البيان في عقائد أهل الإيمان

اشارة

نوع: كتاب
پديدآور: شريعتي اصفهاني، محمدباقر
عنوان و شرح مسئوليت: البيان في عقائد اهل الايمان [منبع الكترونيكي] / تاليف محمد باقر الشريعتي الأصفهاني
ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، حمدا يليق بشأنه، والشكر لله تعالي، شكرا يكافئ بعض نعمة، وصلي الله علي خير بريته وأشرف رسله، محمد وآله المنتجبين من أمته، ولعنة الله علي أعدائهم والمناوئين لهم إلي يوم الدين. وبعد: فيقول المحتاج إلي الله الغني (محمد باقر بن محمد حسين الشريعتي الاصفهاني) عفي الله عنهما: هذه أبواب شتي حررت فيها أبحاث مختلفة كانت تختلج بخاطري الفاتر وتتردد علي ذهني الكليل وكنت أتمني جمعها في كتيب أعود إليه عند الحاجة وربما يستفيد منها بعض إخواني العلماء في مطالعاتهم العلمية. وفقني الله عز وجل إلي كتابة هذه الأبواب في فترات مختلفة أغلبها زمن الشدة والخوف الشديد من سنة 1398، وأظن أن الاضطراب الذهني ربما أوقعني في بعض الزلات القلمية والاشتباهات، فرجائي الأكيد من المطالعين العفو عما سيجدون من التقصير والتنبيه علي ما سيلاحظونه من الأخطاء، فإن من طبيعة الإنسان السهو والاشتباه، والنسيان ولا يخلو منها إلا المعصومين عليهم السلام. وأري من المناسب أن أقدم شكري وثنائي إلي الذين ساعدوني في هذا الكتاب وفي غيره من مؤلفاتي المطبوعة. [ صفحه 4] هذا، وأسأل الله تبارك وتعالي خلوص النية عن الشوائب و التوفيق في العلم والعمل، وأن يجعل مساعينا ذخرا وذخيرة ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم وأخلص له في القول والفعل. إنه خير موفق والهادي إلي الصواب. محمد باقر الشريعتي [ صفحه 5]

في الأسماء والصفات

الله جل جلاله علم للذات المستجمع لجميع الكمالات وأعلي الأسماء الحسني التي عدها في عدة الداعي مع شرحها ص 200 وأشهرها محلا في الذكر والدعاء، ويقصد بالله سائر الأسماء. وفي توحيد الصدوق ص 188 عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن لله تبارك وتعالي تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة. ويعدها كلها مع شرحها. وفيه أيضا ص 189: قال محمد بن علي بن الحسين مؤلف هذا الكتاب (معني قول النبي (ص) لله تبارك وتعالي تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة): إحصاؤها هو الإحاطة بها والوقوف علي معانيها، وليس معني الإحصاء عدها، وبالله التوفيق - إلي آخر كلامه وشرحه. هذا وفي دعاء الجوشن الكبير يعد ألف اسم من أسماء الله تعالي. وعلي كل حال توضيح المراد يكون في ضمن أمور: (الأول) إن تعدد الأسماء والصفات أعم من صفات الذات [ صفحه 6] وصفات الأفعال كالحي والقيوم والعليم وغير ذلك والرازق و الخالق وشديد النكال والنقمة وأرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة وغير ذلك لا يوجب تعدد الموصوف. مثلا: الشجاعة والسخاوة والحلم وغير ذلك من الصفات الحسنة في مخلوق لا يوجب تعدده، فكيف في الله تعالي والخالق. وهذه الأوصاف الحسنة حظ الأولياء والأصفياء وكذلك الأوصاف الردية والرذيلة فهي من حظ الأشقياء كالبخل والشح والكبر والضغن والشحناء والعداوة، كل ذلك حسب كسب اليد والاختيار (كل يعمل علي شاكلته). ولا جبر ولا تفويض، بل أمر الله تعالي العباد ونهاهم بمقدار الطاقة ولم يكلفهم فوق الطاقة، فباختيارهم سعدوا وشقوا. وفي هذا المعني قيل (النفس في وحدتها كل القوي) كما قيل بالفارسية: ترا تيشه دادند هيزم كني++ ندادند ديوار مردم كني (الثاني): إنه لا يمكن للممكن الإحاطة بذاته المقدسة وقد نهينا عن التفكر في ذاته تعالي (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله فلا يزيدكم إلا تحيرا وتزندقا [1] بل أمرنا بالتفكر في الآفاق و [ صفحه 7] الآثار ليتبين لنا الحق، ويدل علي ما قلنا آيات كثيرة لعل أصرحها لفهمنا قوله تعالي (أفي الله شك فاطر السماوات والأرض). قال السبزواري في منظومته: وجوده من أعرف الأشياء++ وكنهه في غاية الخفاء ومعني (الخفاء) في آخر البيت لم نتمكن من دركه، وهو (ره) أعلم بما قال. وقد نهينا عن التفكر في ذاته تعالي بتمام الجهة، وكل ما تصورنا فهو مردود إلينا [2] . [ صفحه 8] (الثالث): إنه لما كانت أسماؤه وصفاته تعالي توقيفية ينتظر إطلاق أولي الأمر من الأسماء والصفات بما يليق بجنانه عز وجل: ولا يجوز إطلاق اسم أو صفة مما لا يليق بشأنه سبحانه، فمثل الأسماء الحسني في دعاء الجوشن الكبير وغيره يطلق عليه ويستعان بكل واحد منها ويستجار بها، أما مثل (العاشق) و (المعشوق) مما لم نجده في الآثار فلا يجوز إطلاقه عليه تبارك وتعالي، ولا يجوز التجاوز عن الأسماء الإلهية وحدود الأحكام المبينة. (الرابع): إن علمه تعالي عين ذاته، فكيف يتقول عليه وفيه بالأقاويل. (الخامس): إنه تعالي خالق السماوات والأرض وغيرهما بلا مادة ولا مدة وإنه علي كل شئ قدير. (السادس): إنه تعالي قادر مختار، كان الله ولم يكن معه شئ، وإنه موجد الأشياء مع اختياره بلا تعب ولا عناء، و [ صفحه 9] ليس كالعلة والمعلول مثل النار والاحراق حيث لا يتفارقان في الخارج إلا في القدم الذاتي كما زعموا، وهو باطل لسلب الاختيار عنه تعالي، وذلك كفر، وكذلك القول بالحلول والروية، و كل ذلك علي خلاف معتقد الأئمة والإمامية. (السابع): إنه تعالي واحدي الذات ليس له أجزاء خارجية ولا وهمية ولا عقلية، وهو عز شأنه أحدي المعني ليس له صفات زائدة بل صفاته عين ذاته، بخلاف صفات المخلوق، فإن علمه مثلا غير ذاته ولا بد في غير الإمام والرسول من تحصيله مع الاستعانة وطلب التوفيق من جنابه تعالي [3] . قال ابن فهد (ره) في كتابه عدة الداعي ص 300: الفرق بينهما (بين الواحد والأحد) من وجوه: الأول أن الواحد هو المنفرد بالذات والأحد هو المنفرد بالمعني الثاني أن الواحد أعم مورد لكونه يطلق علي من يعقل وغيره ولا يطلق الأحد إلا علي من يعقل. الثالث أن الواحد يدخل في الضرب والعدد ويمتنع دخول الأحد في ذلك. وذكر الصدوق (ره) في توحيده ص 190 قريبا مما نقل عن ابن فهد وقال: وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد، تقول في الدار واحد، يجوز أن يكون واحدا من الدواب أو الطير أو الوحش [ صفحه 10] أو الإنس، فكان الواحد بعض الناس وغير الناس، وإذا قلت ليس في الدار أحد فهو مخصوص بالآدميين دون سائرهم. أقول لو قيل ليس في الدار واحد يسلب جميع ما ذكر، لأن السلب يقع علي المسلوب كيفما كان، وإنما الكلام في الواحد والأحد، وسيجئ توضيح ذلك قريبا. وقال في مجمع البحرين: قيل ما ذكر في وصفه تعالي (واحدي الذات أحدي المعني) أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، وقيل واحدي المعني أي الصفات، فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شئ يتداخله فيهيجه من حال إلي حال - الخ. وعلي كل حال يشكل الفرق المذكور من وجوه: (الأول) أن المتفرد بالذات والمتفرد بالمعني لو كانا اصطلاحا خاصا فقد يطالب بالمدرك. (الثاني) لو كان في الأحد خصوصية ليست في الواحد لكان الأنسب والأفصح أن يقال: لله الأحد القهار، لا لله الواحد القهار - كما جاء في القرآن الكريم. (الثالث) وهو العمدة ما جاء في مجمع البيان ص 565 قال - أي الباقر عليه السلام - والأحد الفرد المنفرد، والأحد والواحد بمعني واحد، وهو المنفرد الذي لا نظير له والتوحيد الإقرار بالوحدة. (الرابع) يقال السماء مثلا أحد المخلوقات وواحد المخلوقات - والحاصل أن الأحد في حد نفسه يطلق علي غير العاقل بغير عناية - الخ. وانظر كتابنا منتخب الدعاء ص 87 والصافي ص 863 وأقرب الموارد 2 / 432 وغيرها لمعرفة التفصيل في الموضوع. [ صفحه 11] (الثامن): إنه تعالي حكيم علي الإطلاق، لا يأمر بشئ إلا وفيه مصلحة ولا ينهي عن شئ إلا وفيه مفسدة، ولا حق لأحد من المخلوقين سؤاله ب (لم) و (بم) إلا علي سبيل التفقه لا علي سبيل التعنت والتعسف، فما فسر وعلم من أوليائه يقبل فيشكر الله تعالي ووسائطه، وما لم يعلمه لا يعرض علي عقله لأنه ناقص بتمام المعني، فيرد علمه إليه عز وجل، إلي أوليائه لأنهم خزنة علمه. وإياك أن تفسره برأيك أو تؤله، فإن أول الإلحاد التأويل من غير دليل، قال عز شأنه (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون). (التاسع): إنه تعالي أزلي لا انتهاء لوجوده في جانب الأول أبدي يمتنع عليه الفناء أزلا وأبدا، كل شئ فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والاكرام. (العاشر): إنه لا يجوز عليه الظلم ولا يصدر منه القبيح، إن ربك ليس بظلام للعبيد، وإن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر وهو يأمر بالعدل والاحسان. (الحادي عشر): إن العباد مختارون في أفعالهم، بمعني أن هذا الاختيار الناقص تفضل من الله تعالي عليهم لإتمام الحجة عليهم. وأن قدرته تعالي فوق قدرتهم، بمعني أنه قادر علي إهلاكهم حين المعصية وإقدارهم علي فعل الطاعة، ولكن أمهلهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة، قال تعالي (تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شئ قدير - الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم [ صفحه 12] أحسن عملا). وهو القاهر والقادر علي كل شئ، وكل شئ هالك إلا وجهه وله الحكم وإليه المصير. (الثاني عشر): لا يجوز للناس الاعتزال والرهبانية، لأن فيه ترك أكثر الواجبات، ولا أقل من تعلم واجبات الدين مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية فإنه ما نودي بشئ مثل الولاية، فكيف يحصل ما ذكر بالاعتزال. (الثالث عشر): لا يجوز التفكر في شبه القضاء والقدر والخوض فيهما. قال العلامة المجلسي في اعتقاداته ص 488: فإن الأئمة قد نهونا عن التفكر فيهما، فإن فيها شبه قوية يعجز عقول أكثر الناس عن حلها، وقد ضل فيها كثير من العلماء، وإياك والتفكر والتعمق فيها فإنه لا يفيد إلا ضلالا ولا يزيدك إلا جهلا. (الرابع عشر): عليك بمطالعة السير والسلوك والاعتقادات للمجلسي (ره)، فإنه أقوي وأقوم للنجاة من المهلكات الواردة عل البشر، فقد التزم بصحة بما ينقله، والشاهد علي ذلك ما قاله في اعتقاداته ص 518: ثم اعلم يا أخي أن ما ألقيت إليك في هذه الرسالة أخذتها كلها من معادن النبوة وما أقول من تلقاء نفسي - الخ. أقول: وكرر النظر في كلامه حتي يتبين لك الحق بعد ذلك. [ صفحه 13]

في الأنبياء والرسل

اشاره

قالوا في عدد الأنبياء أنهم مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، وكذلك عدد الأوصياء فإن لكل نبي وصي أوصي إليه بأمر من الله تعالي. ونعتقد أنهم جاؤوا بالحق من عند الله تعالي، وأن قولهم قوله وأمرهم أمره وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، وهم لا ينطقون إلا عن الله تعالي وعن وحيه. وأن سادات الأنبياء خمسة الذين دار عليهم الوحي، وهم أصحاب الشرائع، وهم أولوا العزم من الرسل، وهم نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد خاتم النبيين صلوات الله عليهم. كل ذلك مع حفظ مقامهم وشرائعهم بحسب المرتبة زمانا ومكانا وقلة وكثرة، ويجب علينا احترامهم وتعظيم شأنهم. قال المجلسي (ره) في اعتقاداته ص 588: ثم يجب أن نؤمن بحقية الأنبياء والمرسلين مجملا وعصمتهم وطهارتهم، وإنكار نبوتهم أو سبهم والاستهزاء بهم أو قول ما يوجب الازراء بشأنهم كفر. وأما المشهورون منهم كآدم ونوح وموسي وعيسي وداود وسليمان (ع) و [ صفحه 14] سائر من ذكره الله تعالي في القرآن فيجب أن نؤمن بهم بالخصوص و بكتبهم، ومن أنكر واحدا منهم فقد أنكر الجميع وكفر بما أنزل الله تعالي - انتهي موضع الحاجة. وقال الصدوق (قده) ص 108: اعتقادنا في الأنبياء و والرسل والأئمة والملائكة أنهم معصومون مطهرون من كل دنس وأنهم لا يذنبون ذنبا لا صغيرا ولا كبيرا ولا يعصون ما أمرهم الله ويفعلون ما يؤمرون. ومن نفي عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم ومن جهلهم فهو كافر. واعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم وأواخرها، لا يوصفون في شئ من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل - انتهي.

آيات في الأنبياء والرسل

قال عز من قائل: 1 - وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله (النساء: 64). 2 - ولقد أرسلنا إلي أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء و الضراء (الأنعام: 42). 3 - وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم (إبراهيم: 14). 4 - سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تبديلا (الإسراء: 17). [ صفحه 15] 5 - وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (الأنبياء: 7). 6 - ثم أرسلنا رسلنا تتري (المؤمنون: 44). 7 - ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك (غافر: 78). 8 - وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين (الكهف: 56). 9 - ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون (يس: 30). 10 - تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض (البقرة: 253). 11 - رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل (النساء: 165). 12 - والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم (الحديد: 19). 13 - وكم أرسلنا من نبي في الأولين (الزخرف: 6). 14 - ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء (الزمر: 69). 15 - اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا و آتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين (المائدة: 20).

احاديث في الأنبياء والرسل

1 - عن الصادق عليه السلام: ولم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم عليه السلام من حجة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلي [ صفحه 16] أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب (عقيدة الشيعة في الإمامة: 3) 2 - عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: اللهم إنك لا تخلي أرضك عن حجة علي خلقك (الوافي ج 2 / 17). 3 - عن ابن الطيارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجة. (أقول) مفاد هذه الأخبار صريح أو تلويحا وتقديرا ومضامينها تتضمن شرح ثلاث كلمات: الاضطرار، الناس، الحجة. الاضطرار إلي نجاة الغريق والحريق والمريض المشرف علي التلف، فيجب لكل من يقدر علي الإنجاء أن ينجيه، ولو تخلف الإنسان القادر علي ذلك كان عاصيا ولو مات المريض لكان مأجورا مرحوما. الاضطرار إلي معرفة الله وغيره غير ما ذكر، ووجوب معرفة الله وأوليائه ثابت علي كل أحد كان له مال أو لا وكان مريضا أو لا، فليس المكلف معذور علي كل حال ولو مات بدون المعرفة مات ميتة جاهلية. وكلمة الناس والخلق والعبد والمخلوق تشمل المسلم، والكافر مكلف بالفروع كما هو مكلف بالأصول وليس له عذر عن تخلفه عن الإيمان لأن التكليف بمعرفة الأصول والفروع لا يشترط بقيد الإسلام والإيمان، بمعني أنه يجب عليه المعرفة إذا أسلم وإذا آمن، لأن الإسلام وغيره من شرائط الوجوب، فكما يجب علي المسلم تحصيل الماء معرفة القبلة [ صفحه 17] وخلوص النية وعدم الرياء في العمل ورفع العجب عن النفس وغير ذلك، يجب علي الكافر تحصيل المعرفة والإسلام والإيمان حتي يصح منه لأن الشرط مقدور وعدم إيجاد الشرط علي وجهه بسوء اختياره وهو لا ينافي الاختيار، فيثاب علي فعله ويعاقب علي تركه لأنه اختار هكذا. وأما الحجة، فالمراد منها هي الحجة البالغة الكاملة، وهي تتجسد في أعلم أهل زمانه وأزهدهم وأورعهم، بحيث لو سألوه أهل زمانه عما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم لأجابهم بالواقع لولا المانع، والنبوة والرسالة والإمامة مناصب إلهية لا تنالها الأوهام والأفكار من البشر، و اختلافهم في أمر الخلافة كاشف عن عدم استقامة آرائهم، ولا ينال العبد مرتبة إلا بإطاعتهم والتسليم لأوامرهم (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).

الفرق بين الرسول والنبي والإمام

فمذكور في حديث رواه الفيض في الوافي 2 / 18 قال: (كا) علي عن أبيه عن ابن مرار قال: كتب الحسن بن العباس المعروفي إلي الرضا عليه السلام: جعلت فداك أخبرني بالفرق بين الرسول والنبي والإمام. قال: فكتب - أو قال - الفرق بين الرسول والنبي والإمام أن الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي، وربما رأي في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه السلام. والنبي ربما سمع الكلام وربما رأي الشخص ولم يسمع. الإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يري الشخص. [ صفحه 18] (بيان) (نحو رؤيا إبراهيم) يعني رؤياه في ذبح ولده كما حكي الله تعالي ذلك عنه في القرآن الكريم. (وربما رأي الشخص ولم يسمع) كأن المراد منه أنه لم يجمع له بين الأمرين كما يجمع للرسول. وفي مجمع البحرين (نبأ) ص 81: الرسول هو المخبر عن الله تعالي بلا واسطة أحد من البشر وله شريعة مبتدئة كآدم أو ناسخة كمحمد، والنبي هو الذي يري في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، و الرسول هو الذي يسمع الصوت ويري في المنام يعاين، وبأن الرسول قد يكون من الملائكة بخلاف النبي. وبعد بيان عدد الأنبياء قال: و فيه سئل صلي الله عليه وآله أكان آدم نبيا؟ قال: نعم كلمه الله وخلقه بيده - الخ. [ صفحه 19]

محمد خاتم النبيين

اشاره

محمد بن عبد الله صلي الله وآله خاتم النبيين وأفضل المرسلين، ودينه (الإسلام) أشرف الأديان وأكملها ولذا كان ناسخا لها ودائما إلي يوم القيامة، فهو (ص) يمتاز بأمور حضه الله تعالي بها نذكرها هنا باختصار:

انه رحمة للعالمين

بعثه الله تعالي رحمة للعالمين ووسيلة نجاة لمن استمسك بعروته الوثقي، قال تعالي (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (سورة الأنبياء: 21).

انه مبعوث إلي كافة الخلق

بعث صلي الله عليه وآله إلي الجن والإنس بل إلي الخلق أجمعين، قال تعالي (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشير و نذيرا) (سور سبأ: 27) وقال عز من قائل (وما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ [ صفحه 20] عليما) (سورة الأحزاب: 40). قال المجلسي في البحار بعد ذكر الآيات في باب فضائله و خصائصه صلي الله عليه وآله عند تفسير ألفاظها: وأرسل نبينا إلي الناس كافة قوله (نذيرا للبشر)، وإلي الجن أيضا قوله (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن)، وإلي الشياطين أيضا قال عليه السلام (إن الله أعانني علي شيطان حتي أسلم علي يدي)، قوله (وما أرسلناك إلي كافة)، قال صلي الله عليه وآله (بعثت إلي الأحمر والأسود والأبيض). وفي الوافي 2 / 165 ضمن خبر ينقله عن الكافي: وأرسله كافة إلي الأبيض والأسود والجن والإنس وعطاء الجزية وأسر المشركين وفداهم ثم كلف ما لم يكلف أحد من الأنبياء أنزل سيف من السماء من غير غمد وقيل له قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك. (بيان من الفيض) كأنه أريد بالأسود والأبيض العجم والعرب. وفيه ص 163: عن الكافي... عن الحسين بن عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان رسول الله سيد ولد آدم؟ فقال: كان والله سيد من خلق الله عز وجل، وما برأ الله برية خيرا من محمد صلي الله عليه وآله. الكافي عنه عن أحمد عن الحجال عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر رسول الله فقال: قال أمير المؤمنين عليه [ صفحه 21] السلام: ما برأ الله نسمة خيرا من محمد صلي الله عليه وآله. وفي منتخب المواعظ ص 134 عن تحف العقول ص 163 في ضمن خطبة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: يا معاوية والله لقد خلق الله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخري بالمغرب أسماؤهما جابلقا وجابلسا ما بعث الله إليهما أحدا غير جدي رسول الله صلي الله عليه وآله.

مكارم أخلاق النبي

في الوافي ص 161: عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالي خص رسول الله صلي الله عليه وآله بمكارم الأخلاق، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله عز وجل وارغبوا إليه في الزيادة منها، فذكرها عشرة: اليقين، والقناعة، و الصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة، والمروة.

اوصياء النبي أفضل الأوصياء

قال الصدوق (ره) في اعتقاداته ص 104: وليس في الأنبياء خير من محمد صلي الله عليه وآله ولا في الأوصياء أفضل من أوصيائه ولا في الأمة أفضل من هذه الأمة هم شيعته أهل بيته في الحقيقة دون غيرهم، ولا في الأشرار شر من أعدائهم والمخالفين: [ صفحه 22] لهم من الناس. وفي الوافي 2 / 163 في ضمن بيان المعراج عن الكافي فقال الله تبارك وتعالي: يا محمد. فقال: لبيك ربي. قال: من لأمتك من بعدك؟ قال: الله أعلم. قال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين. قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام لأبي بصير: يا أبا محمد والله ما جاءت ولاية علي عليه السلام من الأرض ولكن جاءت من السماء مشافهة، وما علم الله رسوله علما إلا وأمره أن يعلمه عليا فكان شريكه في العلم. وفي خبر عن زيد بن شراحيل: والله ما استودعت علما إلا وقد أودعته، ولا علمت شيئا إلا وقد علمته، ولا أمرت بشئ إلا وقد أمرته به، ولا وكلت بشئ إلا وقد وكلته به. ألا وإني قد جعلت أمر نسائي بيده، وهو خليفتي عليكم وبعدي، فإن استشهدكم فاشهدوا له. إلي غير ذلك من الأحاديث التي نقلنا طرفا منها في كتابنا عقيدة الشيعة في الإمامة ص 177، وقد ذكر نافية فيه أيضا النصوص الخاصة والعامة الواردة علي كل واحد من الأئمة عليهم السلام ونقلنا من الكتب المفصلة مقدارا كافيا شافيا لصدور الشيعة.

امة النبي خير الأمم

قال الله تعالي عند وصف أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم [ صفحه 23] (كنتم خير أمة أخرجت للناس) (سورة آل عمران: 110). في مجمع البيان ص 486 روي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: أنتم زينتم ستين أمة أنتم خيرها وأكرمها علي الله. وفي الصافي ص 289 عن تفسير القمي عن الصادق عليه السلام أنه قرئ عليه (كنتم خير أمة) فقال: خير أمة يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني علي عليهم السلام. فقال القارئ جعلت فداك كيف نزلت؟ فقال: نزلت (كنتم خير أئمة أخرجت للناس) ألا تري مدح الله لهم (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). أقول: لا يخفي أنه علي القراءة الأولي مدح للأمة وعلي الثانية مدح للأئمة عليهم السلام. في الوافي 2 / 164: يه... عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لما بعث الله موسي بن عمران فاصطفاه نجيا وفلق له البحر ونجي بني إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح رأي مكانه من ربه عز وجل فقال: يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا من قبلي. فقال الله جل جلاله: يا موسي أما علمت أن محمدا أفضل عندي من جميع ملائكتي وجميع خلقي. قال موسي: يا رب فإن كان محمد أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي؟ قال الله تعالي: يا موسي أو ما علمت أن فضل آل محمد علي جميع آل النبيين كفضل محمد علي جميع المرسلين. [ صفحه 24] فقال: يا رب فإن كان آل محمد كذلك فهل في أمم الأنبياء أفضل من أمتي ظللت عليهم الغمام وأنزلت عليهم المن والسلوي وفلقت لهم البحر. فقال جل جلاله: يا موسي أما علمت أن فضل أمة محمد علي جميع الأمم كفضله علي جميع خلقي. فقال موسي: يا رب ليتني أراهم. فأوحي الله جل جلاله إليه: يا موسي إنك لن تراهم، فليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف تراهم في الجنات جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها ينقلبون وفي خيراتها يتبجحون، أفتحب أن أسمعك كلامهم. قال: نعم يا إلهي. قال عز وجل: قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل. ففعل ذلك موسي، فنادي ربنا عز وجل: يا أمة محمد. فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم: لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك. قال فجعل الله عز وجل تلك الإجابة شعار الحج - والحديث طويل أخذنا منه مقدار الحاجة وقد أخرجته في تفسير القرآن. أقول: لا يخفي أن المراد في هذا الحديث ونظائره من الأمة الفرقة الناجية، وهم المعتقدون بإمامة الأئمة الاثني عشرا المتبعون لهم علما وعملا، لقوله صلي الله عليه وآله (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وقوله (شيعتك علي منابر من نور مبيضة وجوههم حولي وهم جيراني ولولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي) ومضمون (إن الله تبارك لا يبالي أن يدخل الناس النار بترك ولاية [ صفحه 25] أمير المؤمنين). وقد نقلنا في كتابنا عقيدة الشيعة في الإمامة ص 177 الأخبار الخاصة والعامة مضافا إلي الأخبار الواردة في جهات علومهم وخصائصهم بحيث لا يبقي ريب ولا شك للمنصف بأن المراد بالأمة المطلقة الفرقة الناجية الخاصة الاثنا عشرية وغيرهم لا يعبأ بهم، وسيأتي عند ذكر أحوال أصحابه عليه السلام كعمار وغيره ما يصرح بما ذكر.

الحاجة إلي شفاعته

قال تعالي (تتهجد به نافلة لك عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (سورة بني إسرائيل: 82). قال في مجمع البيان 5 / 435: قد أجمع المفسرون علي أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة، وهو المقام الذي يشفع فيه للناس وهو المقام الذي يعطي لواء الحمد فيوضع في كفه ويجتمع تحته الأنبياء والملائكة، فيكون (ص) أول شافع وأول مشفع - الخ. وقال تعالي (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) (سورة المائدة: 35). قال في المجمع 6 / 189: أي اتقوا المعاصي واجتنبوها (و ابتغوا إليه الوسيلة) أي اطلبوا إليه القربة بالطاعات - عن الحسن وغيره... وقيل الوسيلة أفضل درجات الجنة. وروي عن النبي (ص) أنه قال: سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في [ صفحه 26] الجنة لا ينالها إلا عبد واحد وأرجو أن أكون أنا هو. وروي سعد ابن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام قال: في الجنة لؤلؤتان إلي بطنان العرش إحداهما بيضاء والأخري صفراء في كل واحدة منهما سبعون ألف غرفة أبوابها وأكواؤها من عرق واحدة فالبيضاء الوسيلة لمحمد صلي الله عليه وآله وأهل بيته والصفراء لإبراهيم وأهل بيته. ويظهر ما ذكر أو بعضه من خطبة الوسيلة، وهي خطبة كثيرة الفائدة ألقاها أمير المؤمنين عليه السلام علي أهل البصرة، ونحن ننقل بعضها هنا عن روضة الكافي ص 29 تبركا وتيمنا ونرجو من الله تعالي التوفيق: عن جابر بن يزيد قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام فقلت: يا بن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها. فقال: يا جابر ألا أوقفك علي معني اختلافهم من أين اختلفوا ومن أي جهة تفرقوا. قلت: بلي يا بن رسول الله. قال: لا تختلف إذا اختلفوا، يا جابر إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله ص في أيامه، يا جابر اسمع وع. قلت: إذا شئت. قال: اسمع وع و بلغ حيث انتهت بك راحلتك، إن أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه - إلي أن قال: أيها الناس إن الله تعالي وعد نبيه محمدا الوسيلة ووعده الحق [ صفحه 27] ولن يخلف الله وعده، ألا وإن الوسيلة علي درج الجنة وذروه ذوائب الزلفة ونهاية غاية الأمنية، لها ألف مرقاة ما بين المرقاة إلي المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام، وهو ما بين مرقاة درة إلي مرقاة جوهرة إلي مرقاة زبرجدة إلي مرقاة لؤلؤة إلي مرقاة ياقوتة إلي مرقاة زمردةإلي مرقاة مرجانة إلي مرقاة كافور إلي مرقاة عنبر إلي مرقاة بلنجوج [4] . إلي مرقاة ذهب إلي مرقاة غمام إلي مرقاة هواء إلي مرقاة نور قد أنافت علي كل الجنان ورسول الله يومئذ قاعد عليها مرتد بريطتين ريطة من رحمة الله وريطة من نور الله، عليه تاج النبوة وإكليل الرسالة قد أشرق بنوره الموقف، وأنا يومئذ علي الدرجة الرفيعة وهي دون درجته وعلي ريطتان ريطة من أرجوان النور وريطة من كافور والأنبياء قد وقفوا علي المراقي، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور عن أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة لا يرانا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا، ومن يمين الوسيلة عن يمين الرسول غمامة بسطة البصر يأتي منها النداء: يا أهل الموقف طوبي لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي العربي ومن كفر فالنار موعده. وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول ظلة يأتي منها النداء يا أهل الموقف طوبي لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي. والذي له الملك الأعلي لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقي خالقه بالإخلاص لهما والاقتداء بنجومهما، فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض [ صفحه 28] وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم علي سرر متقابلين ويا أهل الانحراف والصدود عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاءا بما كنتم تعملون. إلي أن قال: أيها الناس إن عليا مني كهارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول إذ عرفوني، إني لست بأخيه لأبيه وأمه كما كان هارون أخا موسي لأبيه وأمه ولا كنت نبيا فأقتضي نبوة ولكن كان ذلك منه استخلافا كما استخلف موسي هارون حيث يقول (اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)، وقوله حين تكلمت طائفة فقالت نحن موالي رسول الله، فخرج رسول الله إلي حجة الوداع ثم صار إلي غدير خم فأمر وأصلح له شبه المنبر ثم علاه وأخذ بعضدي حتي رؤي بياض إبطيه رافعا صوته قائلا في مغفله (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فكانت علي ولايتي ولاية الله وعلي عداوتي عداوة الله، وأنزل الله عز وجل في ذلك اليوم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). أقول: في قوله عليه السلام (أنزل الله) وجهان: الأول أن المولي بمعني الأولي بالنفس والمال وسيد مطاع كما أثبت لنفسه تعالي (مولاهم الحق). الثاني إن مولوية أمير المؤمنين عليه السلام حق وثابت لا يجوز التخلف عنه كما يظهر من الأخبار كلا الوجهين و ذكر المجلسي (قده) طرفا منها في شرحه. [ صفحه 29] تفسير علي بن إبراهيم القمي بسنده عن أبي العباس المكبر قال دخل مولي لامرأة علي بن الحسين صلوات الله عليهما علي أبي جعفر عليه السلام يقال له أبو أيمن فقال: يا أبا جعفر تغرون الناس و تقولون شفاعة محمد شفاعة محمد. فغضب أبو جعفر حتي تربد وجهه ثم قال: ويحك يا أبا أيمن أغرك إن عف بطنك وفرجك، أما لو قد رأيت أفزاع يوم القيامة لقد احتجت إلي شفاعة محمد، ويلك فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار، ثم قال: ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلي شفاعة محمد - إلي آخر الحديث وقد نقلناه من كتابنا عقيدة الشيعة في الإمامة ص 245. قال الصدوق في اعتقاداته ص 94: والشفاعة لا تكون لأهل الشك والشرك ولا لأهل الكفر والجحود، بل تكون للمذنبين من أهل التوحيد.

احاديث في فضله

قال النبي صلي الله عليه وآله: أنا أفضل من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ومن جميع الملائكة المقربين، وأنا خير البرية وسيد ولد آدم (إعتقادات الصدوق: 105). عن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أتي يهودي إلي النبي صلي الله عليه وآله، فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال: يا يهودي ما حاجتك؟ فقال: أنت أفضل أم موسي بن عمران النبي [ صفحه 30] الذي كلمه الله تعالي وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق البحر وأظله الغمام؟ فقال النبي: يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكنني أقول: إن آدم لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال (اللهم إني أسئلك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي) فغفر الله له، وإن نوحا لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال (اللهم إني أسئلك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق) فنجاه الله عنه، وأن إبراهيم لما ألقي في النار قال (اللهم إني أسئلك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها) فجعله الله عليه بردا وسلاما، وإن موسي لما ألقي عصاه فأوجس في نفسه خيفة قال (اللهم إني أسئلك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني منها) فقال الله جل جلاله: لا تخف إنك أنت الأعلي. يا يهودي إن موسي لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة، يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسي بن مريم لنصرته فقدمه وصلي خلفه. الوافي 2 / 161 عن إسماعيل بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله إذا رأي في الليلة الظلماء رأي له نور كأنه شقة قمر. وفيه عن سالم بن أبي حفصة العجلي عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في رسول الله صلي الله عليه وآله ثلاثة لم تكن في أحد: غرة لم يكن فيه فئ، وكان لا يمر في طريق فيمر فيه بعد يومين أو ثلاثة الأعرف أنه قد مر لطيب عرفه [5] ، وكان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سجل له. وفيه عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله عليه السلام في خطبة له [ صفحه 31] خاصة يذكر فيها حال النبي صلي الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وصفاتهم فلم يمنع ربنا لحلمه وأناته وعطفه ما كان من عظيم جرمهم وقبيح أفعالهم أن انتجب لهم أحب أنبيائه إليه وأكرمهم عليه محمد بن عبد الله صلي الله عليه في حومة العز مولده وفي دومة الكرم محتده غير مشوب حسبه ولا ممزوج نسبه ولا مجهول عند أهل العلم صفته، بشرت به الأنبياء في كتبها ونطقت به العلماء نبعتها وتأملتها الحكماء بوصفها، لا يداني هاشمي ولا يوازي أبطحي لا يسامي، شيمته الحياء وطبيعته السخاء، مجبول علي أوتار النبوة وأخلاقها مطبوع علي أوصاف الرسالة وأحلامها، إلي أن انتهت به أسباب مقادير الله إلي أوقاتها وجري بأمر الله فيه قضاء الله إلي غاياتها، يبشر به كل أمة من بعدها ويدفعه كل أب إلي أب من ظهر إلي ظهر، لم يخلطه في عنصره سفاح ولم ينجسه في ولادته نكاح من لدن آدم إلي أبيه عبد الله في خير فرقة وأكرم سبط وامنع رهط واكلأ حمل وأورع حجر، اصطفاه الله، وارتضاه واجتباه وآتاه من العلم مفاتيحه ومن الحكم ينابيعه، ابتعثه رحمة للعباد وربيعا للبلاد، وأنزل الله إليه الكتاب فيه البيان والتبيان قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون، قد بينه للناس ونهجه بعلم قد فصله ودين قد أوضحه وفرائض قد أوجبها وحدود قد حدها للناس وبينها وأمور قد كشفها لخلقه وأعلنها فيها دلالة إلي النجاة ومعالم تدعو إلي هداه، فبلغ رسول الله (ص) ما أرسل به وصدق بما أمر وأدي ما حمل من أثقال النوبة وصبر لربه وجاهد في سبيله ونصح لأمته ودعاهم إلي النجاة وحثهم علي الذكر ودلهم علي سبيل الهدي بمناهج ودواع أسس للعباد أساسها [ صفحه 32] ومنازل رفع لهم أعلامها كي لا يضلوا من بعده وكان بهم رؤوفا رحيما. وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: لما عرج برسول الله صلي الله عليه وآله انتهي به جبرئيل إلي مكان فخلي عنه، فقال له: يا جبرئيل أتخليني علي هذه الحال؟ فقال: امضه فوالله لقد وطأت مكانا ما وطأه بشر وما مشي فيه بشر قبلك، وفي خبر آخر: لقد وقفت موقفا ما وقفه ملاك قط ولا نبي. وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالي أعطي محمدا صلي الله عليه وآله شرائع نوح وإبراهيم وموسي وعيسي عليهم السلام: التوحيد والإخلاص وخلع الأنداد الفطرة الحنيفية السمحة لا رهبانية ولا سياحة، أحل فيها الطيبات وحرم فيها الخبائث ووضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، ثم افترض عليه فيها الصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام والمواريث والحدود والفرائض والجهاد في سبيل الله وزيادة الوضوء، وفضله بفاتحة الكتاب وبخواتيم سورة البقرة والمفصل وأحل له المغنم والفئ، ونصره بالرعب وجعل له الأرض مسجدا وطهورا - الخبر. وعن علي بن المغيرة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن جبرئيل أتي رسول الله صلي الله عليه وآله فخيره وأشار عليه بالتواضع و كان له ناصحا، فكان رسول الله يا يأكل اكلة العبد ويجلس جلسة العبد تواضعا لله، ثم أتاه عند الموت بمفاتيح خزائن الدنيا يبعث بها إليك ربك ليكون ما أقلت الأرض من غير أن ينقصك شيئا. فقال رسول الله: في [ صفحه 33] الرفيق الأعلي. (بيان) (أتي رسول الله) يعني بمفاتيح خزائن الأرض كما في الحديث السابق. و (أشار عليه بالتواضع) أي أمره به من المسؤرة ولذا يعد بعلي. و (كان له ناصحا) يعني مطلقا أو في هذا الأمر، فإن الأمر بترك الدنيا مما يقتضيه النصيحة. (ما أقلت الأرض) حملته. و (الرفيق الأعلي قال في النهاية في حديث الدعاء والحقني بالرفيق الأعلي جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلي عليين، وهو اسم جاء علي فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط ومنه قوله تعالي (وحسن أولئك رفيقا).

بعض معاجزه و كراماته

لا يخفي أن المعجزة والكرامة يشتركان في أمر واحد وهو الخارق للعادة ويفترقان في إطلاق المعجزة علي فعل الأنبياء احتراما لهم عليهم السلام أو واصطلاحا في العرف وتطلق الكرامة علي فعل غيرهم. وعلي كل حال قد ذكر الطبرسي في إعلام الوري ص 29 - 47 أزيد من أربعين معجزة للنبي صلي الله عليه وآله، وقد ذكر المجلسي (قده) أكثر من هذا في المجلد السادس من كتابه بحار الأنوار الطبعة القديمة، وننقل هنا بعضها منه. عن الكافي في قصة إسلام سلمان الفارسي قال: فأقررت لواحد منهم (اليهود). وأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي، قال: فسألني عن قصتي فأخبرته وقلت: ليس لي ذنب إلا أني أحببت محمدا [ صفحه 34] ووصيه، فقال اليهودي: وإني لا بغضك وابغض محمدا، ثم أخرجني إلي خارج داره وإذا رمل كثير علي بابه فقال: والله يا روزبه لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك. قال: فجعلت أحمل طول ليلي فلما أجهدني التعب رفعت يدي إلي السماء فقلت: يا رب إنك حببت محمدا و وصيه إلي فبحق وسيلته عجل فرجي وأرحني مما أنا فيه، فبعث الله عز وجل ريحا قلعت ذلك الرمل من مكانه إلي المكان الذي قال اليهودي، فلما أصبح نظر إلي الرمل قد نقل كله فقال: يا روزبه أنت ساحر وإن لا أعلم فلأخرجنك من هذه القرية لئلا تهلكها. قال: فأخرجني وباعني من امرأة سليمية فأحبتني حبا شديدا وكان لها حائط فقالت: هذا الحائط لك كل منه ما شئت وحب وتصدق. قال: فبقيت في هذا الحائط ما شاء الله، فبينما أنا ذات يوم في الحائط إذا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة فقلت في نفسي، والله ما هؤلاء كلهم أنبياء وأن فيهم نبيا. قال: فأقبلوا حتي دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم، فلما دخلوا إذا فيهم رسول الله صلي الله صلي الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وأبو ذر والمقداد وعقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة، فجعلوا يتناولون من حشف النخل ورسول الله يقول لهم كلوا الحشف ولا تفسدوا علي القوم شيئا. فدخلت علي مولاتي فقلت لها: يا مولاتي هبي لي طبقا من رطب. فقالت: لك ستة أطباق، قال: فجئت فحملت طبقا من رطب فقلت في نفسي إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية فوضعته بين يديه فقلت هذه صدقة. فقال رسول الله (ص): كلوا، [ صفحه 35] وأمسك رسول الله وأمير المؤمنين وعقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وقال لزيد: مد يدك وكل، فأكلوا وقلت في نفسي هذه علامة، فدخلت علي مولاتي فقلت لها: هبي لي طبقا آخر، فقالت لك ستة إطباق، قال: جئت فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه فقلت: هذه هدية، فمد يده قال: بسم الله كلوا، فمد القوم جميعا أيديهم وأكلوا، فقلت في نفسي هذه أيضا علامة. قال: فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي التفاتة فقال: يا روزبه تطلب خاتم النبوة؟ فقلت: نعم، فكشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات، قال: فسقطت علي قدم رسول الله (ص) اقبلها، فقال لي: يا روزبه ادخل علي هذه المرأة وقل يقول لك محمد بن عبد الله تبيعينا هذا الغلام فدخلت فقلت لها: يا مولاتي إن محمد بن عبد الله يقول لك تبيعينا هذا الغلام. فقالت قل له: لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة مائتي نخلة منها صفراء ومائتي نخلة منها حمراء قال: فجئت إلي النبي (ص) فأجزته، فقال: ما أهون ما سألت. ثم قال قم يا علي فاجمع هذه النوي كله فأخذه فغرسه قال: اسقه، فسقاه أمير المؤمنين فما بلغ آخره حتي خرج النخل ولحق بعضه بعضا، فقال لي: ادخل إليها وقل لها يقول لك محمد بن عبد الله خذي شيئك وادفعي إلينا شيئا قال: فدخلت عليها وقلت ذلك لها، فخرجت ونظرت إلي النخل فقالت: والله لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء. قال: فهبط جبرئيل فمسح جناحه علي النخل فصار كله أصفر. قال: ثم قال لي قل لها إن محمدا يقول لك خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا. فقلت لها ذلك [ صفحه 36] فقالت: والله لنخلة من هذه أحب إلي من محمد ومنك. فقلت لها: والله ليوم واحد مع محمد أحب إلي منك ومن كل شئ أنت فيه، فأعتقني رسول الله (ص) وسماني سلمانا. وذكر الطبرسي في كتابه إعلام الوري ص 75 فما بعد شيئا من أحوال سلمان الفارسي وكيفية إسلامه، ولاختلافها مع بعض ما ذكر ننقل فيما يلي بعض ما قال تتميما للفائدة: قال له رسول الله صلي الله عليه وآله: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل فارس قد خرجت من بلادي منذ كذا - وحدثه بحديث وله طول فأسلم وبشره رسول الله فقال له: أبشر واصبر فإن الله سيجعل لك فرجا من هذا اليهودي. فلما أمسي رسول الله فارقه أبو بكر ودخل المدينة و نزل علي بعض الأنصار وبقي رسول الله بقبا نازلا علي بيت كلثوم بن الهدم فلما صلي رسول الله صلاة المغرب والعشاء الآخرة جاء أسعد بن زرارة متقنعا فسلم علي رسول الله وفرح بقدومه - إلي أن قال - وبقي رسول الله خمسة عشر يوما، فجاء أبو بكر فقال: يا رسول تدخل المدينة فإن القوم متشوفون [6] إلي نزولك عليهم. فقال: لا اريم [7] من هذا المكان حتي يوافي أخي علي، وكان رسول الله قد بعث إليه أن احمل العيال فأقدم فقال أبو بكر: ما أحسب عليا يوافي. قال: بلي ما أسرعه إنشاء الله، فبقي خمسة عشر يوما فواقي علي بعياله - إلي أن قال - وبقي رسول الله بعد [ صفحه 37] قدوم علي يوما أو يومين ثم ركب راحلته - إلي أن قال - وكان خروج رسول الله من قبا يوم الجمعة فوافي بني سالم عند زوال الشمس، فعرضت له بنو سالم فقالوا: هلم يا رسول الله إلي الجد والجلد والحلفة [8] والمنعة، فبركت ناقته عند مسجدهم وقد كانوا بنوا مسجدا قبل قدوم رسول الله ونزل في مسجدهم وصلي بهم الظهر وخطبهم - وكان أول مسجد خطب فيه رسول الله بالجمعة - وصلي إلي بيت المقدس، وكان الذين صلوا معه في ذلك الوقت مائة رجل، ثم ركب رسول الله ناقته فأرخي زمامها فانتهت به إلي عبد الله بن أبي، فوقف عليه وهو يقدر أنه يعرض عليه النزول عنده، فقال: عبد الله بن أبي بعد أن ثارت الغبرة وأخذ كمه ووضعه علي أنفه: يا هذا اذهب إلي الذين غروك وخدعوك وأتوا بك فأنزل عليهم ولا تغشنا في ديارنا، فسلط الله علي دور بني الحبلي الذر [9] فخرب دورهم فصاروا نزولا أعلي غيرهم - إلي أن قال - فأرخي زمام ناقته ومرت تخب به حتي انتهت إلي باب المسجد الذي هو اليوم ولم يكن مسجدا وإنما كان مربدا ليتيمين من الخزرج يقال لهما سهل وسهيل وكانا في حجر أسعد بن زرارة، فبركت الناقة علي باب أبي أيوب خالد بن يزيد، فنزل عنها رسول الله (ص)، فلما نزل اجتمع عليه الناس وسألوه أن ينزل عليهم فوثبت أم أبي أيوب إلي الرحل فحلته وأدخلته منزلها، فلما أكثروا عليه [ صفحه 38] قال رسول الله: أين الرحل؟ فقالوا: أم أيوب قد أدخلته بيتها، فقال المرء مع رحله، وأخذ أسعد بن زرارة بزمام الناقة فحولها إلي منزله وكان أبو أيوب له منزل أسفل وفوق المنزل غرفة، فكره أن يعلو رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي العلو أحب إليك أم السفل فإني أكره أن أعلو فوقك. فقال: السفل ارفق بنا لمن يأتينا قال أبو أيوب: فكنا في العلو أنا وأمي، فكنت إذا استقيت الدلو خاف أن يقع منه قطرة علي رسول الله وكنت اصعد وأمي إلي العلو خفيا من حيث لا يعلم ولا يحس بنا ولا نتكلم إلا خفيا، وكان إذا نام (ص) لا نتحرك وربما طبخنا في غرفتنا فنجيف الباب علي غرفتنا مخافة أن يصيب رسول الله دخان، وقد سقطت جرة لنا وأهريق الماء فقامت أم أبي أيوب إلي قطيفة ولم يكن لنا والله غيرها فألقتها علي ذلك الماء تستنشف به مخافة أن يسيل علي رسول الله من ذلك شئ. وكان يحضر رسول الله صلي الله عليه وآله المسلمون من الأوس والخزرج والمهاجرين، وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة يبعث إليه في كل يوم غداء وعشاء في قصعة ثريد عليها عراق [10] ، فكان يأكل من جاء حتي يشبعون ثم ترد القصعة كما هي، وكان سعد بن عبادة يبعث إليه في كل يوم عشاء ويتعشي معه من حضره وترد القصعة كما هي، وكانوا يتناوبون في بعثة الغداء والعشاء إليه أسعد بن زرارة وسعد بن خيثمة والمنذر بن عمرو وسعد بن ربيع وأسيد بن حضير. قال: فطبخ [ صفحه 39] له أسيد يوما قدرا فلم يجد من يحمله فحملها بنفسه وكان رجلا شريفا من النقباء، فوافي رسول الله وقد رجع من الصلاة، فقال: حملتها بنفسك قال: نعم يا رسول الله لم أجد أحدا يحملها. فقال: بارك الله عليكم من أهل بيت. وفي كتاب دلائل النبوة عن أنس بن مالك قال: قدم رسول الله صلي الله عليه وآله المدينة، فلما دخلها جاءت الأنصار برجالها و نسائها فقالوا: إلينا يا رسول الله. فقال: دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت علي باب أبي أيوب، فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدفوف ويقلن: نحن جوار من بني النجار++يا حبذا محمد من جار فخرج إليهم رسول الله (ص) فقال أتحبونني؟ فقالوا: أي والله يا رسول الله. قال: أنا والله أحبكم - ثلاث مرات. أقول: ظهرت معاجز كثيرة متنوعة علي يدي النبي صلي الله عليه وآله لا يسع المقام ذكرها كلها: منها غرسه النوي وصيرورته نخلا أحمر وأصفر أو كله أصفر كما قد ذكر في قصة سلمان الفارسي، ومنها البركة في الغذاء والتريد حيث كان يأكل الحاضرون وترد القصعة كما هي، ومنها تسلطه علي دور بين الحبلي، ومنها انشقاق القمر كما تحدث به القرآن الكريم أيضا، ومنها كلام الشجر معه كما هو معروف، ومنها حنين الأسطوانة التي كانت يتكئ عليها النبي حينما كان يخطب، حتي ذكر بعض الأعلام أن معجزاته (ص) تزيد علي ألف معجزة. [ صفحه 40] ومن أهم المعجزات الباقية مدي الدهر، كتاب الله تعالي المنزل إليه (القرآن الكريم)، فإنه المعجزة الخالدة التي كانت آية له (ص) في حياته الكريمة وبعد موته وإلي يوم الناس هذا وحتي تقوم الساعة، ولقد دعي القرآن العرب إلي معارضته والآيتان ولو بمثل آية واحدة منه وأراد معارضته إلا أن ظنونهم خابت وافتضحوا أشد الفضيحة وظهر عجزهم عما راموا.

مولده و وفاته

في الوافي: 2 / 161 عن الكافي: ولد النبي صلي الله عليه وآله لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال وروي أيضا عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة، وحملت به أمه في أيام التشريق عند الجمرة الوسطي وكانت في منزل عبد الله بن عبد المطلب، وولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوي عن يسارك وأنت داخل الدار، وقد أخرجت الخيزران ذلك البيت فصيرته مسجدا يصلي الناس فيه. وبقي بمكة بعد مبعثه ثلاث عشرة سنة ثم هاجر إلي المدينة فأقام بها عشر سنين ثم قبض لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول يوم الاثنين وهو ابن ثلاث وستين سنة. وتوفي أبوه عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة عند أخواله و هو (ص) ابن شهرين، وماتت أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف [ صفحه 41] ابن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب وهو (ص) ابن أربع سنين، ومات عبد المطلب والنبي نحو ثمان سنين، وتزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد له منها قبل مبعثه القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم وولد له بعد المبعث الطيب والطاهر وفاطمة وروي أنه لم يولد له بعد المبعث إلا فاطمة عليها السلام وأن الطيب والطاهر ولد قبل المبعث. وماتت خديجة حين خرج رسول الله (ص) من الشعب وكان ذلك قبل الهجرة بسنة، ومات أبو طالب بعد خديجة بسنة، فلما فقد هما رسول الله سأم المقام بمكة ودخله حزن شديد وشكي ذلك إلي جبرئيل فأوحي الله إليه أن اخرج من هذه القرية الظالم أهلها فليس لك بمكة ناصر بعد أبي طالب وأمره بالهجرة - انتهي. والمشهور أن ولادته صلي الله عليه وآله كانت في السابع عشر من شهر ربيع الأول. قال في التهذيب كنيته صلي الله عليه وآله أبو القاسم ولد بمكة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل، وصدع بالرسالة في يوم السابع والعشرين من رجب وله أربعون سنة، وقبض بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة وأمه آمنة بنت وهب - إلي آخر ما ذكر أولا. وقبره بالمدينة في الحجرة التي توفي فيها وكان قد أسكنها عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة. [ صفحه 42] فلما قبض النبي صلي الله عليه وآله اختلف أهل بيته ومن حضر من أصحابه في الموضع الذي ينبغي أن يدفن فيه، فقال بعضهم يدفن بالبقيع، وقال آخرون يدفن في صحن المسجد، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله لا يقبض نبيه إلا في أطهر البقاع فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها، فاتفقت الجماعة علي قوله ودفن في حجرته علي ما ذكرناه - انتهي كلامه. وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سم رسول الله (ص) يوم خيبر فتكلم اللحم فقال: يا رسول الله إني مسموم. فقال النبي عند موته: اليوم قطعت مطايي الأكلة التي أكلتها يوم خيبر، وما من نبي ولا وصي إلا شهيد. المطا: الظهر. [ صفحه 43]

في ذكر الزهراء

اشاره

أم الأئمة النجباء فاطمة الزهراء شفيعة يوم الجزاء بنت سيد الأنبياء محمد بن عبد الله صلي الله عليه وعليها وعلي أولادها الطاهرين ونذكر ما يتعلق بأحوالها وفضائلها في طي أمور:

في مولدها

في إعلام الوري ص 154: الأظهر في روايات أصحابنا أنها ولدت سنة خمس من المبعث بمكة في عشرين من جمادي الآخرة، وأن النبي صلي الله عليه وآله قبض ولها ثماني عشرة سنة. إلي أن قال: وذكر الأستاذ أبو سعيد الحافظ في كتاب شرف النبي أن جميع أولاد رسول الله ولدوا قبل الإسلام إلا فاطمة وإبراهيم فإنهما ولدا في الإسلام. وفي مجمع البحرين مادة (فطم) ص 484: وفاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله، روي أنها سميت فاطمة لأنها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداؤها عن حبها. ولدت بعد المبعث بخمس سنين و توفيت ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما، وعاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوما لا تري كاشرة ولا ضاحكة. [ صفحه 44] وعن الرضا عليه السلام: دفنت فاطمة في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد. والفاطمي الذي ينتسب إلي فاطمة عليها السلام بالولادة، والعلوي الذي ينتسب إلي علي عليه السلام، وكذلك الحسني والحسيني ونحو ذلك. وفاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين عليه السلام، قيل سميت بذلك لأن الله قد فطمها بالعلم ومن الطمث، كانت أول امرأة هاجرت مع رسول الله صلي الله عليه وآله من مكة إلي المدينة علي قدميها، وكانت من أبر الناس بالنبي (ص). روي أنها لما ماتت ألبسها رسول الله صلي الله عليه وآله قميصه واضطجع في قبرها، فقالوا: يا رسول الله ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه؟ فقال: إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها وإنما ألبستها قميصي لتكتسي من حلل الجنة واضطجعت معها ليهون عليها.

في أسماء الزهراء

في إعلام الوري ص 155: روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة، والصديقة والمباركة، والطاهرة، والزكية) والراضية، والمرضية، والمحدثة، والزهراء. [ صفحه 45] وفي مسند الرضا أن النبي صلي الله عليه وآله قال: إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله سبحانه فطمها وفطم من أحبها من النار. وسماها النبي (ص) البتول أيضا، وقال لعائشة، يا حميراء إن فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما تعتلون. ومعناه ما جاء في الحديث الآخر: إن فاطمة عليها السلام لم تر دما في حيض. وقد روت العامة أيضا عن أنس بن مالك عن أم سليم زوجة أبي طلحة الأنصاري أنها قالت: لم تر فاطمة دما قط في حيض ولا نفاس وكانت من ماء الجنة، وذلك أن رسول الله (ص) لما أسري به دخل الجنة وأكل من فاكهة الجنة وشرب من ماء الجنة - رواه أيضا عن النبي صلي الله عليه وآله. وفي الوافي 2 / 172 (الكافي) محمد العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال إن فاطمة صديقة شهيدة وإن بنات الأنبياء لا يطمثن (أي لا يحضن). (يه) قال النبي صلي الله عليه وآله: إن فاطمة ليثت كأحد منكن إنها لا تري دما في حيض ولا نفاس كالحورية. (كا) عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما ولد فاطمة عليها السلام أوحي الله إلي ملك فأنطق به لسان محمد (ص) فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث. ثم قال أبو جعفر عليه السلام والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث في الميثاق. أقول: العمدة في هذا الباب - كما ذكر الطبرسي في إعلام الوري - [ صفحه 46] قوله تعالي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (سورة الأحزاب: 33). قال: وجه الدلالة إن الأمة اتفقت علي أن المراد بأهل البيت في الآية هم أهل بيت رسول الله (ص)، و وردت الرواية من طريق الخاص والعام أنها مختصة بعلي وفاطمة و الحسن والحسين عليهم السلام، وأن النبي (ص) جللهم بعباء خيبرية ثم قال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا - إلي آخر كلامه. ويظهر من مجمع البحرين (رجس) ص 306 أن هذا اللفظ يستعمل في معان منها اللعنة والعذاب والنتن وهو عبارة عن الكفر والشطرنج وقول الزور والفناء والقذر والعقاب والغضب. أقول: بيانهم بيان المصداق لا التخصيص بحيث يراد أحد المعاني لا غير ذلك. ويمكن إرادة نفي الجميع من الآية الكريمة بقرينة الأخبار السابقة وكيفية علوقها وعلوقهم ونبينها إنشاء الله بعد. وبهذا يظهر وجه اختصاص الآية بهم عليهم السلام بقوله (إنما يريد الله..) مع فعله صلي الله عليه وآله بما يختص بهم ولا يشمل غيرهم، كما يظهر ذلك من قول أم سلمة: وأنا يا رسول الله من أهل بيتك. فقال لها: إنك علي خير. وفي زيارة الجامعة الكبيرة (وإن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض، خلقكم الله أنوار فجعلكم بعرشه محدقين حتي من علينا بكم فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر [ صفحه 47] فيها اسمه) - الخ. وفي المروي عن صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف مسندا - كما في المفاتيح ص 51 - إلي أبي الحسن الضراب الاصفهاني: اللهم صل علي محمد وأهل بيته الأئمة الهادين العلماء الصادقين الأبرار المتقين دعائم دينك وأركان توحيدك وتراجمة وحيك وحججك علي خلقك وخلفائك في أرضك الذين اخترتهم لنفسك واصطفيتهم علي عبادك وارتضيتهم لدينك وخصصهم بمعرفتك وجللتهم بكرامتك وغشيتهم برحمتك وربيتهم بنعمتك وغذيتهم بحكمتك وألبستهم نورك ورفعتهم في ملكوتك وحففتهم بملائكتك وشرفتهم نبيك صلواتك عليه وآله - الخ. وراجع الوافي 2 / 155 باب بدء خلقهم، وص 156 باب علوقهم و ولادتهم وقيامهم بالأمر، وص 155 باب طينة أرواحهم وأجسادهم. أقول: المحصل من جميع ذلك أن خلقهم وطينتهم وعلوقهم ولقاحهم ومشربهم ومأكلهم قبل اللقاح وحين الحمل وبعد الوضع غير الحالة التي نتقلب نحن فيها ونشرب ونأكل من المشرب والمأكل وغير ذلك من الحالات و الكيفيات الثابتة والعارضة لنا، ونشوء خلقتنا وتغذيتنا في زمان الحمل من دم الحيض وغيره غير تغذيتهم عليهم السلام زمان الحمل ورشدهم غير رشدنا، فراجع الأخبار الواردة في كل ما ذكر من الأبواب المبينة لذلك حتي يظهر لك الحق جليا. في البحار القديم 14 / 377 الجديد 60 / 354 عن الفقيه عن محمد بن علي الكوفي عن إسماعيل بن مهران عن مرازم عن جابر بن يزيد عن جابر بن [ صفحه 48] عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله عليه وآله: إذا وقع الولد في جوف أمه صار وجهه قبل ظهر أمه إن كان ذكرا وإن كان أنثي صار وجهها قبل بطن أمها، يداه علي وجنتيه وذقنه علي ركبتيه كهيئة الخزين المهموم، فهو كالمصرور منوط بمعاء من سرته إلي سرة أمه، فتلك السرة يغتذي من طعام أمه وشرابها إلي الوقت المقدر لولادته، فيبعث الله تعالي ملكا فيكتب علي جبهته شقي أو سعيد مؤمن أو كافر غني أو فقير، فيكتب أجله ورزقه وسقمه وصحته، فإذا انقطع الرزق المقدر له من أمه زجره الملك زجرة فانقلب فزعا من الزجرة وصار رأسه قبل المخرج، فإذا وقع إلي الأرض وقع علي هول عظيم وعذاب أليم، إن أصابته ريح أو مشقة أو مسته يد وجد لذلك من الألم ما يجده المسلوخ عنه جلده، يجوع فلا يقدر علي استطعام ويعطش فلا يقدر علي استسقاء ويتوجع فلا يقدر علي الاستغاثة فيوكل الله به الرحمة والشفقة عليه والمحبة له أمه، فتقيه الحر والبرد بنفسها وتكاد تغذيه بروحها وتصير من التعطف عليه بحال لا تبالي أن تجوع إذا شبع وتعطش إذا روي وتعري إذا كسي، وجعل الله تعالي ذكره رزقه في ثدي أمه في إحداهما طعامه وفي الأخري شرابه، حتي إذا وضع آتاه الله في كل يوم بما قدر له فيه من الرزق، وإذا أدرك فهمه الأهل والمال والشره والحرص، ثم هو مع ذلك بعرض الآفات والعاهات والبليات من كل وجه والملائكة تهديه وترشده والشياطين تظله وتغويه فهو هالك إلا أن ينجيه الله تعالي، وقد ذكر الله تعالي نسبة الإنسان في محكم كتابه فقال عز وجل (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين - ثم جعلناه نطفة في [ صفحه 49] قرار مكين - ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين -ثم إنكم بعد ذلك لميتون - ثم إنكم يوم القيامة تبعثون). [11] . قال جابر بن عبد الله الأنصاري: فقلت: يا رسول الله هذه حالنا فكيف حالك وحال الأوصياء بعدك في الولادة؟ فسكت رسول الله صلي الله عليه وآله مليا ثم قال: يا جابر لقد سألت عن أمر جسيم لا يحتمله إلا ذو حظ عظيم، إن الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جل ثناؤه، يودع الله أنوارهم أصلابا طيبة وأرحاما طاهرة يحفظها بملائكته ويربيها بحكمته ويغذوها بعلمه، فأمرهم يجل عن أن يوصف وأحوالهم تدق عن أن تعلم، لأنهم نجوم الله في أرضه وأعلامه في بريته وخلفاؤه علي عباده وأنواره في بلاده وحججه علي خلقه. يا جابر هذا من مكنون العلم ومخزونه فاكتمه إلا من أهله. (بيان) في القاموس الوجنة مثلثة ككلمة ومحركة ما ارتفع من الخدين، والمصرور الأسير لأنه مجموع اليدين من صررت جمعت وقال صر الناقة شد ضرعها، وقال ناطه نوطا علقه والشره بالتحريك غلبة الحرص. ويمكن أيضا استفادة ما ذكر لجابر من مضامين خبر العزيز بن مسلم الذي نقلناه في كتابنا عقيدة الشيعة في الإمامة ص 10 وغيره: منها: الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم بالأفق حيث [ صفحه 50] لا تناله الأبصار ولا الأيدي. ومنها: الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الطالع والنجم الهادي في غيابات الدجي. ومنها: الإمام مطهر من الذنوب مبرء من العيوب مخصوص بالعلم موسوم بالحلم. ومنها: الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد له بدل ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب. ومنها: هيهات هيهات، ظلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وحصرت الخطباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء وفحمت العلماء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله، فأقرت بالعجز والتقصير، فكيف يوصف بكليته أو ينعت بكيفيته أو يوجد من يقوم مقامه أو يغني غناه، وأني وهو بحيث النجم عن أيدي المتناولين ووصف الواصفين. ومنها: أن الأنبياء والأوصياء يوفقهم الله ويسددهم ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يؤتيه غيرهم - الخبر. وقوله تعالي (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي) لا يقتضي المثلية من كل جهة، بل مقام الوحي والاسراء والمعراج وقاب قوسين وغير ذلك يناسب ما ذكر من الأخبار في شؤنهم عليهم السلام فتأمل فيها. في البحار 47 / 35 عن عبد الأعلي وعبيدة بن بشر قالا: قال أبو [ صفحه 51] عبد الله عليه السلام ابتداء منه: والله إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وما في الجنة وما في النار وما كان وما يكون إلي أن تقوم الساعة. ثم سكت ثم قال: أعلمه عن كتاب الله، أنظر إليه هكذا - ثم بسط كفه وقال: إن الله يقول (فيه تبيان كل شئ). أقول: ذكر في إعلام الوري ص 156 - 158 أخبارا كثيرة في عصمة الزهراء عليها السلام واختصاصها وشرفها، ومنها ما روي بإسناده - أي أبا إسحاق - عن شرحبيل بن أبي سعيد قال: لما كان صبيحة عرس فاطمة عليها السلام جاء النبي صلي الله عليه وآله بعس [12] فيه لبن فقال لفاطمة: اشربي فداك أبوك، وقال لعلي: اشرب فداك ابن عمك. وفي إعتقادات الصدوق ص 113: وقوله لعلي وفاطمة والحسن والحسين (أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم)، وأما فاطمة عليها السلام فاعتقادنا فيها أنها سيدة نساء الأولين والآخرين، وأن الله عز وجل يغضب لغضبها ويرضي لرضاها - الخ. وقبل هذا قال: واعتقادنا أنهم - أي الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة - معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم وأواخرها لا يوصفون في شئ من أحوالهم بنقص ولا عصيان و لا جهل. أقول: رويت أحاديث كثيرة دالة علي طهارة الأنبياء والأئمة عليهم السلام في مولدهم ونشأتهم، انظر جملة منها في أول الجزء الثامن [ صفحه 52] والأربعين من كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي قدس سره، وفي خصوص فضائل الزهراء عليها السلام وردت أحاديث كثيرة جدا لا يسمع المقام ذكرها تفصيلا.

