مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 07

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[تتمة كتاب الصلاة]

المقصد الثالث في منافيات الصلاة، و مبطلاتها، و مكروهاتها، و أحكام الخلل الواقع فيها

اشارة

و الكلام فيه إمّا في منافيات الصلاة، أو في الخلل الواقع في الصلاة و السهو في شرائطه أو أفعاله و الشك. فهاهنا بابان.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 7

الباب الأول في منافيات الصلاة و مبطلاتها و مكروهاتها

اشارة

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 9

الفصل الأوّل في منافياتها و مبطلاتها
اشارة

و هي أمور:

الأول: ما يبطل الطهارة و ينقضها من الأحداث.

و هو يبطل الصلاة و يقطعها إن كان حدثا أكبر مطلقا بالإجماع.

و كذا إن كان أصغر و صدر عمدا، و استفاض عليه نقل الإجماع أيضا «1».

و كذا لو صدر من غير اختيار، أو سهوا عن كونه في الصلاة مع اختيارية الحدث، على الأظهر الأشهر. بل في الناصريات: الإجماع على الأول «2». و في التذكرة و نهاية الإحكام و شرح الجعفرية على الثاني «3». و في شرح الإرشاد للأردبيلي فيهما إذا كانت الطهارة المنتقضة مائية «4». و حكي نفي الخلاف في ذلك عن التهذيب أيضا «5».

و في الأمالي: إنّ قطع الصلاة بخروج ما ينقض الوضوء- الشامل لجميع ما ذكر بعمومه- من دين الإمامية «6».

لا لبطلان الصلاة بالفعل الكثير إجماعا.

أو لشرطية الطهارة في الصلاة.

أو لأصالة الاشتغال.

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 129، و المدارك 3: 455، و الحدائق 9: 2.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199.

(3) التذكرة 1: 129، نهاية الإحكام 1: 513.

(4) مجمع الفائدة 3: 48.

(5) التهذيب 1: 205.

(6) الأمالي: 513.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 10

أو توقيفية العبادة المستلزمة للاقتصار بما نقل عن الشارع.

لضعف الأول: بمنع كون مجرّد الطهارة- الذي هو محل الكلام خصوصا إذا كانت تيمّما- فعلا كثيرا أولا. و منع إبطال كلّ فعل كثير ثانيا، فإنّ مستنده الإجماع و هو منتف في محلّ النزاع.

و الثاني: بأنّ اللازم منه عدم وقوع شي ء من أجزاء الصلاة من غير طهارة، لا عدم تخلّل الحدث في الأثناء.

و القول بأنّ الصلاة ليست تلك الأجزاء بالخصوص، بل هي و ما بينها من الانتقالات.

كلام واه، و إلّا لكان غسل الرعاف و ردّ السلام و صفق اليدين للتنبيه، منها.

و دعوى خروجها بالدليل فاسد، لأنّ الدخول محتاج إليه، و لا دليل على

كون غير الأجزاء المخصوصة صلاة. و لذا ترى جماعة «1» يصرّحون بعدم بطلان الصلاة بنية القطع أو المنافي لو رجع عنها و لم يشتغل حينئذ بشي ء من أجزاء الصلاة.

و أيضا: ثبوت أجزاء الصلاة إنّما هو بالشرع، و أجزاؤها معدودة، و لم يعدّ منها السكوت بقدر التطهّر لو أحدث.

فإن قيل: قوله: «تحليلها التسليم» يدلّ على أنّه في الصلاة، إذ الانصراف إنّما هو بالتسليم.

قلنا: الكون في الصلاة و عدم الانصراف عنها غير التلبّس بأجزائها، ألا ترى أنّ الجالس في أثناء طريق السفر، و المتكلّم في خلال الأكل، و الساكت قليلا في أثناء القراءة، غير منصرف عنها، مع أنّه غير متلبّس به؟

و الثالث: بمنع العلم بالاشتغال بالزائد عمّا فعله، مع أنّ حرمة إبطال ما فعل محتملة، فلا يتيقّن بالبراءة- بترك البناء و الاستئناف- عن جميع ما اشتغلت

______________________________

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 102، و العلامة في المنتهى 1: 267 و التذكرة 1: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 11

به الذمّة.

و الرابع: بأنّ لازم توقيفية العبادة الاقتصار في أجزائها أو شرائطها بما ورد من الشرع، و لم يرد منه أنّ اتّصال الطهارة أيضا من الأجزاء أو الشرائط. و عدم فعل الشارع نحو المدّعى لعلّه لعدم سبق حدث منه.

بل «1» للإجماع فيما إذا كان المنتقض الطهارة المائيّة، لعدم ظهور مخالف فيه- كما يأتي- و عدم قدح من نسب الخلاف إليه- لو كان مخالفا- في الإجماع.

و للنصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة مطلقا، منها: موثّقة الحضرمي: «لا يقطع الصلاة إلّا أربع: الخلاء، و البول، و الريح، و الصوت» «2».

و الساباطي: عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع كيف يصنع؟ قال: «إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شي ء و

لم ينقض وضوءه، و إن كان متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في صلاته قطع الصلاة و أعاد الوضوء و الصلاة» «3».

و رواية ابن جهم الواردة فيمن أحدث حين جلس في الرابعة، و فيها: «و إن لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» «4».

و الكناني: عن الرجل يخفق و هو في الصلاة، قال: «إن كان لا يحفظ حدثا منه إن كان، فعليه الوضوء و إعادة الصلاة» «5».

و الحسين بن حمّاد: «إذا أحسّ الرجل أنّ بثوبه بللا و هو يصلّي فليأخذ ذكره

______________________________

(1) عطف على قوله: لا لبطلان الصلاة .. (في ص 9).

(2) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 4، التهذيب 2: 231- 1362، الاستبصار 1:

400- 1030، الوسائل 7: 333 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 2.

(3) التهذيب 1: 11- 20، الاستبصار 1: 82- 258، الوسائل 1: 259 أبواب نواقض الوضوء ب 5 ح 5.

(4) التهذيب 1: 205- 596، الاستبصار 1: 401- 1531، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.

(5) التهذيب 1: 7- 8، الاستبصار 1: 80- 250، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 12

بطرف ثوبه فيمسّه بفخذه، فإن كان بللا ينصرف فليتوضأ و يعيد الصلاة» «1» الحديث. و المراد ما إذا لم يستبرئ.

و المرويّين في قرب الإسناد و المسائل: عن رجل يكون في صلاته فعلم أنّ ريحا قد خرجت عنه و لا يجد ريحا و لا يسمع صوتا، قال: «يعيد الوضوء و الصلاة، و لا يعتدّ بشي ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا» «2».

و ضعف بعضها سندا منجبر بما مرّ، و قصور بعض عن إفادة الوجوب مجبور بعدم القول باستحباب

إعادة الصلاة، بل القائل بين محرم لها و موجب.

خلافا للمحكي عن السيد في المصباح «3»، و الشيخ في المبسوط و الخلاف «4» في صورة سبق الحدث، فقالا بالتطهير و البناء.

للاستصحاب.

و الأصل.

و صحيحة الفضيل: أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا، فقال: «انصرف ثمَّ توضّأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا، فإن تكلّمت ناسيا فلا شي ء عليك، فهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسيا» قلت: و إن قلّب وجهه عن القبلة؟ قال: «نعم و إن قلّب وجهه عن القبلة» «5».

و رواية القماط: عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول

______________________________

(1) التهذيب 2: 353- 1465، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 5.

(2) قرب الإسناد: 200- 769 مسائل علي بن جعفر: 184- 359، الوسائل 7: 235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 7.

(3) حكاه عنه في المعتبر 2: 250.

(4) المبسوط 1: 117، الخلاف 1: 410.

(5) الفقيه 1: 240- 1060، التهذيب 2: 332- 1370، الاستبصار 1: 401- 1533، الوسائل 7: 235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 13

- إلى أن قال-: «فقال إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس أن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ، ثمَّ ينصرف إلى مصلّاه الّذي كان يصلي فيه، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام» قال، قلت: و إن التفت يمينا و شمالا، أو ولّى عن القبلة؟ قال: «نعم، كلّ ذلك واسع» «1».

و حسنة زرارة «2» و موثقته «3» و موثقة ابنه «4»، الواردة في الحدث بعد السجدة الأخيرة و قبل التشهّد، الآمرة

بالوضوء و البناء.

و يجاب عن الأصلين: بالاندفاع بما مرّ.

و عن الأخبار: أوّلا: بمعارضتها مع ما مرّ، مع اختصاص أكثره بمورد الكلام بحيث لا يمكن التخصيص فيه بغيره، فإنّ الثلاثة الأخيرة مخصوصة بمن سبقه الحدث. بل و كذلك الثانية، إذ الظاهر أنّ خروج حبّ القرع لا يكون في الصلاة اختياريا.

و يرجّح ما مرّ عليها، لموافقتها للعامّة، فإنّ ذلك مذهب مالك و أبي حنيفة، و الشافعي في قوله [القديم ] «5» كما في الناصريات و في الخلاف و التذكرة و المنتهى «6»، و غيرها «7».

و ثانيا: بعدم حجيّتها، لشذوذها و مخالفتها لشهرة القدماء و المتأخرين. بل لمذهب ناقليها. بل للإجماع، لإطباق العلماء قديما و حديثا على خلافها.

______________________________

(1) التهذيب 2: 355- 1468، الوسائل 7: 237 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11.

(2) الكافي 3: 347 الصلاة ب 33 ح 2، الوسائل 6: 411 أبواب التشهد ب 13 ذ. ح 1.

(3) التهذيب 2: 318- 1300، الوسائل 6: 411 أبواب التشهد ب 13 ح 2.

(4) الكافي 3: 346 الصلاة ب 33 ح 1، الاستبصار 1: 342- 1290، الوسائل 6: 411 و 412 أبواب التشهد ب 13 ح 2 و 4.

(5) في النسخ: الجديد، و الظاهر هو سهو من قلمه الشريف، كما يظهر من كتب العامّة و الخاصة.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، الخلاف 1: 412، التذكرة 1: 130، المنتهى 1:

307.

(7) كالرياض 1: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 14

و مخالفة من ذكر- سيّما في بعض الكتب بعد الموافقة في سائر كتبه «1»- لا تقدح في الإجماع.

مع أنّ المخالفة في الخلاف أيضا غير معلومة، بل صرّح الشيخ فيه بعد نقله الروايتين الأولى البطلان، و الثانية البناء و جعله الأول أحوط، بأنّ الّذي

أعمل و افتي به هو الاولى «2».

و لا ينافيه جعلها أحوط أوّلا، لأنّ الاحتياط- و المراد تحصيل البراءة اليقينيّة- عنده دليل شرعي. و لذا استدلّ على ما أفتى به في الخلاف بتيقّن البراءة، و لذا تراه كالسيد و تابعيه يستدلّون على مذاهبهم بطريقة الاحتياط.

و من هذا يظهر حال المبسوط أيضا، لتصريحه فيه بأحوطيّة البطلان «3»، بل السيد أيضا، لذلك.

هذا مع عدم مطابقة الروايتين الأوليين للدعوى، لأنّها في صورة سبق الحدث بغير اختيار، و مدلولهما الحدث اختيارا، حيث أمر بالانصراف و قضاء الحاجة. و لو لم تحملا على ذلك يكون عدم المطابقة أظهر، لأنّ الغمز و أخويه ليس إحداثا.

و الثلاثة الأخيرة أخصّ، لورودها قبل التشهّد الأخير خاصّة. و لا إجماع مركب، لأنّ الصدوق قد أفتى في الفقيه بمضمونها «4». و قوّاه المحدّث المجلسي في البحار حتى في صورة العمد أيضا «5»، و كذا والد شيخنا البهائي في شرح الألفيّة.

و هذا قول ثان مخالف للمشهور، و هو الفرق بين ما بعد السجدة الأخيرة و بين ما قبلها، فالبناء في الأوّل، و الإعادة في الثاني.

و دليله ما مرّ، و جوابه قد ظهر، سيّما أنّ الموافقة للعامّة هنا أشدّ و أظهر،

______________________________

(1) كما في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 185، و الاقتصاد: 264.

(2) الخلاف 1: 412.

(3) المبسوط 1: 117.

(4) الفقيه 1: 233 ذيل الحديث 1030.

(5) البحار 81: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 15

حيث إنّ أبا حنيفة و مالك و جمعا آخر من فقهائهم ينفون وجوب التشهّد الأخير «1».

مع أنّ الظاهر أنّ البطلان في صورة العمد إجماعيّ، بل قيل: كاد أن يكون ضروري المذهب «2».

و هنا خلاف ثالث للمشهور، و هو: القول بالبناء فيما إذا كان المنتقض الطهارة الترابيّة

خاصّة، حكي عن العماني و الشيخين و ابن حمزة في الواسطة «3»، و مال إليه في المعتبر «4»، و قوّاه في المدارك «5»، و نفى عنه البعد في شرح الإرشاد للأردبيلي «6».

لصحيحة زرارة و محمّد: رجل دخل في الصلاة و هو متيمّم، فصلّى ركعة ثمَّ أحدث فأصاب الماء، قال: «يخرج و يتوضّأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم» «7».

و نحوها صحيحة زرارة الأخرى «8».

و هما أخصّان من المدّعى على ما يظهر من نهاية الشيخ «9»، و ما حكاه الحلّي في السرائر «10» من وجوب الطهارة و البناء على المتيمّم إذا أحدث مطلقا.

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 129، المغني و الشرح الكبير 1: 614.

(2) كما في الرياض 1: 177.

(3) حكاه عن العماني في المختلف 1: 53، المفيد في المقنعة: 61، الطوسي في النهاية: 48، حكاه عن ابن حمزة في الذكرى: 111.

(4) المعتبر 1: 407.

(5) المدارك 3: 459.

(6) مجمع الفائدة 3: 49.

(7) الفقيه 1: 58- 214، التهذيب 1: 204- 594، الاستبصار 1: 167- 580، الوسائل 7:

236 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 10.

(8) التهذيب 1: 403- 1263، الاستبصار 1: 167- 579، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 5.

(9) النهاية: 48.

(10) السرائر 1: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 16

نعم تنطبقان عليه على ما نقله في المنتهى و المدارك من أنّه إذا أحدث فوجد الماء «1».

فيجاب عنهما: بأنّهما تعارضان ما مرّ، و توافقان العامّة «2».

و مع ذلك لا بدّ من ارتكاب تخصيص أو تجوّز فيهما، إذ لا شكّ في البطلان في صورة العمد، و التخصيص بالسهو ليس أولى من حمل الركعة على الصلاة، كما عن المختلف «3»، فيكون المراد من قوله: «يبني

على ما مضى» أي: يجتزئ بتلك الصلاة السابقة، فإنّه لم يثبت للبناء حقيقة شرعية في هذا المعنى المدّعى، كما مرّ في مسألة واجد الماء في أثناء الصلاة من بحث التيمّم.

أو تخصيص الرجل بمن صلّى صلاة بالتيمّم ثمَّ دخل في الأخرى، كما عن المنتقى «4»، فيكون المراد بالصلاة في قوله: «يبني على ما مضى من صلاته» هو صلاته التي صلّاها بالتيمّم تامّة قبل هذه الصلاة الّتي أحدث فيها، و مرجعه إلى أنّه يخرج من هذه الصلاة و لا يعيد ما صلّاها بهذا التيمّم و إن كان في الوقت، و يشعر بهذا المعنى قوله: «التي صلّى بالتيمّم».

الثاني: التكفير،

بمعنى وضع اليمين على الشمال، كما فسّره به في صحيحة محمّد «5»، أو هو أو عكسه، كما به فسّره في المروي في الدعائم «6».

و حرمته في الصلاة مشهورة، صرّح بها في الانتصار و الخلاف و النهاية و الجمل و السرائر و الوسيلة و الغنية و النافع و المنتهى و التذكرة و نهاية الإحكام

______________________________

(1) المنتهى 1: 157، المدارك 3: 459.

(2) انظر: بدائع الصنائع 1: 220.

(3) المختلف 1: 53.

(4) المنتقى 1: 362.

(5) التهذيب 2: 84- 310، الوسائل 7: 265 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1.

(6) الدعائم 1: 159، مستدرك الوسائل 5: 421 أبواب قواطع الصلاة ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 17

و التحرير و الإرشاد و القواعد و شرحه و الروضة «1»، و غيرها، بل عامّة المتأخّرين كما قيل «2».

إلّا أنّ بعضهم عبّر بالمعنى الأوّل، و بعضهم بالثاني، و بعضهم بالتكفير، و في الانتصار و الغنية الإجماع عليها في المعنى الأوّل مطلقا «3»، و في الخلاف على الثاني كذلك «4».

و عن الحلبي و الإسكافي و المعتبر عدمها

بشي ء من المعنيين «5».

و الحق هو الأوّل بمعنى حرمته، سواء فسر بالمعنى الأوّل أو بالثاني، للمروي في كتاب المسائل لعليّ، عن أخيه عليه السلام: عن الرجل يكون في صلاته يضع إحدى يديه على الأخرى بكفّه أو ذراعه، قال: «لا يصلح ذلك، فإن فعل فلا يعودنّ له» «6».

فإنّ نفي الصلاحيّة يستلزم الحرمة، كما بيّنا وجهه في عوائد الأيام «7». و لا ينافيه ما بعده، لأنّ معناه أنّه إن كان فعل ذلك قبل هذا فلا يعود إليه بعد ذلك، و هذا ملائم للحرمة لا مناف لها.

و ضعفه منجبر بدعوى الشهرة على تحريم الأصل و العكس في طائفة من العبارات، منها في شرح الجعفرية، بل الإجماع في الخلاف «8».

______________________________

(1) الانتصار: 41، الخلاف 1: 321، النهاية: 73، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 184، السرائر 1: 217، الوسيلة: 97، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، النافع:

34، المنتهى 1: 311، التذكرة 1: 132، نهاية الإحكام 1: 523، التحرير 1: 42، الإرشاد 1: 268، القواعد 1: 35، جامع المقاصد 2: 344، الروضة 1: 235.

(2) الرياض 1: 179.

(3) الانتصار: 41، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(4) الخلاف 1: 322.

(5) الحلبي في الكافي في الفقه: 125، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 100، المعتبر 2: 257.

(6) مسائل علي بن جعفر: 170- 288، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 5.

(7) عوائد الأيام: 82.

(8) الخلاف 1: 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 18

و تؤيده روايات مستفيضة أخرى، كصحيحة محمّد «1»، و مرسلة حريز «2»، و المرويّات في الخصال «3»، و الدعائم «4»، و قرب الإسناد «5».

و عدم الاستدلال بها- كالأكثر- لخلوّها عن الصريح في التحريم، لأنّها بين ألفاظ إخباريّة أو محتملة لها.

و أمّا قوله في رواية الدعائم:

«و لكن أرسلهما إرسالا» و إن كان أمرا، إلّا أنّها- لضعفها و عدم حصول الانجبار لها في وجوب إرسالها، لاحتمال جواز وضع اليدين على الثديين أو الضلعين، أو إحداهما- لا تصلح لإثبات الحرمة.

و أمّا المروي في تفسير العياشي: أ يضع الرجل يده على ذراعيه في الصلاة؟

قال: «لا بأس» «6».

فضعيف غير منجبر، و مع ذلك للعامّة موافق.

و لا فرق في الحرمة بين كون الوضع فوق السّرة أو تحتها، وضع الكفّ على الكفّ أو على الساعد، لإطلاق الرواية و الإجماعات المنقولة الجابرة لها، بل صرّح بالإجماع في الخلاف على عموم فوق السرّة و تحتها «7».

ثمَّ إنّه هل هو موجب لبطلان الصلاة؟ كما صرّح به كثير من المحرّمين «8»، و منهم والدي- رحمه اللّه- في بحث المنافيات من التحفة الرضويّة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 84- 310، الوسائل 7: 265 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1.

(2) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84- 309، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 3.

(3) الخصال: 622، الوسائل 7: 267 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 7.

(4) الدعائم 1: 159، مستدرك الوسائل 5: 421 أبواب قواطع الصلاة ب 14 ح 2.

(5) قرب الإسناد 208- 809، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة 15 ح 4.

(6) تفسير العياشي 2: 36- 100، مستدرك الوسائل 5: 421 أبواب قواطع الصلاة ب 14 ح 4.

(7) الخلاف 1: 322.

(8) كالعلامة في نهاية الأحكام 1: 523، و التذكرة 1: 132، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:

237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 19

أو لا؟ كما في شرح الإرشاد للأردبيلي، و الروضة و المسالك «1»، و والدي- رحمه اللّه- في بحث القيام من الكتاب

المذكور.

الحقّ هو الثاني، للأصل الخالي عن المعارض مطلقا، إلّا ما استدلّ به من الإجماع البسيط المنقول في الخلاف «2»، و المركّب المصرّح به في كلام الثانيين «3»، و كونه فعلا كثيرا، و أصل الاشتغال، و توقيفيّة العبادة، و لزوم الزيادة في الصلاة.

و الكلّ ضعيف، يظهر وجهه ممّا مرّ مرارا.

و لا يحرم ذلك في حال التقيّة مطلقا إجماعا، بل يجب، و معها لو تركه لم تبطل صلاته قطعا.

الثالث: الالتفات عن القبلة.

و تحقيقه: أنّ الالتفات إمّا يكون خطأ في القبلة مع التقصير أو بدونه.

أو جهلا بوجوب مراعاتها.

أو ظنّا بتمام الصلاة كمن سلّم في غير موقعه.

أو عمدا.

أو سهوا من أنّه في الصلاة، أو من أنّه لا يجوز الانحراف، و منه الغفلة كأن يسمع صوتا من خلفه فيلتفت من غير شعور.

أو مكرها.

و الأوّلان قد مضيا في باب القبلة.

و الثالث يأتي في مسألة السلام في غير موضعه.

و الكلام هنا في الثلاثة الأخيرة.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 3: 51، الروضة 1: 235، المسالك 1: 32.

(2) الخلاف 1: 322.

(3) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 345، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 20

فإن كان عمدا فهو إمّا يكون بالبدن كلّه أو الوجه خاصّة، و على التقديرين إمّا يكون إلى الخلف، و المراد به ما يجاوز عن أحد الجانبين و إن لم يبلغ مقابل القبلة، و لذا تراهم قابلوه باليمين و الشمال، أو إلى أحد الجانبين، أو إلى ما بينه و بين القبلة.

فعلى الأوّل، فإن كان إلى الخلف يبطل بالإجماع، و المستفيضة من الصحاح و غيرها الآتية.

و إلّا فعلى الأقوى، إن بلغ أحد الجانبين، وفاقا لنهاية الشيخ و المعتبر و روض الجنان و الذكرى و البيان و الروضة و شرح

الجعفرية و شرح القواعد و الحدائق «1» و المعتمد، بل للأكثر، بل للجميع كما يظهر من اشتراطهم في بحث القبلة عدم الانحراف عمدا و لو يسيرا، و هو قرينة على أنّ مرادهم من الالتفات الغير المبطل هنا هو الالتفات بالوجه خاصّة، كما صرّح به بعضهم أيضا «2»، و قد استعمل كثيرا مطلقا فيه كما يظهر للمتتبّع، و إن أمكن حمل كلامهم في القبلة على ما إذا صلّى على غير القبلة، و هنا على ما إذا التفت بدون إيقاع شي ء من الصلاة حينئذ.

للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة ابن أذينة: عن رجل رعف و هو في الصلاة و قد صلّى بعض صلاته، فقال: «إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت، و ليبن على صلاته، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة» «3».

و زرارة: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه» «4».

______________________________

(1) النهاية: 94، المعتبر 2: 260، الروض: 332، الذكرى: 216، البيان: 182، الروضة 1:

236، جامع المقاصد 2: 347، الحدائق 9: 31.

(2) انظر: الذخيرة: 353.

(3) الفقيه 1: 239- 1056، الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 1.

(4) التهذيب 2: 199- 780، الاستبصار 1: 405- 1543، الوسائل 7: 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 21

و محمّد: عن رجل يلتفت في الصلاة؟ قال: «لا» «1».

و حسنة الحلبي: «إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا» «2».

و المروي في الخصال: «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة» «3».

و مرسلة الفقيه: «و لا تلتفت عن يمينك و لا عن يسارك، فإن التفتّ حتى ترى من خلفك وجب عليك إعادة

الصلاة» «4».

و المستفيضة الآتية المصرّحة بالبطلان بتقلّب الوجه و صرفه و تحويله، اللازمة للالتفات بالجميع.

و أمّا رواية عبد الحميد: عن الالتفات، أ يقطع الصلاة؟ قال: «لا، و ما أحبّ أن يفعل» «5».

فهي عامّة مطلقة بالنسبة إلى ما مرّ من جهة الالتفات و الصلاة حيث تشمل النافلة أيضا، فتخصّص بما مرّ، سيّما مع أنّ الأخبار المبطلة معاضدة بأشهريّتها رواية، و بالموافقة لقوله سبحانه وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 «6».

و أمّا مفهوم خبري قرب الإسناد و المستطرفات، و صحيحة علي الآتية «7» فلا يفيد الجواز في غير الخلف، لأنّ مفهومها ما ذكر فيها بقوله: «و إن كانت نافلة» و بقوله: «إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه» و مثل ذلك لا يعتبر فيه مفهوم آخر،

______________________________

(1) الكافي 3: 366 الصلاة ب 50 ح 12، التهذيب 2: 199- 781، الاستبصار 1:

405- 1544، الوسائل 7: 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 1.

(2) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 10، التهذيب 2: 323- 1322، الاستبصار 1:

405- 1547، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.

(3) الخصال 2: 622، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 7.

(4) الفقيه 1: 197- 917، الوسائل 5: 509 أبواب القيام ب 15 ح 3.

(5) التهذيب 2: 200- 784، الاستبصار 1: 405- 1546، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 5.

(6) البقرة: 144.

(7) في ص: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 22

لانتفاء التبادر المثبت للمفهوم، مع أنّ الصحيحة مختصّة بالالتفات بالوجه كما يأتي.

و أمّا مفهوم الحسنة و المرسلة، فلا ينافي ما مرّ، لأنّ الالتفات إلى أحد الجانبين فاحش جدا و موجب لرؤية الخلف قطعا.

و

إن لم يبلغ حدّ أحد الجانبين [1] فمع الاشتغال بشي ء من أجزاء الصلاة قطع صلاته إجماعا، له، و لأدلّة اشتراط الاستقبال في أجزائها.

بل لولاه للغى شرط الاستقبال في الصلاة، إذ لا فرق في الأجزاء بين قليلها و كثيرها إجماعا.

و إن لم يشتغل به فالظاهر عدم البطلان، لتعارض مفهوم المرسلة مع بعض المبطلات بالخصوص المطلق، فيخصّصه، و مع بعض آخر بالعموم من وجه، و حيث لا مرجّح يرجع إلى الأصل و هو مع الصحّة.

نعم لو التفت إلى قريب من أحد جانبيه بحيث يعدّ فاحشا عرفا، و يكون موجبا لرؤية الخلف- حيث إنّ الخلف لا يختصّ بنقطة مقابل القبلة و يمكن رؤية الخلف قبل البلوغ حدّ أحد الجانبين أيضا- يمكن القول أيضا بكونه مبطلا.

و لا يلزم منه الإبطال في غير هذه الصورة بالإجماع المركّب، لأنّه غير ثابت.

نعم لو ثبت لكان مفيدا. و لا يعارضه حينئذ ضمّ الإجماع المركّب مع ما دون ذلك و الحكم بالصحّة، لأنّ هذا الحكم يكون حينئذ بالأصل، فلا يعارض ما ثبت من جهة الدليل.

و على الثاني [2]، فإن كان إلى الخلف- و هو أمر جائز على ما ذكرنا من تعميم الخلف، سيّما مع أنّ الالتفات بالوجه إلى خصوص شي ء يحصل بميله إليه و إن لم ينقلب كلّه إليه- فيبطل أيضا، وفاقا لظاهر النهاية و الجمل و الخلاف و السرائر

______________________________

[1] أي: إذا كان الالتفات بجميع البدن و لم يبلغ أحد الجانبين.

[2] و هو: إذا كان الالتفات بالوجه خاصّة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 23

و الوسيلة و الغنية و الشرائع و النافع و التذكرة و المنتهى و التحرير و الإرشاد و نهاية الإحكام و القواعد و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني «1»، و

غير ذلك، بل هو مذهب الأكثر حيث ذكروا البطلان بالالتفات إلى ما وراءه، و هو يصدق على الالتفات بالوجه و إن لم يكن صريحا، و لذا قال المحقق الثاني: لا تصريح للأصحاب فيه «2».

لخصوص صحيحة علي: عن الرجل يكون في صلاته فيظنّ أنّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شي ء، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يفتّشه؟ قال: «إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبه فلا بأس، و إن كان في مؤخّره فلا يلتفت، فإنه لا يصلح» «3».

و لغير الصحيحة الثانية من الأخبار المتقدّمة.

و صحيحة زرارة: «ثمَّ استقبل القبلة بوجهك، و لا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك» «4».

و قريبة منها حسنته «5»، و مرسلة الفقيه «6».

و حسنة الحلبي: «و إن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» «7».

______________________________

(1) النهاية: 94، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 184، الخلاف: لم نجد فيه مبحث الالتفات، السرائر 1: 243، الوسيلة: 97، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، الشرائع 1:

91، النافع: 34، التذكرة 1: 132، المنتهى 1: 307، التحرير 1: 43، الإرشاد 1:

268، نهاية الإحكام 1: 522، القواعد 1: 36، الذكرى: 217، جامع المقاصد 2: 347.

(2) جامع المقاصد 2: 348.

(3) التهذيب 2: 333- 1374، قرب الإسناد 191- 716، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 4.

(4) الكافي 3: 300 الصلاة ب 16 ح 6، الفقيه 1: 180- 856، التهذيب 2: 286- 1146، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 3.

(5) الفقيه 1: 180- 855، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 2.

(6) الفقيه 1: 197- 917، الوسائل 5: 509 أبواب القيام ب 15 ح 3.

(7) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح

10، التهذيب 2: 323- 1322، الاستبصار 1: 405- 1547، الوسائل 7: 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 24

و رواية أبي بصير: «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد» «1».

و محمّد، و فيها: «فإذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا» «2».

و المرويّات في قرب الإسناد، و المسائل، و المستطرفات: «إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلّى و لا يعتدّ به، و إن كانت نافلة فلم يقطع ذلك صلاته» «3». و غير ذلك.

خلافا لثاني الشهيدين في شرح الألفيّة ناسبا له إلى ظاهر الأصحاب، و للمحكي عن ظاهر المعتبر «4»، فلا يبطل، لصحيحة الفضيل، و رواية القماط، المتقدّمتين في النقض بالحدث «5»، و مفهوم صحيحة زرارة الاولى «6»، و رواية عبد الحميد «7».

و يجاب عن جميع ذلك: بعدم حجيّة الأوّلتين، لورودهما في حقّ المحدث، و صلاته باطلة كما مرّ.

و تعارض باقييها مع كثير ممّا ذكر و إن كان بالعموم من وجه، إلّا أنّ صحيحة عليّ أخصّ مطلقا منهما، إذ المراد بالالتفات فيها الالتفات بالوجه قطعا- إذ لو كان بكلّ البدن لما أمكن التفتيش، لانتقال الثوب بانتقاله أيضا- فهو المراد قطعا بل خاصّة، فيخصّصان بها.

______________________________

(1) الفقيه 1: 239- 1057، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 6.

(2) التهذيب 2: 184- 732، الاستبصار 1: 368- 1401، الوسائل 8: 209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 2.

(3) قرب الإسناد: 210- 820، مستطرفات السرائر: 53- 2، الوسائل 7: 246 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8.

(4) المعتبر 2: 160.

(5) راجع ص: 12.

(6) المتقدمة في ص: 20.

(7) المتقدمة في ص: 21.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 7، ص: 25

و إن كان إلى غيره [1] لا يبطل مطلقا، سواء بلغ أحد الجانبين أو لا، وفاقا لصريح أكثر من ذكر، بل ظاهر الجميع، لصحيحة عليّ، و مفهومي الحسنة و صحيحة زرارة «1».

خلافا للمحكي عن فخر المحقّقين، فقال بالبطلان بالالتفات بالوجه مطلقا [2]، و قوّاه الأردبيلي في شرح الإرشاد «2»، و مال إليه في المدارك «3»، و استجوده في الحدائق «4»، و حكي عن جمع آخر من المتأخّرين أيضا [3]، للعمومات المتقدّمة.

و يردّ: بوجوب تخصيصها بما ذكر، لكون الأكثر أخصّ مطلقا منها حيث إنّ غير الفاحش يختصّ بهذه الصورة على الظاهر، و الصحيحة أيضا مخصوصة بالالتفات بالوجه خاصّة، كما مرّ.

هذا كلّه في العمد.

و أمّا السهو فهو أيضا كالعمد على الأقوى في جميع الصور، إلّا إذا لم يبلغ الالتفات بالبدن كلّه إلى أحد الجانبين، فلا يبطل حينئذ و إن اشتغل بالصلاة حين الالتفات، و التفت بالوجه إلى الخلف [4].

أمّا الأوّل فلإطلاق أكثر الأدلّة المذكورة بالنسبة إلى العمد و السهو، فيتّحد مقتضاها في الحالين.

و ليس دليل آخر مخالف في الحكم يختصّ بصورة السهو سوى ما قد يتوهّم

______________________________

[1] أي: إذا كان الالتفات بالوجه، و كان إلى غير الخلف.

[2] قال في الذكرى: 217: كان بعض مشايخنا المعاصرين يرى أنّ الالتفات بالوجه يقطع الصلاة.

و قال في الحدائق 9: 34: و الظاهر أنّه فخر المحققين ابن العلامة كما نقله غير واحد من الأصحاب.

[3] كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 219، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 241.

[4] أي: .. و إلّا إذا التفت بالوجه إلى الخلف، فلا يبطل إذا كان سهوا.

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 20 و 21.

(2) مجمع الفائدة 3: 62.

(3) المدارك 3: 461.

(4) الحدائق 9: 35.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 26

من بعض الأخبار الواردة في الصلاة على غير القبلة، الفارقة بين الوقت و خارجه في الإعادة «1»، المتقدمة في بحث القبلة.

و هو خطأ، لأنّها إمّا صريحة في خطإ القبلة أو ظاهرة فيه، و لا دخل لها بالسهو.

مع أنّها أيضا لا تنافي شيئا ممّا ذكر، لأنّ موردها الانحراف بكلّ البدن، لأنّه معنى الصلاة على غير القبلة، و قد حكم فيها بالإعادة. و أمّا نفي القضاء في بعضها فلا يضرّ، لأنّه بأمر جديد.

و أمّا رواية ابن الوليد: عن رجل تبيّن له و هو في الصلاة أنّه على غير القبلة، قال: «يستقبلها إذا أثبت ذلك» «2» فلإجمالها- حيث يحتمل إرجاع الضمير في «يستقبلها» إلى كلّ من الصلاة و القبلة- لا يصلح منشأ لحكم.

و أمّا الثاني فلموثقة الساباطي: في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: «إن كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم، و إن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة، ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة، ثمَّ يفتتح الصلاة» «3».

فإنّها مختصّة بالساهي و الخاطئ بقرينة قوله: «فيعلم ..» و هي إمّا أخصّ مطلقا من عمومات القطع بالالتفات إن قلنا بشمولها أيضا للخاطئ كما تشمل الساهي و العامد، فتخصّص بها، أو من وجه، فيرجع إلى أصل الصحّة.

و أمّا الثالث فلأنّك قد عرفت أنّ الإبطال فيه مستند إلى صحيحة عليّ، و هي مخصوصة بالعمد.

و أمّا إن كان مكرها، فإن كان بالاختيار- كأن يأمره قاهر بالالتفات- فهو

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 11.

(2) التهذيب 2: 48- 158، الاستبصار 1: 297- 1096، الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب

10 ح 3.

(3) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 8، التهذيب 2: 48- 159، الاستبصار 1: 298- 1100، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 27

كالسهو أيضا، لاتّحاد الدليل.

و إن كان اضطرارا- كأن يقلّبه متغلّب عن القبلة- فإن كان بالوجه مطلقا، و البدن إلى غير أحد الجانبين و ما وراءه، لم يبطل قطعا، للأصل السالم عن المعارض، لعدم شمول غير صحيحة زرارة: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه» «1» و رواية الخصال «2» من المبطلات لهذه الصورة قطعا.

و هما و إن شملتاها إلّا أنّهما معارضتان في غير ما كان بالكلّ، فيرجع فيه إلى الأصل. و كذا فيما كان بالكلّ من غير تفاحش.

مع أنّ عدم الإبطال حينئذ عمدا يوجب عدمه هنا بطريق أولى.

و إن كان بالكلّ إلى أحد الجانبين أو ما وراءه فمقتضى إطلاق الصحيحة و الرواية الإبطال، و بهما تخصّص رواية عبد الحميد «3».

إلّا أنّ هذا إذا لم نقل بظهور لفظ الالتفات فيما كان بعمل الملتفت و اختياره، و إلّا فلا تبطل بالالتفات الاضطراري من حيث هو مطلقا، إلّا أن يترتّب عليه أمر آخر من فعل كثير، أو خروج عن صورة الصلاة، أو نحوهما.

ثمَّ إنّ كثيرا من الأخبار المتقدّمة و إن كان اختصّ بواسطة التقييد أو الأمر بالإعادة بالفرائض، إلّا أنّ بعضها يشمل النوافل أيضا.

و لكن ورد في جملة من النصوص الفرق بينهما بتخصيص الحكم بالأولى، كما في المرويّات في قرب الإسناد و المسائل و المستطرفات «4». و فيما خصّ البطلان بالمكتوبة أيضا إيماء إليه.

فالقول بعدم البطلان فيها ما لم يمح صورة الصلاة و لم يشتغل حين الالتفات بالكلّ بأجزاء الصلاة أجود.

______________________________

(1) تقدمت في ص: 20.

(2)

المتقدمة في ص: 21.

(3) المتقدمة في ص: 21.

(4) المتقدمة في ص: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 28

الرابع: التكلّم عمدا
اشارة

بغير أجزاء الصلاة الواجبة أو المستحبّة إلّا ما يجي ء استثناؤه، إجماعا محقّقا، و محكيّا في كلام جماعة، منهم: الخلاف و التذكرة و المنتهى و الذكرى و غيرها «1»، له، و للنصوص المتقدّم بعضها.

و منها: صحيحة محمّد و فيها: «فإن تكلّم فليعد الصلاة» «2».

و مرسلة الفقيه: «من تكلّم في صلاته ناسيا كبّر تكبيرات، و من تكلّم في صلاته متعمّدا فعليه إعادة الصلاة، و من أنّ في صلاته فقد تكلّم» «3».

و مقتضى إطلاقها بطلان الصلاة بما يصدق عليه التكلّم مطلقا، و منه ما تركّب من حرفين فتبطل به أيضا، كما صرّح به في الخلاف و السرائر و الشرائع و النافع و القواعد و المنتهى و التذكرة و شرح القواعد و الذكرى «4»، و غيرها، بل في الثلاثة الأخيرة الإجماع عليه.

و هل يشترط التركّب منهما، فلو نطق بحرفين من غير تركيب كأن يقول: ب ت لم يبطل، أو لا يشترط؟.

الظاهر الأوّل سيّما مع قليل فصل، لعدم ثبوت الصدق و لا الإجماع.

و الظاهر عدم اشتراط الإفهام و الوضع للمعنى فيهما، فلو تكلّم بالمهمل بطلت، كما صرّح به في نهاية الإحكام «5»، لصدق التكلّم عرفا.

و لا تبطل بالحرف الواحد الغير الموضوع، على ما قطع به الأصحاب كما في

______________________________

(1) الخلاف 1: 403، التذكرة 1: 129، المنتهى 1: 308، الذكرى: 216، و انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(2) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 9، التهذيب 2: 323- 1323، الوسائل 7: 282 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 7.

(3) الفقيه 1: 232- 1029، الوسائل 7: 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2.

(4)

الخلاف 1: 407، السرائر 1: 225، الشرائع 1: 91، النافع: 34، القواعد 1: 35، المنتهى 1: 308، التذكرة 1: 129، جامع المقاصد 2: 341، الذكرى: 216.

(5) نهاية الاحكام 1: 515.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 29

المدارك «1»، بل بلا خلاف كما في التذكرة «2»، بل إجماعا كما في المنتهى و الذكرى «3»، للأصل، و عدم صدق التكلّم، و لا أقلّ من الشك فيه.

و أمّا الموضوع منه فيبطل، وفاقا لصريح جماعة، منهم: المنتهى و المدارك و الذكرى و شرح القواعد «4»، لصدق التكلّم عرفا، كما صرّح به نجم الأئمّة «5»، و حكي عن شمس العلوم «6»، و نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب «7». فإنّه لو قال أحد: ق، بعد سؤال غيره عنه: هل أقيه أم لا؟ يقال: تكلّم.

و استشكل فيه في نهاية الأحكام و التذكرة «8»، و تردّد في القواعد «9».

و هو للشك في الصدق.

و مفهوم قولهم: النطق بحرفين فصاعدا.

و يدفع الأوّل: بما مرّ.

و الثاني: بأنّه في أعم من المفهم و غيره، مع أنّ كلامهم وارد في الغالب الشائع.

و المراد بالموضوع الموضوع لمعنى و لو كان لفظا، فتبطل بالتكلّم بلفظة ف و ب و ت و نحوها، لكونها موضوعة للباء و الفاء و التاء.

و لا يشترط في الوضع كونه وضعا لغويّا أو عرفيّا عامّا، بل يكفي الوضع مطلقا و لو عند المتكلّم و شخص آخر، أو في لغة غير معروفة، لصدق التكلّم في الجميع.

______________________________

(1) المدارك 3: 463.

(2) التذكرة 1: 130.

(3) المنتهى 1: 309، الذكرى: 216.

(4) المنتهى 1: 309، المدارك 3: 463، الذكرى: 216، جامع المقاصد 2: 341.

(5) شرح الكافية: 2.

(6) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 238.

(7) الحدائق 9: 18.

(8) نهاية الأحكام 1: 515،

التذكرة 1: 130.

(9) القواعد 1: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 30

نعم يشترط قصد المتكلّم منه الحرف الموضوع، بل معناه الموضوع له، لعدم معلومية الصدق بدونه.

و لا تبطل بالحرف الواحد الممدود و لو بقدر خمسة أحرف، و لا بالمشبع ما لم يحصل من الإشباع حرف آخر ظاهر، للشك في الصدق.

و تبطل بحرف بعده حرف مدّ، لصدق الحرفين.

فروع:

أ: يستثنى من الكلام المبطل كلّ ما كان ذكر اللّه سبحانه أو دعاء و طلبا منه، للمستفيضة من النصوص، منها مرسلة حمّاد: «كلّ ما كلّمت اللّه به في صلاة الفريضة فلا بأس و ليس بكلام» «1».

و مرسلة الفقيه: «كلّ ما ناجيت به ربّك في الصلاة فليس بكلام» «2».

و صحيحة ابن مهزيار: عن الرجل، يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي ربّه؟ قال: «نعم» «3».

و رواية عبد اللّه بن هلال، و فيها: فأدعو في الفريضة و أسمّي حاجتي؟

فقال: «نعم قد فعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فدعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم، و فعله عليّ عليه السلام بعده» «4».

و صحيحة الحلبي: «كلّ ما ذكرت اللّه و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو من الصلاة» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 302 الصلاة ب 17 ح 5، التهذيب 2: 325- 1330، الوسائل 7: 264 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 3.

(2) الفقيه 1: 208- 939، الوسائل 6: 289 أبواب القنوت ب 19 ح 4.

(3) التهذيب 2: 326- 1337، الوسائل 7: 263 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 1.

(4) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 11، مستطرفات السرائر: 98- 20، الوسائل 6: 371 أبواب السجود ب 17 ح 3.

(5) الكافي 3: 337 الصلاة

ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316- 1293، الوسائل 7: 263 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 31

و صحيحة إسماعيل بن الفضل: عن القنوت و ما يقال فيه، فقال: «ما قضى اللّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئا موقّتا» «1».

و صحيحة الحلبي «2»، المتقدّمة في القنوت أيضا.

و الأخبار المصرّحة بجواز التسبيح لإرادة الحاجة، كموثّقة الساباطي «3»، و صحيحتي عليّ «4» و الحلبي «5»، إلى غير ذلك.

و تؤكده عمومات الأمر بالذكر و الدعاء و التمجيد في كلّ حال، أو في السجود «6».

و مقتضى إطلاق الجميع جواز ذلك في كلّ حال من حالات الصلاة، سواء كان قائما أو قاعدا، راكعا أو ساجدا، قائما أو متشهّدا، ما لم يخلّ بشي ء من الصلاة، كالدعاء الطويل في خلال القراءة.

و الظاهر- كما صرّح به بعضهم- أنّه إجماعي أيضا إذا كان ذلك بالعربيّة «7».

و مقتضى الأصل و عموم كثير من الأخبار المذكورة جوازه بغير العربيّة أيضا، كما حكى القول به بعض من تأخّر «8».

بل هو مختار الشيخ في النهاية «9»، و إن قيّده بمن لم يحسن العربيّة، و لكن

______________________________

(1) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 8، التهذيب 2: 314- 1281، الوسائل 6: 277 أبواب القنوت ب 9 ح 1.

(2) الفقيه 1: 207- 933، الوسائل 6: 278 أبواب القنوت ب 9 ح 4.

(3) الفقيه 1: 242- 1077، الوسائل 7: 255 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 4.

(4) التهذيب 2: 331- 1363، قرب الإسناد: 200- 767، الوسائل 7: 256 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 6.

(5) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 7، الفقيه 1: 242- 1075، الوسائل 7: 254 أبواب قواطع الصلاة ب

9 ح 2.

(6) كما في الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب 17.

(7) كما في الانتصار: 47.

(8) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 333.

(9) النهاية: 74.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 32

لعدم إيجاب العجز عن العربيّة في غير الواجبات لتجويز ما لا يجوز، يفهم تجويزه مطلقا.

و الفاضل في المنتهى و التذكرة و التحرير و القواعد و المختلف، و التنقيح و كنز العرفان و الدروس و البيان و الكفاية و شرح الإرشاد للأردبيلي «1».

و هو المحكي عن الشيخ المتقدّم محمّد بن الحسن الصفّار و ابن بابويه «2»، و المحقق «3»، و غيرهم.

و نسبه في شرح القواعد إلى الشهرة بين الأصحاب، بل قال: إنّه لا يعلم قائل بالمنع سوى سعد «4».

و كلام أكثر هؤلاء و إن كان في القنوت، إلّا أنّ الظاهر عدم الفرق، بل غيره أولى منه بالجواز، حيث إنّه أمر موقّف.

خلافا للمحكي عن سعد بن عبد اللّه فمنعه «5»، و نقله والدي- طاب ثراه- عن جماعة و اختاره، كطائفة من مشايخنا المعاصرين «6».

للاقتصار في الكلام المنهي عنه، على الظاهر حصول الرخصة فيه «7».

و انصراف الأخبار المجوّزة إلى الكلام المتعارف عندهم.

و توقيفيّة العبادة.

و قوله: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «8».

______________________________

(1) المنتهى 1: 310، التذكرة 1: 125، التحرير 1: 42، القواعد 1: 35، المختلف 1: 98، التنقيح 1: 215، كنز العرفان 1: 145، الدروس 1: 171، البيان: 180، الكفاية: 20 مجمع الفائدة 2: 302.

(2) انظر: الفقيه 1: 208.

(3) المعتبر 2: 241.

(4) جامع المقاصد 2: 322.

(5) حكاه عنه في الفقيه 1: 208.

(6) كالسيد بحر العلوم في الدرة النجفية: 149، و صاحب الحدائق 8: 371.

(7) أي: على ما هو ظاهر حصول الرخصة فيه، و هي العربية.

(8) سنن الدار قطني 1:

273- 2، عوالي اللئالي 1: 197- 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 33

و الكلّ ضعيف جدّا:

أمّا الأوّل، فلحصول الرخصة بما مرّ. و لو شكّ فيه من جهة انصراف المرخّصات إلى الكلام المتداول عندهم- مع كونه ممنوعا غايته سيّما مع شيوع سائر اللغات بين أهل الإسلام في زمن الصادقين و من بعدهما- لجرى مثله في الناهيات أيضا، فيبقى غير العربي تحت أصل الجواز.

ثمَّ منه يظهر ضعف الثاني أيضا. مع أنّ الانصراف إلى الشائع إنّما هو في المطلقات، و أكثر ما ذكر عمومات، و إرجاع عمومها إلى المعاني دون الألفاظ- كما قيل- تخصيص بلا دليل.

و أمّا الثالث، فلتحقق التوقيف بما مرّ. مع أنّ المحتاج إلى التوقيف من العبادات هو أجزاؤها و شرائطها، و هي معلومة في الصلاة، لا ما يخرج منها.

و منه يظهر ضعف الرابع أيضا، فإنّ مورد النزاع ليس من الصلاة.

هذا كلّه إنّما هو في غير الأذكار الواجبة.

و أمّا الواجبة منها فلا تجوز بغير العربية، و إن قلنا بكفاية مطلق الذكر في الركوع و السجود، بالإجماع بل الضرورة الدينيّة.

و هل يشترط في جواز الأذكار و نحوها قصد القربة بها، و قصد كونها ذكر اللّه سبحانه، أم لا؟.

الظاهر الثاني، لعدم توقّف صدق الذكر عليه، و للتصريح به في صحيحة علي: عن الرجل يكون في صلاته، و إلى جنبه رجل راقد، فيريد أن يوقظه، فيسبّح و يرفع صوته، لا يريد إلّا أن يستيقظ الرجل، أ يقطع ذلك صلاته؟ و ما عليه؟ قال: «لا يقطع ذلك صلاته، و لا شي ء عليه» «1».

ب: ذكر جماعة من الأصحاب اشتراط جواز الدعاء بعدم كونه سؤال شي ء محرّم، فلو طلب محرّما بطلت صلاته «2». قيل: بلا خلاف أجده «3»، و عن

______________________________

(1) قرب

الإسناد: 200- 766، الوسائل 7: 257 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 9.

(2) كما في جامع المقاصد 2: 322، و المدارك 3: 476، و كشف اللثام 1: 239.

(3) الرياض 1: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 34

التذكرة: الإجماع عليه «1».

و استدل له بعموم النهي عن التكلّم «2»، فيقتصر في التعدي عنه على المتيقّن، و هو ما جاز طلبه، لاختصاص أكثر مجوّزات الدعاء به، باعتبار تجويز تكلّمه، أو الأمر به، أو نفي البأس عنه، و شي ء منها لا يتحقّق في المحرّم.

أقول: إن ثبت الإجماع فهو. و إلّا فإن ثبت حرمة طلب المحرّم من اللّه سبحانه فكذلك أيضا، لما ذكر. و إلّا- كما هو الظاهر، إذ لا دليل أجده يوجب حرمة سؤال المحرّم من اللّه سبحانه- فللنظر فيه مجال، لصدق التكلّم مع اللّه، أو المناجاة معه، إلّا أن يدّعى تبادر غير سؤال المحرّم منه، و لكنّه للمنع قابل، و أمر الاحتياط واضح.

نعم لو كان نفس السؤال محرّما فلا شكّ في الإبطال به، لما ذكر.

ثمَّ إنّه هل يتقيّد الحكم بالبطلان فيما يبطل بصورة العلم بحرمة المدعوّ به أو الدعاء، أم لا؟.

الظاهر التفصيل بالتقصير و عدمه، فإن كان مقصّرا في تحصيل العلم تبطل، و إلّا فلا.

ج: لو قرأ دعاء غلطا فلو أخرجه عن كونه دعاء بطلت الصلاة، بأن يغيّر المعنى إلى ما لا معنى له، أو له معنى غير الدعاء، سواء كان الغلط في الكلمة، أو الحرف، أو الإعراب. و إلّا فلا تبطل. و كذا الكلام في الغلط في الأذكار المستحبّة في الصلاة.

د: الظاهر الإجماع على استثناء القرآن أيضا، فتجوز قراءته في جميع حالات الصلاة ما لم يتحقّق بها القرآن بين السورتين.

______________________________

(1) التذكرة 1: 131.

(2) كما في كشف

اللثام 1: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 35

و تدلّ عليه أيضا عمومات الأمر بقراءة القرآن فيها «1»، تعارض ما نهى عن التكلّم، و يرجع في موضع التعارض إلى الأصل.

و يدلّ على جواز ما كان منه ذكر اللّه أو دعاء ما مرّ من الأخبار، و حيث كان الدليل في غير ما كان كذلك الإجماع و العمومات، فيقتصر فيه على ما يدلّان عليه.

فلو قرأ آية لمحض الإفهام، كما إذا قال مستفهما ما بيد شخص اسمه موسى:

وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى لم يجز، لعدم الإجماع، و لا قصد التقرّب حتى يشمله الأمر.

و بما ذكر يظهر اشتراط كون القراءة ممّا لم يمنع منه الشرع، كآية السجدة في الفريضة، أو القران بين السورتين فيها.

ه: لا فرق في الكلام بين ما كان لمصلحة الصلاة و بين غيره، بالإجماع، كما عن الخلاف و المنتهى و التذكرة «2»، لإطلاق الأدلّة.

و: في حكم العمد الجهل بالإبطال، أو بكون هذا الكلام مبطلا، لعموم الأدلّة، و ظاهر المنتهى الإجماع عليه، حيث نسب الخلاف إلى الشافعي «3».

و كذا الإكراه على الأقوى، وفاقا لنهاية الاحكام و التذكرة و التحرير «4»، و الجعفريّة، لعموم النصوص و الفتاوى.

و خلافا للقواعد، و ظاهر الذكرى و المدارك و شرح الجعفريّة، فتردّدوا «5».

للأصل.

و حصر وجوب الإعادة في الخمسة.

______________________________

(1) كما في الوسائل 6: 186 أبواب قراءة القران ب 11.

(2) الخلاف 1: 402، المنتهى 1: 308، التذكرة 1: 129.

(3) المنتهى 1: 308.

(4) نهاية الإحكام 1: 516، التذكرة 1: 130، التحرير 1: 43.

(5) القواعد 1: 35، الذكرى: 216، المدارك 3: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 36

و رفع ما استكرهوا عليه.

و تبادر الاختيار من الإطلاق.

و يردّ الأوّل: بالإطلاقات.

و الثاني: بأعميّة ما عدا

موضع الحصر عن التكلّم مطلقا، فيخصّ بأدلّة إبطاله.

و الثالث: بعدم الدلالة، إذ غاية ما يسلّم رفع المؤاخذة.

و الرابع: بالمنع.

و الفرق بين ضيق الوقت و اتساعه، و البطلان في الثاني، لما مرّ، و الصحة في الأوّل، لأنّه مع الضيق مضطرّ إلى فعله مؤدّ لما عليه.

مردود: بأنّه مع السعة أيضا كذلك، و لا دليل على أنّ الضيق شرط في الاضطرار، و لا على إعادة المضطر إذا بقي الوقت.

ز: و إن كان التكلّم سهوا عن كونه في الصلاة، أو غفلة بأن يسبق على لسانه من غير قصد، أو ظنّا لخروجه عنها، لم تبطل الصلاة، إجماعا في الأوّلين، و على الأصحّ الأشهر في الثالث.

و في الناصريّات و التذكرة و المنتهى و غيرها: الإجماع على الأوّل «1».

فهو الحجّة فيه، مضافا إلى النصوص المستفيضة كصحيحة الفضيل، و مرسلة الفقيه المتقدّمتين «2».

و صحيحة البجلي: عن الرجل يتكلّم ناسيا في الصلاة، يقول: أقيموا صفوفكم، قال: «يتمّ صلاته، ثمَّ يسجد سجدتين» «3» الحديث.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، التذكرة 1: 130، المنتهى 1: 309، و انظر: الذكرى:

216.

(2) في ص: 12 و 28.

(3) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 4، التهذيب 2: 191- 755، الاستبصار 1:

378- 1433، الوسائل 8: 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 37

و زرارة: في الرجل يسهو في الركعتين، و يتكلّم، قال: «يتمّ ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلّم، و لا شي ء عليه» «1».

و بما ذكر يقيّد إطلاق بعض الأخبار إن شمل الساهي أيضا «2».

و منه تظهر الحجّة في الثاني، لصدق السهو. مضافا إلى ظهور رواية عقبة:

في رجل دعاه رجل و هو يصلّي، فسها، فأجابه لحاجته، قال: «يمضي على صلاته،

و يكبّر تكبيرا كثيرا» «3» فيه بخصوصه.

و أمّا حجّة الثالث: فصحيحة محمّد: في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة، فسلّم، و هو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة، و تكلّم، ثمَّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته، و لا شي ء عليه» «4».

و المستفيضة الواردة في سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إتمامه مع تكلّمه، و استفهامه عن ذي الشمالين أو غيره، كصحيحة الأعرج «5»، و موثّقة سماعة «6»، و غيرهما.

خلافا للمحكي عن الشيخ في بعض أقواله «7»، و عن الحلبي «8»، و بعض

______________________________

(1) التهذيب 2: 191- 756، الاستبصار 1: 378- 1434، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 5.

(2) انظر: الوسائل 7: 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25.

(3) التهذيب 2: 351- 1456، الاستبصار 1: 378- 1435، الوسائل 8: 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 2.

(4) التهذيب 2: 191- 757، الاستبصار 1: 379- 1436، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 9.

(5) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 6، التهذيب 2: 345- 1433، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.

(6) الكافي 3: 355 الصلاة ب 42 ح 1، التهذيب 2: 346- 1438، الاستبصار 1:

369- 1405، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 11.

(7) انظر: النهاية: 90.

(8) حكاه عنه في المختلف: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 38

آخر «1».

و لم أعثر لهم على دليل معتبر، و لعلّه لبعض الإطلاقات «2»، الواجب تقييده بما مرّ لو سلّم شموله لمثله. و إن لم يشمله- كما قيل «3»- حيث إنّ

الظاهر من التكلّم عمدا في الصلاة أن يعلم أنّه فيها، و من ظنّ خروجه منها لم يتعمّد الكلام في الصلاة، ارتفع الإشكال رأسا، و لا يحتاج إلى تقييد.

و منه يظهر أنّه لو تكلّم بعد السلام مع احتماله عدم الإتمام، كأن يسأل عن التمام و نحوه، لم تبطل الصلاة أيضا، و إن لم أعثر على مصرّح بالصحّة هنا. و لكن يحتمل شمول ظنّ الإتمام في كلماتهم له أيضا، لعدم صدق التكلم عمدا في الصلاة.

و تدلّ عليه أخبار سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صريحا. و لا يوجب اشتمالها على سهوه ضعفا، لأنّ المسلّم امتناع سهوه لا إسهائه.

و أمّا لو تكلّم عمدا بعد العلم بعدم تمامية الصلاة فتبطل صلاته قطعا، لصدق التعمّد بالتكلّم في الصلاة، و كأنّه إجماعي أيضا.

و أمّا صحيحة الرازي: كنت مع أصحاب لي في سفر، و أنا إمامهم، و صلّيت بهم المغرب، فسلّمت في الركعتين الأوليين، فقال أصحابي: إنّما صلّيت بنا ركعتين، فكلّمتهم، و كلّموني، فقالوا: أمّا نحن فنعيد، فقلت: لكنّي لا أعيد و أتمّ بركعة، فأتممت بركعة، ثمَّ سرنا، فأتيت أبا عبد اللَّه عليه السلام فذكرت له الذي كان من أمرنا، فقال: «أنت كنت أصوب منهم فعلا» «4».

- حيث صوّب عليه السلام فعله، مع قوله: لكنّي لا أعيد و أتمّ بركعة- فمحمول على قوله ذلك في نفسه لا بلسانه، أو بفعله أي: فعلت ذلك،

______________________________

(1) كابن حمزة في الوسيلة 102.

(2) كما في الوسائل 7: 282 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 7 و 8.

(3) الحدائق 9: 25.

(4) الفقيه 1: 228- 1011، التهذيب 2: 181- 726، الاستبصار 1: 371- 1411، الوسائل 8: 199 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 3.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 39

أو على سبق اللسان من غير قصد.

و أمّا كون القوم مصيبين أيضا- كما يدلّ عليه التفضيل- فلأنّهم كلّموا بالأجنبي كما صرّح به قوله: «فقال أصحابي» فكان حكمهم الإعادة.

و أمّا أصوبيّة الرازي فلأنّه لم يتكلم و أتمّ، و هذا أصوب ممّن تكلّم و أعاد.

فإن قلت: بناء على وجوب الإتمام- كما هو المذهب- يكون التكلّم حراما لا صوابا، و لذا جرّد الصيغة بعضهم عن معنى الأفضليّة «1»، و رخّص آخر في الإعادة «2».

قلت: لعلّ تكلمهم كان جهلا من غير تقصير، فلا يكون حراما و تجب عليهم الإعادة، و يكون هذا حكمهم، و لكنّ الأصوب ما فعله الرازي.

و يمكن أن يكون تصويبهم في مجرّد الإعادة بعد التكلّم يعني: أنّهم أصابوا في الإعادة لتكلّمهم، و هو في [الإتمام ] «3» و لكنّه أصوب، لأنّ ما فعل هو الواجب عليه ابتداء، و ما فعلوا وجب عليهم بفعل محرّم، فتأمّل.

ح: لا تبطل الصلاة بالتنحنح، و التنخّم، و التأوّه، و الأنين، و نفخ موضع، بالإجماع، له، و للأصل و الأخبار.

و أمّا ما في رواية طلحة و غيرها «من أنّ في صلاته فقد تكلّم» «4».

فلا يدلّ على البطلان، لعدم كونه كلاما حقيقة. و يمكن أن يكون مجازه المراد أنّ: من أنّ عرّض نفسه معرض التكلّم، فيقرب أن يصدر منه كلام.

و هل تبطل لو خرج من أحد هذه الأمور حرفان، أم لا؟

صرّح جماعة بالأوّل، لصدق التكلّم «5».

______________________________

(1) انظر: الحدائق 9: 25.

(2) انظر: الوافي 8: 959.

(3) في النسخ: الإعادة.

(4) التهذيب 2: 330- 1356، الوسائل 7: 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 4.

(5) انظر: التذكرة 1: 131، و الذكرى: 216.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 40

و فيه نظر، لمنع

الصدق في مثل هذين الحرفين. فالحقّ عدم البطلان.

و خصّه في المعتبر بما إذا كان التأوّه من خوف اللّه «1».

و اعترض بأنّه إن كان الجواز من حيث عدم صدق الكلام عليه فلا اختصاص له بما كان من خوفه سبحانه، و إن كان من حيث الخوف مع صدق الكلام، فلا دليل على التخصيص «2».

و فيه: أنّه لصدق الكلام، و مع الخوف يكون ممّا ناجى به ربّه فيكون مستثنى، فتأمّل.

الخامس: القهقهة،

و هي مبطلة للصلاة مع العمد، إجماعا محقّقا و محكيّا في كلام جماعة، منهم المعتبر و المنتهى و نهاية الإحكام و التذكرة و الذكرى «3»، له، و للمعتبرة من النصوص، كصحيحة زرارة: «القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصلاة» «4».

و موثّقة سماعة: عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: «أمّا التبسّم فلا يقطع، و أمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة» «5».

و بمعناها مرسلة الفقيه «6»، و رواية الخصال «7».

______________________________

(1) المعتبر 2: 254.

(2) انظر: الحدائق 9: 190.

(3) المعتبر 2: 254، المنتهى 1: 310، نهاية الإحكام 1: 519، التذكرة 1: 131، الذكرى:

216.

(4) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 6، التهذيب 2: 324- 1324، الوسائل 7: 250 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 1.

(5) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 1، التهذيب 2: 324- 1325، الوسائل 7: 250 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 2.

(6) الفقيه 1: 240- 1062، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 4.

(7) الخصال: 629، الوسائل 5: 471 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 41

و إطلاقها يشمل الجاهل بالمسألة، و بكونه قهقهة، و المختار، و غيره، كمن سبقه الضحك بحيث لا يمكنه دفعه، فيبطل مع الاضطرار أيضا، كما

صرّح به في الذكرى و شرح القواعد و البيان «1»، بل قيل: يظهر من التذكرة أنّه مجمع عليه «2».

و عن جمل العلم و العمل احتمال عدم البطلان «3»، و ظاهر الروضة التردّد «4»، و لا وجه لهما.

و ظاهر الإطلاق و إن شمل السهو أيضا إلّا أنّه خرج بالإجماع المحقّق و المحكيّ في الذكرى و شرح القواعد و نهاية الإحكام و شرح الجعفرية و التذكرة و غيرها «5».

ثمَّ المراد بالقهقهة هل هو الضحك المتضمّن لصدور قه قه؟ كما عن الديوان و الصحاح و الأساس «6».

أو المشتمل على المدّ و الترجيع؟ كما عن العين «7» و ابن المظفّر، و هو يشمل بظاهره ترجيع النفس أو الصوت في الصدر أو الحلق.

أو المشتمل على الصوت مطلقا؟ كما عن القاموس «8» و المفصّل و المصادر للزوزنيّ و البيهقيّ، و قريب منها ما عن المجمل و المقاييس من أنّها الإعراب في الضحك «9»- إن قرئ بالمهملة- و هو يشمل بظاهره ظهور الصوت في الحلق أو

______________________________

(1) الذكرى: 216، جامع المقاصد 2: 349، البيان: 183، و تعمّد القهقهة لا التبسم.

(2) الحدائق 9: 39.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 34.

(4) الروضة 1: 234.

(5) الذكرى: 216، جامع المقاصد 2: 349، نهاية الإحكام 1: 519، التذكرة 1: 131، و انظر المدارك 3: 465.

(6) الصحاح 6: 2246، أساس البلاغة: 380.

(7) العين 3: 341.

(8) القاموس 4: 293.

(9) المجمل لابن فارس 4: 111، المقاييس 5: 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 42

الخيشوم و إن كان في صدق الصوت على الثاني نظر.

أو المبالغة في الضحك و الشدّة فيه؟ كما عن شمس العلوم و القاموس أيضا، بل المجمل و المقاييس، إن قرئ الإغراب بالمعجمة.

أو الترجيع مع الشدّة كما

عن روض الجنان «1»؟

كلّ محتمل، إلّا أنّ العرف يوافق أحد الأوّلين. و الأصل يقتضي الأوّل، فعليه العمل. و ترك الثاني أيضا أحوط سيّما إذا اشتمل على الصوت و الشدّة أيضا.

بل لا بعد في اتّحاد ذلك مع الأول، إذ لا يبعد أن يكون المراد بقه قه ما فيه التكرار و الشدّة، لا ما تضمّن خصوص لفظي القاف و الهاء، فيكون ذلك اسما لهذا النوع من الضحك، كطق طق لضرب شي ء له صوت.

و مقابلة القهقهة للتبسّم- الذي هو ما لا صوت له- لا تدلّ على أنّه يراد بها ما له صوت مطلقا، إذ لا يفيد الانحصار فيهما، لجواز الواسطة.

و لو سلّم فلا دليل على دخول ما له صوت من غير ترجيع و شدّة في الأوّل مجازا، لجواز أن يدخل في الثاني كذلك.

و التبسّم لا يبطل إجماعا نصّا و فتوى.

السادس: الفعل الكثير الخارج من الصلاة
اشاره

، ذكره أكثر الأصحاب، بل استفاضت على البطلان به عمدا حكاية الإجماع و الوفاق، حكاه الأردبيلي و الكركي نافيا عنه الخلاف بين علماء الإسلام «2»، و المنتهى ناسبا له إلى أهل العلم كافّة «3»، و التذكرة و نهاية الإحكام «4»، و شرح الجعفريّة، و عن المعتبر «5»، و غيرها. و هو المستند لهم في

______________________________

(1) روض الجنان: 332.

(2) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 69، الكركي في جامع المقاصد 2: 350.

(3) المنتهى 1: 310.

(4) التذكرة 1: 131، نهاية الأحكام 1: 521.

(5) المعتبر 2: 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    43     السادس: الفعل الكثير الخارج من الصلاة ..... ص : 42

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 43

الحكم.

و قد يراد أيضا الخروج به عن كونه مصليّا، كما في المنتهى «1»، و شرح الإرشاد للأردبيليّ، قال: كان دليله الإجماع و

العقل الدالّ على أنّ في الصلاة إذا اشتغل بفعل، يخرجه العرف عن كونه مصليّا «2».

كما قد يضاف المرويّان في قرب الإسناد:

أحدهما: في التكتّف في الصلاة: «إنّه عمل في الصلاة، و ليس فيها عمل» «3».

و ثانيهما: عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته و هو في صلاته، و ما عليه إن فعل ذلك متعمّدا؟ قال: «إن كان ناسيا فلا بأس، و إن كان متعمّدا فلا يصلح له» «4».

و بعض الأخبار الناهي عن قتل الحيّة بعد أن يكون بينه و بينها أكثر من خطوة «5»، أو عن الإيماء في الصلاة «6»، و نحو ذلك.

ثمَّ إنّهم بعد ذلك اختلفوا في حدّ الكثير المبطل:

فمنهم من أرجعه إلى العرف و العادة، ذكره في السرائر و نهاية الإحكام و الدروس و شرح القواعد و التذكرة «7»، و نسبه فيه إلى علمائنا، قال: و الذي عوّل عليه علماؤنا البناء على العادة، فما يسمّى في العادة كثيرا فهو كثير، و إلّا فلا.

______________________________

(1) المنتهى 1: 310.

(2) مجمع الفائدة 3: 69.

(3) قرب الإسناد: 208- 809، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 4.

(4) قرب الإسناد: 190- 813، الوسائل 7: 29 أبواب قواطع الصلاة ب 34 ح 1.

(5) الفقيه 1: 241- 1072، التهذيب 2: 331- 1364، الوسائل 7: 273 أبواب قواطع الصلاة ب 19 ح 4.

(6) الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 20، التهذيب 2: 54- 185، الاستبصار 1:

301- 1111، الوسائل 5: 396 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 12.

(7) السرائر 1: 238، نهاية الأحكام 1: 521، الدروس 1: 185، جامع المقاصد 2: 350، التذكرة 1: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 44

و استدلّ له تارة: بأنّ المرجع فيما لم يبيّن الشارع

معناه العرف. و اخرى:

بأنّ عادة الشارع ردّ الناس فيما لم ينصّ عليه إلى عرفهم.

و منهم من جعله ما يخرج المصلّي عن كونه مصليّا، و هو المراد من محو صورة الصلاة، و هو صريح الروضة «1»، و ظاهر كلّ من استدلّ لإبطاله بإيجابه الخروج عن وصف الصلاة، كالمنتهى «2»، و غيره.

و لا بدّ فيه أيضا من الرجوع إلى العرف، قال الأردبيلي: و الظاهر أنّ المحتاج إلى الحوالة إلى العرف ما يخرج عن كونه مصلّيا، لأنّه المبطل عقلا «3».

و منهم من قال بأنّ مستند الحكم لما كان هو الإجماع فتجب إناطة الحكم بمورد الاتّفاق، فكلّ فعل ثبت الاتّفاق على كونه فعلا كثيرا فهو مبطل، و متى ثبت انّه ليس بكثير هو ليس بمبطل. و متى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا، لأنّ اشتراط الصحّة بتركه يحتاج إلى دليل. و يحتمل البطلان، لتوقّف البراءة اليقينيّة عليه «4».

و من العامّة من حدّ القليل بما لا يسع زمانه فعل ركعة، و الكثير ما اتّسعه «5».

و بعضهم بما لا يحتاج إلى فعل اليدين، و ما يحتاج إليه «6».

أقول: لا شكّ للمتتبّع في انعقاد الإجماع على إبطال الفعل الكثير للصلاة في الجملة.

و لا في انعقاده على أنّ للصلاة جزءا صوريّا زائدا على أجزائها الماديّة، إذ لا

______________________________

(1) الروضة 1: 233.

(2) المنتهى 1: 310.

(3) مجمع الفائدة 3: 69.

(4) انظر: الذخيرة: 355.

(5) حكاه العلامة في التذكرة 1: 132 عن بعض الشافعية، و لم نعثر عليه في كتب العامة التي بأيدينا.

(6) انظر: بدائع الصنائع 1: 241.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 45

شكّ في اشتراط الترتيب بل نوع توال و تركيب لأجزائها، بل الزائد على ذلك أيضا، ضرورة خروج الشخص عن كونه مصليّا عند

جميع العلماء بأفعال صادرة من بعض الجوارح، و لو لم يخلّ بالترتيب أو التوالي، كالمشتغل بالرياضة أو الحياكة أو الضرب الطويل و نحوها.

و لا في أنّ ما يخرج المصلّي عن كونه مصليّا يبطل الصلاة، لإيجابه انتفاء جزئها الصوريّ. و إلى هذا يشير قول من جعله مبطلا عقلا.

و المراد بالإخراج عن كونه مصليّا- كما أشرنا إليه- محو صورة الصلاة عنه بحيث لم يصدق عليه أنّه صلّى، لا مجرّد صدق عدم اشتغاله بالصلاة حين ارتكابه ذلك الفعل و لو عاد إليها بعد تركه الفعل، فإنّ الساكت لحظة في الأثناء ليس حينئذ مصليّا، و لكن لو عاد و أتّم الصلاة يقال: إنّه صلّى.

و الحاصل: أنّه لو أتى بأفعال الصلاة مع شغله بهذا الفعل لم يصدق عليه المصلّي و المشتغل بالصلاة أيضا، أو لم يصدق عليه أنّه صلّى لو أتى معه بجميع أجزاء الصلاة أيضا.

ثمَّ إنّه ليس أمر آخر وراءهما نافع في المقام.

و أمّا الأخبار: فبين غير دالّ، كالخبر الأوّل، حيث إنّه لا يتعيّن معنى قوله:

ليس عمل في الصلاة، أنّه ليس مأمورا به فيها، أو مستحبا، أو مباحا، أو جائزا.

و مع ذلك فما يتضمّن ذلك خبر ضعيف لم يثبت انجباره بتمام ما يفيده.

و بين معارض بما هو أقوى منه سندا و عملا.

و بين مخصوص بفعل خاصّ لا ينفع للمقام.

فاللازم متابعة الأمرين، و بعد ما عرفت من الإجماع عليهما لا يبقى إشكال في إيجابهما الإبطال، إنّما الإشكال في تعيينهما.

أمّا الأوّل فقد عرفت تحديده تارة بالعرف، و اخرى بالخروج به عن الصلاة، و ثالثة بما اجمع على أنّه كثير.

و ردّ الأوّل تارة: بأنّه إنّما يكون فيما إذا ثبت من الشارع لفظ، و كان مستنده

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 46

النصّ،

و أمّا إذا كان مستنده الإجماع فلا وجه للرجوع إلى العرف قطعا «1».

أقول: يمكن أن يكون الثابت بالإجماع هو مصداق هذا اللفظ، فيجب تعيين معناه بالعرف. و لكن البيان في إثبات ذلك، فإنّ كلام أكثر القدماء خال عن ذكر الفعل الكثير. نعم ذكر جماعة منهم خصوص بعض الأفعال، و الثابت بالإجماع ليس إلّا هذا المدلول في الجملة.

و اخرى: بأنّ العادة المحكوم بالرجوع إليها إن كان المراد بها ما يرادف العرف العامّ ففساده واضح، إذ لا اطّلاع لغير المتشرعة على ذلك. و إن كان المراد بها عرف المتشرّعة فهو فرع ثبوته، و هو في حيّز المنع لو أريد بهم العلماء خاصّة، لاختلافهم في الكثير المبطل، و معه لا تتحصّل الحقيقة، و كذا لو أريد بهم العوام مع أنّهم ليسوا المرجع في شي ء «2».

أقول: يمكن أن يقال: إنّ المراد العرف العامّ. و لا فساد فيه، إذ لا شكّ أنّ للفعل الكثير في العرف العامّ معنى، و لا حاجة في تعيين معناه إلى علمهم بالإبطال أيضا.

فإن قيل: الكثير له معنى بنفسه، و معنى بالنسبة إلى غيره، كما أنّه يقال:

في القدر حنطة كثيرة، إذا كان فيه نصف منّ، و لا يقال: في البيت حنطة كثيرة، إلّا إذا كان فيه ألف منّ مثلا، و لا يقال في البلد إلّا إذا كان أضعاف ذلك بكثير، و كذا المال الكثير بالنسبة إلى الأشخاص، و نحو ذلك.

و لا شكّ أنّ الأوّل ليس منضبطا في حدّ خاصّ و أنّ أهل العرف لا يفهمون من الحنطة الكثيرة قدرا معيّنا، و الثاني- و هو الكثير بحسب كلّ شي ء- فيلاحظ هنا بالنسبة إلى الصلاة، و لا شكّ أنّ الفعل الكثير بحسب الصلاة لا يعيّن إلّا بعد العلم

بالصلاة و شرائطها، و لا اطّلاع للعرف العامّ في ذلك، و إنّما يعلمها المتشرعة.

______________________________

(1) الرياض 1: 179.

(2) الرياض 1: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 47

قلنا: لا يشترط في تعيين العرف العامّ الكثير بحسب الصلاة اعتقادهم بوجوبها، و علمهم بشرائطها، بل يكفي أن يعرض أجزاء الصلاة عليهم، و نسبة الفعل إليها، فما يحكمون بكثرته بحسبها يكون كثيرا.

و من هذا ظهرت صحّة الحوالة في تحديدها إلى العرف و العادة. و لكن قد عرفت أنّها إنما تتمّ لو ثبت الإجماع على هذا المصداق و هو غير معلوم، لخلوّ كلام أكثر القدماء عن هذا العنوان. مع أنّه لو فرض وجوده في جميع الكلمات لا يفيد الإجماع على العنوان، لجواز أن يكون التعبير بالعنوان باعتبار معتقدهم، و كان المبطل عند كلّ طائفة نوعا من الفعل اعتقده كثيرا فعبّر به.

و من هذا يظهر بطلان ما قيل- بعد ردّ الحوالة على العادة بالوجهين- من لزوم الاقتصار على مورد الإجماع على كونه كثيرا: فإنّه لو ثبت الإجماع على البطلان بما يصدق عليه الكثير، فما الضرر في الحوالة على العرف؟ و إن لم يثبت فما الفائدة في الإجماع على كون فعل كثيرا؟ و إذ عرفت عدم الثبوت فلا يفيد شي ء منهما.

نعم لما ثبت الإجماع على البطلان ببعض الأفعال الكثيرة، فالصواب الإناطة بالإجماع على البطلان، فكلّ فعل ثبت الإجماع على البطلان به يحكم بالبطلان، و يحكم فيما عداه بمقتضى الأصل.

و من هذا يظهر حال التحديد الثالث أيضا، و لكن لا يبعد اتّحاد مقتضى الإجماعين، فإنّ كلّ ما كان كثيرا إجماعا يبطل إجماعا و بالعكس، فتأمّل.

و أمّا التحديد الثاني- و هو جعل الكثير ما يخرج به عن كونه مصليّا- فصحته موقوفة على ثبوت التلازم

بين الوصفين، و هو ممنوع جدّا.

مضافا إلى ما في هذا الوصف أيضا من الإجمال الموجب للاقتصار على موضع الإجماع، و ذلك لأنّك قد عرفت أنّ المراد ليس ما يخرج به عن الصلاة حين الاشتغال به، إذ لا ملازمة بين هذا الخروج و بين بطلان الصلاة، كما في الغسل الترتيبيّ، فإنّه يخرج الغاسل عن كونه غاسلا ببعض الأفعال المتخللة بين أجزائه، مع أنّه يصحّ الغسل.

بل المراد ما يخرج به عن كونه مصليّا مطلقا، حتّى لو أتى بتمام الإجزاء أيضا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 48

يقال: إنّه ما صلّى، و الحاصل أن يكون الآتي بأفعال الصلاة مع هذا الفعل بحيث لم يصدق عليه أنّه مصلّ، فإنّه إذا كان كذلك تبطل به الصلاة، لانتفاء جزئها الصوريّ، كما مرّ.

و لكن لعدم انضباط ذلك عرفا، بل لا سبيل للعرف إلى فهم ذلك أصلا، فإنّه يتوقّف على فهم الصورة الموضوعة لها، فالمرجع في فهم ذلك أيضا إلى الإجماع، فكلّ ما يبطل الصورة بالإجماع يكون مبطلا، و لا يبعد اتّحاد ذلك أيضا مع مورد الإجماعين المتقدمين.

و من ذلك ظهر أنّه لا حاجة إلى بعض الأبحاث في المسألة، مثل أنّه هل يشترط في الكثرة التوالي أم لا؟ و أنّه هل يكون غيره بالعدد أم لا؟ و نحو ذلك.

و ظهر أيضا عدم بطلان الصلاة بالفعل الكثير إذا صدر ناسيا أو ساهيا، لعدم كونه مورد الإجماع. بل ظاهر بعضهم- كالتذكرة و الذكرى و غيرهما «1»- الإجماع على عدم كونه مبطلا. نعم لو انمحت به الصورة قطعا و خرج به عن كونه مصليّا إجماعا، اتّجه البطلان و لو كان سهوا، لانتفاء الجزء الصوريّ، و أصالة بطلان المأمور به بانتفاء جزئه و لو سهوا.

فائدة:

لا يخفى

أنّ ها هنا أفعالا نطقت الروايات بجوازها في الصلاة، فيحكم به فيها ما لم يثبت الإجماع على خلافه، و إن كان كثيرا، بل و لو ماحيا للصورة، إذ يكون ذلك خروجا عن تحت القاعدة بالدليل.

فيجوز غسل الرعاف و غسل الثوب منه و من النجاسة الطارئة في الأثناء، لأخبارهما كما مرّ في موضعه.

و عدّ الصلاة بالخاتم أو حصى يأخذها بيده، و تسوية الحصى في موضع السجود، و مسح التراب عن الجبهة، و نفخ موضع السجود ما لم يظهر منه حرفين،

______________________________

(1) التذكرة 1: 131، الذكرى: 215، و انظر: جامع المقاصد 2: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 49

و ضرب الحائط أو الفخذ باليد لإعلام الغير، و صفق اليدين لذلك، و الإيماء و رمي من يمرّ بالحصى لإشعاره، و مناولة العصا للغير، و حمل الصبيّ مطلقا، و إرضاعه في التشهّد، و احتكاك الجسد، و التقدّم بخطوة بل خطوتين، و قتل الأسودين و البرغوث و البقّة و القمّلة، و دفنها، و قطع الثواليل، و مسح الدماميل، و أخذ الذكر، و نزع المتحرّك من الأسنان، و حكّ خرء الطير، و رفع القلنسوة و وضعها، و رفع اليد من الركوع أو السجود لاحتكاك الجسد، و إدارة السبحة.

كلّ ذلك للمعتبرة من الروايات «1».

السابع: الأكل و الشرب عمدا

، عند جماعة من الأصحاب، منهم: الخلاف و المبسوط و التذكرة و نهاية الإحكام و السرائر و القواعد و الإرشاد «2»، و غيرها، بل الشيخ ادّعى عليه الإجماع «3»، و نسبه في كفاية الأحكام إلى المشهور «4»، و نسب إلى نهاية الشيخ أيضا «5»، و لم أعثر عليه إلّا تصريحه بجواز ما ورد في الوتر «6»، كما يأتي، و ظهوره في المنع عن غيره ممنوع، لاشتماله على أمور

أخر أيضا.

