الشيعه هم اهل السنه

اشارة

سرشناسه : سماوي، محمد تيجاني، 1936 - م.

عنوان و نام پديدآور : الشيعه هم اهل السنه/ محمدالتيجاني السماوي؛ تحقيق و تعليق مركز الابحاث العقائدية.

مشخصات نشر : قم: مركزالابحاث العقائدية ، 1427ق. = 2006م. = 1385.

مشخصات ظاهري : 522 ص.

فروست : سلسلةالرحلة الي الثقلين ؛ 21.

شابك : 964-8629-20-X

وضعيت فهرست نويسي : برون سپاري.

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتاب حاضر در سالهاي مختلف توسط ناشرين متفاوت منتشر شده است.

يادداشت : كتابنامه: ص. 510 - 522 ؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : شيعه اماميه -- دفاعيه ها و رديه ها

موضوع : شيعه -- عقايد

موضوع : شيعه و اهل سنت

شناسه افزوده : مركز الابحاث العقائديه (قم)

رده بندي كنگره : BP212/5 /س8ش9 1385

رده بندي ديويي : 297/417

شماره كتابشناسي ملي : 2876827

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، الرحمان الرحيم، قاهر الجبارين والمتكبرين ناصر المظلومين والمستضعفين، المتفضل علي عباده أجمعين من المؤمنين والكافرين والمشركين والملحدين، المنعم علي خلقه كلهم بالهداية والرعاية والتكريم، فقال جل وعلا: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا (الإسراء: 70). والحمد لله الذي أسجد لنا ملائكته المقربين ومن أبي أصبح من الملاعين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد لله الذي عبد لنا الطريق ومهد لنا السبيل لنصل بعنايته وتحت ظل عبادته إلي مراتب الكمال العلية، وأنار لنا الظلام وأوضح لنا الحقيقة بالحجج القوية والبراهين الجلية، وأرسل لنا رسلا منا تتلو علينا آياته وتخرجنا من الظلمات إلي النور وتنقذنا من الضلالة العمية وجعل لنا العقل إماما قائما نهتدي به كلما شكت حواسنا في أمر مبهم أو قضية. والصلاة والسلام، والبركات والتحيات علي المبعوث رحمة للإنسانية، سيدنا ومولانا وقائدنا محمد بن عبد الله

خاتم الرسل وسيد البشرية، صاحب الفضيلة والوسيلة والدرجة الرفيعة، صاحب المقام المحمود واليوم الموعود والشفاعة المقبولة والخلق العظيم وعلي آل بيته الطاهرين الذين أعلي الله مقامهم [ صفحه 6] وجعلهم أمان الأمة من الهلكة ومنقذي الملة من الضلالة ونجاة المؤمنين من الغرق، المتمسك بحبل ولائهم مؤمن طيب الولادة، والناكب عن صراطهم منافق ردئ الولادة محبهم ينتظر الرحمة ومبغضهم ليس له إلا النقمة، لا يصل العبد إلي ربه إلا من طريقهم ولا يدخل إلا من بابهم. ثم الراضون علي شيعتهم ومحبيهم من الصحابة الأولين الذين بايعوهم علي نصرة الدين، وثبتوا معهم علي العهد وكانوا من الشاكرين، وعلي من تبعهم بإحسان إلي يوم الدين. اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلي طاعتك، والقادة إلي سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين. رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل كل من يقرأ كتابي يميل إلي الحق بإذنك، ويترك التعصب بمنك وإحسانك، فإنك أنت الوحيد القادر علي ذلك ولا يقدر عليه سواك. فبعزتك وجلالك وبقدرتك وكمالك، وبمحبتك لعبادك افتح بصائر المؤمنين الموحدين الذين آمنوا برسالة حبيبك محمد علي الحق الذي لا شك فيه، حتي يهتدوا إليه بفضلك ويعرفوا قيمة الأئمة من آل بيت نبيك، ويتوحدوا لإعلاء كلمة الدين بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة والأخوة الصادقة، فلقد عم الفساد في البر والبحر. ولولا الصبر الذي خلقته وألهمتنا إياه، لدب اليأس إلي قلوبنا ولأصبحنا من الخاسرين، لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. فاجعلنا اللهم من الصابرين ولا تجعلنا من اليائسين. اللهم، كن لوليك الحجة ابن الحسن،

صلواتك عليه وعلي آبائه في هذه [ صفحه 7] الساعة وفي كل ساعة، وليا وحافظا وقائدا وناصرا، ودليلا وعينا، حتي تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا، واجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه في طاعتك وسبيلك، إنك أنت السميع العليم. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، للهم صل علي محمد وآله الطيبين الطاهرين. [ صفحه 9] الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلي آله الطيبين الطاهرين، وبعد. لقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: مداد العلماء أفضل عند الله من دماء الشهداء. كان لزاما علي كل عالم أو كاتب أن يكتب للناس ما يراه صالحا لهدايتهم وإصلاح ذات بينهم وجمع كلمتهم وإخراجهم من الظلمات إلي النور، لأن الإنسان إذا ما استشهد في سبيل الله وهي دعوة الحق من أجل إقامة العدل، فقد لا يتأثر به إلا الذي حضره، ولكن العالم الذي يعلم الناس ويكتب قد يتأثر بعلمه كثير من القراء من أبناء جيله ويبقي كتابه منارا للأجيال اللاحقة جيلا بعد جيل إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكل شئ تنقصه النفقة إلا العلم فإنه يزكو بالإنفاق. وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس، أو خير لك من الدنيا وما فيها. فكم من كاتب توفي منذ قرون عديدة وأصبحت عظامه رميما ولكن أفكاره وعلومه بقيت من خلال كتابه الذي قد يطبع مئات المرات عبر الأجيال

فتستلهم الناس منه الهداية والتوفيق. وإذا كان الشهيد حيا عند ربه يرزق فكذلك العالم الذي كان سببا في هداية الناس فهو حي عند ربه وعند العباد يذكرونه بأحسن ذكر ويدعون له ويستغفرون. [ صفحه 10] أما أنا فلست من العلماء ولا أدعي ذلك لنفسي وأعوذ بالله من الأنانية، بل أنا من خدام العلماء والباحثين في فضلاتهم واللاحسين من بقاياهم والمتبعين خطاهم كما يتبع الخادم سيده. ولما ألهمني الله لكتابه ثم اهتديت ولقيت تشجيعا من عديد من القراء والباحثين، ثم أردفته بالكتاب الثاني لأكون مع الصادقين والذي لقي هو الآخر قبولا حسنا، مما شجعني علي مواصلة البحث والتنقيب فكتبت الجزء الثالث فاسألوا أهل الذكر دفاعا عن الإسلام وعن نبي الإسلام لإزالة الشبهات التي ألصقت بحضرته المقدسة وكشف المؤامرة التي دبرت ضده وضد أهل بيته الأطهار. وتلقيت رسائل كثيرة من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي تحمل في طياتها عبارات الود والولاء والمحبة والإخاء، كما دعيت لحضور العديد من المؤتمرات الفكرية في أنحاء العالم والتي تقيمها المؤسسات الإسلامية، فحضرتها في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الجمهورية الإسلامية وفي بريطانيا وفي الهند والباكستان وفي كينيا وغرب إفريقيا والسويد. وكلما التقيت مجموعة من الشباب المثقف ومن رجال الفكر وجدت لديهم إعجابا وتعطشا لمزيد من المعرفة فيسألون هل من مزيد وهل هناك كتاب جديد؟ فحمدت الله وشكرته علي هذا التوفيق وطلبت منه مزيدا من العناية والهداية، واستعنت به علي هذا الكتاب الذي أضعه بين يدي المسلمين الباحثين، والذي يدور في فلك الكتب الثلاثة السابقة عسي أن ينتفع به بعض المثقفين والباحثين عن الحق ليعلموا أن الفرقة المستهدفة والتي تسمي الشيعة الإمامية هي الفرقة الناجية، وأنهم - أي الشيعة - هم أهل السنة

الحقيقية، وأقصد بالسنة الحقيقية السنة المحمدية التي صدع بها نبي الإسلام بوحي من رب العالمين. فهو لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي، وسأبين للقراء الكرام بأن [ صفحه 11] الاصطلاح الذي اتفق عليه مناوئو الشيعة وخصومهم وتسموا ب أهل السنة والجماعة ما هي في الحقيقة إلا سنة مزعومة سموها هم وآباؤهم، ما أنزل الله بها من سلطان والنبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم منها برئ. فكم كذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكم منعت أحاديثه وأقواله وأفعاله أن تصل إلي المسلمين بحجة الخوف من اختلاطها بكلام الله وهي حجة واهية كبيت العنكبوت، وكم من أحاديث صحيحة أصبحت في سلة المهملات ولا يقام لها وزن ولا يعبأ بها، وكم من أوهام وخزعبلات أصبحت من بعده أحكاما تنسب إليه صلي الله عليه وآله وسلم. وكم من شخصيات وضيعة يشهد التاريخ بخستها وحقارتها، أصبحت بعده سادة وقادة تقود الأمة ويلتمس لأخطائها الأعذار والتأويلات. وكم من شخصيات رفيعة يشهد التاريخ بسموها وشرف منبتها، أصبحت بعده مهملة لا يعبأ بها ولا يتلفت إليها، بل تكفر وتلعن من أجل مواقفها النبيلة، وكم من أسماء براقة جذابة تخفي وراءها الكفر والضلال، وكم من قبور تزار وأصحابها من أهل النار. وقد عبر رب العزة والجلالة عن كل ذلك بأحسن تعبير فقال: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام - وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد - وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد (البقرة: 207 - 206). ولعلي لست مبالغا إذا عملت بالحكمة

القائلة: لو عكست لأصبت وعلي الباحث المحقق أن لا يأخذ الأشياء علي ما هي عليه بأنها من المسلمات، بل عليه أن يعكسها ويشكك فيها في أغلب الأحيان ليصل إلي الحقيقة المطموسة التي لعبت فيها السياسة كل أدوارها، وعليه أن لا يغتر بالمظاهر ولا بكثرة العدد فقد قال تعالي في كتابه العزيز: وإن نطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون (الأنعام: 116). [ صفحه 12] فقد يلبس الباطل لباس الحق للتمويه والتضليل وقد ينجح في أغلب الأحيان لبساطة عقول الناس أو لحسن ظنهم به وقد ينتصر الباطل أحيانا لوجود أنصار مؤيدين له فما علي الحق إلا الصبر وانتظار وعد الله بأن يزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. وأكبر مثل علي ذلك ما حكاه القرآن الكريم في قصة يعقوب وأولاده، إذ جاؤوا أباهم عشاء يبكون - قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين (يوسف: 16 - 17). وكان من المفروض لو كانوا أهل الصدق أن يقولوا: وما أنت بمؤمن لنا لأنا كاذبون. فما كان من سيدنا يعقوب وهو نبي الله يوحي إليه إلا أن استسلم إلي باطلهم واستعان بالله علي الصبر الجميل رغم علمه بأنهم كاذبون، قال: بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون (يوسف: 18). وماذا عساه أن يفعل أكثر من ذلك، وهو يواجه أحد عشر رجلا اتفقوا كلهم علي كلمة واحدة ومثلوا مسرحية القميص والدم وكلهم يبكون علي أخيهم المفقود. فهل يكشف يعقوب كذبهم ويدحض باطلهم ويسارع إلي الجب ليخرج ابنه الصغير الحبيب لقلبه، ثم يعاقبهم علي فعلتهم

الشنيعة؟ كلا، إن ذلك فعل الجاهلين الذين لا يهتدون بحكمة الله أما يعقوب فهو نبي يتصرف تصرف الحكماء العلماء وقد قال الله في شأنه: وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون (يوسف: 68) فما كان من علمه وحكمته إلا أن تولي عنهم وقال ك يا أسفي علي يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم (يوسف: 84). ولو تصرف يعقوب مع أبنائه كما قدمنا بأن أخرج ابنه من الجب وعنفهم علي كذبهم وعاقبهم علي جريمتهم لاشتد بغضهم لأخيهم ولوصل بهم الأمر إلي [ صفحه 13] اغتيال أبيهم وربما عبروا عن ذلك بقولهم لأبيهم: تالله تفتأ تذكر يوسف حتي تكون حرضا أو تكون من الهالكين (يوسف: 85). ومن كل هذا نستنتج بأن السكوت في بعض الأوقات مستحب إذا كان في معارضة الباطل مفسدة أو هلاك أو كان في السكوت عن الحق مصلحة عامة ولو آجلة. ولا بد أن يفهم من الحديث النبوي الشريف القائل: الساكت عن الحق شيطان أخرس هذا المدلول الذي يتفق مع العقل ومع كتاب الله المجيد. ولو تتبعنا حياة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لوجدناه يسكت في كثير من الأوقات لمصلحة الإسلام والمسلمين حسبما يروي في الصحاح من السيرة النبوية كصلح الحديبية وغيرها. ورحم الله أمير المؤمنين عليا الذي سكت بعد وفاة ابن عمه بأبي هو وأمي، وقال في ذلك قولته المشهورة: وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر علي طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربه، فرأيت أن الصبر علي هاتين أحجي فصبرت وفي العين قذي وفي الحلق شجا. ولو لم يسكت أبو الحسن عن حقه في الخلافة، وقدم في

ذلك مصلحة الإسلام والمسلمين، لما كان للإسلام بعد محمد صلي الله عليه وآله وسلم أن يعيش أبدا علي ما رسمه الله ورسوله. وهذه هي الحقيقية التي يجهلها أكثر الناس الذين يحتجون علينا دائما بصحة خلافة أبي بكر وعمر لأن عليا سكت عنهما، ويضيفون كما يحلو لهم: لو كان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عين عليا للخلافة بعده لما جاز له أن يسكت عنها، لأنها من حقه والساكت عن الحق شيطان أخرس. هذا ما يقولونه ويرددونه. وهذا لعمري هو الفهم الخاطئ الذي لا يعرف من الحق إلا الذي يتماشي مع ميوله وهواه، ولا يدرك الحكمة التي تتمخض عن ذلك السكوت والمصالح [ صفحه 14] الآجلة التي لا تقدر بقيمة إذا ما قيست بالمصلحة العاجلة نتيجة الثورة علي الباطل الذي له أنصار ومؤيدون كثيرون. وإذا كان سكوت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية علي الحق وقبوله بشروط قريش وباطل المشركين، حتي ثارت ثورة عمر بن الخطاب فقال للرسول: أو لست نبي الله حقا؟! أولسنا علي الحق وهم علي الباطل؟ فلماذا نعطي الدنية في ديننا؟. أقول: إذا كان سكوته صلي الله عليه وآله وسلم سلبيا بنظر عمر بن الخطاب وأغلب الصحابة الذين حضروه، فإن الواقع يثبت بلا شك أنه إيجابي لمصلحة الإسلام والمسلمين وإن لم تكن تلك المصلحة عاجلة فقد ظهرت نتائجه الإيجابية بعد عام واحد عندما فتح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مكة المكرمة بدون حرب ولا مقاومة ودخل الناس في دين الله أفواجا عند ذلك استدعي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عمر بن الخطاب وأطلعه علي نتائج سكوته علي الحق والحكمة من وراء ذلك. ونحن إذ نقدم هذه

الاستدلالات للتعبير عن الواقع الذي لا مفر منه ألا وهو انتصار الباطل علي الحق إذا وجد له أنصار ومؤيدون، فبالرغم من أن عليا مع الحق والحق معه يدور حيث دار إلا أنه لم يجد له أنصارا ومؤيدون لمقاومة معاوية وباطله ولأن هذا الأخير وجد أنصارا كثيرين لمقاومة الحق ودحضه، فالناس عبيد الدنيا والدين لعق علي ألسنتهم فهم لا يحبون الحق ويميلون مع الباطل فالحق مر وصعب والباطل سهل ميسور. وصدق الله العظيم إذ يقول: بل جائهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون (المؤمنون: 70). وانتصر باطل يزيد علي حق الحسين لنفس الأسباب كما انتصر باطل الحكام الأمويين والعباسيين علي حق الأئمة من أهل البيت الذين استشهدوا كلهم ساكتين لمصلحة الإسلام والمسلمين. كما غاب الإمام الثاني عشر واختفي خوفا من الباطل وسكت حتي يجد لنصره الحق أعوانا ومؤيدين، عند ذلك يأذن الله له بالخروج لتكون ثورة الحق [ صفحه 15] ضد الباطل عالمية، فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا وبتعبير آخر يملأها حقا بعد ما ملئت بالباطل. وبما أن أكثر الناس للحق كارهون فهم أنصار الباطل ويبقي في الناس عدد قليل محب للحق فلا ينتصرون علي أهل الباطل إلا بإعانة الله لهم عن طريق المعجزات، وذلك ما سجله كتاب الله الكريم في كل المعارك والحروب التي جمعت أهل الحق ضد أهل الباطل كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين (البقرة: 249). فالذين يصبرون علي الحق رغم قلة أعوانه ينصرهم الله سبحانه بالمعجزات فيبعث الملائكة المسومين يقاتلون معهم، ولولا تدخل الله مباشرة لما انتصر الحق علي الباطل أبدا. وها نحن نعيش اليوم هذه الحقيقة المؤلمة، والمؤمنون الصادقون أنصار الحق مغلوبون علي أمرهم ومقهورون

مشردون ومنكوبون، بينما أنصار الباطل الذين يكفرون بالله يحكمون ويلعبون بمصير الشعوب وبأرواحهم ولا يمكن للمؤمنين المستضعفين أن ينتصروا في معركتهم ضد الكافرين المستكبرين إلا بإعانة الله تعالي، ولذلك وردت الروايات بأن المعجزات ستظهر بظهور المهدي (ع). وليست هذه دعوة للركود والانتظار، كيف يضح ذلك وقد قدمت آنفا بأنه لا يظهر إلا بوجود الأنصار والأعوان، ويكفي المؤمنين الصادقين أن يحملوا فكر الإسلام الصحيح المتمثل في ولاية أهل البيت - أعني بذلك التمسك بالثقلين كتاب الله وعثرة النبي - ليكونوا من أنصار وأعوان المهدي المنتظر (عليه وعلي آبائه أفضل الصلاة وأزكي السلام). أقول قولي هذا واستغفر الله إن كنت مخطئا علي رأي الأكثرية من الناس، ومصيبا علي رأي الأقلية منهم، فلا أبالي بلوم الأكثرية ولا أباهي بمدح الأقلية ما دمت أبتغي رضا الله ورسوله ورضا الأئمة من أهل البيت (ع). أما رضا الناس فهو غاية لا تدرك، لأن الناس لا يرضون إلا عما يعجبهم ولا [ صفحه 16] يميلون إلا مع أهوائهم، وأهواؤهم شتي ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن (المؤمنون: 71). وإذا كان أغلب الناس معرضين عن الحق حتي وصل بهم الأمر إلي قتل رسل الله معاندة للحق الذي لا يتماشي مع أهوائهم قال تعالي: أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (البقرة: 87). فلا غضاضة علي إن أهنت أو لعنت علي لسان البعض منهم الذين لم يتحملوا الحق الذي صدعت به في كتبي السابقة وقد أعيتهم الحيلة في الرد علي بالحجة والدليل العلمي فلجأوا للسب والشتم كما هي عادة الجاهلين. فلا ولن أخضع للمساومات ولا للترهيب والترغيب وسأكون المدافع بلساني وقلمي عن رسول الله وأهل بيت

(صلوات الله عليهم أجمعين)، عسي أن أحظي لديهم بالقبول فأكون من الفائزين، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. محمد التيجاني السماوي التونسي [ صفحه 17]

التعريف بالشيعة

إذا أردنا الكلام عن الشيعة [1] بدون تعصب ولا تكلف، قلنا: هي الطائفة الإسلامية التي توالي وتقلد الأئمة الاثني عشر من أهل بيت المصطفي عليا وبينه، وترجع إليهم في كل المسائل الفقهية من العبادات والمعاملات، ولا يفضلون عليهم أحد سوي جدهم صاحب الرسالة محمدا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. هذا هو التعريف الحقيقي للشيعة بكل اختصار، ودعك من أقوال المرجفين والمتعصبين من أن الشيعة هم أعداء الإسلام، أو أنهم يعتقدون بنبوة علي وأنه صاحب الرسالة أو أنهم ينتمون إلي عبد الله بن سبأ اليهودي. وقد قرأت كتبا ومقالات عديدة يحاول أصحابها بكل جهودهم تكفير الشيعة وإخراجهم من الملة الإسلامية. ولكن أقوالهم كلها محض افتراء وكذب صريح لم يأتوا عليه بحجة ولا بدليل سوي أنهم يعيدون ما قاله أسلافهم من أعداء أهل البيت، والنواصب الذين تسلطوا علي الأمة وحكموها بالقوة والقهر، وتتبعوا عثرة النبي ومن تشيع لهم فقتلوهم وشردوهم ونبزوهم بكل الألقاب. ومن هذه الألقاب التي تتردد كثيرا في كتب أعداء الشيعة لقب الرافضة، أو الروافض. فيخيل للقارئ لأول وهلة أن هؤلاء رفضوا قواعد الإسلام ولم يعملوا بها، أو أنهم رفضوا رسالة النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم ولم يقبلوا بها. [ صفحه 18] ولكن الواقع علي غير هذا، إنما لقبوا بالروافض لأن الحكام الأولين من بني أمية وبني العباس ومن يتزلف إليهم من علماء السوء أرادوا تشويههم بهذا اللقب، لأن الشيعة والوا عليا ورفضوا خلافة أبي بكر وعمر وعثمان أولا، كما رفضوا خلافة كل

الحكام من بني أمية وبني العباس ولم يقبلوا بها ثانيا. ولعل هؤلاء كانوا يموهون علي الأمة بإعانة بعض الوضاعين من الصحابة بأن خلافتهم شرعية لأنها بأمر الله سبحانه، فكانوا يروجون بأن قوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (النساء: 59) تخصهم ونازلة في حقهم، فهم أولو الأمر الواجبة طاعتهم علي كل المسلمين، وقد استأجروا من يروي لهم كذبا عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قول: ليس أحد خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية فليس من حق أي مسلم أن يخرج عن طاعة السلطان. وبهذا نفهم بأن الشيعة إنما استهدفوا من قبل الحكام لأنهم رفضوا بيعتهم ولم يقبلوا بها واعتبروها اغتصابا لحق أهل البيت، فكان الحكام وعلي مر العصور يوهمون العامة بأن الشيعة رافضون للإسلام بل يريدون هدمه والقضاء عليه، كما عبر عن ذلك بعض الكتاب والمؤرخين ممن يدعي العلم من السابقين واللاحقين. وإذا رجعنا إلي لعبة تلبيس الحق بالباطل فسندرك بأن هناك فرقا بين من يريد هدم الإسلام وبين من يريد هدم الحكومة الجائرة الفاسقة التي تعمل ضد الإسلام. فالشيعة لم يخرجوا علي الإسلام، إنما خرجوا علي الحكام الجائرين وهدفهم إرجاع الحق إلي أهله لإقامة قواعد الإسلام بالحاكم العادل. وعلي كل حال فالذي عرفناه خلال البحوث السابقة من كتاب ثم اهتديت ومع الصادقين وأهل الذكر أن الشيعة هم الفرقة الناجية لأنهم تمسكوا بالثقلين كتاب الله وعترة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. وإذا أنصفنا المنصفين، فإن البعض من علماء أهل السنة يعترف بهذه الحقيقة، فقد قال ابن منظور في كتابه لسان العرب في تعريف الشيعة. [ صفحه 19] والشيعة هم قوم يهوون هوي

عثرة النبي ويوالونهم كما يقول الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور بعد استعراض هذا المقطع من الكتاب المذكور: وإذا كان الشيعة هم الذين يهوون هوي عثرة النبي ويوالونهم فمن من المسلمين يرفض أن يكون شيعيا؟!. هذا وقد ولي عصر التعصب والعداوة الوراثية، وأقبل عهد النور والحرية الفكرية، فعلي الشباب المثقف أن يفتح عينيه، وعليه أن يقرأ كتب الشيعة ويتصل بهم ويتكلم مع علمائهم كي يعرف الحق من بابه، فكم خدعنا بالكلام المعسول وبالأراجيف التي لا تثبت أمام الحجة والدليل. والعالم اليوم في متناول الجميع، والشيعة موجودون في كل بقاع الدنيا من هذه الأرض، وليس من الحق أن يسأل الباحث عن الشيعة أعداء الشيعة وخصومهم الذين يخالفونهم في العقيدة، وماذا ينتظر السائل من هؤلاء أن يقولوا في خصومهم منذ بداية التاريخ؟ فليست الشيعة فرقة سرية لا تطلع علي عقائدها إلا من ينتمي إليها، بل كتبها وعقائدها منشورة في العالم، ومدارسها وحوزاتها العلمية مفتوحة لكل طلاب العلم، وعلماؤهم يقيمون الندوات والمحاضرات والمناظرات والمؤتمرات، وينادون إلي كلمة سواء وإلي توحيد الأمة الإسلامية. وأنا علي يقين بأن المنصفين من الأمة الإسلامية إذا ما بحثوا في الموضوع بجد سوف يستبصرون إلي الحق الذي ليس بعده إلا الضلال لأن مانعهم من الوصول هو فقط وسائل الدعاية المغرضة والإشاعة الكاذبة من أعداء الشيعة أو تصرف خاطئ من بعض عوام الشيعة [2] . ويكفي في أغلب الأحيان أن تزاح شبهة واحدة أو تنمحي خرافة باطلة حتي تري من كان عدوا للشيعة يصبح منهم. [ صفحه 20] ويحضرني في هذا الصدد قصة الشامي الذي ضللته وسائل الإعلام في ذلك العهد، عندما دخل المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم وجد رجلا

يركب فرسه عليه هيبة ووقار وحوله كوكبة من أصحابه يحوطونه من كل جانب وهم طوع إشارته. استعرب الشامي وتعجب أن يكون في الدنيا رجل له من الهالة والتعظيم أكثر من معاوية في الشام فسأل عن الرجل، فقيل له: إنه الحسن بن علي بن أبي طالب، قال: هذا هو ابن أبي تراب الخارجي؟ ثم أولغ سبا وشتما في الحسن وأبيه وأهل بيته. وشهر أصحاب الحسن سيوفهم كل يريد قتله، ومنعهم الإمام الحسن ونزل عن جواده فرحب به ولاطفه قائلا له: يبدو أنك غريب عن هذه الديار يا أخا العرب؟ قال الشامي: نعم أنا من الشام من شيعة أمير المؤمنين وسيد المسلمين معاوية بن أبي سفيان، فرحب به الإمام من جديد وقال له: أنت من ضيوفي وامتنع الشامي ولكن الحسن لم يتركه حتي قبل النزول عنده وبقي الإمام يخدمه بنفسه طيلة أيام الضيافة ويلاطفه، فلما كان اليوم الرابع بدا علي الشامي الندم والتوبة مما صدر منه تجاه الحسن بن علي وكيف يسبه ويشتمه فيقابله بالإحسان والعفو وحسن الضيافة، فطلب من الحسن ورجاه أن يسامحه علي ما صدر منه وكان بينهما الحوار التالي بمحضر من أصحاب الحسن: الحسن: أقرأت القرآن يا أخا العرب؟ الشامي: أنا أحفظ القرآن كله. الحسن: هل تعرف من هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم؟ الشامي: إنهم معاوية وآل أبي سفيان. استغرب الحاضرون وتعجبوا وابتسم له الحسن قائلا: أنا الحسن بن علي وأبي [ صفحه 21] هو ابن عم رسول الله وأخوه، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وجدي رسول الله سيد الأنبياء والمرسلين وعمي حمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار، ونحن أهل البيت الذي طهرنا الله سبحانه وافترض مودتنا علي كل المسلمين

ونحن الذين صلي الله وملائكته علينا وأمر المسلمين بالصلاة علينا، وأنا وأخي الحسين سيدا شباب أهل الجنة. وعدد له الإمام الحسن بعض فضائل أهل البيت وعرفه حقيقة الأمر فاستبصر الشامي وبكي وأخذ يقبل أنامل الحسن ويلثم وجهه معتذرا عما صدر منه في حقه قائلا: والله الذي لا إله إلا هو إني دخلت المدينة وليس لي علي وجه الأرض أبغض منكم، وها أنا أخرج منها وليس علي وجه الأرض أحب إلي منكم، وإني أتقرب إلي الله سبحانه بحبكم ومودتكم وموالاتكم والبراءة من أعدائكم. التفت الإمام الحسن إلي أصحابه قائلا: لقد أردتم قتله وهو برئ لأنه لو عرف الحق ما كان ليعانده وإن أكثر المسلمين في الشام مثله لو عرفوا الحق لاتبعوه. ثم قرأ قول الله تعالي: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (فصلت: 34). نعم هذا هو الواقع الذي يجهله أكثر الناس مع الأسف فكم من إنسان يعادي الحق ويعانده ردحا من عمره، حتي يكتشف في يوم من الأيام أنه علي خطأ فيسارع بالتوبة والاستغفار وهذا هو واجب كل إنسان فقد قيل: الرجوع للحق فضيلة. وإنما المصيبة في الذين يرون الحق عيانا ويلمسونه بأيديهم ثم يقفون ضده ويحاربونه من أجل أغراض خسيسة ودنيا دنيئة وأحقاد دفينة. وهذا النمط من الناس، قال في حقهم رب العزة والجلالة: وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (يس: 10) فلا فائدة في تضييع الوقت معهم وحرق الأعصاب من أجلهم، وإنما الواجب علينا أن نضحي بكل شئ [ صفحه 22] مع أولئك المنصفين الذين يبحثون عن الحق ويبذلون جهدهم للوصل إليه والذين قال في حقهم رب العزة والجلالة: إنما

تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم (يس: 11). فعلي المستبصرين من الشيعة في كل مكان أن ينفقوا من أوقاتهم ومن أموالهم في سبيل التعريف بالحق لكل أبناء الأمة الإسلامية، فلم يكن أئمة أهل البيت حكرة علي الشيعة وحدهم، إنما هم أئمة الهدي ومصابيح الدجي لكل المسلمين. وإذا بقي الأئمة من أهل البيت مجهولين لدي عامة المسلمين وخصوصا منهم المثقفين من أبناء أهل السنة والجماعة فإن الشيعة يتحملون مسؤولية ذلك عند الله. كما إذا بقي الناس كفارا وملحدين لا يعرفون دين الله القويم الذي جاء به محمد صلي الله عليه وآله وسلم سيد المرسلين، فالمسؤولية علي كل المسلمين. [ صفحه 23]

التعريف بأهل السنة

هم الطائفة الإسلامية الكبري التي تمثل ثلاثة أرباع المسلمين في العالم، وهم الذين يرجعون في الفتوي والتقليد إلي أئمة المذاهب الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل. وقد تفرع عنها فيما بعد ما يسمي بالسلفية التي جدد معالمها ابن تيمية الذي يسمونه مجدد السنة، ثم الوهابية التي ابتدعها محمد بن عبد الوهاب، وهو مذهب السعودية. وكل هؤلاء يسمون أنفسهم بأهل السنة وفي بعض الأحيان يضيفون كلمة الجماعة، فيقال أهل السنة والجماعة. ويتبين لنا من خلال البحث التاريخي أن كل من انتمي إلي ما يسمي عندهم بالخلافة الراشدة، أو الخلفاء الراشدين وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي [3] واعترف بإمامتهم سواء في عهدهم أو في عصرنا فهو سني من أهل السنة والجماعة. وكل من رفض تلك الخلافة واعتبرها غير شرعية، وقال بثبوت النص علي علي بن أبي طالب فهو شيعي من أهل الرفض. ويتبين لنا أيضا أن كل الحكام، من أبي بكر وإلي آخر خلفاء بني العباس [ صفحه

24] هم راضون علي أهل السنة ومتفقون تماما معهم، وغاضبون ومنتقمون من الذين تشيعوا لعلي بن أبي طالب وبايعوه بالخلافة كما بايعوا أولاده من بعده. وعلي هذا الأساس فإن علي بن أبي طالب وشيعته لم يكونوا معدودين عندهم من أهل السنة والجماعة وكأن هذا الاصطلاح - يعني أهل السنة والجماعة قد وضع في مقابل علي وشيعته، وهو حسب اعتقادي السبب الرئيسي في تقسيم الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول إلي سنة وشيعة. وإذا رجعنا لتحليل الأسباب وكشف الأستار حسب المصادر التاريخية الموثوقة لوجدنا أن هذا التقسيم ظهر عقيب وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مباشرة وبدون فصل، إذ أن الأمر استتب لأبي بكر باعتلائه منصة الخلافة وأيدته الأغلبية الساحقة من الصحابة، وعارضه علي بن أبي طالب وبنو هاشم وقلة قليلة من الصحابة الذين كانوا في أغلبهم من الموالي. وبديهي أن السلطة الحاكمة أقصت هؤلاء وأبعدتهم واعتبرتهم خارجين من الصف الإسلامي، وعملت كل جهودها علي شل معارضتهم بكل الأساليب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومن المعلوم أن أهل السنة والجماعة اليوم، لا يدركون الأبعاد السياسية التي لعبت في تلك العصور، ومدي العداوة والبغضاء التي أولدتها تلك الأدوار الخبيثة في عزل وإبعاد أعظم شخصية عرفها تاريخ البشرية بعد الرسول محمد صلي الله عليه وآله وسلم، وأهل السنة والجماعة في هذا العصر يظنون أو يعتقدون بأن الأمور كانت علي أحسن ما يرام وأنها تدور وفق الكتاب والسنة في زمن الخلفاء الراشدين وأن هؤلاء كانوا يتشبهون بالملائكة فكانوا يحترمون بعضهم ولم تكن بينهم أحقاد ولا مطامع ولا نوايا سيئة. ولكل ذلك تراهم يرفضون كل ما يقوله الشيعة في الصحابة عامة وفي الخلفاء الراشدين منهم خاصة. وكأن أهل السنة والجماعة لم يقرأوا

كتب التاريخ التي سجلها علماؤهم، واكتفوا فقط بما يسمعونه من أسلافهم من مديح وإطراء وإعجاب بعامة [ صفحه 25] الصحابة وخصوصا منهم الخلفاء الراشدين، ولو فتحوا قلوبهم وأبصارهم وتصفحوا تاريخهم وكتب الحديث عندهم طلبا للحق ومعرفة الصواب لغيروا عقيدتهم ليس في الصحابة فحسب ولكن في كثير من الأحكام التي يعتبرونها صحيحة وما هي كذلك. وإني أحاول بهذا المجهود المتواضع أن أبين لإخواني من أهل السنة والجمعة بعض الحقائق التي طفحت بها كتب التاريخ، وأخرج لهم باختصار وجيز النصوص الجلية التي تدحض الباطل وتظهر الحق، عسي أن يكون في ذلك الدواء الناجع لتشتت المسلمين واختلافهم ويعمل علي توحيدهم وجمع كلمتهم. وإن أهل السنة والجماعة كما أعرفهم اليوم ليسوا متعصبين، وليسوا ضد الإمام علي وأهل البيت، بل إنهم يحبونهم ويحترمونهم ولكنهم في نفس الوقت يحبون ويحترمون أعداء أهل البيت ويقتدون بهم باعتبار كلهم من رسول الله ملتمس. وأهل السنة والجماعة لا يعملون بقاعدة الولاء لأولياء الله والبراءة من أعداء الله، بل يلقون بالمودة للجميع ويترضون علي معاوية بن أبي سفيان كما يترضون علي علي بن أبي طالب. وقد بهرتهم هذه التسمية البراقة (أهل السنة والجماعة) ولم يعرفوا خفاياها ودسائسها التي وضعها دهاة العرب ولو علموا يوما بأن علي بن أبي طالب هو مخض السنة المحمدية وهو بابها الذي يؤتي منه للدخول إليها، قد خالفوه في كل شئ وخالفهم، لتراجعوا عن موقفهم ولبحثوا الموضوع بجد، ولما وجدت أهل السنة إلا شيعة لعلي وللرسول صلي الله عليه وآله وسلم ولكل ذلك لا بد من كشف حقيقي لتلك المؤامرة الكبري التي لعبت أخطر الأدوار في إقصاء السنة المحمدية، وإبدالها ببدع جاهلية سببت نكسة المسلمين وارتدادهم عن الصراط المستقيم وتفرقهم واختلافهم

ثم تكفير ومقاتلة بعضهم البعض، الشئ الذي سبب تخلفهم العلمي والتقني مما أدي إلي احتلالهم وغزوهم ثم إذلالهم وتحقيرهم وتذويبهم. [ صفحه 26] وبعد هذا الاستعراض الوجيز للتعريف بالشيعة وبالسنة لا بد من الملاحظة بأن اسم الشيعة لا يعني معارضة السنة كما يتوهم عامة الناس عندما يتباهون بقولهم: نحن أهل السنة، ويقصدون بأن غيرهم ضد السنة، فهذا لا يوافق عليه الشيعة أبدا، بل إن الشيعة يعتقدون بأنهم وحدهم المتمسكين بسنة النبي الصحيحة لأنهم أتوها من بابها وهو علي بن أبي طالب ولا باب سواه وعلي رأيهم لا يمكن الوصول إلي الرسول إلا عن طريقه. ونحن كالعادة في توخي الحياد للوصول إلي الحق لا بد أن نتدرج بالقارئ العزيز، ونستعرض معه بعض الأحداث التاريخية ونقدم إليه الدليل والبرهان علي أن الشيعة هم أهل السنة كما جاء عنوان الكتاب. ونترك له بعد ذلك حرية الاختيار والتعليق. [ صفحه 27]

اول حادث فرق المسلمين إلي شيعة و سنة

ذلك هو الموقف الرهيب والخطير الذي وقفه عمر بن الخطاب وأكثر الصحابة تجاه أمر سول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما أراد أن يكتب لهم ذلك الكتاب الذي يعصم المسلمين من الضلالة [4] . وعارضوه بشدة وقساوة وعدم احترام لمقامه السامي حتي اتهموه بالهجر والهذيان، مدعين بأن كتاب الله يكفيهم فلا حاجة لكتابة الرسول. ومن خلال هذه الحادثة التي سماها ابن عباس رزية المسلمين يتبين لنا بأن الأكثرية من الصحابة يرفضون السنة النبوية ويقولون: حسبنا كتاب الله. أما علي وأتباعه من الصحابة وهم الأقلية والذين سماهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بشيعة علي، فكانوا يمتثلون أوامر الرسول بدون اعتراض ولا نقاش ويعتبرون كل أقواله وأفعاله سنة واجبة الاتباع تماما ككتاب الله، ألم يقل كتاب

الله: الذين آمنوا أطيعوا الله يا أيها وأطيعوا الرسول (النساء: 59 وسيرة عمر بن الخطاب معروفة عند كل المسلمين ومواقفه المعارضة للنبي في كل أدوار حياته مشهورة [5] . وبطبيعة الحال فإن عمر بن الخطاب كان يري عدم التقيد بالسنة النبوية، ويظهر ذلك جليا من خلال أحكامه عندما أصبح للمؤمنين فكان يجتهد [ صفحه 28] برأيه مقابل النصوص النبوية بل كان يجتهد برأيه مقابل النصوص الإلهية الجلية فيحرم ما أحل الله ويحلل ما حرم الله [6] . وبطبيعة الحال إن أنصاره ومؤيديه من الصحابة كانوا علي شاكلته، وإن محبيه والمعجبين به من السلف والخلف يقتدون به وببدعه الحسنة كما يسمونها. وسيأتي خلال الأبحاث القادمة بأنهم يتركون سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويتبعون سنة عمر بن الخطاب. [ صفحه 29]

الحادث الثاني في مخالفتهم للسنة النبوية

ذلك هو رفضهم الالتحاق بجيش أسامة الذي عبأه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بنفسه وأمرهم بالسير تحت قيادته، يومين قبل وفاته صلي الله عليه وآله وسلم. ووصل الأمر بهم إلي الطعن برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وانتقاده إذ ولي عليهم شابا صغيرا لا نبات بعارضيه عمره سبعة عشر عاما. وتخلف عن السير أبو بكر وعمر وبعض الصحابة ولم يلتحقوا بالجيش بدعوي إدارة أمر الخلافة رغم لعن الرسول لمن تخلف عن أسامة [7] . أما علي وأتباعه فلم يعينهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الجيش وذلك لحسم الخلاف، وليصفوا الجو ويخلو من أولئك المعاندين والمعارضين لأمر الله، فلا يرجعوا من مؤتة إلا والأمر قد استتب لعلي كما يريده الله ورسوله في خلافة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. لكن دهاة العرب من القريشيين عرفوا ذلك منه، فرفضوا

الخروج من المدينة وتباطأوا حتي لحق الرسول بربه، فأبرموا أمرهم كما خططوا له من قبل، وأبعدوا ما أراده رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، أو بعبارة أخري رفضوا السنة النبوية. وبهذا يتبين لنا ولكل باحث أن أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمان بن عوف وأبا عبيدة عامر بن الجراح كانوا يرفضون السنة النبوية ويجتهدون بآرائهم جريا وراء المصالح الدنيوية ومن أجل الخلافة ولو كلفهم ذلك معصية الله ورسوله. [ صفحه 30] أما علي والصحابة الذين اتبعوه فكانوا يتقيدون بالسنة النبوية ويعملون علي تنفيذها حرفيا ما استطاعوا إلي ذلك سبيلا، وقد رأينا عليا (ع) في تلك المحنة كيف أنه تقيد بوصية النبي له علي أن يقوم بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ومواراته في قبره، فنفذ علي كل أوامره ولم يشغله عن ذلك شاغل، ورغم علمه المسبق بأن الجماعة تسابقوا إلي السقيفة لاختيار أحدهم للخلافة، وكان بإمكانه أن يسارع إليها هو الآخر ويفسد عليهم تخطيطهم ولكن احترامه للسنة النبوية والعمل علي تطبيقها يحتم عليه البقاء بجانب ابن عمه ولو كلفه ذلك ضياع الخلافة. ولا بد لنا هنا من وقفة ولو قصيرة، لنلاحظ الخلق العظيم الذي ورثه علي من المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم. ففي حين يزهد علي في الخلافة من أجل تنفيذ السنة نري الآخرين يرفضون السنة من أجل الخلافة. [ صفحه 31]

الحادث الثالث الذي أبرز الشيعة في مقابل أهل السنة

ذلك هو الموقف الخطير الذي وقفه أغلب الصحابة في السقيفة ليخالفوا صراحة النصوص النبوية التي نصبت عليا للخلافة وقد حضروها كلهم يوم الغدير بعد حجة الوداع. ورغم اختلاف المهاجرين والأنصار في أمر الخلافة إلا أنهم تصافقوا في الأخير علي ترك النصوص النبوية وتقديم أبي بكر للخلافة ولو كلفهم ذلك زهق النفوس، وشمروا

علي سواعدهم لقتل كل من تحدثه نفسه بمخالفتهم ولو كان من أقرب الناس للنبي صلي الله عليه وآله وسلم [8] . وهذا الحادث أبرز أيضا أن الأغلبية الساحقة من الصحابة عاضدوا أبا بكر وعمر في رفض سنة نبيهم وإبدالها باجتهاداتهم، فهم أنصار الاجتهاد. كما أبرز في المقابل الأقلية من المسلمين الذين تمسكوا بالنصوص النبوية وتخلفوا عن البيعة لأبي بكر وهم علي وشيعته. نعم، لقد ظهر في المجتمع الإسلامي بعد الأحداث الثلاثة المذكورة، هوية الفريقين أو الحزبين المتعارضين، يعمل أحدهما علي احترام السنة النبوية وتنفيذها، ويعمل الثاني علي دحض السنة النبوية وطمسها وإبدالها بالاجتهاد الذي يطمع الأكثرية ويمنيهم بالوصول إلي الحكم أو المشاركة فيه. [ صفحه 32] برز علي رأس الحزب الأول السني علي بن أبي طالب وشيعته، وبرز علي رأس الحزب الثاني الاجتهادي أبو بكر وعمر وأغلب الصحابة. وعمل الحزب الثاني بقيادة أبي بكر وعمر علي تحطيم وكسر شوكة الحزب الأول ودبروا لذلك عدة تدابير للقضاء علي الحزب المعارض، من ذلك: أولا: عزل المعارضة وشلها اقتصاديا أول مبادرة بادر بها الحزب الحاكم هو إقصاء المعارضين عن كل موارد الرزق والمال، وقد عمد أبو بكر وعمر علي طرد فلاحي فاطمة من فدك [9] واعتبرا تلك الأرض ملكا للمسلمين، وليست خالصة لفاطمة كما أقر بذلك أبوها صلي الله عليه وآله وسلم. كما حرماها من ميراث أيها بدعوي أن الأنبياء لا يورثون، وقطعا عنها سهم الخمس الذي كان رسول الله يخص به نفسه وأهل بيته لأن الصدقات محرمة عليهم. وبذلك أصبح علي مشلولا اقتصاديا فقد اغتصبت منه أرض فدك التي كانت تدر عليه أرباحا هائلة، وكذلك حرم من ميراث ابن عمه والذي هو حق من حقوق زوجته، وقطع

عنه سهم الخمس، فأصبح علي وزوجته وأولاده في حاجة لمن يسد رمقهم ويكسو أجسامهم، وهو بالضبط ما عبر عنه أبو بكر عندما قال للزهراء: نعم أنت لك الحق في الخمس ولكني سوف أعمل فيه عمل رسول الله، فلا أتركك تجوعين ولا تعرين. وكما قدمنا فإن الصحابة الذين تشيعوا لعلي أغلبهم من الموالي الذين لا ثراء لهم، فلا يخشي الحزب الحاكم منهم ولا من تأثيرهم، فالناس يميلون للغني ويحتقرون الفقير. [ صفحه 33] ثانيا: عزل المعارضة وشلها اجتماعيا ولأجل إسقاط الصف المعارض الذي يتزعمه علي بن أبي طالب فقد عمل الحزب الحاكم أيضا علي عزله اجتماعيا. وأول شئ فعله أبو بكر وعمر هو تحطيم الحاجز النفسي والعاطفي الذي يحمل المسلمين كافة علي احترام وتقدير قرابة الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم. وإذا كان علي هو ابن عم النبي وسيد العترة الطاهرة، قد وجد له مبغضون ضمن الصحابة الذين كانوا يحسدونه علي ما آتاه الله من فضله، فضلا عن المنافقين الذين كانوا يتربصون به. فإن فاطمة هي وحيدة النبي التي بقيت بعده في أمته وهي أم أبيها كما كان يسميها الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وسيدة نساء العالمين فكل المسلمين يحترمونها ويعظمونها للمكانة التي حظيت بها عند أبيها وللأحاديث التي قالها في فضائلها وشرفها وطهارتها. ولكن أبا بكر وعمر عمدا إلي إسقاط هذا الاحترام والتقدير من نفوس الناس، فجاء عمر بن الخطاب إلي بيت الزهراء وفي يده قبس من نار وطوق بيتها بالحطب وأقسم أن يحرقها بمن فيها إن لم يخرجوا لبيعة صاحبه. يقول ابن عبد ربه في العقد الفريد [10] : وأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتي بعث إليهم أبو بكر

عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا قاتلهم، فأقبل بقبس من نار علي أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة. فإذا كانت فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين كما جاء في صحاح أهل السنة والجماعة، وإذا كان ولداها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وريحانة [ صفحه 34] النبي في هذه الأمة يستهان بهم ويستصغر شأنهم حتي يقسم عمر أمام الملأ أن يحرق عليهم دارهم إن رفضوا البيعة لأبي بكر، فهل يبقي بعد هذا في نفوس الآخرين شئ من الاحترام أو التقدير لعلي بن أبي طالب الذي يبغضه أكثرهم ويحسدونه وقد أصبح بعد وفاة النبي زعيم الصف المعارض وليس عنده من حطام الدنيا ما يرغب الناس فيه؟ فهذا البخاري يحدث في صحيحه بأن فاطمة طالبت أبا بكر بميراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبي أبو بكر أن يدفع إلي فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة علي أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتي توفيت، وعاشت بعد النبي ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولو يؤذن بها أبا بكر وصلي عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر [11] . فقد نجح الحزب الحاكم نجاحا كبيرا في عزل علي بن أبي طالب اقتصاديا واجتماعيا وأسقطه من أعين الناس، فلم يبق له بينهم احترام ولا تقدير وخصوصا بعد وفاة الزهراء ولذلك استنكر علي وجوه الناس فاضطر لمصالحة أبي بكر ومبايعته حسب ما يرويه البخاري

ومسلم. وتعبير البخاري كلمة استنكر علي وجوه الناس يدلنا دلالة واضحة علي مدي الحقد والبغض الذي كان يواجهه أبو الحسن (سلام الله عليه) بعد وفاة ابن عمه وزوجته، ولعل بعض الصحابة كان إذا مشي بينهم يسبونه ويشتمونه ويستهزئون به، ولذلك استنكر وجوههم للمنكر الذي رآه. ولا نقصد من هذا الفصل سرد التاريخ ومظلومية علي بقدر ما نريد إظهار الحقيقة المرة والمؤلمة، ألا وهي أن حامل لواء السنة النبوية وباب علم الرسول أصبح متروكا، وفي المقابل أصبح أنصار الاجتهاد بالرأي الذين يرفضون السنة النبوية هم الحاكمون والمؤيدون أغلب الصحابة. [ صفحه 35] ثالثا: عزل المعارضة سياسيا رغم الحصار الشديد ومصادرة الحقوق المالية وعزلهم عن المجتمع الإسلامي حتي تحولت وجوه الناس عن علي بن أبي طالب كما مر علينا، فإن الحزب الحاكم لم يكتف بكل ذلك حتي عمد إلي عزله سياسيا وإبعاده عن كل أجهزة الدولة وعدم إشراكه في أي منصب حكومي أو إسناده أي مسؤولية. وبالرغم من تعيينهم الولاة من الطلقاء ومن فساق بني أمية الذين حاربوا الإسلام طوال حياة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، فقد بقي الإمام علي بعيدا عن مسرح الحياة السياسية طيلة ربع قرن حياة أبي بكر وعمر وعثمان. وفي حين كان بعض الصحابة الولاة يجمع الأموال ويكنز الذهب والفضة علي حساب المسلمين، كان علي بن أبي طالب يسقي نخيل اليهود كي يحصل علي قوته بكد يمينه وعرق جبينه. وهكذا بقي باب العلم، حبر الأمة وحامل السنة حبيس داره ولا يعرف قدره إلا بعض المستضعفين الذين كانوا يعدون علي الأصابع فكانوا يتشيعون له ويهتدون بهديه ويتمسكون بحبله. وقد حاول الإمام علي زمن خلافته إرجاع الناس إلي القرآن والسنة النبوية بدون جدوي إذ

أنهم تعصبوا لاجتهاد عمر بن الخطاب وصاح أكثرهم في المسجد: وا سنة عمراه. ونستنتج من كل هذا بأن عليا وشيعته تمسكوا بالسنة النبوية وعملوا علي إحيائها ولم يحيدوا عنها أبدا بينما اتبعت بقية الأمة بدع أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وسموها ب " البدع الحسنة [12] . وهذا ليس من الادعاء بل هي الحقيقة التي أجمع عليها المسلمون وسجلوها في صحاحهم وعرفها كل باحث ومنصف. فقد كان الإمام علي يحفظ القرآن ويعرف كل أحكامه وهو أول من جمعه [ صفحه 36] بشهادة البخاري نفسه. في حين لم يكن أبو بكر ولا عمر ولا عثمان يحفظونه ولا يعرفون أحكامه [13] . وقد أحصي المؤرخون علي عمر قوله سبعين مرة: لولا علي لهلك عمر، وقول أبي بكر: لا عشت في زمن لست فيه يا أبا الحسن أما عثمان فحدث ولا حرج. [ صفحه 37]

السنة النبوية بين الحقائق والأوهام

إذا كان عمر بن الخطاب المعدود عند أهل السنة والجماعة من الملهمين ومن أعلم الصحابة، إذا لم يكن أعلمهم علي الإطلاق للرواية التي أخرجوها في صحاحهم أن النبي أعطاه فضل شرابه وتأول ذلك بالعلم، يشهد علي نفسه بأنه يجهل الكثير من السنة النبوية وقد شغل عنها بالتجارة في الأسواق. فهذا البخاري يروي في صحيحه في باب الحجة علي من قال: إن أحكام النبي كانت ظاهرة وما كان بعضهم يغيب عن مشاهدة النبي وأمور الإسلام، قال: استأذن أبو موسي علي عمر فكأنه وجده مشغولا فرجع، فقال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له فدعي له فقال: ما حملك علي ما صنعت؟ فقال: إنا كنا نؤمر بهذا، فقال عمر: فائتني علي هذا ببينة أو لأفعلن بك، فانطلق إلي مجلس الأنصار فقالوا:

لا يشهد إلا أصاغرنا، فقام أبو سعيد الخدري فقال: قد كنا نؤمر بهذا فقال عمر: خفي علي هذا من أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم ألهاني الصفق بالأسواق. [ صفحه 38] تعليق: في هذه القصة طرائف لا بد من ذكرها - أولا: إن قضية الاستئذان معروفة في الإسلام وهي سنة نبوية يعرفها الخاص والعام وقد كان الناس يستأذنون للدخول علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهذه من آداب الإسلام ومفاخره. وتفيد هذه الرواية بأن عمر بن الخطاب كان له حراس وشرطة تمنع الناس من الدخول عليه إلا بالاستئذان، فقد استأن عليه أبو موسي ثلاث مرات ولم يأذن له فرجع ولكن أنصاره وأتباعه من بني أمية وكأنهم أرادوا تفضيله وتقديمه علي النبي فقالوا بأنه كان ينام علي حافة الطريق بدون حرس حتي قيل فيه: عدلت فنمت. وكأنهم يقولون بأنه أعدل من النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأن النبي كان عنده حراسة، وإلا لماذا يقال: مات العدل مع عمر؟! - ثانيا: تفيدنا هذه الرواية علي مدي الغلظة والشدة التي كان يعرف بها عمر بن الخطاب وكيف كان يعامل المسلمين بدون مبرر لذلك. فهذا أبو موسي الأشعري وهو من أكابر الصحابة يستدل بحديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم بخصوص الاستئذان، فيقول له عمر: والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك علي هذا [14] . فهناك مبرر لإهانة أبي موسي وتكذيبه أمام الناس وتهديده بالضرب الموجع لمجرد رواية رواها عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، حتي قال أبي بن كعب - بعدما شهد بصحة الحديث -: يا أبن الخطاب لا تكونن عذابا علي أصحاب رسول الله [15] . أما أنا

فلا أري من مبرر غير استبداد عمر برأيه في أكثر الأمور، وإذا ما عارضوه بكتاب الله أو بسنة النبي فتراه يغضب ويهدد، الشئ الذي جعل كثيرا من الصحابة يكتمون الحق وهم يعلمون كما وقع ذلك لعمار بن ياسر عندما [ صفحه 39] جابه عمر بالسنة النبوية في قضية التيمم، ولما هدده عمر قال عمار: إن شئت لم أحدث به [16] . والشواهد كثيرة علي منع عمر الصحابة من نقل الأحاديث النبوية وذلك من عهد أبي بكر وبالأخص في أيام خلافته التي امتدت أكثر من عشر سنوات أحرق خلالها كل ما جمع من الأحاديث النبوية ومنع الصحابة من نقلها وحبس بعضهم من أجلها وقد فعل ذلك من قبله أبو بكر كما فعل ذلك عثمان من بعده. فكيف يقال لنا بأن الخلفاء كانوا يعملون كلهم بالسنة النبوية في حين أن السنة النبوية لم تلق منهم إلا الحرق والمنع والتعتيم؟! - ثالثا: تفيدنا هذه الرواية بأن عمر بن الخطاب كان كثيرا ما يتغيب عن مجالسة النبي والاستماع لأحاديثه ويشتغل عنه بالتجارة في الأسواق. ولذلك غابت عنه أكثر الأحاديث النبوية التي عرفها الخاص والعام من الصحابة حتي صبيانهم، يشهد علي ذلك قول الأنصار عندما فزع إليهم أبو موسي من تهديد عمر، قالوا: فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا، فقام أبو سعيد الخدري، وكان أصغر القوم، فشهد أنه سمع النبي صلي الله عليه وآله وسلم يحدث بذلك. وهذا في حد ذاته توهين لشأن عمر الذي اعتلي منصة الخلافة وهو لا يعرف من السنة النبوية أبسط الأمور التي عرفها أصغر القوم سنا، وأين هو من حديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الذي يقول: إذا تولي وال أمر رعية وهو

يعلم أن فيهم من هو أعلم منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. وأني لعمر بن الخطاب أن يصغي قلبه لمثل هذه الأحاديث النبوية التي رفضها في حياة النبي ولم يقنع بها وجعل لنفسه حق الاجتهاد في مقابلها. [ صفحه 40] بقي أن نعترف لأبي حفص باعترافه بالجهل عندما يواجه من قبل بعض الصحابة بالحجة والدليل، فيقول مرة: كل الناس أفقه منك يا عمر حتي ربات الحجال، ومرة يقول: لولا علي لهلك عمر، وأخري يقول: لقد أهالني عن أحاديث النبي الصفق بالأسواق. وإذا كان عمر يتلهي عن السنة النبوية بالصفق في الأسواق فإنه عن القرآن أكثر لهوا، فقد اختلف مرة مع أبي بن كعب وهو من أشهر الحفاظ وأنكر عليه قراءته وقال بأنه لم يسمع بها من قبل، فقال له أبي: يا عمر إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق [17] . فشغله بالتجارة ولهوه بالصفق في الأسواق يعرفه الخاص والعام وليس هو بالأمر الخفي عن الصحابة وخصوصا منهم العارفين بكتاب الله وسنة رسوله. لذلك اعتقد بأنه كان يعيش عقدة نفسية كبيرة، وهي عقدة الجهل المركب، إذ يري أصغر المسلمين يعرف ما لا يعرف هو ويحفظ ما لا يحفظ هو، ويري إلي جانبه عليا وهو شاب لم يبلغ الثلاثين يصوب رأيه بما حفظه من الكتاب والسنة وبمحضر من الصحابة، حتي يضطر للقول: لولا علي لهلك عمر. ويري امرأة تقوم في آخر المسجد فتعترض عليه وهو فوق المنبر وتحاججه بكتاب الله في قضية مهور النساء علي مشهد ومسمع من كل المصلين، فيقول عند ذلك: كل الناس أفقه منك يا عمر حتي ربات الحجال. وفي الحقيقة لم يكن ذلك قناعة منه بقدر ما هو تغطية علي جهله وكسب

الموقف لصالحه ليقول الناس عنه بأنه متواضع كما نسمع اليوم الكثير من الناس يرددون ذلك. ومن أجل هذه العقدة عمل عمر علي محق السنة النبوية ما استطاع لذلك سبيلا، واجتهد برأيه معارضا للكتاب والسنة، والشواهد علي ذلك كثيرة جدا [18] . [ صفحه 41] والمتتبع لسيرة عمر يكتشف بأنه لم يعش مع النبي بعد إسلامه إلا نصف عمر الرسالة أو أقل من ذلك بكثير. فها هو يحدث عن نفسه في هذا الصدد فيقول: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته يخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك [19] . فقوله: كنا نتناوب النزول علي رسول الله ينزل يوما وأنزل يوما، فيه دلالة واضحة علي أنه كان بعيد المسكن عن مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولذلك قسم عمر حياته إلي يومين يوم ينزل لرؤية النبي، ويوم لا ينزل ولا يكلف نفسه عناء النزول لبعد المسافة. أو أن المسافة لم تكن بعيدة ولكنه ينزل إلي الأسواق ويشتغل فيها بالصفق والتجارة. وإذا أضفنا هذا إلي قوله: ألهاني الصفق بالأسواق عن أحاديث النبي في قضية أبي موسي الأشعري المتقدم ذكرها ثم أردفنا بقول أبي بن كعب له: يا عمر إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق، كما مر علينا، تأكدنا بأنه لم يقض وقتا طويلا مع صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله وسلم. ولعله كان يغيب عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي في المناسبات الكبري التي يجتمع فيها المسلمون كافة كيوم عيد الفطر

وعيد الأضحي، ولذلك نراه يسأل بعض الصحابة الذين لم تشغلهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة يسألهم عما كان يقرأ به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في عيد الفطر وعيد الأضحي. فقد أخرج مسلم في صحيحه في كتاب صلاة العيدين، عن عبيد الله بن عبد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا وافد الليثي، ما كان يقرأ به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الأضحي والفطر فقال: كان يقرأ فيهما ب ق والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر. [20] . [ صفحه 42] وعن أبي واقد الليثي أنه قال: سألني عمر بن الخطاب عما قرأ به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في يوم العيد فقلت: ب " اقتربت الساعة وق والقرآن المجيد [21] . فشهادة عبيد الله وأبو واقد الليثي علي عمر بأنه لم يكن يعرف قراءة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في العيدين، إذا أضفنا إليها شهادة أبي بن كعب وشهادته هو علي نفسه بأنه كان يشغله عن القرآن والسنة الصفق بالأسواق عرفنا الأسرار والألغاز التي بقيت حتي الآن محيرة للعلماء كفتواه بترك الصلاة للمجنب الذي لا يجد الماء وجهله بأحكام التيمم التي جاء بها القرآن والسنة، وكحكمه في الكلالة التي قضي فيها بعدة أحكام متناقضة، رغم نزولها في كتاب الله ورغم ما جاء فيها من التفصيل والبيان في السنة النبوية فإن عمر لم يفهمها إلي أن فارق الحياة [22] . ولو وقف عمر عند حده وحاول التعلم للقضاء علي جهله لكان خيرا له وللمسلمين، ولكنه أخذته العزة بالإثم فراح يحرم ما أحل الله ورسوله كمتعة الحج ومتعة النساء وسهم المؤلفة قلوبهم، ويحلل ما حرم

الله ورسوله كإمضائه الطلاق الثلاث والتجسس علي المسلمين وغير ذلك [23] . ومن أجل ذلك عمل هو وصاحبه أبو بكر من أول يوم علي منع أحاديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ومنع تدوينها وكتابتها حتي وصل الأمر بهما إلي حرق كل ما جمعه الصحابة من الأحاديث والسنن النبوية، أولا لطمس حقائق علي وأهل البيت التي نطق بها الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وثانيا لكي لا يجدوا في النصوص النبوية معارضة للسياسة التي تبنوها والأحكام التي اجتهدوا بها بآرائهم وثالثا لأن عمر بن الخطاب ما كان يعرف من سنة النبي إلا القليل. فقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس أن عمر بن [ صفحه 43] الخطاب تحير في حكم الشك في الصلاة، فقال له: يا غلام هل سمعت من رسول الله أو من أحد أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع [24] ؟ عجبت والله أمر عمر بن الخطاب خليفة المسلمين لا يعرف كيف يرقع صلاته فيسأل عن ذلك صبيان الصحابة وهو أمر يعرفه عامة المسلمين والأميون منهم حتي في يومنا الحاضر والأعجب من ذلك قول أهل السنة والجماعة بأن عمر كان أعلم الصحابة فإذا كان أعلمهم علي هذا النمط فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر. نعم تبقي فقط بعض المعارضة الطفيفة التي لا تغير من أحكامهم واجتهاداتهم شيئا ولا تهدد مصالح الخلافة، كقضية استئذان أبي موسي أو استدلال أبي بن كعب بقراءة لا يعرفها عمر، عند ذلك يفتخر عمر بالرجوع إلي الاعتراف وهو فضيلة فيقول: لقد ألهاني عن ذلك الصفق بالأسواق. فأين هذا من قول علي بن أبي طالب الذي يقول: كان لي مدخل خاص علي رسول الله

صلي الله عليه وآله وسلم في كل يوم مرتين مرة في الصباح وأخري في المساء؟ فهذه المجالس كانت خاصة بعلي في كل صباح ومساء أضف إلي ذلك حضوره دائما مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم في مجالسه العامة. فكان علي أقرب الناس للنبي وأشدهم لصوقا به وأخصهم لديه من يوم ولادته، فقد تربي في حجره حتي شب فكان يتبعه اتباع الفصيل إثر أمه في كل مكان، وفي غار حراء عند نزول الوحي عليه وقد رضع حليب الرسالة وترعرع علي معارف السنة النبوية من أول مهدها. فمن أولي بالسنة منه، وهل لأحد غيره أن يدعيها لو أنصف المنصفون ورجع إلي الحق المعاندون؟ وهذا أكبر دليل علي أنه (سلام الله عليه) وشيعته الذين اتبعوه هم رمز السنة المحمدية [ صفحه 44] وأعلامها. أما غيرهم ممن لم يهتدوا بهديه ويسيروا علي دربه فهم أبعد ما يكونون عن السنة النبوية، ولو أنهم سموا أنفسهم بأهل السنة غفلة وتقليدا. وسنبين ذلك بنحو أكثر وضوحا في ما يأتي من أبحاث في مضمون هذا الكتاب إن شاء الله تعالي. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا - يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما (الأحزاب: 70 - 71). [ صفحه 45]

اهل السنة لا يعرفون السنة النبوية

أيها القارئ العزيز، لا يستفزك هذا العنوان، فأنت بحمد الله تمشي علي طريق الحق لتصل في النهاية إلي مرضاة الله سبحانه وتعالي. فلا تدع وساوس الشيطان، ولا الغرور بالنفس، ولا التعصب المقيت يستولي عليك ويصدك عن الوصول إلي الهدف المنشود والحق المفقود وجنة الخلود. وكما قدمنا في ما سبق بأن المتسمين بأهل السنة والجماعة هم القائلون بخلافة الخلفاء الراشدين الأربعة:

أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. هذا ما يعرفه الناس اليوم. ولكن الحقيقة المؤلمة هي أن علي بن أبي طالب لم يكن معدودا عند أهل السنة من الخلفاء الراشدين، لا ولم يعترفوا حتي بشرعية خلافته. وإنما ألحق علي بالخلفاء الثلاثة في زمن متأخر جدا، وذلك في سنة ثلاثين ومائتين للهجرة في زمن أحمد بن حنبل. أما الصحابة من غير الشيعة والخلفاء والملوك والأمراء الذين حكموا المسلمين من عهد أبي بكر وحتي عهد الخليفة العباسي محمد بن الرشيد المعتصم، لم يكونوا يعترفون بخلافة علي بن أبي طالب أبدا، بل منهم من كان يلعنه ولا يعتبره حتي من المسلمين وإلا كيف يجوز لهم سبه ولعنه علي المنابر؟ وقد عرفنا سياسة أبي بكر وعمر في إقصائه وعزله كما قدمنا، ثم جاء عثمان بعدهما فأمعن في احتقاره أكثر من صاحبيه والتقليل من شأنه حتي هدده مرة بالنفي كما نفي أبا ذر الغفاري. ولما ولي معاوية أمعن في سبه ولعنه وحمل [ صفحه 46] الناس علي ذلك فدأب حكام بني أمية علي ذلك في كل مدينة وقرية ودام ذلك ثمانين عاما [25] . بل وتواصل ذلك اللعن والطعن والبراءة منه ومن شيعته أكثر من ذلك بكثير، فهذا المتوكل الخليفة العباسي يصل به الحقد إلي نبش قبر علي وقبر الحسين بن علي وذلك سنة أربعين ومائتين للهجرة. وهذا الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين في عهده، يخطب الناس يوم الجمعة فيقول لهم من فوق المنبر: إن الحديث الذي روي عن رسول الله أنت مني بمنزلة هارون من موسي صحيح ولكنه محرف لأن رسول الله قال له: أنت مني بمنزلة قارون من موسي فاشتبه علي السامع [26] . ولما كان عهد المعتصم الذي

كثر فيه الزنادقة والملحدون والمتكلمون وولي عهد الخلافة الراشدة واشتغل الناس بمشاكل هامشية وكانت محنة أحمد بن حنبل في قوله بقدم القرآن وأصبح الناس يدينون بدين ملوكهم وبأن القرآن مخلوق. ولما تراجع أحمد بن حنبل عن قوله الأول خوفا من المعتصم وخرج من محنته واشتهر بعد ذلك ولمع نجمه في عهد المتوكل بين أهل الحديث [27] عند ذلك ألحق علي بن أبي طالب بالخلفاء الثلاثة. ولعل أحمد بن حنبل بهرته الأحاديث الصحيحة الواردة في فضائل علي والتي ظهرت رغم أنف الحكام، فهو القائل: لم يرد في أحد من الناس من الفضائل بالأحاديث الحسان مثل ما ورد في علي بن أبي طالب. عند ذلك ربع بخلافته واعتبرها صحيحة بعد ما كانت عندهم منكورة. الدليل علي ذلك: جاء في طبقات الحنابلة - وهو الكتاب الصحيح والمشهور عندهم -: عن ابن أبي يعلي بالإسناد عن وديزة الحمصي قال: [ صفحه 47] دخلت علي أحمد بن حنبل حين أظهر التربيع بعلي (رضي الله عنه) [28] فقلت له: يا أبا عبد الله إن هذا الطعن علي طلحة والزبير فقال: بئسما قلت، وما نحن وحرب الجمل وذكرها؟ أصلحك الله إنما ذكرناها حين ربعت بعلي وأوجبت له الخلافة وما يجب للأئمة قبله! فقال لي: وما يمنعني من ذلك؟! قلت: حديث ابن عمر فقال لي: عمر خير من ابنه فقد رضي عليا للخلافة علي المسلمين وأدخله في الشوري، وعلي قد سمي نفسه أمير المؤمنين، فأقول أنا ليس للمؤمنين بأمير؟! قال: فانصرفت عنه [29] . ومن هذه القصة يتبين لنا بأن أهل السنة لم يقبلوا بخلافة علي ويقولوا بصحتها إلا بعد أحمد بن حنبل بكثير كما لا يخفي. ويظهر جليا من هذا المحدث أنه

زعيم أهل السنة والجماعة ومتكلمهم، لأنهم يرفضون خلافة علي محتجين علي ذلك بحديث عبد الله بن عمر - ففيه أهل السنة - والذي أخرجه البخاري في صحيحه وبما أنهم يقولون بأن البخاري هو أصح الكتب بعد كتاب الله، فكان لزاما عليهم رفض خلافة علي وعدم الاعتراف بها. وقد ذكرنا هذا الحديث في كتاب فاسألوا أهل الذكر ولا بأس بإعادته لتعميم الفائدة، فإن في الإعادة إفادة. أخرج البخاري في صحيحة عن عبد الله ابن عمر، قال: كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان (رضي الله عنهم) [30] . كما أخرج البخاري في صحيحه حديثا آخر لابن عمر أكثر صراحة من الأول إذ قال عبد الله بن عمر: [ صفحه 48] كنا في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا نفاضل بينهم [31] . ومن أجل هذا الحديث الذي ليس لرسول الله فيه رأي ولا عمل، إنما هو من خيال عبد الله بن عمر وآرائه الفاسدة وحقده وبغضه المعروف لعلي، بني أهل السنة والجماعة مذهبهم علي عدم الاعتراف بخلافة علي. وبأمثال هذه الأحاديث استباح بنو أمية سب علي ولعنه وشتمه وانتقاصه، ودأب الحكام من عهد معاوية إلي أيام مروان بن محمد بن مروان سنة 132 للهجرة يلعنون عليا علي المنابر ويقتلون من تشيع له أو من أنكر عليهم ذلك [32] . ثم قامت دولة العباسيين من عهد العباس السفاح سنة 132 للهجرة وإلي عهد المتوكل سنة 247 للهجرة، تواصلت خلالها البراءة من

علي ومن تشيع له بأساليب مختلفة ومتعددة حسب الظروف والملابسات لأن دولة العباسيين قامت علي أنقاض أهل البيت والمتشيعين لهم، فكان الحكام لا يجهرون بلعن علي عندما تقتضي مصلحة الدولة ولكنهم يعملون في الخفاء أكثر من عمل الأمويين وقد استفادوا من التجربة التاريخية التي أبرزت مظلومية أهل البيت وشيعتهم وعطف الناس عليهم، فعمل الحكام بدهاء لكسب الموقف لصالحهم وتقربوا إلي أئمة أهل البيت لا حبا فيهم ولا اعترافا بحقهم وإنما لاحتواء الثورات الشعبية التي تقوم في أطراف الدولة وتهدد كيانها، ذلك ما فعله المأمون بن هارون الرشيد مع الإمام علي بن موسي الرضا، أما إذا سطرت الدولة وقضت علي الثورات الداخلية فإنها تمعن في إهانة الأئمة وشيعتهم كما فعل المتوكل الخليفة العباسي الذي اشتهر ببغض علي وشتمه حتي نبش قبره وقبر الحسين. ولكل ذلك قلنا بأن أهل السنة والجماعة لم يقبلوا بخلافة علي إلا بعد زمن أحمد بن حنبل بكثير.. [ صفحه 49] صحيح أن أحمد بن حنبل هو أول من قال بها، ولكنه لم يقنع بها أهل الحديث كما قدمنا، لاقتدائهم بعبد الله بن عمر. فلا بد لذلك من وقت طويل حتي يقتنع الناس ويقبلوا الفكرة التي ظهر بها أحمد بن حنبل، والتي قد يظهر الحنابلة بمظهر المنصفين والمتقربين لأهل البيت فتميزهم عن المذاهب السنية الأخري من المالكية والحنفية والشافعية والذين كانوا يتنافسون لكسب المؤيدين. فلا بد إذا من قبول الفكرة وتبنيها. وبمرور الزمن قال أهل السنة والجماعة كلهم بمقولة أحمد بن حنبل وقبلوا بتربيع الخلافة بعلي وأوجبوا له ما أوجبوه للخلفاء الثلاثة من الاحترام والترضي. أليس هذا أكبر دليل علي أن أهل السنة والجماعة كانوا من النواصب الذين يبغضون عليا ويعملون علي انتقاصه

