةِ، مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ، وَمَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ، وَجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ، حَتَّي يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلاً، يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ، وَيَرْمُلُونَ عَلَي أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً له.
قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ، ابْتِلاَءً عَظِيماً، وَامْتِحَاناً شَدِيداً، وَاخْتِبَاراً مُبِيناً، وَتَمْحِيصاً بَلِيغاً، جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ، وَوُصْلَةً إلي جَنَّتِهِ.
وَلَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ، وَمَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ، بَيْنَ جَنَّاتٍ وَأَنْهَارٍ، وَسَهْلٍ
وَقَرَارٍ، جَمَّ الأَشْجَارِ، دَانِيَ الثِّمَارِ، مُلْتَفَّ الْبُنَي، مُتَّصِلَ الْقُرَي، بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ، وَرَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَأَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ، وَعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ، وَرِيَاضٍ نَاضِرَةٍ، وَطُرُقٍ عَامِرَةٍ، لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ، عَلَي حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلاَءِ.
وَلَوْ كَانَ الأَسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا، وَالأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا، بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، وَيَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، وَنُورٍ وَضِيَاءٍ، لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ، وَلَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ، وَلَنَفَي مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ.
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، وَيَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ، وَيَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ، إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَلِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إلي فَضْلِهِ، وَأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ?().
مسألة: يستحب النظر إلي الكعبة المشرفة والدعاء بالمأثور.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?من نظر إلي الكعبة لم يزل تكتب له حسنة وتمحي عنه سيئة حتي ينصرف ببصره عنها?().?
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?النظر إلي الكعبة عبادة، والنظر إلي الوالدين عبادة، والنظر إلي الإمام عليه السلام عبادة?().
وقال عليه السلام: ?من نظر إلي الكعبة كتبت له حسنة ومحيت عنه عشر
سيئات?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?من نظر إلي الكعبة بمعرفة فعرف من حقنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها، غفر الله له ذنوبه وكفاه هم الدنيا والآخرة?().
وروي: ?إن النظر إلي الكعبة عبادة، والنظر إلي الوالدين عبادة، والنظر في المصحف من غير قراءة عبادة، والنظر إلي وجه العالم عبادة، والنظر إلي آل محمد عليهم السلام عبادة?().
وعن أبي ذر في حديث قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: ?النظر إلي علي بن أبي طالب عبادة، والنظر إلي الوالدين برأفة ورحمة عبادة، والنظر في الصحيفة يعني صحيفة القرآن عبادة، والنظر إلي الكعبة عبادة?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: ?إذا خرجتم حجاجا إلي بيت الله فأكثروا النظر إلي بيت الله، فإن لله مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام، ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين?().
وعن النبي صلي الله عليه و اله قال: ?النظر إلي الكعبة حبا لها يهدم الخطايا هدما?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?من أيسر ما يعطي من ينظر إلي الكعبة أن يعطيه الله بكل نظرة حسنة وتمحي عنه سيئة وترفع له درجة?().
مسألة: عند دخول المسجد الحرام يستحب النظر إلي الكعبة، وأن يقول: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَظَّمَكِ وشَرَّفَكِ وكَرَّمَكِ وجَعَلَكِ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وأَمْناً مُبَارَكاً وهُدًي لِلْعَالَمِينَ).
مسألة: الطواف بين واجب ومستحب، ومن آدابه أن يكون حاسر الرأس، حافي القدمين، مشتغلاً بالدعاء، ذاكراً لله عزوجل، وأن يقرأ المأثور من الأدعية.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?طف بالبيت سبعة أشواط وتقول في الطواف: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي يُمْشَي بِهِ عَلَي طَلَلِ الْمَاءِ كَمَا يُمْشَي بِهِ عَلَي جَدَدِ الأَرْضِ، وأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي يَهْتَزُّ له عَرْشُكَ، وأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي تَهْتَزُّ له أَقْدَامُ مَلائِكَتِكَ، وأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي دَعَاكَ بِهِ مُوسَي مِنْ جَانِبِ الطُّورِ فَاسْتَجَبْتَ له وأَلْقَيْتَ عَلَيْهِ مَحَبَّةً مِنْكَ، وأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي غَفَرْتَ بِهِ لِمُحَمَّدٍ صلي الله عليه و اله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ومَا تَأَخَّرَ وأَتْمَمْتَ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، أَنْ تَفْعَلَ بِي (كَذَا وكَذَا) ما أحببت من الدعاء? (?.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل، فابسط يديك علي البيت وألصق بطنك وخدك بالبيت وقل: (اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُكَ وَالْعَبْدُ عَبْدُكَ وَهَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ)، ثم أقر لربك بما عملت، فإنه ليس من عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا
المكان إلا غفر الله له إن شاء الله، وتقول: (اللَّهُمَّ مِنْ قِبَلِكَ الرَّوْحُ وَ الْفَرَجُ وَ الْعَافِيَةُ اللَّهُمَّ إِنَّ عَمَلِي ضَعِيفٌ فَضَاعِفْهُ لِي وَاغْفِرْ لِي مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي وَخَفِيَ عَلَي خَلْقِكَ) ثم تستجير بالله من النار وتخير لنفسك من الدعاء، ثم تستلم الركن اليماني ثم ائت الحجر الأسود?().
وقال الإمام الرضا عليه السلام: ?تطوف أسبوعا? إلي أن قال: ?وقل عند باب البيت: (سَائِلُكَ بِبَابِكَ، مِسْكِينُكَ بِبَابِكَ، عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ نَزَلَ بِسَاحَتِكَ، تَفَضَّلْ عَلَيْهِ بِجَنَّتِكَ)، فإذا بلغت مقابل الميزاب فقل: (اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَأَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِكَ، وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وَشَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ)، وتقول في طوافك: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي يُمْشَي بِهِ عَلَي بَلَلِ الْمَاءِ، كَمَا يُمْشَي عَلَي جَدَدِ الأَرْضِ، وَبِاسْمِكَ الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ عِنْدَكَ، وَبِاسْمِكَ العَظيمِ الأعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلْتَ بِهِ أَعْطَيْتَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَتَقَبَّلَ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ وَمُوسَي كَلِيمِكَ وَعِيسَي رَوْحِكَ وَمُحَمَّدٍ ص حِبَيبِكَ) إلي أن قال عليه السلام: ?وتقول بين الركن اليماني وبين ركن الحجر الأسود: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ? ().
وفي بعض نسخه: ?فإذا انتهيت إلي باب البيت فقل: (اللَّهُمَّ إِنَّ الْبَيْتَ بَيْتُكَ وَالْحَرَمَ حَرَمُكَ وَالْعَبْدَ عَبْدُكَ، هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ) ثم
تطوف? ().
وروي عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: ?من قال في طوافه عشر مرات: (أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَحَداً فَرْداً صَمَداً لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ له كُفُواً أَحَدٌ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) كتب الله له خمساً وأربعين حسنة?
().
روي الصدوق رضي الله عنه في المقنع: وتقول وأنت في طوافك: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي يُمْشَي بِهِ عَلَي طَلَلِ الْمَاءِ، كَمَا يُمْشَي بِهِ عَلَي جَدَدِ الأَرْضِ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَخْزُونِ المكنونِ عِنْدَكَ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي يَهْتَزُّ له الْعَرْشُ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي تَهْتَزُّ له أَقْدَامُ مَلائِكَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي دَعَاكَ بِهِ مُوسَي مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ فَاسْتَجَبْتَ له، وَأَلْقَيْتَ عَلَيْهِ مَحَبَّةً مِنْكَ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي غَفَرْتَ بِهِ لِمُحَمَّدٍ صلي الله عليه و اله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَتْمَمْتَ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، أَنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا)، فإذا بلغت مقابل الميزاب فقل: (اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّار،ِ وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَشَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ)().
مسألة: يستحب الصلاة علي محمد وآل محمد أثناء الطواف والسعي، خصوصاً عند الحجر، وبينه وبين الركن اليماني، قال الصدوق رضي الله عنه في المقنع: (وصل علي النبي صلي الله عليه و اله في كل شوط)().
مسألة: يستحب استلام الركن اليماني، فعن الإمام الرضا عليه السلام قال:
?فإذا بلغت الركن اليماني فاستلمه، فإن فيه باباً من أبواب الجنة لم يغلق منذ فتح، وتسير منه إلي زاوية المسجد مقابل هذا الركن وتقول: أصلي عليك يا رسول الله? ().
وقد ورد التأكيد علي استحباب استلام الركن اليماني، والركن الذي فيه الحجر، واستحباب تقبيلهما ووضع الخد عليهما والتزامهما، ولم يرد التأكيد علي استحباب استلام الركنين الآخرين.
وفي الغوالي عن النبي صلي الله عليه و اله: ?إنه لم يكن يستلم من أركان البيت إلا الركن الأسود والذي يليه من نحو دور الْجُمَحِيِّينَ()? ().
و عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: ?كان رسول الله صلي الله عليه و اله يستلم الركنين الذي فيه الحجر الأسود والركن اليماني كلما مر
بهما في الطواف? ().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لما انتهي رسول الله صلي الله عليه و اله إلي الركن الغربي، قال فجازه، فقال الركن: يا رسول الله صلي الله عليه و اله لست بعيداً من بيت ربك فما بالي لا استلم؟ قال: فدنا منه النبي صلي الله عليه و اله فقال: اسكن عليك السلام غير مهجور? ().
بيت الله الحرام مربع الشكل تقريباً، وتبلغ أبعاده حالياً 11 متراً طولاً، في 58ر10 متراً عرضاً، في 85ر14متراً ارتفاعاً، وقد روي: ?أنه كان بنيان إبراهيم عليه السلام الطول ثلاثين ذراعاً، والعرض اثنين وعشرين ذراعاً، والسمك تسعة أذرع، وإن قريشاً لما بنوها كسوها الأردية?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?كان طول الكعبة يومئذ تسعة أذرع، ولم يكن لها سقف، فسقفها قريش ثمانية عشر ذراعاً، فلم تزل ثم كسرها الحجاج علي ابن الزبير فبناها وجعلها سبعةً وعشرين ذراعاً?().
تسمي أركان البيت الأربعة بالأسماء التالية:
1: ركن الحجر الأسود وهو باتجاه الشرق، وسمي بهذا الاسم لوجود الحجر الأسود فيه.
2: الركن العراقي وهو باتجاه الشمال، وسمي بهذا الاسم لمقابلته
العراق.
3: الركن الشامي وهو باتجاه الغرب، وسمي بهذا الاسم لمقابلته الشام.
4: الركن اليماني وهو باتجاه الجنوب، وسمي بهذا الاسم لمقابلته
اليمن.
وفي البيت الحرام من المعالم ما يلي:
الحجر الأسود: ويسمي أيضاً بالحجر الأسعد والمحيا والاستلام، وهو حجر نزل من الجنة، ويقع باتجاه الشرق، ومنه يبدأ الحاج طوافه وبه يختمه.
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إن الحجر الأسود من الجنة?().
وعن أبي سلمة عن أبي عبد الله عليه السلام: ?إن الله أنزل الحجر الأسود من الجنة لآدم عليه السلام، وكان البيت درة بيضاء فرفعه الله إلي السماء وبقي أساسه فهو حيال هذا البيت?().
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام في حديث:
?إن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره فاستخرج ذريته من صلبه نسما في هيئة الذر، فألزمهم العقل وقررهم أنه الرب وأنهم العبيد، وأقروا له بالربوبية وشهدوا علي أنفسهم بالعبودية، والله عزوجل يعلم أنهم في ذلك في منازل مختلفة، فكتب أسماء عبيده في رق، وكان لهذا الحجر يومئذ عينان ولسان وشفتان، فقال له: افتح فاك، ففتح فاه، فألقمه ذلك الرق، ثم قال له: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، فلما هبط آدم عليه السلام هبط والحجر معه فجعل في موضعه من هذا الركن، وكانت الملائكة تحج إلي هذا البيت من قبل أن يخلق الله تعالي آدم، ثم حجه آدم عليه السلام، ثم نوح عليه السلام من بعده، ثم تهدم البيت ودرست قواعده فاستودع الحجر من أبي قبيس، فلما أعاد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بناء البيت وبنيا قواعده واستخرجا الحجر من
أبي قبيس بوحي من الله عزوجل فجعلاه بحيث هو اليوم من هذا الركن، وهو من حجارة الجنة، وكان لما أنزل في مثل لون الدر وبياضه وصفاء الياقوت وضيائه، فسودته أيدي الكفار ومن كان يلتمسه من أهل الشرك بعتائرهم?().
وعن الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لم جعل استلام الحجر؟ فقال: ?إن الله عزوجل حيث أخذ ميثاق بني آدم دعا الحجر من الجنة فأمره فالتقم الميثاق فهو يشهد لمن وافاه بالموافاة?().
وعن بكير بن أعين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام لأي علة وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره؟ ولأي علة يُقبّل؟ ولأي علة أخرج من الجنة؟ ولأي علة وضع ميثاق العباد والعهد فيه ولم يوضع في غيره؟ وكيف السبب في ذلك؟ تخبرني جعلت فداك فإن تفكري فيه لعجب.
قال: فقال عليه السلام: ?سألت وأعضلت في المسألة واستقصيت فافهم الجواب وفرغ قلبك وأصغ سمعك أخبرك إن شاء الله، إن الله تبارك وتعالي وضع الحجر الأسود وهو جوهرة أخرجت من الجنة إلي آدم عليه السلام فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق، وذلك أنه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان، وفي ذلك المكان تراءي لهم ومن ذلك المكان يهبط الطير علي القائم عليه السلام فأول من يبايعه ذلك الطير وهو والله جبرئيل عليه السلام وإلي ذلك المقام يسند القائم عليه السلام ظهره وهو الحجة والدليل علي القائم وهو الشاهد لمن وافاه في ذلك المكان والشاهد لمن أدي إليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله به علي العباد، وأما القبلة والاستلام فلعلة العهد تجديدا لذلك العهد والميثاق وتجديدا للبيعة وليؤدوا إليه في ذلك العهد
الذي أخذ عليهم في الميثاق فيأتونه في كل سنة وليؤدوا إليه ذلك العهد، ألا تري أنك تقول: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، فوالله ما يؤدي ذلك أحد غير شيعتنا ولا حفظ ذلك العهد والميثاق أحد غير شيعتنا وإنهم ليأتونه فيعرفهم ويصدقهم ويأتيه غيرهم فينكرهم ويكذبهم وذلك أنه لم يحفظ ذلك غيركم، فلكم والله يشهد وعليهم والله يشهد بالخفر والجحود والكفر، وهو الحجة البالغة من الله عليهم يوم القيامة يجيء وله لسان ناطق وعينان في صورته الأولي يعرفه الخلق لا ينكرونه، يشهد لمن وافاه وجدّد العهد والميثاق عنده بحفظ العهد والميثاق وأداء الأمانة، ويشهد علي كل من أنكر وجحد ونسي الميثاق بالكفر والإنكار، فأما علة ما أخرجه الله من الجنة فهل تدري ما كان الحجر?؟.
قال: قلت: لا.
قال: ?كان ملكا من عظماء الملائكة عند الله تعالي فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك، فاتخذه الله أمينا علي جميع خلقه فألقمه الميثاق وأودعه عنده واستعبد الخلق أن يجددوا عنده في كل سنة الإقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ الله به عليهم، ثم جعله الله مع آدم عليه السلام في الجنة يذكره الميثاق ويجدد عنده الإقرار في كل سنة، فلما عصي آدم وأخرج من الجنة أنساه الله العهد والميثاق الذي أخذ الله عليه وعلي ولده لمحمد صلي الله عليه و اله ولوصيه عليه السلام وجعله تائها حيران، فلما تاب الله علي آدم حول ذلك الملك في صورة درة بيضاء فرماه من الجنة إلي آدم عليه السلام وهو بأرض الهند، فلما رآه أنس إليه وهو لا يعرفه بأكثر من أنه جوهرة، فأنطقها الله عزوجل فقال: يا آدم أتعرفني، قال: لا، قال: أجل
استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربك، ثم تحول إلي الصورة التي كان بها في الجنة مع آدم، فقال لآدم: أين العهد والميثاق، فوثب إليه آدم وذكر الميثاق وبكي وخضع له وقبّله وجدد الإقرار بالعهد والميثاق، ثم حوله الله تعالي إلي جوهر الحجر درة بيضاء صافية تضيء، فحمله آدم عليه السلام علي عاتقه إجلالا له وتعظيما، فكان إذا أعيا حمله عنه جبرئيل عليه السلام حتي وافي به مكة فما زال يأنس به بمكة ويجدد الإقرار له كل يوم وليلة، ثم إن الله تعالي لما أهبط جبرئيل إلي أرضه وبني الكعبة هبط إلي ذلك بين الركن والباب وفي ذلك المكان تراءي لآدم حين أخذ الميثاق، وفي ذلك المكان ألقم الملك الميثاق، فلتلك العلة وضع في ذلك الركن ونحي آدم من مكان البيت إلي الصفا وحواء إلي المروة فأخذ الله الحجر فوضعه بيده() في ذلك الركن، فلما أن نظر آدم عليه السلام من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبر الله وهلله ومجده، فلذلك جرت السنة بالتكبير في استقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا، وإن الله عزوجل أودعه العهد والميثاق وألقمه إياه دون غيره من الملائكة، لأن الله تعالي لما أخذ الميثاق له بالربوبية ولمحمد صلي الله عليه و اله بالنبوة ولعلي عليه السلام بالوصية اصطكت فرائص الملائكة وأول من أسرع إلي الإقرار ذلك الملك ولم يكن فيهم أشد حبا لمحمد وآل محمد صلي الله عليه و اله منه ولذلك اختاره الله تعالي من بينهم وألقمه الميثاق وهو يجيء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة يشهد لكل من وافاه إلي ذلك المكان وحفظ الميثاق?().
وقال عليه السلام: ?أنزل الله الحجر الأسود وكان أشد بياضا من اللبن وأضوأ
من الشمس، وإنما اسود لأن المشركين تمسحوا به فمن نجس المشركين اسود
الحجر?().
وفي الحديث عن أبي جعفر عليه السلام: ?فبني إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت كل يوم سافا حتي انتهي إلي موضع الحجر الأسود? قال أبو جعفر عليه السلام:
?فنادي أبو قبيس إبراهيم عليه السلام إن لك عندي وديعة فأعطاه الحجر فوضعه موضعه?().
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يأتي الحجر الأسود يوم القيامة وله لسانان وشفتان يشهد لمن استلمه بحق?().
وروي: أن عمر لما قبّل الحجر الأسود قال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلي الله عليه و اله يقبلك لما قبلتك!!، فقال علي عليه السلام: ?لا تقل هكذا، والله إنه ليضر وينفع، وإنه ليأتي يوم القيامة وله عينان ولسانان يشهد لمن وافاه بحسن الموافاة أو ضدها?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن قريشا في الجاهلية هدموا البيت فلما أرادوا بناءه حيل بينهم وبينه وألقي في روعهم الرعب حتي قال قائل منهم: ليأتي كل رجل منكم بأطيب ماله ولا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام، ففعلوا فخلي بينهم وبين بنائه فبنوه حتي انتهوا إلي موضع الحجر الأسود، فتشاجروا فيه أيهم يضع الحجر الأسود في موضعه، حتي كاد أن يكون بينهم شر، فحكموا أول من يدخل من باب المسجد، فدخل رسول الله صلي الله عليه و اله فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في وسطه ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ثم تناوله صلي الله عليه و اله فوضعه في موضعه فخصه الله به?().
روي: (أن الحجاج لما فرغ من بناء الكعبة()، سأل علي بن الحسين عليه السلام أن يضع الحجر في موضعه فأخذه ووضعه في موضعه)().
وقد أخبر أمير المؤمنين علي عليه السلام بما سيقع علي الحجر الأسود، حيث روي عنه عليه السلام قوله وهو يشير إلي السارية التي كان يستند إليها في مسجد الكوفة: ?كأني بالحجر الأسود منصوباً هاهنا، ويحهم إن فضيلته ليست في نفسه بل في موضعه وأسسه، يمكث هاهنا برهة ثم هاهنا برهة وأشار إلي البحرين ثم يعود إلي مأواه وأم مثواه?().
وروي عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة إذ قال: ?يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عزوجل بما لم يحب به أحدا من فضل، مصلاكم وهو بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلي إبراهيم الخليل ومصلي أخي الخضر عليهم السلام ومصلاي، وإن مسجدكم هذا أحد الأربع المساجد التي اختارها الله عزوجل لأهلها، وكأني به قد أتي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم ويشفع لأهله ولمن يصلي فيه فلا ترد شفاعته، ولا تذهب الأيام والليالي حتي ينصب الحجر الأسود فيه?().
ووقع الأمر علي الحجر الأسود بموجب ما أخبر به عليه السلام، ففي سنة 317 للهجرة، خرج ركب العراق فوصلوا إلي مكة سالمين، وتوافت الركوب هناك من كل مكان وجانب وفج، فما شعروا إلا بالقرمطي() قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية، فانتهب أموالهم واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقاً كثيراً، وجلس أميرهم
أبو طاهر (لعنه الله) علي باب الكعبة، والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في الشهر الحرام في يوم
التروية الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول: أنا الله وبالله أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا. فكان الناس يفرون منهم فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئاً، بل يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون في الطواف، وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف، فلما قضي طوافه أخذته السيوف، فلما وجب أنشد وهو كذلك:
تري المحبين صرعي في ديارهم كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
فلما قضي القرمطي أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة، أمر أن تدفن القتلي في بئر زمزم، ودفن كثيراً منهم في أماكنهم من الحرم، وفي المسجد الحرام. ويا حبذا تلك القتلة وتلك الضجعة، وذلك المدفن والمكان، وهدم قبة زمزم وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها، وشققها بين أصحابه، وأمر رجلا أن يصعد إلي ميزاب الكعبة فيقتلعه، فسقط علي أم رأسه فمات إلي النار. فعند ذلك كف الخبيث عن الميزاب، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده وقال: أين الطير الأبابيل، أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود، فأخذوه حين راحوا معهم إلي بلادهم()، فمكث عندهم اثنتين وعشرين سنة حتي ردوه.
يقال: لما رجع القرمطي إلي بلاده ومعه الحجر الأسود تبعه أمير مكة() هو وأهل بيته وجنده وسأله وتشفع إليه أن يرد الحجر الأسود ليوضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده من الأموال، فلم يلتفت إليه، فقاتله أمير مكة فقتله القرمطي وقتل أكثر أهل بيته وأهل مكة وجنده() واستمر ذاهباً إلي بلاده ومعه الحجر وأموال الحجيج.
مسألة: يستحب عند الدخول إلي المسجد الحرام أن ينظر الإنسان إلي الحجر الأسود ويستقبله بوجهه ويقول: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لهذَا ومَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، سُبْحَانَ
الله والْحَمْدُ لِلَّهِ ولا إِلَهَ إِلا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبَرُ،
لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له الْمُلْكُ ولَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ، ويُمِيتُ ويُحْيِي، وهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وبَارِكْ عَلَي مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ وبَارَكْتَ وتَرَحَّمْتَ عَلَي إِبْرَاهِيمَ وآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وسَلامٌ عَلَي جَمِيعِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أُومِنُ بِوَعْدِكَ وأُصَدِّقُ رُسُلَكَ وأَتَّبِعُ كِتَابَكَ).
كما يستحب له أن يمشي نحو الحجر الأسود بسكون ووقار ويقرّب من خطاه، فإذا اقترب من الحجر الأسود يرفع يديه ويحمد الله ويثني عليه ثم يصلي علي محمد وآل محمد ويقول: (اللهم تقبل مني).
مسألة: يستحب لمس الحجر الأسود والتبرك به، وتقبيله والسلام عليه.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله وأثن عليه وصل علي النبي صلي الله عليه و اله واسأل الله أن يتقبل منك، ثم استلم الحجر وقبّله، فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيدك، فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه وقل: (اللَّهُمَّ أَمَانَتِي أَدَّيْتُهَا، ومِيثَاقِي تَعَاهَدْتُهُ، لِتَشْهَدَ لِي بِالْمُوَافَاةِ، اللَّهُمَّ تَصْدِيقاً بِكِتَابِكَ، وعَلَي سُنَّةِ نَبِيِّكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، آمَنْتُ بِاللَّهِ وكَفَرْتُ بِالْجِبْتِ والطَّاغُوتِ، وبِاللاتِ والْعُزَّي، وعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ، وعِبَادَةِ كُلِّ نِدٍّ يُدْعَي مِنْ دُونِ اللَّهِ)، فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه، وقل: (اللَّهُمَّ إِلَيْكَ بَسَطْتُ يَدِي، وفِيمَا عِنْدَكَ عَظُمَتْ رَغْبَتِي، فَاقْبَلْ سبحتي، واغْفِرْ لِي وارْحَمْنِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ والْفَقْرِ ومَوَاقِفِ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ)? ().
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: ?إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتي تدنو من الحجر الأسود فتستقبله وتقول: (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لهذَا ومَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، سُبْحَانَ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ ولا إِلَهَ إِلا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبَرُ، أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِهِ وأَكْبَرُ مِمَّنْ أَخْشَي وأَحْذَرُ، ولا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له الْمُلْكُ ولَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ، ويُمِيتُ ويُحْيِي، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وتصلي علي النبي وآل النبي صلي الله عليه وعليهم، وتسلم علي المرسلين كما فعلت حين دخلت المسجد، ثم تقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُومِنُ بِوَعْدِكَ، وَأُوفِي بِعَهْدِكَ، اللَّهُمَّ أَمَانَتِي أَدَّيْتُهَا، وَمِيثَاقِي تَعَاهَدْتُهُ، لِتَشْهَدَ لِي بِالْمُوَافَاةِ، اللَّهُمَّ تَصْدِيقاً بِكِتَابِكَ، وَعَلَي سُنَّةِ نَبِيِّكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَفَرْتُ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، وَبِاللاتِ وَالْعُزَّي وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ وَعِبَادَةِ كُلِّ نِدٍّ يُدْعَي مِنْ دُونِ اللَّهِ) فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه، وقل: (اللَّهُمَّ إِلَيْكَ بَسَطْتُ يَدِي وَفِيمَا عِنْدَكَ عَظُمَتْ رَغْبَتِي، فَاقْبَلْ سَيْحَتِي وَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَمَوَاقِفِ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)?().
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ?إذا دخلت المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود فقل: (أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، آمَنْتُ بِاللَّهِ وكَفَرْتُ بِالطَّاغُوتِ وبِاللاتِ والْعُزَّي، وبِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ وبِعِبَادَةِ كُلِّ نِدٍّ يُدْعَي مِنْ دُونِ اللَّهِ) ثم ادن من الحجر واستلمه بيمينك ثم تقول: (بِسْمِ اللَّهِ واللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَمَانَتِي أَدَّيْتُهَا ومِيثَاقِي تَعَاهَدْتُهُ، لِتَشْهَدَ عِنْدَكَ لِي بِالْمُوَافَاةِ)?().
مسألة: مع الزحام علي الحجر يسلّم عليه من بعيد ويشير إليه بيده ويدعو بالمأثور.
عن سيف التمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أتيت الحجر الأسود فوجدت عليه زحاما فلم ألق إلا رجلا من أصحابنا فسألته فقال: لابد من استلامه! فقال: ?إن وجدته خاليا وإلا فسلم من بعيد?().
وعن محمد بن عبيد الله قال: سُئل الرضا عليه السلام عن الحجر الأسود وهل يقاتل عليه الناس إذا كثروا؟ قال: ?إذا كان كذلك فأوم إليه إيماءً بيدك?().
يقع الركن العراقي باتجاه الشمال حيث يستقبله أهل العراق في صلاتهم، وللصلاة ما بين الركن العراقي والباب فضل كبير()، وهو الموضع الذي كان فيه المقام في عهد إبراهيم عليه السلام إلي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله().
ويستحب لمن يطوف بالبيت إذا انتهي إلي الركن العراقي أن يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّكِّ وَالشِّرْك،ِ وَالشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَمَخَافَةِ الْعِدَي، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ وَالْحِرْمَانِ وَالْمُنَي وَالْفَتْقِ وَغَلَبَةِ الدَّيْنِ، آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَوَلِيِّكَ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبّاً وَبِالإِسْلامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ صلي الله عليه و اله نَبِيّاً وَبِعَلِيٍّ عليه السلام وَلِيّاً وَإِمَاماً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إِخْوَاناً)().
يقع الركن الشامي باتجاه الغرب حيث يستقبله أهل الشام في صلاتهم، وفي رواية: إنه كان لبني هاشم من الحجر الأسود إلي الركن الشامي عندما ساهمت قريش في بناء البيت().
ويستحب الصلاة بإزائه، فإن من السنة أن يصلي الإنسان بإزاء كل ركن من أركان البيت ركعتين.
عن الإمام الرضا عليه السلام في بيان علة وضع البيت وسط الأرض: ?أنه الموضع الذي من تحته دحيت الأرض، وكل ريح تهب في الدنيا فإنها تخرج من تحت الركن الشامي، وهي أول بقعة وضعت في الأرض، لأنها الوسط ليكون الفرض لأهل الشرق والغرب في ذلك سواء?().
وفي الحديث عن أبي جعفر عليه السلام: ?فأما الرياح الأربع: الشمال والجنوب والصبا والدبور، فإنما هي أسماء الملائكة الموكلين بها، فإذا أراد الله أن يهب شمالا أمر الملك الذي اسمه الشمال فيهبط علي البيت الحرام فقام علي الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الشمال حيث يريد الله من البر والبحر، فإذا أراد الله أن يبعث جنوبا أمر الملك الذي اسمه الجنوب فهبط علي البيت الحرام فقام علي الركن الشامي فضرب
بجناحه فتفرقت ريح الجنوب في البر والبحر حيث يريد الله، وإذا أراد الله أن يبعث الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط علي البيت الحرام فقام علي الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الصبا حيث يريد الله جل وعز في البر والبحر، وإذا أراد الله أن يبعث دبورا أمر الملك الذي اسمه الدبور فهبط علي البيت الحرام فقام علي الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله من البر والبحر? ثم قال أبو جعفر عليه السلام: ?أما تسمع لقوله ريح الشمال وريح الجنوب وريح الدبور وريح الصبا، إنما تضاف إلي الملائكة الموكلين بها?().
ويستحب لمن يطوف بالبيت إذا انتهي إلي الركن الشامي أن يقول: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجَّةً مَقْبُولَةً، وَذَنْباً مَغْفُورا،ً وَسَعْياً مَشْكُوراً، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلا، تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ، وَمُوسَي كَلِيمِكَ، وَعِيسَي رُوحِكَ/ وَمُحَمَّدٍ صلي الله عليه و اله حَبِيبِكَ)().
وفي رواية: عن أبي عبد الله (صلوات الله عليه) قال: لما انتهي رسول الله صلي الله عليه و اله إلي الركن الغربي فجازه، قال له الركن: يا رسول الله ألست قعيدا من قواعد بيت ربك، فما بالي لا استلم؟ فدنا منه النبي صلي الله عليه و اله فقال: ?اسكن عليك السلام غير مهجور?().
ويستحب أن يقول بين الركن الغربي واليماني في الطواف: ?اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني?().
يقع الركن اليماني باتجاه الجنوب، حيث يستقبله أهل اليمن في صلاتهم.
ويستحب الصلاة بإزائه، فإن من السنة أن يصلي بإزاء كل ركن من أركان البيت ركعتين.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله ساهم قريشاً في بناء البيت، فصار لرسول الله صلي الله عليه و اله من باب الكعبة إلي
النصف ما بين الركن اليماني إلي الحجر الأسود?().
ويحتوي الجدار المحصور بين الركن الشامي والركن اليماني علي عرق محشو بالفضة وهو المحل الذي دخلت منه فاطمة بنت أسد عليها السلام حينما ضربها الطلق لتضع أكرم مولود في الإسلام ألا وهو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
ثم إن الركن اليماني وركن الحجر الأسود ما زالا علي القواعد التي رفعها إبراهيم عليه السلام، وذلك عندما تهدمت الكعبة فقامت قريش ببنائها، وكان الهدم من جانب الركنين العراقي والشامي، ولكنها أخرجتهما عن البناء ستة أذرع لعدم توفر المال الكافي لذلك.
وقد أكدت الروايات علي أن الركن اليماني من مواطن استجابة الدعاء، وأنه باب من أبواب الجنة، ويستحب استلامه ولمسه باليد ووضع الخدين عليه وتقبيله، فإن التمسح به يحط الخطايا حطاً ويكفرها().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?الركن اليماني باب من أبواب الجنة لم يغلقه الله منذ فتحه?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?الركن اليماني بابنا الذي ندخل منه
الجنة?().
وعن أبي عبد الله الحسين عليه السلام أنه قال: ?الركن اليماني باب من أبواب الجنة لم يمنعه منذ فتحه، وأن ما بين هذين الركنين الأسود واليماني ملك يدعي هجير يؤمن علي دعاء المؤمنين?().
وعن أبي الفرج السندي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كنت أطوف معه بالبيت، فقال: ?أي هذا أعظم حرمة? فقلت: جعلت فداك أنت أعلم بهذا مني؟ فأعاد عليّ، فقلت له: داخل البيت، فقال: ?الركن اليماني علي باب من أبواب الجنة، مفتوح لشيعة آل محمد صلي الله عليه و اله، مسدود عن غيرهم، وما من مؤمن يدعو بدعاء عنده إلا?صعد دعاؤه حتي يلصق بالعرش ما بينه وبين الله تعالي حجاب?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن في هذا
الموضع يعني حين يجوز الركن اليماني ملكا أعطي سماع أهل الأرض فمن صلي علي رسول الله صلي الله عليه و اله حين يبلغه أبلغه إياه?().
وعن أبي الحسن عليه السلام: ?أن رسول الله صلي الله عليه و اله طاف بالكعبة حتي إذا بلغ الركن اليماني رفع رأسه إلي الكعبة ثم قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَكِ وَعَظَّمَكِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَعَثَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَ عَلِيّاً إِمَاماً، اللَّهُمَّ أَهْدِ له خِيَارَ خَلْقِكَ وَجَنِّبْهُ شِرَارَ خَلْقِكَ)?().
وعن الربيع بن خثيم قال: شهدت أبا عبد الله عليه السلام وهو يطاف به حول الكعبة في محمل?وهو شديد المرض، فكان كلما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه علي الأرض فأدخل يده في كوة المحمل حتي يجرها علي الأرض ثم يقول: ?ارفعوني? فلما فعل ذلك مرارا في كل شوط قلت له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إن هذا يشق عليك، فقال: ?إني سمعت الله عزوجل يقول
?ليشهدوا منافع لهم صلي الله عليه و اله()? فقلت: منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال:
?الكل?().
وعن علي بن مهزيار قال: (رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام في سنة خمس وعشرين ومائتين ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط، فلما كان في الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثم مسح وجهه بيده)().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا أردت أن تخرج من مكة فتأتي أهلك فودّع البيت وطف أسبوعا، وإن استطعت أن تستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط فافعل، وإلا فافتح به واختم، وإن لم تستطع ذلك فموسع عليك?().
وعن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: ?كان رسول الله صلي الله عليه و اله لا يستلم إلا الركن الأسود واليماني ويقبلهما
ويضع خده عليهما?ورأيت أبي يفعله?().
وعن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال: ?كان رسول الله صلي الله عليه و اله يستلم الركنين الذي فيه الحجر الأسود?والركن اليماني كلما مر بهما في الطواف?().
ومن هنا تأكد استحباب استلام الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر وتقبيلهما ووضع الخد عليهما والتزامهما?وعدم تأكد استحباب استلام الركنين الآخرين.
قال الإمام الصادق عليه السلام: ?تقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وقِنا عَذابَ النَّارِ) وقل في الطواف: (اللَّهُمَّ إِنِّي إِلَيْكَ فَقِيرٌ وإِنِّي خَائِفٌ مُسْتَجِيرٌ فَلا تُغَيِّرْ جِسْمِي ولا تُبَدِّلِ اسْمِي)?().
ويستحب لمن يطوف بالبيت إذا انتهي إلي الركن اليماني أن يقول: ?اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ?.
وقال عليه السلام: ?أكثر من (سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَ يُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)? (?.
وفي أدعية منسوبة إلي آدم عليه السلام روي أنه ركع إلي جانب الركن اليماني ركعتين ثم قال: (اللهم إني أسألك إيمانا تباشر به قلبي، ويقينا صادقا حتي أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي، ورضني من العيش بما قسمت لي يا أرحم الراحمين)().
يقع باب الكعبة علي ارتفاع مترين ونصف المتر من أرضية المسجد الحرام، فيما بين الحجر الأسود والركن العراقي، ويبلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار وهي مصنوعة من الذهب الخالص.
مسألة: يستحب أن يقول عند ما يبلغ باب البيت:
(سَائِلُكَ فَقِيرُكَ، مِسْكِينُكَ بِبَابِكَ، فَتَصَدَّقْ عَلَيْهِ بِالْجَنَّةِ، اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُكَ والْحَرَمُ حَرَمُكَ والْعَبْدُ عَبْدُكَ، وهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ
الْمُسْتَجِيرِ بِكَ مِنَ النَّارِ فَأَعْتِقْنِي وولِدَيَّ وأَهْلِي ووُلْدِي وإِخْوَانِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ، يَا جَوَادُ يَا كَرِيمُ).
قال الإمام الصادق عليه السلام: ?كلما انتهيت إلي باب الكعبة فصلّ علي
النبي صلي الله عليه و اله ?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يفتح أبواب السماء بالرحمة في أربع مواضع، عند نزول المطر وعند نظر الولد في وجه الوالدين وعند فتح باب الكعبة وعند
النكاح?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?أحب للصرورة أن يدخل الكعبة وأن يطأ المشعر الحرام، ومن ليس بصرورة فإن وجد سبيلا إلي دخول الكعبة وأحب ذلك فعل وكان مأجورا وإن كان علي باب الكعبة زحام فلا يزاحم الناس?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لما قدم رسول الله صلي الله عليه و اله مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست?().
عن عبد الله بن عباس قال: حججنا مع رسول الله صلي الله عليه و اله حجة الوداع فأخذ باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ?ألا أخبركم بأشراط الساعة? وكان أدني الناس منه يومئذ سلمان رضي الله عنه، فقال: بلي يا رسول الله.
فقال: ?إن من أشراط القيامة إضاعة الصلاة واتباع الشهوات والميل مع الأهواء وتعظيم المال وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذاب قلب المؤمن وجوفه كما يذوب الملح في الماء مما يري من المنكر فلا يستطيع أن يغيره?.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: ?إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها أمراء جورة ووزراء فسقة وعرفاء ظلمة وأمناء خونة?.
فقال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: ?إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها يكون المنكر معروفا والمعروف منكرا واؤتمن الخائن ويخون الأمين ويصدق الكاذب ويكذب الصادق?.
قال سلمان: وإن هذا لكائن
يا رسول الله؟
قال: ?إي والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها إمارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبيان علي المنابر ويكون الكذب طرفا والزكاة مغرما والفي ء مغنما ويجفو الرجل والديه ويبر صديقه ويطلع الكوكب المذنب?.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: ?إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ويكون المطر قيظا ويغيظ الكرام غيظا ويحتقر الرجل المعسر فعندها يقارب الأسواق إذا قال هذا لم أبع شيئا،وقال هذا لم أربح شيئا،فلا تري إلا ذاما لله?.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: ?إي والذي نفسي بيده يا سلمان فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم وإن سكتوا استباحوهم ليستأثروا بفيئهم وليطؤن حرمتهم وليسفكن دماءهم ولتملأن قلوبهم رعبا فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين?.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: ?إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها يؤتي بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلون أمتي فالويل لضعفاء أمتي منهم والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيرا ولا يوقرون كبيرا ولا يتجاوزون عن مسيء، أخبارهم خناء جثتهم جثة الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين?.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: ?إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ويغار علي الغلمان كما يغار علي الجارية في بيت أهلها، ويشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ويركبن ذوات الفروج السروج فعليهن من أمتي لعنة الله?.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
فقال صلي الله عليه و اله: ?إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس ويحلي المصاحف وتطول المنارات وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة?.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال صلي الله عليه
و اله: ?إي والذي نفسي بيده، وعندها تحلي ذكور أمتي بالذهب ويلبسون الحرير والديباج ويتخذون جلود النمور صفاقا?.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال صلي الله عليه و اله: ?إي والذي نفسي بيده?().
ثم قال صلي الله عليه و اله: ?فأودعكم وأوصيكم بوصية فاحفظوها: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً?().
عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد قال: (رأيت أبا ذر متعلقا بحلقة باب الكعبة فسمعته يقول: أنا جندب من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: ?من قاتلني في الأولي وقاتل أهل بيتي في الثانية فهو من شيعة الدجال، إنما مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في لجة البحر، من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق، ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ألا هل بلغت? قالها ثلاثا)().
وعن عبد الله بن الصامت قال: رأيت أبا ذر آخذا بحلقة باب الكعبة مقبلا بوجهه للناس وهو يقول: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فسأنبئه باسمي، فأنا جندب بن السكن بن عبد الله، أنا أبو ذر الغفاري، أنا رابع أربعة ممن أسلم مع رسول الله صلي الله عليه و اله سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول وذكر الحديث بطوله إلي قوله: ?ألا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها، لو قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخره الله وجعلتم الولاية حيث جعلها الله، لما عال ولي الله ولما ضاع فرض من فرائض الله ولا اختلف اثنان في حكم من أحكام الله، إلا كان علم ذلك عند أهل بيت نبيكم فذوقوا وبال ما
كسبتم وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ?().
وعن ابن عباس قال: رأيت الحسين عليه السلام قبل أن يتوجه إلي العراق علي باب الكعبة وكف جبرئيل في كفه وجبرئيل ينادي: ?هلموا إلي بيعة الله
عزوجل?().
الحطيم ما بين الحجر الأسود وباب البيت، ويعد من أفضل البقع في المسجد الحرام كما أكدت عليه الروايات الشريفة، وتستحب الصلاة فيه وتذكر الذنوب والخطايا وعدها واحداً واحداً والإقرار لله عزوجل بالخطايا، ثم طلب العفو من الله الغفور الرحيم، وهو الموضع الذي تاب الله فيه علي آدم عليه السلام.
عن ابن فضال عن الحسن بن الجهم قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أفضل موضع في المسجد يصلي فيه؟، قال: ?الحطيم ما بين الحجر وباب البيت?()، الحديث.
وقال الصادق عليه السلام: ?إن تهيأ لك أن تصلي صلواتك كلها الفرائض وغيرها عند الحطيم فافعل فإنه أفضل بقعة علي وجه الأرض?().
وعن أبي عبيدة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الصلاة في الحرم كله سواء؟ فقال: ?يا أبا عبيدة ما الصلاة في المسجد الحرام كله سواء، فكيف يكون في
الحرم كله سواء? قلت: فأي بقاعه أفضل؟ قال: ?ما بين الباب إلي الحجر
الأسود?().
وعن زرارة قال: سألته عن الرجل يصلي بمكة يجعل المقام خلف ظهره وهو مستقبل القبلة؟ فقال عليه السلام: ?لا بأس يصلي حيث شاء من المسجد بين يدي المقام أو خلفه وأفضله الحطيم والحجر وعند المقام والحطيم حذاء الباب?().
وعن معاوية قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحطيم؟ فقال: ?هو ما بين الحجر الأسود وبين الباب? وسألته لم سمي الحطيم؟ فقال: ?لأن الناس يحطم بعضهم بعضا هناك?().
وفي بعض الروايات: سمي بالحطيم لأن هناك تتحطم الذنوب.
وعن أبي بلال المكي قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام طاف
بالبيت ثم صلي فيما بين الباب والحجر الأسود ركعتين، فقلت له: ما رأيت أحدا منكم صلي في هذا الموضع؟ فقال: ?هذا المكان الذي تيب علي آدم فيه?().
وفي خبر آخر: ?أتدرون أي بقعة أعظم حرمة عند الله? فلم يتكلم أحد وكان هو الراد علي نفسه فقال: ?ذلك ما بين الركن الأسود والمقام إلي باب الكعبة، ذلك حطيم إسماعيل عليه السلام الذي كان يذود فيه غنمه?().
وفي الحديث: ?فإذا أردت وداع البيت فطف به أسبوعا وصل ركعتين حيث أحببت من الحرم وائت الحطيم، والحطيم ما بين الكعبة والحجر الأسود، فتعلق بأستار الكعبة وأنت قائم، فاحمد الله وأثن عليه وصل علي النبي صلي الله عليه و اله ثم قل: (اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَهُ عَلَي دَوَابِّكَ وَسَيَّرْتَهُ فِي بِلادِكَ وَأَقْدَمْتَهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، اللَّهُمَّ وَقَدْ كَانَ فِي أَمَلِي وَرَجَائِي أَنْ تَغْفِرَ لِي، فَإِنْ كُنْتَ يَا رَبِّ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَازْدَدْ عَنِّي رِضًي وَقَرِّبْنِي إِلَيْكَ زُلْفَي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلْتَ يَا رَبِّ ذَلِكَ فَمِنَ الآنَ فَاغْفِرْ لِي قَبْلَ أَنْ تَنْأَي دَارِي عَنْ بَيْتِكَ غَيْرَ رَاغِبٍ عَنْهُ وَلا مُسْتَبْدِلٍ بِهِ، هَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إِنْ كُنْتَ قَدْ أَذِنْتَ لِي، اللَّهُمَّ فَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَمِنْ تَحْتِي وَمِنْ فَوْقِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي حَتَّي تُقْدِمَنِي أَهْلِي صَالِحاً، فَإِذَا أَقْدَمْتَنِي أَهْلِي فَلا تُخَلِّ مِنِّي وَاكْفِنِي مَئُونَةَ عِيَالِي وَمَئُونَةَ خَلْقِكَ)?().
وروي المفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام يقول: ?إذا أذن الله عزوجل للقائم عليه السلام في الخروج صعد المنبر ودعا الناس إلي نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلي حقه وأن يسير فيهم بسنة رسول الله صلي الله عليه و اله ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله تعالي
جبرئيل عليه السلام حتي يأتيه فينزل علي الحطيم ثم يقول له: إلي أي شيء تدعو؟ فيخبره القائم عليه السلام، فيقول جبرئيل: أنا أول من يبايعك ابسط يدك، فيمسح علي يده وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فيبايعونه ويقيم بمكة حتي يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس ثم يسير منها إلي
المدينة?().
حِجر إسماعيل عليه السلام هو حائط يقرب ارتفاعه أكثر من متر ونصف المتر وعرضه نصف متر تقريباً، علي شكل نصف دائرة ملاصق للكعبة الشريفة ما بين الركن العراقي والركن الشامي، وفيه قبر إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام كما هو مدفن للعديد من الأنبياء عليهم السلام، وتستحب الصلاة فيه استحباباً مؤكداً، كما يستحب الوقوف والدعاء فيه خصوصاً تحت ميزاب الرحمة مع رفع اليدين والنظر إليه.
عن أبي بلال المكي قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام دخل الحجر من ناحية الباب فقام يصلي علي قدر ذراعين من البيت، فقلت له: ما رأيت أحدا من أهل بيتك يصلي بحيال الميزاب؟ فقال: ?هذا مصلي شبر?وشبير ابني هارون?().
وعن سيف التمار قال: كنا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر فقال: ?علينا عين?؟ فالتفتنا يمنة?ويسرة فلم نر أحدا، فقلنا: ليس علينا عين، قال: ?ورب الكعبة ورب البنية ثلاث مرات لو كنت بين موسي والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما لأن موسي والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما هو كائن إلي يوم القيامة، وإن رسول الله صلي الله عليه و اله أعطي علم ما كان وما هو كائن إلي يوم القيامة، فورثناه من رسول الله صلي الله عليه و اله وراثة?().
ميزاب الرحمة مصنوع من الذهب الخالص، وهو يتوسط جدار الكعبة ما بين الركن العراقي والركن الشامي، ويستحب الوقوف تحته والنظر إليه أثناء الدعاء()، وكثيراً ما ينتظر الناس المطر ليتبركوا بماء الميزاب لما فيه من الشفاء، فإنه يستحب شرب ماء الميزاب().
روي عبد الله بن جبلة عن مصادف قال: (اشتكي رجل من إخواننا بمكة حتي سقط للموت، فلقينا أبا عبد
الله عليه السلام في الطريق، فقال: ?يا مصادف ما فعل فلان؟?، قلت: تركته بالموت جعلت فداك، فقال: ?أما لو كنت مكانكم لسقيته من ماء الميزاب?، فطلبنا عند كل أحد فلم نجده، فبينا نحن كذلك إذا ارتفعت سحابة فأرعدت وأبرقت وأمطرت فجئت إلي بعض من في المسجد فأعطيته درهماً وأخذت قدحه ثم أخذت من ماء الميزاب فأتيته به وسقيته منه ولم أبرح من عنده حتي شرب سويقاً وصلح وبرأ بعد ذلك)().
ويستحب للطائف إذا بلغ الميزاب أن يقول: (اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، ووَسِّعْ عَلَيَّ مِنَ الرِّزْقِ الْحَلالِ، وادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ والْعَجَمِ، وشَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ والإنْسِ) ويقول وهو يجوز: (اللَّهُمَّ إِنِّي إِلَيْكَ فَقِيرٌ، وإِنِّي مِنْكَ خَائِفٌ ومُسْتَجِيرٌ، فَلا تُبَدِّلِ اسْمِي، ولا تُغَيِّرْ جِسْمِي)().
كما يستحب إذا انتهي إلي تحت الميزاب أن يقول: (اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّكَ، آمِنِّي رَوْعَةَ الْقِيَامَةِ، وَأَعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ، وَأَوْسِعْ عَلَيَّ رِزْقِي مِنَ الْحَلالَ، وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالإنْسِ، وَشَرَّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَاغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمِ)().
وفي الوسائل عن الشيخ يعني الإمام موسي بن جعفر عليه السلام قال: ?كان أبي إذا استقبل الميزاب قال: اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ، وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالإنْسِ، وَأَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?كان علي بن الحسين عليه السلام إذا بلغ الحجر قبل أن يبلغ الميزاب يرفع رأسه ثم يقول: (اللَّهُمَّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ) وهو ينظر إلي الميزاب (وَأَجِرْنِي بِرَحْمَتِكَ مِنَ النَّارِ، وَعَافِنِي مِنَ السُّقْمِ، وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنَ الرِّزْقِ الْحَلالِ، وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَشَرَّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ)?().
المستجار هو المكان الواقع ما بين
الركن الشامي والركن اليماني، قريباً من الركن اليماني، في الجهة المقابلة لباب الكعبة.
وهو المكان الذي انشق للسيدة فاطمة بنت أسد فدخلت الكعبة لتلد الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، فكانت في ضيافة الله تعالي ثلاثة أيام ثم انشق جدار الكعبة مرة أخري وخرجت من نفس المكان وعلي يديها أسد الله الغالب علي بن أبي طالب عليه السلام.
ويسمي بالملتزم والمتعوذ أيضا.
قال العلامة المجلسي رضي الله عنه (): (الملتزم: المستجار، مقابل باب الكعبة، سمي به لأنه يستحب التزامه وإلصاق البطن به والدعاء عنده، وقيل المراد به: الحجر الأسود، أو ما بينه وبين الباب، أو عتبة الباب، وكأنه أخذ بعضه من قول صاحب المصباح حيث قال: (التزمته اعتنقته فهو ملتزم، ومنه يقال لما بين الباب والحجر الأسود الملتزم لأن الناس يعتنقونه أي يضمونه إلي صدورهم) انتهي، وهو إنما فسره بذلك لأنهم لا يعدون الوقوف عند المستجار مستحبا وهو من خواص الشيعة، وما فسره به هو الحطيم عندنا، وبالجملة هذه التفاسير نشأت من عدم الأنس بالأخبار)().
يستحب الوقوف عند المستجار وهو مؤخر الكعبة مما يلي الركن اليماني بحذاء باب الكعبة من الجهة المقابلة وإلصاق البدن كله به، وكثرة الدعاء، وطلب المغفرة هناك.
كما يستحب للطائف إذا كان في الشوط السابع أن يقف بالمستجار، فيبسط يديه علي البيت ويلصق خده وبطنه بالبيت ويقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي حَلَلْتُ بِفِنَائِكَ، فَاجْعَلْ قِرَايَ مَغْفِرَتَكَ، وهَبْ لِي مَا بَيْنِي وبَيْنَكَ، واسْتَوْهِبْنِي مِنْ خَلْقِكَ)، ثم يدعو بما شاء ويقر لربه بالذنوب ويقول: (اللَّهُمَّ مِنْ قِبَلِكَ الرَّوْحُ والرَّاحَةُ، والْفَرَحُ والْعَافِيَةُ، اللَّهُمَّ إِنَّ عَمَلِي ضَعِيفٌ فَضَاعِفْهُ لِي، واغْفِرْ لِي مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي وخَفِيَ عَلَي خَلْقِكَ، أَسْتَجِيرُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ) ويكثر لنفسه من الدعاء().
قال أبو عبد الله عليه السلام:
?إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ، وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب، فقل: (اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُكَ، وَالْعَبْدُ عَبْدُكَ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ مِنْ قِبَلِكَ الرَّوْحُ وَالْفَرَجُ) ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر فاختم به?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?من طاف بهذا البيت طوافا واحدا كتب الله عزوجل له ستة آلاف حسنة، ومحا عنه ستة آلاف سيئة، ورفع الله له ستة آلاف درجة، حتي إذا كان عند الملتزم فتح الله له سبعة أبواب من أبواب الجنة?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لما طاف آدم عليه السلام بالبيت وانتهي إلي الملتزم قال له جبرئيل عليه السلام: يا آدم أقر لربك بذنوبك في هذا المكان، قال: فوقف آدم عليه السلام فقال: يا رب إن لكل عامل أجرا وقد عملت فما أجري؟ فأوحي الله عزوجل إليه: يا آدم قد غفرت ذنبك، قال: يا رب ولولدي أو لذريتي؟ فأوحي الله عزوجل إليه: يا آدم من جاء من ذريتك إلي هذا المكان وأقر بذنوبه وتاب كما تبت ثم استغفر غفرت له?().
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كان إذا انتهي إلي الملتزم قال لمواليه: ?أميطوا عني حتي أقر لربي بذنوبي في هذا المكان، فإن هذا مكان لم يقر عبد لربه بذنوبه ثم استغفر الله إلا غفر الله له?().
وعن يونس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الملتزم لأي شيء يلتزم وأي شيء يذكر فيه؟ فقال: ?عنده نهر من أنهار الجنة تلقي فيه أعمال العباد عند كل خميس?().
وعن علي بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام سنة خمس وعشرة ومائتين ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس
وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط، فلما كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثم مسح وجهه بيده ثم أتي المقام فصلي خلفه ركعتين ثم خرج إلي دبر الكعبة إلي الملتزم، فالتزم البيت وكشف الثوب عن بطنه ثم وقف عليه طويلا يدعو ثم خرج من باب الحناطين?().
وعن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: ?أقروا عند الملتزم بما حفظتم من ذنوبكم وما لم تحفظوا، فقولوا: (وَمَا حَفِظَتْهُ عَلَيْنَا حَفَظَتُكَ وَنَسِينَاهُ فَاغْفِرْهُ لَنَا)، فإنه من أقر بذنبه في ذلك الموضع وعدّه وذكره واستغفر الله منه كان حقا علي الله عزوجل أن يغفر له?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?إن علي بن الحسين عليه السلام إذا أتي الملتزم قال: (اللَّهُمَّ إِنَّ عِنْدِي أَفْوَاجاً مِنْ ذُنُوبٍ وَأَفْوَاجاً مِنْ خَطَايَا، وَعِنْدَكَ أَفْوَاجٌ مِنْ رَحْمَةٍ وَأَفْوَاجٌ مِنْ مَغْفِرَةٍ، يَا مَنِ اسْتَجَابَ لأبْغَضِ خَلْقِهِ إِلَيْهِ إِذْ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَي يَوْمِ يُبْعَثُونَ، اسْتَجِبْ لِي وَافْعَلْ بِي كَذَا وَكَذَا)?().
الشاذروان بناء مسنم يحيط بأسفل الكعبة، ويبلغ متوسط ارتفاعه ثلاثة أرباع المتر تقريباً، ويسمي (تأزير) أيضاً، لأنه كالإزار للبيت.
والأحوط استحباباً أن لا يمسّه المحرم حين الطواف، فإنه القدر الباقي من أساس جدار الكعبة.
قال في الوسائل: (روي جماعة من فقهائنا منهم العلامة في التذكرة() حديثاً مرسلا مضمونه: أن الشاذروان كان من الكعبة)().
المِعْجَنَة: حفرة علي مقربة من الشاذروان بين باب الكعبة والركن العراقي، يقال: إنّ إبراهيم عليه السلام كان يعجن فيها ملاط البناء، ويقال: إنّ جبرئيل عليه السلام صلّي بالنبي صلي الله عليه و اله في هذا المكان الصلوات الخمس عندما فرضت علي أُمّته.
كسوة الكعبة حلة شريفة تُكسي بها الكعبة المشرفة وفيها البركة.
قال الإمام موسي بن جعفر عليه السلام في حديث: ?ويطلب بركته?().
ومن المستحب إكساء الكعبة المعظمة، وفي هذه الأيام تكسي في يوم عرفة التاسع من شهر ذي حجة الحرام من كل عام لتبقي حولاً كاملاً.
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ?إن سليمان عليه السلام قد حج البيت في الجن والإنس والطير والرياح وكسا البيت القباطي?().
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن آدم عليه السلام هو الذي بني هذا البيت ووضع أساسه وأول من كساه الشعر وأول من حج إليه، ثم كساه تبع بعد آدم عليه السلام الأنطاع، ثم كساه إبراهيم عليه السلام الخصف، وأول من كساه الثياب سليمان بن داود عليه السلام كساه القباطي?().
وفي (قرب الإسناد) عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عليه السلام: ?إن علياً عليه السلام كان يبعث بكسوة البيت في كل سنة من العراق?().
مسألة: يستحب التعلق بأستار الكعبة كما في الروايات الشريفة.
عن الأصمعي قال: (كنت أطوف حول الكعبة ليلةً، فإذا شاب ظريف الشمائل وعليه ذؤابتان وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: ?نامت العيون وعلت النجوم وأنت الملك الحي القيوم، غلقت الملوك أبوابها وأقامت عليها حراسها وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر إليّ برحمتك يا أرحم الراحمين?.
ثم أنشأ يقول:
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم
يا كاشف الضر والبلوي مع السقم
قد نام وفدك حول البيت قاطبةً
وأنت وحدك يا قيوم لم تنم
أدعوك رب دعاءً قد أمرت به
فارحم بكائي بحق البيت والحرم
إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف
فمن يجود علي العاصين بالنعم
قال: فاقتفيته فإذا هو زين العابدين عليه السلام)().
وقد سئل أمير المؤمنين عليه السلام فقيل له: فالتعلق
بأستار الكعبة لأي معني هو؟ قال: ?مثله مثل رجل له عبد جني جناية وذنباً فهو متعلق بثوبه ويتضرع إليه ويخضع له أن يتجاوز له عن ذنبه?().
وقد قال محمد بن عثمان وكيل الإمام الحجة عليه السلام أنه رأي الإمام (صلوات الله عليه) متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: ?اللهم انتقم لي من
أعدائك?)().
وفي المستدرك: إن أمير المؤمنين عليه السلام دخل مكة في بعض حوائجه فوجد أعرابيا متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: (يَا صَاحِبَ الْبَيْتِ، الْبَيْتُ بَيْتُكَ والضَّيْفُ ضَيْفُكَ وَلِكُلِّ ضَيْفٍ مِنْ مُضِيفِهِ قِرًي، فَاجْعَلْ قِرَايَ مِنْكَ اللَّيْلَةَ الْمَغْفِرَةَ)، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه: ?أما تسمعون كلام الأعرابي? قالوا: نعم، فقال: ?الله أكرم من أن يردّ ضيفه? فلما كان الليلة الثانية وجده متعلقاً بذلك الركن وهو يقول: (يَا عَزِيزاً فِي عِزِّكَ، فَلا أَعَزَّ مِنْكَ فِي عِزِّكَ، أَعِزَّنِي بِعِزِّ عِزِّكَ فِي عِزٍّ لا يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ، أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام عَلَيْكَ أَعْطِنِي مَا لا يُعْطِينِي أَحَدٌ غَيْرُكَ، وَاصْرِفْ عَنِّي مَا لا يَصْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُكَ)، قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه: ?هذا والله الاسم الأكبر بالسريانية، أخبرني به حبيبي رسول الله صلي الله عليه و اله سأله الجنة فأعطاه، وسأله صرف النار وقد صرفها عنه?. فلما كان الليلة الثالثة وجده متعلقاً بذلك الركن وهو يقول: (يَا مَنْ لا يَحْوِيهِ مَكَانٌ وَلا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ، بِلا كَيْفِيَّةٍ كَانَ، ارْزُقِ الأَعْرَابِيَّ أَرْبَعَةَ آلافِ دِرْهَمٍ) الخبر، وهو طويل وفيه أنه عليه السلام أعطاه ما سأله().
وعن طاووس اليماني() قال: (رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول:
أَلا أَيُّهَا الْمَأْمُولُ فِي كُلِّ حَاجَةٍ
شَكَوْتُ إِلَيْكَ الضُّرَّ فَاسْمَعْ شِكَايَتِي
أَلا يَا رَجَائِي أَنْتَ تَكْشِفُ كُرْبَتِي
فَهَبْ لِي
ذُنُوبِي كُلَّهَا وَاقْضِ حَاجَتِي
فَزَادِي قَلِيلٌ ما أَرَاهُ مُبَلِّغِي
أَلِلزَّادِ أَبْكِي أَمْ لِبُعْدِ مَسَافَتِي
أَتَيْتُ بِأَعْمَالٍ قِبَاحٍ رَدِيَّةٍ
فَمَا فِي الْوَرَي عَبْدٌ جَنَي كَجِنَايَتِي
أَتُحْرِقُنِي فِي النَّارِ يَا غَايَةَ الْمُنَي
فَأَيْنَ رَجَائِي منك أَيْنَ مَخَافَتِي
قال: فتأملته فإذا هو علي بن الحسين عليه السلام) الحديث ().
وقال السيد ابن زهرة في الغنية: (ويتعلق بأستار الكعبة ويقول: اللَّهُمَّ بِكَ اسْتَجَرْتُ فَأَجِرْنِي، وَبِكَ أَسْتَغِيثُ فَأَغِثْنِي، يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، يَا حَسَنُ يَا حُسَيْنُ، ويسمي الأئمة عليهم السلام إلي آخرهم، بِاللَّهِ رَبِّي أَسْتَغِيثُ، وَبِكُمْ إِلَيْهِ تَشَفَّعْتُ، أَنْتُمْ عُمْدَتِي، وَإِيَّاكُمْ أُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ حَوَائِجِي، فَكُونُوا شُفَعَائِي إِلَي اللَّهِ فِي إِجَابَةِ دُعَائِي وَتَبْلِيغي فِي الدينِ والدُنيا مُنايَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ بِهِمْ عَبْرَتِي وَاغْفِرْ بِشَفَاعَتِهِمْ خَطِيئَتِي، وَاقْبَلْ مَنَاسِكِي، وَاغْفِرْ لِي ولِوَالِدَيَّ، وَاحْفَظْنِي فِي نَفْسِي وَأَهْلِي وَفِي جَمِيعِ إِخْوَانِي، وَأَشْرِكْهُمْ فِي صَالِحِ دُعَائِي، إِنَّكَ عَلَي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ)().
وفي فقه الرضا عليه السلام قال: ?فإذا كنت في الشوط السابع فقف عند المستجار وتعلق بأستار الكعبة وادع الله كثيراً وألحّ عليه وسل حوائج الدنيا والآخرة فإنه قريب مجيب?().
وفي المستدرك: (فإذا كنت في الشوط السابع فقم بالمستجار وتعلق بأستار الكعبة)().
وقال المقداد بن أسود الكندي (رضوان الله عليه): (كنا مع رسول الله صلي الله عليه و اله وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: (اللهم اعضدني واشدد أزري، واشرح صدري وارفع ذكري)، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: اقرأ يا محمد، قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ: ?أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ? وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ ? الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ? وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ?() بعلي صهرك()، وهذا تأويل من جبرئيل للآية الشريفة).
وروي: أن عليا عليه السلام اعتمر فرأي رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: (يا من لا يشغله سمع عن سمع،
يا من لا تقلقه المسائل، و لا يبرمه إلحاح الملحين، أذقني برد عفوك، وحلاوة مغفرتك، وعذوبة عافيتك والفوز بالجنة، والنجاة من النار) فقال علي عليه السلام: ?والذي نفسي بيده إن قالها وعليه مثل السماوات والأرض من الذنوب قولا مخلصا ليغفرن له?().
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: (أنه كان جالسا في الحرم في مقام إبراهيم عليه السلام فجاء رجل شيخ كبير قد فني عمره في المعصية فنظر إلي الصادق عليه السلام فقال: نعم الشفيع إلي الله للمذنبين، فأخذ بأستار الكعبة وأنشأ يقول:
بحق جلالك يا وليي
بحق الهاشمي الأبطحي
بحق الذكر إذ يوحي إليه
بحق وصيه البطل الكمي
بحق الطاهرين ابني علي
وأمهما ابنة البر الزكي
بحق أئمة سلفوا جميعا
علي منهاج جدهم النبي
بحق القائم المهدي إلا
غفرت خطيئة العبد المسيء
قال: فسمع هاتفا يقول: يا شيخ كان ذنبك عظيما ولكن غفرنا لك جميع ذنوبك بحرمة شفعائك، فلو سألتنا ذنوب أهل الأرض لغفرنا لهم غير عاقر الناقة وقتلة الأنبياء والأئمة الطاهرين)().
وعن ابن عباس قال: رأيت أبا ذر رضي الله عنه وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: (من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر، لو صمتم حتي تكونوا كالأوتار وصليتم حتي تكونوا كالحنايا ما ينفعكم ذلك حتي تحبوا عليا عليه السلام)().
مقام إبراهيم عليه السلام هو الحَجَر الذي قام عليه شيخ الأنبياء إبراهيم عليه السلام حينما أذّن في الناس بالحج فأثرت فيه قدماه، فقد جعل الله رطوبة الطين لذلك الحجر فغاصت قدماه ليكون آية من بعده.
قال الطبرسي (قدس الله روحه) في قوله سبحانه: ?وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ?(): (إن الله سبحانه جعل الحجر تحت قدميه كالطين حتي دخلت قدمه فيه وكان في ذلك معجزة له)().
وقد أمر الله تعالي عباده بأن يتخذوا مقام إبراهيم عليه السلام
مصلي فقال جل شأنه في محكم التنزيل: ?وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود?().
وهو من الآيات البينات التي جعلها الله في البيت الحرام، فقد روي الحسن ابن محبوب عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل:
?إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهديً للعالمين ? فيه آيات بينات?()، ما هذه الآيات البينات؟، قال: ?مقام إبراهيم حيث قام علي الحَجَر فأثرت فيه قدماه والحجر الأسود ومنزل إسماعيل عليه السلام ?().
وروي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: ?نزلت ثلاثة أحجار من الجنة، مقام إبراهيم عليه السلام وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود استودعه الله إبراهيم عليه السلام حجرا أبيض وكان أشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بني آدم?().
وقال عليه السلام: ?من جاء إلي هذا البيت عارفا بحقه فطاف به أسبوعا وصلي ركعتين في مقام إبراهيم عليه السلام كتب الله له عشرة آلاف حسنة ورفع له عشرة آلاف درجة?().
بئر زمزم، وتسمي أيضاً: بركة، مباركة، بشري، تكتم، مكتومة، حفيرة عبد المطلب، هزمة جبرائيل عليه السلام، سقاية الحاج، شباعة، شراب الأبرار، ميمونة، ركضة جبرائيل عليه السلام، سقيا إسماعيل عليه السلام، المصونة، طعام، مطعم، شقاء سقم، الرواء، برة، المضمونة، شُبعة، و … وقيل: إن لها ستين اسماً.
وقال البعض: إن الزمزمي هو اسم لنبينا المصطفي صلي الله عليه و اله.
قال في مجمع البحرين: (زمزم كجعفر: اسم بئر بمكة، سميت به لكثرة مائها، وقيل: لزمّ هاجر لها حين انفجرت)().
تقع بئر زمزم خلف مقام إبراهيم عليه السلام إلي اليسار منه، وهي معجزة النبي إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر عليها
السلام.
روي أن هاجر لما نزلت بولدها إسماعيل عليه السلام في مكان البيت وظمئ طلبت له الماء فلم تجده، فجاء جبريل عليه السلام وبحث في الأرض بعقبه، فنبع الماء علي وجه الأرض، فكان ذلك نشأة زمزم، وأدارت هاجر عليه حوضا خيفة أن يفوتها الماء قبل أن تملأ قربتها وظلت المياه تنبعث منها حتي درس موضعها، ولما كان زمن عبد المطلب بن هاشم عليه السلام جد النبي صلي الله عليه و اله رأي في المنام مكان زمزم فاستبانها وحفرها وذلك قبل مولده صلي الله عليه و اله.
ثم إن هذه البئر تغذيها ثلاث عيون، تقع الأولي قرب ركن الحجر الأسود، والثانية عند جبل أبي قبيس والصفا، والثالثة عند المروة.
ولماء زمزم فضائل عديدة، فإنه ماء مبارك وفيه شفاء من كل داء، وورد أنه عين من عيون الجنة، وأنه شربه يذهب بالصداع ويجلو البصر، وأنه لا يفني علي كثرة الاستقاء، إلي غير ذلك().
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?خير ماء علي وجه الأرض ماء زمزم?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن إبراهيم عليه السلام لما خلف إسماعيل عليه السلام بمكة عطش الصبي، وكان فيما بين الصفا?والمروة شجر فخرجت أمه حتي قامت علي الصفا فقالت: هل بالوادي من أنيس، فلم يجبها أحد، فمضت حتي انتهت إلي المروة فقالت: هل بالوادي من أنيس فلم يجبها أحد، ثم رجعت إلي الصفا?فقالت كذلك حتي صنعت ذلك سبعا، فأجري الله ذلك سنة، فأتاها جبرئيل فقال لها: من أنت؟ فقالت: أنا أم ولد إبراهيم، قال لها: إلي من وكلكم، فقالت: أما إذا قلت ذلك فقد قلت له حيث أراد الذهاب يا إبراهيم إلي من تكلنا؟ فقال إلي الله تعالي، فقال جبرئيل عليه
السلام: لقد وكلكم إلي كاف، قال: وكان الناس يجتنبون الممر بمكة لمكان الماء ففحص الصبي برجله فنبعت زمزم، قال: ورجعت من المروة إلي الصبي وقد نبع الماء فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة أن يسيح الماء?ولو تركته لكان سيحا، قال فلما رأت الطير الماء حلقت عليه، فمر ركب من اليمن يريد السفر فلما رأوا الطير قالوا: ما حلقت الطير إلا علي ماء فأتوهم ليستقونهم فسقوهم من الماء وأطعموا الركب من الطعام وأجري الله تعالي لهم بذلك رزقا، فكانت الركب تمر بمكة فيطعمونهم من الطعام?ويسقونهم من الماء?().
وفي الحديث أيضا: ?شكا إسماعيل عليه السلام قلة الماء إلي إبراهيم عليه السلام، فأوحي الله عزوجل إلي إبراهيم عليه السلام أن احتفر بئرا يكون فيها شراب الحاج، فنزل جبرئيل عليه السلام فاحتفر قليبهم يعني زمزم حتي ظهر ماؤها، ثم قال جبرئيل عليه السلام: انزل يا إبراهيم، فنزل بعد جبرئيل فقال: يا إبراهيم اضرب في أربع زوايا البئر وقل: بسم الله، قال: فضرب إبراهيم عليه السلام في الزاوية التي تلي البيت وقال: بسم الله، فانفجرت عين، ثم ضرب في الزاوية الثانية وقال: بسم الله، فانفجرت عين، ثم ضرب في الثالثة وقال: بسم الله، فانفجرت عين، ثم ضرب في الرابعة وقال: بسم الله، فانفجرت عين، فقال له جبرئيل: اشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة، فخرج إبراهيم عليه السلام وجبرئيل جميعا من البئر، فقال له: أفض عليك يا إبراهيم وطف حول البيت فهذه سقيا سقاها الله ولدك إسماعيل، وسار إبراهيم وشيّعه إسماعيل حتي خرج من الحرم فذهب إبراهيم ورجع إسماعيل إلي الحرم?().
وروي علي بن إبراهيم قال: ?كان في الكعبة غزالان من ذهب وخمسة أسياف، فلما غلبت خزاعة جرهم علي الحرم ألقت جرهم الأسياف
والغزالين في بئر زمزم وألقوا فيها الحجارة وطموها وعموا أثرها، فلما غلب قصي علي خزاعة لم يعرفوا موضع زمزم وعمي عليهم موضعها، فلما غلب عبد المطلب وكان يُفرش له في فناء الكعبة ولم يكن يفرش لأحد هناك غيره، فبينما هو نائم في ظل الكعبة فرأي في منامه أتاه آت فقال له: احفر برة، قال: وما برة؟ ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: احفر طيبة، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال: احفر المصونة، قال: وما المصونة؟ ثم أتاه في اليوم الرابع فقال: احفر زمزم لا تنزح ولا تذم تسقي الحجيج الأعظم عند الغراب الأعصم عند قرية النمل.
وكان عند زمزم حجر يخرج منه النمل فيقع عليه الغراب الأعصم في كل يوم يلتقط النمل، فلما رأي عبد المطلب هذا عرف موضع زمزم فقال لقريش: إني أمرت في أربع ليال في حفر زمزم وهي مأثرتنا وعزنا فهلموا نحفرها، فلم يجيبوه إلي ذلك، فأقبل يحفرها هو بنفسه وكان له ابن واحد وهو الحارث وكان يعينه علي الحفر، فلما صعب ذلك عليه تقدم إلي باب الكعبة ثم رفع يديه ودعا الله عزوجل ونذر له إن رزقه عشر بنين أن ينحر أحبهم إليه تقربا إلي الله عزوجل، فلما حفر وبلغ الطوي طوي إسماعيل وعلم أنه قد وقع علي الماء كبرّ وكبرّت قريش وقالوا: يا أبا الحارث هذه مأثرتنا ولنا فيها نصيب، قال لهم: لم تعينوني علي حفرها هي لي ولولدي إلي آخر الأبد?().
مسألة: يستحب الشرب من ماء زمزم والدعاء بالمأثور.
في الحديث إن النبي صلي الله عليه و اله لما طاف بالبيت صلي ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام ودخل زمزم فشرب منها ثم قال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْماً نَافِعاً، وَرِزْقاً وَاسِعاً،
وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ سُقْمٍ) فجعل صلي الله عليه و اله يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود وقبّله واستلمه أو أشر إليه، فإنه لابد من ذلك، وقال: إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلي الصفا فافعل وتقول حين تشرب: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عِلْماً نَافِعاً، وَرِزْقاً وَاسِعاً، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَسُقْمٍ) قال: وبلغنا أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال حين نظر إلي زمزم: لولا أني أشق علي أمتي لأخذت منه ذنوبا أو
ذنوبين?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا فرغ الرجل من طوافه وصلي ركعتين فليأت زمزم فيستقي منه ذنوبا أو ذنوبين فليشرب منه وليصب علي رأسه وظهره وبطنه ويقول: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عِلْماً نَافِعاً، وَرِزْقاً وَاسِعاً، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَسُقْمٍ) ثم يعود إلي الحجر الأسود?().
وعن علي بن مهزيار قال: (رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء وصلي خلف المقام ثم دخل زمزم فاستقي منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر، وشرب منه وصب علي بعض جسده، ثم اطلع في زمزم مرتين، وأخبرني بعض أصحابنا أنه رآه بعد ذلك بسنة فعل مثل ذلك)().
وفي آداب الوداع ورد: ?ثم ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج وقل: (آئِبُونَ تَائِبُونَ عَائِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، إِلَي رَبِّنَا رَاغِبُونَ، إِلَي رَبِّنَا رَاجِعُونَ)? قال الراوي: (فإن أبا عبد الله عليه السلام لما ودّعها وأراد أن يخرج من المسجد خرّ ساجدا عند باب المسجد طويلا ثم قام فخرج)().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?كانت زمزم أشد بياضا من اللبن، وأحلي من الشهد، وكانت سائحة، فبغت علي المياه فأغارها الله وأجري
عليها عينا من صبر?().
وقال الراوي: ذكرت زمزم عند أبي عبد الله عليه السلام فقال: ?أجري إليها عين من تحت الحجر فإذا غلب ماء العين عذب ماء زمزم?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?ماء زمزم خير ماء علي وجه الأرض، وشر ماء علي وجه الأرض ماء برهوت الذي بحضرموت ترده هام الكفار بالليل?().
وعن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?ماء زمزم شفاء من كل داء? وأظنه قال: ?كائنا ما كان، لأن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ماء زمزم لما شرب له?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ماء زمزم دواء مما شرب له?().
وقال الصادق عليه السلام: ?ماء زمزم شفاء لما شرب له?().
وروي أنه ?من روي من ماء زمزم أحدث به شفاء وصرف عنه داء?().
وفي الحديث: ?إن النبي صلي الله عليه و اله كان يستهدي ماء زمزم وهو بالمدينة?().
مسألة: يستحب للطائف أن يستلم الحجر الأسود ويأتي زمزم فيشرب منه ويصب علي بدنه بعد الركعتين قبل أن يخرج إلي الصفا.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?يستحب أن تستقي من ماء زمزم دلواً أو دلوين، فتشرب منه وتصب علي رأسك وجسدك، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?أسماء زمزم: ركضة جبرئيل عليه السلام، وسقيا إسماعيل عليه السلام، وحفيرة عبد المطلب عليه السلام، وزمزم، والمصونة، والسقيا، وطعام طعم، وشفاء سقم?().
وفي حديث آخر قال: ?رَكْضَةُ جَبْرَئِيلَ، وَحَفِيرَةُ إِسْمَاعِيلَ وَحَفِيرَةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَزَمْزَمُ وَبَرَّةُ وَالْمَضْمُونَةُ وَالرّواء وَشُبْعَةُ وَطَعَامٌ وَمَطْعَمٌ وَشِفَاءُ سُقْمٍ?().
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ?جاء
رسول الله صلي الله عليه و اله وهم يجرون دلاء من زمزم، فقال: نعم العمل الذي أنتم عليه، لولا أني أخشي أن تغلبوا عليه لجررت معكم انزعوا دلواً فتناوله فشرب منه?().
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: ?الإطلاع في بئر زمزم يذهب الداء، فاشربوا من مائها مما يلي الركن الذي فيه الحجر الأسود، فإن تحت الحجر أربعة أنهار من الجنة?().
قال تعالي: ?إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر
عليم صلي الله عليه و اله().
الصفا والمروة جبلان معروفان بمكة، يقعان بالقرب من البيت الحرام، يسعي الحاج والمعتمر بينهما، وقد شملتهما التوسعة التي توالت علي المسجد الحرام فصارا ملاصقين إلي المسجد الحرام علي شكل ممر طوله 400 متر تقريباً.
وفي تسميتهما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن آدم عليه السلام لما أهبط إلي الأرض أهبط علي الصفا ولذلك سمي الصفا لأن المصطفي هبط عليه، فقطع للجبل اسم من اسم آدم، يقول الله عزوجل: ?إن الله اصطفي آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين?()، وأهبطت حواء علي المروة، وإنما سميت المروة مروةً لأن المرأة هبطت عليها فقطع للجبل اسم من اسم المرأة، وهما جبلان عن يمين الكعبة وشمالها?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن إبراهيم عليه السلام لما خلف إسماعيل عليه السلام بمكة عطش الصبي، وكان فيما بين الصفا والمروة شجر، فخرجت أمه حتي قامت علي الصفا فقالت: هل بالوادي من أنيس، فلم يجبها أحد، فمضت حتي انتهت إلي المروة فقالت: هل بالوادي من أنيس، فلم يجبها أحد، ثم رجعت إلي الصفا فقالت كذلك، حتي صنعت ذلك سبعا، فأجري الله ذلك سنة?().
وفي الحديث: سألته عن السعي بين الصفا والمروة؟ فقال: ?جعل لسعي إبراهيم عليه السلام ?().
وفي حديث آخر: قلت: فلم جعل السعي بين الصفا والمروة؟ قال: ?لأن إبليس تراءي لإبراهيم عليه السلام في الوادي فسعي إبراهيم من عنده كراهة أن
يكلّمه?().
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?ما من بقعة أحب إلي الله من المسعي لأنه يذل فيها كل جبار?().
وروي أنه عليه السلام سئل لم جعل السعي؟ فقال: ?مذلة للجبارين?().
وعن سهل بن زياد رفعه قال: ?ليس لله منسك أحب إليه من السعي وذلك أنه يذل فيه الجبارين?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?جعل السعي بين الصفا والمروة مذلة للجبارين?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?صار السعي بين الصفا والمروة لأن إبراهيم عليه السلام عرض له إبليس فأمره جبرئيل عليه السلام فشد عليه فهرب منه فجرت به السنة يعني به الهرولة?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
?جاء رجل إلي الحسن والحسين عليهما السلام وهما جالسان علي الصفا، فسألهما فقالا: إن الصدقة لا تحل إلا في دَين موجع أو غرم مفظع أو فقر مدقع، ففيك شيء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه، وقد كان الرجل سأل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه ولم يسألاه عن شيء، فرجع إليهما فقال لهما: ما لكما لم تسألاني عما سألني عنه الحسن والحسين عليهما السلام وأخبرهما بما قالا، فقالا: إنهما غذيا بالعلم غذاء?().
مسألة: يستحب النظر من الصفا إلي الكعبة المشرفة، وتكبير الله وتهليله وتمجيده، كما يستحب الوقوف علي الصفا وقراءة الأدعية المأثورة.
في الحديث: ?فلما نظر آدم من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبر الله وهلله ومجده، فلذلك جرت السنة بالتكبير واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا?().
وورد في حج رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: ?إن الصفا والمروة من شعائر الله، فأبدأ بما بدأ الله به، وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون، فأنزل الله تعالي: ?إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما?()، ثم أتي الصفا فصعد عليه فاستقبل الركن اليماني فحمد الله وأثني عليه ودعا مقدار ما تقرأ سورة البقرة مترسلا، ثم انحدر إلي المروة فوقف عليها كما وقف علي الصفا حتي فرغ من سعيه?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام: ?أن رسول الله صلي الله عليه و اله حين فرغ من طوافه وركعتيه قال: أبدؤوا بما بدأ الله به، إن الله عزوجل يقول: ?إن الصفا والمروة من شعائر الله?()?، قال أبو عبد الله عليه السلام: ?ثم
اخرج إلي الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله صلي الله عليه و اله وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتي تقطع الوادي، وعليك السكينة والوقار، فاصعد علي الصفا حتي تنظر إلي البيت وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود فاحمد الله عزوجل وأثن عليه، ثم اذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت علي ذكره، ثم كبر الله سبعا واحمده سبعا وهلله سبعا وقل: (لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ) ثلاث مرات، ثم صل علي النبي صلي الله عليه و اله وقل: (أشهدُ أنْ لا إله إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لاشَرِيكَ له، اللَّهُ أكْبَرُ عَلَي مَا هَدَانَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَي مَا أَبْلانَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَيِّ الدَّائِمِ) ثلاث مرات وقل: (أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، لا نَعْبُدُ إِلا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ له الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) ثلاث مرات، (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْيَقِينَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) ثلاث مرات (اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ثلاث مرات، ثم كبر مائة مرة، وهلل مائة مرة، واحمد مائة مرة، وسبح مائة مرة، وتقول: (لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَحْدَهُ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي الْمَوْتِ وَفِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَوَحْشَتِهِ، اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي فِي ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّكَ) وأكثر من أن تستودع ربك دينك ونفسك وأهلك ثم تقول: (أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ، الَّذِي لا يَضِيعُ وَدَائِعُهُ، دِينِي
وَنَفْسِي وَأَهْلِي، اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي عَلَي كِتَابِكَ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ، وَتَوَفَّنِي عَلَي مِلَّتِهِ، وَأَعِذْنِي مِنَ الْفِتْنَةِ) ثم تكبر ثلاثا ثم تعيدها مرتين ثم تكبر واحدة ثم تعيدها، وإن لم تستطع هذا فبعضه?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يقف علي الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسلا?().
وعن جميل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل من دعاء موقت أقوله علي الصفا والمروة؟ فقال: ?تقول إذا وقفت علي الصفا: (لا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثلاث مرات?().
وعن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام كيف يقول الرجل علي الصفا والمروة؟ قال: ?يقول: (لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثلاث مرات?().
