من خطي الأولياء

اشارة

اسم الكتاب: من خطي الأولياء

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيرون لبنان

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ

لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَي فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

وَفِي الآَخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ

ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

صدق الله العلي العظيم

سورة يونس: 62- 64

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد خير الوري أجمعين وعلي آله الطيبين الطاهرين.

إعلم أنّ في الإنسان حباً فطرياً للكمال المطلق، وهو دائماً يحاول الوصول لذلك الكمال. وهذا الحب وهذه النزعة مما يستحيل أنْ تفارق الإنسان تماماً، وذلك الكمال المطلق هو الحق جل وعلا. وجميع بني البشر يبحثون عنه، وإليه تهفو قلوبهم ولكنهم لا يعلمون ذلك؛ لأنّهم محجوبون بحجب كثيرة.

ونتيجة هذا النداء الفطري الكامن بالأعماق ينطلق الإنسان في رحاب هذه الدنيا باحثاً عن ضالته المنشودة، ولكنه يتوهم ويطلب أشياء أُخري غير هذا الكمال المقصود.

فمن توهم أنّ الكمال هو القدرة والسعي إليها والي السلطة مثلاً تراهم لا يقنعون بتحقيق أي مرتبة منها، ولا يقنعون بالحصول علي أي جمال أو قدرة أو مكانة فهم دائماً يشعرون أنهم لا يجدون رغم ذلك كله ضالتهم المنشودة؛ لأنّهم لو أعطوا حق التصرف في جميع العالم المادي بل بكل ما فوقه ثم قيل لهم: إنّ هناك قدرة فوق هذه القدرة أو أن هناك عالماً آخر فوق هذا العالم، فهل تريدون الوصول إليه؟ فإن من المحال أنْ لا يتمنون ذلك، ويحاولون الوصول إليه.

وهكذا كل أفراد الجنس البشري مهما تكن مهنتهم وحِرفهم، فهم كلما تقدموا في سعيهم مرحلة متقدمة رغبوا في بلوغ مرحلة أكمل من سابقتها، ولهذا يشتدّ شوقهم وتطلعهم.

وعليه فإنّ

ما يجعل النفس الملحة والتي دائماً تطلب المزيد مطمئنة هادئة إنما هو الوصول إلي الحق عزوجل والذكر الحقيقي له؛ لأنّ ذلك هو الذي يبعث الطمأنينة والهدوء فيها. وكأن قوله تعالي: ?أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ?() إشارة إلي هذه الحقيقة التي تلبي نداء الفطرة المتأصل بالإنسان. حيث في هذه الآية تذكير ولفت انتباه إلي قلب الإنسان ومحتواه المتحير بأنه لا يسعي للالتصاق بأي ركن وثيق، متوهماً أنّه هو الحقيقة المطلقة أو هو المؤثر الحقيقي في هذا العالم، غير الله تعالي عز اسمه الذي بذكر اسمه يحصل الاطمئنان.

وهذا هو البذرة الأساسية لنمو التوحيد وأثره علي الإنسان. الذي يشكل القاعدة المتينة في تحرك الإنسان الرسالي عبر الأجيال وعلي مر العصور. وقد أشار القرآن الكريم إلي كونها حقيقة ضرورية ثابتة لا يمكن تجاوزها، من خلال ما قررته القصص والآيات القرآنية المباركة. وكذلك ما جسدته السيرة العملية لأهل بيت الوحي (صلوات الله عليهم أجمعين). وهذه الخطوات التي يخطوها الإنسان خلال هذه السيرة مسيرة الكدح والوصول إلي الله عزوجل تبدأ من يقظته والانتباه والالتفات إلي هذا العالم، وبالأخص من نفسه، التي هي جزء من هذا العالم.

وكلما أصاب علماً زادت معرفته وزاد إيمانه وتكامله حتي يبلغ اليقين، وبهذا يكون قد امتلك من القوة الروحية التي لا يضاهيها شيء آخر.

وبهذا السياق عزيزي القارئ فإن هذا الكتاب الذي بين يديك: من خطي الأولياء، وهو من المساهمات الحسنة في هذا الشأن، أجاد بها يراع المرجع الديني الأعلي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله)، الذي كانت له وقفات متنوعة علي شتي المواضيع وزود بها المكتبة الإسلامية.

حيث تناول السيد الإمام (دام ظله) هذا الموضوع، وكيف أنّ الإنسان المؤمن يكدح في هذه الدنيا لكي يصل إلي نهاية غايته

وهو الله عزوجل الذي يمثل اليقين مرحلة من مراحل هذا الكدح والجهاد في سبيل الوصول والعروج إلي ساحة القدس، وهناك آثار عملية تترتب علي هذه المرتبة وتكون واضحة في سلوك المؤمن. منها أن المتقي يري السعادة العظمي في خدمة الآخرين.. والاستغناء عن الناس.

ونحن هنا في مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر إيماناً منا بأهمية هذا السفر القيم قمنا بطباعته ونشره، وكذلك غيره من البحوث والمحاضرات التي ألقاها السيد الإمام (دام ظله) في أوقات وأماكن مختلفة، فأصبحت كمؤلفاته التي تجاوزت ألف وخمسمائة كتاب وكراس.

أعزاؤنا القرّاء نحن نتوخي أنْ يتيسر لكم التزود من فائدة المحتوي وراجين من الله عزوجل السداد والقبول وأن يوفقنا جميعاً للعمل الصالح إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان /ص.ب: 6080/13 شوران

البريد الإلكتروني: almojtaba@alshirazi.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

كدح الإنسان في الدنيا

قال تعالي: ?يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَي رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ?().

الإنسان في هذه الحياة الدنيا يسعي بجد ليصل إلي هدفه الأخير وهو الكمال، ولذلك يصف الله عزوجل سير الإنسان في الحياة بالكدح وهو العمل الشاق المتعب؛ ?يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَي رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ? أي إن نهاية الأمر هو الرجوع إلي الله تعالي، ولكن غايات البشر متباينة، فالمؤمن يكدح ليحصل علي رضا الله، والملحد يكدح ليلتذ بالدنيا، ويتمتع بزخارفها. وكلامنا يخص الإنسان المؤمن وسيرته، وهذه المسيرة الإيمانية عادة تمر بمراحل عديدة، حتي يصل المرء إلي الشوط الأخير. فيبدأ الإنسان يفتش عن خبايا نفسه العجيبة وأسرارها، وهي المرحلة المسماة ب(معرفة النفس)، أي الاطلاع علي حقيقة فقر الذات الإنسانية، وكيف أنها لا تستغني عن خالقها في كل آن. وهو

الأمر الذي يدعو الإنسان إلي (معرفة الله)، وهي المرحلة الثانية من مراحل مسيرة الكمال، فيبدأ يبحث عن صفات الله عزوجل ويستشعرها، أما المرحلة الأخري فهي العيش في الأجواء النورانية التي تفيض عليه نوراً ومعرفة، وهي مرحلة العبور من الإيمان السطحي المتمثل بأداء الواجبات عن خوف وطمع إلي اليقين وأداء الواجبات حباً وطاعة وشكراً، عندها يتهذب السلوك؛ لأنه سوف يتنوّر بالمشارق النورانية الإلهية، وتتبدل أعماله من اشباع للغريزة إلي صفة التقوي وملازمة الطاعة والشكر والقرب إلي الله تعالي. فهذا حال المؤمنين، تراهم يأكلون ويشربون لأجل الكدح المُوصل إلي الله عزوجل، لا لأجل الملذات نفسها، أو لنداء الغرائز الشهويّة، وبذلك يرتفع هؤلاء إلي المستوي الذي يفضلون منه علي ملائكة الله عزوجل.