وإسقاطه. ولقائل أن يقول: كيف يصح ذلك ونحن نري اليوم أهل السنة والجماعة يحبون الإمام عليا ويترضون عنه؟ فنقول نعم، لما قدم العهد ومات الأئمة من أهل البيت ولم يعد هناك ما يخيف الحكام ويهدد ملكهم، وتلاشت هيبة الخلافة الإسلامية واستولي عليها المماليك والمغول والتتار، وضعف الدين وأصبح أكثر المسلمين يشغلهم الفن والطرب واللهو والمجون والخمر والجواري، وخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وأصبح المعروف عندهم منكرا والمنكر عندهم معروفا وعم الفساد البر والبحر، عند ذلك بكي المسلمون علي أسلافهم وتغنوا بأمجادهم وتذاكروا أيامهم فسموها بالعصور الذهبية وبما أن أفضل العصور عندهم هو عصر الصحابة فهم الذين فتحوا الأمصار ووسعوا المملكة الإسلامية شرقا وغربا ودان لهم الأكاسرة والقياصرة فترضوا علي الصحابة جميعا بما فيهم علي بن أبي طالب، وإذا كان أهل السنة والجماعة يقولون بعدالتهم جميعا فلا يمكنهم عند ذلك أن يخرجوا عليا من بين الصحابة. ولو قالوا بإخراجه لافتضحوا وكشف أمرهم عند كل عاقل وباحث، فموهوا [ صفحه 50] علي العامة بأنه رابع الخلفاء الراشدين وهو باب مدينة العلم رضي الله عنه وكرم الله وجهه. ونحن نقول لهم: فلماذا لا تقلدوه في أمور دينكم ودنياكم إن كان اعتقادكم فيه صحيحا بأنه باب مدينة العلم؟ لماذا تركتم الباب عمدا وقلدتم أبا حنيفة ومالكا، والشافعي وابن حنبل وابن تيمية، الذين لا يدانوه في علم ولا عمل ولا فضل ولا شرف، فأين الثري من الثريا وأين السيف من المنجل وأين معاوية من علي لو كنتم تعقلون؟ هذا بقطع النظر عن كل النصوص الواردة عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والتي توجب علي كل المسلمين اتباع الإمام علي من بعده والاقتداء به، ولقائل من

أهل السنة أن يقول: إن فضل علي وسابقته وجهاده في سبيل الإسلام وعلمه الغزير وشرفه العظيم وزهده الكبير يعرفه الناس جميعا، بل إن أهل السنة يعرفون عليا ويحبونه أكثر من الشيعة (هذا ما يردده الكثير منهم اليوم). فنقول هؤلاء: أين كنتم [33] وأين كان أسلافكم وعلماؤكم عندما كان علي يلعن علي المنابر مئات السنين؟ فلم نسمع ولم يحدثنا التاريخ أن أحدا منهم أنكر ذلك أو منع من ذلك أو قتل من أجل ولائه وحبه لعلي، فلا ولن نجد من علماء أهل السنة من فعل ذلك بل كانوا مقربين للسلاطين والأمراء والولاة لما أعطوهم من البيعة والرضا وأفتوا لهم بقتل الرافضة الذين يوالون عليا وذريته، وهؤلاء موجودون حتي في عصرنا الحاضر. لقد دأب النصاري علي معاداة اليهود غير القرون واعتبروهم مجرمين وحملوهم مسؤولية قتل السيد المسيح عيسي بن مريم، ولكن لما ضعف أمر النصاري وتلاشت أمور العقيدة عندهم واعتنق أكثرهم مذهب الإلحاد وأصحبت الكنيسة في سلة المهملات للموقف المعادي الذي وقفته ضد العلم والعلماء، [ صفحه 51] وفي المقابل قوي أمر اليهود واستفحل واستشري حتي احتلوا الأراضي العربية والإسلامية بالقوة، وامتد نفوذهم في الشرق والغرب وأقاموا دولة إسرائيل، عند ذلك اجتمع البابا يوحنا بولس الثاني مع أحبار اليهود وبرأهم من جريمة قتل المسيح. فالناس ناس والزمان زمان. [ صفحه 52]

اهل السنة و محق السنة

نريد في هذا الفصل توضيح شئ مهم لا غني للباحث أن يتعمق فيه، ليكشف بدون لبس بأن الذين يتسمون بأهل السنة ليس لهم في الحقيقة من سنة النبي شئ يذكر. وذلك لأنهم، أو بالأحري لأن أسلافهم من الصحابة والخلفاء الراشدين عندهم الذين يقتدون بهم ويتقربون إلي الله بحبهم وولائهم قد وفقوا من السنة النبوية موقفا

سلبيا إلي درجة أنهم أحرقوها ومنعوا من كتابتها والتحدث بها [34] . وإضافة لما سبق توضيحه، لا بد لنا من كشف الستار عن تلك المؤامرة الخسيسة التي حبكت ضد السنة النبوية المطهرة لمنع انتشارها والقضاء عليها في المهد، وإبدالها ببدع الحكام واجتهاداتهم وآراء الصحابة وتأويلاتهم. وقد عمل الحكام الأولون: أولا: علي وضع الأحاديث المكذوبة التي تؤيد مذهبهم في منع الكتاب لعموم السنة النبوية والأحاديث الشريفة. فها هو الإمام مسلم يخرج في صحيحه، عن هداب بن خالد الأزدي عن همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: [ صفحه 53] لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج [35] . والغرض من وضع هذا الكتاب هو تبرير ما فعله أبو بكر وعمر تجاه الأحاديث النبوية التي كتبها بعض الصحابة ودونوها، وقد وضع هذا الحديث في زمن متأخر عن الخلفاء الراشدين، وغفل الوضاعون الكاذبون عن الأمور التالية: أ: لو قال هذا الحديث صاحب الرسالة لامتثل أمره الصحابة الذين كتبوا عنه ولمحوه قبل أن يتولي أبو بكر وعمر حرقها بعد سنوات عديدة من وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ب: لو كان هذا الحديث صحيحا لاستدل به أبو بكر أولا، ثم عمر ثانيا، لتبرير منعهما كتابة الأحاديث ومحوها، ولاعتذر أولئك الصحابة الذين كتبوها إما جهلا وإما نسيانا. ت: لو كان هذا الحديث صحيحا لوجب علي أبي بكر وعلي عمر أن يمحوا الأحاديث محوا لا يحرقاها حرقا. ث: لو صح هذا الحديث فالمسلمون من عهد عمر بن عبد العزيز إلي يوم الناس هذا كلهم آثمون لأنهم خالفوا نهي الرسول

صلي الله عليه وآله وسلم وعلي رأسهم عمر بن عبد العزيز الذي أمر العلماء في عهده بتدوين الأحاديث وكتابتها، والبخاري ومسلم اللذان يصححان هذا الحديث ثم بعصيانه ويكتبان ألوف الأحاديث عن النبي. ج: وأخيرا لو صح هذا الحديث لما غاب عن باب مدينة العلم علي بن أبي طالب الذي جمع أحاديث النبي في صحيفة طولها سبعون ذراعا ويسميها الجامعة (وسيأتي الكلام عنها لاحقا بحول الله). ثانيا: عمل الحكام الأمويون علي التأكيد بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم غير معصوم عن الخطأ وهو كغيره من البشر الذين يخطئون ويصيبون، ويروون في [ صفحه 54] ذلك عدة أحاديث. والغرض من وضع تلك الأحاديث هو التأكيد علي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يجتهد برأيه فكان كثرا ما يخطئ مما حدا ببعض الصحابة أن يصوب رأيه، كما جاء ذلك في قضية تأبير النخل ونزول آية الحجاب، والاستغفار للمنافقين، وقبول الفدية من أسري بدر، وغير ذلك مما يدعيه أهل السنة والجماعة في صحاحهم وما يعتقدونه في صاحب الرسالة (عليه وآله أفضل الصلاة وأزكي السلام). ونحن نقول لأهل السنة والجماعة: إذا كان هذا هو ديدنكم وهذا هو اعتقادكم في رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فكيف تدعون التمسك بسنته، وسنته عندكم وعند أسلافكم غير معصومة، بل غير معلومة ولا مكتوبة؟ [36] . علي أننا نرد علي هذه المزاعم والأكاذيب وندحضها من نفس كتبكم وصحاحكم [37] . فهذا الإمام البخاري يخرج في صحيحه من كتاب العلم وفي باب كتابة العلم، عن أبي هريرة قال: ما من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو

فإنه كان يكتب ولا أكتب [38] . ويستفاد من هذه الرواية بأن هناك من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم من كان يكتب أحاديثه، وإذا كان أبو هريرة يروي أكثر من ستة آلاف حديث عن النبي شفاهيا فإن عبد الله بن عمرو بن العاص فاق هذا العدد كتابيا ولذلك اعترف أبو هريرة بأن عبد الله بن عمرو أكثر منه أحاديث عن النبي لأنه كان يكتب ولا شك بأن هناك في الصحابة كثيرين ممن كانوا يكتبون عن النبي أحاديثه ولم يذكرهم أبو هريرة لعدم اشتهارهم بكثرة الرواية عنه صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 55] وإذا أضفنا إلي هؤلاء الإمام علي بن أبي طالب الذي كان ينشر من فوق المنبر صحيفة يسميها الجامعة، جمع فيها كل ما يحتاجه الناس من أحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقد توارثها الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) وكثيرا ما تحدثوا عنها. فقد قال الإمام جعفر الصادق: إن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا، إملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخط علي بيده، ما من حلال ولا حرام وما من شئ يحتاج إليه الناس وليس قضية إلا وهي فيها حتي أرش الخدش [39] . وقد أشار البخاري نفسه في صحيحه إلي هذه الصحيفة التي كانت عند علي في عدة أبواب من كتابه، ولكنه وكما عودنا البخاري فإنه أبتر الكثير من خصائصها ومضمونها. قال البخاري في باب كتابة العلم: عن الشعبي عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجلا مسلما أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل

مسلم بكافر [40] . كما جاء في صحيح البخاري في موضع آخر قوله: عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال: ما عندنا شئ إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم [41] . كما جاء في موضع آخر من صحيح البخاري قوله: [ صفحه 56] عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي فقال: ما عندنا كتاب نقرأه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة [42] . وينقل البخاري في باب آخر من صحيحه قوله: عن علي (رضي الله عنه) قال: ما كتبنا عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة [43] . كما أخرج البخاري في موضع آخر من صحيحه قوله: عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي (رضي الله عنه) علي منبر من أجر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة، فقال: والله ما عندنا كتاب يقرأ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة [44] . ولم ينقل البخاري ما قاله الإمام جعفر الصادق من أن الصحيفة تسمي الجامعة لأنها جمعت كل حلال وكل حرام، وفيها كل ما يحتاجه الناس حتي أرش الخدش بإملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخط علي بن أبي طالب. فاختصرها بقوله مرة: بأن فيها العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر، ومرة أخري بقوله: فنشرها علي فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها المدينة حرم وإذا فيها ذمة المسلمين واحدة وإذا فيها من والي قوما بغير إذن مواليه.. إنه التزوير والتعتيم علي الحقائق، وإلا هل يعقل أن يكتب علي هذه الكلمات الأربعة في صحيفة ويعلقها علي سيفه وتلازمه عندما يخطب من فوق المنبر ويجعل منها المرجع

الثاني بعد كتاب الله فيقول للناس: ما كتبنا عن النبي إلا القرآن وما في هذه الصحيفة؟؟! وهل كان عقل أبي هريرة أكبر من عقل علي بن أبي طالب إذ كان يحفظ عن رسول الله مائة ألف حديث من غير كتابة؟ [ صفحه 57] عجيب والله أمر هؤلاء الذين يقبلون مائة ألف حديث عن أبي هريرة الذي لم يصحب النبي إلا ثلاث سنوات وكان يجهل القراءة والكتابة ويزعمون بأن عليا باب مدينة العلم الذي تعلم منه الصحابة شتي العلوم والمعارف، كان يحمل صحيفة فيها أربعة أحاديث ظلت تلازمه من حياة الرسول إلي أيام خلافته فيصعد بها علي المنبر وهي معلقة علي سيفه؟ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا. علي أن في ما أخرجه البخاري كفاية للباحثين والعقلاء، وذلك عندما ذكر بأن فيها العقل، فهو دليل بأن في الصحيفة أشياء كثيرة تخص العقل البشري والفكر الإسلامي. ونحن لا نريد إقامة الدليل علي ما في الصحيفة، فأهل مكة أدري بشعابها وأهل البيت أدري بما فيه وقد قالوا بأن فيها كل ما يحتاجه الناس من حلال وحرام حتي أرش الخدش. ولكن الذي يهمنا في هذا البحث هو أن الصحابة كانوا يكتبون أحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وقول أبي هريرة بأن عبد الله بن عمرو كان يكتب أحاديث النبي، وقول علي بن أبي طالب: ما كتبنا عن رسول الله إلا القرآن وما في هذه الصحيفة، كما جاء في صحيح البخاري، هو دليل قاطع علي أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم ينه عن كتابة أحاديثه أبدا، بل العكس هو الصحيح، وأن الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه لا تكتبوا عني ومن كتب عني

غير القرآن فليمحه هو حديث مكذوب وضعه أنصار الخلفاء لتأييد وتبرير ما فعله أبو بكر وعمر وعثمان من حرق الأحاديث النبوية ومنع السنة من الانتشار. ومما يزيدنا يقينا بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم ينه عن كتابة الأحاديث عنه بل إنه أمر بها، هو ما قاله الإمام علي أقرب الناس للنبي: ما كتبنا عنه غير القرآن وما في هذه الصحيفة والذي صححه البخاري. وإذا أضفنا إلي هذا قول الإمام جعفر الصادق بأن الصحيفة الجامعة هي من إملاء رسول الله وخط علي فمعناه أن النبي أمر عليا بالكتابة. [ صفحه 58] وحتي لا يبقي عندك شك أيها القارئ العزيز، أزيدك ما يلي: أخرج الحاكم في مستدركه وأبو داود في صحيحه والإمام أحمد في مسنده والدارمي في سننه، أخرجوا كلهم حديثا مهما جدا بخصوص عبد الله بن عمرو الذي ذكره أبو هريرة بأنه كان يكتب عن النبي: قال عبد الله بن عمرو: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله (ص)، فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شئ سمعته من رسول الله وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ قال عبد الله: فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فأومأ إلي فيه وقال: أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق [45] . ونلاحظ من خلال هذا الحديث بأن عبد الله بن عمرو كان يكتب كل ما يسمعه من النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلم ينهه النبي عن ذلك وإنما وقع النهي من قريش، ولم يرد عبد الله التصريح بأسماء الذين نهوه عن الكتابة لأن في نهيهم طعن علي رسول الله، كما لا يخفي فأبهم القول بأنهم قريش، والمقصود

بقريش زعماؤها من المهاجرين وعلي رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمان بن عوف وأبو عبيدة وطلحة والزبير ومن سار علي رأيهم. كما نلاحظ بأن نهيهم لعبد الله كان في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهذا ما يؤكد عمق المؤامرة وخطورتها. وإلا لماذا يعمد هؤلاء لنهي عبد الله عن الكتابة بدون الرجوع إلي النبي نفسه؟ كما يفهم أيضا من قولهم له: إن رسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا، أن عقيدتهم في النبي كانت هزيلة إلي درجة أنهم يشكون فيه بأنه يقول باطلا ويحكم ظلما خصوصا في حالة الغضب، وما قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم عندما ذكر له عبد الله بن عمرو نهي قريش وما قالوه في شأنه فقال صلي الله عليه وآله وسلم: [ صفحه 59] أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق - إشارة إلي فمه - لدليل آخر علي علم الرسول بشكهم في عدالته، وأنهم يجوزون عليه الخطأ وقول الباطل فأقسم بالله بأنه لا يخرج من فمه إلا الحق. وهذا هو التفسير الصحيح لما جاء في قوله سبحانه وتعالي: وما ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي (النجم: 3 - 4). وأنه صلي الله عليه وآله وسلم معصوم عن الخطأ وقول الباطل وبهذا فإننا نجزم بأن كل الأحاديث والروايات التي وضعت في زمن الأمويين والتي يستفاد منها بأنه غير معصوم لا يصح شئ منها، كما أن الحديث المذكور يشعرنا بأن تأثيرهم علي عبد الله بن عمرو كان كبيرا حتي أمسك عن الكتابة كما صرح هو بنفسه إذ قال: فأمسكت عن الكتابة وبقي علي ذلك إلي أن جاءت مناسبة تدخل فيها رسول الله بنفسه لإزالة

الشكوك التي تثار حول عصمته وعدالته، وكانت كثرا ما تشار حتي بمحضره صلي الله عليه وآله وسلم كقولهم له صراحة: أأنت نبي الله حقا؟ [46] أو: أنت الذي تزعم أنك نبي [47] ، أو والله ما قصد بهذه القسمة وجه الله [48] . أو كقول عائشة للنبي: إن ربك يسارع في هواك [49] أو قولها له: أقصد إلي غير ذلك من العبارات النابية التي تعرب عن شكهم في عصمته واعتقادهم بأنه يحيف ويظلم ويخطئ ويكذب والعياذ بالله. فكان صلي الله عليه وآله وسلم صاحب الخلق العظيم رؤوفا رحيما كثيرا ما يزيح تلك الشبهات بقوله مرة: ما أنا إلا عبد مأمور، ومرة يقول: والله إني لأبر لله وأتقي، وأخري يقول: والذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق، وكثيرا ما كان يقول: رحم الله أخي موسي لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر. فلم تكن هذه الكلمات النابية التي تطعن في عصمته وتشكك في نبوته [ صفحه 60] صادرة عن أناس متروكين أو عن المنافقين، ولكنها مع الأسف صدرت عن عظماء الصحابة وعن أم المؤمنين والذين هم عند أهل السنة والجماعة قدوة وأسوة حسنة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ومما يزيدنا يقينا بأن حديث لا تكتبوا عني هو حديث موضوع لا أساس له من الصحة ولم ينطق به رسول الله إطلاقا، أن أبا بكر نفسه كان يكتب عن رسول الله بعض الأحاديث التي جمعها في عهد النبي، ثم بعد ما تولي الخلافة بدا له أن يحرقها لأمر قد لا يخفي علي الباحثين. فها هي ابنته عائشة تقول: جمع أبي الحديث عن رسول الله فكانت خمسمائة حديث فبات يتقلب، فقلت: يتقلب لشكوي أو لشئ بلغه،

فلما أصبح قال: أي بنية هلمي بالأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها [50] . وهذا عمر بن الخطاب أيضا في خلافته يخطب يوما في الناس قائلا: (لا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به فأري فيه رأيي فظنوا أنه يريد النظر فيها ليقومها علي أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه يكتبهم فأحرقها بالنار [51] . كما بعث في الأمصار يأمرهم: من كان عنده شئ فليمحه [52] . فهذا أكبر دليل علي أن الصحابة عامة سواء منهم المقيمين في المدينة أو في بقية الأمصار الإسلامية الأخري كلهم عندهم كتب جمعوا فيها الأحاديث النبوية التي كتبوها علي عهده صلي الله عليه وآله وسلم فأحرقت كلها بفعل أبي بكر أولا ثم عمر ثانيا ومحيت بقية الكتب التي في الأمصار بأمر عمر في خلافته [53] . وعلي هذا فلا يمكن لنا ولا لأي عاقل أن يصدق بأن رسول الله نهاهم عن [ صفحه 61] كتابة الحديث بعدما عرفنا بأن أكثر الصحابة كانت عندهم كتب للأحاديث وخصوصا الصحيفة التي كانت تلازم الإمام علي وطولها سبعون ذراعا ويسميها الجامعة لأنها جمعت كل شئ. وبما أن السلطة الحاكمة والسياسة السائدة، اقتضت مصالحها محو السنة وحرقها وعدم التحدث بها، فإن الصحابة المؤيدين لتلك الخلافة امتثلوا الأوامر ونفذوها، فلم يبق لهم ولا لأتباعهم من التابعين سوي الاجتهاد بالرأي، أو الاقتداء بسنة أبي بكر وسنة عمر وسنة عثمان وسنة معاوية وسنة يزيد وسنة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسنة سليمان بن عبد الملك إلي أن جاء عمر بن عبد العزيز فطلب من أبي بكر الحزمي أن يكتب له ما كان من حديث رسول الله أو سنته أو حديث عمر

بن الخطاب [54] . وهكذا يتبين لنا أنه حتي في الظروف التي سمحت بتدوين السنة وبعد مرور مائة سنة علي طمسها ومنعها، نري الحاكم الأموي المعتدل والذي ألحقه أهل السنة بالخلفاء الراشدين، يأمر بجمع سنة رسول الله وسنة عمر بن الخطاب، وكأن عمر بن الخطاب شريك محمد في رسالته ونبوته. ولماذا لم يطلب عمر بن عبد العزيز من أئمة أهل البيت الذين عاصرهم أن يعطوه نسخة من الصحيفة الجامعة، ولماذا لم يكلفهم هم بجمع الأحاديث النبوية فهم أعلم بحديث جدهم من غيرهم؟؟ فالمحققون والباحثون يعرفون سر ذلك. وهل يحصل الاطمئنان إلي تلك الأحاديث التي جمعها أهل السنة والجماعة من بني أمية وأعوانهم الذين يمثلون خلافة قريش وقد عرفنا حقيقة قريش وعقيدتها في رسول الله وسنته المطهرة؟ ويبقي واضحا بعد هذا بأن السلطة الحاكمة وعلي مر عصور الخلافة، عملت بالاجتهاد والقياس ومشاورة بعضهم. وبما أن السلطة قد أقصت الإمام عليا عن مسرح الحياة وأهملته فلم يكن لها عليه من سلطان لحرق ما كتبه في عهد الرسالة بإملاء النبي نفسه. [ صفحه 62] وبقي علي بن أبي طالب يحتفظ بتلك الصحيفة التي جمع فيها كل ما يحتاجه الناس حتي أرش الخدش، ولما تولي الخلافة كان يعلقها علي سيفه ويصعد علي المنبر ليخطب في الناس ويعرفهم بأهميتها. وقد تواترت الأخبار عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بأنهم توارثوا تلك الصحيفة أبا عن جد وكابرا عن كابر، وكانوا يفتون بها في المسائل التي يحتاجها معاصروهم ممن اقتدوا بهديهم. ولذلك كان الإمام جعفر الصادق والإمام الرضا وغيرهم من الأئمة يرددون دائما نفس الكلام بخصوصها ويقولون: إننا لا نفتي الناس بآرائنا، إنا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين،

ولكنها آثار من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، أهل علم نتوارثها كابرا عن كابر، نكتنزها كما يكتنز الناس ذهبهم وفضتهم [55] . وقال جعفر الصادق مرة أخري. حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله هو قول الله (عز وجل) [56] . وبكل هذا يصبح حديث الثقلين المتواتر: تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا [57] ، هو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، وتصبح السنة النبوية، الصحيحة ليس لها من حافظ وراع وقيم غير الأئمة الأطهار من آل بيت المصطفي المختار. كما يستنتج من هذا أن شيعة أهل البيت الذين تمسكوا بالعترة هم أهل السنة النبوية، وأن أهل السنة والجماعة مدعون ما ليس لهم، ولا تقوم دعواهم علي حجة ولا دليل. - والحمد لله الذي هدانا لهذا -. [ صفحه 63]

الشيعة في نظر أهل السنة

إذا استثنينا بعض العلماء المعاصرين الذين أنصفوا في كتاباتهم عن الشيعة بما تفرضه عليهم الأخلاق الإسلامية، فإن الأغلبية الساحقة منهم قديما وحديثا لا زالوا يكتبون عن الشيعة بعقلية الأمويين الحاقدين، فتراهم في كل واحد يهيمون ويقولون ما لا يفقهون، ويسبون ويشتمون ويتقولون افتراء وبهتانا علي شيعة آل البيت ما هم منه براء، ويكفرونهم ينبذونهم بالألقاب اقتداء بسلفهم الصالح معاوية وأضرابه، الذين استولوا علي الخلافة الإسلامية بالقوة والقهر والمكر والدهاء والخيانة والنفاق. فمرة يكتبون بأن الشيعة هي فرقة من تأسيس عبد الله بن سبأ اليهودي، ومرة يكتبون بأنهم من أصل المجوس، وأنهم روافض قبحهم الله، وأنهم أخطر علي الإسلام من اليهود والنصاري، ومرة

يكتبون بأنهم منافقون لأنهم يعملون بالتقية وأنهم إباحيون يبيحون نكاح المحارم ويحللون المتعة وهي زنا، والبعض يكتب بأن لهم قرآنا غير قرآننا، وأنهم يبعدون عليا والأئمة من بنيه ويبغضون محمدا وجبريل وأنهم وأنهم. ولا يمر عام إلا ويطلع علينا كتاب أو مجموعة كتب من أولئك العلماء الذين يتزعمون أهل السنة والجماعة بزعمهم وكله تكفير واستهانة بالشيعة. وليس لهم في ذلك مبرر ولا دافع إلا إرضاء أسيادهم الذين لهم مصلحة في تمزيق الأمة وتفريقها والعمل علي إبادتها. كما ليس لهم فيما يكتبون من حجة ولا دليل سوي التعصب الأعمي والحقد الدفين والجهل المقيت، وتقليد السلف [ صفحه 64] بدون تمحيص ولا بحث ولا بينة، فهم كالببغاء يعيدون ما يسمعون ويستنسخون ما كتبه النواصب من أذناب الأمويين، والذين لا يزالون يعيشون علي مدح وتمجيد يزيد بن معاوية [58] . فلا نستغرب من أولئك الممجدين ليزيد بن معاوية، أن يسبوا ويكفروا أعداء يزيد هذا. وإذا كان سلفهم الصالح، يزيد وأبوه معاوية يغدقون علي أتباعهم ومن تشيع لهم الذهب والفضة ويشترون بها ضمائرهم في الماضي، فإن ملايين الدولارات، والقصور الفخمة في لندن وباريس والتي ملئت بزرق العين، من الشقراوات، والخمر المصفي، لقادر علي شراء ضمائرهم ودينهم وأوطانهم في الحاضر. ولو كان هؤلاء يتبعون السنة النبوية كما يزعمون لتعلموا من أخلاقه العالية صلي الله عليه وآله وسلم احترام الغير ولو خالفهم في العقيدة. ألم تقل السنة النبوية: المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، والمسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي. ألم يصرح النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر فلو كان هؤلاء الكتاب المدعون أنهم من أهل

السنة والجماعة يعرفون السنة النبوية، لما سمحت لهم نفوسهم بتكفير من يشهد أن لا إله إلا لله وأن محمدا رسول الله، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر. وبما أنهم أتباع السنة الأموية والقرشية فهم يتكلمون ويكتبون بالعقلية الجاهلية والأفكار القبلية والنعرات العنصرية. فالشئ من مأتاه لا يستغرب، وكل إناء بالذي فيه ينضح. [ صفحه 65] ألم يقل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما جاء في الذكر الحكيم: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم (آل عمران: 64)؟ فإن كانوا من أهل السنة حقا، فلينادوا إخوانهم من الشيعة إلي كلمة سواء بينهم. وإذا كان الإسلام ينادي أعداءه من اليهود والنصاري إلي كلمة سواء للتفاهم والتآخي، فكيف بمن يعبدون إلها واحدا، ونبيهم واحد وكتابهم واحد، وقبلتهم واحدة ومصيرهم واحد! فلماذا لا ينادي علماء أهل السنة إخوانهم من علماء الشيعة ويجلسون معهم حول طاولة البحث، ويجادلونهم بالتي هي أحسن ويصلحون عقائدهم إن كانت فاسدة كما يزعمون؟ لماذا لا يعقدون مؤتمرا إسلاميا يجمع علماء الفريقين وتطرح فيه كل المسائل الخلافية علي مسمع ومرأي من كل المسلمين حتي يعرفوا وجه الصواب من الكذب والبهتان؟ وخصوصا وأن أهل السنة والجماعة يمثلون ثلاثة أرباع المسلمين في العالم، ولهم من الإمكانات المادية والنفوذ لدي الحكومات ما يجعل ذلك عندهم سهلا ميسورا إذ يملكون الأقمار الصناعية. ولأن أهل السنة والجماعة لا يعملون لمثل هذا أبدا، ولا يريدون المواجهة العلمية التي ينادي بها كتاب الله المجيد بقوله: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (البقرة: 111). قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون (الأنعام: 148

ولذلك تراهم دائما يلجأون إلي السب والشتم والتكفير والبهت والافتراء وهم يعرفون بأن الحجة والدليل مع خصومهم الشيعة. وأعتقد بأنهم يخافون أن يتشيع أكثر المسلمين إذا كان كشفت الحقائق كما وقع [ صفحه 66] بالفعل لبعض العلماء الأزهريين في مصر الذين سمحوا لأنفسهم بالبحث عن الحق فأدركوه واستبصروا ونبذوا ما كانوا عليه من عقيدة السلف الصالح. فالعلماء من أهل السنة والجماعة يدركون هذا الخطر الذي يهدد كيانهم بالذوبان، فإذا أعيتهم الحيلة وصل الأمر بالبعض منهم أن حرم علي أتباعه ومقلديه أن يجلسوا مع الشيعة أو يجادلوهم أو يتزوجوا منهم أو يزوجوهم أو يأكلوا من ذبائحهم. ويفهم من موقفهم هذا بأنهم أبعد ما يكونون عن السنة النبوية، وهم أقرب ما يكونون من سنة بني أمية الذين عملوا بكل جهودهم علي إضلال الأمة المحمدية بأي ثمن لأن قلوبهم لم تخشع لذكر الله وما نزل من الحق ودخلوا في الإسلام وهم كارهون. وهذا ما عبر عنه إمامهم معاوية بن أبي سفيان الذي قتل خيار الصحابة من أجل الوصول إلي الحكم فقط، فقد قال في أول خطبة له: إني لم أقاتلكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون. وصدق الله إذ يقول: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون (النمل: 34). [ صفحه 67]

اهل السنة والجماعة في نظر الشيعة

إذا استثنينا بعض المتعصبين من عوام الشيعة الذين ينظرون إلي أهل السنة والجماعة بأنهم كلهم من النواصب [59] ، فإن الأغلبية الساحقة من علمائهم قديما وحديثا، لا زالوا يعتقدون بأن إخوانهم من أهل السنة والجماعة هم ضحايا الدس والمكر الأموي لأنهم أحسنوا الظن بالسلف الصالح واقتدوا بهم بدون بحث ولا تمحيص،

فأضلوهم عن الصراط المستقيم وأبعدوهم عن الثقلين - كتاب الله والعترة الطاهرة - الذين يعصمان المتمسك بهما من الضلالة ويضمنان له الهداية. فتراهم كثيرا ما يكتبون للدفاع عن أنفسهم وللتعريف بمعتقداتهم داعين للإنصاف ولتوحيد الكلمة مع إخوانهم من أهل السنة والجماعة. وقد جاب بعض علماء الشيعة في الأقطار والأمصار باحثين عن الأساليب الكفيلة لتأسيس دور وجمعيات إسلامية للتقريب بين المذاهب ومحاولة جمع الشمل. ويمم آخرون منهم وجهتهم صوب الأزهر الشريف منارة العلم والمعرفة عند أهل السنة، وتقابلوا مع علمائه وجادلوهم بالتي هي أحسن، وعملوا علي إزالة الأحقاد، كما فعل الإمام شرف الدين الموسوي عند لقائه بالإمام سليم الدين البشري، وكان من نتيجة ذلك اللقاء والمراسلات ولادة الكتاب القيم [ صفحه 68] المسمي ب " المراجعات والذي كان له الدور الكبير في تقريب وجهات النظر عند المسلمين. كما أن جهود أولئك العلماء من الشيعة كللت بالنجاح في مصر فأصدر الإمام محمود شلتوت مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت فتواه الجريئة في جواز التعبد بالمذهب الشيعي الجعفري، وأصبح الفقه الشيعي الجعفري من المواد التي تدرس بالأزهر الشريف. هذا ودأب الشيعة وعلماؤهم بالخصوص علي التعريف بأئمة أهل البيت الطاهرين وبالمذهب الجعفري الذي يمثل الإسلام بكل معانيه وكتبوا في ذلك المجلدات والمقالات وعقدوا لذلك الندوات وخصوصا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عقدت مؤتمرات عديدة في طهران باسم الوحدة الإسلامية وباسم التقريب بين المذاهب، وكلها دعوات صادقة لنبذ العداء والأحقاد، ولبث روح الأخوة الإسلامية واحترام المسلمين بعضهم لبعض. وفي كل عام يدعو مؤتمر الوحدة الإسلامية علماء ومفكرين من الشيعة والسنة فيعيشون أسبوعا كاملا تحت ظل الأخوة الصادقة فيأكلون ويشربون ويصلون ويدعون ويتبادلون الآراء والأفكار ويعطون ويأخذون. ولو لم يكن

لتلك المؤتمرات دور إلا تأليف القلوب وتقريب المسلمين بعضهم من بعض ليتعارفوا وتزول الأحقاد لكان فيها الخير الكثير والفضل العميم، ولسوف تؤتي أكلها بعد حين إن شاء الله رب العالمين. وأنت إذا دخلت إلي أي بيت من بيوت الشيعة العاديين فضلا عن بيوت العلماء والمثقفين، فسوف تجد فيه مكتبة تضم إلي جانب مؤلفات الشيعة جانبا كبيرا من مؤلفات أهل السنة والجماعة علي عكس أهل السنة والجماعة فقد لا تجد عن علمائهم كتابا شيعيا واحدا إلا نادرا. ولذلك هم يجهلون حقائق الشيعة ولا يعرفون إلا الأكاذيب التي يكتبها أعداؤهم. كما أن الشيعي العادي تجده في أغلب الأحيان يعرف التاريخ الإسلامي بكل أدواره وقد يحتفل بإحياء بعض ذكرياته. [ صفحه 69] أما العالم السني تجده قليلا ما يهتم بالتاريخ فهو يعتبره من المآسي التي لا يريد نبشها والاطلاع عليها، بل يجب إهمالها وعدم النظر فيها لأنها تسئ الظن ب " السلف الصالح. وبما أنه أقنع نفسه أو أوهمها بعدالة الصحابة أجمعين ونزاهتهم، فلم يعد يتقبل ما سجله التاريخ عليهم. لكل ذلك تراه لا يصمد للنقاش البناء الذي يقوم علي الدليل والبرهان، فتراه إما يتهرب من البحث لعلمه مسبقا بأنه مغلوب وإما أن يتغلب علي عواطفه وميوله ويقحم نفسه في البحث فيصبح ثائرا علي كل معتقداته ويتشيع لأهل بيت المصطفي. فالشيعة هم أهل السنة النبوية لأن إمامهم الأول بعد النبي هو علي بن أبي طالب الذي يعيش ويتنفس بالسنة النبوية. أنظر إليه وقد جاؤوه ليبايعون بالخلافة علي أن يحكم بسيرة الشيخين فقال: لا أحكم إلا بكتاب الله وسنة رسوله فلا حاجة لعلي في الخلافة إن كانت علي حساب السنة النبوية، فهو القائل: إن خلافتكم عندي كعفطة عنز إلا

أن أقيم حدا من حدود الله. وقال ابنه الإمام الحسين: قولته المشهورة التي بقيت ترن في مسمع الدهر: إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني. ولهذا فإن الشيعة ينظرون إلي إخوانهم من أهل السنة والجماعة بنظر العطف والحنان وكأنهم يريدون لهم الهداية والنجاة لأن ثمن الهداية عندهم حسب ما جاءت به الروايات الصحيحة خير من الدنيا وما فيها، فقد قال صلي الله عليه وآله وسلم للإمام علي عندما بعثه لفتح خيبر: قاتلهم حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن قالوها فقد عصم منك دماؤهم وأموالهم وحسابهم علي الله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو خير لك من أن يكون لك حمر النعم [60] . [ صفحه 70] وكما كان هم علي بن أبي طالب الوحيد هو هداية الناس والرجوع بهم إلي كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، فكذلك شيعته اليوم هممهم أن يدفعوا عن أنفسهم كل التهم والأكاذيب وأن يعرفوا إخوانهم من أهل السنة بحقائق أهل البيت (عليهم السلام) وبالتالي يهدوهم إلي سواء السبيل. لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدي ورحمة لقوم يؤمنون (يوسف: 111). [ صفحه 71]

التعريف بأئمة الشيعة

لقد انقطع الشيعة للأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، أولهم علي بن أبي طالب ثم ابنه الحسن، ثم ابنه الحسين، ثم التسعة المعصومون من ذرية الحسن ومن نسله. وقد نص رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي هؤلاء الأئمة في العديد من المرات تصريحا وتلميحا وقد ذكرهم بأسمائهم في بعض

الروايات التي أخرجها الشيعة والبعض من علماء السنة. وقد يعترض البعض من أهل السنة علي هذه الروايات مستغربا كيف يتكلم الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عن أمور غيبية ما زالت في طي العدم؟ وقد جاء في القرآن قوله: لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء (الأعراف: 188). وإجابة علي ذلك نقول بأن هذه الآية الكريمة لا تنفي عن الرسول علمه بالغيب مطلقا، إنما جاءت ردا علي المشركين الذين طلبوا منه أن يعلمهم عن قيام الساعة، وموعد الساعة قد اختص الله سبحانه بعلمه. وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالي: عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا - إلا من ارتضي من رسول. (الجن: 26 - 27). وفي هذا دلالة علي أنه سبحانه يطلع علي غيبه رسله الذين اصطفاهم، ومن ذلك مثلا قول يوسف (عليه السلام) لأصحابه في السجن: لا يأتيكما طعام [ صفحه 72] ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي (يوسف: 37. وكقوله تعالي: فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما (الكهف: 65). حكاية عن الخضر الذي التقي بموسي وعلمه من علم الغيب ما لم يستطع عليه صبرا. والمسلمون شيعة وسنة لم يختلفوا في أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يعلم الغيب وقد سجلت سيرته الكثير من الأخبار بالغيب كقوله صلي الله عليه وآله وسلم: ويح عمار تقتله الفئة الباغية وقوله لعلي: أشقي الآخرين الذي يضربك علي رأسك فيخضب لحيتك وقوله: إن ابني الحسن يصلح الله به فئتين عظيمتين وكقوله لأبي ذر بأنه سيموت وحيدا طريدا إلي غير ذلك من الأخبار الكثيرة، ومنها حديثه المشهور الذي أخرجه البخاري

ومسلم وكل المحدثين والذي جاء فيه: الأئمة من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش وفي بعض الروايات كلهم من بني هاشم. وقد أثبتنا في الأبحاث السابقة من كتاب مع الصادقين وكتاب فاسألوا أهل الذكر بأن علماء السنة أنفسهم أشاروا في صحاحهم ومسانيدهم إلي تلك الأحاديث الدالة علي إمامة الأئمة الاثني عشر وصححوها. وإذا سأل سائل: لماذا تركوهم واقتدوا بغيرهم من أئمة المذاهب الأربعة، إذا كانوا يعترفون بتلك الأحاديث ويصححونها؟؟ والجواب هو: إن السلف الصالح كلهم من أنصار الخلفاء الثلاثة الذين أولدتهم السقيفة أبو بكر وعمر وعثمان، فكان نفورهم من أهل البيت وعداؤهم للإمام علي وأولاده لا بد منه، فعملوا كما قدمنا علي محق السنة النبوية وإبدالها باجتهاداتهم. وسبب ذلك انقسام الأمة إلي فرقتين بعد وفاة الرسول مباشرة فكان السلف الصالح ومن تبعهم ورأي رأيهم يمثلون أهل السنة والجماعة وهم الأغلبية الساحقة في الأمة، وكان الأقلية القليلة علي وشيعته الذين تخلفوا عن البيعة ولم [ صفحه 73] يقبلوا بها فأصبحوا من المنبوذين والمغضوب عليهم وأطلقوا عليهم اسم الروافض. وبما أن أهل السنة والجماعة هم الذين تحكموا بمصير الأمة عبر القرون فحكام بني أمية كلهم وحكام بني العباس كلهم هم أنصار وأتباع مدرسة الخلافة التي أسسها أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية [61] ويزيد. ولما فشل أمر الخلافة وذهبت هيبتها وأصبحت في أيدي المماليك والأعاجم وسمع بتدوين السنة النبوية، عند ذلك ظهرت تلكم الأحاديث التي عمل الأولون علي طمسها وكتمانها ولم يقدروا فيما بعد علي محوها وتكذيبها، وبقيت تلك الأحاديث من الألغاز المحيرة عندهم لأنها تخالف الأمر الواقع الذي آمنوا به. وحاول بعضهم التوفيق بين تلك الأحاديث وما هم عليه من العقيدة فتظاهروا بمحبة أهل البيت ومودتهم فتراهم

كلما ذكروا الإمام عليا يقولون رضي الله عنه وكرم الله وجهه، حتي يتبين للناس بأنهم ليسوا بأعداء لأهل البيت النبوي. فلا يمكن لأي واحد من المسلمين حتي المنافقين منهم أن يظهر عداءه لأهل البيت النبوي، لأن أعداء أهل البيت هم أعداء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وذلك يخرجهم من الإسلام كما لا يخفي. والمفهوم من كل هذا بأنهم في الحقيقة أعداء أهل البيت النبوي ونقصد بهؤلاء السلف الصالح الذين تسموا أو سماهم أنصارهم ب " أهل السنة والجماعة والدليل أنك تجدهم كلهم يقلدون المذاهب الأربعة الذين أوجدتم السلطة الحاكمة (كما سنبينه عما قريب)، وليس عندهم في أحكام الدين شئ يرجعون فيه لفقه أهل البيت أو لأحد الأئمة الاثني عشر. [ صفحه 74] والحقيقة تفرض بأن الشيعة الإمامية هم أهل السنة المحمدية لأنهم تقيدوا في كل أحكامهم الفقهية بأئمة أهل البيت الذين توارثوا السنة الصحيحة عن جدهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم يدخلوا فيها الآراء والاجتهادات وأقوال العلماء. وبقي الشيعة علي مر العصور يتعبدون بالنصوص ويرفضون الاجتهاد في مقابل النص، كما يؤمنون بخلافة علي وبنيه لأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم نص علي ذلك، فهم يسمونهم خلفاء الرسول ولو لم يصل منهم إلي الخلافة الفعلية إلا علي، ويرفضون ولا يعترفون بالحكام الذين تداولوا الخلافة من أولها إلي آخرها لأن أساسها كان فلتة وقي الله شرها ولأنها قامت رفضا وردا علي الله ورسوله وكل الذين جاؤوا بعدها هم عيال عليها فلم يقم خليفة إلا بتعيين السابق له، أو بالقتال والتغلب والقهر [62] . ولذلك اضطر أهل السنة والجماعة للقول بإمامة البر والفاجر لأنهم قبلوا بخلافة كل الحكام حتي الفاسقين منهم. وامتاز

الشيعة الإمامية بالقول بوجوب عصمة الإمام فلا تصح الإمامة الكبري وقيادة الأمة إلا للإمام المعصوم وليس في هذه الأمة بشر معصوم إلا الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. [ صفحه 75]

التعريف بأئمة أهل السنة والجماعة

وقد انقطع أهل السنة والجماعة إلي الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المعروفة ، وهم: أبو حنيفة ومالك، والشافعي وأحمد بن حنبل. وهؤلاء الأئمة الأربعة لم يكونوا من صحابة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ولا من التابعين فلا يعرفهم رسول الله ولا يعرفونه، ولم يرهم ولم يرونه، فأكبرهم سنا أبو حنيفة بينه وبين النبي صلي الله عليه وآله وسلم أكثر من مائة عام لأن مولده كان في سنة ثمانين للهجرة ووفاته سنة خمسين ومائة، أما أصغرهم أحمد بن حنبل فكان مولده سنة خمس وستين ومائة وكانت وفاته سنة إحدي وأربعين ومائتين، هذا بالنسبة لفروع الدين. أما بالنسبة لأصول الدين ف " أهل السنة والجماعة يرجعون للإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري الذي ولد سنة سبعين ومائتين وتوفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. فهؤلاء هم أئمة أهل السنة والجماعة والذين ينقطعون إليهم في أصول الدين وفروعه. فهل تري فيهم واحدا من أئمة أهل البيت، أو من أصحاب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أو تكلم رسول الله عن واحد منهم وأرشد الأمة إليه؟؟ كلا لا يوجد شئ من ذلك ودونه خرط القتاد. وإذا كان أهل السنة والجماعة يدعون التمسك بالسنة النبوية، فلماذا [ صفحه 76] تأخرت تلك المذاهب إلي ذلك العهد؟ وأين كان أهل السنة والجماعة قبل وجود تلك المذاهب؟ وبماذا كانوا يتعبدون، وإلي من كانوا يرجعون؟ ثم كيف ينقطعون إلي رجال لم يعاصروا النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا عرفوه، وإنما ولدوا

بعدما وقعت الفتنة وبعدما تحارب الصحابة وقتل بعضهم بعضا وكفر بعضهم بعضا، وبعدما تصرف الخلفاء في القرآن والسنة واجتهدوا فيهما بآرائهم. وبعدما استولي يزيد بن معاوية علي الخلافة فاستباح مدينة الرسول المنورة لجيشه يفعل فيها ما يشاء، فعاث جيشه فيها فسادا وقتل خيار الصحابة الذين لم يبايعوه واستبيحت الفروج وانتهكت المحارم وحبلت النساء من سفاح. فكيف يركن العاقل إلي أولئك الأئمة الذين هم من تلك الطبقة البشرية التي تدنست بأوحال الفتنة وتغذت بألبانها المتلونة، وشبت وترعرت علي أساليبها الماكرة الخداعة، وقلدتها أوسمة العلم المزيفة. فلم يبرز للوجود منهم إلا الذين رضيت عليهم الدولة ورضوا عنها [63] . كيف يترك - من يدعي التمسك بالسنة - الإمام علي باب مدينة العلم والإمام الحسن والإمام الحسين سيدا شباب أهل الجنة والأئمة الطاهرين من عترة النبي الذين ورثوا علوم جدهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويتبع أئمة لا علم لهم بالسنة النبوية بل هم صنيعة السياسة الأموية؟ كيف يدعي أهل السنة والجماعة بأنهم أتباع السنة النبوية وهم يهملون القيمين عليها؟ بل كيف يتركون وصايا النبي وأوامره بالتمسك بالعترة الطاهرة، ثم يدعون أنهم أهل السنة؟! وهل يشك مسلم عرف التاريخ الإسلامي وعرف القرآن والسنة بأن أهل السنة والجماعة هم أتباع الأمويين والعباسيين؟ وهل يشك مسلم عرف القرآن والسنة وعرف التاريخ الإسلامي بأن الشيعة الذين يقلدون عترة النبي ويوالونهم هم أتباع السنة النبوية، وليس لأحد غيرهم أن يدعيها؟ [ صفحه 77] أرأيت أيها القارئ العزيز كيف تقلب السياسة الأمور وتجعل من الباطل حقا ومن الحق باطلا! فإذا بالموالين للنبي وعترته تسميهم بالروافض وبأهل البدع، وإذا بأهل البدع الذين نبذوا سنة النبي وعترته واتبعوا اجتهاد الحكام الجائرين تسميهم أهل

السنة والجماعة إنه حقا أمر عجيب. أما أنا فأعتقد جرما بأن قريش هي وراء هذه التسمية وهو سر من أسرارها ولغز من ألغازها. وقد عرفنا في ما سبق بأن قريشا هي التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابه السنة النبوية بدعوي أن النبي غير معصوم. فقريش هي في الحقيقة أشخاص معينون لهم نفوذ وعصبية وقوة معنوية في أوساط القبائل العربية، وقد يسميهم بعض المؤرخين ب " دهاة العرب لما اشتهروا به من المكر والدهاء والتفوق في إدارة الأمور، ويسميهم البعض ب أهل الحل والعقد. ومن هؤلاء أبو بكر وعمر وعثمان وأبو سفيان ومعاوية ابنه وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم، وطلحة بن عبد الله، وعبد الرحمان بن عوف، وأبو عبيدة عامر بن الجراح وغيرهم [64] . وقد يجتمع هؤلاء للتشاور وتقرير أمر يتفقون عليه فيبرمون أمرهم ويفشونه في الناس ليصبح فيما بعد أمرا واقعا وحقيقة متبعة دون أن يعرف سائر الناس سر ذلك. ومن هذا المكر الذي مكروه قولهم بأن محمدا غير معصوم وهو كسائر البشر يجوز عليه الخطأ فينتقصونه ويجادلونه في الحق وهم يعلمون. ومنها شتمهم لعلي بن أبي طالب ولعنهم إياه باسم أبي تراب وتصويره للناس بأنه عدو لله ولرسوله. [ صفحه 78] ومنها شتمهم ولعنهم للصحابي الجليل عمار بن ياسر تحت اسم مستعار فسموه عبد الله بن سبأ أو ابن السوداء، لأن عمارا كان ضد الخلفاء وكان يدعو الناس لإمامة علي بن أبي طالب [65] . ومنها تسمية الشيعة الذين والوا عليا - بالروافض - كي يموهوا علي الناس بأن هؤلاء رفضوا محمدا واتبعوا عليا. ومنها تسمية أنفسهم ب " أهل السنة والجماعة حتي يموهوا علي المؤمنين المخلصين

بأنهم يتمسكون بسنة النبي مقابل الروافض الذين يرفضونها. وفي الحقيقة هم يقصدون ب " السنة البدعة المشؤومة التي ابتدعوها في سب ولعن أمير المؤمنين وأهل بيت النبي علي المنابر في كل مسجد من مساجد المسلمين وفي كل البلدان والمدن والقري، فدامت تلك البدعة ثمانين عاما، حتي كان خطيبهم إذا نزل للصلاة قبل أن يلعن علي بن أبي طالب، صاح به من في المسجد تركت السنة، تركت السنة. ولما أراد الخليفة عمر بن عبد العزيز إبدال هذه السنة بقوله تعالي: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي (النحل: 90) تآمروا عليه وقتلوه لأنه أمات سنتهم وسفه بذلك أقوال أسلافه الذين أوصلوه للخلافة فقتلوه بالسم وهو ابن ثمانية وثلاثين سنة ولم تطل خلافته غير سنتين وذهب ضحية الإصلاح لأن بني عمومته الأمويين لم يقبلوا أن يميت سنتهم ويرفع بذلك شأن أبي تراب والأئمة من ولده. وبعد سقوط الدولة الأموية جاء العباسيون فنكلوا بدورهم بأئمة أهل البيت وشيعتهم إلي أن جاء دور الخليفة جعفر بن المعتصم الملقب بالمتوكل فكان من أشد الناس عداوة لعلي وأولاده ووصل به البغض والحقد إلي نبش قبر الحسين في كربلاء [ صفحه 79] ومنع الناس من زيارته [66] وكان لا يعطي عطاء ولا يبذل مالا إلا لمن شتم عليا وولده. وقصة المتوكل مع ابن السكيت العالم النحوي المشهور معروفة وقد قتله شر قتلة، فاستخرج لسانه من قفاه عندما اكتشف بأنه يتشيع لعلي وأهل بيته في حين أنه كان أستاذا لولديه. وبلغ حقد المتوكل ونصبه أن أمر بقتل كل مولود يسميه أبواه باسم علي لأنه أبغض الأسماء إليه. حتي أن علي بن الجهم الشاعر لما تقابل مع المتوكل قال له: يا أمير المؤمنين

إن أهلي عقوني، قال المتوكل: لماذا؟ قال: لأنهم سموني عليا وأنا أكره هذا الاسم وأكره من يتسمي به، فضحك المتوكل وأمر له بجائزة. وكان يقيم في مجلسه رجلا يتشبه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فيضحك الناس عليه ويقولون: قد أقبل الأصلع البطين فيسخر منه أهل المجلس ويتسلي بذلك الخليفة. ولا يفوتنا هنا أن نلاحظ بأن المتوكل هذا، والذي دل بغضه لعلي علي نفاقه وفسقه يحبه أهل الحديث وقد لقبه ب " محيي السنة. وبما أن أهل الحديث هم أنفسهم أهل السنة والجماعة فثبت بالدليل الذي لا ريب فهي أن السنة المقصودة عندهم هي بغض علي بن أبي طالب ولعنه والبراءة منه فهي النصب. ومما يزيدنا وضوحا علي ذلك أن الخوارزمي يقول في كتابه: حتي أن هارون بن الخيزران وجعفر المتوكل علي الشيطان لا علي الرحمان، كانا لا يعطيان مالا ولا يبذلان نوالا، إلا لمن شتم آل أبي طالب ونصر مذهب النواصب [67] . [ صفحه 80] كما ذكر ابن حجر عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: لما حدث نصر بن علي بن صهبان بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان في درجتي يوم القيامة، أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فأشرف علي الهلاك، فكلمه فيه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له: يا أمير المؤمنين هذا من أهل السنة، فلم يزل به حتي تركه [68] . والعاقل يفهم من قول جعفر بن عبد الواحد للمتوكل بأن نصرا هو من أهل السنة لينفذه من القتل دليل آخر بأن أهل السنة هم أعداء أهل البيت الذين يبغضهم المتوكل ويقتل كل من يذكر

هلم فضيلة واحدة وإن لم يكن يتشيع لهم. وهذا ابن حجر يذكر أيضا في كتابه بأن عبد الله بن إدريس الأزدي كان صاحب سنة وجماعة وكان صلبا في السنة مرضيا وكان عثمانيا [69] . كما قال في عبد الله بن عون البصري: إنه موثق وله عبادة وصلابة في السنة وشدة علي أهل البدع، قال ابن سعد: كان عثمانيا [70] . وذكر أيضا أن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني كان حريزي المذهب، (أي علي مذهب حريز بن عثمان الدمشقي) المعروف بالنصب وقال ابن حيان: إنه كان صلبا في السنة [71] . وبهذا عرفنا بأن النصب والبغض لعلي وأولاده وشتم آل أبي طالب ولعن أهل البيت يعد عندهم من الصلابة في السنة، وعرفنا بأن العثمانيين هم أهل النصب والعداء لأهل البيت، وهم أهل الشدة علي من يتولي عليا وذريته. [ صفحه 81] ويقصدون بأهل البدع الشيعة الذين قالوا بإمامة علي، لأنها عندهم بدعة، إذ خالفت ما عليه الصحابة والخلفاء الراشدين والسلف الصالح من إبعاده وعدم الاعتراف بإمامته ووصايته. والشواهد التاريخية علي إقامة هذا الدليل كثيرة جدا ولكن ما ذكرناه فيه الكفاية لمن أراد البحث والتحقيق وقد رمنا الاختصار كالعادة، وعلي الباحثين أن يدركوا أضعاف ذلك إن شاؤوا. والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين (العنكبوت: 69.) [ صفحه 82]

النبي هو الذي عين أئمة الشيعة

لا يشك باحث درس السيرة النبوية وعرف التاريخ الإسلامي بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو الذي عين الأئمة الاثني عشر ونص عليهم ليكونوا خلفاءه من بعده وأوصياءه علي أمته. وقد جاء ذكر عددهم في صحاح أهل السنة وأنهم اثنا عشر وكلهم من قريش وقد أخرج ذلك البخاري ومسلم وغيرهما. كما جاء في بعض المصادر

السنية ذكرهم بأسمائهم موضحا صلي الله عليه وآله وسلم بأن أولهم علي بن أبي طالب وبعده ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم تسعة من ذرية الحسين آخرهم المهدي. أخرج صاحب ينابيع المودة في كتابه قال: قدم يهودي يقال له: الأعتل فقال: يا محمد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين فإن أجبتني عنها أسلمت علي يديك. قال: سل يا أبا عمارة، فسأله عن أشياء إلي أن قال: صدقت، ثم قال: فأخبرني عن وصيك من هو؟ فما من نبي إلا وله وصي وإن نبينا موسي بن عمران أوصي يوشع بن نون. فقال: إن وصيي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين. قال: يا محمد فسمهم لي. قال: إذا مضي الحسين فابنه علي، فإذا مضي علي فابنه محمد، فإذا مضي [ صفحه 83] محمد فابنه جعفر، فإذا مضي جعفر فابنه موسي، فإذا مضي موسي فابنه علي، فإذا مضي علي فابنه محمد، فإذا مضي محمد فابنه علي، فإذا مضي علي فابنه الحسن، فإذا مضي الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء اثنا عشر، قال: فأسلم اليهودي وحمد الله علي الهداية [72] . ولو أردنا تصفح كتب الشيعة وما فيها من الحقائق بخصوص هذا الموضوع لوجدنا أضعاف ذلك. ولكن يكفينا دليلا أن علماء السنة والجماعة يعترفون بعدد الأئمة الاثني عشرة، ولا وجود لهؤلاء الأئمة غير علي وبنيه الطاهرين. ومما يزيدنا يقينا أن الأئمة الاثني عشر من أهل البيت لم يتتلمذوا علي أي واحد من علماء الأمة، فلم يرو لنا أصحاب التواريخ ولا المحدثون وأصحاب السير بأن أحد الأئمة من أهل البيت تلقي علمه من بعض الصحابة أو التابعين، كما هو الحال بالنسبة

لكل علماء الأمة وأئمتهم. فأبو حنيفة تتلمذ علي جعفر الصادق ومالك تتلمذ علي أبي حنيفة، والشافعي تلقي عن مالك وأخذ عنه وهكذا أحمد. أما أئمة أهل البيت فعلمهم موهوب من الله سبحانه وتعالي يتوارثونه أبا عن جد، فهم الذين خصهم الله بقوله: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا (فاطر: 32). وقد عبر الإمام جعفر الصادق عن هذه الحقيقة مرة بقوله: عجبا للناس يقولون بأنهم أخذوا علمهم كله عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فعملوا به واهتدوا! ويروون أنا أهل البيت لم نأخذ علمه ولم نهتد به ونحن أهله وذريته، في منازلنا أنزل الوحي، ومن عندنا خرج العلم إلي الناس، أفتراهم علموا واهتدوا وجهلنا وضللنا؟! نعم، كيف لا يتعجب الإمام الصادق من أولئك الذين يدعون أنهم أخذوا العلم من رسول الله، وهم يعادون أهل بيته وباب علمه الذي منه يؤتي، [ صفحه 84] وكيف لا يتعجب من انتحالهم اسم أهل السنة وهم يخالفون هذه السنة؟؟! وإذا كان الشيعة كما يشهد التاريخ قد اختصوا بعلي فناصروه ووقفوا ضد عده، وحاربوا حربه وسالموا سلمه وأخذوا كل علومهم منه. فأهل السنة والجماعة لم يتشيعوا له ولم ينصروه، بل حاربوه وأرادوا القضاء عليه، وقد تتبعوا أولاده من بعده قتلا وسجنا وتشريدا، وخالفوه في أكر الأحكام باتباعهم أدعياء العلم الذين اختلفوا بآرائهم واجتهاداتهم في أحكام الله فبدلوها حسب أهوائهم وما اقتضته مصالحهم. وكيف لا نعجب نحن اليوم من الذين يدعون ابتاع السنة النبوية ويشهدون علي أنفسهم أنهم تركوا سنة النبي لأنها أصبحت شعارا للشيعة [73] أليس ذلك عجيبا؟! كيف لا نعجب من الذين يزعمون بأنهم أهل السنة والجماعة وهم جماعات متعددة مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية يخالفون بعضهم في

الأحكام الفقهية ويدعون بأن ذلك الاختلاف هو رحمة لهم، فيصبح بذلك دين الله أهواء وآراء وما تشتهيه أنفسهم. نعم إنهم جماعات متعددة تفرقوا في أحكام الله ورسوله، ولكنهم اجتمعوا واتفقوا علي تصحيح خلافة السقيفة الجائرة وترك وإبعاد العترة الطاهرة. كيف لا نعجب من هؤلاء الذين يتبجحون بأنهم أهل السنة وقد تركوا أمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالتمسك بالثقلين كتاب الله العترة رغم إخراجهم هذا الحديث وتصحيحه؟ فإنهم لم يتمسكوا لا بالقرآن ولا بالعترة، لأنهم يتركهم للعترة الطاهرة فقد تركوا القرآن، لأن الحديث الشريف مفاده أن القرآن والعترة لا يفترقان أبدا كما أخبر بذلك رسول الله بقوله: وقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما [ صفحه 85] (القرآن والعترة) لن يفترقا حتي يردا علي الحوض [74] . وكيف لا تعجب من قوم يدعون أنهم أهل السنة وهم يخالفون ما ثبت في صحاحهم من فعل النبي وأوامره ونواهيه [75] ؟ أما إذا اعتقدنا وصححنا حديث: تركت فيكم كتاب الله وسنتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كما يحلو لبعض أهل السنة أن يثبتوه اليوم، فإن العجب سيكون أكبر والفضيحة أظهر. إذ أن كبراءهم وأئمتهم هم الذين أحرقوا السنة التي تركها رسول الله فيهم، ومنعوا من نقلها وتدوينها كما عرفنا ذلك في ما تقدم من أبحاث سابقة. وقد قال عمر بن الخطاب بصريح اللفظ: حسبنا كتاب الله يكفينا. وهو رد صريح علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والزاد علي رسول الله راد علي الله كما لا يخفي. وقول عمر بن الخطاب هذا أخرجه كل صحاح أهل السنة بما فيهم البخاري ومسلم، فإذا كان النبي قد قال: تركت فيكم كتاب الله وسنتي، فعمر قال

له: حسبنا كتاب الله ولا حاجة لنا بسنتك وإذا كان عمر قد قال بمحضر النبي حسبنا كتاب الله، فإن أبا بكر أكد علي تنفيذ رأي صاحبه فقال عندا أصبح خليفة: لا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه [76] . كيف لا تعجب من قوم تركوا سنة نبيهم ونبذوها وراء ظهورهم، وأحلوا محلها بدعا ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، ثم يسمون أنفسهم وأتباعهم أهل السنة والجماعة؟ [ صفحه 86] ولكن العجب يزول عندما نعرف بأن أبا بكر وعمر وعثمان ما كانوا يعرفون هذه التسمية أبدا، فهذا أبو بكر يقول: لئن أخذتموني بسنة نبيكم لا أطيقها [77] . كيف لا يطيق أبو بكر سنة النبي؟ فهل كانت سنته صلي الله عليه وآله وسلم أمرا مستحيلا حتي لا يطيقها أبو بكر؟ وكيف يدعي أهل السنة أنهم متمسكون بها إذا كان إمامهم الأول ومؤسس مذاهبهم لا يطيقها؟؟! ألم يقل الله سبحانه في حقها: لكم في رسول الله أسوة حسنة (الأحزاب: 21؟ وقال في حقها أيضا: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (الطلاق: 7) وقال أيضا: ما جعل عليكم في الدين من حرج (الحج: 78). فهل يري أبو بكر وصاحبه عمر أن رسول الله ابتدع دينا غير الذي أنزل الله، فأمر المسلمين بما لا يطاق وكلفهم عسرا؟ حاشاه فقد كان كثيرا ما يقول: بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا، إن الله أتاكم رخصة فلا تشددوا علي أنفسكم. ولكن اعتراف أبي بكر بأنه لا يطيق سنة النبي يؤكد ما ذهبنا إليه من أنه أحدث بدعة يطيقها حسب هواه وتتماشي وسياسة الدولة التي ترأسها. ولعل عمر بن الخطاب كان يري

هو الآخر بأن أحكام القرآن والسنة لا تطاق فعمد إلي ترك الصلاة إذا أجنب ولم يجد الماء وأفتي بذلك أيام خلافته وقد عرف ذلك الخاص والعام وأخرج ذلك عنه كل المحدثين. وبما أن عمر كان مولعا بكثرة الجماع وهو الذي نزل فيه قوله تعالي: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم (البقرة: 167)، لأنه لم يصبر علي الجماع وقت الصيام وبما أن الماء كان قليلا رأي عمر أنه من الأسهل أن يترك الصلاة ويرتاح إلي أن يتوفر لديه الماء الكافي للغسل عند ذلك يعود إلي الصلاة. أما عثمان فقد خالف السنة النبوية كما هو معروف حتي أخرجت عائشة قميص النبي وقالت: لقد أبلي عثمان سنة النبي قبل أن يبلي قميصه، وحتي [ صفحه 87] عابه الصحابة بأنه خالف سنة النبي وسنة الشيخين وقتلوه من أجل ذلك. أما معاوية فحدث ولا حرج فإنه عاند القرآن والسنة وتحداهما، فبينما يقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: علي مني وأنا من علي من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله [78] ، نجد معاوية قد أمعن في سبه ولعنه ولم يكتف بذلك حتي أمر كل ولاته وعماله أن يسبوه ويلعنوه ومن امتنع منهم عزله وقتله. وإذا عرفنا بأن معاوية هو الذي سمي نفسه وأتباعه - ب " أهل السنة والجماعة في مقابل تسمية الشيعة بأتباع الحق. وينقل بعض المؤرخين بأن العام الذي استولي فيه معاوية علي الخلافة الإسلامية بعد صلح الحسن بن علي، قد سمي ذلك العام بعام الجماعة. ويزول العجب عندما نفهم بأن كلمة السنة لا يقصد بها معاوية وجماعته إلا لعن علي بن أبي طالب من فوق المنابر الإسلامية في أيام الجمعة والأعياد.

وإذا كانت السنة والجماعة من ابتكار معاوية بن أبي سفيان فنسأله سبحانه أن يميتنا علي بدعة الرفض التي أسسها علي بن أبي طالب وأهل البيت (عليهم السلام)!!. ولا تستغرب أيها القارئ العزيز أن يصبح أهل البدعة والضلالة هم أهل السنة والجماعة ويصبح الأئمة الطاهرون من أهل البيت هم أهل البدعة. فها هو العلامة ابن خلدون من مشاهير علماء أهل السنة والجماعة يقولها بكل وقاحة بعد أن عدد مذاهب الجمهور قال: وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به وبنوه علي مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح [79] . ألم أقل لك أيها القارئ من البداية: لو عكست لأصبت فإذا كان الفساق من بني أمية هم أهل السنة وأهل البيت هم أهل البدعة كما يقول ابن خلدون فعلي الإسلام السلام وعلي الدنيا العفا. [ صفحه 88]

حكام الجور هم الذين نصبوا أئمة أهل السنة

ومما يدلنا علي أن أئمة المذاهب الأربعة من أهل السنة هم أيضا خالفوا كتاب الله وسنة النبي الذي أمرهم بالاقتداء بالعترة الطاهرة، فلم نجد واحدا منهم لوي عنقه وركب سفينتهم وعرف إمام زمانه. فهذا أبو حنيفة الذي تتلمذ علي الإمام الصادق والذي اشتهر عنه قوله: لولا السنتان لهلك النعمان نجده قد ابتدع مذهبا يقوم علي القياس والعمل بالرأي مقابل النصوص الصريحة. وهذا مالك الذي تلقي هو الآخر عن الإمام الصادق، ويروي عنه قوله: ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر علي قلب بشر أفقه وأعلم من جعفر الصادق، نجده قد ابتدع مذهبا في الإسلام وترك إمام زمانه الذي يشهد بنفسه أنه أعلم وأفقه الشر في عصره. فقد نفخ في روعه الحكام العباسيون وسموه إمام دار الهجرة فأصبح مالك بعدها صاحب الجاه والسلطان والحول والطول. وهذا الشافعي الذي يتهم

بأنه كان يتشيع لأهل البيت فقد قال في حقهم تلك الأبيات المشهورة: يا أهل بيت رسول الله حبكم - فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم الشأن أنكم - من لم يصل عليكم لا صلاة له [ صفحه 89] ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم - مذاهبهم في أبحر الغي والجهل ركبت علي اسم الله في سفن النجا - وهم أهل بيت المصطفي خاتم الرسل وأمسكت حبل الله وهو ولاؤكم - كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل ويشتهر عنه قوله: إن كان رفضا حب آل محمد - فليشهد الثقلان أني رافضي وإذا يشهد الثقلان أن رافضي فلماذا لم يرفض المذهب التي قامت ضد أهل البيت بل ابتدع هو الآخر مذهبا يحمل اسمه، وترك أئمة أهل البيت الذين عاصرهم؟ وهذا أحمد بن حنبل الذي ربع الخلافة بعلي وألحقه بالراشدين بعدما كان منكورا، وألف فيه كتاب الفضائل، واشتهر عنه قوله: ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثلما لعلي (رض الله عنه). إلا أنه ابتدع له مذهبا في الإسلام اسمه المذهب الحنبلي، رغم شهادة العلماء من معاصريه بأنه ليس فقيها، قال الشيخ أبو زهرة: إن كثيرا من الأقدمين لم يعدوا أحمد بن حنبل من الفقهاء، كابن قتيبة وهو قريب من عصره جدا وكذلك ابن جرير الطبري وغيرهما [80] . وجاء ابن تيمية فرفع لواء المذهب الحنبلي وأدخل عليه بعض النظريات الجديدة التي تحرم زيارة القبور والبناء عليها، والتوسل بالنبي وأهل البيت فكل ذلك عنده شركا. فهذه هي المذاهب الأربعة وهؤلاء هم أئمتها وما ينسب إليهم من أقوال في حق العترة الطاهرة من آل البيت. فإما أنهم يقولون ما لا يفعلون وهو مقت كبير عند الله،

أو أنهم لم يبتدعوا تلك المذاهب، ولكن أتباعهم من أذناب الأمويين والعباسيين هم الذين [ صفحه 90] أسسوا تلك المذاهب بإعانة الحكام الجائرين ثم نسبوها إليهم بعد وفاتهم، وهذا ما سنعرفه إن شاء الله في الأبحاث القادمة، أفلا تعجبون من هؤلاء الأئمة الذين عاصروا أئمة الهدي من أهل البيت، ثم تنكبوا صراطهم المستقيم ولم يهتدوا بهديهم، ولا اقتبسوا من نورهم، ولا قدموا حديثهم عن جهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بل قدموا عليهم كعب الأحبار اليهودي، وأبا هريرة الدوسي الذي قال في شأنه أمير المؤمنين علي (ع): إن أكذب الناس علي رسول الله لأبي هريرة الدوسي كما قالت فيه عائشة بنت أبي بكر نفس الكلام. ويقدمون عليهم عبد الله بن عمر الناصبي الذي اشتهر ببغضه للإمام علي وامتنع عن مبايعته وبايع إمام الضلالة الحجاج بن يوسف. ويقدمون عليهم عمرو بن العاص وزير معاوية علي الغش والنفاق. أفلا تعجبون كيف أباح هؤلاء الأئمة لأنفسهم حق التشريع في دين الله بآرائهم واجتهاداتهم حتي قضوا علي السنة النبوية بما أحدثوه من قياس واستصحاب وسد باب الذرائع والمصالح المرسلة وغير ذلك من بدعهم التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ وهل غفل الله ورسوله عن إكمال الدين، وأباح لهم أن يكملوه باجتهاداتهم فيحللوا ويحرموا كما يحلو لهم؟! أفلا تعجبون من المسلمين الذين يدعون التمسك ب " السنة كيف يقلدون رجلا لم يعرفوا النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولم يعرفهم؟! فهل عندهم دليل من كتاب الله، أو من سنة رسوله علي اتباع وتقليد أولئك الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب؟! فأنا أتحدي الثقلين من الإنس والجن أن يأتوا بدليل واحد علي ذلك من كتاب الله أو من سنة رسوله.

