مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 03

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة المقصد الثالث في الطهارة عن الحدث ]

[تتمة الباب الثاني في الغسل ]

[تتمة المطلب الأوّل]
الفصل الثالث: في غسل الاستحاضة
اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأول:

في معرفة الاستحاضة و المستحاضة اعلم أنّ دم الاستحاضة دم فاسد يخرج من المرأة، له أحكام في الشريعة الطاهرة، لا بدّ من معرفته.

و قد ذكروا له أوصافا، فقالوا: إنه دم أصفر بارد، كما عن الاقتصاد، و المبسوط، و المصباح «1»، و مختصره، و نهاية الإحكام [1].

أو رقيق أيضا مع الوصفين، كما في المعتبر، و النافع، و المنتهى، و التذكرة «2»، و عن الروض، و الكافي، و الوسيلة، و المراسم، و الغنية «3»، و المهذب، و الإصباح، و السرائر، و جمل العلم و العمل [2].

أو ذو فتور أيضا مع الثلاثة، كما في الشرائع، و القواعد، و الروضة، و اللمعة «4» صريحا، و الهداية، و المقنع «5»، و رسالة الصدوق «6» ظاهرا، حيث وصفه بعدم الاحتباس بالخروج. بل قد يحكى عن بعض كتب الشيخ «7» أيضا، باعتبار

______________________________

[1] نهاية الإحكام 1: 125، و لكن فيه: هو في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بفتور.

[2] المهذب 1: 37، و لم نعثر عليه في السرائر و جمل العلم و العمل.

______________________________

(1) الاقتصاد: 246، المبسوط 1: 45، مصباح المتهجد: 10.

(2) المعتبر 1: 241، النافع: 10، المنتهى 1: 119، التذكرة 1: 29.

(3) الروض: 83، الكافي: 128، الوسيلة: 59. المراسم: 44، الغنية (الجوامع الفقهية):

550.

(4) الشرائع 1: 31، القواعد 1: 16، الروضة 1: 111، اللمعة (الروضة البهية 1): 111.

(5) الهداية: 22، المقنع: 16.

(6) الفقيه 1: 54 نقل عن رسالة والده إليه.

(7) النهاية: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 6

وصفه الحيض بالدفع، المشعر باعتبار عدمه في الاستحاضة، و هو كما ترى.

و لا ينبغي الريب في اعتبار الأولين، للتصريح بهما في المستفيضة المتقدّمة في مسألة أوصاف الحيض «1». بل و كذا الثالث، للرضوي، و

المروي في الدعائم، السابقين فيها «2».

و أمّا الرابع و إن كان ظاهر الرضوي اعتباره، إلّا أنّ لضعفه الخالي عن الجابر في المقام لا يوجبه.

ثمَّ إنّ المتحصّل من تلك الأخبار اعتبار كلّية تلك الأوصاف في جانب النفي، أي كلّ ما انتفت فيه الأوصاف انتفى كونه دم استحاضة. و أمّا كلية جانب الإثبات فتثبت من منطوق الشرط في موثّقة إسحاق، المتقدّمة في المسألة المذكورة «3».

و يزاد الدليل على الكلية الأخيرة في صورة الاشتباه مع الحيض: أخبار التمييز بين الاستحاضة و الحيض بالرجوع إلى الأوصاف في الحكم بكونه استحاضة. إلّا أنّ ثبوت الكلّية من الجانبين ليس إلّا من باب الأصل كسائر القواعد الشرعية، لا يتخلّف إلّا بدليل، و قد تحقّق التخلّف بالدليل في مواضع، كأيام العادة و غيرها.

و قد ظهر ممّا ذكر أنّ كلّ دم متّصف بتلك الأوصاف، و لم ينف استحاضيته بدليل- كالدماء المتقدّمة المحكومة بكونها حيضا مع تلك الأوصاف أيضا- و لم يعلم كونه من قرح أو جرح أو عذرة، فهو دم استحاضة يحكم بثبوت أحكامها له.

و كذا يحكم بثبوت أحكامها لكلّ دم تراه النفساء أو الحائض زائدا على العشرة مطلقا، أو على العادة و أيام الاستظهار بشرط التجاوز عن العشرة في ذات العادة خاصة إلى زمان يحكم بتحيّضها فيه ثانيا، أو تراه بعد العشرة منفصلا عنها

______________________________

(1) ج 2: 381.

(2) ج 2: 383.