وعن علي بن النعمان يرفعه قال: ?كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم يرفع يديه ثم يقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ قَطُّ، فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ، فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ تَرْحَمْنِي، وَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِي، وَأَنَا مُحْتَاجٌ إِلَي رَحْمَتِكَ، فَيَا مَنْ أَنَا مُحْتَاجٌ إِلَي رَحْمَتِهِ ارْحَمْنِي، اللَّهُمَّ لا تَفْعَلْ بِي مَا أَنَا أَهْلُهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْعَلْ بِي مَا أَنَا أَهْلُهُ تُعَذِّبْنِي وَلَمْ تَظْلِمْنِي، أَصْبَحْتُ أَتَّقِي عَدْلَكَ وَلا أَخَافُ جَوْرَكَ، فَيَا مَنْ هُوَ عَدْلٌ لا يَجُورُ ارْحَمْنِي)?().
وقال الراوي: كنت وراء أبي الحسن موسي عليه السلام علي الصفا أو علي المروة وهو لا يزيد علي حرفين: ?اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُسْنَ الظَّنِّ بِكَ فِي كُلِّ
حَالٍ، وَصِدْقَ النيَّةِ فِي التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف علي الصفا والمروة?().
روي: ?أنه لما نزل قوله: ?وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ? () صعد رسول الله صلي الله عليه و اله ذات يوم الصفا فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: ما لك؟ قال: أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني؟ قالوا: بلي، قال: فإني ?نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ? () فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا دعوتنا، فنزلت سورة تبت?().
قال الراوي: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?لما فتح رسول الله صلي الله عليه و اله مكة قام علي الصفا فقال: يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، إني رسول الله إليكم، وإني شفيق عليكم، لا تقولوا إن محمدا منا، فو الله ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلا المتقون، ألا فلا أعرفكم تأتوني يوم القيامة تحملون الدنيا علي رقابكم ويأتي الناس يحملون الآخرة، ألا وإني قد أعذرت فيما بيني وبينكم وفيما بين الله عزوجل وبينكم وإن لي عملي ولكم عملكم?().
جبرئيل بين الصفا والمروة
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أتاني جبرئيل عليه السلام بين الصفا والمروة فقال: يا محمد طوبي لمن قال من أمتك: لا إله إلا الله وحده
مخلصا?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?سمعت أبا جعفر عليه السلام يحدث عطاء قال: كان طول سفينة نوح ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ثمانمائة ذراع، وطولها في السماء مائتين ذراعا، وطافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثم استوت علي الجودي?().
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إن الله تعالي خلق الأنبياء من أشجار شتي، وخُلقت أنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمارها، وأشياعنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوي، ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام، ثم ألف عام، ثم ألف عام حتي يصير كالشن البالي، ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله علي منخريه في النار، ثم تلا: ?قُلْ
لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي?() ?().
وعن النبي صلي الله عليه و اله قال: ?يا علي لو أن عبدا عبد الله مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ومدّ في عمره حتي حج ألف حجة
ثم قتل بين الصفا والمروة ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم
يدخلها?().
من تلك المواقف المباركة والمشاعر المقدسة: عرفات.
عرفات اسم منطقة واسعة في شرق مكّة نحو الجنوب قليلاً ووسط الطريق بين الطائف ومكّة، تبلغ مساحتها ما يقارب 18 كيلو متراً مربّعاً، وتُحاط بجبال علي شكل نصف دائرة، وتبعد عن مكة حوالي 22 كيلو متراً. يقف الحجّاج بها في يوم عرفة من زوال الشمس حتي الغروب، ويعتبر وقوفهم بها من أهم أركان الحجّ. تقع عرفات خارج حدود الحرم المكِّي وتشخص حدودها بالعلامات والالواح().
قال تعالي: ?فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم?().
مسألة: يستحب للحاج الذي يقف بعرفات أن يكون علي طهارة، متوجهاً إلي القبلة، ومتوجهاً بقلبه إلي الله سبحانه، حامداً لله تعالي ومثنياً عليه، وممجداً ومهللا إياه، وأن يقول مائة مرة (الله أكبر)، ومائة مرة (الحمد لله)، ومائة مرة (سبحان الله)، ومائة مرة
(لا إله إلا الله)، ويقرأ (آية الكرسي) مائة مرة، وأن (يصلي علي محمد وآل محمد) مائة مرة، وأن يقرأ (سورة القدر) مائة مرة، وأن يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) مائة مرة، ويقرأ (سورة التوحيد) مائة مرة، وأن يطلب حوائجه، ويلحّ في الدعاء إلي الله تعالي في ذلك اليوم بقضاء حوائجه، فإنه يوم الدعاء والمسألة من الله عزوجل، وليس شيء يفرح به الشياطين مثل فرحهم بإغفال المؤمنين في يوم عرفة عن الله تعالي والمسألة منه.
ويستحب أن يتعوذ بالله من شر الشياطين، وأن لا يغفل عن نفسه، وأن يستغفر الله تعالي وأن يطلب منه المغفرة بقلبه ولسانه، وأن يعترف بذنوبه ويعدّها في نفسه ويبكي علي تفريطه وما صدر منه، وإذا لم تنمهل عيناه بالبكاء تباكي.
كما يستحب أن يدعو لوالديه ولإخوانه المؤمنين وأن يذكر علي الأقل أربعين مؤمناً ويستغفر لهم، وأن يقضي وقته في ذلك اليوم كله بالدعاء والاستغفار وبذكر الله عزوجل، حتي أن بعض العلماء قال بوجوب ذلك علي من كان في عرفات.
كما يستحب الدعاء بالمأثور، وخاصة دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة، ودعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في يوم عرفة، وأدعية الصحيفة السجادية وغيرها. كما ينبغي عدم التقصير في فعل الخيرات والمبرات وإعطاء الصدقات.
في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن الله عزوجل دحا الأرض من تحت الكعبة إلي مني، ثم دحاها من مني إلي عرفات، ثم دحاها من عرفات إلي مني، فالأرض من عرفات وعرفات من مني ومني من الكعبة?().
وقد سمي بعرفات علي ما روي لأن أبانا آدم عليه السلام اعترف فيه بذنبه، وجعل سنة لولده يعترفون بذنوبهم كما اعترف هو عليه السلام ويسألون الله التوبة كما
سألها هو عليه السلام، ولأن إبراهيم عليه السلام عرف فيه مناسكه.
في الحديث: ?لما بلغ الوقت الذي يريد الله عزوجل أن يتوب علي آدم فيه، أرسل إليه جبرئيل عليه السلام فقال: السلام عليك يا آدم، الصابر لبليته، التائب عن خطيئته، إن الله عزوجل بعثني إليك لأعلمك المناسك التي يريد الله أن يتوب عليك بها، فأخذ جبرئيل عليه السلام بيد آدم عليه السلام حتي أتي به مكان البيت، فنزل غمام من السماء فأظل مكان البيت، فقال جبرئيل عليه السلام: يا آدم خط برجلك حيث أظل الغمام فإنه قبلة لك ولآخر عقبك من ولدك، فخط آدم عليه السلام برجله حيث أظل الغمام، ثم انطلق به إلي مني فأراه مسجد مني فخط برجله ومد خطة المسجد الحرام بعد ما خط مكان البيت، ثم انطلق به من مني إلي عرفات فأقامه علي المعرف، فقال: إذا غربت الشمس فاعترف بذنبك سبع مرات وسل الله المغفرة والتوبة سبع مرات، ففعل ذلك آدم عليه السلام ولذلك سمي المعرف لأن آدم اعترف فيه بذنبه وجعل سنة لولده يعترفون بذنوبهم كما اعترف آدم ويسألون التوبة كما سألها آدم?().
وفي المستدرك عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عرفات لم سميت عرفات؟ فقال: ?إن جبرئيل عليه السلام خرج بإبراهيم عليه السلام يوم عرفة فلما زالت الشمس قال له جبرئيل: يا إبراهيم اعترف بذنبك واعرف مناسكك، فسميت عرفات لقول جبرئيل: اعترف فاعترف?().
عن إدريس بن يوسف عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: أي أهل عرفات أعظم جرما؟ قال: ?المنصرف من عرفات وهو يظن أن الله لم يغفر له?().
عن الإمام الرضا عليه السلام قال: ?كان أبو جعفر عليه السلام يقول: ما من بر ولا فاجر يقف بجبال عرفات فيدعو الله إلا استجاب الله له، أما البر ففي حوائج الدنيا والآخرة، وأما الفاجر ففي أمر الدنيا?().
في الحديث عن الإمام الحسن عليه السلام: ?إن لله عزوجل مائة ألف ملك، مع كل ملك مائة وعشرون ألف ملك، ولله رحمة علي أهل عرفات ينزلها علي أهل عرفات، فإذا انصرفوا أشهد الله ملائكته بعتق أهل عرفات من النار، وأوجب الله عزوجل لهم الجنة ونادي مناد: انصرفوا مغفورين فقد أرضيتموني ورضيت عنكم?().
وفي عدة الداعي، روي ?أن من الذنوب ما لا يُغفر إلا بعرفة?والمشعر الحرام?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لما أفاض آدم من عرفات تلقته الملائكة عليهم السلام فقالوا له: بر حجك يا آدم، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام?().
عن جعفر بن محمد الخزاعي عن أبيه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?لما نزل رسول الله صلي الله عليه و اله عرفات يوم الجمعة أتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك: قل لأمتك اليوم ?أكملت لكم
دينكم صلي الله عليه و اله بولاية علي بن أبي طالب ?وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا صلي الله عليه و اله() ولست أنزل عليكم بعد هذا، قد أنزلت عليكم الصلاة?والزكاة?والصوم?والحج وهي الخامسة ولست أقبل هذه الأربعة إلا بها?().
قال أبو عبد الله عليه السلام: ?إن الله تبارك وتعالي يتجلي لزوار قبر الحسين (صلوات الله عليه) قبل أهل عرفات فيفعل ذلك بهم ويقضي حوائجهم ويغفر ذنوبهم ويشفعهم في مسائلهم، ثم يثني بأهل عرفات يفعل ذلك بهم?().
مسألة: يستحب للحاج أن يدعو بهذا الدعاء إذا غربت الشمس في عرفات: ?اللهم لا تجعله آخرَ العهدِ من هذا الموقف، وارزقنيه من قابل أبدا ما أبقيتني، وأقلبني اليوم مُفلحاً منجحاً مستجاباً لي، مرحوما مغفورا لي، بأفضل ما ينقلب به اليوم أحدٌ من وفدك عليك، وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم، من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة، وبارك لي فيما أرجع إليه من أهل أو مال أو قليل أو كثير، وبارك لهم فيّ?().
المشعر الحرام أو المزدلفة أو جُمَع، من تلك المشاعر المقدسة ()، وقد سميت بالمزدلفة لأن جبرائيل قال للنبي إبراهيم عليه السلام: ?ازدلف إلي المشعر
الحرام?().
وورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال في حديث إبراهيم عليه السلام: ?إن جبرئيل عليه السلام انتهي به إلي الموقف فأقام به حتي غربت الشمس ثم أفاض به فقال: يا إبراهيم ازدلف إلي المشعر الحرام، فسميت مزدلفة?().
وازدلف يعني تقدم.
مسألة: يستحب للحاج حين التوجه إلي المشعر أن يكون علي وقار وسكينة، وأن يستغفر الله تعالي ويدعو بالمأثور.
كما يستحب له في طريقه إلي المشعر عندما يبلغ الكثيب الأحمر() أن يقول: ?اللهم ارحم موقفي، وزِد في عملي، وسلّم لي ديني، وتقبل مناسكي? وأن يكرر قوله: ?اللهم أعتقني من النار?().
ويستحب أن لا يصلي ليلة النحر المغرب والعشاء الآخرة إلا بالمزدلفة وإن ذهب ربع الليل، وذلك بأذان واحد وإقامتين.
ويستحب أن يقول وهو في المشعر الحرام: ?اللهم هذه جُمَع، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير، اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي، ثم أطلب إليك أن تعرفني ما عرفت أولياءك في منزلي هذا، وأن تقيني جوامع الشر?().
ويستحب إحياء تلك الليلة بالعبادة، فإن أبواب السماء لا تغلق تلك
الليلة لأصوات المؤمنين، وأن أصواتهم ترفع إلي السماء وتصل إلي الله تعالي فيقول الله عزوجل: أنا ربكم وأنتم عبيدي وقد أديتم حقي، فحق عليّ أن أجيب دعاءكم وأقضي حوائجكم.
فإذا أصبح يوم النحر صلي الفجر ووقف إن شاء قريبا من الجبل وإن شاء حيث بات، فإذا وقف حمد الله عزوجل وأثني عليه وذكر من آلائه وبلائه ما قدر عليه وصلي علي النبي صلي الله عليه و اله وقال:
?اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ، وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ خَيْرُ مَطْلُوبٍ إِلَيْهِ وَخَيْرُ مَدْعُوٍّ وَخَيْرُ مَسْئُولٍ، وَلِكُلِّ وَافِدٍ جَائِزَةٌ فَاجْعَلْ جَائِزَتِي فِي مَوْطِنِي هَذَا أَنْ تُقِيلَنِي عَثْرَتِي وَتَقْبَلَ مَعْذِرَتِي وَأَنْ تَجَاوَزَ عَنْ خَطِيئَتِي ثُمَّ اجْعَلِ التَّقْوَي مِنَ الدُّنْيَا زَادِي?().
مِني: علي وزن إلي، اسم موضع بمكة علي فرسخ من العقبة إلي وادي محسّر()، وورد في وجه تسميتها أمور:
في الفقيه: ?وسميت مني مني لأن جبرئيل عليه السلام أتي إبراهيم عليه السلام فقال له: تمن يا إبراهيم وكانت تسمي مُني فسماها الناس مِني?().
وروي: ?إنها سميت مني لأن إبراهيم عليه السلام تمني هناك أن يجعل الله مكان ابنه كبشا يأمره بذبحه فدية له?().
وقيل: سميت مني لما يُمني بها من الدماء أي يراق.
وقيل: سميت بذلك لأن جبرائيل لما أراد مفارقة آدم عليه السلام قال له: تمن، قال: أتمني الجنة، فسميت مني لأمنية آدم بها.
وفي مني يأتي الحجاج بنسكهم حيث يفدون عليها مع بزوغ شمس يوم النحر في العاشر من ذي الحجة الحرام، فيرمون بها جمرة العقبة ثم ينحرون ثم يحلقون أو يقصرون، ثم يبيتون فيها ليلة الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر أحياناً، ويرمون الجمار في أيامها.
قال تعالي: ?واذكروا الله في
أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقي واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن الله عزوجل دحا الأرض من تحت الكعبة إلي مني، ثم دحاها من مني إلي عرفات، ثم دحاها من عرفات إلي مني، فالأرض من عرفات وعرفات من مني ومني من الكعبة?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لما أفاض آدم من مني تلقته الملائكة فقالوا: يا آدم بر حجك، أما إنه قد حججنا هذا البيت قبل أن تحجه بألفي عام?().
عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: ?إن الله بعث جبرئيل إلي آدم فقال: السلام عليك يا آدم، إن الله بعثني إليك لأعلمك المناسك? إلي أن قال: ?ثم أفاض من جُمَع إلي مني فبلغ مني ضحي، فأمره فصلي ركعتين في مسجد مني، ثم أمره أن يقرب لله قربانا ليقبل منه ويعرف أن الله عزوجل قد تاب عليه ويكون سنة في ولده القربان، فقرّب آدم قربانا فقبل الله منه فأرسل نارا من السماء فقبلت قربان آدم، فقال جبرئيل: يا آدم إن الله قد أحسن إليك إذ علمك المناسك التي يتوب بها عليك وقبل قربانك فاحلق رأسك تواضعا لله عزوجل إذ قبل قربانك فحلق آدم رأسه تواضعا لله عزوجل، ثم أخذ جبرئيل بيد آدم فانطلق به إلي البيت فعرض له إبليس عند الجمرة، فقال له إبليس لعنه الله: يا آدم أين تريد؟ فقال له جبرئيل: يا آدم ارمه بسبع حصيات وكبر مع كل حصاة تكبيرة، فأمره ففعل ذلك آدم فذهب إبليس، ثم عرض له عند الجمرة الثانية فقال له: يا آدم أين تريد؟ فقال له جبرئيل: يا آدم ارمه بسبع حصيات وكبر مع كل حصاة تكبيرة، ففعل ذلك آدم فذهب إبليس، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فقال له: يا آدم أين تريد؟ فقال له جبرئيل: ارمه بسبع حصيات وكبر مع كل حصاة تكبيرة، ففعل ذلك آدم فذهب إبليس، فقال له جبرئيل: إنك لن تراه بعد مقامك هذا أبدا?().
عن علي بن أبي حمزة قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: ?إن سفينة نوح كانت مأمورة وطافت بالبيت حيث غرقت الأرض ثم أتت مني في أيامها ثم رجعت السفينة وكانت مأمورة وطافت بالبيت طواف النساء?().
روي: ?ومن مر بين مأزمي مني غير مستكبر غفر الله له ذنوبه?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?إذا أفاض الرجل من مني وضع يده ملك في كتفيه ثم قال له: استأنف?().
قال أبو عبد الله عليه السلام: ?إذا أخذ الناس منازلهم بمني نادي مناد: يا مني قد جاء أهلك فاتسعي في فجاجك واترعي في مثابك، ومناد ينادي: لو تدرون بمن حللتم لأيقنتم بالخلف بعد المغفرة?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا توجهت إلي مني فقل: اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?إذا انتهيت إلي مني فقل: (اللهم هذه مني وهي مما مننتَ بها علينا من المناسك، فأسألك أن تمنَ علينا بما مننتَ به علي أنبيائك، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك)، ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، والإمام يصلي بها الظهر لا يسعه إلا ذلك، وموسع عليك أن تصلي بغيرها إن لم تقدر ثم تدركهم بعرفات? قال: ?وحدّ مني من العقبة إلي وادي محسر?().
عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التكبير في أيام التشريق لأهل الأمصار فقال: ?يوم النحر صلاة الظهر إلي انقضاء عشر صلوات ولأهل مني في خمس عشرة صلاة فإن أقام إلي الظهر والعصر كبر?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمني أيام مني?().
وادي محسّر، بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين وتشديدها، وهو واد معترض الطريق بين المشعر ومني، وهو إلي مني أقرب، وهو حد من حدودها، سمي بذلك لما قيل أن فيه أبرهة أعيي وكل فيه فحسر أصحابه بفعله وأوقعهم في الحسرات.
وفي الكافي: ?وحد مني من العقبة إلي وادي محسر?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لا تجاوز وادي محسر حتي تطلع
الشمس?().
مسألة: يستحب السعي في وادي محسر حتي يقطعه إذا أفاض من المشعر، وأقله مائة خطوة أو مائة ذراع، ماشيا كان أو راكبا،?ويدعو بالمأثور، والسعي هنا بمعني الهرولة، أي الإسراع في المشي مع تقارب الخطا.
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لبعض ولده: ?هل سعيت في وادي محسر? فقال: لا، قال: فأمره أن يرجع حتي يسعي، قال: فقال له ابنه: لا أعرفه، فقال له: ?سل الناس?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا مررت بوادي محسر وهو واد عظيم بين جُمَع ومني وهو إلي مني أقرب، فاسع فيه حتي تجاوزه فإن رسول الله صلي الله عليه و اله حرك ناقته وقال: (اللهم سلّم لي عهدي واقبل توبتي وأجب دعوتي واخلفني فيمن تركت بعدي)?().
وعن أبي الحسن عليه السلام قال: ?الحركة في وادي محسر مائة خطوة?().
وفي حديث آخر: ?مائة ذراع?().
وفي دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد عليه السلام: ?أن رسول الله صلي الله عليه و اله لما أفاض من مزدلفة جعل يسير العنق وهو يقول: أيها الناس السكينة السكينة، حتي وقف علي بطن محسر? قال: ?فقرع ناقته فخبت حتي خرج ثم عاد إلي مسيره الأول?().
وفي فقه الرضا عليه السلام: ?فإذا بلغت طرف وادي محسر فاسع فيه مقدار مائة خطوة، وإن كنت راكبا فحرك راحلتك قليلا?().
?وفي بعض نسخه:
في موضع آخر: ?ثم امش علي هينتك حتي تأتي وادي محسر، وهو ما بين المزدلفة?ومني وهو إلي مني أقرب فاسع فيه إلي مني فتجاوزها?().
وقال الصدوق رضي الله عنه في الفقيه: ?فإذا انتهيت إلي وادي محسر وهو واد عظيم بين جُمع ومني وهو إلي مني أقرب فاسع فيه مقدار مائة خطوة، وإن كنت راكبا فحرك راحلتك قليلا وقل: (رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم)، كما قلت في المسعي بمكة، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يحرك ناقته فيه ويقول: (اللهم سلّم عهدي واقبل توبتي وأجب دعوتي واخلفني فيمن تركت بعدي)?().
وفي الهداية: ?فإذا طلعت الشمس ورأت الإبل مواضع أخفافها في الحرم فامض حتي تأتي وادي محسر فارمل فيه مقدار مائة خطوة وقل كما قلت بالمسعي بمكة?().
وفي المقنعة: ?فإذا طلعت الشمس فليفض منها إلي مني فإذا بلغ طرف وادي محسر فليسع فيه بهرولة حتي يجوزه?ولا يفض منها قبل طلوع الشمس إلا مضطرا لكنه لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوعها?().
وفي الوسيلة: ?إذا خرج من المشعر سعي في وادي محسر إن كان ماشيا، وحرك دابته إن كان راكبا وأخذ علي الطريق الوسطي إلي الجمرة العظمي ونزل من مني بحيث يشاء?().
مسألة: إذا ضاق المكان بمني فيمكنهم الارتفاع إلي وادي محسر، ففي التهذيب عن سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إذا كثر الناس بمني?وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: ?يرتفعون إلي وادي محسر?().
مسجد الجن أو مسجد الحَرَس وهو مسجد صغير، ومن المساجد التاريخية القديمة المعروفة في مكة.
يقع أمام مقبرة المعلاة الجنوبية، وهو بقرب من سوق الليل، في موضع الخط الذي خطه رسول الله صلي الله عليه و اله لابن مسعود ليلة
استمع إليه الجن، وفي هذا الموضع قرأ رسول الله صلي الله عليه و اله علي الجن ربعاً من القرآن، وفيه نزلت سورة الجن المباركة علي رسول الله صلي الله عليه و اله بعد أن قرأ القرآن، ومن هنا سمي بمسجد الجن.
قال تعالي: ?بسم الله الرحمن الرحيم ? قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً?() السورة كلها، فحكي الله قولهم وهم التسعة من أشراف الجن أتوه صلي الله عليه و اله طائعين راغبين وبايعوه علي العبادات واعتذروا بأنهم قالوا علي الله شططاً، وولي رسول الله صلي الله عليه و اله عليهم منهم، وكانوا يعودون إلي رسول الله صلي الله عليه و اله في كل وقت فأمر أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أن يعلمهم ويفقههم فمنهم مؤمنون وكافرون().
ويسمي أيضاً مسجد البيعة، ووجه التسمية ما يقال من أن الجن بايعوا رسول الله صلي الله عليه و اله في ذلك الموضع.
ويسميه بعض أهل مكة: مسجد الحرس.
وهناك مسجد آخر يعرف بمسجد الجن أيضاً.
مسألة: يستحب الصلاة ركعتين في مسجد الجن.
عن ابن عباس قال: (لم يكن السماء الدنيا تحرس في الفترة بين عيسي ومحمد صلي الله عليه و اله وكانوا يقعدون منها مقاعد للسمع، فلما بعث الله محمدا صلي الله عليه و اله حرست السماء الدنيا حرسا شديدا ورجمت الشياطين فأنكروا ذلك، فقالوا:
?لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً?().
فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث فاجتمعت إليه الجن، فقال: تفرقوا في الأرض فأخبروني ما هذا الحدث الذي حدث في السماء.
وكان أول بعث بُعث ركب من أهل نصيبين وهم أشراف الجن وسادتهم، فبعثهم إلي تهامة فاندفعوا حتي تلقوا الوادي وادي نخلة فوجدوا
نبي الله صلي الله عليه و اله يصلي صلاة الغداة ببطن نخلة فاستمعوا، فلما سمعوه يتلو القرآن ?قالُوا أَنْصِتُوا? … ?فَلَمَّا قُضِيَ? أي فلما فرغ من الصلاة ?وَلَّوْا إِلي قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ?() أي مؤمنين)().
يقع مسجد الراية بالقرب من المسجد الحرام في طريق عرفات بالحجون، حيث ركز النبي صلي الله عليه و اله يوم فتح مكة رايته هناك وسمِّي بمسجد الراية، إذ كان الرسول صلي الله عليه و اله قد صلّي فيه.
وقد هدموا المسجد في الآونة الأخيرة، وذلك ضمن خطة ظالمة للقضاء علي آثار رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.
كان يقع مسجد إبراهيم عليه السلام فوق جبل أبي قبيس، ولا يوجد له أثر اليوم.
وهناك مسجد آخر كان في نمرة يعرف بمسجد إبراهيم عليه السلام حيث بناه عليه السلام بأحجار بيض وقد أدخل في مسجد نمرة.
عن أبي بصير أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام يذكران: ?أنه لما كان يوم التروية قال جبرئيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام تروّ من الماء، فسميت التروية، ثم أتي مني فأباته بها، ثم غدا به إلي عرفات، فضرب خباه بنمره دون عرفة، فبني مسجداً بأحجار بيض وكان يعرف أثر مسجد إبراهيم حتي أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة?().
يقع مسجد بلال بقرب مسجد إبراهيم عليه السلام.
مسجد الشجرة أو مسجد الرُكوز: موضعه في أعلي مكة خلف دار منارة البيضاء التي عند سطح الجبل مقابل الحجون بحذاء مسجد الجن.
روي: إن النبي صلي الله عليه و اله دعا شجرة كانت في موضعه، وهو في مسجد الجن، فأقبلت تخط بأصلها وعروقها الأرض حتي وقفت بين يديه، فسألها عما يريد ثم أمرها فرجعت حتي انتهت إلي موضعها.
قال بعض العلماء: (إن هذا المسجد قد دثر أيضاً كغيره من آثار الإسلام التي قضوا عليها).
وهذا غير مسجد الشجرة بقرب المدينة المنورة.
مما يزار في مكة المكرمة: محل شق القمر، ويقع بالقرب من جبل أبي قبيس، ويستحب إتيانه والدعاء عنده.
وقد بني هناك مسجد انشقاق القمر بعد الحادثة، وهي من الحوادث العظيمة في التاريخ ومن معجزات الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في مكة. وملخصها: أن في السنة التاسعة للبعثة اجتمع المشركون إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي رأسهم أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل، فقالوا للنبي صلي الله عليه و اله: إن كنت صادقاً فشقّ لنا القمر فرقتين.
فأشار النبي صلي الله عليه و اله بسبابته المباركة إلي القمر فانشَقّ نصفين بإذن الله تعالي، نصف يري فوق جبل أبي قبيس ونصف فوق جبل قعيقعان، وسجد رسول الله صلي الله عليه و اله شكراً لله().
وقيل: حصل ذلك مرتين، المرة الثانية كانت في مني قال ابن مسعود: انشق القمر ونحن مع النبي صلي الله عليه و اله بمني().
وقد هدموا هذا المسجد أيضاً.
عن جبير بن مطعم قال: (انشق القمر علي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله حتي صار فرقتين علي هذا الجبل، فقال أناس: سحرنا محمد، فقال رجل: إن كان سحركم فلم يسحر الناس كلهم)().
وروي
عن ابن مسعود أنه قال: (والذي نفسي بيده لقد رأيت الحراء بين فلقي القمر)().
قال تعالي ?وَانْشَقَّ الْقَمَرُ?() فإن قريشا سألت رسول الله صلي الله عليه و اله أن يريهم آية، فدعا الله فانشق القمر بنصفين حتي نظروا إليه ثم التأم، فقالوا: هذا سحر مستمر، أي: صحيح.
قال أبو عبد الله عليه السلام: ?اجتمعوا أربعة عشر رجلا أصحاب العقبة ليلة أربع عشرة من ذي الحجة، فقالوا للنبي صلي الله عليه و اله ما من نبي إلا وله آية فما آيتك في ليلتك هذه؟
فقال النبي صلي الله عليه و اله: ما الذي تريدون؟
فقالوا: إن يكن لك عند ربك قدر فأمر القمر أن ينقطع قطعتين، فهبط جبرئيل عليه السلام وقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك: إني قد أمرت كل شي ء بطاعتك، فرفع رأسه فأمر القمر أن ينقطع قطعتين، فانقطع قطعتين، فسجد النبي صلي الله عليه و اله شكرا لله وسجد شيعتنا، ثم رفع النبي صلي الله عليه و اله رأسه ورفعوا رؤوسهم.
ثم قالوا: يعود كما كان، فعاد كما كان، ثم قالوا: ينشق رأسه، فأمره فانشق فسجد النبي صلي الله عليه و اله شكرا لله وسجد شيعتنا?().
كان مسجد البيعة يقع في أعلي مكة عند سوق الغنم وقرن المسقلة، وعنده بايع النبي صلي الله عليه و اله الناس بمكة يوم الفتح، وهو غير مسجد بيعة العقبة في مني.
يقع مسجد البيعة بالقرب من جمرة العقبة علي نشز من الأرض، وكان هذا المسجد مشهوراً عند أهل مكة، وفيه بايع رسول الله صلي الله عليه و اله الأنصار علي الإسلام والنصرة، وذلك أنه صلي الله عليه و اله كان يعرض نفسه علي القبائل في كل موسم ليؤمنوا به، فلقي رهطاً فأجابوه، فجاء في العام المقبل اثنا عشر منهم إلي الموسم، فبايعوه عند العقبة الأولي، فخرج في العام الآخر سبعون إلي الحج، واجتمعوا عند العقبة، وأخرجوا من كل فرقة نقيباً فبايعوه، وهي البيعة الثانية.
وقد تم هدم المسجد فلا يوجد له أثر اليوم.
قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار: (كان رسول الله صلي الله عليه و اله يدعو القبائل في المواسم فكانت بيعة العقبة الأولي بمني فبايعه خمسة نفر من الخزرج وواحد من الأوس في خفية من قومهم، وهم: جابر بن عبد الله وفطنة بن عامر بن حزام وعوف بن الحارث وحارثة بن ثعلبة ومرثد بن الأسد وأبو أمامة ثعلبة بن عمرو ويقال هو أسعد بن زرارة، فلما انصرفوا إلي المدينة وذكروا القصة وقرءوا القرآن صدقوه، وفي السنة القابلة وهي العقبة الثانية أنفذوا معهم ستة أخري بالسلام والبيعة وهم: أبو الهيثم بن التيهان وعبادة بن الصامت وذكوان بن عبد الله ونافع بن مالك بن العجلان وعباس بن عبادة بن نضلة ويزيد بن ثعلبة حليف له ويقال مسعود بن الحارث، وعويم بن ساعدة حليف لهم، ثم أنفذ النبي معهم ابن عمه مصعب فنزل دار أسعد بن زرارة فاجتمعوا
عليه و أسلم أكثرهم إلا دار
أمية بن زيد وحطمة ووائل وواقف فإنهم أسلموا بعد بدر وأحد والخندق، وفي السنة القابلة كانت بيعة الحرس كانوا من الأوس والخزرج سبعين رجلا وامرأتين، واختار صلي الله عليه و اله منهم اثني عشر نقيبا ليكونوا كفلاء قومه تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، فمن الخزرج أسعد وجابر والبراء بن معرور وعبد الله بن حزام وسعد بن عبادة والمنذر بن قمر وعبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع، ومن القوافل عبادة بن الصامت، ومن الأوس أبو الهيثم وأسيد بن حضير وسعيد بن خيثمة)().
وفي البحار أيضا: (إن اثنا عشر رجلا لقوه أي رسول الله صلي الله عليه و اله بالعقبة وهي العقبة الأولي فبايعهم رسول الله صلي الله عليه و اله، قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلي الله عليه و اله ليلة العقبة الأولي ونحن اثنا عشر رجلا أنا أحدهم، فلما انصرفوا بعث معهم مصعب بن عمير إلي المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن. وفي سنة ثلاث عشرة كانت بيعة العقبة الثانية وذلك أن رسول الله صلي الله عليه و اله خرج إلي الموسم فلقيه جماعة من الأنصار فواعدوه العقبة من أوسط أيام التشريق، قال كعب بن مالك: اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا ومعهم امرأتان من نسائهم نسيبة بنت كعب أم عمارة وأسماء بنت عمرو بن عدي وهي أم منيع، فبايعنا وجعل صلي الله عليه و اله علينا اثنا عشر نقيبا منا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، ثم أمر رسول الله صلي الله عليه و اله أصحابه بالخروج إلي المدينة فخرجوا أرسالا وأقام هو بمكة ينتظر أن يؤذن له)().
مسجد الخيف هو مسجد مني، يقع في
الجهة الجنوبية علي يسار القادم من عرفات، ويستحب الصلاة فيه، وقد صلي رسول الله صلي الله عليه و اله في هذا المسجد، وروي: ?أنه صلي فيه ألف نبي?().
وإنما سمي بالخيف لأنه مرتفع عن الوادي، وكلما كان مرتفعاً علي الوادي سمي خيفاً().
ويستحب أن يصلي فيه مائة ركعة فإنها تعدل عبادة عاماً.
وإذا سبح الإنسان فيه مائة مرة كتب لك أجر عتق رقبة، وإذا هلل اللّه مائة مرة عدلت اجر إحياء نسمة، وإذا حمد اللّه مائة مرة عدلت أجر خراج العراقين يتصدق في سبيل الله عزوجل.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?صلّ في مسجد الخيف وهو مسجد مني وكان مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله علي عهده عند المنارة التي في وسط المسجد وفوقها إلي القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا وعن يمينها وعن يسارها وخلفها نحوا من ذلك?
قال: ?فتحر ذلك فإن استطعت أن يكون مصلاك فيه فافعل فإنه قد صلي فيه ألف نبي وإنما سمي الخيف لأنه مرتفع عن الوادي وما ارتفع عنه يسمي
خيفا?().
وعن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?صل ست ركعات في مسجد مني في أصل الصومعة?().
وفي الحديث: ?ومن صلي في مسجد مني مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما، ومن سبح الله في مسجد مني مائة تسبيحة كتب الله عزوجل له أجر عتق رقبة، ومن هلل الله فيه مائة مرة عدلت إحياء نسمة، ومن حمد الله عز وجل فيه مائة مرة عدلت أجر خراج العراقين في سبيل الله
عزوجل?().
مسجد الخيف بفتح الخاء: من أهم وأقدم المساجد في الإسلام، وقد بُني في المكان الذي عقد فيه المشركون في العام الخامس للهجرة معاهدتهم مع بعض القبائل
العربية للهجوم علي المدينة، وكان بناؤه تحدِّياً للمشركين وإبطالاً لمؤامراتهم.
يقع مسجد الصفايح جنوب مسجد الخيف، في سفح جبل الصفايح.
مسجد الإجابة: في شِعب الصُّفي()، روي أنّ الرسول صلي الله عليه و اله صلّي في المكان الذي بُني فيه هذا المسجد، والذي يقع علي الجانب الأيسر من الطريق المؤدِّي إلي مِني، وقد هُدِمَ بناؤه القديم عام 1394 ه ليُشاد مكانه البناء
الحالي.
مسجد النمرة أو مسجد إبراهيم عليه السلام يقال: إنّ أوّل من جمع الحاجّ بعرفة إبراهيم عليه السلام في هذا المكان، ثم راح بهم إلي الموقف من عرفة، ويعرف الآن بمسجد نَمِرَة، يقع المسجد علي الجهة الغربية من عرفات.
مسجد النحر يقع بين الجمرة الاُولي والجمرة الوسطي (الثانية)، وتسميته صادرة عن حادثة الذبح الإبراهيمي المعروفة. ويُقال إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله صلّي هناك صلاة الظهر وقدّم قربانه.
كان مسجد الكبش بالمزدلفة ولا يوجد له أثر اليوم، فإن الله تعالي لما أمر نبيه إبراهيم عليه السلام بذبح ولده إسماعيل عليه السلام في المنام، قال تعالي: ?فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ? فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَي فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَي قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ? فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ? وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ? قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ? إِنَّ هَذَا لهوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ ? وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ?()، ففداه الله عز وجل بذلك الكبش العظيم.
قال ابن عباس: (كان قرنا الكبش معلقين فيها ولم يزالا فيها إلي أن حرق الحجاج البيت)().
التنعيم حدود الحرم من جهة المدينة المنورة. ويقع في الجهة الشمالية الغربية من مكة، وتقدر المسافة بينه وبين باب العمرة ب (6000) متر. واختلف في وجه تسميته بذلك. قيل: إن الجبل الذي عن يمينك إذا دخلت يقال له: ناعم، والذي عن يسارك: منعم، والوادي: نعمان. وقيل: إن الوادي اسمه: التنعيم.
وقيل: التنعيم اسم شجرة كانت معروفة في البادية بين مكّة والمدينة، ومسجد التنعيم هو المسجد الموجود في تلك المنطقة.
روي أن النبي صلي الله عليه و اله أحرم منه للعمرة.
وكان يعرف مكان مسجد التنعيم ب (خيمة جمانة) وهي بنت أبي طالب.
مسجد الحديبية: يقع في منطقة الحُدَيْبيَّة وهي موضع مشهور في طريق جدة القديم().
تبعد عن المسجد الحرام قرابة (25) كم.
قيل: سميت بذلك ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلي الله عليه و اله تحتها، وقيل: بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع.
وفي هذه المنطقة في السنة السادسة للهجرة تمت بيعة الرضوان تحت الشجرة، وذلك حينما دعا رسول الله صلي الله عليه و اله الناس إلي البيعة، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، قال تعالي: ?لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ صلي الله عليه و اله()، وقال تعالي: ?إنَّ الَّذِينَ يُبَايعُونَكَ صلي الله عليه و اله ().
وفيها في نفس السنة وقع الصلح بين رسول الله صلي الله عليه و اله والمشركين لعشر سنين، وكتبه علي ابن أبي طالب عليه السلام، لكن نقضه المشركون بعد سنتين مما عَجَّلَ بفتح مكة، وهذا الصلح معروف بصلح الحديبية.
وفي المنطقة مسجد آخر يعرف بمسجد الرضوان.
وفيها أيضا مسجد حديث، وآخر قديم يقع إلي جنبه.
الجِعرانة، بكسر أوله وينطقها أهل مكة اليوم بضم الجيم: قرية صغيرة قريبة من الحرم، تقع في صدر وادي سرف شمال شرقي مكة المكرمة، أحرم منها النبي صلي الله عليه و اله واعتمر بعد غزوة الطائف ولما قفل من حنين، حيث توقّف فيها رسول الله صلي الله عليه و اله حوالي 15 يوماً بعد عودته من معركة حُنين، ووزّع هناك غنائم حربه مع قبيلة هوازن علي الناس
وفي مكان إحرامه صلي الله عليه و اله بني مسجد الجعرانة.
وهناك مساجد أخري كثيرة في مكة المكرمة وحواليها، منها:
مسجد حمزة: المنسوب إلي حمزة بن عبد المطلب عليه السلام عم النبي صلي الله عليه و اله.
مسجد الصفايح: ويوجد فيه غار باسم (غار المرسلات). يُقال إنّ سورة المرسلات نزلت في هذا المكان.
مسجد الحصباء: مسجد المحصَّبة في الأبطح ليس له أثر في هذا الزمان.
مسجد الرُّوَيْثة(): مسجد صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله.
مسجد السِرَر: الموضع الذي روي أنّ سبعين نبياً ولدوا تحت شجرة كانت فيه.
مسجد سوق الغنم: يقال: إنّ النبي صلي الله عليه و اله بايع الناس فيه يوم فتح مكة.
مسجد فاطمة الصغيرة: أو بئر فاطمة بنت الحسين عليه السلام.
مسجد خيف بني كنانة(): نزل فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، ومنه سمّي مسجد الخيف.
عن جابر رضي الله عنهقال: كنت ممن لزم رسول الله صلي الله عليه و اله فدخلت معه يوم الفتح فلما أشرف رسول الله صلي الله عليه و اله من أذاخر، ورأي بيوت مكة، وقف عليها فحمد الله وأثني عليه، ونظر إلي موضع قبته فقال: ?هذا منزلنا يا جابر حيث تقاسمت قريش علينا في كفرها? قال جابر: فذكرت حديثا كنت سمعته منه قبل ذلك بالمدينة: ?منزلنا
إذا فتح الله علينا مكة في خيف بني كنانة حيث تقاسموا علي الكفر?.
مسجد ضحنان: ضَجَنان جُبيل علي بريد من مكة في أسفله الغميم مسجد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله.
مسجد شَرف الرَّوْحاء: صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، ويقال له: مسجد الشرف.
مسجد الأئمّة: مسجد لرسول الله صلي الله عليه و اله في آخر الجحفة، وفي أولها مسجد له صلي الله عليه و اله يقال له: غورث.
مسجد الأبواء: مسجد لرسول الله صلي الله عليه و اله.
مسجد بطن مَرِّ الظهران: مسجد لرسول الله صلي الله عليه و اله.
مسجد الكبش: يقع علي يسار الذاهب إلي عرفات وفي شمالي جمرة العقبة، والكبش هو فداء إسماعيل عليه السلام.
مسجد الكوثر: يقع وسط مني علي يمين القاصد إلي عرفات، يقال: إنّ سورة الكوثر نزلت فيه.
مسجد لُحَي جمل: صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله يقع علي ميل من الطَّلوب.
مسجد مَدْلَجَة تِعْهِن: صلّي رسول الله صلي الله عليه و اله بمدلجة تعهن وبني بها مسجداً.
مسجد المُنْبَجس: مسجد لرسول الله صلي الله عليه و اله، والمنبجس وادي العرج.
مسجد المُنصَرَف: صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، يقع آخر وادي الروحاء، ويُعرف بمسجد الغزالة.
إلي غيرها من المساجد.
من المزارات الشريفة في مكة المكرمة محل ولادة النبي صلي الله عليه و اله بقرب المسجد الحرام.
ولد النبي صلي الله عليه و اله لسبع عشرة ليلةً مضت من شهر ربيع الأول في عام الفيل يوم الجمعة، مع الزوال، وروي أيضاً عند طلوع الفجر، قبل أن يُبعث بأربعين سنةً، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله قد وهب هذه الدار لعقيل بن أبي طالب عليه السلام، ثم أصبح
الدار مسجداً يصلي الناس فيه وأشرعت بابه في الزقاق الذي يقال له: زقاق المولد في سوق الليل، ولكن وللأسف تم هدم البيت الآن وأقيمت مكانه مكتبة باسم (مكتبة مكة المكرمة) بقرب المسجد الحرام، وهو فناء يبلغ طوله نحو اثني عشر متراً في عرض ستة أمتار وفيه باب من الجهة الغربية يدخل للغرفة التي فيها الرخامة التي ولد عليها النبي صلي الله عليه و اله وهي مقعّرة. والمسلمون يزورون المكان ويتبركون به، وذلك مستحب.
مسألة: يستحب الصوم في يوم ولادة النبي صلي الله عليه و اله تبركاً، قال الإمام الهادي عليه السلام: ?إن الأيام التي يصام فيهن أربع، منها يوم مولد النبي صلي الله عليه و اله يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول?().
وقالوا عليهم السلام: ?من صام يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول كتب الله له صيام سنة?().
وقال الشيخ المفيد رضي الله عنه: (في اليوم السابع عشر منه أي من ربيع الأول كان مولد سيدنا رسول الله صلي الله عليه و اله عند طلوع الفجر من يوم الجمعة في عام الفيل وهو يوم شريف عظيم البركة ولم يزل الصالحون من آل محمد عليهم السلام علي قديم الأوقات يعظمونه ويعرفون حقه ويرعون حرمته ويتطوعون بصيامه)().
وروي: ?أن يوم السابع عشر من ربيع الأول هو يوم مولد النبي صلي الله عليه و اله فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة?().
ومما يزار في مكة: محل ولادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو داخل الكعبة المشرفة، حيث ولد الإمام عليه السلام في جوفها.
روي صاحب كتاب بشارة المصطفي عن يزيد بن قعنب قال: (كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزي بإزاء
بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليها السلام وكانت حاملا به تسعة أشهر وقد أخذها الطلق فقالت: يا رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل عليه السلام وإنه بني بيتك العتيق، فبحق الذي بني هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني إلا ما يسرت عليّ ولادتي.
قال يزيد بن قعنب: فرأيت البيت قد انفتح عن ظهره ودخلت فاطمة عليها السلام وغابت عن أبصارنا فيه والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك من أمر الله عزوجل، ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليه السلام فقالت:
إني فضلت علي من تقدمني من النساء، لأن آسية بنت مزاحم عبدت الله عزوجل سرا في موضع لا يحب الله أن يعبد فيه إلا اضطرارا، وأن مريم بنت عمران عليها السلام هزت النخلة اليابسة بيدها حتي أكلت منها رطبا جنيا، وإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها، فلما أردتُ أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة سميه عليا، فهو علي، والله العلي الأعلي يقول: إني شققت اسمه من اسمي وأدبته بأدبي وأوقفته علي غامض علمي وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني، فطوبي لمن أحبه وأطاعه وويل لمن أبغضه وعصاه)().
ومما ينبغي زيارته في مكة: منزل خديجة بنت خويلد أم المؤمنين عليها السلام وقد سكنه الرسول صلي الله عليه و اله معها في أيام حياتها، وسكنه بعد وفاتها إلي أن هاجر إلي المدينة المنورة، وهو البيت الذي أسري صلي الله عليه و اله منه إلي السماء، كما قص الله تعالي في
القرآن الحكيم بقوله: ?سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير?().
وفيه مصلّي الرسول صلي الله عليه و اله، وقد هُدِمَ البيت وبُنيت محلّه مدرسة لحفظ القرآن.
وفي هذا البيت الشريف ولدت الصديقة الكبري فاطمة الزهراء عليها السلام في العشرين من شهر جمادي الثانية السنة الخامسة بعد البعثة النبوية المباركة ().
عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف كان ولادة فاطمة عليها السلام؟ فقال: عليه السلام وساق الحديث إلي أن قال: ?فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لما رأتهن، فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة إنا رسل ربك إليك، نحن أخواتك: أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسي بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء?() الحديث.
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لما عرج بي إلي السماء أخذ بيدي جبرئيل عليه السلام فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي، فما هبطت إلي الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلي رائجة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة?().
وعن جابر بن عبدالله قال: قيل: يا رسول الله إنك تلثم فاطمة وتلتزمها وتدنيها منك وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟ فقال: ?إن جبرئيل عليه السلام أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحولت ماء في صلبي، ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فأنا أشم منها رائحة الجنة?().
يقال: هو الآن مسجد يقع في زقاق يسمي زقاق الحجر والذي كان يعرف
قديماً بزقاق العطارين ويعرف اليوم بزقاق الصوغ بالحي المعروف بالقشاشية، ويقال لهذه الدار: مولد فاطمة الزهراء عليها السلام، وهي مرتفعة عن الطريق بعدة درجات وعلي يسارها مصطبة ترتفع عن الأرض بنحو ثلث المتر تقريباً وطولها عشرة أمتار وعرضها أربعة أمتار.
ومن الأماكن المتبركة في مكة: شِعب أبي طالب عليه السلام وهو الموضع الذي التجأ إليه النبي صلي الله عليه و اله وبنو هاشم عندما فرضت عليهم قريش الحصار والمقاطعة، وهو بقرب من مقبرة المعلي، فالشِّعب هو المنطقة المحصورة بين جبلين.
في مكّة شِعاب كثيرة من أهمها: شِعب أبي طالب المعروف الآن بشِعب عليّ عليه السلام والواقع بين جبلي أبي قبيس وخندمة، وتقوم الأهميّة الدينية والتاريخية لهذا الشعب في أنّ قريشاً تحالفت ضدّ بني هاشم فقطعت معهم علاقاتها الاقتصادية والاجتماعية ممّا اضطرّ بنو هاشم إلي الاعتصام في هذا الشِّعب والبقاء فيه مدّة ثلاث سنوات ضربوا خلالها أروع أمثلة الصمود والاستقامة.
جبل أبي قبيس قريب من المسجد الحرام()، يقع شرق الحرم ويشرف علي جبل الصفا، وقد روي أن فيه قبور جملة من الأنبياء عليهم السلام وقد شق القمر عليه، وكان في موضعه مسجد كما سبق.
ورد في الكافي: ?إن الله عزوجل لما أهبط آدم من الجنة هبط علي أبي قبيس فشكا إلي ربه الوحشة وأنه لا يسمع ما كان يسمعه في الجنة، فأهبط الله عزوجل عليه ياقوتة حمراء فوضعها في موضع البيت، فكان يطوف بها آدم فكان ضوؤها يبلغ موضع الأعلام فيعلم الأعلام علي ضوئها وجعله الله حرما?().
وعن أحدهما عليهما السلام قال: ?إن الله عزوجل أمر إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة وأن يرفع قواعدها ويري الناس مناسكهم، فبني إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت كل يوم سافا حتي انتهي إلي موضع الحجر الأسود?، قال أبو جعفر عليه السلام: ?فنادي أبو قبيس إبراهيم عليه السلام: إن لك عندي وديعة فأعطاه الحجر فوضعه موضعه?().
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله رجلٌ قال: صليت فوق أبي قبيس
العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي؟ قال: ?نعم إنها قبلةٌ من موضعها إلي السماء?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من طلب العلم فهو كالصائم نهاره، القائم ليله، وإن بابا من العلم يتعلمه الرجل خير له من أن يكون له أبو قبيس ذهبا فأنفقه في سبيل الله?().
وعن جعفر بن محمد عليه السلام: أن رجلا سأله فقال: يا ابن رسول الله أنا رجل موسر وقد حججت حَجة الإسلام وقد سمعت ما في التطوع بالحج من الرغائب فهل لي إن تصدقت بمثل نفقة الحج أو أكثر منها ثواب الحج؟ فنظر أبو عبد الله عليه السلام إلي أبي قبيس وقال: ?لو تصدقت بوزن هذا ذهبا وفضة ما أدركت ثواب الحج?().
وعن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: ?أوحي إلي إبراهيم عليه السلام أن اصعد أبا قبيس فناد في الناس: يا معشر الخلائق إن الله يأمركم بحج هذا البيت الذي ببكة محرما من استطاع إليه سبيلا فريضة من الله?، قال: ?فصعد إبراهيم عليه السلام أبا قبيس فنادي في الناس بأعلي صوته: يا معشر الخلائق إن الله يأمركم بحج هذا البيت الذي ببكة محرما من استطاع إليه سبيلا فريضة من الله?، قال: ?فمد الله لإبراهيم عليه السلام في صوته حتي أسمع به أهل المشرق والمغرب وما بينهما من جميع ما قدر الله وقضي في أصلاب الرجال من النطف وجميع ما قدر الله وقضي في أرحام النساء إلي يوم القيامة، فهناك يا فضل وجب الحج علي جميع الخلائق، فالتلبية من الحاج في أيام الحج هي إجابة لنداء إبراهيم يومئذ بالحج عن الله?().
جبل طويل يقع في الشمال الشرقي من مكة المكرمة عن يسار المار إلي مني، وغار حراء يقع في رأس
الجبل مما يلي القبلة، وقد بعث رسول الله صلي الله عليه و اله ليلة 27 من شهر رجب في هذا الغار حيث نزل عليه جبرئيل وقال له: ?اقرأ باسم ربك الذي خلق … صلي الله عليه و اله () الآيات.
ويستحب فيه زيارة النبي صلي الله عليه و اله.
وغار حراء فجوة ضيقة سعتها مرقد ثلاثة متجاورين وأما علوه فقامة رجل وفي نهايته صدع تري منه الأرض والجبال إلي مكة.
وفي التاريخ أن النبي صلي الله عليه و اله كان يتعبد قبل البعثة علي دين الحنيفية وذلك في غار حراء، فكان يخرج إلي حراء في كل عام شهراً من السنة يتنسك فيه ثم لم يدخل بيته حتي يطوف بالكعبة.
قال أبو طالب عليه السلام في قصيدته المشهورة:
وثور ومن أرسي ثبيراً مكانه وراق ليرقي في حراء ونازل()
والجبل الذي يقع في قمته هذا الغار يسمي جبل النور، كان يبعد عن مكة القديمة حوالي خمسة كيلومترات ويذهب إليه الآن كثير من الناس للتبرك والزيارة، وصعود هذا الجبل شاق للغاية، وقد يحتاج الصاعد إلي استعمال يديه ورجليه أحياناً ليتقي السقوط، وفي قمة هذا الجبل بركة من الماء والغار يشبه حجرة صغيرة مدخلها إلي الأمام وفي خلفها الجبل الشاهق.
وحينما بعث رسول الله صلي الله عليه و اله بالنبوة، كان أمير المؤمنين علي عليه السلام معه في غار حراء يعبد الله عزوجل، فإن الرسول صلي الله عليه و اله كان يأخذ علياً معه للعبادة.
وقد ورد: أنه صلي الله عليه و اله كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا وكان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين فإذا قضي جواره من حراء كان أول ما يبدأ به إذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل
أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ثم يرجع إلي بيته، حتي جاءت السنة التي أكرمه الله تعالي فيها بالرسالة فجاور في حراء في شهر رمضان ومعه أهله خديجة وعلي بن أبي طالب وخادم لهم فجاءه جبرئيل بالرسالة().
وفي الخرائج والجرائح: روي أنه صلي الله عليه و اله كان علي جبل حراء فتحرك الجبل، فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?اسكن فما عليك إلا نبي أو وصي، وكان معه علي عليه السلام فسكن?().
وفي شرح نهج البلاغة: (كان رسول الله صلي الله عليه و اله ينقطع في جبل حراء وكان علي عليه السلام معه كالتابع والتلميذ، فلما بلغ الحلم وجاءت النبي صلي الله عليه و اله الملائكة وبشرته بالرسالة دعاه فأجابه عن نظر ومعرفة بالأعلام المعجزة)().
وفي نهج البلاغة ما يشير إلي ذلك().
في فقه القرآن، عن الباقر عليه السلام أنه قال: ?إن الله وضع تحت العرش أربعة أساطين وسماه الضراح وهو البيت المعمور وقال للملائكة: طوفوا به، ثم بعث ملائكة فقال لهم: ابنوا في الأرض بيتا بمثاله وقدره، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به، وقال: ولما أهبط الله آدم من الجنة قال: إني منزل معك بيتا تطوف حوله كما يطاف حول عرشي، وتصلي عنده كما يصلي عند عرشي، فلما كان زمن الطوفان رفع، فكانت الأنبياء عليهم السلام يحجونه ولا يعلمون مكانه، حتي بوأه الله لإبراهيم عليه السلام فأعلمه مكانه فبناه من خمسة أجبل من حراء وثبير ولبنان وجبل الطور وجبل الحمر، وروي أن آدم عليه السلام بناه ثم عفي أثره فجدده إبراهيم عليه السلام ?().
وفي الحديث: ?نادت الجبال: يا آدم اجعل لنا في بناء قواعد بيت الله نصيبا، فقال: ما
لي فيه من أمر، الأمر إلي رب البيت يشرك فيه من أحب، فأذن الله للجبال بذلك فابتدر كل جبل منها بحجارة منه وكان أول جبل شق بحجارة منه أبو قبيس لقربه منه ثم حراء ثم ثور ثم ثبير ثم ورقان ثم حمون ثم صبرار ثم أحد ثم طور سيناء ثم طور دينا ثم لبنان ثم جودي، وأمر الله آدم أن يأخذ من كل جبل حجرا فيضعه في الأساس?().
في احتجاج اليهودي مع أمير المؤمنين عليه السلام، قال له اليهودي: فإن هذا داود بكي علي خطيئته حتي سارت الجبال معه لخوفه، قال له علي عليه السلام: ?لقد كان كذلك ومحمد صلي الله عليه و اله أعطي ما هو أفضل من هذا إذ كنا معه علي جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له: قر فليس عليك إلا نبي وصديق شهيد فقر الجبل مطيعا لأمره ومنتهيا إلي طاعته?().
حراء يوم موسي عليه السلام
عن النبي صلي الله عليه و اله قال: ?من الجبال التي تطايرت يوم موسي عليه السلام سبعة أجبل، فلحقت بالحجاز واليمن، منها بالمدينة أحد وورقان، و بمكة ثور وثبير وحراء، وباليمن صبر وحضور?().
وقيل: (صار الجبل ستة أجبل وقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة، فالتي بالمدينة أحد وورقان ورضوي، والتي بمكة ثور وثبير وحراء)، روي ذلك عن النبي صلي الله عليه و اله ().
في تفسير الإمام العسكري عليه السلام: قال علي بن محمد عليه السلام: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله لما ترك التجارة إلي الشام وتصدق بكل ما رزقه الله تعالي من تلك التجارات كان يغدو كل يوم إلي حراء يصعده وينظر من قلله إلي آثار رحمة الله وإلي أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته، وينظر إلي أكناف السماء وأقطار الأرض والبحار والمفاوز والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار ويتذكر بتلك الآيات ويعبد الله حق عبادته، فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عزوجل إلي قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلها وأطوعها وأخشعها وأخضعها أذن لأبواب السماء ففتحت ومحمد صلي الله عليه و اله ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد صلي الله عليه و اله ينظر إليهم، وأمر بالرحمة فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلي رأس محمد
صلي الله عليه و اله وغمرته، ونظر إلي جبرئيل الروح الأمين المطوق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه وهزه وقال: يا محمد اقرأ.
قال: وما أقرأ؟
قال: يا محمد ?اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ? خَلَقَ الإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ? اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ? الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ? عَلَّمَ الإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ?() ثم أوحي إليه ما أوحي إليه ربه عزوجل، ثم صعد إلي العلو ونزل محمد صلي الله عليه و اله من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه به الحمي والنافض يقول: وقد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره ونسبتهم إياه إلي الجنون وأنه يعتريه شياطين وكان من أول أمره أعقل خليقة الله وأكرم براياه وأبغض الأشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم، فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره ويشجع قلبه فأنطق الجبال والصخور والمدر وكلما وصل إلي شيء منها ناداه:
السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا حبيب الله، أبشر فإن الله عزوجل قد فضلك وجملك وزينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأولين والآخرين، لا يحزنك قول قريش: إنك مجنون وعن الدين مفتون، فإن الفاضل من فضله رب العالمين والكريم من كرمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربك أقصي منتهي الكرامات ويرفعك إلي أرفع الدرجات، وسوف ينعم ويفرح أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب عليه السلام وسوف يبث علومك في العباد والبلاد بمفتاحك وباب مدينة حكمتك علي بن أبي طالب عليه السلام، وسوف يقر عينك ببنتك فاطمة عليها السلام وسوف يخرج منها ومن علي: الحسن والحسين
عليهما السلام سيدي شباب أهل الجنة، وسوف ينشر في البلاد دينك وسوف يعظم أجور المحبين لك ولأخيك، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك علي فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد، يكون قائدهم أجمعين إلي جنات النعيم.
فقلت في سري:
يا رب من علي بن أبي طالب الذي وعدتني به وذلك بعد ما ولد علي عليه السلام وهو طفل أوهو ولد عمي، وقال بعد ذلك لما تحرك علي وليدا وهو معه أهو هذا؟ ففي كل مرة من ذلك أنزل عليه ميزان الجلال فجعل محمد صلي الله عليه و اله في كفة منه ومثل له علي عليه السلام وسائر الخلق من أمته إلي يوم القيامة في كفة فوزن بهم فرجح ثم أخرج محمد صلي الله عليه و اله من الكفة وترك علي في كفة محمد التي كان فيها فوزن بسائر أمته فرجح بهم، وعرفه رسول الله صلي الله عليه و اله بعينه وصفته ونودي في سره: يا محمد هذا علي بن أبي طالب صفيي الذي أؤيد به هذا الدين يرجح علي جميع أمتك بعدك، فذلك حين شرح الله صدري بأداء الرسالة وخفف عني مكافحة الأمة وسهل عليّ مبارزة العتاة الجبابرة من قريش?().
في تفسير الإمام العسكري عليه السلام: وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ?فتواطأت اليهود علي قتله صلي الله عليه و اله في طريقه علي جبل حراء، وهم سبعون رجلا فعمدوا إلي سيوفهم فسموها، ثم قعدوا له ذات يوم غلس في طريقه علي جبل حراء. فلما صعده، صعدوا إليه، وسلوا سيوفهم وهم سبعون رجلا من أشد اليهود وأجلدهم وذوي النجدة منهم، فلما أهووا بها إليه ليضربوه بها التقي طرفا الجبل بينهم
وبينه فانضما، وصار ذلك حائلا بينهم وبين محمد صلي الله عليه و اله وانقطع طمعهم عن الوصول إليه بسيوفهم، فغمدوها، فانفرج الطرفان بعد ما كانا انضما، فسلوا بعد سيوفهم وقصدوه. فلما هموا بإرسالها عليه انضم طرفا الجبل وحيل بينهم وبينه فغمدوها، ثم ينفرجان فيسلونها إلي أن بلغ إلي ذروة الجبل، وكان ذلك سبعا وأربعين مرة. فصعدوا الجبل وداروا خلفه ليقصدوه بالقتل، فطال عليهم الطريق، ومد الله عزوجل الجبل فأبطئوا عنه حتي فرغ رسول الله صلي الله عليه و اله من ذكره وثنائه علي ربه واعتباره بعبره. ثم انحدر عن الجبل فانحدروا خلفه ولحقوه، وسلوا سيوفهم عليه ليضربوه بها، فانضم طرفا الجبل وحال بينهم وبينه فغمدوها، ثم انفرج فسلوها، ثم انضم فغمدوها، وكان ذلك سبعا وأربعين مرة، كلما انفرج سلوها، فإذا انضم غمدوها. فلما كان في آخر مرة، و قد قارب رسول الله صلي الله عليه و اله القرار، سلوا سيوفهم عليه فانضم طرفا الجبل، وضغطهم الجبل ورضضهم، وما زال يضغطهم حتي ماتوا أجمعين. ثم نودي: يا محمد انظر خلفك إلي بغاتك بالسوء ما ذا صنع بهم ربهم.
فنظر فإذا طرفا الجبل مما يليه منضمان، فلما نظر انفرج الطرفان وسقط أولئك القوم وسيوفهم بأيديهم، وقد هشمت وجوههم وظهورهم وجنوبهم وأفخاذهم وسوقهم وأرجلهم، وخروا موتي تشخب أوداجهم دما. وخرج رسول الله صلي الله عليه و اله من ذلك الموضع سالما مكفيا مصونا محفوظا، تناديه الجبال وما عليها من الأحجار والأشجار: هنيئا لك يا محمد نصرة الله عزوجل لك علي أعدائك بنا، وسينصرك الله إذا ظهر أمرك علي جبابرة أمتك وعتاتهم بعلي بن أبي طالب عليه السلام، وتسديده لإظهار دينك وإعزازه وإكرام أوليائك وقمع أعدائك وسيجعله تاليك وثانيك ونفسك
التي بين جنبيك، وسمعك الذي به تسمع، وبصرك الذي به تبصر، ويدك التي بها تبطش، ورجلك التي عليها تعتمد، وسيقضي عنك ديونك، ويفي عنك عداتك، وسيكون جمال أمتك، وزين أهل ملتك، وسيسعد ربك عزوجل به محبيه، ويهلك به شانئيه?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?الليلة التي يقوم فيها قائم آل محمد ينزل رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام وجبرئيل علي حراء فيقول له جبرئيل: أجب، فيخرج رسول الله رقا من حجزة إزاره فيدفعه إلي علي فيقول له اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا عهد من الله ومن رسوله ومن علي بن أبي طالب لفلان بن فلان باسمه واسم أبيه وذلك قول الله عزوجل في كتابه ?وَالطُّورِ ? وَكِتابٍ مَسْطُورٍ ? فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ صلي الله عليه و اله () وهو الكتاب الذي كتبه علي بن أبي طالب والرق المنشور الذي أخرجه رسول الله صلي الله عليه و اله من حجزة إزاره، قلت: والبيت المعمور وهو رسول الله؟ قال: نعم المملي رسول الله و الكاتب علي?().
جبل ثور يقع بأسفل مكة ويمنيها علي طريق عرنة مسيرة ساعة، وهو علي جنوب شرقي المسجد الحرام()، ويتكوّن من ثلاثة جبال يقع غار ثور في ثالثها، وغار ثور هو الذي اختفي فيه النبيّ صلي الله عليه و اله ومنه هاجر إلي المدينة، وكان فرسان قريش يلاحقون رسول الله صلي الله عليه و اله ليقتلوه، إلاّ إنّ معجزة خيوط العنكبوت وعشّ الحمامة المشهورة تاريخيّاً دفعت كيد المشركين وصرفتهم عن دخول الغار، وقد جاء ذكره في القرآن الحكيم، حيث قال تعالي: ?إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم?()، ويقال له أطحل أيضاً.
شَتَان: جبل بات بسفحه رسول الله صلي الله عليه و اله عند حجّته ودخل مكة.
جبل البرود أو جبل الشهيد: هو الجبل الذي قُتل عنده الحسين شهيد فخ، علي فرسخ من مكة.
ووادي فخّ هو وادي الزاهر الذي فيه قبور العلويين في وقعة فخّ، يعرف الآن بالشهداء().
ومن المزارات الشريفة في مكة المكرمة: مدفن الأنبياء عليهم السلام وهو في المسجد الحرام ما بين الركن اليماني والحجر الأسود وفي حجر إسماعيل عليه السلام أيضاً.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?دفن ما بين الركن اليماني والحجر الأسود سبعون نبيا أماتهم الله جوعا وضرا?().
وعن الحلبي قال: سألته عن الحجر أي حجر إسماعيل عليه السلام فقال: ? … وفيه قبور أنبياء?().
وفي قصص الأنبياء: (أن في الحجر قبور الأنبياء عليهم السلام)().
قيل: إن من المزارات الشريفة في مكة المكرمة: قبر صالح النبيّ عليه السلام وهو بين الركن والمقام.
ولكن في الروايات أن قبره في النجف الأشرف:
روي صاحب الوسائل في باب استحباب زيارة هود وصالح عليهما السلام عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام: قال: لما ضرب ابن ملجم الفاسق (لعنه الله) أمير المؤمنين عليه السلام قال له الحسن عليه السلام أقتله؟
قال: ?لا، ولكن احبسه فإذا متُ فاقتلوه، وإذا متُ فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح? أي بقرب قبرهما().
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ? قال: قلت له: ?كذبت ثمود بالنذر ? فقالوا أبشر منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر ? أءلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر صلي الله عليه و اله() قال: ?هذا بما كذبوا به صالحا وما أهلك الله عزوجل قوما قط حتي يبعث إليهم قبل ذلك الرسل، فيحتجوا عليهم، فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم إلي الله فلم يجيبوا وعتوا عليه وقالوا: لن نؤمن لك حتي تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء، وكانت الصخرة يعظمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة ويجتمعون عندها، فقالوا له: إن كنت كما تزعم نبيا رسولا فادع لنا إلهك حتي تخرج
لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء، فأخرجها الله كما طلبوا منه.
ثم أوحي الله تبارك وتعالي إليه أن يا صالح قل لهم: أن الله قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم ولكم شرب يوم، وكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت الماء ذلك اليوم فيحلبونها فلا يبقي صغير ولا كبير إلا شرب من لبنها يومهم ذلك، فإذا كان الليل وأصبحوا غدوا إلي مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب الناقة ذلك اليوم، فمكثوا بذلك ما شاء الله. ثم إنهم عتوا علي الله ومشي بعضهم إلي بعض وقالوا: اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها، لا نرضي أن يكون لنا شرب يوم ولها شرب يوم، ثم قالوا من الذي يلي قتلها ونجعل له جعلا ما أحب، فجاءهم رجل أحمر، أشقر، أزرق ولد زنا لا يعرف له أب يقال له: قدار، شقي من الاشقياء، مشؤوم عليهم، فجعلوا له جعلا، فلما توجهت الناقة إلي الماء الذي كانت ترده تركها حتي شربت الماء وأقبلت راجعة فقعد لها في طريقها فضربها بالسيف ضربة فلم تعمل شيئا فضربها ضربة أخري فقتلها وخرت إلي الأرض علي جنبها وهرب فصيلها حتي صعد إلي الجبل فرغي ثلاث مرات إلي السماء، وأقبل قوم صالح فلم يبق أحد منهم إلا شركه في ضربته واقتسموا لحمها فيما بينهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا أكل منها.
فلما رأي ذلك صالحا أقبل إليهم فقال: يا قوم ما دعاكم إلي ما صنعتم أعصيتم ربكم، فأوحي الله تبارك وتعالي إلي صالح عليه السلام أن قومك قد طغوا وبغوا وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجة عليهم ولم يكن عليهم فيها ضرر وكان لهم منها أعظم المنفعة فقل لهم: إني مرسل عليكم عذابي إلي
ثلاثة أيام، فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصددت عنهم، وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث.
فأتاهم صالح عليه السلام فقال: يا قوم إني رسول ربكم إليكم وهو يقول لكم: إن أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم.
فلما قال لهم ذلك كانوا أعتا ما كانوا وأخبث وقالوا: ?يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين صلي الله عليه و اله().
قال: يا قوم إنكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرة، واليوم الثاني وجوهكم محمرة، واليوم الثالث وجوهكم مسودة، فما أن كان أول يوم أصبحوا ووجوههم مصفرة فمشي بعضهم إلي بعض وقالوا: قد جاءكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله وإن كان عظيما، فلما كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرة فمشي بعضهم إلي بعض فقالوا: يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها، ولم يتوبوا ولم يرجعوا، فلما كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودة فمشي بعضهم إلي بعض وقالوا: يا قوم أتاكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح، فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيل ? فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم، وقد كانوا في تلك الثلاثة الأيام قد تحنطوا وتكفنوا وعلموا أن العذاب نازل بهم فماتوا أجمعون في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية ولا شيء إلا أهلكه الله فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتي أجمعين، ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين وكانت هذه قصتهم?().
ومن المزارات
الشريفة مدفن النبي إسماعيل عليه السلام في الحِجر، أي حجر إسماعيل، وهو بيته ومدفنه.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?الحِجر بيت إسماعيل، وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل?().
وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: ?أن إسماعيل أول من شق لسانه بالعربية، فكان أبوه يقول له وهما يبنيان البيت: يا إسماعيل هابي ابن أي أعطني حجرا، فيقول له إسماعيل: يا أبت هاك حجرا، فإبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة?.
وعن أبي العبّاس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ?لمّا ولد إسماعيل حمله إبراهيم وأمّه علي حمار وأقبل معه جبرئيل حتّي وضعه في موضع الحجر ومعه شيء من زاد وسقاء فيه شيء من ماء، والبيت يومئذ ربوة حمراء من مدر، فقال إبراهيم لجبرئيل عليه السلام: هاهنا أمرت؟
قال: نعم.
قال: ومكّة يومئذ سلم وسمر وحول مكّة يومئذ ناس من العماليق.
وفي حديث آخر عنه أيضا قال: فلمّا ولّي إبراهيم قالت هاجر: يا إبراهيم إلي من تدعنا.
قال: أدعكما إلي ربّ هذه البنيّة.
قال: فلمّا نفد الماء وعطش الغلام خرجت حتّي صعدت علي الصّفا فنادت هل بالبوادي من أنيس، ثمّ انحدرت حتّي أتت المروة فنادت مثل ذلك، ثمّ أقبلت راجعة إلي ابنها فإذا عقبه يفحص في ماء، فجمعته فساخ ولو تركته
لساح?().
ومن المزارات الشريفة مدفن السيدة هاجر عليها السلام، حيث دُفنت في حَجر إسماعيل عليه السلام، دفنها ولدها إسماعيل.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن إسماعيل دفن أمه في الحِجر وحجّر عليها لئلا يوطأ قبر أم إسماعيل في الحجر?().
وعن الحلبي قال: سألته عن الحِجر؟ فقال: ?إنكم تسمونه الحطيم وإنما كان لغنم إسماعيل وإنما دفن فيه أمه وكره أن يوطأ قبرها فحجر عليه وفيه قبور الأنبياء?().
روي العلامة المجلسي رضي الله عنه في البحار عن القمي
في تفسيره: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن إبراهيم عليه السلام كان نازلا في بادية الشام، فلما ولد له من هاجر إسماعيل عليه السلام اغتمت سارة من ذلك غما شديدا، لأنه لم يكن له منها ولد وكانت تؤذي إبراهيم في هاجر فتغمه، فشكا إبراهيم عليه السلام ذلك إلي الله عزوجل، فأوحي الله إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء إن تركتها استمتعت بها وإن أقمتها كسرتها، ثم أمره أن يُخرج إسماعيل عليه السلام وأمه عنها.
فقال: يا رب إلي أي مكان؟
قال: إلي حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الأرض وهي مكة، فأنزل الله عليه جبرئيل بالبراق فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم عليه السلام وكان إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلا وقال: يا جبرئيل إلي هاهنا إلي هاهنا؟
فيقول جبرئيل: لا امض امض.
حتي وافي به مكة، فوضعه في موضع البيت، وقد كان إبراهيم عليه السلام عاهد سارة أن لا ينزل حتي يرجع إليها، فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجر، فألقت هاجر علي ذلك الشجر كساء كان معها فاستظلوا تحته، فلما سرحهم إبراهيم عليه السلام ووضعهم وأراد الانصراف عنهم إلي سارة قالت له هاجر: يا إبراهيم لم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟
فقال إبراهيم عليه السلام: الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم، ثم انصرف عنهم، فلما بلغ كدي وهو جبل بذي طوي التفت إليهم إبراهيم
?رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ صلي الله عليه و اله() ثم مضي وبقيت هاجر، فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل عليه
السلام وطلب الماء، فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعي فنادت: هل في الوادي من أنيس، فغاب إسماعيل عنها فصعدت علي الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت أنه ماء فنزلت في بطن الوادي وسعت، فلما بلغت المسعي غاب عنها إسماعيل، ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلي الوادي تطلب الماء، فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتي بلغت الصفا فنظرت حتي فعلت ذلك سبع مرات، فلما كان في الشوط السابع وهي علي المروة نظرت إلي إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه فعدت حتي جمعت حوله رملا فإنه كان سائلا فزمته بما جعلته حوله فلذلك سميت زمزم?().
قال أبو عبد الله عليه السلام: ?دفن في الحجر مما يلي الركن الثالث عذاري بنات إسماعيل?().
ومن المزارات الشريفة في مكة المكرمة: مقبرة الحجون أو جنة المعلي، وتسمي أيضا مقبرة أبي طالب عليه السلام، وتُعرف أيضاً بمقبرة بني هاشم، وفيها مدفن الكثيرين من بني هاشم من أجداد الرسول صلي الله عليه و اله وأعمامه، وقبور بعض الصحابة والتابعين.
وفيها قبر السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين عليها السلام، وقبر أبي طالب عم النبي صلي الله عليه و اله، وقبر عبد الله بن رسول الله صلي الله عليه و اله، وقبر القاسم بن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، وقبر عبد مناف جد الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، وقبر عبد المطلب جد النبي الأكرم صلي الله عليه و اله.
تقع المقبرة في الشمال الشرقي من مكة وهي مقبرة المكيين منذ العصر الجاهلي إلي اليوم. وتسمي بمقبرة الحجون نسبة إلي جبل الحجون المشرف
عليها.
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إن الله تعالي يأمر يوم القيامة أن يأخذوا بأطراف الحجون والبقيع وهما مقبرتان بمكة والمدينة، فيطرحان في الجنة?().
وفي بحار الأنوار عن الواقدي قال: (خرج النبي صلي الله عليه و اله للحاجة في وسط النهار بعيدا فبلغ إلي أسفل ثنية الحجون فأتبعه النضر بن الحارث يرجو أن يغتاله، فلما دنا منه عاد راجعا فلقيه أبو جهل فقال: من أين جئت؟ قال: كنت طمعت أن أغتال محمدا فلما قربت منه فإذا أساود تضرب بأنيابها علي رأسه فاتحة أفواهها، فقال أبو جهل: هذا بعض سحره)().
وعن ابن عباس: أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?لَمقبرة مكة نعم المقبرة
هذه?().
وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يزور هذه المقبرة. وقد أمر صلي الله عليه و اله بزيارة القبور لأنها تذكِّر بالآخرة، حيث قال
صلي الله عليه و اله: ?فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت?().
من المزارات في مقبرة الحجون: قبر الجد الأعلي لرسول الله صلي الله عليه و اله وهو قصي بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤيّ بن غالب بن فِهر بن مالك بن نضر بن كنانة. أمه فاطمة بنت سعد بن سيل، تزوج من حبَّي فولَدت له أربعة أولاد عبد الدار وعبد مناف وعبد العزي وعبداً، وابنتين.
ولي أمر مكة واتخذ لنفسه دار الندوة. وكان مطاعاً مضيافاً، ولما دنت منه الوفاة قسم مناصب مكة بين أولاده.
وهو أول من دُفن بالحجون. وكان أهل مكة يدفنون موتاهم في جنبتي الوادي يميناً وشمالاً.
ومن المزارات الشريفة في جنة المعلي بمكة المكرمة: قبر عبد مناف الجد الأكبر لرسول الله صلي الله عليه و اله، فهو صلي الله عليه و اله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
سمي بذلك لأنه علا وأناف، واسمه المغيرة بن قصي().
وقيل: إنما سمته عبد مناف أمه.
وكان أيضا يدعي القمر لجماله، ويدعي السيد لشرفه وسؤدده، وهو ابن قصي.
ثم لا يخفي أن عبد مناف وجميع أجداد رسول الله صلي الله عليه و اله وآبائه من عبد الله إلي النبي آدم عليهم السلام كانوا مؤمنين بالله عزوجل ولم يكونوا مشركين، كما اتفقت عليه الإمامية.
فإن الله خلق الخلق فرقتين فجعل خيرته في إحدي الفرقتين، ثم جعلهم أثلاثا فجعل خيرته في إحدي الأثلاث، ثم لم يزل يختار حتي اختار عبد مناف، ثم اختار من عبد مناف هاشما، ثم اختار من هاشم عبد المطلب، ثم اختار من عبد المطلب عبد الله، ثم اختار من عبد الله محمدا رسول الله صلي الله عليه و اله، فكان أطيب الناس ولادة، فبعثه الله تعالي بالحق وأنزل عليه الكتاب فليس من شيء
إلا في كتاب الله تبيانه().
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه: (اعتقادنا في آباء النبي صلي الله عليه و اله أنهم مسلمون من آدم إلي أبيه عبد الله، وأن أبا طالب كان مسلما، وآمنة بنت وهب بن عبد مناف أم رسول الله صلي الله عليه و اله كانت مسلمة)().
وقال النبي صلي الله عليه و اله: ?خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن
آدم? ().
قال العلامة المجلسي رحمة الله عليه: (اتفقت الإمامية رضوان الله عليهم علي أن والدي الرسول صلي الله عليه و اله وكل أجداده إلي آدم عليه السلام كانوا مسلمين، بل كانوا من الصديقين، إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين، ولعل بعضهم لم يظهر الإسلام لتقية أو لمصلحة دينية. قال أمين الدين الطبرسي رضي الله عنه في (مجمع البيان) قال أصحابنا: إن آزر كان جد إبراهيم عليه السلام لأمه أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلي الله عليه و اله إلي آدم عليه السلام كلهم كانوا موحدين وأجمعت الطائفة علي ذلك، ورووا عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: ?لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلي أرحام المطهرات حتي أخرجني في عالمكم هذا لم يدنسني بدنس الجاهلية?().
ولو كان في آبائه عليهم السلام كافر لم يصف جميعهم بالطهارة مع قوله سبحانه ?إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ? () ولهم في ذلك أدلة ليس هنا موضع ذكرها انتهي().
وقال إمامهم الرازي في تفسيره: قالت الشيعة إن أحدا من آباء الرسول صلي الله عليه و اله وأجداده ما كان كافرا وأنكروا أن يقال إن والد إبراهيم كان كافرا وذكروا أن آزر كان عم إبراهيم عليه السلام واحتجوا علي قولهم بوجوه: الأولي أن
آباء نبينا ما كانوا كفارا ويدل عليه وجوه منها قوله تعالي ?الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ ? وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ? () قيل معناه أنه كان ينقل روحه من ساجد إلي ساجد وبهذا التقدير فالآية دالة علي أن جميع آباء محمد صلي الله عليه و اله كانوا مسلمين فيجب القطع بأن والد إبراهيم كان مسلما، ومما يدل علي أن أحدا من آباء محمد صلي الله عليه و اله ما كانوا من المشركين قوله صلي الله عليه و اله: ?لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلي أرحام الطاهرات? وقال تعالي ?إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ?().
قال المجلسي: ثم أورد أي الرازي بعض الاعتراضات والأجوبة التي لاحاجة لنا إلي إيرادها، ثم قال: وأما أصحابنا فقد زعموا أن والد رسول الله صلي الله عليه و اله كان كافرا وذكروا أن نص الكتاب في هذه الآية تدل علي أن آزر كان كافرا وكان والد إبراهيم عليه السلام إلي آخر ما قال، وإنما أوردنا كلامه ليعلم أن اتفاق الشيعة علي ذلك كان معلوما بحيث اشتهر بين المخالفين. وأما المخالفون فذهب أكثرهم إلي كفر والدي الرسول صلي الله عليه و اله وكثير من أجداده كعبد المطلب وهاشم وعبد مناف (صلوات الله عليهم) وإجماعنا وأخبارنا متضافرة علي خلافهم().
ومن المزارات الشريفة في جنة المعلي بمكة المكرمة: قبر عبد المطلب بن هاشم وهو الجد الأول لرسول الله صلي الله عليه و اله.
أمه: سلمي بنت عمرو بن زيد.
لقبه: شيبة الحمد، وكنيته: أبو الحارث.
له اثنا عشر ولداً، وهم: العباس، الحمزة، عبد الله (والد الرسول صلي الله عليه و اله)، أبو طالب، الزبير، الحارث، الحَجْل، الغَيداق، المُقَوَّم، ضرار، أبو لهب (عبد العزي)، قُثَم.
وست بنات وهنَّ: عاتكة، أمَيمَة (والدة زينب بنت جحش)،
أروي، صفية (والدة الزبير بن العوَّام)، بَرَّة (والدة أبي سلمي المخزومي)، أم حكيم.
وعبد المطلب هو الذي حفر بئر زمزم بعد اندراسها، وقيل: أن جُرْهُماً هي التي طمستها حين نفيت من مكة، وكان حفره لها قبل مولد النبي صلي الله عليه و اله، وله موقف معروف مع أبرهة عندما أتي لهدم الكعبة فقال له: إني أنا رب الأبل، وإن للبيت رباً سيمنعه.
وكان أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم.
وفي الحديث: (أنه لما تزوج هاشم بن عبد مناف بسلمي بنت عمرو النجارية ودخل بها حملت بعبد المطلب جد رسول الله صلي الله عليه و اله وانتقل النور الذي كان في وجهه إلي سلمي زادها حسنا وجمالا وبهجة وكمالا حتي شاع حسنها في الآفاق، وكان يناديها الشجر والحجر والمدر بالتحية والإكرام وتسمع قائلا يقول عن يمينها: السلام عليك يا خير البشر ولم تزل تحدث بما تري حتي حذرها هاشم فكانت تكتم أمرها عن قومها)().
وفي المناقب لابن شهرآشوب:
(أن عبد المطلب سمي بذلك لأن مطلبا دخل مكة وهو رديفه، وعبد المطلب اسمه شيبة الحمد بن هاشم سمي بذلك لأنه هشم الثريد للناس في أيام الغلاء)().
وقد روي (أن عبد المطلب كان حجة وأبو طالب كان وصيه)().
قال العلامة المجلسي رضي الله عنه: (وجدت في بعض الكتب أن عبد المطلب اسمه شيبة، ويقال شيبة الحمد، وقد قيل: إن اسمه عامر، والصحيح الأول، ويقال: إنه سمي شيبة لأنه ولد وفي رأسه شعرة بيضاء، ويكني أبا الحارث، ويلقب الفياض لجوده، وإنما سمي عبد المطلب لأن أباه هاشما مر بيثرب في بعض أسفاره فنزل علي عمرو بن زيد وقيل زيد بن عمرو بن خداش بن أمية بن وليد بن غنم بن عدي بن النجار، والراوي الأول يقول: عمرو بن
زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وهو المعتمد، فرأي ابنته سلمي فخطبها إليه فزوجه إياها وشرط عليه أنها إذا حملت أتي بها لتلد في دار قومها، وبني عليها هاشم بيثرب ومضي بها إلي مكة فلما أثقلت أتي بها إلي يثرب في السفرة التي مات فيها وذهب إلي الشام فمات هناك بغزة من أرض الشام وولدت سلمي عبد المطلب وشب عند أمه فمر به رجل من بني الحارث بن عبد مناف وهو مع صبيان يتناضلون فرآه أجملهم وأحسنهم إصابة وكلما رمي فأصاب، قال: أنا ابن هاشم أنا ابن السيد البطحاء، فأعجب الرجل ما رأي منه و دنا إليه فقال: من أنت؟ قال: أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف، قال: بارك الله فيك وكثر فينا مثلك، قال: من أنت يا عم؟ قال: رجل من قومك، قال: حياك الله ومرحبا بك وسأله عن أحواله وحاجته، فرأي الرجل منه ما أعجبه فلما أتي مكة لم يبدأ بشيء حتي أتي المطلب بن عبد مناف فأصابه جالسا في الحجر فخلا به و أخبره خبر الغلام وما رأي منه فقال المطلب: والله لقد أغفلته ثم ركب قلوصا ولحق بالمدينة وقصد محلة بني النجار فإذا هو بالغلام في غلمان منهم فلما رآه أناخ قلوصه وقصد إليه فأخبره بنفسه وأنه جاء للذهاب به، فما لبث أن جلس علي عجز الرحل وركب المطلب القلوص ومضي به، وقيل بل كانت أمه قد علمت بمجيء المطلب ونازعته فغلبها عليه ومضي به إلي مكة وهو خلفه فلما رآه قريش قامت إليه وسلمت عليه وقالوا من أين أقبلت؟ قال: من يثرب.
