الصلاة خير من النوم

اشارة

مولف:مجمع العالمي لاهل البيت

مقدمة

من المسائل التي مازالت موضع خلاف بين المذاهب الإسلامية، مسألة الأذان والعبارات التي تذكر فيه، من حيث الإضافة والحذف، كقصة التثويب «الصلاة خير من النوم» ولا يمكن بحث هذه المسألة بمعزل عن كيفية تشريع الأذان، فالمراجعة للمصادر الحديثية عند العامة، تكشف لنا عن عدد من الروايات الضعيفة والمقطوعة في سندها ونهاية البعض منها إلي مجاهيل، تحكي لنا كيفية تشريع الأذان، من أنّه كان برؤيا قد رآها عبدالله بن زيد الأنصاري وعمر بن الخطاب، بسبب أن الرسول (صلي الله عليه وآله) قد استشار في أمر الأذان، واختلفت الروايات مع بعضها من أن «الصلاة خير من النوم» كانت جزءاً ملحوقاً بالقصة في زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أو أنه (صلي الله عليه وآله) أمر بلالاً بذكرها مثلاً، بدل ذكر «حيّ علي خير العمل» المحذوفة عند العامة، أم أن بلالاً قالها وأقرّها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بذيل الرؤيا أو أن الأمر بالزيادة جاء بوقت لاحق من قبل الرسول (صلي الله عليه وآله). كما تطالعنا طائفة اُخري من الروايات تصرح بأن ذكر الصلاة خير من النوم، كان من ضمن اجتهادات الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. أما لو ذهبنا إلي المصادر الحديثية عند أتباع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لوجدنا أن كيفية الأذان تختلف جملة وتفصيلاً عن كيفية الأذان عندالعامةاعتماداً علي روايات ينقلها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن جدّهم (صلي الله عليه وآله)، كما أن لمدرستهم (عليهم السلام) أحكاماًبخصوص الزيادة في الأذان بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله).

روايات الأذان في الصحاح والمسانيد

وقبل الخوض في تفاصيل هذه المسألة نري من الأفضل أولاً عرض بعض الروايات وأهمها المتضمنة لذكر «الصلاة خير من النوم» بالإضافة الي الروايات التي لم

تتضمن هذا الذكر أيضاً، والتي تنقلها كتب العامّة مع أسانيدها، لتشكل أساساً ومحوراً للمناقشة والدرس. 1 _ ابن ماجة: حدثنا محمّد بن خالد بن عبدالله الواسطي، قال: حدثنا أبي، عن عبدالرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن النبي (صلي الله عليه وآله) استشار الناس لما يُهمُهم إلي الصلاة، فذكروا البوق، فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكروا الناقوس، فكرهه من أجل النصاري، فاُري النداء تلك الليلة رجل من الأنصار; يُقال له: عبدالله بن زيد، وعمر بن الخطاب، فطرق الأنصاري رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليلاً، فأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بلالاً به فأذّن. قال الزهري: وزاد بلالٌ في نداء صلاة الغداة ; الصلاة خير من النوم، فأقرّها رسول الله (صلي الله عليه وآله) [1] . 2 _ أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا الحرث بن عبيد، عن محمّد بن عبدالملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه، قال: قلت: يار سول الله علّمني سنّة الأذان، قال: فمسح مُقدّم رأسي وقال: «تقول الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. ترفع بها صوتك ثم تقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، حي علي الصلاة، حيّ علي الصلاة، حيّ علي الفلاح، حيّ علي الفلاح، فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله» [2] . 3

_ وفي مسند أحمد: حدثنا عبدالله، حدّثني أبي، حدثنا يعقوب، قال: حدثنا أبي عن ابن إسحاق، قال: وذكر محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبدالله بن زيد بن عبدربّه، قال: لما أجمع رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يضرب بالناقوس يجمع للصلاة الناس، وهو له كاره لموافقته النصاري، طاف بي من الليل طائف، وأنا نائم، رجلٌ عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحمله، قال: فقلت له يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلي الصلاة، قال: أفلا أدلك علي خير من ذلك؟ قال: فقلت: بلي، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله، أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حيّ علي الصلاة، حيّ علي الصلاة، حيّ علي الفلاح، حيّ علي الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاّ الله، قال: ثم استأخرت غير بعيد، قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، اشهد أن محمّداً رسول الله، حيّ علي الصلاة، حيّ علي الصلاة، حيّ علي الفلاح، حيّ علي الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاّ الله، قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال: فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «إنّ هذه لرؤيا حق إن شاء الله» ثم أمر بالتأذين، فكان بلال _ مولي أبي بكر _ يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي الصلاة،

قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلي الفجر، فقيل له: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) نائم، قال فصرخ بلال بأعلي صوته «الصلاة خير من النوم»، قال سعيد ابن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلي صلاة الفجر [3] . 4 _ في سنن الدارمي: أخبرنا عثمان بن عمر بن فارس، حدثنا يونس عن الزهري، عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن: إن سعداً كان يؤذن في مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال حفص: حدثني أهلي أن بلالاً أتي رسول الله (صلي الله عليه وآله) _ يؤذنه لصلاة الفجر، فقالوا: إنّه نائم، فنادي بلال بأعلي صوته: «الصلاة خير من النوم»، فاُقرّت في أذان صلاة الفجر [4] . 5 _ وفي مجمع الزوائد: أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، أخبرنا مسلم بن خالد، حدثني عبدالرحيم ابن عمر عن ابن شهاب، عن سالم بن عبدالله بن عمر عن عبدالله بن عمر، أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أراد أن يجعل شيئاً _ يجمع به الناس _ حتّي اُري رجل من الأنصار يقال له عبدالله بن زيد واُريه عمر بن الخطاب تلك الليلة... إلي أن قال: فزاد بلال في الصبح «الصلاة خير من النوم»، فأقرها رسول الله (صلي الله عليه وآله) [5] . 6 _ وفيه: وعن بلال أنّه كان يؤذن لصلاة الصبح فيقول: «حيّ علي خير العمل»، فأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يجعل مكانها «الصلاة خير من النوم» ويترك «حيّ علي خير العمل» [6] . 7 _ وعن أبي هريرة، قال: جاء بلال إلي النبي (صلي الله عليه وآله) يؤذنه بصلاة الصبح، فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس، فعاد إليه

فرأي منه ثقلة، فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس، فذهب فأذّن فزاد في أذانه «الصلاة خير من النوم»، قال له النبي (صلي الله عليه وآله):ما هذا الذي زدت في أذانك، قال: رأيت منك ثقلة فأحببت أن تنشط، فقال: اذهب فزده في أذانك ومروا أبا بكر فليصلّ بالناس [7] . 9 _ وعن أبي هريرة أن بلالاً أتي النبي (صلي الله عليه وآله) عند الأذان في الصبح فوجده نائماً فناداه: «الصلاة خير من النوم» فلم ينكره رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأدخله في الأذان، فلا يؤذّن لصلاة قبل وقتها غير صلاة الفجر [8] . 10 _ وعن عائشة، قالت: جاء بلال إلي النبي (صلي الله عليه وآله) يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائماً، فقال: «الصلاة خير من النوم» فاُقرّت في أذان الصبح [9] . 11 _ وفي سنن الترمذي: حديث أحمد بن منيع، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم عن عبدالرحمن بن أبي ليلي عن بلال، قال: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله): «لا تثوّبنَّ في شيء من الصلاة إلاّ في صلاة الفجر» [10] . 12 _ روي أبو داود، قال: حدثنا عباد بن موسي الختلي، وزياد ابن أيوب، _ وحديث عباد أتم _ قالا: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، قال زياد: أخبرنا أبو بشر، عن أبي عمير ابن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: اهتمّ النبي (صلي الله عليه وآله) للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القُبْع _ يعني الشبور _، قال زياد: شبور اليهود، فلم يُعجبه ذلك، وقال: «هو من أمر