(3) ج 2: 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 7

بشرط عدم تخلّل نقاء أقلّ الطهر، أو تراه المبتدأة زائدا على التمييز أو على أقراء نسائها أو على الروايات، أو الناسية زائدا على أيام تحيّضها المتقدّمة، متّصلا في الجميع مع التحيّض مطلقا إلى زمان يحكم بتحيّضها فيه ثانيا، أو منفصلا بشرط عدم تخلّل أقلّ

الطهر.

كلّ ذلك بالإجماع، و النصوص، كمرسلتي يونس، القصيرة «1» و الطويلة «2»، و مرسلة أبي المغراء [1]، و موثّقات سماعة و ابن بكير و حريز [2] و أبي بصير و يونس بن يعقوب و صحاح صفوان و الصحاف و ابن عمار و يونس [3] و محمد بن عمرو، و زرارة و فضيل مع زرارة، و مرفوعة إبراهيم بن هاشم «3»، و سائر أخبار الاستظهار، بل في غير موضع من المرسلة الطويلة إشعار باستحاضية كلّ دم مستمر لا يحكم بحيضيته.

و لا يتوهّم تعارض تلك النصوص بعضا أو كلا مع روايات أوصاف الاستحاضة بالعموم من وجه، لأنه إنّما كان يلزم لو كان المحكوم به في تلك النصوص كون ذلك الدم دم الاستحاضة، و ليس كذلك، بل في الأكثر أن المرأة

______________________________

[1] لم نعثر عليها و لعلّ الصواب مولى أبي المغراء، تقدم مصدرها في ج 2: 437.

[2] لم نعثر عليها و لعل الصواب: ابني بكير و جرير، و تقدمت الإشارة إلى موثقة إسحاق بن جرير في ج 2: 448.

[3] لم نعثر على صحيحة ليونس و الموجود موثقة يونس بن يعقوب كما أشار إليها، و لعله أراد بها ما رواه في التهذيب 1: 175- 502، الوسائل 2: 383 أبواب النفاس ب 3 ح 3، .. عن محمد بن عمرو عن يونس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام .. و لكن الظاهر بالتأمل أنّ المراد به ابن يعقوب فهي موثقة أيضا.

______________________________

(1) المتقدمة في ج 2: 392.

(2) المتقدمة في ج 2: 419.

(3) تقدمت مصادر الروايات سابقا سوى صحيحة صفوان و مرفوعة إبراهيم بن هاشم فراجع المجلد الثاني الصفحات: 437، 419، 382، 397، 405، 437، 434، و صحيحة صفوان رويت في الكافي

3: 90 الحيض ب 8 ح 6، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 3 و مرفوعة ابن هاشم رواها فيه 3: 98 الحيض ب 12 ح 3، الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 8

تفعل كذا و كذا إلى آخر أحكام دم الاستحاضة، و كان يثبت ما لم يذكر فيها بالإجماع المركّب.

و لا تنافي بين اعتبار وصف خاص لدم الاستحاضة، و ثبوت مثل أحكامه للدماء الأخر و إن لم يعلم كونها ذلك الدم المخصوص.

كما لا تلازم بين ثبوت هذه الأحكام لدم و بين كونه دم استحاضة لغة أو شرعا.

نعم، غاية الأمر أنّ بناء الفقهاء و المتشرّعة على تسمية كلّ دم ثابت له تلك الأحكام دم استحاضة إمّا مجازا أو حقيقة محتمل الطريان، و لكنه لا يثبت التلازم الشرعي أو اللغوي، و لو ادّعي الإجماع المركّب لمنعناه.

فإن قيل: نحن لا نعرف لدم الاستحاضة معنى إلّا ما ثبت له تلك الأحكام.

قلنا: إن أريد أنه كذلك في العرف المتأخّر فلا يضرّ، و إن أريد غيره فلا نسلّم، كيف؟! و قد فسّر غير واحد من أهل اللغة «1» بل الفقهاء «2» أيضا دم الاستحاضة بأنه دم يخرج من العرق العاذل، و هو عرق في أدنى الرحم.

و قال الجوهري: العاذل اسم للعرق الذي يسيل منه دم الاستحاضة «3».

فيمكن أن يكون المراد في الأخبار بدم الاستحاضة المعتبر في معرفته الأوصاف و له أحكام شرعا: هذا الدم و إن ثبت تلك الأحكام لغيره أيضا.