بشارات لشيعتها

في الوافي 1 / 155 عن الكافي: العدة عن أحمد بن أبي يحيي الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله خلقنا من عليين وخلق أرواحنا من فوق ذلك، وخلق أرواح شيعتنا من عليين وخلق أجسادهم من دون ذلك، فمن أجل ذلك القرابة بيننا وبينهم وقلوبهم تحن إلينا. (بيان) كأن المراد بالعليين عالم الملكوت وبما فوقه عالم الجبروت وبما دونه عالم الشهادة، فمن أجل ذلك يعني من أجل أن أصل أجسادهم وأرواحهم واحد، وإنما نسب أجسادهم إلي عليين بعدم علاقتهم عليهم السلام إلي هدم الأبدان الحسية، فكأنهم وهم بعد في هذه الجلابيب قد نقضوها وتجردوا عنها. (كا) ص 156 أحمد... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله خلقنا من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقا و بشرا نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا، وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة [ صفحه 53] ولم يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا إلا الأنبياء، ولذلك صرنا نحن وهم الناس وصار سائر الناس همجا للنار وإلي النار - (بيان) أراد بالناس أولا الناس بحقيقة الإنسانية وثانيا ما يطلق عليه الإنسان في العرف العام. والهمج محركة ذباب صغير كالبعوض يسقط علي وجوه الغنم والحمير، شبههم به لازدحامهم دفعة علي كل ناعق وبراحهم عنه بأدني سبب. توضيح المراد في هذا المقام ببيان أمور: (الأول) إنه لا شك في قدرته تعالي علي خلق ما شاء ومن يشاء من العقيم والطامث وغير الطامث والسقيم والصحيح وغير ذلك، فإن الله علي كل شئ قدير، وقد ورد في ذلك آيات كثيرة وروايات جمة صحيحة. (الثاني) إن ظاهر القرآن الكريم والسنة الطاهرة حجة لنا في هذا الزمان الكدر بمقتضي الخبر الوارد المشهور بين الفريقين (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وغيره. (الثالث) إن المثبت لشئ لا بدله من دليل كما أن النافي له لا بد من دليل، وفي صورة عدم الفهم والتمامية من الخبر أو الآية فلا بد من السكوت، وهو طريق النجاة في محله. (الرابع) إن عادة النساء نقص عليهن كما يظهر من شرعنا من ترك الصلاة وغيرها من الأحكام المعلومة أن هذه الصفة نقص عليها، وفي غير شرعنا علي المنقول يجعلوها في طعامها وشرابها كالحيوانات كما ذكر ذلك [ صفحه 54] في الملل والنحل وغيره. وفي البحار 22 / 448 من الطبعة الجديدة: ومنها - أي من الأحكام في الأمم الماضية - أنهم كانوا يعتزلون النساء في حال الحيض فلم يكونوا يؤاكلونهن ولا يجالسونهن، وما أصاب الحائض من الثياب والفرش والأواني وغير ذلك نجس حتي لا يجوز الانتفاع به، وأباح لها - أي الأمة - جميع ذلك إلا المجامعة. فهذه الأمور التي ذكرنا بديهية لا يشك فيها إلا من كان في قلبه مرض أو غشاوة، ونتيجة ما ذكر أن فاطمة سلام الله عليها لم تر طمثا ولا نفاسا ولا دنسا ولا خطيئة بل كانت معصومة من كل ذنب ودنس كالحوراء وإنسية الحوراء، فقدرة الله ثابتة. وظاهر الآية والروايات الصريحة يشهد علي ما ذكر، وقد ذكرنا بعضها فراجع الكتب المفصلة لو كنت في ريب من ذلك. وقد ذكرنا الدليل المثبت لطهارتها وعدم الطمث والنفاس بالنسبة إليها، فلا يجوز إسناد الجهل والطمث والنفاس وكل رجس أو دنس إليها لأن كلها نقص عليها ولا يجتمع مع عصمتها، بل قد ورد الحديث في عدم طمث فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام ومريم بنت عمران أم عيسي عليها السلام. ومما يدل علي عصمة الزهراء عليها السلام قول النبي صلي الله عليه وآله فيها (فاطمة بضعة مني يؤذيني من آذاها) وقوله (من آذي فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله عز وجل) وقوله (إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها). ولو كانت عليها السلام ممن تقارف الذنوب لم يكن من يؤذيها مؤذيا [ صفحه 55] له صلي الله عليه وآله علي كل حال، بل يكون متي فعل المستحق من ذمها وأذاها وإقامة الحد إن كان الفعل يقتضيه سارا له (ص) - راجع إعلام الوري ص 156. وقد رووا أيضا عن أنس أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله (فاطمة خير نساء العالمين) وفي رواية أخري (خير نساء العالمين مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد). انظر إعلام الوري وغيره. فلا بد لمن يثبت أنها عليه السلام مثل سائر النساء تري الطمث والنفاس من دليل صريح مثل ما نقلناه ويبين حتي ننظر فيه وبعد ذلك يعامل معاملة التعارض أو الترجيح مثل سائر الأخبار المتعارضة ولا يمكن التمسك بالطبيعة الغريزية لكلية النساء، ولو كان عاما يخصص بتلك الأخبار الصريحة ولو كان مطلقا يقيد بها، وما سمعنا في الملة الآخرة دليلا صالحا لما ذكر إلا ما يقال إنه خلقت النسوان علي هذه الطبيعة فمن لم يطمث منهن كانت ناقصة. أقول: فمع ورود ظاهر الآية وصريح الأخبار السابقة كيف يجترأ علي هذه المقالة في حق سيدة نساء العالمين، وكيف يجيب القائل بعصمتها عن هذه المقالة، فلو لم يكن قائلا بعصمتها فمعه بحث آخر يذكر في غير هذا الموضع، وكيف يلتئم بين مقامهم وكلامهم عليهم السلام بأنهم خلقوا من نور عظمة الله عز وجل وأنهم أخذوا من مقام الوحي و عالم الغيب والملكوت. [ صفحه 56] وقد ورد في كتب الشيعة والسنة كثير من الأحاديث والعبارات الدالة علي طاهرة مولدهم عليهم السلام ومنشئهم، ففي كتب الشيعة نقرأ في زيارة أئمة البقيع عليهما السلام (طبتم وطاب منبتكم) وفي زيارة الرسول صلي الله عليه وآله (كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة) ووردت في زيارة فاطمة عليها السلام لفظة (المعصومة) وغيرها الدالة علي الطهارة والنزاهة. وفي صحيح محمد بن إسماعيل البخاري 3 / 35: عن عائشة أن فاطمة (ع) بنت النبي (ص) أرسلت إلي أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (ص) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله قال: لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله (ص) - فأبي أبو بكر أن يدفع إلي فاطمة شيئا فوجدت فاطمة علي أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتي توفيت، و عاشت بعد رسول الله ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلي عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلي أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي، والله لآتينهم فدخل [ صفحه 57] عليهم أبو بكر فتشهد علي فقال: انا عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس [13] عليك خيرا ساقه الله إليك ولكنك استبددت علينا بالأمر وكنا نري لقرابتنا من رسول الله (ص) نصيبا. حتي فاضت عينا أبي بكر فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آل [14] فيها عن الخير ولم أترك أمرا رأيت رسول الله يصنعه فيها إلا صنعته. فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة. فلما صلي أبو بكر الظهر رقي علي المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه. ثم استغفر وتشهد علي فعظم حق أبي بكر وحدث أنه لم يحمله علي الذي صنع نفاسة [15] علي أبي بكر ولا إنكارا للذي فضله الله به، ولكنا كنا نري لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبد علينا فوجدنا في أنفسنا. فسر بذلك المسلمون فقال أصبت، وكان المسلمون إلي علي قريبا حين راجع الأمر بالمعروف. قال المجلسي (ره) في كتابه الفارسي تذكرة الأئمة ص 44 ما ترجمته إعلم أنه وردت أحاديث كثيرة متواترة من طرق العامة والخاصة تدل علي جلالة الزهراء عليها السلام وفضيلتها وعصمتها وطهارتها وأنها سيدة نساء العالمين وأشرفهن وهي من أهل الجنة وشرفها أزيد من [ صفحه 58] شرف نساء النبي (ص) وبقية الأنبياء ونساء الأئمة المعصومين وبناتهم وهي أشرف من أم البشر حواء وإقليما وعناق بنتا آدم وهاجر وسارة زوجات إبراهيم وراحيل وليا زوجات يعقوب وصفورا بنت شعيب ويوخابيد أم موسي وأم كلثوم أخت موسي وزليخا زوجة يوسف ودينا أخت يوسف وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون وحسنة بنت فاقور بن فبيلة زوجة عمران بن سامان واشباع زوجة زكريا أخت حسنة وبنات لوط وستارة بنت ابن يعقوب وبلقيس بنت شرحبيل بن لهداد زوجة سليمان ومريم أم عيسي وناهيد أم ذي القرنين - انتهي. [ صفحه 59]

في تعبد النبي قبل البعثة

جري بحث طويل الذيل في أن النبي (ص) هل كان متعبدا بشريعة قبل بعثته أم لا؟ ونحن نأتي هنا علي طرف من هذا البحث النافع مرجئين التفصيل والاستيعاب إلي مظانه: في البحار 18 / 271 قال العلامة في شرحه علي مختصر ابن الحاجب اختلف الناس في أن النبي (ص) هل كان متعبدا بشرع أحد من الأنبياء قبله قبل النبوة أم لا - ويذكر دليل الطرفين مع ذكر أساميهم وتزييف أدلتهم - فراجع. وقال المرتضي في كتاب الذريعة ص 272: هل كان رسول الله متعبدا بشرائع من تقدمه من الأنبياء؟ في هذا الباب مسألتان: إحداهما قبل النبوة والأخري بعدها، وفي المسألة الأولي ثلاثة مذاهب: أحدها أنه ما كان متعبدا قطعا، والآخر أنه كان متعبدا قطعا، والثالث التوقف وهذا هو الصحيح - ويذكر دليله فراجع. وقال المحقق أبو القاسم الحلي (ره) في أصوله ص 275: شريعة من قبلنا هل هي حجة في شرعنا؟ قال قوم نعم ما لم يثبت نسخ ذلك الحكم بعينه، وأنكر الباقون ذلك، وهو الحق، لنا وجوه - ويذكر أربعة [ صفحه 60] أدلة لذلك إلي أن يقول: واحتج الآخرون بقوله تعالي (فبهداهم اقتده) - ويذكر تزييفه وتضعيفه فراجع. أقول: أحسن من تناول الموضوع هو العلامة المجلسي قدس سره في كتابه الجليل (بحار الأنوار) 18 / 277 من الطبعة الجديدة، ونحن ننقل هنا بحثه لاستيعابه، فنقول: قال بعد نقل أدلة القوم: أقول إنما أوردنا دلائل القول في نفي تعبده (ص) بعد البعثة بشريعة من قبله لاشتراكها مع ما نحن فيه في أكثر الدلائل، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي ظهر لي من الأخبار المعتبرة والآثار المستفيضة هو أنه (ص) كان قبل بعثته مذ أكمل الله عقله في بدو سنه نبيا مؤيدا بروح القدس يكلمه الملك ويسمع الصوت ويري في المنام، ثم بعد أربعين سنة صار رسولا وكلمه الملك معاينة ونزل عليه القرآن وأمر بالتبليغ، وكان يعبد الله قبل ذلك بصنوف العبادات إما موافقا لما أمر به الناس بعد التبليغ وهو أظهر [16] أو علي وجه آخر إما مطابقا لشريعة إبراهيم أو غيره ممن تقدمه من الأنبياء عليهم السلام لا علي وجه كونه تابعا لهم وعاملا بشريعتهم بل بأن ما أوحي إليه كان مطابقا لبعض شرائعهم أو علي وجه آخر نسخ بما نزل إليه بعد الإرسال. [ صفحه 61] ولا أظن أن يخفي صحة ما ذكرت علي ذي فطرة مستقيمة وفطنة غير سقيمة بعد الإحاطة بما أسلفنا من الأخبار في هذا الباب وأبواب أحوال الأنبياء عليهم السلام وما سنذكره في كتاب الإمامة. ولنذكر بعض الوجوه لزيادة الاطمئنان علي وجه الاجمال: (الأول) إن ما ذكرنا من كلام أمير المؤمنين عليه السلام من خطبته القاصعة المشهورة بين العامة والخاصة يدل علي أنه صلي الله عليه وآله من لدن كان فطيما كان مؤيدا بأعظم ملك يعلمه مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، وليس هذا إلا معني النبوة كما عرفت في الأخبار الواردة في معني النبوة، وهذا الخبر مؤيد بأخبار كثيرة سبقت في الأبواب السابقة في باب منشأه (ص) وباب تزويج خديجة وغيرها من الأبواب. (الثاني) الأخبار المستفيضة الدالة علي أنهم عليهم السلام مؤيدون بروح القدس من بدء حالهم بنحو ما مر من التقرير. (الثالث) صحيحة الأحول وغيرها حيث قال نحو ما كان رأي رسول الله (ص) من أسباب النبوة قبل الوحي حتي أتاه جبرئيل من عند الله بالرسالة [17] ، فدلت علي أنه (ص) كان نبيا قبل الرسالة، و يؤيده الخبر المشهور عنه (ص) كنت نبيا وآدم بين الماء والطين أو بين الروح والجسد. ويؤيده أيضا الأخبار الكثيرة الدالة علي أن الله تعالي اتخذ إبراهيم عليه السلام عبدا قبل أن يتخذه نبيا وأن الله [ صفحه 62] اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وأن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وأن الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما. (الرابع) ما رواه الكليني في الصحيح عن يزيد الكناسي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام: أكان عيسي بن مريم حين تكلم في المهد حجة لله علي أهل زمانه؟ فقال: كان يومئذ نبيا حجة لله غير مرسل، أما تسمع لقوله حين قال (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا [18] ) قلت: فكان يومئذ حجة لله علي زكريا في تلك الحال وهو في المهد؟ فقال: كان عيسي في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلم فعبر عنه [19] ، وكان حجة نبيا علي من سمع كلامه في تلك الحال، ثم صمت ولم يتكلم حتي مضت له سنتان وكان زكريا الحجة لله علي الناس بعد صمت عيسي عليه السلام بسنتين، ثم مات زكريا فورثه ابنه يحيي الكتاب والحكمة وهو صبي صغير، أما تسمع لقوله عز وجل (يا يحيي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا) [20] فبلغ بلغ عيسي سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة حين أوحي الله تعالي إليه، فكان عيسي الحجةعلي يحيي وعلي الناس أجمعين - الخبر [21] . [ صفحه 63] وقد ورد في أخبار كثيرة أن الله لم يعط نبيا فضيلة ولا كرامة ولا معجزة إلا وقد أعطاه النبي صلي الله عليه وآله، فكيف جاز أن يكون عيسي عليه السلام في المهد نبيا ولم يكن نبيا إلي أربعين سنة نبيا، ويؤيده ما مر في الأخبار ولادته وما ظهر منه في تلك الحال من إظهار النبوة وما مر وسيأتي من أحوالهم وكمالهم في عالم الأظلة وعند الميثاق وأنهم يعبدون الله تعالي ويسبحونه في حجب النور قبل خلق آدم عليه السلام، وأن الملائكة منهم تعلموا التسبيح والتقديس والتهليل إلي غير ذلك من الأخبار الواردة في بدء أنوارهم. ويؤيده ما ورد في أخبار ولادة أمير المؤمنين عليه السلام أنه قرأ الكتب السماوية علي النبي (ص) بعد ولادته وما سيأتي من أن القائم عليه السلام في حجر أبيه أجاب عن المسائل الغامضة وأخبر عن الأمور الغائبة وكذا سائر الأئمة عليهم السلام كما سيأتي في أخبار ولادتهم ومعجزاتهم، فكيف يجوز عاقل أن يكون النبي صلي الله عليه وآله في ذلك أدون منهم جميعا. (الخامس) أنه صلي الله عليه وآله بعد ما بلغ حد التكليف لا بد من أن يكون إما نبيا عاملا بشريعته أو تابعا لغيره، لما سيأتي من الأخبار المتواترة أن الله لا يخلي الزمان من حجة ولا يرفع التكليف عن أحد، وقد كان في زمانه أوصياء عيسي وأوصياء إبراهيم عليهما السلام، فلو لم يكن أو حي إليه بشريعة ولم يعلم أنه نبي كيف جاز له أن لا يتابع أوصياء عيسي ولم يعمل بشريعتهم إن كان عيسي مبعوثا إلي الكافة وإن لم يكن [ صفحه 64] مبعوثا إلي الكافة وكانت شريعة إبراهيم باقيا في بني إسماعيل كما هو الظاهر فكان عليه أن يتبع أوصياء إبراهيم ويكونوا حجة عليه عليه السلام، وهو باطل بوجهين: أحدهما أنه يلزم أن يكونوا أفضل منه كما مر تقريره. و ثانيهما ما مر من كونه محجوجا بأبي طالب وبأبي [22] بل كانا مستودعين. [ صفحه 65] (السادس) إنه لا شك في أنه صلي الله عليه وآله يعبد الله قبل بعثته بما لا يعلم إلا بالشارع كالطواف والحج وغيرهما، كما سيأتي أنه (ص) حج عشرين حجة مستسرا [23] ، وقد ورد في أخبار كثيرة أنه (ص) كان يطوف وأنه كان يراعي الآداب المنقولة من التسبيح والتحميد عند الأكل وغيره، وكيف يجوز ذو مسكة من العقل علي الله تعالي أن يهمل أفضل أنبيائه أربعين سنة بغير عبادة والمكابرة في ذلك سفسطة فلا يخلو إما أن يكون عاملا بشريعة مختصة به أوحي الله إليه وهو المطلوب أو عاملا بشريعة غيره وهو لا يخلو من وجوه: الأول: أن يكون علم وجوب عمله بشريعة غيره وكيفية الشريعة من الوحي وهو المطلوب أيضا، لأنه عليه السلام يكون حينئذ عاملا بشريعة نفسه موافقا لشريعة من تقدمه كما مر تقريره في كلام السيد رحمه الله. الثاني: أن يكون علمهما جميعا من شريعة غيره، وهو باطل كما عرفت بوجهين: (أحدهما) أنه يلزم كون من يعمل بشريعته أفضل منه، و (ثانيهما) معلوم أنه عليه السلام لم يراجع في شئ من الأمور إلي غيره ولم يخالط أهل الكتاب، وكان هذا من معجزاته صلي الله عليه وآله أنه أتي بالقصص مع أنه لم يخالط العلماء ولم يتعلم منهم كما مر في وجوه إعجاز القرآن، وقد قال الله تعالي (هو الذين بعث في الأميين رسولا [ صفحه 66] منهم) [سورة الجمعة: 2] والمكابرة في هذا أيضا مما لا يأتي به عاقل. الثالث: إنه علم وجوب العمل بشريعة من قبله بالوحي وأخذ الشريعة من أربابها. وهذا مع تضمنه للمطلوب كما عرفت - إذ لا يلزم منه إلا أن يكون نبيا أوحي إليه أن يعمل بشريعة موافقة لشريعة من تقدمه - باطل بما عرفت من العلم بعدم رجوعه صلي الله عليه وآله إلي أرباب الشرائع قط في شئ من أمور. أما عكس ذلك فهو غير متصور، إذ لا يجوز عاقل أن يوحي الله إلي عبده بكيفية شريعة لأن يعمل بها ولا يأمره بالعمل بها حتي يلزمه الرجوع في ذلك إلي غيره، مع أنه يلزم أن يكون تابعا لغيره مفضولا، وقد عرفت بطلانه. ثم إن قول من ذهب إلي أنه صلي الله عليه وآله كان عاملا بالشرائع المنسوخة كشريعة نوح وموسي عليهما السلام فهو أشد فسادا، لأنه بعد نسخ شرائعهم كيف جاز له (ص) العمل بها إلا بأن يعلم بالوحي أنه يلزمه العمل بها ومع ذلك لا يكون عاملا بتلك الشريعة بل بشريعة نفسه موافقا لشرائعهم كما عرفت. وأما استدلالهم بقوله تعالي (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان: [سورة الشوري: 52] فلا يدل إلا علي أنه صلي الله عليه وآله كان في حال لم يكن يعلم القرآن وبعض شرائع الإيمان، ولعل ذلك كان في حال ولادته قبل تأييده بروح القدس كما دلت عليه رواية أبي حمزة [24] وغيرها، وهذا لا [ صفحه 67] ينافي نبوته قبل الرسالة والعمل بشريعة نفسه قبل نزول الكتاب. وبعد ما قرر لنا المطلوب في هذا الباب وما ذكرنا من الدلائل لا يخفي عليك ضعف بعض ما نقلنا في ذلك عن بعض الأعاظم ولا نتعرض للقدح فيها بعد وضوح الحق، ولو أردنا الاستقصاء في إيراد الدلائل ودفع الشبه لطال الكلام ولخرجنا عن مقصودنا من الكتاب، والله تعالي الموفق للصواب. [ صفحه 68]

في ذكر بعض أصحاب النبي

نقباء النبي

قال المجلسي (ره) عند ذكر نقباء النبي صلي الله عليه وآله الذين بايعوه بالمدينة وهم اثنا عشر شخصا - في تذكرة الأئمة ص 29 ما ترجمته: 1 - سعد بن عبادة، أرسله النبي (ص) لدعوة أهل المدينة وهو لم يبايع أبا بكر وفر مع أنصاره وأعوانه في خلافة عمر إلي الشام. 2 - سعد بن ربيع. 3 - سعد بن خيثمة. 4 - منذر بن عمرو. 5 - عبد الله بن رواحة. 6 - براء بن معرور، وهو الذي كان بمجلة القبا وأكل طعاما فيه يقطين وأطلق بطنه ولم يقدر علي ذلك حتي انطلق وتنجس و أزاله بالماء ونزل في شأنه قوله تعالي (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)، وهو أول من تاب، وكانت وفاته بالمدينة وكان النبي حاضرا بها ووصي أن يوجه في القبر تلقاءه وتلقاء مكة، وهذه الوصية [ صفحه 69] جرت في الأمة، وهو أول من وصي بثلث المال والله رب العالمين أجري ذلك في الأمة وجعلها سنة، وفي هذا اليوم سن اللحد ووجب أن يوجه الميت إلي الكعبة. 7 - أبو الهشيم بن التيهان، وهو الذي تعاهد مع نفر من الصحابة لإنزال أبي بكر من المنبر في قصة طويلة سنذكرها بعد، توفي بالمدينة. 8 - أسيد بن حصين. 9 - رافع بن ما لك. 10 - أسعد بن زرارة، وكان أقل سنا منهم، وهو الأول من الأنصار الذين بايعوا النبي، توفي ليلة العقبة قبل واقعة بدر في شهر شوال في السنة الأولي من الهجرة. (11) سعد بن معاذ، وكان رئيس الخزرج، توفي بالمدينة وشيعه النبي راجلا بلا رداء.

فضائل بعض الصحابة

في البحار 22 / 335 ضمن حديث: وأما أنت يا عمار فإنك قد ناضلت عن دين الله ونصحت لمحمد رسول الله (ص) فأنت من المجاهدين في سبيل الله الفاضلين. فبينا رسول الله وعمار يتاحدثان إذا حضرت اليهود الذين كلموه، فقالوا: يا محمد ها صاحبك يزعم إنه [إنك - خ ل] إن أمرته بحط [ صفحه 70] السماء إلي الأرض أو رفع الأرض إلي المساء فاعتقد طاعتك واعتزم الائتمار لك لأعانه الله عليه، ونحن نقتصر منك ومنه علي ما هو دون هذا إن كنت نبيا، فقد قنعنا أن يحمل عمار مع دقة ساقيه هذا الحجر - وكان الحجر مطروحا بين يدي رسول الله بظاهر المدينة يجتمع عليه مائتا رجل ليحركوه فلم يقدروا - فقالوا: يا محمد إن رام احتماله لم يحركه ولو حمل في ذلك علي نفسه لانكسرت ساقاه وتهدم جسمه. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: لا تحتقروا ساقيه، فإنما أثقل في ميزان حسناته من ثور وثبير وحراء وأبي قبيس بل من الأرض كلها وما عليها، وأن الله قد خفف بالصلاة علي محمد وآله الطيبين ما هو أثقل من هذه الصخرة. إلي أن قال في الخبر: فخطا عمار خطوة فطويت له الأرض ووضع قدميه في الخطوة الثانية علي ذروة الجبل وتناول الصخرة المضاعفة وعاد إلي رسول الله بالخطوة الثالثة. ثم قال رسول الله (ص) لعمار: اضرب بها الأرض ضربة شديدة فتهابت اليهود وخافوا، فضرب بها عمار الأرض، فتفتت حتي صارت كالهباء المنثور وتلاشت، فقال رسول الله (ص): آمنوا أيها اليهود فقد شاهدتم آيات الله، فآمن بعضهم وغلب الشقاء علي بعضهم. ثم قال رسول الله (ص): أتدرون معاشر المسلمين ما مثل هذه الصخرة؟ فقالوا: لا يا رسول الله. فقال رسول الله: والذي بعثني بالحق نبيا أن رجالا من شيعتنا تكون لهم ذنوب وخطايا أعظم من جبال [ صفحه 71] الأرض والأرض كلها والسماء إضعافا كثيرة فما هو إلا أن يتوب ويجدد علي نفسه ولايتنا أهل البيت إلا كان قد ضرب بذنوبه الأرض، أشد من ضرب عمار هذه الصخرة بالأرض، وأن رجلا يكون له طاعات كالسماوات والأرضين والجبال والبحار فما هو إلا أن يكفر بولايتنا أهل البيت حتي يكون ضرب بها الأرض أشد من ضرب عمار لهذه الصخرة بالأرض وتلاشي وتفتت كتفتت هذه الصحرة، فيرد الآخرة ولا يجد حسنة وذنوبه أضعاف الجبال والأرض والسماء فيشدد حسابه ويدوم عذابه - الخبر. وفيه 22 / 338 من الطبعة الجديدة: قال علي بن الحسين عليه السلام: هؤلاء خيار من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله، عد بهم أهل مكة ليفتنوهم عن دينهم، منهم بلال وصهيب وخباب وعمار ابن ياسر وأبواه. فأما بلال فاشتراه أبو بكر بن أبي قحافة بعبدين له أسودين ورجع إلي النبي (ص)، فكان تعظيمه لعلي بن أبي طالب عليه السلام أضعاف تعظيمه لأبي بكر، فقال المفسدون: يا بلال أكفرت النعمة ونقضت ترتيب الفضل، أبو بكر مولاك الذي اشتراك وأعتقك وأنقذك من العذاب ورد عليك نفسك وكسبك وعلي بن أبي طالب لم يفعل بك شيئا من هذا وأنت توقر أبا الحسن عليا بما لا توقر أبا بكر، إن هذا كفر النعمة و جهل بالترتيب. فقال: أفيلزمني أن أوقر أبا بكر فوق توقيري لرسول الله؟ قالوا: معاذ الله. قال: قد خالف قولكم هذا قولكم الأول، إن كان لا يجوز لي أن أفضل عليا علي أبي بكر لأن أبا بكر اعتقني فكذلك لا يجوز [ صفحه 72] لي أن أفضل رسول الله علي أبي بكر، لأن أبا بكر أعتقني. قالوا: لا سواء، إن رسول الله أفضل خلق الله. قال بلال: لا سواء أيضا أبو بكر وعلي، إن عليا نفس أفضل خلق الله فهو أيضا أفضل خلق الله بعد نبيه وأحب خلق الله تعالي - الخبر. وأما صهيب فقال: أنا شيخ كبير لا يضركم كنت معكم أو عليكم فخذوا مالي ودعوني وديني، فأخذوا ماله وتركوه، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا صهيب كم كان مالك الذي سلمته؟ قال: سبعة آلاف قال: طابت نفسك بتسليمه؟ قال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لو كانت الدنيا كلها ذهبة حمراء لجعلتها عوضا عن نظرة أنظرها إليك ونظرة أنظرها إلي أخيك ووصيك علي بن أبي طالب عليه السلام. فقال رسول الله: يا صهيب قد أعجزت خزان الجنان عن إحصاء مالك فيها بمالك هذا واعتقادك فلا يحصيها إلا خالقها. وأما خباب بن الأرت فكانوا قد قيدوه بقيد وغل، فدعا الله بمحمد وعلي والطيبين من آلهما فحول الله القيد فرسا ركبه وحول الغل سيفا بحمائل يقلده، فخرج عنهم من أعمالهم، فلما رأوا ما ظهر عليه من آيات محمد (ص) لم يجسر أحد أن يقربه وجرد سيفه وقال: من شاء فليقرب فإني سألته بمحمد وعلي أن لا أصيب بسيفي أبا قبيس إلا قددته نصفين فضلا عنكم، فتركوه فجاء إلي رسول الله (ص). وأما ياسر وأم عمار فقتلا في دين الله وصبرا، وأما عمار فكان أبو جهل يعذبه فضيق الله عليه خاتمة في إصبعه حتي أصرعه وأذله. [ صفحه 73]

فضائل سلمان و أحواله

في البحار 22 / 355 عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: وقع بين سلمان الفارسي وبين رجل كلام وخصومة، فقال له الرجل من أنت يا سلمان؟ فقال: سلمان أما أولي وأولك فنطفة قذرة وأما آخري وآخرك فجيفة منتنة، فإذا كان يوم القيامة ووضعت الموازين فمن ثقل ميزانه فهو الكريم ومن خف ميزانه فهو اللئيم. وفيه ص 391 قال أبو عمر: وقد روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله من وجوه أنه قال: لو كان الدين في الثريا لناله سلمان. و عن علي عليه السلام: علم علم الأول وعلم الآخر، ذلك بحر لا ينزف. أقول: وقد اختلف في بلده، فروي شيراز ونقل عنه أنه قال: أنا كنت رجلا من أهل شيراز من أبناء الدهاقين [البحار 22 / 355] و عن ابن عباس عن سلمان الفارسي قال: كنت رجلا من أهل أصفهان من قرية يقال لها جي وكان أبي دهقان أرضه [ص 362]. وعن ابن أبي الحديد: سلمان من فارس من رامهرمز، وقيل بل من أصفهان من قرية يقال لها جي، وهو معدود من موالي رسول الله (ص) وكنيته أبو عبد الله، وكان إذا قيل ابن من أنت يقول أنا سلمان ابن الإسلام أنا من بني آدم، وقد روي أنه تداوله بضعة عشر ربا عن واحد إلي آخر حتي أفضي إلي رسول الله (ص) [ص 390]. توفي في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين، وقيل توفي في [ صفحه 74] أول سنة ست وثلاثين، وقال قوم توفي في خلافة عمر، والأول أكثر ونقل [ص 392] عن ابن أبي الحديد خبر إسلامه نحو ما مر ثم قال: وكان سلمان من شيعة علي وخاصته، ويزعم الآملية أنه أحد الأربعة الذين حلقوا رؤسهم وأتوه متقلدين سيوفهم - إلي أن قال - وأصحابنا لا يخالفوهم في أن سلمان كان من الشيعة وإنما كان يخالفونهم في أمر أزيد من ذلك، وما يذكره المحدثون من قوله (كرديد ونكرديد [25] ) للمسلمين يوم السقيفة محمول عند أصحابنا علي أن المراد ضعتم شيئا وما سنعتم أي استخلفتم خليفة ونعم ما فعلتم إلا أنكم عدلتم عن أهل البيت فلو كان الخليفة منهم كان أولي، والإمامية تقول أسلمتم وما أسلمتم. قال المجلسي (ره): وسيأتي جواب شبهته مع سائر أحوال سلمان في كتاب الفتن إنشاء الله تعالي. وعن الصراط المستقيم: جاء في الأخبار الحسان أن عليا مضي في ليلة لتغسيل سلمان. وفي تنقيح المقال 2 / 45: وكنيته أبو عبد الله وأبو البينات و أبو المرشد، وكان أمير المؤمنين عليه السلام سماه سلسل، أصله من شيراز أو رامهرمز أو الأهواز أو شوشتر أو أصفهان من قرية يقال لها جي - إلي أن قال - وكان ممن ضرب في الأرض لطلب الحجة، فلم يزل ينتقل من عالم إلي عالم ومن فقيه إلي فقيه ويبحث عن الأسرار ويستدل بالأخبار وقد تحمل أذايا كثيرة في طلب الحق مذكورة في أحواله، وكان منتظرا لرسول [ صفحه 75] الله محمد (ص) أربعمائة سنة حتي بشر بولادته، فلما أيقن بالفرج خرج إلي تهامة فسبي وبيع من يهودي - الخ.

احوال أبي ذر و فضائله

في البحار 22 / 393 ذكر واحدا وخمسين حديثا واردة في فضائل أبي ذر الغفاري وأحواله، ومنها أنه كان من خيار صحابة الرسول صلي الله عليه وآله في خبر طويل. وفي ص 398: عن حماد رفعه قال: أبو ذر الذي قال رسول الله (ص) في شأنه: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر، يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده و يدخل الجنة وحده، وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام وصي رسول الله (ص: واستخلافه إياه فنفاه القوم - الخبر. وفيه ص 400 قيل له عند الموت: يا أبا ذر ما مالك؟ قال: عملي. قالوا: إنما نسألك عن الذهب والفضة. قال: ما أصبح ولا أمسي وما أمسي ولا أصبح لنا كندوج فيه حرمتا عنا، سمعت خليلي رسول الله (ص) يقول: كندوج المرء قبره [26] . وفيه ص 402 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلي أبي ذر فقال: يا أبا ذر مالنا نكره الموت؟ فقال: إنكم عمرتم الدنيا وأخربتم [ صفحه 76] الآخرة فتكرهون من عمران إلي خراب. فقال له: كيف تري قدومنا علي الله؟ فقال: المحسن منكم كالغائب يقدم علي أهله، وأما المسئ منكم فكالآبق يدر علي مولاه، قال: فكيف تري حالنا عند الله؟ قال: أعرضوا أعمالكم علي الكتاب، إن الله يقول (إن الأبرار لفي نعيم - وإن الفجارلفي جحيم) [27] . فقال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال: رحمة الله قريب من المحسنين - الخبر. وفي ص 405 قيل لأبي ذر: كيف أصبحت يا صاحب رسول الله؟ قال: أصبحت بين ذنب مستور وثناء من اغتر به فهو مغرور. وفي ص 405 عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): أبو ذر صديق هذه الأمة. وفي ص 406 عن إسماعيل الفراء عن رجل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أليس قال رسول الله في أبي ذر (ما أظلت الغبراء - الخ) قال: بلي. قال: قلت فأين رسول الله وأمير المؤمنين وأين الحسن والحسين قال: فقال كم السنة شهرا. قال: قلت اثنا عشر شهرا. قال: كم منها حرم. قال: قلت أربعة أشهر. قال: فشهر رمضان منها. قال: قلت لا. قال: إن في شهر رمضان ليلة [28] أفضل من ألف شهر، إنا أهل البيت لا يقاس بنا أحد. وفي ص 407 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل أبو ذر علي [ صفحه 77] رسول الله صلي الله عليه وآله ومعه جبرئيل، فقال جبرئيل: من هذا يا رسول الله؟ قال: أبو ذر. قال: أما إنه في السماء أعرف منه في الأرض، وسله عن كلمات يقولهن إذا أصبح. قال: فقال يا أبا ذر كلمات تقولهن إذا أصبحت؟ قال: فأقول يا رسول الله (اللهم إني أسألك الإيمان بك والتصديق بنبيك والعافية من جميع البلا والشكر علي العافية والغني عن شرار الناس). وفي ص 416 ضمن كلام: وأمر معاوية بحبسه [يعني أبا ذر] وكتب إلي عثمان فيه، فكتب عثمان إلي معاوية: أن احمل جنيدبا إلي علي أغلظ مركب وأوعره، فوجه به مع من سار به الليل والنهار وحمله علي شارف [29] ليس عليها الاقتب حتي قدم به المدينة قد سقط لحم فخذيه من الجهد، فلما قدم بعث إليه عثمان: إن الحق بأي أرض شئت. قال: بمكة. قال: لا. قال: ببيت المقدس. قال: لا. قال: بأحد المصرين. قال: لا. قال: ولكني مسيرك إلي الربذة، فسيره إليها حتي مات. وفي ص 419: روي أبو عمر ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب لما حضر أبا ذر الوفاة وهو بالربذة بكت زوجته أم ذر. قالت: فقال لي ما يبكيك؟ فقلت: ما لي لا أبكي وأنت تموت بأرض فلاة وليس عندي ثوب يسعك كفنا ولا بد لي من القيام بجهازك. فقال: أبشري ولا تبكي فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاث فيصبران ويحتسبان فيران النار أبدا، وقد مات لنا ثلاثة من [ صفحه 78] الولد، وسمعت أيضا رسول الله (ص) يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة فأنا لا أشك أني ذلك الرجل، والله ما كذبت ولا كذبت، فانظري الطريق. قالت: أم ذر فقلت: أني وقد ذهب الحاج وتقطعت الطرق. فقال: اذهبي فتبصري الطريق. قالت: فكنت أشتد إلي الكثيب فأصعد فأنظر ثم أرجع إليه أمرضه، فبينا أنا وهو علي هذه الحال إذا برجال علي ركابهم كأنهم الرخب تخب [30] بهم رواحلهم، فأسرعوا إلي حتي وقفوا علي وقالوا: يا أمة الله مالك؟ فقلت: امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه. قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر. قالوا صاحب رسول الله؟ قلت نعم، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتي دخلوا عليه فقال: أبشروا فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول لنفر [كامر] وقال: ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي ولا مرأتي لم أكفن إلا في ثوب لي أو لها، وإني أنشدكم الله أن يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا. قالت: وليس في أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتي من الأنصار قال له: أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا وثوبين معي في عيبتي من غزل أمي. فقال أبو ذر: أنت تكفنني، فمات فكفنه الأنصاريوغسله في النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم إيمان [31] . وفيه أيضا ص 420: سئل علي عليه السلام عن أبي ذر فقال رجل [ صفحه 79] وعي علي ما عجز عنه الناس ثم أوكأ عليه لم يخرج شيئا منه. وروي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: أبو ذر في أمتي شبيه عيسي بن مريم في زهده. وبعضهم يرويه: من سره أن ينظر إلي تواضع عيسي بن مريم فلينظر إلي أبي ذر. وفيه أيضا ص 430: كان لأبي ذر غنيمات يعيش هو وعياله منها، فأصابها داء يقال لها النقاب [32] [النقاز - خ ل] فماتت كلها، فأصاب أبا ذر وابنته الجوع وماتت أهله، فقالت ابنته: أصابنا الجوع وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا فقال لي أبي: يا بنية قومي بنا إلي الرمل نطلب القت - وهو نبت له حب - فصرنا إلي الرمل فلم نجد شيئا فجمع أبي رملا ووضع رأسه عليه ورأيت عينيه قد انقلبت فبكيت فقلت: يا أبة كيف أصنع بك وأنا وحيدة - إلي أن قال - فدخل عليه قوم من أهل الربذة فقالوا: يا أبا ذر ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قالوا: فما تشتهي. قال: رحمة ربي. قالوا: هل لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني. قالت ابنته: فلما عاين سمعته يقول: مرحبا بحبيب أتي علي فاقة لا أفلح من ندم اللهم خنقني خناقك، فوحقك إنك لتعلم إني أحب لقاءك - إلي أن قال - ودفنوه وكان فيهم الأشتر، فروي أنه قال: كفنته في حلة كانت معي قيمتها أربعة آلاف درهم. [ صفحه 80] أقول: لا يخفي أن ما ذكر هنا غير موافق لما سبق من كون امرأته كانت معه وتكفلت أمره - فراجع - وفيه ص 431: عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام: قال: بكي أبو ذر - رحمة الله عليه - من خشية الله عز وجل حتي اشتكي بصره، فقيل له: يا أبا ذر لو دعوت الله أن يشفي بصرك. فقال: إني عنه لمشغول وما هو من أكبر همي. قالوا: وما يشغلك عنه؟ قال: العظيمتان الجنة والنار. وفي مجمع البحرين (ذرر) ص 250: وأبو ذر اسمه جندب بن السكن توفي سنة اثنتين وثلاثين، وصلي عليه ابن مسعود، وقدم المدينة فأقام عشرة أيام فمات عاشره. وفي البحار 22 / 431 عن أبي عبد الله عليه السلام: كان أكثر عبادة أبي ذر - رحمة الله عليه - التفكر والاعتبار.

احوال مقداد و فضائله

في البحار 22 / 437 عن الرضا عليه السلام قال: نزل جبرئيل علي النبي صلي الله عليه وآله فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول إن الأبكار من النساء بمنزلة الثمر علي الشجر فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلا اجتناؤه وإلا أفسدته الشمس وغيرته الريح، وإن الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فلا دواء لهن إلا البعول وإلا لم يؤمن عليهن الفتنة. فصعد رسول الله (ص) المنبر فخطب الناس ثم أعلمهم ما أمر الله [ صفحه 81] به. فقالوا: ممن يا رسول الله؟ فقال: الأكفاء. فقالوا: ومن الأكفاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض. ثم لم ينزل حتي زوج ضباعة المقداد بن الأسود ثم قال: أيها الناس إنما زوجت ابنة عمي المقداد ليتضع النكاح. وعن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله زوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب وإنما زوجه لتتضع المناكح وليتأسوا برسول الله (ص) وليعلموا أن أكرمهم عند الله أتقاهم. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عثمان قال للمقداد: أما والله لتنتهين أو لأردنك إلي ربك الأول. قال: فلما حضرت المقداد الوفاة قال لعمار: أبلغ عثمان عني إني قد رددت إلي ربي الأول. (بيان) لعله كان مراد عثمان بالرب الأول مولاه الذي أعتقه أو الذي كان تبناه أو الصنم الذي كان في الجاهلية يعبده، ومراد مقداد الرب القديم تعالي شأنه. وفيه ص 439 قال أبو عبد الله عليه السلام: إنما منزلة المقداد ابن الأسود في هذه الأمة كمنزلة ألف في القرآن لا يلزق بها شئ. (بيان) لعل المراد أنه في بعض الصفات لا يلحقه أحد، فلا ينافي كون سلمان أفضل منه، مع أنه يحتمل أن يكون الحصر إضافيا. وعن محمد بن بشير عمن حدثه قال: ما بقي أحد ا لا وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد. [ صفحه 82]

جماعة من مفسري القرآن

ذكر المجلسي (ره) أسماء جماعة من مفسري القرآن الكريم في كتابه. تذكرة الأئمة ص 29، وهم: عبد الله بن عباس، أبو سعيد الخدري، حذيفة اليماني، سهل الساعدي، عبد الله بن مسعود، أبي بن كعب، ابن الزبير، جابر بن عبد الله الأنصاري، زيد بن أرقم، براء بن عازب، جابر بن سمرة، سمرة بن جندب، الشعبي، مجاهد، المقاتل، عطا، سعيد بن المسيب، أبو أيوب الأنصاري، أبو هريرة، زيد بن ثابت، عمران بن حصين، أنس بن مالك، سعد بن أبي وقاص، عمار بن ياسر، خزيمة بن ثابت، عائشة، أم سلمة. ثم قال بعد ذكر هؤلاء: ابن عباس هو رئيس هؤلاء القوم، وكان بعضهم مؤمنا وبعضهم منافقا، وفي الصحابة جماعة أخري تعد من المفسرين نكتفي بذكر من ذكرناه. [ صفحه 83]

في التقية

اشاره

في مجمع البحرين ص 90: قوله تعالي (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) سئل الصادق عليه السلام عن ذلك كيف نقيهن؟ فقال إذا أمرتموهن فقد قضيتم ما عليكم. والتقوي في الكتاب العزيز جاءت لمعان: الخشية والهيبة، ومنه قوله تعالي (فإياي فاتقون). والطاعة والعبادة، ومنه قوله تعالي (اتقوا الله حق تقاته). وتنزيه القلوب عن الذنوب. وهذه كما قيل هي الحقيقة في التقوي دون الأولين. إلي أن قال: وكلمة التقوي فسرت ب (لا إله إلا الله)، والتقوي فعلي كنجوي، والأصل فيه وقوي، من وقيته منعته قلبت الواو ياءا، وكذلك تقاة والأصل وقاة، قال تعالي (إلا أن تتقوا منهم تقاة) أي اتقاءا مخافة القتل. وجمع التقاة تقي كطلي للأعناق، وقرئ تقية والتقية والتقاة اسمان موضوعان موضع الاتقاء - انتهي. قال الشيخ في رسالة التقية ص 319: التقية اسم لاتقي يتقي، و التاء بدل من الواو كما في التهمة والتخمة، والمراد هنا التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق - الخ. [ صفحه 84] ونحن نذكر مقدمة ومقصدنا في ضمن المسائل المهمة بعون الله تعالي، فنقول:

في أخبار باب التقية

عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: التقية ترس المؤمن، والتقية حرز المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقية له وعن شعيب الحداد عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية (الوافي ج 3 / 121). وعن العباس بن الهلال قال: ذكر أبو الحسن الرضا عليه السلام أن سفيان بن عيينة لقي أبا عبد الله عليه السلام فقال: يا أبا عبد الله إلي متي هذه التقية وقد بلغت هذا السن؟ فقال: والذي بعث محمدا بالحق لو أن رجلا صلي بين الركن والمقام عمره ثم لقي الله بغير ولايتنا أهل البيت للقي الله بميتة جاهلية (البحار 47 / 357). أقول: وردت أحاديث وأخبار كثيرة في التقية ووجوبها علي كل مؤمن، كرواية جميل بن صالح (التقية جنة المؤمن) ورواية حريز عن عن أبي عبد الله عليه السلام (التقية ترس الله بينه وبين خلقه) وقولهم (من لا تقية له لا دين له)، كما أنه نري أثر التقية جليا في حياة الأئمة عليهم السلام وكيفية معاشرتهم مع طواغيت زمانهم وخلفاء الجور في عصرهم، وهذا شئ ظاهر غير خفي. [ صفحه 85]

نقل بعض الأقوال في التقية

أصل ثبوت التقية في الشرع المقدس مما لا ريب فيه ولا شك وإنما الكلام في بعض الخصوصيات، وفيها مباحث جليلة سنذكرها إنشاء الله تعالي بمقدار الاستطاعة. قال في الجواهر ج 2 من الطهارة ص 236: بل هو (أي الإجماع) محصل عليه فضلا عن المنقول للأخبار التي كادت أن تكون متواترة في الأمر بها وأنها دين آل محمد صلي الله عليه وآله، بل أصل التقية من ضروريات مذهب الشيعة - الخ. أقول: الإجماع المنقول لا يساوي الخبر الضعيف المثبت للثواب، والمحصل منه مع أنه يشكل موضوعا وحكما مدركه الأخبار المتواترة، بل هو من ضروريات مذهب الشيعة كما بين، فلا بد من النظر فيها بمقدار الإمكان والاستعداد، فلا وجه للإجماع الذي ادعاه ونقله من غيره - فراجع. وفي مصباح الفقيه ص 164: وكيف كان فالواجب عليه في حال التقية تكليفا ووضعا إنما هو مسح الخفين لو لم تؤد التقية إلا به بلا خلاف فيه ظاهرا كما عن غير واحد نقله بل ادعي الإجماع عليه. ويدل عليه مضافا إلي الإجماع وعمومات أخبار التقية التي كادت تكون من ضروريات مذهب الشيعة المعتضد بالقواعد العقلية والنقلية التي لا يمكن رفع اليد عنها إلا بمخصص قوي غير قابل للتأويل، خصوص خبر أبي الورد. [ صفحه 86] أقول: وفيه أن ادعاء الإجماع في المقام لا وجه له كما سبق، والعقل لا يفرق بين مسح الخفين والغسل وغيرهما حين الخوف والتقية مما يزيل الخوف والمشقة، والعمدة النظر في أخبار الباب وما يستفاد منها ولا يعتمد علي الإجماع مع وضوح المدرك ولا العقل لعدم تعقله في المقام من ابتداء التقية وانتهائها، لاختلاف موارد التقية من إهراق الدم والجرح وغير ذلك، وسنبين ذلك ومشروعيتها بشرط المندوحة وعدم اعتبارها وغير ذلك.

امور حول التقية

نفصل ما قصدناه في هذا الباب ضمن أمور: 1 - إن أدلة التقية حاكمة علي الأدلة بين فيها الحكم الواقعي، مثلا المسح علي الخفين قائم مقام المسح علي البشرة بحكم أدلة التقية، وكذا في سائر الأجزاء والشرائط من الفعل أو الترك. 2 - إن قولهم (لا يجوز المسح علي الحائل مطلقا إلا للتقية أو الضرورة) من قبيل عطف العام علي الخاص وأن التقية فرد من أفراد الضرورة فإفرادها لخصيصة ليست في الضرورة كما يبين ذلك في الأمور والمسائل الآتية. 3 - إن التقية بحسب الحكم تنقسم إلي الأحكام الخمسة. قال الشيخ الأنصاري (ره) في رسالة التقية ص 319 بصدد بيان ذلك: فالواجب منها ما كان لدفع الضرر الواجب فعلا، وأمثلته كثيرة. والمستحب ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر، بأن يكون تركه [ صفحه 87] مفضيا تدريجا إلي حصول الضرر، كترك المداراة مع العامة وهجرهم في المعاشرة، في بلادهم فإنه ينجر غالبا إلي حصول المباينة الموجب لتضرره منهم. أقول: لا بد أن يكون مراده بالتضرر التضرر اليسير وغير العرض والمال الكثير الذي لا يقدر علي التحمل. والمباح ما كان التحرز عن الضرر وفعله مساويا في نظر الشارع، كالتقية في إظهار كلمة الكفر علي ما ذكره جمع من الأصحاب. ويدل عليه الخبر الوارد في رجلين أخذا بالكوفة وأمرا بسب أمير المؤمنين عليه السلام. والمكروه ما كان تركها تحمل الضرر أولي من فعله كما ذكر ذلك بعضهم في إظهار كلمة الكفر وأن الأولي تركها ممن يقتدي به الناس إعلاء لكمة الإسلام، والمراد بالمكروه حينئذ ما كان ضده أفضل. والمحرم منه ما كان في الدماء. وبعد ذلك نذكر كلام الشهيد (ره) في قواعده مع النظر والتأمل في هذا المقام - فراجع. ثم فصل (ره) الكلام في الوجوه الخمسة المذكورة في ص 320 فقال: ثم الواجب منها يبيح كل محظور من فعل الواجب وترك المحرم، والأصل في ذلك أدلة نفي الضرر وحديث (رفع عن أمتي تسعة أشياء - ومنها ما اضطروا إليه)، مضافا إلي عمومات التقية مثل قوله في الخبر (أن التقية واسعة ليس شئ من التقية إلا وصاحبها مأجور) وغير ذلك من الأخبار المتفرقة في خصوص الموارد، وجميع هذه الأدلة حاكمة علي أدلة الواجبات والمحرمات، فلا يعارض بها شئ منها حتي يلتمس الترجيح ويرجع إلي الأصول بعد فقده كما زعمه بعض في بعض موارد هذه المسألة. [ صفحه 88] وأما المستحب من التقية فالظاهر وجوب الاقتصار فيه علي مورد النص وقد ورد النص بالحث علي المعاشرة مع العامة وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم والصلاة في مساجدهم والأذان لهم، فلا يجوز التعدي عن ذلك إلي ما لم يرد النص من الأفعال المخالفة للحق، كذم بعض رؤساء الشيعة للتحبب إليهم وكذلك المحرم والمباح والمكروه، فإن هذه الأحكام علي خلاف عمومات التقية فيحتاج إلي الدليل الخاص. ثم قال (ره): إن الظاهر ترتيب آثار العمل الباطل علي الواقع تقية وعدم ارتفاع الآثار بسبب التقية إذا كان دليل تلك الآثار عاما لصورتي الاختيار والاضطرار، فإن من احتاج لأجل التقية إلي التكتف في الصلاة أو السجود علي ما لا يصح السجود عليه أو الأكل في نهار رمضان أو فعل بعض ما يحرم علي المحرم فلا يوجب ذلك ارتفاع أحكام تلك الأمور بسبب وقوعها تقية. نعم لو قلنا بدلالة حديث الرفع (رفع التسعة) علي رفع جميع الآثار تم ذلك في الجملة، لكن الإنصاف ظهور الرواية في رفع المؤاخذة، فمن اضطر إلي الأكل والشرب تقية أو التكتف في الصلاة فقد اضطر إلي الإفطار و إبطال الصلاة لأنه مقتضي عموم الأدلة - فتأمل - انتهي كلامه. 4 - هل يحصل الطهارة بالنبيذ في صورة التقية أم لا؟ الثاني هو الأظهر وهو الماء، وهو شرط في حال الاضطرار والاختيار غاية الأمر مع التقية لا عقاب للفاعل بارتكابه فيصير كفاقد الطهورين وتبقي نجاسة بدنه بحالها، فعند التمكن يطهر البدن ويصلي في الوقت ويقضي في خارجه في وجه. [ صفحه 89] 5 - لو أجبر تقية علي نكاح باطل أو معاملة باطلة أو استعمال نجس يطهر بالدباغة عند العامة أو طهارة دم في المرق بغليانه بالنار عندهم وغير ذلك من الوضعيات، فهل تؤثر التقية في رفع آثار النجاسة وإثبات الزوجية والملكية وغيرها؟ الأظهر أنه لا يترتب شئ منها علي شئ منها. نعم لا يعاقب المرتكب ما دام العذر كان باقيا، وأما حكم الأولاد والمواريث وحكم نماء ونتاج المواشي قبل رفع التقية وبعد رفعها يطلب من الكتب المفصلة مع صعوبة استخراج أحكام أكثرها علي طبق القواعد المقررة - فتأمل - ويمكن استفادة جميع ذلك أو بعضه من كلام الشيخ (ره) الذي نقلناه آنفا - فراجع وتأمل فيه. 6 - لو مسح علي الرجل تقية مع الالتفات كان وضوؤه باطل للنهي الفعلي عن فعله فيوجب الفساد. نعم لو كان غافلا ولم يلتفت إلي تكليفه الفعلي كان وضوؤه مثلا صحيحا، لأن فعله كان موافقا للواقع مع عدم النهي عن فعله لعدم التفاته وعدم تنجزه في حقه. 7 - لو خاف المخالف وأتي وضوءه علي طريق أهل الحق تقية كان وضؤه صحيحا، ولا يجري حكم التقية علي فعله ولا يحتاج إلي الإعادة والقضاء بالنسبة إلي هذا الفعل ولو قلنا بالإعادة أو القضاء بالنسبة إلي وضوئه بالنبيذ علي وفق مذهبه لو استبصر ولا يجري في (الإسلام يجب ما سبق) لأنه مسلم. 8 - لو خاف مسلم من مسلم وأتي بفعله المخالف لمذهبه تقية فلا يجري حكم التقية في حقه، وكذا كل كافر يخاف من كافر آخر أو قسيس أو رهبان [ صفحه 90] لأن التقية كالغريزة للبشر وحكمها يجري في حق المؤمن ولا يجري في حق غيره لقوله عليه السلام (التقية جنة المؤمن وترسه وحرزه) كما سبق. وهذا كطيب الولادة بحبهم عليهم السلام وعرض حبهم علي الأولاد فمن قبل فهو كاشف عن طيب ولادته ومن رد وابغض فهو كاشف عن منبت السوء والرذالة والدناءة، وهو حظ المؤمن ولاحظ لغيره لأنه لا يعتقد ولا يعترف بإمامتهم عليهم السلام، فكيف يجري حكم التقية الذي صدر من الإمام في قوله (التقية ديني ودين آبائي) و (من لا تقية له لا دين له) إلي غير ذلك من أحاديث التقية. 9 - هل التقية في الدين تعم جميع المعاندين والكفار وظلمة الشيعة أو تختص بمذهب المخالفين والخوف منهم؟ ظاهر قوله عليه السلام (التقية جنة المؤمن وترسه وحرزه) وموثقة مسعدة بن صدقة التي نقلها الشيخ في رسالة التقية ص 323 وغيرها التعميم. قال الشيخ (رض) ضمن كلامه في رسالة التقية ص 320: لأن المتبادر من التقية التقية من مذهب المخالفين فلا يجري في التقية عن الكفار أو ظلمة الشيعة، لكن في موثقة مسعدة بن صدقة الآتية ما يظهر منه عموم الحكم لغير المخالفين مع كفاية عمومات التقية في ذلك بعد ملاحظة عدم اختصاص التقية في لسان الأئمة عليهم السلام لما يظهر بالتتبع في أخبار التقية التي جمعها في الوسائل وخصوص ما رواه في الوافي ص 123 عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل ما يقارب هذا الأمر كان أشد للتقية - أي قيام القائم عليه السلام. وكذا لا إشكال في التقية عن غير مذهب المخالفين، مثل [ صفحه 91] التقية في العمل علي طبق عمل عوام المخالفين الذي لا يوافق مذهب مجتهدهم - انتهي كلامه. وفي مصباح الفقيه ص 166: وهل التقية من غير المخالفين بحكم التقية من المخالفين في كون أمرها أوسع من سائر الضرورات أم هي علي حد غيرها من الضرورات - إلي أن قال - أحوطهما الثاني بل لا يخلو القول به عن قوة. ومراده اختصاص التقية بالتقية من المخالف، لأن شيوع التقية من المخالفين ومعهوديتها في زمان الأئمة عليهم السلام يمنع من استفادة إرادة العموم من أخبار الباب - والله العالم بالصواب. أقول: كثرة الأفراد وقلتها في الخارج لا تضر بالعموم والاطلاق، بل الاعتبار بهما في مقام الحاجة والبيان كما سبق ذلك في كلام الشيخ الأنصاري (قده) - فراجع أخبار الباب. 10 - هل يشترط عدم المندوحة في التقية أولا؟ في الجواهر ص 238 واختار ثانيهما المحقق الثاني... واختاره الطباطبائي في منظومته، وفي اشتراط عدم المندوحة قول ولكن لا أري تصحيحه ولعله الأقوي - انتهي. ولا يخفي أن عدم المندوحة عند الفعل المتقي عنه معتبر، ولا يعتبر بعد ذلك لإطلاق ما دل علي الأمر بها. ويذكر الشيخ في رسالة التقية في المقام الرابع ص 324 ترتب آثار الصحة سواء كان العمل من العبادات أم من المعاملات كالعقود والايقاعات الواقعة علي وجه التقية. فنقول: مقتضي القاعدة عدم ترتب الآثار، لما عرفت غير مرة من أن أوامر [ صفحه 92] التقية لا تدل علي أزيد من وجوب التحرز عن الضرر، وأما الآثار المترتبة علي العمل الواقعي فلا. نعم لو دل دليل في العبادات علي الإذن في امتثالها علي وجه التقية فقد عرفت أنه يستلزم سقوط الإتيان به ثانيا بذلك العمل، وأما الآثار الأخر - كرفع الحدث في الوضوء بحيث لا يحتاج المتوضئ تقية إلي وضوء آخر بعد رفع التقية بالنسبة إلي ذلك العمل الذي توضأ له - فإن كان ترتبه متفرعا علي ترتب الامتثال بذلك العمل حكم بترتبه وهو واضح، وما لو لم يتفرع عليه يحتاج إلي دليل آخر. ويتفرع علي ذلك ما يمكن أن يدعي أن رفع الوضوء للحدث السابق عليه من آثار امتثال الأمر به، بناء علي أن الأمر بالوضوء ليس إلا لرفع الحدث وأما في صورة دائم الحدث فكونه مبيحا لا رافعا من جهة دوام الحدث لا من جهة قصور الوضوء عن التأثير. وربما يتوهم أن ما تقدم من الأخبار الواردة في أن كل ما يعمل للتقية فهو جائز وأن كل شئ يضطر إليه للتقية جائز، يدل علي ترتب الآثار مطلقا بناء علي أن معني الجواز والمنع في كل شئ بحسبه، فكما أن الجواز و المنع في الأفعال المستقلة في الحكم - كشرب النبيذ - يراد به الإثم والعدم وفي الأمور الداخلة في العبادات فعلا أو تركا يراد به الإذن والمنع من جهة تحقق الامتثال بتلك العبادات، فكذلك الكلام في المعاملات، بمعني عدم البأس وثبوته من جهة ترتب الآثار المقصودة من تلك المعاملة، كما في قول الشارع بجواز المعاملة الفلانية أو لا يجوز. وهذا توهم مدفوع بما لا يخفي علي المتأمل - انتهي كلامه. [ صفحه 93] وقال الشيخ في رسالة التقية ص 324: ثم لا بأس بذكر بعض الأخبار الواردة مما اشتمل علي بعض الفوائد: (منها) ما عن الاحتجاج بسنده إلي أمير المؤمنين عليه السلام في بعض احتجاجه علي بعض، وفيه: وآمرك أن تستعمل التقية في دينك، فإن الله عز وجل يقول (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلل فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة)، وقد أذنتلك في تفضيل أعدائنا إن ألجأك الخوف إليه، وفي إظهار البراءة إن ملك [33] . الرجل عليه، وفي ترك الصلوات المكتوبات إن خشيت علي حشاشتك الآفات والعاهات، وتفضيلك أعدائنا عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرنا، وإن إظهار براءتك عند تقيتك لا يقدح فينا (ولا تبرأ منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقي علي نفسك روحها التي بها قوامها ومالها الذي به قيامه وجاهها الذي به تمكنها وتصون بذلك من عرف من أوليائنا وإخواننا، فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك وتنقطع به عن عمل في الدين و صلاح إخوانك المؤمنين. وإياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شاحط بدمك ودماء إخوانك، متعرض لنفسك ولنفسهم للزوال، مذل لهم في أيدي أعداء الدين وقد أمرك الله بإغرازهم، فإنك إن خالفت وصيتي كان ضررك علي إخوانك ونفسك أشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا. أقول: في هذا الخبر فوائد كثيرة: الأولي: إنه يعمم المخالف والمعاند ولو كان شيعيا، مثل أبناء الدهر الذين [ صفحه 94] يعاندون الحق وأهل الحق ويستهزؤن بالاعلام جهلا بمقامهم وكلامهم وجهدهم في إعلاء كلمة الدين - بل علي الإمام الذي يجب طاعته علي العبيد والأحرار (قل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون). الثانية: إن فيه شواهد علي وجوب التقية في البراءة وغيرها مع قطع النظر عن أخبار أخر كما تأتي، وتؤكد الوجوب كما في عبارة الشيخ (ره) في رسالته في التقية ص 325: وفيها دلالة علي أرجحية اختيار البراءة علي العمل بل تؤكد وجوبه، فتأمل وهو أعرف بمراده - انتهي. الثالثة: في الوسائل 2 / 504 عن أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في احتجاجه علي بعض اليونان قال: وآمرك أن تصون دينك وعلمنا الذي أودعناك، فلا تبدي علومنا لمن يقابلها بالعناد، ولا تفش سرنا إلي من يشنع علينا - إلي آخر ما ذكره الشيخ وفي كلامه (لا تبرأ منا ساعة) ففي الوسائل (ولئن تبرأ منا ساعة بلسانك) وهو الصحيح وكلمة (لا) تصحيف من الناسخين. وما ذكرناه من فوائد المراجعة فاغتنمه وراجع. وقال الشيخ رحمه الله في رسالته المذكورة ص 325: لكن في أخبار كثيرة بل عن المفيد في الإرشاد أنه قد استفاض عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ستعرضون علي سبي فسبوني، ومن عرض عليه البراءة فليمدد عنقه فإن برئ فلا دنيا له ولا آخرة. وظاهر حرمة التقية فيها كالدماء، ويمكن حملها علي أن المراد الاستمالة والترغيب إلي الرجوع حقيقة عن التشيع إلي النصب مضافا إلي أن المروي في بعض الروايات أن النهي من التبري [ صفحه 95] مكذوب علي أمير المؤمنين عليه السلام وأنه لم ينه عنه، ففي موثقة مسعدة بن صدقة قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن الناس يروون أن عليا عليه السلام قال علي منبر الكوفة (أيها الناس إنكم ستدعون إلي سبي فسبوني ثم تدعون إلي البراءة فلا تبرأوا مني). فقال: عليه السلام: ما أكثر ما يكذب الناس علي علي. ثم قال: إنما قال (ستدعون إلي سبي فسبوني ثم تدعون إلي البراءة مني وإني لعلي دين محمد) ولم يقل لا تبرأوا مني. فقال له السائل: أرأيت أن أختار القتل دون البراءة؟ فقال: ما ذاك عليه ولا له إلا ما معني عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالإيمان فأنزل الله تعالي (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، فقال النبي عندها: يا عمار إن عادوا فعد. وفي رواية محمد بن مروان قال: فوالله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه (إلا من أكره وقلبه) - الآية. وفي رواية عبد الله بن عطا عن أبي جعفر عليه السلام في رجلين من أهل الكوفة أخذا وأمرا بالبراءة عن أمير المؤمنين فتبرأ واحد منهما وأبي الآخر، فخلي سبيل الذي تبرأ وقتل الآخر، فقال عليه السلام: أما الذي تبرأ فرجل فقيه في دينه وأن الذي لم يتبرأ تعجل إلي الجنة. وعن كتاب الكشي بسنده إلي يوسف بن عمران الميثمي قال ميثم الهرواني يقول: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد إلي البراءة مني؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك. قال: إذا والله يقتلك ويصلبك. قال: [ صفحه 96] قلت أصبر فإن ذلك في الله قليل. قال عليه السلام: يا ميثم فإذن تكون معي في روضتي ودرجتي.