ومنها تبدأ مرحلة الكدح الأخيرة، وهي محاولة الاندكاك والفناء في الله، وهي التي يصلها الأنبياء والأوصياء، ولكن بمراتب متباينة، وقد فاز الرسول الأعظم وأهل بيته (عليهم أفضل الصلوات) بهذه المرتبة العظمي، ولذلك كانت الخلائق كلها في الدنيا والآخرة تنهل من النورانية المحمّدية، والقدسية الشريفة التي يفيضها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله علي الخلائق.

أما سائر الناس فانهم يتسافلون إلي حد البهيمة، لأنهم دائموا الطاعة لنداء الغرائز الشهوية، وهكذا هي المسيرة، فهو صراع حادّ بين الايمان والهوي، وبين حب الله وحب الدنيا، وبين الكدح واللامبالاة، إلي أن يصلوا إلي اليقين الذي يقربهم من ربهم، فتتسدّد خطاهم، وتنشرح صدورهم لاستقبال الفيض القدسي، الذي ينشر علي جوارح وجوانح الإنسان رحمةً وقراراً وسكينة.

درجات اليقين

إن اليقين صفة ذات مراتب ودرجات، وليس كل المؤمنين الموقنين علي درجة واحدة من اليقين، فاليقين عند الأنبياء عليهم السلام غير اليقين عند الأوصياء، ويقين الأوصياء غير يقين العلماء، ويقين الشهداء غير يقين الآخرين، وهكذا الأمثل فالأمثل؛

ولذلك كانت الجنة مراتب مختلفة، فمناصب الأنبياء غير مناصب الناس العاديين، ومنصب الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله يفوق كل مناصب أهل الجنة، فاليقين الذي تحلّي به الإمام علي عليه السلام، ويصفه بقوله: «لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً» ()، ذلك اليقين بالله هو قطعاً غير يقين همّام، الذي ما إن سمع كلمات أمير المؤمنين عليه السلام في وصف المتقين()، حتي زهقت روحه، فكيف الحال به لو انكشف له الغطاء؟ إن يقين أمير المؤمنين عليه السلام يمتاز بان ذاته القدسية قد وصلت إلي مقام الاستغراق في الله فأصبح بعيداً عن فكرة الجنة والنار، بل إنه يري الله في كل آن، أما يقين همّام فقد كان عبارة عن الخشية من عذاب الله، فهذا فرق واضح، وأعظم من ذلك يقين الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، فلولا عظمة درجة يقينه لما تحمّل رحلة الإسراء والمعراج، فليس كل قلب يستطيع أن يتحمل ذلك.

بل الكثيرين في عصرنا الحاضر ممن يشكك في مسألة الإسراء والمعراج؛ لأنه يراها ثقيلة علي فكره الصغير.

ثم إنه لابد من الإشارة إلي أن اليقين قابل للضعف والشدة، وذلك مرتبط بمقدار المعرفة التي يحملها الإنسان عن ربه، فكلما ازدادت معرفته به فقد ارتفع يقينه، وازداد عمله الخيّر، وكلما ضعفت معرفته بربه فقد قلّ يقينه، وخفّت أعماله في الميزان؛ فلذلك ذكر العلماء درجات اليقين، استلهاماً من القرآن الكريم، وهي: عين اليقين، وحق اليقين، وعلم اليقين.

الموقنون وخرق العادة

إن الركون والإيمان بالتوحيد يلهم الإنسان المؤمن قوة روحية عظيمة جداً، لأنه عندما ينظر إلي ربه في تحركه، ويفكر بربه في كل فكرة، ويذكر ربه في كل قول، ويستشعر عظمة الرب في قلبه، فان ذلك يكون مدعاة لانشراح الصدر، واستقبال الفيض

الرباني الذي يفيض علي الروح قوة، ويجعلها تذلل الصعاب، بل تنقاد لها الأمور.

يروي عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال: «إن عيسي بن مريم عليه السلام كان من شرايعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من أصحابه قصير، وكان كثير اللزوم لعيسي عليه السلام، فلما انتهي عيسي إلي البحر، قال: بسم الله، بصحة يقين منه، فمشي علي ظهر الماء، فقال الرجل القصير، حين نظر إلي عيسي جازه: بسم الله، بصحة يقين منه، فمشي علي الماء ولحق بعيسي» (). لأنه كان علي معرفة يقينية تامة بالنبي عيسي عليه السلام، وعلي أساس هذه المعرفة مشي علي الماء، فالوصول إلي هذه الدرجات ليس خيالاً ولا أمراً مستحيلاً، بل هو واقع لا يمكن إنكاره. ولذلك جاء في الحديث القدسي المشهور: «يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون» ().

وهكذا يمكن تفسير قلع باب خيبر من قبل أمير المؤمنين عليه السلام، والتي لم يكن يقدر علي فتحها وإغلاقها إلا أربعون رجلاً، بينما تقدم أمير المؤمنين عليه السلام وأخذه بيده، وقلعه من الحصن، ليجعل منه جسراً علي الخندق، تعبر عليه جيوش الإسلام()، فقد روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في رسالته إلي سهل بن حنيف رحمة الله عليه: «والله، ما قلعت باب خيبر ورميت به خلف ظهري أربعين ذراعاً بقوة جسدية ولا حركة غذائية لكن أيدت بقوة ملكوتية، ونفسٌ بنور ربها مضيئة وأنا من أحمد كالضوء من الضوء» الحديث().

فهذه الأمور يقف أمامها العقل المادي حائراً مذهولاً لأنه لا يجد لها تفسيراً، بعد أن حجّم الناس أنفسهم، وقيّدوا أفكارهم بالمادة، وابتعدوا عن الغيب والروح، التي لا تعرف لها حدود معينة،

فيحاولون أن يكذبوا هذه الأخبار، ويصفوها بالخرافة، ولكن هيهات فان الله يأبي إلا أن يتم نوره، فقد تحدثت الأخبار لدي عامة المسلمين بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وأكدت علي هذه الأمور عين الواقع، ولكن حال بين هؤلاء وبين تصديق ذلك، الغشاوات والحجب التي راكموها علي قلوبهم. وصاروا كما قال تعالي عنهم: ?مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ ? صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ?().

ثمرات اليقين

اليقين كما مرّ صفة كمالية يصل بها الإنسان إلي كماله الروحي المطلق، وهو الأُنس والاكتفاء والاعتماد علي الله عزوجل فقط، ولهذه الصفة ثمرات عظيمة جداً في الحياة الدنيا.

السعادة العظمي

منها: إن المتقي يري السعادة العظمي في خدمة الآخرين لله، حيث يسعد ويفرح عندما يقدّم خدمة أو عملاً ما لشخص من أجل الله، يقول الإمام الصادق عليه السلام: «كان علي بن الحسين عليه السلام لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه ويشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة، فيما يحتاجون إليه، فسافر مرة مع قوم، فرآه رجل فعرفه، فقال لهم: أتدرون من هذا؟ قالوا: لا. قال: هذا علي بن الحسين عليه السلام. فوثبوا، فقبلوا يده ورجله، وقالوا: يا ابن رسول الله، أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت منا إليك يد أو لسان، أما كنّا قد هلكنا إلي آخر الدهر فما الذي يحملك علي هذا؟ فقال: إني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني، فأعطوني، برسول الله صلي الله عليه و اله، ما لا أستحق به، فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحب لي» (). هذه صورة وانموذج من أحوال المتقين، الذين تجاوزت أرواحهم وأفكارهم هذه الدنيا وتجاوزت حب الذات، إلي أن صارت تنظر إلي الآخرين وكأنها تنظر إلي نفسها، ويقوم الإنسان الموقن بخدمة الناس، ويشعر بأنه يخدم نفسه، ويقدم الخير إليها، فيسعد حينما يسعد الناس، وكذلك الشهيد، فهو ذلك الإنسان الذي وصل إلي حالة من اليقين بربه، وانقطع عن الدنيا تماماً، وتجاوز أفق الدنيا إلي الآخرة، فهو يجاهد ويخرج مقاسياً الألم ونزف الدماء، من أجل أن يعيش الآخرون؛ إذ أنه يعي تماماً بأنه يموت من أجل أن يعيش الآخرون.