اليهود» قال: فذكر له الناقوس، فقال: «هو من أمر النصاري». فانصرف عبدالله بن زيد بن عبد ربّه وهو مهتم لهمِّ رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فأُري الأذان في منامه، قال: فغدا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فأخبره فقال (له): يا رسول الله، إنّي لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً، قال ثمّ أخبر النبي (صلي الله عليه وآله)، فقال له: ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبدالله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبدالله بن زيد فافعله» قال: فأذّن بلال، قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير أنّ الأنصار تزعم أنّ عبدالله بن زيد لولا أ نّه كان يومئذ مريضاً، لجعله رسول الله (صلي الله عليه وآله) مؤذّناً. [11] . 13 _ وقال: حدثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن محمّد بن اسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبدالله بن زيد بن عبد ربّه، قال: حدثني أبي عبدالله بن زيد، قال: لمّا أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي _ وأنا نائم _ رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلي الصلاة قال: أفلا أدلّك علي ماهو خير من ذلك؟ فقلت له: بلي، قال: فقال تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله،

أشهد أنّ محمداً رسول الله، حي علي الصلاة، حيّ علي الصلاة، حيّ علي الفلاح، حيّ علي الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، لا إله إلاّ الله. قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة. الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، حي علي الصلاة، حيّ علي الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله. فلمّا أصبحت أتيت رسول الله فأخبرته بما رأيت، فقال: «إنّها لرؤيا حق شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذّن به فإنّه أندي صوتاً منك». فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه، ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت ما رأي، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): فلله الحمد [12] . 14 _ قال ابن ماجة: حدثنا أبو عبيد محمد بن عبيد بن ميمون المدني، قال: حدثنا محمد بن سَلمة الحرّاني، قال حدثنا محمد بن إسحاق، قال حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي، عن محمد بن عبدالله ابن زيد عن أبيه، قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد همَّ بالبوق، وأمر بالناقوس فنحِت فاُري عبدالله بن زيد في المنام [13] . 15 _ وفي سنن الترمذي: حدثنا سعد بن يحيي بن سعيد الاُموي، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبدالله بن زيد، عن أبيه، قال: لما أصبحنا أتانا رسول الله فأخبرته بالرؤيا... الخ. وقال الترمذي: وقد روي هذا الحديث إبراهيم

بن سعد عن محمد بن إسحاق أتمّ من هذا الحديث وأطول، ثم أضاف الترمذي، وعبدالله بن زيد، هو ابن عبد ربّه، ولا نعرف له عن النبي شيئاً يصح إلاّ هذا الحديث الواحد في الأذان [14] . ويتلخّص مفاد الروايات بما يلي: جاءت الزيادة في الأذان من قبل بلال وأقرّها رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولم يرها _ في المنام _ عبدالله بن زيد ولا عمر بن الخطاب كما تنقلها الروايات في قصة رؤيا الأذان. الأذان كان قد علّمه رسول الله (صلي الله عليه وآله) الي أبي محذورة وكان قد تضمّن «الصلاة خير من النوم». وفي رواية أن بلالاً صرخ بأعلي صوته والرسول نائم: «الصلاة خير من النوم» فاُدخلت في الأذان. وفي اُخري: أن بلالاً كان يؤذن لصلاة الصبح فيقول: حيّ علي خير العمل، فأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يجعل مكانها «الصلاة خير من النوم» ويترك حيّ علي خير العمل. هذه الروايات التي تنقلها كتب السنن والمسانيد والتي تضمنت الذكر لمسألة «الصلاة خير من النوم» في الأذان، والاُخري التي لم تتضمن هذا الذكر، غير معتبرة من عدة وجوه: الأوّل: من حيث السند فإننا نجد طرقها إما ضعيفة أو منقطعة أو فيها مجاهيل. الثاني: الكيفية التي شرع فيها الأذان تثير الاستغراب، وذلك لمخالفتها الاُصول المعروفة في تشريع الأحكام. الثالث: وجود الاختلاف بين فقهاء المسلمين من المذاهب الأربعة في مسألة التثويب.

مناقشة روايات الأذان المتقدمة سندا

نركّز الكلام في هذه الفقرة بخصوص سند الروايات وسوف نتناولها بالنظر تباعاً من سند الحديث الأوّل حتّي الأخير ليتسني لنا البت في الحكم فيما إذا كان ذكر «الصلاة خير من النوم» موجوداً في زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أم أنّه

اُستحسن فيما بعد فاُضيف في الأذان اجتهاداً، كما سيأتي إثبات ذلك في فقرة لاحقة من هذا البحث إن شاء الله تعالي. وإليك بيان أسانيدها: 1 _ «محمد بن خالد بن عبدالله الواسطي» فيعرّفه جمال الدين المزّي، بقوله: قال ابن معين لا شيء، وأنكر روايته عن أبيه، وقال أبو حاتم: سألت يحيي بن معين فقال: رجل سوء كذّاب، وأخرج أشياء منكرة، وقال أبو عثمان سعيد بن عمر والبردعي: وسألته _ أبا زرعة _ عن محمد بن خالد، فقال رجل سوء، وذكره ابن حبان في كتاب الثقاة وقال يخطئ ويخالف [15] . وقال الشوكاني بعد نقل الرواية: وفي إسناده ضعف جداً [16] . 2 _ قال الذهبي: محمد بن عبدالملك بن أبي محذورة عن أبيه، في الأذان ليس بحجّة [17] . وفي نيل الأوطار للشوكاني: محمد بن عبدالملك بن أبي محذورة غير معروف الحال، والحرث بن عبيد وفيه مقال [18] . 3 _ «محمد بن اسحاق بن يسار بن خيار»، فإنّ أهل السنّة لا يحتجون برواياته. قال أحمد بن خيثمة: سئل يحيي بن معين عنه، فقال: ضعيف عندي سقيم ليس بقوي. وقال أبو الحسن الميموني: سمعت يحيي بن معين يقول: محمد بن اسحاق ضعيف، وقال النسائي: ليس بالقوي [19] . 4 _ جاء في سنن الدارمي: «هذا الحديث إسناده ضعيف لوجود حفص بن عمر وأبيه، وذكر هذه القصة مالك في الموطأ بإسناد منقطع في كتاب الصلاة» [20] . 5 _ «مسلم بن خالد بن قرة _ ويقال: ابن جرحة» ضعّفه يحيي بن معين، وقال علي بن المديني: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم ليس بذاك القوي منكر الحديث يكتب حديثه

ولا يحتجّ به، أحاديثه تعرف وتنكر [21] . 6 _ رواه الطبراني في الكبير وفيه عبدالرحمن بن عمار بن سعد ضعّفه ابن معين [22] . 7 _ وفيه عبدالرحمن بن قسيط ولم أجد من ذكره [23] . 8 _ رواه الطبراني في الأوسط، وقال: «تفرّد به مروان بن ثوبان قلت: ولم أجد من ذكره» [24] . 9 _ رواه الطبراني في الأوسط، وفيه صالح بن الأخضر واختلف في الاحتجاج به ولم ينسبه أحد إلي الكذب [25] . 10 _ قال: وفي الباب عن أبي محذورة، قال أبو عيسي: حديث بلال لا نعرفه، إلاّ من حديث أبي إسرائيل الملائي، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عتيبة، قال: إنّما رواه عن الحسن ابن عمارة عن الحكم بن عتيبة، وأبو إسرائيل اسمه (إسماعيل بن أبي إسحاق) وليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث [26] . 11 _ هذه الرواية ضعيفة، لأنها تنتهي إلي مجهول أو مجاهيل لقوله: عن عمومة له من الأنصار. ويروي عن العمومة أبو عمير بن أنس، فيذكره ابن حجر ويقول فيه: روي عن عمومة له من الأنصار من أصحاب النبي في رؤية الهلال وفي الأذان. وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. وقال ابن عبدالبر: مجهول لا يحتجّ به [27] . وقال جمال الدين: هذا ما حدّث به في الموضوعين: رؤية الهلال والأذان جميع ما له عندهم [28] . 12 _ وفي هذه الرواية: ألف: «محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي، أبوعبدالله» المتوفي حدود عام (120 ه_). قال أبو جعفر العقيلي: عن عبدالله بن أحمد بن حنبل، سمعت أبي _ وذكر محمد بن إبراهيم التيمي المدني _ فقال: في حديثه