بل يدلّ على التغاير ما صرّح به في بعض الأخبار أنها بمنزلة المستحاضة، كما في موثّقة يونس بن يعقوب «4»، و في بعض آخر: تفعل كما تفعله المستحاضة،

______________________________

(1) كما

في القاموس 2: 341، و يستفاد من كلام الصحاح 5: 1762 في تفسير العاذل.

(2) الحدائق 3: 276، كشف الغطاء: 127.

(3) الصحاح 5: 1762.

(4) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 2، التهذيب 1: 380- 1179، الاستبصار 1: 131- 453، الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 9

أو تصنع كما تصنعه، كما في موثّقات ابن بكير «1» و أبي بصير «2» و سماعة «3»، و صحيحة زرارة «4»، أو كذلك تفعل المستحاضة، كما في صحيحة الصحاف «5».

بل نقول: إذا كان دم الاستحاضة دما مخصوصا لا يلزم أن تكون المرأة المستحاضة هي ذات ذلك الدم خاصة، لأنّ مبدأ الاشتقاق الحقيقي ليس ذلك الدم الخاص، بل هو الحيض الذي يفسّر بالسيلان، فيمكن أن يسمّى فردا من الدم السائل استحاضة، كما يسمّى فردا آخر منه حيضا، و تسمّى المرأة التي يسيل منها هذا الدم أو غيره أيضا مستحاضة.

بل ظاهر كلام الجوهري التغاير، حيث إنّه صرّح بأنّ دم الاستحاضة يخرج من العرق العاذل.

و قال في مادة الحيض: استحيضت المرأة، أي استمرّ بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة «6». ففسّر المستحاضة بمن استمرّ دمها بعد العادة من غير اختصاص بدم خاص، فأطلق في الدم و قيّد في الزمان.

و منه يظهر عدم ثبوت التعارض بين أخبار اعتبار الأوصاف و بين ما تضمّن من تلك النصوص قوله: «ثمَّ هي مستحاضة» «7» أو «فهي مستحاضة» «8»، لجواز تسمية من سال عنها الدم المحكوم له بتلك الأحكام مطلقا مستحاضة تجوّزا، للمشابهة في الأحكام، أو لكونها فردا خاصا من مطلق من سال دمها.

______________________________

(1) المتقدمة في ج 2: 416.

(2) التهذيب 1: 403- 1262، الوسائل 2: 389 أبواب النفاس ب

3 ح 20.

(3) المتقدّمة في ج 2: 442.

(4) الكافي 3: 97 الحيض ب 12 ح 1، التهذيب 1: 175- 499، الاستبصار 1: 150- 519، الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3 ح 1.

(5) تقدم مصدرها في ج 2: 405.

(6) الصحاح 3: 1073.

(7) كما في موثقة زرارة المتقدمة ج 2: 437.

(8) كما في صحيحة زرارة المتقدمة ج 2: 438.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 10

و بالجملة بعد ملاحظة مبدأ الاشتقاق الأصلي للفظي دم الاستحاضة و المستحاضة، و كلام صاحب الصحاح و غيره في تفسيرهما، و ما ورد في الأخبار من مثل قوله: «بمنزلة المستحاضة» و «تعمل كما تعمله المستحاضة» لا يمكن حصول القطع باتّحاد دم الاستحاضة و الدم الذي له تلك الأحكام مطلقا، فلا يحصل العلم بالتعارض، مع أنه لو حصل أيضا لكان الترجيح لتلك النصوص بالأشهرية رواية، بل موافقة الإجماع.

و المتحصّل ممّا ذكر أنّ كلّ دم كان متّصفا بأوصاف الاستحاضة تثبت لصاحبته أحكام المستحاضة إلّا ما خرج بدليل، و كذا كلّ دم دلّ دليل من إجماع أو نص عام أو خاص على ثبوت تلك الأحكام له، كالدماء المتقدّمة.

و ما لم يكن كذلك فيبقى تحت أصالة عدم تعلّق تلك الأحكام به، كالدم الذي تراه المرأة أقلّ من ثلاثة أو مستمرّا إليها بدون صفة الحيض و لم نقل بحيضيته، أو بعد العشرة، أو العادة مع تخلّل عشرة الطهر على القول بعدم حيضيته إلّا مع الوصف أو مصادفة العادة، أو قبل البلوغ، أو بعد اليأس، إذا لم تكن تلك الدماء بصفة الاستحاضة. فلا يحكم بتعلّق أحكام المستحاضة بصاحبتها، للأصل، و عدم الدليل، كما صرّح به في المدارك في الأول «1».