الكلام في حد التقية و أنه إذا بلغ الدم فلا تقية

وتوضيح هذه المسألة المهمة يذكر في ضمن الأشياء: (الأول) في ذكر المدرك، في الوافي 1 / 123 ج 3: الكافي القميان عن صفوان عن شعيب الحداد عن محمد عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية. وفي الوسائل 2 / 55 عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر مثله، ورواه البرقي في المحاسن عن أبيه و محمد بن عيسي اليقطيني عن صفوان بن يحيي نحوه. محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار... عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لم تبق الأرض إلا وفيها منا عالم يعرف الحق من الباطل. وقال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية، وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل إنما نتقي ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلي مساءلتكم عن ذلك ولا قام في كثير منكم من أهل النفاق حد الله تعالي. (الثاني) إن المراد بالدم في كلتا الجملتين واحد، وليست الأولي توطئة للثانية كما احتمل بعض، والجملة الأولي مذكورة في مواضع متعددة، منها في توحيد الصدوق ص 11 (أن لا إله إلا الله كلمة عظيمة كريمة من قالها مخلصا استوجب الجنة ومن قالها كاذبا عصمت ماله ودمه وكان [ صفحه 97] مصيره إلي النار) ومنها ما في الجواهر 3 / 564: أما لو أسلموا قبل الحكم عصموا أموالهم ودماءهم - إلي أن قال - لاندراجهم حينئذ في قاعدة من أسلم حقن ماله ودمه - وفي ص 569: إذا أسلم الحربي في دار الحرب حقن دمه وعصم ماله. وفيه 6 / 256 عند شرح قول صاحب الشرائع (المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب): وخصوص المعترة المتضمنة لابتناء المواريث علي الإسلام دون الإيمان. وفيها أن الإسلام هو ما عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث. ومحتملات الخبر المذكور وجوه: أ - المراد بالدم فيه القتل كما ادعي ظهور فيه. وفيه: أنه لا يناسب الجملة الأولي، للزوم وجوب التقية في القتل دون الجراح المنجر إلي القتل بعد زمان أزمنة مع أنه تجب التقية في القتل والجراح. ب - التفكيك بينهما بإرادة القتل والجرح في الجملة الأولي لوجوب التقية فيهما ووجوب ترك القتل في الثانية. وفيه: أنه خلاف ظاهر الدم في الخبر وجواز ارتكاب الجراح حينئذ. ج - تعميم الدم في الجملتين، بمعني وجوب التقية في الجراح والقتل لحفظ النفس من المهالك بمقتضي الجملة الأولي وترك الارتكاب فيهما بمقتضي الجملة الثانية، وهو موافق لقاعدة الاحتياط. [ صفحه 98] وحفظ المراد من الدم في كلتا الجملتين وادعاء الظهور من الجملة الثانية في القتل لا وجه له للزوم التفكيك بينهما. مع أنه لا يمكن ادعاء هذا الظهور في الجملة الولي، لوجوب التقية في الجراح والقتل وخصاصا الجراح المنجر إلي القتل بعد، ولا وجه للتمسك بالعام لخروج الفرد أو دخوله. وبعبارة أخري: لا يمكن التمسك بعمومات التقية لتعيين القتل وإخراج الجرح المنجر إلي القتل وغيره. قال في الجواهر 21 / 391 نقلا عن المسالك في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنما ننقله للاشتراك دليله في كله أو بعضه في باب التقية الذي هو محل الكلام: لكن في إلحاق الجرح بالقتل - كما هو مقتضي التعليل - وعدمه خلاف، وعن الشيخ (الطوسي) القطع بالأول، وفي المسالك ألحق به الشيخ الجرح، وهو مناسب لتعليل المصنف، فإن التقية المنفية في الدماء نكرة في سياق النفي فتعم، وفي بعض العبارات (لا تقية في قتل النفوس)، فيخرج الجرح الذي لا يفضي إليه، ولا يحضرني مستند يترتب عليه الحكم. ثم قال في الجواهر: يمكن إرادة النفوس (من الدماء) في المرسل فيتحد حينئذ مع ما في محكي السرائر، قال: إن خاف الإنسان من ترك إقامة الحدود فإنه يجوز له أن يفعل ذلك في حال التقية ما لم يبلغ قتل النفوس فإنه لا يجوز التقية فيه عند أصحابنا بلا خلاف فيه، بل هو المراد من قول الصادق عليه السلام في خبر الثمالي [34] لم تبق الأرض إلا وفيها منا عالم يعرف [ صفحه 99] الحق من الباطل... قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية، وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل إنما نتقي، ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم، ولو قد قام القائم (ع) ما احتاج إلي مساءلتكم عن ذلك ولا قام في كثير منكم من أهل النفاق حد الله تعالي. بل هو مقتضي ما تسمعه من المتن أيضا، بل يمكن القطع بملاحظة ما يأتي من المتن وما هنا بإرادة النفوس من الدماء لا مطلق الجرح، وخصوصا المعلوم عدم تأديته إلي القتل لا أقل من الشك، فيبقي عموم الجواز للتقية في محله - الخ. أقول: في كلامه مواضع للنظر والإشكال: الأول: إن مضمون ما ذكر مذكور في الخبر المسند بل الموثق كما سبق نقله من الوافي والوسائل في أول بحث التقية، ولا فرق بين إقامة الحد وغيره في مورد التقية وعدم التقية. الثاني: إن الخبر المسند لا يحمل علي غير الخبر، ولذا قال في المسالك ولا يحضرني مستند يترتب الحكم. الثالث: إنه قد سبق الكلام في أن المراد بالدم بالدم في الجملتين واحد و ادعاء التفكيك والظهور في الثاني في القتل يحتاج إلي قرينة ودليل من خارج، وادعاء ظهوره في القتل في كلتا الجملتين يستدعي عدم جواز التقية في الجرح خصوصا الجرح المنجر إلي القتل، ولا يمكن أن يلتزم به ويساعد عليه كما سبق بيانه. وبما ذكرناه يظهر المراد من قول الصادق عليه السلام وأنه لا يمكن حمل [ صفحه 100] الدم فيه علي النفس إلا بدليل خارج ولم نجد ذلك، ومع ذلك فهو أعرف بما قال: ولعل التقصير أو القصور منا. قال في الجواهر 21 / 392 بعد نقل عبارة عن المسالك: قلت يمكن إرادة النفوس من الدماء في المرسل فيتحد حينئذ مع ما في محكي السرائر إلي آخر كلامه. أقول: ما ذكر مضمون خبر شعيب الحداد عن أبي جعفر عليه السلام، وهو مسند كما سبق وليس بمروي ولا يحمل المسند علي كلام الغير كما سبق عن المسالك ولذا قال: ولا يحضرني مستند يترتب عليه الحكم. ثم قال بعد كلام له: لا أقل من الشك فيبقي عموم الجواز للتقية في محله. ثم إن العمومات الأولية مثل (التقية في كل شئ) وغير ذلك قد قسمت وانحصرت في قسمين، إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية، وعموم حقن الدم يشمل الجرح بأقسامه خصوصا الجرح المنجر إلي القتل بعد زمان قريب أو بعيد، ومحل الكلام عموم (إذا بلغ الدم فليس تقية)، ولذا استظهر صاحب المسالك وغيره العموم بالبيان السابق. ومع ما ذكر لا يمكن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لخروج الفرد أو دخوله كما تمسك به الجواهر لخروج الأفراد - فراجع. وادعاء ظهور الدم في النفس له وجه ولكنه غيره وجيه للزوم التفكيك بين الجملتين، والمسلم جواز التقية لحقن الدم أعم من أن يكون جرحا أو قتلا. وادعاء الظهور في الجملة الثانية في القتل دون الأولي لا يساعد عليه مع عدم الدليل المثبت للفرق مع اتحاد لفظ الدم فيهما. [ صفحه 101] 12 - لو أجبر شخص بالجراح علي الغير أو الوعيد بقتله من المجبر والمكره فلعل إلا وفق بالقواعد ارتكاب الجرح وحفظ النفس من الهلكة، لأن الأمر دائر بين الأقدم والاهم وبين غيره، خصوصا في الجرح غير المنجر إلي القتل أو بالشخص غير المحترم دمه. ولا يخفي أن البحث هنا غير البحث السابق من عموم الدم أو إطلاقه كما سبق بيانه عن المسالك، لأن هنا في مورد الدوران وهنالك في مورد غيره. 13 - لا يباح بالإكراه قتل المؤمن ولو توعد بالقتل، وقد صح عن الصادقين عليهما السلام (إنما شرعت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية). ومقتضي العموم عدم الفرق بين أفراد المؤمنين من حيث الصغر والكبر والذكورة والأنوثة والعالم والجاهل والحر والعبد وغير ذلك من الصفات. ولو كان المؤمن مستحقا للقتل لحد ففي العموم وجهان من إطلاق قولهم (لا تقية في الدماء) ومن أن المستفاد من قوله (ليحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية) أن المراد الدم المحقون دون المأمور بإهراقه، وظاهر المشهور الأول. وأما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة إلي غير ولي الدم. 14 - لو توعد المؤمن بالقتل إلا أن يقتل مخالفا أو كافرا أو ناصبا يجوز ارتكاب قتلهم، لأن التقية شرعت لحقن دم المؤمن المحترم دمه، والمخالف ليس دم في عرض دم المؤمن في مورد الدوران. [ صفحه 102] قال في الجواهر 21 / 392 بعد الحكم بعموم الجواز: بل ينبغي القطع به فيما إذا كان المجروح من غير الشيعة، بل قد يقال بجواز القتل فيه إذا كان الإكراه بالقتل، بل وإذا كان يخافه، خصوصا بعد ما ورد من عدم مساواة الألف منهم لواحد من الشيعة وأنهم مستحقون للقتل عند ظهور الصاحب روحي له الفداء - الخ. قال الشيخ الأنصاري (ره) في المكاسب ص 59: محصل الرواية لزوم نقض الغرض من تشريع التقية في إهراق الدماء لأنها شرعت لحقن دماء الشيعة فلا يشرع لأجلها إهراقها، ومن المعلوم أنه إذا أكره المؤمن علي قتل مخالف فلا يلزم من شرعية التقية في قتله إهراق ما شرع التقية لحقنه. وأما الناصب فليس بمحقون الدم وإنما منع منه حدوث الفتنة، ولا إشكال في مشروعية قتله للتقية. ومما ذكرنا يعلم حكم دم الذمي وشرعية التقية في إهراقه. وبالجملة فكل دم غير محرم بالذات عند الشارع خارج عن مورد الروايتين فحكم إهراقه حكم سائر المحرمات التي شرعت التقية فيها، بقي الكلام في أن الدم يشمل الجرح وقطع الأعضاء أو يختص بالقتل؟ وجهان: من إطلاق الدم وهو المحكي عن الشيخ، ومن عمومات التقية ونفي الحرج والاكراه. وظهور الدم المتصف بالحقن هو الدم المبقي للروح، وهو المحكي عن الروضة والمصباح والرياض، ولا يخلوا من قوة. 15 - لو أجبر وتوعد المؤمن بالقتل إلا أن يقتل كافرين وأزيد أو مخالفين وأزيد أو ناصبين وأزيد أو جمعا كثيرا من الفرق متفقين أو مختلفين [ صفحه 103] هل يحقن المؤمن دمه ويقتل أزيد مما ذكر أولا؟ ظاهر كلام الشيخ - كما سبق آنفا - الجواز لتشريعه التقية لحقن دم المؤمن دون غيره واحدا كان أو أكثر ويظهر ذلك من عبارة الجواهر أيضا التي نقلناها فيما سبق من ج 21 / 392 فتأمل واغتنم. 16 - لو توعد المؤمن بالقتل إلا أن يرتكب ما هو أهم في نظر الشارع من هتك عرضه وتمكينه أو هتك عرض غيره خصوصا المحصنات ذوات البعل أو غير ذلك مما ثبت أهميته عند الشارع المقدس لا الأهم عند الجهلة وأهل العصبية، مقتضي القاعدة رعاية الأهم بتسليمه للقتل وإبقاء الأهم وعدم ارتكابه لو كان الأهم باقيا بقتله، لأن القتل عند عرض الأهم أهون عند أصحاب الغيرة والحمية. والقاعدة الكلية أنه إذا دار الأمر بين الأهم والمهم في الفعل أو الترك فيقدم الأهم فعلا أو تركا، ومصاديقه قد يشتبه، فلا بد من الفحص التام في المصاديق التي ثبتت عند الشارع المقدس أهميتها. ولو لم يهتم بها بهذا المعني اشتبه عليه أحكامها ولا عذر لفاعلها ومرتكبها. ولا يخفي أن الموارد التي ذكرناها - غير الأخيرة - مستثناة من الجملة الثانية، أعني قوله عليه السلام (فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية) فتشمل دم كل شخص، بمعني أنه لو دار الأمر بين قتله وقتل غيره بالإكراه والإجبار لا يجوز ارتكاب قتل غيره، ولكن بمقتضي الخبر الصحيح الصريح أن يحقن دم المؤمن لتشريع التقية لحقن دمه دون دم غير المؤمن بالبيان السابق من الشيخ الأنصاري (قده). [ صفحه 104]

نماذج من تقية الأئمة

لقد وقف أئمة أهل البيت عليهم السلام مواقف رهيبة تجاه خلفاء الجور في زمانهم حفظا علي جوهر الإسلام وحقنا لدمائهم ودماء شيعتهم، وقد نجد في الأحاديث والروايات بعض الأئمة يخاطب خليفة زمانه بلفظة (أمير المؤمنين) مع أن هذا اللقب من خصائص أبي الأئمة علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام لقبه به النبي (ص)، وقد صرح المجلسي في اعتقاداتهأنه لا يجوز أن يسمي بأمير المؤمنين سوي علي عليه السلام [35] . وفيما يلي نذكر أحاديثا يخاطب فيها بعض الأئمة خلفاء عصرهم بخطاب أمير المؤمنين تقية: 1 - البحار 46 / 176: لما حمل زيد بن موسي (ع) إلي المأمون وقد كان خرج بالبصرة وأحرق دور ولد العباس، وهب جرمه لأخيه علي بن موسي الرضا وقال له: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل، ولولا مكانك مني لقتلته وليس ما أتاه بصغير. فقال الرضا عليه السلام: لا تقس (يا أمير المؤمنين) أخي زيدا إلي زيد بن علي فإنه كان من علماء آل محمد - الخ. 2 - البحار 46 / 186 بعد بيان سبب خروج زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه قال: قال زيد: وأنا أوصيك بتقوي الله (يا أمير المؤمنين) فاتقه 3 - البحار 46 / 44: بسم الله الرحمن الرحيم، إلي عبد الملك بن [ صفحه 105] مروان (أمير المؤمنين) من علي بن الحسين - الخبر. 4 - البحار 46 / 57: فأين شكره علي ما أنعم (يا أمير المؤمنين) كان رسول الله (ص) - الخ. 5 - البحار 46 / 315 عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال بعث هشام بن عبد الملك إلي أبي عليه السلام فأشخصه إلي الشام فلما دخل عليه قال: يا أبا جعفر إنما بعثت إليك لأسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري ولا ينفعني أن يعرف هذه المسألة إلا رجل واحد. فقال أبي: يسألني (أمير المؤمنين) عما أحب فإن علمت أجبته وإن لا أعلم قلت لا أدري. وبعد نقل السؤال والجواب قال: فتربد وجه هشام وامتقع لونه وهم أن يبطش بأبي فقال له أبي: (يا أمير المؤمنين) الواجب علي الناس الطاعة لإمامهم والصدق له بالنصيحة، وإن الذي دعاني إلي ما أجبت به (أمير المؤمنين) فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من الطاعة فليحسن ظن (أمير المؤمنين). فقال هشام: اعطني عهد الله - الخ. 6 - البحار 47 / 164 في حديث: فقال جعفر عليه السلام للمنصور: من أخبرك بهذا؟ فأومأ إلي شيخ قاعد بين يديه... إلي أن قال جعفر للمنصور: أيحلف (يا أمير المؤمنين)؟ فقال له المنصور: احلف - الخ. 7 - البحار 47 / 171 في حديث: فلما دخل عليه جعفر عليه السلام قال (يا أمير المؤمنين) ارفق بي فوالله لقلما أصحبك. قال أبو الدوانيق انصرف. ثم قال لعيسي بن علي: الحقه فاسأله أبي أم به، فخرج يشتد [ صفحه 106] حتي لحقه فقال: يا أبا عبد الله إن أمير المؤمنين يقول أبك أم به؟ قال: لا بل بي. 8 - البحار 47 / 174 في حديث: ما كلام يبلغني عنك تهجننا فيه وتذكرنا بسوء؟ فقال: يا (أمير المؤمنين) ما ذكرتك قط بسوء... ثم أمره بالانصراف وحباه وأعطاه فأبي أن يقبل شيئا وقال: (يا أمير المؤمنين) أنا في غناء وكفاية وخير كثير - إلي أن قال - قد قبلت يا أبا عبد الله وقد أمرت بألف درهم ففرق بينهم. فقال: وصلت الرحم (يا أمير المؤمنين) 9 - البحار 47 / 175 فقال له: إن فلان بن فلان أخبرني بما ذكرت فقال عليه السلام: أحضره (يا أمير المؤمنين) - إلي أن قال - دعني (يا أمير المؤمنين) أحلفه أنا - الخ. 0 - وفيه ص 182: قتلني الله إن لم أقتلك. فقال: (يا أمير المؤمنين) - الخ. 11 - وفيه ص 184 قال الآبي: قال للصادق أبو جعفر المنصور: إني قد عزمت علي أن أحزب المدينة ولا أدع فيها نافخ ضرمة. فقال: (يا أمير المؤمنين) لا أجد بدا من النصاحة لك فاقبلها إن شئت أو لا. قال: قل. قال: إنه قد مضي لك ثلاثة أسلاف أيوب ابتلي فصبر وسليمان أعطي فشكر ويوسف قدر فغفر فاقتد بأيهم شئت. قال: قد عفوت. 12 - وفيه ص 189 بعد كلام للصادق عليه السلام وآيات قرأها للربيع: قرأت إلي (أمير المؤمنين) السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل إلي [ صفحه 107] صلاته وانصرف إلي توجهه.. وقال في آخر كلامه: إنا والله يا (أمير المؤمنين) قد خفناك وخافت لخوفنا النسوة اللاتي أنت أعلم بهن - الخ. 13 - وفيه ص 192 في حديث: أما والله لأقتلنك. فقال: يا (أمير المؤمنين) ما فعلت فارفق بي لقل ما أصحبك. فقال أبو جعفر: انصرف، ثم التفت إلي عيسي بن علي فقال له: يا أبا العباس الحقه فاسأله أبي أم به. فقال عليه السلام: لا بل بي. فقال أبو جعفر: صدق. 14 - وفيه ص 194: فقال له جعفر (ع): (يا أمير المؤمنين) فأين يعدل بك عن سلف الصالح - الخبر. 15 - وفيه ص 196 بعد كلام خشن فقال عليه السلام له: والله (يا أمير المؤمنين) ما فعلت شيئا من هذا، ولقد كنت في ولاية بني أمية و أنت تعلم أنهم أعدي الخلق لنا ولكم - إلي أن قال - مع جفاهم الذي كان بي وكيف (يا أمير المؤمنين) أصنع الآن هذا - إلي أن قال فأخرج إضبارة كتب فرمي بها إليه فقال: هذه كتبك إلي أهل خراسان تدعوهم إلي نقض بيعتي وأن يبايعوك دوني. فقال: (يا أمير المؤمنين) ما فعلت ولا استحل ذلك ولا هو من مذهبي، وإني لمن يعتقد طاعتك علي كل حال وقد بلغت من السن ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته - إلي أن قال بعد تشنيعه علي الإمام: تريد أن تريق الدماء وتطرح الفتنة بين الرعية والأولياء. فقال: لا والله (يا أمير المؤمنين) ما فعلت ولا هذه كتبي ولا خطي ولا خاتمي. 16 - وفيه ص 198 ثم قال: لولا الخوف من (أمير المؤمنين) لدفعت إليك هذا المال ولكن قد كنت طلبت أرضي بالمدينة وأعطيتني عشرة آلاف [ صفحه 108] فلم أبعك وقد وهبتها لك - الخ. 17 - وفيه ص 201 في قصة: إن معلي بن خنيس مولي جعفر بن محمد عليه السلام يجبي له الأموال. فقال أبو عبد الله: معاذ الله من ذلك (يا أمير المؤمنين). قال: تحلف علي براءتك من ذلك. قال: نعم أحلف بالله أنه ما كان من ذلك شئ. قال أبو جعفر: لا بل تحلف بالطلاق والعتاق. فقال أبو عبد الله: أما ترضي بيميني بالله الذي لا إله إلا هو؟ قال أبو جعفر: فلا تفقه علي. فقال أبو عبد الله فأين يذهب بالفقه مني (يا أمير المؤمنين). قال له: دع عنك هذا فإني أجمع الساعة بينك وبين الرجل الذي رفع حتي يواجهك - ثم ذكر كيفية حلفه وموته إلي أن قال: فوالله لا قبلت عليك قول أحد بعدها أبدا. 18 - وفيه ص 203 ثم قال: يا ابن رسول الله ما الذي جاء بك في هذه الساعة؟ قال عليه السلام: جئتك (يا أمير المؤمنين) طاعة لله عز وجل ولرسول الله و (لأمير المؤمنين) أدام الله عزه. قال: ما دعوتك - الخ. 19 - وفيه ص 204 قال: لقد هممت أن ابعث إلي المدينة من يعقر نخلها ويسبي ذريتها. قال عليه السلام: لم ذلك (يا أمير المؤمنين)؟ قال: رفع إلي أن مولاك معلي بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال. 20 - وفيه ص 206 وقال المنصور: وإنما أنتظر الآن أن يتحرك منكم أحد فألحق الكبير بالصغير. قال: فقلت (يا أمير المؤمنين) حدثني محمد بن علي - إلي آخر الحديث حيث يذكر صلة الرحم. 21 - وفيه ص 209 - فقال أبو عبد الله عليه السلام: (يا أمير المؤمنين) [ صفحه 109] إن الله عز وجل - إلي أن قال - صدقت قد عفوت عنكم. فقال له: (يا أمير المؤمنين) إنه لم ينل منا أهل البيت أحد دما إلا سلبه الله ملكه، فغضب لذلك واستشاط، فقال: علي رسلك (يا أمير المؤمنين) إن هذا الملك كان في آل أبي سفيان - الخ. 22 - فيه ص 210 عن رفاعة عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت علي أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذلك إلي (الإمام) إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا. فقال: يا غلام علي بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم والله أنه يوم من شهر رمضان فكان إفطاري وقضاؤه أيسر علي من أن أضرب عنقي ولا يعبد الله. 23 - وفيه ص 211 عن يونس بن أبي يعقوب قال: حدثنا جعفر بن محمد من فيه إلي أذني - إلي أن قال - أنت الذي يجبي إليك الخراج؟ قلت: إليك يجبي (يا أمير المؤمنين) الخراج - إلي أن قال - فقلت: (يا أمير المؤمنين) إن سليمان أعطي فشكر وإن أيوب ابتلي فصبر وإن يوسف ظلم فغفر - الخ. 24 - وفيه 48 / 121 في حديث احتجاج الإمام الكاظم عليه السلام مع الرشيد قال: اكتفيت بما قرأت فكلم بحجتك بما قرأته. قلت: (يا أمير المؤمنين) والذي بعث محمدا - إلي أن قال - وقد علم (أمير المؤمنين) ضيق ما نحن فيه. ثم قلت: إن رأي (أمير المؤمنين) أن يأذن لابن عمه في حديث عن آبائه عن النبي صلي الله عليه وآله... فقال هارون: لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم (يا بن رسول الله) وأنتم ولد علي وفاطمة إنما هي وعاء والولد ينسب إلي الأب لا إلي الأم. فقلت: إن رأي (أمير المؤمنين) [ صفحه 110] أن يعفيني عن هذه المسألة فعل. فقال: لست أفعل أو أجبت - الخ. 25 - وفيه ص 124 في حديث فقلت: أخبرك (يا أمير المؤمنين) وهذه مسألة لم يسألها أحد غير (أمير المؤمنين). قال: ولا يتم ولا عدي فقال: أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا له أصول وفروع يفهم تفسيره و يكون ذلك سماعك من أبي عبد الله. فقلت: نعم وعلي عيني (يا أمير المؤمنين) - الخ. 26 - وفيه ص 125 بعد كلام له: فارفع حوائجك يا موسي. فقلت (يا أمير المؤمنين) أول حاجتي إليك أن تأذن لي في الانصراف إلي أهلي - إلي أن قال: ازدد. فقلت: يبقي الله (أمير المؤمنين) لنا معاشر بني عمه. فقال: ازدد. فقلت: علي عيال كثير وأعيننا بعد الله ممدودة إلي فضل (أمير المؤمنين) وعادته - الخ. 27 - وفيه قال: لما أدخلت علي الرشيد... فقلت: (يا أمير المؤمنين) أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك - الخ. 28 - وفيه ص 126 بعد كلام له قلت: ليسأل (أمير المؤمنين) عما شاء. 29 - وفيه أيضا فقلت له: إن رأي (أمير المؤمنين) أن يعفيني عن هذه المسألة. 30 - وفيه ص 127 وما سألني عنها إلا (أمير المؤمنين). 31 - وفيه أيضا فقلت: (يا أمير المؤمنين) لو أن النبي - الخ. 32 - وفيه ص 128 بعد كلاله: من أبو عيسي (يا أمير المؤمنين). [ صفحه 111] 33 - وفيه ص 131 فقال عليه السلام: (يا أمير المؤمنين) إن الله عز وجل قد فرض علي ولاة عهده أن ينعشوا فقراء الأمة - الخ. 34 - وفيه ص 134 كتب أبو الحسن موسي عليه السلام إلي الخيزران أم (أمير المؤمنين) يعزيها بموسي ابنه ويهنيها بهارون ابنها - الخ. قال المجلسي بعد نقل هذا الكتاب: انظر إلي شدة التقية في زمانه عليه السلام حتي أحوجته إلي أن يكتب مثل هذا الكتاب لموت كافر لا يؤمن بيوم الحساب، فهذا يفتح لك من التقية كل باب. 35 - وفيه ص 149 سأل المهدي أبا الحسن عليه السلام عن الخمر هل هي في كتاب الله - إلي أن قال - فقال أبو الحسن: بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل (يا أمير المؤمنين). فقال: في أي موضع - الخ. 36 - وفيه 48 / 156 قال الراوي: لما ورد أبو الحسن موسي عليه السلام علي المهدي رآه يرد المظالم. فقال (يا أمير المؤمنين) ما بال مظلمتنا لا ترد؟ فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن قال: إن الله تبارك - الخ. 37 - وفيه ص 157 فقال له المهدي: حدها إلي. فقال: حد منها جبل أحد - وحدد فدك إلي أن قال - فقال المهدي له عليه السلام: كل هذا... قال: نعم (يا أمير المؤمنين) هذا كله، إن هذا كله مما لم يوجف أهله علي رسول الله بخيل ولا ركاب. فقال: كثير وانظر فيه 38 - وفيه ص 216 بعد كلام لأبي الحسن موسي عليه السلام، فقال: ما للرشيد وما لي، أما تشغله نعمته عني. ثم قام مسرعا وهو يقول: لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله صلي الله عليه وآله أن طاعة السلطان [ صفحه 112] للتقية واجبة إذا ما جئت - الخ. 39 - وفيه 49 / 152 صورة ما كان علي ظهر العهد بخط الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام بعد البسملة والثناء: أقول وأنا علي بن موسي بن جعفر الرضا: إن (أمير المؤمنين) عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد. 40 - وفيه ص 153 بعد كلام له: لكنني امتثلت (أمير المؤمنين) وآثرت رضاه والله يعصمني وإياه... وكتبت بخطي بحضرة (أمير المؤمنين) أطال الله بقاءه. 41 - وفيه ص 155 بعد نقل كلام قال: قلت له (يا أمير المؤمنين) إن وفيت لي وفيت لك - الخ. 42 - وفيه ص 159: وسأل (أمير المؤمنين) ما لم يزل له سائلا وإليه راغبا من التخلي والتزهد، فعظم ذلك عنده وعندنا لمعرفتنا بما جعل الله عز وجل في مكانه الذي هو به من العز للدين والسلطان والقوة علي صلاح المسلمين وجهاد المشركين... فلما وثق (أمير المؤمنين - وثقنا منه بالنظر للدين وإيثار ما فيه صلاحه وأعطيناه سؤله... ورأي (أمير المؤمنين) الكتاب به إلي الآفاق ليذيع ويشيع في أهلها ويقرأ علي منابرها - الخ. 43 - وفيه ص 165 (يا أمير المؤمنين) اتق الله في أمة محمد وما ولاك الله من هذا الأمر، فاتق الله (يا أمير المؤمنين) في أمور المسلمين. 44 - وفيه ص 166 فلما كان من الغد جاء أبو الحسن عليه السلام فدخل علي المأمون فقال: (يا أمير المؤمنين) ما صنعت - الخ. [ صفحه 113]

حول علم الإمام و آية التهلكة

وعند ما انتهينا من البحث في بعض ما يتعلق بالتقية نري من المناسب البحث في علم الإمام عليه السلام وآية (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة) وكيفية الجمع بينهما ونقل كلام الأعلام في هذا الموضوع بقدر ما يتيسر لنا الفهم من كلامهم قدس الله أسرارهم: في البحار 45 / 96 نقلا عن السيد المرتضي قدس سره: (تذنيب) فإن قيل: ما العذر في خروجه (الحسين) عليه السلام من مكة بأهله إلي الكوفة والمستولي عليها أعداؤه - إلي أن قال - وكيف خالف ظنه ظن جميع نصحائه في الخروج وابن عباس يشير بالعدول عن الخروج ويقطع علي العطب فيه وابن عمر لما ودعه يقول له (أستودعك الله من قتيل)، إلي غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب - إلي آخر ما بين من الأشكال. فقال: الجواب قلنا: قد علمنا أن الإمام متي غلب علي ظنه أنه يصل إلي حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل وجب عليه ذلك وإن كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها - إلي آخر كلامه في الجواب. أقول: كلامه علي ظاهر ما فهمنا منه لا يشفي الصدور وهو (ره) أعرف بما قال. قال المجلسي (قده) بعد نقل كلام السيد: قد مضي في كتاب الإمامة وكتاب الفتن أخبار كثيرة دالة علي أن كلا منهم عليهم السلام كان مأمورا بأمور خاصة مكتوبة في الصحف السماوية النازلة علي الرسول صلي الله عليه [ صفحه 114] وآله فهم يعملون بها ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم علي أحكامنا. وبعد الاطلاع علي أحوال الأنبياء عليهم السلام وإن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادي إلي ألوف من الكفرة ويسبون آلهتهم ويدعون إلي دينهم ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والإلقاء في النار وغير ذلك لا ينبغي الاعتراض علي أئمة الدين في أمثال ذلك. مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة لا مجال للاعتراض عليهم، بل يجب التسليم لهم في كل ما يصدر عنهم عليهم السلام. علي أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنه فدي نفسه المقدسة دين جده ولم يتزلزل أركان دولة بني أمية إلا بعد شهادته عليه السلام، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته - الخ. أقول: هذا كلام تام يصحح جميع أفعالهم خصوصا فعل الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام. وإيضاح ذلك قوله تعالي لنبيه (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين علي القتال) [النساء: 86]. في روضة الوافي 1 / 61 عن الكافي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إن الله تعالي أنزل الله تعالي أنزل علي نبيه كتابا قبل وفاته فقال: يا محمد هذه وصيتك إلي النجبة من أهلك قال: وما النجبة يا جبرئيل - الخ وقد ذكرناه في كتابنا عقيدة الشيعة في الإمامة ص 23 وذكرنا أيضا كيفية عملهم وكذلك ورد في كتاب الغيبة للطوسي ص 90. في البحار 42 / 257 (تذنيب) سئل الشيخ المفيد قدس الله روحه في المسائل العكبرية: الإمام عندنا مجمع علي أنه يعلم ما يكون، فما بل أمير المؤمنين [ صفحه 115] عليه السلام خرج إلي المسجد وهو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان، وما بال الحسين بن علي عليه السلام سار إلي الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا ينصرونه وأنه مقتول في سفرته تيك، ولم لما حصروا وعرف أن الماء قد منع منه وأنه إن حفر أذرعا قريبة نبع الماء ولم يحفر وأعان علي نفسه حتي تلف عطشا، والحسن وادع معاوية وهادنه وهو يعلم أنه ينكث ولا يفي ويقتل شيعة أبيه عليه السلام. فأجاب الشيخ عنها بقوله: وأما الجواب عن قوله (إن الإمام يعلم ما يكون) فإجماعنا أن الأمر علي خلاف ما قال وما أجمعت الشيعة علي هذا القول، إنما الإجماع ثابت علي أن الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون علي التفصيل والتمييز. وهذا يسقط الأصل الذي بني عليه الأسؤلة بأجمعها، ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث ويكون بإعلام الله تعالي له ذلك. فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون فلسنا نطلقه ولا نصوب قائله لدعواه فيه من غير حجة ولا بيان، والقول بأن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم قاتله والوقت الذي كان يقتل فيه فقد جاء الخبر متظافرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول وجاء أيضا أنه يعلم قاتله علي التفصيل فأما علمه بوقت قتله فلم يأت أثر علي التحصيل. ولو جاء أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون إذ كان لا يمتنع أن يتعبد الله تعالي بالصبر علي الشهادة والاستسلام للقتل ليبلغه بذلك علو الدرجات ما لا يبلغه إلا به، ولعلمه بأنه يطيعه طاعة لو كلفها سواه لم يردها، ولا يكون بذلك أمير المؤمنين عليه السلام ملقيا [ صفحه 116] بيده إلي التهلكة ولا معينا علي نفسه معونة تستقبح في العقول. وبعد ذلك يبين الجواب عن فعل الحسن والحسين عليهما السلام قريبا مما ذكر في جواب الإشكال الأول. وتبيانا للحق واتضاحا للواقع يلزم علينا في هذا المقام التعليق علي قوله (ره) بما نراه أحق، لأن كلامه صار سببا لإنكار علم الإمام بكلية الأمور أو أشخاصها، ويكون تعليقنا علي كلامه بعنوان (قوله - أقول)، فنقول: (قوله) فإجماعنا أن الأمر علي خلاف ما قال وما أجمعت الشيعة علي هذا القول... (أقول) فيه أولا أنه منقوض بما ذكره الصدوق في اعتقاداته ص 108: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة أنهم معصومون مطهرون من كل دنس وأنهم لا يذنبون ذنبا لا صغيرا ولا كبيرا ولا يعصون ما أمرهم الله ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفي عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم ومن جهلهم فهو كافر. واعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم وأواخرها، لا يوصفون في شئ من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل - انتهي. توضيح كلامه (قده): إذا لا يعلم الإمام بالجزئي الخارجي كيف يتحقق عدم العصيان وكيف يكون معصوما وكيف يكون عالما بالجزئي الخارجي حكما كان أو موضوعا وكيف يسأل منه عن كل واقعة جزئية كانت أو كلية والعصمة مترتبة علي العلم وإذا كان لا يعلم كان ناقصا يمكن إسناد الجهل إليه في الأمور الجزئية لعدم الواسطة بين الجهل والعلم. [ صفحه 117] ثم كيف يبين الأحكام بنحو الكلي والجزئي مع اضطرار الناس إلي الحجة، أي الحجة البالغة الكاملة بحيث لو سئل لأجاب لعلمه بجزئيات الأمور وكلياتها وبالأشخاص وبأفراد الشيعة ويعرض الأعمال عليهم وكلها جزئيات لا كليات بحيث لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وثانيا: إن تحصيل الإجماع صعب مستصعب، خصوصا في المسألة الخلافية لاعتبار رأي جميع الأمة ممن له علم ورأي مستقيم لا من الحمق والحمج كما في كل حادثة وواقعة، ولذا رد أمير المؤمنين عليه السلام أبا بكر في احتجاجه عليه حيث ادعي الإجماع فقال (ع) له: أكنت من الأمة أو لم أكن؟ قال: بلي. قال: وكذلك العصابة الممتنعة عليك من سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وابن عبادة و من معه من الأنصار. قال: كل من الأمة. فقال: علي: فكيف تحتج بحديث النبي (ص) وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك وليس في الأمة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول ونصيحة منهم تقصير - الخ. وما قال عليه السلام (ما اجتمعوا)، فلو قلنا بكفاية العشرين وأزيد في الإجماع لا يمكننا رد إجماع أبي بكر فتدبر. ولعمري إن تحصيل الإجماع بنحو ما ذكرناه في بلد واحد مشكل فكيف في الإحصار في هذا الزمان والأزمنة السابقة، وعلي تقدير إمكان تحصيله لا يكون دليلا مستقلا في مقابل الكتاب والسنة، لأنه بالمعني الصحيح يكشف عن خبر صحيح وليس هذا خارجا عن السنة. وثالثا: إن المفيد نفسه يعترف بعلمهم باللغات والصنائع وكأن عنده علمهم بالأحكام مفروغ عنه. نقل عنه في البحار 26 / 192 قوله: وقد جاءت [ صفحه 118] أخبار عمن يجب تصديقه بأن الأئمة - أئمة آل محمد - قد كانوا يعلمون اللغات. وإن كان في آخر كلامه نوع توقف. قال المجلسي بعد نقل كلام المفيد: أقول أما كونهم عالمين باللغات فالأخبار فيه قريبة إلي حد التواتر، وبانضمام الأخبار العامة لا يبقي فيه مجال للشك. وأما علمهم بالصناعات فعمومات الأخبار المستفيضة دالة عليه حيث ورد فيها أن الحجة لا يكون جاهلا في شئ يقوله (لا أدري) مع ما ورد أن عندهم علم مان كان وما يكون، وأن جميع علوم الأنبياء وصل إليهم، مع أن أكثر الصناعات منسوبة إلي الأئمة عليهم السلام وقد فسر تعليم الأسماء لآدم بما يشمل جميع الصناعات، وبالجملة لا ينبغي للمتتبع الشك في ذلك أيضا. وأما حكم العقل بلزوم الأمرين ففيه توقف وإن كان القول به غير مستبعد - أقول: وسيأتي كثير من أخبار هذا الباب في تضاعيف معجزات الأئمة - انتهي. (قوله) وإنما إجماعهم ثابت علي أن الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون علي التفصيل والتمييز، وهذا يسقط الأصل الذي بني عليه الأسئلة بأجمعها. (أقول) يعني أن الإمام يعلم كليات الأمور ولا علم له بالجزئيات والأفراد والأشخاص علي التفصيل والتمييز، وهذا كما في علم الله تعالي حيث قال بعضهم مثلا يعلم الإمام كليات أبواب الفقه ولا يعلم خصوصياتها. وأقول: الكلي عبارة عن مفهوم ذهني - يتلفظ به أم لا ينطبق - علي الخارج وليس له في الخارج وجود غير الأفراد والأشخاص في الخارج، والحق أن الطبيعي بمعني وجود أشخاصه في الخارج، والأثر التام يترتب علي الخارج فكلي الرغيف [ صفحه 119] لا يسمن ولا يغني من جوع بل الفرد الخارجي هو الذي يسمن ويغني، ومفهوم الماء لا يرفع العطش بل يزيد الحرص والشهوة إلي الماء، وهكذا بقية الأشياء في العالم. ومن المضحك أن يقول الإنسان: أكلت الرغيف الكلي، وشربت الماء الكلي، ونمت علي الفراش الكلي، وتزوجت امرأة كلية، ودخلت الدار الكلي، وولد الولد الكلي، وهكذا إلي آخر ما يكون في الدنيا. فالمفهوم مشير إلي الأفراد الخارجية علي نحو الانطباق، ولو كانت الإشارة علي نحو المجاز فكذلك، فمع الاعتراف بعلمهم بنحو الكلي اعتراف بالافراد الخارجية لعدم الانفكاك وينطبق علي الخارج قهرا لعدم وجوده في غير الأفراد. ولتوضيح المراد نبين الكلام في مقامين: (الأول) إن الله تبارك وتعالي عالم حي قيوم قادر بذاته أزلي أبدي وغير ذلك من صفات ذاته تعالي، وهو خالق رازق يحيي ويميت يعلم الأشياء بحقائقها وأشخاصها لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا يخفي عن علمه شئ ولا يفوته شئ يعلم الأشياء بجزئياتها وكلياتها، لأن كل ذلك مخلوق له ولا يتغير علمه علي ما كان بتغير الجزئي كما ظن بعض من لاحظ له من العلوم الإلهية. والاعتقاد بغير ذلك كفر. قال المجلسي (ره) في رسالته في المسير والسلوك المطبوعة بعد توحيد الصدوق ص 486: وأنه تعالي عالم بجميع الأشياء جزئياتها وكلياتها وأن علمه بما كان وما يكون علي نهج واحد ولا يتغير علمه بشئ بعد إيجاده وأنه لا يعذب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء [ صفحه 120] لا علي ما يزعمه الحكيم أنه لا يعلم الجزئيات والقول به كفر - الخ.قال تعالي: (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) [36] . وقال: (بلي قادرين علي أن نسوي بنانه) [37] . وقال: (وعرضوا علي ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة) [38] وقال بعد ذلك (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا). وغير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة علي أن الله تعالي يعلم جزئيات أفعال العباد وألفاظهم، وكذلك النبي والأئمة عليهم السلام يعلمون ذلك بتعليم منه سبحانه، وهذا من ضروريات مذهب الشيعة يطلب التفصيل في ذلك من محالها. (الثاني) إن علوم الأنبياء والرسول والأئمة عليهم السلام ألقيت إليهم من جانب الله تعالي بالوحي أو الإلهام أو بغير ذلك مما ثبت بالدليل القاطع من الكتاب والسنة، وهم الوسائط بين الخالق والمخلوق، وعلومهم عجيبة وأطوارهم غريبة، لا يعرف أحدا شيئا من علمهم إلا بالارتباط معهم والمودة لهم وإطاعتهم والاستكانة والتضرع إلي المتفضل الوهاب. ولا تستوحش مما نقول: فإننا لا نقول علمهم كعلم الله تعالي أو فعلهم كفعله بقدرتهم، بل نقول (قل هو الله أحد - الله الصمد: [ صفحه 121] لم يلد ولم يولد - ولم يكن له كفؤا أحد، فالأنبياء والأئمة عليهم السلام مخلوقون مرزوقون كبقية البشر يحيون كحياتهم ويموتون كموتهم (إنك ميت وإنهم ميتون). إلا أنهم يهتدون بهدي الله تعالي ويهدون إلي الصراط المستقيم، فهم الحجة البالغة الكاملة من جانب الله سبحانه. (لا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها إليك أعظاد وأشهاد ومناة وأزواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وأرضك حتي ظهر أن لا إله إلا أنت) الدعاء. ولتوضيح المرام في المقام نورد هنا بعض الآيات والأخبار الصريحة فيما أردنا بيانه:(وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) [39] . (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [40] بتفسير: إنا نحن أهل الذكر. (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [41] بتفسير: إنا نحن أولو الأمر.(عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول) [42] . [ صفحه 122] وحاصل ما يستفاد من هذه الآيات أن علم الرسول صلي الله عليه وآله من الله تعالي لا يشاركه في علمه وهو سيد المرسلين وخاتم النبيين، ولا يشاركه في إيجاد الخلق ورزقهم وحياتهم وموتهم وغير ذلك من أفعال الله المختصة بذاته تعالي فكيف بحال الأئمة عليهم السلام (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) ولعن الله الغلاة. ووجوب السؤال والإطاعة وغير ذلك لا يمكن إلا عمن يعلم جميع الأحكام الدينية بحيث لا يجهل شيئا من ذلك حتي الأرش في الخدش كما في مصحف فاطمة عليها السلام وهو عندهم عليهم السلام، وهكذا العلم باللغات والصنائع كما سبق بيان ذلك من المجلسي (ره). وأما الأخبار بصورة عامة فهي الواردة في أبواب اضطرار الناس إلي الحجة ولولا الحجة لساخت الأرض بأهلها وغير ذلك، وحاصلها أن جميع الناس مكلفون بمعرفة الإمام وليسوا معذورين بترك معرفته ولو كانوا معذورين بترك الصلاة والصوم والحج والزكاة لعدم المال وعدم قدرة القيام والقعود فيبدل بتكليف آخر، وأما معرفة الإمام فلا يبدل بشئ ولا يترك علي حال، وما نودي بشئ مثل الولاية. والمراد بالحجة الحجة الكاملة، بحيث يعلم كل ما يسأل عنه أجاب أم لن يجب لمصلحة اقتضت عدم الجواب، فلا بد من التسليم لأمرهم عليهم السلام علي كل حال. وأما الأخبار الدالة علي ذلك عموما وخصوصا فكثيرة جدا نذكر بعضها هنا توضيحا للمراد: [ صفحه 123] عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما لا بليس من السلطان؟ قال: يوسوس في قلوب الناس. قلت: فما لملك الموت؟ قال: يقبض أرواح الناس. قلت: وهما مسلطان علي من في المشرق ومن في المغرب؟ قال: نعم. قلت: فما لك أنت جعلت فداك من السلطان؟ قال: أعلم ما في المشرق والمغرب وما في السماوات والأرض وما في البر والبحر وعدد ما فيهن، وليس ذلك لإبليس ولا لملك الموت (الكافي 1 / 106). عن عبد الأعلي بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ولدني رسول الله صلي الله عليه وآله وأنا أعلم كتاب الله وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلي يوم القيامة - إلي أن قال - أعلم ذلك كما أنظر إلي كفي - الخبر (عقيدة الشيعة في الإمامة 178). عن ابن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله علمني ألف باب من الحلال والحرام مما كان أو هو كائن إلي يوم القيامة، كل باب منها يفتح ألف باب فذلك ألف ألف باب، حتي علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب. وفي خبر آخر: والله ما استودعت علما إلا وقد أودعته ولا علمت شيئا إلا وقد علمته ولا أمرت بشئ إلا وقد أمرته - الخبر (عقيدة الشيعة في الإمامة 178). (تنبيه) وقد صدق وعلم الرسول (ص) الأنبياء الماضين بأشخاصهم وعددهم وكتبهم وصحفهم بالخصوص لا بنحو الكلية وكذلك معجزاتهم ليست بنحو الكلي، مثلا ناقة صالح جزئي ونار إبراهيم جزئية خارجية فبهت الذي [ صفحه 124] كفر جزئي خارجي وعصا موسي خارجية وهي تلقف ما يأفكون، وهكذا إلي آخر ما يكون من هذا القبيل. قوله: (ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث ويكون بإعلام الله تعالي له ذلك). أقول: ما ادعي أحد بأن الأئمة عليهم السلام يعلمون علما من عند أنفسهم ولا نقول ذلك في حق خير المرسلين أيضا فكيف بهم، قال تعالي (وعلمك ما لم تكن تعلم)، بل كل من يعترف بعلومهم بكل ما يعلمون يقول إن ذلك كله من فضل الوهاب عليهم (أم يحسدون علي ما آتاهم الله). وأي مانع أن يعلمه القاتل والزمان والمكان وكل ما يكون، وكل ذلك يثبت بالنص في أحوال كل واحد في كل مورد ثبت، ولا يثبت ذلك بالعقل كما أن إمامتهم ثبتت بالنص الصريح الصحيح لا بالعقل، كما ثبت ذلك في محله. فهو يعترف بأنه عليه السلام يعرف قاتله، فهو بالنص لا بالعقل وكذلك بالنسبة إلي الزمان والمكان. قال: (وقد جاء الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول، وأما علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر علي التحصيل). أقول: فعلي هذا كان يجب عليه أن لا يخرج تمام الليلة التي قتل فيه لا بقاء نفسه وعدم إلقائها في التهلكة كما هو تكليفنا. قال: (ولو جاء فيه أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون، إذ لو كان لا يمتنع أن يتعبده الله تعالي بالصبر علي الشهادة والاستسلام للقتل ليبلغه بذلك علو الدرجات ما لا يبلغه إلا به ولعمه بأنه يطيعه في ذلك [ صفحه 125] طاعة لو كلفها سواه لم يردها، ولا يكون بذلك أمير المؤمنين عليه السلام ملقيا بيده إلي التهلكة ولا معينا علي نفسه معونة تستقبح في العقول). أقول: ما ذكره اعتراف بعلمهم، وقتلهم ليس إهلاكا للنفس بل لعلو الدرجات أو إحياء الدين بعد اندراسه كما هو في استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، أو لحفظ الشيعة أو تأخير القتل كما في بيعة الإمام الحسن عليه السلام، أو لغير ذلك من المصالح المبينة في محالها. هذا كلام الشيخ المفيد هنا، وقد ذكر في غير المقام كلاما ظاهره غير ما ذكر هنا انظر كتابنا عقيدة الشيعة في الإمامة ص 181. قال المفيد (ره) في كتاب المسائل: أقول إن الأئمة من آل محمد عليهم السلام قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ويعرفون ما يكون قبل كونهم، وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطا في إمامتهم، وإنما أكرمهم الله به وعلمهم إياه للطف في طاعتهم والتسجيل بإمامتهم - الخ. ونقول: قد سبق أنهم عليهم السلام يعلمون بشيعتهم وعددهم وأنه تعرض الأعمال عليهم، وقد قال بعضهم (كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا) - عقيدة الشيعة في الإمامة ص 22. في تفسير علي بن إبراهيم القمي في حديث: وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق: إن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا، ليس علي جملة الإسلام غيرنا وغيرهم إلي يوم القيامة، نحن الآخذون بحجزة نبينا ونبينا آخذ بحجزة ربنا - والحجزة النور - وشيعتنا آخذون بحجزتنا [ صفحه 126] من فارقنا هلك ومن تبعنا نجي، والمفارق لنا والجاهد لولايتنا كافر - الخبر. وقد نقلنا في كتابنا (عقيدة الشيعة في الإمامة) قريبا من ثلاثمائة حديث في جهات علومهم عليهم السلام، من أراد الاطلاع عليها فليراجعها هناك ولا نعيدها. ويذكر في البحار 42 / 258 سؤال سئل الشيخ المفيد عن علم الحسين عليه السلام بأهل الكوفة ويجيب عنه قريبا مما أجاب به عن قتل أمير المؤمنين وخروجه إلي المسجد - فراجع. ثم قال المجلسي بعد ذلك: أقول وسأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي (ره) عن مثل ذلك في أمير المؤمنين عليه السلام، فأجاب بأنه يحتمل أن يكون عليه السلام أخبر بوقوع القتل في تلك الليلة ولم يعلم في أي وقت من تلك الليلة أو أي مكان يقتل وأن تكليفه (ع) غير تكليفنا، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالي، كما يجب علي المجاهد الثبات وإن كان ثباته يفضي إلي القتل - انتهي. أقول: إن جوابه (أخبر بوقوع القتل في تلك الليلة ولم يعلم في أي وقت من تلك الليلة أو أي مكان يقتل) غير صواب، لأنه لو علم بقتله في تلك الليلة أو احتمله فلا بد أن لا يخرج تمام تلك الليلة حفظا لنفسه الشريفة وعدم إلقائها إلي التهلكة كما هو تكليفنا، وهذا مثل جواب المفيد وهو لا يفيد كما سبق. نعم آخر جوابه صحيح كما مر في آخر جواب المفيد، بل جواب المفيد أفيد وأحسن - فتبصر. [ صفحه 127] في البحار 48 / 236 عن أحمد بن محمد... عن بعض أصحابنا قال: قلت الرضا عليه السلام: الإمام يعلم إذا مات؟ قال: نعم بالتعليم حتي يتقدم في الأمر. قلت: علم أبو الحسن عليه السلام بالرطب والريحان المسومين اللذين بعث إليه يحيي بن خالد؟ قال: نعم. قلت: فأكله وهو يعلم؟ قال: أنساه لينفذ فيه الحكم. وفيه: أحمد بن محمد... قال: قلت الإمام يعلم متي يموت؟ قال: نعم قلت حيث ما بعث يحيي بن خالد برطب وريحان مسمومين علم به؟ قال: نعم. قلت: فأكله وهو يعلم فيكون معينا علي نفسه؟ فقال: لا يعلم [43] قبل ذلك ليتقدم فيما يحتاج إليه، فإذا جاء الوقت ألقي الله علي قلبه النسيان ليقضي فيه الحكم. قال المجلسي بعد نقل هذين الخبرين في بيانهما: ما ذكر في هذين الخبرين أحد الوجوه في الجمع بين ما دل علي علمهم بما يؤل إليه أمرهم وبالأسباب التي يترتب عليها هلاكهم مع تعرضهم لها وبين عدم جواز القاء النفس إلي التهلكة. ويمكن أن يقال مع قطع النظر عن الخبرين التحرز عن أمثال تلك الأمور إنما يكون فيمن لم يعلم جميع أسباب التقادير الحتمية وإلا فيلزم أن لا يجري عليهم شئ من التقديرات المكروهة، وهذا مما لا يكون. والحاصل أن أحكامهم الشرعية منوطة بالعلوم الظاهرة لا بالعلوم الإلهامية. وكما أن أحوالهم في كثير من الأمور مغايرة مباينة لأحوالنا فكذا تكاليفهم مغايرة لتكاليفنا. [ صفحه 128] علي أنه يمكن أن يقال: لعلهم علموا أنهم لو لم يفعلوا ذلك لأهلكوهم بوجه أشنع من ذلك فاختاروا أيسر الأمرين، والعلم بعصمتهم وجلالتهم وكون جميع أفعالهم جارية علي قانون الحق والصواب كان لعدم التعرض لبيان الحكمة في خصوصيات أحوالهم لأولي الألباب، وقد مر بعض الكلام في ذلك في باب شهادة أمير المؤمنين وباب شهادة الحسن وباب شهادةالحسين صلوات الله عليهم أجمعين - انتهي [44] . أقول: آخر كلامه (ره) موافق لفهمنا وجدير بأن يتأمل فيه ويقبل والإنساء في الخبرة موافق لما ذكر في مجمع البحرين مادة (نسأ) ص 88 من حديث الحسن عليه السلام وقد سئل عن الرجل ينسي الشئ ثم يذكره. قال: ما من أحد إلا علي رأس فؤاده حقة مفتوحة الرأس فإذا سمع الشئ وقع فيها، فإذا أراد الله أن ينسيها طبق عليها وإذا أراد أن يذكرها فتحها. و (إنما أقضي بينكم بالبينة والأيمان) [45] وإن ما أخذ علي غير الحق فهو قطعة من النار، وقولهم بالأصول الثابتة بالأخبار في مواردها [ صفحه 129] مثل مورد الاشتغال والاستصحاب والبراءة وغير ذلك يكشف المراد من العلوم الظاهرية. وأقول: لم نعرف حتي الآن وجه الجمع في الخبرين اللذين ذكرهما المجلسي عن أحمد بن محمد بين علم الإمام وآية التهلكة، وقد نقلنا معني النسيان عن مجمع البحرين قبيل هذا، مع أن الأخبار الكثيرة وردت أنهم عليهم السلام يعلمون وقت موتهم وأنهم يودعون أسرار الإمامة من الكتب والصحف وآثار الإمامة والسلاح إلي الإمام الآخر عند الوفاة ويفعلون ما أمروا به وهم معصومون لا يرتكبون صغيرا ولا كبيرا من الذنوب وأن القابض للأرواح يقبض أرواحهم الشريفة بإذنهم وتدخل الملائكة بيوتهم بإذنهم وهم أفضل الخلق أجمعين. وعلي أي حال علم وجه الإشكال والجواب من كلام الأعلام، ولعل الأصوب ما ذكره المجلسي (ره) بعبارات. مختلفة نقلناها في هذا المبحث - فراجع كتاب البحار.

ختام البحث

إن عرف وجه الحكمة وصدق فهو المطلوب وإن لم يعرف والتبس علينا لم ينزل الإمام عن مرتبة الإمامة ولا يسقط فرض طاعته علي العبيد والأحرار من الله العزيز القهار، ولا يسند الجهل والنقص إليه ولا يجوز [ صفحه 130] لأحد إظهار ذلك لأنه يسند العيب والنقص إلي الإمام المعصوم من الزلل الملازم عصمته مع العلم وإنما العيب علي القائل. عن سعيد الأعرج وسليمان بن خالد: إن العائب علي أمير المؤمنين عليه السلام كالعائب علي الله وعلي رسوله، والراد عليه في صغير أو كبير علي حد الشرك بالله - عقيدة الشيعة في الإمامة ص 215. ولا يجوز أيضا إسناد الإلقاء بأيديهم إلي التهلكة بلا وجه صحيح وذلك مستلزم لإسناد ارتفاع العصمة عنهم عليهم السلام حينئذ، فلا بد في صورة عدم فهم وجه إيجاد الحكمة من السكوت كما في صورة عدم فهم وجه إيجاد الله بعض الأشياء في وجود المخلوق أو صفاته كما سمعنا من بعض نعود بالله من أمثال ذلك. والشاهد لما ذكر أو لبعضه كلام الحسن بن علي عليه السلام: يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالي ذكره علي خلقه وإماما عليهم بعد أبي عليه السلام؟ قلت: بلي. قال: ألست الذي قال رسول الله لي ولأخي - الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)؟ قلت: بلي. قال: فأنا إذا إمام لو قمت وأنا إمام إذا قعدت. يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل. يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالي ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا، ألا تري الخضر (ع) لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسي (ع) فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتي أخبره فرضي، هكذا أنا سخطتم [ صفحه 131] علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا علي وجه الأرض أحد إلا قتل (البحار 44 / 2). وفي حديث الرضا عليه السلام مع هرثمة بن أعين: ويقول لك (أي المأمون) يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسي وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس، فإذا قال فأجبه وقل له إنا نقول أن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام فإن تعدي متعد وغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب علي غسل أبيه ولو ترك أبو الحسن علي بن موسي بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفي - الخ (البحار 49 / 294). وعن الكافي في خبر: وبعث أبو جعفر عليه السلام إلي أبناء المهاجرين والأنصار فجمعهم ثم أتي الناس في ثوبين ممغرين وأقبل علي الناس كأنه. فلقة قمر فقال: الحمد لله محيث الحيث ومكيف الكيف ومؤين الأين، الحمد لله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض - الخ (البحار 46 / 347). قال المجلسي في بيان هذا الحديث: (محيث الحيث) أي جاعل المكان مكانا بإيجاده، وعلي القول بإيجاد المهيات ظاهر. والمغرة طين أحمر والممغر بها - إلي آخر بيانه. وفي خبر عن الكافي في جواب قتادة: فقال أبو جعفر عليه السلام ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت [ صفحه 132] وأهلكت وإن كنت أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكري حلال ويروم هذا البيت عارفا بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله عز وجل (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) ولم يعن البيت فيقول إليه، فنحن والله دعوة إبراهيم صلي الله عليه التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة. قال قتادة: والله لا فسرتها إلا هكذا. قال أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة إنما يقرف القرآن من خوطب به. وعن الكافي عن علي بن إبراهيم.. عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أري أن علي بن الحسين (ع) يدع خلفا أفضل منه حتي رأيت ابنه محمد بن علي فأردت أن أعظه فوعظني - إلي أن قال - فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت علي هذه الحال ما كنت تصنع؟ فقال: لو جاءني الموت وأنا علي هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعة الله عز وجل اكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس وإنما كنت أخاف أن لو جاء في الموت وأنا علي معصية من معاصي. فقلت: صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني. وفي حديث عن أبان بن تغلب: يا أبا جعفر (ع) هل تعلم أي يوم مات ثلث الناس؟ فقال: يا أبا عبد الرحمن لم يمت ثلث الناس قط بل إنما أردت ربع الناس، قال: وكيف ذلك؟ قال: كان آدم وحواء وقابيل [ صفحه 133] وهابيل فقتل قابيل هابيل فذلك ربع الناس. قال: صدقت. قال أبو جعفر عليه السلام: هل تري ما صنع بقابيل. قال: لا. قال: علق بالشمس ينضح بالماء الحار إلي أن تقوم الساعة. وسأل الفضل بن سهل بن علي بن موسي الرضا عليه السلام في مجلس المأمون فقال: يا أبا الحسن الخلق مجبرون؟ فقال: الله أعدل من أن يجبر ثم يعذب. قال: فمطلقون؟ قال: الله أحكم من أن يهمل عبده ويكله إلي نفسه (البحار 49 / 172). وفي حديث قال علي عليه السلام للنبي صلي الله عليه وآله: أتسلم يا نبي الله؟ قال: نعم. قال: سمعا وطاعة، ثم أتي مضجعه وتسجي بثوبه وأحدق المشركون به (البحار 49 / 200). وفي حديث: دخل زيد بن موسي بن جعفر علي المأمون فأكرمه وعنده الرضا عليه السلام، فسلم زيد عليه فلم يجبه، فقال أنا ابن أبيك ولا ترد علي سلامي. فقال عليه السلام: أنت أخي ما أطعت الله فإذا عصيت الله لا إخاء بيني وبينك (البحار 49 / 221). وفي حديث: إن علي بن الحسين عليه السلام كان يقول: لمحسننا كفلان من الأجر ولمسيئنا ضعفان من العذاب. وفي خبر: قال الحسن بن الجهم: ثم التفت (أي الرضا عليه السلام) إلي فقال: يا بن الجهم من خالف دين الله فابرأ منه كائنا من كان من أي قبيلة كان، ومن عادي الله فلا توالي كائنا من كان من أي قبيلة كان. فقلت له: يا بن رسول الله ومن الذي يعادي الله؟ قال: من يعصيه. [ صفحه 134] وعن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: من أحب عاصيا فهو عاص، ومن أحب مطيعا فهو مطيع، ومن أعان ظالما فهو ظالم، ومن خذل عادلا فهو خاذل، إنه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ولا ينال أحد ولاية الله إلا بالطاعة - إلي أن قال - فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم - الآية (البحار 46 / 177). وفي خبر آخر: فمن خالفكم علي هذا الأمر فهو زنديق فقال حمران: وإن كان علويا فاطميا. فقال أبو عبد الله عليه السلام: وإن كان محمديا علويا فاطميا (البحار 49 / 179). وقال أبو عبد الله عليه السلام: ليس بينكم وبين من خالفكم إلا المطمر. قلت: وأي شئ المطمر؟ قال: الذي تسمونه التر [46] ، فمن خالفكم وجازه فابرأوا منه وإن كان علويا فاطميا (البحار 49 / 179). وفي حديث: دخل زيد بن علي علي أبي جعفر عليه السلام ومعه كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها إلي أنفسهم ويخبرونه باجتماعهم و يأمرونه بالخروج إليهم. فقال أبو جعفر: إن الله تبارك وتعالي أحل حلالا وحرم وحراما وضرب أمثالا وسن سننا ولم يجعل الإمام العالم بأمره في شبهة مما فرض الله من الطاعة أن يسبقه بأمر قبل محله أو يجاهد قبل حلوله وقد قال الله في الصيد (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) فقتل الصيد أعظم أم قتل النفس الحرام، وجعل لكل محلا قال (وإذا حللتم فاصطادوا) [ صفحه 135] وقال (لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام) فجعل الشهور عدة معلومة وجعل منها أربعة حرما وقال) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله). وعن داود الرقي قال: سأل أبا عبد الله عليه السلام رجل وأنا حاضر عن قول الله (عسي الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا علي ما أسروا في أنفسهم نادمين [47] فقال: إذن في هلاك بني أمية بعد إحراق زيد سبعة أيام - الخبر. ومن كتاب ابن قولويه بعد نقل السؤال عن تسمية زيد بن علي: يا غلام علي بالمصحف. قال: فجاؤوا بالمصحف فوضعه علي حجره قال: ثم فتحه فنظر إلي أول حرف في الورقة وإذا فيه (وفضل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما) [48] قال: ثم طبقة ثم فتحه فنظر فإذا في أول الورقة) إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) [49] ثم قال: هو والله زيد، هو والله زيد، فسمي زيدا. وعن الحسن بن راشد قال: ذكرت زيدا فتنقصته عند أبي عبد الله عليه السلام فقال: لا تفعل، رحم الله عمي أتي أبي فقال: إني أريد الخروج علي هذا الطاغية، فقال: لا تفعل فإني أخاف أن تكون المقتول المصلوب علي ظهر الكوفة، أما علمت يا زيد أنه لا يخرج أحد من ولد فاطمة [ صفحه 136] علي أحد من السلاطين قبل خروج السفياني إلا قتل. ثم قال: ألا يا حسن إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها علي النار وفيهم نزلت (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) فإن الظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام والمقتصد العارف بحق الإمام والسابق بالخيرات هو الإمام - يا حسن إنا أهل البيت لا يخرج أحدنا من الدنيا حتي يقر لكل ذي فضل بفضله (البحار 46 / 185) وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية (ثم أورثنا الكتاب) الآية - إلي أن قال (قلت: من يدخل فيها؟ قال: الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلي ضلال ولا هدي، و المقتصد منا أهل البيت العارف حق الإمام، والسابق بالخيرات الإمام. أقول: هذه الخبر مما يدل علي أن زيد بن علي بن الحسين مرضي عند ربه وعند الأئمة صلوات الله عليهم من وجوه: (الأول أنه نهي الحسن بن راشد عن تنقيصه، الثاني أنه قال رحم الله عمي، الثالث أنه قال الظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام وزيد عرف الإمام والشاهد علي ذلك أنه اعترف بإمامة محمد الباقر عليه السلام. وخروجه بالسيف لم يكن للدعوة إلي نفسه بل للدعوة للرضا من آل محمد (ص). وفي حديث: كان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم، وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا. وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويطلب بثارات الحسين [ صفحه 137] عليه السلام، وهو المقتصد العارف بحق الإمام. الرابع مما يستفاد من الحديث المذكور (الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلي ضلال ولا هدي) وزيد بن علي أمر بالمعروف ولم يدعو إلي ضلال أبدا وهو العارف بحق الإمام كما سبق. هذا مع أنه اعترف بوصية أخيه عند وفاته إلي أبي عبد الله عليه السلام. الخامس قوله (إنا أهل بيت لا يخرج أحدنا من الدنيا حتي يقر لكل ذي فضل بفضله)، توضيح هذه الجملة يعرف مما ورد عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) فقال: هذه نزلت فينا خاصة، إنه ليس رجل من ولد فاطمة يموت ولا يخرج من الدنيا حتي يقر للإمام بإمامته كما أقر ولد يعقوب ليوسف حين قالوا (تالله لقد آثرك الله علينا) (البحار 46 / 168). وعن يحيي بن زيد قال: سألت أبي عليه السلام عن الأئمة فقال: الأئمة اثنا عشر، فسماهم بأسمائهم واحدا بعد واحد إلي أن قال: يا أبة ألست منهم؟ قال: لا ولكنني من العترة. قلت: فمن أين عرفت أسماءهم؟ قال عهد معهود عهده إلينا رسول الله. أقول: لقد أورد المجلسي (قده) علي هذا الكلام إشكالا وأجاب عنه ثم قال: وهذان سبب وقوع الخلاف بين الشيعة وأما جعفر وزيد فما كان بينهما خلاف، والدليل علي صحة قولنا قول زيد بن علي (من أراد الجهاد فإلي ومن أراد العلم فإلي ابن أخي جعفر). ولو ادعي الإمامة لنفسه لم ينف كمال العلم عن نفسه إذ الإمام أعلم من الرعية، ومن مشهور قول [ صفحه 138] جعفر بن محمد عليه السلام (رحم الله عمي زيدا لو ظفر لوفي إنما دعي إلي الرضا من آل محمد وأنا الرضا) - إلي أن قال - وقد جاء من رسول الله فيمن ادعي الإمامة كاذبا فقال: مه يا عبد الله إن أبي كان أعقل من أن يدعي ما ليس له بحق وإنما قال أدعوكم إلي الرضا من آل محمد، عني بذلك عمي جعفرا. قلت: فهو اليوم صاحب الأمر. قال: نعم هو أفقه بني هاشم - راجع حالاته في البحار 46 / 169 فما بعد. وفي قبال هذه أخبار أخر مخالفة لما ذكر فلا بد من الجمع بين الطائفتين قال المجلسي (ره) في مقام الجمع: ثم اعلم أن الأخبار اختلفت وتعارضت في أحوال زيد وأضرابه كما عرفت، لكن الأخبار الدالة علي جلالة زيد ومدحه وعدم كونه مدعيا لغير الحق أكثر، وقد حكم أكثر الأصحاب بعلو شأنه، فالمناسب حسن الظن به وعدم القدح فيه بل عدم التعرض لأمثاله من أولاد المعصومين عليهم السلام إلا من ثبت من قبل الأئمة الحكم بكفرهم ولزوم التبري عنهم، وسيأتي القول في الأبواب الآتية فيهم مفصلا إنشاء الله تعالي. وقد مضي من عمر زيد بن علي يوم قتل اثنتين وأربعين سنة، وكان مقتله يوم الاثنين ليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة. ولا يخفي أن التقية ثابتة ما لم يخف علي بيضة الإسلام كما يظهر من معاشرة بعض الأئمة (ع) مع خلفاء الجور، وإذا خيف علي سقوط الإسلام وأحكامه ينقلب الموضوع والحكم كما يظهر من بعض الأئمة عليهم السلام. [ صفحه 139]

في حقيقة الإيمان و شروطه

ما هو الإيمان

في الخصال ص 179 في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان، وهذه أجزاء الإيمان. قال حمزة بن محمد العلوي رضي الله عنه: وسمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعت أبي يقول وقد روي هذا الحديث عن أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح عن علي بن موسي الرضا عليه السلام بإسناد مثله قال أبو حاتم: لو قرئ هذا الإسناد علي مجنون لبرأ. أقول: الإيمان أخص من الإسلام كما يبدو من كثير من الأحاديث الوارد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. في الوافي 3 / 18 عن الكافي عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان؟ فقال: إن الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان - الخبر. وعن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن [ صفحه 140] قول الله تعالي (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم). فقال لي: أما تري أن الإيمان غير الإسلام. وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) فمن زعم أنهم آمنوا فقد كذب ومن زعم أنهم لم يسلموا فقد كذب. أقول: جملة (ومعرفة بالقلب) في أكثر الروايات مقدمة علي جملة (الإقرار باللسان)، ولكل جملة تأثير خاص، فلو اعتقد ولم يقر ولم يتلفظ بالشهادتين في الصلاة بطلت صلاته، ولو أقر بلسانه ولم يعتقد بترتب علي إقراره حقن الدم وحفظ المال والعرض وجرت المواريث والنكاح ما لم يظهر عليه أمارات الكذب، وأما نفسه فمصيرها إلي النار. في توحيد الصدوق ص 23 عن الرضا علي بن موسي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن (لا إله إلا الله) كلمة كريمة علي الله عز وجل، من قالها مخلصا استوجب الجنة ومن قالها كاذبا عصمت ماله ودمه مصيره إلي النار.