فلا والله، لا ولن يأتوا به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. [ صفحه 91] لا والله، ليس هناك دليل في كتاب الله وسنة رسوله إلا علي أتباع وتقليد الأئمة الطاهرين من عترة النبي (صلي الله عليه وعليهم). أما هذا فهناك أدلة كثيرة وحجج دامغة وحقائق ساطعة. فاعتبروا يا أولي الأبصار (الحشر: 2). فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور (الحج: 46). [ صفحه 92]

السر في انتشار المذاهب السنية

إن المتتبع في كتب التاريخ وما دونه الأسلاف يجد بما لا شك فيه بأن شيوع المذاهب السنية الأربعة في تلك العصور كان بإرادة السلطة الحاكمة وإدارتها، ولذلك كثر أتباعها فالناس علي دين ملوكهم. كما يجد الباحث بأن هناك عشرات المذاهب التي انقرضت وذابت لأن الحاكم لم يكن راض عليها، كمذهب الأوزاعي ومذهب حسن البصري، وأبو عيينة وابن أبي ذؤيب، وسفيان الثوري، وابن أبي داود، وليث بن سعد وغيرهم كثير. وعلي سبيل المثال، فإن ليث بن سعد كان صديق مالك بن أنس وكان أعلم منه وأفقه كما اعترف بذلك الشافعي [81] . ولكن مذهبه انقرض وفقهه ذاب واندرس لأن السلطة لم تكن عنه راضية. وقال أحمد بن حنبل: كان ابن أبي ذؤيب أفضل من مالك بن أنس إلا أن مالكا أشد تنقية للرجال [82] . وإذا راجعنا التاريخ، فإننا نجد مالكا صاحب المذهب قد تقرب إلي السلطة والحكام وسالمهم ومشي في ركابهم، فأصبح بذلك الرجل المهاب والعالم المشهور، وانتشر مذهبه بوسائل الترهيب والترغيب خصوصا في الأندلس حيث [ صفحه 93] عمل تلميذه يحيي بن يحيي علي موالاة حاكم الأندلس، فأصبح من المقربين وأعطاه الحاكم مسؤولية تعيين القضاة فكان لا يولي علي القضاء إلا أصحابه من المالكية فقط. كذلك

نجد أن سبب انتشار مذهب أبي حنيفة بعد موته هو أن أبا يوسف والشيباني وهما من أتباع أبي حنيفة ومن أخلص تلاميذه، كانا في نفس الوقت من أقرب المقربين لهارون الرشيد الخليفة العباسي، وقد كان لهما الدور الكبير في تثبيت ملكه وتأييده ومناصرته، فلم يسمح هارون الجواري والمجون لأحد أن يتولي القضاء والفتيا إلا بعد موافقتهما. فلم ينصبا قاضيا إلا إذا كان علي مذهب أبي حنيفة، فصار أبو حنيفة أعظم العلماء ومذهبه أعظم المذاهب الفقهية المتبعة، رغم أن علماء عصره كفروه واعتبروه زنديقا، ومن هؤلاء الإمام أ، مد بن حنبل والإمام أبو الحسن الأشعري. كما أن المذهب الشافعي انتشر وقوي بعدما كاد يندرس، وذلك عندما أيدته السلطة الغاشمة، وبعدما كانت مصر كلها شيعة فاطمية، انقلبت إلي شافعية في عهد صلاح الدين الأيوبي الذي قتل الشيعة وذبحهم ذبح النعاج. كما أن المذهب الحنبلي ما كان ليعرف لولا تأييد السلطات العباسية في عصر المعتصم عندما تراجع ابن حنبل عن قوله بخلق القرآن ولمع نجمه في عهد المتوكل الناصبي. وقوي وانتشر عندما أبدت السلطات الاستعمارية الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الماضي وتعامل هذا الأخير مع آل سعود فأيدوه فورا وناصروه وعملوا علي نشر مذهبه في الحجاز والجزيرة العربية. وأصبح المذهب الحنبلي يعود إلي ثلاثة أئمة أولهم أحمد بن حنبل الذي لم يكن يدعي بأنه فقيها، وإنما كان من أهل الحديث، ثم ابن تيمية الذي لقبوه بشيخ الإسلام ومجدد السنة والذي كفره علماء عصره لأنه حكم علي كل المسلمين بالشرك لأنهم يتبركون ويتوسلون بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم، ثم جاء في القرن الماضي محمد بن عبد الوهاب صنيعة الاستعمار البريطاني في الشرق الأوسط، [ صفحه 94]

فعمل هو الآخر علي تجديد المذهب الحنبلي بما أخذه من فتاوي ابن تيمية، وأصبح أحمد بن حنبل في خبر كان إذ أن المذهب عندهم اليوم يسمي المذهب الوهابي. ومما لا شك فيه أن انتشار تلك المذاهب وشهرتها وعلو شأنها كان بتأييد ومباركة الحكام. ومما لا شك فيه أيضا بأن أولئك الحكام كلهم بدون استثناء كانوا يعادون الأئمة من أهل البيت لشعورهم الدائم بأن هؤلاء يهددون كيانهم وزوال ملكهم، فكانوا يعملون دائما علي عزلهم عن الأمة وتصغير شأنهم وقتل من يتشيع لهم. فبديهي أن ينصب أولئك الحكام بعض العلماء المتزلفين إليهم والذين يفتونهم بما يتلاءم مع حكمهم ووجودهم، وذلك لحاجة الناس المستمرة لوجود الحلول في المسائل الشرعية. ولما كان الحكام في كل العصور لا يعرفون من الشريعة شيئا ولا يفهمون الفقه، فكان لا بد أن ينصبوا عالما باسمهم يفتي، ويموهون علي الناس بأن السياسة شئ والدين شئ آخر. فكان الخليفة الحاكم هو رجل السياسة والفقيه رجل الدين كما يفعل ذلك اليوم رئيس الجمهورية في كل البلاد الإسلامية، فتراه يعين أحد العلماء المقربين يسميه مفتي الجمهورية أو أي عنوان آخر يعبر عن ذلك، ويكلفه بالنظر في مسائل الفتيا والعبادات والشعائر الدينية. ولكنه في الحقيقة ليس لهذا الرجل أن يفتي أو يحكم إلا بما تمليه عليه السلطة وما يرضي الحاكم، أو علي الأقل ما لا يتعارض وسياسة الحكومة وتنفيذ مشاريعها. وهذا الظاهرة برزت في الحقيقة من عهد الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان، فهم وإن لم يفرقوا بين الدين والدولة إلا أنهم أعطوا أنفسهم حق التشريع بما يتماشي ومصالح الخلافة وضمان هيبتها واستمرارها. [ صفحه 95] ولما كان لهؤلاء الخلفاء الثلاثة حضور مع النبي صلي الله عليه وآله

وسلم وصحة فقد أخذوا عنه بعض السنن التي لا تتعارض مع سياستهم. فإن معاوية لم يدخل الإسلام إلا في السنة التاسعة للهجرة علي أشهر الروايات الصحيحة، فلم يصحب النبي إلا قليلا ولم يعرف من سنته شيئا يذكر، فاضطر إلي تعيين أبي هريرة وعمرو بن العاص وبعض الصحابة الذين كلفهم بالإفتاء علي ما يريده. واتبع بنو أمية العباس بعده هذه السنة الحميدة أو هذه البدعة الحسنة، فكل حاكم جلس إلي جانبه قاضي القضاة المكلف بدوره بتعيين القضاة الذين يراهم صالحين للدولة ويعملون علي دعمها وتأييدها. وما عليك بعد ذلك إلا أن تعرف ماهية أولئك القضاة الذين يغضبون ربهم في إرضاء سيدهم وولي نعمتهم الذي نصبهم. وتفهم بعد ذلك السر في أبعاد الأئمة المعصومين من العترة الطاهرة فلا تجد منهم أحدا وعلي مر العصور عينوه من قبلهم أو نصبوه قاضيا أو قلدوه وسام الإفتاء. وإذا أردنا مزيد التحقيق حول كيفية انتشار المذاهب السنية الأربعة بواسطة الحكام، فلما أن يأخذ لذلك مثالا واحدا من خلال كشف الستار عن مذهب الإمام مالك الذي يعد من أكبر المذاهب وأعظمها قدرا وأوسعها فقها، فقد اشتهر مالك بالخصوص بالموطأ الذي كتبه بنفسه ويقال عند أهل السنة بأنه أصح الكتب بعد كتاب الله، وهناك بعض العلماء الذين يقدمونه ويفضلونه علي صحيح البخاري. كما أن شهرة مالك فاقت كل الحدود، حتي قيل: أيفتي ومالك في المدينة؟ ولقبوه بإمام دار الهجرة. ولا يفوتا أن نذكر بأن مالكا أفتي بحرمة بيعة الإكراه فضربه جعفر بن سليمان والي المدينة سبعين سوطا. وهذا ما يحتج به المالكية دائما علي معاداة مالك للسلطة وهو غير صحيح [ صفحه 96] إذ أن الذين رووا هذه القصة، هم أنفسهم الذين رووا

ما بعدها، فإليك البيان والتفصيل. قال ابن قتيبة: وذكروا أنه لما بلغ أبا جعفر المنصور ضرب مالك بن أنس وما أنزل به جعفر بن سليمان، أعظم ذلك إعظاما شديدا وأنكره ولم يرضه، وكتب بعزل جعفر بن سليمان عن المدينة وأمر أن يؤتي به إلي بغداد علي قتب. ثم كتب إلي مالك بن أنيس ليستقدمه إلي نفسه ببغداد، فأبي مالك، وكتب إلي أبي جعفر يستعفيه من ذلك ويعتذر له بعض العذر إليه، فكتب أبو جعفر إليه أن وافني بالموسم العام القابل إن شاء الله فإني خارج إلي الموسم [83] . فإذا كان أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي يعزل ابن عمه جعفر بن سليمان بن العباس عن ولاية المدينة من أجل ضرب مالك فهذا يبعث علي الشك والتأمل. إذ أن ضرب جعفر بن سليمان لمالك لم يكن إلا لتأييد خلافة ابن عمه وتدعيم ملكه وسلطانه، فكان الواجب علي أبي جعفر المنصور إكرام الوالي وترقيته، لا عزله وإهانته بتلك الطريقة، فقد عزله وأمر بإقدامه علي شر حال مكبلا بالأغلال علي قتب، ثم يبعث الخليفة بنفسه اعتذاره إلي مالك لكي يسترضيه! إنه أمر عجيب! ويفهم من ذلك بأن والي المدينة جعفر بن سليمان تصرف الحمقي الذين لا يعرفون من السياسة ودهائها شيئا، ولم يفهم بأن مالكا هو عمدة الخليفة وركيزته في الحرمين الشريفين، وإلا ما كان ليعزل ابن عمه من الولاية لأنه ضرب مالكا الذي استحق ذلك من أجل فتواه بحرمة بيعة الإكراه. وهذا ما يقع اليوم أيضا بين ظهرانينا وأمام أعيننا عندما يحاول بعض الولاة إهانة شخص ما وسجنه لتدعيم هيبة الدولة وسلامة أمنها، فإذا بذلك الشخص يكشف عن هويته وإذا به من أقارب السيد الوزير

أو من معارف [ صفحه 97] زوجة الرئيس فإذا بالوالي قد أعفي من منصبه ودعي لمهام أخري قد لا يعرفها حتي الوالي نفسه. وهذا يذكرني بحادثة وقعت زمن الاحتلال الفرنسي للبلاد التونسية، فكان شيخ الطريقة العيساوية وجماعته يضربون البنادير ويرفعون أصواتهم بالمدائح في الليل مرورا ببعض الشوارع وحتي يصلوا إلي محل الحضرة كما هي عادتهم. وبمرورهم أمام مسكن ضابط الشرطة الفرنسي، خرج إليهم هذا الأخير مغضبا فكسر بناديرهم وفرق جمعهم، لأنهم لم يعملوا بقانون احترام الجار والتزام الهدوء بعد العاشرة ليلا. ولما علم المراقب المدني بالحادثة وهو بمثابة الوالي عندنا، غضب غضبا شديدا علي ضابط الشرطة فعزله من منصبه وأعطاه ثلاثة أيام لمغادرة مدينة قفصة، ثم استدعي شيخ الطريقة العيساوية واعتذر إليه باسم الحكومة الفرنسية، واسترضاه بأموال كثيرة كي يشتري بها بنادير وأثاثا جديدا ويعوض كل ما كسر لهم. وعندما سأله أحد المقربين إليه لماذا فعل كل ذلك؟ أجابه بأن الأفضل لنا أن يتلهي هؤلاء الوحوش بضرب البنادير وينشغلوا بالشطحات وأكل العقارب وإلا سوف يتفرغوا لنا ويأكلونا نحن لأنا غاصبين حقوقهم. ونعود إلي الإمام مالك لنستمع إليه يروي بنفسه كيف كان لقاؤه بالخليفة أبي جعفر المنصور. [ صفحه 98]

لقاء مالك مع أبي جعفر المنصور

هذه الرواية التي يرويها ابن قتيبة المؤرخ الكبير في كتابه تاريخ الخلفاء منقولة عن مالك نفسه، فلا بد من هذه الملاحظة وأخذها بعين الاعتبار. قال مالك: لما صرت بمني أتيت السرادقات، فأذنت بنفسي، فأذن لي، ثم خرج إلي الآذن من عنده فأدخلني، فقلت للأذن: إذا انتهيت بي إلي القبة التي يكون فيها أمير المؤمنين فأعلمني، فمر بي من سرادق إلي سرادق، ومن قبة إلي أخري، في كلها أصناف من الرجال بأيديهم السيوف المشهورة والأجزرة المرفوعة،

حتي قال لي الآذن: هو في تلك القبة، ثم تركني الأذن وتأخر عني. فمشيت حتي انتهيت إلي القبة التي هو فيها، فإذا هو قد نزل عن مجلسه الذي يكون فيه إلي البساط الذي دونه، وإذا هو قد لبس ثيابا قصدة لا تشبه ثياب مثله تواضعا لدخولي عليه، وليس معه في القبة إلا قائم علي رأسه بسيف صليت. فلما دنوت منه، رحب بي وقرب، ثم قال: ها هنا إلي فأوميت للجلوس فقال: ها هنا، فلم يزل يدنيني حتي أجلسني إليه ولصقت ركبتي بركبتيه. ثم كان أول ما تكلم به أن قال: والله الذي لا إله إلا هو يا أبا عبد الله ما أمرت بالذي كان ولا علمته قبل أن يكون، ولا رضيته إذ بلغني (يعني الضرب). قال مالك: فحمدت الله تعالي علي كل حال وصليت علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، [ صفحه 99] ثم نزهته عن الأمر بذلك والرضا به، ثم قال: يا أبا عبد الله، لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، وإني أخالك أمانا لهم من عذاب الله وسطوته ولقد دفع الله بك عنهم وقعة عظيمة، فإنهم ما علمت أسرع الناس إلي الفتن وأضعفهم عنها، قاتلهم الله أني يؤفكون. وقد أمرت أن يؤتي بعدو الله [84] من المدينة علي قتب، وأمرت بضيق مجلسه والمبالغة في امتهانه، ولا بد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه. فقلت له: عافي الله أمير المؤمنين، وأكرم مثواه، قد عفوت عنه لقرابته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثم منك. قال أبو جعفر: وأنت فعفي الله عنك ووصلك. قال مالك: ثم فاتحني فيمن مضي من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس بالناس،

ثم فاتحني في العلم والفقه، فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظا لما روي واعيا لما سمع. ثم قال لي: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودونه، ودون منه كتبا، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس، وشواذ عبد الله بن مسعود، واقصد إلي أواسط الأمور، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة (رضي الله عنهم)، لنحمل الناس إن شاء الله علي علمك وكتبك ونبثها في الأمصار، ونعهد إليهم أن لا يخالفوها ولا يقضوا سواها. فقلت له: أصلح الله الأمير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر: يحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل بذلك وضعها فسيأتيك محمد المهدي ابني العام القابل إن شاء الله إلي المدينة ليسمعها منك، فيجدك وقد فرغت من ذلك إن شاء الله. [ صفحه 100] قال مالك: فبينما نحن قعود إذ طلع بني له صغير من قبة بظهر القبة التي كنا فيها، فلما نظر إلي الصبي فزع ثم تقهقر فلم يتقدم، فقال له أبو جعفر: تقدم يا حبيبي إنما هو أبو عبد الله فقيه أهل الحجاز، ثم التفت إلي فقال: يا أبا عبد الله أتدري لم فزع الصبي ولم يتقدم؟ فقلت: لا! فقال: والله استنكر قرب مجلسك مني إذ لم ير به أحدا غيرك قط، فلذلك تقهقر. قال مالك: ثم أمر لي بألف دينار عينا ذهبا، وكسوة عظيمة، وأمر لابني بألف دينار، ثم استأذنته فأذن لي، فقمت فودعني ودعا لي، ثم مشيت منطلقا، فلحقني الخصي بالكسوة فوضعها علي منكبي وكذلك يفعلون بمن كسوه وإن عظم قدره، فيخرج بالكسوة علي الناس فيحملها ثم

يسلمها إلي غلامه. فلما وضع الخصي الكسوة علي منكبي انحنيت عنها بمنكبي كراهة احتمالها، تبرؤا من ذلك. فناداه أبو جعفر: بلغها رحل أبي عبد الله إنتهي [85] . [ صفحه 101]

تعليق لا بد منه لفائدة البحث والتحقيق

يلاحظ المتتبع لهذه المقابلة الودية التي جمعت بين الإمام مالك والخليفة الجائر أبي جعفر المنصور، ومن خلال المحاورة التي دارت بينهما نستنتج الأمور التالية: - أولا: نلاحظ بأن الخليفة العباسي عزل واليه علي المدينة وهو ابن عمه وأقرب الناس إليه، وأهانه الإهانة بعد عزله، ثم يعتذر للإمام مالك عما صدر عنه ويقسم بالله أنه لم يكن بأمره ولا بعلمه ولم يرضه عندما بلغه. كل ذلك يدل علي الوفاق التام الذي كان بين الرجلين، والمكانة التي كان يحظي بها الإمام مالك عند أبي جعفر المنصور، إلي درجة أنه يستقبله علي انفراد بلباس داخلي، ويجلسه مجلسا لم يجلس فيه أحد قط حتي أن ابن الخليفة فزع وتقهقر عندما رأي ركبتي مالك لاصقة بركبتي أبيه. - ثانيا: نستفيد من قول المنصور لمالك: لا يزال أهل الحرمين بخير ما كمنت بين أظهرهم، وإنك أمان لهم من عذاب الله وإن الله دفع بك عنهم وقعة عظيمة، بأن أهل الحرمين أرادوا الثورة علي الخليفة وحكمه الظالم فهداهم الإمام مالك وأحمد ثورتهم ببعض الفتاوي كالقول بوجوب الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر (وهو الحاكم) وبذلك استكان الناس [ صفحه 102] وهدأوا فلم بقتالهم الخليفة، ودفع الله بتلك الفتوي مجزرة الخليفة [86] . ولذلك قال المنصور لمالك: إن أهل الحرمين أسرع الناس إلي الفتن وأضعفهم عنها قاتلهم الله أني يؤفكون. - ثالثا: إن الخليفة كان يرشح مالكا ليكون هو العالم المنظور إليه في كل الأقطار الإسلامية، ثم يفرض مذهبه علي الناس ويحملهم

علي اتباعه بوسائل الترهيب والترغيب. فمن وسائل الترغيب قوله: ونعهد إلي أهل الأمصار أن لا يخالفوها ولا يقضوا بسواها، وأن يوفدوا إليه وفودهم ويرسلوا إليه رسلهم في أيام حجهم. ومن وسائل الترهيب قوله: أما أهل العراق فيحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط. ونفهم من هذه الفقرة ماذا كان يلاقيه الشيعة المساكين من حكام الجور من اضطهاد وقتل لحملهم علي ترك الأئمة من أهل البيت وأتباع مالك وأمثاله. - رابعا: نلاحظ بأن الإمام مالكا وجعفر المنصور كانا يحملان نفس العقائد ونفس المفاضلة بخصوص الصحابة والخلفاء الذين استولوا علي الخلافة بالقوة والقهر. قال مالك في ذلك: ثم فاتحني في العلم والفقه فوجدته أعلم الناس، ثم فاتحني فيمن مضي من السلف والعلماء فوجدته أعلم الناس بالناس. ولا شك بأن أبا جعفر المنصور بادل الإمام مالكا نفس الشعور وأطراه بنفس الإطراء، إذ قال له مرة لقاء قبل هذا: وأيم الله ما أجد بعد أمير المؤمنين أعلم منك ولا أفقه [87] ويقصد بأمير المؤمنين (نفسه، طبعا). [ صفحه 103] ومما سبق نفهم بأن الإمام مالكا كان من النواصب، إذ أنه لم يكن يعترف بخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبدا وقد أثبتنا في ما تقدم بأنهم أنكروا علي أحمد بن حنبل الذي ربع الخلافة بعلي وأوجب له ما يجب للخلفاء قبله، وغني عن البيان بأن مالكا هلك قبل مولد ابن حنبل بكثير. أضف إلي ذلك أن مالكا اعتمد في نقل الحديث علي عبد الله بن عمر الناصبي الذي كان يحدث بأنهم لا يعدلون في زمن النبي بأبي بكر أحدا ثم عمره، ثم عثمان، ثم الناس بعد ذلك سواسية. وعبد الله بن عمر هو أشهر رجال

مالك وأغلب أحاديث الموطأ تعود إليه وكذلك فقه مالك. - خامسا: نلاحظ بأن السياسة التي قامت علي الظلم والجور تريد أن تتقرب إلي الناس بما يرضيهم من الفتاوي التي ألفوها ولا تكلفهم الالتزام بالنصوص القرآنية أو النبوية. فقد جاء في كلام المنصور لمالك قوله: ضع هذا العلم ودون منه كتبا وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود، واقصد إلي أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة لنحمل الناس علي علمك وكتبك. ومن هذا يتبين لنا بوضوح بأن مذهب أهل السنة والجماعة هو خليط من شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود وما استحسنه مالك من أواسط الأمور التي كان عليها الأئمة والمقصود بهم أبو بكر وعمر وعثمان وما اجتمع عليه الصحابة الذين رضي عنهم الخليفة أبو جعفر المنصور. وليس فيه شئ من سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم التي تروي عن الأئمة الطاهرين من عترته، والذين عاصر المنصور ومالك البعض منهم، وعمل الخليفة علي عزلهم وخنق أنفاسهم. - سادسا: يلاحظ أن أول كتاب كتب في تدوين السنة من أحاديث الصحابة والتابعين هو كتاب الموطأ للإمام مالك، وكان يطلب من السلطة [ صفحه 104] علي لسان الخليفة نفسه لكي يحمل الناس عليه قهرا بضرب السيوف إن لزم ذلك كما صرح المنصور. فلا بد أن تكون تلك الأحاديث من وضع الأمويين والعباسيين والتي تخدم مصالحهم وتقوي نفوذهم وسلطانهم، وتبعد الناس عن حقائق الإسلام التي صدع بها نبي الرحمة صلي الله عليه وآله وسلم. - سابعا: نلاحظ بأن الإمام مالكا ما كان يخشي إلا من أهل العراق لأنهم كانوا شيعة لعلي بن أبي طالب، وقد تشبعوا بعلمه وفقهه وانقطعوا في

تقليدهم للأئمة الطاهرين من ولده فلم يقيموا وزنا لمالك ولا لأمثاله لعلمهم بأن هؤلاء نواصب يتزلفون للحكام ويبيعون دينهم بالدرهم والدينار. ولذلك قال مالك للخليفة: أصلح الله الأمير إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا. فيجيبه المنصور بكل غطرسة: يحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طي ظهورهم بالسياط. وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات الحاكمة وسمتها بمذاهب أهل السنة والجماعة. والأمر العجيب في كل ذلك أنك تري أبا حنيفة يخالف مالكا، ومالكا يخالفه، والاثنين يخالفان الشافعي والحنبلي، وهذان يختلفان ويخالفان الاثنين، وليس هناك مسألة فيها اتفاق الأربعة إلا نادرا، ومع ذلك فكلهم أهل سنة وجماعة. أي جماعة هذه؟ مالكية، أم حنفية، أم شافعية، أم حنبلية؟؟ فلا هذا ولا ذاك، وإنما هي جماعة معاوية بن أبي سفيان وهم الذين وافقوه علي لعن علي بن أبي طالب وجعلوها سنة متبعة ثمانين عاما. ولماذا يسمح بالخلاف وتعدد الآراء والفتيا في المسألة الواحدة ويصبح خلافهم رحمة ما دام مقصورا علي المذاهب الأربعة، فإذا خالفهم مجتهد آخر كفروه وأخرجوه عن الإسلام؟ [ صفحه 105] ولماذا لا يحمل خلاف الشيعة لهم كالخلاف فيما بينهم لو كانوا منصفين وعاقلين؟ ولكن ذنب الشيعة لا يغتفر لأنهم لا يقدمون علي علي أمير المؤمنين أحدا من الصحابة، وهذا هو جوهر الخلاف الذي لا يتحمله أهل السنة والجماعة الذين اتفقوا علي شئ واحد ألا وهو إقصاء علي عن الخلافة وطمس فضله وحقائقه. - ثامنا: نلاحظ بأن الحكام الذين استولوا علي أموال المسلمين بالقهر والقوة، نراهم يوزعون هذه الأموال بسخاء علي علماء السوء والمتزلفين إليهم لاستمالتهم وشراء ضمائرهم ودينهم بدنياهم. قال مالك: ثم أمر لي بألف دينار عينا ذهبا وكسوة

عظيمة وأمر لابني بألف دينار. فهذا ما اعترف به مالك علي نفسه وقد يكون ما لم يحدث به أكثر من ذلك بكثير، لأن مالكا كان يشعر بالحرج من العطايا الظاهرة فكان لا يجب أن يراها الناس، نفهم ذلك من قوله: فلما وضع الخصي الكسوة علي منكبي انحنيت عنها كراهة احتمالها وتبرؤا من ذلك. ولما عرف المنصور منه ذلك أمر الخصي أن يبلغها رحل أبي عبد الله مالك حتي لا يعرف الناس عنه ذلك. [ صفحه 106]

اختبار الحاكم العباسي لعلماء عصره

كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من الدهاة الكبار وقد عرف كيف يستولي علي عقول الناس ويشتري ضمائرهم، وقد عمل علي بسط نفوذه وتوسيع دائرة ملكه بوسائل الترغيب والترهيب. كما عرفنا مكره ودهاءه من خلال تعامله مع مالك بعد ما ضربه والي المدينة، مما يدلنا علي الصلة الوثيقة التي تربطه بالإمام مالك قبل تلك الواقعة بزمن طويل. فقد كان لمالك لقاء مع المنصور قبل هذا اللقاء الذي ذكرناه بخمسة عشر عاما وذلك إبان استيلاء المنصور علي الخلافة [88] . وقال المنصور لمالك فيما قال: يا أبا عبد الله إني رأيت رؤيا! فقال مالك: يوفق الله أمير المؤمنين إلي الصواب من الرأي ويلهمه الرشاد من القول، فما رأي أمير المؤمنين؟ فقال أبو جعفر: رأيت أني أجلسك في هذا البيت، فتكون من عمار بيت الله الحرام، وأحمل الناس علي علمك، وأعهد إلي أهل الأمصار يوفدون إليك وفودهم، ويرسلون إليك رسلهم في أيام حجهم لتحملهم من أمر دينهم علي [ صفحه 107] الصواب والحق إن شاء الله، وإنما العلم علم أهل المدينة، وأنت أعلمهم [89] . يقول ابن قتيبة لما ولي أبو جعفر المنصور الخلافة جمع مالك بن أنس وابن أبي

ذؤيب وابن سمعان في مجلس واحد وسألهم: أي الرجال أنا عندكم؟ أمن أئمة العدل أم من أئمة الجور؟ قال مالك، فقلت: يا أمير المؤمنين أنا متوسل إليك بالله تعالي وأتشفع إليك بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم وقرابتك منه، إلا ما أعفيتني من الكلام في هذا. قال: قد أعفاك أمير المؤمنين. أما ابن سمعان فقال له: أنت والله خير الرجال يا أمير المؤمنين، تحج بيت الله الحرام، وتجاهد العدو، وتؤمن السبل، ويأمن الضعيف بك أن يأكله القوي، وبك قوام الدين، فأنت خير الرجال وأعدل الأئمة. أما ابن أبي ذؤيب فقال له: أنت والله عندي شر الرجال استأثرت بمال الله ورسوله، وسهم ذوي القربي واليتامي والمساكين، وأهلكت الضعيف، وأتعبت القوي، وأمسكت أموالهم، فما حجتك غدا بين يدي الله؟ فقال له أبو جعفر: ويحك ما تقول؟ أتعقل؟ أنظر ما أمامك؟ قال: نعم قد رأيت أسيافا، وإنما هو الموت، ولا بد منه عاجله خير من آجله. وبعد هذه المحاورة طرد المنصور ابن أبي ذؤاب وابن سمعان، واختل بمالك وحده وأمنه وقال له: يا أبا عبد الله انصرف إلي مصرك راشدا مهديا، وإن أحببت ما عندنا، فنحن لا نؤثر عليك أحدا ولا تعدل بك مخلوقا. قال: ثم بعث أبو جعفر المنصور من الغد لكل واحد منهم صرة فيها خمسة آلاف دينار مع أحد شرطته وقال له: [ صفحه 108] تدفع لكل رجل منهم صرة، أما مالك بن أنس إن أخذها فبسبيله، وإن ردها فلا جناح عليه فيما فعل. وأما ابن أبي ذؤيب فائتني برأسه إن أخذها، وإن ردها عليك، فبسبيله لا جناح عليه. وإن يكن ابن سمعان ردها فأنت برأسه، وإن أخذها فهي عافيته. قال مالك: فنهض بها إلي

القوم، فأما ابن سمعان فأخذها فسلم، وأما ابن أبي ذؤيب فردها فسلم، وأما أنا فكنت والله محتاجا إليها فأخذتها [90] . ونلاحظ من هذه القصة بأن مالكا يعرف جور الخليفة وظلمه، ولكنه وللعلاقة الودية التي كانت بينه وبين المنصور فقد ناشده بمحمد وقرابته منه. وهذا ما كان يعجب الحكام العباسيين ويهمهم في ذلك العصر، وهو أن يعظمهم الناس ويمجدونهم بقرابتهم من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولذلك فهم الخليفة قصد مالك فأعجبه ذلك وأعفاه من الكلام. أما الثاني وهو ابن سمعان فقد أطراه بما ليس فيه مخافة القتل إذ كان السياف واقفا ينتظر إشارة الخليفة. أما الثالث وهو ابن أبي ذؤيب فكان شجاعا، لا يخشي في الله لومة لائم وكان مؤمنا مخلصا وصادقا ناصحا لله ولرسوله ولعامة المسلمين، فجابهه بحقيقة أمره وكشف عن زيفه ومغالطته، وعندما هدده بالقتل رحب به ولم يخف منه. ولذلك نري أن الخليفة امتحن الرجلين بالأموال الطائلة، وأعفي الإمام مالكا من ذلك الامتحان، فهو سالم في الحالتين إن أخذها أو ردها. أما ابن أبي ذؤيب فيقطع رأسه إن أخذها وكذلك ابن سمعان بقطع رأسه إن ردها. ولما كان أبو جعفر المنصور داهية عظمي تراه عمل علي رفع مكانة مالك [ صفحه 109] وفرض مذهبه، وقضي علي مذهب ابن أبي ذؤيب بالرغم من أن ابن أبي ذؤيب كان أعلم من مالك وأفضل منه كما اعترف بذلك الإمام أحمد بن حنبل [91] . كما أن ليث بن سعد كان أفقه من مالك، كما اعترف بذلك الإمام الشافعي [92] . والحقيقة في ذلك العصر أن الإمام جعفر الصادق كان أفضل وأعلم وأفقه منهم جميعا وقد اعترفوا كلهم بذلك [93] ، وهل يتجرأ

أحد من الأمة أن يباريه في علم أو في عمل، في فضل أو في شرف، وجده علي بن أبي طالب هو أفضل وأعلم وأفقه من الخلق كلهم بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ ولكن السياسة هي التي ترفع قوما وتضع آخرين والمال هو الذي يقدم قوما ويؤخر آخرين. والذي يهمنا في هذا البحث هو أن نبين بالأدلة الواضحة والحجج الدامغة بأن المذاهب الأربعة ل " أهل السنة والجماعة هي مذاهب ابتدعتها السياسة وفرضتها علي الناس بوسائل الترهيب والترغيب والدعابة، فالناس علي دين ملوكهم. ومن أراد مزيدا من البيان والتحقيق فعليه بقراءة كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة للشيخ أسد حيدر (رحمه الله) وهناك سيعرف ما حضي به الإمام مالك من الجاه والسلطان حتي أن الإمام الشافعي كان يتوسل بوالي المدينة كي يدخل علي مالك فيقول له الوالي: أفضل المشي راجلا من المدينة إلي مكة أهون علي من الوقوف علي باب مالك، لأني لا أشعر بالذلة إلا عند الوقوف علي بابه. [ صفحه 110] وهذا أحمد أمين المصري يقول في كتابه ظهر الإسلام: كان للحكومات دخل كبير في نصرة مذهب أهل السنة، والحكومات عادة إذا كانت قوية وأيدت مذهبا من المذاهب تبعه الناس بالتقليد، وظل سندا إلي أن تداول الدولة [94] . ونحن نقول بأن مذهب الإمام جعفر الصادق وهو مذهب أهل البيت إذا جاز لنا تسميته بالمذهب جريا علي عادة المسلمين وإلا فإنه الإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، لم يؤيده أي حاكم ولم تعترف به أية سلطنة، بل عمل كل الحكام علي إسقاطه والقضاء عليه وتنفير الناس منه بشتي الوسائل. فإذا شق تلك الظلمات الحالكة وكان له

أتباع وأنصار عبر القرون الظالمة فذلك من فضل الله تعالي علي المسلمين، لأن نور الله لا تطفئه الأفواه، ولا تقضي عليه السيوف ولا تبطله الدعايات الكاذبة والإشاعات المغرضة لئلا يكون للناس علي الله حجة أو يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين. والذين اقتدوا بأئمة الهدي من العترة الطاهرة، كانوا ثلة قليلة يعدون علي الأصابع بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وتكاثروا علي مر التاريخ والعصور لأن الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وما كان لله دام واتصل. وقد حاولت قريش القضاء علي محمد في بداية الدعوة، ولما عجزت عن ذلك بفضل الله وفضل أبي طالب وعلي اللذين كانا يفديانه بنفسيهما سلت قريش نفسها بأن محمدا أبتر ليس له عقب إذا مات انقطع نسله وانتهي أمره، فصبروا علي مضض. ولكن رب العالمين أعطاه الكوثر وأصبح محمد جد الحسنين وبشر المؤمنين بأنهما إمامان إن قاما وإن قعدا، وبأن الأئمة كلهم من ذرية الحسين، وهذا كله يهدد مصالح قريش ومستقبلها. وهذا لم يعجب قريش فثارت ثائرتها بعد وفاة محمد صلي الله عليه وآله وسلم وحاولت القضاء [ صفحه 111] علي عترته كلها فأحاطوا بيت فاطمة بالحطب ولولا استسلام علي وتضحيته بحقه في الخلافة ومسالمته لهم، لقضي عليهم، وانتهي أمر الإسلام من ذلك اليوم. وسكتت قريش وهدأ روعها ما دامت هي الحاكمة وليس في نسل محمد من يهدد مصالحها، وبمجرد ما رجعت الخلافة لعلي أشعلت قريش ضده الحروب الطاحنة ولم تهدأ حتي قضت عليه وأرجعت الخلافة إلي أخبث بطن من بطونها فأصبحت ملكية قيصرية يعهد بها الآباء إلي أبنائهم، وعندما رفض الحسين مبايعة يزيد قريش هبت قريش عند ذلك وثارت

ثورتها العارمة للقضاء نهائيا علي العترة النبوية وكل شئ اسمه نسل محمد بن عبد الله. فكانت مذبحة كربلاء والتي قتلوا فيها ذرية النبي صلي الله عليه وآله وسلم بما في ذلك الصبيان والرضع وأرادوا اجتثاث شجرة النبوة بكل فروعها، ولكن الله سبحانه وتعالي أنجز وعده لمحمد فأنقذ علي بن الحسين وأخرج من صلبه بقية الأئمة وملئت الأرض بنسله شرقا ومغربا، وكان الكوثر. فما من بلد ولا قرية ولا بقعة من الأرض إلا لنسل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيها وجود وأثر وعند الناس لهم فيها احترام ومودة. وها نحن اليوم وبعد كل المحاولات التي باءت بالفشل، أصبح عدد نفوس الشيعة الجعفرية وحدهم يبلغ 250 مليون مسلم في العالم كلهم يقلدون الأئمة الاثني عشر من عترة النبي ويتقربون إلي الله بمودتهم وموالاتهم ويرجون شفاعة جدهم. ولن تجد مثل هذا العدد في أي مذهب من المذاهب الأخري إذا أخذنا كل مذهب علي انفراد رغم تأييد الحكام وقرضهم. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (الأنفال: 30). ألم يأمر فرعون بذبح كل مولود من الذكور في بني إسرائيل عندما أخبره المنجمون بأن مولودا في الإسرائيليين يهدد بزوال ملكه؟ ولكن خير الماكرين أنفذ [ صفحه 112] موسي من مكر فرعون وأوصله حتي تربي في حجر فرعون نفسه وقوض ملكه وأهلك حزبه وكان أمر الله مفعولا. ألم يعمل معاوية (فرعون زمانه) علي لعن علي وقتله وقتل أولاده وشيعته؟ ألم يحرم أن يذكره ذاكر بفضيلة؟ ألم يحاول بكل مكره علي إطفاء نور الله وإرجاع الأمر إلي الجاهلية؟ ولكن خير الماكرين رفع ذكر علي رغم أنف معاوية وحزبه وأصبح ذكر علي يلهج به المسلمون سنة وشيعة بل حتي النصاري واليهود، وأصبح

قبر علي مزارا بعد قبر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم يطوف حول ضريحه ملايين المسلمين يذرفون الدموع ويتقربون إلي الله به وتعلو مقامه قبة ومآذن ذهبية شامخة في السماء تأخذ بالأبصار. بينما خمد ذكر معاوية الإمبراطور الذي ملك الأرض وعاث فيها فسادا فهل تجد له ركزا؟ أم تجد له مزارا يذكر غير مقبرة مظلمة ومهملة؟ فإن للباطل جولة وللحق دولة فاعتبروا يا أولي الألباب. والحمد لله علي هدايته، الحمد لله الذي عرفنا بأن الشيعة هم علي سنة الرسول فهم أهل السنة النبوية لأنهم اقتدوا بأهل البيت، وأهل البيت أدري بما فيه، وهم الذين اصطفاهم الله وأورثهم علم الكتاب. كما عرفنا بأن أهل السنة والجماعة قد اتبعوا بدع الحكام من السلف والخلف كما أنهم لا حجة لهم فيما يدعونه. [ صفحه 113]

حديث الثقلين عند الشيعة

ومما يدل علي أن الشيعة هم أتباع السنة النبوية الصحيحة هو ما يروي عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من حديث الثقلين وقوله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، فلا تتقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم [95] وفي بعض الروايات: وإن اللطيف الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض. وحديث الثقلين هذا أخرجه أهل السنة والجماعة في أكثر من عشرين مصدرا من صحاحهم ومسانيدهم، كما أخرجه الشيعة في كل كتب الحديث. وهو كما تري صريح صراحة لا مزيد عليها بأن أهل السنة والجماعة ضلوا لأنهم لم يتمسكوا بهما معا وهلكوا لأنهم تقدموا علي أهل البيت وظنوا بأن أبا حنيفة ومالكا والشافعي وابن حنبل أعلم من العترة الطاهرة فقلدوهم وتركوا العترة الطاهرة. علي

أن قول بعضهم بأنهم تمسكوا بالقرآن لا دليل عليه لأن القرآن كله عمومات وليس فيه تفاصيل الأحكام، وهو حمال أوجه ولا بد له من مبين ومفسر كما هو الحال بالنسبة للسنة النبوية التي تتطلب رواة ثقات ومفسرين عالمين. [ صفحه 114] وليس هناك حل لهذا المشكل إلا بالرجوع لأهل البيت أعني الأئمة من العترة الطاهرة الذين أوصي بهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وإذا أضفنا إلي حديث الثقلين المتقدم أحاديث أخري لها نفس المعني وترمي إلي نفس الهدف كقوله صلي الله عليه وآله وسلم: علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتي يردا علي الحوض [96] وقوله أيضا: علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتي يردا علي الحوض يوم القيامة [97] تأكد لدينا ولدي كل باحث بأن من ترك عليا فقد ترك التفسير الحقيقي لكتاب الله تعالي، ومن ترك عليا فقد نبذ الحق وراء ظهره واتبع الباطل فليس بعد الحق إلا الضلال. وتأكد لدينا أيضا بأن أهل السنة والجماعة تركوا القرآن والسنة النبوية بتركهم الحق وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كما تأكدت نبوة محمد صلي الله عليه وآله وسلم بقوله بأن أمته ستفترق إلي ثلاث وسبعين فرقة كلها في الضلالة إلا فرقة واجدة. وهذه الفرقة الناجية هي التي اتبعت الحق والهدي باتباعها للإمام علي (عليه السلام)، فحاربوا حربه وسالموا سلمه واقتدوا به في علمه وتمسكوا بالأئمة الميامين من ولده. أولئك هم خير البرية - جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه (البينة: 7 - 9.) [ صفحه 115]

حديث الثقلين عند أهل السنة

كما قدمنا فإن نفس الحديث

الذي ذكرناه في الفصل السابق، هو الذي أخرجه علماء أهل السنة والجماعة واعترفوا بصحته في أكثر من عشرين مصدرا من مصادرهم المشهورة. وإذا اعترفوا بصحة الحديث فقد شهدوا علي أنفسهم بالضلالة ضمنيا، لأنهم لم يتمسكوا بالعترة الطاهرة واعتنقوا مذاهب واهية ما أنزل الله بها من سلطان ولا وجود لها في السنة النبوية. والعجيب من علماء أهل السنة اليوم وبعد انقراض بني أمية وهلاكهم، وفي عصر كثر فيه الاتصال المباشر وتوفرت فيه وسائل البحوث العلمية، فكيف لا يتوبون ويرجعون إلي الله من قريب كي يشملهم قوله سبحانه وتعالي: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي (طه: 82). وإذا كان الناس في القرون الخالية زمن الخلافة مكرهين علي اتباع السلطان بالقهر والقوة، فما هو عذرهم اليوم، والسلطان في كل البلاد لا يهمه من أمر الدين شيئا ما دام عرشه مضمونا وهو يتبجح بالديمقراطية وبحقوق الإنسان التي من ضمنها حرية الفكر والعقيدة؟ بقي هناك من علماء أهل السنة المعترضون علي حديث الثقلين المذكور، [ صفحه 116] بحديث تركت فيكم كتاب الله وسنتي [98] . وأقل ما يقال في هؤلاء: إنهم بعيدون عن مقاييس العلم وأصول البحث والمعرفة، وإثبات الحجة والدليل. [ صفحه 117]

كتاب الله و عترتي، أو كتاب الله و سنتي؟

قد وافينا البحث في هذا الموضوع في كتاب مع الصادقين وقلنا باختصار بأن الحديثين لا يتناقضان لأن السنة النبوية الصحيحة محفوظة عند العترة الطاهرة من أهل البيت (عليهم السلام)، وأهل البيت أدري بما فيه وعلي بن أبي طالب هو باب السنة النبوية وهو أولي أن يكون راوية الإسلام من أبي هريرة ومن كعب الأحبار ووهب بن منبه. ومع ذلك لا بد من مزيد البيان والتوضيح، ولو أدي ذلك إلي التكرار فإن في

الإعادة إفادة، ولعل بعضهم لم يقرأوه هناك فإنهم سيطلعون عليه هنا بمزيد من التفصيل والإيضاح. ولعل القراء الكرام يجدون في هذا البحث ما يقنعهم بأن حديث كتاب الله وعترتي هو الأصل، وإنما عمد الخلفاء علي إبداله بحديث كتاب الله وسنتي ليبعدوا بذلك أهل البيت عن مسرح الحياة. ولا بد من الملاحظة بأن حديث كتاب الله وسنتي لا يصح حتي عند أهل السنة والجماعة لأنهم رووا في صحاحهم بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم نهاهم عن كتابتها، إذا كان حديث النهي صحيحا، فكيف يجوز للنبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يقول: تركت فيكم سنتي وهي غير مكتوبة ولا معلومة؟؟! ثم لو كان حديث كتاب الله وسنتي صحيحا، فكيف جاز لعمر بن الخطاب أن يرد علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويقول: حسبنا كتاب الله؟! [ صفحه 118] وإذا كان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ترك سنة مكتوبة، فكيف جاز لأبي بكر وعمر حرقها ومنعها من الناس؟! وإذا كان حديث كتاب الله وسنتي صحيحا، فلماذا يخطب أبو بكر بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويقول: لا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه [99] ؟! وإذا كان حديث كتاب الله وسنتي صحيحا، فلماذا خالفها أبو بكر في قتال مانعي الزكاة وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: من قال لا إله إلا لله عصم مني دمه وماله وحسابه علي الله؟! وإذا كان حديث كتاب الله سنتي صحيحا، فكيف جاز لأبي بكر وعمر ومن وافقهما من الصحابة أن يستبيحوا حرمة الزهراء ويهجموا علي بيتها مهددين بحرقها بمن فيها، ألم يسمعوا

قول النبي فيها: فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني ومن أذاها فقد أذاني؟ بلي والله لقد سمعوها ووعوها، ألم يسمعوا قول الله تعالي: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي (الشوري: 23) التي نزلت فيها وفي بعلها وولديها؟ فهل كانت مودة أهل البيت هي ترويعهم وتهديدهم بالحرق، وضغط الباب علي بطن فاطمة حتي أسقطت جنينها بأبي هي وأمي؟؟! وإذا كان حديث كتاب الله وسنتي صحيحا، فكيف استحل معاوية والصحابة الذين بايعوه وساروا في ركابه أن يلعنوا عليا ويسبوه علي المنابر طيلة حكم بني أمية، ألم يسمعوا أمر الله لهم بأن يصلوا عليه كما يصلون علي النبي؟ ألم يسمعوا قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله [100] ؟! وإذا كان حديث كتاب الله وسنتي صحيحا، فلماذا غابت هذه السنة علي [ صفحه 119] أكثر الصحابة فجهلوها وأفتوا في الأحكام بآرائهم، وكذلك فعل أئمة المذاهب الأربعة الذين التجأوا للقياس والاجتهاد، والإجماع وسد باب الذرائع، والمصالح المرسلة والاستصحاب وصوافي الأمراء وأخف الضررين وغير ذلك [101] ؟! فإذا كان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قد ترك كتاب الله وسنة نبيه ليعصمان الناس من الضلالة، فلا داعي لكل هذه الأمور التي ابتدعها أهل السنة والجماعة فكل بدعة وضلالة وكل ضلالة في النار كما جاء في الحديث الشريف..! ثم إن العقلاء وأهل المعرفة، يلقون باللوم علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذي أهمل سنته ولم يعتن بها ولم يأمر بتدوينها وحفظها ومن ثم صيانتها من التحريف والاختلاف والوضع والاختلاق، ثم يقول للناس: إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي!

أما إذا قيل لهؤلاء العقلاء بأنه نهاهم عن كتابتها فسيكون عند ذلك هزؤا، لأن ذلك ليس من أفعال الحكماء، إذ كيف ينهي المسلمين عن كتابة سنته، ثم يقول لهم: تركت فيكم سنتي؟؟! أضف إلي كل ما تقدم بأن كتاب الله المجيد، إذا أضفنا إليه السنة النبوية التي كتبها المسلمون عبر القرون، فإن فيها الناسخ والمنسوخ وفيها الخاص والعام وفيها المحكم والمتشابه، فهي شقيقة القرآن، غير أن القرآن كله صحيح لأن الله سبحانه تكفل بحفظه ولأنه مكتوب، أما السنة ففيها المكذوب أكثر من الصحيح، فالسنة النبوية هي قبل كل شئ محتاجة إلي المعصوم الذي يدل علي صحيحها ويطرح كل ما وضع فيها، وغير المعصوم لا يقدر علي شئ من ذلك ولو كان عالما علامة. كما أن القرآن والسنة معا يفترقان إلي عالم متبحر عارف بكل أحكامهما مطلع علي أسرارهما، لكي يبين للناس من بعد النبي ما اختلفوا فيه وما جهلوه. [ صفحه 120] ألم تر أن الله سبحانه أشار إلي أن القرآن الكريم يفتقر إلي مبين، فقال جل وعلا: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم (النحل: 44)؟ فلو لم يكن النبي يبين للناس ما نزل إليهم، لم يكونوا ليعرفوا أحكام الله ولو نزل القرآن بلغتهم! وهذا أمر بديهي يعرفه كل الناس، ورغم نزول القرآن بفرائض الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فالمسلمون في حاجة لبيان النبي صلي الله عليه وآله وسلم فهو الذي أوضح كيفية أداء الصلاة، ومقدار نصاب الزكاة، وأحكام الصوم، ومناسك الحج، ولولاه لما عرف الناس من ذلك شيئا. وإذا كان القرآن الذي لا اختلاف فيه، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بحاجة إلي مبين، فإن السنة النبوية أحوج من

القرآن إلي من يبينها، وذلك لكثرة الاختلاف الذي حصل فيها ولكثرة الدس والكذب الذي طرأ عليها، وإنه من الطبيعي جدا، بل من الضروريات العقلية أن يعتني كل رسول بالرسالة التي بعث بها، فيقيم عليها وصيا وقيما بوحي من ربه حتي لا تضيع الرسالة بموته، ولأجل ذلك كان لكل نبي وصي. ولكل ذلك أعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خليفته ووصيه علي أمته علي بن أبي طالب ورباه منذ صغره بأخلاق النبوة، وعلمه في كبره علم الأولين والآخرين، وخصه بأسرار لا يعرفها غيره، ودل الأمة عليه مرارا وأرشدهم إيه تكرارا، فقال لهم إن هذا أخي ووصيي وخليفتي عليكم، وقال: أنا خير الأنبياء وعلي خير الأوصياء وخير من أترك بعدي، وقال: علي مع الحق والحق معه، وعلي مع القرآن والقرآن معه، وقال: أنا قاتلت علي تنزيل القرآن وعلي يقاتل علي تأويله، وهو الذي يبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي، وقال: لا يؤدي عني إلا علي وهو ولي كل مؤمن بعدي وقال: علي مني بمنزلة هارون من موسي، علي مني وأنا منه وهو باب علمي [102] . [ صفحه 121] وقد ثبت بالدليل العلمي وبالتاريخ وما كتبه أصحاب السير بأن عليا كان المرجع الوحيد للكل الصحابة عالمهم وجاهلهم، ويكفي أن يعترف أهل السنة بأن عبد الله بن عباس والذي لقبوه بحبر الأمة تلميذه وخريجه كما يكفي دليلا أن كل العلوم التي عرفها المسلمون تنسب إليه (عليه السلام) [103] . وعلي سبيل الافتراض لو تعارض حديث كتاب الله وسنتي مع حديث كتاب الله وعترتي لوجب تقديم الثاني علي الأول أعني تقديم عترتي علي سنتي، ليتسني للمسلم العاقل الرجوع إلي أئمة أهل البيت الطاهرين كي يبينوا له

مفاهيم القرآن والسنة. أما لو أخذ بحديث كتاب الله وسنتي فسوف يبقي محتارا في كل من القرآن والسنة ولا يجد المرجع الموثوق الذي يبين له الأحكام التي لم يفهمها، أو الأحكام التي اختلف فيها العلماء اختلافا كبيرا وقال فيها أئمة المذاهب أقوالا متعددة أو متناقضة. ولا شك بأنه لو أخذ بقول هذا العالم أو ذاك، أو اتبع رأي هذا المذهب أو ذاك، فإنما يتبعه ويأخذ منه بدون دليل علي صحة هذا وبطلان ذاك، وإن قبول هذا المذهب ورفض ذاك هو تعصب أعمي وتقليد بدون حجة، قال الله تعالي في هذا المعني: وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا (يونس: 36). وأضرب لذلك مثالا واحدا حتي يعرف القارئ الكريم صدق الحديث ويتبين له الحق من الباطل. لو أخذنا القرآن الكريم وقرأنا فيه آية الوضوء وقول الله تعالي: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين (المائدة: 6)، فهمنا منها لأول وهلة مسح الأرجل كمسح الرؤوس، وإذا نظرنا إلي فعل المسلمين نجدهم مختلفين في ذلك. فأهل السنة والجماعة كلهم يغسلون، والشيعة كلهم يمسحون. فنصاب عند ذلك بالحيرة والشك، أيهما الصحيح؟ [ صفحه 122] ونرجع إلي العلماء من أهل السنة والجماعة ومفسريهم، فنجدهم مختلفين في هذا الحكم علي حسب ما يروونه من أن هناك قراءتين أرجلكم بالنصب وأرجلكم بالجر. ثم يصححون القراءتين ويقولون: من قرأ بالنصب فقد أوجب الغسل ومن قرأ بالجر فقد أوجب المسح. ثم يطلع علينا عالم ثالث متبحر في اللغة العربية من علماء السنة [104] فيقول: إن قراءة النصب وقراءة الجر توجبان المسح، لأن الأرجل إما تكون منصوبة علي المحل أو تكون مجرورة بالجوار، ثم يقول بأن القرآن جاء بالمسح وجاءت السنة بالغسل.

وأنت كما تري أيها القارئ بأن علماء السنة والجماعة لم يزيلوا حيرتنا باضطراب أقوالهم، بل قد ضاعفوا شكنا لقولهم بأن السنة خالفت القرآن، وحاشا للنبي أن يخالف القرآن ويغسل رجليه في الوضوء، ولو غسل النبي رجليه في الوضوء لما جاز لكبار الصحابة مخالفته وهم من هم في العلم والمعرفة والقرب منه أمثال علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن والحسين وحذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وكل الصحابة الذين قرأوا بالجر وهم أغلب القراء الذين أوجبوا المسح وكل الشيعة الذين اقتدوا بالأئمة من العترة الطاهرة قالوا بوجوب المسح. فما هو الحل؟! ألم تر أيها القارئ العزيز بأن المسلم سيبقي محتارا في شكه وبدون الرجوع إلي من يعتمد عليه فسوف لا يعرف وجه الصواب ولا يدري ما هو حكم الله الصحيح من المكذوب عليه؟ وقد تعمدت أن أضرب لك هذا المثال من القرآن الكريم أيها القارئ العزيز حتي تعرف مدي الاختلاف والتناقض الذي يتخبط فيه علماء المسلمين من [ صفحه 123] أهل السنة والجماعة في أمر كان يفعله النبي عدة مرات في كل يوم وطيلة ثلاثة وعرين عاما. وكان من المفروض أن يعرفه الخاص والعام من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإذا بالعلماء عند أهل السنة يختلفون في القراءات فينصبون، ويجرون ويرتبون علي ذلك أحكاما متضاربة! وللعلماء في تفسير كتاب الله وترتيب الأحكام علي حسب القراءات المتعددة اختلافات كثيرة لا تخفي علي الباحثين. وإذا كان اختلافهم في كتاب الله ظاهرا فهو في السنة النبوية أظهر وأكثر. فما هو الحل إذن؟ إذا قلت بوجوب الرجوع إلي من يعتمد عليه في شرح وبيان الأحكام الصحيحة من القرآن والسنة، فسوف نطالبك بالشخص العاقل المتكلم، لأن القرآن والسنة

لا يعصمان من الضلالة، فهما صامتان لا يتكلمان ويحملان عدة وجوه كما قدمنا في آية الوضوء، ولقد اتفقنا عزيزي القارئ علي وجوب تقليد العلماء العارفين بحقائق القرآن والسنة، وبقي الخلاف بيننا فقط في معرفة هؤلاء العلماء العارفين بحقائق القرآن والسنة. فإذا قلبت بأنهم علماء الأمة وعلي رأسهم الصحابة الكرام، فقد عرفنا اختلافهم في آية الوضوء وفي غيرها من المسائل، كما عرفنا بأنهم تقاتلوا وكفر بعضهم بعضا، فلا يمكن الاعتماد عليهم جميعا، وإنما يعتمد علي المحقين منهم دون المبطلين ويبقي المشكل قائما. وإذا قلت بالرجوع إلي أئمة المذاهب الأربعة، فقد عرفت بأنهم اختلفوا أيضا في أكثر المسائل حتي قال بعضهم بكراهة البسملة في الصلاة وقال بعضهم ببطلان الصلاة بدونها، وقد عرفت أحوال هذه المذاهب وأنها من صنائع الحكام الظالمين، وعرفت أيضا بأنهم بعيدون عن عهد الرسالة ولم يعرفوا الصحابة فضلا عن النبي نفسه. فلم يبق أمامنا إلا حل واحد لا ثاني له، ألا وهو الرجوع إلي أئمة العترة من [ صفحه 124] أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، العالمين، العاملين الذين لم يلحقهم أحد في علمهم وورعهم وحفظهم وتقواهم فهم المعصومون عن الكذب والخطأ بنص القرآن الكريم [105] وعلي لسان النبي العظيم [106] . فقد أورثهم الله علم الكتاب بعد أن اصطفاهم، وعلمهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كل ما يحتاجه الناس، ودل الأمة عليهم بقوله: مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وقد قال ابن حجر وهو من علماء أهل السنة والجماعة في شرح هذا الحديث بعد أن صححه: ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم، وأخذ بهدي علمائهم نجا من

ظلمة المخالفات ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان [107] . أضف إلي ذلك أنك لا تجد عالما في الأمة الإسلامية قديما وحديثا من عهد الصحابة إلي اليوم، من ادعي لنفسه أنه أعلم أو أفضل من أئمة العترة النبوية الطاهرة، كما أنك لا تجد في الأمة قاطبة أحدا ادعي بأنه علم واحدا من أئمة أهل البيت أو أرشدهم لأمر ما. وإذا أردت أيها القارئ مزيدا من البيان والتفصيل فعليك بقراءة المراجعات و الغدير. وما قدمته أنا إليك فيه الكفاية إن كنت من المنصفين فحديث تركت فيكم كتاب الله وعترتي هو الحق الذي يسلم به العقل والوجدان وتثبته السنة والقرآن. [ صفحه 125] وبكل هذا يتبين لنا مرة أخري بالأدلة الواضحة التي لا تدفع بأن الشيعة الإمامية هم أهل السنة النبوية الحقيقة، وأن أهل السنة والجماعة قد أطاعوا ساداتهم وكبراءهم فأضلوهم السبيل وتركوهم في ظلمات يعمهون، وأغرقوهم في بحر كفر النعم وأهلكوهم في مفاوز الطغيان علي حد تعبير ابن حجر الشافعي. والحمد لله رب العالمين علي هدايته لعباده المخلصين. [ صفحه 126]

مصادر التشريع عند الشيعة

المتتبع لفقه الشيعة الإمامية يجدهم ينقطعون في كل الأحكام الفقهية - إلا المستحدثة - [108] إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن طريق الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام). وهؤلاء عندهم مصادر التشريع اثنان لا ثالث لهما: الكتاب والسنة، أعني المصدر الأول هو القرآن الكريم، والمصدر الثاني هي السنة النبوية الشريفة علي صاحبها أفضل الصلاة وأزكي السلام. وهذه هي أقوال الشيعة قديما وحديثا، بل هي أقوال الأئمة من أهل البيت الذين لم يدع واحد منهم أنه اجتهد برأيه أو حكم حكما من عنده. فهذا

الإمام الأول علي بن أبي طالب عندما اختاروه للخلافة واشترطوا عليه أن يحكم فيهم بسنة الشيخين أبي بكر وعمر، قال: لا أحكم إلا بكتاب الله وسنة رسوله [109] . [ صفحه 127] وسنوضح في أبحاث لاحقة بأنه (عليه السلام) كان دائما يتقيد بسنة النبي ولا يحيد عنها أبدا، ويحاول بكل جهوده إرجاع الناس إليها حتي سبب له ذلك غضب الخلفاء، ونفور الناس منه لشدته في ذات الله وتشبثه بسنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. كما أن الإمام الباقر (عليه السلام) كان يقول دائما: لو حدثناكم برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا، ولكنا نحدثكم ببينة من ربنا بينها لنبيه فبينها نبيه لنا. وقال مرة أخري: يا جابر، إنا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم. وهذا الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يقول: والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلا ما قال ربنا، فمهما أجبتك فيه بشئ فهو عن رسول الله لسنا نقول برأينا من شئ. وأهل العلم والمحققون يعرفون ذلك من أئمة أهل البيت فلم يسجلوا عن أحدهم القول بالرأي ولا بالقياس ولا بالاستحسان أو بشئ غير القرآن والسنة [110] . وحتي إذا رجعنا للمرجع الكبير المعاصر الشهيد آية الله محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) تجده يقول في رسالته العملية لفقه العبادات والمعاملات - في الفتاوي الواضحة - يقول حرفيا: ونري من الضروري أن نشير أخيرا بصورة موجزة إلي المصادر التي اعتمدناها بصورة رئيسية في استنباط هذه الفتاوي الواضحة وهي كما ذكرنا في مستهل الحديث عبارة عن الكتاب

الكريم والسنة [ صفحه 128] الشريفة المنقولة عن طريق الثقات المتورعين في النقل مهما كان مذهبهم [111] أما القياس والاستحسان ونحوهما فلا نري مسوغا شرعيا للاعتماد عليها. وأما ما يسمي بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدثون في أنه هل يسوغ العمل به أولا، فنحن وإن كنا نؤمن بأنه يسوغ العمل به، ولكنا لم نجد حكما واحدا يتوقف إثباته علي الدليل العقلي بهذا المعني، بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة. وأما ما يسمي بالإجماع فهو ليس مصدرا إلي جانب الكتاب والسنة، وإنما لا يعتمد عليه إلا من أجل كونه وسيلة إثبات في بعض الحالات. وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنة ونبتهل إلي الله أن يجعلنا من المتمسكين بهما. ومن استمسك بهما فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها والله سميع عليم [112] . نعم، ونجد هذه الظاهرة هي السائدة عند الشيعة قديما وحديثا ولا يعتمد عندهم إلا علي الكتاب والسنة ولا تجد لأحدهم فتوي واحدة ناتجة عن القياس أو الاستحسان، وقصة الإمام الصادق مع أبي حنيفة معروفة، وكيف أنه نهاه عن القياس وقال له فيما قال: لا تقس في دين الله فإن الشريعة إذا قيست محقت، وإن أول من قاس إبليس عندما قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. هذه هي مصادر التشريع عند الشيعة من عهد علي بن أبي طالب وإلي يومنا هذا. فما هي مصادر التشريع عند أهل السنة والجماعة؟ [ صفحه 129]

مصادر التشريع عند أهل السنة والجماعة

وإذا تتبعنا مصادر التشريع عند أهل السنة والجماعة وجدناها كثيرة تتعدي حدود الكتاب والسنة التي رسمها الله ورسوله. فالمصادر عندهم - بالإضافة إلي الكتاب والسنة - هي سنة

الخلفاء الراشدين، وسنة الصحابة، وسنة التابعين وهم علماء الأثر وسنة الحكام ويسمونها صوافي الأمراء، ثم القياس، والاستحسان، والإجماع، وسد باب الذرائع. وهي كما تري عشرة مصادر عندهم كلها تتحكم في دين الله، وحتي لا نتكلم بدون دليل ونلقي الكلام علي عواهنه، أو يتهمنا البعض بالمبالغة، لا بد من إعطاء بعض الأدلة من أقوالهم وكتبهم كي يتبين للقارئ الكريم ذلك واضحا. ونحن لا نناقش أهل السنة والجماعة في المصدرين الأولين المتمثلين في الكتاب والسنة، فهو أمر لا خلاف فيه، بل هو الواجب الذي جاء به النقل والعقل والإجماع، وهو من باب قوله تعالي: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (الحشر: 7) وقوله: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول (المائدة: 92) وقوله: إذا قضي الله ورسوله (الأحزاب: 36) وغيرها من الآيات البينات الدالة علي وجوب تشريع الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله فقط، ولكن نقاشنا معهم في المصادر الأخري التي أضافوها من عندهم. [ صفحه 130] أولا: سنة الخلفاء الراشدين فقد احتجوا بحديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ [113] . وقد بينا في كتاب مع الصادقين بأن المقصود من الخلفاء الراشدين في هذا الحديث هم أئمة أهل البيت، وأضيف هنا بعض الأدلة الأخري لمن فاته ذلك البحث. أخرج البخاري ومسلم وكل المحدثين بأن رسول الله حصر خلفاءه في اثني عشر، فقال: الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش. فدل هذا الحديث الصحيح علي أن المقصود هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وليسوا الخلفاء الحكام الذين اغتصبوا الخلافة. ولقائل أن يقول: سواء أكان المقصود بالخلفاء أئمة أهل البيت الاثني عشر كما يقول الشيعة، أم الخلفاء الراشدين الأربعة كما يقول أهل السنة

فإن مصادر التشريع ثلاثة: القرآن والسنة وسنة الخلفاء؟ وهذا صحيح علي رأي أهل السنة ولكنه لا يصح علي رأي الشيعة لأن أئمة أهل البيت كما قدمنا لم يكونوا يشرعوا باجتهادهم وآرائهم بل كل ما قالوه هو سنة جدهم رسول الله تعلموها منه واحتفظوا بها كي يظهروها للناس إذا اقتضت الحاجة ذلك. أما أهل السنة والجماعة فقد حفلت كتبهم بالاستدلال سنة أبي بكر وسنة عمر كمصدر للتشريع الإسلامي ولو خالفت الكتاب والسنة. ومما يزيدنا يقينا بأن أبا بكر وعمر غير مقصودين بحديث النبي، أن عليا رفض أن يحكم بسنتهم عندما اشترط عليه الصحابة ذلك. فلو كان الرسول يقصد بالخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر لما جاز لعلي أن يرد علي رسول الله ويرفض سنتهم، فدل الحديث علي أن الخلفاء الراشدين ليس منهم أبو بكر ولا عمر. [ صفحه 131] علي أن أهل السنة والجماعة يقصدون بالخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان دون سواهم. لأن عليا لم يكن معدودا عندهم من الخلفاء وإنما ألحق في زمن متأخر كما قدمنا، ولأنه كان يلعن علي المنابر فكيف يتبعون سنته؟؟! وإذا قرأنا ما رواه جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء تحقق لدينا صحة ما ذهبنا إليه. قال السيوطي نقلا عن حاجب بن خليفة: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة، فقال في خطبته: ألا إن ما سن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وصاحباه فهو دين نأخذ به وننتهي إليه، وما سن سواهما فإنا نرجئه [114] . والحقيقة أن جل الصحابة والحكام الأمويين والعباسيين كانوا يرون أن ما سن أبو بكر وعمر وعثمان هو دين يأخذون به وينتهون إليه: وإذا عمل هؤلاء الخلفاء الثلاثة علي منع سنة الرسول صلي

الله عليه وآله وسلم كما عرفنا ذلك في ما سبق، فلا يبقي بعد ذلك من السنة إلا ما سنوه ومن الأحكام إلا ما أحكموه. ثانيا: سنة الصحابة عموما إننا نجد أدلة كثيرة وشواهد عديدة علي اقتداء أهل السنة والجماعة سنة الصحابة عموما بدون استثناء. فهم يحتجون بحديث مكذوب وافينا البحث فيه في كتاب مع الصادقين والحديث يقول: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقد احتج ابن القيم الجوزية بهذا الحديث علي حجية رأي الصحابي [115] . وقد اعترف بهذه الحقيقة أيضا الشيخ أبو زهرة إذ قال: لقد وجدناهم [ صفحه 132] (يعني فقهاء أهل السنة) جميعا يأخذون بفتوي الصحابي ثم يضيف في مقطع آخر قوله: والاحتجاج بأقوال الصحابة وفتاويهم هو مسلك جماهير الفقهاء وخالفهم الشيعة [116] ولكن ابن القيم الجوزية أيد الجمهور بنحو ستة وأربعين وجها وكلها حجج قوية. ونحن نقول للشيخ أبي زهرة: كيف تكون الحجة - التي تخالف كتاب الله وسنة رسوله - قوية؟! فكل الحجج التي جاء بها ابن القيم واهية كبيت العنكبوت وأنت بنفسك قد نسفتها عندما قلت: ولكننا وجدنا الشوكاني يقول: والحق أن قول الصحابي ليس بحجة فإن الله سبحانه وتعالي لم يبعث إلي هذه الأمة إلا نبينا محمدا صلي الله عليه وآله وسلم وليس لنا إلا رسول واحد، والصحابة ومن بعدهم مكلفون علي السواء باتباع شرعه في الكتاب والسنة، فمن قال بأنه تقوم الحجة في دين الله بغيرهما، فقد قال في دين الله بما لا يثبت وأثبت شرعا لم يأمر الله به [117] . فتحية إلي الشوكاني الذي قال حقا ونطق صدقا، ولم يتأثر بالمذهب فكان قوله موافقا لأئمة الهدي من العترة الطاهرة ورضي الله عنه وأرضاه إن كانت أعماله

مطابقة لأقواله. ثالثا: سنة التابعين علماء الأثر: كذلك نجد أهل السنة والجماعة يأخذون بآراء التابعين ويسمونهم علماء الأثر كالأوزاعي وسفيان الثوري وحسن البصري وابن عيينة وغيرهم كثير، كما أنهم متفقون علي الأخذ باجتهادات أئمة المذاهب الأربعة وتقليدهم رغم أنهم من تابعي التابعين. [ صفحه 133] وإذا كان الصحابة أنفسهم يعترفون بخطأهم في عديد من المرات وأنهم يقولون ما لا يعلمون. فهذا أبو بكر يقول عندما يسأل عن مسألة: سأقول فيها برأيي فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمني أو من الشيطان. وهذا عمر يقول لأصحابه: لعلي آمركم بالأشياء التي لا تصلح لكم وأنهاكم عن أشياء تصلح لكم [118] . وإذا كان هذا هو مبلغهم من العلم وأنهم يتبعون الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، فكيف يحق لمسلم عرف الإسلام أن يجعل أفعال هؤلاء وأقوالهم سنة متبعة ومصدرا من مصادر التشريع؟ وهل يبقي بعد هذا الحديث أصحابي كالنجوم من أثر؟ وإذا كان هؤلاء هم الصحابة الذين حضروا مجالس النبي وتعلموا منه يقولون مثل هذه الأقوال، فكيف تكون حال من جاء بعدهم وأخذ عنهم وشارك في الفتنة؟ وإذا كان أئمة المذاهب الأربعة يقولون في دين الله بآرائهم مصرحين ومعترفين بإمكانية الخطأ، فيقول الواحد منهم: هذا ما أعتقد أنه صحيح وقد يكون رأي غيري هو الصحيح، فلماذا ألزم المسلمون أنفسهم بتقليدهم؟! رابعا: سنة الحكام ويسمي عند أهل السنة والجماعة صوافي الأمراء، وقد استدلوا عليه بقوله تعالي: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (النساء: 59) [119] . فأولي الأمر عندهم الحكام وإن كانوا متسلطين بالقوة والقهر، وهم يعتقدون بأن الحكام أمرهم الله علي رقاب العباد فيجب لذلك طاعتهم والأخذ بسنتهم. [ صفحه 134] ورد بأن حزم الظاهري

علي أهل السنة والجماعة ردا عنيفا بقوله: بناء علي ما تقولون فللأمراء أن يبطلوا ما شاؤوا من الشرائع التي أمر الله ورسوله بها، كما لهم أن يزيدوا فيها، ولا فرق بين الزيادة والنقص في ذلك، وهذا كفر ممن أجازه بلا خلاف [120] . ورد الذهبي علي ابن حزم بقوله: هذا تقرير فاسد وخطأ فاحش، فإن الأمة أجمعت إلا داود بن علي ومن مشي خلفه، علي أن أولي الأمر هلم الحكم بالرأي والاجتهاد إذا لم يكن في النازلة نص، ويقولون: لا يحل لهم الحكم بالرأي والاجتهاد مع علمهم بالنص في النازلة، فظهر بهذا أن لهم أن يزيدوا في الشرع زيادة ساغت في الشرع وليس لهم أن يبطلوا ما شاؤوا من الشرع. ونحن نقول للذهبي: كيف تدعي إجماع الأمة وأنت نفسك استثنيت داود بن علي ومن مشي خلفه!؟ ولماذا لم تسم من مشي خلفه؟ ثم لماذا لم تستثن الشيعة وأئمة أهل البيت، ألأنهم عندك ليسوا من الأمة الإسلامية؟! أم أن تزلفك للحكام هو الذي جعلك تبيح لهم أن يزيدوا في الشرع، لكي يزيدوا في عطائك وشهرتك؟ وهل كان الحكام الذين حكموا المسلمين باسم الإسلام يعرفون النصوص القرآنية والنصوص النبوية حتي يقفوا عند حدودها؟ وإذا كان الخليفتان أبو بكر وعرم تعمدا مخالفة النصوص القرآنية والنبوية كما قدمنا في أبحاث سابقة، فكيف يلتزم من جاء بعدهما بتلك النصوص التي بذلت وغيرت وأعفيت آثارها؟ وإذا كان فقهاء أهل السنة والجماعة يفتون للأمراء بأن يقولوا في دين الله ما يشاؤون، فليس غريبا علي الذهبي أن يقلدهم. فقد جاء في طبقات الفقهاء عن سعيد بن جبير قال: سألت عبد الله بن عمر عن الإيلاء؟ فقال: أتريد أن تقول: قال ابن عمر قال

ابن عمر؟! [ صفحه 135] قال: قلت: نعم، ونرضي بقولك ونقنع. فقال ابن عمر: يقول في ذلك الأمراء، بل يقول في ذلك الله ورسوله ومن يقول عنهما. وعن سعيد بن جبير قال: كان رجاء بن حياة يعد في أفقه فقهاء الشام ولكن كنت إذا حركته وجدته شاميا يقول: قضي عبد الملك بن مروان فيها بكذا وكذا [121] . كما جاء في طبقات ابن سعد عن المسيب بن رافع قال: كان إذا جاء النبي من القضاء وليس في الكتاب ولا في السنة سمي صوافي الأمراء فدع إليهم فجمع له أهل العلم، فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحق [122] . ونحن نقول: ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، بل جائهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون. خامسا: بقية مصادر التشريع عند أهل السنة ونذكر منها القياس والاستحسان والاستصحاب وسد باب الذرائع، والإجماع فمشهورة جدا ومعروفة عندهم. وقد اشتهر الإمام أبو حنيفة بالعمل بالقياس ورد الأحاديث كما اشتهر الإمام مالك بالرجوع لعمل أهل المدينة وسد باب الذرائع واشتهر الإمام الشافعي بالرجوع إلي فتاوي الصحابة وقد رتبهم علي أقسام ودرجات فقال بأولوية العشرة المبشرين بالجنة، ثم المهاجرين الأولين، ثم الأنصار، ثم مسلمة الفتح ويقصد بهم الطلقاء والذين أسلموا بعد فتح مكة [123] . كما اشتهر الإمام أحمد بن حنبل بعدم الاجتهاد والابتعاد عن الفتوي وأخذه برأي أي صحابي كان. فقد نقل عنه الخطيب البغدادي أن رجلا سأله عن مسألة في الحلال [ صفحه 136] والحرام، فقال له أحمد: سل عافاك الله غيرنا، قال: إنما نريد جوابك يا أبا عبد الله، قال: سل عافاك الله غيرنا، سل الفقهاء سل أبا ثور [124] . كما نقل عن المروزي قوله: أما الحديث فقد

استرحنا منه وأما المسائل فقد عزمت إن سألني أحد عن شئ فلا أجيبه [125] . ولا شك بأن أحمد بن حنبل هو الذي أوحي بفكرة عدالة الصحابة كلهم بدون استثناء فأثر مذهبه في أهل السنة والجماعة. فقد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد في جزئه الثاني بالإسناد عن محمد بن عبد الرحمان الصيرفي قال: قلت لأحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في مسألة، هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم، لنعلم مع من الصواب منهم، فنتبعه؟ فقال لي: لا يجوز النظر بين أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقلت: كيف الوجه في ذلك؟ قال: تقلد أيهم أحببت. ونحن نقول: وهل يجوز تقليد من لا يعرف الحق من الباطل؟ وغريب أن يفتي أحمد وهو الذي يتهرب من الفتوي، بتقليد أي صحابي أحب وبدون النظر في أقوالهم لمعرفة الصواب! وبعد هذا العرض الوجيز لمصادر التشريع الإسلامي عند الشيعة وعند أهل السنة والجماعة، يتبين لنا بوضوح لا لبس فيه بأن الشيعة هم الذين يتقيدون بسنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا يبغون عنها حولا حتي كانت سنة النبي هي شعارهم كما شهد بذلك أعداؤهم. أما أهل السنة والجماعة فهم يتبعون سنة أي صحابي وأي تابعي وأي حاكم. [ صفحه 137] وهذه كتبهم وأقوالهم تشهد عليهم وكفي بها شهيدا وسوف نبحث في فصل قادم إن شاء الله تعالي أفعالهم لنعرف بأنها ليست من سنة النبي في شئ. وأترك للقارئ نفسه أن يستنتج من هم أهل السنة، ومن هم أهل البدعة؟ [ صفحه 138]

تعليق لا بد منه لإكمال البحث

وتجدر الإشارة إلي أن الشيعة تقيدوا بمصادر التشريع من الكتاب والسنة ولم يزيدوا عليها شيئا وذلك

لوجود النصوص الكافية عند أئمتهم لكل مسألة من المسائل التي يحتاجها الناس. وقد يستغرب ذلك بعض الناس ويستبعدون أن يكون لأئمة أهل البيت نصوص كافية لكل ما يحتاجه الناس لمواكبة كل العصور حتي تقوم الساعة. ولتقريب هذا الواقع لذهن القارئ لا بد من الإشارة إلي الأمور التالية: إذا اعتقد المسلم بأن الله سبحانه بعث محمدا بشريعة مكملة لكل الشرائع السابقة ومهيمنة عليها لتكمل مسيرة الإنسانية فوق هذه الأرض لتعود بعدها إلي الحياة الأبدية. هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله (التوبة: 33). وإذا اعتقد المسلم بأن الله سبحانه أراد من الإنسان أن يكون خاضعا لأحكامه في كل أقواله وأفعاله ويسلم إليه مقاليد أموره. إن الدين عند الله الإسلام (آل عمران: 19)، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه (آل عمران: 85). وإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن تكون أحكام الله كاملة وشاملة لتغطية كل [ صفحه 139] ما يحتاجه الإنسان في مسيرته الشاقة للتغلب علي كل العقبات والصمود أمام التحديات والوصول إلي الهدف المنشود. ولكل ذلك عبر سبحانه وتعالي عن هذه الحقيقة بقوله: ما فرطنا في الكتاب من شئ (الأنعام: 38). وعلي هذا الأساس فليس هناك من شئ إلا وهو مذكور في كتاب الله تعالي، ولكن الإنسان بعقله المحدود لا يدرك كل الأشياء التي ذكرها الله سبحانه وتعالي لحكمة بالغة لا تخفي علي أهل المعرفة. وذلك كقوله سبحانه وتعالي: وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم (الإسراء: 44). وإن من شئ بدون استثناء تدل علي الإنسان والحيوان والجماد يسبح وقد يقبل الإنسان تسبيح الحيوان والكائنات الحية من النباتات ولكن عقله لا يفقه تسبيح الحجارة مثلا. قال