و منعه المحقّق في المعتبر «7»، و اختاره الأردبيليّ «8»، و والدي- رحمه اللّه- في المعتمد ناسبا له إلى أكثر الثالثة، و صاحب الحدائق «9»، و غيرهم «10»، فلم يبطلوا

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 19 إلى 27.

(2) الخلاف 1: 413، المبسوط 1: 118، التذكرة 1: 131، نهاية الاحكام 1: 522، السرائر 1:

215، القواعد 1: 36، الإرشاد 1: 268.

(3) كما في الخلاف 1: 413.

(4) كفاية الأحكام: 24.

(5) كما في التنقيح الرائع 1: 216، و المهذب البارع 1: 393، و الرياض 1: 180.

(6) النهاية: 121.

(7) المعتبر 2: 259.

(8) مجمع الفائدة 3: 77.

(9) الحدائق 9: 55.

(10) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 50

به من حيث هو.

و هو مذهب من قيّد الإبطال بهما بحصول الفعل الكثير، كالذكرى و المنتهى «1»، أو الإعراض عن الصلاة، كما نقله الكركيّ عن بعض كتب الشهيد «2».

و هو الحقّ، للأصل الخالي عن المعارض، سوى:

ما مرّ من الإجماع المنقول، الممنوع انصرافه إلى القليل، ثمَّ حجيّته، سيّما مع مخالفة الفحول.

و ما قيل من استلزامه الفعل الكثير لاحتياجه إلى الأخذ و الوضع و الازدراد و الابتلاع «3»، الممنوع احتياجه إليها مطلقا، ثمَّ كونها فعلا كثيرا بإطلاقها جدّا.

و تؤيّده النصوص المجوّزة لكثير من الأفعال، المتقدّمة في بحث الفعل الكثير، و الإجماع المدّعى في المنتهى على عدم البطلان بابتلاع نحو ما بين الأسنان، و بوضع سكّرة في فيه، فتذوب و تسوغ مع الريق «4».

إلى أن يبلغ حدّا تنمحي به صورة الصلاة قطعا، أو يكون في الكثرة حدّا يبطل الصلاة إجماعا.

ثمَّ إنّه قد استثني الشرب في الوتر لمريد الصوم، إذا لم يستدع منافيا غيره، بلا خلاف بين الأصحاب كما قيل

«5»، بل بالإجماع.

لرواية الأعرج المنجبرة بالعمل: إنّي أبيت و أريد الصوم، فأكون في الوتر، فأعطش، فأكره أن أقطع الدعاء و أشرب، و أكره أن أصبح و أنا عطشان، و أمامي قلّة، و بيني و بينها خطوتان أو ثلاثة، قال: «تسعى إليها و تشرب منها حاجتك،

______________________________

(1) الذكرى: 215، المنتهى 1: 312.

(2) جامع المقاصد 2: 352.

(3) كما في التذكرة 1: 132، و الذكرى: 215.

(4) المنتهى 1: 312.

(5) الحدائق 9: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 51

و تعود في الدعاء» «1».

و الاستثناء إنّما هو على مذهب الشيخ، أو كون ما ذكر فعلا كثيرا عند من يبطل بمطلق الكثير، و أمّا على ما ذكرنا فلا حاجة إليه.

و على قول الشيخ هل يتعدّى إلى مطلق النافلة، و إلى الوتر لغير مريد الصوم، و خائف العطش؟.

قيل: لا، لاختصاص النصّ «2». حتّى قيل بالاقتصار على دعاء الوتر، لذلك «3».

و يضعّف بأنّ هذا إنّما يصحّ لو كان له دليل مطلق على الإبطال، حتّى يلزمه الاقتصار على مورد النصّ. و ليس كذلك، بل دليله الإجماع، فلعلّه غير ثابت في غير الفريضة، بل صرّح بذلك في المبسوط، قال: لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة، لأنّ الأصل الإباحة، و إنما منعناه في الفريضة بالإجماع «4».

الثامن: البكاء، على الحقّ المشهور

، بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا «5»، مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و في شرح الإرشاد إلى قول الأصحاب، و قال: و كأنّه إجماع «6».

لرواية أبي حنيفة: عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ قال: «إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان ذكر ميّتا له فصلاته

______________________________

(1) التهذيب 2: 329- 1354، الوسائل 7: 279 أبواب قواطع الصلاة ب 23 ح 1.

(2) كما

في المعتبر 2: 260.

(3) كما في روض الجنان: 334، و الذخيرة: 357، و كشف اللثام 1: 240.

(4) المبسوط 1: 118.

(5) التذكرة 1: 131.

(6) مجمع الفائدة 3: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 52

فاسدة» «1».

و ضعفها سندا- لو كان- ينجبر بالشهرة.

و الرواية و إن كانت مخصوصة بالبكاء للميّت، إلّا انّ الأكثر عمّموه لكلّ أمر دنيويّ، حتّى أنّه يظهر منهم الشمول لطلب الأمور الدنيويّة من اللّه سبحانه، قيل: لعدم القائل بالفرق، مضافا إلى قرينة المقابلة الظاهرة في أنّ ذكر خصوص البكاء على الميّت إنّما هو لمجرّد التمثيل، و إلّا لجعل مقابله مطلق البكاء على غيره، لا البكاء على خصوص ذكر الجنّة و النار «2»، و إلى مفهوم صدر الخبر.

و يخدشه: عدم كفاية عدم القول بالفرق، بل اللازم الإجماع على عدم الفرق، و هو غير معلوم، سيّما بالنسبة إلى طلب الأمور المباحة الدنيويّة من اللّه سبحانه الذي هو مأمور به و مندوب إليه، بل صرّح بعض مشايخنا بعدم البطلان به «3»، و هو الظاهر من النهايتين «4».

و دلالة المقابلة على التمثيل لا تدلّ على شمول الممثّل لمثل ما ذكر أيضا، بل لعلّه داخل في التمثيل بالجنّة و النار.

و مفهوم الصدر معارض بمفهوم الذيل، مع أنّه ليس إلّا عدم كون غير المنطوق أفضل الأعمال، و هذا القدر غير كاف.

فالحقّ اختصاص الإبطال بالبكاء لفوات الأمور الدنيويّة، لا طلبها من اللّه جلّ شأنه.

و هل يختصّ الإبطال بالبكاء المشتمل على الصوت و النحيب، أو يعمّ جميع أنواعه؟.

______________________________

(1) التهذيب 2: 317- 1295، الاستبصار 1: 408- 1558، الوسائل 7: 247 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 4.

(2) انظر: الرياض 1: 179.

(3) الحدائق 9: 52.

(4) النهاية: 74، نهاية الإحكام 1: 516.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 7، ص: 53

الحقّ هو الأوّل، كما في كلمات جماعة منها: الروضة «1»، و شرح الجعفريّة، اقتصارا على المتيقّن.

و قيل بالثاني، لإطلاق النصّ «2».

و يضعّف: باشتماله على لفظ البكاء، و لا يدرى أ ممدود فيه فيختصّ، أم مقصور فيعمّ، كما نصّ عليه جمع من أهل اللغة منهم صاحب القاموس «3».

و أصالة عدم الزيادة في لفظ البكاء و لا في معناه فيكون مقصورا، باردة جدّا بل فاسدة.

و القول بأنّ لفظ البكاء المحتمل للأمرين إنّما هو في كلام الراوي، و أمّا لفظ الإمام الذي هو المعتبر فإنّما هو «بكى» بصيغة الفعل المطلق الشامل للأمرين، كما في شرح الإرشاد و غيره «4».

باطل، إذ بعد الإجمال في المصدر يسري إلى فعله أيضا، لعدم تعيّن مبدئه.

و جعل الفرق لغويّا لا عرفيّا إنّما يفيد لو قدّم العرف على اللغة مطلقا، و هو باطل جدّا، و إنّما كان كذلك لو ثبت عرف زمان الشارع أيضا.

و إطلاق النصّ يقتضي عدم الفرق في البكاء المبطل بين كونه عمدا أو سهوا أو علما أو جهلا بالمسألة، كما في الوسيلة و الروضة «5»، و شرح الجعفريّة، و عن المبسوط و المهذّب «6»، و الإصباح.

خلافا للتحرير و الذكرى «7»، و المحكيّ عن الحلبيّين «8»، لتبادر صورة

______________________________

(1) الروضة 1: 233.

(2) كما في الرياض 1: 179.

(3) القاموس المحيط 4: 306، و انظر: الصحاح 6: 2284، و مجمع البحرين 1: 59.

(4) مجمع الفائدة 3: 73، و انظر: الرياض 1: 179.

(5) الوسيلة: 97 و لكن اختصّ فيها بالعمد، الروضة 1: 233.

(6) المبسوط 1: 118، المهذب 1: 98.

(7) التحرير 1: 43، الذكرى: 216.

(8) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 120، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7،

ص: 54

العمد، و هو ممنوع. و رفع القلم، و هو غير دالّ. و حصر وجوب الإعادة في الخمسة. و دليله أعمّ مطلقا ممّا ذكر، فيجب التخصيص به.

و الظاهر مساواة النافلة للفريضة، لإطلاق الصلاة في الرواية، و كلام الجماعة. فالتقييد باطل. و وقوع المساهلة فيها مخصوص بمواقعها.

ثمَّ إنّ المجمع عليه بين الطائفة و صريح الرواية: عدم البطلان بالبكاء للآخرة، و عليه دلّت روايتا بزرج «1»، و سعيد «2».

و هل يعمّ عدم البطلان حينئذ ما إذا اشتمل على التنطّق بحرفين أيضا كما في التذكرة و نهاية الإحكام «3»، و غيرهما، أو يختصّ بما إذا لم يشتمل عليه، كجمع آخر «4»؟.

الحقّ هو الأوّل، لا لعموم المجوّزات، لأنّ عمومها في البكاء، و الحرفان خارجان عن حقيقته لغة و عرفا، و الحروف عوارض للصوت.

بل لأنّ البطلان بالحرفين إنّما هو للإجماع، أو صدق الكلام، و كلاهما ممنوعان في المقام.

التاسع: السكوت الطويل

، ذكره جماعة من الأصحاب «5»، مستدلّين عليه بفوات الموالاة بين أجزاء الصلاة.

و يضعف: بعدم ثبوت اشتراط الولاء فيها بإطلاقه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 208- 940، الوسائل 7: 247 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 1.

(2) الكافي 3: 301 الصلاة ب 17 ح 2، التهذيب 2: 287- 1148، الاستبصار 1:

407- 1557، الوسائل 7: 248 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 5.

(3) التذكرة 1: 131، نهاية الاحكام 1: 519.

(4) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 333، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 74.

(5) منهم الشهيد الأول في الذكرى: 217، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 344، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 55

و قيّده في القواعد بصورة الإخراج عن كونه مصليّا «1»، و مثّل بمن مضى

عليه ساعتان و ساعات و معظم اليوم. و هو جيّد جدّا.

العاشر: نقص جزء من الأجزاء

الواجبة للصلاة، أو شرطها، عمدا.

الحادي عشر: زيادة جزء كذلك

، بالتفصيل الآتي في بحث الخلل.

______________________________

(1) القواعد 1: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 56

الفصل الثاني فيما يكره فعله في الصلاة و هو أيضا أمور:
منها: الالتفات بالبصر أو الوجه يمينا و شمالا

، عند معظم الأصحاب كما قيل «1»، و هو عليه الدليل.

مضافا في الأوّل إلى استحباب النظر إلى المسجد المستلزم لكراهة تركه.

و في الثاني إلى ما روي عنه عليه السلام: «أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل اللّه تعالى وجهه وجه حمار؟!» «2».

و المراد بتحويل وجهه وجه الحمار أنّه يصرفه عن سجدته سبحانه و عبادته، أو المراد أنّه في معرض هذا التحويل. و إطلاقه يشمل التحويل عن القبلة مطلقا.

و الحمل على تحويل وجه القلب صرف عن الظاهر، مع إمكان إرادة الوجهين، فيكون أحدهما من البطون.

و فيهما إلى رواية عبد الحميد المتقدّمة في مسألة الالتفات «3»، و إلى المرويّ في جامع البزنطيّ «و لا تلتفت فيها، و لا يجز طرفك موضع سجودك» «4».

و أمّا الاستدلال بقوله عليه السلام: «لا صلاة لملتفت» «5».

فليس بجيّد، إذ حمله على نفي الكمال ليس بأولى من تخصيصه بالالتفات إلى الخلف، أو بكلّ البدن.

______________________________

(1) الحدائق 9: 56.

(2) أسرار الصلاة (رسائل الشهيد الثاني): 107، البحار 81: 259- 58.

(3) راجع ص: 21.

(4) نقله عنه في البحار 81: 222- 6، و مستدرك الوسائل 4: 86 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5.

(5) عمدة القارئ 3: 311 عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 57

و منها: عقص الرجل شعره

، وفاقا للأكثر، منهم المفيد و الحلّي و الديلمي و الحلبي «1»، و كافّة المتأخّرين، له، و لرواية مصادف «2»، القاصرة عن إفادة البطلان، لمقام الجملة الخبريّة.

و المروي في الدعائم: «نهاني رسول اللّه عن أربع» و عدّ منها: «و أن أصلّي و أنا عاقص رأسي من خلفي» «3» القاصر عنها، لقصور السند.

فالقول به، كما عن التهذيب و المبسوط و الخلاف «4»- مدّعيا في الأخير

عليه الإجماع- و الذكرى «5»، و اختاره بعض الأخباريّين من المتأخّرين «6»، ضعيف.

و الإجماع المنقول ليس بحجّة، و الاحتياط المستدلّ به لا يفيد الحرمة.

هذا مع أنّ كلام اللغويين في معناها مختلف [1]، و الحكم بكراهة واحد ممّا ذكروه تحكّم، و بكراهة الكلّ غير صحيح، فالمسألة عن الفائدة خالية.

و منها: التثاؤب،

من الثوباء بضم المثلّثة و فتح الواو و المدّ، و هو: ما يقال له بالفارسيّة: خميازة.

و التمطّي، و هو: مدّ اليدين.

و العبث بلحيته أو بشي ء من أعضائه.

______________________________

[1] قال في المغرب 2: 52: العقص: جمع الشعر على الرأس، و قيل: ليّه و إدخال أطرافه في أصوله.

و في الصحاح 3: 1046: عقص الشعر: ضفره وليّه على الرأس. و في القاموس 2: 320:

عقص شعره: ضفره و فتله. و في كشف اللثام 1: 240 عن ابن دريد: عقصت شعرها: شدّته في قفاها و لم تجمعه جمعا شديدا.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 152، الحلّي في السرائر 1: 271، الديلمي في المراسم: 64، الحلبي في الكافي في الفقه: 125.

(2) الكافي 3: 409 الصلاة ب 67 ح 5، التهذيب 2: 232- 914، الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 36 ح 1.

(3) الدعائم 1: 174، مستدرك الوسائل 3: 221 أبواب لباس المصلي ب 27 ح 1.

(4) التهذيب 2: 232، المبسوط 1: 119، الخلاف 1: 510.

(5) الذكرى: 217.

(6) كالحر العاملي في الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 58

و نفخ موضع السجود.

و التنخّم و البصاق، خصوصا إلى القبلة أو اليمين.

و فرقعة الأصابع أي نقضها، و الضرب بها لتصوت.

كلّ ذلك لروايات الأطياب «1»، و فتاوى الأصحاب، و منافاتها للخشوع و الإقبال.

و منها: التأوّه بحرف واحد

، ذكره في الشرائع و النافع «2»، و غيرهما «3»، بل نفي عنه و عن سوابقه الخلاف «4». و هو الأصل لنا في الكراهة، و إلّا فلم نعثر على دليل عليه.

و القيد للاحتراز عن ظهور الحرفين، فإنّه مبطل عندهم، و أمّا عندنا فهو أيضا يكون مكروها، للأولويّة.

و منها: مدافعة البول، أو الغائط، أو الريح

، ذكره الأصحاب، بل قيل:

لا خلاف فيه «5»، و في المنتهى: أنّه قول من يحفظ عنه العلم «6»، و هو الحجة فيه.

مضافا في الجميع إلى منافاتها للخشوع و الإقبال المطلوبين في الصلاة.

و في الأوّلين إلى الأخبار، ففي صحيحة هشام: «لا صلاة لحاقن و لا حاقنة «7»، كما في بعض النسخ، أو «و لا حاقب» كما في بعض آخر.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 11 و 12 و 14.

(2) الشرائع 1: 92، النافع: 34.

(3) كالمعتبر 2: 262، و الدروس 1: 184.

(4) انظر: الرياض 1: 181.

(5) كما في الرياض 1: 181.

(6) المنتهى 1: 312.

(7) التهذيب 2: 333- 1372، المحاسن: 83- 15، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 59

و الحاقن: حابس البول، و الحاقب: حابس الغائط.

و في رواية الحضرميّ: «لا تصلّ و أنت تجد شيئا من الأخبثين» «1».

و المرويّ في الخصال: «ثمانية لا يقبل لهم صلاة» إلى أن قال: «و الزبّين قالوا: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و ما الزّبّين؟ قال: الذي يدافع البول و الغائط» «2».

و في معاني الأخبار: «لا صلاة لحاقن و لا لحاقب» «3».

و في المحاسن: «لا يصلّي أحدكم بأحد العصرين، يعني البول و الغائط» «4».

و أكثرها و إن كان ظاهرا في الحرمة و البطلان، إلّا أنّ الإجماع المحقّق و المصرّح

به في المنتهى و غيره أوجب صرفه عن الظاهر.

و قيل «5»: أيضا لصحيحة عبد الرحمن: عن الرجل يصيب الغمز في بطنه، و هو يستطيع أن يصبر عليه، أ يصلّي على تلك الحال أو لا يصلّي؟ قال: «إن احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة فليصلّ و ليصبر» «6».

و فيه نظر، لأنّ الأمر بالصلاة و الصبر ظاهر في أنّه عرض في الأثناء، فهو دليل على ما صرّحوا به من أنّ الحكم المذكور مخصوص بما إذا عرض له ذلك قبل دخوله في الصلاة، و إلّا فلو كان في الأثناء فلا كراهة إجماعا.

و به، و بما مرّ يخصص إطلاق الأخبار أيضا، مضافا إلى معارضته مع ما دلّ على حرمة قطع الصلاة.

و تلحق بالمقام مسائل:
اشارة

______________________________

(1) التهذيب 2: 326- 1333، الوسائل 7: 252 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 3.

(2) الخصال: 407- 3، الوسائل 7: 252 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 6.

(3) معاني الأخبار: 237- 1، الوسائل 7: 252 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 5.

(4) المحاسن: 82- 14، الوسائل 7: 253 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 8.

(5) الحدائق 9: 63.

(6) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 3، الفقيه 1: 240- 1061، التهذيب 2: 324- 1326، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 60

المسألة الأولى:

قد وقع التصريح في كلمات جملة من الأصحاب، كالوسيلة و الشرائع و النافع و المنتهى و التذكرة و التحرير و الإرشاد و نهاية الإحكام و الروضة و الذكرى و القواعد و شرحه «1»، و غيرها «2»، بحرمة قطع الصلاة، إمّا مطلقا كأكثر من ذكر، أو مقيدا بالفريضة كالثلاثة الأخيرة.

و نفي عنه الريب في الأخير، و الخلاف المعروف في الحدائق «3»، و مطلقا في كلام جماعة «4». و في شرح الإرشاد: كأنّه إجماعيّ في الفريضة «5».

بل صرّح به جملة في جملة من المنافيات المتقدّمة، كالشهيد في الذكرى في الكلام و الحدث و القهقهة «6».

و كان بعض متأخّري المتأخّرين- على ما حكي عنه- يفتي بجواز قطع الصلاة اختيارا، و يجوّزه في الشكوك المنصوصة و الإعادة «7».

و الحقّ هو الأوّل.

لا لما قيل من أنّ الإتمام واجب و هو ينافي القطع «8»، لكونه مصادرة.

و لا لقوله سبحانه لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ «9».

______________________________

(1) الوسيلة: 97، الشرائع 1: 92، النافع: 34، المنتهى 1: 311، التذكرة 1: 132، التحرير 1: 43، الإرشاد 1: 268، نهاية الإحكام 1: 522، الروضة 1: 292، الذكرى:

215، القواعد 1: 36، جامع المقاصد 2: 358.

(2) كما في روض الجنان: 338، و الذخيرة: 363، و كشف اللثام 1: 241، و الرياض 1: 180.

(3) الحدائق 9: 101.

(4) انظر: كشف اللثام 1: 241، و الرياض 1: 180.

(5) مجمع الفائدة 3: 109.

(6) الذكرى: 215.

(7) انظر: الحدائق 9: 101.

(8) كما في الذكرى: 215، و كشف اللثام 1: 241.

(9) محمّد (صلّى اللّه عليه و آله): 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 61

لعدم تماميّة الاستدلال به، من جهة تعارض التجوّز و التخصيص في النهي و الأعمال، و من جهة الإجمال في معنى الإبطال كما بيّناه في العوائد «1».

و لا لمفهوم مرسلة حريز الآتية، إذ مفهومها- على فرض حجيّته- عدم وجوب القطع دون عدم جوازه.

و لا لصحيحة زرارة: «و لا تقلّب وجهك عن القبلة» «2».

لعدم صراحتها في النهي.

بل للأخبار المتكثّرة المصرّحة بأنّ تحريمها التكبير «3»، و لا معنى لكون التكبير تحريما إلّا تحريمه ما كان حلالا قبله.

و صحيحة البجلي: عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه، و هو يستطيع أن يصبر عليه، أ يصلّي على تلك الحال، أو لا يصلّي؟ فقال: «إذا احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة فليصلّ و ليصبر» «4».

و الأمر بالصبر حقيقة في الوجوب، و لو لا حرمة القطع لما وجب.

و صحيحة ابن أذينة المتقدّمة في مسألة الالتفات «5»، فإنّه لو لا حرمة القطع، لما وجب الغسل من غير التفات.

و موثّقة الساباطيّ المتقدّمة فيها أيضا، الآمرة بالتحويل إلى القبلة إن كان متوجّها إلى المشرق أو المغرب، و بالقطع إن كان متوجّها دبر القبلة «6»، و التقريب ما ذكر.

و مقتضى إطلاق الثلاثة الأخيرة عموم الحكم للفريضة و النافلة، فيعمهما.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 151.

(2) الكافي 3: 300 الصلاة

ب 16 ح 6، الفقيه 1: 180- 856، التهذيب 2: 286- 1146، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 3.

(3) انظر: الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1.

(4) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 3، الفقيه 1: 240- 1061، التهذيب 2: 324- 1326، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.

(5) راجع ص: 20.

(6) راجع ص: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 62

و خصّ جماعة- مرّت إليهم الإشارة- بالأولى، تبعا للحلّي [1]، لمفهوم المرسلة المذكورة، و بعض الأخبار الواردة في الالتفات عن القبلة «1»، و بهما تقيّد الإطلاقات.

و يردّ الأوّل: بعدم الدلالة، و الثاني: بأنّه يدلّ على عدم انقطاع النافلة بالالتفات، لا على جوازه مع كونه قاطعا.

و يستثنى من تحريم القطع ما إذا خاف من تركه ضررا في مال أو نفس أو عرض من نفسه أو غيره، و الظاهر- كما قيل «2»- اتّفاقهم عليه، له، و لعمومات نفي الضرر، و انتفاء العسر و الحرج.

و لمرسلة حريز: «إذا كنت في صلاة الفريضة، فرأيت غلاما لك قد أبق، أو غريما لك عليه مال، أو حيّة تتخوّفها على نفسك، فاقطع الصلاة، و اتّبع غلامك و غريمك، و اقتل الحيّة» «3».

و رواها الصدوق بطريق صحيح «4».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة، فنسي كيسه أو متاعا يخاف ضيعته أو هلاكه، قال: «يقطع و يحرز متاعه، ثمَّ يستقبل القبلة» قلت: فيكون في صلاة الفريضة، فتفلت عليه دابّته، فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا، فقال: «لا بأس بقطع صلاته و يتحرّز و يعود إلى صلاته» «5».

______________________________

[1] قال في السرائر في كتاب الاعتكاف 1: 422 .. لأنّ عندنا العبادة المندوب إليها لا

تجب بالدخول فيها- بخلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة- ما خلا الحج المندوب، فإنه يجب بالدخول فيه، و حمل باقي المندوبات عليه قياس ..

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 246 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8.

(2) انظر: الرياض 1: 180.

(3) الكافي 3: 367 الصلاة ب 52 ح 5، التهذيب 2: 331- 1361، الوسائل 7: 276 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 1.

(4) كما في الفقيه 1: 242- 1073.

(5) الكافي 3: 367 الصلاة ب 52 ح 3، الفقيه 1: 241- 1071، التهذيب 2: 330- 1360، الوسائل 7: 277 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 63

و في القويّ: في رجل يصلّي و يرى الصبيّ يحبو إلى النار، و الشاة تدخل البيت لتفسد الشي ء، قال: «فلينصرف و ليتحرّز ما يتخوّف منه و يبني على صلاته ما لم يتكلّم» «1».

و اختصاصها ببعض أفراد المطلوب مجبور بالإجماع المركّب.

ثمَّ إنّ القطع على سبيل الوجوب إذا كان الخوف على النفس، أو المال المحترم المحرّم إتلافه شرعا، كما يدلّ عليه الأمر في بعض تلك الأخبار. و على سبيل الجواز إن كان على مطلق المال المحترم، كما يقتضيه إطلاق الكيس و المتاع و الشي ء في الخبرين الأخيرين.

و من هذا تظهر صحة ما ذكره الشهيدان و غيرهما من تقسيم القطع إلى الأقسام الخمسة «2»، و تندفع مناقشة بعضهم في بعض الأقسام «3».

و هل يعيد الصلاة بعد القطع، كما هو الظاهر من القطع؟.

أو يبني على ما هو مضى؟ كما هو ظاهر قوله «و يعود إلى صلاته» في الخبر الثاني، و صريح الثالث.

الظاهر الأوّل إن ارتكب ما يبطل الصلاة عمدا، لعمومات إبطاله بلا معارض، و قوله «ما لم يتكلّم» في الخبر

الأخير. و يبني على صلاته إن لم يفعله، للأصل، و القويّ.

المسألة الثانية: يجوز على الأظهر الأشهر، بل يستحبّ للمصلّي تسميت العاطس،

بالمهملة و المعجمة.

و هو: الدعاء له عند العطاس بنحو قوله: يرحمك اللّه، إذا كان مؤمنا كما

______________________________

(1) التهذيب 2: 333- 1375، الوسائل 7: 278 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 3.

(2) الشهيد في الذكرى: 215، الشهيد الثاني في الروضة 1: 292، و انظر: جامع المقاصد 2: 359.

(3) كما في المدارك 3: 478.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 64

قيل «1»، أو مسلما كما ذكره بعضهم «2»، أو مطلقا كما يقتضيه عموم روايات التسميت «3»، و خصوص مرسلة ابن أبي نجران: عطس رجل نصرانيّ عند أبي عبد اللّه عليه السلام، فقال له القوم: هداك اللّه، فقال أبو عبد اللّه: «يرحمك اللّه» فقالوا له: إنّه نصرانيّ، فقال: «لا يهديه اللّه حتّى يرحمه» «4».

و إنّما جاز التسميت للمصلّي لكونه دعاء جائزا في الصلاة مطلقا، و عمومات ما دلّ على جواز التسميت، بل استحبابه لكلّ أحد إلّا إذا زادت العطسة عن الثلاث «5».

و عن المعتبر التردّد فيه، و لا وجه له، مع أنّه رجع عنه بعده إلى الجواز، و جعله مقتضى المذهب «6».

و أمّا المرويّ في مستطرفات السرائر عن جعفر عليه السلام: في رجل عطس في الصلاة، فسمّته رجل، فقال: «فسدت صلاة ذلك الرجل» «7».

فحمله بعضهم على التقيّة «8»- حيث إنّ المنسوب إلى الشافعيّ و بعض العامّة تحريمه «9»- و ردّه آخر بالشذوذ.

و الصواب ردّه بالإجمال، إذ لم يذكر فيه كون المسمّت في الصلاة، و فساد صلاة العاطس لا وجه له.

و قد يستند في التردّد إلى بعض الروايات العاميّة القاصرة دلالة «10».

______________________________

(1) الرياض 1: 181.

(2) كالسبزواري في الذخيرة: 367.

(3) انظر الوسائل 12: أبواب أحكام العشرة ب 57 و 58.

(4)

الكافي 2: 656 العشرة ب 15 ح 18، الوسائل 12: 96 أبواب أحكام العشرة ب 65 ح 1.

(5) انظر: الوسائل 12: 91 أبواب أحكام العشرة ب 61.

(6) المعتبر 2: 263.

(7) مستطرفات السرائر: 98- 19، الوسائل 7: 272 أبواب قواطع الصلاة ب 18 ح 5.

(8) كصاحب الحدائق 9: 100.

(9) انظر: مغني المحتاج 1: 197.

(10) كما في سنن أبي داود 4: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 65

و كذلك يجوز له ردّ المسمّت بقوله: يغفر اللّه لك و يرحمك، كما في بعض الأخبار، أو: يغفر اللّه لك و لنا، كما في بعض آخر «1»، لما مرّ.

بل يجب عليه و على كلّ عاطس ردّه، للمرويّ في الخصال: «إذا عطس أحدكم فسمتوه، قولوا: يرحمكم اللّه، و هو يقول: يغفر اللّه لكم و يرحمكم، قال اللّه عزّ و جل إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها «2».

و تؤيّده رواية محمّد: «إذا عطس الرجل فليقل: الحمد للّه لا شريك له، و إذا سمعت الرجل يعطس فلتقل: يرحمك اللّه، و إذا رددت فلتقل: يغفر اللّه لك و لنا» «3».

فالقول بعدم الوجوب- كما عن المحقّق الثاني و المدارك لعدم صدق التحيّة عليه «4»- ضعيف.

و لكن لا يجب ما في الرواية، بل يجوز بمثل التسميت أو أحسن منه كلّ ما كان.

و كما يجوز له التسميت، يجوز له التحميد و الصلاة على النبيّ و آله عند سماع العطسة، فإنّه أيضا مستحبّ، بل ورد في الأخبار الأمر به و إن كان بينك و بينه البحر «5»، و ورد في بعض المعتبرة: «إنّه من سمع العطسة، فحمد اللّه تعالى، و صلّى على نبيّه و أهل بيته، لم يشتك عينيه و لا ضرسه» «6».

و كذا يجوز

له و لكلّ عاطس أن يحمد اللّه تعالى، و يصلّي على النّبي و آله، كما ورد في الأخبار المتكثّرة «7»، و في المنتهى أنّه مذهب أهل البيت عليهم

______________________________

(1) انظر: الوسائل 12: 88 أبواب أحكام العشرة ب 58.

(2) الخصال: 633، الوسائل 12: 88 أبواب أحكام العشرة ب 58 ح 3.

(3) الكافي 2: 655 العشرة ب 15 ح 13، الوسائل 12: 88 أبواب أحكام العشرة ب 58 ح 2

(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 354، المدارك 3: 472.

(5) انظر الوسائل 7: 271 أبواب قواطع الصلاة ب 18.

(6) انظر الوسائل 12: 94 أبواب أحكام العشرة ب 63 ح 2.

(7) كما في الوسائل 7: 271 أبواب قواطع الصلاة ب 18، و الوسائل 12: أبواب أحكام العشرة ب 62 و 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 66

السلام «1». و أن يكون ذلك بعد وضع إصبعه على أنفه.

و يستحبّ أيضا للعاطس أن يقول بعد التحميد و الصلاة واضعا إصبعه على أنفه: رغم أنفي للّه رغما داخرا.

المسألة الثالثة: يجوز السلام على المصلّي
اشاره

، للأصل، و العمومات «2»، و خصوص الروايات في ردّ السلام للمصلّي «3»، و تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الإمام صلوات اللّه عليه، المسلّمين عليهم في الصلاة «4»، و المرويّ في الذكرى: «إذا دخلت المسجد و الناس يصلّون، فسلّم عليهم، و إذا سلّم عليك فاردد، فإنّي أفعله» «5».

و أمّا المروي في الخصال: «لا تسلّموا على اليهود و النصارى» إلى أن قال:

«و لا على المصلّي، لأنّه لا يستطيع أن يردّ السلام» «6».

و في قرب الإسناد: «إذا دخلت المسجد الحرام و القوم يصلّون فلا تسلّم عليهم» «7».

فلا يعارض ما مرّ، لندرته رواية و فتوى.

مع أنّ الثابت ممّا مرّ ليس الزائد

على الجواز، أمّا غير رواية الذكرى فظاهر، و أمّا هي فلعدم كون الأمر فيها للوجوب قطعا، فيمكن أن يكون مجازه الجواز، سيّما مع كونه في مقام توهّم الحظر و مقابلتها مع الروايتين الأخيرتين، و هما أيضا لا تثبتان الزائد من الكراهة، أمّا الأخيرة فلضعفها، و احتمالها الجملة الخبريّة، و أمّا الأولى فلاشتمالها على بعض من يكره السلام عليه، و عدم جواز استعمال اللفظ في

______________________________

(1) المنتهى 1: 313.

(2) كما في الوسائل 12: أبواب أحكام العشرة ب 32 و 33.

(3) الوسائل 7: 267 أبواب قواطع الصلاة ب 16.

(4) الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 16 و 17.

(5) الذكرى: 218، الوسائل 7: 271 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 3.

(6) الخصال: 484- 57، الوسائل 7: 270 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 1.

(7) قرب الإسناد: 94- 317، الوسائل 7: 270 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 67

حقيقته و مجازه.

فالقول بالكراهة- كما ذهب إليه بعض المتأخّرين «1»- هو الأقوى.

و بالروايتين الأخيرتين تخصص عمومات التسليم.

و يجوز للمصلّي بل يجب عليه ردّه، كما يجب على غير المصلّي، بلا خلاف كما قيل «2»، بل بالإجماع كما صرّح به جماعة «3».

لعمومات الكتاب، و السنّة المستفيضة، و خصوص المعتبرة، منها:

صحيحة محمّد: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في الصلاة فقلت:

السلام عليك فقال: «السلام عليك» فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلما انصرف قلت: أ يردّ السلام و هو في الصلاة؟ فقال: «نعم مثل ما قيل له» «4».

و الأخرى: «إذا سلّم عليك مسلّم و أنت في الصلاة فسلّم عليه، تقول:

السلام عليك، و أشر بأصابعك» «5».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة، قال: «يردّ بقوله:

سلام

عليكم، و لا يقول: عليكم السلام» «6».

و غير ذلك من الأخبار المتكثّرة.

و الظاهر عدم تعيّن صيغة الردّ لغير المصلّي من الصيغ الأربع المشهورة، بل الثمان، للأصل، و بعض الروايات، و إن كان الأولى له الردّ بتقديم الظرف.

و أوجب بعضهم الردّ به، لأخبار غير صالحة لإثبات الوجوب «7».

______________________________

(1) كصاحب المدارك 3: 475.

(2) في الحدائق 9: 79.

(3) كالسيد في الانتصار: 47، و صاحب المدارك 3: 473، و صاحب الحدائق 9: 75.

(4) التهذيب 2: 329- 1349، الوسائل 7: 267، أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1.

(5) الفقيه 1: 240- 1063، مستطرفات السرائر: 98- 18، الوسائل 7: 268 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 5.

(6) الكافي 3: 366 الصلاة ب 51 ح 1، التهذيب 2: 328- 1348، الوسائل 7: 267 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2.

(7) انظر: الحدائق 9: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 68

و أمّا المصلّي فهل يجب عليه الردّ بالمثل؟ كما نسب إلى المشهور بين الأصحاب «1»، و عن صريح السيّد و الخلاف «2»، و ظاهر المدارك «3»، بل روض الجنان «4»، و غيره: إجماعهم عليه.

لصحيحة محمّد الاولى، و صحيحة منصور: «إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي، قال: تردّ عليه خفيّا كما قال» «5».

و لا تنافيهما صحيحة محمّد الثانية، و لا الموثّقة، لكونهما مبنيين على ما هو الشائع من وقوع التسليم هكذا.

أو بقوله: سلام عليكم؟ كما هو ظاهر النافع «6»، و صريح بعض آخر «7»، للموثّقة.

أو يجوز الردّ بأيّ نحو كان، و لو بقوله: عليكم السلام؟ كما عن الحلّي و المختلف «8».

الظاهر الأخير، للأصل، و عدم دلالة شي ء من الروايات على الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة، مع أنّها معارضة بعضها مع بعض، و غلبة

السلام بقوله:

السلام عليكم لا تفيد للصحيحة الثانية، مع أنّها لا تخصّص العموم المستفاد من ترك الاستفصال.

مضافا إلى أنّه يمكن أن يراد بالمماثلة في الصحيحة عدم الزيادة على التسليم من قوله: و رحمة اللّه و بركاته، و هو المناسب للخبرين الأخيرين. و به يحصل الجمع

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 181.

(2) السيد في الانتصار: 47، الخلاف 1: 388.

(3) المدارك 3: 474.

(4) الروض: 339.

(5) الفقيه 1: 241- 1065، التهذيب 2: 332- 1366، الوسائل 7: 268 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 3.

(6) النافع: 34.

(7) كصاحب الرياض 1: 182.

(8) الحلي في السرائر 1: 236، المختلف: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 69

التامّ بينها.

و يمكن أن يكون المراد المماثلة في تقديم السلام، لأنّه الأقرب إلى ما ورد في القرآن، فتخلو الصلاة عن كلام الآدميين.

و لا يختصّ وجوب الردّ على المصلّي أو غيره بصورة كون التسليم بتأخير الظرف، وفاقا للحلّي «1»، بل- كما قيل «2»- هو ظاهر الأصحاب، للأصل، و صدق التسليم عليه.

و عن التذكرة و الذخيرة و غيرهما: الاختصاص «3»، لأنّ صورة تقديم الظرف صيغة الجواب، دون السلام الواجب ردّه.

و يضعّف بالمنع، لعدم دليل على اختصاص التسليم بتقديم السلام، و وروده كذلك في حكاية بعض التسليمات لا يدلّ على الوجوب، كما أنّ بعض الروايات العاميّة لا يفيد في إثباته «4».

و هل يجب الردّ إذا سلّم بنحو قوله: سلام، أو السلام من غير ذكر الظرف؟.

أنكره جماعة «5»، للأصل. و تردّد بعض آخر، بل أوجب «6»، لصدق التحيّة و التسليم. و هو الأظهر، لذلك.

و لا يجب الردّ إذا سلّم بما لا يصحّ لغة، كبعض الأعجام يسلّم بقوله:

سرام، أو سلوم و نحوهما، للأصل، و عدم معلوميّة صدق التحيّة.

______________________________

(1) في السرائر 1: 236.

(2)

حكاه عن بعض المتأخرين في الحدائق 9: 72.

(3) التذكرة 1: 130، الذخيرة: 366، و انظر المعتبر 2: 264.

(4) سنن أبي داود 4: 353- 5209.

(5) كصاحب الحدائق 9: 74.

(6) كما في مجمع الفائدة 3: 117، و كفاية الأحكام: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 70

فروع:
أ: لا خلاف- كما قيل «1» في أنّ الردّ واجب كفاية لا عينا

، إذا كان الرادّ من المسلّم عليهم، لتحقّق التحيّة و الردّ.

و فيه نظر، لأنّ السلام إذا كان على الكلّ، كان كلّ أحد مأمورا بالردّ بمقتضى الأخبار، بل الآية، و الأصل عدم السقوط عنه بفعل الغير، فإن ثبت الإجماع، و إلّا فيجب على الكلّ.

و على القول بالكفاية، هل يستحبّ للباقين الردّ حينئذ أيضا؟.

عن روض الجنان: الاتّفاق على استحبابه «2»، و نحوه كاف في المقام، فيكون مستحبّا.

و قد يستدلّ بعموم الروايات، و لا يخلو عن نظر.

و هل يشمل الاستحباب المصلّي أيضا؟.

فيه نظر، لاختصاص حكاية الاتّفاق بغير المصلّي، و جوازه بقصد القرآن أمر آخر. إلّا أن يقال: إنّ ردّه دعاء للمسلّم، فيكون جائزا، بل مستحبّا من هذه الجهة، إلّا أنّه أيضا غير استحباب الردّ من حيث هو.

و كذا قالوا: إنّ الابتداء بالسلام من المستحبّات كفاية أيضا «3»، و عن التذكرة الإجماع عليه «4».

و تدلّ عليه موثّقة غياث «5»، و مرسلة ابن بكير «6»، و مقتضاهما كفائيّة الاستحباب إذا كان الداخلون جماعة، لا أنّه إذا سلّم أحد على جماعة مطلقا أجزأ عن غيره كذلك.

______________________________

(1) الحدائق 9: 75.

(2) الروض: 339.

(3) كما في الحدائق 9: 75.

(4) لم نعثر عليه في بحث قواطع الصلاة من التذكرة، و لكن حكاه عنه في الحدائق 9: 75.

(5) الكافي 2: 647 العشرة ب 7 ح 3، الوسائل 12: 75 أبواب أحكام العشرة ب 46 ح 2.

(6) الكافي 2: 647 العشرة ب

7 ح 1، الوسائل 12: 75 أبواب أحكام العشرة ب 46 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 71

ثمَّ المستفاد من قوله «أجزأ» فيهما أنّ تسليم الواحد يكفي عن تسليم الكلّ، و هل يستحبّ لغير الواحد التسليم بعد تسليم أحدهم؟ فيه احتمالان.

ب: يجب ردّ سلام الصبيّ المميّز، في الصلاة

و غيرها، وفاقا لجملة من الأصحاب، منهم روض الجنان و المدارك «1».

لا لعموم الآية كما قيل «2»، لاتّحاد المرجع في «حييتم» و «حيّوا» و الثاني مخصوص بالمكلّفين فكذا الأوّل.

بل لعموم طائفة من الأخبار المتقدّمة و غيرها.

و هل يكتفى بردّه؟.

الظاهر لا، وفاقا للمدارك و غيره «3»، لأنّ الأمر بالتحيّة بالمثل في الآية، و الردّ في الأخبار مخصوص بالمكلّفين.

ج: وجوب الردّ على المصلّي و غيره إذا علم دخوله في المسلّم عليه

. و إن شكّ فيه فلا يجب، بل يشكل جوازه للمصلّي، إلّا إذا قصد القرآن، أو من حيث كونه دعاء للمسلّم.

د: قالوا: يجب إسماع الردّ للمسلّم

تحقيقا أو تقديرا «4». و هو صحيح، إذ لا يعلم صدق التحيّة و الردّ، و لرواية ابن القدّاح: «فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه، لا يقول: سلّمت و لم يردّوا عليّ» «5».

إلّا أنّ في كفاية التقديري نظر، إذ ظاهر أنّ صدق الردّ أمر لا يتوقّف على الإمكان و عدمه، فإن صدق ردّه بدون الإسماع لم يجب مطلقا، و إلّا وجب مع الإمكان، و يسقط وجوب الردّ مع عدم إمكان الإسماع.

______________________________

(1) الروض: 339، المدارك 3: 475.

(2) في الحدائق 9: 76.

(3) المدارك 3: 475، و انظر: الروض: 339.

(4) كما في الروض: 339، و الحدائق 9: 77.

(5) الكافي 2: 645 العشرة ب 7 ح 7، الوسائل 12: 65 أبواب أحكام العشرة ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 72

و لا يبعد صدق الردّ عليه بالتسليم مع الإشارة المفهمة له بالإصبع أو الرأس، فيكون كافيا كذلك مطلقا.

و لا تنافيه رواية ابن القدّاح، لأنّ المستفاد من تعليلها أنّ المطلوب إفهام المسلّم، و هو يحصل بذلك، فإن لم يمكن ذلك أيضا سقط وجوب الردّ.

هذا في غير المصلّي، و أمّا هو فالمشهور فيه أيضا وجوب الإسماع، لما ذكر.

و عن المحقّق و الأردبيليّ- طاب ثراهما- عدمه «1»، لصحيحة منصور المتقدّمة «2»، و موثّقة الساباطيّ: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة تردّ عليه فيما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك» «3».

و تدلّ عليه صحيحة محمّد الثانية «4»، حيث تضمّنت قوله «و أشر بأصابعك» فإنّه لو كان جهرا لما احتاج إلى ذلك.

و ردّ بالحمل على التقيّة،

لأنّ عدم وجوب ردّ المصلّي نطقا مذهب أكثر العامّة «5».

و هو كان حسنا لو كان وجوب الإسماع ثابتا. و أمّا على ما ذكرنا من وجوب الإفهام، فلا داعي للحمل عليها، بل يسلّم خفيّا، و يشير بالإصبع- كما في صحيحة محمّد- تحصيلا للتفهيم. إلّا أنّه لا يجب ذلك، كما حكي عن الفاضلين المذكورين، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب، حتّى الصحيحة الأخيرة الآمرة بالإشارة، لعدم وجوب خصوص هذه الإشارة إجماعا.

ه: المشهور بين الأصحاب أنّ وجوب الردّ في الصلاة و غيرها فوريّ

، إذ هو المتبادر من الردّ، و مقتضى الفاء الدالة على التعقيب بلا مهلة في الآية.

______________________________

(1) المحقق في المعتبر 2: 264، الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 119.

(2) في ص: 68.

(3) الفقيه 1: 240- 1064، التهذيب 2: 331- 1365. الوسائل 7: 268 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 4.

(4) المتقدمة في ص: 67.

(5) انظر: بداية المجتهد 1: 181، و المغني 1: 747.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 73

و الأوّل ممنوع، و كذا الثاني في الفاء الجزائيّة، و لذا توقّف فيه بعضهم «1».

إلّا أنّ المعلوم من سيرة النبيّ و الأئمة و أصحابهم و العلماء المسارعة إلى الجواب، فالظاهر أنّه إجماعيّ.

إلّا أنّه- كما صرّح به بعضهم «2»- الفوريّة المعتبرة هنا إنّما هو تعجيله بحيث لا يعدّ تاركا عرفا، فلا يضرّ إتمام كلمة أو كلام وقع السلام في أثنائه.

و: لو ترك المصلّي ردّا هل تبطل صلاته، أم لا؟.

المشهور هو الأوّل، لقاعدتي عدم اجتماع الأمر و النهي، و كون الأمر بالشي ء نهيا عن ضدّه.

و الحقّ عدم البطلان و إن صحّت القاعدتان، كما بينّا وجهه في كتبنا الأصوليّة.

ز: يجب ردّ السلام الواقع في وراء ستر أو جدار أيضا

. و هل يجب إذا سلّم عليه بلسان رسول؟ الظاهر نعم، لصدق التحية و السلام.

و في وجوبه إذ كتب بالسلام نظر، لعدم معلومية الصدق. نعم لو كان جواب الكتاب واجبا- كما اختاره بعض الأصحاب «3» و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان صريحة «4»، و هو الأقوى لذلك- كان واجبا من هذه الجهة.

و هل يختصّ وجوب جواب الكتاب بما إذا تضمّن الدعاء و السلام، بل كان مخصوصا به، أو يجب مطلقا؟ فيه تأمّل.

ح: الحقّ جواز تسليم الأجنبية على الأجنبي

، للأصل و الأخبار.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 9: 81.

(2) انظر: الذخيرة: 367.

(3) كصاحب الحدائق 9: 82.

(4) الكافي 2: 670 العشرة ب 27 ح 2، الوسائل 12: 57 أبواب أحكام العشرة ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 74

و قيل بعدمه «1»، لأنّ صوتها عورة.

و هو ممنوع، و الخبر المانع عنه لا يفيد أزيد من الكراهة «2».

ط: لا يبتدئ بالسلام على الكافر

، بل الظاهر عدم جوازه، للنهي عنه في رواية غياث «3»، المؤيّدة برواية الخصال المتقدّمة «4». إلّا أن تدعو إليه الضرورة، كما يدلّ عليه خبر عبد الرحمن بن الحجاج «5».

و لو سلم كافر على مسلم فهل يجب الردّ أم لا؟.

الظاهر نعم، لعموم الآية، و أكثر الأخبار، و خصوص رواية غياث، و موثّقتي محمّد «6»، و سماعة «7».

و المشهور المنصور أنه يردّ على أهل الذمّة ب «عليك»، للرواية و الموثقتين المذكورة.

و هل يجب الاقتصار على ذلك، أم يجوز بغيره؟.

ظاهر الأمر فيها يقتضي الوجوب. إلّا أنّ في رواية زرارة: «تقول في الردّ على اليهودي و النصراني: سلام» «8».

و مقتضى القاعدة التخيير، إلّا أنّ الأوّل أشهر رواية، و هو من المرجّحات المنصوصة، و على هذا فلا يجوز بمثل عليك السلام.

______________________________

(1) كما في الحدائق 9: 83.

(2) الكافي 5: 535 النكاح ب 83 ح 2، الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131 ح 2.

(3) الكافي 2: 648 العشرة ب 11 ح 2، الوسائل 12: 77 أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 1.

(4) في ص: 66.

(5) الكافي 2: 650 العشرة ب 11 ح 7، الوسائل 12: 83 أبواب أحكام العشرة ب 53 ح 1.

(6) الكافي 2: 649 العشرة ب 11 ح 4، مستطرفات السرائر: 138- 7، الوسائل 12: 77 أبواب أحكام العشرة

ب 49 ح 3.

(7) الكافي 2: 649 العشرة ب 11 ح 3، الوسائل 12: 79 أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 6.

(8) الكافي 2: 649 كتاب العشرة ب 11 ح 6، الوسائل 12: 77 أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 75

ي: المستفاد من بعض الأخبار أنّه يستحبّ أن يسلّم الراكب على الماشي و القائم على الجالس،

و الطائفة القليلة على الكثيرة، و الصغير على الكبير، و أصحاب الخيل على أصحاب البغال، و هم على أصحاب الحمير «1». و لكن ذلك مستحبّ في مستحبّ، فلو وقع العكس في بعض الصور لم يخرج من الاستحباب أيضا.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 12: 73 أبواب أحكام العشرة ب 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 77

الباب الثاني في الخلل الواقع في الصلاة المتعلق بأجزائها، أو صفاتها، أو شرائطها

اشارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 79

و هو: إمّا عن عمد، أو جهل، أو سهو، أو بسبب تعلّق الشكّ بأحد هذه الأمور، أو الظنّ. ثمَّ الخلل الحاصل بسبب أحد هذه الأمور إمّا نقص أو زيادة.

و المراد بالعمد: كونه بشعور و قصد.

و بالسهو: عزوب المعنى عن القوّة الذاكرة مع بقائه في الحافظة، و لهذا يحصل بالتذكّر، و يرادفه النسيان.

و قد يطلق النسيان على عزوبه عن القوّتين، فيحتاج حصوله إلى المراجعة و التعلّم، و على ذلك يرادف الجهل بأحد معنييه، و المعنى الآخر عدم حصول المعنى في الذهن أوّلا أيضا.

و بالشك: تساوي الاعتقادين المتضادين. و قد يطلق السهو في الأخبار و كلام الأصحاب على الشك أيضا.

و بالظن: رجحان أحد الطرفين.

فهاهنا مباحث، نذكرها بعد ذكر أصل، يحصل منه حكم كثير من مسائل الباب، هو: أنّ الأصل في كلّ شرط أو جزء واجب أو صفة واجبة بطلان الصلاة بنقصه عمدا، أو جهلا، أو سهوا. و كذا في زيادة الأجزاء.

أمّا أصالة البطلان بنقص ما ذكر عمدا، أو جهلا مع التقصير و احتمال الخلاف، فلإيجابه عدم الإتيان بالمأمور به، و مخالفته الموجبة لعدم تحقّق الامتثال.

و أمّا أصالته بنقصه جهلا من غير تقصير، أو سهوا، فالمراد بالبطلان حينئذ ليس عدم موافقة ما فعل للمأمور به حين الجهل و النسيان، إذ لا تكليف على الغافل فوق ما عمله.

بل المراد وجوب الفعل في الوقت ثانيا- إن ارتفع الجهل أو النسيان فيه- مع الشرط أو الجزء المتروك أوّلا، سواء كان الترك لأجل الخطإ جهلا أو نسيانا، في حكم الجزء أو الشرط، أو في موضوعه.

أمّا الأوّل فكمن ظنّ عدم وجوب السورة في الصلاة، أو عدم وجوب الاستقبال، أو ستر العورة فيها، و صلّى بدون السورة، أو غير مستقبل القبلة، أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 80

مكشوف العورة، ثمَّ تبيّن له خلافه مع بقاء الوقت.

و الوجه في البطلان بالمعنى المذكور حينئذ أنّ بعد تبيّن الخلاف حصل له أمر، و هو: أنّ كلّ مكلّف يجب عليه الفعل مع هذا الجزء أو الشرط في الوقت الفلاني، و المفروض بقاء الوقت، فيكون داخلا في الموضوع، فيجب عليه الفعل.

و لا ينافي ذلك صحة ما فعله أوّلا، حيث إنّه له المأمور به حينئذ، لأنّه المأمور به له حين يعلم أنّه المأمور به له، و لا يضرّ ذلك في كون شي ء آخر مأمورا به له في وقت آخر.

و الحاصل أنّ ها هنا أمرين: مطلقا و مقيّدا، و كان الأوّل واجبا عليه في الوقت الأوّل، و الثاني في الثاني.

و أمّا الثاني فهو إمّا خطأ في المفهوم، أو المصداق.

فالأوّل كمن ظنّ سهوا أو جهلا أنّ المراد بالمغرب غروب الشمس، فصلّى، ثمَّ تبيّن له مع بقاء الوقت أنّ مفهومه زوال الحمرة.

أو ظنّ أنّ القبلة ما بين المشرق و المغرب، فصلّى في العراق إلى حوالي المشرق، ثمَّ ظهر له أنّ ذلك قبلة المتحيّر.

أو ظنّ أنّ ستر العورة يتحقّق مع اللباس الحاكي أيضا، ثمَّ ظهر له أنّه ليس بساتر.

أو ظنّ أنّ السورة الواجبة في الصلاة صادقة على آية من السورة أيضا، ثمَّ ظهر له خطؤه.

و أمّا

الثاني فكمن علم أنّ المراد بالمغرب زوال الحمرة، و سها، فظنّ حصوله قبل حصوله، و صلّى، ثمَّ تبيّن خطؤه.

أو علم أنّ القبلة الجهة المخصوصة للكعبة و ظنّها في سمت، و صلّى إليه، ثمَّ ظهر خطؤه.

و يظهر وجه وجوب الإعادة في الوقت فيهما أيضا ممّا مرّ.

هذا حكم الإعادة في الوقت.

و أمّا القضاء فالأصل ينفيه، و ثبوته إنّما هو بأمر جديد، فلا يندرج تحت

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    81     الباب الثاني في الخلل الواقع في الصلاة المتعلق بأجزائها، أو صفاتها، أو شرائطها ..... ص : 77

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 81

ضابطة كليّة، بل تجب متابعة الأمر في كلّ موضع. إلّا أنّه ثبت وجوبه في الخلل العمدي الحاصل في أجزاء الصلاة الواجبة نقصا، أو زيادة، أو نقص أوصافها الواجبة، كما يأتي بعد ذلك.

و إن أردت تحقيق المقام في هذه الأقسام، مع نقض و إبرام بما لا يتصوّر مزيد عليه، فارجع إلى كتابنا المسمّى بعوائد الأيّام، فقد استوفينا الكلام في أقسام الخاطئ و الجاهل، و ذكرنا تحقيقات لا توجد في غيره «1».

ثمَّ لا يخفى أنّ البطلان بهذا المعنى أي: وجوب الإعادة في الوقت إنّما هو مقتضى الأصل، و قد يدلّ دليل خارجي على عدم الوجوب، كما في نسيان الفاتحة أو السورة، و بالجملة غير الأركان من أجزاء الصلاة.

كما قد يوجد دليل على وجوب القضاء خارج الوقت أيضا، كما في السهو عن الأركان، أو الطهارة و نحوها. بل الظاهر الإجماع على أنّ ما يوجب الإعادة في الوقت من نقص أجزاء الصلاة سهوا يوجب القضاء خارجه.

و أمّا أصالة بطلان الصلاة بزيادة الأجزاء بأحد الوجوه الثلاثة، فلرواية أبي بصير: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «2».

و

صحيحة زرارة و بكير: «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته [المكتوبة] لم يعتدّ بها، و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا» «3».

و قوله: «زاد في صلاته» يحتمل معنيين:

أحدهما: أنّ من زاد صلاته بمعنى أن يصلي صلاة زائدة عمّا يجب عليه، كما يقال: زاد زيد في داره، إذا اشترى دارا أخرى أيضا.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 83.

(2) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 5، التهذيب 2: 194- 764، الاستبصار 1:

376- 1429، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.

(3) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 2، التهذيب 2: 194- 763، الاستبصار 1:

376- 1428، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1، و ما بين المعقوفين ليس في النسخ، أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 82

و ثانيهما: أنّ من زاد فيها شيئا.

و الأوّل يحتاج إلى كون لفظة «في» زائدة و إرادة الركعة و مثلها عن الصلاة، إذ لا تبطل الصلاة بزيادة صلاة أخرى قطعا، و كلاهما خلاف الأصل، فالمعنى:

زاد فيها غيرها.

و لا يتوهّم أنّه يقتضي تقدير المفعول لقوله: «زاد» و هو غير معيّن، لاحتمال الركن أو الركعة أو غيرهما، فيسقط الاستدلال.

إذ المبطل هو مهيّة الزيادة من غير احتياج إلى التقدير، نحو: من أكل اليوم، أو قتل فعليه كذا، و زيد أكول، فإنّ الشرط و المخبر عنه هو مطلق الأكل، و القتل، و كثرة الأكل.

فالمبطل هو الزيادة، و يكون المفعول نسيا منسيّا، كقولهم: فلان يمنع و يعطي، فالمبطل الزيادة في الصلاة لا المزيد.

و قد يستدلّ للمطلوب في الجملة بما في بعض الصحاح: «لا يعيد الصلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة» «1».

و مقابلة الركعة فيها

بالسجدة قرينة على أنّ المراد منها الركوع.

و فيه: أنّه يحتمل الزيادة و النقصان، فلا يتمّ الاستدلال بها، كما لا يضرّ حكمها بعدم الإعادة بالسجدة لذلك أيضا.

و التأمل في الخبرين الأوّلين باعتبار استلزامهما خروج الأكثر باطل، و إن كان عمومهما لغويّا أيضا، لمنع خروج الأكثر، لشمولهما للعمد و الجهل و السهو، و لم يخرج من الأولين شي ء ممّا يصدق عليه الزيادة على ما ذكرنا، و لا من الثاني أكثر الأفعال و إن خرج أكثر الجزئيّات، و لكن المقصود كلّيات الأفعال.

و يشترط أن يكون المزيد من أجزائها، لأنّه معنى ذلك المركّب، فإنّه لا يقال لمن أمر ببناء معيّن على نحو معيّن كوضع خمس لبنات و تطيينه إلى ذراعين: إنّه زاد في البناء، إلّا إذا زاد في اللبنة، أو الجصّ و نحوهما. و لا يقال: إنّه زاد فيه، لو قرأ

______________________________

(1) الفقيه 1: 228- 1009، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 83

حين البناء شعرا، أو فعل فعلا آخر، فيلزم أن يكون المزيد ممّا يعدّ من أجزاء الصلاة لو زاد. هذا.

ثمَّ إنّ ما يزاد فيه شي ء إمّا يعرف ما منه و ما ليس منه عرفا، فالمناط ما كان منه عرفا، كالبناء، فلو أدخل فيه خشبا يكون قد زاد فيه.

و إمّا ما يتوقّف معرفة ما منه و ليس منه على التوقيف الشرعي، فلا بدّ في معرفة كون الزائد من الصلاة أو ليس منها من الرجوع إلى الشرع، و هي إنّما تتحقّق بالتطبيق على الأجزاء المعلومة أنّها من الصلاة قطعا، فزيادة مثلها تكون زيادة في الصلاة، و ما ليس منها لا يكون زيادة فيها، فلو حرّك يده في الصلاة مثلا لم يكن زيادة

في الصلاة.

و قد يتوهّم أنّه يكون زيادة إذا اعتقد جزئيتها.

و هو سهو، لأنّ الاعتقاد لا يكون إلّا عن دليل، فما لم يدلّ دليل له على الجزئية لا يمكن له الاعتقاد، و إذا دلّ دليل عليها لا يكون زيادة بل يكون جزءا من الصلاة في حقّه مع ذلك الاعتقاد.

نعم يشترط في صدق الزيادة في الصلاة أن يكون الزائد ممّا يعدّ جزءا من الصلاة عرفا، فلو كان فعل يتحقّق في الصلاة و في غيرها، فلا بدّ إمّا قصد كونه من الصلاة، أو انضمام خصوصيّة أخرى تختص بالصلاة، كالانحناء، فإنّه يتحقّق تارة في ركوع الصلاة و اخرى في غيره، فلا يكون زيادة إلّا بقصد جعله من ركوع الصلاة، أو ضمّ الخصوصيات الواردة في الصلاة كالانحناء بالحدّ الخاصّ مع الطمأنينة و الذكر، فإنّ مثل ذلك من الصلاة. و بالجملة لا بدّ من ضمّ شي ء يصرفه و يطبقه على أجزاء الصلاة.

و لا يخفى أيضا أنّ الزيادة في الأجزاء إنّما تتحقّق إذا زاد شيئا منها على القدر المعيّن شرعا عدده، كالركعة و الركوع و السجود، أو محلّه من حيث هو صلاة، فيزيد إذا أتى به في غير محلّه أيضا من حيث هو للصلاة، و إن لم يعيّن عدده أيضا، كالقراءة بعد الركوع، و التشهد في الركعة الأولى، إذا قرأ قبله أيضا، و تشهد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 84

بعدها، أمّا لو اقتصر على غير المحلّ فلا يعدّ زيادة عرفا، بل هو إخلال بالترتيب.

فلا زيادة ما لم يتعيّن عدده شرعا و إن تعيّن قدره الواجب عقلا، مثلا لو أمر بكتابة عشر صفحات في كلّ صفحة عشرة أسطر، و شرط عدم الزيادة في الكتابة، فيزيد لو زاد السطر عن العشرة، أو الصفحة

عنها، بخلاف ما لو كتب في السطر عشر كلمات، و إن تأدّي الواجب بخمس كلمات مثلا أيضا لصدق السطر، إذ هو ممّا لم يعيّنه الآمر.

و على هذا فكلّما عيّن الشارع في الصلاة كميّة يكون الزائد على ما عيّن زيادة، بخلاف ما لم يعيّنه الشارع و إن عيّن الأصل. فلا تصدق الزيادة بتكرار الآيات، و لا السورة، و لا القراءة مطلقا لو لا النهي عن قران السورتين، لأنّ المأمور به مطلق الفاتحة و السورة.

و كذا تتحقّق الزيادة بزيادة ما لم يعيّن الشارع عدده، و لكن عيّن محلّه، إذا أتى به في غير محلّه و في محلّه. و لو أتى في غير المحلّ خاصّة لم يكون زيادة، بل إخلالا. و لو أتى أوّلا في غير المحلّ، فإن قصد الإتيان في المحلّ أيضا فهو زيادة، و إلّا فإخلال.

و لو أتى به سهوا لا تتحقق الزيادة إلّا بعد أن يفعله في المحلّ أيضا، فهو سبب تحقّق الزيادة، و إن كان الزائد ما وقع في غير المحلّ.

و هل الزيادة في أجزاء الفاتحة أو السورة- بأن يقرأ جزءا منها سهوا في غير المحلّ، ثمَّ قرأه بعد ذلك- زيادة في الصلاة؟.

فيه نظر، فإنّ الظاهر أنّ المصداق هو زيادة الأجزاء المقرّرة للصلاة المرتّبة، لا جزء الجزء.

لا يقال: قد ورد في الأخبار: «إنّه لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» «1» فهو يعارض خبري أبي بصير و زرارة

______________________________

(1) التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 85

المتقدّمتين «1».

لأنّا نقول: التعارض بالعموم المطلق، فإنّه أعمّ مطلقا منهما، فيجب التخصيص. و ذلك حيث إنّه لا شكّ

أنّ الإعادة من خمسة تحتاج إلى تقدير من نقص أو زيادة، إذ لا معنى للإعادة من الخمسة نفسها، و لا شك أن المقدّر للوقت و القبلة بل الطهور النقص و الخلل دون الزيادة، فهو مقدّر قطعا و لا يعلم تقدير شي ء آخر، فالمعنى: لا تعاد الصلاة من غير نقصان الخمسة، و من البيّن أنّه أعمّ مطلقا من الزيادة.

لا يقال: قد ورد في رواية سفيان بن السمط: «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» «2».

دلّت على ثبوت سجدتي السهو في جميع زيادات الصلاة سهوا أو نقصاناتها. و لا سجدة سهو إلّا مع الصحّة، للإجماع على عدم سجدة السهو في الزيادة أو النقيصة المبطلة. فتدلّ على صحة الصلاة بكلّ زيادة و نقصان سهوا، إذ لا سجدة سهو في العمد. فهي أخصّ مطلقا من جميع ما مرّ، فيخصّ بها، و مقتضاها صحّة الصلاة بالزيادة أو النقيصة سهوا.

قلنا: قد اعترفت بالإجماع على اختصاص سجدة السهو بالزيادة أو النقيصة الغير المبطلة، و هو كذلك أيضا، فيكون معنى الحديث: كلّ زيادة غير مبطلة، أو نقص كذلك، و علمنا أيضا من الزيادات و النقائص السهويّة ما يبطل الصلاة قطعا.

إذا عرفت ذلك فنقول:

______________________________

(1) في ص 81.

(2) التهذيب 2: 155- 608، الاستبصار 1: 361- 1367، الوسائل 8: 251 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 86

المبحث الأوّل في العمد و فيه مسألتان:
المسألة الأولى: كلّ من نقص من واجب صلاته شيئا عمدا بطلت صلاته

، جزءا كان أو وصفا أو شرطا، بالإجماع، له، و للأصل المتقدّم الخالي عن مكاوحة شي ء ممّا يعارضه.

المسألة الثانية: كلّ من زاد في صلاته

تكبيرة الإحرام، أو ركوعا، أو سجودا و لو واحدا، أو ركعة، عمدا، بطلت صلاته.

و كذا لو قرأ في غير موضعه، أو تشهّد كذلك، بقصد قراءة الصلاة و تشهّدها، أو جلس أو قام كذلك، كلّ ذلك للأصل المتقدّم.

و يستفاد بعضها من عموم بعض الأخبار الآتية في مطاوي المباحث الآتية أيضا.

و لا تبطل بتكرير آيات الفاتحة، أو السورة، أو فقرات التشهّد، أو القنوت، و نحو ذلك، للأصل، و عدم صدق الزيادة في الصلاة، كما مرّ بيانه.

و يدلّ على بعضه بعض الروايات الدالّ على تكرار الإمام بعض آيات الفاتحة «1».

و لا بأس بالانحناء بقصد تناول شي ء من الأرض، و لو بلغ حدّ الراكع، لعدم كونه زيادة في الصلاة كما سبق، و ورد في الأخبار أيضا «2».

______________________________

(1) كما في الوسائل 6: 151 أبواب القراءة في الصلاة ب 68.

(2) الوسائل 5: 503 أبواب القيام ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 87

المبحث الثاني: في الجهل

كلّ من ترك شرطا من شروط الصلاة المتقدّمة، أو جزءا واجبا منها، أو صفة واجبة، جهلا بالحكم أو بموضوعه، أثم و بطلت صلاته، إن كان الجهل مستندا إلى تقصيره بأن يحتمل عنده الخلاف و قصّر في التحصيل، لكونه عامدا حقيقة غير آت بالمأمور به تاركا له، فتجب عليه الإعادة في الوقت، و القضاء في خارجه.

و كذا إن زاد في الصلاة جهلا، لعمومات مبطلات الزيادة المتقدّمة.

و إن لم يكن مستندا إلى تقصيره، و لم يحتمل عنده الخلاف، فحكم الخلل الواقع بسببه المتعلّق بالشروط و المنافيات ما مرّ كلّ في موضعه، فما كان مبطلا للصلاة يوجب إعادتها و قضاءها، و ما لم يكون كذلك لا يوجبهما.

و أمّا ما له تعلّق بأجزاء الصلاة أو أوصافها الواجبة، فلا شكّ في عدم

ترتّب الإثم، و الوجه ظاهر.

و لكنّه في بطلان الصلاة بمعنى وجوب الإعادة و القضاء بالنقص و الزيادة فحكمه حكم العمد.

أمّا في وجوب الإعادة بالنقص، فبالإجماع و الأصل المتقدّم، و الأخبار الآتية.

و أمّا في وجوبها وجوب القضاء بالزيادة، فبالإجماع البسيط و المركّب، حيث إنّ كلّ من يقول بوجوبها بالنقص، يقول به بالزيادة، و بإطلاق الخبرين المتقدّمين «1».

______________________________

(1) في ص 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 88

و أمّا في وجوب القضاء بالنقص، فبالإجماع، و إطلاق الأخبار، كموثّقة البقباق، و ابن أبي يعفور: في الرجل يصلّي فلم يفتتح بالتكبير، هل يجزئه تكبيرة الركوع؟ قال: «لا، بل يعيد صلاته، إذا حفظ أنّه لم يكبّر» «1».

و صحيحة محمّد و فيها: «إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد» «2».

و صحيحة أبي بصير: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة، و قد سجد سجدتين، و ترك الركوع، استأنف الصلاة» «3».

و ما يأتي من قولهم عليه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود».

و هذه الأخبار و إن كانت واردة في بعض الأفعال، و لكنّه يتمّ المطلوب بالإجماع المركّب.

بل هنا إجماع مركّب آخر أيضا، و هو: أنّ كلّ من يقول بوجوب الإعادة في الوقت بخلل حاصل بالجهل يقول بوجوب القضاء في خارجه به أيضا.

بل لنا أن نقول بأنّ ما يفعله جهلا عمد، لأنّه في الفعل متعمّد، و إن كان جاهلا بحكمه، و الجهل بالحكم لا يخرج الفعل عن التعمّد، فيدلّ على المطلوب جميع الأخبار المتضمّنة للفظ التعمّد، أو الدالّة بمفهوم عدم النسيان على الإعادة و القضاء.

و يستثنى من الجهل الموجب للبطلان الجهل بالجهر و الإخفات، فإنّ الجاهل فيهما معذور إجماعا، كما مرّ في بحثهما.

و كذا الجهل بحكم السفر كما يأتي في بحثه.

______________________________

(1) الكافي 3: 347 الصلاة ب 34 ح 2، التهذيب 2: 143- 562، الاستبصار 1:

352- 1333، الوسائل 6: 16 أبواب تكبيرة الإحرام ب 3 ح 1.

(2) التهذيب 2: 143- 558، الاستبصار 1: 351- 1327، الوسائل 6: 13 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 2: 148- 580، الاستبصار 1: 355- 1343، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 89

و الجهل بالموضوع الموجب للبطلان إنّما هو إذا لم يكن العلم جزءا للموضوع، و إلّا فلا يوجب الجهل البطلان، لعدم ترك الواجب حينئذ، كما في غصبية الثوب و المكان، و نجاسة الثوب أو البدن، فإنّ الشرط الواجب في الصلاة ليس عدم غصبيّة الثوب، و لا عدم نجاسته واقعا، بل هو عدم العلم بالغصبية و عدم العلم بالنجاسة. بل الطاهر الشرعي حقيقة هو ما لم يعلم نجاسته، إذ كلّ شي ء طاهر حتى تعلم أنّه قذر. فلا تجب الإعادة على جاهل الغصبية، أو النجاسة، إلّا أنّه قد دلّت الأخبار في الثاني على الإعادة في الوقت، فهو بأمر جديد، كما تقدّما مع سائر ما يتعلّق بهذه المسائل في أبحاثهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 90

المبحث الثالث في السهو و هو إمّا بالنقص، أو الزيادة، فهاهنا فصلان:
الفصل الأوّل في الخلل الواقع بالنقص سهوا و هو على قسمين
اشاره

، لأنّه إمّا يوجب البطلان، أو لا يوجبه.

القسم الأوّل: فيما يوجب البطلان و الإعادة، و فيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: كلّ من ترك النيّة و لم يتذكّر حتى كبّر للإحرام
اشاره

، أو التكبير و لم يتذكّر حتى دخل القراءة، أو الركوع و لم يتذكّر حتى دخل السجدة، أو السجدتين و لم يتذكّر حتى دخل الركوع، تبطل صلاته، و تجب عليه إعادة الصلاة، بلا خلاف في غير الركوع و السجدتين، و وفاقا للمشهور و منهم: المفيد و السيّد و العماني و الديلمي و الحلّي و الحلبي و القاضي «1»، بل جمهور المتأخرين، فيهما أيضا.

أمّا في غير النّية فلاستلزام التدارك الزيادة في الصلاة، و عدمه النقص فيها، و هما مبطلان.

و تخصيص المبطل بزيادة الركن- فلا يجري الدليل في صورة تذكّر ترك الركوع بعد الدخول في السجدة الاولى- ليس بجيّد، لما عرفت.

مضافا في الركوع مطلقا إلى خبر أبي بصير المنجبر ضعفه- لو كان- بالشهرة

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 137، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 35، حكاه عن العماني في المختلف: 129، الديلمي في المراسم: 89، الحلي في السرائر 1: 242، الحلبي في الكافي: 119، القاضي في المهذّب 1: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 91

العظيمة: عن رجل نسي أن يركع، قال: «عليه الإعادة» «1».

و فيه إذا دخل السجدتين، إلى صحيحته: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك الركعة من الصلاة، و قد سجد سجدتين، و ترك الركوع، استأنف الصلاة» «2».

و عدم دلالة الأخيرة على الوجوب مجبور بظاهر الإجماع على انتفاء الاستحباب، و إن احتمله بعض المتأخّرين «3».

و في السجدتين، إلى رواية معلّى: في الرجل ينسى السجدة من صلاته- إلى أن قال-: «و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة» «4».

و أمّا في النيّة- الغير الثابت بطلان الصلاة بزيادتها، لاحتمال شرطيتها- فلإيجاب تركها وقوع التكبير بلا نيّة، و هي شرط

فيه أيضا.

و فرض نيّة التكبير دون الصلاة غير مفيد، إذ لو نوى تكبيرة الإحرام للصلاة فقد نوى الصلاة، و إن نوى مطلق التكبير، فلم ينو تكبيرة الإحرام.

و قد يستدلّ للحكم في الركوع بصحيحة رفاعة «5» و موثّقة ابن عمّار «6».

و يضعّفان باحتمال إرادة فعل الركوع من قوله فيهما: «يستقبل».

خلافا في الركوع للمحكي في المبسوط و غيره عن بعض الأصحاب «7»، و في

______________________________

(1) التهذيب 2: 149- 584، الاستبصار 1: 356- 1346، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 4.

(2) التهذيب 2: 148- 580، الاستبصار 1: 355- 1343، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 3.

(3) انظر: المدارك 4: 218.

(4) التهذيب 2: 154- 606، الاستبصار 1: 359- 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 5.

(5) الكافي 3: 348 الصلاة ب 36 ح 2، التهذيب 2: 148- 582، الاستبصار 1:

355- 1345، الوسائل 6: 312 أبواب الركوع ب 10 ح 1.

(6) التهذيب 2: 149- 583، الاستبصار 1: 356- 1347، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 2.

(7) المبسوط 1: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 92

المنتهى و غيره عن الشيخ «1»، فيلفّق أي يسقط الزائد، و يتدارك الفائت، و يأتي بما بعده مطلقا، لصحاح محمّد «2»، و العيص «3»، و ابن سنان «4»، و المروي في مستطرفات السرائر «5».

و يردّ: بالشذوذ، و مخالفة الشهرة القديمة، المخرجين لها عن الحجّية، و بالمعارضة مع ما مرّ من خبر أبي بصير، و لو لا ترجيحه بموافقة الشهرة يرجع إلى القاعدة المذكورة.

و لا يتوهّم أعميّته مطلقا منها باعتبار شموله لما بعد الفراغ أيضا، فيخصص به.

لبيان صحيحة محمّد حكم بعد الفراغ أيضا بما يخالفه.

بل بالمعارضة مع صحيحته أيضا

[1]، حيث إنّها دلّت على رجحان الاستئناف لا أقلّ، و هو يخالف الوجوب [2].

و الحمل على الاستحباب- كما قيل- لو صحّ لم يكن مفيدا لذلك المخالف.

مضافا في صحيحة العيص إلى قصور الدلالة، لعدم ارتباطها بالمسألة أصلا، لورودها في التذكّر بعد الفراغ.

و المحكي عن المبسوط و التهذيب و الاستبصار، فيلفّق في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة خاصّة «6»، جمعا بين الصحيحين المذكورين، و بين ما مرّ، بناء على ما ادّعاه هو و المفيد من أنّ كلّ سهو يلحق بالأوليين في الأعداد و الأفعال فهو موجب

______________________________

[1] أي: بل يردّ دليل المخالف بالمعارضة مع صحيحة أبي بصير أيضا.

[2] أي: وجوب التلفيق.

______________________________

(1) المنتهى 1: 408.

(2) الفقيه 1: 228- 1006، التهذيب 2: 149- 585، الاستبصار 1: 356- 1348، الوسائل 6: 314 أبواب الركوع ب 11 ح 2.

(3) التهذيب 2: 149- 586، الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 11 ح 3.

(4) الفقيه 1: 288- 1007، التهذيب 2: 350- 1450، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 3.

(5) مستطرفات السرائر: 81- 17، الوسائل 6: 318 أبواب الركوع ب 13 ح 7.

(6) المبسوط 1: 109، التهذيب 2: 149، الاستبصار 1: 356.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 93

للإعادة «1».

و يضعّف: بأنّ الجمع فرع الحجيّة و الدلالة، و كلتاهما- كما مرّ- ممنوعتان، مع أنّه فرع الشاهد عليه، و هو و إن كان على فرض ثبوت ما ادّعاه مع المفيد، و لكنّه غير ثابت، بل- كما عرفت- بعض الأصحاب، فيه، باعتراف الشيخ، مخالف.

و عن نهاية الشيخ و الإسكافي و والد الصدوق أقوال أخر شاذّة جدّا غير واضحة المستند «2»، سوى الرضوي الضعيف الغير المنجبر في بعضها «3».

و من المتأخّرين «4»، من يظهر منه الميل إلى

الفرق بين التذكّر بعد الدخول في السجدة الواحدة، و بينه بعد الدخول في السجدتين:

فالتلفيق في الأوّل، لعدم إيجاب زيادة السجدة الواحدة إبطالا، و ضعف خبر أبي بصير الدالّ على البطلان مطلقا.

و جوابه قد ظهر.

و التخيير بينه و بين الإعادة مع أفضليّتها، في الثاني، جمعا بين الأخبار.

و هو كان حسنا على فرض التكافؤ، و قد عرفت عدمه.

و خلافا في السجدتين لمن حكم بالتلفيق فيهما أيضا مطلقا، كما نسب إلى بعضهم.

و للمحكي عن الجمل و الاقتصاد، فحكم به في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة «5».

و مستندهما غير واضح، سوى ما قد يتوهّم من اتحاد طريق المسألتين. و هو ممنوع. مع أنّ الحكم في الأصل- كما عرفت- غير ثابت.

______________________________

(1) انظر: المقنعة: 145، و المختلف: 131 نقلا عن الشيخ عن بعض علمائنا.

(2) النهاية: 88، حكاه عن الإسكافي و والد الصدوق في المختلف: 129.

(3) فقه الرضا «ع»: 116، مستدرك الوسائل 4: 429 أبواب الركوع ب 9 ح 2.

(4) انظر: المدارك 4: 218.

(5) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 188، الاقتصاد: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 94

فرع: لا فرق في بطلان الصلاة بنسيان الركوع حتى دخل السجود بين ما إذا وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، أو ما لا يصحّ

، على الحقّ المشهور كما قيل «1»، لإطلاق الأخبار.

خلافا لبعض مشايخنا، لعدم كون ذلك سجودا شرعيا «2».

و فيه نظر، لأنّه سجود شرعي، و إن وجب الزائد عليه أيضا.

المسألة الثانية: لو تيقّن ترك سجدتين، و لم يدر أنّهما من ركعة أو ركعتين، بطلت الصلاة

على الأقوى، لما مرّ من أصالة بطلان الصلاة بالنقص، و لإطلاق رواية معلّى:

في الرجل ينسى السجدة من صلاته- إلى أن قال-: «و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة» «3».

خرج نسيان السجدة الواحدة، أو السجدتين من ركعتين تعيينا- بما يأتي من أدلّتها- عن تحت الأصل و الإطلاق، و بقي الباقي.

المسألة الثالثة: لو نقص من صلاته ركعة فما زاد
اشاره

، فإن تذكّر بعد التسليم، و قبل فعل المنافي مطلقا، يتمّ الصلاة بدون إعادة، بلا خلاف كما قيل «4»، للأصل الثابت بما سيأتي من عدم بطلان الصلاة بزيادة التشهّد و التسليم سهوا، و المتواترة معنى من

______________________________

(1) انظر: البحار 85: 138.

(2) راجع الحدائق 9: 156.

(3) التهذيب 2: 154- 606، الاستبصار 1: 359- 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 5.

(4) الحدائق 9: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 95

الأخبار، كصحيحتي الأعرج «1»، و جميل «2»، و موثّقتي سماعة «3»، و أبي بصير «4»، الواردة كلّها في خصوص سهو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الصحاح الأربع لمحمد «5»، و الرازي «6»، و ابني المغيرة «7»، و زرارة «8»، و حسنة ابن أبي العلاء «9»، و الموثّقات الثلاث للساباطي «10»، و ابن زرارة «11»، و غيرها.

و كذلك إن تذكّر بعد فعل المنافي غير الحدث و التحويل عن القبلة، و إن طال الزمان و كثر الكلام بحيث خرج عن كونه مصلّيا، على الأقوى، بل الأشهر

______________________________

(1) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 6، التهذيب 2: 345- 1433، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.

(2) التهذيب 2: 345- 1434، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 7.

(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 42 ح 1، التهذيب 2:

346- 1438، الاستبصار 1:

369- 1405، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 11.

(4) التهذيب 2: 346- 1435، المقنع: 31، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 10.

(5) التهذيب 2: 191- 757، الاستبصار 1: 379- 1436، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 9.

(6) الفقيه 1: 228- 1011، التهذيب 2: 181- 726، الاستبصار 1: 371- 1411، الوسائل 8: 199 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 3.

(7) التهذيب 2: 180- 725، الاستبصار 1: 370- 1410، الوسائل 8: 198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 2.

(8) الفقيه 1: 229- 1013، التهذيب 2: 346- 1437، الاستبصار 1: 367- 1399، و فيه عن ابن زرارة، مستطرفات السرائر: 99- 23، الوسائل 8: 210 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 4.

(9) الكافي 3: 383 الصلاة ب 62 ح 11، التهذيب 2: 183- 731، الاستبصار 1:

367- 1400، الوسائل 8: 209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 1.