قالوا: ومن
هذا معك؟
قال: عبد ابتعته، فلما أتي محله اشتري له حلة فألبسه إياها وأتي به في مجلس بني عبد مناف فقال هذا ابن أخيكم هاشم وأخبرهم خبره فغلب عليه عبد المطلب لقول عمه إنه عبد ابتعته، وساد عبد المطلب قريشا وأذعنت له سائر العرب بالسيادة والرئاسة، وأخباره مشهورة مع أصحاب الفيل وحفر زمزم وفي سقياه حين استسقي مرتين مرة لقريش ومرة لقيس، إلي غير ذلك من فضائله وأخباره وأشعاره تدل علي أنه كان يعلم أن سبطه محمدا نبي)().
ثم إن عبد المطلب عند وفاته جمع أولاده وأخذ يوصيهم بمحمد، كما أقبل بوجهه علي أبي طالب وألقي إليه النبي صلي الله عليه و اله، لأنه لم يكن في أولاد عبد المطلب أرفق منه برسول الله صلي الله عليه و اله ولا أميل منه، ثم أنشأ يقول:
أوصيك يا عبد مناف بعدي
بواحد بعد أبيه فرد
فارقه وهو ضجيع المهد
فكنت كالأم له في الوجد
قد كنت ألصقه الحشي والكبد
حتي إذا خفت فراق الوحد
أوصيت أرجي أهلنا بالود
لابن الذي غيبته في اللحد
بالكره مني ثم لا بالعمد
وخيرة الله يشاء في العبد
ثم قال عبد المطلب: يا أبا طالب إنني ألقي إليك بعد وصيتي.
قال أبو طالب: ما هي؟
قال: يا بني أوصيك بعدي بقرة عيني محمد صلي الله عليه و اله فأنت تعلم محله مني ومقامه لدي، فأكرمه بأجل الكرامة، ويكون عندك ليله ونهاره ما دمت في الدنيا، الله ثم الله في حبيبه، ثم قال لأولاده: أكرموا وجللوا محمدا صلي الله عليه و اله وكونوا عند إعزازه وإكرامه فسترون منه أمرا عظيما عليا، وسترون آخر أمره ما أنا أصفه عند بلوغه.
فقالوا بأجمعهم: السمع والطاعة يا أبانا نفديه بأنفسنا وأموالنا ونحن له فدية.
قال أبو طالب: قد أوصيتنا بمن هو
أفضل مني و من إخواني.
قال: نعم ولم يكن في أعمام النبي صلي الله عليه و اله أرفق من أبي طالب قديما وحديثا بأمر محمد صلي الله عليه و اله.
ثم قال: إن نفسي ومالي دونه فداء، أنازع معاديه وأنصر مواليه فلا يهمنك أمره.
قال الواقدي: ثم إن عبد المطلب غمض عينيه وفتحهما ونظر قريشا وقال: يا قوم أليس حقي عليكم واجبا؟
فقالوا بأجمعهم: نعم حقك علي الكبير والصغير واجب، فنعم القائد ونعم السائق فينا كنت، فجزاك الله تعالي عنا خيرا وهون عليك سكرات الموت وغفر لك ما سلف من ذنوبك.
فقال عبد المطلب: أوصيكم بولدي محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله فأحلوه محل الكرامة فيكم وبروه ولا تجفوه ولا تستقبلوه بما يكره.
فقالوا بأجمعهم: قد سمعنا منك و أطعناك فيه().
ومن المزارات الشريفة في جنة المعلي بمكة: قبر مؤمن قريش أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، والد الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام.
أسمه: عبد مناف، وقيل: عمران.
من أولاده أيضا: طالب وعقيل وجعفر الطيار وأم هاني.
زوجته: فاطمة بنت أسد.
من ألقابه: شيخ البطحاء.
كفل رسول الله صلي الله عليه و اله بعد وفاة جده عبد المطلب حينما كان صغيراً، وقام بحمايته والذب عنه أمام قريش حينما جهر بدعوته، وبسبب ذلك لم تستطع قريش الوقوف أمامه حتي مات أبو طالب. كان النبي صلي الله عليه و اله مدة حياة عمه أبي طالب مقيماً بمكة عزيزاً ممنوعاً من أذي المشركين حتي توفي فلم تستقر له بها دعوة، فهاجر منها بعد أن اتفقوا علي الفتك به في دار الندوة.
ورد في الوسائل عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ?كان والله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب مؤمناً مسلماً يكتم
إيمانه مخافة علي بني هاشم أن تنابذها قريش?().
وعن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ?والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط? قيل: وما كانوا يعبدون؟ قال: ?كانوا يصلون إلي البيت علي دين إبراهيم عليه السلام متمسكين
به?().
هذا وقد صرح أبو طالب عليه السلام كراراً بإيمانه واعتقاده برب العالمين وبنبوة محمد صلي الله عليه و اله، حيث قال():
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتي أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وأبشر بذاك وقر منه عيونا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي
ولقد دعوت وكنت ثم أمينا
ولقد علمت بأن دين محمد
من خير أديان البرية دينا
ومن شعره قوله:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا
رسولا كموسي صح ذاك في الكتب
وقد أوصي قريشاً باتباعه، وقال: (والله لكأني به وقد غلب ودانت له العرب والعجم فلا يسبقنكم إليه سائر العرب فيكونوا أسعد به منكم)، وهذه الوصية تكررت منه مراراً تارة يوصي بها بني هاشم وتارة يوصي بها كافة قريش..
وأوصي قريشاً عند قرب موته بوصية طويلة ولفظها:
(يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه، وأنتم قلب العرب، وفيكم السيد المطاع والمقدام الشجاع والواسع الباع، واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلا أحرزتموه، ولاشرفا إلا أدركتموه، فلكم بذلك علي الناس الفضيلة ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب وعلي حربكم الب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية يعني الكعبة فإن فيها مرضاة للرب وقواماً للمعاش وثباتاً للوطأة، وصلوا أرحامكم فإن في صلة الرحم منسأة أي فسحة في الأجل، وزيادة في العدد، واتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم، وأجيبوا داعي الله وأعطوا السائل فإن فيهما شرف الحياة والممات، وعليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة، فإن فيهما محبة في الخاص
ومكرمة في العام، وأوصيكم بمحمد خيراً فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به، وقد جاء بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن، وأيم الله كأني أنظر إلي صعاليك العرب وأهل الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً ودورها خراباً وضعفاؤها أرباباً، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها وأعطته قيادها، يا معشر قريش كونوا له ولاة ولحزبه حماة وفي رواية: دونكم وابن أبيكم كونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لايسلك أحد سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهي) ().
وقال لهم مرة: (لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره فأطيعوه ترشدوا) ().
وقد نوه أبو طالب بنبوة النبي صلي الله عليه و اله قبل أن يبعث فذكر في الخطبة التي خطب بها حين تزوج صلي الله عليه و اله بخديجة عليها السلام: (الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل، وضأضأ معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً، وجعلنا الحكام علي الناس، إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جسيم)().
وقد روي أبو طالب أحاديث عن النبي صلي الله عليه و اله وكلمات تدل علي إيمانه وامتلاء قلبه من التوحيد، فمن ذلك ما رواه الخطيب البغدادي بإسناده إلي جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه محمد الباقر عليه السلام عن أبيه
زين العابدين عليه السلام عن أبيه الحسين عليه السلام عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال سمعت أبا طالب يقول: (حدثني محمد ابن أخي وكان والله صدوقاً، قال قلت له بم بعثت يا محمد؟ قال بصلة الأرحام وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة) ().
وأخرج الخطيب أيضاً بسنده إلي أبي رافع مولي أم هانيء بنت أبي طالب أنه سمع أبا طالب يقول: (حدثني محمد ابن أخي أن الله أمره بصلة الأرحام وأن يعبد الله لا يعبد معه أحداً، قال: ومحمد عندي الصدوق الأمين) ().
وروي أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال: (لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره فاتبعوه وأعينوه ترشدوا) ().
وعن عمران بن حصين أن أبا طالب قال لابنه جعفر: (صل جناح ابن عمك، فصلي جعفر مع النبي صلي الله عليه و اله كما صلي علي) ().
وأخرج أبو نعيم وغيره عن ابن عبّاس قال: (كان أبو طالب يحب النبي صلي الله عليه و اله حباً شديداً لا يحب أولاده مثله، ولذا لا ينام إلا جنبه ويخرجه معه حين يخرج) ().
وكان النبي صلي الله عليه و اله يحب أبا طالب حباً شديداً لا يأوي إلا إليه ولايطمئن قلبه إلا باتصاله به.
وكان الرسول صلي الله عليه و اله يقول: (لما مات أبو طالب نالت قريش مني من الأذي ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب) ().
وقال النبي صلي الله عليه و اله أيضاً: (ما نالت قريش مني شيئاً أكرهه حتي مات
أبو طالب)().
ولما رأي قريشاً تهجموا علي أذيته، قال صلي الله عليه و اله: (يا عم ما أسرع ما وجدت بعدك) ().
ومات أبو طالب وخديجة عليهما السلام في عام
واحد فكان رسول الله صلي الله عليه و اله يسمي ذلك العام عام الحزن.
واجتمع مرة كفار قريش وجاءوا أبا طالب ومعهم عمارة بن الوليد بن المغيرة وكان من أحسن فتيان قريش، وقالوا لأبي طالب: خذ هذا بدل محمد يكون كالابن لك وأعطنا محمداً نقتله، فقال: ما أنصفتموني يا معشر قريش آخذ ابنكم أربيه وأعطيكم ابني تقتلونه. ثم قال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتي أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وابشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك صادق
ولقد صدقت وكنت ثمّ أمينا
ولقد علمت بأن دين محمد
من خير أديان البرية دينا
ومن شعره قوله في النبي صلي الله عليه و اله:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
ثمال اليتامي عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم
فهم عنده في نعمة وفواضل
وهاتان البيتان من قصيدة طويلة لأبي طالب، قيل إنها ثمانون بيتاً، أفرد لها بعض العلماء شرحاً مستقلاً، وقيل إنها تزيد علي مائة بيت، قالها أبو طالب حين حصر قريش لهم في الشعب وأخبر قريشاً أنه غير مسلّم محمداً رسول الله صلي الله عليه و اله لأحد أبداً حتي يهلك دونه، ومدحه فيها مدحاً بليغاً وأتي فيها بكلام صريح في أنه مصدّق بنبوته ومؤمن به فمنها البيتان السابقان، ومنها قوله:
لعمري لقد كلفت وجداً بأحمد
وأحببته حب المحب المواصل
وقد علموا أن ابننا لا مكذب
لدينا ولا يعزي لقول الباطل
فمن مثله في الناس أي مؤمل
إذا قاسه الحكام عند التفاضل
حليم رشيد عاقل غير طائش
يوالي إلهاً ليس عنه بغافل
وأصبح فينا أحمد في أرومة
تقصر عنها سورة المتطاول
حدبت بنفس دونه وحميته
ودافعت عنه بالذري والكلاكل
وفي القصيدة أبيات كثيرة مثل هذه في المعني والبلاغة ().
وفي رواية: (لما تقارب من أبي طالب الموت نظر إليه العباس فرآه يحرك شفتيه فأصغي إليه بأذنه فسمع منه الشهادة،
فقال للنبي صلي الله عليه و اله يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها، ولم يصرح العباس بلفظ لا إله إلا الله لكونه لم يكن أسلم حينئذ) ().
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن علي عليه السلام قال: (أخبرت النبي صلي الله عليه و اله بموت أبي طالب فبكي وقال: اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ففعلت، وذلك اليوم لم تشرع بعد صلاة الجنازة) ().
إلي غيرها من الروايات الكثيرة.
ومن المزارات الشريفة بمكة المكرمة في الحجون (جنة المعلي): قبر السيدة الطاهرة خديجة الكبري أم المؤمنين زوجة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله.
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب، وهي أول أمرأة أسلمت، وقد قام الإسلام علي سيف علي عليه السلام ومال خديجة عليها السلامكما في الروايات().
وقبرها معروف ويقع في سفح الجبل قريباً من قبري أبي طالب وعبد المطلب عليهما السلام.
وفي سنة 905 ه بني محمد بن سليمان الحركي أمين الدفاتر بمصر قبة شاهقة علي قبرها، وجعل لخادم القبر مرتباً من صدقات السلطان سليمان.
ولكنه تم هدم جميع هذه المشاهد المشرفة والقباب الطاهرة من قبل الوهابيين.
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أفضل نساء الجنة أربع، خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة
فرعون? ().
وعن ابن عباس قال: خط رسول الله صلي الله عليه و اله أربع خطوط ثم قال: ?خير نساء الجنة: مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون? ().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد? ().
وروي أنه صلي الله عليه و اله قال: ?سادات نساء العالمين أربع: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران? ().
وفي حديث قال صلي الله عليه و اله: ?أفضل نساء أهل الجنة خديجة? ().
وعن عائشة قالت: (ما غرتُ علي أمرأة ما غرت علي خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلي الله عليه و اله إياها)().
وروت عن النبي صلي الله عليه و
اله أنه قال: ?كانت فاضلة وكانت عاقلة? إلي قوله:
?آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء? ().
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا معاشر الناس ألا أدلكم علي خير الناس جدا وجدة?؟ قالوا: بلي يا رسول الله، فقال صلي الله عليه و اله: ?الحسن والحسين فإن جدهما محمد وجدتهما خديجة بنت خويلد? ().
روي أن جبرئيل عليه السلام أتي النبي صلي الله عليه و اله فسأل عن خديجة فلم يجدها فقال: ?إذا جاءت فأخبرها أن ربها يقرئها السلام? ().
وروي أنه أتي جبرئيل عليه السلام النبي صلي الله عليه و اله فقال: ?هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطي فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني السلام وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب? ().
كانت السيدة خديجة عليها السلام أول مؤمنة بالله ورسول الله صلي الله عليه و اله من بين النساء، وقد صدقت بما جاء به الرسول صلي الله عليه و اله من الله، وواسته بأموالها كلها، ووازرته علي أمره، فخفف الله بذلك عن رسول الله صلي الله عليه و اله وكان لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله ذلك عن رسول الله صلي الله عليه و اله بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتهون عليه أمر الناس حتي ماتت رحمها الله.
وفي الحديث: ?إن النبوة نزلت علي رسول الله صلي الله عليه و اله يوم الاثنين وأسلم علي عليه السلام يوم الثلاثاء ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلي الله عليه و اله ثم دخل أبو طالب إلي النبي صلي الله عليه و اله وهو يصلي وعلي بجنبه وكان مع أبي طالب جعفر فقال له أبو طالب: صل جناح ابن عمك فوقف جعفر علي يسار رسول الله صلي الله عليه و اله فبدر رسول الله صلي الله عليه و اله من بينهما فكان يصلي رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي عليه السلام وجعفر وزيد
بن حارثة وخديجة يأتمون به? ().
وفي المناقب عن عبد الله بن مسعود قال: (إن أول شيء علمته من أمر رسول الله صلي الله عليه و اله أني قدمت مكة في عمومة لي فأرشدونا علي العباس بن عبد المطلب فانتهينا إليه وهو جالس إلي زمزم، فجلسنا إليه فبينا نحن عنده إذا أقبل رجل من باب الصفا تعلوه حمرة وله وفرة جعدة إلي أنصاف أذنيه، أقني الأنف، براق الثنايا، أدعج العينين، كث اللحية، دقيق المسربة، شثن الكفين، حسن الوجه، معه مراهق أو محتلم، تقفوه امرأة قد سترت محاسنها، حتي قصدوا نحو الحجر فاستلمه ثم استلمه الغلام ثم استلمته المرأة ثم طاف بالبيت سبعا والغلام والمرأة يطوفان معه، فقلنا: يا أبا الفضل إن هذا الدين لم نكن نعرفه فيكم أوشيء حدث؟ قال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله والغلام علي بن أبي طالب والمرأة امرأته خديجة بنت خويلد ما علي وجه الأرض أحد يعبد الله تعالي بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة)().
وقال الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء وهو يناشد القوم: ?أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما? قالوا: (اللهم نعم)().
أول امرأة تزوجها رسول الله صلي الله عليه و اله وأفضلهن هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي، تزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وكان لها حين تزوّجها من العمر خمس وعشرون عاماً أو ثمان وعشرون، وقيل أربعون.
علماً بأن خديجة عليها السلام كانت بكرا حينما تزوجها الرسول فلم تتزوج هي من قبله بأحد، وذلك لعلمها بأنها ستتزوج من رسول الله صلي الله عليه و اله ولذا ورد أنه قد خطبها كل صنديد ورئيس ولكنها قد
أبتهم، نعم قال البعض بأنها تزوجت من قبل، وهذا القول ضعيف.
عن ابن عباس: (أنه صلي الله عليه و اله تزوجها وهي ابنة ثماني وعشرين سنة ومهرها النبي صلي الله عليه و اله اثنتي عشرة أوقية وكذلك كانت مهور نسائه) (?.
ثم ولدت السيدة خديجة عليها السلام لرسول الله صلي الله عليه و اله بنين وبنات، وكل أولاده صلي الله عليه و اله من خديجة، ماعدا إبراهيم، فإنه من (مارية القبطية)، فالذكور من ولده:
القاسم وبه كان يُكنّي وهو أكبر ولده صلي الله عليه و اله، والقاسم هذا كان يُدعي بالطاهر.
وولد له عبد الله وكان يدعي بالطيّب.
وأما بناته منها، فأربع:
1-3: زينب ورُقَية وأم كلثوم، وذهب بعض إلي أن بعضهنّ كنّ متبنيات
للنبي صلي الله عليه و اله.
4: وفاطمة عليها السلام وهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
روي: أن خديجة بنت خويلد كانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول الله صلي الله عليه و اله من صدق حديثه وعظيم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرا إلي الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله منها رسول الله صلي الله عليه و اله وخرج في مالها ذلك ومعه غلامها ميسرة حتي قدم الشام.
فنزل رسول الله صلي الله عليه و اله في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب فاطلع الراهب إلي ميسرة فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟
فقال ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم.
فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي.
ثم باع رسول الله
صلي الله عليه و اله سلعته التي خرج فيها واشتري ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلي مكة ومعه ميسرة، وكان ميسرة قال: إذا كانت الهاجرة واشتد الحر نزل ملكان يظلانه من الشمس وهو يسير علي بعيره، فلما قدم مكة علي خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا. وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يري من إظلال الملكين، فبعثت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقالت له: يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك مني وشرفك في قومك وسطتك فيهم وأمانتك عندهم وحسن خلقك وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها. وكانت خديجة امرأة حازمة لبيبة شريفة وهي يومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وكل قومها قد كان حريصا علي ذلك لو يقدر عليه، فلما قالت لرسول الله صلي الله عليه و اله ما قالت ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه منهم حمزة بن عبد المطلب حتي دخل علي خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صلي الله عليه و اله? ().
وورد: (أن رسول الله صلي الله عليه و اله تزوج خديجة علي اثنتي عشرة أوقية ذهبا وهي يومئذ ابنة ثماني وعشرين سنة)().
وفي إقبال الأعمال عن الشيخ المفيد رضي الله عنه قال: في حدائق الرياض عند ذكر ربيع الأول: اليوم العاشر منه تزوج النبي صلي الله عليه و اله خديجة بنت خويلد أم المؤمنين عليها السلام ولها أربعون سنة وله صلي الله عليه و اله خمس وعشرون سنة ويستحب صيامه شكرا لله تعالي علي توفيقه بين رسوله والصالحة الرضية النقية? ().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لما أراد رسول الله صلي الله عليه و اله أن
يتزوج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتي دخل علي
ورقة بن نوفل عم خديجة، فابتدأ أبو طالب بالكلام فقال: الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وأنزلنا حرما آمنا وجعلنا الحكام علي الناس وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه، ثم إن ابن أخي هذا يعني رسول الله صلي الله عليه و اله ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه، ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلا في المال فإن المال رفد جار وظل زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله وله ورب هذا البيت حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل.
ثم سكت أبو طالب وتكلم عمها وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر وكان رجلا من القسيسين فقالت خديجة مبتدئة: يا عماه إنك وإن كنت أولي بنفسي مني في الشهود فلست أولي بي من نفسي قد زوجتك يا محمد نفسي والمهر عليّ في مالي فأمر عمك فلينحر ناقة فليولم بها وادخل علي أهلك.
قال أبو طالب: اشهدوا عليها بقبولها محمدا وضمانها المهر في مالها.
فقال بعض قريش: يا عجباه المهر علي النساء للرجال، فغضب أبو طالب غضبا شديدا وقام علي قدميه وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه فقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلي الأثمان وأعظم المهر وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي، ونحر أبو طالب ناقة ودخل رسول الله صلي الله عليه و اله بأهله? ().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?كان
صداق النبي صلي الله عليه و اله اثنتي عشرة أوقية ونشا، والأوقية أربعون درهما والنش عشرون درهما وهو نصف الأوقية? ().
وروي: أن خديجة قالت لرسول الله صلي الله عليه و اله عند ما أرادت أن تتزوج منه: يا سيدي أما ترضي أن أخطب لك زوجة من خيار قومك تحسن بقلبي؟
فقال: نعم يا خديجة.
قالت: خديجة قد وجدت لك امرأة أرضاها لك وهي امرأة أكبر منك سنا ودونك جمالا وأكبر يدا، طاهرة مطهرة مصونة عفيفة، تساعدك علي الأمور وتقنع منك باليسير ولا ترضي بغيرك ولو بذل لها المال الجزيل، وإنها كريمة في قومها، مطاعة في عشيرتها، قريبة منك في الحسب والنسب، غير بعيدة عنك، يحمدك عليها الملوك والأكاسرة وقد خطبها الملوك والجبابرة …
فقال النبي صلي الله عليه و اله: سميها لي حتي أعرفها.
قالت: هي مملوكتك خديجة بنت خويلد!.
فأطرق النبي صلي الله عليه و اله رأسه حياء منها حتي عرق جبينه وأمسك عن الكلام.
فأعادت عليه القول مرة أخري وقالت: يا سيدي ما لك لا تجيب، والله إنك لي حبيب وإني لا أخالفك في أمري، القصة? ().
هذا وقد أمر الله جبرئيل في زواج النبي صلي الله عليه و اله من خديجة أن يرقي منبر العز والكرامة، فرقي جبرئيل المنبر حتي إذا استوي علي المنبر أنشأ الله علي رءوس الأشهاد من الملائكة سحابة من نور حشوها نثار المسك والكافور وأمرها أن تمطر علي الملائكة حتي غرقتهم بالمسك والكافور فأوحي الله تعالي إلي جبرئيل أن اخطب خطبة النكاح لحبيبي محمد وزوجه خديجة بنت خويلد.
فقام جبرئيل خطيبا وقال: ?الحمد لله الذي أكرم محمدا بنعمته وانتجبه من بريته واصطفاه من خليقته، الذي وسعت كل شي ء رحمته وعلمه، وغلب كل شيء أمره، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، واشهدوا يا معاشر الملائكة المقربين الراكعين الساجدين المسبحين المقربين وحملة العرش أجمعين أني زوجت محمد الأمين بخديجة الأمينة الصفية الصديقة المرضية بأمر رب العالمين?.
فقالت الملائكة: سمعنا وأطعنا وشهدنا.
فأوحي الله تعالي إليهم أني قد قبلت شهادتكم وزوجت عبدي بأمتي.
فقالت الملائكة: هنيئا لك يا محمد وضجوا بالتهليل والتكبير.
قال: فنثرت عليهم شجرة طوبي الدر والياقوت وأوحي الله تعالي إلي الملائكة أن اهبطوا لتشهدوا ملائكة الأرض كما أشهدتموهم في السماء، فهبطت الملائكة بألوية الحمد والثناء لرب العزة والنور ورايات الكرامة وأحدقوا بالكعبة وألبس الله الأنوار نبيه ثوب البهاء ورداء العز والوقار وألبسه الله الحلة التي خلقها لعرسه ومنطقه بمنطقة آدم فنثر الغلمان والجواري ما كان في الصواني من الطيب علي رأس النبي محمد صلي الله عليه و اله وعلي الحاضرين ونصبت الموائد للناس فأكلوا وشربوا ومكثوا في الأكل سبعة أيام بلياليها ثم تفرقوا إلي منازلهم? ().
عن أبي عبد الله عليه السلام وساق الحديث في أحوال القيامة إلي أن قال: ?ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام أين فاطمة بنت محمد، أين خديجة بنت خويلد، أين مريم بنت عمران، أين آسية بنت مزاحم، أين أم كلثوم أم يحيي بن زكريا فيقمن? ()، الحديث.
وفي الحديث أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ?ثم استقبلتك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله وبرسوله ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية
التكبير? ().
وعن عائشة قالت: ?بشر رسول الله صلي الله عليه و اله خديجة بنت خويلد ببيت في الجنة? ().
وفي الحديث: ?خديجة بنت خويلد زوجة النبي في الدنيا والآخرة? ().
وعن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله:
?أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب? ().
وعن عبد الله بن أبي أوفي قال: (بشر رسول الله صلي الله عليه و اله خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب)().
ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب عليهما السلام ماتا في عام واحد، فتتابعت علي رسول الله صلي الله عليه و اله المصائب بهلاك خديجة وأبي طالب وكانت خديجة وزيرة صدق علي الإسلام وكان يسكن إليها.
فلما مات أبو طالب وخديجة سمي رسول الله صلي الله عليه و اله العام الذي ماتا فيه (عام الحزن) وذلك لشدة مصابه بهما ووجده عليهما. وكان بين موت أبي طالب وموت خديجة ثلاثة أيام، وذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة.
وعن علي عليه السلام قال: ?ذكر النبي صلي الله عليه و اله خديجة يوما وهو عند نسائه فبكي، فقالت عائشة: ما يبكيك علي عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟ فقال صلي الله عليه و اله: صدقتني إذ كذبتم وآمنت بي إذ كفرتم وولدت لي إذ عقمتم، قالت عائشة فما زلت أتقرب إلي رسول الله بذكرها? ().
وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن، قالت: فرأيت رسول الله صلي الله عليه و اله غضب غضبا شديدا، فسقطت في يدي فقلت: اللهم إنك إن أذهبت بغضب رسولك صلي الله عليه و اله لم أعد لذكرها بسوء ما بقيت، قالت: فلما رأي رسول الله صلي الله عليه و اله ما لقيت قال: كيف قلت، والله لقد آمنَت بي إذ كفر الناس وآوتني إذ رفضني الناس وصدقتني إذ كذبني الناس ورُزقت مني الولد حيث حرمتموه? ().
ومن المزارات الشريفة: قبر القاسم ولد الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وذلك في جنة المعلي بمكة المكرمة.
وبه يكني رسول الله صلي الله عليه و اله، وأمه خديجة بنت خويلد عليها السلام.
دفن بالقرب من قبر والدته.
وكان القاسم أكبر ولد النبي صلي الله عليه و اله، وكان يُدعي بالطاهر()، وُلد قبل المبعث النبوي الشريف.
عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال:
?ولد لرسول الله صلي الله عليه و اله من خديجة القاسم والطاهر وأم كلثوم ورقية وفاطمة وزينب? ().
ومات القاسم وأخوه الطيب بمكة صغيرين، قيل: مكث القاسم سبع ليال فقط.
وقيل: مات القاسم وهو ابن سنتين، وقيل:
سنة.
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له لأي علة لم يبق لرسول الله صلي الله عليه و اله ولد؟ قال:
?لأن الله عزوجل خلق محمدا صلي الله عليه و اله نبيا وعليا عليه السلام وصيا فلو كان لرسول الله صلي الله عليه و اله ولد من بعده كان أولي برسول الله صلي الله عليه و اله من أمير المؤمنين فكانت لاتثبت وصية أمير المؤمنين عليه السلام? ().
ومن المزارات الشريفة: قبر عبد الله بن رسول الله صلي الله عليه و اله وذلك في جنة المعلي بمكة المكرمة.
وكان عبد الله يدعي بالطيّب()، وقيل: الطاهر.
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?ولد لرسول الله صلي الله عليه و اله من خديجة القاسم والطاهر وهو عبد الله وأم كلثوم ورقية وزينب وفاطمة? ().
ولما مات القاسم ثم مات عبد الله بمكة قال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع ولده فهو أبتر، فأنزل الله تعالي ?إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ? ().
من الأماكن المباركة: الدار التي كان الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله يختبئ فيها عن المشركين وهي دار الأرقم المخزومي، وتسمي دار الخيزران أيضاً، فكان صلي الله عليه و اله يجتمع فيها مع أصحابه يقرأ عليهم القرآن ويعلمهم، وقد أصبح مسجداً فيما بعد جنب الصفا، ولكن هدم وأصبح مكانه ساحة لوقوف السيارات شرقي المسعي، يقال: إن الساعة العمودية القائمة الآن في الساحة بين جبل الصفا والنفق المؤدي إلي جياد السد هي في موضعه.
وكان الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي هو سابع الصحابة إسلاماً، وقد شهد بدراً.
كنيته أبو عبد الله، وأسم أبيه عبد مناف.
ومن المزارات الشريفة: قبر السيدة آمنة بنت وهب والدة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في الأبواء () وهو موضع بين مكّة والمدينة، وإن كان عند قبر خديجة عليها السلام في مكّة قبر ينسب إليها، لكنّه خلاف المشهور.
السيّدة آمنة بنت وهب هي من بنات أعمام زوجها عبد الله عليه السلام والد الرسول صلي الله عليه و اله وهي قرشية كلابية من الأبوين. وكانت من المؤمنات بالله عزوجل، لأن المعصومين عليهم السلام لم يتنقلوا إلا من صلب طاهر إلي رحم مطهّر، قال رسول الله صلي الله عليه و اله في حديث: ?ثم قذفنا في صلب آدم، ثم أخرجنا إلي أصلاب الآباء وأرحام الاُمّهات، ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر?().
وفي زيارة رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أشهد يا رسول الله أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها?().
وروي الشيخ الصدوق رضي الله عنه عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: (ولد لأبي، عبد المطلب: عبد الله، فرأينا في
وجهه نوراً يزهر كنور الشمس، فقال أبي: إن لهذا الغلام شأناً عظيماً …
قال أبي أي العباس: فهمّني أمر عبد الله إلي أن تزوج بآمنة وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقاً، فلما مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله صلي الله عليه و اله أتيت فرأيت النور بين عينيه يزهر … ) الحديث().
وروي: (أنه لمّا أتي علي رسول الله صلي الله عليه و اله شهر واحد في بطن اُمّه نادت الجبال والأشجار والسماوات بعضها بعضاً مستبشرين قائلين: ألا إنّ محمّداً قد سقط في رحم اُمّه آمنة وقد مضي عليه شهر، ففرح بذلك الجبال والبحار والسماوات والأرضون)().
روي إنّه لمّا كبر رسول الله صلي الله عليه و اله ردّته مرضعته السيّدة حليمة السعدية إلي اُمّه فافتطمته وأخذته إلي أخواله من بني عدي بن النجّار بالمدينة، ثمّ رجعت به حتّي بلغا (الأبواء) فماتت عليها السلام بها فيتم النبي صلي الله عليه و اله وكان عمره آنذاك ست سنين..
فرجعت به صلي الله عليه و اله اُمّ أيمن إلي مكّة المكرّمة وكانت تحضنه.
وورث رسول الله صلي الله عليه و اله من والدته كل من: اُمّ أيمن وخمسة جمال أوداك() وقطيعة غنم، فلمّا تزوّج بخديجة عليها السلام أعتق اُمّ أيمن().
لمّا مرّ رسول الله صلي الله عليه و اله في عمرة الحديبية بالأبواء قال: ?إنّ الله قد أذن لي في زيارة قبر اُمّي? فأتاه رسول الله صلي الله عليه و اله فأصلحه وبكي عنده، وبكي المسلمون لبكاء رسول الله صلي الله عليه و اله فقيل له، فقال: ?أدركتني رحمة رحمتها فبكيت?().
وقال صلي الله عليه و اله: ?استأذنت ربّي في زيارة قبر اُمّي، فأذن لي، فزوروا القبور تذكّركم الموت?().
مسألة: يستحب الطواف عن السيدة آمنة والدة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله لقضاء الحوائج.
ففي الحديث المروي عن الإمام الصادق عليه السلام ما يدلّ بوضوح علي أنّ للسيّدة آمنة عليها السلام مقاماً عظيماً عند الله، وأنّها من صفوة أولياء الله الذين يتوسّل بهم لقضاء الحوائج.
فعن داود الرقّي قال:
(دخلت علي أبي عبد الله صلي الله عليه و اله ولي علي رجل مال قد خفت تواه فشكوت إليه ذلك، فقال لي: ?إذا صرت بمكّة فطف عن عبد المطّلب طوافاً وصلّ ركعتين عنه، وطف عن أبي طالب طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن عبد الله طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها ركعتين، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها ركعتين، ثمّ ادع أن يردّ عليك مالك?.
قال: ففعلت ذلك، ثمّ خرجت من باب الصفا وإذا غريمي واقف يقول: يا داود حبستني تعال اقبض مالك)().
يقع قبر الصحابي العظيم أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) في الربذة، قريباً من الصفراء علي يمين الطريق للذاهب من مكة إلي المدينة، ويستحب زيارته.
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر?().
كان أبو ذر رضي الله عنه من حواري رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام وخلّص شيعتهما، ومن الذين لم يرتدوا بعد رسول الله صلي الله عليه و اله وثبتوا علي ولاية علي أمير المؤمنين عليه السلام.
قال أبو الحسن موسي بن جعفر عليه السلام: ?إذا كان يوم القيامة نادي مناد: أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله صلي الله عليه و اله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه، فيقوم سلمان
والمقداد وأبو ذر?().
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?فلما توفي رسول الله صلي الله عليه و اله اشتغلت بدفنه والفراغ من شأنه، ثم آليت يمينا أني لا أرتدي إلا للصلاة وجمع القرآن() ففعلت، ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين ثم درت علي أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي، ودعوتهم إلي نصرتي، فما أجابني منهم إلا أربعة رهط: سلمان وعمار والمقداد وأبو ذر?().
عن سلمة اللؤلؤي عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?ألا أخبركم كيف كان إسلام سلمان وأبي ذر?؟ فقال الرجل وأخطأ: أما إسلام سلمان فقد عرفته، فأخبرني بإسلام أبي ذر، فقال: ?إن أبا ذر كان في بطن مر يرعي غنما له فأتي ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه علي الذئب فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبوذر، ثم قال له: أبوذر ما رأيت ذئبا أخبث منك ولا شرا.
فقال له الذئب: شر والله مني أهل مكة بعث الله عزوجل إليهم نبيا فكذبوه وشتموه.
فوقع في أذن أبي ذر فقال لامرأته: هلمي مزودي وإداوتي وعصاي، ثم خرج علي رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب وما أتاه به، حتي بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة وقد تعب ونصب، فأتي زمزم وقد عطش فاغترف دلوا فخرج لبن فقال في نفسه: هذا والله يدلني علي أن ما خبرني الذئب وما جئت له حق، فشرب وجاء إلي جانب من جوانب المسجد فإذا حلقة من قريش فجلس إليهم فرآهم يشتمون النبي صلي الله عليه و اله كما قال الذئب، فما زالوا في ذلك من ذكر النبي صلي الله عليه و اله والشتم له حتي جاء أبو طالب عليه السلام من آخر النهار، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: كفوا فقد
جاء عمه.
قال: فكفوا فما زال يحدثهم ويكلمهم حتي كان آخر النهار، ثم قام وقمت علي أثره فالتفت إليّ فقال: اذكر حاجتك.
فقلت هذا النبي المبعوث فيكم.
قال: وما تصنع به؟
قلت: أومن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته.
فقال: وتفعل؟
فقلت: نعم.
قال: فتعال غدا في هذا الوقت إليّ حتي أدفعك إليه.
قال: بت تلك الليلة في المسجد حتي إذا كان الغد جلست معهم، فما زالوا في ذكر النبي صلي الله عليه و اله وشتمه حتي إذا طلع أبو طالب عليه السلام فلما رأوه قال بعضهم لبعض: أمسكوا فقد جاء عمه، فأمسكوا فما زال يحدثهم حتي قام.
فتبعته فسلمت عليه فقال: اذكر حاجتك.
فقلت: النبي المبعوث فيكم.
قال: وما تصنع به؟
فقلت: أومن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته.
قال: وتفعل؟
قلت: نعم.
فقال: قم معي.
فتبعته فدفعني إلي بيت فيه حمزة عليه السلام فسلمت عليه وجلست فقال لي: ما حاجتك؟
فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم.
فقال: وما حاجتك إليه؟
قلت: أومن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته.
فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
قال: فشهدت.
قال: فدفعني حمزة إلي بيت فيه جعفر عليه السلام، فسلمت عليه وجلست فقال لي جعفر عليه السلام: ما حاجتك؟
فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم.
قال: وما حاجتك إليه؟
فقلت: أومن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته.
فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. قال: فشهدت.
فدفعني إلي بيت فيه علي عليه السلام فسلمت وجلست، فقال: ما حاجتك؟
فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم.
قال: وما حاجتك إليه؟
قلت: أومن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته.
فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. قال:
فشهدت.
فدفعني إلي بيت فيه رسول الله صلي الله عليه و اله فسلمت وجلست، فقال لي رسول الله صلي الله عليه و اله ما حاجتك؟
قلت: النبي المبعوث فيكم.
قال: وما حاجتك إليه؟
قلت: أومن به وأصدقه ولا يأمرني بشيء إلا أطعته.
فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
فقال لي رسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبا ذر انطلق إلي بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات وليس له وارث غيرك فخذ ماله وأقم عند أهلك حتي يظهر أمرنا.
قال: فرجع أبو ذر فأخذ المال وأقام عند أهله حتي ظهر أمر رسول الله صلي الله عليه و اله ?.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: هذا حديث أبي ذر وإسلامه رضي الله عنه?().
كان أبو ذر قد تخلف عن رسول الله صلي الله عليه و اله في غزوة تبوك ثلاثة أيام، وذلك أن جمله كان أعجف فلحق بعد ثلاثة أيام ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه علي ظهره، فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلي شخص مقبل فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?كن أبا ذر?.
فقالوا: هو أبو ذر.
فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أدركوه بالماء فإنه عطشان?.
فأدركوه بالماء، ووافي أبو ذر رسول الله صلي الله عليه و اله ومعه إداوة فيها ماء، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا أبا ذر معك ماء وعطشت?.
فقال: نعم يا رسول الله، بأبي أنت وأمي انتهيت إلي صخرة وعليها ماء السماء فذقته فإذا هو عذب بارد، فقلت: لا أشربه حتي يشربه حبيبي رسول الله صلي الله عليه و اله.
فقال رسول
الله صلي الله عليه و اله: ?يا أبا ذر أرحمك الله تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، وتدخل الجنة وحدك، يسعد بك قوم من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك?().
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر، يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة
وحده?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أبو ذر صديق هذه الأمة?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من أراد أن ينظر إلي زهد عيسي ابن مريم عليه السلام فلينظر إلي أبي ذر?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إن الله تبارك وتعالي أمرني بحب أربعة، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: علي بن أبي طالب منهم، ثم سكت ثم قال: إن الله تبارك تعالي أمرني بحب أربعة، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: علي بن أبي طالب والمقداد بن أسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي?().
وفي تفسير القمي: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ صلي الله عليه و اله إلي قوله: ?لهمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ?() فإنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر وسلمان والمقداد ().
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: ?إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لهمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً?() قال: ?هذه نزلت في أبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر، جعل الله لهم جنات الفردوس نزلا مأوي ومنزلا?(). الخبر.
وعن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال النبي صلي الله عليه و اله: ?الجنة تشتاق
إليك يا علي وإلي عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد?().
وعن علي عليه السلام قال: ?خلقت الأرض لسبعة، بهم يرزقون وبهم يمطرون وبهم ينصرون: أبو ذر وسلمان والمقداد وعمار وحذيفة وعبد الله بن مسعود?. قال علي عليه السلام: ?وأنا إمامهم، وهم الذين شهدوا الصلاة علي فاطمة
عليها السلام?().
وبالإسناد إلي أبي محمد العسكري عليه السلام قال: ?قدم جماعة فاستأذنوا علي الرضا عليه السلام وقالوا: نحن من شيعة علي، فمنعهم أياما، ثم لما دخلوا قال لهم: ويحكم إنما شيعة أمير المؤمنين الحسن والحسين وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?الإيمان عشر درجات فالمقداد في الثامنة وأبو ذر في التاسعة وسلمان في العاشرة?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?كان أكثر عبادة أبي ذر رحمة الله عليه التفكر والاعتبار?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: ?بكي أبو ذر رحمة الله عليه من خشية الله عزوجل حتي اشتكي بصره فقيل له: يا أبا ذر لو دعوت الله أن يشفي بصرك، فقال: إني عنه لمشغول وما هو من أكبر همي، قالوا: وما يشغلك عنه؟ قال: العظيمتان الجنة و النار?().
وقد آخي رسول الله صلي الله عليه و اله بين سلمان وأبي ذر، وكان مقام سلمان أعلي من مقامه، وفي الحديث عن صالح الأحول قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?آخي رسول الله صلي الله عليه و اله بين سلمان وأبي ذر واشترط علي أبي ذر أن لا يعصي سلمان?().
عن علي عليه السلام أنه قيل له: حدثنا عن أبي ذر الغفاري، قال: ?علم العلم ثم أوكاه وربط عليه رباطا شديدا?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?وكتب رجل إلي أبي ذر (رضي الله عنه): يا أبا ذر أطرفني بشيء من العلم؟ فكتب إليه: إن العلم كثير، ولكن إن قدرت أن لاتسي ء إلي من تحبه فافعل. قال: فقال له الرجل: وهل رأيت أحدا يسيء إلي من يحبه؟ فقال له: نعم نفسك أحب الأنفس إليك فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?جاء رجل إلي أبي ذر رضي الله عنه فقال له: يا
أبا ذر ما لنا نكره الموت؟
فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلي خراب.
فقال له: فكيف تري قدومنا علي الله عزوجل؟
فقال: أما المحسن فكالغائب يقدم علي أهله، وأما المسيء فكالآبق يرد علي مولاه. قال: فكيف تري حالنا عند الله؟
فقال: اعرضوا أعمالكم علي كتاب الله، يقول الله: ?إن الأبرار لفي نعيم ? وإن الفجار لفي جحيم?().
فقال الرجل: أين رحمة الله؟
فقال: ?إن رحمة الله قريب من المحسنين?()?().
عن أبي ذر عن النبي صلي الله عليه و اله في وصيته له قال: ?يا أبا ذر، همّ بالحسنة وإن لم تعملها لكي لا تكتب من الغافلين?().
وعن أبي ذر في وصية رسول الله صلي الله عليه و اله له قال: ?يا أبا ذر، اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك. يا أبا ذر إياك والتسويف بأملك، فإنك بيومك ولست بما بعده … يا أبا ذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ
من صحتك قبل سقمك?().
وعن أبي ذر عن رسول الله صلي الله عليه و اله في وصيته له قال: ?وصلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره?().
وعن أبي ذر عن النبي صلي الله عليه و اله في وصيته له قال: ?يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه وما بين لحييه دخل الجنة?().
وقد روي أبو ذر رضي الله عنه الكثير من الروايات عن رسول الله صلي الله عليه و اله في مختلف الأبواب العقائدية والفقهية والأخلاقية وغيرها.
وفي حديث قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: ?النظر إلي علي بن أبي طالب عبادة، والنظر إلي الوالدين برأفة ورحمة عبادة، والنظر في الصحيفة يعني صحيفة القرآن عبادة، والنظر إلي الكعبة عبادة?().
وعن أبي ذر عن النبي صلي الله عليه و اله قال: ?لا يزال الدعاء محجوبا حتي يصلي عليّ وعلي أهل بيتي?().
ورد أنه لما سيرّ عثمان أبا ذر رضي الله عنه من المدينة إلي الشام كان يقص علينا فيحمد الله فيشهد شهادة الحق ويصلي علي النبي صلي الله عليه و اله ويقول: (أما بعد فإنا كنا في جاهليتنا قبل أن ينزل علينا الكتاب ويبعث فينا الرسول، ونحن نوفي بالعهد ونصدق الحديث ونحسن الجوار ونقري الضيف ونواسي الفقير ونبغض المتكبر، فلما بعث الله تعالي فينا رسول الله صلي الله عليه و اله وأنزل علينا كتابه كانت تلك الأخلاق يرضاها الله ورسوله، وكان أحق بها أهل الإسلام وأولي أن يحفظوها، فلبثوا بذلك ما شاء الله أن يلبثوا، ثم إن الولاة قد أحدثوا أعمالا قباحا ما نعرفها من سنة تطفي وبدعة تحيا، وقائل بحق مكذب، وأثرة بغير تقي، وأمين مستأثر عليه من الصالحين، اللهم إن كان ما عندك خيرا لي فاقبضني إليك غير مبدل ولا مغير). وكان يعيد هذا الكلام ويبديه فأتي حبيب بن مسلمة معاوية بن أبي سفيان فقال: إن أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله كيت وكيت، فكتب معاوية إلي عثمان بذلك، فكتب عثمان: أخرجه إليّ فلما صار إلي المدينة نفاه إلي الربذة().
وقال علي عليه السلام في
توديعه لأبي ذر عند ما نفاه عثمان: ?يا أبا ذر إنك غضبت لله، إن القوم خافوك علي دنياهم وخفتهم علي دينك، فامتحنوك بالقلي ونفوك إلي الفلا، والله لو كانت السماوات والأرض علي عبد رتقا ثم اتقي الله لجعل له منها مخرجا، يا أبا ذر لا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل? ثم قال لأصحابه: ?ودعوا عمكم? وقال لعقيل: ?ودع أخاك?().
وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?أرسل عثمان إلي أبي ذر موليين له ومعهما مائتا دينار، فقال لهما: انطلقا إلي أبي ذر فقولا له: إن عثمان يقرئك السلام، ويقول لك: هذه مائتا دينار فاستعن بها علي ما نابك.
فقال أبو ذر: هل أعطي أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني؟
قالا: لا.
قال: إنما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسع المسلمين.
قالا له: إنه يقول: هذا من صلب مالي، وبالله الذي لا إله إلا هو ما خالطها حرام، ولا بعث بها إليك إلا من حلال.
فقال: لا حاجة لي فيها، وقد أصبحت يومي هذا وأنا من أغني الناس.
فقالا له: عافاك الله وأصلحك، ما نري في بيتك قليلا ولا كثيرا مما
يستمتع به؟
فقال: بلي، تحت هذا الإكاف الذي ترون رغيفا شعير قد أتي عليهما أيام فما أصنع بهذه الدنانير، لا والله حتي يعلم الله أني لا أقدر علي قليل ولا كثير، وقد أصبحت غنيا بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام وعترته عليهم السلام الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وكذلك سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول، فإنه لقبيح بالشيخ أن يكون كذابا، فرداها عليه وأعلماه أني لا حاجة لي فيها ولا فيما عنده، حتي ألقي الله ربي فيكون هو الحاكم
فيما بيني وبينه?().
ورد أنه لما سيرّ به أي بأبي ذر عثمان إلي الربذة فمات بها ابنه ذر وقف علي قبره فقال: رحمك الله يا ذر لقد كنت كريم الخلق، بارا بالوالدين، وما عليّ في موتك من غضاضة، وما لي إلي غير الله من حاجة، وقد شغلني الاهتمام لك عن الاغتمام بك، ولولا هول المطلع لأحببت أن أكون مكانك، فليت شعري ما قالوا لك وما قلت لهم، ثم رفع يده فقال: اللهم إنك فرضت لك عليه حقوقا وفرضت لي عليه حقوقا فإني قد وهبت له ما فرضت لي عليه من حقوقي، فهب له ما فرضت عليه من حقوقك، فإنك أولي بالحق وأكرم مني.
وكانت لأبي ذر غنيمات يعيش هو وعياله منها فأصابها داء يقال لها النقاب، فماتت كلها، فأصاب أبا ذر وابنته الجوع فماتت أهله، فقالت ابنته: أصابنا الجوع وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا فقال لي أبي: يا بنية قومي بنا إلي الرمل نطلب القت، وهو نبت له حب، فصرنا إلي الرمل فلم نجد شيئا، فجمع أبي رملا ووضع رأسه عليه ورأيت عينيه قد انقلبت، فبكيت فقلت له: يا أبة كيف أصنع بك وأنا وحيدة؟
فقال: يا بنتي لا تخافي، فإني إذا مت جاءك من أهل العراق من يكفيك أمري، فإنه أخبرني حبيبي رسول الله صلي الله عليه و اله في غزوة تبوك فقال لي: يا أبا ذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك، يسعد بك أقوام من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك، فإذا أنا مت فمدي الكساء علي وجهي ثم اقعدي علي طريق العراق فإذا أقبل ركب فقومي إليهم وقولي هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله
قد توفي.
قال: فدخل إليه قوم من أهل الربذة فقالوا: يا أبا ذر ما تشتكي؟
قال: ذنوبي.
قالوا: فما تشتهي؟. قال: رحمة ربي.
قالوا: هل لك بطبيب؟. قال: الطبيب أمرضني.
قالت ابنته: فلما عاين، سمعته يقول: مرحبا بحبيب أتي علي فاقة لا أفلح من ندم، اللهم خنقني خناقك فو حقك إنك لتعلم أني أحب لقاءك.
قالت ابنته: فلما مات مددت الكساء علي وجهه ثم قعدت علي طريق العراق فجاء نفر فقلت لهم: يا معشر المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله قد توفي، فنزلوا ومشوا يبكون فجاءوا فغسلوه وكفنوه ودفنوه وكان فيهم الأشتر، فروي أنه قال كفنته في حلة كانت معي قيمتها أربعة آلاف درهم. فقالت ابنته: فكنت أصلي بصلاته وأصوم بصيامه فبينما أنا ذات ليلة نائمة عند قبره إذ سمعته يتهجد بالقرآن في نومي كما كان يتهجد به في حياته، فقلت: يا أبة ما ذا فعل بك ربك؟ قال: يا بنتي قدمت علي رب كريم رضي عني ورضيت عنه وأكرمني وحياني فاعملي فلا تغتري?().
مسجد غدير خم يقع علي يسار المتوجه من مكة إلي المدينة دون الجحفة قليلاً، وبينه وبين الجحفة ثلاثة أميال، وقد جدِّد عمارته بعض ملوك الهند من الشيعة في عصر المرجع الأكبر الشيخ مرتضي الأنصاري رحمة الله عليه()، ويستحب دخوله والصلاة فيه خصوصاً في ميسرته، فهو الموضع الذي جمع الرسول صلي الله عليه و اله فيه المسلمين عند رجوعهم من حجة الوداع بأمر الله عزوجل ونص علي خلافة وإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من بعده علي جميع الأمة وعقد له الولاية عليهم وأخذ منهم البيعة له، فقال صلي الله عليه و اله: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»
().
وفي هذا المكان نزلت الآية الكريمة: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً?().
وقصة الغدير متواترة عند الفريقين، ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة كتاب (الغدير) () للعلامة الأميني (رضوان الله عليه).
وفي الكافي الشريف باب مسجد غدير خم: عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الصلاة في مسجد غدير خم بالنهار وأنا مسافر؟ فقال: ?صل فيه فإن فيه فضلا وقد كان أبي يأمر بذلك?().
وعن حسان الجمال قال: حملت أبا عبد الله عليه السلام من المدينة إلي مكة فلما انتهينا إلي مسجد الغدير نظر إلي ميسرة المسجد فقال: ?ذلك موضع قدم رسول الله صلي الله عليه و اله حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم نظر إلي الجانب الآخر فقال: ذلك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولي أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح، فلما أن رأوه رافعا يديه قال بعضهم لبعض: انظروا إلي عينيه تدور كأنهما عينا مجنون، فنزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية: ?وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ? وما هو إلا ذكر للعالمين صلي الله عليه و اله()?().
وعن أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?يستحب الصلاة في مسجد الغدير لأن النبي صلي الله عليه و اله أقام فيه أمير المؤمنين عليه السلام وهو موضع أظهر الله عزوجل فيه الحق?().
وروي: أنه لما رجع رسول الله صلي الله عليه و اله من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: ?يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل
فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم
الكافرين?(). فنادي الناس فاجتمعوا وأمر بسمرات فقم
شوكهن، ثم قال صلي الله عليه و اله: ?يا أيها الناس من وليكم وأولي بكم من أنفسكم؟? فقالوا: الله ورسوله، فقال: ?من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثلاث مرات?().
وفي الوسائل: عمم رسول الله صلي الله عليه و اله عليا عليه السلام يوم غدير خم عمامة سدلها بين كتفيه، وقال: ?هكذا أيدني ربي بالملائكة?. ثم أخذ بيده فقال: ?يا أيها الناس من كنت مولاه فهذا مولاه، والي الله من والاه، وعادي الله من
عاداه?().
ثم إن يوم غدير خم وهو الثامن عشر من ذي الحجة أفضل الأعياد الإسلامية، كما ورد في الحديث الشريف.
فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: ?صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا? إلي أن قال: ?وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله عزوجل نبيا قط إلا وتعيد في هذا اليوم وعرف حرمته، واسمه في السماء يوم العهد المعهود، وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، ومن صلي فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عزوجل، يقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرة وعشر مرات ?قل هو الله أحد صلي الله عليه و اله() وعشر مرات (آية الكرسي) () وعشر مرات ?إنا أنزلناه صلي الله عليه و اله() عدلت عند الله عزوجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة، وما سأل الله عزوجل حاجة من حوائج الدنيا وحوائج الآخرة إلا قضيت كائنة ما كانت الحاجة، وإن فاتتك الركعتان والدعاء قضيتهما بعد ذلك، ومن فطر فيه مؤمنا كان كمن أطعم فئاما وفئاما وفئاما? فلم يزل يعد إلي أن عقد بيده عشرا، ثم قال: ?أوتدري كم الفئام?؟ قلت: لا، قال: ?مائة ألف
كل فئام، وكان له ثواب من أطعم بعددها من النبيين والصديقين والشهداء في حرم الله عزوجل وسقاهم في يوم ذي مسغبة، والدرهم فيه بألف ألف درهم? قال: ?لعلك تري أن الله عزوجل خلق يوما أعظم حرمة منه، لا والله، لا والله، لا والله?، ثم قال: ?وليكن من قولكم إذا التقيتم أن تقولوا: الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم وجعلنا من الموفين بعهده إلينا وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة أمره والقوام بقسطه ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذبين بيوم الدين?، ثم قال: ?وليكن من دعائك في دبر هاتين الركعتين أن تقول? وذكر دعاء طويلا().
وعن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحي والفطر؟ قال: ?نعم أعظمها حرمة? قلت: وأي عيد هو جعلت فداك؟ قال: ?اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلي الله عليه و اله أمير المؤمنين عليه السلام وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه? قلت: وأي يوم هو؟ قال: ?وما تصنع باليوم إن السنة تدور ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة? فقلت: وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ قال: ?تذكرون الله عز ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد فإن رسول الله صلي الله عليه و اله أوصي أمير المؤمنين عليه السلام أن يتخذ ذلك اليوم عيدا وكذلك كانت الأنبياء عليهم السلام تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيدا?().
يقع قبر ميمونة زوجة النّبيّ صلي الله عليه و اله علي فرسخين من مكّة المكرمة.
هي ميمونة بنت الحارث العامرية الهلالية، خالة عبد الله بن العباس، وقد وكل رسول الله صلي الله عليه و اله أبا رافع في قبول نكاح
ميمونة.
ورد أن رسول الله صلي الله عليه و اله خطب ميمونة بنت الحارث، فجعلت أمرها إلي العباس بن عبد المطلب وكانت تحته أختها أم الفضل بنت الحارث، فزوجها العباس من رسول الله صلي الله عليه و اله().
وكان ذلك بعد غزوة خيبر حينما جاء رسول الله صلي الله عليه و اله معتمرا إلي مكة عمرة القضاء بعد ما منعهم المشركون في قصة الحديبية، فأقام بمكة ثلاثة أيام تزوج بها ميمونة، وقد ركب رسول الله صلي الله عليه و اله حتي نزل بسرف وهي علي عشرة أميال من مكة، عند ذلك زوجه إياها العباس وكان يلي أمرها وهي أخت أم ولده، وكانت آخر امرأة تزوجها صلي الله عليه و اله.
وقيل: كانت عنده ميمونة بنت الحارث بلا مهر قد وهبت نفسها
للنبي صلي الله عليه و اله.
وفي البحار: (إن ميمونة بنت الحارث الهلالية خالة ابن عباس وكانت عند عمير بن عمرو الثقفي ثم عند أبي زيد بن عبد العامري، خطبها للنبي صلي الله عليه و اله جعفر بن أبي طالب وكان تزويجها وزفافها وموتها وقبرها بسرف وهو علي عشرة أميال من مكة، في سنة سبع، وماتت في سنة ست وثلاثين) ().
ثم إن أفضل زوجات النبي صلي الله عليه و اله كانت خديجة عليها السلام وقيل: من بعدها أم سلمة ثم ميمونة.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله حين تزوج ميمونة بنت الحارث أولم عليها وأطعم الناس الحيس?().
عن أم سلمة قالت: كنت عند رسول الله صلي الله عليه و اله وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال: ?احتجبا? فقلنا: يا رسول الله أليس أعمي لا يبصرنا؟
قال: ?أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه?().
عن يزيد بن الأصم قال: قدم شفير بن شجرة العامري المدينة فاستأذن علي خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلي الله عليه و اله وكنت عندها، فقالت: ائذن للرجل، فدخل فقالت: من أين أقبل الرجل؟ قال: من الكوفة، قالت: فمن أي القبائل أنت؟ قال: من بني عامر، قالت: حييت ازدد قربا، فما أقدمك؟ قال: يا أم المؤمنين رهبت أن تكبسني الفتنة لما رأيت من اختلاف الناس فخرجت، فقالت: هل كنت بايعت عليا عليه السلام؟ قال: نعم، قالت: فارجع فلا تزل عن صفه فوالله ما ضل وما ضل به.
فقال: يا أماه فهل أنت محدثتي في علي بحديث سمعتيه من رسول الله صلي الله عليه و اله؟ قالت: اللهم نعم، سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: ?علي آية الحق وراية الهدي، علي سيف الله يسله علي الكفار والمنافقين، فمن أحبه فبحبي أحبه، ومن أبغضه فببغضي أبغضه، ألا ومن أبغضني أو أبغض عليا لقي الله عزوجل ولا حجة له?().
وعن ميمونة وأم سلمة زوجي النبي صلي الله عليه و اله قالتا: استسقي الحسن عليه السلام فقام رسول الله صلي الله عليه و اله فجدح له في غمر كان لهم يعني قدحا يشرب فيه، ثم أتاه به، فقام الحسين عليه السلام فقال: ?اسقنيه يا أبة?، فأعطاه الحسن عليه السلام ثم جدح للحسين عليه السلام فسقاه، فقالت فاطمة عليهما السلام: ?كأن الحسن أحبهما إليك?؟ قال: ?إنه استسقي قبله وإني وإياك وهما وهذا الراقد في مكان واحد في الجنة?().
عن عمار وميمونة أن كليهما قالا: وجدت فاطمة عليها السلام نائمة والرحي تدور، فأخبرت رسول الله صلي الله عليه و اله بذلك فقال: ?إن الله علم
ضعف أمته فأوحي إلي الرحي أن تدور فدارت?().
وكانت أسماء بنت عميس أخت ميمونة زوج النبي صلي الله عليه و اله().
وقال ابن عباس في جنازة ميمونة: (ارفقوا فإنها أمكم)().
يقع قبر السيد الجليل الحسين بن علي شهيد فخ عليه السلام علي فرسخ من مكّة المكرمة.
هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الإمام الحسن المجتبي عليهم السلام، حيث قُتل هو وأصحابه شر قتلة وحمل رأسه والأسري من أصحابه إلي الطاغية موسي بن المهدي العباسي.
عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال: ?مر النبي صلي الله عليه و اله بفخ فنزل فصلي ركعة فلما صلي الثانية بكي وهو في الصلاة، فلما رأي الناس النبي صلي الله عليه و اله يبكي بكوا، فلما انصرف قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله، قال: نزل عليّ جبرئيل لما صليت الركعة الأولي فقال لي: يا محمد إن رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان وأجر الشهيد معه أجر شهيدين?().
وعن النضر بن قرواش قال: أكريت جعفر بن محمد عليه السلام من المدينة، فلما رحلنا من بطن مر قال لي: ?يا نصر إذا انتهيت إلي فخ فأعلمني? قلت: أو لست تعرفه؟ قال: ?بلي ولكن أخشي أن تغلبني عيني?، فلما انتهينا إلي فخ دنوت من المحمل فإذا هو نائم فتنحنحت فلم ينتبه فحركت المحمل فجلس فقلت: قد بلغت، فقال: ?حل محملي?، ثم قال: ?صل القطار? فوصلته، ثم تنحيت به عن الجادة فأنخت بعيره فقال: ?ناولني الإداوة والركوة? فتوضأ وصلي ثم ركب، فقلت له: جعلت فداك رأيتك قد صنعت شيئا أفهو من مناسك الحج؟ قال: ?لا ولكن يُقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلي
الجنة?().
وقد ورد أن شهداء فخ من خير أهل الأرض().
وقال الحسين لموسي بن جعفر عليه السلام في الخروج، فقال له: ?إنك مقتول فأجد الضراب فإن القوم فساق يظهرون إيمانا ويسترون شركاً، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وأحتسبكم عند الله من عصبة?().
وروي في عمدة الطالب ومعجم البلدان عن أبي نصر البخاري عن أبي جعفر الجواد عليه السلام أنه قال: ?لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ?().
وقال العلامة المجلسي رضي الله عنه في البحار: (الفخ بفتح الفاء وتشديد الخاء: بئر بينه وبين مكة فرسخ تقريبا، والحسين هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي عليهم السلام وأمه زينب بنت بنت عبد الله بن الحسن، وخرج في أيام موسي الهادي بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور وخرج معه جماعة كثيرة من العلويين. وكان خروجه بالمدينة في ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة بعد موت المهدي بمكة وخلافة الهادي ابنه. وروي أبو الفرج الأصبهاني بأسانيده عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري وغيره أنهم قالوا: كان سبب خروج الحسين أن الهادي ولي المدينة إسحاق بن عيسي بن علي فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز فحمل علي الطالبيين وأساء إليهم وطالبهم بالعرض كل يوم في المقصورة، ووافي أوائل الحاج وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلا ولقوا حسينا وغيره فبلغ ذلك العمري وأغلظ أمر العرض وألجأهم إلي الخروج فجمع الحسين يحيي وسليمان وإدريس بني عبد الله بن الحسن وعبد الله بن الحسن الأفطس وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا وعمر بن الحسن بن علي بن الحسن المثلث وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن المثني وعبد الله بن جعفر الصادق عليه
السلام ووجهوا إلي فتيان من فتيانهم ومواليهم فاجتمعوا ستة وعشرين رجلا من ولد علي عليه السلام وعشرة من الحاج وجماعة من الموالي. فلما أذن المؤذن الصبح دخلوا المسجد ونادوا أجد أجد وصعد الأفطس المنارة وجبر المؤذن علي قول ?حي علي خير العمل? فلما سمعه العمري أحس بالشر ودهش ومضي هاربا علي وجهه … وصلي الحسين بالناس الصبح ولم يتخلف عنه أحد من الطالبيين إلا الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن وموسي بن جعفر عليه السلام. فخطب بعد الصلاة وقال بعد الحمد والثناء: أنا ابن رسول الله علي منبر رسول الله وفي حرم رسول الله أدعوكم إلي سنة رسول الله صلي الله عليه و اله أيها الناس أتطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود تمسحون بذلك وتضيعون بضعة منه، قالوا: فأقبل حماد البربري وكان مسلحة للسلطان بالمدينة في السلاح ومعه أصحابه حتي وافوا باب المسجد فقصده يحيي بن عبد الله وفي يده السيف فأراد حماد أن ينزل فبدره يحيي فضربه علي جبينه وعليه البيضة والمغفر والقلنسوة فقطع ذلك كله وأطار قحف رأسه وسقط عن دابته وحمل علي أصحابه فتفرقوا وانهزموا، وحج في تلك السنة مبارك التركي فبدأ بالمدينة فبلغه خبر الحسين فبعث إليه من الليل أني والله ما أحب أن تبتلي بي ولا أبتلي بك فابعث الليلة إلي نفرا من أصحابك ولو عشرة يبيتون عسكري حتي انهزم واعتل بالبيات، ففعل ذلك الحسين ووجه عشرة من أصحابه فجعجعوا بمبارك وصبحوا في نواحي عسكره فهرب وذهب إلي مكة.
وحج في تلك السنة العباس بن محمد وسليمان بن أبي جعفر وموسي بن عيسي فصار مبارك معهم واعتل عليهم بالبيات وخرج الحسين قاصدا إلي مكة ومعه من تبعه من أهله
ومواليه وأصحابه وهم زهاء ثلاثمائة واستخلف رجلا علي المدينة فلما صاروا بفخ تلقتهم الجيوش فعرض العباس علي الحسين الأمان والعفو والصلة فأبي ذلك أشد الإباء وكانت قادة الجيوش العباس وموسي وجعفر ومحمد ابنا سليمان ومبارك التركي والحسن الحاجب وحسين بن يقطين فالتقوا يوم التروية وقت الصلاة الصبح. فكان أول من بدأهم موسي فحملوا عليه فاستطرد لهم شيئا حتي انحدروا في الوادي وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم فطحنهم طحنة واحدة حتي قتل أكثر أصحاب الحسين وجعلت المسودة تصيح بالحسين يا حسين لك الأمان، فيقول: لا أمان أريد ويحمل عليهم حتي قُتل وقتل معه سليمان بن عبد الله بن الحسن وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن، وأصابت الحسن بن محمد نشابة في عينه فتركها وجعل يقاتل أشد القتال حتي أمنوه ثم قتلوه، وجاء الجند بالرءوس إلي موسي والعباس وعندهما جماعة من ولد الحسن والحسين فلم يسألا أحدا منهم إلا موسي بن جعفر عليه السلام فقالا هذا رأس حسين قال: ?نعم إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ مضي والله مسلما صالحا صواما آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله? فلم يجيبوه بشيء، وحملت الأسري إلي الهادي فأمر بقتلهم ومات في ذلك اليوم().
وروي أنه لما كانت بيعة الحسين بن علي عليه السلام صاحب فخ قال: أبايعكم علي كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي أن يطاع الله ولا يعصي، وأدعوكم إلي الرضا من آل محمد() وعلي أن يعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه و اله والعدل في الرعية والقسم بالسوية وعلي أن تقيموا معنا وتجاهدوا عدونا، فإن نحن وفينا لكم وفيتم لنا وإن نحن لم
نف لكم فلا بيعة لنا عليكم().
وعن أبي صالح الفزاري قال سمع علي مياه غطفان كلها ليلة قتل الحسين صاحب فخ هاتفا يهتف يقول:
ألا يا لقوم للسواد المصبح
ومقتل أولاد النبي ببلدح
ليبك حسينا كل كهل وأمرد
من الجن إن لم يبك من الإنس نوح
وإني لجني وإن معرسي
لبالبرقة السوداء من دون رحرح
فسمعها الناس لا يدرون ما الخبر حتي أتاهم قتل الحسين().
وروي: كان الحسين شهيد فخ استشهد وهو مديون في سبيل الله، حيث خلف مائتي ألف دينار دينا().
يقع قبر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب في الطائف.
وهو ابن عم رسول الله صلي الله عليه و اله توفي عام 68 ه وكان يسمي بحراً لسعة علمه، ويسمي حبر الأمة، ولد والنبي صلي الله عليه و اله وأهل بيته في الشعب من مكة، فأتي به النبي صلي الله عليه و اله فحنكه بريقه المبارك، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، ورأي جبرئيل مرتين، وهو من شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام وأصحابه وخواصه، وذهب بصره من كثرة بكائه علي الإمام علي عليه السلام، توفي بالطائف وهو ابن سبعين سنة.
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وأبصركم بالحلال والحرام، وعمار بن ياسر من السابقين، والمقداد بن الأسود من المجتهدين، ولكل شي ء فارس وفارس القرآن عبد الله بن عباس?().
وقد روي عبد الله بن مسعود الكثير من الروايات في فضل أمير المؤمنين علي عليه السلام وأهل البيت الطاهرين عليهم السلام منها:
عن عبد الله بن عباس قال: ?عقمت النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ?().
وعن عبد الله بن عباس في قوله: ?اهدنا الصراط المستقيم?(). قال: (قولوا معاشر العباد: أرشدنا إلي حب النبي
صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام)().
وعن ابن عباس قال: سألت النبي صلي الله عليه و اله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، قال: ?سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ فتاب عليه?().
وعن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب، فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه، ولا ينجو من أبغضه وعاداه?().
وعن عبد الله بن عباس في قوله: ?واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب?()، قال: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلي الله عليه و اله: ?من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي?().
وعن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: ?حب علي إيمان وبغضه كفر?().
قال عبد الله بن عباس: إني لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة، إذ قال لي: يا ابن عباس ما أظن إلا صاحبك مظلوماً، قلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: فاردد ظلامته، فانتزع يده من يدي ومضي وهو يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته فقال: يا ابن عباس ما أظنهم منعهم منه إلا استصغروه، فقلت في نفسي: هذه والله شر من الأولي، فقلت: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمره أن يأخذ سورة البراءة من صاحبك، قال: فأعرض عني)().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?بعث أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عباس إلي ابن الكواء وأصحابه وعليه قميص رقيق وحلة، فلما نظروا إليه قالوا:
يا ابن عباس أنت خيرنا في أنفسنا وأنت تلبس هذا اللباس؟
فقال: وهذا أول ما أخاصمكم فيه: ?قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق?(). وقال: ?خذوا زينتكم عند كل
مسجد?()? ().
وعن عبيد بن عبد الله الكندي قال: حج معاوية فأتي المدينة وأصحاب النبي صلي الله عليه و اله متوافرون، فجلس في حلقة بين عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر فضرب بيده علي فخذ ابن عباس ثم قال: أما كنتُ أحق وأولي بالأمر من ابن عمك، قال ابن عباس: وبم؟ قال: لأني ابن عم الخليفة المقتول ظلما، قال: هذا إذا يعني ابن عمر أولي بالأمر منك، لأن أبا هذا قتل قبل ابن عمك، قال: فانصاع عن ابن عباس().
وعن سليم بن قيس قال: سمعت عبد الله بن جعفر الطيار يقول: كنا عند معاوية أنا والحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر ابن أم سلمة وأسامة بن زيد فجري بيني وبين معاوية كلام، فقلت لمعاوية: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: ?أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أخي علي بن أبي طالب أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد علي فالحسن بن علي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابني الحسين من بعده أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم، وستدركه يا علي، ثم ابنه محمد بن علي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا حسين، ثم تكمله اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين? قال عبد الله بن جعفر: فاستشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر ابن أم سلمة وأسامة بن زيد، فشهدوا، قال سليم: وقد سمعت ذلك
من سلمان الفارسي والمقداد وأبي ذر وذكروا أنهم
سمعوا ذلك من رسول الله صلي الله عليه و اله().
عن عطاء قال: دخلنا علي عبد الله بن عباس وهو عليل بالطائف في العلة التي توفي فيها ونحن زهاء ثلاثين رجلا من شيوخ الطائف وقد ضعف، فسلمنا عليه وجلسنا فقال لي: يا عطاء من القوم؟
قلت: يا سيدي هم شيوخ هذا البلد، منهم عبد الله بن سلمة بن حصرم الطائفي وعمارة بن أبي الأجلح وثابت بن مالك، فما زلت أعد له واحدا بعد واحد، ثم تقدموا إليه فقالوا: يا ابن عم رسول الله إنك رأيت رسول الله وسمعت منه ما سمعت فأخبرنا عن اختلاف هذه الأمة فقوم قدموا عليا علي غيره وقوم جعلوه بعد الثلاثة؟
قال: فتنفس ابن عباس فقال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: ?علي مع الحق والحق معه وهو الإمام والخليفة من بعدي، فمن تمسك به فاز ونجا، ومن تخلف عنه ضل وغوي، يلي تكفيني وغسلي ويقضي ديني وأبو سبطي الحسن والحسين، ومن صلب الحسين تخرج الأئمة التسعة ومنها مهدي هذه الأمة?.
فقال عبد الله بن سلمة: يا ابن عم رسول الله فهلا كنت تعرفنا قبل هذا؟ فقال: قد والله أديت ما سمعت ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين، ثم قال: اتقوا الله عباد الله تقية من اعتبر تمهيدا واتقي في وجل وكمش في مهل ورغب في طلب ورهب في هرب فاعملوا لآخرتكم قبل حلول آجالكم وتمسكوا بالعروة الوثقي من عترة نبيكم فإني سمعته صلي الله عليه و اله يقول: ?من تمسك بعترتي من بعدي كان من الفائزين? ثم بكي بكاء شديدا، فقال له القوم: أتبكي ومكانك من رسول الله صلي الله عليه و اله مكانك؟ فقال لي: يا عطاء إنما أبكي
لخصلتين: هول المطلع وفراق الأحبة، ثم تفرق القوم عنه فقال لي: يا عطاء خذ بيدي واحملني إلي صحن الدار، فأخذنا بيده أنا وسعيد وحملناه إلي صحن الدار ثم رفع يديه إلي السماء وقال: اللهم إني أتقرب إليك بمحمد وآل محمد، اللهم إني أتقرب إليك بولاية الشيخ علي بن أبي طالب، فما زال يكررها حتي وقع إلي الأرض، فصبرنا عليه ساعة ثم أقمناه فإذا هو ميت رحمة الله عليه().
وقال أبو صالح: لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة قال: اللهم إني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام().
ومن المزارات الشريفة قبر أمنا حواء عليها السلام: قرب مدينة جدة.
وقد خلق الله عزوجل أمنا حواء من فاضل طينة آدم عليه السلام، وروي أنها سميت حواء لأنها أم كل حي()
وقد هبطت حواء عليها السلام علي المروة، وإنما سميت المروة مروة لأن المرأة هبطت عليها فقطع للجبل اسم من اسم المرأة.
روي عن زرارة بن أعين أنه قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن خلق حواء وقيل له: إن أناسا عندنا يقولون إن الله عزوجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصي؟ فقال: ?سبحان الله وتعالي عن ذلك علوا كبيرا أ يقول من يقول هذا إن الله تبارك وتعالي لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه ويجعل للمتكلم من أهل التشنيع سبيلا إلي الكلام أن يقول إن آدم كان ينكح بعضه بعضا إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم?، ثم قال عليه السلام: ?إن الله تبارك وتعالي لما خلق آدم عليه السلام من طين وأمر الملائكة فسجدوا له ألقي عليه السبات ثم ابتدع له حواء فجعلها في موضع النقرة
التي بين وركيه وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل، فأقبلت تتحرك، فانتبه لتحركها، فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه، فلما نظر إليها نظر إلي خلق حسن يشبه صورته غير أنها أنثي فكلمها فكلمته بلغته، فقال لها: من أنت؟ قالت: خلق خلقني الله كما تري، فقال آدم عليه السلام عند ذلك: يا رب ما هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه؟ فقال الله تبارك وتعالي: يا آدم هذه أمتي حواء أفتحب أن تكون معك تؤنسك وتحدثك وتكون تبعا لأمرك؟ فقال: نعم يا رب ولك عليّ بذلك الحمد والشكر ما بقيت، فقال الله عزوجل: فاخطبها إليّ فإنها أمتي وقد تصلح لك أيضا زوجة للشهوة، وألقي الله عزوجل عليه الشهوة وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شي ء، فقال: يا رب فإني أخطبها إليك فما رضاك لذلك، فقال عزوجل: رضاي أن تعلمها معالم ديني، فقال: ذاك لك يا رب عليّ إن شئت ذلك لي، فقال عزوجل: وقد شئت ذلك وقد زوّجتكها فضمها إليك، فقال لها آدم عليه السلام: إليّ فأقبلي، فقالت له: بل أنت فأقبل إليّ، فأمر الله عزوجل آدم عليه السلام أن يقوم إليها ولولا ذلك لكان النساء هن يذهبن إلي الرجال حتي يخطبن علي أنفسهن فهذه قصة حواء?().
وفي حديث خلقة آدم عليه السلام: ?أنه لما استيقظ من نومه ورأي حواء أراد أن يمد يده إليها فنهاه عنه الملائكة فقال: أما خلقها الله تعالي لي؟ فقالوا: بلي حتي تؤدي مهرها، فقال: فما مهرها؟ فقالوا: أن تصلي علي محمد وآل محمد ثلاث مرات?(). الخبر.
وروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: ?أن الله خلق حواء من فضل الطينة التي خلق منها آدم?().
أما ما ورد من أنها خلقت من
ضلعه الأيسر فالمراد من فاضل طينة الضلع، كما ورد في الفقيه: إن حواء خلقت من فضلة الطينة التي خلق منها آدم عليه السلام وكانت تلك الطينة مبقاة من طينة أضلاعه لا أنها خلقت من ضلعه بعد ما أكمل خلقه فأخذ ضلع من أضلاعه اليسري فخلقت منها ().
وعن الإمام الصادق عليه السلام في خبر طويل في قصة آدم وحواء إلي أن قال:
?فقالت حواء: أسألك يا رب أن تعطيني كما أعطيت آدم، فقال الرب تعالي: إني وهبتك الحياء والرحمة والأنس وكتبت لك من ثواب الاغتسال والولادة ما لو رأيتيه من الثواب الدائم والنعيم المقيم والملك الكبير لقرت عينك، يا حواء أيما امرأة ماتت في ولادتها حشرتها مع الشهداء، يا حواء أيما امرأة أخذها الطلق إلا كتبت لها أجر شهيد، فإن سلمت وولدت غفرت لها ذنوبها ولو كانت مثل زبد البحر ورمل البر وورق الشجر، وإن ماتت صارت شهيدة وحضرتها الملائكة عند قبض روحها وبشروها بالجنة وتزف إلي بعلها في الآخرة وتفضل علي الحور العين بسبعين، فقالت حواء: حسبي ما أعطيت?(). الخبر.
وقال الإمام الرضا عليه السلام: ?إن حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن في كل بطن ذكرا وأنثي?().
وسأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن ستة لم يركضوا في رحم: فقال عليه السلام: ?آدم وحواء وكبش إبراهيم وعصا موسي وناقة صالح والخفاش الذي عمله عيسي ابن مريم فطار بإذن الله عزوجل?().
وعن أبي محمد العسكري عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لما خلق الله آدم وحواء عليهما السلام تبخترا في الجنة، فقال آدم لحواء: ما خلق الله خلقا هو أحسن منا، فأوحي الله عزوجل إلي جبرئيل أن ائت بعبدتي الفردوس الأعلي،
فلما دخلا الفردوس نظرا إلي جارية علي درنوك من درانيك الجنة علي رأسها تاج من نور وفي أذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من حسن وجهها، فقال آدم: حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها؟ فقال: هذه فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله نبي من ولدك يكون في آخر الزمان، قال: فما هذا التاج الذي علي رأسها؟ قال: بعلها علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: فما القرطان اللذان في أذنيها؟ قال: ولداها الحسن والحسين عليهما السلام، قال آدم: حبيبي جبرئيل أخلقوا قلبي؟ قال: هم موجودون في غامض علم الله عزوجل قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة?().
وروي: ?أن آدم عليه السلام لما هبط إلي الأرض لم ير حواء، فصار يطوف الأرض في طلبها فمر بكربلاء فاغتم وضاق صدره من غير سبب وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين عليه السلام حتي سال الدم من رجله، فرفع رأسه إلي السماء وقال: إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به، فإني طفت جميع الأرض وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض، فأوحي الله إليه: يا آدم ما حدث منك ذنب ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه، فقال آدم: يا رب أيكون الحسين نبيا؟ قال: لا ولكنه سبط النبي محمد صلي الله عليه و اله، فقال ومن القاتل له؟ قال قاتله: يزيد لعين أهل السماوات والأرض، فقال آدم: فأي شي ء أصنع يا جبرئيل؟ فقال: العنه يا آدم، فلعنه أربع مرات ومشي خطوات إلي جبل عرفات فوجد حواء هناك?().
ورد أنه: رأت السيدة سكينة عليها السلام بنت الإمام الحسين عليه السلام في الرؤيا أن أمنا حواء وكثير من المؤمنات نزلن لتعزية فاطمة الزهراء عليها السلام وهن يبكين علي الحسين عليه السلام.
ففي الحديث: ?إن هذه حواء أم البشر وهذه مريم ابنة عمران وهذه خديجة بنت خويلد وهذه هاجر وهذه سارة وهذه التي بيدها القميص المضمخ وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها هي جدتك فاطمة الزهراء?(). الحديث.
وفي بعض الروايات: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا علي إن الله أهبط آدم بالهند وأهبط حواء بجدة?().
وفي الحديث: ?يوم جمع الله فيه لآدم حواء يوم الجمعة?().
مسألة: يستحب زيارة أمنا حواء والسلام والصلاة عليها، كما ورد في الزيارة: ?وسلام علي أبينا آدم وعلي أمنا حواء?().
وورد: ?اللهم صل علي
محمد وآل محمد وصل علي أبينا آدم وأمنا حواء وما ولدا من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم صل عليهم حتي تبلغهم الرضا وتزيدهم بعد الرضا مما أنت أهله يا أرحم الراحمين?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?وقل: السلام علي أبينا آدم وأمنا حواء السلام علي هابيل المقتول ظلما وعدوانا?().
كما يستحب الدعاء لأمنا حواء عليها السلام كما كان النبي نوح عليه السلام يدعو لها، حيث ورد في الوسائل: أن دعوة نوح عليه السلام حيث قال: رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا،قلت: من عني بوالدي؟ قال: ?آدم وحواء?().
وهناك مزارات ومقامات وأماكن أخري مباركة كثيرة، منها:
الأبطح: يقال: إنّ آدم عليه السلام بطّح فيه.
أجياد: المكان الذي ادّخر الله تعالي فيه الكنز لإسماعيل عليه السلام، فألهمه نداء الخيل فجاءت من كل البلاد فارتبطها فيه.
الأخسف أو (الأخشف): البئر التي حفرها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في بطن الكعبة.
أوطاس: وادٍ في ديار هوازن وقعت فيه غزوة حُنين.
بدر: بئر الماء الذي وقعت عنده معركة بدر الكبري.
البيداء: أرض ملساء بين مكة والمدينة يستحب عند الوصول إليها رفع الصوت بالتلبية.
ثنيّة أذاخر: الموضع الذي دخل منه رسول الله صلي الله عليه و اله يوم فتح مكة.
الحَصْحاص: جبل بمكة في سفحه مقبرة المهاجرين.
حُنين: موقع معركة حُنين، ويعرف بالشرايع العليا.
صِفاح الرَّوْحاء: الموضع الذي لقي فيه الفرزدق الإمام الحسين عليه السلام عند ذهابه إلي العراق.
رَكُوبة: موضع سلكه النبي صلي الله عليه و اله إلي المدينة.
نسأل الله عزوجل أن يوفق المسلمين للاهتمام والاحتفاظ والاعتبار بهذه المزارات والأماكن المقدسة.
تابع
خرج رسول الله صلي الله عليه و اله من مكة المكرمة مهاجراً في أول يوم من ربيع الأول وذلك يوم الخميس من السنة الثالثة عشر من المبعث النبوي الشريف()، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول مع زوال الشمس، فنزل بقبا وصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين، ثم لم يزل مقيماً ينتظر علياً عليه السلام.
ولما قدم عليه علي بن أبي طالب عليه السلام تحول من قبا إلي بني سالم وعلي عليه السلام معه، فخط لهم مسجداً ونصب قبلته فصلي بهم فيه الجمعة ركعتين، وخطب خطبتين، ثم راح من يومه إلي المدينة علي ناقته التي كان قدم عليها وعلي عليه السلام معه لا يفارقه، يمشي بمشيه.