فهذه كلها من ثمرات اليقين، وهي

أعمال تخدم البشرية وتؤمّن عيشها الرغيد، وتحافظ عليها.

الرصيد الروحي

ومن الثمرات الأخري، أن الموقن لا ينفك يقدّم صالح الأعمال، لأنه يشعر أنها الرصيد الروحي له في الدنيا، وانها رصيده في الآخرة، فتراه يقدّم الخدمات الاجتماعية للناس علي اختلافها.

قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة يبين فيها صفة المتقين: «عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَي نَفْسِهِ فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ وَ تَجَلْبَبَ الْخَوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَي فِي قَلْبِهِ وَ أَعَدَّ الْقِرَي لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ، فَقَرَّبَ عَلَي نَفْسِهِ الْبَعِيدَ، وَ هَوَّنَ الشَّدِيد، نَظَرَ فَأَبْصَر، وذَكَرَ فَاسْتَكْثَر، وَ ارْتَوَي مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِده، فَشَرِبَ نَهَلا، وَ سَلَكَ سَبِيلا جَدَداً، قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ، وتَخَلَّي مِنَ الْهُمُومِ إِلا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِه،ِ فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَي، ومُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَي، وصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَي، ومَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَي، قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَه، وَ سَلَكَ سَبِيلَهُ، وعَرَفَ مَنَارَهُ وَ قَطَعَ غِمَارَهُ، واسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَي بِأَوْثَقِهَا، ومِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا، فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَي مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ، قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَه فِي أَرْفَعِ الأُمُورِ مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ، وَ تَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَي أَصْلِه.ِ مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ كَشَّافُ عَشَوَاتٍ، مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ، دَفَّاعُ مُعْضِلاتٍ، دَلِيلُ فَلَوَاتٍ، يَقُولُ فَيُفْهِم، وَيَسْكُتُ فَيَسْلَم، قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَه، فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ، وأَوْتَادِ أرْضِهِ، قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ، فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيُ الْهَوَي عَنْ نَفْسِهِ. يَصِفُ الْحَقَّ وَيَعْمَلُ بِه،ِ لا يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلا أَمَّهَا. وَ لا مَظِنَّةً

إِلا قَصَدَهَا، قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِه،ِ فَهُوَ قَائِدُه وَ إِمَامُه، يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُه، وَ يَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ» ().

الشخصية الطاهرة

يذكر أن أحد العلماء ذهب إلي الشيخ مرتضي الأنصاري رحمة الله عليه()، فشكي إليه أوضاع أحد الطلبة، وأنه يعاني من أزمة مالية، إضافة

إلي مرضه، وبعض الضغوط الأخري، فقال الشيخ: ليس عندي سوي (ثمانية توامين)()، وهي متعلقة بسنتي صوم وصلاة استئجارييّن، فقال ذلك العالم: انه يعاني من المرض، ولا يقدر علي ذلك، ففكر الشيخ برهة من الزمن، ثم قال: حسناً أعطه المبلغ، وأنا سأقوم بالصلاة والصوم عنه. إن هذا المستوي من الايمان لا يأتي اعتباطاً، ولا يتولد في النفس منذ الطفولة، بل هو مجموعة ضخمة جداً من المجاهدات، ومكافحة الهوي، والهروب من كل موقف فيه شبهة، لكي تبقي النفس نظيفة طاهرة نقية، عندها تكون مستعدة لأن تحصل علي اليقين، الذي هو أعلي مراتب الإيمان.

الوصول إلي الأهداف

ومن ثمرات اليقين، إضافة إلي ما مرّ، وصول الإنسان إلي أهدافه وتحقيقها؛ قال أمير المؤمنين عليه السلام: «باليقين تدرك الغاية القصوي» (). وبلا شك فان الغاية القصوي هي الجنة؛ إذ لا يوجد أشرف من الجنة، إلا أمر واحد، وهو حب الله عزوجل، بغض النظر عن الجنة والنار، وهذا ما اختص به الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم)، ومضافاً إلي ذلك فان الإنسان المتيقن يدرك حتي أهدافه الدنيوية؛ لأنه دائماً تسيطر عليه فكرة الايمان والتقوي، ودائماً يعيش حب الله، والنظر إليه بعين انقطعت عن جميع العلل والأسباب، فالمتيقن يستشعر التوحيد أكثر من غيره، ويدرك جيداً أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله، فهو متمسك به في جميع أموره، ومن تمسك واعتمد علي الله بدرجة عالية كان الله تعالي يده وعينه وقلبه: ?وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ?().

وبذلك يكون نظر الإنسان دائماً إلي العلة البعيدة، وهو الله، إلا إنه يراها قريبة جداً بنور إيمانه، واطمئنانه بالله عزوجل، ولا يعني هذا ترك الأسباب والعلل، بل هي أمور لابد منها، ولكن الموقن يهيئ السبب ويعمل به ونظره إلي الله

عزوجل، لا إلي السبب.

خليل الرحمن عليه السلام

ولذلك نري إبراهيم الخليل عليه السلام، عندما يخاطب قومه، وينكل بالأصنام والآلهة، يقول: ?فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَ رَبَّ الْعَالَمِينَ?(). ثم يعرض لنا صوراً من يقينه الشريف: ?الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ? وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ? وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ? وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ?().

فكان عليه السلام لا يري علة حقيقية غيره، حتي سيطر علي لبّه الذوبان في الله، والانقطاع التام إليه عن كل شيء، توجّه إلي الله تعالي بكل إخلاص، وكذا الحال مع السحرة الذين تحدّوا موسي عليه السلام، لكنهم عندما أيقنوا بأن المسألة ليست سحراً أو تضليلاً، فان نظرتهم قد انقلبت رأساً علي عقب، إلي درجة أنهم حين هددهم فرعون بالقتل وتقطيع الأوصال، فقال لهم: ?لاَقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ وَلاَصلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ?() أجابوه بجواب المتيقن بربه، الذي لا يرهبه التقطيع أو الموت، ?قَالُوا لاَ ضَيْرَ إِنَّا إِلَي رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ?().ولعل أقرب مثال للموقنين هم أصحاب الحسين (صلوات الله عليهم)، الذين لم يكونوا ليشعروا بحرّ السيوف ووقعها.

الاستغناء

والاستغناء عن الناس ثمرة من ثمرات اليقين، فقد قال مولي المتقين أمير المؤمنين عليه السلام: «استغن بالله عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلي من شئت تكن أسيره، وأفضل علي من شئت تكن أميره» ().

فالموقن هو الذي لا يتوسط إلا بالله، ولا يطلب أمره إلا من عند الله، لأنه لم يكن يري العلة غيره سبحانه، بعد أن عظم الخالق في عينه فصغر ما دونه في نظره، فهذا نزر يسير من فوائد وثمار اليقين.