(10) موثقة الساباطي الأولى: التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل ب 3 ح 14. موثقته الثانية: الفقيه 1: 229- 1012، التهذيب 2: 192- 758، الاستبصار 1:

379- 1437، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 20.

(11) التهذيب 2: 182- 729، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 96

أيضا، بل عن التذكرة نسبته إلى ظاهر علمائنا «1»، للأصل المذكور، و إطلاق أكثر الأخبار المذكورة و غير المذكورة، أو عمومه الناشئ من ترك الاستفصال، و صريح طائفة كثيرة منها في خصوص التكلّم،

الثابت منها حكم الباقي ممّا لا يبطل الصلاة سهوا بالإجماع المركّب، و به يدفع إطلاق ما يشمل المورد ظاهرا كروايتي القهقهة و البكاء «2»، و ترجّح إطلاقات المسألة عليه، مع معاضدتها بالأصل، مضافا إلى عدم جريان دليل بعضه- كالأكل و الشرب و الفعل الكثير- في المقام أيضا.

خلافا في التكلّم للشيخ في بعض أقواله، كما مرّ في بحث المنافيات «3».

و في الفعل الكثير لبعضهم، لإيجابه سهوا بطلان الصلاة، و عمومات إبطاله.

و الأوّل ممنوع، بل ادّعي الإجماع على عدم إبطاله فيما نحن فيه. و الثاني غير موجود، كما عرفت في بحثه «4».

و فيما إذا طال الزمان، أو كثر الكلام بحيث يخرج عن كونه مصلّيا، لبعض آخر، لكونه فعلا كثيرا، و قد عرفت حاله.

و أمّا ما في موثّقتي سماعة و أبي بصير، و صحيحة جميل، و حسنة ابن أبي العلاء، المتقدّمة، من إعادة الصلاة إن تذكّر بعد ما ذهب أو برح من مكانه أو انصرف.

فمع عدم دلالة غير الأخير على الوجوب، و احتمال الأخير بل ظهوره في إرادة الانصراف عن القبلة، و أعميّتها من صدور الفعل الكثير أو طول الزمان.

معارضة بأكثر ممّا ذكر و أصرح، كصحيحة عبيد و موثّقته المصرّحتين بالصحة إن ذهب و جاء، و صحيحته المصرّحة بها إن خرج في حوائجه «5»، و موثّقة الساباطي

______________________________

(1) التذكرة 1: 134.

(2) الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 5 و 7.

(3) راجع ص: 37.

(4) راجع ص: 42.

(5) التهذيب 2: 347- 1439، الاستبصار 1: 368- 1402، الوسائل 8: 210 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 97

المصرّحة بها إن قام و تكلّم و مضى في حوائجه، بل و لو بلغ إلى الصين، و

حسنة ابن أبي العلاء المصرّحة بها إن تذكّر بعد أن يذكر اللّه حتى طلعت الشمس.

و لو تذكّر تحويل وجهه بكلّيته عن القبلة، أو صدور الحدث تجب إعادة الصلاة.

أمّا الأوّل، فلخصوص صحيحة محمّد في المورد، و فيها: «فإذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا» «1».

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالّة على القطع به، المتقدّمة في بحث الالتفات «2»، و به يخصص ما مرّ من المطلقات.

و أمّا ما ينافيها بظاهره، كصحيحة زرارة المصرّحة بالصحّة لو صلّى بالكوفة و تذكّر في بلدة اخرى «3»، و موثّقة عمّار المصرّحة بها و لو بلغ إلى الصين «4».

فلا تكافئ ما مرّ، لشذوذها جدّا، إذ لم ينقل القول بمضمونها إلّا عن المقنع [1]، مع أنّه ذكر بعض الأجلّة عدم وجدانه فيما عنده من نسخ المقنع «5»، و مع ذلك للتقيّة محتملة كما قيل «6».

و أمّا الثاني، فلعمومات بطلان الصلاة بالحدث، الخالية عن معارضة غير ما عرفت حاله «7».

______________________________

[1] نقله عنه في المختلف: 136. و لكن فيما عندنا من نسخة المقنع ص 31: و إن صلّيت ركعتين ثمَّ قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة و لا تبن على ركعتين.

______________________________

(1) التهذيب 2: 184- 732، الاستبصار 1: 368- 1401، الوسائل 8: 209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 2.

(2) راجع ص: 23.

(3) التهذيب 2: 347- 1440، الاستبصار 1: 368- 1403، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 19.

(4) التهذيب 2: 192- 758، الاستبصار 1: 379- 1437، الفقيه 1: 229- 1012، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 20.

(5) كشف اللثام 1: 274.

(6) في الرياض 1: 213.

(7) راجع ص: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7،

ص: 98

مع أنّه بعد ثبوت الحكم في الأوّل يثبت فيه أيضا بالإجماع المركّب.

فالقول بالصحّة في الأوّل، كما حكي عن المقنع، و بعض المتأخرين «1»، أو بالتخيير فيه بين البناء و الإعادة، كبعض آخر منهم «2»، ضعيف جدّا.

فروع:

أ: لو فعل المنافي عمدا بعد التذكّر و قبل الشروع في الإتمام، فمقتضى إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة، بل عمومه المستفاد من ترك الاستفصال الصحّة.

و لكن ظاهر الأصحاب البطلان، لأدلّة الإبطال به عمدا، و لكن يعارضه ما مرّ بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل لو لا الإجماع على البطلان، و لكن الظاهر تحقّقه.

ب: لا فرق بين أن يتذكّر و الوقت باق أو خرج، للمطلقات، و خصوص حسنة ابن أبي العلاء.

ج: لو فعل المنافي بعد التشهّد قبل التسليم لم تبطل صلاته، لكون التسليم خارجا.

القسم الثاني: في النقص سهوا
اشارة

الذي لا يوجب بطلان الصلاة، و هو على أنواع، لأنّه إمّا يجب تداركه في الصلاة، أو لا يجب تداركه أصلا، أو يجب تداركه و قضاؤه بعد الفراغ بلا سجدة سهو، أو معها، فهاهنا مواضع:

الموضع الأوّل: فيما يجب تداركه في أثناء الصلاة.
اشاره

______________________________

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 175.

(2) انظر: المدارك 4: 228، و الذخيرة: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 99

فكلّ من نسي القراءة كلّا أو بعضا، و تذكّر قبل الدخول في الركوع، أو الركوع قبل السجود، أو إحدى السجدتين أو كلتيهما أو التشهّد قبل الركوع، لم تبطل الصلاة و وجب عليه العود و الإتيان بالمنسي، ثمَّ الإتيان بما بعده، بلا خلاف، بل بالإجماع في غير السجدتين، و على الأظهر الأشهر فيهما أيضا.

لا لما قيل من إمكان الإتيان بالمنسي على وجه لا يؤثر خللا، و لا إخلالا بمهيّة الصلاة، أو لفحوى ما دلّ على هذا الحكم في صورة الشك، كما في الذخيرة «1»، و غيره «2».

لردّ الأوّل: بمنع عدم الخلل في جميع الصور، لإيجاب بعضها الزيادة في الصلاة، و هي خلل.

و الثاني: بمنع الفحوى، لأنّها إنّما هي إذا علمت علّة الحكم في صورة الشك، و هي غير معلومة، فلعلّه لخصوصية الشك فيه مدخليّة.

بل في الأوّل و هو نسيان القراءة كلا أو بعضا: للدليل الأوّل، مضافا إلى الإجماع المحقّق و المحكي في الجميع «3»، و رواية أبي بصير: عن رجل نسي أمّ القرآن، قال: «إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» «4».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة، فينسى فاتحة الكتاب- إلى أن قال-: «ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع» «5» في نسيان خصوص الفاتحة.

و صحيحتي ابني حكيم و سنان الآتيتين، و بهما يثبت الحكم في أجزاء الفاتحة و السورة أيضا، كما

صرّح به جماعة

______________________________

(1) الذخيرة: 371.

(2) كالرياض 1: 213.

(3) انظر: الرياض 1: 213.

(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 2، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 1.

(5) التهذيب 2: 147- 574، الاستبصار 1: 354- 1340، الوسائل 6: 89 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 100

و لكنّه تعارضهما رواية ابن وهب «1»، المتقدّمة في بحث القراءة في السهو عن بعض أجزاء سورة، الدالّة على عدم الالتفات بالسهو في الأجزاء و وجوب المضي، و هي أخصّ مطلقا. و مقتضاه عدم الالتفات لو لا الإجماع على خلافه، و شذوذ الرواية لأجله، و أمر الاحتياط واضح.

ثمَّ إنّه لو كان السهو في الفاتحة بعد دخول السورة، يقرأ السورة بعدها أيضا، لأدلّة وجوب قراءتها بعد الفاتحة.

و لا تجب إعادة السورة الأولى، على المشهور، للأصل الخالي عن المعارض.

و أمّا ما في الرضوي: «و إن نسيت الحمد حتى قرأت السورة، ثمَّ ذكرت قبل أن تركع، فاقرأ الحمد و أعد السورة، و إن ركعت فامض» «2».

فالمراد مطلق السورة، و الإتيان بلفظ الإعادة لسبق المطلق أيضا.

و منه يظهر أنّ قول بعض الأصحاب بإعادة السورة «3»، ليس ظاهرا في إعادة السورة المخصوصة.

إلّا أن يعارض الأصل في صورة التذكّر عند تمام السورة، باستلزام اختلاف السورة القران المحرّم، على المختار من اختصاص القران بالسورتين المتغايرتين، و تعميمه بالنسبة إلى المتّصلتين و المنفصلتين، كما مرّ في بحثه.

و في الثاني و هو نسيان الركوع: للإجماع، و صحيحة ابن حكيم: عن رجل ينسى من صلاته ركعة، أو سجدة، أو الشي ء منها، ثمَّ تذكّر بعد ذلك، فقال:

«يقضي ذلك بعينه» قلت: يعيد الصلاة؟ قال: «لا» «4».

و صحيحة ابن سنان: «إذا نسيت

شيئا من الصلاة ركوعا، أو سجودا، أو

______________________________

(1) التهذيب 2: 351- 1458، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة في الصلاة ب 32 ح 1.

(2) فقه الرضا «ع»: 116، مستدرك الوسائل 4: 195 أبواب القراءة في الصلاة ب 23 ح 1.

(3) انظر: الذكرى: 220.

(4) التهذيب 2: 150- 588، الاستبصار 1: 357- 1350، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 101

تكبيرا، ثمَّ ذكرت، فاصنع الذي فاتك سهوا» «1».

و أمّا خبر أبي بصير المتقدّم الدالّ على الإعادة في نسيان الركوع مطلقا «2»، فيخصّ بما إذا دخل السجود، كما تحمل هاتان الصحيحتان على ما قبله جمعا، و الشاهد الإجماع.

و به يجاب عن الاعتراض بشمول الصحيحتين لما إذا دخل السجود أيضا، مع أنّ لمخالفتهما فيه للشهرة العظيمة الجديدة و القديمة- الموجبة لشذوذهما فيه- أخرجتا فيه عن الحجيّة.

و لا يضرّ لزوم زيادة الهويّ، لكون الصحيحين من حيث التصريح بالركوع و السجود أخصّ في المورد من أخبار الزيادة.

و الظاهر أنّه يجب عليه الانتصاب، ثمَّ الركوع، لتوقّف صدق الركوع عليه، فإنّه الانحناء من الانتصاب.

إلّا أن لم يبلغ بعد حدّ الراكع، بأن يهوي بقصد السجود فتذكّر قبل الوصول إلى حدّ الركوع أنّه لم يركع، فينحني بقصد الركوع، لعدم اشتراط الانحناء من إقامة الصلب في الركوع، مع أنّه أيضا متحقّق. و لا يضرّ إرادة السجود أصلا.

و كذا لو بلغ حدّ الركوع و لم يتجاوز عنه، على احتمال، فإنّه إذا تذكّر و نوى كفى، و لا يشترط الهوي بقصد الركوع، لأصالة عدم اشتراط هذا القصد، لأنه وجوب تبعيّ.

و يمكن أن يمنع تبعيّة الهوي، بل هو مقصود بالأصالة، لأنّه جزء مفهوم الركوع المصدري الذي هو المأمور به، فيجب

قصده خصوصا، أو استدامة، و على ذلك فيجب الانتصاب حينئذ أيضا، و هو الأظهر، كما كان يجب لو تجاوز.

و لا تتوهّم زيادة الركوع حينئذ لو بلغ هويّه أوّلا إلى هيئة الراكع، لأنّه ليس

______________________________

(1) التهذيب 2: 350- 1450، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 3.

(2) راجع ص: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 102

زيادة في الصلاة، إذ لم يقصد به الركوع، و لا انضمّ إليه ما يصرفه إليه.

و لو قصد بالهوى الركوع، فنسيه بعد الوصول إلى حدّه و هوى للسجود، فهو حقيقة نسيان للطمأنينة و الذكر و الرفع، و سيجي ء حكمه.

و في الثالث و هو نسيان إحدى السجدتين: لما ذكر من الإجماع المحقّق، و المصرّح به في كلام جماعة «1»، و لصحيحتي أبي بصير، و ابن جابر:

الاولى: عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال:

«يسجدها، إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع، فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها وحدها، و ليس عليه سهو» «2».

و الثانية: في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام، فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع، فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد، فليمض على صلاته حتى يسلّم، ثمَّ يسجدها فإنّها قضاء» «3».

و في الرابع و هو نسيان السجدتين: لصحيحة ابن سنان المتقدّمة، و لرواية معلّى بن خنيس- المنجبر ضعفها لو كان بادّعاء الشهرة العظيمة «4»، بل تحقّقها- في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها، و بنى على صلاته، ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأوّلتين و الأخيرتين سواء» «5».

و إطلاق

السجدة فيها و إن شمل الواحدة و الاثنتين، إلّا أنّ قوله: «و إن

______________________________

(1) كما في المدارك 4: 235، و الحدائق 9: 135، و الرياض 1: 213.

(2) الفقيه 1: 228- 1008، التهذيب 2: 152- 598، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 4.

(3) التهذيب 2: 153- 602، الاستبصار 1: 359- 1361، الوسائل 6: 364 أبواب السجود ب 14 ح 1.

(4) انظر: الرياض 1: 213.

(5) التهذيب 2: 154- 606، الاستبصار 1: 359- 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 103

ذكرها بعد ركوعه» إلى آخره قرينة على إرادتهما.

و قد يستدلّ أيضا: ببقاء المحلّ بدلالة تدارك السجدة الواحدة.

و بأصالة بقاء الصحّة.

و بالصحيحة المتضمّنة لقوله: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» «1».

و الأخرى المتضمّنة لتدارك الركوع بعد السجدتين «2»، فإنّه إذا جاز تداركه مع تخلّل السجدتين اللتين هما ركن، جاز تدارك السجود مع تخلّل القيام خاصّة بطريق أولى.

و يظهر ضعف الأوّل باحتمال اختصاص المحلّ بالواحدة.

و الثاني بزوال الأصل بلزوم أحد المحذورين من زيادة القيام، بل هو مع القراءة، أو نقص السجدتين.

و الثالث بأنّ السجود من الخمسة إلّا أن يراد أنّه لو رجع و سجد لم تلزم عليه إعادة لأجل الزيادة.

و الرابع ببطلان حكم الأصل.

خلافا للمقنعة و الحلّي و الحلبي، فأوجبوا الإعادة «3».

للروايات الدالّة على البطلان بنسيان السجود «4»، خرج منها ما خرج، فيبقى الباقي.

و للزوم أحد المحذورين المذكورين.

و يجاب عن الأوّل: بخروج المورد أيضا بما مرّ.

و عن الثاني: بعدم كون الزيادة محذورة بعد دلالة الدليل على جوازها.

______________________________

(1) التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 4.

(2) الفقيه 1: 228- 1006، التهذيب 2: 149- 585، الاستبصار

1: 356- 1348، الوسائل 6: 314 أبواب الركوع ب 11 ح 2.

(3) المقنعة: 138، الحلّي في السرائر 1: 241، الحلبي في الكافي: 119.

(4) الوسائل 6: 389 أبواب السجود ب 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 104

و في الخامس أي نسيان التشهّد: للإجماع أيضا، و للأخبار المستفيضة، كالصحاح الأربع، للحلبي، و الفضيل، و ابن أبي يعفور، و سليمان بن خالد، و رواية علي بن أبي حمزة.

أولاها: «إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها، و لم تتشهد فيهما، فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس و تشهّد و قم، فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتى تركع، فامض في صلاتك حتى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم» «1».

و ثانيتها: في الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة، فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال: «فليجلس ما لم يركع، و قد تمّت صلاته، فإن لم يذكر حتى ركع فليمض في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس» «2».

و ثالثتها: عن الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة، فلا يجلس فيهما، فقال:

«إن كان ذكر و هو قائم في الثالثة فليجلس، و إن لم يذكر حتى يركع فليتمّ صلاته، ثمَّ يسجد سجدتين و هو جالس قبل أن يتكلّم» «3».

و رابعتها: عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوليين، فقال: «إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتى يركع فليتمّ الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم، و يسجد سجدتي السهو» «4».

و خامستها: «إذا قمت في الركعتين الأوليين و لم تتشهّد، فذكرت قبل أن تركع فاقعد و تشهّد، و إن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا

______________________________

(1) الكافي 3: 357 الصلاة

ب 42 ح 8، التهذيب 2: 344- 1429، الوسائل 6: 406 أبواب التشهد ب 9 ح 3.

(2) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 2، التهذيب 2: 345- 1431، الوسائل 6: 405 أبواب التشهد ب 9 ح 1.

(3) الفقيه 1: 231- 1026، التهذيب 2: 159- 624، الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 4.

(4) التهذيب 2: 158- 618، الاستبصار 1: 362- 1374، الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 105

انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمَّ تشهّد التشهّد الّذي فاتك» «1».

إلى غير ذلك.

فروع:
أ: لو نسي الصلاة على النبي و آله في التشهّد الأوّل، و تذكّر قبل الركوع،

فالمستفاد من بعض الكلمات، و المصرّح به في بعض آخر أنّه كالتشهّد «2»، فيؤتى بها، ثمَّ بما بعدها، و لم يذكره بعض آخر.

فإن ثبت عليه الإجماع، و إلّا فلا دليل عليه، و لزوم الزيادة ينفيه.

و صحيحتا ابني سنان و حكيم «3» لا تدلّان على فعلها هنا، بل تحتملان القضاء بعد الصلاة أيضا، و أوامر الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله ليست بحيث تشمل المقام.

إلّا أن يضمّ الإجماع المركّب مع الصحيحين حيث إنّ من يقول بفعله إذا تذكّر قبل الركوع يقول به في الأثناء.

و لكن تتعارضان حينئذ مع أخبار الزيادة، و الأصل مع عدم وجوب التدارك، إلّا أنّ الظاهر انعقاد الإجماع على خلافه.

ب: لو نسي رفع الرأس من الركوع

، أو مع طمأنينة الركوع، أو مع ذكره أيضا و تذكّر قبل السجدة يرفع رأسه قطعا، لوجوبه و إمكان الامتثال بلا محذور.

و هل يعود قبله إلى حالة الركوع للطمأنينة و الذكر؟.

الظاهر نعم، لوجوبهما و عدم محذور إلّا توهّم زيادة الركوع، و ليس كذلك، لأنّه الانحناء من الانتصاب و لم يتحقّق، بل ما يفعله حينئذ حقيقة تتمّة من

______________________________

(1) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 7، التهذيب 2: 344- 1430، الوسائل 8: 244 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 2.

(2) انظر: المنتهى 1: 415، و الحدائق 9: 144.

(3) المتقدمتان في ص 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 106

الركوع السابق.

و منه يظهر أنّه لو سقط من الركوع قبل الرفع يرفع، و قبل الذكر أو الطمأنينة يعود و يطمئن و يذكر ثمَّ يرفع، و قبل الوصول إلى حدّ الركوع يركع ثمَّ يرفع، و الوجه في الكلّ ظاهر بعد ما مرّ.

ج: لو كان المنسي مجموع السجدتين

و عاد إليهما لا يجلس قبلهما، للأصل.

و لو كان إحداهما، فإن كان قد جلس عقيب الأوّل و اطمأنّ بنيّة الفصل، أو بلا نيّة لم يجب الجلوس قبل السجدة أيضا، بلا كلام كما قيل «1»، لحصوله من قبل.

و إن لم يكن قد جلس كذلك، أو لم يطمئنّ وجب، كما به صرّح شيخنا الشهيد الثاني و صاحب المدارك «2»، لأنّه من أفعال الصلاة الواجبة بالإطلاقات، و لم يأت به مع إمكان تداركه بلا استلزامه محذورا من جهة أصلا.

خلافا للمحكي عن المبسوط و المنتهى «3»، و هو ظاهر الذخيرة «4»، فجوّزوا تركه.

لتحقّق الفصل بين السجدتين.

و لأنّ القدر الذي ثبت هو وجوب الجلوس و الفصل بين السجدتين المتّصل بهما، و قد فات و لا يمكن تداركه.

و يتبيّن ضعف الأوّل:

بأنّ الواجب هو الجلوس على الوجه المخصوص الغير الحاصل، لا مطلق الفصل.

و الثاني: بأنّ الخصوصيّة التي ذكرت لا دخل لها في وجوب الجلوس و إن اتّفق ذلك، و إلّا لزم إجراء هذا الكلام في جميع الأجزاء التي يجب تداركها.

______________________________

(1) الحدائق 9: 137.

(2) الشهيد الثاني في المسالك 1: 41، المدارك 4: 236.

(3) المبسوط 1: 120، المنتهى 1: 414.

(4) الذخيرة: 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 107

و لو كان جلس و لكن بنيّة الاستراحة لمظنّة أنّه قد أتى بالسجدتين، ففي الاكتفاء به للفصل، و عدمه، وجهان.

الظاهر الثاني، إذ لكلّ امرئ ما نوى «1»، و لأنّ قصده الاستراحة مانع عن انطباقه على الأمر الموجب للفصل.

و قال بعض مشايخنا الأخباريين- طاب ثراه- بالاكتفاء «2».

لاقتضاء نيّة الصلاة كون كلّ فعل في محلّه، فلا تعارضها النيّة الطارئة سهوا.

و للأخبار الدالّة على أنّه لو دخل في الصلاة بنيّة الفريضة، ثمَّ سها في أثنائها و قصد الندب ببعض أفعالها لم يضرّه ذلك «3».

و الأوّل مع عروض النيّة المنافية ممنوع.

و الثاني غير المسألة، فإنّ هذا المنوي سهوا أيضا من أجزاء هذه الفريضة.

و لو شكّ هل جلس أم لا بنى على الأصل، فيجب الجلوس و إن كان حالة الشك قد انتقل من المحلّ، لأنّه بالعود إلى السجدة مع استمرار شكّه يصير في المحلّ، كذا قيل «4».

و الأولى أن يقال: إنّ ذلك إنّما هو للشك في تجاوز محلّه فيستصحب المحلّ.

أو المراد بالتجاوز عن الفعل المعلّق عليه عدم العود للشك المذكور في الأخبار: التجاوز عن المحلّ المقرّر له شرعا، لعدم صحّة غيره. و هو في المورد بعد السجدة الاولى و قبل الثانية.

و هو كذلك، و كون القيام المتقدّم على السجدة الثانية المأمور بإلقائه تجاوزا عن الموضع

غير معلوم.

و مثله ما لو نسي سجدة و شكّ في أخرى، فإنّه يجب الإتيان بهما معا عند

______________________________

(1) الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.

(2) صاحب الحدائق 9: 138.

(3) الوسائل 6: 6 أبواب النية ب 2.

(4) روض الجنان: 345.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 108

الجلوس و إن كان ابتداء الشك بعد الانتقال.

و منه ما لو تذكّر نسيان السجدتين قبل الركوع، و شكّ في الركوع السابق مع العلم بالهويّ، على القول بعدم كون الهويّ تجاوزا عن المحلّ، فيركع للسابق و يسجد السجدتين، فيقوم.

د: متى تدارك المنسي تجب عليه إعادة ما بعده من تشهّد أو تسبيح أو قراءة

و إن أتى به أوّلا، إجماعا، له، و لإطلاق الأمر به بعده، و لرعاية الترتيب.

و لا يعتدّ بما أتى به قبله، لوقوعه في غير محلّه فيكون كالعدم. و لا تضرّ الزيادة، لا لعدم كونها ركنا، لإطلاق مبطلات الزيادة. بل للإجماع، و لصحة الصلاة قطعا مع اشتمالها على هذه الزيادة.

ه: لو كان المنسي سجدتي الركعة الأخيرة أو إحداهما

، و تذكّر في أثناء التشهّد، أو بعده و قبل السلام على القول بجزئيّته، عاد و أتى بالمنسي، للإجماع المركّب و البسيط، و إطلاق صحيحتي ابن سنان و حكيم «1». و بما بعده، تحصيلا للترتيب الواجب، و اتّباعا لإطلاق الأمر بالتشهّد و السلام بعد السجدة الثانية.

و لو تذكّر بعد التشهّد و قبل السلام على القول بعدم جزئيّته، فإن كان المنسي السجدة الواحدة فلا شكّ في صحّة الصلاة و وجوب الإتيان به.

فهل يأتي به قضاء حتى يجوز تأخيره عن التسليم و لا يضرّ تخلّل الحدث و نحوه بينه و بين الصلاة، أو أداء حتى يجب تقديمه و الإتيان بالتشهّد بعده؟.

الظاهر الثاني، لعدم بطلان الصلاة إجماعا، و وجوب الإتيان به كذلك، و أصالة عدم جواز تأخيره عن التسليم، و عدم الفراغ عن الصلاة، لأنّه بعد التشهّد الذي تسبقه السجدتان. و ليس هناك عموم أو إطلاق دالّ على تمام الصلاة بالتشهّد مطلقا. و شمول ما دلّ عليه لمثل المقام غير معلوم.

و لإطلاق الأمر بالتشهّد بعد السجدتين من غير معارض. و استلزامه

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 109

الزيادة في الصلاة معارض باستلزام الآخر نقص السجدة، حيث إنّ المقضي بعد التسليم إنّما هو بأمر آخر. مع أنّك قد عرفت أنّ تكرار التشهّد ليس زيادة مبطلة من حيث التعدّد، نعم تكون زيادته بإيقاعه في غير محلّه مبطلا

و هو قد حصل بالتشهّد السابق، و لم يوجب الإبطال قطعا، فلا تلزم من التشهّد اللاحق زيادة أصلا.

و إن كان السجدتين، فهل تبطل الصلاة؟ لتركهما إلى الفراغ و استلزام التدارك الزيادة و عدمه النقيصة.

أولا، فيأتي بهما ثمَّ بالتشهّد؟ لظاهر الإجماع المركّب بينهما و بين السجدة الواحدة، و إطلاق الصحيحتين المتقدّمتين، و أصالة عدم الفراغ، و عدم البطلان، و مطلقات الأمر بالسجدتين ثمَّ التشهّد، و الزيادة هنا غير مبطلة، للصحيحين.

كلّ محتمل. و الثاني أظهر، لما مرّ. و الاحتياط بالإتيان بالمنسي و ما بعده و التسليم و إعادة الصلاة لا ينبغي أن يترك.

و تبطل الصلاة بتخلّل الحدث هنا قطعا.

و لو تذكّر بعد التسليم نسيان السجدة الأخيرة فعلها، للصحيحين المذكورين.

و هل يتشهّد بعدها و يسلّم لإطلاق الأمر بهما بعد السجدة، أو لا؟.

الظاهر الثاني، لحصول الفراغ من الصلاة، و الانصراف عنها بالتسليم و لو في غير موضعه، للأخبار المتقدّمة في باب التسليم كرواية أبي كهمش «1»، و غيرها، فخرج عن الصلاة به، فإذا نقصت السجدة فالأصل يقتضي بطلان الصلاة، و لكنّه اندفع بالإجماع على عدم الإعادة هنا، و بصحيحة ابن حكيم، فلم يبق إلّا العود إلى الصلاة و الدخول فيها، أو المضي بلا تدارك، أو تدارك السجدة خارج

______________________________

(1) الفقيه 1: 229- 1014، التهذيب 2: 316- 1292، مستطرفات السرائر: 97- 16، الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 110

الصلاة. و الأوّل خلاف الأصل، و الثاني باطل بالصحيحين، فلم يبق إلّا الأخير.

فتكون هذه السجدة غير ما أمر به في الصلاة، و الأمر بالتشهّد بعدها إنّما هي في سجدة الصلاة.

و لو كان المنسي بعد التسليم السجدتين الأخيرتين بطلت صلاته، لفوات الركن مع الخروج عن

الصلاة، و هو مبطل بالأصل و الإجماع.

و منع الخروج مدفوع بالأخبار المتقدّمة. و كون التسليم في غير المحلّ لا يضرّ. و لا يرد لزوم بطلان الصلاة بالتسليم في غير المحل مطلقا، مع أنّه ليس كذلك، لأنّ ما ليس كذلك يعاد فيه إلى الصلاة بالدليل.

و أمّا الصحيحان فيعارضان الصحيح: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» «1» و عدّ منها السجود.

دلّ على الإعادة من نقصان السجود مطلقا، خرجت السجدة الواحدة بالإجماع و الأخبار التي منها صحيحة ابن حكيم، فيبقى الباقي.

و: لو نسي التشهد الأخير ثمَّ تذكّر بعد السلام قضاه بعده.

لا لما قيل من عدم الفرق بينه و بين التشهّد الأوّل «2»، لمنع عدم الفرق. و لا يتوهّم أنّ بناء الأصحاب على اتّحاد التشهّدين، إذ ليس كذلك. قال في الحدائق في بحث قضاء التشهّد: أمّا صحيحة محمّد فموردها التشهّد الأخير، و محلّ البحث في الأخبار و كلام الأصحاب التشهّد الأوّل «3».

بل للصحيحين المتقدّمين، و صحيحة محمّد: في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتى ينصرف، فقال: «إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد، و إلّا طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه» «4».

______________________________

(1) التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 4.

(2) كما في الذكرى: 221.

(3) انظر: الحدائق 9: 143.

(4) التهذيب 2: 157- 617، الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 111

و رواية محمّد الحلبي: عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهّد، قال:

«يرجع فيتشهّد» قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ فقال: «لا، ليس في هذا سجدتا السهو» «1».

إلّا أنّ في دلالة بعضها على الوجوب نظرا يندفع بضمّ البعض الآخر، و الإجماع المركّب.

و لا يجب السلام بعده، على الأشهر، للخروج عن الصلاة.

خلافا للمحكي عن الخلاف و

النهاية و موضع من المقنعة، و السيّد في موضع من الجمل «2»، و ابن حمزة و الحلّي «3»، فقالوا بأنّه يسلّم بعده، استنادا إلى أنّ هذا السلام لم يكن في موقعه، فبه لم يخرج عن الصلاة، بخلاف ما إذا نسي التشهّد الأوّل و سائر ما كان قبل الركوع ممّا يقضى، حيث إنّ لورود الأمر بالمضي في الصلاة يقع السلام موقعه، فيخرج به عن الصلاة و يكون قضاء.

و يلزمهم على ذلك أن تكون السجدة الواحدة في الأخيرتين، بل السجدتان الأخيرتان أيضا كذلك، فيجب تداركها و الإتيان بما بعدها، و لا يبعد أن يقولوا به أيضا، و إن لم يحضرني الآن تصريحهم به أو بخلافه، و إن صرّح بعضهم به.

و يلزمهم أيضا بطلان الصلاة بتخلّل الحدث و نحوه، كما صرّح به بعض هؤلاء في التشهّد «4».

ثمَّ إنّه يردّ قولهم بمنع توقّف الخروج عن الصلاة بكون السلام في موقعه، بل المستفاد من الأخبار العموم و إن حصل العود في بعض الصور بالدليل.

و لا فرق فيما ذكر من وجوب القضاء في السجدة الواحدة و التشهّد،

______________________________

(1) التهذيب 2: 158- 622، الاستبصار 1: 363- 1376، الوسائل 6: 406 أبواب التشهد ب 9 ح 4.

(2) لا يوجد الحكم بوجوب التسليم في الكتب المذكورة الموجودة بأيدينا، و لم نجد أيضا من حكاه عنها.

(3) الحلّي في السرائر 1: 259، و لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة.

(4) و هو الحلي في السرائر 1: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 112

و البطلان في السجدتين، بين ما إذا تخلّل الحدث و نحوه- ممّا يبطل الصلاة سهوا- بين التسليم و بين القضاء أم لا.

فإن كان المنسي السجدتين تبطل الصلاة، و وجهه ظاهر.

و إن كان السجدة

أو التشهّد يقضيهما، و لم يقع الحدث في أثناء الصلاة حتى يبطلها، و لا دليل على كونه مبطلا إذا وقع بين الصلاة و أجزائها المقضيّة، كما يأتي.

ز: لو نسي جلسة الاستراحة- على القول بوجوبها- لم يجب تداركها

إذا تذكّر بعد القيام، لتقييد دليل وجوبها بأنّها حين يريد أن يقوم بعد السجدة، فإذا قام فاتت و لا يمكن التدارك.

ح: حكم الصلاة على النبي و آله في التشهّد الأخير حكم التشهّد

، فيأتي بها لو نسيها إلى أن سلّم.

لا لما قيل من أنّ التشهّد يقضى بالنصّ فكذا أبعاضه، تسوية بين الكلّ و الجزء «1».

لمنع التسوية، و لذا تقضى أمور لا تقضى أجزاؤها.

قيل: الأصل يقتضي التسوية، إذ فوات الجزء يستلزم فوات كلّه المستلزم للقضاء بالنصّ «2».

قلنا: هذا إنّما يتمّ في الجزء الذي يفوت بفوته الكلّ عرفا لا مطلقا، و ليس المورد كذلك.

و لا لما قيل من أنّ فوات المحلّ لا يقتضي الصحّة، بل الفساد كما في كلّ جزء، و انتفاؤه هنا بالإجماع لا يدلّ على الصحة بدون التدارك أيضا، بل غاية ما علم منه الخروج عن الاشتغال مع التدارك خاصّة، لا بدونه، فقاعدة أصالة

______________________________

(1) كما في الذكرى: 221.

(2) كما في الرياض 1: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 113

الاشتغال تقتضي لزوم التدارك «1».

إذ يخدش ذلك أنّ ما علم به الاشتغال هو الصلاة في محلّ خاصّ، كما هو المفروض و إلّا لم يكن محلّه فائتا، و هي قد فاتت، و علم براءة الذمّة من الإتيان بها في المحلّ بإعادة الصلاة بالإجماع، و الاشتغال بغيرها يحتاج إلى دليل آخر.

بل لإطلاق الصحيحين المتقدّمين. و لا يضرّ خروج كثير من الأفراد منهما، إذ لم يخرج الأكثر، و لو خرج أيضا فعمومهما إطلاقي لا يضرّ فيه ذلك.

و هل يجب قضاء التشهّد معها أيضا؟.

الحقّ لا، للأصل، و عدم التوقّف.

و لا يجب التسليم بعده، للأصل. و إطلاق الأمر به بعد التشهد إنّما هو فيما يقع في الصلاة دون ما يقضى في الخارج بدليل خارجي.

و لا تجب في شي ء من هذه سجدة سهو،

للأصل، و اختصاص سجدة السهو في التشهّد بالأوّل كما يأتي. إلّا أنّه تستحبّ، لأنّه أيضا نقصان.

و كذا يقضي الصلاة على النبي و آله لو تركها من التشهّد الأوّل و تذكّر بعد الفراغ، لإطلاق الصحيحين. بل بعد الركوع مطلقا، لهما، و عدم العود حينئذ إجماعا.

الموضع الثاني: فيما لا تدارك له أصلا.

و هو من نسي الجهر أو الإخفات مطلقا، أو القراءة كلا أو بعضا حتى يركع، أو الذكر في الركوع، أو الطمأنينة فيه حتى يرفع، أو الرفع منه، أو الطمأنينة فيه حتى يسجد، أو الذكر في السجدة، أو الطمأنينة فيها، أو السجود على أحد الأعضاء غير الجبهة منها حتى يرفع، أو إكمال رفع الرأس منه، أو الطمأنينة فيه حتى يسجد، أو الطمأنينة في الجلوس للتشهّد حتى يقوم.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 114

بالإجماع في أكثرها، و بلا خلاف يعتدّ به في الجميع.

للصحيح: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» «1».

و به يخرج عن الأصل المتقدّم. دلّ على عدم إعادة الصلاة بنقصان شي ء ممّا ذكر و إن تذكّر في أثناء الصلاة و لم يعد إلى الإتيان به، فتكون صلاته حينئذ صحيحة، فلا يجب التدارك.

مع أنّ مقتضى الصحيح عدم الإعادة بنقصه و لو تركه في الأثناء عمدا، خرج ما خرج منه بالإجماع، فيبقى الباقي، و مقتضاه اختصاص جزئيّة هذه الأمور بصورة تركها في غير محلّ الكلام هنا.

و أمّا تعارض الصحيحين «2» في أكثر هذه الموارد فيجاب عنهما بأنّهما فيه خلاف الإجماع، لعدم قول بالعود و لا بالقضاء.

هذا، مضافا في الجهر و الإخفات إلى الصحيحين «3»، المتقدّمين في بحثهما.

و في القراءة إلى ما مرّ في بحثها من المعتبرة المستفيضة «4». و ما

دلّ على خلافه فيها شاذّ «5»، كخلاف ابن حمزة- على ما قيل «6»- فيها، كما مرّ.

و في طمأنينتي الركوع و السجود إلى اختصاص دليلهما بما لا يتمّ في المورد، لأنّه إمّا الإجماع، أو الخبر الضعيف المحتاج إلى الانجبار، و شي ء منهما لم يتحقّق في المقام.

______________________________

(1) تقدّم في ص: 110.

(2) و هما صحيحتا ابني حكيم و سنان المتقدّمتان في ص 100.

(3) الأول: الفقيه 1: 227- 1003، التهذيب 2: 162- 635، الاستبصار 1: 313- 1163، الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 1.

الثاني: التهذيب 2: 147- 577، الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 2.

(4) الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27.

(5) التهذيب 2: 146- 573، الاستبصار 1: 354- 1339، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة ب 27 ح 4.

(6) حكاه عنه في التنقيح 1: 197.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 115

فما حكي عن الشيخ فيهما من الخلاف ضعيف، كدعواه الإجماع عليه «1»، مع أنّ الظاهر من الخلاف أنّ مراده بالركنيّة هو الوجوب، كما هو ظاهر القدماء أيضا، و عليه دعواه الإجماع.

و في ذكرهما إلى روايتي القدّاح و ابن يقطين:

الاولى: عن رجل ركع و لم يسبّح ناسيا، قال: «تمّت صلاته» «2».

و الثانية: عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه و سجوده، قال: «لا بأس بذلك» «3».

و إن أمكن الخدش في أولاهما بإرادة تسبيح القيام أي التسبيحات الأربع.

و في الثانية بأنّ نسيان التسبيحة لا يدلّ على نسيان مطلق التسبيح، إلّا أن يقرأ «تسبيحه» بالضمير، كما عليه النسخ الصحيحة.

و في الرفعين و طمأنينتهما إلى أنّ ثبوتها في مواضعها بالإجماع المنتفي في المقام، أو الأمر الغير المتعلّق بالساهي قطعا، و عدم ثبوت أمر بعد الدخول فيما بعدها.

الموضع الثالث: فيما يتدارك بعد الصلاة
اشارة

، و

يسجد له سجدتا السهو أيضا.

و هو أن ينسى السجدة الواحدة حتى يدخل الركوع، أو التشهّد كذلك، فيقضيهما بعد الصلاة و يسجد سجدتي السهو.

و أمّا قضاء السجدة فعلى الأظهر الأشهر، للصحيحتين المتقدّمتين «4»، و صحيحتي أبي بصير، و ابن جابر المتقدّمتين «5»، و موثّقة الساباطي: في الرجل

______________________________

(1) الخلاف 1: 359 و 348.

(2) التهذيب 2: 157- 613، الوسائل 6: 320 أبواب الركوع ب 15 ح 1.

(3) التهذيب 2: 157- 614، الوسائل 6: 320 أبواب الركوع ب 15 ح 2.

(4) في ص 100.

(5) في ص 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 116

ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: «يمضي في صلاته و لا يسجد حتى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» «1»، إلى غير ذلك.

و لا يضرّ عدم صراحة بعضها في الوجوب، لكون البواقي قرينة على إرادة الوجوب عنه أيضا.

خلافا للمحكي عن الكليني و العماني «2»، فأفسدا الصلاة بترك السجدة مطلقا، كما مرّ في بحث السجود بدليله و جوابه.

و عن المفيد و التهذيب «3»، فكذلك إذا كانت السجدة من الركعتين الأوليين خاصّة، لصحيحة البزنطي: عن رجل صلّى ركعة ثمَّ ذكر- و هو في الثانية، و هو راكع- أنّه ترك سجدة من الاولى، فقال: «كان أبو الحسن عليه السلام يقول: إذا تركت السجدة في الركعة الاولى و لم تدر واحدة أم ثنتين استقبلت حتى يصحّ لك أنّهما ثنتان، و إذا كان في الثالثة و الرابعة فتركت سجدة بعد أن يكون قد حفظت الركوع أعدت السجود» «4».

و رواها في الكافي مع زيادة و نقصان «5»، فزاد لفظ الصلاة بعد قوله:

«استقبلت» و نقص قوله: «و إذا كان في الثالثة» إلى آخره.

و أجيب عنه «6» تارة: بحمل قوله:

«و لم تدر ..» على الشك بين الواحدة و الاثنتين من الركعة.

و يضعّفه بعده جدّا.

و اخرى: بحمل الرواية على الشك في ترك السجدة، فلا ينطبق على

______________________________

(1) التهذيب 2: 153- 604، الاستبصار 1: 359- 1362، الوسائل 6: 364 أبواب السجود ب 14 ح 2.

(2) الكليني في الكافي 3: 349، حكاه عن العماني في المختلف: 131.

(3) حكاه عنهما في الذكرى: 220، و هو في التهذيب 2: 154.

(4) التهذيب 2: 154- 605، الاستبصار 1: 360- 1364، قرب الإسناد 365- 1308، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 3.

(5) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 3.

(6) انظر: الحدائق 9: 147.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 117

المدّعى.

و تردّه صراحتها في ترك السجدة الواحدة و الشك في الزائد. و لا عبرة به، لفوات المحلّ.

و ثالثة: بحمل «استقبلت» على استقبال السجود.

و لا يلائمه التفصيل بين الركعتين الأوليين و غيرهما، مع أنّ في غيرهما أيضا حكم بذلك.

و الصواب أن يجاب- مضافا إلى عدم دلالتها على الوجوب، و شذوذها المخرج لها عن الحجّية جدّا- بأنّها غير دالّة على مطلوبهم، لأنّها تبيّن حكم ما إذا ترك السجدة و لم يدر الوحدة و التعدّد.

و أمّا وقوع السؤال عن ترك السجدة خاصّة و انضمام الشك في الجواب لا محالة لا بدّ و أن يكون لفائدة، و إلّا لغت الضميمة، فيحتمل أن تستحبّ الإعادة حينئذ، و عدل عن جواب السؤال لمصلحة.

و قد يستدلّ للشيخ أيضا برواية أبي بصير: «إذا سهوت في الركعتين الأوليين فأعدهما» «1».

و حسنة الوشاء: «الإعادة في الركعتين الأوليين، و السهو في الركعتين الأخيرتين» «2».

و يجاب عن الأولى: بأنّ السهو في الركعة غير السهو في أجزائها، فيمكن أن يكون المراد ترك الركعة، أو

المراد الشك، كما هو الشائع في الأخبار.

و عن الثانية: بعدم تعيّن سبب الإعادة، و عدم دليل على العموم.

و أمّا كون قضائها بعد الصلاة فعلى الحقّ الموافق للأكثر بل غير من شذّ

______________________________

(1) التهذيب 2: 177- 706، الاستبصار 1: 364- 1383، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 15.

(2) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 4، التهذيب 2: 177- 709، الاستبصار 1:

364- 1386، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 118

و ندر، لما مرّ من الأخبار.

و أمّا صحيحة ابن أبي يعفور: «إذا نسي الرجل سجدة و أيقن أنّه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد، قبل أن يسلّم» الحديث «1».

فلم يفت بمضمونها- الذي هو وجوب كون القضاء قبل التسليم، واجبا كان أو مستحبّا- أحد، فهي للشذوذ مطروحة.

مع أنّها تعمّ ما إذا تذكّر النسيان قبل الركوع، و يكون المراد أن يقعد و يسجد.

هذا مضافا إلى معارضتها مع ما مرّ، و ترجيحه للأشهريّة رواية و فتوى.

خلافا لوالد الصدوق، فأوجب قضاءها بعد ركوع الثالثة إن كانت المنسيّة من الاولى و تذكّر بعد ركوع الثانية، و في الرابعة إن تذكّر بعد ركوع الثالثة إن كانت من الثانية، و بعد التسليم إن تذكّر بعد ركوع الرابعة إن كانت من الثالثة «2».

للرضوي المصرّح بذلك «3»، القاصر عن معارضة ما مرّ بوجوه.

و عن المفيد في العزيّة، فقال: فإن ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث سجدات: واحدة منها قضاء، و الاثنتان للركعة التي هو فيها «4».

و هو أيضا قريب من سابقة، و جوابه ظاهر.

و أمّا وجوب سجدتي السهو لها فعلى المشهور، بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع عليه «5».

للإجماع المنقول، و

رواية ابن السمط: «تسجد سجدتين في كلّ زيادة

______________________________

(1) التهذيب 2: 156- 609، الاستبصار 1: 360- 1366، الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب 16 ح 1.

(2) حكاه عنه في المختلف: 131.

(3) فقه الرضا (عليه السلام): 117، مستدرك الوسائل 4: 461 أبواب السجود ب 12 ح 1.

(4) حكاه عنه في المختلف: 131.

(5) المنتهى 1: 417، التذكرة 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 119

تدخل عليك أو نقصان» «1».

و فيها: أنّها غير دالّة على الوجوب، بل تحتمل.

و للأمر بالسجدة في صحيحة الحلبي في صورة الشكّ «2»، فيثبت في السهو بالطريق الأولى.

و فيه: منع الأولويّة، سيّما مع تدارك السجدة مع احتمال الزيادة.

خلافا للمحكي عن الصدوقين، و المفيد في العزيّة، و العماني «3»، و أكثر متأخري المتأخرين «4»، فلم يوجبوهما لها، للأصل، و خلو ظواهر الصحاح الواردة في مقام البيان الآمرة بقضاء السجدة عن ذكرهما، و صريح صحيحة أبي بصير المتقدّمة «5»، و موثقة الساباطي: عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة، هل عليه سجدتا السهو؟ قال: «لا، قد أتمّ الصلاة» «6».

و لا يضرّ عدم ثبوت هذا الحكم للركوع، لأنّ الحكم فيه محمول على ما قبل دخول السجود.

و موثقة سماعة: «من حفظ سهوه و أتمّه فليس عليه سجدتا السهو، إنّما السهو على من لم يدر أ زاد في صلاته أم نقص منها» «7».

و هذه الأخبار كما ترى أكثر من الاولى و أصرح، و معاضدة بالأصل،

______________________________

(1) التهذيب 2: 155- 608، الاستبصار 1: 361- 1367، الوسائل 8: 251 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.

(2) الفقيه 1: 230- 1019، التهذيب 2: 196- 772، الاستبصار 1: 380- 1441، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.

(3)

الصدوق في الفقيه 1: 225- ذ ح 993، حكاه عن والد الصدوق و المفيد و العماني في المختلف:

140.

(4) منهم السبزواري في الذخيرة: 373، و صاحب الحدائق 9: 151، و صاحب الرياض 1: 215.

(5) في ص: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    120     الموضع الثالث: فيما يتدارك بعد الصلاة ..... ص : 115

(6) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 245 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 3.

(7) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 4، الوسائل 8: 239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 120

و بعضها أخصّ مطلقا من رواية ابن السمط، فالحقّ عدم الوجوب.

و أمّا قضاء التشهّد فهو المشهور، بل عن الخلاف الإجماع عليه «1»، لصحاح محمّد و ابني حكيم و سنان، و رواية علي بن أبي حمزة، المتقدّمة جميعا «2».

إلّا أنّ الإجماع المنقول ليس بحجّة، و غير صحيحة ابن سنان منها لا يدلّ على الوجوب أصلا، فيحتمل الاستحباب.

مضافا إلى أنّه يجوز أن يراد من التشهّد في الرابعة تشهّد سجدتي السهو، كما يشعر به العطف ب «ثمَّ» حيث إنّهم يقولون بوجوب تقديم قضاء المنسي على السجدتين.

و لا يفيد التقييد بالتشهّد الذي فاتك مع أنّ تشهّد سجدتي السهو خفيف، لجواز الخفيف مطلقا على المشهور.

مع أنّه على التغاير لا يفيد أيضا، لأنّ القيد لا يفيد أزيد من المماثلة في الشهادة. و لذا ورد في الرضوي: «و تشهّد فيهما بالتشهّد الذي فاتك» «3».

فذكر القيد مع التصريح بقوله: «فيهما».

و لكن صحيحة ابن سنان كافية في إثبات الوجوب، فهو الحقّ.

خلافا للمحكي عن الصدوقين و المفيد في الرسالة «4»، فقالوا بإجزاء تشهّد السجدتين عن قضاء التشهّد، و

إليه مال بعض الميل صاحب المدارك «5»، و استظهره في الحدائق «6».

للأصل.

و خلوّ الأخبار المصرّحة بوجوب سجدة السهو لنسيان التشهّد- الواردة في

______________________________

(1) الخلاف 1: 453.

(2) في ص 100 و 104 و 110.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 118، مستدرك الوسائل 5: 12 أبواب التشهد ب 5 ح 1.

(4) انظر: الفقيه 1: 233، و حكاه عنهم في الذكرى: 221.

(5) المدارك 4: 243.

(6) الحدائق 9: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 121

مقام البيان- عن ذكر القضاء.

و يجاب عنه: بكفاية صحيحة ابن سنان لدفع الأصل.

و لا يضرّ عدم القائل بعمومها، إذ يخرج منها ما خرج بالدليل.

و لا الإيراد بخروج الأكثر منها، لمنعه. مع أنّه لو كان لم يضرّ، لكون العموم فيها إطلاقيا.

و بعدم دلالة خلوّ بعض الأخبار عنه على العدم، إذ لعلّه كان معلوما.

فالحقّ مع المشهور.

و أمّا وجوب سجدتي السهو له، فهو أيضا الحقّ المشهور بين الأصحاب، و عن الخلاف الإجماع عليه «1»، و نفى بعض الأصحاب الخلاف فيه «2».

و تدلّ عليه صحيحة الحلبي المتقدّمة «3»، المتأيّدة بصحاح أخر.

و لا ينافيها حديث محمّد الحلبي السابقة «4»، لأنّها إمّا فيما إذا تذكّر قبل الركوع بدليل قوله: «يرجع فيتشهّد» أو في التشهّد الأخير.

و قد ينسب الخلاف فيه إلى العماني و الجمل و الاقتصاد و أبي الصلاح «5»، و لعلّه لبعض العمومات الواجب تخصيصه بما مرّ.

و الظاهر اختصاص سجدة السهو بالتشهّد الأوّل، لأنّه مورد الأخبار. و أمّا الأخير فلا دليل عليه، و عدم الفصل غير ثابت. كيف؟! و قد قيّد المفيد في العزيّة و الشيخ في المبسوط و الخلاف «6» التشهّد- الواجب لنسيانه السجدة- بالأوّل. و هو ظاهر المقنعة و الكافي و جمل السيّد «7»، بل كلّ من قيّد نسيانه بقوله:

حتى يركع.

______________________________

(1) الخلاف 1: 453.

(2) كما في المدارك 4: 242.

(3) في ص: 104.

(4) في ص: 111.

(5) حكاه عن العماني في المختلف: 140، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 188، الاقتصاد:

267، أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 149.

(6) حكاه عن المفيد في المختلف: 140، المبسوط 1: 122، الخلاف 1: 453.

(7) المقنعة: 148، الكافي 3: 361، حكاه عن جمل السيّد في شرحه للقاضي: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 122

و صرّح بعضهم بأنّ محلّ البحث هو الأوّل، قال في الحدائق: أمّا صحيحة محمّد فموردها التشهّد الأخير، و محلّ البحث في الأخبار و كلام الأصحاب هو الأوّل «1».

و أمر الاحتياط ظاهر.

فروع:
أ: تقضى أبعاض التشهّد أيضا

، لإطلاق الصحيحين.

و من المتأخّرين من فرّق بين إحدى الشهادتين و بين أبعاضها، فحكم بالقضاء في الأوّل، إذ تصدق عليه الشهادة، دون الأخير، للأصل «2».

و ضعفهما ظاهر.

و إذا قضى البعض لا يضمّ إليه غيره إلّا ما توقّف تمام المعنى عليه.

ب: لا يضرّ تخلّل الحدث و نحوه بين السلام و بين شي ء ممّا يقضى،

للأصل.

ج: المراد بالقضاء في الأجزاء المنسيّة الإتيان بها بعد الصلاة

، سواء كان في وقتها أو في خارجه. و لا تعتبر فيه نيّة القضاء، و لا وقت الصلاة، و لا الفوريّة، جميع ذلك للأصل.

د: لا يجب الترتيب بين الأجزاء المنسيّة و لا بينها و بين سجود السهو لها، أو لغيرها

، لإطلاق الأدلّة، و الأصل الخالي عن المعارض.

و منهم من أوجبه في بعض ما ذكر «3». و لا دليل عليه.

______________________________

(1) الحدائق 9: 154.

(2) كما في الروضة 1: 325.

(3) انظر: الذكرى: 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 123

الفصل الثاني في الخلل الواقع بالزيادة سهوا و فيه مسائل:
المسألة الاولى: من زاد تكبيرة الإحرام، أو الركوع، أو السجدتين بطلت صلاته

، بلا خلاف أجده، و به صرّح جماعة «1»، بل هو إجماعي، له، و للقاعدة المتقدّمة.

و منه ظهر البطلان بزيادة الركعة أيضا، بأن يزيدها قبل التسليم مطلقا، بعد التشهّد أو قبله، كما هو المتّفق عليه- على ما حكاه جماعة منهم الفاضلان و الشهيد «2»، و غيرهم «3»- إذا لم يجلس عقيب الرابعة بقدر التشهّد، و على المشهور إذا جلس أيضا و إن قلنا بعدم جزئيّة التسليم.

لصدق الزيادة عرفا ما لم يتمّ الصلاة، مضافا إلى رواية الشحام: «عن الرجل صلّى العصر ستّ ركعات، أو خمس ركعات، قال: إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستّا فليعد» «4».

خلافا للمحكي عن الإسكافي و المعتبر و التحرير و المختلف، بل المنتهى «5»، فلا إعادة إن جلس في الرباعيّة بقدر التشهّد و إن لم يتشهّد.

______________________________

(1) كصاحب المدارك 4: 223، و السبزواري في الكفاية: 25، و صاحب الرياض 1: 212.

(2) المحقق في المعتبر 2: 380، العلامة في التحرير 1: 49، الشهيد في الذكرى: 219.

(3) كالسبزواري في الذخيرة: 359.

(4) التهذيب 2: 352- 1461، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 5.

(5) حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 219، المعتبر 2: 380، التحرير 1: 49، المختلف: 135، المنتهى 1: 409.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 124

و جعله المحقق أحد قولي الشيخ «1»، و نسبه في المنتهى إلى التهذيب «2»، و فيه تأمّل واضح.

دليلهم: أنّ نسيان التشهّد غير مبطل، فإذا جلس بقدره فقد

فصل بين الفرض و الزيادة، و لصحيحتي زرارة «3»، و جميل «4»، و رواية محمّد «5».

و يضعّف الأوّل: بأنّ الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة.

و الخبران: بمرجوحيّتهما عمّا مرّ، لمخالفته العامّة، فإنّ أكثرهم، بل جميعهم على الصحّة مع زيادة الركعة سهوا، و رواياتهم بها ناطقة متضافرة، و إن اختلفوا في اشتراط الجلوس بقدر التشهّد و عدمه، و أبو حنيفة و أتباعه على الأوّل «6»، و الباقون على الثاني، و الموافقته شهرة الأصحاب.

و بأنّ المراد فيهما من الجلوس بقدر التشهّد التشهّد، لشيوع مثل ذلك، و ندور تحقّق الجلوس بهذا القدر من دون الإتيان به.

أقول: تضعيف الأوّل و إن كان قويّا، إلّا أنّه يرد على أوّل التضعيفين للخبرين: بأنّ التعارض إنّما هو بالعموم و الخصوص المطلقين، و تلك الأخبار أخصّ مطلقا. و ليس بناؤهم حينئذ على الرجوع إلى المرجّحات، لعدم التعارض حقيقة، بل الخاص قرينة معيّنة لمعنى العام، فلا تفيد مخالفة أحدهما للعامة، أو موافقته للشهرة، إلّا أنّ تصل الشهرة إلى حدّ شذوذ خلافها، و هو في ذلك المقام غير معلوم.

______________________________

(1) المعتبر 2: 380.

(2) المنتهى 1: 409.

(3) التهذيب 2: 194- 766، الاستبصار 1: 377- 1431، الوسائل 8: 232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 4.

(4) الفقيه 1: 229- 1016، الوسائل 8: 232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 6.

(5) التهذيب 2: 194- 765، الاستبصار 1: 377- 1430، و رواها في المقنع: 31 مرسلة، الوسائل 8: 232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 5.

(6) انظر: المغني 1: 721.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 125

و الثاني: بأنّه مجاز لا يصار إليه إلّا بقرينة، و الندرة المدّعاة حتى في صورة السهو، و

كونها واصلة حدّ صلاحية القرينة ممنوعة، و الاستعمال في خبر أو خبرين- كما قيل- لا يوجب ثبوت الشيوع.

مع أنّ مقتضى ذلك الجواب الصحّة بالزيادة بعد التشهّد قبل التسليم و إن قلنا بوجوبه و جزئيّته، و لا يقول به بعض المجيبين بهذا الجواب، و إن حكي عن بعض آخر.

فهو على ذلك خلاف آخر في المسألة مستندا إلى هذا الحمل.

و يردّ: بأنّ حمله على ذلك خلاف ظاهر اللفظ و إن عبّر عن التشهّد بالجلوس في بعض الأخبار «1». فإنّ كان الاستناد إليه فهو غير صالح له، و إن كان إلى شمول الجلوس بقدر التشهّد للتشهّد أيضا، فيثبت الحكم فيه أيضا، فالعمل به فرع العمل بأصله، و هو القول بالصحّة مع الجلوس مطلقا، فيكون صحيحا على ذلك القول، و إلّا فهو دلالة تبعيّة تنتفي بانتفاء متبوعها.

نعم يكون لذلك القول وجه على المختار من عدم جزئيّة التسليم، حيث إنّه تتمّ الصلاة بالتشهّد.

مع أنّ فيه أيضا نظرا، لصدق زيادة الركعة عرفا ما لم يتحقّق الانصراف عن الصلاة بالتسليم أو صارف آخر، فلو لا الأخبار المذكورة لكان الحكم بالبطلان حينئذ أيضا متّجها، إلّا أنّ معها يثبت اغتفار الزيادة. هذا.

ثمَّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو إذا تذكّر بعد الركوع الخامس، أمّا لو تذكّر قبله فلا تبطل الصلاة أصلا، بل يجلس و يتمّها.

و على القول بالصحّة إذا جلس بقدر التشهّد مطلقا هل ينسحب حكمه إلى زيادة أكثر من ركعة و إلى زيادة الركعة في غير الرباعيّة؟.

فيه وجهان، أظهرهما العدم إن اختصّ المستند بالصحيحتين. و الانسحاب إن استند إلى تماميّة الصلاة و عدم صدق الزيادة.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 126

المسألة الثانية: قالوا: تبطل الصلاة بزيادة القيام المتّصل بتكبيرة الإحرام، أو الركوع،

لكونه ركنا.

و فيه: أنّه لا دليل على البطلان بزيادة خصوص الركن، إلّا أن يوجّه بأنّ سبب الإبطال القاعدة المتقدّمة، خرج منها غير الركن بالإجماع، فيبقى الباقي.

و لكن المسألة قليلة الجدوى جدّا، إذ لو لم يجتمع مع التكبير، أو الركوع لم يكن مقارنا له، فلا يكون ركنا، و لو اجتمع تفسد بزيادة التكبير أو الركوع.

المسألة الثالثة: لا تبطل الصلاة بزيادة غير ما ذكر سهوا
اشارة

، بالإجماع، فهو الحجّة فيه، مضافا في النيّة إلى عدم ثبوت جزئيّتها، و عدم صدق الزيادة في الصلاة بزيادتها، و في غيرها إلى الأخبار الواردة في الموارد الخاصّة، كأخبار سهو النبي الدالّة على عدم البطلان بزيادة التشهّد و التسليم «1»، و أخبار أخر دالّة عليه أيضا «2»، و الأخبار الواردة في حكم التسليم في غير موضعه، الدالّة على عدم البطلان بزيادته «3»، و أخبار سجدة السهو لمن قام أو قعد في غير موضعهما، الدالّة على عدم البطلان بزيادة القيام و القعود «4» و ما صرّح بأنّه لا تعاد الصلاة من سجدة «5» إلى غير ذلك.

فائدة: إذا سها الإمام أو المأموم، أو كلاهما، فيأتي حكمه

في الفصل الرابع من المبحث الآتي، بعد بيان حكم شكّ الإمام و المأموم.

______________________________

(1) الوسائل 8: 199 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 4 و 7 و 11.

(2) الوسائل 8: 198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 2 و 9 و 14.

(3) الوسائل 8: 198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3.

(4) الوسائل 8: 244 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26.

(5) الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 127

المبحث الرابع في الشك و الظنّ، و بيان سائر مواضع سجدة السهو، و كيفيّتها، و كيفيّة صلاة الاحتياط، و حكم الشاكّ المتذكّر بعد الفراغ من الصلاة. ثمَّ الشك إمّا يتعلّق بأعداد الركعات، أو بغيرها، فهاهنا فصول:
الفصل الأوّل في حكم الشك في أعداد الركعات و فيه مسائل:
المسألة الاولى: من شكّ في عدد الفريضة الثنائيّة
اشاره

يوميّة كانت، أو غيرها بطلت صلاته، و كذا الثلاثيّة، بلا خلاف، كما قيل «1»، بل بإجماع غير الصدوق، كما في المنتهى «2»، بل مطلقا، كما عن الخلاف و الاستبصار و الانتصار و السرائر «3»، و جعله في الأمالي من دين الإماميّة الذي يجب الإقرار به «4»، فهو الدليل في المسألة.

مضافا إلى المستفيضة كصحيحة الحلبي «5»، و روايتي عنبسة «6»،

______________________________

(1) الحدائق 9: 162.

(2) المنتهى 1: 410.

(3) الخلاف 1: 447، الاستبصار 1: 372، الانتصار: 48، السرائر 1: 245.

(4) الأمالي: 513.

(5) التهذيب 2: 180- 723، الاستبصار 1: 366- 1396، الوسائل 8: 194 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 5.

(6) التهذيب 2: 179- 718، الاستبصار 1: 366- 1393، الوسائل 8: 194 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ملحق بالحديث 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 128

و حفص «1»: «إذا شككت في المغرب فأعد، و إذا شككت في الفجر فأعد».

و رواية موسى بن بكر: «في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك» «2».

و موثّقة سماعة: في صلاة الغداة، قال: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها، و الجمعة

أيضا إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة، لأنّها ركعتان، و المغرب إذا سها فيها، فلم يدر كم ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة» «3».

و عموم التعليل فيها يثبت الحكم في جميع الثنائيّات، بل يدلّ عليه عموم قوله: «إذا لم تدر ..» و خصوص السؤال لا يخصّص الجواب.

و يدلّ على عمومه أيضا ما دلّ على وجوب الإعادة إذا شكّ بين الواحدة و الاثنتين، كحسنة محمّد «4»، و رواية الجعفي و ابن أبي يعفور «5»، و غيرهما.

و أمّا موثّقتا عمّار، الواردتان في المغرب و الفجر «6»، الدالّتان على صحّة الصلاة، فيسلّم و يضيف إليها ركعة، فلا تعارضان ما مرّ، لعدم فتوى أحد من

______________________________

(1) الكافي 3: 350 الصلاة ب 39 ح 1، التهذيب 2: 178- 714، الاستبصار 1:

365- 1390، الوسائل 8: 193 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 2: 179- 719، الوسائل 8: 195 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 9.

(3) التهذيب 2: 179- 720، الاستبصار 1: 366- 1394، الوسائل 8: 195 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 8.

(4) الكافي 3: 351 الصلاة ب 39 ح 2، التهذيب 2: 179- 715، الاستبصار 1:

365- 1391، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل ب 1 ح 7.

(5) التهذيب 2: 176- 702، الاستبصار 1: 363- 1379، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 16.

(6) الاولى: التهذيب 2: 182- 727، الاستبصار 1: 371- 1412، الوسائل 8: 196 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 11.

الثانية: التهذيب 2: 182- 728، الاستبصار 1: 366- 1397، الوسائل 8: 196 أبواب الخلل ب 2 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 129

الطائفة

بمضمونهما، مع أنّهما موافقتان لجمع من العامّة، كما عن الوسائل «1».

خلافا للمحكي عن الصدوق، فخيّر بين الإعادة، و البناء على الأقلّ في الموضعين، كما قيل «2»، أو في الثلاثيّة فقط مع الرباعيّة مطلقا كما ذكره بعض آخر «3»، و إن أنكر بعض المتأخّرين النسبتين «4».

جمعا بين ما مرّ و بين ما دلّ على وجوب البناء على الأقلّ مطلقا، كرواية إسحاق بن عمّار «5»، و صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج «6»، و زرارة «7»، أو إذا لم يدر واحدة صلّى أم ثنتين أو ثلاثة، كصحيحة ابن يقطين «8»، أو إذا لم يدر واحدة صلّى أم ركعتين، كصحيحتي ابن أبي العلاء «9»، و رواية ابن أبي يعفور «10».

و يجاب عنها: بأنّ الجمع فرع حجيّة الطرفين. و ليس هنا كذلك، لضعف أخبار المخالف بالشذوذ جدّا.

مع أنّه على التعارض تتعارض أخبارنا بالأشهرية رواية و الموافقة للخاصّة و المخالفة للعامّة، و كلّ ذلك من المرجّحات المنصوصة، بخلاف أخبار المخالف، فإنّها في طرف الضدّ من الجميع.

______________________________

(1) الوسائل 8: 197 أبواب الخلل ب 2 ذيل الحديث 12. و فيه: لجميع العامة.

(2) حكاه عنه في المنتهى 1: 410.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 224.

(4) الحدائق 9: 162 و 193 و 210.

(5) الفقيه 1: 231- 1025، الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 2.

(6) التهذيب 2: 344- 1427، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 5.

(7) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188- 747، الاستبصار 1:

374- 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 2.

(8) التهذيب 2: 187- 745، الاستبصار 1: 374- 1420، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب

15 ح 6.

(9) التهذيب 2: 177- 710 و 713، الاستبصار 1: 364- 1387، الوسائل 8: 192 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 20 و 21.

(10) التهذيب 2: 178- 712، الاستبصار 1: 365- 1389، الوسائل 8: 192 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 130

و مع هذا كلّه فما ذكرناه مقتضى وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة، مضافا إلى كون القسم الأوّل من هذه الأخبار أعمّ مطلقا من حيث شموله الركعتين الأخيرتين، و الكلّ كذلك من حيث شموله للنوافل أيضا، سوى صحيحة ابن يقطين الظاهرة في الفرائض حيث تضمّنت سجدة السهو، إلّا أنّها غير صالحة لمعارضة ما مرّ جدّا، و مع ذلك يمكن أن يكون لفظ الجزم فيها بالحاء المهملة، و يكون المراد تحصيل اليقين بالإعادة.

و لوالده، فحكم بالإعادة في الشكّ في الركعة الاولى و الثانية مرّة واحدة، و بالبناء على الأقلّ، و صلاة الاحتياط إن شكّ مرّة أخرى «1». و لا أعرف له مستندا، و أمّا الرضوي فهو لا يفيد ذلك الحكم «2».

فروع:
أ: لا فرق في الشك بين أن يكون في النقصان، أو في الزيادة

، لإطلاق الفتاوى، و أكثر الأخبار.

قيل «3»: و به صرّحت رواية موسى بن بكر في المغرب: قال: «إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع، فأعد صلاتك» «4».

و في كونها صريحة نظر. مع أنّها مختلفة، و قد رواها في الاستبصار بنوع آخر «5».

خلافا للمحكي عن المقنع فيها إذا تعلّق بالزيادة، فيضيف إليها ركعة أخرى [1].

______________________________

[1] حكاه عنه في المختلف: 134، و الموجود فيما عندنا من نسخة المقنع هكذا: فاذا شككت في المغرب فأعد، و روي: و إذا شككت في المغرب و لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فسلّم ثمَّ قم فصلّ ركعة، و إن

شككت في المغرب فلم تدر في ثلاثة أنت أم أربع و قد أحرزت الاثنتين في نفسك و أنت في شك من الثلاث و الأربع فسلّم و صلّ ركعتين و أربع سجدات. (المقنع: 30).

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 224.

(2) فقه الرضا (عليه السلام): 117.

(3) انظر: الرياض 1: 215.

(4) التهذيب 2: 179- 719، الوسائل 8: 195 أبواب الخلل ب 2 ح 9.

(5) الاستبصار 1: 370- 1407.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 131

و هو قول نادر جدّا غير واضح المستند.

ب: الحكم يعمّ صلاة السفر و المنذورة ثنائية، و صلاة الجمعة و العيدين

- على وجوبهما- لما تقدّم من دليل التعميم، مضافا إلى حسنة محمّد المصرّحة به في الجمعة و صلاة السفر «1».

ج: قد ذكر كثير من المتأخّرين أنّ حكم صلاة الآيات في الشكّ المتعلّق بالركعتين حكم الثنائيّة

، لكونها ركعتين، فيشملها حكمها. و في المتعلّق بالركوعات البناء على الأقلّ إن لم يتجاوز المحلّ و لم يوجب الشك في الركعة «2».

و عن الراوندي و ابن طاوس قولان آخران مبنيّان على كونها عشر ركعات «3»، كما ورد في الصحاح «4».

و ردّ بأنّ المراد منها الركوع لا الركعة المصطلحة بقرينة قوله في الصحاح المذكورة: «عشر ركعات، و أربع سجدات» و إلّا قال: بأربع سجدات، و لذا ورد في أخبار أخر أنّها ركعتان في أربع سجدات، و لأنّه قد ورد في خبرين آخرين أنّها ركعتان. و الحكم بالإعادة في الأخبار إنّما هو للركعات المصطلحة، كما هو ظاهر من سياق أكثرها، و يشعر به قوله فيها: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين» فإنّه لا يقال للركوع: صلّيته، فيعمل في الشكّ في الركوعات بالأصل.

أقول: لا شكّ في أنّ الركعة لغة هي الركوع.

و أمّا في عرف الشارع فيستعمل فيه، و في الركعة المصطلحة التي هي مجموع الركوع و ما قبله من القراءة و ما بعده من السجود و التشهّد. و الاستعمالان في

______________________________

(1) راجع ص 128.

(2) انظر: الذكرى: 225، و المسالك 1: 41، و المدارك 4: 246، و الرياض 1: 215.

(3) حكاه عنهما في الذكرى: 225.

(4) انظر: الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 132

الأحاديث ذائعان. بل يمكن في كثير منها أن يكون المستعمل فيه الركوع، و ما قبله من القراءة.

و قد تحقّق الاستعمالان الأوّلان، أو الأخيران في صلاة الآيات في الروايات.

و أمّا أخبار حكم الشك المتضمّنة للركعة و مثلها-

الممكن شمولها لصلاة الآيات- فمنها ما يتضمّن الركعة، و منها ما يتضمّن الواحدة و الثلاث، و الظاهر منها عدم إرادة المعنى اللغوي. و لكن إرادة ما تضمّن السجود أيضا غير معلوم.

فيمكن أن يكون المراد منها مجموع القراءة و القنوت و الركوع، فيشمل العشر أيضا، كما يمكن أن يكون مجموع ما مرّ مع السجود. و لا دليل صحيحا على تعيين أحدهما.

و على هذا و إن كان ما ذكروه في أحكام الشك في الركوعات من الرجوع إلى الأصل تامّا، إلّا أنّه لا يكون الحكم بالبطلان في الشك في الركعتين في موضعه.

مع أنّ شمول الركعتين لمثل ذلك الفرد المشتمل على خمس ركوعات أيضا خفيّ جدّا.

بل في البناء في الشك في الركوعات على الأقلّ مع استفاضة النصوص على وجوب البناء على الأكثر في الشك في الصلاة- كما يأتي- نظر.

و القول بعدم انصرافها إلى هذا الفرد مناف لإجراء أحكام أخبار الإعادة هنا.

و تضمّنها لصلاة الاحتياط لا يصرفها عنه، لإمكان الإتيان بصلاة الاحتياط هنا أيضا، كما ذكره الراوندي و ابن طاوس.

و معارضة أخبار أخر دالة على البناء على اليقين لا تضرّ، إذ سيأتي أنّ المراد بالبناء على اليقين يمكن أن يكون الأكثر.

فهو الوجه في المسألة سواء كان الشك في الركوعات أو الركعتين. و لا يترك الاحتياط بالإعادة في شي ء من الأحوال.

المسألة الثانية: من شكّ في الأوليين من الرباعيّة تجب عليه الإعادة

، على الأظهر الأشهر،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 133

سواء كان المشكوك فيه أنّ الركعة التي فيها هل هي الأولى أو الثانية، أو أنّ التي صلّاها و أتمّها هل هي الأولى أو الثانية.

أمّا الأوّل فيدلّ عليه رواية عنبسة: «إذا شككت في الركعتين الأوليين فأعد» «1».

و صحيحة البقباق: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك» «2».

و صحيح زرارة، و رواية

العامري، و صحيح ابن أذينة الآتية «3».

و صحيح محمّد: «عن رجل شكّ في الركعة الأولى، قال: يستأنف» «4» و غيرها.

و أمّا الثاني فيدلّ عليه ما تقدّم من أوامر الإعادة إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين «5».

و موثّقة سماعة: «إذا سها الرجل في الركعتين الأوليين من الظهر و العصر و العتمة، و لم يدر واحدة صلّى أم ثنتين، فعليه أن يعيد الصلاة» «6».

و صحيحة زرارة: «رجل لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين، قال: يعيد» «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 176- 701، الاستبصار 1: 263- 1378، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 14.

(2) التهذيب 2: 177- 707، الاستبصار 1: 364- 1384، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 13.

(3) في ص 138.

(4) التهذيب 2: 176- 700، الاستبصار 1: 363- 1377، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 11.

(5) راجع ص 128.

(6) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 2، التهذيب 2: 176- 704، الاستبصار 1:

364- 1381، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل ب 1 ح 17.

(7) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 3، التهذيب 2: 192- 759، الاستبصار 1:

364- 1385، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 134

و نحوها صحيحة محمّد، إلّا أنّ فيها: «يستقبل» مكان «يعيد» «1».

و في رواية الجعفي و ابن أبي يعفور: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فاستقبل» «2» إلى غير ذلك.

و الخلاف في المسألة محكيّ عن الصدوقين، كما مرّ مع بيان ضعفه «3».

المسألة الثالثة: المستفاد من صحيحة البقباق، و رواية العامري، و ابن أذينة و صحيحة محمّد بطلان الصلاة كلّما تعلّق الشك بالواحدة

، كالشّك بين الواحدة و الثلاث، و الواحدة و الأربع، و غير ذلك. و يستلزمه

البطلان بالشك في الثانية أيضا، لاستلزامه الشك فيها و عدم حفظها.

المسألة الرابعة: من شكّ في جميع ركعات الرباعية، و لم يدر كم صلّى من ركعة واحدة أو ثنتين أو ثلاث أو أربع، تجب عليه إعادة الصلاة

، بالإجماع، صرّح به بعضهم «4».

لصحيحة ابن أبي يعفور: «إذا شككت فلم تدر أ في ثلاث أنت أم في ثنتين أم في واحدة أم في أربع، فأعد و لا تمض على الشكّ» «5».

و صفوان: «إن كنت لا تدري كم صلّيت، و لم يقع وهمك على شي ء، فأعد

______________________________

(1) الكافي 3: 351 الصلاة ب 39 ح 2، التهذيب 2: 179- 715، الاستبصار 1:

365- 1391، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 7.

(2) التهذيب 2: 176- 702، الاستبصار 1: 363- 1379، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 16.

(3) راجع ص 129.

(4) كصاحب الرياض 1: 215.

(5) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 3، التهذيب 2: 187- 743، الاستبصار 1:

373- 1418، الوسائل 8: 226 أبواب الخلل ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 135

الصلاة «1».

و تؤيّده صحيحة علي: عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدري صلّى شيئا أم لا، قال: «يعيد الصلاة» «2».

و صحيحة زرارة و أبي بصير: الرجل يشكّ كثيرا في الصلاة حتى لا يدري كم صلّى، و لا ما بقي عليه، قال: «يعيد» «3».

و صحيحة الرازي: «إنما يعيد من لم يدر ما صلّى» «4».

و الأخبار الكثيرة الدالّة على بطلان الصلاة مع عدم سلامة الأوليين.

و أمّا رواية ابن أبي حمزة: عن الرجل يشكّ، فلا يدري واحدة صلّى أم ثنتين أم ثلاثا أم أربعا تلتبس عليه، قال: «كلّ ذلك؟» قلت: نعم، قال: «فليمض على صلاته» «5» إلى آخره.

فهو محمول على ما بعد الفراغ، لعمومه له، أو على كثير الشك بقرينة قوله بعد ما ذكر: «و يتعوّذ

باللّه من الشيطان الرجيم، فإنّه يوشك أن يدعه».

و عن علي بن بابويه: أنّه إن شككت فلم تدر واحدة صلّيت أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، صليت ركعتين من قيام، و ركعتين من جلوس «6». لمرسلة الفقيه فيمن تلبس عليه الأعداد كلها، قال: و روي «أنّه يصلّي ركعة من قيام و ركعتين

______________________________

(1) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 1، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 1.

(2) التهذيب 2: 189- 748، قرب الإسناد: 197- 751، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 5.

(3) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188- 747، الاستبصار 1:

374- 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 2.

(4) التهذيب 2: 181- 726، الاستبصار 1: 371- 1411، الوسائل 8: 226 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 4.

(5) الفقيه 1: 230- 1022، التهذيب 2: 188- 746، الاستبصار 1: 374- 1421، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 4.

(6) حكاه عنه في المختلف: 132، و الذكرى: 225، و فيه: ركعة من قيام، بدل: ركعتين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 136

من جلوس» «1».

و جوابها- مع شذوذها- عدم تكافئها لما مرّ، لأصحّيته، و أشهريته رواية و فتوى، و أصرحيته دلالة، حيث إنه لا تصريح أصلا في الرواية بعدم الإعادة، فلعلّ ما فيها حكم تعبّدي مستحب.

و استدلّ له بصحيحة ابن يقطين: عن الرجل لا يدري كم صلّى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، قال: «يبني علي الجزم و يسجد سجدتي السهو و يتشهّد تشهّدا خفيفا» «2».

و بعموم صحيحة زرارة: «لا تعتدّ بالشك في حال» «3».

و رواية عمّار: «إذا

سهوت فابن على الأكثر» «4».

و رواية عنبسة: عن الرجل لا يدري أ ركعتين ركع، أم واحدة أم ثلاثا، قال: «يبني صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، و يسجد سجدتي السهو» «5».

على أن يكون المراد بالبناء على ركعة أنّه يبني على الأكثر، و يضيف ركعة واحدة، كما أنّه قد فهم منها الشيخ ذلك.

و يضعّف: بأنّها بين غير دالّ على مذهبه، بل على حكم لم يقل به أحد، و بين مجمل، و بين عامّ للنوافل، يجب تخصيصه بما مرّ.

مع أنّ إرادة البناء على الأقلّ من الجزم في الصحيحة الأولى- كما عن

______________________________

(1) الفقيه 1: 231- 1024، الوسائل 8: 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 3.

(2) التهذيب 2: 187- 745، الاستبصار 1: 374- 1420، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 6.

(3) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 3، التهذيب 2: 186- 740، الاستبصار 1:

373- 1416، الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 3.

(4) التهذيب 2: 349- 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ح 3.

(5) التهذيب 2: 353- 1463، الاستبصار 1: 376- 1427، الوسائل 8: 193 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 137

الشيخ «1»- ممكنة، و مع ذلك فمدلولها موافق للعامّة «2»، فيحمل على التقيّة.

و نسب الخلاف في المسألة هنا إلى الصدوق أيضا بتجويزه البناء على الأقلّ «3».

و كلامه في الفقيه صريح في موافقة المشهور، قال: و من لم يدر كم صلّى، و لم يقع وهمه على شي ء، فليعد الصلاة «4».

و كيف كان فدليله الجمع بين ما مرّ، و بين صحيحة ابن يقطين السابقة،

و مثل رواية ابن اليسع فيما إذا تلبس عليه الأعداد كلّها «أنّه يبني على يقينه، و يسجد سجدتي السهو بعد التسليم و يتشهّد تشهّدا خفيفا» «5».

و جوابه ما مرّ من الشذوذ، و موافقة العامّة، و جواز كون المراد من البناء على اليقين و الجزم البناء على الأكثر، كما قيل، و يأتي «6»، فيحصل الإجمال في الحديث.

المسألة الخامسة: الظاهر عدم الخلاف في بطلان الصلاة بالشك بين الركعة الثانية و غيرها قبل تمام الثانية

، لعموم قوله في صحيحة زرارة: «من شكّ في الأوليين أعاد حتى يحفظ و يكون على يقين» «7».

و في الأخرى: «عشر ركعات- إلى أن قال-: لا يجوز الوهم فيهنّ، و من

______________________________

(1) لم نعثر على هذا الحمل في كتب الشيخ (ره) الموجودة عندنا، بل حمل في التهذيب 2: 188 و الاستبصار 1: 374 على استئناف الصلاة و استحباب سجدتي السهو.

(2) انظر: بداية المجتهد 1: 202.

(3) انظر: المدارك 4: 253، و الذخيرة: 362.

(4) الفقيه 1: 233.

(5) الفقيه 1: 230- 1023، الوسائل 8: 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 2.

(6) في ص 145.

(7) الفقيه 1: 128- 605، مستطرفات السرائر: 74- 18، الوسائل 8: 187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 138

و هم في شي ء منهنّ استقبل الصلاة» «1».

و في رواية العامري: «من شكّ في أصل الفرض في الركعتين الأوليين استقبل صلاته» «2».

و في صحيحة ابن أذينة: «و من أجل ذلك صارت الركعتان كلّما أحدث فيهما حدثا كان على صاحبهما إعادتهما» «3».