وليس يمر رسول الله صلي الله عليه و اله ببطن من بطون
الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم، فيقول لهم: ?خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة?.
فانطلقت به ورسول الله صلي الله عليه و اله واضع لها زمامها حتي انتهت إلي دار أبي أيوب الأنصاري فوقفت عنده وبركت ووضعت جرانها علي الأرض.
فنزل رسول الله صلي الله عليه و اله وأقبل أبو أيوب مبادراً حتي احتمل رحله فأدخله منزله، ونزل رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي عليه السلام معه، حتي بني المسجد النبوي الشريف، وكان المسجد يتوسط المدينة آنذاك.
عن عبد الأعلي مولي آل سام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كم كان مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله؟ قال: ?كان ثلاثة آلاف وستمائة ذراع تكسيراً?().
وقد جعل رسول الله صلي الله عليه و اله قبلة المسجد النبوي الشريف إلي بيت المقدس، ولما حولت القبلة إلي الكعبة المشرفة، سد النبي صلي الله عليه و اله الباب الذي كان في الجهة الجنوبية مؤخرة المسجد وفتح باباً تجاهه، وكان ذلك كما في الروايات في شهر رجب من السنة الثانية للهجرة().
عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: متي صرف رسول الله صلي الله عليه و اله إلي الكعبة؟ قال: ?بعد رجوعه من بدر وكان يصلي في المدينة إلي بيت المقدس سبعة عشر شهراً ثم أعيد إلي الكعبة?().
عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله بني مسجده بالسميط، ثم إن المسلمين كثروا، فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال: نعم، فأمر به فزيد فيه وبناه بالسعيدة، ثم إن المسلمين كثروا فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال: نعم، فأمر به فزيد فيه وبني جداره بالأنثي والذكر، ثم اشتد عليهم الحر فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل، فقال: نعم، فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل، ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر، فعاشوا فيه حتي أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم، فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين، فقال لهم رسول الله صلي الله عليه و اله: لا عريش كعريش موسي عليه السلام، فلم يزل كذلك حتي قبض رسول الله صلي الله عليه و اله فكان جداره قبل أن يظلل قامة، فكان إذا كان الفيء ذراعاً وهو قدر مربض عنز يصلي الظهر، فإذا كان ضعف ذلك صلي
العصر، وقال: السميط لبنة لبنة، والسعيدة لبنة ونصف، والأنثي والذكر لبنتان مخالفتان?().
وعند ما توفيت أزواج النبي صلي الله عليه و اله ألحقت البيوت والحجرات بالمسجد، أما بيت أمير المؤمنين عليه السلام فقد ضم أيضا إلي المسجد وكان بابه هي الوحيدة التي لم تسد بأمر من النبي صلي الله عليه و اله.
وفي التاريخ: أن النبي صلي الله عليه و اله لما عاد من غزوة خيبر أخذ بتوسعة المسجد الشريف وقد تم ذلك في شهر محرم الحرام من السنة السابعة للهجرة، فزاد علي ما قالوا عشرين متراً في طوله وأربعة عشر متراً ونصف المتر في عرضه، حتي صار المسجد مربعاً تقريباً أي 50 × 49.5متراً، فبلغت مساحته الكلية ألفين وأربعمائة وخمسة وسبعين متراً تقريباً، بزيادة قدرها ألف وأربعمائة وخمسة وعشرون متراً مربعاً. وبلغ ارتفاع الجدران ثلاثة أمتار ونصف المتر، كما زيد في عدد الأعمدة فبلغت خمسة وثلاثين عموداً. وبقيت أبوابه علي حالها كما هي.
وبعد وفاة الرسول الكريم صلي الله عليه و اله وازدياد عدد المسلمين بشكل ملحوظ وظهور التصدع والنخر في بعض أعمدة المسجد، فقد قرر المسلمون عام سبعة عشر للهجرة توسعة المسجد الشريف. وقد شملت هذه التوسعة ثلاث جهات: الجنوب خمسة أمتار، والغرب عشرة أمتار، والشمال خمسة عشر متراً. ولم يزد في الجهة الشرقية لوجود حجرات أزواج النبي صلي الله عليه و اله.
وبعد هذه التوسعة، صارت المساحة الكلية: ثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسة وسبعين متراً مربعاً، بزيادة قدرها: ألف ومائة متر مربع، وارتفاع جدرانه خمسة أمتار ونصف المتر، وعدد أبوابه: ستة أبواب، وله ستة أروقة، وجعل له ساحة داخلية (صحن المسجد) فرشت بالرمل والحصباء من وادي العقيق. كما جعل له ساحة أخري خارجية، تسمي البطيحاء تقع شمالي
المسجد، ولكن ظلت إنارة المسجد تتم بواسطة الأسرجة التي توقد بالزيت.
ومع مرور السنين ازداد عدد المسلمين يوماً بعد يوم، وضاق المسجد النبوي الشريف بالمصلين، وساءت حال أعمدته، فقرر المسلمون توسعة المسجد وإعادة إعماره إلي يومنا هذا().
ومن الأمور المؤسفة التي تعمدوها باسم توسعة المسجد النبوي الشريف هو هدم جميع الآثار النبوية والإسلامية وخاصة ما كان يرتبط بأهل البيت عليهم السلام في المسجد وأطرافه. واللازم إعادة هذه الآثار كما هي مذكورة في التاريخ، وهذا لا ينافي التوسعة كما هو واضح.
مسألة: يستحب الإكثار من الصلاة في المسجد النبوي الشريف صلي الله عليه و اله خصوصا بين القبر والمنبر، وفي بيت علي وفاطمة عليهما السلام.
قال أبو عبد الله عليه السلام في حديث: ?وأكثر من الصلاة في مسجد الرسول صلي الله عليه و اله?().
وعن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: ?الصلاة في مسجدي هذا تعدل ألف
صلاة?().
وروي: ?خمسين ألف صلاة?().
وفي دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: ?الصلاة في مسجد المدينة عشرة آلاف صلاة?().
وقال جعفر بن محمد عليه السلام: ?وأفضل موضع يصلي فيه منه ما قرب من القبر?().
وفي الغوالي، عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام?().
وروي ابن عمّار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?ثمّ تأت مقام النبيّ صلي الله عليه و اله فصلّ ما بدا لك، فإذا دخلت المسجد فصلّ علي محمّد وآله وإذا خرجت فاصنع مثل ذلك?().
المحاريب جمع محراب، وهو في اللغة: صدر المجلس، والمكان الرفيع من الدار، وبمعني شديد الحرب أيضاً، ومن هذه المعاني أخذ المعني الشرعي وهو: مكان وقوف الإمام للصلاة في المسجد، فهو صدر المسجد وأشرف موضع فيه، مضافا إلي أن المصلي يحارب الشيطان هناك ويحارب نفسه بإحضار قلبه، ثم أصبح يطلق علي المكان المجوف المخصص لوقوف الإمام.
وفي المسجد النبوي ستة محاريب:
الأول: المحراب النبوي الشريف، ويقع في الروضة المقدسة، شرقه القبر الشريف، وغربه المنبر، مكتوب في جانبه الغربي: (هذا مصلي رسول الله صلي الله عليه و اله). وقد كان الرسول
صلي الله عليه و اله يصلي في بادئ الأمر عند دخوله المدينة المنورة إلي بيت المقدس مدة تقرب من سبعة عشر شهراً وذلك في نهاية المسجد النبوي من الشمال، فإذا ما وقف الإنسان عند الاسطوانة الخامسة تماماً بحذاء باب جبرائيل عليه السلام بحيث يكون الباب علي يمينه فقد وقف في موضع صلاته صلي الله عليه و اله إلي بيت المقدس. ثم تغيرت القبلة إلي الكعبة المشرفة.
الثاني: المحراب العثماني، ويقع في مقدمة المسجد في جدار القبلة، محلي بقطع من الرخام الملون.
الثالث: محراب التهجد، ويقع في الجدار الشمالي للمقصورة وهي ما يعرف اليوم بالحجرة الشريفة وقد أقيم هذا المحراب في المكان الذي كان يصلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله التهجد (صلاة الليل)، فقد دأب صلي الله عليه و اله أن يطرح حصيراً كل ليلة إذا ما عاد المسلمون إلي بيوتهم، وقد التزم أمير المؤمنين علي عليه السلام هذا المكان بعد وفاة الرسول الكريم صلي الله عليه و اله للصلاة فيه.
الرابع: محراب السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ويقع في بيتها عليها السلام داخل المقصورة، أمام محراب التهجد، مجوف مرخم يشبه محراب النبي صلي الله عليه و اله.
الخامس: المحراب السليماني، ويقع عند الأسطوانة الثالثة بمحاذاة المنبر الشريف من الغرب.
السادس: محراب شيخ الحرم، ويقع شمال دكة الأغوات بأربعة أمتار تقريباً.
المنبر لغة: الشيء المرتفع، وبه سمي المكان الذي يرتقيه الخطيب في المسجد. وقد كان رسول الله صلي الله عليه و اله يخطب قائماً، فشق عليه ذلك، فصار يخطب إلي جذع نخلة يستند إليه إذا طال قيامه، ثم أشير عليه بالمنبر، فاتخذه في السنة السابعة أو الثامنة من الهجرة، ووضع في الجانب الغربي من مصلاه، وكان من الطرفاء
(الأثل).
وقد ورد أنه صلي الله عليه و اله لما أراد أن يقوم إلي المنبر ومر بجذع النخلة التي كان يستند إليه، خار حتي تصدع وانشق، فلما سمع الرسول الكريم صلي الله عليه و اله صوت الجذع عاد إليه ومسح بيده الشريفة عليه حتي سكن خواره ثم رجع إلي المنبر.
قيل: لما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أُبي بن كعب وكان عنده في تلك الدار حتي بُلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتاً().
وكان منبر رسول الله صلي الله عليه و اله ذا ثلاث درجات من الخشب، وكان صلي الله عليه و اله يجلس علي الدرجة الثالثة ويضع رجليه الشريفتين علي الدرجة الثانية، وبقي المنبر هكذا بعد رسول الله صلي الله عليه و اله إلي أن أراد معاوية الحج فأرسل نجاراً وأرسل بالآلة، وكتب إلي صاحب المدينة أن يقلع منبر سول الله صلي الله عليه و اله ويجعله علي قدر منبره بالشام، فلما نهضوا ليقلعوه انكسفت الشمس وزلزلت الأرض فكفوا، وكتبوا بذلك إلي معاوية، فكتب إليهم يعزم عليهم لما فعلوه ففعلوا ذلك.. فزاد فيه وصار تسع درجات وبقي هكذا حتي عام 654ه حيث احترق بأكمله ووضع مكانه منبر يماني().
ولمنبر النبي الأعظم صلي الله عليه و اله فضائل جاءت بها الأحاديث:
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري علي ترعة من ترع الجنة?().
وقال صلي الله عليه و اله: ?إن منبري علي ترعة من ترع الجنة?().
وقال صلي الله عليه و اله: ?إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة?.
وقال صلي الله عليه و اله: ?قوائم منبري رتب في الجنة?().
وقال صلي الله عليه و اله: ?لا يحلف أحد عند منبري هذا علي يمين آثمة ولو
علي سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار? أو: ?وجبت له النار?().
وعن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلي الله عليه و اله فائت المنبر فامسحه بيدك وخذ برمانتيه وهما السفلاوان، وامسح عينيك ووجهك به فإنه يقال إنه شفاء العين، وقم عنده فاحمد الله وأثن عليه وسل حاجتك، فإن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة، ومنبري علي ترعة من ترع الجنة، والترعة هي الباب الصغير?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة، ومنبري علي ترعة من ترع الجنة، وقوائم منبري ربت في الجنة? قال: قلت: هي روضة اليوم؟ قال: ?نعم إنه لو كشف الغطاء
لرأيتم?().
وعن مرازم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يقول الناس في الروضة؟ فقال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?فيما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري علي ترعة من ترع الجنة? فقلت له: جعلت فداك فما حد الروضة؟ فقال: ?بعد أربع أساطين من المنبر إلي الظلال? فقلت: جعلت فداك من الصحن فيها شي ء؟ قال: ?لا?().
وعن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل قال رسول الله صلي الله عليه و اله ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة؟ فقال: ?نعم? وقال: ?وبيت علي وفاطمة عليهما السلام ما بين البيت الذي فيه النبي صلي الله عليه و اله إلي الباب الذي يحاذي الزقاق إلي البقيع? قال: ?فلو دخلت من ذلك الباب والحائط مكانه أصاب منكبك الأيسر? ثم
سمي سائر البيوت().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:
?أُري رسول الله صلي الله عليه و اله في منامه بني أمية يصعدون علي منبره من بعده ويضلون الناس عن الصراط القهقري فأصبح كئيبا حزينا? قال: ?فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول الله ما لي أراك كئيبا حزينا؟ قال: يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي ويضلون الناس عن الصراط القهقري?().
وفي مستدرك الحاكم عن أبي هريرة:
(أن النبي صلي الله عليه و اله قال: ?أُريت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون علي منبري كما تنزو القردة? قال: فما رئي النبي صلي الله عليه و اله مستجمعاً ضاحكا حتي توفي) ().
الأعمدة والأساطين هي التي يرتكز عليها السقف()، وهي عديدة في المسجد النبوي الشريف منها:
1 أسطوانة الوفود: وهي ملاصقة لشباك الحجرة الشريفة، سميت بذلك لأن النبي صلي الله عليه و اله كان يجلس عندها لاستقبال الوفود القادمة عليه.
2 أسطوانة التوبة، وتسمي أيضاً: (أسطوانة أبي لبابة)، وموقعها: الرابعة شرق المنبر، وسميت بذلك: لأن الصحابي أبا لبابة الأنصاري ربط نفسه فيها لذنب أذنبه، حتي تاب الله عليه وأطلقه صلي الله عليه و اله بيده().
3 الأسطوانة المُخَلَّقة: وهي ملاصقة لمحراب النبي صلي الله عليه و اله من جهة القبلة. وكانت قد أقيمت في موضع الجذع الذي كان النبي صلي الله عليه و اله يستند عليه حين خطابته، وكان أهل البيت عليهم السلام وكبار الصحابة وعامة المسلمين يحبون الصلاة عند هذه الاسطوانة وهي ملاصقة للمحراب النبوي من جهة القبلة، وقد سميت بالمخلقة لأنها طيبت بطيب الخلوق() في قصة مذكورة في التاريخ.
4 أسطوانة السرير: وهي ملاصقة لشباك الحجرة الشريفة من الجنوب، سميت بذلك:
لأن النبي صلي الله عليه و اله كان يعتكف هناك ويوضع له سرير عندها.
5 اسطوانة علي عليه السلام: وتقع خلف اسطوانة السرير من الشمال، وهي لاصقة بالشباك النحاسي للحجرة النبوية ومكتوب عليها (هذه اسطوانة المحرس) وكان اسمها القديم والمعروف تاريخياً هو: اسطوانة علي عليه السلام حيث كان أمير المؤمنين عليه السلام يجلس عندها لحراسة النبي صلي الله عليه و اله ويصلي عندها أيضاً.
وبداخل الشباك الشريف أسطوانات أخري منها:
1 أسطوانة مربعة القبر، وهي الواقعة في ركن المربعة الغربية الشمالية من الحجرة الشريفة.
2 أسطوانة التهجد: وهي التي في مكان تهجده صلي الله عليه و اله من الليل.
مسألة: يستحب الإكثار من الصلاة عند هذه الاسطوانات حيث ورد: ثم تصلي عند أسطوانة التوبة وعند الحنانة وفي الروضة وعند المنبر أكثر ما قدرت من الصلاة فيها.
ومنها ركعتين عند أسطوانة أبي لبابة رضي الله عنه وهي أسطوانة التوبة ويقول بعدهما: (بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم لا تهني بالفقر، ولا تذلني بالدين، ولا تردني إلي الهلكة، واعصمني كي أعتصم، وأصلحني كي أنصلح، واهدني كي أهتدي، اللهم أعني علي اجتهاد نفسي، ولا تعذبني بسوء ظني، ولاتهلكني وأنت رجائي، وأنت أهل أن تغفر لي وقد أخطأت، وأنت أهل أن تعفو عني وقد أقررت، وأنت أهل أن تقيل وقد عثرت، وأنت أهل أن تحسن وقد أسأت، وأنت أهل التقوي والمغفرة فوفقني لما تحب وترضي، ويسر لي اليسير وجنبني كل عسير، اللهم أغنني بالحلال من الحرام، وبالطاعات عن المعاصي، وبالغني عن الفقر، وبالجنة عن النار، وبالأبرار عن الفجار، يا من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأنت علي كل شيء قدير).
ورد في تفسير قوله تعالي: ?وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسي الله
أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم?() أنها (نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله لما حاصر بني قريظة قالوا له: ابعث إلينا أبا لبابة نستشيره في أمرنا، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبا لبابة ائت حلفاءك ومواليك، فأتاهم فقالوا له: يا أبا لبابة ما تري ننزل علي حكم محمد؟ فقال: انزلوا واعلموا أن حكمه فيكم هو الذبح وأشار إلي حلقه، ثم ندم علي ذلك فقال: خنت الله ورسوله، ونزل من حصنهم ولم يرجع إلي رسول الله صلي الله عليه و اله ومر إلي المسجد وشد في عنقه حبلا ثم شده إلي الأسطوانة التي كانت تسمي أسطوانة التوبة وقال: لا أحله حتي أموت أو يتوب الله عليّ، فبلغ رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: ?أما لو أتانا لاستغفرنا الله له فأما إذا قصد إلي ربه فالله أولي به?، وكان أبو لبابة يصوم النهار ويأكل بالليل ما يمسك رمقه وكانت ابنته تأتيه بعشائه وتحله عند قضاء الحاجة، فلما كان بعد ذلك ورسول الله صلي الله عليه و اله في بيت أم سلمة نزلت توبته، فقال: ?يا أم سلمة قد تاب الله علي أبي لبابة? فقالت: يا رسول الله أفأؤذنه بذلك، فقال: ?لتفعلن? فأخرجت رأسها من الحجرة فقالت: يا أبا لبابة أبشر لقد تاب الله عليك، فقال: الحمد لله، فوثب المسلمون ليحلوه، فقال: لا والله حتي يحلني رسول الله صلي الله عليه و اله بيده، فجاء رسول الله صلي الله عليه و اله فقال:
?يا أبا لبابة قد تاب الله عليك توبة لو ولدت من أمك يومك هذا لكفاك? فقال: يا رسول الله أفأتصدق
بمالي كله؟، قال: ?لا? قال: فبثلثيه؟، قال: ?لا? قال: فبنصفه؟ قال: ?لا? قال: فبثلثه؟ قال: ?نعم? فأنزل الله ?وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسي الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ? خذ من أموالهم صدقة? إلي قوله ?إن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم? ()،().
مسألة: يستحب الصوم في المدينة المنورة لقضاء الحوائج ثلاثة أيام، والأفضل الأربعاء والخميس والجمعة، وهذا يجوز للمسافر أيضاً ().
روي الرضوي عن موسي بن جعفر عليهم السلام أنّه قال: ?يستحبّ إذا قدم المدينة مدينة الرسول صلي الله عليه و اله أن يصوم ثلاثة أيّام، فإن كان له بها مقام أن يجعل صومها في يوم الأربعاء والخميس والجمعة? ().
وفي التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط إليها نفسه حتي نزل عذره من السماء وتقعد عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي صلي الله عليه و اله ليلتك ويومك وتصوم يوم الخميس، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلي الله عليه و اله ومصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الجمعة، وإن استطعت أن لا تتكلم بشيء في هذه الأيام إلا ما لابد لك منه، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة، ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل، فإن ذلك مما يعد فيه الفضل، ثم احمد الله في يوم الجمعة وأثن عليه وصل علي النبي صلي الله عليه و اله وسل حاجتك وليكن فيما تقول: (اللَّهُمَّ مَا
كَانَتْ لِي إِلَيْكَ مِنْ حَاجَة شَرَعْتُ أَنَا فِي طَلَبِهَا وَالْتِمَاسِهَا، أَوْ لَمْ أَشْرَع، سَأَلْتُكَهَا أَوْ لَمْ أَسْأَلْكَهَا، فَإِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّد نَبِيِّ الرَّحْمَةِ صلي الله عليه و اله فِي قَضَاءِ حَوَائِجِي صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا) فإنك حري أن تقضي حاجتك إن شاء الله تعالي?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?صم الأربعاء والخميس والجمعة وصل ليلة الأربعاء ويوم الأربعاء عند الأسطوانة التي تلي رأس النبي صلي الله عليه و اله، وليلة الخميس ويوم الخميس عند أسطوانة أبي لبابة، وليلة الجمعة ويوم الجمعة عند الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلي الله عليه و اله وادع بهذا الدعاء لحاجتك وهو: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ وَقُوَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ وَجَمِيعِ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَي مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَأَنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا)? ().
عندما أسس النبي صلي الله عليه و اله مسجده الشريف يوم قدم المدينة مهاجراً، جعل له ثلاثة أبواب:
1: باباً في الجنوب حيث كانت القبلة إلي بيت المقدس شمالاً.
2: وباباً في الشرق ويسمي باب النبي صلي الله عليه و اله، ثم اشتهر بعد ذلك بباب جبريل.
3: وباباً في الغرب ويسمي اليوم بباب الرحمة.
ثم حول صلي الله عليه و اله الباب الجنوبي مع تحويل القبلة فصار في الجهة الشمالية للمسجد الشريف. وكانت عضادتي الأبواب في هذه العمارة من الحجارة.
وبعد وفاة الرسول صلي الله عليه و اله عندما أرادوا توسعة المسجد زادوا فيه ثلاثة أبواب أخري، فصارت الأبواب ستة: اثنان في الجهة الشرقية وهما: باب جبريل وباب النساء، وآخران في الجهة الغربية، وهما: باب الرحمة، وباب السلام، والأخيران في الجهة الشمالية لم يعرف لهما اسم. ثم ارتفع عدد الأبواب في توسعة العباسيين إلي أربعة وعشرين باباً: ثمانية في الجهة
الشرقية، ومثلها في الجهة الغربية، وأربعة في الجهة الشمالية، ومثلها في الجهة الجنوبية.
ثم سدت معظم هذه الأبواب في العصر المملوكي، وتمت المحافظة فقط علي الأبواب الرئيسة الأربعة، وهي: باب جبريل، والنساء، والسلام، والرحمة. ثم زادوا في توسعة عام (1265 1277ه) باباً خامساً في الجهة الشمالية عرف بباب التوسل.
بنيت أول قبة في المسجد النبوي الشريف فوق الحجرة النبوية الشريفة في القرن السابع الهجري، عام 678ه وهي التي عرفت مؤخراً بالقبة الخضراء، وكانت مربعة من أسفلها، مثمنة من أعلاها، مصنوعة من أخشاب أقيمت علي رؤوس السواري المحيطة بالحجرة الشريفة، مكسوة بألواح الرصاص، منعاً لتسرب مياه الأمطار إلي الحجرة الشريفة. وقد جددت هذه الألواح عام 765ه.
وفي عام 881 ه وبعد الانتهاء من بعض الترميمات في المسجد تقرر إبدال السقف الخشبي للحجرة بقبة لطيفة، فرفعوا السقف الخشبي، ثم عقدوا قبواً علي نحو ثلث الحجرة مما يلي المشرق؛ ليتأتي لهم تربيع محل القبة المتخذة علي بقية الحجرة من المغرب، ثم عقدوا القبة علي جهة الرأس الشريف بأحجار منحوتة من الحجر الأسود والأبيض، ونصبوا بأعلاها هلالاً من نحاس، وبيضوها من الخارج بالجص، فجاءت جميلة بديعة.
وقد سلمت هذه القبة من الحريق الذي شب بالمسجد سنة 886 ه، بينما احترقت القبة التي فوقها، فأعيد بناؤها بالآجر عام 892 ه، وأسس لها دعائم عظيمة بأرض المسجد، ثم ظهرت بعض الشقوق في أعاليها، فرممت وأصبحت في غاية الإحكام. ثم عمل قبة علي المحراب العثماني، وغطي السقف بين القبة الخضراء والحائط الجنوبي بقبة كبيرة حولها ثلاث قباب، كما أقيم قبتان أمام باب السلام من الداخل، وقد كسيت هذه القباب بالرخام الأبيض والأسود، وزخرفت بزخارف بديعة.
وفي سنة 1119ه أضيف رواقاً في جهة القبلة، وسقّف ما يليه
بعدد من القباب.
وفي عام 1228ه جددت القبة الشريفة، ثم دهنت باللون الأخضر، فاشتهرت بالقبة الخضراء، بعد ما كانت تعرف بالبيضاء والزرقاء والفيحاء.
وبقي الأمر كذلك حتي جاءت عمارة سنة 1264ه فغطي سقف المسجد كاملاً بالقباب المكسوة بألواح الرصاص، بلغ عددها (170) قبة، أعلاها القبة الخضراء، ثم قبة المحراب العثماني، ثم قبة باب السلام، وباقي القباب علي ارتفاع متقارب، ولبعضها نوافذ مغطاة بالزجاج الملون، وفي داخلها نقوش بديعة، وكتابات قرآنية وشعرية جميلة.
يرجع تاريخ المآذن في المسجد النبوي الشريف إلي ما بين عامي 88 و91ه حين تم إعادة بناء المسجد الشريف، وتشييد مآذن علي أركانه الأربعة، إذ لم تعد أسطحة المنازل تلبي الحاجة في إعلام المسلمين بوقت الصلاة، وقد شيدت بطول يتراوح بين 26.50م إلي 27.50م وبعرض 4×4م.
وفي عام 96ه هدمت المنارة الجنوبية الغربية، وكان ذلك حين حج سليمان بن عبد الملك في العام المذكور فأطل المؤذن عليه في بيته، فأمر سليمان بهدم هذه المئذنة، فهدمت حتي سويت بظهر المسجد. فأعيدت إعمارها سنة 706ه.
وفي عام 886ه أصيبت المئذنة الجنوبية الشرقية (الرئيسة) بصاعقة، ثم أعيد بناؤها.
وفي عام 891-892ه ظهر شرخ فيها فأعيد بناؤها ثانية وجعلت بارتفاع 60م، وأضيفت مئذنة خامسة بالقرب من باب الرحمة.
وفي عام 898ه أصابت صاعقة أخري جانباً من المئذنة الجنوبية الشرقية أيضاً تناثر منها بعض الحجارة، ثم تم إصلاح ما أصابها.
وفي عام 947ه هدم السلطان العثماني المئذنة الشمالية الشرقية المعروفة (بالسنجارية) وأقام مكانها مئذنة أخري عرفت (بالسليمانية).
وفي عام 1058-1099ه جددت منارة باب السلام.
ثم في التوسعة التي أجريت من عام 1265إلي عام 1277ه جددت المنارات كلها عدا المنارة الرئيسة، وجعلت المنارة الشمالية الغربية علي رسم منائر الآستانة بشرفات ثلاث.
وفي التوسعة السعودية عام 1370-1375ه أبقوا علي مئذنتي
الجهة الجنوبية، وأزالوا الثلاث الأخر، وكان اللازم الحفاظ علي جميع الآثار النبوية والمآذن الأثرية وما أشبه، ثم شيدت مئذنتان جديدتان في ركني الجهة الشمالية، يبلغ ارتفاع الواحدة منهما سبعين متراً.
عندما هاجر النبي صلي الله عليه و اله إلي المدينة بدأ المسلمون بالهجرة تباعاً، فكانوا عندما يصلون إلي المدينة حيث لا مال لهم ولا أهل، ينزلون بالمسجد بالنبوي الشريف مجاورة لرسول الله صلي الله عليه و اله ومحبة له، وكان فيهم كبار الصحابة من أمثال أبي ذر وسلمان وغيرهم، وكان النبي صلي الله عليه و اله يأنس بهم ويجالسهم ويحدثهم ويقسم بينهم ما كان يحصل عليه، وقد نزلت في حقهم عدة آيات من القرآن أبانت فضلهم ومنزلتهم، منها قوله تعالي: ?للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون?()، وفي بعض التفاسير أنه نزل أيضاً قوله تعالي: ?والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم?()، وقوله جل جلاله: ?واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه?().
تقع الصفة في مؤخرة المسجد النبوي الشريف، في الركن الشمالي الشرقي منه، أمر به صلي الله عليه و اله فظلل بجريد النخل، وأطلق عليه اسم الصُفة أو الظُلة. وقيل: إن القبلة قبل أن تحول كانت في شمال المسجد، فلما حولت ظلل الجدار الشمالي جميعه وعرف بالصفة. وكان ينزل في الصفة العزاب من المهاجرين والوافدين الذين لا مأوي لهم ولا أهل. وكانوا يكثرون ويقلّون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر أو يجد عملاً فيتخذ لنفسه منزلاً. وكان صلي الله عليه و
اله يجالسهم ويؤانسهم ويدعوهم إلي طعامه وشرابه، وكان الموسر من الصحابة يأخذ الواحد منهم والاثنين والثلاثة فيطعمهم في بيته، وكان أهل البساتين يأتون بأقناء الرطب فيعلقونها في سقف الصفة ليأكلوا منها. وكان جل عمل أهل الصفة تعلم القرآن والأحكام الشرعية من رسول الله صلي الله عليه و اله أو ممن يأمره الرسول صلي الله عليه و اله بذلك، فإذا جاءت غزوة خرج القادر منهم للجهاد فيها.
واتفقت معظم الأقوال علي أن قريباً من أربعمائة صحابي تواردوا علي الصفة، وقيل: ستمائة، وذلك في قرابة تسعة أعوام، وقد كان يجتمع فيها في وقت واحد الستون والسبعون، إلي أن جاء الله بالغني، وذلك قبيل وفاة النبي صلي الله عليه و اله. وظل مكان الصُفة في المسجد الشريف ماثلاً، يحدثنا عن مدي المعاناة التي لقيها رسول الله صلي الله عليه و اله وأصحابه الكرام في سبيل الدعوة الغراء.
في الحديث: إن رسول الله صلي الله عليه و اله أمر أن يتخذ للمسلمين سقيفة فعملت لهم وهي الصفة، ثم أمر الغرباء والمساكين أن يظلوا فيها نهارهم وليلهم، فنزلوها واجتمعوا فيها، فكان رسول الله صلي الله عليه و اله يتعاهدهم بالبر والتمر والشعير والزبيب إذا كان عنده، وكان المسلمون يتعاهدونهم ويرقون عليهم لرقة رسول الله صلي الله عليه و اله ويصرفون صدقاتهم إليهم()
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يأتي أهل الصفة وكانوا ضيفان رسول الله صلي الله عليه و اله كانوا هاجروا من أهاليهم وأموالهم إلي المدينة، فأسكنهم رسول الله صلي الله عليه و اله صفة المسجد وهم أربعمائة رجل، يسلّم عليهم بالغدوة والعشي، فأتاهم ذات
يوم فمنهم من يخصف نعله ومنهم من يرقع ثوبه ومنهم من يتفلي وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يرزقهم مُداً مُداً من تمر في كل يوم، فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله التمر الذي ترزقنا قد أحرق بطوننا، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أما إني لو استطعت أن أطعمكم الدنيا لأطعمتكم، ولكن من عاش منكم بعدي فسيغدي عليه بالجفان ويراح عليه بالجفان، ويغدو أحدكم في قميصة ويروح في أخري وتنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة، فقام رجل فقال: يا رسول الله إنا علي ذلك الزمان بالأشواق فمتي هو؟ قال صلي الله عليه و اله: زمانكم هذا خير من ذلك الزمان إنكم إن ملأتم بطونكم من الحلال توشكون أن تملئوها من الحرام?() الخبر.
وعن عقبة من مصعب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: ?أتي النبي صلي الله عليه و اله بشيء فقسمه فلم يسع أهل الصفة جميعا فخص به أناسا منهم، فخاف رسول الله صلي الله عليه و اله أن يكون قد دخل قلوب الآخرين شي ء فخرج إليهم فقال: معذرة إلي الله عزوجل وإليكم يا أهل الصفة إنا أوتينا بشيء فأردنا أن نقسمه بينكم فلم يسعكم فخصصت به أناسا منكم خشينا جزعهم وهلعهم?().
وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: ?أن رسول الله صلي الله عليه و اله مر برجل يغرس غرسا في حائط له فوقف عليه فقال: ألا أدلك علي غرس أثبت أصلا? إلي أن قال: ?فقال الرجل: أشهدك يا رسول الله أن حائطي هذا صدقة مخصوصة علي فقراء المسلمين من أهل الصفة، فأنزل الله تبارك وتعالي: ?فأما من أعطي واتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسري صلي
الله عليه و اله()?().
عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ?كان علي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله مؤمن فقير شديد الحاجة من أهل الصفة، وكان ملازما لرسول الله صلي الله عليه و اله عند مواقيت الصلاة كلها لا يفقده في شي ء منها، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يرق له وينظر إلي حاجته وغربته فيقول: يا سعد لو قد جاءني شي ء لأغنيتك، قال: فأبطأ ذلك علي رسول الله صلي الله عليه و اله فاشتد غم رسول الله صلي الله عليه و اله لسعد، فعلم الله سبحانه ما دخل علي رسول الله صلي الله عليه و اله من غمه لسعد، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام ومعه درهمان فقال له: يا محمد إن الله قد علم ما قد دخلك من الغم لسعد، أفتحب أن تغنيه؟ فقال: نعم، فقال له: فهاك هذين الدرهمين فأعطهما إياه ومره أن يتجر بهما.
قال: فأخذ رسول الله صلي الله عليه و اله ثم خرج إلي صلاة الظهر وسعد قائم علي باب حجرات رسول الله صلي الله عليه و اله ينتظره، فلما رآه رسول الله صلي الله عليه و اله قال: يا سعد أتحسن التجارة؟ فقال له سعد: والله ما أصبحت أملك مالا أتجر به، فأعطاه النبي صلي الله عليه و اله الدرهمين وقال له: اتجر بهما وتصرف لرزق الله.
فأخذهما سعد ومضي مع النبي صلي الله عليه و اله حتي صلي معه الظهر والعصر، فقال له النبي صلي الله عليه و اله: قم فاطلب الرزق فقد كنت بحالك مغتما يا سعد.
قال: فأقبل سعد لا يشتري بدرهم شيئا إلا باعه بدرهمين، ولا يشتري شيئا بدرهمين إلا
باعه بأربعة دراهم، فأقبلت الدنيا علي سعد فكثر متاعه وماله وعظمت تجارته فاتخذ علي باب المسجد موضعا وجلس فيه فجمع تجارته إليه وكان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا أقام بلال للصلاة يخرج وسعد مشغول بالدنيا لم يتطهر ولم يتهيأ كما كان يفعل قبل أن يتشاغل بالدنيا، فكان النبي صلي الله عليه و اله يقول: يا سعد شغلتك الدنيا عن الصلاة، فكان يقول: ما أصنع أضيع مالي، هذا رجل قد بعته فأريد أن أستوفي منه، وهذا رجل قد اشتريت منه فأريد أن أوفيه.
قال: فدخل رسول الله صلي الله عليه و اله من أمر سعد غم أشد من غمه بفقره، فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله قد علم غمك بسعد فأيما أحب إليك حاله الأولي أو حاله هذه؟ فقال له النبي صلي الله عليه و اله: يا جبرئيل بل حاله الأولي قد أذهبت دنياه بآخرته، فقال له جبرئيل عليه السلام: إن حب الدنيا والأموال فتنة ومشغلة عن الآخرة، قل لسعد يرد عليك الدرهمين اللذين دفعتهما إليه، فإن أمره سيصير إلي الحالة التي كان عليها أولا.
قال: فخرج النبي صلي الله عليه و اله فمر بسعد فقال له: يا سعد أما تريد أن ترد علي الدرهمين اللذين أعطيتكهما؟
فقال سعد: بلي ومائتين.
فقال له: لست أريد منك يا سعد إلا الدرهمين. فأعطاه سعد درهمين.
قال: فأدبرت الدنيا علي سعد حتي ذهب ما كان جمع وعاد إلي حاله التي كان عليها ().
روي ابن عمّار عن الصّادق عليه السلام أنّه قال: ?ائت مقام جبرئيل عليه السلام وهو تحت الميزاب فإنّه كان مقامه إذا استأذن علي النبي صلي الله عليه و اله: وقل: أسألُكَ أَيْ جَوَادُ أَيْ
كَرِيمُ أَيْ قَرِيبُ أَيْ بَعِيدُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّي عَلي مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ نِعْمَتَكَ? ().
وفي الحديث: ?ولتأت مقام جبرئيل عليه السلام فإن جبرئيل كان يجيء فيستأذن علي رسول الله صلي الله عليه و اله، وإن كان علي حال لا ينبغي أن يأذن له قام في مكانه حتي يخرج إليه، وإن أذن له دخل عليه? فقلت: وأين المكان؟ فقال: ?حيال الميزاب الذي إذا أخرجت من الباب الذي يقال له: باب فاطمة، بحذاء القبر إذا رفعت رأسك بحذاء الميزاب والميزاب فوق رأسك و الباب من وراء ظهرك?().
وفي مستدرك الوسائل، باب استحباب إتيان مقام جبرئيل عليه السلام: وقال: سُئل الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن مقام جبرئيل؟ فقال: ?تحت الميزاب الذي إذا خرجت من الباب الذي يقال له باب فاطمة عليها السلام بحيال الباب والميزاب فوقك والباب من وراء ظهرك، فإن قدرت أن تصلي فيه ركعتين مندوبا فافعل، فإنه لا يدعو أحد هناك إلا استجيب له? ().
وفي بعض نسخ الرضوي، قال عليه السلام: ?وائت مقام جبرئيل عليه السلام وهو عند الميزاب إذا خرجت من الباب الذي يقال له باب فاطمة عليها السلام وهو عند الميزاب إذا خرجت من الباب الذي بحيال زقاق البقيع فصل هناك ركعتين وقل: ?يَا جَوَادُ يَا كَرِيمُ، يَا قَرِيبُ غَيْرَ بَعِيدٍ، أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لَيْسَ كَمِثْلِكَ شَيْءٌ، أَنْ تَعْصِمَنِي مِنَ الْمَهَالِكِ، وَأَنْ تُسَلِّمَنِي مِنْ آفَاتِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَوَعْثَاءِ السَّفَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ، وَأَنْ تَرُدَّنِي سَالِماً إِلي وَطَنِي، بَعْدَ حَجٍّ مَقْبُولٍ وَسَعْيٍ مَشْكُورٍ وَعَمَلٍ مُتَقَبَّلٍ، وَلاَ تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ منّي مِنْ حَرَمكَ، وَحَرَمِ نَبِيِّكَ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَي آلِهِ?().
عن أبي عبد الله ? قال: قال رسول الله صلي الله عليه و
اله: ?ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري علي ترعة من ترع الجنة وقوائم منبري رُبّت في الجنة?، قال: قلت: هي روضة اليوم؟ قال: ?نعم، إنه لو كشف الغطاء
لرأيتم?().
والروضة هي المنطقة الكائنة بين منبر الرسول صلي الله عليه و اله وحجرته الشريفة، وفضلها كثير علي ما ورد في الروايات الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام.
يبلغ طول الروضة الشريفة من المنبر الشريف إلي السور النحاسي الذي يحيط بالمقصورة 22 متراً وكان طولها الحقيقي يبلغ 26 متراً، أي من المنبر الشريف إلي طرف صفحة الحجرة النبوية الأصلية، وهي معلمة بالسجاد الأخضر بينما فرشت باقي أرضية المسجد النبوي الشريف بالسجاد الأحمر. وقال البعض بأن فاطمة الزهراء عليها السلام مدفونة هناك.
ويوجد في الروضة وعلي أطرافها معالم جليلة، أهمها:
الحجرة الشريفة في الجهة الشرقية، ومحراب النبي صلي الله عليه و اله في وسط جدارها القبلي، والمنبر الشريف في جهتها الغربية. وتنتشر فيها الأساطين (الأعمدة) الحجرية، التي وضعت عليها خطوط مذهبة لتميزها عن سائر أساطين المسجد، وكتب علي بعضها ما يربطها بمناسبة تاريخية، كأسطوانة التوبة، والوفود، والسرير.
وفي الجهة القبلية من الروضة حاجز نحاسي جميل، ارتفاعه متر، يفصل بينها وبين مقدمة المسجد، أقيم عليه مدخلان، يكتنفان المحراب النبوي. وكانت الروضة ولا تزال محل اهتمام جميع المسلمين، فقد تم في عهد السلاطين العثمانيين تلبيس أساطينها إلي النصف بالرخام الأبيض المطعم بالأحمر، ثم جددت هذه الأساطين وأعاد الرخام عليها كما كان، وزيد في صقله وتحليته، وفي عام 1404ه تم إكساؤها برخام أبيض مميز عن سائر أساطين المسجد، وفرشت أرضها بالسجاد، وعلقت عليها الثريات.
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة?().
وعن مرازم قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عما يقول الناس في الروضة؟ فقال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?فيما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري علي ترعة من ترع الجنة? فقلت له: جعلت فداك فما حد الروضة؟ فقال: ?بعد أربع أساطين من المنبر إلي الظلال? فقلت: جعلت فداك من الصحن فيها شي ء؟ قال: ?لا?().
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?حد الروضة في مسجد الرسول صلي الله عليه و اله إلي طرف الظلال، وحد المسجد إلي الأسطوانتين عن يمين المنبر إلي الطريق مما يلي سوق الليل?().
يقع بيت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام من عند الأسطوانة التي تدخل إليها من باب جبرئيل عليه السلام إلي مؤخر الحظيرة التي فيها النبي صلي الله عليه و اله،
ولا أثر له الآن، لأنه واقع ضمن المسجد النبوي الشريف وقد هدموا بيتها بحجة التوسعات التي طرأت علي المسجد، وهو مكان مبارك وللصلاة فيه فضيلة كبيرة، فقد روي يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الصلاة في بيت فاطمة عليها السلام أفضل أو في الروضة؟
قال عليه السلام: ?في بيت فاطمة عليها السلام ?().
وعن جميل بن دراج قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الصلاة في بيت فاطمة عليها السلام مثل الصلاة في الروضة؟ قال: ?وأفضل?().
وقد شهد هذا البيت المبارك ولادة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام سيدي شباب أهل الجنة، كما شهد نزول الكثير من السور والآيات القرآنية الكريمة وفي مناسبات عديدة ومهمة، كان منها سورة ?هل أتي صلي الله عليه و اله() في قصة معروفة.
وبعد نزول آية التطيهر() كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا أراد سفراً خرج من بيت فاطمة
عليها السلام، وإذا رجع من سفره دخل أولاً بيت فاطمة عليها السلام وقبّلها ثم يدخل علي أزواجه، تكريماً وتعظيماً لأهل البيت عليهم السلام في مرأي من الصحابة والصحابيات.
وبالرغم من كل هذا فلم ترع حرمة هذا البيت، إذ هجم القوم بعد رسول الله صلي الله عليه و اله عليها، وأحرقوا دارها، ولما أحسوا بالزهراء عليها السلام خلف الباب عصروها فكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها ظلماً وعدواناً، فما عاشت بعد ذلك إلا فترة يسيرة حتي فارقت الحياة مظلومة شهيدة، ناقمة علي من ظلمها وغصبها حقها.
وقد اختلفت الروايات في موضع قبرها عليها السلام، فمنها ما تقول: بأنها دفنت في البقيع، ومنها: ك في بيتها، ومنها: أنها دفنت بين القبر الشريف والمنبر.
لم يمر عصر علي المسجد النبوي إلا وفيه ساحة مكشوفة، فقد كانت زمن رسول الله صلي الله عليه و اله ومن جاء بعده في مؤخرة المسجد، حيث سقف الجزء الأمامي، وبقي الجزء الخلفي علي شكل رحبة مكشوفة. وجاءت توسعة عام 88-91ه فجعلت الرحبة المكشوفة في وسط المسجد علي شكل صحن مفروش بالرمل والحصي، محاط بالأروقة من جميع الاتجاهات.
قيل: أول ساحة استحدثت خارج المسجد الشريف كانت في عهد الثاني، عندما اتخذ ساحة في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد تسمي (البُطَيحاء) وفرشها بالحصباء. وفي توسعة سنة 161ه صار المسجد مستطيلاً تحفه بلاطات مستديرة من جهاته الأربع. وفي عام 1395ه أضيف في الجهة الغربية للمسجد الشريف ساحات واسعة للصلاة، مظللة بالألياف الزجاجية()، تبلغ مساحتها نحو 40550م2. ثم أضيفت عام 1397ه ساحات أخري في الجهة الغربية الجنوبية خصصت للخدمات (مواقف سيارات) وما أشبه.
السطح لغة: ظهر البيت. لم يكن للمسجد النبوي عند إنشائه سقف، بل ظل مكشوفاً إلي أن اشتد الحر علي المسلمين فظلل من جهة القبلة، حيث عملت له أعمدة من جذوع النخل وضعت عليها الجسور الخشبية، ثم غطي بالجريد والخوص، وبعد فترة غطي بالطين نظراً لتسرب ماء المطر من خلاله علي المصلين().
قبر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في مسجده الشريف في المدينة المنورة حيث مزاره المقدس الآن.
اسمه الشريف: محمّد صلي الله عليه و اله، والده عبد اللّه بن عبد المطلب، وأمّه آمنة بنت وهب، وُلد بمكة المكرمة، يوم الجمعة في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل بعد طلوع الفجر من عام الفيل، في زمن الملك العادل() كسري.
بُعث صلي الله عليه و اله بالرسالة في السابع والعشرين من شهر رجب المرجب، وذلك بعد أن مضي من عمره الشريف أربعون سنة، إذ نزل عليه جبرئيل عليه السلام في غار (حراء) علي جبل بمكة، وأنزل معه آيات من سورة العلق، فقام صلي الله عليه و اله بعد ذلك علي الصفا وفي المسجد الحرام وبين الجماعات ولدي الأماكن العامة، بتبليغ رسالات ربه وإرشاد الناس إلي اللّه تعالي والإيمان به، وهو يقول: ?أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لا إلهَ إِلا اللّه تُفْلِحُوا?().
وحيث إن أهل مكة كانوا مشركين وكان رؤساؤهم يرون مصالحهم الشخصية في الشرك، فخوفاً علي مصالحهم جعلوا يستهزؤون به، ويضحكون منه ويؤذونه، وكلّما أصرّ النبي صلي الله عليه و اله في هدايتهم، أصرّ المشركون وبالغوا في
أذاه صلي الله عليه و اله حتّي قال: ?ما أوذي نبي مثل ما أوذيت?().
ولم يؤمن به إلا نفر قليل، أوّلهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم زوجته خديجة عليها السلام،
ثم جمع آخر.
فكان أوّل من آمن به صلي الله عليه و اله من الرجال: علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن النساء: خديجة بنت خويلد عليها السلام.
ولما كثر اضطهاد المشركين له، هاجر صلي الله عليه و اله إلي (المدينة) وهذه الهجرة هي بدء تاريخ المسلمين.
وهناك كثر المسلمون وازدادت شوكتهم، وأصبحوا بفضل تعاليم الرسول صلي الله عليه و اله الراقية وشريعة الإسلام السمحة الحكيمة، نموذجاً في الأخلاق والإنسانية، ومثالاً في الحضارة والمدنية، وفاقوا بذلك كل حضارات العالم والأديان، سماويها وغير سماويها.
توفي رسول الله صلي الله عليه و اله مسموما شهيداً في يوم الثامن والعشرين من شهر صفر في العام الحادي عشر من الهجرة، وقام بتجهيزه وصيّه وخليفته من بعده أمير المؤمنين علي عليه السلام وواراه في حجرته في المدينة المنورة حيث مرقده الشريف الآن.
لقد كان رسول الله صلي الله عليه و اله في جميع حالاته مثالاً أعلي للأمانة والإخلاص والصدق والوفاء، وحسن الخلق وكرم السجيّة، والعلم والحلم، والسماح والعفو، والكرم والشجاعة، والورع والتقوي، والزهد والفضيلة، والعدل والتواضع، والجهاد.
وكان جسمه الشريف قمة في الجمال الجسماني وذلك كأحسن ما يكون في الاعتدال والتناسب، ووجهه صلي الله عليه و اله أزهر أنور كالبدر المنير ليلة التمام، كما كان قلبه العظيم وروحه الكبيرة قمة في الكمال الروحاني، كأكمل ما يكون في الأخلاق والآداب، وسيرته وسنّته مشعّة بيضاء كالشمس المضيئة في رابعة النهار.
وبالجملة، فقد كان مجمع الفضائل والمكارم، ومعقد الشرف والكرامة، وموطن العلم والعدل، والتقوي والفضيلة، ومدار الدين والدنيا، والأولي والآخرة، لم يأت مثله فيما مضي، ولا يأتي نظير له إلي الأبد.
ثم إن طين قبر الرسول صلي الله عليه و اله وسائر الأئمة عليهم السلام شفاء من كل داء وخاصة
طين قبر الإمام الحسين عليه السلام.
وفي الحديث: إن أبا حمزة الثمالي قال للصادق عليه السلام: إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين عليه السلام يستشفون فهل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء؟ فقال: ?يستشفي ما بينه وبين القبر علي رأس أربعة أميال، وكذلك قبر رسول الله صلي الله عليه و اله وقبر الحسن وعلي ومحمد عليهم السلام فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم وجنة مما يخاف، ثم أمر بتعظيمها وأخذها باليقين بالبرء وبختمها إذا
أخذت?().
ومثله في كامل الزيارات().
ثم إن زيارة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله مستحب استحباباً مؤكّداً.
في الحديث: ?إن زيارة قبر رسول الله صلي الله عليه و اله تعدل حجة مع رسول الله?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة?().
وعن أبي عبد الله قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من أتي مكة حاجاً ولم يزرني بالمدينة جفوته يوم القيامة، ومن زارني وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة?().
أقول: جفوته أي لم أشفع له.
وعن النبي صلي الله عليه و اله قال: ?من زارني في حياتي وبعد موتي كان في جواري يوم القيامة?().
وعن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما لمن زار قبر رسول الله صلي الله عليه و اله؟ قال: ?كمن زار الله فوق عرشه?().
أي: في شدة تقربه إلي الله ونيله من ثواب الله.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?قبر رسول الله صلي الله عليه و اله محصّب() حصباء حمراء?().
وقال ابن أبي نجران لأبي جعفر عليه السلام: ما لمن زار رسول الله صلي الله عليه و اله متعمداً؟ قال: الجنّة?().
وعن جميل بن صالح
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنّ زيارة قبر رسول الله صلي الله عليه و اله تعدل حجّة مع رسول الله صلي الله عليه و اله مبرورة??().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من زارني حيّاً أو ميتاً كنت له شفيعاً يوم
القيامة?().
وفي حديث قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إلي في حياتي فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليَّ السَّلام فإنه يبلغني?().
وردت عدة زيارات لرسول الله صلي الله عليه و اله منها:
ما رواه ابن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها، أو حين تريد أن تدخلها، ثمّ تأتي قبر النبيّ صلي الله عليه و اله فتسلّم علي رسول الله صلي الله عليه و اله ثمّ تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلي جانب القبر، ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر، فإنه موضع رأس رسول الله صلي الله عليه و اله وتقول:
(أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسالاتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لأُمَّتِكَ، وَجاهَدْتَ في سَبيلِ اللهِ، وَعَبَدْتَ اللهَ حَتّي أَتاكَ الْيَقينُ، بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَأَدَّيْتَ الَّذي عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ، وَأَنَّكَ قَدْ رَؤُفْتَ بِالْمُؤْمِنينَ، وَغَلُظْتَ عَلَي الْكافِرينَ، فَبَلَّغَ اللهُ بِكَ أَفْضَلَ شَرَفِ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي اِسْتَنْقَذَنا بِكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالضَّلالَةِ. أَللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَواتِكَ وَصَلَواتِ مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ، وَعِبادِكَ الصّالِحينَ وَأَنْبِيائِكَ الْمُرْسَلينَ، وَأَهْلِ السَّماواتِ وَالأَرَضينَ، وَمَنْ سَبَّحَ لَكَ يا رَبَّ الْعالَمينَ مِنَ الأَوَّلينَ وَالآْخِرينَ، عَلي مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُوِلِكَ، وَنَبِيِّكَ وَأَمينِكَ، وَنَجِيبِكَ وَحَبيبِكَ، وَصَفِيِّكَ وخاصَّتِكَ، وَصَفْوَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ. أَللَّهُمَّ وَأَعْطِهِ الدَّرَجَةَ وَالْوَسيلَةَ مِنَ الجنّةَ، وَابْعَثْهُ مَقاماً مَحْمُوداً يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ. أَللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ: ?وَلَوْ اَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لهمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحيماً صلي الله عليه و اله() وَإِنّي أَتَيْتُ نَبِيَّكَ مُسْتَغْفِرًا تائِباً مِنْ ذُنُوبي، وَإِنّي أَتَوَجَّهُ إليْكَ بِنَبِيكَ نَبيِّ الرحمةِ محمد صلي الله عليه و اله، يا مُحمدُ إني أتَوجهُ إِلَي اللهِ
رَبّي وَرَبِّكَ لِيَغْفِرَ لي ذُنُوبي).
وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبيّ صلي الله عليه و اله خلف كتفيك، واستقبل القبلة، وارفع يديك وسل حاجتك فإنه أحري أن تقضي إن شاء الله?().
روي إبراهيم بن أبي البلاد قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: ?كيف تقول في التسليم علي النبي صلي الله عليه و اله?؟
فقلت: الذي نعرفه ورويناه.
قال: ?أو لا أعلمك ما هو أفضل من هذا?؟
فقلت: نعم جعلت فداك.
فكتب لي وأنا قاعد بخطه وقرأه علي: ?إذا وقفت علي قبره صلّي الله عليه وآله فقل:
(أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسولُ اللهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ خَاتَمُ النّبيّينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالةَ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لأُِمَّتِكَ، وَجاهَدْتَ في سَبيلِ ربِّكَ وَعَبَدْتَهُ حَتّي أَتاكَ الْيَقينُ، وَأَدَّيْتَ الَّذي عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلي مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَنَجِيبِكَ وَأَمِينِكَ، وَصَفِيِّكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، أَفْضَلْ مَا صَلَّيْتَ عَلَي أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ. أَللَّهُمَّ سَلِّمْ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا سَلَّمْتَ عَلي نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ، وَامْنُنْ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا مَنَنْتَ عَلي مُوسي وَهَارُون، وَبَارِكَ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلي إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَِ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَتَرَحَّمْ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ. أَللَّهُمَّ رَبِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَرَبَّ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَرَبِّ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَرَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَرَبَّ الْحِلِّ وَالْحَرَامَ، وَرَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَلِّغْ رُوحَ مُحَمَّدٍ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنِّي السَّلاَمَ)?().
قال البزنطي: قلت لأبي الحسن عليه السلام: كيف السَّلام علي رسول الله صلي الله عليه و اله عند قبره؟
فقال:
?السَّلام عَلَي رَسُولَ اللهِ، السَّلام عَلَيْكَ يا حَبيبَ اللهِ، السلام عَلَيْكَ يا صِفْوَهَ اللهِ، السَّلام عَلَيْكَ يا أَمينَ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ نَصَحْتَ لأُِمَّتِكَ، وَجاهَدْتَ في سَبيلِ اللهِ، وَعَبَدْتَهُ حَتّي أَتَاكَ الْيَقينُ، فَجَزاكَ اللهُ أَفْضَلَ ما جَزي نَبِيّاً عَنْ أُمَّتِهِ. أَللَّهُمَّ صَلِّ
عَلي مَحَمِّدٍ وآلِ مُحَمِّدٍ، أَفْضَلَ ما صَلَّيْتَ عَلي إِبْراهِيمَ وَآلِ إبراهيمَ، إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ?().
قال البزنطيّ: قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السلام: كيف السَّلام علي رسول الله صلي الله عليه و اله عند قبره؟
فقال: تقول:
(السَّلام عَلَي رَسُولِ اللهُ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدٍ بْنُ عَبْدِ اللهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خِيَرَةَ اللهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا صَفْوَةَ اللهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ نَصَحْتَ لأُمَّتِكَ، وَجَاهَدْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَعَبَدْتَهُ مُخْلِصاً حَتّي أَتَاكَ الْيَقِينُ، فَجَزَاكَ اللهُ أَفْضَلْ مَا جَزَي نَبِيّاً عَنْ أُمَّتِهِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، أَفْضَلَ مَا صَلَّيْتَ عَلَي إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمِ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)().
قال يونس: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن وداع قبر النبيّ صلي الله عليه و اله فقال: تقول:
(صَلَّي اللهُ عَلَيْكَ. السَّلاَمُ عَلَيْكَ لاَ جَعَلَ اللهُ آخِرَ تَسْلِيمِي عَلَيْكَ)().
وروي ابن عمّار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?إذا أردت أن تخرج من المدينة فاغتسل ثمّ ائت قبر النبيّ صلي الله عليه و اله بعدما تفرغ من حوائجك فودّعه واصنع مثل ما صنعت عند دخولك وقل:
(اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِ نَبِيِّكَ فَإِنْ تَوَفَّيْتَنِي قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنِّي أَشْهَدُ فِي مَمَاتِي عَلي مَا أَشْهَدُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِي أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ)().
قال إسحاق: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وهو قائم عند قبر رسول الله صلي الله عليه و اله: (أَسْأَلُ اللهَ الَّذِي انْتَجَبَكَ وَاصْطَفَاكَ وَأَصْفَاكَ وَهَدَاكَ وَهَدَي بِكَ، أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْكَ، إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)().
وروي عليّ بن جعفر عليه السلام بسند الأئمّة عليهم السلام قال: كان عليّ بن الحسين (صلوات الله عليهما) يقف علي قبر النّبيّ صلي الله عليه و اله فيسلّم ويشهد له بالبلاغ ويدعو بما حضره، ثمّ يسند ظهره إلي قبر النبيّ صلي الله عليه و اله إلي المرمرة الخضراء الدقيقة العرض ممّا يلي القبر ويلتزق بالقبر ويسند ظهره إلي القبر ويستقبل القبلة فيقول:
(أَللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَلْجَأْتُ أَمْرِي، وإِلَي قَبْرِ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و اله عَبْدِكَ ورَسُولِكَ أَسْنَدْتُ ظَهْرِي، والْقِبْلَةَ الَّتِي رَضِيتَ لِمُحَمَّدِ صلي الله عليه و اله اسْتَقْبَلْتُ، أَللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي خَيْرَ مَا أَرْجُو لها، ولا أَدْفَعُ عَنْهَا شَرَّ مَا أَحْذَرُ عَلَيْهَا، وأَصْبَحْتِ الأُمُورُ بِيَدِكَ، فَلا فَقِيرَ أَفْقَرُ مِنِّي، إِنِّي لِمَا
أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، أَللَّهُمَّ أرْدُدْنِي مِنْكَ بِخَيْرٍ، فَلا رَادَّ لِفَضْلِكَ، أَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تُبَدِّلَ اسْمِي، وأَنْ تُغَيِّرَ جِسْمِي، أَوْ تُزِيلَ نِعْمَتَكَ عَنِّي، أَللَّهُمَّ زَيِّنِّي بِالتَّقْوَي، وجَمِّلْنِي بِالنِّعْم،َِ واغْمُرْنِي بِالْعَافِيَةِ، وارْزُقْنِي شُكْرَكَ الْعَافِيَةِ)().
قبر سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام في المدنية المنورة ولكن موضعه مجهول، حيث أوصت عليها السلام بأن تُدفن سراً ولا يحضرها من ظلمها وغصب حقها.
وفي ذلك أسرار كثيرة لمن يتدبر.
هي فاطمة الزهراء عليها السلام، وأبوها رسول اللّه صلي الله عليه و اله محمّد بن عبد اللّه، وأمها السيدة العظيمة: خديجة عليها السلام أم المؤمنين، وزوجها سيد الأوصياء علي أمير المؤمنين عليه السلام، وأولادها وأحفادها الأئمة الطاهرون عليهم السلام.
وُلدت عليها السلام في يوم العشرين من جمادي الآخرة سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلي الله عليه و اله، وتوفيت شهيدة مظلومة في الثلاثاء ثالث جمادي الآخرة() سنة إحدي عشرة من الهجرة، وعمرها ثماني عشرة سنة في عمر الورود والأزهار، قام بتجهيزها أمير المؤمنين عليه السلام وواراها في المدينة وأخفي قبرها حسب وصيتها احتجاجاً علي من ظلمها وغصب حقها.
كانت فاطمة الزهراء عليها السلام كأبيها في العبادة والزهد، والفضيلة والتقوي ، وقد أنزل اللّه تعالي في شأنها آيات من القرآن الحكيم().
وكان رسول اللّه صلي الله عليه و اله قد لقّبها: ب ?سيدة نساء العالمين? وكنّاها: بأم أبيها، وكان يحبها حباً جماً، ويجلّها إجلالاً كبيراً، حتّي أنّها كانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام لها إجلالاً وأجلسها في محله، وربما قبّل يديها وكان صلي الله عليه و اله يقول: ?إن اللّه يرضي لرضي فاطمة ويغضب لغضبها?().
أنجبت لأمير المؤمنين عليه السلام: الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام، والمحسن عليه السلام لكنه سقط علي أثر ما أصاب أمه من الأذي، والسيدة زينب عليها السلام والسيدة أم كلثوم عليها السلام.
عن أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام قال: ?لما قبضت فاطمة عليها السلام دفنها أمير المؤمنين عليه السلام سرا، وعفا علي موضع قبرها، ثم قام فحول وجهه إلي قبر رسول الله صلي الله عليه و اله فقال:
السلام عليك يا رسول الله عني، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة
في الثري ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قَلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي، إلا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلي وفي كتاب الله لي أنعم القبول إنا لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، وأخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهّد، وهمّ لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا وإلي الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك علي هضمها، فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلي بثه سبيلا، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين، سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، واه واها والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا، ولأعولت إعوال الثكلي علي جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا وتهضم حقها وتمنع إرثها، ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر، وإلي الله يا رسول الله المشتكي، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء صلي الله عليك وعليها السلام والرضوان?().
وقال الشيخ الصدوق رضي الله عنه في الفقيه: (اختلفت الرّوايات في موضع قبر فاطمة سيّدة نساء العالمين عليها السلام فمنهم من روي أنّها دفنت في البقيع، ومنهم من روي أنّها دفنت بين القبر والمنبر، وأنّ النّبيّ صلي الله عليه و اله قال: ?ما بين قبري ومنبري روضة من راض الجنّة? لأنّ قبرها بين القبر والمنبر، ومنهم من
روي أنّها دفنت في بيتها فلمّا زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد)().
وقد سئل أبو الحسن الرّضا عليه السلام عن قبر فاطمة عليها السلام فقال: ?دفنت في بيتها فلمّا زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد?().
وقال محمد بن همام: (وروي أنها قبضت لعشر بقين من جمادي الآخرة وقد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة وخمسا وثمانين يوما بعد وفاة أبيها، فغسلها أمير المؤمنين عليه السلام ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس، وأخرجها إلي البقيع في الليل ومعه الحسن والحسين وصلي عليها، ولم يعلم بها ولا حضر وفاتها ولا صلي عليها أحد من سائر الناس غيرهم ودفنها بالروضة وعمي موضع قبرها، وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبرا جددا، وإن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلي البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور فضج الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا: لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها ولا تعرفوا قبرها، ثم قال ولاة الأمر منهم: هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتي نجدها فنصلي عليها ونزور قبرها، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فخرج مغضبا قد احمرت عيناه ودرت أوداجه وعليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة وهو متوكئ علي سيفه ذي الفقار حتي ورد البقيع، فسار إلي الناس النذير وقالوا: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف علي غابر الآخر. فتلقاه عمر ومن معه من أصحابه وقال له: ما لك يا أبا الحسن والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها.
فضرب علي عليه السلام بيده إلي جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض وقال له: ?يا ابن السوداء أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة فو الذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فأعرض يا عمر?. فتلقاه أبو بكر فقال: يا أبا الحسن بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلا خليت عنه فإنا غير فاعلين شيئا تكرهه. قال: فخلي عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلي ذلك)().
وروي البزنطيّ قال: سألت الرّضا عليه السلام عن قبر فاطمة عليها السلام فقال:
?دفنت في بيتها? ().
وكتب الهمدانيّ إلي الإمام الهادي عليه السلام: إن رأيت أن تخبرني عن بيت أُمّك فاطمة عليها السلام أهي في الطيّبة أو كما يقول النّاس في البقيع؟ فكتب عليه السلام:
?هي مع جدي صلوات الله عليه وآله? ().
وقد روي عن الصّادق عليه السلام: ?أنّ قبرها عليها السلام بين القبر والمنبر? ().
وهناك قول بأنّها عليها السلام في البقيع لما دلّ علي حمل أمير المؤمنين عليه السلام نعشها إلي البقيع، لكنّ المشهور عند الأصحاب ومنهم الصدوق والمفيد والشيخ وغيرهم علي خلاف ذلك، ولعلّ أمير المؤمنين عليه السلام إنّما حمل صورة الجنازة كما حمل الإمام الحسن عليه السلام صورة جنازة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلي البصرة. ولا بأس بزيارتها (صلوات الله عليها) في المواضع الثلاثة.
روي ابن عبد الملك عن أبيه عن جدّه قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام فبدأتني بالسَّلام ثمّ قالت: ?ما غدا بك؟? قلت: طلب البركة، قالت: ?أخبرني أبي وهو ذا أنّه من سلّم عليه وعليّ ثلاثة أيّام أوجب الله له الجنّة?، قلت لها: في حياته وحياتك؟ قالت: ?نعم وبعد
موتنا? ().
وعن أمير المؤمنين عن فاطمة عليهما السلام أنّها قالت: قال لي رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا فاطمة من صلّي عليك غفر الله له وألحقه بي حيث كنت من الجنّة? ().
وقال العريضي: حدثنا أبو جعفر عليه السلام ذات يوم قال:
?إذا صرت إلي قبر جدتك فاطمة عليها السلام فقل: يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صَابِرَةً، وزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاءُ ومُصَدِّقُونَ وصَابِرُونَ لِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وأَتَي بِهِ وَصِيُّهُ، فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لهمَا، لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلايَتِكِ?().
البقيع لغة: موضع من الأرض فيه أروم شجر من ضروب شتي، وبه سمي البقيع الغرقد بالمدينة المنورة ().
والغرقد: شجر له شوك كان ينبت هناك فذهب وبقي الاسم لازماً للموضع، وقيل: هو شجر عظام وهو من العضاه واحدته غرقدة، وقيل: الغرقد كبار العوسج، وقيل: إذا عظمت العوسجة فهي الغرقدة، وقال بعض الرواة: الغرقد من نبات القُفّ().
والبقيع الغرقد مقبرة المدينة المنورة (علي ساكنها أفضل الصلاة وأزكي السلام) ويقع الآن في الجنوب الشرقي مقابل المسجد النبوي الشريف لا يفصلها عنه إلا القليل.
وقد ضم البقيع بين جنباته أربعة من أئمة أهل البيت عليهم السلام وهم: الإمام الحسن المجتبي والإمام زين العابدين والإمام الباقر والإمام الصادق (عليهم آلاف التحية والسلام).
بالإضافة إلي العباس عم النبي صلي الله عليه و اله، وفاطمة بنت أسد عليها السلام والدة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وعدد من أزواج النبي صلي الله عليه و اله، وابنه إبراهيم عليه السلام حيث توفي وله من العمر ثمانية عشر شهراً فأتم الله عزوجل رضاعه في الجنة كما ورد ذلك عن
أبي عبد الله الصادق عليه السلام ().
كما دفنت في البقيع أم البنين عليها السلام زوجة أمير المؤمنين عليه السلام والدة
أبي الفضل العباس().
وكذلك فيها من خيار الصحابة كأمثال عثمان بن مظعون وغيره (رضوان الله عليهم)، فإن عشرة آلاف صحابي وعدد كبير من التابعين وأتباعهم دفنوا في البقيع، مضافاً إلي كثير من علماء الإسلام.
وقد هدم الوهابيون قبور الأئمة عليهم السلام وقبور كبار الصحابة وأزالوا آثار النبوة والرسالة، وقد أحاطوها بسياج حديدي لا يسمحون للمسلمين بزيارة أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و اله. نعم يفتح الباب مرتين في اليوم صباحاً بعد طلوع الشمس وبعد صلاة العصر فقط، ويسمح للرجال دون النساء بالدخول إليها.
وكان أهل المدينة (علي ساكنها السلام) يدفنون موتاهم منذ زمان النبي صلي الله عليه و اله وأحياناً كان الرسول صلي الله عليه و اله يعلم علي قبر المدفون بعلامة. وما أن تم دفن أئمة الهدي عليهم السلام فيها حتي بنيت علي قبورهم القباب كما كان البناء علي قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان في مكة والمدينة وغيرها من البلدان الإسلامية.
فإن بناء القباب والأضرحة علي قبور الأنبياء والأوصياء والأئمة المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وكذلك الصحابة المؤمنين والأولياء الصالحين (رضوان الله عليهم) يعتبر من الأمور المستحبة ومن أفضل القربات إلي الله سبحانه وتعالي.
ولقد جرت سيرة المسلمين علي ذلك خلفاً عن سلف في مختلف البلاد الإسلامية، وقبر النبي صلي الله عليه و اله خير شاهد علي ذلك. وقد وردت في هذا الباب عدة روايات شريفة().
ولكن بعدما تمت سيطرة الوهابيين علي تلك البلاد المقدسة قاموا بهدم تلك القباب الطاهرة في الثامن من شوال 1344ه()، مع أن زيارة القبور تعتبر من المستحبات لما فيها من العبرة لمن
أراد أن يتذكر أو يخشي فكيف بقبور أولياء الله عز وجل؟!
ولقد صح من سيرة النبي صلي الله عليه و اله أنه لما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلي البقيع فقال للذي اتبعه: ?إنني قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع? فانطلقوا معه حتي وقف بين أظهرهم وقال: ?السلام عيكم أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها» ثم استغفر لأهل البقيع طويلاً().
وقد وردت روايات شريفة في هذا الباب().
قبر الإمام الحسن المجتبي عليه السلام في البقيع الغرقد، ومن المستحب زيارته، وقد هدم الوهابيون روضته الشريفة، ويجب السعي لإعادة بنائها.
عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام: ?إنّ الحسين بن علي عليه السلام كان يزور قبر الحسن بن علي عليه السلام كلّ عشيّة جمعة? (?.
وروي أبو شهاب قال: قال الحسين عليه السلام لرسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا أبتاه ما لمن زارك؟ فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا بني من زارني حيّاً أو ميتّاً، أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك، كان حقاً عليّ أن أزوره يوم القيامة، وأخلصه من
ذنوبه? ().
وروي الوشّاء عن الإمام الرّضا عليه السلام قال: ?إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمّتهم شفعائهم يوم القيامة? ().
وروي المفيد رضي الله عنه عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال: ?من زار إماماً مفترض الطاعة وصلّي عنده أربع ركعات كتب الله له حجة وعمرة? ().
هو الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وأمه فاطمة الزهراء عليها السلام بنت محمّد صلي الله عليه و اله، وهو سبط رسول اللّه صلي الله عليه و اله الأكبر، وثاني خلفائه والإمام علي الناس بعد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام.
وُلد في المدينة المنوّرة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان في السنة الثالثة من الهجرة، وقضي شهيداً بالسمّ الذي دسّه إليه معاوية بن أبي سفيان عبر جعدة بنت الأشعث زوجة الإمام، وذلك في يوم الخميس السابع من شهر صفر() سنة خمسين للهجرة، قام بتجهيزه أخوه الإمام الحسين عليه السلام وواراه
في البقيع في المدينة المنورة، حيث مضجعه الشريف الآن.
كان الإمام الحسن عليه السلام أعبد الناس في زمانه، وأعلمهم، وأفضلهم، وكان أشبه الناس بالنبي صلي الله عليه و اله، وكان أكرم أهل البيت في زمانه، وأحلم الناس، وكان من كرمه عليه السلام: أن قدمت له جارية من جواريه طاقة ريحان، فقال لها: أنت حرّة لوجه اللّه، ثم قال: هكذا أدّبنا اللّه تعالي: ?وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها?().
قال النبي صلي الله عليه و اله: ?يا فاطمة، اسم الحسن والحسين في ابني هارون شبر وشبير لكرامتهما علي الله عز وجل?().
وعن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: ?أهدي جبرئيل إلي رسول الله صلي الله عليه و اله اسم الحسن بن علي، وخرقة حرير من ثياب الجنة، واشتق اسم الحسين من اسم الحسن?().
وعن عبد الله بن سنان، عمن سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: ?لما حضرت الحسن عليه السلام الوفاة بكي. فقيل له: يا ابن رسول الله، تبكي ومكانك من رسول الله صلي الله عليه و اله الذي أنت به، وقد قال فيك ما قال، وقد حججت عشرين حجة ماشياً، وقد قاسمت مالك ثلاث مرات حتي النعل بالنعل؟! فقال: إنما أبكي لخصلتين: لهول المطلع، وفراق الأحبة?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?خرج الحسن بن علي عليه السلام في بعض عمره ومعه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته، فنزلوا في منهل من تلك المناهل تحت نخل يابس، قد يبس من العطش. ففرش للحسن عليه السلام تحت نخلة، وفرش للزبيري بحذاه تحت نخلة أخري.
قال: فقال الزبيري ورفع رأسه: لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه!.
فقال له الحسن: وإنك لتشتهي الرطب؟
فقال الزبيري:
نعم.
قال: فرفع عليه السلام يده إلي السماء، فدعا بكلام لم أفهمه، فاخضرت النخلة ثم صارت إلي حالها، فأورقت وحملت رطباً.
فقال الجمَّال الذي اكتروا منه: سحر والله!
قال: فقال الحسن عليه السلام: ويلك ليس بسحر، ولكن دعوة ابن نبي مستجابة.
قال: فصعدوا إلي النخلة فصرموا ما كان فيه فكفاهم?().
قبر الإمام زين العابدين عليه السلام في البقيع الغرقد، ومن المستحب زيارته، وقد هدم الوهابيون روضته الشريفة، ويجب السعي لإعادة بنائها.
هو الإمام علي بن الحسين عليه السلام، وأمه شهربانو بنت الملك يزدجرد، وكان يقال له عليه السلام: ابن الخيرتين، لقول رسول اللّه?: ?إن للّه من عباده خيرتين، فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس?().
وفي هذا المعني أنشأ أبو الأسود:
وإن غلاماً بين كسري وهاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم()
ولد عليه السلام بالمدينة المنورة يوم الخميس، الخامس من شهر شعبان المعظم سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وقضي مسموماً شهيداً يوم السبت الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام() سنة خمس وتسعين، وعمره الشريف سبع وخمسون سنة، قام بتجهيزه ولده الإمام الباقر عليه السلام وواراه عند مرقد عمّه الإمام المجتبي عليه السلام في المدينة المنورة بالبقيع الغرقد.
كان الإمام زين العابدين عليه السلام أوحدي زمانه في العلم، والعبادة، والفضيلة، والورع، وإغاثة الملهوفين، وغير ذلك من الفضائل، وقد روي عنه الفقهاء والعلماء ما لا يحصي كثرة، وحفظ عنه من المواعظ والأدعية والكرامات وغيرها الشيء الكثير.
وكان عليه السلام يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب علي ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم، وربما حمل علي ظهره الطعام أو الحطب حتّي يأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناوله من يخرج إليه، وكان يغطي وجهه لئلا يعرفه الفقير، فلما مات عرفه أهل المدينة، وعلموا أنّه عليه السلام هو كان صاحب الجراب.
وكان يعجبه كثيراً من أن يحضر طعامه اليتامي والزمن والمساكين وأن يأكل إلي جانبهم.
وكان من حسن أخلاقه عليه السلام: أنه كان يدعو في كل شهر خدمه ويقول: من أراد منكن التزويج زوجتها، أو البيع بعتها، أو العتق أعتقتها.
وكان إذا أتاه السائل يقول: مرحباً بمن يحمل زادي
إلي الآخرة.
وكان من شدة ورعه عليه السلام أنّه يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وإذا حضرت الصلاة اقشعر جلده، واصفر لونه، وارتعد كالسعفة، وكان من ألقابه (ذو الثفنات) لأثر السجود في جبهته وكفّيه وركبتيه.
وشتمه رجل وأسمعه ما لا يحب وهو عليه السلام ساكت لا يتكلم، وبعد مدة مضي الإمام عليه السلام إليه، ظنّ الحاضرون أنه يريد أن يقابله بالمثل، فقرأ:
?والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس واللّه يحب المحسنين?(). ثم وقف علي ذلك الرجل وقال: ?يا أخي إنّك كنت قد وقفت عليّ آنفاً وقلت وقلت، فإن كنت قد قلت ما فيّ، فأنا أستغفر اللّه، وإن كنت قد قلت ما ليس فيّ، فغفر اللّه لك?().
وكان الزهري إذا حدث عن علي بن الحسين عليه السلام قال: حدثني زين العابدين علي بن الحسين. فقال له سفيان بن عيينة: ولم تقول له زين العابدين؟ قال: لأني سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس: أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلي ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطر بين الصفوف?().
وعن جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: ?إن أبي علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر لله عزوجل نعمة عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود إلا سجد، ولا دفع الله عزوجل عنه سوءاً يخشاه أو كيد كائد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسمي السجاد لذلك?().
وعن عبد الله بن عطاء التميمي قال: كنت مع علي بن
الحسين عليه السلام في المسجد، فمر عمر بن عبد العزيز عليه شراكاً فضة، وكان من أحسن الناس وهو شاب. فنظر إليه علي بن الحسين عليه السلام فقال: ?يا عبد الله بن عطاء، أتري هذا المترف إنه لن يموت حتي يلي الناس?. قال: قلت: هذا الفاسق! قال: ?نعم، فلا يلبث فيهم إلا يسيراً حتي يموت، فإذا هو مات لعنه أهل السماء، واستغفر له أهل الأرض?().
وعن مالك بن عطية، عن الثمالي، قال: كنت مع علي بن الحسين عليه السلام في داره، وفيها شجرة فيها عصافير فانتشرت العصافير وصوتت، فقال: ?يا أبا حمزة، أتدري ما تقول؟?. قلت: لا. قال: ?تقدس ربها، وتسأله قوت
يومها?. قال: ثم قال: ?يا أبا حمزة، ?عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ?() ?().
وعن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ?بينا علي بن الحسين عليه السلام مع أصحابه، إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتي قامت حذاءه وصوتت. فقال بعض القوم: يا ابن رسول الله، ما تقول هذه الظبية؟ قال: تزعم أن فلاناً القرشي أخذ خشفها بالأمس، وأنها لم ترضعه من أمس شيئاً. فبعث إليه علي بن الحسين عليه السلام: أرسل إليَّ بالخشف. فلما رأته صوتت وضربت بيديها ثم أرضعته، قال: فوهبه علي بن الحسين عليه السلام لها، وكلمها بكلام نحو من كلامها، وانطلقت والخشف معها. فقالوا: يا ابن رسول الله، ما الذي قالت؟ قال: دعت الله لكم وجزاكم بخير ?().
وروي: ?أن يدي رجل وامرأة التصقتا علي الحجر وهما في الطواف، وجهد كل أحد علي نزعهما فلم يقدر. فقال الناس: اقطعوهما، وبينما هم كذلك إذ دخل زين العابدين عليه السلام، وقد ازدحم الناس ففرجوا له فتقدم، ووضع يده عليهما فانحلتا وافترقتا?().
قبر الإمام محمد الباقر
عليه السلام في البقيع الغرقد، ومن المستحب زيارته، وقد هدم الوهابيون روضته الشريفة، ويجب السعي لإعادة بنائها.
هو الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام، وأمه فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام، ولد في المدينة يوم الجمعة غرة شهر رجب الحرام() سنة سبع وخمسين. وهو أوّل علوي بين علويين، وهاشمي بين هاشميين، وفاطمي بين فاطميين، لأنه أوّل من اجتمعت له ولادة الإمامين: الحسن والحسين عليهما السلام، قضي مسموماً شهيداً في يوم الاثنين سابع ذي الحجة الحرام سنة مائة وأربع عشرة، وله سبعة وخمسون سنة. قام بتجهيزه ولده الإمام الصادق عليه السلام وواراه إلي جانب مرقد أبيه الإمام السجاد عليه السلام وعم أبيه وجده الإمام المجتبي عليه السلام بالبقيع في المدينة المنورة.
وكان عليه السلام ذا فضل عظيم، وسؤدد وديانة، وعلم غزير، وحلم واسع، وأخلاق حسنة، وعبادة وتواضع، وجود وسماحة، وبلغ من حسن أخلاقه أن قال له نصراني: أنت بقر! فقال عليه السلام: أنا باقر. قال: أنت ابن الطباخة. فقال عليه السلام: ذاك حرفتها. قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية. قال عليه السلام: إن كنت صدقت غفر اللّه لها، وإن كنت كذبت غفر اللّه لك. فأسلم النصراني().
وكان في العلم كالبحر الموّاج، يجيب علي كل مسألة يسأل عنها بدون توقف. وقد قال ابن عطا المكي: (ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام، وقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه) ().
وقال محمّد بن مسلم: (ما شجر في قلبي شيء إلا سألت عنه أبا جعفر عليه السلام حتّي سألته عن ثلاثين ألف حديث) ().
وكان عليه السلام دائم الذكر، حتّي قال
الإمام الصادق عليه السلام: ?كان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر اللّه، وآكل معه الطعام و أنه ليذكر الله، ولو كان يحدث القوم ما يشغله ذلك عن ذكر اللّه?().
وكان عليه السلام كثير التهجد والعبادة، غزير الدمع والعبرة.
وعن عمرو بن شمر قال: سألت جابر بن يزيد الجعفي فقلت له: ولم سمي الباقر باقراً؟ قال: لأنه بقر العلم بقراً، أي شقه شقاً، وأظهره إظهاراً، ولقد حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري: أنه سمع رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: ?يا جابر، إنك ستبقي حتي تلقي ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف في التوراة بباقر، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام?. فلقيه جابر بن عبد الله الأنصاري في بعض سكك المدينة، فقال له: يا غلام، من أنت؟ قال: ?أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب?. قال له جابر: يا بني أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال: شمائل رسول الله صلي الله عليه و اله ورب الكعبة، ثم قال: يا بني، رسول الله صلي الله عليه و اله يقرؤك السلام. فقال: ?علي رسول الله السلام ما دامت السماوات والأرض، وعليك يا جابر بما بلغت السلام?. فقال له جابر: يا باقر، يا باقر، يا باقر، أنت الباقر حقاً، أنت الذي تبقر العلم بقراً. ثم كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه، فربما غلط جابر فيما يحدث به عن رسول الله صلي الله عليه و اله، فيرد عليه ويذكره فيقبل ذلك منه ويرجع إلي قوله. وكان يقول: يا باقر، يا باقر، يا باقر، أشهد بالله أنك قد أوتيت الحكم صبياً?().
وعن محمد بن سليمان، عن أبيه،
قال: كان رجل من أهل الشام يختلف إلي أبي جعفر عليه السلام، وكان مركزه بالمدينة يختلف إلي مجلس أبي جعفر، يقول له: يا محمد، أ لا تري أني إنما أغشي مجلسك حياءً مني منك، ولا أقول: إن أحداً في الأرض أبغض إليَّ منكم أهل البيت، وأعلم أن طاعة الله، وطاعة رسوله، وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم، ولكن أراك رجلاً فصيحاً، لك أدب وحسن لفظ، فإنما اختلافي إليك لحسن أدبك. وكان أبو جعفر يقول له خيراً ويقول: ?لن تخفي علي الله خافية?، فلم يلبث الشامي إلا قليلاً حتي مرض واشتد وجعه، فلما ثقل دعا وليه وقال له: إذا أنت مددت عليَّ الثوب فأتِ محمد بن علي عليه السلام وسله أن يصلي عليَّ، وأعلمه أني أنا الذي أمرتك بذلك. قال: فلما أن كان في نصف الليل ظنوا أنه قد برد وسجوه، فلما أن أصبح الناس خرج وليه إلي المسجد، فلما أن صلي محمد بن علي عليه السلام وتورك، وكان إذا صلي عقب في مجلسه، قال له: يا أبا جعفر، إن فلان الشامي قد هلك، وهو يسألك أن تصلي عليه. فقال أبو جعفر: ?كلا، إن بلاد الشام بلاد صرد، والحجاز بلاد حر ولهبها شديد، فانطلق فلا تعجلن علي صاحبك حتي
آتيكم?.