شيء يروي أحاديث مناكير أو منكرة [29] . ب _ «محمد بن اسحاق بن يسار بن خيار»، فإنّ أهل السنّة لا يحتجون برواياته، وإن كان هو الأساس ل_ «سيرة ابن هشام المطبوعة». قال أحمد بن أبي خيثمة: سئل يحيي بن معين عنه، فقال: ضعيف عندي سقيم ليس بالقوي. وقال أبو الحسن الميموني: سمعت ابن معين يقول: محمد بن اسحاق ضعيف، وقال النسائي: ليس بالقوي [30] . ج _ «عبدالله بن زيد»، راوية الحديث وكفي في حقّه أنه قليل الحديث، قال الترمذي: لا تعرف له شيئاً يصح عن النبي إلاّ حديث الأذان قال الحاكم: الصحيح، أنّه قُتل باُحد، والروايات عنه كلّها منقطعة، قال ابن عدي: لا نعرف له شيئاً عن النبي إلاّ حديث الأذان [31] . وروي الترمذي عن البخاري: لا نعرف له إلاّ حديث الأذان [32] . وقال الحاكم: عبدالله بن زيد هو الذي اُرِيَ الأذان الذي تداوله فقهاء الإسلام بالقبول، ولم يخرج في الصحيحين لاختلاف الناقلين في أسانيده [33] . 13 _ قد اشتمل السند علي محمد بن اسحاق بن يسار، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وقد تعرفت علي حالهما كما تعرفت علي أن عبدالله بن زيد كان قليل الرواية، والروايات كلها منقطعة. 14 _ جاء في سند هذه الرواية، محمد بن إسحاق بن يسار، ومحمد بن الحارث التيمي، وعبدالله بن زيد، وقد تعرفت علي جرح الأولين وانقطاع السند في كل ما يرويان عن الثالث، وبذلك يتّضح حال السند، فلاحظ.

الكيفية التي صاغتها الروايات في تشريع الأذان

تخالف الاُصول المعروفة في تشريع الأحكام في هذه الفقرة من البحث سنتعرض الي الايرادات الشرعية التي تعترض الكيفية التي صاغتها الروايات في تشريع الأذان ومخالفتها للاُصول التي يتم بها تشريع الأحكام ضمن عدة نقاط:

الاُولي: إنّها لا تتفق مع مقام النبوة: إنّه سبحانه بعث رسوله لإقامة الصلاة مع المؤمنين في أوقات مختلفة، وطبع القضية يقتضي أن يعلّمه سبحانه كيفية تحقق هذه الاُمنية، فلا معني لتحيّر النبيّ (صلي الله عليه وآله) أياماً طويلة أو عشرين يوماً علي ما في الرواية الاُولي التي رواها أبو داود، وهو لا يدري كيف يحقّق المسؤولية الملقاة علي عاتقه، فتارة يتوسّل بهذا، واُخري بذاك حتّي يرشد الي الأسباب والوسائل التي تؤمّن مقصوده، مع أ نّه سبحانه يقول في حقّه: (وكانَ فضلُ الله عليك عظيماً) [34] والمقصود من الفضل هو العلم بقرينة ما قبله: (وعلّمك ما لَمْ تكنْ تعلم). إن الصلاة والصيام من الاُمور العبادية، وليسا كالحرب والقتال الذي ربّما كان النبي (صلي الله عليه وآله) يتشاور فيه مع أصحابه، ولم يكن تشاوره في كيفية القتال عن جهله بالأصلح، وإنّما كان لأجل جلب قلوبهم، كما يقول سبحانه: (ولو كُنتَ فظّاً غليظَ القلب لانفضُّوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل علي الله) [35] . أليس من الوهن في أمر الدين أن تكون الرؤيا والأحلام والمنامات من أفراد عاديين مصدراً لأمر عبادي في غاية الأهمية كالأذان والإقامة؟! إنّ هذا يدفعنا إلي القول بأنّ كون الرؤيا مصدراً لتشريع الأذان أمر مكذوب علي الرسول (صلي الله عليه وآله). ومن القريب جداً أنّ عمومة عبدالله ابن زيد هم الذين أشاعوا تلك الرؤيا وروّجوها، لتكون فضيلة لبيوتاتهم وقبائلهم. كما هو مقتضي الرواية الثانية عشر أنّ بني عمومته هم رواة هذا الحديث، وأنّ من اعتمد عليهم إنّما كان لحسن ظنّه بهم. الثانية: إنّها متعارضة جوهراً إنّ الروايات الواردة حول بدء الأذان وتشريعه متعارضة جوهراً من جهات: 1

_ إنّ مقتضي الرواية الثانية عشر _ رواية أبي داود _ أنّ عمر بن الخطاب رأي الأذان قبل عبدالله بن زيد بعشرين يوماً. ولكن الرواية الثالثة عشر _ رواية أبي داود _ أ نّه رأي في الليلة نفسها التي رأي فيها عبدالله بن زيد. 2 _ إنّ رؤيا عبدالله بن زيد هي المبدأ للتشريع، لا عمر بن الخطاب، لأن عمر سمع الأذان بعد ذلك جاء إلي رسول الله وقال: إنّه أيضاً رأي تلك الرؤيا نفسها ولم ينقلها إليه استحياءً. 3 _ إنّ المبدأ به، هو عمر بن الخطاب نفسه، لا رؤياه، لأ نّه هو الذي اقترح النداء بالصلاة الذي هو عبارة اُخري عن الأذان. روي الترمذي في سننه قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة... _ إلي أن قال _: وقال بعضهم: اتّخذوا قرناً مثل قرن اليهود، قال: فقال عمر بن الخطاب: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ قال: فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): يا بلال قم فناد بالصلاة. نعم، فسّر ابن حجر النداء بالصلاة ب_ «الصلاة جامعة» [36] ولا دليل علي هذا التفسير. بل هو أقرب من تفسيركم أي بالأذان المعتمد. 4 _ إنّ مبدأ التشريع هو النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) نفسه. روي البيهقي: فذكروا أن يضربوا ناقوساً أو ينوّروا ناراً، فاُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. قال: ورواه البخاري عن محمد ابن عبدالوهاب، ورواه مسلم عن إسحاق بن عمار [37] . ومع هذا الاختلاف الكثير في النقل كيف يمكن الاعتماد عليه؟! الثالثة: أنّ الرائي كان أربعة عشر شخصاً لا واحداً يظهر ممّا رواه الحلبي أنّ الرائي للأذان لم يكن منحصراً بابني زيد والخطاب، بل ادّعي عبدالله أبو بكر أ نّه