و لا ريب أنّ حصول الشك حدث.

و في صحيحة البقباق: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك» «4».

و لا ريب أنّه لو شكّ في الركعة ما لم يتمّ الثانية يصدق عدم حفظ الأوليين و الشك فيهما، فإنّ المراد به الشك

في إحداهما.

بل- كما قيل- يدلّ عليه أيضا جميع الأخبار المتقدّمة المصرّحة بوجوب إعادة الصلاة إذا لم يدر واحدة صلّى أم ثنتين، إذ معناها أنّه لم يدر هل ما صلّاها و أتمّها الركعة الاولى و ما دخل فيه هو الثانية، أو أنّ ما دخل فيه الثالثة أو غيرها، فإنّ قبل تمام الركعة لا يصحّ أن يقال لها صلّاها. و لذا استدلّ بعض الأجلّة على البطلان في المسألة بأنّه قبل تمام الثانية يكون في الحقيقة شكّا بين الاولى و الثانية.

و قد يستدلّ له أيضا بصحيحة عبيد: عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا، قال: «يعيد»، قلت: أ ليس يقال: لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال: «إنّما ذلك في الثلاث و الأربع» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 4: 49 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 12.

(2) الكافي 3: 487 الصلاة ب 24 ح 2، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 9.

(3) الكافي 3: 482 الصلاة ب 24 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(4) التهذيب 2: 177- 707، الاستبصار 1: 364- 1384، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 13.

(5) التهذيب 2: 193- 760، الاستبصار 1: 375- 1424، الوسائل 8: 215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 139

فحمل صدرها على ما قبل تمام الثانية، و ذيلها على ما بعده و الدخول في الثالثة، حتى يكون الشك في أنّه هل دخل في الثالثة أم الرابعة.

و بصحيحة زرارة: رجل لم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا، فقال: «إن دخله

الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة، ثمَّ يصلّي الأخرى و لا شي ء عليه، و يسلّم» قلت: فإنّه لم يدر في ثنتين هو أم في أربع، قال: «يسلّم و يقوم، فيصلّي ركعتين، ثمَّ يسلّم» «1».

فإنّ معنى قوله: «بعد دخوله» أي بعد أن يعلم ذلك، المجامع مع العلم بعدم الزيادة و مع الشك فيها، و هو لا يتحقق إلّا مع العلم بتمام الثانية، فيدلّ بالعموم على المسألة و يخرج عنها ما خرج بالدليل.

و لا يخفى أنّ تمامية الاستدلال بالصحيحة الأولى تتوقّف على ارتكاب التجوّز في قوله: «صلّى» بحمله على ما قبل تمام الركعة. و هو ليس بأولى من التخصيص بالثنائية و الثلاثية، كما فعله الشيخ طاب ثراه «2».

و تماميته في الثانية تتوقّف على كون الحكم في المفهوم إعادة الصلاة، و هو أمر غير معلوم. إلّا أن يتمّم بالإجماع المركّب، و هو كذلك.

و لا ينافي حكم المسألة بعض العمومات الآمرة بالبناء على الأكثر في بعض صور الشك بين الاثنتين و غيرها، لأنّه ظاهر في إتمام الاثنتين بالتقريب المذكور.

و لا الآمرة به مطلقا، لأعمّيته مطلقا، فيجب التخصيص.

ثمَّ إنّه هل تتمّ الثانية بتمام ركوعه، أو بدخوله في السجدة الثانية مطلقا، أو في إكمال ذكرها و إن لم يرفع رأسه، أو في رفع الرأس منها؟ كما قال بكلّ منها طائفة. و يستدلّ للأخير بأنّ رفع الرأس من السجدة الأخيرة من متممات الركعة و أجزائها، فلا يصدق تمام الركعة بدونه.

______________________________

(1) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 3، التهذيب 2: 192- 759، الاستبصار 1:

375- 1423، الوسائل 8: 214 أبواب الخلل ب 9 ح 1.

(2) الاستبصار 1: 375- ذ ح 1424.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 140

و لا يخفى ما

فيه بعد ما عرفت ما حقّقناه في بيان الركعة في بيان شك صلاة الآيات «1».

و مقتضاه الحكم بالبطلان قبل تمام الركوع، و الشك في جميع ما بينه و بين رفع الرأس من السجدة الأخيرة.

و لا يفيد استصحاب الركعة، إذ الركعة بمعنى الركوع، و ما قبله قد تمَّ يقينا، و مع ما بعده لا يعلم إرادته. و استصحاب بقاء ما أراده الإمام بعد، يعارض استصحاب عدم إرادة الزائد.

و لا أخبار حفظ الأوليين و اعتبار اليقين فيهما، حيث لا حفظ هنا، إذ مراد الإمام عليه السلام الحفظ من جهة الشك بين الركعات، و عدم العلم هنا لأجل الجهل بمعنى الركعة، و هذا غير مراد قطعا.

و على هذا، فكان الحكم في موضع الشك في تمام الركعة الرجوع إلى عمومات البناء على الأكثر لو لا صحيحة زرارة الأخيرة، إلّا أنّ مقتضى مفهومها بضميمة الإجماع المركّب المتقدم البطلان إلّا في صورة رفع الرأس عن السجدة الأخيرة، فهو الأظهر.

المسألة السادسة: لو شكّ بعد إتمام الثانية

و قطعه بإحرازها بينها و بين الثالثة، أو الرابعة، أو الثالثة و الرابعة، أو بين الثالثة و الرابعة، بنى في الجميع على الأكثر، على الأظهر الأشهر بين من تقدّم و تأخّر، بل عليه الإجماع عن صريح الانتصار، و الخلاف، و ظاهر السرائر «2»، و غيره «3»، و عن أمالي الصدوق أنّه جعله من دين الإماميّة الذي يجب الإقرار به «4».

______________________________

(1) راجع ص 131.

(2) الانتصار: 49، الخلاف 1: 445، السرائر 1: 254.

(3) كالتذكرة 1: 139.

(4) الأمالي: 513.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 141

لموثّقة عمّار: «أجمع لك السهو كلّه في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، و إذ سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت» «1».

و الأخرى: «إلا أعلّمك شيئا إذا فعلته، ثمَّ

ذكرت أنك أتممت أو نقصت، لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت، فقم، فصلّ ما ظننت أنّك نقصت» «2» الحديث.

و ثالثة: «كلّما دخل عليك الشك في صلاتك، فاعمل على الأكثر» قال:

«فإذا انصرفت، فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» «3».

مضافا في الاولى، و الثانية إلى صحيح زرارة المتقدّم، فإنّ ظاهر قوله «مضى في الثالثة» أن يحكم بأنّ ما فعله الثالثة «ثمَّ يصلّي الأخرى» أي: الرابعة.

و استعمال الإمضاء فيما مضى أكثر من استعماله فيما بقي، كما يأتي في أحاديث الشك في الأجزاء قبل تجاوز المحل.

و هذه الصحيحة و إن اختصّت في الصورة الأولى بما إذا دخل في أفعال الثالثة أو مقدّماتها أيضا، و لا تشمل ما إذا كان جالسا للتشهد، إلّا أنّه يتمّ المطلوب بالإجماع المركب.

و في الأولى خاصّة إلى ما حكي عن العماني من تواتر الأخبار بها «4». و هو و إن كان مرسلا، إلّا أنّه بالعمل منجبر. إلّا أنّه يخدشه ما يأتي من احتمال إرادته العمومات.

و المروي في قرب الإسناد الآتي «5»، المنجبر أيضا.

و في الثانية خاصة إلى صحيحة محمّد: عن رجل صلّى ركعتين، فلا يدري

______________________________

(1) الفقيه 1: 225- 992، الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 1.

(2) التهذيب 2: 349- 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3.

(3) التهذيب 2: 193- 762، الاستبصار 1: 376- 1426، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 4.

(4) حكاه عنه في الذكرى: 226.

(5) في ص 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 142

ركعتان هي أو أربع، قال: «يسلم، ثمَّ يقوم، فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب، و يتشهّد، و

ينصرف، و ليس عليه شي ء» «1».

و صحيحة ابن أبي يعفور: عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعا، قال: «يتشهّد و يسلّم، ثمَّ يقوم، فيصلّي ركعتين و أربع سجدات، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمَّ يتشهّد و يسلّم» إلى أن قال: «و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» «2».

و في الثالثة كذلك إلى مرسلة ابن أبي عمير: في رجل صلّى و لم يدر ثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا، قال: «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم، ثمَّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كانت أربع ركعات، كانت الركعتان نافلة، و إلّا تمّت الأربع» «3».

و المراد بالأربع ركعات الزائدة صلاة الاحتياط. لا أن يكون الأوليان تتمة الصلاة، و يكون البناء على الأقلّ، إذ على ذلك لم يكن الأمر بركعتين جالسا صحيحا إجماعا. مع أنّ في قوله: «يقوم» إشارة إلى ذلك، إذ لو لا إرادة الاحتياط لم تكن إليه حاجة، بل كان مخلا، إذ يمكن أن يكون الشك حال القيام. و كذا في قوله: «من قيام» إشارة إليه، إذ لا حاجة إليه في تتمة الصلاة.

و صحيحة البجلي: رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا، فقال:

«يصلّي ركعة من قيام ثمَّ يسلّم، ثمَّ يصلّي ركعتين و هو جالس» «4».

______________________________

(1) التهذيب 2: 185- 737، الاستبصار 1: 372- 1414، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 6.

(2) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186- 739، الاستبصار 1:

372- 1315، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

(3) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 6، التهذيب 2: 187- 742، الوسائل 8: 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب

13 ح 4.

(4) الفقيه 1: 230- 1021، الوسائل 8: 222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1 و في الفقيه و نسخة من الوسائل: «ركعتين من قيام» و ستأتي الإشارة من المصنف- ره- الى هذا الاختلاف في ص 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 143

و لا يضرّ عدم صراحتهما في الوجوب، للإجماع، و لأنّهما بيان للموثّقات الآمرة.

و في الثانية و الرابعة إلى صحيحة الحلبي: «إذا لم تدر ثنتين صلّيت أم أربعا، و لم يذهب وهمك إلى شي ء فتشهّد و سلّم، ثمَّ صلّ ركعتين و أربع سجدات، تقرأ فيهما بأمّ القرآن، ثمَّ تشهّد و تسلّم» إلى أن قال: «و إن كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا، و لم يذهب وهمك إلى شي ء، فسلّم، ثمَّ صلّ ركعتين و أنت جالس، تقرأ فيهما بأمّ الكتاب» «1» الحديث.

و في الرابعة خاصّة إلى موثّقة البقباق: «إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا، و وقع رأيك على الثلاث، فابن على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع، فسلّم و انصرف، و إن اعتدل وهمك، فانصرف، و صلّ ركعتين و أنت جالس» «2».

و صحيحة ابن أبي العلاء: «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع، سلّم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس، يقصر في التشهد» «3».

خلافا في الأولى للمحكي عن السيد، فيبني على الأقلّ.

لصحيحة زرارة المتقدّمة بحمل قوله: «مضى في الثالثة» على أن يجعل الركعة التي دخل فيها ثالثة، و هي الأقلّ، حيث إنّه لعلمه بتمام الثانية يشكّ في أنّ ما دخل فيها الثالثة أو الرابعة، فتكون الركعة مترددة بين الثالثة و الرابعة.

و للأخبار الدالّة على البناء على الأقلّ مطلقا، كصحيحة زرارة: من لم

يدر في أربع هو أم في ثنتين و قد أحرز الثنتين؟ قال: «يركع ركعتين و أربع سجدات و هو

______________________________

(1) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 8، الفقيه 1: 229- 1015، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1.

(2) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 7، التهذيب 2: 184- 733، الوسائل 8: 211 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 1.

(3) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 2، التهذيب 2: 185- 736، الوسائل 8: 218 أبواب الخلل ب 10 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 144

قائم بفاتحة الكتاب، و يتشهّد، و لا شي ء عليه، و إذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع و قد أحرز الثلاث، قام فأضاف إليها أخرى، و لا شي ء عليه، و لا ينقض اليقين بالشك» «1» الحديث.

فإنّ قوله في آخر الحديث: «و لا ينقض اليقين» عامّ لهذه الصورة أيضا، و هو دليل على أنّ المراد بالركعتين و الركعة المضافة هي تتمة الصلاة دون صلاة الاحتياط.

و رواية ابن اليسع: عن رجل لا يدري ثلاثا صلّى أم ثنتين، قال: «يبني على النقصان، و يبني على الجزم، و يتشهّد بعد انصرافه تشهّدا خفيفا كذلك في أوّل الصلاة و آخرها» «2».

و رواية ابن عمّار: «إذا شككت فابن على اليقين» قلت: هذا أصل؟ قال:

«نعم» «3».

و روايتي البجلي و علي: في السهو في الصلاة، فقال: «تبني على اليقين، و تأخذ بالجزم، و تحتاط بالصلوات كلّها» «4».

و الجواب عن الأوّل: أنّها في البناء على الأكثر أظهر و عليه أدلّ، بالتقرير الذي مرّ، بحمل الثالثة على ما مرّ، و الركعة الأخرى على الركعة التي فيها دخل.

و لو لا الأظهرية،

فلا أقلّ من تساوي الاحتمالين الموجب لسقوط الاستدلال.

و قد تحمل الثالثة على هذه الركعة و يحمل المضي فيها على إتمام الصلاة بها، و تحمل الركعة الأخرى على ركعة الاحتياط، فتكون الرواية دالّة على البناء على الأكثر.

______________________________

(1) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 3، التهذيب 2: 186- 740، الاستبصار 1:

373- 1416، و أورد صدره في الوسائل 8: 220 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 3، و ذيله في ص: 216 ب 10 ح 3.

(2) الفقيه 1: 230- 1023، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ح 6.

(3) الفقيه 1: 231- 1025، الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 2.

(4) التهذيب 2: 344- 1427، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 145

و فيه بعد ظاهر.

و عن البواقي: بمعارضتها مع ما مرّ، و ترجيحه بوجوه عديدة كالأشهرية رواية و فتوى، و الأصرحية دلالة، و الأبعدية عن طريقة العامّة التي هي من المرجّحات المنصوصة، فإنّهم يبنون على الأقلّ، كما يظهر من الانتصار و المعتبر و روض الجنان و البحار و الوسائل «1»، بل من كتب أنفسهم كصحيح مسلم و شرح السنة و غيرهما «2».

مضافا إلى أنّ الظاهر أنّ المراد بالركعتين و الركعة في صحيحة زرارة صلاة الاحتياط بقرينة قوله: «و هو قائم» فإنّه لو كان المراد تتمة الصلاة لم يحتج إلى هذا القيد، و كذا قوله: «بفاتحة الكتاب».

و أمّا التعليل بقوله: «و لا ينقض اليقين» فلا يدلّ على ما راموه، لجواز أن يكون المراد اليقين بالصحة، و يكون المعنى: و لا ينقض اليقين بصحة الصلاة بواسطة الشك. أو المراد اليقين بعدم

فعل الطرف الزائد، و يكون التعليل لإضافة صلاة الاحتياط، فإنّه لو كان ينقض اليقين بالشكّ في الزائد، لكان يبني عليه من غير تدارك. و أمّا مع التدارك فهو عين عدم الالتفات إلى الشك.

و منه يظهر جواب آخر عن البواقي و هو: أنّ المراد بالبناء على اليقين يمكن أن يكون البناء على الصحة، فلا ينافي ما مرّ. و أن يكون البناء على الأكثر و صلاة الاحتياط، فإنّه لو كان بانيا على الشكّ لبني على الأكثر من غير احتياط، و أمّا مع الاحتياط فليس بناء عليه، بل بناء على اليقين قطعا، كما صرّح به في الأخبار تعليلا لصلاة الاحتياط من أنّه لو كانت الصلاة ناقصة لأتمّت «3»، فليس ذلك إلّا عدم الالتفات بالشك و الأخذ باليقين.

______________________________

(1) الانتصار: 49، المعتبر 2: 391، و لم نعثر عليه في روض الجنان، البحار 85: 183، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ذيل الحديث 6.

(2) انظر: صحيح مسلم 1: 400، و سنن البيهقي 2: 339، و سنن الترمذي 1: 247، و عمدة القارئ 7: 313، و بدائع الصنائع 1: 165.

(3) انظر: الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 146

فالأخذ بالنقصان و اليقين كما يمكن أن يكون بالبناء على الأقلّ، يمكن أن يكون بالبناء على الأكثر و صلاة الاحتياط، فإنّه أيضا بناء على النقصان و الجزم و اليقين، و إلّا لم يحتط بالصلاة.

بل الظاهر من الأخبار إرادة هذا المعنى، كما يدلّ عليه قوله في آخر رواية البجلي و علي: «و تحتاط بالصلوات كلّها».

و المروي في قرب الإسناد: رجل صلّى ركعتين و شكّ في الثالثة، قال: «يبني على اليقين، فإذا فرغ تشهّد، و قام

قائما يصلّي ركعة بفاتحة الكتاب» «1».

و المراد بالبناء على اليقين هنا الأكثر قطعا، لمكان أمره بصلاة الاحتياط. و لا يمكن حملها على بقية الصلاة، و الحمل على الأقلّ، لأنّ الباقي حينئذ ركعتان، و ليس فيهما فاتحة الكتاب، و لم يكن معنى لقوله: «فإذا فرغ تشهد».

و صحيحة زرارة المتقدّمة «2» بالتقريب الذي ذكرناه «3».

بل لنا أن نقول: ينحصر البناء على اليقين بالبناء على الأكثر، لأنّ المراد اليقين بعدم وقوع خلل في الصلاة، فلو بنى على الأقلّ احتملت الزيادة المبطلة إجماعا بلا تدارك، بخلاف ما لو بنى على الأكثر مع صلاة الاحتياط.

و إلى ذلك أشار السيد في الانتصار، قال في توجيه المذهب المشهور بعد دعوى الإجماع عليه: و لأنّ الاحتياط أيضا فيه، لأنه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد، فيكون ما أتى به زيادة في صلاته- ثمَّ قال-:

فإذا قيل: إذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنّما فعل الأقلّ، فلا ينفع ما فعله من الجبران، لأنّه منفصل من الصلاة، و بعد التسليم. قلنا: ما ذهبنا إليه أحوط على كلّ حال، لأنّ الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى الإشفاق من تقديم السلام في غير موضعه «4».

______________________________

(1) قرب الإسناد: 30- 99، الوسائل 8: 215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 2.

(2) في ص 139.

(3) في ص 141.

(4) الانتصار: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 147

و قريب منه كلام المعتبر و المنتهى «1»، و كلامهما كالصريح في أنّ البناء على اليقين إنّما يحصل بالبناء على الأكثر، لا الأقلّ.

و من هنا يظهر فساد نسبة القول بالبناء على الأقلّ إلى السيد في الناصريّات، لأنّ ما أوجب

هذه النسبة إليه قوله فيها- في ذيل قول جدّه الناصر: و من شكّ في الأوليين استأنف، و من شكّ في الأخيرتين بنى على اليقين-: هذا مذهبنا، و هو الصحيح عندنا، و باقي الفقهاء مخالفون في ذلك «2». انتهى.

و في قوله هذا أيضا دلالة على ما ذكرنا، لأنّ مذهب المخالفين البناء على الأقلّ و سجدة السهو، و كتبهم بذلك مشحونة، و دلائلهم عليه مشهورة.

قال البغوي في شرح السنة بعد ذكر رواية مصرّحة بالبناء على الأقلّ مطلقا في الشك في الركعات عن صحيح مسلم: هذا الحديث يشتمل على أحكام، أحدها: أنّه إذا شك في صلاته فلم يدر الركعة يأخذ بالأقلّ. و الثاني: أنّ محل سجدتي السهو قبل التسليم. أمّا الأوّل فأكثر العلماء على أنّه يبني على الأقلّ، إلى آخره «3».

هذا مع احتمال البناء على اليقين و النقص معنى آخر، ذكره الحلّي في توجيه كلام السيد، زعما منه كون البناء في كلامه البناء على الأقلّ، و هو: البناء عليه بعد التسليم و الخروج عن الصلاة، قال: فقبل سلامه يبني على الأكثر، لأجل التسليم، و بعده يبني على الأقلّ، كأنّه ما صلّى إلّا ما تيقنه، و ما شك فيه يأتي به، ليقطع على براءة ذمته «4».

و بالجملة فهذه الأخبار موافقة لما مرّ، و لو قطع النظر عنها فمعارضتها له غير معلومة، و لو سلّم التعارض فالمكافأة مفقودة.

______________________________

(1) المعتبر 2: 391، المنتهى 1: 415.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 201.

(3) حكاه المجلسي (ره) في البحار 85: 183.

(4) السرائر 1: 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 148

و عن الصدوق [1] في الفقيه و والده في الرسالة، فقالا بالتخيير في هذه الصورة «1». و استوجهه في الذخيرة «2».

جمعا بين الفريقين من الأخبار.

و للرضوي

المصرّح بالخيار مع اعتدال الوهم في هذه الصورة «3».

و يردّ الأوّل: بعدم التعارض أوّلا، كما مرّ، و عدم التكافؤ ثانيا.

و قد يردّ أيضا: بأنّه جمع بلا شاهد.

و يخدشه أنّ قول الإمام بالتخيير عند التعارض و عدم الترجيح أقوى الشواهد.

هذا مع أنّ في نسبته إلى الصدوق نظرا ظاهرا، كيف؟! و هو قد صرّح في الأمالي بأنّ البناء على الأكثر من دين الإمامية «4».

و قال أيضا في الفقيه: و من شكّ في الثانية و الثالثة و الرابعة بنى على الأكثر، و إذا سلّم أتمّ ما ظنّ أنّه قد نقص «5».

و هذا صريح في موافقة المشهور.

و كأنّ منشأ الاشتباه في النسبة إليه هنا و فيما تقدّم من الشكّ في الأوليين و الثنائيّة و الثلاثيّة كلام له في الفقيه، بعد تصريحه أوّلا بوجوب الإعادة في الصور الثلاث المذكورة، و البناء على الأكثر في ما مرّ، ثمَّ ذكره صورا كثيرة من الشك و بيان حكمها، ثمَّ ذكره أخبارا أخر، حيث قال: و ليست هذه الأخبار مختلفة، و صاحب هذا السهو بالخيار بأيّ خبر منها أخذ «6».

فأرجع كثير من المتأخّرين الإشارة إلى جميع ما تقدّم من المسائل المتفرّقة،

______________________________

[1] أي: و خلافا للمحكي عن الصدوق ..، في الصورة الأولى، و هو الشك بين الثانية و الثالثة.

______________________________

(1) الفقيه 1: 231.

(2) الذخيرة: 376.

(3) فقه الرضا (عليه السلام): 118، مستدرك الوسائل 6: 408 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 2.

(4) الأمالي: 513.

(5) الفقيه 1: 225.

(6) الفقيه 1: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 149

مع أنّه غير معلوم، فهذه النسبة أيضا كالأوّل مقدوحة.

و عن المقنع، فحكم بوجوب الإعادة في هذه الصورة «1»، لموثّقة عبيد المتقدّمة «2».

و فيه- مضافا إلى منع دلالتها على الوجوب،

و شذوذها المخرج لها عن الحجية لو دلت عليه-: أنّها أعمّ مطلقا من المروي في قرب الإسناد المجبور ضعفه بالشهرة العظيمة، بل الإجماع في الحقيقة، إذ لم ينقل القول بالبطلان إلّا منه، و في كونه قولا منه أيضا نظر، فإنّه ذكره بعنوان الرواية، و مثله على الفتوى غير دالّ.

و للمحكي عن الصدوق في الثانية، فحكي عنه التخيير أيضا «3»، و احتمله في المدارك قويا «4».

جمعا بين ما مرّ، و بين صحيحة زرارة المتقدّمة «5» دليلا لقول السيد.

و موثّقة أبي بصير: «إذا لم تدر أربعا صلّيت أم ركعتين، فقم و اركع ركعتين ثمَّ سلّم، و اسجد سجدتين و أنت جالس، ثمَّ سلّم بعدهما» «6».

و يردّ الأول: بما مرّ من ظهورها في البناء على الأكثر، كما مرّ.

و الثانية: باحتمالها له أيضا، فيكون المراد بالركعتين صلاة الاحتياط. و أمّا الأمر بالسجدتين فلعلّه لاستحبابهما، كما قيل «7»، أو محمول على من تكلّم ناسيا، كما صرّح به في صحيحة ابن أبي يعفور المبيّنة لحكم صورة الشك بين الاثنتين و الأربع، فقال بعد الأمر بالبناء على الأكثر و صلاة الاحتياط: «و إن تكلّم فليسجد

______________________________

(1) المقنع: 31.

(2) في ص 138.

(3) حكاه عنه في الرياض 1: 218.

(4) المدارك 4: 260.

(5) راجع ص 143.

(6) التهذيب 2: 185- 738، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل ب 11 ح 8.

(7) الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 150

سجدتي السهو» «1».

و لو سلّم فيعارض ما مرّ ممّا هو أكثر منهما، و أوفق بالعمل، و مع ذلك توافقان العامّة كما مرّ. مع أنّ في نسبته إلى الصدوق ما مرّ.

و لا تبعد نسبة البناء على الأقلّ هنا إلى السيد أيضا عند من ينسب إليه الخلاف في الأولى، لأنّ

كلامه يشملهما، بل الصورتين الأخيرتين أيضا.

و عن المقنع، فحكم بالإعادة «2»، و احتملها الفاضل في نهاية الإحكام، و الشهيد في الذكرى أيضا «3»، و ظاهرهما استحبابها، حيث عبّرا عن البناء على الأكثر بالرخصة، و هو ظاهر المدارك أيضا «4».

لصحيحة محمّد: عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعا، قال: «يعيد الصلاة» «5».

و الجواب عنها: بشمولها لغير الرباعية أيضا، و اختصاص ما مرّ من معارضاتها بالرباعية بقرينة الأمر بصلاة الاحتياط، فيجب تخصيصها به.

و في الثالثة للمحكي عن الصدوق أيضا «6»، و إن كان فيه ما مرّ، و الإسكافي «7»، و استوجهه في الذخيرة «8»، فخيّرا بين ما مرّ و بين البناء على الأقلّ، لصحيحة زرارة المتقدّمة بجوابها «9».

و في الرابعة للمنقول عن الإسكافي، فجوّز البناء على الأقلّ ما لم يخرج

______________________________

(1) راجع ص 142.

(2) المقنع: 31.

(3) نقل عن النهاية و الذكرى في البحار 85: 182، و لكن لم نجده فيهما.

(4) المدارك 4: 260.

(5) التهذيب 2: 186- 741، الاستبصار 1: 373- 1417، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 7.

(6) حكاه عنه في المدارك 4: 258.

(7) حكاه عنه في المدارك 4: 258.

(8) الذخيرة: 377.

(9) راجع ص 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 151

الوقت «1»، لبعض ما مرّ. و جوابه ظاهر.

المسألة السابعة: تجب في الصور الأربع المذكورة بعد البناء على الأكثر صلاة الاحتياط،

إجماعا من كلّ من يقول بالبناء عليه.

ففي الأولى [1] يحتاط بركعتين من جلوس، أو بركعة من قيام، مخيّرا بينهما على الأشهر، كما صرّح به جماعة «2»، بل عن الانتصار و الخلاف الإجماع عليه «3»، له، و لما عن العماني من تواتر الأخبار به «4»، و عن الحلّي من ورود الخبر بكلّ من الأمرين «5»، و هما بمنزلة مرسلتين منجبرتين بما مرّ، و لورود

النصّ بهما في الصورة الرابعة، و عدم القول بالفرق بينهما، كما يظهر من الذكرى و روض الجنان «6».

خلافا للمحكي عن العماني و الجعفي فقالا بالأوّل «7»، و لم يذكرا التخيير، لظاهر الصحاح الآمرة به في الرابعة، بضميمة عدم الفرق بينها و بين هذه الصور.

و ردّ بورود الخيار فيها أيضا، كما يأتي.

و عن عليّ بن بابويه و عن المفيد و القاضي و ظاهر الديلمي: تحتم القيام «8»، و اختاره في الحدائق، و إليه يميل كلام الذخيرة «9».

______________________________

[1] و هو الشكّ بين الثانية و الثالثة.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 226.

(2) منهم: الشهيد في الذكرى: 226، و صاحب الرياض 1: 218.

(3) الانتصار: 49، الخلاف 1: 445.

(4) حكاه عنه في الذكرى: 226.

(5) السرائر 1: 254.

(6) الذكرى: 226، الروض: 351.

(7) حكاه عن العماني في المختلف: 133، و عن الجعفي في الذكرى: 227.

(8) حكاه عن ابن بابويه في المختلف: 133، و عن المفيد و القاضي في الرياض 1: 218، الديلمي في المراسم: 89.

(9) الحدائق 9: 226، الذخيرة: 377.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 152

لقوله عليه السلام في المستفيضة المتقدّمة: «فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» «1» فإنّ ظاهرها بل صريحها الموافقة لما نقص.

و المروي في قرب الإسناد المتقدّم «2».

و ردّ: بضعف الأخير. و عدم صراحة الأول، لأنّ إتمام ما نقص كما يمكن بالموافق يمكن ببدله أيضا، بل ثبوت الخيار في الرابعة- مع شمول هذه الأخبار لها أيضا- يعيّن أنّ المراد بإتمامه أعمّ من الإتيان بموافقة، أو ما يقوم مقامه.

أقول: هذا كان حسنا لو لا الأمر بالقيام في إحدى الموثّقات، و لكن قال في بعضها: «فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت» «3» و مع ذلك لا يرد هذا.

فدلالة

الموثقة على مطلوبهم صريحة.

و لا يعارضها ما سبق من الإجماع المنقول، لعدم حجّيته.

و لا دعوى العماني و لا الحلّي، إذ لا يعلم بعد ما ادّعياه حتّى يظهر دلالته أو عدمها، و الاكتفاء بفهمهما غير جائز.

نعم لو ثبت الإجماع المركّب الذي تقدّم، تعارض به الموثقة، بل يقدّم عليها، إلّا أنّ ثبوته مشكل.

و قد يستدلّ على المشهور بصحيحة ابن أبي العلاء المتقدّمة «4»، حيث إنّه يصدق حينئذ أنّه يستوي وهمه في الثلاث و الأربع، فتجوز له الركعتان جالسا بها، كما تجوز الركعة قائما بما مرّ. بل بخبر جميل الآتي «5»، المصرّح بالخيار.

و لو شكّ في الصدق بعد الفراغ عن السجدتين قبل القيام، فلا شكّ في الصدق بعده، و يتمّ المطلوب بالإجماع المركب.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8.

(2) في ص 146.

(3) التهذيب 2: 349- 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ح 3.

(4) في ص 143.

(5) في ص 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 153

و يرد عليهما: أنّ معنى اعتدل وهمه في الثلاث و الأربع إمّا في فعل الثلاث و الأربع و مضيّهما، أو في التلبس بهما.

و الظاهر من الخبر: الأوّل، بقرينة السؤال و رجوع الضمائر في الجواب إلى المسؤول عنه. بل هو مراد قطعا- للسؤال- و إرادة المعنى الأخير غير معلومة.

و أمّا الصحيحة فهي مجملة من هذه الجهة فلا تصلح للتخصيص.

إلّا أن يقال: العامّ المخصّص بالمجمل ليس بحجة، فتخرج الموثّقة أيضا عن الحجية، فلا يجب القيام أيضا، و يكون المكلّف مخيّرا.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الركعة من قيام مجزية قطعا، فتجب لأصل الاشتغال. فإن منعت قطعية إجزائها، ثبت بواسطة رواية قرب الإسناد «1»، المنجبر ضعفها باشتهار إجزائها.

لا يقال:

ليس المورد محلّ جريان أصل الاشتغال، بل يجري أصل البراءة عن القيام، لثبوت القدر المشترك بينهما بالإجماع.

لمنع ثبوت القدر المشترك من جهة القول بالتخيير، فإنّه ثبت الزائد عن مهيّة الصلاة، من التخيير أو أحد الفردين، فيجب العمل بأصل الاشتغال، حتّى تعلم البراءة، و هي لا تعلم إلّا بالقيام، فوجوبه الأظهر، سيّما مع أنّ الموثّقة تثبت المطلوب في صورة الجلوس قبل القيام بلا معارض، فيضمّ معه الإجماع المركب.

و لعلّه لبعض ما ذكر، و للأوفقيّة للفائت جعل الفاضلان- طاب ثراهما- الركعة من قيام هنا و في الرابعة [1] أولى من الركعتين جالسا «2».

و في الثانية [2] بركعتين من قيام حتما إجماعا، كما عن الانتصار و الخلاف «3»، لما مرّ من الموثّقات، و خصوص الصحاح المتقدّمة الواردة في المورد.

______________________________

[1] أي: الصورة الرابعة، و هو الشكّ بين الثالثة و الرابعة.

[2] و هو الشكّ بين الثانية و الرابعة.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 146.

(2) المحقق في المعتبر 2: 393، الفاضل في التذكرة 1: 140.

(3) لم نجده في الانتصار، الخلاف 1: 445.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 154

و في الثالثة [1] بركعتين من قيام، و ركعتين من جلوس، على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة ممن تأخّر «1»، لمرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة «2».

و عن الصدوقين و الإسكافي: الاحتياط بركعة من قيام و ركعتين من جلوس «3»، و استقربه في الروضة [2].

لصحيحة البجلي عن أبي إبراهيم عليه السلام: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا، فقال: «يصلّي ركعة من قيام، ثمَّ يصلّي ركعتين و هو جالس» «4».

و الرضوي: «و إن شككت فلم تدر اثنتين صلّيت أم ثلاثا أم أربعا، فصلّ ركعة من قيام

و ركعتين من جلوس» «5».

و قوّاه في الذكرى من حيث الاعتبار أيضا، لأنّهما تنضمّان حيث تكون الصلاة اثنتين، و يجزئ بإحداهما حيث تكون ثلاثا «6».

و يردّ الصحيحة، مع ما في سندها من عدم معهودية رواية الكاظم عليه السلام عن الصادق عليه السلام بهذا النحو، و من الاقتصار في بعض النسخ على أبي إبراهيم، و ما في مضمونها من المخالفة للشهرة العظيمة، أنّها غير صالحة للاستناد، للاختلاف في متنها، ففي بعض النسخ- كما في المنتقى «7» و غيره- و في أكثر النسخ- كما صرّح به بعض الأجلّة «8»-: «يصلّي ركعتين من قيام» بدل

______________________________

[1] و هو الشكّ بين الثانية و الثالثة و الرابعة.

[1] قال في الروضة 1: 330: .. و هو قريب من حيث الاعتبار .. إلّا أنّ الأخبار تدفعه.

______________________________

(1) منهم: السبزواري في كفاية الأحكام: 26، و صاحب الرياض 1: 219.

(2) في ص 142.

(3) حكاه عنهم في المختلف: 133.

(4) الفقيه 1: 230- 1021، الوسائل 8: 222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.

(5) فقه الرضا (عليه السلام): 118، مستدرك الوسائل 6: 411 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 12 ح 1.

(6) الذكرى: 226.

(7) منتقى الجمان 2: 311.

(8) الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 155

«ركعة».

و الرضوي: بالضعف.

و الاعتبار: بعدم الاعتبار، مع أنّه ينازع في قوّته، من حيث إنّه يستلزم تلفيق البدل الواحد من الفعل قائما و قاعدا على تقدير كون الواحد ركعتين، و يستلزم زيادة بعض الأفعال كالنية و التكبير في البدل، و تغيير صورته على التقدير المذكور.

ثمَّ في تبديل الركعتين جالسا بركعة قائما حتما، كما عن العزّية و الديلمي «1».

أو تخييرا، كما عن الفاضل و الشهيدين «2»، و اختاره بعض مشايخنا الأخباريين

«3».

أو عدم جوازه، كما عن الأكثر، و نسبه في الذكرى إلى الأصحاب «4».

أقوال، أحوطها الأخير، بل هو أقواها.

للرضوي المنجبر بالشهرة في المقام، بل لأصل الاشتغال أيضا، حيث إنّ جواز الجلوس يقيني بما مرّ.

للأوّل: ظواهر الأوامر العامّة المصرّحة بإتمام ما ظننت قائما.

و للثاني: فحوى مرسلة ابن أبي عمير، لأنّها إنّما تصلّى لتكون بدلا عن المحتمل فواته، و الركعة قائما أقرب إليه.

و يضعّف الأوّل: بتحقّق القيام المأمور به هنا، لمكان الركعتين قائما، و لم يثبت وجوب القيام في كلّ ما يفعل. مع أنّ المرسلة أخصّ منها، فتخصّصها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    156     المسألة السابعة: تجب في الصور الأربع المذكورة بعد البناء على الأكثر صلاة الاحتياط، ..... ص : 151

الثاني: بمنع الأولوية، لأنّها إنما هي على فرض معلوميّة العلّة، و هي ممنوعة.

و هل يجب تقديم الركعتين من قيام؟ كما عن المفيد في المقنعة و السيّد في أحد

______________________________

(1) حكاه عن العزية في المختلف: 134، الديلمي في المراسم: 89.

(2) الفاضل في التذكرة 1: 140، الشهيد في الذكرى: 226، الشهيد الثاني في الروضة 1: 330.

(3) انظر: الحدائق 9: 243.

(4) الذكرى: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 156

قوليه، و الحلّي و الروضة و البيان و الألفيّة «1»، و جمع من متأخري المتأخرين «2»، و حكي عن الروضة نسبته إلى المشهور «3»، و هو غير ظاهر، لإمكان رجوعه إلى الأربع ركعات لا إلى الترتيب، كما تؤكّده نسبته التخيير في الذكرى و المسالك إلى الأكثر «4».

أو الركعتين من جلوس؟ كما يحكى عن بعضهم.

أو يتخيّر في تقديم أيّهما شاء؟ كما هو المشهور.

للأوّل: مكان لفظة «ثمَّ» الدالّة على الترتيب في النصّ.

و في إثبات الوجوب به هنا نظر.

و دليل الثاني غير معلوم.

و

للثالث: الأصل. و هو الأظهر.

و في الرابعة [1] بركعتين من جلوس، أو ركعة من قيام، مخيّرا بينهما على الأقوى الأشهر.

للأمر بالأوّل في صحيحتي الحلبي و ابن أبي العلاء، و موثقة البقباق المتقدّمة جميعا «5».

و بالثانية في عموم الموثّقات السابقة «6»، و خصوص قوله: «قام فأضاف إليها ركعة أخرى» في صحيحة زرارة المتقدّمة «7» بالتقريب المذكور.

______________________________

[1] أي: الصورة الرابعة، و هو الشكّ بين الثالثة و الرابعة.

______________________________

(1) المقنعة: 147، حكاه عن السيّد في المختلف: 134، الحلي في السرائر. 254، الروضة 1: 330، البيان: 254، و قال في الألفية: 73: و الاحتياط بركعتين جالسا و بركعتين قائما.

(2) كصاحب المدارك 4: 261، و السبزواري في الذخيرة: 378، و صاحب الرياض 1: 219.

(3) الروضة 1: 330.

(4) الذكرى: 226، المسالك 1: 402.

(5) في ص 143.

(6) راجع ص 141.

(7) في ص 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 157

فيجمع بينهما بالتخيير، بشهادة خبر جميل المنجبر ضعفه- لو كان- بالشهرة العظيمة و الإجماع المنقول، و فيها: «و إذا اعتدل وهمه في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء صلّى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس» «1».

بل هو بنفسه قرينة على إرادة الوجوب التخييري.

المسألة الثامنة: لو شكّ بين الأربع و الخمس، فإن كان بعد الفراغ من السجدتين يبني على الأقلّ

وفاقا، و يسجد سجدتي السهو على الأظهر الأشهر، و عن العماني نسبته إلى آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله «2».

للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة ابن سنان: «إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمَّ سلّم بعدها» «3».

و أبي بصير، و هي أيضا قريبة منها «4».

و الحلبي: «إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا، أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين

بغير ركوع و لا قراءة تتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا» «5».

و صحيحة زرارة: «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلم يدر زاد أم نقص

______________________________

(1) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 9، التهذيب 2: 184- 734، الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 2.

(2) حكاه عنه في المختلف: 140.

(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 3، التهذيب 2: 195- 767، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1.

(4) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 6، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل ب 14 ح 3.

(5) الفقيه 1: 230- 1019، التهذيب 2: 196- 772، الاستبصار 1: 380- 1441، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 158

فليسجد سجدتين و هو جالس» «1».

و الفضيل: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، و إنّما السهو على من لم يدر أ زاد في صلاته أم نقص منها» «2».

و يدلّ عليه أيضا جميع الأخبار المتقدّمة الدالّة على البناء على اليقين و النقصان و الجزم، إذ لا معنى للبناء عليها و صحّة الصلاة بعد احتمال الزيادة إلّا ذلك. و لا تعارضها أخبار البناء على الأكثر، لاختصاصها بعدم احتمال الزيادة من جهة اشتمالها على الأمر بإتمام ما نقص.

خلافا للمحكي عن المفيد و الخلاف و الديلمي و الحلبي، فلم يذكروا سجدتي السهو «3». بل عن ظاهر الأوّلين: نفيهما. و لم أجد مستنده.

و عن المقنع، فحكم مع البناء على الأقلّ بصلاة الاحتياط ركعتين جالسا، بدلا عن سجدة السهو «4».

و تدلّ عليه رواية الشحّام: «إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستّا فليعد، و إن كان لا يدري

أ زاد أم نقص فليكبّر و هو جالس، ثمَّ ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته، ثمَّ يتشهّد» «5».

و الرضوي: «و إن لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا، أو زدت أو نقصت، فتشهّد و سلّم و صلّ ركعتين و أربع سجدات و أنت جالس بعد تسليمك» قال: و في حديث آخر: «يسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة» «6».

و يجاب عنهما بالشذوذ الموجب لرفع اليد عنهما.

______________________________

(1) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 1، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 2.

(2) الفقيه 1: 230- 1018، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 6.

(3) المفيد في المقنعة: 148، الخلاف 1: 451، الديلمي في المراسم: 90، الحلبي في الكافي: 148.

(4) المقنع: 31.

(5) التهذيب 2: 352- 1461، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 5.

(6) فقه الرضا (عليه السلام): 120، مستدرك الوسائل 6: 412 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 159

مضافا إلى ما في الثاني من الضعف الشديد، و في الأوّل من قصور الدلالة باعتبار أعميّته من المسألة و أخبارها.

و إن كان قبله، فإن كان قبل الركوع أيضا، فيجلس حتى ينقلب شكّه إلى ما بين الثلاث و الأربع، فيبني على الأربع و يسلّم و يحتاط، كما في الشكّ بين الثلاث و الأربع، بلا خلاف، كما صرّح به جماعة «1»، لأنّه ما لم يركع شاكّ في أنّ ما صلّى ثلاث حتى يكون ما قام إليه الرابعة، أم أربع حتى يكون ما قام إليه الخامسة، فيشمله جميع الأخبار الواردة في حكم من لم يدر أنّه صلّى

ثلاثا أم أربعا.

بل يكون الشكّ حقيقة في أوّل الأمر بين الثلاث و الأربع، إذ الشكّ إنّما هو فيما فعل لا ما لم يفعل، و أمّا ما شرع فيه فلا تصدق عليه الركعة بعد.

و إن كان بعد دخول الركوع و قبل إتمام السجدتين بأقسامه فالمشهور أيضا- كما قيل «2»- أنّه أيضا كما بعد السجدتين، فيبني على الأربع و يسجد سجدتي السهو، و هو الحقّ.

أمّا البناء على الأربع فلأصالة عدم الزائد الخالية عن المعارض بالمرّة، إذ ليس إلّا أخبار البناء على الأكثر، و هي- لاشتمالها على الأمر بإتمام ما نقص- لا تشمل هذه الصورة قطعا. و أصالة عدم البطلان المترتّب عليها ذلك، الخالية عن المعارض، إذ ليس إلّا ما يأتي بجوابه. و لأخبار البناء على اليقين و النقصان، فإنّها بأيّ معنى فسّرت تدلّ على ما ذكرنا من الحكم في المسألة.

و أمّا وجوب سجدتي السهو فلصحيحتي زرارة و الفضيل المتقدّمتين.

خلافا للمحكي عن الفاضل «3»، و تبعه بعض من لحقه «4»، فقال ببطلان الصلاة به، لما ذكره نفسه، و هو: التردّد بين محذورين: الإكمال المعرض للزيادة،

______________________________

(1) منهم صاحب الحدائق 9: 247، و حكاه أيضا عن الشيخ عبد اللّه البحراني.

(2) في الحدائق 9: 248.

(3) في التحرير 1: 50، و القواعد 1: 43، و التذكرة 1: 140.

(4) نسبه في مفتاح الكرامة 3: 363 إلى الموجز الحاوي لابن فهد الحلّي، و كشف الالتباس للصيمري.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 160

و الهدم المعرض للنقيصة، بل للزيادة أيضا، حيث إنّ بدخول الركوع يزيد الركن.

و ما ذكره في الروضة «1»، و هو: خروجه عن النصوص، فإنّه لم يكمل الركعة حتى يصدق عليه أنّه شكّ.

و يرد على الأوّل: أنّه إن أراد من المحذورين تيقّن الزيادة

و النقيصة فهو ممنوع، كيف؟! و ليس في الإكمال إلّا احتمال الزيادة. و إن أراد احتمالها فكونه مبطلا ممنوع، و لا دليل عليه، بل في الموثّقة: «إذا استيقن أنّه زاد فعليه الإعادة» «2» و مفهومها أنّه لا يعاد مع عدم التيقّن.

و بتقرير آخر: إن كان نظره إلى أنّه يشترط في صحّة الصلاة أن يفعل على وجه لا يحتمل البطلان فهو ظاهر البطلان، إذ لا يتحقّق في شي ء من صور الشك. و إن أراد أنّه يشترط فيه أن يفعل على وجه يحتمل الصحّة فالإكمال هنا كذلك.

و على الثاني: أنّه إن أراد خروجه عن نصوص الشكّ بين الأربع و الخمس، كما هو ظاهر كلامه، فهو كذلك، و لكن لا يفيد، إذ لا يقتضي ذلك البطلان بوجه. و إن أراد خروجه من مطلقها عامّها و خاصّها فهو ممنوع، كما عرفت، مع أنّ اقتضاءه البطلان أيضا ممنوع.

و ممّا يمكن أن يستدلّ له أيضا أخبار الشكّ بين الثلاث و الأربع، فإنّ المسألة من أفراده، فإنّه يشكّ في أنّ الركعة التي صلّاها و أتمّها قبل ما هو فيه، هل الثالثة أم الرابعة، و مقتضى أخباره البناء على الرابعة، و إذا بنى عليها يكون ما فعله بعدها زائدا، فتلزم زيادة الركوع قطعا، فتبطل.

و يردّ: بأنّ مقتضى تلك الأخبار البناء على الرابعة، و أنّ الصلاة صحيحة بقرينة الأمر بالاحتياط و إتمام الصلاة، فلا تشمل صورة البطلان. مع أنّه لو سلّم

______________________________

(1) الروضة 1: 330.

(2) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 2، التهذيب 2: 194- 763، الاستبصار 1:

376- 1428، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 161

لدلّت الأخبار على صحّة هذه الصلاة، و

هي غير مطلوبة. على أنّ المذكور في تلك الأخبار ليس البناء على الرابعة، بل يأمر بالتشهّد و التسليم، و مقتضاه البناء على الأربع في المسألة أيضا، فتأمّل.

ثمَّ إنّه لا فرق في هذه الصورة بين رفع الرأس من الركوع و ما قبله. و تجويز الهويّ لو لم يرفع، و هدم الركعة و صرف الشكّ إلى ما بين الثلاث و الأربع ضعيف، لحصول الركوع الموجب للزيادة.

المسألة التاسعة: ما مرّ من صور الخمس للشكّ فيما زاد عن الأوليين من الرباعيّة كان ممّا يفرض له في النصوص

بالخصوص، و ها هنا صور أخر غير منصوصة بخصوصها.

منها: الشك بين ركعتين أو ثلاث ركعات و الخمس، و هو أربع صور:

الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الخمس بعد إكمال السجدتين، أو الاثنتين و الأربع و الخمس كذلك، أو الاثنتين و الثلاث و الأربع و الخمس كذلك، أو الثلاث و الأربع و الخمس.

و في جميع هذه الصور أقوال ثلاثة- بعد الاتّفاق في الأخيرة على هدم الركعة، و الرجوع إلى حكم الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع لو كان قبل الركوع-:

أحدها: البناء على الأقلّ و سجدتي السهو. اختاره في الذخيرة «1».

و هو الحقّ، لما مرّ في الشكّ بين الأربع و الخمس.

و ثانيها: البناء على الثلاث في الاولى، و الأربع في البواقي، و صلاة الاحتياط بما تقتضيه الصورة بعد إلقاء الخمس منها. اختاره في الحدائق «2».

______________________________

(1) الذخيرة: 380.

(2) الحدائق 9: 252، و لكنّه استظهر في الصورة الأولى البطلان، فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 162

لإطلاق الأخبار المتقدّمة لهذه الصور إذا لم يكن معها خمس، فإنّها مطلقة غير مقيّدة لحال الانفراد أو الاجتماع، فإنّ ما تضمّن أنّ من شكّ بين الثلاث و الأربع مثلا حكمه كذا، مطلق شامل لما إذا اجتمع معهما الخمس أيضا، أم لا.

و يضعّف: بأنّ الظاهر منها ما إذا تعلّق

الشكّ بما تضمّنته الرواية فحسب.

و ثالثها: البطلان، حكي عن بعض الأصحاب، لمثل ما مرّ دليلا للفاضل في الشكّ بين الأربع و الخمس. و قد عرفت ضعفه.

و منها: الشكّ بين غير الأربع من ركعة أخرى واحدة و بين الخمس، و هو صورتان: الشكّ بين الاثنتين و الخمس بعد إكمال السجدتين، و بين الثلاث و الخمس بعد دخول الركوع، إذ قبله يهدم الركعة حتى ينقلب الشكّ إلى ما بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين.

و قد اختلفوا فيها على قولين:

البناء على الأقلّ و سجدة السهو. رجّحه في الذخيرة «1». و هو الأقوى، لما مرّ.

و البطلان، لمثل بعض ما مرّ بجوابه.

و لا تتوهّم دلالة صحيحة صفوان المتقدّمة «2» على وجوب الإعادة في غير المنصوص من هذه الصور، لأنّ من لم يدر أنّه صلّى أربعا أو خمسا مثلا يصدق عليه أنّه لا يدري كم صلّى.

لمنع الصدق، لأنّه يدري أنّه صلّى أربعا، و لا يدري الزائد.

المسألة العاشرة: لو شكّ بين الأربع و ما زاد على الخمس ففيه أوجه:

البطلان. احتمله في المختلف استنادا إلى أنّ زيادة الركن مبطلة، و مع

______________________________

(1) الذخيرة: 380.

(2) في ص 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 163

احتمالها لا يتيقّن البراءة «1».

و يردّ: بأنّ الزيادة المبطلة هي المتيقّنة، و اليقين الشرعي بعد إجراء أصل عدم الزيادة حاصل.

و التسوية بينه و بين الخمس. نقل الفاضل عن العماني، و اختاره هو «2»، و مال إليه الشهيدان في الرسالة الصلاتيّة «3» و شرحها، فيصحّ حيث يصحّ، و يبطل حيث يبطل، لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة «4»، على القول بالبطلان في بعض صوره.

و البناء على الأقلّ مطلقا. نقله في الذخيرة عن بعض الأصحاب، و قال:

إنّه وجيه «5».

و هو كذلك، لما مرّ من أصالة عدم الزيادة، و أخبار البناء على اليقين، و تجب حينئذ

سجدتا السهو، لما مرّ.

و الظاهر اتّحاد ذلك مع الوجه السابق، إذ الحكم فيه أيضا ذلك. نعم من يبطله في سابقة يلزمه البطلان أيضا هنا، لاتّحاد الدليل.

و سواء في ذلك ما لو كان الشكّ قبل الركوع أو بعده. و لا يهدم الركعة، لعدم دليل عليه، و عدم ترتّب فائدة على هدمها.

و كذا الحكم في جميع صور الشكّ بين الست و غيرها من الاثنتين بعد إكمال الركعة، و الثلاث و الأربع، و ما لم يتعلّق الشكّ بإحدى الأوليين، بل و كذا إذا تجاوز المشكوك فيه عن الست أيضا.

و لو كان الشكّ بين الخمس و الست يهدم الركعة إن كان قبل الركوع ليرجع

______________________________

(1) المختلف: 135.

(2) كما في المختلف: 135.

(3) الألفية: 75.

(4) في ص 157.

(5) الذخيرة: 380.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 164

إلى الشكّ بين الأربع و الخمس. و حكمه كمن زاد ركعة بعد الأخيرة إن كان بعد الركوع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 165

الفصل الثاني في الشك في أفعال الصلاة
اشاره

و بيانه: أنّ من شكّ في فعل من أفعالها و لم ينتقل من موضعه إلى غيره أتى به، و أتمّ الصلاة. قيل: لا أعرف فيه خلافا «1».

لأصالة عدم فعله، و إمكان الإتيان به من غير خلل و لا إخلال، و بقاء الخطاب بفعله، و المستفيضة من الصحاح و غيرها الواردة في الشكّ في الركوع و هو قائم، أو في السجود و لم يستو جالسا، أو قائما، و هي و إن كانت مختصّة بالركوع و السجود إلّا أنّه لا قائل بالفرق على ما صرّح به بعضهم «2».

و يؤيّده عموم مفهوم جملة من الأخبار المصرّحة بعدم التدارك للشي ء بعد الخروج عن موضعه و الانتقال عنه.

و أمّا موثّقة الفضيل: أستتمّ قائما فلا أدري ركعت أم

لا، قال: «بلى قد ركعت فامض صلاتك، فإنّما ذلك من الشيطان» «3».

فلا ينافي ما مرّ، لاحتمال إرادة الشكّ في الركوع بعد استتمام القيام الذي بعد الانحناء للركوع، أو بعد السجدتين. بل أحدهما هو الظاهر من استتمامه، إذ لا معنى لاستتمام القيام قبل الركوع و لا الانحناء. فيحمل على ما ذكر، أو على إرادة ترك الطمأنينة، أو الذكر في الركوع، فأطلق عليه الركوع على التجوّز.

و يمكن الحمل على القيام من الانحناء قبل الوصول إلى حدّ الراكع المورث للظّن بالركوع.

______________________________

(1) كما في الحدائق 9: 168.

(2) انظر: الذخيرة: 374، و الرياض 1: 215.

(3) التهذيب 2: 151- 592، الاستبصار 1: 357- 1354، الوسائل 6: 317 أبواب الركوع ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 166

أو على كثير الشكّ، كما يشعر به قوله: «أستتمّ» بصيغة الاستقبال الدالّة على التجدّد الاستمراري و قوله: «إنّما ذلك من الشيطان».

و لو كان الشكّ في شي ء من الأفعال بعد الانتقال من موضعه و دخوله في غيره مضى في صلاته و لم يتدارك، و صحّت، إجماعا إذا لم يكن من الركعتين الأوليين، و على الأشهر الأقوى إذا كان منهما.

للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة زرارة: رجل شكّ في الأذان و قد دخل في الإقامة، قال: «يمضي» قلت: رجل شكّ في الأذان و الإقامة و قد كبّر، قال: «يمضي» قلت: رجل شكّ في التكبير و قد قرأ، قال: «يمضي» قلت: شكّ في القراءة و قد ركع، قال: «يمضي» قلت: شكّ في الركوع و قد سجد، قال:

«يمضي على صلاته» ثمَّ قال: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء» «1».

و موثّقة محمّد: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه

كما هو» «2».

و صحيحة ابن جابر: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض، كلّ شي ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» «3».

و نحوها خبر أبي بصير «4».

و صحيحة حمّاد: أشكّ و أنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا، قال:

«امض» «5» إلى غير ذلك.

______________________________

(1) التهذيب 2: 352- 1459، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل ب 23 ح 1.

(2) التهذيب 2: 344- 1426، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل ب 23 ح 3.

(3) التهذيب 2: 153- 602، الاستبصار 1: 358- 1359، الوسائل 6: 317 أبواب الركوع ب 13 ح 4.

(4) الفقيه 1: 228- 1008، التهذيب 2: 152- 598، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 4.

(5) التهذيب 2: 151- 593، الاستبصار 1: 358- 1355، الوسائل 6: 317 أبواب الركوع ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 167

و بهذه الأخبار يقيّد بعض المطلقات الآمرة بالركوع و السجود بعد الشكّ فيهما بالإطلاق «1».

خلافا في الحكمين في الركعتين الأوليين للمحكي عن المقنعة و النهاية و التهذيب «2».

فقال الأول: كلّ سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأوليين من فرائضه حتى تلبّس عليه ما صلّى منهما، أو ما قدّم و أخّر من أفعالهما فعليه لذلك إعادة الصلاة. إلّا أنّه قال قبله: فإن شكّ في الركوع و هو قائم ركوع، و إن كان قد دخل في حالة اخرى من السجود و غيره مضى في صلاته و ليس عليه شي ء، فأطلق و لم يخصّه بما عدا الأوليين.

و قال الثاني: و من شكّ في الركوع و السجود في الركعتين الأوليين أعاد الصلاة.

و مثله في الثالث.

و حكي عن الشيخ قول

بوجوب الإعادة بكلّ شكّ متعلّق بكيفيّة الأوليين، كأعدادهما. و عن الشيخ عن بعض القدماء نقله أيضا «3».

كلّ ذلك للمستفيضة، كصحيحة زرارة: «من شكّ في الأوليين أعاد حتى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم» «4».

و رواية موسى بن بكر: «إذا شككت في الأوليين فأعد» «5».

______________________________

(1) كما في الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 12.

(2) المقنعة: 145، النهاية: 88، التهذيب 2: 150.

(3) قال الشيخ (ره) في النهاية: 92: من شكّ في الركوع أو السجود في الركعتين الأوليين أعاد الصلاة. و ما في المتن حكاه عنه المحقق (ره) في المعتبر 2: 388، و ما نقله الشيخ (ره) عن بعض القدماء حكاه الشهيد (ره) في الذكرى: 224.

(4) الفقيه 1: 128- 605، مستطرفات السرائر: 74- 18، الوسائل 8: 187 أبواب الخلل ب 1 ح 1.

(5) التهذيب 2: 176- 703، الاستبصار 1: 364- 1380، الوسائل 8: 192 أبواب الخلل ب 1 ح 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 168

و صحيحة البقباق: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك» «1».

و صحيحة أخرى [لزرارة] المصرّحة بأنّه عشر ركعات لا يجوز الوهم فيهنّ، و من وهم في شي ء منهنّ استقبل الصلاة، و عدّ الركعات الأوليين من الصلوات الأربع و ركعتي الفجر «2».

و رواية العامري و فيها: «فمن شكّ في أصل الفرض في الركعتين الأوليين استقبل صلاته» «3».

و يجاب عن غير الثلاثة الأخيرة: بأنّ الشك في الركعة حقيقة في الشكّ في نفسها، و صدقه على الشكّ في الأجزاء و الكيفيّات و الشرائط غير معلوم، فيرجع إلى الشكّ في العدد، و لا كلام فيه.

بل هو الجائز في صحيحة البقباق أيضا، لجواز أن يكون المراد حفظ نفس الركعة.

بل هو المحتمل

في ما قبل الأخيرة أيضا، إذ من الجائز أن يكون المراد من قوله: «في شي ء منهنّ» أي واحدة من الركعات.

و لو سلّم الشمول فتعارض هذه الأخبار مع عموم ما مرّ من الصحاح المستفيضة المتقدّمة المصرّحة بصحّة الصلاة و التدارك مع بقاء المحلّ، و المضيّ مع خروجه، بالعموم من وجه.

فإن رجّحنا المتقدّمة بالشهرة العظيمة، و إلّا فيرجع إلى أصالة الصحّة و عدم وجوب الإعادة، المستلزمتين للتدارك في المحلّ، لأصالة عدم الفعل، و المضي بعده للإجماع المركّب.

مع أنّ في المتقدّمة ما صرّح بالحكم في التكبير و القراءة، و هما مختصّان

______________________________

(1) الكافي 3: 487 الصلاة ب 105 ح 2، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل ب 1 ح 9.

(2) التهذيب 2: 177- 707، الاستبصار 1: 364- 1384، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل ب 1 ح 13.

(3) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 4: 49 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 169

بالأوليين.

و توافقه أيضا رواية محمّد بن منصور: عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية، أو شكّ فيها، فقال: «إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلّا مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة، و تضع وجهك مرّة واحدة، و ليس عليك سهو» «1».

و هذه أخصّ مطلقا من أخبار المخالف ينضمّ إليها الإجماع المركّب في سائر الأفعال، فيجب التخصيص بها، سيّما مع تأيّدها بما يدلّ على صحّة الصلاة بالسهو عن السجدة الواحدة و لو من الأوليين، و على أنّ نسيان السجدتين في الأوليين و الأخريين على السواء، مع عدم قول بالفرق بين الشكّ و السهو.

و لا تعارضها صحيحة البزنطي المتقدّمة «2» فيمن ترك السجدة في الركعة الأولى، حيث ذكر

فيها «استقبلت الصلاة» لما عرفت من إجمالها، مع عدم صراحتها في الوجوب.

ثمَّ إنّ الفاضل- طاب ثراه- في التذكرة استصوب الفرق بين الركن و غيره «3»، فالإعادة في الأوّل و [عدم ] «4» الإعادة في الثاني، لوجه اعتباري فيه ضعف جدّا.

فروع:
أ: إطلاق الأخبار- كما عرفت- يقتضي عدم الفرق بين الشك في الركن و غيره.

______________________________

(1) التهذيب 2: 155- 607، الاستبصار 1: 360- 1365، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 6.

(2) في ص 116.

(3) التذكرة 1: 136.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 170

ب: و كذلك يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الغير الذي دخل فيه من الأفعال المستحبّة للصلاة أو الواجبة

. و توهّم كونه مخصوصا بالواجبات فاسد.

و كذا بين الأفعال المطلوبة حقيقة، أو تبعا.

و تحقيق المقام: أنّك قد عرفت وجوب الإتيان بالمشكوك فيه قبل دخوله في غيره، و وجوب المضيّ بعده.

و قد وقع الخلاف في ذلك الفعل الذي يتجاوز المحلّ بالدخول فيه، هل هو ما كان من الأفعال الحقيقيّة للصلاة، المطلوبة بالذات، المقرّرة بالترتيب الخاصّ في كتب الفقهاء من النيّة، و التكبير، و القراءة، و نحو ذلك من الأمور المعدودة فيها، أو الأعمّ منها و من مقدّمات تلك الأفعال أيضا، كالهويّ للسجود، و الانحناء للركوع، و النهوض للقيام و نحو ذلك.

فاختار الشهيدان «1»، و غيرهما «2» الأوّل، لأنّه المتبادر من الغير الذي حكم في الأخبار بالمضيّ بعد الدخول فيه، و لعموم صحيحة ابن جابر، و خبر أبي بصير المتقدّمتين «3»، سيّما مع تذييله بعد ذلك بقوله: «كلّ شي ء شكّ فيه بعد ما جاوزه ..» فإنّ الظاهر منه أنّ هذا هو التجاوز.

و خصوص موثّقة البصري: رجل رفع رأسه من السجود، فشكّ قبل أن يستوي جالسا، فلم يدر سجد أم لم يسجد، قال: «يسجد» قلت: فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما، فلم يدر سجد أم لم يسجد، قال «يسجد» «4».

و لعطف قوله: «دخلت في غيره» في صحيحة زرارة «5»، بلفظة «ثمَّ» الدالّة

______________________________

(1) الشهيد الأول في البيان: 253، الشهيد الثاني في الروضة 1: 323، و الروض: 349، و المسالك 1: 41.

(2) كصاحبي الحدائق 9: 179، و الرياض 1:

216.

(3) في ص 166.

(4) التهذيب 2: 153- 603، الاستبصار 1: 361- 1371، الوسائل 6: 369 أبواب السجود ب 15 ح 6.

(5) المتقدمة في ص 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 171

على المهلة المشعرة بوجود الواسطة بين الخروج و الدخول، و إلّا فالخروج من الشي ء يستلزم الدخول في غيره.

و ذهب بعض المتأخرين إلى الثاني «1»، لأنّه المفهوم لغة و عرفا من الدخول في غيره، و لموثّقة اخرى للبصري: رجل أهوى إلى السجود فلم يدر ركع أم لم يركع، قال: «قد ركع» «2».

و ردّ ذلك «3» تارة بظهورها فيما إذا كان الشك حال السجود لا قبله، و إلّا كان يقول: «للسجود» بدل «إلى السجود»، و لو سلّم فيعمّه أيضا، فيجب تخصيصها بما مرّ، و موردهما و إن كان مختلفا إلّا أنّهما من باب واحد لاشتراكهما في كونهما من مقدّمات أفعال الصلاة. و اخرى بحملها على كثير السهو.

و لم يتعرّض في المدارك لبيان ذلك الفعل بضابط كلّي، إلّا أنّه قال في الشكّ في السجود قبل الاستواء بالعود، و في الركوع بعد الهويّ بالمضي، عملا بالروايتين «4».

و أصرّ في الذخيرة على تعميم ذلك الفعل بالنسبة إلى المقدّمات، و غيرها، و جعل غيره خلاف المفهوم لغة و عرفا «5»، إلّا أنّه عمل بكلّ من الروايات في موقعه من باب التخصيص و الاستثناء فيما يخالف الضابطة.

أقول: إنّ الحكم في الأخبار متعلّق بالخروج عن فعل و التجاوز و الدخول في غيره. و ظاهر أنّ المراد بالخروج عنه ليس بعد الدخول فيه، لأنّ فعله مشكوك فيه، بل المراد الخروج من موضعه و محلّه، و المراد من محلّه الموضع الذي قرّر له الشارع من بين الأفعال.

______________________________

(1) كصاحب الذخيرة: 376.

(2) التهذيب 2: 151- 596،

الاستبصار 1: 358- 1358، الوسائل 6: 318 أبواب الركوع ب 13 ح 6.

(3) انظر: الرياض 1: 216.

(4) المدارك 2: 249.

(5) الذخيرة: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 172

و على هذا فلو فعل فعلا آخر غير أجزاء الصلاة، ثمَّ شكّ في فعل قبله لم يكن خارجا عنه و إن كان داخلا في غيره. كما إذا هوى لأخذ شي ء و شكّ في القراءة. و لكن إذا دخل في فعل آخر بعد ذلك الفعل ممّا رتّبه الشارع أو طلبه وجوبا أو استحبابا يصدق الوصفان: الخروج و الدخول.

و اللازم في تحقّق ذلك صدق الغيريّة و كون محلّ الغير بعد الفعل المشكوك فيه، لصدق الخروج حينئذ. سواء في ذلك كونه مطلوبا ذاتيا أصليّا، أو تبعيّا مفهوما من الخطاب. فإنّا نعلم قطعا أنّ الشارع طلب تبعا الهوي إلى السجود و النهوض إلى القيام و أنّهما بعد الركوع و السجود، و لا مدخليّة للمطلوبيّة الأصليّة في ذلك أصلا، فلا وجه لتخصيص الغير بما خصّصوه به.

و التبادر الّذي ادّعاه الأوّلون ممنوع جدّا، و لذا ادّعى بعضهم تبادر العموم.

و دلالة بعض الأخبار مفهوما أو منطوقا على الإتيان بالمشكوك فيه بعد دخول بعض المقدّمات، لا تدلّ على خروج جميع المقدّمات من معنى الغيريّة.

و تعليل دخول السجود أو القيام في التذييل بكونه تجاوزا و دخولا في غيره لا يدلّ على أنّ غيره ليس كذلك.

و لو سلّمت إفادة لفظة «ثمَّ» للتراخي فليس هو المراد هنا قطعا، لعدم تحقّقه بين النيّة و التكبير، و بين التكبير و القراءة، و كذا كثير ممّا يحكمون فيه بتجاوز المحلّ. مع أنّ صدق التراخي العرفي بمجرّد الانحناء إلى الركوع، أو الهويّ إلى السجود ممنوع. و لو سلّم فالتجوّز فيها ليس بأبعد

من تقييد الغير، و لذا أتى في أخبار أخر بلفظة «الواو». مع أنّ موثّقة محمّد «1» لا تتضمّن الدخول في الغير أيضا، بل اكتفى فيها بمجرّد مضيّ المحلّ.

و منه يظهر عدم وقع ما يتوهّم تأييدا لإرادة الأفعال المعهودة، من عطف الدخول في الغير على الخروج من المشكوك فيه، حيث إنّه يشعر بفصل بينهما فلا بدّ من عدم شمول الغير للمقدّمات. مع أنّ في إشعاره بالفصل منعا ظاهرا، بل

______________________________

(1) المتقدمة في ص 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 173

هو مشعر بالتغاير و هو متحقّق مفهوما و إن اجتمعا وجودا، كما في: أخذت قلنسوتي و كشفت رأسي.

و قد ظهر من ذلك أنّ الحقّ في الضابط هو الثاني، و هو الأصل في المسألة، و لو حصل التخلّف عنه فإنّما هو بالدليل، و يكون هو المخصّص، و قياس غيره به و جعلهما من باب واحد خلاف التحقيق.

ج: و إذ عرفت الضابطة يعلم أنّه لو شكّ في أصل النيّة، أو في شي ء من خصوصيّاتها، أو في مقارنتها للتكبير بعد أن كبّر يمضي،

و لو شكّ في أصل التكبير، أو شي ء من واجباته، و منها المقارنة للنيّة بعد أن شرع في القراءة يمضي، إجماعا فيهما.

و لو شكّ في الفاتحة و هو في السورة يمضي على الأظهر، وفاقا للمفيد في رسالته إلى ولده و الحلّي و المعتبر و الذخيرة و الأردبيلي و المجلسي «1»، لصدق التجاوز عن شي ء هو الفاتحة، و الدخول في الغير الذي هو السورة.

و قيل: تجب الإعادة، و هو اختيار المدارك «2»، و نسب إلى المشهور «3».

لعدم تحقّق التجاوز عن محلّ القراءة.

و أنّه يلوح من قوله: قلت: شكّ في القراءة و قد ركع «4» أنّه لو لم يركع لم يمض.

و يضعّف الأوّل: بعدم لزوم التجاوز عن محلّ القراءة، بل اللازم التجاوز عن محلّ المشكوك و قد تحقّق.

و الثاني: بأنّه في السؤال عن

محلّ الوصف فلا يلوح منه شي ء.

و جعل قول الإمام في قوّة أن يقال: إذا شكّ في القراءة و قد ركع فليمض،

______________________________

(1) حكاه عن المفيد في السرائر 1: 248، الحلي في السرائر 1: 249، المعتبر 2: 231، الذخيرة:

375، الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 147، المجلسي في البحار 85: 158.

(2) المدارك 4: 249.

(3) كما في الحدائق 9: 181.

(4) كما في صحيحة زرارة المتقدمة في ص 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 174

فيدلّ على العود في المقام بمفهوم الشرط، كما في الحدائق «1».

من غرائب الاستدلالات، فإنّ المسلّم أنّه في قوّة أن يقال: فليمض هذا الشاك، فمفهومه لقبي. و أغرب منه تمسّكه بتقرير الإمام السائل على ما ذكره.

و قد يستدلّ بأنّ المراد من الأخبار الدخول في أحد الأفعال المعهودة التي منها القراءة. و ظهر ما فيه.

و منه يظهر أنّه لو شكّ في آية من الفاتحة أو السورة بعد الدخول في آية أخرى، بل في كلمة بعد الدخول في غيرها لا يعود، بل يمضي، كما صرّح به الأردبيلي و صاحب الذخيرة أيضا «2»، و نفى عنه البعد في البحار «3».

و لا يبعد إجراء الحكم في الحرف من الكلمة الواحدة، إذا شكّ في إخراجه من مخرجه، إذا دخل في حرف آخر.

و لو شكّ في القراءة و هو في القنوت فالظاهر المضي، كما اختاره في الذخيرة «4»، لما مرّ.

و قيل: يجب العود «5»، للأمر بالعود إلى السجود لو شكّ قبل استتمام القيام في موثّقة البصري «6»، فكذا هنا بالطريق الأولى.

و الأولويّة ممنوعة، إذ العلّة غير معلومة. مع أنّها معارضة بالأمر بالمضي إذا شكّ في الركوع بعد الهوي في موثّقته الأخرى.

و لأنّ القنوت ليس من أفعال الصلاة المعهودة فلا يدخل في الأخبار.

و

يردّ: بأنّه إن أريد بالمعهودة: الواجبة فالأوّل مسلّم و الثاني ممنوع. و إن أريد المطلق فكلاهما ممنوعان.

______________________________

(1) الحدائق 9: 182.

(2) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 172، الذخيرة: 375.

(3) البحار 85: 158.

(4) الذخيرة: 375.

(5) كما في الروض: 350.

(6) المتقدمة في ص 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 175

و لو شكّ فيها و هو كبّر للركوع، أو انحنى له لا يعود، لما مرّ.

و لو شكّ في الركوع و قد رفع رأسه منه بأن يعلم انحناءه بقصد الركوع، و شكّ في وصوله حدّ الراكع بعد الرفع منه، فالظاهر المضيّ أيضا، كما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين «1»، لما مرّ، و لموثّقة الفضيل المتقدّمة «2».

خلافا لبعضهم، فحكم بالعود «3»، لصحيحة عمران: الرجل يشكّ و هو قائم فلا يدري أركع أم لا، قال: «فليركع» «4».

و نحوها صحيحة أبي بصير «5».

و يردّ: بكونها أعمّ مطلقا من الموثّقة، لاختصاصها بالقيام الاستتمامي المسبوق بالانحناء، و أعميّة هذه. و لو قيل باختصاص هذه أيضا بالقيام المتقدّم على السجود بقرينة الأمر بالركوع، و عموم الموثّقة بالنسبة إليه لكان التعارض بالعموم من وجه، فيرجع إلى عمومات المضي بعد تجاوز المحلّ.

و كذا لو شكّ في طمأنينته أو ذكره حينئذ.

و كذا لو شكّ في الركوع بعد الهوي للسجود قبل دخوله فيه، وفاقا لجماعة «6»، لما مرّ، و لموثّقة البصري. و تخصيصها بما إذا دخل السجود لا وجه له، إذ الهوي إلى السجود أعمّ منه قطعا.

و خلافا لبعض آخر «7»، لعدم دخوله في الأفعال المعهودة، و لمفهوم قوله في

______________________________

(1) قال صاحب الحدائق 9: 192: و احتمل بعض مشايخنا عدم العود.

(2) في ص 165.

(3) كما في الروض: 347، و الحدائق 9: 191، و الرياض 1: 215.

(4) التهذيب 2: 150- 589،

الاستبصار 1: 357- 1351، الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 12 ح 1.

(5) الكافي 3: 348 الصلاة ب 36 ح 1، التهذيب 2: 150- 590، الاستبصار 1:

357- 1352، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 2.

(6) كصاحب المدارك 4: 249، و السبزواري في الذخيرة: 375.

(7) كالشهيد الثاني في الروض: 350، و صاحب الحدائق 9: 185، و صاحب الرياض 1: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 176

صحيحة ابن جابر: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض» «1».

و جواب الأوّل ظاهر ممّا مرّ.

و جواب الثاني: أنّ المفهوم هنا غير معتبر، لأنّ الشرط إنّما هو لدفع توهّم كون المنطوق مانعا من المضي، حيث إنّه معرض هذا التوهّم، كما في: إن ضربك زيد فلا تضربه، و إن سهوت في الصلاة فصلاتك صحيحة.

مع أنّه لو كان معتبرا لدلّ على انتفاء الحكم عند عدم الشك بعد ما قام «2»، و هو ليس كذلك قطعا، لأنّ انتفاء الشك بعده لا يصلح لعليّة عدم الإمضاء.

و أمّا اجتماع الشك قبل القيام مع عدمه بعده و إن كان من صور المفهوم، و لكن لو اعتبر المفهوم لدلّ على انتفاء الحكم حينئذ أيضا لانتفاء الشك بعد ما قام، لا لما اجتمع معه، مع أنّه ليس كذلك.

و لو شكّ في السجود و التشهّد بعد استكمال القيام فيمضي على الأظهر الأشهر، لما قد مرّ.

خلافا لنهاية الشيخ- طاب ثراه- فيرجع إلى السجود ما لم يركع «3».

و نسب في الذكرى إليه الرجوع إلى التشهّد أيضا ما لم يركع «4»، كما نسب الخلاف فيهما في المدارك «5» إلى المبسوط أيضا.

و كلاهما خطأ، لتصريحه في النهاية بعدم الرجوع في التشهّد بعد القيام «6»، و في المبسوط بعدم رجوعه إلى

شي ء منهما بعده «7».

______________________________

(1) راجع ص 166.

(2) لا يخفى أنّ المناسب للفرع المفروض و استدلال المخالف بمفهوم فقرة «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض» تبديل «قام» ب «سجد» و كذلك فيما ذكره بعدا.

(3) النهاية: 92.

(4) الذكرى: 224.

(5) المدارك 4: 250.

(6) النهاية: 92.

(7) المبسوط 1: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 177

و احتجّ له بصحيحة الحلبي: عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم سجدتين، قال: «يسجد اخرى» «1».

و بمضمونها صحيحة الشّحام «2»، و رواية أبي بصير «3».

فإنّها بإطلاقها تشمل المورد أيضا.

و يجاب عنها: بوجوب تخصيصها بما قبل القيام لمنطوق صحيحة ابن جابر.

و للقاضي في أحد قوليه، فيرجع إلى التشهد ما لم يركع دون السجود «4».

و هو محجوج بالصحيحة المذكورة أيضا.

د: لو شكّ في السجود و هو في التشهّد، أو بعده و قبل استكمال القيام، يمضي

عند الشيخ في المبسوط «5»، و جملة من الأصحاب «6»، كما مرّ.

و عن ظاهر الذكرى الرجوع «7».

استنادا إلى موثّقة البصري المتقدّمة من جهة إطلاق عدم استكمال القيام، فيشمل ما لو تشهّد بعد السجود أيضا.

و لأصالة عدم فعله و بقاء محلّه.

و لمفهوم الشرط في قوله: «و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض».

و يضعّف الأول: بأنّها ظاهرة فيما إذا كان النهوض بعد السجود من غير تشهد في البين، لأنّ النهوض يستعمل فيما إذا كان إلى القيام. فالنهوض من

______________________________

(1) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 1، التهذيب 2: 152- 599، الاستبصار 1:

361- 1368، الوسائل 6: 368 أبواب السجود ب 15 ح 1.

(2) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 4، التهذيب 2: 152- 601، الاستبصار 1:

361- 1370، الوسائل 6: 368 أبواب السجود ب 15 ح 2.

(3) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 2، التهذيب 2: 152- 600، الاستبصار 1:

361- 1369، الوسائل

6: 368 أبواب السجود ب 15 ح 3.

(4) المهذب 1: 156.

(5) المبسوط 1: 122.

(6) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 323، و صاحبي الحدائق 9: 183، و الرياض 1: 216.

(7) الذكرى: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 178

السجود أن يتحرّك للقيام منه. و يؤيّده التعبير برفع الرأس في الأول المتضمّن لقوله: «قبل أن يستوي جالسا» و عطف قوله: «فشك» بالفاء التي هي للتعقيب بلا مهلة.

و الثاني: باندفاع الأصل بما مرّ.

و الثالث: بما سبق في جواب الاستدلال بالمفهوم في الركوع.

نعم، يمكن أن يستدلّ له بإطلاق صحيحتي الحلبي و الشّحام، و رواية أبي بصير المتقدّمة، بل عمومها الحاصل من ترك الاستفصال.

و هي تعارض أخبار المضيّ بعد التجاوز عن المحل بالعموم من وجه، و لا ترجيح. و لا يمكن العمل بأصل عدم الفعل، و الرجوع إلى السجود، لأنّه يستلزم زيادة التشهد المبطلة. و إن مضينا يلزم النقص، لأصالة عدم الفعل. و لا إجماع على أحد الطرفين، إذ مضى قول الشيخ في النهاية بالرجوع إلى السجود ما لم يركع، و كذا الفاضل في النهاية «1». و لا تبطل الصلاة أيضا بالإجماع. فالظاهر التخيير بين العود و المضيّ.

و لو شكّ في السجود بعد رفع الرأس منه و قبل الجلوس للتشهد إن كان موضعه، و قبل استكمال القيام لو لم يكن موضعه، يعود على الأظهر، وفاقا للشهيدين و المدارك «2»، و جمع آخر «3»، لموثّقة البصري، و إطلاق صحيحتي الحلبي، و الشحام، و رواية أبي بصير. و بها تخصّص الأخبار السابقة.

و هذا و سابقة مستثنى من الضابطة.

و أمّا التشهد فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام و قبل استكماله فالظاهر عدم الرجوع، لما مرّ.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 539.

(2) الشهيد الأول في

الذكرى: 224، الشهيد الثاني في الروضة 1: 323، المدارك 4: 250.

(3) يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 85، العلامة المجلسي في البحار 85: 160، صاحب الرياض 1: 216.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 179

ه: لو تدارك ما شكّ في محله، ثمَّ ذكر فعله

، فإن كان ركنا أعاد الصلاة، بلا خلاف أجده ظاهرا، للزيادة المبطلة بالنصّ.

و إن كان واجبا غير ركن صحّت الصلاة مطلقا على الأشهر الأظهر، لصحيحة منصور «1»، و موثقة عبيد «2».

و هما و إن كانتا واردتين في خصوص السجدة، إلّا أنّه يتمّ المطلوب بالإجماع المركب، إذ لا قول بإعادتها من زيادة غير السجدة. نعم حكي القول بالإعادة بزيادة السجدة الواحدة هنا عن السيّد، و العماني و الحلبي «3». و الروايتان حجّة عليهم.

و: لو تلافى ما شكّ فيه بعد الانتقال، فالظاهر المصرّح به في عبارات جملة من الأصحاب البطلان «4».

لا لما قيل من حصول الإخلال بنظم الصلاة «5»، و لا لأنّ المأتي به ليس من أفعالها، و لا لأصل الاشتغال، لأنّ الكلّ محلّ نظر لا يخفى.

بل لحصول الزيادة، فإنّ ما تداركه ليس من أفعال هذه الصلاة الواجبة أو المستحبّة. و لكن ذلك يختصّ بما يوجب الزيادة كالركوع و السجود لا مثل القراءة و أجزائها «6».

ز: لو شكّ في الركوع و هو قائم، فركع ثمَّ ذكر في أثناء الركوع أنّه قد ركع بطلت صلاته

على الأظهر الأشهر بين المتأخّرين، لصدق الزيادة المبطلة، و عدم توقّف صدق الركوع على رفع الرأس منه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 228- 1009، التهذيب 2: 156- 610. الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 2.

(2) التهذيب 2: 156- 611، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 3.

(3) حكاه عن السيد و العماني في المختلف: 131، الحلبي في الكافي: 119.

(4) روض الجنان: 351، البحار 85: 163، الحدائق 9: 189.