ثم قام عليه السلام من مجلسه فأخذ عليه السلام وضوءاً ثم عاد فصلي ركعتين، ثم مد يده تلقاء وجهه ما شاء الله، ثم خر ساجداً حتي طلعت الشمس، ثم نهض عليه السلام فانتهي إلي منزل الشامي، فدخل عليه فدعاه فأجابه، ثم أجلسه وأسنده، ودعا له بسويق فسقاه، وقال لأهله: ?املئوا جوفه، وبردوا صدره بالطعام البارد?. ثم انصرف عليه السلام فلم يلبث إلا قليلاً حتي عوفي الشامي، فأتي أبا جعفر
عليه السلام فقال: أخلني، فأخلاه، فقال: أشهد أنك حجة الله علي خلقه، وبابه الذي يؤتي منه، فمن أتي من غيرك خاب وخسر وضلّ ضلالاً بعيداً. قال له أبو جعفر: ?وما بدا لك؟?. قال: أشهد أني عهدت بروحي، وعاينت بعيني فلم يتفاجأني، إلا ومناد ينادي أسمعه بأذني ينادي: وما أنا بالنائم ردوا عليه روحه، فقد سألنا ذلك محمد بن علي. فقال له أبو جعفر: ?أما علمت أن الله يحب العبد ويبغض عمله، ويبغض العبد ويحب عمله?. قال فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ().
وعن عبد الله بن عطاء المكي، قال: (اشتقت إلي أبي جعفر عليه السلام وأنا بمكة، فقدمت المدينة وما قدمتها إلا شوقاً إليه، فأصابني تلك الليلة مطر وبرد شديد، فانتهيت إلي بابه نصف الليل، فقلت: أطرقه الساعة أو انتظره حتي يصبح، فإني لأفكر في ذلك إذ سمعته يقول: ?يا جارية، افتحي الباب لابن عطاء، فقد أصابه في هذه الليلة برد وأذي?. قال: فجاءت ففتحت الباب فدخلت)().
قبر الإمام جعفر الصادق عليه السلام في البقيع الغرقد، ومن المستحب زيارته، وقد هدم الوهابيون روضته الشريفة، ويجب السعي لإعادة بنائها.
هو الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام وأمه فاطمة المكنّاة ب (أم فروة)، ولد عليه السلام بالمدينة المنورة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل يوم ميلاد النبي ?، وكان ذلك سنة ثلاث وثمانين من الهجرة، ومضي مسموماً شهيداً في يوم الاثنين الخامس والعشرين من شوال سنة مائة وثمان وأربعين للهجرة، وعمره عليه السلام إذ ذاك خمس وستون سنة، قام بتجهيزه ولده الإمام الكاظم عليه السلام وواراه في البقيع إلي جانب مرقد والده الإمام الباقر عليه السلام وجدّيه الإمامين: السجاد والمجتبي عليهما السلام().
كان للإمام الصادق عليه السلام من العلم والفضل، والحكمة والفقه، والزهد والورع، والصدق والعدل، والنبل والسؤدد، والكرم والشجاعة، وغيرها من سائر الفضائل، ما لايحصيه العادون. قال الشيخ المفيد رحمة الله عليه: ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله عليه السلام فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقاة علي اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل()، إلي آخره().
وكان أبو حنيفة إمام الحنفية من تلامذته عليه السلام مباشرة، كما كان بقية أئمة المذاهب تلامذة له عليه السلام بالواسطة، وإن كثيراً من العلوم الجديدة كالكيمياء والفيزياء، وعلم الهيئة والنجوم، وعلم اكتشاف المعادن، واستخراج الذخائر الدفينة، وغير ذلك وهي كثيرة، مما قد أسس أساسها وهدي إليها الإمام الصادق عليه السلام.
وقد استغل عليه السلام النزاع الناجم بين بني العباس الثائرين علي بني أمية، وبين بني أمية المشرفين علي السقوط
والانهيار، في تأسيس مدرسته العلمية الكبري ، واشتغل بتربية التلامذة والطلاب، وبيّن لهم معالم الإسلام وسمات الشريعة، وأوضح لهم زيف الأفكار الدخيلة وبطلان الشبهات المثارة، حتي استحكمت قواعد الشريعة وتشيّد صرح الإسلام، وعُرف عليه السلام برئيس المذهب الجعفري، كما أن اتباعه عليه السلام عرفوا بالشيعة الجعفرية.
ومن زهده عليه السلام: أنه كان يأكل الخل والزيت، ويلبس قميصاً غليظاً خشنا وربما لبس المرقّع، وكان يعمل بنفسه في بستانه.
ومن عبادته عليه السلام: أنّه كان يصلّي كثيراً وربما غشي عليه في الصلاة، وقد استدعاه المنصور في ليلة، يقول الخادم: فصرت إلي بابه فوجدته في دار خلوته معفراً خديه، مبتهلاً بظهر يديه، قد أثر التراب في وجهه وخديه.
وكان عليه السلام كثير العطاء، حسن الخلق، لين الكلام، طيب المجالسة وظريف المعاشرة.
قال: مالك بن أنس يقول: كان عليه السلام رجلاً لا يخلو من إحدي ثلاث خصال: إما صائماً، وإما قائماً، وإما ذاكراً. وكان من عظماء العباد وأكابر الزهاد الذين يخشون الله عز وجل. وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: (قال رسول الله صلي الله عليه و اله) اخضر مرة واصفر أخري، حتي ينكره من كان يعرفه. ولقد حججت معه سنة، فلما استوت به راحلته عند الإحرام، كان كلما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخر من راحلته، فقلت: قل يا ابن رسول الله، ولابد لك من أن تقول، فقال: ?يا ابن أبي عامر، كيف أجسر أن أقول: لبيك اللهم لبيك، وأخشي أن يقول عز وجل لي: لا لبيك ولا سعديك?().
وعن عمرو بن خالد قال: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام: ?في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج الله به علي
خلقه، وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد، لا يضل من تبعه، ولا يهتدي من خالفه?().
وعن معلي بن خنيس قال: خرج أبو عبد الله عليه السلام في ليلة قد رشت السماء، وهو يريد ظلة بني ساعدة، فاتبعته فإذا هو قد سقط منه شيء، فقال:
?بسم الله اللهم رده علينا?. قال: فأتيته فسلمت عليه، فقال: ?معلي؟?. قلت: نعم جعلت فداك. فقال لي: ?التمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه إليَّ?. قال: فإذا أنا بخبز منتشر، فجعلت أدفع إليه ما وجدت، فإذا أنا بجراب من خبز. فقلت: جعلت فداك أحمله عليَّ عنك. فقال: ?لا، أنا أولي به منك، ولكن امض معي?. قال: فأتينا ظلة بني ساعدة، فإذا نحن بقوم نيام، فجعل يدس الرغيف والرغيفين تحت ثوب كل واحد منهم، حتي أتي علي آخرهم ثم انصرفنا. فقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء الحق؟ فقال: ?لو عرفوا لواسيناهم بالدقة، والدقة هي الملح?().
وعن داود بن كثير الرقي قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام إذ قال لي مبتدئاً من قبل نفسه: ?يا داود، لقد عرضت عليَّ أعمالكم يوم الخميس، فرأيت فيما عرض عليَّ من عملك صلتك لابن عمك فلان، فسرني ذلك إني علمت أن صلتك له أسرع لفناء عمره وقطع أجله?. قال داود: وكان لي ابن عم معانداً خبيثاً، بلغني عنه وعن عياله سوء حال، فصككت له نفقة قبل خروجي إلي مكة، فلما صرت بالمدينة خبرني أبو عبد الله عليه السلام بذلك().
وعن سدير الصيرفي قال: جاءت امرأة إلي أبي عبد الله عليه السلام فقالت له: جعلت فداك إني وأبي وأهل بيتي نتولاكم.
فقال لها أبو عبد الله عليه السلام: ?صدقتِ، فما الذي تريدين؟?.
قالت له المرأة: جعلت فداك يا ابن رسول الله،
أصابني وضح في عضدي، فادع الله أن يذهب به عني؟
قال أبو عبد الله: ?اللهم إنك تبرئ الأكمه والأبرص، وتحيي العظام وهي رميم، ألبسها من عفوك وعافيتك ما تري أثر إجابة دعائي?.
فقالت المرأة: والله لقد قمت وما بي منه قليل ولا كثير().
روي عمرو بن هاشم، عن رجل من أصحابنا، عن أحدهم عليهم السلام قال: ?إذا أتيت القبور بالبقيع (قبور الأئمة عليهم السلام) فقف عندهم واجعل القبر بين يديك ثمّ تقول:
(أَلسَّلام عَلَيْكُمْ أَهْلَ التَّقْوي، أَلسَّلام عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْحُجَجُ علي أَهْلِ الدّنيا. أَلسَّلام عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الْقُوّامُ في الْبَرِيَّةِ بِالْقِسْطِ. أَلسَّلام عَلَيْكُمْ أَهْلَ الصَّفْوَةِ. أَلسَّلام عَلَيْكُمْ آلَ رَسُولِ اللهِ. أَلسَّلام عَلَيْكُمْ أَهْلَ النَّجْوي، أَشْهَدُ أَنَّكُمْ قَدْ بَلَّغْتُمْ وَنَصَحْتُمْ وَصَبَرْتُمْ في ذاتِ اللهِ، وَكُذِّبْتُمْ وَأُسيءَ إِلَيْكُمْ فَغَفَرْتُمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّكُمُ الأَئِمَّةُ الرّاشِدُونَ الْمُهْتَدُونَ، وَأَنَّ طاعَتَكُمْ مَفْرُوضَةٌ، وَأَنَّ قَوْلَكُمُ الصِّدْقُ، وَأَنَّكُمْ دَعْوَتُمْ فَلَمْ تُجابُوا، وَأَمَرْتُمْ فَلَمْ تُطاعُوا، وَأَنَّكُمْ دَعائِمُ الدّينِ، وَأَرْكانُ الأَرْضِ، لَنْ تَزالُوا بِعَيْنِ اللهِ، يَنْسَخُكُمْ مِنْ أَصْلابِ كُلِّ مُطَّهَر، وَيَنْقُلُكُمْ مِنْ أَرْحامِ الْمُطَهَّراتِ، لَمْ تُدَنِّسْكُمُ الْجاهِلِيَّةُ الْجَهْلاءُ، وَلَمْ تَشْرَكْ فيكُمْ فِتَنُ الأَهْواءِ، طِبْتُمْ وَطابَ مَنْبَتُكُمْ، مَنَّ بِكُمْ عَلَيْنا دَيّانُ الدّينِ، فَجَعَلَكُمْ في بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ، وَجَعَلَ صَلَوَاتَنا عَلَيْكُمْ رَحْمَةً لَنَا، وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا، إِذِ اخْتارَكُمُ اللهُ لَنَا، وَطَيَّبَ خَلْقَنا بِما مَنَّ عَلَيْنا مِنْ وِلايَتِكُمْ، وَكُنّا عِنْدَهُ مُسَمِّينَ بِعِلْمِكُمْ، مُعْتَرِفينَ بِتَصْديقِنا إِيّاكُمْ، وَهذا مَقامُ() مَنْ أَسْرَفَ وَأَخْطَاَ، وَاسْتَكانَ وَأَقَرَّ بِما جَني وَرَجا بِمَقامِهِ الْخَلاصَ، وَأَنْ يَسْتَنْقِذَهُ بِكُمْ مُسْتَنْقِذُ الْهَلْكي مِنَ الرَّدي، فَكُونُوا لي شُفَعاءَ فَقَدْ وَفَدْتُ إِلَيْكُمْ إِذْ رَغِبَ عَنْكُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا، وَاتَّخَذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً، وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها. يَا مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، وَدائِمٌ لا يَلْهُو، وَمُحيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، لَكَ الْمَنُّ بِما وَفَّقْتَني، وَعَرَّفْتَني بِما
أَقَمْتَني عَلَيْهِ، إِذْ صَدَّ عَنْهُ عِبادُكَ وَجَهِلُوا مَعْرِفَتَهُ، وَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، وَمالُوا إِلي سِواهُ، فَكانَتِ الْمِنَّةُ مِنْكَ عَلَيَّ مَعَ أَقْوام خَصَصْتَهُمْ بِما خَصَصْتَني بِهِ، فَلَكَ الْحَمْدُ إِذْ كُنْتُ عِنْدَكَ فِي مَقامي هذا مَذْكُوراً مَكْتُوباً، فَلا تَحْرِمْني ما رَجَوْتُ، وَلا تُخَيِّبْني فيما دَعَوْتُ، بِحُرْمَةِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطّاهِرينَ، وَصلّي اللهُ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ) ثمّ ادع لنفسك بما أحببت?().
سبق أن ذكرنا بأن قبر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام في المدينة المنورة ولكنه مجهول، وربما يكون في البقيع، ولذا يستحب زيارتها عليها السلام في البقيع أيضاً.
عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إني سميت ابنتي فاطمة؛ لأن الله عز وجل فطمها، وفطم من أحبها من النار?().
وعن ابن عمارة، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فاطمة لم سميت زهراء؟ فقال: ?لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض?().
وعن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
?لفاطمة عليها السلام وقفة علي باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل: مؤمن أو كافر. فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلي النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محباً، فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة، وفطمت بي من تولاني وتولي ذريتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد.
فيقول الله عزوجل: صدقتِ يا فاطمة، إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبكِ وتولاكِ وأحب ذريتكِ وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلي النار لتشفعي فيه فأشفعكِ، وليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفكِ مني ومكانتكِ عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً
فخذي بيده وأدخليه الجنة?().
وعن الثمالي، عن الباقر عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن جده عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إن الله ليغضب لغضب فاطمة، ويرضي لرضاها?().
وعن سعد بن مالك يعني ابن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: ?فاطمة بضعة مني، من سرها فقد سرني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعز الناس عليَّ?().
وعن عائشة قالت: ما رأيت من الناس أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلي الله عليه و اله من فاطمة. كانت إذا دخلت عليه رحب بها وقبَّل يديها وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبت به، وقبَّلت يديه. ودخلت عليه في مرضه صلي الله عليه و اله فسارها فبكت، ثم سارها فضحكت. فقلت: كنت أري لهذه فضلاً علي النساء، فإذا هي امرأة من النساء بينما هي تبكي إذ ضحكت، فسألتها فقالت: ?إذا إني لبذرة?. فلما توفي رسول الله صلي الله عليه و اله سألتها فقالت: ?إنه أخبرني أنه يموت فبكيت، ثم أخبرني أني أول أهله لحوقاً به فضحكت?().
وذكر القمي رضي الله عنه في تفسير قوله: ?إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لهمْ عَذاباً مُهِيناً?():
نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين عليه السلام حقه، وأخذ حق فاطمة عليها السلام وآذاها، وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله?. وهو قول الله:
?إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ? الآية.
وقوله: ?والَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ?()، يعني: علياً وفاطمة عليهما السلام().
قبر الشهيد المظلوم، السيد الجليل محسن
السقط ابن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة المنورة، ومن المحتمل أن يكون في البقيع، ويستحب زيارته هناك.
فقد اُسقط بين الحائط والباب لما هجم القوم علي أمه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وكسروا ضلعها.
قالت الصديقة الطاهرة عليها السلام في وصيتها: ?لا تصلّ عليّ أمّة نقضت عهد اللّه وعهد أبي رسول اللّه صلي الله عليه و اله في أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، وظلموني حقّي، وأخذوا إرثي، وخرقوا صحيفتي الّتي كتبها لي أبي بملك فدك، وكذّبوا شهودي وهم واللّه جبرئيل وميكائيل وأمير المؤمنين عليه السلام وأمّ أيمن، وطفت عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين عليه السلام يحملني ومعي الحسن والحسين ليلا ونهارا إلي منازلهم أذكرهم باللّه وبرسوله أن لا تظلمونا ولا تغصبونا حقّنا الذي جعله اللّه لنا، فيجيبونا ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهارا، ثم ينفذون إلي دارنا ليخرجوا ابن عمّي عليّا إلي سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة، فلا يخرج إليهم متشاغلا بما أوصاه به رسول اللّه صلي الله عليه و اله وبأزواجه وبتأليف القرآن وقضاء ثمانين ألف درهم وصّاه بقضائها عنه عدات ودينا، فجمعوا الحطب الجزل علي بابنا وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم باللّه وبأبي أن يكفّوا عنّا وينصرونا، فأخذ فلان السوط فضرب به عضدي فالتوي السوط علي عضدي حتّي صار كالدملج، وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتي انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?قبضت فاطمة عليها السلام في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدي عشرة من الهجرة، وكان سبب وفاتها أن قنفذا مولي فلان لكزها بنعل السيف
بأمره فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضا شديدا? الحديث().
وفي بعض الروايات: ?أن الرجل رفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثم لطمها?().
وفي دلائل الإمامة: (كان سبب وفاتها عليها السلام أن قنفذا مولي الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضا شديدا)().
قبر السيدة فاطمة بنت أسد عليها السلام والدة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في البقيع الغرقد، في البقعة التي فيها قبور الأئمة المعصومين عليهم السلام.
وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وقد اختارها من بين نساء العالمين لتلد مولودها الطاهر علي بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة المشرفة.
تقول فاطمة لما خرجت من الكعبة وعلي عليه السلام علي يديها: (معاشر الناس إنّ الله عزّوجلّ اختارني من خلقه وفضّلني علي المختارات ممّن مضي قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد الله فيها إلاّ اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ويسّر عليها ولادة عيسي فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة () من الأرض حتي تساقط عليها رطباً جنياً، وإنّ الله تعالي اختارني وفضّلني عليهما وعلي كل من مضي قبلي من نساء العالمين لأنّي ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي علي يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سمّيه علياً، فأنا العلي الأعلي وإنّي خلقته من قدرتي وعزّ جلالي وقسط عدلي واشتققت اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي وفوّضت إليه أمري، ووقفته علي غامض علمي، وولد في بيتي وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي ويكسّر الأصنام ويرميها علي وجهها ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني وهو الإمام بعد
حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبي لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه)().
كانت فاطمة بنت أسد بمثابة الأم لرسول الله صلي الله عليه و اله فهي التي ربته في بيتها، وقد كان لها من أبي طالب عليه السلام ولد كثير ولكنها كانت تشبع رسول الله صلي الله عليه و اله وتجيعهم، وتكسوه وتعريهم، وتدهنه وتشعثهم.
ولذلك لما توفيت قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لقد ماتت أمي?.
فعن عبد الله بن عباس قال: أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم إلي النبي صلي الله عليه و اله باكياً وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: مه يا علي.
فقال علي: يا رسول الله ماتت اُمّي فاطمة بنت أسد!.
قال: فبكي النبي صلي الله عليه و اله ثم قال: رحم الله اُمّك يا علي، أما إنّها كانت لك اُمّاً فقد كانت لي اُمّاً، خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفّنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها ولا تخرجها حتي أجيء فإليّ أمرها.
قال: وأقبل النبي صلي الله عليه و اله بعد ساعة واُخرجت فاطمة اُمّ علي صلي الله عليه و اله فصلّي عليها النبي صلي الله عليه و اله صلاة لم يصلّ علي أحد قبلها مثل تلك الصلاة، ثم كبّر عليها أربعين تكبيرة، ثم دخل إلي القبر فتمدّد فيه، فلم يسمع له أنين ولا حركة..
ثم قال: يا علي اُدخل، يا حسن اُدخل، فدخلا القبر، فلمّا فرغ ممّا احتاج إليه قال له: يا علي اُخرج يا حسن اُخرج، فخرجا، ثم زحف النبي صلي الله عليه و اله حتي صار عند رأسها ثم قال: يا فاطمة
أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر فإن أتاك منكر ونكير فسألاك من ربّك فقولي: الله ربّي ومحمد نبيي والإسلام ديني والقرآن كتابي وابني إمامي ووليي.
ثم قال: اللهم ثبّت فاطمة بالقول الثابت.
ثم خرج من قبرها وحثا عليها حثيّات، ثم ضرب بيده اليمني علي اليسري فنفضهما ثم قال: والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني علي شمالي.
فقام إليه عمّار بن ياسر فقال: فداك أبي واُمّي يا رسول الله لقد صلّيت عليها صلاة لم تصلّ علي أحد قبلها مثل تلك الصلاة.
فقال: يا أبا اليقظان وأهل ذلك هي منّي؟
لقد كان لها من أبي طالب عليه السلام ولد كثير ولقد كان خيرهم كثيراً وكان خيرنا قليلاً فكانت تشبعني وتجيعهم، وتكسوني وتعريهم، وتدهنني وتشعثهم.
قال: فلِمَ كبّرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟
قال: نعم يا عمّار التفت عن يميني فنظرت إلي أربعين صفّاً من الملائكة فكبّرت لكل صف تكبيرة.
قال: فتمدّدك في القبر ولم يسمع لك أنين ولا حركة؟
قال: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة ولم أزل أطلب إلي ربّي عزّوجلّ أن يبعثها ستيرة، والذي نفس محمد بيده ما خرجت من قبرها حتي رأيت مصباحين من نور عند رأسها ومصباحين من نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها وملكيها الموكّلين بقبرها يستغفران لها إلي أن تقوم الساعة ().
ورد في حق السيدة فاطمة بنت أسد عليها السلام زيارة ممّا يدلّ علي عظم شأنها وجلالة قدرها:
في الحديث: أنه تقف عند قبرها وتقول:
«السلام علي نبي الله، السلام علي رسول الله، السلام علي محمّد سيّد المرسلين، السلام علي محمّد سيّد الأوّلين، السلام علي محمّد سيّد الآخرين، السلام علي من بعثه الله رحمة للعالمين، السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علي
فاطمة بنت أسد الهاشمية، السلام عليك أيّتها الصدّيقة المرضية، السلام عليك أيّتها التقية النقيّة، السلام عليك أيّتها الكريمة الرضية المرضية، السلام عليك يا كافلة محمّد خاتم النبيين، السلام عليك يا والدة سيّد الوصيين، السلام عليك يا من ظهرت شفقتها علي رسول الله خاتم النبيين، السلام عليك يا من تربيتها لولي الله الأمين، السلام عليك وعلي روحك وبدنك الطاهر، السلام عليك وعلي ولدك، ورحمة الله وبركاته، أشهد أنّك قد أحسنت الكفالة، وأدّيت الأمانة، واجتهدت في مرضات الله، وبالغت في حفظ رسول الله، عارفة بحقّه، مؤمنة بصدقه، معترفة بنبوّته، مستبصرة بنعمته، كافلة بتربيته، مشفقة علي نفسه، واقفة علي خدمته، مختارة رضاه، مؤثرة هواه، وأشهد أنّك مضيت علي الإيمان، والتمسّك بأشرف الأديان، راضية مرضية، طاهرة زكية، تقية نقية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنّة منزلك ومأواك، اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد، وانفعني بزيارتها، وثبّتني علي محبّتها، ولا تحرمني شفاعتها، وشفاعة الأئمّة من ذرّيتها، وارزقني مرافقتها، واحشرني معها ومع أولادها الطاهرين، اللهمّ لا تجعله آخر العهد من زيارتي إيّاها، وارزقني العود إليها أبدا، ما أبقيتني، وإذا توفّيتني فاحشرني في زمرتها، وادخلني في شفاعتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهمّ بحقّها عندك، ومنزلتها لديك، اغفر لي ولوالدي، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار» ()، ثم تصلي ركعتين للزيارة وتدعو بما تشاء وتنصرف.
يقع قبر السيدة الجليلة فاطمة أم البنين عليها السلام زوجة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وصاحبة الكرامات الشهيرة، في البقيع الغرقد، في البقعة التي فيها قبور عمات النبي صلي الله عليه و اله: عاتكة وصفية عليهما السلام.
فهي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة الكلابي، وأمها ثمامة بنت سهل الكلابي
من عشيرة الكلابيين الشهيرة بالشجاعة والفروسية.
كنيتها: أم البنين وأم العباس، تزوجها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فأنجبت له: العباس أبا الفضل، وعبد الله، وجعفر، وعثمان.. وقد استشهدوا جميعاً تحت راية الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.
كانت عليها السلام قمة في الإيمان والتقوي، والعلم والأدب، والحسب والنسب، والعفّة والزهد، والإخلاص لوجه الله والمعرفة برسوله صلي الله عليه و اله وعترته الطاهرين عليهم السلام.
فعندما أتي الناعي (بِشْر بن حذْلم) الذي سبق ركب الإمام زين العابدين عليه السلام ونساء أهل البيت عليهم السلام كانت أم البنين عليها السلام أول من خرجت لاستقباله، فسألته قبل كل شيء: عن الإمام الحسين عليه السلام؟
فدهش بشر حيث لم تسأله عن أولادها الأربعة.. فراح يعزيها بهم واحداً تلو الآخر وهي تقول: يا هذا هل سمعتني أسألك عن أحدهم..؟ أخبرني عن ولدي الحسين عليه السلام.. إني أسألك عن الحسين عليه السلام فقد قطعت نياط قلبي، إن أولادي الأربعة فداء لسّيدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام..؟!
وعندما أخبرها باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام راحت تبكي وتندب وتُبكي كل من حولها من نساء ورجال المدينة المنورة..
قبر إبراهيم بن رسول الله صلي الله عليه و اله في البقيع الغرقد.
والدته مارية القبطية، عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: ? … ثم ولد لرسول الله صلي الله عليه و اله من أم إبراهيم إبراهيم، وهي مارية القبطية أهداها إليه صاحب الإسكندرية مع البغلة الشهباء وأشياء معها? ().
ولد إبراهيم سنة ثمان من الهجرة، ومات وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام.
عن ابن عباس قال: كنت عند النبي صلي الله عليه و اله وعلي فخذه الأيسر ابنه إبراهيم، وعلي فخذه الأيمن الحسين بن علي، وهو تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا، إذ هبط جبرئيل عليه السلام بوحي من رب العالمين، فلما سري عنه قال: ?أتاني جبرئيل من ربي فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: لست أجمعهما، فافد أحدهما بصاحبه?.
فنظر النبي صلي الله عليه و اله إلي إبراهيم فبكي ونظر إلي الحسين فبكي وقال: ?إن إبراهيم أمه أمة ومتي مات لم يحزن عليه غيري، وأم الحسين فاطمة وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي، ومتي مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه وأنا أؤثر حزني علي حزنهما، يا جبرئيل يقبض إبراهيم فديته للحسين?.
قال: فقبض بعد ثلاث، فكان النبي صلي الله عليه و اله إذا رأي الحسين مقبلا قبله وضمه إلي صدره ورشف ثناياه وقال: ?فديت من فديته بابني إبراهيم?().
وقد بكي النبي صلي الله عليه و اله في موت ولده إبراهيم، عن عائشة قالت: لما مات إبراهيم بكي النبي صلي الله عليه و اله حتي جرت دموعه علي لحيته، فقيل له: يا رسول الله تنهي عن البكاء وأنت تبكي؟ فقال: ?ليس هذا بكاء إنما هذا رحمة ومن لا يرحم
لا يرحم? ().
وعن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ?لما هلك إبراهيم بن رسول الله صلي الله عليه و اله حزن عليه رسول الله صلي الله عليه و اله حزنا شديدا? ().
وفي الحديث: فلما مات إبراهيم بن رسول الله صلي الله عليه و اله هملت عين رسول الله صلي الله عليه و اله بالدموع ثم قال النبي صلي الله عليه و اله: ?تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون? ثم رأي النبي صلي الله عليه و اله في قبره خللا فسواه بيده ثم قال: ?إذا عمل أحدكم عملا فليتقن?، ثم قال: ?الحق بسلفك الصالح عثمان بن مظعون? ().
وعن عبد الله بن راشد قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام حين مات إسماعيل ابنه، فأنزل في قبره ثم رمي بنفسه علي الأرض مما يلي القبلة ثم قال:
?هكذا صنع رسول الله صلي الله عليه و اله بإبراهيم? ().
وقال قدامة بن زائدة: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله سل إبراهيم ابنه سلا ورفع قبره? ().
يقع قبر السيدة رقية بنت رسول الله صلي الله عليه و اله في البقيع بالمدينة المنورة.
أمها: خديجة الكبري عليها السلام، ولدت قبل البعثة الشريفة.
وفي أدعية شهر رمضان المبارك: ?اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي رُقَيَّةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَالْعَنْ مَنْ آذَي نَبِيَّكَ فِيهَا?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?دخل رسول الله صلي الله عليه و اله منزله فإذا عائشة مقبلة علي فاطمة تصايحها عليها السلام وهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلا أن لأمك علينا فضلا، وأي فضل كان لها علينا ما هي إلا كبعضنا، فسمع
صلي الله عليه و اله مقالتها لفاطمة، فلما رأت فاطمة عليها السلام رسول الله صلي الله عليه و اله بكت فقال: ?ما يبكيك يا بنت محمد?؟
قالت: ?ذكرت أمي فتنقصتها فبكيت?.
فغضب رسول الله صلي الله عليه و اله ثم قال: ?مه يا حميراء، فإن الله تبارك وتعالي بارك في الولود الودود، وإن خديجة عليها السلام رحمها الله ولدت مني طاهرا وهو عبد الله وهو المطهر، وولدت مني القاسم وفاطمة ورقية وأم كلثوم وزينب، وأنت ممن أعقم الله رحمه فلم تلدي شيئا?().
تزوجت رقية من عتبة، وأم كلثوم تزوجها عتيق، وهما ابنا أبي لهب فطلقاهما، فتزوج عثمان رقية بالمدينة وولدت له عبد الله صبيا لم يجاوز ست سنين وكان ديك نقره علي عينه فمات، وبعدها أم كلثوم ولا عقب للنبي صلي الله عليه و اله إلا من ولد فاطمة عليها السلام.
عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: فقال: ?نعوذ بالله منها ما أقل من يفلت من ضغطة القبر، إن رقية لما قتلها عثمان وقف رسول الله صلي الله عليه و اله علي قبرها فرفع رأسه إلي السماء فدمعت عيناه وقال للناس: إني ذكرت هذه وما لقيت فرققت لها واستوهبتها من ضمة القبر? قال: فقال: ?اللهم هب لي رقية من ضمة القبر فوهبها الله له?().
وعن أحدهما عليهما السلام قال: ?لما ماتت رقية ابنة رسول الله صلي الله عليه و اله قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه? قال: ?وفاطمة عليها السلام علي شفير القبر تنحدر دموعها في القبر، ورسول الله صلي الله عليه و اله يتلقاه بثوبه قائما يدعو قال: إني لأعرف
ضعفها وسألت الله عزوجل أن يجيرها من ضمة القبر?().
وعن أنس بن مالك قال: لما ماتت رقية بنت النبي صلي الله عليه و اله فبكت النساء عليها، فجاء عمر يضربهن بسوطه!، فأخذ النبي صلي الله عليه و اله بيده وقال: ?يا عمر دعهن يبكين?، وقال لهن: ?ابكين وإياكن ونعيق الشيطان فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة، ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان? فبكت فاطمة عليها السلام وهي علي شفير القبر، فجعل النبي صلي الله عليه و اله يمسح الدمع من عينيها بطرف ثوبه().
هذا ويري البعض أن رقية كانت ربيبة النبي صلي الله عليه و اله وليست ابنته وكذلك زينب وأم كلثوم.
ففي الأنوار والكشف واللمع وكتاب البلاذري: أن زينب ورقية كانتا ربيبتيه من جحش.
وذكر في كتابي الأنوار والبدع: أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة.
يقع قبر السيدة زينب بنت رسول الله صلي الله عليه و اله في البقيع بالمدينة المنورة.
أمها: خديجة الكبري عليها السلام، ولدت قبل البعثة الشريفة.
كانت زينب زوجة أبي العاص واسمه القاسم بن الربيع بن عبد العزي بن عبد شمس بن عبد مناف في الجاهلية وكان لها منه ابنة اسمها أمامة فتزوجها المغيرة بن نوفل ثم فارقها، وتزوجها علي عليه السلام بعد وفاة فاطمة عليها السلام وكانت أوصت بذلك قبل موتها، وتوفيت زينب سنة ثمان من الهجرة، وقيل: إنها ولدت من أبي العاص ابنا اسمه علي ومات في ولاية عمر، ومات أبو العاص في ولاية عثمان، وتوفيت أمامة سنة خمسين.
وقيل: قُتل علي عليه السلام وعنده أمامة فخلف عليها بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وتوفيت عنده.
وفي البحار: قال في المنتقي: ولدت خديجة له صلي الله
عليه و اله زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم وبه كان يكني والطاهر والطيب وهلك هؤلاء الذكور في الجاهلية وأدركت الإناث الإسلام فأسلمن وهاجرن معه().
وفي التاريخ: إن أبا العاص أسر يوم بدر فمنّ عليه النبي صلي الله عليه و اله وأطلقه من غير فداء، وأتت زينب الطائف ثم أتت النبي صلي الله عليه و اله بالمدينة فقدم أبو العاص المدينة فأسلم وماتت زينب بالمدينة().
وقد أقر رسول الله صلي الله عليه و اله نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع حيث أسلم علي النكاح الأول.
يقع قبر السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلي الله عليه و اله في البقيع بالمدينة المنورة.
أمها: خديجة الكبري عليها السلام، ولدت قبل البعثة الشريفة.
وفي أدعية شهر رمضان المبارك: ?اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَالْعَنْ مَنْ آذَي نَبِيَّكَ فِيهَا?().
تزوجت أم كلثوم من عتبة بن أبي لهب قبل النبوة، فلما نزلت ?تَبَّتْ يَدا أَبِي لهبٍ?() قال له أبوه: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته، ففارقها ولم يكن دخل بها، فلم تزل بمكة مع رسول الله صلي الله عليه و اله ثم هاجرت، فلما توفيت رقية خلف عليها عثمان في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة وأدخلت عليه في جمادي الآخرة فماتت عنده في شعبان من نفس السنة فغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب وأم عطية.
عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: ?ولد لرسول الله صلي الله عليه و اله من خديجة: القاسم والطاهر وأم كلثوم ورقية وفاطمة وزينب، فتزوج علي عليه السلام فاطمة عليها السلام، وتزوج أبو العاص بن ربيعة وهو من بني أمية زينب، وتزوج عثمان بن عفان أم كلثوم ولم يدخل بها
حتي هلكت، وزوّجه رسول الله صلي الله عليه و اله مكانها
رقية?().
يقع قبر محمد بن الحنفية ابن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في البقيع بالمدينة المنورة.
فهو أبو القاسم محمد الأكبر المعروف بابن الحنفية، ولد سنة ستة عشر للهجرة، والده: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأمه: خولة الحنفية.
كان محمد بن الحنفية عليه السلام سيد المحامدة، ومن أفضل ولد أمير المؤمنين بعد الحسن والحسين عليهم السلام، وكان من أورع الناس وأتقاهم بعد أئمة الدين، وكان عالماً، عابداً، متكلماً، فقيهاً، زاهداً، شجاعاً، كريماً، وله مواقف بطولية عديدة، وكان موضع سر الأئمة الأطهار عليهم السلام، وكان في غاية الأدب والمعرفة بالنسبة إلي والده وأخويه السبطين وابن أخيه زين العابدين عليهم السلام.
قال الإمام الباقر عليه السلام: ?ما تكلم الحسين عليه السلام بين يدي الحسن عليه السلام إعظاماً له، ولا تكلم محمد بن الحنفية بين يدي الحسين عليه السلام إعظاماً له?().
وقيل له: إن أباك يسمح بك في الحرب ويشحّ بالحسن والحسين عليهما السلام!، فقال محمد بن الحنفية: هما عيناه وأنا يده، والإنسان يقي عينيه بيده.
وقال مرة أخري وقد قيل له ذلك:
أنا ولده وهما ولدا رسول الله صلي الله عليه و اله ().
وعن أمير بن علي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: ?كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: تأبي المحامدة أن يعصي الله عزوجل. قلت: ومن المحامدة؟ قال: محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر، ومحمد بن حذيفة، ومحمد بن الحنفية?().
وروي أبو بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ?كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهراً، حتي أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك إن لي حرمة ومودّة وانقطاعاً، فأسألك بحرمة رسول الله صلي الله عليه
و اله وأمير المؤمنين عليه السلام إلا أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته علي خلقه؟ قال: فقال: يا أبا خالد حلفتني بالعظيم، الإمام علي بن الحسين عليه السلام عليّ وعليك وعلي كل مسلم?().
وقد كان محمد بن الحنفية واسطة بين الإمام زين العابدين عليه السلام وبين الشيعة، وذلك بأمر من الإمام عليه السلام، فكان باباً لهم إليه يرجعون عبره، وقد حفظ بذلك حياة الإمام زين العابدين عليه السلام، وتحمل بنفسه العديد من المصائب، فإن ابن الزبير أحرق داره، وقد حبس في مكان يقال له: حبس عارم.
ومن هنا يعرف بعض الوجه في عدم التحاقه بأخيه الإمام الحسين عليه السلام في المسير إلي كربلاء، حيث أمره الإمام الحسين عليه السلام بالبقاء في المدينة المنورة، مضافاً إلي ما أودع عنده من الودائع والأسرار.
يقول الإمام الحسن المجتبي عليه السلام في حق أخيه محمد بن الحنفية: ?يا محمد بن علي إني لا أخاف عليك الحسد وإنما وصف الله تعالي به الكافرين، فقال تعالي: ?كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق?()، ولم يجعل للشيطان عليك سلطاناً. يا محمد بن علي ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك?؟
قال: بلي.
فقال: ?سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمداً?.
?يا محمد بن علي لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعند الله في الكتاب الماضي وراثة النبي صلي الله عليه و اله أصابها في وراثة أبيه وأمه، علم الله أنكم خير خلقه، فاصطفي محمد صلي الله عليه و اله علياً، واختارني علي للإمامة، واخترت
أنا الحسين?.
فقال له محمد بن علي: أنت إمامي وسيدي، وأنت وسيلتي إلي محمد، والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام، ألا وإن في نفسي كلاماً لا تنزفه الدلاء ولا تغيره الرياح كالكتاب المعجم في الرق المنمم أهم بإبدائه، فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل، وإنه لكلام يكل به لسان الناطق ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله. إن الحسين عليه السلام أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول الله صلي الله عليه و اله رحماً، كان إماماً فقيهاً قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أن أحداً خير منا ما اصطفي محمداً، فلما اختار الله محمداً، واختار محمد علياً، واختارك عليّ، واخترتَ الحسين بعدك، سلمنا ورضينا بمن هو الرضا وبمن نسلم به من المشكلات().
وكانت وفاة محمد بن الحنفية عليه السلام سنة إحدي وثمانين، وله من العمر خمس وستون سنة.
وقد روي عبد الله بن عطاء عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: أنا دفنت عمي محمد بن الحنفية، ونفضت يدي من تراب قبره().
يقع قبر السيدة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في البقيع، وهي غير التي دفنت في الشام وفي مصر، فقد ذكر بعض المحققين أنه كانت للإمام علي عليه السلام ثلاث بنات كلهن تسمي بزينب وتكني بأم كلثوم إحداهن في الشام والأخري في مصر والثالثة في المدينة().
يقع قبر إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام مقابل البقيع بالمدينة المنورة.
كنيته: أبو محمد، وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
كان قبر إسماعيل عليه السلام في مشهد كبير مبيض غربي قبة العباس (رضوان الله عليه)، بناه بعض ملوك مصر العبديين، يقال: إنّ هذه العَرَصَة التي فيها هذا المشهد وما حولها من جهة الشمال إلي الباب هي كانت دار الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، وبين الباب الأول وباب المشهد بئر منسوبة إلي الإمام زين العابدين عليه السلام، وكذلك بجانب المشهد الغربي مسجد صغير مهجور يقال: إنه أيضاً مسجد زين العابدين عليه السلام.
كان إسماعيل عليه السلام أكبر أخوته، وكان الإمام الصادق عليه السلام يحبه كثيراً ويبر به ويشفق عليه، حتي أن بعض الشيعة زعموا أنه الإمام من بعد أبيه، ولكنه مات في حياة أبيه بالعريض، وحمل علي رقاب الرجال إلي أبيه عليه السلام بالمدينة حتي دفن بالبقيع.
وروي أن أبا عبد الله عليه السلام جزع عليه جزعاً شديداً، وحزن عليه حزناً عظيماً، وتقدم سريره بغير حذاء ولا رداء، وأمر بوضع سريره علي الأرض قبل دفنه مراراً كثيرة، وكان يكشف عن وجهه، وينظر إليه، يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلافته له من بعده وإزالة الشبهة عنهم في حياته.
روي الشيخ الصدوق، عن سعيد بن عبد الله بن الأعرج أنه قال: قال أبو
عبد الله عليه السلام: ?لما مات إسماعيل أمرت به وهو مسجي بأن يكشف عن وجهه، فقبلت جبهته وذقنه ونحره، ثم أمرت به فغطي، ثم قلت: اكشفوا عنه، فقبّلت أيضاً جبهته وذقنه ونحره، ثم أمرتهم فغطوه، ثم أمرت به فغسل ثم دخلت عليه وقد كفن، فقلت: اكشفوا عن وجهه، فقبلت جبهته وذقنه ونحره وعوذته، ثم قلت: أدرجوه، فقلت: بأي شيء عوذته؟ قال: بالقرآن().
وروي أنه عليه السلام كتب بحاشية كفنه: (إسماعيل يشهد أن لا اله إلا الله) ودعا أحد شيعته وأعطاه دراهم وأمر أن يحج عن ابنه إسماعيل، وذكر له أنه لو فعل سيكون تسعة أجزاء الثواب له وجزء واحد لإسماعيل().
توفي إسماعيل بن جعفر عليه السلام سنة ثمان وثلاثين ومائة قبل أبيه بعشر سنين، ودفن غربي الغرقد. وفي سنة 546 ه بني علي مشهده قبة، الحسين بن أبي الهيجاء وزير العبيدلي، وأوقف عليه الحديقة، ونقش صورة الوقفية في حجر موجود علي يمين الداخل إلي المشهد عند الباب الأوسط. قال ابن شيبة: إنه كان ذلك المكان دار زيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين عليه السلام.
وروي الشيخ الصدوق رضي الله عنهقال: لما مات إسماعيل بن جعفر خرج الصادق عليه السلام فتقدم السرير بلا حذاء و لا رداء().
وفي الكافي: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما مات إسماعيل بن أبي عبد الله، أتي أبو عبد الله عليه السلام القبر فأرخي نفسه فقعد ثم قال: ?رحمك الله وصلي عليك ولم ينزل في قبره? وقال: ?هكذا فعل النبي صلي الله عليه و اله بإبراهيم عليه السلام ?().
وفي الوسائل قال: ?ماتت ابنة لأبي عبد الله عليه السلام فناح عليها سنة، ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة، ثم مات إسماعيل فجزع
عليه جزعا شديدا فقطع النوح، قال: فقيل لأبي عبد الله عليه السلام أيناح في دارك؟ فقال: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله قال لما مات حمزة: لكن حمزة لا بواكي له?().
وفي مستدرك الوسائل قال: لما مات إسماعيل بن جعفر بن محمد عليه السلام وفرغنا من جنازته جلس الصادق جعفر بن محمد عليه السلام وجلسنا حوله وهو مطرق ثم رفع رأسه فقال: ?أيها الناس إن هذه الدنيا دار فراق ودار التواء، لا دار استواء، علي أن لفراق المألوف حرقة لا تدفع ولوعة لا ترد، وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحة الفكرة فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه، ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد، ثم تمثل عليه عليه السلام بقول أبي فراش الهذلي يرثي أخاه:
ولا تحسبي أني تناسيت عهده ولكن صبري يا أمام جميل()
يقع قبر العباس بن عبد المطلب عم الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في البقيع بالمدينة المنورة، بالقرب من قبور أئمة أهل البيت عليهم السلام.
عن عفيف قال: (كنت امرأ تاجرا فقدمت مني أيام الحج وكان العباس بن عبد المطلب امرأ تاجرا فأتيته أبتاع منه وأبيعه، قال: فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء يصلي فقام تجاه الكعبة ثم خرجت امرأة فقامت تصلي وخرج غلام يصلي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين إن هذا الدين ما ندري ما هو؟
فقال: هذا محمد بن عبد الله، يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسري وقيصر ستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به.
قال عفيف: فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت أكون ثانيا تابعه)().
أقول: ولا يبعد أن يكون التدرج في
إظهار الإيمان بالنسبة إلي ذوي النبي صلي الله عليه و اله من مثل أبي طالب عليه السلام وحمزة والعباس ومن أشبه كان بأمر منه صلي الله عليه و اله رعاية للمصلحة الأهم، وإلا فهم كانوا أعرف من غيرهم بصدق النبي صلي الله عليه و اله بل كانوا يعلمون من قبل بأنه سيبعث رسولا، وقد آمنوا به.
يقول العباس بن عبد المطلب: (رأيت في منامي عبد الله كأنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب ثم رجع وسقط علي بيت الكعبة فسجدت له قريش كلها، فبينما الناس يتأملون إذ صار نورا بين السماء والأرض وامتد حتي بلغ المشرق والمغرب، قال: فسألت كاهنة بني مخزوم فقالت: ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له)().
وعن العباس بن عبد المطلب قال: قلت:
يا رسول الله، دعاني إلي الدخول في دينك أمارة لنبوتك، رأيتك في المهد تناغي القمر وتشير إليه بإصبعك فحيث أشرت إليه مال، قال صلي الله عليه و اله: ?إني كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء وأسمع وجبته يسجد تحت الكرسي?().
ومن هنا يعرف أنه اُخرج العباس إلي بدر مع المشركين مكرها، فاُسر. كما يقول العباس بنفسه: (إني كنت مسلما وإن القوم استكرهوني)().
وقد ورد أنه: (أسر أبو بشر الأنصاري العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وجاء بهما إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال له: ?أعانك عليهما أحد? قال: نعم رجل عليه ثياب بيض، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ذاك من الملائكة? ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله للعباس: ?افد نفسك وابن أخيك? فقال: يا رسول الله قد كنت أسلمت ولكن القوم استكرهوني)() الحديث.
وعن ابن عباس قال:
لما أمسي رسول الله صلي الله عليه و اله يوم بدر والناس محبوسون بالوثاق بات ساهراً أول الليل، فقال له أصحابه: ما لك لا تنام؟ فقال صلي الله عليه و اله:
?سمعت أنين عمي العباس في وثاقه?، فأطلقوه، فسكت فنام رسول الله
صلي الله عليه و اله ().
روي ابن عباس قال: (أخبرني العباس بن عبد المطلب: أن أبا طالب شهد عند الموت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)().
وروي أن العباس بن عبد المطلب قال لرسول الله صلي الله عليه و اله بالمدينة: يا رسول الله ما ترجو لأبي طالب؟ فقال: ?أرجو له كل خير من الله عزوجل?().
كان العباس عليه السلام من الخواص الذين حضروا تشييع فاطمة عليها السلام ودفنها.
عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: ?شهد دفنها عليها السلام سلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وابن مسعود والعباس بن عبد المطلب والزبير بن العوام?().
ولما عزم القوم علي قتل علي عليه السلام في قصة السقيفة وبلغ ذلك العباس بن عبد المطلب أقبل مسرعا يهرول وكان يقول: ?ارفقوا بابن أخي?().
وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام عن أبيه عليه السلام: ?لما مرضت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله مرضتها التي توفيت فيها وثقلت جاءها العباس بن عبد المطلب عائدا، فقيل له: إنها ثقيلة وليس يدخل عليها أحد، فانصرف إلي داره وأرسل إلي علي عليه السلام فقال لرسوله: قل له: يا ابن أخ عمك يقرئك السلام ويقول لك: لله قد فجأني من الغم بشكاة حبيبة رسول الله صلي الله عليه و اله وقرة عينيه وعيني فاطمة ما هدني وإني لأظنها أولنا لحوقا برسول الله صلي الله عليه و اله يختار لها ويحبوها ويزلفها لربه فإن كان من أمرها ما لابد منه فأجمع أنا لك الفداء المهاجرين والأنصار حتي يصيبوا الأجر في حضورها والصلاة عليها وفي ذلك جمال للدين؟.
فقال علي عليه السلام لرسوله وأنا حاضر عنده: ?أبلغ عمي السلام وقل: لا عدمت أشفاقك وتحيتك وقد عرفت مشورتك ولرأيك
فضله، إن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله لم تزل مظلومة، من حقها ممنوعة، وعن ميراثها مدفوعة، لم تحفظ فيها وصية رسول الله صلي الله عليه و اله ولا رعي فيها حقه، ولا حق الله عزوجل، وكفي بالله حاكما ومن الظالمين منتقما، وأنا أسألك يا عم أن تسمح لي بترك ما أشرت به فإنها وصتني بستر أمرها?.
قال: فلما أتي العباس رسوله بما قال علي عليه السلام قال: يغفر الله لابن أخي فإنه لمغفور له، إن رأي ابن أخي لا يطعن فيه، إنه لم يولد لعبد المطلب مولود أعظم بركة من علي إلا النبي صلي الله عليه و اله إن عليا لم يزل أسبقهم إلي كل مكرمة، وأعلمهم بكل فضيلة، وأشجعهم في الكريهة، وأشدهم جهادا للأعداء في نصرة الحنيفية، وأول من آمن بالله ورسوله صلي الله عليه و اله ?().
وهذا يدل علي شدة ولاء العباس بن عبد المطلب واعتقاده بأمير المؤمنين علي عليه السلام، فإنه رأي وسمع رسول الله صلي الله عليه و اله يحدث بفضائل علي عليه السلام مراراً وتكراراً.
عن سلمان الفارسي قال: كنت جالسا عند النبي المكرم صلي الله عليه و اله إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلم، فرد النبي صلي الله عليه و اله عليه ورحب به، فقال: يا رسول الله بم فُضل علينا علي بن أبي طالب عليه السلام أهل البيت والمعادن واحدة؟ فقال له النبي المكرم صلي الله عليه و اله: ?إذا أخبرك يا عم إن الله تبارك وتعالي خلقني وخلق عليا ولا سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا لوح ولا قلم، ولما أراد الله تعالي بدو خلقنا فتكلم بكلمة فكانت نورا، ثم تكلم بكلمة
ثانية فكانت روحا، فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني وعليا منهما، ثم فتق من نوري نور العرش فأنا أجل من نور العرش، ثم فتق من نور علي نور السماوات فعليّ عليه السلام أجل من نور السماوات، ثم فتق من نور الحسن عليه السلام نور الشمس، ومن نور الحسين عليه السلام نور القمر فهما أجل من نور الشمس ومن نور القمر، وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه وتقول في تسبيحها: سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها علي الله تعالي، فلما أراد الله جل جلاله أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحابا من ظلمة فكانت الملائكة لا ينظر أولها من آخرها ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا، فقال الله تبارك وتعالي: وعزتي وجلالي لأفعلن، فخلق نور فاطمة عليها السلام يومئذ كالقنديل وعلقه في قرط العرش فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، ومن أجل ذلك سميت فاطمة عليها السلام الزهراء، وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه، فقال الله عزوجل: وعزتي وجلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلي يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها، قال سلمان: فخرج العباس فلقيه أمير المؤمنين عليه السلام فضمه إلي صدره فقبل ما بين عينيه فقال: بأبي عترة المصطفي من أهل بيت ما أكرمكم علي الله?().
وقد ورد السلام علي العباس عم الرسول صلي الله عليه و اله في زيارة النبي صلي الله عليه و اله كما في الإقبال: ?السلام عليك يا نور الله الذي يستضاء به، السلام عليك وعلي أهل بيتك الطيبين الطاهرين، الهادين المهديين، السلام عليك وعلي جدك عبد المطلب، وعلي أبيك عبد الله، السلام عليك وعلي أمك
آمنة بنت وهب، السلام علي عمك حمزة سيد الشهداء، السلام عليك وعلي عمك عباس بن عبد المطلب، السلام علي عمك وكفيلك أبي طالب، السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أحمد … ??().
في عيون أخبار الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله لعلي وفاطمة والحسن والحسين والعباس بن عبد المطلب وعقيل: ?أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم?().
وعن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا تلاقوا بوجوه مستبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك؟ فغضب النبي صلي الله عليه و اله ثم قال: ?والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتي يحبكم لله
ولرسوله?().
وفي أمالي الشيخ الطوسي رضي الله عنه عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?احفظوني في عمي العباس فإنه بقية آبائي?().
وفي قصة سد الأبواب إلا باب علي عليه السلام بأمر من الله عزوجل: ورد أنه لمّا كان بعد أيّام دخل علي رسول الله صلي الله عليه و اله عمّه العباس وقال: يا رسول اللّه قد علمت ما بيني وبينك من القرابة والرحم الماسّة، وأنا ممّن يدين اللّه بطاعتك، فاسأل اللّه تعالي أن يجعل لي بابا إلي المسجد أتشرّف بها علي من سواي.
فقال له صلي الله عليه و اله: ?يا عمّ ليس إلي ذلك سبيل?.
فقال: فميزابا يكون من داري إلي المسجد أتشرّف به علي القريب والبعيد.
فسكت النبيّ صلي الله عليه و اله وكان كثير الحياء لا يدري ما يعيد من الجواب خوفا من اللّه تعالي وحياءً من عمّه العباس، فهبط جبرئيل عليه السلام
في الحال علي النبيّ صلي الله عليه و اله وقد علم اللّه سبحانه ما في نفسه صلي الله عليه و اله من ذلك، فقال يا محمّد صلي الله عليه و اله إنّ اللّه يأمرك أن تجيب سؤال عمّك، وأمرك أن تنصب له ميزابا إلي المسجد كما أراد، فقد علمت ما في نفسك وقد أجبتك إلي ذلك كرامة لك ونعمة منّي عليك وعلي عمّك العباس، فكبّر النبيّ صلي الله عليه و اله وقال: أبي اللّه إلا إكرامكم يا بني هاشم وتفضيلكم علي الخلق أجمعين، ثم قام ومعه جماعة من الصحابة والعباس بين يديه حتي صار علي سطح العباس، فنصب له ميزابا إلي المسجد وقال: ?معاشر المسلمين إنّ اللّه قد شرّف عمّي العباس بهذا الميزاب فلا تؤذوني في عمّي، فإنّه بقية الآباء والأجداد، فلعن اللّه من آذاني في عمّي وبخسه حقّه أو أعان عليه?. ولم يزل الميزاب علي حاله مدّة أيّام النبيّ صلي الله عليه و اله وعهد أبي بكر وثلاث سنين من عهد عمر، فلمّا كان في بعض الأيّام وعك العباس ومرض مرضا شديدا وصعدت الجارية تغسل قميصه فجري الماء من الميزاب إلي صحن المسجد، فنال بعض الماء ثوب الرجل، فغضب غضبا شديدا وقال لغلامه: اصعد واقلع الميزاب، فصعد الغلام فقلعه ورمي به إلي سطح العباس، وقال: واللّه لئن ردّه أحد إلي مكانه لأضربنّ عنقه.
فشقّ ذلك علي العباس ودعا بولديه عبد اللّه وعبيد اللّه ونهض يمشي متوكّئا عليهما وهو يرتعد من شدّة المرض وسار حتي دخل علي أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا نظر إليه أمير المؤمنين عليه السلام انزعج لذلك، وقال: يا عمّ ما جاء بك وأنت علي هذه الحالة؟.
فقصّ عليه القصّة وما فعل معه عمر
من قلع الميزاب وتهدّده من يعيده إلي مكانه، وقال له: يا ابن أخي إنّه كان لي عينان أنظر بهما، فمضت إحداهما وهي رسول اللّه صلي الله عليه و اله وبقيت الأخري وهي أنت يا عليّ، وما أظنّ أن أظلم ويزول ما شرّفني به رسول اللّه صلي الله عليه و اله وأنت لي، فانظر في أمري.
فقال له: ?يا عمّ ارجع إلي بيتك، فستري منّي ما يسرّك إن شاء اللّه
تعالي?. ثم نادي: يا قنبر عليّ بذي الفقار، فتقلّده ثم خرج إلي المسجد والناس حوله وقال: يا قنبر اصعد فردّ الميزاب إلي مكانه، فصعد قنبر فردّه إلي موضعه(). الحديث.
هذا وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله في غير موطن وصيّة منه في عمّه العباس:
?إنّ عمّي العباس بقيّة الآباء و الأجداد فاحفظوني فيه، كلّ في كنفي، وأنا في كنف عمّي العباس، فمن آذاه فقد آذاني، ومن عاداه فقد عاداني، سلمه سلمي، وحربه حربي?().
وفي البحار: إنّ النبيّ صلي الله عليه و اله كان جالسا في مسجده يوما وحوله جماعة من الصحابة إذ دخل عليه عمّه العباس وكان رجلا صبيحا حسنا حلو الشمائل، فلمّا رآه النبيّ صلي الله عليه و اله قام إليه واستقبله وقبّل ما بين عينيه ورحّب به وأجلسه إلي جانبه، فأنشد العباس أبياتا في مدحه صلي الله عليه و اله، فقال النبيّ صلي الله عليه و اله: ?جزاك اللّه يا عمّ خيرا ومكافأتك علي اللّه تعالي?. ثمّ قال: ?معاشر الناس احفظوني في عمّي العباس وانصروه ولا تخذلوه?. ثم قال: ?يا عمّ اطلب منّي شيئا أتحفك به علي سبيل الهديّة?(). الحديث.
في التفاسير إن قوله تعالي: ?أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ
وجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ?()، نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام وعباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة، وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه ولو أشاء بت في المسجد، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد، وقال علي عليه السلام: ?ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد? فأنزل الله تعالي هذه الآية:
?أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ وجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ?().
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يأتي علي الناس يوم القيامة وقت ما فيه راكب إلا نحن أربعة? فقال له العباس بن عبد المطلب عمه: فداك أبي وأمي من هؤلاء الأربعة؟ قال: ?أنا علي البراق، وأخي صالح علي ناقة الله التي عقرها قومه، وعمي حمزة أسد الله وأسد رسوله علي ناقتي العضباء، وأخي علي بن أبي طالب علي ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين عليه حلتان خضراوان من كسوة الرحمن علي رأسه تاج من نور?()، الحديث.
وعن عبد الله بن العباس قال: كنت أنا وأبي العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله صلي الله عليه و اله إذ دخل علي بن أبي طالب عليه السلام فسلّم، فرد عليه رسول الله صلي الله عليه و اله السلام وبشر به وقام إليه واعتنقه وقبّل بين عينيه وأجلسه عن يمينه، فقال العباس: أتحب هذا يا رسول الله؟ قال: ?يا عم رسول الله، والله الله أشد حباً له مني، إن الله جعل ذرية كل نبي في
صلبه وجعل ذريتي في صلب
هذا?().
وقد خاطبه النبي صلي الله عليه و اله عند ما صعد علي الصفا لينذر عشيرته الأقربين فقال صلي الله عليه و اله: ?يا بني هاشم يا بني عبد المطلب ويا بني عبد مناف ويا بني قصي اشتروا أنفسكم من الله، واعلموا أني أنا النذير، والموت المغير، والساعة الموعد، ولما أنزل الله عليه ?وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ?()، صعد علي الصفا وجمع عشيرته وقال: يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا بني قصي اشتروا أنفسكم من الله فإني لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس عم محمد، يا صفية عمته، يا فاطمة ابنته، ثم نادي كل رجل باسمه وكل امرأة باسمها ألا يجيء الناس يوم القيامة يحملون الآخرة ويأتون ويقولون بأن محمدا منا وينادون يا محمد يا محمد فأعرض بهذا وهكذا، وأعرض عن يمينه وشماله، فو الله ما أوليائي منكم إلا المتقون إن أكرمكم عند الله أتقاكم?().
وكان العباس آخر من مات من أعمام النبي صلي الله عليه و اله.
يقع قبر عقيل بن أبي طالب عليه السلام أخ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في البقيع بالمدينة المنورة.
هو أبو يزيد عقيل بن عبد مناف (أبي طالب) بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلي الله عليه و اله وأخو الإمام علي عليه السلام لأبيه وأمه، وكان بنو أبي طالب أربعة: طالب وهو أسن من عقيل بعشر سنين، وعقيل وهو أسن من جعفر بعشر سنين، وجعفر وهو أسن من علي بعشر سنين، وكان أبو طالب يحب عقيلا كثيراً فلذلك قال للنبي صلي الله عليه و اله وللعباس حين أتياه ليقسما بنيه عام المحل فيخففا عنه ثقلهم:
دعوا لي عقيلا وخذوا من شئتم، فأخذ العباس جعفرا، وأخذ محمد صلي الله عليه و اله عليا?().
وكان عقيل يكني أبا يزيد قال له رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا أبا يزيد إني أحبك حبين، حبا لقرابتك مني وحبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك?().
اُخرج عقيل إلي بدر مكرها، كما أخرج العباس، فأسر وفدي وعاد إلي مكة، ثم أقبل مسلما مهاجرا قبل الحديبية، وشهد غزوة مؤتة مع أخيه جعفر، وتوفي في عهد معاوية سنة خمسين وكان عمره ست وتسعون سنة وله دار بالمدينة معروفة وخرج إلي مكة ثم إلي الشام ثم عاد إلي المدينة.
كان عقيل عليه السلام من خواص شيعة أخيه أمير المؤمنين عليه السلام، وكان ذهابه إلي الشام بأمر من أمير المؤمنين عليه السلام لتتبع الأوضاع.
كان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامها، وكان مبغوضا إليهم لأنه كان يعد مساويهم، وكانت له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله فيصلي عليها ويجتمع إليه الناس في علم النسب وأيام العرب، وكان حينئذ قد ذهب بصره، وكان أسرع الناس جوابا وأشدهم عارضة، وكان يقال: إن في قريش أربعة يتحاكم إليهم في علم النسب وأيام قريش ويرجع إلي قولهم: عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل الزهري وأبو الجهم بن حذيفة العدوي وحويطب بن عبد العزي العامري().
وروي المدائني قال: قال معاوية يوما لعقيل بن أبي طالب عليه السلام هل من حاجة فأقضيها لك؟
قال: نعم جارية عرضت علي وأبي أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفا.
فأحب معاوية أن يمازحه قال: وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمي تجتزئ بجارية قيمتها خمسون درهما؟
قال: أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما إذا أغضبته يضرب عنقك، فضحك معاوية
وقال: مازحناك يا أبا يزيد، وأمر فابتيعت له الجارية التي أولد منها مسلما رحمه الله().
وقد ربي عقيل أولاده علي حب أمير المؤمنين علي عليه السلام والتضحية في سبيل الأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام، كما شهد بذلك مواقف مسلم بن عقيل وإخوته في الدفاع عن الإمام الحسين عليه السلام المشهورة.
وقد ورد في زيارة الشهداء بكربلاء:
(السلام علي جعفر بن عقيل، السلام علي عبد الرحمن بن عقيل، السلام علي عبد الله بن مسلم بن عقيل، السلام علي محمد بن أبي سعيد بن عقيل … )().
وعن عبد الله بن عامر قال: لما أتي نعي الحسين عليه السلام إلي المدينة خرجت أسماء بنت عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه في جماعة من نسائها حتي انتهت إلي قبر رسول الله صلي الله عليه و اله فلاذت به وشهقت عنده ثم التفت إلي المهاجرين والأنصار وهي تقول:
ما ذا تقولون إن قال النبي لكم
يوم الحساب وصدق القول مسموع
خذلتم عترتي أو كنتم غيبا
والحق عند ولي الأمر مجموع
أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما
منكم له اليوم عند الله مشفوع
ما كان عند غداة الطف إذ حضروا
تلك المنايا ولا عنهن مدفوع
قال: فما رأينا باكيا ولا باكية أكثر مما رأينا ذلك اليوم().
وفي روضة الواعظين: وخرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت بنعي الحسين عليه السلام حاسرة ومعها أخواتها أم هاني وأسماء ورملة وزينب بنت عقيل بن أبي طالب تبكي قتلاها بالطف().
قالوا: ومع عقيل بن أبي طالب في قبره بالبقيع ابن أخيه عبد الله الجواد بن جعفر الطيار.
يقع قبر عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام زوج زينب الكبري عليها السلام في البقيع بالمدينة المنورة.
عن سليم أنه قال: حدثني عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب قال: كنت عند معاوية ومعنا الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) وعنده عبد الله بن عباس، فالتفت إلي معاوية فقال: يا عبد الله ما أشد تعظيمك للحسن والحسين وما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله لقلت ما أمك أسماء بنت عميس بدونها!
فقلت: والله إنك لقليل العلم بهما وبأبيهما وأمهما، بل والله لهما خير مني، وأبوهما خير من أبي، وأمهما خير من أمي، يا معاوية إنك لغافل عما سمعته أنا من رسول الله صلي الله عليه و اله يقول فيهما وفي أبيهما وأمهما مما قد حفظته ووعيته ورويته.
قال: هات يا ابن جعفر فوالله ما أنت بكذاب ولا متهم.
فقلت: إنه أعظم مما في نفسك.
قال: وإن كان أعظم من أحد وحراء جميعا فلست أبالي إذا قتل الله صاحبك وفرق جمعكم وصار الأمر في أهله، فحدثنا فما نبالي ما قلتم ولا يضرنا ما عددتم.
قلت: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله وسُئل عن هذه الآية ?وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ?(). فقال:
?إني رأيت اثني عشر رجلا من أئمة الضلال يصعدون منبري وينزلون يردون أمتي علي أدبارهم القهقري فيهم رجلين من حيين من قريش مختلفين وثلاثة من بني أمية وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص?، وسمعته يقول: ?إن بني أبي العاص إذا بلغوا خمسة عشر رجلا جعلوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا?، يا معاوية إني سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول علي المنبر وأنا بين يديه وعمرو بن أبي سلمة وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري
والمقداد والزبير بن العوام وهو يقول: ?ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم?؟ فقلنا: بلي يا رسول الله، قال: ?من كنت مولاه فهذا مولاه أولي به من نفسه? وضرب بيده علي منكب علي عليه السلام: ?اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، أيها الناس أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر وعلي من بعدي أولي بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر، ثم ابني الحسن أولي بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر?، ثم أعاد فقال: ?يا أيها الناس إذا أنا استشهدت فعلي أولي بكم من أنفسكم، فإذا استشهد علي فابني الحسن أولي بالمؤمنين منهم بأنفسهم، وإذا استشهد الحسن فابني الحسين أولي بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد الحسين فابني علي بن الحسين أولي بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر، ثم أقبل إلي علي عليه السلام فقال: يا علي إنك ستدركه فأقرئه مني السلام، فإذا استشهد فابني محمد أولي بالمؤمنين منهم بأنفسهم وستدركه أنت يا حسين فأقرئه مني السلام، ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد وليس منهم أحد إلا وهو أولي بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر كلهم هادون?().
وقد رزق عبد الله بن جعفر عليه السلام من زينب الكبري بنت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله: محمد وعلي وجعفر وعون وقد استشهدوا يوم عاشوراء. وفي بعض التواريخ: وعبيد الله بن عبد الله بن جعفر أيضاً قتل يوم عاشوراء.
قبر الحسن ابن الإمام الحسن عليه السلام زوج فاطمة بنت الحسين عليه السلام في البقيع بالمدينة المنورة.
وهو الذي يعرف بالحسن المثني، كان سيداً جليلاً، رئيساً فاضلاً، ورعاً تقياً، وكان يلي صدقات جدّه أمير المؤمنين عليه السلام في وقته. وقد لازم
ركاب عمه الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء بكربلاء، فكانت به جراحات كثيرة ظنوا بأنه قد قُتل، جاؤوا به إلي الكوفة، فداووه حتي برأ منها فذهب إلي المدينة بعد شفائه.
وكان الحسن صهر الإمام الحسين عليه السلام تزوج فاطمة بنت عمه، وكانت شبيهة بجدتها فاطمة الزهراء عليها السلام
وقد ولدت له: عبد الله (المحض)، وإبراهيم (الغمر)، والحسن (المثلث)، وزينب، وأم كلثوم.
ومن أولاده كذلك: داود وجعفر، وأمهما أم ولد من أهل الروم واسمها حبيبة، ومحمد وأمه رملة، ورقية وفاطمة.
قال المفيد في الإرشاد: وقبض الحسن بن الحسن عليه السلام وله خمس وثلاثون سنة، وأخوه زيد بن الحسن حي، ووصي إلي أخيه من أمه إبراهيم بن محمد بن طلحة().
وقال في عمدة الطالب: دس إليه الوليد بن عبد الملك من سقاه سماً، فمات وعمره إذ ذاك خمس وثلاثو ن سنة، وكان يشبه برسول الله صلي الله عليه و اله.
وفي التاريخ: أنه ضربت زوجته فاطمة علي قبره فسطاطاً، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار لمدّة سنة كاملة ().
يقع قبر العديد من زوجات النبي صلي الله عليه و اله أمهات المؤمنين في البقيع بالمدينة المنورة، وهن:
زينب زوجة رسول الله صلي الله عليه و اله.
وميمونة زوجة رسول الله صلي الله عليه و اله.
وسودة زوجة رسول الله صلي الله عليه و اله.
وجويرية زوجة رسول الله صلي الله عليه و اله.
وأم سلمة زوجة رسول الله صلي الله عليه و اله.
وأم حبيبة زوجة رسول الله صلي الله عليه و اله.
وعائشة زوجة رسول الله صلي الله عليه و اله.
وحفصة زوجة رسول الله صلي الله عليه و اله.
يقع قبر عاتكة عمة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وصفية عمته صلي الله عليه و اله في البقيع بالمدينة المنورة.
فقد كان لعبد المطلب ست بنات: عاتكة، وأميمة، والبيضاء وهي أم حكيم، وبرة، وصفية وهي أم الزبير، وأروي. وكان آخر من مات من عمات النبي صلي الله عليه و اله صفية وهي أم الزبير بن العوام.
ورد أنه لما أتي علي رسول الله صلي الله عليه و اله أربعة أشهر ماتت أمه آمنة، فأصبح صلي الله عليه و اله يتيما بلا أب ولا أم فبقي في حجر جده عبد المطلب فاشتد عليه موت آمنة ليتم محمد صلي الله عليه و اله ولم يأكل ولم يشرب ثلاثة أيام، فبعث عبد المطلب إلي بنتيه عاتكة وصفية وقال لهما: خذا محمدا صلي الله عليه و اله والنبي صلي الله عليه و اله لا يزداد إلا بكاء ولا يسكن، وكانت عاتكة تلعقه عسلا صافيا مع الثريد وهو لا يزداد إلا تماديا في البكاء. فضجر عبد المطلب فقال لعاتكة: فلعله يقبل ثدي واحدة من النساء فبعثت عاتكة بالجواري والعبيد نحو نساء بني هاشم وقريش ودعتهن إلي رضاع النبي صلي الله عليه و اله فجئن إلي عاتكة واجتمعن عندها فما قبل منهن أحدا، إلي أن جاؤوا بحليمة السعدية فقبل ثديها في قصة مفصلة().
قبل وقوع غزوة بدر بثلاثة أيام رأت عاتكة بنت عبد المطلب في المنام أن راكبا قد دخل مكة ينادي ثلاث مرات: يا آل عدي يا آل فهر اغدوا إلي مصارعكم، فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابته منه فلذة، وكان وادي مكة قد صار من أسفله دما().
في قصة زواج النبي صلي الله عليه و اله كانت خديجة بنت أربعين سنة علي بعض الأقوال() وقد ردها الله تعالي شابة كما رد زليخا ليوسف عليه السلام، وكما رد سارة لإبراهيم عليه السلام شابة، وكما رد علي زكريا عليه السلام زوجته، وغيرهم ممن ردت علي الأنبياء عليهم السلام فرد الله خديجة شابة في أحسن سن كرامة من الله عزوجل لنبيه محمد صلي الله عليه و اله.
وفي زفاف خديجة أخذت عمات النبي عاتكة وصفية وغيرهما تنشد الأشعار في مدح الرسول صلي الله عليه و اله مما يدل علي علمهن بمقامه العالي وأنه صلي الله عليه و اله سيبعث نبياً.
ففي كتاب الأنوار(): ثم إن عاتكة عمة النبي صلي الله عليه و اله جعلت تنشد وتقول: أفلح من يصلي علي الرسول
صلوا عليه وسلموا تسليما
فهو المفضل من بني عدنان
أضحي الفخار لنا وعز شامخ
ولقد فخرنا بالنبي العدناني
نلت العلي فينا وتعلو في الوري
وتقاصرت عن مجدك الثقلان
ذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذ
أعني محمدا الذي لا مثله
ولد النسا في سائر الأزمان
فله المكان والمفاخر والعلي
عن مدحه قد كل لساني
صلوا علي خير الأنام محمد
حتي تنالوا جنة الرضوان
إن الصلاة علي النبي محمد
من أفضل الأعمال والأديان
فتطاولي فيه خديجة واعلمي
أن قد خصصت بصفوة الرحمن
إلي قالت:
أنت النبي الهاشمي محمد
صلي الإله عليك في القرآن
فلأذكرنك ما بقيت معمرا
حتي الممات ولا يمل لساني
فصلاة رب ماجد ومهيمن
تتري عليك تعاقب الأزمان
قال: فلما رآها النبي صلي
الله عليه و اله تبسم ضاحكا فخرج من فيه نور لحق عنان السماء حتي أخذ بأبصار الناس وعلا علي نور المصابيح والشموع.
ثم خرجت صفية عمة النبي صلي الله عليه و اله وهي تترنم وتقول:
جاء السرور مع الفرح
ومضي النحوس مع الترح
أنوارنا قد أشرقت
والحال فينا قد نجح
بمحمد المذكور في
كل المفاوز والبطح
لو أن يوازن أحمد
بالخلق كلهم رجح
ولقد بدا من فضله
لقريش أمر قد وضح
تم السرور لأحمد
والسعد فينا ما برح
بخديجة خص الكريم
وبحر نائلها طفح
يا حسنها في حليها
والحلم منها متضح
هذا الأمين محمد
ما في مدائحه كلح
قال الراوي: فلما رأي النبي صلي الله عليه و اله خديجة ازداد فرحا وسرورا، فلما أوقفوها بين يديه ضربن الدفوف، وأخذت صفية التاج من علي رأسها ووضعته علي رأس النبي صلي الله عليه و اله وقلن: يا خديجة لقد خصصت بشيء ما خص به أحد من نساء قريش هنيئا لك بما وصل إليك.
ثم أقبلت صفية بنت عبد المطلب وهي تنشد وتقول:
هب النسيم وزقت الأشجار
وتبرقعت ليلا بفضل إزار
إلي أن قالت:
لما حدا الحادي بذكر المصطفي
مدت إليه كأنها الأطيار
فتمايلت أغصانها وتراقصت
تبغي جنابك سيد الأقمار
يا منزلا فيه طبيب قلوبنا
يا روضة فيها لنا الأسرار
يا حجرة ضمت نبيا مرسلا
في عشقه تتهتك الأستار
إلي أن قالت:
أنت الشفيع إذا جهنم أقبلت
ترمي العصاة مقابس الأشرار
يا سيد الكونين أنت المصطفي
يا من به تتشرف الأمصار
صلي عليك الله في السبع العلي
والآل ما عقب الظلام نهار
قال ثم أوحي الله تعالي إلي جبرئيل أن انزل إلي جنة الفردوس واقبض منها قبضة من الطيب وألقها في شعاب مكة، ففعل إلي أن صار كل واحد يجد الطيب من نفسه وكل يقول: هذا من طيب محمد وخديجة.
روت صفية بنت عبد المطلب قصة فطرس الملك في ولادة الإمام الحسين عليه السلام().
قالت صفية: لما سقط الحسين
عليه السلام من بطن أمه وكنت وليتها عليه السلام قال النبي صلي الله عليه و اله: ?يا عمة هلمي إلي ابني? فقلت: يا رسول الله إنا لم ننظفه بعد، فقال صلي الله عليه و اله: ?يا عمة أنت تنظفينه إن الله تبارك وتعالي قد نظفه وطهره?().
كانت صفية امرأة شجاعة، تقول: كنا قد رفعنا يوم أحد في الآطام ومعنا حسان بن ثابت وكان من أجبن الناس ونحن في فارع، فجاء نفر من يهود يرومون الأطم، فقلت: دونك يا ابن الفريعة، فقال: لا والله لا أستطيع القتال ويصعد يهودي إلي الأطم، فقلت: شد علي يدي السيف، ثم برئت، ففعل فضربت عنق اليهودي ورميت برأسه إليهم فلما رأوه انكشفوا ().
روي أن صفية بنت عبد المطلب أقبلت لتنظر إلي أخيها لأبويها حمزة بن عبد المطلب عليه السلام بأحد وقد مُثّل به، فقال النبي صلي الله عليه و اله لابنها الزبير: ?ألقها فارجعها لا تري ما بأخيها?، فقال لها: يا أماه إن رسول الله صلي الله عليه و اله يأمرك أن ترجعي، قالت: ولم وقد بلغني أنه قد مُثل بأخي وذلك في الله عزوجل رضي، فما أرضي أنا بما كان من ذلك فلأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فلما جاء الزبير إلي النبي صلي الله عليه و اله وأخبر بقولها، فقال: ?خل سبيلها?، فأتته ونظرت إليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت له().
رثت صفية بنت عبد المطلب رسول الله صلي الله عليه و اله في وفاته فقالت:
يا عين جودي بدمع منك منحدر
ولا تملي وبكي سيد البشر
بكي الرسول فقد هدت مصيبته
جميع قومي وأهل البدر والحضر
ولا تملي بكاك الدهر معولة
عليه ما غرد القمري في السحر()
يقع قبر السيدة حليمة السعدية مرضعة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في البقيع بالمدينة المنورة.
وكانت قد أرضعت حمزة عليه السلام قبل رسول الله صلي الله عليه و اله، ورأت من
الرسول صلي الله عليه و اله أيام الرضاعة وبعدها معاجز وكرامات عديدة، حيث لبث فيهم رسول الله صلي الله عليه و اله خمس سنين علي بعض التواريخ.
قالت حليمة السعدية: كانت في بني سعد شجرة يابسة ما حملت قط، فنزلنا يوما عندها ورسول الله صلي الله عليه و اله في حجري فما قمت حتي اخضرت وأثمرت ببركة منه، وما أعلم أني جلست موضعا قط إلا كان له أثر إما نبات وإما خصب، ولقد دخلت علي امرأة من بني سعد يقال لها أم مسكين وكانت سيئة الحال فحملته فأدخلته منزلها فإذا هي قد أخصبت وحسن حالها فكانت تجيء كل يوم فتقبل رأسه.
قالت حليمة: ما نظرت في وجه رسول الله صلي الله عليه و اله وهو نائم إلا ورأيت عينيه مفتوحتين كأنه يضحك، وكان لا يصيبه حر ولا برد.
قالت حليمة: ما تمنيت شيئا قط في منزلي إلا أعطيته من الغد، ولقد أخذ ذئب عنيزة لي فتداخلني من ذلك حزن شديد فرأيت النبي صلي الله عليه و اله رافعا رأسه إلي السماء فما شعرت إلا والذئب والعنيزة علي ظهره قد ردها علي ما عقر منها شيئا.
قالت حليمة: ما أخرجته قط في شمس إلا وسحابة تظله، ولا في
مطر إلا وسحابة تكنه من المطر.
قالت حليمة: فما زال من خيمتي نور ممدود بين السماء والأرض ولقد كان الناس يصيبهم الحر والبرد فما أصابني حر ولا برد منذ كان عندي، ولقد هممت يوما أن أغسل رأسه فجئته وقد غسل رأسه ودهن وطيب، وما غسلت له ثوبا قط، وكلما هممت بغسل ثوبه سبقت إليه فوجدت عليه ثوبا غيره جديدا.
قالت: ما كنت أخرج لمحمد ثديي إلا وسمعت له نغمة، ولا شرب قط إلا وسمعته ينطق بشيء، فتعجبت منه حتي إذا نطق وعقد كان يقول: بسم الله رب محمد، إذا أكل، وفي آخر ما يفرغ من أكله وشربه يقول: الحمد لله رب محمد().
وروي عن حليمة السعدية قالت: لما تمت للنبي صلي الله عليه و اله سنة تكلم بكلام لم أسمع أحسن منه سمعته يقول: (قدوس قدوس نامت العيون والرحمن لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ)، ولقد ناولتني امرأة كف تمر من صدقة فناولته منه وهو ابن ثلاث سنين فرده علي وقال: ?يا أمة لا تأكلي الصدقة فقد عظمت نعمتك وكثر خيرك فإني لا آكل الصدقة?، قالت: فو الله ما قبلتها بعد ذلك من أحد من العالمين().
وفي التاريخ: لما حملت حليمة النبي صلي الله عليه و اله إلي حيها حين أخذته من عند عبد المطلب كان لها اثنان وعشرون رأسا من المواشي، فوضعت في تلك السنة كل شاة توأما ببركة النبي صلي الله عليه و اله وخرج من عندها ولها ألف وثلاثون رأسا من الشاغية والراغية().
وكان لرسول الله صلي الله عليه و اله إخوة من الرضاعة يخرجون بالنهار إلي الرعاية ويعودون بالليل إلي منازلهم فرجعوا ذات ليلة مغمومين فلما دخلوا الدار قالت لهم حليمة: ما لي أراكم مغمومين؟
قالوا: يا أمنا
إن في هذا اليوم جاء ذئب وأخذ شاتين من شياهنا وذهب بهما.
فقالت حليمة: الخلف والخير علي الله تعالي.
فسمع النبي صلي الله عليه و اله قولهم فقال لهم: ?لا عليكم فإني أسترجع الشاتين من الذئب بمشية الله تعالي?.
فقال ضمرة: واعجبا منك يا أخي قد أخذهما بالأمس فكيف تسترجعهما باليوم.
فقال النبي صلي الله عليه و اله: إنه صغير في قدرة الله تعالي، فلما أصبحوا قام ضمرة وأخذ رسول الله صلي الله عليه و اله علي كتفه فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?مر بي إلي الموضع الذي أخذ الذئب فيه الشاتين?.
قال: فذهب برسول الله صلي الله عليه و اله إلي ذلك الموضع، فعند ذلك نزل النبي صلي الله عليه و اله عن كتف أخيه ضمرة وسجد سجدة لله تعالي وقال: ?إلهي وسيدي ومولاي تعلم حق حليمة عليّ وقد تعدي ذئب علي مواشيها فأسألك أن تلزم الذئب برد المواشي إلي? قال: فما استتم دعاءه حتي أوحي الله تعالي إلي الذئب أن يرد المواشي إلي صاحبها ().
وعلي ما يستفاد من بعض الروايات فإن حليمة السعدية كانت مؤمنة بالله تعالي ولم تكن من المشركين، فلم يتغذ الرسول صلي الله عليه و اله إلا لبناً طاهراً من مؤمنة صالحة.
قبور العديد من أولاد الأئمة المعصومين وذراري أهل البيت عليهم السلام تقع في البقيع بالمدينة المنورة.
وهم غير الذين سبق ذكرهم، فإن أهل البيت عليهم السلام كانوا من ساكني المدينة المنورة وقد ترعرع فيها الكثير من أولادهم وماتوا بها، وكان البقيع مقبرة أهل المدينة.
قبور آلاف من صحابة رسول الله صلي الله عليه و اله تكون في البقيع، حتي قيل: إن عشرة آلاف صحابي دفنوا فيه. كان منهم:
الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، مات في زمن رسول الله صلي الله عليه و اله.
ومقداد بن الأسود.
وجابر بن عبد الله الأنصاري
وأسعد بن زرارة، توفي في أول سنة من الهجرة، وقبره مع قبر عثمان بن مظعون في روحاء وهي بقعة في وسط البقيع.
وعبد الله بن مسعود.
وسعد بن معاذ الأشهلي.
وغيرهم كثير.
قبور بعض شهداء أحد تكون في البقيع بالمدينة المنورة.
فإن قسماً من شهداء أحد دفنوا في أحد، وقسماً منهم في البقيع.
قال أبو عبد الله عليه السلام: ?لا تدع إتيان المشاهد كلها … وقبور الشهداء … قال وبلغنا أن النبي صلي الله عليه و اله كان إذا أتي قبور الشهداء قال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار?().
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: ?ومن المشاهد بالمدينة التي ينبغي أن يُؤتي إليها ويُشاهد ويُصلي فيها ويُتعاهد … وقبر حمزة وقبور الشهداء? ().
بيت الأحزان، أو بيت الحَزَن: هو البيت الذي أقامت فيه فاطمة الزهراء عليها السلام أيام حزنها علي أبيها صلي الله عليه و اله.
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ?البكاءون خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين عليهم السلام ? إلي أن قال: ?وأما فاطمة عليها السلام فبكت علي رسول الله صلي الله عليه و اله حتي تأذي بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك!، وكانت تخرج إلي المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتي تقضي حاجتها ثم تنصرف?().
كانت فاطمة عليها السلام لا ترقأ لها دمعة ولا تهدأ لها زفرة، فاجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن إن فاطمة عليها السلام تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يهنأ بالنوم في الليل علي فرشنا ولا بالنهار لنا قرار علي أشغالنا وطلب معايشنا وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، فقال عليه السلام: ?حبّاً وكرامة? فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام حتي دخل علي فاطمة عليها السلام وهي لا تفيق من البكاء ولا ينفع فيها العزاء، فلما رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: ?يا
بنت رسول الله صلي الله عليه و اله إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً? فقالت: ?يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فوالله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله عليه و اله ?، فقال لها علي عليه السلام: ?افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لكِ? ثم إنه بني لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمي (بيت الأحزان) وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين عليهما السلام أمامها وخرجت إلي البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه السلام إليها وساقها بين يديه إلي منزلها ().