تعالي: أنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق (ص: 18). وإذا سلمنا بذلك وآمنا به، فلا بد من التسليم والإيمان بأن كتاب الله فيه كل الأحكام التي يحتاجها الناس إلي يوم القيامة، ولكننا لا ندركها إلا إذا رجعنا لمن أنزل عليه وفهم كل معانيه، وهو رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال تعالي: ونزلنا عليك لكتاب تبيانا لكل شئ (النحل: 89). وإذا سلمنا بأن الله سبحانه بين كل شئ إلي رسوله ليبين للناس ما نزل إليهم، فلا بد أن نسلم بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد بين كل شئ ولم يترك شيئا يحتاجه الناس إلي يوم القيامة إلا وأعطي فيه حكما. وإذا لم يصلنا ذلك البيان أو لم نعرفه نحن اليوم فذلك ناتج عن قصورنا وتقصيرنا وجهلنا، أو هو ناتج عن خيانة الواسطة التي بيننا وبينه أو هو ناتج عن جهل الصحابة وعدم وعيهم لما بينه صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 140] ولكن الله سبحانه وتعالي جلت حكمته يعلم أن كل هذه الاحتمالات ممكنة أو واقعة فلا يترك شريعته تضيع، فاصطفي من عباده أئمة أورثهم علم الكتاب وتبيانه، لكي لا يكون للناس علي الله حجه، قال تعالي: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا (فاطر: 32). ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين للناس ما يحتاجون إليه واختص وصية عليا بكل ما يحتاج الناس بعده إلي قيام الساعة وذلك للمزايا التي كان يتمتع بها علي من بين الأصحاب جميعا من ذكاء مفرط وفهم حاد وحفظ قوي ووعي لكل ما يسمع، فعلمه النبي كل ما يعلم وأرشد الأمة إليه علي أنه بابه الذي منه يؤتي. وإذا قال قائل بأن

رسول الله بعثه الله للناس كافة فليس من حقه أن يختص بالعلم أحدهم ويحرم الآخرين، قلنا: ليس لرسول الله في ذلك الأمر شئ إنما هو عبد مأمور ينفذ ما يوحي إليه من ربه، فالله هو الذي أمره بذلك، لأن الإسلام هو دين التوحيد ومبني علي الوحدة في كل شئ فلا بد لتوحيد الناس وجمعهم من قيادة واحدة، فهذا أمر بديهي قرره كتاب الله وحكم به العقل والوجدان قال تعالي: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا (الأنبياء: 22) وقال أيضا: وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض (المؤمنون: 81). كذلك لو أرسل الله رسولين في زمن واحد، لانقسم الناس إلي أمتين وتفرق أمرهم إلي حزبين متعارضين. قال تعالي: وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (فاطر: 24). كذلك كان لكل نبي وصي يخلفه في قومه وأمته، كي لا يتشتت أمرهم ويتفرق جمعهم. وهذا لعمري أمر طبيعي يعرفه الناس كافة سواء كانوا علماء أو جاهلين مؤمنين أو كافرين، ألا تري أن كل قبيلة وكل حزب وكل دولة لا بد لها من رئيس واحد يتزعمها ويقودها، ولا يمكن أن يخضعوا لرئيسين في نفس الوقت. [ صفحه 141] لكل هذا اصطفي الله سبحانه من الملائكة رسلا ومن الناس، وشرفهم بمهمة القيادة لعباده وجعلهم أئمة يهدون بأمره. قال تعالي: إن الله اصطفي آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين (آل عمران: 33). والأئمة الذين اصطفاهم الله سبحانه لختم الرسالة المحمدية، هم أئمة الهدي من عترة النبي وكلهم من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض هؤلاء هم الذين أشار إليهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بقوله: الخلفاء من بعدي

اثنا عشر كلهم من قريش [126] . ولكل زمان إمام معلوم، فمن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. والله سبحانه وتعالي إذا اصطفي إماما طهره وعصمه وعلمه فلا يؤتي الحكمة إلا لأهلها ومستحقيها. وإذا رجعنا إلي أصل الموضوع وهو معرفة الإمام كل ما يحتاج إليه الناس من أحكام الشريعة من خلال النصوص التي جاءت في الكتاب والسنة والتي تواكب مسيرة البشرية إلي قيام الساعة، فإننا لا نجد في الأمة الإسلامية من ادعي ذلك غير أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين صرحوا عديد المرات بأن عندهم الجامعة وهي من إملاء رسول الله وخط علي بن أبي طالب وفيها كل ما يحتاجه الناس إلي يوم القيامة حتي أرش الخدش. وقد أشرنا إلي هذه الصحيفة الجامعة التي كان يحملها علي معه وقد أشار إليها البخاري ومسلم في صحيحهما ولا يمكن لأي واحد من المسلمين تكذيب ذلك. وعلي هذا الأساس فإن الشيعة الذين انقطعوا لأئمة أهل البيت حكموا في الشريعة بنصوص القرآن والسنة ولم يضطروا لغيرها وذلك علي الأقل طيلة ثلاثة قرون حياة الأئمة الاثني عشر. [ صفحه 142] أما أهل السنة والجماعة فقد اضطروا للاجتهاد والقياس وغير ذلك لفقدان النصوص وجهل أئمتهم من أيام الخلافة الأولي. وإذا كان الخلفاء عندهم قد عمدوا لحرق النصوص النبوية والعمل علي منعها وكتمانها. وإن كان كبيرهم يقول: حسبنا كتاب الله، ضاربا بالسنة النبوية عرض الجدار، فمن الطبيعي جدا أن يفتقروا إلي النصوص المبينة لأحكام القرآن نفسه. فكلنا يعلم بأن أحكام القرآن الظاهرية قليلة جدا وهي في عمومها تفتقر إلي بيان النبي، ولذلك قال تعالي: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم (النحل: 44). وإذا كان القرآن يفتقر للسنة النبوية

لتبين أحكامه ومقاصده. وإذا كان أقطاب أهل السنة والجماعة قد أحرقوا السنة المبينة للقرآن، فلم يبق عندهم بعدها نصوص لا لبيان القرآن ولا لبيان السنة نفسها. فلا بد والحال هذه أن يعمدوا للاجتهاد والقياس واستشارة العلماء عندهم فيأخذوا بالاستحسان وبما يرون فيه مصلحتهم الوقتية. ومن الطبيعي جدا أن يحتاجوا إلي كل ذلك لفقد النصوص ويضطروا إليه اضطرارا. [ صفحه 143]

والمرجعية عند الشيعة التقليد

لا بد لكل مكلف من المسلمين، إذا لم يكن مجتهدا - بمعني أنه قادر علي استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة - أن يقلد مرجعا جامعا للشرائط من العلم والعدل والورع والزهد والتقوي وذلك لقوله تعالي: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (النحل: 43). وإذا بحثنا هذا الموضوع نجد الشيعة الإمامية قد وأكبوا الأحداث فلم تنقطع عندهم سلسلة المرجعية أبدا من وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإلي يوم الناس هذا. وقد واصل الشيعة تقليد الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، وقد استمر وجود هؤلاء الأئمة أكثر من ثلاثة قرون علي نسق واحد فلم يخالف واجد منهم قول الثاني لأن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة كانت هي المتبعة عندهم جميعا ولم يعملوا بقياس ولا باجتهاد ولو فعلوا لكان الاختلاف عندهم شائعا، كما وقع لأتباع أهل السنة والجماعة. ويستنتج من هذا أن مذهب أهل السنة والجماعة سواء كان حنفيا أم مالكيا أم شافعيا أم حنبليا، فهو مبني علي رأي رجل واحد بعيد عن عصر الرسالة ولا تربطه بالنبي أية صلة. أما مذهب الشيعة الإمامية فهو متواتر عن اثني عشر إماما من ذرية النبي صلي الله عليه وآله وسلم ينقل الابن عن أبيه فيقول أحدهم: حديثي هو حديث أبي وحديث أبي هو

حديث جدي وحديث جدي هو حديث أمير المؤمنين علي وحديث علي [ صفحه 144] هو حديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحديث رسول الله هو حديث جبريل (عليه السلام) وهو كلام الله تعالي. ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (النساء: 82). ثم جاءت مرحلة ما بعد غيبة الإمام المعصوم الذي أرجع الناس إلي تقليد العالم الفقيه الجامع للشرائط. وبدأت سلسلة الفقهاء المجتهدين منذ ذلك العهد إلي اليوم تتوالي بدون انقطاع، وفي كل عهد يبرز في الأمة مرجع واحد أو عدة مراجع للشيعة يقلدونهم في أعمالهم حسب الرسائل العملية التي يستنبطها كل مرجع من الكتاب والسنة، ولا يجتهد إلا في الأمور المستحدثة التي عرفها هذا القرن بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي، كعملية زرع القلب أو أي عضو جسدي من شخص لآخر، أو الحمل الاصطناعي، أو المعاملات البنكية وغير ذلك. وقد يبرز من بين المجتهدين أعلمهم فيسمي المرجع الأعلي للشيعة أو زعيم الطائفة والحوزة العلمية، والذي يحظي بتقدير واحترام كل المراجع الآخرين. ويقلد الشيعة علي مر العصور الفقيه الحي الذي يعيش مشاكل الناس ويهتم بهمومهم فيسألونه ويجيبهم. وبهذا بقي الشيعة في كل العصور يحافظون علي المصدرين الأساسيين للشريعة الإسلامية من الكتاب والسنة والنصوص المنقولة عبر الأئمة الاثني عشر من العترة الطاهرة جعلت علماءهم يستغنون عن القياس والقول بالرأي، لأن الشيعة اعتنوا بتدوين السنة النبوية من زمن علي بن أبي طالب الذي كان يحتفظ بالصحيفة الجامعة التي جمعت كل ما يحتاجه الناس إلي يوم القيامة كان الأئمة من ولده يتوارثونها كابرا عن كابر ويكنزونها كما يكنز الناس الذهب والفضة. وقد نقلنا قول الشهيد آية الله الصدر في رسالته العملية والتي ذكر فيها بأنه

لم يعتمد إلا علي القرآن والسنة. [ صفحه 145] وليس ذكرنا للشهيد الصدر إلا مثالا، وإلا فإن كل مراجع الشيعة بدون استثناء يقولون نفس القول. وبهذا البحث الوجيز في مسألة التقليد الشرعي والمرجعية الدينية يتبين لنا بأن الشيعة الإمامية هم أهل القرآن والسنة النبوية المنقولة مباشرة عن علي باب مدينة العلم العالم الرباني والمرشد الثاني للأمة بعد نبيها من كان في القرآن كنفس النبي [127] . فمن جاء للمدينة ودخلها من بابها فقد وصل إلي المعين الصافي وأخذ بالكيل الوافي والعلاج الشافي، وقد استمسك بالعروة الوثقي لا انقصام لها لقوله تعالي: وائتوا البيوت من أبوابها (البقرة: 189). ومن أتي البيوت من غير أبوابها سمي سارقا فلم يتمكن من الدخول ولم يعرف سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وسيعاقبه الله علي عصيانه. [ صفحه 146]

التقليد والمرجعية عند أهل السنة والجماعة

وإذا بحثنا موضوع التقليد والمرجعية عند أهل السنة والجماعة فإننا نتحير لإيجاد علاقة تربط هؤلاء بالرسول صلي الله عليه وآله وسلم فكلنا يعلم بأن أهل السنة والجماعة يرجعون في التقليد إلي أئمة المذاهب الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، وكل هؤلاء لا يعرفون رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولا صاحبوه. وفي وقت كان الشيعة يقلدون علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي لم يفارق النبي طيلة حياته ومن بعده يقلدون سيدي شباب أهل الجنة الإمام الحسن والإمام الحسين سبطي النبي والإمام علي بن الحسين زين العابدين، وابنه الإمام الباقر وحفيده الإمام الصادق (عليهم السلام)، لم يكن لأهل السنة والجماعة وجود في ذلك العصر ولم يحدثنا التاريخ عنهم أين كانوا ومن هو إمامهم الذي يقلدونه ويرجعون إليه في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام، من يوم وفاة النبي

صلي الله عليه وآله وسلم إلي ظهور المذاهب الأربعة؟ ويظهر بعد ذلك علي مسرح الحياة أئمة المذاهب الأربعة واحدا بعد واحد وعلي فترات متفاوتة حسب رغبة الحكام العباسيين كما قدمنا في بحث سابق. ثم يظهر بعد ذلك تكتل يجمع المذاهب الأربعة تحت شعار براق يأخذ بالألباب ويتسمي ب " أهل السنة والجماعة ويلتف حوله كل من عادي عليا والعترة الطاهرة وكان من أنصار الخلفاء الثلاثة وكل الحكام من بني أمية وبني العباس، فاعتنق الناس تلك المذاهب طوعا وكرها، لأن الحكام عملوا علي تأييدها بوسائل الترغيب والترهيب والناس علي دين ملوكهم. [ صفحه 147] ثم نجد أهل السنة والجماعة وبعد موت الأئمة الأربعة يغلقون باب الاجتهاد في وجه علمائهم فلا يسمحون لهم إلا بالتقليد لأولئك الأئمة الميتين. ولعل الحكام والأمراء هم الذين أغلقوا عليهم باب الاجتهاد ولم يسمحوا لهم بالنقد والنظر في شؤون الدين خوفا من التحرر الفكري الذي قد يسبب لهم قلاقل وفتنا قد تهدد مصالحهم وكيانهم. وأصبح أهل السنة والجماعة مقيدين لتقليد رجل ميت لم يشاهدوه ولم يعرفوه حتي يطمئنوا لعدالته وورعه وعلمه، وإنما كل ما هنالك أنهم أحسنوا الظن بأسلافهم الذين يروي كل فريق منهم مناقب خيالية في الإمام الذي يتبعه فجاء أغلبها فضائل منامية لا تتعدي أضغاث أحلام أو طيف منام، أو ظنا وأوهاما، فكل حزب بما لديهم فرحون. ولو نظر المثقفون من أهل السنة والجماعة اليوم إلي المثالب التي رواها أسلافهم أيضا وتضارب الأقوال في بعضهم حتي وصل بهم الأمر إلي الحروب والتكفير في ما بينهم، لراجعوا موقفهم من أولئك الأئمة ولكانوا من المهتدين. ثم كيف يقلد المسلم العاقل في هذا الزمان رجلا لا يعرف من مستحدثات العصر شيئا، ولا يجيبه

إذا سأله عن حل لبعض مشاكله، ومن المؤكد بأن مالكا وأبا حنيفة وغيرهم سيتبرأون من أهل السنة والجماعة يوم القيامة ويقولون: ربنا لا تؤاخذنا بما فعل هؤلاء الذين لم نعرفهم ولم يعرفونا، وما قلنا لهم يوما بوجوب تقليدنا. ولا أدري ماذا سيكون جواب أهل السنة والجماعة عندما يسألهم رب العالمين عن الثقلين؟ ثم يأتي عليهم بالرسول شهيدا، وسوف لن يقدروا علي دفع شهادته، ولو تذرعوا بطاعة ساداتهم وكبرائهم. وإذا سألهم: هل وجدتم في كتابي أو في سنة رسولي عهدا أو ميثاقا أو حجة علي أتباع المذاهب الأربعة؟؟ والجواب علي هذا معروف ولا يتطلب مزيدا من العلم، فليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله شئ من ذلك، وإنما في كتاب الله وسنة رسوله أمر صريح بالتمسك بالعترة الطاهرة وعدم التخلف عنهم. [ صفحه 148] ولعلهم سيقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا فأرجعنا نعمل صالحا إنا موقنون (السجدة: 12) وسكون الرد: كلا، تلك كلمة أنتم قائلوها. وسيقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا، إنني أوصيتهم بعترتي وبلغتهم ما أمرتني به من مودة قرابتي، فنكثوا بيعتي وقطعوا رحمي، وذبحوا ولدي وأباحوا حرمي، فلا ترزقهم يا رب شفاعتي. ومرة أخري يتبين لنا بأن أهل السنة والجماعة لا تربطهم بالرسول صلة ولا مودة، فمن فارق العترة فقد فارق القرآن ومن فارق القرآن فلن تجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ويوم يعض الظالم علي يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا - يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا - لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني وكان الشيطان للإنسان خذولا (الفرقان: 27 - 29). [ صفحه 149]

الخلفاء الراشدون عند الشيعة

هم الأئمة

الاثنا عشر من العترة النبوية الطاهرة، أولهم: - أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وسيد المسلمين ويعسوب الدين أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (عليه السلام) باب مدينة العلم الذي حير العقول وبهر النفوس وأنار القلوب ولولاه - بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم - لما قام للدين عمود. - والثاني هو الإمام هو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة ريحانة النبي في هذه الأمة، العابد الزاهد الناصح الأمين. - والثالث هو الإمام أبو عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة وريحانة النبي في هذه الأمة، سيد الشهداء وذبيح كربلاء الذي بذل مهجته لإصلاح أمة جده. - والرابع هو الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وسيد الساجدين. - الخامس هو الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) الذي يقر علوم الأولين والآخرين. - والسادس هو الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) الذي ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر علي قلب بشر أفقه منه علما وعملا. [ صفحه 150] - والسابع هو الإمام موسي بن جعفر الكاظم (عليه السلام) سليل النبوة ومعدن العلم. والثامن هو الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام) الذي أوتي الحكمة في حال صباه. والتاسع هو الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) إمام الجود والكرم والأخلاق. والعاشر هو الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) صاحب الفضل والهدي. والحادي عشر هو الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) إمام الزهد والتقوي. - الثاني عشر هو الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) الذي سيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، ويصلي خلفه ابن

مريم (عليه السلام) ويتم الهل به ويفرح به المؤمنون. فهؤلاء هم أئمة الشيعة وعددهم اثنا عشر إماما فإذا قيل: الشيعة الإمامية، أو الاثنا عشرية، أو الجعفرية كانوا هم المقصودين دون سواهم. فلم يقل أحد من الفرق الإسلامية بإمامتهم غيرهم. وإذا تتبعنا الآيات القرآنية النازلة بخصوصهم والتي تبين فضلهم وشرف منزلتهم وطيب عنصرهم وطهارة نفوسهم وعظيم شأنهم، كآية المودة وآية إذهاب الرجس والتطهير، وآية المباهلة، وآية الأبرار، وآية الصلاة والتسليم، وغيرها كثير. وإذا تتبعنا الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في فضلهم وتقدمهم علي الأمة وأعلميتهم وعصمتهم فإننا سنسلم قطعا بإمامتهم وأنهم آمان الأمة من الضلالة وسبيلها الوحيد إلي الهداية. [ صفحه 151] وسيتبين لنا جليا بأن الشيعة هم الفائزون لأنهم تمسكوا بحبل الله المتين وهو ولاؤهم واستمسكوا بالعروة الوثقي لا انفصام لها وهي مودتهم، وركبوا سفينة النجاة وآمنوا من الغرق والهلاك. ولذلك نحكم ونجزم بمزيد اليقين والمعرفة بأن الشيعة الإمامية هم أهل السنة المحمدية. لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (ق: 22. صدق الله العلي العظيم [ صفحه 152]

الخلفاء الراشدون عند أهل السنة والجماعة

هم الخلفاء الأربعة الذين اعتلوا منصة الخلافة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فأهل السنة والجماعة يقولون فأفضليتهم علي حسب ترتيب خلافتهم وعلي سائر الخلق بعد النبي. هذا ما نسمعه اليوم، وقد عرفنا في ما سبق من أبحاث بأن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يكن معدودا عندهم من الخلفاء العاديين فضلا عن الراشدين، وإنما لحقه في ركب الخلفاء الإمام أحمد بن حنبل في زمن متأخر جدا، وكان قبلها يلعن علي منابرهم في كل البلاد الإسلامية والإمبراطورية الأموية. ولمزيد التحقيق وليطمئن القارئ إلي هذه الحقيقة المؤسفة لا

بد من لفت نظره إلي ما يأتي: قد قدمنا أن عبد الله بن عمر هو من أكابر فقهاء أهل السنة والجماعة وقد اعتمده مالك في موطأه، والبخاري ومسلم في صحيحهما، وباقي المحدثين عن بكرة أبيهم. فهذا الرجل كان من النواصب الكبار الذين عرفوا ببغضهم الصريح لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويحدثنا التاريخ أنه رفض البيعة لولي المؤمنين وأسرع يبايع الحجاج اللعين عدو الله ورسوله [128] . [ صفحه 153] وقد كشف عبد الله بن عمر عن مكنون قلبه وأباح بخالص سره، عندما حدث بأنه لا يعد لعلي (عليه السلام) فضلا ولا فضيلة ولا منفية واحدة تجعله علي الأقل في المرتبة الرابعة بعد عثمان بن عفان. وقد عرفنا بأنه يفضل أبا بكر وعمر وعثمان فقط، أما علي (عليه السلام) فهو بالنسبة إليه من سوقة الناس إن لم يكن أقلهم عنده، وإليك حقيقة أخري أخرجها المحدثون والمؤرخون تعرب بصراحة عن نفسية ابن عمر الحاقدة والمبغضة لعلي ولكل الأئمة (عليهم السلام) من عترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم الطاهرة. قال عبد الله بن عمر وهو يفسر حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم في قوله: الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش، قال عبد الله بن عمر: يكون علي هذه الأمة اثنا عشر خليفة وهم: أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين، معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة، والسفاح، وسلام، ومنصور، وجابر، والمهدي، والأمين، وأمير العصب، كلهم من بني كعب بن لؤي، كلهم صالح لا يؤجج مثله [129] . إقرأ واعجب أيها القارئ العزيز من هذا الفقيه المعظم عند أهل السنة والجماعة كيف يحرف الحقائق ويقلبها فيجعل معاوية وابنه يزيد، والسفاح من أفضل

العباد، إذ يقول صراحة: كلهم صالح ولا يوجد مثله! وقد أعمي بصره الحقد والجهل، كما أعمي بصيرته الحسد والبغض [130] فلم ير لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) فضلا ولا فضيلة فيقدم عليه معاوية الطليق وابنه يزيد الزنديق والمجرم السفاح، وما عشت أراك الدهر عجبا! [ صفحه 154] فعبد الله بن عمر هو ابن أبيه حقا والشئ من مأتاه لا يستغرب وكل إناء بالذي فيه ينضح، فأبوه عمل بكل جهوده لإبعاد علي (عليه السلام) عن الخلافة واحتقاره وانتقاصه في أعين الناس. وهذا ابنه الحاقد البغيض، ورغم وصول علي (عليه السلام) إلي الخلافة بعد مقتل عثمان إذ بايعه المهاجرون والأنصار، نراه امتنع عن مبايعته وعمل بكل جهوده علي إطفاء نوره وتأليب الناس عليه لإسقاطه فجعل يحدث ويوهم المسلمين بأن عليا (عليه السلام) لا فضل له وهو كسائر الناس العادين. وقد خدم عبد الله بن عمر الدولة الأموية وتوج معاوية وابنه يزيد بتاج الخلافة كذبا وافتراء علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم واعترف بخلافة السفاح والمنصور ولك فساق بني أمية وقدمهم علي سيد المسلمين وولي المؤمنين بنص القرآن والسنة ولم يعترف بخلافته رغم وقوعها، إن هذا لشئ عجيب! ولنا مع ابن عمر لقاء آخر في بحث لاحق لنكشف الستار عنه أكثر، مع أن فيما قدمناه كفاية لإسقاطه من الاعتبار وتجريده من العدالة، وعده في زمرة النواصب الذين أسسوا مذهب أهل السنة والجماعة وأصبح عندهم من أكبر الفقهاء والمحدثين. وأنت إذا جبت الأرض شرقا وغربا وصليت في مساجد أهل السنة والجماعة قاطبة وتحدثت مع علمائهم فسوف يملأ سمعك قول أئمتهم في كل مناسبة: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. [ صفحه 155]

النبي لا يقبل تشريع أهل السنة والجماعة

عرفنا مما سبق

بأن الشيعة اقتداء بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) لم يعملوا بالرأي ولا بالقياس بل حرموهما، وذلك لأن النصوص النبوية كانت هي القاضية والحاكمة عندهم، وقد توارثوها كابرا عن كابر، وقد جاء ذكر الصحيفة الجامعة وطولها سبعون ذراعا وفيها كل ما يحتاجه المسلمون إلي قيام الساعة. كما عرفنا أيضا بأن أهل السنة والجماعة اضطروا للعمل بالرأي وبالقياس وذلك لعدم وجود النصوص النبوية عندهم وافتقارهم إليها، لأن كبراءهم وساداتهم رفضوها وأحرقوها ومنعوا من تدوينها وكتابتها. وقد عمد أنصار الاجتهاد والقول بالرأي إلي وضع حديث علي لسان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لتأييد مذهبهم وتلبيس الحق بالباطل، فقالوا بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعث معاذ بن جبل إلي اليمن وسأله: كيف تقضي إذا عرض لك القضاء؟ فقال معاذ: أقضي بكتاب الله، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إن لم تجد في كتاب الله؟ قال: أقضي بسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: إن لم تجد في سنة رسوله؟ فقال معاذ عند ذلك: إن لم أجد أجتهد برأيي. فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم عند ذلك: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله. وهذا الحديث باطل ولا يمكن أن يصدر عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فكيف يقول النبي لمعاذ: إن لم تجد في كتاب الله وسنة رسوله؟ والله يقول لرسوله: ونزلنا [ صفحه 156] عليك الكتاب تبيانا لكل شئ (النحل 89). ويقول: ما فرطنا في الكتاب من شئ (الأنعام: 38) وكذلك قوله: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (الحشر: 7). وقال أيضا لرسوله: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين

الناس بما أراك الله (النساء: 105). فكيف يقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد هذا لمعاذ: إن لم تجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله؟! وهل هذا إلا اعتراف بأن كتاب الله وسنة رسوله ناقصان ولم يبينا كل الأحكام القضائية! ولقائل أن يقول: ربما كان هذا الحديث لمعاذ بن جبل في بداية الدعوة ولم يكمل بعد نزول القرآن. قلنا: لا يصح ذلك، أولا: لقول معاذ: أحكم بكتاب الله. فدل علي أن كتاب الله كامل عندهم. وإذا أضفنا إليه قوله: أقضي بسنة رسوله، علمنا بما لا شك فيه بأن الحديث وضع في زمن متأخر جدا عندما كثر القول بالاجتهاد مقابل النصوص، لأن مصطلح كتاب الله وسنة رسوله كان يستعمل دائما فيما بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ولا يصح ثانيا لأنه يصبح حجة لكل من جهل أحكام الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم بأن يقضي برأيه بما شاء ولا يكلف نفسه معرفة النصوص. ولا يصح ثالثا لقول الله سبحانه: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (المائدة: 44 - 45 - 47). ولا يصح رابعا لأن الذي يجهل الأحكام لا يحق له القضاء ولا الإفتاء حتي يعرف حكم الله ورسوله في ذلك. وإذا كان النبي نفسه هو رسول الله وقد أعطاه الله سبحانه حق التشريع للأمة فقال: ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (الأحزاب: 36)، ومع ذلك فإنه لم يعمل طيلة حياته ولم [ صفحه 157] يحكم في قضية واحدة برأي ولا

بقياس، ولا باجتهاد، بل كان دائما يتبع النصوص الإلهية التي ينزل بها جبريل (عليه السلام) كلما دعت الحاجة لذلك، والروايات التي تخالف هذا الواقع كلها موضوعة. ولمزيد الاطمئنان بما قدمناه، إليك الدليل من صحاح أهل السنة أخرج البخاري في صحيحه قوله: ما كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: لا أدري أو لم يجب حتي ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالي: بما أراك الله (النساء: 501) [131] . نعم هذا هو رب العالمين وأحكم الحاكمين يقول لرسول الله: وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله.. (المائدة: 48). نعم هذا هو القرآن يقول لمحمد صلي الله عليه وآله وسلم: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله (النساء: 105). وإذا كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يعمل برأي ولا بقياس بشهادتهم في صحاحهم، فكيف تسني لهم أن يعملوا بذلك؟! وكيف يخالفون أحكام الله وسنة رسوله ثم يقولون بأنهم أهل السنة إنه حقا أمر عجيب وغريب. [ صفحه 158]

تنبيه لا بد منه

إذا تكلمنا في الفصول القادمة عن أهل السنة والجماعة فإننا لا نقصد بهم المسلمين المعاصرين فقد لاحظنا في عديد الفقرات بأن هؤلاء أبرياء وليس لهم في ما اقترفه السلف من ذنب ولا إثم وقلنا بأنهم ضحايا الدس والتعتيم التاريخي الذي صاغه الأمويون والعباسيون وأذنابهم لمحق السنة النبوية وإرجاع الأمر إلي الجاهلية. ولقد كنا منهم نسير في ركبهم ونهتدي بهديهم فمن الله علينا وهدانا إلي سفينة النجاة، وليس لنا إلا التضرع والابتهال إليه سبحانه أن يهدي لذلك كل الأمة الإسلامية حتي لا

يبقي إلا الحق. ولقائل أن يقول: إن تناول الصحابة بهذا النقد والتجريح يخدش شعور الأغلبية من المسلمين الذين يعتقدون بعدالتهم جميعا ويعتبرونهم أفضل الخلق بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم فنقول بأن المسلمين مطالبون بالاعتقاد في الله وفي رسوله والعمل بما افترضاه والوقوف عند الحدود التي رسماها، ويتوقف نجاة المسلمين بما فيهم الصحابة علي ذلك، فمن خرج عن ذلك مصيره إلي النار ولو كان عم النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو ولده. وإن تناول البعض من الصحابة بالنقد والتجريح فرضته الأحداث التاريخية التي تفاعلوا معها واختلفوا وكانوا سبب اختلاف الأمة ورزيتها. [ صفحه 159]

عداوة أهل السنة لأهل البيت تكشف عن هويتهم

إن الباحث يقف مبهوتا عندما تصدمه حقيقة أهل السنة والجماعة ويعرف بأنهم كانوا أعداء العترة الطاهرة، يقتدون بمن حاربهم ولعنهم وعمل علي قتلهم ومحو آثارهم. ولذلك تجد أهل السنة والجماعة يوثقون المحدثين إذا كانوا من الخوارج أو من النواصب العثمانية، ويتهمون ويوهنون المحدثين إذا كانوا من شيعة أهل البيت. وإنك تجد ذلك مذكورا في كتبهم بصراحة عندما يحاولون تكذيب الأحاديث الصحيحة التي وردت في فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويوهنون راويها بقولهم: وفي سنده فلان وهو رافضي [132] . ويصححون الأحاديث المكذوبة التي وضعت لتفضيل وتمجيد الخلفاء الآخرين، وإن كان راويها من النواصب، لأن النصب عندهم هو شدة وصلابة في السنة. فهذا ابن حجر يقول عن عبد الله بن إدريس الأزدي المعروف بالنصب: يقول: إنه صاحب سنة وجماعة وكان صلبا في السنة وكان عثمانيا [133] . ويقول في عبد الله بن عون البصري: إنه موثق وله عبادة وصلابة في السنة، [ صفحه 160] وشدة علي أهل البدع، قال ابن سعد: وكان عبد الله بن عون البصري

عثمانيا [134] . كما يقول في إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المعروف ببغضه لعلي (عليه السلام): إنه كان حريزي المذهب أي علي مذهب حريز بن عثمان الدمشقي المعروف بالنصب [135] . قال ابن حيان: إنه كان صلبا في السنة حافظا للحديث. وتجد الإشارة هنا بأن هذا الناصبي الذي يمدحونه بالصلابة في السنة ويحفظ الحديث، كان يفتن المحدثين علي بابه، فيبعث بجارية له ومعها دجاجة في يدها، فتطوف في المدينة، ثم تعود لتقول لسيدها الجوزجاني بأنها لم تجد من يذبح لها الدجاجة، فيصيح عند ذلك قائلا: سبحان الله!! فروجة لا يوجد من يذبحها وعلي يذبح في صحوة من نهار نيفا وعشرين ألف مسلم!! وبمثل هذا المكر والدهاء يحاول النواصب أعداء أهل البيت تحريف الناس عن الحق وإضلالهم بمثل هذه الأراجيف الكاذبة حتي يملأوا قلوب المسلمين وخصوصا المحدثين منهم، حقدا وبغضا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ويستبيحوا بذلك سبه وشتمه ولعنه. وإنك لتجد هذه الظاهرة موجودة إلي يوم الناس هذا فرغم ادعاء أهل السنة والجماعة في زماننا بأنهم يحبون أهل البيت ويترضون عن سيدنا علي (كرم الله وجهه) كما يقولون، إلا أنك عندما تروي حديثا فيه فضيلة لعلي (عليه السلام) تراهم يغمزون ويهزأون، ويرمونك بالتشيع وقول البدع والغلو في الدين. [ صفحه 161] وعندما تحدث عن الخلفاء أبي بكر وعمر وكل الصحابة بدون استثناء وتقول في فضلهم ما شئت وتغالي في ذلك، فإنهم يطمئنون إليك ويستأنسون بحديثك ويقدموك علي أنك كثير العلم واسع الاطلاع. إنها بالضبط عقيدة سلفهم الصالح، فقد نقل المؤرخون بأن الإمام أحمد بن حنبل كان يضعف من أهل الحديث كل من ينتقص أبا بكر أو عمر أو عثمان، بينما كان يكرم إبراهيم الجوزجاني الناصبي

المتقدم ذكره إكراما شديدا، ويراسله ويقرأ كتبه علي المنبر ويحتج بها. وإذا كان هذا حال أحمد بن حنبل الذي فرض علي معاصريه القول بخلافة علي (عليه السلام) وربع بها، فلا تسأل عن الآخرين الذين لم يعترفوا له بفضيلة واحدة أو الذين سبوه ولعنوه علي المنابر في الجمعة والأعياد. وهذا الدارقطني يقول: كان ابن قتيبة متكلم أهل السنة يميل إلي التشبيه، منحرف عن العترة [136] . وبهذا يتبين بأن أغلب أهل السنة والجماعة كانوا منحرفين عن عثرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. وهذا المتوكل الذي لقبه أهل الحديث ب " محيي السنة والذي كان يكرم أحمد بن حنبل ويعظمه ويطيع أوامره في تنصيب القضاة، كان من أكبر النواصب لعلي ولأهل البيت (عليهم السلام) حتي وصل به الحقد إلي نبش قبر الحسين بن علي ومنع من زيارته، وقتل من يتسمي بعلي. وذكره الخوارزمي في رسائله وقال بأنه كان لا يعطي مالا ولا يبذل نوالا إلا لمن شتم آل أبي طالب (عليهم السلام) ونصر مذهب النواصب [137] . وغني عن التعريف بأن مذهب النواصب هو مذهب أهل السنة والجماعة فناصر مذهب النواصب المتوكل هو نفسه محيي السنة فافهم. [ صفحه 162] وهذا ابن كثير يحدثنا في البداية والنهاية بأن أهل السنة والجماعة عندما سمعوا الأعمش يروي حديث الطير المشوي الذي فيه فضيلة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أخرجوه من المسجد وغسلوا مكانه [138] . كما أنهم حاولوا منع دفن الإمام محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير الكبير والمؤرخ العظيم لا لشئ إلا لأنه صحح حديث غدير خم من كنت مولاه فهذا علي مولاه وجمع رواياته من طرق متعدد /، بلغت حد التواتر. قال ابن كثير: وقد

رأيت له كتابا جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين، وكتابا جمع فيه حديث الطير المشوي [139] ، وذكره أيضا ابن حجر في لسان الميزان فقال: هو الإمام الجليل والمفسر، ثقة، صادق، فيه تشيع يسير وموالاة لا تضر [140] . وهذا المحدث الكبير الإمام النسائي وهو صاحب أحد الصحاح الست عند أهل السنة، عندما كتب كتاب الفضائل في أمير المؤمنين علي (عليه السلام، سألوه عن فضائل معاوية، فقال: لا أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنه، فضربوه علي مذاكيره حتي غشي عليه ونقل ومات من ذلك. كما يحدثنا ابن كثير في تاريخه عن حوادث سنة 363 التي وقعت في بغداد بين الشيعة وأهل السنة والجماعة بمناسبة يوم عاشوراء، قال: إن جماعة من أهل السنة أركبوا امرأة سموها عائشة وتسمي بعضهم بطلحة، وبعضهم بالزبير، وقالوا: نقاتل أصحاب علي (عليه السلام)، فقتل بسب ذلك خلق كثير [141] . وهذا بالضبط ما يقع اليوم في الهند فإن أهل السنة والجماعة يهجمون علي الشيعة في يوم عاشوراء ليمنعوهم من موكب التعزية فيقتل بسبب ذلك خلق كثير من المسلمين الأبرياء. [ صفحه 163] وبعد هذا العرض يتبين لنا بوضوح بأن النواصب الذين عادوا عليا (عليه السلام) وحاربوا أهل البيت (عليهم السلام)، هم الذين سموا أنفسهم ب " أهل السنة والجماعة، وقد عرفنا ماذا يقصدون بالسنة وماذا يقصدون بالجماعة. ومن البديهي أن من كان عدوا لعترة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فهو عدو لجدهم رسول الله، ومن كان عدوا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهو عدو الله. ومن البديهي أيضا أن عدو الله ورسوله وأهل بيته ليس هو من عباد الرحمان وليس هو من أهل السنة،

إلا أن تكون سنة الشيطان هي المقصودة. أما سنة الرحمان فهي مودة الله ورسوله وأهل البيت وموالاتهم والسير علي هديهم، قال تعالي: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي (الشوري: 23). فأين معاوية من علي وأين أئمة الضلال من أئمة الهدي، وأين أهل السنة والجماعة من الشيعة الأبرار. هذا بيان للناس وهدي وموعظة للمتقين (آل عمران: 138 صدق الله العلي العظيم [ صفحه 164]

تحريف أهل السنة والجماعة كيفية الصلاة علي محمد وآله

تمعن - رعاك الله - في هذا الفصل فإنك ستعرف خفايا أهل السنة والجماعة إلي أي مدي وصل بهم الحقد علي عترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلم يتركوا شيئا من فضائل أهل البيت عليهم السلام إلا وحرفوه. من ذلك، الصلاة علي محمد وآل محمد التي نزل بها القرآن الكريم، فقد أخرج البخاري ومسلم وكل المحدثين من أهل السنة والجماعة بأن الصحابة جاؤوا إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم عندما نزل قول الله تعالي: إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (الأحزاب ك 56) فقالوا: يا رسول الله، عرفنا كيف نسلم عليك، ولم نعر فكيف نصلي عليك؟! فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: قولوا اللهم صلي علي محمد وآل محمد كما صليت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد [142] . وزاد بعضهم قوله صلي الله عليه وآله وسلم: ولا تصلوا علي الصلاة البتراء، قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ قال: أن تقولوا اللهم صل علي محمد وتسكنوا، وإن الله كامل لا يقبل إلا الكامل. مما حدا بالإمام الشافعي أن يقول ويصرح بأن الذي لا يصلي علي أهل البيت، لا يقبل إلا الكامل. مما حدا بالإمام

الشافعي أن يقول ويصرح بأن الذي لا يصلي علي أهل البيت، لا يقبل الله صلاته. وفي سنن الدارقطني بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله [ صفحه 165] صلي الله عليه وآله وسلم: من صلي صلاة لم يصل فيها علي ولا علي أهل بيتي لم تقبل صلاته [143] . وأخرج ابن حجر في صواعقه قال: أخرج الديلمي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: الدعاء محجوب حتي يصل علي محمد وأهل بيته [144] . كما أخرج الطبراني في الأوسط عن علي (عليه السلام) قال: كل دعاء محجوب حتي يصلي علي محمد وآل محمد [145] . وبعدما عرفنا من صحاح أهل السنة والجماعة كيفية الصلاة علي محمد وآل محمد وعرفنا أيضا بأن الله لا يقبل صلاة عبد إذا لم يصل فيها علي محمد وآل محمد، كما وأن دعاء المسلم محجوب حتي يصلي علي محمد وآل محمد. وإنها لعمري فضيلة عظيمة ومنقبة جليلة فضلت أهل البيت علي سائر البشر فيهم يتقرب المسلم إلي ربه. ولكن أهل السنة والجماعة غاظهم أن يتركوا هذه الفضيلة لأهل البيت وأحسوا بخطورتها، إذ أن أبا بكر وعمر وعثمان وكل الصحابة مهما قيل فيهم من فضائل مكذوبة ومناقب مزعومة، فإنهم لا يبلغون هذه المنزلة ولا يطاولون هذه المنقبة لأنهم وبأجمعهم لا يقبل الله صلاتهم إذا لم يتقربوا إلي الله بالصلاة علي علي بن أبي طالب بعد محمد لأنه سيد العترة كما لا يخفي. فعمدوا إلي تحريفها بإضافة جزء من عندهم لم يأمر به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ليرفعوا بذلك مكانة أسيادهم من الصحابة، كما عمدوا علي بترها من القرن الأول، فإذا ما كتبوا كتابا تراه خال من

الصلاة الكاملة، وعند ذكرهم لاسم محمد أو النبي أو رسول الله يكتبون فقط، صلي الله عليه وسلم بدون ذكر آل محمد. وإذا تكلمت اليوم مع أحدهم وقلت له: صل علي محمد، فسيجيبك [ صفحه 166] صلي الله عليه وسلم بدون ذكر الآل حتي أن بعضهم يلفلفها لفا، فلا تسمع منه إلا (صل وسلم). أما إذا سألت أي شيعي عربي كان أو فارسي أن يصلي علي محمد فسيقول: اللهم صل علي محمد وآل محمد. وقد جاء في كتب أهل السنة والجماعة قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: قولوا: اللهم صل علي محمد وآل محمد بصيغة الحاضر والمستقبل وبصيغة الدعاء والطلب منه سبحانه. ولكنهم مع ذلك يكتفون بعبارة صلي الله عليه وسلم بصيغة الماضي الإخباري وبدون ذكر الآل. وقد حاول زعيم أهل السنة والجماعة معاوية بن أبي سفاين أن يمحو ذكر محمد من الأذان [146] . فلا غرابة أن يعمد أتباعه ومقلدوه علي بتر الصلاة وتحريفها، ولو قدروا علي حذفها لفعلوا ولكن هيهات هيهات. وقد تسمع اليوم في كل منبر من منابرهم وبالخصوص منابر الوهابية لا تسمع إلا الصلاة المحرفة، فإما أنهم يصلون صلاة بتراء وإذا ما اضطروا إلي إكمالها فإنهم عندئذ يزيديون عليها لفظا: وعلي أصحابه أجمعين، أو يقولون: وعلي أصحابه الطيبين الطاهرين ويحولون بذلك آية التطهير النازلة في أهل البيت إلي الصحابة ليموهوا علي عامة الناس بأن أهل البيت والصحابة في الفضل سواء. وقد أخذوا علم التمويه والتحريف علي فقيههم الأول ومرشدهم الكبير عبد الله بن عمر الذي عرفنا بغضه لأهل البيت. فقد أخرج مالك في الموطأ أن عبد الله بن عمر كان يقف علي قبر النبي فيصلي علي النبي وعلي أبي بكر وعلي

عمر [147] . [ صفحه 167] وأنت أيها الباحث إذا تأملت في الواقع فإنك لا تجد لهذه الزيادة من الصلاة علي الصحابة أصلا لا في الكتاب ولا في السنة النبوية، وإنما أمر الكتاب والسنة بالصلاة علي محمد وآل محمد، والأمر هو موجه للصحابة قبل غيرهم من المكلفين. وإنك لا تجد هذه الزيادة إلا عند أهل السنة والجماعة فكم لهم من بدعة في الدين ابتدعوها وسموها سنة وهم يريدون من ورائها طمس فضيلة أو ستر حقيقة. يريدون أن ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون (الصف: 8). وبهذا يتبين لنا أيضا من هم أهل السنة الحقيقيين من الأدعياء المزيفين. [ صفحه 168]

اكاذيب تكشفها حقائق

نريد أن نبين في هذا الفصل لكل عاقل حر ترك التعصب ورفع الحجب والغشاوة عن بصره وبصيرته ليصل إلي الهداية والحق. فنقول له بأن كل أقطاب أهل السنة والجماعة وأئمتهم قد خالفوا صريح السنة النبوية ونبذوها وراء ظهورهم، وتركوها عامدين طائعين. فلا يغترن مسلم بما يسمعه هنا وهناك من مدح وإطراء مزيف، لا يقوم علي دليل واضح ولا برهان ساطع. ونحن إذ نكشف عن هذه الحقائق لا نتقول عليهم ولا نزيد شيئا علي ما ذكروه هم أنفسهم في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم. وقد ذكرنا البعض من هذه الحقائق في كتبنا السابقة، ومررنا عليها مرور الكرام، ولا بأس بذكرها بشئ من التفصيل هنا حتي تشرق شمس الهداية وتتبدد سحب الضلال ويحل النور محل الظلام. وقد قلنا فيما سبق بأن في الإعادة إفادة، وإذا ما تكررت الأحداث بأساليب متعدد / قد يستفيد منها القارئ أكثر، لأن القراء قد يستهويهم أسلوب معين فيقرأونه بدون ملل، وقد تعلمنا من القرآن الكريم هذا الأسلوب الحكيم فهو

يقص علينا قصة موسي وعيسي (عليهما السلام) في العديد من السور وبأساليب متعددة يعضد بعضها بعضا. وسوف نأتي علي ذكر الأئمة والأقطاب الذين يعتمدهم أهل السنة [ صفحه 169] والجماعة ويعتبرونهم قمة العلم والفقه، ويقدمونهم علي الأئمة الأطهار من آل بيت المصطفي المختار مهملين بعض الصحابة الذين عرفوا لدي الخاص والعام من العلماء وغير العلماء بفسقهم وفجورهم وبعدهم عن روح الإسلام وأخلاقه، أمثال معاوية وابنه يزيد [148] وابن العاص وابن مروان وابن شعبة وغيرهم. ولوجبت في بعض البلاد العربية والإسلامية ل " أهل السنة والجماعة فسوف تجد لهؤلاء ذكرا وتمجيدا، وشوارع بأسمائهم وكتبا في عبقرياتهم وحسن سياستهم وصحة خلافتهم. ومع ذلك فنحن لا نضيع الوقت في الكتابة عنهم وكشف عوراتهم فقد كفانا ذلك بعض الأحرار من المؤرخين والمفكرين. ولكن سنتناول في هذا البحث أولئك الأئمة الذين اشتهروا بالصلاح والعدل والزهد والتقوي فكانوا عمدة أهل السنة والجماعة حتي نتعرف من قريب كيف أنهم غيروا سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وأحدثوا في هذه الأمة البدع التي سببت الفرقة والضلالة، وحطمت ذلك البناء الشامخ الذي شيده رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقضي حياته كلها عملا وجهادا لصيانته وتثبيته. وقد انتقيت من بين أقطاب أهل السنة والجماعة اثني عشر شخصية كان لها دور كبير في التأثير علي سير الأحداث وتغيير معالم الدين والمساهمة في تفريق الأمة وتشتيتها. [ صفحه 170]

ائمة أهل السنة والجماعة و أقطابهم

اشاره

1 - أبو بكر بن أبي قحافة الخليفة الأول. 2 - عمر بن الخطاب الخليفة الثاني. 3 - عثمان بن عفان الخليفة الثالث. 4 - طلحة بن عبيد الله. 5 - الزبير بن العوام. 6 - سعد بن أبي وقاص. 7 - عبد الرحمان

بن عوف. 8 - عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين. 9 - خالد بن الوليد. 10 - أبو هريرة الدوسي. 11 - عبد الله بن عمر. 12 - عبد الله بن الزبير. فهؤلاء اثنا عشر شخصية اخترتهم من بين كثير من أقطاب أهل السنة والجماعة لكثرة ذكرهم وتمجيدهم والثناء عليهم أو لكثرة رواياتهم وغزارة علمهم كما يزعمون. [ صفحه 171] وسوف نتناول بالبحث الموجز لكل واحد منهم ونبرز مخالفته للسنة النبوية إما عمدا أو جهلا حتي يتبين للباحث بأن (أهل السنة والجماعة) يدعون ما ليس لهم ويتبعون أهواءهم زاعمين بأنهم علي الحق وغيرهم علي ضلال

ابوبكر (الصديق) ابن أبي قحافة

لقد وافينا في بعض الأبحاث السابقة من كتبنا بأنه جمع خمسمائة حديث للنبي (ص) أحرقها بالنار، وخطب في الناس قائلا: لا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم القرآن فأحلوا حلاله وحرموا حرامه. وقد ذكرنا أيضا بأنه خالف سنة النبي (ص) في كتابه الكتاب وأيد عمر في قوله (أن رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله يكفينا). كما ضرب بنصوص النبي في استخلاف علي عرض الجدار واغتصب الخلافة كما ترك سنة صلي الله عليه وآله وسلم في تأمير أسامة عليه وسيرة في جيشه. كما ترك سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في إيذاء بضعته الزهراء وتحدي غضبها. كما ترك سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حرب وقتل المسلمين الذين منعوه الزكاة. كما ترك سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حرقة الفجاءة السلمي وقد نهي النبي عن ذلك. كما ترك سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في منعه سهم المؤلفة قلوبهم واتبع رأي عمر. كما ترك سنة النبي صلي الله عليه وآله

وسلم في استخلافه عمر علي المسلمين دون مشورتهم. نعم كل هذه المخالفات وغيرها لسنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم سجلها صحاح (أهل السنة والجماعة) ومؤرخوهم وطفحت بها كتب السير. فإذا كانت السنة النبوية كما عرفها العلماء: هي كل قول أو فعل أو إقرار لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقد خالف أبو بكر السنة بأجمعها من قول وفعل وتقرير. [ صفحه 172] - ومن القول مثلا: قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني، وقد ماتت فاطمة وهي غاضبة عليه كما أخرج ذلك البخاري. وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة، قاله عندما طعنوا في تأميره أسامة ورفضوا الخروج معه والالتحاق بجيشه، وقد تخلف أبو بكر رغم كل ذلك متذرعا بالخلافة. - ومن الفعل مثلا: ما فعله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مع المؤلفة قلوبهم إذ عاملهم بالحسني وأعطاهم سهما من الزكاة بأمر من الله تعالي. ولكن أبا بكر حرمهم من ذلك الحق الذي نص عليه القرآن وفعله النبي صلي الله عليه وآله وسلم نزولا علي رغبة عمر بن الخطاب الذي قال لهم: لا حاجة لنا فيكم. - ومن الإقرار مثلا: ما أقره النبي صلي الله عليه وآله وسلم من كتابة أحاديثه ونشرها بين الناس، ولكن أبا بكر أحرقها ومنع من نشرها والتحدث بها. أضف إلي ذلك أنه كان يجهل كثيرا من أحكام القرآن الكريم، فقد سئل عن الكلالة التي نزل بحكمها القرآن، فقال: إني سأقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فهو مني ومن الشيطان [149] . كيف لا تعجب من خليفة المسلمين الذي

يسأل عن حكم الكلالة التي أوضحها الله في كتابه وبينها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في سنته، فيترك الكتاب والسنة ويقول فيها برأيه، ثم يعترف بأن الشيطان قد يستحوذ علي رأيه، وهذا ليس بغريب علي خليفة المسلمين أبي بكر فقد قال غير مرة: إن لي شيطانا يعتريني. وقد قرر علماء الإسلام بأن من قال في كتاب الله برأيه فقد كفر، كما عرفنا بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ما كان يقول برأي ولا بقياس. أضف إلي ذلك أنه كان يقول: لا تحملوني علي سنة نبيكم فإني لا أطيقها [ صفحه 173] فإذا كان أبو بكر لا يطيق سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم فكيف يدعي أتباعه وأنصاره أنهم أهل السنة. ولعله لا يطيقها لأنها تذكرة بانحرافه وبعده عن صاحب الرسالة، وإلا كيف نفسر قول الله تعالي: ما جعل عليكم في الدين من حرج (الحج: 78) وقوله: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (البقرة: 185) وقوله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (البقرة: 286) وأخيرا قوله سبحانه وتعالي: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (الحشر: 7). فقول أبي بكر بأنه لا يطيق سنة النبي هو رد علي هذه الآيات وإذا كان أبو بكر الخليفة الأول بعد النبي لا يطيق سنته في ذلك العهد، فكيف يطلب من مسلمي العصر الحاضر أن يقيموا حكم الله بكتابه وسنة نبيه؟! علي أننا وجدنا أبا بكر يخالف السنة النبوية حتي في الأمور الميسورة التي يقدر عليها فقراء الناس وجهالهم. وقد ترك أبو بكر الأضحية التي كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يفعلها ويؤكد عليها، وقد عرف كل المسلمين بأن الأضحية هي

سنة مستحبة ومؤكدة، فكيف يتركها خليفة المسلمين؟! قال الشافعي في كتاب الأم وغيره من المحدثين [150] : إن أبا بكر وعمر (رضي الله عنهما) كانا لا يضحيان، كراهية أن يقتدي بهما فيظن من رآهما أنها واجبة. إنه تعليل باطل لا يقوم علي دليل وكل الصحابة عرفوا من النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن الأضحية سنة وليست واجبة. وعلي فرض أن الناس ظنوا أنها واجبة فماذا يترتب عن ذلك، وقد رأينا عمر يبتدع صلاة التراويح وهي ليست سنة ولا واجبة بل إن النبي نهي عنها، ومع ذلك فأغلب ((أهل السنة والجماعة اليوم يظنون أنها واجبة. [ صفحه 174] ولعل أبا بكر وعمر بتركهم سنة النبي في الأضحية أرادا أن يوهما الناس بأن كل ما فعله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ليس بواجب ويمكن تركه وإهماله. وبذلك يستقيم قولهم: حسبنا كتاب الله يكفينا، ويستقيم أيضا قول أبي بكر: لا تحدثوا عن النبي شيئا وقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فأحلوا حلاله وحرموا حرامه. وعلي هذا لو حاجج رجل أبا بكر بالسنة النبوية في الأضحية مثلا فسيكون جواب أبي بكر: لا تحدثني عن النبي شيئا، وأرني الأضحية في كتاب الله! وبعد هذا يفهم الباحث لماذا بقيت سنة البني صلي الله عليه وآله وسلم عندهم مجهولة ومتروكة، ولماذا بدلوا أحاك الله ورسوله بآرائهم وقياسهم وما استحسنوه من أمور تتماشي وأهواءهم. وهذه الأمثلة التي أخرجناها هي غيض من فيض لما فعله أبو بكر تجاه السنة النبوية الشريفة وما لقيت منه من إهانة وحرق وإهمال ولو شئنا لكتبنا في ذلك كتابا مستقلا. فكيف يطمئن المسلم إلي شخص هذا مبلغه من العلم وهذه علاقته بالسنة النبوية الشريفة، وكيف يتسمي أتباعه

ب " أهل السنة؟؟! فأهل السنة لا يهملونها ولا يحرقونها. كلا، بل أهل السنة هم الذين يتبعونها ويقدسونها. قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم - قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (آل عمران: 31 - 32). صدق الله العلي العظيم

عمر بن الخطاب الفاروق

عرفنا في أبحاث سابقة من كتبنا بأنه كان بطل المعارضة للسنة النبوية الشريفة، وأنه الجرئ الذي قال: إن رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله [ صفحه 175] يكفينا، وحسب قول الرسول الذي لا ينطق عن الهوي، فإن عمر هو الذي تسبب في ضلالة م نضل في هذه الأمة [151] . وعرفنا بأنه عمل علي إهانة الزهراء وإيذائها، فروعها وأدخل الرعب عليها وعلي صغارها عندما هجم علي بيتها وهدد بحرقها. وعرفنا بأنه عمل علي جمع كل ما كتب من السنة النبوية فأحرقها ومنع الناس من التحدث بأحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وقد خالف عمر سنة النبي في كل أدوار حياته وبمحضر النبي، [ صفحه 176] كما خالف سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في تسييره ضمن جيش أسامة، ولم يخرج معه بدعوي إعانة أبي بكر علي أعباء الخلافة. كما خالف القرآن والسنة في منع سهم المؤلفة قلوبهم. كما خالف القرآن والسنة في متعه الحج وكذلك في متعة النساء. كما خالف القرآن والسنة في الطلاق ثلاث فجعله طلقة واحدة. كما خالف القرآن والسنة في فريضة التيمم وأسقط الصلاة عند فقد الماء. كما خالف القرآن والسنة في عدم التجسس علي المسلمين فابتدعه. كما خالف القرآن والسنة في إسقاط فصل من الأذان وإبداله بفصل من عنده. كما خالف القرآن والسنة في عدم

إقامة الحد علي خالد بن الوليد وكان يتوعده بذلك. كما خالف السنة النبوية في النهي عن صلاة النافلة جماعة فابتدع التراويح. كما خالف السنة النبوية في العطاء فابتدع المفاضلة وخلق الطبقية في الإسلام. كما خالف السنة النبوية باختراعه مجلس الشوري وعهده لابن عوف. والغريب أنك تجد أهل السنة والجماعة ينزلونه بعد كل هذا منزلة المعصومين، ويقولون بأن العدل مات معه، وبأنه لما وضع في قبره وجاءه الملكان ليسألانه، فصاح بهما عمر: من ربكما؟ ويقولون بأنه الفاروق الذي فرق الله به الحق من الباطل. أليس ذلك دليلا علي الاستهزاء والسخرية من بني أمية وحكامهم علي الإسلام والمسلمين، وبوضعهم أمثال هذه المناقب لشخص عرف بالفظ الغليظ كما عرف بمعارضته المستمرة للرسول [152] فكأن لسان حالهم يقول للمسلمين: لقد ولي عهد محمد بما فيه، وأقبل عهدنا نحن لنشرع لكم من الدين ما نريد وما يعجبنا، فها أنتم أصبحتم لنا عبيدا رغم أنوفكم ورغم نبيكم الذي فيه تعتقدون. أليس هذا من قبيل رد الفعل والأخذ بالثأر لتعود زعامة قريش بقيادة بني أمية الذين حاربوا الإسلام ونبي الإسلام؟ وإذا كان عمر بن الخطاب يعمل علي طمس السنن النبوية ويسخر منها ويعارضها حتي بحضور النبي نفسه، فلا غرابة أن تسلم له قريش قيادتها وتجعله زعيمها الأكبر، لأنه أصبح بعد ظهور الإسلام لسانها الناطق وبطلها المعارض، كما أصبح بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم قوتها الضاربة وأملها العريض في تحقيق أحلامها وطموحاتها للوصول إلي السلطة وإرجاع عادات الجاهلية التي يعشقونها وما زالوا يحنون إليها. وليس من قبيل الصدفة أن نجد عمر بن الخطاب يخالف السنة النبوية في خلافته ويعمل علي تأخير مقام إبراهيم عن البيت إلي ما كان عليه أيام

الجاهلية. فقد أخرج ابن سعد في طبقاته وغيره من المؤرخين: [ صفحه 177] إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لما فتح مكة ألصق مقام إبراهيم بالبيت كما كان علي عهد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) لأن العرب في الجاهلية أخروه إلي مكانه اليوم. فلما ولي عمر بن الخطاب أخره إلي موضعه الآن، وكان علي عهد النبي وأبي بكر ملصقا بالبيت [153] . فهل تري بربك من مبرر لعمر بن الخطاب حتي يعمد فيميت سنة النبي الذي أعاد ما فعله إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) فيحيي عمر سنة الجاهلية ويعيد بناء المقام كما كان علي عهدهم؟ فكيف لا تقدمه قريش وكيف لا تروي في فضائله ما يتعدي الخيال، حتي أن صاحبه أبا بكر الذي تقدمه في الخلافة لم يبلغ شأوه وكان في نزعه ضعف حسب ما يرويه البخاري ولكن عمر أخذها منه فلم ير عبقريا يفري فريه. وهذا نزر يسير من بدعه التي أحدثها في الإسلام وهي مخالفة كلها لكتاب الله وسنة رسوله، ولو شئنا جمع البدع والأحكام التي قال فيها برأيه وحمل الناس عليها، لكتبنا في ذلك كتابا مستقلا، لولا توخي الاختصار. ولقائل أن يقول: كيف خالف عمر بن الخطاب كتاب الله وسنة رسوله، والله تعالي يقول: ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (الأحزاب: 36)؟ وهذا ما يردده أكثر الناس اليوم وكأنهم يكذبون ولا يصدقون أن عمر بن الخطاب يفعل ذلك. فنقول لهؤلاء: هذا ما أثبته له أولياؤه وأتباعه من أهل السنة والجماعة الذين يفضلونه علي النبي من حيث لا يشعرون. فإذا كان ما قيل فيه كذبا، فصحاحهم

كلها تسقط عن الاعتبار ولا حجة لهم بعد ذلك علي كل ما يعتقدون! علي أن جل الأحداث التاريخية كتبت في [ صفحه 178] عهد دولة أهل السنة والجماعة الذين لا يشك في حبهم واحترامهم وتقديرهم لابن الخطاب. وإذا كانت صحيحة وذلك هو الواقع الذي لا مفر منه فعلي المسلمين اليوم أن يراجعوا موقفهم ويعيدوا النظر في كل عقائدهم إن كانوا من أهل السنة والجماعة. وإنك تجد أكثر المحققين اليوم لما أعيتهم الحيلة لرد مثل هذه الروايات والأحداث التاريخية التي أجمع عليها العلماء والمحدثون، ولا يقدرون علي تكذيبها، فتراهم يتأولون ويلتمسون بعض الأعذار الواهية التي لا تقوم علي دليل علمي، والبعض منهم أخذ يعدد بدعه ويقلبها مناقب من مفاخرة التي يشكر عليها. وكأن الله ورسوله ما كانا يعرفان مصلحة المسلمين وغفلا عن تلك البدع - أستغفر الله -، فاكتشفها عمر بن الخطاب فسنها لهم بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. إنه بهتان عظيم وكفر صريح نعوذ بالله من خطل الآراء وزلل الأهواء، وإذا كان عمر هو زعيم وإمام أهل السنة والجماعة فإني أبرأ إلي الله من تلك السنة وتلك الجماعة. وأسأله سبحانه أن يميتني علي سنة خاتم النبيين وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلي منهاج أهل بيته الطيبين الطاهرين.

عثمان بن عفان ذو النورين

وهو الخليفة الثالث الذي وصل الخلافة بتدبير عمر بن الخطاب وعبد الرحمان بن عوف الذي أخذ عليه العهد والميثاق بأن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الخليفتين. وأنا شخصيا أصبحت أشك في الشرط الثاني الذي يتمثل في الحكم بسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 179] لأن عبد الرحمان بن عوف يعرف أكثر من غيره بأن الخليفتين أبا بكر وعمر

لم يحكما السنة النبوية، وإنما حكما باجتهادهما وآرائهما، وأن السنة النبوية علي عهد الشيخين كادت تكون معدومة تماما لولا وقوف الإمام علي علي إحيائها كلما سمحت له الظروف بذلك. وأغلب الظن أنه اشترط علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بأن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة الشيخين، فرفض علي هذا العرض قائلا: لا أحكم إلا بكتاب الله وسنة رسوله، فخسر الخلافة لأنه أراد إحياء سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وفاز بها عثمان لأنه قبل أن يواصل درب أبي بكر وعمر اللذين صرحا غير مرة بأن لا حاجة بالسنة النبوية وإنما يكفي القرآن ليحللوا حلاله ويحرموا حرامه. ويزيدنا يقينا صحة ما ذهبنا إليه أن عثمان بن عفان فهم من هذا الشرط أن عليه أن يجتهد برأيه في الأحكام كما فعل صاحباه، وهي السنة التي سنها الشيخان بعد النبي. ولذلك نري عثمان أطلق العنان لرأيه واجتهد أكثر من صاحبه حتي أفكر عليه الصحابة، وجاؤوا يلومون عبد الرحمان بن عوف قائلين له: هذا عمل يديك! ولما كثرت المعارضة والإنكار علي عثمان، قام في الصحابة خطيبا فقال لهم: لماذا لم تنكروا علي عمر بن الخطاب اجتهاده، ألانه كان يخيفكم بدرته؟. وفي رواية ابن قتيبة: قام عثمان خطيبا علي المنبر لما أنكر الناس عليه فقال: أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار لقد عبتم علي أشياء ونقمتم علي أمورا، قد أقررتم لابن الخطاب مثلها، ولكنه وقمكم وقمعكم، ولم يجترئ أحد بملأ بصره منه ولا يشير بطرفه إليه، أما والله لأنا أكثر من ابن الخطاب عددا وأقرب ناصرا [154] . وأعتقد شخصيا بأن الصحابة من المهاجرين والأنصار لم ينكروا علي عثمان اجتهاده، فقد ألقوا الاجتهاد وباركوه من أول يوم، ولكنهم

أنكروا عليه لما عزلهم [ صفحه 180] وولي المناصب والولايات الفساق من بني عمومته وقرابته الذين كانوا بالأمس القريب حربا علي الإسلام والمسلمين. وقد سكت المهاجرون والأنصار علي أبي بكر وعمر لأنهما أشركاهم في الحكم وأعطياهم المناصب التي فيها المال والجاه. أما عثمان فإنه عزل أكثرهم وأعطي الأموال الطائلة إلي بني أمية بغير حساب، عند ذلك أنكروا عليه وأثاروا حوله الشبهات إلي أن قتلوه. وهذه هي الحقيقة التي تنبأ بها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما قال لهم: إني لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها. وقال الإمام علي (عليه السلام). كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالي: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين (القصص: 83). بل والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. فهذا هو الواقع، أما أن نعتقد بأنهم أنكروا عليه تغيير سنة النبي فهذا مما لا سبيل إليه، ولأنهم لم ينكروا علي أبي بكر وعمر، فكيف ينكرونها عليه، والمفروض أن عثمان بن عفان أكثر عددا وأقرب ناصرا من أبي بكر وعمر كما صرح هو نفسه بذلك، لأنه زعيم بني أمية وبنو أمية أقرب للنبي من تيم وعدي، قبيلتي أبي بكر وعمر وأشد منهما قوة ونفوذا وأشرف منهما حسبا ونسبا. ولأن الصحابة لم ينكروا علي أبي بكر وعمر، بل كانوا يقتدون بسنتهما ويتركون سنة النبي وهم يعلمون فلا يمكن أن ينكروا علي عثمان ما أقروه لغيره. والدليل أنهم حضروا في كثير من المواقف التي غير فيها عثمان سنة النبي كإتمامه صلاة السفر ومنعه من التلبية وتركه التكبير في الصلاة ومنعه من التمنع في الحج، فلم

ينكر عليه غير علي بن أبي طالب كما سنعرفه قريبا بحول الله. والصحابة كانوا يعرفون سنة النبي ويعمدون علي مخالفتها من أجل إرضاء الخليفة عثمان. [ صفحه 181] أخرج البيهقي في سننه الكبري عن عبد الرحمان بن يزيد قال: كنا مع عبد الله بن مسعود فلما دخل مسجد مني، قال: كم صلي أمير المؤمنين (يعني عثمان) قالوا: أربعا، فصلي أربعا، قال: فقلنا: ألم تحدثنا أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم صلي ركعتين وأبا بكر صلي ركعتين؟! فقال: بلي وأنا أحدثكموه الآن، ولكن عثمان كان إماما فما أخالفه والخلاف شر [155] . إقرأ واعجب من هذا الصحابي وهو من أكابرهم عبد الله بن مسعود، إذ يري في خلاف عثمان شرا، ويري في خلاف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كل الخير. أفبعد هذا يقال: إنهم أنكروا عليه عندما ترك السنة النبوية؟! وروي سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد قال: إعتل عثمان وهو بمني، فأتي علي فقيل له: صل بالناس. فقال علي: إن شئتم، ولكن أصلي لكم صلاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يعني ركعتين! فقالوا: لا إلا صلاة أمير المؤمنين عثمان أربعا، فأبي علي أن يصلي بهم [156] . . اقرأ واعجب من هؤلاء الصحابة وهم ألوف مؤلفة لأنهم كانوا بمني في موسم الحج، كيف يرفضون صراحة سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولا يقبلون إلا بدعة عثمان! وإذا كان عبد الله بن مسعود يري في خلاف عثمان شرا فيصلي أربعا رغم أنه يروي عن النبي ركعتين فلعله فعل ذلك تقية خوفا من هؤلاء الذين يعدون بالآلاف والذين لا يقبلون إلا ما فعله عثمان ضاربين بالسنة النبوية عرض الجدار.

