التسامح

اشارة

اسم الكتاب: التسامح في أدلة السنن

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: ياس الزهراء

مكان الطبع: قم

تاريخ الطبع: 1429

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله ربّ العالمين

وصلّي اللّه علي محمد وآله الطيبين الطاهرين

ولعنة الله علي أعدائهم ومخالفيهم أجمعين إلي يوم الدين

مقدمة: خواطري عن الفقيه المقدس

ولد الفقيه المقدس السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه الله) في مدينة كربلاء المقدسة سنة ألف وثلاثمائة وتسعة وسبعين للهجرة النبوية الشريفة، وهو أول أولاد المرحوم آية الله العظمي الحاج السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) وأول حفيد من الذكور للمرحوم آية الله العظمي الميرزا مهدي الشيرازي (رحمه الله)، لذا كانت له مكانة خاصة لديه، وقد نُقل أن المرحوم آية الله الميرزا مهدي الشيرازي كان متعلقا به تعليقا شديداً وكان السيد محمد رضا (رحمه الله) يرفل بمحبته واحتفاءه الخاصين، إلا أن ذلك لم يدم سوي شهوراً قليلة، حيث رحل جده إلي الرفيق الأعلي.

حياته العلمية

التحق المرحوم السيد محمد رضا (رحمه الله) بمدرسة الحفّاظ في كربلاء المقدسة، واشتغل بتحصيل العلوم الدينية فيها منذ نعومة أظفاره، ولما بلغ سن العاشرة من عمره الشريف عمّمه والده المعظّم السيد محمد الشيرازي (رحمه الله).

… ترعرع الفقيه المقدس وتربي في جوار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) سنين عديدة، إلي أن هاجر برفقة والده إلي خارج العراق علي أثر ضغوط الحكومة البعثية آنذاك علي أسرته الكريمة وكانت هجرته ابتداءً إلي سورية ومنها إلي دولة الكويت.

واصل السيد (رحمه الله) دروسه الحوزوية في دولة الكويت، حيث تتلمذ فيها علي يد عمّه الجليل آية الله العظمي الحاج السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، وفي سنة ألف وثلاثمائة وتسعة وتسعين للهجرة.

… كان عمره الشريف عشرين سنة وصل إلي إيران برفقة والده (رحمه الله) الذي اختار مدينة قم المقدسة مستقراً له، وفي مدينة قم واصل تحصيله العلمي للبحوث الحوزوية العالية، ودروس البحث الخارج، مستفيداً من وجود الأعاظم من العلماء: كوالده المعظّم وعمّه الجليل وآية الله العظمي الوحيد الخراساني وغيرهم من العلماء.

… لازم السيد محمد رضا (رحمه الله) الدرس والتدريس، فشرع

بتدريس السطوح العالية في مدينة قم المقدسة، وفي سنة ألف وأربعمائة وسبعة هجرية نال اجازات الاجتهاد من بعض العلماء الأعاظم، وذلك علي أثر كتاب ألّفه بعنوان (الترتّب).

لم يقتصر الفقيه المقدس (رحمه الله) علي تدريس الفقه والأصول، بل درّس التفسير والرجال لعدة سنين حتي اضطر للعودة إلي الكويت مرة أخري علي أثر بعض المشاكل، وكما يقال: رب ضارة نافعة، فقد أحدث وصوله (رحمه الله) للكويت والسنوات التي أقام فيها تطورا عظيما في النمو الفكري والديني للمجتمع الشيعي تعدي إلي بلدان الخليج الأخري.

… في عام الف وأربعمائة واثنين وعشرين، عاد (قدس سره) إلي إيران واستقر فيها، وشرع في تدريس درس (خارج الأصول) حتي نهاية عمره الشريف، وكان ذلك إلي جنب تدريس المباحث الفقهية والرجالية والتفسيرية والأخلاقية.

… لم يكن عطاءه العلمي مختصاً بأوقات الدرس فقط، بل كان يؤدي دوره العلمي والتربوي بأسلوب طبيعي ومؤثر في جميع الأوقات من دون ملل مما جعل الآخرون يتأثرون به، فلم يلتق به أحد ولو لمدة قصيرة إلا وتأثر بروحه وأخلاقه؛ وهنا أستطيع القول بجرأة: إنه (رحمه الله) لم تكن له علاقة مع الدنيا والماديات، بل كان خاليا من هوي النفس.

… كان (رحمه الله) لا يضيع أوقاته أبدا، بل يستفيد من اللحظات القصيرة وينتهز الفرص ففي السنوات القليلة التي صحبته فيها في دروسه وجلساته العلمية، لم أسمع منه سوي طرح المسائل العلمية المفيدة، وعندما كنت أذهب معه في لقاءاته، يطرح بعض الفروع الفقهية حتي في الطريق، ولم تكن أبدا المجالسة معه من دون فائدة. وفي أي وقت كنا نجلس معه يطرح المباحث الروائية أو الفروع الفقهية أو يشير إلي مشاكل الناس ويطلب منّا البحث عن حلها، وكان (رحمه الله) ذلك أسلوباً تربوياً يتبعه

مع جلسائه.

خصائص بحوثه العلمية

1. النظم في الدرس

2. عذوبة البيان

3. ترتيب البحث

4. التعرض لأقوال وآراء القدماء والمتأخرين والمعاصرين

5. تطعيم مباحثه بقدر الإمكان بالروايات الشريفة

6. فسح المجال لتلامذته والإعتناء بتربيتهم

7. عدم الغضب في البحث

8. احترام شخصيات الأعلام حين مناقشته لآرائهم

9. التسلط علي الفروع الفقهية

سجاياه الحميدة

… حمل الفقيه صفاتاً ملكوتية كثيرة، سمت بها نفسه المقدسة، منها: كثرة التواضع، حتي أن البعض تعاملوا معه كصديق حميم وكانوا أقل منه شأنا. ومنها: حرصه الشديد علي الذكر والدعاء والتهجد، بحيث انه لم يترك في حياته صلاة الليل أبداً، وكان يفعل ذلك في خفاء، ولم يسمع عنه انه تظاهر بذلك يوماً ما أصلاً.

… ألتقيت أول مرة به (رحمه الله) في سفري إلي سوريا، في زيارتي لعقيلة بني هاشم زينب الكبري (عليها السلام)، وما زلت أذكر ذلك اليوم جيداً، حيث كنت ذاهباً لزيارة حجر بن عدي (رضوان الله عليه) مع ثلة من العلماء الأفاضل وجاء هو (رحمه الله) لزيارته، وحان وقت صلاة الظهر فهممنا أن نصليها جماعة بإمامته، فقبلها بعد إلحاح شديد، وأقيمت الصلاة آنذاك بإمامته، وقد شاهدت من حالاته المعنوية في الصلاة ما ترك الأثر الإيجابي في قلبي وروحي إلي الآن، وقد مضي علي ذلك ما يقارب ثلاثة عشر سنة وأثرها باقٍ في قلبي.

… كان بعض الناس أحياناً ولأجل بعض أغراضهم الخاصة، حينما كانوا يقابلونه يظهرون عدم احترامهم له، ولكنه كان يظهر لهم الاحترام، فيقعون تحت تأثير أخلاقه معجبين بها، ولا عجب إذ كان (قدس سره) شخصا أذعن لأخلاقه الكريمة الصديق والعدو والموالف والمخالف..

ونفس هذه الآداب والأخلاق التي تعامل بها مع الناس كانت تسود في بيته المكرم، إذ كان يتعامل مع أولاده بالأخلاق الحسنة والوقار، حيث لم يعاملهم بخشونة ولو لمرة واحدة طوال حياته، وكان

لا يشكو ولو شكوي مختصرة ولا يتوقع من أحد ولا يظلم أحد، ولذا أضحي مصداقاً لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «النفس منه في تعب والناس منه في راحة».

… كانت له (رحمه الله) طريقة خاصة في العيش وسلوك مؤثر مع الناس تكتشف منه أنه المصداق لمفهوم الإنسان المؤمن في كلمات أهل البيت (عليهم السلام)، إذ حمل صفات المتقين ومزايا المؤمنين يحن له كل قريب وبعيد كما شهدنا ذلك ولمسناه من خلال سلوك من كان يقصده من بعيد في حياته ومن قصد جنازته بعد مماته لاطمين الوجوه والرؤوس يجذبون الحسرات لفقده، لذا أستطيع القول وبدون مبالغة: أنه أحد المصاديق الكاملة لرواية أمير المؤمنين (عليه السلام) القائلة: «خالطو الناس مخالطة إن عشتم حنوا إليكم وإن متم بكوا عليكم»، وقد رأيت الكثير يأتون من الطرق البعيدة لرؤيته ولقاءه ثم يرجعون إلي مدنهم وديارهم، ولكنهم ما إن يصلوا إليها حتي يهزهم الشوق لرؤيته والحضور بين يديه مرة أخري، وخير شاهد علي ذلك اقبال جمهور المشيعين في توديع جثمانه.

اجتمعت فيه (رحمه الله) صفات قلما اجتمعت في أمثاله من الأقران، إذ قد يملك البعض صفة العلم أو تظهر فيه صفة الزهد أو الأخلاق الحسنة أو النظم أوالنزاهة والفهم الجيد والبيان الجيد، ولكن قلّما تجتمع مثل هذه الصفات كما اجتمعت له (رحمه الله).

… تداولت أخلاقه علي ألسن الخواص والعوام، كما كان زهده واضحا للعيان في الوقت الذي كانت فيه يده مطلقة التصرف في الأمور الدنيوية وبنحو شرعي، وكانت روحه نقية طاهرة، وكثيراً ما كان يعتني بجمال المظهر ونظافة الملبس بالشكل الذي ما رآه أحد إلا وانجذب إليه وأصبح عاشقا لأهل العلم، كما كان ملبسه ملبس الطلبة العاديين، ولم أره في طيلة معاشرتي له

لابساً عباءةً ذات نوعيةٍ قيمة ولو لمرةٍ واحدة.

وكان يعلم كل من يعيش معه أنه يأكل قليلاً من الطعام، الأمر الذي دفع أحد تجار الكويت بأن يأتي إلي والده (رحمه الله) ويقول له: إنصح ولدكم، فيقول المرحوم والده: ماذا حدث؟ فيقول التاجر: نحن في الكويت ندعوا السيد محمد رضا ولكنه يأكل القليل، حتي أنه لا يأكل بمقدار رجل طبيعي واحد، فقال والده (رحمه الله): «ابني السيد محمد رضا لم يخلق لهذه الدنيا».

… أتذكر في بداية إحدي السنوات التحصيلية عندما سمع أنهم بلغوا عن درسه أمام المدارس العلمية الحوزوية (بحسب العادة الجارية في قم، حيث كان الطلبة يتعرفون علي زمان ومكان الدرس واسم الأستاذ من خلال لوحة الإعلانات) لم يدع تلك الليلة تمر حتي كلّف أحدهم بإزالة جميع الإعلانات.

… أما نظمه في الوقت وفي مواعيده التي يجريها فقد كان منظماً جداً، وفي زياراته ومواعيده للعلماء والشخصيات كان يقول دائما: يجب أن نصل قبل الوقت، فلم يكن يتأخر أبدا وهي من خصاله الجيدة (الاحترام والالتزام بالمواعيد)، ومن خصاله أيضاً المواظبة علي الحضور في محل الدرس قبل بدء ساعته، وكان معروفاً لدي تلامذته انه قال لهم: إذا تأخرت دقيقتين عن الدرس اعلموا أن الدرس غير منعقد في ذلك اليوم؛ لأنه وبلا شك هناك ما منعني من الحضور.

ولائه لأهل البيت (عليهم السلام)

… كان من أهل البكاء والتوسل بأهل البيت (عليهم السلام)، حتي أنه في أصغر مشكلة من مشاكل حياته كان لا ينسي التوسل بهم، وفي اكثر من مرة عندما كنت أذهب برفقته إلي حرم الإمام الرضا (عليه السلام) أو حرم السيدة معصومة (عليها السلام) كنت أري عيناه بعد إتمام الزيارة مملوءة بالدمع.

… من خصاله التي تميز بها أنه لم تشاهد فيه روح اليأس

أبدا، لذا كان يذكي روح الأمل في الناس عند حدوث المشاكل.

… ومن خصاله أيضاً كثرة الاحترام للكبار في جميع الأحوال حتي في المناقشات العلمية، إذ كان يناقشهم في بحثه بإحترام كامل، فمثلا إني لا أتذكر طوال السنوات الثمان التي حضرتها في درسه سمعته يقول: أنا أشكل علي كلام فلان، بل كان يقول بأدب: كلام فلان محل تأمل أو كلام فلان بحاجة إلي دقة أكثر، علي الرغم من أن المسألة كانت مسلمة لديه.

… كان (رحمه الله) ملتزماً بالاشتراك في مجالس أهل البيت (عليهم السلام)، وأتذكر في بعض السنوات كنت حاضرا معه في العشرتين الأولي من شهر محرم الحرام، إذ اشتركنا في أكثر من مائة مجلس، وكذلك الحال كان في أيام الفاطمية (عليها السلام) كان يشترك في كل المجالس المقامة في بيوت العلماء والشخصيات، وفي السنوات القليلة الماضية، إذ كانت مجالس الفاطمية (عليها السلام) في مدينة أصفهان تحضي بأهمية كبري، كان (رحمه الله) يخصص لها يوماً خاصاً يذهب فيه إلي أصفهان ليشترك في تلك المجالس المقدسة، وهذا بالنسبة له لم يكن جانبا توسليا فقط، بل كان جانبا تربويا وتشويقيا للناس للتوجّه لسيدتنا الزهراء (عليها السلام)، وفي أيامه الأخيرة جاء إلي مدينة أصفهان وكان في منزلنا مجلسا منعقدا للتوسل بالسيدة الزهراء (عليها السلام) وعندما أكمل الخطيب المنبري خطبته وأراد الخروج من المجلس خرج خلفه (رحمه الله) يشايعه حافي القدمين إلي قرب الشارع العام القريب من المجلس، وعندما سأل: لماذا تشقون علي أنفسكم هكذا؟ قال (قدس سره): هذا مروج الدين، ومبلغ المذهب، ووظيفتنا احترامه؛ وبهذا الأسلوب كان يشوق المبلغين والذاكرين لأهل البيت (عليهم السلام).

وفي أخر كلامنا نقول: إنه بذهابه من هذه الدنيا قد وصل إلي راحته الأبدية ودرجاته الأخروية،

ولكننا نحن الذين فقدنا أستاذ العلم والتقوي. هو لم يكن مجرد أستاذ أو مربي، بل كان الوالد البارّ والصاحب المشفق، وإني اسئل الله تعالي أن يكون في الآخرة في جوار أجداده الطاهرين، وأن لا ينسانا الفقيد من صالح دعاءه.

وهنيئاً له تلك السعادة التي حباها بها جده الحسين (عليه السلام) إذ ولد في جوار حرمه وترعرع وعاش بمحبته وخدمته وأخيراً صارت تربة الحسين (عليه السلام) مثواه الطاهر.

والسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا

الميرزا حامد النواب الأصفهاني

جمادي الثانية/ 1429 ه. ق

قم المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلي الله علي رسول الله وآله آل الله

ولعنة الله علي أعدائهم أعداء الله

أما بعد: فهذه بعض أبحاث سيدنا الأستاذ الفقيه آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (قدس سره) في مباحثه خارج أصول الفقه، حول القاعدة الشهيرة «التسامح في أدلة السنن» وجدت من الحقيق أن أفردها في رسالة مستقلة لأهميتها وجودتها وكثرة تفريعاتها.

وقد كنت قدّمتها إلي سماحته «أعلي الله مقامه» كي يطالعها ويبدي ملاحظاته فيها، وقد لاحظ بعض أوراقها إلاّ أن الأجل باغتنا برحيله وفقده فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم عرضت الرسالة علي سماحة سيدنا الأستاذ آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله العالي فلاحظها ولقد أبدي إعجابه بما حوتها من النكات الدقيقة، فأمر بطبعها لتعم الفائدة منها.

وأداءً لبعض حقوق السيد الفقيه الراحل رحمه الله تعالي علينا نهدي هذه الرسالة نيابة عنه إلي مولانا ومقتدانا بقية الله الأعظم الحجة بن الحسن المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، وتغمد الله تعالي فقيدنا السعيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.

ميلاد السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها

20 جمادي الثانية 1429ه

الميرزا حامد النوّاب الإصفهاني قم المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد

التسامح في

أدلة السنن

تعريف القاعدة

تتكفل الروايات الشريفة الواردة في المقام للمكلف الثواب البالغ علي العمل بواسطة الخبر الضعيف، والبحث في القاعدة في أنه هل يمكن أن نحكم باستحباب ذلك العمل أم لا؟

و لكي يتضح المطلب لا بأس بذكر مباحث:

المبحث الأول

في دليل القاعدة:

ذكر صاحب الوسائل في كتابه الشريف تسع روايات وعقد لها باباً تحت عنوان «باب استحباب الاتيان بكل عمل مشروع روي له الثواب عنهم عليهم السلام» ولكننا نقتصر علي ذكر ثلاث روايات منها إذ أن البقية محل اشكال من الناحية السندية.

الرواية الأولي: وهي إن كانت مبتلاة باشكال سندي ولكننا نذكرها لدواع وهي:

محمد بن علي بن بابويه عن أبيه عن علي بن موسي القميّ عن أحمد بن محمد بن عيسي عن علي بن الحكم عن هشام عن صفوان عن أبي عبدالله عليه السلام:

من بلغه شيء من الثواب علي شيء من الخير (خ ب: شيء من الثواب علي خير) فعمله كان له أجر ذلك وان كان رسول الله صلّي الله عليه وآله لم يقله (خ ب: وان لم يكن علي ما بلغه).

و الإشكال في سندها من جهة ورود علي بن موسي القمي (شيخ الكليني وشيخ والد الصدوق) إذ لم يرد فيه توثيق، فهو مجهول.

الرواية الثانية: احمد بن أبي عبدالله البرقي صاحب كتاب المحاسن (الثقة) عن علي بن الحكم (الثقه)، عن هشام بن سالم (الثقة)، عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: من بلغه عن النبي صلّي الله عليه وآله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وان كان رسول الله صلّي الله عليه وآله لم يقله.

و قال صاحب كتاب مصادر فقه الشيعة: انه يختص بما كان البلوغ فيه عن النبي صلّي الله عليه وآله .

و لكن يمكن أن يقال: إن الحديث

بلحاظ الملاك أعم، إذ لا فرق بينهم عليهم السّلام وبين النبي صلّي الله عليه وآله إلا النبوة، مضافاً إلي وجود روايات عنهم عليهم السّلام بأن قولهم هو قول رسول الله صلّي الله عليه وآله .