يقول العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين رضي الله عنه: (وكان هذا البيت
يزار في كل خلف من هذه الأمة كما تزار المشاهد المقدسة حتي هدم في هذه الأيام)().
يقع قبر العديد من شهداء اُحد في منطقة اُحد بالمدينة المنورة.
أُحُد بضمتين: جبل معروف علي ظهر مدينة الرسول صلي الله عليه و اله وبالقرب منه كانت غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة، فقد نزل المشركون بأحد يوم الأربعاء من شهر شوال وخرج إليهم رسول الله صلي الله عليه و اله يوم الجمعة ووقع القتال، وقد خالف بعض المسلمين أوامر رسول الله صلي الله عليه و اله فهجم الكفار عليهم وقتلوا منهم كثيراً، وكسرت رباعية رسول الله صلي الله عليه و اله وشج وجهه وبقي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقليل من الأصحاب يدافعون عن رسول الله صلي الله عليه و اله حتي هتف جبرائيل بين السماء والأرض: ?لا فتي إلا علي، لا سيف
إلا ذو الفقار?. ثم جمع رسول الله صلي الله عليه و اله من بقي من المسلمين وهجموا علي الكفار حتي هزموهم، ثم رجع المهاجرون والأنصار بعد الهزيمة وقد قُتل من المسلمين سبعون رجلاً وكان الكفار مثلوا بجماعة وكان حمزة سيد الشهداء عليه السلام أعظم مثلة ().
ثم أمر رسول الله صلي الله عليه و اله بالقتلي فجمعوا فصلي عليهم ودفنهم في مضاجعهم، وكبر علي حمزة عليه السلام سبعين تكبيرة().
وفي موسم الحج يتوافد المسلمون علي زيارة شهداء أحد (رضوان الله عليهم) وقد هدمت هذه القبور الطاهرة وسيّج المكان بسياج حديدي وقبر حمزة سيد الشهداء عليه السلام يرتفع عن الأرض قليلاً وهو معلم بالحجارة.
روي هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: ?عاشت فاطمة (سلام الله عليها) بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً لم تُر كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين؛ الاثنين والخمس، فتقول: هاهنا كان رسول الله صلي الله عليه و اله وهاهنا كان المشركون?().
وفي رواية أبان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام: ?أنها كانت تصلي هناك وتدعو حتي ماتت عليها السلام?().
وكان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا أتي قبور الشهداء قال: ?السلام عليكم بما صرتم فنعم عقبي الدار?().
وفي رواية عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?فائت جانب أحد، فبدأت بالمسجد الذي دون الحرّة فصليت فيه ثمّ مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب عليه السلام فسلمت عليه، ثمّ مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم فقلت: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الدِّيَارِ أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ وَإِنَّا بِكُمْ لاَحِقُونَ.
ثمّ تأتي المسجد الذي في المكان الواسع إلي جنب الجبل عن يمينك حتّي تدخل أُحُد فتصلي فيه، فعنده خرج النبي
صلي الله عليه و اله إلي أحد حيث لقي المشركين فلم يبرحوا حتّي حضرت الصلاة فصلّي فيه. ثمّ مرّ أيضاً حتيّ ترجع فتصلّي عند قبور الشّهداء ما كتب الله لك ثمّ امضِ علي وجهك?().
يقع قبر حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء عليه السلام وأسد الله وأسد رسوله صلي الله عليه و اله في (اُحد) بالقرب من المدينة المنورة.
كنيته: أبو عمارة، وقيل: أبو يعلي، وهو عم الرسول صلي الله عليه و اله وأخيه من الرضاعة فإن حليمة السعدية كانت قد أرضعت حمزة بن عبد المطلب قبل رسول الله صلي الله عليه و اله.
روي فخر المحققين عن النبي صلي الله عليه و اله أنّه قال: ?من زارني ولم يزر عمّي حمزة فقد جفاني?().
وروي الأصبغ بن نباتة: (أن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله كانت تأتي قبر حمزة عليه السلام وكانت قد وضعت عليه علماً لتعرفه)().
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?وقد خصني الله تبارك وتعالي بأربعة، اثنين في السماء واثنين في الأرض، فأما اللذان في السماء فجبرئيل وميكائيل، وأما اللذان في الأرض فعلي بن أبي طالب وعمي حمزة?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة، أنا وأخي علي وعمي حمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي?().
وقال علي عليه السلام يوم الشوري: ?فأنشدكم الله هل فيكم أحد له مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله?().
عن علي بن الحسين عليه السلام قال: ?لم يدخل الجنة حمية غير حمية حمزة بن عبد المطلب وذلك حين أسلم غضبا للنبي صلي الله عليه و اله في حديث السلي الذي ألقي علي النبي صلي الله عليه و اله ?().
نزل العديد من الآيات الكريمة في فضل حمزة سيد الشهداء عليه السلام منها:
قوله تعالي: ?مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ اللّهِ فَإِنّ أَجَلَ اللّهِ لاَتٍ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ ? وَمَن جَاهَدَ فَإِنّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنّ اللّهَ لَغَنِيّ عَنِ الْعَالَمِينَ?()، نزلت في بني هاشم منهم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث، وفيهم نزلت ?ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه?().
وقوله سبحانه: ?أَمْ حَسِبَ الّذِينَ اجْتَرَحُواْ السّيّئَاتِ أَن نّجْعَلَهُمْ كَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَوَآءً مّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا
يَحْكُمُونَ?()، فالذين آمنوا هم: علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث، والذين اجترحوا السيئات هم ثلاثة من المشركين: عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة().
وقوله تعالي: ?أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا له نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مّثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا كَذَلِكَ زُيّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ?()، قيل: إنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل وذلك أن أبا جهل آذي رسول الله صلي الله عليه و اله فأخبر بذلك حمزة وهو علي دين قومه فغضب وجاء ومعه قوس فضرب بها رأس أبي جهل وآمن().
وقوله سبحانه: ?منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مّن قَضَيَ نَحْبَهُ ? يعني حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب
?وَمِنْهُمْ مّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدّلُواْ تَبْدِيلاً?() يعني علي بن أبي طالب().
عن علي عليه السلام قال: ?كنت عاهدت الله ورسوله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي عبيدة
بن الحارث علي أمر وفينا به لله ولرسوله، فتقدمني أصحابي وخلفت بعدهم لما أراد الله عزوجل فأنزل الله تعالي فينا: ?من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه? حمزة وجعفر وعبيدة ?ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا? فأنا المنتظر وما بدلت تبديلا?().
وقوله تعالي: ?يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ?().
عن ابن عباس في قوله تعالي: ?اصبروا? يعني في أنفسكم ?وصابروا? يعني مع عدوكم ?ورابطوا في سبيل الله واتقوا الله لعلكم تفلحون? نزلت في رسول الله وعلي وحمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالي عنهم().
وقوله سبحانه: ?وَالّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلََئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ وَالشّهَدَآءُ عِندَ رَبّهِمْ لهمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ?().
عن ابن عباس: ?والذين آمنوا? يعني صدقوا بالله أنه واحد علي وحمزة بن عبد المطلب وجعفر الطيار ?أولئك هم الصديقون? قال صديق هذه الأمة أمير المؤمنين عليه السلام وهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم()، الخبر.
وقوله تعالي: ?إِنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوَاْ إِلَي الطّيّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوَاْ إِلَيَ صِرَاطِ
الْحَمِيدِ?()، نزلت في علي وحمزة وعبيدة().
وقوله سبحانه: ?وأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأَبْكي?() عن ابن عباس قال: أضحك أمير المؤمنين عليه السلام وحمزة وعبيدة يوم بدر المسلمين، وأبكي كفار مكة حتي قتلوا ودخلوا النار().
وعن الإمام الباقر عليه السلام في قوله: ?وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ?(): ?نزلت في حمزة وعلي وعبيدة?().
وعن ابن عباس في قوله: ?أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ?: الآية نزلت في علي وحمزة وعبيدة ?كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ?(): عتبة وشيبة والوليد().
عن موسي بن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام أنه قال في حديث: ?ولما
كانت الليلة التي أصيب حمزة في يومها دعاه رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: يا حمزة يا عم رسول الله يوشك أن تغيب غيبة بعيدة فما تقول لو وردت علي الله تبارك وتعالي وسألك عن شرائع الإسلام وشروط الإيمان؟
فبكي حمزة وقال: بأبي أنت وأمي أرشدني وفهمني.
قال: يا حمزة تشهد أن لا إله إلا الله مخلصا وأني رسول الله بالحق.
قال حمزة: شهدت.
قال صلي الله عليه و اله: وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الصراط حق، والميزان حق، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، وفريق في الجنة، وفريق في السعير، وأن عليا عليه السلام أمير المؤمنين.
قال حمزة: شهدت وأقررت وآمنت وصدقت.
وقال: الأئمة من ذريته ولده الحسن والحسين والإمامة في ذريته.
قال حمزة: آمنت وصدقت.
وقال: وفاطمة سيدة نساء العالمين.
قال: نعم صدقت?(). الخبر.
عن أصبغ بن نباتة الحنظلي قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام يوم افتتح البصرة وركب بغلة رسول الله صلي الله عليه و اله ثم قال: ?أيها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله؟
فقام إليه أبو أيوب الأنصاري فقال: بلي يا أمير المؤمنين حدثنا فإنك كنت تشهد ونغيب.
فقال: ?إن خير الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلا كافر ولا يجحد به إلا جاحد?.
فقام عمار بن ياسر رحمه الله فقال: يا أمير المؤمنين سمهم لنا لنعرفهم.
فقال: ?إن خير الخلق يوم يجمعهم الله الرسل، وإن أفضل الرسل محمد صلي الله عليه و اله، وإن أفضل كل أمة بعد نبيها وصي نبيها حتي يدركه نبي، ألا وإن أفضل الأوصياء وصي محمد عليه وآله السلام، ألا وإن أفضل الخلق بعد
الأوصياء الشهداء، ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة لم ينحل أحد من هذه الأمة جناحان غيره، شي ء كرم الله به محمدا صلي الله عليه و اله وشرفه، والسبطان الحسن والحسين، والمهدي عليه السلام يجعله الله من شاء منا أهل البيت?().
وفي الحديث: ?إن خيرة الله من الشهداء يحيي بن زكريا وجرجيس النبي وحمزة بن عبد المطلب وجعفر الطيار?().
في الوسائل: (إن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله كانت سبحتها من خيوط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات فكانت عليه السلام تديرها بيدها تكبر وتسبح إلي أن قتل حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) سيد الشهداء فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين عليه السلام عدل إليه بالأمر فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية)().
قال النبي صلي الله عليه و اله: ?رأيت فيما يري النائم عمي حمزة بن عبد المطلب وأخي جعفر بن أبي طالب وبين أيديهما طبق من نبق فأكلا ساعة، فتحول النبق عنبا فأكلا ساعة، فتحول العنب لهما رطبا فأكلا ساعة، فدنوت منهما فقلت لهما: بأبي أنتما أي الأعمال وجدتما أفضل؟ قالا: فديناك بالآباء والأمهات، وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك وسقي الماء وحب علي بن أبي طالب
عليه السلام ?().
قال رسول الله صلي الله عليه و اله في حديث حول يوم القيامة: ?وعمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء علي ناقتي العضباء?().
وكان حمزة بن عبد المطلب عليه السلام يحمل علي القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له واحد وكانت هند بنت عتبة (عليها اللعنة) قد أعطت وحشيا عهدا لئن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطيتك رضاك، وكان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا، فقال وحشي: أما محمد فلا أقدر عليه، وأما علي فرأيته رجلا حذرا كثير الالتفات فلم أطمع فيه، قال: فكمنت لحمزة فرأيته يهد الناس هدا، فمر بي فوطئ علي جرف نهر فسقط فأخذت حربتي فهززتها ورميته فوقعت في خاصرته وخرجت من مثانته مغمسة بالدم فسقط فأتيته فشققت بطنه فأخذت كبده وأتيت بها إلي هند فقلت لها هذه كبد حمزة فأخذتها في فيها فلاكتها فجعلها الله في فيها مثل الداغصة فلفظتها ورمت بها، فبعث الله ملكا فحملها وردها إلي موضعها.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: ?يأبي الله أن يدخل شيئا من بدن حمزة النار?.
فجاءت إليه هند فقطعت أذنيه وجعلتهما خرصين وشدتهما في عنقها وقطعت يديه ورجليه().
نظر سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام إلي عبيد الله بن عباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام فاستعبر ثم قال: ?ما من يوم أشد علي رسول الله صلي الله عليه و اله من يوم أحد، قُتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم مؤتة قُتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب?.
ثم قال عليه السلام: ?ولا يوم كيوم الحسين عليه السلام ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلي الله عزوجل بدمه وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتي قتلوه بغيا وظلما وعدوانا?().
ولما انصرف رسول الله صلي الله عليه و اله من وقعة أحد إلي المدينة، سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا وبكاء ولم يسمع من دار حمزة عمه فقال صلي الله عليه و اله: ?لكن حمزة لا بواكي له?، فآلي أهل المدينة أن لا ينوحوا علي ميت ولا يبكوه حتي يبدءوا بحمزة عليه السلام فينوحوا عليه ويبكوه فهم إلي اليوم علي ذلك().
وفي الحديث: ماتت ابنة لأبي عبد الله عليه السلام فناح عليها سنة، ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة، ثم مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح، قال: فقيل لأبي عبد الله عليه السلام: أيناح في دارك؟
فقال: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله قال لما مات حمزة: لكن حمزة لا بواكي
له?().
قال في مراقد المعارف:
(كان علي قبره قبة مبنيّة بالجص والحجر الثقيل، وله مشهد يزار قديماً وحديثاً حتي جاء الوهّابيون … فهدموا قبر أئمّة البقيع في اليوم الثامن من شهر شوّال 1342).
قال في وفاء الوفاء:
(مشهد سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلي الله عليه و اله عليه قبة عالية حسنة متقنة وبابه مصفح كلّه بالحديد، بنته أمّ الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء وذلك في سنة 590 وجعلت علي القبر ساجاً وحوله حصباء، وباب المشهد كانت من حديد يفتح كلّ يوم خميس، وقريب منه مسجد يذكر أنّه موضع مقتله وقبره اليوم مبني مجصص بالفضّة لا خشب عليه وفي أعلاه من ناحية رأسه حجر فيه بعد البسملة: ?إنّما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر صلي الله عليه و اله هذا مصرع حمزة بن عبد المطلب عليه السلام ومصلّي النبي صلي الله عليه
و اله عمّره العبد الفقير إلي رحمة الله حسين بن أبي الهيجاء سنة 580 ه).
يستحب زيارة حمزة عليه السلام بهذه الزيارة:
(السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه و اله وَخَيْرَ الشُّهَدَاءِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَسَدَ اللهِ وَأَسَدَ رَسُولِهِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ جَاهَدْتَ فِي اللهِ، وَنَصَحْتَ لِرَسُولِ اللهِ، وَجُدْتَ بَنَفْسِكَ، وَطَلَبْتَ مَا عِنْدَ اللهِ، وَرَغِبْتَ فِيمَا وَعَدَ اللهُ)().
ثمّ تدخل فتصلي ولا تستقبل القبر عند صلاتك فإذا فرغت من صلاتك فانكب علي القبر وقل:
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَعَلَي أَهْلِ بَيْتِهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي تَعَرَّضْتُ لِرَحْمَتِكَ بِلُزُوقِي بِقَبْرِ عَمِّ نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَي أَهْلِ بَيْتِهِ، لِتُجِيرَنِي مِنْ نِقْمَتِكَ، وَسَخَطِكَ وَمَقْتِكَ، وَمِنَ الأزْلالِ فِي يَوْمٍ تَكْثُر فِيهِ الأَصْوَاتُ الْمَعَرَّاتُ، وَتَشْتَغِلُ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا قَدَّمَتْ، وَتُجَادِلُ كُلُّ نَفْسٍ عَنْ نَفْسِهَا، فَإِنْ تَرْحَمْنِي الْيَوْمَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيَّ وَلاَ حُزْنٌ، وَإِنْ تُعَاقِبْ فَمَوْلاَيَ له الْقُدْرَةُ عَلَي عَبْدِهِ. اللَّهُمَّ فَلاَ تُخَيِّبْنِي الْيَوْمَ وَلاَ تَصْرِفْنِي بِغَيْرِ حَاجَتِي، فَقَدْ لَزِقْتُ بِقَبِرِ عَمِّ نَبِيِّكَ وَتَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ وَرَجَاءَ رَحْمَتِكَ فَتَقَبَّلْ مِنِّي، وَعُدْ بِحِلْمِكَ عَلَي جَهْلِي، وَبِرَأْفَتِكَ عَلَي جِنَايَةِ نَفْسِي، فَقَدْ عَظُمَ جُرْمِي، وَمَا أَخَافُ أَنْ تَظْلِمَنِي وَلَكِنْ أَخَافُ سُوءَ الْحِسَابِ، فَانْظُرْ الْيَوْمَ تَقَلُبِي عَلَي قَبْرِ عَمِّ نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَي مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَبِهِمْ فُكَّنِي وَلاَ تُخَيِّبْ سَعْيِي، وَلاَ يَهُوننَّ عَلَيْكَ ابْتِهَالِي، وَلاَ تَحْجُبْ مِنْكَ صَوْتِي وَلاَ تَقْلُبْنِي بِغَيْرِ حَوَائِجِي، يَا غِيَاثَ كُلِّ مَكْرُوبٍ وَمَحْزُونٍ، يَا مُفَرِّجُ عَنْ الْمَلْهُوفِ الْحَيْرَانِ الْغَرِيبِ الْغَرِيقِ الْمُشْرِفِ عَلي الْهَلَكَةِ، صَلِّ عَلي مُحَمَّدٍ وَأهْلِ بَيْتِهِ الطاهِرينَ، وَانْظُرْ إِلَيَّ نَظْرَةً لاَ أَشْقي بَعْدَهَا أَبَداً، وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَغُرْبَتِي وَانْفِرَادِي فَقْدْ رَجَوْتُ رِضَاكَ، وَتَحَرَّيْتَ الْخَيْرَ الَّذِي لاَ يُعْطِيهِ أَحَدٌ سِوَاكَ، وَلاَ تَرُدَّ أَمَلِي)().
يقع قبر عبد الله بن عبد المطلب والد الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في المدينة المنورة.
نقل: إنّ عبد الله لمّا ترعرع
واشتدّ ساعده، ركب يوماً ليصيد، وقد نزل بالبطحاء() قوم من اليهود كانوا قد قدموا لقتل والد النبي صلي الله عليه و اله وإطفاء نور الله المودع في صلبه، فنظروا إليه فرأوا سمات الأنبياء عليهم السلام فيه فقصدوه وكانوا ثمانين نفراً حاملين السيوف، وكان والد السيّدة آمنة في نفس المنطقة يصيد وقد رأي اليهود قد احتوشوا عبدالله ليقتلوه، فأراد أن يدفعهم عنه وإذا بجمع من الملائكة معهم الأسلحة قد طردوهم عنه، فتعجّب من ذلك وجاء إلي عبد المطّلب وقال له: زوّج بنتي آمنة من عبد الله().
روي الشيخ الصدوق رضي الله عنه عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: ولد لأبي، عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نوراً يزهر كنور الشمس، فقال أبي: إن لهذا الغلام شأناً عظيماً.
قال: فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب، ثم رجع راجعاً حتي سقط علي بيت الكعبة، فسجدت له قريش كلها، فبينما الناس يتأملونه إذ صار نوراً بين السماوات والأرض وامتد حتي بلغ المشرق والمغرب.
فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم، فقالت: يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعاً له.
قال أبي أي العباس: فهمّني أمر عبد الله إلي أن تزوج بآمنة وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقاً، فلما مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله صلي الله عليه و اله أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر … الحديث().
بقي عبد الله عليه السلام بعد زواجه من السيّدة آمنة عليها السلام أربعين يوماً لا يخرج من داره، ثمّ خرج فنظر أهل مكّة إليه وإذا بالنور الذي كان يشرق في جبينه قد فارق موضعه.
ولمّا أتي علي رسول الله صلي الله عليه و اله شهر واحد في بطن اُمّه نادت الجبال والأشجار والسماوات بعضها بعضاً مستبشرين قائلين: ألا إنّ محمّداً قد سقط في رحم اُمّه آمنة وقد مضي عليه شهر، ففرح بذلك الجبال والبحار والسماوات والأرضون.
آنذاك ورد علي عبد المطّلب عليه السلام كتاب من يثرب يخبره بموت فاطمة بنت عبد المطّلب، وكان ممّا في طيّاته أنّها ورّثت مالاً كثيراً خطيراً، فاخرج أسرع ما تقدر عليه.
فقال عبد المطّلب لولده عبد الله: يا ولدي لابدّ لك أن ترافقني إلي المدينة، فسافر مع والده
ودخلا مدينة يثرب فاستلم عبد المطّلب المال. ولمّا مضي من علي دخولهما المدينة عشرة أيّام اعتلّ عبد الله علّة شديدة، وبقي خمسة عشر يوماً وفي اليوم السادس عشر مات عبد الله، فبكي عليه أبوه عبد المطّلب بكاءً مرّاً وشقّ سقف البيت لأجله في دار فاطمة بنت عبد المطّلب آنذاك، وبينما كان عبد المطّلب غارق في أحزانه إذا بهاتف يهتف ويقول: قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين وأي نفر لا يموت، فقام عبد المطّلب فغسّله وكفّنه ودفنه في محلّة يقال لها (شين) وبني علي قبره قبّة عظيمة من جص وآجر().
وفي رواية: إن عبد الله خرج إلي الشام في عير() من عيرات قريش يحملون تجارات، ففرغوا من تجاراتهم ثمّ انصرفوا، فمرّوا بالمدينة وعبد الله بن عبدالمطّلب يومئذ مريض فقال: أتخلّف عند أخوالي بني عدي بن النجّار، فأقام عندهم مريضاً شهراً، ومضي أصحابه فقدموا مكّة، فسألهم عبد المطّلب عن عبد الله، فقالوا: خلّفناه عند أخواله بني عدي بن النجّار وهو مريض.
فبعث إليه عبد المطّلب أعظم ولده الحارث فوجده قد توفّي في دار النابغة فرجع إلي أبيه فأخبره، فوجد() عليه عبد المطّلب وإخوته وأخواته وجداً شديداً ورسول الله صلي الله عليه و اله يومئذ حمل ولعبد الله يوم توفّي خمس وعشرون سنة().
تقع مقبرة مشربة أم إبراهيم بجنب مسجد مشربة أم ابراهيم، وفيها قبر أم المؤمنين مارية القبطية والدة إبراهيم بن رسول الله صلي الله عليه و اله وقبر السيدة نجمة والدة الإمام الرضا عليه السلام.
عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: ?ومن المشاهد بالمدينة التي ينبغي أن يؤتي إليها ويشاهد ويصلي فيها ويتعاهد … مشربة أم إبراهيم? ().
هي مارية القبطية أهداها إلي رسول الله صلي الله عليه و اله صاحب الإسكندرية مع البغلة الشهباء وأشياء معها ().
وفي إعلام الوري: إن المقوقس صاحب الإسكندرية أهدي إليه صلي الله عليه و اله جاريتين إحداهما مارية القبطية ولدت له إبراهيم و ماتت بعده بخمس سنين سنة ستة عشر، ووهب صلي الله عليه و اله الأخري لحسان بن ثابت().
وورد في بعض التفاسير: أن رسول الله صلي الله عليه و اله قسم الأيام بين نسائه فلما كان يوم حفصة قالت: يا رسول الله إن لي إلي أبي حاجة فأذن لي أن أزوره، فأذن لها، فلما خرجت أرسل رسول الله صلي الله عليه و اله إلي جاريته مارية القبطية وكان قد أهداها له المقوقس، فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها، فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقا، فجلست عند الباب فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله ووجهه يقطر عرقا، فقالت حفصة: إنما أذنت لي من أجل هذا أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها في يومي وعلي فراشي أما رأيت لي حرمة وحقا؟
فقال صلي الله عليه و اله: أليس هي جاريتي قد أحل الله ذلك لي، اسكتي فهي حرام عليّ ألتمس بذاك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن وهو عندك أمانة.
فلما خرج صلي الله عليه و اله قرعت حفصة الجدار الذي بينها
وبين عائشة فقالت: أ لا أبشرك أن رسول الله صلي الله عليه و اله قد حرم عليه أمته مارية وقد أراحنا الله منها، وأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصادقتين متظاهرتين علي سائر أزواجه، فنزلت ?يَا أيّهَا النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ مَآ أَحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ
رّحِيمٌ صلي الله عليه و اله() فطلق حفصة واعتزل سائر نسائه تسعة وعشرين يوما وقعد في مشربة أم إبراهيم مارية حتي نزلت آية التخيير()،().
وفي حديث عن الإمام الرضا علي بن موسي عليه السلام قال: ?هل علمتم ما قد رميت به مارية القبطية وما ادعي عليها في ولادتها إبراهيم بن رسول الله?؟
قالوا: لا يا سيدنا أنت أعلم فخبرنا لنعلم.
قال: ?إن مارية لما أهديت إلي جدي رسول الله صلي الله عليه و اله أهديت مع جوار له قسمهن رسول الله صلي الله عليه و اله علي أصحابه وظن بمارية من دونهن، وكان معها خادم يقال له جريح يؤدبها بآداب الملوك، وأسلمت علي يد رسول الله صلي الله عليه و اله وأسلم جريح معها وحسن إيمانهما وإسلامهما، فملكت مارية قلب رسول الله صلي الله عليه و اله فحسدها بعض أزواج رسول الله، فأقبلت زوجتان من أزواج رسول الله صلي الله عليه و اله إلي أبويهما تشكوان رسول الله صلي الله عليه و اله فعله وميله إلي مارية وإيثاره إياها عليهما، حتي سولت لهما نفسهما أن تقولا إن مارية إنما حملت بإبراهيم من جريح، وكانوا لا يظنون جريحا خادما زمانا.
فأقبل أبواهما إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وهو جالس في مسجده، فجلسا بين يديه وقالا: يا رسول الله ما يحل لنا ولا يسعنا أن نكتمك ما ظهرنا عليه من خيانة
واقعة بك!
قال: وما ذا تقولان؟
قالا: يا رسول الله إن جريحا يأتي من مارية الفاحشة العظمي وإن حملها من جريح وليس هو منك يا رسول الله!
فأربد وجه رسول الله صلي الله عليه و اله لعظم ما تلقياه به ثم قال: ويحكما ما تقولان؟
فقالا: يا رسول الله إننا خلفنا جريحا ومارية في مشربة وهو يفاكهها ويلاعبها ويروم منها ما تروم الرجال من النساء فابعث إلي جريح فإنك تجده علي هذه الحال فأنفذ فيه حكمك وحكم الله تعالي.
فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?يا أبا الحسن خذ معك سيفك ذا الفقار حتي تمضي إلي مشربة مارية فإن صادفتها وجريحا كما يصفان فأخمده ضربا?.
فقام علي واتشح بسيفه وأخذه تحت ثوبه فلما ولي ومر من بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله أتي إليه راجعا، فقال له: ?يا رسول الله أكون فيما أمرتني كالسكة المحماة في النار أو الشاهد يري ما لا يري الغائب?؟.
فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?فديتك يا علي بل الشاهد يري ما لا يري الغائب?.
قال: فأقبل علي و سيفه في يده حتي تسور من فوق مشربة مارية و هي وجريح معها يؤدبها بآداب الملوك ويقول لها: أعظمي رسول الله وكنيه وأكرميه ونحو من هذا الكلام، فنظر جريح إلي أمير المؤمنين عليه السلام وسيفه مشهر بيده ففزع منه جريح وأتي إلي نخلة في دار المشربة فصعد إلي رأسها، فنزل أمير المؤمنين إلي المشربة وكشف الريح عن أثواب جريح فانكشف ممسوحا، فقال: انزل يا جريح.
فقال: يا أمير المؤمنين آمن علي نفسي؟
قال: آمن علي نفسك.
قال: فنزل جريح وأخذ بيده أمير المؤمنين وجاء به إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فأوقفه بين يديه وقال
له: يا رسول الله إن جريحا خادما ممسوحا.
فولي النبي صلي الله عليه و اله وجهه إلي الجدار و قال: حل لهما (لعنهما الله) يا جريح اكشف عن نفسك حتي يتبين كذبهما، ويحهما ما أجراهما علي الله وعلي رسوله، فكشف جريح عن أثوابه فإذا هو خادم ممسوح كما وصف، فسقطا بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله وقالا يا رسول الله التوبة استغفر لنا فلن نعود، فقال رسول الله: لا تاب الله عليكما فما ينفعكما استغفاري ومعكما هذه الجرأة علي الله وعلي رسوله، قالا: يا رسول الله فإن استغفرت لنا رجونا أن يغفر لنا ربنا، فأنزل الله الآية: ?إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ صلي الله عليه و اله()،().
وفي تفسير القمي عند قوله تعالي: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلي ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ صلي الله عليه و اله قال: إنها نزلت في مارية القبطية أم إبراهيم، وكان سبب ذلك أن عائشة قالت لرسول الله صلي الله عليه و اله: إن إبراهيم عليه السلام ليس هو منك وإنما هو من جريح القبطي، فإنه يدخل إليها في كل يوم!.
فغضب رسول الله صلي الله عليه و اله وقال لأمير المؤمنين: ?خذ السيف وائتني برأس جريح?، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام السيف ثم قال: ?بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنك إذا بعثتني في أمر أكون فيه كالسفود المحمي في الوبر فكيف تأمرني أ تثبّت فيه أم أمضي علي ذلك؟?.
فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: ?بل تثبّت?.
فجاء أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) إلي مشربة أم إبراهيم فتسلق عليها فلما نظر إليه جريح هرب
منه وصعد النخلة، فدنا منه أمير المؤمنين عليه السلام فقال له:
?انزل? فقال له: يا علي اتق الله ما هاهنا بأس إني مجبوب ثم كشف عن عورته فإذا هو مجبوب، فأتا به إلي رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: ما شأنك يا جريح؟ فقال: يا رسول الله صلي الله عليه و اله: إن القبط يجبون حشمهم ومن يدخل إلي أهاليهم والقبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين، فبعثني أبوها لأدخل إليها وأخدمها وأونسها، فأنزل الله عزوجل: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ صلي الله عليه و اله الآية ()،().
هذا وروي أنه لما ولد للرسول صلي الله عليه و الهإبراهيم من مارية القبطية أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: السلام عليك أبا إبراهيم().
عن علي بن ميثم عن أبيه قال: (لما اشترت حميدة أم موسي بن جعفر عليه السلام أم الرضا عليه السلام نجمة، ذكرت حميدة أنها رأت في المنام رسول الله صلي الله عليه و اله يقول لها: ?يا حميدة هي نجمة لابنك موسي، فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض? فوهبتها له، فلما ولدت له الرضا عليه السلام سماها الطاهرة، وكانت لها أسماء منها: نجمة وأروي وسكن وسمان وتكتم وهو آخر أساميها)().
وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام عن عون بن محمد الكندي قال: سمعت أبا الحسن علي بن ميثم يقول: ما رأيت أحداً قط أعرف بأمر الأئمة عليهم السلام وأخبارهم ومناكحهم منه، قال: اشترت حميدة المصفاة وهي أم أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام وكانت من أشراف العجم جارية مولدة واسمها تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتي أنها
ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها، فقالت لابنها موسي عليه السلام:
يا بني إن تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك أن الله تعالي سيطهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا، فلما ولدت له الرضا ع سماها الطاهرة) ().
وروي الشيخ الصدوق رضي الله عنه عن نجمة عليها السلام اُمّ الإمام الرضا عليه السلام أنّها قالت: لمّا حملت بابني عليّ لم أشعر بثقل الحمل وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني فيفزعني ذلك ويهوّلني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً. فلمّا وضعته، وقع علي الأرض واضعاً يده علي الأرض، رافعاً رأسه إلي السماء، يحرّك شفتيه كأنه يتكلّم، فدخل إليّ أبوه موسي بن جعفر عليه السلام، فقال لي: «هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربّك». فناولته إيّاه في خرقة بيضاء، فأذّن في اُذنه الأيمن وأقام في الأيسر، ودعا بماء الفرات فحنّكه، ثم ردّه إليّ، فقال: «خذيه فإنه بقية الله في أرضه» ().
يقع قبر علي بن جعفر العريضي عليه السلام في العريض شرق المدينة.
وهو علي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، يكني أبا الحسن، وأمه أم ولد، وهو أصغر ولد أبيه، مات أبوه وهو طفل صغير، وإنما لقب بالعريضي لأن مولده ومدفنه بالعريض علي أربعة أميال من المدينة مما يلي المشرق.
كان علي بن جعفر عليه السلام شديد الورع، كثير الفضل، ولزم أخاه موسي عليه السلام وروي عنه شيئاً كثيراً.
وكان عالماً كبيراً، فعمر طويلاً، وتربي في حجر أخيه الإمام موسي الكاظم عليه السلام ونقل عنه وعن ابنه علي الرضا عليه السلام وعن ابنه محمد التقي عليه السلام وعن الحسين ذي العبرة بن زيد الشهيد، فكان علي العريضي من كبار
فضلاء الشيعة الإمامية وأجلائهم، جليل القدر، رفيع المنزلة، عظيم الشان، تقياً، نقياً، صالحاً، عابداً، ورعاً، زاهداً، سديد الطريقة، ثقة، وقد روي عن الكشي ما يشهد بصحته ووثاقته، وقد مدحه جميع علماء الرجال مدحاً كثيراً.
ولعلي العريضي مصنفات عديدة: فمنها كتاب المناسك، ومسائل قد سألها من أخيه موسي عليه السلام وكتاب في الحلال والحرام، وكتاب الفقه، وكتاب مشتمل علي الروايات.
روي الشيخ الكليني رضي الله عنه عن محمد بن الحسن بن عمار أنه قال:
كنت عند علي بن جعفر بن محمد عليه السلام جالساً، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب ما سمع من أخيه يعني أبا الحسن عليه السلام إذا دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام المسجد، مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله، فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظمه.
فقال له أبو جعفر عليه السلام: يا عم اجلس رحمك الله.
فقال: يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم؟
فلما رجع علي بن جعفر إلي مجلسه جعل أصحابه يوبخونه ويقولون: أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟.
فقال: اسكتوا إذا كان الله عزوجل وقبض علي لحيته لم يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتي ووضعه حيث وضعه، أنكر فضله؟ نعوذ بالله مما تقولون بل أنا له عبد().
توفي علي العريضي عليه السلام في زمن الإمام الهادي عليه السلام، ودفن في العريض التي تبعد عن المدينة بفرسخ.
وقيل: إنه دفن بقم المقدسة، ولعل الموجود في قم هو أحد أحفاده.
مرقد محمد النفس الزكية () بضواحي مدينة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في الموضع الذي استشهد فيه ويعرف ب (أحجار الزيت)()، وقيل: نقل جسده إلي البقيع وقبر به().
تقع قبور شهداء بدر، قرب المدينة المنورة حيث وقعت غزوة بدر، وعددهم أربعة عشر، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
قال سبحانه: ?ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ?().
كان يوم بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة علي رأس ثمانية عشر شهرا، وقيل: كان التاسع عشر من شهر رمضان وقد روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام ().
وكان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا علي عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين، ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الأنصار، وكان صاحب لواء رسول الله صلي الله عليه و اله والمهاجرين علي بن أبي طالب عليه السلام، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكانت الإبل في جيش رسول الله صلي الله عليه و اله سبعين بعيرا والخيل فرسين فرس للمقداد بن الأسود وفرس لمرثد بن أبي مرثد، وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف وجميع من استشهد يومئذ أربعة عشر ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
واختلف في عدة المشركين، فروي عن علي عليه السلام وابن مسعود أنهم كانوا ألفا، وعن قتادة وعروة بن الزبير والربيع كانوا بين تسعمائة إلي ألف، وكان خيلهم مائة فرس ورئيسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان حرب بدر أول مشهد شهده رسول الله صلي الله عليه و اله.
وقد نزلت الملائكة يوم بدر
علي خيل بلق عليهم عمائم بيض ونصروا المسلمين. كما جاء إبليس في جند من الشيطان فتبدي لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني ثم المدلجي وكان من أشراف كنانة فقال لهم: ?لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وإِنِّي جارٌ لَكُمْ?()، أي مجير لكم من كنانة، فلما رأي إبليس الملائكة نزلوا من السماء وعلم أنه لا طاقة له بهم ?نَكَصَ عَلي عَقِبَيْهِ?().
وقد استعد مشركو مكة لحرب الرسول صلي الله عليه و اله وأخرجوا بني هاشم كرهاً معهم وقالوا من لم يخرج نهدم داره، فخرج معهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وهم مسلمون. روي أن النبي صلي الله عليه و اله قال يوم بدر: ?لا تقتلوا أحدا من بني عبد المطلب فإنما أخرجوا كرها?().
وخرج رسول الله صلي الله عليه و اله بالمسلمين وقال: ?سيروا علي بركة الله فإن الله وعدني إحدي الطائفتين ?ولَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ?()، والله لكأني أنظر إلي مصرع أبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وفلان وفلان?()، وأمر رسول الله صلي الله عليه و اله بالرحيل وخرج إلي بدر وهو بئر.
وفي حديث أبي حمزة: وبدر رجل من جهينة والماء ماؤه وإنما سمي الماء باسمه.
فلما بلغ أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله كثرة قريش فزعوا واستغاثوا وتضرعوا فأنزل الله سبحانه ?إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ?().
قال ابن عباس: لما كان يوم بدر واصطف القوم للقتال قال أبو جهل: اللهم أولانا بالنصر فانصره، واستغاث المسلمون فنزلت الملائكة ونزل قوله
?إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ? إلي آخره.
وقيل: إن النبي صلي الله عليه و اله لما نظر إلي كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال: ?اللهم
أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض?، فما زال يهتف ربه مادا يديه حتي سقط رداؤه من منكبه فأنزل الله تعالي: ?إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ? الآية، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام.
ولما أمسي رسول الله صلي الله عليه و اله وجنه الليل ألقي الله علي أصحابه النعاس وكانوا قد نزلوا في موضع كثير الرمل لا تثبت فيه قدم، فأنزل الله عليهم المطر رذاذا حتي لبد الأرض وثبتت أقدامهم وكان المطر علي قريش مثل العزالي وألقي الله في قلوبهم الرعب كما قال: ?سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ?() الآية.
وأنزل الله سبحانه ?وإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لها?()، فبعث إليهم رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: ?يا معاشر قريش إني أكره أن أبدأكم فخلوني والعرب وارجعوا?، فقال عتبة: ما رد هذا قوم قط فأفلحوا، ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه رسول الله صلي الله عليه و اله وهو يجول بين العسكرين وينهي عن القتال، فقال صلي الله عليه و اله: ?إن يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر وإن يطيعوه يرشدوا?.
وخطب عتبة فقال في خطبته: يا معاشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر إن محمدا له إل وذمة وهو ابن عمكم فخلوه والعرب فإن يك صادقا فأنتم أعلي عينا به وإن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره.
فغاظ أبا جهل قوله وقال له: جبنت وانتفخ سحرك.
فقال: يا مصفرا استه، مثلي يجبن ستعلم قريش أينا ألأم وأجبن وأينا المفسد لقومه، ولبس درعه وتقدم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد وقال: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار وانتسبوا لهم، فقالوا: ارجعوا إنما نريد الأكفاء من قريش،
فنظر رسول الله صلي الله عليه و اله إلي عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وكان له يومئذ سبعون سنة فقال: ?قم يا عبيدة? ونظر إلي حمزة فقال: ?قم يا عم? ثم نظر إلي علي فقال: ?قم يا علي? وكان أصغر القوم ?فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله ?ويَأْبَي اللَّهُ إلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ?()?. ثم قال: ?يا عبيدة عليك بعتبة بن ربيعة? وقال لحمزة: ?عليك بشيبة? وقال لعلي عليه السلام: ?عليك بالوليد? فمروا حتي انتهوا إلي القوم، فقالوا: أكفاء كرام.
فحمل عبيدة علي عتبة فضربه علي رأسه ضربة فلقت هامته، وضرب عتبة عبيدة علي ساقه فأطنها فسقطا جميعا، وحمل شيبة علي حمزة فتضاربا بالسيفين حتي انثلما، وحمل أمير المؤمنين عليه السلام علي الوليد فضربه علي حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه، قال علي عليه السلام: ?لقد أخذ الوليد يمينه بشماله فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت علي الأرض? ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون: يا علي أما تري الكلب نهز عمك، فحمل عليه علي عليه السلام فقال: ?يا عم طأطئ رأسك? وكان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه علي فطرح نصفه ثم جاء إلي عتبة وبه رمق فأجهز عليه.
قال علي بن أبي طالب عليه السلام: ?لقد حضرنا بدرا وما فينا فارس غير المقداد بن الأسود، ولقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا من نام غير رسول الله صلي الله عليه و اله فإنه كان منتصبا في أصل شجرة يصلي فيها ويدعو حتي الصباح?().
وعن ابن عباس قال: كان النبي صلي الله عليه و اله ليلة بدر قائما يصلي ويبكي ويستعبر ويخشع ويخضع
كاستطعام المسكين ويقول: ?اللهم أنجز لي ما وعدتني? ويخر ساجدا ويخشع في سجوده ويكثر التضرع، فأوحي الله إليه: ?قد أنجزنا وعدك وأيدناك بابن عمك علي ومصارعهم علي يديه وكَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ به، فعلينا فتوكل وعليه فاعتمد فأنا خير من توكلت عليه وهو أفضل من اعتمد
عليه?(). وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ?إن الملائكة الذين نصروا محمدا صلي الله عليه و اله يوم
بدر في الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتي ينصروا صاحب هذا الأمر عليه السلام ?().
وروي عن عامر بن سعد أنه: لما جاء أبو اليسر الأنصاري بالعباس فقال: والله ما أسرني إلا ابن أخي علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?صدق عمي ذلك ملك كريم? فقال: قد عرفته بجلحته وحسن وجهه، فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?إن الملائكة الذين أيدني الله بهم علي صورة علي بن أبي طالب عليه السلام ليكون ذلك أهيب في صدور الأعداء?.
وقال أبو اليسر الأنصاري: رأيت العباس آنفا وعقيلا معهما رجل علي فرس أبلق عليه ثياب يقود العباس وعقيلا فدفعهما إلي علي وقال: يا علي هذان عمك وأخوك فدونكهما فأنت أولي بهما، فحكي ذلك لرسول الله صلي الله عليه و اله فقال: ?ذلك جبرئيل عليه السلام دفعهما إليك?().
عن محمد بن الحنفية قال: بعث رسول الله صلي الله عليه و اله عليا في غزوة بدر أن يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن إيراده، فلما أتي القليب وملأ القربة فأخرجها جاءت ريح فأهرقته، ثم عاد إلي القليب وملأ القربة فجاءت ريح فأهرقته، وهكذا في الثالثة، فلما كانت الرابعة ملأها فأتي به النبي صلي الله عليه و اله وأخبره بخبره، فقال رسول الله صلي
الله عليه و اله: ?أما الريح الأولي فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثانية ميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك?.
وفي رواية: ?وما أتوك إلا ليحفظوك?().
قال السيد الحميري:
أقسم بالله وآلائه
والمرء عما قال مسئول
إن علي بن أبي طالب
علي التقي والبر مجبول
وإنه كان الإمام الذي
له علي الأمة تفضيل
يقول بالحق ويعني به
ولا تلهيه الأباطيل
كان إذا الحرب مرتها القنا
وأحجمت عنها البهاليل
يمشي إلي القرن وفي كفه
أبيض ماضي الحد مصقول
مشي العفرني بين أشباله
أبرزه للقنص الغيل
ذاك الذي سلم في ليلة
عليه ميكال وجبريل
ميكال في ألف وجبريل في
ألف ويتلوهم سرافيل
ليلة بدر مددا أنزلوا
كأنهم طير أبابيل
فسلموا لما أتوا حذوه
وذاك إعظام وتبجيل
يقول عكاشة بن محصن: انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله صلي الله عليه و اله عودا فإذا هو سيف أبيض طويل فقاتلت به حتي هزم الله المشركين ولم يزل ذلك السيف عند عكاشة حتي هلك().
وقد روي رجال من بني عبد الأشهل عدة قالوا: انكسر سيف سلمة بن أسهل بن جريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله صلي الله عليه و اله قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب: فقال اضرب به فإذا سيف جيد فلم يزل عنده حتي قتل يوم جسر أبي عبيد().
وأمر رسول الله صلي الله عليه و اله يوم بدر بالقليب أن تعور ثم أمر بالقتلي فطرحوا فيها كلهم إلا أمية بن خلف فإنه كان مسمنا انتفخ من يومه فلما أرادوا أن يلقوه تزايل لحمه فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?اتركوه? فأقروه وألقوا عليه من التراب والحجارة ما غيبه، ثم وقف صلي الله عليه و الهعلي أهل القليب فناداهم رجلا رجلا: ?هل وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا، بئس القوم كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس? فقالوا: يا رسول الله صلي الله عليه و اله: أتنادي قوما قد ماتوا؟ فقال: ?لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق? وفي رواية أخري فقال صلي الله عليه و اله: ?ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني?().
وعن ابن عباس قال: وقف رسول الله صلي الله عليه و اله علي قتلي بدر فقال: ?جزاكم الله من عصابة شرا لقد كذبتموني صادقا، وخونتم أمينا? ثم التفت إلي أبي جهل بن هشام فقال: ?إن هذا أعتي
علي الله من فرعون، إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحّد الله وإن هذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزي?().
تقع قبور شهداء الحرّة بقرب المدينة المنورة، وفي المدينة أيضاً، حيث قتل في واقعة الحرّة بأمر يزيد بن معاوية مئات من الصحابة وقراء القرآن وآلاف من المسلمين، وهتكت أعراض آلاف من المسلمات حراماً، وقد ولد في ذلك العام أكثر من ألف طفل لا يعرف له أب.
كانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة.
وقد خرج وفد من أهل المدينة إلي الشام كان فيهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، ورجال من أشراف المدينة المنورة، فقدموا علي يزيد، ولما رجعوا أظهروا شتم يزيد وعيبه، وقالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر ويضرب بالطنابير، ويعزف عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسمر عنده الحراب وهم اللصوص وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه، وقام عبد الله بن حنظلة فقال: جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم، فأهل المدينة خلعوا يزيد..
وقال بعضهم: والله إن يزيد ليشرب الخمر، والله انه ليسكر حتي يدع الصلاة…
فأخرج أهل المدينة عامل يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان فكتب بنو أمية إلي يزيد يستغيثون به… فلما قرأ كتابهم بعث إلي مسلم بن عقبة المري، الذي سمي بعد ذلك مسرفا لإسرافه في إهراق دماء المسلمين في مدينة الرسول صلي الله عليه و اله … فتجهّز ابن عقبة إلي الحجاز مع اثني عشر ألفا، فقال له يزيد: إن حدث بك حدث فاستخلف الحصين بن نمير السكوني، وقال لابن عقبة: ادع القوم ثلاثاً فان أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال
أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند، فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس. فأقبل ابن عقبة بالجيش نحو المدينة، من قبل الحرة، فقاتل عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة وأصحابه حتي قُتل هو وقُتل أصحابه معه..
واستولي شيعة آل أبي سفيان، وجند يزيد علي مدينة الرسول صلي الله عليه و اله فأباحها ابن عقبة ثلاثاً يقتلون الناس ويتعرضون للنساء والبنات ويتعدون عليهن ووقعوا عليهن، حتي أنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زواج، وأخذوا كلما كان للناس من المتاع والأموال، وقتلوا الناس وأسرفوا في ذلك.
وقد ذكر جماعة من أصحاب التواريخ أنه ولد من أهل المدينة في تلك المدة أربعة آلاف مولود لا يعرف لهم أب.
وسُئل الزهري كم كان القتلي يوم الحرة؟
قال: سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف..().
وكانت وقعة الحرة لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين.
ولما فرغ مسرف بن عقبة من قتال أهل المدينة ونهبها والتشنيع بأهلها، وشخص بمن معه من أمة معاوية وشيعة يزيد نحو مكة المكرمة، يريد عبد الله بن الزبير.. ففي الطريق حضره الموت، فأحضر الحصين بن نمير وقال له: إن يزيد ولاك بعدي، فسار الحصين بن نمير بالجند، فقدم مكة لأربع بقين من المحرم سنة أربع وستين.
فخرج ابن الزبير إلي لقائهم، فبارز المنذر بن الزبير رجلاً من أهل الشام، فتقاتلا وقتل كل منهما صاحبه، ثم حمل شيعة يزيد علي عبد الله بن الزبير وأصحابه حملة انكشف منها أصحاب ابن الزبير، فصاح هو بأصحابه: اليّ، فأقبل اليه المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، فقاتلا حتي قتلا، وصابرهم ابن الزبير إلي الليل.. ثم أقاموا عليه
يقاتلونه بقية المحرم، وصفر كله، وثلاثة أيام من ربيع الأول، ورموا الكعبة بالمجانيق، وحرقوها بالنار، وكانوا يرتجزون ويقولون:
خطّارة مثل الفنيق المزبد نرمي بها أعواد هذا المسجد
وأقاموا يحاصرون ابن الزبير في المسجد الحرام حتي بلغهم هلاك يزيد.
قال أنس بن مالك: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن فيهم ثلاثة من أصحاب النبي صلي الله عليه و اله().
وكان الحسن يقول: لما كان يوم الحرة قتل أهل المدينة حتي كاد لا ينفلت أحد وكان فيمن قتل ابنا زينب ربيبة رسول الله صلي الله عليه و اله وهما ابنان من زمعة بن عبد الأسود().
وقال الهيثم: قتل يوم الحرة نحوا من ستة آلاف وخمسمائة.
وقال أبو مخنف: المقتولون من وجوه قريش سبعمائة.
وفي تاريخ الطبري: أنه قتل من القراء سبعمائة، وثلاثة من الصحابة: عبد الله بن زيد بن عاصم ومعقل بن يسار الأسلمي ومحمد بن عمرو بن حزم وابن الغسيل، وأباحها ثلاثا ولم يبق دارا إلا انتهبت إلا دار علي بن الحسين عليه السلام حماها رجل من أهل الشام، ودار أسامة بن زيد فإن كلبا حماها، ودار امرأة من حمير فإن حمير حمتها، ثم أخذهم بالبيعة ليزيد علي أنهم عبيد ليزيد وسماها خبثة وقد سماها رسول الله صلي الله عليه و اله طيبة().
هذا وقد كان رسول الله صلي الله عليه و اله قد أخبر بقتلي أهل الحرة واسترجع، حيث روي عن أيوب بن بشير قال: خرج رسول الله صلي الله عليه و اله في سفر من أسفاره، فلما مر بحرة زهرة وقف فاسترجع، فساء ذلك من معه وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقالوا: يا رسول الله ما الذي رأيت؟ فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أما إن ذلك
ليس من سفركم?، قالوا: فما هو يا رسول الله؟ قال: ?يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي?().
وفي التاريخ: أنه دعا ابن الزبير بمكة إلي نفسه وعاب يزيد بالفسوق والمعاصي وشرب الخمور فبايعه أهل تهامة والحجاز، فلما بلغ يزيد ذلك ندب له الحصين بن نمير وروح بن زنباع وضم إلي كل واحد جيشا واستعمل علي الجميع مسلم بن عقبة وجعله أمير الأمراء ولما ودعهم قال: يا مسلم لا ترد أهل الشام عن شي ء يريدونه لعدوهم واجعل طريقك علي المدينة فإن حاربوك فحاربهم فإن ظفرت بهم فأبحهم ثلاثا. فسار مسلم حتي نزل الحرة فخرج أهل المدينة فعسكروا بها وأميرهم عبد الله بن حنظلة الراهب غسيل الملائكة، فدعاهم مسلم ثلاثا فلم يجيبوا فقاتلهم فغلب أهل الشام وقتل عبد الله وسبعمائة من المهاجرين والأنصار ودخل مسلم المدينة وأباحها ثلاثة أيام ثم شخص بالجيش إلي مكة وكتب إلي يزيد بما صنع بالمدينة، ومات مسلم لعنه الله في الطريق. فتولي أمر الجيش الحصين بن نمير حتي وافي مكة فتحصن منه ابن الزبير في المسجد الحرام في جميع من كان معه، ونصب الحصين المنجنيق علي أبي قبيس ورمي به الكعبة فبينما هم كذلك إذ ورد في الخبر علي الحصين بموت يزيد فأرسل إلي ابن الزبير يسأله الموادعة فأجابه إلي ذلك وفتح الأبواب واختلط السكران يطوفون بالبيت().
تابع
كان رسول الله صلي الله عليه و اله دائم الحركة والتنقل في نواحي المدينة المنورة، يزور القبائل القاطنة، ويجتمع بالناس ويرشدهم، ويبني لهم المساجد، ويصلي بهم في مساجدهم، ويعود مرضاهم، ويقضي حوائجهم.
وجعل النبي صلي الله عليه و اله للنساء امرأة تؤمهن في الصلاة، وكانت فاضلة تسمي (أم ورقة)، فمن شاءت من النساء جاءت إلي مسجد رسول
الله صلي الله عليه و اله للصلاة، ومن شاءت منهن ذهبت إلي أم ورقة للصلاة خلفها.
وقد بني النبي صلي الله عليه و اله في المدينة ما يقارب من خمسين مسجداً، كما بنيت مساجد عديدة في زمن أهل البيت عليهم السلام، وبقي العديد من هذه المساجد إلي قبل فترة غير طويلة، ولكن الطغاة قضوا علي أكثرها، لأنهم أرادوا القضاء علي آثار رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، فيلزم علي المسلمين السعي لإعادة كل تلك المساجد والمشاهد الشريفة التي هدمت، فإن فيها إحياء للإسلام ومعالمه.
عن أبي عبد الله عليه السلام: ?مكتوب في التوراة إن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبي لعبد تطهّر في بيته ثم زارني وحق علي المزور أن يكرم الزائر?().
وهذه بعض مساجد المدينة المنورة:
يستحب إتيان مسجد قبا والصلاة فيه، وهو المسجد الذي أُسّس علي التقوي من أول يوم، فإن النبي صلي الله عليه و اله كان يأتي قبا راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين().
وفي مجمع البحرين: (قُبا) بضم القاف، يقصر ويمد ولا يصرف ويذكر ويؤنث: موضع بقرب المدينة المشرفة من جهة الجنوب نحواً من ميلين().
تقع منطقة قبا علي بُعد ستة كيلو مترات عن مسجد النبيّ صلي الله عليه و اله وقد نزل رسول الله صلي الله عليه و اله بقبا في هجرته من مكة المكرمة إلي المدينة، وكان ينتظر قدوم أمير المؤمنين علي عليه السلام، وما التحق به علي عليه السلام حتي خط لهم مسجداً ونصب قبلته فصلي فيه الجمعة ركعتين وخطب خطبتين، وهو المسجد الذي ذكره الله تعالي في القرآن الحكيم بقوله جل شأنه: ?لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَي التَّقْوَي مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ
يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ
الْمُطَّهِّرِينَ?().
وفي مستدرك الوسائل: (باب استحباب الصلاة في مساجد المدينة وخصوصا مسجد قبا)(). وفي دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: ?ومن المشاهد في المدينة التي ينبغي أن يؤتي إليها وتشاهد ويصلي فيها وتعاهد: مسجد قبا وهو المسجد الذي أسس علي التقوي، ومسجد الفتح، ومسجد الفضيخ، ومشربة أم إبراهيم وقبر حمزة وقبور الشهداء?().
وفي حديث عن الإمام الصّادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من أتي مسجد قبا فصلّي فيها ركعتين رجع بعمرة?().
وعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من أتي مسجدي مسجد قُبا فصلي فيه ركعتين رجع بعمرة?().
وعنه صلي الله عليه و اله: ?مَن تطهَّر في بيته ثمّ أتي مسجد قباء فصلّي فيه ركعتين كان كأجر عمرة?.
وروي العياشي في تفسيره، عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله ? في قوله تعالي: ?لمسجد أسس علي التقوي من أول يوم? قال: ?مسجد قبا?، وأما قوله ?أحق أن تقوم فيه? قال: ?يعني من مسجد نفاق، وكان علي طريقه إذا أتي مسجد قبا فقام فينضح بالماء والسدر ويرفع ثيابه عن ساقيه ويمشي علي حجر في ناحية الطريق ويسرع المشي، ويكره أن يصيب ثيابه منه شيء? فسألته: هل كان النبي صلي الله عليه و اله يصلي في مسجد قبا؟ قال: ?نعم?().
وعن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: إنّا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدأ؟ فقال: «ابدأ بقُبا فصلّ فيه وأكثر، فإنه أول مسجد صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله في هذه العرصة..» ().
وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن المسجد الذي أسس علي التقوي؟ قال: ?مسجد قبا?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?هل أتيتم مسجد قبا أو مسجد الفضيخ أو مشربة أم إبراهيم؟? فقلت: نعم، فقال: ?أما إنه لم يبق من آثار رسول الله صلي الله عليه و اله شيء إلا وقد غُير غير هذا?().
وفي الحديث: ?ثم ائت قبور السادة بالبقيع ومسجد فاطمة عليها السلام فصلّ ركعتين، وزر قبر حمزة وقبور الشهداء، ومسجد الفتح ومسجد السقيا ومسجد قبا فإن فيها فضلا كثيرا?() الحديث.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?أفطر رسول الله صلي الله عليه و اله عشية خميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعس مخيض بعسل، فلما وضعه علي فيه نحاه ثم قال: شرابان يكتفي بأحدهما من صاحبه، لا أشربه ولا أحرمه، ولكني أتواضع لله، فإن من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله?().
مسجد مشربة أم إبراهيم، وهي زوجة رسول الله صلي الله عليه و اله، وكان مسكناً للرسول صلي الله عليه و اله مع زوجته مارية القبطية ومصلاه، وقد حثت الروايات علي الصلاة فيه.
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?ثمّ ائت مشربة أُمّ إبراهيم فصل فيها فإنّه مسكن رسول الله صلي الله عليه و اله ومصلاه?().
و(المشربة) بفتح الميم وفتح الراء وضمها: الغرفة أو البستان، وإنما سميت بمشربة أم إبراهيم عليه السلام لأن إبراهيم ابن النبي صلي الله عليه و اله ولدته أمه فيها، وتعلقت حين ضربها المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، وقد ذرعت من القبلة إلي الشمال أحد عشر ذراعاً().
وهذه المشربة كانت حائطاً
(بستانا) عائدة لرسول الله صلي الله عليه و اله، كان ينفق منها علي أضيافه، وقد أوقفها علي فاطمة عليها السلام بأمر من الله عزوجل، وكان مما أهداها: العراف والبرقة والصافية ومشربة أم إبراهيم والحسني والزلال والمنبت().
كما إن فاطمة (سلام الله عليها) كانت قد أوصت بها مع البقية إلي علي عليه السلام ومن بعده إلي الحسن عليه السلام ثم الحسين عليه السلام ثم الأكبر فالأكبر من ولدها، وقد شهد بذلك بعد الله المقداد بن الأسود والزبير بن العوام().
ومسجد المشربة هو الموضع الذي صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله في مشربة أُمّ إبراهيم، وهو مسجد بقباء شمالي مسجد بني قريظة قريب من الحرة الشرقية في موضع يعرف بالدشت وهو عريصة صغيرة بين نخيل().
عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إن الله عزوجل أنف لرسول الله صلي الله عليه و اله من مقالة قالتها بعض نسائه، فأنزل الله آية التخيير()، فاعتزل رسول الله صلي الله عليه و اله نساءه تسعاً وعشرين ليلة في مشربة أم إبراهيم ثم دعاهن فخيرهن فاخترنه فلم يك شيئاً … » ().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?هل أتيتم مسجد قبا أو مسجد الفضيخ أو مشربة أم إبراهيم? قال: نعم، قال: ?أما إنه لم يبق من آثار رسول الله ص شي ء إلا وقد غُير غير هذا?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?لا تدع إتيان المشاهد كلها، مسجد قبا، فإنه المسجد الذي أسس علي التقوي من أول يوم ومشربة أم إبراهيم?() الحديث.
مسجد القبلتين من أهم مساجد المدينة المنورة، يستحب إتيانه والصلاة والدعاء فيه().
بناه بنو سواد بن غنم بن كعب، ثم عرف بمسجد القبلتين.
وقد صلي رسول الله صلي الله عليه
و اله إلي بيت المقدس بعد النبوة ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهراً بالمدينة ثم عيرته اليهود فقالوا له: إنك تابع لقبلتنا، فاغتم صلي الله عليه و اله لذلك غماً شديداً، فلما كان في بعض الليل خرج صلي الله عليه و اله يقلّب وجهه في آفاق السماء، فلما أصبح صلي الغداة، فلما صلي من الظهر ركعتين جاءه جبرائيل عليه السلام فقال له: ?قَدْ نَرَي تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ?() ثم أخذ بيد النبي صلي الله عليه و اله فحوّل وجهه إلي الكعبة وحول من خلفه وجوههم حتي قام الرجال مقام النساء والنساء مقام الرجال، فكان أول صلاته إلي بيت المقدس وآخره إلي الكعبة، وبلغ الخبر مسجداً بالمدينة وقد صلي أهله من العصر ركعتين فحولوا نحو الكعبة فكانت أول صلاتهم إلي بيت المقدس وآخرها إلي الكعبة، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين().
عن أبي بصير عن أحدهما ?: ?إن بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة وقد صلوا ركعتين إلي بيت المقدس، فقيل لهم: إن نبيكم قد صُرف إلي الكعبة، فتحول النساء إلي مكان الرجال، والرجال إلي مكان النساء، وجعلوا الركعتين الباقيتين إلي الكعبة، فصلوا صلاة واحدة إلي قبلتين فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين?().
وقيل: زار رسول الله صلي الله عليه و اله أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فتغدي هو وأصحابه وجاءت الظهر فصلي بأصحابه في مسجد القبلتين ركعتين من الظهر إلي الشام ثم أمر أن يستقبل الكعبة وهو راكع في الركعة الثانية فاستدار إلي الكعبة فدارت الصفوف خلفه ثم أتم الصلاة فسمي مسجد القبلتين().
وقال المسلمون: صلاتنا إلي بيت المقدس تضيع يا رسول الله؟ فأنزل الله عزوجل:
?وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ?() يعني صلاتكم إلي بيت المقدس().
وكان تحويل القبلة في النصف من رجب، وقيل: في النصف من شعبان في السنة الثانية من الهجرة.
من المساجد الشريفة في المدينة المنورة: مسجد رد الشمس أو الفضيخ، ويقع وسط النخيل شرقي مسجد قُبا ومنطقة العوالي، علي شفير الوادي، مرضوم بحجارة سود، وهو مسجد صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين علي عليه السلام.
وبالرغم من شهرته إلاّ أنّه بقي مسجداً صغيراً، حيث لم يجيزوا بتوسعته وتجديد بنائه، بل قاموا بهدمه حتي صار قاعاً صفصفا، وذلك لمحو آثار رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.
وقد سمي هذا المسجد برد الشمس لأنها قد رُدت علي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وذلك بعدما وضع رسول الله صلي الله عليه و اله رأسه في حِجر علي عليه السلام ثم خفق حتي غط وحضرت صلاة العصر، فكره أمير المؤمنين عليه السلام أن يحرك رأس رسول الله صلي الله عليه و اله عن فخذه فيكون قد آذاه، حتي ذهب وقت الفضيلة وفاته أول وقت الصلاة، فانتبه رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال: «يا علي صليت?؟
قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا».
قال: «ولم ذلك?؟
قال عليه السلام: «كرهت أن أوذيك»؟
فقام رسول الله صلي الله عليه و اله واستقبل القبلة ومد يديه كلتيهما وقال: «اللهم رُد الشمس إلي وقتها حتي يصلي علي». فرجعت الشمس إلي وقت الصلاة حتي صلي أمير المؤمنين عليه السلام صلاة العصر ثم انقضت انقضاض الكوكب().
هذا وقد رُدت الشمس لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام أكثر من مرة، كانت إحداها في مسجد الفضيخ.
وقيل في العلة التي سمي بها الفضيخ: إن النخل يسمي الفضيخ
كما ورد ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام ()، وقيل: سمي المسجد الذي قعد فيه رسول الله صلي الله عليه و اله يوم أكفئت المشربة مسجد الفضيخ من يومئذ، لأنه كان أكثر شيء أكفئ من الأشربة الفضيخ().
وقد ورد استحباب إتيانه والصلاة فيه وذلك لأن رسول الله صلي الله عليه و اله قد صلي فيه، قال أبو عبد الله عليه السلام: ?ثمّ تأتي المسجد الفضيخ فصلِّ فيه ركعتين فقد صلّي فيه نبيك?().
وسمي بالفضيخ أيضاً: لأنه اسم نخلة كانت في المسجد أو حولها، وروي أنّ آيات تحريم الخمر نزلت علي الرسول صلي الله عليه و اله عندما كان يُحاصر قلعة بني النضير، وقد بُني المسجد في المحل (الخيمة) الذي نزلت فيه هذه الآيات علي الرسول صلي الله عليه و اله لذلك سمِّي بمسجد الفضيخ، لوجود أشجار الفضيخ هناك.
قال أبو عبد الله عليه السلام: ?لا تدع إتيان المشاهد كلها: مسجد قباء … ومسجد الفضيخ?().
وعن الحلبي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?هل أتيتم مسجد قباء أو مسجد الفضيخ أو مشربة أم إبراهيم?؟ قلت: نعم، قال: ?أما إنه لم يبق من آثار رسول الله صلي الله عليه و اله شيء إلا وقد غُير غير هذا?().
وعن عمار بن موسي قال: دخلت أنا وأبو عبد الله عليه السلام مسجد الفضيخ فقال: ?يا عمار تري هذه الوهدة?؟ قلت: نعم، قال: ?كانت امرأة جعفر التي خلف عليها أمير المؤمنين عليه السلام قاعدة في هذا الموضع ومعها ابناها من جعفر فبكت، فقال لها ابناها: ما يبكيك يا أمه؟ قالت: بكيت لأمير المؤمنين عليه السلام فقالا لها: تبكين لأمير المؤمنين ولا تبكين لأبينا، قالت: ليس هذا لهذا، ولكن ذكرت حديثا حدثني به أمير
المؤمنين عليه السلام في هذا الموضع فأبكاني، قالا: وما هو؟ قالت: كنت أنا وأمير المؤمنين في هذا الموضع فقال لي: ?ترين هذه الوهدة?؟ قلت: نعم، قال: ?كنت أنا ورسول الله صلي الله عليه و اله قاعدين فيها إذ وضع رأسه في حجري ثم خفق حتي غط وحضرت صلاة العصر فكرهت أن أحرك رأسه عن فخذي فأكون قد آذيت رسول الله صلي الله عليه و اله حتي ذهب الوقت أي وقت الفضيلة لا الفريضة وفاتت، فانتبه رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: يا علي صليت؟ قلت: لا، قال: ولم ذلك؟ قلت: كرهت أن أوذيك؟ قال: فقام واستقبل القبلة ومد يديه كلتيهما وقال: اللهم رد الشمس إلي وقتها حتي يصلي علي، فرجعت الشمس إلي وقت الصلاة حتي صليت العصر ثم انقضت انقضاض الكوكب?().
وعن ليث المرادي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مسجد الفضيخ لم سمي مسجد الفضيخ؟ فقال: ?لنخل يسمي الفضيخ، فلذلك سمي مسجد الفضيخ?().
وروي: ?سمي المسجد الذي قعد فيه رسول الله صلي الله عليه و اله يوم أكفيت الأشربة مسجد الفضيخ من يومئذ لأنه أكثر شيء أكفي من الأشربة الفضيخ?().
وعن أبي بصير ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لم سمي مسجد الفضيخ مسجد الفضيخ؟ قال: ?النخل سمي الفضيخ فلذلك سميه?().
وفي العراق مسجد يسمي بهذا الاسم أيضا، لأن الشمس ردت هناك لعلي عليه السلام مرة ثانية.
مسجد فاطمة عليها السلام هو موضع الاسطوانة مما يلي صحن المسجد النبوي الشريف، وتستحب الصلاة فيه ركعتين.
وفي الحديث: ?ثم ائت قبور السادة بالبقيع، ومسجد فاطمة عليها السلام فصل ركعتين?().
مسجد الفتح ويسمي مسجد الأحزاب ومسجد الأعلي أيضا، يقع علي قطعة من جبل سلع من جهة الغرب، وغربيه وادي بطحان، وفي هذا الموضع دعا رسول الله صلي الله عليه و اله علي الأحزاب الذين اجتمعوا لمحاربة المسلمين في غزوة الخندق، فاستجاب الله دعاءه وفتح علي يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قتل عمرو بن عبد ود فارس يليل، وقد قال في هذه المعركة رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لضربة علي عليه السلام يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين?()، ثم أرسل الله علي الأعداء ريحاً كفأت قدورهم وقلعت خيامهم فرحلوا.
وفي حديث عن الإمام الصّادق عليه السلام: ?تقول في مسجد الفتح: (يَا صَرِيخَ الْمَكْرُوبِينَ، وَيَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، اكْشِفْ عَنِّي َغّمِّي وَكَرْبِي وَهَمِّي، كَمَا كَشَفْتَ عَنْ نَبِيِّكَ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَكَرْبَهُ وَكَفَيْتَهُ هَوْلَ عَدُوِّهِ فِي هذَا الْمَكَانِ)? ().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?قام رسول الله صلي الله عليه و اله علي التل الذي عليه مسجد الفتح في غزوة الأحزاب في ليلة ظلماء قرة، فقال: من يذهب فيأتنا بخبرهم وله الجنة? إلي أن قال: ?فنزل عليه جبرائيل عليه السلام فقال: يا رسول الله إن الله عز ذكره قد سمع مقالتك ودعاءك وقد أجابك وكفاك هول عدوك، فجثا رسول الله صلي الله عليه و اله علي ركبتيه وبسط يديه وأرسل عينيه ثم قال: شكراً شكراً كما رحمتني ورحمت أصحابي … ?().
وفي رواية عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
?ثمّ تأتي مسجد الأحزاب فتصلّي فيه،فإن رسول الله صلي الله عليه و اله دعا فيه يوم الأحزاب وقال: (يَا صَرِيخَ الْمَكْرُوبِينَ، وَيَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، وَيَا مُغْيثَ الْمَهْمُومِينَ، اكْشِفْ هَمِّي وَكَرْبِي وَغَمِّي فَقَدْ تَرَي حَالِي وَحَالَ أَصْحَابِي)?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?لا تدع إتيان المشاهد كلها مسجد قبا … ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح?().
وفي الحديث: ?ثم ائت قبور السادة بالبقيع … ومسجد الفتح?().
وعن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: ?ومن المشاهد بالمدينة التي
ينبغي أن يؤتي إليها وتشاهد ويصلي فيها ويتعاهد مسجد قباء … ومسجد
الفتح?().
وقد ورد في قصة وقعة الأحزاب وحفر الخندق: أنه لما كان في اليوم الثاني بكروا إلي الحفر وقعد رسول الله صلي الله عليه و اله في مسجد الفتح، فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبد الله الأنصاري إلي رسول الله صلي الله عليه و اله يعلمه ذلك.
قال جابر: فجئت إلي المسجد ورسول الله صلي الله عليه و اله مستلقي علي قفاه ورداؤه تحت رأسه وقد شد علي بطنه حجرا() فقلت: يا رسول الله إنه قد عرض لنا جبل لا تعمل المعاول فيه.
فقام صلي الله عليه و اله مسرعا حتي جاءه، ثم دعا بماء في إناء وغسل وجهه وذراعيه ومسح علي رأسه ورجليه ثم شرب ومج ذلك الماء في فيه ثم صبه علي ذلك الحجر، ثم أخذ معولا فضرب ضربة فبرقت برقة فنظرنا فيها إلي قصور الشام، ثم ضرب أخري فبرقت برقة فنظرنا فيها إلي قصور المدائن، ثم ضرب أخري فبرقت برقة فنظرنا فيها إلي قصور اليمن، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أما إنه سيفتح الله عليكم هذه
المواطن التي برقت فيها البرق?، ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل().
ثم إن الحصار لما اشتد علي المسلمين في حرب الخندق ورأي رسول الله صلي الله عليه و اله منهم الضجر لما كان فيه من الضر صعد علي مسجد الفتح فصلي ركعتين ثم قال: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد بعدها في الأرض) فبعث الله ريحا قلعت خيم المشركين وبددت رواحلهم وأجهدتهم بالبرد وسفت الرمال والتراب عليهم، وجاءته الملائكة فقالت: يا رسول الله إن الله قد أمرنا بالطاعة لك فمرنا بما شئت، قال: زعزعي المشركين وأرعبيهم وكوني من ورائهم. ففعلت بهم ذلك().
وفي غزوة ذات السلاسل عندما أراد رسول الله أن يودع أمير المؤمنين عليه السلام شيعه إلي مسجد الأحزاب، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وغيره: إن النبي صلي الله عليه و اله دعا عليا عليه السلام وبعثه في جيش، قال: وخرج معه النبي صلي الله عليه و اله يشيعه فكأني أنظر إليهم عند مسجد الأحزاب وعلي عليه السلام علي فرس أشقر وهو صلي الله عليه و اله يوصيه
ثم ودعه() الخبر.
مسجد أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو عند جبل سلع، وقد صلي فيه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
روي علي بن إبراهيم القمي رضي الله عنه في تفسيره في باب غزوة الأحزاب: أن الرسول صلي الله عليه و اله أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة بالليل وكان أمير المؤمنين عليه السلام علي العسكر كله بالليل يحرسهم فإن تحرّك أحد من قريش نابذهم، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يجوز الخندق ويصير إلي قرب قريش حيث يراهم فلا يزال الليل كله قائماً وحده يصلي، فإذا أصبح رجع إلي مركزه، ومسجد أمير المؤمنين عليه السلام هناك معروف
يأتيه من يعرفه فيصلي فيه وهو من مسجد الفتح إلي العقيق أكثر من غلوة نشابة().
وفي البحار: ?وتصلي في مسجد أمير المؤمنين عليه السلام ?().
مسجد سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) يقع أسفل من مسجد الفتح من جهة الجنوب، وسُمي به حيث قد صلي فيه سلمان رضي الله عنه، وهو صاحب فكرة حفر الخندق دفاعاً عن المسلمين، وفي بعض الروايات: أن رسول الله صلي الله عليه و اله صلي في هذا المكان أثناء غزوة الخندق.
وفي البحار: ?وتصلي في مسجد سلمان الفارسي?().
مسجد فاطمة الزهراء عليها السلام من المساجد السبعة، صلت فيها فاطمة الزهراء عليها السلام، وقد بنوا علي باب المسجد جداراً ومنعوا المصلين من الصلاة فيه! حقدا منهم علي أهل البيت عليهم السلام.
المساجد السبعة هي عدة مساجد علي جبل سَلْع والجهة الغربية السفلي منه في شمال غربي المدينة، وقد عرفت بالمساجد السّبعة، منها: مسجد الفتح، ومسجد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومسجد الإمام علي عليه السلام، ومسجد سلمان المتقدم ذكرها.
مسجد ذباب أو مسجد الراية، وذباب اسم جبل صغير بين جبل اُحد وجبل سَلْع، وكان من مواضع استقرار جيش المسلمين في معركة الأحزاب، وقد ضُرِبت للرسول صلي الله عليه و اله خيمة عليه، وكان يصدر منها الأوامر بحفر الخندق ويشرف من هناك علي العمل، كما كان يقيم صلاته هناك، لذا اُشيد في تلك البقعة مسجد أخذ اسم الجبل الذي يقع فيه.
ويُطلق عليه أيضاً مسجد (الراية) لأنّ راية الإسلام نصبت هناك، أو لأنه علي جبل صغير يسمي الراية.
قيل: سمي بمسجد ذباب نسبة إلي رجل من أهل اليمن جاء إلي المدينة في إمارة مروان بن الحكم وقتل أحد موظفي الإمارة فقتل قصاصاً، وصلب علي هذا الجبل.
مسجد النور، ويسمي أيضاً بمسجد سيدة النساء فاطمة عليها السلام، حيث صلت فاطمة الزهراء عليها السلام فيه.
مسجد الإمام علي عليه السلام وقد صلي فيه الإمام عليه السلام وهو بقرب مسجد الغمامة.
مسجد الغمامة أو المصلّي: يقع علي بُعد خمسمائة متر تقريباً من مسجد النبيّ صلي الله عليه و اله، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يصلِّي فيه صلاة العيد، وعادةً ما يكون المصلّي بلا سقف، وذات مرّة حينما كان المسلمون يقيمون فيه الصّلاة جاءت غمامة وأضلّتهم من أشعّة الشمس، لذلك سمِّي هذا المصلّي بمسجد الغمامة.
يستحب إتيان هذا المسجد والصلاة والدعاء فيه.
مسجد الإجابة من المساجد المعروفة في المدينة المنورة، بناه رسول الله صلي الله عليه و اله بضاحية المدينة الشرقية شمال البقيع() وصلي فيه، والعلة في تسميته بالإجابة هو أن رسول الله صلي الله عليه و اله دعا ربه فيه وطلب إليه أن لا يهلك أمته بالغرق ولا بالجدب وأن لا يجعل بأسهم بينهم، فأجاب الدعوتين الأولي والثانية ومنعه الثالثة().
تستحب الصلاة والدعاء في مسجد المباهلة، بالمدينة المنورة.
وفي البحار: ?وتصلي في مسجد المباهلة ما استطعت وتدعو فيه بما
تحب?().
قال تعالي: ?إِنّ مَثَلَ عِيسَيَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ له كُن فَيَكُونُ ? الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ ? فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَآءكُمْ وَنِسَآءنَا وَنِسَآءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ?().
وفي البحار: قيل: نزلت في وفد نجران العاقب والسيد ومن معهما، قالوا لرسول الله صلي الله عليه و اله: هل رأيت ولدا من غير ذكر؟ فنزلت: ?إن مثل عيسي? الآيات، فقرأها عليهم().
وعن ابن عباس وقتادة والحسن: فلما دعاهم رسول الله صلي الله عليه و اله إلي المباهلة استنظروه إلي صبيحة غد من يومهم ذلك، فلما رجعوا إلي رجالهم قال لهم الأسقف: انظروا محمدا في غد فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته، وإن غدا بأصحابه فباهلوه فإنه علي غير شيء، فلما كان من الغد جاء النبي صلي الله عليه و اله آخذا بيد علي بن أبي طالب عليه السلام والحسن والحسين ? بين يديه يمشيان وفاطمة عليها السلام تمشي خلفه، وخرج النصاري يقدمهم أسقفهم، فلما رأي النبي صلي الله عليه و اله قد أقبل بمن معه سأل عنهم؟
قيل له: هذا
ابن عمه وزوج ابنته وأحب الخلق إليه، وهذان ابنا بنته من علي، وهذه الجارية بنته فاطمة أعز الناس عليه وأقربهم إليه، وتقدم رسول الله صلي الله عليه و اله فجثا علي ركبتيه.
قال أبو حارثة الأسقف: جثا والله كما جثا الأنبياء للمباهلة، فرجع ولم يقدم علي المباهلة، فقال السيد: ادن يا حارثة للمباهلة، فقال: لا إني لأري رجلا جريئا علي المباهلة وأنا أخاف أن يكون صادقا ولئن كان صادقا لم يحل والله علينا الحول وفي الدنيا نصراني يطعم الماء.
فقال الأسقف: يا أبا القاسم إنا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا علي ما ننهض به، فصالحهم رسول الله صلي الله عليه و اله علي ألفي حلة من حلل الأواقي قيمة كل حلة أربعون درهما فما زاد أو نقص فعلي حساب ذلك، وعلي عارية ثلاثين درعا وثلاثين رمحا وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد ورسول الله صلي الله عليه و اله ضامن حتي يؤديها، وكتب لهم بذلك كتابا ().
وروي أن الأسقف قال لهم: إني لأري وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقي علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة، وقال النبي صلي الله عليه و اله: ?والذي نفسي بيده لو لاعنوني لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم الوادي عليهم نارا ولما حال الحول علي النصاري حتي يهلكوا كلهم?، قالوا: فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتي رجعا إلي النبي صلي الله عليه و اله وأهدي العاقب له حلة وعصا وقدحا ونعلين وأسلما().
من مساجد المدينة المنورة مسجد أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وهو بقرب باب الصدقة، ويستحب إتيانه والصلاة فيه ركعتين.
وقد ورد أن الإمام الصادق عليه السلام كان
يأتي إلي هذا المسجد ويصلي ويدعو الله عزوجل.
عن مخرمة الكندي قال: لما نزل أبو جعفر المنصور الربذة وجعفر بن محمد عليه السلام يومئذ بها، قال: من يعذرني من جعفر هذا قدم رجلا وأخر أخري، يقول: أتنحي عن محمد أقول يعني محمد بن عبد الله بن الحسن فإن يظفر فإنما الأمر لي، وإن تكن الأخري فكنت قد أحرزت نفسي أما والله لأقتلنه، ثم التفت إلي إبراهيم بن جبلة قال: يا ابن جبلة قم إليه فضع في عنقه ثيابه ثم ائتني به سحبا!.
قال إبراهيم: فخرجت حتي أتيت منزله فلم أصبه، فطلبته في مسجد أبي ذر فوجدته في باب المسجد، قال: فاستحييت أن أفعل ما أمرت به فأخذت بكمه، فقلت له: أجب الأمير.
فقال: ?إنا لله وإنا إليه راجعون دعني حتي أصلي ركعتين?، ثم بكي بكاء شديدا وأنا خلفه ثم قال: ?اللهم أنت ثقتي? الدعاء، ثم قال: ?اصنع ما أمرت به?، فقلت: والله لا أفعل ولو ظننت أني أقتل، فأخذت بيده، قال: فاستوي جالسا ثم أعاد عليه الكلام فقال: قدمت رجلا وأخرت أخري أما والله لأقتلنك، فقال: ?يا أمير ما فعلت فارفق بي، فو الله لقل ما أصحبك?، فقال له أبو جعفر: انصرف، ثم التفت إلي عيسي بن علي فقال له: يا أبا العباس الحقه فسله أبي أم به، فخرج يشتد حتي لحقه، فقال: يا أبا عبد الله إن الأمير يقول لك: أبك أم به؟ فقال: ?لا بل بي?، فقال أبو جعفر: صدق، قال إبراهيم: ثم خرجت فوجدته قاعدا ينتظرني يتشكر لي صنعي به، وإذا به يحمد الله وذكر الدعاء().
من المساجد في المدينة المنورة مسجد الإمام الصادق عليه السلام، حيث قد صلي فيه الإمام عليه السلام.
من المساجد في المدينة المنورة مسجد الإمام زين العابدين عليه السلام، حيث صلي فيه الإمام علي بن الحسين عليه السلام.
قالوا: إنّ العَرَصَة التي فيها مشهد إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام وما حولها من جهة الشمال إلي الباب كانت دار الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، وبين الباب الأول وباب المشهد بئر منسوبة إلي الإمام زين العابدين عليه السلام، وكذلك بجانب المشهد الغربي مسجد صغير يقال: إنه أيضاً مسجد زين العابدين عليه السلام.
تُطلق (ثنية الوداع) علي مدخل المدينة محل استقبال القادمين إليها، وكان للمدينة المنوّرة ثنيتين إحداهما باتجاه مكّة والثانية باتجاه الشام، وقد بقي مكان ثنية الشام معلوماً لحدّ اليوم ويقع علي طريق اُحد، وإلي الجانب الغربي من الطريق توجد جبال سَلْع وذباب، وإلي الجانب الأيمن منه مسجد ثنية الوداع، حيث استقبل الناس هناك الرسول صلي الله عليه و اله عند عودته من تبوك.
يقول سعد بن أبي وقاص: غزونا تبوك مع رسول الله صلي الله عليه و اله فودع علي عليه السلام النبي صلي الله عليه و اله علي ثنية الوداع وبكي، فقال له النبي صلي الله عليه و اله: ?ما يبكيك?؟
فقال: ?كيف لا أبكي ولم أتخلف عنك في غزاة منذ بعثك الله تعالي، فما بالك تخلفني في هذه الغزاة?؟
فقال له النبي صلي الله عليه و اله: ?أما ترضي يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي?؟
فقال علي عليه السلام: ?بل رضيت?().
وروي أنه خرج النبي صلي الله عليه و اله مشيعا لأهل مؤتة حتي بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله فقال: ?اغزوا بسم الله، فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام، وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين الناس
فلا تعرضوا لهم، وستجدون آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف، لا تقتلن امرأة،
ولا صغيرا ضرعا، ولا كبيرا فانيا، ولا تقطعن نخلا ولا شجرا، ولا تهدمن
بناء?().