ولا تنس بعد كل هذا أن تصلي وتسلم علي النبي وعلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي رفض أن يصلي بهم إلا صلاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقد أراد بذلك [ صفحه 182] إحياء السنة النبوية التي خالفوها، ولم يخش علي في ذلك لومة لائم، ولا خاف من جموعهم ومؤامراتهم. وتجدر الإشارة أيضا إلي أن عبد الله بن عمر قال: الصلاة في السفر ركعتان من خالف السنة فقد كفر [157] . وبهذا فقد كفر عبد الله بن عمر الخليفة عثمان وكل الصحابة الذين تابعوه علي بدعة إمام الصلاة في السفر، ومع ذلك فلنا عودة مع الفقيه عبد الله بن عمر لنحكم عليه بما حكم به علي غيره. كما أخرج البخاري في صحيحه قال: سمعت عثمان عليا (رضي الله عنهما) بين مكة والمدينة، وعثمان ينهي عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأي ذلك علي أهل بهما جميعا قائلا: لبيك عمرة وحجة معا. فقال عثمان: تراني أنهي الناس عن شئ وتفعله أنت؟ فقال علي: لم أكن لأدع سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لقول أحد من الناس [158] . ألا تعجب من خليفة المسلمين الذي يخالف صريح السنة ولا يكتفي بذلك حتي ينهي الناس عنها فلا ينكر عليه أحد منهم إلا علي بن أبي طالب الذي لم يكن يدع سنة رسول الله ولو قتل دون ذلك. فقل لي بربك، هل تجد في أصحاب محمد من يمثل السنة النبوية بحق وحقيقة غير أبي الحسن علي (عليه السلام). ورغم سطوة الحاكم وشدته ورغم تأييد الصحابة له، فإن عليا لم يترك السنة أبدا، وهذه كتبهم وصحاحهم تشهد علي صدق ما ذهبنا إليه من أنه

(سلام الله عليه) قد حول بكل جهوده إحياء السنة النبوية وإرجاع الناس إلي أحضانها ولكن لا رأي لمن لا يطاع، كما قال هو بنفسه. فلم يكن في ذلك العصر من يطيعه ويعمل بأقواله غير الشيعة الذين والوه واتبعوه وانقطعوا إليه في كل شئ. [ صفحه 183] وبهذا يتبين لنا جليا بأن الصحابة لم ينكروا علي عثمان تغييره للسنة النبوية، فقد عرفنا من صحاحهم كيف أنهم يخالفون سنة النبي ولا يخالفونه في بدعه، ولكنهم ثارت ثائرتهم عليه من أجل الدنيا الدنيئة لكسب المال والجاه والسلطان. وهم الذين حاربوا عليا دون هوادة لأنه لم يولهم المناصب وطالبهم أن يرجعوا الأموال التي جمعوها بغير حق إلي بيت مال المسلمين ليستفيد منها المساكين. لك الله يا أبا الحسن، يا من حافظت علي كتاب ربك وسنة ابن عمك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكنت إمام المتقين وناصر المستضعفين وكان شيعتك هم الفائزون إذ أنهم تمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله بالتفافهم حولك وانقطاعهم إليك. فهل تصدق أيها القارئ العزيز والباحث اللبيب بعد كل ما مر عليك من أبحاث بأن أتباع عثمان بن عفان هم أهل السنة، وأتباع علي هم الروافض وأهل البدع؟ فاحكم بما أراك الله إن كنت من المنصفين. إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس إن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به، إن الله كان سميعا بصيرا (النساء: 58). صدق الله العلي العظيم

طلحة بن عبيدالله

إنه من كبار الصحابة المشهورين وهو أحد السنة الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة وقال فيه بأنه مؤمن الرضا كافر الغضب يوما إنسان ويوما شيطان، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة علي زعم أهل السنة والجماعة. وعندما نبحث

عن شخصية هذا الرجل في كتب التاريخ يتبين لنا بأنه من عشاق الدنيا، من الذين غرتهم وجرتهم وراءها فباعوا دينهم من أجلها وخسروا أنفسهم وما ربحت تجارتهم ويوم القيامة يندمون. [ صفحه 184] هذا طلحة الذي كان يؤذي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بقوله: إن مات رسول الله تزوجت عائشة فهي بنت عمي، فبلغ رسول الله قوله فتأذي من ذلك. ولما نزلت آية الحجاب واحتجب نساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال طلحة: أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا؟ فإن حدث به حدث لنزوجن نساءه من بعده [159] . ولما تأذي رسول الله من ذلك نزل قول الله تعالي: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما (الأحزاب: 53). وهذا طلحة الذي دخل علي أبي بكر قبل وفاته عندما كتب عهده بالخلافة لعمر بن الخطاب فقال له: ماذا تقول لربك إذ وليت علينا فظا غليظا؟ فشتمه أبو بكر بكلام بذئ [160] . ولكننا نجده بعد ذلك يسكت ويرضي بالخليفة الجديد ويصبح من أنصاره ويعمل علي جمع الأموال وكسب العبيد خصوصا بعد أن طمع في الخلافة واشرأبت عنقه إليها بعد أن رشحه عمر بن الخطاب لها. وطلحة هو الذي خذل الإمام عليا وإنجاز في صف عثمان بن عفان لعلمه المسبق بأن الخلافة إذا آلت إلي علي فلا يبقي له فيها مطمع بعد ذلك، وقد قال علي في ذلك: فصغي رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره، مع هن وهن يقول الشيخ محمد عبده في شرحه: وكان طلحة ميالا لعثمان لصلات بينهما علي ما ذكره بعض رواة الأثر، وقد يكفي

في ميله إلي عثمان انحرافه عن علي لأنه تيمي وقد كان بين بني هاشم وبني تيم مواجد لمكان الخلافة في أبي بكر [161] . [ صفحه 185] لا شك بأن طلحة هو أحد الصحابة الذين حضروا بيعة الغدير وسمعوا قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. ولا شك بأنه سمع رسول الله يقول: علي مع الحق والحق مع علي وحضر يوم خيبر عندما أعطاه الراية وقال بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ويعرف أيضا بأن عليا هو للنبي بمنزلة هارون من موسي، ويعرف الكثير والكثير. ولكن الحقد الدفين والحسد ملأ قلبه فلم يعد يري إلا التعصب لقبيلته والانحياز إلي ابنة عمه عائشة بنت أبي بكر التي كان يطمع في الزواج منها بعد النبي ولكن القرآن حال دون ذلك. نعم لقد انضم طلحة إلي عثمان وبايعه بالخلافة لأنه كان يعطيه الصلات والهبات، ولما اعتلي عثمان منصة الخلافة أغدق علي طلحة من أموال المسلمين بدون حساب [162] ، فكثرت أمواله ومواشيه وعبيده حتي بلغت غلته من العراق وحده كل يوم ألف دينار. يقول ابن سعد في طبقاته: لما مات طلحة كانت تركته ثلاثين مليونا من الدراهم، كان النقد منها مليونين ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار، وكان سائرها عروضا وعقارا [163] . لكل ذلك طغي طلحة وتجبر وبدأ يؤلب علي صديقه الحميم عثمان ليطيح به ويأخذ مكانه. ولعل عائشة أم المؤمنين أطمعته في الخلافة ومنته بها لأنها هي الأخري عملت علي أسقاط عثمان بكل جهودها، وكانت لا تشك في أن الخلافة ستؤول إلي ابن عمها طلحة، ولما بلغها مقتل عثمان وأن الناس قد بايعوا طلحة فرحت فرحا شديدا وقالت: بعدا

لنعثل وسحقا، إيه ذا الإصبع إيه أبا شبل، إيه ابن عم لله أبوك أما إنهم وجدوا طلحة لها كفؤا. [ صفحه 186] نعم هذا جزاء عثمان من طلحة، بعدما أغناه غدر به من أجل الطمع في الخلافة وألب عليه الناس، وكان من أشد المحرضين عليه حتي منعه من شرب الماء أيام الحصار. قال ابن أبي الحديد بأن عثمان يقول أيام الحصار. ويلي علي ابن الحضرمية يعني طلحة أعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا وهو يروم دمي ويحرض علي نفسي، اللهم لا تمنعه به ولقه عواقب بغيه. نعم هذا طلحة الذي انحاز لعثمان واختاره للخلافة من أجل إبعادها عن علي، ولأن عثمان أعطاه الذهب والفضة وها هو اليوم يؤلب عليه ويأمر الناس يقتله ويمنع دخول الماء إليه، وعندما يأتون بجثته يمنع من دفنه في مقابر المسلمين فيدفن في حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم [164] . ثم بعد ذلك نري طلحة أول من يبايع الإمام عليا بعد مقتل عثمان، ثم ينكث بيعته ويلتحق بعائشة ابنة عمه في مكة، وينقلب فجأة للمطالبة بدم عثمان، سبحان الله! هل يوجد بهتان أكبر من هذا؟! بعض المؤرخين يعلل ذلك بأن عليا رفض أن يوليه علي الكوفة وما وراءها، فنكث البيعة وخرج محاربا للإمام الذي بايعه بالأمس. إنها نفسية من غرق في الدنيا إلي أم رأسه، وباع آخرته ولم يعد يشغله غير المنصب والجاه والمال. يقول طه حسين: فكان طلحة إذن يمثل نوعا خاصا من المعارضة، رضي ما أتاح الرضا له الثراء والمكانة، فلما طمع في أكثر من ذلك عارض حتي أهلك وهلك [165] . هذا هو طلحة الذي بايع بالأمس الإمام عليا يخرج بعد أيام قليلة يجر حرم رسول الله

عائشة إلي البصرة فيقتل الأبرياء وينهب الأموال ويثير الرعب في [ صفحه 187] الناس حتي يشقوا عصا الطاعة لعلي، ويقف بدون خجل يحارب إمام زمانه الذي أعطاه عهد البيعة طائعا مختارا. ومع ذلك فقد بعث إليه الإمام علي قبل المعركة، فلقيه في الصف، فسأله أما بايعتني؟ وما الذي أخرجك يا طلحة؟ قال: الطلب بدم عثمان. قال علي: قتل الله أولانا بدم عثمان. وفي رواية ابن عساكر، قال له الإمام علي: أنشدك الله يا طلحة أسمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والي من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم، فقال له: فلم تقاتلني؟! وكان جوابه: الطلب بدم عثمان، وكان رد علي: قتل الله أولانا بدم عثمان. واستجاب الله دعوة علي فقتل طلحة في اليوم نفسه، قتله مروان بن الحكم الذي جاء به طلحة لمحاربة علي. إنه طلحة الفتة والبهتان وتقليب الحقائق لا يراعي في ذلك إلا ولا ذمة، ولا يفي بعهده، ولا يسمع نداء الحق وقد ذكره به الإمام علي وأقام عليه بذلك الحجة، ولكنه أصر واستكبر وتمادي في غيه فضل وأضل وقتل بسبب فتنته خلق كثير من الأبرياء لم يشاركوا في مقتل عثمان ولا عرفوه مدة حياتهم ولا خرجوا من البصرة. نقل ابن أبي الحديد أنه لما نزل طلحة البصرة أتاه عبد الله بن الحكيم التميمي لكتب كان كتبها إليه فقال لطلحة: يا أبا محمد أما هذه كتبك إلينا؟ قال: بلي. قال: فكتبت أمس تدعونا إلي خلع عثمان وقتله، حتي إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه، فلعمري ما هذا رأيك، إنك لا تريد إلا هذه الدنيا، مهلا إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من علي ما عرض

عليك من البيعة فبايعته طائعا راضيا ثم [ صفحه 188] نكثت بيعتك، ثم جئت لتدخلنا في فتنتك [166] . نعم هذه هي حقيقة طلحة بن عبيد الله عارية كما ذكرها أصحاب السنن والتواريخ من أهل السنة والجماعة وبعد كل هذا فهم يقولون أنه من العشرة المبشرين بالجنة. ويحسبون أن الجنة هي فندق هيلتون يدخلها أصحاب الملايين والسماسرة من رجال الأعمال فيلتقي فيها القاتل والمقتول والظالم والمظلوم ويلتقي فيها المؤمن والفاسق والبر والفاجر. أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم (المعارج: 38). أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار (ص: 28 أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون (السجدة: 18). أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوي نزلا بما كانوا يعملون - وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم تكذبون (السجدة: 19 - 20).

الزبير بن العوام

هو أيضا من كبار الصحابة ومن المهاجرين الأولين وله قرابة قريبة من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فهو ابن صفية بنت عبد المطلب عمة النبي. وهو أيضا زوج أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة. وهو أحد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة [167] . [ صفحه 189] وهو أيضا من المبشرين بالجنة علي ما يقول أهل السنة والجماعة. ولا غرابة أن نجده دائما صحبة شبيهه طلحة فلا يذكر طلحة إلا ومعه الزبير ولا الزبير إلا ومعه طلحة. وهو أيضا من الذين تنافسوا في الدنيا وملأوا منها البطون، فقد بلغت تركته حسبما يذكره الطبري، خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضاعا كثيرة في البصرة وفي الكوفة وفي

مصر وغيرها، يقول طه حسين في ذلك: والناس يختلفون في مقدار ما قسم علي الورثة من تركة الزبير، فالمقلون يقولون: إن الورثة اقتسموا فيما بينهما خمسة وثلاثين مليونا، والمكثرون يقولون: إنهم اقتسموا اثنين وخمسين مليونا، والمعتدلون يقولون: إنهم اقتسموا أربعين مليونا. ولا غرابة في ذلك فقد كانت للزبير خطط في الفسطاط وخطط في الإسكندرية وخطط في البصرة وخطط في الكوفة وإحدي عشرة دارا في المدينة وكانت له بعد ذلك غلات وعروض أخري [168] . أما البخاري فيروي أنه خلف في تركته خمسين ألف ألف ومائتي ألف [169] . ونحن لا نقصد من هذا العرض محاسبة الصحابة عما اكتسبوه من عروض وما جمعوه من أموال قد تكون كلها من حلال، ولكن عندما نري حرص الرجلين طلحة والزبير علي الدنيا ونعلم بأنهما نكثا بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأنه عزم علي إرجاع الأموال التي اقتطعها عثمان إلي بيت مال المسلمين عند ذلك نشك في أمر الرجلين. أضف إلي ذلك أن الإمام عليا عندما تولي الخلافة بادر بإرجاع الناس إلي السنة النبوية وأول شئ فعله هو توزيع بيت المال فأعطي لكل واحد من المسلمين ثلاثة دنانير سواء كان عربيا أم أعجميا وهو ما فعله النبي صلي الله عليه وآله وسلم طيلة [ صفحه 190] حياته، وأبطل علي بذلك بدعة عمر بن الخطاب الذي فضل العربي علي الأعجمي فأعطي للعربي ضعف الأعجمي. ويكفي علي بن أبي طالب أن يعود بالناس إلي السنة النبوية حتي يثور عليه الصحابة الذين أعجبوا بها ابتدعه عمر. وهذا أمر أغفلناه في تعليل محبة قريش وتقديسها لعمر وقد فضلها علي باقي المسلمين وبعث فيهم نعرة القومية العربية والقبيلة القريشية والطبقة البرجوازية. فكيف يأتي

علي بعد ربع قرن من وفاة النبي ليعود بقريش إلي ما كانت عليه زمن النبي الذي سوي في العطاء فكان بلال الحبشي يقبض كالعباس عم النبي، وقد كانت قريش منكرة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تلك المساواة، وقد نجد قلال تصفح السيرة بأنهم كانوا يعارضونه في أغلب الأوقات من أجل ذلك. ومن أجل ذلك أيضا ثارت ثورة طلحة والزبير علي أمير المؤمنين علي لأنه ساوي بينهم في العطاء ولم يعطهم ما طلبوا من الإمارة، ثم هو يريد محاسبتهم علي الأموال التي جمعوها ليعود بالأموال المسروقة إلي الشعب المستضعف. والمهم أن نعرف بأن الزبير عندما يئس أن يوليه علي علي البصرة وأن يفضله علي غيره وخاف أن يحاسبه الخليفة الجديد علي ثروته الخيالية، جاء مع صاحبه طلحة يستأذنان عليا في الخروج إلي العمرة، وعرف علي نواياهما المبيتة فقال: (والله ما أراد العمرة ولكنهما أرادا الغدرة). والتحق الزبير هو الآخر بعائشة بنت أبي بكر فهي أخت زوجته، وأخرجها هو وطلحة صوب البصرة ولما نبحتها كلاب الحوأب وأرادت الرجوع جاءوها بخمسين رجلا جعلوا لهم جعلا وشهدوا ذودا لكي تواصل أم المؤمنين عصيانها لربها ولزوجها وتسير معهم إلي البصرة، لأنهم عرفوا بدهائهم بأن تأثيرها في الناس أكبر من تأثيرهم، فقد أوعزوا طيلة ربع قرن وأوهموا الناس بأنها حبيبة رسول الله وابنة الصديق الحميراء التي عندما نصف الدين والعجيب في أمر الزبير أنه هو الآخر خرج للطلب بدم عثمان كما يدعي، وقد اتهمه صلحاء الصحابة بأنه هو الذي عمل قتله. [ صفحه 191] فقد قال له الإمام علي عند مقابلته له في ساحة المعركة: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته؟ [170] . وفي لفظ المسعودي قال له:

ويحك يا زبير ما الذي أخرجك؟ قال: الطلب بدم عثمان، قال علي: قتل الله أولانا بدم عثمان. كما أخرج الحاكم في المستدرك، قال: جاء طلحة والزبير إلي البصرة فقال لهم الناس: ما جاء بكم؟ قال: نطلب بدم عثمان، فقال الحسين: أيا سبحان الله، أفما كان للقوم عقول فيقولون والله ما قتل عثمان غيركم. لقد فعل الزبير مثل صاحبه طلحة، غدر بعثمان وحرض علي قتله، ثم بايع الإمام عليا طائعا ونكث البيعة والعهد وجاء إلي البصرة يطلب هو الآخر بدم عثمان! ولما دخل البصرة شارك بنفسه في تلك الجرائم فقتلوا أكثر من سبعين رجلا من حراسه ونهبوا بيت المال يقول المؤرخون بأنهم كتبوا كتاب هدنة مع عثمان بن حنيف (والي البصرة) وتعاهدوا علي احترامه حتي يقدم علي. ثم خانوا العهد والميثاق وهجموا علي عثمان بن حنيف وهو يصلي بالناس صلاة العشاء، فكتفوهم وقتلوهم وأرادوا قتل عثمان بن حنيف والي علي فخافوا أن يسمع أخوه سهل بن حنيف والي المدينة فينتقم من أهلهم، فضربوه ضربا شديدا ونتفوا لحيته وشاربيه، ثم هجموا علي بيت المال فقتلوا من حراسه أربعين رجلا وحبسوا عثمان وأسرفوا في تعذيبه. يقول طه حسين في شأن هذه الخيانة ويقصد طلحة والزبير: (لم يكتف هؤلاء القوم بنكث البيعة التي أعطوها عليا وإنما أضافوا إليها نكث الهدنة التي اصطلحوا عليها مع عثمان بن حنيف، وقتلوا من قتلوا من أهل البصرة الذين أنكروا نقض الهدنة وحبس الأمير، وغصب ما في بيت المال وقتل من قتلوا من حراسه) [171] . [ صفحه 192] ولما أقبل علي إلي البصرة لم يقاتلهم، بل دعاهم إلي كتاب الله فرفضوا وقتلوا من حمل إليهم القرآن ومع ذلك فقد ناداه الإمام هو الآخر

وذكره كما فعل مع طلحة، إذ قال له: (يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بني غنم فنظر إلي فضحك وضحكت إليه، فقلت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ص إنه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم) [172] . ذكر ابن أبي الحديد خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول فيها: (اللهم إن الزبير قطع رحمي ونكث بيعتي وظاهر علي عدوي فاكفنيه اليوم بما شئت) [173] . وقد جاء في نهج البلاغة للإمام علي قوله في طلحة والزبير: (اللهم إنهما قطعاني وظلماني، ونكثا بيعتي والبا الناس علي فاحلل ما عقدا، ولا تحكم لهما ما أبرما، وأراهما المساءة فيما أملا وعملا، ولقد استتبتهما قبل القتال واستأنيت بهما أمام الوقائع، فغمطا النعمة العافية) [174] . وفي رسالة منه بعث بها إليهما قبل بدء القتال جاء فيها: فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يجتمع العار والنار والسلام [175] . وهذه هي الحقيقة المؤلمة وهذه هي نهاية الزبير ومهما يحاول بعض المؤرخين إقناعنا بأنه تذكر حديث النبي الذي ذكره به علي فتاب واعتزل القتال وخرج إلي وادي السباع فقتله ابن جرموز، فهذا لا يستقيم مع نبوءة النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذي قال له: (ستقاتل عليا وأنت له ظالم). ويقول بعض المؤرخين بأنه أراد الاعتزال عند ذكره الإمام علي بالحديث ولكن ابنه عبد الله غيره بالجبن، فأخذته الحمية فرجع يقاتل حتي قتل. [ صفحه 193] وهذا أقرب للواقع وللحديث الشريف الذي فيه إخبار بالغيب من الذي لا ينطق عن الهوي. ثم لو كان

فعلا ندم وتاب ورجع عن غيه وظلمه، فلماذا لم يعمل بقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره وأخذل من خذله)؟ فلماذا لم ينصر عليا ولم يواله ولم يسترضه؟ وهب أن ذلك لا يمكنه فعله، فهلا ركب في الناس الذين جاء بهم للحرب وأخبرهم بأنه استبصر إلي الحق وتذكر ما كان ناسيا، وطلب منهم أن يكفوا عن الحرب، فيحقن بذلك دماء الأبرياء من المسلمين؟ لكن شيئا من ذلك لم يقع فعرفنا بأن أسطورة التوبة والاعتزال هي من خيال الوضاعين الذين بهرهم حق علي وباطل الزبير وبما أن صاحبه طلحة قتله مروان بن الحكم فاختاروا ابن جرموز لقتل الزبير غدرا حتي يتسني لهم التأويل ممتلكاتهم يدخلون فيها من يشاؤون ويمنعون منها من يشاؤون. ويكفينا دليلا علي كذب الرواية ما جاء في رسالة الإمام علي ودعوتهما للرجوع عن الحرب وقوله: فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يجمع العار والنار. ولم يحدث أحد أنهما استجابا لندائه ولا امتثلا لأمره ولا ردا علي رسالته. أضف إلي كل ذلك أن الإمام وقبل بدء المعركة دعاهم لكتاب الله كما قدمنا فرفضوا الامتثال وقتلوا الشاب الذي حمل لهم القرآن عند ذلك استباح علي قتالهم. وإنك لتقرأ بعض المهازل عند المؤرخين فتعرف أن البعض منهم لا يعرفون الحق ولا يفقهون مثال ذلك: يقول بعضهم بأن الزبير لما علم بأن عمار بن ياسر جاء مع علي بن أبي طالب، قال: يا جدع أنفاه، يا قطع ظهراه، ثم أخذه إفكل فجعل السلاح ينتفض في يده، فقال أحد أصحابه: ثكلتني أمي هذا الزبير الذي كنت أريد أن أموت معه أو

أعيش معه؟. [ صفحه 194] والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما أري إلا لشئ قد سمعه أو رآه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [176] . ويقصدون بوضع هذه الروايات بأن الزبير تذكر حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم (ويح عمار تقتله الفئة الباغية! ويريد هؤلاء أن يحتقروا عقولنا ويهزؤوا منا لكن عقولنا كاملة وسليمة بحمد الله ولا نرضي منهم بذلك، فكيف يخاف الزبير ويرتعد من حديث (عمار تقتله الفئة الباغية) ولا يخاف ولا يرتعد من أحاديث كثيرة قالها النبي في علي بن أبي طالب؟ أكان عمار عند الزبير أفضل وأشرف من علي؟! ويريد هؤلاء أن يحتقروا عقولنا ويهزؤوا منا لكن عقولنا كاملة وسليمة بحمد الله ولا نرضي منهم بذلك، فكيف يخاف الزبير ويرتعد من حديث (عمار تقتله الفئة الباغية) ولا يخاف ولا يرتعد من أحاديث كثيرة قالها النبي في علي بن أبي طالب؟ أكان عمار عند الزبير أفضل وأشرف من علي؟! ألم يسمع الزبير قول النبي: يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)؟ ألم يسمع قوله: (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار) وقوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) وقوله: (يا علي أنا حرب لمن حاربك وسلم لمن سالمك لا) وقوله: (لأعطين رايتي إلي رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) وقوله (أنا قاتلتهم علي تنزيل القرآن وأنت تقاتلهم علي تأويله) وقوله: (يا علي أعهد إليك بأن تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين). وقوله وقوله وآخرها حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي الزبير نفسه: (ستقاتله وأنت له ظالم) فأين الزبير من

كل هذه الحقائق التي يعرفها كل الناس الأباعد الغرباء فكيف به وهو ابن عمة النبي وابن عمة علي؟ إنها العقول المتحجرة التي لم تقدر علي دفع الأحداث التاريخية وما فيها من حقائق، فتحاول بكل جهودها عبثا أن تجد بعض الأعذار الواهية لكي تموه علي الناس وتوهمهم بأن طلحة والزبير من المبشرين بالجنة. تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (البقرة: 111) إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين (الأعراف: 40). [ صفحه 195]

سعد بن أبي وقاص

وهو أيضا من كبار الصحابة السابقين إلي الإسلام، ومن المهاجرين الأولين الذين شهدوا بدرا، وهو أحد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة بعده، وأحد العشرة المبشرين بالجنة علي زعم (أهل السنة والجماعة). وهو بطل القادسية في خلافة عمر بن الخطاب، ويقال أن بعض الصحابة كانوا يشكون ويطعنون في نسبة ويؤذونه بذلك، ويروون أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أثبت نسبة فهو من بني زهرة. وينقل ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة أن بني زهرة اجتمعوا بعد وفاة النبي إلي سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين، فلما أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة قال لهم عمر: ما لي أراكم حلقا شتي؟ قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار، فقال سعد وعبد الرحمن ومن معها من بني زهرة فبايعوا [177] . [ صفحه 196] بغلبة أهله وبطلبه بذنبه وطلحة لو يجد أن يشق بطنه من حب الإمارة لشقه [178] . ولكن الغريب في سعد بن أبي وقاص أنه تخلف عن بيعة أمير المؤمنين علي ولم يعينه وهو

يعرف حق الإمام وفضله. فقد روي بنفسه عدة فضائل في علي منها ما أخرجه الإمام النسائي والإمام مسلم في صحيحيهما: قال سعد: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول في علي خصالا ثلاثا لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعته يقول: إنه مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي وسمعته يقول: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وسمعته يقول: أيها الناس من وليكم؟ قالوا: الله ورسوله ثلاثا أخد بيد علي فأقامه ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه [179] . وفي صحيح مسلم قال سعد بن أبي وقاص: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول لعلي: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ة يحبه الله ورسوله قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا عليا.. ولما نزلت هذه الآية فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم (آل عمران: 61) دعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي [180] . فكيف يعرف سعد بن أبي وقاص كل هذه الحقائق ثم يمتنع عن بيعته؟! كيف يسمع سعد قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: من كان الله ورسوله وليه فعلي وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، والذي رواه هو بنفسه ثم لا يواليه ة لا ينصره؟! كيف يغيب علي سعد بن أبي وقاص حديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم (من مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) الذي

رواه عبد الله بن عمر، فيموت [ صفحه 197] سعد ميتة جاهلية ناكبا عن بيعة أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين؟! يذكر المؤرخون بأن سعدا جاء إلي الإمام علي معتذرا فقال: والله يا أمير المؤمنين لا ريب لي في أنك أحق الناس بالخلافة وأنت أمين علي الدين والدنيا، غير أنه سينازعك علي هذا الأمر أناس، فلو رغبت في بيعتي لك أعطني سيفا له لسان يقول لي خذ هذا ودع هذا! فقال له علي: أتري أحدا خالف القرآن أو العمل؟ لقد بايعني المهاجرون والأنصار علي أن أعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه، فإن رغبت بايعت وإلا جلست في دارك فإني لست مكرهك عليه [181] . أليس موقف سعد بن أبي وقاص غريبا؟! فهو يشهد بأن عليا لا ريب فيه، وأنه أحق الناس بالخلافة، وأنه أمين الدين والدنيا ثم بعد هذا يطالبه بسيف ناطق كشرط علي بيعته حتي يعرف به الحق من الباطل؟! أليس هذا تناقضا يرفضه العقلاء؟ وهل هذا إلا المحال الذي يطلبه مكابر عرف الحق من صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله وسلم في أكثر من حديث روي هو بنفسه منها أكثر من خمسة؟! ألم يكن سعد حاضرا بيعة أبي بكر وعمر وعثمان والتي حكموا في كل منها بقتل منن يتخلف عنها خوفا من الفتنة؟ وقد بايع سعد لعثمان وانحاز إليه بدون شرط وسمع عبد الرحمان بن عوف يهدد عليا مسلطا السيف فوق رأسه قائلا: فلا تجعل علي نفسك سبيلا فإنه السيف لا غير [182] . وكان حاضرا لما امتنع علي عن بيعة أبي بكر فهدده عمر بن الخطاب وقال له: بايع وإلا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك [183] . [

صفحه 198] وهل جرأ المتخلفين عن البيعة والذين تطاولوا علي وصي النبي أمثال عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة، إلا تخلف سعد بن أبي وقاص؟ وأنك تلاحظ أن الأشخاص الخمسة الذين عينهم عمر بن الخطاب لمنافسة علي في الخلافة قد لعبوا بالضبط الدور الذي رسمه لهم لبن الخطاب وهو منع علي من الوصول إليها، فهذا عبد الرحمان يختار للخلافة صهره عثمان ويهدد عليا بالقتل إن لم يبايع كل ذلك لأن عمر رجح كفة عبد الرحمان علي الباقين. وبعد موت عبد الرحمان بن عوف ومقتل عثمان بن عفان لم يبق من المنافسين لعلي في الخلافة إلا ثلاثة طلحة والزبير وسعد. ولما رأي هؤلاء بأن المهاجرين والأنصار هرعوا للإمام علي وبايعوه ولم يتلفتوا لأي واحد منهم، عند ذلك أضمروا له الشر وأرادوا به الهموم، فحاربه طلحة والزبير وخذله سعد. ولا تنس بأن عثمان بن عفان لم يمت حتي كون لعلي منافسا جديدا هو أخطر منهم جميعا وأشد مكرا ودهاء وأكثرهم عدة وعددا فقد مهد له عثمان للاستيلاء علي الخلافة بأن ضم له تحت ولايته التي دامت عشرين عاما أهم الولايات والتي تجمع أكثر من ثلثي العائدات للدولة الإسلامية بأسرها. وهذا المنافس هو معاوية الذي لم يكن له دين ولا خلق وليس له شغل إلا الوصول إلي الخلافة بأي ثمن وعن أي طريق. ومع ذلك فإن أمير المؤمنين عليا لم يجير الناس علي البيعة بالقوة والإكراه كما فعل الخلفاء من قبله، ولكنه تقيد (سلام الله عليه) بأحكام القرآن والسنة ولم يغير ولم يبدل أبدا، ألم تقرأ قوله لسعد: لقد بايعني المهاجرون والأنصار علي أن أعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه، فإن رغبت بايعت وإلا

جلست في دارك فإني لست مكرهك عليه؟ هنيئا لك يا ابن أبي طالب يا من أحييت القرآن والسنة بعدما أماتهما غيرك من قبلك، فهذا كتاب الله ينادي: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه ومن أوفي بما عاهد عليه الله [ صفحه 199] فسيؤتيه أجرا عظيما (الفتح: 10) وقوله تعالي: أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين (يونس: 99). فلا إكراه في الدين، ولا بيعة بالإكراه في الإسلام، ولم يأمر الله نبيه أن يقاتل الناس ليبايعوه. وهذه سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وسيرته الشريفة تحدثنا بأنه لم يكره أحدا من الناس علي بيته أبدا. ولكن الخلفاء والصحابة هم الذين سنوا تلك البدعة وهددوا الناس بالقتل إن لم يدخلوا في بيعتهم. وإذا كانت فاطمة نفسها هددت بالحرق إن لم يخرج المتخلفون في بيتها للبيعة! وإذا كان علي نفسه وهو الذي نصبه رسول الله للخلافة يسلطون عليه السيف ويقسمون بالله ليقتله إن لم يبايع، فلا تسأل عن بقية الصحابة المستضعفين، أمثال عمار وسلمان وبلال وغيرهم. والمهم أن سعد بن أبي وقاص امتنع عن بيعة علي كما امتنع عن سبه لما أمره معاوية بذلك كما جاء في صحيح مسلم. ولكن هذا لا يكفي سعدا ولا يضمن له الجنة، لأن مذهب الاعتزال الذي أسسه تحت شعار: أنا لست معك ولست ضدك لا يقبله الإسلام ولا يعترف به، لأن الإسلام يقول: ليس بعد الحق إلا الضلال. ولأن كتاب الله وسنة رسوله قد رسما معالم الفتنة وأخبرا بها ووضعا لها حدودا ليهلك من هلك عن بينة وينجو من نجا عن بينة. وقد بين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كل

شئ بقوله في علي: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار. وقد بين الإمام علي الأسباب والدوافع التي منعت سعدا من الانضمام إليه ورفضه بيعته عندما قال في الخطبة الشقشقية: فصغي رجل منهم لضغنه. [ صفحه 200] ويقول الشيخ محمد عبده في شرح هذا المقطع. كان سعد بن أبي وقاص في نفسه شئ من علي (كرم الله وجهه) من قبل أخواله لأن أمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس ولعلي في قتل صناديدهم ما هو معروف ومشهور [184] . فالحقد الدفين والحسد أعمي بصيرة سعد فلم يعد يري لعلي ما يراه لخصومه، فقد نقل عنه أنه لما ولاه عثمان ولاية الكوفة خطب فيهم قائلا: أطيعوا خير الناس أمير المؤمنين عثمان. فسعد بن أبي وقاص كان هواه مع عثمان في حياته وحتي بعد مقتله، وبذلك نفهم اتهامه بالمشاركة في قتل عثمان عندما كتب لعمرو بن العاص بقوله: إن عثمان قتل بسيف سلته عائشة وسمه ابن أبي طالب. إنه اتهام باطل يشهد التاريخ علي كذبه فلم يكن لعثمان في محنته أكثر نصحا ومواساة من علي لو كان له رأي يطاع. والذي نستخلصه من مواقف سعد المتخاذلة: هو بالضبط ما وصفه به الإمام علي بأنه صاحب ضغينة، فهو رغم معرفته بحق علي إلا أن الضغينة والحقد وقفا حائلا بينه وبين الحق، فبقي حائرا متخيرا بين ضمير يوبخه ويوقظ فيه شعلة الإيمان وبين نفس مريضة أقعدتها عادات الجاهلية فصغت لضغنها، وتغلبت نفس سعد الإمارة بالسوء علي ضميره فتردت به وأقعدته عن نصرة الحق. والدليل علي ذلك ما أخرجه المؤرخون عن مواقفه المحيرة، ذكر ابن كثير في

تاريخه قال: دخل سعد بن أبي وقاص علي معاوية بن أبي سفيان فقال له: ما لك لم تقاتل عليا؟ قال سعد: إني مرت بي ريح مظلمة فقلت: أخ، أخ وأنخت راحلتي حتي انجلت عني ثم عرفت الطريق فسرت. [ صفحه 201] فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ، أخ، ولكن قال الله تعالي: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله (الحجرات / 9)، فوالله ما كنت مع الباغية علي العادلة، ولا مع العادلة علي الباغية. فقال سعد: ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله: أنت مني بمنزلة هارون من موسي غير أنه لا نبي بعدي. فقال معاوية: من سمع هذا معك؟! فقال: فلان وفلان وأم سلمة، فقام معاوية فسأل أم سلمة فحدثته بما حدث سعد، فقال معاوية: لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادما لعلي حتي يموت أو أموت [185] . ونقل المسعودي في تاريخه مثل هذه المحاورة بين معاوية وسعد بن أبي وقاص. وذكر أن معاوية قال لسعد بعدما حدث بحديث المنزلة: ما كنت عندي قط ألام منك الآن، فهلا نصرته؟ ولم قعدت عن بيعته؟ فإني لو سمعت من النبي صلي الله عليه وآله وسلم مثل الذي سمعت فيه، لكنت خادما لعلي ما عشت [186] . وما رواه سعد بن أبي وقاص لمعاوية في فضل علي هو حديث واحد من بين مئات الأحاديث التي تصب كلها في مصب واحد وتهدف كلها إلي هدف واحد ألا هو أن علي بن أبي طالب هو الشخص الوحيد الذي يمثل الرسالة الإسلامية بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولا يقدر عليها

غيره، وما دام الأمر كذلك فجدير بكل المؤمنين الصالحين أن يخدموه طيلة حياتهم. فليس قول معاوية بأنه لو سمع مثل هذا الحديث قبل اليوم لكان خادما لعلي ما عاش، إلا حقا يفتخر به كل مؤمن ومؤمنة. ولكن معاوية لم يقل ذلك إلا استهزاء وسخرية من سعد بن أبي وقاص كي يشتمه باللؤم ويهينه، لأنه أمتنع عن سب علي ولعنه ولن ينفذ رغبته في ذلك. [ صفحه 202] وإلا فإن معاوية يعرف أكثر من حديث المنزلة في فضل ابن أبي طالب ويعرف أيضا بأنه أولي الناس بعد الرسول وذلك ما صرح به في الرسالة التي بعث بها إلي محمد بن أبي بكر والتي سيأتي ذكرها إن شاء الله قريبا. وهل امتنع معاوية عن سب ولعن أمير المؤمنين عندما علم من سعد بذلك الحديث وأكدته له أم سلمة عندما سألها؟ كلا، إنه تمادي في غيه أكثر وأخذته العزة بالإثم فأصبح يلعن عليا وكل أهل بيته وحمل الناس علي ذلك حتي شب عليه الصغير وهرم عليه الكبير وتواصل ذلك ثمانين عاما أو أكثر. فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين (آل عمران: 61). صدق الله العلي العظيم

عبدالرحمان بن عوف

كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسماه النبي صلي الله عليه وآله وسلم عبد الرحمن وهو من بني زهرة وهو ابن عم سعد بن أبي وقاص. هو من كبار الصحابة ومن المهاجرين الأولين وشهد مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم المشاهد كلها، وهو أيضا من السنة الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة، بل جعله رئيسا علي مجلس الشوري والمقدم عليهم جميعا

إذ قال: وإذا اختلفتم فكونوا في الشق الذي فيه عبد الرحمان بن عوف. وهو أيضا من العشرة المبشرين بالجنة في اعتقاد أهل السنة والجماعة. وعبد الرحمان بن عوف كما هو مشهور من التجار الكبار في قريش والذي ترك ثروة ضخمة وأموالا بلغت حسب المؤرخين: ألف بعير ومائة فرس وعشرة آلاف شاة، وأرضا كانت تزرع علي عشرين ناضحا، وخرجت كل واحدة من نسائه الأربع بنصيبها من المال الذي تركه فكان أربعة وثمانين ألفا [187] . [ صفحه 203] وعبد الرحمان بن عوف هو صهر عثمان بن عفان لأنه تزوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أخت عثمان لأمه. وقد عرفنا من خلال كتب التاريخ أنه لعب دورا كبيرا لإبعاد علي عن الخلافة بشرطه الذي اشترطه عليه في تحكيم سنة الخليفتين أبي بكر وعمر، لعلمه مسبقا بأن عليا لا يقبل بذلك الشرط أبدا لأن سنتهما مخالفة للكتاب والسنة النبوية. وهذا وحده يكفينا دليلا علي تعصب عبد الرحمان للبدع الجاهلية وبعده عن السنة المحمدية ومشاركته الفعالة في المؤامرة الكبري للقضاء علي العترة الطاهرة وإبقاء الخلافة في حوزة قريش تتحكم فيها كيف شاءت. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، قال المسور: طرقني عبد الرحمان بعد هجيع من الليل فضرب الباب حتي استيقظت، فقال: أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعدا فدعوتهما له فشاورهما ثم دعاني فقال: أدع لي عليا فدعوته فناجاه حتي ابهار الليل ثم قام علي من عنده وهو علي مطمع، وقد كان عبد الرحمان يخشي من علي شيئا. ثم قال: أدع لي عثمان فدعوته فناجاه حتي فرق بينهما المؤذن بالصبح. فلما صلي للناس

من الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلي من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلي أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمان ثم قال: أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعل علي نفسك سبلا، ثم قال مخاطبا لعثمان: أبايعك علي سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمان وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون [188] . والباحث يفهم من هذه الرواية التي أخرجها البخاري بأن المؤامرة قد دبرت بليل، ويفهم أيضا الدهاء الذي يتمتع به عبد الرحمان بن عوف وأن اختيار عمر له لم يكن عفويا. [ صفحه 204] تأمل في قول الراوي وهو المسور: فدعوت له عليا فناجاه ثم قام علي من عنده وهو علي مطمع. وهذا يدلنا علي أن عبد الرحمان بن عوف هو الذي أطمع عليا في الخلافة حتي لا ينسحب علي من الشوري المزيفة ويتسبب لهم في انقسام الأمة مرة أخري كما وقع عقيب بيعة أبي بكر في السقيفة، ويؤكد صحة هذا الاحتمال قول المسور: وقد كان عبد الرحمان يخشي من علي شيئا. من أجل ذلك لعب عبد الرحمان دور المراوغ المخادع فطمأن عليا في الليل وهنأه بالخلافة، لما أصبح وحشر أمراء الأجناد وحضر رؤوس القبائل وزعماء قريش عند ذلك انقلب عبد الرحمان ليفاجئ عليا بأن الناس لا يعدلون بعثمان وأن عليه أن يقبل وإلا سيجعل علي نفسه سبيلا (يعني يقتلونه إن رفض البيعة لمن اختاروه وهو عثمان بن عفان). وإن الباحث ليفهم ذلك بوضوح خصوصا عندما يقرأ هذه الفقرة الأخيرة من الرواية، يقول المسور: فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمان ثم قال:

أما بعد يا علي إني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعل علي نفسك سبيلا. فلماذا يوجه عبد الرحمان خطابه إلي علي وحده من بين الحاضرين، ولماذا لم يقل مثلا: أما بعد يا علي ويا طلحة ويا زبير؟! من أجل ذلك فهمنا بأن الأمر دبر بليل وأن الجماعة كانوا متفقين من البداية علي عثمان وإبعاد علي عنها. ولنا أن نجزم بأنهم جميعا كانوا يخشون من علي لو وصل إلي لخلافة أن يعود بهم إلي العدالة والمساواة ويحيي لهم سنة النبي، ويميت بدعة ابن الخطاب في المفاضلة خصوصا وأن عمر بن الخطاب قد أشار قبل موته إلي ذلك وحذرهم من خطر علي عليهم، فقال: لو ولوها الأجلح لحملهم علي الجادة والجادة هي السنة النبوية التي لا يحبها عمر ولا تحبها قريش عامة، ولو كانوا يحبون سنة النبي لولوا عليا ولحملهم عليها ولردهم إليها، فهو نائبها والقائم عليها. [ صفحه 205] وكما قدمنا في بحث طلحة والزبير وسعد بأنهم زرعوا الشوك وحصدوا الخسران والندامة. فلننظر إلي عبد الرحمان بن عوف وما آل إليه تدبيره، يقول المؤرخون بأن عبد الرحمان بن عوف ندم أشد الندم لما رأي عثمان خالف سنة الشيخين وأعطي المناصب والولايات إلي أقاربه وحاباهم بالأموال الطائلة، فدخل عليه وعاتبه وقال: إنما قدمتك [189] علي أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال عثمان: إن عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في الله، قال عبد الرحمان: لله علي أن لا أكلمك أبدا، فلم يكلمه حتي مات وهو هاجر لعثمان، ودخل عليه عثمان عائدا له في مرضه فتحول عنه إلي الحائط ولم يكلمه [190]

. وبهذا يكون الله سبحانه قد استجاب دعاء الإمام علي في عبد الرحمان كما استجابه في طلحة والزبير فقتلا من يومهما. يقول ابن أبي الحديد المعتزلي ي شرح النهج إن عليا غضب يوم الشوري وعرف ما دبره عبد الرحمان بن عوف فقال له: والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دق الله بينكما عطر منشم [191] . ويقصد الإمام علي بأن عبد الرحمان طمع أن يستخلفه عثمان من بعده كما فعل أبو بكر بعمر، وقد قال له علي: أحلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم ليرده عليك غدا. أما عطر منشم الذي دعا به علي عليهما فهو مثل سائر يقال: أشأم من عطر منشم وهو يدل علي النفور والمقاتلة. [ صفحه 206] واستجاب الله دعاء الإمام فلم تمض سنوات قليلة حتي ضرب الله بينهم العداوة والبغضاء وإذا بعبد الرحمان يعادي صهره ولا يكلمه حتي الموت ولا يأذن له بالصلاة علي جنازته. ويتجلي لنا أيضا من هذا البحث الوجيز أن عبد الرحمان بن عوف هو رأس من رؤوس قريش الذين عملوا علي طمس السنة النبوية وإبدالها ببدع الخليفتين. كما يتجلي لنا بأن الإمام عليا (عليه السلام) هو الوحيد الذي ضحي بالخلافة وما فيها من أجل الحفاظ علي السنة المحمدية التي جاء بها أخوه وابن عمه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلي آله الطيبين الطاهرين. وأنت أيها القارئ الكريم لا شك بأنك عرفت أهل السنة والجماعة علي حقيقتهم كما عرفت بنفسك من هم أهل السنة، فالمؤمن غر كريم ولكنه لا يلدغ من جحر مرتين. -

عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين

هي زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأم المؤمنين. تزوجها النبي صلي

الله عليه وآله وسلم في السنة الثانية أو الثالثة للهجرة وتوفي عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة علي أشهر الأقوال المروية. وتجدر الإشارة بأن كل امرأة تزوجها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تحمل هذا اللقب، فيقال أم المؤمنين خديجة أم المؤمنين حفصة، وأم المؤمنين مارية الخ. أقول هذا لأني فوجئت خلال حديثي مع كثير من الناس بأنهم لم يفهموا معني الأمومة التي لقب بها أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وبما أن حديث أهل السنة كله عن عائشة إذا تحدثوا عن أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأغلب الأحاديث النبوية ينقلونها عن عائشة ونصف الدين يأخذونه عن الحميراء عائشة. فكأنهم فهموا من كلمة أم المؤمنين أنها فضيلة تحصها من بين سائر أزواجه عليه الصلاة والسلام وعلي آله. [ صفحه 207] والحال أن الله حرم علي المؤمنين الزواج بنساء النبي بعد وفاته بقوله تعالي: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم عند الله عظيما (الأحزاب: 53) وقال أيضا: النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم (الأحزاب: 6). وقد سبق أن أشرنا بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم تأذي من قول طلحة لما سمعه يقول: إذا مات محمد تزوجت عائشة بنت عمي. فأراد الله سبحانه أن يقول للمؤمنين بأن نساء النبي حرام عليكم نكاحهن كحرمة أمهاتكم. مع العلم بأن عائشة كانت عقيما فلم تحمل ولم تخلف وكانت من أكبر الشخصيات التي عرفها تاريخ المسلمين، إذ أنها لعبت أكبر الأدوار في تقريب البعض من الخلافة وإبعاد البعض عنها، وعملت علي تزكية قوم وإقصاء آخرين. وشاركت في الحروب وقادت المعارك والرجال، وكانت تبعث بالرسائل لرؤساء

القبائل وتأمر وتنهي وتعزل أمراء الجيوش وتؤمر آخرين وكانت قطب الرحي في معركة الجمل وعمل طلحة والزبير تحت قيادتها. ونحن لا نريد الإطالة في سرد أدوار حياتها فقد وافينا البحث عنها في كتاب فاسألوا أهل الذكر فعلي الباحثين مراجعته إن أرادوا معرفة ذلك. ولكن الذي يهمنا في هذا البحث هو اجتهادها وتغييرها لسنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا بد من إبراز بعض الأمثلة لكي نفهم من خلال سلسلة هؤلاء العظماء الذين هم مفخرة أهل السنة والجماعة والذين يقتدون بهم ويقدمونهم علي الأئمة الطاهرين من عترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وليس ذلك في الحقيقة إلا نزعة قبلية عملت علي محق السنة النبوية وطمس معالمها وإطفاء نورها، لولا وقوف علي والأئمة من ولده لما وجدنا اليوم من سنة النبي شيئا يذكر. وكما عرفنا بأن عائشة لم تمتثل لسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم تقم لها وزنا [ صفحه 208] وقد سمعت من زوجها أحاديث كثيرة في حق علي إلا أنها أنكرتها وعملت بعكسها. وعصت أمر الله وأمر رسوله لها بالذات وخرجت فقادت حرب الجمل المشؤومة التي انتهكت فيها المحارم، وقتلت الأبرياء وخانت العهد في الكتاب الذي كتبته مع عثمان بن حنيف وعندما جاؤوها بالرجال مكتفين أمرت بضرب أعناقهم صبرا وكأنها لم تسمع قول النبي (ص): سباب المسلم فسوق وقتاله كفر [192] . ودعنا من الحروب والفتن التي أشعلت نارها أم المؤمنين وأهلكت بها الحرث والنسل، وهيا بنا إلي تأولها هي الأخري والقول برأيها في دين الله، وإذا كان مجرد الصحابي له رأي وقوله حجة فكيف بمن يؤخذ نصف الدين عنها؟! أخرج البخاري في صحيحه من أبواب التقصير عن الزهري عن

عروة عن عائشة (رضي الله عنها قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتان فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر. قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان [193] . أفلا تعجب كيف تترك أم المؤمنين زوجة النبي صلي الله عليه وآله وسلم سنة رسول الله التي روتها بنفسها وصححتها، ثم تتبع بدعة عثمان بن عفان والتي كانت تحرض علي قتله بدعوي أنه غير سنة النبي وأبلاها قبل أن يبلي قميصه!؟ نعم ذلك ما وقع في عهد عثمان ولكنها غيرت رأيها في عهد معاوية بن أبي سفيان، وما أسرع أن تغير أم المؤمنين رأيها فقد حرضت علي قتل عثمان ولكنها لما عرفت بأنهم قتلوه وبايعوا عليا غيرت رأيها وبكت علي عثمان بكاء شديدا وخرجت للطلب بدمه هي أيضا. والمفهوم من الرواية أنها أتمت صلاة السفر وجعلتها أربع ركعات بدلا من ركعتين في زمن معاوية الذي كان حريصا علي إحياء بدع ابن عمه وولي نعمته عثمان بن عفان. [ صفحه 209] والناس علي دين ملوكهم، وكانت عائشة من أولئك الناس الذين صالحوا معاوية بعد العداء، فهو الذي قتل أخاها محمد بن أبي بكر ومثل به أشنع مثلة. ومع ذلك فإن المصالح الدنيوية المشتركة تجمع الأعداء وتوحد الأضداد، لذلك تقرب إليها معاوية وتقربت إليه وأصبح يبعث لها بالهدايا والعطايا والأموال الطائلة. يقول المؤرخون: إن معاوية لما قدم المدينة دخل علي عائشة لزيارتها، فلما قعد قالت له: يا معاوية أأمنت أن أخبئ لك من يقتلك بأخي محمد بن أي بكر؟ فقال معاوية: إنما دخلت بيت الأمان. فقالت: أما خشيت الله في قتل حجر بن عدي وأصحابه؟ فقال: إنما قتلهم من شهد عليهم [194] . وروي

أيضا أن معاوية كان يبعث لها بالهدايا والثياب وأشياء توضع في أسطوانها، وبعث لها مرة بمائة ألف دفعة واحدة [195] . كما بعث لها مرة أخري وهي بمكة طوقا قيمته مائة ألف كما قضي معاوية كل ديون عائشة التي بلغت ثمانية عشر ألف دينار وكل ما كانت تعطيه للناس [196] . وقد قدمنا في كتاب فاسألوا أهل الذكر أنها أعتقت في يوم واحد أربعين رقبة تكفيرا عن يمينها [197] . كما أن الولاة والأمراء من بني أمية كانوا يوصلونها ويبعثون لها بالهدايا والأموال أيضا [198] . [ صفحه 210] وإذا بحثنا عن هذا التقارب بين عائشة ومعاوية قلنا: متي كان البعد والعداء حتي نقول بالتقارب فأبو بكر هو الذي شارك معاوية في الحكم وولاه علي الشام بعد موت أخيه ومعاوية يشعر دائما بفضل أبي بكر عليه فلولاه لم يكن معاوية يحلم يوما بالوصول إلي الخلافة. ثم إن معاوية يلتقي مع الجماعة في مؤامرتهم الكبري لمحق السنة والقضاء علي العترة، وقد تقاسموا تلك المهمة فأحرقوا السنة وتركوا له القضاء علي العترة فأتم معاوية ما أوكل إليه حتي أجبر الناس علي لعن العترة، وبمؤامرته خرج الخوارج علي الإمام علي وبمؤامرته قتل علي وبمؤامرته قتل الحسن بن علي وقد دس له السم، وقضي يزيد ابنه من بعده علي بقية العترة. فليس بين معاوية وعائشة عداء حتي قولها أأمنت أن أخبئ لك من يقتلك بأخي محمد بن أبي بكر؟ لم يكن إلا مداعبة وإلا فإنها لا تحت ابن الخثعمية محمد بن أبي بكر والذي كان يحارب ضدها مع علي ويستحل قتلها. ثم هي تلتقي مع معاوية في بغض أبي تراب إلي أبعد الحدود وبحقد يفوق التصور والخيال. ولا أدري

أيهما المتفوق في ذلك، أهو الذي حاربه وسبه ولعنه وعمل علي إطفاء نوره؟ أ هي التي عملت علي إبعاده عن الخلافة وحاربته وعملت علي محو اسمه فكانت لا تذكر اسمه ولما بلغها خبر قتله سجدت شكرا لله؟ وقد بقي بغضها لولده من بعده إلي أن منعت أن يدفن الإمام الحسن بجانب جده، وخرجت تصيح راكبة علي بغلة تستنفر بني أمية وتستعين بهم علي بني هاشم قائلة: لا تدخلوا بيتي من لا أحب، وأرادت أن تشعل حربا أخري، حتي قال لها بعض أقاربها: ألا يكفينا يوم الجمل الأحمر حتي يقال يوم البغلة الشهباء. وهي بلا شك واكبت مسيرة كبري من حكم بني أمية وسمعتهم يلعنون عليا وأهل البيت علي المنابر، فما أنكرت ذلك ولا نهت عنه ولعلها كانت تشجع علي ذلك من طرف خفي. [ صفحه 211] فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده قال: جاء رجل فوقع في علي وعمار عند عائشة فقالت: أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا، وأما عمار فإني سمعت النبي يقول فيه لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما [199] . فلا نستغرب إذا من عائشة إذا أماتت سنة النبي وأحيت بدعة عثمان في إتمام الصلاة لإرضاء معاوية وحكام بني أمية الذين كانوا يتبعونها في حلها وفي ترحالها ويمجدونها ويأخذون الدين عنها. كما أن عائشة كانت تفتي لهم برضاعة الكبير وكانت تري أن الرجال يمكنهم أن يرضعوا من النساء فيصبحوا بذلك من محارمهن [200] . وما أخرجه الإمام مالك في موطأه تقشعر منه جلود المؤمنين والمؤمنات إذ يقول بأنها كانت تبعث بالرجال إلي أختها أم كلثوم وإلي بنات أخيها فيرضعوا منهن وتسبيح أم المؤمنين عائشة بعد تلك الرضاعة مقابلتهم بدون

حجاب [201] لأنهم علي رأيها أصبحوا من محارمها! وما علينا إلا أن نتصور أحد يتحمل بدعة عائشة ولو يجد في نفسه حرجا مما قضيت ويسلم تسليما. وأنا ألفت الباحثين والمحققين إلي هذه الطامة فهي وحدها كافية للكشف عن الحقيقة ولمعرفة الحق من الباطل. وبهذا يتبين لنا بأن (أهل السنة والجماعة) يعبدون الله بنصوص ما أنزل بها من سلطان، بدون تمحيص ولا تثبيت، ولو تبينوا تلك البدع لنفرت نفوسهم منها وتركوها طائعين. [ صفحه 212] هذا ما لا مسته شخصيا عند بعض (علماء السنة) المتحررين الذين عندما اطلعوا علي حديث رضاعة الكبير استغربوا وذهلوا وأكدوا بأنهم لم يسمعوا به أبدا. وهذه ظاهرة سارية عند (أهل السنة والجماعة) فكثير من الأحاديث التي يحتج بها الشيعة موجودة في صحاحهم وهو يجعلونها ويكفرون من يقول بها. (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) (التحريم: 10).

خالد بن الوليد

خالد بن الوليد بن المغيرة من بني مخزوم الملقب عند (أهل السنة والجماعة) بسيف الله. أبوه من أكبر الأثرياء الذين لا يقدر ثراؤهم بقيمة، يقول عباس محمود العقاد: كان أغني أبناء زمانه في صفوف الثراء المعروفة بينهم كافة، الذهب والفضة والبساتين والكروم والتجارة والعروض والخدم والجواري والعبيد، وسمي من أجل ذلك بالوحيد [202] . وأبوه هذا هو الوليد بن المغيرة الذي نزل فيه القرآن يتوعده بالنار وبئس القرار، فقال تعالي في شأنه: ذرني ومن خلقت وحيدا - وجعلت له مالا ممدودا - وبنين شهودا - ومهدت له تمهيدا - ثم يطمع أن أزيد - كلا إنه كان لآياتنا عنيدا - سأرهقه صعودا -

إنه فكر وقدر - فقتل كيف قدر - ثم قتل كيف قدر - ثم نظر - ثم عبس وبسر - ثم أدبر واستكبر - فقال إن هذا إلا سحر يؤثر - إن هذا إلا قول البشر - سأصليه سقر (المدثر: 11 - 26). ويروي أن الوليد جاء للنبي صلي الله عليه وآله وسلم يغريه بالأموال ليترك الذين الجديد فأنزل الله فيه: ولا تطع كل حلاف مهين - هماز مشاء بنميم - مناع للخير معتد [ صفحه 213] أثيم - عتل بعد ذلك زنيم - أن كان ذا مال وبنين - إذا تتلي عليه آياتنا قال أساطير الأولين - سنسمه علي الخرطوم (القلم: 10 - 16). وكان الوليد يعتمد بأنه أحق وأولي بالنبوة من محمد فكان يقول: أينزل القرآن والنبوة علي محمد الفقير وأترك أنا كبير قريش وسيدها؟ وعلي هذه، مفيدة تربي خالد بن الوليد حاقدا علي الإسلام وعلي نبي الإسلام الذي سفه أحلام أبيه وقوض عرشه فشارك خالد في الحروب كلها ضد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. ولا شك بأن خالدا كان يشارك أباه في اعتقاده بأنه أولي بالنبوة من محمد الفقير اليتيم ولأن خالدا كأبيه من عظماء قريش إن لم يكن أعظمهم علي الإطلاق، فلو نزل القرآن والنبوة علي أبيه لكان لخالد منهما النصيب الأوفر ولورث النبوة والملك كما ورث سليمان داود. وقد سجل الله سبحانه اعتقادهم هذا بقوله: ولما جائهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون - وقالوا لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم (الزخرف: 30 - 31). فلا غرابة أن يعمل كل ما في وسعه للقضاء علي محمد ودعوته وقد رأيناه يجهز جيشا كبيرا بما أتاح

له الثراء في غزوة أحد ويكمن للنبي صلي الله عليه وآله وسلم محاولا القضاء عليه، وقد حاول أيضا عام الحديبية أن يغتال النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولكن الله سبحانه أفشل مخططاته كلها فباءت بالفشل ونصر نبيه في المواطن كلها. ولما عرف خالد كغيره من عظماء قريش بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا يقهر، ورأي الناس يدخلون في دين الله أفواجا، عند ذلك استسلم للأمر الواقع وفي نفسه حسرة، فكان إسلامه متأخرا إلي السنة الثامنة للهجرة وقبل فتح مكة بأربعة شهور. ودشن خالد إسلامه بمخالفة أوامر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حيث نهاهم عن القتال فدخل خالد إلي مكة يوم الفتح بعد ما قتل أكثر من ثلاثين رجلا أغلبهم من قريش وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم أوصاهم بأن لا يقتلوا أحدا. [ صفحه 214] ومهما اعتذر المعتذرون عن خالد بأنه صد عن الدخول إلي مكة وأنه شهروا في وجهه السلاح، فهذا لا يبيح له القتال بعد نهي النبي عنه، وكان بوسعه أن يرجع إلي باب آخر فيدخله بدون قتال، كما فعل الآخرون، أو أن يبعث للنبي صلي الله عليه وآله وسلم يستشيره في قتال الذين منعوه الدخول. ولكن شيئا من ذلك لم يكن، واجتهد خالد برأيه مقابل النص الذي سمعه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وما دمنا نتحدث عن الاجتهاد مقابل النص والذي أصبح له أنصار ومؤيدون، أو قل أصبحت له مدرسة قائمة تخرج منها عظماء الصحابة والمشرعون وسميت فيما بعد بمدرسة الخلفاء، لا بد لنا من الإشارة هنا بأن الاجتهاد بهذا المعني هو معصية الله ورسوله لا غير، ولأننا ألفنا اصطلاح الاجتهاد مقابل النص

فأصبح وكأنه أمر مشروع، وفي الحقيقة يجب أن نقول: وعصي خالد أمر النبي بدل أن نقول: واجتهد خالد برأيه مقابل النص كما علمنا القرآن عندما قال: وعصي آدم ربه فغوي (طه: 121)، لأن الله نهاه عن الأكل من الشجرة ولأن آدم أكل منها، فلا تقول: فاجتهد آدم برأيه مقابل النص. ويجب علي المسلم أن يقف عند حده ولا يقول برأيه في مسألة ورد فيها أمر أو نهي من الله أو من رسوله، لأن ذلك هو الكفر الصريح. قال الله للملائكة: اسجدوا لآدم، فهذا أمر، فسجدوا (طه / 116)، وهذا إيجاب وامتثال وطاعة. إلا إبليس فإنه اجتهد برأيه فقال: أنا خير منه فكيف أسجد له؟ وهنا عصيان وتمرد، بقطع النظر عمن هو خير، آدم أم إبليس؟ ولذلك قرر سبحانه: ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة (الأحزاب: 36). وإلي هذا أشار الإمام جعفر الصادق عندما قال لأبي حنيفة: لا تقس فإن [ صفحه 215] الشريعة إذا قيست محقت، وإن أول من قاس إبليس عندما قال: أنا خير منه خلقني من نار وخلقته من طين. وقوله: إن الشريعة إذا قيست محقت هو أحسن تعبير للدلالة علي فساد القياس، فلو استعمل الناس آراءهم المختلفة مقابل النصوص فلا ولن يبق للشريعة أثر، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض. ونعود بعد هذا العرض الوجيز للاجتهاد لنقول في هذه المرة بأن خالد بن الوليد عصي أمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مرة أخري عندما بعثه إلي بني جذيمة يدعوهم إلي الإسلام ولم يأمره بقتال. فذهب إليهم وأوقع فيهم وغدر بهم بعدما أعلنوا إسلامهم وقتلهم صبرا، حتي أتهمه عبد الرحمان بن عوف

- الذي حضر معه تلك الوقعة - بأنه إنما قتلهم ليثأر لعميه اللذين قتلهما بنو جذيمة [203] . ولما سمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بتلك الوقعة الشنيعة تبرأ إلي الله مما صنع خالد ثلاث مرات، ثم أرسل إليهم علي بن أبي طالب بأموال كثيرة فودي لهم كل الدماء التي أهرقها خالد. ومهما يعتذر المعتذرون من أهل السنة والجماعة عن خالد بن الوليد، فإن صفحات تاريخه حافلة بالمآسي والمعاصي لكتاب الله وسنة رسوله، ويكفي الباحث أن يقرأ تاريخه وما فعله في اليمامة أيام أبي بكر، وغدره بمالك بن نويرة وقومه وكيف قتلهم صبرا وهم مسلمون ودخل بزوجة مالك ونكحها في ليلتها ولم يراع في ذلك شرع الإسلام ولا مروءة العرب. حتي أن عمر بن الخطاب مع تساهله في الأحكام إلا أنه شنع عليه وسماه عدو الله وتوعده بالرجم. [ صفحه 216] وعلي الباحثين أن يراجعوا التاريخ بعين البصيرة ومن وجهة النقد البناء الذي يوصلهم إلي الحقيقة بكل تجرد وحياد ولا تأخذهم العصبية المذهبية فيقوموا الأشخاص من خلال الأحاديث المكذوبة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، لأن أهل السنة والجماعة وهم بنو أمية في الواقع يمسحون الأحداث التاريخية بحديث واحد يضعونه من عندهم ليقطعوا به الطريق علي الباحثين فلا يصلون إلي الحقيقة. وما أسهل أن يقول أحدهم: قال رسول الله لخالد بن الوليد: مرحبا بسيف الله: فيأخذ هذا الحديث المكذوب مأخذه من نفوس المسلمين الأبرياء الذين يحسنون الظن ولا يعرفون خفايا الأمور ودسائس الأمويين، فيتأولون بعد هذا الحديث الموضوع كل ما يقال في خالد من حقائق ويلتمسون لها أعذارا. وهذا ما يسمي بالتأثير النفسي علي الأشخاص وهو الداء العضال الذي يحجب الإنسان عن

الحق ويقلب الواقع تماما. خذ لذلك مثلا، أبا طالب عم النبي صلي الله عليه وآله وسلم قيل إنه مات علي الكفر وإن النبي قال فيه: أبو طالب في ضحضاح من نار يغلي منها دماغه. ومن أجل هذا الحديث المكذوب يعتقد أهل السنة والجماعة بأن أبا طالب مشرك وهو في النار ولا يتقبلون بعد ذلك التحليل العقلي الذي يوصلهم إلي الحقيقة وبهذا الحديث تنسف كل حياة أبي طالب وجهاده في سبيل الإسلام من أجل دعوة ابن أخيه حتي عافاه قومه وعاداهم إلي أن رضي بالحصار في شعب مكة لمدة ثلاث سنين مع ابن أخيه يأكل خلالها أوراق الشجر، وتنسف كل مواقفه البطولية وأشعاره العقائدية في نصرة دعوة النبي، وكذلك يعفي كل ما فعله النبي في حق عمه وكيف غسله وكفنه في قميصه ونزل في قبره وسمي ذلك العام بعام الحزن وقال: والله ما نالت مني قريش إلا بعد موت أبي طالب، وإن الله أوحي إلي أن أخرج منها فقد مات ناصرك، فهاجر من مكة في يومه. وخذ لذلك مثلا أبا سفيان بن حرب والد معاوية، قيل إنه أسلم بعد فتح مكة وقال النبي فيه: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. ومن أجل هذا الحديث الذي ليس فيه فضل ولا فضيلة يعتقد أهل السنة [ صفحه 217] والجماعة بأن سفيان أسلم وحسن إسلامه وهو في الجنة لأن الإسلام يجب ما قبله. ولا يتقبلون بعد ذلك التحليل العقلي الذي يوصلهم إلي الحقيقة، وبهذا الحديث أيضا يعفي كل ما فعله أبو سفيان تجاه صاحب الرسالة ودعوته، وتنسي كل الحروب التي قادها ومولها للقضاء علي محمد، وينسي حقده وبغضه للنبي حتي أنه لما جاؤوا به وقالوا له أسلم وإلا

ضربنا عنقك قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقالوا: قل: أشهد أن محمدا رسول الله فقال: أما هذه ففي نفسي شئ منها. وكان إذا اجتمع بالنبي بعد استسلامه يقول في نفسه: بأي شئ غلبني هذا؟ فيقول له النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالله عليك يا أبا سفيان. فهذان مثلان ضربتهما من واقعنا الإسلامي حتي يتبين للباحثين مفعول التأثير النفسي علي الناس وكيف يحجبهم عن الحق، ومن هذا نفهم بأن أهل السنة والجماعة غلفوا الصحابة بهالة من الأحاديث المكذوبة أكسبتهم حصانة وقدامة في نفوس الغافلين فلم يعودوا يتقبلون فيهم نقد الناقدين ولومة اللائمين. وإذا اعتقد المسلم بأن هؤلاء بشرهم رسول الله بالجنة فلا يتقبل بعد ذلك فيهم أي قول وكل ما فعلوه يهون ويلتمس لهم فيه أعذار أو تأويلات هذا إذا لم يغلق الباب من أوله. ولذلك وضعوا لكل واحد من كبرائهم لقبا نسبوه للرسول صلي الله عليه وآله وسلم فهذا صديق وهذا فاروق وهذا ذو النورين، وهناك حب رسول الله وهناك حواري رسول الله وهناك حبيبه رسول الله، وهناك أمين الأمة وهناك راوية الإسلام، وهناك كاتب الوحي، وهناك صاحب النعلين، وحجام الرسول وسيف الله المسلول، وغير ذلك. وكلها في الحقيقة لا تسمن ولا تغني من جوع في ميزان الحق عند الله إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إنما الذي ينفع عند الله ويضر هو الإعمال. [ صفحه 218] والتاريخ هو خير شاهد علي الأعمال وبها نقيم شخصية الإنسان وقيمته ولا نقيم الإنسان مما يقال فيه كذبا وبهتانا. وهي بالضبط مقولة الإمام علي: اعرف الحق تعرف أهله. وبما أننا درسنا التاريخ وعرفنا ما فعله خالد بن الوليد

وعرفنا الحق من الباطل فلا يمكن لنا أن نسميه سيف الله، ويحق لنا أن نسأل متي لقبه رسول الله بذلك، هل سماه سيف الله عندما قتل أهل مكة يوم الفتح وقد عرفنا بأنه صلي الله عليه وآله وسلم نهاه عن القتال؟ أم عندما بعثه مع سرية زيد بن حارثة إلي مؤتة وقال: إذا قتل زيد، فجعفر بن أبي طالب وإذا قتل جعفر فعبد الله بن رواحة، ولم يعينه حتي في المرتبة الرابعة لقيادة الجيش، وبعد مقتل الثلاثة لاذ خالد بالفرار من المعركة بمن بقي من الجيش؟ أم لقبه بسيف الله عندما خرج معه إلي غزوة حنين صحبة اثني عشر ألف مقاتل فأعطي بالأدبار وولي هاربا تاركا رسول الله في المعركة ومعه اثنا عشر رجلا؟ وإذا كان الله يقول: ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئيس المصير (الأنفال: 16). فكيف يسمح لسيفه بالهروب؟ إنه حق أمر عجيب! وأنا أعتقد أن خالدا لم يكن يعرف هذا اللقب في حياة النبي أصلا ولم يقله رسول الله أبدا، وغاية ما هناك أن أبا بكر هو الذي أعطي لخالد هذا الوسام عندما بعثه لإسكات الثائرين عليه من أجل الخلافة وفعل بهم ما فعل ونقم عليه عمر بن الخطاب وقال لأبي بكر: إن سيف خالد لرهقا وهو أعرف الناس به وأقربهم إليه، عند ذلك قال أبو بكر لعمر: إن خالدا سيف من سيوف الله سله علي أعدائه، إنه تأول فأخطأ، (ومن هنا جاء هذا اللقب). وأخرج الطبري في الرياض النضرة أنه كان في بني سليم ردة فبعث إليهم أبو بكر خالد بن الوليد فجمع رجالا منهم في الحضائر وأضرم

عليهم النار فأحرقهم، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأتي أبا بكر فقال: تدع رجلا يعذب بعذاب الله عز وجل؟ [ صفحه 219] فقال أبو بكر: والله لا أشم سفا سله الله علي عدوه حتي يكون هو الذي يشيمه، ثم أمره فمضي من وجهه إلي مسيلمة [204] . ومن هنا سمي أهل السنة والجماعة خالدا ب " سيف الله المسلول ولو أن خالدا عصي أمر الرسول وحرق الناس بالنار ضاربا بالسنة عرض الجدار. فقد أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: إن النار لا يعذب بها إلا الله، وقوله أيضا: لا يعذب بالنار إلا ربها [205] . وقد قدمنا أن أبا بكر كان يقول قبل موته: يا ليتني لم أحرق الفجاءة السلمي! ونحن نقول يا ليت سائلا يسأل عمر بن الخطاب ويقول له: إذا كنت تعرف أنه لا يعذب بالنار إلا الله، فلماذا أقسمت غداة وفاة الرسول لتحرقن بيت الزهراء بمن فيها أو يخرجوا للبيعة؟ ولولا تليم علي وأمره الجماعة بالخروج للبيعة لنفذت فيم مرادك. وإن الشك يداخلني بعض الأوقات فأستبعد أن يكون عمر يعارض أبا بكر فلا يلتفت إليه وإلي معارضته، فهذا غريب. وقد رأينا أبا بكر لا يقف بوجه عمر ولا يثبت أمام معارضته حتي قال له غير مرة: لقد قلت لك بأنك أقوي مني علي هذا الأمر فغلبتني ومرة أخري لما اشتكي إليه المؤلفة قلوبهم فعل عمر بالكتاب الذي كتبه إليهم وأنه بصق فيه ومزقه، وسألوه: أأنت الخليفة أم عمر؟ فقاتل: بل هو إن شاء الله. ولذلك أقول: لعل المعارض له في أفعال خالد البشعة هو علي بن أبي طالب، ولكن المؤرخين الأولين كانوا كثيرا ما يتحاشون

ذكر اسمه فأبدلوه بعمر، كما وردت بعض الروايات المسندة إلي أبي زينب أو إلي رجل ويقصدون به عليا ولا يصرحون بذلك. وليس هذا إلا مجرد احتمال، أو أننا نقبل قول بعض المؤرخين بأن عمر بن [ صفحه 220] الخطاب كان يبغض خالدا ولا يطيق رؤيته لأنه يغار منه فقد استهوي خالد قلوب الناس بما حققه من انتصارات ويقال أبن خالدا صارع عمر في الجاهلية فغلبه وكسر رجله. والمهم أ، عمر عزل خالدا يوم تولي الخلافة ولكن لم يقم عليه الحد بالرجم كما وعده بذلك. وبالنتيجة إن خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب كانا مترادفين في الشدة والغطرسة كل منهما غظ غليظ القلب عمل كل منهما علي مخالفة السنة النبوية وعصيان النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد وفاته، كما كان كل منهما يبغض وصي النبي ويعمل علي إبعاده، وقد تآمر خالد مع عمر وأبي بكر علي اغتيال علي عقيب وفاة النبي [206] . ولكن الله سبحانه وتعالي نجاه منهم ليقضي أمرا كان مفعولا. ومرة أخري يتضح لنا بعد دراسة لشخصية خالد بن الوليد الذي يتغني به أهل السنة والجماعة بأنهم أكثر بعدا عن السنة النبوية وهم يقتدون بمن خالفها ونبذها وراء ظهره ولم يراع لها ولا لكتاب الله حرمة ولا احتراما.