الرواية الثالثة: محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم (الثقه) عن أبيه (الثقه أو الحسن علي بعض المباني) عن ابن أبي عمير (الثقة) عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السّلام، قال: من سمع شيئاً من الثواب علي شيءٍ فصنعه كان له وان لم يكن علي ما بلغه.

و ربما اُورد علي الاستدلال بالأخبار بأنّ مسألة التسامح مسألة اصولية وهي لا تثبت بأخبار الأحاد.

و يرد عليه أولاً: إنه قد يدّعي أن الروايات قطعية الصدور، إما لأنّها متواترة أو لانها محفوفة بالقرائن القطعية ويبعد أن تكون كل هذه الروايات موضوعة، خصوصاً مع عمل المشهور بها قديماً وحديثاً.

ثانياً: لانسلم أن أخبار الآحاد ليست حجة في المسائل الأصولية وذلك لشمول ادلة الحجية لها، كشمولها للمسائل الفرعية، علي ما فصّل في محلّه، نعم هي ليست بحجة اذا وردت في مسائل أصول الدين التي يشترط فيها اليقين والعلم.

المبحث الثاني في مفاد الأخبار

وفيه عدة إحتمالات:

الإحتمال الأول: إن مفاد الأخبار استحباب ذات العمل لطروّ عنوان ثانوي عليه وهو البلوغ.

فكما أن الشيء المستحب إذا طرأ عليه عنوان النذر يصير واجباً كذلك الشيء المباح في الواقع إذا بلغ فيه شيء من الثواب بالخبر الضعيف، يصير مستحباً.

و هذا الإحتمال هو المعروف بين الفقهاء، بل نسب إلي المشهور وإلي الشيخ الاعظم في رسالة التسامح وذهب اليه صاحب الكفاية في الكفاية.

الإحتمال الثاني: أن مفادها الإرشاد إلي حكم العقل بحسن الانقياد.

وقد ذهب الي هذا القول مجموعة من الفقهاء ومنهم بعض المعاصرين.

أدلة القولين

استدل للقول الأول بوجوه:

الأول: ما ذكره المحقق النائيني في الفوائد: بعنوان الاحتمال

من أن الجملة الخبرية بمعني الإنشاء ومفاد قوله عليه السّلام : «فعمله» أو «ففعله» الأمر بالفعل والعمل كما هو الشأن في غالب الجمل الخبرية الواردة في بيان الأحكام، سواء أكانت بصيغة الماضي كقوله عليه السّلام : «من سرّح لحيته فله كذا» أم بصيغه المضارع كقوله: «تسجد سجدتي السهو» وغيرذلك من الجمل الخبرية التي وردت في مقام الحث والبعث نحو الفعل، فيكون المعني: اذا بلغ الشخص شيء من الثواب علي عمل فليعمله، وعلي هذا يصح التمسك باطلاق البلوغ والقول باستحباب العمل مطلقا انتهي.

وفيه: أن الجملة الخبرية تارة تقع شرطاً أو جزءاً من الشرط في الجملة الشرطية، وأخري تقع جزاءاً في الجملة الشرطية أو علي نحو القضية الحملية، فإن كانت علي النحو الأخير يكون مفادها التحريك نحو المادة والتحريض علي الفعل فيدل علي وجوب المتعلق أو استحبابه.

وأما إذا وقعت شرطاً أو جزء شرطٍ في القضية الشرطية تكون بمنزلة موضوع الحكم، والموضوع ملحوظ من قبل المولي بنحو إن تحقق يكون محموله كذا، وهذا المقدار لا يتضمن اي نوع من الحث والتحريض.

وحيث إن كلمة «فعمله» جزء

الشرط في الجملة الشرطية لا تكون بمعني إعمل أو فليعمل.

والخلاصة: ان كلمة «فعمله» عرفا لا تفيد معني الإنشاء.

الوجه الثاني: ما ذكره صاحب الكفاية وتوضيحه: ان هنا لك كبري مسلّمة بتعبير المنتقي وصغري وقعت محلاً للخلاف بين صاحب الكفاية والشيخ الأعظم.

أما الكبري المسلمة فهي أنه:

إذا ورد دليل يتكفل ترتيب الثواب علي عمل لا اقتضاء فيه في حد نفسه للثواب، كان ذلك الدليل كاشفاً عن ثبوت الأمر وتعلقه بذلك العمل، ولذا يقع كثيراً بيان الأمر ببيان ترتب الثواب علي العمل.

كما أنه لا يستظهر تعلق الأمر بالعمل إذا كان له اقتضاء في نفسه لترتب الثواب كالانقياد.

وأما الصغري: فهي أن موضوع ترتب الثواب في هذه النصوص من أي النحوين؟

بمعني أن النصوص المزبورة هل تتكفل ترتيب الثواب علي ذات العمل الذي بلغ الثواب عليه، أو تتكفل جعله علي العمل الخاص وهو المأتي به بداعي احتمال الأمر بهذا القيد؟

فعلي الأول تدل علي استحباب العمل لعدم الوجه في ترتب الثواب علي ذات العمل سوي تعلق الأمر به فيكون نظير «من سرح لحيته فله كذا» في استفادة استحباب تسريح اللحية.

وأما علي الثاني: فلا تدل علي استحباب العمل، لوجود المقتضي للثواب مع قطع النظر عن الأمر وهو الانقياد، انتهي.

وقد اختار صاحب الكفاية أن الظاهر كون الموضوع ذات العمل فيدل علي الاستحباب، واختار الشيخ الأعظم أنه العمل المأتي به بداعي الثواب أي العمل الإنقيادي فلا يدل علي الاستحباب.

مناقشة الكبري المسلمة

ويرد علي الكبري التي ذهب في المنتقي إلي كونها مسلمة أمران:

الأول: أن في قوله: العمل الانقيادي مقتض للثواب في حد نفسه، اشكال لانه يمكن أن يدّعي بأن هذا الكلام تام في الموالي العرفية المجازية، ولكنه بالنسبة للمولي الحقيقي جلّ ذكره الذي يملك العبد وكلّ ما يملكه

بتمليك المولي إياه، غير واضح.

اذ يمكن التشكيك في استحقاق المنقاد الثواب علي المولي بحيث يعتبر عدمه ظلماً.

بل الظاهر أنه لا يستحق ذلك، والثواب من المولي تفضّل ولا يحق للعبد المطالبة بذلك.

وعليه فلا فرق في المقام بين الانقياد وبين تسريح اللحية، فكلاهما لا يقتضيان الثواب في حدّ ذاتهما.

الثاني: سلمنا بأن الانقياد في حد ذاته يقتضي الثواب بقطع النظر عن الروايات، ولكن هل أن مجرد وجود الحكم العقلي في مورد يقتضي صرف الأوامر الشرعية من المولوية إلي الإرشادية؟

الظاهر لا، وقد ذكر في محلّه أن الأصل المولوية، ووجود أمر عقلي في مورد لا يصرف الأمر الشرعي الوارد فيه إلي الإرشادي إلا أن يكون هناك محذور عقليّ أو نحوه، وقد اختار السيد الوالد (ره) هذا المبني.

وبناءاً علي ما ذكرنا نقول: أن أدلة التسامح ظاهرة في المولوية علي كلا التقديرين فتفيد الإستحباب.

ثم انه قرب في النهاية مدعي الكفاية عبر مقدمتين:

الأولي تتعلق بالثواب البالغ، والثانية تتعلق بالثواب الموعود.

أما الأولي: فإن الظاهر من الثواب البالغ هو الثواب علي العمل لا بداعي الثواب المحتمل أو الأمر المحتمل، فإن مضمون الخبر الضعيف كمضمون الخبر الصحيح من حيث تكفله للثواب علي العمل.

بيان ذلك: الثواب البالغ في الخبر الضعيف محمول علي ذات العمل والموضوع كما لو دل خبر ضعيف علي أن من قصّر أظفاره في يوم الجمعه فله كذا، فهذا الثواب مترتب علي تقصير الأظفار في يوم الجمعه لا علي تقصيرها في يوم الجمعه بداعي احتمال الثواب أو احتمال الأمر، ووزان الخبر الضعيف كوزان الخبر الصحيح كما في قوله عليه السّلام من زار الحسين عليه السلام بكربلاء فله كذا وكذا، فإن الثواب مترتب علي نفس الزيارة.

المقدمة الثانية: إن أخبار من بلغ ظاهرة في كونها في مقام

تقرير الثواب البالغ وتثبيته وتحقيقه.

والنتيجة: هي اتحاد الثواب الموعود بأخبار من بلغ مع الثواب الوارد في الخبر الضعيف، بمعني أن الثواب الموعود يترتب علي ذات العمل، وقد ثبت في الكبري أن كلّما ترتب الثواب علي ذات العمل فهو كاشف عن استحبابه، فيثبت مدّعي المشهور.

ويرد عليه اشكالات:

الإشكال الأول: ما قد يقال من اقتضاء التفريع في جميع الأخبار والتقييد في بعضها لترتب الثواب علي الفعل بداعي احتمال الثواب وهو الإنقياد المحض المقتضي في نفسه لترتب الثواب فلا يكون ترتب الثواب علي العمل كاشفاً عن استحبابه.

وأجيب عن هذا الإشكال بأجوبة:

الجواب الأول ما ذكره المحقق الأصفهاني:

من أن التفريع علي قسمين:

أحدهما: تفريع المعلول علي علّته الغائية، ومعناه هنا انبعاث العمل عن الثواب البالغ المحتمل.

ثانيهما: مجرد الترتيب الناشيء من ترتب الثواب علي فعل ما بلغ فيه الثواب.

فالعمل المترتب عليه الثواب حيث كان متقوماً ببلوغ الثواب عليه، رتبه علي بلوغ الثواب، فيكون نظير من سمع الأذان فبادر إلي المسجد، فإن الداعي إلي المبادرة فضيلة المبادرة، لا سماع الأذان فلا يتعين التفريع في الأول حتي ينافي الظهور المدعي سابقاً انتهي.

وبناءاً علي هذا فإن ما ادّعاه صاحب الكفاية بإتحاد الثواب الموعود مع الثواب البالغ بالظهور لا يقدح، بمجرد احتمال التفريع في التعليل.

ويرد عليه: أن انقسام التفريع إلي قسمين أمر مقبول ولكن التفريع في المقام ظاهر في التعليل فيعود الإشكال لأنّه مساوق للانقياد.

ولا أقل من تعارض الظهورين، فنبقي بلا دليل.

الجواب الثاني:

ولعلّ مآله إلي الجواب الأول أو قريب إليه وهو:

أن التفريع علي نوعين: الأول: تفريع العمل علي الداعي، كما لو وجب عليّ شيء فأديته.

الثاني: تفريع العمل علي موضوع الداعي، مثل: من دخل عليه الوقت فصلي كان له من الأجر كذا، فدخول الوقت في المثال لا يكون

علة الصلوة، بل هو موضوع لوجود الداعي لها ولولا الوقت لم يكن وجه لمحركية الداعي.

وأما التفريع في صحيحة هشام ب: (من بلغه ثواب علي عمل فعمله) فلا يدلّ علي أن العمل يكون بداعي الثواب المحتمل، بل يمكن أن يكون بداعٍ آخر كالتقرّب إلي الله تعالي أو الحبّ له.

وهل هذه الجملة في الصحيحة تأبي عن هذه الحالة أم تكون ناظرة فقط إلي عبادة الأجراء والعبيد ولا تشمل عبادة الأحرار!؟ كلاّ.

إن تم هذا فينتفي ما ذكر من تفريع المعلول علي العلة ويكون موضوع الثواب نفس العمل بأي داعٍ يكون.

الجواب الثالث ما ذكره صاحب الكفاية:

فإنه (ره) بعد تسليمه بأن الثواب المحتمل هو الداعي والتفريع يدل علي الداعوية، قال:

التفرع علي البلوغ غير موجب لأن يكون الثواب انما يكون مترتبا عليه، بداهة ان الداعي إلي العمل لا يوجب له وجهاً وعنواناً يؤتي به بذلك الوجه والعنوان، انتهي.

بيان مراد الآخوند

في المقام شيئان، وهما الداعي والمدعوّ إليه، فالداعي في الرواية هو الثواب المحتمل، والمدعو إليه هو العمل، وقد ثبت في محله أن الداعي متقدم علي المدعو إليه بماهيته وان كان متأخراً عنه بإنيّته، كالسكني وبناء البيت حيث إنها بماهيتها متقدمة عليه، والشيء المتقدم علي العمل لا يعقل أن يؤخذ فيه، وعليه لم يؤخذ الثواب المحتمل في الموضوع، بل هو الباعث والمحرك، والموضوع هو ذات العمل وقد سبق أنه إذا كان الموضوع ذات العمل فإن ترتب الثواب عليه دليل علي استحبابه.

وبعبارة أخري: إن الداعي للعمل خارج عن حقيقته وليس هو جهة تقييدية حتي يكون جزء الموضوع ليترتب الثواب علي العمل من حيث هذه الجهة.

ويرد عليه أنه: يمكن إرجاع الحيثيات التعليلية في الأحكام إلي الحيثيات التقييدية كما في ضرب اليتيم تأديباً، فالتأديب وإن كان

تعليلاً لكن مآله إلي التقييد والموضوع هو الضرب التأديبي.

ويدفع اشكال التقدم بأن الداعي مأخوذ في الموضوع ولا مانع من أخذ مجموع الداعي والمدعو إليه كموضوع للمحمول.

الجواب الرابع:

سلمنا أن التفريع في المقام بمعني التعليل، والثواب المحتمل حيثية تقييدية وهو مساوق للانقياد، ولكن يرد عليه:

أولاً: لا نسلم اقتضاء الإنقياد في حدّ ذاته للثواب.

ثانياً: لا نسلم أن ما يقتضي الثواب في حدّ ذاته لا يؤمر به علي نحو المولوية، وقد مضي توضيح هذين الجوابين.

اشكال التقييد وردّه

اشكل في المقام بوجود قرينة خارجية وهي الروايات المقيدة في الباب ومفادها أن الثواب ليس مترتبا علي ذات العمل، وانما هو مترتب علي العمل الذي يؤتي به برجاء الثواب المحتمل ولا يفيد الاستحباب، ومقتضي حمل المطلق علي المقيد يوجب تقييد اطلاقات الباب بالروايات المقيدة نحو «فعمله التماس ذلك الثواب».

ويرد عليه أمور:

الأول: ما عثرنا عليه من الروايات المقيدة ضعيفة، وهما روايتان:

الرواية الأولي: عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي عن أبيه عن احمد بن النضر عن محمد بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام : من بلغه عن النبي صلّي الله عليه وآله شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلّي الله عليه وآله كان له ذلك الثواب وان كان النبي صلّي الله عليه وآله لم يقله.

والكلام في محمد بن مروان، فهو مشترك وحاله غير معلوم، فالرواية غير حجة من حيث السند.

الرواية الثانية: عن محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمران الزعفراني عن محمد بن مروان عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من بلغه ثواب من الله علي عمل ففعل ذلك العمل إلتماس ذلك الثواب اُوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه.

والكلام فيها من ثلاث جهات:

الأولي: في محمد

بن سنان حيث اختلف فيه، ولعل المشهور من المتأخرين ذهبوا إلي عدم الإعتماد علي رواياته.

الثانية: في عمران الزعفراني فهو مشترك بين ابن عبدالرحيم وابن اسحاق الكوفي، وكلاهما من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ولم يوثقا.

الثالثة: في محمد بن مروان المشترك.

لا يقال: إن صحيحة هشام تجبر ضعف سندي الخبرين.

فإنه يقال: إن ما ينجبر ضعفه بصحيحة هشام، الخبر الضعيف المثبت للثواب علي عملٍ لا الخبر الضعيف النافي للثواب عن عمل، ومقتضي التقييد نفي الثواب عن المطلق فلا تجبر صحيحة هشام ضعفها.

الجواب الثاني ما ذكره صاحب الكفاية:

بأنه لا موجب للتقييد لعدم منافاة بين المفادين.

بيان ذلك: أن مفاد صحيحة هشام هو ثبوت الثواب علي ذات العمل، ومفاد رواية مروان هو ثبوت الثواب علي العمل الذي يؤتي به برجاء ادراك الثواب، ولا تنافي بينهما، لأن مفاد الصحيحة حكم مولوي ومفاد رواية مروان حكم ارشادي، وموضوع الحكم المولوي في المقام الماهية المطلقة، وموضوع الحكم الإرشادي الماهية المقيدة، ولا تنافي بين الحكمين حتي نحمل المطلق علي المقيد.

وأورد عليه المحقق الإصفهاني وتبعه صاحب المنتقي:

بوحدة السياق في الأخبار وانها في مقام ترتيب سنخ واحد من الثواب علي موضوع واحد.

ولكن:

وحدة موضوع الأخبار التي نتيجتها حمل المطلق علي المقيد وصرف الأخبار المطلقة من المولوية إلي الإرشادية مما لا تطمئن به النفس، ففي أبواب متعددة من الفقه وردت روايات بعضها مطلق وبعضها الآخر مقيدٌ، ويحكم بابقاء المطلق علي اطلاقه في صورة عدم التنافي.

الجواب الثالث ما أشار إليه المحقق النائيني:

حمل المطلق علي المقيد لا يجري في باب المستحبات، وإنما يحمل علي تعدد مراتب الاستحباب كصلّ صلاة الليل، وصلّ صلاة الليل خاشعاً، فالمقيد يدل علي المرتبة العليا للموضوع ولا ينافي استحباب المطلق، فنبقي الروايات المطلقة والمقيدة في المقام علي

ما هما عليه.

وأشكل عليه المحقق الإصفهاني:

بأن الوجه في عدم الحمل في المندوبات إمكان حمل المطلق والمقيد منها علي مراتب المحبوبية، فالمستحب الفعلي هو المقيد وما عداه مستحب ملاكي، وهذا الوجه غير جار هنا فإن المقيد بداعي الثواب المحتمل ليس مستحبا شرعيا لا فعليا ولا ملاكياً، بل المقيد بهذا الداعي راجح عقلي، والمطلق الذي حقيقته إتيان الفعل لا بهذا الداعي بل بسائر الدواعي مستحب شرعي، فليس المقيد من مراتب المستحب الشرعي في قباله انتهي.

اذن لا معني للقول بأن الراجح العقلي مرتبة عليا من مراتب الرجحان الشرعي، لأنهما سنخان مختلفان.

وفيه:

أن المستفاد من كلمات المحقق النائيني أن مبناه هو ابقاء المقيد علي الاستحباب الشرعي لا أنه أمر ارشادي، وظاهر كلامه أن المطلق والمقيد كلاهما مستحبان شرعيان، فيحمل علي المراتب، فإشكال المحقق الإصفهاني خروج عن المبني.

***

الوجه الثالث في افادة اخبار من بلغ للاستحباب الشرعي:

أن حكم المولي في مقام الترغيب علي العمل كاشف عن استحباب العمل.