أيضاً رأي ما رأياه وقيل: إنّه ادّعي سبعة من الأنصار، وقيل: أربعة عشر [38] كلّهم ادّعوا أ نّهم رأوا الأذان في الرؤيا، وليست الشريعة ورداً لكل وارد، فإذا كانت الشريعة والأحكام خاضعة للرؤيا والأحلام فعلي الإسلام السلام! بينما الرسول (صلي الله عليه وآله) يستقي تشريعاته من الوحي لا من أحلامهم. الرابعة: التعارض بين نقلي البخاري وغيره إن صريح صحيح البخاري أنّ النبي أمر بلالاً في مجلس التشاور بالنداء للصلاة وعمر حاضر حين صدور الأمر، فقد روي عن ابن عمر: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون الصلاة، ليس ينادي لها، فتكلّموا يوماً في ذلك فقال بعضهم: اتّخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصاري، وقال بعضهم: بل قرناً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أوَلا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله: يا بلال قم فناد بالصلاة [39] . وصريح أحاديث الرؤيا: أنّ النبيّ إنّما أمر بلالاً بالنداء عند الفجر، إذ قصّ عليه ابن زيد رؤيا ذلك بعد الشوري بليلة _ في أقل ما يتصوّر _ ولم يكن عمر حاضراً، وإنّما سمع الأذان وهو في بيته، خرج وهو يجر ثوبه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأي. وليس لنا حمل ما رواه البخاري علي النداء ب_ «الصلاة جامعة» وحمل أحاديث الرؤيا علي «التأذين بالأذان»، فإنّه جمع بلا شاهد أوّلاً، ولو أمر النبي بلالاً برفع صوته ب_ «الصلاة جامعة» لحلّت العقدة ثانياً، ورفعت الحيرة خصوصاً إذا كررت الجملة «الصلاة جامعة» ولم يبق موضوع للحيرة. وهذا دليل علي أنّ أمره بالنداء كان بالتأذين بالأذان المشروع [40] .

حكم التثويب في الأذان عند علماء العامة

قال الشافعي: ولا أحب التثويب في الصبح ولا في غيرها، لأنّ أبا محذورة لم يحكِ عن النبي (صلي

الله عليه وآله)، أنّه أمر بالتثويب فأكره الزيادة في الأذان، وأكره التثويب بعده [41] . وقال صاحب المجتهد: اختلفوا في قول المؤذن في صلاة الصبح: «الصلاة خير من النوم» هل يقال فيها أم لا؟ فذهب الجمهور إلي أنّه يقال فيها، وقال آخرون أنّه لا يقال، لأنّه ليس في الأذان المسنون، وبه قال الشافعي. وسبب اختلافهم: هل قيل ذلك في زمان النبي (صلي الله عليه وآله)، أو قيل في زمان عمر؟ وقال القرطبي في تفسيره: واختلفوا في التثويب لصلاة الصبح، وهو قول المؤذّن: «الصلاة خير من النوم» وهو قول الشافعي بالعراق، وقال: بمصر لا يقول ذلك [42] . وقال الحسن بن حسن: يقال في العتمة: «الصلاة خير من النوم»، «الصلاة خير من النوم»، ولا نقول بهذا أيضاً، لأنّه لم يأت عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) [43] . وروي عن أبي حنيفة كما في (جامع المسانيد) عن حمّاد عن إبراهيم، قال: سألته عن التثويب؟ فقال: هو ممّا أحدثه الناس، وهو حسن، ممّا أحدثوه. وذكر أنّ التثويب كان حين يفرغ المؤذّن من أذانه، أن «الصلاة خير من النوم» _ مرتين _ قال: أخرجه الإمام محمد بن الحسن الشيباني، من الآثار فرواه عن أبي حنيفة، ثم قال محمد: وهو قول أبي حنيفة (رحمه الله) وبه نأخذ [44] . وقد ذهب الشافعي إلي شرعية التثويب في القديم، إلاّ أنّه مكروه عنده في الجديد، وهو مروي عن أبي حنيفة، واختلفوا في محلّه. فالمشهور أنّه في صلاة الصبح فقط، وعن النخعي وأبي يوسف أنّه سنّة في كل صلاة، وروي الشعبي وغيره أنّه يستحب في العشاء والفجر... وذهب العترة والشافعي في أحد قوليه إلي أنّ التثويب بدعة، قال في البحر أحدثه

عمر، فقال ابنه: هذه بدعة، وعن علي (عليه السلام) حين سمعه: لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه، ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وبلال، قلنا: لو كان لما أنكره علي وابن عمر وطاووس، سلمنا فأمرنا، إشعاراً في حال لا شرعاً، جمعاً بين الآثار [45] . قال النووي: وأما التثويب في الصبح ففيه طريقان: الصحيح الذي قطع به المصنّف والجمهور أنّه مسنون لحديث أبي محذورة، والطريق الثاني فيه قولان: أحدهما: هذا _ وهو القديم _ ونقله القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل عن نصّ الشافعي في البويطي، فيكون منصوصاً في القديم والجديد، ونقله صاحب التتمة عن نص الشافعي (رحمه الله) في عامة كتبه. والثاني: _ وهو الجديد _ إنّه يكره، وممّن قطع بطريقه القولين الدارمي، وادّعي إمام الحرمين أنّها أشهر، والمذهب أنّه مشروع فعلي هذا هو سنّة لو تركه صح الأذان وفاته الفضيلة، هكذا قطع به الأصحاب [46] . وقال الأمير اليمني الصنعاني م 1182 في كتابه «سبل السلام»: قلت: علي هذا ليس «الصلاة خير من النوم»: من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلي الصلاة والأخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضاً عن الأذان الأوّل، وإذا عرفت هذا هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب، هل هو من ألفاظ الأذان أو لا؟ وهل هو بدعة أو لا؟ ثم المراد من معناه: اليقظة للصلاة خير من النوم، أي الراحة التي يعتاضونها من الآجل خير من النوم. ولنا كلام في هذه الكلمة أودعناه رسالة لطيفة [47] . وقال النووي في شرحه علي كتاب «صحيح مسلم»: واعلم أنّه يستحب إجابة

المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممّن لا مانع له من الإجابة، فمن أسباب المنع أن يكون في الخلاء أو جماع أهله أو نحوهما، ومنها أن يكون في صلاة فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة فسمع المؤذن لم يوافقه وهو في الصلاة، فإذا سلّم أتي بمثله، فلو فعله في الصلاة فهل يكره، فيه قولان للشافعي (رضي الله عنه) أظهرهما: انّه يكره لأنّه إعراض عن الصلاة، لكن لا تبطل صلاته، إن قال ما ذكرناه لأنّها أذكار، فلو قال: «حيّ علي الصلاة» أو «الصلاة خير من النوم» بطلت صلاته إن كان عالماً بتحريمه لأنّه كلام آدمي... [48] .

ذكر الصلاة خير من النوم في الأذان

من اجتهادات الخليفة الثاني وإذا لم تثبت صحة الروايات التي تحدثت عن كيفية تشريع الأذان من جهة سندها ودلالتها فلا يبقي مجال إلاّ الاعتقاد بصحة الروايات التي تنقل بأن إضافة: «الصلاة خير من النوم» في الأذان كانت من اجتهاد عمر بن الخطاب، وانّها لم تشرّع في زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وإليك ذكر الروايات التي تحدثت عن ذلك. عن مالك أنه بَلَغه أن المؤذن جاء إلي عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح، فوجده نائماً فقال: «الصلاة خير من النوم» فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح. قال الزرقاني: هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنفه، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، وأخرج أيضاً عن سفيان، عن محمد بن عجلان بن نافع، عن ابن عمر، عن عمر أ نّه قال لمؤذنه: إذا بلغت حي علي الفلاح في الفجر فقل: «الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم»، فقصر ابن عبدالبرّ من قوله،

لا أعلم هذا، روي عن عمر من وجه لا يحتجّ به وتعلم صحته [49] . عن ابن جريح، قال: أخبرني حسن بن مسلم أن رجلاً سأل طاووساً، متي قيل «الصلاة خير من النوم؟» فقال: أما أنها لم تقل علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولكن بلالاً سمعها في زمان أبي بكر بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، يقولها رجلٌ غير مؤذن فأخذها منه، فأذّن بها، فلم يمكث أبو بكر إلاّ قليلاً حتّي كان عمر، قال: لو نهينا بلالاً عن هذا الذي أحدث وكأ نّه نسيه وأذّن به الناس حتّي اليوم [50] . عن ابن جريح، قال: أخبرني عمر بن حفص أن سعداً، أوّل من قال: «الصلاة خير من النوم» في خلافة عمر، فقال: بدعةٌ ثم تركه وأن بلالاً لم يؤذّن لعمر [51] .