بعض شرائط الإيمان

الاعتقاد بالحقائق الايمانية لا بد أن يكون راسخا ثابتا إلي زمان اليقين ولا يكون مستودعا فيزول، ويكون علي نحو اليقين بل حق اليقين، ومع الشك والظن والتجربة لا يفيد لأنه لا يكون إيمانا. ومن الشرائط الأصلية والأصلية الاعتقاد بالإمامة، ففي البحار 49 [ صفحه 141] ص 123 في حديث عن ابن المتوكل عن الرضا عليه السلام: (لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي، فلما مرت الراحلة نادي الرضا بشروطها وأنا من شروطها. ومن شرائط الإيمان الخلوص في العمل وعدم الرياء والعجب واجتناب أكل الحرام بل والشبهة، فإن هذه الأمور وأشباهها وردت في الكتب الأخلاقية وفي شرائط إجابة الدعاء من عدة الداعي وغيره. في عدة الداعي ص 57 عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: يا أبا محمد إنما مثلنا أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل فكان لا يجهد أحد منهم أربعين ليلة إلا دعا فأجيب له، وإن رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة ثم دعا فلم يستجب له، فأتي عيسي عليه السلام يشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء، فتطهر عيسي (ع) وصلي ثم دعا، فأوحي الله إليه يا عيسي إن عبدي أتاني من غير الباب الذي أوتي منه، إنه دعاني وفي قلبه شك منك فلو دعاني حتي ينقطع عنقه وينثر (وينتثر) أنامله ما استجبت له. فالتفت عيسي فقال: تدعوا ربك وفي قلبك شك من نبيه. قال: يا روح الله وكلمته قد كان والله ما قلت فاسأل الله أن يذهب به عني. فدعا له عيسي عليه السلام فتفضل الله عليه وصار في أهل بيته، وكذلك نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبد وهل يشك فينا. قال المجلسي في مرآة العقول بعد نقل هذا الحديث وكلام له فيه: ثم اعلم أن هذه الأخبار مما تدل علي اعتبار العلم اليقيني في الإيمان وأن الشاك في العقائد الايمانية كافر بل الظن أيضا - انتهي. [ صفحه 142] أقول: العقائد الايمانية هي التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، وفي بعض العبارات أن التوحيد أصل والبقية فروعها. فعلي هذا عدت العدل والنبوة والإمامة والمعاد أصولا في مقابل التوحيد، لخصيصة فيها ليست في بقية الفروع، مثل عدم المعذورية في الولاية والإمامة بخلاف الصوم والزكاة والحج والصلاة، فإن المكلف معذور حال عدم المال وعدم القدرة كما هو صريح الروايات، ولكن الأولي التعبير الأول لأنه صادق بلا عناية. أقول: فوائد هذه الأخبار غير خفية علي المنصف الطالب للحق، فاجعل ما ذكرنا نصب عينيك لمعرفة الإمام والرسول والخالق تعالي فلست بمعذور في حال من الأحوال بترك معرفتهم قطعا. وقد نقل في أصول الكافي 2 / 400 روايات بهذا المضمون اشترط فيها (العمل بالأركان) مثل الصلاة والصيام والحج والزكاة وأمثالها من الأعمال الثابتة في الدين والإسلام أو المذهب من الشرع المقدس، فأصل العمل ثابت بمضمون قوله صلي الله عليه وآله (لولا ما عملت لهويت). وفي البحار 22 / 467 من الطبعة الجديدة في حديث عن النبي (ص): والذي بعثني بالحق نبيا لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت، اللهم هل بلغت. وقال علي عليه السلام لكميل: يا كميل لا تكن ممن يرجوا الآخرة بغير عمل، العلم بلا عمل كالسحاب بلا مطر. [ صفحه 143] وقد ورد أيضا: العلم بلا عمل لا ينفع كما أن العمل بدون العلم لا ينفع، والعلم أمام العمل، ومن عمل بما عمل ورثه الله علم ما لا يعلم. و غير ذلك مما هو مذكور في باب العمل مع شروطه، فلا بد أن يكون العمل عن اجتهاد صحيح أو احتياط صحيح أو تقليد صحيح. والمراد بالاجتهاد المعني الصحيح الحقيقي لا ما يدعيه بعض المتلبسين بلباس أهل العلم المتخلين عن العلم والعمل. في الخصال ص 522 عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: تعلموا العلم، فإن تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة - الخبر بطوله. المراد بالبحث عنه تمييز محكمه من متشابهه والناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد، والسند والصدور غير ذلك مما هو معلوم لأهل الاطلاع. ومضامين هذا الخبر مذكورة في أخبار كثيرة وواقعة في كلماتهم عليهم السلام في زمان بعد زمان، فلا بد من الفحص والجد والاجتهاد حتي يكون الإنسان مصداق قوله تعالي (والذين جاهدوا فينا لنهدينهمسبلنا) [50] . ولا يمكن التكلم بغير هذه الطريقة، ففي تحف العقول ص 116 في حديث: إن المؤمن من قال بقولنا، فمن تخلف عنه قصر عنا ومن [ صفحه 144] قصر عنا لم يلحق بنا، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار. وفيه ص 133 في حديث عن علي عليه السلام: ولقد كنت أنا أدخل كل يوم دخلة فيخليني معه حيثما دار، علم ذلك أصحابه أنه لم يصنع ذلك بأحد غيري، ولربما أتاني في بيتي، وإذا دخلت عليه منازله أخلاني وأقام نساءه فلا يبقي أحد غيري، كنت إذا سألت أجابني وإذا سكت وفنيت مسائلي ابتدأني، وما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض ولا دنيا ولا آخرة ولا جنة ولا نار ولا سهل ولا جبل ولا ضياء ولا ظلمة إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بيدي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها وأين نزلت وفيم نزلت إلي يوم القيامة. هذا مع ضرورة إلمام الفقيه بالعلوم الأدبية من النحو والصرف واللغة والفصاحة والبلاغة ومقدار من المنطق والكلام والتفسير وعلم الأصول، والعمدة تبحره في الفقه والخوض في فهم الأخبار مع توفر الشرائط في جميع ذلك. وسننقل فيما بعد إنشاء الله كلام العلامة الحلي ونصيحته لولده فخر الدين وننقل أيضا كلام العلامة المجلسي المطبوع في آخر توحيد الشيخ الصدوق لزيادة البصيرة، وليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة.

الفتوي مع البينة و العلم

ويجب أن يفتي المفتي بقول صحيح من رعاية بينة من العلم [ صفحه 145] اليقيني أو العلمي من الاطمينان والوثاقة، وفي الرواية (ما أكثر الرواة وأقل الرعاة). وإن لم يحصل له العلم أو الاطمينان فليمسك عن الفتيا لأن المفتي علي شفير جهنم، والفتوي مع التقصير افتراء علي الله تعالي كما هو صريح الآية الكريمة. هذا مع الأخبار الأخر الواردة في النهي عن القول بغير علم ولو كان مصادفا للواقع، ففي الخبر: رجل قضي بالحق وهو يعلم فهو ناج أو في الجنة، ورجل علم الحق وقضي بالجور فهو في النار، ورجل قضي بغير الحق وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضي بالحق وهو لا يعلم فهو أيضا في النار. ولا يعتني في الفتيا بالقياس والاستيناس والاستحسان ولا بالظن إلا بالظن المتاخم، أي المقارن المقارب بالدليل الوارد فيه لو لم يكن فيه مناقشة. فقد ورد (أن السنة إذا قيست محق الدين و (أن الظن لا يغني من الحق شيئا)، واجعل خبر أبان بن تغلب في دية أصابع المرأة مع قوله عليه السلام (مهلا يا أبان) نصب عينيك. في الكافي: الثلاثة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات. قال عليه السلام: قتلوه، ألا سألوا، فإن دواء العي السؤال. (الوافي 3 / 46). [ صفحه 146] (بيانه) المجدور من به الجدري، وهو بفتحتين وبضم الجيم: داء معروف. وإنما قتلوه لأنه كان فرضه التيمم، فمن غسله أو أفتي بغسله فهو ضامن، ودخول ألا المشددة علي الماضي للتوبيخ واللوم علي ترك الفعل. والعي بكسر المهملة والتشديد الجهل وعدم الاهتداء لوجه المراد والعجز عنه، وهو داء نفساني يبقي بعد خراب البدن في النفس، وعلاجه في العلوم الظاهرة السؤال وفي الأسرار الإلهية مع التضرع والابتهال. فعلي هذا لو قال العالم في زمن الفترة والغيبة وعدم الحضور علي نهج الحق وعلي ضوء أقوالهم عليهم السلام مع الشرائط التي ذكرناها يعتبر قوله ويرجع إليه، كما بين ذلك في وجوب سؤال العالم ورجوعه إليه وإرجاعه إليه. ولو عمل بالقياس والظن أو خلط عملا صالحا وآخر سيئا لا يعتني بقوله ولا يجوز الرجوع إليه بل يخرج بذلك عن العدالة ولا يجوز الصلاة معه والاقتداء به، فكيف يفتي الناس وهو هالك مهلك. والمراد بالأصول القواعد الممهدة لفهم الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية كما في المعالم، هذه القيود لازمة. والمراد بالعلم علم الدين من الكتاب والسنة. وأخذ العلم في تعريف الفقه - كما في المعالم بأن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها - وكذا في سائر العلوم مسامحة، لأن الفقه والنحو وغيرهما عبارة عن المسائل المدونة في تلك العلوم، علمنا [ صفحه 147] به أو لم نعلم. نعم هو يناسب تعريف الفقيه والعلم بالنحو وغيره - نبه بذلك الأستاذ العلامة الحاج الشيخ محمد رضا الأصبهاني (قده). وإلي الآن لم أعلم مغزي النزاع بين الأصولي والأخباري مع شدة العصبية الموجودة بينهما، فإنه لا نزاع بينهما في القرآن الكريم والتمسك به، والأصولي يأخذ بطائفة من الأخبار في الشبهات التحريمية كما أن الأخباري يأخذ بطائفة أخري، وأي سبب للمعركة القائمة بينهما ورد كل واحد علي الآخر والإساءة في القول. ولنعم ما قال الأستاذ المذكور أيضا: الأصولي أخباري من حيث لا يشعر، والأخباري أصولي من حيث لا يشعر. والاحتياط أحد طرق العمل ولكن تمييز موارده مشكل، لأن الاحتياط تارة يكون في الفعل وأخري في الترك، ويظهر ذلك لمن راجع كلام صاحب الجواهر مع المقدس الأردبيلي [51] فأغلب الناس لا يقدرون عليه ولو كان لبعضهم حظ ونصيب من العلم. [ صفحه 148]

كلمة في التقليد

أما رجوع الجاهل إلي العالم ووجوبه الذي يسمي بالتقليد يمكن إثباته بأمور: (الأول) قوله تعالي (فلولا نفر من كل أمة فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) [52] فوجوب الانذار يلازم وجوب الاستماع والاتباع من المنذرين، وليس وجوب الإنذار والانتذار علي الحيوان والجدار بل علي المكلف العاقل لا المجنون ومثل هذه الآية قوله تعالي (وأنذر عشيرتك الأقربين) بالبيان السابق، وهذا البيان يجري في كل مورد جري فيه الانذار، ويمكن تقريبه في كل مورد بترتيب البشارة علي العمل، مثل قوله تعالي (و بشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات) [سورة البقرة: 25] وغير ذلك من الآيات الكثيرة الصريحة في الموضوع. (الثاني) الأحاديث الواردة في ذلك، مثل قول علي عليه السلام لكميل بن زياد (كن عالما أو متعلما أو أحب العلماء) وخطاب (هلا [ صفحه 149] ما تعلمت وهلا ما عملت). عن الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه.. عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: طلب العلم فريضة علي كل مسلم، ألا إن الله يحب بغاة العلم (الوافي 1 / 36). أقول: في بعض الروايات كرواية مشكاة الأنوار ص 122 زيادة (ومسلمة)، و (بغاة العلم) طلابه جمع باغ كهداة جمع هاد، وباغ العلم عرفا من يكون اشتغاله به دائما بحيث يعرف به ويعد ذلك من أحواله كما هو الظاهر، ويظهر ذلك في ذيل بيان الوافي أيضا. وعن علي بن محمد وغيره... عن أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وصيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه. قال في الوافي آخر بيانه: (عند أهله) هم علماء أهل البيت الذين هم أوصياء النبي صلي الله عليه وآله وخلفاء الله في أرضه وحججه علي خلقه ثم من أخذ عنهم واستفاد من محكمات كلامهم من غير تصرف فيه. عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: عليكم بالتفقه في دين الله، ولا تكونوا أعرابا، فإنه من لم يتفقه في [ صفحه 150] دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا. (بيان الوافي) (لم ينظر الله إليه) يعني بعين اللطف والعناية، لأن قلبه مظلم فلا يصلح لأن يقع موضع نظر الله تعالي، والنظر يكني به عن الرحمة والعطوفة والاختيار كما يكني بتركه عن الغضب والمقت والكراهة. (ولم يزك له عملا) لأن العامل علي غير بصيرة كالسائر علي غير الطريق لا يزداده كثرة السير إلا بعدا. وعن الكافي: النيسابوريان عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لوددت أن أصحابي رؤسهم بالسياط حتي يتفقهوا. وعن علي بن محمد... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل جعلت فداك رجل عرف هذا الأمر لزم بيته ولم يتعزف [53] إلي أحد من إخوانه، قال: فقال كيف يتفقه هذا في دينه. (بيان المراد بهذا الأمر التشيع ومعرفة حجية أهل البيت عليهم السلام، وفي الحديث دلالة علي أن اعتزال العامي الجاهل بأمر الدين لا خير له بل هو حرام لاستلزامه فوت الفريضة التي هي التعلم و التفقه في الدين. وفي مشكاة الأنوار ص 122 (قال رسول الله صلي الله عليه وآله طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة وأن الله يحب بغاة العلم. وقال أبو جعفر عليه السلام: لو أتيت بشاب من شباب الشيعة [ صفحه 151] لا يتفقه في دينه لا وجعته. وعن علي عليه السلام قال: العالم الكاتم يبعث أنتن أهل القيامة ريحا، فلعنه كل دابة حتي دواب الأرض الصغار. وعن الكافي.. عن زرارة ومحمد والعجلي قالوا: قال أبو عبد الله عليه السلام لحمران بن أعين في شئ سأله: إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون (الوافي 1 / 46). (بيان) أراد بالهلاك الهلاك الأخروي، فإن الجهل مهلك في الآخرة ولا سيما إذا لم يشعر صاحبه به - أي الجهل المركب. وفيه أيضا عن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن هذا العلم عليه قفل ومفتاحه المسألة. (بيان) (هذا العلم) أي الذي يحتاج إليه الناس وكلفوا بطلبه. وفي الكافي: محمد عن ابن عيسي.. عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قرأت في كتاب علي عليه السلام: إن الله تعالي لم يأخذ علي الجهال عهدا بطلب العلم حتي أخذ علي العلماء عهدا ببذل العلم للجهال لأن العلم كان قبل الجهل (الوافي 1 / 47). أقول: الغرض المهم من نقل هذه الأخبار بيان وجوب رجوع العامي أو من كان له خط من العلم إلي العالم بالأحكام من الكتاب والسنة علي المنهج الذي بيناه فيما سبق من هذا الفصل. وشرط الاستدلال بالكتاب نصوصه وظواهره، وأما أصل ثبوته ووجوب التمسك به يعلم من تحريص الأئمة الهداة عليهم السلام وترغيبهم بهذا القرآن الكريم [ صفحه 152] وإبقائه في البيت وقراءته بالليل والنهار ومن المصحف وذم نسيانه وهجره وذم ترك قل هو الله أحد في الصلوات اليومية وفي مقام الشدائد والحث علي قراءته بتمامه في ثلاثة أيام في بيت الله مع بيان ثواب الآيات والسور كما في ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للصدوق وعدة الداعي لابن فهد الحلي والكافي والوافي وغيرها من كتب الحديث المشهورة. في الخبر المشهور بين الفريقين المروي عن النبي صلي الله عليه وآله بطرق كثيرة وأسانيد متظافرة: إني تارك أو مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا بعدي أحدهما أعظم من الآخر، وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي (عقيدة الشيعة في الإمامة ص 8). وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: تعلموا العربية فإنها كلام الله الذي تكلم به خلقها (الخصال ص 258). فالمقصود أن القرآن الكريم هو هذا الكتاب الذي بين أيدينا بإمضائهم عليهم السلام لا القرآن الذي عند أمير المؤمنين أو الحجة عليهما السلام، فعلي هذا لا نحتاج إلي ذكر أدلة الطرفين من مباحث التحريف وعدمه مع المناقشة فيها. وقد ناقش العلامة الشيخ هادي الطهراني في كتابه محجة العلماء ص 178 فيما يقرب من سبعين موردا من أدلة عدم التحريف ثم قال في آخر البحث ما هذا لفظه: [ صفحه 153] ومع هذا كله فالتحقيق أن أكثر ما في هذه الروايات ما بين تفسير وبين الأحرف التي نزل عليها القرآن وما بين الحديث القدسي، فما بأيدينا لا إشكال في كونه من الله تعالي من غير تغيير ولا تبديل بوجه من الوجوه. وحيث أن هذا علي خلاف ما اخترناه سابقا وأقمنا عليه البراهين فلا بد من الإشارة إلي فسادها وإقامة البرهان علي خلو المصاحف من التبديل والزيادة والنقصان - الخ. وشرط التمسك بالسنة والخبر رعاية جهة سنده من حيث الصحة و الوثاقة، ورعاية جهة ظهوره من حيث محكمه ومتشابهه وعامه وخاصه ومطلقه ومقيده وغير ذلك مما ذكرناه في شرط الاجتهاد، ورعاية جهة صدوره من حيث التقية وغيرها، ورعاية وجود العذر وعدمه بالنسبة إلي الأشخاص وقبول العذر وعدمه قبل إقامة البينة والحجة عليه بالنسبة إلي الأزمنة قبل ظهور الحجة القائم بالحق عليه السلام و بعد ظهوره، لانقلاب بعض الأحكام كما يظهر لمن تدبر في أحكام المخالفين والاستدلال بالكتاب والسنة منهجه الحجج، وهم عليهم السلام أخذوه من الرسول الكريم (ص) وهو من الله تعالي بطريق الوحي (وما ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي - علمه شديد القوي)، ومعناه جار في عترته أهل البيت عليهم السلام. وعلي هذا كيف يمكن ذم الاستدلال كقول من قال: پاي استدلاليان چوبين بود++ فيجب أن يقال في جوابه: [ صفحه 154] مغز رأسش با جگر خونين بود++ وكيف يذم التقليد بالمعني الذي ذكرناه، وهو وجوب رجوع الجاهل إلي العالم علي المنهج الذي تقدم، بقوله الشاعر: خلق را تقليد شان بر باد داد++ فيجب أن يقال في جوابه: أي دو صد لعنت براين تنقيد باد++ هذا إذا أراد من ذمه المعني الذي ذكرناه وإلا فلا كلام معه. عن الكافي: العدة عن البرقي عن عبد الله بن يحيي عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) قال: أما والله ما دعوهم إلي عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون (الوافي 1 / 55). (بيان) هذا الخبر أورده مرة أخري في باب الشرك عن العدة عن البرقي عن أبيه عن عبد الله بن يحيي، والظاهر أن ابن يحيي هذا هو الكاهلي. الأحبار العلماء والرهبان العباد. ومعني الحديث أن من أطاع أحدا فيما يأمره به خلاف الله ما أمر الله تعالي به فقد اتخذه ربا وعبده من حيث لا يشعر. ومما يدل علي ذلك من القرآن المجيد قوله سبحانه (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) وقوله عز وجل (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان) وذلك لأن العبادة عبارة عن الطاعة والانقياد. وفي هذا [ صفحه 155] وفي هذا الحديث دلالة واضحة علي عدم جواز تقليد المجتهدين في الأحكام بآرائهم كما هو الشائع الذائع إلي اليوم حتي بين أصحابنا فضلا عن العامة. وليت شعري كيف يجيبون عن ذلك إلا من أفتي بمحكمات القرآن والحديث فإن اتباع قوله حينئذ ليس بتقليد له بل تقليد لمن فرض الله طاعته وحكم بحكم الله عز وجل وغير ذلك فراجع. ولا يخفي أن الأخذ من الإمام عليه السلام في زمان الحضور لا يسمي تقليدا، لأن المكلف يعلم حيث يأخذ من مخزون علمهم (ع) ولو بالواسطة وإنما يكون التقليد في زمان الحيرة والغيبة، فلا بد أن يأخذ ويسأل ممن يعرف الحديث علي النهج الذي بيناه. والعامي لا يقدر علي فهم الأخبار مع أنه مكلف كما يأتي بيانه. في الكافي 1 / 57 عن محمد بن أبي عبد الله عن يونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام: بما أوحد الله؟ فقال: يا يونس لا تكونن مبتدعا، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيه ضل، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر. وفي الحبار 47 / 50: من أفتي وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك. ومن ذلك يعلم أن أصل الفتوي صحيح لو كان عن وجه صحيح. والحاصل أن العامي ومن كان له نصيب من العلوم الدينية إما أن يكون مكلفا بالأحكام الثابتة من الحجج عليهم وإما أن لا يكون مكلفا، والثاني باطل حيث لم يهمل الله العباد ولم يخلقهم عبثا، فلا بد أن يبين [ صفحه 156] حجته علي الخلق لقاعدة اللطف والتفضل وليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة، ولا جبر ليكون جورا في سلطانه ولا تفويض ليكون وهنا في سلطانه، بل أمرهم ونهاهم بمقدار الطاقة ولم يكلفهم فوق الطاقة، وهو أحد معاني الأمر بين الأمرين. والأول صحيح ولكن عامة الناس بل أغلب الخواص لا يقدرون علي فهم الآيات والأخبار مع القيود والشرائط التي ذكرناه في الاجتهاد الصحيح، فلا بد من أن يسأل أحكام دينه ويراجع أهله بمقتضي وجوب التفقه وأن العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة وغير ذلك مما ذكر. وقد قلنا أن تمييز موارد الاحتياط مشكل بل يمتنع أحيانا، فالرجوع والإرجاع إلي المجتهد أسهل طريق لنجاة النفس من الهلكة. وأوامر الله تعالي ونواهيه ثابتتان من أول الدنيا إلي فنائها ولا تسقطان بحال من الأحوال، فالأمر بحيث تعلق بمتعلقه بصرف وجوده يسقط الامتثال والطاعة، وأمره باق في المستقبل إلي يوم القيامة، ونهيه باق حتي زمان المعصية، فمنادي لا تشرب الخمر ولا تقرب الزنا ولا تقربوا الفواحش ينادي المكلف ولو حين ارتكابها ولا تسقط في آن واحد. و الدليل علي ذلك وجوه: (الأول) قوله (حلاله حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة) وليس فترة في حكم الشارع حين المعصية حتي يقال سقط نهي الشارع المقدس، فليس صلاة الغد وترك الشرب مثلا في الغد بأمر جديد ونهي جديد، بل كل واحد ثابت بالأمر الأول والنهي [ صفحه 157] الأول بلا احتياج إلي تكرر الأمر والنهي. (الثاني) خبر اللوح الذي ذكرناه في كتابنا عقيدة الشيعة في الإمامة ص 18 ومنه (وانتجبت بعده موسي وأتيحت بعده فتنة عمياء حندس [54] لأن خيط فرائضي لا ينقطع وحجتي لا تخفي)، فلو قلنا عند المعصية يسقط النهي فهو مخالف لصريح النص، بل بقتل الحجج وإحراق القرآن - والعياذ بالله - لا يسقط الفرض لمن علمه أو لم يعلمه و كان قادرا علي تحصيله، فكيف يسقط النهي مثلا عند المعصية. (الثالث) قوله في الخبر المشهور بين الفريقين (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) وبيان الاستدلال بهذا الخبر أن الكتاب حبل ممدود من الله العظيم باق مع بقاء الحجة، وهما باقيان إلي يوم البعث، ويعرض العمل الشنيع عليه عليه السلام فيكرهه ويمقته وينظر إليه نظر مقت وشين، وهذا النظر ثابت حين المعصية وحين إرادتها وحين فراقها مع عدم الندامة، ولا يمكن أن يقال إن هذا النظر والكراهة قد سقط حين المعصية، وكذلك نهي القرآن الكريم. فلو قيل إن النهي سقط بالمعصية افترق القرآن عن الحجة. هذا مع أو قوله عليه السلام (حلاله حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة) ثابت ليس فيه فترة وانقطاع وفصل، ولو قيل بالسقوط لزم الانقطاع والفصل والافتراق وهو مخالف لصريح الرواية. [ صفحه 158] وقد قال صاحب الكفاية بسقوط خطاب النهي عند المعصية وبقاء العقاب، وهو كما عرفت رأي لا يمكن المساعدة عليه، كما لا يمكن المساعدة علي كلام صاحب مصباح الفقيه حيث قال في كتاب الطهارة منه (ص 13 فكما أن التكليف يرتفع بالعصيان كذلك يرتفع بالامتناع، لكن إذا كان الامتناع اختياريا للمكلف يكون المخالفة المسببة عنه مخالفة اختيارية فيعاقب عليها. وهل يستحق العقاب من ترك المقدمة أو في زمان حصول المعصية؟ أوجههما الثاني - الخ. وفيه: أولا إن من قال بسقوط الخطاب عند المعصية لا يقول بسقوط العقاب، فالاستدراك والاستثناء في كلامه لا وجه له. وثانيا إن ثبوت العقاب علي الكافر من جهة توجه الخطاب بأداء الزكاة مثلا إليه فتكليفه به ثابت وبمخالفته ولو بسوء الاختيار يعاقب، بناءا علي قول المشهور الذي اختاره صاحب الجواهر وصاحب مصباح الفقيه ولا فرق بين المسلم والكافر ولا بين سوء الاختيار وعدم الإيمان في الكافر واختيار السوء والمعصية مع ثبوت الإيمان في المؤمن والمسلم، فلو سقط الخطاب ففي كليهما يسقط مع بقاء العقاب في ترك المنهي عنه، ولو بقي الخطاب ففي كليهما يثبت ولا فرق بينهما أصلا. ويبقي سؤال الفرق بينهما مع فرض ثبوت العقاب، ومنشأه مخالفة التكليف الذي هو متوجه إليهما، وقد قلنا بعدم سقوطه لظواهر الأدلة بل صريحها كما بيناه. هذا مع أن الإيمان وغيره من شرائط الوجود لا من شرائط الوجوب، فيجب تحصيله علي المسلم والكافر مع القدرة لإتيان الواجب [ صفحه 159] في مقام الوجوب والأمر في الخارج وفي المنهي عنه هما مأموران بعدم إيجاده في الخارج. (الرابع) إن خطاب الله علي المكلف كالشمس الطالعة والقمر المنير فوق رأس المكلف يضيئ نوره علي البر والفاجر وعلي المطيع والعاصي والأبيض والأسود والعبيد والأحرار ولا ينقطع نوره أبدا ولا يتغير بتقلب البر والفاجر والمطيع والعاصي والأبيض والأسود والعبد والحر، ولعل قوله صلي الله عليه وآله (كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض) كان نظيرا للشمس أو القمر أو أعلاهما. وبتقريب آخر: إن علامة الخطر في الطرق ثابتة، خالف الراحل و الماشي والإنسان والحيوان المدرك أو لم يخالفوا، ولا تسقط بتغير ما ذكر - فتذكر. ولو قيل: إن الناس كلهم أو أغلبهم لا يقدرون علي التفقه. قلت: إن الناس كلهم مكلفون ولا يسقط التكليف، وكلهم مكلفون بمقدار الطاقة لا أنهم مكلفون فوق الطاقة كل علي شاكلته، فلو كان قادرا علي فهم الكتاب والسنة علي المنهج الذي بيناه وله استعداد تام فتحصيله واجب في هذا الزمان الذي وقعنا فيه واختلطت الآراء الفاسدة الكاسدة من جهة عقولهم مع تبيان الحق من كلام الحجج عليهم السلام بحيث ما أبقي شئ يحتاج الناس إليه إلا بينوه حتي الأرش في الخدش، كل ذلك يظهر من قوله تعالي (ما فرطنا في الكتاب من شئ). وفي حديث عبد العزيز ابن مسلم: وما ترك شيئا مما تحتاج الأمة [ صفحه 160] إلا وقد بينه، فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ومن رد كتابا الله فقد كفر (عقيدة الشيعة في الإمامة ص 10). وقال تعالي (قد تبين الرشد من الغي). وفي الكافي عن أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إن الحسين عليه السلام لما حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبري فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة، وكان علي بن الحسين (ع) مريضا لا يرون أنه يبقي بعده، فلما قتل الحسين ورجع أهل بيته إلي المدينة دفعت فاطمة الكتاب إلي علي بن الحسين، ثم صار الكتاب والله إلينا يا زياد. ونقل في الوافي بعد ذلك قال: قلت ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟ قال فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ أن خلق الله آدم إلي أن يفني الدنيا، والله إن فيه الحدود حتي أن فيه أرش الخدش (الوافي 1 / 83). وفي الكافي: العدة عن الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الحسين لما صار إلي العراق استودع أم سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية فلما رجع علي بن الحسين (ع) دفعتها إليه. (بيان من الوافي) كأن هذه الكتب والوصية غير الكتاب الملفوف والوصية الظاهرة التي دفعها إلي فاطمة ابنته. فلو كان المكلف قادرا علي الاحتياط التام وتمييز موارده فيعمل به وينجو من الهلكة، ولو لم يكن قادرا علي ما ذكر فلا بد من رجوعه وإرجاعه [ صفحه 161] إلي من يعرف أحكامهم عليهم السلام التي بينوها في الرسالة العملية مع الشرائط المتقدمة، ولا يجوز المساهلة في أمر الدين لخطاب (هلا ما تعلمت وهلا ما عملت) وقوله عليه السلام (ثم المتجر) ثلاث مرات وهو المراد بالايجاع للتفقه في خبر أبي جعفر عليه السلام المروي في مشكاة الأنوار ص 122، وضرب رؤس الأصحاب بالسياط للتفقه المروي في الكافي عن جميل بن دراج ووجوب التفقه كما مر نقله عن الوافي 1 / 37 ورجوع الجاهل وإرجاعه إلي العالم بأحكام الدين علي وجه اليقين يسمي تقليدا، حتي أن أصل التقليد ليس بتقليدي بل حكم عقلي، وهو من المستقلات العقلية كالواحد نصف الاثنين وبطلان الدور والتسلسل، فأمر الشارع في هذه الموارد إرشادي بخلاف أغلب الموارد في باب العقائد كالمعاد والجنة والنار وكيفياتها فإن العقل لا يدرك شيئا منها، وكذلك الأحكام بأسرها فإنها لا تدرك بعقولنا ولا يجوز أن تعرض عليها، بل ثبت كل ذلك بالتقليد من طرف الشارع المقدس. ولا يعرف من عللها الحقيقية إلا ما بينوه، ويصدق كل ذلك بعد تصديق الرسول بأنه (لا ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي - علمه شديد القوي)، ولا يعرف كلها إلا علام الغيوب، وعلم الرسول وأوصياؤه بتعليم الله إياهم كلما علموا (أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله) (وعلمك ما لم تكن تعلم). ويستشكل بأنه لا يفرق بين الرجل والمرأة والعدالة وغيرها وغير ذلك مما اعتبر في الفتوي، فلا بد من الرجوع في ذلك كله إلي أخبار [ صفحه 162] الباب، ونحن بينا مقدارا كافيا فيما مر، ونستغني إنشاء الله تعالي بالأخبار الواردة في الباب ونستفيد منها المقصد الأقصي، ولا نشك بسيره (ص) إلي المسجد الأقصي مع العلي الأعلي مما بين عند سدرة المنتهي، فكيف يرجع إلي العقل الناقص وهو معركة الآراء حتي قيل بحرمة التقليد. أفلا عقل لهم في تعيين الحكم والشخص، فراجع كلمات الإشراقيين والمشائين والمتكلمين مع اختلافهم في الآراء. من أين جاءت هذه العقول المختلفة مع آرائهم الفاسدة الكاسدة مع أن علمه تعالي عين ذاته كالحي والقيوم وغير ذلك، ففيه علي ما نقل خمسة وعشرون قولا.

نماذج من اختلاف الآراء

انظر إلي اختلاف آرائهم في علم الباري عز وجل وكيفية خلق العالم، حتي قيل أن علمه تعالي بالكليات - لأن علمه يتغير بتغيير الجزئي - لا الجزئيات، وأنه لا بد له من مادة ومدة، وقاعدة أن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد، إلي غير ذلك. والجواب عن الأول: إن التغير في المعلوم لا في العالم والخالق، والحق أن الكلي الطبيعي بمعني وجود أشخاصه لا وجود له إلا المفهوم وهو لا يغني من الجوع والعطش وغيرهما، أوليس الجزئي من مخلوق الله فكيف لا يعلم به. هذا وكيف ومعجزات الأنبياء عليهم السلام كلها جزئيات مثل عصي موسي وهي تلقف ما يأفكون، وتكوين الطير بيد عيسي بأذن الله، فنفخه [ صفحه 163] اختياري وتكوينه كان جزئي يعاين وكان بإذن الله تعالي. والجواب عن الثاني: إنه يلزم تعدد القدماء، أوليس القديم إلا الله الخالق، ويلزم افتقاره تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا، كالنجار يقدم بصنع السرير ولو باستقراض ما يحتاج إليه أو ما أشبه ذلك. والجواب عن الثالث: إنه تعالي قادر مختار، بحيث لو أراد خلق العوالم أضعافا مضاعفة لا وجده، لقوله (إذا أراد الله شيئا أن يقول له كن فيكون)، والحكماء يكتفون بالتقديم الذاتي كالعلة والمعلول لا انفكاك بينهما إلا بالتقدم الذاتي، وكان أستاذنا الحجة الآية السيد محمود الشاهردوي يعبر هنا بقوله (خداي سيم پيچ) ومعني قوله (الله المتكتف) حفظوا سلطانه وألقوا اختياره. انظر كلام المجلسي (قده) في سيره وسلوكه واعتقاداته المطبوع في آخر توحيد الصدوق تعرف مقصدهم وكلامهم وتبصر في أمر دينك. هذه الانحرافات نشأت من عقولهم الكاسدة ولم يراجعوا مقام الوحي وبيان أهله لهم فضلوا وأضلوا. العقل تابع للشرع المقدس بعد تصديقه بأنه ما ينطق عن الهوي ولا يكون الشارع تابعا لعقل الناس، ولا يجوز عرض ما علم صدوره عن الرسول والأئمة علي العقل فما قبله قبل وما لم يقبله يرد، فاجعل خبر أبان تغلب الوارد في دية أصابع المرأة نصب عينيك حتي تعرف الحقيقة. غرضنا من هذا الكلام كله إثبات وجوب رجوع الجاهل والفاضل إلي من ذكرناه وليس أحد بمعذور ويعاقب علي تركه، وتركه بسوء الاختيار [ صفحه 164] لا ينافي الاختيار فهو مكلف يعاقب علي تركه، نظير الكفار الذين كلفوا بمعرفة أصول الدين وفروعه. ونستدل علي ذلك بآيات وأحاديث، أما الآيات: (الأولي) قوله تعالي (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون - ولقد فتنا الذين من قبلهم) [55] بيانه أن مع الإيمان بالله تعالي والرسول والحجج يمتحنون فكيف يكون حال المشرك وأنه لا يكلف بأصول الدين وفروعه(الثانية) قوله تعالي (خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) [56] . بيانه أن العمل بدون معرفة الله والرسول والحجج لا فائدة فيه.(الثالثة) قوله تعالي (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [57] . أي يعرفون الله ورسله وأوصياءهم ويعبدون الله بإرشادهم إياهم، وبغير هذا المنهج لا يرضي منهم، فالكفار داخلون في أصول الدين و فروعه فهم مكلفون كغيرهم. (الرابعة) قوله تعالي (أيحسب الإنسان أن يترك سدي - ألم يك من نطفة من مني يمني - ثم كان علقة فخلق فسوي) [58] استشهد أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الآية ودموعه تهمي علي خديه، فأجهش [ صفحه 165] القوم لبكائه ثم سكن وسكنوا، فسأله عمر عن مسألة فأصدر إليه جوابها، فلوي عمر يديه ثم قال: أما والله لقد أرادك الحق ولكن أبي قومك. فقال عليه السلام: يا أبا حفص خفض عليك من هنا ومن هنا (إن يوم الفصل كان ميقاتا) [59] ، فانصرف وقد اظلم وجهه وكأنما ينظر إليه من ليل (عدة الداعي ص 102). أقول: أيها الكافر والمشرك والمسلم والمؤمن تأملوا في استشهاد الإمام عليه السلام في هذا الخبر ويشمل الفروع والأصول، والآيات فيما ذكر كثيرة لا يسع المقام نقلها كلها. وأما الأخبار الدالة علي ذلك فكثيرة أيضا نذكر بعضها: 1 - عن علي بن الحسين عليه السلام قال: نحن أئمة المسلمين وحجج الله علي العالمين وسادة المؤمنين وقائد الغر المحجلين وموالي المؤمنين ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسكالله السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه وبنا يمسك الأرض أن تميد [60] . بأهلها، وبنا ينزل الغيث وبنا ينشر الرحمة ويخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت (عقيدة الشيعة في الإمامة (ص 3). وفي خبر عبد العزيز فيه ص 10: فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ومن رد كتاب الله فهو كافر (فقد كفر). 2 - وعن أبي غالب الزراري في حديث: يا حصين لا تستصغروا [ صفحه 166] مودتنا فإنها من الباقيات الصالحات. قال: يا بن رسول الله ما استصغرتها ولكن حمدت الله عليها. وقد ذكر في الوافي أبواب كثيرة في كتاب الحجة فيها أحاديث وروايات تدل علي ما ذكرنا دلالة واضحة أضربنا عن ذكرها خوفا من ملل القارئ وإطالة الكلام في المقام - فليراجع والغرض المهم مما ذكر استفادة أمور: (الأول) إن المراد بالحجة الحجة الكاملة بحيث لا يخفي عليه شئ، فلو سأله أحد أمر دينه ودنياه لأجابه بالواقع لولا المانع، وليس علمه كعلمنا الذي يطرأ عليه الخطأ. ولا يجوز إسناد الجهل إليه لأنه نقص يرجع نقصه إلي الرسول (ص) وإلي العلي الأعلي تعالي شأنه، ومن جهلهم فقد جهل الله عز شأنه. (الثاني) معالم الدين يؤخذ منهم عليهم السلام، لأنهم خزنة علم الله وحكمه من أصول الدين وفروعه، ولا فرق بين المؤمن والكافر لأنهم مكلفون بها كلها، وهم عليهم السلام حجة الله علي الخلق أجمعين (الثالث) فرض طاعتهم علي أهل الأرض، لأن خيط فرض الله لا ينقطع وأمره ونهيه ثابتان، فبالامتثال يثاب المرء وبالمعصية يعاقب والنهي باق حين المعصية ونظر المقت والشين باق حين المعصية، ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر، وعقاب كل معصية علي حدة ولا يسقط بعقاب المعصية التي هي أكبر المعاصي وأعظمها. فمثلا إذا قتل المؤمن متعمدا نفسا زكية وشرب الخمر وسرق وارتكب غير ذلك من الذنوب [ صفحه 167] فعقاب كل واحد ثابت علي طبق أفراد المعصية ولا يسقط بعقاب قتل النفس الزكية، وكذلك الكافر بأقسامه يعاقب علي عدم إيمانه وترك صلاته وزكاته وغير ذلك من الواجبات. ولا يخفي أن المراد بمن ذكر المقصر الذي هو قادر علي إتيان الحجة والسؤال عنه، لا المستضعف الذي لا يقدر ولا له معرفة بذلك. (الرابع) وجوب معرفتهم حق المعرفة بمقدار الإمكان، لأن الناس كلهم مكلفون بمعرفة الإمام ومضطرون إلي معرفته وليسوا بمعذورين بترك معرفة، ولا فرق في ذلك بين المسلم والمؤمن البر والفاجر و الكافر، والكافر لو كان ملتفتا إلي عواقب أمره لا من، والمؤمن لو التفت إلي درجاته في عواقب أموره لجد واجتهد في تحصيل الكمالات النفسانية التي أمرنا بمعرفتها، لا الأمور الفانية التي لا تبقي مع الإنسان ولا يسأل عنها غدا. كل شئ فان ويبقي وجه ربك ذي الجلال و الاكرام.

الايمان شرط في صحة العبادات

شرط صحة الصلاة والصوم والزكاة وغيرها من الفروع وأصول الدين للمؤمن أن يأتي بشروطها وأحكامها، مثلا الصلاة مشروط بالوضوء أو الغسل أو التيمم والإخلاص وغيرها فلا بد أن يأتي بشروطها حتي تصح صلاته وهو قادر علي كل ذلك، فلو أخل بواحد منها اختيارا لم تصح صلاته وكان معاقبا علي ذلك. [ صفحه 168] والكافر مكلف بالإيمان وغير ذلك حتي تصح صلاته، فلو أخل بالإيمان وسائر الشروط لمن تصح منه الصلاة مثلا ويعاقب مع قدرته علي ذلك وليس بمعذور بترك معرفة الله وحججه مثل المؤمن، بمقتضي الأخبار والآيات التي سبق ذكر بعضها. هذا مضافا إلي أن ما ذكر من شرائط الوجود لا الوجوب، فلا بد من تحصيله، ومن المناسب أن ننقل هنا كلام بعض الأعلام. قال في الجواهر كتاب الطهارة ص 184 ط القديم: (تفريع) الغسل من الجنابة أو غيرها يجب علي الكافر عند حصول سببه علي نحو المسلم كسائر الفروع لعموم ما دل علي التكليف بها، ولا يمنع من ذلك عدم التمكن من الصحيح حال الكفر، لا ما بالاختيار لا ينافي الاختيار. علي أن الإيمان من شرائط الوجود التي يجب علي المكلف تحصيلها، فلا مانع من التكليف حال عدمها مع التمكن منها. وخلاف أبي حنيفة ضعيف كما بين في محله. علي أن ما نحن فيه من الأغسال من خطابات الوضع التي يجب مسببها حيث يصل الإنسان إلي قابلية التكليف. إلي أن قال: ولا يصح منه في حال كفره، لعدم التمكن من نية القربة - الخ. وقال في كتاب الزكاة ص 15: والكافر يجب عليه الزكاة بلا خلاف معتد فيه بيننا، لأنها من الفروع التي قد حكي الإجماع في كتب الفروع والأصول علي خطابه بها للعموم وغيره وخصوص قوله تعالي (ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) [ صفحه 169] وغيره مما ذكر في محله. إلي أن قال: ولا يصح منه أداؤها. وفي مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 11: (تفريع) الغسل من الجنابة وغيرها يجب علي الكافر. إلي أن قال: ولا يصح منه. وبيانه أبسط مما ذكر عن الجواهر - فراجع. وملخص الكلام أن من تأمل في الأخبار والشواهد العقلية والنقلية لا يكاد يرتاب في أن معظم الأحكام المقررة في شريعة خاتم النبيين (ص) هي مما أحب الله تعالي أن يتأدب بها كافة عباده المكلفين ولا يرضي أن يتعدي عنها، فلو فرض ظهور بعض الأخبار فيما ينافي ذلك تعين تأويله. إلي أن قال: وقد تقرر في محله أن الأقوي ما عليه المشهور. أقول: التمسك بأن الإسلام يجب ما سبق لعدم التكليف، غير صحيح، لأن الجب يدل علي ثبوت التكليف للكافر قبل الإسلام، فلو لم يكن تكليف فكيف يجبه الإسلام. هذا مع أن الأحكام الوضعية باقية مثل ضماناته ونجاسة بدنه وغير ذلك، كما ورد أن التوبة تجب ما سبق، ولا ترفع نجاسة فمه ولباسه بأكل النجاسات ولا ضماناته حتي قضاء الصلاة للمسلم، بل الجب والتوبة والكفارات من من الله علي العباد ليرجعوا إليه بالعبادة والإنابة والعبادة.

الرجوع إلي الأعلم في أمور التقليد

ثم هل يجب تقليد الأعلم لو وجد أم لا فيمكن للعامي الرجوع إلي العالم أيضا؟ والبحث عن ذلك يذكر في مقامين: [ صفحه 170]

كيفية تشخيص الاعلم

الأول: في تشخيصه، فيجب الرجوع إلي أهل الخبرة في ذلك، كما أن أرباب الصنائع حيث يرجعون في الأمور المهمة إلي أهل الخبرة حتي يطمئنوا إلي صحة عملهم. ولا يلزم أن يكون أهل الخبرة مجتهدين بل هم يعرفون الدقائق واللطائف من كلام الأساتيذ فيفرقون بينهم في مراتبهم العلمية وتفاضلهم في الاجتهاد.

وجوب رجوع العامي إلي المجتهد

الثاني: قد سبق الكلام منا في وجوب رجوع العامي وغيره إلي قول المجتهد علي النهج الذي تقدم بمقتضي الأخبار المتقدمة، فقول المجتهد حجة له، فلو استفدنا من الأخبار أنه بنحو الموضوعية والسببية فلا فرق بين الأعلم وغيره، ولو قلنا أن قول المجتهد كاشف عن الواقع فكل ما كان دخيلا لكشفه - بل يحتمل الكاشفية - يؤخذ به ومنه أخذ قول الأعلم. والروايات التي نذكرها بعد لو تمت سندا ودلالة تفيد في المقام وإلا فيرجع إلي الاحتياط والقدر المتيقن واليقين بحجية قوله والشك في حجية قول الآخر. والروايات المشار إليها هي: في البحار في حديث: تقدمون أحدكم وليس بأفضلكم (بحار الأنوار 22 / 452). أقول: يمكن أن يكون المراد الزعامة الدينية فيشمل الفتوي و غيره، ويحتمل أن يكون المراد بيان خصائص الإمامة وتعيين الإمام عليه السلام. وهذا الخبر في مقام ذم الأمة وخوفه (ص) عليهم. (ومنها) في مواعظ الإمام الصادق عليه السلام: من دعا الناس [ صفحه 171] إلي نفسه وفيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع منال (تحف العقول ص 280) (ومنها) عن أبي العزرمي رفع الحديث إلي رسول الله صلي الله عليه وآله قال: من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه وأفقه لم يزل أمرهم إلي سقال (سفال) إلي يوم القيامة (عقاب الأعمال ص 199). وبقرينة الأعلمية والأفقهية يعلم أن المراد الإمامة في الفتوي و القضاء بين الناس، لا أن المراد به إمام الجماعة كما يظهر ذلك لمن تدبر في أحكام الجماعة وإمامها - فتدبر. والحاصل أن قول الأعلم والأفضل مطابق للقواعد المذكورة و غيره ليس مطابقا لها، سواء قلنا بتمامية الإطلاق أو عدم تماميته، كما اختار الثاني صاحب الكفاية (قده). وهنا فروع كثيرة يترتب علي هذا البحث لا مجال لبيانها فعلا مثل كون أحدهما أعلم في العبادات وآخر في المعاملات وكذا في سائر أبواب الفقه. ولعل الأوفق بالقواعد أن يأخذ المكلف بقول الأعلم في كل باب علي مقتضي ما ذكرناه بعد التشخيص، ولا اعتبار بتعدد الأشخاص بل لتعين الحجة علي المكلف في ذلك ولا تعدد حينئذ - فتدبر. والمحصل من جميع ما ذكرنا أن العام أو المطلق ناظر إلي الخاص والمقيد من أول الأمر وينتظر وقت الحاجة والقدرة علي بيانهما ولو بعد زمان أو أزمنة أو بعد إمام أو أئمة، ففي المقام لو تم العام أو المطلق واستفيد الخاص أو المقيد وتم الخاص والمقيد سندا ودلالة من الأخبار المذكورة فهو أحد الدلائل التي مرت علي وجوب تقليد الأعلم، وإلا [ صفحه 172] فيتمسك بالأدلة السابقة من قاعدة الاحتياط المعبر عنها بالقدر المتيقن من الأدلة والقطع بحجية قول الأعلم والشك في حجية قول الآخر. ولا يخفي أن الخبر إذا كان مخالفا للقواعد المسلمة يطرح أو يؤل بتأويل صحيح، وإذا كان الخبر موافقا للقواعد المسلمة يؤخذ ولا يرد ولو كان ضعيفا، لأن توافقه معها دليل علي صحة مضمونه وصدوره ويمكن المناقشة فيها بأنه لا يرد ويرد علمه إلي أهل. وأخذ المتن وصحته هنا يستند إلي ما هو المسلم، فنتيجة موافقة المتن عدم الرد فقط كالجمع التورعي في غير المورد. قال في الجواهر 21 / 402: وإن كان التحقيق عندنا جواز تقديم المفضول مع وجود الفاضل من غير فرق بين العلم بالخلاف وعدمه. نعم لا طريق للعامي الذي لا أهلية له للنظر في هذه المسائل إلا الرجوع إلي الأفضل من أول الأمر، لأنه المتيقن له زمن الغيبة المعلوم عدم سقوط التكليف فيه ثم العمل بقوله - الخ. أقول: لا يخفي أن ما ذكره بقوله (نعم لا طريق للعامي) الخ، موافق لما ذكرناه، وحيث وجدنا ذلك في الجواهر قرت عيوننا به، ونشكر الله تعالي علي كل حال.

وصية العلامة الحلي

في آخر هذا الباب رأينا من المناسب أن نورد وصية العلامة الحلي التي أوصي بها ولده فخر المحققين وباقي العلماء المشتغلين بالعلوم الدينية [ صفحه 173] وهي كلمات جليلة ووصايا نافعة جدا لو تدبر فيها المتعلمون وعملوا بها وجعلوها دستورا لأعمالهم، قال رحمه الله: (وصيتي إلي علماء الدين وإخواني المجتهدين أن لا ينطقوا في الفقه ومسائله ولا يتعرضوا لدقائقه وجلائله إلا بعد إتقان العربية بأسبابها وأقسامها واستقراء فنون ما تنطق به العرب أو تكتبه بأقلامها، وتتبع بليغ في كل مسألة لأقوال الأصحاب ومداركها وما أدت إليه آراؤهم في معاركها من مسالكها، ولا ينسبوا إلي أحد قولا إلا بعد وجدانه في كتاب أو سماع منه شفاها في خطابه ولا يتكلوا علي نقل الثقة فلا كل تعويل عليه وإن كانت الكلمة فالسهو والغفلة والخطأ لوازم عادية للناس واضح ليس به التباس). (ولا يعتمدوا في الأخبار إلا أخذها من الأصول ولا يعولوا ما استطاعوا علي ما عنها من النقول، حتي إذا وجدوا في التهذيب عن محمد ابن يعقوب مثلا خبرا فلا يقصروا عليه بل ليجيلوا له في الكافي نظرا فربما طغي فيه القلم أو زل فعن خلاف في المتن أو السند جل أو قل. ولقد رأيت جماعة من الأصحاب أخلدوا إلي أخبار وجدوها فيه وفي غيره كما وجدوها وأسندوا إليها آراءهم من غير أن ينقدوها ويظهر عند الرجوع إلي الكافي أو غيره أن الأقلام أسقطت منها ألفاظا أو صحفتها و أزالت كلمة أو كلما عن مواضعها وحرفتها، وما هو إلا تقصير بالغ وزيغ عن الحق غير سائغ). (ولا يستندوا في تصحيح الطرق والتضعيف والترجيح لبعضها [ صفحه 174] علي بعض والتطفيف إلي ما يوجد في بعض كتب الفروع من غير سير السند برجاله والبحث عن كل رجل وحقيقة حاله فإنه إهمال وعن الحق إغفال وربما الكشف عن الكذب حال فانكشف البال وانقطع المقال). (ولا يقتصروا في اللغات علي كتاب أو كتابين بل ليجافوا عن المضاجع الجنبين حتي ترتفع الشبهة من البين، وليبذلوا فيها مجهود هم ثم لينفقوا موجودهم، فالمساهلة فيها اجتراء عظيم علي الله في أحكامه ومصافي كلامه وسنة نبيه وأقوامه شملوا بصلوات الله وسلامه). (ثم إذا ثنيت لهم الوسائد واستمحت منهم الفوائد واسترخيت بهم الشدائد واستشفيت بهم الادواء وتصدر والافتاء بعد ما أحسنوا الانتقاد وبالغوا في الاجتهاد لم يقطعوا في الخلافيات بجواب وإن ظنوا الصواب وضموا عليه الإهاب، كدأب قوم لبهم في الجهل غريق وقلبهم في الحمق عريق، من لهم يحتمون علي الله في أحكامه ويقطعون في الشرع بما لم ينقطع عن إبهامه ولا انسلخ عن ظلامه). (ونحن في زمن الحيرة وأيام النظرة، وأحكام الشرع إنما يستيقنها أهله وقوامه وعندهم الحق وبهم قوامه، وليس لنا إلا الاحتياط في الدين ومجانبة المجازفة والتخمين. فهذه وصيتي إلي المفتين). هذا تمام وصية العلامة الحلي رضي الله عنه.

وصية العلامة المجلسي

وأما وصية العلامة المجلسي فهي المطبوعة باسم السير والسلوك أو الاعتقادات، وهي مجموعة الاعتقادات والأمور الأخلاقية التي استخرجها [ صفحه 175] من الأحاديث الموثوقة الصحيحة الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام كما صرح بذلك في طيات كلماته في ص 483 و 485 و 518 وغيرها وإننا نوصي طلاب العلوم الدينية بالرجوع إلي الرسالة المذكورة و مداومة مطالعتها والاستفادة الروحية منها، فإن المجلسي رضوان الله تعالي عليه محيط بأخبار أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم مطلع علي اسرارها عارف بمراميها، فيجب الاستفادة من كلماته وخبرته والاستضاءة من نور علمه الذي هو ضوء من مشكاة النوار المعصومين عليهم السلام. [ صفحه 176]

بحث حول الاجتهاد والمجتهد

اشاره

وإذ فرغنا من البحث حول المقلد وشروط التقليد وما يتعلق ببعض أحكامه مما لا غني للطالبين من الوقوف عليه، لا بأس أن نبحث أيضا حول الاجتهاد وشرائط المجتهد وخاصة نقد آراء بعض أعلام المعاصرين لتكون المباحث أتم وأفيد. ويتم ما نريد الحديث حوله ضمن إيراد أمور تذكر في عدة فصول:

بيان معني الاجتهاد

قال في مفتاح الكرامة 10 / 15: (خاتمة) شرائط الاجتهاد المبيحة للقضاء والافتاء في العلم معرفة تسعة أشياء الكتاب والسنة و الإجماع والخلاف وأدلة العقل - إلي أن قال - ولسان العرب (متن) و أصول العقائد وأصول الفقه وشرائط البرهان. [ صفحه 177] أما الكتاب فيحتاج إلي عشرة أشياء العام والخاص والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ في الآيات المتعلقة بالأحكام وهي نحو خمسمائة آية، ولا يلزمه معرفة جميع القرآن العزيز. وأما السنة فتحتاج إلي معرفة ما يتعلق بالأحكام دون غيرها، و يعرف المتواتر والآحاد والمسند والمتصل والمنقطع والمرسل، ويعرف الرواة ويعرف مسائل الإجماع والخلاف وأدلة العقل وتعارض الأدلة والتراجيح، ويعرف ويعرف من لسان العرب من اللغة والنحو والتصريف ما يتعلق بالقرآن المحتاج إليه والسنة المفتقرة إليها. ويشترط أن يكون ذا قوة يتمكن بها من استخراج الفروع من الأصول ولا يكفيه حفظ ذلك من دون قوة الاستخراج (متن). قوله (وأصول العقائد) لا بد من معرفتها بالبراهين القطعية إلا فيما لا تتم به فيكفي السمع كالمعاد وأحواله. قوله (ولسان العرب) هذا أنفع شئ في معرفة الكتاب والسنة. قوله (ما يتعلق بالقرآن) لا بد من تتبع الكتب بحيث يحصل العلم - إلي أن قال - ولا يقتصر علي كتاب أو كتابين كما نشاهده في كثير من الناس يقتصرون في المسألة اللغوية علي الصحاح فقط ولذا عثرنا لهم علي خلل كثير، وكذا النحو وغيره - إلي آخر كلامه. وقال في التنقيح ص 20: ومن هنا فسره (أي الاجتهاد) المتأخرون بأنه ملكة يقتدر بها علي استنباط الأحكام الشرعية - الخ. [ صفحه 178] وقال في ص 21: وإنما معناه تحصيل الحجة علي الحكم الشرعي بالفعل أعني العمل والاستنباط الخارجيين. أقول: لا بد أن يكون الاستنباط من القوة والممارسة التي نسميها بالملكة، وإلا فكيف يمكن تحصيل الحجة والاستنباط. قال: وتوضيحه أن ملكة الاجتهاد غير ملكة السخاوة والشجاعة. أقول: بل هو مثلهما في التحصيل والزوال بالممارسة والمتاركة، والسخاوة والشجاعة وغيرهما لا تلازم العمل الخارجي. قال في ص 24: (مباني الاجتهاد) يتوقف الاجتهاد علي معرفة اللغة العربية ببيان واف. وقال في ص 25: وأما علم المنطق فلا توقف للاجتهاد عليه - إلي أن قال - لأنك إذا عرضت علي أي عاقل قولك (هذا حيوان وبعض الحيوان موذ) لم يتردد في أنه لا تنتج أن هذا الحيوان موذ. أقول: هذا إذا عرف كيفية الأشكال الأربعة وأما إذا لم يعرف قواعد المنطق وعلم من شخص صفة ردية أو صفة حسنة يحكم بقياسه أن كلهم كذلك، لأن المفروض أنه عاقل ليس بعالم ومتدين. والعمدة فيما يتوقف عليه الاجتهاد بعد معرفة اللغة العربية وقواعدها علمان أحدهما علم الأصول - إلي أن قال - وثانيهما علم الرجال. وبينهما هنا ببيان أوفي - فراجع. وقال في ص 27: والمتحصل أن علم الرجال من أهم ما يتوقف عليه رحي الاستنباط والاجتهاد، وأما غير ما ذكرناه من العلوم فهو فضل [ صفحه 179] لا توقف للاجتهاد عليه. أقول: قد عرفت كلام العلامة في مفتاح الكرامة وكشف اللثام، و إنما الكلام فيما اقتنعه صاحب التنقيح وعليك بالإنصاف، إلا أن يكون مراده من المجمل المفصل الذي ذكروه.

الاجتهاد المطلق في الفتوي والقضاء

المراد بالاجتهاد في بحثنا هذا هو الاجتهاد المطلق في زمن الغيبة في الفتوي والقضاء. قال في المسالك: المراد بالعالم هنا المجتهد في الأحكام الشرعية علي اشتراط ذلك في القاضي إجماع علمائنا، ولا فرق بين حالة الاختيار و الاضطرار، ولا فرق فيمن نقص عن مرتبته بين المطلق علي فتوي الفقهاء وغيره. والمراد بكونه عالما بجميع ما وليه كونه مجتهدا مطلقا، فلا يكفي اجتهاده في بعض الأحكام دون بعض علي القول بتجزي الاجتهاد. ولم يذكر المصنف ما يعتبر في التفقه من الشرائط هنا لأن محله أصول الفقه وإن جرت عادة الفقهاء بذكرها في هذا المحل أيضا. وقال في كشف اللثام 2 / 142: ويحب أن يكون عالما بالفعل أو بالقوة القريبة منه بجميع ما وليه بالاجتهاد دون التقليد، فلا يكفي علمه ببعضه. و قبل ذلك قال: ولا الجاهل بالأحكام نظرا وتقليدا ولا المقلد غير المستقل بشرائط الفتوي. أقول: إن كان المراد بالمجتهد المطلق في كلامهم إحاطته بالمسائل [ صفحه 180] التي كانت محل الابتلاء مع إحضاره بالمدارك ولو بالقوة والشأنية فهو ممكن غير موجود خصوصا مع قيد الاستنباط الفعلي في الخارج لغير الإمام عليه السلام من الشخص العادي. وقال في مفتاح الكرامة ص 17: هذه الملكة القدسية هي التي عليها المدار وهي لا تحصل إلا بالفيض الإلهي وإنها لتحتاج إلي مجاهدات كثيرة ورياضات زائدة وإخلاص تام وصفاء سريرة وملازمة الانقطاع إلي الله سبحانه والتوغل في المناجاة،. كيف لا وقد ورد أنه لا تحل الفتيا لمن لا يستضيئ في الحلال من الله بصفاء سره وإخلاص عمله وعلانيته وبرهان من ربه في كل حال. وورد أيضا لا تحلله الفتيا في الحلال والحرام بين الخلق إلا لمن كان اتبع الخلق من أهل زمانه بالنبي وآله ووصيه عليهم السلام - الخ. ولا يخفي أن ما ذكره غير مناف لما ذكرناه، لأن من ذكره غير شخص عادي - فتأمل جدا. وفي التنقيح ص 29: لا ريب ولا إشكال في أن المجتهد الذي قد استنبط جملة وافية من الأحكام يحرم عليه الرجوع إلي فتوي غيره، ويجوز أن يراجع إليه في التقليد ويتصدي للقضاء ويتصرف في أموال القصر ونحو ذلك، وهذا القسم من الاجتهاد هو القدر المتيقن في ترتيب الأحكام المذكورة عليه. وفيه ما مر من أن الإحاطة بالمسائل مع حفظ المدارك للشخص العادي غير الإمام عليه السلام غير موجود في الخارج، وخصوصا بالنسبة إلي من [ صفحه 181] يعتبر الاجتهاد الاجتهاد المطلق مع فعلية الاستنباط، والشاهد لما ذكر تبدل الرأي كما نشاهده، وهو دليل علي عدم الإحاطة.

التجزي في الاجتهاد

إن التجزي في اجتهاد الأحكام ممكن وواقع بمراتبه وإن المرتبة الأعلي تتوقف علي المرتبة الأولي، لبعد حصول القدرة والملكة دفعة واحدة بل تكون علي التدريج. فعلي هذا تصير الأعلمية النسبية في تمام مراتبها فالعامي يرجع إلي الأعلم فالأعلم ابتداءا، كما يقولون في مورد الاحتياط يرجع أي الأعلم فالعلم بعد وجوب تقليد الأعلم. أما نفس المتجزي يعمل بمقدار ما استنبط، وأما نفس الملكة بدون الاستنباط لا يرجع إليه الغير ولا تفيد بنفسها لنفسه، فلا بد أن يرجع إلي أهل الفتوي مع إشكال فيه. ولو كان الأعلم منه موجودا فالعامي يرجع إلي الأعلم بناءا علي اعتبار تقليد الأعلم، كما هو الأقوي كما سبق.