وبعبارة أخري: الترغيب كاشف عن المحبوبية الملازمة للأمر، لأنها مقتضٍ له والمانع مفقود، لفرض كون المولي في مقام الترغيب الكاشف عن عدم المانع فيتحقق المعلول.

وأشكل عليه صاحب المنتقي قده :

بأن أساسه علي فرض المولي في مقام الترغيب وهذا غير ثابت فيما نحن فيه، لأنّ الظاهر من ترتيب الثواب ههنا انه في مقام التفضل والاحسان، وبيان ان المولي الجليل لا يخيّب من أمّله ورجاه ولا يضيّع تعب من تعب لأجل الثواب الذي تخيله أو رجاه تفضلاً منه ومنة، فلا ظهور له في الترغيب نحو العمل وان حصلت الرغبة فيه بعد ملاحظة هذا الوعد .

وهذا كثيراً ما يصدر عرفاً كما يقول القائل: «من قصد داري بتخيّل وجود الطعام فيه لا اُحرمه من ذلك وأطعمه» فإنه في مقام

بيان علوّ همته وطيب نفسه وكمال روحيته وليس في مقام الترغيب إلي قصد داره … ولو لم نجزم بظهور الأخبار فيما ذكرناه بملاحظة ما يشابهها من الأمثلة العرفية فلا أقل من الشك الموجب لإجمال الأخبار فلا تتم دلالتها علي الاستحباب. انتهي.

وللشيخ الأعظم كلمة في الرسائل تفيد هذا المعني أو نظير ذلك حيث استدل بقوله تعالي: «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» علي أنه تعالي في مقام التفضّل لا في مقام الحث والتحريض، وماورد في الأخبار كذلك.

وهذا الإشكال يتم: لو لم نقل أن المنساق من الروايات عرفاً هو أن المولي في مقام الحث والترغيب والتحريض، وهذا الظهور العرفي لا ينافيه الإحتمال العقلي.

***

الوجه الرابع: الاستدلال بفهم المشهور.

المشهور قديماً فهموا الاستحباب من روايات من بلغ، وفهمهم جابر للدلالة علي فرض قصور دلالة الأخبار، وأدلة حجية فهم المشهور مذكورة في محلها.

***

الوجه الخامس: انه نوع احتياط.

فتشمله أوامر الاحتياط فيكون مستحباً بقوله عليه السلام احتط.

وفيه تأمل: لان الإحتياط في المقام الاتيان بالعمل برجاء المطلوبية، واما اتيانه بعنوان الإستحباب خلاف الإحتياط بل تشريع.

نعم الإحتياط بهذا العمل برجاء المطلوبية مستحب بأوامر إحتط.

هذا تمام الكلام في ادلة القول الأول وعمدتها فهم المشهور.

****

القول الثاني

أن مفاد الأخبار ارشاد إلي حكم العقل، الذي يأمر بالإنقياد، والانقياد يقتضي الثواب، ولأن مفاد الأخبار ترتب الثواب علي الإنقياد، فتكون ارشاداً إلي حكم العقل بناء علي مبني كلما ورد أمر شرعي في مورد يكون الأمر العقلي المطابق له ارشادي.

وقد مضي البحث الكبروي في ذلك.

واستشكل المحقق الإصفهاني في هذا القول اشكالاً صغروياً،

فقال: والتحقيق أن حمل هذه الأخبار علي الإرشاد إلي ثواب الإنقياد بعيد عن السداد وذلك أن الثواب الذي يمكن الإرشاد إليه لا بدّ من ثبوته لامن ناحية الإرشاد بل بحكم العقل

والعقلاء وليس هو إلا اصل الثواب واما الوعد بالثواب الخاص فليس من الشارع بما هو عاقل وإلا لحكم به سائر العقلاء بل بما هو شارع ترغيباً في فعل تعلق به غرض مولوي فيكشف عن محبوبية مولوية ومطلوبية شرعية انتهي.

ولذا ذهب المحقق الإصفهاني إلي أن الأخبار تفيد الاستحباب الشرعي.

ويرد عليه ما تقدم وهو:

أننا نلتزم بأن المولي بما هو مولي لا بما هو عاقل يعيّن الثواب الخاص لغرض مولوي، ولكن هل انه في مقام الترغيب كي يلازم الإستحباب أو انه في مقام بيان التفضل الإلهي فلا يفيد الإستحباب، بل يمكن أن يكون العمل مباحاً أو مبغوضاً في حد ذاته لوجود مفسدة ولان المولي جواد كريم لا يخيب عمل من أملّه؟

إلا أن يدفع الإشكال بظهور العرفي أو بفهم المشهور.

ثمرات القولين

قبل الورود في البحث لابد من القول إن الثواب مضمون بلا فرق بين القولين، و لكن الثمرة تظهر علي كل من القولين في موارد:

الأول: في الفتوي والعمل، فعلي القول الأول يمكن للفقيه أن يقول: يستحب العمل الكذائي، بخلاف القول الثاني حيث لا يمكنه القول بالاستحباب لأنه تشريع، بل يقول: يؤتي بالعمل رجاء للمطلوبية، وكذا الأمر في المستفتي.

الثاني: ما أشار إليه الشيخ الأعظم:

بأنا إذا فرضنا خبراً ضعيفاً يدل علي غسل المسترسل من اللحية، ففي صورة جفاف اليد للمسح يمكن أن نأخذ ببلل المسترسل علي رأي المشهور لأنه بلل جزء مستحب من الوضوء وحتّي في صورة عدم الجفاف علي فتوي صاحب العروة ومجموعة من الفقهاء.

وأما علي القول الثاني فلا يجوز الأخذ لأنه لم يثبت أن البلل هو من بلل الوضوء.

***

وترد عليه اشكالات:

الإشكال الأول ما ذكره صاحب الكفاية قال:

إن المسح لا بد أن يكون من بلل الوضوء ولا يصح الوضوء ببلل ما

ليس منه ولو كان مستحبا فيه.

توضيح ذلك: إن أخبار من بلغ تفيد الاستحباب علي المشهور ولكن ثبوت الاستحباب لا يلازم ثبوت الجزئية بل يمكن أن يكون غسل المسترسل مستحب في ضمن الواجب أي ظرفه الواجب كما يمكن أن يكون المستحب في ضمن مستحب آخر كالدعاء المقارن للوضوء.

وفيه أولاً: انه يمكن أن يدعي:

أن الاستحباب ظاهر عرفاً في الجزئية وأما كونه مستحباً نفسيا والوضوء ظرف له، فبعيد عن أذهان العرف، فتصح الثمرة.

ولكن: تمامية هذا الإشكال موقوفة علي القول بامكان وجود الجزء الإستحبابي وإلاّ لابد أن نقول أنه مستحب مستقل في ظرف الواجب أو المستحب.

وبعبارة أخري: في المقام دعويان، إن ثبتا ردّ كلام صاحب الكفاية.

الأولي: امكان وجود الجزء الإستحبابي.

الثانية: ظهور الرواية في أن غسل المسترسل جزء مستحب من الوضوء. والمختار في الأول إمكان وجود الجزء الإستحبابي كالسرداب في البيت، وفي الثاني أن العرف يفهم الجزئية.

ثانياً: أن أخبار من بلغ تدل علي الإستحباب علي نحوٍ البلوغ إلينا لا صرف طبيعي الإستحباب، وعليه لو تضمن الخبر الضعيف خصوصية مكانية أو زمانية للمستحب أو يكون ما بلغ عليه الثواب بنحو الإستقلالي أو الجزئي أو الشرطي فتثبته أدلة التسامح علي تلك الخصوصية.

والدليل علي ذلك، الظهور العرفي في أخبار من بلغ.

الإشكال الثاني: ما ذكره الشيخ الأعظم (ره) في كتاب الطهاره وبيانه:

سلمنا أن الإستحباب في المقام يلازم الجزئية ولكن لا دليل لنا للأخذ من بلل كل جزءٍ حتي من الأجزاء المستحبة.

وفيه تأمل: لأنه يمكن أن ندعي أن ظاهر بعض الأخبار جواز المسح ببلل أجزاء الوضوء مطلقا ولا دليل للتقييد ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السّلام : اذا ذكرت وانت في صلاتك انك قد تركت شيئاً من وضوئك … ويكفيك من مسح رأسك

أن تأخذ من لحيتك بللها اذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدم رأسك.

الإشكال الثالث علي الثمرة الثانية:

سلمنا أن الإستحباب ملازم للجزئية والأخذ من بلل جميع الأجزاء واجبة كانت أم مستحبة جائز ولكن المقام خارج عن شمولية أخبار من بلغ علي نحو الخروج الموضوعي.

بيان ذلك: إن الأخبار تفيد استحباب ما بلغ عليه الثواب، والغسل المسترسل لم يبلغ عليه الثواب لأن الخبر الضعيف أفاد الإستحباب الضمني، والمستحب الضمني لا ثواب فيه وانما الثواب ثابت علي المجموع المركب ولا يوزّع علي الأبعاض، ولاأقل من القول بعدم الدليل علي التوزيع وحيث لم يبلغ الثواب علي غسل المسترسل فاستحبابه غير ثابت.

ويدفع الإشكال بذكر مقدمات ثلاث:

الأولي: الخبر الضعيف الدال علي الأمر الضمني يدل بالملازمة علي ترتب الثواب علي المجموع المركب من هذا الجزء وسائر الأجزاء، فالإتيان بالمأمور به مستلزم للثواب ولو تفضلاً. وقد ثبت في محله أن الإخبار بالشيء إخبار باللوازم والملزومات له والملازمات له، سواء أكانت اللوازم بينة بالمعني الأخص أم الأعم أم غير بينة حتي ولو كان المتكلم غير ملتفت إلي تلك اللوازم.

وعليه فالخبر الضعيف في المقام يدل علي استحباب غسل المسترسل، وهذا كاف لترتب الثواب علي المجموع المركب بالملازمة.

الثانية: لما ترتّب الثواب علي المجموع المركب فأدلة التسامح تفيد استحباب المجموع المركب.

الثالثة: ثبوت استحباب المجموع المركب بأخبار من بلغ ملازم لثبوت جزئية أبعاض المركب فتثبت الجزئية المشكوكة.

والمتحصل من المقدمات الثلاث ثبوت الجزئية لغسل المسترسل، ومع فرض جواز المسح ببلل جميع الأجزاء يجوز الأخذ ببلل المسترسل من اللحية.

الإشكال الرابع ما ذكره السيد الوالد(ره) قال:

ذهب المشهور إلي جواز الأخذ منه لصدق انه ماء الوضوء عليه سواء قلنا باستحباب غسل المسترسل أم لم نقل باستحباب غسله لإطلاق دليل الأخذ من اللحية،

مع تعارف الإسترسال، ولم ينبه علي عدم جواز الأخذ من مسترسل اللحية، فالقول بأنه لو لم نقل باستحباب الغسل يكون حال بلل المسترسل كسائر البلل الخارج عن محالّ الوضوء، لا وجه له.

الثمرة الثالثة

ان دلّ خبر ضعيف علي استحباب الوضوء لغاية معينة كالوضوء للنوم، فهل يرتفع الحدث بهذا الوضوء أم لا؟ لان ارتفاع الحدث متوقف علي وضوءٍ اُمر به شرعاً سواء أكان وجوبيا أم ندبيا.

فعلي القول الأول يرتفع الحدث لأن الوضوء مستحب شرعاً.

وعلي القول الثاني حيث لم يكن أمر به شرعاً فلا يرتفع به الحدث.

وفيها مناقشتان:

الأولي: أن الثمرة مبنية علي ادّعاء الملازمة الكلية بين الوضوء المأمور به شرعاً وارتفاع الحدث، ولكن الملازمة غير ثابتة لأنها تخلفت في موارد كوضوء الجنب للنوم، ووضوء الحائض في أوقات الصلوات المستفادان من صحيحة الحلبي وزرارة وكالوضوء التجديدي.

وفيه: إن هذه الملازمة تامة بعنوان المقتضي وتأثير المقتضي في المقتضي تام إن لم يكن هناك مانع، فعدم جريان الملازمة في الموارد إنما هو لوجود المانع وهو في الموردين الأولين وجود الحدث الأكبر، والوضوء رافع للحدث الأصغر، وعدم التأثير في المورد الأخير لأنه تحصيل للحاصل.

فالوضوء المأمور به شرعاً رافع للحدث ان لم يكن هناك مانع فتمت الكبري المدعاة.

المناقشة الثانية:

المناط في عبادية الوضوء متوقف علي صغري وكبري، أم الصغري فتتوقف علي الرجحان الذاتي للوضوء سواء قصد لغاية واجبة أم مستحبة، وقد ذكرت أدلته في الفقه نحو قوله تعالي: «ان الله يحب التوابين ويحبّ المتطهرين» وصحيحة زرارة: «اذا دخل الوقت وجب الطهور والصلوة» المستفاد منها أن نفس الطهور مما أمر به شرعاً.

وتتوقف الكبري علي أنه كلما هو راجح ذاتاً شرعاً يقع عبادة ويكون شرعياً ولو لم يقصد به غاية معنية، وعلي ذلك سواء ثبت أن الوضوء

يكون لغاية معنية بخبر الضعيف أم لا، فهذا الوضوء مشروعاً بالرجحان الذاتي والوضوء الشرعي يترتب عليه إرتفاع الحدث، فعلي كلا القولين الوضوء للنوم رافع للحدث.

وفيه:

إذا كان الوضوء للنوم بعنوان القيد لا علي نحو الداعي فهو لم يقصد علي نحو الإستحباب النفسي وانما هو مستحب غيري، والإستحباب الغيري لهذا الوضوء علي القول الثاني غير ثابت، فما الدليل علي شرعية هذا الوضوء؟!

وبعبارة أخري: تثبت الشرعية بأمرين:

الأول: أن يكون علي نحو الإستحباب النفسي وهو لم يقصد في المقام بل قصد عدمه.

والثاني: أن يكون علي نحو الإستحباب الغيري وهو غير ثابت علي مبني ارشادية الأخبار، فالوضوء لم يكن مشروعاً فلا يرتفع به الحدث.

ويدفع الإشكال بطريقٍ عهدته علي مدّعيه وهو أن الجزئي الحقيقي غير قابلٍ للتقييد والتقييد يكون للمفاهيم الكلية.

الثمرة الرابعة

لو ثبت أن كل غسل واجب أو مستحب مجزئٌ عن الوضوء ودلّ خبر ضعيف علي استحباب غسلٍ، فعلي رأي المشهور باستحباب الغسل فهو مجزئٌ عن الوضوء بخلاف رأي غير المشهور أن الغسل ليس بمستحب ولا مجزئٌ عن الوضوء.

****

القول الثالث في مفاد أخبار من بلغ

وهو أن مفاد هذه الأخبار يكون اسقاط شرائط حجية الخبر في باب السنن والمندوبات، وقد اختاره المحقق النائيني.

توضيح ذلك: أن الشارع اعتبر شرائط لحجية الخبر كوثاقة الراوي أو عدالته أو كلاهما، ولكنه لم يعتبر ذلك في باب المندوبات بأخبار من بلغ فلا يشترط أن يكون المخبر ثقة أو عادلاً.

وعليه تكون أخبار من بلغ مخصّصة لما دل علي اعتبار الشرائط في الخبر.

ويرد عليه اشكالات:

الإشكال الأول:

كيف تكون أخبار من بلغ مخصّصة لما دلّ علي اعتبار الشرائط في حجيّة الخبر مع ان النسبة بينهما العموم من وجه.

فإن أخبار من بلغ تدل علي حجية الخبر سواء أكانت فيه شرائط الحجية أم لا، وأدلة اعتبار الشرائط في الخبر تدل علي لزوم هذه الشرائط في الخبر سواء كان مفاده إلزاميا أم لا، فيتعارض الدليلان في مورد الإجتماع، ولا وجه لتقديم أخبار من بلغ، علي ما دلّ علي اعتبار الشرائط في الخبر.

وأجاب المحقق النائيني عليه بأجوبة أربعة:

الأول: إن أخبار من بلغ ناظرة إلي إلغاء الشرائط في الأخبار القائمة علي المستحبات فتكون حاكمة علي ما دلّ علي اعتبار الشرائط في أخبار الآحاد وفي الحكومة لا تلاحظ النسبة.

وفيه: القوام في الحكومة هو أن يكون دليل الحاكم ناظراً إلي دليل المحكوم ويعرف ذلك بأن لو لم يكن دليل المحكوم يكون دليل الحاكم لغوا.

وعلي هذا لم يظهر لنا أن أخبار من بلغ تكون ناظرة إلي أدلة حجية الخبر.

الثاني: مع قطع النظر عن مسألة الحكومة والقول بالتعارض بين الدليلين،

يكون الترجيح لأخبار من بلغ لعمل المشهور بها.

وفيه: أن مرجحية عمل المشهور في المقام غير معلومة لأن مبني المشهور في مفاد أخبار من بلغ علي غير القول بإفادة الحجية.

الثالث: لو قدّم ما دلّ علي اعتبار الشرائط في مطلق الأخبار لم يبق لأخبار من بلغ مورد، بخلاف ما لو قدمت أخبار من بلغ علي تلك الأدله، فإن الواجبات والمحرمات تبقي مشمولة لها.

وفيه: أن في مورد الإفتراق يبقي المورد.

إن قلت: لاخصوصية لأخبار من بلغ في ذلك المورد.

قلت: إن شمولية أخبار من بلغ للخبر الضعيف التي مخبرها واجد للشرائط فهل تكون لغوا؟ الظاهر أنه لا، لان العادل يمكن أن يخطأ في خبره وقد مضي البحث في هذا الجواب.

الرابع، ما نقله المحقق النائيني عن الشيخ الأعظم ره، قال:

بل يظهر من الشيخ قدس سره، اختصاص ما دلّ علي اعتبار الشرائط بالواجبات والمحرمات، فإنّ ما دلّ علي اعتبار ذلك إما الإجماع وإما آية النبأ.

أما الإجماع: فمفقود في الخبر القائم علي الإستحباب، بل يمكن دعوي الإجماع علي عدم اعتبار الشرائط في المستحبات.

وأما آية النبأ: فلا إشكال في اختصاصها بالواجبات والمحرمات، كما يشهد بذلك ما في ذيلها من التعليل «فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين».

وعلي هذا تبقي أخبار من بلغ بلا معارض.

وأورد المحقق النائيني عليه قائلاً:

إن ما أفاده الشيخ قدس سره لا يخلو عن ضعف، فإن ما دلّ علي اعتبار الشرائط في أخبار الآحاد لا ينحصر بالإجماع وآية النبأ، بل العمدة في اعتبار الشرائط هو ما تقدم من الأخبار المتظافرة أو المتواترة وهي تعمّ المستحباب.