(5) كما في المدارك 4: 251.

(6) قد مرّ توضيح ذلك في ص 84.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 180

فلا يفيد اشتراك الانحناء بين الركوع و الهوي للسجود و التميز يتوقّف على الرفع، لمنع هذا التوقّف، للتميز بالقصد أيضا كما في سائر الأفعال. و لا يعارضه التحاق الهوي له، لأنّه إنّما هو بعد صيرورته ركوعا بالقصد و استباق الركوع عليه، و إلّا لزم عدم زيادة ركوع أصلا.

هذا، مع أنّ الصدق العرفي للزيادة واضح.

خلافا للمحكي عن الكليني و الشيخ و السيّد و الحلّي و الحلبي «1»، و جماعة من المتأخّرين، منهم: الدروس و الذكرى و المدارك و شرح الإرشاد للأردبيلي، فقالوا:

يرسل نفسه إلى السجود، و لا شي ء عليه «2».

و استدلّ لهم ببعض الوجوه الضعيفة. و يمكن أن يكون لنصّ وصل إليهم.

______________________________

(1) الكليني في الكافي 3: 360، الشيخ في النهاية: 92، السيد في جمل

العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 36، الحلّي في السرائر 1: 251، الحلبي في الكافي: 118.

(2) الدروس 1: 199، الذكرى: 222، المدارك 4: 223، مجمع الفائدة و البرهان 3: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 181

الفصل الثالث في حكم الظنّ
اشارة

بأن يتردد ذهنه بين أمرين، و كان أحدهما راجحا عنده.

و حكمه البناء على الظنّ، بمعنى جعل الواقع ما ظنّه من غير احتياط، و تقدير الصلاة كأنّها وقعت على هذا الوجه، سواء اقتضى الصحة أو الفساد.

فإن ظنّ الأقلّ بنى عليه، و إن ظنّ الأكثر من غير زيادة في عدد الصلاة كالأربع، تشهّد و سلّم، و إن ظنّ الزيادة كالخمس فكأنّه زاد ركعة، فتبطل إن لم يكن جلس في الرابعة أو مطلقا، و هكذا.

بلا خلاف يوجد إذا تعلّق ذلك بعدد الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة.

لا لدفع العسر كما قيل «1»، إذ لا عسر إلّا مع الكثرة، و معها يرتفع حكم الشك.

بل للنبويين العاميّين:

أحدهما: «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه» «2».

و الآخر: «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فليتحرّ الصواب» «3».

و لموثّقة البقباق، و صحيحتي الحلبي، و ابن أبي العلاء، المتقدّمة جميعا في المسألة السادسة من الفصل الأوّل «4».

______________________________

(1) في الذكرى: 222.

(2) صحيح مسلم 1: 400- 90، سنن النسائي 3: 28.

(3) صحيح مسلم 1: 400- 90، سنن النسائي 3: 28، سنن أبي داود 1: 268- 1020.

(4) راجع ص 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 182

و قد يستدلّ أيضا بمفهوم صحيحة صفوان المتقدّمة في الرابعة منه «1».

و لا يخفى أنّها مختصة بما كان متعلّق الشك جميع الركعات لا الأخيرتين.

و إثبات الحكم فيهما بعدم الفصل إنّما يفيد لو تمَّ الحكم في الأصل، و سيأتي عدم تماميّته فيه.

فالدليل ما مرّ. و لكنّه لا يشمل جميع صور الشكّ بين الأخيرتين، و إنّما يتعدّى إلى الجميع بالإجماع المركّب.

و على هذا، فيشكل الحكم فيما إذا كان أحد طرفي الشك ما زاد على الأربع، إلّا إذا ثبت عدم القول بالفصل فيه أيضا كما هو الظاهر. و أمر الاحتياط واضح.

و على الأشهر- كما صرّح به جمع «2»- إذا تعلّق بأعداد الركعات مطلقا، بل قيل: إنّه إجماع «3».

للشهرة.

و نقل الإجماع.

و عموم النبويين.

و مفهوم الصحيحة الأخيرة.

و استقراء اعتبار الظن في غير الأوليين، فيعتبر فيهما أيضا.

و مفهوم مثل قوله: «إذا شككت في الفجر فأعد» «4».

و يردّ الأوّلان: بعدم الحجّية، سيّما مع ظنّ مخالفة جمع من الأجلة «5».

و الثالث: بالضعف سندا، و عدم فائدة الانجبار في الأخبار العاميّة، و القصور بل الإجمال دلالة، لعدم صراحتهما في المطلوب، لاحتمال أن يكون المراد

______________________________

(1) راجع ص: 134.

(2) انظر: الذخيرة: 368، و الحدائق 9: 206، و الرياض 1: 217، و في الجميع: على المشهور.

(3) كما في مجمع الفائدة 3: 128.

(4) انظر: الوسائل 8: 193 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2.

(5) كما سيأتي في ص: 184.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 183

سيّما في الثاني منهما التروّي لنيل الصواب.

و الرابع- بعد تسليم دلالته بالمفهوم على المطلوب-: بمعارضته مع ما هو أكثر عددا، و أصرح دلالة، و أوفق بما نهي عن متابعة الظنّ و غير العلم من الكتاب و السنّة، من الروايات الدالّة على البطلان في صورة عدم اليقين و عدم الدراية في عدد الأوليين أو الثنائية أو الثلاثية، و وجوب التحفّظ فيها، كما مرّ، بل جميع الروايات الدالّة على الإعادة بالشكّ فيها، لأنّه لغة ما قابل اليقين، بالعموم من وجه.

و مع صحيحة زرارة: «كان الّذي

فرض اللّه على العباد من الصلاة عشر ركعات، و فيهنّ القراءة و ليس فيهنّ وهم» إلى أن قال: «فمن شكّ في الأوليين أعاد حتى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم» «1».

المؤيّدة بالأخرى: «عشر ركعات- إلى أن قال-: لا يجوز الوهم فيهنّ، و من وهم في شي ء منهنّ استقبل الصلاة» «2».

بالعموم و الخصوص المطلق، فإنّ قوله في الأولى: «عمل بالوهم» أي إذا وقع وهمه على شي ء، و إلّا لما كان للعمل بالوهم معنى، فيكون معنى صدره: من شكّ في الأوليين وقع وهمه على شي ء لم يعمل به، بضميمة كون التفصيل قاطعا للشركة، و موردها خاصّ بالأوليين.

فإن قيل: المراد من قوله: «كم صلّى» في صحيحة صفوان إمّا الشاكّ في الجميع بخصوصه، أو من لم يدر قدر ما صلّى مطلقا. و الأوّل لا يشمل الشك في غير الأخيرتين، و على الثاني أيضا يختصّ بغيرهما، للإجماع على عدم وجوب الإعادة بالشك فيهما، فلو وجبت الإعادة مع وقوع الوهم على غيرهما يصير التقييد لغوا

______________________________

(1) الفقيه 1: 128- 605، مستطرفات السرائر: 74- 18، الوسائل 8: 187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 3: 273 الصلاة ب 4 ح 7، الوسائل 4: 49 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 184

بالمرّة.

قلنا: هذا إنّما يفيد على حجيّة مفهوم الوصف، لأنّ مرجع الكلام إنّما هو إليها.

إلّا أنه يمكن أن يقال: إنّ أخصّية صحيحة زرارة مطلقا إنّما هي بعد إرادة الظن من الوهم في قوله «عمل بالوهم» و هو ليس بأولى من أن يراد بالعمل بالوهم العمل بمقتضى الشك من البناء على الأكثر. مضافا إلى أنّ مقتضاها

العمل بالظن في المغرب أيضا، و هو مخالف لما يضمّ مع إعادة الأوليين من الإجماع المركب. و إلى احتمال أن يكون قوله: «فمن شك» من كلام الفقيه.

و الخامس: بعدم حجيّة هذا الاستقراء.

و السادس: بأنه مبني على كون المراد بالشك ما يتساوى طرفاه، و هو خلاف ما ذكره اللغويون و ما تساعده الأخبار، فمنطوقه على خلاف المطلوب أدلّ. مع أنّه على فرض الشمول يعارض ما مرّ.

و على هذا فالقول بعدم مساواة غير الأخيرتين لهما في ذلك الحكم، بل بطلان الصلاة في غيرهما قوي جدّا، كما عن الحلّي «1»، بل قيل «2»: هو ظاهر الكليني و الفقيه و المقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف و المنتهى و النافع «3»، و هو ظاهر الانتصار أو محتمله «4»، و اختاره بعض مشايخنا المتأخّرين [1]. و ظاهر الأردبيلي و الذخيرة و الكفاية التردّد «5».

______________________________

[1] قوّى صاحب الحدائق 9: 208، القول بالبطلان، و قال البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط) و صاحب الرياض 1: 217: بالاحتياط بالإتمام و الإعادة، فراجع.

______________________________

(1) في السرائر 1: 245.

(2) انظر: الرياض 1: 217.

(3) الكليني في الكافي 3: 359، الفقيه 1: 225، المقنعة: 145، النهاية: 90، المبسوط 1: 121، الخلاف 1: 447، المنتهى 1: 410، النافع: 44.

(4) الانتصار: 48.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 128، الذخيرة: 368، الكفاية: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 185

و هذا القدر كاف في عدم ثبوت الإجماع في المسألة. و لا يضرّ شي ء من الاضطراب في بعض كلمات هؤلاء الموجب لاحتمال موافقة المشهور، لأنّ عدم ثبوت الموافقة لهم كاف لجواز مخالفتهم بالدليل.

لا يقال: رواية ابن عمّار: «إذا ذهب وهمك إلى التمام، ابدأ في كلّ صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع» «1».

تشمل بعمومها

الثنائية و الثلاثيّة أيضا، فتكونان صحيحتين مع الوهم.

قلنا: وهم التمام لا يكون إلّا مع الفراغ، و لا اعتبار بشكّ و لا ظنّ حينئذ أصلا. مع أنّها أيضا أعمّ مطلقا ممّا مرّ.

و مما ذكر ظهر الحكم في الأفعال أيضا، و أنّ الحقّ أنّ الظنّ فيها كالشك، وفاقا لظاهر كلّ من لم يذكر حكم الظن إلّا في الأعداد، و منهم المحقّق في النافع «2».

و لا يرد أنّ أخبار حكم الشك في الأفعال متضمّنة للفظ الشك، و صدقه على الظنّ غير معلوم.

لأنّا نجيب بأعميّته لغة عن الظن. و الحقيقة الشرعية غير ثابتة و إن لم تثبت الأعميّة في عرف الشارع أيضا كما هو الظاهر من الأخبار. مع أنّ الحكم في بعضها متعلّق بعدم الدراية الشامل للظنّ قطعا. و اختصاصه ببعض الصور- بعد عدم القول بالفرق- غير ضائر.

و خلافا للمشهور، لبعض ما مرّ مع ضعفه، و للقياس على الأعداد بالطريق الأولى. و الأولوية ممنوعة جدّا.

و عن علي بن بابويه قول آخر و هو: البطلان في الشك في الأوليين أوّلا، و البناء على ظنّه فيهما ثانيا، مع صلاة الاحتياط عند البناء على الثانية «3»، للرضوي

______________________________

(1) التهذيب 2: 183- 730، الوسائل 8: 211 أبواب الخلل ب 7 ح 2.

(2) النافع: 44.

(3) حكاه عنه في المختلف: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 186

المصرّح بذلك «1».

و هو ضعيف لا يصلح لمعارضة ما مرّ. و مع ذلك موافق- على ما حكي- لقول أبي حنيفة «2». مضافا إلى شذوذه المخرج للخبر الصحيح عن الحجّية أيضا.

كما أنّ قوله الآخر، و هو: البناء على الثلاث مع صلاة الاحتياط و سجدة السهو إذا شكّ بينها و بين الاثنتين فظنّ الثلاث «3»، أيضا كذلك. و مع ذلك خال

عن المستند. و توهّم دلالة موثقة أبي بصير «4» عليه فاسد. بل هي دالّة على حكم آخر شاذّ أيضا لم يعمل به أحد، كبعض أخبار أخر دالّة على صلاة الاحتياط، أو سجدة السهو في بعض صور البناء على المظنون، أو كلّها «5». فكلّ ذلك بالشذوذ مطروح، و حملها على الاستحباب ممكن، بل منها ما لا يفيد أزيد منه أيضا.

فرع: هل يجب التروّي عند حصول الشك ليحصل اليأس عن الترجيح،

أو يترجّح أحد الطرفين فيبني عليه، أم لا؟

قيل: لا «6»، للأصل، و الإطلاقات، و عدم تقدير حدّ التروي.

و قيل: نعم «7»، لجريان العادة بالتّروي في استحصال المطالب، بل لعدم صدق الشاك و لا أدري و نحوهما إلّا بعد التروّي. و به يدفع الأصل. و الإطلاق ينصرف إلى الكامل، و هو المستقرّ لا بمجرد الخطور و البدار. و يقدّر حدّه بما يبني عليه أهل العرف أمرهم في حكمهم بأنّا شاكّون في كذا و كذا، و هو حدّ معروف

______________________________

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 117، مستدرك الوسائل 6: 401 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1.

(2) انظر: بدائع الصنائع 1: 165.

(3) حكاه في المختلف: 132.

(4) التهذيب 2: 185- 735، الوسائل 8: 218 أبواب الخلل ب 10 ح 7.

(5) انظر: الوسائل 8: 211 و 218 أبواب الخلل ب 7 ح 2 و ب 10 ح 8 و 9.

(6) انظر الذخيرة: 368.

(7) روض الجنان: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 187

يبنى عليه في المحاورات كثيرا.

و هو الأقوى، لما أشير إليه من عدم معلومية صدق الموضوع بمجرد الخطور ما لم يتروّ شيئا ما.

و يؤيده استلزام عدمه الهرج في الصلاة، و الإشارة إليه في بعض الأخبار، كالأخبار المتضمّنة لقوله: «وقع رأيك على الثلاث» و قوله: «و إن ذهب وهمك» «و

إن وقع شكه» و أمثال ذلك. فتأمّل.

ثمَّ المتروّي لا يرتكب شيئا من أفعال الصلاة حال التروّي حتّى يبنى أمره على طرف، لعدم معلومية وظيفته. إلّا إذا كانت الوظيفة مشتركة. و لو أتى بغير المشترك بقصد الصلاة تفسد الصلاة إن كان ممّا يفسدها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 188

الفصل الرابع في بقيّة أحكام الشك و الظن و فيه مسائل:
المسألة الاولى: لا حكم للشك مع الكثرة
اشاره

اتفاقا، كما صرّح به بعض الأجلّة، و بعض آخر ممّن لحقه «1».

لصحيحة زرارة و أبي بصير: الرجل يشكّ كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه، قال: «يعيد» قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ، قال: «يمضي في شكه» ثمَّ قال: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرنّ نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك» «2» الحديث.

و لا يضرّ في الاستدلال بها قوله: «يعيد» أوّلا مع كون السؤال أيضا عمّن يشكّ كثيرا، كما أنّ السؤال عنه أيضا ثانيا، كما توهّمه المحقق الأردبيلي، و لأجله حكم بتخيير كثير الشك بين المضيّ و عدم الالتفات، و بين العمل بمقتضى الشك «3»، و احتمله في الذكرى و الذخيرة أيضا «4».

لأنّ المراد بالكثرة أولا كثرة أطراف الشك لا أفراده كما يشعر به قوله: «حتى

______________________________

(1) انظر: شرح المفاتيح للبهبهاني (ره) (مخطوط).

(2) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188- 747، الاستبصار 1:

374- 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 2.

(3) مجمع الفائدة 3: 142 و 147.

(4) الذكرى: 223، الذخيرة: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 189

لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه» و بها ثانيا كثرة أفراده التي هي

محلّ البحث بقرينة قوله: «كلّما أعاد شك» و لو سلّم عدم صراحة الأول في كثرة الأطراف، فلا أقلّ من احتماله المسقط لمدافعته مع الثاني.

و كذا لا يضرّ في إفادة الوجوب الإتيان بالجملة الخبرية في قوله: «يمضي في شكّه».

لصريح النهي في التعليل بقوله: «لا تعودوا» و صريح الأمر في قوله:

«فليمض أحدكم في الوهم» المراد به الشك قطعا كما يدلّ عليه قوله: «لم يعد إليه الشك».

و صحيحة محمّد: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك، فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان» «1».

و هي و إن كانت متضمّنة للسهو الذي شموله للشك محلّ كلام، إلّا أنّ التعليل فيها يفيد التعميم، كما يظهر من الصحيحة السابقة و غيرها.

و موثّقة الساباطي: في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة، فيشكّ في الركوع، فلا يدري أركع أم لا، و يشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا، قال:

«لا يسجد، و لا يركع» «2».

و رواية عليّ بن أبي حمزة، المتقدّمة في مسألة الشك في جميع الركعات «3»، فإنّها و إن لم يصرّح فيها بكثرة الشك، إلّا أنّ تعليله بقوله: «يوشك ..»

كالصريح في إرادتها.

و هل الحكم مختصّ بالشك؟ كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و نهاية

______________________________

(1) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 8، الفقيه 1: 224- 989، التهذيب 2: 343- 1424، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل ب 16 ح 1.

(2) التهذيب 2: 153- 604، الاستبصار 1: 362- 1372، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب 16 ح 5.

(3) راجع ص 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 190

الإحكام، و في المدارك «1»، بل قيل: إنّه مذهب الأكثر «2».

أو يجري في السهو أيضا؟ كما عن الشيخ و ابن زهرة و الحلّي و

في روض الجنان و الروضة و الذخيرة «3»، إمّا مطلقا أو في غير الركن، و قال بعض مشايخنا الأخباريين: الظاهر أنّه المشهور «4»، و نسبه في الذخيرة إلى كثير من الأصحاب «5»، بل يستفاد من الذكرى أن عليه ظاهر الأصحاب، حيث حكم بشمول ظاهر كلامهم لسقوط سجدة السهو و اختاره «6».

و هو الحقّ مطلقا، لصحيحة محمّد المتقدّمة، و مرسلة الفقيه: «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض في صلاتك و لا تعد» «7».

و صحيحة ابن سنان: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» «8».

و كذا يدلّ عليه العموم المستفاد من التعليل في الصحيحة الاولى.

و بذلك يخصّص عموم ما دلّ على لزوم الإتيان بمتعلّق السهو و موجبه.

و توهّم عدم صلاحيتها للتخصيص، لأنّ المراد بالسهو فيها الشك، للاتفاق على إرادته منه، فلو أريد المعنى الحقيقي يلزم استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، و عموم المجاز يتوقّف على قرينة دالّة عليه، و هي مفقودة، و الاتفاق على إرادة الشك أعمّ من إرادته، لاحتمال كونه قرينة على إرادة الشك بالخصوص «9».

______________________________

(1) المعتبر 2: 393، المنتهى 1: 411، التذكرة 1: 136، نهاية الأحكام 1: 533، المدارك 4: 271.

(2) الحدائق 9: 288 و فيه: نقل بعض مشايخنا أنه مذهب الأكثر.

(3) الشيخ في النهاية: 93، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، الحلي في السرائر 1:

248، روض الجنان: 343، الروضة 1: 339، الذخيرة: 370.

(4) الحدائق 9: 288.

(5) الذخيرة: 370.

(6) الذكرى: 223.

(7) الفقيه 1: 224- 988، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب 16 ح 6.

(8) التهذيب 2: 343- 1423، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 3.

(9) انظر: الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 191

مردود: بمنع الاتفاق المذكور.

و استدلال

بعضهم بها أيضا في المقام قد يكون لجمعه بين حكم السهو و الشك معا فيحتجّ برواياتهما. و قد يكون لاستفادة حكم الشك أيضا بالتعليل المذكور كما تقدّم منا، أو بضميمة الإجماع المركب، إذ كلّ من يقول بسقوط حكم السهو يقول به في الشك أيضا.

و لو كان صريح بعضهم أيضا الاستدلال بها لحكم الشك بخصوص إرادته من السهو لا يثبت منه اتفاق و لا حجة.

و نسبته في الصحيحة الاولى إلى الشيطان لا ترجّح إرادة الشك منه حيث إنّه المنسوب إليه في كثير من الأخبار، و السهو من لوازم طبيعة الإنسان، لأنّ السهو أيضا منه، قال اللّه سبحانه وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ «1». و قال وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ «2».

و بالجملة لم يثبت اتفاق، و لم يعلم من جهة أخرى إرادة الشك من السهو في هذه الروايات أصلا لا من حيث الخصوص، و لا من حيث العموم. و بمجرّد احتمالها و قول بعض أو طائفة، لا ترفع اليد عن الحقيقة اللغوية و العرفية المعلومتين.

مع أنّه على فرض ثبوت الاتفاق يمكن ترجيح إرادة الأعمّ بكونه أقرب المجازين. و لكنّه محل نظر.

و دعوى أنّ كثرة استعمال السهو في الشك بلغت حدّا لا يمكن حمله على أحدهما بدون القرينة كما في البحار «3».

مدفوعة بالمنع، كيف؟! و غاية ما روي استعماله فيه خمس أو عشر أو ما يقربهما، و لا تثبت بذلك الكثرة الموجبة لرفع اليد عن الحقيقة.

______________________________

(1) الأنعام: 68.

(2) الكهف: 63.

(3) البحار 85: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 192

هذا، مع أنّ الحجية ليست منحصرة بما يتضمن لفظ السهو، بل عموم التعليل أيضا- كما عرفت- يدلّ على المطلوب.

و القول بأنّ حمله على السهو يوجب تخصيصات كثيرة تخرجه عن

الظهور، للإجماع على وجوب الإتيان بما بقي محلّه من المتروك، و البطلان إذا كان المتروك ركنا، و قضاء ما يقضى بعد الصلاة من الأجزاء المنسية، فتنحصر فائدة نفي السهو في سقوط سجدتي السهو، و ارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جدّا، و أبعد بكثير من حمل السهو على خصوص الشك. مع أنّ مدلول الروايات المضيّ في الصلاة، و هو لا ينافي وجوب سجود السهو، إذ هو خارج عن الصلاة، فلا تحصل للروايات على حملها على المعنى الحقيقي فائدة، كما قاله في البحار «1».

غير جيد، إذ ليس هناك تخصيص، إذ المذكور في الأخبار «امض في صلاتك» فلو ثبتت الإجماعات المذكورة لا بدّ أن يجعل ذلك تجوّزا عن إرادة عدم الإتيان بسجود السهو، فكان عليه أن يقول: إنّ ذلك المجاز ليس بأولى من إرادة الشك من السهو. إلّا أنّ مبنى كلامه مردود بعدم ثبوت الإجماعات المذكورة، و لا دليل آخر على هذه الأمور، بل صرّح بعض مشايخنا بالمضيّ في الجميع «2»، فتكون الروايات بجميع ألفاظها باقية على حقائقها.

و لا يحتاج في تصحيح الاستدلال بالأخبار إلى ما قيل من أنّ وجوب تدارك المسهوّ عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب تخصيص معنى السهو، إذ ليس هو السبب في وجوب الحكم بتداركه، و إنّما هو عموم أدلّته، و سببيّة السهو ليست إلّا بالنسبة إلى سجود السهو، فلا يجب مع الكثرة و ليس فيه تخصيص. و بالجملة المراد من السهو المنفي موجبه، و هو ليس إلّا سجود السهو، و إلّا فالمسهوّ عنه ما وجب أداء و تداركا إلّا لعموم أدلّة لزوم فعله، و كذا فساد الصلاة بالسهو عن

______________________________

(1) البحار 85: 277.

(2) الحدائق 9: 295.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 193

الركن

لم ينشأ من نفس السهو، بل من حيث الترك، حتى لو حصل من غير جهته لفسدت أيضا «1».

مضافا إلى ما فيه أنّه ليس في رواياتنا نفي سهو حتى يصحّ ذلك، بل المذكور فيها: «امض في صلاتك». نعم ورد ذلك في بعض كلمات الأصحاب.

مع أنّ قوله: سببيّة السهو ليست إلّا بالنسبة إلى سجود السهو، غير صحيح، لأنّ التدارك أيضا مسبّب للسهو بأنه لولاه لما حصل التدارك، و عموم أدلّته لا يفيد إلّا وجوب الأجزاء أداء، و لذا يقتصر في التدارك على ما عليه دليل بخصوصه. و إن أراد بالأدلّة أدلّة التدارك فسجود السهو أيضا كذلك، فإنّه لا يسجد سهوا إلّا فيما عليه دليل خاص.

و بالجملة سببيّة السهو للزوم التدارك و سجدة السهو مشتركة و إن احتاج بيان سببيّته إلى التوقيف، بل و كذلك في السهو عن الركن لو قلنا بالبطلان و الفساد من غير جهته لا ينفي الفساد من جهته أيضا.

احتجّ المخالف في السهو بعموم أدلّة أحكام السهو، مع تضعيف مخصّصاتها ببعض ما ذكر بجوابه.

فروع:
أ: كثير الظن مثل كثير الشك،

فلا يلتفت إلى ظنّه لو كان مقتضاه مخالفا لحكم كثير الشك، لصدق الموضوع، فإنّ الشكّ هو خلاف اليقين، كما يظهر من الأخبار بل اللغة. و لجريان العلّة، فإنّ الظنّ أيضا لا يكون إلّا مع سهو و نسيان لا محالة، و النسيان من الشيطان، بل لا يكون إلّا مع غفلة، و الغفلة هو معنى السهو، فتشمله الأخبار المتضمّنة للسهو أيضا.

و يؤيّده أيضا قوله: «حتى يستيقن يقينا» في آخر موثقة الساباطي «2»، كما

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 220.

(2) التهذيب 2: 153- 604، الاستبصار 1: 362- 1372، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب (16) ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 194

يدلّ على عدم

اعتبار ظنّ كثير الشك، إذ دلّت على أنّه لا يلتفت كثير الشك إلّا إذا استيقن يقينا فلا يعبأ بظنّه.

ب: المرجع في معرفة الكثرة العرف،

وفاقا للفاضل و الشهيدين «1»، و أكثر المتأخّرين «2»، بل مطلقا كما قيل «3»، لأنه المحكّم فيما لم يرد به بيان من الشرع و لا تعيين من اللغة.

و أمّا صحيحة ابن أبي حمزة: «و إذا كان الرجل يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن يكثر عليه السهو» «4».

فليست فيها مخالفة للعرف، إذ كلّ من لا يسلم كلّ ثلاث صلوات متتالية منه من سهو فهو كثير السهو عرفا قطعا. و صدقه على غير ذلك- كمن يسهو في ثلاث واحدة أو ثلاثين متكررا- غير ضائر، إذ ليست في الصحيحة دلالة على الحصر.

و لا يتوهّم أنّ مفهومها يدلّ عليه، لعدم اعتبار المفهوم فيه، إذ مقتضى منطوقه أنّ ما ذكر فيه بعض أفراد من يكثر عليه السهو، فيكون له بعض أفراد أخر أيضا هو ممّن لم يكن كذلك، فلو اعتبر فيه المفهوم لزم التناقض. مع أنّا نعلم قطعا عدم انحصار كثير السهو في ذلك، فعلى اعتبار المفهوم لا بدّ من ارتكاب تجوّز في قوله: «ممّن يكثر عليه السهو» بإرادة من يكون له حكم كثير السهو، أو إرادة نوع خاصّ من كثير السهو، و هو الّذي أراده الشارع، و ليس ذلك بأولى من التجوّز بعدم اعتبار المفهوم، فلا يعلم معارض للمنطوق.

و أمّا ردّ الحديث بالإجمال و تعدّد الاحتمال فليس بجيد، لكونه ظاهرا فيما

______________________________

(1) الفاضل في التذكرة 1: 136، الشهيد الأول في الذكرى: 222، الشهيد الثاني في الروضة 1:

339.

(2) كالفيض في المفاتيح 1: 180، و السبزواري في الكفاية: 26.

(3) في الرياض 1: 221.

(4) الفقيه 1: 224- 990، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب

16 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 195

ذكرنا من المعنى.

و المراد بعدم خلوّ كلّ ثلاث كونه كذلك أيضا عرفا، أي يقال في العرف:

إنّه يسهو في كلّ ثلاث، لا كلّ ثلاث من أيام تكليفه أو حياته، أو من شهر أو سنة أو غير ذلك ممّا يتصور، فلا إجمال فيه من هذه الجهة أيضا، فهو ممّا يبيّن أحد المصاديق العرفية.

و له مصداقات أخر أيضا، و الظاهر صدقه على من يسهو في كلّ من صلوات خمس من يوم، أو أكثرها من يومين أو أكثر، و على من يسهو خمسا أو أكثر في صلاة واحدة. بل لا يبعد صدقه بالسهو ثلاثا في صلاة واحدة أو في ثلاث صلوات متتالية فرائض أو نوافل، فيعمل في الرابعة بعمل كثير السهو دون الثالثة، إذ الظاهر عدم صدق الكثرة إلّا بالسهو الرابع. و لو حصلت تلك الثلاث غير متتالية لم يعتدّ بها. نعم لو تكرّر أياما بحيث تصدق الكثرة عرفا تعيّن اعتبارها.

و لعلّ إلى ذلك نظر من حدّه بثلاث مرّات متتالية كابن حمزة «1»، أو في شي ء واحد ثلاث مرات، أو في أكثر الخمس كالحلّي «2».

و التحديد بالاثنين لقوله: «لا إعادة في إعادة» «3» غير صحيح، لعدم الدلالة.

و الشك كالسهو في ذلك كلّه.

و ما لم يعلم تحقّق الكثرة يعمل بمقتضى السهو أو الشك.

ج: لو كثر شكّه أو سهوه في فعل بعينه يعمل بعمل ذي الكثرة

في غيره أيضا، لصدق الكثرة، و إطلاق الأدلّة، و جريان العلّة.

نعم يشترط أن يكون الفعلان جزأي عبادة واحدة، كالوضوء أو الصلاة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    196     ج: لو كثر شكه أو سهوه في فعل بعينه يعمل بعمل ذي الكثرة ..... ص : 195

ّا مع تغاير نوع العبادة فلا، فكثير الشك في الصلاة لا يرفع

اليد عن حكم

______________________________

(1) الوسيلة: 102.

(2) السرائر 1: 248.

(3) انظر: الوسائل 8: 243 أبواب الخلل ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 196

الشك في الوضوء، و بالعكس، لعدم دليل على هذا التعميم، فإنّ الأخبار منحصرة في الصلاة.

نعم يستفاد التعميم من التعليل، و دلالة عمومه على مثل ذلك غير معلومة، و لو سلّمت فمفهوم الشرط في مرسلة الفقيه المتقدمة «1» يخصّص، و يثبت الحكم في غير موردها بالإجماع المركّب.

و يشترط أيضا في صدق الكثرة تعدّد الشك أو السهو، و لا يكفي تعدّد المسهوّ منه و المشكوك فيه خاصة. فلو سها عن أفعال متعدّدة متّصلة بسهو واحد، كأن يترك السجدتين و واجباتهما و التشهد من ركعة لم يكن كثير السهو.

و أمّا رواية ابن أبي حمزة فالظاهر منها- كما مرّ- كثير الشك بقرينة قوله:

«يوشك أن يدعه» «2».

مع أنّها معارضة مع صدر صحيحة زرارة المتقدّمة في صدر المسألة «3»، فلا تصير حجة علينا.

و لا يشترط كون متعلّق الشكوك ما يترتّب على الشك فيه حكم، كنقض أو تدارك أو سجود سهو، لعدم توقّف صدق كثير الشك عليه. فلو شكّ كثيرا بعد تجاوز المحل، أو في النافلة، أو مع رجحان أحد الطرفين، في الأخيرتين أو مطلقا- على اختلاف القولين- ثمَّ شكّ شكّا له حكم، سقط حكمه.

و قيل بالاشتراط، للاقتصار في موضع خالف حكم الأصل- الدالّ على لزوم حكم الشك- على المتيقّن من النصّ، و ليس إلّا شكّ كثير له حكم «4».

و فيه: منع انحصار المتيقّن إن أراد بالنصّ أعمّ ممّا هو ظاهر بحسب

______________________________

(1) في ص 190.

(2) راجع ص 135.

(3) راجع ص 188.

(4) الرياض 1: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 197

الإطلاق أو العموم، و منع لزوم الاقتصار عليه

إن أريد الأخصّ منه.

د: يجب في صدق كثرة الشك و السهو تحقّق الكثير

، فلا تكفي دلالة الحال على وقوعهما كثيرا من غير تحقّق، كتشاغل قلب و كثرة همّ، للأصل و الاستصحاب، كما أنّه لو كثر شكّه لمثل تلك الحالة، ثمَّ ارتفعت بحيث يعلم انتفاء الكثرة بعد ذلك، لا يرتفع حكم كثير الشك ما لم يصلّ صلوات خالية عن الشك أيضا، لما سبق.

ه: متى حكم بثبوت الكثرة لشخص يستمرّ له حكم كثير الشك و السهو إلى أن يزول الصدق في العرف

، فيتعلّق به حكم السهو أو الشك الطارئ.

و يتحقّق زواله بزوال السهو و الشك غالبا، و عدم حصوله إمّا مطلقا أو إلّا نادرا في مدّة يعتدّ بها، بحيث يحكم في العرف أنّه غير كثير السهو أو الشك.

و قيل: زواله أن تخلو من السهو فرائض يتحقّق بها وصف الكثرة إن حدّدناها بها أو مطلقا، كما في الذكرى و روض الجنان و الروضة «1». و جزم في الموجز بزواله بتوالي ثلاث بغير شك، و في المهذّب اكتفى بواحدة «2».

و يشترط في انتفاء كثرة الشك أن يكون عدم شكّه لحالة نفسانية، فلو تكلّف كثير الشك في صلوات كثيرة بأن يعدّ الركعات بخاتم، أو يأمر شخصا خارجيا بأن يحفظ صلواته، و لذلك لم يشكّ، و كان بحيث لو خلّي و نفسه شك، لم يفد ذلك، للشك في انتفاء الصدق، فيستصحب.

و: لو شكّ أو سها في الصلاة بما له تدارك بعد الصلاة، ثمَّ شكّ ثانيا فيها ثمَّ ثالثا، ثمَّ رابعا حتى صار كثير الشك، يسقط حكم الرابع

دون ما تقدّم عليه، لاستقراره في ذمّته قبل صيرورته كثير الشك، فيستصحب.

______________________________

(1) الذكرى: 223، روض الجنان: 343، الروضة 1: 340.

(2) المهذب البارع 1: 456.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 198

ز: المراد بانتفاء الحكم عن كثير الشك، كما به صرّح جمع «1»، بل- كما قيل «2»- من غير خلاف بينهم يعرف: أنّه لا يلتفت إليه

و يبني على وقوع المشكوك فيه و إن كان في محلّه ما لم يستلزم الزيادة، و إن اشتمل على ما يبطلها في غير تلك الحال.

و إن استلزم الزيادة يبني على الصحيح. فيبني على الأكثر في الركعات طرّا حتى الأوليين و الثنائية و الثلاثية، و ليست عليه صلاة احتياط.

لأنّه المتبادر من المضيّ في الصلاة أو في الشك، الواردين في النصوص، و الموافق للتعليل المذكور فيها، إذ لو بنى على الأقلّ كان معوّدا للخبيث، و المصرّح به في موثقة الساباطي المتقدّمة في خصوص الركوع و السجود «3»، و رواية علي بن أبي حمزة في الشاك بين جميع الركعات «4»، مع عدم قول بالفصل.

و توقّف بعضهم- كالأردبيلي و الهندي- في سقوط صلاة الاحتياط، لعدم دلالة الأحاديث عليه «5».

و فيه: أنّ التعليل المذكور فيها ينفيها، لأنّ الإتيان بها يوجب تعويد الخبيث، لأنه عين الالتفات إلى الشك، بل هو يبني حقيقة على البناء على عدم الفعل. مع أنّ الظاهر أنّه إجماعي.

و مع الزيادة يبني على العدد المصحّح، لئلّا يلزم نقض الصلاة الممنوع منه في تلك الأخبار.

و لو تعدّد العدد المصحّح حينئذ كالشك بين الثلاث و الأربع و الخمس، فالظاهر البناء على الأقلّ، للأصل.

______________________________

(1) كالشهيد الأول في الذكرى: 223، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 339، و السبزواري في كفاية الأحكام: 25.

(2) في الرياض 1: 220.

(3) راجع ص 189.

(4) المتقدمة في ص 135.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 145، و الهندي في كشف اللثام 1: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 7، ص: 199

و أمّا كثير السهو- فعلى المختار من اعتبار الكثرة فيه أيضا- فالمراد بانتفاء حكم السهو فيه- على ما صرّح به جماعة «1»- انتفاء وجوب سجود السهو عنه، دون تدارك ما يتدارك بعد الصلاة أو في أثنائها مع بقاء محلّه، أو بطلان الصلاة مع الانتقال عن المحلّ إن كان ركنا.

قيل: للإجماع على عدم سقوط هذه الأحكام، و للعمومات الدالّة على ثبوتها «2».

و منهم من احتمل انتفاء التدارك بعد الصلاة «3». و في الذكرى: جواز اغتفار زيادة الركن منه أيضا «4».

و قال بعض مشايخنا بالعموم، فقال بانتفاء جميع أحكام السهو عنه أيضا، كما في الشك «5».

و هو الظاهر من الأخبار، و المستفاد من قوله «لا تعد» في المرسلة «6».

و الإجماع المدّعى ممنوع، و إن كان في البحار مذكورا [1]، كيف؟! مع أنّ الواقع في كلام كثير من الأصحاب أنّه لا حكم للسهو مع الكثرة و إرادتهم ما ذكرناه منه محتملة بل ظاهرة.

و العمومات مخصّصة بأخبار كثير السهو، كما تخصّص عمومات أحكام الشك بأخبار كثير الشك.

نعم، لو جاز تأمّل لكان في سقوط سجدة السهو، لعدم صراحة الأخبار في نفيها. إلّا أنّ الإجماع المركّب و التعليل ينفيانها. و الاحتياط الإتيان بها، بل بصلاة

______________________________

[1] البحار 85: 280، لكن عبارته غير صريحة في ادّعاء الإجماع، فراجع.

______________________________

(1) كالشهيد في الذكرى: 223، و السبزواري في الذخيرة: 370، و صاحب الرياض 1: 220.

(2) كما في الرياض 1: 219، و قال في حاشيته: إنّ الإجماع منقول عن البحار 85: 280.

(3) الروض: 343.

(4) الذكرى: 223.

(5) انظر: الحدائق 9: 291.

(6) المتقدمة في ص 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 200

الاحتياط أيضا.

ح: مقتضى الأمر بالإمضاء و النهي عن تعويد الخبيث في الأخبار: أنّ الحكم المذكور لكثير الشك و السهو حتم لا رخصة

، كما هو الظاهر من الفتاوى أيضا، و على هذا فلو خالفه و

أتى بالمشكوك فيه أو المسهوّ عنه ارتكب المحرم مطلقا، و بطلت الصلاة إن كان ممّا تبطل بزيادته فيها مطلقا، أو مع حرمته.

ط: الحكم المذكور شامل لجميع أجزاء الصلاة و أفعالها

، واجباتها و مستحباتها، للإطلاق.

ي: لو شكّ كثير الشك في أصل فعل الصلاة لا يلتفت إليه

، و يبني على الفعل، كما صرّح به بعض مشايخنا المحققين «1»، و تدلّ عليه العلّة المتقدّمة.

المسألة الثانية: المصلّي جالسا فحكم شكّه حكم شك القائم

، للإطلاقات بل العمومات.

إلّا أنّه قال بعض مشايخنا المحققين «2»: لا يختار الركعتين جالسا موضع الركعة، لأنّ الركعتين نصف صلاته لا ربعها، فإن اختارهما تزيد صلاته على الأربع، بل يأتي بركعة جالسا موضع الركعتين جالسا. و لا يختار الركعتين قائما، لعدم ثبوت كونهما بدلا عن الركعتين جالسا. ففي الشك بين الثلاث و الأربع يأتي بركعة جالسا، و في الثنتين و الأربع بركعتين جالسا، و في الثنتين و الثلاث و الأربع بركعتين جالسا و ركعة كذلك.

كلّ ذلك لأنّ من لم يقدر على القيام فغير داخل فيما يتضمّن الأمر بصلاة الاحتياط قائما تخييرا أو تعيينا، فيستخرج حكمه من مثل قوله: «متى شككت

______________________________

(1) البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 201

فابن على الأكثر، فإذا سلمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت».

أقول: حاصله أنّ أخبار صلاة الاحتياط قائما لا يمكن شمولها للمورد، فيرجع فيه إلى عموم: «ما ظننت أنّك نقصت».

و فيه: أنّه لو سلّم ذلك، فلا شكّ أنّ الأخبار المتضمنة للصلاة جالسا فقط شاملة له، فما وجه تنصيف صلاة الجالس؟.

فإن قلت: انصراف هذه الأخبار إلى المورد غير معلوم، لكونه الفرد النادر.

قلنا- مع أنّ أكثرها عمومات-: يرد مثله في جميع أخبار حكم الشك.

و التحقيق أنّه كما يحتمل رفع اليد عن أخبار تفصيل صلاة الاحتياط لما ذكر، و الرجوع إلى عمومات إتمام «ما ظننت أنّك قد نقصت» كذلك يحتمل العمل بأخبار صلاة الاحتياط، و الرجوع فيما حكم فيه بالقيام إلى حكم العاجز عن القيام، فيحكم بشمولها للعاجز أيضا و إن تضمّنت الأمر بالقيام، لبيان

حكم من حكمه القيام، و لا يقدر عليه.

و هنا احتمالان آخران: من جهة أنّ من أخبار تفصيل صلاة الاحتياط ما لا يتضمّن إلّا الصلاة جالسا، فيحكم بعموم هذه للقادر و غيره، و يرجع فيما تضمّنت القيام إمّا إلى أخبار حكم العاجز، و إمّا إلى عمومات إتمام ما ظنّ أنّه نقص. و الأوجه هذا الوجه، لعدم مخصّص للأخبار المتضمّنة لصلاة الاحتياط جالسا، و اختصاص ما تضمّن القيام منها بالقادر، فيرجع إلى العمومات، لعدم عموم في أخبار حكم العاجز بحيث يشمل المورد أيضا البتة، فتدبّر.

المسألة الثالثة: لو شكّ في شي ء من أجزاء الصلاة بعد الفراغ منها-

المتحقّق بالتسليمة الاولى من التسليمتين الأخيرتين- لم يلتفت إليه و مضى، سواء كان شكّا في الأعداد أو الأفعال، لما مرّ من أخبار عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الدخول في غيره، و لصحيحتي محمّد، إحداهما: في الرجل يشك بعد ما انصرف من صلاته،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 202

فقال: «لا يعيد و لا شي ء عليه» «1».

و الأخرى: «كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد» «2».

المسألة الرابعة: لو شكّ في أصل الصلاة هل أتى بها أم لا

، فإن كان في وقتها وجب الإتيان بها، و إن كان قد خرج وقتها لم يلتفت إلى شكّه، صرّح به في الذكرى «3»، بل هو المشهور في الحكمين، كما في البحار «4».

و يدلّ على الأوّل: قيام السبب و أصالة عدم الفعل.

و على الثاني: ما مرّ من عمومات عدم الالتفات إلى الشك بعد مضيّه أي:

مضيّ وقته، أو بعد الخروج عن موضعه.

مضافا فيهما إلى صحيحة زرارة و الفضيل: «و متى ما استيقنت أو شككت في وقتها أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت» «5».

و أمّا ما رواه في السرائر عن كتاب حريز: «فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن، لأنّ العصر حال فيما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من

______________________________

(1) التهذيب 2: 348- 1443، الاستبصار 1: 369- 1404، الوسائل 8: 246 أبواب الخلل ب 27 ح 1.

(2) التهذيب 2: 352- 1460، الوسائل 8: 246 أبواب

الخلل ب 27 ح 2.

(3) الذكرى: 130.

(4) البحار 85: 190.

(5) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276- 1098، الوسائل 4: 282 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 203

الشكّ إلّا بيقين» «1».

فمقتضاه و إن كان عدم الفعل مع الشك في الوقت أيضا إذا دخل في صلاة أخرى، و هو أيضا مقتضى أخبار المضيّ بعد دخول الغير، إلّا أنّه- كما في البحار «2»- خلاف فتوى الأصحاب. و مع ذلك يعارض الصحيحة بالعموم من وجه، و الأصل مع عدم الفعل.

المسألة الخامسة: من شكّ في ركعة أنّها رابعة الظهر أو أوّل العصر أتّمها ظهرا

، ثمَّ صلّى بعده العصر، للأصل و الاستصحاب.

و كذا من شكّ في ركعة أنّها رابعة الظهر أو العصر، أو أولى الظهر أو العصر، و كذا في جميع الفرائض، لما ذكر، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين.

و كذا الحال في النوافل. و كذا لو دخل في فريضة و شكّ في ركعة أنّها هل هي من الفريضة، أو أتمّها و شرع في النافلة، أو بالعكس فيبني على الاولى التي دخل أوّلا فيها، و يأتي بعده باللاحقة.

المسألة السادسة: لو تحقّقت نيّة الصلاة و شكّ هل نوى الندب مثلا أو الفرض، أو الظهر أو العصر، أو الأداء أو القضاء، فالظاهر البطلان

، كما صرّح به جماعة «3».

هذا إذا تعدّدت الصلوات التي أمر بها، و لو اتّحدت الصلاة و ما كان مقصوده، و شكّ فيما أخطره بالبال فلا يضرّ.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 75- 20، الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت ب 60 ح 2.

(2) البحار 85: 190.

(3) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 337، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 101، و السبزواري في الذخيرة: 362.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 204

المسألة السابعة: لو ظنّ بعد الصلاة نقصا في الصلاة، فحكمه عند من يلحق الظنّ بالعلم مطلقا واضح.

و أمّا على المختار من اختصاص اعتبار الظنّ بمواقع خاصّة، و الرجوع في البواقي إلى حكم الشك فيشكل الأمر، إذ الرجوع فيها إليه لتعلّق هذه الأحكام بعدم الدراية، الصادق على الظانّ أيضا كلا أو بعضا بضميمة الإجماع المركّب، و في المورد لم يتعلّق حكم بعدم الدراية، إلّا أن يتمسّك بشمول لفظ الشكّ للظنّ لغة كما مرّ، إلّا أنّ ترتّب الحكم عليه فقط لا يخلو عن إشكال، و مقتضى أصل الاشتغال بالصلاة الإعادة لو تعلّق الظّن بالمبطل. نعم، إن كان الموهوم النقص أو البطلان فالظاهر الصحّة و المضي، لأنّه كذلك مع الشك فمع الوهم أولى.

و الحاصل: أنّ المظنون إن كان ما يوجب البطلان مع العلم يعيد، إلّا إذا صار كثير الظّن.

و إن كان ما لا يلتفت إليه مع العلم، فكذلك هنا، للأولوية.

و إن كان ما يوجب التدارك مع العلم، فالظاهر الصحّة للأولوية، و عدم التدارك للأصل، فإنه كانت صلاته صحيحة و لو لم يتدارك.

المسألة الثامنة: قد صرّح الأصحاب بأنّه: لا سهو في سهو.
اشاره

و الأصل فيه صحيحة البختري: «ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة» «1».

و مرسلة يونس: «و لا سهو في سهو» «2».

______________________________

(1) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 7، التهذيب 2: 344- 1428، الوسائل 8: 240 و 243 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 و 25 ح 3 و 1.

(2) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 5، الوسائل 8: 243 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 205

و لكن في كلّ من العبارتين إجمالا من حيث المراد من السهو في الموضعين، و المراد من السهو الثاني بخصوصه باعتبار

احتمال الحذف و عدمه في السهو، و المراد من نفي السهو.

أمّا الأوّل: فباعتبار احتمال إرادة الشك منه، أو النسيان، أو الأعم، و لأجله تحصل احتمالات تسعة: نفي الشك في الشك، و في السهو بالمعنى الأخص، و في الأعم، و نفي السهو كذلك، و نفي الأعمّ كذلك.

و أمّا الثاني: فباعتبار احتمال إرادة نفس السهو بأحد معانيه الثلاثة عنه، أو إرادة مسبّبه و موجبه، كالتدارك، أو صلاة الاحتياط، أو سجدة السهو، فهذه ثمانية عشر احتمالات.

و أمّا الثالث: فباعتبار عدم إمكان إرادة الحقيقة من النفي، و مجازه هنا متعدّد من عدم الالتفات، أو عدم الموجبيّة، بالكسر، أو غير ذلك.

فالاستدلال بالحديثين في شي ء من الموارد غير ممكن. و الحمل على الجميع باطل، لاستلزامه استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، بل استلزام التقدير و عدمه.

و لو فرض ترجيح بعض المعاني:

كحمل السهو على معناه الحقيقي، لأصالة الحقيقة.

أو على الشك، لحمل جمع من الفقهاء عليه، مع ظهوره في الجملة من السياق.

أو حمل السهو الثاني على المسبّب و الموجب، لكون نفي السهو في السهو نفسه مقتضى الأصل، فلا يحتاج إلى النصّ، و المحتاج إليه إنّما هو حكم الشك في موجبه، لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه، و لا يتمّ إلّا مع عدم الشك، مضافا إلى إطلاق ما دلّ على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحلّ، و التأسيس أولى من التأكيد، و الظاهر إرادة إثبات حكم مخالف للأصل، مضافا إلى تصريح بعضهم «1» بأنّه مراد الفقهاء.

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 1: 411.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 206

فلا شكّ [1] في عدم خروج الكلام عن الإجمال بعد أيضا، مع أنّ إثبات الترجيح ببعض ما ذكر غير تامّ.

فاللازم رفع اليدين

عن الحديثين و الكلام في كلّ من الاحتمالات الثمانية عشر بخصوصه.

ثمَّ بعد ملاحظة أنّ ببيان حكم كلّ من السهو و الشك يظهر حكم احتمالات المعنى الأعم، يبقى اللازم بيان حكم ثمانية احتمالات، و هي التي ذكرها طائفة من متأخّري المتأخّرين «1».

فنقول:

الاحتمال الأوّل: أن يشكّ في نفس الشك،

بأن شكّ في أنّه هل شكّ أم لا.

فقيل: لا يلتفت إليه «2»، لأصالة عدمه.

و قيل: إن كان زمان الشكّين واحدا فهو شاكّ في أصل الفعل، فيحكم بمقتضاه. و إن كان في زمانين فإن كان في هذا الزمان أيضا شاكّا فيما شكّ في شكّه فكالأوّل، و إلّا فيحكم بمقتضى علمه و جزمه، و لا يتيقّن بالشكّ السابق، و الأصل عدمه «3».

و لا يخفى أنّ الظاهر من الشك في الشك هو ما كان في زمانين دون الأوّل.

و البناء فيه على اليقين منه بإطلاقه غير جيّد. و أصالة عدم الشكّ غير تامّة، لأصالة عدم اليقين أيضا، لأنّ كلا منهما حادث، لأنّ الموجود سابقا هو اليقين بفعل آخر غير ما شكّ في الشك فيه.

______________________________

[1] جواب لقوله: و لو فرض ترجيح بعض المعاني.

______________________________

(1) منهم المجلسي في البحار 85: 257، و صاحبا الحدائق 9: 259، و الرياض 1: 220.

(2) انظر: الروضة 1: 340، و نسبه في البحار 85: 257 إلى الأصحاب.

(3) البحار 85: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 207

و التحقيق: أنّ الشكّ السابق المشكوك فيه إمّا في الأفعال، أو الأعداد.

و الأوّل إمّا تجاوز محلّه لو كان شكّ، أولا.

فعلى الأوّل، كأن شكّ بعد القيام في أنّه هل شكّ قبله في السجود و لم يعد، أم لا، أو يشك في العود أيضا. و يتعارض فيه أصل عدم الشك فيه مع أصالة عدم اليقين بفعله أيضا، فلا حكم لذلك الأصل. و

لكن يمضي لأصول أخر، لأنّ شكّه إن كان في الشكّ مع اليقين بعدم العود عمدا و تبطل صلاته [إن كان شك ] «1»، فالأصل الصحّة. و إن كان في الشك مع اليقين بعدم العود سهوا، إن كان شكّ، فالأصل عدم وجوب عود عليه و صحّة صلاته. و إن كان مع الشك في العود أيضا، فلمضيّ محلّ العود المشكوك فيه، و أصالة عدم وجوب عود آخر و صحّة صلاته.

و على الثاني، كأن شكّ في آخر التشهّد في أنّه هل شكّ في ابتدائه في إحدى السجدتين- على القول بعدم تجاوز المحلّ بدخول التشهّد- فإن كان حينئذ باقيا على الشكّ أيضا يعود. و إن تيقّن الفعل يسقط حكم الشكّ الأوّل قطعا.

و إن كان في الأعداد، كأن يشكّ في الرابعة في أنّه هل شكّ سابقا و بنى على عدد هذه رابعته فتجب صلاة الاحتياط، أو هذه رابعة واقعيّة فلا تجب، و الأصل حينئذ عدم وجوب صلاة الاحتياط. و لا تعارضه أصالة الاشتغال بالصلاة، لوجوب إتمام الصلاة بهذه الرابعة على التقديرين، و الأصل براءة الذمّة عن الزائد.

و لو شكّ في أنّه هل شكّ سابقا، و على الشك هل بنى على ما يقتضيه أم لا، فلا يلتفت إليه، لمضيّ المحل.

و هنا شقوق أخر:

أحدها: أن يشكّ في أنّ ما فيه شكّ أو ظنّ. و الظاهر البناء على الشك،

______________________________

(1) أضفناه لاستقامة المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 208

إذ ما دام في هذا الشك فهو لا يتيقّن بترجيح أحد الطرفين فهو شاكّ. أو في أن ما سبق هل كان شكّا أو ظنّا. و الظاهر عدم الالتفات إليه إن بنى أوّلا على أحدهما و أتى بمقتضاه.

و ثانيها: أن يشكّ في المشكوك فيه، كأن يشكّ في

أنّ ما شكّ فيه هل هو السجدة أو التشهّد. فإن علم أنّه بنى على أحدهما و أتى بمقتضاه فقد مضى. و إن لم يعلم ذلك، فإن بقي محلّهما فيأتي بهما، لأنّه حينئذ شاك فيهما، و إن تجاوز فلا يلتفت إليه.

و ثالثها: أن يشكّ بعد الفراغ و إرادة التدارك في المشكوك فيه، كأن يشكّ في أنّ الشك هل كان بين الاثنتين و الأربع، أو الثلاث و الأربع حتّى يأتي بصلاة الاحتياط بمقتضى ما شكّ. و الظاهر وجوب الإتيان بوظيفتهما معا، مع التداخل إن أمكن و بدونه إن لم يمكن، لأصل الاشتغال.

الاحتمال الثاني: أن يشكّ في موجب الشك

- بالفتح- كأن يشكّ في صلاة الاحتياط أو سجدة السهو.

فإن كان الشك في أصل فعله، كأن يشكّ أنّه هل أتى بسجدة السهو، أو صلّى الاحتياط أم لا. و الظاهر وجوب فعله، لأصالة عدم فعله.

و إن كان في عدد أحدهما، أو فعل من أفعاله، فالمصرّح به في كلام كثير منهم عدم الالتفات إليه، و البناء على الفعل «1»، بل قيل: ظاهر الأصحاب الاتّفاق عليه «2»، و استدلّوا بالروايتين السابقتين.

و عن الأردبيلي الميل إلى البناء على الأقلّ و عدم الفعل، لأصالة عدم

______________________________

(1) انظر: المنتهى 1: 411، و التنقيح 1: 362، و الحدائق 9: 269، و الرياض 1: 220.

(2) الحدائق 9: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 209

الفعل «1».

و هو قويّ جدّا، لما عرفت من إجمال الروايتين، و عدم ثبوت الاتّفاق المدّعى علينا. إلّا إذا كان قد خرج من موضع المشكوك فيه، فلا يلتفت إلى الشك، لما مرّ.

و من هذا الاحتمال ما لو علم أنّه شكّ في السجدة قبل تجاوز المحلّ، أو بين الاثنتين و الثلاث مثلا، و كان موجب الأوّل العود، و موجب الثاني البناء على

الثلاث، و شكّ في أنّه هل أتى بالسجدة أم لا، أو هل بنى على الثلاث أم لا، مع علمه بأنّ ما فيه حينئذ الركعة الأخيرة مثلا. و الظاهر عدم الالتفات، للدخول في الغير. إلّا أن يكون في موضعه، فيأتي بالموجب المشكوك فيه، فيسجد في الأوّل، و يبني على الثالث في الثاني.

الاحتمال الثالث: الشك في السهو نفسه

، بأنّ يشكّ في أنّه سها أم لا. فإن كان بعد الصلاة لا يلتفت إليه. و إن كان في أثنائها فهو حقيقة شكّ في الفعل الذي شكّ في السهو فيه، فيأتي به مع عدم الدخول في الغير، و يمضي مع الدخول فيه.

الاحتمال الرابع: أن يشك في موجب السهو- بالفتح

- كأن يشكّ في السجدة أو التشهّد المنسيين، اللذين يقتضيهما بعد الصلاة، أو في سجدة السهو.

فإن كان الشك في الإتيان بها يأتي بلا خلاف، كما قيل «2».

و إن كان في بعض أجزائها فعلا أو عددا، فقيل: يبني على الفعل «3»، بل

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 3: 136.

(2) الحدائق 9: 264.

(3) كما في الحدائق 9: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 210

هو ظاهر الأكثر، للخبرين المذكورين. و بعد ما عرفت من إجمالهما تعلم وجوب الإتيان به، إلّا فيما دخل في غيره.

و من هذا الاحتمال ما لو شكّ في أثناء الصلاة أنّه هل تدارك ما سها فيه و تذكّر قبل تجاوز المحلّ، و يجب عليه الإتيان به لو كان ذلك في المحلّ، و المضيّ لو تجاوز عنه أي المحلّ المعتبر في الشكّ، و هو الدخول في الغير. فلو شكّ في حال القراءة أنّه هل أتى بالسجدة التي سها فيها و تذكّر بعد القيام أم لا، فيمضي.

الاحتمال الخامس: السهو في نفس الشك،

كأن شكّ في شي ء قبل الدخول في غيره، ثمَّ نسي الشك و مضى، فقيل: إنّه لا يلتفت إليه إن تذكّر بعد تجاوز المحلّ، و يأتي به إن كان المحل باقيا «1».

أقول: إن أراد بتجاوز المحلّ ما يعتبر في السهو، و هو الدخول في ركن آخر، فهو صحيح. و إن أراد ما يعتبر في الشك ففيه نظر، لأنّ بعد الشك قبل الدخول في الغير وجب عليه المنسي. فإذا سها عنه يأتي به ما لم يدخل في ركن آخر، للعمومات الواردة في النسيان.

و التنظر في شمولها للمورد، لأنّها وردت في أجزاء الصلاة الأصليّة و هذا ليس منها.

غير وارد، لأنّ ذلك أيضا من أجزاء الصلاة الأصليّة، لأصالة عدم فعله.

الاحتمال السادس: السهو في موجب الشك،

كأن يسهو في شي ء من أفعال صلاة الاحتياط، أو سجدتي السهو.

و لا ينبغي الشكّ في عدم وجوب سجدة سهو للسهو في سجدة السهو.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 9: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 211

و أمّا لصلاة الاحتياط، فقيل: لا تجب أيضا، بل هو الأشهر، للأصل، و عدم معلوميّة شمول الأدلّة لمثل ذلك السهو أيضا، بل الظاهر منها السهو في أصل الفرائض «1».

و فيه تأمّل، لإطلاق الأدلّة. فوجوبها أظهر. و الإجماع على العدم غير معلوم، بل ظاهر بعض مشايخنا عدمه، حيث نسب عدمه إلى الأشهر الأظهر «2».

و أمّا نفس الفعل المسهوّ عنه، فيأتي به قطعا إن تذكّر قبل التجاوز عن محلّه، بمعنى عدم الدخول في غيره، للأمر بهذه الأفعال، فيجب الإتيان بها.

و كذا إن دخل في غيره ما لم يفرغ عن العمل في سجدة السهو، فيرجع و يأتي بالمسهوّ عنه، ثمَّ بما بعده. و إن فرغ عنها فيعيدها من رأسها، مع احتمال إعادة المسهوّ عنه مع ما بعده خاصّة حينئذ

أيضا.

و أمّا في صلاة الاحتياط، فالظاهر أنّها كالأصل، فيفعل كما يفعل في الأصل، لإطلاق أدلّته، و عدم تيقّن الاختصاص بالأصل، و كذا في قضاء الأجزاء المنسيّة.

و من السهو في موجب الشك السهو فيما يفعله بعد الشك فيه قبل تجاوز محلّه، كالسجدتين قبل استتمام القيام إذا ترك واحدا منهما، أو الطمأنينة، أو الذكر فيهما سهوا. و الظاهر أنّ حكمه حكم السهو فيما سها عنه في الأصل، لأنّه منه أيضا.

الاحتمال السابع: أن يسهو في نفس السهو

بأن ينسى تدارك ما نسيه و تذكّر في المحلّ و نسي نسيانه، فإن تذكّر ثانيا قبل تجاوز المحلّ أتى به، و إلّا مضى و قضاه إن كان له قضاء، و تبطل الصلاة إن كان ذلك مبطلا.

______________________________

(1) انظر: البحار 85: 265.

(2) انظر: الحدائق 9: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 212

و من ذلك يظهر أنّه لا يترتّب على السهو هنا حكم جديد، بل ليس حكمه إلّا حكم السهو في نفس الفعل.

الاحتمال الثامن: أن يسهو في موجب السهو

كأن يسهو عن قضاء الأجزاء المنسيّة، أو سجدة السهو، و يأتي بما نسيه إذا تذكّر.

و منه أيضا السهو في التدارك في الأثناء قبل تجاوز المحل، كما ذكر في السابق.

و منه السهو عن أجزاء الفعل المتروك الذي يجب تداركه، و حكمه حكم نفس الفعل.

و منه السهو عن أجزاء الفعل الذي يقضيه بعد الصلاة، كالسجدة، أو التشهّد، أو عن أجزاء سجدة السهو.

فقيل فيه: بعدم الالتفات «1»، و قيل: هو كالسهو في أجزاء الصلاة «2».

و هما ضعيفان. و قوله: «لا سهو في سهو» الذي هو مستند الأوّل مجمل، كما عرفت. فالتحقيق الإتيان بالمسهوّ قبل الفراغ عمّا هو جزؤه، و إعادته بعده.

المسألة التاسعة:

مقتضى قوله في الصحيحة المتقدّمة: «لا إعادة في إعادة» «3» أنّه لو أعاد الصلاة لما يوجبها كالشك في الأوليين، و نحوهما، ثمَّ شكّ فيها أو سها بما يوجب الإعادة لا يعيدها، فهو كذلك.

و الاحتمالات الأخر التي ذكروها لمعنى العبارة خلاف الظاهر. و الإجماع

______________________________

(1) كما في الدروس 1: 200، و المسالك 1: 42.

(2) كما في البحار 85: 267.

(3) راجع ص: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 213

على خلافه، أو الشهرة الموجبة للشذوذ غير ثابت. و أمر الاحتياط واضح.

المسألة العاشرة: يرجع كلّ من الإمام و المأموم إلى الآخر لو شكّ و حفظ عليه الآخر
اشاره

، بلا خلاف بين الأصحاب، كما صرّح به جماعة «1». و قال جمع: إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «2»، بل قال بعض الأجلّة باتّفاق الأصحاب.

للصحيحة المتقدّمة «3»، و صحيحة علي: رجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى، هل عليه سهو؟ قال: «لا» «4».

و مرسلة يونس: عن الإمام يصلّي بأربعة أنفس، أو خمسة أنفس، فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثا، و يسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعا، و يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: اقعدوا، و الإمام مائل مع أحدهما، أو معتدل الوهم، فما يجب عليه؟ قال: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق «5» منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب و الفجر سهو، و لا في الركعتين الأوليين من كلّ صلاة، و لا في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم» «6».

و المراد بالسهو هنا الشك، كما يستفاد من قرائن المقام و سياق الكلام.

______________________________

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 179، و صاحبي الحدائق 9: 268، و الرياض 1:

221.

(2) كما في المدارك 4: 269، و الذخيرة: 369.

(3) في ص: 203.

(4) التهذيب 2: 350- 1453، الوسائل 8: 239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 1.

(5) هذا موافق لنسخة الوافي ج 8: 1000 باب من لا يعتدّ بسهوه، و كذلك موافق للفقيه، و أما في النسخة المطبوعة من الكافي و التهذيب. «بإيقان».

(6) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 5، التهذيب 3: 54- 187، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 8، و رواها في الفقيه 1: 231- 1028 عن نوادر إبراهيم بن هاشم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 214

و بما تتضمّنه الأخيرة من اشتراط حفظ المرجوع إليه في رجوع الآخر و نفي الشك عنه، يقيّد إطلاق البواقي، مع أنّه بدون الحفظ لا معنى للرجوع.

و مقتضى عموم الأخبار رجوع الشاك منهما إلى المتيقّن مطلقا، سواء كان الشك في الركعات، أو الأفعال، و سواء كان موجبا للاحتياط، أو التدارك في المحلّ، أو سجدة السهو، أو الإبطال. و بالأوّل و الأخير تصرّح الصحيحة الثانية.

و سواء كان في الرباعيّة أو غيرها.

و بها تخصّص الأخبار الآمرة بالإعادة في بعضها، و بالتدارك في آخر، و بالبناء على أحد الطرفين في ثالث.

و لا يضرّ كون أخبار المسألة أعمّ من وجه من كلّ من هذه الفرق الثلاث، لأنّها و إن كانت كذلك إلّا أنّ معارضتها لا تختصّ بفرقة منها حتى يجوز تخصيص كلّ منهما، بل هي معارضة مع الجميع، فالجميع في طرف و أخبار المسألة في طرف آخر، و أخصّ مطلقا من الجميع.

و لو لوحظت معارضته مع كلّ و جاز تخصيصها به لزم إمّا الترجيح بلا مرجّح إن خصّت بفرقة دون أخرى، أو طرح أخبار

المسألة بالمرّة.

و لا تجب حينئذ صلاة احتياط، و لا سجدة سهو، للأصل و اختصاص أدلّة وجوبهما بصورة البناء على أحد الطرفين.

فروع:
أ: لا ريب في حكم المذكور مع شكّ أحدهما و يقين الآخر

، فيرجع الشاك إلى المتيقّن.

و هل يرجع الشاكّ إلى الظانّ، أو الظانّ إلى المتيقّن، أم لا؟.

الظاهر في الأول: لا، و في الثاني: نعم.

أمّا الأوّل فللأصل، و اختصاص الرجوع- كما عرفت- بحفظ المأموم الظاهر في اليقين، و عدم سهو الإمام، و السهو شامل للظن أيضا قطعا، لا سيّما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 215

مع ملاحظة ما في نسخ التهذيب و الكافي من المرسلة من لفظ «الإيقان» مكان «الاتفاق» كما في الفقيه.

و أما الثاني فلإطلاق الصحيحة الثانية بضميمة الإجماع المركب، و لأن السهو شامل للظن أيضا، كما يستفاد من صحيحة محمّد، حيث قسّم فيها السهو على قسمين و قال: «و من سها» ثمَّ فصّل حكمه بأنّه إن اعتدل شكه كذا، و إن ذهب وهمه إلى الأربع كذا «1»، و غيرها من الأخبار، و من كلام بعض أهل اللغة.

و لرواية محمّد بن سهل: «الإمام يتحمّل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الإحرام» «2».

و يدخل في الأوهام الظنّ، لإطلاقه عليه في الأخبار بل في كلام اللغويين «3»، و معنى تحمّله أوهامهم: أنّهم يتركون أوهامهم و يرجعون إلى يقين الإمام. و إذا ثبت الحكم فيه ثبت في العكس أيضا بالإجماع المركب.

و قد يستدلّ أيضا بأنّ اليقين أقوى من الظنّ فيجب الرجوع إليه «4».

و فيه: أنّه أقوى منه إذا لوحظا في واحد. و أمّا مع تعدّد المحلّ فلا نسلّمه، بل ربما كان ظنّ شخص له أقوى من يقين غيره.

خلافا في الموضعين لبعضهم، فقيل برجوع الشاكّ إلى الظانّ، لأنّ الظن في باب الشك في الصلاة بمنزلة اليقين «5».

و فيه: منع المنزلة

بالنسبة إلى غير الظانّ.

و قيل بعدم رجوع الظانّ إلى المتيقّن، للأصل، و عموم ما دلّ على تعبّد

______________________________

(1) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 5، الوسائل 8: 217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 4.

(2) الفقيه 1: 264- 1205، التهذيب 3: 277- 812، الوسائل 8: 240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 2، و في الجميع: الافتتاح، بدل: الإحرام.

(3) انظر: المصباح المنير: 674، و لسان العرب 12: 644.

(4) كما في الروض: 342.

(5) كما في الروضة 1: 341، و المفاتيح 1: 179، و الذخيرة: 369، و الحدائق 9: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 216

المصلّي بظنّه مطلقا، أو في الأعداد كذلك، أو في الأخيرتين، على اختلاف الأقوال.

و التخصيص يحتاج إلى دليل و ليس. و شمول الوهم في الخبر و السهو في الأخبار للظنّ غير معلوم «1».

و الأصل يردّ بما مرّ. و العموم يخصّص به. و منع شمول الوهم و السهو للظنّ ضعيف، كما يستفاد من تتبّع الأخبار و اللغة. و لو سلّم فشمول عدم الدراية- الواردة في الصحيحة الثانية «2»- له، لا يقبل المنع. و ضمّ الإجماع المركّب إليها يعمّم المطلوب.

هذا إذا لم يحصل من يقين الآخر للظانّ يقين، و إلّا فيرجع إليه البتة، بل لم يحصل له ظنّ أقوى من ظنّه، و إلّا فالظاهر عدم الخلاف في رجوعه إلى يقينه أيضا، و طرح ظنّه فيما يرجع فيه إلى الظنّ لحصول الظنّ لنفسه، فيرجع إليه لأجل ذلك و إن لم يرجع لكونه يقين الآخر.

بل و كذا في الموضع الأوّل فيرجع الشاكّ إلى الظانّ إذا حصل ظنّ له من ظنّه، لما مرّ بعينه. و لكن الثمرة في هذا الموضع قليلة، إذ درك

كون الآخر ظانّا في أثناء الصلاة متعذّر جدّا.

ب: مقتضى إطلاق الأخبار و كلام الأصحاب عدم الفرق في رجوع الإمام

الشاكّ أو الظانّ إلى المأموم المتيقّن بين كون المأموم ذكرا أو أنثى، عادلا أو فاسقا، واحدا أو متعدّدا، مع اتفاقهم يحصل اليقين أو الظنّ بقولهم أو لم يحصل، بل و كذا لو كان صبيّا مميزا، لإطلاق قوله: «من خلفه».

و أمّا غير المأموم فلا تعويل عليه و إن كان عدلا، للأصل. نعم لو أفاد قوله الظنّ رجع إليه لذلك فيما يعتبر فيه الظنّ، لا لكونه مخبرا.

ج: لو شكّ الإمام و المأموم معا

، فإمّا يتّحد محلّه كما إذا شكّا بين الثلاث

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 369، و الحدائق 9: 270، و الرياض 1: 221.

(2) و هي صحيحة علي المتقدّمة في ص 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 217

و الأربع، فيلزمهما حكمه.

أو يختلف، فإن كان لأحدهما متيقّن وجب الرجوع إليه لما مرّ، كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث و الآخر بين الثلاث و الأربع، فيبنيان على الثلاث، لأنّ المأموم متيقّن فيه و الإمام شاكّ، كما أنّ الإمام متيقّن بانتفاء الأربع و المأموم شاكّ (و لا فرق في ذلك بين كون شكّ أحدهما موجبا للبطلان و عدمه) «1».

و لو كان الباقي بعد أخذ المتيقّن أيضا شكّا في محلّ واحد يؤخذ بالمتيقّن و يلزمهما حكم الشك، كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، و الآخر بين الثلاث و الأربع.

و إن لم يكن لأحدهما متيقّن كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الأربع و الخمس، تعيّن الانفراد و لزم كلا منهما العمل بمقتضى شكّه.

و كذا الحكم لو تعدّد المأمومون و اختلفوا هم و إمامهم، فيرجع الجميع إلى المتيقّن إن وجد، و إلى الانفراد إن لم يوجد.

د: لو كان كلّ من المأموم و الإمام موقنا أو ظانّا بخلاف ما تيقّنه الآخر أو ظنّه،

ينفرد المأموم و يعمل كلّ منهما بمقتضى يقينه أو ظنّه.

ه: لو اختلف المأمومون بأن كان بعضهم متيقّنا و بعضهم شاكّا

، فإن كان الإمام موافقا للموقنين رجع الشاكون اليه، و الوجه ظاهر.

و إن كان شاكّا قيل: يرجع إلى الموقنين لما مرّ، و الشاكّون إليه «2».

و لا شكّ فيه إن حصل الظنّ للشاكّين. و إلّا ففيه نظر، لأصالة عدم الرجوع إلى الغير، و عمومات أحكام الشك، و اختصاص المرسل الدالّ على الرجوع بصورة اتّفاق المأمومين و لو في بعض النسخ، لوجوب الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على المتيقّن، و ليس إلّا صورة الاتّفاق. سيّما أنّ قوله: «و لو

______________________________

(1) ما بين القوسين لا توجد في «ق».

(2) كما في الروضة 1: 341، و البحار 85: 245، و الحدائق 9: 276، و الذخيرة: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 218

اختلف» في آخر المرسلة ظاهر في صحّة هذه النسخة.

مع أنّ الظاهر من النسخة الأخرى أيضا ذلك، لقوله «منهم» بضمير الجمع الراجع إلى المأمومين.

و لا يفيد إطلاق غير المرسلة من الأخبار النافية للسهو عن الإمام و المأموم، لظهورها في صورة الاتّفاق.

فرجوع كلّ من الإمام و المأمومين الشاكّين إلى حكمه أقوى، كما هو المشهور على ما صرّح به بعضهم «1».

فإن اتّحد مقتضاه كأن تيقّن بعضهم بالأربع و شكّ الإمام و الباقون بين الثلاث و الأربع، يبني الشاكّون أيضا على الأربع و يتمّون الصلاة كلّهم جماعة.

و إن اختلف انفرد المخالفون مع الإمام.

و لا ينافيه قوله في آخر المرسلة: «فإذا اختلف على الإمام ..» حيث إنه يدلّ على أنّ في صورة اختلاف المأمومين تجب الإعادة.

إذ الظاهر من قوله «اختلف على الإمام من خلفه» أن تيقّن كل على أمر، و أمّا مع شكّ بعضهم و يقين الآخر ففي صدق اختلافهم عليه نظر. مع أنّه

على فرض الصدق يتمّ الحكم بالمنافاة لو كان قوله: «في الاحتياط الإعادة» بدون إقحام الواو بين الاحتياط و بين الإعادة. و أمّا معه كما في بعض النسخ فلا، بل يكون المعنى: أنّ على الإمام و على كلّ من المأمومين أن يعمل كلّ منهم على ما يقتضيه شكّه أو يقينه في الاحتياط و الإعادة و الأخذ بجزمه، و الظاهر منه حينئذ وجوب عمل كلّ بمقتضى شكه.

و هذه النسخة هي الموافقة للقواعد، إذ لا وجه لإعادة الموقنين إذا لم يحصل لهم شكّ.

و لو منع الظهور في هذا المعنى فلا أقلّ من الإجمال المسقط للاستدلال

______________________________

(1) البحار 85: 246.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 219

الموجب للرجوع إلى الأصل و العمومات.

و لو كان الإمام شاكّا، و المأمومون متيقّنون مختلفون في محلّ اليقين، فعلى الأظهر الأشهر ينفردون كلا إلّا من كان يقينه موافقا لمقتضى عمل الإمام بشكّه إن كان، لما مرّ، و الوجه فيه يظهر مما مرّ، و لا يعارضه آخر المرسلة، لما عرفت من اختلاف النسخ.

ثمَّ إنّه قد ذكر بعضهم في المقام صورا عديدة لا ينبغي للمحقّق التعرض لها، لعدم ترتب فائدة عليها من جهة ما ذكرنا من تعذّر اطّلاع الإمام أو المأموم بحال الآخر في أكثر تلك الصور.

و: إذا شكّ الإمام يجب عليه الاستعلام ممّن خلفه

و لو بالبناء على أحد الطرفين لأجل الاستعلام، لوجوب بنائه على يقينهم و توقفه على الاستعلام.

و اختصاص الوجوب بصورة وجود اليقين لهم، و هو غير معلوم لاحتمال شكّهم أيضا.

مردود بأصالة عدم شكّهم، مع أنّ في صورة شكّهم أيضا له واجب يتوقّف امتثاله على الاستعلام.

فإذا استعلم فإن نبّهه من خلفه بكونه خطأ يرجع إلى ما نبّهوه عليه، و إلّا فيمضي، لما مرّ من أصالة عدم شكّهم، و لمفهوم قوله: «فإذا اختلف

على الإمام» في المرسلة المتقدمة. و ليس عليه سجدة سهو أو احتياط إن كان المبني عليه ما يقتضيه لو كان منفردا، لأنّ حفظ المأمومين بمنزلة اليقين إجماعا، و للمفهوم المذكور.

ز: يظهر ممّا مرّ من الأصل و المفهوم و الإطلاقات المتقدّمة

أنّه تجب على كلّ منهما حين الشك متابعة الآخر ما لم يعلم شكّه أو خطاءه، و لا يلتفت إلى احتمال شكه أو خطائه، و عليه الإجماع أيضا و يوافقه الظاهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 220

المسألة الحادية عشرة: لو اشترك الإمام و المأموم في السهو

فلا خلاف ظاهرا- كما قيل «1»- في وجوب عمل كلّ منهما بما يقتضيه حكم ذلك السهو، اتّفقا في خصوصيّته أو اختلفا.

فالأول كما إذا تركا سجدة فذكراها بعد الركوع، فيمضيان في الصلاة، و يقضيان السجود بعدها، و يسجدان للسهو على وجوبها هنا. و لو ذكرها قبل الركوع يأتيان بها و يستأنفان الركعة.

و الثاني كما إذا ذكر الإمام السجدة المنسيّة بعد ركوعه، و المأموم قبله، فيأتي المأموم بها ثمَّ يلحق الإمام، و الإمام يقضيها بعد تمام صلاته.

و لو نسيا السجدتين معا، و ذكرهما الإمام بعد الركوع، و المأموم قبله، بطلت صلاة الإمام، و المأموم يأتي بهما و ينفرد.

كلّ ذلك لعمومات أحكام السهو و إطلاقاتها. و لا يعارضها ما ورد من «أنّه لا سهو على من خلف الإمام» «2» و من «أنّ الإمام ضامن» «3» إذ لكلّ من الفقرتين احتمالات عديدة- سيأتي ذكرها- موجبة لإجماله، و معه يسقط جواز الاستدلال به. و مع ذلك معارض بما هو أرجح منه كما يأتي.

و لو اختصّ المأموم بالسهو فالظاهر عدم الخلاف في وجوب التدارك لو تذكّر في المحلّ، و لا في البطلان لو تذكّر بعده و كان المسهوّ عنه ركنا أو زاد ركنا سهوا.

و تدلّ عليه عمومات تلك الأحكام، و موثّقة عمار: عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال: «يعيد الصلاة» «4».

و لا يعارضها ما مرّ، لما يأتي.

و إنّما الخلاف في سجود السهو و في قضاء المسهوّ عنه لو كان ممّا يقضى.

______________________________

(1)

في الحدائق 9: 280.

(2) انظر: الوسائل 8: 239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24.

(3) انظر: الوسائل 5: 378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 2.

(4) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 221

فالحقّ المشهور وجوبهما عليه أيضا، لعموماتهما، و رواية القصّاب: أسهو في الصلاة و أنا خلف الإمام، فقال: «إذا سلّم فاسجد سجدتين و لا تهب» [1].

و صحيحة عبد الرحمن: عن رجل يتكلّم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، قال: «يتمّ صلاته ثمَّ يسجد سجدتين» «1».

فإنّ قوله: «أقيموا صفوفكم» يقرب كون المتكلّم مأموما، و لو منع فتكون من العمومات أيضا، و تدلّ على المطلوب بالعموم.

و تؤيده المستفيضة النافية لضمان الإمام كصحيحتي زرارة، إحداهما: عن الإمام يضمن صلاة القوم؟ قال: «لا» «2».

و في الأخرى: «ليس على الإمام ضمان» «3».

و صحيحة أبي بصير: أ يضمن الإمام للصلاة؟ قال: «لا ليس بضامن» «4».

و صحيحة ابن وهب: أ يضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإنّ هؤلاء يزعمون أنّه يضمن، فقال: «لا يضمن، أيّ شي ء يضمن» «5».

و رواية ابن كثير و فيها: «ليس يضمن الإمام صلاة من خلفه، إنّما يضمن

______________________________

[1] التهذيب 2: 353- 1464، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 6.

قال في الحدائق 9: 286: «و لا تهب» يحتمل أن يكون من المضاعف أي: لا تقم من مكانك حتى تأتي بهما .. و يحتمل أن يكون على بناء الأجوف، و على هذا فيحتمل أن يكون المراد به عدم الخوف عليه من تشنيع الناس عليه بالسهو في الصلاة، أو عدم الخوف من المخالفين للخلاف بينهم في ذلك. و اللّه العالم.

______________________________

(1) الكافي

3: 356 الصلاة ب 42 ح 4، التهذيب 2: 191- 755، الاستبصار 1:

378- 1433، الوسائل 8: 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 1.

(2) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 5، التهذيب 3: 269- 769، الوسائل 8: 354 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 4.

(3) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 3، الفقيه 1: 264- 1207، التهذيب 3: 269- 772، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.

(4) الفقيه 1: 264- 1206، التهذيب 3: 279- 819، الوسائل 8: 353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 2.

(5) التهذيب 3: 277- 813، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 222

القراءة» «1».

خلافا في سجود السهو للمحكيّ عن السيّد و الخلاف و المبسوط و المعتبر و الذكرى «2»، فنفوها عن المأموم مطلقا، و نقل الأول في المصباح، و الثاني عليه إجماع العلماء إلّا مكحولا في القيام مع قعود الإمام «3»، له، و لصحيحة حفص المتقدّمة «4»، حيث صرّح فيها بأنّه ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و سائر ما تضمّن ذلك المعنى.

و لما دلّ على أنّ الإمام ضامن.

و لرواية سهل السابقة [1].

و لموثقتي عمار: إحداهما: عن الرجل سها خلف الإمام بعد ما افتتح الصلاة، فلم يقل شيئا و لم يكبّر و لم يسبّح و لم يتشهد حتى يسلّم، فقال: «قد جازت صلاته، و ليس عليه شي ء إذا سها خلف الإمام و لا سجدتا السهو، لأنّ الإمام ضامن لصلاة من خلفه» «5».

و الأخرى: عن الرجل ينسى و هو خلف الإمام أن يسبّح في السجود أو في الركوع، أو ينسى أن

يقول بين السجدتين شيئا، فقال عليه السلام: «ليس عليه شي ء» «6».