ابوهريرة الدوسي

هو من الصحابة المتأخرين عن الإسلام وعلي حسب ترتيب الطبقات لابن سعد فهو يعد من الطبقة التاسعة أو العاشرة. قدم علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في آخر السنة السابعة للهجرة وبذلك يقول المؤرخون بأن صحبته للنبي صلي الله عليه وآله وسلم لم تتجاوز ثلاث سنين [207] . علي أكثر تقدير ومنهم من ينزل بتلك الصحبة إلي أقل من

سنتين باعتبار أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعثه مع ابن الحضرمي إلي البحرين فتوفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو بالبحرين. ولم يكن أبو هريرة من الذين عرفوا بجهاد أو شجاعة ولا من أولئك الدهاة المفكرين ولا من الفقهاء الحافظين ولم يكن يعرف القراءة والكتابة، وقدم علي [ صفحه 221] رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي ملء بطنه كما صرح هو بذلك وكما فهم النبي منه ذلك عندما أسكنه في أهل الصفة وكلما جئ للنبي بصدقة من الأكل بعث بها إليهم، وكان كما يروي هو عن نفسه كثير الجوع فيعترض طريق الصحابة ويمثل دور المصروع طمعا في أن يدخلوه إلي بيوتهم ويطعموه. ولكنه اشتهر بكثرة الأحاديث التي يرويها عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فبلغت مروياته ما يقرب من ستة آلاف حديث، وهذا ما ألفت نظر المحققين إليه ولأنه مع قلة الصحبة روي أحاديث ووقائع لم يحرضها أبدا. وجمع بعض المحققين مجموع مرويات الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين وأمهات المؤمنين وأهل البيت الطاهرين. فلم تبلغ كلها عشر معشار ما رواه أبو هريرة بمفرده، (مع العلم بأن من هؤلاء علي بن أبي طالب الذي صاحب النبي ثلاثين عاما). ومن ثم توجهت إلي أبي هريرة أصابع الاتهام ووصفته بالكذب والوضع والتدليس وقالوا بأنه أول راوية أتهم في الإسلام. ولكن أهل السنة والجماعة يلقبونه ب " راوية الإسلام ويحترمونه كثيرا ويحتجون به ولعل البعض منهم يعتقد بأنه أعلم من علي وذلك لحديث يرويه هو عن نفسه قال: قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه قال: أبسط رداءك فبسطته قال فغرف بيديه ثم قال: ضمه فضممته فما نسيت شيا

بعدها [208] . وأكثر أبو هريرة الرواية عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي ضربه عمر بن الخطاب بالدرة وقال له: قد أكثرت من الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا علي رسول الله. وذلك لرواية رواها أن الله خلق السماوات والأرض والخلق فعد سبعة أيام، فلما سمع بذلك عمر دعاه وطلب منه إعادة الحديث فلما أعاده ضربه عمر وقال: يقول الله في ستة أيام وأنت تقول في سبعة؟ فقال أبو هريرة: علني سمعته من كعب الأحبار، فقال عمر: ما دمت لا تفرق بين أحاديث النبي وكعب الأحبار فلا تحدث [209] . [ صفحه 222] كما يروي أن الإمام علي بن أبي طالب قال: ألا إن أكذب الأحياء علي رسول الله أبو هريرة الدوسي [210] . كما أن عائشة أم المؤمنين كذبته عدة مرات في عدة أحاديث كان يرويها عن رسول الله، فأنكرت عليه مرة وقالت له: متي سمعت رسول الله يقول ذلك؟ فقال لها: لقد شغلك عن حديث رسول الله (ص 9 المرآة والمكحلة والخضاب، ولما أصرت علي تكذيبه وشهرت به، وتدخل مروان بن الحكم وتثبت من صحة الحديث اعترف عند ذلك أبو هريرة وقال: إني لم أسمعه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وإنما سمعته من الفضل بن العباس [211] . وفي هذه الرواية بالخصوص اتهمه ابن قتيبة وقال فيه: لقد استشهد أبو هريرة بالفضل بن العباس بعد موته، ونسب الحديث إليه ليوهم الناس بأنه سمعه منه [212] . كما قال ابن قتيبة في كتابه تأويل مختلف الحديث: كان أبو هريرة يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كذا وكذا، وإنما سمعته من غيره. كما أن الذهبي أخرج

في كتابه أعلام النبلاء بأن يزيد بن إبراهيم سمع شعبة بن الحجاج يقول: كان أبو هريرة مدلسا. وجاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير أن يزيد بن هارون سمع شعبة يقول فيه ذلك أيضا يعني كان مدلسا، وكان يروي ما سمعه من كعب الأحبار ومن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولا يميز ين هذا وهذا. كما أن أبا جعفر الإسكافي قال: أبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية [213] . [ صفحه 223] وقد اشتهر أبو هريرة في حياته من بين الصحابة بالكذب والتدليس والإكثار من الأحاديث الموضوعة حتي أن بعضهم كان يستهزئ به ويطلب منه وضع الأحاديث لما يريد. فقد روي أن رجلا من قريش لبس جبة جديدة وأخذ يتبختر فيها ومر بأبي هريرة فقال له: يا أبا هريرة إنك تكثر الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئا؟ فقال أبو هريرة: سمعت أبا القاسم يقول: إن رجلا ممن كان قبلكم بينما كان يتبختر في حلته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتي تقوم الساعة، فوالله ما أدري لعله كان من قومك ورهطك [214] . وكيف لا يشك الناس في روايات أبي هريرة إذا كانت متناقضة، فقد يروي حديثا ثم يروي نقيضه وإذا عارضوه واحتجوا عليه بما رواه سابقا، يعرض عنهم أو يرطن بالحبشية [215] . وكيف لا يتهمونه بالكذب والوضع وقد شهد هو علي نفسه بأنه يحدث من جعبته وينسبه للنبي صلي الله عليه وآله وسلم. أخرج البخاري في صحيحه أن أبا هريرة قال: قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أفضل الصدقة ما ترك غني واليد العليا خير من

اليد السفلي، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة أما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الابن أطعمني إلي من تدعني، فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟! فقال: لا هذا من كيس أبي هريرة [216] . أنظر كيف يبدأ الحديث بقوله: قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم ثم بعد ذلك عندما ينكرون عليه ويستفهمونه، يعترف بوضعه ويقول هو من كيس أبي هريرة! [ صفحه 224] فهنيئا لأبي هريرة بهذا الكيس الملئ بالأكاذيب والأساطير والذي وجد له رواجا عند معاوية وبني أمية واكتسب من ورائه الجاه والسلطان والأموال والقصور فقد ولاه معاوية ولاية المدينة المنورة وبني له قصر العقيق وزوجه من المرأة الشريفة التي كان أبو هريرة يخدمها. وإذا كان أبو هريرة وزير معاوية المغرب فليس ذلك لفضله ولا لشرفه أو علمه ولكنه كان يحد عنده الأحاديث التي يريدها ويرويها وإذا كان بعض الصحابة يتلكأون في لعن أبي تراب ويجدون في ذلك حرجا، فإن أبا هريرة لعن عليا في عقر داره وعلي مسمع من شيعته. روي أبن أبي الحديد قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلي مسجد الكوفة، فلما رأي كثرة من استقبله من الناس جثا علي ركبتيه، ثم ضرب صلعته وقال: يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب علي رسول الله وأحرق نفسي بالنار، والله لقد سمعت رسول الله يقول: إن لكل نبي حرما وإن حرمي بالمدينة ما بين عير إلي ثور، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد أن عليا قد أحدث فيها. فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه المدينة [217] . ويكفينا دليلا

أنه كان واليا علي المدينة من قبل معاوية، ولا شك في أن المحققين والباحثين الأحرار سيشكون في كل من تولي عدو الله ورسوله وعادي ولي الله ورسوله. ولا شك في أن أبا هريرة لم يصل إلي ذلك المنصب الرفيع وهو ولاية المدينة عاصمة الإسلام، إلا للخدمات التي أسداها لمعاوية وحكام بني أمية، وسبحان مقلب الأحوال فقد جاء أبو هريرة إلي المدينة عريانا ليس له إلا نمرة يستر بها عورته ويستجدي المارة ليسدوا رمقه والقمل يجري فوق جلده. وإذا به فجأة يصبح والي المدينة المنورة يسكن قصر العقيق وعنده الأموال والخدم والعبيد ولا يتكلم الناس إلا بإذنه. [ صفحه 225] كل ذلك من بركات كيسه، فلا تنس ولا تتعجب فإنك تري اليوم نفس المسرحيات تتكرر والتاريخ يعيد نفسه فكم من معدم جاهل تقرب إلي الحاكم وانخرط في الحزب فأصبح سيدا مهابا يقيم الدنيا ويقعدها، يصول ويجول وتحت تصرفه الأموال التي لا تخضع للحساب والسيارات التي لا تخضع للرقابة والمأكولات التي لا تباع في الأسواق ومع كل ذلك فهو لا يحسن الكلام حتي بلغته ولا يفهم من معاني الحياة غير بطنه وفرجه غاية ما هنالك أن له كيسا مثل كيس أبي هريرة مع وجود الفارق طبعا، ولكن الهدف واحد هو إرضاء الحاكم والترويج له لدعم ملكه وتثبيت عرشه والقضاء علي أعدائه. وقد كان أبو هريرة يحب الأمويين ويحبونه من زمن عثمان بن عفان زعيمهم، فكان رأيه في عثمان مخالف لكل الصحابة من المهاجرين والأنصار، فهو يكفر الصحابة الذين شاركوا في قتل عثمان وألبوا عليه. ولا شك بأنه كان يتهم علي بن أبي طالب بقتل عثمان، ونفهم ذلك من حينه في مسجد الكوفة وقوله بأن عليا أجدث في

المدينة ويلعنه علي لسان النبي والملائكة والناس أجمعين. ولذلك ينقل ابن سعد في طبقاته أنه لما مات أبو هريرة سنة 59 كان ولد عثمان بن عفان يحملون سريره حتي بلغوا البقيع حفظا بما كان من رأيه في عثمان [218] . وإن لله في خلقه شؤونا، إذ يموت عثمان بن عفان سيد قريش وعظيمها مقتولا ويذبح بذبح النعاج وهو خليفة المسلمين الذي لقبوه بذي النورين والذي تستحي منه الملائكة كما يزعمون، ولا يغسل ولا يكفن ويعطل دفنه ثلاثة أيام ثم يدفن في مقرة اليهود. ويموت أبو هريرة الدوسي في العز والجاه وقد كان معدما ولا يعرف أحد قومه ولا عشيرته وليس له في قريش قرابة، فيحمله أولاد الخليفة الذين أصبحوا في عهد معاوية ولاة الأمور ويدفنونه في بقيع رسول الله! وهلم بنا الآن إلي أبي هريرة لنعرف موقفه من السنة النبوية. [ صفحه 226] أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: حفظت عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم [219] . وإذا قلنا في الأبحاث السابقة أن أبا بكر وعمر قد أحرقا السنة النبوية المكنونة ومنعا المتحدثين من نقلها، فها هو أبو هريرة يفصح بهذا الحديث عن المكنون ويؤكد ما ذهبنا إليه، ويعترف بأنه ما كان يحدث إلا بما يروق الخلفاء الحاكمين. وعلي هذا الأساس فإن أبا هريرة كان يملك كيسين أو وعاءين أحدهما كان يبثه وهو الذي تحدثنا عنه وفيه ما يشتهيه الحاكمون. وأما الوعاء الثاني الذي كتمه أبو هريرة ولم يحدث به خوفا من أن يقطع بلعومه فهو الذي يحوي الأحاديث الصحيحة للنبي صلي الله عليه وآله وسلم. ولو كان أبو

هريرة ثقة ما كان ليكتم الأحاديث الحقيقية ويبث الأوهام والأكاذيب لتأييد الظالمين، وهو يعلم بأن الله لعن من يكتم البينات. فقد أخرج له البخاري قوله: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديا، ثم تلو: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وإن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلوم النبي يشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون [220] . فكيف يقول أبو هريرة: لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يقول هنا حفظت عن رسول الله وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الوعاء الثاني لو بثثته قطع هذا البلعوم! وهل هذه إلا شهادة منه بأنه كتم الحق رغم الآيتين في كتاب الله؟! [ صفحه 227] وإذا كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه: ارجعوا إلي أهليكم فعلموهم [221] وقال: رب مبلغ أوعي من سامع. وأخرج البخاري أن النبي حرض وفد عبد القيس علي أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا به من وراءهم. فهل لنا أن نتساءل وهل للباحثين أن يتساءلوا لماذا قتل الصحابي عندما يتحدث بحديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويقطع منه البلعوم؟! فلا بد أن هناك سرا لا يحب الخلفاء إفشاءه وقد أشرنا إلي ذلك السر في الأبحاث السابقة من كتاب فاسألوا أهل الذكر ونوجز هنا بأنه يتعلق بالنص علي خلافة علي. وليس اللوم علي أبي هريرة فقد عرف قدره وشهد علي نفسه بأن الله لعنه ولعنه اللاعنون إذ كتم حديث النبي. ولكن

اللوم علي أهل السنة والجماعة الذي يجعلون من أبي هريرة راوية السنة، وهو يشهد بأنه كتمها ويشهد بأنه دلسها وكذب عليها ويشهد أيضا بأنها اختلطت عليه فلم يعرف حديث النبي من حديث غيره. وهذا كله من أحاديث واعترافات صحيحة جاءت في صحيح البخاري وغيره من صحاح أهل السنة والجماعة. كيف يطمئنون لرجل طعن في عدالته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأتهمه بالكذب فقال: إنه أكذب الأحياء علي النبي، واتهمه عمر بن الخطاب وضربه وهدده بالنفي، كما طعنت فيه عائشة وكذبته عدة مرات، وطعن فيه كثير من الصحابة وردوا أحاديثه المتناقضة فكان يعترف مرة ويرطن بالحبشية أخري وطعن فيه كثير من علماء الإسلام واتهموه بالكذب والتدليس والتكالب علي موائد معاوية وذهبه وفضته. فكيف يصح بعد كل هذا أن يصبح أبو هريرة راوية الإسلام ويأخذون عنه أحكام الدين؟ وقد أكد بعض العلماء المحققين بأن أبا هريرة هو الذي أدخل في الإسلام [ صفحه 228] عقائد اليهود والإسرائيليات التي ملأت كتب الحديث، أو أن كعب الأحبار اليهودي هو الذي أدخلها عن طريقه وبواسطته، فجاءت روايات تشبيه الله وتجسيمه ونظرية الحلول، والأقوال المنكرة في الأنبياء كلها عن أبي هريرة. فهل يتوب أهل السنة والجماعة إلي رشدهم ليعرفوا عمن يأخذون السنة الحقيقية وإذا ما سألوا فنقول لهم: تعالوا إلي باب مدينة العلم والأئمة من بنيه فهم حفظة السنة وهم أمان الأمة وهم سفينة النجاة وهم أئمة الهدي ومصابيح الدجي وهم العروة الوثقي وحبل الله المتين.

عبدالله بن عمر

هو من مشاهير الصحابة الذين كان لهم دور كبير في سير الأحداث التي وقعت في زمن الخلفاء الثلاثة وفي عهد بني أمية، ويكفي أن أباه عمر بن الخطاب ليكون عند أهل السنة والجماعة

معظما ومحبوبا، فهم يعدونه من أكبر الفقهاء ومن حفاظ الأحاديث النبوية، حتي أن الإمام مالكا اعتمد عليه في أكثر أحكامه، كما أنه أشبع كتاب الموطأ من أحاديثه. وإذا تصفحنا كتب أهل السنة والجماعة وجدناها حافلة بذكره والثناء عليه. غير أننا عندما نقرأ ذلك بعين الباحث البصير يتبين لنا بأنه كان بعيدا عن العدالة وعن الصدق وعن السنة النبوية وعن الفقه وعلوم الشريعة. وأول ما يلفت انتباهنا هو عداؤه الشديد وبغضه لسيد العترة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وصل به إلي حد الوقيعة فيه واعتباره من سوقة الناس. وقد قدمنا فيما سبق بأنه روج أحاديث مكذوبة مفادها أنهم كانوا يفاضلون علي عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعلي مسمع منه بأن أفضل الناس أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم الناس بعد ذلك سواء، فسمع ذلك النبي ولا ينكره [222] . [ صفحه 229] وهو كما تري كذب مفضوح يضحك منه العقلاء وقد بحثنا عن حياة عبد الله بن عمر في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم فوجدناه شابا صغيرا لم يبلغ الحلم ولم يكن له مع أهل الحل والعقد شأن يذكر ولا رأي يسمع، وقد توفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعبد الله بن عمر في التاسعة عشر من عمره علي أحسن التقادير. فكيف يقول والحال هذه: كنا نفاضل في عهد النبي؟ اللهم إلا إذا كان ذلك حديث الصبيان فيما بينهم من أولاد أبي بكر وعثمان وإخوته هو، ومع ذلك فلا يصح أن يقال كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يسمع ذلك فلا ينكره! فدل ذلك علي كذب الحديث وسوء النوايا. أضف إلي ذلك أن النبي صلي الله عليه

وآله وسلم لم يأذن لعبد الله بن عمر بالخروج معه إلا في غزوة الخندق وما بعدها من الغزوات إذ بلغ عمره خمسة عشر عاما [223] . فلا شك أنه حضر غزوة خيبر التي وقعت في السنة السابعة للهجرة النبوية، ورأي بعينيه هزيمة أبي بكر وكذلك هزيمة أبيه عمر، وسمع بلا شك قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عند ذلك: لأعطين الراية غدا إلي رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا ليس فرارا امتحن الله قلبه للإيمان ولما أصبح أعطاها لقاطع اللذات ومفرق الجماعات ومفرج الكربات وصاحب الكرامات أسد الله الغالب علي بن أبي طالب [224] . وقد أبان حديث الراية هذا فضل علي وفضائله علي سائر الصحابة وعلو مقامه عند الله ورسوله وفوزه بمحبة الله ورسوله. ولكن بغض عبد الله بن عمر شاء أن يجعل عليا من سوقة الناس! وقد قدمنا بأن أهل السنة والجماعة عملوا بهذا الحديث الذي أوحاه إليهم سيدهم عبد الله بن عمر، فلم يعدوا علي بن أبي طالب ضمن الخلفاء الراشدين، كلا ولم يعترفوا بخلافته إلا في زمن أحمد بن حنبل كما أثبتناه، عندنا افتضحوا في عهد كثر فيه الحديث المحدثون، وبدأت أصابع الاتهام تتوجه [ صفحه 230] إليهم وتوصمهم بالنصب والبغض لأهل البيت النبوي، وقد عرف المسلمون كلهم بأن بغض علي من أكبر علامات النفاق. عند ذلك اضطروا للقول بخلافة علي وألحقوه بركب الراشدين وتظاهروا بمحبة أهل البيت زورا وبهتانا. وهل من سائل يسأل أبن عمر، لماذا اختلف المسلمون كلهم أو جلهم بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم فيمن يستحق الخلافة ومن هو أولي بها فاختلفوا في علي وأبي بكر فقط ولم يكن لأبيه عمر ولا

ابن عفان سوق رائجة في ذلك العهد؟ وهل من سائل يسأل ابن عمر، إذا كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقرك علي رأيك، فلا يعدل بأبي بكر أحدا ثم عثمان، فلماذا ولي عليهم قبل وفاته بيومين شابا لا نبات بعارضيه أصغر منك سنا وأمرهم بالسير تحت إمرته وقيادته؟ أتراه يهجر كما قال أبوك؟ وهل من سائل يسأل ابن عمر، لماذا قال المهاجرون والأنصار غداة بيعة أبي بكر لفاطمة الزهراء: والله لو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما كنا نعدل به أحدا، وهو اعتراف من كبار الصحابة بأنهم لا يعدلون بعلي أحدا، لولا ما سبقت بيعتهم التي سموها فلتة. فما هي قيمة رأي عبد الله بن عمر المراهق المغرور الذي لا يعرف كيف يطلق زوجته من آراء كبار الصحابة؟ وأخيرا هل من سائل يسأل عبد الله بن عمر، لماذا اختار جل الصحابة علي بن أبي طالب للخلافة بعد مقتل عمر وقدموه علي عثمان، لولا رفضه شرط ابن عوف في الحكم بسنة الشيخين [225] . ولكن عبد الله بن عمر تأثر بأبيه، فقد عاشر خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان وهو يري علي بن أبي طالب مبعدا، ليس له في الجماعة مجلس ولا في الحكومة منصب وقد تحولت عنه وجوه الناس بعد وفاة ابن عمه صلي الله عليه وآله وسلم وزوجته سيدة النساء وليس عنده ما يطمع الناس فيه. [ صفحه 231] ولا شك في أن عبد الله بن عمر كان أقرب الناس لأبيه فكان يسمع آراءه ويعرف أصدقاءه وأعداءه، فشب علي ذلك البغض والحقد والكراهية لعلي خاصة ولأهل البيت عامة وترعرع وكبر علي ذلك، حتي إذا رأي يوما عليا وقد

بايعه المهاجرون والأنصار بعد مقتل عثمان، فكبر ذلك عليه ولم يتحمله وأظهر المكنون من حقده الدفين فرفض أن يبايع إمام المتقين وولي المؤمنين ولم يتحمل البقاء في المدينة فخرج إلي مكة مدعيا العمرة. ونري بعد ذلك عبد الله بن عمر يعمل كل ما في وسعه لتثبيط الناس وفك عزائمهم ليحجموا عن نصرة الحق ومقاتلة الفئة الباغية التي أمر الله بمقاتلتها حتي تفئ إلي أمر الله. فكان من الخاذلين الأولين لإمام زمانه المفترض الطاعة. وبعد مقتل الإمام علي وتغلب معاوية علي الإمام الحسن بن علي وانتزاع الخلافة منه، خطب معاوية في الناس قائلا: إني لم أقاتلكم لتصلوا أو تصوموا وتحجوا ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك. نري عبد الله بن عمر يسارع عند ذلك إلي بيعة معاوية بدعوي أن الناس اجتمعوا عليه بعد ما كانوا متفرقين! وأنا أعتقد بأنه هو الذي سمي ذلك العام بعام الجماعة فهو وأتباعه من بني أمية أصبحوا أهل السنة والجماعة من ذلك الوقت وحتي قيام الساعة. وهل من سائل يسأل ابن عمر ومن يقول بمقالته من أهل السنة والجماعة متي حصل الإجماع علي خليفة في التاريخ كالذي حصل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟ فخلافة أبي بكر كانت فلتة وقي الله شرها وقد تخلف عنها كثير من الصحابة. وخلافة عمر كانت بدون مشورة بل بعهد من أبي بكر ولم يكن للصحابة فيها رأي ولا قول ولا عمل. وخلافة عثمان كانت بالثلاثة الذين اختارهم عمر بل تمت باستبداد عبد الرحمان بن عوف وحده. [ صفحه 232] أما خلافة علي فكانت ببيعة المهاجرين والأنصار له بدون فرض ولا إكراه، وكتب ببيعته إلي الآفاق كلهم إلا معاوية من الشام [226] . وكان

من المفروض علي ابن عمر وأهل السنة والجماعة أن يقتلوا معاوية بن أبي سفيان الذي شق عصا الطاعة وطلب الخلافة لنفسه، وذلك حسب الروايات التي أخرجوها في صحاحهم من أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما [227] . وقال صلي الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح مسلم وغيره: من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر [228] . ولكن عبد الله بن عمر عكس الآية تماما وبدلا من الامتثال لحديث النبي وأوامره ومقاتلة معاوية وقتله لأنه نازع خليفة المسلمين وأشعل نار الفتنة، نراه يمتنع عن بيعة علي التي أجمع عليها المسلمون ويبايع معاوية الذي شق عصا الطاعة ونازع الإمام وقتل الأبرياء وتسب في فتنة بقيت آثارها إلي اليوم. ولذلك أعتقد بأن عبد الله بن عمر قد شارك معاوية في كل ما ارتكبه من جرائم وموبقات وآثام، لأنه شيد ملكه وأعانه علي التسلط والاستيلاء علي الخلافة التي حرمها الله ورسوله علي الطلقاء وأبناء الطلقاء، كما ورد ذلك في الحديث الشريف. ولم يكتف عبد الله بن عمر بذلك فحسب، بل سارع لبيعة يزيد بن معاوية، يزيد الخمور والفجور والكفر والفسوق الطليق ابن الطليق واللعين ابن اللعين. وإذا كان عمر بن الخطاب كما ذكره ابن سعد في طبقاته يقول: لا تصلح الخلافة لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح [229] ، فكيف يخالف عبد الله أباه [ صفحه 233] في هذا المبدأ الذي سطره من قبل، وإذا كان عبد الله بن عمر يخالف كتاب الله وسنة رسوله في أمر الخلافة فلا نستغرب أن يعمل بعكس رأي أبيه. ثم

هل لنا أن نسأل عبد الله بن عمر: أي إجماع وقع علي بيعة يزيد بن معاوية وقد نبذه صلحاء الأمة وبقية المهاجرين والأنصار ومنهم سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وكل من سار معهم ورأي رأيهم؟ والمعروف أنه هو نفسه كان من المعارضين لبيعة يزيد في البداية ولكن معاوية عرف كيف يستميله فأرسل إليه مائة ألف درهم فقبلها، فلما ذكر له البيعة لابنه يزيد قال ابن عمر: هذا ما أراد؟ إن ديني إذن علي لرخيص [230] . نعم لقد باع عبد الله بن عمر دينه بثمن رخيص كما شهد بذلك علي نفسه، وهرب من بيعة إمام المتقين وأسرع لبيعة إمام الباغين معاوية وإمام الفاسقين يزيد، وكما تحمل أوزار تلك الجرائم التي سببها حكم معاوية الظالم، فإنه يتحمل بلا شك أوزار جرائم يزيد وعلي رأسها انتهاك حرمة رسول الله وقتل ريحانته سيد شباب أهل الجنة وعترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم والصالحين من أبناء الأمة الذين قتلهم في كربلاء وفي وقعة الحرة. ولم يكتف عبد الله بن عمر بهذا الحد من البيعة إلي يزيد فحسب بل عمل علي حمل الناس عليها وردهم إلهيا وخوف كل من تحدثه نفسه بالخروج عليها. فقد أخرج البخاري في صحيحه وغيره من المحدثين بأن عبد الله بن عمر جمع ولده وحشمه ومواليه - وذلك عندما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية - فقال لهم: إنا بايعنا هذا الرجل علي بيعة الله ورسوله [231] وإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان، [ صفحه 234] وإن من أعظم

الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلا علي بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته [232] ولا يخلعن أحد منكم ولا يشرفن أحد منكم في هذا الأمر فيكون صيلما بيني وبينه [233] . ولقد قوي بطش يزيد بموالاة عبد الله بن عمر له وتحريضه الناس علي بيعته، فجهز جيشا بقيادة مسلم بن عقبة من أكابر الفاسقين وأمره بالسير إلي مدينة الرسول وأباح له أن يفعل فهيما ما يشاء فقتل عشرة آلاف من الصحابة وسبي نساءهم وأموالهم وقتل سبعمائة من حفاظ القرآن علي ما يذكره البلاذري، وهتك الحرمات من الحرائر المسلمات حتي ولدن من سفاح أكثر من ألف مولود، وأخذ منهم البيعة علي أنهم كلهم عبيد لسيده يزيد. أفلم يكن عبد الله بن عمر شريكه في كل ذلك إذ عمل علي دعمه وتأييده؟ أترك الاستنتاج في ذلك إلي الباحثين! ولم يقف عبد الله بن عمر عند هذا الحد بل تعداه إلي بيعة مروان بن الحكم الوزغ اللعين الفاجر الذي حارب عليا وقتل طلحة وفعل الأفاعيل، من حرق بيت الله الحرام ورميها بالمجانيق حتي هدم ركنها، وقتل فيها عبد الله بن الزبير، وأعمال أخري يندي لذكرها الجبين. ثم يذهب ابن عمر في البيعة أشواطا ويذهب إلي بيعة الحجاج بن يوسف الثقفي الزنديق الأكبر الذي كان يستهزئ بالقرآن ويقول ما هو إلا رجز الأعراب، ويفضل علي رسول الله سيده عبد الملك بن مروان، الحجاج الذي عرف بوائقه الخاص والعام حتي قال المؤرخون بأنه انتقض كل أركان الإسلام. ذكر الحافظ بن عساكر في تاريخه أن رجلين اختلفا في الحجاج قال أحدهما: هو كافر، وقال الثاني: بل هو مؤمن ضال، ولما تعاندا سألا الشعبي عنه [ صفحه 235] فقال: إنه

مؤمن بالجبت والطاغوت وكافر بالله العظيم [234] . هذا الحجاج المجرم المنتهك لما حرم الله والذي يذكر المؤرخون بأنه أسرف ي القتل والتعذيب والتمثيل بصلحاء الأمة والمخلصين وخصوصا منهم شيعة آل محمد، فإنهم لاقوا منه ما لم يلاقوه من غيره. يقول ابن قتيبة في تاريخه بأن الحجاج قتل في يوم أحد بضع وسبعين ألفا حتي سالت الدماء إلي باب المسجد وإلي السكك [235] . ويقول الترمذي في صحيحه: أحصي ما قتل الحجاج صرا فوجد مائة وعشرون ألفا [236] . ويقول ابن عساكر في تاريخه بعد ذكر من قتلهم الحجاج: ووجد في سجنه بعد موته ثمانون ألفا منهم ثلاثون ألف امرأة [237] . وكان الحجاج يشبه نفسه برب العزة والجلالة فإذا مر قرب السجن وسمع نداء المسجونين واستغاثتهم له يقول لهم: اخسئوا فيها ولا تكلموني. هذا الحجاج الذي تنبأ به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قبل وفاته فقال: إن في ثقيف كذابا ومبيرا. والغريب أن راوي هذا الحديث هو عبد الله بن عمر نفسه [238] ! نعم لقد ترك عبد الله بن عمر بيعة خير البشر بعد النبي ولم ينصره ولم يصل وراءه، فأذله الله سبحانه وذهب إلي الحجاج يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: من مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. فاحتقره الحجاج اللعين وأعطاه رجله قائلا: إن يدي مشغولة فبايعه، وكان يصلي خلف الحجاج الزنديق وخلف واليه نجدة بن عامر رأس الخوارج [239] . ولا شك بأن عبد الله بن عمر اختار الصلاة وراء هؤلاء لأنهم كانوا مشهورين [ صفحه 236] بشتم ولعن علي بعد كلا صلاة. فكان ابن عمر يشفي غليله ويروي حقده الدفين وهو يسمع ذلك فيرتاح قلبه

ويهدأ روعه. ولذلك نجد مذهب أهل السنة والجماعة يفتون بالصلاة وراء البر والفاجر، وراء المؤمن والفاسق وذلك استنادا لما فعله سيدهم وفقيه مذهبهم عبد الله بن عمر في صلاته وراء الحجاج الزنديق والخارجي نجدة بن عامر. أما ما قاله الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ن فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما [240] فيضرب به عرض الجدار. وليست هذه الخصال الأربعة - حفظ القرآن، وحفظ السنة، وقدم الهجرة، وقدم الإسلام - ولا واحدة منهن توجد في هؤلاء الذين بايعهم ابن عمر وصلي بإمامتهم لا معاوية ولا يزيد ولا مروان ولا الحجاج ولا نجدة الخارجي. وهذه طبعا من السن النبوية التي خالفها عبد الله بن عمر وضرب بها عرض الجدار وعمل بعكسها تماما إذ أنه ترك سيد العترة الطاهرة عليا الذي اجتمعت فيه كل هذه الخصال وأكثر منها فنبذه وراء ظهره ويمم وجهه شطر الفساق والخوارج والملحدين أعداء الله ورسوله واقتدي بصلاتهم! وكم لعبد الله بن عمر فقيه أهل السنة والجماعة من مخالفات لكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم ولو شئنا لجمعنا في ذلك كتابا مستقلا، ولكن يكفينا ذكر بعض الأمثلة من كتبهم وصحاحهم حتي تكون حجتنا بالغة. خلاف عبد الله بن عمر للكتاب والسنة: قال الله تعالي في كتابه العزيز: فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله (الحجرات: 9) وقال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: يا علي أنت تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين. فيخالف عبد الله بن عمر نصوص القرآن والسنة النبوية كما يخالف إجماع [ صفحه 237] الأمة من

المهاجرين والأنصار الذين قاتلوا مع أمير المؤمنين، ويقول برأيه: لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب [241] . كما ذكر ابن حجر بأن عبد الله بن عمر كان من رأيه ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدي الطائفتين محقة والأخري مبطلة [242] . عجيب والله أمر عبد الله بن عمر الذي يري الحق مع طائفة ويري الباطل مع الأخري ثم لا يتحرك لنصرة الحق علي الباطل ولا لردع الباطل حتي يفئ إلي أمر الله، ويصلي وراء الغالب ولو كان باطلا! وهو ما وقع فعلا من ابن عمر. فقد تغلب معاوية وقهر الأمة وتولي عليها رغم أنفها فجاء ابن عمر فبايعه وصلي خلفه رغم ما فعله معاوية من جرائم وبوائق تفوق التصور ولا تخفي علي ابن عمر. وقد تغلب أهل الباطل من أئمة الجور بكثرتهم علي أهل الحق وهم أئمة أهل البيت فأبعدوا وقام الطلقاء والفساق والمجرمون الضالون يحكمون الأمة بالقوة والقهر. فترك ابن عمر الحق بكامله فلم يسجل له التاريخ صحبة ولا مودة لأهل البيت وقد عاصر منهم خمسة أئمة، فلم يصل وراء واحد منهم، ولو يرو عن واحد منهم حديثا ولم يحدث ولم يعترف لواحد منهم بفضل ولا فضيلة. وقد عرفنا - في فصل الأئمة الاثني عشر من هذا الكتاب - رأيه في الخلفاء الاثني عشر علي حد زعمه فقد صحح خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد والسفاح وسلام والمنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب، قال: هؤلاء الاثنا عشر كلهم من بني كعب بن لؤي كلهم صالح لا يوجد مثله [243] . فهل تري في هؤلاء واحدا من أئمة الهدي من عترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم والذين وصفهم رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم بأنهم سفينة النجاة وأعدال القرآن؟! [ صفحه 238] ولذلك فإنك لا تري لهم وجودا عند أهل السنة والجماعة ولا يوجد في قائمة أئمتهم وخلفائهم الذين يقتدون بهم واحد من أئمة أهل البيت (عليهم السلام). هذه حال عبد الله بن عمر في مخالفة الكتاب والسنة، أما جهله بهما فحدث ولا حرج. فمنه جهله بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم رخص للنساء إذا كن محرمات أن يلبسن الخفين، وكان ابن عمر يفتي بحرمة ذلك [244] . ومنها أنه كان يكري مزارعه علي عهد رسول الله وعهد أبي بكر وعمر وعثمان معاوية حتي حدثه أحد الصحابة في آخر خلافة معاوية بأن رسول الله حرمه [245] . نعم هذا هو فقيه أهل السنة والجماعة لا يعرف حرمة كراء المزارع، ولا شك بأنه كان يفتي بجواز ذلك طوال هذه المدة المذكورة من عهد النبي إلي آخر خلافة معاوية قرابة خمسين عاما. ومنها ما أنكرته عليه عائشة من فتواه بأن القبلة توجب الوضوء، أو فتواه بأن الميت يعذب ببكاء الحي عليه، وكذلك في أذان الصبح وفي قوله بأن الشهر تسعة وعشرون يوما، كما عارضته في عدة مسائل أخري. ومنها ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما: قيل لبعد الله بن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر. فقال ابن عمر: أكثر أبو هريرة علينا، فصدقت عائشة أبا هريرة وقالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقوله، فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة [246] . وتكفينا شهادة عمر بن الخطاب في ابنه عبد الله عندما قال له

أحد المتملقين، وهو علي فراش الموت: استخلف عبد الله بن عمر، فقال له: كيف استخلف عليهم من لا يعرف كيف يطلق زوجته؟ [ صفحه 239] فهذا هو ابن عمر ولا أحد يعرفه أكثر من أبيه. وأما الأحاديث المكذوبة التي خدم بها سيده معاوية فكثيرة جدا ونذكر منها علي سبيل المثال قوله: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع معاوية ثم قال من الغد يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع معاوية، ثم قال من الغد مثل ذلك فطلع معاوية. وقوله: لما نزلت آية الكرسي قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لمعاوية: أكتبها، فقال معاوية: ما لي يكتبها إن كتبتها؟ قال: لا يقرأها أحد إلا كتب لك أجرها. وأنا لا أدري لماذا لم يلحق أهل السنة والجماعة سيدهم معاوية كاتب الوحي بالعشرة المبشرين بالجنة وسيدهم ابن عمر يؤكد ثلاث مرات، وفي ثلاثة أيام متوالية أن معاوية من أهل الجنة، وإذا كان الناس يبعثون يوم القيامة حفاة عراة فإن معاوية أفضل مهم جميعا إذ يبعث وعليه رداء من نور الإيمان!! اقرأ واعجب!! هذا هو عبد الله بن عمر وهذا مبلغه من العلم وهذا فقهه وخلافه للكتاب والسنة النبوية، وهذا هو عداؤه لأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من عترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهذا هو ولاؤه وتزلفه لأعداء الله ورسوله وأعداء الإنسانية. فهل يتبصر أهل السنة والجماعة اليوم بهذه الحقائق ويعلمون بأن السنة المحمدية لا توجد إلا عند أتباع العترة الطاهرة وهم الشيعة الإمامية؟ ولا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون (الحشر: 20.) صدق الله العلي العظيم

عبدالله بن الزبير

أبوه الزبير بن العوام الذي قتل

في حرب الجمل وتسمي في السنة النبوية حرب الناكثين، وأمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، وخالته عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر وزوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وهو من أكبر المناوئين للإمام علي (عليه السلام) والمبغضين له. [ صفحه 240] ولعله كان يفتخر بخلافة جده أبي بكر وبخالته عائشة فورث منهما ذلك الحق وشب عليه. فكان الإمام علي (عليه السلام) يقول للزبير: قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتي بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا وبينك. والمشهور في التاريخ أنه كان في حرب الجمل من العناصر البارزة والقادة المباشرين، حتي أن عائشة قدمته ليؤم الناس في الصلاة بعدما عزلت طلحة والزبير لأنهما اختلفا ورغب كل واحد منهما فيها. ويقال أيضا إنه هو الذي جاء لخالته عائشة بخمسين رجلا يشهدون زورا بأن المكان ليس ب " (ماء الحوأب) فواصلت معهم طريقها. وعبد الله هو الذي عبر أباه بالجبن واتهمه بالخوف لما عزم علي اعتزال المعركة بعدما ذكره الإمام علي (عليه السلام) بحديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإعلامه بأنه سيقاتل عليا وهو له ظالم، حتي أن أباه - لما كثر هو تعييره - قال له: ما لك أخزاك الله من ولد ما أشأمك [247] . ويقال: إنه ما زال يعير أباه ويهيجه حتي حمل علي جيش علي فقتل، وبهذا يصدق عليه قول أبيه (ما أشأمك من ولد. وهذه هي الرواية التي اخترناها لأنها أقرب للواقع ولنفسية الزبير الحاقدة وابنه عبد الله ابن السوء. فلا يمكن للزبير أن ينسحب من المعركة بتلك السهولة ويترك وراءه طلحة وأصحابه ومواليه وعبيده الذين جاء بهم إلي البصرة ويترك أم المؤمنين أخت زوجته وقد أشرفت

علي الهلاك، ولو سلمنا بأنه تركهم فهم لا يتركونه وبالخصوص ابنه عبد الله الذي عرفنا عزمه وشدة حزمه. ويذكر المؤرخون بأن عبد الله بن الزبير كان يشتم عليا ويلعنه ويقول: جاءكم الوغد اللئيم - يقصد عليا (عليه السلام) - وخطب في أهل البصرة يستنفر الناس ويحرضهم علي القتال فقال: أيها الناس إن عليا قتل الخليفة بالحق عثمان مظلوما، ثم جهز الجيوش ليستولي عليكم ويأخذ مدينتكم، فكونوا رجالا تطالبون بثأر خليفتكم، واحفظوا حريمكم وقاتلوا عن نسائكم [ صفحه 241] وذراريكم وأحسابكم وأنسابكم، ألا وإن عليا لا يري في هذا الأمر أحدا سواه، والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم [248] . وقد بلغ من بغضه لبني هاشم عامة ولعلي (عليه السلام) خاصة أنه ترك الصلاة علي محمد أربعين جمعة ويقول: إنه لا يمنعني من ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها [249] . وإذا كان حقده وبغضه يصل به إلي ترك الصلاة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلا لوم عليه ولا يستغرب منه أن يكذب علي الناس ويتهم الإمام عليا (عليه السلام) ويرميه بكل قبيح، وقد سمعت خطبته في أهل البصرة وقوله لهم: والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم. إنه كذب مفضوح وبهتان عظيم من عبد الله بن الزبير الذي لا يعرف الحق إلي قلبه سبيلا. والشاهد علي ذلك أن علي بن أبي طالب ظفر بهم وانتصر عليهم وأمر الأغلبية منهم وفيهم عبد الله بن الزبير نفسه ولكنه عفا عنهم جميعا وأطلق سراحهم وأكرم عائشة بأن سترها وأرجعها إلي بيتها في المدينة، كما منع أصحابه من أحد الغنائم وسبي النساء والأطفال، والإجهاز علي جريح، حتي سبب له ذلك تمرد بعض الجيش عليه والتشكيك في

أمره. فعلي (عليه السلام) هو محض السنة النبوية وهو العارف بكتاب الله ولا أحد يعرفه سواه، فقد ثارت ثائرة بعض المنافقين المندسين في جيشه وألبوا عليه، وقالوا: كيف يبيح لنا قتالهم ويحرم علينا سبي نسائهم؟ واغتر بهذا القول كثير من المقاتلين غير أنه (سلام الله عليه) احتج عليهم بكتاب الله وقال لهم: اقترعوا علي من يأخذ منكم أمه عائشة! وعند ذلك أدركوا أنه علي الحق فقالوا نستغفر الله لقد أصبت وأخطأنا. فقول عبد الله بن الزبير كذب وبهتان مبين لأن بغضه لعلي (عليه السلام) [ صفحه 242] أعمي بصره وبصيرته وأخرجه عن الإيمان ولم يتب ابن الزبير بعد ذلك ولم يتخذ من تلك الحرب دروسا ومواعظ يستفيد منها. كلا إنه قابل الحسنة بالسيئة وازداد حقده وبغضه لبني هاشم ولسيد العترة الطاهرة وعمل كل ما في وسعه لإطفاء نورهم والقضاء عليهم. فقد روي المؤرخون بأنه وبعد مقتل الإمام علي (عليه السلام) قام يدعو لنفسه بإمارة المؤمنين والتف بعض الناس وقويت شوكته، فعمل علي سجن محمد بن الحنفية، ولد الإمام علي (عليه السلام) وكذلك الحسن بن علي ومعهم سبعة عشر رجلا من بني هاشم وأراد أن يحرقهم بالنار فجمع علي باب الحبس حطبا كثيرا وأضرم عليهم النار، ولولا وصول جيش المختار في الوقت المناسب فأطفأ النار واستنقذهم لبلغ فيهم ابن الزبير مراده [250] . وبعث إليه مروان بن الحكم جيشا بقيادة الحجاج فحاصره وقتله وصلبه في الحرم. وهكذا انتهت حياة عبد الله بن الزبير كما انتهت حياة أبيه من قبل، كل منهما أبح الدنيا وحرص علي الإمارة وأراد البيعة لنفسه وقاتل من أجلها وهلك وأهلك ومات مقتولا دونها ولم يبلغ مناه. ولعبد الله بن الزبير آراء في

الفقه أيضا وهي رد فعل منه لمخالفة فقه أهل البيت الذين يبغضهم، ومن أشهرها قوله بحرمة زواج المتعة. فقد قال مرة لعبد الله بن عباس: يا أعمي البصر لئن فعلتها لأرجمنك بالحجارة. ورد عليه ابن عباس: أنا أعمي البصر، أما أنت فأعمي البصيرة، وإذا أردت معرفة حلية المتعة فاسأل عنها أمك! [251] . [ صفحه 243] ولا نريد الإطالة في هذا الموضوع الذي كثر فيه الكلام، وإنما أردنا إبراز مخالفة ابن الزبير لأهل البيت في كل شئ حتي في الأمور الفقهية التي ليس له فيها قدم راسخة. وقد ذهب كل هؤلاء بخيرهم وشرهم وتركوا الأمة المنكوبة تمخر في بحر من الدماء وتغرق في بحر الضلالة، والأغلبية منهم لا يعرفون الحق من الباطل، وقد صرح بذلك طلحة والزبير وكذلك سعد بن أبي وقاص. ولكن الوحيد الذي كان علي بينة من ربه ولم يشك في الحق طرفة عين، هو علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) الذي كان يدور الحق معه حيث توجه ودار. فهنيئا لمن أتبعه واقتدي به، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنت يا علي وشيعتك هم الفائزون يوم القيامة [252] . فمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون (يونس: 35). صدق الله العلي العظيم [ صفحه 244]

السنة النبوية لا تخالف القرآن عند الشيعة

بعد البحث والتنقيب في عقيدة الطرفين من الشيعة وأهل السنة والجماعة وجدنا بأن الشيعة يرجعون في كل أحكامهم الفقهية إلي كتاب الله والسنة النبوية لا غير. ثم هم يرتبون القرآن في المرتبة الأولي والسنة النبوية في المرتبة الثانية، ونعني بذلك أنهم يخضعون السنة للمراقبة ويعرضونها علي كتاب الله العزيز، فما وافق بذلك

أنهم يخضعون السنة للمراقبة ويعرضونها علي كتاب الله العزيز، فما وافق منها كتاب الله قبلوه وعملوا به وما خالف كتاب الله تركوه ولم يقيموا له وزنا [253] . والشيعة يرجعون في ذلك إلي ما قرره أئمة أهل البيت (عليهم السلام) رواية عن جدهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي قال: إذا جاءكم حديث عني فاعرضوه علي كتاب الله فما وافق كتاب الله فاعملوا به وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار. وقد قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عدة مرات: ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف. وقال في أصول الكافي بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم خطب الناس بمني فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم عني يخالف كتاب الله فلم أقله. [ صفحه 245] وعلي هذا الأساس المتين بني الشيعة الإمامية فقههم وعقائدهم، فمهما بلغ الحديث من صحة الإسناد فلا بد أن يزنوه بهذا الميزان ويعرضوه علي الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والشيعة الإمامية هي الفرقة الوحيدة بين الفرق الإسلامية الأخري التي اشترطت هذا الشرط، وبالخصوص في باب تتعارض فيه الروايات والأخبار. قال الشيخ المفيد في كتابه المسمي ب " تصحيح الاعتقاد: وكتاب الله تعالي مقدم علي الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضي في صحيح الأخبار وسقيمها فما قضي به فهو الحق دون سواه. وبناء علي هذا الشرط، وهو عرض الحديث علي كتاب الله تعالي تميز الشيعة عن أهل السنة والجماعة في كثير من الأحكام الفقهية وكذلك في كثير من العقائد. والباحث يجد في كل أحكام الشيعة وعقائدهم مصداقا في كتاب الله، خلافا لما هو عند أهل السنة

والجماعة فالمتتبع قد يجد عندهم عقائد وأحكاما تخالف صريح القرآن الكريم، ستعرف ذلك وسنوافيك ببعض الأدلة علي ذلك قريبا إن شاء الله. وبناء علي ذلك يفهم المتتبع أيضا بأن الشيعة لم يصححوا أي كتاب من كتب الحديث عندهم أو يعطوه قدسية تجعله بمثابة القرآن، كما هو الحال عند أهل السنة والجماعة الذين يصححون كل الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم، رغم أن فيهما مئات الأحاديث التي تتناقض مع كتاب الله. ويكفيك أن تعرف بأن كتاب الكافي عند الشيعة رغم جلالة قدر مؤلفه محمد بن يعقوب الكليني وتبحره في علم الحديث إلا أن علماء الشيعة لم يدعوا يوما بأن ما جمعه كله صحيح بل هناك من علمائهم من طرح أكثر من نصفه وقال بعدم صحتها، بل إن مؤلف (الكافي) لا يقول بصحة كل الأحاديث التي جمعها في الكتاب. [ صفحه 246] ولعل كل ذلك ناتج عن سيرة الخلفاء عند كل فرقة منهم، ف " أهل السنة والجماعة اقتدوا بأئمة يجهلون أحكام القرآن والسنة، أو يعرفونها ولكنهم اجتهدوا بآرائهم، وخالفوا تلك النصوص لعدة أسباب أوضحنا البعض منها في أبحاث سابقة. أما الشيعة فإنهم اقتدوا بأئمة العترة الطاهرة الذين هم عدل القرآن وترجمانه لا يخالفونه ولا يختلفون فيه. أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسي إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلأنك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (هود: 17). صدق الله العلي العظيم [ صفحه 247]

السنة والقرآن عند أهل السنة والجماعة

بعد ما عرفنا بأن الشيعة الإمامية يقدمون القرآن علي السنة ويجعلونه القاضي عليها والمهيمن، ف " أهل هذا بأنهم سموا أنفسهم ب "

أهل السنة " من أجل هذا المبدأ الذي ارتأوه، وإلا لماذا لم يقولوا بأنهم أهل القرآن السنة والجماعة " علي العكس تماما يقدمون السنة علي القرآن ويجعلونها ومهيمنة عليه. ونستنتج من والسنة وخصوصا أنهم يروون في كتبهم بأن النبي قال: تركت فيكم كتاب الله وسنتي؟ ولأنهم أهملوا القرآن وجعلوه في المرتبة وتمسكوا بالسنة المزعومة وجعلوها في المرتبة الأولي، فهمنا من ذلك السبب الرئيسي لقولهم بأن السنة قاضية علي القرآن. وهذا منهم أمر عجيب، وأعتقد بأنهم اضطروا إلي ذلك اضطرارا عندما وجدوا أنفسهم يقومون بأعمال مخالفة لما جاء في القرآن، وقد ألفوها بعدما فرضها عليهم الحكام الذين أطاعوهم. ولتبرير تلك الأعمال وضعوا لها أحاديث نسبوها للنبي صلي الله عليه وآله وسلم كذبا، ولما كانت تلك الأحاديث تتعارض مع أحكام القرآن، قالوا بأن السنة قاضية علي القرآن أو أنها تنسخ القرآن. وأضرب لذلك مثلا واضحا يفعله المسلم مرات عديدة في كل يوم، ألا وهو الوضوء قبل الصلاة فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين (المائدة: 6 [ صفحه 248] ومهما قيل، وبقطع النظر عن قراءة النصب والجر وقد قدمنا بأن الفخر الرازي وهو من أشهر علماء " أهل السنة والجماعة " في اللغة العربية قال بوجوب المسح في القراءتين [254] . وقال ابن حزم أيضا: سواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي علي كل حال عطف علي الرؤوس أما علي اللفظ وإما علي الوضع ولا يجوز غير ذلك. [255] . ولكن الفخر الرازي بعد اعترافه بأن القرآن نزل بوجوب المسح في القراءتين، نراه يتعصب لمذهبه السني، فقال: ولكن السنة

جاءت بالمسح ناسخة للقرآن. [256] . وهذا المثل من السنة المزعومة القاضية علي القرآن أو الناسخة له، يوجد له أمثلة كثيرة عند " أهل السنة والجماعة " فكم من حديث موضوع يبطلون به حكما من أحكام الله بدعوي أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نسخه. ونحن لو تمعنا قي آية الوضوء التي نزلت في سورة المائدة وإجماع المسلمين علي أن سورة المائدة هي آخر ما نزل من القرآن ويقال: إنها نزلت قبيل وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بشهرين فقط، فكيف ومتي نسخ النبي حكم الوضوء يا تري؟! وقد قضي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فهل يعقل أنه وقبل شهرين من وفاته عندما نزل عليه قوله سبحانه: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم عمد إلي غسل رجليه معارضة لكتاب الله؟! إنه كلام لا يصدق. ثم كيف يصدق الناس هذا النبي الذي يدعوهم لكتاب الله والعمل به قائلا لهم: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ثم يعمل هو بعكسه؟! فهل هذا معقول أو يقلبه العقلاء؟ أم سيقول له المعارضون والمشركون والمنافقون: إذا كنت أنت تعمل بخلافه، فكيف تأمرنا نحن باتباعه؟! وسوف يجد النبي صلي الله عليه وآله وسلم عني ذلك نفسه محرجا ولا يقدر علي دفع حجتهم، ولذلك نحن لا نصدق بهذا الادعاء الذي يرفضه النقل والعقل، و كل من له دراية بالكتاب والسنة لا يصدقه. [ صفحه 249] ولكن " أهل السنة والجماعة " والذين هم في الحقيقة حكام بني أمية ومن جري وراءهم كما عرفنا بذلك في أبحاث سابقة، عمدوا لوضع الأحاديث علي لسان النبي ليصححوا بذلك آراء واجتهادات أئمة الضلالة ويكسبوها شرعية دينية أولا، وليعللوا اجتهادات هؤلاء في مقابل النصوص بأن

النبي نفسه قد اجتهد مقابل النصوص القرآنية ونسخ منها ما شاء، فيصبح بذلك أهل البدع يستمدون شرعية مخالفتهم للنصوص اقتداء بالرسول كذبا وبهتانا. وقد قدمنا في بحث سابق بالأدلة والحجج القوية أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما قال يوما برأي ولا بقياس وإنما كان ينتظر نزول الوحي لقوله تعالي: (لتحكم بين الناس بما أراك الله) [257] . أليس هو القائل مبلغا عن ربه: وإذا تتلي عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم (يونس: 15). أو لم يهدده ربه بأشد التهديد لو حاول أن يتقول علي الله كلمة واحدة، فقال جل وعلا: ولو تقول علينا بعض الأقاويل - لأخذنا منه باليمين - ثم لقطعنا منه الوتين - فما منكم من أحد عنه حاجزين (الحاقة: 44 - 47 فهذا هو القرآن، وهذا هو النبي الذي كان خلقه القرآن، ولكن " أهل السنة والجماعة " [258] ، ولشدة عداوتهم لعلي بن أبي طالب وأهل البيت (عليهم السلام)، كانوا يخالفونهم في كل شئ حتي أصبح شعارهم هو مخالفة علي وشيعته في كل شئ، حتي لو كانت سنة نبوية ثابتة عندهم [259] . ولما كان المشهور عن الإمام علي (عليه السلام) الجهر بالبسملة حتي في الصلاة السرية من أجل إحياء النبوية، فقد عمل بعضهم علي القول [ صفحه 250] بكراهتها في الصلاة، وكذلك بالنسبة للقبض والسدل ودعاء القنوت وغير ذلك من الأمور التي تخص الصلاة اليومية. ولذلك كان أنس بن مالك يبكي ويقول: والله ما أجد شيئا

مما أدركت عليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قالوا: وهذه الصلاة؟ قال: لقد غيرتم فيها ما غيرتم، [260] . والغريب يشنعون علي الشيعة إذا خالفوهم في أية مسألة فتصبح تلك الرحمة نقمة، ولا يقلبون إلا آراء أئمتهم مع أن أئمتهم لا يساوون أئمة العترة الطاهرة في علم ولا في عمل ولا في فضل ولا في شرف. وكما ذكرنا في " غسل الرجلين " ورغم أن كتبهم تشهد بأن المسح هو الذي نزل به القرآن وهو أيضا سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم [261] ، ولكنهم لا يقبلون من الشيعة شيئا من ذلك ويتهمونهم بتأويل القرآن والخروج عن الدين. والمثل الثاني الذي لا بد من ذكره أيضا هو نكاح المتعة الذي نزل به القرآن و أقرته السنة النبوية، ولكنهم لتبرير اجتهاد عمر بن الخطاب الذي حرمه اختلقوا حديثا مكذوبا نسبوه للنبي صلي الله عليه وآله وسلم وأخذوا يشنعون علي الشيعة لإباحتهم هذا النكاح استنادا لما رواه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أضف إلي ذلك أن صحاحهم تشهد بأن الصحابة فعلوه في عهد رسول الله وعهد أبي بكر وشطر من عهد عمر قبل أن يحرمه. ويشهدون أيضا بأن الصحابة اختلفوا فيه بين محلل ومحرم. والأمثلة في هذه المواضيع - التي ينسخون فيها النص القرآني بحديث مكذوب - كثيرة جدا، وقد ضربنا منها والقصد هو رفع الستار عن مذهب " أهل السنة والجماعة) و اطلاع القارئ بأنهم يقدمون الحديث علي القرآن، ويقولون صراحة بأن السنة قاضية علي القرآن. [ صفحه 251] فهذا الإمام الفقيه عبد الله بن مسلم بن قتيبة محدث وفقيه " أهل السنة و الجماعة " متوفي سنة 276 هجرية يقول

بصراحة: " السنة قاضية علي الكتاب، وليس الكتاب بقاض علي السنة " [262] . كما ذكر صاحب كتاب مقالات الإسلاميين نقلا عن الإمام الأشعري وهو إمام " أهل السنة والجماعة " في الأصول قوله: " إن السنة تنسخ القرآن وتقضي عليه، وأن القرآن لا ينسخ السنة ولا يقضي عليها " [263] . وذكر ابن عبد البر بأن الإمام الأوزاعي وهو من كبار أئمة " أهل السنة و الجماعة "، قال: " إن القرآن أحوج إلي السنة من السنة إلي القرآن " [264] . فإذا كانت هذه أقوالهم تشهد علي عقيدتهم فمن الطبيعي جدا أن يتناقض هؤلاء مع ما يقوله أهل البيت من عرض كل حديث علي كتاب الله ووزنه عليه لأن القرآن هو القاضي علي السنة، ومن الطبيعي أيضا أن يرفضوا هذه الأحاديث ولا يعترفوا بها ولو رواها أئمة أهل البيت، لأنهم تنسف مذهبهم نسفا. فقد ذكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة بأن الحديث الذي روي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو قوله: إذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه علي كتاب الله، قال البيهقي: هذا حديث باطل لا يصح، وهو ينعكس علي نفسه بالبطلان، فليس في القرآن دلالة علي عرض الحديث علي القرآن. وصرح ابن عبد البر نقلا عن عبد الرحمان بن مهدي بأن الحديث الذي روي عنه صلي الله عليه وآله وسلم، أنه قال: " ما أتاكم عني فاعرضوه علي كتاب الله فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن خالف كتاب الله فلم أقله "، هذه الألفاظ لا تصح عنه عند أهل العلم. بصحيح النقل من سقيمه، وقال بأن هذا الحديث وضعه الزنادقة والخوارج [265] . [ صفحه 252] أنظر إلي هذا التعصب

الأعمي الذي لم يترك لهم سبيلا للتحقيق العلمي والخضوع للحق، فأصبحوا يسمون رواة هذا الحديث، وهم أئمة الهدي من العترة الطاهرة، بالزنادقة والخوارج ويتهمونهم بوضع الحديث! وهل لنا أن نسألهم، ما هو هدف الزنادقة والخوارج من وضع هذا الحديث الذي يجعل كتاب الله - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مرجعا لكل شئ؟؟ والعاقل المنصف يميل إلي هؤلاء (الزنادقة والخوارج!!) الذين يعظمون كتاب الله ويجعلونه في المرتبة الأولي للتشريع، أحسن له من الميل إلي " أهل السنة و الجماعة " الذين يقضون علي كتاب الله بأحاديث مكذوبة وينسخون أحكامه ببدع مزعومة. (كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كذبا الكهف: 5 فالذين يسمونهم زنادقة وخوارج هم أهل بين النبوة أئمة الهدي ومصابيح الدجي الذين وصفهم جدهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأنهم أمان الأمة من الاختلاف فإذا خالفتهم قبيلة صارت حزب إبليس وذنبهم الوحيد هو أنهم تمسكوا بسنة جدهم ورفضوا ما سواها من البدع البكرية والعمرية والعثمانية والمعاوية واليزيدية و المروانية والأموية، وبما أن السلطة الحاكمة كانت وزنادقة وأن يحاربوهم و ينبذوهم، ألم يلعن علي وأهل البيت علي منابرهم ثمانين عاما؟؟ ألم يقتل الحسن بسمهم والحسين وذريته بسيوفهم؟؟ ودعنا من الرجوع إلي مأساة أهل البيت الذين لم تنته مظلمتهم بعد، ولنعد إلي هؤلاء الذين يسمون أنفسهم " أهل السنة والجماعة " والذين ينكرون حديث عرض السنة علي القرآن، فلماذا لم يسموا أبا بكر " الصديق " من الخوارج أو من الزنادقة؟ وهو الذي أحرق الأحاديث وخطب في الناس قائلا: " أنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا،

فمن سألكم فقولوا: بيننا و بينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه " [266] . [ صفحه 253] ألم يقدم أبو بكر القرآن علي السنة؟ بل جعله المصدر الوحيد ورفض السنة بدعوي أن الناس يخلفون فيها؟! ولماذا لم يسموا عمر بن الخطاب من الخوارج أو من الزنادقة، وهو الذي رفض السنة النبوية من أول يوم عندما قال: حسبنا كتاب الله يكفينا، وقد أحرق هو أيضا كل ما جمعه الصحابة من الأحاديث والسنن علي عهده [267] ولم يقف عند ذلك الحد حتي نهي الصحابة عن إفشاء الحديث [268] . ولماذا لم يسموا أم المؤمنين عائشة التي يؤخذ عنها نصف الدين بأنها من الخوارج ومن الزنادقة، فهي التي اشتهرت بعرض الحديث علي القرآن، فكانت كلما بلغها حديث لا تعرفه عرضته علي كتاب الله وأنكرته إذا عارض القرآن. فقد أنكرت علي عمر بن الخطاب حديث: إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه، و قالت: حسبكم القرآن، فإنه يقول: ولا تزر وازرة وزر أخري [269] . كما أنكرت حديث عبد الله بن عمر الذي روي بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قام علي القليب وفيه قتلي بدر من المشركين فقال لهم ما قال ثم التفت إلي أصحابه فقال: " إنهم ليسمعون ما أقول ". فكذبت عائشة أن يكون الأموات يسمعون وقالت: إنما قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق "، ثم استشهدت علي كذب الحديث بعرضه علي القرآن فقرأت قوله سبحانه: " أنك لا تسمع الموتي " (النحل: 80) " وما أنت بمسمع من في القبور " (فاطر: 22) [270] . وأنكرت أحاديث كثيرة كانت في كل

مرة تعرضها علي كتاب الله، فقالت لمن حدث بأن محمدا رأي ربه - لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن بها فقد كذب، من حدثك أن محمدا رأي ربه فقد كذب، ثم [ صفحه 254] قرأت قوله تعالي: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهم اللطيف الخيبر (الأنعام: 103)، وقرأت وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب (الشوري: 51). ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت قول الله: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا (لقمان: " 34) ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت قوله تعالي: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (المائدة: 67). كذبك كان ألو هريرة رواية أهل السنة عندهم، كان كثيرا ما يحدث الحديث ثم يقول: فاقرأوا إن شئتم قوله تعالي، فيعرض حديثه علي كتاب الله حتي يصدقه المستمعون. فلماذا لا يسمي " أهل السنة والجماعة " كل هؤلاء من الخوارج والزنادقة، فهم يعرضون الأحاديث التي يسمعونها علي كتاب الله ويكذبون ما خالف منها القرآن؟! إنهم لا يجرؤون علي ذلك، أما إذا تعلق الأمر بأئمة أهل البيت فإنهم لا يتورعون بأن يشتموهم بكل نقيصة ولا ذنب لهم سوي عرض الحديث علي كتاب الله وإبطالها بأحاديث مكذوبة لأنهم يدركون تماما أنه لو عرضت أحاديثهم علي كتاب الله فسوف لن يوافق كتاب الله علي تسعة أعشار منها. والعشر العاشر الذي يؤيده كتاب الله لأنه من أقوال النبي صلي الله عليه وآله وسلم، يؤولون بعضه علي غير ما أراده الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كتأويلهم حديث: (الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش "، وحديث: "

تمسكوا بسنة الخلفاء الراشدين بعدي "، وكقوله: " اختلاف أمتي رحمة "، وغيرها من الأحاديث الشريفة والتي يقصد بها النبي صلي الله عليه وآله وسلم أئمة العترة الطاهرة، ولكنهم صرفوها إلي خلفائهم الغاصبين وإلي بعض الصحابة المنقلبين. وحتي الألقاب التي يضفونها علي الصحابة كتسمية أبي بكر ب " " الصديق " وعمر ب " " الفاروق " وعثمان ب " " ذي النورين " وخالد ب " " سيف الله "، والحال أن كل هذه الألقاب هي لعلي علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقد قال صلي الله عليه وآله وسلم: " الصديقون ثلاثة، حبيب النجار مؤمن أل يس، وحز قيل مؤمن أل فرعون، وعلي بن أبي [ صفحه 255] طالب (عليه السلام) وهو أفضلهم " [271] . وعلي نفسه كان يقول: أنا الصديق الأكبر ولا يقولها بعدي إلا كذاب. وهو الفاروق الأعظم الذي فرق الله به الحق من الباطل [272] ، ألم يقل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأن حبه إيمان وبغضه نفاق، وأن الحق يدور معه حيث دار؟ وأما ذو النورين [273] ، فهو (عليه السلام)، والد الحسن والحسين (عليهما السلام) سيدي شباب أهل الجنة وهما نوران من صلب النبوة. وأما سيف الله فهو الذي قال فيه جبريل (عليه السلام) يوم أحد: " لا فتي إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار " وهو بحق سيف الله الذي سله علي المشركين فقتل أبطالهم وجندل شجعانهم وهشم أنوفهم حتي أذعنوا للحق وهم كارهون، وهو سيف الله لأنه لم يهرب من معركة أبدا، ولم يخش من مبارزة قط. وهو الذي فتح خيبر وقد عجز عنها أكابر الصحابة ورجعوا منهزمين. لقد قامت

السياسة من أول خلاقة علي عزله وتجريده من كل فضل وفضيلة، ولما معاوية للحكم ذهب أشواطا بعيدة فعمل علي لعن علي وانتقاصه، وعلي رفع شأن مناوئيه ونسب إليهم كل فضائله وألقابه زورا منه وبهتانا، ومن يقدر في ذلك العهد علي تكذيبه أو معارضته؟ وقد وافقوه علي سبه ولعنه والبراءة منه، وقد قلب أتباعه من " أهل السنة والجماعة " كل الحقائق ظهرا علي عقب، فأصبح عندهم المنكر معروفا و المعروف منكرا، وأصبح علي وشيعته هم الزنادقة والخوارج والروافض فاستباحوا بذلك لعنهم وقتلهم، وأصبح أعداء الله ورسوله وأهل بيته هم " أهل السنة " فاقرأ واعجب، وإن كنت في شك من هذا فابحث ونقب. مثل الفريقين كالا عمي والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون (هود: 24). صدق الله العلي العظيم [ صفحه 256]

الاحاديث النبوية عند أهل السنة متناقضة

لعل الباحث يجد كثيرا من السنن التي تنسب إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم هي في الحقيقة ليست إلا بدعا ابتدعها بعض الصحابة بعد وفاته وألزموا الناس بها و حملوهم عليها قهرا، حتي اعتقد أولئك المساكين أنها من أفعال النبي وأقواله. ولذلك جاءت تلك البدع في أغلبها متناقضة ومتعارضة مع القرآن، فاضطر علماؤهم للتأويل والقول بأن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فعل هذا مرة، وفعل ذاك أخري كقولهم بأنه صلي مرة بالبسملة وأخري صلي بدون البسملة، ومرة مسح رجليه في الوضوء وأخري غسلهما، ومرة قبض يديه في الصلاة وأخري أسدلها، حتي ذهب البعض منهم للقول بأنه فعل ذلك متعمدا للتخفيف علي أمته حتي يختار كل واحد منهم ما يناسبه من العمل. إنه كذب برفضه الإسلام الذي بني عقائده علي كلمة التوحيد وتوحيد العبادة حتي في المظهر واللباس فلم

يسمح للمحرم وقت الحج أن يلبس ما يريد لا شكلا ولا لونا، ولم يسمح للمأموم إلا أن يتبع إمامه في حركاته وسكناته من قيام وركوع وسجود و جلوس. كما أنه كذب لأن الأئمة الطاهرين من أهل البيت يرفضون تلك الروايات ولا يقلبون بالاختلاف في العبادات شكلا ومضمونا. وإذا رجعنا إلي تناقض الأحاديث عند " أهل السنة والجماعة " فهي كثيرة جدا تفوق الحصر، وسوف نعمل علي جمعها في كتاب خاص إن شاء الله. [ صفحه 257] وكالعادة وبإيجاز نذكر هنا بعض الأمثلة ليتبين للباحث علي أي أساس بني " أهل السنة والجماعة " مذهبهم وعقيدتهم. فقد جاء في صحيح مسلم وفي شرح الموطأ لجلال الدين السيوطي عن أنس بن مالك قال: صليت خلف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ: بسم الله الحرمان الرحيم. وفي رواية أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان لا يجهر بقراءة بسم الله الرحمان الرحيم، قال: وقد روي هذا الحديث عن أنس قتادة وثابت البناني وغيرهما و كلهم أسنده وذكر فيه النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلا أنهم اختلف عليهم في لفظه اختلافا كثيرا، مضطربا ومتدافعا، فمنهم من يقول فيه: كانوا لا يقرأون بسم الله الرحمان الرحيم، ومنهم من يقول كانوا لا يجهرون ببسم الله الحرمان الرحيم، ومنهم من يقول: كانوا يجهرون ببسم الله الرحمان الرحيم ومنهم من قال: كانوا لا يتركون بسم الله الرحمان الرحيم، ومنهم من قال: كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. قال: وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد من الفقهاء [274] . أما إذا أردت معرفة السر الحقيقي لهذا التناقض والاضطراب من

نفس الراوي وهو أنس بن مالك الذي كان يلازم النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأنه حاجبه، فتراه مرة يروي بأنهم - رسول الله والخلفاء الثلاثة - كانوا لا يقرأون بسم الله الرحمان الرحيم، ومرة بأنهم لا يتركونها. إنما هو الواقع الأليم المؤسف الذي اتبعه أكثر الصحابة في نقل الحديث وروايته حسبما تقتضيه المصلحة السياسية وحسبما يرضي الأمراء. فلا شك بأنه روي عدم القراءة لبسم الله الرحمان الرحيم عندما عمل بنو أمية و حكامهم علي تغيير كل سنة للنبي صلي الله عليه وآله وسلم كان علي بن أبي طالب يتمسك بها ويعمل علي إحيائها. [ صفحه 258] فقد قامت سياستهم علي مخالفته في كل شئ والعمل بضده. حيث اشتهر (سلام الله عليه) بأنه كان يبالغ في الجهر بالبسملة حتي في الصلاة السرية. وهذا ليس ادعاء منا أو من الشيعة، فنحن لم نعتمد في كل ما كتبنا إلا علي كتب " أهل السنة والجماعة " وتصريحاتهم. وقد ذكر الإمام النيسابوري في تفسير غرائب القرآن، وبعد ذكره للروايات المتناقضة عن أنس بن مالك قال: " وفيها تهمة أخري، وهي أن عليا (رضي الله عنه) كان يبالغ في الجهر بالتسمية، ولما كان زمن بني أمية بالغوا في المنع من الجهر سيعا منهم في إبطال آثار علي بن أبي طالب، فلعله إنما خاف منهم فلهذا اضطراب أقواله " [275] . كما صرح الشيخ أبو زهرة ما يقارب هذا المعني إذ قال: " لا بد أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي (عليه السلام) في القضاء والإفتاء، لأنه ليس من المعقول أن يلعنوا عليا فوق المنابر، وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه و ينقلون فتاواه وأقواله للناس،

وخصوصا ما يتصل بأساس الحكم الإسلامي " [276] . والحمد الله الذي أظهر الحق علي لسان بعض علمائهم فاعترفوا بأن عليا كان يبالغ في الجهر ببسم الله الرحمان الرحيم. ونستنتج بأن الذي دعاه (سلام الله عليه) أن يبالغ في الجهر بالتسمية، هو أن الخلفاء الذين سبقوه تركوها إما عمدا أو سهوا واقتدي بهم الناس فأصبحت سنة متبعة وهي بلا شك مبطلة للصلاة إذا ما تركت عمدا، وإلا لما بالغ الإمام علي (عليه السلام) في الجهر بها حتي في الصلاة السرية. ثم إننا نشتم من روايات أنس بن مالك التزلف لإرضاء بني أمية الذين أطروه و أغدقوا عليه الأموال وبنوا له القصور لأنه من المناوئين لعلي (عليه السلام) هو الآخر ويظهر بغضه لأمير المؤمنين (عليه السلام) من قصة الطير [ صفحه 259] المشوي عندما قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " اللهم إئتني بأحب الخلق إليك يأكل معي هذا الطير "، فجاء علي يستأذن فرده أنس ثلاث مرات، ولما عرف النبي في المرة الرابعة قال لأنس: ما حملك علي ما فعلت؟ قال أنس: رجوت أن يكون واحدا من الأنصار. [277] . ويكفي هذا الصحابي أن يسمع النبي صلي الله عليه وآله وسلم يدعو ربه بأن يأتيه بأحب الخلق إليه، ويستجيب الله لدعاء رسوله فيأتيه بعلي (عليه السلام)، ولكن بغض أنس له يحمله علي الكذب فيرد عليا مدعيا بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حاجة له ويتكرر منه الكذاب ثلاث مرات متوالية لأنه لم يقبل أن يكون علي (عليه السلام) أحب الخلق إلي الله بعد رسوله، ولكن عليا اقتحم الباب في المرة الرابعة ودخل، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: ما حسبك

عني يا علي؟ قال: جئتك فردني أنس ثلاث مرات، قال: ما حملك علي ذلك يا أنس؟ قال: يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي. والتاريخ بعد ذلك يحدثنا بأن أنس بقي علي بغضه للإمام (عليه السلام) طيلة حياته، وهو الذي استشهده علي يوم الرحبة بحديث الغدير فكتم الشهادة ودعا عليه الإمام (عليه السلام) فلم يقم من مجلسه إلا أبرص، فكيف لا يصبح أنسا من المناوئين لعلي (عليه السلام) وهو يبغضه ويتقرب إلي أعدائه بالبراءة منه. لكل ذلك جاءت روايته في خصوص البسملة تفوح بالولاء لمعاوية بن أبي سفيان إذ يقول: " صليت خلف النبي وأبي بكر وعمر وعثمان " ويعني بذلك أنه ما كان يقبل بالصلاة وراء علي، وهو بالضبط ما كان يريده معاوية وأتباعه من رفع ذكر الخلفاء الثلاثة وطمس ذكر علي (عليه السلام) وعدم التحدث باسمه. وبما أنه ثبت من طريق أئمة العترة الطاهرة وشيعتهم بأن عليا (عليه السلام) [ صفحه 260] كان يجهر بالبسملة في الفاتحة والسورة التي بعدها، كما ثبت أيضا من طريق " أهل السنة والجماعة " بأنه كان يبالغ في الجهر بالبسملة حتي في الصلاة السرية، فثبت بذلك أنها هي السنة النبوية الصحيحة، فمن تركها فقد ترك الواجب وأبطل صلاته، لأن مخالفة السنة هو الضلال، فما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. ولنا بعد هذا عدة مآخذ علي روايات الصحابة التي تخالف سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعدة أمثلة ذكرنا البعض منها في أبحاث سابقة وسنذكر البعض الآخر في أبحاث لاحقة. والمهم في كل ذلك أن نعرف بأن " أهل السنة والجماعة " يقتدون بأقوال وأفعال الصحابة. أولا: لإيمانهم بأن أقوالهم وأفعالهم

هي سنة ملزمة. ثانيا: لاشتباههم في أن ما قاله الصحابة وما فعلوه لا يخالف السنة النبوية، لأن الصحابة كانوا يحكمون بآرائهم وينسبون ذلك للنبي صلي الله عليه وآله وسلم حتي يتمكنوا من التأثير في النفوس ويأمنوا معارضة المعارضين. وإذا كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو المعارض الوحيد الذي حاول بكل جهوده في أيام خلافته إرجاع الناس للسنة النبوية بأقواله وأفعاله وفضائه، ولكن بدون جدوي لأنهم شغلوه بالحروب الطاحنة فلم ينته من حرب إلا وأشعلوا له حربا أخري، ولم ينته من حرب الجمل حتي أسعروا حرب صفين ولم ينته من صفين حتي أشعلوا حرب النهروان ولم ينته منها حني اغتالوه في محراب الصلاة. وجاء معاوية للخلافة وكان همه الوحيد هو إطفاء نور الله، فعمل بكل جهوده للقضاء علي سنة النبي التي أحياها الإمام علي (عليه السلام)، وأرجع الناس لبدع الخلفاء وخصوصا البدع التي سنها هو لهم، وعمل علي سب علي (عليه السلام) ولعنه حتي لا يذكره ذاكر إلا بما هم مشين. يذكر المدائني أن بعض الصحابة جاء إلي معاوية فقال له: " يا أمير المؤمنين، إن عليا (عليه السلام) مات وليس هناك شئ تخافه، فلو رفعت هذا [ صفحه 261] اللعن عنه؟ فقال معاوية: لا والله حتي يهرم عليه الكبير ويشيب عليه الصغير. يقول المدائني: فمكثوا علي ذلك (بنو أمية) دهرا وعلموه إلي صبيانهم في الكتاتيب وإلي نسائهم وخدمهم ومواليهم، وقد نجح معاوية في مخططه نجاحا كبيرا، إذ أبعد الأمة الإسلامية (إلا القليل منها) عن وليها وقائدها الحقيقي، وجرهم إلي معاداته والبراءة منه، وألبس لهم الباطل بالحق وجعلهم يعتقدون بأنهم هم " أهل السنة " وأن من والي عليا واتبعه فهو خارجي وصاحب بدعة.