***

الإشكال الثاني: الحجية علي مبني المحقق النائيني بمعني إلغاء احتمال الخلاف واعتبار مؤدي الحجة هو الواقع، والسؤال هنا: هل لأخبار من بلغ ظهور في حجية الخبر الضعيف بهذا المعني؟

الجواب: لا

ظهور لها في الحجية بهذا المعني، بل مفادها تضمين الثواب واستحباب العمل لا التنزيل منزلة الواقع، بل ينفيه ما في ذيل بعض روايات الباب حيث ورد فيها: « … وان كان رسول الله صلي الله عليه وآله لم يقله».

***

الإشكال الثالث:

ان مخصصية أخبار من بلغ لما دل علي اعتبار الشرائط فرع وجود التنافي بين المفادين، ولا تعارض أو تنافي في المقام، لأن أدلة الحجية تدل علي أن خبر الثقة حجة، وأخبار من بلغ تدل علي أن خبر المخبر في باب السنن حجة.

وفيه تأمل: لإمكان العثور في أدلة الحجية علي جانب السلب نحو: «لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا» والتعليل في خبر العمري: «اسمع له وأطع فإنه الثقة».

فجانب السلب في أدلة الحجّية ينفي الأخذ عن غير الثقه والعادل ولو كان الخبر مستحباً ومندوباً.

وبملاحظة جميع ما ذكر يظهر أن ما ذكره النائيني قابل للتأمل.

***

فائدة: هل تترتب ثمرة عملية بين القول الثالث والقول الأول؟

كان مفاد القول الأول استحباب العمل بالعنوان الثانوي ومفاد القول الثالث استحبابه بما له من العنوان الذاتي، فهل تترتب ثمرة عملية بينهما؟

قال في الدراسات: انه لا فرق عملي بين القولين، ويجوز للفقيه الإفتاء بالاستحباب علي كلا القولين والنتيجة مشتركة.

ولكن: يمكن أن تتصور في المقام ثمرة أو ثمرات:

منها: ما طرحه بعض المتأخرين بعنوان البحث العلمي، بأنه:

لو دل خبر ضعيف علي استحباب ما ثبتت حرمته باطلاقٍ أو عمومٍ، فعلي القول بالحجية أي القول الثالث يخصّص الخبر الضعيف عموم العام أو يقيد اطلاق المطلق. أما علي القول الأول يتزاحم المفادان أي الحرمة الثابتة للفعل بعنوان الأولي الذاتي والاستحباب الثابت للفعل بعنوان الثانوي العرضي فيقدم أقواهما ملاكاً وهو ملاك الحرمة.

ويمكن أن يقال: إن أخبار من بلغ علي القول الأول

منصرفة عمّا ثبت وجوبه أو حرمته بالعنوان الأولي، وعلي كلا الوجهين لم يثبت الاستحباب في المقام علي القول الأول.

وفيه تأمل:

إذ أن الاستحباب لا يثبت حتّي علي القول بالحجية، لأن الظاهر من أخبار من بلغ أو القدر المتيقن فيها ما بلغ فيه الثواب ولم يبلغ فيه العقاب أو لم يثبت فيه العقاب، وعليه في مورد ثبتت حرمته بالقطع الوجداني أو التعبدي وثبت استحقاق العقاب علي اقتحام ذلك لو قام خبر ضعيف علي ثبوت الثواب لمصداق أو فرد منه، لم تشمله أدله التسامح.

ولو قلنا بجواز تخصيص الأخبار الضعاف لأدلة المحرّمات يلزم تأسيس فقه جديد، كما لو دل خبر ضعيف علي استحباب التغنّي بالقرآن، فيخصّص عموم حرمة الغناء ومن البعيد أن يلتزم به أحد.

ومنها: لو دلّ خبر ضعيف علي استحباب المغيي بغاية معينة، فبعد تحقّق الغاية هل نتمكن أن نستصحب بقاء الاستحباب لذلك العمل أم لا؟

بناء علي القول الثالث مبني الحجية يمكن الاستصحاب لبقاء الاستحباب، لأن وزان الخبر الضعيف كوزان بقية الحجج ويكون العمل مستحبا بما له من العنوان الذاتي.

فكما لو دل الخبر المعتبر علي وجوب صلاة الجمعة مثلا في عهد الحضور وسكت عنه في زمان الغيبة، نستصحب وجوب الصلاة في زمن الغيبة، كذلك نستصحب استحباب الجلوس في المسجد إلي بعد العصر وعند الشك به إذا دل الخبر الضعيف علي استحباب الجلوس في المسجد إلي العصر وشككنا في بقاء الاستحباب إلي ما بعد العصر. ولكن علي مبني القول الأول بأن الاستحباب ثابت للشي بما له من العنوان الثانوي وهو البلوغ حيث لم يثبت بلوغ الثواب لمورد الشك فينتفي موضوع أخبار من بلغ فلا يجوز الحكم بالإستحباب ولا مجال للاستصحاب.

****

القول الرابع

إن مفاد أخبار من بلغ يكون مجرد الإخبار بفضل

الله سبحانه وتعالي، وانه لا يخيب رجاء من رجاه حتّي ولو كان العمل مبغوضاً بعنوانه الأولي والواقع، لا الثانوي.

وفيه:

إن هذا الإحتمال ولو ثبوتا وجيه ولكن قد مضي أن الظاهر من روايات من بلغ كونها في مقام الحثّ والترغيب نحو العمل لا مجرد إخبار بفضل الله تعالي، ولو بقرينة فهم المشهور.

****

القول الخامس: ما ذكره صاحب مقباس الهداية

بأن المراد البلوغ العقلائي المطمئن به نحو البلوغ في الإلزاميات.

توضيح ذلك: ان مفاد أخبار من بلغ يكون جبراً لضعف محركية الأوامر الإستحبابية إذا بلغ الثواب للفعل بخبر معتبر، ولان المكلف يحتمل عدم ترتب الثواب الكذائي للفعل لإحتمال الخطأ في الحجة فأخبار من بلغ تضمن الثواب البالغ.

وفيه:

ولو وردت في بعض الروايات كلمة «خير» في قوله عليه السلام «من بلغه شيء من الثواب علي شيءٍ من الخير»، والخيرية ثابثة في المرحلة السابقة ولا يشمل الخبر الضعيف.

إلا أن كلمة خير لقب ولا مفهوم لللقب.

وثانياً: لا منافاة بين هذا التقييد لو صح اطلاق التقييد عليه وبين اطلاقات أو عمومات الباب كصحيحة هشام التي ورد فيها: «من بلغه عن النبي صلي الله عليه وآله شيء من الثواب … ».

وبناء علي ما ذكرنا يتضح أن الأظهر من جميع الأقوال هو القول الأول وهو ثبوت الإستحباب بالعنوان الثانوي الطاري.

*****

يبقي الكلام في فروع:

الفرع الأول

هل فتوي الفقيه كالرواية في باب التسامح أم لا؟

يمكن أن يقال إن بلوغ الثواب أعمّ من بلوغه بالدلالة المطابقية أو الإلتزامية، والفقيه إذا أفتي بالإستحباب فالمدلول المطابقي لكلامه ثبوت الاستحباب، والمدلول الإلتزامي لكلامه ثبوت الثواب، فالإخبار بالإستحباب إخبار بالثواب، فتندرج الفتوي تحت أخبار من بلغ.

وأورد المحقق الإصفهاني عليه:

بأن البلوغ في زمان صدور الروايات حيث انه كان بنقل الرواية عن المعصومين عليهم السلام، فإطلاقه منصرف إلي الخبر عن حسّ لا الخبر عن حدس …، نعم إذا علمنا من مسلك الفقيه انه لا يفتي إلا عن ورود الرواية في المسأله ففتواه بالإلتزام يكشف عن ورود الرواية بالاستحباب … ولكن غاية ما يقتضيه مسلكه هو الاستناد إليها، وأما استفادة الإستحباب فموكولة إلي نظره.

ويرد عليه:

أوّلاً: أن أصالة الحس أصل عقلائي تقتضي أن تكون فتوي

الفقيه عن حسّ لاعن حدس.

نعم إن كثرة إخبار المفتي الحدسية يمكن أن لا يجري ذلك الأصل عند العقلاء.

ثانياً: ما في المنتقي: بأن ظهور أخبار من بلغ في الإخبار عن حسٍ لا نري له وجهاً عرفيا.

وفيه: انه يمكن أن يدعي الإنصراف في ذلك.

ثالثاً: إن علّق حكم علي عنوان عام وكان محقِّق ذلك العنوان في زمن المعصوم عليه السلام، فرداً خاصاً فصرف انحصار تحقق الطبيعي في هذا المصداق لا يوجب انصراف الطبيعي فيه، لان القضايا الشرعية مسوقة علي نحو القضايا الحقيقية والقضايا الحقيقية تنطبق ولو علي المصاديق المتجدّدة، وقد مضي في محلّه أن كثرة الوجود والإستعمال لا يوجب الإنصراف.

فما قاله المحقق الإصفهاني بأن البلوغ في زمان صدور هذه الروايات حيث إنه كان بنقل الرواية فإطلاقه منصرف إلي الخبر عن حس، محل تأمل.

إذن: لا فرق بين الرواية والفتوي في شمول أخبار من بلغ.

****

الفرع الثاني

هل تلحق الكراهة بالإستحباب في شمول أخبار من بلغ أم لا؟

اختار بعض الفقهاء عدم شمول أخبار من بلغ للخبر الضعيف الدال علي الكراهة مستدلاً بأن مفاد الأخبار بلوغ الثواب علي الفعل وهو مفقود في الكراهة.

ولكن هناك طرق للشمول:

الأوّل: بتنقيح المناط، فلا فرق بين الإستحباب والكراهة إذ أن كلاً منهما حكماً غير إلزامي.

لكن عهدة هذا الطريق علي مدعيه.

الثاني: وهو ان ترك المكروه مستحب، فالخبر الضعيف الدالّ علي الكراهة يثبت الكراهة بالدلالة المطابقية ويثبت الاستحباب بالدلالة الإلتزامية، فيصدق انه بلغ الثواب في ترك هذا المكروه.

ويرد عليه أنه:

ثبت في مباحث الضد، أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه العام شرعاً، وأن النهي عن الشيء لا يقتضي الأمر عن ضده العام شرعاً. وبعبارة أخري: إن كل حكم شرعي لا ينحلّ إلي حكمين شرعيين، فترك الواجب ليس بحرام وترك

الحرام ليس بواجب، وترك المستحب ليس بمكروه، وترك المكروه ليس بمستحب.

وغاية ما يستفاد منه أنه يثبت استحباب ترك الفعل بأخبار من بلغ لا كراهة الفعل، فهذا الطريق محلّ تأمل.

الثالث: وهو مركب من مقدمات خمس:

الأولي: إن ترك المكروه فيه ثواب.

الثانية: الخبر الضعيف الدال علي الكراهة يدلّ علي أن تركه فيه الثواب بالإلتزام.

الثالثة: إن أخبار من بلغ تضمّن هذا الثواب.

الرابعة: ثبوت الثواب علي الترك لازمه كراهة الفعل.

الخامسه: تقرير هذا الثواب جعلٌ لملزومه وهو الكراهة.

فتثبت الكراهة بالخبر الضعيف.

ويرد عليه:

أوّلاً: أن المنصرف من أخبار من بلغ الوجوديات لا العدميات، وهذا يظهر من ظهور الروايات كصحيحة هشام الأولي « … فعمله» وصحيحته الثانيه: « … فصنعه».

ثانياً: ما قاله صاحب المنتقي ره بأنه:

لا ظهور عرفاً للدليل الدال علي الكراهة في ترتب الثواب وإنما التلازم عقلي علي ما بيّن؛ وهو لا يصحح الظهور العرفي الذي يستند إلي فهم العرف للملازمة لا إلي حكم العقل بها.

وفيه: لا فرق في صدق البلوغ بين أن يثبت الملازمة العقلية أو الملازمة العرفية.

فلو أخبرنا شخص وكان لخبره لازم عقلي، نستطيع القول: بلغنا هذا الشيء.

ثالثاً: لم يظهر لنا وجه المقدمة الرابعة.

الرابع: ما ذكره السبزواري:

حيث استدل بجملة من الأخبار، ومفادها: الحكمة ضالة المؤمن فحيثما وجد أحدكم ضالّته فليأخذها، وقال: اذ لا ريب أن ذلك كلّه من الحكمة، وقد فسرت بكل ما فيه خير وصلاح.

وفيه: إن ثبوت المحمول فرع ثبوت الموضوع، وكون هذا حكمة وصلاحاً وخيراً أوّل الكلام.

الخامس:

إن أخبار من بلغ ولو كان موردها مختصاً بالأفعال الوجودية، إلاّ أن العرف يلغي الخصوصية للفعل والترك ويري أن تمام الموضوع هو بلوغ الخير والثواب.

وقد وردت في الفقه موارد ضيق فيها لسان الدليل والحال أن العرف يراها واسعة أو بالعكس، وهذا ليس تنقيحاً

للمناط بل هو بفهم العرف.

السادس:

فهم المشهور في إلحاق المكروهات بالمستحبات.

أما اثبات الصغري فقد ذكره جمع من المتأخرين منهم الشيخ الأعظم قال في رسالة التسامح: إن المشهور إلحاق الكراهة بالاستحباب في التسامح في دليله … مضافاً إلي ظاهر إجماع الذكري انتهي، وصريح إتفاق الوسائل بل جميع معاقد الإجماعات بناء علي أن السنة تشمل ترك المكروه مضافاً إلي ظهور الإجماع المركب.

وقال السيد السبزواري: جرت سيرة العلماء علي التسامح في أدلة المكروهات، ويمكن أن يكون مدرك التسامح الإجماع علي التسامح فيه.

وقال المحقق الإصفهاني: قيل المشهور … فالحق مع المشهور في إلحاق الكراهة بالإستحباب.

وأما الكبري فتبحث في أن فهم المشهور حجة أم لا، وهل أنه يجبر ضعف دلالة الخبر أم لا، وبحثه موكول إلي مباحث الشهرة، ولو تتبع أحدٌ في الفقه يري أن معظم الفقهاء اعتمدوا علي فهم المشهور في موارد عديدة.

منهم الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة في بحث الاستبراء من الحيض قال: والإنصاف انه لولا فتوي الأصحاب بالوجوب كان استفادته من هذه الأخبار مشكلة، فالعمدة فهم الأصحاب.

ومنهم: صاحب الجواهر قال: والوهن في الدلالة مجبور بفتوي كثير من الأصحاب وقال في موضع آخر: بقرينة الشهرة ونحوها تحمل الغلبة علي إرادة التغير.

وأيضاً في موارد كثيرة من الجواهر منها ج 1 / 95 و116 و126، وج 9 / 19، 20، 39، وج 16 / 71، ج 17 / 31، 36، 39، 41، 82، ج 17، 403 وج 18 / 251-342-371-389-391-408-423، ج 19 / 11، 41، 59، 68، 240، 272، 312، ج 20 / 454، وج 21 / 270، ج 31 / 207، نقلاً عن السيد العمّ حفظه الله تعالي.

ومنهم المحقق العراقي في شرح التبصرة ج 4 / 245-253، ج 6 /

539.

ومنهم السيد القمي حفظه الله تعالي في كتابه الدلائل اعتمد كثيراً علي فهم الأصحاب، وفي ج 1 / 517 جعل من الأدلة، الشهرة في الألسن والكلمات، وغيرهم وقد عمل بها في بعض الموارد من لم يعتقد بجابرية الشهرة وكاسريتها.

وينبغي الإلتفات إلي أن الخلاف في مسألة الإلحاق وعدمه في هذا الفرع مبني علي القول بالإستحباب أو الحجية، وأما علي مبني الإرشادية فالملاك هو الإحتمال ولا فرق في إنقياد الإحتمال بين المستحب والمكروه، والإنقياد مستحب مطلقاً سواء تعلّق بالأمر الوجودي أو العدمي.

****

الفرع الثالث

هل يمكن أن نجري أدلة التسامح في أخبار الآداب والفضائل والمواعظ؟

في المقام صورتان:

الأولي: أن العمل المتعلّق بموضوع المخبر به ليس من سنخ القول كالخبر القائم علي مسجدية هذا المكان، أو بأن هذا المكان من وادي السّلام مدفن نبي الله هود وصالح علي نبيّنا وآله وعليهما السلام، فهل يمكن أن نجري أدلة التسامح فيه؟

الظاهر أن الأدلة تشمل هذه الصورة لأن الإخبار بالموضوع الخارجي وان كان اخباراً بالموضوع بالدلالة المطابقية ولكنه أيضاً إخبار بترتّب الثواب بالدلالة الإلتزامية، وفي المثال تثبت المسجدية بالدلالة المطابقية ويترتب الثواب علي الصلوة في المكان بالدلالة الإلتزامية، فتشمله أخبار من بلغ.

الثانية: وهي العمدة والبحث فيها في أن العمل المتعلق بموضوع المخبر به قد يكون من سنخ القول كالخبر المتضمّن للفضائل والمناقب ونريد أن ننقلها بعنوان الصدور لا صرف الحكاية، فهل يمكن جريان أدلة التسامح في نقل هذه الفضيلة أم لا؟

هنا ترد شبهة وهي شبهة الكذب، وقد اعتمد عليها جمع من الفقهاء، ولذا قالوا: الإخبار بذلك في شهر رمضان مبطل للصيام، وقال المحقق النائيني: لو أخبر بطل صيامه، وقال صاحب العروة: إن الإحوط وجوباً عدم الإخبار.

وقبل دفع الشبهة لابدّ أن نبحث في المباني المختلفة

في مفهوم الكذب ونري هل أن الشبهة تامة أم لا؟

المبني الأوّل:

وهو أن ملاك الصدق هو مطابقة الكلام للواقع الخارجي وعدمه.

وعلي هذا المبني يمكن ان يستشكل في إنطباق عنوان الكذب علي الإخبار بالفضائل والآداب والمواعظ والمصائب لأن المتكلّم لا يعلم أن نسبة الكلام مطابقة مع الواقعي الخارجي أم لا، فلا يعلم أن الكلام كذب أو صدق، ولا يعلم بأن الإخبار والاسناد في ذلك محرم أم لا، فيُجري البرائة.

إذ أن الشبهة في المقام موضوعية ولا يجب الفحص فيها علي المشهور.

وفيه تأمل:

للعلم الإجمالي إما بحرمة الإخبار بذلك أو بحرمة نقيضه، ولا يخلو الواقع من أحد النقيضين، ولا يمكن خلوّ الواقع من أحد الطرفين، فينجّز العلم الإجمالي ولا يجوز الإخبار لا بذاك الطرف ولا بذلك.

المبني الثاني:

ان الصدق هو موافقة الخبر للإعتقاد والكذب مخالفته للإعتقاد، والنسبة بينهما نسبة التضاد.