______________________________

[1] كذا في النسخ، و لكن لم يسبق منه (ره) ذكر الرواية المشار إليها، و الظاهر وقوع سهو من قلمه الشريف أو من النساخ، و يشهد له أنّه (ره) لم يتعرّض لها في مقام الجواب.

______________________________

(1) الفقيه 1: 247- 1104، التهذيب 2: 279- 820، الوسائل 8: 353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 1.

(2) حكاه عن السيد في المعتبر 2: 395، الخلاف 1: 463، المبسوط 1: 123، المعتبر 2: 395، الذكرى: 223.

(3) الخلاف 1: 464.

(4) في ص 204.

(5) الفقيه 1: 264- 1204، التهذيب 3: 278- 817، الوسائل 8: 240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 5.

(6) الفقيه 1: 263- 1202، التهذيب 3: 278- 816، الوسائل 8: 240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 223

و الجواب عن الأوّل: بعدم الحجية، مع أنّ إرادة علماء العامة عنه محتملة، بل هو الظاهر حيث عبّروا بالفقهاء، المتعارف عندهم إرادة فقهاء العامة منها.

و عن الثاني: بعدم إمكان حمله على نفي سجدة السهو أو القضاء، لنفي السهو عن الإمام أيضا. مع أنّهما ليس منفيين عنه قطعا و لا يقول المخالف بهما جزما. فيحتمل أن يكون المراد منه الشك أو معنى آخر، بل قيل: إنّه مراد منه قطعا «1»، فلا يمكن حمله على السهو أيضا لاستلزامه استعمال اللفظ في المعنيين، إلّا بعموم المجاز الذي هو مرجوح لندرته، و إن كان راجحا لأقربيته، إلّا أنّ في إرادته منه قطعا تأملا، و انتفاء الشك عنه لا يدلّ على أنه المراد هنا أيضا.

و عن الثالث: بمعارضته مع ما هو أكثر منه و أصحّ كما مرّ،

مع رجحان ما مرّ بمخالفة العامة كما تدلّ عليه صحيحة ابن وهب المتقدمة، و صرّح به جمع من الخاصة «2».

مضافا إلى أنّ المراد من ضمان الإمام غير معلوم، و قد ذكروا فيه وجوها منها:

ضمان القراءة كما يدلّ عليه بعض تلك الأخبار، و منها: ضمان الإخلال بالشرائط و الأفعال، فلو أخلّ الإمام كان ضامنا، و منها: ضمان الثواب و العقاب، و منها غير ذلك.

و عن الرابع: بمعارضته مع رواية القصّاب، و رجحانها عليه بموافقة الأصحاب و مخالفة أكثر ذوي الأذناب، فيحمل على التقية، و يشهد لها التعليل بضمان الإمام الذي هو مذهب العامة.

و عن الخامس: بالقول بمضمونه، لعدم وجوب سجدة السهو لما تضمنه.

و للمعتبر، فنفى مع سجود السهو قضاء الأجزاء المنسية «3»، لبعض ما مرّ بجوابه.

______________________________

(1) الرياض 1: 221.

(2) انظر: الذخيرة: 370، و البحار 85: 256، و الحدائق 9: 283، و الرياض 1: 221.

(3) المعتبر 2: 394.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 224

و لو اختصّ الإمام به، فلا شكّ في تداركه مع بقاء المحلّ، و قضائه ما يقضى منه بعده، و إتيانه بسجدتي السهو فيما فيه سجدة.

و هل يتبعه المأموم فيها، أم لا؟.

المشهور العدم، للأصل.

و خلافا لصريح المبسوط و ظاهر الخلاف «1»، فيما إذا سها الإمام فيما اقتدى به المأموم، دون ما لم يقتد به كما في الإمام السابق إذا سها في أول صلاته قبل لحوق المأموم.

و نقل ذلك القول عن جملة من أتباع الشيخ «2»، و جعله في الروضة الأحوط «3». و ظاهر الذخيرة التردّد «4».

لما دلّ على وجوب المتابعة.

و موثّقة عمّار: عن الرجل يدخل مع الإمام و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام، كيف يصنع؟ فقال: «إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي

السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه، و إذا قام و بنى على صلاته و أتّمها و سلّم سجد الرجل سجدتي السهو» «5».

و أجيب عن الأول: بمنع ثبوت وجوبها إلّا في نفس الصلاة، و سجدة السهو خارجة عنها.

و عن الثاني: بالحمل على التقية- فإنّه مذهب أكثر العامّة «6»- و على اشتراكهما في السهو.

و الجواب عن الأوّل تام.

______________________________

(1) المبسوط 1: 124، الخلاف 1: 462.

(2) انظر: البحار 85: 253، و الحدائق 9: 285.

(3) الروضة 1: 342.

(4) الذخيرة: 370.

(5) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 7.

(6) انظر: المغني 1: 731، و بداية المجتهد 1: 197، و الام 1: 131 و 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 225

و يرد على الثاني أنّ موافقة العامّة تؤثّر مع وجود المعارض، و أمّا بدونه فلا وجه للحمل على التقية. و الحمل على الاشتراك بعيد في الغاية.

نعم، هي على الوجوب غير دالّة فغاية ما يثبت منها الرجحان، إلّا أن يضمّ معها الإجماع المركّب حيث لا قول بالجواز بدون الوجوب في المسألة. فالقول بالوجوب لا يخلو عن قوّة.

ثمَّ الواجب متابعته هو فيما إذا كان السهو فيما أدركه المأموم، فلو كان مسبوقا و سها الإمام قبل لحوقه لم تجب المتابعة، كما صرّح به الشيخ في الكتابين.

و تدلّ عليه الموثقة، لمكان لفظة الفاء في قوله «فسها» فإنّها تدلّ على أنّ السهو بعد دخول المأموم.

و كذا فيما علم المأموم أنّه سجد لسهو في تلك الصلاة وجوبا، فلو احتمل كونها لصلاة أخرى و قد نسيها سابقا، أو لأمر يوجبها في هذه الصلاة استحبابا لم تجب.

المسألة الثانية عشرة: إن كانت الصلاة الواقع فيها الخلل نافلة، فإن كان من عمد أو جهل، فحكمها حكم الفريضة

إن كان نقصا أو زيادة غير مبطلة، لموافقته الأصل الجاري في النافلة أيضا.

و

أمّا إن كان زيادة مبطلة في الفريضة فلا دليل على إبطالها النافلة أيضا، لاختصاص أخبار البطلان بالزيادة بالمكتوبة، إمّا بصريحها أو لإيجاب الإعادة المنتفي في النافلة، إلّا أن يثبت الإجماع على البطلان كما هو المحتمل بل المظنون، سيّما إن كان الزائد من الأركان.

و إن كان سهوا أو شكّا فقال في المدارك: لا فرق في مسائل السهو و الشك بين الفريضة و النافلة إلّا في الشك في الأعداد، فإنّ الثنائية من الفريضة تبطل بذلك بخلاف النافلة، و في لزوم سجود السهو، فإنّ النافلة لا سجود فيها بفعل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 226

ما يوجبه في الفريضة «1». انتهى.

و استجوده بعض آخر أيضا «2».

أقول: تفصيل الكلام في المقام أن يقال: إنّ مقتضى أكثر عمومات أحكام السهو و الشك المتقدمة في الفريضة أو إطلاقاتها ثبوت جميع ما مرّ من الأحكام- حتى قضاء الأجزاء المنسيّة و سجدة السهو- في النافلة أيضا و إن وردت بالألفاظ الدالّة على الوجوب، إذ على ما اخترنا من حرمة قطع النافلة يتمشّى وجوب جميع هذه الأحكام سوى ما كان يوجب الإعادة من زيادة الأركان أو نقصها، فإنّ الإعادة في النوافل لا تجب قطعا.

و مع ذلك روى الصيقل: في الرجل يصلّي الركعتين من الوتر يقوم فينسى التشهّد حتى يركع فتذكّر و هو راكع، قال: «يجلس من ركوعه فيتشهّد ثمَّ يقوم فيتم» قال، قلت: [أ ليس قلت ] في الفريضة إذا ذكر بعد ما ركع مضى ثمَّ سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال: «ليس النافلة مثل الفريضة» «3».

و هي صريحة في عدم البطلان بالزيادة سهوا و لو ركنا.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: عن رجل سها في ركعتين من النافلة و لم يجلس بينهما

حتى قام فركع في الثالثة، قال: «يدع ركعة و يجلس و يتشهد و يسلم، ثمَّ يستأنف الصلاة بعد» «4».

و معنى قوله «ثمَّ يستأنف الصلاة» أي: يستأنف الركعتين الأخريين، فإنّ المستفاد من قول السائل: و لم يجلس بينهما، أنّه يريد فعل النافلة بعد هاتين الركعتين أيضا يبني على الركعة الزائدة، لا أنه يستأنف الركعتين الأوليين.

______________________________

(1) المدارك 4: 274.

(2) كما في الحدائق 9: 346.

(3) الكافي 3: 448- 22، التهذيب 2: 189- 751، الوسائل 6: 404 أبواب التشهد ب 8 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(4) التهذيب 2: 189- 750، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 227

و تؤيده رواية زرارة: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» «1».

فهذا هو الأصل في المسألة أي: شمول أحكام السهو و الشك مطلقا للنوافل سوى البطلان بالزيادة سهوا و لو كان الزائد ركنا.

و لا يتوهم أنّ مقتضى رواية الصيقل و صحيحة الحلبي الرجوع إلى المسهوّ عنه و لو بعد دخول ركن آخر، لأنّهما إنّما يختصان بمورد خاص نسلّمهما فيه، و لا دليل على التعدّي إلى غيره.

إلّا أنه خرج من الأصل حكمان في السهو و حكمان في الشك.

أما الأوّلان فوجوب قضاء الأجزاء المنسية و سجود السهو، فلا يثبتان للنوافل، لصحيحة محمّد: عن السهو في النافلة، قال: «ليس عليك شي ء» «2».

فإنّ معناها أنه لا يجب عليك شي ء باعتبار السهو، و الواجب لأجله القضاء و سجدة السهو، فيكونان منفيين. و لو عورضت بها عموماتهما أيضا لرجعنا الى الأصل. و لا يتوهّم شمولها لغير الأمرين من أحكام السهو، إذ ليس شي ء منها غيرهما مما وجب لأجل

السهو.

و يؤيد المطلوب نفي السهو في النافلة في الصحيحة و غيرها «3»، الشامل للأمرين أو المختصّ بسجدة السهو. فلا وجه لما عن روض الجنان من إثبات سجدة السهو في النوافل أيضا «4»، مع أنّ ظاهر المنتهى و المدارك عدم الخلاف فيه «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 318 الصلاة ب 23 ح 6، التهذيب 2: 96- 361، الوسائل 6: 105 أبواب القراءة ب 40 ح 1.

(2) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 6، التهذيب 2: 343- 1422، الوسائل 8: 230 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 1.

(3) انظر: الوسائل 8: 241 أبواب الخلل ب 24 ح 8.

(4) إنّ الموجود في الروض مخالف لما نسب إليه، راجع ص 353.

(5) المنتهى 1: 417، المدارك 4: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 228

و أما الثانيان فوجوب البناء على الأكثر في الشك في الركعات و صلاة الاحتياط فلا يثبتان في النافلة، بل لا احتياط فيها، و يتخيّر بين البناء على الأقلّ و الأكثر.

أمّا الأول فللأصل، و اختصاص أكثر موجباته بالفرائض، و إيجاب سقوط موجب السهو لسقوطه إمّا باعتبار شمول السهو له، أو اختصاصه به، أو بالطريق الأولى.

و أما الثاني فللإجماع المصرّح به في كلام جمع من الأصحاب «1».

مضافا في البناء على الأقلّ إلى الأصل، و مرسلة الكافي: «إذا سها في النافلة بنى على الأقل» «2».

و في البناء على الأكثر إلى عدم وجوب النافلة بالشروع، فله فيها ما أراد، و نفي السهو في النافلة في الأخبار، و عدم وجوب شي ء بالسهو الشامل للشك أو المختص به فيها، كما في صحيحة محمد السابقة، و عمومات البناء على الأكثر الشاملة للنوافل أيضا. و لا يضرّ تضمّنها لصلاة الاحتياط الغير الواجبة هنا،

لأنّ عدم وجوب جزء لا ينفي عموم جزء آخر.

أقول: أمّا الأصل في الأول مندفع بإيجابه في الموثقات الموجبة له عموما.

و منه يظهر جواب الاختصاص المدّعى.

و إيجاب سقوط موجب السهو لسقوطه ممنوع، لمنع شمول السهو له أو إرادته منه فيما لا قرينة فيه.

و الأولويّة ممنوعة.

و عدم وجوب النافلة بالشروع الذي جعلوه دليلا للبناء على الأكثر في الثاني

______________________________

(1) انظر: المعتبر 2: 395، و التذكرة 1: 138، و الذخيرة: 379، و الحدائق 9: 345، و الرياض 1: 222.

(2) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 9، الوسائل 8: 230 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 229

ممنوع. و لو سلّم لا يفيد، لأنّ الكلام في تحقق الامتثال و تحصيل ثواب النافلة بذلك لا في جواز قطعها.

و نفي السهو لا يدلّ على نفي الشك بدون قرينة على التجوّز فيه. و لو سلّم فلا يثبت منه جواز البناء على الأكثر أصلا.

و منه يظهر عدم شمول عدم وجوب شي ء بالسهو للشك أيضا.

و عمومات البناء على الأكثر دالّة على الوجوب المنتفي هنا بالمرسل، و استعمال اللفظ في المعنيين غير جائز، و عموم المجاز فيها غير ثابت.

نعم، الظاهر انعقاد الإجماع على الحكمين، مضافا في جواز البناء على الأقلّ إلى المرسل المتقدم المنجبر بالعمل. و لا يثبت منه التعيين، لعدم صراحته في الوجوب فيه.

و بالإجماع المذكور يخرج في الحكمين عن الأصل المتقدّم، و يبقى سائر الأحكام باقية تحته. إلّا أنّ البناء على الأقل هو الأحوط في تحصيل امتثال الأمر الندبي.

و بذلك يظهر ضعف ما قيل من انتفاء جميع أحكام الشك حتّى في الأفعال في النوافل، استنادا إلى عموم روايات نفي السهو فيها، لمنع الشمول.

و هل جواز

البناء على الأكثر يعمّ ما لو استلزم فساد النافلة كما إذا شكّ في الزائد عن الركعتين، أو يختص بما لم يستلزمه و إلّا فيبني على الأقلّ؟.

الظاهر الثاني، لما عرفت من انحصار دليل البناء على الأكثر في الإجماع، الغير المعلوم ثبوته هنا البتة، بضميمة حرمة إفساد النافلة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 230

الفصل الخامس في بقية مواضع سجدتي السهو و في بيان كيفيتهما، و صلاة الاحتياط، و حكم الشاكّ المتذكّر بعد الفراغ. و فيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: قد تقدم وجوب سجدتي السهو في موضعين:
اشاره

أحدهما: في نسيان التشهد الأول. و الثاني: في الشك بين الأربع و الخمس، بل كلّما تعلّق الشك بالزائد عن الأربع.

و تجب في مواضع أخر أيضا:

منها: التكلم في أثناء الصلاة ناسيا، وفاقا للعماني و علي بن بابويه و المقنعة و العزّية و الكافي «1»، و المبسوط و النهاية و الجمل و الخلاف و الاقتصاد «2»، و جمل السيد و الفقيه «3»، و الديلمي و الحلبي و القاضي و ابني حمزة و زهرة و الحلّي «4»، و المعتبر

______________________________

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 140، المقنعة: 148، حكاه عن العزية في المختلف: 140، الكافي 3: 360.

(2) المبسوط 1: 123، النهاية: 93، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 189، الخلاف 1: 459، الاقتصاد: 267.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 37، الفقيه 1: 232.

(4) الديلمي في المراسم: 90، الحلبي في الكافي: 148، القاضي في المهذّب 1: 156، ابن حمزة في الوسيلة: 102، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، الحلّي في السرائر: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 231

و الجامع و النافع و الشرائع «1»، و المنتهى و المختلف و الإرشاد و التبصرة بل سائر كتبه «2»، و شرحي القواعد و الإرشاد لفخر المحققين «3»، و الدروس و البيان و الروضة «4»، و غير ذلك، بل هو المشهور، بل عن العماني نسبته الى آل

الرسول «5»، و عن الغنية و المنتهى الإجماع عليه «6».

لصحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة في مسألة الشك بين الاثنتين و الأربع «7».

(و لا يضرّ احتمالها إرادة التكلم في صلاة الاحتياط أو بينها و بين الأصل، لإيجابه وجوبها للتكلم في الأصل بالطريق الأولى.

و لموثقة الساباطي: عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمَّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئا أو يحدث شيئا، قال: «ليس عليه سجدة السهو حتى يتكلم بشي ء» «8».

دلّت بمفهوم الغاية- الذي هو أقوى المفاهيم- على وجوب سجدة السهو بعد التكلم.

و لا يضرّ كون مورده القائم في محل القعود، لعدم الفصل، مع أنه يمكن أن يكون مرجع المجرور الرجل فيكون عاما. و تخصيص التكلم بشي ء بالفاتحة أو التسبيح- كما في الوافي «9»- لا وجه له) «10».

و صحيحة ابن الحجاج، المتقدمة في مسألة اشتراك الإمام و المأموم في

______________________________

(1) المعتبر 2: 396، الجامع للشرائع: 86، النافع: 45، الشرائع 1: 119.

(2) المنتهى 1: 417، المختلف: 140، الإرشاد 1: 270، التبصرة: 37.

(3) الإيضاح 1: 142.

(4) الدروس 1: 206، البيان: 251، الروضة 1: 327.

(5) حكاه عنه في المختلف: 140.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 566، المنتهى 1: 417.

(7) راجع ص 142.

(8) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2.

(9) الوافي 8: 993.

(10) ما بين القوسين لا توجد في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 232

السهو «1»، و صحيحة الأعرج «2»، و موثقة سماعة «3»، الواردتين في سهو النبي و تكلّمه و سجوده سجدتين. إلّا أنّ الثلاثة الأخيرة عن الصريح في الوجوب خالية، فإنّما هي مؤيدة.

خلافا للمحكي عن الصدوقين «4»، فلم يوجباهما هنا، و مال إليه في الذخيرة «5»، لصحيحة زرارة: في الرجل

يسهو في الركعتين و يتكلم، قال: «يتمّ ما بقي من صلاته، تكلّم أم لم يتكلّم، و لا شي ء عليه» «6».

و محمد: في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة، فسلّم و هو يرى أنه قد أتمّ الصلاة و تكلّم، ثمَّ ذكر أنه لم يصلّ ركعتين، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته و لا شي ء عليه» «7».

و صحيحة الفضيل و فيها: «و إن تكلّمت ناسيا فلا شي ء عليك» «8».

و يردّ: بأنّ الشي ء أعمّ من الإثم و الإعادة و سجدة السهو، و ما ذكرنا يختص بالأخير، و الخاصّ يقدّم على العام عند التعارض، سيما مع موافقة الخاص لعمل الأكثر بل الإجماع المحقّق عند المحقّق، لعدم قدح مخالفة من ذكر فيه، مع أنّ مخالفة الصدوق غير واضحة.

______________________________

(1) راجع ص: 120.

(2) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 6، التهذيب 2: 345- 1433، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.

(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 42 ح 1، التهذيب 2: 346- 1438، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 11.

(4) حكاه عنهما في المختلف: 140.

(5) الذخيرة: 379.

(6) التهذيب 2: 191- 756، الاستبصار 1: 378- 1434، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 5.

(7) التهذيب 2: 191- 757، الاستبصار 1: 379- 1436، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 9.

(8) الفقيه 1: 240- 1060، التهذيب 2: 332- 1370، الاستبصار 1: 401- 1533، الوسائل 7: 282 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 233

ثمَّ الظاهر عدم الفرق عندهم بين التكلم ناسيا أو ظانّا لخروجه عن الصلاة و إن تكلّم حينئذ

عمدا، و هو موافق لظاهر إطلاق الصحيحة و الموثقة.

إلّا أنّ صحيحة محمد النافية للشي ء عليه مختصة بالظانّ للخروج، فيصير التعارض فيه بالعموم من وجه، و الأصل يرجّح العدم. فلو ثبت الإجماع المركب- كما يشعر به كلام الذخيرة «1»- فهو، و إلّا فللتوقف في وجوبها على الظانّ للخروج مجال واسع، و أمر الاحتياط واضح.

و منها: السلام في غير موضعه، فأوجب المشهور فيه سجدتي السهو، بل عن الغنية و المنتهى و ظاهر المعتبر: الإجماع عليه «2».

لأنّه كلام زيادة أو نقصان.

و لأنّه كلام غير مشروع في غير موضعه، فتجب له السجدة لما مرّ.

و لموثّقة سماعة و صحيحة الأعرج، الواردتين في تسليم النبي صلّى اللّه عليه و آله في غير موضعه و سجدته سجدة السهو.

و موثقة عمار: عن رجل صلّى ثلاث ركعات و ظنّ أنها أربع فسلّم، ثمَّ ذكر أنّها ثلاث، قال: «يبني على صلاته و يصلي ركعة و يتشهد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو» «3».

و صحيحة العيص: عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها، ثمَّ ذكر أنه لم يركع، قال: «يقوم فيركع و يسجد سجدتين» «4».

و يرد على الأول: منع وجوب السجدة لكل زيادة و نقصان كما يأتي.

______________________________

(1) الذخيرة: 379.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 566، المنتهى 1: 417، المعتبر 2: 381.

(3) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 14.

(4) التهذيب 2: 350- 1451، الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 234

[و على الثاني ] «1»: أنّ المتبادر من التكلّم المأمور فيه بسجدة السهو غير ذلك.

و على البواقي: بعدم الدلالة على الوجوب، مضافا إلى معارضة الموثقة الاولى و الصحيحة بما دلّ على

أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يسجد سجدة السهو أصلا «2»، مع احتمال أن تكون سجدته- لو سجد- للتكلّم. و احتمال الموثقة الثانية أن يكون السجود للجلوس في غير موضعه أو زيادة التشهد، و الصحيحة أن يكون لأجل ذلك أيضا أو لنسيان الركوع.

إلّا أنه يمكن أن يستدلّ للمطلوب برواية إسحاق بن عمار: «إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدأ في كلّ صلاة، فاسجد سجدتين بغير ركوع» «3».

فإنّ معناها: ذهب وهمك إلى التمام مطلقا، خرج ما إذا لم يظهر خلافه و لم يحتمل الخلاف بالإجماع، و بقي الباقي، فيشمل المطلوب أيضا. و تخصيصها بمن غلب على ظنّه التمام و احتمل النقص لا وجه له.

و الرضوي المنجبر ضعفه بما مرّ: عن رجل سها في الركعتين من المكتوبة، ثمَّ ذكر أنه لم يتمّ صلاته، قال: «فليتمّها و ليسجد سجدتي السهو» «4».

فإنّ الظاهر من قوله: «فليتمّها» التسليم في غير موضعه، و لو سلّم عدم الاختصاص فيشمله قطعا. و لم يزد هنا جلوس و لا تشهد، لوجوبهما في الركعتين.

فاحتمال كون السجدة لهما- كما قيل «5»- باطل. و الجلوس للتسليم لو كان موجبا لها لكان المطلوب ثابتا بالكلية، غاية الأمر أنّك تقول إنّ السجدة لجلوس التسليم لا نفسه، و هو سهل.

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(2) انظر: الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 17.

(3) التهذيب 2: 183- 730، الوسائل 8: 211 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 2.

(4) فقه الرضا (عليه السلام): 120، مستدرك الوسائل 6: 403 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 1.

(5) الحدائق 9: 317، لكنه اختار ظهور الرواية في المطلوب، فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص:

235

و بهاتين الروايتين يخصّص عموم صحيحة محمد المتقدمة، و بعض الإطلاقات الأخر، و الروايات المتضمنة لبعض أحكام من سلّم في غير موضعه من غير تعرض لسجدة السهو.

فالخلاف في المسألة، كصريح الكليني و عن علي بن بابويه و ولده في المقنع «1»، و هو ظاهر العماني و المفيد و السيد و الديلمي و ابني زهرة و حمزة «2»، و مال إليه بعض المتأخّرين «3»، غير جيّد. و اللّه سبحانه هو المؤيّد.

و منها: القيام في موضع القعود أو بالعكس، أوجبها لهما الصدوق و السيّد و الديلمي و الحلبي و الحلي و القاضي و ابني حمزة و زهرة و الفاضل في التبصرة و الشهيد في اللمعة «4»، لأنه زيادة في الصلاة، و لرواية القصاب المتقدمة في مسألة سهو المأموم «5»، حيث دلّت على وجوب سجدة السهو لمطلق السهو، و المورد منه.

و موثقة الساباطي: عن السهو، ما تجب فيه سجدة السهو؟ قال: «إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبّحت، أو أردت أن تسبح فقرأت، فعليك سجدتا السهو» «6» الحديث.

______________________________

(1) الكليني في الكافي 3: 360، حكاه عن علي بن بابويه في المختلف: 140، و ولده في المقنع:

31- 33.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 140، المفيد في المقنعة: 147- 148، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 37، الديلمي في المراسم: 90، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، ابن حمزة في الوسيلة: 102.

(3) كالسبزواري في الذخيرة: 379.

(4) الصدوق في الأمالي: 513، السيد في الجمل (رسائل المرتضى 3): 37، الديلمي في المراسم:

90، الحلبي في الكافي: 148، الحلي في السرائر 1: 257، القاضي في المهذب 1: 156، ابن حمزة في الوسيلة: 102،

ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، التبصرة: 37، اللمعة (الروضة 1): 327.

(5) راجع ص 220.

(6) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 236

و لا يضادّها قوله في هذه الرواية: عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمَّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئا أو يحدث شيئا، قال: «ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم».

لأنّ المراد منه قبل استتمام القيام و حصوله.

و صحيحة معاوية بن عمار: عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود، أو يقعد في حال قيام، قال: «يسجد سجدتين بعد التسليم، و هما المرغمتان يرغمان الشيطان» «1».

خلافا للمنقول عن العماني و الإسكافي و علي بن بابويه و الكليني و الشيخين و المحقق و صاحب الجامع «2»، و الفاضل في جملة من كتبه منها المنتهى «3»، و غيرهم، للأصل، و موثقة سماعة: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، إنما السهو على من لم يدر أ زاد في صلاته أم نقص منها» «4».

و رواية محمد بن علي الحلبي: عن الرجل يسهو في الصلاة فنسي التشهد، فقال: «يرجع و يتشهد» قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ فقال: «ليس في هذا سجدتا السهو» «5».

و صحيحة أبي بصير: عن رجل نسي أن يسجد واحدة فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها و لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا

______________________________

(1) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 9، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 1.

(2) حكاه عن العماني و الإسكافي و علي بن بابويه في المختلف: 140، الكليني في الكافي 3: 360، المفيد في المقنعة:

147- 148، الطوسي في المبسوط 1: 123، و الخلاف 1: 459، المحقق في المعتبر 2: 399، الجامع للشرائع: 86.

(3) المنتهى 1: 417.

(4) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 4، الوسائل 8: 239 أبواب الخلل ب 23 ح 8.

(5) التهذيب 2: 158- 622، الاستبصار 1: 363- 1376، الوسائل 6: 406 أبواب التشهد ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    237     المسألة الأولى: قد تقدم وجوب سجدتي السهو في موضعين: ..... ص : 230

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 237

انصرف قضاها وحدها و ليس عليه سهو» «1».

و الصحاح و غيرها المتكثرة الواردة في نسيان السجدة الواحدة أو التشهد قبل تجاوز المحلّ و بعده، الخالية عن ذكر سجدتي السهو الظاهرة في عدم وجوبهما، مع أنّ في بعضها الأمر بهما في التشهد أو السجدة بعد تجاوز المحلّ، و لم يتعرض لهما قبله، و التفصيل قاطع للشركة.

أقول: عدم ذكر السجدة للسهو في مقام السؤال عن حكم سهو السجدة، أو التشهد- لو دلّ على عدم وجوبهما- لدلّ عليه لأجل سهو السجدة أو التشهد، و هو لا ينافي وجوبهما لأمر آخر مقارن له.

و منه يظهر ضعف الاستناد إلى التفصيل، فإنّه إنّما هو في بيان حكم نسيان السجدة و التشهد. و كذا ضعف الاستناد إلى صحيحة أبي بصير و رواية الحلبي.

كما يظهر ضعف الاستناد إلى الدليل الأول [1] بما يأتي من عدم وجوبهما لكل زيادة.

فما يصلح مستندا لنفي الوجوب ليس إلّا الأصل و عموم الموثقة. و هما كافيان في المسألة، إذ ليس فيها شي ء يصلح لمعارضتهما سوى إطلاق رواية القصاب، إذ ليس إلّا ما مرّ. و الصحيحة الأخيرة منه غير دالّة على الوجوب، و كذا الموثّقة

المتقدّمة عليها، لاشتمالها على القراءة في موضع التسبيح التي لا تجب لها سجدة سهو قطعا، فإخراج الدالّ عليه عنه لازم، و استعمال اللفظ في معنييه غير جائز.

و الإطلاق المذكور و إن عارض العموم المتقدم إلّا أنّ العموم أرجح، لمخالفته العامة حيث إنّ القول بالوجوب هنا منقول عن أبي حنيفة و الشافعي

______________________________

[1] أي: الدليل الأوّل لوجوب السجدتين، و هو الزيادة في الصلاة.

______________________________

(1) الفقيه 1: 228- 1008، التهذيب 2: 152- 598، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 238

و أتباعهما «1». و لو لا الترجيح لكان يرجع إلى الأصل أو التخيير، و هما أيضا كافيان لنفي الوجوب.

و منها: كلّ زيادة و نقصان غير مبطل، نقله في الخلاف عن بعض الأصحاب «2»، و نسب إلى ظاهري التهذيب و الاستبصار «3»، و اختاره الفاضل في جملة من كتبه منها التحرير «4»، و ولده في شرحي القواعد و الإرشاد «5»، و الشهيد الأوّل في اللمعة و الذكرى «6»، مع أنّه قال في الدروس: و لم أظفر بقائله و لا بمأخذه «7»، و الثاني في روض الجنان «8»، و حكاه في التحرير و الروضة عن الصدوق «9»، و كأنه- كما قيل- لإيجابه إياها في صورة الشك في الزيادة و النقصان «10»، فيقول به مع اليقين بالطريق الأولى أيضا.

لرواية سفيان السمط: «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك و نقصان» «11».

و لما دلّ على وجوبهما بالشّك في الزيادة أو النقصان ففي اليقين أولى.

و يردّ الأوّل: بعدم الدلالة على الوجوب.

و الثاني: بمنع الأولوية لو ثبت الحكم في الأصل.

______________________________

(1) انظر: بدائع الصنائع 1: 164، و الامّ 1: 128، و المحلّى 4: 160.

(2) الخلاف 1: 459.

(3)

انظر: التهذيب 2: 155، و الاستبصار 1: 361.

(4) التحرير 1: 50.

(5) الإيضاح 1: 142.

(6) اللمعة (الروضة 1): 327، الذكرى: 229.

(7) الدروس 1: 207.

(8) الروض: 354.

(9) التحرير 1: 50، الروضة 1: 327.

(10) الرياض 1: 222.

(11) التهذيب 2: 155- 608، الاستبصار 1: 361- 1367، الوسائل 8: 251 أبواب الخلل ب 32 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 239

و لذا ذهب الأكثر- كما صرّح به جماعة «1»- إلى عدم الوجوب. و هو الأقوى، للأصل المؤيّد بل المدلول عليه بجملة من الأخبار النافية لسجدة السهو في مواضع تحقق فيها أحد الأمرين، منها موثقة الساباطي: عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة، هل عليه سجدتا السهو؟ قال: «لا» «2».

و يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

فرع: لو جلس بعد السجدة الثانية في الاولى و الثالثة و لم يتشهد، قيل: صرف إلى جلسة الاستراحة

و لا سجود له واجبا أو مستحبا «3».

و قيل: إن جلس بقدر التشهد يسجد [1].

و قيل: إن جلس بقصد التشهد يسجد و إن جلس بقصد الاستراحة لا يسجد و إن طال «4». و هو أجود الأقوال. و إن جلس لا عن قصد يصرف إلى الاستراحة.

و منها: الشك في أنّه زاد أو نقص، نسب إلى الخلاف و المختلف «5»، و مال إليه في روض الجنان «6»، و اختار المفيد في العزيّة وجوبهما إن لم يدر زاد سجدة أو نقص سجدة، أو نقص ركوعا أو زاد ركوعا.

______________________________

[1] نسبه الشيخ (ره) في الخلاف 1: 459، الى من قال من أصحابنا بوجوب سجدتي السهو في كلّ زيادة و نقصان.

______________________________

(1) منهم السبزواري في الذخيرة: 381، و الكفاية: 27، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 152، و صاحبا الحدائق 9: 326 و الرياض 1: 223.

(2) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 238 أبواب الخلل ب 23 ح 5.

(3) انظر: الذكرى: 230.

(4)

انظر: الحدائق 9: 339.

(5) الخلاف 1: 460، المختلف: 141.

(6) الروض: 354.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 240

لصحيحة الفضيل المتقدمة «1»، و صحيحة زرارة: «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر أ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس» «2».

و صحيحة الحلبي: «إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا، أم نقصت أم زدت، فتشهد و سلّم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، يتشهد فيهما تشهّدا خفيفا» «3».

و لا يخفى أنّ تلك الأخبار يحتمل أحد المعاني الثلاثة:

أحدها: أن يكون المعنى إذا شكّ في الزيادة و عدمها أو في النقيصة و عدمها فتجب سجدة السهو لكل منهما.

و ثانيها: أن يكون المراد إذا شكّ في أنّ الواقع هل هو زيادة أو نقص مع القطع بوقوع أحدهما فتجب السجدة.

و ثالثها: أن يكون المراد إذا شكّ في أنّه هل وقع زيادة أو نقص أو لم يقع شي ء منهما تجب السجدة، فيشترط على هذا اجتماع احتمال الزيادة و النقص.

و ظهورها في بعض هذه المعاني و إن ادّعي و لكنه ليس ظهورا يليق للاتّكال و يتمّم الاستدلال، فلذلك يحصل فيها الإجمال المانع عن الاحتجاج.

و لعلّه لأجل ذلك لم يذهب إلى مدلولها غير شاذّ نادر، و هو أيضا أحد وجوه ضعفها المسقط لحجّيتها، سيّما مع خلوّ أخبار أحكام الشكّ عن ذكرها، فعدم الوجوب هو الأقوى.

و قد وردت سجدة السهو في بعض مواضع أخر في بعض الروايات، و لكنّها لعدم القول بها أو شذوذه لا تصلح لإثبات الحكم المخالف للأصل بل لإطلاق

______________________________

(1) لا يخفى أنّه لم تتقدم صحيحة الفضيل و قد تقدمت موثقة سماعة في ص: 236، و متنها موافق للصحيحة، انظر: الوسائل 8: 238 أبواب الخلل ب 23 ح 6.

(2)

الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 1، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 2.

(3) الفقيه 1: 230- 1019، التهذيب 2: 196- 772، الاستبصار 1: 380- 1441، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 241

بعض الروايات.

المسألة الثانية: في بيان كيفية سجدة السهو و أحكامها:
اشاره

اعلم أولا أنّ موضع سجدتي السهو بعد التسليم، وفاقا للمحكي عن الصدوقين و العماني و الشيخين و السيد و الحلبي و الديلمي «1»، بل هو المشهور، بل عن الناصريات و الخلاف و الأمالي: أنّ عليه إجماعنا «2»، و إليه ذهب عامّة متأخري أصحابنا، للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحاح ابن سنان «3»، و أبي بصير «4»، و ابن خالد «5»، و ابن الحجاج «6»، و رواية القداح «7»، و غير ذلك، بضميمة عدم الفصل لبعضها.

خلافا للمحكي في المعتبر عن قوم من أصحابنا «8»، فموضعهما للنقيصة قبل

______________________________

(1) الصدوق في الأمالي: 513، حكاه عن والد الصدوق و العماني في المختلف: 142، الشيخ المفيد في المقنعة: 148، الشيخ الطوسي في الخلاف 1: 448، و المبسوط 1: 125، و النهاية: 93، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 37، و الناصريات (الجوامع الفقهية): 201، الحلبي في الكافي: 148، الديلمي في المراسم: 90.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 201، الخلاف 1: 449، أمالي الصدوق: 513.

(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 3، التهذيب 2: 195- 767، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1.

(4) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 6، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 3.

(5) التهذيب 2: 158- 618، الاستبصار 1: 362- 1374، الوسائل

6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 3.

(6) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 4، التهذيب 2: 191- 755، الاستبصار 1:

378- 1433، الوسائل 8: 207 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 1.

(7) الفقيه 1: 225- 994، التهذيب 2: 195- 768، الاستبصار 1: 380- 1438، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 3.

(8) المعتبر 2: 399.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 242

التسليم و للزيادة بعده، و تدلّ عليه صحيحتا الأشعري «1»، و الجمّال «2».

و في الشرائع عن قائل «3»، فقبل التسليم مطلقا، و تدلّ عليه رواية أبي الجارود «4».

و يجاب عنهما تارة بالشذوذ، إذ لم ينقل الأوّل إلّا عن الإسكافي «5»، مع أنه أنكره في الذكرى «6»، و لم ينسب الثاني إلى قائل، بل في المدارك عدم الظفر بقائله «7».

و ثانيا بمرجوحيتهما بالنسبة إلى ما مرّ، لموافقتهما للعامّة كما تظهر من الفقيه و التهذيبين و الذكرى «8».

نعم في المعتبر و المنتهى نسب إلى أبي حنيفة الموافقة لأصحابنا «9»، و به يضعّف الجواب بموافقة العامّة، كما يضعّف الجواب بالشذوذ بمنعه، سيّما مع النسبة في المعتبر إلى قوم منّا.

إلّا أنّ أكثر أخبار المشهور يدلّ على الوجوب، و دلالة أخبار القولين الأخيرين عليه غير معلومة، فغاية ما تدلّ عليه الجواز، إلّا أن تتمّم الدلالة بالإجماع المركب، فالقول بالتفصيل غير بعيد.

ثمَّ اعلم أنّه يجب بعدهما التشهّد و التسليم، على المشهور، بل عن المعتبر

______________________________

(1) التهذيب 2: 195- 769، الاستبصار 1: 380- 1439، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 4.

(2) الفقيه 1: 225- 995، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 6.

(3) الشرائع 1: 119.

(4)

التهذيب 2: 195- 770، الاستبصار 1: 380- 1440، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 5.

(5) حكاه عنه في المختلف: 142.

(6) الذكرى: 229.

(7) المدارك 4: 282.

(8) الفقيه 1: 225- 995، التهذيب 2: 195، الاستبصار 1: 380، الذكرى: 229.

(9) المعتبر 2: 399، المنتهى 1: 418.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 243

و المنتهى الإجماع عليه «1»، للأخبار المستفيضة الواردة في الموارد الجزئية الآمرة فيهما بالتشهّد و التسليم. إلّا أنه ليس شي ء منها صريحا في وجوب التشهّد، لورودها بالجمل الخبرية الغير الصريحة في الوجوب جدا.

و أمّا صحيحة ابن أبي يعفور: «إذا نسي الرجل سجدة و أيقن أنّه قد تركها- إلى أن قال-: و إن كان شاكّا فليسلّم ثمَّ ليسجدها و ليتشهّد تشهّدا خفيفا و لا يسمّيها نقرة» «2».

فهي و إن تضمّنت الأمر إلّا أنّ المراد بالتشهّد فيها السجدة، و هي ليست بواجبة في المورد قطعا، فلا يكون الأمر للوجوب أيضا، و كذا ما تضمّن الأمر بالتشهّد الفائت فيها إذا نسي التشهّد، فإنّه يمكن أن يكون وجوبه حينئذ لقضاء التشهّد.

نعم، في صحيحة ابن سنان: «إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعدهما» «3».

دلّت على وجوب التسليم و به يثبت وجوب التشهد أيضا للإجماع المركب.

إلّا أنّه تعارضها موثقة الساباطي: عن سجدتي السهو، هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال: «لا، إنّهما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قد سها، و ليس عليه أن يسبّح فيهما، و لا فيهما تشهّد بعد السجدتين» «4».

و هي تدلّ على عدم وجوب التشهّد الموجب لعدم وجوب السلام أيضا

______________________________

(1) المعتبر 2:

401، المنتهى 1: 418.

(2) التهذيب 2: 156- 609، الاستبصار 1: 360- 1366، الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب 16 ح 1.

(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 3، التهذيب 2: 195- 767، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1.

(4) الفقيه 1: 226- 996، التهذيب 2: 196- 771، الاستبصار 1: 381- 1442، الوسائل 8: 235 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 244

بالإجماع المركّب، فيكون قرينة على عدم كون الأمر بالسلام للوجوب أيضا.

مضافا إلى النصوص الواردة بالأمر بالسجدتين من غير إيجاب لشي ء بعدهما مع ورودها في مقام الحاجة ظاهرا. و غايته التعارض الموجب للرجوع إلى وجوه التراجيح، و الترجيح مع الموثّقة، لمخالفتها لما عليه أكثر العامّة و منهم أصحاب أبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى «1».

مع أنّه لولاه أيضا لوجب الرجوع إلى الأصل أو التخيير النافيين للوجوب أيضا، فهو الحق، كما اختاره في المختلف «2»، و تبعه في الوافي و الذخيرة «3»، و إليه يميل كلام المدارك «4»، و غيره أيضا «5».

و يستحبان فيهما قطعا، لما مرّ.

و كذا لا يجب فيهما تكبيرة و لا تسبيح، وفاقا في الأوّل للأكثر، و في الثاني للمعتبر و النافع و المنتهى و المدارك و الذخيرة «6»، و جمع آخر من متأخري أصحابنا «7»، للأصل، و الموثّقة المتقدمة، فإنّها تصرّح بأنّهما سجدتان فقط، و هو ظاهر في نفي الغير سيّما مع السؤال عن التكبير و التسبيح.

و بذلك يظهر دفع ما قيل في عدم دلالة الموثقة بأنّها تنفي التسبيح و هو مسلّم، إذ ذكرهما ليس تسبيحا «8».

و خلافا في الأول للمنقول عن المبسوط «9»، و لم ينقل

له دليل.

و في الثاني للأكثر، للأخبار المتضمّنة لذكرهما، كصحيحة الحلبي: «تقول

______________________________

(1) المنتهى 1: 418.

(2) المختلف: 143.

(3) الوافي 8: 996، الذخيرة: 382.

(4) المدارك 4: 283.

(5) كالحدائق 9: 333، و كفاية الأحكام: 27.

(6) المعتبر 2: 401، النافع: 45، المنتهى 1: 418، المدارك 4: 283، الذخيرة: 382.

(7) كابن فهد في المهذّب البارع 1: 450، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 162.

(8) الحدائق 9: 336.

(9) المبسوط 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 245

في سجدتي السهو: بسم اللّه و باللّه اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد» قال: و سمعته مرّة أخرى يقول فيهما: «بسم اللّه و باللّه السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته» «1».

و الأخرى مثلها أيضا إلّا أنّ فيها: «و صلّى اللّه على محمّد و آل محمّد» «2».

و في بعض النسخ «و السلام عليك» بزيادة الواو.

و قريبة منها في الرضوي «3».

و تردّ بعدم دلالتها على الوجوب، فيكون مستحبا كالتكبير أيضا، لفتوى الجماعة الكافية في مقام الاستحباب. لا للموثقة، لاختصاصها بالإمام و أنه للإعلام لا لخصوص السجدة.

ثمَّ الظاهر أداء المستحب من الذكر بكلّ واحد من النسخ المذكورة، و أما القول باستحباب مطلق الذكر فيهما فلا مستند له.

و أمّا التشهد المستحب فيهما فالظاهر حصوله بمطلق الشهادتين، لإطلاق التشهد. لا للتقييد بالخفيف في الأخبار، لأنّه كما يمكن أن يكون المراد به مقابل التشهد الواجب في الصلاة، يمكن أن يكون المراد مقابل التشهد الطويل المستحب فيها و إن كان الظاهر الأول.

و يضمّ الصلاة على النبي و آله معه أيضا، للإجماع.

و أمّا التسليم فهو أيضا و إن كان مطلقا إلّا أنّ الشائع في الأخبار عند الإطلاق إحدى الصيغتين الأخيرتين، فالظاهر تعيّن إحداهما و عدم حصول الانصراف بالأولى كما

عن الحلبي «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 5، الوسائل 8: 234 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 1.

(2) الفقيه 1: 226- 997، التهذيب 2: 196- 773، الوسائل 8: 234 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 1.

(3) فقه الرضا (عليه السلام): 120، مستدرك الوسائل 6: 415 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 1.

(4) الكافي في الفقه: 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 246

و الحقّ عدم وجوب الطهارة و الاستقبال فيهما أيضا، وفاقا لبعض الأجلّة، و ظاهر التحرير و المختلف «1»، و تردّد في القواعد فيهما «2»، للأصل.

و قيل بوجوبهما «3»، لما دلّ على وجوبهما قبل التكلّم، و لكونهما مكمّلتان للصلاة التي يشترط الأمران فيها.

و ضعفهما ظاهر.

و لا السجود على الأعضاء السبعة، لما ذكر.

نعم، الظاهر وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه، لما مرّ في سجود التلاوة.

و كذا يجب رفع الرأس عن الأول تحقيقا للتثنية.

و أمّا الطمأنينة في السجود، أو الجلوس بينهما، أو الطمأنينة فيه، فلا دليل عليها، و الأصل ينفيها.

فروع:
أ: لو ترك سجدة السهو عمدا لم تبطل صلاته

، و وجب الإتيان بها و إن طالت المدة، على الحق المشهور، لأصالة عدم اشتراط صحة الصلاة بها.

و عن الخلاف الاشتراط «4»، لأصل الاشتغال.

و يردّ بحصول البراءة ممّا علم الاشتغال به.

ب: هل وجوبها فوري، أم لا؟.

صرّح بعضهم بالأول «5»، لدلالة الأخبار على أنّ محلّها بعد التسليم قبل

______________________________

(1) التحرير 1: 50، المختلف: 143.

(2) القواعد 1: 44.

(3) كما في نهاية الإحكام 1: 548، و الألفية: 72.

(4) الخلاف 1: 462.

(5) كما في الحدائق 9: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 247

التكلم.

و فيه: أنّه غير دالّ على الفورية.

و الأصل يقتضي الثاني، و هو الأظهر، له، و لموثقة عمار: عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتى يصلّي الفجر، كيف يصنع؟ قال: «لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها» «1».

و ممّا ذكر يظهر عدم وجوب كونها في الوقت أيضا.

ج: لو تعدّد الموجب للسجود فالحقّ التداخل و كفاية سجدتين للجميع

، وفاقا للمبسوط «2»، و جمع من أفاضل متأخّري المتأخّرين «3»، للأصل، و صدق الامتثال، و لقولهم عليهم السلام المروي بأسانيد عديدة: «إذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك عنها حقّ واحد» «4».

و لأصالة تداخل الأسباب كما بيّناها في موضعه.

خلافا للفاضل «5»، و جمع من المتأخّرين «6»، فقالوا بعدم التداخل مطلقا.

لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لكلّ سهو سجدتان» «7».

و لأصالة عدم التداخل.

و يردّ الأول: بعدم ثبوت الخبر، بل هو عامي غير حجة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2.

(2) المبسوط 1: 123.

(3) منهم السبزواري في الذخيرة: 382، و المجلسي في البحار 85: 227، و صاحب الحدائق 9:

341.

(4) الكافي 3: 41 الطهارة ب 28 ح 1، التهذيب 1: 107- 279، الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 43 ح 1، و في الجميع: «أجزأك عنها غسل واحد».

(5) في التحرير 1: 50، و التذكرة 1: 142، و نهاية الإحكام 1: 549.

(6) كالشهيد في الذكرى: 229، و الأردبيلي في مجمع الفائدة

3: 198، و نسب في مفتاح الكرامة 3:

376 إلى العلّامة و الموجز الحاوي و كشف الالتباس و الجعفرية و العزية و إرشاد الجعفرية و شرح الألفية للكركي و الجواهر.

(7) سنن أبي داود 1: 272- 1038.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 248

و الثاني: بالمنع.

و قد أطال بعضهم زمام الكلام في هذا المقام بذكر ما يذكر في الأصول من أدلّة أصالة عدم التداخل، و قد ذكرناها هناك.

و للحلّي، فقال بالتفصيل بالتداخل مع تجانس الأسباب المتعددة، و بعدمه مع التغاير في الجنس «1»، إذ مع التجانس كتكرار التكلم ليس إلّا أمر واحد هو مثلا قوله: «من تكلّم ساهيا يجب عليه سجدتا السهو» فيمتثل بفعل واحد، و مع التغاير كالتكلّم و نسيان التشهد تتعدد الأوامر، إذ ورد لكلّ منهما أمر على حدة، فيحتاج امتثال كلّ منهما إلى فعل آخر.

و يردّ: بمنع المقدمة الأخيرة، لحصول امتثال الأوامر العديدة بفعل واحد أيضا.

د: ظاهر جمع من الأصحاب تحريم تخلّل منافيات الصلاة بينها و بين سجدة السهو،

و ربما كان التفاتهم إلى ورود الأمر بها قبل الكلام الذي هو من المنافيات، و تخصيصه بالذكر من حيث إنّه الغالب وقوعه بعد الفراغ، و ذكره من باب التمثيل.

و فيه: منع كون ذلك من هذا القبيل، و مقتضى الأصل التخصيص بخصوص ما ورد، مع أنّ الأخبار المتضمنة لكونها قبل الكلام لا صراحة لها على الوجوب أصلا.

فالحقّ عدم تحريم تخلّل الكلام الذي هو مورد الأخبار أيضا، كما ذكره الشهيد في الألفية «2»، فكيف بغيره من المنافيات؟!.

المسألة الثالثة: فيما يتعلق بصلاة الاحتياط من الأحكام، و هي أمور:
اشارة

______________________________

(1) السرائر 1: 258.

(2) الألفية: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 249

منها: أنّه يجب أن تكون بعد التسليم، بلا خلاف يوجد، كما قيل «1»، للأخبار المستفيضة المصرّحة، كالموثقات الأربع المتقدمة لعمّار و البقباق «2»، و الصحاح الخمس السابقة لمحمّد و ابن أبي يعفور و الحلبي و البجلي و ابن أبي العلاء «3»، و غير ذلك، المؤيّدة كلّها بتضمّن جملة منها أنه إن كان ما صلّى تماما كانت هذه نافلة، و لا يستقيم ذلك إلّا بعد انفرادها عن الفريضة، و بما ذكر يقيّد ما تضمّن الأمر بها مطلقا.

و منها: أنّه يجب فيها النية، و تكبيرة الإحرام، و التشهّد، و التسليم، و سائر ما يجب في الصلاة غير القيام في الجملة، لا لما قيل من أنّه لازم انصرافها إلى النافلة المصرّح به في الروايات «4»، لمنع الاستلزام، بل لظاهر الإجماع.

مضافا في النية، إلى ما يدلّ على اعتبارها في سائر الأفعال.

و في التكبيرة بل في سائر الواجبات، إلى مطلقات الأمر بها في مطلق الصلاة الذي هذا أيضا فرد منه، كما يظهر من الأخبار الآمرة بها في موارد كلّ منها بخصوصه، سيّما التكبيرة. و عدم صراحة بعضها في الوجوب غير ضائر، للإجماع المركّب.

و

في التكبيرة، إلى رواية الشحّام الواردة فيمن صلّى الست و الخمس المتقدّمة «5». و لا يضرّ عدم وجوب صلاة الاحتياط هنا، لأنّ انتفاء حكم بدليل عن شي ء لا ينفي غيره أيضا، مع أنّه لا قائل بالفصل، فكلّ من يثبت التكبير يوجبه.

و فيها و في التسليم، إلى الروايات المصرّحة بأنّ تحريمها التكبير و تحليلها

______________________________

(1) الرياض 1: 219.

(2) راجع ص 141 و 143.

(3) راجع ص 142 و 143.

(4) الرياض 1: 219.

(5) في ص 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 250

التسليم، حيث إنّه حلّل عن الصلاة الأولى بالتسليم الذي هو محلّل بالأخبار، فلا بدّ لهذه الصلاة من محرّم.

و فيه، إلى صحيحة زرارة «1»، و مرسلة ابن أبي عمير «2».

و فيه و في التشهّد، إلى صحيحة محمد «3».

و فيهما و في السجدة، إلى صحيحتي ابن أبي يعفور «4»، و الحلبي «5».

و عن الراوندي أنّه قال: من أصحابنا من قال: إنّه لو شكّ بين الاثنتين و الأربع أو غيرهما من تلك الأربعة فإذا سلّم قام ليضيف ما شكّ فيه إلى ما يتحقق، قام بلا تكبيرة الإحرام و لا تجديد نيّة، و يكفي بذلك علمه و إرادته، و يقول: لا تصح نيّة متردّدة بين الفريضة و النافلة على الاستئناف، و إنّ صلاة واحدة تكفيها نيّة واحدة، و ليس في كلامهم ما يدلّ على خلافه، و قيل: ينبغي أن يؤدّي ركعات الاحتياط قربة إلى اللّه، و يكبّر و يصلّي. انتهى «6».

و ظاهر الراوندي نفسه التردد، و هو ظاهر بعض مشايخنا الأخباريين، بل ظاهره الميل إلى العدم، و قال: إطلاق الأخبار في الاحتياط يعضده، و الذي وقفت عليه من عبارات جملة من المتقدمين و جلّ المتأخرين خال عن ذكر التكبير أيضا.

______________________________

(1) الكافي

3: 350 الصلاة ب 38 ح 3، التهذيب 2: 192- 759، الاستبصار 1:

375- 1423، الوسائل 8: 214 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 1.

(2) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 6، التهذيب 2: 187- 742، الوسائل 8: 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 4.

(3) التهذيب 2: 185- 737، الاستبصار 1: 372- 1414، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 6.

(4) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186- 739، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

(5) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 8، الفقيه 1: 229- 1015، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1.

(6) حكاه في الحدائق 9: 302 عن بعض متأخري أصحابنا عن القطب الراوندي في شرح النهاية الطوسية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 251

انتهى «1».

أقول: ما ذكره البعض من كفاية العلم و الإرادة فإن أراد العلم و الإرادة المتحققين للصلاة الأصلية حتى يكون مراده كفاية الاستدامة الحكمية، فقد عرفت في المباحث السالفة أنّ تحققها فرع عدم نية المنافي، و هي هنا بالتسليم قد تحققت، فلا يفيد العلم و الإرادة السابقان. و إن أراد العلم و الإرادة المتجدّدين حين صلاة الاحتياط فهو عين النية و لا يريد منها.

إلّا أن يكون غرضه عدم الاحتياج إلى ضمّ القربة. و بطلانه ظاهر، لأنّه إن أراد كفاية قصد القربة المتقدم فليقل به في العلم و الإرادة أيضا. و إن أراد عدم الحاجة إلى قصد القربة مطلقا ففساده ظاهر.

و ليست النّية المتجدّدة متردّدة بين الفرض و النافلة، بل ينوي الفريضة البتة، نعم ورد في

الأخبار أنّ مع تمامية الصلاة يحسب تلك نافلة، لا أنّ المصلي ينويها.

و ليست هذه الصلاة مع الأصل صلاة واحدة، لتخلّل التسليم بينهما.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا من اعتضاد إطلاق الأخبار لذلك و كذا خلوّ أكثر العبارات ففيه: أنّ ذلك موكول إلى الظهور، فإنّ الأمر بالصلاة يكفي عن الأمر بجميع ذلك، لظهور جزئيتها لها، و لذا لم يتعرّض في أوامر الصلوات الكثيرة الواجبة أو المستحبة لشي ء منها.

و منها: أنّه تجب فيها قراءة الفاتحة، على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة من المتأخرين «2»، لأنّها صلاة منفردة، كما يظهر من الأخبار، و لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب. و انصراف الأخبار إلى الأفراد الشائعة إنّما هو في الإطلاق دون العمومات، مع أنّ صلاة الاحتياط ليست بأندر من كثير مما يستدلّون بذلك فيه.

و لأصالة الاشتغال، فإنّ وجوب أحد الأمرين من الفاتحة و التسبيح ثابت

______________________________

(1) الحدائق 9: 302.

(2) انظر: كفاية الأحكام: 26، و البحار 85: 211، و الحدائق 9: 307، و الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 252

قطعا، فلا تحصل البراءة اليقينية إلّا بالإتيان بما يوجب البراءة يقينا و هو الفاتحة.

و يؤيّده تضمّن المستفيضة الواردة في المسألة للفاتحة أو أمّ القرآن أو أمّ الكتاب و إن كان بالجملة الخبرية التي هي في الوجوب غير صريحة.

خلافا للمنقول عن المفيد و الحلّي، فخيّرا بينها و بين التسبيح «1».

لأصالة عدم التعيين.

و إطلاق كثير من الروايات.

و نصّ بعضها بأنّه «يتمّ ما ظنّ أنّه نقص» و الصلاة بالتسبيح أيضا مثل ما نقص.

و لأنّها بدل من الناقص، و البدل لا يزيد حكمه عن المبدل.

و يردّ الأول: باندفاعه بما مرّ.

و الثاني: بتقييده به و بالإجماع، حيث إنّه يجب في هذه الصلاة غير ما

أطلق في هذه الروايات من الركعتين شي ء آخر من الفاتحة أو التسبيح.

و الثالث: بأنّ الصلاة المتضمّنة لكلّ من الفاتحة و التسبيح و إن كانت مثل ما نقص إلّا أنّه لا ينافي ثبوت الزيادة بدليل آخر كما علمت زيادة التكبير و التشهّد و التسليم، مع أنّه لا عموم للفظة ما الموصولة، و الزائد عمّا يقتضيه واجب قطعا فيعمل فيه بأصل الاشتغال.

و الرابع: بمنع عدم إمكان الزيادة.

و منها: أنّه هل يجب الاحتراز عن منافيات الصلاة بينها و بين صلاة الأصل، أم لا؟ و على الأول هل تبطل الصلاة بعدم الاحتراز، أم لا؟.

أمّا الأول فيظهر من الذكرى أنّ ظاهر الفتاوى و الأخبار وجوب الاحتراز «2»، و نسبه بعض مشايخنا إلى الأكثر «3».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 146، الحلي في السرائر 1: 254.

(2) الذكرى: 227.

(3) الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 253

و يظهر من بعض المتأخرين الميل إلى عدم الوجوب «1»، بل هو ظاهر أكثر من يقول بعدم الإبطال. و هو الأظهر، لحصول التحليل بالتسليم، و للأصل الخالي عن المعارض سوى ما قيل «2» من أنّه مبطل للصلاة كما يأتي، و إبطال العمل حرام، فتركه واجب.

و من الأمر بسجدة السهو لو تكلّم في صحيحة ابن أبي يعفور، قال فيها- بعد الأمر بصلاة الاحتياط-: «و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» «3» و لا يمكن أن يكون المراد التكلّم في أصل الصلاة، إذ لا مدخل له في جواب السؤال، و لا في صلاة الاحتياط، لأنها من السهو الذي لا حكم له، فالمراد التكلم بين الصلاتين.

و للأمر بها بعد التسليم بالفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة في عدة روايات، كموثقات عمار المتقدمة «4»، و رواية أبي بصير «5»، و غيرها.

و لقوله

في صحيحة زرارة: «و إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع [و قد أحرز الثلاث ] قام فأضاف إليها أخرى» «6» فإنّ جعل القيام جزاء يقتضي تعقيب فعله بالشرط.

و للاستصحاب.

و يردّ الأوّل: بمنع إبطاله الصلاة كما يأتي.

و الثاني: بمنع ترتّب سجدة السهو على التكلّم في صلاة الاحتياط،

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 378.

(2) انظر: الرياض 1: 219.

(3) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186- 739، الاستبصار 1:

372- 1415، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

(4) في ص 141.

(5) التهذيب 2: 185- 738، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 8.

(6) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 3، التهذيب 2: 186- 740، الاستبصار 1:

373- 1416، الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 3، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 254

فيحتمل أن يكون هو المراد، أو يكون المراد التكلّم في الصلاة و لم يكن جوابا عن السؤال بل بيانا لحكم من الأحكام، سلّمنا و لكن ترتب سجدة السهو عليه غير صريح في تحريمه.

و الثالث: بمنع دلالة الفاء الجزائية على التعقيب بلا مهلة- كما صرّح به بعضهم «1»- أولا، و منع منافاة كلّ مناف للصلاة للتعقيب ثانيا.

و قد يجاب عنه أيضا بوجوب إخراج الفاء عن معنى التعقيب بلا مهلة هنا قطعا بدلالة ذكر «ثمَّ» في بعض الأخبار، و عدم ذكر شي ء منهما في بعض آخر.

و وهنه ظاهر، إذ لا يجب التراخي هنا إجماعا، فلا تبقى لفظة «ثمَّ» على معناها بالإجماع، و ذلك لا يوجب الخروج عن حقيقة لفظ آخر أيضا، فهو باق على حقيقته

مقيّد لما لم يتعرض، لعدم ذكر شي ء منهما.

و الرابع: بمنع اقتضاء الجزاء تعقيب فعل الجزاء له، بل يقتضي تعقيب الترتّب و هو حاصل.

و الخامس: باندفاع الاستصحاب ببعض ما مرّ، مع أنّه معارض باستصحاب الحلّية قبل الصلاة.

و أمّا الثاني فعن القواعد و المختلف و الذكرى «2»، و جمع آخر «3»: البطلان، و هو ظاهر المفيد «4»، لبعض ما مرّ بجوابه، مضافا إلى أنّ تسليم وجوب المبادرة و الاحتراز لا يستلزم البطلان بانتفائهما.

و لأنّ الاحتياط معرض لأن يكون تماما للصلاة، فكما تبطل الصلاة بتخلّل المنافي بين أجزائها المحقّقة فكذا ما هو بمنزلتها.

و يردّ: بأنّ فعل شي ء استدراكا للفائت في الصلاة لا يقتضي جزئيتها لها،

______________________________

(1) الذخيرة: 378.

(2) القواعد 1: 43، المختلف: 139، الذكرى: 227.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 219، و نسبه في مفتاح الكرامة 3: 367 إلى الدرّة و المصابيح و غيرهما.

(4) حكاه عنه في المختلف: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 255

سيّما مع انفصالها عنها بالنية و التكبير و نحوهما.

و ذهب الحلّي، و الفاضل في التحرير و الإرشاد، و ولده في شرح القواعد إلى عدم البطلان «1».

و هو الأقوى، للأصل، و إطلاق ما ورد من أنّ تحليل الصلاة التسليم، و هو شامل للمورد أيضا، فتكون المنافيات حلالا، فلا تبطل بها الصلاة. و إطلاق الأخبار الدالّة على صحّة الصلاة بتخلّل الحدث قبل التسليم.

و منها: أنّه هل يجب أن يكون في وقت صلاة الأصل؟.

لا يحضرني الآن من تعرّض له، إلّا أنّ القول بجزئيتها لها يستلزمه، و لكن الجزئية ممنوعة.

و منها: أنّه هل يجب الفور بها؟.

الأصل يقتضي عدمه.

فائدة: حكم الأجزاء المنسية المقضية بعد الصلاة حكم صلاة الاحتياط

في عدم وجوب الفورية و الاحتراز عن تخلل المنافي، و عدم بطلان الصلاة لو تخلل، للأصل السالم عن المعارض بالمرة.

و قال

جماعة منهم الفاضل في التذكرة و النهاية بالبطلان «2»، بل قيل بأنّ الحكم بالبطلان هنا أولى منه في صلاة الاحتياط، لمحوضة الجزئية اليقينية هنا «3».

و فيه: منع المحوضة بل الجزئية، و إنما هي أفعال اخرى يؤتى بها بأوامر أخرى، و قد حلّل بالتسليم ما كان حراما، فلا وجه لتحريمه بلا دليل.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 256، التحرير 1: 50، الإرشاد 1: 270، الإيضاح 1: 142.

(2) التذكرة 1: 140، نهاية الإحكام 1: 545.

(3) الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 256

و به يظهر الجواب عن التمسك باستصحاب الحرمة و الإبطال، مضافا إلى ما مرّ من معارض الاستصحاب.

و عن شرح القواعد لفخر المحققين «1»، و ابن فهد في المحرّر «2»: أنّه لو أحدث قبل الأجزاء المنسية عامدا بطلت صلاته، و لو كان سهوا، أو بعد الوقت، أو بعد أن مضى بعد التسليم زمان يخرج عن كونه مصليا، لم تبطل. بل ظاهر الأول الإجماع على عدم البطلان في هذه الصور، إذ مع ذلك يخرج عن الجزئية فلا تبطل، بخلاف ما قبله، فإنّها جزء حينئذ.

و فيه منع ظاهر.

و قد يستدل للجزئية بالأصل و الظاهر، لأنّ الأصل و الظاهر عدم إجزاء عبادة عن أخرى، و أيضا الأصل بقاؤها على الجزئية، و الظاهر اتحاد المتوافقين في الهيئة.

و ضعف الجميع في غاية الظهور.

و ممّا ذكرنا ظهر عدم دليل على اشتراط الطهارة في الأجزاء المنسية أيضا، كما هو مقتضى الأصل.

المسألة الرابعة: لو تذكّر الشاك بعد الفراغ من الصلاة الأمر المشكوك فيه

، فإمّا يتذكّر بعد صلاة الاحتياط أو في أثنائها أو قبلها، و على التقادير إمّا يتذكّر عدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط و كون ما بني عليه من الأكثر مطابقا للواقع، أو الحاجة إليه.

فإن تذكّر بعدها عدم الحاجة إليها، كأن يتذكّر الشاك

بين الثلاث و الأربع بعد صلاة الاحتياط أنّ ما صلّاها كان أربعا فلا خلاف و لا إشكال في صحة الصلاة.

______________________________

(1) الإيضاح 1: 143.

(2) حكاه عن المحرّر في غاية المرام على نقل صاحب مفتاح الكرامة 3: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 257

و إن تذكّر في الأثناء أو قبلها فظاهرهم الاتفاق على تماميّة الصلاة، و جواز قطع الاحتياط في الأول من جهة عدم توقّف صحة الصلاة عليه و إن اختلف فيه من جهة جواز قطع النافلة و عدمه، و الاستغناء عنها في الثاني.

و يدلّ عليه قوله في صحيحة ابن أبي يعفور: «و إن كان صلّى أربعا كانت هاتان نافلة» «1».

فإنّه بعد تذكّر عدم الحاجة إلى الاحتياط يعلم كونها نافلة، فيكون مستغنى عنها لأجل الصلاة، و بذلك يدفع استصحاب وجوب الاحتياط.

و إن تذكّر الحاجة إليها أي نقصان الصلاة عمّا بنى عليه: فإن كان بعد الفراغ عن الاحتياط لم يلتفت إلى ما تذكّر و صحّت صلاته، على الأظهر الأشهر كما قيل «2»، بل بالاتفاق كما صرّح به بعض الأجلّة.

للاستصحاب، و اقتضاء الأمر للإجزاء، و تصريح الأخبار بأنّ الصلاة لو كانت ناقصة كان الاحتياط متمّما، بل صرّح في موثّقة الساباطي بقوله: «و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت» «3».

و به يدفع ما لعلّه يتوهّم من دلالة ما دلّ على بطلان الصلاة بالنقص، على البطلان أو إتمام الصلاة مع عدم تخلّل المنافي هنا، مع أنّ في شمول أدلّتها للمورد نظرا ظاهرا، كما لا يخفى على المتتبّع فيها.

و عن بعض الأصحاب البطلان في صورة مخالفة الاحتياط للناقص [1]، كما إذا شكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، ثمَّ ظهر له بعد الاحتياط كون ما صلّى

ثلاثا، للزوم الاختلال بنظم الصلاة، حيث إنّ ما يبدأ به من الاحتياط ركعتان

______________________________

[1] الظاهر هو أبو العبّاس ابن فهد في كتابه الموجز الحاوي، كما حكاه عنه صاحب مفتاح الكرامة 3:

358.

______________________________

(1) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186- 739، الاستبصار 1:

372- 1415، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

(2) نسبه صاحب الحدائق (9: 308) إلى المشهور.

(3) التهذيب 2: 349- 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 258

من قيام، و هو مخالف الناقص، و المطابق له متأخّر.

و فيه: أنّ ذلك إنّما يتمّ على جزئية صلاة الاحتياط، و هي ممنوعة، مع أنّه لو اشترط المطابقة بين الاحتياط و ما يعوّض عنه لم يسلم احتياط تذكّر فاعله الحاجة إليه، لتحقق زيادة النية و التكبيرة و نحوهما.

و إن كان في أثنائه فلا يخلو إمّا أن يكون الاحتياط مطابقا للناقص أو غير مطابق.

فعلى الأول فيه قولان:

بطلان الصلاة و استئنافها، نظرا إلى أنّ المعلوم ثبوته من الأخبار ورودها بالنسبة إلى الشك المستمرّ إلى الفراغ من الاحتياط، و الشرط المذكور فيها بأنّه إن كانت صلاته تامّة فكذا و إن كانت ناقصة فكذا، إنّما هو بالنظر إلى الواقع لا بالنظر إلى ظهور ذلك للمكلّف.

و صحّتها وجوب إتمام الاحتياط، لعموم الأدلة. و اختصاصها بالشك المستمر ممنوع غايته بعد تسليم الاختصاص بالمستمرّ إلى الفراغ عن صلاة الأصل.

و هو الحقّ، لما ذكر، و للاستصحاب.

و على الثاني قيل «1»: فيه احتمالات: إتمام الاحتياط كما كان يتمّه قبل التذكر، و الاقتصار على القدر المطابق إن لم يتجاوزه، و بطلان الصلاة.

أجودها الأول، لما مرّ.

و إن كان بين الصلاتين فقيل

«2»: إمّا أن يكون فعل منافيا يبطل الصلاة عمدا و سهوا، أو لا. فعلى الثاني يتمّ صلاة الأصل و يسجد سجدة السهو لما زاده من التشهد و التسليم. و على الأول يبني على المسألة المتقدمة المبيّنة لحكم من سلّم في غير موضعه من كون المنافي مبطلا أم لا.

______________________________

(1) الحدائق 9: 309.

(2) الحدائق 9: 309.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 259

أقول: لو قلنا بوجوب إتمام الاحتياط و عدم الالتفات إلى التذكّر لعموم أدلته، لم يكن ذلك ببعيد.

و عدم انصرافها إلى مثل تلك الصورة لندرتها، معارض بورود ذلك بعينه في أدلّة إتمام الصلاة قبل فعل المنافي لو سلّم في غير موضعه، و بطلانها بعده.

و المسألة محلّ تردّد، و الأولى العمل بالأمرين معا.

هذا كلّه إذا لم يحتمل الزيادة. و أمّا إذا احتملها كما إذا شكّ بين الخمس و غيرها و بنى على الأقلّ، فإن تذكّر المطابقة فلا إشكال. و إن تذكّر الزيادة فإن كان الشك بين غير الخمس و الأربع فالظاهر عدم الإشكال في بطلان الصلاة، لأخبار البطلان بتيقن الزيادة، و كان البناء على الأقل للأصل الغير المقاوم للخبر.

و إن كان بينهما فيحصل الإشكال من جهة ما ذكر و من جهة خصوص الأمر المقتضي للإجزاء هنا، و الاحتياط ثانيا فيه طريق الاحتياط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 261

المقصد الرابع في سائر ما يتعلق بالصلاة من أحكام القضاء، و الجماعة، و السفر

اشارة

و فيه ثلاثة أبواب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 263

الباب الأول في القضاء

اشارة

و هو إمّا يكون قضاء للقاضي نفسه أو لغيره، فهاهنا فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 265

الفصل الأول فيما يقضي كلّ أحد عن نفسه و الكلام فيه إمّا فيما يجب قضاؤه أو في أحكام ما يجب قضاؤه، فهاهنا بحثان:
البحث الأول فيما يجب قضاؤه، و فيه مسائل:
المسألة الاولى: من ترك الصلاة من المكلّفين

المسلمين مستحلا تركها أو مستخفا بها، خرج عن الإسلام و كفر، و جرت عليه أحكام الارتداد، بلا خلاف يوجد، و في المنتهى و غيره: الإجماع عليه «1»، لإنكاره ما علم ثبوته من الدين ضرورة، و لصحيحة ابن سنان: «من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال أخرجه من الإسلام» «2».

و أمّا كون ترك الصلاة كبيرة فتدل عليه الأخبار، منها رواية عبيد: عن الكبائر، فقال: «هنّ في كتاب علي عليه السلام سبع: الكفر باللّه «إلى أن قال:

قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر! فقال: «أيّ شي ء أوّل ما قلت لك؟

قال: قلت: الكفر، قال: «فإنّ تارك الصلاة كافر» «3».

و لرواية مسعدة و فيها بعد السؤال عن وجه تسمية تارك الصلاة كافرا قال:

«و تارك الصلاة لا يتركها إلّا استخفافا بها- إلى أن قال-: و إذا وقع الاستخفاف وقع الكفر» «4».

______________________________

(1) المنتهى 1: 424، و انظر: التذكرة 1: 86، و الذكرى: 131، و التحرير 1: 51.

(2) الكافي 2: 285- 23، الوسائل 1: 33 أبواب مقدمة العبادات ب 2 ح 10.

(3) الكافي 2: 278- 8، الوسائل 15: 321 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 4.

(4) الفقيه 1: 132- 616، الوسائل 4: 41 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 266

و المروي في ثواب الأعمال و محاسن البرقي: «ما بين المسلم و بين أن يكفر إلّا أن يترك الصلاة الفريضة متعمدا أو يتهاون بها و لا يصليها» «1».

و لا يتوهّم تعارض مفهومي الصحيحة و رواية مسعدة في المستحلّ و المستخفّ بالعموم من

وجه فلا يثبت الحكم في مادة التعارض، لأنّ كلّ مستحلّ مستخفّ، فالتعارض بالعموم المطلق فلا يضرّ.

و بمفهوم الصحيحة و رواية مسعدة يقيّد إطلاق كفر تارك الصلاة في كثير من الروايات بالمستحل و المستخفّ، أو تحمل الإطلاقات على المبالغة، أو على ضرب من الكفر غير ما يوجب الارتداد، أو على ترتّب بعض أحكام الكفر عليه من وجوب القتل بعد تكرره، كما هو ظاهر أكثر تلك الروايات من اعتبار التكرر.

ثمَّ مقتضى الإطلاقات الارتداد بتركها مستحلا أو مستخفّا و إن احتملت الشبهة في حقه، إلّا أنّ الأصحاب قيّدوه بعدم احتمالها كما هو مقتضى الدليل الأول، و هو الموافق للاحتياط في الدماء.

قيل: و في حكم ترك الصلاة ترك جزء أو شرط معلوم ثبوته من الدين ضرورة، كالركوع و الطهارة، دون ما ليس كذلك.

و هو كذلك إذا لم تحتمل الشبهة في حقّه و دلّ على إنكاره النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و لو تركها لا عن استحلال أو استخفاف عزّر، فإن عاد يعاد إلى التعزير، فإن عاد ثالثة يقتل على قول، و قيل: يقتل في الرابعة «2».

و الخلاف هنا مبني على الخلاف في أصحاب الكبائر هل يقتلون في الثالثة أو الرابعة، و لتحقيق المسألة محلّ آخر يأتي إن شاء اللّه.

______________________________

(1) ثواب الأعمال: 274- 1، المحاسن 1: 80- 8، الوسائل 4: 42 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 11 ح 6.

(2) كما في المبسوط 1: 129، و الذكرى: 131، و روض الجنان: 355.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 267

المسألة الثانية: الأصل في كلّ من أخلّ بالصلاة الواجبة

الموقّتة عمدا كان الإخلال بها أو سهوا أو جهلا أو لعذر أو ضرورة، و بالجملة بأيّ نحو كان، أنّه يجب عليه القضاء.

لصحيحة زرارة و الفضيل: «و متى ما استيقنت أو شككت

في وقتها أنك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنك لم تصلها، صليتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أي حال كنت» «1».

و روايته: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى، فإن كنت تعلم أنك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك، فإنّ اللّه تعالى يقول: أقم الصلاة لذكري، و إن كنت تعلم أنك إذا صلّيت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها فصلّها، ثمَّ أقم الأخرى» «2».

و النبوي المشهور: «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها» «3».

و غير ذلك من الأخبار المتواترة الواردة في خصوص النائم و الناسي و الساهي و المغمى عليه و المصلّي بغير طهور.

و توهّم عدم شمول ما تضمّن لنحو قوله «فاتته» لمن لم يكلّف بالأداء- كما هو مذكور في عبارات كثير من العلماء كالمنتهى و روض الجنان و الذكرى «4»، و غيرها- لأنّ موضعها من صدق عليه الفوت، و ليس إلّا من طولب بالأداء، و إلّا لم يصدق الفوت، كما لا يصدق على الصغير و المجنون و نحوهما، غير صحيح.

______________________________

(1) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276- 1098، الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.

(2) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 4، التهذيب 2: 268- 1070، الاستبصار 1:

287- 1051، الوسائل 4: 287 أبواب المواقيت ب 62 ح 2.

(3) صحيح مسلم 1: 471- 309.

(4) المنتهى 1: 420، روض الجنان: 355، الذكرى: 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 268

لا لما قيل من عدم صحة السلب، فلا يقال للنائم

الفائت عنه صلواته: ما فاتته الصلاة «1»، لجواز استناد ذلك إلى اشتراط قابليّة المحلّ في صدق الفوت و عدمه، و لذا لا يقال للصغير: فاتته الصلاة و لا ما فاتته.

بل لمنع توقف صدق الفوت على وجوب الأداء، كيف؟! و قد استعمل في الإغماء المستوعب و النسيان و النوم إلى خارج الوقت بحيث لا يحصى كثرة في الأخبار، و الأصل في الاستعمال الحقيقة، إذ لا يعلم له معنى سواه غير شامل لذلك، بل مقتضى المعنى اللغوي أيضا شموله له.

نعم، يشترط في صدقه أن يكون الموضع من كان من شأنه الطلب منه الأداء و لو فعله كان مأمورا به صحيحا، و لذا لا يستعمل ذلك في الصغير و المجنون و نحوهما.

مع أنّه لو سلّم ذلك فلا ينحصر دليل ذلك بما تضمن لفظ الفوت، بل فيها ما يشمل الكل قطعا كصحيحة زرارة و الفضيل.

هذا فيما إذا ترك أصل الصلاة أو عمدتها التي يصدق معه ترك الصلاة عرفا.

و أما وجوب القضاء بمجرد الإخلال بجزء أو شرط واجب فقد ثبت بالموارد الجزئية الآمرة بالقضاء، أو الإعادة المستلزمة لوجوب القضاء إن ترك الإعادة الواجبة بتلك الأخبار، هذا.

ثمَّ إنّ ما ذكرناه هو الأصل، و قد خرج منه موارد إجماعا، و وقع الخلاف في بعض موارد أخر.

منها: ما فات عن الحائض و النفساء حالتي الحيض و النفاس، فلا يجب قضاؤها إجماعا، كما مرّ في بحث الطهارة.

و منها: ما فات لفقد الطهور، فقد وقع الخلاف فيه، و قد مرّ تحقيقه في بحث التيمم.

______________________________

(1) الرياض 1: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 269

و منها: ما فات عن الكافر الأصلي، و غير البالغ، و المجنون المطبق، أو الدوري المستوعب للوقت، فلا يجب عليهم قضاؤه، بالإجماع

المحقق و المحكي مستفيضا «1».

و هو الدليل عليه، دون الأصل كما قيل «2»، لما عرفت، و لا حديثي جبّ الإسلام و رفع القلم، لإجمال الأول، و استلزام الثاني رفع القلم حال الصغر و الجنون دون ما بعدهما، نعم كان يصحّ ذلك لو كنّا نقول بترتب القضاء على الأداء، و ليس كذلك، بل هو بأمر جديد شامل لهما بعد رفع الحجر، و على هذا فلا يسقط عنه قضاء ما فات بجنون مسبّب من فعله، لعدم الإجماع فيه.

و منها: ما فات عن غير المؤمن من فرق المسلمين باعتبار الإخلال بشرط واجب عندنا إذا كان صحيحا عنده، و أما إذا لم يكن صحيحا عنده أو فات من أصله فيجب قضاؤه بعد الاستبصار.

أما الثاني فلعموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء الفوائت.

و أما الأول فللمستفيضة من الصحاح و غيرها المصرّحة به، كصحيحة الفضلاء «3»، و صحيحة ابن أذينة «4»، و صحيحة العجلي «5»، و غيرها، بل ورد في رواية عمّار المروية في كتاب الكشي، و في الذكرى عن كتاب الرحمة: سقوط قضاء ما فات عنهم حال الضلالة أيضا «6»، إلّا أنها لضعفها غير صالحة لتخصيص العمومات.

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 81، و روض الجنان: 355- 356، و المدارك 4: 289، و الحدائق 11: 2، و الرياض 1: 224.

(2) استدلّ به لسقوط القضاء عن المجنون في كشف اللثام 1: 170.

(3) الكافي 3: 545 الزكاة ب 28 ح 1، التهذيب 4: 54- 143، العلل: 373- 1، الوسائل 9:

216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.

(4) الكافي 3: 546 الزكاة ب 28 ح 5، الوسائل 9: 217 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 3.

(5) التهذيب 5: 9- 23، الوسائل 9: 216 أبواب المستحقين

للزكاة ب 3 ح 1.

(6) رجال الكشي 2: 652- 667، الذكرى: 136، الوسائل 1: 127 أبواب مقدمة العبادات ب 31 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 270

و منها: المغمى عليه، فإنّه يقضي ما فاته حال الإغماء أن أفيق في وقته بقدر الطهارة و ركعة من الصلاة، إجماعا، و لا يقضي ما استوعب الإغماء وقته، على الأظهر الأشهر بين من تقدّم و تأخّر، بل- كما قيل «1»- بلا خلاف فيه إلّا عن نادر، بل بالإجماع كما عن الغنية «2»، و عن المنتهى و الدروس الإشعار بدعوى الإجماع أيضا «3».

أما الأول فللأصل المتقدم، و خصوص المستفيضة، كصحيحة أبي بصير:

عن المريض يغمى عليه ثمَّ يفيق، كيف يقضي صلاته؟ قال: «يقضي الصلاة التي أدرك وقتها» «4».

و الأخرى: عن المريض يغمى عليه نهارا ثمَّ يفيق قبل غروب الشمس، قال: «يصلي الظهر و العصر، و من الليل إذا أفاق قبل الصبح يقضي صلاة الليل» «5».

و الحلبي: عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال: «لا، إلّا الصلاة التي أفاق فيها» «6».

و الرضوي: «ليس على المريض أن يقضي الصلاة إذا أغمي عليه إلّا الصلاة التي أفيق في وقتها» «7». و غير ذلك.