بعد النظر

ومن ثمرات اليقين هو كون الموقن لديه بعد نظر في الحوادث والأمور الأخري؛ لأنه شديد التمسك والتوكل علي الله عزوجل، إلي درجة تصاغر ذاته (الأنا) وانعدامها أمام الله عزوجل، فلا يري الموقن لنفسه وجوداً حقيقياً إلا بالله تعالي، وعندما يصل إلي هذه المرحلة، فان الله سوف يسدده في كل حياته.

هذا هو منهج الأئمة عليهم السلام: «وما أنا يا سيِّدي وما خطري؟.. سيِّدي، أنا الصغير الذي ربيته، وأنا الجاهل الذي علمته، وأنا الضال الذي هديته، وأنا الوضيع الذي رفعته … » (). وهذا المنهج هو الذي يجعل الرب تبارك وتعالي يفيض علي عبده الرحمة والنعمة، والفضل وسعة الصدر، وازدياد العلم وقوة الإيمان واليقين، وبهذا الشكل نري أن هذا السلوك سوف يجعل من الإنسان الموقن ذا نظر بعيد، فهو حسب منهجيته يتجاوز ذاته دائماً، ليصل بالخير والودّ والحب إلي الآخرين؛ لأنه يشعر بأن ذلك يقربه من الله، فهو دائماً يفكر في المصلحة العامة، ويتخطي المصلحة الخاصة، وينعدم الطمع والحرص في ذاته، ويري مصلحته ومصيره مع الآخرين، وكأنه يري نفسه أباً ومسؤولاً عن الأمة ومصالحها، فتراه يلح في العبادة والتقرب ويتعب نفسه في الفروض والمستحبات، ثم يدعو الله، وعندما يدعو تراه يقدم الغير وحاجات الغير، أمام

دعاؤه لنفسه أو حاجاته، فان هذا الإحساس يمثل النفس الطاهرة التي ارتقت سلم الكمال، وحلّقت في أعلي مراتبه، كما يروي الإمام الحسن عليه السلام عن مولاتنا الزهراء ? أنها «قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتي اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لم لا تدعون لنفسك كما تدعون لغيرك؟ فقالت ?: يا بني الجار ثم الدار» (). فهذا هو الأساس في العبادة، وهو الأسلوب الصحيح، حيث يذكر الإنسان الآخرين، وهو الإيثار وعلوّ النفس.

وجاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من دعا للمؤمنين والمؤمنات في كل يوم خمساً وعشرين مرة نزع الله الغل من صدره وكتبه من الأبدال إن شاء الله» ().

كيف نحصل علي اليقين؟

إذا كانت درجة اليقين بهذا المستوي من الشرافة والقدسية والقرب من الله عزوجل، فحريّ بالإنسان أن يسعي للوصول بإيمانه إلي اليقين، ليضمن رضا الله عزوجل، والخطوات الواجب اتباعها من أجل ذلك هي كما يلي:

الذكر المتواصل

أي أن يذكر الله علي كل حال، وفي كل موطن وموقف، وعدم التجاهل في ذلك، فان للذكر أثراً عظيماً علي القلب، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «ذكر الله جلاء الصدور وطمأنينة القلوب» ().

وقال عليه السلام: «الذكر جلاء البصائر ونور السرائر» ().

وقال عليه السلام: «إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء القلوب، تبصر به بعد الغشوة وتسمع به بعد الوقرة وتنقاد به بعد المعاندة» ().

فالذكر يجلي القلوب وينظفها، ويجعلها مهيأة لاستقبال الفيض الإلهي؛ إذ لو بقيت القلوب علي كدورتها، لما كانت لها القابلية علي استقبال الفيض من الله عزوجل، والقرآن الكريم يؤكد علي مسألة الذكر، فيقول تبارك وتعالي: ?وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً?().

ويقول سبحانه: ?إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً?().

ويقول جل وعلا: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً?().

ثم أن الفائدة الثانية للذكر هي الاطمئنان، أي سكون القلب بذكر الله، والاطمئنان وذهاب القلق عنه كما يقول الله سبحانه: ?الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ?(). فإذا اطمأن القلب كان مستعداً لنيل واستيعاب واستقبال النعم والفيوض الإلهية العظيمة.

وقد جاء في مجمع البيان() للطبرسي رحمة الله عليه في تفسير هذه الآية المباركة: ?الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ? معناه الذين اعترفوا بتوحيد الله علي جميع صفاته ونبوة نبيه وقبول ما جاء به من عند الله، وتسكن قلوبهم بذكر الله، وتأنس إليه … وقد وصف الله المؤمن ههنا بأنه يطمئن قلبه إلي ذكر الله، ووصفه في موضع آخر

بأنه إذا ذكر الله وجل قلبه، لأنه المراد بالأول أنه يذكر ثوابه وأنعامه وآلاءه التي لا تحصي وأياديه التي لا تجازي فيسكن إليه وبالثاني أنه يذكر عقابه وانتقامه فيخافه ويوجل قلبه.

العناية التامة بالنوافل والمستحبات

أي أن مرحلة المحافظة علي الفروض في أوقاتها تكون عنده من المسلمات، ومن الأمور العادية التي تصبح جزء من سلوكه اليومي، ثم العناية بالنوافل، فانها تقرّب الإنسان المؤمن من ربه أكثر وتجعله يلتصق بالحب الإلهي، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: «قال الله تعالي: ما تحبب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وانه ليتحبب إلي بالنافلة حتي أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في موت مؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ().

صلاة الليل

ومن أفضل النوافل هي صلاة الليل لما لها من آثار عظيمة تنعكس علي روح الإنسان، وازدياد إيمانه، وارتفاع شأنه في الدنيا والآخرة.

فقد نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلَي النَّبِيِّ صلي الله عليه و اله فَقَالَ لَهُ: «يَا جَبْرَئِيلُ عِظْنِي» فَقَال: يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّت، وأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، واعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُلاقيهِ، شَرَفُ الْمُؤْمِنِ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ وعِزُّهُ كَفُّ الأَذَي عَنِ النَّاسِ().

وقَالَ أَبو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «إِنَّ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثَلاثَة، التَّهَجُّدَ بِاللَّيْلِ وَ إِفْطَارَ الصَّائِمِ وَ لِقَاءَ الإِخْوَانِ» ().

وَ قَالَ الإمام الصَّادِق عليه السلام: «عَلَيْكم بِصَلاةِ اللَّيْلِ فَإِنَّهَا سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ ودَأبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ومَطْرَدَةُ الدَّاءِ عَنْ أَجْسَادِكُمْ» ().

وعَنْهُ عليه السلام قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: ? إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وأَقْوَمُ قِيلا? () قَالَ عليه السلام: «يعني بقوله ?وأَقْوَمُ قِيلا? قِيَامُ الرَّجُلِ عَنْ فِرَاشِهِ يُرِيدُ بِهِ اللَّهِ لا يُرِيدُ بِهِ غَيْرَهُ» ().