وعلي هذا المبني، لا نتمكن القول بأنّ المخبر بالفضائل إذا أخبر أو استند كاذب لأنه لم يخالف الإعتقاد.

ويرد عليه:

نعم إن الخبر ليس بكذب ولا صدق ولكنه قول بلا علم وهو محرّم بقوله تعالي: أتقولون علي الله ما لاتعلمون، وقوله تعالي: ولا تقف ما ليس لك به علم … وغيره.

المبني الثالث:

الصدق هو موافقة الخبر للإعتقاد والكذب عدم مطابقته له.

وعلي هذا المبني، لا ينطبق عنوان الكذب علي الإخبار بالخبر الضعيف لأن ملاك الكذب هو عدم مطابقة الخبر للإعتقاد، والمفروض أن المخبر لا يدري أن الخبر مطابق للإعتقاد أم لا.

إذن علي كلّ المباني جواز الإخبار في المقام محلّ تأمل.

ولدفع هذه الشبهة وجوه:

الأول ما ذكره الشيخ الأعظم وبني عليه:

قال: العمل بكل شيء علي حسب ذلك الشيء والعمل بالخبر الضعيف في القصص والمواعظ هو نقلها واستماعها وضبطها في القلب وترتيب الآثار عليها.

توضيح ذلك: فلو أخبرنا مخبر عن

فضيلة فيخبرنا عن ترتب الثواب علي نقلها فتشملها أخبار من بلغ، لأنه بلغ المكلف الثواب علي نقل هذه الفضيلة ونشرها وعمل كل شيء بحسبه، مثلاً العمل بخبر المصائب هو البكاء والإبكاء و … والعمل بخبر الفضائل هو نقلها ونشرها.

وفيه تأمل:

لأن الأخبار لها مدلولان: مطابقي والتزامي.

أما المدلول المطابقي فليس إخباراً بالثواب، وإنما هو إخبار عن الموضوع الخارجي.

والمدلول الإلتزامي ولو كان من مصاديق ما بلغ عليه الثواب بنقلها ونشرها وضبطها ولكن شمولية أخبار من بلغ موقوفة علي عدم وجود عموم أو إطلاق للحرمة، وعمومات الكذب وحرمة القول بلا علم مانعة لشمولية أخبار من بلغ.

وقد ذكرنا إن الشيء يجب أن يكون مباحاً مع قطع النظر عن أخبار من بلغ كي تشمله وتبدّله من المباح إلي المستحب.

إلا أن نقرّر بيان الشيخ بتقرير آخر:

وهو أن خبر الفضائل والمصائب ولو كان إخبار عن الموضوع الخارجي ولكن بمدلوله الإلتزامي يثبت الثواب علي نقل تلك المنقبة أو المصيبة، وأدلة التسامح ببركة بلوغ الثواب، تثبت الإستحباب للعمل، وثبوت الإستحباب لعملٍ ملازم، عرفاً لعدم كون هذا النقل كذباً أو لكونه صدقاً.

وعليه فالإخبار بالفضائل يخرج عن شبهة القول بغير العلم والكذب، خروجاً موضوعياً كما هو الظاهر في باب الأمارات، لأنه بعد أن اعتبر الشارع مؤديات الأمارات كالعلم، تخرج المؤديات عن كونها حكماً بغير علم.

***

الوجه الثاني ما حكي عن الفاضل النراقي:

حيث استدل لجواز النقل بكونه إبكاءً ولا شك أن البكاء والإبكاء في مصائب سيد الشهداء عليه السلام أمر راجح.

ونظيره عنوان الإعانة علي البرّ والتقوي بكون نقل تلك الأخبار من مصاديق الإعانة علي البرّ والتقوي.

ويرد عليه نقضاً وحلاّ:

أما نقضاً بأن نجوّز الغناء اذا ينطبق عليه عنوان الإبكاء.

وحلاّ: أن عناوين الإبكاء والإعانة وما أشبه ذلك راجحة إذا كان سببها

أمر مباح للإجماع والإنصراف لغير المورد المحرّم.

وفي المقام يتزاحم الملاكان، ملاك الحرمة والاستحباب فيقدم أقوي الملاكين وهو الحرمة.***

الوجه الثالث: التمسك بمبني النائيني (ره) والوالد (ره):

حيث ذهبا إلي أن مفاد أخبار من بلغ هو ثبوت الحجية لخبر الضعيف، وعلي ذلك فإن الفضائل والمصائب المحكية مندرجة فيما قامت عليه الحجة المعتبرة شرعاً.

وفيه تأمل:

إذ أن مفاد أخبار من بلغ ولو يثبت الحجية لخبر الضعيف علي بعض المباني إلا أنّه لا يثبت الحجية المطلقة، بل يثبت الحجية المقيدة، أي الحجية من حيث الثواب، ولذا لو ورد خبر ضعيف بمسجدية مكان وحتي لو قلنا بافادة أخبار من بلغ الحجية، لا يمكن أن نحكم بوجوب تطهير ذلك المكان لو تنجس، لأنه حجة في اثبات الإستحباب.

إلاّ ان نتمّم هذا الوجه بما تمّم به الوجه الأول.

***

الوجه الرابع: ما ذكره الوالد (ره) في مقام آخر في ذيل مسأله 24 من مسائل المفطرات في الصوم:

قال صاحب العروة: فالأحوط لناقل الأخبار في شهر رمضان مع عدم العلم بصدق الخبر ان يستنده إلي الكتاب أو إلي قول الراوي علي سبيل الحكاية.

وعلّق عليه الوالد (ره) قائلاً: بل الأولي. وفي كتاب الفقه قال: بل لو قلنا بأن الظاهر من الإخبارات انها مستندة لعلم السامعين بأن المتكلّم إنما ينقله من مصدر فلا فرق عندهم بين أن يقول: قال النبي صلّي الله عليه وآله وبين أن يقول: روي أنه قال النبي صلّي الله عليه وآله أو يقول: في الكتاب الفلاني قال النبي صلّي الله عليه وآله، كان الإحتياط الأولوي محلّ نظر أيضا.

وفيه: أنه خروج موضوعي من البحث، لأن مآل ذلك أن الأخبار ليس مفادها اخباراً بالمؤدّي، بل إخبار بقيام الطريق علي المؤدي، فلو قال الخطيب: قال النبي صلّي الله عليه وآله

فهو يخبرنا عن قول الراوي لا فعل النبي صلّي الله عليه وآله .

فالإخبار عن النبي صلّي الله عليه وآله جزما بأنه قال، حرام.

نعم هذا ينفعنا في أن قول القائل قال، لابأس به، لأن العرف يحكم بأنه يعني نقل أنه قال.

***

الوجه الخامس: الشهرة والإجماع المنقول والسيرة.

قال الشهيد في البداية: جوّز الأكثر العمل بالخبر الضعيف في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال لا في صفات الله وأحكام الحلال والحرام، وهو حسن حيث لم يبلغها الضعف حدّ الوضع والإختلاق.

وقال الشيخ الأعظم: مضافاً إلي اجماع الذكري.

وقال السبزواري: قد جرت سيرة العلماء علي التسامح في أدلة الفضائل والمعاجز والأخلاقيات وما ورد لدفع الأوجاع والأمراض وما ورد لقضاء الحوائج من الصلوات والدعوات ويمكن ان يكون مدرك التسامح في غير الثواب، الإجماع علي التسامح فيه.

إلاّ أن يقال: إنّ السيرة محتملة الإستناد إلي أن ظهور قال يعني نقل أنه قال.

ولكن الظاهر من هذه الكلمات ثبوت التسامح في ذلك.

****

الفرع الرابع

هل تشمل أخبار من بلغ الأحاديث الضعاف المدوّنة في كتب غيرالخاصّة أم لا؟

اختار المشكيني في حاشية الكفاية الشمول ولم يُقم عليه دليل.

وقال الشيخ الأعظم: الأقوي الشمول لإطلاق الأخبار.

وفيه تأمل لوجوهٍ:

الوجه الأول: الروايات والأخبار الواردة في الإعراض عما رواه العامة، ومنها:

1 ما في الوسائل: عن الكشي عن حمدويه وابراهيم ابني نصير عن محمد بن اسماعيل الرازي عن علي بن حبيب المدائني عن علي بن سويد قال: كتب إلي أبوالحسن عليه السلام وهو في السجن:

وأما ماذكرت يا علي ممّن تأخذ معالم دينك، لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين، الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم، إنهم ائتمنوا علي كتاب الله فحرفّوه وبدّلوه فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي

الكرام البررة ولعنة شيعتي إلي يوم القيامة.

ويرد علي الإستدلال بالرواية اشكالات:

الأول: اشكال عام سنذكره بعد ذكر كلّ الروايات.

الإشكال الثاني: ضعف السند بمحمد بن اسماعيل الرازي وعلي بن حبيب المدائني حيث لم يوثّقا.

يمكن أن يقال: أولاًً: إن الرازي من رجال تفسير علي بن ابراهيم، وهذا مبني علي اعتبار جميع مشايخُ علي بن ابراهيم.

وأما المدائني فقد قال صاحب جامع الرواة: بأن الكشي روي عنه حديثاً جيداً يدل علي حسن اعتقاده وظاهر الكشي الإعتماد عليه.

وفيه: إن المبني في توثيق جميع مشايخ علي بن ابراهيم محلّ نظر، لما قرّر في محله من أن الظاهر من عبارته توثيق المشايخ المباشرين.

ثانياً: إن أخبار من بلغ تشمل هذه الرواية لما مضي بأنها تشمل أخبار المكروهات.

الإشكال الثالث: إن النسبة بين هذه الرواية وأخبار من بلغ هي التباين الجزئي، فيتعارضان ويتساقطان، إذ أن الرواية تشمل ما روي غير الشيعة من الأحكام الإلزامية وغيرها كالمستحبات والمكروهات وأخبار من بلغ تشمل ما رواه الشيعة وغيرهم فيجتمعان في المقام.

إلا أن يقال: إن مفاد هذه الرواية آبية عن التخصيص.

2 عن أمير المؤمنين عليه السّلام في وصيّته لكميل بن زياد:

… يا كميل لا تأخذ إلاّ عنّا تكن منا …

3 الكليني: عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبدالرحمن بن الحجاج عن هاشم صاحب البريد عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث طويل: … أما إنه شرّ عليكم أن تقولوا بشيءٍ ما لم تسمعوه منا.

4 الكليني: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن زرارة قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فقال له رجل من أهل الكوفة يسأله عن قول أميرالمؤمنين عليه السّلام : سلوني عمّا شئتم فلا تسألوني عن شيء

إلا أنبأتكم به، قال: إنه ليس أحد عنده علم شيء إلا خرج من عند أمير المؤمنين عليه السّلام، فليذهب الناس حيث شاؤوا فو الله ليس الأمر إلاّ من ههنا وأشار بيده إلي بيته.

5 الكليني: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الوشاء عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي مريم قال، قال أبو جعفر عليه السّلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة:

شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت.

6 الكليني: محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن حسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيي الحلبي عن معلي بن عثمان عن أبي بصير قال: قال لي: إن الحكم بن عتيبة ممن قال الله: «من الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين».

فليشرق الحكم وليغرّب، أما والله لا يصيب العلم إلا من أهل بيتٍ نزل عليهم جبرئيل.

7 علي بن محمد الخزاز في كتاب الكفاية عن علي بن الحسن (الحسين) عن أبي محمد هارون بن موسي عن محمد بن همام عن عبدالله بن جعفر الحميري عن عمر بن علي العبدي عن داود بن كثير الرقي عن يونس بن ظبيان عن الصادق عليه السّلام في حديث قال: لا تغرّنك صلاتهم وصومهم وكلامهم ورواياتهم وعلومهم، فإنهم حمر مستنفرة، ثم قال: يا يونس، إن أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت فإنا ورثنا وأوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب الخ.

8 علي بن محمد الخزاز عن أبي محمد عن أبي العباس بن عقدة عن الحميري وعن أحمد بن محمد بن يحيي، عن ابراهيم بن اسحاق عن عبدالله بن احمد عن الحسن بن أخت شعيب العقرقوفي عن خاله شعيب قال: كنت عند الصادق عليه السّلام

إذ دخل عليه يونس بن ظبيان فسأله وذكر الحديث، إلي أنه قال: إن أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت، فنحن أهل الذكر الذين قال الله: «فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».

9 أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الإحتجاج عن أميرالمؤمنين عليه السّلام في احتجاجه علي بعض الزنادقة، أنه قال عليه السّلام : وقد جعل الله للعلم أهلاً وفرض علي العباد طاعتهم بقوله: «اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» وبقوله: «و ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم» وبقوله «و أتوا البيوت من أبوابها» والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعه عند الأنبياء وأبوابها أوصياءهم. فكل عمل من أعمال الخير يجري علي غير أيدي الأصفياء وعهودهم وحدودهم وشرائعهم وسننهم مردود غير مقبول وأهله بمحل كفر وإن شملهم صفة الإيمان الحديث.

10 محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عن العباس بن عامر (معروف) عن حماد بن عيسي عن ربعي عن فضيل قال: سمعت أباجعفر عليه السّلام يقول: كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل.

11 محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن عمار (اسحاق بن عمار) عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال: من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه الله التيه يوم القيامة.

12 فرات بن ابراهيم الكوفي في تفسيره عن علي بن محمد الزهري عن أحمد بن الفضل القريشي عن الحسن بن علي بن سالم الأنصاري عن أبيه وعاصم والحسين بن أبي العلاء عن أبي عبدالله عليه السّلام في حديث ان رسول الله صلّي الله عليه وآله قال لعلي عليه السّلام :

يا علي، أنا مدينة العلم وأنت بابها فمن أتي من الباب

وصل.

يا علي، أنت بابي الذي أوتي منه وأنا باب الله فمن أتاني من سواك لم يصل إلي، ومن أتي الله من سواي لم يصل إلي الله.

13 محمد بن يعقوب عن بعض أصحابنا عن عبدالعظيم الحسني عن مالك بن عامر عن المفضل بن زائدة عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبدالله عليه السّلام :

من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله التيه إلي الفناء، ومن ادعي سماعاً من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك وذلك الباب المأمون علي سر الله المكنون.

14 محمد بن علي بن الحسين عن عبدالصمد بن محمد (عبد) الشهيد عن أبيه عن أحمد بن اسحاق العلوي عن أبيه عن عمه الحسن بن اسحاق عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله :

من دان الله بغير سماع ألزمه الله التيه إلي الفناء ومن دان بسماع من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك، والباب المأمون علي وحي الله محمّد صلّي الله عليه وآله .

15 الوسائل: في معاني الأخبار عن محمدبن موسي بن المتوكل عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابراهيم بن زياد قال: قال الصادق عليه السّلام :

كذب من زعم أنه يعرفنا وهو مستمسك بعروة غيرنا.

وإلي غير ذلك من الروايات.

ويجب أن يقال أولاً: أن مفاد هذه الروايات متواتر معنوياً أو اجمالياً.

ثانياً: بعض هذه الأخبار من الصحاح والحسان.

ويرد علي الاستدلال بالروايات:

أن الإشكال تام مع قطع النظر عن أخبار من بلغ، أما بلحاظها فلا تنطبق العناوين الواردة علي المقام.

فمن هذه العناوين في الروايات هو عنوان «الأخذ عنهم عليهم السلام»، ففي المقام اذا كان الأخذ مستنداً إليهم فهو في الواقع يكون أخذاً

عنهم عليهم السلام لاعن العامة وله نظائر في الفقه، كتقليد غير الأعلم المستند إلي فتوي الأعلم، فهو في الواقع تقليدٌ للأعلم، وكذا الحال في بقية العناوين الواردة في الروايات.

***

الوجه الثاني: ما ذكره السيد العمّ حفظه الله تعالي من ارتكاز المتشرعة، والإرتكاز كاشف عن عدم عمومية أخبار من بلغ.

الوجه الثالث: أيضاً ما ذكره بأن يلزم منه إضافة المئات من المستحبات والمكروهات والمشهور أعرضوا عن نقلها.

نعم: يمكن أن تستثني من الوجهين الأخيرين مرويات العامة المنقولة في كتب الشيعة حيث لم يشملها الإرتكاز والإعراض.

****

الفرع الخامس

ان كان مفاد خبر الضعيف الوجوب أو الحرمة فلا يمكن ثبوتهما لإشكال الضعف، ولكن هل يمكن أن يستفاد منه بأدلة التسامح الاستحباب أو الكراهة أم لا؟

بعض الفقهاء جوزوا ذلك وأفتوا بالاستحباب أو الكراهة واستدلّ له بأن العمل في الواقع مستند بأخبار من بلغ لا بالخبر الضعيف. وبعبارة أخري: نحتاج في المقام إلي الصغري والكبري، فالصغري بلوغ الثواب علي العمل، والكبري استحباب ما بلغ عليه الثواب، فالخبر الضعيف يتكفل لنا الصغري ولو بالدلالة الإلتزامية وادلة التسامح تتكفل لنا الكبري.

فالعمل يكون مستحباً في مورد الوجوب ومكروهاً في مورد الحرمة.

وفي المقام اشكالات:

الإشكال الأول: ما ذكره المحقق الإصفهاني:

ويمكن ان نقسم كلامه إلي ثلاثه مقاطع:

الأول: ان حقيقه الوجوب من المعان البسيطة، فالبالغ معني بسيط غير قابل للثبوت بحدّه، (يعني الخبر الضعيف، لا يمكن أن يثبت ذلك المعني البسيط أي الطلب الوجوبي) والقابل للثبوت بحدّه لم يبلغه (يعني والطلب الندبي غير بالغ).

الثاني: حيث إن البالغ هو الوجوب بحدّه (يعني المرتبة الشديدة من الطلب) فالثواب اللازم له هو الثواب اللازم للمحدود بحدّ خاص لا مطلق الثواب (يعني المدلول الإلتزامي لخبر الضعيف هو ثبوت ذلك الطلب الشديد لا طبيعي الثواب كما ان

البالغ في المدلول المطابقي هو طلب شديد).

الثالث: المعني البسيط البالغ وإن كان قابلاً للتعليل إلي مطلق الطلب الجامع وبحدّه (يعني يمكن أن نحلّّل الحقيقة البسيطة الواحدة أي الوجوب الشديد إلي أصل الوجوب وشدة الوجوب) إلاّ أن ذلك المعني التحليلي لا يستقل بالجعل حتي يكون الجامع مجعولاً (يعني البسيط وإن يصير مركباً بالتحليل العقلي ولكن ذلك يكون في محدودة العقل ولا ربط له بجعل الجاعل).

ويرد عليه:

أولاً: إن عنوان البلوغ في أخبار من بلغ لا يكون بشرط لا أي بشرط أن لا يكون وجوبياً بل بمقتضي الإطلاق يكون ذلك بنحو لا بشرط.