تكليف المكلف مع تعدد المجتهدين

قد سبق أنه لو كان مجتهد أعلم وأعرف بالأحكام في العبادات وآخر أعلم في باب المعاملات مثلا يجب علي العامي الرجوع إلي الأعلم في كل باب، لوحدة الحجة عليه. ولا اعتبار بتعدد هما بناءا علي اعتبار تقليد الأعلم. [ صفحه 182]

تقليد الأعلم مع وجود عالم آخر

هل يجب تقليد الأعلم مع وجود العالم أو لا يجب؟ قد بسطنا الكلام في ذلك وحاصله: إن وجوب تقليد الأعلم لو تم بمقتضي الأخبار فهو وإلا كان وجوبه بمقتضي القواعد من قاعدة الاحتياط المعبر عنها بالقدر المتقين من الأدلة وحجية قوله والشك في حجية قول الآخر لأن المقام مقام الاشتغال لأن المكلف يعلم بتوجه التكليف إليه لأنه ليس مثل الحيوانات، فلا بد من إبراء الذمة وهو يحصل بقول الأعلم ولا يحصل باتباع قول الآخر. والغرض هنا بيان أدلة القولين مجملا فنقول قبل بيان أدلة القولين: قد ذكرنا سابقا الآيات والأخبار التي تدل علي حجية قول الفقيه للعامي والآن نذكر بعضها ليكون بيانا لما سبق أو أصلا له برأسه. قال في التنقيح ص 91: وعلي الجملة إن دلالة آية النفر علي حجية الفتوي وجواز التقليد مما لا إشكال فيه ولا يعارضها شئ من الآيات المباركة ومنها الروايات الدالة علي جواز العمل بالتقليد وحجية الفتوي في الفروع وهي كثيرة بالغة حد التواتر الإجمالي وإن لم تكن متواترة مضمونا، وبها يظهر أن الأدلة اللفظية والسيرة والعقل مطبقة علي جواز التقليد وحجية الفتوي، وتلك الأخبار علي طوائف: (الأولي) الأخبار المشتملة علي إرجاع الناس إلي أشخاص معينين [ صفحه 183] أو إلي عنوان من العناوين المنطبقة عليهم، كالإرجاع إلي العمري وابنه ويونس بن عبد الرحمن وزكريا بن آدم ويونس مولي آل يقطين والإرجاع إلي رواة حديثهم وغير ذلك من الروايات. وحيث أن دلالتها علي الإرجاع إلي هؤلاء مطلقة فتشمل ما إذا كان ما يؤدونه في مقام الجواب ما وصل إليه نظرهم من الجمع بين الروايتين المتعارضتين أو حمل المطلق علي المقيد أو التمسك بالعام عند الشك في التخصيص أو غير ذلك من أنحاء الاجتهاد والاستنباط. وما إذا كان جوابهم بنقل الألفاظ التي سمعوها عنهم عليهم السلام. وأظهر منها قوله عليه السلام في رواية إسحاق بن يعقوب (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا)، وذلك لأن الحوادث الواقعة قد لا تكون منصوصة فلا يمكن أن يجاب فيها إلا بالاجتهاد وأعمال النظر - انتهي كلامه. (الثانية) الأخبار المشتملة علي الأمر الصريح بإفتاء بعض أصحابهم عليهم السلام، كقوله لأبان بن تغلب (اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني أحب أن يري في شيعتي مثلك) وغير ذلك. ثم يذكر في ذيل كلامه قريبا من عشرة أحاديث شواهد لما ذهب إليه وهي مذكورة في الوسائل ب 11 من أبواب صفات القاضي. ثم يقول: وهذه الطائفة لا إشكال في دلالتها علي جواز الافتاء في الأحكام كما أنها تدلنا علي جواز التقليد والرجوع إلي مثل أبان أو معاذ، إذ لو لم يجز تقليده - بأن لم يكن فتواه حجة علي السائل - لم يكن فائدة [ صفحه 184] في أمرهم عليهم السلام بإفتائه لأنه حينئذ لغو لا أثر له. (الثالثة) الأخبار الناهية عن الافتاء بغير علم. وهي تدل علي حرمة القياس والاستحسان وغيرهما مما هو متداول عند المخالفين لأنه من الافتاء بغير علم، كما إنها تدل علي جواز الافتاء عن مدرك صحيح كالأخبار المأثورة عنهم عليهم السلام علي ما هو المتعارف عند علماء الشيعة قدس الله أسرارهم. أقول: وهي كما تدل علي جواز أصل التقليد تدل علي عدم اعتبار قول الأعلم، ومن جملة أدلة عدم وجوب تقليد الأعلم أن الأئمة عليهم السلام قد أرجعوا جماعة من العوام إلي أشخاص معينين من أصحابهم كيونس بن عبد الرحمن ومحمد بن مسلم وغيرهما مع أنهم مختلفون في الحفظ والفهم. بل ربما يقال: إن الغالب بين أصحابهم عليهم السلام الذين ارجعوا الناس إلي السؤال عنهم في الأخبار المتقدمة هو المخالفة في الفتوي لندرة التوافق بين جمع كثير، ومع غلبة الخلاف لم يقيدوا (ع) الرجوع إليهم بما إذا لم يكن فتوي من أرجع إليه مخالفة لفتوي غيره من الفقهاء، مع العلم العادي باختلافهم أيضا في الفضيلة لعدم احتمال تساوي الجميع في العلمية والفقاهة، وهذه قرينة قطعية علي أن الأدلة المتقدمة مطلقة وأن فتوي غير الأعلم كفتوي الأعلم في الحجية والاعتبار وإن كانت بينهما مخالفة - كل ذلك في التنقيح ص 136 مع الإشكال فيه - فراجع. وقال في ص 141: هذا تمام الكلام في الوجوه المستدل بها علي حجية فتوي غير الأعلم، وقد عرفت ضعفها. ولا بد بعد ذلك من التكلم فيما [ صفحه 185] استدل به علي وجوب تقليد الأعلم فإن ثم فهو وإلا فلا مناص من الرجوع إلي ما يقتضيه الأصل العملي في المسألة.

ادلة وجوب تقليد الأعلم

حاصل الإشكال علي وجوب تقليد الأعلم ما مر من أدلة عدم وجوب تقليد الأعلم، وعمدتها الأخبار الآمرة بالرجوع إلي يونس بن عبد الرحمن أو زكريا بن آدم وأمثالهما، وقد مرت الإشارة إليها في أول البحث. قال في التنقيح ص 137: فليس في البين إلا الإطلاق، ويرد علي التمسك بالإطلاق إنا ذكرنا غير مرة في البحث عن حجية الخبر والتعادل والترجيح وغيرهما أن إطلاق الأدلة - أدلة حجية الخبر - لا يشمل المتعارضين إلي أن قال: وسره أن شمولها لكلا المتعارضين يستلزم الجمع بين الضدين أو النقيضين، وشمولها لأحدها المعين دون الآخر بلا مرجح - الخ. أقول: علي فرض أنه لا يشمل المطلق صورة المعارضة إلي يوم القيامة فهل يسقط بذلك صورة ما دون المعارضة أو يبقي الإطلاق فيكون حجة فيما بقي من الأفراد المشمولة له، نظير العام المسلم الذي خرج منه فرد خاص بالنص الصريح. فإذا خرج فرد بالنص الصريح تكون سائر الأفراد تحت العام ويكون حجة، وكذلك المطلق. ففي صورة المعارضة يعمل من كان أهلا للاستنباط بما يراه، والعامي يعمل بقول مقلده أو يأخذ بأحوط القولين أو الأقوال لو أمكن. وقد اعترف في أول الصفحة بأن العلم بالمخالفة أمر قد يكون وقد [ صفحه 186] لا يكون، وبالنظر في ذلك الارجاع وغيره يقوي عدم تعين فتوي الأعلم ومع ذلك كله هو أعرف بما بينه في المقام وعدم الفهم والقصور منا. فعلي هذا يتم الاستدلال بالأخبار لحجية قول العالم والفقيه والأعلم والأفقه نعم لو لم يتم الاستدلال بما ذكر يصير الأمر إلي الأصل العملي كما ذكره - فتأمل. هذا كله لو تمسكنا بالإطلاق في ارجاع الإمام عليه السلام سواء كان عالما أو أعلم، وأما مثل خبر إسحاق بن يعقوب [61] قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (ع): أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك - إلي أن قال - وأما الحوادث الواقعة فارجعوا إلي رواة حديثنا [62] فظاهره العموم، وهو محكم علي مصاديقه إلا أن يخرج منه فرد أو أفراد بالدليل العقلي الصحيح أو الخاص المخصص الصريح، والكلام في تمام الموارد كما ذكر. قال في التنقيح ص 139: فلا يمكننا التمسك بالإطلاق في شئ من المتعارضين لا في أصل الحجية ولا في إطلاقها وتقييدها، وهو معني التساقط. أقول: إذا لم يكن ولا يبقي لهما [63] مورد من الأفراد فنعم، وأما إذا يبقي لهما محل ومورد يؤخذ بهما وهما حجة علي بقية الأفراد، فصورة العلم بالمخافة خارجة للتعارض، وغير هذه الصورة باقية للاطلاق. [ صفحه 187] وتوضيح الإشكال: إنه لو لم يكن في الخارج مصداق إلا المتعارضين لا يمكن التمسك بدليل الحجية لاستلزامه الجمع بين الضدين أو النقيضين، و أخذ أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، وهو معني التساقط. وأما لو كان للعام مصاديق أخري فالعام محكم في بقية الأفراد، خرج منه فرد أو أفراد بالدليل اللبي أو النقلي الصحيح الصريح من جهة التناقض وغيره وكذلك المطلق بالنسبة إلي أفراده، ففي المقام لا يشمل المطلق صورة العلم بالمخالفة ويبقي صورة الموافقة وعدم العلم بالمخالفة تحت الإطلاق ويتمسك به مثل العام. والشاهد لذلك قوله ص 137: العلم بالمخالفة أمر قد يكون وقد لا يكون ولم يفرض في شئ من الأخبار الآمرة بالرجوع إلي الرواة المعينين علم السائل بالخلاف، وكلا منا في الصورة الثانية إنما هو في فرض العلم بالمخالفة بين الأعلم وغيره.

مناقشة أدلة وجوب تقليد الأعلم

قد استدل في التنقيح ص 142 بأدلة وناقش فيها: (منها) السيرة العقلائية، فهي غير جارية علي الرجوع إلي غير الأعلم، بل قد جرت علي الرجوع إلي غير الأعلم، بل قد جرت علي الرجوع إلي الأعلم عند العلم بالمخالفة، كما هو المشاهد في غير الأحكام من الحرف والعلوم، وحيث أن تلك السيرة لم يردع عنها في الشريعة المقدسة فسنكتشف بذلك أنها ممضاة عند الشارع - إلي أن قال - وهذا الوجه هو الذي نعتمد عليه في الحكم بوجوب تقليد الأعلم في محل الكلام. [ صفحه 188] أقول: تنظيره بغير الأحكام الشرعية من الحرف والعلوم مع الفارق، وهو أن الرجوع بغير الأعلم في الحرف وصناع لا وجوب له ولا عقاب هنا بخلاف المقام فإن الرجوع إلي الأعلم واجب علي الفرض ويترتب عقاب المكلف بغير الأعلم. (ومنها) مقبولة عمر بن حنظلة ويزيد بن خليفة. وقال في التنقيح ص 43: إلا أن تلك الرواية ضعيفة فإن يزيد هذا كعمر لم تثبت وثاقته. و قال في ص 144: إن الأعلمية المطلقة المبحوث عنها في المقام إنما هي الأعلمية المطلقة، لبداهة أن الأعلمية النسبية والإضافية غير كافية في تعيين الرجوع إليه - الخ. أقول: قد سبق أن الأعلمية المطلقة ممكنة غير واقعة خارجا في غير الإمام عليه السلام والنسبية واقعة بمراتبها. وقال في نفس الصفحة: فالأعلمية المرجحة في باب القضاء وتعارض الحكمين غير الأعلمية المعتبرة في المقام. أقول: سيأتي بيان ذلك والإشكال فيه. وقد استدل بأخبار أخر من البحار، منها ما روي [64] عن الجواد عليه السلام أنه قال مخاطبا عمه: يا عم إنه عظيم عند الله أن تقف غدا بين يديه فيقول لك لم تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الأمة من هو أعلم منك. وهذه الرواية وإن كانت تدل علي اعتبار الأعلمية المطلقة في المفتي إلا أنها ضعيفة سندا لإرسالها، إذا لا يمكن الاستدلال بها بوجه، فالاستدلال [ صفحه 189] بالأخبار أيضا ساقط. وقال في ص 143: فالصحيح في الحكم بوجوب تقليد الأعلم هو السيرة العقلائية التي استكشفنا إمضاءها من عدم الردع عنها في الشريعة المقدسة. وقال في ص 226: في اعتبار الرجولية في الفتوي في مقام الإشكال علي أن قوله عليه السلام (من كان منكم) إلي آخر مقبولة عمر بن حنظلة مطلق ولا اختصاص له بالرجال إذ لم يقم دليل علي أن الرجولية معتبرة في المقلد بل مقتضي الإطلاقات والسيرة العقلائية عدم الفرق بين الإناث والرجال هذا والصحيح أن المقلد يعتبر فيه الرجولية ولا يسوغ تقليد المرأة بوجه، و ذلك لأنا قد استفدنا من مذاق الشارع أن الوظيفة المرغوبة من المرأة إنما هي التحجب والتستر وتصدي الأمور البيتية دون التدخل فيما ينافي تلك الأمور، ومن الظاهر أن التصدي للافتاء بحسب العادة في معرض الرجوع والسؤال لأنهما مقتضي الرياسة للمسلمين، ولا يرضي الشارع بجعل المرأة نفسها معرضا لذلك أبدا. كيف ولم يرض بإمامتها للرجال في صلاة الجماعة فما ظنك بكونها قائمة بأمورهم ومدبرة لشؤون المجتمع ومتصدية للزعامة الكبري. وبهذا الأمر المرتكز القطعي في أذهان المتشرعة يغيد الإطلاق و يردع عن السيرة العقلائية الجارية علي رجوع الجاهل إلي العالم مطلقا رجلا كان أو امرأة. أقول: وفي كلامه مواقع للنظر بعد التأمل: (الأول) إن المرأة لو كانت متأهلة للفتوي تفتي الناس مع أعوان عالمين صالحين مع رعاية جلباب الحياء والتستر كالرجال، ولو عارضها أمر [ صفحه 190] أهم أو المساوي فتترك الفتوي لهذه الجهة مثل باب القضاء بين المدعي والمنكر لو اعتبر فيه المعاينة بالتشخيص لا لجهة أخري.. (الثاني) باب إمام الجماعة لا يعلم سره إلا هو وليس لنا بيان علة ذلك ولو علمنا علته فليس في ذلك مصلحة بيانه. والحاصل أن المدار علي وجود الدليل لا الفلسفة العليلة فما ظنك بباب الفتوي علي فرض تمامية الدليل فلا فرق بين الرجال والنساء. (الثالث) إنه ضعف مقبولة ابن حنظلة وغيرها بالإرسال غير مرة، فكيف يقيدها بالأمر المرتكز في الأذهان، فعلي هذا لا خبر ولا إطلاق، وقد عرفت ما في الأمر المرتكز. (الرابع) إنه قد عرفت ما في الأمر المرتكز فكيف يردع السيرة العقلائية التي هي محل اعتماده في رجوع الجاهل إلي العالم. أقول: ويمكن الاستدلال لاعتبار الرجولية والعدالة والإيمان والعقل بما أورده في مفتاح الكرامة 10 / 9 من خبر جابر عن الباقر عليه السلام (ولا تولي القضاء امرأة) بناءا علي اتحاد باب الفتوي والقضاء وانجبار الخبر بالشهرة، وقال فيه وهذا خبر منجبر بالشهرة العظيمة، وبما سبق من ارجاع الإمام عليه السلام إلي العمري وابنه يونس بن عبد الرحمن وزكريا بن آدم ويونس مولي آل يقطين، والإرجاع إلي غيرهم لكونهم رجال العلم والعمل والعدالة والإيمان والعقل، ولا عموم ولا إطلاق في البين. فمن نفس إرجاعه عليه السلام إلي هؤلاء يعلم التخصيص بهم. وقد سبق أن هذه الطائفة من الأخبار الصحيحة السند كما في التنقيح ص 91. [ صفحه 191] واستدل في التنقيح ص 162 بهذا الإرجاع لحجية قول غير الأعلم عند عدم العلم بالمخالفة. أقول: لا وجه لاختصاص الحجية بهذه الصورة بل تعم صورة العلم بالمخالفة. لأنه قد يتفق - كما قال في التنقيح قبل ذلك. لأن المفروض أن الإمام عليه السلام قد أرجع الناس إليهم مع وقوع المخالفة بين هؤلاء الأشخاص المعينين المذكورين في هذا الخبر الصحيح مع علم الإمام بالمخالفة. ويمكن الاستدلال أيضا بهذا الخبر لاعتبار الإيمان والذكورية والعقل وغيرها، وقد استدل به في التنقيح ص 223 حيث قال: والوجه في ذلك أن المرتكز في أذهان المتشرعة الواصل ذلك إليهم يدا بيد عدم رضي الشارع بزعامة من لا عقل له ولا إيمان ولا عدالة له مع ذكر مؤيدات لذلك - فراجع حتي تطمئن نفسك.

في قاضي التحكيم

في مفتاح الكرامة ص 2: وأما معني القضاء لغة فقد قال الشهيد قال الصدوق سمعت بعض أهل العلم يقول إن القضاء علي عشرة أوجه - يعني عشرة معان وعدها - وذكر صاحب مجمع البيان عشرة معان وفيها ما يخالف تلك، وفي آخر كلامه: قلت هو حقيقة شرعية. وفي القضاء أمر عظيم لمن يقوم بشرائطه وخطر جسيم. وعلي أي حال لو تراضيا خصمان بحكم بعض الرعية فحكم لزمهما حكمه في كل الأحكام حتي العقوبات، ولا يجوز نقض ما حكم به مما لا ينتقض فيه الأحكام وإن لم يرضيا بعده إذا كان بشرائط القاضي المنصوب [ صفحه 192] عن الإمام عليه السلام. نعم لو رجع أحدهما عن تحكيمه قبل حكمه لم ينفذ حكمه. وفي كشف اللثام ص 140: ولو تراضي الخصمان بحكم بعض الرعية فحكم بينهما جاز عندنا وإن كان الإمام حاضرا أو هناك قاض منصوب منه. وفي الجواهر 6 / 318 ط القديم: والحاصل أن القاضي علي ثلاثة أقسام: قاض منصوب من الإمام والتوسعة والتضييق في التولية بنظره فلا بد من القاضي اتباعه، الثاني قاضي التحكيم وهو من رضي الخصمان بحكمه، وهل يختص بزمان الحضور أو لا يختص؟ قولان قال في المسالك ص 352 فقاضي التحكيم يختص بحال حضور الإمام عليه السلام، لما ذكره قبل ذلك بقوله: واعلم أن الاتفاق واقع علي أن قاضي التحكيم يشرط فيه ما يشترط في القاضي المنصوب من الشرائط التي من جملتها كونه مجتهدا، وعلي هذا فقاضي التحكيم مختص بحال حضور الإمام عليه السلام ليفرق بينه وبين غيره من القضاة بكون القاضي منصوبا وهذا غير منصوب من غير الخصمين، أما في حال الغيبة فسيأتي أن المجتهد ينفذ قضاؤه لعموم الإذن وغيره لا يصح حكمه مطلقا، فلا يتصور حالتها قاضي التحكيم. نقل هذا الكلام في الجواهر وقد نقلناه. الثالث القاضي في حال الغيبة، وهو العمدة في النظر وواعدناه قبل ذلك، فنقول: قد سبق كلام صاحب مفتاح الكرامة وكشف اللثام وعرفت آنفا كلام المسالك فلا نعيد، والمحصل مما ذكروه أن المجتهد الذي هو جامع للشرائط التي قد سبقت منهم يتصدي للفتوي والقضاء، ومفهوم كلامهم أو منطوقه إن غير لا يجوز له الافتاء والقضاء ولا يجوز تقليده ولا ينفذ حكمه في القضاء [ صفحه 193] ولا فرق بين الافتاء والقضاء، لاشتراك دليلهما في الكتاب والسنة، وعلي فرض عدم تمامية الدليل من حيث الدلالة والسند هما مشتركان في الأصل الجاري وهو عدم جواز الافتاء والقضاء ولو باعتبار أصل ثانوي في القضاء أو فيهما لعدم الإذن العام فيهما، لفرض عدم ثبوت الإذن العام وانحصار منصب القضاء بالنبي ووصيه. والفرق بأن الافتاء منصب إلهي بعد الولاية بخلاف القضاء. غير سديد لأنه منصب أيضا كما يأتي. والفرق بأن باب القضاء راجع إلي الموضوع الخارجي الخاص بخلاف الفتوي فإنه استنباط حكم كلي من الأدلة مع القدرة علي تطبيقه علي الجزئيات والفروع. ليس بفارق، لأن في غاير باب القضاء أيضا موضوعات خارجية بعضها يتسامح فيه، ولم يردع هذا التسامح الذي عند العرف، وبعضها لا اعتبار بتسامحهم بل نظر الشارع المقدس بنحو الدقة ولا اعتبار بتسامحهم. فالقسم الأول مثل الماء المخلوط بالطين مثلا بحيث يصدق إطلاق الماء عليه، وكذلك الحنطة والشعير والذهب والفضة، بحيث لا يخرجه عن صحة إطلاق الاسم وغير ذلك. والقسم الثاني مثل ثمانية فراسخ لوجوب قصر الصلاة والافطار وموضوع الكر وتحديده بسبعة وعشرين شبرا مثلا وغير ذلك بحيث لا اعتبار بالتسامح العرفي ولو كان ناقصا مقدار إصبع أو مثاقيل لا يوجب نقصان الصلاة ولا يرفع النجاسة بل يصير متنجسا. ولا يخفي أن تمييز موارد ما ذكر ليس بنظر العمي بل الاعتبار بنظر المجتهد [ صفحه 194] المطلق كما ذكروه، وهم يعرفون ويتميزون في كتاب القضاء المدعي والمدعي عليه والمنكر بأمور ثلاثة: المدعي هو الذي يترك لو ترك الخصومة، والذي يدعي خلاف الظاهر، والذي يدعي خلاف الأصل. وما ذكرناه مبحوث عنه في كشف اللثام ص 151 والجواهر 6 / 388 ط القديم و المسالك ص 387 وكلامه أبسط من كشف اللثام وفي الجواهر بين تمام المراد - فراجع. وفيما يلي نبين المقصد ضمن مسائل وأمور: 1 - هل ما ذكر تعريف حقيقي للمدعي والمنكر أو تمييز في موارد في الجملة وليس بتعريف حقيقي؟ 2 - هل يوجد مدرك لما ذكروه من الأدلة المعتبرة أم لا؟ قال في الجواهر ص 389 والأصل في ذلك الشافعي، وقال في الروضة للشافعي [65] قولان في معرفة المدعي والمدعي عليه في مسألة إسلام الزوجين أظهرهما عند الجمهور من يدعي أمرا خفيا يخالف الظاهر والثاني من لو سكت خلي وسكوته ولم يطالب بشئ، فإذا ادعي زيد دينا في ذمة عمرو أو عينا في يده فأنكر فزيد هو الذي لو سكت ترك وهو الذي يذكر خلاف الظاهر - إلي أن قال - فزيد مدعي بمقتضي القولين وعمرو مدعي عليه ولا يختلف موجبهما غالبا وقد يختلف كما إذا أسلم زوجان قبل الدخول فقال أسلمنا معا فالنكاح باق وقالت بل علي التعاقب فلا نكاح، فإن قلنا أن المدعي لو سكت ترك فالمرأة مدعية فيحلف الزوج ويستمر النكاح، وإن قلنا [ صفحه 195] بالأظهر فالزوج مدع لأن ما يزعمه خلاف الظاهر وهي مدعي عليها فتحلف ويرتفع النكاح. إلي آخر ما ذكر مما هو مسطور في كلمات الأصحاب خصوصا المسالك منها انتهي نقله. 3 - هل تجتمع تلك الأمور في مورد واحد؟ قال في كشف اللثام ص 151: فهذه ثلاثة حدود له والمنكر في مقابله بحسب كل حد، فلو ادعي زيد أنه اتباع العين التي في يد عمرو وأنكره فزيد مدع وعمرو منكر بالجميع، فإن زيدا يترك وسكوته دون عمرو. والأصل بقاء العين في ملك عمرو، وهو الظاهر لكونها في يده. ومعلوم أنه لو اتفقت فيما ذكر وفي سائر الموارد يمكن إجراء إبقاء الاثنين أو الواحد، فلا اعتبار بالاجتماع حينئذ. 4 - هل اعتبرت تلك الحدود متقابلة وعرضا أو بنحو التقديم والتأخير وأيها مقدم؟ 5 - علي فرض عدم كل واحد في مورد - وإن كان بعيدا - فأي تمييز بين المدعي والمنكر. 6 - قد يتوجه اليمين إلي المدعي كادعاء الدين علي الميت مثلا والودعي يصدق في الرد باليمين مع أنه مدع بالجميع فإنه يدعي خلاف الأصل، والظاهر أنه يترك وسكوته بالنسبة إلي الرد، فهل يصير بذلك منكرا أو لا يصير بذلك منكرا بل المدعي مدع ويتوجه اليمين بالأدلة الثابتة لمصلحة وجهة خاصة أو مستثني من أدلة البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر كما في كشف اللثام. [ صفحه 196] إلي غير ذلك من الفروع في باب القضاء. وقد سمعنا من بعض أساتذتنا أن باب القضاء أشكل من الفتوي. فالنتيجة أن المجتهد المطلق بقولهم الجامع للشرائط يفتي ويقضي بالحق وغيره لا يقدر ولا يجوز له الفتوي والقضاء من المقلد ومن كان له قوة التجزي مثلا يقدر علي استنباط مسائل الزكاة والصوم وغيرهما ولا يقدر علي الاستنباط في باب القضاء والمقلد كذلك من أول الأمر وهنا فرع راجع إلي تقليد الأعلم ووجوبه، وهو أنه هل يجب الفحص عن الأعلم نذكر المقصود ضمن مسائل: 1 - لو ميز الأعلم فيؤخذ بقوله مطلقا أو في صورة العلم بالمخالفة. 2 - لو أراد الاحتياط وكان ممكنا فاحتاط لا يجب الفحص. 3 - لو لم يرد العمل بالاحتياط يجب الفحص لوجوب تقليد الأعلم علي الفرض. 4 - لو تفحص وظفر بالأعلم فهو كما مر، وإن لم يميز الأعلم فإن كان قادرا علي الاحتياط وكان ممكنا في حقه وجب للزوم دفع الضرر - أي العقاب - واحتمال الأعلمية وظنها لا يؤثر في حقه لأن أدلة الاعتبار قاصرة الشمول للمتعارضين ومعه لا دليل علي حجية شئ من الفتويين ليكون الظن بها أو احتمالها موجبا للأخذ به. 5 - إن لم يمكن الاحتياط لضيق الوقت مثلا - مثل أنه أفتي أحدهما بوجوب شئ والآخر بحرمته أو أفتي أحدهما بوجوب القصر والآخر بوجوب التمام ولم يسع الوقت للجمع بينهما - ففي المفروض يتخير بينهما لا محالة إلا [ صفحه 197] إذا ظن بالأعلمية أو احتملها في أحدهما دون الآخر فيتعين الأخذ بفتوي من ظن أو احتمل أعلميته. ولا يقاس هذه الصورة بالصورة السابقة التي هو قادر علي الاحتياط فيها، لأن التعارض هناك قد أوجب التساقط - تساقط الفتويين عن الحجية - فلم يجعل شيئا منهما حجة علي المكلف حتي يميز بالظن أو الاحتمال، بخلاف المقام لأنه لا مناص للمكلف من أن يتبع أحد الفتويين، إذ المفروض أنه لا يقدر علي الاحتياط ولا يرتفع الحكم الواقعي في حقه، ففي صورة الاحتمال أو الظن بأعلمية أحدهما فالعقل يحكم بأخذ ما هو معذر من العقاب - هذا كله في التنقيح ص 164 و 214.

مناقشة كلام صاحب التنقيح

والآن ننقل كلام صاحب التنقيح ونشير إلي ما كان موافقا لما سبق وما كان مخالفا له، فنقول: قال ص 29: لا ريب ولا إشكال في أن المجتهد الذي قد استنبط جملة وافية من الأحكام يحرم عليه الرجوع إلي فتوي غيره ويجوز أن يراجع إليه في التقليد ويتصدي للقضاء ويتصرف في أموال القصر ونحوه، وهذا القسم من الاجتهاد هو القدر المتيقن في ترتيب الأحكام المذكورة عليه. أقول: هذا موافق لما سبق من الأعلام. قال ص 144: فالأعلمية المرجحة في باب القضاء وتعارض الحاكمين غير الأعلمية المعتبرة في المقام - وهي الأعلمية المطلقة كما صرح به من قبل. أقول: هذا مخالف لما سبق من الأعلام. [ صفحه 198] قال ص 225: علي أنه لم يقم أي دليل علي التلازم بينهما ليعتبر في كل منهما ما يعتبر في الآخر بوجه. أي باب الفتوي وباب القضاء. أقول: وهذا أيضا يخالف ما سبق. قال ص 352: وعلي الجملة من ليس له أهلية القضاء يحرم أن يتصدي للقضاوة بقصد أن يترتب عليه الأثر، ويدل علي ما ذكرناه صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اتقوا الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل بين المسلمين لنبي أو وصي نبي [66] لدلالتها علي أن القضاء من المناصب المختصة بالنبي والوصي فلا يشرع لغيرهما إلا بالإذن من قبلهما علي نحو الخصوص أو العموم، فإن المأذون من قبلهما يشمله عنوان الوصي بناءا علي أن المراد به مطلق من عهد إليه أو أنه مندرج في عنوانه، إلا أن القضاء المأذون فيه من قبلهما في طول قضائهما و متفرع علي ولايتهما في القضاء، وظاهر الصحيحة أن ولاية القضاء لم تثبت لغيرهما في عرضهما لا أنها لم تثبت حتي إذا أذنا في القضاء، والقدر المتيقن ممن أذن له في القضاء وهو المجتهد الجامع للشرائط - أعني من له أهلية القضاء. إذا فغيره ممن لا أهلية له يبقي مشمولا للصحيحة النافية لمشروعية القضاء عن غير النبي والوصي. وأيضا يدل عليه صحيحة أبي خديجة سالم بن مكرم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام جعفر بن محمد الصادق: إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلي أهل الجور، ولكن انظروا إلي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا [ صفحه 199] فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه [67] لدلالتها أن جواز القضاء ومشروعيتها تحتاج إلي جعلهم وإذنهم عليهم السلام، وقد مر أن المتيقن هو الإذن لمن له أهلية القضاء. ويؤيده ما تقدم من رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين (ع) لشريح: يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي [68] لدلالتها علي الاختصاص، وإنما جعلناها مؤيدة لضعفها بيحيي بن المبارك الواقع في سندها. إذا لا دليل علي مشروعية القضاء ممن لا أهلية له. ومقتضي الأصل عدم نفوذ حكم شخص علي شخص آخر، كما أن مقتضي الروايات المتقدمة حرمة صدور القضاء ممن لا أهلية له، وهو أصل ثانوي وإن كان الأصل الأولي يقتضي جوازه وإباحته. فعلي هذا الأصل الثانوي يكون القضاء والحكم بعنوان الأهلية من التشريع المحرم لأنه عنوان للفعل الخارجي - انتهي كلامه وإنما نقلناه بطوله لأنه العمدة عنده وعندنا، لأن الخبرين المذكورين صحيحان عنده وكذلك الإرجاع من الإمام عليه السلام إلي أشخاص معينين نذكره لأنه محل الاعتماد كالإرجاع إلي محمد بن مسلم أو يونس بن عبد الرحمن أو زكريا بن آدم وغيرهم ممن ارجعوا إليهم بأشخاصهم علي ما بينه في أوائل التنقيح وذكره هنا ص 358 قال: والفرق بين الرواة [ صفحه 200] وبينهم واضح لا يخفي علي الفطن العارف. أقول: قد سبق أنه يمكن استفادة أغلب الشروط مثل الذكورية والعدالة والإيمان وعدم اعتبار الأعلمية وغير ذلك من هذا الارجاع منهم عليهم السلام إليهم بالتأمل في حال هؤلاء الأشخاص المعينين مع صحة السند كما يظهر ذلك من كلام صاحب التنقيح. وعلي أي حال كلامه مجمل في هذا المقام لا بد من التوضيح، فنقول: قوله (أعني من له أهلية القضاء (إن كان المراد منه المجتهد المطلق فكان المراد ممن لا أهلية للقضاء المتجزي والمقلد معا، وإن كان المراد الفقيه والعالم فكلامه يشمل المتجزي والمجتهد المطلق بناءا علي قوله، فكان المراد بغير الأهل المقلد فقط. وتوضيح مراده الذي لا بد من بيانه يتم في ضمن مسائل: (الأولي) هل ثبت الإذن المطلق العام بالقضاء وإن كان مستندا إلي التقليد أو يعتبر الاجتهاد في الأهلية للقضاء؟ قال في التنقيح ص 355: الثاني هو المشهور بين الأصحاب، وقال بالأول صاحب الجواهر مدعيا أن المستفاد من الكتاب والسنة صحة الحكم بالحق والعدل والقسط من كل مؤمن وإن لم يكن له مرتبة الاجتهاد - إلي أن قال في الرد ص 359 - مضافا إلي إمكان المناقشة في صحة إطلاق العالم بالقضاء والأحكام علي من تعلمها بالتقليد فلا حظ، وعلي الأقل أنه منصرف عن مثله لفرض عدم أهليته للقضاء كي ينفذ حكمه. أقول: هذا نزاع بين الانصراف وعدمه وكل يعمل علي شاكلته. [ صفحه 201] (الثانية) هل يعتبر الأعلمية في باب القضاء كما في الفتوي أم لا تعتبر قد سبق منه أنه تعتبر في الفتوي مع العلم بالمخالفة. قال في ص 425: فنقول أما الأعلمية المطلقة التي هي المعتبر في باب التقليد فلا يحتمل اعتبارها في المقام، فإن لازم ذلك أن تكون الولاية علي مجهول المالك ومال الغيب والقصر من المجانين والأيتام والأوقاف التي لا متولي لها والوصايا التي لا وصي لها وغيرها من الأمور الحسبية في أرجاء العالم كلها راجعة إلي شخص واحد، ومن المستحيل عادة قيام شخص واحد عادي للتصدي بجميع تلك الأمور ومنها التصرف في سهم الإمام عليه السلام - إلي آخر كلامه. وفيه أولا - إن الإحاطة والاستنباط الفعلي بجميع ما يحتاج الناس إليه غير واقع من الشخص العادي بغير الإمام (ع). وقال في ص 427: فاعتبار الأعلمية المطلقة في باب القضاء مقطوع العدم كبيان سابقه. قال: فمورد الكلام والنزاع إنما هو اعتبار الأعلمية الإضافية كاعتبار أن يكون القاضي أعلم من في البلد وما حوله، وهل تعتبر الأعلمية بهذا المعني في القاضي أو لا تعتبر؟ المنسوب إلي المشهور أو الأشهر هو الاعتبار، والتحقيق عدم اعتبار الأعلمية في باب القضاء، وذلك لصحيحة أبي خديجة قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلي أهل الجور ولكن انظروا إلي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم [69] فإن قوله عليه السلام (يعلم [ صفحه 202] شيئا من قضايانا) كما يصدق علي الأعلم كذلك ينطبق علي غير الأعلم من الفقهاء. نعم لا مجال للاستدلال علي ذلك بأن (شيئا) نكرة فيصدق علي العلم ببعض المسائل، وذلك لما قدمناه (ص 232 - 233) من أن تنكير تلك اللفظة إنما هو من جهة عدم تمكن البشر من الإحاطة بجميع علومهم وقضاياهم عليهم السلام - الخ. أقول: قد صدقنا عدم الإحاطة وبعد ذلك أي شئ يعتبر في باب القضاء؟ نعم جهة السند صحيحة عنده فلا كلام فيه وإنما الإشكال في جهة الدلالة. قال في التنقيح ص 233: إلا أن الوارد في الرواية علي طريق الكليني والصدوق (ره) من قضائنا. إلي أن قال: فمن المحتمل أن يكون الصحيح المطابق للواقع نسختي الكافي والفقيه - أعني من قضائنا ومعه لا دلالة للرواية علي معرفة الكثير من أحكامهم، فإن القضاء بمعني الحكم في مقام الترافع وأحكامهم الواصلة إلينا في الترافع والخصومات ليست بكثيرة في المقام ليقال إن الشئ من الكثير أيضا كثير في نفسه، بل هي أحكام قليلة. إذا تدلنا الرواية علي أن معرفة حكم أو حكمين في موارد الترافع أيضا تكفي في صحة القضاء لأنه شئ من أحكامهم، ولذا استدل صاحب الجواهر بهذه الصحيحة وقال فإن المراد بالعلم في صحيحة أبي خديجة المتقدمة أعم من الوجداني والتعبدي وإلا لم تشمل الصحيحة حتي المجتهد لعدم علمه الوجداني بالأحكام. وحاصل كلام صاحب التنقيح أن الأعلمية [ صفحه 203] معتبرة في الفتوي وتتعين في مورد العلم بالمخالفة ولا مجال لها في باب القضاء، والأعلمية الإضافية معتبرة في باب القضاء علي الأشهر أو المشهور وهي غير معتبرة علي التحقيق كما ذكره في ص 427. أقول: الأعلمية المطلقة ممكن غير موجود في الخارج لغير الإمام عليه السلام، والأعلمية الإضافية بمراتبها موجودة، فكما يقولون في مورد الاحتياط يرجع فيه إلي الأعلم والأعلم يرجع إلي الأعلم فالأعلم ابتداءا ولا محذور في ذلك كما يقول من يجب تقليد الأعلم برجوع المقلد إليه ابتداءا. هذا مضافا إلي ما ذكره ص 144 أن الأعلمية المبحوث عنها في المقام هي الأعلمية المطلقة، لبداهة أن الأعلمية النسبية والإضافية غير كافية في تعين الرجوع إليه، فإن كون شخص أعلم من غيره مع وجود من هو أعلم منهما لا يترتب عليه أي أثر في المقام. والأفقهية التي ذكرت مرجحة في الرواية إنما هي الأفقهية الإضافية لقوله (الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما)، ومعناه أن كون أحد الحاكمين أفقه من غيره مرجح في باب القضاء، إذ لا يعتبر في الحاكم الأعلمية المطلقة، وأين هذا من الأعلمية فيما نحن فيه، فالأعلمية مرجحة في باب القضاء وتعارض الحاكمين غير الأعلمية المعتبرة في المقام. وفيه: أولا - إنه ضعفه مع غيره وقال فإن يزيد مثل عمر فكيف يستدل به في باب القضاء. وثانيا - إن الأعلمية الإضافية عنده ثابتة في باب القضاء بقوله فالأعلمية المرجحة في باب القضاء غير الأعلمية المعتبرة في المقام. وقال في ص 427: وهل تعتبر الأعلمية بهذا المعني في القاضي [ صفحه 204] أو لا تعتبر؟ المنسوب إلي الأشهر أو المشهور هو الاعتبار، والتحقيق عدم اعتبار الأعلمية بهذا المعني في باب القضاء - الخ. ولعمري أن الجمع بين كلمات واحد منهم مشكل فكيف تصل النوبة إلي الجمع الكثير. وثالثا - إن المراد بالأعلمية الإضافية في الموارد التي يقولون بها برجوع المقلد إلي الأعلم فالأعلم هو بيان حفظ المراتب تدريجا وطولا، ففرض شخص أعلم من غيره وفرض شخص أعلم من كليهما كيف يتم ويوجد في الخارج، فمن أول الأمر تقول ليست الأعلمية معتبرة في باب القضاء كما نقلناه عنه آنفا. قال في التنقيح ص 179: ثم إذا جاز الرجوع إلي غير الأعلم فلا مناص من أن يراعي الأعلم فالأعلم ولا يجوز أن يرجع إلي غير الأعلم مطلقا بل إلي غير الأعلم بالإضافة إلي الأعلم الذي قلده مع اشتراط أن يكون أعلم بالإضافة إلي غيره من المجتهدين. إلي أن قال: وإذا فرضنا أن الأعلم الإضافي أيضا لا فتوي له في المسألة رجع إلي غير الأعلم بالإضافة إليه... وعلي الجملة لا بد من مراعاة الأعلم فالأعلم. أقول: هذا غير ما ذكره في ص 144 ونقلناه عنه قريبا. ولا بد هنا من نقل كلام صاحب الجواهر الذي لم ينقله صاحب التنقيح وما ندري أنه رآه أو لم يره، قال في كتاب الأمر بالمعروف 21 / 402 نعم لا طريق للعامي الذي لا أهلية له للنظر في أمثال هذه المسائل إلا الرجوع إلي الأفضل من أول الأمر، لأنه المتيقن له في زمن الغيبة المعلوم عدم سقوط التكليف فيه ثم العمل بقوله حتي في أمثال هذه المسائل التي لا قابلية له للاجتهاد فيها، للحرج المنفي كتابا وسنة وإجماعا والسيرة المعلومة [ صفحه 205] التي تزيد علي الإجماع بل تقرب من الضرورة. وبالجملة فهذه المسائل وغيرها مما يتعلق بالاجتهاد والتقليد محررة في محالها - انتهي. أقول: هذا الاحتياط حسن لا يترك مع اختلاف الأقوال كما سبق.

اصلاح ذات البين

(تنبيه) قد سبق أن القاضي والحاكم علي ثلاثة أقسام: القاضي المنصوب من الإمام عليه السلام، والقاضي مع تراض الحكمين به، القاضي في زمن الغيبة، وكل له حكم أو أحكام خاصة نقلنا بعضها عند نقل كلام الأعلام صاحب مفتاح الكرامة وكشف اللثام والمسالك. وهناك قسم آخر نسميه بإصلاح ذات البين، وهو أمر مرغوب رغب فيه مع التحريض عليه، فقال صلي الله عليه وآله (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) والاهتمام بأمور المسلمين يشمل الإصلاح وإصلاح ذات البين بمثل المال والجاه واللسان والقلم وغير ذلك، بل هو مستحب مؤكد، بل واجب في مورد القتل وهتك العرض والشتم والحبس وغير ذلك، بل تشمل بعض ما ذكر أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كل ذلك مع استجماع الشرائط المقررة لهما في محلهما. قال في مجمع البحرين مادة صلح: (والصلح خير) أي من الفرقة والنشوز والإعراض وسوء العشرة، أو الصلح خير من الخصومة. وفيه أيضا (أو إصلاح بين الناس) التألف بينهم بالمودة. وعن أمير المؤمنين عليه السلام (إن الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض زكاة مالكم). [ صفحه 206] وقال في مادة بين: البين من الأضداد، يكون للوصل والفراق، و قولهم لإصلاح ذات البين يعني الأحوال التي بين القوم وإسكان النائرة التي بينهم وإصلاحها بالتعهد والتفقد، ولما كانت ملابسة البين وصفت به فقيل لها ذات البين كما قيل للأسرار ذات الصدور. وفيه: والفرق بين البيان والتبيان هو أن البيان جعل الشئ مبينا بدون حجة، و التبيان جعل الشئ مبينا مع الحجة، وهو بالكسر من المصادر الشاذة. وفي دعاء المكارم (وإطفاء النائرة وضم أهل الفرقة وإصلاح ذات البين وإفشاء العارفة وستر العائبة ولين العريكة) الدعاء. وغير ذلك مما لا يخفي علي الناظر المطلع علي أخبارهم وأدعيتهم. ومقتضي ما ذكر أنه أمر مرغوب محبوب إيجاده في الخارج وليس فيه اشتراط الذكورية والعدالة والإسلام والإيمان إذا كان عالما بكيفية الإصلاح ولا فرق بين زمان الحضور وزمان الغيبة، ولا يشترط فيه الاجتهاد. نعم لا بد من معرفة محل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتي لو كانت المسألة خلافية لا يمكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يجوز لمقلد الأمر والنهي لمقلد آخر لأنه تعصب وفاعله ممقوت. ولا يشترط في الاصلاح والمصلح ما يشترط في القضاة بأجمعها، سواء كان التراضي من الخصمين ابتداءا أو من المصلح. قال في الجواهر 21 / 382: نعم من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدها تأثيرا - خصوصا بالنسبة إلي رؤساء الدين - أن يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه وينزع رداء المنكر [ صفحه 207] محرمه ومكروهه وليستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة وينزعها عن الأخلاق الذميمة، فإن ذلك منه سبب تام لفعل الناس المعروف ونزعهم المنكر وخصوصا إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة - الخ.

التقليد في مبادئ الاستنباط

قال في التنقيح ص 413: التقليد في مبادئ الاستنباط وهي العلوم الأدبية واللغة والرجال، وهل يجوز للمجتهد أن يقلد عالما من علماء الأدب أو الرجال. إلي أن قال: الصحيح عدم جريان التقليد في تلك الأمور. أقول: إن كان المراد عدم الجواز تكليفا ويحرم عليه التقليد في الأمور الأدبية فأي دليل يدل علي عدم الجواز والحرمة، نعم تارك التقليد يعاتب في بعض الصور وأما في المقام لا عتاب عليه. وإن كان المراد عدم الصحة - بمعني أن المجتهد في الفروع لا بد أن يكون مجتهدا في الأمور الأدبية مثل الاجتهاد في الفروع - فهذا أمر يمكن ادعاؤه ولكن لا وجود له في الخارج إلا للأوحدي في الأزمنة مثل الشيخ البهائي والشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر لو لم يناقش في بعضهم. وعلي أي حال تبين الموضوع في المقام بهذه الصورة: هل يتوقف الاجتهاد علي الأمور المذكورة أو لا يتوقف عليها، وعلي فرض التوقف علي أي مقدار يتوقف، وعلي فرض معلومية المقدار هل يكفي للمجتهد التقليد في الأمور المذكورة من العالم بالفن أم لا بد من الاجتهاد فيها كالاجتهاد في الفروع فهنا مسائل: [ صفحه 208] (الأولي) يتوقف الاجتهاد توقفا تاما علي هذه العلوم كما سبق عن كشف اللثام ومفتاح الكرامة وغيرهما، ومعرفة خصائص اللغة العربية أنفع شئ في معرفة الكتاب والسنة ولا بد من تعلم ما يتوقف علم الفقه عليه من اللغة والنحو والتصريف وغيرها، ولا يكتفي الفقيه بلغة أو لغتين كما في كشف اللثام ص 144، ولا يقتصر علي مراجعة كتاب أو كتابين كما تري بعض الفقهاء يقتصرون في المسألة اللغوية علي نحو الصحاح وحده وفي المسائل النحوية علي مثل المفصل، بل لا ننسي وصية العلامة الحلي ولده فخر المحققين في شرائط المفتي حيث يقول: ولا يعتني بما ينقل في كتاب الفروع من التهذيب فلا بد أن يراجع أصل الكافي أو التهذيب مثلا ولا يجوز المسامحة في أمر الدين - الخ. (الثانية) لا بد من مقدار واف من الأمور الأدبية بنحو يحصل الاطمئنان بالممارسة حتي يقدر علي أعمال القوة في مواردها. (الثالثة) هل يكفي في هذا المقدار تقليد المجتهد عالما من علماء الأدب فيجوز للغير تقليده في الفروع ويعمل المجتهد برأيه أم لا بد من الاجتهاد فيها أيضا كما في الفروع؟ الثاني هو المتيقن والمتعين. فعلي هذا يصير أمر الاجتهاد مشكلا مع هذه القيود التي ذكروها وذكرنا مقدارا منها في ضمن نقل كلماتهم من احتياج الكتاب والسنة إلي أمور كثيرة وكلها من القدرة التي يقتدر بها علي الاستنباط الفعلي ولا اعتبار بالملكة الخاصة بدون الاستنباط الفعلي. [ صفحه 209]

بحث في ولاية الفقيه

وقبل أن نختم الكلام في هذا الباب لا بأس أن نبحث مختصرا في ولاية الفقيه، فنذكر الموضوع في مقاصد: (الأول) هل الولاية من شؤون القضاء أو أمر مستقل يحتاج إلي الجعل؟ قال في التنقيح ص 422: بل الصحيح أنهما أمران ويتعلق الجعل بكل منهما مستقلا. (الثاني) هل ثبتت الولاية المطلقة للفقيه في عصر الغيبة كالولاية الثابتة للنبي والأئمة عليهم السلام حتي يتمكن من التصرف في غير مورد الضرورة وعدم مساس الحاجة إلي وقوعها أو ينصب قيما أو متوليا من دون أن ينعزل عن القيمومة أو التولية بموت الفقيه أو يحكم بثبوت الهلال أو غير ذلك من التصرفات المذكورة الصادرة المترتبة علي الولاية المطلقة بل إنما يستكشف بذلك نفوذ التصرفات المذكورة الصادرة عن الفقيه بنفسه كما هو مفاد قوله عليه السلام في الصحيحة المتقدمة (إذا كان القيم به مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس). قال في التنقيح ص 421: فقد دلتنا الصحيحة علي أن الشارع نصب الفقيه قاضيا، أي جعله بحيث ينفذ حكمه في المرافعات وبه يتحقق الفصل في الخصومات ويتم أمر المرافعات ولا دلالة لها بوجه أن له الولاية علي نصب القيم والحكم بثبوت الهلال ونحوه - إلي آخر كلامه. وقال في ص 423: ومن هنا يظهر أن الفقيه ليس له الحكم بثبوت [ صفحه 210] الهلال ولا نصب القيم أو المتولي من دون انعزالهما بموته، لا هذا كله من شؤون الولاية المطلقة وقد عرفت عدم ثبوتها بدليل وإنما الثابت أن له التصرف في الأمور التي لا بد من تحققها في الخارج. (الثالث) قال في التنقيح ص 424: إن الولاية لم تثبت للفقيه في عصر الغيبة بدليل وإنما هي مختصة بالنبي والأئمة عليهم السلام، بل الثابت حسبما تستفاد من الروايات أمران: نفوذ قضائه، وحجية فتواه - الخ. (الرابع) قال فيه أيضا ص 424: ومن جملة الموارد التي تجري فيها أصالة الاشتغال ويتوقف التصرف فيها علي إذن الفقيه هو التصرف في سهم الإمام عليه السلام، لأنه مال الغير ولا يسوغ التصرف فيه إلا بإذنه - إلي أن قال - ومقتضي القاعدة عدم جواز التصرف فيه إلا بإذنه، و المتيقن ممن نعلم برضاه عليه السلام وإذنه له في التصرف فيه هو الفقيه الجامع للشرائط لعدم احتمال إذن الشارع لغير الفقيه دون الفقيه. (الخامس) وفي ص 425: فنقول الأعلمية المطلقة التي هي المعتبرة في باب التقليد فلا يحتمل اعتبارها في المقام، فإن لازم ذلك أن تكون الولاية علي مجهول المالك ومال الغيب والقصر من المجانين والأيتام والأوقاف التي لا متولي لها والوصايا التي لا وصي وغيرها من الأمور الحسبية في أرجاء العالم كله راجعة إلي شخص واحد، ومن المستحيل عادة قيام شخص واحد عادي للتصدي بجميع تلك الأمور علي كثرتها في الأماكن المختلفة من الربع المسكون - الخ. أقول: العمدة عدم الدليل علي إثبات ذلك كما يذكره بعد ذلك، ولو [ صفحه 211] وجد الدليل الوافي بذلك يتبع، وإيجاد المذكورات في الخارج يمكن ولو بواسطة الأشخاص الصالحين كما في الفتوي. ثم إن مجهول المالك مندرج في كلامه صريحا، ومنه سهم الإمام عليه السلام، فالأعلمية الإضافية بمقتضي كلامه هذا كافية للتصرف فيه. وهذا منه خلاف ما اختاره من قوله ص 425: والمتيقن ممن يعلم برضاه عليه السلام وإذنه له في التصرف فيه هو الفقيه الجامع للشرائط لعدم احتمال إذن الشارع لغير الفقيه. وهذا كما تري مخالف لما سبق إلا أن يراد به الأعلمية الإضافية في كلا الموردين. وقال في ص 426: وكذا الحال في التصرف في سهم الإمام عليه السلام لأنه وإن كان معلوم المالك وهو الإمام إلا أنه من جهة عدم التمكن من الوصول إليه ملحق بمجهول المالك نظير سائر الأموال المعلوم مالكها فيما إذا لم يمكن الوصول، وقد تقدم أن القدر المتيقن ممن يجوز تصرفاته في تلك الموارد هو الأعلم إما مطلقا كما في سهم الإمام وغيره مما لا مانع من الرجوع فيه إلي الأعلم مطلقا وإما بالإضافة إلي البلد كما في الولاية في الأمور الحسبية لعدم التمكن فيها من الرجوع إلي الأعلم المطلق كما مر. فعلي ما بيناه اعتبار الأعلمية الإضافية لو لم يكن أقوي في المسألة فلا ريب أنه أحوط - انتهي. أقول: فعلي هذا البيان لا يعين الأعلمية المطلقة لتصرف سهم الإمام بقوله (لا مانع من الرجوع فيه إلي الأعلم مطلقا) وهو مخالف لما سبق من قوله (وهو الفقيه الجامع للشرائط) إلا أن يريد به غير ذلك. بقي هنا أمور ينبغي البحث عنها: [ صفحه 212] هل المجهول المالك يشترط فيه الإذن من الأعلم أم يكفي الإذن من مطلق الفقيه ودليله أي شئ في المقام وفي غير المقام؟ هل يشترط الفقر لمن يأخذه بالاذن أو يعم الفقير والغني، وما هو الدليل في ذلك؟ هل مالك العين الذي لا يمكن الوصول بماله إليه هل حكمه حكم سهم الإمام أو بينهما فرق لا بد من بيان الفرق ودليله. قال في منهاج الصالحين كتاب اللقطة ص 174: لو عرف المالك و لكن لا يمكن إيصال اللقطة إليه ولا إلي وكيله فإن أمكن الاستيذان منه في التصرف فيها ولو بمثل الصدقة عنه أو دفعها إلي أقاربه أو نحو ذلك تعين وإلا تعين التصدق بها عنه. ولا يخفي أن صريحه مخالف لما ذكره في سهم الإمام ولا يشترط فيه إلي إذن الفقيه، والقاعدة في اللقطة كما في الوسيلة ص 223: وإن كانت قيمتها درهما أو أكثر وجب عليه تعريفها والفحص عن صاحبها، فإن لم يظفر به فإن كانت لقطة الحرم تخير بين أمرين التصدق بها أو إبقائها عنده وحفظها لمالكها وليس له تملكها، وإن كانت لقطة غير الحرم تخير بين أمور ثلاثة: تملكها، والتصدق بها مع الضمان فيهما، وإبقائها أمانة من غير ضمان - وهكذا عبارة المنهاج في المسألة. فلا بد من التأمل في كلامهم وبيان الفارق. نعم يقولون حكم المعاملة الفلانية هكذا، مثل الأخذ من البنك يعامل معاملة مجهول المالك يؤخذ بإذن الحاكم ويتصرف فيه بإذنه. وأما بيان الغني والفقير وتعيين الحاكم [ صفحه 213] من المطلق أو بالنسبة فلم أجده إلي الآن. قوله في ص 426: والأعلم الإضافي هو القدر المتيقن ممن يحتمل جواز تصرفه في تلك الأمور وكذلك الحال في التصرف في سهم الإمام عليه السلام. وقد سبق منه في ص 144 أن الأعلمية المبحوث عنها في المقام إنما هي الأعلمية المطلقة، لبداهة أن الأعلمية الإضافية النسبية غير كافية في تعين الرجوع إليه، وكلامه في مقام الرجوع إليه في الفتوي وظاهر كلامه عدم اعتبارها في الفتوي أيضا ونتيجة كلام صاحب التنقيح في المقام مجملا ومفصلا ونقضة من كلامه ونقضة بقدر فهمنا في كلامه: 1 - اعتبار المجتهد المطلق في مقام الفتوي والقضاء. 2 - تفصيله يطلب من ص 29 قوله لا ريب ولا إشكال في أن المجتهد المطلق الذي قد استنبط جملة وافية من الأحكام - إلي أن قال - وهذا القسم من الاجتهاد هو القدر المتيقن في ترتب الأحكام المذكورة عليه. أي الفتوي والتصدي للقضاء، فراجع حتي يظهر لك الحق. 3 - قوله في ص 144: إن الأعلمية المبحوث عنها في المقام إنما هي الأعلمية المطلقة لبداهة أن الأعلمية النسبية والإضافية غير كافية في تعيين الرجوع إليه، فإن كون شخص أعلم من غيره مع وجود من هو أعلم من كليهما لا يترتب عليه أي أثر في المقام. أقول: لا يخفي أن هذا إشكال علي الأعلمية الإضافية مطلقا في المقام وغير المقام وأنه لا اعتبار بها. وقال بعد ذلك: فالأعلمية المرجحة [ صفحه 214] في باب القضاء وتعارض الحاكمين غير الأعلمية المعتبرة في المقام - و ظاهر كلامه اعتبارها هنا. وفي ص 425: فنقول إن الأعلمية المطلقة التي هي المعتبرة في باب التقليد فلا يحتمل اعتبارها في المقام - إلي أن قال في ص 427: فعلي ما بيناه اعتبار الأعلمية الإضافية لو لم يكن أقوي في المسألة فلا ريب أنه أحوط أقول: لا يخفي أن صريح كلامه كفاية الأعلمية الإضافية في الأمور الحسبية والتصرف في سهم الإمام عليه السلام، وهذا يناقض قولهم: إن إعطاء السهم لغير من يقلده مشكل إلا مع اتحاد المصرف مع وجوب تقليد الأعلم إما مطلقا وإما مع العلم بالمخالفة كما اختاره صاحب التنقيح. وأيضا هذا يخالف ما ذكره في منهاج الصالحين كتاب اللقطة ص 174 لو عرف المالك ولكن لا يمكن إيصال اللقطة إليه ولا إلي وكيله فإن أمكن الاستيذان منه في التصرف فيها ولو بمثل الصدقة عنه أو دفعها إلي أقاربه أو نحو ذلك تعين وإلا تعين التصدق بها عنه. ولا يخفي أن صريحه يخالف ما ذكره في سهم الإمام، فهل فرق بينهما؟ فلا بد من بيانه. ومن هنا ظهر الأمر الرابع، وهو ما فهمنا من كلامه من المناقشة و التناقض، وقد سبق بعض مناقشاتنا علي ذلك فلا نعيد الكلام. والنفس بعد لم تطمئن إلي ما ذكروه فلا بد من الاحتياط بقدر الإمكان، وقد سبق نقل كلام صاحب الجواهر والتنقيح. هذا، وقد اتضح أن وجوب تقليد الأعلم علي هذا التقدير إنما هو من باب الاحتياط لا أنه مستند إلي الأدلة الاجتهادية، فإن مفروضنا أن الأدلة [ صفحه 215] لم يستفد منها وجوب تقليد الأعلم وعدمه وانتهت النوبة إلي الشك، وإنما أخذنا بفتوي الأعلم لأن العمل علي طبقها معذر علي كل حال، فهو أخذ احتياطي تحصيلا للقطع بالفراغ لا أن فتواه حجة واقعية انتهي ونظير هذا الاحتياط والاحتياط الذي نقلناه من الجواهر 21 / 42 يجري فيما نحن فيه، فلا بد أن يكون الفتوي والقضاء والتصرف في سهم الإمام عليه السلام بإذن الفقيه الجامع للشرائط المطلق علي قولهم وبإذن المجتهد الإضافي علي مراتب الاجتهاد علي ما بيناه وقالوا في موارد الاحتياط الرجوع إلي الأعلم فالأعلم تدريجا لا الأعلمية الإضافية بالنسبة إلي بلد كما اختارها صاحب التنقيح تارة وناقش فيها مرة أخري. كل ذلك مع الإمكان وإلا فالحكم يختلف حسب اختلاف إمكانات الموضوعات الواقعة الموجودة في الخارج بحيث تصل النوبة إلي نظر عدول المؤمنين في الأمور الحسبية التي هي محل الكلام هنا. قال في التنقيح ص 481: يقع الكلام في ذلك تارة في غير القضاء من الأمور الراجعة إلي المجتهد وأخري في القضاء - إلي آخر كلامه ونقلناه نقضا وإبراما فيما سبق فتذكر. ثم قال: المقام الثاني وهو اعتبار الأعلمية في القضاء - إلي أن قال - فمورد الكلام والنزاع إنما هو اعتبار الأعلمية الإضافية.. هل تعتبر الأعلمية بهذا المعني في القاضي أو لا تعتبر، المنسوب إلي الأشهر أو المشهور هو الاعتبار والتحقيق عدم اعتبار الأعلمية في باب القضاء، وذلك لصحيحة أبي خديجة... [ صفحه 216] أقول: بعد الكر والفر أي شئ يستفاد من الصحيحة هل الأعلمية الإضافية التي تعبر عند المشهور في باب القضاء أو المقلد العامي، وقد قال والتحقيق عدم الاعتبار في الأول. ورد الثاني بقوله ص 428: لأن منصب القضاء لا يرضي الشارع بتصدي العامي له يقينا. وقد صرح مرات عديدة بأن الأعلمية المطلقة في باب الفتوي لا تعتبر في باب القضاء ببيانات مختلفة، فنقول: أي شئ يعتبر في باب القضاء هل له اسم يسمي به فنعرف المفتي، هذا مع أنه نفسه ناقش في متنها ودلالتها ص 233 وقال: من المحتمل صحة نسختي الكافي والفقيه (ولكن انظر إلي رجل منكم يعلم من قضائنا) ومعه لا دلالة للرواية علي معرفة الكثير من أحكامهم - الخ، وهذا بخلاف نسخة أخري (يعلم من قضايانا) فإنه علي ما قال واستفاد صاحب التنقيح منها أنه يعلم كثيرا من أحكامهم. أقول: إلي الآن لم نفهم من كلامه أي شئ يعتبر في باب القضاء. و علي كل حال يفهم اعتبار الرجولية من هذه الصحيحة، إلي أن قال: فإن القضاء بمعني الحكم في مقام الترافع والخصومات ليست بكثيرة في نفسها (إلي أن قال: إذا تدلنا الرواية علي أن معرفة حكم أو حكمين في مورد الترافع أيضا تكفي في صحة القضاء ولا يبين معرفة الحكم أو الحكمين من مسائل باب القضاء أو غيره لأنه أيضا شئ من أحكامهم. أقول: إن كان من يعلم حكما أو حكمين مثلا مقلدا فيرد عليه ما ذكره في ص 359 في رد صاحب الجواهر من عدم صحة إطلاق العالم بالقضاء والأحكام علي من تعلمها بالتقليد، وإن كان مجتهدا ينفذ حكمه ولو كان [ صفحه 217] استنباطه لحكم أو حكمين كما قال في ص 358 أن القدر المتيقن هو المجتهد دون المقلد وهو القدر المتيقن الخروج عن الأصل أقول: في النفس شئ من صدق أهل القضاء علي من تعلم حكما أو حكمين في باب القضاء بالاجتهاد، وكيف يتصور وبعد ذلك يصدق هذا مع أنه صرح في ص 36 لأن الموضوع في لسان الأدلة المثبتة لهذه الأحكام إنما هو العالم والفقيه والعارف وغيرها من العناوين التي لا تصدق علي من استنبط حكما أو حكمين ونحوهما، فلا ينفذ قضاء المتجزي حتي يستنبط جملة معتد بها من الأحكام - الخ وقال في ص 228 بعد ذكر أشخاص معينين: ولم تدلنا علي جواز الرجوع إلي من عرف مسألة أو مسألتين ولم يكن من أضراب هؤلاء الأكابر من الرواة. وأقول: هذه الاختلافات منه في صفحات عديدة تدلنا علي قلة وجود الاستنباط الفعلي مع استحضار المدرك لما يحتاج الناس إليه، وهو مشكل جدا. والمحصل من مجموع كلام صاحب التنقيح هذا الأعلمية المطلقة في باب الفتوي والأعلمية الإضافية في الأمور الحسبية ومنها تصرف في سهم الإمام عليه السلام، وفي باب القضاء لا تعتبر الأعلمية بهذا المعني لقوله: والتحقيق عدم اعتبارها لصحيحة أبي خديجة. وكل ذلك قد سبق منه مع الإشكال فيما ذكره فراجع. قوله: وأحكامهم الواصلة إلينا ليست بكثيرة. [ صفحه 218] أقول: ليست الكثرة والقلة مدار الأحكام، والمعيار هو الدليل الوارد في الباب فيتبع، مع أن القضاء والشهادة واليمين تعتبر عند الحاكم ومن عند الحاكم فليس بقليل. انظر الجواهر الطبعة القديمة 316 - 466 كشف اللثام 140 - 212، المسالك 351 - 422، مفتاح الكرامة. 10 / 1 - 266. وعلي كل حال يعتبر في باب القضاء والفتوي الرجوع إلي الأعلم بكل معني يراد منه وهو القدر المتيقن فيهما، ويجدر أن ننقل هنا كلام التنقيح وصاحب الجواهر. قال في التنقيح ص 151: ومن هنا اتضح أن وجوب تقليد الأعلم علي هذا التقدير إنما هو من باب الاحتياط لا أنه مستند إلي الأدلة الاجتهادية فإن مفروضنا أن الأدلة لم يستفد منها وجوب تقليد الأعلم وعدمه وانتهت النوبة إلي الشك، وإنما أخذنا بفتوي الأعلم لأن العمل علي طبقه معذر علي كل حال، فهو أخذ احتياطي تحصيلا للقطع بالفراغ لا أن فتواه حجية واقعية - انتهي. أقول: هذا التقريب يجري في القضاء أيضا. وكلام الجواهر في 21 / 402 نقلناه مرتين واحتياطه في باب الفتوي يجري في القضاء أيضا فلا حظ وتأمل. وأصرح من ذلك وصية العلامة لولده فخر المحققين المطبوعة في آخر كشف اللثام، يقول عند ذكر شرائط المفتي: وليس لنا إلا الاحتياط في الدين ومجانبة المجازفة والتخمين، فهذه وصيتي إلي المفتين. أقول: فراجع تمام كلامه حتي يبعدك عن الهلكي ولا تسرع إلي الفتوي حتي [ صفحه 219] لا تقع في البلية وتكون عاقبتك عاقبة وخيمة. اللهم جنبنا سيئات الأعمال وبعدنا عن الخطأ في الأقوال ولا تؤاخذنا بما نسينا أو أخطأنا إنك أنت الرب الكريم الغفور الرحيم.