و العلم بعدم كونه من القرح أو الجرح

لا يوجب العلم بكونه دم استحاضة، و الانحصار لا دليل عليه.

مع أنّ فرض العلم بعدم كونه من قرحة في الجوف، أو انفتاح عرق، أو طغيان دم مجرد فرض لا يكاد يتحقق أبدا.

و دعوى الإجماع في بعض تلك الموارد مجازفة لا اعتناء بها.

لا يقال: رواية أبي المغراء: عن الحبلى ترى كما ترى الحائض من الدم، قال: «تلك الهراقة إن كان دما كثيرا فلا تصلّين، و إن كان قليلا فلتغتسل عند

______________________________

(1) المدارك 2: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 11

كل صلاتين» «1» تدلّ على استحاضية الدم المرئي إن كان قليلا و لو لم يكن بالوصف، و يتم المطلوب بالإجماع المركّب.

لأنا نقول: مع معارضتها بمفهوم موثّقة إسحاق: «و إن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» «2» لا يمكن إبقاؤها على إطلاقها، لوجوب تقييدها إمّا بقيد عدم كونه بصفة الحيض، أو بكونه بصفة الاستحاضة، و الأول ليس أولى من الثاني.

______________________________

(1) التهذيب 1: 387- 1191، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 5.

(2) التهذيب 1: 387- 1192، الاستبصار 1: 141- 483، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 12

البحث الثاني: في أحكام المستحاضة
اشارة

و هي أمور نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى:
اشارة

دم الاستحاضة إمّا يلطخ باطن الكرسف- أي جانبه الذي يلي الجوف- و لا يثقبه إلى ظاهره و إن غمسه و دخل باطنه، أو يثقبه إلى ظاهره و لا يتجاوز إلى غيره، أو يتجاوز إلى غيره، فهذه أقسام ثلاثة يعبّر عنها بالقليلة و المتوسّطة و الكثيرة.

أمّا الأولى: فعليها أن تتوضّأ لكلّ صلاة ما دام الدم كذلك، و لا غسل عليها على المنصور المشهور، بل عن الناصريات و الخلاف الإجماع عليه «1».

أما التوضّؤ لكلّ صلاة: فلقوله عليه السلام في صحيحة الصحاف:

«فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة».

و فيها أيضا: «و إن طرحت الكرسف و لم يسل الدم فلتوضّأ و لتصلّ و لا غسل عليها» «2».

و يؤيّده قوله في موثّقة زرارة في المستحاضة: «تستوثق من نفسها و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت» «3».

و في صحيحة ابن عمّار: «و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء» «4».

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الخلاف 1: 250.

(2) تقدم مصدرها في ج 2: 405.

(3) تقدم مصدرها في ج 2: 438.

(4) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 106- 277، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 13

و الرضوي: «فإن لم يثقب الدم الكرسف صلّت صلاتها كلّ صلاة بوضوء واحد» «1».

و إطلاق المعتبرة الآمرة بالوضوء مع رؤية الصفرة، كما في موثّقة سماعة الآتية «2»، و في صحيحة يونس: «فإن رأت صفرة فلتتوضّأ ثمَّ لتصلّ» «3».

و أمّا انتفاء الغسل:

فللأصل، و صريح الاولى، و ظاهر البواقي باعتبار انقطاع الشركة من التفصيل.

مضافا إلى مرسلة ابن مسلم: «و إن كان قليلا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء» «4». و بها يخصّص بعض العمومات.

خلافا للعماني «5» فنفي الأول كالثاني، لصحيحة ابن سنان: «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر و تصلّي الظهر و العصر» «6» الحديث.

دلّت على أنّ المستحاضة لا تفعل إلّا ذلك و إلّا لبينه، و لثبوت اختصاص هذا الحكم بغير القليلة فلا حكم لها.

و خبر الجعفي: «المستحاضة تقعد أيام قرئها ثمَّ تحتاط بيوم أو يومين، فإن هي رأت طهرا اغتسلت، و إن هي لم تر طهرا اغتسلت و احتشت فلا تزال تصلّي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف» «7».

______________________________

(1) فقه الرضا: 193، المستدرك 2: 43 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

(2) في ص 14.

(3) التهذيب 1: 175- 502، الوسائل 2: 383 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 3، و لاحظ الهامش رقم 5 ص 7 من الكتاب.