ورَوَي جَابِرُ بْنُ

إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عليهم السلام: «أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ بِالْقِرَاءة، فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ، مَنْ صَلَّي مِنَ اللَّيْلِ عُشْرَ لَيْلَةٍ لِلَّهِ مُخْلِصاً ابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَي لِمَلائِكَتِهِ: اكْتُبُوا لِعَبْدِي هَذَا مِنَ الْحَسَنَاتِ عَدَدَ مَا أَنْبَتَ فِي اللَّيْلِ مِنْ حَبَّةٍ ووَرَقَةٍ وَ شَجَرَةٍ، وعَدَدَ كُلِّ قَصَبَةٍ وَخُوصٍ ومَرْعًي، ومَنْ صَلَّي تُسُعَ لَيْلَةٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَشْرَ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ وَ أَعْطَاهُ اللَّهُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، ومَنْ صَلَّي ثُمُنَ لَيْلَةٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ شَهِيدٍ صَابِرٍ صَادِقِ النيَّةِ وشُفِّعَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، ومَنْ صَلَّي سُبُعَ لَيْلَةٍ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ يُبْعَثُ ووَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ حَتَّي يَمُرَّ عَلَي الصِّرَاطِ مَعَ الآمِنِينَ، ومَنْ صَلَّي سُدُسَ لَيْلَةٍ كُتِبَ فِي الأَوَّابِينَ وغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ صَلَّي خُمُسَ لَيْلَةٍ زَاحَمَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ فِي قُبَّتِهِ، ومَنْ صَلَّي رُبُعَ لَيْلَةٍ كَانَ فِي أَوَّلِ الْفَائِزِينَ حَتَّي يَمُرَّ عَلَي الصِّرَاطِ كَالرِّيحِ الْعَاصِفِ ويَدْخُلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، ومَنْ صَلَّي ثُلُثَ لَيْلَةٍ لَمْ يَبْقَ مَلَكٌ إِلا غَبَطَهُ بِمَنْزِلَتِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقِيلَ لَهُ ادْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شِئْتَ، ومَنْ صَلَّي نِصْفَ لَيْلَةٍ فَلَوْ أُعْطِيَ مِلْ ءَ الأَرْضِ ذَهَباً سبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ لَمْ يَعْدِلْ جَزَاءَهُ وكَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَقَبَةً يُعْتِقُهَا مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ، ومَنْ صَلَّي ثُلُثَيْ لَيْلَةٍ كَانَ لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ قَدْرُ رَمْلِ عَالِجٍ أَدْنَاهَا حَسَنَةٌ أَثْقَلُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ، ومَنْ صَلَّي لَيْلَةً تَامَّةً تَالِياً لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ رَاكِعاً وَ سَاجِداً وذَاكِراً أُعْطِيَ مِنَ الثَّوَابِ مَا أَدْنَاهُ يَخْرُجُ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَ يُكْتَبُ لَهُ عَدَدُ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ

مِنَ الْحَسَنَاتِ ومِثْلَهَا دَرَجَاتٌ، ويَثْبُتُ النُّور فِي قَبْرِهِ، ويُنْزَعُ الإِثْمُ وَ الْحَسَدُ مِنْ قَلْبِهِ، ويُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، ويُعْطَي بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ، ويُبْعَثُ مِنَ الآمِنِينَ، ويَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي لِمَلائِكَتِهِ: يَا مَلائِكَتِي، انْظُرُوا إِلَي عَبْدِي أَحْيَا لَيْلَةً ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي أَسْكِنُوهُ الْفِرْدَوْسَ ولَهُ فِيهَا مِائَةُ أَلْفِ مَدِينَةٍ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ جَمِيعُ مَا تَشْتَهِي الأَنفُسُ وتَلَذُّ الأَعْين ولَمْ يَخْطُرْ عَلَي بَالٍ سِوَي مَا أَعْدَدْتُ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَ الْمَزِيدِ والْقُرْبَةِ» ().

العيش مع القرآن

وكذلك العيش المتواصل مع القرآن قراءة وتدبراً وتأملاً، فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام قوله: «قال من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بدمه ولحمه، وجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيجاً عنه يوم القيامة، ويقول: يا رب إن كل عامل قد أصاب أجر عمله إلا عاملي فبلّغ به كريم عطاياك، فيكسوه الله عزوجل حلتين من حلل الجنة، ويوضع علي رأسه تاج الكرامة، ثم يقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: يا رب، قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا، قال: فيعطي الأمن بيمينه والخلد بيساره ثم يدخل الجنة، فيقال له: إقرأ آية واصعد درجة، ثم يقال له: بلغنا به وأرضيناك فيه؟ فيقول: اللهم نعم، قال: ومن قرأ كثيراً وتعاهده من شدة حفظه أعطاه الله أجر هذا مرتين» (). فإن القرآن يعطي أهم صفة للموقنين، وهي عدم نسيانهم الآخرة، مما يدعوهم دوماً إلي العمل والجد والاجتهاد وعدم التقصير، لأنهم يرون ما لا يراه الآخرون: ?وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ?(). فالاستمرار بالنوافل، سواء كانت (أدعية أو صلوات) تقرّب العبد من ربه، وتجعله علي يقين بربه، وللنوافل آثار عديدة، منها: الابتعاد عن الماديات، والقرب من الغيب عبر المناجاة والصلوات، والعيش بالقرب من

الغيب أو الاستشعار به دائماً يلهم المؤمن يقيناً ثابتاً، وذكراً متواصلاً لله عزوجل: ?الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ?().

خطبة المتقين

وهنا نذكر أروع ما قيل في صفة المتقين علي لسان مولي المتقين وإمام الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام فقد جاء في نهج البلاغة():

رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ كَانَ رَجُلاً عَابِداً فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِينَ حَتَّي كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَتَثَاقَلَ عليه السلام عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ: «يَا هَمَّامُ، اتَّقِ اللَّهَ وَأَحْسِنْ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» فَلَمْ يَقْنَعْ هَمَّامٌ بِهَذَا الْقَوْلِ حَتَّي عَزَمَ عَلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَي عَلَيْهِ وَصَلَّي عَلَي النَّبِيِّ صلي الله عليه و اله ثُمَّ قَالَ عليه السلام:

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ، آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ، لأَنَّهُ لا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ، وَ لا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ. فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ، ووَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ. فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ. مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الاقْتِصَادُ، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَي الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ، وَلَوْ لا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَي الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ، قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ، صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً، تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَاَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا أَمَّا اللَّيْلَ

فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ عَلَي أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكَبِهِمْ وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَي اللَّهِ تَعَالَي فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ وَأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَي وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ وَيَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا وَلَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ لا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ وَلا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ فَهُمْ لأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَ رَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَاجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ فَمِنْ عَلامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَي لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ وَحَزْماً فِي لِينٍ وَإِيمَاناً فِي يَقِينٍ وَحِرْصاً فِي عِلْمٍ وَعِلْماً فِي حِلْمٍ وَقَصْداً فِي غِنًي وَخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ وَتَجَمُّلاً فِي فَاقَةٍ وَصَبْراً فِي شِدَّةٍ وَطَلَباً فِي حَلالٍ وَنَشَاطاً فِي هُدًي وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَي وَجَلٍ يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ يَبِيتُ حَذِراً وَيُصْبِحُ فَرِحاً حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ وَفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا تُحِبُّ قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لا يَزُولُ وَزَهَادَتُهُ فِيمَا لا يَبْقَي يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَالْقَوْلَ بِالْعَمَلِ تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ قَلِيلاً زَلَلُهُ خَاشِعاً قَلْبُهُ قَانِعَةً نَفْسُهُ مَنْزُوراً أَكْلُهُ سَهْلاً أَمْرُهُ حَرِيزاً دِينُهُ مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ مَكْظُوماً غَيْظُهُ الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ

وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ وَإِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ بَعِيداً فُحْشُهُ لَيِّناً قَوْلُهُ غَائِباً مُنْكَرُهُ حَاضِراً مَعْرُوفُهُ خَيْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ فِي الزَّلازِلِ وَقُورٌ وَفِيالْمَكَارِهِ صَبُورٌ وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ لا يَحِيفُ عَلَي مَنْ يُبْغِضُ وَلا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ لا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ وَلا يَنْسَي مَا ذُكِّرَ وَلا يُنَابِزُ بِالأَلْقَابِ وَلا يُضَارُّ بِالْجَارِ وَلا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ وَلا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ وَلا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ وَإِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّي يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لآخِرَتِهِ وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ ونَزَاهَةٌ وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَعَظَمَةٍ وَلا دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ».