الولاية المطلقة للفقيه

ونختم الكلام في هذا الباب في الولاية المطلقة للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة، فنقول: قال في التنقيح ص 419: ما يمكن الاستدلال به علي ذلك أمور: (الأول) الروايات كالتوقيع المروي عن كمال الدين وتمام النعمة والشيخ في كتاب الغيبة والطبرسي في الاحتجاج (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) [70] نظرا إلي أن المراد برواة الحديث (حديثنا خ) هو الفقهاء دون من ينقل الحديث فحسب، وقوله عليه السلام (مجاري الأمور والأحكام بيد العلماء بالله الأمناء علي حلاله وحرامه) [71] وقوله صلي الله عليه وآله (الفقهاء أمناء الرسل) وقوله (اللهم الرحم خلفائي) ثلاث، قيل: يا رسول الله ومن خلفائك؟ قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنتي [72] . [ صفحه 220] وغيرها من الروايات. وقال بعد ذلك: وقد ذكرنا في الكلام علي ولاية الفقيه من كتاب المكاسب أن الأخبار المستدل بها علي الولاية المطلقة قاصرة السند أو الدلالة، تفصيل ذلك موكول إلي محله. نعم يستفاد من الأخبار المعتبرة أن للفقيه ولاية في موردين وهما الفتوي والقضاء، وأما ولايته في سائر الموارد فلم يدلنا عليها رواية تامة الدلالة والسند - انتهي. قال الشيخ في المكاسب ص 155 بعد ذكر الأدلة علي الولاية: لكن الإنصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدورها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية لأكونهم النبي والأئمة صلوات الله عليهم في كونهم أولي بالناس في أموالهم، فلو طلب الفقيه الزكاة والخمس من المكلف فلا دليل علي وجوب الدفع إليه شرعا - إلي أن قال - هذا مع أنه لو فرض العموم فيما ذكر من الأخبار وجب حملها علي إرادة العام من الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفته من حيث كونه رسولا مبلغا وإلا لزم تخصيص أكثر أفراد العام، لعدم سلطنة الفقيه علي أموال الناس وأنفسهم إلا في موارد قليلة بالنسبة إلي موارد عدم سلطنته. وبالجملة فإقامة الدليل علي وجوب طاعة الفقيه كالإمام عليه السلام إلا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد. [ صفحه 221]

تعليقات علي كتاب المنهاج

اشاره

فيما يلي تعليقات علي كتاب (منهاج الصالحين) لسماحة آية الله الخوئي علقناها علي كتاب القضاء والشهادات منه حين المطالعة، وهي تبين نظرنا في المسائل الشريفة، فنذكر أولا عدد صفحة الكتاب من جزئه الأول، ثم نورده كلامه - دام ظله - ثم نعلق عليه بما نراه. والله تعالي الموفق للصواب والهادي إلي سبيل الرشاد: 3 - قوله: القضاء هو فصل الخصومة بين المتخاصمين أقول: يطلق القضاء علي معان كثيرة كما في الكتب المفصلة مثل مفتاح الكرامة ومجمع البحرين وغيرهما، ومنها قوله تعالي (وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه). نعم بالقرينة يطلق علي حكم الحاكم بين الخصمين كما يأتي في روايات الباب وليس منحصرا فيما ذكر 4 - قوله: فإن حكمه نافذ عليهما وإن كان مخالفا لفتوي من يرجع إليه المحكوم عليه. أقول: إلا أن يكون الاجتهاد معلوم الخطأ أو كان المورد بحيث لا يصح الاجتهاد فيه وليس قابلا للاجتهاد فليس حكمه نافذا، ولا [ صفحه 222] يصدق عليه النقض بل في الحقيقة لا حكم حتي ينقض.

القضاء واجب كفائي

أقول: من كان له استعداد تام مع صحة البدن والتمكن المالي مع عقل سليم واعتقاد راسخ حصل له من طريق الأئمة الهداة الراشدين المعصومين سلام الله عليهم يجب عليه تعلم الدين والمعارف الحقة من أول المراتب إلي أقصاها، فإن الطير - كما يقال - يطير بجناحه والإنسان يطير بهمته، فيجب تحصيل الفقه من أوله إلي آخره مع قوة الاستدلال بلا فرق بين القضاء وغيره. وليعلم أنه لا ينجيه إلا تعلم الدين وأحكام الإسلام والإيمان، وغير ذلك فضل لا يسأل عنه غدا. ولا ينافي ما ذكرناه الواجب الكفائي لأنه قد يتعين وخصوصا هذا الزمان الكدر الذي أهله مغمورون في الجهل، ويصدق ما ذكرناه كل ذي حظ عظيم وعقل سليم. 9 - قوله: ومقتضاه (أي الأصل) عدم نفوذ حكم من كان الأعلم منه موجودا في البلد. أقول: كلامه هنا بظاهره يخالف ما في التنقيح ص 144: الثالث أن الأعلمية المبحوث عنها في المقام - إلي أن قال - فإن كون شخص أعلم من غيره مع وجود من هو أعلم من كليهما لا يترتب عليهما أي أثر في المقام. وظاهر كلامه عدم اعتبار الأعلمية بهذا المعني في المقام وغيره، ولعل القصور منافي فهم مراده فلا بد من التأمل. 14 - قوله: إلا أن المعتبرة الأولي تقتضي حمل صحيحة سليمان [ صفحه 223] بن خالد علي مورد الاستحلاف والرضي بحلف المنكر وحمل معتبرة أبي بكر علي مورد عدم الاستحلاف وصدور الحلف من المنكر عفوا وبذلك يرتفع التعارض بينهما. أقول: نتيجة كلامه والمحصل منه أنه ذكر ثلاثة أخبار: معتبرة ابن أبي يعفور وفيه الاستحلاف والنهي عن الأخذ، وصحيحة سليمان بن خالد وفيها (فكابرني وحلف) مع النهي عن الأخذ، ومعتبرة أبي بكر وفيها الحلف وجواز أخذ المال. وبذلك الجمع يرتفع التعارض. وفيه: أولا إنه جمع بلا شاهد والجمع المعتبر ما كان له شاهد. وثانيا في التنقيح ص 393 قد أثبت التعارض حيث قال: فمنها صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه وحلف ثم وقع له عندي مال آخذة [فآخذه] لمكان مالي الذي أخذ وأجحده وأحلف عليه كما صنع. قال: إن خانك فلا تخنه ولا تدخل فيما عبته عليه [73] إلا أنها معارضة بصحيحة أبي بكر الحضرمي قال: قلت له: رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليها أيجوز لي إن وقع قبلي دراهم أن آخذه منه بقدر حقي. قال فقالنعم [74] . إذا لا مجال للتفصيل في الشبهات الموضوعية بين اليمين والبينة قال: والمتحصل أن بحكم الحاكم لا يجوز ترتيب آثار الواقع إذا علمنا مخالفته للواقع - الخ. أقول: نتيجة كلامه من ص 390 إلي 393 أمور: الأول إن مع [ صفحه 224] التأمل فيها - أي الروايات - لا يكاد يشك في أن حكم الحاكم غير مغير للواقع عما هو عليه ذلك في ص 390. الثاني إن المحكوم عليه يجوز أن يسرقه من المحكوم إذا علم أن المال له وأن حكم الحاكم غير مطابق للواقع بل لا يبعد الحكم بجواز التقاص له من مال المحكوم عليه إذا توفرت الشروط كما إذا علم أن المحكوم له قد ظلمه وادعي المال مع علمه بأنه ليس له هذا تمامه في ص 391. أقول: ما ذكر كلمه أو بعضه يترتب علي إثبات التعارض والتساقط بين الأخبار. وبالجملة ما ذكره هنا يخالف ما في التكلمة من رفع المعارضة، فراجع. فلا بد لنا من الاعتراف بعدم فهم كلامه. نعم في الوافي ج 3 ص 110 يذكر الأخبار بنحو أبسط باب قصاص الدين وأعقبها بقوله في بيانه: في الفقيه جمع بين الأخبار بأنه متي أحلفه فليس له أن يأخذ شيئا، وإن حلف من غير أن يحلفه ثم طالب بحقه أو أخذ منه مما يصير إليه من ماله جاز الأخذ بعد هذا القول. وذكر القول قبل كلامه هذا هكذا: اللهم إني آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذ مني، وبغير هذا المضمون. ويمكن أن يكون الحديث النبوي (ص) شاهدا له وهو: من حلف فليصدق ومن حلف له فليرض. وإنما يجوز الأخذ مع عدم استحلافه له وإن حلف لعدم رضائه بحلفه فكأنه لم يحلف. فالمحصل من مجموع الأخبار أن مع الاستحلاف لا يجوز الأخذ ومع الحلف بدون رضاء صاحب الحق أو الجحد بدون الاستحلاف يجوز أخذ ماله ممن جحده وإن لم يعلم الجاهد. [ صفحه 225] عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له علي الرجل الدين فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي جحده أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال: نعم (الوافي 3 / 11). منهاج الصالحين ص 356: الفصل الأول في اليمين، وينعقد اليمين بالله بأسمائه المختصة أو بما دل عليه جل وعلا بما ينصرف إليه وكذا مما لا ينصرف إليه علي الأحوط. أقول: ظاهر كلامه انعقاد اليمين بأغلب أسمائه الحسني وهي تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحد كما في عدة الداعي ص 299، منها الواحد الأحد الصمد الأول الآخر الباقي البديع الحسيب الحميد الوتر الودود النور وغير ذلك - فراجع. وكذا ينعقد بأغلب الأسماء في الجوشن الكبير علي ظاهر كلامه، لعدم الفرق بين اسم الذات المقدسة واسم فعله تعالي شأنه، مثل الجليل الجميل الوكيل الكفيل الدليل القبيل المديل المنيل المقيل المحيل، ومثل يا فاعل يا جاعل يا قابل يا كامل يا فاصل يا واصل يا عادل يا غالب يا طالب يا واهب وغير ذلك - فراجع. قوله: علي الأحوط. أقول: مع الشك في أصل تحقق اليمين بما ذكرناه لا يترتب معه الأحكام الخاصة من الكفارة وإسقاط الدعوي وإثباتها وغير ذلك، وإنشاء الله يأتي المزيد من البيان لما ذكرناه فانتظر. ووجه الاحتياط الذي ذكره غير معلوم، خصوصا إذا كان حق [ صفحه 226] الغير موردا للدعوي من جهة الإثبات والإسقاط. نعم لو كان فعل نفسه موردا لليمين يكون موردا للاحتياط لو لم يلزم منه ترك احتياط آخر. 25 - قوله: لا يصح اليمين إلا بالله وبأسمائه - الخ. أقول: الحلف يصدق علي كل من يحلف به وما يحلف به لكن باعتبار اضافته إلي الله تعالي يصير خاصا. وبعبارة أخري: له خصوصية ليس في غيره لا إطلاق ولا تقييد مثل (غلام زيد) وكلمة (لا إله إلا الله). والشاهد علي ذلك أمور: الأول - كلام ابن فهد في عدة الداعي ص 300 في شرح الأسماء الحسني فالله أشهر أسماء الله وأعلاها محلا في الذكر والدعاء وتسمت به سائر الأسماء - أي يقصد بالله بقية الأسماء والصفات لأنه جامع لجميعها. الثاني - كيفية حلف الأخرس نقلا عن المسالك 2 / 372، وهي صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام لما ادعي عنده علي أخرس من غير بينة: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتي بينت للأمة جميع ما تحتاج إليه. ثم قال: ائتوني بمصحف، فأتي به، فقال للأخرس: ما هذا؟ فرفع رأسه إلي السماء وأشار إنه كتاب الله عز وجل، فقال: ائتوني بوليه، فأتي بأخ له فأقعده إلي جنبه ثم قال: يا قنبر علي بدواة وصحيفة، فأتاه بهما، ثم قال لأخ الأخرس قل لأخيك: هذا بينك وبينه أنه علي، فتقدم إليه بذلك ثم كتب أمير المؤمنين (ع) والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب [ صفحه 227] الضار النافع المدرك المهلك الذي يعلم من السر ما يعلمه من العلانية أن فلان بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان - يعني الأخرس حق ولا طلبة بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب. ثم غسله وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع فألزمه الدين. وانظر الحديث أيضا مع بيانه في ج 2 ص 157. ولا أقل من احتمال الخصوصية في لفظ الجلالة، فيشك في ترتب أحكام اليمين والنذر والعهد من وجوب الكفارة وإسقاط الدعوي وإثباتها. نعم لو كان العالم قاطعا بعدم خصوصية لفظ الجلالة وتمام أسمائه تعالي كاشف عن الذات المقدسة تنعقد اليمين عنده بكل الأسماء. قال في الجواهر ص 462 أواخر كتاب النكاح بعد نقل كلام المسالك: ولا ريب في أن صدق الحلف بالله علي الحلف باسمه المختص به العلمي أتم بل عن سيد المدارك في نهاية المرام احتمال اختصاص الحلف بلفظ الجلالة لدعوي تبادره من النصوص الآمرة بالحلف بالله وإن كان مخالفا للإجماع في الظاهر، بل والمحكي عن الشيخين، بل قد يمنع التبادر بعد ملاحظة سياق تلك الأخبار الظاهر في إرادة ذاته المقدسة من اللفظ المزبور لا خصوصها - أي الجلالة (الله). إلي أن قال: وليس المراد بالله فيه ما ذكره من الخصوصية قطعا بل ما ذكرنا من مطلق ذاته المقدسة. إلي أن قال بعد نقل كلام الرياض فلا وجه لما احتمله ولذا لم يحتمله أحد من أصحابنا، بل أطبقوا علي عدم [ صفحه 228] الفرق بين هذه اللفظة وغيرها من أسمائه المقدسة. وبعد ذلك ينقل الأخبار الواردة في المقام. أقول: علي فرض حصول الإجماع أو قدرة التحصي لعليه وكشفه عن قول المعصوم في المقام وغيره لا نزاع في المقام وغيره، لكن هيهات هيهات لما توعدون. وقاعدة الاحتياط تقتضي إضافة لفظ الجلالة بما يحلف به المسلم وأهل الكتاب والكافر لإسقاط الحق أو إثباته أو الكفارة. ولا يخفي أنه لا يعتبر قصد القربة - بمعني جعل القربة غاية لحلفه ونذره كالصلاة والزكاة - في مقام الدعوي في اليمين وغيرها والكافر يقسم بالله ولو كان غير معتقد بالله، لأن التكليف متوجه إلي جميع الناس، ولا يكون المقام مقام الوسواس لأن الله جل وعلا أشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة. والكفارة من أحكام اليمين ولا دخل فيها، وصحتها من الكافر و عدم صحتها منه أمر آخر، والكافر والمسلم والمرتد والعاصي واليهودي والنصراني وغيرهما مكلفون بالفروع كما أنهم مكلفون بالأصول، ولا فرق بين الكافر والمجوسي وغيرهما لأن الكفر ملة واحدة والإيمان بمعناه الخاص من شرائط الوجود لا الوجوب، وابسط من هذا يطلب من غير المقام - فتأمل. والقول باختصاص الحلف بلفظ الجلالة ليس بعيد، مثل القراءة والأدعية المأثورة الواردة التي لها تأثير خاص بلفظ العربية و [ صفحه 229] قراءتها وتحسينها مع رعاية سائر الشرائط أيضا، وإنما العمدة كيفية الاستفادة من الأخبار. قوله: ولا يصح الحلف إلا بالله وبأسمائه. أقول: الظاهر أن مراده بالأسماء تمامها كما ذكره في المنهاج ص 356 ونقلنا قبل هذا أنه يقول بانعقاد اليمين ولو بما لا ينصرف إليه تعالي وعلقنا علي كلامه بما ارتأيناه. وعلي كل حال استدل هنا لإثبات ما ذكره بالأخبار الصحيحة منها قوله قول أبي جعفر الثاني عليه في صحيحة علي بن مهزيار: إن لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به [75] - هكذا في الوافي 2 / 156، و ومثلها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام [76] أقول: وهو صحيح علي تقدير القاء خصوصية لفظ الجلالة كما ذكرناه. قوله: ولا يعتبر فيه أن يكون بلفظ عربي بل يصح بكل ما يكون ترجمة لأسمائه سبحانه. واستدل عليه في ص 25 بإطلاق الصحيحتين المتقدمتين. أقول: قد مر أن إضافة الحلف إلي الله بقولهم لا يحلف إلا بالله وأمثال ذلك لا إطلاق فيه ولا تقييد مثل كلمة (لا إله إلا الله) إلا بإلقاء الخصوصية وإرادة ذاته المقدسة من كل اسم من أسمائه تعالي في كل لغة ومن كل لغة، ومقتضاه جواز الحلف بكل لغة ينبئ عن الذات المقدسة، وإثبات ذلك بالدليل الذي ذكره مشكل [ صفحه 230] فعلي ما ذكره يجوز الحلف بما يلي: الله: عربي. تاري: تركي. گاد: انگليزي. گوت: آلماني. ديو: فارسي پهلوي. يزدان: فارسي زندي. اهورا مزدا: فارسي زندي. نعم يمكن الاستدلال لجميع ما ذكر في المقام بالخبر الذي رواه الوافي 2 / 137 باب كيفية الحكم، كايب عنه عن النضر بن هشام بن سالم عن سلميان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في كتاب علي عليه السلام أن نبيا من الأنبياء شكي إلي الله تعالي فقال: يا رب كيف أقضي فيما لم أشهد ولم أر. قال: فأوحي الله تعالي إليه احكم بينه بكتابي وأضفهم إلي اسمي تحلفهم به. ثم قال: هذا لمن لم تقم له بينة وبهذا المضمون أخبار أخري يذكرها قبل ذلك، وهذا الخبر من حيث الدلالة تمام لأن الاسم ينطبق علي تمام الأسماء وتمام اللغات و ليس فيه احتمال الخصوصية كلفظ الجلالة. وفي الجواهر كتاب النذر ص 521: بقي الكلام في شئ آخر وهو أنه هل يعتبر في الصيغة قول (لله) بخصوصه علي وجه لا يجزي غيره من الأسماء المختصة فضلا عن المشتركة المقصود بها ذاته أو يجزي كل [ صفحه 231] واحد منها - إلا أن قال - بل عن ظاهر الانتصار اعتبار خصوص هذه اللفظة مدعيا عليه الإجماع [إجماع الإمامية]، إلا أنه لا يخفي أن سياق النصوص أجمع إرادة خصوص ذاته المقدسة. ثم قال: بل لا يبعد الاجتزاء بالمرادف من كل لغة لمن يحسن العربية علي نحو ما ذكرناه في العقد والايقاع لفحوي الاجتزاء بإشارة الأخرس في سائر العقود والايقاعات، بل ظاهر الرياض الانعقاد بالمرادف اختيارا، ونحو ذلك يجري في اليمين أيضا خصوصا بعد اقتضاء الاحتياط ذلك أيضا. أقول: الإجماع المدعي في المقام غير مرضي، واختيار الجواهر موقوف علي القاء خصوصية لفظ الجلالة، والاحتياط الذي ذكره لا مانع له لفعل راجع إلي نفس الناذر والحالف من الوفاء بالنذر والحلف. وأما بالنسبة إلي إثبات الدعوي أو إسقاطها فالاحتياط الإتيان بلفظ الجلالة، بل لعل في إثبات الكفارة كذلك. وهنا مسائل: (المسألة الأولي): لا بد في صيغة اليمين والنذر والعهد والبيع والطلاق من القصد المرتبط بها وعقد القلب إليها مع قرينة قطعية علي القصد وعقد القلب، بحيث لو أنكر منشئ الصيغة لا يقبل منه وبغير ذلك يقبل للاشتراك صيغها بين الأخبار والإنشاء. ففي المقام ننقل كلام الجواهر وعهدة فهمه وفرقة وفارقه في كلامه علي الخبير في كلام فطاحل الفقه: قال في كتاب الأيمان ص 467 من الطبعة القديمة: إلا أن الإنصاف [ صفحه 232] ظهور ذكر الغضبان هنا نصا وفتوي دون باقي العقود والايقاعات... في زيادة اليمين باعتبار قصد آخر فيه غير قصد باقي العقود والايقاعات وأنه لا يكفي في انعقاده مجرد القصد إلي إنشاء صيغته الصريحة كما في صيغ العقود والايقاعات، بل لا بد مع ذلك من قصد العقد والربط بصيغة اليمين - إلي أن قال: وهو معني قول المصنف وغيرها أنها تنعقد بالقصد وأنه لا بد في اليمين من النية وغير ذلك مما ذكروه في اليمين دون غيره من العقود والايقاعات، والتأمل فيه يشرف الفقيه علي القطع بمدخلية.

القصد والنية في اليمين

قصد خاص في انعقاد اليمين. وقال في ص 369: فلو حلف بالصريح وقال (لم أرد اليمين) قبل منه ودين بنيته، لما عرفت من أعمية صراحة اليمين من العقد به، وليست صراحته في الدلالة علي العقد به بل هي في كونه يمينا وهو أعم من العقد عليه - إلي أن قال - وبذلك افترق اليمين عن العقد والايقاع المعتبر فيهما القصد أيضا، ولكن صيغهما صريحة في إرادة العقد بهما.

لو حلف بالصريح في اليمين و غيرها وبعد ذلك

قال أردت الأخبار عن يمين ماضية أو الوعد بيمين آتية، قبل، لأنه أخبار عن نيته والأصل عدم الانعقاد. لكن في المسالك ص 363 قال: يحتمل عدم القبول ظاهرا، لظهور كونه إنشاءا كما لا يقبل إخباره عن قوله (أنت طالق) إني أردت طلاقا سابقا. وفيه منع الحكم في المشبه به فضلا عن المشبه، ضرورة عدم اختصاص اللفظ في الانشاء علي وجه يحمل الإطلاق عليه (وإن لم يكن ثمة [ صفحه 233] قرينة حال تشهد بذلك بل استعماله بالوعد والإخبار من الحقيقة أيضا. ومن ذلك يظهر أنه لا ينبغي الحكم باليمين مع إطلاق اللفظ وعدم قرينة تدل علي إرادة الحلف، لأصالة عدم ترتب أحكام اليمين مع عدم العلم بقصدها بعد عدم دلالة اللفظ. أقول: نتيجة قول الجواهر هنا قبول قول المنكر في اليمين والعقد والايقاع كما ذكره في منكر الطلاق هنا فلا فرق بينهما في ذلك، وهذا يخالف ما ذكره في ص 469، وبذلك افترق اليمين عن العقد والايقاع المعتبر فيهما القصد أيضا، ولكن صيغهما صريحة في إرادة العقد بهما. وبالغ في مرامه في ص 467 وقال: والتأمل فيه يشرف الفقيه علي القطع بمدخلية قصد خاص في انعقاد اليمين - ونقلنا كلامه سابقا. 25 - قوله: يجوز للحاكم أن يحلف أهل الكتاب بما يعتقدون به. أقول: هذه المسألة خلافية، واستدل للجواز في التكملة بأخبار: منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: سألته عن الأحكام فقال: في كل دين ما يستحلفون به. قال في الوافي أبواب القضاء و الشهادات ص 156: بيان في بعض النسخ (ما يستحلون)، وعلي التقديرين فلا دلالة فيه علي جواز الاستحلاف لغير الله للمسلم لأنه مجرد إخبار عن شرائعهم ومنها: صحيحة محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام قضي علي عليه السلام فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلفه بكتابه وملته. أقول: يحتمل أن يكون المجروران (في كتابه وملته) راجعين إلي من استحلف ولهذا أتيا بالمفرد دون الجمع، فيوافق الحديث الأخبار [ صفحه 234] المتقدمة الموافقة للقرآن المخالفة لمذاهب العامة - الوافي من 156. ومنها: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: إن أمير المؤمنين استحلف يهوديان بالتوراة التي أنزلت علي موسي عليه السلام. وهو معارض بمعتبرة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته هل يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود والنصاري والمجوس بآلهتهم؟ قال: لا يصلح لأحد أن يحلف أحدا إلا بالله عز وجل. وغير ذلك من الروايات المعارضة مما ذكر لما ذكر، وقاعدة التعارض التساقط، فيرجع إلي عموم (لا يحلف إلا بالله) و (لا تحلفوا إلا بالله) وغير ذلك مما ذكر في الوافي ص 156 وغيره. فعلي هذا لا وجه لما ذكره في ص 26: لكنه يندفع بعدم المعارضة بين الطائفتين من الروايات، فإن النسبة بينهما نسبة الإطلاق والتقييد - إلي أن قال - فيرفع اليد عن المطلق بقرينة المقيد - الخ. أقول: لأنك قد عرفت أن المقيد قد سقط بالتعارض وبقي عموم (لا يحلف بالله) بالنسبة إلي المسلم واليهودي والكافر وغيره، لأن الكفر ملة واحدة. وفي بحث النجاسات ص 111: المشهور علي نجاسة الكتابي وهو الأحوط. 27 - قوله: لو سلمنا المعارضة بينهما فلا ترجيح للطائفة الثانية بل يتساقطان، فالمرجع هو إطلاقات أدلة القضاء بالأيمان. أقول: مع فرض تحديد اليمين بالله وانحصارها بالله وبأسمائه الخاصة علي بعض التقرير الذي قد تقدم لا مجال لإثبات الحلف بغير الله بالنسبة إلي [ صفحه 235] أهل الكتاب والمسلم وغيره. فالنتيجة أن طريق الاحتياط لا يخفي بإضافة لفظ الجلالة بما يستحلفون به بالنسبة إلي الكتابي وبالنسبة إلي المسلم و الكافر لانحصار الحلف بالله أو بأسمائه علي بعض التقريرات المتقدمة، وقد تقدم كيفية حلف الأخرس. (إيضاح نافع) في تعيين محل كلام الأعلام وبحثهم فيما ذكر كشف اللثام 2 / 159، الجواهر أواخر كتاب النكاح ص 416، المسالك كتاب الطلاق 2 / 187. ونذكر قبل نقل كلمات الأعلام مقدمة لبيان اشتراك الناس في التكاليف وجريان القضاء والحكومة فيهم من الآيات والأخبار الكثيرة فمن الآيات قوله تعالي: 1 - يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة [البقرة: 21]. 2 - وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [البقرة: 83]. 3 - يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج [البقرة: 189]. 4 - كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين [البقرة: 213]. 5 - وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل [النساء: 58]. 6 - إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله [آل عمران: 105]. 7 - وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [هود: 119]. [ صفحه 236] 8 - وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب [إبراهيم: 44]. 9 - يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق [ص: 26]. 10 - يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم [الزلزلة: 6]. وأما الأخبار فمنها: 1 - أيها الناس اعلموا أن كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. 2 - اضطرار الناس إلي الحجة، فلولا الحجة لساخت الأرض بأهلها. 3 - قوله صلي الله عليه وآله: إنما أقضي بينكم بالبينة والأيمان و بعضكم ألحن بحجته. 4 - بني الإسلام علي خمس: أقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت) وصوم شهر رمضان، والولاية لنا أهل البيت. فجعل في أربع منها رخصة ولم يجعل في الولاية رخصة، من لم يكن له مال لم يكن عليه الزكاة ومن لم يكن عنده مال فليس عليه حج ومن كان مريضا صلي قاعدا وأفطر شهر رمضان والولاية صحيحا كان أو مريضا أو ذا مال أو لا مال له فهي واجبة لازمة - الخصال 278. 5 - رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي افترضه الله علي العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره ما هو؟ فقال عليه السلام: أعد علي. فأعاد عليه، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت من استطاع إليه سبيلا وصوم شهر رمضان. ثم سكت قليلا [ صفحه 237] ثم قال: والولاية، مرتين - الخ. ولا يخفي أن جميع ما ذكر من الآيات والأخبار ظاهر بل صريح في أن الكفار مكلفون بالأصول والفروع مثل المسلم والمؤمن بأقسامهما، ولا معني في اختصاصها بمن في مجلس الخطاب ومن في المسجد وقرية دون قرية والعقاب والعذاب والسؤال والعتاب والثواب وغير ذلك كلها راجعة إلي جنس البشر المدرك العاقل، وليس التكليف متوجها إلي البهيمية والأنعام والقاصر والمستضعف. وما ذكرناه يظهر وجهه لمن تدبر مع الالتفات إلي جهة فضيلة الإنسان وأنه أشرف المخلوقات بشرط رعاية حقيقة الإنسانية لا جهة البهيمية، فبالجهة الأولي يعرج إلي السماء وبالجهة الثانية ينحط إلي مرتبة الأنعام بل هم أضل سبيلا. وبعد درك توجه الخطاب الإلهي لا بد من تحصيل المقدمات الوجودية لامتثال الخطاب الإلهي ورفع الموانع عنه بمقدار الطاقة لا يزيد ولا ينقص لعدم التكليف فوق الطاقة ووجود التكليف في صورة التخلف والتقصير. فعلي هذا يكون الإسلام والإيمان والخلوص ورفع المانع كالرياء وغيره من شرائط الوجود لا من شرائط الوجوب، ولا بد للمكلف من إيجاد شرط المكلف به. مثلا لو قال الأمر: بحب عليك الصلاة والزكاة والحج أن أسلمت، فلا وجوب قبل إسلامه لأنه معلق عليه ولا غير ذلك عليه. ولو قال: يجب علي المكلف الصلاة والزكاة والحج ولا تصح إلا مع الإسلام والإيمان والخلوص وغير ذلك يجب تحصيل [ صفحه 238] شرطه مع القدرة. وبعبارة أخري: تجب الصلاة علي المكلف فيجب تحصيل شرائطها من الطهارة والقبلة وتطهير الساتر وتحصيله وخلوص النية وغير ذلك، فالمسلم أو المؤمن يجب عليه تحصيل سائر الشرائط غير الإسلام والإيمان والكافر يجب عليه تحصيل الإسلام مع سائر الشرائط ويترتب أحكام الإسلام علي المسلم والكافر ويثابان علي الفعل ويعاقبان علي علي ترك المكلف به، وبسوء اختيارهما وإيجاد هما ترك الفعل المأمور به أو المنهي عنه لا تسقط الخطابات الإلهية حتي حين شرب الخمر منادي لا تشرب الخمر ينادي لأن حلاله حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة لا انفطام ولا انقطاع له، وفي هذا المعني قيل: الامتناع بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار. وأصرح شاهد علي ما ذكرناه قوله تعالي (فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون). فلولا أن الكفار مكلفون بالفروع وأنهم مرفوع عنهم القلم كالبهائم والمجانين وكانت المحرمات وترك الواجبات مباحة عليهم وفي حقهم لما صح مؤاخذتهم ومسألتهم عن أعمالهم، فالكافر كالمسلم الفاسق الفاجر الذي يموت بلا توبة، ولا ريب في ذلك. والمناسب نقل كلام مصباح الفقيه تأييدا لما ذكر أو تأسيسا، قال ج 2 / 11: وملخص الكلام أن من تأمل في الأخبار والشواهد العقلية والنقلية لا يكاد يرتاب في أن معظم الأحكام المقررة في شريعة خاتم النبيين صلي الله عليه وآله مما أحب الله أن يتأدب به كافة عباده المكلفين ولا [ صفحه 239] يرضي لأحد أن يندي عنها ولو فرض ظهور بعض الأخبار فيما ينافي ذلك لتعين تأويله - انتهي موضع الحاجة. وأصرح شاهد أيضا علي ما بيناه قوله تعالي (ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون) [فصلت: 7]. ونتيجة ذلك كله أن الحربي والمسلم علي حد سواء في التكاليف وتجري عليه أحكام القضاء. قال في مباني التكملة 1 / 28: الكافر الحربي أو المشرك أو الملحد لا يستحلفون ولا تجري عليهم أحكام القضاء. وقال في وجهه: وذلك لأن القضاء إنما هو لتمييز المحق عن المبطل وإعطاء المحق حقه، والكافر المذكور بما أنه لا احترام له لا مالا ولا نفسا فليس له حق الدعوي علي أحد ومطالبته بشئ من مال أو غيره، وبما أنه مهدور الدم والمال فيجوز لغيره أخذ ماله وقتل نفسه بلا ثبوت شئ عليه، فإذن يجوز للمدعي عليه أن يأخذ ما يدعيه منه من دون حاجة إلي الإثبات بإقامة بينة أو حلف فلا موضوع للقضاء والحكومة أصلا، ومن ذلك يظهر أنه لا موجب لاستحلافه بالله أو بما يعتقد به. نعم إذا لم يتمكن المدعي من أخذ ما يدعيه إلا بالاستحلاف جاز استحلافه بكل ما يمتنع من الحلف به مقدمة للتوصل إلي أخذ ما يدعيه - انتهي. أقول: ظاهر كلامه عدم الجواز وعموم عدم جواز الاستحلاف في تمام صور الدعاوي التي نذكر بعضها، وظاهر الكلام حجة. وفيه [ صفحه 240] أن عدم جواز الحلف بالنسبة إلي الحربي وعموم عدم جواز الحلف في تمام صور الدعوي مع عمومات الكتاب والسنة كما تأتي لا وجه له فلا بد من بيان المخصص. ولا فرق بين المسلم والكافر، وعدم احترام المال لا يوجب عدم جواز الحكم في حق الكافر، كما قد يقال في حق المفلس وغيره لعدم المال ونهاية ذلك عدم الوجوب لا عدم الجواز، كما في صورة عدم التمكن من أخذ حقه الذي صرح بجوازه. والصورة التي فرضها هي الصورة التي كانت الدعوي بين مسلم وكافر، وقال في وجهه: لأن الكافر لا احترام له لا مالا ولا نفسا - الخ. أقول: وفيه: أولا عدم احترام ماله لا يوجب عدم جواز الحلف فبمقتضي العمومات يحلفه ويأخذ ماله. وثانيا إن كان المراد بهذه العبارة أن الكافر لا ملك له فهو ينافي وجوب الزكاة عليه لأن الملك شرط الوجوب، وقد صرح في مسألة وجوب الزكاة عليه بالأظهرية والاحتياط في صورة بقاء العين الزكوية ونقلناه ووجوب الزكاة عليه مسلم أو مشهور بين الأصحاب كما سبق وهو المناسب لما ذكروه في غير المقام. قال في الجواهر 3 / 569 من الطبعة القديمة: إذا أسلم الحربي في دار الحرب حقن دمه وعصم ماله مما ينقل كالذهب والفضة والأمتعة دون ما لا ينقل كالأرضين والعقار فإنها فئ المسلمين ولحق به ولده الأصاغر ولو كان فيهم حمل، بلا خلاف أجده في شئ من ذلك كما اعترف به غير واحد، بل ولا إشكال بعد الأصل والعمومات وخصوص خبر [ صفحه 241] حفص بن غياث المنجبر بما عرفت قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك. فقال: إسلامه إسلام لولده الصغار وهم أحرار وولده ومتاعه ورقيقه له - انتهي. وكل ذلك يكشف عن مالكيته قبل إسلامه، وإن كان المراد بهذه العبارة أن للحربي مال ولكن لا احترام له - كما هو ظاهر كلامه - ففيه أولا أن هذا القسم من المال لا يوجب عدم جواز إجراء أحكام القضاء علي الحربي. وثانيا كما كان هذا المال محلا لصداق نكاحه ومعاملاته وسائر تصرفاته مع أن المفروض إمضاء كل ذلك من الشارع المقدس وهو مورد قبوله بالصراحة في المعاملات ونقلناه عنه من أجود التقريرات فراجع، كان محلا للدعوي بإقامة البينة والحلف في حقه. وثالثا أن هذا الوجه لا يجري في بقية صور الدعوي: منها: لو تراضي الحربيان علي حكم حاكمنا في صورة الخصومة بينهما فلا موضوع للحكومة ولا يجوز الاستحلاف وإقامة البينة العادلة ورد الحلف مع الإنكار لعدم احترام مالهم، فهل يمكن أن يتكلم ويحكم بهذا مع عمومات الأدلة كما تأتي. ومنها: أنه لو زنا بامرأة الحربي إذا أقيمت البينة مع الشرائط - أي شهد أربعة رجال علي الزنا أو القذف - يحد الكافر كالمسلم ويحكم الحاكم علي طبق الشهادة وتجري أحكام القضاء لقوله تعالي (و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء - لولا جاؤوا بأربعة [ صفحه 242] شهداء - فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وغير ذلك من الآيات والروايات وأصل المطلب يطلب من الجواهر 6 / 447. ومنها: سرقة الحربيين الحربي وغيره، فإذا شهد رجلان عدلان بها يحكم الحاكم ويجري أحكام القضاء عليه. وفي خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام: إن أمير المؤمنين (كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان وشهد ألف بالبراءة يجيز شهادة الرجلين ويبطل شهادة الألف لأنه دين مكتوم. وفي خبر عمر بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: سئل رسول الله صلي الله عليه وآله عن الناصب فقال: إذا جاء رجلان عدلان فيشهدان عليه فقد حل دمه. أقول: وظاهر الخبر الأول تعميم حق الله وحق الآدمي، وتجري أحكام الله علي الزنديق بحكم الحاكم حسب شهادة العدلين. ومنها: حق الناس والآدمي كالنكاح والطلاق وغير ذلك، يثبت بشهادة عدلين ذكرين سواء كان متضمنا للمال أو لا، فيحكم الحاكم علي طبق البينة. وتجري أحكام القضاء علي المسلم والكافر علي حد سواء، و يطلب الدليل للتخصيص. وتفصيل ذلك يطلب من الجواهر ص 448. ورابعا: إن هذا القسم من المال في يد الحربي كان محل تعلق حق الفقراء أو السادة، فيحكم بوجوب الزكاة والخمس والكفارات ورد الديون ووجوب الحج وغير ذلك مما يتضمن المال فكيف لا يكون ولا يمكن أن يكون محلا لجريان القضاء والحكم علي طبق البينة، والفارق والدليل علي خروج [ صفحه 243] ذلك الفرد أي شئ. وعدم احترام المال في المقام لا يوجب عدم جواز القضاء في حق الحربي كما سبق. هذا، مع أنه يمكن تقريب ما ذكره في الزكاة وغيره بأنه لا احترام له لا مالا ولا نفسا، فلا موضوع لتعلق وجوب الزكاة والخمس في ماله، بل الفقراء والسادات يأخذون أمواله ويقتلونه لأن الحربي مهدور الدم والمال فلا موضوع لوجوبها عليه. قال في الجواهر 6 / 458: لا يستحلف أحد لا يجاب حق أو إسقاطه إلا بالله تعالي شأنه، ولو كان كافرا بإنكار أصل واجب الوجود نعوذ بالله فضلا عن غيره، بلا خلاف أجده في ذلك نصا وفتوي، قال في محكي المبسوط: وإن كان وثنيا معطلا أو كان ملحدا يجحد الوحدانية لم يغلظ عليه، إلي أن قال في المبسوط: فإن قيل: كيف حلفه بالله وليست عنده يمين؟ قلنا: ليزداد إثما ويستوجب العقوبة - انتهي. أقول: صريح هذا جريان القضاء في حق الكافر والمسلم بكيفية خاصة وهو الحلف بالله تعالي. والعمدة في المقام نقل عمومات الآيات والأخبار بمقدار الاستطاعة. 1 - (فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [النساء: 65]. 2 - (إنا أنزلنا إليك الكتاب لتحكم بين الناس بما أراك الله). وغير ذلك، ولعل الأصرح منهما قوله تعالي (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلي الله والرسول) [النساء: 59]. [ صفحه 244] ويمكن أن يكون عدم ذكر أولي الأمر هنا لرمز أن أمير المؤمنين عليه السلام نفس الرسول والأئمة نسله يعلمون من علم الرسول لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، وأن الأمراء لا حق لهم في القضاء والحكم بين الناس في موردا التشاجر والتنازع، وليس لهم التمسك في صورة تنازع الناس بآية أولي الأمر وتطبيقها علي أنفسهم كما في آية (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وإن كان ذلك أيضا خطأ عندنا. والحاصل أن منصب القضاء غير الحاكمية والسياسة ولا نصيب ولاحظ لهم فيه. وأما الأخبار فمنها: 1 - إنما أقضي بينكم بالبينة والأيمان. 2 - البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر. 3 - لا يصلح لأحد أن يحلف أحدا إلا بالله. وغير ذلك فراجع. وهنا بحث نافع راجع إلي الحكم التكليفي والوضعي، والمناسب نقل كلام الجواهر أولا تأييدا لما سبق أو تأسيسا: قال في كتاب الطهارة 3 / 39 من الطبعة الجديدة: (تفريع) الغسل من الجنابة وغيرها يجب علي الكافر عند حصول سببه علي نحو المسلم، كسائر الفروع لعموم ما دل علي التكليف بها، ولا يمنع من ذلك عدم التمكن من الصحيح حال الكفر لأن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار. علي أن الإيمان من شرائط الوجود التي يجب علي المكلف تحصيلها، فلا مانع من التكليف حال [ صفحه 245] عدمها مع التمكن منها، وخلاف أبي حنيفة ضعيف. علي أن ما نحن فيه من الأغسال من قبيل خطابات الوضع التي يجب مسببها حيث يصل الإنسان إلي قابلية التكليف، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في وجوبه عليه بعد الإسلام وعدم صحة الصلاة بدونه وإن سلمنا عدم وجوبه عليه حال الكفر، فيكون من قبيل وطي الصبي أو المجنون. ولعله لما سمعته لم أجد خلافا فيما نحن فيه، بل يظهر من بعضهم دعوي الإجماع عليه، بل الظاهر تحصيله علي الوجوب حال الكفر فضلا عن حال الإسلام، ولكن لا يصح منه حال كفره لعدم التمكن من نية القربة ونجاسة محل الغسل، وللاجماع المنقول علي شرطية الإيمان في صحة العبادات. ومن الأخير يعلم بطلان عبادة المخالف أيضا وإن كانت موافقة لما عند الشيعة، إذ الظاهر أن المراد بالإيمان هو المعني الأخص. وهل يسقط عنه إعادته لو استبصر إذا لم يخل بشئ منه علي ما هو عليه من المذهب كغيره من العبادات عدا الزكاة؟ وجهان من عموم ما دل علي عدم وجوب إعادة شئ من عباداته لو استبصر عدا الزكاة [77] واحتمال كون الإيمان المتأخر شرط ولو متأخرا فيكون حينئذ كاشفا عن صحة ما وقع، سيما إذا كان ما جاء به علي مقتضي مذهبه موافقا لما عند الشيعة، ومن أن المخالف ليس أولي من الكافر الأصلي في التحقيق حتي ورد في حقه (إن الإسلام يجب ما قبله)، ومع ذلك إذا أسلم وجب عليه الغسل عندنا بلا خلاف أجده فيه ويصح منه لموافقته للشرائط جميعها، إذ الظاهر أن المراد بكونه [ صفحه 246] يجب ما قبله إنما هو بالنسبة للخطابات التكليفية البحتية لا فيما كان الخطاب فيها وضعيا كما فيما نحن فيه، فإن كونه جنبا يحصل بأسبابه فيلحقه الوصف وإن أسلم فكذا المخالف، ولعل الأول أقوي - انتهي. وقد نقلنا هنا تمام كلامه - قدس سره - لاحتوائه علي فوائد كثيرة ولما أشار في مطاوي كلامه إلي قواعد مهمة فلا بد من شرح ما ذكر وبيانه بقدر الاستطاعة، ونذرك ما نريد ذكره في طي أمور هي كالشرح لكلامه: 1 - بيان خطاب الوضع والتكليف والمراد منهما وبيان جهة الفرق والفارق بينهما يأتي بيانه وجهة الفرق بعد حديث (الإسلام يجب ما قبله). 2 - بيان الفرق بين شرط الوجود وشرط الوجوب، فنقول: لو قال الشارع المقدس لو تملكت فزك وحج وخمس، فقبل حصول الملك والمالكية وقبل التمكن من التصرف لا خطاب ولا عقاب علي جنس البشر المكلف مسلما كان أو كافرا. وكذلك لو قال: لو أسلمت فصل أو زك أو خمس أو حج، فقبل الإسلام لا يتوجه علي كل أحد التكليف بها، وهو الذي يسمي بشرط الوجوب. ولو قال بعد حصول الملك والنصاب والبلوغ وغير ذلك: يجب علي جنس البشر المكلف الزكاة والحج والصلاة وغير ذلك من التكاليف الواردة الثابتة من الشارع المقدس ولا يصح منه إلا بالإيمان - بالمعني الأخص - يجب تحصيل الإيمان والقبلة والطهارة وعدم الرياء والعجب و السمعة وغير ذلك من الشرائط ودفع الموانع، فالمؤمن والمسلم يجب عليه [ صفحه 247] تحصيل القبلة والطهارة وسائر الشروط والكافر يجب عليه تحصيل كل ذلك مع زيادة تحصيل الإسلام والإيمان، وترك الإيمان وعدم صحة عباداته - بسوء اختياره - وما بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار فيعاقب علي تركه كالمسلم والمؤمن الذي لا يصح منه الصلاة والزكاة بترك الطهارة وقصد القربة وغير ذلك، فترك الصحة بالنسبة إلي المسلم والمؤمن بسوء اختياره لترك الطهارة اختيار مثلا والكافر كذلك بسوء اختياره يترك الإسلام والإيمان وغير ذلك، وهذا يسمي بشرط الوجود. فالفرق بين شرط الوجوب وشرط الوجود بعد هذا البيان صار تبيانا، وكل ذلك يظهر وجهه بمراجعة كلام الجواهر الذي نقلناه فلا تغفل. 3 - جهة سنده، فنقول: هو مشهور شهرة رواية لا شهرة الألسن وعمل به الأصحاب فهو حجة في المقام إلا من بعض الأعاظم الذي لا يري عمل المشهور بالخبر جابرا له. قال الجواهر: لأن (الإسلام يجب ما قبله) المنجبر سندا ودلالة بعمل الأصحاب الموافق لقوله تعالي (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) [الأنفال: 38]. وقريب مما ذكر عبارة مفتاح الكرامة، وهو أبسط. فهو من هذه الجهة لا مجال للإشكال فيه لأنه موافق لمفاد الآية المذكورة، وإنما المهم بيان جهة الدلالة ومفاد الخبر والآية كما سبق تحقيقه قبيل هذا أو يأتي. قال الطبرسي في مجمع البيان 4 / 542: أي أن يتوبوا عما هم عليه من الشرك ويمتنعوا منه (يغفر لهم ما قد سلف) أي ما قد [ صفحه 248] مضي من ذنوبهم، وقيل معناه أن ينتهوا عن المحاربة إلي الموادعة يغفر لهم ما قد سلف من المعاقبة. ويأتي مزيد تحقيق وتوضيح عند بيان (التوبة تجب ما قبلها). (تفريع) تجب الزكاة علي الكافر كما في الجواهر 3 / 14 من كتاب الزكاة والمسالك 1 / 50 ومفتاح الكرامة كتاب الزكاة ص 32، وهذا الحكم كأنه مسلم بينهم ولا خلاف إلا من بعض لعلنا نذكره، لعموم لخطابات التي أشرنا إلي بعضها، وقد نقلنا عبارة الجواهر عند وجوب غسل الجنابة علي الكافر ويكشف من هذا الأمر المسلم. لنا أمران: الأول - إنه يدل علي مالكية الكافر، لأن الملك شرط وجوب الزكاة لا شرط وجوده وصحته كما يأتي. ولا فرق بين المسلم والكافر، فالمسلم إذا لم يكن مالكا ويتمكن من التصرف في المال لا تجب عليه الزكاة، فكذا الكافر بأقسامه. الثاني - توجه الخطابات الإلهية إلي جنس البشر وتوجهها إلي المؤمنين خاصة كما نقل عن الحدائق غريب ضعيف غاية الضعف، وأصرح شاهد علي ما ذكر قوله تعالي (فوربك لنسئلنهم أجمعين - عما كانوا يعلمون) وغير ذلك مما سبق. هذا خصوصا قوله تعالي (ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون)، وهو يدل علي المطلوب بأحسن وجه مع زيادة التأكيد كما لا يخفي علي البصير. قال صاحب العروة في كتاب الزكاة م 16: الكافر تجب الزكاة عليه. [ صفحه 249] وفي م 17: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه وإن كانت العين موجودة. وفي حاشية آية الله النائيني هنا قوله: سقوطها في الغلات مشكل بل ممنوع نعم لا يبعد السقوط فيما اعتبر فيه الحول. وفي آخر كلامه: لكنه لا يخلو من الإشكال. وقال آية الله الخوئي في حاشيته ص 389: وفيه إشكال، وعلي تقدير الوجوب فعدم سقوطها مع بقاء العين بالإسلام إن لم يكن أظهر فلا ريب أنه أحوط. أقول: لا يخفي أن فتوي صاحب العروة وحاشية النائيني وغيره يدل ويكشف عن مالكية الكافر، لأنه لو لم يكن مالكا لم يجب عليه الزكاة كالمسلم لأن الملك مع التمكن من التصرف فيه شرط الوجوب ولا فرق بين المسلم والكافر كما سبق منا تحقيقه وإنما أعيد ما سبق لتحقيق مراد آية الله الخوئي قال: وفيه إشكال - الخ. فنقول فيه: أولا إن وجه الإشكال فيه غير معلوم مع بيان منا قد سبق. وثانيا إن الاحتياط الذي ذكره بوجوب الزكاة في صورة بقاء العين موجه لو كان الكافر مالكا للعين الموجودة، فلو لم يكن مالكا فلا وجه لأداء الزكاة ولا وجه للاحتياط فوجوب الاحتياط في الفرض يكشف عن مالكية الكافر. وثالثا إن تفصيله بين العين الموجودة والتالفة لا وجه له، لأن خطاب الزكاة مثلا توجه إلي الكافر فمع بقاء العين صاحبها أحق بها لاشتراك الفقير مع المالك وفي صورة التلف ينتقل حقه إلي [ صفحه 250] ذمة المالك، وتفريغ الذمة حينئذ إما برد العين أو برد القيمة نظير ضمان اليد (علي اليد ما أخذت حتي تؤدي) أو (تؤدي) بصيغة المعلوم أو المجهول، والثاني أولي لأنه يشمل الوصول إلي المالك بأي نحو كان من صاحب اليد ووكيله وأخذه اقتصاصا أو بإطارة الريح أو غير ذلك وبعض ما ذكرناه مستفاد من الأستاذ آية الله الحاج الشيخ محمد كاظم الشيرازي - قدس سره - في النجف الأشرف. ونقلنا كلام صاحب التكملة مع النظر فيه - فراجع. ونتيجة الكلام وملخصه من أول البحث إلي هنا يكون في نقاط: 1 - وجوب الغسل من الجنابة وغيرها ثابت علي الكافر كالمسلم. 2 - تجب الزكاة علي الكافر كالمسلم. 3 - لا يصح من الكافر الغسل لنجاسة بدنه وتوقف عباداته علي الإيمان بالمعني الأخص وهو من شرائط الوجود فلا بد من تحصيله كالقبلة والطهارة وعدم الرياء والسمعة وغير ذلك والكافر متمكن من تحصيل شرط العبادة وباختياره يترك الإسلام والإيمان كالمسلم الذي يترك الطهارة، وجوب الزكاة وغيرها مشترك بينهما. 4 - (من الأمور المستفادة من كلام الجواهر) يحكم له وعليه ويستحلف بالله وإن لم يعتقد به بل الاحتياط إضافة لفظ الجلالة بما يستحلف به أهل الكتاب مما يعتقد، ووجه كلها ما سلف ونقلنا عبارة الجواهر فراجع وعبارة مصباح الفقيه في كتاب الزكاة ص 17 هكذا: وبالجملة فالوجوب علي الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة إلي أن يحصل الامتثال أو يقوم علي السقوط بالإسلام دليل يعتد به. [ صفحه 251]

الاسلام يجب ما قبله

أما جهة سنده فقد سبق تحقيقه قبيل هذا، وأما جهة دلالته فنقول: تارة يراد به جميع الآثار المرفوعة عن الكافر، وهي أمور: 1 عقابه، 2 عدم وجوب غسل الجنابة وغيرها عليه 3 رفع نجاسة بدنه وعرقه ولباسه، 4 رفع حقوق الناس مالا وعرضا وإهانة وقصاصا ودية وغيبة وإضلالا، 5 رفع وجوب الحج الذي ثبت في رقبته في حال كفره مع التساهل في إسلامه وإتيانه، 6 رفع الزكاة والخمس والمظالم، 7 عدم قضاء الصلاة التي فاتت منه اختيارا أو اضطرارا، 8 رفع وجوب نفقة العيال والأولاد وغير ذلك مما ثبت في ذمته في حال كفره وإحصاء غير ذلك علي عهده الخبير الماهر. ولا يمكن الالتزام برفع جميع ذلك، لأن رفع أغلبها مخالف للقواعد المسلمة وبعضها مورد البحث والخلاف، مثل التفصيل بين الغلات والإبل - كما في حاشية النائيني علي العروة وقد سبق نقلها - ومثل ما لو أسلم الكافر والعين موجودة، ومثل قضاء العبادة، ومثل وجوب الزكاة كما عن بعض وعن بعض آخر سقوطه. كل ذلك يظهر عند مراجعة الجواهر. والمسلم إذا استبصر حكمه مخالف للكافر، والإسلام يجب ما قبله لا يجري في المخالف بل ورده في حق الكافر ولا يقاس المخالف به ولكل واحد منهما حكم خاص به. وحكم المخالف قد سبق فيه الوجهان من الجواهر من السقوط عدا الزكاة وعدم السقوط في المخالف، قال: ولعل الأول أقوي فراجع حتي يتبين لك وجه كل منهما. وتارة يراد به رفع العقاب، وهو القدر المتيقن من الخبر ولا فرق [ صفحه 252] حينئذ بين حق الله المحض وبين حقوق الناس، لأن حق الله ثابت وحق عقابه واقع مع غصب أموال الناس وغيبتهم وشتمهم وهتك عرضهم وغيره، وسائر الحقوق باقية علي ذمة المكلف مسلما كان أو كافرا يجب الخروج عن عهدته وذمته حتي قضاء الصوم والصلاة والكفارة وغيرها، ولا يسقط كل ذلك إلا بالدليل الثابت الوارد من الشارع المقدس. في مجمع البحرين مادة (جيب) ص 109: في الحديث (الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها) من الكفر والمعاصي والذنوب. وهذا المقدار مسلم، إنما الكلام في حقوق الناس فنبين ما ورد في مفاد الآية (قل للمشركين أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) كما سبق عن مجمع البيان وما ورد في التوبة فنقول: تفسير الصافي ذيل الآية الشريفة: العياشي عن الباقر عليه السلام قال له رجل: إني كنت رجلا عاملا لبني أمية فأصبت مالا كثيرا فظننت أن ذلك لا يحل لي فسألت عن ذلك فقيل لي: إن أهلك ومالك وكل شئ لك حرام. فقال: ليس كما قالوا لك. قال: فلي توبة. قال: نعم توبتك في كتاب الله (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وهذا بظاهره ينافي ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب نهج البلاغة في تفسير الاستغفار، وفي مجمع البحرين ينقل هكذا: عن علي عليه السلام: التوبة يجمعها ستة أشياء: علي الماضي من الذنوب الندامة، وللفرائض الإعادة، ورد المظالم، واستحلال الخصوم، وأن تعزم أن لا تعودا [ صفحه 253] وأن تربي نفسك في طاعة الله كما ربيتها في معصية الله، وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية (ص 108). وفي حق اليقين للسيد عبد الله شبر ص 211: أتدري ما الاستغفار أن الاستغفار درجة العليين، وهو اسم واقع علي ستة معان: أولها الندم علي ما مضي، والثاني العزم علي ترك العود إليه أبدا، والثالث أن تؤدي إلي المخلوقين حقوقهم حتي تلقي الله أملس ليس عليك تبعة، الرابع أن تعمد علي كل فريضة عليك ضيعتها تؤدي حقها، الخامس أن تعمد إلي اللحم الذي نبت علي السحت فتذيبه بالأحزان حتي يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول (استغفر الله) - انتهي. ونظير ذلك ما أورده الشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب ص 325، وما نقل عن السيد الشبر يحتمل أنه حديث أو نقل بمعني. وعلي أي حال التنافي بين الخبرين ظاهر لا يخفي في مظالم العباد وحق الناس وغير ذلك، فلا بد من بيان أمور مرتبة نافعة في المقام وغيره: (الأول) إمكان حمل الخبر الأول علي خصوص المورد بحيث لا يجري في غير المقام، لأن الإمام عليه السلام أبصر وأولي من غيره في مظالم العباد فلعله أباح مال بني أمية بحسب الظاهر وفي الواقع لا ملك لهم حتي يرجع المال إليهم، والمراد بالإرجاع الإرجاع إلي المالك الذي ثبت مالكيته بحكم الشارع المقدس وكان محترما. [ صفحه 254] والحاصل أن الإمام عليه السلام أباح لهذا الشخص المعين المال الذي أخذه من بني أمية، ولا يجب ارجاع المال إليهم بل لا يجوز لعدم ثبوت الملكية والمالكية لهم، بل لا يصدق اسم المظالم علي مالهم. ومرادنا بالحقوق المالية التي يجب ردها غير ذلك، وهو حق المسلم أو المؤمن المحترم فقبل الإمام توبة وقرأ وطبق الآية علي موارد خاصة، وحينئذ لا إشكال. و لا ينافي الخبر الوارد عن علي عليه السلام في وجوب رد الحقوق إلي صاحبها. ولهذا الحمل الذي ذكرناه وجه وجيه. وحكم أموال بني أمية وأمثالهم راجع إلي الإمام عليه السلام أو نائبه كما رأيناه بأعيننا سنة 1399 ه. فلا وجه حينئذ لرد الخبر خصوصا مع ذكر حرمة الأهل والمال، وكل شئ لك فيما قيل له - فراجع الخبر. هذا كله راجع إلي الخبر الأول، وأما الخبر الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام في باب التوبة معني الاستغفار أوله (ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار) - الخ، والنفس لا ترضي بهذا التعبير في حق شيعته، بل يناسب غير الموالين له. مع أن هذه المعاني للاستغفار - علي فرض إمكان وجودها - لا توجد في الخارج إلا للأوحدي من الناس، وادعاء هذا الاستغفار غير صحيح من غيرهم وهم لا يذنبون ذنبا لا صغيرا ولا كبيرا في حال الصغر والكبر. (الثاني) أعمال جهة الترجيح متنا وسندا وموافقة الكتاب ومخالفته وغير ذلك مما هو مبحوث عنه في باب التعادل والترجيح. ومع فقدان الترجيح من جميع الجهات إلي باب التعارض. [ صفحه 255] (الثالث) التعارض بين الخبرين في صورة التساوي من جميع الجهات فيتساقطان حينئذ ويرجع إلي الأصل في المقام، وهو يختلف حسب اختلاف المقام: ففي حق الناس مالا كان أو غيره يجب الإيصال أو الاستحلال إلي صاحب الحق ومن صاحب الحق ولا تبرأ الذمة إلا بما ذكر وهو قاعدة الاشتغال وفي حق الله المحض يرجع إلي عمومات التوبة، ومع شرائطها يرفع العقاب عنه منا من الله العزيز إلي العباد لا بنحو الاستحقاق بل بنحو التفضل والامتنان علي العاصي من العاصي من المفضل المنان. وتوضيح الكلام فيما ذكر يتوقف علي بيان المراد من حديث (الإسلام يجب ما قبله) وحديث (التوبة تجب ما قبلها) وأمثال ذلك، فنقول: إن (الإسلام يجب ما قبله) نوع من أنواع التوبة وفرد من أفرادها والتوبة واجبة علي كل واحد ولا يجوز تأخيرها، ويقبل الله توبة العباد مع تحصيل شرائط التوبة حسب وعده تعالي شأنه منة علي العباد وهو يفي بوعده ويفعل ما يشاء في وعيده. وهذا مسلم لا شك فيه، وإنما الإشكال في مقام آخر، وهو أنه هل يرفع جميع الآثار أو بعضها: فتارة يقال برفع العقاب فقط في فحق الله المحض كشرب الخمر مثلا، وحق 2 الناس المحترم من المسلم و المؤمن وأهل الكتاب وغيره ممن استجار بأحد من المسلمين والمؤمنين فأجاره حتي يسمع كلام الله تعالي، ووجوب 3 أداء الغسل ورفع النجاسة وتحصيل الطهارة وغير ذلك من الحكم الوضعي. ففي جميع ما ذكر العقاب ثابت ويرفع عن المكلف منة من الله عليه كما نقلنا عن مجمع البحرين، فرفع [ صفحه 256] العقاب هو القدر المسلم وهو القسم الأول. وتارة يقال برفع العقاب مع رفع حقوق الناس المحترمة مالا وعرضا وغيبة وقصاصا وغير ذلك وهذا خلاف القواعد المسلمة، لأن حديث الإسلام يجب والتوبة تجب وغير ذلك ورد في مقام الامتنان علي الأمة علي نحو سواء بينهم، فرفع جميع الحقوق بالنسبة إلي بعض منة يخالف المنة علي بعض آخر. وبعبارة أخري رفع الحق عن بعض دون بعض منة يخالف المنة علي الكل. ولا يرفع حق الغير إلا بإيصال حقه إليه أو استحلاله علي فرض التمكن، ومع عدمه أو مفسدة أعظم منه فليستغفر الله ويتضرع ويقرأ ويتصدق عنه ويسأل الله أن يرضه عنه ويحمل كل تبعة عنه لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. وهذا لا إشكال في عدم رفعه بحسب القواعد بالتقريب الذي سبق وقد نقلنا في كتابنا (عقيدة الشيعة في الإمامة) ص 269 كلام الأعلام في هذا الموضوع أبسط مما ذكرناه هنا - فراجع. هذا هو كلام في القسم الثاني، وأما القسم الثالث الذي هو محل الخلاف بين الأعلام وموضع تضارب آرائهم، فمن الجدير أن نذكر بعض الآراء ونوكل الاستقصاء إلي عهدة البصير الناقد: قال في الجواهر: الكافر تجب عليه الزكاة - إلي أن قال - فمن الغريب ما في المدارك من التوقف في هذا الحكم (وهو وجوب الزكاة) لضعف الخبر المزبور سندا ومتنا وللصحاح المتضمنة لحكم المخالف إذا استبصر وأنه لا يجب عليه شئ من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته سوي الزكاة فإنه لا بد أن يؤديها فيمكن إجراؤه في الكافر - إلي أن قال صاحب الجواهر - [ صفحه 257] ومن الغريب ما يظهر منه المفروغية بعدم التكليف بقضاء العبادة لما ذكره (أي صاحب المدارك) مع أن الأمر بالعكس. وفي العروة كتاب الزكاة ص 6 مسألة 16: الكافر تجب عليه الزكاة، وفي مسألة 7: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه و إن كانت العين موجودة فإن الإسلام يجب ما قبله. وقال آية الله النائيني في حاشيته: سقوطها في الغلات مشكل بل ممنوع - الخ. وآية الله الخوئي يفصل بين العين التالفة فلا تجب، وقد نقلنا فيما سبق كلامه والإشكال عليه. وهذا الاضطراب واختلاف الأقوال نشأ من استفادة حديث الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها. فعلي هذا أصل وجوب الزكاة علي المسلم والكافر لا كلام ولا إشكال فيه إلا عن بعض قد نقلنا كلامهم، وإنما أعدناه موردا لبيان كمية الاستفادة وكيفيتها. وقد بسطنا الكلام في أقسام الحقوق وكيفية أدائها مع شرائط التوبة وأقسامها ووجوبها مع التمكن من أداء الحقوق وعدمه وكيفية العلاج بقدر الإمكان والاستطاعة في كتابنا (عقيدة الشيعة في الإمامة) ص 254 - 269.