وإذا كان الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وما أدراك، يلعن فوق المنابر ويتقرب إلي الله بسبه ولعنه، فما بالك بالشيعة الذين اتبعوا، فقد منعوا عطاءهم وحرقوا عليهم ديارهم وصلبوهم علي جذوع النخل ودفنوهم أحياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إن معاوية في نظري هو حلقة من سلسلة المؤامرة الكبري وفصل من فصولها، ولكنه نجح أكثر من غيره في طمس الحقائق وتقليبها ظهرا علي عقب، وأرجع الأمة إلي الجاهلية الأولي في لباس الإسلام. وتجدر الإشارة بأنه كان أدهي ممن سبقه من الخلفاء فكان ممثلا بارعا يجيد التمثيل فيبكي في بعض الأحيان حتي يؤثر في الحاضرين فيعتقدون أنه من الزهاد العباد المخلصين ويقسو ويتجبر أحيانا أخري حتي يخيل إلي الحاضرين أنه من أكبر الملحدين ويظن البدوي بأنه رسول الله! ولا بد لإتمام البحث أن نعرف من خلال رسالة محمد بن أبي بكر التي وجهها إليه ورده عليها مدي مكره ودهائه كما سنعرف من خلال الرسالتين حقايق لا غني للباحثين من الوقوف عليها. [ صفحه 262]

كتاب محمد بن أبي بكر إلي معاوية

من محمد بن أبي بكر إلي الغاوي معاوية بن صخر: سلام علي أهل طاعة الله، ممن هو سلم لأهل ولاية الله، أما بعد، فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته، خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوته، ولا حاجة به إلي خلقهم، لكنه خلقهم عبيدا وجعل منهم غويا ورشيدا، و شقيا وسعيدا، ثم اختار علي علم فاصطفي وانتخب منهم محمدا صلي الله عليه وآله وسلم، فاختصه برسالته، واختاره لوحيه وائتمنه علي أمره، وبعثه رسولا ومبشرا و نذيرا، مصدقا لما بين يديه من الكتب، ودليلا علي الشرائع، فدعا إلي سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أول من

أجاب وأناب وأمن وصدق وأسلم وسلم، أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) صدقه بالغيب المكتوم وآثره علي كل حميم، ووقاه بنفسه كل هول وواساه بنفسه في كل خوف، وحارب حربه وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل ومقامات الروع، حتي برز سابقا لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله. وقد رأيتك تساميه، وأنت أنت، وهو هو السابق المبرز في كل خير، أول الناس إسلاما، وأصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عم، أخوه الشاري لنفسه يوم مؤتة، وعمه سيد الشهداء يوم أحد، وأبوه الذاب عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعن حوزته، وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت و أبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان علي ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل. علي هذا مات أبوك وعلي ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من تدني [ صفحه 263] ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق والشقاق لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والشاهد لعلي مع فضله المبين وسابقته القديمة أنصاره الذين معه الذين ذكرهم الله تعالي في القرآن ففضلهم وأثني عليهم من المهاجرين والأنصار فهم معه كتائب وعصائب يجالدون حوله بأسيافهم، ويهرقون دماءهم دونه، يرون الحق في اتباعه و الشقاء في خلافه. فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ووصيه وأبو ولده، وأول الناس له اتباعا وأقربهم به عهدا، يخبره بسره ويطلعه علي أمره، وأنت عدوه وابن عدوه.؟! فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك بن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضي،

وكيدك قد وهي، وسوف يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا! واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده، وآيست من روحه وهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور. والسلام علي من اتبع الهدي [278] . وهذه الرسالة التي كتبها محمد بن أبي بكر فيها حقائق دامغة لكل باحث عن الحقيقة، فهي تصف معاوية بأنه ضال مضل وأنه لعين ابن لعين، وأنه يعمل كل ما في وسعه لإطفاء نور الله ويبذل الأموال لتحريف الدين ويبغي لدين الله الغوائل، وأنه عدو الله ولرسوله ويعمل بالباطل بإعانة عمرو بن العاص. كما وأن الرسالة تكشف عن فضائل ومزايا علي بن أبي طالب (عليه السلام) التي لم يسبقه إليها سابق ولا يلحقه إليها لاحق، والحق أن لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) من الفضائل والمزايا أكثر مما عدده محمد بن أبي بكر بكثير، ولكن الذي يهمنا في هذا الباب هو رد معاوية بن أبي سفيان علي هذه الرسالة، لتعرف أيها الباحث عن الحقيقة خفايا ودسائس التاريخ وتكتشف من خلالها خيوط المؤامرة التي أبعدت الخلافة عن صاحبها الشرعي وتسببت في انحراف الأمة، فإليك الرد. [ صفحه 264]

رد معاوية علي محمد بن أبي بكر

من معاوية بن صخر إلي الرازي علي أبيه محمد بن أبي بكر. سلام علي أهل طاعة الله. أما بعد. فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه، وما أصفي به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مع كلام كثير ألفته ووضعته لرأيك فيه تضعيف ولأبيك فيه تعنيف. ذكرك فيه فضل ابن أبي طالب وقديم سوابق وقرابته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ونصرته له ومواساته إياه في كل هول وخوف، فكان احتجاجك علي وفخرك بفضل

غيرك لا بفضلك، فأحمد ربا صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك. فقد كنا وألوك معنا في حياة نبينا نعرف حق أبي طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه (عليه الصلاة والسلام) ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأفلج حجته، وقبضه الله إليه (صلوات الله عليه)، كان أبوك و فاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه علي أمره، علي ذلك اتفقا واتسقا، ثم أنهما دعواه إلي بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما، فهما به الهموم وأرادا به العظيم، ثم إنه بايعهما وسلم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه علي سرهما، حتي قبضهما الله، وانقضي أمرهما، ثم قام ثالثهما عثمان فهدي بهديهما وسار بسيرتهما، فعبته أنت وصاحبك حتي طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي فطلبتما له الغوائل حتي بلغتما فيه مناكما. [ صفحه 265] فخذ حذرك يا ابن أبي بكر، فستري وبال أمرك، وقس شبرك بفترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمه، ولا تلين علي قسر قناته، ولا يدرك ذو مدي أناته. أبوك مهد له مهاده، وبني ملكه وشاده، فإن بك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يكن جورا فأبوك استبد به ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدا لك أو دع، والسلام علي من أناب ورجع من غوايته وتاب [279] . ونستنتج من هذا الرد بأن معاوية لا ينكر فضائل علي بن أبي طالب ومزاياه، و لكنه تجرأ عليه واحتذاء بأبي بكر وعمر، ولولا هما لما استصغر شأن

علي (عليه السلام) ولا تقدم عليه أحد من الناس. كما يعترف معاوية بأن أبا بكر هو الذي معد لبني أمية وهو الذي بني ملكهم وشاده. ونفهم من هذه الرسالة بأن معاوية لم يقتد برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولم يهتد بهديه، عندما اعترف بأن عثمان هدي بهدي أبي بكر وعمر وسار بسيرتهما. وبذلك يتبين لنا بوضوح بأنهم جميعا تركوا سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم واقتدي بعضهم ببدعة بعض. كما أن معاوية لم ينكر بأنه من الضالين الذين يعلمون بالباطل وأنه لعين ابن لعين علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ولتعميم الفائدة لا بأس بذكر الرسالة التي رد بها يزيد بن معاوية علي ابن عمر وهي علي اختصارها ترمي نفس المرمي. فقد أخرج البلاذري في تاريخه قال: لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، كتب عبد الله بن عمر رسالة إلي يزيد بن معاوية جاء فيها: [ صفحه 266] أما بعد، فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين فكتب إليه يزيد: وفي رد معاوية علي ابن أبي بكر كما في رد يزيد علي ابن عمر نجد نفس المنطق و نفس الاحتجاج. وهو لعمري أمر ضروري يقره الوجدان، ويدركه كل عاقل ولا يحتاج في الحقيقة إلي شهادة معاوية وابنه يزيد. فلولا استبداد أبي بكر وعمر علي علي، لما وقع ما وقع في الأمة الإسلامية، و لو تمكن علي من الخلافة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحكم المسلمين لتواصلت خلافته إلي سنة أربعين للهجرة أعني ثلاثون عاما بعد النبي [280] وهي مدة كافية لإرساء قواعد الإسلام بكل أصوله

وفروعه، ولتمكن (عليه السلام) من تطبيق كتاب الله وسنته رسوله بدون تحريف ولا تأويل. ولما وليها بعد وفاته غير سيدي شباب أهل الجنة الإمام الحسن والإمام الحسين وأولاده المعصومين بقية الأئمة (عليهم السلام) ولتواصلت خلافة الراشدين ثلاثة قرون، لم يكن بعدها للكافرين والمنافقين والملحدين تأثير ولا وجود، ولكانت الأرض غير الأرض والعباد غير العباد، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يبقي هناك دائما اعتراض من بعض " أهل السنة والجماعة " علي هذا الاحتمال وذلك من وجهين: [ صفحه 267] - الأول أنهم يقولون بأن ما وقع هو الذي اختاره الله وأراده، ولو أراد الله أن يقود المسلمين علي والأئمة من ولد (عليم السلام) لكان ذلك، وهم يرددون دائما " الخير في ما اختاره الله " - الثاني أنهم يقولون: لو تولي علي الخلافة مباشرة بعد النبي وأعقبه الحسن و الحسين لأصبحت الخلافة وراثية يرثها الأبناء علي الآباء، وهذا لا يقره الإسلام الذي ترك الأمر شوري بين الناس. وإجابة علي ذلك ولرفع الالتباس نقول: أولا: ليس هناك دليل واحد علي أن ما وقع هو الذي اختاره الله وأراده، بل الأدلة علي عكسه ثابتة في الكتاب والسنة، فمن الكتاب مثلا قوله تعالي: " ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " (الأعراف: 96)، وكذلك قوله تعالي: " ولو أنهم أقاموا التوراة و الإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " (المائدة: 66). وكذلك قوله تعالي: " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما " (النساء: 147).

وقوله: " إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم " (الرعد: 11). وكل هذه الآيات البينات تفيد بأن الانحراف سواء كان علي مستوي الأفراد أو الجماعات أو الأمم هو من عند أنفسهم وليس من عند لله. ومن السنة النبوية مثلا: قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: " تركت فيكم كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا " وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " وقوله: " ستفترق أمتي إلي ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ". وكل هذه الأحاديث الشريفة تفيد بأن ضلالة الأمة كانت بسبب انحراف الأمة وعدم قبولها لما اختاره الله لها. - ثانيا: هب أن الخلاقة الإسلامية كانت بالوارثة فليست هي الوارثة التي يفهمونها بأن يستبد الحاكم علي رعيته فيولي عليهم ابنه قبل وفاته ويسميه ولي العهد، ولو كان الوالد والوالد فاسقين بل هي وراثة إلهية من اختيار رب العامين [ صفحه 268] الذي لا يعزب عن علمه مثقال حبة من خردل والتي تخص نخبة صالحة اصطفاها الله وأورثها الكتاب والحكمة لتكون للناس أئمة، فقال: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " (الأنبياء: 73). مع أن قولهم بأن الإسلام لا يقر الوراثة وإنما ترك الأمر شوري، هو مغالطة لا يقرها الواقع والتاريخ فقد وقعوا بالضبط في النظام الوراثي الممقوت، ولم يتول علي الأمة بعد علي (عليه السلام) إلا الظالمين الغاصبين الذين أورثوها لأبنائهم الفسقة رغم أنف الأمة. فأيهما الأفضل أن يتوارثها الفساق الذين يحكمون بأهوائهم ولا يخضعون إلا لشهواتهم؟ أو يتوارثها الأئمة

الطاهرين الذين اصطفاهم الله وأذهب عنهم الرجس و أورثهم علم الكتاب ليحكموا بين الناس بالحق ويهدوهم سواء السبيل ويدخلوهم جنات النعيم، من باب قول الله: وورث سليمان داود (النمل: 16)؟ وما أظن العاقل يختار إلا الثاني إن كان من المسلمين! وما دمنا الآن نقول بالأمر الواقع ولا يفيدنا التحسر علي ما فات فلنعد إلي الموضوع فنقول: ولما دفع أبو بكر وعمر أمير المؤمنين عن منصبه في الخلافة وتقمصاها، وصغرا بذلك شأن علي وفاطمة وأهل البيت (عليهم السلام) وأهانوهم، عند ذلك سهل الأمر علي معاوية ويزيد وعبد الملك بن مروان وأضرابهم أن يفعلوا ما فعلوه، ولولا أنهما مهدا لمعاوية ومكنا له في البلاد حتي بقي واليا في الشام وحدها أكثر من عشرين عاما، ولم يعزل أبدا ونال معاوية هيبة وأوطأ رقاب الناس حتي دانوا له بكل ما يريد، ثم جعل الخلافة لابنه من بعده الذي وجد كما صرح بنفسه بيوتا مجددة وفرشا ممهدة ووسائد منضدة، فمن الطبيعي أن يقاتل من أجلها وأن يقتل ريحانة النبي ولا يبالي، فقد رضع بغض أهل البيت في حليب أمه ميسون وترعرع في حجر أبيه علي سبهم و لعنهم، فلا غرابة أن يصدر منه الذي صدر أو أكثر من ذلك. وقد اعترف بعض الشعراء بهذه الحقيقة إذ يقول: [ صفحه 269] لولا حدود صوارم++ أمضي مضاربها الخليفة لنشرت من أسرار أل++ محمد جملا ظريفة وأريتكم أن الحسين++ أصيب يوم السقيفة ويفهم الباحث المتتبع بأن دولة بني أمية كلها قامت بفضل أبي بكر وعمر. وكذلك دولة بني العباس وغيرها من الدول، وكذلك نجد هؤلاء قد بذلوا كل ما في وسعهم للتنويه بأبي بكر وعمر وخلق الفضائل لهم وإثبات أحقيتهم في الخلافة، لأنهم

أدركوا بأن شرعيتهم في الخلافة لا تتم إلا بتصحيح خلافتهما والقول بعدالتهما. وفي المقابل نراهم جميعا فعلوا بأهل البيت الأفاعيل لا لشئ إلا لأنهم أصحاب الخلافة الشرعية وهم وحدهم الذين يهددون كيانهم ودولتهم. وهذا بديهي عند العقلاء الذين عرفوا الحق، وأنت تري إلي يومنا هذا أن بعض الدول الإسلامية يحكمها ملوك ليس لهم من الفضل أو الفضيلة شئ سوي أنهم أولاد ملوك وسلاطين وأمراء كما كان يزيد أميرا والده معاوية كان ملكا وملك الأمة بالقوة والقهر. فلا يعقل أن يحب ملوك السعودية وأمراؤها أهل البيت ومن تشيع لهم. كما لا يعقل يبغض ملوك السعودية وأمراؤهم معاوية ويزيد، وما سن لهم دستور ولاية العهد المعاصرون وبدستور معاوية ويزيد وكل أمراء بني أمية وبني العباس يستمد الملوك المعاصرون شرعيتهم وبقاءهم. ومن هنا أيضا جاء تقديس الخلفاء الثلاثة وتفضيلهم والقول بعدالتهم و الدفاع عنهم، وعدم السماح بنقدهم أو التكلم فيهم، لأنهم أساس كل الحكومات التي وجدت وستوجد من يوم السقيفة إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. ويفهم علي هذا الأساس أيضا لماذا اختاروا لأنفسهم اسم " أهل السنة والجماعة " ولغيرهم اسم الروافض أو الزنادقة لأن علينا وأهل بيته (عليهم [ صفحه 270] السلام) وشيعته رفضوا خلافتهم ولم يبايعوهم واحتجوا عليهم في كل مناسبة، فعمل الحكام علي انتقاصهم وتصغير شأنهم وتحقيرهم وسبهم ولعنهم وقتلهم وتشريدهم. وإذا لقي أهل البيت الذين تعلق أجر الرسالة في القرآن بمودتهم هذه الإهانة و هذا التقتيل، فلا غرابة أن يلاقي شيعتهم ومن والاهم واهتدي بهديهم كل تنكيل و توهين وتحقير وتفكير. ويصبح المحق هو المنبوذ المعادي المتروك ويصبح المطل هو القدوة والسيد المحترم الذي تجب طاعته. فالذي والي عليا وشايعه هو صاحب

بدعة وفتنة، والذي والي معاوية وشايعه هو صاحب سنة وجماعة. والحمي لله الذي وهبنا من العقل ما نميز به الحق من الباطل والنور من الظلمات والأبيض من الأسود، إن ربي علي صراط مستقيم وما يستوي الأعمي والبصير - ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور - وما يستوي الأحياء ولا الأموات - إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور (فاطر: 22 - 19). صدق الله العلي العظيم [ صفحه 271]

الصحابة عند شيعة أهل البيت

وإذا بحثنا موضوع الصحابة بتجرد وبدون عواطف نجد أن الشيعة أنزلوهم بمنازل القرآن والسنة النبوية وما أوجبه العقل، فلم يكفروهم بمجموعهم كما فعل الغلاة، و لم يقولوا بعد التهم جميعا كما فعل " أهل السنة والجماعة ". يقول الإمام شرف الدين الموسوي في هذا الموضوع: " إن من وقف علي رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء، إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم جميعا، فإن الكاملية ومن كان في الغلو علي شاكلتهم قالوا بكفر الصحابة كافة، وقال " أهل السنة " بعدالة كل فرد ممن سمع النبي أو رآه من المسلمين مطلقا واحتجوا بحديث (كل من دب أو درج منهم أجمعين أكتعين). أما نحن وإن كانت الصحبة بمجردها عندنا فضيلة جليلة لكنها بما هي من حيث هي غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وفيهم البغاة وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعد ولهم و نتولاهم في الدنيا والآخرة. أما البغاة علي الوصي وأخي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وسائر أهل الجرائم كابن هند وابن النابغة وابن الزرقاء وابن عقبة وابن

أرطأة ز أمثالهم، فلا كرامة لهم ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقف فيه حتي نتبين أمره. هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة، والكتاب والسنة هما بيننا علي هذا الرأي كما هو مفصل في مظانه من أصول الفقه، لكن الجمهور بالغوا في تقديس [ صفحه 272] كل من يسمونه صحابيا حتي خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين، واقتدوا بكل مسلم سمع من النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو رآه اقتداء أعمي، وأنكروا علي من يخالفهم في هذا الغلو، وخرجوا في الإنكار علي كل الحدود. وما أشد إنكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة مصرحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال عملا بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية. وبهذا ظنوا الظنون فاتهمونا بما اتهمونا رجما بالغيب وتهافتا علي الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم ورجعوا إلي قواعد العلم لعلموا أن أصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليها، ولو تدبروا القرآن الحكيم بوجوده مشحونا بذكر المنافقين منهم وحسبك منه سورة التوبة والأحزاب " (إنتهي كلام شرف الدين). ويقول الدكتور حامد حفني داود أستاذ كرسي الأدب العربي ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس بالقاهرة: " أما الشيعة فيرون أن الصحابة كغيرهم تماما لا فرق بينهم وبين من جاء بعدهم من المسلمين إلي يوم القيامة. وذلك من حيث خضوعهم لميزان واحد هو ميزان العدالة الذي توزن به أفعال الصحابة كما توزن به أفعال من جاء بعدهم من الأجيال وأن الصحبة لا تعطي بصاحبها منقبة إلا إذا كان أهلا لهذه المنقبة وكان لديه الاستعداد نعموا برسالة صاحب الشريعة صلي الله عليه وآله وسلم، وأن منهم المعصومين كالأئمة الذين نعموا بصحبة

الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كعلي وابنيه (عليهم السلام) ومنهم العدول وهم الذين أحسنوا الصحبة لعلي بعد انتقال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إلي الرفيق الأعلي. ومنهم المجتهد المصيب، ومنهم المجتهد المخطئ ومنهم الفاسق، ومنهم الزنديق، وهو أقبح من الفاسق وأشد نكالا ويدخل في دائرة الزنديق المنافقون والذين يعبدون الله علي حرف، كما أن منهم الكفار وهم الذين لم يتوبوا من نفاقهم والذين ارتدوا بعد الإسلام. [ صفحه 273] ومعني هذا أن الشيعة - وهم شطر عظيم من أهل القبلة - يضعون جميع المسلمين في ميزان واحد ولا يفرقون بين صحابي وتابعي ومتأخر، وأن الصحبة في ذاتها ليست حصانة يتحسن بها من درجة الاعتقاد. وعلي هذا الأساس المتين أبا حوا لأنفسهم - اجتهادا - نقد الصحابة والبحث في درجة عدالتهم، كما أبا حوا لأنفسهم الطعن في نفر من الصحابة أخلوا بشروط الصحبة و حادوا عن محبة أن محمد صلي الله عليه وآله وسلم. كيف لا، وقد قال الرسول الأعظم: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أل بيتي، وإنهما يفترقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ". وعلي أساس من هذا الحديث ونحوه يرون أن كثيرا من الصحابة حالفوا هذا الحديث باضطهادهم لآل محمد، ولعنهم لبعض أفراد هذه العترة، ومن ثم فكيف يستقيم لهؤلاء المخالفين شرف الصحبة، وكيف يوسموا بسمة العدالة؟! ذلك هو خلاصة رأي الشيعة في نفي صفة العدالة عن بعض الصحابة وتلك هي الأسباب العلمية الواقعية بنوا عليها حججهم ". هذا ويعترف الدكتور حامد حنفي داود في موضع آخر بأن نقد الصحابة وتجريحهم ليس هو بدعا من مسائل العقيدة، ولم يكتفوا فيما تعرضوا

له بعامة الصحابة بل تعرضوا للخلفاء أنفسهم، وكان لهم في ذلك خصوم ومؤيدون. وقد كان موضوع نقد الصحابة قصرا - في القرون الأولي - علي الراسخين في العلم ولخاصة علماء المعتزلة، وسبقهم في هذا الاتجاه رؤوس الشيعة وزعماء المتعصبين لآل محمد. وسبق أن أشرت في غير هذا الموضع أن علماء الكلام وشيوخ المعتزلة كانوا عالة علي زعماء الشيعة منذ القرن الهجري الأول، وعليه فقضية نقد الصحابة إنما هي وليدة التشيع لآل محمد، ولكنها كانت وليدة التشيع، لا لذات التشيع، [ صفحه 274] بل لأن المتشيعين لآل محمد عرفوا بتبحرهم في علوم العقائد بسبب ما نهلوا من موارد أئمة أل البيت وهم المصدر الأصيل والمعين الفياض الذي نهلت منه الثقافات الإسلامية منذ صدر الإسلام إلي اليوم " [281] انتهي كلام الدكتور حامد داود. وأنا أعتقد بأن الباحث عن الحقيقة لا بد له من فتح باب النقد والتجريح وإلا سيبقي محجوبا عنها، بالضبط " كأهل السنة والجماعة " الذين بالغوا في القول بعدالة الصحابة وعدم البحث في أحوالهم فبقوا بعيدين عن الحق إلي يومنا هذا. [ صفحه 275]

الصحابة عند أهل السنة والجماعة

أما " أهل السنة والجماعة " فقد بالغوا قي تنزيه الصحابة، والقول بعدالتهم جميعا بدون استثناء وخرجوا بذلك علي حدود العقل والنقل عندما أنكروا علي من ينتقد أحدا منهم أو يقول بعدم عدالته فضلا عن تفسيقهم، وإليك طرفا من أقوالهم لتعرف بعدهم عن مفاهيم القرآن وما ثبت في السنة النبوية الصحيحة، وما أثبته، وما أثبته العقل والوجدان. هذا الإمام النووي يقول في شرح صحيح مسلم: " إن الصحابة (رضي الله عنهم) كلهم هم صفوة الناس وسادات الأمة، وأفضل ممن بعدهم، وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم، و إنما

جاء التخليط ممن بعدهم، وفيمن بعدهم كانت النخالة [282] . وهذا يحيي بن معين يقول: كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم دجال يكتب عنه ولعنة الله والملائكة والناس أجمعين. [283] . وهذا يحيي بن معين يقول: كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة و الناس أجمعين [284] . وهذا الذهبي يقول: من الكبائر سب أحد من الصحابة فمن طعن فيهم أو سبهم، فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين [285] . وسئل القاضي أبو يعلي عمن شتم أبا بكر؟ فقال: كافر، قيل فيصلي عليه؟ [ صفحه 276] قال: لا فقيل كيف يصنع به وهو يشهد أن لا إله إلا الله؟ لا تسموه بأيديكم، ادفعوه بالخشب حتي تواروه في حفرته [286] . ويقول الإمام أحمد بن حنبل: " خير الأمة بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم أبو بكر، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان بعد عمر، وعلي بعد عثمان، وهم خلفاء راشدون مهديون، ثم أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم، ولا يطعن علي أحد منهم بعيب ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه، فإن تاب قبل منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتي يموت أو يراجع ". وقال الشيخ علاء الدين الطرابلسي الحنفي من شتم أحدا من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم أبا بكر أو عمر

أو عثمان أو عليا أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال: كانوا علي ضلال وكفر، قتل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالا شديدا. [287] . وينقل الدكتور حامد حفني داود أقوال " أهل السنة والجماعة " باختصار، فيقول: " يري أهل السنة أن الصحابة كلهم عدول، وأنهم جميعا مشتركون في العدالة وإن اختلفوا في درجاتها، وأن من كفر صحابيا فهو كافر، ومن فسقه فهو فاسق، وأن من طعن في صحابي فكأنما طعن علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. ويري جهابذة أهل السنة أيضا أنه يجوز الخوض فيما جري بين علي (رضي الله عنه) ومعاوية من أحداث التاريخ. وأن من الصحابة من اجتهد وأصاب وهو علي ومن نحا نحوه، وأن منهم من اجتهد وأخطأ مثل معاوية وعائشة (رضي الله عنها) ومن نحا نحوهما، وأنه ينبغي - في نظر أهل السنة - الوقوف والإمساك عند هذا الحكم دون التعرض لذكر المثالب. ونهوا عن سب معاوية باعتباره صحابيا، وشددوا النكير علي من سب عائشة، باعتبارها أم المؤمنين الثانية بعد خديجة وباعتبارها جب رسول الله. [ صفحه 277] وما زاد علي ذلك فينبغي ترك الخوض فيه وأرجاء أمره إلي الله سبحانه، وفي ذلك يقول الحسن البصري وسعيد بن المسيب: " تلك أمور طهر الله منها أيدينا وسيوفنا فلنطهر منها ألسنتنا ". " هذه خلاصة آراء أهل السنة في عدالة الصحابة وفيما ينبغي أن تقف منهم " [288] . انتهي كلامه. وإذا أراد الباحث أن يتوسع في معرفة الصحابة ومن المقصودون بهذا المصطلح علي رأي " أهل السنة والجماعة " فسيدرك بأنهم يعطون هذا الوسام الشرقي لكل من رأي النبي! يقول البخاري في صحيحه:

من صحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه. ويقول أحمد بن حنبل: أفضل الناس بعد صحابة الرسول من البدريين كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما، أو رآه، وله من الصحبة علي قدر ما صحبه [289] . وقال ابن حجر في كتاب " الإصابة قي تمييز الصحابة ": من روي عن النبي حديثا أو كلمة، أو رآه وهو مؤمن به فهو من الصحابة، ومن لقي النبي مؤمنا به ومات علي الإسلام، طالت مجالسته معه أو قصرت، روي عنه أو لم يرو، غزا أو لم يغز، من رآه ولم يجالسه ومن لم يره لعارض " [290] . والأغلبية الساحقة من " أهل السنة والجماعة " يرون هذا الرأي ويعدون من الصحابة كل من رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو ولد في حياته، وإن لم يدرك و لم يعقل، وليس أدل علي ذلك من عدهم محمد بن أبي بكر من الصحابة وقد توفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولمحمد بن أبي بكر من العمر ثلاثة أشهر فقط. ولذلك نري ابن سعد يقسم الصحابة إلي خمس طبقات في كتابه المشهور بطبقات ابن سعد. [ صفحه 278] وهذا الحاكم النيسابوري صاحب كتاب " المستدرك " يجعلهم اثنتي عشره طبقة كالآتي: الطبقة الأولي: هم الذين أسلموا بمكة قبل الهجرة كالخلفاء الراشدين. الطبقة الثانية: هم الذين حضروا دار الندوة. الطبقة الثالثة: هم الذين هاجروا إلي الحبشة. الطبقة الرابعة: هم الذين حضروا العقبة الأولي. الطبقة الخامسة: هم الذين حضروا العقبة الثانية. الطبقة السادسة: هم الذين هاجروا للمدينة بعد هجرة الرسول إليها. الطبقة السابعة: هم الذين شهدوا بدرا. الطبقة الثامنة:

هم الذين هاجروا بعد بدر وقبل الحديبية. الطبقة التاسعة: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان. الطبقة العاشرة: هم الذين هاجروا بعد الحديبية وقبل فتح مكة، أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم. الطبقة الحادية عشرة: هم الذين سماهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالطلقاء. الطلقة الثانية عشرة: هم صبيان وأطفال الصحابة الذين ولدوا في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم أمثال محمد بن أبي بكر. " فأهل السنة والجماعة " متفقون علي عدالة الصحابة أجمعين والمذاهب والأربعة يقبلون رواياتهم بدون تردد ولا يسمحون بنقدها ولا الطن فيها. وناهيك أن رجال الجرح والتعديل الذين أخذوا علي أنفسهم نقد المحدثين والرواة لفرز الأحاديث وتنقيتها ولكنهم إذا وصلوا إلي الصحابي مهما كانت طبقته ومهما كان عمره عند وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم فهم يتوقفون عند ذلك ولا يطعنون بروايته مهما أثير حولها من شبهات ومهما تعارضت مع العقل والنقل، ويقولون بأن الصحابة لا يخضعون للنقد والتجريح وكلهم عدول! [ صفحه 279] وهذا لعمري تكلف ظاهر ينفر منه العقل ويشمئز منه الطبع ولا يقره العلم، ولا أعتقد بأن المثقفين من شباب يقبلون هذه البدع المضحكة. ولست أدري ولا أحد يدري من أين استمد " أهل السنة والجماعة " هذه الأفكار الغربية عن روح الإسلام الذي قال علي الدليل العلمي والحجة البالغة، وليتني أعلم، وليت واحدا منهم يقنعني بدليل واحد من كتاب أو سنة أو منطق علي عدالة الصحابة المزعومة! ولكننا بحمد الله عرفنا اللغز من تلك الآراء المزيفة وسنشرحها في الفصل القادم، فعلي الباحثين أن يكتشفوا بدورهم بعض الأسرار التي ما زالت تنتظر الجرأة و الشجاعة. [ صفحه 280]

فصل الخطاب في تقييم الأصحاب

لا شك أن الصحابة بشر

غير معصومين عن الخطأ، وهم كسائر الناس العاديين يجب عليهم ما يجب علي كل الناس ويحق لهم ما يحق لكل الناس، وإنما لهم فضل الصحبة للنبي صلي الله عليه وآله وسلم إذا احترموها ورعوها حق رعايتها، وإلا فإن العذاب يكون مضافا لأن عدل الله سبحانه اقتضي أن لا يعذب البعيد القاضي كالقريب الداني، فليس الذي سمع من النبي مباشرة ورأي نور النبوة وشهد المعجزات وتيقن منها وحظي بتعاليم النبي نفسه، كمن عاش في زمن ما بعد النبي ولم يسمع منه مباشرة. والعقل والوجدان يفضلان رجلا يعيش في زماننا ويقيم علي احترام الكتاب و السنة وتنفيذ تعاليمهما، علي صحابي عاش مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و صاحبه ولما يدخل الإيمان في قبله وأسلم استسلاما أو صاحبه علي البر والتقوي طيلة حياته ولكنه ارتد وانقلب بعد وفاته. وهذا ما يقرره كتاب الله وسنة رسوله إضافة للعقل والوجدان وكل من له دراية بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لا يرتاب في هذه الحقيقة ولا يجد عنها محيصا. ومثال ذلك قوله تعالي: " يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك علي الله يسيرا " (الأحزاب: " 30 فالصحابة فيهم المؤمن الذي استكمل إيمانه، وفيهم ضعيف الإيمان، وفيهم الذي لم يدخل الإيمان قبله، وفيهم التقي الزاهد، وفيهم المتهور الذي لا يعرف [ صفحه 281] غير مصلحته، وفيهم العادل الكريم، وفيهم الظالم اللئيم، وفيهم أهل الحق المؤمنين، وفيهم البغاة الفاسقون، وفيهم العلماء العاملون، وفيهم الجهلة المبتدعون، وفيهم المخلصون وفيهم المنافقون والناكثون والمارقون والمرتدون. وإذا كان القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة والتاريخ أقروا هذه الأمور وأوضحوها بأجلي بيان، فيصبح قول " السنة والجماعة

" بأن الصحابة كلهم عدول قولا هراء لا عبرة به ولا قيمة، لأنه يعارض القرآن والسنة ويعارض التاريخ والعقل والوجدان، فهو محض التعصب، وهو قول بلا دليل وكلام بلا منطق. وقد يتعجب الباحث في هذه الأمور من عقيلة " أهل السنة والجماعة " الذين يخالفون العقل والنقل والتاريخ. ولكن عندما يقرأ الباحث الأدوار التي لعبها الأمويون وكذلك الأساليب التي اتبعها العباسيون لتركيز هذه العقيدة - أعني احترام الصحابة وعدم انتقادهم والقول بعدالتهم - يزول عجبه ولا يساوره أدني شك في أنهم إنما منعوا الحديث في الصحابة لكيلا يصل إليهم النقد والتجريح لأفعالهم الشنيعة التي ارتكبوها تجاه الإسلام و نبي الإسلام والأمة الإسلامية. وإذا كان أبو سفيان ومعاوية ويزيد وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم و المغيرة بن شيعة وبسر بن أرطأة، كلهم من الصحابة وقد تولوا أمارة المؤمنين وحكموهم، فكيف لا يمنعون الخوض في نقد الصحابة، وكيف لا يختلقون لهم روايات مكذوبة تقول بعدالتهم جميعا لكي تشملهم تلك الفضائل، ولا يتجرأ أحد علي نقدهم أو ذكر أفعالهم. ومن يفعل ذلك من المسلمين يسموه كافرا وزنديقا ويفتوا بقتله وعدم تغسيله وتكفينه، وإنما يدفع بخشبة حتي يواري في حفرته - كما تقدم ذكره - وكانوا إذا أرادوا قتل الشيعة، اتهموهم بست الصحابة، ومعني سب الصحابة عندهم، هو نقدهم و تجريحهم فيما فعلوه، وهذه وحده يكفي للقتل والتنكيل. بل وصل الحد إلي أبعد من ذلك، ويكفي أن يتساءل أحد عن مفهوم الحديث حتي يلاقي حتفه، فإليك الدليل: [ صفحه 282] أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه قال: ذكر عند هارون الرشيد حديث أبي هريرة: إن موسي لقي آدم فقال له: أنت آدم الذي أخرجتنا من الجنة؟ فقال رجل قرشي

كان في المجلس: أين لقي آدم موسي؟! فغضب الرشيد وقال: النطع والسيف، زنديق يطعن في حديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [291] . وإذا كان هذا الرجل بلا شك من الأعيان، لأنه يحضر مجلس الرشيد يلاقي الموت بقطع رأسه بالسيف لمجرد تساؤله عن المكان الذي لقي فيه آدم موسي. فلا تسأل عن الشيعي الذي يقول بأن أبا هريرة كذاب، استنادا لتكذيب الصحابة له وعلي رأسهم عمر بن الخطاب. ومن هنا يفهم الباحث كل التناقضات التي جاءت في الأحاديث والمنكرات والمستحيلات والكفر الصريح. ومع ذلك سجلت بأنها صحيحة و ألبست ثوب القداسة والتنزيه. كل ذلك لأن النقد والتجريح كانا ممنوعين ويجران إلي الموت والهلاك. بل إن الذي يتساءل عن بعض المعاني ليصل إلي الحقيقة ويشتم منه رائحة التفتيش والتنقيب فهو مقتول لا محالة ليكون مثالا لغيره، فلا يجرؤ أحد بعده أن يتكلم. وقد موهوا علي الناس بأن الذي يطعن في حديث أبي هريرة أو أحد الصحابة حتي العاديين منهم، بأنه طعن علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وبذلك وضعوا هالة علي الأحاديث الموضوعة التي اختلقها بعض الصحابة بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم فأصبحت من المسلمات. وكنت كثيرا ما أحتج علي بعض علمائنا بأن الصحابة لم يكن عندهم هذا التقديس بل كانوا أنفسهم يشككون في حديث بعضهم إذا تعارض حديثه بما يخالف القرآن، وبأن عمر بن الخطاب ضرب أبا هريرة بالدرة ونهاه عن الحديث واتهمه بالكذب إلي غير ذلك، فكانوا يردون علي دائما بأن الصحابة من حقهم أن يقولوا في بعضهم ما شاؤوا، أما نحن فلسنا في مستواهم حتي نرد عليهم أو ننتقدهم. أقول: يا عباد الله، إنهم تقاتلوا وكفر بعضهم

بعضا وقتل بعضهم بعضا؟! [ صفحه 283] يقولون: كلهم مجتهدون للمصيب منهم أجران وللمخطئ أجر واحد، وليس لنا نحن أن نخوض في شؤونهم. ومن المؤكد أن هؤلاء ورثوا هذه العقيدة من آبائهم وأجدادهم سلفا عن خلف فهم يرددونها ترديد الببغاء بدون تدبر ولا تمحيص. وإذا كان إمامهم الغزالي نفسه قد اتخذ هذا الرأي وبثه في الناس فأصبح بذلك حجة الإسلام والمسلمين، فقد قال في كتابه " المستصفي ": " والذي عليه السلف وجماهير الخلف أن عدالة الصحابة معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم في كتابه، وهو معتقدنا فيهم ". وأنا أتعجب من الغزالي ومن " أهل السنة والجماعة " عموما علي استدلالهم بالقرآن علي عدالة الصحابة، وليس في القرآن آية واحدة تدل علي ذلك، بل في القرآن آيات كثيرة تنفي عدالتهم وتفضح سرائرهم وتكشف نفاقهم. وقد أفردنا فصلا كاملا لهذا الموضوع في كتابنا " فاسألوا أهل الذكر " من صفحة 113 إلي 127 فمن أراد مزيد البحث والوقوف علي تلك الحقائق، فليرجع للكتاب المذكور ليعرف قول الله وقول الرسول فيهم. ولكي يعرف الباحث بأن الصحابة لم يكونوا يحلمون يوما بالمنزلة التي اخترعها لهم " أهل السنة والجماعة " فما عليه إلا قراءة كتب الحديث وكتب التاريخ التي طفحت بأفعالهم الشنيعة وتفكير بعضهم، وكيف أن الكثير منهم كان يشك في نفسه إن كان من المنافقين. فها هو البخاري يخرج في صحيح بأن ابن مليكة أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم كلهم يخاف النفاق علي نفسه وما منهم أحد يقول إنه علي إيمان جبرئيل. [292] . وها هو الغزالي نفسه يخرج في كتابه بأن عمر بن الخطاب كان يسأل حذيفة بن

اليمان إن كان رسول الله سماه في جملة المنافقين الذين أعلمه بأسمائهم [293] . [ صفحه 284] ولا عبرة لقول من يقول بأن المنافقين ليسوا من الصحابة إذا عرفنا أن المصطلح الذي اتفقوا عليه هو ما سمعناه آنفا أن كل من رأي رسول الله مؤمنا به فهو صحابي حتي لو لم يجالسه. وقولهم: مؤمنا به، فيه أيضا تكلف، لأن كل الذين صاحبوا النبي نطقوا بالشهادتين، وقبل النبي صلي الله عليه وآله وسلم منهم ذلك الإسلام الظاهري وقال: " أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولي السرائر " ولم يقل في حياته لواحد منهم: أنت منافق فلا أقبل منك إسلامك! ولذلك أيضا نجد النبي صلي الله عليه وآله وسلم يسمي المنافقين - ب " أصحابي " - وهو يعلم نفاقهم، وإليك الدليل: أخرج البخاري بأن عمر بن الخطاب طلب من النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يضرب عنق عبد الله بن أبي المنافق فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: دعه لا يتحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه. [294] . وقد يحاول بعض العلماء من " أهل السنة والجماعة " إقناعنا بأن المنافقين كانوا معروفين فلا نخلطهم بالصحابة، وهذا أمر مستحيل لا سبيل إليه، بل منافقون هم من جملة الصحابة الذين لا يعلم خفاياهم إلا الله سبحانه، وقد كانوا يصلون ويصومون و يعبدون الله ويتقربون إلي النبي بكل الوسائل. وإليك الدليل: أخرج البخاري في صحيحه بأن عمر بن الخطاب طلب من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مرة أخري أن يأذن به بضرب عنق ذي الخويصرة عندما قال النبي: أعدل! ولكن النبي صلي الله عليه وآله

وسلم قال لعمر: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. [295] . ولست مبالغا إذا قلت بأن أكثرية الصحابة لم يكونوا بعيدين عن النفاق بما [ صفحه 285] قرره كتاب الله في العديد من الآيات وبما قرره رسول الله في العديد من الأحاديث. فمن كتاب الله قوله تعالي: بل جائهم بالحق وأكثر هم للحق كارهون (المؤمنون: 70)، وقوله الأعراب أشد كفرا ونفاقا (التوبة: 97)، وقوله ومن أهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم (التوبة: 101)، وقوله وممن حولكم من الأعراب منافقون (التوبة: 101 وتجدر الإشارة بأن بعض العلماء من " أهل السنة والجماعة " يحاولون جهدهم تغطية الحقائق، فيفسرون " الأعراب " بأنهم ليسوا من الصحابة، وإنما هم سكان البادية من أطراف الجزيرة العربية. ولكننا وجدنا عمر بن الخطاب عندما أشرف علي الموت أوصي إلي الخليفة من بعده قائلا: وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام [296] . فإذا كان أهل العرب ومادة الإسلام هم أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله علي رسوله والله عليهم حكيم، فلا قيمة لقول " أهل السنة و الجماعة " بأن الصحابة كلهم عدول. ولمزيد البيان، وحتي يتحدث الباحث بأن الأعراب هم أنفسهم عامة الصحابة، فقد جاء في القرآن الكريم بعد ذكر الأعراب أشد كفرا ونفاقا، قال سبحانه: " ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيد خلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم " (التوبة: 99) أما ما قرره رسول الله صلي الله

عليه وآله وسلم في السنة النبوية الشريفة فقوله: يؤخذ بأصحابي إلي النار، فأقول: يا رب هؤلاء أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا من بدل بعدي ولا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم [297] . إلي أحاديث أخري كثيرة ضربنا عنها صفحا من أجل الاختصار، وليس هدفنا [ صفحه 286] البحث في حياة الصحابة لكي نطعن بعدالتهم فالتاريخ كفانا مؤونة ذلك وشهد علي البعض منهم بالزنا وشرب الخمر وشهادة الزور والارتداد وارتكاب الجرائم بحق الأبرياء و خيانة الأمة، ولكن نريد فقط أن نبرز بأن مقولة عدالة الصحابة كلهم هي خرافة وهمية جاء بها " أهل السنة والجماعة " ليستروا علي سادتهم وكبرائهم من الصحابة الذين أحدثوا في دين الله وغيروا أحكامه ببدع ابتدعوها، ولنكشف ثانية بأن " أهل السنة الجماعة " باعتناقهم عقيدة " عدالة الصحابة أجمعين " قد أظهروا هو يتهم الحقيقة ألا و هي مودة المنافقين والاقتداء ببدعهم التي أحدثوها ليرجعوا بالناس إلي الجاهلية. وبما أن " أهل السنة والجماعة " قد حرموا علي أتباعهم نقد الصحابة وتجريحهم و أغلقوا في وجوههم باب الاجتهاد وذلك من عهد الخلفاء الأمويين وعهد اختلاق المذاهب، وورث الأتباع هذه العقيدة وأورثوها إلي أبنائهم جيلا بعد جيل وبقي " أهل السنة والجماعة " حتي يوم الناس هذا يمنعون من الخوض في الصحابة ويترضون عليهم جميعا ويكفرون من ينتقد واحدا منهم. وخلاصة القول أن الشيعة أتباع أهل البيت ينزلون الصحابة منازلهم التي يستحقونها، فيترضون علي المتقين منهم ويتبرأون من المنافقين والفاسقين أعداء الله ورسوله. وبذلك فهم وحدهم أهل السنة الحقيقة لأنهم أحبوا حبيب الله في ضلال الأغلبية الساحقة من المسلمين. [ صفحه 287]

مخالفة أهل السنة والجماعة لسنن النبوية

اشاره

في

هذا الفصل لا بد لنا أن نكشف للباحث بصفة إجمالية عن مخالفة " أهل السنة و الجماعة " لمعظم السنن النبوية، كما نوضح في المقابل بأن الشيعة هم الذين تمسكوا بالسنن ولذلك حق لنا أن نسمي هذا الكتاب بعنوان " الشيعة هم أهل السنة ". ونريد في هذا الفصل طرح أمهات المسائل التي تبين للباحثين بمزيد اليقين بأن " أهل السنة والجماعة " قد خالفوا تعاليم الإسلام في كل ما قرره القرآن والرسول صلي الله عليه وآله وسلم في سنته الشريفة، وتسببوا في ضلال من ضل من الأمة، وانتكاس المسلمين وبالتالي في تخلفهم ومعاناتهم. وحسب اعتقادي أن سبب الضلالة يرجع إلي عامل رئيسي ألا وهو حب الدنيا، ألم يعقل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " حب الدنيا رأس كل خطيئة " وحب الدنيا يتمثل في حب السلطة والوصول إلي الحكم، ومن أجل الحكم دمرت الشعوب وخرجت الأوطان والبلدان وأصبح الإنسان أخطر من الوحوش الضارية. وهو ما أشار إليه صلي الله عليه وآله وسلم عندما قال لأصحابه: " إني لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ". لكل ذلك لا بد من دراسة موضوع الخلافة والإمامة أو ما نسميه اليوم نظام الحكم الإسلامي، فهو الطامة الكبري والبائقة العظمي التي جرت علي الإسلام وأهله المصائب والمتاعب والضلالة والهلاك. [ صفحه 288]

نظام حكم في الإسلام

يري " أهل السنة والجماعة " بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم ينص علي أحد وترك الأمر شوري بيم الناس ليختاروا من شاؤوا، فهذه هي عقيدتهم في الخلافة، و قد أطبقوا علي ذلك من يوم وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإلي اليوم. والمفروض

أن يعمل " أهب السنة والجماعة " بهذا المبدأ الذي يؤمنون به و يدافعون عنه بكل جهودهم. غير أن البحث يوقفنا علي أنهم عملوا عكس ما يعتقدون وبقطع النظر عن بيعة أبي بكر التي سموها هم أنفسهم بأنها فلتة وقي الله المسلمين شرها، فإن أبا بكر هو الذي اخترع فكرة ولاية العهد في الإسلام فعهد قبل وفاته بالخلافة لصاحبه عمر بن الخطاب. كما عهد عمر بن الخطاب عند موته إلي عبد الرحمان بن عوف ليختار واحدا من الخمسة الذين رشحهم ويأمره بضرب أعناق المخالفين الذين يشقون عصا الطاعة. ولما وصل معاوية للخلافة طبق هذا المبدأ (ولاية العهد) خير تطبيق إذ عين وليا لعهده ابنه يزيد وعين يزيد وليا لعهده ابنه معاوية، وبقيت الخلاقة من ذلك الوقت يتداولها الطلقاء وأبناؤهم جيلا بعد جيل فكل خليفة يعهد لولده أو أخيه أو أحد أقاربه، كذلك فعل الخلفاء في الدولة العباسية منذ قيامها إلي أن تلاشت وكذلك فعل خلفاء الدولة العثمانية من قيامها إلي أن ولي عصر الخلافة واضمحل في عهد كمال أتاتورك في القرآن الحالي. [ صفحه 289] وبما أن " أهل السنة والجماعة " يمثلون تلك الخلاقة أو أن تلك الحكومات المتعاقبة تمثل " أهل السنة والجماعة " في كل بقاع الدنيا، وعلي مر التاريخ الإسلامي، فإنك تري اليوم في السعودية وفي المغرب والأردن وفي كل دول الخليج كلهم يعملون بنظرية ولاية العهد التي ورثوها عن " سلفهم الصالح " وكلهم يمثلون " أهل السنة والجماعة "، وعلي فرض صحة النظرية التي يعتقدونها وهي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ترك الأمر شوري والقرآن يقر الشوري، فإنهم خالفوا القرآن والسنة و قلبوا نظام الشوري " الديمقراطي

" إلي نظام ولاية العهد الملكي الاستبدادي. أما علي فرض أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم نص علي علي بن أبي طالب كما يقول بذلك الشيعة، فإن " أهل السنة والجماعة " خالفوا صريح السنة النبوية وخالفوا القرآن لأن رسول الله لا يفعل شيئا إلا بإذن ربه. ولذلك تراهم يشعرون بفساد هذه النظرية " الشوري " لأن الخلفاء الأولين لم يطبقوها ولم يعملوا بها، كما يشعرون بفساد نظرية " ولاية العهد " أيضا فتراهم يبررون ذلك بأحاديث " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم ملك عضوض "، وكأنهم يريدون إقناع غيرهم بما اقتنعوا به من أن الملك لله يعضه حيث يشاء، وأن الملوك والسلاطين ولاهم الله سبحانه علي رقاب الناس فتجب بذلك طاعتهم وعدم الخروج عليهم. وهذا بحث طويل يجرنا إلي القضاء والقدر الذي بحثناه في كتاب " مع الصادقين " ولا نريد الرجوع إليه، ونكتفي بأن نعرف بأن " أهل السنة والجماعة " يسمون أيضا ب " القدرية " لقوهم بذلك. والنتيجة هي أن " أهل السنة والجماعة " يؤمنون بولاية العهد ويعتبرونها خلافة شرعية، لا لأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمر بها، أو أنه عين وليا لعهده، فهم ينكرون ذلك أشد الإنكار، ولكن لأن أبا بكر عهد إلي عمر وعمر عهد إلي الستة، و معاوية عهد إلي يزيد وهكذا، ولم يقل أحد من العلماء عندهم ولا أحد من أئمة المذاهب الأربعة، بأن الحكم الأموي أو الحكم العباسي أو [ صفحه 290] الخلافة العثمانية هي غير شرعية. بل نراهم يسارعون إلي البيعة والتأييد وتصحيح خلافتهم بل ذهب أكثرهم للقول بشرعية الخلاقة لكل من تغلب عليها بالقوة والقهر، ولا يهمهم إن كان

برا أم فاجرا تقيا أم فاسقا عربيا قرشيا أم تركيا وكرديا. يقول الدكتور أحمد محمود صبحي في هذا الصدد: " موقف أهل السنة في مسألة الخلاقة، هو التسليم بالأمر الواقع، دون تأييد أو خروج عليه " [298] . ولكن الواقع أن " أهل السنة " يؤيدون أيضا، فقد ذكر أبو يعلي الفراء عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: " إن الخلافة تثبيت بالغلبة والقهر ولا تفتقر إلي العقد ". وقال في رواية عبدوس بن مالك العطار: " من غلب بالسيف حتي صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما برا كان أم فاجرا ". واحتج بقول عبد الله بن عمر: " نحن مع من غلب "، وبذلك أصبح " أهل السنة والجماعة " رهينة هذه البدعة - بدعة ولاية العهد - فهم يبايعون الغالب و المتغلب بقطع النظر عن ورعه وتقواه وعلمه (برا كان أم فاجرا) والدليل علي أن أغلب الصحابة الذين قاتلوا مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم معاوية بن أبي سفيان في عدة غزوات، بايعوه فيما بعد علي أنه أمير للمؤمنين، كما قلبوا لخلافة مروان بن الحكم الذي سماه رسول الله " الوزع " وطرده من المدينة وقال: " لا يساكنني حيا ولا ميتا ". بل قبلوا بخلافة يزيد بن معاوية وبايعوه بإمارة المؤمنين ولما خرج عليه الحسين سبط النبي قتلوه وأهل بيته لتثبيت ملك ليزيد وتصحيح خلافته، وذهب علماؤهم إلي القول بأن الحسين قتل بسيف جده ومنهم من يكتب حتي اليوم كتب علي حقائق " أمير المؤمنين يزيد بن معاوية " كل ذلك تأييدا منهم لخلافة اليزيد وإدانة الحسين لأنه خرج عليه.

وإذا عرفنا كل هذا، فليس أمامنا إلا الاعتراف بأن " أهل السنة والجماعة " [ صفحه 291] قد خالفوا السنة نسبوها إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهي قولهم بأنه ترك الأمر شوري بين المسلمين. أما الشيعة فقد تمسكوا في مبدأ الإمامة بقول واحد وهو " النص من الله ورسوله علي الخليفة "، فالإمامة عندهم لا تصح إلا بالنص ولا تكون إلا للمعصوم والأعلم والأتقي والأفضل، فلا يجوز عندهم تقديم المفضول علي الفاضل، ولذلك نراهم رفضوا خلافة الصحابة أولا كما رفضوا خلافة " أهل السنة والجماعة " ثانيا. وبما أن النصوص التي يدعيها الشيعة في شأن الخلافة لها وجود فعلي ومصداق حقيقي في صحاح " أهل السنة والجماعة " فليس أمامنا إلا الاعتراف بأن الشيعة هم الذين تمسكوا بالسنة النبوية الصحيحة. وسواء أقلنا بأن الأمر شوري، أو هو بالنص في شأن الخلافة، فإن الشيعة وحدهم علي حق، لأن الشخص الوحيد الذي تعين بالنص وبالشوري معا هو علي بن أبي طالب. ولا قائل من المسلمين شيعيا كان أم سنيا يقول بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أشار إلي ولاية العهد من قريب أو بعيد. ولا قائل من المسلمين سينا كان أم شيعيا يقول بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه: " تركت أمركم شوري فاختاروا من شئتم لخلافتي ". ونحن نتحدي العالمين أن يأتونا بحديث واحد من هذا القبيل، فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا، فليرجعوا إلي السنة النبوية الثابتة والتاريخ الإسلامي الصحيح لعلهم يرشدون، أم أنهم يقولون بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أهمل هذا الأمر الخطير ولم يتبين معالمه ليدخل أمته في صراع دائم وفتنة عمياء تمزق

وحدتهم وتفرق شملهم وتنحرف بهم عن صراط الله المستقيم، ونحن نري اليوم بأن الفاسقين من الحكام الجائرين يكفرون في مصير شعوبهم من بعد خلافتهم فيعمدون إلي تعيين خلف لهم في حالة الشغور، فكيف بمن أرسله الله رحمة للعالمين!؟ [ صفحه 292]

القول بعدالة الصحابة يخالف صريح السنة

إذا نظرنا إلي أفعال النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأقواله تجاه الصحابة نجده قد أعطي كل ذي حق حقه، فهو يغضب لله ويرضي لرضاه وكل صحابي خالف أمر الله سبحانه تبرأ منه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كما تبرأ مما صنع خالد بن الوليد في قتله بني جذيمة، وكما غضب علي أسامة عندما جاءه ليشفع للمرأة الشريفة التي سرقت، فقال قولته المشهورة: " ويلك أتشفع في حد من حدود الله؟ والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها، إنما أهلك من كان قبلكم لأنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه و إذا سرق الوضيع أقاموا عليه الحد. " ونجده صلي الله عليه وآله وسلم أحيانا يبارك ويترضي علي بعض أصحابه المخلصين ويدعو لهم ويستغفر لهم، كما نجده يلعن البعض منهم الذين يعصون أوامره ولا يقيمون لها وزنا أحيانا أخري، مثل قوله " لعن الله من تخلف عن جيش أسامة " وذلك عندما طعنوا في تأميره ورفضوا الالتحاق بجيشه بحجة أنه صغير السن. كما نجده صلي الله عليه وآله وسلم يوضح للناس ولا يتركهم يغتروا ببعض الصحابة المزيفين، فيقول في أحد المنافقين: " إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من المرمية ". وقد يتوقف فلا يصلي علي أحد الصحابة الذين استشهدوا في غزوة خيبر ضمن جيش المسلمين،

ويكشف علي حقيقته ويقول. " إنه غل في سبيل الله " ولما فتشوا متاعه وجدوا فيه خرزا من خرز اليهود. [ صفحه 293] ويحدثنا الماوردي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم عطش في غزوة تبول فقال المنافقون: إن محمدا يخبر بأخبار السماء، ولا يعلم الطريق إلي الماء، فنزل جبريل وأخبره بأسمائهم، وأخبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم بهم سعد بن عبادة، فقال له سعد " إن شئت ضربت أعناقهم فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ولكن نحسن صحبتهم ما أقاموا معنا " [299] . وقد سار فيهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بما أشار به القرآن الكريم في حقهم، فقد رضي الله عن الصادقين منهم وغضب علي المنافقين والمرتدين والناكثين منهم، ولعنهم في العديد من الآيات المحكمات، وقد وافينا البحث لهذا الموضوع في كتاب " فاسألوا أهل الذكر " في فصل " القرآن الكريم يكشف حقائق بعض الصحابة " فمن أراد التحقيق فعليه بالرجوع إلي الكتاب المذكور. ويكفينا مثل واحد من أعمال بعض الصحابة المنافقين التي كشفها الله سبحانه و فضح أصحابها وكانوا أثني عشر رجلا من الصحابة تذرعوا ببعد المسافة وأن الوقت لا يسعهم للحضور مع النبي، فبنوا مسجدا لأداء الصلاة في وقتها، فهل تري إخلاصا و رفاء أكبر من هذا؟ أن يصرف العبد أموالا طائلة لبناء مسجد حرصا منه علي أداء فريضة الصلاة في وقتها وفي جماعة يجمعهم مسجد واحد؟ ولكن الله سبحانه الذي لا يخفي عليه شئ في الأرض ولا في السماء، والذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، علم سرائرهم وما تخفي صدورهم، فأوحي إلي رسوله بأمرهم وأطلعه

علي نفاقهم بقوله: والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسني والله يشهد إنهم لكاذبون (التوبة: 107 وكما أن الله لا يستحي من الحق فكذلك رسوله صلي الله عليه وآله وسلم كان يقول لأصحابه صراحة بأنهم سيتقاتلون علي الدنيا وأنهم سيتبعون قي الضلالة سنن اليهود [ صفحه 294] والنصاري شبرا بشبر وذراعا بذراع، وأنهم سينقلبون بعده علي أدبارهم ويرتدون، و أنهم يوم القيامة سيدخلون إلي النار ولا ينجو منهم إلا القليل الذي عبر عنه النبي صلي الله عليه وآله وسلم بهمل النعم، وأنهم وأنهم فكيف يحاول " أهل السنة والجماعة " إقناعنا بعد كب هذا بأن الصحابة كلهم عدول و أنهم في الجنة جميعا، وأن أحكامهم ملزمة لنا، وأن آراءهم وبدعهم واجبة الاتباع، وأن الطعن علي أي واحد منهم مروق عن الدين يوجب القتل؟؟! إنه قول لا يقبله المجانين فضلا عن العقلاء، إنه قول زور وبهتان لفقه الأمراء والسلاطين والذين ساروا في ركابهم من علماء السوء المتطفلين علي العلم و نحن لا يمكن لنا قبول هذا القول أبدا ما دامت لنا عقول لأنه رد علي الله ورسوله و من رد قول الله وقول الرسول فقد كفر، ولأنه يصادم العقل والوجدان. ونحن لا نلزم " أهل السنة والجماعة " بالعدول همه أو برفضه، فهم أحرار فيما يعتقدونه وهم وحدهم المسؤولون عن نتائجه وعواقبه الوخيمة. ولكن عليهم أن لا يكفروا من يتبع القرآن والسنة في عدالة الصحابة فيقول للمحسن منهم: أحسنت ويقول للمسئ منهم: أخطأت وأسأت، ويتولي أولياء الله ورسوله منهم ويتبرأ من أعداء الله ورسوله منهم أيضا. وبهذا يتبين لنا أيضا بأن " أهل

السنة والجماعة " خالفوا صريح القرآن وصريح من سب صحابيا، إذا قلت له: كيف لا تكفر معاوية وكل الصحابة الذين اتبعوه علي سب و لعن علي من فوق المنابر؟ فسيجيبك حتما كما هو معروف: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون (البقرة: 134). [ صفحه 295]

النبي يأمر المسلمين بالاقتداء بعترته و أهل السنة يخالفونه

لقد أثبتنا فينا سبق من أبحاث بأن حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذي عرف بحديث الثقلين، وهو قوله: " تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتي يرد علي الحوض " وأثبتنا بأن هذا الحديث هو حديث صحيح متواتر أخرجه الشيعة كما أخرجه " أهل السنة والجماعة " في صحاحهم ومسانيدهم. والمعروف بأن " أهل السنة والجماعة " نبذوا أهل البيت وراء ظهورهم [300] ، وولوا وجوههم شطر أئمة المذاهب الأربعة الذين فرضتهم السلطات الجائرة والتي حظيت بدورها بتأييد وبيعة " أهل السنة والجماعة ". وإذا شئنا التوسع في البحث لقنا بأن " أهل السنة والجماعة " هم الذين حاربوا أهل البيت النبوي بقيادة الحكام الأمويين والعباسيين. ولذلك لو فتشت في عقائدهم و كتب الحديث عندهم فسوف لا تجد لفقه أهل البيت شيئا عندهم يذكر. وسوف تجد كل فقههم وأحاديثهم منسوبة لأعداء أهل البيت من النواصب والمحاربين لهم كعبد الله بن عمر و عائشة وأبي هريرة وغيرهم. فنصف الدين عندهم يؤخذ عن عائشة الحميراء وفقيه أهل السنة هو [ صفحه 296] عبد الله بن عمر، ورواية الإسلام عندهم هو أبو هريرة شيخ المضيرة، والطلقاء و أبناء الطلقاء هم القضاة والمشرعون في دين

الله عندهم. والدليل أن " أهل السنة والجماعة " لم يكن لهم وجود معروف بهذا الاسم، ولكنهم كانوا قي مجموعهم المعارضين لأهل البيت من يوم السقيفة وهم الذين تآمروا علي انتزاع الخلافة من أهل البيت والعمل علي إقصائهم عن المسرح السياسي للأمة. وتكونت فرقة " أهل السنة والجماعة " كرد فعل علي الشيعة الذين تكتلوا وراء أهل البيت وانقطعوا إليهم، وقالوا بإمامتهم اتباعا للقرآن والسنة. ومن الطبيعي أن يكون المعارضون للحق هم الأكثرية الساحقة من الأمة خصوصا بعد الفتن والحروب، أضف إلي ذلك أن أهل البيت لم يتمكنوا من الحكم إلا أربعة أعوام و هي خلافة الإمام علي وقد أشغلوه فيها بالحروب الدامية. أما " أهل السنة والجماعة " المعارضون لأهل البيت فقد حكموا مئات السنين وامتد ملكهم وسلطانهم شرقا وغربا وكان لهم الحول والطول والذهب والفضة، فكان " أهل السنة والجماعة " هم الغالبون لأنهم الحاكمون، وكان الشيعة بقيادة أهل البيت هم المغلوبون لأنهم محكومون ومضطهدون بل مشردون ومقتولون. ونحن لا نريد الإطالة في هذا الموضوع بقدر ما نريد الكشف عن خفايا " أهل السنة والجماعة " الذين خالفوا النبي صلي الله عليه وآله وسلم في وصيته وفي تركته التي تضمن الهداية وتمنع من الضلالة، أما الشيعة فقد تمسكوا بوصية النبي صلي الله عليه وآله وسلم واقتدوا بعترته الطاهرة وتحملوا من أجل ذلك العناء والأتعاب. والحقيقة أن هذا الخلاف والعصيان من " أهل السنة والجماعة " وهذا القبول و الرضا من الشيعة بخصوص الثقلين والتمسك بهما معا ظهرت معالمه من يوم الخميس الذي سمي يوم الرزية، عندما طلب إليهم الرسول إحضار الكتف والدواة ليكتب لهم ذلك الكتاب الذي يعصمهم من الضلالة، فوقف عمر ذلك

الموقف الخطير ورفض أمر النبي مدعيا بأن كتاب الله يكفيهم ولا حاجة [ صفحه 297] للعترة، فكأن النبي يقول تمسكوا بالثقلين القرآن والعترة، وعمر يرد عليه حسبنا ثقلا واحدا وهو القرآن ولا حاجة لنا بالثفل الثاني، وحذا قوله بالضبط " حسبنا كتاب الله يكفينا " وقول عمر يمثل موقف " أهل السنة والجماعة " لأن قريش المتمثلة قي أبي بكر و عثمان وعبد الرحمان بن عوف وأبي عبيدة وخالد بن الوليد وطلحة بن عبيد الله كل هؤلاء وقفوا يؤيدون عمر في موقفه. قال ابن عباس: فنهم من يقول ما قال عمر، ومنهم من يقول قربوا للرسول ليكتب الكتاب. ومن البديهي أن عليا وشيعته من ذلك اليوم تمسكوا بوصية النبي ولو لم تكتب و عملوا بالقرآن والسنة معا. ولم بعمل أعداؤهم حتي بالقرآن الذي قبلوه في بداية الأمر ولكنهم عطلوا أحكامه عندما وصلوا إلي الحكم فاجتهدوا بآرائهم ونبذوا كتاب الله وسنة رسوله وراء ظهورهم. [ صفحه 298] 4 - " أهل السنة والجماعة " ومودة أهل البيت لا يشك أحد من المسلمين في أن الله سبحانه وتعالي جعل مودة أهل البيت (عليهم السلام) ضريبة علي المسلمين مقابل منحهم الرسالة المحمدية وما فيها من فضائل النعم، فقال عز وجل: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي (الشوري " 23 وقد نزلت هذه الآية الكريمة تفرض علي المسلمين مودة العترة الطاهرة وهم علي وفاطمة والحسن والحسين، بشهادة أكثر من ثلاثين مصدرا من مصادر " أهل السنة و الجماعة " [301] ، حتي قال الإمام الشافعي في ذلك: يا أهل بيت رسول الله حبكم - فرض من الله في القرآن أنزله فإذا كانت محبتهم نزل بها القرآن

وجعلنا فرض علي أهل القبلة كافة كما اعترف بذلك الإمام الشافعي! وإذا كانت مودتهم هي أجر الرسالة المحمدية كما نطق صريح البيان، وإذا كانت مودتهم عبادة يتقرب بها إليه سبحانه، فما بال " أهل السنة و الجماعة " لا يقيمون لأهل البيت وزنا ولا ينزلونهم إلا دون منزلة الصحابة [302] ؟ ولنا أن نسأل " أهل السنة والجماعة " بل لنا أن نتحداهم أن يأتونا بآية قرآنية [ صفحه 299] واحدة أو بحديث نبوي واحد يفرض علي المسلمين مودة أبي بكر أو عمر أو عثمان أو أي واحد من الصحابة؟! كلا وأني لهم مثل ذلك، فلا يوجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله شئ من ذلك، بل يوجد في القرآن آيات عديدة تشير إلي منزلة أهل البيت الرفيعة وتفضلهم علي سائر العباد. وفي السنة النبوية أحاديث كثيرة تفضل أهل البيت وتقدمهم علي سائر المسلمين تقديم الإمام علي المأموم والعالم علي الجاهل. ويكفينا من القرآن آية المودة التي نحن بصدد ذكرها، وأية المباهلة وآية الصلاة علي النبي وآله، وآية إذهاب الرجس والتطهير، وأية الولاية، وأية الاصطفاء ووارثه الكتاب. ويكفينا من السنة النبوية حديث الثقلين وحديث السفينة، وحديث المنزلة، و حديث الصلاة الكاملة، وحديث النجوم، وحديث مدينة العلم، وحديث الأئمة بعدي اثنا عشر. ولا نريد القول بأن ثلث القرآن نزل في مدح أهل البيت (عليهم السلام) وذكر فضائلهم كما يقول بعض الصحابة كابن عباس، ولا أن ندعي بأن ثلث السنة النبوية كله تنويه وتمجيد في أهل البيت وتوجيه الناس إلي فضلهم وفضائلهم كما ألمح لذلك الإمام أحمد بن حنبل. ويكفينا من القرآن والسنة ما أوردناه من صحاح " أهل السنة والجماعة " للدلالة علي تفضيل أهل

البيت علي من سواهم من البشر. وبعد نظرة وجيزة إلي عقائد " أهل السنة والجماعة " وإلي كتبهم وإلي سلوكهم التاريخي تجاه أهل البيت، ندرك بدون غموض بأنهم اختاروا الجانب المعاكس والمعادي لأهل البيت (عليهم السلام) وبأنهم أشهروا سيوفهم لقتالهم وسخروا أقلامهم لانتقاصهم والنيل منهم ولرفع شأن أعدائهم ومن حاربهم. ويكفينا علي ذلك دليل واحد يعطينا الحجة البالغة، وكما قدمنا بأن " أهل السنة والجماعة " لم يعرفوا إلا في القرن الثاني للهجرة كرد فعل علي الشيعة الذين [ صفحه 300] والوا أهل البيت وانقطعوا إليهم فإننا لا نجد شيئا في فقههم وعباداتهم وكل معتقداتهم يرجعون فيه إلي السنة النبوية المروية عن أهل البيت. [303] . ورغم أن أهل البيت أدري بما فيه فهم ذرية المصطفي وعترته، ورغم أنهم لم يسبقهم أحد في علم ولا في عمل، وأنهم وأكبوا مسيرة الأمة طوال ثلاثة قرون و تداولوا الإمامة الروحية والدينية عبر الأئمة الاثني عشر الذين لم يخالف منهم واحد رأي الثاني، فإننا نجد " أهل السنة والجماعة " يتعبدون بالمذاهب الأربعة التي لم تخلق إلا في القرن الثالث للهجرة والتي يخالف فيها بعضهم رأي البعض الآخر، ومع ذلك نبذوا أهل البيت وراء ظهورهم ووقفوا منهم موقف العداء بل وحاربوا كل من تشيع لهم ولا زالوا يحاربونهم حتي يوم الناس هذا. وإذا أردنا دليلا آخر، فما علينا إلا أن نحلل موقف " أهل السنة والجماعة " من ذكري يوم عاشوراء ذلك اليوم المشؤوم الذي هدم فيه ركن الإسلام بقتل سيد شباب أهل الجنة والعترة الطاهرة من ذرية المصطفي والنخبة الصالحة من أصحابه المؤمنين. أولا: نلاحظ أنهم يقفون من قتلة الحسين موقف الراضي الشامت المعين، ولا يستغرب منهم

ذلك فقتلة الحسين كلهم من " أهل السنة والجماعة " ويكفي أن نعرف بأن قائد الجيش الذي ولاه ابن زياد لقتل الحسين وهم عمر بن سعد بن أبي وقاص. ولذلك ف " أهل السنة والجماعة " يترضون علي الصحابة أجمعين بما فيهم قتلة الحسين والذين شاركوهم، ويوثقون أحاديثهم، بل وفيهم من يعتبر الإمام الحسين " خارجيا " لأنه خرج علي أمير المؤمنين يزيد بن معاوية! وقد قدمنا فيما سبق بأن فقيه " أهل السنة والجماعة " عبد الله بن عمر قد بايع يزيد بن معاوية وحرم أن يخرج أحد من أتباعه علي يزيد، وقال: " نحن مع من غلب ". [ صفحه 301] ثانيا: نري بأن " أهل السنة والجماعة " علي مر التاريخ من يوم عاشوراء إلي يوم الناس هذا، يحتفلون بيوم عاشوراء ويجعلونه عيدا يخرجون فيه زكاة أموالهم ويوسعون فيه علي عيالهم، ويروون بأمه يوم بركات ورحمات. ولا يكفيهم كل ذلك فتراهم إلي اليوم يشنعون علي الشيعة وينتقدون بكاءهم علي الحسين، وفي بعض البلدان الإسلامية يمنعونهم من إقامة ذكري العزاء ويهجمون عليهم بالسلاح ويعملون فيهم ضربا وتقتيلا بدعوي محاربة البدع. وفي الحقيقة هم لا يحاربون البدع بقدر ما يمثلون دور الحكام الأمويين و العباسيين الذين حاولوا جهدهم القضاء علي ذكري عاشوراء ووصل بهم الأمر إلي نبش قبر الحسين وإعفائه ومنع الناس من زيارته. فهم إلي الآن يريدون القضاء علي إحياء تلك الذكري خوفا من أن يعرف الناس، ومن يجهلون حقيقة أهل البيت - واقع الأمور فتنكشف بذلك عورات أسيادهم وكبرائهم، ويعرف الناس الحق من الباطل والمؤمن من الفاسق. وبهذا يتبين لنا مرة أخري، بأن الشيعة هم أهل السنة النبوية لأنهم اتبعوا سنة النبي

صلي الله عليه وآله وسلم حتي في الحزن والبكاء علي أبي عبد الله الحسين، و ذلك بروايات ثابتة أنه صلي الله عليه وآله وسلم بكي علي ولده الحسين عندما أعمله جبريل بمقتله في كربلاء وذلك قبل الواقعة بخمسين عاما. ويتبين لنا أيضا بأن " أهل السنة والجماعة " يحتفلون بيوم عاشوراء لأنهم اتبعوا سنة يزيد بن معاوية وبني أمية في احتفالهم بذلك اليوم لأنهم انتصروا فيه علي الحسين وأخمدوا ثورته التي كانت تهدد كيانهم، وقطعوا بذلك دابر الشغب علي حد زعمهم. والتاريخ يحدثنا بأن يزيد وبني أمية، احتفلوا بذلك اليوم احتفالا كبيرا حتي وصل إليهم رأس الحسين وسبايا أهل البيت ففرحوا بذلك وشمتوا برسول لله صلي الله عليه وآله وسلم وقالوا في ذلك أشعارا. وتقرب إليهم علماء السوء من " أهل السنة والجماعة " فضعوا لهم أحاديث في فضل ذلك اليوم، وأن عاشوراء هم اليوم الذي تاب الله فيه علي آدم، وهو اليوم [ صفحه 302] الذي رست فيه سفينة نوح علي جبل الجودي، وهو اليوم الذي كانت فيه النار بردا و سلاما علي إبراهيم، وهو اليوم الذي خرج فيه يوسف من السجن ورد فيه بصر يعقوب، و هو اليوم الذي انتصر فيه موسي علي فرعون، وهو اليوم الذي نزلت فيه علي عيسي مائدة من السماء. وهذه الروايات كلها يرددها علماء " أهل السنة والجماعة " وأئمتهم علي المنابر حتي اليوم بمناسبة عاشوراء، وهي روايات كلها من وضع الدجالين الذين تزيوا بزي العلماء وتقربوا إلي الحكام بكل الوسائل، فباعوا آخرتهم بدنياهم فما ربحت تجارتهم وهم في الآخرة من الخاسرين. وقد أمعنوا في الكذب عندما رووا بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم هاجر إلي المدينة

فصادف دخوله إليها يوم عاشوراء، فوجد يهود المدينة صياما، فسألهم عن السبب، قالوا: هذا اليوم الذي انتصر فيه موسي علي فرعون، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: نحن أولي بموسي منكم، ثم أمر المسلمين بصوم عاشوراء وتاسوعاء لمخالفة اليهود. وهذا كذب مفضوح إذ أن اليهود يعيشون معنا، ولم نسمح لهم بعيد يصومون فيه يسمونه عاشوراء. وهل لنا أن نسأل ربنا عز وجل: كيف جعل هذا اليوم مباركا علي كل أنبيائه و رسله من أدم إلي عيسي، إلا محمد، فقد كان عليه هذا اليوم مصيبة وعزاء وشؤما إذ قتل فيه ذريته وعترته وذبحوا ذبح الغنم وأخذت بناته سبايا؟ والجواب " إنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (الأنبياء: 23 فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم و نساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين (آل عمران 61). [ صفحه 303]

اهل السنة والجماعة والصلاة البتراء

بعدما قدمنا فصل سابق نزول الآية وتفسيرها من قبل الرسول نفسه وتعليمهم كيفية الصلاة الكاملة، ونهيهم عن الصلاة البتراء التي لا يقبلها الله سبحانه، ومع ذلك نجد إصرارا كبيرا من طرف " أهل السنة والجماعة " علي الصلاة البتراء لئلا يذكرون أن محمد ضمن الصلاة، وإذا ما ذكروهم غصبا تراهم يضيفون الصحابة معهم، و إذا قلت أمام أحدهم: صلي الله عليه وأله، فإنه يفهم علي الفور بأنك شيعي، وذلك لأن الصلاة الكاملة علي محمد وآل محمد أصبحت شعارا للشيعة وحدهم. وهذه حقيقة لا مرية فيها وقد اعتمدتها شخصيا في بداية البحث فكنت أعرف تشيع الكاتب من قوله بعد ذكر محمد: صلي الله عليه وأله وسلم، وعندما لا أجد إلا لفظة صلي الله عليه