ثانياً: سلمنا أن مدلول الأخبار لا يشمل المقام، ولكن لا شك في ثبوت الأولوية، لأن بلوغ المرتبة الخفيفة من الثواب يكون محركاً فكيف بالمرتبة الشديدة منه، وتفصيل ذلك موكول إلي مباحث استصحاب الكلي في القسم الأول.

***

الإشكال الثاني: ما ذكره صاحب المنتقي قال:

الحقّ عدم الشمول لظهورها في كون الداعي إلي العمل هو تحصيل الثواب بمعني أن موضوعها ما يتفرّع العمل فيه علي بلوغ الثواب طبعاً وعادةً بحيث يكون الداعي هو الثواب والأمر في الواجبات ليس كذلك، إذ الداعي إلي فعل الواجب عادة وطبعاً هو الفرار عن مفسدة تركه وهو العقاب لا الوقوع في مصلحة فعله وهو الثواب انتهي.

ويرد عليه:

اولاً: إن التفرّع علي نوعين:

النوع الأوّل: يكون التفرّع والتفريع علي نفس الداعي، ومعني ذلك في المقام يكون بأن العمل منبعث من الثواب وما بعد الفاء معلولاً لما قبله.

النوع الثاني: يكون التفرّع علي موضوع الداعي، يعني ما قبل الفاء محقق لموضوع ما بعد الفاء لا داعيا لمدخول الفاء كما في قول القائل: أذنب زيد فضربته، يمكن أن يكون التأديب علة للضرب، والذنب محقق لموضوع داعي الضرب وهو التأديب.

وعليه فالفاء في

قوله «فعمله» لا يدلّ علي أن العمل منبعث من الثواب البالغ، ولذلك ان كان شخص عمله لا بداعي الثواب بل بداعٍ من الداوعي القربيّة فتشمله أخبار من بلغ بضميمة فهم المشهور حيث لم يشترطوا في العمل أن يكون بداعي الثواب.

ثانياً: سلمنا أن الثواب البالغ هو الباعث للعمل في مفاد الأخبار ولا يشمل الواجبات لان الطبيعي فيها هو الفرار من العقاب لا تحصيل الثواب، ولكن هناك فرق بين الواجب ومحتمل الوجوب، فما ثبت وجوبه بالعلم الوجداني أو التعبدي يكون الداعي لامتثاله هو الفرار من العقاب، وأما في المقام حيث لم يتكفل الخبر الضعيف إثبات الوجوب فالعقاب مؤمَّن بالبرائة العقلية والشرعية، فيبقي احتمال الثواب وتشمله أخبار من بلغ.

وبعبارة أخري: الخبر الضعيف في المقام له حيثيتان، الحيثية الأولي إثبات العقاب في الترك، والثانية إثبات الثواب في الفعل، وحيث لم يثبت الخبر الحيثية الأولي لضعفه تبقي الحيثية الثانية وتتكفّلها أخبار من بلغ.

ثالثاً: سلمنا أن أخبار من بلغ لا تشمل المقام ولكنها تشمله بالألوية بحيث إن بلوغ المرتبة الضعيفة من الثواب إن كان سببا لأمر الشارع بتحصيل تلك المرتبة، فكيف إذا كان البالغ المرتبة الشديدة من الثواب.

ويؤيّد ذلك ما ذهب اليه المشهور من أن الخبر الضعيف المتضمِّن للوجوب مسوّغ للفتوي بالإستحباب، والخبر الضعيف المتضمِّن للحرمة مسوّغ للفتوي بالكراهة، علي ما ذكره بعض المعاصرين.

ولعل من تتبع في الفقه لرأي أن مبني الفقه كذلك.

***

الإشكال الثالث:

ان الاستدلال المذكور يتم علي القول بأن مفاد أخبار من بلغ يكون استحباب الفعل، وفي هذا الفرض، الإفتاء بالإستحباب مستند إلي تلك الأخبار، ولكن علي القول بأن أخبار من بلغ تفيد حجّية الخبر الضعيف كما هو رأي الشيخ الأعظم والمحقق النائيني والسيد الوالد رحمهم الله تعالي، يجب علي

المفتي في المقام أن يفتي بالوجوب لأن مدلول الخبر الضعيف هو الوجوب.

أجيب عن هذا الإشكال بالتبعيض في مدلول الخبر الضعيف.

توضيح ذلك: الخبر الضعيف له حيثيتان: الأولي: ثبوت الثواب علي الفعل، والثانية: ثبوت العقاب في تركه، وأخبار من بلغ تثبت الحيثية الأولي ولا تفيد الحجية من جميع الجهات.

وبعبارة أخري: الخبر الضعيف حجّة في إثبات الإستحباب فقط ولا نظر له إلي إثبات العقاب علي الترك، وحيث إنا نشك أن في ترك هذا العمل عقاباً أم لا؟ فالشك يكون في التكليف وتجري فيه البرائة العقلية والشرعية.

والتفكيك في مداليل الأصول العملية والأدلة الإجتهادية أمر ممكن بل واقع، كما مضي بحثه في محله.

***

الإشكال الرّابع:

العلم التفصيلي بعدم الشمول المتولد من العلم الإجمالي.

بيان ذلك: إنا علمنا أن مفاد الخبر الضعيف إما مطابق للواقع أو لا، فإن كان مطابقاً يكون الفعل واجباً في الواقع وليس مستحباً، وان لم يكن مطابقا يكون خطأً، وأدلة التسامح لا تشمل معلوم الخطأ.

فعلي كلا التقديرين لا يكون الخبر مشمولاً لأخبار من بلغ ولا يكون العمل مستحباً.

وأجيب عليه:

أولاً: إن أدلة التسامح تشمل الواجبات أيضاً.

إن قلت: ضمان الأخبار للثواب في الواجبات لا أثر له، لأن ثواب الواجب مضمون بالحجّة.

قلت: أولاً يمكن أن يكون الضمان للتأكيد.

ثانياً: إن احتمال الخطأ في الحجة مرتفع بالضمان في أخبار من بلغ، لأن الوثاقة لا تمنع عن الخطأ طرّاً، وهذا الجواب يتمّ إن قلنا إن أخبار من بلغ متواترة كما ذهب إليه الشيخ الأعظم أو محفوفة بالقرائن المفيدة للقطع.

إن قلت: شمول الأخبار للواجبات يلزم منه اتصاف الواجب بالوجوب والإستحباب.

قلت: لا مانع من الإلتزام بذلك، كما التزم به صاحب العروة، حيث قال في الوضوءات المستحبة، المسألة السادسة: لو اجتمعت الغايات الواجبة والمستحبة فالتحقيق صحة اتصافه فعلاً بالوجوب

والإستحباب من جهتين إنتهي.

والوجوب في المقام ثابت للفعل بما له من العنوان الذاتي النفسي، والإستحباب ثابت للفعل بما له من العنوان العرضي الطاري وهو عنوان البلوغ.

والنقض والإبرام في هذا البحث موكول إلي محلّه وهو مبحث إجتماع الأمر والنهي.

من جانب آخر: إن أخبار من بلغ تفيد أمرين: أحدهما ضمان الثواب، وثانيهما: ثبوت الإستحباب، ونحن نلتزم بهما ما لم يمنع منه مانع، وفي الواجبات المانع هو الأمر الثاني ولا مانع فيها من الأمر الأوّل فتشملها أدلة التسامح.

وبعبارة الأخري الإشكال في العلم التفصيلي المتولد من العلم الإجمالي يحول دون شمول الأخبار للواجبات، وبهذا الجواب يناقش في الشقّ الأول من العلم الإجمالي، لأن مفاد الخبر الضعيف إن كان مطابقا للواقع فيفيد الثواب فالخبر الضعيف محقق للصغري وهي عنوان البلوغ وأخبار من بلغ متكفّلة للكبري وهي من بلغه ثواب.

فالمجتهد بلغه ثواب علي ذلك العمل فيجوز له أن يحكم بالإستحباب.

****

الفرع السادس

هل يعتبر في شمول أخبار من بلغ للخبر الضعيف، حصول الظنّ المطلق بالوفاق أو عدم حصول الظنّ بخلافه أو لا يعتبر لا هذا ولا ذاك؟

في المسألة ثلاثة إحتمالات كما ذكر في عنوان الفرع، والظاهر هو الثالث أي عدم الإعتبار مطلقاً.

والدليل علي ذلك إطلاقات أخبار الباب، وتؤيّده فتاوي المشهور في المقام كما أفتوا بالإطلاق في باب الأمارات وباب الأصول العملية المحرزة وغيرها.

ويستدل علي القول بالإشتراط بوجهين:

الأول: إنصراف الأدله، كما تمسّك به الشيخ الأعظم في اشتراط عدم حصول الظن بالخلاف.

وفيه: أن عهدته علي مدعيه ولا نري الانصراف في ذلك ، ويؤيده فتوي الشيخ في باب الإستصحاب حيث ذهب إلي حجيته حتّي مع الظن بالخلاف، ولعله لم يشترط في باب الأمارات أيضاً لا حصول الظن بالوفاق ولا عدم حصول الظن بالخلاف.

الثاني: إختصاص السيرة العقلائية باشتراط

حصول الظنّ بالوفاق أو عدم حصول الظن بالخلاف.

وفيه: أولاً: إنا لا نسلم الإختصاص، فالمحتمل إذا كان مهمّاً لدي العقلاء في شئونهم فهو محرّك لهم وإن كان موهوماً.

ثانياً: لا صلاحية للسيرة لتقييد أخبار من بلغ كما في سائر المقامات كقاعدة الفراغ.

****

الفرع السابع

هل تشمل أدلة التسامح الأخبار المقطوع بكذبها او وضعها وجعلها أم لا؟

الجواب: كلاّ، لأنه وان يحتمل أن الخبر في عالم الثبوت مطابق للواقع ولو كان مجعولاً، ولكن الظاهر من الأخبار تقييده بكون المخبر به غير مقطوع الكذب.

وبعبارة أخري: قد مضي أن فاء التفريع في «فعمله» إما تفريع علي الداعي أو علي موضوع الداعي، وفي صورة القطع بالكذب أو الوضع لا يكون الخبر داعياً ولا موضوعاً للداعي ويبقي احتمال كون الخبر مطابقاً للواقع، فالإستحباب بناء علي هذا الإحتمال لم يبلغنا والذي بلغنا هو الخبر المجعول، فالأدلة، منصرفة عن هذه الصورة.

****

الفرع الثامن

هل تشمل أدلة التسامح، الخبر الضعيف الذي نعلم أن راويه كذّاب جعالٌ ولا نقطع بالكذب والوضع في خصوص الخبر، أم لا؟

الجواب أنه لا مانع من الشمول مع احتمال مطابقة الخبر للواقع، وقد اختاره السيد الوالد (ره) في الوصائل.

****

الفرع التاسع

هل يجوز أن يفتي المجتهد باستحباب فعل بلغ عليه الثواب بخبرٍ ضعيف بنحو مطلق أم يجب عليه أن يقيّده بأنه مستحب لمن بلغه الإستحباب؟

توضيحه: كما أن الموضوع في اخبار من بلغ مقيد بمن بلغه الثواب كذلك الفتوي بالإستحباب يجب أن تكون مقيدة بمن بلغه الإستحباب أم لا يجب، بأن المجتهد يجوز له الفتوي بالاستحباب مطلقا.

جواز الفتوي بنحو مطلق له وجوه:

الأول: لا تترتب علي الفتوي بنحو مطلق مفسدة عملية، لأن المقلد إما يطلع علي الفتوي أو لا، فعلي الأول يتحقق موضوع الإستحباب ولو بالدلالة الإلتزامية، وعلي الثاني لا تترتب مفسدة عملية.

وفيه: أن نفس الفتوي بنحوٍ مطلق مفسدة عملية، لأن الفتوي تكون بغير ما أنزل الله، وتوجب إلقاء المكلف في الجهل، مضافاً إلي محذور الكذب.

الثاني: قاعدة الإشتراك في التكاليف.

أما كبري القاعدة فهي ثابتة بأدلة مذكورة في محلها، وأما الصغري فإن ثبت الإستحباب لمن بلغه الثواب كذلك يثبت لمن لم يبلغه بقاعدة الاشتراك.

وفيه: إن القاعدة المذكورة تامة مع وحدة الموضوع، أما مع تعدده فلا اشتراك في الأحكام.

الثالث: ما ذكره الشيخ الأعظم (ره):

أن أخبار من بلغ إنّما دلّت علي جواز العمل بالأخبار الضعيفة في السنن، وهي في مقام الإستحباب بمنزلة الصحاح، وحينئذٍ فلا بأس بنقل المجتهد لمضمونها وهو الإستحباب المطلق فيكون بلوغ الرواية إلي المجتهد عثوراً علي مدرك الحكم لا قيداً لموضوعه.

وفيه: أنه من حيث البناء لا اشكال فيه، وإنما الإشكال في المبني وقد مضي البحث فيه.

الرابع ما ذكره بعض المحققين

من المتأخرين قال:

المتفاهم عرفاً أن موضوع الأدلة واقع الخبر المبلِّغ للثواب لا البلوغ.

وفيه: أن الأصل في العناوين كونها مأخوذة علي نحو الموضوعية لا الطريقية إلا أن تقوم قرينة علي الخلاف، وبناء علي ذلك يكون للبلوغ موضوعية في ثبوت الإستحباب.

الخامس:

المجتهد وإن أفتي بالإستحباب في المقام بنحوٍ مطلق ولكن قوله في الواقع بمعني وجود ما يدل علي الإستحباب لا الفتوي بالاستحباب المطلق، بل إن فتواه إخبار بوجود موضوع يدلّ علي الإستحباب المطلق.

وفيه: أنه خلاف الظاهر، لأن الظاهر من قول المجتهد يستحب فعل كذا، هو الفتوي باستحبابه المطلق لا معناه أن يكون نقل استحبابه المطلق، كما هو الظاهر في فتاواه بالوجوب والحرمة، ولو يكون اللازم العقلي في الإفتاء هو الإخبار.

السادس:

سلمنا أن الموضوع في أخبار من بلغ مقيّد بعنوان البلوغ ولكن القيود المؤخوذة في موضوعات المسائل علي نحوين:

الأول: القيود التي يكفي إتصاف المجتهد بها ولا حاجة إلي إتصاف المقلّد بها.

الثاني: القيود التي يجب تحقّقها في آحاد المكلفين ولا يكفي إتصاف المجتهد بها.

والملاك فيها: أن القيود المأخوذة في المسائل التي تقع وسطاً في إستنباط الأحكام الكلية، يكفي إتصاف المجتهد بها كعنوان اليقين والشك في استصحاب الأحكام الكلية.

وإن لم تقع وسطاً في ذلك، يجب أن تتحقّق القيود في كل فرد من الأفراد كإستصحاب المكلّف في أموره الخاص في الموضوعات الخارجية.

وفيما نحن فيه قاعدة البلوغ لها وسطية في الأحكام الكلية والملاك فيها حال المجتهد فلا مانع بفتوي المجتهد في المقام، إن تمّ هذا فبها وإلا فيمكن التمسك بفهم الفقهاء وسيرتهم، وإلاّ فيجب علي المجتهد أن يقيّد في الفتوي.

****

الفرع العاشر

في شمول أدلة التسامح للمنامات وأفعال الصلحاء

قال السيد الوالد (ره): لا يجري التسامح في مثل المنام وفعل أحد الصلحاء.

أما الشق الأول وهو المنام فظاهر

لأن أدلة التسامح منصرفة عن ذلك وإن فتح هذا الباب يلزم منه تأسيس فقه جديد، وأما الشق الثاني وهو الفعل فلأنه لبيّ لا لسان له ويمكن أن يكون الفعل سبباً لرجاء الثواب لا لبلوغ الثواب وموضوع الأدلة هو البلوغ لا الرجاء.

****

الفرع الحادي عشر

في شمول أدلة التسامح للفتوي التي لم يعرف مستندها.

إن أفتي فقيه بالاستحباب ولم نجد رواية لمستند قوله، فهل يكفي فتواه بالاستحباب لشمول أخبار من بلغ أم لا؟

قال الوالد(ره): لا يبعد شمول دليل التسامح له وذلك مثل ما ذكره ابن الأعسم من آداب شرب الماء في قصيدته، المبنية علي تضمين الروايات فيها بقوله:

لا تعرضن بشربة علي أحد و ان يكن يعرض عليك لا يرد

فإن عدم عرض الماء حين شربه علي أحد لم نعثر علي رواية فيه مع انا فحصنا عنه فحصاً بليغاً وسألنا أهل الإطلاع والفن عنه انتهي.

فعلي هذا يمكن القول بالكراهة إستناداً بقول إبن الأعسم.

****

الفرع الثاني عشر

اذا وردت رواية ضعيفة بالإستحباب وورد دليل معتبر علي عدم إستحبابه فهل يجوز لنا أن نحكم بالإستحباب أم لا؟

هنا قولان:

الأول: عدم الجواز وهو ما يحكي عن السيد المجاهد في مفاتيحه مستدلاً بأن الدليل المعتبر بمنزلة الدليل القطعي فلا بد من إلتزام عدم استحبابه وترتيب آثار عدم الإستحباب عليه كما لو قطع بعدم الإستحباب.

الثاني: الجواز وهو ما استدل له الشيخ الأعظم في ردّ القول الأول.

وخلاصة استدلال الشيخ هو:

أولاً: دليل إعتبار الخبر ينزّل الخبر المعتبر منزلة القطع بلحاظ أثره بأنه ينكشف الواقع به، لا بلحاظ أنه صفة من الصفات النفسانية فلذا لا تترتب آثار القطع بما أنه صفة من الصفات النفسانية علي الخبر المعتبر كما لو نذر أحد أن يصوم مادام قاطعاً بحياة زيد، فزال قطعه بها بدلالة الدليل المعتبر كالإستصحاب أو البيّنة عليها، فإنه لا ينبغي التأمل في عدم وجوب الصوم.

وفيما نحن فيه، لايمكن الحكم باستحباب عملٍ، متفرعٌ علي القطع بعدم الثواب فيه أو عدم استحبابه، لأنه مع القطع لا احتمال وجداني بوجود الثواب وإمكان الحكم بإستحباب عملٍ متفرعٌ علي الإحتمال

عند البلوغ وهذا الإحتمال موضوع للحكم بالإستحباب والإحتمال باقٍ حتّي مع وجود الخبر المعتبر علي الخلاف فلا إشكال في الحكم بالإستحباب.

ثانيا: يقع التعارض بين أخبار من بلغ وأدلة حجية ذلك الدليل المعتبر، ومقتضي القاعدة وإن كان هو التساقط إلاّ أن الأمر لمّا دار بين الإستحباب وغيره، وصدق بلوغ الثواب ولو من جهة أخبار بلوغ الثواب، حكم بالاستحباب تسامحاً.