و أما الثاني فقيل: للأصل، و عدم دليل على وجوب القضاء هنا، إذ ليس

______________________________

(1) الرياض 1: 224.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

(3) المنتهى 1: 420، الدروس 1: 145.

(4) الكافي 3: 412 الصلاة ب 70 ح 4، التهذيب 3: 304- 932، الاستبصار 1:

459- 1779، الوسائل 8: 262 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 17.

(5) التهذيب 3: 305- 940، الاستبصار 1: 460- 1787، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 21.

(6) الفقيه 1: 236- 1040، التهذيب 3: 304- 933،

الاستبصار 1: 459- 1780، الوسائل 8: 258 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 1.

(7) فقه الرضا (عليه السلام): 125، مستدرك الوسائل 6: 433 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 271

إلّا عمومات قضاء الفائتة المتضمنة لقوله «من فاتته» و هي غير معلومة الشمول لمفروض المسألة كما مرّ «1».

و فيهما نظر ظهر وجهه.

بل للمستفيضة من الأخبار كصحيحة الحلبي المتقدمة، و الخزاز: عن رجل أغمي عليه أياما لم يصلّ، ثمَّ أفاق أ يصلّي ما فاته؟ قال: «لا شي ء عليه» «2».

و حفص: في المغمى عليه قال: «ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر» «3».

و محمّد: في الرجل يغمى عليه الأيام، قال: «لا يعيد شيئا من صلاته» «4».

و رواية معمر: عن المريض يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ فقال: «لا» «5».

و ابن سنان: «كلّ ما غلب اللّه عليه فليس على صاحبه شي ء» «6».

و صحيحة ابن مهزيار: عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب: «لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة» «7».

و المروي في الخصال: الرجل يغمى عليه اليوم و اليومين و الأربعة و أكثر من ذلك كم يقضى من صلاته؟ فقال: «ألا أخبرك بما يجمع كلّ هذا و أشباهه؟ كلّ ما غلب اللّه عز و جل عليه من أمر فاللّه أعذر لعبده» «8». إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن المقنع، فيقضي كلّ ما فاته «9»، للعمومات و خصوص

______________________________

(1) الرياض 1: 225.

(2) الكافي 3: 412 الصلاة ب 70 ح 3، التهذيب 3: 302- 924، الاستبصار 1:

457- 1771، الوسائل 8: 261 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 14.

(3) الكافي 3: 413 الصلاة ب 70 ح 7، التهذيب 3: 302-

923، الوسائل 8: 261 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 13.

(4) التهذيب 4: 243- 713، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 23.

(5) الكافي 3: 412 الصلاة ب 70 ح 2، التهذيب 3: 303- 926، الاستبصار 1:

457- 1773، الوسائل 8: 261 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 15.

(6) التهذيب 4: 245- 726، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 24.

(7) التهذيب 3: 176- 395، الوسائل 8: 262 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 18.

(8) الخصال: 644- 24، الوسائل 8: 260 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 8.

(9) المقنع: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 272

الروايات كصحيحة ابن سنان: «كلّ شي ء تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت» «1».

و محمد: عن الرجل يغمى عليه ثمَّ يفيق، قال: «يقضي ما فاته» «2».

و ابن حازم: في المغمى عليه قال: «يقضي كلّ ما فاته» «3».

و رفاعة: عن المغمى عليه شهرا ما يقضيه من الصلاة؟ قال: «يقضيها كلّها، إنّ أمر الصلاة شديد» «4».

و حفص: «يقضي المغمى عليه ما فاته» «5».

و الجواب عنها:

أولا: بتضعيف دلالة غير الاولى على الوجوب، و الاولى و إن دلّت عليه إلّا أنها تشمل ما أدرك وقتها أيضا، فهي أعمّ مطلقا من بعض ما مرّ فيجب تخصيصها به.

و ثانيا: بأنّه على فرض دلالتها و مساواتها محمولة على الاستحباب بقرينة الأخبار السابقة، و تشعر به رواية أبي كهمس: عن المغمى عليه أ يقضي ما ترك من الصلاة؟ فقال: «أمّا أنا و ولدي و أهلي فنفعل ذلك» «6».

و قريبة منها رواية ابن حازم «7».

و ثالثا: بأنّها على فرض كونها للوجوب لا تصلح لمعارضة ما مرّ، لشذوذها،

______________________________

(1) التهذيب 4: 244- 721، الاستبصار

1: 459- 1782، الوسائل 8: 264 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 1.

(2) التهذيب 3: 304- 936، الاستبصار 1: 459- 1783، الوسائل 8: 265 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 2.

(3) التهذيب 3: 305- 937، الاستبصار 1: 459- 1784، الوسائل 8: 265 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 3.

(4) التهذيب 4: 244- 719، الاستبصار 1: 459- 1785، الوسائل 8: 265 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 4.

(5) التهذيب 4: 243- 716، الوسائل 8: 266 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 8.

(6) التهذيب 4: 245- 724، الوسائل 8: 266 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 12.

(7) التهذيب 4: 245- 725، الوسائل 8: 266 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 273

و مخالفتها الشهرة القديمة المخرجة لها عن الحجية.

و رابعا: بأنّ مع المعارضة يرجّح ما مرّ بأحدثيّة بعضها، و أبعديّتها عن فتاوى العامة، و أشهريّتها، و أصرحيّتها.

و للمحكي عن بعض آخر من أصحابنا، فيقضي آخر أيام إفاقته إن أفاق نهارا و آخر ليلة إن أفاق ليلا [1]، لمرسلة المقنع: (و روي أنّه «ليس على المغمى عليه أن يقضي إلّا صلاة اليوم الذي أفاق فيه و الليلة التي أفاق فيها» «1».

و رواية العلاء و فيها: «إن أفاق قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا، فإن أغمي عليه أياما ذوات عدد فليس عليه أن يقضي إلّا آخر أيامه إن أفاق قبل غروب الشمس، و إلّا فليس عليه قضاء» «2».

و صحيحة الحجّال و فيها: «يقضي صلاة اليوم الذي يفيق فيه» «3».

و الجواب عنها- مع ندرتها، و شذوذها، و ضعف الاولى، و قصور البواقي عن إفادة الوجوب، و عدم ظهور حكم الليلة من غير الأولى

الضعيفة، بل دلالة الثانية على عدم القضاء مطلقا إن أفاق بعد الغروب-: أنّ الظاهر منها إرادة الصلاة التي أدرك وقتها.

و مما ذكر يظهر الجواب عن بعض أخبار أخر منافية على الظاهر للمختار من قضاء ثلاثة أيام أو يوم مطلقا «4»، إذ لا قائل بشي ء منها، و لا صراحة على الوجوب

______________________________

[1] في الذكرى: 135: قال ابن الجنيد: و المغمى عليه أيّاما من علّة سماويّة غير مدخل على نفسه ما لم يبح عليه إدخاله عليها، إذا أفاق في آخر نهاره إفاقة يستطيع معها الصلاة قضى صلاته ذلك اليوم، و كذلك إن أفاق في آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة، إلى آخره.

______________________________

(1) المقنع: 37، الوسائل 8: 260 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 10.

(2) التهذيب 3: 303- 931، الاستبصار 1: 458- 1778، الوسائل 8: 262 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 19.

(3) التهذيب 3: 305- 939، الاستبصار 1: 459- 1776، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 22.

(4) انظر: الوسائل 8: 264 أبواب قضاء الصلاة ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 274

فيها، فيحمل على الاستحباب و تحمل الاختلافات على تفاوت مراتب الفضيلة، فأعلاها الجميع، ثمَّ الشهر خاصة كما حكاه في السرائر رواية «1»، ثمَّ ثلاثة أيام، ثمَّ يوم.

و هل سقوط القضاء في هذه الصورة يعمّ ما إذا كان المكلّف نفسه سبب الإغماء أيضا، أم يختص بما إذا لم يكن السبب فعله؟.

ظاهر النافع و البيان و الدروس و الذخيرة، بل- كما قيل- الصدوق في الفقيه:

الأول «2»، لإطلاق الأدلة.

و عن السيّد و الإسكافي و الحلّي و الديلمي: الثاني «3»، و صرّح به في الذكرى، و أسنده إلى فتوى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع «4»، لعمومات قضاء الفوائت،

الخالية حينئذ عن مكاوحة تخصيص مسقطات القضاء عن المغمى عليه، لانصرافها إلى الأفراد الشائعة و هي غير المورد، بل يدلّ التعليل في جملة من الأخبار بأنّ «ما غلب اللّه أولى بالعذر» عليه أيضا، فتخصّص به العمومات، بل المتبادر من الأخبار من لفظ «أغمي عليه» أو «المغمى عليه» ما لا يكون بفعل نفسه.

و لا يخفى أنّ الشيوع المدّعى بحيث يوجب الانصراف غير معلوم، و اختصاص العلة فيما تضمّن التعليل بما إذا كان الإغماء عن فعله سبحانه يوجب اختصاص اقتضائها به، لا نفي الاقتضاء عن غيرها إذا كان مندرجا تحت العمومات، و كون المتبادر منه كون إغمائه عن غيره لا عن نفسه غير مسلّم، بل يشمل الجميع، و لا أقل من احتمال الجميع، فتكون العمومات مخصوصة

______________________________

(1) السرائر 1: 276.

(2) النافع: 46، البيان: 256، الدروس 1: 145، الذخيرة: 383، الفقيه 1: 237- 1042 ذ. ح.

(3) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 38، الذكرى: 135 حكاه عن الإسكافي الحلي في السرائر 1: 276، الديلمي في المراسم: 91 و 92.

(4) الذكرى: 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 275

بالمجمل، فلا تكون حجة في موضع الإجمال (فالقول بالسقوط فيما كان بفعله أيضا أقوى) «1».

و على هذا فيسقط في جميع أفراد المغمى عليه، و لا حاجة إلى التطويل بذكر بعض الفروع التي تختلف أحكامها بواسطة التفصيل بين ما إذا كان الإغماء لا بعمله أو بعمله، كما إذا لم يعلم أداء عمله إلى الإغماء، أو علمه، أو أكره عليه و نحو ذلك.

و ظاهر بعضهم أنّ السكران من المغمى عليه «2»، و في صدقه على جميع أفراده نظر، فكلّ ما يعلم صدقه عليه يحكم في حقه بالسقوط مع استيعاب الوقت، و

ما لم يعلم- كالذي يدرك الخوف و الألم و الجوع و العطش- فيبقى تحت عمومات وجوب القضاء.

بل تظهر من بعضهم مغايرته له مطلقا حيث صرّح بعدم نصّ في السكران، و أنّ دليل سقوط القضاء عنه التعليل الوارد بعدم القضاء مع الإغماء «3».

و الظاهر أنّه كذلك، و على هذا فيجب الاقتصار في السقوط في حقّه على مورد التعليل.

لو قيل: يتعارض عمومه مع عمومات القضاء.

قلنا: فيرجع إلى أصالة عدم وجوب القضاء، فيجب القضاء على من كان سكره بفعله و لو أغمي عليه و استوعب.

المسألة الثالثة: النائم عن صلاة يقضيها وجوبا

، و لو استوعب النوم الوقت أو كان على

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ق».

(2) كما في الذكرى: 135، و روض الجنان: 355.

(3) الرياض 1: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 276

خلاف العادة، لعمومات قضاء الفوائت، و مرسلتي ابني مغيرة و مسكان:

الأولى: في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلّا بعد انتصاف الليل، قال:

«يصلّيها و يصبح صائما» «1».

و الثانية: «من نام قبل أن يصلّي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل، فليقض صلاته و ليستغفر اللّه» «2».

و صحيحة زرارة: عن رجل صلى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها، فقال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها» إلى أن قال: «إذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى» «3».

و موثقة البصري: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين تذكّرها» «4».

و صحيحة ابن سنان: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما» إلى أن قال:

«و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس» «5».

خلافا للذكرى، فألحق النوم على غير العادة بالإغماء في

عدم وجوب القضاء، قال: و قد نبّه عليه في المبسوط «6»، للأصل، و عدم دليل على وجوب القضاء هنا، لاختصاص النصوص الواردة به في النوم العادي منه، لأنه المتبادر منه إلى الذهن عند الإطلاق.

و فيه: أنه لو سلّم التبادر المذكور و عدم دلالة نصوص النوم، فلا شكّ في

______________________________

(1) الكافي 3: 295 الصلاة ب 12 ح 11، الوسائل 4: 216 أبواب المواقيت ب 29 ح 8.

(2) التهذيب 2: 276- 1097، الوسائل 4: 215 أبواب المواقيت ب 29 ح 6.

(3) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 3، التهذيب 3: 159- 341، الاستبصار 1:

286- 1046، الوسائل 8: 256 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.

(4) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 5، التهذيب 2: 269- 1071، الوسائل 4: 291 أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

(5) التهذيب 2: 270- 1076، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.

(6) الذكرى: 135، و هو في المبسوط 1: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 277

اندراجه تحت عمومات الفوائت، سيّما صحيحة زرارة و الفضيل المتقدمة «1»، فبها يخرج عن الأصل.

نعم تعارض العمومات بعموم التعليل الوارد في أخبار الإغماء، و مقتضاه الرجوع إلى أصالة عدم الوجوب، إلّا أنّ في التبادر المذكور نظرا، و أخبار القضاء بالنوم أخصّ مطلقا من عموم التعليل، فيخصّص بها.

______________________________

(1) في ص: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 278

البحث الثاني في بيان أحكام القضاء، و فيه مسائل
المسألة الأولى: هل يجب قضاء الفائتة من الفرائض فورا أو يجوز التأخير؟.
اشارة

المحكي عن السيّد و الحلّي و الحلبي: الفورية «1»، حتى حكي عنهم المنع عن الأكل و الشرب و النوم إلّا ما لا بدّ منه و التكسب، و هو ظاهر المفيد و الديلمي أيضا «2».

و يظهر من طائفة من المتأخّرين أنّه مذهب كلّ من يقول بوجوب تقديم القضاء

على الفريضة الحاضرة، و لذا لم يذكروا إلّا مسألة واحدة و استدلّوا بما يدلّ على كلّ منهما للآخر، و أنكره بعض مشايخنا المحققين و جعلهما مسألتين، و قال:

من حكم بوجوب تقديم الفائتة فإنّما هو من حيث هو هو مع قطع النظر عن الفورية، ثمَّ قال: سلّمنا عدم ظهور الاتحاد [1] و لكن ظهور كون وجوب تقديم الفائتة من جهة خصوص الضيق من أين؟ و كذا لو ادّعي الإجماع المركب بأنّ كلّ من قال بالوجوب قال بالفور البتة، بحيث يكشف عن قول المعصوم؟.

و نعم ما قال.

و يشعر به كلام الفاضل في التذكرة حيث قال: إنّ أكثر علمائنا على وجوب

______________________________

[1] شرح المفاتيح للبهبهاني (مخطوط)، قال فيه- بعد أن ادّعى ظهور جملة من كلمات الأصحاب في عدم اتحاد المسألتين-: سلّمنا عدم الظهور لكن ظهور كون وجوب ..، فلعلّ الصحيح في المتن: سلّمنا عدم ظهور عدم الاتحاد.

______________________________

(1) السيد في حمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 38، الحلي في السرائر 1: 272- 274، الحلبي في الكافي: 149.

(2) انظر: نهاية الإحكام: 125، تحرير الأحكام 1: 50، إرشاد الأذهان 1: 271، قواعد الأحكام 1: 44، المختصر النافع: 46، المقتصر: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 279

الترتيب، ثمَّ قال: و جماعة من علمائنا ضيّقوا الأمر في ذلك و شدّدوا على المكلف غاية التشديد «1».

فإنّ نسبة الترتيب إلى الأكثر و التضييق إلى جماعة مشعرة باختلاف المسألتين.

و كيف يعلم اتحاد المسألتين و كون القول بالترتيب مترتبا على القول بالفورية و التضيق مع أنّ كثيرا من علمائنا عنونوا المسألة بوجوب تقديم الفائتة و عدمه، و لم يتعرّضوا للفورية و ما يترتب عليها، كما في نهاية الشيخ و التحرير و الإرشاد و القواعد و النافع

و غيرها «2»؟!.

بل يشعر التفصيل بين الفائتة الواحدة و المتعددة و فائتة اليوم و غيرها أنّ الكلام في مسألة الترتيب غير الكلام في التضيق و الفورية.

نعم لما كانت طائفة من القائلين بالترتيب كانوا يقولون بالفور أيضا، بل كان الترتيب عندهم لأجل الفورية و استدلّوا بكون الأمر للفور، فلأجله توهّم بعضهم اتحاد المسألتين.

و بالجملة الظاهر- كما قلنا- اختلاف المسألتين، و على هذا فلا يمكن دعوى الشهرة على الفورية أيضا، بل الظاهر أنّها على المواسعة، إذ لم يتعرض لفورية القضاء إلّا من ذكر، أو مع نادر غيرهم، و ظاهر بعض القدماء كون المواسعة إجماعية «3»، و نسبها في الذخيرة ظاهرا إلى شهرة القدماء «4»، كما يأتي في المسألة السابعة.

و كيف كان، فالحقّ عدم الفورية و جواز التأخير، للأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة رأسا، و لزوم العسر و الحرج المنفيين، بل التكليف بما لا يطاق عادة في بعض الأحيان لولاه، و عمل المسلمين من السلف و الخلف، إذ قلّ من لم تتعلق ذمته بفائتة و لو لإخلال شرط أو ترك تقليد سيّما في أوائل بلوغه، و مع ذلك ينامون

______________________________

(1) التذكرة 1: 82.

(2) انظر: ص: 278، هامش رقم: 2.

(3) انظر: ص 288.

(4) الذخيرة: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 280

و يجلسون و يكتسبون و يصلّون في أوائل الأوقات، مع أنّ المشهور عندهم أنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضده، و ما يأتي من المستفيضة المجوّزة لتأخير الفائتة عن الحاضرة، مع أنّ كل من يقول بجواز تأخيرها عنها يقول بعدم الفورية.

و صحيحة ابن سنان: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رقد فغلبته عيناه و لم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس، ثمَّ استيقظ فعاد ناديه ساعة و ركع ركعتين

ثمَّ صلّى الصبح» «1».

قوله «فعاد ناديه ساعة» أي: عاد إلى مكانه الذي فيه أصحابه فمكث ساعة، و لو كان فوريا لما أخّر ذلك القدر، و كذا لم يحوّل من مكانه قبل القضاء، مع أنّ في مضمرة سماعة تنحيّه عنه قبله «2»، و في صحيحة زرارة مع ذلك مخاطبته لبلال و استماع جوابه و أمر الأصحاب بالتنحّي عن مكان الغفلة «3».

و القدح في هذه الأخبار، بإيجابها القدح في النبي باعتبار رقوده عن فرض، سيّما مع أنّه لا ينام قلبه، و سيّما مع تضمّن بعضها لقوله عليه السلام: «إنّما نمتم بوادي الشيطان» الدالّ على أنّ منشأ نومهم تسلّط الشيطان مع أنّ سلطانه على الّذين يتولونه لا على المؤمنين الذين معه.

مخدوش جدّا، لمنع كون رقوده قدحا فيه بل رحمة للأمة كما ورد في بعض هذه الأخبار «4». و إنامته سبحانه له لمصلحة لا توجب قدحا فيه أصلا، و لا ينافي تيقظ قلبه. و كونه وادي الشيطان لا يدلّ على تسلّطه على الجميع، غايته إنامته لبعض منهم، و هذا ليس بمنفي، إذ لم يكن الجميع من أهل العصمة بل لعلّ أهل النفاق كانوا فيهم أيضا.

و تدلّ على المطلوب أيضا صحيحة زرارة الطويلة، و في آخرها: «أيّهما- أيّ: أيّ العشاءين- ذكرت فلا تصلّيهما إلّا بعد شعاع الشمس» قال، قلت: لم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    281     المسألة الأولى: هل يجب قضاء الفائتة من الفرائض فورا أو يجوز التأخير؟. ..... ص : 278

____________________________________________________________

(1) التهذيب 2: 265- 1058، الاستبصار 1: 286- 1049، الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت ب 61 ح 1.

(2) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 8، الوسائل 8: 267 أبواب قضاء الصلوات ب 5 ح 1.

(3)

الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

(4) انظر: الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 281

ذلك؟ قال: «لأنك لست تخاف فوتها» «1».

يعني: أنّها ليست موقّتة و لا فوريّة حتى يجب التعجيل فيها و فعلها في الأوقات المكروهة.

و لا يضرّ الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة في صدر هذه الصحيحة، لعدم ملازمة بين انتفاء الترتيب و المواسعة.

و القدح فيها بعدم مرجوحيّة قضاء الفرائض في الأوقات المكروهة عند الإمامية بالإجماع، و مع ذلك تعارضها أخبار كثيرة كما مرّت في بحث الأوقات، فيتعين حملها على التقية.

مردود بأنّ مقتضى الإجماع عدم المرجوحيّة، و هو لا ينافي جواز التأخير، فيمكن أن يكون قوله «لا تصلّهما» مجازا في الإباحة، كما قالوا في النهي الواقع عقيب الوجوب، بل هو هنا أيضا كذلك، لتقديم الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة، و يؤكّده التعليل لأنّه إنّما يلائم علّة لجواز التأخير، فيكون مطلوبه عليه السلام بيان جواز التأخير عن شعاع الشمس، حتى لا يتوهّم الراوي حرمته فيوجب ذلك وقوعه في موقع نفيه.

مع أنّه لو سلمنا عدم دلالة قوله «فلا تصلّهما» على المطلوب لمخالفته الإجماع أو وجود المعارض له، فلا شك في دلالة التعليل عليه، و لا معارض له من إجماع أو خبر.

و تدلّ على المطلوب أيضا موثقة الساباطي و فيها: عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: «نعم يقضيها بالليل على الأرض، و أما على الظهر فلا» «2».

دلّت على رجحان فعل ما يجب على المسافر من قضاء الحضر بالليل، و إن

______________________________

(1) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63

ح 1.

(2) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 282

أمكن في النهار بعد النزول (عن الظهر، بل و إن أمكن النزول) «1» في أثناء الطريق، و لو كان القضاء فوريا لما كان ذلك جائزا فضلا عن الرجحان.

فإن قيل: رجحان التأخير إلى الليل مناف للإجماع على رجحان التعجيل.

قلنا: لا نسلّم ذلك الإجماع بالإطلاق، لجواز أن يكون الراجح للمسافر التأخير إلى الليل، ليستريح غبّ نزوله عن مشقة الركوب و يهيّئ ما يحتاج إليه، مع أنّه يمكن أن يكون قوله «يقضيها» للإرشاد دون الرجحان.

و من هنا يظهر جواز الاستدلال للمطلوب برواية الساباطي أيضا: عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس و هو في سفر، كيف يصنع؟ أ يجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: «لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا يجوز له و لا يثبت له، و لكن يؤخرها فيقضيها بالليل» «2».

فإنّ المراد أنّ الرجل المسؤول عنه- الذي هو في السفر- لا يقضي بالنهار، أي حال الركوب، حيث إنّه الغالب للمسافر في النهار، بل في حال النزول أيضا، لكونه كسلا متعبا حينئذ، بل يؤخّرها إلى الليل، و يكون التأكيد محمولا على غاية الكراهة للمسافر، و على هذا ليس خلاف إجماع في الرواية كما قيل «3». و كون رجحان التعجيل في القضاء حتى من المسافر في النهار إجماعيا ممنوع جدا.

و يدلّ على المطلوب أيضا تقديم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قضاء ركعتي النافلة على قضاء الفريضة كما ورد في أخبار رقوده، المتقدم صدرها.

و رواية أبي بصير: عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس، قال:

«يصلي ركعتين ثمَّ يصلي الغداة» «4».

______________________________

(1)

ما بين القوسين لا توجد في «ق».

(2) التهذيب 2: 272- 1081، الاستبصار 1: 289- 1057، الوسائل 8: 258 أبواب قضاء الصلاة ب 2 ح 6.

(3) الحدائق 6: 362.

(4) التهذيب 2: 265- 1057، الاستبصار 1: 286- 1048، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 283

دلّت على جواز تقديم النافلة- قضاء كما في الأول أو مطلقا كما في الثاني- على قضاء الفريضة، و هو مناف للفورية قطعا.

و الخدش في الأخيرة بأنّها تدلّ على استحباب تقديم ركعتين على القضاء و إن لم تفت عنه ركعتا النافلة، و هو ممّا لم يقل به أحد.

مردود بأنّه من أين يثبت الإجماع على عدم استحباب ذلك، و عدم ذكره لا يدلّ على العدم.

و على هذا فيمكن أن يستدلّ للمطلوب بموثّقة الساباطي: «إذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثمَّ اقض ما شئت» «1».

و قد يستدل أيضا بما دلّ على استحباب الأذان و الإقامة لقضاء الفرائض «2».

و فيه نظر، لأنّهما من مقدمات الصلاة، غاية الأمر كونهما من المقدمات المستحبة، و الاشتغال بمقدمات الشي ء لا ينافي فوريته، لأنها تعدّ معه فعلا واحدا.

احتجّ أهل المضايقة بوجوه:
الأوّل: الأمر بالقضاء

و هو للفور.

الثاني: قوله سبحانه أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «3»

. فإنّها واردة في الفائتة، كما ورد في صحيحة زرارة في رقود رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «4»، و في رواية أخرى له: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى

______________________________

(1) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 5.

(2) انظر: الوسائل 8: 254 و 270 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3 و 4 و ب 8.

(3) طه: 14.

(4) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 284

فإن كنت تعلم أنك إذا كنت صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك، فإنّ اللّه تعالى يقول أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «1».

فيكون المعنى: أقم الصلاة وقت ذكر صلاتي، على أن يكون اللام للظرفية و يقدّر المضاف، أو: وقت ذكري إيّاك لما نسيت من الصلاة، فيكون الذكر مضافا إلى الفاعل، فيكون القضاء وقت التذكر واجبا فورا.

الثالث: الأخبار الدالّة على وجوب فعل القضاء حين التذكر

و أنه وقته، كصحيحة زرارة: عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة أن يصلّيها أو نام عنها، فقال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت صلاة و لم يتمّ ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت» «2».

و موثقة البصري: عن رجل نسي صلاة حتى دخل في وقت صلاة أخرى، فقال: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، و إن ذكرها و هو في صلاته بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمَّ صلّى المغرب» «3» الحديث.

و صحيحة زرارة: «أربع يصليهنّ الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك متى ذكرتها أدّيتها» «4» الحديث.

______________________________

(1) الكافي 3:

293 الصلوات ب 12 ح 4، التهذيب 2: 268- 1070، الاستبصار 1:

287- 1051، الوسائل 4: 287 أبواب المواقيت ب 62 ح 2.

(2) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 3، التهذيب 2: 266- 1059، الاستبصار 1:

286- 1046، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 3.

(3) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 5، التهذيب 2: 269- 1071، الوسائل 4: 291 أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

(4) الكافي 3: 288 الصلاة ب 10 ح 3، الفقيه 1: 278- 1265، الخصال: 247- 107، الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 285

و صحيحة ابن عمار: «خمس صلوات لم تترك على كل حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم، و صلاة الكسوف، و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الجنازة» «1».

و صحيحة يعقوب: عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس، أ يصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تبسط الشمس؟ قال: «يصلي حين يستيقظ» قلت: يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال: «يبدأ بالفريضة» «2».

و رواية الرازي: عن رجل فاته شي ء من الصلاة فذكر عند طلوع الشمس و عند غروبها، قال: «فليصلّ حين ذكرها و لو بعد العصر» «3».

و صحيحة زرارة و الفضيل: «فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت» «4».

و قوله عليه السلام: «من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها» «5».

و يزيد فيه دلالة أنه متضمن للفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة.

و قد زيد في بعض الروايات: «فذلك وقتها» «6» و في بعضها: «أنّ من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها» «7».

و حديث زرارة: «إذا نسي الرجل صلاة أو صلّاها بغير طهور و هو مقيم أو

مسافر فليقض الذي وجب عليه، لا يزيد على ذلك و لا ينقص، و من نسي أربعا

______________________________

(1) الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 2، التهذيب 2: 172- 683، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 4.

(2) التهذيب 2: 265- 1056، الاستبصار 1: 286- 1047، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 4.

(3) التهذيب 2: 171- 680، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت ب 39 ح 16.

(4) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276- 1098، الوسائل 4: 282 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.

(5) عوالي اللئالي 1: 201- 17، مستدرك الوسائل 6: 430 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 11.

(6) سنن ابن ماجه 1: 228- 698، المعتبر 2: 406، بتفاوت.

(7) سنن الدار قطني 1: 423- 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 286

فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما، و إن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما» «1».

و صحيحته و فيها: «و إن كنت قد صلّيت الظهر و قد فاتتك الغداة فذكرتها فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها» «2».

و الجواب عن الأوّل: بمنع كون الأمر للفور.
و عن الثاني: بأنّ للآية محتملات كثيرة

كأن يكون الذكر بمعنى وقت الصلاة، أو بمعنى الآذان، أو قصد القربة، أو يكون اللام للتعليل أي لتذكّري فيها، أو لذكري لها و أمري بها، أو لأذكرك كما قال جلّ شأنه فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ «3» أو لذكري خاصّة غير مشوب برياء، أو ليكون ذاكرا لي.

و ليس في الحديثين دلالة على إرادة المعنى الأوّل، إذ يمكن أن يكون التعليل لمطلق الأمر بالقضاء و الحثّ عليه، و بعض المحتملات يلائم التعليل بذلك. أو يكون مبنى التعليل على أمر لا نعلمه، فإنّ تطبيق الآية على معنى يلائم تعليل التضيق به

يحتاج إلى ارتكاب تخصيصات و تقديرات و تأويلات ليس بأقرب من ارتكاب خلاف ظاهر في التعليل.

مع أنّ الصلاة تشمل النوافل أيضا و تعجيل قضائها مستحب، و ليس حمل الأمر على الاستحباب بأبعد من تخصيص الصلاة.

و مع أنّ هذا التعليل ورد في صحيحة زرارة أيضا مع أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يعجّل بالقضاء، بل تحوّل من مكانه و تنفّل و تكلّم ثمَّ قضى «4».

و على فرض تسليم جميع ما ذكر لا يدلّ على أزيد من أنّ وقت الذكر وقت القضاء، و أمّا الفورية و التضيق فلا.

______________________________

(1) الفقيه 1: 282- 1283، التهذيب 3: 225- 568، الوسائل 8: 269 أبواب قضاء الصلاة ب 6 ح 4.

(2) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(3) البقرة: 152.

(4) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 287

و عن الثالث: بأنّ أكثر أخباره بين متضمّن للجملة الخبرية الغير الدالّة على الوجوب صريحا، أو للفظ الصلاة الشاملة للنوافل

، فلا يكون تخصيصها بالواجبة أولى من حمل الأمر فيها على مطلق الرجحان أو الجواز الذي هو أيضا من مجازات الأمر، أو للأمرين معا، مع أنّ منها ما هو عامي لا يصلح للحجية.

و ما خلا عن أحد هذه الوجوه- و ليس هو إلّا رواية زرارة و صحيحته الأخيرتين- ففي دلالته على الفورية نظر. بل يدلّ على وجوب القضاء حين يذكرها أو أيّ ساعة ذكرها سواء كان أول حال الذكر أو بعدها، فإنّه يصدق على الكلّ أنّه حين يذكرها و ساعة كذلك.

مضافا إلى أنّ الاولى منهما منساقة لبيان كيفية القضاء من القصر و الإتمام، فالمعنى أنّه يجب القضاء على نحو نسيها حين التذكر.

و إلى أنّ الأمر في الأخيرة

بل في الجميع وارد مورد توهّم الحظر أو الكراهة، حيث نهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، و كان ذلك شائعا معروفا، و هذه الأوامر لدفع هذا التوهم كما يشعر به قوله «في أيّ ساعة» و قوله «و لو بعد العصر» بل ذكر بعض هذه الأوقات، و في مثل ذلك الأمر ألف كلام.

و لو قطع النظر عن جميع ذلك فتعارض تلك الأخبار ما مرّ من أخبار المواسعة، و أخبارا كثيرة أخر واردة في موارد غير عديدة من مجوّزات النوافل و قضائها في أيّ وقت، و مرغّبات الصلاة في أول الوقت و مجوّزاتها تخييرا، و مجوّزات سائر الأفعال، فيرجع إلى الأصل أو التخيير. مع أنّ أخبار المواسعة تصلح قرينة لحمل هذه على الندب أو الجواز، فيجب الحمل عليه.

و ترجيح أخبار التضيّق بموافقة الكتاب و مخالفة العامة ممنوع.

لمنع التوافق للأوّل كما عرفت، بل أخبار المواسعة أوفق لمثل قوله أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «1» كما يأتي.

و منع التخالف للثاني. مع أنّ المرجّح هو المخالف لروايات العامّة، و بعض

______________________________

(1) الإسراء: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 288

ما مرّ من أخبار المضايقة عامي، فرواياتها لأخبارهم موافقة. بل الظاهر أن ذلك معنى قوله «خذ بما خالف العامة».

بل القول بالمضايقة و الترتيب مذهب أكثر العامة أيضا «1»، كما صرّح به بعض مشايخنا المحققين، قال بعد ترجيحه المضايقة و الترتيب: و يخدشه كون ذلك مذهب أكثر العامة، فلعلّهم ذكروا ذلك في أخبارهم الصحاح الكثيرة اتقاء للشيعة «2».

هذا كلّه مع أنّ في دلالة أكثر أخبار المضايقة عليها تأملا من وجوه أخر أيضا.

المسألة الثانية: لا خلاف نصّا و لا فتوى في وجوب تقديم الحاضرة على الفائتة
اشارة

مع ضيق وقت الحاضرة، و الأخبار مع ذلك به مستفيضة.

و أمّا مع سعته، ففي عدم وجوب تقديم الفائتة الواجبة مطلقا، أو وجوبه

كذلك، أو التفصيل فالأول مع تعدّد الفائتة و الثاني مع وحدتها، أو الأول إن صلّى القضاء في غير يوم الفوات و الثاني إن صلّاها في يوم فواتها، أقوال.

الأول- و هو الحقّ- مذهب عبيد اللّه بن علي الحلبي في أصله الذي عرض على الصادق عليه السلام و أثنى عليه.

و أبي الفضل محمّد بن أحمد بن سليم، قال في كتابه الفاخر: و الصلوات الفائتة يقضين ما لم يدخل وقت صلاة، فإذا دخل بدأ بالتي دخل وقتها و قضى بالفائتة متى أحبّ.

بل يظهر منه أنّه إجماعي حيث قال في خطبته لهذا الكتاب: إنّه ما روى فيه إلّا ما اجمع عليه و صحّ من قول الأئمة عليهم السلام.

و أبي عبد اللّه الحسين بن أبي عبد اللّه الواسطي، قال في كتابه النقض: إن

______________________________

(1) انظر: المغني و الشرح الكبير 1: 676، و بداية المجتهد 1: 183.

(2) البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 289

سأل سائل و قال: أخبرونا عمّن ذكر صلاة و هو في أخرى ما الذي يجب عليه؟

قال: يتم التي هو فيها و يقضي ما فاته، ثمَّ ذكر خلاف المخالفين.

ذكر هذه الثلاثة السيد ابن طاوس في بعض رسائله «1».

و القدح في الأخيرين بأنّ ظاهرهما وجوب تقديم الحاضرة، و هو خلاف الإجماع و الأخبار.

فاسد، لعدم دلالة الأول على الوجوب أصلا، فإنّ الجملة الخبرية لم تثبت دلالتها على الوجوب سيّما في كلمات القدماء أبدا. و أما الثاني فمقتضاه عدم جواز العدول عن الحاضرة و وجوب إتمامها، و هذا غير وجوب تقديم الحاضرة مطلقا (و إجماعية خلافه بل اشتهاره بل قول أحد ممن يقول بالمواسعة به في غير الفريضتين المشتركتين في الوقت ممنوع جدا، بل و كذا إجماعية عدم

وجوب تقديم الحاضرة مطلقا) «2».

و نسب ابن إدريس في رسالة عملها في هذه المسألة هذا القول إلى طائفة من العلماء الخراسانيين.

و هو أيضا مختار الصدوقين، و الحسين بن سعيد، و الراوندي، و نصير الدين عبد اللّه بن حمزة الطوسي، و سديد الدين محمود الحمصي، و يحيى بن سعيد جدّ المحقق، و نجيب الدين يحيى ابن عمّه، و السيد ضياء الدين بن الفاخر، و الشيخ أبي علي بن طاهر الصوري، جميعا من قدماء أصحابنا، نقل عنهم الشهيد «3».

و هو محتمل الكلام العماني «4». و نسبة القول بوجوب تقديم الفائتة إليه غير جيّد.

و في الذخيرة: و كأنّ القول بالمواسعة كان مشهورا بين القدماء «5».

______________________________

(1) نقلها في البحار 85: 327.

(2) ما بين القوسين لا توجد في «س».

(3) الظاهر أنه نقل عنهم في غاية المراد، انظر: مفتاح الكرامة 3: 386.

(4) حكاه عنه في المختلف: 144.

(5) الذخيرة: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 290

و هو مختار الفاضل في أكثر كتبه «1»، و والده و ولده «2»، و أكثر من عاصره من المشايخ، نقله في المختلف «3»، و الشهيدين في اللمعة و الروضة «4»، بل أكثر المتأخرين و متأخريهم «5»، و دعوى شهرتهم عليه مستفيضة، و اختاره ابن طاوس و الأردبيلي و صاحب الذخيرة «6».

و الثاني لكلّ من قال في المسألة السابقة بالفورية و المضايقة، و هو مذهب الشيخ و الإسكافي و ابن زهرة و الحلّي «7»، و ادعي عليه شهرة القدماء مستفيضة «8»، بل عن الخلاف و الغنية و السرائر و رسالتي المفيد و الحلي: الإجماع عليه «9»، و اختاره بعض مشايخنا مع قوله في المسألة الأولى بالمواسعة «10».

و الثالث للمعتبر و الشرائع و النافع و المدارك «11»، و

قواه الشهيد في بعض كتبه «12».

و الرابع للمختلف «13».

______________________________

(1) كالمنتهى 1: 421، و التذكرة 1: 81، و نهاية الاحكام 1: 322، و التحرير 1: 50.

(2) ولده في الإيضاح 1: 146، و نقل عن والده في المختلف: 144.

(3) المختلف: 144.

(4) اللمعة و الروضة 1: 345.

(5) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 494، و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 185، و المجلسي في البحار 85: 323.

(6) ابن طاوس في رسالته التي أورد بعضها في البحار 85: 327، و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2: 39، الذخيرة: 210.

(7) الشيخ في النهاية: 125، و الخلاف 1: 382، و المبسوط 1: 126 حكاه عن الإسكافي في المختلف: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562، الحلي في السرائر 1: 203 و 272.

(8) انظر: الرياض 1: 226.

(9) الخلاف 1: 385، الغنية (الجوامع الفقهية): 562، السرائر 1: 203.

(10) الرياض 1: 226.

(11) المعتبر 2: 405، الشرائع 1: 121، النافع: 46، المدارك 4: 295.

(12) نقله في مفتاح الكرامة 3: 390 عن غاية المراد.

(13) المختلف: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 291

لنا وجوه:

الأوّل: الأصل.

الثاني: إطلاق قوله سبحانه أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ «1».

دلّت على جواز صلاة الظهر عند الدلوك مطلقا، فعلى من يقول بعدم الجواز لمن عليه الفائتة الإثبات.

و القول بأنّه لو تمَّ لدلّ على وجوب تقديم الحاضرة أو رجحانه، و الأكثر لا يقولون به.

مردود بأنّ الأمر في الآية مجاز إمّا في الوجوب التخييري أو الجواز، وارد لبيان التوقيف، و إلّا فلا معنى للوجوب أو الرجحان العيني إلى غسق الليل.

الثالث: إطلاق الأخبار المبيّنة لأوقات الصلاة، و المجوّزات أو الأوامر للصلاة فيها، كقوله: «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر» «2».

و

صحيحة سعد: «إذا دخل الوقت عليك فصلهما فإنّك لا تدري ما يكون» «3».

و عمومات الأخبار الدالّة على فضيلة أول الوقت أو أفضليته.

و الإيراد عليه بنحو ما مرّ من أنّ مقتضاها- بعد ملاحظة الإجماع و الأدلّة الخارجية الدالّة على عدم الوجوب في أوّل الوقت- رجحان فعل الحاضرة و لو على من كانت عليه فائتة، و هم لا يقولون به، و الحمل على الجواز ليس بأولى من التخصيص بمن ليست عليه فائتة.

مردود بأنّه إنّما يجري في بعضها دون الجميع مما لا يتضمن أمرا أو نحوه.

مع أنّه إنّما يتمّ لو سلّم الإجماع على عدم رجحان تقديم الحاضرة، و هو بعد غير

______________________________

(1) الإسراء: 78.

(2) انظر: الوسائل 4: 125 أبواب المواقيت ب 4.

(3) التهذيب 2: 272- 1082، الوسائل 4: 119 أبواب المواقيت ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 292

معلوم.

و قد يردّ الإيراد أيضا بأنّ غايته ترك أفضلية تقديم الحاضرة بسبب المعارض فيبقى الجواز.

و فيه نظر يظهر وجهه مما مرّ من عدم أولوية التجوز عن التخصيص.

الرابع: العمومات المجوّزة لفعل النوافل أداء أو قضاء على من عليه قضاء فريضة.

منها: ما مرّ في المسألة السابقة.

و منها: الأخبار المصرّحة بأنّ الصلاة الفائتة- الشاملة لقضاء النوافل- تقضى في كلّ وقت و في كلّ ساعة و حين ذكرها «1»، الشامل للمورد أيضا.

و منها: المصرّحة بأن خصوص النوافل تقضى في كلّ وقت، كصحيحة حسان بن مهران «2»، و مكاتبة محمد بن يحيى «3»، و رواية سليمان بن هارون «4».

فإنه لو جاز فعل النوافل و قضاؤها قبل قضاء الفريضة جاز فعل الفريضة الحاضرة بالطريق الأولى و الإجماع المركب.

و منع جواز النافلة لمن عليه فريضة، باطل، كما مرّ في بحث الأوقات.

نعم يمكن منع الأولوية و

الإجماع المركب بالنسبة إلى قضاء النوافل، كما صرّح به بعضهم «5»، و تدل عليه صحيحة زرارة المتضمنة لإخباره بما سمع لحكم ابن عيينة و أصحابه، فإنها تدلّ على أنّ الترتّب إنّما هو بين الحاضرة و الفائتة، دون النافلة الفائتة و الفريضة الكذائية «6».

______________________________

(1) الوسائل 8: 253 و 256 أبواب قضاء الصلوات ب 1 و 2.

(2) التهذيب 2: 272- 1084، الاستبصار 1: 290- 1064، الوسائل 4: 242 أبواب المواقيت ب 39 ح 9.

(3) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 17، التهذيب 2: 272- 1083، الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 3.

(4) التهذيب 2: 173- 690، الاستبصار 1: 290- 1061، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 11.

(5) انظر: شرح المفاتيح للبهبهاني (مخطوط).

(6) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 293

الخامس: صحيحتا ابن سنان و أبي بصير: «إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب و العشاء الآخرة- إلى أن قال-: «و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس» «1» الحديث.

و لا تضرّ دلالتهما على كراهة قضاء الفرائض عند طلوع الشمس، و لا على امتداد وقت العشاءين إلى الفجر.

لأنّ مخالفة جزء من الحديث للقاعدة لا تخرج باقيه عن الحجية.

مع أنّ الثاني- أي امتداد وقتهما إلى الفجر في الجملة- هو الأظهر، كما في موضعه قد مرّ.

بل قد يرجّح الأول- و هو ترك القضاء في الأوقات المكروهة- لمصلحة، فيمكن أن يكون المقام منه، فيرجح الترك اتقاء عن العامة. و ليس مرادنا أنّ ما ذكر في ذلك الخبر تقية حتى لا يكون الحكم واقعيا، بل المراد أنّه مع تشدّد العامة

و جعله من علائم الرفض يكون القضاء في هذه الأوقات مرجوحا واقعا، فلا مخالفة في الصحيحين للقاعدة أصلا.

و القدح فيهما بدلالتهما على وجوب تقديم الحاضرة.

مردود بأنّه لو سلّم عدم وجوبه فيكون الدليل عليه قرينة لإرادة الرجحان المطلق، و لو كان دليل على انتفائه أيضا يكون ذلك دليلا على إرادة الجواز من الأمر أو الوجوب التخييري.

السادس: صحيحة الحلبي و رواية محمد:

الأولى: رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: «متى شاء، إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء» «2».

و الثانية: عن الرجل تفوته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: «متى شاء، إن

______________________________

(1) التهذيب 2: 270- 1076 و 1077، الاستبصار 1: 288- 1053 و 1054، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 3 و 4.

(2) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 6، التهذيب 2: 163- 639، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 294

شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء» «1».

و الإيراد عليه بأنّ الظاهر من «صلاة النهار» نافلته فاسد، لعدم تحقق شي ء يوجب الظهور أصلا. و قياسه على صلاة الليل المختصة بصلاة مخصوصة كما ترى.

و الخدش بأنّ الحوالة على المشيّة توجب التسوية مع أنّ تقديم الفائتة راجح، يأتي جوابه.

السابع: مرسلة جميل: تفوت الرجل الاولى و العصر و المغرب و يذكر عند العشاء، قال: «يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنّه لا يأمن [الموت ] «2» فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل، ثمَّ يقضي ما فاته الأول فالأول» «3».

و القدح فيها بدلالتها على رجحان تقديم الحاضرة و هو خلاف الإجماع.

مردود بما مرّ و يأتي من منع الإجماع على خلافه. و لو سلّم فيكون هو قرينة على

إرادة مطلق الجواز.

و بأنّ «4» وقت العشاء مشترك فلا معنى لتقديم العشاء، يأتي جوابه.

الثامن: موثقة الساباطي: عن الرجل يفوته المغرب حتى تحضر العتمة، فقال: «إن حضرت العتمة و ذكر أنّ عليه صلاة المغرب فإن أحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ، و إن أحبّ بدأ بالعتمة ثمَّ صلّى المغرب بعدها» «5».

و أورد عليها بأنّ المراد بوقت العتمة إن كان وقتها المختص فالحكم بالتخيير غير معقول، لوجوب تقديم العتمة. و إن كان الوقت المشترك فمع عدم وجه لاختصاصه بالحكم لا يعقل التخيير أيضا، لوجوب تقديم المغرب. و الحمل على

______________________________

(1) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 7، التهذيب 2: 163- 640، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6.

(2) في النسخ: الفوات، و ما أثبتناه موافق للمصدر.

(3) المعتبر 2: 407، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 6.

(4) عطف على قوله: بدلالتها، أي: و القدح فيها بأنّ ..

(5) التهذيب 2: 271- 1079، الاستبصار 1: 288- 1055، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 295

المغرب السابقة خلاف الظاهر. فالرواية شاذّة مطروحة.

و الجواب عنه: أمّا على ما هو الحقّ المختار من اختصاص وقت المختار للمغرب بزوال الحمرة المغربية فواضح ظاهر، بل هي أيضا من أدلة ذلك المذهب.

و أمّا على اشتراك الوقت فبأنه لا شكّ أنّ اللفظ صالح للمغرب السابقة، و لا قرينة في الكلام على مغرب هذه الليلة أصلا، فلم لا يحمل على السابق بقرينة عدم معقولية غيرها مع أنّهم يحملون الألفاظ على مجازات أبعد من ذلك بقرائن أخفى من هذه؟! و ليس هذا مجازا بعيدا، بل هو من باب استعمال المطلق في فرد، مع أنّ اللاحقة أيضا ليست إلّا

فردا آخر من المطلق.

و الإيراد بأنّ الحوالة على مشتهى المكلف خلاف الإجماع، لأنّ تقديم الفائتة راجح إجماعا.

ففيه: أنّه لو سلّم ذلك الإجماع لم يضرّ تلك الحوالة، لوقوعها في المستحبات كثيرا، و لم يذكر في الخبر إلّا جواز الأمرين مع إرادته، و ذلك لا يناقض استحباب أحد الطرفين أصلا. ألا ترى أنّه ورد في الوتر «أنها ليست بمكتوبة فإن شئت صلّيتها» «1»؟ و ورد في الصلاة «فمن أراد استقلّ و من أراد استكثر» «2».

التاسع: المروي في قرب الإسناد للحميري: عن رجل نسي الفجر حتى حضر الظهر، قال: «يبدأ بالظهر ثمَّ يصلّي الفجر» «3».

العاشر: المروي في كتاب الحسين بن سعيد بإسناده عن الصادق عليه السلام: عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى- إلى أن قال-: «و إن كانت صلاة العصر فليصلّ العشاء ثمَّ يصلّ العصر» «4».

______________________________

(1) الوسائل 4: 67 أبواب أعداد الفرائض ب 16 ح 1، و رواها الشيخ في التهذيب 2: 11- 22.

(2) مستدرك الوسائل 3: 43 أبواب أعداد الفرائض ب 10 ح 9 عن النفلية للشهيد (ره).

(3) قرب الإسناد: 198- 754، الوسائل 8: 255 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 9.

(4) مستدرك الوسائل 6: 428 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 6 عن كتاب الصلاة للحسين بن سعيد (ره).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 296

و الإيراد ببعض ما مر عليهما يظهر دفعه مما مرّ.

احتجّ القائلون بالقول الثاني:
اشاره

أولا: بالإجماع المنقول كما تقدّم.

و ثانيا: بأصل الاشتغال و طريقة الاحتياط المطلوبة في العبادات.

و ثالثا: بجميع ما مرّ دليلا للمضايقة.

و رابعا: بالمرويّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرسلا: أنّه قال: «لا صلاة لمن عليه صلاة» «1».

و خامسا: بالأخبار، و هي كثيرة:

منها: صحيحة زرارة

الطويلة و فيها: «و إن كنت ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصلّ العصر ثمَّ صلّ المغرب، و إن كنت قد صليت المغرب فقم فصلّ العصر، و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمَّ قم فأتمّها بركعتين ثمَّ سلم ثمَّ صلّ المغرب، و إن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب، و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في ركعة أولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة و أذّن و أقم، و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ثمَّ ابدأ بالمغرب ثمَّ العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمَّ بالغداة ثمَّ صلّ العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب و العشاء» «2» الحديث.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 3: 160 أبواب المواقيت ب 46 ح 2 عن الرسالة السهوية للشيخ المفيد (ره).

(2) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 297

و منها: رواية الحلبي: عن رجل نسي الأولى- إلى أن قال-: «و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر، و لا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا، و لكن يصلّي العصر

فيما قد بقي من وقتها، ثمَّ ليصلّي الأولى بعد ذلك على أثرها» «1».

وجه الدلالة: الأمر بالأولى بعد الفراغ من العصر على أثرها.

و منها: ما مرّ في المسألة السابقة من رواية زرارة المتضمنة لقوله «فابدأ بالتي فاتتك» و صحيحته المشتملة على قوله «فليقض ما لم يتخوف» إلى آخرها، و موثقة البصري «2».

و صحيحة صفوان: عن الرجل نسي الظهر حتى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر، فقال: «كان أبو جعفر عليه السلام أو كان أبي يقول: إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، و إلّا صلّى المغرب ثمَّ صلّاها» «3».

و رواية أبي بصير: عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر قال: «يبدأ بالظهر، و كذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلّا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها، ثمَّ تقضي التي نسيت» «4».

و معمّر بن يحيى: رجل صلّى إلى غير القبلة ثمَّ تبين له و قد دخل وقت صلاة أخرى، قال: «يعيدها قبل أن يصلّى هذه التي قد دخل وقتها» «5».

و صحيحة الحلبي: عن رجل أمّ قوما في العصر، فذكر و هو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الأولى، قال: «فيجعلها الأولى التي فاتته، و يستأنف بعد صلاة

______________________________

(1) التهذيب 2: 269- 1074، الاستبصار 1: 287- 1052، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 18.

(2) راجع ص: 284.

(3) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 6، التهذيب 2: 269- 1073، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 7.

(4) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 2، التهذيب 2: 172- 684، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 62 ح 8.

(5) التهذيب 2: 46- 150، الاستبصار 1: 297- 1099، الوسائل

4: 313 أبواب القبلة ب 9 ح 5. و الراوي في جميعها: عمرو بن يحيى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 298

العصر» «1».

و المروي في قرب الإسناد: عن رجل نسي العشاء ثمَّ ذكر بعد طلوع الفجر، كيف يصنع؟ قال: «يصلي العشاء ثمَّ الفجر» و سألته عن رجل نسي الفجر حتى حضرت الظهر، قال: «يبدأ بالفجر ثمَّ يصلّي الظهر، كذلك كل صلاة بعدها صلاة» «2».

و الجواب

أمّا عن الأوّل: فبعدم حجيّة الإجماع المنقول جدا، سيّما مع مخالفة فحول القدماء، و معارضته بظاهر دعوى الإجماع المتقدم عن كتاب الفاخر «3»، و استفاضة دعوى الشهرة المتأخرة «4».

و أمّا عن الثاني: فبما مرّ مرارا من أنّ في مثل المقام يجري أصل البراءة دون أصل الاشتغال، و أمّا الاحتياط فلو سلّم جريانه هنا فليس إلّا مستحبا.

و أمّا عن الثالث: فبما مرّ في المسألة السابقة. مضافا إلى عدم استلزام الفورية للترتّب المطلوب، لحصول التعارض بين أدلّة فوريته و بين أدلّة تجويز الحواضر في جميع أوقاتها و ترغيب أول أوقاتها بالعموم من وجه، و الترجيح لأدلّة الحواضر بالأكثرية و مخالفة العامة و موافقة الكتاب.

و أمّا عن الرابع: فبضعفه الخالي عن الجابر. و اشتهار القول بالترتّب- لو سلّم- لا يوجب اشتهار بطلان الحاضرة، كيف؟! و من القائلين بالترتّب جمع لا يقولون ببطلان الحاضرة لو فعلها [1].

مع أنّ نسبته إلى الحاضرة و الفائتة على السواء، إذ يصدق على من دخل

______________________________

[1] قال الشهيد في الذكرى: 134: و لم يصرّح في النهاية و الخلاف ببطلان الحاضرة لو أوقعها لا مع الضيق، و كذلك المفيد و ابن أبي عقيل و ابن الجنيد، نعم صرّح به المرتضى و ابن البرّاج و أبو الصلاح و الشيخ في المبسوط و ابن

إدريس.

______________________________

(1) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 7، التهذيب 2: 269- 1072، الوسائل 4: 292 أبواب المواقيت ب 63 ح 3.

(2) قرب الإسناد 197- 753 و 754، الوسائل 8: 255 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 8 و 9.

(3) راجع ص: 288.

(4) راجع ص 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 299

عليه وقت الفريضة أنه عليه صلاة الحاضرة، فلا تتم منه صلاة الفائتة.

هذا كلّه مع أنّه معارض برواية علي بن جعفر، و فيها: «لا صلاة في وقت صلاة» «1».

و أمّا عن الأخبار: فبأنّ غير الأربعة الأولى منها خالية عن الدالّ على الوجوب بالمرة، بل لا يتضمن إلّا جملا إخبارية هي عن الدلالة على الوجوب قاصرة، بل لكلّ من الوجوب و الرجحان بل مطلق الجواز محتملة.

و دعوى إفادتها الوجوب ناشئة من عدم حقّ التأمّل في المسألة، فإنّها مستعملة في معان مجازية، فلو سلّمت إفادتها الوجوب في هذا العصر فهي إفادة حادثة، و الأصل في كلّ حادث التأخر.

مضافا إلى ما في موثقة البصري من عدم دلالتها- مع الإغماض عن جميع ما ذكر- إلّا على وجوب تقديم الفائتة الواحدة، فإنّ قوله: «أتمّها بركعة ثمَّ صلّى المغرب» يدلّ على أنّ الفائتة صلاة واحدة، فكيف يستدل بها للقول بالترتّب المطلق؟!.

و منه يظهر قدح آخر في صحيحتي صفوان و الحلبي و رواية قرب الإسناد.

مع ما في صحيحة الحلبي أيضا من خروجها عن المتنازع فيه البتة، لعدم الخلاف في وجوب تقديم الظهر على العصر، فإنّه من باب ترتّب الحواضر.

و منه يظهر قدح آخر في رواية أبي بصير، لأنّه أيضا من ذلك الباب.

و لا يتوهّم إطلاق قوله: «و كذلك الصلوات».

إذ مقتضى تشبيهها بما تقدّم عليه أنّ المشتركين في الوقت إذا نسي أوّلهما

تقدّم على اللاحقة، فيكون اللام في «الصلوات» للعهد بقرينة التشبيه. و لا أقلّ عن تساوي الاحتمالين المسقط للاستدلال.

و لو أبيت إلّا عن الإطلاق فيكون شاملا للنوافل المنسية أيضا، و لا شكّ في عدم وجوب تقديمها بل عدم رجحانه، فيعارض التخصيص مع التجوّز بإرادة

______________________________

(1) التهذيب 3: 320- 996، الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 300

الندب أو الإباحة، و الحقّ عدم أولوية أحدهما عن الآخر، سيّما عن تجوّز استعمال الدالّ على الوجوب- لو كان- في الاستحباب الذي هو في الشيوع بمكان يتوقف في تقديم الوجوب عليه فيما هو حقيقة في الوجوب.

و من ذلك يظهر قدح آخر في رواية معمر، فإنّ الصلاة فيها أيضا مطلقة، مضافا إلى مخالفتها لما عليه الفتوى من عدم إعادة الصلاة خارج الوقت مع تبيّن الخطأ في القبلة.

و من ذلك ظهر عدم دلالة غير الأربعة الاولى.

و الأخيرتان منها أيضا مقدوحتان بما مرّ من إطلاق الصلاة فيهما الشاملة للنافلة و الفريضة، الغير الواجب تقديم الاولى قطعا، الموجب لتعارض التخصيص و التجوّز.

فلم يبق إلّا الأوليين.

و الأخيرة منهما أيضا مختصّة بالفائتة الواحدة، فالاستدلال بها على الإطلاق غلط. مضافا إلى أنّ في دلالة قوله «على أثرها» على التعجيل و التقديم على المغرب نظرا.

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك أيضا فلا شكّ أنّها مختصة بالفائتة المقضية في يومها، التي أفتى الفاضل باختصاص التقديم بها، فكيف يستدلّ بها على الإطلاق؟!.

و من ذلك يظهر قدح آخر في كثير مما مرّ، بل في الصحيحة الأولى أيضا إن كان المراد بيوم الفائتة ما يشمل الليلة أيضا أو احتمل ذلك حتى يوجب الوهن للإجماع المركّب.

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك غايته تكون

هناك صحيحة واحدة دالّة معارضة مع أخبار كثيرة، فكيف تقدم عليها؟!.

مع أنّه لو سلّمت دلالة الجميع فتحصل المقابلة بين الفريقين من الأخبار، و من البديهيات أن تجويز الترك قرينة واضحة على عدم إرادة الحقيقة من الأمر، و يجب صرفه عن الحقيقة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 301

و لو قطع النظر عن ذلك أيضا لحصل التعارض بين الفريقين، فيجب الرجوع إلى المرجّح، و لا شكّ أنّ أخبار عدم الترتّب أرجح من جميع وجوه المرجّحات المنصوصة: فإنّها موافقة لعموم الكتاب الدالّ على جواز إقامة الصلاة في أول أوقاتها، و الدالّ على انتفاء العسر و الحرج، و مطابقة للسنة النبوية من كونه مبعوثا بالملّة السهلة السمحة، و مخالفة لروايات العامة و فتواهم، إذ- كما صرّح به جمع من علمائنا منهم صاحب الذخيرة و بعض مشايخنا المحققين و غيرهما، و تدل عليه رواياتهم- القول بالمضايقة و الترتّب فتوى أكثر العامة.

بل من جهة بعض المرجّحات الغير المنصوصة أيضا، كموافقة الأصل، و أوفقية العمومات الكثيرة الغير العديدة، و عمل الناس من الصدر الأول إلى زماننا هذا.

و ترجيح أخبار المضايقة و الترتّب بالأكثرية و الأصحية غلط واضح.

نعم، قد تترجّح بموافقة شهرة القدماء و الإجماعات المنقولة.

و يعارضه ما مرّ من شهرة المتأخرين المستفيضة حكايتها و دعوى الإجماع من بعضهم على خلافه.

مع أنّه يستفاد من كلام الحلّي الوهن في دعوى إجماعه بل إجماع غيره جدا، حيث إنه في الرسالة الّتي عملها للمسألة قال: أطبقت عليه الإمامية خلفا عن سلف- إلى أن قال-: لأنّ ابني بابويه و الأشعريين كسعد بن عبد اللّه و سعد بن سعد و محمد بن علي بن محبوب، و القميين كعلي بن إبراهيم و محمد بن الحسن بن الوليد عاملون

بالأخبار المتضمنة للمضايقة، لأنّهم ذكروا أنّه لا يحلّ ردّ الخبر الموثوق روايته. انتهى.

و لا يخفى ما في تعليله لعمل هؤلاء بأخبار المضايقة، فإنّه بعينه يجري في أخبار المواسعة أيضا.

ثمَّ لو سلّمت مكافاة الترجيحين فالعمل إمّا بالأصل أو التخيير، و مقتضاهما أيضا عدم الترتّب.

و مما ذكرنا ظهر أنّ المسألة واضحة جدا و إن توهّم بعض مشايخنا الأخباريين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 302

الأمر بالعكس، و جعل الوضوح للمضايقة، و أطال في المسألة بما أكثره استعجابات و خطابيات لا تسمن و لا تغني من جوع «1».

احتجّ كلّ من المخالفين الآخرين: بالأمر بتقديم الفائتة الواحدة أو فائتة اليوم في بعض الأخبار، و تجويز تأخيرها في المتعددة أو من غير اليوم في بعض آخر.

و ضعفهما ظاهر ممّا مرّ، فإنّ كلّا من الأمر بالتقديم و تجويز التأخير ورد في كلّ من الواحدة و المتعدّدة و فائتة اليوم و غيرها، فإنّ صحيحة زرارة الطويلة تتضمّن الأمر بتقديم الواحدة و المتعدّدة من غير يوم الفوات «2»، كما أنّ موثّقة الساباطي و ما بعدها من روايتي قرب الإسناد و كتاب الحسين تتضمّن تجويز التأخير في الفائتة الواحدة «3»، و مرسلة جميل و غيرها تتضمّن تجويز التأخير في يوم الفوات أيضا «4».

و الانصاف أنّه لا مناص عن القول بالتفصيل بين الواحدة و المتعدّدة على طريقة صاحب المدارك و من يحذو حذوه من عدم العمل بالموثّقات و أخبار غير الكتب الأربعة، إذ ليس ما يصرّح بتجويز تقديم الفائتة الواحدة إلّا العمومات و الموثّقة و ما بعدها، و الصحيحة الآمرة بتقديمها خاصّة، فعلى أصله لا تقاومها الموثقة و ما يتعقبها، و يجب تخصيص العمومات بها.

نعم، على أصلنا من العمل بالموثقات- سيّما على ما اخترنا من

انتهاء وقت المغرب بزوال الحمرة- لا يكون للتفصيل دليل تامّ، لدلالة الموثقة على تقديم العشاء على المغرب مع انتهاء وقتها، مع العمومات و سائر ما مر.

فروع:
أ: إذ قد عرفت أنّ الحق عدم ترتّب الفوائت على الحواضر

[1]، فهل الراجح

______________________________

[1] الظاهر أنّ التعبير بترتّب الفائتة على الحاضرة من باب صناعة القلب، و الأصل: ترتّب الحاضرة

______________________________

(1) انظر: الحدائق 6: 338 الى 368.

(2) راجع ص 296.

(3) راجع ص 294.

(4) راجع ص 294.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 303

تقديم الفائتة كما اختاره أكثر المتأخرين القائلين بعدم الترتب «1»؟ أو الحاضرة كما عن الصدوقين «2»، و مال إليه بعض المتأخرين «3»؟.

و التحقيق أنّه قد ورد الأمر بكلا الأمرين في الفريقين من الروايات، و يشتركان في عمومات الأمر بالاستباق و المسارعة إلى الخيرات.

و مزية تقديم الحاضرة بالأخبار الغير العديدة من الصحاح و غيرها الدالّة على أفضلية أول الوقت، و المرغّبة للتعجيل إلى الصلاة في أوائل أوقاتها و أنّها رضوان اللّه، إنّما كانت مفيدة لو لا معارضتها مع ما مرّ من تقديم الفائتة من الظواهر في الرجحان أو الوجوب، و أدلّة الاحتياط. و اشتهار رجحان تقديم الفائتة- لو كانت- شهرة في الفتوى، و هي ليست من المرجّحات المنصوصة.

فلو لا موافقة أخبار تقديم الفائتة لروايات العامة و فتاوى أكثرهم- التي هي من موجبات مرجوحيّة الخبر نصا و فتوى- لكانت وظيفتنا الحكم بتساوي الأمرين، لا بمعنى أنّه الحكم واقعا، بل لكونه حكم من لم يظهر له ترجيح أحد الطرفين. و لكن الموافقة المذكورة تمنعنا عن الحكم المذكور، و يترجّح عندنا رجحان تقديم الحاضرة لأجل ذلك.

و أمّا ما يستفاد من كلام بعض مشايخنا من توهّم الإجماع على رجحان تقديم الفائتة «4».

فليس بشي ء، إذ مذهب أكثر من تقدّم من القائلين بعدم الترتب لنا غير معلوم،

فكيف يمكن دعوى الإجماع فيه، سيّما مع مخالفة مثل الصدوقين صراحة؟!.

ب: لو قلنا بفورية القضاء يحرم تركها قطعا

، و يكون جميع أضداد القضاء

______________________________

على الفائتة، كما نبّه عليه الشهيد الثاني (ره) في روض الجنان: 189.

______________________________

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 421، و الشهيدين في اللمعة و الروضة 1: 345.

(2) المقنع: 32، الفقيه 1: 232، و حكاه عن والده في المختلف: 144.

(3) المحقق السبزواري في الذخيرة: 213.

(4) انظر: الرياض 1: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 304

الخاصة منهيا عنها على المختار، فيحرم كلّ ما ليس على جوازه أو استحبابه أو وجوبه دليل عامّ يعارض ذلك النهي، و يرجع إلى حكم التعارض فيما كان فيه عامّ كذائي، كما بيّناه في الأصول.

ج: لو قدّم الحاضرة مع سعة وقتها حال كونه ذاكرا للفائتة، فعلى القول بوجوب تقديم الفائتة تجب إعادتها

، لكونها باطلة، لأنّ النهي عن ضدّ الأمر بالابتداء بالفائتة مطلقا أو فوائت مخصوصة كالمغرب و العشاء و نحوهما أخصّ مطلقا عمّا يتضمّنه الأمر بالحاضرة في جميع أوقاتها أو الترغيب بها في أوائل أوقاتها، فيخصّ بها، و تبطل به الحاضرة.

و لو فعل ذلك سهوا لم يعد الحاضرة قولا واحدا، لعدم تعلّق النهي بالساهي.

د: لو تذكر من عليه فائتة في أثناء الحاضرة عدل إلى الفائتة

- على القول بالترتب- مع الإمكان، و هو حيث لا تتحقق زيادة ركوع، بلا خلاف من القائلين بالترتب، و تدل عليه الصحيحة الطويلة و موثقة البصري «1». و مقتضى الأولى جواز العدول مع الفراغ من الفريضة، و لم نعثر على قائل به.

المسألة الثالثة: من فاتته فريضة واحدة حضرا من يوم، و لم يعلمها بعينها، صلّى ثنائية و ثلاثية و رباعية بنية قضاء ما في ذمته
اشاره

، على الأقوى الأشهر، كما صرّح به جماعة «2»، و عن الخلاف و السرائر: الإجماع عليه «3».

لأصالة عدم اشتغال الذمة بالزائد عن ذلك. و لا تعارضها أصالة الاشتغال، لعدم تيقّن الشغل بالأزيد، و ما علم الشغل به فقد حصل.

______________________________

(1) المتقدمتان في ص 284 و 296.

(2) كالعلامة في التذكرة 1: 82، و السبزواري في الكفاية: 27، و صاحب الرياض 1: 227.

(3) الخلاف 1: 309، السرائر 1: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 305

فإن قلت: اشتغلت الذمة بشي ء معين، و الحاصل أمر غير معين.

قلنا: لا معنى لحصول غير المعيّن، إذ الشي ء ما لم يتعيّن لم يوجد. نعم لا يتعيّن في القصد، و لم يثبت اشتغال الذمة بالمعيّن في القصد هنا، و التعيّن الذي كان واجبا في الفائت- من الأدائية و الظهرية مثلا- غير ممكن التحقق فيما نحن فيه، فلا يكون مكلفا به قطعا.

و منه يظهر عدم اندفاع الأصل بعموم المماثلة الواردة في بعض الأخبار «1» لو سلّم العموم.

فإن قلت: إن كان الفائت الظهر مثلا فقد اشتغلت الذمة بقضاء الظهر، و الحاصل ليس ذلك.

قلت: إن أردت اشتغال الذمة بقضاء صلاة بنية كونها ظهرا فهو باطل قطعا، و إن أردت اشتغالها بقضاء صلاة بقصد كونها قضاء ظهر فلا نسلّم الاشتغال به، بل المسلّم اشتغالها بقضاء أربع ركعات للأربع الفائتة.

و القول بأنّ العبادات توقيفية، و لم يثبت من الشارع الاكتفاء بواحدة.

مردود بأنّه لم يثبت من الشارع أزيد

من وجوب ركعات.

و أضعف منه تأيّد التعدد في الأربع بأصالة عدم التداخل كما في الحدائق «2»، فإنّ الاكتفاء بالواحدة لأجل عدم ثبوت الزائد، لا لتداخل أكثر من الواحدة.

و تدلّ على المطلوب أيضا مرسلة ابن أسباط: «من نسي صلاة من صلاة يومه واحدة و لم يدر أيّ صلاة هي صلّى ركعتين و ثلاثا و أربعا» «3».

و المروي في محاسن البرقي: عن رجل نسي صلاة من الصلوات ما يدري أيها هي، قال: «يصلّي ثلاثا و أربعا و ركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو

______________________________

(1) انظر: الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1، عوالي اللئالي 2: 54- 143.

(2) الحدائق 11: 19.

(3) التهذيب 2: 197- 774، الوسائل 8: 275 أبواب قضاء الصلاة ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 306

العشاء فقد صلّى أربعا، و إن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى» «1».

و إرسالهما غير ضائر، للانجبار بما مرّ.

خلافا للمحكي عن الحلبي و ابن حمزة، فأوجبا الخمس «2»، و يستنبط ذلك من باب الوضوء من المبسوط أيضا حيث حكم بأنّ من توضّأ و صلّى الظهر، ثمَّ توضّأ و صلّى العصر، ثمَّ ذكر انه أحدث عقيب إحدى الطهارتين قبل أن يصلّي توضّأ و أعاد الصلاتين معا «3».

لتحصيل نية التعيين الواجبة إجماعا مع الإمكان، و لوجوب الجهر أو الإخفات الغير الممكن جمعهما في صلاة واحدة.

و يردّان: بأنّهما اجتهاد في مقابلة النصّ.

مضافا في الأول إلى أنه إن أراد الإجماع على وجوبها إذا كان معيّنا عند المكلّف فلا يفيد هنا، و إن أراد الإجماع عليه مع عدم التعيين عند المكلّف فهو أوّل المسألة.

و في الثاني إلى أنّ مقتضاه الاكتفاء بالأربع بزيادة رباعية يجهر في إحداهما و يخفت في

الأخرى. مع أنّ ثبوت وجوب الجهر أو الإخفات في المورد ممنوع، إذ قد عرفت أنّ إيجابه في القضاء بالإجماع الغير المتحقّق هنا.

و من ذلك يظهر تخيّر المكلف في الرباعية الواحدة بين الجهر و الإخفات، للأصل، و استحالة التكليف بهما، و عدم الترجيح.

و لو كان في وقت العشاء، يردّد بين الأداء و القضاء إن أوجبنا نيتهما.

و لو فاتته الواحدة سفرا يصلّي مغربا و ثنائية مطلقة بين الثنائيات الأربع، وفاقا لجماعة «4»، للأصل المذكور.

______________________________

(1) المحاسن: 325- 68، الوسائل 8: 276 أبواب قضاء الصلاة ب 11 ح 2.

(2) الحلبي في الكافي: 150، و لم نعثر عليه في الوسيلة و حكاه عن ابن زهرة في المختلف: 148 و هو موجود في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

(3) المبسوط 1: 25.

(4) كالعلامة في التذكرة 1: 82، و الشهيد الأول في الذكرى: 99، و الشهيد الثاني في الروض:

358.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 307

لا لفحوى النصّين المتقدّمين، لعدم انفهام الأولوية أصلا.

و لا لظهور قوله في رواية المحاسن: «فإن كانت الظهر و العصر ..» في العموم، لأنه- لو سلّم- لم يفد هنا، لضعف الرواية و عدم ظهور الجابر في المسألة، لاختصاص الشهرة الجابرة بغيره، و جبره بالاعتبار و فتوى طائفة لا اعتبار به.

خلافا للمحكي عن الحلّي «1»، فأوجب هنا الخمس اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النصّ المنجبر بالعمل.

فرعان:
أ: لا ترتيب هنا بين الثلاث قطعا

، للأصل، و عدم المقتضي.

ب: لو تعدّدت الفائتة المجهولة شخصا مع العلم بالعدد، يقضيها على الوجه المذكور.

فلو علم فوات صلاتين من يوم و لم يعلمهما، صلّى ثنائية و ثلاثية و رباعيتين. و لو كانت ثلاثة أو أربعة ثلّث الرباعية. و لو كان مسافرا صلّى ثلاثية مع ثنائيتين في الأول و مع ثلاث ثنائيات في الأخيرتين. و لو كانت الفائتتان من يومين صلّى ثنائيتين و ثلاثيتين و رباعيتين، و هكذا.

المسألة الرابعة: لو فاتته من الفرائض ما لم يحصه عددا فالمشهور أنّه يجب عليه القضاء حتى يغلب على ظنّه الوفاء

، بل في المدارك: أنّه المقطوع به في كلام الأصحاب «2»، مشعرا بالإجماع.

لصحيحة مرازم: عليّ نوافل كثيرة، فقال: «اقضها» فقلت: لا أحصيها،

______________________________

(1) السرائر 1: 275

(2) المدارك 4: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 308

فقال: «توخّ» «1».

و رواية ابن سنان: في رجل فاته من النوافل ما لا يحصى، لا يدري ما هو من كثرته، كيف يصنع؟ قال: «يصلّي حتى لا يدري كم صلّى من كثرته» «2».

دلّتا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى على وجوب ذلك في الفرائض أيضا. بل يحتمل وجوب الأزيد منه من تحصيل العلم بالبراءة، و لكنّه نفي بعدم إمكان تحصيل العلم، و استلزامه العسر و الحرج عادة، فبقيت المساواة.

و لاستصحاب شغل الذمّة، فلا تحصل البراءة إلّا مع العلم بها الموجب للإتيان بأكثر ما يحتمل فواته. إلّا أنه لما مرّ من عدم إمكان تحصيل العلم يكتفي بالظنّ، لوجوب الرجوع إلى الظنّ بعد سدّ باب العلم، و لنحو قوله عليه السلام:

«ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» «3».

و يرد على الروايتين- بعد تسليم الأولوية-: أنّ الحكم فيهما على الاستحباب قطعا، فغايته استحباب التوخّي و لا كلام فيه.

و على الاستصحاب: بأنّ ما علم الشغل به يقينا- و هو ما تيقّن بفواته أي الأقلّ- تحصل البراءة عنه بالأقلّ، فلا معنى لاستصحاب الاشتغال به، و الزائد لم يعلم به شغل أولا حتى يصحّ استصحابه.

و استصحاب نفس اشتغال الذمة مطلقا لا معنى له، لأنّ الاشتغال لا بدّ له من متعلّق.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا المحقّقين في توجيه الاستصحاب بأنّ المكلّف حينما علم الفوات صار مكلّفا بقضاء هذه الفائتة قطعا و كذلك الحال في الفائتة الثانية و الثالثة و هكذا. و مجرّد عروض النسيان بعد ذلك لا يرفع الحكم الثابت من الإطلاقات و الاستصحاب، و لا تأمّل في التكليف بالقضاء قبل النسيان «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 451 الصلاة ب 90 ح 4، التهذيب 2: 199- 779، علل الشرائع 362- 2، الوسائل 4: 78 أبواب أعداد الفرائض ب 19 ح 1.

(2) الكافي 3: 453 الصلاة ب 90 ح 13، الفقيه 1: 359- 1577، التهذيب 2: 11- 25، الوسائل 4: 75 أبواب أعداد الفرائض ب 18 ح 2.

(3) عوالي اللئالي 4: 58- 207.

(4) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 309

فمن أغرب الغرائب، إذ بعد ما أتى بما تيقّن فواته لم يبق شي ء علم فواته أوّلا و نسيه بعد ذلك حتى يستصحب، و كيف يعلم الفائت أوّلا؟!.

و كذا ما ذكره أيضا من أنّ ردّ صاحب الذخيرة و بعض آخر دليل استصحاب الاشتغال هنا مبني على عدم حجية الاستصحاب عنده مع أنّه يقول بحجيته فيما يتحقّق فيه الإطلاق.

فإنّ ردّهم ليس لذلك أصلا، بل لعدم كونه موضع جريان الاستصحاب كما عرفت.

و كذا ما ذكره أيضا من أنّهم يسلّمون استدعاء الشغل اليقيني بأمر واقعي البراءة اليقينية مهما أمكن و إن وقع الإجمال و تعدّد الاحتمال في ذلك الواقعي، فلم لا يقولون به هنا؟!.

و ذلك لأنّه إنّما هو فيما إذا لم يعلم المكلّف به اليقيني، أي كان ما علم التكليف به يقينا

مجملا كالصلاة الواحدة الفائتة المترددة بين الخمس، فإنّه لا صلاة هنا يحكم بالتكليف بها يقينا.

و ما نحن فيه ليس كذلك، إذ ما علم التكليف به يقينا معلوم و هو الأقلّ، و لا إجمال فيه، و الزائد لا علم به، فيجري فيه أصل البراءة الثابت بالشرع و العقل و الإجماع.

و عدم التفرقة في جريان أصل الاشتغال بين هذه المسألة و مسألة الصلاة الواحدة المترددة- كما ذكره بعض الأجلّة- ناشئ من عدم التأمّل.

ثمَّ إنّا لو سلّمنا جريان أصل الاشتغال و الاستصحاب هنا فمقتضاهما وجوب تحصيل العلم، كما عن روض الجنان في بعض الصور «1»، و بعض آخر «2»، فالاكتفاء بالظنّ لا وجه له.

و القول بعدم إمكان تحصيل العلم فاسد جدّا، إذ كيف لا يمكن مع أنّ مبدأ زمان التكليف معلوم، و منتهاه- و هو زمان إرادة القضاء- أيضا كذلك،

______________________________

(1) روض الجنان: 359.

(2) كصاحب الرياض 1: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 310

و وظيفة كلّ يوم من الفرائض أيضا معلومة، فلو قضى جميع ما بين الطرفين يحصل العلم. و لو علم قطعا أنّه لم يترك بعضها كنصف أيام تكليفه أو ثلثه أو عشرة يحصل العلم بفعل ما نقص عنه ذلك أيضا، و لا يلزم أن يكون تحصيل العلم بالإتيان بما فات من غير زيادة و نقصان، بل اللازم فيه الإتيان بما لا ينقص عن الفائت قطعا.

و أما استلزامه العسر و الحرج المسقطين للتكليف فهو ممنوع البتة، كيف؟! و لو علم أحد أنّه فاتت صلوات كثيرة منه منذ سنة أو سنتين أو ثلاث سنين و لم يعلم عددها، فغايته فوت تمام صلوات هذه الأيام، فيقضي صلوات ثلاث سنين، و قد ينقص ثلثها أو أقلّ أو أزيد أيضا بأن

علم قطعا الإتيان بالثلث أو نحوه، و كثير من الناس يصير أجيرا لأزيد من ذلك فيفعله في شهر أو شهرين.

و كذا كثيرا ما يحكمون بوجوب قضاء صلوات عشر سنين أو عشرين أو أزيد- لوقوع خلل أو ترك تقليد- لأجل الدليل، و لا ينفونه بالعسر و الحرج.

فإذا كان الاستصحاب هنا أيضا دليلا فلم لا يحكم بمقتضاه لأجل العسر و الحرج لو سلّمنا؟ مع أنّ التفاوت فيما يحصل به الظن و ما به يحصل العلم لا يكون كثيرا غالبا، فإذا وجب الأول بدون عسر و حرج يكون الثاني أيضا كذلك.

ثمَّ لو سلّمنا عدم إمكان تحصيل العلم و استلزامه العسر و الحرج فمقتضاه سقوط تحصيل العلم و ما يقتضيه الاستصحاب و الاشتغال، و أمّا الاكتفاء بالظنّ فلا دليل عليه أصلا. و مثل «ما لا يدرك كلّه لا يترك كله» لا يدلّ بوجه كما بيّنا في موضعه، و الرجوع إليه بعد سدّ باب العلم ممنوع غايته، بل يرجع إلى سقوط التكليف فيما ليس فيه علم، و من ذلك ظهر عدم دليل تامّ لشي ء من ذينك القولين.

و هنا قول آخر، و هو: الاكتفاء بقضاء ما تيقّن فواته. استوجهه في المدارك و الذخيرة «1»، و هو ظاهر التذكرة و نهاية الإحكام «2».

______________________________

(1) المدارك 4: 307، الذخيرة: 384.

(2) التذكرة 1: 83، نهاية الإحكام 1: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 311

و هو الأقوى، لأصالة البراءة عن الزائد عمّا علم فواته. و لا يعارضها استصحاب شغل الذمّة كما مر.

و أمّا ما قيل من عدم إمكان حصول العلم بالأقل، إذ كلّ عدد يفرضه مثل ذلك الشخص يحتمل النقصان عنه و الزيادة عليه «1».

فكلام واه جدّا، ظاهر وجهه مع التأمل.

و تدل عليه أيضا صحيحة

زرارة و الفضيل و فيها: «و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شي ء حتى تستيقن، و إن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال» «2».

فإنّه إذا فعل ما تيقّنه من العدد الأقلّ يكون الزائد مشكوكا فيه بعد خروج الوقت، فلا يكون فيه قضاء.

و الإيراد بأنّ المتبادر من الرواية هو الشكّ في ثبوت أصل القضاء في الذمّة و عدمه، و هو غير ما نحن فيه و هو الشكّ في مقدار القضاء بعد القطع بثبوت أصله في الذمّة و الاشتغال به مجملا، و الفرق بينهما واضح.

مردود بأنّ بعد إخراج العدد المقطوع به عن الثاني يكون ثبوت أصل القضاء الزائد عنه موضع الشك، فلا فرق.