قَالَ: فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام:

«أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَهَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عليه السلام: وَيْحَكَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لا يَعْدُوهُ وَسَبَباً لا يَتَجَاوَزُهُ فَمَهْلاً لا تَعُدْ لِمِثْلِهَا فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلَي لِسَانِكَ».

الاهتداء بنور أهل البيت عليهم السلام

من أهم الأمور الموصلة إلي اليقين التام والانقطاع إلي الله تعالي هو ملازمة أهل البيت عليهم السلام وهم أولياء الله عزوجل في حياتهم، والسير علي خطاهم بعد مماتهم. والابتعاد عن أعداء الله، الذين لا تكون خطواتهم معبرة عن الإيمان الأصيل، ولا يكون تحركهم ضمن الإطار الإسلامي والمذهب الحق، فان الابتعاد عن مواطن الشبهة والشك، والركون كلياً إلي آل الله،

وهم آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم) يزيل كل اضطراب وقلق نفسي، ويرفع كل وساوس الشيطان.

نعم، الولاء لهم عليهم السلام أيضاً متفاوت، فليس كل الناس في ولائهم متساوين، بل هناك درجات ومراتب في حب أولياء الله، كما هو الحال في الإيمان، فهناك من يحبهم علي حرف واحد، فان أصابه شرٌّ مال عنهم إلي غيرهم، وهناك من يحبهم لأنهم شفعاؤه، وهناك من يحبهم لأنهم أنوار الله وأصفياؤه، ولأنهم ظُلموا أو عذبوا، فحبه لهم ليس في مقابل شيء.

وهناك مرحلة من الحب والولاء رفيعة وهي حبهم عليهم السلام لأنهم مصدر الفيض، وان جميع الممكنات في هذا العالم تستمد فيضها ونعمها ووجودها من أصل أنوارهم الطاهرة (صلوات الله عليهم أجمعين)، وهذا القدر من الحب والولاء هو الذي يحدد تحرك الإنسان، وكذلك تطابق عمله وسلوكه مع أولياء الله، فكلما ازداد المرء حباً لهم عن وعي وعلم، كلما ازداد يقيناً؛ لأن روحه سوف تكون مستعدة لقبول فيوض الإمام عليه السلام عليه، ومهيأة للتحلي بدعاء الإمام لها بالخير والفضيلة.

المرتابون

كلما ازداد المؤمن إيماناً بهم ازداد ثباتاً ورسوخاً في إيمانه ويقينه؛ لأنهم باب الله، فمن شك فيهم، أو ارتاب في ولايتهم، ظل قلبه غير مستقر، وتذبذب إيمانه، لأنهم كانوا يمثلون أعلي درجات اليقين فمن تبعهم لابد أن يكون في تابعيته لهم علي يقين أيضاً.

فعن زرارة أنه قال: دخلت علي أبي عبد الله الصادق عليه السلام، وعن يمينه سيد ولده موسي عليه السلام وقدامه مرقد مغطي، فقال عليه السلام لي: «يا زرارة، جئني بداود بن كثير الرقي وحمران وأبي بصير» ودخل عليه المفضل بن عمر، فخرجت وأحضرته من أمرني بإحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد حتي صرنا في البيت ثلاثين رجلاً، فلما

حشد المجلس، قال: «يا داود، اكشف لي عن وجه إسماعيل» فكشف عن وجهه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: «يا داود، أحي هو أم ميت؟»، قال داود: يا مولاي، هو ميت، فجعل يعرض ذلك علي رجل رجل، حتي أتي علي آخر من في المجلس وانتهي عليهم بأسرهم كل يقول: هو ميت يا مولاي، فقال: «اللهم اشهد»، ثم أمر بغسله وحنوطه، وإدراجه في أثوابه، فلما فرغ منه قال للمفضل: «يا مفضل، إحسر عن وجهه» فحسر عن وجهه، فقال عليه السلام: «أحي هو أم ميت؟»، فقال: ميت، قال: «اللهم اشهد عليهم» ثم حمل إلي قبره فلما وضع في لحده، قال: «يا مفضل، اكشف عن وجهه» وقال للجماعة: «أحي هو أم ميت؟» قلنا له: ميت. فقال: «اللهم اشهد واشهدوا فانه سيرتاب المبطلون يريدون إطفاء نور الله بأفواههم ثم أومأ إلي موسي عليه السلام والله متم نوره ولو كره المشركون»، ثم حثونا عليه التراب ثم أعاد علينا القول، فقال: «الميت المحنط المكفن المدفون في هذا اللحد من هو؟» قلنا: إسماعيل، قال: «اللهم اشهد» ثم أخذ بيد موسي عليه السلام وقال: «هو حق والحق منه إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها» ().

ولكن بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام نري أن طائفة كبيرة تدعي أن الإمامة في إسماعيل، وإنه غائب، وليس بميّت، وهذا الأمر يدلل علي عدم الإخلاص في الولاء، مما يؤدي إلي الانحراف في العقيدة والسلوك؛ إذ أن الانضباط والإخلاص في اتباع الأولياء عليهم السلام من العوامل المهمة والرئيسية في مسيرة الكمال الإنساني، لأنهم يضعون لنا الخطوط العريضة، والقواعد الرئيسية، والخطوات المطلوبة في المسيرة، وأيضاً يضعون الإشارات الحمراء، ويشخصون مناطق الخطر، فإذا زاغ الإنسان عن متابعتهم اختلطت عليه المراحل،

وانعدمت عنده الرؤية الصافية، فتبدأ مرحلة الانحراف، وبالتالي الخروج من جادة الحق والصواب، وعدم الوصول إلي الهدف المنشود.

اللهم صل علي محمد وآل محمد، وتفضّل علي اللهم وأنطقني بالهدي، وألهمني التقوي، ووفقني للتي هي أزكي، واستعملني بما هو أرضي، اللهم أسلك بي الطريقة المثلي، وأجعلني علي ملتك أموت وأحيا().

من هدي القرآن الحكيم

العمل مع الإيمان

قال تعالي: ?إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً?().

وقال عزوجل: ?وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ?().

وقال سبحانه: ?وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ?().

وقال جل وعلا: ?إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ?().

اليقين في الدين

قال سبحانه: ?وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ?().

وقال عزوجل: ?وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ?().

وقال تعالي: ?يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ?().

وقال جل وعلا: ?قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ?().

ثمرات اليقين

قال تعالي: ?وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ?().

وقال سبحانه: ?هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُديً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ?().

الطاعة

قال تعالي: ?وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَي الرَّسُولِ إِلاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ?().

وقال عزوجل: ?وأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ?().

وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً?().

وقال جل وعلا: ?فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ?().

من هدي السنة المطهرة

العمل والإيمان

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إن الله تعالي لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «بالصالحات يستدل علي حسن الإيمان» ().

وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: « … الإيمان لا يكون إلا بعمل والعمل منه ولا يثبت الإيمان إلا بعمل» ().

اليقين

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «خير ما ألقي في القلب اليقين» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «باليقين تتم العبادة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «كفي باليقين غني وبالعبادة شغلاً» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «كن موقناً تكن قوياً» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «اليقين يثمر الزهد» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «اليقين يوصل العبد إلي كل حال سني ومقام عجيب، كذلك أخبر رسول الله صلي الله عليه و اله عن عظم شأن اليقين حين ذكر عنده عيسي بن مريم عليه السلام كان يمشي علي الماء، فقال: لو زاد يقينه لمشي في الهواء» ().