الفرق بين الحكم الوضعي والتكليفي

(هنا بحث) راجع إلي بيان فرق بين الحكم التكليفي والوضعي، الأول مثل وجوب الصلاة والصوم والزكاء والحج وأمثال ذلك، الثاني مثل النجاسة والطهارة والقذارة والجنابة ومظالم العباد مالا وعرضا و أمثال ذلك. وبعبارة أخري: الأمور التي توجد عند أسبابها وهي التي تنتزع [ صفحه 258] من التكليف كما يأتي عن بعض وعن بعض آخر ينتزع التكليف عنها ويحكم الشارع المقدس بوجوب الغسل ووجوب الإزالة وتحصيل الطهارة وحرمة الأكل أو استحبابه أو كراهته أو إباحته من الأمور الخمسة التكليفية. مثلا تحصل الجنابة وغيرها عند حصول أسبابها كالإدخال والمقاربة في محل مخصوص من كل شخص صبيا كان أو كبير ومجنونا كان أو سفيها أو عاقلا كافر أو مسلما سكرانا أو مغشيا عليه مختارا أو مضطرا إليه مكرها أو غير مكره، ففي كل ذلك يجب عليه الغسل عند وجود الشرائط ورفع الموانع كالبلوغ واختيار الإسلام ورفع الجنون والغشيان والاضطرار والاكراه والتقية وغير ذلك. ومع تأمل التام يجري هذا التقريب في سائر الوضعيات. فمثلا النجاسة تحصل عند أسبابها من أي شخص ابتلي بها، فيجب رفعها عند وجود الشرط وهو البلوغ ورفع المانع كالاكراه والاضطرار والجنون والسكر والغشيان والكفر باختيار الإسلام لأنه باختياره. وهكذا الشأن في الطهارة وحقوق العباد والمظالم وغيرها. والظاهر أن مراد الجواهر هو ما ذكرناه من الفرق بين الحكم التكليفي والوضعي حيث قال في 3 / 40: إذ الظاهر أن المراد بكونه (أي الإسلام) يجب ما قبله إنما هو بالنسبة للخطابات التكليفية البحتة لا فيما كان الخطاب فيه وضعيا كما فيما نحن فيه، فإن كونه جنبا يحصل بأسبابه فيلحقه الوصف وإن أسلم، وكذا المخالف. وعلي أي حال تعرف الأحكام الوضعية بأنها أمور واقعية كشف عنها [ صفحه 259] الشارع أو انتزاعية من الأحكام التكليفية كما سيأتي في كلام مصباح الفقيه. ويستشكل تارة علي هذا التعبير وتارة علي أصل الفرق بين الحكم الوضعي والتكليفي. أما القسم الأول فالمسلم أنه تحصل الطهارة في الذبيحة بذكر اسم الله تعالي عند الذبح وتحصل النجاسة بعدم ذكره تعالي متعمدا عنده. وبعبارة أخري حكم الشارع المقدس صار سببا للطهارة والنجاسة، فأي وقت كانت الطهارة أمرا واقعيا حتي يكشف عنها الشارع وكيف ينتزع عنها التكليف مع أن الطهارة حصلت بحكم الشارع. ونتيجة قولهم إن حكم الشارع صار سببا لها وهو مسبب ومنتزع من الطهارة، فحكم الشارع سبب ومسبب في آن واحد، ويسند حكم واحد منه وعنه إلي الله في آن واحد. وهذا التقريب يجري في النجاسة بل يجري في سائر الوضعيات مع التأمل أيضا، لأن الشارع المقدس حكم بحرمة الغصب ووجوب رده إلي صاحب المال من أي مكلف كان كافرا أو مسلما أو صغيرا لو لم يكن له ولي وأوجب الرد عليه عند البلوغ ووجب الرد من غير الصغير فورا، فأي وقت كشف عنه وانتزع منه التكليف وعند الإنزال أو الدخول بشرطه يجب غسل الجنابة من أي شخص حصل، ففي الصغير عند البلوغ يجب الغسل و قبل البلوغ لا يجب، وليس له عليه عقاب المكلف بل عليه التعزير بشرطه وكذا المجنون والسفيه وغيرهم لا عقاب ولا تكليف لهم إلا بعد رفع الجنون والسفاهة، والكافر بأقسامه يجب الغسل عليه ولا يصح منه إلا بإسلامه وهو باختيار والعقاب ثابت عليه ما لم يختار الإسلام وكل ذلك بحكم [ صفحه 260] فأي وقت كان ثابتا وكشف عنه وانتزع منه التكليف، وكذا الملكية حصلت بحكم الشارع عند الموت ويجوز التصرف في مال الإرث بحكم الشارع بعد الموت فأي وقت حصلت الملكية والمالكية وكشف عنها الشارع و انتزع منه التكليف، وكذلك الكلام في سائر الأمثلة من الوضعيات. والمحصل مما ذكرنا أن المجملات الثلاثة في كلامهم عبارة عن أن الوضعيات أو بعضها أمور 1 واقعية كشف عنها الشارع 2 وينتزع التكليف 3 منها أو ينتزع الحكم الوضعي من الحكم التكليفي ويأتي في كلام المصباح. وصار الإشكال علي هذا التعبير معلوما. وأما القسم الثاني - وهو الإشكال في أصل الفرق بين الحكم التكليفي والوضعي بنحو العموم - فيمكن أن يقرب بالتقريب الذي مر في الحكم الوضعي، بأن يقال: إن الصلاة واجبة علي العاقل المكلف عند البلوغ والبلوغ يحصل بأسبابه من إنبات الشعر الخشن أو الاحتلام أو كمال خمس عشرة سنة، و الملكية والمالكية تحصل بأسبابها من إرث أو هبة أو صلح أو بيع وغير ذلك، وعند البلوغ الخمس والزكاة والحج وغيرها كوجوب غسل الجنابة التي حصلت بأسبابها من الإنزال والدخول وكذلك غير الجنابة من الحيض والنفاس وغير ذلك، وكل ذلك واجب علي كل أحد ولا فرق بين المسلم والكافر والمجنون والسفيه، ولا يصح من الكافر إلا باختياره الإسلام وعدم الصحة غير عدم الوجوب، وكذلك المجنون والسفيه والمكره يجب عليهم بعد رفع الجنون والسفاهة والاكراه. ولا يحصل التقرب الفاعلي إلا بعد اختيار الإسلام والمعتبر في العبادة هذا. [ صفحه 261] نعم يحصل التقرب من حيث الفعل من الكافر وغيره، لأن رفع العطش والإحسان وإيتاء المال حسن من كل أحد ولو من الكافر إلي الحيوان ولو كان كلبا عطشانا أو جوعانا، فنفس الفعل ممدوح يزيد في أجر المؤمن و يكفر عن بعض سيئات الكافر. ولا يعتبر فيه قصد القربة حتي يقال بعدم التمكن من قصد القربة بالنسبة إلي الكافر الذي لا يعتقد بالعبادة ولا يؤمن بالربوبية. ونتيجة البحث إلي هنا إنا لا نجد الفرق بين الحكم التكليفي والوضعي بما ذكروه ولا نفهم بل نفهم إن الشارع المقدس بنظره الحديد وعلمه بحكمة الأشياء وخواصها جعل أحكاما محكمة علي موضوعات مختلفة، ولو كانت مخترعة منه مع الشرائط المختلفة موجودات في الخارج أو ما كان من شأنه الوجود في الخارج، كل ذلك من طرف علام الغيوب لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وبعد اعتقادنا أن النبي (ص) لا ينطق عن الهوي واتباعه وإطاعته غني ومخالفته الهلاك (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فلا بد لنا من الاتباع والإطاعة وفي غير ذلك الهلاك والعذاب الأليم ونعوذ بالله الستار. هذا كله لو كان مرادهم ظاهر كلامهم من الحكم الوضعي والتكليفي والفرق بينهما وإن كان مرادهم بالحكم التكليفي البحتي المحض الخالص هو رفع العقاب كما يستفاد من حديث الرفع وحديث الجب، ففيه: أولا إن العقاب والثواب ليس حكما تكليفيا بل هو جزاء الطاعة أو المعصية. وثانيا إن العقاب [ صفحه 262] ثابت في الحكم التكليفي كوجوب الصلاة والوضعي كوجوب الغسل وبحديث الجب يرتفع ولا فرق بينهما من هذه الجهة، والتفصيل بأن العقاب يرتفع عن الحكم البحتي الخالص بحديث الجب دون غيره من الحكم الوضعي لا وجه له. وثالثا إن التعبير بالحكم عن العقاب ليس بصحيح، لأن العقاب مسبب عن مخالفة الأمر فعبر عن المسبب بالسبب وهو مجاز حسب ظاهر كلامهم، وسننقل كلام مصباح الفقيه المناسب لهذا المقام. بقي هنا شئ لا بد من ذكره، وهو أنه لا فائدة في إثبات وجوب الزكاة مثلا علي الكافر لأنه يجب الإسلام ما قبله، فنقول: أي فائدة أعظم من رفع العقاب عن الكافر لأن قليله كثير وما خير بخير عاقبته النار وما شر بشر عاقبته الجنة، فالكافر مكلف بإعطاء الزكاة وبالاسلام يرفع العقاب عنه منة عليه. وقد سبق تحقيق الإسلام يجب ما قبله وأنه قسم من أقسام التوبة والتوبة علي كل أحد وكل ذلك منة من الله المنان علي العباد رحمة منه إليهم. هذه كله لو قلنا برفع العقاب وأن مفاد الجب رفع العقاب فقط، وأما لو قلنا برفع جميع الآثار من عدم القضاء والإعادة والحج والصوم و غير ذلك فجميع ذلك واجب علي الكافر وبإسلامه يرتفع منة من الله عليه. ولو قلنا برفع بعض دون بعض فكذلك، فلو مات الكافر قبل إسلامه يعاقب حسب تكاليفه علي كثرتها وبعد إسلامه يرتفع ما هو يستفاد من قوله (الإسلام يجب ما قبله)، وقد سبق أصل الخبر وجهة سنده ودلالته والإشكال فيهما. [ صفحه 263] ونتيجة البحث فيما ذكر أن القول بوجوب الزكاة وسقوطها بالجب لا فائدة فيه ولا وجه له، لأن العقاب شئ عظيم ورفعه عنه شئ عظيم أيضا منا من الله علي العباد، ولو استفيد من الخبر رفع جميع الآثار أو بعضها فالفائدة العظيمة أو الكثيرة ثابتة أيضا. ولو قلنا بعدم جبران الخبر بعمل المشهور أو عدم صحته رأسا - كما سبق عن بعض - فوجوب الزكاة علي الكافر ثابت بمقتضي الخطابات العامة كتابا وسنة، كل ذلك قد سبق أول البحث والخطاب الخاص بقوله تعالي (ويل للمشركين) الخ. وفي مصباح الفقيه كتاب الزكاة ص 17: أقول المناقشة في سند مثل هذه الرواية المشهورة المتسالم علي العمل بها بين الأصحاب فمما لا ينبغي الالتفات إليها، وكذا في دلالتها فإن مثل الزكاة والخمس والكفارات وأشباهها من الحقوق الثابتة في الإسلام بمنزلة القدر المتيقن منها، كما يؤيد ذلك بل يدل علي أصل المدعي قضاء الضرورة بجريان سيرة النبي صلي الله عليه وآله والأئمة القائمين مقامه علي عدم مؤاخذة من دخل في الإسلام بشئ من هذه الحقوق بالنسبة إلي الأزمنة الماضية. إلي أن قال: ودعوي أن التفرقة بين الزكاة وغيرها في المخالف إنما هي باعتبار كونها متعلقة لحق الناس كما وقع في الأخبار التصريح به، فهذا يكشف عن أن الزكاة أيضا كسائر الحقوق المالية للغير الثابتة علي الكافر التي قد يتأمل أو يمنع عن كونها مشمولة لحديث الجب، مدفوعة بأن الحقوق المالية القابلة للتأمل أو المنع عن كونها مشمولة للنص إنما هي الحقوق الثابتة عليه لا بشرع الإسلام كرد الأمانات والديون المستقرة في ذمته [ صفحه 264] وإلا قد أشرنا إلي أن الخمس والزكاة والكفارات ونظائرها من الحقوق المالية الناشئة من التكاليف المقررة في دين الإسلام من أظهر موارد الحديث - انتهي كلامه. أقول: وفيه أولا: إن رد الأمانات والدين بل وجوب الاستحلال من المغتاب وسائر الحقوق كلها من دين الإسلام، بل بعضها أشد تأكيدا وأشد عقوبة ونكالا. والفرق بين بعضها بأنه من دين الإسلام وثبت بالإسلام وغيره ثبت بالعقل مثلا فلا يرتفع بالجب - غير فارق ولا يقبل وتوضيح الإشكال عليه: أن الكافر لا يعتقد بالله العظيم ولا يعتقد بحكم من أحكام الإسلام من وجوب الزكاة وغيره، ومع ذلك يجب عليه وهو مكلف بتمام أحكام الإسلام أصولا وفروعا قبل إسلامه حسب عموم أدلة أحكام الإسلام، كما صرح بذلك صاحب المصباح في كتابي الطهارة والزكاة وقد نقلنا فيما سبق بعض عباراته، وبعد الإسلام كذلك هو مكلف بتمام الأحكام بحكم الإسلام ولا فرق بين وجوب الزكاة وغيره. وهذا مما لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في مقدار الجب ورفع التكليف عنه بمقتضي الخبر المشهور المخبر بعمل الأصحاب كما هو أيضا مورد قبوله. فعلي هذا لا وجه لفرقه بين الزكاة والخمس والكفارات ونظائرها بأنها من التكاليف المقررة في دين الإسلام وهي ترتفع بمقتضي شرع الإسلام، وبين رد الأمانات والديون المستقرة في ذمته لأنها من الحقوق الثابتة عليه بغير شرع الإسلام، ونقلنا عين عبارته فراجع. أقول: وجه عدم الفرق عن وجوب الزكاة ورد الأمانات وتمام أحكام [ صفحه 265] الإسلام ثبت في حقه بحكم الإسلام فالقدر المتيقن يرتفع بمقتضي الحديث وبقي الباقي في ذمته وعهدته. وصرح في كتاب الزكاة ص 17 بما ذكر بقوله: وبالجملة فالوجوب علي الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة إلي أن يحصل الامتثال أو يقوم علي السقوط بالإسلام دليل يعتد به. ونقلنا عبارته فيما سبق - فراجع. ونتيجة البحث إلي هنا أنه لو استشكل في الخبر سندا ومتنا بالإجمال وغيره وشك في رفع حكم من الأحكام في حق الكافر كان العموم - أي عموم الخطابات - محكما في حقه، والمقام مقام الاشتغال لا البراءة لأن الشك في إسقاط التكليف بعد العلم بتوجه التكليف إليه وليس الشك في أصل ورود التكليف حتي يكون مورد البراءة - فتبصر. ثانيا: إن حاصل كلامه في كتاب الزكاة أن الزكاة والخمس والكفارات ونظائرها كانت من أظهر موارد الحديث وهو ينافي ما ذكره في المجلد الثاني من كتاب طهارة من مصباح الفقيه ص 12 بقوله: وأما الواجبات التعبدية التي شرعت تداركا لما فات فيما سلف كالقضا والكفارة فيمكن منع كونهم مكلفين بها لأن صحتها مشروطة بالإسلام وهو يجب ما قبله فكيف يؤمر بها مع توقفها علي ما يقتضي عدمها فتأمل - انتهي. أقول: التنافي بين كلاميه ظاهر واضح. هذا مع أنه صرح بأن الكفار مكلفون بالأصول والفروع عقلا وشرعا لعموم الخطابات الشامل لهم وصفا وتكليفا، فهل يصدق بأن الصوم يجب علي الكافر وكفارته لا تجب و قضاؤه لا يجب وأصل الصلاة واجب عليه وقضاؤها لا يجب ونفقة الزوجة [ صفحه 266] واجبة عليه فلو تخلف لا يجب ضمانها وغير ذلك. وحاصل الإشكال أن تمام الأحكام إسلامي يشترك فيه الكافر والمسلم وتمام الأحكام تتوقف صحتها علي الإسلام، ولا فرق بين الكفارة والقضاء وغير ذلك، فلو قلنا بتوجه التكليف إليه - كما هو صريح كلامه - فتمام التكاليف تتوجه إليه ولو قلنا بعدم توجه التكليف إليه من أول الأمر فكذلك. ومقام صحة العمل غير مقام توجه التكليف، وصحة الصلاة والصوم وتمام العباديات تتوقف علي تحصيل شرطها، ومنها اختيار الإسلام بل الإيمان وهو باختياره يدخل في الإسلام أو يتركه. وبعبارة أخري: إن الإسلام شرط الصحة لا شرط الوجوب، وقد بينا الفرق بينهما قبلا. وهذا الإشكال الذي ذكره عام وجار علي تمام الأحكام في حق الكافر وأجبنا عنه بالفرق بين شرط الوجوب فلا يجب تحصيله وشرط الوجود فيجب تحصيله كالقبلة والطهارة وغير ذلك - فراجع ما قلناه أول البحث، كما مر الحديث مرارا حول حديث الجب - فلا حظ. قال في المصباح 2 / 12: ربما يتوهم استحالت تكليف الكافر بالعبادات لعدم صحتها منه. وفيه أن الممتنع إنما هو أمره بإيجادها صحيحة في حال كفره، ولا يدعيه أحد وإنما المدعي أنه يجب عليه في حال كفره أن يوجدها صحيحة، كما أنه يجب علي المحدث بعد دخول الوقت أن يصلي صلاة صحيحة ولا استحالة فيه. أقول ظاهر كلامه أن الإسلام شرط الوجود لا الوجوب مثل الطهارة [ صفحه 267] والقبلة وغير ذلك ويجب تحصيل شرط الصحة من المسلم والكافر، وقد سبق تفصيل ذلك مفصلا. وقد واعدنا نقل كلام المصباح في الحكم التكليفي والوضعي، قال في كتاب الطهارة 2 / 13: بل لا ينبغي الارتياب في وجوب الغسل بعد أن أسلم الكافر وإن لم نقل بكونه مكلفا به حال كفره. أقول: هذا ينافي ما ذكره في أواخر ص 11. وملخص الكلام أن من تأمل في الأخبار والشواهد العقلية والنقلية لا يكاد يرتاب في أن معظم الأحكام المقررة في شريعة خاتم النبيين (ص) مما أحب الله تعالي أن يتأدب بها كافة عباده المكلفين ولا يرضي لأحد أن يتعدي عنها - الخ. وقال في ص 13: ولا ينافي ذلك ما ورد (الإسلام يجب ما قبله) لأن وجوب الغسل لصلاته بعد أن أسلم من الأمور اللاحقة فلا يجبه الإسلام وحدوث سببه قبله لا يجدي لأن الإسلام إنما يجعل الأفعال والتروك الصادرة منه في زمان كفره في معصية الله تعالي كأن لم تكن لا أن الأشياء الصادرة منه حال كفره يرتفع آثارها الوضعية خصوصا إذا لم يكن صدورها منه علي وجه غير محرم، كما لو بال أو احتلم فإنه كما لا يرتفع نجاسة ثوبه أو بدنه الملوث بهما بسبب الإسلام كذلك لا يرتفع الحالة المانعة من الصلاة الحادثة بسببهما، خصوصا لو لم نقل بأن الآثار الوضعية من المجعولات الشرعية كما هو التحقيق، وإنما هي أمور واقعية كشف عنها الشارع أو انتزاعية من الأحكام التكليفية تكون من خرج منه المني جنبا معناه أنه يجب عليه الغسل عند وجوب الصلاة ونحوها. وكيف كان فلا [ صفحه 268] مجال لتوهم ارتفاع الحدث بالإسلام كما لا يتوهم ذلك بالنسبة إلي التوبة التي روي فيها أيضا أنها تجب ما قبلها - انتهي كلامه. وفي هذا الكلام مواقع للنظر: أولا: إن قوله (لأن الإسلام إنما يجعل الأفعال والتروك الصادرة منه في زمان كفره في معصية الله كأن لم تكن) مخالف لما سبق منه من أن الخمس والزكاة والكفارات هي القدر المسلم من الحديث وهي ثابتة بشرع الإسلام، وأما الحقوق الثابتة بغير الإسلام كرد الأمانات والديون فمحل تأمل أو منع - فراجع زكاته ص 17. وثانيا: إن قوله في كتاب الطهارة ص 13: خصوصا لو لم نقل بأن الآثار الوضعية من المجعولات الشرعية كما هو التحقيق، وإنما هي أمور واقعية كشف عنها الشارع أو انتزاعية من الأحكام الشرعية أي التكليفية، فكون من خرج منه المني جنبا معناه أنه يجب عليه الغسل عند وجوب الصلاة ونحوها. وفي: إن الجنابة مثلا مثل حصول أربعين غنما في الخارج فهي موضوع حكم الشارع بوجوب الغسل عند حصول ها مثل حصول أربعين غنما يحكم الشارع بوجوب الزكاة عند حصول العدد. بل تمام الموضوعات والأفعال حتي الأنفاس والأقوال وطرفة العين لكل منها أحكام خاصة بها، وكل ذلك من كمال الدين وإكماله، وهو من مفاخر دين الإسلام حتي الأرش في الخدش، وفي كتاب الله وأحاديث العترة الطاهرة كل ما يحتاج إليه الناس، ولعله لم يكن في الأمم السالفة كذلك كما يدل عليه [ صفحه 269] ما ذكرناه. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. إني بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. وإن أريد بالآثار الوضعية غير ما ذكرناه فلا نفهمه ولا ندركه. قوله: (بل هي أمور واقعية كشف عنها الشارع). أقول: كيف كشف الشارع يعني حكم عليها، وغير هدا المعني لا نفهم. قوله: (أو انتزاعية من الأحكام). أقول: المنتزع من هو والمنتزع ما هو، فلا بد أن يبين المقصود. وقوله: (فكون من خرج منه المني جنبا) معناه أنه يجب عليه الغسل عند وجوب الصلاة. تفرع علي الجملة الأولي أو علي الجملة الثانية فعلي الأول كيف تكون الجنابة مكشوفة عند الشارع والمقصود من كشفه أي شئ يبين حتي نستريح من هذا المعمي، وعلي الثاني كيف تكون الجنابة منتزعة من التكليف وكيف والحال أن الأمر بالعكس وأولي كما يظهر من مثاله. وقد بسطنا الكلام في ذلك قبل نقل عبارة المصباح. أقول: كتبت ما سبق وراجعت بعد ذلك كلام الأعلام والمهم هنا نقل كلام الشيخ الأنصاري الذي يفهم منه بعض ما ذكر بل الأغلب ونرجو أن نوفق لنقل كلام بعض الأعلم في هذا المقام بحيث يظهر مخالفتهم وتعريضهم علي الشيخ الأنصاري، وعهدة النقد والانتقاد علي البصير الناظر الناقد في كلامهم. قوله في التكملة ص 26: ولكنه يندفع بعدم المعارضة بين الطائفتين [ صفحه 270] من الروايات، فإن النسبة بينهما نسبة الإطلاق والتقييد، فإن المنع عن الحلف بغير الله يعم الحلف بما يستحلفون به في دينهم وغيره، فيرفع اليد عن المطلق بقرينة المقيد. أقول: توضيح المراد والإشكال عليه يتوقف علي بيان بعض الأخبار الواردة في المقام وقد ذكر ذلك قبل مجملا، وتعرض صاحب التكملة إلي أكثرها في الصفحة: الأول: لا يحلف إلا بالله، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا يصلح لأحد أن يحلف أحدا إلا بالله عز وجل، وغير ذلك مما ذكره في الوافي ص 156. الثاني: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام استحلف يهوديا بالتوراة التي أنزلت علي موسي عليه السلام وغير ذلك. لثالث: صحيحة الحلبي سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أهل الملل يستحلفون. قال: لا تحلفوهم إلا بالله عز وجل - إلي غير ذلك بهذه الصراحة وأصرح منه. أقول: المقيد - وهو قول أمير المؤمنين - ابتلي بالمعارض الصريح وهو معتبرة سماعة: هل يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود والنصاري والمجوس لآلهتهم. قال: لا يصلح لأحد أن يحلف أحدا إلا بالله - وغير ذلك فالمقيد سقط بالتعارض الصريح وبقي عموم) لا يحلف إلا بالله) محكما. فعلي هذا لا وجه لقوله: فإن النسبة بينهما نسبة الإطلاق و التقييد وبعبارة أخري: إن المقام مورد أعمال قاعدة العام والخاص [ صفحه 271] لا المطلق والمقيد كما افاده. وبعد سقوط الفرد والمقيد بالتعارض الصريح كان العموم محكما، أي عموم (لا يحلف إلا بالله). وعلي قوله المقيد سقط بالتعارض الصريح وبقي المطلق علي حاله وكان المطلق محكما. قوله ص 26: علي أنه لو سلمت المعارضة فهي من قبيل المعارضة بين النص والظاهر، فيرفع اليد عن ظهور الظاهر بقرينة النص، فيحمل النهي علي الكراهة - الخ. أقول: قد سقط تعارض النص الصريح بالنص الصريح فيبقي ظهور النهي في الحرمة علي حاله، فلا وجه لحمله علي الكراهة ولا وجه لتسليم ما ذكر. (تبصرة) لرفع الاجمال وكشف المراد من جعل الحكم التكليفي، وذلك يبين في ضمن أمور نافعة: 1 - إن المراد من الحكم التكليفي الذي صار مجعولا شرعيا أنشأه الشارع هو الأحكام الخمسة الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة، ويأتي بيان الحكم الوضعي عند نقل كلماتهم. 2 - إنه بحسب المصالح والمفاسد في الموضوعات المختلفة ينتشر الحكم ويوضع عليها حسب ما يراه الشارع المقدس علي ما هو الحق من وجود المصلحة فيما يأمر ووجود المفسدة مثلا فيما ينهي، خلافا للأشاعرة القائلين بعدم لزوم ذلك في الأحكام. 3 - إن الجزء والشرط والسبب والمانع وغير ذلك يوجد في كلام الشارع وغيره وتنتزع الجزئية من المركب والشرطية من الشرط والسببية [ صفحه 272] من السبب والمانعية من المانع والزوجية من الأربع مثلا والمالكية من الملك، وكذلك المعاملات بالتقريب الذي يأتي في كلام الشيخ الأنصاري فانتظر. وكل ما ذكر هنا ليس حكما مجعولا من الشارع علي التحقيق، سواء كان منشأ الانتزاع تكليفا أو وضعا فالأول كالتكليف بعدة من الأمور المتباينة التي تجمعها وحدة الغرض، والثاني كالملكية المترتبة علي العقد المركب من الإيجاب والقبول بما له من الشرائط والموانع. 4 - محل الكلام ليس في موضوع خاص بل يعم الاختراعي والتكويني من الله تعالي أو بإعجاز النبي (ص)، بأذنه ناقة الله وسقياها ولا تمسوها بسوء. 5 - اللازم أن ننقل مقالة الشيخ الأنصاري (قده) في هذا المقام لشهادته لا غلب ما ذكر. قال في فرائد ص 23 و 219 وقد نقل كلام الفاضل التوني في شرح الوافية: والحاصل أن هناك أمرين متباينين كل منهما فرد للحكم فلا يغني استتباع أحدهما للآخر عن مراعاته واحتسابه في الأحكام - انتهي كلام الفاضل. قال: أقول لو فرض نفسه حاكما بحكم تكليفي ووضعي بالنسبة إلي عبده لوجد من نفسه صدق ما ذكرناه، فإنه إذا قال لعبده (أكرم زيدا إن جاءك) فهل يجد المولي من نفسه أنه أنشأ إنشائين وجعل أمرين أحدهما وجوب إكرام زيد عند مجيئه والآخر كون مجيئه سببا لوجوب إكرامه، أو أن الثاني مفهوم منتزع من الأول لا يحتاج إلي جعل مغاير لجعله الأولي ولا إلي بيان مخالف لبيانه، ولهذا اشتهر في ألسنة الفقهاء سببية الدلوك ومانعية الحيض، ولم يرد من الشارع إلا إنشاء [ صفحه 273] طلب الصلاة عند الأول وطلب تركها عند الثاني، فإن أراد تباينهما مفهوما فهو أظهر من أن يخفي، كيف وهما محمولان مختلفا الموضوع. وإن أراد كونهما مجعولين بجعلين فالحوالة علي الوجدان لا البرهان. وكذا لو أراد كونهما مجعولين بجعل واحد فإن الوجدان شاهد علي أن السببية والمانعية في المثالين اعتباران منتزعان كالمسببية والمشروطية والممنوعية. مع أن قول الشارع (دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة) ليس جعلا للإيجاب استتباعا كما ذكره، بل هو إخبار عن تحقق الوجوب عند الدلوك. قال بعد ذلك: هذا كله في السبب والشرط والمانع والجزء، وأما الصحة والفساد فهما في العبادات موافقة الفعل المأتي به للفعل المأمور به أو مخالفته له. ومن المعلوم أن هاتين الموافقة والمخالفة ليستا بجعل جاعل. وأما في المعاملات فهما ترتب الأثر عليهما وعدمه، فمرجع ذلك إلي سببية هذه المعاملة لأثرها وعدم سببية تلك، فإن لوحظت المعاملة سببا لحكم تكليفي كالبيع لإباحة التصرفات والنكاح لإباحة الاستمتاعات فالكلام فيهما يعرف مما سبق في السببية وأخواتها، وإن لوحظت سببا لأمر آخر - كسببية البيع للملكية والنكاح للزوجية والعتق للحرية وسببية الغسل للطهارة - فهذه الأمور بنفسها ليست أحكاما شرعية. نعم الحكم بثبوتها شرعي وحقائقها إما أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية كما يقال: الملكية كون الشئ بحث يجوز الانتفاع به وبعوضه، والطهارة كون الشئ بحيث يجوز استعماله في الأكل والشرب والصلاة نقيض النجاسة. وإما أمور واقعية كشف عنها الشارع فأسبابها علي الأول في الحقيقة أسباب [ صفحه 274] للتكاليف فيصير سببية تلك الأسباب كمسبباتها أمورا منتزعة، وعلي الثاني يكون أسبابها كمسبباتها أمورا واقعية مكشوفا عنها ببيان للشارع. وعلي التقديرين فلا جعل في سببية هذه الأسباب. ومما ذكرنا تعرف الحال في غير المعاملات من هذه الأمور كسببية الغليان في العصير للنجاسة وكالملاقاة لها والسبي للرقية والتنكيل للحرية والرضاع لانفساخ الزوجية وغير ذلك فافهم وتأمل فإنه من مزال الأقدام - انتهي كلامه. قال في أجود التقريرات 2 / 391: وأما المعاملات فبما أن ترتب آثارها عليهما إنما هو بجعل الشارع، ولو كان ذلك من جهة إمضائه لحكم العقلاء وتكون الصحة والفساد فيها من الأمور الجعلية - الخ. أقول: المراد من إمضاء الشارع حكم العقلاء يعني إمضاء معاملاتهم وزواجهم وإثبات الملك والملكية والمالكية بحسب ما ثبت عندهم من حيث إنهم عقلاء، ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر فأثبت الملك بإمضائه لهم بما يرون حصول الملك به من البيع وغيره. نعم البيع الربوي ممنوع من طرف الشارع، ولا فرق بين المسلم والكافر بأقسامه. والنتيجة أن الكافر مالك ويجب عليه الزكاة والخمس والكفارات حسب شمول عموم الأدلة له، وأن الكافر مكلف بالأصول والفروع، ولا وجه للتفصيل بين العين الموجودة وغيرها كما سبق. قال في فرائد الأصول 3 / 141: ثم لا يخفي عليك أن مرجع الموضوع والسبب والشرط في باب التكاليف وفي باب الوضعيات إلي معني واحد وهو الأمر الذي رتب الحكم الشرعي عليه، فقد يعبر عنه بالموضوع وأخري [ صفحه 275] يعبر عنه بالسبب كما أنه قد يعبر عنه بالشرط، فيصح أن يقال أن العقد الكذائي موضوع للملكية أو سبب أو شرط لها، وكذا يصح أن يقال إن الدلوك مثلا موضوع لوجوب الصلاة أو شرط لها أو سبب، فإن مرجع الجميع إلي أن الشارع رتب الملكية ووجوب الصلاة علي العقد ودلوك الشمس. وقال في ص 139: وحاصل الكلام أن الأمور الانتزاعية إنما تكون من خارج المحمول ليس لها ما بحذاء في الخارج، سواء كان انتزاعها من مقام الذات كالعلية... أو كان انتزاعها من قيام أحد المقولات التسع بمحله كالفوقية - الخ. قال في فرائد الأصول 3 / 139: وليس المقصود في المقام استقصاء الأمور الاعتبارية، بل المقصود أن الأمور الاعتبارية كالحرية والرقية و الزوجية ونحو ذلك متأصلة بالجعل وأن وعاء الاعتبار غير وعاء الانتزاع فاستعمال أحدهما في مكان الآخر ليس علي ما ينبغي. وسيأتي أن المجعولات الشرعية كلها تكون من الأمور الاعتبارية سواء في ذلك الأحكام التكليفية والوضعية. (الأمر الثالث) المراد من الأحكام التكليفية هي المجعولات الشرعية التي تتعلق بأفعال العباد أولا وبالذات بلا واسطة، وهي تنحصر في خمسة أربعة منها تقتضي البعث والزجر - وهي الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة - وواحد منها تقتضي التخيير وهي الإباحة. وأما الأحكام الوضعية فهي المجعولات الشرعية التي لا تتضمن البعث والزجر ولا تتعلق بالافعال ابتداءا أولا وبالذات وإن كان لها نحو تعلق [ صفحه 276] بها ولو باعتبار ما يستتبعها من الأحكام التكليفية - إلي أن قال - بل ينبغي أن يقال إن المجعولات الشرعية التي هي من القضايا الكلية الحقيقية هي علي أنحاء ثلاث: منها ما يكون من الحكم التكليفي، ومنها ما يكون من الحكم الوضعي، ومنها ما يكون من الماهيات المخترعة. وقال في ص 140: وقد خالف الشيخ (قده) والتزم بأن هذه الأمور كلها منتزعة من التكاليف التي في موردها، فالملكية تنتزع من حرمة تصرف الغير في المال والزوجية تنتزع من جواز وطي الزوج و حرمة نكاح الغير لها والرقية تنتزع من وجوب إطاعة الرق للمولي و هكذا سائر الأمور العرفية الاعتبارية التي لها آثار خاصة. وقد أتعب نفسه الزكية في كثير من الموارد مما هو المنشأ لانتزاع بعض الوضعيات كالطهارة والنجاسة ولزوم العقد والحجية ونحو ذلك، لأنه ليس في هذه الموارد حكم تكليفي قابل لأن يكون منشأ لانتزاعها، وما من حكم تكليفي إلا ويشترك موردا آخر، فأي حكم يمكن انتزاع لزوم العقد منه فإن حرمة التصرف فيما انتقل عنه يشترك فيها حرمة الغصب أيضا، فلا يمكن أن تكون حرمة التصرف فيما انتقل عنه منشأ لانتزاع لزوم العقد إلا بأن يقيد عدم جواز التصرف بما بعد الفسخ. وبالجملة ليس من الأحكام الوضعية ما يختص بحكم تكليفي لا يشاركه غيره فيه، فكيف يكون منشأ لانتزاعه بخصوصه. ودعوي أن الحكم الوضعي ينتزع من جملة من الأحكام التكليفية التي بجملتها تختص به، كما تري. مع أن هذا أيضا في بعض المقامات لا يمكن، فإن [ صفحه 277] الحجية والطريقية من الأحكام الوضعية التي ليس في موردها حكم تكليفي قابل لانتزاع الحجية منه. إلي أن قال: ولذلك التزم في بعض الوضعيات بأنها من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع كالطهارة والنجاسة، وليت شعري أنه ما الداعي إلي تبعيد هذه المسافة واتعاب النفس بتلك المثابة وما المانع من أن تكون هذه الأمور متأصلة بالجعل في وعاء الاعتبار ويكون وجودها التكويني بعين وجودها الاعتباري. والذي يدل علي ذلك هو أن مثل هذه الأمور والاعتباريات متداولة عند من لم يلتزم بشرع وشريعة كالدهري والطبيعي مع أنه ليس عنده إلزام وتكليف يصح انتزاع هذه الأمور منه. فالتحقيق أن الاعتبارات العرفية ليست من المنتزعات بل هي متأصلة بالجعل قد أمضاها الشارع والتكليف ينتزع منها - انتهي كلامه رفع مقامه. أقول: يمكن أعمال النظر فيما ذكره بنحو عاجل: الأول - قوله (ليس من الأحكام الوضعية ما يختص بحكم تكليفي لا يشاركه غيره فيه فكيف يكون منشأ لانتزاعه بخصوصه). وفيه: إن مشاركة غيره وعدم مشاركته لا دخل لجواز الانتزاع وعدم جوازه، فالزوجية تنتزع من جواز وطي الزوج وحرمة نكاح الغير لها والغصبية تنتزع من حرمة الغصب والملكية من جواز التصرف - إلي غير ذلك. الثاني - قوله (فإن الحجية والطريقية من الأحكام الوضعية فليس [ صفحه 278] في موردها حكم تكليفي قابل لانتزاع الحجية منه). وفيه: إن الحجية أو الطريقية إذا ثبتت يجب اتباعها وسلوكها. الثالث - قوله (متداولة عند من لم يلتزم بشرع وبشريعة كالدهري والطبيعي مع أنه ليس عنده التزام وتكليف يصح انتزاع هذه الأمور منه). وفيه: إن عدم التزام الدهري والكافر بحكم غير رافع لتكليفه، لأن خطاب الله عام وهو مكلف بالفروع والأصول ولا يختص بشخص أو قبيلة (وقضي ربك ألا تعبدا إلا إياه) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم وغير ذلك من الآيات والأخبار، وقد سبق مفصلا - فالمعاملة التي أمضاها الشارع يجوز التصرف فيما أخذ والمعاملة التي ما أمضاها الشارع مثل البيع الربوي لا يجوز التصرف فيما أخذ وهو حرام، فلا فرق في ذلك بين المسلم والكافر، والملكية وعدمها ينتزع من التكليف عند قائله - أي من قال بانتزاعها من التكليف. الرابع - قوله (فالتحقيق أن الاعتبارات العرفية ليست من المنتزعات بل هي متأصلة بالجعل قد أمضاها الشارع والتكليف ينتزع منها). وفيه: كيف تكون الطهارة والنجاسة متأصلة وكيفية جعلها بأي نحو كانت وكيف أمضاها الشارع في حق الكافر والمؤمن وكيف ينتزع التكليف منها مع عدم اعتقاده بالله وحكمه كالدهري والطبيعي كما صرح بذلك صاحب التقريرات ونقلناه فراجع. هذا مع أن الطهارة والإباحة حصلت بحكم الشارع في الذبيحة أنه بذكر الله عند الذبح تحصل الطهارة والإباحة وبعدم ذكره تعالي متعمدا تحصل النجاسة [ صفحه 279] فأي حكم ينتزع من الطهارة والنجاسة. وقد سبق ذلك قبل مراجعة كلامه وإنما أعدنا ذلك ونعيد كلامنا لتأكيد الإشكال وتثبيته، وتكرار مع التبيان حسن خصوصا مع بيان صريح كلامهم وتعيين الصفحة. الخامس - قوله (كالحرية والرقية التي أمضاها الشارع. وقال في بيان مقصده: بل هي متأصلة بالجعل قد أمضاها الشارع والتكليف ينتزع منها). أقول: أي تكليف ينتزع منها مع أنه لا يعتقد بالله والتكليف. نعم لو قلنا بحصول الرقية وقد أمضاها للكافر ونحن المعتقدون بالحكم وننتزع منها الحكم وهو كلام لا يقبل. وكيف قال القائل أو قيل. وإنما نقلنا مقدارا من كلامهم لتسجيل إشكال يرد في المقام، وهو أنهم حكموا بوجوب غسل الجنابة والحيض والنفاس ووجوب رد الأمانات و الضمانات وغير ذلك مما سبق. وبعبارة أخري: إن الإنزال والدخول بشرطه سبب لوجوب الغسل، وهذا حكم شرعي مجعول علي موضوعه، سواء قلنا بأن الحكم الشرعي منحصر في الأحكام الخمسة كما لعله يظهر من كلام الشيخ الأنصاري في المقام، أو قلنا بعدم الانحصار وانقسام الحكم بالتكليفي والوضعي كما سبق من فرائد الأصول بنحو الحقيقة كما يظهر من صاحب الكفاية أيضا. عبارته في حقائق الأصول هكذا: ويشهد به كثرة إطلاق الحكم عليه في كلماتهم والالتزام بالتجوز فيه كما تري، أو لمن نقل. وسواء قلنا بجعلين في السبب و المسبب كما عن الفاضل التوني، أو بجعل واحد كما يظهر من الشيخ الأنصاري وفرائد الأصول. [ صفحه 280] فوجوب الغسل للكافر عند الإنزال والدخول كوجوب الصلاة عند الدلوك ووجوب الزكاة عند البلوغ وعند بلوغ النصاب. وبعبارة أخري: الإنزال سبب لحكم الشارع بوجوب الغسل، والدلوك سبب لوجوب الصلاة، والبلوغ سبب لوجوب الزكاة والخمس وغير ذلك، وبلوغ نصاب أربعين من الغنم سبب لوجوب الزكاة. وهكذا يمكن التعبير في المقام بالشرط كما هو صريح كلامهم. ولا فرق في الحكم الشرعي علي هذه الموضوعات كما هو واضح. نعم يفترق من حيث الموضوع، فبعضه مخترع كالصلاة وبعض آخر يعبر بالسبب و الشرط وغير ذلك، ويعبر عنه بالحكم الوضعي، وينقسم في كلامهم الحكم بالحكم التكليفي والوضعي. وعلي أي حال يجعل الشارع الوجوب علي هذه الموضوعات علي أي نحو كانت، وبعبارة أخري ينشأ الحكم باختياره ومولويته حسب المصالح في كل ما يصدر من الشارع الحكيم علي موضوع التكليف وهو ثابت علي المكلف، ويجب الخروج عن العهدة بإتيان الواجب أو ورود دليل قطعي يرفعه. والدليل الرافع الذي في المقام وغيره أمور وأخبار: 1 - الإسلام يجب ما قبله. 2 - التوبة تجب ما قبلها. 3 - حديث رفع عن أمتي تسع. 4 - التقية ترس المؤمن وحرز المؤمن. والعمدة في هذا المقام حديث (الإسلام يجب ما قبله)، وقد سبق [ صفحه 281] البحث في جهة سنده ودلالته. وبحسب ظاهر دلالة الخبر يرفع وجوب الغسل عن الكافر مثل وجوب الصلاة والزكاة والخمس والكفارة الذي رفع عنه، لأنه حكم من الأحكام وضع عن الإنزال من أي شخص كان، مثل دلوك الشمس لوجوب الصلاة وحصول البلوغ عند تمام الخمسة عشر سنة وبلوغ النصاب في وجوب الزكاة، وكل ذلك يحصل بأمور خاصة كالدلوك، و مع ذلك يحكم الأصحاب بوجوب غسل الجنابة والحيض والنفاس علي الكافر مع ورود الإسلام يجب ما قبله في حق الكافر بالخصوص. وفرقوا بين وجوب الغسل ووجوب الزكاة والصلاة مثلا برفع الوجوب في الثاني وإثباته في الأول حتي ادعي الإجماع في ذلك وتمسكوا بوجوه نذكرها بعد تقسيم الحكم إلي الوضعي والتكليفي، فنقول: قد عرفوها ومثلوا لها في كتبهم بعبارات مختلفة. في حقائق الأصول ص 432: كما لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي إلي التكليفي والوضعي، بداهة أن الحكم وإن لم يصح تقسيمه إليهما ببعض معاينه ولم يكد يصح إطلاقه علي الوضع إلا أن صحة تقسيمه بالبعض الآخر إليها وصحة إطلاقه عليه بهذا المعني مما لا يكاد ينكر. وشرح قوله ببعض معانيه مثل خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، وقوله بالبعض الآخر مثل المحمولات الشرعية، فتأمل - انتهي. وقال في فرائد الأصول ص 140: الأمر الرابع المجعولات الشرعية إما أن تكون تأسيسية وهي التي لا تكون لها عين ولا أثر عند العرف والعقلاء كالأحكام الخمسة التكليفية وإما إمضائية وهي الأمور الاعتبارية العرفية [ صفحه 282] التي يعتبرها العرف والعقلاء كالملكية والزوجية والرقية والحرية ونحو ذلك من منشآت العقود والإيقاعات، فإن هذه الأمور الاعتبارية كلها ثابتة عند عامة الناس قبل الشرع والشريعة وعليهما يدور نظامهم ومعاشهم والشارع قد أمضاها مثل قوله (أحل الله البيع) و (أوفوا بالعقود) و (الصلح جائز بين المسلمين) وليس من المخترعات الشرعية بل هي من الأمور الاعتبارية العرفية التي أمضاها الشارع بزيادة بعض القيود والخصوصيات وليس من الأمور الانتزاعية وقد خالف الشيخ قدس سره في ذلك - انتهي وغرضنا الآن بيان تقسم الحكم إلي التكليفي والوضعي، وقد سبق نقل كلام الأعلام فيه، ونذكر هنا مطالب: (الأول) في تعيين محل البحث إن الإنزال سبب وشرط لوجوب الغسل وبحديث الجب يرتفع الوجوب كما أن دلوك الشمس وزوالها سبب أو شرط لوجوب الصلاة وحصل أربعين غنما سبب أو شرط لوجوب الزكاة وهكذا. وكل ما ذكر يحصل بأسباب خارجية مثل البلوغ الذي يحصل بإنبات الشعر الخشن وينشي الشارع المقدس باختياره الوجوب علي هذه الأسباب والموضوعات الخارجية أو بنحو فرض وجودها ويرتفع بحديث الجب. هذا هو المدعي، ولكن الأصحاب فرقوا بين الإنزال وغيره وقالوا في وجه الفارق وبيانه: إن وجوب الصلاة والزكاة والخمس وغير ذلك يرتفع بحكم حديث الجب ما قبله دون وجوب غسل الجنابة والحيض والنفاس عن الكافر، وعللوه بوجوه. قال في الجواهر 3 / 39: إذ الظاهر أن المراد بكونه [ صفحه 283] يجب ما قبله إنما هو بالنسبة للخطابات التكليفية البحتية إلا فيما كان الخطاب فيها وضعيا كما فيما نحن فيه - الخ. وقبل التعليق وعلي كلامه نقدم المطلب الثاني. (الثاني) في الأحكام الخمسة التكليفية وهي التي لا يكون لها عين ولا أثر عند العرف والعقلاء ص 140 فرائد الأصول الأحكام الوضعية وهي الأمور الاعتبارية العرفية التي يعتبره العرف و العقلاء كالملكية والزوجية والرقية والحرية والضمان وحيازة المباحات. أكثرها في ص 140 - 143. إذا عرفت هذه فأي فرق بين الوجوب الذي وضع علي الإنزال - أي إنزال المني - والوجوب الذي يجعل علي المكلف عند دلوك الشمس وعند الزوال وعند مجئ زيد وعلي الأركان المخترعة - أي الصلاة - بفعل المكلف إياها وكذلك الزكاة والخمس وغيرهما، وله أن يجعل الوجوب علي الجبال الراسيات والذهب والفضة والحديد ويجب العمل من المكلف بما يقدر. وهذا كله من طرف الوجوب الشرعي وحكمه، وأما من جهة الموضوع فهل يكون الإنزال مثل الرقية والحرية والزوجية والملكية والضمان وحيازة المباحات وغير ذلك من الأمور الاعتبارية العرفية التي اعتبرها العرف والعقلاء و أمضاها الشارع. ولا فرق بين الوجوب من جهة الأول ولا يكون مثل الأمور المذكورة من جهة الثاني، وكذلك يقرب الكلام في الدلوك وغيره حرفا بحرف. هذا مضافا إلي أنه لم يبين المراد من الأحكام التكليفية البحتية، ولو كان [ صفحه 284] المراد الاختراعية فقط فهذا أيضا لا يسمع كما يأتي في بيان كلام مصباح الفقيه و الإشكال عليه، وعلي تقدير أن يكون الإنزال مثل البيع - وهو الحكم الوضعي علي قولهم الذي أمضاه الشارع - فيجعل وجوب الغسل علي الإنزال كما جعل علي البيع الأحكام الخمسة وعلي قولكم جعل الحكم التكليفي علي الحكم الوضعي، فإذا دل دليل علي رفعه يرتفع، وليس الدليل في المقام متعرضا لرفع آثار أخر مثل نجاسة البدن واللباس والعرق وغير ذلك. وهذا التقريب يجري في سائر الأدلة الرافعة مثل التوبة تجب ما قبلها والتقية وغيرها مع التأمل في الحكم المناسب لها ولرفعه، فلا وجه للمفرق بأن يثبت أن الوجوب الذي وضع علي الموضوع المخترع كالصلاة غير الوجوب الذي وضع علي الحكم الوضعي - أي الحرية والرقية والزوجية والحيازة. وحينئذ لا يقبل ولا يسمع ويطالب بأي دليل. وأي فرق بين الإنزال و الدلوك والبلوغ والحدث الأصغر وغير ذلك. قال في مصباح الفقيه كتاب الطهارة 2 / 13: بل لا ينبغي الارتياب في وجوب الغسل بعد أن أسلم الكافر وإن لم نقل بكونه مكلفا به حال كفره - إلي أن قال: فكيف كان فلا مجال لتوهم ارتقاء الحدث بالإسلام كما لا يتوهم ذلك بالنسبة إلي التوبة التي ورد فيها أن التوبة روي فيها أيضا أنها تجب ما قبلها. وصرح في كتاب الزكاة منه ص 17 بما حاصله أن الزكاة والخمس والكفارات ونظائرها كانت من أظهر موارد الحديث، وقد نقلنا كلامه مفصلا وهنا نقول: لا فرق بين وجوب الزكاة ووجوب الغسل علي الكافر، وبحديث [ صفحه 285] الجب يرتفع الوجوب عن الكافر في كليهما كما سبق بيانه آنفا. وقد يفرق بينهما بأن الحديث في مقام الامتنان، ونقول في الجواب: أن في باب الضمانات وحقوق الناس لا نقول برفعه، لأن من رفعه بالنسبة إلي بعض منة يخالف حق الآخر ويخالف المنة علي الكل، وأما بالنسبة إلي وجوب الغسل ورفعه في الكافر لا يلزم شئ بل رفعه منة عليه كما هو مقتضي قوله (التوبة تجب ما قبلها) حرفا بحرف. وبعض فرق بين الوجوب التوصلي والمقدمي والنفسي وغيره. و فيه: أولا إنه لا فرق بينها من جهة الوضع والرفع، وثانيا الغسل والوضوء يمكن استظهار استحبابهما نفسيا. وعلي أي حال إلي الآن لم نجد الفارق بين وجوب الغسل ووجوب غيره، ورفع الثاني بمقتضي (الإسلام يجب ما قبله) وعدم جريانه في الأول، ولم يتبين لنا هذا المعمي والأولي الاعتراف بقصور الباع. بقي هنا إشكال علي كلام صاحب التكملة حيث قال: لا تجري أحكام القضايا في الكافر الحربي لعدم احترام ماله ودمه ويأخذ المدعي من ماله بدون إقامة بينة وحلف - الخ. أقول: لو تراضيا الحربيان علي حكم حاكم في صورة الخصومة بينهما فعلي مبناه لا يحكم حاكمنا بينهما، لعدم احترام مال الحربي ولا يحلف لعدم اعتقاده بالله تعالي. وهذا خلاف (فاحكم بما أنزل الله إليك) وخلاف (لا يحلف إلا بالله). فالنتيجة إنا نحكم بينهم علي طبق البينة والأيمان ونحلفهم بالله ونعتقد نحن بالله، وإن كان هو لا يعتقد به تعالي فيأخذه أخذ عزيز مقتدر [ صفحه 286] إلا أن يقال بعدم توجه الخطاب إلي الكافر أصولا وفروعا، فعلي هذا لازمه عدم الخطاب وعدم العقاب. إلي هنا نختم ما أردنا من البحث حول بعض مسائل (المنهاج) طالبين الصفح من القراء الكرام إذا وجدوا فيه تكرار بعض الأبحاث فإن الكلام كان يقتضي ذلك ولا منه. [ صفحه 287]

في مباحث تفسيرية

حكم التغني بالقرآن الكريم

لقد ورد في بعض الأحاديث علي قراءة القرآن الكريم بالصوت الحسن بل بالتغني فيها، فمنها: عن النبي صلي الله عليه وآله: زينوا القرآن بأصواتكم. وعنه عليه السلام: إن القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به، فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا. قال في مجمع البيان: تأول بعضهم (تغنوا به) بمعني استغنوا به، وأكثر العلماء علي أنه تزيين الصوت وتحزينه. أقول: هذا تأويل حسن يناسب البكاء والتباكي وقوله (فليس منا) وقوله في الخبر (اقرأوا القرآن بلحون العرب). ويؤيده ما في مجمع البحرين مادة (غنا): وتغنيت به استغنيت به وتغانوا استغني بعضهم عن بعض. ومع ذلك كله قال في الصافي 1 / 46: أقول المستفاد من هذه الأخبار جواز التغني بالقرآن والترجيح به بل استحبابها، فما ورد من النهي من الغناء كما يأتي في محله ينبغي حمله علي لحون أهل الفسق والكبائر - الخ. [ صفحه 288] أقول: لا يمكن المساعدة علي ما قال بوجه من الوجوه، لأن ذم أهل الفسق لفسقهم وذم أهل الكبائر لارتكابهم الكبيرة، فلو قرأ أهلها القرآن والدعاء بالطرب والغناء فليس بحرام بل مستحب عند قائله، بل ظاهره وجوب الغناء عند قائله لا الاستحباب كما سبق منه. والأدلة الناهية عن التغني لا تفرق بين القرآن والأذان والمجالس، فهي عامة وتخصيص القرآن وغيره بالجواز والاستحباب غير ثابت، والمخصص المشكوك بحكم العدم فالأصل بقاء العمومات الناهية عن الغناء. والحاصل أنه كما لا يمكن التمسك بالعام لإثبات الفرد المشكوك فكذلك لا يمكن التمسك بالخاص المجمل لإثبات الفرد المشكوك في غير المقام، وأما في المقام فأصل المخصص بحمل لا يعلم المراد منه لاتحاد معني تغنوا به واستغنوا بالقرآن، وهو معني مناسب للإبكاء والتباكي والحزن وقوله (فليس منا) فراجع ما نقلنا عن الجمع وغيره. هذا مع أن في كلام الفيض (قده) مواضع يظهر منها عدم مناسبتها للغناء ويناسب ما ذكرناه من الحزن وغيره. عن مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام: من قرأ القرآن ولم يخضع له ولم يرق عليه ولم ينشئ حزنا ووجلا في سره فقد استهان بعظم شأن الله وخسر خسرنا مبينا، فقارئ القرآن يحتاج إلي ثلاثة أشياء: قلب خاشع، وبدن فارغ، وموضع خال، فإذا خشع لله قلبه فر منه الشيطان الرجيم - الخبر بطوله. وقال عليه السلام وقد سألوه عن حالة لحقته في الصلاة حتي خر [ صفحه 289] مغشيا عليه، فلما سري عنه [سوي خ ل] قيل له في ذلك فقال: ما زلت أردد الآية علي قلبي وعلي سمعي حتي سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته. وقوله: وللتلاوة آداب أخر منها ظاهرة - إلي أن قال - ومنها باطنة كحضور القلب والتدبر والتفهم والتخلي عن موانع الفهم وتخصيص نفسه بكل خطاب وتأثر قلبه بآثار مختلفة والترقي بقلبه أي أن يسمع الكلام من الله لا من نفسه والتبري من حوله - أي القارئ - وقوته ومن الالتفات إلي نفسه بعين الرضا وإحضار عظمة الكلام والمتكلم بقلبه. إلي غير ذلك مما مرت الإشارة إلي بعضها وقد أوردناها جميعا وبيناها في كتابنا المسمي بالمحجة البيضاء من أرادها فليراجعها. أقول: هل يمكن وجود هذه الحالة التي ذكرها مع الطرب والغناء، معاذ الله أن توجد معه، وهل يجوز الغناء والطرب في قراءة الفاتحة والسورة في الصلاة المفروضة أو يقول باستحبابها، وهل يسمع ذلك من معصوم أو غير معصوم. هذا مع أن فتوي المعاصرين حرمة الغناء، ولا فرق في ذلك بين القرآن والتعزية وغيرهما، ولو سمع من الأجنبية الغناء والطرب فمات مات عن تقصير ومعصية كما في رواية. فلو قرأ إمام الجماعة القرآن في صلاته بالغناء و الطرب لكان منكرا من القول وزورا. والعرف يفرق بين الغناء والطرب و بين التزيين والصوت الحسن. [ صفحه 290]

نفي التحريف عن القرآن

قال الفيض في الصافي 1 / 24 في المقدمة السادسة بعد أن نقل أكثر من عشرين حديثا في إثبات التحريف علي زعمه: يخطر بالبال في دفع هذا الإشكال والعلم عند الله أنه إن صحت هذه الأخبار فلعل التغيير إنما وقع فيما لا يخل بالمقصود كثير إخلال كحذف اسم علي عليه السلام وآل محمد صلي الله عليه وعليهم أجمعين وحذف أسماء المنافقين، فإن الانتفاع بعموم اللفظ باق، وكحذف بعض الآيات وكتمانه فإن الانتفاع بالباقي باق، مع أن الأوصياء يتداركون ما فاتنا منه من هذا القبيل - إلي أن قال - ولا يبعد أيضا أن يقال إن المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن فيكون التبديل من حيث المعني، أي حرفوه وغيروه في تفسيره وتأويله - إلي أن قال - ومما يدل علي هذا ويذكر أخبارا في هذا الباب، منها ما رواه العامة أن عليا عليه السلام كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ، ومعلوم أن الحكم بالنسخ لا يكون إلا من قبيل التفسير والبيان ولا يكون جزءا من القرآن فيحتمل أن يكون بعض المحذوفات كذلك. هذا ما عندي من التفصي عن الإشكال - انتهي. أقول: هذا الجواب والتفصي لا يسمن ولا يغني ولا يفيد شيئا ولا يسوي فلسا، وبيان ذلك يتوقف علي أمور: (الأول) إن القيد والمقيد ناظر وراجع إلي الفرد المقيد، مثل (أعتق رقبة) و (واعتق رقبة مؤمنة)، والخاص راجع إلي إفراد العام فيحصل المخصص [ صفحه 291] والمخصص في الاصطلاح والناسخ يرد علي المنسوخ فيقطع زمان عمله و يحكم بوجوب العمل بالناسخ كما في البداء بالمعني الصحيح، والمحكم هو المعلوم ولا يحتاج إلي التأويل، والمتشابه مقابله يحتاج إلي تأويل من أهله، وكذلك المقدم والمؤخر وغير ذلك مما هو من هذا القبيل. وكل ذلك مما لا إشكال فيه في صورة العلم بكل واحد مما سبق، وإنما الإشكال كله في صورة العلم بوقوع ذلك كله جملة في القرآن وعدم تمييز موارده من القيد والخاص والناسخ والمحكم والمتشابه والتقديم والتأخير وغير ذلك. فعلي هذا لا يمكننا التمسك به لعدم العلم بالمقيد والمخصص والناسخ والمقدم والمؤخر وغير ذلك. وقوله (مع أن الأوصياء يتداركون ما فاتنا منه) من هذا القبيل اعتراف بالتحريف والتصحيح منهم عليهم السلام، فالأليق أن يقال من أول الأمر: صحح أولو الأمر والأوصياء القرآن الموجود الذي بين الدفتين وأمرونا بالتمسك به وقراءته آناء الليل وأطراف النهار وثواب قراءته من المصحف واستحباب ختمه في ثلاثة أيام في مكة وفي شهر رمضان وغير ذلك من الموارد التي أمرنا بقراءة القرآن والتفكير فيه ودرسه وتعليمه وتعلمه وحفظ محكمه ومتشابهه وظواهره وبواطنه وأوامره ونواهيه وحدوده وعده ووعيده وثواب قراءة الآيات والسور في أطراف السحر في الحضر والاستعاذة عند قراءة آية السقر مع الحزن والبكاء والتباكي وغير ذلك من الآداب المذكورة في الكتب المفصلة الأخلاقية والفقهية. [ صفحه 292] كل ذلك لا يخفي علي البصير المتجر المعتقد بالله تعالي وبرسوله و بالأئمة الطاهرين المطهرين صلوات الله عليهم أجمعين، الراسخين وأهل البيت وأهل الذكر الذين يعلمون ويعملون وأولي الأمر الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ويدل علي ذلك قوله عليه السلام: الله الله في القرآن وأنه شافع مشفع وأنه معجزة الرسول (ص) والثقل الأكبر والحبل المتين ويسأل عنه في إمام مبين وأنه يشتكي إلي الله يوم القيامة، وخبر طلحة: إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة فإن فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا - الصافي ص 24. أقول: فعلي هذا لا يحتاج إلي التفصي والجواب كما أفاد، وهو لا يفيد ولا يغني من جوع كما سبق. ومحصل البحث إلي هنا أن صاحب الصافي إلي هنا اعترف بالتحريف في القرآن ولم يأت بالجواب الوافي، وقد بينا اعتقادنا في القرآن بالنحو الشافي الكافي. وصاحب محجة العلماء أورد قريبا من سبعين دليلا وخبرا لإثبات التحريف فيه وفي آخر كلامه اعترف بأن ما ذكر بحث علمي وأن القرآن هو ما بأيدينا، وقد نقلنا نص كلامه في محله من مباحثنا ويأتي مزيد توضيح لما ذكرنا في الأمر الثاني، وهو أنه نقل في الصافي ص 26 في ضمن خبر فقال عمر وأن أسمع أنه قد قتل يوم القيامة قوم كانوا يقرؤن القرآن لا يقرؤه غيرهم فقد ذهب وقد جاءت شاة إلي صحيفة وكتاب يكتبون فأكلتها وذهب ما فيها - إلي أن قال - يقولون إن الأحزاب كانت [ صفحه 293] تعدل سورة البقرة وأن النور نيف ومائة آية والحجر تسعون ومائة آية - إلي أن قال - فقال له علي عليه السلام: يا طلحة إن كل آية أنزلها الله عز وجل علي محمد عندي بإملاء رسول الله وخط يدي وتأويل كل آية أنزلها الله علي محمد وكل حلال وحرام أو حد أو حكم أو شئ تحتاج إليه الأمة إلي يوم القيامة مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتي أرش الخدش قال طلحة: كل شئ من صغير أو كبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلي يوم القيامة فهو عندك مكتوب؟ قال: نعم وسوي ذلك - الخبر بطوله. ونقل أيضا في ص 32 جواب أمير المؤمنين عليه السلام واحتجاجه علي الزنديق الذي استشكل علي القرآن، وهو جواب طويل منه قوله: وأما ظهورك علي تناكر قوله (فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامي فانكحوا ما طاب لكم من النساء وليس يشبه القسط في اليتامي نكاح النساء ولا كل النساء أيتاما فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن وبين القول في اليتامي وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن - الخبر. أقول: فكيف يمكن الجواب والتقضي عنه بنحو ما ذكره صاحب الصافي كما مر في الأمر الأول - فراجع وتأمل. هذا مع إن التدارك منهم عليهم السلام كما ذكره لو كان من تلقاء أنفسهم فنعوذ بالله من هذه القول، وإن كان من القرآن فلا كلام. (الأمر الثالث) نقل الصافي ص 36 كلام شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي في تبيانه الذي منه: وقد ورد عن النبي صلي الله عليه وآله رواية [ صفحه 294] لا يدفعها أحد أنه قال (إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) وهذا يدل علي أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمرنا بالتمسك بما لا نقدر علي التمسك به، كما أن أهل البيت عليهم السلام ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت، وإذا كان الموجود بيننا مجمعا علي صحته فينبغي أن يتشاغل بتفسيره وبيان معانيه وترك ما سواه. ثم قال الفيض: أقول يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعا كما أنزله الله محفوظا عند أهله ما احتجنا إليه منه عندنا وإن لم نقدر علي الباقي كما أن الإمام عليه السلام كذلك، فإن الثقلين سيان في ذلك ولعل هذا هو المراد من كلام الشيخ. أقول: وفيه: أولا - إن وجوده عند أهله جميعا كما أنزله الله لا يمكننا التمسك به ولا أمرنا بالتمسك بالقرآن الذي عند أمير المؤمنين عليه السلام وعند الحجة، وهو خارج عن محل كلام شيخ الطائفة (قده). ووجود ما احتجنا إليه منه عندنا وإن لم نقدر علي الباقي قرآن أم لا، فلو كان قرآنا فتمسك به ونعمل به ونرفع الاحتياج بغيره وهو محل كلام الشيخ ومراده، ولو لم يكن الموجود عندنا القرآن وكان محرفا فكيف يمكن التمسك به فلا يكون محل اعتماد، والباقي لو كان ليس موردا للتكليف، وعدم إمكان الأمر بالتمسك به، وهو أيضا خارج من محل كلام الشيخ ومراده. وثانيا - إن الثقلين سيان في صورة إمكان التمسك بهما، وفي صورة [ صفحه 295] عدم القدرة لا تكليف حتي نتمسك بهما. والمفروض خلاف ذلك، لأن النبي (ص) أمرنا بالتمسك بهما وأمرنا بالمقدور وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل والإمام المبين، فنتمسك بهما علي الشرائط المقررة المذكورة في الكتب المفصلة في أخذ الأحكام من الكتاب والسنة من الأوصياء وخزان العلم وأوعية علم الله تبارك وتعالي. وثالثا - إن ما ذكره بقوله (لعل هذا مراد الشيخ) ليس بصواب، لأن مراد الشيخ غير ما ذكره كما سبق. قال في الصافي ص 37: وأما قوله (ومن يجب اتباع قوله) فالمراد به البصير بكلامه، فإن في زمان غيبتهم قائم مقامهم، لقولهم عليهم السلام انظروا إلي من كان منكم قد روي حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فاجعلوه بينكم حاكما فإني قد جعلته عليكم حاكما - الحديث. أقول إن من يجب اتباع قوله يحتمل أن يكون بيانا وتفسيرا لأهل البيت عليهم السلام، وعلي تقدير استقلاله لا يناسب ما ذكره في الوافي لأنه عقد بابا لمذمة التقليد - فراجع. هذا مضافا إلي أن في سند الخبر الذي ذكره إشكالا لا بد من التأمل فيه.

نقود علي تفسير الصافي في نقله للأحاديث

في تفسير الصافي ص 49: والقمي قد يسند إلي المعصوم عليه السلام وقد لا يسند، وربما يقول (قال) والظاهر أراد به الصادق عليه السلام، كما أن الشيخ أبا علي الطبرسي قد يروي عنه ما أضمره ويسنده [ صفحه 296] إلي الصادق، ونحن نروي ما أضمره علي إضماره، وحذفنا الأسانيد لقلة جدوي المعرفة بها في هذا العصر البعيد العهد عنها مع اختلاف فيها و الاشتباه. علي إنا إنما نصحح الأخبار بنحو آخر غير الأسانيد إلا قليلا ونستعين في ذلك كله بالله وحده ولا نتخذ إلي غيره سبيلا، فيا إخواني خذوا ما آتيناكم بقوة - الخ. أقول: في قوله مواقع للنظر هذا بعضها: قوله: لقلة الجدوي. وفيه: أن الخبر لا يكون محل اعتماد إلا مع رعاية جهة السند وجهة الدلالة وجهة المعارضة مع خبر آخر وجهة صدوره تقية وغيرها من الأمور المذكورة في الكتب المفصلة والشرائط المقررة للعمل بالخبر، ولا يكون الخبر صحيحا إلا مع رعاية ما ذكر، وكذا الموثق. ولا طريق للمفتي وناقد الخبر المسند إلي الصادق عليه السلام مثلا إلا مع رعاية جميع ما ذكرناه. وجهة صحة السند أشكل من جهة الدلالة، وكل ذلك مشكل صعب، ولذا قال: حديثنا صعب مستصعب، ما أكثر الرواة وأقل الرعاة كونوا رعاة ولا تكونوا رواة. والاجتهاد والمجتهد يراد به معناه الحقيقي لا الاستعارة والمجاز، وعلومنا تحصل بالجد والاكتساب من الأساتيذ مع آداب أخر مذكورة في آداب المتعلمين من الأدلة التفصيلية وطرق خاصة مثل الكتاب والسنة. والعلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء، مورد قلب خاشع خاضع [ صفحه 297] مستعد قابل للنور بكثرة الاشتغال بتحصيل العلم، ولذا قيل الدرس حرف والتكرار ألف، وليس كل أرض ينبت فيها سبع سنابل. كل ذلك مع مراقبة الأعمال الأخلاقية من الأكل والشرب والمجالسة والخلوص لله وغير ذلك، ولعل الله بعد ذلك يحدث أمرا. وبدون ذلك لا يكون القلب مستعدا للنور، وأهل السوق والمحافل لا ينتظرون أن يقذف النور في قلوبهم ولا يقذف لعدم الاستعداد التام فيهم ولو كانوا منتظرين. وعلومنا غير علوم المعصومين عليهم السلام وليس موردا للسؤال من أحد، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لأن الله تعالي حكيم علي الإطلاق. وعلي أي ما أبعد بين قوله وقول بعض من عاصرناه بأن العمدة في طريق الاستنباط علم الأسانيد وعلم رجال السند. قوله: في هذا العصر البعيد العهد عنها مع الاختلاف والاشتباه. أقول: فيه أولا - إن زمان القرآن قبل زمان صدور الأخبار. وثانيا - إنه لا فرق بين بعد العهد وقربه، لأن حكم القرآن والسنة باق إلي يوم القيامة: والزمان لا يخلقه ولا يزيله، لأن حرامه حرام إلي يوم القيامة وحلاله حلال إلي يوم القيامة، وليس بنبي بعد خاتم النبيين ولا أوصياء بعد أوصيائه عليهم السلام، وحكمهم نافذ علي العبيد والأحرار لا ملجأ ولا مفزع إلا إلي الله وإلي سفرائه. وعلم الدراية والرجال وضع لرفع الاختلاف والاشتباه، فمن صحح السند يسنده إلي الإمام عليه السلام ومن لا يصححه لا يقدر علي إسناده إلي الإمام، فلو أسند إليه مع عدم الصحة فعل كبيرة وافتري علي الله، ولو [ صفحه 298] كان صائما بطل صومه، فلا بد من القدرة علي تمييز المشتركات بحسب الزمان والإمام وغير ذلك. وهذا أمر صعب لا يصل إليه إلا الأوحدي، ولذا يجب كمال الاحتياط في عدم التسرع للفتوي والاستناد إلي الإمام، لأن المفتي علي شفير جهنم والعار خير من النار، وأنا أوصيكم بوصية العلامة لولده فخر المحققين - فارجع إلي شرائط المفتي في آخر كشف اللثام والسير والسلوك للمجلسي المطبوع في آخر توحيد الصدوق. قوله: علي أنا إنما نصحح الأخبار بنحو آخر غير الأسانيد إلا قليلا. أقول: الأسف كل الأسف ما بين طريقه غير الأسانيد حتي نستفيد. و علي أي حال لو كان طريقه الإلهام فلا بد من إثباته ولا يكون ذلك حجة لنا، وإن كان طريقه العقل ويعرض الخبر عليه لتمييز الصحيح من السقيم به ففيه: أولا - إن عقولنا ناقصة، لأن العقل شأنه درك ما صدر عن مصدر صحيح مثل النبي والأوصياء لأنهم أخذوا العلم بالإلهام والوحي الصريح الصحيح من الروح الأمين والروح الذي يسددهم، وبعد التصديق بأنه لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي نزل به الروح الأمين من الله الواحد القهار، ولا خطأ ولا اشتباه في هذا العلم يؤخذ به وهو من الأمور الاعتقادية. وتماما لأحكام الفرعية لا يختص بالمسلم بل عامل جميع الناس كما بحثنا في ذلك في محله، ولا يكون عقلنا مشرعا لحكم بل يتوقف أو يحكم كما في صورة بيان آداب المسجد والخلوة وكيفية وضوء الرجل وكيفية وضوء [ صفحه 299] المرأة وقراءتهما وقيامهما وغيرها من الموارد الكثيرة. وثانيا - إن حسن رجال السند والخبر وحسن معاشرتهم وحسن ظاهرهم ووثاقتهم تصديقهم وصدقهم يثبت بالحسن والعقل لا يصدق ولا يكذب إلا باعتبار المذكورة. والحاصل أن عقلنا ليس بعلام الغيوب بل خالق العقل هو علام الغيوب يعلم ما في السرائر والضمائر ويخبر بذلك الرسل والأوصياء وليس لنا طريق إلي الصحيح والسقيم إلا ما بينوه في كتب علم الرجال، ولا بد من الرجوع إليها للتمييز بين الصحيح والسقيم، وكذلك العقل لا يميز بين الأنساب من الشريف وغيره والسيد وغيره والعالم وغيره إلا بالأمور المذكورة ولذا نحتاج في تعيين الإمام والحجة إلي النص الصريح الصحيح من الرسول أو الأوصياء (ع) واحدا بعد واحد، ولا يمكن تعيينه بالعقل. والشاهد علي ما قلناه خبر عبد العزيز الذي نقلناه في عقيدة الشيعة ص 10 قضية ذكر صفات الإمام كما هو حقه، وكذا خبر أبان بن تغلب في قضية دية أصابع المرأة، فبمراجعتهما يتوضح الحق ويزول الشك.