آراء فقهاء مدرسة أهل البيت في حكم التثويب

قال السيد المرتضي: التثويب في صلاة الصبح بدعة، هذا صحيح وعليه اجماع أصحابنا، وقد اختلف الفقهاء في التثويب ماهو؟ فقال الشافعي: التثويب هو أن يقول بعد الدعاء إلي الصلاة: «الصلاة خير من النوم» مرتين في مقبل الأذان. وحكي عن أبي حنيفة أنّه، قال: التثويب هو أن يقول بعد الفراغ من الأذان: «حيّ علي الصلاة، حيّ علي الفلاح» مرتين. وحكي عن محمد أنّه قال في كتبه: كان التثويب الأوّل «الصلاة خير من النوم» بين الأذان والإقامة، ثم أحدث الناس بالكوفة «حيّ علي الصلاة، حيّ علي الفلاح»، مرتين بين الأذان والإقامة، وهو حسن. وذهب الشافعي إلي أنّ التثويب مسنون في صلاة الصبح دون غيرها. وحكي عنه أنّه قال في الجديد: هو غير مسنون. وقال النخعي: هو مسنون في أذان سائر الصلوات. الدليل علي صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع

المتقدم: أنّ التثويب لو كان مشروعاً، لوجب أن يقوم دليل شرعيّ يقطع العذر علي ذلك ولا دليل عليه. المحنة بيننا وبين من خالف فيه. وأيضاً فلا خلاف في أنّ من ترك التثويب لا يلحقه ذمّ، لأنّه إمّا أن يكون مسنوناً علي قول بعض الفقهاء، وغير مسنون علي قول البعض الآخر، وفي كلا الأمرين لا ذم علي تاركه، وما لا ذمّ في تركه ويخشي في فعله أن يكون بدعة ومعصية يستحق بها الذمّ فتركه أولي وأحوط في الشريعة [52] . وقال الشيخ الطوسي: «لا يستحب التثويب في حال الأذان ولا بعد الفراغ منه، وهو قول القائل «الصلاة خير من النوم» في جميع الصلوات... دليلنا علي نفيه في الموضعين أن إثباته من خلال الأذان وبين الأذان والإقامة يحتاج إلي دليل وليس في الشرع ما يدلّ عليه، وأيضاً عليه اجماع الفرقة...» [53] . وقال العلاّمة الحلّي: «التثويب عندنا بدعة، وهو قول: (الصلاة خير من النوم) في شيء من الصلوات...». إلي أن قال: «وهذا كلّه باطل عندنا، لأنّه ليس للنبي (صلي الله عليه وآله) أن يجتهد في الأحكام، بل يأخذها بالوحي لا بالاستحسان». ثم قال: «كما أنّه لا تثويب في الصبح عندنا فكذا في غيره، وبنفي غيره ذهب أكثر العلماء، لأنّ ابن عمر دخل مسجداً يصلّي فسمع رجلاً يثوّب في أذان الظهر فخرج عنه، فقيل له: إلي أين تخرج؟ فقال: أخرجتني البدعة. وحكي عن الحسن بن صالح بن حي استحبابه في العشاء; لأنّه وقت ينام فيه الناس فصار كالغداة. وقال النخعي: انّه مستحب في جميع الصلوات; لأنّ ما يُسنّ في الأذان لصلاة يسنّ لجميع الصلوات كسائر الألفاظ. والأصل في الأوّل، والعلّة في الثاني ممنوعان» [54] . وقال الشيخ مولي

أحمد الأردبيلي في كتابه (مجمع الفائدة والبرهان): وأما كون التثويب بدعة، وهو «الصلاة خير من النوم» فلأنّه غير منقول، بل في الأخبار عدم معرفته (صلي الله عليه وآله) له، روي في الحسن (لإبراهيم) عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة؟ فقال: ما نعرفه، أي ما نقول به،... والعمدة أنّه تشريع، وتغيير للأذان المنقول وزيادة بدل ما هو ثابت شرعاً، فيكون حراماً، ولو قيل من غير اعتقاد ذلك، بل مجرد الكلام، فلا يبعد كونه غير حرام [55] . عن معاوية بن وهب، قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن التثويب في الأذان والإقامة فقال، «ما نعرفه». قال المجلسي: «ما نعرفه» أي ليس بمشروع، إذ لو كان مشروعاً كنا نعرفه، وقال في المنتهي: التثويب في أذان المبتداة وغيرها غير مشروع وهو قول «الصلاة خير من النوم»، ذهب إليه أكثر علمائنا وهو قول الشافعي. وأطلق أكثر الجمهور علي استحبابه في الغداة، لكن عن أبي حنيفة روايتان في كيفيّته. فرواية كما قلناه. والاُخري أنّ التثويب عبارة عن قول المؤذّن بين أذان الفجر وإقامته «حيّ علي الصّلاة» مرتين «حيّ علي الفلاح» مرتين، وقال في النهاية: فيه إذا ثوّب الصّلاة فأتوها وعليكم السكينة والتثويب ههنا إقامة الصلاة، والأصل في التثويب أن يجيء الرجل مستصرخاً فيلوح بثوبه ليري ويشتهر. فسمّي الدعاء تثويباً لذلك، وقيل من ثاب يثوب إذا رجع فهو رجوع الي الأمر بالمبادرة الي الصلاة، فانّ المؤذن إذا قال: «حيّ علي الصلاة» فقد دعاهم إليها، فإذا قال: بعدها «الصلاة خير من النوم» فقد رجع الي كلام معناه المبادرة إليها، وقال في الحبل المتين _ بعد ايراد الرواية هكذا عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة _: وما تضمّنه من عدم مشروعية

التثويب بين الأذان والإقامة يراد به الإتيان بالحيعلتين بينهما، وقد أجمع علماؤنا علي ترك التثويب سواء فسّر بهذا، أو بقول الصلاة خير من النوم [56] . وقال الشيخ محمد حسن النجفي في كتابه جواهر الكلام: التثويب في الأذان، كما هو المشهور بين أهل اللغة والفقه، قول: «الصلاة خير من النوم» فأصحابنا مجمعون عدا النادر منهم، علي عدم مشروعيته، والظاهر عدم الفرق في كراهة التثويب أو حرمته، بهذا المعني بين فعله بعد «حيّ علي الفلاح» كما يصنعه العامة، وبين فعله بعد «حيّ علي خير العمل». نعم، يمكن القول بالجواز فيه إذا كان بين التكبير في الأذان مثلاً مع عدم قصد التشريع [57] .

كيفية تشريع الأذان عند أهل البيت

حينما ننظر إلي الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في مبدأ تشريع الأذان لا نري فيها المحذور الذي تقدم، وهو التنافي مع مقام النبوة، فمنها: 1 _ في الوسائل باسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن علي ابن السني، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن زرارة والفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما اُسري رسول الله (عليه السلام) فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة، فأذّن جبرئيل وأقام، فتقدّم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وصفّ الملائكة والنبيّون خلف رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال: فقلنا له: كيف أذّن؟ فقال: الله أكبر، الله أكبر، اشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، حيّ علي الصلاة، حيّ علي الصلاة، حيّ علي الفلاح، حيّ علي الفلاح، حيّ علي خير العمل، حيّ علي خير العمل، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، لا إله إلاّ الله، والإقامة مثلها، إلاّ أنّ