عن يونس قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الإيمان والإسلام، فقال: «قال أبو جعفر عليه السلام: إنما هو الإسلام والإيمان فوقه بدرجة والتقوي فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوي بدرجة، ولم يقسم بين الناس شيء أقل من اليقين» قال يونس : فأي شيء اليقين؟ قال عليه السلام: «التوكل علي الله والتسليم لله والرضا بقضاء الله والتفويض إلي الله» قلت: ما تفسير ذلك؟ قال عليه السلام: «هكذا قال أبو جعفر عليه السلام» ().

الطاعة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «.. ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «نعم الوسيلة الطاعة» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «طاعة الله مفتاح كل سداد وصلاح كل فساد ومعاد» ().

الأولياء والمؤمنون

قال أَبو عَبْدِ اللَّهِ الصادق عليه السلام: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و اله: مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَ عَظَّمَهُ مَنَعَ فَاهُ مِنَ الْكَلامِ وَ بَطْنَهُ مِنَ الطَّعَامِ وعَفَا نَفْسَهُ بِالصِّيَامِ والْقِيَامِ. قَالُوا: بِآبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاءِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ سَكَتُوا فَكَانَ سُكُوتُهُمْ ذِكْراً ونَظَرُوا فَكَانَ نَظَرُهُمْ عِبْرَةً ونَطَقُوا فَكَانَ نُطْقُهُمْ حِكْمَةً ومَشَوْا فَكَانَ مَشْيُهُمْ بَيْنَ النَّاسِ بَرَكَةً لَوْلا الآجَالُ الَّتِي قَدْ كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ لَمْ تَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ خَوْفاً مِنَ الْعَذَابِ وَ شَوْقاً إِلَي الثَّوَابِ» ().

وخَطَبَ النَّاسَ الإمام الْحَسَنُ بْنُ عَلِي عليه السلام فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاس، أَنَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَخٍ لِي كَانَ مِنْ ? أعْظَمِ النَّاسِ فِي عَيْنِي، وكَانَ رَأْسُ مَا عَظُمَ بِهِ فِي عَيْنِي صِغَرَ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلا يَشْتَهِي مَالا يَجِدُ، ولا يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ، كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ فَرْجِهِ فَلا يَسْتَخِفُّ لَهُ عَقْلَهُ ولا رَأْيَهُ، كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ الْجَهَالَةِ فَلا يَمُدُّ يَدَهُ إِلا عَلَي ثِقَةٍ لِمَنْفَعَةٍ، كَانَ لا يَتَشَهَّي ولا يَتَسَخَّطُ ولا يَتَبَرَّمُ، كَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَمَّاتاً، فَإِذَا قَالَ بَذَّ الْقَائِلِينَ، كَانَ لا يَدْخُلُ فِي مِرَاء، ولا يُشَارِكُ فِي دَعْوًي ولا يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّي يَرَي قَاضِياً، وكَانَ لا يَغْفُلُ عَنْ إِخْوَانِهِ، ولا يَخُصُّ نَفْسَهُ بِشَيْ ءٍ دُونَهُمْ، كَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً فَإِذَا جَاءَ الْجِدُّ كَانَ لَيْثاً عَادِياً، كَانَ لا يَلُومُ أَحَداً

فِيمَا يَقَعُ الْعُذْرُ فِي مِثْلِهِ حَتَّي يَرَي اعْتِذَاراً، كَانَ يَفْعَلُ مَا يَقُولُ وَ يَفْعَلُ مَا لا يَقُولُ، كَانَ إِذَا ابْتَزَّهُ أَمْرَانِ لا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَفْضَلُ نَظَرَ إِلَي أَقْرَبِهِمَا إِلَي الْهَوَي فَخَالَفَهُ، كَانَ لا يَشْكُو وَجَعاً إِلا عِنْدَ مَنْ يَرْجُو عِنْدَهُ الْبُرْءَ، ولا يَسْتَشِيرُ إِلا مَنْ يَرْجُو عِنْدَهُ النَّصِيحَةَ، كَانَ لا يَتَبَرَّمُ، ولا يَتَسَخَّطُ، ولا يَتَشَكَّي، ولا يَتَشَهَّي، ولا يَنْتَقِمُ، ولا يَغْفُلُ عَنِ الْعَدُوِّ، فَعَلَيْكُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الأَخْلاقِ الْكَرِيمَةِ إِنْ أَطَقْتُمُوهَا، فَإِنْ لَمْ تُطِيقُوهَا كُلَّهَا فَأَخْذُ الْقَلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِيرِ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ» ().

عَنْ مِهْزَمٍ الأَسَدِيِّ قَال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «يَا مِهْزَمُ، شِيعَتُنَا مَنْ لا يَعْدُو صَوْتُهُ سَمْعَهُ، ولا شَحْنَاؤُهُ بَدَنَهُ، ولا يَمْتَدِحُ بِنَا مُعْلِناً، ولا يُجَالِسُ لَنَا عَائِباً، ولا يُخَاصِمُ لَنَا قَالِياً، إِنْ لَقِيَ مُؤْمِناً أَكْرَمَهُ، وإِنْ لَقِيَ جَاهِلا هَجَرَهُ» قُلْت: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَؤُلاءِ الْمُتَشَيِّعَةِ؟ قَال: «فِيهِمُ التَّمْيِيزُ وفِيهِمُ التَّبْدِيلُ وفِيهِمُ التَّمْحِيصُ، تَأْتِي عَلَيْهِمْ سِنُونَ تُفْنِيهِمْ، وطَاعُونٌ يَقْتُلُهُمْ، واخْتِلافٌ يُبَدِّدُهُمْ، شِيعَتُنَا مَنْ لا يَهِرُّ هَرِيرَ الْكَلْبِ، ولا يَطْمَعُ طَمَعَ الْغُرَابِ، ولا يَسْأَلُ عَدُوَّنَا، وإِنْ مَاتَ جُوعاً» قُلْت: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَأَيْنَ أَطْلُبُ هَؤُلاءِ؟ قَال: «فِي أَطْرَافِ الأَرْضِ، أُولَئِكَ الْخَفِيضُ عَيْشُهُمْ الْمُنْتَقِلَةُ دِيَارُهُمْ، إِنْ شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا، وإِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، ومِنَ الْمَوْتِ لا يَجْزَعُونَ وفِي الْقُبُورِ يَتَزَاوَرُونَ، وإِنْ لَجَأَ إِلَيْهِمْ ذُو حَاجَةٍ مِنْهُمْ رَحِمُوهُ، لَنْ تَخْتَلِفَ قُلُوبُهُمْ وإِنِ اخْتَلَفَ بِهِمُ الدَّارُ» ().

وقال أبو جَعْفَرٍ عليه السلام: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ الَّذِي إِذَا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِي إِثْمٍ ولا بَاطِلٍ، وإِذَا سَخِطَ لَمْ يُخْرِجْهُ سَخَطُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ، والَّذِي إِذَا قَدَرَ لَمْ تُخْرِجْهُ قُدْرَتُهُ إِلَي التَّعَدِّي إِلَي مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ» ().

وقال عليه السلام: «الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ، كَالْجَمَلِ الأَنِفِ

إِذَا قِيدَ انْقَادَ وإِنْ أُنِيخَ عَلَي صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ» ().

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و اله: «الْمُؤْمِنُ كَمِثْلِ شَجَرَةٍ لا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا فِي شِتَاءٍ ولا صَيْفٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ومَا هِيَ؟ قَالَ: «النَّخْلَةُ» ().