و ها هنا قول آخر اختاره الفاضل في الإرشاد «3»، و هو: الاكتفاء بالظن مع تعيين الصلاة الفائتة كيفية و ترديدها عددا، و وجوب تحصيل العلم مع عدم التعيين كما و كيفا.

و وجه التفصيل غير واضح.

المسألة الخامسة: يستحب قضاء النوافل الرواتب اليومية استحبابا مؤكدا

، بالإجماع، كما عن

______________________________

(1) انظر: شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

(2) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276- 1098، الوسائل 4: 282 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.

(3) الإرشاد 1: 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 312

الخلاف و المنتهى و روض الجنان «1»، و غيرها «2»، له، و للمستفيضة من الأخبار المتكثرة.

منها: رواية ابن سنان: عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها، كيف يصنع؟ قال: «فليصلّ حتى لا يدري كم صلّى من كثرتها، فيكون قد قضى بقدر ما علم من ذلك» ثمَّ قال: «قلت له: فإنّه لا يقدر على القضاء، فقال: «إن كان شغله في طلب معيشة لا بدّ منها

أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي ء عليه، و إن كان شغله لجمع الدنيا و التشاغل به عن الصلاة فعليه القضاء، و إلّا لقي اللّه تعالى و هو مستخفّ متهاون مضيّع لحرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» قال، قلت: فإنّه لا يقدر على القضاء فهل يجزئ أن يتصدّق؟ فسكت مليّا، ثمَّ قال: «فليتصدّق بصدقة» قلت: فما يتصدّق؟ قال: «بقدر طوله، و أدنى ذلك مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة» قلت: و كم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكلّ مسكين؟ قال: «لكلّ ركعتين من صلاة الليل و لكلّ ركعتين من صلاة النهار مدّ» فقلت: لا يقدر، فقال: «مدّ إذا لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار» قلت: لا يقدر، فقال: «مدّ إذا لصلاة الليل و مدّ لصلاة النهار، و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل» «3».

أقول: المراد أنّ صلاة القاضي أفضل من صدقة المتصدّق و أكثر ثوابا منه، لا أنّ الصلاة للمتصدّق أفضل، لأنّ المفروض عدم قدرته.

و لو فاتت النافلة لمرض لم يتأكّد القضاء تأكّد غيره، لما في صحيحة مرازم:

كنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها، فقلت: أصلحك اللّه تعالى، أو:

جعلت فداك، إنّي مرضت أربعة أشهر لم أصلّ فيها نافلة، فقال: «ليس عليك قضاء، إنّ المريض ليس كالصحيح، كلّ ما غلب اللّه تعالى [عليه ] فاللّه أولى

______________________________

(1) الخلاف 1: 524، المنتهى 1: 423، روض الجنان: 361.

(2) كالمعتبر 2: 413، و التذكرة 1: 83، و الذكرى: 137.

(3) الكافي 3: 453 الصلاة ب 90 ح 13، الفقيه 1: 359- 1577، التهذيب 2: 11- 25، الوسائل 4: 75 أبواب أعداد الفرائض ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 313

بالعذر فيه» «1».

و يستفاد من التعليل عموم

ذلك الحكم لكلّ معذور من غير اختصاص بالمريض، و لا بأس به.

و تستحب الصدقة مع العجز عن القضاء عن كلّ ركعتين بمدّ، على التفصيل المتقدّم في رواية ابن سنان.

و المذكور في كلام الأصحاب أنّه إن عجز عن المدّ لكلّ ركعتين يتصدّق عن كلّ يوم مدّا. و لم أقف على مستنده، و العمل بالرواية أولى.

المسألة السادسة: يجوز الاحتياط بقضاء صلاة احتمل اشتمالها على خلل، أو احتمل تركها

بعد الوقت، أو شك فيه، لأنّ جميع الأخبار المطلقة في الاحتياط يدلّ عليه، لصدق الاحتياط لغة و عرفا.

و أمّا توهّم أنّه ربما يوجب التشريع فقد يقتضي الاحتياط الترك، فيظهر جوابه ممّا ذكرنا في بحث صلاة الجمعة، و منه يظهر ما في الذكرى من أنّ للبحث فيه مجالا «2».

المسألة السابعة: من فاتته صلاة يومية واجبة و علم الترتيب، تجب عليه مراعاته في قضائها،
اشاره

إجماعا محققا و محكيا في الخلاف و المعتبر و المنتهى و التنقيح «3»، و شرح الألفية لابن أبي جمهور، و شرح الإرشاد للمحقق الثاني.

و لا يقدح فيه ما نسبه في الذكرى إلى بعض من صنّف في المضايقة و المواسعة

______________________________

(1) الكافي 3: 451 الصلاة ب 90 ح 4، التهذيب 2: 199- 779، علل الشرائع 362- 2، الوسائل 4: 80 أبواب أعداد الفرائض ب 20 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصادر.

(2) الذكرى: 138.

(3) الخلاف 1: 382، المعتبر 2: 405، المنتهى 1: 421، التنقيح 1: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 314

من أصحابنا من القول بالاستحباب «1»، و مال إليه بعض متأخري المتأخرين «2».

فهو الحجة فيه، مضافا إلى صحيحة زرارة: «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن، فأذّن لها و أقم ثمَّ صلّها، ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة، إقامة لكلّ صلاة» و في آخرها: «و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثمَّ العشاء» إلى أن قال: «فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب و العشاء ابدأ باولاهما» «3».

و رواية جميل: تفوت الرجل الاولى و العصر و المغرب، و ذكرها عند العشاء الآخرة، قال: «يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنه لا يأمن الموت، فيكون قد

ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثمَّ يقضي ما فاته الأولى فالأولى» «4».

و صحيحة ابن سنان: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة- إلى أن قال-: و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس» «5».

و إن كان في دلالة الأخيرتين على الوجوب نظر: أمّا الأولى فلأنها خالية عن الدالّ عليه، و أمّا الثانية فلعدم وجوب تقديم الصبح قطعا.

كما أنّه لا دلالة لما استدلّوا به من عموم النبوي: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» «6».

و حسنة زرارة: رجل فاتته صلاة السفر فذكرها في الحضر، فقال: «يقضي

______________________________

(1) الذكرى: 136.

(2) هو المحقق السبزواري في الذخيرة: 385، و الكفاية 28.

(3) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(4) المعتبر 2: 407، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 6، و تقدمت أيضا في ص 218 مع اختلاف يسير.

(5) التهذيب 2: 270- 1076، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.

(6) عوالي اللئالي 2: 54- 143، و ج 3: 107- 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 315

ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» «1».

قالوا: إنّ الأصل في التشبيه حيث لم يظهر وجه شبهه- و لو بتبادر أو غلبة أو شيوع أو نحوها- المشاركة في جميع وجوه الشبه، و منها الترتيب هنا. و ورود الثانية في مورد خاص غير ضائر بعد عموم الجواب و عدم القائل بالفرق من الأصحاب.

لمنع «2» اقتضاء التشبيه المماثلة من جميع الجهات أوّلا،

و تعديّه إلى الأوصاف الغير المعتبرة في مهيّة الممثّل له- كما في ما نحن فيه- ثانيا، فإنّه لا شكّ أنّه لو سلّم العموم فالمتبادر منه المماثلة فيما هو داخل في حقيقة الممثّل له، بل هو حقيقة مقتضى معناها الحقيقي، و لا شكّ أنّ الترتيب غير داخل في مهيّة الصلاة.

مع أنّ العصر التي فاتته مثلا كانت تجب قبل قضاء الظهر الفائتة قطعا، إذ فواتهما لا يكون إلّا بخروج وقتهما، و لا شكّ أنّ بعد خروج وقت الظهر و بقاء وقت العصر خاصّة يجب تقديمها على القضاء، و كذا فيما يلحق بهما، فالثابت من الرواية خلاف المطلوب. و أيضا: الثابت أنّ ما فات من الظهر يترتّب شرعا على العصر الأدائي دون القضائي و إن ترتّب عليه عقلا أيضا، و لكنه لا يثبت به هنا حكم الشرع.

و إن جهل الترتيب فالأكثر على سقوط وجوب مراعاته، للأصل، و اختصاص دليله بصورة العلم:

أمّا الإجماع فهو ظاهر.

و أمّا غيره فلأنّه بين مخصوص بها كذيل الصحيحة، و مخصّص بها كصدرها، لتقييد المكلّف به بالعلم قطعا، فمعنى «فابدأ بأولاهنّ»: ابدأ بها إذا علمتها- و إن كانت الألفاظ للمعاني النفس الأمرية- لاشتراط التكليف بموضوع

______________________________

(1) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 7، التهذيب 3: 162- 350، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلاة ب 6 ح 1.

(2) تعليل لقوله: كما أنّه لا دلالة ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 316

بالعلم به لئلّا يلزم التكليف بما لا يطاق، و لعدم تبادر صورة الجهل من الإطلاق، بل ظهور عدمه.

و منه يظهر اختصاص سائر ما استدلّوا به أيضا على الترتيب لو تمّت دلالته.

مع أنّه على فرض إطلاق الأدلّة يجب التخصيص، لامتناع التكليف بالمحال و الحرج، اللازمين لكثير

من صور وجوبه، مع عدم القول بالفرق كما صرّح به جماعة «1»، مضافا إلى أنسبيته بالملّة السمحة، و شهرته بين الطائفة.

و يضعف الأصل بوجود الدليل على وجوب الترتيب، و هو استصحاب وجوبه قبل عروض الجهل به.

و المسلّم من تقييد التكليف بالعلم إنّما هو في الجملة، و لا دليل على تقييده بالعلم من جميع الجهات حتّى التعيين من بين أمور يمكن الامتثال بالإتيان بالجميع.

و لزوم العسر و الحرج إنّما هو في بعض الصور، و لازمه اختصاص السقوط به، و عدم القول بالفصل غير ثابت.

بل مال إليه بعض المحققين من مشايخنا قال: و بالجملة المسألة لا تخلو من إشكال، و إن كان القول بالسقوط في صورة لزوم الحرج و عدم تقصيره أصلا لا يخلو من قوّة.

بل صرّح باختصاص القول بالترتيب بغير صورة التكليف بالمحال، قال:

لا شك في عدم قول أحد بالترتيب و إن لزم التكليف بالمحال «2».

و تخصيصه بصورة عدم تقصيره مبني على ما قيل من جواز التكليف بما لا يطاق إذا كان عدم إطاقته ناشئا من تقصير المكلّف.

و هو عندي في حيّز المنع، لعموم أدلّة عدم جواز التكليف بما لا يطاق، و عموم قبحه، و عدم مخصّص بل عدم قبوله للتخصيص. و ما ورد من تكليف

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 345، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 385، و صاحب الرياض 1: 225.

(2) انظر: شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 317

المصوّر بإحداث الروح في صورة حيوان صوّره، و الكاذب في نومه بعقد الشعير و أمثاله- لو ثبت- فالمراد غير ظاهر، و لو سلّم فإنّما هو في غير دار التكليف، و الكلام فيه.

هذا مع أنّ الممتنع الذي لا يجوز التكليف به هو

ما لا يطاق الذي يستحيل امتثاله، و أمّا ما يمكن و لكن يشتمل على العسر و الحرج و لو كانا شديدين فلا نسلّم عدم جواز التكليف به، بل يحكم به مع وجود الدليل الشرعي، كيف؟! و في الدين حرج كثير اقتضاه الدليل.

بل كثيرا ما يتحقّق في نفس القضاء أيضا كترتيبه، كمن ظهر بطلان جميع صلواته بعد ثمانين سنة مثلا، سيّما إذا علم أنّ فيها صلاة سفرية أيضا مع عدم تعيين مقدارها، سيّما مع القول بالمضايقة، و قد صرّح الحلّي في السرائر بوجوب الاشتغال بالقضاء و حرّم عليه جميع الأفعال المانعة إلّا بقدر سدّ الرمق المحتاج إليه في التعيّش، سيما إذا كان هو الابن الأكبر و فاتت من أبيه صلوات كثيرة، فبعد التكليف بالقضاء نفسه مع لزوم الحرج في بعض صوره بعموم الأدلة لم لا يكلّف بالترتيب معه به مع اشتراكهما في عدم ظهور القول بالفرق؟.

و التبادر الذي ادّعوه بالمنع [1].

و الأوفقية للملّة السمحة و الشهرة بعدم الحجية.

و لذا خالف فيه جماعة، فأوجبوا الترتيب من غير تقييد بعدم لزوم الحرج مع الجهل أيضا، و منهم: الفاضل في التذكرة و الإرشاد مطلقا «1»، و الشهيد في الدروس مع ظنّه أو وهمه، و في الذكرى مع ظنّه خاصة «2».

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الدليل و إن كان عامّا بالنسبة إلى العسر و الحرج أيضا، و لكن لأدلّة نفيهما أيضا عموما بالنسبة إليه فيتعارضان بالعموم من وجه.

و الترجيح لأدلّة نفي الحرج، لموافقتها للعقل و الكتاب. و تخصيصها

______________________________

[1] أي: و يضعّف التبادر .. بالمنع. و الأوفقية .. بعدم الحجيّة.

______________________________

(1) التذكرة 1: 82، الإرشاد 1: 271.

(2) الدروس 1: 145، الذكرى: 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 318

بعمومات القضاء في

عدد الفائتة و القول بوجوب قضاء الجميع بالإجماع- و لو سلّم- لا يستلزم تخصيصها في الترتيب أيضا مع عدم المرجّح، بل رجحانها بما مرّ.

و على هذا فيكون الترجيح للتفصيل، بثبوت الترتيب مع الجهل أيضا إلّا إذا استلزم العسر و الحرج.

إلّا أنه يمكن الخدش في أصل دليل وجوب الترتيب مع الجهل:

أمّا عن الاستصحاب، فبمعارضته مع استصحاب العقل، مع أنّ موضوع وجوب الترتيب أوّلا هو الأداء، و الكلام في القضاء الذي هو بأمر جديد.

و أمّا عن الروايات، فبعدم دلالة غير إطلاق صدر الصحيحة، لما عرفت من أنّه بين غير دالّ على الوجوب و مخصوص بصورة العلم.

و أمّا هو و إن كان مطلقا على الظاهر إلّا أنه يعلم تقييده بالعلم بعد التأمّل، لأنّ العلم في الجملة و إن كان كافيا في إمكان الامتثال و لكنه يتمّ في مثل التكليف بأحد الأمرين أو الأمور معيّنا في الواقع مجهولا في الظاهر، فيمتثل بالإتيان بالجميع، و لكنّه لا يتمشّى في مثل قوله: «فابدأ بأولاهن» إذ ما لا يعلم التعيين لا يمكن البدأة به، و كلّ ما يبتدئ به لا يعلم أنّه الاولى.

و الحاصل أنّ خصوص الأمر بالابتداء بشي ء لا يمتثل إلّا بعدم مسبوقية شي ء عليه، و هو يتوقف على اليقين، كما إذا قيل: ابدأ بإكرام زيد ثمَّ عمرو، فإذا لم يعلم تعيين زيد لا يعلم الابتداء بإكرامه بإكرام كل مرّة ثمَّ إكرام غيره، لأنّ ما بدئ به هو ما بدئ به أوّلا، و كل ما عداه فليس مبتدأ به.

مع أنّ في دلالة الصحيحة على الوجوب خدشة تحصل من قوله: «فأذّن و أقم» حيث إنّ الفاء فيه تفصيلية، و هو تفصيل لقوله «فابدأ» و بعض التفصيل ليس بواجب قطعا.

(و من ذلك يظهر

أنّ الحق في المسألة هو المشهور من عدم وجوب الترتيب في صورة الجهل) «1».

______________________________

(1) ما بين القوسين غير موجود في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 319

ثمَّ وجوب الترتيب- على القول به- إنّما هو مختصّ بفوائت الفرائض، و منها باليومية، كما هو الأشهر الأظهر، للأصل، و عدم الدليل، لأنّه إمّا الإجماع و حاله ظاهر، أو الصحيحة و اختصاص غير صدرها بقضاء اليومية واضح، و كذا صدرها للأمر بالأذان و الإقامة.

و لو دخل في اللاحقة سهوا قالوا: إن ذكر في أثنائها حيث يمكن العدول إلى السابقة عدل، للإجماع المحكي من الشيخ «1»، و صحيحة زرارة: «فإن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين، فانوها الاولى و صلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر» إلى أن قال: «و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر، فانوها العصر ثمَّ قم فأتمها ركعتين ثمَّ سلّم ثمَّ صلّ المغرب، و إن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب قم فصلّ المغرب، و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة، فانوها المغرب ثمَّ سلّم، و إن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في ركعة أولى أو في الثانية من الغداة، فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة» «2» الحديث.

قالوا: و إن لم يمكن العدول أو تمّت اللاحقة أتى بعدها بالسابقة و اغتفر الترتيب هنا، لما مرّ في الصحيحة. و لكن دلالتها بصورة الإتمام مختصّة.

و فسّروا عدم الإمكان بلزوم زيادة ركن في السابقة لو عدل، و جعلوا زيادة غيره من الواجبات من

الإمكان، لاغتفار زيادة غير الركن سهوا.

و يمكن أن يستدلّ على جواز العدول بعموم صحيحة البصري المتقدمة في مسألة الاشتغال بالعصر قبل الظهر «3»، و فيها أيضا ما يمكن أن يستدل به لاغتفار زيادة غير الركن، لعموم الأمر بالعدول في الصلاة خرج بعد دخول الركن بالإجماع

______________________________

(1) الخلاف 1: 385.

(2) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(3) تقدّمت أيضا في ص 284 معبّرا عنها بالموثقة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 320

فيبقى الباقي.

و في الكلّ نظر:

أما الإجماع المنقول فلعدم حجيته.

و أما الروايتان فلظهورهما في الأداء. و التعدّي قياس باطل.

و إن منع الظهور و جعلنا أعمّ من الأداء فلا بدّ من تخصيصهما بغير ما إذا اقتضى الترتيب في القضاء تقديم العصر أو العشاء أو الفجر، و هو ليس بأولى من تخصيصهما بالأداء.

و أمّا اغتفار زيادة غير الركن سهوا فلمنع كون الزيادة هنا سهوا، بل زيد عمدا، و السهو تعلّق بأمر آخر، و دليل الاغتفار سهوا غير جار في مثل ذلك، و الأصل يقتضي عدم الاغتفار، مع أنّ المجوّز في الروايتين من العدول إنّما هو فيما لا تلزم الزيادة مطلقا، و لذا جعل السيّد و الفاضل في المنتهى فوات محل العدول بزيادة الواجب مطلقا «1».

فهو الأقوى لو جوّزنا العدول. و هو أيضا محلّ نظر لو لا الإجماع على خلافه، لمخالفته الأصل، و عدم دليل تامّ عليه.

بل اغتفار الترتيب في صورة التذكّر عند [عدم ] «2» إمكان العدول أو بعد إتمام اللاحقة أيضا خلاف أصالة وجوبه الخالية عن الرافع.

و لذا توقّف فيه في المدارك «3». و هو في محلّه جدّا إن كان التذكّر في الأثناء.

و شرعيّة الدخول

لا تستلزم شرعيّة الإتمام. و النهي عن إبطال العمل- لو سلّم- لا يفيد، لأنّ النزاع في البطلان. و تحقّق الامتثال الموجب للصحّة ممنوع في الباقي.

نعم، إن كان بعد الإتمام يقوّى الصحة و الاغتفار، لصحة هذه الصلاة، الموجبة لبراءة الذمة عن قضائها، الموجبة للخروج عن عنوان «و إن كان عليك

______________________________

(1) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 38، المنتهى 1: 422.

(2) أضفناه لتصحيح المتن.

(3) المدارك 3: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 321

قضاء صلوات» بالنسبة إليها.

و من ذلك يعلم الاغتفار و الصحة لو أتمّ اللاحقة جهلا بالحكم جهلا ساذجا.

بل يمكن أن يستدلّ على الصحة و الاغتفار مطلقا بإطلاق قوله «و إن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب ..» بضميمة عدم الفصل لتمام المطلوب. و لكنّها مخصوصة بصورة العلم، و المسألة حينئذ مشكلة.

(فرع: لو علم الترتيب في البعض و جهل في بعض آخر فله صور:

منها: أن يعلم ما فات أولا و دخل الجهل فيما بعده، كأن يعلم فوات الظهر من يوم معين أو مع عصره أيضا و علم فوات صلوات كثيرة أخرى بعدها و جهل الترتيب فيها.

فتجب حينئذ البدأة بالظهر المذكورة أولا، ثمَّ بالعصر المذكورة إن كانت، ثمَّ بسائر الفوائت و لا ترتيب فيها. أمّا الأول فلصحيحة زرارة، و أمّا الثاني فلما دلّ على وجوب تقديم المغرب على العشاء بقول مطلق، و أما الثالث فللأصل و عدم الدليل كما عرفت.

و منها: أن تفوت منه صلوات مجهولة الترتيب، ثمَّ فاتت منه صلاة واحدة.

و لا ترتيب حينئذ أصلا، لعدم تعيين الأولى حتى تستدلّ لها بالصحيحة، و عدم دليل آخر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    322     فائدة: إذا جهل الترتيب و قلنا بوجوب تحصيله يكرر الصلاة حتى يعلم حصوله. ..... ص : 322

منها:

السابقة إلّا أن تتعدّد الفوائت اللاحقة.

و لا ترتيب بينها و بين السابقة، للأصل. و تجب مراعاة الترتيب بينها بأنفسها مع العلم به، لما مرّ من أخبار تقديم المغرب.

و منها: أن تفوت صلاة معيّنة أولا أو صلوات كذلك، ثمَّ فاتت صلوات و جهل ترتيبها، ثمَّ فاتت صلاة معيّنة أو صلوات كذلك.

و تجب البدأة بالفائتة الأولى أولا للصحيحة، ثمَّ ما بعدها مرتبا إن علم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 322

الترتيب لما مرّ، ثمَّ البواقي و لا ترتيب بينها حتى بين المتوسطة و الأخيرة. نعم لو تعدّدت الأخيرة و علم الترتيب بينها تجب مراعاته لما مرّ) «1».

فائدة: إذا جهل الترتيب و قلنا بوجوب تحصيله يكرّر الصلاة حتى يعلم حصوله.

و ضابطه أنّ الفائتة إن كانت اثنتين يصلّي ثلاثا بتوسيط إحداهما بين الأخرى و مثلها، كأن يصلّي عصرا بين ظهرين أو بالعكس. فإن زادت ثالثة يفعل مثل المرتبة السابقة قبلها و بعدها، أي توسيط الثالثة بين وظيفة السابق و مثلها.

فإن زادت رابعة توسّطها بين وظيفة الثالثة و هكذا.

و بطريق آخر: يبتدئ بما شاء و يصلّي حتى يتم عدد الفائتة و يكرر هذا العمل بعدد الفائتة إلا واحدة ثمَّ يختم بالصلاة التي ابتدأ بها.

فإذا كانت الفائتة ظهرا و عصرا يكون عدد الفائتة اثنتين، فيصلّي ظهرا و عصرا و ظهرا. و إن ضمّت معها المغرب يصلّي ظهرا و عصرا و مغربا و ظهرا و عصرا و مغربا و ظهرا. و إن ضمّت معها عشاء يصلّي الأربعة المبتدأة بالظهر ثلاثا و يضمّ إليها ظهرا.

و له البدأة بغير الظهر، فإن كانت الفائتة صلوات يوم يصلّي أربعة أيام بترتيب واحد و يزيد عليها صلاة واحدة هي ما ابتدأ به و هكذا.

و بطريق ثالث: يبدأ بما شاء و يصلّي حتى يتمّ عدد الفائتة بأي ترتيب شاء،

ثمَّ يبدأ بما بعد ما ابتدأ به أولا و يصلي بالترتيب المتقدم حتى يختم بما ابتدأ به أولا، ثمَّ يبدأ بما بعد ما ابتدأ به ثانيا و يصلّي بالترتيب حتى يختم بما ابتدأ به ثانيا، و هكذا يكرّر بعدد الصلوات الفائتة. و تلك الضابطة ضابطة أخذ الزمام المصطلح للأعداديين.

و بطريق رابع: يصلّي الصلوات الفائتة بأيّ ترتيب أراد إلى أن يتمّ و يكرّر

______________________________

(1) هذا الفرع بتمامه غير موجود في «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 323

ذلك بعدد الفائتة، فمن فاتت منه صلوات يوم و جهل الترتيب يصلّي خمسة أيّام بترتيب واحد، و من فاتته صلوات عشرة أيام يصلّي خمسين يوما و هكذا.

و الأخيران متساويان في الحاصل، و يزيدان على الثاني بعدد الفائتة إلّا واحدة، و ينقصان عن الأول بكثير إذا تجاوز عدد الفائتة عن الأربع، و يزيدان عليه بواحدة في الأربع و باثنتين في الثلاث.

و لا يخفى أنّ الاحتياج إلى التكرار في جميع الصلوات على النحو المذكور إنّما هو إذا كان الترتيب في الجميع مجهولا، و أما مع العلم به في بعضه فلا يكرّر إلّا في المجهول ترتيبه، و على هذا فلو فاتته صلوات عام مثلا متصلة و جهل مبدأها، يعمل بوظيفة الجاهل في صلاة يوم و يكرّرها حتى يحصل الترتيب في صلاته، ثمَّ يتمّ الباقي إلى العام.

و هناك طريق خامس يسهل به الأمر و يرتفع العسر و الحرج كثيرا و هو: أن يقضي جميع صلوات مدة يجوز أن تكون الفائتة منها.

و بعبارة أخرى: يعيّن أول وقت يحتمل فوت صلاة فيه و آخر وقت كذلك و يقضي جميع ما بينهما.

و بعبارة ثالثة: يقضي عن أول صلاة يمكن أن تكون الفائتة و يختم بآخر صلاة كذلك.

فإذا

علم فوات صلاة يوم متّصلة و لم يعلم الترتيب، فيقضي صلاة يومين متصلة. و إذا علم فوات مائة صلاة من شهر معيّن و لم يعلم الترتيب، يقضي الشهر كلّه، فيبدأ من أول صلاة يمكن أن تكون الفائتة و يختم بآخرها. و إذا علم فوات ألف صلاة من عام يقضي جميع صلوات العام.

و هذا أخصر الطرق غالبا لمن يراعي الترتيب مع الجهل سيّما إذا تكثّرت الفوائت. نعم لو كانت قليلة و زمانها كثيرا كعشر صلوات مجهولة الترتيب من عام فالأسهل العمل بإحدى الضوابط المتقدمة.

و لو كانت الفائتة في مدة نوعين من الصلاة أو ثلاثة أو أربعة اقتصر على قضاء هذه الأنواع لا غيرها، فمن يعلم فوات مائة ظهر و عصر و مغرب من سنة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 324

و لم يعلم الترتيب، يبتدئ من أول زمان احتمال الفوت و يقضي الثلاثة من كل يوم الى آخر الستة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 325

الفصل الثاني في قضاء الصلاة عن الأموات و الصلاة لهم و فيه مسائل:
المسألة الأولى: تجوز الصلاة للميّت بأن يصلّي صلاة و يجعلها له

و إن لم يكن عليه قضاء و لم يكن المصلّي ولده.

و تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار التي ذكر كثيرا منها السيّد الجليل رضي الدين علي بن طاوس في كتابه المسمّى ب «غياث سلطان الورى لسكّان الثرى» و قد نقلها في الذكرى و الذخيرة و الحدائق عنه، فمن أراد الاطّلاع عليها فليرجع إليها «1».

فيجوز لكلّ أحد أن يصلّي صلاة و يجعلها لميّت بأن ينوي الصلاة عنه، أو يصلّي الصلاة لنفسه و يجعل ثوابها له.

و يدلّ على الأول عموم رواية الفقيه: «من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميّت أضعف اللّه أجره و نفع اللّه به الميّت» «2».

و نحوها رواية عمر بن يزيد «3»، و المرويّ في كتاب حمّاد بن عثمان «4».

و

خصوص رواية عمر بن يزيد: كان أبو عبد اللّه عليه السلام يصلّي عن

______________________________

(1) انظر: الذكرى: 74، و الذخيرة: 385، و الحدائق 11: 32، و نقلها عنه أيضا في الوسائل 8:

276- 282 أبواب قضاء الصلوات ب 12، و البحار 85: 309.

(2) الفقيه 1: 117- 555، الوسائل 2: 444 أبواب الاحتضار ب 28 ح 4.

(3) الذكرى: 75، الوسائل 8: 282 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 25، عن غياث سلطان الورى.

(4) الذكرى: 75، الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 24، عن غياث سلطان الورى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 326

ولده في كلّ ليلة ركعتين، و عن والده في كلّ يوم ركعتين- إلى أن قال-: و كان يقرأ فيهما القدر و الكوثر» «1».

و رواية محمّد بن مروان: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين يصلّي عنهما، و يتصدّق عنهما، و يحجّ عنهما، و يصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما، و له مثل ذلك، فيزيده اللّه ببرّه و صلته خيرا كثيرا» «2».

و ظاهر أنّ ذلك غير القضاء، لعدم جوازه عن الحي.

و رواية الفقيه: أ يصلّى عن الميت؟ فقال: «نعم حتّى إنّه ليكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق، ثمَّ يؤتى فيقال له: خفّف اللّه عنك ذلك الضيق لصلاة فلان أخيك عنك» «3».

و نحوها رواية محمّد بن عمر بن يزيد المروية في التهذيب «4».

و المروي في مسائل علي: عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال: «نعم فيصلّي ما أحبّ و يجعل تلك للميّت، فهو للميّت إذا جعل ذلك له» «5».

و نحوه روايته الأخرى «6».

و رواية علي بن أبي حمزة: عن الرجل يحجّ و يعتمر و يصلّي و

يصوم و يتصدق عن والديه و ذوي قرابته، «قال لا بأس به، يؤجر فيما يصنع، و له أجر آخر بصلته قرابته» «7».

______________________________

(1) التهذيب 1: 467- 1533، الذكرى: 75، الوسائل 2: 445 أبواب الاحتضار ب 28 ح 7.

(2) الكافي 2: 159 الايمان و الكفر ب 69 ح 7، الوسائل 8: 276 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 1.

(3) الفقيه 1: 117- 554، الوسائل 2: 443 أبواب الاحتضار ب 28 ح 1.

(4) لم نجدها في التهذيب، و لكن رواها في الذكرى: 73، و الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 4 عن غياث سلطان الورى.

(5) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 2، مسائل علي بن جعفر: 199- 429.

(6) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 3، البحار 10: 291.

(7) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 8. عن غياث سلطان الورى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 327

و المروي في كتاب الحسين الكوكبي: أحجّ و أصلّي و أتصدّق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال: «نعم تصدّق عنه و صلّ عنه» «1». إلى غير ذلك.

و لا شكّ في جواز ذلك في النوافل التي يجوز للمكلّف الإتيان بها لنفسه في كلّ وقت شاء و أراد.

و هل ينسحب إلى الفرائض بأن يصلّي صلاة ظهر عنه مع علمه بفراغ ذمة الميت عنها؟.

ظاهر الذخيرة و البحار التوقّف «2»، و صرّح في الحدائق بالعدم «3». و هو الأصحّ، لأنّ الإتيان بمثل هذه الصلاة للميّت إمّا يكون بقصد القضاء عنه، أو لا بقصده بل يصلّي صلاة ظهر- مثلا- له. و أيّ منهما كان تتوقّف شرعيّته على التوقيف، و لم تثبت شرعية قضاء

فعل فعله المكلّف أو لم يتعلّق بذمته عموما. نعم ثبتت في بعض الفوائت الغير الواجبة على المكلّف بالعمومات المخصوصة بمواضع مخصوصة، كما مرّ في قضاء النائم و نحوه. و كذا لم تثبت صلاة ظهر مشروعة- مثلا- إلّا أداء واحد في وقته للمكلف، أو القضاء لمن كان عليه قضاؤها.

مضافا في الأول إلى موثقة أبي بصير: عن امرأة مرضت في شهر رمضان، فماتت في شوال، فأوصتني أن أقضي عنها، قال: «هل برئت من مرضها؟» قلت: لا ماتت عليه، قال: «لا يقضى عنها، فإن اللّه تعالى لم يجعله عليها» قلت: فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك، قال: «كيف تقضي شيئا لم يجعله اللّه تعالى عليها؟!» «4».

و السؤال و إن كان مخصوصا بالصوم إلّا أنّ التعليل يثبت العموم.

و أمّا الأخبار المتقدّمة المجوّزة فغير واضحة الدلالة على العموم.

______________________________

(1) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 9 عن غياث سلطان الورى.

(2) الذخيرة: 387، البحار 85: 320.

(3) الحدائق 11: 42.

(4) الكافي 4: 137 الصيام ب 9 ح 8، التهذيب 4: 248- 737، الاستبصار 2: 109- 358، الوسائل 10: 332 أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 328

و أمّا قضية صفوان بن يحيى و عبد اللّه بن جندب و علي بن النعمان، و تعاقدهم على أنّ من مات منهم يصلّي من بقي صلاته و يصوم عنه و يحجّ عنه ما دام حيا، فمات صاحباه و بقي صفوان فكان يفي لهما بذلك، فيصلّي كلّ يوم و ليلة خمسين و مائة ركعة «1».

فغير ثابتة. و لو ثبتت فليست لنا بحجّة. و لو كانت حجة فعلى العموم غير دالّة، فلعلّه كان عليهم قضاء يقينا أو

احتمالا.

و تدل على الثاني رواية ابن جندب: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة و البرّ و الخير أثلاثا، ثلثا له و ثلثين لأبويه، أو يفردهما من أعماله بشي ء ممّا يتطوّع و إن كان أحدهما حيّا و الآخر ميتا، فكتب إليّ: «أمّا الميّت فحسن جائز، و أما الحيّ فلا إلّا البرّ و الصلة» «2».

فإن الظاهر أنّ المراد جعل ثوابها لهما، لأنّه الصالح للتشريك ثلثا و ثلثين و التفريد، و لأنه لا تجوز صلاة نفسه الواجبة عنهما، بأن ينوي إنّي أصلّي الظهر عنهما، إذ لا تصحّ صلاته لنفسه حينئذ.

المسألة الثانية: إذا علم فوات الصلاة عن ميّت فلا شكّ في جواز القضاء عنه.

و يدلّ عليه ما مرّ من إطلاق روايات الصلاة عن الميّت، و روايات قضاء الولي، و رواية الساباطي: عن الرجل يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم، هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: «لا يقضيه إلّا رجل مسلم عارف» «3».

و عموم صحيحة محمّد: «يقضى عن الميّت الحجّ و الصوم و العتق و فعاله الحسن» «4».

______________________________

(1) راجع رجال النجاشي: 197، و فهرست الشيخ: 83.

(2) الوسائل 8: 280 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 16 عن غياث سلطان الورى.

(3) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 5 عن غياث سلطان الورى.

(4) الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 23 عن غياث سلطان الورى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 329

و نحوها صحيحة ابن أبي يعفور «1»، و أخبار كثيرة أخرى.

و تدلّ عليه قضيّة الخثعميّة المشهورة في كتب الفريقين: «سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقالت: إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ شيخا زمنا لا يستطيع أن يحجّ، إن حججت عنه أ

ينفعه ذلك؟ فقال لها: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أ كان ينفعه ذلك؟ قالت: نعم، قال: فدين اللّه أحقّ بالقضاء» «2».

و لا شكّ أنّ الصلاة أيضا دين اللّه، كما استفاضت به الأخبار، منها المروي في الفقيه: «إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها بشي ء، صلّها و استرح منها، فإنّها دين» «3» و نحوها رواية حماد «4»، إلى غير ذلك.

و هل يجوز ذلك باحتمال أنّ عليه قضاء أو توهّمه أو تخيّله؟

قال في الذخيرة: فيه نظر و شك، لعدم الدليل، و توقف العبادات على التوقيف «5». انتهى.

أقول: قد مرّ جواز ذلك بل استحبابه للمكلّف نفسه في صلاته لأدلّة الاحتياط. و لكن في شمولها للمقام نظر ظاهر، إذ لا احتياط على الغير في حقّ الغير، و لا يجب على الولي إلّا ما علم فواته قطعا.

إلّا أنّ الظاهر كفاية مثل قولهم عليهم السّلام: «لكلّ امرئ ما نوى» و «إنّما الأعمال بالنيات» «6» و قضية تعاقد المشايخ الثلاثة المذكورة- مع التسامح في أدلّة السنن، و غلبة الظنّ بأنّ ذلك لم يكن لقضاء صلاة متروكة يقينا- في إثبات

______________________________

(1) الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 19 عن غياث سلطان الورى.

(2) الذكرى: 75 عن غياث سلطان الورى، و نقل مضمونها في الدعائم 1: 336، و في مستدرك الوسائل 8: 26 أبواب وجوب الحج ب 18 ح 3 عن الدعائم و عن تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي، و انظر: سنن النسائي 5: 117، و سنن البيهقي 4: 328.

(3) الفقيه 2: 195- 884، الوسائل 11: 440 أبواب آداب السفر ب 52 ح 1.

(4) الوسائل 8: 282 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 26، عن غياث سلطان الورى.

(5) الذخيرة: 387.

(6) الوسائل 1:

46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 330

الجواز و الاستحباب و حصول التوقيف، فإنّ عدم التوقيف إنّما يمنع من الفعل بقصد التوقيف، فإذا فعله بقصد الدخول في تلك العمومات فأيّ مانع منه؟ و لم لا يثاب عليه؟

المسألة الثالثة: لا شكّ في عدم وجوب قضاء ما علم فواته من الميّت
اشاره

من الصلوات على غير الولي، للأصل الخالي عن المعارض مطلقا.

و أمّا الولي ففيه أقوال:

الأول: أنّه يجب عليه قضاء جميع ما فات عن الميّت، و نسب إلى ظاهر الشيخين و العماني و القاضي و ابن حمزة و الفاضل في أكثر كتبه «1».

الثاني: أنّه يجب عليه قضاء ما فات عنه من صلاة أو صوم لعذر، كالمرض و السفر و الحيض، لا ما تركه الميّت عمدا مع قدرته عليه، و هو المنقول عن المحقّق في بعض مصنفاته «2»، و السيّد عميد الدين «3»، و نفى عنه البأس في الذكرى «4».

الثالث: أنه يجب عليه قضاء الصلوات الفائتة عنه في حال مرض موته فحسب، ذهب إليه الحلّي و يحيى بن سعيد و الشهيد في اللمعة «5»، و مال إليه في الروضة «6».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 633، الذكرى: 128 نقلا عن العماني، و القاضي في المهذب 2: 132، و ابن حمزة في الوسيلة: 150، و الفاضل في التحرير 2: 164 و القواعد 2: 171، و التبصرة: 173، و التذكرة 1: 271.

(2) نقله في الذكرى: 138 عن البغدادية للمحقق، و لا يخفى أن ظاهره (ره) في الشرائع 4: 25 و النافع: 268 وجوب قضاء جميع ما فات، فراجع.

(3) نقله عنه في الذكرى: 138.

(4) الذكرى: 138.

(5) الحلي في السرائر 1: 409، يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 89، اللمعة (الروضة 1):

352، و قال: و قيل ما فاته

مطلقا و هو أحوط.

(6) الروضة 1: 352.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 331

الرابع: أنه يجب عليه قضاء ما فات عنه في المرض مطلقا، مخيّرا بينه و بين التصدّق لكلّ ركعتين بمدّ، فإن لم يقدر فلكلّ أربع مدّ، فإن لم يقدر فمدّ لصلاة النهار و مدّ لصلاة الليل مع أفضلية القضاء، حكي عن الإسكافي و السيّد «1».

الخامس: أنه يجب عليه قضاء جميع ما فات عنه لمرض أو غيره، مخيّرا بينه و بين الصدقة على النحو المذكور، نسب إلى ابن زهرة «2».

و مرجع الأخيرين إلى عدم وجوب القضاء عليه بخصوصه.

و منهم من نسب إلى هؤلاء الأجلّة الثلاثة مع التخيير التخصيص بمرض الموت أيضا «3».

السادس: عدم وجوب القضاء عنه مطلقا، يظهر من السيّد ابن طاوس في رسالته المذكورة وجود القائل به «4».

و ظاهر الذخيرة التوقف في أصل وجوب القضاء مطلقا «5».

دليل الأول: رواية الساباطي المتقدّمة في المسألة الثانية «6»، حيث إنّها دلّت على الوجوب على المسلم العارف، خرج غير الولي بالإجماع، فبقي الولي.

و صحيحة البختري: في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال:

«يقضيه أولى الناس به» قلت: إن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: «لا، إلّا الرجال» «7».

و مرسلة ابن أبي عمير: في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال:

______________________________

(1) حكاه عنهما في المختلف: 148.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية) 563.

(3) نسب التخصيص بمرض الموت إلى الإسكافي و المرتضى، في المختلف: 148، و لم نجد من نسبه الى ابن زهرة.

(4) انظر: الذكرى: 75.

(5) الذخيرة: 387.

(6) راجع ص 328.

(7) الكافي 4: 123 الصيام ب 44 ح 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 332

«يقضيه أولى الناس به»

«1».

و رواية ابن سنان: «الصلاة التي حصل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به» «2».

و عموم الأخبار الكثيرة، المتقدم بعضها المتضمن لقوله: «يقضى عن الميّت فعاله الحسن» «3».

و يرد على الجميع خلوّه عن الدالّ على الوجوب رأسا، و أيّ دلالة في قوله:

«يقضى» على الوجوب؟ مع أنّ استعمال الإخبار في المستحبات أكثر من أن يحصى. و دعوى تبادر الوجوب ممنوعة جدا. و لو سلّم فما فائدته لزمان الشارع؟

و قياسه على الأمر فاسد، إذ يضمّ مع تبادره أصالة عدم النقل، و هو هنا متحقّق قطعا لو سلّم التبادر، فتجري فيه أصالة تأخّر الحادث.

هذا مع أنّ الظاهر من الأول ليس إلّا الجواز، و لو سلّم ظهور الوجوب فتخصيص المسلم العارف بالولي ليس بأولى من حمل «يقضيه» على الجواز.

و كذا العمومات الأخيرة، إذ لا يجب قضاء جميع فعاله الحسن قطعا، و التخصيص بالصلاة- مع كونه قبيحا لكونه فردا نادرا- ليس بأولى من حمل «يقضى» على الاستحباب.

نعم وردت الأخبار- الظاهرة في الوجوب- في خصوص الصوم «4». و قياس الصلاة عليه فاسد، و الإجماع المركب غير ثابت، بل عدمه ثابت، لتحقق الفصل بينهما في هذه المسألة في كثير من الموارد.

دليل الثاني- على ما في الذكرى-: إطلاق الأخبار المتقدّمة بحمله على الغالب، و هو كون ترك الصلاة للعذر، قال: أمّا تعمّد ترك الصلاة فإنّه نادر،

______________________________

(1) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 6 عن غياث سلطان الورى.

(2) الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 18 عن غياث سلطان الورى.

(3) راجع ص 328.

(4) الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 333

قال: نعم قد يتفق فعلها لا على الوجه

المبرئ للذمّة، و الظاهر أنّه يلحق بالتعمّد للتفريط «1». انتهى.

و يردّ: بمنع دلالة الإطلاقات على الوجوب أولا، كما مرّ. و منع الغلبة المدّعاة الموجبة لانصراف المطلق إليها- سيّما مع إلحاق ما ذكره بالتعمّد- ثانيا.

دليل الثالث: أمّا على عدم وجوب قضاء ما فات في غير مرض الموت فالأصل الخالي عن المعارض. و أمّا على وجوب قضاء ما فات في مرض موته فالإجماع، نقله الحلّي «2».

و يردّ: بعدم حجية الإجماع المنقول، و عدم ثبوت المحقّق، كيف؟! و لا يوجبه السيّد و الإسكافي و ابن زهرة عينا و إن أوجبوا تخييرا.

و دليل الرابع و الخامس غير معلوم، كما صرّح به جماعة «3».

و دليل السادس: الأصل، و هو حسن.

إلّا أنّ الظاهر ثبوت الإجماع على وجوب شي ء على الولي عينا أو تخييرا، و لا أقلّ من الفائتة في مرض الموت، فإنّ من يقول بعدم الوجوب أصلا غير معلوم، و إن كان فهو نادر، خلافه في الإجماع غير قادح.

ثمَّ إنّ هذا الشي ء الواجب قطعا هو قضاء الفائتة في مرض الموت قطعا، إذ كلّ من يقول بوجوب شي ء يقول بوجوبه لا أقلّ، فهو بأحد الوجوبين- العيني بخصوصه أو في ضمن الزائد، أو التخييري- موصوف البتة، و وجوب الزائد غير معلوم البتة، ثمَّ بضميمة أصل الاشتغال يثبت وجوبه عينا، فإنّ كلّ من يقول بالتخيير بين الصلاة و الصدقة يقول بحصول البراءة بالصلاة.

و من ذلك يظهر أنّ الأقوى هو القول الثالث، و هو اختصاص الوجوب على الولي بقضاء ما فات في مرض الموت، و الأحوط قضاؤه ما فات في المرض مطلقا.

______________________________

(1) الذكرى: 138.

(2) في السرائر 1: 399 و 408.

(3) كصاحب الحدائق 11: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 334

فروع:
أ: يستحب للولي قضاء جميع ما فات عن الميت،

للأخبار المتقدمة، و التحرز

عن الخلاف.

ب: المشهور أنّ الولي الذي يجب عليه القضاء الرجال من الورثة

دون النساء، و الأولاد من الرجال منهم دون غيرهم، و الأكبر من الأولاد دون غيره.

فيختصّ القاضي بالابن الأكبر سواء وجد غيره أم لا.

و عن المفيد و الصدوقين و الإسكافي و ابن زهرة و القاضي: إطلاق الولي من غير تخصيص «1».

و ظاهر الذكرى التخصيص بالذكور دون غيره «2».

و من مشايخنا الأخباريين من خصّه بالرجل و الأكبر دون الولد «3».

و استدلّوا على هذه التخصيصات بوجوب الاقتصار على المتيقّن، فإنّ الأصل يقتضي عدم القضاء إلّا ما وقع الاتفاق عليه و هو الابن الأكبر، و عدم صدق الولي على غيره.

مضافا في التخصيص بالرجال إلى صحيحة البختري المتقدمة «4»، فإنّ مقتضى قوله «يقضيه» فيها إمّا الجواز أو الاستحباب أو الوجوب، و أيّ منها كان ينتفي بنفيه الوجوب عن الإناث.

و في التخصيص بالأكبر إلى صحيحة الصفار: رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام و له وليّان، هل يجوز لهما أن يقضيا [عنه ] جميعا، خمسة أيام

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 823، الصدوق في المقنع: 63، و في المختلف: 242 نقلا عن والده و في ص 148 حكاه عن الإسكافي، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 563، القاضي في شرح الجمل:

112.

(2) الذكرى: 139.

(3) المحدث البحراني في الحدائق 11: 55.

(4) في ص 331.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 335

أحد الوليين و خمسة أيام الآخر؟ فوقّع عليه السلام: «يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيام ولاء إن شاء اللّه تعالى» «1».

و احتجّ من أطلق الولي بإطلاقاته، مضافا إلى رواية الصدوق: «إذا مات الرجل و عليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله» «2».

و من خصّ بالذكور بصحيحة الحفص في التخصيص، و الإطلاق بالنسبة إلى غيره لعدم المخصص.

و من خصّ

معه بالأكبر بصحيحة الصفار في التخصيص و الإطلاق في غيره.

أقول: أمّا دليل الاقتصار على المتيقّن ففيه: أنه يصحّ فيما إذا انحصر الوارث بغير الابن، فيصحّ أن يقال: الأصل عدم الوجوب عليه، و أمّا إذا اجتمع الابن و غيره كالأب فالأصل كما يقتضي عدم الوجوب على غير الابن يقتضي عدم الوجوب عليه عينا أيضا.

و أمّا دليل عدم الصدق ففاسد جدا، لمنعه. كيف؟! مع أنّه تعلّقت أحكام من الميّت بالولي و أولى الناس به أيضا، و عمموه فيها كما مرّ.

و أمّا دليل التخصيص بالأكبر ففيه: أنه مخصوص بقضاء الصوم. و إثبات عدم الفصل مشكل جدّا. مضافا إلى معارضته مع رواية الصدوق المتقدّمة، و قصوره عن إفادة الوجوب، لاحتمال إرادة الرجحان، بل هي المتضمّنة، للتقييد بقوله «ولاء» و هو غير واجب.

و أما دليل الإطلاق بالنسبة إلى الولي أو غير الأكبر أو الرجل فإنما يتمّ لو كان دليل الوجوب هو الإطلاقات، و قد عرفت قصورها عن إثباته حتى رواية الصدوق

______________________________

(1) الكافي 4: 124 الصيام ب 44 ح 5، الفقيه 2: 98- 441، التهذيب 4: 247- 732، الاستبصار 2: 108- 355. الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3. و ما بين المعقوفين من المصادر.

(2) الفقيه 2: 98- 440، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 336

المتضمنة للأمر، لعدم الوجوب على من شاء.

و التحقيق: أنّه لا ينبغي الريب في الاختصاص بالذكور، لصحيحة البختري بالتقريب المتقدم.

و لا في عدم الوجوب على غير الابن في صورة عدم وجود ابن، للأصل المتقدم، حيث إنّه- كما عرفت- ينحصر الدليل على الوجوب بالإجماع المنتفي في المقام.

و لا في عدم الوجوب على غير

الابن و الأب مع وجود الابن، لانتفاء الولاية، فلا قول بالوجوب عليه البتة.

فبقي الإشكال في صورة اجتماع الابن و الأب، و صورة تعدّد الأبناء، فإنّه و إن وجب إمّا على الابن الأكبر معيّنا أو على أحدهم مخيّرا، لعدم قول بغير ذلك، إلّا أنّه تجري أصالة عدم الوجوب المعيّن في حقّ الابن الأكبر و المخيّر في حقّ البواقي، فلا يمكن الحكم بالوجوب المعيّن على الابن الأكبر، كما في واجدي المني في الثوب المشترك. و الأحوط للولد الأكبر قضاء ما فات في مرض الموت حينئذ.

ج: لو كان الولد الأكبر أو غيره من الأولياء- على القول بالتعميم- غير مكلّف

فهل يتعلّق الوجوب به أم لا؟

قال في الذكرى: الأقرب اشتراط كمال الولي حال الوفاة، لرفع القلم عن الصبي و المجنون «1».

و فيه: أنّه لو تمَّ لزم عدم وجوبه على الغافل عند الموت و النائم، و الجاهل بالموت، لمشاركتهما مع غير الكامل في عدم التكليف حال الوفاة. و لو جاز التعلّق بعد رفع المانع لجاز في غير البالغ أيضا، فيلحقه الأمر عند البلوغ.

و قيل: الأقوى عدم الاشتراط، لثبوت الحبوة لغير البالغ، المستلزم لثبوت القضاء، و لعموم النصّ «2».

______________________________

(1) الذكرى: 139.

(2) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 337

و يردّ الأول: بمنع التلازم. و الثاني: بمنع وجود النصّ المقتضي للوجوب.

و الحقّ عدم الوجوب، لما عرفت من انحصار الدليل في الإجماع المنتفي في موضع النزاع.

د: لا يشترط خلوّ ذمّة الولي من صلاة واجبة،

فتلزمان معا. و لا ترتيب بينهما، و لا بين فوائت الميّت لو علم الولي الترتيب أو لم يعلمه.

كلّ ذلك للأصل، و عدم الدليل، و ظهور أدلّة الترتيب في فوائت نفسه.

و وجوب الترتيب على الميّت لو كان يقضيه بنفسه لا يستلزم وجوبه على الولي أيضا، سيّما مع اختصاص الوجوب بالفائتة في مرض الموت التي لم يتعلّق وجوب قضائها بذمة الميت أصلا.

و دعوى تبادر وجوب القضاء على الولي بالنحو الذي كان واجبا على الميّت غريبة جدا، إذ لا تبادر في ذلك أصلا.

ه: لو مات هذا الولي قبل قضائه فوائت الميّت لا يتحمّلها وليه

، للأصل، و الاقتصار على المجمع عليه.

و لو كان المستند الروايات لقوي القول بالتحمل، لإطلاقها. و انصرافه إلى الشائع إنما يسلّم إذا بلغ الشيوع حدا يوجب التبادر، و هو في المقام ممنوع.

و: المقضي عنه هو الرجل، اقتصارا على موضع الوفاق،

وفاقا للحلّي و الفخري «1»، و أكثر المتأخرين «2».

و كلام المحقّق مؤذن بالقضاء عن المرأة «3»، قال في الذكرى: لا بأس به «4»،

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 399، فخر المحققين في الإيضاح 1: 240.

(2) كالشهيد الأول في الذكرى: 139، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 80، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 78، و صاحب الرياض 1: 322.

(3) المختصر النافع: 70.

(4) الذكرى: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 338

و اختاره بعض مشايخنا المحققين «1»، بل هو مختار الشيخ في النهاية «2»، و عن القاضي و التذكرة و المختلف و الدروس «3».

أخذا بظاهر الروايات، حيث إنّ معظمها يتضمّن لفظ الميّت، و هو في الاستعمال مشترك، و لأنّ المرأة مثل الرجل في التكليفات الشرعيّة، و لأنّ عناية اللّه سبحانه بالنسبة إليهما على السواء.

و الأول كان حسنا لو كانت الرواية دالّة على الوجوب، و الثاني ضعيف، لأنّ المسلّم المماثلة في تكاليف أنفسهم، و الثالث من الاستحسانات المردودة في مذهبنا.

و استدلّ الفاضل أيضا ببعض الأخبار الظاهرة في جواز قضاء الصوم عن المرأة «4».

و ضعفه ظاهر، فإنّ الكلام في الوجوب ثمَّ على الولي.

ز: لو أوصى الميّت إلى غير الولي بقضائها عنه بأجرة أو غيرها، فالأقرب عدم الوجوب على الولي

و لو قبل إتيان الغير به، لما مرّ من الاقتصار في الوجوب عليه على موضع الإجماع.

هذا إذا لم تفت من الميّت بعد الوصية صلاة. و لو تقدّمت الوصيّة فوت بعض الصلوات يجب على الولي ما فات بعده في مرض الموت، لأنّ الوصية تعلّقت بقضاء ما تقدّمت على الوصية.

هذا إذا أوصى بقضاء ما علم فواته. و لو أوصى بقضاء صلوات احتياطا ثمَّ فاتت عنه صلوات فلا يبعد الاكتفاء بالوصية. فتأمل.

ح: هل يجوز للولي استئجار ما يجب عليه من القضاء، أم لا؟

______________________________

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) النهاية: 158.

(3) القاضي في المهذب 1: 196، التذكرة 1: 276، المختلف: 243، الدروس 1: 289.

(4) المختلف: 243، و التذكرة 1: 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 339

الأقرب الثاني، وفاقا للحلّي و المنتهى و الذكرى و الحدائق «1»، لأصالة عدم السقوط عنه بفعل الغير، و استصحاب الوجوب، و عدم ثبوت جواز الاستنابة في الصلاة عن الحي، و الولي حيّ و التكليف عليه. و الفرق بينه و بين وصيّة الميّت ظاهر، إذ في صورة الوصيّة لم يثبت الوجوب على الولي بخلاف المورد، فإنّ الوجوب ثبت عليه، و السقوط يحتاج إلى دليل.

خلافا للمحكي عن التذكرة و صوم الدروس و ابن فهد «2»، فجوّزوا الاستيجار.

لأنّ قوله «يقضي» الوارد في أكثر تلك الأخبار ليس صريحا في المباشرة.

و لدلالة الأخبار على كون الصلاة دينا، و الدين يصحّ أن يقضيه كلّ أحد.

و لقوله في رواية عمار السابقة: «لا يقضيه إلّا رجل مسلم عارف» «3» دلّ على جواز قضاء كلّ أحد.

و لقبول القضاء عن الميّت النيابة و الاستيجار.

و يردّ الأول: بأنّ قوله «يقضي» حقيقة في قضائه بنفسه، لأنّه معناه، فكيف ليس صريحا؟! بل هو المتبادر منه، و الاستيجار ليس معنى لقوله «يقضي».

و الثاني: بأنّا لا نسلّم

أنّ كلّ دين مما يصحّ أن يقضيه كلّ أحد، و لذا لا تصحّ الصلاة عن الحي. و التعليل في قضية الخثعمية «4»- لو ثبت- فإنّما ينفع في موضع الانجبار، لضعفها.

سلّمنا، و لكن الكلام ليس في سقوط الصلاة عن الميت، بل عن الولي، و لا استبعاد في سقوطها عنه بفعل الغير و بقائها على ذمّة الولي أيضا، لتعلّق الوجوب به أولا، و لذا نقول بالوجوب عليه لو تبرّع أحد بالصلاة للميت أيضا.

______________________________

(1) الحلي في السرائر: 399، المنتهى 2: 604، الذكرى: 139، الحدائق 11: 62.

(2) التذكرة 1: 276، الدروس 1: 289، المهذب البارع 2: 76.

(3) راجع ص: 328.

(4) المتقدمة في ص: 329.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 340

فإن قلت: لا صلاة على الميّت حينئذ حتى يجب قضاؤها على الولي.

قلنا: كانت عليه الصلاة حين الوفاة، و صار هو سببا لتعلّق الوجوب بالولي، فيستصحب وجوبه عليه، و إن سقط عن الميت بفعل غيره تبرعا. و لذا لو استأجر الوصي أحدا لقضاء ما لا يجب على الولي من فوائت الميت لا يرتفع الوجوب عن الأجير بتبرّع غيره.

مع أنّ في صحة هذه الصلاة إجارة و سقوطها عن الميت نظرا، فإنّ وجوبها عينا على الولي ينافي السقوط بفعل الغير. و لو كان كذلك لما وجب قضاء على ولي عينا أبدا بل يكون واجبا عليه و على سائر الناس تخييرا، و يكون واجبا كفائيا، و هم لا يقولون به، و لا يقولون بعقاب غير الولي مع الترك، و هو معنى الوجوب العيني، و إذا وجب عليه عينا فلا معنى لوجوبه على غيره أيضا بمعنى أنه لو فعله لسقط أيضا.

و الثالث: بأنّه لا كلام في جواز قضاء كلّ أحد عن الميّت، بل الكلام

في جواز استيجار الولي فيما وجب عليه، و جواز قضاء ما وجب على الولي.

و الرابع: بمنع قبول مطلق القضاء للاستنابة و الاستيجار، و السند واضح مما مرّ.

المسألة الرابعة: ألحقّ المشهور بين أصحابنا الإمامية جواز الاستيجار للصلاة،
اشاره

بل في الحدائق: أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب فيما أعلم «1».

إذ تجوز لكل أحد الصلاة عن الميت، و كلّ ما يجوز لأحد فعله لغيره يجوز استيجاره له.

أمّا الأول فللعمومات الكثيرة المتقدمة «2»، و الإجماع كما صرّح به غير

______________________________

(1) الحدائق 11: 44.

(2) في ص 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 341

واحد «1».

و أمّا الثاني فللإجماع، و لذا لا يطلب في الاستيجار لكلّ فعل فعل بخصوصه نصّ بخصوصه.

فإن سلّم المخالف الإجماع على الكلّية- كما هو الواقع- فلا وجه لمخالفته في المسألة، و إلّا فلم يجوّز الاستيجار في كلّ فعل مباح غير الصلاة؟ و من أين ثبت له الإجماع على كلّية غير هذا الفرد؟ أو أين العامّ الشامل لكلّ فعل سوى الصلاة؟

فإن قلت: الفارق ثبوت الإجماع في غيرها.

قلنا: إن أردت تصريح الجميع في الجميع فأين ذلك؟ و إن أردت عدم التعرّض للخلاف فأين التعرّض له في الصلاة سوى من بعض المتأخرين الذي لا يعبأ بخلافه و وفاقه في انعقاد الإجماع؟

و يدلّ على الثاني أيضا بعض العمومات أو الإطلاقات، كرواية محمد بن سنان: سألته عن الإجارة، فقال: «صالح لا بأس بها إذا نصح قدر طاقته، قد آجر موسى عليه السلام نفسه و اشترط» «2».

و هو بإطلاقه بل عمومه المستفاد من ترك الاستفصال يشمل المطلوب.

و المروي في تحف العقول للشيخ الحسن بن شعبة، عن الصادق عليه السلام، المنجبر ضعفه بالشهرتين بل نقل عدم الخلاف «3»، قال: «و أما تفسير الإجارات فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته

أو دابته أو ثوبه لوجه الحلال من جهات الإجارات، أو يوجر نفسه أو داره أو شيئا يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع أو العمل بنفسه و ولده و مملوكه أو أجيره» إلى أن قال:

______________________________

(1) كالشهيد الأول في الذكرى: 75، و نقل عن إرشاد الجعفرية في مفتاح الكرامة 2: 61.

(2) الكافي 5: 90 المعيشة ب 16 ح 2، الفقيه 3: 106- 442، التهذيب 6: 353- 1003، الاستبصار 3: 55- 178، الوسائل 17: 238 أبواب ما يكتسب به ب 66 ح 2.

(3) الذكرى: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 342

«و كلّ من آجر نفسه أو آجر ما يملك أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقة على ما فسرناه مما تجوز الإجارة فيه فحلال فعله و كسبه» «1».

فإنّه دلّ على أنّ كلّ ما تجوز إجارته حلال مطلق عمله، و أنّ الإنسان مما تجوز إجارته.

و تدلّ عليه أيضا عمومات وجوب الوفاء بالشرط، و لازمه وجوب الاستيجار أو الإجارة لو شرطه، بل نفس الإجارة أيضا شرط.

خلافا لنادر من متأخري المتأخرين كصاحبي الذخيرة و الوافي «2».

و منشأ شبهة الأول زعمه انحصار مستند هذه الإجارة في الإجماع و عدم ثبوته عنده في المقام.

و هو لا يضرّ من ادّعى ثبوته عند نفسه. مع أنّه يلزمه ما مرّ من توقّفه في صحّة الإجارة على غير شاذّ من الأعمال، لانتفاء النصّ المخصوص، و عدم موجب لثبوت الإجماع في غير الصلاة دونها.

و سبب منع الثاني ما مرّ أيضا مضافا إلى منافاة الاستيجار لنية الأجير القربة المقصودة في العبادة، قال: و أمّا جواز الاستيجار للحجّ فلأنّه إنّما يجب بعد الاستيجار، و فيه تغليب لجهة المالية، فإنّه إنّما يأخذ المال ليصرفه في

الطريق ليتمكّن من الحجّ. انتهى.

و يردّ: بمنع منافاة الاستيجار لنية القربة، لإمكان الإخلاص بعد إيقاع عقد الإجارة، فإنّ العمل يصير بعده واجبا، و يصير من قبيل ما لو وجب بنذر و شبهه، فيمكن تحقّق الإخلاص في العمل و إن صارت الأجرة سببا لتوجّه الأمر الإيجابي إليه.

قيل: المتصوّر من نيّة التقرب من جهة الإجارة إنّما هي من جهتها لا من جهة أنّها عبادة مخصوصة، و لا ريب أنّ المعتبر في الصلاة و نحوها نية التقرب بها

______________________________

(1) تحف العقول: 248، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(2) الذخيرة: 387، صاحب الوافي في المفاتيح 3: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 343

إلى اللّه تعالى من حيث إنّها هي.

قلنا: لم يثبت من أدلة وجوب الإخلاص أزيد من وجوب قصد كون الفعل للّه سبحانه و لأجل إطاعته و امتثال أمره، و هو يتحقّق من الأجير، و إلّا يأخذ الأجرة و يترك الصلاة. أمّا وجوب نية الإطاعة من حيث إنّ الفعل هذا الفعل أو لأجل الإيجاب من هذه الجهة فلا، و لو وجب ذلك لم يبرأ من نذر واجبا أصليا أبدا، فيدفع الإشكال.

بل الظاهر عدم وروده ابتداء أيضا، لأنّ القدر المسلّم وجوب الإخلاص في كلّ عبادة على من يتعبّد بها. و كون ما يلزم بالإجارة ممّا هو في الأصل عبادة عبادة للأجير ممنوع. و كونه عبادة لمن وجب عليه بأصل الشرع لا يقتضي كونه عبادة للأجير أيضا. و وجوبه بالإجارة لا يجعله عبادة، كسائر الأفعال الواجبة بالإجارة.

نعم، يشترط فيه قصد ما يميّزه عن غيره من الأفعال إن لم يتميز بغيره، و قصد كونه أداء لما وجب بالإجارة، كما هو شرط في أداء كلّ حقّ لازم. و

أمّا وجوب ما سوى ذلك فلا دليل عليه.

فإن قيل: لا شك أنّ الصلاة الفائتة التي تتدارك بالاستيجار كان قصد القربة جزءا لها، فتجويز تداركها بالاستيجار يقتضي تدارك جميع أجزائها.

قلنا: كون قصد الإخلاص جزءا لمهية الصلاة ممنوع، و إنّما هو شرط في صحّتها في الجملة أي حين التعبد بها. و لو سلّم فلا نسلّم جزئيّته لمطلق الصلاة، و إنّما هو جزء للصلاة الصادرة ممن يتعبّد بها.

ثمَّ بما ذكرنا من عدم كونها عبادة للأجير يندفع إشكال آخر أورد من جهة اعتبار الرجحان في العبادة. و الرجحان من جهة الإجارة غير مفيد في رجحان أصل المنفعة.

هذا كله مع أنّ ما اعتذر به في الاستيجار للحجّ غير تامّ جدا، كما لا يخفى على المتأمل.

و سيأتي تمام الكلام في ذلك، و بيان عدم تمامية سائر ما اعتذر به لانتفاء نيّة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 344

القربة هنا في بحث المكاسب.

فروع:
أ: قد ظهر ممّا ذكرنا عدم وجوب قصد التقرب على الأجير

من جهة أنّها عبادة، بل و لا من جهة الإجارة أيضا.

ب: يجوز الاستيجار لأن يصلّي للميّت ما يحتمل تركه عنه

أو يتوهّم فيه خلل، بل قضاء جميع صلواته إذا احتملت الخلل، لما عرفت من جواز فعلها عن الميّت، و جواز الاستيجار في كلّ ما يجوز فعله عن الغير. نعم لا يجوز الاستيجار لقضاء ما علم عدم فواته عن الميّت و عدم خلل فيه، و يظهر وجهه مما مرّ في المسألة الأولى.

ج: لا يجب الترتيب على الأجير إلّا مع الشرط

، و لا قرار الترتيب بين الأجراء المتعدّدة، للأصل فيهما.

د: يجوز استيجار كلّ من الرجل و المرأة لقضاء صلاة الآخر

، للأصل.

و هل يجوز استيجار المميّز من الصبيان بإذن وليّه؟

مقتضى الأصل ذلك. و لا تمنع عنه تمرينيّة عبادة نفسه، لأنّ الصلاة نيابة ليست عبادة للنائب حقيقة.

و أما رواية عمار: عن الرجل تكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: «لا يقضيه إلّا رجل مسلم عارف» «1» و لا شكّ أنّ الصبي ليس برجل.

فهي منساقة لبيان أمر آخر و هو اشتراط المعرفة، مع أنّها عن إفادة الحرمة قاصرة.

______________________________

(1) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 5. عن غياث سلطان الورى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 345

إلّا أن يجعل السؤال عن الجواز قرينة على إرادة عدمه في الجواب، و السياق لا ينافي مع الإطلاق، فيثبت منها عدم الجواز.

مع أنّ أصل الإجماع المدّعى في مطلق الإجارة هنا غير معلوم.

و رواية تحف العقول و إن شملت المورد بل نصّت عليه «1»، إلّا أنّها ضعيفة، و انجبارها في المورد غير معلوم. فالمنع أظهر.

ه: لو كان على شخص قضاء صلوات فهل يجب عليه إعلام الولي عند موته

إن كان مما يجب على الولي قضاؤه؟ أو الوصية بالاستيجار و نحوه إن كان مما لا يجب عليه؟

الظاهر لا، للأصل، و عدم دليل على الوجوب.

فإن قيل: ذمّته مشغولة بالصلاة، و تحصيل البراءة عنها واجبة، و لا تحصل إلّا بالإعلام و الوصية، و مقدمة الواجب واجبة.

قلنا: الثابت اشتغال ذمّته بأن يصلّي نفسه أو يقضي بنفسه، و المفروض أنه غير متمكّن منهما، و لم يثبت الاشتغال بشي ء آخر حتى تجب مقدمته.

نعم، يكون هو عاصيا آثما لو ترك الصلاة أو قضاءها بالاختيار.

فإن قلت: دفع مضرّة العصيان و الإثم واجب، و هو لا يتحقّق إلّا بالإعلام و الوصية.

قلنا: الدافع للمضرّة هو التوبة و التلافي بنفسه مع الإمكان، و أما فعل

الغير فليس دافعا لمضرّة العصيان لو لم يتب. نعم به يصل ثواب إليه، و وجوب تحصيل الثواب غير معلوم، و كونه من شرائط قبول التوبة غير معلوم علينا.

و: هل تشترط عدالة الأجير للصلاة للميّت، أو لا؟

لم أعثر على مصرّح بأحد الطرفين في المسألة.

نعم، ذكروه في مسألة أجير الحج الواجب، و اشترط المتأخّرون فيه عدالة

______________________________

(1) راجع ص 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 346

الأجير استنادا إلى أنّ الإتيان بالحجّ الصحيح إنّما يعلم بأخبار النائب، و الفاسق لا تعويل على إخباره، لآية التثبّت. و اكتفى بعضهم فيه بكونه ممّن يظنّ صدقه و يحصل الوثوق بقوله.

أقول: لا شكّ في أنّه لا دليل على اشتراط عدالته من حيث هو هو، بحيث لو جعل غير العادل أجيرا و صلّى كانت صلاته باطلة.

و على هذا فنقول: لا ريب في جواز الوصية باستئجار شخص معيّن و إن لم يكن معلوم العدالة، أو شخص مطلقا سواء كان عادلا أم لا، إذ عرفت عدم وجوب تحصيل العلم بتحقّق القضاء من الغير على الميّت. و كذا لا ريب في جواز استيجار المتبرّع للميت كلّ من شاء و أراد.

و إنّما الإشكال في الوصي إذا لم يصرّح الموصي باستئجار العادل أو استيجار شخص و لو غير عادل.

فمقتضى الأصل و إن كان عدم اشتراط شي ء فيمن يستأجره الوصي، إلّا أنّ القرينة الحالية قائمة على عدم إرادة الموصي استئجار كلّ أحد، فإنّا نعلم قطعا أنه لو سئل عنه عن استيجار شخص كان المظنون في حقه عدم الإتيان بالفعل لا يجوّزه، بل و كذا من تساوى الفعل و عدمه في حقه، بل نعلم قطعا أنّه لا يريد إلّا استيجار من كان المظنون في حقه الفعل، لا مجرّد الظنّ الشرعي الحاصل من أصالة حمل فعل المسلم على

الصحة، بل الظنّ الواقعي، لا أقل من ذلك البتة.

فاشتراط كون الأجير موثوقا به من هذه الجهة مما لا شكّ فيه، و لمّا كان لا يحصل هذا الظنّ و الوثوق غالبا إلّا من جهة العدالة فتكون شرطا من باب المقدمة، نعم، لو فرض حصوله من جهة أخرى فلا بأس بالاكتفاء بها.

و كذا الكلام في من يستأجره وكيل الوصي.

و أما الاستناد إلى ما ذكروه من أنّ الإتيان بالحج الصحيح يعلم بأخبار النائب.

ففيه: أنّه لا يحصل العلم من قول العادل أيضا، و بعد عدم إمكانه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 347

فاشتراط تحصيل الظنّ بالإتيان به لا دليل عليه من غير الجهة التي ذكرناها. بل يمكن الاكتفاء بمجرّد إخباره كما في التذكية و التطهير و نحوهما.

و بالجملة إن أريد لزوم تحصيل العلم بالفعل الصحيح فهو غير ممكن، و إن أريد لزوم تحصيل الظن فلا دليل عليه إلّا ما ذكرناه.

ز: يلزم على المستأجر قبول إخبار الأجير في الإتيان بالصلاة

- فيما يترتب على الإتيان بالفعل و يتفرّع عليه من الأحكام- ما لم يظهر عليه خلافه علما أو ظنا بقرينة، لأنّ ذلك مقتضى هذه الإجارة، لعدم إمكان غير ذلك في المسألة، فلو أراد غيره كان تكليفا بالمحال. نعم لو ادّعى المستأجر ظنّ كذبه أو علمه فيسمع دعواه، و الظاهر الاكتفاء فيه بتحليف الأجير.

ح: يجب أن يكون الأجير حال الصلاة عالما بفقه الصلاة

في أجزائها الواجبة و شرائطها و منافياتها و مبطلاتها، اجتهادا أو تقليدا، فعلا، و بأحكامها العارضة غالبا كأحكام السهو و الشك، قوّة قريبة، بحيث يتمكن منها عند الحاجة.

لتوقّف الإتيان بالعمل الواجب عليه، و لفحوى رواية مصادف: أ تحجّ المرأة عن الرجل؟ قال: «نعم إذا كانت فقيهة مسلمة» «1».

و هل يشترط علم المستأجر بعلم الأجير أو عدم علمه بعدم علمه أو ظنه بعلمه، أو لا يشترط شي ء منها؟

الظاهر الثاني، إذ لم يعهد من أحد استعلام كلّ جزئي جزئي من أجزاء الصلاة و شرائطها و منافياتها من الأجير.

إلّا أن يقال: إنّه إن تتوقّف صحّة الإجارة على التمكّن من الفعل الموقوف على العلم بالأجزاء و الشرائط، فهو شرط في صحّة الإجارة، و ما لم يعلم الشرط لا يعلم المشروط. على هذا فاللازم في الحكم بصحّة الإجارة العلم بعلم الأجير بالأجزاء و الشرائط و المنافيات.

______________________________

(1) التهذيب 5: 413- 1436، الاستبصار 2: 322- 1142، الوسائل 11: 177 أبواب النيابة في الحج ب 8 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 348

إلّا أنّ الظاهر كفاية ثبوت عدالته شرعا في ذلك العلم، بل لا يبعد الاكتفاء في ذلك بظاهر حاله من إسلامه و إيمانه، بل على ذلك البناء في الجمعة و الجماعات و الشهادات و غير ذلك.

ط: لو حصل للأجير في الصلاة شك أو سهو، يعمل بأحكامه

كالمصلّي لنفسه، و لا تجب عليه الإعادة، لعمومات أحكامهما من غير معارض.

ي: لو عرض للأجير عذر مسوّغ للتيمم أو الصلاة قاعدا أو مومئا أو راكبا أو نحو ذلك، لم تجز له صلاة الإجارة

كذلك إذا كانت الإجارة حال عدم العذر، أو لم تكن قرينة على إرادة نحو ذلك أيضا، سواء كان وقت الصلاة الاستيجارية موسّعة أو مضيّقة.

بل يجب عليه مع التوسعة التأخير إلى انتفاء العذر، و مع الضيق فكالعاجز عن أصل الصلاة، لأصالة عدم وجوب وظيفة المعذور عليه، و عدم استحقاق الأجرة بالإتيان بها، و لأنّ الظاهر أنّ المعهود بين طرفي الإجارة و منظورهما حين العقد هو الصلاة بالوضوء- مثلا- و قائما و نحو ذلك، فهو المقصود بالإجارة، فهو الواجب، فلا يكفي غيره.

فإن قيل: لا شكّ أنّ وجوب ما يجب بالإجارة إنّما هو بأمر الشارع، و هو أيضا قد جوّز التيمم و الجلوس- مثلا- للمعذور، فتشمل عمومات العذر لمثل هذا الشخص أيضا.

قلنا- مع أنّ ظهور الصلاة الاستيجارية من تلك العمومات محلّ كلام، و عدم ظهور أكثرها معلوم-: إنّها إنّما هي تعارض عمومات الوفاء بالعقد و العهد و الإجارة و الشرط بالعموم من وجه، فلا يعلم براءة الذمة بالصلاة مع العذر.

و أيضا: مدلول عمومات العذر أنّ من تجب عليه الصلاة و حصل له العذر يصلّي كذا و كذا، و لا نسلّم وجوب الصلاة على مثل ذلك الشخص، لأنّ ما وجب عليه بالعقد هو الصلاة مع الوضوء مثلا، فمع عدم التمكّن منها لا يكون شي ء واجبا عليه. و لا يمكن استصحابه، لأنّ الواجب أولا هو المشروط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 349

نعم لو كان عموم متضمّن لمثل قوله: من وجبت عليه الصلاة متوضئا أو قائما فيفعل كذا و كذا مع العذر، لدلّت العمومات. و لكنّها ليست كذلك.

مع أنّ كونه معذورا مع عدم تعيين زمان الإجارة- كما هو

الأكثر- أو تعيينه و سعته ممنوع، فلا تشمله عمومات المعذور. و لو كان مثل تلك العمومات يجري في الأجير أيضا لزم أن يجب عليه القصر في صلاة الإجارة لو سافر، و بطلانه ظاهر.

فإن قيل: الصلاة في الاستيجار للصلاة مطلقة، فتشمل صلاة المتيمم مع العذر أيضا.

قلنا: إن أريد أنّ الصلاة فيه مطلقة عامّة للفردين مطلقا فتكون الإجارة باطلة، لعدم تعيين العمل، و استلزامه كفاية التيمم بدون العذر أيضا. و إن أريد أنّ المقصود بالإجارة التوضّؤ بدون العذر و التيمم معه، فهذه لا تكون مطلقة بل فرد خاصّ لا بدّ من ثبوت وقوع الإجارة عليه، و هو غير معلوم.

و الفرق بين ذلك و بين أحكام السهو و الشك ظاهر، فإنّا نعلم قطعا أنّ مراد المستأجر الرجوع فيها إلى حكم الشارع، و مع ذلك تشمل عموماتها الصلاة الاستيجارية جدّا، بخلاف مثل التيمم و القعود.

فنقول: إنّ منظور المستأجر منها الرجوع إلى حكم السهو و الشك، مع أنّ شمول الصلاة في استيجار الصلاة لمثل ذلك واضح، و ليس بين الفردين اختلاف يضرّ معه عدم التعيين، فالصلاة مطلقة شاملة لمثل ذلك أيضا، و لذا نقول بحصول البراءة بكلّ من الصلاتين مطلقا: الخالية عن السهو و الشك، و المتضمّنة لأحدهما، بخلاف مثل التوضّؤ، فإنّه لا يمكن أن يقال بحصول الامتثال بكلّ من الفردين مطلقا كما هو مقتضى الإطلاق، بل لو صحّ لكان المراد الامتثال بالتوضّؤ بدون العذر و بالتيمم معه، و هذا ليس من باب الإطلاق، بل هو فرد معين لا يحكم بصحته و كفايته إلّا مع العلم بالإرادة.

و من ذلك علم أنّ المناط و الضابط أنّه إذا كان الفردان ممّا يمكن إرادة الإتيان بأيّهما حصل في كلّ وقت حتّى يشملهما إطلاق

اللفظ، و لم يكن بينهما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 350

اختلاف معتدّ به ينافي التعيين، يحصل الامتثال بكلّ منهما إذا كان اللفظ حين الإجارة مطلقا، و إلّا فلا، بل يجب الإتيان بالمتيقّن إرادته.

يا: هل تجوز للأجير صلاة الإجارة مع الجماعة

على ما هو وظيفة المأموم، حتّى يكتفي بقراءة الإمام بل بركعته لو أدركه في الركوع، و يسقط عنه الأذان و الإقامة، أم لا؟

الظاهر أنّه إن صرّح في العقد بشي ء تنافيه الجماعة- كما يصرّحون بأن يقيم لكل صلاة و يؤذّن في مجلس، و بأن يقرأ الحمد و السورة- ففي الجواز إشكال يظهر وجهه ممّا مرّ في الفرع السابق.

و إن صرّحوا بتجويز الجماعة فلا إشكال.

و إن أطلقوا فإن قلنا بتبادر غير الجماعة و معهوديته- كما هو المحتمل- فلا تجوز أيضا، لما مرّ. و إن قلنا بعدم تبادره تصحّ.

و الأحوط عدم الائتمام في صلاة الإجارة أو التصريح به حين العقد.

يب: لا شكّ في أنّ الأجير يعمل فيما يعرض له من الشك و السهو و نحوهما بمقتضى رأيه

لو كان مجتهدا، و مقتضى رأي مجتهده إن كان مقلّدا، و لا يقلّد مجتهد الميت أو المستأجر.

و هل يجوز له تقليده لو لم يثبت عنده عدالته أو اجتهاده أو كان مجتهده ميّتا و لم يجز للأجير تقليد الميت؟

الظاهر لا، لعدم كون هذا العمل صحيحا في حقّه و إن صحّ في حقّ المقضي عنه لو فعل نفسه، و المتبادر من الاستيجار إرادة الصلاة الصحيحة في حقه.

نعم، لو شرطوا البناء على رأي مجتهد المقضي عنه أمكن الجواز. و يحتمل عدمه أيضا، لأنّه شرط غير مشروع في حقّه. إلّا أن يمنع عدم ثبوت عدم المشروعية في حقّه في المورد، و هو الأقرب.

و الظاهر أنّ الحكم كذا في الأجزاء و الشرائط أيضا، فلو قضى عن ميّت لا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 351

تجوز له قراءة السورة العزيمة و جازت لذلك النائب، يقضي كما يجوز له، و كذا في سائر الأجزاء و الشرائط، لأنّ وجوب ذلك العمل إنّما هو بأمر آخر غير أمر الميت بالصلاة. و كذا الحكم في قضاء المكلف نفسه.

و الأحوط التصريح بذلك حين العقد.

يج: لو فات صلاة عن المقضي عنه حال العذر، كفقد الماء أو تعذّر استعماله أو العجز عن القيام، يقضيه النائب الصحيح صحيحا

، بالإجماع، و كذا القاضي لنفسه إلّا المسافر، كما يأتي في بحث السفر.

يد: لو أوصى أحد باستئجار صلاة أيام تكليفه و علم مسافرته في بعض تلك الأحيان، وجب استئجار الصلاة القصرية

أيضا بقدر ما علم مسافرته، و يعمل في مورد الشك بالأصل.

يه: يشترط في صلاة الإجارة كلّ ما يشترط في الصلاة، و ينافيها كلّ ما ينافيها،

بالإجماع و العمومات. بل يستحبّ فيها كلّ ما يستحبّ فيها، لذلك، إلّا مع شرط فعله فيجب.

و لو شرطا شرطا مباحا أو مرجوحا غير محرّم، كأن يصلّي في بيته أو في الحمام أو مع الثياب السود أو نحوها فالظاهر وجوبه.

يو: لا شكّ أنّ من يستأجر لميّت تبرّعا يجوز له استيجار ذوي الأعذار

كالعاجز عن القيام و المعذور عن استعمال الماء و نحوهما.

و لو استأجر وصاية فيتّبع إرادة الموصي المفهومة بالقرائن الخارجية و شاهد الحال. و لو لم يعلم مراده أصلا فالظاهر التخيير، للأصل.

و هل يجوز للموصي الوصيّة باستئجار ذوي الأعذار؟

نعم، للأصل، و ما مرّ من عدم وجوب وصيّة قضاء الفوائت.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.