من المساجد المعروفة في المدينة المنورة مسجد الشجرة، ويقع خارجها بذي الحليفة بضم الحاء وفتح اللام وسكون الياء وهي قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة تقريباً، وهو من مواقيت الإحرام بالنسبة لأهل المدينة والعراق والشام القادمين براً لأداء فريضة الحج، والشجرة واحدة الشجر. وكان النبي صلي الله عليه و اله ينزلها من المدينة ويحرم منها، وكذلك الأئمة المعصومون عليهم السلام.
وقد أقيم هذا المسجد في المكان الذي صلّي فيه الرسول صلي الله عليه و اله تحت شجرة حين قصد الذهاب إلي مكّة، ولذلك سُمي بمسجد الشجرة.
عن الحسين بن الوليد عمن ذكره قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي علة أحرم رسول الله صلي الله عليه و اله من مسجد الشجرة ولم يحرم من موضع دونه؟ فقال: ?لأنه لما أسري به إلي السماء وصار بحذاء الشجرة نودي: يا محمد، قال: لبيك، قال: ألم أجدك يتيما فآويتك ووجدتك ضالا فهديتك؟ فقال النبي صلي الله عليه و اله: إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك، فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلها?().
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: ?والإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول الله صلي الله عليه و اله، فوقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة، ولأهل الشام الجحفة … ?().
يقع مسجد المُعَرَّس بذي الحُلَيْفة علي فرسخ من المدينة، بإزاء مسجد الشجرة مما يلي القبلة، وقد كان النبي صلي الله عليه و اله ينزل فيه ويصلي ويضطجع، ومن أجل ذلك سمي بالمعرس، لذا يستحب عند الرجوع من مكة المكرمة النزول في الموضع المذكور والصلاة فيه والاضطجاع ولو قليلاً، سواء كان المرور به ليلاً أم نهاراً، وإذا تجاوزه الحاج ولم ينزل فيه
استحب له أن يرجع إليه ويفعل ذلك.
وفي مجمع البحرين: (التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة، من قولهم عرس القوم: إذا نزلوا آخر الليل للإستراحة. والمعرّس موضع التعريس، وبه سمي معرسُ ذي الحليفة، عرّس به صلي الله عليه و اله وصلي فيه الصبح ثم رحل)().
وفي الوسائل: باب استحباب النزول بالمعرس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?في المعرس معرس النبي صلي الله عليه و اله إذا رجعت إلي المدينة فمر به وانزل وأنخ به وصل فيه، فإن رسول الله صلي الله عليه و اله فعل ذلك? قلت: فإن لم يكن وقت صلاة؟ قال: ?فأقم?، قلت: لا يقيمون أصحابي؟ قال: ?فصل ركعتين وامضه?().
وعن علي بن أسباط قال: قلت لعلي بن موسي عليه السلام: إن ابن الفضيل بن يسار روي عنك وأخبرنا عنك بالرجوع إلي المعرس ولم نكن عرسنا، فرجعنا إليه فأي شي ء نصنع؟ قال: ?تصلي وتضطجع قليلا وقد كان أبو الحسن عليه السلام يصلي فيه ويقعد? فقال محمد بن علي بن فضال: وإن مررت به في غير وقت بعد العصر؟ فقال: ?قد سئل أبو الحسن عليه السلام عن ذلك فقال: صل فيه ركعتين? فقال له محمد بن علي بن فضال: إن مررت به ليلا أو نهارا نعرس فيه وإنما التعريس في الليل؟ فقال: ?نعم إن مررت به ليلا أو نهارا فعرس فيه فإن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يفعل ذلك?().
وكان صلي الله عليه و اله يخرج إلي العيد من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس().
وفي الحديث: ?إذا أتيت ذا الحليفة فائت معرس النبي صلي الله عليه و اله، فإن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يعرس فيه ويصلي?().
صلي رسول
الله صلي الله عليه و اله في مسجد السقيا، ودعا لأهل المدينة فيه، والسقيا في طريق بدر، وتعرف بسقيا سعد بالحرة الغربية.
وفي الحديث: ?ثم ائت قبور السادة بالبقيع ومسجد فاطمة عليها السلام … ومسجد السقيا?().
وفي قصة بدر، قال رسول الله صلي الله عليه و اله حين فصل من بيوت السقيا: (اللهم إنهم حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم وجياع فأشبعهم وعالة فأغنهم من فضلك) فما رجع أحد منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهرا للرجل البعير والبعيران، واكتسي من كان عاريا، وأصابوا طعاما من أزوادهم، وأصابوا فداء الأسري فأغني به كل عائل().
بني المنافقون مسجد الضرار للمؤامرة ضد المسلمين فأمر رسول الله صلي الله عليه و اله بهدمه وإحراقه.
قال تعالي: ?وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إلاّ الحُسْني وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ? لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَي التَّقْوي مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ? أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلي تَقْوي مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلي شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ? لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إلاّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ?().
ورد في تفسير الآية:
إن جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف قالوا: نبني مسجدا نصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد صلي الله عليه و اله وكانوا اثني عشر رجلا، وقيل: خمسة عشر رجلا، منهم ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ونبتل بن الحارث، فبنوا مسجدا إلي جنب مسجد قباء، فلما فرغوا منه أتوا رسول
الله صلي الله عليه و اله وهو يتجهز إلي تبوك فقالوا: يا رسول الله صلي الله عليه و اله إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه وتدعو بالبركة، لكنهم بنوا المسجد لإقامة الكفر فيه وللطعن علي رسول الله صلي الله عليه و اله والإسلام ولاختلاف الكلمة بين المسلمين وإبطال الألفة وتفريق الناس عن الرسول صلي الله عليه و اله وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وهو أبو عامر الراهب، وكان من قصته أنه كان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح فلما قدم النبي صلي الله عليه و اله المدينة حزب عليه الأحزاب ثم هرب بعد فتح مكة إلي الطائف، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام وخرج إلي الروم وتنصر وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة الذي قتل مع النبي صلي الله عليه و اله يوم أحد وكان جنبا فغسلته الملائكة، وسمي رسول الله صلي الله عليه و اله أبا عامر الفاسق، وكان قد أرسل إلي المنافقين أن استعدوا وابنوا مسجدا فإني أذهب إلي قيصر وآتي من عنده بجنود وأخرج محمدا من المدينة، فكان هؤلاء المنافقون يتوقعون أن يجيئهم أبو عامر فمات قبل أن يبلغ ملك الروم().
روي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قبا بعثوا إلي النبي صلي الله عليه و اله فأتاهم فصلي فيه، فحسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف فبنوا مسجدا وأرسلوا إلي رسول الله صلي الله عليه و اله ليأتيهم فيصلي فيه، فاعتل عليهم بأنه متوجه إلي تبوك وأنه متي قدم أتاهم فيصلي فيه، فحين قدم من تبوك أنزل قوله تعالي: ?والذين اتخذوا مسجدا ضرارا?() الآيات، فأنفذ صلي الله عليه
و اله جماعة من أصحابه منهم عمار بن ياسر وقال: ?انطلقوا إلي هذا المسجد الظالم فاهدموه وحرقوه? وأمر أن يتخذ مكانه كناسة للجيف ().
وهناك مساجد أخري عديدة في المدينة المنورة وضواحيها، منها:
مر ّ رسول الله صلي الله عليه و اله في بني عُذْرة، فبُني في ذلك المكان مسجداً.
وكانت دور بني عذرة بعيدة من المسجد، فلما قال النبي صلي الله عليه و اله: ?إن الله وملائكته يصلون علي الصف المقدم? وازدحم الناس، قال بنو عذرة: لنبيعن دورنا ولنشترين دورا قريبة من المسجد حتي ندرك الصف المتقدم().
عرق الظبية بضم الظاء موضع علي ثلاثة أميال من الروحاء، به مسجد صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، وقيل: هي الروحاء.
يقع مسجد الإثابة قبل العرج بميلين، صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله عند بئر الإثابة.
مسجد البقيع، ربما كان في البقيع نفسه.
مسجد بلال، علي ما ذكر في التاريخ.
مسجد بني حارثة، وقد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، يقع قرب اُحُد.
عن جابر (رضي الله عنه) قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه و اله في حائط من حيطان بني حارثة إذ جاء جمل أجرب أعجف حتي سجد للنبي صلي الله عليه و اله، قلنا لجابر: أنت رأيته؟ قال: نعم رأيته واضع جبهته بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال: ?يا عمر إن هذا الجمل قد سجد لي واستجار بي فاذهب فاشتره وأعتقه ولا تجعل لأحد عليه سبيلا?، قال: فذهب عمر فاشتراه وخلي سبيله، ثم جاء إلي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله هذا بهيمة يسجد لك فنحن أحق أن نسجد لك سلنا علي ما جئتنا به من الهدي أجرا سلنا عليه عملا، فقال صلي الله عليه و اله: ?لو كنت آمر أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها?، فقال جابر: فو الله ما خرجت حتي نزلت الآية الكريمة: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربي?()?().
مسجد بني دينار، وقد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله.
يستحب الصلاة في مسجد الخلوة، وفي الحديث: ?ثم ائت قبور السادة بالبقيع … ومسجد فاطمة … ومسجد الفتح ومسجد السقيا ومسجد قبا فإن فيها فضلا كثيرا ومسجد الخلوة?().
يقع مسجد بني قريظة بالقرب من الحرّة الشرقية، كان بناؤه علي شكل بناء مسجد قبا.
يقع مسجد البيضة علي بعد خمسة أميال تقريباً من الأبواء، وقد صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله.
بني رسول الله صلي الله عليه و اله مسجد ثنية رَكُوبَة وصلّي فيه.
يقع مسجد الجمعة علي يمين السالك إلي قبا، صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله أول صلاة جمعة في المدينة المنوّرة، وذلك في طريقه من قبا إلي يثرب حيث
أقام الصلاة في قبيلة بني سالم، فبُني في مكان صلاته مسجد سُمي مسجد الجمعة.
يقع مسجد الرُّمادة دون الأبواء بميلين، وقد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله.
مسجد الصادرة، وقد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله عند خروجه لغزوة الطائف.
مسجد الصهباء، وقد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله العصر في غزوة
خيبر.
مسجد العرج، وقد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله ومكث فيه القيلولة.
مسجد العَصَر: صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، والعَصَر جبل بين المدينة ووادي الفرْع، مرّ فيه رسول الله صلي الله عليه و اله عند ذهابه لخيبر، فصلّي هناك، وبُني له فيها مسجداً.
مسجد غزالة أو مسجد المنصرف.
مسجد الأعمي، صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله.
مسجد الفرْع، وقد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، يقع علي يسار السقيا في نواحي المدينة.
مسجد مِدْران، وقد صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله في طريق تبوك.
مسجد المُقَمِّل، وقد صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، وفي هذا الموضع مكان لحماة خيل الرسول صلي الله عليه و اله.
يقع مسجد المنارتين أو المنارين في طريق العقيق الكبير، وقد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله.
يقع مسجد المَنْزِلَة بالقرب من خيبر، وقد صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله.
مسجد بني ظفر، المنسوب إلي طائفة بني ظفر، وقد صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله.
مسجد البغلة، صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، ويقال: إن فيه آثار حافر بغلة النبي صلي الله عليه و اله، وقيل: هو مسجد بني ظفر.
مسجد عروة، يقع في وادي عقيق، وقد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، والظاهر أنّه بُني بعد ذلك مسجد كبير في مكانه.
مسجد المغسلة، ويُعرف أيضاً بمسجد بني دينار، يروي أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله أقام فيه الصلاة عدّة مرّات.
يقع مسجد بنات النجار في قبا، وبنو النجّار هم أخوال النبيّ صلي الله عليه و اله ومكانه حاليّاً مقابل مسجد الجمعة.
قد بُني مسجد الدرع في المكان الذي وضع فيه رسول الله صلي الله عليه و اله درعه، ويقع علي الجانب الأيسر من الطريق المؤدِّي إلي مزار حمزة عليه السلام.
الثنايا بمعني الأسنان. وقد اُقيم مسجد الثنايا في المحل الذي أصيبت فيه أسنان رسول الله صلي الله عليه و اله أثناء معركة اُحد، ويقع في طريق اُحد.
مسجد الفسح، وهو مسجد صغير إلي جانب جبل اُحد، يُقال: إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله صلّي هناك الظهر والعصر بعد معركة اُحد.
يقع مسجد بني حرام في شِعب بني حرام غربي جبل سَلْع علي الجانب الأيمن من الطريق المفضي إلي المساجد السّبع، وقد صلي فيه الرسول صلي الله عليه و اله.
مسجد سلع، صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله.
يقع مسجد بني قريظة علي الشرق من مسجد فضيخ.
مسجد الحرة، وهو المسجد الأول في طريق اُحُد، يستحب الصلاة فيه والدعاء.
المكان الذي صلي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله صلاة الصبح هو المصبح، وذلك قبل أن ينزل بقبا، وقد اتخذه المسلمون مسجداً، وكان المسجد قائماً إلي أن هدمه الوهابيون أكثر من مرة حيث كان يقوم ببنائه المسلمون من جديد.
مسجد الخربة، وقد صلّي فيه رسول الله صلي الله عليه و اله وهو لبني سلمة.
ومن المساجد أيضا:
مسجد فاطمة الصغري بنت الإمام الحسين عليه السلام، ومسجد بني وائل، ومسجد العمرة، ومسجد عتبان بن مالك، ومسجد بني بياضة، ومسجد بني أنيف، ومسجد التوبة، ومسجد بني واقف، ومسجد مالك بن سنان، ومسجد فيفاء الخيار، ومسجد بلال بن أبي رباح، ومسجد المستراح، إلي غيرها من المساجد الكثيرة. والعديد منها هدمت من قبل الجائرين وذلك لمحو آثار النبوة والرسالة.
بيت الإمام علي عليه السلام في المدينة المنورة داخل المسجد الشريف، يستحب زيارته والصلاة فيه ركعتين، وهو ما بين البيت الذي فيه النبي صلي الله عليه و اله إلي الباب الذي يحاذي الزقاق إلي البقيع، فلو دخلت من ذلك الباب والحائط مكانه أصاب منكبك الأيسر وكان بينه وبين بيت النبي صلي الله عليه و اله خوخة، أي فتحة بين دارين، لم ينصب عليها باب.
عن القاسم بن سالم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?إذا دخلت من باب البقيع فبيت علي (صلوات الله عليه) علي يسارك قدر ممر عنز من الباب?وهو إلي جانب بيت رسول الله صلي الله عليه و اله وباباهما جميعا مقرونان?().
وفي الحديث: ?ثم ائت قبور السادة بالبقيع … وبيت علي بن أبي طالب عليه السلام ودار جعفر بن محمد عليه السلام عند باب المسجد تصلي فيها ركعتين?().
دار الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في المدينة المنورة، ويستحب إتيانها والصلاة فيها ركعتين.
وفي الحديث: ?وتصلي في دار زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام ما قدرت?().
قالوا: إنّ العَرَصَة التي فيها مشهد إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام وما حولها من جهة الشمال إلي الباب كانت دار الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، وبين الباب الأول وباب المشهد بئر منسوبة إلي الإمام زين العابدين عليه السلام.
وكانت دار الإمام عليه السلام مدرسة لتربية الأتقياء والمؤمنين، حيث تخرج منها آلاف من الكوادر الإيمانية، فكان الإمام عليه السلام يشتري العبيد ويربيهم بنور القرآن والعترة ثم يعتقهم في سبيل الله عزوجل.
فعن سعيد بن المسيب قال: قحط المدينة فخرج الناس يمينا وشمالا، فمددت عيني فرأيت شخصا أسود علي تل قد انفرد فقصدت نحوه فرأيته
يحرك شفتيه، فلم يتم دعاؤه حتي أقبلت غمامة، فلما نظر إليها حمد الله وانصرف وأدركنا المطر حتي ظننا الغرق، فاتبعته حتي دخل دار علي بن الحسين عليه السلام فدخلت إليه فقلت له: يا سيدي في دارك غلام أسود تفضل علي ببيعه؟
فقال: ?يا سعيد ولم لا يوهب لك?؟
ثم أمر عليه السلام القيم علي غلمانه بعرض كل من في الدار عليه، فجمعوا فلم أر صاحبي بينهم، فقلت له: فلم أره.
فقال: إنه لم يبق إلا فلان السائس، فأمر به فأحضر فإذا هو صاحبي، فقلت له: هذا هو. فقال له: ?يا غلام إن سعيدا قد ملكك فامض معه?.
فقال لي الأسود: ما حملك علي أن فرقت بيني وبين مولاي.
فقلت له: إني رأيت ما كان منك علي التل، فرفع يده إلي السماء مبتهلا ثم قال: إن كانت سريرة بيني وبينك قد أذعتها علي فاقبضني إليك، فبكي علي بن الحسين عليه السلام وبكي من حضره، وخرجت باكيا فلما صرت إلي منزلي وافاني رسوله عليه السلام فقال لي: ?إن أردت أن تحضر جنازة صاحبك فافعل? فوجدت العبد قد مات بحضرته().
دار الإمام الصادق عليه السلام في المدينة المنورة، ويستحب إتيانها والصلاة فيها ركعتين، وهي عند باب المسدد في الجانب الشرقي من السكة التي جنب مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله.
وفي الحديث: ?ثم ائت قبور السادة بالبقيع … وبيت علي بن أبي طالب عليه السلام ودار جعفر بن محمد عليه السلام عند باب المسجد تصلي فيها ركعتين?().
وفيها قبور بعض أولاد الأئمة عليهم السلام ومنهم قبر علي بن جعفر العريضي، وقد أصبح البيت مسجداً يصلي فيه المسلمون().
وفي الحديث: ?وتصلي في دار جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ?().
وقد اجتمع وجهاء الشيعة من بغداد
وسائر الأمصار في دار الإمام الصادق عليه السلام بالمدينة وذلك عند ما توفي الإمام الرضا عليه السلام فسألوا الإمام أبا جعفر الجواد عليه السلام عن مسائل عديدة أجاب عليها وأيقنوا بإمامته.
حيث ورد: لما قبض الرضا عليه السلام كان سن أبي جعفر عليه السلام نحو سبع سنين فاختلفت الكلمة من الناس ببغداد وفي الأمصار، واجتمع الريان بن الصلت وصفوان بن يحيي ومحمد بن حكيم وعبد الرحمن بن الحجاج ويونس بن عبد الرحمن وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمن بن الحجاج في بركة زلول يبكون ويتوجعون من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبد الرحمن: دعوا البكاء من لهذا الأمر وإلي من نقصد بالمسائل إلي أن يكبر هذا يعني أبا جعفر عليه السلام، فقام إليه الريان بن الصلت يقول له: أنت تظهر الإيمان لنا وتبطن الشك والشرك، إن كان أمره من الله جل وعلا فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند الله فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس هذا مما ينبغي أن يفكر فيه … وكان وقت الموسم فاجتمع من فقهاء بغداد والأمصار وعلمائهم ثمانون رجلا فخرجوا إلي الحج وقصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر عليه السلام، فلما وافوا أتوا دار جعفر الصادق عليه السلام لأنها كانت فارغة ودخلوها وجلسوا علي بساط كبير، إلي أن قال: ففتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفق وقال: هذا أبو جعفر، فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلموا عليه، فدخل (صلوات الله عليه) وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان وجلس وأمسك الناس كلهم، فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائله فأجاب عنها بالحق، ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه().
كانت في
المدينة المنورة الدور المباركة لأهل البيت عليهم السلام، وقد تم هدمها قبل سنوات، ويعرف أماكنها بعض الشيبة وكبار السن من المؤمنين من أهل المدينة، كان منها:
دار جعفر بن أبي طالب عليه السلام
دار سكينة بنت الحسين عليها السلام
دار عبد الله بن جعفر عليه السلام
دار عبيد الله بن الحسين الأصغر عليه السلام
وغيرها.
وقد دخل رسول الله صلي الله عليه و اله بعض هذه الدور، كما كان يقطن بعضها الأئمة المعصومون عليهم السلام وذراريهم.
قال جابر: فلما كان اليوم الذي وقع فيه حربهم أي غزوة مؤتة صلي النبي صلي الله عليه و اله بنا الفجر ثم صعد المنبر فقال: ?قد التقي إخوانكم من المشركين للمحاربة? فأقبل يحدثنا بكرات بعضهم علي بعض، إلي أن قال: ?قُتل زيد بن حارثة وسقطت الراية? ثم قال: ?قد أخذها جعفر بن أبي طالب وتقدم للحرب بها? ثم قال: ?قد قُطعت يده وقد أخذ الراية بيده الأخري? ثم قال: ?قُطعت يده الأخري وقد أخذ الراية في صدره? ثم قال: ?قُتل جعفر بن أبي طالب وسقطت الراية ثم أخذها عبد الله بن رواحة، وقد قُتل من المشركين كذا وقُتل من المسلمين كذا فلان وفلان? إلي أن ذكر جميع من قُتل من المسلمين بأسمائهم ثم قال: ?قُتل عبد الله بن رواحة وأخذ الراية خالد بن الوليد? فانصرف المسلمون، ثم نزل صلي الله عليه و اله عن المنبر وصار إلي دار جعفر فدعا عبد الله بن جعفر فأقعده في حجره وجعل يمسح علي رأسه، فقالت والدته أسماء بنت عميس: يا رسول الله إنك لتمسح علي رأسه كأنه يتيم؟
قال: ?قد استشهد جعفر في هذا اليوم? ودمعت عينا رسول الله صلي الله عليه و اله وقال: ?قطعت يداه قبل أن استشهد
وقد أبدله الله من يديه جناحين من زمرد أخضر فهو الآن يطير بهما في الجنة مع الملائكة كيف يشاء?().
يقع دار الصحابي الجليل أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه في المدينة المنورة، وينبغي زيارتها. حيث نزل فيها رسول الله صلي الله عليه و اله هو وعلي بن أبي طالب عليه السلام أول وصوله إلي المدينة وذلك عند هجرته إليها، وقد قال صلي الله عليه و اله: ?خلوا سبيلها أي الناقة فإنها مأمورة?()، فبركت الناقة علي باب أبي أيوب واسمه خالد بن زيد، وكان المسلمون الأنصار يأتون لزيارته صلي الله عليه و اله في دار أبي أيوب.
روي سلمان أنه لما نزل النبي صلي الله عليه و اله دار أبي أيوب لم يكن له سوي جدي وصاع من شعير، فذبح له الجدي وشواه وطحن الشعير وعجنه وخبزه وقدّم بين يدي النبي صلي الله عليه و اله، فأمر صلي الله عليه و اله بأن ينادي: ?ألا من أراد الزاد فليأت إلي دار أبي أيوب?، فجعل أبو أيوب ينادي والناس يهرعون كالسيل حتي امتلأت الدار، فأكل الناس بأجمعهم والطعام لم يتغير، فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?اجمعوا العظام? فجمعوها، فوضعها في إهابها ثم قال: ?قومي بإذن الله تعالي? فقام الجدي، فضج الناس بالشهادتين().
وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة يبعث إليه صلي الله عليه و اله في كل يوم غداء في قصعة ثريد عليها عراق، فكان صلي الله عليه و اله يأكل ومعه من جاء حتي يشبعوا ثم ترد القصعة كما هي، وكان سعد بن عبادة يبعث إليه في كل ليلة عشاء ويتعشي معه من حضره وترد القصعة كما هي().
ولما بعث معاوية بسر بن أرطاة إلي الحجاز ودخل
المدينة ودعا الناس إلي بيعة معاوية وأحرق دورا كثيرة كان منها دار أبي أيوب الأنصاري، ثم بُني من بعد.
كان أبو أيوب من خلص شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وفي يوم السقيفة قام خطيباً وقال: (اتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم، وردوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم، فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا عليه السلام ومجلس بعد مجلس يقول: ?أهل بيتي أئمتكم بعدي?، ويومئ إلي علي عليه السلام ويقول: ?هذا أمير البررة، وقاتل الكفرة، مخذول من خذله، منصور من نصره? فتوبوا إلي الله من ظلمكم، إن الله تواب رحيم، ولا تتولوا عنه مدبرين، ولاتتولوا عنه معرضين) ().
ولما خطب أمير المؤمنين عليه السلام في أصحابه وقد استنفرهم أياما إلي الجهاد فلم ينفروا، قام أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد، صاحب منزل رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: (أيها الناس إن أمير المؤمنين قد أسمع من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ، إن الله قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حق قبولها، إنه نزل بين أظهركم ابن عم نبيكم وسيد المسلمين من بعده، يفقّهكم في الدين، ويدعوكم إلي جهاد المحلين، فكأنكم صم لا تسمعون، أو علي قلوبكم غلف، مطبوع عليها، فأنتم لا تعقلون. أفلا تستحيون عباد الله، أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس قد شمل البلاء وشاع في البلاد، فذو حق محروم وملطوم وجهه وموطوء بطنه، وملقي بالعراء تسفي عليه الأعاصير، لا يكنه من الحر والقر وصهر الشمس والضح، إلا الأثواب الهامدة وبيوت الشعر البالية، حتي جاءكم الله بأمير المؤمنين، فصدع بالحق، ونشر العدل، وعمل بما في الكتاب. يا قوم فاشكروا نعمة الله عليكم ولا تولوا مدبرين، ولا تَكُونُوا
كَالذِينَ قالُوا سَمِعْنا وهُمْ لا يَسْمَعُونَ، اشحذوا السيوف، واستعدوا لجهاد عدوكم، فإذا دعيتم فأجيبوا، وإذا أمرتم فاسمعوا وأطيعوا، وما قلتم فليكن ما أضمرتم عليه تكونوا بذلك من الصادقين().
دار الصحابي الجليل عمّار بن ياسر رضي الله عنه في المدينة المنورة، وينبغي زيارتها.
والده: الشهيد ياسر بن عامر بن كنانة بن قيس العنسي المذحجي، توفي تحت تعذيب المشركين في السنة الخامسة من نبوة رسول الله صلي الله عليه و اله وهو أول شهيد في الإسلام.
ووالدته: سمية بنت حباط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة أسلمت بمكة قديما، وكانت ممن تُعذََّب في الله لترجع عن دينها فلم تفعل، فمر بها أبو جهل فطعنها في قلبها فماتت، وكانت عجوزا كبيرة، فهي أول شهيدة في الإسلام، وفي بعض الروايات: إنها تكون من النساء التي يرافقن الإمام المهدي عليه السلام ().
كنيته: أبو اليقظان.
وفي الحديث: إن ياسر وابنه عمار وأمه سمية قبض عليهم أهل مكة وعذبوهم بأنواع العذاب لأجل إسلامهم، وقالوا: لا ينجيكم منا إلا أن تنالوا محمدا وتبرءوا من دينه، فأما عمار فإنه أعطاهم بلسانه كل ما أرادوا منه، وأما أبواه فامتنعا فقُتلا، ثم أخبر رسول الله صلي الله عليه و اله وقال في عمار جماعة: إنه كفر، فقال صلي الله عليه و اله: ?كلا إن عمار مليء إيمانا من قرنه إلي قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه?، وجاء عمار وهو يبكي فقال له النبي صلي الله عليه و اله: ?ما خبرك؟? فقال: يا رسول الله ما تركت حتي نلت منك وذكر آلهتهم بخير، فصار رسول الله صلي الله عليه و اله يمسح عينيه ويقول: ?إن عادوا لك فعد لهم?().
نزلت آيات عديدة في عمار بن ياسر (رضوان الله عليه)، منها:
قوله تعالي: ?إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ?().
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن عمار بن ياسر أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالإيمان فأنزل الله عزوجل فيه: ?إلا من
أكره وقلبه مطمئن بالإيمان? فقال له النبي صلي الله عليه و اله عندها: يا عمار إن عادوا فعد، فقد أنزل الله عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا?().
وفي تفسير القمي: ?من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان? () فهو عمار بن ياسر أخذته قريش بمكة فعذبوه بالنار حتي أعطاهم بلسانه ما أرادوا وقلبه مطمئن بالإيمان().
وقال علي بن إبراهيم رضي الله عنه: ثم قال في عمار: ?ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم?()،().
وقوله تعالي: ?إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا? () قال: ?هذه نزلت في أبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر، جعل الله لهم جنات الفردوس نزلا، أي مأوي ومنزلا?().
قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وأبصركم بالحلال والحرام، وعمار بن ياسر من السابقين، والمقداد بن الأسود من المجتهدين، ولكل شيء فارس وفارس القرآن عبد الله بن عباس?().
وقال صلي الله عليه و اله: ?ملئ عمار إيماناً حتي أخمص قدميه?().
وبرواية أخري:
?حشي ما بين أخمص قدميه إلي شحمة أذنه إيمانا?().
وعن خالد بن الوليد، قال: كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام فأغلظت له في القول، فانطلق عمار يشكوني إلي رسول الله صلي الله عليه و اله، قال: فجاء خالد وهو يشكوه إلي النبي صلي الله عليه و اله، قال: فجعل يغلظه له ولا يزيده إلا غلظة والنبي صلي الله عليه و اله ساكت لا يتكلم، فبكي عمار وقال: ألا تراه. فرفع النبي صلي الله عليه و اله رأسه، وقال: ?من عادي عمارا عاداه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله?.
قال خالد: فخرجت فما كان شيء أحب إلي من رضي عمار، فلقيته بما رضي فرضي ().
وعن علي عليه السلام قال:
?جاء عمار بن ياسر يستأذن علي النبي صلي الله عليه و اله يوما فقال: ائذنوا له، مرحباً بالطيب ابن الطيب?().
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في عمار بن ياسر:
?ذاك امرؤ حرم الله لحمه ودمه علي النار أن تمس شيئا منهما?().
كان عمار من الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد النبي صلي الله عليه و اله وبقي من خلّص شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام.
كما ورد أن: ?الولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهم واجبة، مثل سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر وجابر بن عبد الله الأنصاري وحذيفة بن اليمان وأبي الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن الصامت وعبادة بن الصامت وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبي سعيد الخدري ومن نحا نحوهم وفعل مثل فعلهم?().
وقام عمار رضي الله عنه يوم السقيفة قائلا:
(يا معاشر قريش، يا معاشر المسلمين إن كنتم علمتم وإلا فاعلموا، أن أهل بيت نبيكم أولي به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين وآمن علي المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلي أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظفر عدوكم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم، فقد علمتم أن بني هاشم أولي بهذا الأمر منكم وعليّ عليه السلام من بينهم وليكم، بعهد الله وبرسوله، وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي صلي الله عليه و اله أبوابكم التي كانت إلي المسجد فسدها كلها غير بابه، وإيثاره إياه بكريمته فاطمة (عليها السلام)
دون سائر من خطبها إليه منكم، وقوله صلي الله عليه و اله: ?أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها?، وأنتم جميعا مصطرخون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه، وهو مستغن عن كل أحد منكم، إلي ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه، فما بالكم تحيدون عنه وتغيرون علي حقه وتؤثرون الحياة الدنيا علي الآخرة، بئس للظالمين بدلا، أعطوه ما جعله الله له ولا تتولوا عنه مدبرين ولا ترتدوا علي أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) ().
ثم قام عمار بن ياسر رضي الله عنه فقال: (يا أبا بكر لا تجعل لنفسك حقا جعله الله عزوجل لغيرك، ولا تكن أول من عصي رسول الله صلي الله عليه و اله وخالفه في أهل بيته، واردد الحق إلي أهله يخف ظهرك ويقل وزرك وتلقي رسول الله صلي الله عليه و اله وهو عنك راض ثم تصير إلي الرحمن فيحاسبك بعملك ويسألك عما فعلت) ().
وفي عهد عثمان، قام عمار بن ياسر يوما في مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله وعثمان يخطب علي المنبر، فوبخ عثمان بشيء من أفعاله، فنزل عثمان فركله برجله وألقاه علي قفاه، وجعل يدوس في بطنه ويأمر أعوانه بذلك حتي غشي علي عمار، وهو يفتري علي عمار ويشتمه، وقد رووا جميعا أن النبي صلي الله عليه و اله قال: ?الحق مع عمار يدور معه حيثما دار?، وقال صلي الله عليه و اله: ?إذا افترق الناس يمينا وشمالا فانظروا الفرقة التي فيها عمار فاتبعوه، فإنه يدور الحق معه حيثما
دار? ().
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: (إن المقداد وعمارا وطلحة والزبير وعدة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله كتبوا
كتابا عددوا فيه أحداث عثمان وخوفوه به وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع، فأخذ عمار الكتاب فأتاه به، فقرأ منه صدرا ثم قال له: أعليّ تقدم من بينهم؟
فقال: لأني أنصحهم لك.
قال: كذبت يا ابن سمية.
فقال: أنا والله ابن سمية وابن ياسر.
فأمر عثمان غلمانا له فمدوا بيديه ورجليه، ثم ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين علي مذاكيره فأصابه الفتق وكان ضعيفا كبيرا فغشي عليه)().
وقد ولي أمير المؤمنين عليه السلام علي بيت المال عمار بن ياسر وأبا الهيثم بن التيهان فكتب: ?العربي والقرشي والأنصاري والعجمي وكل من في الإسلام من قبائل العرب وأجناس العجم سواء?().
وكان عمار من الذين شيعوا أباذر وودّعوه حينما نفي إلي الربذة، عن أبي الجعفر الخثعمي قال: لما سير عثمان أبا ذر إلي الربذة شيعه أمير المؤمنين عليه السلام وعقيل والحسن والحسين ? وعمار بن ياسر (رضي الله عنه) ().
وفي حرب صفين كان عمار ميزاناً لمعرفة الحق عن الباطل، حيث قال فيه رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا عمار تقتلك الفئة الباغية?()، وقد قتله أصحاب معاوية في صفين.
عن الحسين بن أسباط العبدي قال: سمعت عمار بن ياسر (رحمه الله) يقول عند توجهه إلي صفين: (اللهم لو أعلم أنه أرضي لك أن أرمي بنفسي من فوق هذا الجبل لرميت بها، ولو أعلم أنه أرضي لك أن أوقد لنفسي نارا فأوقع فيها لفعلت، وإني لا أقاتل أهل الشام إلا وأنا أريد بذلك وجهك وأنا أرجو أن لاتخيبني وأنا أريد وجهك الكريم) ().
يستحب إتيان قبر العروسين، وفي البحار: (ثم ائت قبور السادة بالبقيع، ومسجد فاطمة عليها السلام فصل ركعتين، وزر قبر حمزة وقبور الشهداء وقبر العروسين) ().
الخندق هو الموضع الذي حفره رسول الله صلي الله عليه و اله حول المدينة واسمه (المداد)، وكان ذلك بعد ما علم من أمر قريش وتحريض اليهود لهم علي محاربة المسلمين، وقد أشار عليه بذلك سلمان الفارسي (رضوان الله عليه)، فعمل فيه رسول الله صلي الله عليه و اله والمسلمون، وكان ذلك في شهر رمضان المبارك حتي أحكموه في شوال سنة خمس للهجرة عام الأحزاب، وقد بلغ عرض الخندق في بعض الأماكن أربعين ذراعاً.
وفي هذه الغزوة قَتل أمير المؤمنين عليه السلام عمرو بن ود بعدما عبر الخندق وأصحابه من أضيق نقطة فيه، فانهزم الأحزاب خائبين، فنزل قوله تعالي: ?وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَي اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيزاً? ().
ومع الأسف لم يُبقوا من الخندق أي أثر في هذا اليوم، ولكن المسلمين يذهبون إلي مكانه ليقفوا عنده ويسترجعوا ذكريات جهاد الرسول الكريم صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام والصحابة الكرام (رضوان الله عليهم).
روي عن جابر قال: لما اجتمعت الأحزاب من العرب لحرب الخندق واستشار النبي صلي الله عليه و اله المهاجرين والأنصار في ذلك، فقال سلمان: إن العجم إذا أحزبها أمر مثل هذا اتخذوا الخنادق حول بلدانهم وجعلوا القتال من وجه واحد، فأوحي الله إليه أن يفعل مثل ما قال سلمان، فخط رسول الله صلي الله عليه و اله الخندق حول المدينة وقسمه بين المهاجرين والأنصار بالذراع، فجعل لكل عشرة منهم عشرة أذرع، قال جابر: فظهرت يوما من الخط لنا صخرة عظيمة
لم يمكن كسرها ولا كانت المعاول تعمل فيها، فأرسلني أصحابي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله لأخبره بخبرها، فصرت إليه فوجدته مستلقيا وقد شد علي بطنه الحجر()، فأخبرته بخبر الحجر، فقام صلي الله عليه و اله مسرعا فأخذ الماء في فمه فرشه علي الصخرة ثم ضرب المعول بيده وسط الصخرة ضربة برقت منها برقة، فنظر المسلمون فيها إلي قصور اليمن وبلدانها، ثم ضربها ضربة أخري فبرقت برقة أخري نظر المسلمون فيها إلي قصور العراق وفارس ومدنها، ثم ضربها الثالثة فانهارت الصخرة قطعا، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ما الذي رأيتم في كل برقة?؟
قالوا: رأينا في الأولي كذا، وفي الثانية كذا، وفي الثالثة كذا.
قال صلي الله عليه و اله: ?سيفتح الله عليكم ما رأيتموه?().
وعن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
?كنا مع النبي صلي الله عليه و اله في حفر الخندق إذ جاءت فاطمة عليها السلام ومعها كسرة خبز فدفعتها إلي النبي صلي الله عليه و اله فقال النبي صلي الله عليه و اله: ما هذه الكسرة؟ فقالت: قرصا خبزتها للحسن والحسين جئتك منه بهذه الكسرة، فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث?().
روي جابر بن عبد الله الأنصاري قال: رأيت الناس يوم الخندق يحفرون وهم خماص ورأيت النبي صلي الله عليه و اله يحفر وبطنه خميص، فأتيت أهلي فأخبرتها فقالت: ما عندنا إلا هذه الشاة ومحرز من ذرة. قال: فاخبزي، وذبح الشاة وطبخوا شقها وشووا الباقي حتي إذا أدرك أتي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله اتخذت طعاما فأتني أنت ومن
أحببت.
فشبك أصابعه في يده ثم نادي: ?ألا إن جابرا يدعوكم إلي طعامه?، فأتي أهله مذعورا خجلا فقال لها: هي الفضيحة قد جفل بها أجمعين.
فقالت: أنت دعوتهم أم هو؟
قال: هو.
قالت: فهو أعلم بهم، فلما رآنا أمر بالأنطاع فبسطت علي الشوارع وأمره أن يجمع التواري يعني قصاعا كانت من خشب والجفان ثم قال: ?ما عندكم من الطعام? فأعلمته، فقال: ?غطوا السدانة والبرمة والتنور واغرفوا وأخرجوا الخبز واللحم وغطوا?، فما زالوا يغرفون وينقلون ولا يرونه ينقص شيئا حتي شبع القوم وهم ثلاثة آلاف ثم أكل جابر وأهله وأهدوا وبقي عندهم أياما ().
ولما انتهي المسلمون من حفر الخندق وصل المشركون ففوجئوا بالخندق، فقالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيولهم فاقتحموا وأقبلت بعض فرسانهم نحو المسلمين كان فيهم عمرو بن عبد ود فارس قريش وكان يعد بألف فارس وكان يسمي فارس يليل() وكان أول من طفره عمرو وأصحابه وكان عمرو ينادي: من يبارز؟
فسكت المسلمون جميعاً وأخذهم الرعب، فقام علي عليه السلام فقال: ?أنا له يا نبي الله?.
فقال صلي الله عليه و اله: ?إنه عمرو، اجلس?.
ونادي عمرو: ألا رجل، ويؤنبهم ويسبهم ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها؟
فقام علي عليه السلام فقال: ?أنا له يا رسول الله?.
ثم نادي الثالثة فقال:
ولقد بححت من النداء
بجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن المشجع
موقف البطل المناجز
إن السماحة والشجاعة
في الفتي خير الغرائز
فقام علي عليه السلام فقال: ?يا رسول أنا?.
فقال: ?إنه عمرو?.
فقال: ?وإن كان عمرا?، فاستأذن رسول الله صلي الله عليه و اله فأذن له. ثم ألبسه رسول الله صلي الله عليه و اله درعه ذات الفضول وأعطاه سيفه ذا الفقار وعممه السحاب علي رأسه تسعة
أكوار، ثم قال له: ?تقدم?، فقال لما ولي: ?اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه?.
فمشي علي عليه السلام إلي عمرو وهو يقول:
لا تعجلن فقد أتاك
مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة
والصدق منجي كل فائز
إني لأرجو أن أقيم
عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقي
ذكرها عند الهزاهز
قال له عمرو: من أنت؟
قال: ?أنا علي?.
قال: ابن عبد مناف؟
فقال: ?أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف?.
فقال: غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك، فإني أكره أن أهريق دمك.
فقال: ?لكني والله ما أكره أن أهريق دمك?.
فغضب ونزل وسل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علي مغضبا، فاستقبله علي عليه السلام بدرقته فضربه عمرو في الدرقة فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه، وضربه علي عليه السلام علي حبل العاتق فسقط.
وفي رواية حذيفة: وتسيف علي رجليه بالسيف من أسفل فوقع علي قفاه وثارت بينهما عجاجة فسُمع علي عليه السلام يكبر، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?قتله والذي نفسي بيده?.
قال حذيفة فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?أبشر يا علي، فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم، وذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهن بقتل عمرو، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة
الثقلين?().
وقد ذكرنا شيئا من تفصيل واقعة الأحزاب في كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ().
خيبر هو الموضع الذي حدثت فيه غزوة خيبر التي قَتل فيها علي بن أبي طالب عليه السلام
مرحباً بطل اليهود، علي تفصيل ذكرناه في كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ()، وهناك قبور شهداء خيير.
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: إن النبي صلي الله عليه و اله دفع الراية إلي علي بن أبي طالب عليه السلام في يوم خيبر بعد أن دعا له، فجعل علي عليه السلام يسرع المسير وأصحابه يقولون له: أرفق، حتي انتهي إلي الحصن، فاجتذب بابه فألقاه بالأرض ثم اجتمع منا سبعون رجلاً وكان جهدهم أن أعادوا الباب().
وعن أبي رافع قال: لما دنا علي عليه السلام من القموص أقبلوا يرمونه بالنبل والحجارة، فحمل حتي دنا من الباب فاقتلعه ثم رمي به خلف ظهره أربعين ذراعاً، ولقد تكلف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوه()، وكان هذا الباب يغلقه عشرون رجلاً منهم. وكان عمره عليه السلام يوم قلع الباب اثنين وعشرين سنة.
وعن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال في رسالته إلي سهل بن حنيف رضي الله عنه: ?والله ما قلعت باب خيبر ورميت به خلف ظهري أربعين ذراعا بقوة جسدية، ولا حركة غذائية، لكني أيدت بقوة ملكوتية ونفس بنور ربها مضيئة، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء، والله لو تظاهرت العرب علي قتالي لما وليت?().
وكان أستاذنا الشيخ علي أكبر النائيني رضي الله عنه قد ذكر لي: أنه قد رأي باب خيبر بقرب حصن خيبر، وكان الباب من المرمر الكبير، وكان يبعد عن الحصن قرابة أربعين ذراعاً.. وقال: كلما ذهبنا إلي الحج كنا نزور هذا الباب تبركاً بما ورد من أخذ الإمام عليه السلام له ورميه هناك، ولما استولي الوهابيون قطّعوا هذا الباب قطعاً وذهبوا بها، عملاً بما أملي عليهم، وبعد ذلك لم نجد له
أثراً.
روي البخاري ومسلم وغيرهما: أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال يوم خيبر:
?لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله علي يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله?، قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا علي رسول الله صلي الله عليه و اله كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: ?أين علي بن أبي طالب?؟ فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: ?فأرسلوا إليه? فأتي به فبصق رسول الله صلي الله عليه و اله في عينيه ودعا له فبرأ حتي كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: ?يا رسول الله أقاتلهم حتي يكونوا مثلنا? قال صلي الله عليه و اله: ?انفذ علي رسلك حتي تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلي الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله، فو الله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم?().
وروي عن أبي رافع مولي رسول الله صلي الله عليه و اله قال: خرجنا مع علي عليه السلام حين بعثه رسول الله صلي الله عليه و اله فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي عليه السلام باباً كان عند الحصن فرمي به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتي فتح الله علي يديه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد علي أن نقلب ذلك الباب فلم نقلبه().
ولما كان يوم خيبر خرج رجل من اليهود يقال له مرحب، وكان طويل القامة عظيم الهامة، وكانت اليهود تقدمه لشجاعته ويساره قال: فخرج في ذلك اليوم إلي أصحاب رسول الله صلي
الله عليه و اله فما واقفه قرن إلا قال: أنا مرحب، ثم حمل عليه فلم يثبت له، قال: وكانت له ظئر وكانت كاهنة تقول له: قاتل كل من قاتلك وغالب كل من غالبك إلا من تسمي عليك بحيدرة فإنك إن وقفت له هلكت، قال: فلما كثر مناوشته وجزع الناس بمقاومته شكوا ذلك إلي النبي صلي الله عليه و اله وسألوه أن يخرج إليه عليا عليه السلام، فدعا النبي صلي الله عليه و اله عليا وقال له: ?يا علي اكفني مرحبا?، فخرج إليه أمير المؤمنين عليه السلام، فلما بصر به مرحب أسرع إليه فلم يره يعبأ به فأنكر ذلك وأحجم عنه ثم أقدم وهو يقول: أنا الذي سمتني أمي مرحبا!
فأقبل علي عليه السلام وهو يقول: ?أنا الذي سمتني أمي حيدرة?.
فلما سمعها منه مرحب هرب، ولم يقف خوفا مما حذرته منه ظئره، فتمثل له إبليس في صورة حبر من أحبار اليهود فقال: إلي أين يا مرحب؟ فقال: قد تسمي علي هذا القرن بحيدرة، فقال له إبليس: فما حيدرة، فقال: إن فلانة ظئري كانت تحذرني من مبارزة رجل اسمه حيدرة وتقول إنه قاتلك، فقال له إبليس: شوها لك لو لم يكن حيدرة إلا هذا وحده لما كان مثلك يرجع عن مثله تأخذ بقول النساء وهن يخطئن أكثر مما يصبن وحيدرة في الدنيا كثير فارجع فلعلك تقتله فإن قتلته سدت قومك وأنا في ظهرك أستصرخ اليهود لك، فرده فو الله ما كان إلا كفواق ناقة حتي ضربه علي عليه السلام ضربة سقط منها لوجهه وانهزم اليهود يقولون قتل مرحب قتل مرحب().
ثم أسر رسول الله صلي الله عليه و اله اليهود ولكنه عفا عنهم وتركهم.
روي عن أبي جرول زهير وكان
رئيس قومه قال: أسرنا رسول الله صلي الله عليه و اله يوم فتح خيبر فبينا هو يميز الرجال من النساء إذ وثبتُ حتي جلست بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله فأسمعته شعرا أذكره حين شب فينا ونشأ في هوازن وحين أرضعوه فأنشأت أقول:
امنن علينا رسول الله في كرم
فإنك المرء نرجوه وننتظر
الأبيات، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم?، وقالت الأنصار: ما كان لنا فهو لله ورسوله، فردت الأنصار ما كان في أيديهما من الذراري والأموال().
فدك قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان أو ثلاثة، صالح رسول الله صلي الله عليه و اله أهلها من غير قتال، ونحلها لابنته فاطمة عليها السلام بأمر الله تعالي، وبقيت فدك ملكاً بيدها فترة حياة أبيها صلي الله عليه و اله، فلمّا تُوفّي أخذت منها بالقهر والغلبة. وقد طالبت بها فاطمة صلي الله عليه و اله وخطبت خطبتها المشهورة في المسجد ولكنهم منعوها حقها.
ورد أنه لما فرغ رسول الله صلي الله عليه و اله من خيبر عقد لواء ثم قال: ?من يقوم إليه فيأخذه بحقه? وهو يريد أن يبعث به إلي حوائط فدك.
فقام الزبير إليه فقال: أنا.
فقال: ?أمط عنه?.
ثم قام إليه سعد فقال: ?أمط عنه?، ثم قال: ?يا علي قم إليه فخذه? فأخذه فبعث به إلي فدك، فصالحهم علي أن يحقن دماءهم، فكانت حوائط فدك لرسول الله صلي الله عليه و اله خاصا خالصا، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: إن الله عزوجل يأمرك أن تؤتي ذوي القربي حقه!.
قال: يا جبرئيل ومن قراباتي وما حقها؟
قال: فاطمة عليها السلام فأعطها حوائط فدك وما لله ولرسوله فيها.
فدعا رسول الله
صلي الله عليه و اله فاطمة عليها السلام وكتب لها كتابا، وجاءت به بعد موت أبيها إلي أبي بكر وقالت: ?هذا كتاب رسول الله صلي الله عليه و اله لي ولابنيّ?(). ولكنهم مزقوا الكتاب ولم يعطوها فدك.
وفيما احتجّ الإمام الرضا عليه السلام في فضل العترة الطاهرة عليهم السلام من الآيات الكريمة قوله تعالي: ?وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّهُ?() خصوصيّة خصّهم العزيز الجبّار بها، واصطفاهم علي الأمّة. فلمّا نزلت هذه الآية علي رسول اللّه صلي الله عليه و اله قال: ?ادعوا إليّ فاطمة? فدعيت له، فقال: ?يا فاطمة?، قالت: ?لبّيك يا رسول اللّه?. فقال صلي الله عليه و اله: ?فدك هي ممّا لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، وهي لي خاصّة دون المسلمين، وقد جعلتها لك، لما أمرني اللّه تعالي به، فخذيها لك
ولولدك?().
الرَبَذة: موضع بين ينبوع والمدينة وفيه قبر أبي ذرّ الغفاري (رضوان الله تعالي عليه) ومحلّ نفيه، وفيها قبور جماعة من الصحابة، وقد مر بعض التفصيل عنه في مزارات مكة المكرمة من هذا الكتاب.
في استحباب زيارة الأولياء
والحث علي إتيان المشاهد كلها
مسألة: يستحب زيارة الأولياء عليهم السلام وإتيان المشاهد الشريفة كلها، ففي صحيح معاوية، عن الصادق عليه السلام قال: ?لا تدع إتيان المشاهد كلها، مسجد قبا، فإنه المسجد الذي أسس علي التقوي من أول يوم، ومشربه أم إبراهيم، ومسجد الفضيخ، وقبور الشهداء، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح?، قال عليه السلام: ?وبلغنا أن النبي صلي الله عليه و اله كان إذا أتي قبور الشهداء قال: (السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار)، وليكن فيما تقول عند مسجد الفتح: (يا صريخ المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين اكشف همي وغمي وكربي، كما كشفت عن نبيك همه وغمه وكربه وكفيته هول عدوه في هذا المكان)?().
ويدل علي الاستحباب مطلقاً ما سبق من قوله عليه السلام: ?لا تدع إتيان المشاهد كلها?، والعمومات في الحث علي زيارة قبر النبي صلي الله عليه و اله والأئمة الطاهرين عليهم السلام وزيارة عموم المقابر والمساجد، مضافا إلي عمومات تعظيم الشعائر وما أشبه، كما يمكن الاستناد في ذلك إلي فتوي الفقيه، ويدل عليه عموماً قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «وسر في ديارهم وآثارهم فانظر فيما فعلوا» () إلي غير ذلك.
وفي الدروس: (استحباب إتيان مولد رسول الله صلي الله عليه و اله، وهو الآن مسجد في زقاق يسمي زقاق المولد(). ومنها: إتيان منزل خديجة عليها السلام الذي كان رسول الله صلي الله عليه و اله يسكنه وخديجة به وفيه ولدت أولادها منه صلي الله عليه و اله،
وفيه توفيت ولم يزل رسول الله صلي الله عليه و اله مقيماً به حتي هاجر، وهو الآن مسجد، ويستحب أن يزور خديجة عليها السلام بالحجون، وقبرها معروف هناك قريب من سفح الجبل. ومنها: إتيان مسجد الأرقم ويقال للدار التي هو فيها: دار الخيزران، فيه استتر رسول الله صلي الله عليه و اله في أول الإسلام، ومنها إتيان الغار بجبل حراء الذي كان رسول الله صلي الله عليه و اله في ابتداء الوحي يتعبد به، وإتيان الغار الذي بجبل ثور واستتر فيه النبي صلي الله عليه و اله من المشركين)().
ونقل المستند عن والده ? ما لفظه:
(الحطيم): قدر من حائط البيت ما بين حجر الأسود وباب الكعبة، و(المعجن): موضع قريب من حائط البيت منحط من الأرض ومصلي الرسول صلي الله عليه و اله ما بين الحجر الأسود والركن اليماني، قريب من حائط البيت يتصل موضع سجوده بشاذروان، وعلي موضع السجدة حجر مدور من يشم، وعلي موضع اليدين أيضاً علامة، ومصلي إبراهيم عليه السلام ما بين الركن والمعجن لكنه إلي المعجن أقرب، ونصب علي فرقة في شاذروان حجر أبيض مرمر نقش عليه بعض الآيات القرآنية.
(قال:) وفي مكة أماكن شريفة أخري في إتيانها فضل كامل، منها: دار خديجة عليها السلام التي هي دار الوحي ومولد سيدة نساء العالمين عليها السلام، وهي في سوق الصباغين الذي هو قرب سوق الصفا والمروة واقعة في يمين من يمشي من الصفا إلي المروة ولها قبة معروفة ويتصلها مسجد يستحب إتيانها وصلاة التحية فيها وطلب الحوائج والمسألة.
ومنها: مولد النبي صلي الله عليه و اله وهو سوق الليل، وله قبة معروفة، وأصل موضع التولد شبيه بجوف ترس، وعليه منارة من الخشب يستحب إتيانه، وصلاة التحية
فيه، وطلب الحاجة.
ومنها: قبر خديجة عليها السلام وهو في مقابر معلاة قريب بانتهاء المقابر في سفح الجبل، وله قبة معروفة، أصل القبة بيضاء وحيطانها صفراء، وتستحب زيارتها، وكذا زيارة آمنة عليها السلام أم الرسول صلي الله عليه و اله وقبرها قريب من قبر خديجة في فوقه بقليل من يمين من يصعد من مكة إلي الجبل، وزيارة أبي طالب والد أمير المؤمنين عليه السلام وعبد المطلب جد الرسول صلي الله عليه و اله وقبرهما فوق قبر خديجة وآمنة ويدور عليها حائط ليس بينه وبين الجبل إلا حظيرة.
(إلي أن قال): وهنا قبر آخر متصل بالحائط في يمين الباب بعضهم يقولون إنه قبر عبد مناف لكنه لم يعلم.() انتهي.
أقول: وذكر (وفاء الوفاء) جملة من المواضع الأثرية والمساجد الشريفة، وغيره في غيره، وقد سبق منا في هذا الكتاب بعض التفصيل في هذا الباب.
ثم إن اللازم علي المسلمين أحياء كل آثار رسول الله صلي الله عليه و اله وآثار بقية المعصومين من أهل بيته عليهم السلام، وآثار الطيبين من أصحابهم وذويهم فإن ذلك من أعظم شعائر الله.
كما يستحب زيارة تلك الآثار فإنها أيضاً من تعظيم الشعائر، كيف وأثر قدم فرس جبرائيل كان أوجب الحياة في التراب كما قال سبحانه حكاية عن السامري: ?فقبضت قبضة من أثر الرسول?(). ومن المعلوم أن جبرائيل خادم من خدامهم عليهم السلام.
كما يجب علي المسلمين الاهتمام لإرجاع البقاع الطيبة التي هدمها الوهابيون، فإن ذلك كان بأمر الكافرين حيث ضعف المسلمون، وقراءة كتاب (مذكرات مستر همفر) () وما أشبه، تبين بعض دسائس الكفار في هذا الشأن، وليس يؤيس من بقاء قبورهم عليهم السلام مهدومة ما يقارب نصف قرن فإنه التاريخ أرانا مثل ذلك في قبر أمير
المؤمنين علي عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام، فقد بُنيا بأجمل ما يكون بعد طول انهدام، والله المستعان.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.
قم المقدسة
محمد الشيرازي
() سورة البقرة: 158.
() مستدرك الوسائل: ج2 ص362 ب45 ح2193.
() كنز العمال: ج15 ص646 ب3 ف3 ح42554.
كنز العمال: ج15 ص647 ب3 ف3 ح42558.
سورة آل عمران: 110.
() الكتاب من تأليفات الإمام الشيرازي (أعلي الله مقامه) في مدينة كربلاء المقدسة العراق، ويقع في 403 صفحة، قياس 20 × 14، ويشتمل علي المواضيع التالية: أحاديث في فضل الحج، آداب السفر ومستحباته، أسرار الحج وفلسفة أعماله، التبليغ في الحج، كيفية الاعتكاف في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف و..، أعمال مكة المكرمة، أعمال المدينة المنورة، مناسك الحج، آداب الحج من المستحبات والمكروهات، الأدعية المأثورة في باب الحج. طبع الكتاب عدة مرات، ط1 دار الصادق، بيروت لبنان، ط3 دار القرآن الحكيم، قم المقدسة عام 1399ه.
() الكافي: ج4 ص560 باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء ح1.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص347 ب13 ح11049.
() سورة التين: 13.
() وسائل الشيعة: ج14 ص361 ب16 ح19389.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص33 336 ح11034.
() تفسير العياشي: ج1 ص36 من سورة البقرة ح21.
() الكافي: ج4 ص563 باب تحريم المدينة ح1.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص12ب5 ح3.
() تفسير القمي: ج1 ص60 إبراهيم عليه السلام وبناء البيت.
() سورة الحج: 26.
() الكافي: ج4 ص400 باب دخول مكة ح3.
() وسائل الشيعة: ج13 ص200 ب5 ح17562.
() بئر ميمون: وهو البئر الذي حفره ميمون بن عبد الله الحضرمي، وهو أخو العلاء بن عبد الله الحضرمي والي البحرين، وكان ذلك في الجاهلية قبل أن يكتشف عبد المطلب بئر زمزم، وإليه نسبت،
وهي بأبطح مكة وتقع فيما يسمي ب (حي الجعفرية) بين أذاخر والحجون شمالي قصر فيصل حالياً.
() بئر عبد الصمد: هو آخر منزل من منازل طريق اليمن إلي مكة المار بقرن المنازل (السيل الكبير حالياً).
() تهذيب الأحكام: ج5 ص99 ب8 ح8.
() الكافي: ج4 ص400 401 باب دخول مكة ح9.
() وسائل الشيعة: ج13 ص203 ب7 ح17569.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص97 ب8 ح1.
() وسائل الشيعة: ج13 ص198 ب3 ح1.
() علل الشرائع: ج2 ص586-587 ب385 ح32.
() بحار الأنوار: ج96 ص192 ب34 ح6. عن فقه الرضا عليه السلام.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص528 التلبية.
() سورة البقرة: 144.
() سورة الإسراء: 1.
() سورة الفتح: 27.
() وسائل الشيعة: ج5 ص282-283 ب57 ح6556.
() راجع عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص18 ب30 ح42.سس
() في عام 1345ه بلغ عدد الحجاج أكثر من نصف مليون، وضاق المسجد الحرام بالمصلين ووضعت سرادقات في باحة المسجد الحرام حتي يستظل تحتها المصلون من وفود بلد الله الحرام، ويتوقون تحتها ضربة الشمس وحر الظهيرة، كما أزيل الغبار من المسعي وذلك بفرش شارع المسعي بالحجر الصوان المربع وبني بالنورة، فابتدأ العمل بالرصف من الصفا وقد تم ذلك في أواخر ذي القعدة من نفس العام، فكان هذا هو أول شارع رصف بمكة أيضاً علي الإطلاق، وفي عام 1346ه أقيمت مظلات ثابتة، قوية علي دائرة صحن الحرم مما يلي الأروقة من الجهات الأربع، وجاءت إليه ماكينة من أحد تجار الهند قوتها 30 كيلو واط وتم تركيبها، وفي شهر شعبان سنة 1347ه تم تجديد عموم اللمبات التي بالمسجد الحرام وبزيادتها لتبلغ ألف لمبة، وفي عام 1349ه تم شراء ماكينة قوية لتضم إلي السابقة، لأجل تحسين الإضاءة بالمسجد الحرام، وفي عام 1354 ه جاءت
ماكينة أكبر وأقوي فعممت الإضاءة علي المسجد الحرام وأبوابه والمطاف، وما حول المسجد، وللمقارنة فإن إضاءة المسجد الحرام بالكهرباء في عام 1354 ه وإضاءته بالقناديل في زمن الدولة العثمانية تعادل نحو أكثر من عشرين ضعفاً عما كان عليه.
وأما التوسعة التي تمت منذ عام 1375ه الموافق 1955م فقد زادت في مساحة المسجد الحرام من 19127متر مربع إلي 160168متر مربع وهو بذلك يتسع لقرابة نصف مليون من المصلين، وشملت توسعة المسعي بين الصفا والمروة إلي طابقين وبناء سبع مآذن وبناء ستة جسور في المسعي ومحطة تبريد مياه زمزم وتحسين إضاءة المسجد وتوسيع المطاف بنسبة 300% وتركيب المصاعد وباب مذهب للكعبة ونظام الإنذار والتكييف. واليوم تتعالي في المسجد الحرام تسع مآذن يبلغ طول كل منها 90متراً، كما أقيمت في جهات المسجد ساحات أربعة ما وراء الحرم تستوعب أعداداً كبيرة من المصلين.
من الأوليات بمكة:
أول مرة منعت المحامل من الوصول إلي الحرمين الشريفين كان في سنة 1343ه.
أول ظهور للكهرباء بالمسجد الحرام كان في سنة 1346ه.
أول ظهور استعمال السيارات في مكة كان في عام 1346ه.
أول شيوع لاستعمال الكهرباء في مكة كان في عام 1365ه.
أول استعمال للمراوح الكهربائية في المسجد الحرام كان في عام 1366ه.
أول ما بدأ استعمال مكبرات الصوت (أي الميكرفون) في المسجد الحرام بمكة المشرفة كان في عام 1367ه.
أول مصحف طبع في مكة وكان بخط محمد طاهر كردي كان في عام 1369ه.
() من تأليفات سماحة الإمام الشيرازي (أعلي الله مقامه) في مدينة قم المقدسة، بتاريخ ذي القعدة 1418ه، يقع الكتاب في 156صفحة قياس 20×14، ويشتمل علي المواضيع التالية: الحج في القرآن الكريم، الحج في الروايات، توصية لمن يريد الحج، من وصايا لقمان، حج رسول الله صلي الله عليه و اله،
المواقيت، دعاء الإحرام، التلبية، دائرة الحرم، أسماء مكة المكرمة، من أحكام مكة المكرمة، تاريخ الرسول صلي الله عليه و اله في مكة المكرمة، فضل المسجد الحرام، الكعبة المقدسة، ثياب الكعبة وحليها، الحجر الأسود، أركان البيت، قصة المقام ومحله، حد الطواف، خدمة المؤمن، صلاة الطواف، المسعي، التقصير، الوقوف بعرفة، الوقوف بالمشعر، مني ومناسكها، الحلق أو التقصير، خطبة النبي صلي الله عليه و الهفي مني، ختم القرآن بمكة، زيارة مولد النبي صلي الله عليه و اله، مولد الزهراء عليه السلام، غار حراء، غار ثور، محل انشقاق القمر، المساجد في مكة وحولها، الآثار في مكة وحولها، بين الكعبة وكربلاء، زيارة الرسول صلي الله عليه و اله، الروضة الشريفة، الهجرة، مسجد قبا، بناء المسجد النبوي، البقيع، أعلام قبور البقيع، شهداء أحد، مدفن أبي ذر، مدفن آمنة والدة النبي صلي الله عليه و اله، مدفن عبد الله والد النبي صلي الله عليه و اله. كما يتضمن أطروحة حول لزوم استيعاب الحج خمسين مليونا من الحجاج. قام مركز الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله للتحقيق والنشر، بيروت - لبنان، بطبعه عام 1419ه 1998م، ثم طبع في الكويت، لجنة الإمام المهدي (عج) عام 1420ه 1999م.
() الكافي: ج4 ص401 باب دخول المسجد الحرام ح1.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص100-101 ب8 ح12.
() وسائل الشيعة: ج5 ص272 ب52 ح6522.
() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص228 باب فضل المساجد وحرمتها وثواب من صلي فيها ح682.
() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص229 باب فضل المساجد وحرمتها وثواب من صلي فيها ح684.
() سورة آل عمران: 96-97.
() بحار الأنوار: ج96 ص58-59 ب5 ح16.
() علل الشرائع: ج2 ص399 ب140 ح4.
() سورة القلم: 1.
() سورة المعارج: 24-25.
() سورة البقرة: 30.
() سورة
البقرة: 30.
() الكافي: ج4 ص187-188 باب بدء البيت والطواف ح1.
() هو جبل بيت المقدس.
() فقه القرآن: ج1 ص292- 293 باب ذكر المناسك وما يتعلق بها.
() راجع من لا يحضره الفقيه: ج2 ص229 نكت في حج الأنبياء والمرسلين ? ح2274.
() سورة البقرة: 125-128.
() سورة الحج: 27.
() تفسير القمي: ج2 ص83 سورة الحج، كيفية الجنة والنار.
() علل الشرائع: ج2 ص586-587 ب385 ح32.
() الكافي: ج4 ص218 باب ورود تبع وأصحاب الفيل البيت ح5.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص248 باب ابتداء الكعبة وفضلها وفضل الحرم ح2324.
() سورة يونس: 92.
() بحار الأنوار: ج21 ص135 ب26 ح26.
() نهج البلاغة: الخطبة 192، الكعبة المقدسة.
() وسائل الشيعة: ج13 ص264 ب29 ح17704.
() الكافي: ج4 ص240 باب فضل النظر إلي الكعبة ح5.
() وسائل الشيعة: ج13 ص263 ب29 ح17702.
() الكافي: ج4 ص241 باب فضل النظر إلي الكعبة ح6.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص205 ب19 ح2144.
() وسائل الشيعة: ح6 ص205 ب19 ح7738.
() المحاسن: ج1 ص69 ب111 ح135.
() وسائل الشيعة: ج13 ص265 ب29 ح17707.
() وسائل الشيعة: ج13 ص265 ب29 ح17708.
() الكافي: ج4 ص406 باب الطواف واستلام الأركان ح1.
() وسائل الشيعة: ج13 ص345-346 ب2 ح17912.
() فقه الرضا عليه السلام: ص219 ب31.
() بحار الأنوار: ج69 ص342 ب62 ح17.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص388 ب14 ضمن ح11143.
() المقنع: ص265 دعاء الطواف.
() المقنع: ص257 دعاء الطواف.
() فقه الرضا عليه السلام: ص219 ب31.
() بني جمح: بطن من قريش، وهو ركن المستجار المسمي بالركن اليماني.
() غوالي اللآلي: ج1 ص140 ف8 ح50.
() دعائم الإسلام: ج1 ص312 ذكر الطواف.
() بحار الأنوار: ج96 ص225 ب40 ح23.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص247 باب ابتداء الكعبة وفضلها وفضل الحرم ح2322.
() الكافي: ج4 ص207 باب حج إبراهيم وإسماعيل
وبنائهما البيت ح8.
() غوالي اللآلي: ج1 ص174 ف8 ح206.
() تفسير العياشي: ج1 ص60 من سورة البقرة ح98.
() بحار الأنوار: ج96 ص217 ب40 ح1.
() الكافي: ج4 ص184 باب بدء الحجر والعلة في استلامه ح2.
() أي بقدرته.
() علل الشرائع: ج2 ص429-431 ب164 ح1.
() بحار الأنوار: ج11 ص195 ب3 ح48.
() الكافي: ج4 ص205 باب حج إبراهيم وإسماعيل وبنائهما البيت ح4.
() غوالي اللآلي: ج1 ص68 ف4 ح123.
() راجع وسائل الشيعة: ج13 ص320 ب13 ح17843.
() الكافي: ج4 ص217 باب ورود تبع وأصحاب الفيل البيت ح3.
() بعد ما هدمها علي ابن الزبير.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص247 باب ابتداء الكعبة وفضلها وفضل الحجر ح2321.
() شرح نهج البلاغة: ج10 ص14 جملة من إخبار علي بالأمور الغيبية.
() بحار الأنوار: ج97 ص389-390 ب6 ح14.
() القرمطي: واحد القرامطة وهم فرقة من الخوارج وكبيرهم أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي، قتل سنة 301 ه ثم ولي الأمر بعده أبنه أبو طاهر سليمان.
() وفي كتاب (تاريخ أخبار القرامطة) ص 54: فوضعه علي سبعين جملاٍ فسيرهم به وهم يضرطون من ثقله إلي هجر.
() وهو ابن محلب. وفي كتاب (مآثر الأناقة) ج1 ص279: بذل له خمسين ألف دينار فما فعل.
() وفي كتاب (الجوهر الثمين) ص169: يقال قتل بمكة قريبا من ثلاثين ألفاً.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص101-102 ب9 ح1.
() الكافي: ج4 ص403 باب الدعاء عند استقبال الحجر واستلامه ح2.
() وسائل الشيعة: ج13 ص315 ب12 ح17829.
() الكافي: ج4 ص405 باب المزاحمة علي الحجر الأسود ح3.
() وسائل الشيعة: ج13 ص326 ب16 ح17857.
() انظر مستدرك الوسائل: ج3 ص423 ب42 ح3917.
() انظر مستدرك الوسائل: ج3 ص422 ب42 ح3916.
() بحار الأنوار: ج96 ص343 ب62 ح17.
() راجع مستدرك الوسائل: ج17 ص376 ب11 ضمن ح21626.
() عيون
أخبار الرضا عليه السلام: ح2 ص90 ب33 ح1.
() الكافي: ج8 ص92 حديث الرياح ح63.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص387 ب14 ح11143.
() وسائل الشيعة: ج13 ص341 ب22 ح17899.
() المقنعة: ص402 ب9.
() بحار الأنوار: ج15 ص339 ب4 ح9.
() راجع الكافي: ج4 ص406 باب الطواف واستلام الأركان. وغيره من كتب الأحاديث.
() الكافي: ج4 ص409 باب الطواف واستلام الأركان ح13.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص208 باب فضائل الحج ح2160.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص391 ب17 ح11151.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص106 ب9 ح16.
() وسائل الشيعة: ج13 ص337 ب21 ح17885.
() الكافي: ج4 ص532 باب وداع البيت ح3.
() سورة الحج: 28.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص122 ب9 ح70.
() الكافي: ج4 ص532 باب وداع البيت ح3.
() وسائل الشيعة: ج14 ص287 ب18 ح19218.
() الاستبصار: ج2 ص216-217 ب141 ح2.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص389-390 ب16 ح11148.
() الكافي: ج4 ص407 باب الطواف واستلام الأركان ح1.
() بحار الأنوار: ج96 ص343 ب62 ح17.
() مصباح الكفعمي: ص294 ف30.
() الكافي: ج4 ص407 باب الطواف واستلام الأركان ح1.
() بحار الأنوار: ج100 ص221 ب1 ح26.
() المقنعة: ص445-446 ب29.
() الكافي: ج4 ص225 باب أن الله عزوجل حرم مكة حين خلق السماوات والأرض ح3.
() بحار الأنوار: ج6 ص305-307 ب1 ح6.
() مستدرك الوسائل: ج11 ص374 ب49 ح13294.
() الأمالي للشيخ الطوسي: ص459 المجلس 16 ح1026.
() الاحتجاج: ج1 ص158 اجتجاجه عليه السلام علي جماعة كثيرة من المهاجرين والأنصار.
() بحار الأنوار: ج44 ص185 ب25 ضمن ح12.
() الكافي: ج4 ص525 باب فضل الصلاة في المسجد الحرام وأفضل بقعة فيه ح1.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص209 باب فضائل الحج ح2170.
() الكافي: ج4 ص525 باب فضل الصلاة في المسجد الحرام وأفضل بقعة فيه ح2.
() وسائل الشيعة: ج5 ص273 ب53 ح6526.
() تهذيب الأحكام: ج5
ص451-452 ب26 ح221.
() بحار الأنوار: ج11 ص196 ب3 ح50.
() تفسير العياشي: ج2 ص234 من سورة إبراهيم ح42.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص163-164 ب15 ح11762.
() كشف الغمة: ج2 ص464 باب ذكر علامات قيام القائم عليه السلام ومدة أيام ظهوره.
() الكافي: ج4 ص214 باب حج الأنبياء ? ح9.
() بصائر الدرجات: ص129 ب7 ح1.
() راجع الكافي: ج4 ص407 باب الطواف واستلام الأركان ح5. وفيه: (كان علي بن الحسين عليه السلام إذا بلغ الحجر قبل أن يبلغ الميزاب يرفع رأسه ثم يقول: اللهم أدخلني الجنة برحمتك، وهو ينظر إلي الميزاب، وأجرني برحمتك من النار … ).
() انظر وسائل الشيعة: ج25 ص262 ب17 ح31866.
() الكافي: ج6 ص387 باب فضل ماء زمزم وماء الميزاب ح6.
() راجع بحار الأنوار: ج96 ص190-191 ب33 ح5.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص387 ب14 ح11143.
() وسائل الشيعة: ج13 ص334 ب20 ح17878.
() الكافي: ج4 ص407 باب الطواف واستلام الأركان ح5.
() محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود علي المجلسي، المعروف بالعلامة المجلسي وبالمجلسي الثاني، ولد عام 1037 ه في مدينة اصفهان إيران. تعتبر أسرة العلامة المجلسي من أعظم الأسر التي يفتخر بها في القرون الأخيرة. فقد أنجبت هذه الأسرة ما يقرب من مائة عالم فاضل منهم: من أجداده العلامة الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، صاحب كتاب حلية الأولياء. أبوه العلامة المولي محمد تقي المجلسي، المعروف بالمجلسي الأول (1003 - 1070 ه).
كان محدثاً و فقيهاً كبيراً، وله مصنفات عديدة، وصاحب كرامات. لقد بلغ العلامة المجلسي الثاني من الشهرة في العلوم الإسلامية المختلفة ما يغنينا عن البيان، فلقد كان العلامة المجلسي كالشمس في سماء الفقه والاجتهاد. وامتاز بأنه كان من بين أولئك العلماء الذين جمعوا مختلف العلوم. فلقد كان عالماً في التفسير والحديث
والفقه والأصول والتاريخ والرجال والدراية. ويكفي لإثبات ذلك أن نلقي نظرة علي موسوعة بحار الأنوار. من الخصائص المهمة في حياة العلامة المجلسي الزهد والبساطة في العيش. فلقد عاش العلامة في عهد الصفويين وكان يلقب ب (شيخ الإسلام) في الحكم الصفوي وقد كانت جميع الإمكانات متوفرة له، ومع هذا فقد عاش في نهاية الزهد و البساطة. يقول تلميذه السيد نعمة الله الجزائري: لم يغفل العلامة أبداً عن ذكر الله، وقام بجميع أعماله قربة إلي الله تعالي. كان العلامة قد طلب من الشاه عباس في مجلس تتويجه منع شرب الخمر وبيعه ومنع بعض المنكرات الأخري، وبالفعل فقد استجاب الشاه عباس الثاني لطلب العلامة وعمل بوصاياه. لقد حصل العلامة محمد باقر المجلسي علي هذا اللقب (العلامة) من علماء كبار كالوحيد البهبهاني والعلامة بحر العلوم والشيخ الأعظم الأنصاري. وكل واحد من هؤلاء هو بحر متلاطم من العلوم و المعارف الإسلامية، وقد لقّبوه بذلك لما له من منزلة ومقام، ولقد كان حقاً علاّمة زمانه. كما قلّده الشاه سليمان الصفوي في سنة 1098 منصب شيخ الإسلام في أصفهان. وكان هذا المنصب أفضل وأهم منصب ديني وتنفيذي في ذلك الزمان. فكان يقضي ويحكم في المنازعات والدعاوي وكانت الأمور الدينية تحت نظره، وكانت تدفع إليه جميع الحقوق الشرعية وكان يتولي العاجزين والأيتام وغيرهم. والأمر المهم هنا هو أن العلامة لم يقبل هذا المنصب إلاّ بإصرار من الشاه، حيث أخذ يطلب منه ويكرر عليه الطلب حتي قبل العلامة. وقد بقي في هذا المنصب حتي آخر حياته. من أساتذته ومشايخه: أبوه محمد تقي المجلسي المتوفي عام 1070 ه والذي كان أستاذه في العلوم النقلية. والمرحوم آقا حسين الخونساري المتوفي عام 1098 ه ابن آقا جمال،
وكان أستاذ العلامة في العلوم العقلية. ومشايخه في النقل المولي محمد صالح المازندراني المتوفي عام 1086 ه والملا محسن الفيض الكاشاني المتوفي عام 1091. والسيد علي خان المدني صاحب الشرح المعروف علي الصحيفة السجادية المتوفي عام 1120 ه. والشيخ الحر العاملي مؤلف كتاب وسائل الشيعة المتوفي عام 1104 ه. والجدير ذكره أن الأخيرين أعطيا للعلامة إجازة وأخذا منه الإجازة أيضا، ومن تلامذته: السيد نعمة الله الجزائري، وجعفر بن عبد الله الكمره أي الأصفهاني، وزين العابدين بن الشيخ الحر العاملي، وسليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني، والشيخ عبد الرزاق الكيلاني، وعبد الرضا الكاشاني، ومحمد باقر البيابانكي، والميرزا عبد الله الأفندي الأصفهاني مؤلف رياض العلماء، والسيد علي خان المدني مؤلف رياض السالكين (شرح الصحيفة السجادية)، والشيخ الحر العاملي و …
كانت حياة العلامة المجلسي حافلة بالبركات. فقد كان له اكثر من مائة مصنف باللغتين العربية والفارسية، وأحد هذه المصنفات هو (بحار الأنوار) في 110 مجلدات، والآخر (مرآة العقول) في 26 مجلداً. وقد نسب إليه ما يقرب من 40 كتاباً آخر.
وذكر أن أول مصنف له هو كتاب (الأوزان و المقادير) أو (ميزان المقادير) الذي كتبة سنة 1063 ه. وآخر كتاب له هو كتاب (حق اليقين) الذي ألّفه سنة 1109 ه، أي قبل وفاته بسنة واحدة. توفّي العلامة المجلسي في ليلة 27 رمضان سنة 1110 ه في أصفهان عن ثلاثة وسبعين عاماً.
() بحار الأنوار: ج71 ص327 ب20 بيان ح97.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص533 الوقوف بالمستجار.
() وسائل الشيعة: ج13 ص344-345 ب26 ح17909.
() الكافي: ج2 ص194 باب قضاء حاجة المؤمن ح8.
() الكافي: ج4 ص194 باب في حج آدم عليه السلام ح3.
() وسائل الشيعة: ج13 ص346 ب26 ح17913.
() الكافي: ج4 ص525
باب فضل الصلاة في المسجد الحرام وأفضل بقعة فيه ح3
() تهذيب الأحكام: ج5 ص281 ب22 ح3.
() بحار الأنوار: ج96 ص194 ب35 ح3.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص393 ب19 ح11156.
() تذكرة الفقهاء: ج8 ص86 كيفية الطواف.
() وسائل الشيعة: ج13 ص355 ب30 ح17936.
() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص147 التكفين وآدابه ح413.
() بحار الأنوار: ج14 ص75 ب5 ح19.
() وسائل الشيعة: ج13 ص208 ب10 ح17578.
() قرب الإسناد: ص65.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص353 ب18 ح11058.
() كنز الفوائد: ج2 ص81 قصة وقعت مع المؤلف.
() غيبة الطوسي: ص252 ف2، وص364 ف6.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص351-352 ب18 ح11056.
() أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليماني، ويقال: اسمه ذكوان وطاووس لقبه، ولد سنة 33 ه، من فقهاء العامة، قال المحدث النوري اعلي الله مقامه في المستدرك: لم يشك أحد في كونه عامي المذهب، وقال العلامة المامقاني اعلي الله مقامه في تنقيح المقال: هو من زهاد العامة، وعده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام السجاد ? ولعله لما روي ابن شهر آشوب عنه. كان يحج بأهل اليمن، توفي حاجاً بمكة قبل التروية سنة 106ه وصلي عليه هشام بن عبد الملك وقبره مشهور في صنعاء في مسجد الطاووس.
() أعلام الدين: ص171-172.
() غنية النزوع: ص175 ف7 في الطواف.
() فقه الرضا ع: ص219 ب31.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص394 ب19 ح11159.
() سورة الشرح: 1-4.
() بحار الأنوار: ج36 ص116 ب39 ح63.
() شرح نهج البلاغة: ج6 ص188 من الأدعية المأثورة عن بعض الصالحين.
() مستدرك الوسائل: ج5 ص230-231 ب35 ح5762.
() كشف اليقين: ص477-478 ف3 ب2 المبحث 37.
() سورة البقرة: 125.
() تفسير مجمع البيان: ج1 ص380.
() سورة البقرة: 125.
() سورة آل عمران: 96-97.
() الكافي: ج4 ص223 باب في قوله تعالي فيه آيات بينات ح1.
()
قصص الأنبياء، للجزائري: ص120 ب6 ف4.
() بحار الأنوار: ج71 ص319 ب20 ح83.
() مجمع البحرين: ج6 ص81 مادة زمم.
() راجع بحار الأنوار: ج96 ص242 ب45.
() الكافي: ج3 ص246 باب في أرواح الكفار ح5.
() علل الشرائع: ج2 ص432 ب166 ح1.
() بحار الأنوار: ج12 ص96 ب5 ح5.
() الكافي: ج4 ص219-220 باب ورود تبع وأصحاب الفيل البيت ح6.
() وسائل الشيعة: ج11 ص224 ب2 ح14658.
() الكافي: ج4 ص430 باب استلام الحجر بعد الركعتين ح1.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص144 ب10 ح2.
() وسائل الشيعة: ج13 ص474 ب2 ح18240.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص281 ب22 ح1.
() المحاسن: ج2 ص573-574 ب2 ح21.
() الكافي: ج6 ص386 باب فضل ماء زمزم وماء الميزاب ح2.
() وسائل الشيعة: ج25 ص260 ب16 ح31860.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص348 ب14 ح11051.
() الكافي: ج6 ص387 باب فضل ماء زمزم وماء الميزاب ح5.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص208 باب فضائل الحج ح2164.
() وسائل الشيعة: ج13 ص245 ب20 ح17660.
() بحار الأنوار: ج96 ص244 ب45 ح15.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص145 ب10 ح3.
() وسائل الشيعة: ج13 ص474 ب2 ح18242.
() الخصال: ج2 ص455 أسماء زمزم أحد عشر ح3.
() وسائل الشيعة: ج13 ص245-246 ب20 ح17662.
() بحار الأنوار: ج96 ص243 ب45 ح8.
() سورة البقرة: 158.
() سورة آل عمران: 33.
() الكافي: ج4 ص191-192 باب في حج آدم عليه السلام ح2.
() علل الشرائع: ج2 ص432 ب166 ح1.
() وسائل الشيعة: ج13 ص471-472 ب1 ح18237.
() المحاسن: ج2 ص330 كتاب العلل ح93.
() الكافي: ج4 ص434 باب السعي بين الصفا والمروة وما يقال فيه ح3.
() وسائل الشيعة: ج13 ص468 ب1 ح18224.
() الكافي: ج4 ص434 باب السعي بين الصفا والمروة وما يقال فيه ح4.
() الكافي: ج4 ص434 باب السعي بين الصفا والمروة وما يقال فيه ح5.
()
بحار الأنوار: ج12 ص107-108 ب5 ح23، والبحار: ج96 ص234 ب43 ح4.
() بحار الأنوار: ج43 ص320 ب13 ح4.
() الكافي: ج4 ص186 باب بدء الحجر والعلة في استلامه ح3.
() سورة البقرة: 158.
() وسائل الشيعة: ج11 ص214 ب2 ح14647.
() سورة البقرة: 158.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص145-146 ب10 ح6.
() بحار الأنوار: ج21 ص402 ب36 ح39.
() الكافي: ج4 ص432 باب الوقوف علي الصفا والدعاء ح2.
() الكافي: ج4 ص432 باب الوقوف علي الصفا والدعاء ح3.
() وسائل الشيعة: ج13 ص478 ب4 ح18247.
() الكافي: ج4 ص433 باب الوقوف علي الصفا والدعاء ح9.
() وسائل الشيعة: ج13 ص479 ب5 ح18250.
() سورة الشعراء: 214.
() سورة سبأ: 46.
() المناقب: ج1 ص46 فصل في مبعث النبي صلي الله عليه و اله.
() صفات الشيعة: ص5-6 ح8.
() بحار الأنوار: ج90 ص206 ب6 ح4.
() وسائل الشيعة: ج13 ص294 ب1 ح17781.
() سورة الشوري: 23.
() شواهد التنزيل: ج2 ص203 ومن سورة حمعسق ح837.
() بشارة المصطفي: ص94.
() قالوا: إ ن المساحة الإجمالية لعرفات 1795 هكتاراً، والمساحة المستفاد منها للحجاج 1361 هكتاراً.
() سورة البقرة: 198.
() الكافي: ج4 ص189 باب أن أول ما خلق الله من الأرضين موضع البيت ح3.
() الكافي: ج4 ص192 باب في حج آدم عليه السلام ح2.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص26 ب14 ح11372.
() بحار الأنوار: ج96 ص263-265 ب47 ح43.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص26 ب14 ح11371.