وقال أَبو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «الْمُؤْمِنُ حَلِيمٌ لا يَجْهَلُ، وإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ يَحْلُمُ، ولا يَظْلِمُ وإِنْ ظُلِمَ غَفَرَ، ولا يَبْخَلُ وإِنْ بُخِلَ عَلَيْهِ صَبَرَ» ().

وقال عليه السلام: «الْمُؤْمِنُ مَنْ طَابَ مَكْسَبُهُ وحَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ وصَحَّتْ سَرِيرَتُهُ وأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ وأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ كَلامِهِ وكَفَي النَّاسَ شَرَّهُ وأَنْصَفَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ» ().

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة الرعد: 28.

() سورة الانشقاق: 6.

() كشف الغمة: ج1 ص170 في وصف زهده عليه السلام في الدنيا..

() أنظر نهج البلاغة، الخطبة: 193 يصف عليه السلام فيها المتقين.

() الكافي: ج2 ص306 باب الحسد ح3.

() بحار الأنوار: ج90 ص376 ب24 ح16.

() أنظر أمالي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه: ص399 المجلس 62 ح13، وفيه: عن القاسم بن أبي سعيد قال: أتت فاطمة عليها السلام النبي صلي الله عليه و اله فذكرت عنده ضعف الحال، فقال لها: «أما تدرين ما منزلة علي عندي كفاني أمري وهو ابن اثنتي عشرة سنة وضرب بين يدي بالسيف وهو ابن ست عشر سنة وقتل الأبطال وهو ابن تسع عشرة سنة وفرَّج همومي وهو ابن عشرين سنة ورفع باب خيبر وهو ابن اثنتين وعشرين سنة كاملة وكان لا يرفعه خمسون رجلاً» قال: فأشرق لون فاطمة عليها السلام ولم تقر قدماها حتي أتت علياً عليه السلام فأخبرته..

() أمالي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه: ص514 المجلس 77 ح10، وانظر الإرشاد: ج1 ص128.

() سورة البقرة: 17 و18.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص145 ب40 ح13.

() نهج البلاغة،

الخطبة: 87.

() هو الشيخ مرتضي بن محمد أمين الدزفولي الأنصاري رحمة الله عليه ينتهي نسبه إلي جابر بن عبد الله الأنصاري (رض)، ولد بدزفول سنة (1214) وتوفي سنة (1281) للهجرة ودفن في المشهد الغروي، وهو الأستاذ الإمام المؤسس شيخ مشايخ الإمامية، قدم العراق وهو في العشرين من عمره فورد كربلاء وكانت الأستاذية والرياسة العلمية فيها لكل من السيد محمد المجاهد وشريف العلماء فرغّب الأول إلي والده أن يتركه في كربلاء للتحصيل علي إثر مذاكراته وظهور قابليته فبقي آخذاً من الأستاذين، خرج إلي الكاظمية وعاد منها إلي وطنه واختلف إلي شريف العلماء، مر بكاشان عند خروجه لزيارة مشهد الرضا عليه السلام ففاز بلقاء أستاذه النراقي رحمة الله عليه، مما دعاه للإقامة ثلاث سنين في كاشان، وحكي عن النراقي قوله: لقيت خمسين مجتهداً لم يكن أحد منهم مثل الشيخ مرتضي، ورد النجف الأشرف عام (1249ه) أيام الشيخ علي بن الشيخ جعفر وصاحب الجواهر ثم انفرد بالتدريس واستقل ووضع أساس علم الأصول الحديث عند الشيعة الإمامية إلي أن انتهت إليه رياسة الإمامية العامة بعد وفاة الشيخين وصار علي كتبه ودراستها معول أهل العلم، وكان رحمة الله عليه يملي دروسه في الفقه والأصول كل يوم في الجامع الهندي حيث يغص فضاؤه بما ينيف علي الأربعمائة من العلماء والطلاب وقد تخرج منه أكثر الفحول من بعد مثل الميرزا الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي والسيد حسين الترك والشرابياني والمامقاني والميرزا

أبو القاسم الكلانتري، من مصنفاته رحمة الله عليه المكاسب وكتاب الطهارة المعروف بطهارة الشيخ وكتاب الصوم والزكاة والخمس ورسائله الخمس المشهورة وكثير غيرها، أنظر أعيان الشيعة: المجلد 10 ص117 حرف (الميم).

() توامين: جمع (تومان) وهي العملة النقدية المتداولة في إيران اليوم.

() نهج

البلاغة، الخطبة: 157.

() سورة الطلاق: 3.

() سورة الشعراء: 77.

() سورة الشعراء: 78 81.

() سورة الشعراء: 49.

() سورة الشعراء: 50.

() كنز الفوائد: ج2 ص194 فصل في ذكر الغني والفقر.

() مصباح الكفعمي: ص594 دعاء السحر لعلي بن الحسين ? دعاء أبو حمزة الثمالي.

() علل الشرائع: ص181 ب145 ح1.

() الجعفريات: ص223 باب فضل الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص189 ح3639 الفصل الثاني في الذكر.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص189 ح3631 الفصل الثاني في الذكر.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص189 ح3636 الفصل الثاني في الذكر.

() سورة الأعراف: 205.

() سورة الشعراء: 227.

() سورة الأحزاب: 41.

() سورة الرعد: 28.

() معجم البيان: المجلد3 ص290 تفسير سورة الرعد.

() المحاسن: ص291 ب47 ح443.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص471 ح1360.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص472 ح1361.

() تهذيب الأحكام: ج2 ص120 ب23 ح221.

() سورة المزمل: 6.

() الكافي: ج3 ص446 ح17.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص475 ح1374.

() ثواب الأعمال: ص100 ثواب من قرأ القرآن وهو شاب.

() سورة البقرة: 4.

() سورة الأنبياء: 49.

() نهج البلاغة، الخطبة 193.

() غيبة النعماني: ص327 ب22 ص327 ح8.

() الصحيفة السجادية: الدعاء العشرون، من دعائه عليه السلام في مكارم الأخلاق.

() سورة مريم: 96.

() سورة العنكبوت: 7.

() سورة العنكبوت: 9.

() سورة فصلت: 8.

() سورة البقرة: 4.

() سورة الأنعام: 75.

() سورة الرعد: 2.

() سورة البقرة: 118.

() سورة السجدة: 24.

() سورة الجاثية: 20.

() سورة النور: 54.

() سورة الأنفال: 20.

() سورة النساء: 59.

() سورة المجادلة: 13.

() نهج الفصاحة: ص146 ح717.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص154 ح2871 الفصل4 في العمل.

() الكافي: ج2 ص38 باب الإيمان ح3.

() أمالي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه: ص487 المجلس 74 ح1.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص61 ح707 الفصل10 اليقين

كمال المعرفة.

() المحاسن: ص247 باب اليقين والصبر ح251.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص62 ح747 الفصل10 اليقين كمال المعرفة.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص62 ح735 الفصل10 اليقين كمال المعرفة.

() بحار الأنوار: ج67 ص179 ب52 ح45.

() بحار الأنوار: ج67 ص180 ب52 ح48.

() بحار الأنوار: ج67 ص96 ب47 ح3.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص182 ح3425 الفصل 1 في طاعة الله.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص182 ح3422 الفصل 1 في طاعة الله.

() الكافي: ج2 ص237 ح25.

() الكافي: ج2 ص237 ح26.

() الكافي: ج2 ص238 ح27.

() الكافي: ج2 ص234 ح13.

() الكافي: ج2 ص234 ح14.

() الكافي: ج2 ص235 ح16.

() الكافي: ج2 ص235 ح17.

() الكافي: ج2 ص235 ح18.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.