نفي رفع شبهة و دفعها

يوجد في الألسن وبعض الكتب النقل بالعقل ومن العقل، وهذا صحيح في حق الرسل والأنبياء والأوصياء عليهم السلام، لأنهم يأخذون العلم من الله العزيز - وهو كامل بل أكمل - بطريق الوحي والإلهام، وهذا منصب إلهي لا يشاركهم فيه أحد، لأن الله تعالي علم منهم الوفاء فأعطاهم حسب شرطه لهم عليهم السلام. ويدل علي ذلك جملة دعاء التوبة وقوله تعالي (الله أعلم حيث يجعل رسالته)، ولا خطأ ولا اشتباه فيه، فالنقل [ صفحه 300] صادر عن المصدر الأعلي. والنقل بالعقل ومن العقل بهذا المعني الذي سبق ليس بصحيح في عقلنا، لأنه ناقص ولو كان كاملا لا نحتاج إلي بيان المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والقيد والمقيد والعام والخاص، بل لا نحتاج إلي القرآن والرسول بل بيان ذلك كله شأن الرسول. والمخالف لما ذكر مخالف للإسلام والمذهب بالضرورة والبداهة فعلي هذا شأن عقلنا بعد تصديق الرسول وأولي إلا بقوله تعالي (وما ينطق عن الهوي) يتبع آثارهم وأخبارهم، ومع ذلك كله لا يأمن الخطأ من فهم كلامهم لأنه ناقص أيضا. مثلا يحكم عقل المريض بوجوب الرجوع إلي من كان أهلا للطبابة بحيث لو لم يرجع إليه كان مهلكا لنفسه، وأما تشخيص المرض وتشخيص الدواء فليس بيد العقل بل هو بيد الطبيب، ومع ذلك كله يحتمل الخطأ والاشتباه من المريض والطبيب، ولكن مع هذا لا بد من أخذ الدواء كاملا واستعماله حسب دستوره، وغير هذا الطريق لا ينجي المريض من المرض و لا يفيده شئ. فعقلنا يحكم بالرجوع إلي الطبيب ولا يعرف هو المرض والدواء لكمال الطبيب ونقصان عقل المريض والألم يراجع إلي الطبيب إذا هو يشخص المرض ويعرف الدواء. فالنقل بالعقل بهذا المعني صحيح وبغيره غير صحيح. هذا بالنسبة إلي الطبيب الجسماني، ووجوب الرجوع إلي الطبيب الروحاني أشد وأوكد وأنفع من ذلك بمراتب بل لا نسبة بينهما لأن أحدهما ناقص فإن والآخر كامل باق. مثلا يحكم العقل بوجوب الرجوع إلي الحجة البالغة [ صفحه 301] الكاملة وهو الرسول والوصي مثل الصادق عليه السلام، بحيث لو لم يرجع إليه لهلك وأهلك نفسه ولا نجاة له في الحياة والموت. ولا فرق في وجوب الرجوع عليه السلام بين الغني والفقير والصحيح والسقيم وغير ذلك، فكل مكلف يضطر من الرجوع إلي الحجة ليأخذ معالم دينه منه (ع)، فلو لم يرجع يعاقب ويسأل عنه أمر الولاية. فهذا هو الفارق بين الطبيب الجسماني والروحاني، فإذا رجع إلي الحجة - الصادق عليه السلام مثلا - يعلمه معالم دينه، وهو (ع) قد أخذ من معدن العلم والوحي والتنزيل. والحاصل أن الجاهل يجب أن يسأل الإمام والحجة والإمام يجيبه، والجاهل يحكم عقله بالرجوع ولا يعلم الحكم والإمام يجيبه من معدن الوحي فحكم عقل الجاهل شئ وجواب الإمام له شئ آخر وله منشأ آخر. والمقصد دفع فساد قول من يقول إن النقل بالعقل أيضا، فالعقل أصل يتبع في جميع الأمور والأحكام. فعلي هذا الأصل الفاسد يرتكب المعصية العظيمة بإهانة الإمام والتفسير بالرأي المنهي عنه كما يهين العلماء الأعلام ومشاهير هم ويكتب ما لا ترضي النفس بنقله. ولو كانت مصلحة الوقت مقتضية لنقلت أكثر من خمسين موردا من السماع والكتابة، ولكن هيهات.. وبعد التصديق بالله بصفاته الذاتية والرسول بصفاته الكاملة و الخاتمية له (ص) وأفضلية الأوصياء مع العلم بصفاتهم لا مجال للإشكال بنحو التعنت، ومقام التسليم والرضا من أخص صفات المؤمن ولا يحصل له إلا بعناية وإفاضة من الله المنان (الله أعلم حيث يجعل رسالته). [ صفحه 302] وهنا نكتة أدبية ذكرها في المجمع ص 598: المتبادر أن (حيث) ظرف مكان لأنه المعروف في استعمالها، قال ابن هشام: ويرده أن المراد أنه تعالي يعلم المكان المستحق للرسالة لا أن علمه في المكان فهو مفعول به لا بمفعول فيه، وحينئذ لا ينتصب بأعلم إلا علي قول بعضهم بشرط تأويله بعالم، والصواب انتصابه بيعلم محذوفا دل عليه أعلم. (تنبيه آخر) لا يخفي أن المجتهد والمفتي لا بد له من العلم بمصداق الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والخاص وغير ذلك بخصوصه حتي يميز كل واحد مما ذكر ويحكم علي طبقه، والعلم بوجود الناسخ والمنسوخ والعام والخاص وغير ذلك ووقوعه في القرآن والسنة إجمالا لا يفيده شيئا، و وقوع ذلك بنحو الكلي والعلم به فيهما لا يجوز الفتوي مع هذا العلم الإجمالي وبيان أن الفتوي القاء الحكم الكلي من دون نظر إلي الأفراد لو كان صحيحا كان مورده غير ما نحن فيه، لأن تعيين المصداق هنا بيد المجتهد فقط ولاحظ لغير فيما نحن فيه. (إيضاح نافع لرفع الاشتباه) المراد بحديث الجب رفع الحكم وعصيانه عما سلف من الكافر منة عليه مثل وجوب الخمس والزكاة ووجوب الصلاة ووجوب غسله ووضوئه مثلا، ولا معني لوجوب الغسل والوضوء عليه بعد سقوط وجوب الصلاة بناءا علي المقدمية فيهما وكذلك علي القول بالوجوب النفسي فيه لا رفع نجاسة عرقه ولباسه بنجاسات غير الكفر ولا يجعله متطهر بحيث لا يحتاج إلي الوضوء والغسل، لأن حالة الحدث الأكبر والأصغر باقية فيجب الغسل بعد إسلامه لرفع الحدث وإيجاد شرط صحة الصلاة مثلا. [ صفحه 303] ونتيجة ما قلنا الاسقاط فيما سبق قبل الإسلام والاثبات بعده، فما ذكر في المقام لو كان موافقا لما قلناه فلا نزاع في المقام وإن كان مخالفا فلا نساعد معهم. وبعبارة أخري: حديث الجب ناظر إلي جهتين: 1 - جهة الاسقاط قبل إسلامه من رفع وجوب الخمس علي الكافر والزكاة والكفارات والصوم والصلاة والغسل والوضوء، وكل ما يستفاد من الحديث بنظر الأعلام منة علي الكافر. 2 - جهة الإثبات بعد إسلامه من وجوب خمسة وزكاته وصومه وصلاته وغسله ووضوئه وكل ما ثبت علي المسلم بحكم الإسلام منه عليه بحكم الإسلام. وبما ذكرنا ظهر أن سقوط الحكم بحديث الإسلام للكافر قبله لا ينافي ثبوت الحكم مع بقاء الموضوع بحكم الإسلام عليه وله بعده، ولا وجه لغير ما ذكرناه فراجع كلماتهم في المقام. [ صفحه 304]

في مسائل متفرقة

في مستند القضاء

البحث عن مستند القضاء كثير النفع جليل العائدة، ونذكر المقاصد ضمن بيان أمور: تعيين العنوان من الكتب الفقهية: الجواهر الطبعة القديمة ص 331 المسالك ص 359، كشف اللثام ص 149، مفتاح الكرامة ص 35. قال في الشرائع: الإمام يقضي بعلمه، وغيره من القضاء يقضي بعلمه في حقوق الناس قطعا وفي حقوق الله علي قولين، أصحهما القضاء. وفيه جهات من الكلام: (الأول) هل يجب عليه الحكم بعلمه أم يجوز؟ وعبارة الشرائع وغيرها تحتملهما ووجه كل يظهر بعد ذلك. (الثانية) هل المراد من العلم والعلم العادي كالرؤية مثلا أو هو أعم من ذلك ومن الإلهامي ومن كليتهما؟ كل محتمل. ويدل علي الأول ما في كشف اللثام ص 150 وكما أن الإمام أو النبي (ص) إذا شاهدا رجلا يزني أو يسرق فهما عالمان بذلك علما صحيحا فكذا من علم مثل ما علماه من خلفائهما [ صفحه 305] والتساوي في ذلك موجود. وكذا عبارة مفتاح الكرامة ص 36 عن الصادق عليه السلام الواجب علي الإمام إذا نظر إلي الرجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه حد ولا يحتاج إلي بينة في نظره لأنه أمين الله في خلقه. والأدلة علي الثاني والأعم منهما كثيرة: منها ما نقل في سبب تسمية خزيمة بن ثابت إذا الشهادتين، وحاصله أن رسول الله صلي الله عليه وآله ابتاع فرسا من أعرابي ثم أنكر الأعرابي أنه باعه فقال النبي: من يشهد فأخذ المسلمون يقولون: إن رسول الله لا يقول إلا حقا، فجاء خزيمة وقال أشهد أنك بعتها من رسول الله. فقال له النبي: أكنت حاضرا؟ قال: لا و لكن بتصديقك، فسماه ذا الشهادتين. وما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في درع طلحة حيث قال لشريح: ويحك إمام المسلمين يؤمن من أمورهم علي ما هو أعظم من هذا. قال السيد المرتضي في جواب أبي علي حيث قال (إن الإمام والقاضي لا يحكم بعلمه مطلقا سواء في ذلك الإمام غيره) يمنع أن الله تعالي قد اطلعه عليهم بأعيانهم - إلي آخر كلامه. ويفهم من كلامه العلم الإلهامي ولذا أنكر علي أبي علي العلم بأعيانهم ولنا مع السيد بحث ذكرناه في كتابنا (البيان في عقائد أهل الإيمان) و نقلنا كلام الشيخ المفيد وغيره حيث ذهبوا إلي أن الإمام يعرف العلم الكلي دون الشخصي والجزئي. ونختصر الجواب هنا بأن عرض الأعمال عليهم وعلمهم بالأشخاص بحقيقة الإيمان والكفر مع الروايات الواردة في هذا الباب يقطع الكلام وأبسط من هذا يطلب من محله. [ صفحه 306] وقد نقلنا فيما سبق كلام مفتاح الكرامة ص 36 وكشف اللثام و كذلك استدلالهم بأن الإمام يحكم بعلمه مطلقا لعصمته المانعة من تطرق التهمة وعلمه المانع من الخلاف وغير ذلك مما يظهر أن الإمام يحكم بعلمه من أي جهة حصل.

اقوال العلماء في المقام

(الأول) إنه يحكم بعلمه مطلقا بالرؤية والإلهام في حقوق الله تعالي وحقوق الناس لأن العلم أقوي من الشهادة، قال تعالي (وأن تحكموا بين الناس بالعدل) وقال (فإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) ومن حكم بعلمه فقد حكم بالحق والعدل والقسط، وهو أصح الأقوال خصوصا بالنسبة إلي الإمام عليه السلام. (الثاني) المنع مطلقا، لأن قوله (إنما أقضي بينكم بالبينة والأيمان) يفيد الحصر الحقيقي، إلا أن يقال لا بد من حمله علي الاصنافي بقرينة الأخبار الواردة بحكمه (ع) بالعلم في قضية الأعرابي ودرع طلحة وغير ذلك. (الثالث) إنه يحكم في حقوق الناس من دون حقوق الله تعالي، نقل ذلك عن ابن إدريس. (الرابع) إنه يحكم في حقوق الله بعلمه ولا يحكم فيما كان من حقوق الناس إلا بالإقرار أو البينة، فيكون بما علمه من حقوق الناس شاهد عند من فوقه وشهادته كشهادة الرجل الواحد. أقول: القول الرابع منقول عن ابن الجنيد، وانظر المسالك ص 359 وينقل في الجواهر ص 332 أقوالا أخر هنا: (بعد تولي منصب القضاء [ صفحه 307] عن الحسن بن حي قال في الحدود إن علم فلا يقضي حتي يشهد معه ثلاثة وفي غيره واحد، وعن الأوزاعي إنه يشهد معه رجل آخر في القذف حتي يحده، وقال الليث لا يحكم في حقوق الناس حتي يشهد معه آخر، وقال ابن ليلي من أقر عند القاضي بدين في مجلس الحكم فالقاضي لا ينفذ ذلك حتي يشهد معه آخر - وغير ذلك من أقوالهم المبينة علي الرأي والاستحسان والقياس والمصالح المرسلة. نقل ذلك في كشف اللثام ص 150. ويمكن أن يكون خبر الحسين بن خالد دليلا للتفصيل السابق نقل في الجواهر ص 331 الخبر: الواجب إلي الإمام إذا نظر إلي رجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه الحد ولا يحتاج إلي بينة مع نظره لأنه أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلي رجل يسرق فالواجب عليه أن يزجره وينهاه ويمضي ويدعه. قال: قلت كيف ذاك؟ فقال عليه السلام: لأن الحق إذا كان لله تعالي فالواجب علي الإمام إقامته وإذا كان للناس فهو للناس. أقول: هذا الخبر علي فرض صحته يكون دالا علي بعض التفاصيل المتقدمة ويدل علي علمه من جهة الرؤية لا الإلهام. وقوله (إذا نظر إلي رجل يسرق فالواجب عليه أن يزجره) الخ، الواجب يحمل علي الوجوب التخييري أو غير ذلك وفي البحار 41 / 9: بلغ معاوية أن النجاشي هجاه فدس قوما شهدوا عليه عند علي عليه السلام أنه شرب الخمر فأخذه علي فحده، فغضب جماعة علي علي في ذلك منهم طارق بن عبد الله النهدي، فقال: يا أمير المؤمنين ما كنا نري أن أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العقل ومعادن الفضل سيان في الجزاء حتي ما كان من صنيعك بأخي الحارث [ صفحه 308] - يعني النجاشي - فأوغرت [78] صدورنا وشتت أمورنا وحملتنا علي الجادة التي كنا تري أن سبيل من ركبها النار. فقال علي عليه السلام: إنها لكبيرة الأعلي الخاشعين، يا أخا بني نهل هو هل إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدها زكاة له وتطهيرا، يا أخا بني نهد إنه من أتي حدا فأليم [79] كان كفارته، يا أخا بني نهد إن الله عز وجل يقول في كتابه العظيم (ولا يجرمنكم شنآن قوم علي أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقربللتقوي) [80] فخرج طارق والنجاشي ويقال إنه رجع [81] . أقول: لم أر نقل هذا الخبر في المقام، وعلي فرض صحته يدل علي أن الإمام لا يحكم بعلمه فيكون دليلا علي المنع مطلقا، أو يحمل علي أن الإمام يحكم بعلمه إذا رأي ولا يحكم بعلمه الإلهامي كما هو المفروض، أو يحمل علي أن الإمام مخير بين الحكم بعلمه أو يحكم علي طبق البينة، والمحتملات كلها مخالفة لما سبق - فراجع. ثم إن العلم تارة يحصل بالرؤية كالشمس الطالعة وتارة يحصل من الأمارات الموجبة للظن المتآخم للعلم، فعلي الأول يحكم الحاكم بعلمه علي المشهور، وفي الثاني بحث يأتي تفصيله في الشاهد الذي يشهد به عند الحاكم. [ صفحه 309] وينقل من الانتصار إنكاره علي ابن الجنيد وينقل إنكار أبي بكر علي فاطمة (ع) وادعاءه منها ومطالبته البينة مع علمه بأنه صادقه مصدقة وقال لولا قلة ابن الجنيد لما حكم بأن الحاكم لا يحكم إلا بعلمه، وتبعه غيره في شدة الإنكار علي ابن الجنيد. قال في الجواهر ص 331: لكن الإنصاف أنه ليس بتلك المكانة من الضعف، ضرورة أن البحث في أن العلم من طرق الحكم والفصل بين المتخاصمين ولو من غير المعصوم في جميع الحقوق أولا، وليس في الأدلة المذكورة عدي الإجماع دلالة علي ذلك والأمر بالمعروف ووجوب إيصال الحق إلي مستحقه بل كون العلم حجة علي من حصل له يترتب عليه سائر التكاليف الشرعية لا يقتضي كونه من طرق الحكم، بل أقصي ذلك ما عرفته وأنه لا يجوز له الحكم بخلاف علمه، بل لعل أصالة عدم ترتب آثار الحكم عليه يقتضي عدمه كما أن قوله عليه السلام (البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر) كذلك أيضا، بل الظاهر الحصر في صحيح هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله (ص): إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض - إلي أن قال - إلي غير ذلك من النصوص الظاهرة في حصر طريق الحكم بالمعني المزبور بالبينة واليمين، وأقصي ما يخرج منهما المعلوم كذبهما ولو لمخالفتهما لعلمه فلا يحكم حينئذ بهما، ولا يقتضي الحكم بعلمه وأنه أحد طرق الحكم للفصل كالبينة بل هو أقوي - الخ. أقول: قوله (وليس في شئ من الأدلة عدي الإجماع منها دلالة علي ذلك) لو أراد العلم من الإمام عليه السلام وغيره وفي حقوق الله و [ صفحه 310] حقوق الناس وغير ذلك من حيث المجموع فليس في الأدلة ما يدل علي جميع ذلك، وأما بالنسبة إلي الإمام وعلمه الإلهامي أو الرؤية قد ذكر أخبار كثيرة، مثل قصة ذي الشهادتين وقصة درع طلحة وقول الصادق عليه السلام في خبر الحسين بن خالد وغير ذلك مما ذكر في أول البحث ونقلنا مقدارا منه هنا، وظاهر هذه الأخبار أن الإمام عليه السلام يحكم بعلمه بل يظهر ذلك منه (ع) عملا، فيكون العلم أحد طرق الحكم كالبينة بل هو أقوي منها.

حكم الحاكم لا يجوز نقضه

بيان هذه المسألة يتم ضمن الكلام في أمور: (الأول) إن الأمر والحكم والقضاء والفتوي يطلق كل واحد منها علي الآخر ويستعمل كل فيما يستعمل فيه الآخر، مثلا يقال (أفتاني في المسألة، أي بين حكمها لي وقضاها وحكم بها وأمر بها، وهكذا البقية. ويفهم المراد عند الإطلاق، ولسنا في مقام تعيين ذلك علي الحقيقية أو المجاز وإن كان إطلاق بعضها في بعض الموارد لمعني مخصوص بالاصطلاح أو غيره. (الثاني) الفرق بين الحكم والفتوي أن الفتوي بيان الحكم الكلي من غير نظر إلي الأفراد الخاصة وحكم الحاكم مثلا ناظر إلي جهة خاصة. مثلا يفتي بأن الزبيب إذا غلي نجس وفي مورد خاص حكم الحاكم بطهارته علي ما رأي يحكم بنجاسة كلي الزبيب غير هذا الجزئي الذي كان موردا لحكم الحاكم قال في المجمع مادة (قضي): فالقاضي كما قيل هو الحاكم بين الخصوم [ صفحه 311] وهو يغاير المفتي والمجتهد، وذلك لأن القاضي سمي قاضيا وحاكما باعتبار إلزامه وحكمه علي الأفراد الشخصية بالأفراد الشخصية كالحكم علي شخص بثبوت حق لشخص آخر وأما لا بهذا الاعتبار بل بمجرد الإخبار والإعلام فإنه يسمي مفتيا كما أنه بمجرد الاستدلال يسمي مجتهدا. وقال في الجواهر الطبعة القديمة 6 / 334: وقد بان لك الحال في الصور وهي نقض الفتوي بالفتوي وبالحكم ونقض الحكم بالفتوي وبالحكم، ولكن بقي الكلام في الفرق بينهما، والظاهر أن المراد بالأولي الإخبار عن الله تعالي بحكم شرعي متعلق بكلي كالقول بنجاسة ملاقي البول أو الخمر، وأما قول هذا القدح نجس لذلك فهو ليس فتوي في الحقيقة وإن كان ربما يوسع بإطلاقها عليه. وأما الحكم فهو إنشاء إنفاذ من الحاكم لا منه تعالي لحكم شرعي أو وضعي أو موضوعهما في شئ مخصوص - الخ. وقال في التنقيح ص 352: الفرق بين القضاء والفتوي إنما هو في أن المفتي بفتواه يخبر عن الأحكام الإلهية الكلية الثابتة لموضوعاتها وذلك كنجاسة الخمر وصحة البيع بغير العربية ونحوهما، والقضاء أيضا هو الإخبار عن الحكم الإلهي الثابت في الشريعة المقدسة إلا أنه حكم مشخص وليس حكما كليا بوجه، فالقاضي يخبر عن أن هذا ملك زيد وذلك ملك عمرو - الخ. أقول: يمكن المناقشة في كلام الجواهر بأن وجود الكلي والعام ليس متغايرا للأفراد بل تمام الأثر يترتب علي الأفراد الشخصية الخارجية، ففي صورة القطع بمصداقه الانطباق قهري لا فرق في ذلك بين المفتي وغيره [ صفحه 312] وفي صورة القطع بخروج فرد بالدليل اللبي أو التعبدي القطعي لا ينطبق الكلي عليه لفرض خروجه منه بالدليل، ولا فرق بعد العلم بخروج ذاك الفرد بين المفتي وغيره. وفي صورة الشك في الفردية لا يتمسك بالعام لتشخيص الفرد لدخوله أو خروجه) وهذا معني قولهم لا يمكن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ولا فرق بين المفتي وغيره بعد الشك في المصداق مع الالتفات، مثلا المفتي قال بنحو الكلي (صوم شهر رمضان واجب) فبعدا إحراز شهر رمضان الموجود يقال هذا شهر رمضان فيجب صومه الذي بينه المفتي بنحو الكلي. فعلي هذا كيف يمكن الحكم بأن الحكم الكلي من الله تعالي وتعيين المصداق من المفتي وغيره ليس من حكم الله تعالي، مع أن القاء الكلي أو العام ناظر إلي الأفراد الخارجية بحيث لو لم يوجد في الخارج فرد لم يكن له أثر هذا مع أنه ورد في باب القضاء كليات كان تطبيقها علي الأفراد بيد المفتي والقاضي ونظره ولا نصيب لغيره في ذلك. مثلا البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر، وللتمييز بين المدعي والمنكر ثلاثة طرق: المدعي هو الذي يترك لو ترك الخصومة، والذي يدعي خلاف الظاهر، والذي يدعي خلاف الأصل، ولا شك أن لاحظ للعامي في استنباط الكلي من المدارك و تطبيقه علي الموارد بل هو شأن الحاكم والمفتي، فهل يمكن أن يقال باعتبار الأول من الله تعالي والثاني ليس من عز وجل. هذا مضافا إلي أن حكم الحاكم بأن الدار والفرس والثوب لزيد دون غيره لو كان عن مدرك صحيح، فهو حكم بالقسط والعدل وهو حكم الله ولذا [ صفحه 313] لا يجوز نقضه كما يأتي بيانه. ولتوضيح كلامه (قده) ينقض الفتوي بالفتوي نقول: يتصور هذا

نقض الفتوي بالفتوي

بصور أربع: الأولي - ينقض الفتوي بالفتوي من صاحب الفتوي وغيره كما في تبدل الرأي وغيره، علي معني بطلانها برجوع صاحبها عنها فيما لم يعمل به، وأما ما عمل به - مثل الأكل والشرب. فلا نقض. الثانية - ينقض الفتوي بالحكم، والمراد بنقضها إبطال حكم الكلي في خصوص الجزئي الذي كان موردا لحكم الحاكم بالنسبة إلي كل أحد من غير فرق بين الحاكم ومقلديه وبين غيرهم من الحكام المخالفين له ومقلديهم ويبطل حكم الاجتهاد والتقليد في خصوص هذا الجزئي، كما لا فرق في ذلك بين العقود والايقاعات والحل والحرمة والأحكام الوضعية حتي الطهارة والنجاسة. فلو ترافع شخصان علي بيع شئ من المائعات وقد لاقي عرق الجنب من زنا مثلا عند من يري طهارته فحكم بذلك كان طاهرا مملوكان للمحكوم عليه، وإن كان مجتهدا [82] يري نجاسته أو مقلد مجتهد كذلك لإطلاق ما دل علي وجوب قبول حكمه وأنه حكمهم والراد عليه راد عليهم ويخرج هذا الجزئي من كلي الفتوي بأن المائع الملاقي عرق الجنب نجس في حق ذلك المجتهد ومقلديه. الثالثة - نقض الحكم بالفتوي لا يجوز مطلقا حتي من ذلك الحاكم لو فرض تغيير رأيه عن الفتوي بعد حكمه في جزئي خاص فلا صالة بقاء أثر الحكم وظهور أدلته في عدم جواز نقضه مطلقا وعدم اقتضاء دليل الفتوي [ صفحه 314] بأزيد من العمل بأفراد كلي [عبارة الجواهر هكذا] (متعلقها من حيث أنها كذلك، فلا تنافي خروج بعض أفراد بالحكم الدليل. الرابعة - ينقض الحكم بالحكم، الظاهر عدم جواز نقض الحكم بالحكم لوجوب تنفيذه مطلقا من هذا الحاكم لو فرض تبدل رأيه أو من غيره، وهذا معني وجوب تنفيذ الحاكم الثاني ما حكم به الأول وإن خالف رأيه ما لم يعلم بطلانه، ولو علم بالعلم اليقيني بطلان الحكم الأول يحكم الثاني وينفذ لعدم ثبوت الحكم من الحاكم الأول في المفروض. والمحصل أن الحكم ينقض لو خالف دليلا علميا لا مجال للاجتهاد فيه أو دليلا اجتهاديا لا مجال للاجتهاد بخلافه إلا غفلة أو نسيانا أو غيره، ولا ينقض في غير ذلك لأن الحكم بالاجتهاد الصحيح حكمهم فالراد عليه راد عليهم والراد عليهم في حد الشرك بالله تعالي. وأغلب ما ذكرناه وأزيد وأبسط يوجد في الجاهر ص 333 فما بعده - فراجع. وحيث أن المستفاد من الروايات أن حكم الحاكم إذا صدر عن الميزان الصحيح معتبر مطلقا وأن اعتباره ليس من جهة الأمارية إلي الواقع بل إنما هو لأجل أن له الموضوعية التامة في فصل الخصومات وحل المرافعات، فلا مناص من الالتزام بعدم جواز نقضه مطلقا سواء علمنا بعدم مطابقة للواقع أو بالخطأ في طريقه وجدانا أو تعبدا أم لم نعلم به، ولا فرق في ذلك بين الشبهات الحكمية والموضوعية، فلا يجوز للمتخاصمين إعادة الدعوي عند ذلك الحاكم أو حاكم آخر رضيا بها أم لم يرضيا كما لا يجوز للحاكم سماعها. [ صفحه 315] هذا كله من التنقيح ص 390، وقال بعد ذلك: مقتضي الروايات الواردة في المقام وإن كان أن حكم الحاكم له الموضوعية التامة في فصل الخصومات والنزاع إلا أن مع التأمل فيها لا يكاد يشك في أن حكم الحاكم غير مغير للواقع عما هو عليه بل الواقع باق بحاله، وحكم الحاكم قد يطابقه وقد يخالفه. كيف و قد صرح بذلك في صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار [83] الخبر. واللحن الميل عن جهة الاستقامة، يقال (لحن فلان في كلامه) إذا مال عن صحيح المنطق، أراد صلي الله عليه وآله وسلم أن بعضكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره، فلعله يميل عن الاستقامة ويذهب بحق صاحبه (انظر الوافي كتاب القضاء 2 / 137. وزاد في المجمع مادة لحن: في معناه التعريض والتورية، وظاهره استعمال اللحن في المدح والذم، ومنه الخبر (اقرأوا القرآن بلحون العرب). قال في التنقيح ص 391 بعد نقل الخبر: فإنها صريحة كما تري في أن القضاء غير مبدل للواقع وأن من حكم له الحاكم بشئ إذا علم أن الواقع خلافه لم يجز له أخذه - إلي أن قال - سواء علمنا الخلاف بالوجدان أم بالتعبد، فإذا ترافعا في صحة بيع وفساده وادعي أحدهما أنه مائع متنجس لملاقاته العصير قبل ذهاب ثلثيه أو لاقي عرق الجنب عن الحرام والحجة قامت عنده [ صفحه 316] علي نجاستهما وبني الآخر علي صحة البيع لطهارتهما عنده وحكم الحاكم بصحة المعاملة لبنائه علي طهارة الملاقي في الصورتين وجب علي مدعي البطلان أن يرتب علي المعاملة آثار الصحة تنفيذا لحكم الحاكم إلا أنه ليس له أن يرتب آثار الطهارة علي المبيع لعلمه بنجاسته تعبدا، كما أن الحاكم إذا حكم بالمال لأحد المتخاصمين في ملكية شئ وجب علي كليهما أن يرتبا علي المال آثار الملكية المحكوم له ظاهرا فيجب علي المحكوم عليه دفع المال إلي المحكوم له لعدم جواز نقض الحكم كما مر إلا أنه - أي المحكوم له - لا يتمكن من التصرف فيه بسائر التصرفات إذا علم أن الحكم علي خلاف الواقع. كما أن المحكوم عليه يجوز أن يسرقه من المحكوم له إذا علم أن المال له وأن حكم الحاكم غير مطابق للواقع، بل لا يبعد القول بجواز التقاص له من مال المحكوم عليه إذا توفرت الشروط كما إذا علم أن المحكوم له قد ظلمه وادعي المال مع علمه بأنه ليس له. ولا يخفي أنه بما نقلناه عن التنقيح يظهر مراد الجواهر، كما يظهر الإشكال في بعض ما ذكره، لأنه مثلا حكم في الملاقي بطهارته وملكيته للمحكوم عليه وهكذا بعضه الآخر إلا أن يريد صورة الشك بالواقع دون العلم بخلاف الواقع. قال في التنقيح ص 392: والمتحصل أن بحكم الحاكم لا يجوز ترتيب آثار الواقع إذا علمنا مخالفته للواقع. نعم إذا لم يعلم أنه علي خلافه أو مطابق له جاز ترتيب آثار الواقع بحكم الحاكم، فلا مانع من ترتيب آثار الطهارة علي المبيع أو مالية المال للمحكوم له في المثالين عند عدم العلم بمخالفة الحكم للواقع لأنه [ صفحه 317] مقتضي السيرة القطعية - فلاحظ.

بيان الشهادة والبينة

لا كلام في أصل ثبوتهما، وقد ورد القرآن بذلك، قال تعالي (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) وقال (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه (وغير ذلك من الآيات الكريمة. وإنما الكلام في جهات أخري نوضحها ضمن أمور: (الأول) في تعريفها، وهي لغة كما في المسالك ص 400 الأخبار عن اليقين وفي المجمع ص 203 خبر قاطع. وشرعا إخبار جازم عن حق لازم لغيره واقع من غير حاكم. وخرج بالقيد الأخير إخبار الله ورسوله والأئمة وإخبار الحاكم حاكما آخر فإن ذلك لا يسمي شهادة. قال في الجواهر 6 / 419: كتاب الشهادات المستفيض في الكتاب والسند ذكرها وذكر أحكامها، وهي لغة الحضور، ومنه قوله تعالي (فمن شهد منكم الشهر) أو العلم الذي عبر بعضهم عنه بالأخبار عن اليقين وبعد الإشكال علي المسالك قال: والأمر سهل بعد معلومية كون مرجع هذا التعريف إلي تحقيق المعني العرفي للشهادة، ومن هنا كان الأصوب إيكال ذلك إلي العرف للقطع بعدم معني شرعي مخصوص لها، والغالب في المعاني العرفية عدم إمكان ذكر حد تام لها شامل لجميع أفرادها - إلي أن قال بعد نقل كلام القمي (ره): والأولي ما ذكرناه من إيكال الفرق بينهما (أي الرواية والشهادة) إلي العرف، فكل ما عد فيه أنه من [ صفحه 318] الشهادة اعتبر فيه التعدد وغيره من الأحكام الثابتة لها وإلا كان من غيره والظاهر وفاء العرف بذلك من غير مدخلية للاعتبار الحاكم وغيره من القيود المزبورة - انتهي. (الثاني) إن البينة مع وجود شروطها تعتبر في الموضوع والحكم و في مقام الترافع والنزاع وغيره عند الحاكم وغيره كثبوت الهلال مثلا لقوله صلي الله عليه وآله (إنما أقضي بينكم بالبينات الأيمان) كما سبق بيانه - فراجع. (الثالث) فيما يصير به الشاهد شاهدا، والضابط العلم لقوله تعالي (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقوله (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) ولقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقد سئل عن الشهادة هل تري الشمس؟ فقال: نعم. فقال: علي مثلها فاشهد أو دع. وقول الصادق عليه السلام في خبر علي بن غياث: لا تشهدن بشهادة حتي تعرفها كما تعرف كفك. وفي خبر السكوني: لا تشهد بشهادة لا تذكرها. وما رواه الصدوق مرسلا: لا تكون الشهادة إلا بعلم - إلي آخر ما أورده من الآيات والأخبار في كتاب مفتاح الكرامة ص 40 والجواهر ص 440 والمسالك ص 410 وغيرها. ومستند الشهادة إما المشاهدة أو السماع أو هما، والضابط العلم من أي سبب حصل وذكر المشاهدة والسمع من باب بيان المصداق في الموارد الخاصة لا بيان الانحصار، والدليل علي ذلك أمور: 1 - إن الحواس لا تنحصر فيهما، لوجود الذوق في المذوقات والشم [ صفحه 319] في المشمومات واللمس في الملموسات. 2 - شهادة الأخرس والأعمي والأصم مع شرائط خاصة في موارد خاصة 3 - إنا نشهد بنصب النبي (ص) عليا (ع) إماما يوم غدير خم وكذا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه عبده ورسوله وأن مكة موجودة كوجود سائر البلدان معانا لم نكن نري هذه الأشياء، وكل ذلك من أفراد الضابط المذكور - أي العلم من أي سبب حصل - فيكون مصداقا للشهادة كالشمس والكف وغير ذلك مما مر من الدليل للعلم وبه تتحقق الشهادة، ولذا فسرها في الجواهر في أول بحثه بالحضور أو العلم، وقال: أن الضابط العلم الذي لا ينحصر طريقه بذلك مع عموم أدلة القبول. قال ص 442: التحقيق حينئذ كونه (أي العلم) هو الضابط فيها. نعم قد يشتبه علي بعض المسرعين معرفته فيتخيل الظن الغالب علما، كما أنه قد يقطع مما لا يفيد القطع، وهذا الذي أشار إليه أنه غالبا يتخلف خصوصا إذا انضم إليه بعض الأغراض النفسانية، بخلاف العلم الذي يحصل بالأمور المفيدة له عرفا عند المستقيمين الخالين عن الأغراض الذين لهم قابلية النقد والتمييز بين المراتب، فإنه لا يتخلف واتفاق تخلفه غير قادح كما أنه قد يتخلف العلم بالحس لاشتباه ونحوه. ومن أراد أبسط مما ذكر فليراجع الجواهر. فعلي هذا لا تجوز الشهادة علي طبق الاستصحاب والبراءة والاشتغال والظن والظن المتآخم بالعلم وحسن الظاهر مما لا يفيد العلم، وإن كانت أحكام أخر يترتب عليها أمور شرعية، ولكن في باب الشهادة لا يمكن الاعتماد [ صفحه 320] عليها لأنها ليست كالشمس والكف وغير ذلك مما مر بقي الكلام في الاستفاضة، وهي نقل طبقة عن الطبقة الأولي بنحو لا يصل حد التواتر علي أي موضوع كان، فنقول: إن حصل العلم بذلك فليس بخارج عن الضابط وإن حصل به الظن أو الظن المتآخم للعلم فيشكل الشهادة بالاستفاضة مع إمكان ترتب حكم آخر علي الاستفاضة ولا يكون الظن المتآخم للعلم كالشمس والكف حتي يمكن معه الشهادة كالعلم. (الأمر الرابع) إذا قامت البينة علي حكم أو موضوع عند الحاكم يحكم علي طبقها ولا ينقض حكمه إلا مع العلم بالمخالفة، وقد سبق منا بيانه مفصلا. (الخامس) في مورد تكون البينة معتبرة علي طبق الواقع والحقيقة كما في مورد الطلاق واعتبار ذي العدل فيه لا يتعرض للحضور [84] من لم يطمئن بنفسه العدالة، إذا الحاكم والمطلق يطلق وبحسب الظاهر يحصل الفراق والازدواج بعد ذلك مع عدم تحقق الفراق واقعا، وبذلك الحضور يكون من لم يكون عادلا في نفسه مهلكا لها من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر، كما هو مورد الاحتياط عند بعض الأعلام في باب الجماعة أيضا. ويمكن تهذيب الأخلاق الذميمة وترك المعصية والعزم علي عدم العود إليها وغير ذلك من شرائط التوبة عند حاجة المطلق والحاكم، وهذا توفيق من الله تعالي [ صفحه 321] وملخص ما ذكرناه أو نقلناه أن حكم الحاكم والبينة واليمين لا يغير الواقع والواقع علي حاله في صورة الخلاف، وفي صورة الشك والوفاق مع الواقع حكم الحاكم نافذ لا يجوز نقضه، والبينة حجة شرعية، واليمين تذهب بالحق المدعي لا حق الدعوي، ففي رواية موسي بن أكيل النميري ذهبت اليمين بحق المدعي (الوافي 2 / 138). وعن ابن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي فلا حق [دعوي خ] له. قلت له: وإن كانت عليه بينة عادلة. قال: نعم، فإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له حق وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه (الوافي 3 / 108). وعن إبراهيم بن عبد الحميد عن خضر بن عمرو النخعي عن أبي عبد الله عليه السلام [عن أحدهما خ] في الرجل يكون له علي الرجل مال فيجحده، قال: إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئا، وإن احتسبه عند الله فليس له أن يأخذ شيئا وإن تركه ولم يستحلفه فهو علي حقه.

اليمين علي من أنكر

قد يري في بادئ النظر من ظاهر بعض الأخبار أن اليمين تذهب بالحق كائنا ما كان ولا حق لمن استحلف خصمه، إلا أن الدقة في الأخبار الأخري [ صفحه 322] تبين أن الموضوع ليس هكذا. قال في التنقيح ص 393: (الطائفة الثانية) فمنها صحيحة سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه وحلف ثم وقع له عندي مال آخذه [فآخذه] لمكان مالي الذي أخذه وأجحده وأحلف عليه كما صنع؟ قال عليه السلام: إن خانك فلا تخنه ولا تدخل فيما عبته عليه (الوافي 3 / 110). إلا أنها معارضة بصحيحة أبي بكر الحضرمي قال: قلت له رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليه أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذه منه بقدر حقي؟ فقال: نعم (الوسائل ب 83 من أبواب الكسب). وعن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له علي الرجل الدين فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي جحده أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال: نعم (الوافي 3 / 111). وعن الحسين بن صفوان عن ابن مسكان عن الحضرمي قال: قلت له رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليه أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقي؟ قال: فقال نعم ولكن لهذا كلام. قلت: وما هو؟ قال: يقول اللهم لم آخذه ظلما ولا خيانة وإنما أخذته مكان مالي الذي أخذ مني لم أزدد عليه شيئا. وبمثل هذا روي في الوافي عن السراد عن سيف بن عميرة عن الحضرمي - فراجعه. وفي الحديث النبوي: من حلف فلتصدق، ومن حلف له فليرض. [ صفحه 323] وإنما يجوز أخذ المال مع عدم استحلافه له وإن حلف لعدم رضائه بحلفه فكأنه لم يحلف. [ صفحه 324]

في أحاديث متفرقة مختارة

1 - قال أبو عبد الله عليه السلام لمفضل بن عمر: يا مفضل إنه من تعرض لسلطان جائر فأصابته بلية لم يؤجر عليها ولم يرزق التصبر عليها (ثواب الأعمال ص 24). 2 - قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليها السلام في رسالة الحقوق عند ذكر حقوق الأئمة: فأما حق سائسك بالسلطان فإن تعلم أنك جعلت له فتنة وأنه مبتلي فيك بما جعله الله له عليك من السلطان وأن تخلص له في النصيحة، وأن لا تماحك [85] وبسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه، وتذلل وتلطف لإعطائه من الرضي مايكفيه عنك ولا يضر بدينك وتستعين عليه في ذلك بالله، ولا تعازه [86] . ولا تعانده فإنك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك فعرضتها لمكروهه وعرضته للهلكة فيك وكنت خليقا أن تكون معينا له علي نفسك وشريكا له فيما أتي إليك، ولا قوة إلا بالله. أقول: إنه عليه السلام في مقام تعيين الوظيفة للرعية لا السلطان [ صفحه 325] لأنه إن كان جائرا ظالما فحسابه علي الله تعالي ويأخذه أخذ عزيز مقتدر إنما يؤخره ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء، جزاء بما كسب نكالا من الله العزيز القهار، ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون [87] وإن كان عادلا فليس التعرض له ويجزي بعمله، فمن يعلم مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. هذا مع آيات أخري كثيرة لا تخفي علي أولي الألباب. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروع الدين ويجب علي كل مسلم إجراءهما في مواردهما مع الشرائط المقررة لهما، ويحرم الاجراء في بعض الموارد مع فقدانها مثل هتك العرض أو إهراق الدم، وتمييز موارده لأهل الخبرة وذوي البصيرة واضح لا يخفي عليهم. 3 - عن أبي النعمان العجلي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يا أبا النعمان لا يغرنك الناس من نفسك، فإن الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكذا وكذا فإن معك من يحفظ عملك، وأحسن فإني لم أر شيئا أسرع دركا وأسرع طلبا من حسنة محدثة لذنب قديم (منتخب المواعظ 175). 4 - عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أتت علي الرجل أربعون سنة قيل له حذرك فأنت غير معذور، وليس ابن الأربعين أحق بالحذر من ابن العشرين، فإن من يطلبهما واحد وليس براقد، فاعمل لما أمامك من الهول ودع عنك فضول القول (منتخب المواعظ 175). 5 - وقال عليه السلام يوما لمن حضره: ما المروة؟ فتكلموا فقال [ صفحه 326] المروة أن لا تطمع فتذل وتسأل فتقل ولا تبخل فتشتم ولا تجهل فتختصم. فقيل: ومن يقدر علي ذلك؟ فقال عليه السلام: من أحب أن يكون كالناظر في الحدقة والمسك في الطيب وكالخليفة في يومكم هذا في القدر. 6 - وقال عليه السلام: إن استطعت أن لا تعامل أحدا إلا ولك الفضل عليه فافعل. 7 - وقال عليه السلام: من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه. 8 - وقال عليه السلام: عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد. 9 - وقال عليه السلام: لا يكون العبد عالما حتي لا يكون حاسدا لمن فوقه ولا محقرا لمن دونه. 10 - وقال عليه السلام: ما عرف الله من عصاه. 11 - وقال عليه السلام: إنما مثل الحاجة إلي من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الأفعي، أنت إليه محوج وأنت منها علي خطر. 12 - وقال عليه السلام: إياك والكسل والضجر، فإنهما مفتاح كل شر، من كسل لم يؤد حقا ومن ضجر لم يصبر علي حق. 13 - وقال عليه السلام: إنما شيعة علي عليه السلام المتباذلون في ولايتنا المتحابون في محبتنا المتزاورون لإحياء أمرنا، الذين إذا غضبوا لم يظلموا وإذا رضوا لم يسرفوا، بركة علي من جاروا سلم لمن خالطوا [ صفحه 327] 14 - وقال عليها السلام: يا جابر بلغ شيعتي السلام وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله عز وجل ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة، يا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا ومن عصي الله لم ينفعه حبنا (منتخب المواعظ 186). 15 - وقال عليه السلام: يا بن النعمان إذا كانت دولة الظلم فامش واستقبل من تتقيه بالتحية، فإن المتعرض للدولة قاتل نفسه وموبقها، إن الله يقول (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة). 16 - كتاب أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن: واعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا وللفناء لا للبقاء وللموت لا للحياة، وأنك في منزل قلعة ودار بلغة وطريق إلي الآخرة، إنك طريد الموت الذي لا ينجو هاربه ولا بد أنه يدركك يوما فكن منه علي حذر أن يدركك علي حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك (تحف العقول 51). 17 - وقال عليه السلام: من دعا الناس إلي نفسه وفيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضال (تحف العقول 280). 18 - وقال الصادق عليه السلام: المؤمن بين مخافتين ذنب قد مضي ما يدري ما يصنع الله فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك، فهو لا يصبح إلا خائفا ولا يمسي إلا خائفا ولا يصلحه إلا الخوف (تحف العقول 297). 19 - وقال عبد الأعلي: كنت في حلقة بالمدينة فذكروا فأكثروا، فقال رجل يكني أبا دلين [أبا دكين - ابن دكين] أن جعفرا وأنه لولا أنه [ صفحه 328] ضم يده، فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: تجالس أهل المدينة؟ قلت: نعم. قال: فما حدثت بلغني، فقصصت عليه الحديث، فقال عليه السلام: ويح ابن دلين إنما مثله مثل الريشة تمر بها الريح فتطيرها. ثم قال: قال رسول الله (ص): كل معروف صدقة، وأفضل الصدقة صدقة عن ظهر غني [غيب - خ ل]، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلي، ولا يلوم الله علي الكفاف، أيظنون أن الله بخيل وترون أن شيئا أجود من الله، إن الجواد السيد من وضع خلق الله موضعه وليس الجواد من يأخذ المال من غير حله ويضع في غير حقه، أما والله إني لأرجو أن ألقي الله ولم أتناول ما لا يحل لي، وما ورد علي حق لله إلا قضيته، وما بت ليلة قط ولله في مالي حق لم أؤده. أقول: لا يخفي فوائد هذا الخبر وأنه من خصائصه عليه السلام ولا يدعي غيرهم أمثال ذلك. 20 - وقال عليه السلام: المعروف زكاة النعم، والشفاعة زكاة الجاه، والعلل زكاة الأبدان، والعفو زكاة الظفر، وما أديت زكاته فهو مأمون السلب. 21 - وقال عليه السلام: يقول الله: من استنقذ حيرانا سميته حميدا وأسكنته جنتي. 22 - ومن مواعظ الكاظم عليه السلام: يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس إنها جوزة ما ضرك وأنت تعلم إنها لؤلؤة [ صفحه 329] 23 - وقال عبد الله بن يحيي: كتبت إليه في دعاء (الحمد لله منتهي علمه)، فكتب عليه السلام: لا تقولن منتهي علمه، فإنه ليس لعلمه منتهي ولكن قل منتهي رضاه. 24 - وقال عليه السلام: من تكلم في الله هلك، ومن طلب الرئاسة هلك، ومن دخله العجب هلك. 25 - وقال عليه السلام: تفقهوا في دين الله، فإن الفقه مصباح البصيرة وتمام العبادة والسبب إلي المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه علي العابد كفضل الشمس علي الكواكب، ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا (منتخب المواعظ ص 216). 26 - وعن أبي جعفر الجواد عليه السلام: من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده. 27 - وقال الهادي عليه السلام: الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر، لأن النعم متاع والشكر نعم وعقبي. 28 - وقال عليه السلام في بعض مواعظه: ففرض عليكم الحج والعمرة وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية، وجعل لكم بابا تستفتحون به أبواب الفرائض ومفتاحا لسبيله، لولا محمد والأوصياء من ولده لكنتم حياري كالبهائم ولا تعرفون فرضا من الفرائض، وهل تدخل مدينة إلا من بابها، فلما من عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم (ص) قال الله تعالي في كتابه (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) - الخ (منتخب المواعظ ص 144). [ صفحه 330] 29 - وقال عليه السلام: الاشراك في الناس أخفي من دبيب النمل علي المسح الأسود في الليلة المظلمة (منتخب المواعظ ص 246). 30 - وقال عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلي الاسم الأعظم من سواد العين إلي بياضها. 31 - وقال عليه السلام: اتقوا الله وكونوا زينا ولا تكونوا شينا، جروا إلينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك، لنا حق في كتاب الله وقرابة من رسول الله (ص) وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب. 32 - وقال عليه السلام لشيعته في سنة ستين ومائتين: أمرناكم بالتختم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم، الآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلي أن يظهر الله أمرنا وأمركم، فإنه من أدل الدليل عليكم في ولايتنا أهل البيت، فخلعوا خواتيمهم من أيمانهم بين يديه ولبسوها في شمائلهم، وقال لهم: حدثوا بهذا شيعتنا. 33 - وقال عليه السلام: من تعدي في طهوره كان كناقضه. أقول: لعل المراد أن الغسلة الأولي واجبة والثانية مستحبة والثالثة بدعة محرمة، وبالقصد تميز وتفرق الغسلات. 34 - وقال عليه السلام: ما ترك الحق عزيز الأذل، ولا أخذ به ذليل الأعز. 35 - وقال عليه السلام: لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض. [ صفحه 331] 36 - وقال عليه السلام: خصلتان ليس فوقهما شئ: الإيمان بالله، ونفعل الإخوان. 37 - وقال عليه السلام: التواضع نعمة لا يحسد عليها. 38 - وقال عليه السلام: لا تكرم الرجل بما يشق عليه. 39 - وقال عليه السلام: ما من بلية إلا ولله فيها نعمة تحيط فيها. 40 - عن عبد الله بن أبي رافع: سمعته يقول: اللهم أرحني منهم، فرق الله بيني وبينكم، أبدلني الله بهم خيرا منهم وأبدلهم شرا مني. فما كان إلا يومه حتي قتل - وفي رواية: اللهم إني قد كرهتهم وكرهوني ومللتهم و ملوني فأرحني وأرحهم فمات تلك الليلة (بحار الأنوار 41 / 208). 41 - روي أن عليا عليه السلام أتي الحسن البصري يتوضأ في ساقية فقال: أسبغ طهورك يا فتي. قال: لقد قتلت بالأمس رجالا كان يسبغون الوضوء. قال: وإنك لحزين عليهم؟ قال: نعم. قال: فأطال الله حزنك. قال أيوب السجستاني: فما رأيت الحسن قط إلا حزينا كأنه يرجع عن دفن حميم أو خربندج ضل حماره، فقلت له في ذلك فقال: عمل في دعوة الرجل الصالح (بحار الأنوار 33 / 302). (بيان) (لفتي) بالنبطية شيطان وكانت أمه سمته بذلك ودعته في صغره فلم يعرف ذلك أحد حتي دعاه به علي عليه السلام. (خربندج:) لعله معرب خربنده إلي مكار الحمار. 42 - روي سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا وقف الرجل بين يديه قال له: يا فلان استعدوا عد [ صفحه 332] لنفسك ما تريد فإنك تمرض في يوم كذا في شهر كذا في ساعة كذا، فيكون كما قال. قال سعد: فقلت هذا الكلام لأبي جعفر عليه السلام فقال: قد كان كذلك فقلت: [لم] لا تخبرنا أنت أيضا فنستعد له؟ قال: هذا باب أغلق فيه الجواب علي بن الحسين عليه السلام حتي يقوم قائمنا (بحار الأنوار 34 / 302). 43 - روي صاحب الحلية عن الحارث بن سويد قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: حجوا قبل أن لا تحجوا، فكأني أنظر إلي حبشي أصمع [88] أقرع بيده معول يهدمها حجرا حجرا. إلي أن قال: فقال له علي عليه السلام: أنت شهدت موته؟ قال: نعم وحثوت عليه. قال: إنه كاذب. قيل: وما يدريك يا أمير المؤمنين أنه كاذب؟ قال: إنه لا يموت حتي يعمل كذا وكذا أعمال عملها في سلطانه. فقيل له: فلم تقاتله وأنت تعلم هذا؟ قال: للحجة [ صفحه 333] 45 - وفيه ص 167 وادخل الجلودي علي المأمون قال الرضا (ع) (يا أمير المؤمنين) هب لي هذا الشيخ. 46 - وفيه ص 167 فلما قتل المأمون هؤلاء علم ذو الرياستين أنه قد عزم علي الخروج، فقال الرضا: يا أمير المؤمنين ما صنعت بتقديم النوائب - الخ. 47 - وفيه ص 169: ولا أري لك (يا أمير المؤمنين) أن تدخل الحمام غدا ولا أري للفضل أن يدخل الحمام غدا. أيضا: فلا أري لك (يا أمير المؤمنين) ولا للفضل أن تدخلا الحمام - الخ. 48 - وفيه ص 171 قال له: عليك التدبير (يا أمير المؤمنين) و علينا الدعاء 49 - وفيه ص 185 فقال علي بن موسي عليه السلام: (يا أمير المؤمنين) أنشدك الله أن تترفع عن شكر أحد وإن قل - الخ. 50 - وفيه ص 188: أنشدك الله (يا أمير المؤمنين) لو أن الله تعالي بعث نبيه يخطب إليك ابنتك. 51 - وفيه ص 189: ليس يصح ما ذكرت (يا أمير المؤمنين). 52 - وفيه 49 / 290 قال له الرضا عليه السلام: (يا أمير المؤمنين) إن النصح واجب لك والغش لا ينبغي لمؤمن. 53 - وفيه ص 299 ثم قال: أحسن (يا أمير المؤمنين) معاشرة أبي جعفر فإن عمرك وعمره هكذا - وجمع بين سبابتيه. 54 - وفيه ص 305 ثم قال للرضا عليه السلام: مص منه (الرمان) [ صفحه 334] شيئا. فقال: حتي يخرج أمير المؤمنين). فقال: لا إلا بحضرتي. 55 - وفيه ص 308 ودخل الرضا يوما عليه فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصب الماء علي يديه، فقال: لا تشرك (يا أمير المؤمنين) بعبادة ربك أحدا. فصرف المأمون الغلام وتولي تمام وضوء نفسه وزاد ذلك في غيضه ووجده. 56 - وفيه 50 / 91 فوقف الخليفة وقال له (أي للإمام الجواد عليه السلام): يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟ فقال له محمد مسرعا: (يا أمير المؤمنين) لم يكن بالطريق ضيق... فقال له: ما اسمك؟ قال: محمد قال: ابن من أنت؟ قال: (يا أمير المؤمنين). أنا ابن علي الرضا... فلما دني منه الخليفة قال: يا محمد. قال: لبيك (يا أمير المؤمنين). قال: ما في يدي فألهمه الله عز وجل أن قال: (يا أمير المؤمنين) - الخ. 57 - وفيه ص 98 قال له أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام: (يا أمير المؤمنين). قال لبيك وسعديك... ثم قال: يا ياسر احمل هذا إلي (أمير المؤمنين). أقول: لقد حصل من تتبعنا الذي لا ندعي له الكمال (116) موضعا خاطب فيها سادات أهل البيت عليهم الصلاة والسلام أئمة الجور من آل أمية وبني العباس بلقب (أمير المؤمنين) تقية وحفظا لدماء شيعتهم والمنتسبين إليهم، وهم عليهم السلام أعلم من غيرهم بأن هؤلاء الطغاة لا يستحقون هذا اللقب وأضرابه لبعدهم عن تعاليم الدين الإسلامي بل تظاهر كثير منهم بالكفر والزندقة.

پاورقي

[1] عن أبي جعفر الباقر عليه السلام (تكلموا في خلق الله ولا تكلموا في الله فإن الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيرا) (الوافي 1 / 82). وفيه ص 75 من غير صاحب الوافي في الهامش (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله فمن تفكر في ذات الله تزندق) (وانظر الكافي أيضا).
[2] في الوافي 1 / 88: كامحمد بن أبي عبد الله عن محمد بن إسماعيل.. عن إبراهيم بن محمد الخراز قالا: دخلنا علي أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له أن محمدا رأي ربه في صورة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة وقلنا: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلي السرة والبقية صمد - فخر عليه السلام ساجدا لله سبحانه ثم قال (سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن يشبهوك بغيرك. اللهم لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك، ولا أشبهك بخلقك أنت أهل لكل خير فلا تجعلني من القوم الظالمين). ثم التفت إلينا فقال: ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غيره. ثم قال: نحن آل محمد النمط الأوسط الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي - الخبر. قال في الوافي 1 / 89 في مقام بيانه: ثم مهد قاعدة كلية بقوله (ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غيره)، وهو ما مرارا في كلامهم عليهم السلام وسيأتي في غير موضع موفقا لما روي عن جده أبي جعفر الباقر عليه السلام (كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم) ولعل النمل الصغار تتوهم أن لله زبانيتين فإن ذلك كمالها، وتتوهم أن عدمها نقصان لمن لم يتصف بهما، وهكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالي بهإلي آخر بيانه (قده). (توضيح: الزباني القرن).
[3] هذا الوجه مأخوذ بعينه من اعتقادات العلامة المجلسي (ره)المطبوع في آخر توحيد الصدوق ص 286 وسيأتي تفصيله.
[4] وهو خشب العود.
[5] العرف بكسر العين: الريح.
[6] التشوف: التطلع.
[7] لا أريم: لا أبرح.
[8] الحلفة بالكسر المعاقدة والمعاهدة علي التعاضد والمساعدة، وفي بعض النسخ بالقاف وهو بالفتح وسكون اللام السلاح، وهو أظهر.
[9] الذر الجمع ذرة وهو أصغر النمل. [
[10] العراق: القطعة من اللحم.
[11] سورة المؤمنون: 12 - 16.
[12] العس: القدح أو الإناء الكبير.
[13] لم ننفس أي لم نحسدك.
[14] فلم آل بمد الهمزة وضم اللام: لم أقصر.
[15] نفاسة أي حسدا وحسادة.
[16] في الهامش: لأنه لو كان علي وجه آخر لكان يتغير بعد ما أمر بتبليغه ولو كان ذلك لنقل إلينا وحيث لم ينقل صح أن نقول إنه كان موافقا لما أمر به الناس بعد.
[17] يشير إلي الخبر المذكور في ص 266 من نفس الجزء.
[18] سورة مريم: 31.
[19] أي تكلم عن مريم حين سكتت وأشارت إلي ابنها.
[20] سورة مريم: 12.
[21] أصول الكافي 1 / 382.
[22].
[23] في الهامش: أوردها الشيخ الحر العاملي في كتاب وسائل الشيعة باب استحباب تكرار الحج والعمرة - فراجع.
[24] يشير إلي الرواية المذكورة في ص 265 برقم 26، ونظيرها الرواية المذكورة في ص 266 برقم 22.
[25] في البحار 49 / 280 هكذا: كردند ونكردند وندانند چه كردند.
[26] الكندوج بالكسر شبه المخزون معرب كندو، والحر بالضمخيار كل شئ.
[27] سورة الانفطار: 13 - 14.
[28] (العمل فيها أفضل) يوجد ذلك في الاختصاص.
[29] الشارف: الناقة المسنة الهرمة.
[30] خب الفرس في عدوه: رواح بين يديه ورجليه.
[31] منسوب إلي اليمن.
[32] قال الفيروزآبادي: النقب قرحة تخرج في الجنب. وقال أيضا: النقاز كغراب داء للماشية شبيه بالطاعون. قوله (خنقني) طلب الموت.
[33] إن حملك الوجل عليه - خ ل.
[34] الوسائل ب 31 من أبواب الأمر والنهي ح 2.
[35] عقيدة الشيعة في الإمامة ص 199.
[36] سورة ق: 4.
[37] سورة القيامة: 4.
[38] سورة الكهف: 46.
[39] سورة النساء: 113.
[40] سورة النحل: 43.
[41] سورة النساء: 59.
[42] سورة الجن: 26.
[43] كلمة (لا) كلام مستقل، وكلمة (يعلم) أيضا كذلك. وبعبارة أخري: لا تتصل (لا) بقوله (يعلم).
[44] انظر البحار 42 / 257 و 44 / 32 و 45 / 98.
[45] من صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله (ص) إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان وبعضكم الحسن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار - الوسائل ب 2 من أبواب كيفية الحكم. أقول: مغايرة الحكم الواقعي مع الحكم الظاهري واستفادة الخلاف من هذه الصحيحة غير صحيح، فلا بد لكل من المدعي والمدعي عليه ترتيب آثار الواقع بالنسبة إليها، ولا بحال للتفصيل هنا.
[46] التر بالضم الخيط يمد علي البناء، والمطمر الزيج الذي يكون مع البنائين - ذكرهما الجوهري.
[47] سورة المائدة: 52.
[48] سورة النساء: 95.
[49] سورة التوبة: 111.
[50] سورة العنكبوت: 69.
[51] مثلا يمكن الإتيان في يوم الجمعة بصلاة الظهر وصلاة الجمعة ولكن في بعض الروايات ورد أنه لا تجتمع صلاتان في وقت واحد، فالجمع بين صلاة الظهر والجمعة كان مخالفا لهذا، فلا يمكن الاحتياط في هذه المسألة بتمام أطرافه. ومثل آخر: لو انحصر الماء بالماء القليل الذي لا قاه المتنجس فظاهر الحال يقتضي الاحتياط بالجمع بين التيمم والوضوء بذلك الماء المشكوك في طهارته، إلا أن هذا الاحتياط علي خلاف الاحتياط، لأن الماء علي تقدير نجاسة تستتبع تنجس أعضاء الوضوء ونجاسة البدن مانعة عن صحة الصلاة، فلا مناص في مثله من الامتثال التفصيلي بتحصيل العلم بالمسألة وجدانا أو تعبدا لعدم إمكان الاحتياط فيه، فمعرفة موارد الاحتياط وكيفياته مما لا بد منه عند الاحتياط - انظر التنقيح ص 72.
[52] سورة التوبة: 123.
[53] أي لم يتقرب.
[54] حندس الليل: شديد الظلمة.
[55] سورة العنكبوت: 29.
[56] سورة الملك: 67.
[57] سورة الذاريات: 51.
[58] سورة القيامة: 36 - 38.
[59] سورة النبأ: 17.
[60] ماد الشئ: تحرك.
[61] ناقش فيه صاحب التنقيح سندا ودلالة - فراجع.
[62] الوسائل ب 11 من أبواب صفات القاضي.
[63] أي العام والمطلق.
[64] بحار الأنوار 12 / 124 ط ك.
[65] في الجواهر نقل (للرافعي قولان).
[66] الوسائل ب 3 من أبواب صفات القاضي.
[67] الوسائل ب 1 من أبواب صفات القاضي.
[68] الوسائل ب 2 من أبواب صفات القاضي.
[69] الوسائل ب 1 من أبواب صفات القاضي.
[70] الوسائل، ب 11 من أبواب صفات القاضي.
[71] الوافي 2 / 923، المستدرك 3 ب 11 من أبواب صفات القاضي.
[72] المستدرك 3 ب 11 من أبواب صفات القاضي، رواه عنالراوندي في نوادره.
[73] الوسائل ب 83 من أبواب ما يكتسب به.
[74] الوسائل ب 83 من أبواب ما يكتسب به.
[75] الوسائل ب 30 من أبواب الإيمان.
[76] الوسائل ب 30 من أبواب الإيمان.
[77] الوسائل ب 31 من أبواب مقدمة العبادة.
[78] أو غر صدره: أو قده من الغيظ.
[79] أي حصل له ألم ووجع لأجل الحد، وفي المصدر (فأقيم).
[80] سورة المائدة: 8.
[81] مناقب آل أبي طالب ص 340.
[82] سيأتي ما فيه من الإشكال.
[83] الوسائل ب 2 من أبواب كيفية الحكم.
[84] في التنقيح ص 351: نعم لا يجوز للفاسقين أن يشهدا الطلاق وإن اعتقد المجري للطلاق أو الزوجان عدالتهما - الخ.
[85] ماحك فلانا: خاصه ولاجه.
[86] عازه: عارضه في العزة وغلبه في الخطاب.
[87] سورة إبراهيم: 43.
[88] الأصمع: الذي صغرت أذنه ولزقت بالرأس.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.