() الأمالي للصدوق: ص194 المجلس 35 ح1.
() عدة الداعي ص55 ب2 ق2.
() بحار الأنوار: ج11 ص180 ب3 ح30.
() سورة المائدة: 3.
() تفسير العياشي: ج11 ص293 من سورة المائدة ح21.
() وسائل الشيعة: ج14 ص465 ب49 ح19611.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص187 ب14 ح5.
() المساحة الإجمالية لمزدلفة: 963 هكتاراً. والمساحة المستفاد منها للحجاج 682 هكتاراً.
() راجع علل الشرائع: ج2 ص436 ب175 ح1.
()
بحار الأنوار: ج96 ص266 ب48 ح1، والبحار: ج12 ص109 ب5 ح28.
() هو تل من الرمل أحمر اللون يقع علي يمين الذاهب من عرفات إلي المشعر.
() راجع الكافي: ج4 ص467 باب الإفاضة من عرفات ح2.
() مصباح المتهحد: ص699 دعاء الموقف لعلي بن الحسين عليه السلام.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص191 ب15 ح12.
() تقع مني علي مسافة سبعة كيلو مترات من مكة القديمة، يقصدها الحجاج في يوم العيد لأداء مناسكها من الرمي والهدي والحلق ويبيت فيها الحجاج حتي يوم الثاني عشر وربما الثالث عشر من ذي الحجة.
وأقرب مواضع مني إلي مكّة جمرة العقبة، وتبعد عن مكّة القديمة 3 كيلو مترات، وقد بايع فيها أهل يثرب النبيّ صلي الله عليه و اله لاوّل مرّة، وسمِّيت بيعتهم بالعقبة. وأبعد منطقة فيها عن مكّة وادي المحسَّر الواقع بين المزدلفة ومني. المساحة الإجمالية لمني 635 هكتاراً. والمساحة المستفاد منها للحجاج 246 هكتاراً، بعد حذف الجبال
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص197 باب علل الحج ح2126.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص197 باب علل الحج ح2127.
() سورة البقرة: 203.
() بحار الأنوار: ج54 ص203 ب1 تحقيق في دفع شبهة ح149.
() الكافي: ج4 ص194 باب في حج آدم عليه السلام ح4.
() وسائل الشيعة: ج11 ص228 ب2 ح14664.
() بحار الأنوار: ج72 ص133-134 ب51 ضمن ح35.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص212 باب فضائل الحج ح2187.
() المحاسن: ج1 ص66 ب99 ح123.
() الكافي: ج4 ص256 باب فضل الحج والعمرة وثوابهما ح20.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص177 ب12 ح9.
() الكافي: ج4 ص461 باب نزول مني وحدودها ح1.
() الخصال: ج2 ص502 التكبير في أيام التشريق بمني ح5.
() الكافي: ج5 ص117 باب كسب النائحة ح1.
() الكافي: ج4 ص461 باب نزول مني وحدودها
ح1.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص193 ب15 ح17.
() وسائل الشيعة: ج14 ص24 ب14 ح18496.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص468 باب السعي في وادي محسر ح2987.
() الكافي: ج4 ص471 باب السعي في وادي محسر 4.
() وسائل الشيعة: ج14 ص23 ب13 ح18494.
() دعائم الإسلام: ج1 ص322 ذكر الدفع من عرفة إلي المزدلفة.
() فقه الرضا عليه السلام: ص224 ب31.
() مستدرك الوسائل ج10 ص54 ب11 ضمن ح11435.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص547 الإفاضة من المشعر الحرام.
() الهداية: ص239 ب130.
() المقنعة: ص417 ب15.
() الوسيلة: ص180 فصل في بيان نزول مني ثانيا وقضاء المناسك بها.
() تهذيب الأحكام: ج5 ص180 ب13 ح8.
() سورة الجن: 1.
() راجع تفسير القمي: ج2 ص300.
() سورة الجن: 10.
() سورة الأحقاف: 29.
() راجع بحار الأنوار: ج60 ص122 ب2 ح106.
() وسائل الشيعة: ج11 ص230 ب2 ح14667.
() انظر تفسير القمي: ج2 ص341 معجزة شق القمر.
() فتح الباري، لابن حجر: ج7 ص140 باب انشقاق القمر.
() بحار الأنوار: ج17 ص347-348 ب3.
() بحار الأنوار: ج17 ص347 ب3.
() سورة القمر: 1.
() راجع تفسير القمي: ج2 ص340 سورة القمر، معجزة شق القمر.
() بحار الأنوار: ج19 ص15-16 ب5 ضمن ح7.
() بحار الأنوار: ج19 ص24 ب5.
() انظر الكافي: ج4 ص519 باب الصلاة في مسجد مني ح6.
() المقنع للشيخ الصدوق: ص285.
() وسائل الشيعة: ج5 ص268 ب50 ح6511.
() الكافي: ج4 ص519 باب الصلاة في مسجد مني ح6.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص210 باب فضائل الحج ح2178.
() يقع المسجد في شعب بقرب ثنية إذاخر، قريب من دايرة المعابدة
() سورة الصافات: 101-107.
() متشابه القرآن: ج1 ص277.
() تعرف المنطقة اليوم ب (الشميسي) لأن رجلاً بهذا الاسم حفر بئراً فيها، فنُسِبَت إليه.
() سورة الفتح: 18.
() سورة الفتح: 10.
() الرويثة: بضم أوله،
وفتح ثانيه، وبالثاء المثلثة، علي لفظ التصغير، قرية جامعة أيضا، مذكورة في رسم ورقان، وفي رسم العقيق، عند ذكر الطريق من المدينة إلي مكة. وبين الرويثة والمدينة سبعة عشر فرسخا؛ ومن الرويثة إلي السقيا عشرة فراسخ؛ وعقبة العرج علي أحد عشر ميلا من الرويثة، بينها وبين العرج ثلاثة أميال. عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه و اله كان ينزل تحت سرحة ضخمة عن يمين الطريق، ووجاه الطريق، في مكان بطح سهل، حتي يفضي من أكمة دون الرويثة بميلين، وقد انكسر أعلاها، فانثني في جوفها وهي قائمة علي ساق، وفي ساقها كثب كثيرة.
() خيف بني كنانة: هو المحصب، وحده من الحجون ذاهبا إلي مني، وهو مسجد مني بمكة.
() وسائل الشيعة: ج10 ص454-455 ب19 ح13831.
() البلد الأمين: ص275 شهر ربيع الأول.
() مسار الشيعة: ص50 شهر ربيع الأول.
() وسائل الشيعة: ج10 ص456 ب19 ح13837.
() بشارة المصطفي: ص8.
() سورة الإسراء: 1.
() المناقب: ج3 ص357 فصل في حليتها وتواريخها.
() بحار الأنوار: ج6 ص246-247 ب8 ص79.
() الاحتجاج: ج2 ص409 احتجاج أبي الحسن بن موسي الهادي عليه السلام في التوحيد والعدل.
() علل الشرائع: ج1 ص183 ب147 ح1.
() ويرتفع 372متراً فوق مستوي سطح البحر وانحدار جوانب هذا الجبل حاد وشديد في اتجاه الشرق والشمال الشرقي.
() الكافي: ج4 ص195 باب علة الحرم وكيف صار هذا المقدار ح1.
() وسائل الشيعة: ج13 ص212 ب11 ح17583.
() تهذيب الأحكام: ج3 ص1 ب19 ح7.
() بحار الأنوار: ج1 ص184 ب1 ح96.
() مستدرك الوسائل: ج8 ص46 ب27 ح9037.
() بحار الأنوار: ج96 ص188-189 ب32 ح23.
() سورة العلق: 1.
() البداية والنهاية: ج3 ص9.
() شرح نهج البلاغة: ج13 ص208 ذكر حال رسول الله صلي الله عليه و اله في نشوئه.
() الخرائج والجرائح:
ج1 ص34 ب1 فصل من روايات العامة.
() شرح نهج البلاغة: ج13 ص248 القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منهما.
() قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته المعروفة بالقاصعة: وقد علمتم موضعي من رسول الله صلي الله عليه و اله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني في صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به صلي الله عليه و اله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل اثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأرآه ولا يري غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلي الله عليه و اله فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وتري ما أري إلا إنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك علي خير. وقال عليه السلام: كنت اسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعاً، ورسول الله صلي الله عليه و اله حينئذ صامت ما أذن له في الإنذار والتبليغ.
() فقه القرآن: ج1 ص292-293 باب ذكر المناسك وما يتعلق بها.
() بحار الأنوار: ج11 ص197 ب3 ح52.
() انظر الاحتجاج: ج1 ص219-220 احتجاجه عليه السلام علي اليهود من أحبارهم.
() الخصال: ج2 ص344 سبعة جبال تطايرت يوم موسي ح10.
() انظر
الدر المنثور، للسيوطي: ج3 ص119.
() سورة العلق: 1-5.
() تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ص156-159 تسليم الجبال والصخور والأحجار عليه صلي الله عليه و اله ح78.
() تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ص161-163 اتفاق اليهود علي قتله صلي الله عليه و اله ح80.
() سورة الطور: 1-3.
() دلائل الإمامة: ص256 معرفة وجوب القائم وأنه لابد أن يكون.
() ترتفع قمته إلي 759 فوق مستوي البحر.
() سورة التوبة: 40.
() سيأتي بعض التفاصيل تحت عنوان (شهيد فخ).
() الكافي: ج4 ص214 باب حج الأنبياء ? ح10.
() وسائل الشيعة: ج13 ص355 ب30 ح17937.
() قصص الأنبياء، للجزائري: ص58 ب1 ف4.
() وسائل الشيعة: ج14 ص397 ب31 ح19452.
() سورة القمر: 24-26.
() سورة الأعراف: 77.
() راجع الكافي: ج8 ص187-189 حديث قوم صالح عليه السلام ح214.
() الكافي: ج4 ص210 باب حج إبراهيم وإسماعيل وبنائهما البيت ح14.
() الكافي: ج4 ص201 باب حج إبراهيم وإسماعيل وبنائهما البيت ح1.
() وسائل الشيعة: ج13 ص353-354 ب30 ح17929.
() بحار الأنوار: ج96 ص230-231 ب41 ح5.
() سورة إبراهيم: 37.
() بحار الأنوار: ج12 ص97-98 ب5 ح6.
() الكافي: ج4 ص210 باب حج إبراهيم وإسماعيل وبنائهما البيت ح16.
() مستدرك الوسائل: ج2 ص308-309 ب13 ح2051.
() بحار الأنوار: ج18 ص66 ب8.
() انظر مجمع الزوائد: ج3 ص297 باب في مقبرة مكة.
() انظر بحار الأنوار: ج22 ص530 ب2 ضمن ح36.
() المناقب لابن شهر آشوب: ج1 ص154 فصل في نسبه وحليته صلي الله عليه و اله.
() راجع بحار الأنوار: ج89 ص89 ب8 ح33.
() بحار الأنوار: ج15 ص117 ب1 ح63.
() بحار الأنوار: ج15 ص117 ب1 ضمن ح63.
() بحار الأنوار: ج15 ص118 ب1 ضمن ح63.
() سورة التوبة: 28.
() بحار الأنوار: ج15 ص118 ب1 ضمن ح63.
() سورة الشعراء: 218-219.
() سورة التوبة: 28.
() بحار الأنوار: ج15 ص117-119 ب1.
()
بحار الأنوار: ج15 ص51 ب1.
() المناقب: ج1 ص154 فصل في نسبه وحليته صلي الله عليه و اله.
() بحار الأنوار: ج15 ص117 ب1.
() بحار الأنوار: ج15 ص119-124 ب1.
() الفضائل: ص45-46 حديث مولد النبي محمد صلي الله عليه و اله.
() وسائل الشيعة: ج16 ص231 ب29 ح21439.
() الخرائج والجرائح: ج3 ص1075 ب20.
() انظر كتاب أسني المطالب في نجاة أبي طالب.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص11-12.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص12.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص12-13.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص14.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص15.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص17.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص17.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص19.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص20.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص20.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص20.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص26.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص35.
() أسني المطالب في نجاة أبي طالب: ص38.
() قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة، وسيف علي بن أبي طالب? شجرة طوبي: ج2 ص233.
() قصص الأنبياء، للجزائري: ص259-260 ب12 ف5.
() الخصال: ج1 ص206 أفضل نساء أهل الجنة أربع ح23.
() العمدة: ص387 فصل في مناقب سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام ح766.
() شرح نهج البلاغة: ج10 ص266.
() إعلام الوري: ص150 الركن الأول ب2 ف2.
() انظر العمدة: ص393 فصل في ذكر مناقب خديجة عليها السلام ح787.
() انظر فتح الباري، لابن حجر: ج7 ص103 باب تزويج النبي صلي الله عليه و اله خديجة وفضلها.
() المناقب: ج4 ص27 فصل في محبة النبي
صلي الله عليه و اله إياه.
() كشف الغمة: ج1 ص508 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد.
() بحار الأنوار: ج16 ص8 ب5 ضمن ح12.
() تفسير القمي: ج1 ص378 ميلاد النبي الأعظم صلي الله عليه و اله.
() كشف الغمة: ج1 ص83 ما جاء في إسلامه وسبقه وسنه يومئذ.
() الأمالي للصدوق: ص158-159 المجلس30 ح1.
() كشف الغمة: ج1 ص513 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد.
() بحار الأنوار: ج16 ص9 ب5.
() كشف الغمة: ج1 ص510 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد.
() الإقبال: ص598-599 ب4 فصل فيما نذكره من صوم يوم العاشر من شهر ربيع الأول.
() الكافي: ج5 ص374-375 باب خطب النكاح ح9.
() وسائل الشيعة: ج21 ص247 ب4 ح27006.
() الأنوار: ص303-304 سبب خروج النبي صلي الله عليه و اله بتجارة خديجة إلي الشام.
() الأنوار: ص342-343 سبب خروج النبي صلي الله عليه و اله بتجارة خديجة إلي الشام.
() بحار الأنوار: ج14 ص168 ب15 ح9.
() تفسير فرات الكوفي: ص445 ومن سورة الطور ح444.
() العمدة: ص393 فصل في ذكر مناقب خديجة عليها السلام ح783.
() كشف الغمة: ج1 ص466.
() بحار الأنوار: ج16 ص7 ب5 ضمن ح12.
() كشف الغمة: ج1 ص508 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد.
() بحار الأنوار: ج16 ص8 ب5 ضمن ح12.
() كشف الغمة: ج1 ص512 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد.
() انظر بحار الأنوار: ج22 ص152 ب1 ح4.
() قرب الإسناد: ص6.
() علل الشرائع: ج1 ص131 ب111 ح1.
() انظر بحار الأنوار: ج22 ص152 ب1 ح4.
() الخصال: ج2 ص404 كان لرسول الله صلي الله عليه و اله سبعة أولاد ح115.
() سورة الكوثر: 3.
() الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة ممّا يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً.
() علل الشرائع: ج1 ص209 ب156 ح11.
()
بحار الأنوار: ج97 ص187 ب3 زيارته ? من البعيد.
() كمال الدين: ج1 ص175 ب12 ح33.
() انظر بحار الأنوار: ج15 ص283 ب3 بعد الحديث 25.
() أي السمينة (لسان العرب) مادة ودك.
() بحار الأنوار: ج15 ص116 ب1 ح61.
() بحار الأنوار ج15 ص162 1 ج93.
() كشف الغمّة ج1 ص16 ذكر مدة حياته صلي الله عليه و اله.
() الكافي ج4 ص544 باب النوادر ح21.
() تفسير القمي: ج1 ص52 قضية أبي ذر.
() الاختصاص: ص61 حديث موسي بن جعفر عليه السلام مع يونس بن عبد الرحمن.
() أي جمع تفسيره وتأويله وعلومه، وإلا فالقرآن جمع في حياة رسول الله صلي الله عليه و اله وبأمر وإشراف مباشر منه صلي الله عليه و اله.
() بحار الأنوار: ج22 ص328 ب10 ح35.
() الكافي: ج8 ص297-298 حديث أبي ذر ?.
() تفسير القمي: ج1 ص294-295 وفاة أبي ذر.
() بحار الأنوار: ج22 ص343 ب10 ضمن ح52.
() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص65 ب31 ح283.
() بحار الأنوار: ج22 ص343 ب10 ضمن ح52.
() قرب الإسناد: ص27.
() سورة الأنفال: 2-4.
() تفسير القمي: ج1 ص255 غزوة بدر.
() سورة الكهف: 107.
() بحار الأنوار: ج22 ص323 ب10 ح17.
() بحار الأنوار: ج22 ص324-325 ب10 ح22.
() الخصال: ج2 ص360-361 ح50.
() بحار الأنوار: ج22 ص330 ب10 ح39.
() روضة الواعظين: ج2 ص280 مجلس في ذكر فضائل أصحابه رضي الله عنهم.
() وسائل الشيعة: ج15 ص197 ب5 ح20264.
() الخصال: ج1 ص39-40 الشغل بالعظيمتين ح25.
() الكافي: ج8 ص162 حديث الناس يوم القيامة ح168.
() الأمالي للصدوق: ص252 المجلس43 ح8.
() بحار الأنوار: ج22 ص402 ب12 ج12.
() سورة الانفطار: 13-14.
() سورة الأعراف: 56.
() إرشاد القلوب: ج1 ص182-183 ب51.
() وسائل الشيعة: ج1 ص56 ب6 ح116.
() بحار الأنوار: ج74 ص77 ب4 ح3.
() أعلام الدين: ص192
باب وصية النبي صلي الله عليه و اله لأبي ذر.
() مستدرك الوسائل: ج11 ص276 ب22 ح12994.
() وسائل الشيعة: ج6 ص205 ب19 ح7738.
() وسائل الشيعة: ج7 ص95-96 ب36 ح8835.
() الأمالي للمفيد: ص121-122 المجلس14 ح5.
() شرح نهج البلاغة: ج8 ص253 أخبار أبي ذر الغفاري حين خروجه إلي الربذة.
() بحار الأنوار: ج22 ص398-399 ب12 ح5.
() تفسير القمي: ج1 ص295-296 وفاة أبي ذر.
() هو الشيخ مرتضي بن الشيخ محمد أمين بن الشيخ مرتضي بن الشيخ شمس الدين بن الشيخ محمد شريف بن الشيخ أحمد بن الشيخ جمال الدين بن الشيخ حسن بن الشيخ يوسف بن الشيخ عبيد الله بن الشيخ قطب الدين محمد بن زيد بن أبي طالب المعروف بجابر الصغير بن عبد الرزاق بن جميل بن جليل بن نذير بن جابر بن عبد الله الأنصاري. لقب بالأنصاري لانتهاء نسبه إلي الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه). ولد ? يوم عيد الغدير سنة 1214 ه، في مدينة دزفول. كان أبوه من العلماء العاملين ومن وجهاء مدينة دزفول، وله ثلاث أولاد وكان الشيخ أكثر محبة وعطوفة عند والده من أخويه. وأما أمه فهي بنت الشيخ يعقوب بن الشيخ أحمد الأنصاري، وكانت من النساء الصالحات العابدات في زمانها، بحيث لم تترك نوافل الليل إلي آخر عمرها.
كان ? كثير السفر للالتقاء بالعلماء والاستفادة منهم، فقد التقي بأكثر من خمسين مجتهداً وهذا مما لم يحصل إلا للقليل من العلماء. قرأ الشيخ دروسه الأولي في دزفول علي الشيخ حسين الدزفولي، ثم حضر حوزة كربلاء المقدسة علي السيد محمد المجاهد وشريف العلماء. وفي النجف الأشرف حضر درس المحقق الفقيه موسي كاشف الغطاء، وفي كاشان حضر درس الملا أحمد النراقي، وبعد عودته
إلي النجف الأشرف حضر درس الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ودرس الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والشيخ علي كاشف الغطاء هو آخر أستاذ درس عنده الشيخ الأنصاري، ومن بعده لم يدرس علي أحد، بل كانت له حوزة مستقلة عامرة يدرس فيها.
كما تتلمذ علي يديه العديد من المجتهدين والعلماء المحققين في الفترة ما بين أواسط القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر، فقد بلغ عدد تلاميذه البارزين المئات منهم: 1- السيد أحمد التفريشي، المتوفي في حدود سنة 1309 ه، 2- الشيخ جعفر الشوشتري، المتوفي سنة 1303 ه، 3- السيد جعفر القزويني، المتوفي سنة 1316 ه، 4- الشيخ جعفر كاشف الغطاء، المتوفي سنة 1290 ه، 5- السيد جمال الدين أسد آبادي، المتوفي سنة 1314 ه، وغيرهم.
وفي سنة 1266 ه مرض صاحب الجواهر، فأمر بتشكيل مجلس يحوي جميع العلماء، فلما حضر جميع العلماء عنده، قال صاحب الجواهر: أين الشيخ مرتضي؟. ثم أمر بإحضاره، فلما بحثوا عنه وجدوه في حرم أمير المؤمنين عليه السلام يدعو لصاحب الجواهر بالشفاء، وعند انتهائه من الدعاء حضر عند صاحب الجواهر، فأجلسه علي فراشه وأخذ بيده ووضعها علي قلبه، وقال: الآن طاب لي الموت، ثم قال للحاضرين: هذا مرجعكم من بعدي، فاستلم الشيخ الأنصاري زعامة الشيعة ومرجعيتها من سنة 1266 إلي سنة 1281 ه.
ألف الشيخ كتباً كثيرة اتسمت بالدقة وإمعان النظر والتحقيقات جديدة، منها: 1- رسالة في إجازة الشيخ الأنصاري، 2- الاجتهاد والتقليد، 3- إثبات التسامح في أدلة السنن، 4- الإرث، 5- أصول الفقه، 6- الرسائل، 7- المكاسب، وغيرها وقد بلغت الأربعين. وقد اشتهر منها: الرسائل والمكاسب، والتي تدرسان إلي اليوم في الحوزات العلمية كافة.
توفي اعلي الله مقامه في النجف الأشرف بداره
في محلة الحويش، بعد مضي ست ساعات من ليلة السبت الثامن عشر من جمادي الثانية سنة 1281 ه عن عمر 67 سنة.
ولما سمع الناس بوفاة الشيخ خرجوا بجميع طبقاتهم من كل جانب ومكان لتشييع جثمانه، حتي اتصل السواد من سور النجف إلي ساحل البحر، فصلي عليه بوصية منه الحاج السيد علي الشوشتري، ودفن في صحن أمير المؤمنين عليه السلام في الحجرة المتصلة بباب القبلة، وقبره معروف لحد الآن وعليه شباك.
() بحار الأنوار: ج37 ص125 ب52 ح21.
() سورة المائدة: 3.
() الغدير في الكتاب والسنة والأدب: كتاب ديني، علمي، فني، تاريخي، أدبي، أخلاقي، مبتكر في موضوعه، فريد في بابه، من تأليف العلامة المجاهد الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي اعلي الله مقامه المتوفي 1390ه، يبحث المؤلف فيه عن حديث الغدير كتاباً وسنة وأدباً، ويتضمن تراجم أمة كبيرة من رجالات العلم والدين والأدب، كما استعرض العلامة اعلي الله مقامه فيه ترجمة 105 من شعراء الغدير ابتداءً من القرن الهجري الأول وحتي القرن الرابع عشر، ولكن الأجل انتهي به إلي القرن الثاني عشر الهجري، وكذلك الكُتّاب الذين ذكروا الغدير في نثرهم قرناً بعد قرن. كما تضمن الكتاب أبحاثاً علمية ودينية وتاريخية حول فضائل الإمام علي عليه السلام وإمامته بلا فصل.
والكتاب عديم النضير لا غني لكل باحث عن دراسته ومطالعته، ويقع في عشرين مجلداً طبع منه إلي الآن أحد عشر مجلداً، والحقيقة أن هذا الكتاب يعتبر دائرة معارف كبري تتضمن معلومات زاخرة في جميع هذه النواحي يأخذ منه بمقدار كل من له هوي في ناحية من النواحي المجتمعات فيه، وهي إلي جانب ذلك تشكل أوسع مرشد للمؤلفات والكتب في هذه المجالات.
ولقد اجتهد العلامة اعلي الله مقامه في استقصاء المصادر وتتبع
المظان وصبر علي معاناة البحث في كتابه هذا، حتي أنسي الذين قبله وأتعب من جاء من بعده.
() الكافي: ج4 ص566 باب مسجد غدير خم ح1.
() سورة القلم: 51-52.
() الكافي: ج4 ص566-567 باب مسجد غدير خم ح2.
() الكافي: ج4 ص567 باب مسجد غدير خم ح3.
() سورة المائدة: 67.
() الكافي: ج1 ص295 باب الإشارة والنص علي أمير المؤمنين عليه السلام ح3.
() وسائل الشيعة: ج5 ص58 ب30 ح5898.
() يعني سورة الإخلاص.
() سورة البقرة: 255-257.
() يعني سورة القدر.
() راجع تهذيب الأحكام: ج3 ص143-144 ب7 ح1.
() بحار الأنوار: ج37 ص172 ب52 ح54.
() بحار الأنوار: ج20 ص337 ب20.
() بحار الأنوار: ج22 ص192 ب2.
() الكافي: ج5 ص368 باب الإطعام عند التزويج ح2.
() وسائل الشيعة: ج20 ص232 ب129 ح25511.
() الأمالي للطوسي: ص505-506 المجلس 18 ح1107.
() بحار الأنوار: ج37 ص77 ب50 ح44.
() المناقب: ج3 ص337 فصل في معجزاتها عليها السلام.
() شرح نهج البلاغة: ج16 ص142 محمد بن أبي بكر وبعض أخباره.
() بحار الأنوار: ج78 ص260 ب7 بيان ح9.
() بحار الأنوار: ج48 ص170 ب7 ضمن ح7.
() بحار الأنوار: ج48 ص170 ب7 ضمن ح7.
() بحار الأنوار: ج41 ص352 ب114 بيان ح61.
() الكافي: ج1 ص366 باب ما يفعل به بين دعوي المحق والمبطل ح18.
() عمدة الطالب: ص183 في عقب الحسن المثلث، معجم البلدان: ج4 ص238 فخ.
() بحار الأنوار: ج48 ص161-162 ب7 بيان ح6.
() أي الإمام المعصوم من العترة الطاهرة ?.
() بحار الأنوار: ج48 ص169 ب7 بيان ح7.
() معجم البلدان: ج1 ص480 بلدح.
() مقاتل الطالبيين: ص321 يحيي بن عبد الله بن الحسن.
() روضة الواعظين: ج2 ص286 مجلس في ذكر فضائل أصحابه (رض).
() مستدرك الوسائل: ج3 ص277 ب23 ح3575.
() سورة الفاتحة: 6.
() راجع شواهد التنزيل: ج1 ص75 سورة الفاتحة
ح87.
() وسائل الشيعة: ج7 ص98-99 ب37 ح8843.
() معاني الأخبار: ص368-369 باب معني العروة الوثفي التي لا انفصام لها ح1.
() سورة الأنفال: 25.
() تأويل الآيات الظاهرة: ص198 سورة الأنفال.
() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص86 ب22 ح30.
() كشف الغمة: ج1 ص419 فصل في ذكر مناقب شتي.
() سورة الأعراف: 32.
() سورة الأعراف: 31.
() الكافي: ج6 ص441-442 باب اللباس ح6.
() بحار الأنوار: ج38 ص33 ب57 ضمن ح10.
() الغيبة للنعماني: ص95-96 ب4 ح27.
() بحار الأنوار: ج36 ص287-288 ب41 ح109.
() المناقب: ج3 ص200 فصل في محبته عليه السلام.
() بحار الأنوار: ج57 ص265 ب38 ح5.
() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص379-380 باب بدء النكاح وأصله ح4336.
() مستدرك الوسائل: ج15 ص99 ب43 ح17658.
() بحار الأنوار: ج11 ص99 ب1.
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص327 باب ميراث الخنثي بيان ح5702.
() مستدرك الوسائل: ج15 ص214 ب79 ح18037.
() قصص الأنبياء للجزائري: ص14 في بيان عصمة الأنبياء وتأويل ما يوهم خلافه.
() الخصال: ج1 ص323 ستة لم يركضوا في رحم ح8.
() كشف الغمة: ج1 ص456-457 فاطمة عليها السلام.
() بحار الأنوار: ج44 ص242-243 ب30 ح37.
() بحار الأنوار: ج45 ص196 ب39 ح36.
() تحف العقول: ص11 وصية أخري إلي أمير المؤمنين عليه السلام مختصرة.
() مستدرك الوسائل: ج6 ص59 ب32 ح6423.
() فلاح السائل: ص206 ف21.
() البلد الأمين: ص56 الدعاء في الصباح.
() بحار الأنوار: ج97 ص388 ب6 ح11.
() وسائل الشيعة: ج14 ص382 ب25 ح19432.
() راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم): ج1 ص80 تاريخ الهجرة.
() الكافي: ج3 ص296 باب بناء مسجد النبي صلي الله عليه و اله ح3. وإذا أردنا معرفة ذلك بالأمتار، فقد بلغ طوله تقريباً 35 متراً، وعرضه 30 متراً ومساحته 1050 متراً مربعاً كما بلغ ارتفاع سقفه مترين
وعدد الأعمدة ثمانية عشر عموداً من جذوع النخل وسقفه من الجريد، وقد جعل أساسه من الحجارة وجدرانه من اللبن، وكانت إنارة المسجد ليلاً تتم بواسطة مشاعل من جرد النخل.
() انظر (ولأول مرة في تاريخ العالم): ج1 ص107 تحويل القبلة.
() وسائل الشيعة: ج4 ص298 ب2 ح5201.
() تهذيب الأحكام: ج3 ص261-262 ب25 ح58.
() قرر المسلمون سنة 29ه بزيادة مساحة المسجد أيضاً وإعادة إعماره، فاشتريت الدور المحيطة به من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية، ولم يتعرض للجهة الشرقية لوجود حجرات زوجات النبي صلي الله عليه و اله فيها. وتم البناء بالحجارة المنقوشة (المنحوتة) والجص، وبني الأعمدة من الحجارة، ووضع بداخلها قطع الحديد والرصاص لتقويتها، وبني السقف من خشب الساج القوي المحمول علي الأعمدة.
وأصبحت المساحة الكلية للمسجد: 4071م2، بزيادة قدرها 496م2. وبلغ ارتفاع الجدران 5.50م، وعدد الأروقة: 7 أروقة، وعدد الأبواب: 6 أبواب، وعدد الأعمدة: 55 عموداً، وله ساحة داخلية واحدة. وصارت إنارة المسجد تتم بواسطة قناديل الزيت الموزعة في أنحاء المسجد.
وفي عهد عمر بن عبد العزيز سنة 88ه قرر المسلمون زيادة مساحة المسجد وإعادة إعماره، ووفر له المواد الضرورية والعمال اللازمين، فشرع ببناء المسجد، واستمر البناء إلي عام 91ه.
وقد أحدثت هذه العمارة تغييرات كثيرة في مبني المسجد، وأضافت إليه عناصر جديدة لم تكن موجودة من قبل، ومنها: بناء المآذن الأربعة علي أركان المسجد، وإيجاد المحراب المجوف، وزخرفة حيطان المسجد من الداخل بالرخام والذهب والفسيفساء، وتذهيب السقف ورؤوس الأساطين، وعتبات الأبواب. وقد تمت التوسعة من جميع الجهات بما فيها الجانب الشرقي، حيث أدخلت الحجرات الشريفة، وعمل حولها حاجز من خمسة أضلاع.
وبلغت مساحة المسجد بعد هذه التوسعة 6440م2، بزيادة قدرها: 2369م2، وارتفاع الجدران: 12.50م، وعدد الأروقة: 17 رواقاً، وعدد الأبواب: 4
أبواب، وعدد النوافذ: 14 نافذة، وارتفاع المآذن يتراوح بين 27.50 و 30 متراً، وله ساحة داخلية واحدة، وكانت الإنارة تتم في المسجد بواسطة قناديل الزيت الموزعة في أنحائه.
وفي العهد العباسي في سنة 160ه، تم توسعة المسجد الشريف وإعادة إعماره، وقد تركزت الزيادة علي الجهة الشمالية للمسجد، واستمر البناء فيها حتي عام 165ه، وكان مقدار الزيادة: 2450م2، وأصبحت المساحة الكلية للمسجد: 8890 م2. وبلغ ارتفاع جدران المسجد: 12.50م، وعدد الأروقة: 19 رواقاً، وعدد الأبواب: 24 باباً. وبلغ عدد النوافذ في المسجد: 60 نافذة، منها: 19 نافذة في كل من الجدارين الشرقي والغربي، و11 نافذة في كل من الجدارين الشمالي والجنوبي. وبذلك تحققت الإضاءة الطبيعية، والتهوية الجيدة للمسجد، وأما الإنارة ليلاً فكانت تتم كالسابق بواسطة قناديل الزيت الموزعة علي أنحاء المسجد.
وفي أول شهر رمضان سنة 654ه حصل حريق للمسجد النبوي الشريف في عهد المستعصم العباسي، ثم شرع بإصلاح المسجد سنة 655ه وإعادة إعماره، ولكن البناء لم يتم بسبب غزو التتار وسقوط بغداد سنة 656ه.
ثم تمت عملية البناء والترميم سنة 661ه، وعاد المسجد إلي ما كان عليه قبل الحريق، وأرسل للمسجد منبراً جديداً بدلاً من المنبر المحترق. وفي سنة 665ه أرسل له مقصورة خشبية لتوضع حول الحاجز المخمس المحيط بالحجرات الشريفة.
وفي سنة 678ه بنيت القبة التي فوق الحجرة الشريفة، وأصبحت منذ ذلك الحين علامة مميزة للمسجد النبوي الشريف.
وفي عام 706ه، أمر السلطان محمد بن قلاون ببناء المئذنة الرابعة مئذنة باب السلام التي هدمت في العهد الأموي.
وفي عام 678ه تمت عمارة قبة فوق الحجرة النبوية الشريفة، فجاءت مربعة من أسفلها، مثمنة من أعلاها، مصنوعة من أخشاب كسيت بألواح بالرصاص.
وفي الفترة من عام 755 762ه جدد ألواح الرصاص التي علي
القبة الشريفة.
وفي عام 765ه عمل بعض الإصلاحات في القبة الشريفة.
وفي عام 881ه أبدل سقف الحجرة الخشبي بقبة لطيفة، جاءت تحت القبة الكبيرة.
وفي عام 886ه احترقت القبة الكبيرة باحتراق المسجد النبوي الشريف، فأعيد بناؤها بالآجر عام 892ه، ثم ظهرت بعض الشقوق في أعاليها فعمل لها بعض الترميمات، وجعلها في غاية الإحكام. وجري زيادة علي مساحة المسجد الأولي مقدارها: 120م2، وأصبحت المساحة الكلية للمسجد: 9010م2. وبلغ ارتفاع الجدران: 11م، وعدد الأروقة 18 رواقاً، وسدت معظم أبواب التوسعة العباسية، وبقي للمسجد 4 أبواب فقط، وزيدت مئذنة في المسجد فصار عدد المآذن خمساً. وأحدثت شرفات ونوافذ وطاقات في الأجزاء العليا من الجدران للتهوية والإضاءة، وبقي للمسجد ساحة داخلية واحدة. أما الإنارة فبقيت كالسابق بقناديل الزيت الموزعة في أنحاء المسجد.
وبعد انتهاء البناء، تم وقف بعض الأوقاف علي المسجد النبوي الشريف، ومنها: رباط، ومدرسة، وطاحون، وسبيل، وفرن، وغير ذلك.
وفي عام 974ه أصلح رصاص القبة الشريفة ووضع عليها هلالاً جديداً.
وفي عام 1228ه جدد بناء القبة الشريفة، ودهنت باللون الأخضر، فاشتهرت بالقبة الخضراء، بعد أن كانت تعرف بالبيضاء أو الزرقاء أو الفيحاء.
بعد ذلك أجري علي المسجد بعض الإصلاحات والترميمات، ولكن ظل المسجد علي حاله حتي عام 1265ه، عندما ظهرت تشققات علي بعض جدرانه وقبابه وسقفه، فكتب شيخ الحرم إلي السلطان بذلك، فأمر السلطان بتجديد عمارة المسجد بشكل عام، وأرسل الصناع المهرة والأموال اللازمة. واستمرت أعمال البناء والزخرفة إلي عام 1277ه، وكان مقدار الزيادة في هذه العمارة: 1293م2، فأصبحت المساحة الكلية للمسجد: 10303م2، وارتفاع الجدران: 11م، وعدد الأروقة: 19رواقاً، والأبواب: 5 أبواب، والمآذن: 5 مآذن، يتراوح ارتفاعها بين 47.50 و60م، وأصبح عدد الأعمدة: 327 عموداً، والقباب: 170 قبة.
وبقي للمسجد ساحة داخلية واحدة، وبني في
أقصي الجهة الشمالية من المسجد كتاتيب لتعليم القرآن الكريم، وفتح لها طاقات بشبابيك من حديد خارج المسجد وداخله، وتمت إنارة المسجد بوضع: 600 مصباح زيتي، موزعة في أنحاء المسجد.
وفي ربيع الأول عام 1372ه تم وضع حجر الأساس لتوسعة جديدة. وفي الخامس من ربيع الأول عام 1375ه انتهي بناء التوسعة، وقد بلغت المساحة المضافة في هذه التوسعة 6024م2.
وتكونت التوسعة من مستطيل طوله من الشمال إلي الجنوب 128م، وعرضه من الشرق إلي الغرب 91م يتألف من صحن شمال المبني العثماني، يتوسطه جناح من ثلاثة أروقة يمتد من الشرق إلي الغرب، وفي الجانب الشرقي للصحن جناح يتكون من ثلاثة أروقة، ومثله في الجانب الغربي أيضاً، وشمال الصحن بني الجناح الأخير للمسجد، ويتكون من خمسة أروقة، وبهذا أصبح مجموع الأروقة في هذه التوسعة 14 رواقاً. وقد احتفظت التوسعة بالأبواب الخمسة التي كانت في التوسعة المجيدية، وأضافت إليها مثلها، فأصبح مجموع الأبواب بعد هذه التوسعة عشرة أبواب، ثلاثة منها بثلاثة مداخل. وفي ركني الجهة الشمالية أقيمت مئذنتان ارتفاع الواحدة 72م تتكون من أربعة طوابق، وبهذا أصبح مجموع المآذن بعد التوسعة أربع مآذن.
وقد أقيمت هذه التوسعة علي شكل هيكل من الخرسانة المسلحة بلغ ارتفاع جدرانها 12.55م مكونة من 706 أعمدة، وفيها 170 قبة، و44 نافذة. وقد أدخلت عليها الإنارة الكهربائية، وبلغ عدد المصابيح فيها 2427 مصباحاً.
كما أضيفت مساحة 40.550م2 في الجهة الغربية الخارجية للمسجد علي مرحلتين: الأولي: 35.000م2، والثانية: 5.550م2. وأقيمت عليها مظلات من الألياف الزجاجية (فيبرجلاس) لتكون مصلي إضافياً في أوقات الذروة وخاصة في أوقات الحج والزيارة وشهر رمضان.
وفي عام 1393ه تقرر إجراء توسعة جديدة تمثلت في تخصيص الأرض الواقعة غرب المسجد النبوي للصلاة، فرصفت الأرض ونصب فوقها مظلات، وزودت
بالكهرباء، ومكبرات الصوت، والمراوح السقفية.
وفي عام 1397ه خصصت الأرض الواقعة في الجنوب الغربي من الحرم النبوي الشريف لخدمات المصلين والزائرين، حيث أقيم علي قسم منها مظلات للصلاة تحتها، والمساحة الباقية جعلت مواقف لسيارات المصلين والزائرين. وبلغت مساحة هذه الأرض 43000م2.
وفي عام 1405ه وضعوا حجر الأساس لتوسعة جديدة. واستمر العمل حتي عام 1414ه في توسعة جديدة للمسجد النبوي الشريف. وأصبحت مساحة المسجد 384.000م2، تشمل: الدور الأرضي، والسطح، والقبو. وعلي الجهات الأربعة للتوسعة ساحات ممتدة تبلغ مساحتها 235.000م2، تتوزع فيها مبان صغيرة تؤدي إلي دورات المياه، ومواقف السيارات ويقال: إن المسجد الشريف والساحات المحيطة به يستوعب ما يقارب سبعمائة ألف مصلٍ.
() وسائل الشيعة: ج14 ص340 ب5 ح19352.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص15 ب5 ح11.
() مستدرك الوسائل: ج3 ص425 ب45 ح3924.
() دعائم الإسلام: ج1 ص296 ذكر دخول مدينة النبي صلي الله عليه و اله.
() بحار الأنوار: ج96 ص378 ب1 ح15.
() غوالي اللآلي: ج1 ص155 ف8 ح126.
() الكافي: ج4 ص553 باب المنبر والروضة ومقام النبي صلي الله عليه و اله ح1.
()راجع بحار الأنوار: ج21 ص47 ب23 ضمن ح2.
() وأما المنبر الحالي والمكون من 12 درجة فقد تم إعداده وتهيئته في تركيا وهو مصنوع من المرمر وقد زين بالنقوش الجميلة المذهبة وفوقه قبة قائمة علي أربعة أعمدة مضلعة من المرمر وقد أرسل من تركيا عام 998ه.
() الكافي: ج4 ص554 باب المنبر والروضة ومقام النبي صلي الله عليه و اله ح2.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص568 إتيان المنبر ح3158.
() وسائل الشيعة: ج14 ص345 ب7 ح19359.
() جواهر الكلام: ج4 ص231 تغليظ اليمين بالمكان.
() الكافي: ج4 ص553 باب المنبر والروضة ومقام النبي صلي الله عليه و اله ح1.
() بحار الأنوار: ج97 ص146 ب2
ح1.
() وسائل الشيعة: ج14 ص345-346 ب7 ح19360.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص8 ب3 ح8.
() بحار الأنوار: ج28 ص77 ب2 ح36.
() المستدرك علي الصحيحين: ج4 ص480 ط بيروت دار المعرفة.
()قيل: إن الأعمدة كانت في المسجد النبوي الشريف زمن النبي صلي الله عليه و اله (35) عموداً من جذوع النخل. جددها أبو بكر في خلافته حين نخرت. وزادها عمر فبلغت (44) عموداً. وبناها عثمان بالحجارة المنحوتة، ووضع بها قطعاً من الحديد مغطاة بالرصاص المصهور لتثبت الحجارة مع بعضها، مع المحافظة علي أماكن الأعمدة الخشبية التي كانت زمن الرسول صلي الله عليه و اله، وزاد فيها فبلغت (55) عموداً. وفي توسعة الوليد بن عبد الملك (88-91ه) عملت الأعمدة علي غرار ما قبلها من الحجارة المنحوتة، وربطت مع بعضها بالحديد المغطي بالرصاص المصهور، وجعل لها قواعد مربعة وتيجان مذهبة، كسيت الأعمدة الجنوبية بطبقة من البياض تصقل وتلمع فتظهر كأنها رخام أبيض، بينما كسي الباقي بالرخام، وبلغ عددها (232) عموداً. وفي توسعة المهدي العباسي (161-165ه) وصل عدد الأعمدة إلي ما يقرب من (290) عموداً. وزادها السلطان المملوكي قايتباي في توسعته (886-888ه) فبلغت (305) أعمدة. وفي توسعة السلطان العثماني عبد المجيد (1265-1277ه) عملت الأعمدة من الحجر الأحمر بعضها من قطعة واحدة، وغطيت بطبقة من الرخام المزخرف المزين بماء الذهب، عليها عقود تحمل أعلاها قباباً، بلغ مجموع الأعمدة في هذه التوسعة (327) عموداً. وفي توسعة السعوديين (1370-1375ه) أزالوا الأجزاء الشمالية من المسجد، وحوفظ علي الجزء الجنوبي منه الذي يحتوي علي
(173) عموداً، حيث أجريت عليها بعض الإصلاحات، فدعمت أعمدة الروضة الشريفة، وكسيت بالرخام الأبيض الجديد، وحسنت الأعمدة الأخري بعمل أطواق نحاسية حولها علي ارتفاع (2.50)م، وأضيف إليها (474) عموداً متصلة بجدران التوسعة، و(232) عموداً
مستديراً.
وقد طليت الأعمدة في البناء العثماني بلون فاتح قريب من الأبيض. ومع هذه الزيادات المتلاحقة في المسجد الشريف حفظ المسلمون علي أماكن الأساطين المبنية في زمن النبي صلي الله عليه و اله.
() راجع بحار الأنوار ج22 ص93-94 ب37 ح46.
() الخلوق: طيب مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب والغالب عليه الصفرة أو الحمرة (مجمع البحرين: ج5 ص157 مادة خلق).
() سورة التوبة: 102.
() سورة التوبة: 102-104.
() تفسير القمي: ج1 ص303-304 توبة أبي لبابة.
() راجع العروة الوثقي: ج3 ص614 شرائط صحة الصوم. وفي (المسائل الإسلامية) المسألة 1826: (يجوز للمسافر أن يصوم ثلاثة أيام في المدينة المنورة لطلب الحاجة).
() راجع فقه الرضا عليه السلام: ص213 ب30.
() تهذيب الأحكام: ج4 ص232 ب57 ح57.
() الكافي: ج4 ص558 باب فضل المقام بالمدينة والصوم والاعتكاف ح5.
() سورة الحشر: 8.
() سورة التوبة: 100.
() سورة الكهف: 28.
() الكافي: ج5 ص340 باب المؤمن كفو المؤمنة ح1.
() النوادر للراوندي: ص25.
() بحار الأنوار: ج16 ص269 ب9 ح81.
() سورة الليل: 5-7.
() مستدرك الوسائل: ج14 ص46-47 ب1 ح16072.
() الكافي: ج5 ص312-313 باب النوادر ح38.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص8-9 ب3 ح10.
() بحار الأنوار: ج18 ص263 ب2 ح18.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص196 ب8 ح11834.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص196 ب8 ح11835.
() الكافي: ج4 ص554 باب المنبر والروضة ومقام النبي صلي الله عليه و اله ح3.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص7 ب3 ح6.
() بحار الأنوار: ج97 ص146 ب2 ح2.
() وسائل الشيعة: ج5 ص284 ب58 ح6559.
() الكافي: ج4 ص556 باب المنبر والروضة ومقام النبي صلي الله عليه و اله ح13.
() وسائل الشيعة: ج5 ص285 ب58 ح6561.
() سورة الإنسان.
() سورة الأحزاب: 33.
() مما يسمي ب (فيبرجلاس)
() ثم عملوا للسطح سترة بارتفاع ذراع فوق منسوب السطح.
ثم عملوا السقف من خشب الساج محمولاً علي جسور خشبية ترتكز علي الأعمدة.
وبعد الحريق الأول الذي شب بالمسجد في أواخر العصر العباسي عام 654ه سقفت الحجرة بخشب الساج أيضاً محمولاً علي جسور خشبية فرش فوقها مشمع، ثم أكمل سقف بقية المسجد، حيث جعل من سقفين فوق بعضهما كما كان، إلا في الجهة الشمالية منه. وفي عام 853ه جدد سقف المسجد وخاصة منطقة الروضة الشريفة، ثم تم بعض الإصلاحات في سقف المسجد الشريف خصوصاً في الحجرة الشريفة، حيث أزيل سقفها، وبني عوضاً عنه قبة.
وبعد الحريق الثاني عمل السقف من الخشب أيضاً، وكثر فيه عنصر القباب، خصوصاً في المنطقة الجنوبية، حيث أعيد بناء القبة الشريفة وأقيم حولها عدد من القباب، كما أقيم قبتان أيضاً في جهة باب السلام.
وفي عام 889ه دهن سقف المسجد باللازورد. وفي العصر العثماني تم بعض الترميمات في السقف، ثم أعيد بناؤه، حيث غطي بالقباب بشكل كامل، منها الكبيرة والصغيرة.
وفي التوسعات الأخيرة بنيت السقوف بالخرسانة المسلحة، وقسمت من الداخل إلي مربعات علي هيئة السقوف الخشبية، مزخرفة بأنواع الزخارف، وتبلغ مساحة السطح حوالي 67.000م2، منها 8750م2 مساحة مفتوحة أقيمت عليها القباب المتحركة، وما تبقي مساحة مهيأة للصلاة تستوعب 90.000 مصل، بإمكانهم الوصول إلي السطح من عدة منافذ ترتبط بالمداخل، بعضها مخصص لخدمة مستعملي السطح.
وكسيت أرضية السطح بالرخام الأبيض، وأقيم عليه رواق مسقوف بالأحجار الصناعية المزخرفة، علي مسافة 11.000م2 بارتفاع 25م وعرض 6م. وقد روعي فيه إمكانية بناء دور ثان فوقه عند الضرورة.
() أي العادل نسبيّاً، أي بالنسبة إلي غيره.
() المناقب: ج1 ص56 فصل فيما لاقي من الكفار في رسالته.
() كشف الغمة: ج2 ص537 ب5.
() مستدرك الوسائل: ج16 ص204 ب43 ح19595.
() كامل الزيارات: ص274 ب91.
() الكافي:
ج4 ص548 باب زيارة النبي صلي الله عليه و اله ح2.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص4 ب2 ح4.
() كتاب المزار: ص170 ب1 ح4.
() وسائل الشيعة: ج14 ص334 ب3 ح19339.
() كامل الزيارات: ص15 ب2 ح20.
() محصب: أي بسطت فيه حصباء حمراء، وهي صغار الحصي، واحدتها حصبة كقصبة.
() الكافي: ج3 ص201 باب تطيين القبر وتجصيصه ح2.
() وسائل الشيعة: ج14 ص332-333 ب3 ح19335.
() وسائل الشيعة: ج14 ص335 ب3 ح19341.
() وسائل الشيعة: ج14 ص336 ب3 ح19343.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص3 ب2 ح1.
() سورة النساء: 64.
() بحار الأنوار: ج97 ص150-151 ب2 ح17.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص192-193 ب6 ح11827.
() الكافي: ج4 ص552 باب دخول المدينة وزيارة النبي صلي الله عليه و اله ح3.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص193-194 ب6 ح11829.
() بحار الأنوار: ج97 ص157 ب2 ح33.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص11 ب4 ح1.
() الأمالي للمفيد: ص140 المجلس17 ح5.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص191 ب6 ح11825.
() قيل: إن وفاتها كان بعد 75 يوماً من وفاة الرسول ?، وقيل: بعد 95 منها.
() راجع كتاب (فاطمة الزهراء في القرآن) لآية اللّه العظمي السيد صادق الشيرازي?.
() راجع الاحتجاج: ج2 ص354 احتجاج أبي عبد اللّه عليه السلام وفيه: ?إن رسول اللّه قال لفاطمة: يا فاطمة إن اللّه عزوجل يغضب لغضبك ويرضي لرضاك?.
() الكافي: ج1 ص458-459 باب مولد الزهراء عليها السلام ح3.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص572 زيارة فاطمة بنت النبي صلي الله عليه و اله.
() تهذيب الأحكام: ج3 ص255 ب25 ح25.
() بحار الأنوار: ج43 ص171-172 ب7 ضمن ح11.
() المناقب: ج3 ص365 فصل في وفاتها وزيارتها عليها السلام.
() بحار الأنوار: ج97 ص198 ب5 ح18.
() وسائل الشيعة: ج14 ص369 ب18 ح19408.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص9 ب3 ح11.
() كشف الغمة: ج1 ص472
فاطمة عليها السلام.
() بحار الأنوار: ج97 ص194-195 ب5 ح11.
() كتاب العين: ج1 ص184 مادة بقع.
() انظر لسان العرب: ج3 ص325 مادة غرقد.
() راجع وسائل الشيعة: ج3 ص98 ب14 ح3127.
() للمزيد راجع كتاب (البقيع الغرقد) للإمام المؤلف ?.
() انظر كتاب (حقائق عن الشيعة) للمرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي ?.
() الموافق ل21 نيسان (إبريل) 1925م.
() بحار الأنوار: ج22 ص466 ب1 ضمن ح19.
() انظر كتاب (الشيعة والتشيع) للإمام الشيرازي ?.
() وسائل الشيعة: ج14 ص408 ب36 ح19475.
() الكافي: ج4 ص548 باب زيارة النبي ص ح4.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص577 باب ثواب زيارة النبي صلي الله عليه و اله والأئمة ? ح3160.
() كتاب المزار: ص201 ب18 ح2.
() وقيل: 28 صفر.
() سورة النساء: 86.
() علل الشرائع: ج1 ص138 ب116 باب العلة التي من أجلها سمي الأكرمون علي الله تعالي … ح6.
() بحار الأنوار: ج43 ص241-242 ب11 ح11.
() الكافي: ج1 ص461 باب مولد الحسن بن علي صلوات الله عليهما ح1.
() الكافي: ج1 ص462 باب مولد الحسن بن علي صلوات الله عليهما ح4.
() بحار الأنوار: ج46 ص8 ب1 ضمن ح18.
() الكافي: ج1 ص467 باب مولد علي بن الحسين عليه السلام.
() وقيل: 12 أو 18 من شهر محرم.
() سورة آل عمران: 134.
() راجع إعلام الوري: ص261 ب3 ف4.
() بحار الأنوار: ج46 ص2-3 ب1 ح1.
() وسائل الشيعة: ج7 ص20-21 ب7 ح8597.
() بصائر الدرجات: الجزء الرابع ص170 ب1 نادر من الباب ح1.
() سورة النمل: 16.
() بحار الأنوار: ج46 ص23 ب3 ح3.
() بحار الأنوار: ج46 ص25 ب3 ح9. عن الاختصاص وبصائر الدرجات.
() بحار الأنوار: ج46 ص28 ب3 ح18.
() وقيل: الأوّل من شهر رجب.
() بحار الأنوار: ج46 ص289 ب6 بعد ح12.
() إعلام
الوري: ص269.
() مستدرك الوسائل: ج17 ص314-315 ب11 ح21451.
() عدة الداعي: ص248 ب5 ح5.
() علل الشرائع: ج1 ص233-234 ب168 ح1.
() انظر الأمالي للشيخ الطوسي: ص410-411 المجلس14 ح923.
() كشف الغمة: ج2 ص139.
() الإمام السجاد عليه السلام هو الجد الأبي، والإمام الحسن عليه السلام هو الجد الأمي للإمام الصادق عليه السلام.
() وقيل: عشرون ألفا.
() الإرشاد: ج97 ص203-204 ب6 ح1.
() بحار الأنوار: ج96 ص181 ب32 ح1 عن علل الشرائع والخصال وأمالي الصدوق.
() الأمالي للصدوق: ص543-544 المجلس81 ح6.
() راجع تهذيب الأحكام: ج4 ص105 ب29 ح34، وبحار الأنوار: ج47 ص20 ب4 ح17.
() مستدرك الوسائل: ج15 ص252 – 253 ب12 ح18149.
() الأمالي للطوسي: ص406 – 407 المجلس14 ح912.
() في بعض النسخ: (مكان).
() بحار الأنوار: ج97 ص203-204 ب6 ح1.
() بحار الأنوار: ج43 ص12 ب2 ح4.
() دلائل الإمامة: ص54، أخبار في مناقبها عليها السلام.
() علل الشرائع: ج1 ص179 ب142 ح6.
() بحار الأنوار: ج43 ص19 ب3 ح2.
() الأمالي للطوسي: ص24 المجلس1 ح30.
() بحار الأنوار: ج43 ص25 ب3 ح22.
() سورة الأحزاب: 57.
() سورة الأحزاب: 58.
() تفسير القمي: ج2 ص195-196 نزول آية التطهير.
() راجع بحار الأنوار: ج30 ص348-349 ب20 ضمن ح164.
() راجع بحار الأنوار: ج43 ص170 ب7 ح11.
() الاختصاص: ص185 حديث فدك.
() دلائل الإمامة: ص45 خبر الوفاة والدفن وما جري.
() الفلاة: الأرض التي لا ماء فيها ولا أنيس، (لسان العرب) مادّة فلو.
() الأمالي للطوسي: ص706-708 المجلس43 ح1.
() بحار الأنوار: ج35 ص70-71 ح4.
() مفاتيح الجنان: ب3 زيارة فاطمة بنت أسد.
() قرب الإسناد: ص7.
() المناقب: ج4 ص81 فصل في المفردات.
() وسائل الشيعة: ج3 ص281-282 ب87 ح3656.
() بحار الأنوار: ج22 ص155 ب1 ح12.
() الكافي: ج3 ص262-263 باب النوادر ح45.
() وسائل الشيعة: ج3 ص186-187 ب25 ح3360.
() بحار الأنوار: ج22 ص157 ب1
ح15.
() تهذيب الأحكام: ج3 ص120 دعاء أول يوم من شهر رمضان.
() الخصال: ج2 ص404-405 كان لرسول الله صلي الله عليه و اله سبعة أولاد ح116.
() الكافي: ج3 ص236 باب المسألة في القبر ح6.
() بحار الأنوار: ج6 ص226 ب8 ح113، والبحار: ج22 ص164 ب1 ح24.
() مستدرك الوسائل: ح2 ص467 ب74 ح2482.
() بحار الأنوار: ج22 ص166 ب1 ح25.
() المناقب: ج1 ص162 فصل في أقربائه وخدامه صلي الله عليه و اله.
() تهذيب الأحكام: ج3 ص120 دعاء أول يوم من شهر رمضان.
() سورة المسد: 1.
() قرب الإسناد: ص6-7.
() المناقب لابن شهر آشوب: ج3 ص401.
() كشف الغمة: ج2 ص25 السابع في كرمه وجوده عليه السلام.
() رجال الكشي: ص70 محمد بن أبي حذيفة ح125.
() راجع رجال الكشي: ص120-121 أبو خالد الكابلي ح192، والمناقب: ج4 ص147 فصل في معجزاته عليه السلام.
() سورة البقرة: 109.
() بحار الأنوار: ج44 ص175-176 ب24 ح1.
() الفصول المختارة: ص298 فصل في معني نسبة الإمامية.
() الدعاء والزيارة، للإمام الشيرازي: ص688 سائر الزيارات في المدينة المنورة، ط مؤسسة البلاغ.
() كمال الدين، للشيخ الصدوق: ص71.
() راجع بحار الأنوار: ج47 ص255 ب8 ح24.
() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص177 باب التعزية والجزع عند المصيبة ح524.
() الكافي: ج3 ص193 باب من يدخل القبر ومن لا يدخل ح3.
() وسائل الشيعة: ج3 ص241 ب70 ح3516.
() وسائل الشيعة: ج2 ص478 ب79 ح2511.
() بحار الأنوار: ج18 ص207-208 ب1 ح37.
() المناقب: ج1 ص23-24 فصل في المنامات والآيات.
() بحار الأنوار: ج15 ص385 ب4 ح22.
() إعلام الوري: ص76 ب4. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج14 ص183.
() بحار الأنوار: ج19 ص258 ب10.
() بحار الأنوار: ج19 ص258 ب10.
() إيمان أبي طالب، للفخار: ص106.
() شرح نهج البلاغة: ج14 ص68 اختلاف الرأي في
إيمان أبي طالب.
() بحار الأنوار: ج43 ص200 ب7 ضمن ح30.
() تفسير العياشي: ج2 ص68 من سورة الأنفال ح76.
() بحار الأنوار: ج43 ص209-210 ب7 ح38.
() إرشاد القلوب: ج2 ص403 باب فيه بعض قضاياه عليه السلام.
() إقبال الأعمال: ص604 أما زيارة سيدنا رسول الله صلي الله عليه و اله.
() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص59 ب31 ح223.
() الأمالي للطوسي: ص48 المجلس2 ح60.
() الأمالي للطوسي: ص362 المجلس13 ح754.
() بحار الأنوار: ج30 ص363-364 ب20.
() بحار الأنوار: ج30 ص365-366 ب20.
() بحار الأنوار: ج30 ص369 ب20.
() سورة التوبة: 19.
() تفسير مجمع البيان: ج5 ص27 سورة التوبة.
() الأمالي للطوسي: ص258 المجلس 10 ح466.
() كشف اليقين: ص420-421 ف3 ب2 المبحث22.
() سورة الشعراء: 214.
() إرشاد القلوب: ج1 ص32-33 ب5.
() بحار الأنوار: ج42 ص115 ب121.
() شرح نهج البلاغة: ج11 ص250 نبذ من أخبار عقيل بن أبي طالب.
() بحار الأنوار: ج42 ص116 ب121.
() شرح نهج البلاغة: 11 ص251 نبذ من أخبار عقيل بن أبي طالب.
() إقبال الأعمال: ص713 فصل فيما نذكره من زيارة الحسين عليه السلام في نصف شعبان.
() الأمالي للمفيد: ص318-319 المجلس 38 ح5.
() روضة الواعظين: ج1 ص192-193 مجلس في ذكر مقتل الحسين ع.
() سورة الإسراء: 60.
() بحار الأنوار: ج33 ص265-266 ب20.
() الإرشاد: ج2 ص25.
() كشف الغمة: ج1 ص580 العاشر في ذكر أولاده عليه السلام.
() راجع الفضائل لابن شاذان: ص24 حديث مولد النبي محمد صلي الله عليه و اله.
() بحار الأنوار: ج58 ص171 ب44.
() سبق أن عمرها كان 25 أو 28 سنة.
() الأنوار في مولد النبي محمد صلي الله عليه و اله، لأحمد بن عبد الله البكري من علماء القرن السادس الهجري: ص345-353 سبب خروج النبي ص بتجارة خديجة إلي الشام.
() انظر مستدرك الوسائل:
ج10 ص410-411 ب86 ح12271.
() الأمالي للصدوق: ص136 المجلس28 ح5.
() شرح نهج البلاغة: ج15 ص15 القول في مقتل حمزة بن عبد المطلب.
() مسكن الفؤاد: ص70-71 ب2 فصل في ذكر جماعة من النساء.
() المناقب: ج1 ص243 فصل في وفاته عليه السلام.
() العدد القوية: ص122-123 نبذة من أحوال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله.
() كنز الفوائد: ج1 ص168 فصل في ذكر مولد سيدنا رسول الله صلي الله عليه و اله.
() الفضائل لابن شاذان: ص30 حديث مولد النبي صلي الله عليه و اله.
() بحار الأنوار: ج15 ص348 ب4.
() الكافي: ج4 ص560 باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء ح1.
() مستدرك الوسائل: ج3 ص427-428 ب47 ح3929.
() وسائل الشيعة: ج3 ص280-281 ب87 ح3655.
() بحار الأنوار: ج43 ص177 ب7 ح15.
() النص والاجتهاد للسيد شرف الدين: ص302 ف3.
() راجع بحار الأنوار: ج20 ص18 ب12.
() راجع تفسير القمي: ج1 ص123-124 مواساة رجال من الأنصار.
() الكافي: ج3 ص228 باب زيارة القبور ح3.
() الكافي: ج4 ص561 باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء، ح3.
() راجع تهذيب الأحكام: ج6 ص17 ب5 ح18.
() بحار الأنوار: ج97 ص214 ب7 ح4.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص198 ب10 ح11839.
() المصنف: ج3 ص574 باب في زيارة القبور ح6717.
() بشارة المصطفي: ص84.
() كشف الغمة: ج2 ص473 باب ذكر علامات قيام القائم عليه السلام.
() الأمالي للطوسي: ص554 المجلس20 ح1169.
() الكافي: ج2 ص308 باب العصبية ح5.
() سورة العنكبوت: 5-6.
() تفسير فرات الكوفي: ص318-319 ومن سورة العنكبوت ح430.
() سورة الجاثية: 21.
() تأويل الآيات الظاهرة: ص559 سورة الجاثية وما فيها من الآيات في الأئمة الهداة.
() سورة الأنعام: 122.
() بحار الأنوار: ج18 ص159 ب1.
() سورة الأحزاب: 23.
() تفسير مجمع البيان: ج5 ص140 سورة التوبة.
() بحار الأنوار: ج35 ص412 ب21 ح5.
() سورة آل
عمران: 200.
() شواهد التنزيل: ج1 ص180 ومن سورة آل عمران ح192.
() سورة الحديد: 19.
() اليقين: ص413 ب153.
() سورة الحج: 23-24.
() تأويل الآيات الظاهرة: ص329-330 سورة الحج وما فيها من الآيات في الأئمة الهداة.
() سورة النجم: 43.
() المناقب: ج3 ص118 فصل فيما نقل عنه يوم بدر.
() سورة البقرة: 25.
() بحار الأنوار: ج19 ص289 ب10 ضمن ح35، والبحار: ج41 ص79 ب106 ضمن ح9.
() سورة ص: 28.
() تأويل الآيات الظاهرة: ص492 سورة ص وما فيها من الآيات في الأئمة الهداة.
() مستدرك الوسائل: ج1 ص75 ب1 ح17.
() الكافي: ج1 ص450 باب مولد النبي صلي الله عليه و اله ووفاته ح34.
() بحار الأنوار: ج94 ص47-48 ب55 ح34.
() وسائل الشيعة: ج6 ص455 ب16 ح8427.
() الدعوات: ص90 صلاة المهدي ع ح227.
() الخصال: ج1 ص204 الركبان يوم القيامة أربعة ح19.
() تفسير القمي: ج1 ص116-117 شهادة حمزة عليه السلام.
() الأمالي للصدوق: ص462 المجلس70 ح10.
() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص183 باب التعزية والجزع عند المصيبة ح553.
() وسائل الشيعة: ج3 ص241 ب70 ح3516.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص198 ب10 ح11840.
() كامل الزيارات: ص22-23 ب5 ح1.
() مسيل فيه دقاق الحصي، والجمع الأباطح والبطاح، معجم البلدان: ج1 ص446.
() الخرائج والجرائح: ج1 ص129 ب1 فدك.
() كمال الدين: ج1 ص175 ب12 ح33.
() راجع بحار الأنوار: ج15 ص283 ب3.
() العير: القافلة، (لسان العرب) مادّة عير.
() الوجد: الحزن، كتاب (العين) مادّة وجد.
() بحار الأنوار: ج15 ب1 ص125.
() مستدرك الوسائل: ج3 ص427 ب47 ح3929.
() قرب الإسناد: ص6-7.
() إعلام الوري: ص147 الفصل الرابع في ذكر مواليه ومولياته وجواريه.
() سورة التحريم: 1.
() وفي تفسير تبيين القرآن، للإمام الشيرازي: ج3 سورة التحريم: ?بسم الله الرحمن الرحيم ? يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك
صلي الله عليه و اله فقد ورد أنه صلي الله عليه و اله خلا بمارية فاطلعت بعض زوجاته، فكره النبي صلي الله عليه و اله ذلك وحرّم علي نفسه أن يخلو بمارية فنزلت السورة، وقيل غير ذلك ?تبتغي صلي الله عليه و اله تطلب بهذا التحريم ?مرضات صلي الله عليه و اله رضا ?أزواجك صلي الله عليه و اله أي زوجاتك ?والله غفور صلي الله عليه و اله ما فعلت من التحريم ?رحيم صلي الله عليه و اله بك، حيث أرشدك إلي نبذ التحريم، ولا يخفي أنه ليس في الآيات دلالة علي أن النبي صلي الله عليه و اله حلف علي عدم وطيها بل لعله قال: حرمت علي نفسي، مثل (إلا ما حرم إسرائيل علي نفسه)، مضافاً إلي أن عهده كان مشروطاً كما سيأتي.
?قد فرض صلي الله عليه و اله أوجب ?الله لكم تحلة صلي الله عليه و اله حلّ ?أيمانكم صلي الله عليه و اله عهدكم علي أنفسكم فإن العهد علي النفس إن لم يشتمل علي الشروط المذكورة في الفقه لا يوجب تحليلاً ولا تحريما ?والله مولاكم صلي الله عليه و اله فهو أعرف بمصالحكم ?وهو العليم صلي الله عليه و اله بكل شيء ?الحكيم صلي الله عليه و اله في تدبيره.
?وإذ صلي الله عليه و اله اذكر زماناً ?أسرّ النبي إلي بعض أزواجه حديثاً صلي الله عليه و اله قال لها كلاماً مخفياً، بأن قال لحفصة أسرّي قصة مارية فلا أقاربها بعد ذلك ?فلما نبأت صلي الله عليه و اله أخبرت الزوجة ?به صلي الله عليه و اله بالحديث خلافاً لكلام رسول الله صلي الله عليه و اله فإنها أخبرت عائشة، ولذا كان
النبي صلي الله عليه و اله في حلّ من عهده حيث كان عدم المقاربة مشروطاً بأن تخفي حفصة القصة ?وأظهره الله عليه صلي الله عليه و اله أي أعلمه الله تعالي بأن حفصة أخبرت عائشة ?عرّف صلي الله عليه و اله النبي صلي الله عليه و اله وأخبر حفصة ?بعضه صلي الله عليه و اله بعض ما ذكرته لعائشة ?وأعرض عن بعض صلي الله عليه و اله بأن لم يخبرها بجميع إفشائها له، تكرماً، فإن عادة الكبار أن لا يتعرضوا لكل الحديث الذي يسيء الطرف المقابل أو أساءه، بل يلمحون إليه تلميحاً ?فلما نبأها صلي الله عليه و اله أخبر النبي صلي الله عليه و اله حفصة ?به صلي الله عليه و اله بإفشائها لحديثه معها ?قالت صلي الله عليه و اله حفصة، متعجبة ?من أنبأك صلي الله عليه و اله أخبرك يا رسول الله ?هذا صلي الله عليه و اله بأني أفشيت حديثك إلي عائشة ?قال صلي الله عليه و اله الرسول صلي الله عليه و اله ?نبأني العليم الخبير صلي الله عليه و اله أي الله العالم بكل شيء والمطلع علي الخفايا.
?إن تتوبا صلي الله عليه و اله يا عائشة وحفصة من التعاون علي النبي صلي الله عليه و اله بما يؤذيه ?إلي الله فقد صلي الله عليه و اله كانت التوبة لازمة إذ ?صغت صلي الله عليه و اله مالت ?قلوبكما صلي الله عليه و اله من مرضاة الله ?وإن تظاهرا صلي الله عليه و اله تتعاونا ?عليه صلي الله عليه و اله علي النبي صلي الله عليه و اله بما يسوؤه ?ف صلي الله عليه و اله لا يضره تعاونكما إذ
?إن الله هو مولاه صلي الله عليه و اله يلي أمره بما لايصيبه مكروه ?وجبريل وصالح المؤمنين صلي الله عليه و اله خيارهم، وفي الرواية أن المراد به أمير المؤمنين علي عليه السلام ?والملائكة بعد ذلك صلي الله عليه و اله بعد نصر الله وجبرئيل والمؤمنين ?ظهير صلي الله عليه و اله ظهراء له صلي الله عليه و اله أعوان لدفع الإيذاء عنه صلي الله عليه و اله.
?عسي صلي الله عليه و اله لعل ?ربه إن طلقكن صلي الله عليه و اله النبي صلي الله عليه و اله ?أن يبدله أزواجاً خير منكن مسلمات مؤمنات قانتات صلي الله عليه و اله مطيعات لله ?تائبات صلي الله عليه و اله عن الذنب ?عابدات صلي الله عليه و اله لله ?سائحات صلي الله عليه و اله صائمات ?ثيبات وأبكاراً صلي الله عليه و اله.
() بحار الأنوار: ج22 ص229-230 ب4 أحوال عائشة وحفصة، الآيات.
() سورة التوبة: 80.
() دلائل الإمامة: ص202-203 معرفة ولادة أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام.
() سورة الحجرات: 6.
() تفسير القمي: ج2 ص318-319 الإفك علي مارية.
() بحار الأنوار: ج16 ص120-121 ب6.
() بحار الأنوار: ج49 ص7 ب1 ح8.
() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص14 ب2 ح2.
() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص20 ب3 ح2.
() الكافي: ج1 ص322 باب الإشارة والنص علي أبي جعفر الثاني عليه السلام ح12.
() قال السمهودي في (وفاء الوفا) ج2 ص106: كان مشهده شرقي جبل سلع، عليه بناء كبير بالحجارة السود وقصدوا أن يبنوا عليه قبة فلم يتفق، وهو داخل مسجد كبير مهجور، وفي قبلة المسجد منهل من عين الأزرق مدرج من شرقية وغربية والعين تجري في وسطه.
() وفي معجم
البلدان ج1 ص133: (أحجار الزيت) موضع بالمدينة قريب من الزوراء وهو موضع صلاة الاستسقاء، وقال العمراني: (أحجار الزيت) موضع بالمدينة داخلها، وراجع منتقلة الطالبية: ص6 (أحجار الزيت) من ناحية المدينة، قتل بها محمد النفس الزكية.
() مراقد المعارف: ج2 ص240.
() سورة آل عمران: 12-124.
() بحار الأنوار: ج19 ص232 – 233 ب10.
() سورة الأنفال: 48.
() سورة الأنفال: 48.
() راجع مستدرك الوسائل: ج11 ص50 ب21 ح12405.
() سورة الحج: 47.
() بحار الأنوار: ج19 ص218 ب10.
() سورة الأنفال: 9.
() سورة الأنفال: 12.
() سورة الأنفال: 61.
() سورة التوبة: 32.
() الإرشاد: ج1 ص73.
() كنز الفوائد: ج1 ص296.
() تفسير العياشي: ج1 ص197 من سورة آل عمران ح138.
() المناقب: ج2 ص240-241 فصل في محبة الملائكة إياه.
() بحار الأنوار: ج19 ص286 ب10 ضمن ح27.
() شرح نهج البلاغة: ج14 ص146 الفصل الثالث غزوة بدر.
() بحار الأنوار: ج19 ص340 ب10.
() بحار الأنوار: ج19 ص346 ب10.
() الأمالي للطوسي: ص310 المجلس11 ح626.
() ذكر واقعة الحرة الطبري في تاريخه: ج4 ص370 ط القاهرة، والكامل في التاريخ: ج4 ص111، ومروج الذهب: ج3 ص69. وتجارب الأمم لابن مسكويه: ج2 ص79. والبداية والنهاية لابن الكثير: ج8 ص220 و…
() إعلام الوري: ص34 ب2.
() بحار الأنوار: ج18 ص125-126 ب11.
() تاريخ الطبري: ج4 ص370 أحداث سنة 63ه.
() إعلام الوري: ص34 ب2.
() بحار الأنوار: ج68 ص124-125 ب63.
() ثواب الأعمال: ص27-28 ثواب من توضأ ثم أتي إلي المسجد.
() مستدرك الوسائل: ج3 ص428 ب47 ح3931.
() مجمع البحرين: ج1 ص335 مادة قبو.
() سورة التوبة: 108.
() مستدرك الوسائل: ج3 ص427 ب47.
() دعائم الإسلام: ج1 ص296-297 ذكر دخول مدينة النبي صلي الله عليه و اله.
() وسائل الشيعة: ج14 ص355 ب12 ح19377.
() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص229 باب فضل المساجد وحرمتها وثواب
من صلي فيها ح686.
() تفسير العياشي: ج2 ص111-112 من سورة البراءة ح136.
() وسائل الشيعة: ج14 ص353 ب12 ح19374.
() الكافي: ج3 ص296 باب بناء مسجد النبي صلي الله عليه و اله ح2.
() الكافي: ج4 ص561 باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء ح5.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص199 ب10 ح11842.
() الكافي: ج2 ص122 باب التواضع ح3.
() كامل الزيارات: ص26 ب6 ح5.
() مجمع البحرين: ج2 ص89 مادة شرب.
() راجع مستدرك الوسائل: ج14 ص51 ب6 ح16087.
() راجع دعائم الإسلام: ج2 ص343 كتاب العطايا ف5 ح1286.
() كانت مشربة اُم إبراهيم في شمال حي بني قريظة في الحرّة الشرقيّة، ثم إنهم قد محوا آثار هذه المشربة وهذا المسجد. ومكان المسجد حاليّاً في الطريق بين مستشفي الزهراء والمستشفي الوطني علي ما يقال.
() قوله تعالي: ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً
عَظِيماً? سورة الأحزاب: 28-29.
() الكافي: ج6 ص137-138 باب كيف كان أصل الخيار ح1.
() بحار الأنوار: ج97 ص216 ب7 ح14.
() روضة الواعظين: ج2 ص408 مجلس في ذكر فضل المدينة وبيت المقدس والكوفة.
() يبعد مسجد القبلتين عن مسجد النبيّ صلي الله عليه و اله حوالي 5ر3 كيلو متر إلي الشمال الغربي.
() سورة البقرة: 144.
() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص274-275 باب القبلة.
() تهذيب الأحكام: ج2 ص44 ب5 ح6.
() بحار الأنوار: ج19 ص193 ب7 ح14.
() سورة البقرة: 143.
() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص275-276 باب القبلة.
() راجع بحار الأنوار: ج41 ص182-183 ب109 ح19، والبحار: ج97 ص216-217 ب7 ح15.
() راجع علل الشرائع: ج2 ص459 ب220 ح1.
() تفسير القمي: ج1 ص180 سورة المائدة، نزول حرمة الخمر.
()
بحار الأنوار: ج97 ص214 ب7 ح4.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص17 ب5 ح18.
() الكافي: ج4 ص561 باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء ح5.
() بحار الأنوار: ج97 ص216-217 ب7 ح15.
() الكافي: ج4 ص561 باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء ح4.
() تفسير القمي: ج1 ص180 سورة المائدة، نزول حرمة الخمر.
() علل الشرائع: ج2 ص459 ب220 ح1.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص199 ب10 ح11842.
() إقبال الأعمال: ص467 ب5.
() كامل الزيارات: ص24 ب6 ح1.
() راجع الكافي: ج8 ص277-279 حديث نوح ? يوم القيامة ح420.
() بحار الأنوار: ج97 ص214 ب7 ح4.
() تهذيب الأحكام: ج6 ص17 ب5 ح18.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص199 ب10 ح11842.
() بحار الأنوار: ج96 ص379 ب1 ح17.
() من الجوع.
() تفسير القمي: ج2 ص178 سورة الأحزاب، معاجز رسول الله صلي الله عليه و اله في الخندق.
() الخرائج والجرائح: ج1 ص156 ب1 فدك.
() راجع بحار الأنوار: ج21 ص83-84 ب25 ح8.
() تفسير القمي: ج2 ص186 سورة الأحزاب، مبارزة علي ? لعمرو بن عبدود.
() بحار الأنوار: ج97 ص225 ب7.
() بحار الأنوار: ج97 ص225 ب7.
() يقع المسجد علي بعد 500 متر من مسجد النبيّ صلي الله عليه و اله شمال البقيع.
() راجع الخصال للشيخ الصدوق: ص83، سأل النبي صلي الله عليه و اله ربه عزوجل ثلاث خصال ح9.
() بحار الأنوار: ج97 ص225 ب7.
() سورة آل عمران: 59-61.
() بحار الأنوار: ج9 ص69 ب1.
() راجع بحار الأنوار: ج21 ص276-277 ب32.
() تفسير مجمع البيان: ج2 ص309-310 ط بيروت مؤسسة الأعلمي.
() بحار الأنوار: ج47 ص197 ب6 ح38.
() الأمالي للطوسي: ص171 المجلس6 ح287.
() بحار الأنوار: ج21 ص60 ب24 ضمن ح12.
() وسائل الشيعة: ج11 ص311 ب1 ح14885.
() دعائم الإسلام: ج1 ص297 ذكر مواقيت الإحرام ح1.
() مجمع البحرين: ج4 ص85 مادة عرس.
() وسائل الشيعة:
ج14 ص371 ب19 ح19411.
() وسائل الشيعة: ج14 ص371 ب19 ح19412.
() غوالي اللآلي: ج2 ص221 باب الصلاة ح22.
() انظر الكافي: ج4 ص565 باب معرس النبي صلي الله عليه و اله ح1.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص199 ب10 ح11842.
() شرح نهج البلاغة: ج14 ص89-90 ف3 قصة غزوة بدر.
() سورة التوبة: 107-110.
() راجع بحار الأنوار: ج21 ص252-253
() سورة التوبة: 107.
() غوالي اللآلي: ج2 ص32-33 ب1 المسلك الرابع ح81.
() فقه القرآن: ج1 ص140 باب الجماعة وأحكامها.
() سورة الشوري: 23.
() تفسير فرات الكوفي: ص388 ومن سورة حم عسق ح514.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص199 ب10 ح11842.
() الكافي: ج4 ص555-556 باب المنبر والروضة ومقام النبي صلي الله عليه و اله ح9.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص199 ب10 ح11842.
() بحار الأنوار: ج97 ص225 ب7.
() مستدرك الوسائل: ج14 ص74 ب11 ح16137.
() مستدرك الوسائل: ج10 ص199 ب10 ح11843.
() قد تم هدم المسجد أخيرا من قبل الوهابيين وذلك ضمن خطة للقضاء علي آثار رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الأطهار ?.
() بحار الأنوار: ج97 ص225 ب7.
() بحار الأنوار: ج50 ص99-100 ب5 ح12.
() بحار الأنوار: ج21 ص53-54 ب24 ح3.
() إعلام الوري: ص67 الفصل الثامن.
() المناقب: ج1 ص131-132 فصل في إعجازه صلي الله عليه و اله.
() راجع إعلام الوري: ص68 الركن الأول ب3 ف8.
() بحار الأنوار: ج28 ص201 ب4 ح2.
() الغارات: ج2 ص339-340 غارة سفيان بن عوف الغامدي علي الأنبار.
() انظر دلائل الإمامة: ص260 معرفة وجوب القائم.
() غوالي اللآلي: ج2 ص104 ب1 المسلك الرابع ح285.
() سورة النحل: 106.
() وسائل الشيعة: ج16 ص226 ب29 ح21423.
() سورة النحل: 106.
() تفسير القمي: ج1 ص390 سورة النحل.
() سورة النحل: 110.
() تفسير القمي: ج1 ص391 سورة النحل.
() سورة الكهف: 107.
() تفسير القمي:
ج2 ص46 سورة الكهف، مسائل أمير المؤمنين ?.
() روضة الواعظين: ج2 ص286 مجلس في ذكر فضائل أصحابه.
() بحار الأنوار: ج31 ص201 ب25 السادس.
() بحار الأنوار: ج31 ص201 ب25 السادس.
() بحار الأنوار: ج31 ص201 ب25 السادس.
() وقعة صفين: ص323 ما جاء من الحديث في عمار.
() الاحتجاج: ج1 ص260 احتجاجه ? علي زنديق.
() الخصال: ج2 ص607-608 خصال من شرائع الدين ح9.
() بحار الأنوار: ج28 ص198-199 ب4 ح2.
() الخصال: ج2 ص464 الذين أنكروا علي أبي بكر جلوسه في الخلافة ح4.
() بحار الأنوار: ج30 ص372 ب20.
() شرح نهج البلاغة: ج3 ص50 ذكر المطاعن التي بها علي عثمان.
() الاختصاص: ص152 من كتاب ابن رأب في فضل أمير المؤمنين ?.
() الكافي: ج8 ص206 حديث قوم صالح ? ح251.
() الصراط المستقيم: ج3 ص175 فصل في حرب صفين.
() الأمالي للطوسي: ص176 المجلس6 ص297.
() بحار الأنوار: ج96 ص335 ب62.
() سورة الأحزاب: 25.
() أي من الجوع.
() الخرائج والجرائح: ج1 ص152 ب1 فدك.
() عيون أخبار الرضا ?: ج2 ص40 ب31 ح123.
() قرب الإسناد: ص138 ما جاء في الشهادات.
() سمي بذلك لأنه أقبل في ركب من قريش حتي إذا هو بيليل وهو واد قريب من بدر عرضت لهم بنو بكر في عدد فقال لأصحابه امضوا فمضوا فقام في وجوه بني بكر حتي منعهم من أن يصلوا إليه فعرف بذلك.
() بحار الأنوار: ج20 ص202-205 ب17.
() الإقبال: ص467 ب5.
() ولأول مرة في تاريخ العالم: ج1 ص177 غزوة الخندق.
() ولأول مرة في تاريخ العالم: ج2 ص15 غزوة خيبر.
() الإرشاد: ج1 ص333.
() المناقب: ج2 ص293 فصل في نواقض العادات منه.
() الأمالي للصدوق: ص514 المجلس 77 ح10.
() صحيح البخاري: ج5 ص76-77 باب غزوة خيبر، وصحيح مسلم: ج7 ص121-122 باب من فضائل علي
?.
() كشف الغمة: ج1 ص212 غزوة خيبر.
() الأمالي للطوسي: ص3-4 المجلس1 ح2.
() الأمالي للصدوق: ص501-503 المجلس75 ح18.
() إعلام الوري: ص100-101 باب من فضائل علي ?.
() سورة الإسراء: 26.
() عيون أخبار الرضا ?: ج1 ص233 ب23.
() وسائل الشيعة: ج14 ص352-353 ب12 ح19373.
() نهج البلاغة: الرسائل 31، ومن وصية له ? للحسن بن علي ? كتبها إليه بحاضرين.
() أما اليوم فيقع علي الشارع.. مقابل المسجد الحرام.
() الدروس: ج1 ص468 درس117.
() المستند: ج13 ص96-97 إتيان بعض المواضع المتبركة بمكة.
() سورة طه: 96.
() الجاسوس البريطاني في البلاد الإسلامية، ترجمه إلي العربية الدكتور ج ج، طبع عام 1973م وفيها يكشف عن دعم الإنجليز لمحمد بن عبد الوهاب، وأنهم ابتدعوا الوهابية.