فيها: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، بين حيّ علي خير العمل، حيّ علي خير العمل، وبين الله أكبر، فأمر بها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بلالاً، فلم يزل يؤذّن بها حتي قبض الله رسوله [58] . 2 _ وعن محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن حفص بن البختري، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: لما اُسري برسول الله (صلي الله عليه وآله) وحضرت الصلاة فأذّن جبرئيل (عليه السلام)، فلمّا قال: الله أكبر، الله أكبر، قالت الملائكة: الله أكبر، الله أكبر، فلمّا قال: اشهد أن لا إله إلاّ الله، قالت الملائكة: خلع الأنداد، فلمّا قال: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، قالت الملائكة: نبيّ بعث، فلمّا قال: حيّ علي الصّلاة، قالت الملائكة: حثّ علي عبادة ربّه، فلمّا قال: حيّ علي الفلاح، قالت الملائكة: أفلح من اتّبعه [59] . 3 _ وعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: لما هبط جبرائيل (عليه السلام) بالأذان علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان رأسه في حجر عليّ (عليه السلام) فأذّن جبرائيل وأقام، فلمّ_ا انتبه رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: يا علي سمعت؟ قال: نعم، قال: حفظت، قال: نعم، قال: ادع بلالاً فعلّمه، فدعا علي (عليه السلام) بلالاً فعلّمه [60] . تؤيّد هذه الروايات روايات ذكرها العسقلاني وناقش في أسانيدها، فقال: «وردت أحاديث تدل علي أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة، منها للطبراني من طريق سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، قال: لما اُسري بالنبي (صلي الله عليه وآله) أوحي الله إليه الأذان فنزل به فعلّمه بلالاً. وفي إسناده طلحة ابن زيد وهو متروك. وللدارقطني في «الأطراف» من حديث أنس: أنّ جبرائيل أمر النبي

(صلي الله عليه وآله) بالأذان حين فرضت الصلاة، قال: وإسناده ضعيف. ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعاً لما اُسري بي أذّن جبرائيل فظنّت الملائكة انّه يصلي بهم فقدّمني فصليت، قال: وفيه من لا يعرف. وللبزار وغيره من حديث علي، قال: لما أراد الله أن يعلّم رسوله الأذان أتاه جبرائيل بدابة يقال لها: «البراق» فركبها فذكر الحديث [61] ... وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضاً، ويمكن علي تقدير الصحة أن يحمل علي تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة... والحق أنّه لا يصح شيء من هذه الأحاديث. هذه الروايات التي ينقلها العسقلاني تدل بوضوح علي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في كيفية تشريع الأذان. وأما نقاش العسقلاني في أسانيدها فذلك لأنه كان يروم إثبات أن مبدأ تشريع الأذان هو رؤيا عبدالله بن زيد أو عمر بن الخطاب. وقد عرفت بطلان ذلك فيما سبق. ومن أراد أن يكتشف الحقيقة في هذا المجال فعليه أن يلاحظ ما يلي: أولاً: توفر مصادر الفريقين علي نصوص تؤكد أن المبدأ في الأذان هو النص الإلهي لا غير، مثل: 1 _ ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك، أنه قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن يروا ناراً أو يضربوا ناقوساً فأمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة [62] . وإليك بيان رجال هذا الحديث: أ _ عمران ابن ميسرة المنقري: وثّقه الدارقطني وابن حجر وقال من العاشرة [63] . ب _ عبدالوارث بن سعيد أبو عبيدة العنبري البصري التنوري: نسبه في التهذيب ابن سعيد ابن ذكوان التنوري بفتح وتشديد النون أحد الأعلام. قال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق [64]

. ج _ خالد الحذاء: قال أحمد: ثبت. وقال ابن معين: ثقة، وكذا النسائي. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجّ به. وقال فهد بن حبان: كان مهيباً كثير الحديث. [65] . د: أبو قلابة الجرمي عبدالله بن زيد بن عمر البصري: ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة. وقال: كان ثقة كثير الحديث [66] . ه_: أنس بن مالك بن النضر الأنصاري خادم رسول الله (صلي الله عليه وآله) نزيل البصرة: قال البخاري في التاريخ الكبير عن قتادة: لما مات أنس بن مالك، قال مورّق: ذهب اليوم نصف العلم، قيل: كيف ذاك؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث. قلنا: تعال الي مَن سمه من النبي (صلي الله عليه وآله) [67] . 2 _ وما روي عن أنس أنه قال: أُمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة [68] . رجاله كالآتي: أبو قلابة وأنس مرّ ذكرهما. أ _ سليمان بن حرب الأزدي البصري. قال ابن نافع وابن سعد ويعقوب بن شيبة وابن خراش والنسائي وابن حجر: ثقة [69] . ب _ حماد بن زيد بن درهم. أثني عليه ابن المهدي. قال يحيي بن يحيي النيسابوري: ما رأيت أحفظ منه. وقال أحمد: هو من أئمة المسلمين من أهل دين الإسلام. وقال ابن حجر: ثقة فقيه ثبت [70] . ج _ سماك بن عطية المهدي. قال ابن معين والنسائي: ثقة [71] . د _ أيوب بن أبي تميمة السختياني العنزي: قال ابن المديني: هو في ابن سيرين أثبت. وثّقه ابن سعد وابن خيثمة والنسائي [72] . 3 _ إنّ ابن عمر كان يقول: «كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون

الصلاة ليس ينادي لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصاري، وقال بعضهم بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر أولاً تبعثون رجلاً ينادي للصلاة؟ فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «يا بلال قم فنادي بالصلاة» [73] رجاله كالآتي: أ _ محمود بن غيلان العدوي المروزي. قال النسائي: ثقة. وكذا قال مسلمة [74] . ب _ عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني. قال هشام بن يوسف: كان عبدالرزاق أعلمنا وأحفظنا. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ويحتجّ به. وذكره ابن حبان في الثقات [75] . ج _ ابن جريج عبدالملك بن العزيز. ذكره ابن حبان في الثقات، من فقهاء أهل الحجاز. قال ابن حجر: كان ثقة كثير الحديث. يحتج بحديثه داخل في الطبقة الاُولي من أصحاب الزهري [76] . د _ نافع أبو عبدالله (مولي ابن عمر). قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال ابن خراش: ثقة نبيل [77] . وبعد أن انتهينا من صحة السند في هذه الروايات من جهة وعدم صحة الروايات التي قبلها أي التي تحدثت عن مبدأ الأذان بالرؤيا من جهة اُخري يثور سؤال لابد من طرحه هو، ما هو المراد من قول الراوي «فأُمر بلال»؟ يقول ابن حجر العسقلاني في الجواب: قوله (فأُمر بلال) هكذا في معظم الروايات علي البناء للمفعول، وقد اختلف أهل الحديث وأهل الاُصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه، وأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم اتّباعه وهو الرسول (صلي الله عليه وآله). ويؤيد ذلك هنا من حيث المعني أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوي جانب الرفع جداً

[78] . وهكذا تري أن ابن حجر يصرح أن الأمر في العبادات يصدر عمن له الأمر الشرعي ويؤيد ذلك بإنها توقيفية. أقول: كما يكون ذلك في تقرير العبادات يكون أيضاً في أصل نشأتها من دون فرق بينها. ثانياً: أن القول الآخر الذي يذهب إلي أن مبدأ الأذان هو رؤيا رآها عبدالله بن زيد أو غيره يتنافي مع مقام النبوة والتشريع فهو مرجوح ومردود من هذه الجهة بينما ينسجم هذا القول مع مقام النبوة ولا يتنافي مع الاُصول المسلّمة لدي الفريقين. وأما بالنسبة إلي ما ذكروا في مبدأ تشريع الأذان وهو رؤيا عبدالله ابن زيد وأن الرسول (صلي الله عليه وآله) أخذ الأذان منه، فهي فرية بالنسبة إلي الرسول (صلي الله عليه وآله)، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إدانة ذلك وتقبيحه. حيث روي عنه (عليه السلام) أنه لعن قوماً زعموا أن النبي (صلي الله عليه وآله) أخذ الأذان من عبدالله بن زيد فقال: ينزل الوحي علي نبيّكم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبدالله بن زيد؟! [79] . ثالثاً: نجد الرسول (صلي الله عليه وآله) قد خطّ منهجاً عاماً لمعالجة الاختلافات والالتباسات التي تعترض المسلمين بعد غيابه وذلك بالرجوع إلي علي (عليه السلام) وأهل بيته الذين هم أدري بما في البيت. فعن أبي أيوب الأنصاري، قال: سمعت النبي (صلي الله عليه وآله) يقول لعمار بن ياسر: «يا عمار تقتلك الفئة الباغية وأنت مع الحق والحق معك.. يا عمار إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره، فاسلك مع علي ودع الناس، إنه لن يدلك علي ردي ولن يخرجك من هدي» [80] . وعن عائشة أن النبي (صلي الله عليه وآله)، قال: «الحق مع