فما قاله الشيخ الأعظم(ره) محل تأمل من جهتين تنتهيان إلي نتيجتين متضادتين:

الاولي: أنها لا تعارض بين الدليلين، لأن أدلة حجية الخبر تنفي الإستحباب عن الشيء بما له من العنوان الأولي، وأدلة التسامح تثبته بما له من العنوان الثانوي فلا تنافي.

الثانية: أن أدلة التسامح منصرفة عن مقام ورد فيه الخبر المعتبر الذي مفاده علي خلاف ما أفادته أدلة التسامح.

وبعبارة أخري: كما أنها منصرفة عن صورة القطع الوجداني كذلك منصرفة عن صورة القطع التعبدي.

****

الفرع الثالث عشر

هل يشترط في شمول الأخبار تعيين الثواب في الخبر الضعيف أم لا؟

قال في المنتقي:

ظاهر النصوص بملاحظة تنكير الثواب فيها هو كون الموضوع بلوغ ثواب خاص من حيث الكمية أو النوعية، أما بلوغ ترتب أصل الثواب فلا أثر له.

وفيه تأمل من جهات:

الأولي: إن كلمة الثواب ليست بصيغة النكرة في بعض الأخبار كرواية المحاسن «من بلغه عن النبي صلي الله عليه وآله شيء من الثواب … » والثواب مطلق سواء كان معيناً أم لا، مضافاً إلي أن هذه الكلمة ليست واردة في بعض الأخبار كرواية الإقبال: «من بلغه شيء من الخير».

إن قلت: الروايات المطلقة تقيد بروايات المقيدة التي فيها كلمة الثواب.

قلت: إنهما من مصاديق المثبتين والمثبتان أحدهما لا يقيّد الآخر في مثل المقام.

وإن قلت: الروايات المذكورة ضعيفة كخبر المحاسن والإقبال.

قلت: يمكن أن تكون الروايات الضعيفة مشمولة للروايات الصحيحة

في الباب كرواية هشام، فتأمل.

الثانية: إن كلمة الثواب اسم جنس نكرة والاسم الجنس إما منون أو مضاف أو مصحوب بأل، وذاتاً لا يدل إلاّ علي الماهية، ومع التنوين يدل علي فردٍ من الطبيعة أو يدل علي الطبيعة المنتشرة ولا يدل علي التعيين ويمكن أن يدّعي أن التنكير مقابل للتعيين.

الثالثة: لا خصوصية لتعيين الثواب، وما يفهم عرفاً من ظاهر الأخبار الحثّ علي إدراك ما يحتمل كونه خيراً ولا فرق في ذلك بين أن يكون الثواب البالغ معيناً أم لا.

الرابعة: عمل الفقهاء علي التعميم إن قلنا بحجية فهمهم.

فما أفاده المنتقي محل تأمل.

****

الفرع الرابع عشر

إذا تعارض الخبران الضعيفان أحدهما يدل علي الإستحباب والآخر علي الكراهة فما هو الحكم في شمول أدلة التسامح في المقام؟

هذا البحث يتم علي مبني شمولية أدلة التسامح لأخبار الكراهة وإلا فوجود الخبر الضعيف في الكراهة كالعدم ولا تعارض في المقام.

هنا قولان:

الأول للمحقق الإصفهاني قال:

يقع التنافي بين الروايتين فلا يعمّهما الدليل العام.

الثاني ما ذكره الوالد(ره) قال:

لم يبعد صحة العمل بأيّ منهما من باب التسامح.

يمكن أن يقال: إن الخلاف في المسأله مبنيٌ علي أمرين:

أحدهما يتعلق بعالم الثبوت والآخر بعالم الإثبات، أما الأول في أن الأدلة هل يمكن ان تشمل المتناقضين أو المتضادين في عالم الثبوت أو أن الشمول وإعطاء الحجية للمتناقضين غير معقول؟

والثاني: سلمنا بأن الأدلة تشملهما في عالم الثبوت ولكن ما هو الحكم في عالم الإثبات بين المتناقضين أو المتضادين، فهل نحكم بالتساقط أو بالتخيير؟

قال الشيخ الأعظم(ره) في باب التعادل والتراجيح: المشهور وهو الذي عليه جمهور المجتهدين، التخيير عند التعارض وفقد المرجح للأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة عليه.

فعليه: الفقيه مخيّر في الفتوي بين الإستحباب والكراهة.

ولذا إن حلّت المشكلة في عالم الثبوت والإثبات يمكن الإفتاء بأحدهما وتنقيح

البحث في الأمرين موكول إلي مباحث التعادل والتراجيح.

****

الفرع الخامس عشر

هل يجري التسامح في الدلالة كما يجري في السند أم لا؟

ذهب بعض إلي جريان ذلك ولم يقبله الشيخ الأعظم، فقال: بأن الاخبار مختصة بصورة بلوغ الثواب ولا بلوغ مع ضعف الدلالة.

والظاهر أن ما قاله الشيخ الأعظم تام.

****

الفرع السادس عشر

المدار في صدق البلوغ هو ظهور اللفظ وجوداً وعدماً.

قال المحقق العراقي في نهاية الأفكار:

لا إشكال في أنه يعتبر في صدق البلوغ ظهور اللفظ في المعني المراد وإلافلا يصدق عنوان البلوغ انتهي.

فتتفرّع علي كلامه فروع:

الأول: اللفظ إن كان مجملاً فلا ظهور له ولا يتحقق البلوغ بذلك.

الثاني: يعتبر في صدق البلوغ عدم إتصال الكلام بما يوجب سلب ظهوره من القرائن الحافة.

الثالث: لا اعتبار بقيام القرائن المنفصلة علي الخلاف لأنها لاتوجب انثلاماً لظهور الكلام كالقرائن المتصلة، وإنما غاية اقتضائها هو المنع عن حجيته خاصة مع بقاء اصل ظهوره علي حاله.

فلو قام خبر ضعيف علي إستحباب إكرام العلماء وقام خبر آخر علي عدم إستحباب إكرام النحويين منهم أو كراهته، فيجري فيه التسامح ويحكم بإستحباب إكرام الجميع نظراً إلي تحقّق موضوعه وهو البلوغ بعد عدم إنثلام ظهوره في العموم بواسطة ذاك الخاص المنفصل.

وفيه: أنه لا فرق في ذلك بين القرينة المتّصلة والمنفصلة، لأن الملاك في صدق البلوغ أو المنصرف منه هو تطابق الإرادة الإستعمالية مع الإرادة الجدّية ومع وجود القرينة المنفصلة لا تتطابقا الإرادتين فلا يصدق عنوان البلوغ في مورد الخلاف.

****

الفرع السابع عشر

هل تشمل أدلة التسامح الخبر الضعيف المتكفّل للاباحة أم لا؟

قال الوالد(ره): لا يبعد الشمول، لما ورد: «من ان الله يحبّ أن يؤخذ برخصه، كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه» فإذا أباح خبر ضعيف شيئاً وكان الأصل علي إباحته وعمله المكلّف رجاء محبوبيته عندالله من باب الأخذ برخصه أثيب، لأن ما هو محبوب عندالله سبحانه وتعالي مثاب عليه انتهي.

وهنا بحثان:

الأول: في سند رواية «ان الله يحب أن يؤخذ برخصه … » قال صاحب مصباح المنهاج انها مرسلة وما قاله محل تأمل لأنها مسندة والسند مذكور في خاتمة كتاب الوسائل وهو:

السيد المرتضي

في رسالة المحكم والمتشابه قال: قال شيخنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم ابن جعفر النعماني في كتابه (تفسير القرآن) عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي عن إسماعيل بن مهران عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه علي بن أبي حمزة عن إسماعيل بن جابر الجعفي قال: سألت ابا عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، يقول … الخ.

ولكن السند غير معتبر للكلام في الحسن بن علي بن أبي حمزه وأبيه علي بن أبي حمزه.

إلا أن يقال: إن الخبر يكون معتبراً لأنه مشمول لأدلة التسامح، فعلي هذا الخبر يفيد محبوبية الأخذ بالرخص والمحبوبية ملازمة للاستحباب بالظهور العرفي.

فلو اجتنب شخص للإحتياط وشملته أدلة الإحتياط والإجتناب محبوب بداعي الإحتياط فيتزاحم بينهما.

الثاني: لا يلزم في المقام لإفادة الإباحة وجود الخبر الضعيف لأن إصالة الإباحة تفيد الإباحة ولو لم يكن هنا خبر ضعيف.

****

الفرع الثامن عشر

هل يجوز للمقلّد الأخذ بقاعدة التسامح بنفسه أم لا؟

قال الوالد(ره): يجوز للمقلّد إذا كان فاضلاً في العلم الأخذ بقاعدة التسامح فيما لم يفت فيه مجتهده بشيء أو أفتي مجتهده بعدم الحرمة.

وهنا توضيح: فإن قاعدة التسامح من المسائل الأصولية التي تقع واسطة في طريق استنباط الأحكام الكلية، وأخذ المقلد بها موقوف علي قطعه باجتماع جميع الشرائط وانتفاء جميع الموانع، وهذا عادة يحصل بالإجتهاد. نعم إذا قطع العامي بإجتماع جميع الشرائط والحدود وإرتفاع الموانع يجوز له الأخذ بالقاعدة والحكم بالاستحباب.

****

الفرع التاسع عشر

في الشهادة الثالثة في التشهد

ورد في بعض الأخبار استحباب الشهادة الثالثة في التشهد علي تفصيل:

منها: ما في فقه الرضا عليه السلام: … فإذا صليت الركعة الرابعة فقل في تشهدك بسم الله وبالله … أشهد أنك نعم الرّب وأن محمّداً نعم الرّسول وأن عليّاً نعم المولي … الخ.

وفي المستدرك: … وان علي بن أبي طالب نعم المولي … الخ.

فهل يمكن القول بجريان قاعدة التسامح فيها؟

هنا يمكن أن يطرح إشكال وهو: أن الشهادة الثالثة كلام آدمي وليست بذكر او دعاء او قرآن فهي مبطلة للصلاة.

ويدفع الاشكال بأجوبة:

الأول: إن أدلة مبطلية كلام الآدمي منصرفة عن الشهادة، منها صحيحة الحلبي: في الرجل يصيبه الرعاف قال: إن لم يقدر علي ماءٍ حتّي ينصرف لوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته.

ومنها صحيحة محمد بن مسلم: إن تكلم فليعد صلوته ومنها صحيحة فضيل: إبن علي ما مضي من صلوتك ما لم تنقض الصلوة بالكلام متعمّداً.

ويؤيّد ما ذكرنا: أن من أدلّة استثناء الذكر والقرآن من كلام الآدمي هو الإنصراف.

الثاني: وهو متوقف علي ثلاث مقدمات:

الاولي: الشهادة بالنبوة ذكرُ للنبي صلي الله عليه وآله.

الثانية: ذكر النبي صلي الله عليه وآله جائز في الصلوة.

الثالثة: كلّما ثبت للنبي الأكرم صلي

الله عليه وآله فهو ثابت لأميرالمؤمنين عليه السلام.

أما المقدمة الأولي فيثبتها الوجدان.

وأما المقدمة الثانية فدليلها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام انه قال: كلما ذكرت الله عزوجل به والنبي صلي الله عليه وآله فهو من الصلاة.

وأما المقدمة الثالثة فتثبتها بعض الآيات والروايات منها آية المباهلة «و أنفسنا وأنفسكم» ومفادها أن كلما ثبت للنبي صلي الله عليه وآله فهو ثابت للأمير عليه السلام إلا ما خرج بالدليل.

الثالث: هناك روايات كثيرة تدلّ بالدلالة المطابقية أو الإلتزامية علي محبوبية الاقتران بين الشهادة بالتوحيد والرسالة والولاية ويمكن أن يدّعي بأنها متواترة إجمالاً بل معنيً.

منها: ما روي القاسم بن معاوية قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما أسري برسول الله رأي علي العرش مكتوبا لا إله إلا الله، محمّد رسول الله أبو بكر الصديق، فقال: «سبحان الله غيروا كل شي ء حتّي هذا» قلت: نعم. قال: «إن الله عز وجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الماء كتب في مجراه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الكرسي كتب علي قوائمه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل اللوح كتب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله إسرافيل كتب علي جبهته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولما خلق الله جبرئيل كتب علي جناحيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل السماوات كتب

في أكنافها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الأرضين كتب في أطباقها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الجبال كتب في رؤسها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الشمس كتب عليها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل القمر كتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله، محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين عليه السّلام .

منها: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله : لما عرج بي إلي السماء وعرضت عليّ الجنة وجدت علي أوراق (شجرة) الجنة مكتوبا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب وليّ الله، الحسن والحسين صفوة الله (عليهم صلوات الله).

منها: عن علي عليه السّلام قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله : أتاني جبرئيل وقد نشر جناحيه فإذا فيها مكتوب: (لا إله إلا الله، محمد النبي) ومكتوب علي الآخر: لا إله إلا الله علي الوصي.

منها: عن جابر الأنصاري قال رسول الله صلّي الله عليه وآله : ليلة أسري بي إلي السماء أمر بعرض الجنة والنار علي، فرأيتهما جميعا، رأيت الجنة وألوان نعيمها، ورأيت النار وألوان عذابها، وعلي كلّ باب من أبواب الجنة الثمانية: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليّ ولي الله.

منها: عن علي عليه السّلام قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله : أتاني جبرئيل وقد نشر جناحيه فإذا فيها

مكتوب: (لا إله إلا الله، محمّد النبي) ومكتوب علي الآخر: لا إله إلا الله، علي الوصي.

منها: عن الصدوق عن ماجيلويه عن محمد العطار عن الأشعري عن ابن يزيد عن ابن فضال عن مروان بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: مسطور بخط جلي (جليل) حول العرش: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين.

منها: عن الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن أبيه عن أحمد بن النضر عن ابن شمر عن جابر عن جابر الأنصاري قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله : ما بال أقوام يلومونني في محبتي لأخي علي بن أبي طالب؟ فو الذي بعثني بالحق نبيا ما أحببته حتي أمرني ربّي جل جلاله بمحبته، ثم قال: ما بال أقوام يلومونني في تقديمي لعلي بن أبي طالب؟ فو عزة ربي ما قدمته حتي أمرني عز إسمه بتقديمه وجعله أمير المؤمنين وأمير أمتي وإمامها، أيها الناس إنه لما عرج بي إلي السماء السابعة وجدت علي كل باب سماء مكتوبا: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين) ولما صرت إلي حجب النور رأيت علي كل حجاب مكتوبا (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين) ولما صرت إلي العرش وجدت علي كل ركن من أركانه مكتوبا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين.

منها: في تفسير القمّي عند ذكر الآية «و إليه الكلم الطيب» قال:

وعن الصادق عليه السّلام أنه قال: الكلم الطيب قول المؤمن «لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله وخليفة رسول الله».

منها: ما عن الأمالي للصدوق: أحمد

بن محمد الخليلي، عن محمد بن أبي بكر الفقيه، عن أحمد بن محمد النوفلي، عن إسحاق بن يزيد، عن حماد بن عيسي، عن زرعة بن محمد، عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السّلام : كيف كان ولادة فاطمة عليها السلام ؟ فقال: … فوضعت فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلي الأرض أشرق منها النور حتي دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة وإبريق من الجنة وفي الإبريق ماء من الكوثر فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن وأطيب ريحا من المسك والعنبر فلفتها بواحدة وقنعتها بالثانية ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء وأن بعلي سيد الأوصياء وولدي سادة الأسباط.

منها: ما عن إكمال الدين: ابن إدريس عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن إبراهيم الكوفي، عن محمد بن عبد الله المطهري قال: قصدت حكيمة بنت محمد عليها السلام بعد مضي أبي محمد عليه السّلام أسألها عن الحجة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي فيها فقالت لي: … (و قد ذكرت قصة ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، إلي أن قالت) حتي إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت (نرجس) فزعة فضممتها إلي صدري وسميت عليها فصاح أبو محمد عليه السّلام وقال: اقرئي عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر الأمر

الذي أخبرك به مولاي فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ وسلم علي قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت فصاح بي أبو محمد عليه السّلام لا تعجبي من أمر الله عز وجل إن الله تبارك وتعالي ينطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في أرضه كبارا فلم يستتم الكلام حتي غيبت عني نرجس فلم أرها كأنه ضرب بيني وبينها حجاب فعدوت نحو أبي محمد عليه السّلام وأنا صارخة فقال لي: ارجعي يا عمة فإنك ستجديها في مكانها قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري وإذا أنا بالصبي عليه السّلام ساجدا علي وجهه جاثيا علي ركبتيه رافعا سبابتيه نحو السماء وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن جدي رسول الله صلّي الله عليه وآله وأن أبي أمير المؤمنين ثم عدّ إماما إماما إلي أن بلغ إلي نفسه، فقال عليه السّلام : اللهم أنجز لي وعدي وأتمم لي أمري وثبّت وطأتي واملأ الأرض بي عدلا وقسطا.

منها: ما عن الخصال: علي بن الفضل البغدادي، عن أبي الحسن علي بن إبراهيم، عن غالب بن حارث الضبي ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن يحيي بن سالم ابن عم الحسن بن صالح وكان يفضل علي الحسن بن صالح عن مسعر، عن عطية، عن جابر قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله مكتوب علي باب الجنة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليّ أخو رسول الله قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام.

منها: ما عن الفضائل، الروضة: بالإسناد يرفعه إلي عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله

صلّي الله عليه وآله : لما أسري بي إلي السماء قال لي جبرئيل عليه السّلام : قد أمرت الجنة والنار أن تعرض عليك قال: فرأيت الجنة وما فيها من النعيم، ورأيت النار وما فيها من العذاب، والجنة فيها ثمانية أبواب، علي كل باب منها أربع كلمات، كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن يعلم ويعمل بها، وللنّار سبعة أبواب، علي كل باب منها ثلاث كلمات، كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن يعلم ويعمل بها، فقال لي جبرئيل عليه السّلام : إقرأ يا محمّد ما علي الأبواب فقرأت ذلك، أما أبواب الجنة فعلي أول باب منها مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، لكل شي ء حيلة وحيلة العيش أربع خصال: القناعة، وبذل الحق، وترك الحقد، ومجالسة أهل الخير. وعلي الباب الثاني مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، لكل شي ء حيلة وحيلة السرور في الآخرة أربع خصال: مسح رءوس اليتامي، والتعطف علي الأرامل، والسعي في حوائج المؤمنين، والتفقد للفقراء والمساكين. وعلي الباب الثالث مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، لكل شي ء حيلة وحيلة الصحة في الدنيا أربع خصال: قلة الكلام، وقلة المنام، وقلة المشي، وقلة الطعام. وعلي الباب الرابع مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم والديه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يسكت. وعلي الباب الخامس مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، من أراد

أن لا يظلم فلا يظلم، ومن أراد أن لا يشتم فلا يشتم، ومن أراد أن لا يذل فلا يذل، ومن أراد أن يستمسك بالعروة الوثقي في الدنيا والآخرة فليقل: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله. وعلي الباب السادس مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، من أراد أن يكون قبره وسيعا فسيحا فليبن المساجد، ومن أراد أن لا تأكله الديدان تحت الأرض فليسكن المساجد، ومن أحب أن يكون طريا مطرا لا يبلي فليكنس المساجد، ومن أحب أن يري موضعه في الجنة فليكس المساجد بالبسط. وعلي الباب السابع مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، بياض القلب في أربع خصال: عيادة المريض، واتباع الجنائز، وشراء الأكفان، ورد القرض وعلي الباب الثامن مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، من أراد الدخول من هذه الأبواب فليتمسك بأربع خصال: السخاء، وحسن الخلق، والصدقة، والكف عن أذي عباد الله تعالي … الخ.