وسلم أعرف أنه سني. كما أفهم تشيع الكاتب عندما يكتب " علي عليه السلام " ولكنه عندما يكتب كرم الله وجهه أعرف بأنه سني. ونري من خلال الصلاة الكاملة بأن الشيعة اقتدوا بالسنة النبوية الشريفة، بينما خالف " أهل السنة والجماعة " أوامر النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولم يقيموا لها وزنا، فتراهم دائما يصلون الصلاة البتراء، وإذا ما اضطروا إلي إضافة الآل فأنهم عند ذلك يضيفون معهم الصحابة أجمعين بدون استثناء حتي لا يبقوا لأهل البيت فضلا ولا خصوصية. [ صفحه 304] وهذا كله ناتج عن موقف الأمويين تجاه أهل البيت والعداوة التي كانوا يحملونها لهم حتي وصل بهم الأمر أن أبدلوا الصلاة عليهم بلعنهم علي المنابر وحمل الناس علي ذلك بوسائل الترهيب والترغيب. ف " أهل السنة والجماعة " لك يجاورهم في السب واللعن لأهل البيت، ولو فعلوا ذلك لافتضحوا المسلمين ولعرفوا علي حقيقتهم وتبرأ منهم الناس، فتركوا السب و اللعن ولكنهم أضمروا العداوة والبغضاء لأهل البيت وحاولوا بكل جهودهم إطفاء نورهم بأن رفعوا مكانة أعدائهم من الصحابة واختلقوا لهم فضائل خيالية لا تمت للحق بصلة. والدليل علي ذلك أنك تجد " أهل السنة والجماعة " حتي اليوم يقولون شيئا في معاوية والصحابة الذين لعنوا أهل البيت طيلة ثمانين عاما، بل ويترضون عليهم أجمعين، وفي الوقت يكفرون أي مسلم ينتقص أحدا منهم (من الصحابة) ويكشف عن جرائمه، فيفتون بقتله. وقد حاول بعض الوضاعين أن يضيف إلي الصلاة الكاملة - التي علمها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي أصحابه - جزءا أخر ظنا منه بأن ذلك سينقص من مكانة أهل البيت وقيمتهم فروي بأنه قال: قولوا اللهم صل علي محمد وآل

محمد وعلي أزواجه وذريته. والباحث يفهم بأن هذا الجزء قد أضيف لكي تلحق عائشة بركب أهل البيت. ونحن نقول لهم: لو سلمنا جدلا بصحة الرواية، وقبلنا أمهات المؤمنين ضمنها، فإن الصحابة لا دخل لهم فيها وأنا أتحدي أن يأتي أحد المسلمين بدليل من القرآن أو من السنة في هذا المعني، فنجوم السماء أقرب إليه من ذلك. والقرآن والسنة أمرا كل الصحابة وكل من يأتي بعدهم من المسلمين إلي قيام الساعة بالصلاة علي محمد وأل محمد. وهذه وحدها مرتبة عظيمة تقصر عنها كل المراتب ومنقبة جليلة لا يلحقهم فيها لاحق. فأبو بكر وعمر وعثمان وكل الصحابة أجمعين وكل المسلمين في العالم والذين [ صفحه 305] يعدون بمئات الملايين عندما يصلون يقولون في تشهدهم: اللهم صلي علي محمد وآل محمد! وإذا لم يقولوا ذلك فصلاتهم مردودة لا يقبلها الله سبحانه. وهذا هو المعني بالضبط الذي قصده الإمام الشافعي عندما قال: يكفيكم من عظيم الشأن أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له وقد اتهم الشافعي بالتشيع من أجل قوله هذا، فإن أذناب الأمويين والعباسيين يتهمون بالتشيع كل من صلي علي محمد وآل محمد، أو قال فيهم شعرا أو حدث بفضيلة من فضائلهم. وعلي كل حال فالبحث في هذا المجال واسع قد يتكرر في العديد من الكتب، فلا بأس بالإعادة إذا كان فيها إفادة. والمهم أننا عرفنا خلال هذا الفصل بأن الشيعة هم أهل السنة النبوية وصلاتهم كاملة ومقبولة حتي رأي من خالفهم، و " أهل السنة والجماعة " خالفوا في ذلك صريح السنة النبوية وصلاتهم بتراء غير مقبولة حتي علي رأي أئمتهم وعلمائهم " أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم

الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " (النساء: 54). [ صفحه 306]

عصمة النبي و تأثيرها علي أهل السنة والجماعة

إن نظرية العصمة مختلف فيها عند المسلمين، وهي في الحقيقة العامل الوحيد الذي يفرض علي المسلمين أن يتقبلوا أحكام النبي صلي الله عليه وآله وسلم بدون نقاش ولا جدال، إذا ما اعتقدوا في أنه لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي، فلا يؤمنون بأن أقوال النبي وأحكامه إذا لم تكن قرأنا يتلي، فهي مجرد اجتهاد منه. أما إذا اعتقدوا هذا الاعتقاد وسلموا بأن الأمر كله الله وليس النبي إلا واسطة للتبليغ والبيان فقط، فهم شيعة وقد اشتهر كثير من الصحابة بهذا الاعتقاد وعلي رأس هؤلاء الإمام علي (عليه السلام) الذي ما كان يغير من سنة النبي قليلا ولا كثيرا باعتبارها من وحي الله، فلا يجوز استعمال الرأي والاجتهاد مقابل أحكام الله سبحان وتعالي. وأما إذا اعتقدوا أن النبي غير معصوم في أقواله وأفعاله والعصمة لا تختص إلا بالقرآن الكريم وما يتلي من آياته، وما عدا ذلك فهو كسائر البشر يخطئ ويصيب، أما إذا قالوا بهذا فإنهم " أهل السنة والجماعة " الذين يجوزون أن يجتهد الصحابة و العلماء مقابل أقوال وأحكام النبي صلي الله عليه وآله وسلم بما يتماشي والمصلحة العامة طبقا للظروف التي تقتضيها الحال حسب رأي الحاكم في كل زمان. وإنه غني عن البيان بأن مدرسة الخلفاء الراشدين (باستثناء الإمام علي) قد اجتهدوا بآرائهم مقابل السنة النبوية ثم ذهبوا شوطا أبعد فاجتهدوا مقابل [ صفحه 307] النصوص القرآنية أيضا، وأصبحت آراؤهم فيما بعد أحكاما عند " أهل السنة والجماعة " يعلمون بها ويفرضونها علي المسلمين. وقد تكلمنا عن اجتهادات أبي بكر وعمر وعثمان في كتاب " مع الصادقين "

وكذلك في كتاب " فاسألوا أهل الذكر " وقد نفرد لهم كتابا خاصا في المستقبل إن شاء الله تعالي. وقد عرفنا أن " أهل السنة والجماعة " يضيفون إلي المصدرين الأساسين للتشريع الإسلامي (القرآن والسنة) مصادر أخري كثيرة من جملتها سنة الشيخين (أبي بكر وعمر) واجتهاد الصحابي، وهذا ناتج عن اعتقادهم بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن معصوما، وإنما كان يجتهد رأيه وكان بعض الصحابة يصوب رأيه ويصلح خطاه. وبهذا يتبين لنا بأن " أهل السنة والجماعة " عندما ما يقولون بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليس معصوما، فهم يجوزون بذلك مخالفته وعصيانه من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون. لأن غير المعصوم غير واجب الطاعة شرعا وعقلا، وما دمنا نعتقد بخطئه فلا تلزمنا طاعته، كيف نطيع الخطأ؟ كما يتبين لنا في المقابل بأن الشيعة عندما يقولون بعصمة النبي المطلقة، فهم يفرضون بذلك طاعته لأنه معصوم عن الخطأ، فلا تجوز مخالفته ومعصيته بأي حال من الأحوال، ومن يخالفه أو يعصيه فقد خالف وعصي ربه، وإلي ذلك يشير القرآن الكريم في العديد من الآيات بقوله: وما أتاكم الرسول فخذوه (أل عمران: 132)، وقوله: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (أل عمران: 31). إلي آيات كثيرة تفرض علي المسلمين طاعة النبي وعدم مخالفته باعتباره معصوما ولا يبلغ إلا ما أمره به الله سبحانه. وهذا يفرض بالضرورة أن يكون الشيعة هم أهل السنة النبوية لاعتقادهم [ صفحه 308] بعصمتها ووجوب اتباعها. كما يفرض أن يكون " أهل السنة والجماعة " بعيدين عن السنة النبوية لاعتقادهم بخطئها وجواز مخالفتها. " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم

الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جائتهم البينات بغيا بينهم فهدي الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه و الله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم " (البقرة: 213) [ صفحه 309]

مع الدكتور الموسوي و التصحيح

التقيت مجموعة من الشباب المثقف في بين أخ تربطني به وشائج القرابة والصبا في ضواحي باريس بمناسبة وليمة أقامها لمولد ابنه الذي رزقه الله بعد طول انتظار، ودار الحديث بيننا عن الشيعة والسنة وكان الجميع وأغلبهم من الجزائريين المتحمسين للثورة الإسلامية ينتقدون الشيعة ويرددون تلك الأساطير المعروفة، واختلفوا فيما بينهم بين مؤيد منصف يقول بأن الشيعة إخوتنا في الدين ومناهض به يصف الشيعة بكل ضلالة ويفضل عليهم النصاري. ولما تعمقنا في البحث والاستدلال كان بعضهم يهزأ مني ويقول بأنني من المغرورين الذين بهرتهم الثورة الإيرانية، وحاول صديقي إقناعهم بأنني باحث كبير و أطراني أمام الحاضرين وقال بأنني مؤلف كتب عديدة في هذه المواضيع. ولكن أحدهم قال بأن لديه الحجة التي ليس بعدها حجة. وسكت الجميع، وتساءلت عن هذه الحجة، فطلب مني الانتظار بضع دقائق وذهب مسرعا إلي بيته المجاور ورجع يحمل بين يديه كتاب " الشيعة والتصحيح " للدكتور موسي الموسوي وضحكت عندما رأيت الكتاب وقلت: أهذه هي الحجة التي ليس بعدها حجة؟ التفت إلي الحاضرين وقال: هذا من أكبر علماء الشيعة وهو مرجع من مراجعهم وله شهادة في الاجتهاد وأبوه وجده من أكبر علمائهم، ولكنه عرف الحق ونبذ التشيع وأصبح من أهل السنة والجماعة. [ صفحه 310] وأنا واثق من أن الأخ (ويقصدني) لو يقرأ هذا الكتاب لما دافع عن الشيعة أبدا ولعرف خفاياهم وانحرافاتهم. وضحكت مرة أخري

وقلت له: وحتي تعرف أني قرأته قراءة باحث فسأعطيك أمام الحاضرين الحجة التي ليس بعدها حجة من الكتاب نفسه الذي جئت به! قال مع الحاضرين بلهفة: هات نسمع منك. قلت: أنا لا أتذكر رقم الصفحة ولكن أعرف العنوان وأذكره جيدا وهو: أقوال أئمة الشيعة في الخلفاء الراشدين. قال: وما في ذلك؟ قلت: ابحث عنه واقرأه أمام الحاضرين وبعدها سأبين لك الحجة. وأخرج الفقرة وقرأها أمام الحاضرين وملخصها أن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) كان يفتخر بانتسابه لأبي بكر " الصديق " فيقول " أولدني أبو بكر مرتين " والذين رووا هذه الروايات يروون أيضا بأن الإمام الصادق كان يعطن في أبي بكر من جهة أخري. ويعلق الدكتور الموسوي علي هذا بقوله: " فهل يعقل أن يفتخر الإمام الصادق بجده من جهة ويطعن فيه جهة أخري؟ إن مثل هذا الكلام قد يصدر من السوقي الجاهل ولكنه لا يصدر من إمام ". وتساءل الجميع، ما الحجة في هذا؟! وقالوا إنه كلام معقول ومنطقي. قلت: أن الدكتور الموسوي استنتج من قول الإمام الصادق: " أولد ني أبو بكر مرتين " بأنه يفتخر بجده مع أنه ليس في هذه العبارة ما يوحي بالمدح والثناء علي أبي بكر، أن الصادق ليس هو حفيد مباشر لأبي بكر وإنما لأن أمة جدها أبو بكر. ومع العلم بأن الصادق ولد بعد وفاة أبي بكر بسبعين عاما فلم يره أبدا. قالوا: لم نفهم قصدك من كل هذا؟! [ صفحه 311] قلت: ما رأيكم فيمن يفتخر بجده المباشر والد أبيه ويقول بأنه أعلم أهل زمانه ولم يعرف التاريخ مثله، ثم يقول بأنه درس وتأدب علي يديه، فهل يعقل أن يطعن فيه بعد ذلك، وهل يقبل

عاقل أن يفتخر بشخص من جهة ثم يكفره من جهة أخري؟! فقالوا جميعا: لا يعقل ولا يكون ذلك أبدا. فقلت: اقرأ إذا ما جاء فيه أول صفحة من هذا الكتاب الذي بين يديك، فستري بأن الدكتور الموسوي هو ذلك الرجل. فقرأ: " ولدت وترعرعت في بيت الزعامة الكبري للطائفة الشيعية ودرست وتأدبت علي يد أكبر زعيم وقائد ديني عرفه تاريخ التشيع منذ الغيبة الكبري وحتي هذا اليوم، وهو جدنا الإمام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي الذي قيل فيه: " أنسي من قبله وأتعب من بعده ". قلت: الحمد لله الذي أظهر الحجة علي لسان الموسوي نفسه وقد حكم علي نفسه بنفسه إذ قال فيما قرأتم: هل يعقل أن يفتخر بجده من جهة ويطعن فيه من جهة أخري؟ و حكم بأن هذا لا يصدر إلا من السوقي الجاهل. وإن الذي يصف جده بهذه الأوصاف العظيمة التي لم تتوفر لغيره من أفذاذ العلماء ويدعي بأنه تأدب علي يديه وأخذ دروسه وعلومه منه، لا يكفره بعد ذلك ويطعن عقيدته، إلا إذا كان سوقيا جاهلا. وأطرق الجميع رؤوسهم، وابتهج صديقي صاحب البيت قائلا: ألم أقل لكم إن الأخ التيجاني باحث موضوعي ومنطقي؟ وفكر صاحب الكتاب الذي كان يرعد ويزبد وقال: يا أخي ربما عرف الحق الدكتور الموسوي بعد ما كبر وتعلم فسبحان الله، طلب العلم من المهد إلي للحد! وأجبت: لو كان الأمر كما تقول لوجب علي الدكتور أن يتبرأ من جده ومن أستاذه أيضا الذي أعطاه شهادة الاجتهاد لا أن يفتخر بهما ويحتج بشهادتهما وهو يكتب في نفس الوقت تكفيرهما من حيث لا يشعر. [ صفحه 312] ولو أردت أن أناقشكم في كل المواضيع التي كتبها لأريتكم العجب

العجاب. وانتهي ذلك اللقاء بعد توضيحات وشروح عن واقع تلك الإشكالات وكانت له نتائج إيجابية بحمد الله إذ استبصر منهم ثلاثة بعد قراءة كتبي. وإني أنتهز هذه الفرصة لأقدم للقراء الكرام بعض الصفحات التي كتبتها في هذا الموضوع علي عجالة لأن كتاب الشيعة والتصحيح له تأثير في الأوساط التي يتواجد فيها الوهابيون، وبما أن هؤلاء لهم من الأموال والنفوذ في بعض المناطق فقد يؤثرون في بعض الشباب من المسلمين الذين لا يعرفون الشيعة، فيخدعوهم بهذا الكتاب ويمنعونهم من الوصول إلي الأبحاث المفيدة، ومن ثم يقيمون أمامهم حاجزا للوصول إلي الحقيقة المنشودة. وهؤلاء المعترضون جعلوا حجتهم علي الشيعة كتاب الشيعة والتصحيح للدكتور موسي الموسوي الذي طبع بالملايين ووزع مجانا في أوساط الشباب المثقف من طرف سلطات معروفة عرف الخاص والعام أهدافها ومراميها. وقد ظن هؤلاء المساكين أنهم فندوا مذهب الشيعة الإمامية بطبع الكتاب ونشره لأن مؤلفه آية الله الموسوي وهو من الشيعة لتكون الحجة من باب وشهد شاهد من أهلها. وغفل هؤلاء المساكين عن عدة أمور لم يحسبوا لها حسابا ولم يقدروا نتائجها العكسية التي عادت عليهم بالوبال. وإني شخصيا لا أكلف نفسي شيئا من الوقت للرد علي أكاذيب الدكتور موسي الموسوي التي ملأ بها كتابه، وأعتقد أن في كتابي مع الصادقين ردا مقنعا علي مفترياته، مع أنه كتب قبل كتابه بوقت قصير ولم يكن مضمونه غلا إظهار معتقدات الشيعة التي ترتكز كلها علي القري ن الكريم والسنة النبوية الصحيحة وإجماع المسلمين بمن فيهم أهل السنة والجماعة، فلم نمر علي عقيدة واحدة من عقائدهم إلا وأثبتناها في صحاح أهل السنة والجماعة. فتبين بذلك أن كلام الدكتور موسي الموسوي هراء وافتراء لا يقوم علي دليل علمي ولا

منطق إسلامي وهو طعن علي أهل السنة قبل الشيعة. [ صفحه 313] وتبين أيضا بأن الذين روجوا له كتابه لا يعرفون من حقائق الإسلام شيئا وكشفوا بذلك عن عوراتهم وجهلهم. وكل ما انتقده مدعي التصحيح من عقائد الشيعة وشنع به عليهم موجود بحمد الله في صحاح أهل السنة والجماعة. فالعيب ليس علي الشيعة وإنما العيب علي موسي الموسوي وعلي أهل السنة والجماعة الذين لا يعرفون ما يوجد في صحاحهم ومسانيدهم. فالقول بالإمامة والنص علي اثني عشر خليفة كلهم من قريش ليس هو من اختراعات الشيعة وهو موجود في صحاح أهل السنة والجماعة. والقول بالمهدي وأنه من العترة الطاهرة يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، ليس هو من اختراعات الشيعة إنما هو موجود في صحاح أهل السنة والجماعة. والقول بأن الإمام علي بن أبي طالب هو وصي رسول الله صلي الله عليه وسلم ليس من اختراعات الشيعة وهو موجود في صحاح أهل السنة والجماعة. والقول بالتقية والعمل بها ليس هو من اختراعات الشيعة وقد نزل بها القرآن وأثبتتها السنة النبوية وكل ذلك موجود في صحاح أهل السنة والجماعة. والقول بزواج المتعة وأنها حلال ليس هو من اختراعات الشيعة وإنما أحلها الله ورسوله وحرمها عمر كما هو ثابت في كتب وصحاح أهل السنة والجماعة. والقول بوجوب الخمس في مكاسب الأرباح ليس هو من اختراعات الشيعة، وإنما أوجبه كتاب الله وسنة رسوله يشهد بذلك صحاح أهل السنة والجماعة. أما زيارة مراقد الأئمة فليس مختصا بالشيعة فأهل السنة والجماعة يزورون مراقد الأولياء والصالحين بل ويقيمون لهم مراسم وأفراحا موسمية. والقول بالبداء وأن يمحو ما يشاء ويثبت، ليس هو من خيال الشيعة بل هو ثابت في صحاح البخاري.

[ صفحه 314] والقول بجمع الصلاتين في غير ضرورة ليس هو من اختراع الشيعة بل هو ما جاء في القرآن الكريم وفعله الرسول العظيم كما هو ثابت في صحاح " أهل السنة والجماعة " والقول بوجوب السجود علي التراب وعلي الأرض ليس هو من اختراعات الشيعة، بل هو فعل سيد المرسلين وخاتم النبيين يشهد بذلك صحاح " أهل السنة والجماعة ". وما عدا ذلك من الأقوال التي ذكرها الدكتور موسي الموسوي والتي لا يقصد من ورائها إلا التهويل والتهريج كدعاية تحريف القرآن ف " أهل السنة والجماعة " أولي بهذه التهمة من الشيعة كما أوضحنا ذلك في كتاب " مع الصادقين ". والخلاصة أن كتاب " التصحيح " الذي ألفه الدكتور الموسوي كله يتناقض مع كتاب الله وسنة رسول الله وإجماع المسلمين وما أوجبه العقل السليم. فكثير مما أنكره الموسوي هو من ضروريات الدين التي نزل بها الذكر الحكيم وأمر بها الرسول العظيم وأجمع عليها كل المسلمين، والمنكر لها كافر بإجماع المسلمين. فإن كان يقصد ب " التصحيح " إبدال تلك العقائد وتلك الأحكام فقد كفر وخرج من ربقة الإسلام وعلي المسلمين كافة أن يقاوموه. وإن كان يقصد ب " التصحيح " إبدال عقائده الشخصية التي يعاني من مركباتها والتي يظهر منها أنه لم يعرف من الشيعة شيئا، ولعله نقم عليهم إذ حملهم مسؤولية قتل والده الذي ذبح كالكبش (كما يقول هو في صفحة 5 من كتابه) علي يد مجرم في لبوس رجل الدين. فنشأ من صغره بتلك العقدة ناقما علي الشيعة بدون ذنب اقترفوه، وحول وجهه شطر " أهل السنة والجماعة " وشاركهم في الحقد والبغض لأتباع أهل البيت، بدون الانتماء إليهم فيقي مذبذبا

لا إلي هؤلاء فلم يعرف من الشيعة غير ما يردده أعداؤهم من الأكاذيب، ولم يعرف من " أهل السنة والجماعة " غير صلاة الجمعة والجماعة (إن كان يحضرها) [ صفحه 315] فإذا كان هذا هو المقصود بالتصحيح فما عليه إلا تصحيح عقائده الفاسدة التي خالف بها إجماع الأمة. وإذا كان الدكتور موسي الموسوي قد نشأ وترعرع حسب ما يدعي (في الصفحة الخامسة من كتابه) ودرس وتأدب علي يد أكبر زعيم وقائد ديني عرفه تاريخ التشيع منذ الغيبة الكبري وحتي هذا اليوم وهو جدع الإمام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي الذي قيل فيه: " أنسي من قبله وأتعب من بعده "، فلماذا لم يحفظ دروسه ولم يتأدب بآدابه ولم يقتد بهديه وينهل من علمه، بل نراه في كتابه يهزأ ويسخر من عقائد جده الإمام الأكبر والزعيم الديني الأوحد الذي عرفه تاريخ الشيعة. فدل بذلك علي أنه عاق لوالديه بل تعدي عقوقه إلي تكفير جده وأبويه، وإذا كان الشيعة في نظر الموسوي كافرين فزعيمهم وقائدهم الأكبر إلي الكفر - هو جده (حاشاه) - أقرب. وإنه من العار الذي ليس بعده عار أن يجهل الحفيد موسي ما كتبه جده أبو الحسن الموسوي (رحمه الله) في كتابه وسيلة النجاة، ثم يدعي بأنه درس وتأدب علي يديه. وإنه من أكبر العار أن يعرف شاب تونسي يبعد عن النجف آلاف الكيلومترات كتاب وسيلة النجاة للإمام الأكبر أبي الحسن الموسوي الأصفهاني ويهتدي إلي حقائق أهل البيت من خلاله، بينما لا يعرفه الحفيد الذي تربي وترعرع فيه بيته وعلي يديه. والذي كتبه الإمام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني (قدس سره) في وسيلة النجاة، نقضه حفيده الدكتور موسي الموسوي وسخر منه واعتبره خروجا

عن الإسلام. والمنطق يقول: إن كانت عقيدة الإمام الأكبر والزعيم الديني الذي ما عرف تاريخ الشيعة مثله (كما يعتقد حفيده) عقيدة صحيحة وسليمة، فعقيدة حفيده كفر و ضلال. وإن كانت عقيدة الحفيد الدكتور موسي الموسوي هي السليمة والصحيحة [ صفحه 316] فعقيدة جده هي الكفر والضلال، وفي هذه الحالة يجب عليه أن يتبرأ منه ولا يفتخر بالانتماء إليه ولا بالرجوع إلي التربية بين يديه، كما بدأ مقدمة كتابه. وبهذه الحجة وبهذا المنطق أيضا، يضرب بالشهادة العليا التي نالها موسي الموسوي من أل كاشف الغطاء عرض الجدار. أولا: لأن الصورة التي أخرجها في كتابه علي أنها شهادة عليا في الفقه الإسلامي (الاجتهاد) ليست إلا إجازة في الروايات والتي يعطيها المراجع لأغلب الطلاب، وأنا شخصيا عندي منها إجازتان إحداهما لآية الله العظمي الإمام الخوئي في النجف والثانية لآية الله العظمي المرعشي النجفي في قم. فليست إجازة الرواية شهادة عليا في الفقه الإسلامي كما يدعي الدكتور موسي الموسوي للتمويه علي العامة الذين لا يعرفون تنظيم ومراحل الدراسة في الحوزات العلمية. ثانيا: لأن حفيد الإمام الأكبر الذي يدعي التصحيح قد خان الأمانة التي ائتمنه عليها أستاذه ومعلمه الذي يدعي الموسوي أنه وسمه برتبة الاجتهاد، إذ يقول المرحوم المرجع الديني الأعلي زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف الشيخ محمد الحسين أل كاشف الغطاء في تلك الإجازة التي أخرج الموسوي صورة منها في كتابه: " وقد أجزت له لأهليته أن يروي عني ما صحت لي روايته من مشائخي العظام وأساتذتي الكرام " وقد رأينا الموسوي يفند ويسخر من كل ما رواه المرجع الديني الأعلي زعيم الحوزة العلمية آل كاشف الغطاء عن مشائخه العظام وأساتذته الكرام في كتابه " أصل الشيعة وأصولها

" والذي ذكر فيه مل معتقدات الشيعة وأحكامهم، فأين كتاب " الشيعة و التصحيح " الذي ألفه التلميذ الخائن من كتاب " أصل الشيعة وأصولها " الذي ألفه المرجع الأعلي كاشف الغطاء. فإذا كان كاشف الغطاء هو المرجع الديني الأعلي وزعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف كما يعترف الموسوي في الصفحة 158 من كتابه، وإذا كان الموسوي يفتخر علينا بالشهادة العليا التي نالها من حضرته قبل ثلاثين عاما، [ صفحه 317] فلماذا يسخر - الموسوي التلميذ الصغير - من معتقدات أستاذه العظيم الذي علمه و أعطاه شهادة عليا علي حد زعمه؟ فإن كان المرجع الديني الأعلي وزعيم الحوزة العلمية الشيخ محمد الحسين أل كاشف الغطاء علي حق ومعتقداته فالموسوي علي باطل ومعتقداته كلها فاسدة. وإن كان المرجع الديني الأعلي علي باطل ومعتقداته غير صحيحة فيسخر منها الموسوي ويفندها، فيلزمه في هذه الحالة أن لا يكذب علي الناس ويموه بأن شهادته العليا في الفقه الإسلامي (الاجتهاد) قد حصل عليها من سماحته. وإذا كانت معتقدات موسي الموسوي هي الصحيحة كما يدعي هو في كتابه فقد كفر جده السيد أبا الحسن الموسوي الأصفهاني الذي يقول عنه ونفسه بأنه أكبر زعيم وقائد ديني عرفه تاريخ التشيع منذ الغيبة الكبري وحتي هذا اليوم. كما كفر أستاذه ومانحه الشهادة العليا كاشف الغطاء وكفر ملايين الشيعة من نشأتهم بعد السقيفة إلي يومنا هذا. وإني كما عاهدت ربي أن أتبين في الأمر قبل الحكم عليه عندما قرأت كتاب موسي الموسوي " الشيعة والتصحيح " أقبلت عليه بكل جوارحي علني أدرك فيه ما فاتني وأكمل ما ينقصني فإذا بي لا أجد فيه إلا الأكاذيب والتناقضات وإنكار ما هو ثابت بنص القرآن والاستهزاء بسنة النبي

ومخالفة إجماع المسلمين، وأدركت أن الموسوي لم يكلف نفسه قراءة صحيح البخاري فق ء والذي هو أصح الكتب عند " أهل السنة والجماعة " والذي يريد الموسوي حسب " تصحيحه " أن ينضم إليهم الشيعة ويتركوا أوامر الله ورسوله، ولو قرأ هذا العالم الفذ!! الذي حصل علي الشهادة العليا في الفقه الإسلامي " الاجتهاد " و عمره علي ما يبدو عشرون الدكتوراه في التشريع الإسلامي من جامعة طهران عام 1955 ولا تنس أنه ولد في النجف الأشرف عام 1930، كما حصل علي شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة باريس " السوربون " عام 1959. [ صفحه 318] أقول لو كلف نفسه قراءة صحيح البخاري فقط وهو كتاب موثوق عند " أهل السنة و الجماعة " لما وقع في هذه الورطة التي سوف لا يجد منها مخرجا إلا بالتوبة النصوحة و الرجوع إلي الله. وإلا سوق لن تنفعه الشهادات العليا وبل الألقاب الخلابة ولا الأموال المبذولة التي تصرف لتفريق المسلمين. قال تعالي: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلي جهنم يحشرون - ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون (الأنفال: 36 - 37). وعلي كل حال، فكتابه ملئ بالتناقضات التي يتعثر فيها كل باحث وإذا كان الموسوي يري في نفسه الكفاءة لتصحيح مذهب الشيعة في عقائدهم وأحكامهم، فأنا أدعوه لمقابلة تلفزيونية وندوة عليمة يحضرها من يشاء من الباحثين والمحققين ليعرف الناس بعدها من هو المحتاج إلي التصحيح وهو ما يدعو له القرآن الكريم وما وصل إليه الكفر الحر في أرقي المجتمعات، حتي يتبين

المسلمون أمرهم فلا يكفروا قوما بجهالة ويصبحوا بعد ذلك نادمين. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (البقرة: 111 بقي شئ واحد لا بد لنا أن ننصف فيه الدكتور الموسوي وهو ما ذكره في " تصحيحه " في ثلاثة عناوين رئيسية: ضرب القامات في يوم عاشوراء. الشهادة الثالثة (علي ولي الله) الإرهاب أما ضرب القامات بالسلاسل والزناجيل، فإنه ليس من عقائد الشيعة ولا من الدين و إنما هو من أعمال العوام، ولا يختص بالشيعة وحدهم، فهناك من أهل السنة والجماعة و من الطريقة العيساوية المعروفة في كل شمال إفريقيا من يفعل أكثر من الشيعة ولا يقصدون بها حزنا علي الحسين ولا علي مصاب أهل البيت (عليهم السلام). ونحن توافق الدكتور علي تصحيحه ونعمل معه لرفع هذه المظاهر عن كل [ صفحه 319] المسلمين، ما دام هناك من علماء الشيعة المخلصين من يحرم ذلك ويسعي لإبطاله كما اعترف بذلك الموسوي نفسه. أما الشهادة الثالثة (أشهد أن عليا ولي الله)، فإن الموسوي نفسه يعرف جيدا بأن كل علماء الشيعة يقولون بأنها ليست جزءا من الأذان، بل إذا جئ بها بنية الوجوب أو بنية أنها جزء من الأذان أو الإقامة بطل الأذان والإقامة. والموسوي يعرف جيدا هذه الحقيقة، ولكنه يروك التهريج بأية مفردة تخدم هدفه المريب. أما الإرهاب فنحن نرفضه رفضا تاما كما يرفضه الدكتور الموسوي ولكن كان علي الدكتور الموسوي أن لا يلصق هذه التهمة الشنيعة بالشيعة، فموجة الإرعاب التي عرفت في السنوات الأخيرة هي نتيجة حتمية للصراع القائم بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب، بين المستكبرين والمستضعفين، بين الغاصبين والمغصوبين. ولماذا يربط الدكتور الموسوي أعمال الحشاشين بالشيعة؟ والتاريخ يشهد أن الشيعة استهدفت علي مر التاريخ من كل

الفرق ومن كل الحكومات والمستعمرين، ومع ذلك كانوا يرفضون الإرهاب بكل أشكاله وألوانه. ولماذا لا يتكلم الموسوي عن إرهاب معاوية وما قام به من اغتيالات في صفوف المسلمين حتي اغتال الإمام الحسن بالسم. وكان يغتال معارضيه من المؤمنين الصادقين بالسم ثم يقول: إن لله جنودا من عسل. وهل الحركات الإسلامية في العالم والتي اتصفت بالإرهاب في فلسطين وفي مصر والسودان وفي تونس والجزائر وفي أفغانستان وغيرها في بلاد الغرب مثل الباسك و الكورس وإيرلندا وغيرها من بلاد العالم، هل هؤلاء من الشيعة؟ وإذا كان الدكتور الموسوي يقصد بالإرهاب هو خطف الرهائن وتحويل الطائرات و نسفها، فإن المناضلين من الشعب الفلسطيني الذين شردتهم إسرائيل وطردتهم من بيوتهم هم الذين اختطفوا الرهائن في ملعب مونيخ إبان الألعاب الأولمبية لسنة 75 وقتلوا بعض المشاركين من الإسرائيليين وحولوا بعض الطائرات ونسفوها، كل ذلك ليوقظوا ضمير العالم ويعرفوا بقضيتهم ومظلمتهم التاريخية التي لم تعرف البشرية مثلها. [ صفحه 320] ويشهد الموسوي بأن هؤلاء ليسوا من الشيعة، وإذا كان الدكتور الموسوي يتأثر بوكالات الأنباء الأجنبية التي تحاول جهدها إلصاق هذه التهمة بالشيعة من أجل المواقف السياسية والعداء المفرط الثورة الإسلامية، فإن هذه الأوساط تضع في قائمة الإرهاب الدولي كلا من ليبيا وسوريا والعراق علي رأس القائمة، وكل هؤلاء ليسوا من الشيعة ضرورة. فلماذا يخصص الدكتور الموسوي الشيعة بالإرهاب في كتابه " الشيعة والتصحيح " و هو نفسه يقول في صفحة 122 بأن الدولة الشيعية الإيرانية ما ولن تستطيع أن تتحدث باسم الشيعة جميعا، بل وحتي باسم الشيعة في إيران. وإذا كان الأمر كذلك فعلي الدكتور تصحيح مفاهيمه. وهكذا وبهذا نكون قد أنصفنا الدكتور الموسوي وبينا الحق من الباطل والصحيح من السقيم.

وأثبتنا للقراء الكرام بأن عقائد الشيعة الإمامية كلها صحيحة وسليمة لأنها وليدة القرآن الكريم والسنة النبوية. وأن ما يحاوله المغرضون والمشاغبون أعداء الله ورسوله وأعداء الإسلام من اتهامات مزيفة وإشاعات باطلة للطعن بعقائد المتمسكين بالعترة الطاهرة سيبوء بالفشل ويذهب جفاء، قال تعالي: " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " (الرعد " 17). ونسأله سبحانه وتعالي أن يهدينا جميعا ويوفقنا لما يحب ويرضي ويلهمنا رشدنا، ويرفع مقته وغضبه عنا، ويفرج كربتنا بحضور الحجة المنتظر، ويعجل لنا ظهوره، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا. وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكي التسليم علي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ومولانا محمد وعلي أله الطيبين الطاهرين. المذنب الذي لا يرجو إلا رحمة ربة وشفاعة رسوله محمد التيجاني السماوي

پاورقي

[1] ونقصد بالشيعة هنا، (الإمامية الاثني عشرية) والمسماة أيضا بالجعفرية نسبة للإمام جعفر الصادق، ولا يتعلق بحثنا بالفرق الأخري كالإسماعيلية والزيدية ولا يهمنا من أمر هؤلاء ما دمنا نعتقد بأنهم كسائر الفرق الأخري التي لم تتمسك بحديث الثقلين، ولا ينفع اعتقادهم بإمامة علي بعد رسول الله مباشرة.

[2] ستعرف في آخر الكتاب بأن أعمال بعض العوام من الشيعة ينفر الشباب المثقف من أهل السنة ولا يشجعهم علي مواصلة البحث للوصول إلي الحقيقة.

[3] سيتبين لنا في أبحاث لاحقة بأن أهل السنة والجماعة لم يلحقوا علي بن أبي طالب بالخلفاء الراشدين الثلاثة إلا في زمن متأخر جدا.

[4] رزية يوم الخميس مشهورة في صحيح البخاري وصحيح مسلم.

[5] لقد وافينا البحث لمعارضة عمر للنبي صلي الله عليه وآله وسلم في كتابنا فاسألوا أهل الذكر.

[6] كتحريمه سهم المؤلفة قلوبهم ومتعة الحج ومتعة النساء التي حللها الله

وتحليله طلاق الثلاث بطلقة واحدة وقد حرم الله ذلك.

[7] اقرأ كتاب الملل والنحل للشهرستاني قول النبي: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ج 1 ص 29.

[8] وأكبر دليل علي ذلك تهديد عمر بن الخطاب بحرق بيت فاطمة الزهراء بمن فيها، والقصة مشهورة في كتب التاريخ.

[9] قصة فدك معروفة في كتب التاريخ، وخصام الزهراء لأبي بكر حتي ماتت وهي غاضبة عليه مشهورة ذكرها البخاري ومسلم. [

[10] العقد الفريد لابن عبد ربه الجزء الرابع عند ذكر جماعة تخلفوا عن بيعة أبي بكر.

[11] صحيح البخاري ج 5، ص 82 باب غزوة خيبر، صحيح مسلم كتاب الجهاد.

[12] صحيح البخاري ج 2، ص 252 باب صلاة التراويح وكذلك ج 7 ص 98.

[13] جهل عمر بحكم الكلالة مشهور في كتب السنة، وكذلك جهله بأحكام التيمم معلوم لدي الجميع، ذكره البخاري في صحيحه ج 1 ص 90.

[14] صحيح مسلم ج 6 ص 179 كتاب الآداب، باب الاستئذان.

[15] المصدر نفسه.

[16] صحيح مسلم ج 1 ص 193 باب التيمم وكذلك صحيح البخاري.

[17] تاريخ ابن عساكر ج 2 ص 228 وروي مثل هذا الحاكم في مستدركه وأبو داود في سننه وابن الأثير في جامع الأصول.

[18] ذكرت بعضها في كتاب (مع الصادقين) وكتاب (فاسألوا أهل الذكر).

[19] صحيح البخاري ج 1 ص 31 من كتاب العلم باب التناوب في العلم.

[20] صحيح مسلم ج 3، ص 61 كتاب الصلاة باب ما يقرأ به في صلاة العيدين.

[21] صحيح مسلم ج 3 ص 61 كتاب الصلاة باب ما يقرأ به في صلاة العيدين.

[22] أخرج البيهقي في سننه أن عمر سأل النبي عن ميراث الجد مع الأخوة، فقال له النبي: ما سؤالك عن هذا يا عمر؟ إني أظنك تموت قبل

أن تعلمه، قال سعيد بن المسيب: فمات عمر قبل أن يعلمه.

[23] إقرأ كتاب النص والاجتهاد لشرف الدين الموسوي.

[24] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 190.

[25] كلهم باستثناء عمر بن عبد العزيز (رحمه الله).

[26] تاريخ بغداد ج 8 ص 266.

[27] أهل الحديث هم أنفسهم أهل السنة والجماعة.

[28] أنظر إلي هذا الحديث رغم أنه لا يسب عليا ولا يلعنه بل يقول: (رضي الله عنه) ولكنه لا يقبل بأن يكون علي معدودا من الخلفاء وينكر ذلك علي أحمد بن حنبل، وقوله: إنما ذكرناها يدل علي أنه يتكلم باسم الجماعة وهم أهل السنة الذين بعثوه إلي أحمد بن حنبل منكرين عليه.

[29] كتاب طبقات الحنابلة ج 1 ص 292.

[30] صحيح البخاري ج 4 ص 191 كتاب بدء الخلق، باب فضل أبي بكر بعد النبي.

[31] صحيح البخاري ج 4 ص 203 باب مناقب عثمان بن عفان من كتاب بدء الخلق.

[32] باستثناء سنتين تولي خلالهما عمر بن عبد العزيز فأبطل اللعن، ولكن بعد قتله عادوا إلي اللعن وإلي أكثر من اللعن حتي نبشوا قبره وحرموا أن يتسمي أحد باسمه.

[33] لقد تعمدت القول: أين كنتم، وأقصد بها المعاصرين من أهل السنة والجماعة اليوم، فإنهم يقرأون في صحيح مسلم بأن معاوية كان يسب عليا ويأمر الصحابة بذلك، فلا ينكرون، بل إليهم يترضون علي سيدهم معاوية كاتب الوحي عندهم، فدل ذلك علي أن حبهم لعلي حب مزيف حال عن كل اعتبار.

[34] يراجع في هذا الصدد كتاب فاسألوا أهل الذكر من صفحة 200 وما بعدها.

[35] صحيح مسلم ج 8، ص 229 كتاب الزهد والرقائق باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم.

[36] لأن تدوين السنة النبوية تأخر إلي زمن عمر بن عبد العزيز أو بعده،

أما الخلفاء والحكام الذين حكموا قبله فقد أحرقوها ومنعوا من كتابتها والتحدث بها.

[37] الغريب أن أهل السنة كثرا ما يروون الحديث ونقيضه في نفس الكتاب، والأغرب من ذلك أنهم كثيرا ما يعملون بما هو مكذوب ويهملون ما هو صحيح.

[38] صحيح البخاري ج 1 ص 36 باب كتابة العلم.

[39] أصول الكافي ج 1 ص 239 وكتاب بصائر الدرجات ص 143.

[40] صحيح البخاري ج 1، ص 36.

[41] صحيح البخاري ج 2، ص 221.

[42] صحيح البخاري ج 4، ص 67 وصحيح مسلم ج 4 ص 115.

[43] صحيح البخاري ج 4 ص 69.

[44] صحيح البخاري ج 8 ص 144.

[45] مستدرك الحاكم ج 1 ص 105.

[46] قاله عمر بن الخطاب في صلح الحديبية أخرجه البخاري ج 2 ص 122.

[47] قالته عائشة بنت أبي بكر للنبي كتاب إحياء العلوم للغزالي ج 2 ص 29.

[48] قاله صحابي من الأنصار للنبي صلي الله عليه وآله وسلم وأخرجه البخاري ج 4 ص 47.

[49] صحيح البخاري ج 6 ص 24 وكذلك في صفحة 128 من الجزء السادس.

[50] كنز العمال ج 5 ص 237، وابن كثير في البداية والنهاية، وتذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5.

[51] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 188 والخطيب البغدادي في تقييد العلم.

[52] جامع بيان العلم لابن عبد البر.

[53] أنظر رعاك الله إلي هذا العمل الشنيع الذي فعله الخلفاء أبو بكر وعمر تجاه السنة النبوية، والخسارة العظمي التي لا تقدر والتي تسببا فيها للأمة الإسلامية التي كانت في أشد الحاجة للأحاديث النبوية لفهم القرآن وفهم أحكام الله تعالي، وإنها لعمري أحاديث صحيحة لأنهم كتبوها عنه مباشرة وبدون واسطة، أما الأحاديث التي جمعت في ما بعد أغلبها أحاديث موضوعة، لأن الفتنة

وقعت وقتل المسلمون بعضهم، وكتبت بأمر الحكام الجائرين.

[54] موطأ الإمام مالك ج 1 ص 5.

[55] معالم المدرستين للعلامة العسكري ج 2 ص 302.

[56] أصول الكافي ج 1 ص 53.

[57] صحيح مسلم ج 5 ص 122. صحيح الترمذي ج 5 ص 637.

[58] فقد نشرت وزارة المعارف للمملكة العربية السعودية كتابا بعنوان: حقائق عن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وهذا الكتاب انتخبته وزارة المعارف للتدريس في مدارسها الرسمية.

[59] النواصب جمع ناصبي: وهم الذين ناصبوا العداء لأهل البيت النبوي وحاربوهم وقتلوهم وتتبعوهم أمواتا فنبشوا قبورهم.

[60] صحيح مسلم ج 7 ص 122 كتاب الفضائل باب فصائل علي بن أبي طالب.

[61] لقد أغفلنا ذكر خلافة علي بن أبي طالب قصدا، لأن أهل السنة والجماعة لم يكونوا يعترفون بها كما قدمنا إلا في زمن أحمد بن حنبل. راجع فصل (أهل السنة لا يعرفون السنة النبوية ص 44 من هذا الكتاب.

[62] يستثني من ذلك فقط خلافة علي بن أبي طالب، فهو الوحيد الذي لم يتعين من قبل الذي سبقه، ولم يسلط عليها بالقهر والقوة، بل بايعه المسلمون بكل حرية وطواعية بل ودعوهم إليها بإصرار.

[63] سيأتي في الأبحاث القادمة بأن الحكام الأمويين والعباسيين هم الذين أوجدوا تلك المذاهب وفرضوها.

[64] لقد استثنينا من هؤلاء الإمام عليا (عليه السلام) لأنه يفرق بين دهاء الحكمة وحسن التدبير وبين دهاء الخداع والغش والنفاق، وقد قال غير مرة: لولا الغش والنفاق لكنت أدهي العرب كما جاء في القرآن قوله: ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين فمكر الله هو الحكمة وحسن التدبير، أما مكر المشركين فهو غش ونفاق وخداع وزور وبهتان.

[65] يراجع في ذلك كتاب الصلة بين التصوف والتشيع للدكتور مصطفي كامل الشبيبي المصري، والذي بين فيه بعشرة أدلة

قوية بأن عبد الله بن سبأ اليهودي أو ابن السوداء ليس إلا سيدنا عمار بن ياسر (رضوان الله تعالي عليه).

[66] وإذا كان الخليفة يصل إلي هذه الدرجة من الخسة والانحطاط فينبش قبور الأئمة من أهل البيت وبالخصوص قبر سيد شباب أهل الجنة، فلا تسأل بعدها عما فعلوه في الشيعة الذين كانوا بتبركون بزيارة قبره. فقد وصل شيعة أهل البيت إلي أقصي المعاناة والمحن حتي يتمني المسلم أن يتهموه بأنه يهودي ولا يتهموه بالتشيع فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

[67] كتاب الخوارزمي ص 135.

[68] تهذيب التهذيب لابن حجر ترجمة نصر بن علي بن صهبان.

[69] ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 5 ص 145 والمعروف أن العثمانيين كانوا يلعنون عليا ويتهمونه بقتل عثمان بن عفان.

[70] ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 5 ص 348.

[71] ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 1 ص 82.

[72] القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص 440 وفرائد السبطين للحمويني بسنده عن مجاهد عن ابن عباس.

[73] يراجع في ذلك كتاب مع الصادقين صفحة 159 - 160 ليعرف بأن ابن تيمية يقول بترك السنة النبوية إذا أصبحت شعارا للشيعة ومع ذلك يسمونه مجدد السنة. منهاج السنة لابن تيمية ج 2 ص 143، وشرح المواهب للزرقاني ج 5 ص 13، وكتاب الهداية.

[74] أخرجه الإمام أحمد ج 5 ص 189 من مسنده والمستدرك للحاكم ج 3 ص 148. وقال: حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته علي شرط الشيخين.

[75] أخرج البخاري في صحيحه بأن النبي نهي عن صلاة التراويح في رمضان جماعة وقال: صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته ما عدا الصلاة المكتوبة. ولكن

أهل السنة تركوا نهي الرسول واتبعوا بدعة عمر بن الخطاب.

[76] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 3.

[77] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 4 وكنز العمال ج 3 ص 126.

[78] مستدرك الحاكم ج 3 ص 121 مسند أحمد ج 6 ص 123 خصائص النسائي ص 17.

[79] مقدمة ابن خلدون ص 494 في فصل علم الفقه وما يتبعه من الفرائض.

[80] كتاب أحمد بن حنبل لأبي زهرة ص 170.

[81] مناقب الشافعي ص 524.

[82] تذكرة الحفاظ ج 1 ص 176.

[83] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 149.

[84] يقصد ابن عمه جعفر بن سليمان بن العباس واليه علي المدينة.

[85] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة الجزء الثاني ص 150.

[86] ولا تناقض بين فتواه بفساد بيعة الإكراه وفتواه بوجوب طاعة السلطان وقد رووا في ذلك أحاديث كثيرة أذكر منها علي سبيل المثال: من خرج علي طاعة السلطان فمات علي ذلك مات ميتة جاهلية وكقولهم: عليك بالسمع والطاعة ولو أخذ الأمير مالك وضرب ظهرك.

[87] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 142.

[88] يذكر ابن قتيبة في تاريخ الخلفاء ج 2 ص 150 بأن اللقاء الأول كان في سنة 148 للهجرة أما اللقاء الثاني الذي كان في موسم الحج فهو في سنة 163 للهجرة. ونحن نقول بأن مالكا كان دائم اللقاء بالخليفة وإنما ذكر ابن قتيبة هذين اللقائين لأن مالكا رواهما بنفسه ولأن فيهما أمورا مهمة، فليس من المعقول أن يجتمع الخليفة مع مفتي الدولة مرة كل خمسة عشر عام!.

[89] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 142.

[90] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 144.

[91] تذكرة الحفاظ ج 1 ص 176.

[92] مناقب الشافعي ص 524.

[93] قد مر عليك قول مالك:

ما رأت عين ولا سمعت آنئذ ولا خطر علي قلب بشر أفقه من جعفر بن محمد الصادق.

[94] كتاب ظهر الإسلام ج 4 ص 96.

[95] صحيح الترمذي وصحيح مسلم ومستدرك الحاكم ومسند أحمد بن حنبل وكنز العمال وخصائص النسائي وطبقات ابن سعد والطبراني والسيوطي وابن حجر وابن الأثير. ولمعرفة عدد الأجزاء والصفحات يراجع كتاب المراجعات ص 82 وما بعدها.

[96] أخرجه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 124 والذهبي في تلخيصه.

[97] منتخب كنز العمال ج 5 ص 30 تاريخ ابن عساكر ج 3 ص 119. تاريخ بغداد ج 14 ص 321، تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 73.

[98] قلنا في ما سبق من الأبحاث بأن حديث كتاب الله وسنتي هو حديث مرسل غير مسند ولم يخرجه الصحاح، بينما حديث كتاب الله وعترتي هو حديث صحيح ومتواتر أخرجه كل الصحاح عند السنة والشيعة.

[99] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 3. [

[100] مستدرك الحاكم ج 3 ص 121 قال: حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 73 خصائص النسائي ص 24. المناقب للخوارزمي ص 82.

[101] جامع بيان العلم ج 2 ص 174.

[102] كل هذه الأحاديث صحيحة عند أهل السنة والجماعة أخرجها علماؤهم وصححوها وقد ذكرناها في الكتب السابقة ومن أراد المصادر فعليه بكتاب المراجعات بتحقيق حسين الراضي.

[103] راجع في ذلك مقدمة ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه للنهج.

[104] هو الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير ج 11 ص 161.

[105] قوله تعالي: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

[106] قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: كتاب الله وعترتي إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، فكما أن كتاب الله معصوم عن

الخطأ فكذلك العترة الطاهرة، فغير المعصوم لا يضمن الهداية والذي يجوز عليه الخطأ هو في حاجة إلي الهداية.

[107] الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص 151.

[108] ونقصد بها اجتهاد العلماء في ما لا نص فيه والذي حدث بعد غيبة الإمام الثاني عشر.

[109] وفي بعض الروايات قال: وما عداهما فأجتهد رأيي وهي زيادة مكذوبة من أصحاب الاجتهاد وأنصاره، لأن الإمام عليا لم يدع يوما بأنه اجتهد برأيه، بل كان دائما يستنبط الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله أو كان يقول: عندنا الجامعة وفيها كل ما يحتاجه الناس حتي أرش الخدش، وهذه الصحيفة هي من إملاء رسول الله وخط علي، وقد مر الكلام عن الصحيفة الجامعة في فصل أهل السنة ومحق السنة من هذا الكتاب.

[110] أخرجه الترمذي وابن ماجة والبيهقي وأحمد بن حنبل.

[111] أخرجه الترمذي وابن ماجة والبيهقي وأحمد بن حنبل.

[112] تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 160.

[113] أعلام الموقعين ج 4 ص 122.

[114] وهذه شهادة أخري من الشيخ أبي زهرة تؤيد ما قلناه بأن الشيعة لا يقبلون في شرع الله إلا الكتاب الكريم والسنة النبوية.

[115] كتاب الشيخ أبي زهرة ص 102.

[116] تاريخ بغداد ج 14 ص 81. ونحن نقول لهؤلاء: إن كان هذا هو مبلغكم من العلم، فماذا تقدمتم من عنده علم الأولين والآخرين وحرمتم الأمة من هديه ونوره وتركتموها تتخبط في الفتنة والجهالة والضلالة؟!.

[117] لقد أوضحنا بالأدلة في كتاب مع الصادقين بأن أولي الأمر هم أئمة الهدي من العترة الطاهرة وليس المقصود بهم الحكام الغاصبين، ومن المستحيل أن يأمر الله سبحانه بطاعة الظالمين والفاسقين والكافرين.

[118] ابن حزم في ملخص إبطال القياس ص 37.

[119] طبقات الفقهاء ترجمة سعيد بن جبير.

[120] طبقات ابن سعد ج 6 ص 179.

[121] مناقب الإمام

الشافعي ج 1 ص 443.

[122] تاريخ بغداد ج 2 ص 66.

[123] مناقب الإمام أحمد بن حنبل ص 57.

[124] أخرج الحديث البخاري في صحيحه ج 8 ص 127 وصحيح مسلم ج 6 ص 3 وفي بعض الروايات كلهم من بني هاشم بدلا من قريش، وسواء أكان من بني هاشم أم من قريش فكلهم من آل إبراهيم كما هو معلوم.

[125] إشارة إلي قوله تعالي: قل تعالوا ندع أنفسنا وأنفسكم، فدعا علي بن أبي طالب: أخرجه مسلم في صحيحه في باب فضائل علي (عليه السلام).

[126] الحجاج بن يوسف الثقفي المعروف بفسقه وكفره وجرائمه واستهتاره بالذين، أخرج الحاكم في المستدرك ج 3 ص 556 وابن عساكر ج 4 ص 69 أن الحجاج كان يقول: يزعم ابن مسعود أنه يقرأ قرآنا من عند الله، والله ما هو إلا رجز من رجز الأعراب. وكان يقول: اتقوا الله ما استطعتم فليس فيها مشوبة واسمعوا وأطيعوا لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فإنها المثوبة. كما أخرج ابن عقيل في كتاب النصائح الكافية ص 81 أن الحجاج خطب بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالمدينة قال: تبا لهم إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك؟ ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله.

[127] تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 140 كنز العمال ج 6 ص 67 تاريخ ابن عساكر والذهبي.

[128] اقرأ ولا تنس قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه البخاري ومسلم بأن حب علي بن أبي طالب إيمان وبغضه نفاق وإن المنافقين كانوا لا يعرفون زمن النبي إلا ببغضهم لعلي.

[129] صحيح البخاري ج 8 ص 148 من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (النساء /

105.

[130] رافضي بمعني يتشيع لعلي ويرفض خلافة الذين تقدموه.

[131] تهذيب التهذيب لابن حجر ج 5 ص 145 وكذلك ج 1 ص 82.

[132] المعروف أن العثمانيين هم النواصب الذين يكفرون عليا ويتهمونه بقتل عثمان وعلي رأسهم معاوية بن أبي سفيان ابن عم عثمان، فهو رئيسهم وزعيمهم.

[133] النواصب هم أعداء علي وأهل بيته من الخوارج والقاسطين والناكثين والذين ناصبوا له العداء وحاربوه، وبعد استشهاده عملوا علي سبه ولعنه.

[134] لسان الميزان للذهبي ج 3 ص 357.

[135] رسائل الخوارزمي ص 135.

[136] ابن كثير في كتاب البداية والنهاية ج 11 ص 147.

[137] البداية والنهاية لابن كثير ج 11 ص 147.

[138] لسان الميزان لابن حجر في ترجمة ابن جرير الطبري.

[139] البداية والنهاية لابن كثير ج 11 ص 275.

[140] صحيح البخاري ج 4 ص 118.

[141] سنن الدارقطني ص 136.

[142] الصواعق المحرقة لابن حجر ص 88.

[143] فيض القدير ج 5 ص 19 كنز العمال ج 1 ص 173.

[144] يراجع في ذلك كتاب فاسألوا أهل الذكر ص 46.

[145] تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك ج 1 ص 180.

[146] أخرج ابن سعد في طبقاته الكبري ج 5 ص 47 عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: والله ما خرجنا علي يزيد حتي خفنا أن نرمي بحجارة من السماء، إن رجلا ينكح الأمهات والبنات والأخوات، ويشر الخمر، ويدع الصلاة، والله لو يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسنا.

[147] تفسير الطبري وتفسير ابن كثير وتفسير الخازن وكذلك تفسير جلال الدين السيوطي في الجامع الكبير وكلهم في تفسير سورة النساء في قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة.

[148] البيهقي في ننه الكبري ج 9 ص 265 جمع الجوامع للسيوطي ج 3 ص 45.

[149] دليل

ذلك قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، وقول ابن عباس: لو كتب ذلك الكتاب ما اختلف من الأمة اثنان، ولما كان عمر هو الذي منع رسول الله من الكتابة واتهمه بالهجر كي لا يصر النبي علي الكتابة، عرفنا بأنه تسبب في الضلالة وحرم الأمة الإسلامية من الهداية.

[150] أخرج مسلم في صحيحه ج 4 ص 59 أن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر بن عبد الله: فعلناهما مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.

[151] الطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 204، وكذلك السيوطي في تاريخه لخلافة عمر بن الخطاب.

[152] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 8 ص 31.

[153] السنن الكبري للبيهقي ج 3 ص 144.

[154] المحلي لابن حزم ج 4 ص 270.

[155] البيهقي في سننه ج 3 ص 140 وكذلك الطبراني في المعجم الكبير والجصاص في أحكام القرآن ج 2 ص 310.

[156] صحيح البخاري ج 2 ص 151 باب التمتع والإقران من كتاب الحج.

[157] تفسير ابن كثير وتفسير القرطبي وتفسر الآلوسي وغيرهم كلهم ذكروا ذلك عن تفسر قوله سبحانه: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده.

[158] الإمامة والسياسة لابن قتيبة في باب وفاة أبي برك واستخلافه عمر.

[159] محمد عبده في شرح نهج البلاغة ج 1 ص 88 من الخطبة الشقشقية.

[160] ذكر الطبري وابن أبي الحديد وطه حسين في الفتنة الكبري بأن طلحة كان قد افترض من عثمان خمسين ألفا، فقال له ذات يوم: قد تهيأ مالك فأرسل من يقبضه، فقال عثمان: هو لك يا أبا محمد معونة علي مروءتك! ويقال إن

عثمان وصل طلحة بمائتي ألف أيضا.

[161] الطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 858.

[162] تاريخ الطبري والمدائني والواقدي في مقتل عثمان.

[163] الفتنة الكبري طه حسين ج 1 ص 150.

[164] شرح ابن أبي الحديد المعتزلي ج 2 ص 500.

[165] لقد ابتكر عمر بن الخطاب هذه الفكرة وهي من الدهاء بمكان، وذلك ليخلق معارضين لعلي ومنافسين له، لأن الصحابة كلهم كانوا علي علم تام بأن الخلافة هي من حق علي وإنما اغتصبتها قريش اغتصابا، ولما حاججتهم فاطمة الزهراء قالوا لها: لو سبق إلينا زوجك وابن عمك ما عدلنا به أحدا، فما رضي عمر بن الخطاب أن تعود الخلافة بعد موته لصاحبها الشرعي فخلق له منافسين بهذه الطريقة فطمع كل منهم بالخلافة وحدثتهم أنفسهم بالرئاسة فباعوا دينهم بدنياهم فما ربحت تجارتهم.

[166] الفتنة الكبري لطه حسين ج 1 ص 147.

[167] صحيح البخاري ج 4 ص 53 باب فرض الخمس باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا.

[168] تاريخ الطبري ج 5 ص 204، الكامل لابن الأثير ج 3 ص 102.

[169] الفتنة الكبري لطه حسين ج 2 ص 37.

[170] تاريخ الطبري في وقعة الجمل وتاريخ المسعودي وتاريخ أعثم وغيرهم.

[171] شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 101.

[172] نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 306.

[173] نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 626.

[174] تاريخ الطبري ج 5 ص 205.

[175] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 18. ويروي أن عمر بن الخطاب عزله عن الولاية، ولكنه أوصي الخليفة من بعده إن صرفت الخلافة عن سعد أن يوليه، لأنه لم يعزله عن خيانة، وقد نفذ عثمان بن عفان وصية عمر فولاه علي الكوفة. ومن الملاحظ أن سعد بن أبي وقاص لم يترك ثروة

كبيرة بالقياس إلي أصحابه، وبلغت تركته حسب الرواة ثلاثمائة ألف كما أنه لم يشارك في قتل عثمان ولم يحرض عليه كطلحة والزبير. روي ابن قتيبة في تاريخه قال: كتب عمرو بن العاص إلي سعد بن أبي وقاص، يسأله عن قتل عثمان ومن قتله؟ فكتب إليه سعد: أنك سألتني من قتل عثمان؟ وأني أخبرك أنه قتل بسيف سلته عائشة وصقله طلحة وسمه ابن أبي طالب وسكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه، ولكن عثمان غير وتغير وأحسن وأساء فإن كنا أحسنا فقد أحسنا، وإن أسأنا نستغفر الله، وأخبرك أن الزبير مغلوب.

[176] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 48.

[177] خصائص الإمام النسائي ص 18 و ص 35.

[178] صحيح مسلم ج 7 ص 119 باب فضائل علي بن أبي طالب.

[179] تاريخ أعثم ص 163.

[180] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 31.

[181] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 20.

[182] شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده المصري ج 1 ص 88.

[183] تاريخ ابن كثير ج 8 ص 77.

[184] تاريخ المسعودي المعروف بمروج الذهب في ترجمة سعد بن أبي وقاص.

[185] الطبري والمسعودي وابن سعد وطه حسين وغيرهم.

[186] صحيح البخاري ج 8 ص 123.

[187] قوله إنما قدمتك يدل علي الاستبداد برأيه ولم يكن عن مشورة ولا عن اختيار الناس له كما يزعمون.

[188] تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 166، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 57، العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي ج 2 ص 261.

[189] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 63.

[190] صحيح البخاري ج 8 ص 91 وصحيح مسلم في كتاب الإيمان.

[191] صحيح البخاري ج 2 ص 36.

[192] تاريخ ابن كثير

وابن عبد البر في الاستيعاب ترجمة حجر بن عدي.

[193] تاريخ ابن كثير ج 7 ص 136 ومستدرك الحاكم ج 4 ص 13.

[194] تاريخ ابن كثير ج 7 ص 137.

[195] صحيح البخاري ج 7 ص 90 من كتاب الأدب باب الهجرة. مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 6 ص 77.

[196] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 6 ص 77.

[197] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 6 ص 113.

[198] قد وفينا البحث في هذه المهزلة في كتاب لأكون مع الصادقين في باب خلاف عائشة مع بقية أزواج النبي.

[199] موطأ مالك ج 2 ص 116 باب رضاعة الكبير.

[200] عبقرية خالد: عباس العقاد ص 24.

[201] أخرج اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 61 أن عبد الرحمان بن عوف قال: والله لقد قتل خالد القوم وهم مسلمون، فقال خالد: إنما قتلتهم بأبيك عوف بن عبد عوف، فقال له عبد الرحمان: ما قتلت بأبي ولكنك قتلت بعمك الفاكه بن المغيرة. أنظر رعاك الله: إن خالدا لم ينكر قتله للقوم وهم مسلمون بل اعترف بأنه قتلهم بعوف والد عبد الرحمان فهل يحق في دين الله أن يقتل قوم برجل واحد وهل يجوز قتل المسلمين برجل كافر.

[202] الرياض النضرة للطبري ج 1 ص 100.

[203] صحيح البخاري ج 4 ص 325.

[204] يراجع في ذلك كتاب الاحتجاج للطبرسي.

[205] صحيح البخاري ج 4 ص 175 في ما رواه أبو هريرة عن نفسه باب علامات النبوة.

[206] صحيح البخاري ج 1 ص 38 من كتاب العلم باب حفظ العلم وكذلك ج 3 ص 2.

[207] أنظر كتاب أبي هريرة لمحمود أبو ربه المصري.

[208] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 28.

[209] صحيح البخاري ج 2 ص 232

باب الصائم يصبح جنبا وموطأ مالك ج 3 ص 272.

[210] سر أعلام النبلاء للذهبي.

[211] شرح ابن أبي الحديد المعتزلي ج 4 ص 68.

[212] البداية والنهاية ج 8 ص 108.

[213] صحيح البخاري ج 7 ص 31 باب لا هامة.

[214] صحيح البخاري ج 6 ص 190 باب وجوب النفقة علي الأهل والعيال.

[215] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 67.

[216] طبقات ابن سعد ج 2 ص 63.

[217] صحيح البخاري ج 1 ص 38 باب حفظ العلم.

[218] صحيح البخاري ج 1 ص 37 باب حفظ العلم.

[219] صحيح البخاري ج 1 ص 30.

[220] أخرجه البخاري ومسلم ومالك وغيرهم.

[221] صحيح البخاري كتاب الشهادات باب بلوغ الصبيان ج 3 ص 158. وكذلك صحيح مسلم كتاب الإمارة باب سن البلوغ.

[222] ذكر حديث الراية كل من البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والإمام أحمد وأبو داود وكل المحدثين.

[223] تاريخ الطبري ج 5 ص 40، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 104 تاريخ ابن قتيبة وكذلك مسند أحمد ج 1 ص 75.

[224] ابن حجر في فتح الباري ج 7 ص 586.

[225] صحيح مسلم ج 6 ص 23 مستدرك الحاكم ج 2 ص 156، سنن البيهقي ج 8 ص 144.

[226] صحيح مسلم وسنن البيهقي وسنن ابن ماجة.

[227] الطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 248.

[228] أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 31 والاستيعاب لابن عبد البر ج 2 ص 396 وأسد الغابة، ج 3 ص 289.

[229] هل أمر الله ورسوله ببيعة الفساق والمجرمين؟ أم أنه أمر ببيعة أوليائه الصالحين فقال: إنما وليكن الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون؟.

[230] ليت ابن عمر قال هذا لطلحة والزبير اللذان نكثا بيعتهما لعلي وحارباه وليست أهل

السنة والجماعة عملوا بهذا الحديث في تقسيم الرجال! وإذا كان نكث البيعة من أعظم الكباير الذي تأتي بعد الإشراك، فما هي مصير طلحة والزبير اللذين لم ينكثا البيعة قط ولكنهما هتكا الأعراض وقتلا الأبرياء ونهبا الأموال وخانا العهد؟؟؟.

[231] صحيح البخاري ج 1 ص 166، مسند أحمد ج 2 ص 96، سنن البيهقي ج 8 ص 159.

[232] تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 81.

[233] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 26.

[234] صحيح الترمذي ج 9 ص 64.

[235] تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 80.

[236] صحيح الترمذي ج 9 ص 64 ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 91.

[237] الطبقات الكبري لابن سعد ج 4 ص 110 والمحلي لابن حزم ج 4 ص 213.

[238] صحيح مسلم ج 2 ص 133، صحيح الترمذي ج 6 ص 34، سنن أبي داود ج 1 ص 96.

[239] الطبقات الكبري لابن سعد ج 4 ص 110.

[240] فتح الباري لابن حجر ص 39.

[241] تاريخ السيوطي - كنز العمال - تاريخ ابن عساكر والذهبي، ولمعرفة المصادر بالأرقام يراجع فصل الخلفاء الاثني عشر عند أهل السنة من الكتاب.

[242] سنن أبي داود ج 1 ص 289، سنن البيهقي ج 5 ص 25، مسند أحمد ج 2 ص 29.

[243] صحيح البخاري وصحيح مسلم ج 5 ص 21.

[244] صحيح البخاري في كتاب الجنائز باب فضل اتباع الجنائز.

[245] تاريخ أعلم وكذلك شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 170.

[246] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 358 تاريخ المسعودي ج 5 ص 163.

[247] تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 7، شرح نهج البلاغة ج 1 ص 385.

[248] تاريخ المسعودي ج 5 ص 185 شرح نهج

البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 487.

[249] أعمي البصر لأن عبد الله بن عباس كف بصره في كبره،، أما قوله: فاسأل عنها أمك فيقال إن الزبير تزوج أسماء بزواج متعة وإن عبد الله نفسه ولد من المتعة، ويقال إن عبد الله رجع إلي أمه فقالت له: ألم أنهك عن ابن عباس فهو أعلم الناس بمثالب العرب.

[250] الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي في سورة البينة.

[251] هذا هو لعمري المنطق السليم الذي يقطع الطريق علي كل المحدثين الذين اشتهروا بتدليس الحديث ونسبته للرسول صلي الله عليه وآله وسلم وهو منه برئ.

[252] التفسير الكبير للفخر ج 11 ص 161.

[253] المحلي لابن حزم ج 3 ص 54.

[254] التفسير الكبير للفخر الرازي ج 11 ص 161.

[255] صحيح البخاري ج 8 ص 148، (النساء: 105).

[256] ونقصد بهم الأوائل الذين عاهدوا عليا وأولاده من بعده والذين أسسوا مذهب أهل السنة والجماعة.

[257] قد فصلنا القول في ذلك وأخرجنا تصريحاتهم من كتبهم وأقوال أئمتهم في كتاب مع الصادقين فليراجع.

[258] البخاري ج 1 ص 74.

[259] الطبقات الكبري لابن سعد ج 6 ص 191.

[260] سنن الدارمي ج 1 ص 145 وكذلك أين قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص 199.

[261] مقالات الإسلاميين ج 2 ص 251.

[262] جامع البيان العلم ج 2 ص 234.

[263] جامع بيان العلم ج 2 ص 233.

[264] الذهبي في تذكرة الحفاظ ج 1 ص 3.

[265] كنز العمال ج 5 ص 237، وابن كثير والذهبي في تذكرة الحفاظ ج 1 ص 5.

[266] الذهبي في تذكرة الحفاظ ج 1 ص 4.

[267] صحيح البخاري كتاب الجنائز باب قول النبي يعذب الميت ببعض بكاء أهله و كذلك صحيح مسلم، كتاب الجنائز باب الميت يعذب

ببكاء أهله عليه.

[268] صحيح البخاري وكذلك صحيح مسلم في كتاب الجنائز في نفس الباب السابق.

[269] شواهد التنزيل للحسكاني ج 2 ص 223، غاية المرام ص 417، الرياض النضرة ج 2 ص 202.

[270] تاريخ الطبري في إسلام علي، سنن ابن ماجة ج 1 ص 44، خصائص النسائي، مستدرك الحاكم ج 3 ص 112.

[271] يسمي " أهل السنة والجماعة " عثمان بذي النورين ويعللون ذلك بأنه تزوج رقية وأم كلثوم بنتي النبي والصحيح أنهما ربيبتاه، وعلي فرض أنهما بنتاه، فكيف تكونان نورين ولم يحدث النبي لهما بفضيلة واحدة ولماذا لا تكون فاطمة التي قال في حقها: سيدة نساء العالمين هي النور، ولماذا لم يسموا عليا " بذي النور " علي هذا الأساس؟.

[272] تنوير الحوالك شرح علي موطأ مالك ج 1 ص 103 ونحن نقول: الحمد لله أن شهد شاهد من أهلها علي اضطراب الأحاديث عندهم وتناقضها وأنه كما أعترف، لا تقوم لأحد من فقهائهم حجة، إنما الحجة قائمة مع أئمة الهدي الأطهار الذين بم يختلفوا في شئ.

[273] تفسير غرائب القرآن للنيسابوري بهامش تفسير الطبري ج 1 ص 77.

[274] الشيخ أبو زهرة في كتاب الإمام الصادق ص 161.

[275] لأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح علي شرط الشيخين، وأخرجه الترمذي في صحيحه ج 2، ص 299، والطبري في الرياض النضرة ج 2 ص 160، تاريخ بغداد ج 3 ص 171، كنز العمال ج 6 ص 406، النسائي في الخصائص ص 5، وابن الأثير في أسد الغابة ج 4 ص 30.

[276] جمهرة رسائل العرب ج 1 ص 477 مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 60، شرح النهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج 1 ص 274.

[277] لأن أبا بكر وعمر

وعثمان توفوا في حياة الإمام علي.

[278] جمهرة رسائل العرب ج 1 ص 475، مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 59، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 283.

[279] كتاب الصحابة في نظر الشيعة الإمامية صفحة 8 وما بعدها.

[280] صحيح مسلم ج 8 ص 22.

[281] تهذيب التهذيب ج 1 ص 509.

[282] تهذيب التهذيب ج 1 ص 509.

[283] كتاب الكبائر للذهبي ص 233 و 235.

[284] كتاب الصارم المسلول ص 275.

[285] كتاب معين الحكام فيها يتردد بين الخصمين من الأحكام ص 187.

[286] كتاب الصحابة في نظر الشيعة الإمامية ص 8 و 9.

[287] الكفاية ص 51 وكتاب تلقيح فهوم أهل الآثار ص 2.

[288] كتاب الإصابة لابن حجر ج 1 ص 10.

[289] تاريخ بغداد ج 14 ص 7.

[290] صحيح البخاري ج 1 ص 17.

[291] إحياء علوم الدين للغزالي ج 1 ص 129 وكنز العمال، ج 7 ص 24.

[292] صحيح البخاري ج 6 ص 65، كتاب فضائل القرآن سورة المنافقين، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 97.

[293] صحيح البخاري ج 4 ص 179.

[294] صحيح البخاري ج 4 ص 206.

[295] صحيح البخاري ج 7 ص 209 باب الحوض.

[296] نظرية الإمامة لمحمود صبحي ص 23.

[297] قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، و لكن نحسن صحبتهم.. " فيه دليل واضح علي أن المنافقين هم من الصحابة، فقول " أهل السنة والجماعة " بأن المنافقين ليسوا من الصحابة مردود عليهم، لأنه رد علي رسول الله الذي يسميهم أصحابه.

[298] ولنا نقول بأن أهل السنة والجماعة قد لعنوهم وحاربوهم وقتلوهم، هذا إذا فهمنا بأن زعيم أهل السنة هو معاوية وما جرأ معاوية عليهم إلا أبو بكر وعمر و

عثمان، كما اعترف معاوية نفسه بذلك.

[299] راجع في ذلك كتاب " مع الصادقين " للمؤلف.

[300] ف " أهل السنة والجماعة " كلهم يقولون بتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان علي علي بن أبي طالب، وإذا كان علي هو سيد العترة وأفضل أهل البيت بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فإن أهل البيت عند " أهل السنة والجماعة " يأتون بعد الصحابة الثلاثة المعروفين عندهم بالخلفاء الراشدين.

[301] وهب أنهم كما يزعمون اليوم ويقولون: نحن أولي بعلي وأهل البيت من الشيعة، فلماذا ترك علماؤهم وأئمة المذاهب عندهم فقه أهل البيت وكان عندهم نسيا منسيا؟ واتبعوا مذاهب ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، قال تعالي: " إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه "، أما الذين لم يتبعوه فليسوا أولي به كما لا يخفي.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.