علي يزول معه حيث ما زال» [81] . وقد أمرنا الرسول الأكرم بالتمسك بأهل بيته في حديث الثقلين والمراد من التمسك بهم هو الأخذ بقولهم وفعلهم وتقريرهم في معالم الدين. فإذاً لا يبقي أمام المسلمين إلاّ اتّباع مواقف علي وأهل بيته (عليهم السلام) وهم قد صرحوا بأن مبدأ الأذان كان هو التشريع الإلهي. وإليك جملة من النصوص الدالّة علي ذلك: 1 _ أخرج العسقلاني عن البزار عن علي (عليه السلام)، قال: لما أراد الله أن يعلّم رسوله الأذان أتاه جبرئيل بدابة يقال لها البراق فركبها [82] . 2 _ عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث المعراج، قال: ثم أمر جبرئيل (عليه السلام) فأذّن شفعاً وأقام شفعاً، وقال في أذانه: «حي علي خير العمل»، ثم تقدم محمد (صلي الله عليه وآله) فصلّي بالقوم [83] . 3 _ عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: لما اُسري برسول الله (صلي الله عليه وآله) حضرت الصلاة فأذّن جبرئيل (عليه السلام) [84] . 4 _ عليّ بن إبراهيم عن محمد بن عيسي بن عبيد عن يونس عن أبان بن عثمان عن إسماعيل الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)، يقول: الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً، فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً الأذان ثمانية عشر حرفاً، والإقامة سبعة عشر حرفاً [85] . وثّقه في مرآة العقول [86] . 5 _ محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة وحمّاد بن عيسي، عن معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام)، عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة؟ فقال (عليه السلام): ما نعرفه. ورواه الصدوق باسناده عن معاوية بن وهب [87] . ورواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن

محمّد بن عيسي، عن يونس، عن معاوية بن وهب، نحوه [88] . ورواه ابن إدريس في آخر (السرائر) نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن العبّاس بن معروف، عن عبدالله بن المغيرة، عن معاوية بن وهب، مثله [89] . 6 _ وبإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن عبدالله [90] بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسي، عن حريز، عن زرارة، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام) _ في حديث _ «إن شئت زدت علي التثويب حيّ علي الفلاح مكان الصلاة خير من النوم» [91] . قال الشيخ: لو كان ذكر الصلاة خير من النوم من السنّة لما سوّغ له العدول عنه إلي تكرار اللّفظ. أقول: وأحاديث كيفيّة الأذان والإقامة تدلّ علي ذلك [92] . 7 _ وعنه، عن أحمد بن الحسن، عن الحسين، عن حمّاد بن عيسي، عن شعيب بن يعقوب، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «النداء والتثويب في الإقامة [93] من السنّة». أقول: يأتي وجهه علي أنّ التثويب لغة أعمّ من قول: «الصلاة خير من النوم» [94] ، فلعلّ المراد غيره، ويحتمل الحمل علي الإنكار. 8 _ وعنه، عن أحمد بن الحسن، عن الحسين، عن فضالة، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)،قال: «كان أبي (عليه السلام) ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم، ولو رددت ذلك لم يكن به بأس». والإمام ليس في مقام تشريع الأذان، حيث قال: ولو رددت ذلك أي ترديد لا بمعني الأذان، ثم إن الظرف آنذاك قد كان يستوجب التقية حتي في داخل البيت. ورواه ابن إدريس في آخر (السرائر) نقلاً من

كتاب محمّد بن علي بن محبوب [95] . قال الشيخ: هذا، والذي قبله محمولان علي التقيّة لاجماع الطائفة علي ترك العمل بهما. أقول: هذا لا إشعار فيه بكون النداء في الأذان أو الإقامة، فلعلّه لم يكن فيهما كما سيأتي في الحديث الأخير من هذه الفقرة. 9 _ جعفر بن الحسن المحقّق في (المعتبر) نقلاً من كتاب أحمد ابن محمد بن أبي نصر، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إذا كنت في أذان الفجر فقل: الصلاة خير من النوم بعد حيّ علي خير العمل [96] ، ولا تقل في الإقامة الصلاة خير من النوم إنّما هذا في الأذان». أقول هذا محمول علي التقيّة كما تقدّم [97] ، وهو معارض بما تقدم وما سيأتي من حديثهم (عليهم السلام). ومن مستدرك الوسائل أيضاً: 10 _ باب عدم جواز التثويب في الأذان والإقامة، وهو قول «الصلاة خير من النوم». 11 _ فقه الرضا (عليه السلام)، قال بعد ذكر فصول الأذان: «ليس فيها ترجيح ولا تردد، ولا الصلاة خير من النوم». عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: «الصلاة خير من النوم بدعة بني اُميّة، وليس ذلك من أصل الأذان، ولا بأس إذا أراد الرجل أن ينبّه الناس للصلاة، أن ينادي بذلك، ولا يجعله من أصل الأذان، فإنّا لا نراه أذاناً». وتقدّم من الكتاب المذكور عنه (عليه السلام)، أنّه قال: «لمن أراد أن ينبّه بالصلاة قبل الفجر، ولكن ليقل وينادي، بالصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، يقولها مراراً، وإذا طلع الفجر أذّن» [98] .

خلاصة البحث

فتحصّل أن الروايات التي تنقلها كتب العامة والمتضمنة لذكر «الصلاة خير من النوم»، والاُخري التي لم تتضمن هذا الذكر ساقطة

من جهة السند، ثم إن كيفية تشريع الأذان كما تصورها تلك الروايات تصطدم مع الاُصول المعروفة لتشريع الأحكام، وعدم اتّفاقها مع مقام النبوّة، ثم نجد الرائي لها كان أربعة عشر شخصاً لا واحداً، ويضاف أن نقل البخاري لها يتعارض مع غيره، وبهذا يصدق مفاد الروايات التي تتحدث من أن الصلاة خير من النوم، قد أضافها عمر بن الخطاب أيام خلافته، ويعزّز زيادتها في الأذان بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) الأحكام التي شرعت بخصوص التثويب علي لسان فقهاء العامة أيضاً. أما لو راجعنا كتب الحديث وفتاوي فقهاء أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، لتأكد من أن تشريع الأذان كان في زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله) خالياً من ذكر «الصلاة خير من النوم»، وله كيفية غير الكيفية التي تصورها الروايات التي اعتمدها الفقهاء المسلمون من غير مدرستهم.

پاورقي

[1] سنن ابن ماجة: 2/34 كتاب الأذان والسنّة فيها، باب بدء الأذان ح 707.

[2] سنن أبي داود: 1/133 / كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، ط الريان للتراث ح 500.

[3] مسند الإمام أحمد بن حنبل: 4/632، حديث عبدالله بن زيد بن عاصم المازني، ح 16042.

[4] سُنن الدارمي: 1/289 برقم 1192 باب التثويب في أذان الفجر.

[5] طبقات ابن سعد: 1/247.

[6] مجمع الزوائد: 1/330 باب كيف الأذان.

[7] مجمع الزوائد: 1/330 باب كيف الأذان.

[8] مجمع الزوائد: 1/331 باب كيف الأذان.