منها: ما عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد قال: سمعت يونس بن يعقوب، عن سنان بن طريف، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام يقول: قال: إنّا أوّل أهل بيت نوّه اللَّه بأسمائنا إنّه لمّا خلق السّماوات والأرض أمر مناديا فنادي أشهد أن لا إله إلاّ اللَّه ثلاثاً أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه ثلاثاً أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً ثلاثاً .

منها: ما عن تفسير علي بن ابراهيم: الحسين بن محمد عن المعلي عن بسطام بن مرة عن إسحاق بن حسان عن الهيثم بن واقد عن علي بن الحسين العبدي عن سعد الإسكاف عن الأصبغ أنه سأل أمير المؤمنين عليه السّلام

عن قول الله عز وجل: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي) فقال: مكتوب علي قائمة العرش قبل أن يخلق الله السماوات والأرضين بألفي عام: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمّدا عبده ورسوله، فاشهدوا بهما، وأن عليّاً وصي محمّدٍ صلي الله عليهما.

منها: ما عن قصص الأنبياء عليهم السلام: المرتضي بن الداعي عن جعفر الدورويستي عن أبيه عن الصدوق عن الحسين بن محمد بن سعيد عن فرات بن إبراهيم عن الحسن بن الحسين عن إبراهيم بن الفضل عن الحسن بن علي الزعفراني عن سهل بن سنان عن أبي جعفر بن محمد الطائفي عن محمد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق عن الواقدي عن الهذيل عن مكحول عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله : لما أن خلق الله تعالي آدم وقفه بين يديه فعطس فألهمه الله أن حمده. فقال: يا آدم أحمدتني، فو عزتي وجلالي لو لا عبدان أريد أن أخلقهما في آخر الزمان ما خلقتك. قال آدم: يا ربّ بقدرهم عندك ما اسمهم؟ فقال تعالي: يا آدم انظر نحو العرش، فإذا بسطرين من نور أول السطر: لا إله إلا الله محمد نبي الرحمة وعلي مفتاح الجنة، السطر الثاني: آليت علي نفسي أن أرحم من والاهما، وأعذب من عاداهما.

منها: ما عن الكفاية: محمد بن عبد الله الشيباني رحمه الله، عن جابر بن يحيي العبرتائي الكاتب، عن يعقوب بن إسحاق، عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله : لما عرج بي إلي السماء رأيت علي ساق العرش مكتوبا: لا إله

إلا الله محمد رسول الله صلّي الله عليه وآله أيدته بعلي ونصرته به.

منها: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله : لما عرج بي إلي السماء نظرت إلي (علي) ساق العرش فإذا هو مكتوب بالنور: لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته بعلي ورأيت أحد عشر إسما مكتوبا بالنور علي ساق العرش بعد علي: الحسن والحسين عليا عليا عليا ومحمدا محمدا وجعفرا وموسي والحسن والحجة، قلت: إلهي وسيدي من هؤلاء الذين أكرمتهم وقرنت أسماءهم باسمك؟ فنوديت: يا محمد هم الأوصياء بعدك والأئمة، فطوبي لمحبيهم والويل لمبغضيهم.

منها: ما عن الكفاية: محمد بن عبد الله، عن عيسي بن القراد الكبير، عن محمد بن عبد الله بن عمر بن مسلم، عن محمد بن عمارة السكري، عن إبراهيم بن عاصم، عن عبد الله بن هارون الكرخي، عن أحمد بن عبد الله بن يزيد بن سلامة، عن حذيفة بن اليمان قال: فقلت: يا رسول الله علي من تخلفنا؟ قال: علي من خلف موسي بن عمران قومه؟ قلت: علي وصيّه يوشع بن نون، قال: فإن وصيي وخليفتي من بعدي علي بن أبي طالب، قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله. قلت: يا رسول الله فكم يكون الأئمة من بعدك قال: عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين، أعطاهم الله علمي وفهمي، وهم خزان علم الله ومعادن وحيه قلت: أ فلا تسميهم لي يا رسول الله؟ قال: نعم إنه لما عرج بي إلي السماء ونظرت إلي ساق العرش فرأيت مكتوبا بالنور: لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به، ورأيت أنوار الحسن والحسين وفاطمة، ورأيت في ثلاثة مواضع: عليا عليا عليا ومحمدا

محمدا وجعفرا وموسي والحسن والحجة يتلألأ من بينهم كأنه كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ.

منها: ما عن الكفاية: أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن العياشي، عن جده عبيد الله، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أحمد بن عبد الرحمن المخزومي، عن عمر بن حماد، عن علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه، عن أبي سعيد التميمي، عن أبي ثابت مولي أبي ذر، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله : لما أسري بي إلي السماء نظرت فإذا مكتوب علي العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته بعلي، ورأيت أنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وأنوار علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ورأيت نور الحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري، فقلت: يا رب من هذا ومن هؤلاء؟ فنوديت: يا محمد هذا نور علي وفاطمة، وهذا نور سبطيك الحسن والحسين، وهذه أنوار الأئمة بعدك من ولد الحسين، مطهرون معصومون، وهذا الحجة الذي يملأ الدنيا قسطا وعدلا.

منها: ما عن الأمالي للصدوق: الهمداني عن علي بن إبراهيم عن جعفر بن سلمة عن الثقفي عن الضبي عن عبد الواحد بن أبي عمرو عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلّي الله عليه وآله قال: مكتوب علي العرش: أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعلي.

***

وقد اشكل عليه: بأن هذه العمومات معارضة لعمومات مبطلية كلام الآدمي علي نحو العموم من وجه وفي تعارض الدليل الإقتضائي مع الدليل اللااقتضائي فيقدّم الدليل الاقتضائي.

ويمكن أن يجاب عنه: بأنّ عمومات

محبوبية اقتران الشهادات الثلاثة مع ملاحظة كلّ الروايات علي كثرتها، آبية عن التخصيص ولا يمكن القول بالتخصيص عرفاً بأن نقول، اقتران الشهادات الثلاثة محبوب عندالله سبحانه وتعالي إلا في الصلوة بل هو مبغوض ومحرّم!

وهذا الإدعاء لا يجيء في عمومات مبطلية كلام الآدمي لأنها قد خصّصت بالفعل في ردّ التحية حيث إنه واجب ولو في الصلوة مع أنها كلام آدمي.

الرابع: وهو مركب من صغري وكبري.

أما الصغري فهي أن ذكر أهل البيت عليهم السلام ذكر الله تعالي.

والكبري أن ذكر الله جائز في الصلوة.

والكبري ثابتة بروايات متعددة بعضها معتبر، وقد أفتي بذلك الفقهاء.

وأما الصغري فتدل عليها جملة من الروايات.

منها ما رواه صاحب الوسائل عن الكليني عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعه عن وهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السّلام قال:

ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكر الله عزوجل ولم يذكرونا إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة ثم قال: قال أبوجعفر عليه السّلام : إن ذكرنا من ذكر الله وذكر عدوّنا من ذكر الشيطان.

وغيره من الروايات المتضمن بهذا المعني.

لا يقال: إن مفاد هذه الروايات الحكومة والتي تدل علي التنزيل والذي يكون بلحاظ أظهر الآثار أو الآثار الظاهرة لاكلّ الآثار.

فإنه يقال: لحن الدليل في هذه المقامات إما أن يكون بنحو التنزيل وإما أن يكون بنحو بيان المصداق الواقعي للموضوع، والظاهر من الرواية المذكورة هو الثاني فكل حكم يترتب علي ذكر الله تعالي يترتب علي ذكر أهل البيت عليهم السّلام .

ويؤيّد القول بالجواز: فتاوي بعض الفقهاء وما حكي عنهم في جواز ذلك.

منهم صاحب الجواهر قال: لو قرء المروي عن فقه الرضا عليه السّلام علي طوله وزياداته علي خبر أبي بصير لم

يكن به بأس.

والوالد في الفقه والسلار في المراسم والمجلسي في كتاب فقهه باللغة الفارسية والنراقي في المستند والمحدث النوري في أبواب التشهد وعلي بن بابويه في الفقه الرضوي.

الفرع العشرون

إن ثبت استحباب شيء بأدلة التسامح فهل يكون مستحباً كسائر المستحبّات الواقعية في تمام الآثار أم لا؟

فلو ثبت إستحباب غسل بأدلة من بلغ، هل يكون كسائر الأغسال المستحبة التي ذهب جمع من الفقهاء إلي اجزائها عن الوضوء أم لا؟

قال السبزواري في التهذيب: وجهان بل قولان. أحوطهما الثاني لعدم ورود الأدلة في مقام البيان من هذه الجهة.

وفيه تأمل: لأنّ وزان المستحبات الثابتة بأدلة التسامح وزان المستحبات الثابتة بالأخبار المعتبرة والمقام لا ربط له بمسألة الإطلاق وعدمه لانّنا أثبتنا الموضوع بأخبار من بلغ.

****

الفرع الحادي والعشرون

إذا كانت الأخبار الضعيفة متضمنة لأفضلية مستحب علي مستحب آخر، فهل يجوز لنا أن نحكم بأفضليته بأدلة التسامح أم لا؟

ذهب الشيخ الأعظم إلي جواز ذلك مستدلاّ بأن مرجع أفضلية أحدهما إلي إستحباب تقديم الفاضل علي المفضول في الإختيار عند التعارض فتشمله الأخبار إنتهي.

ففي بعض الروايات ما يدلّ علي أفضلية زيارة الإمام الرضا عليه السّلام علي زيارة بيت الله الحرام فعند التزاحم، تقديم الأول علي الثاني محبوب عند الله تعالي فتشمله الأخبار.

مضافاً إلي أنه لا فرق عرفاً في شمول أخبار من بلغ بين أن يكون الخبر متضمناً لأصل المحبوبية أو متضمناً لدرجات المحبوبية فنلغي الخصوصية في الأخبار ونقول: إن هذا أفضل من ذاك عند التزاحم.

هذا تمام الكلام في البحث عن هذه القاعدة.

والحمد لله رب العالمين وصلّي الله علي محمد وآله الطاهرين ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين.

قم المقدسة

پي نوشتها

10 / ذوالقعدة الحرام / 1427 ه. ق

. وسائل الشيعة: ج1/ 80/ أبواب مقدمة العبادات/ باب 18.

. وسائل الشيعة: ج1/80 / باب18/ ح1.

. وسائل الشيعة: ج1/81 / باب18/ ح3.

. وسائل الشيعة: ج1/81 و 82/ باب18/ ح6.

. رسالة التسامح: / 11.

. كفاية الأصول: ص 353.

. الإتيان بالعمل بداعي احتمال المحبوبية عند المولي يقال له الإنقياد.

. فوائد الأصول: ج 3 / 412.

. الكافي: ج6/ 489 وثواب الأعمال: 22.

. الاستبصار: ج1/ 361 وتهذيب الأحكام ج2/ 155.

. منتقي الأصول: ج 4 / 519.

. نهاية الدراية ج 4/ 176.

. الكفاية: 352.

. وسائل الشيعة: ج1/81 / باب18/ ح4.

. وسائل الشيعة: ج1/82 / باب18/ ح7.

. المذكورة في أول البحث.

. كفاية الاصول / 353.

. نهاية الدراية ج 4 / 180.

. أجود التقريرات 3 / 364.

. نهاية الدراية ج 4 / 180.

. منتقي الاصول ج 4 / 525.

. سورة

الأنعام: 160.

. فرائد الأصول: ج 2 / 158.

. درر الفوائد: 136.

. الطهارة: 121.

. وسائل الشيعة: ابواب الوضوء/ باب 21 /ح 2 /ج 1 / 48.

. الفقه ج 8 / 316.

. البقرة: 222.

. وسائل الشيعة: ج1/ 372/ باب4 من ابواب الوضوء/ ح1.

. فوائد الاصول ج 3 / 413.

. فوائد الأصول ج 3 / 413 – 414.

. الحجرات: 6.

. وسائل الشيعة: ج1/ 81/ باب 18/ ح3.

. وسائل الشيعة: ج27/ 150/ باب11 من ابواب صفات القاضي/ ح42.

. وسائل الشيعة: ج27/ 138/ باب11 من ابواب صفات القاضي/ ح4.

. الدراسات 3 / 197.

. مقباس الهداية: 38.

. وسائل الشيعة: ج1/ 81/ باب18/ ح3.

. منتقي الأصول: ج 4 / 531.

. وسائل الشيعة: ج1/ 81/ باب18/ ح3.

. وسائل الشيعة: ج1/ 81/ باب18/ ح6.

. منتقي الاصول ج 4 / 536.

. تهذيب الاصول 2 / 172.

. رسالة قاعدة التسامح: 160.

. جواهر الكلام ج 1 / 20.

. جواهر الكلام ج1/ ص 81.

. الأعراف: 28.

. الأسراء: 26.

. رسالة قاعدة التسامح: 158.

. العروة الوثقي: ج3/ 552.

. الفقه: ج 34 / 205.

. البداية: ص 29.

. نقلاً عن الأوثق ص 304.

. التهذيب ج 2 / 172.

. حاشية المشكيني ج 4 / 126.

. نقلاً عن الأوثق / 303.

. وسائل الشيعة: باب 11 من ابواب صفات القاضي ح 42 ج 27 / 150.

. جامع الرواة: 2 / 520.

. وسائل الشيعة ج 27 / 30.

. الكافي ج 2 / 402.

. الكافي ج 1 / 399.

. الكافي ج 1 / 399.

. الكافي: ج 1 / 399 400.

. وسائل الشيعة ج 27 / 71 72.

. وسائل الشيعة ج 27 / 72.

. وسائل الشيعة ج 27 / 74.

. وسائل الشيعة ج 27 / 74 75.

. وسائل

الشيعة ج 27 / 75.

. وسائل الشيعة ج 27 / 76.

. وسائل الشيعة ج 27 / 128.

. وسائل الشيعة: ج 27 / 129.

. وسائل الشيعة: ج 27 / 129.

. النهاية 4 / 191.

. منتقي الأصول: ج 4/ 533.

. العروة الوثقي: ج1/ 366.

. الوصائل إلي الرسائل: 8 / 74.

. رسالة قاعدة التسامح: 161.

. الوصائل: ج 8 / 72.

. الوصائل: ج 8 / ص 70.

. مفاتيح الاصول: 350، التنبيه السابع.

. رسالة قاعدة التسامح: 164.

. منتقي الأصول: ج 4 / 532.

. وسائل الشيعة: ج1/ 81/ باب 18/ ح3.

. إقبال الأعمال: ج3/ 47.

. الوصائل: ج 8 / 72.

. فرائد الأصول: ج4/ 39.

. رسالة قاعدة التسامح: 170.

. نهاية الأفكار: 3 / 283.

. الوصائل ج 8/ 68.

. وسائل الشيعة ج 1 / 108 وج 16 / 232.

. مصباح المنهاج: 3 / 486.

. ان قيل: ان نقل السيد المرتضي عن النعماني لم يكن مباشراً لان ولادة المرتضي متأخرة عن وفاة النعماني بخمس سنوات، فيعود اشكال الإرسال.

فيقال: بما ان نقل السيد عن النعماني مسند إلي تفسيره، فاحتمال وصوله إليه بالحسّ كاف في جريان اصالة الحس، كما ذكره الشيخ الأنصاري رحمه الله تعالي فيمن أخبر بالمطر مع احتمال كون الخبر عن حس أو حدس.

بل مع فرض احراز كونه حدسيا، فإنه غير مضر بالاسناد فمثل هذا الأمر الذي يحتاج إلي خبرة، يكون حدس الخبير فيه حجة كما لايخفي.

. خاتمة وسائل الشيعة: ج30/ 144.

. الوصائل ج 8 / 70.

. فقه الرضا عليه السلام: 108.

. مستدرك الوسائل: ج 5 / 6.

. وسائل الشيعة، أبواب القواطع من كتاب الصلوة، باب 25، ح 6.

. وسائل الشيعة، أبواب القواطع من كتاب الصلوة، باب 25، ح 7.

. وسائل الشيعة، أبواب القواطع

من كتاب الصلوة، باب 25، ح 5.

. وسائل كتاب الصلوة ابواب القواطع: ب 13 ح 2.

. آل عمران: 61.

. الإحتجاج للشيخ الطبرسي، ج 1 / 230 231.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 27 8.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 27 ص 9، كشف الغمة: 87.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 27 ص 10 11.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 27 ص 9، كشف الغمه: 100.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 27 ص 11 12، المختصر: 139.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 27 ص 12، المختصر: 146.

. تفسيرالقمي علي بن ابراهيم القمي ج 2 ص 208، التفسير الصافي: ج 4 / 233.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 43 ص 2، 3.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 5 ص 11 13.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 8 ص 131.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 8 ص 144 145.

. في نسخة: فليكنس المساجد.

. في نسخة فليسكن المساجد.

. جمع البساط: ضرب من الطنافس.

. في نسخة: فليستمسك بأربع خصال.

. الكافي الشيخ الكليني ج 1 ص 441.

. أي رفع الله ذكرنا بين المخلوقات.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 27 ص 5، عن تفسير القمي: 721 722.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 27 ص 6.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 36 ص 310.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 36 ص 325 326.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 36 ص 331 332.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 36 ص 348، كفاية الاثر: 25.

. بحارالأنوار العلامة المجلسي ج 27 ص 2، أمالي الصدوق: 130.

. جواهر الكلام: ج 10 / 277

. الفقه: ج 22 / 75.

. المراسم: ص 73.

. كتاب فقه المجلسي (باللغة الفارسية): ص 31.

. مستند الشيعة: ج 5 / 334 336.

. مستدرك الوسائل: باب 2 ج 5 ح 6.

.

فقه الرضا عليه السلام: ص 108.

. تهذيب الأصول: ج 2 / 171.

. قاعدة التسامح: 171.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.