[9] مجمع الزوائد: 1/331 باب كيف الأذان. [

[10] سنن الترمذي: 1/378 برقم 198.

[11] سنن أبي داود: 1/134، كتاب الصلاة، باب بدء الأذان، ح 498، ط دار احياء التراث العربي.

[12] السنن لأبي داود: 1/134 _ 135 برقم 498 _ 499.

[13] سنن ابن ماجة: 1/232.

[14] السنن، للترمذي: 1/361 باب ما جاء في

بدء الأذان برقم 189.

[15] تهذيب الكمال، جمال الدين المزّي: 16/515 برقم 3755.

[16] تهذيب الكمال: 25/139 برقم 5178.

[17] ميزان الاعتدال للذهبي: 3/631 برقم 7888.

[18] نيل الأوطار للشوكاني: 2/38.

[19] تهذيب الكمال: 24/423، ولاحظ تاريخ بغداد: 1/221 _ 224.

[20] سنن الدارمي: 1/289.

[21] تهذيب الكمال، جمال الدين المزّي: 27/508 برقم 5925.

[22] مجمع الزوائد: 1/330.

[23] مجمع الزوائد: 1/330.

[24] مجمع الزوائد: 1/330.

[25] مجمع الزوائد: 1/330.

[26] سنن الترمذي: 1/379 برقم 198.

[27] تهذيب التهذيب، ابن حجر: 12/188 برقم 867.

[28] تهذيب الكمال، جمال الدين المزي: 34/142 برقم 7545.

[29] تهذيب الكمال، جمال الدين المزّي: 24/304.

[30] تهذيب الكمال: 24/423، ولاحظ تاريخ بغداد: 1/221 _ 224.

[31] السنن، للترمذي: 1/361، تهذيب التهذيب، ابن حجر: 5/224.

[32] تهذيب الكمال، جمال الدين المزّي: 14/541.

[33] مستدرك الحاكم: 3/336.

[34] النساء: 113.

[35] آل عمران: 159.

[36] فتح الباري لابن حجر: 2/81 دار المعرفة.

[37] السنن للبيهقي: 1/ 608.

[38] السيرة الحلبية: 2/95، ط دار احياء التراث العربي، بيروت.

[39] صحيح البخاري: 1/306 باب بدء الأذان، ط دار القلم لبنان.

[40] النص والاجتهاد، شرف الدين: 200.

[41] الاُم: 1/104، ط دار الفكر / بيروت 1403 ه_.

[42] تفسير القرطبي: 6/228، ط دار احياء التراث العربي 1405 ه_.

[43] المحلّي: 3/161، ط دار الجيل / بيروت.

[44] جامع المسانيد، الخوارزمي: 1/296.

[45] نيل الأوطار للشوكاني: 2/28، ط دار الكتب العلمية / بيروت.

[46] المجموع، للنووي: 3/92.

[47] سبل السلام: 1/167، ط دار احياء التراث العربي/ بيروت.

[48] شرح صحيح مسلم: 2/88، ط دار الكتاب العربي/ بيروت 1407 ه_.

[49] شرح الزرقاني: 1/194، وشرح الزرقاني علي موطأ الإمام مالك: 1/243 ح 40.

[50] كنز العمال: 8/357، ح 23251، والمصنف عبدالرزاق الصنعاني: 1/474، ح 1827.

[51] كنز العمال: 8/357، ح 23252، والمصنف: 1/474، ح 1829.

[52] مسائل الناصريات: 181 _ 182، ط رابطة الثقافة والعلاقات

الإسلامية، طهران.

[53] الخلاف: 1/286 _ 287، ط جماعة المدرسين، قم المقدسة.

[54] تذكرة الفقهاء: 3/49 _ 50.

[55] مجمع الفائدة والبرهان: 2/177 _ 178.

[56] مرآة العقول: 15/83 ح 6.

[57] معجم فقه الجواهر: 1/207.

[58] الوسائل: 5/146 ح 6969، والتهذيب: 2/60 ح210، والاستبصار: 1/350 ح1134، وأورد صدره في الحديث 1 من الباب 1 من هذه الأبواب، وفي الكافي: 2/302 ح2 باب الأذان والإقامة.

[59] الوسائل: 5/417 ح 6971.

[60] الوسائل: 4/612 أبواب الأذان والإقامة الحديث 2.

[61] فتح الباري في شرح البخاري: 2 / 78 ط دار المعرفة لبنان.

[62] فتح الباري في شرح البخاري: 2/77 ح 603، كتاب الأذان، باب بدء الأذان.

[63] رجال صحيح البخاري للكلاباذي: 2/574 ترجمة رقم 906.

[64] رجال صحيح البخاري: 2/494 رقم الترجمة 756 الهامش.

[65] رجال صحيح البخاري: 1/228 ترجمة برقم 303.

[66] تهذيب التهذيب: 5/224 ترجمة رقم 387 دار صادر.

[67] تهذيب التهذيب: 1/378 رقم الترجمة 690 دار صادر.

[68] صحيح البخاري: كتاب الأذان، باب الأذان، مثني مثني، ح1.

[69] رجال صحيح البخاري: 1/314، رقم الترجمة 437.

[70] المصدر السابق: 1/199، رقم الترجمة 258.

[71] صحيح البخاري: 1/346 رقم الترجمة 488.

[72] المصدر السابق: 1/81 رقم الترجمة 84.

[73] فتح الباري في شرح البخاري: 2/77 ح 604، كتاب الأذان، 1 _ باب بدء الأذان.

[74] رجال صحيح البخاري: 2/721، رقم الترجمة 1198.

[75] رجال صحيح البخاري: 2/496 رقم الترجمة 760.

[76] تهذيب التهذيب: 6/402 رقم الترجمة 855.

[77] تهذيب التهذيب: 2/746 رقم الترجمة 1249.

[78] فتح الباري بشرح صحيح البخاري: 2/80 ط. دار المعرفة.

[79] وسائل الشيعة: 4، أبواب الأذان والإقامة، الحديث 3.

[80] كنز العمال للمتقي الهندي: 11/613 ح 32972، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 13/186.

[81] مفتاح النجا في مناقب آل العبا _ محمد رستم خان.

[82] فتح الباري في شرح البخاري: 2/78 دار

المعرفة لبنان.

[83] وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، من أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 2.

[84] المصدر السابق: ح 10.

[85] وسائل الشيعة: 5/413 ح 6962 باب كيفية الأذان والإقامة.

[86] مرآة العقول: 15/12 ح 3.

[87] الفقيه: 1/188، 895.

[88] الكافي: 1/303، ح6.

[89] مستطرفات السرائر: 93 / ح 2.

[90] في الاستبصار: 1/309، باب عدد الفصول في الأذان والإقامة، ح 17، عبدالرحمن بن أبي نجران.

[91] التهذيب: 2/ 63، 224، والاستبصار: 1/309، 1148، تفصيل وسائل الشيعة (آل البيت (عليهم السلام)): 5/416، أورد صدره في الحديث 2 من الباب 19 من هذه الأبواب.

[92] وسائل الشيعة (آل البيت (عليهم السلام)): 5/416 _ 427، أحاديث كيفية الأذان والإقامة تقدّمت في الباب 19 من هذه الأحاديث.

[93] وسائل الشيعة (آل البيت (عليهم السلام)): 5/427، باب 22، ح 3 في الاستبصار: 1/308، باب عدد الفصول في الأذان، ح 14 في الأذان.

[94] وسائل الشيعة: 5/427، باب 23، يأتي وجهه في الحديث 4 من هذا الباب.

[95] مستطرفات السرائر: 94/ ح 3.

[96] في المصدر زيادة: وقل بعد الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله.

[97] وسائل الشيعة: 5/416 _ 427. في الحديث 9 من الباب 19 من هذه الأبواب.

[98] مستدرك الوسائل: 4/44، باب 19 من أبواب الأذان والإقامة، ح 1 و 2.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.