(4) الكافي 3: 96 الحيض ب 11 ح 2، الوسائل 2: 334 أبواب الحيض ب 30 ح 16.

(5) نقل عنه في المختلف 1: 40.

(6) التهذيب 1: 171- 487، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4، الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 5.

(7) التهذيب 1: 171- 488، الاستبصار 1: 149- 512، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 14

و الأولى مطلقة يجب تقييدها بما مرّ.

و الثانية لا تنفى الوضوء بل مجملة بالنسبة إليه أو مطلقة، فحملها على ما تقدّم متعيّن.

مع أنّهما مع فرض الدلالة للشهرة القديمة مخالفة، فلا تصلحان للمعارضة.

و للإسكافي «1»، فأثبت الثاني في

كلّ يوم و ليلة مرة كالأول، لموثّقة سماعة، المضمرة: «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين و للفجر غسلا، فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرة و الوضوء لكلّ صلاة، و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل، هذا إذا كان دما عبيطا، و إن كان صفرة فعليها الوضوء» «2».

و الأخرى عن الصادق عليه السلام: «و غسل المستحاضة واجب، إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ صلاتين و للفجر غسل، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرة و الوضوء لكلّ صلاة» «3».

و قوله في صحيحة زرارة: «فإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» «4».

و الجواب عنها- مع عدم صلاحيتها لمعارضة ما مرّ لنحو ما ذكر- أنّ ما مرّ

______________________________

(1) نقل عنه في المختلف 1: 40.

(2) الكافي 3: 89 الحيض ب 8 ح 4، التهذيب 1: 170- 485، الوسائل 2: 374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 6.

(3) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، التهذيب 1: 104- 270، الاستبصار 1: 97- 315 الوسائل 2: 173 أبواب الجنابة ب 1 ح 3.

(4) الكافي 3: 99 الحيض 12 ح 4، التهذيب 1: 173- 496، الوسائل 2: 373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 15

بعد اختصاصه بما إذا لم يظهر الدم على الكرسف لما يأتي، يكون أخصّ مطلقا منها فتخصّص به قطعا.

مضافا إلى أنّ تصريح ذيل الاولى بوجوب الوضوء خاصة مع الصفرة- و ليس هو قطعا إلّا في القليلة- يوجب تخصيص ما قبله بغيرها البتة، و احتمال إرادة غسل النفاس من الغسل الواحد في الثالثة.

ثمَّ إنّ المشهور أنه يجب عليها عند كلّ

وضوء تغيير القطنة أو غسلها، بل عليه الإجماع عن الناصريات، و المنتهى «1»، لذلك، و لوجوب إزالة النجاسة في الصلاة إلّا ما عفى عنه، و لم يثبت العفو عن هذا الدم و لو فيما دون الدرهم أو فيما لا تتم فيه الصلاة.

و للأمر بالإبدال في خبر الجعفي، المتقدّم «2»، و صحيحتي صفوان و البصري:

الاولى: «هذه مستحاضة، تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة، و تجمع بين صلاتين بغسل، و يأتيها زوجها إن أراد» «3».

و الثانية و فيها بعد الأمر بالاستظهار و الغسل للحيض: «و تستدخل كرسفا، فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمَّ تضع كرسفا آخر ثمَّ تصلّي» «4» الحديث.

و للزوم إخراج القطنة لمعرفة حال الاستحاضة، فإدخالها بعينها يوجب تلويث ظاهر الفرج الواجب غسله، كما يأتي.

و يضعّف الأول: بعدم الحجية. و الثاني: بمنع الوجوب أوّلا، لعدم كون النجاسة في الظواهر. و ثبوت العفو ثانيا إن كان أقلّ من الدرهم من وجهين و إلّا

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، المنتهى 1: 120 و فيه: لا خلاف عندنا في الوجوب ..

(2) ص 13.

(3) الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 6، التهذيب 1: 170- 486، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 3.

(4) التهذيب 5: 400- 1390، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 16

فمن وجه واحد، كما يأتي في بحث لباس المصلّي.

و الأخبار: بمنع الدلالة على الإبدال أوّلا، لجواز أن يراد وضع كرسف آخر، بل هو الظاهر من استدخال قطنة بعد قطنة، بل هو صريح بعض الأخبار، كرواية ابن أبي يعفور: «المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت و احتشت كرسفها و تنظر، فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها و توضّأت

و صلّت» «1».

و على الوجوب ثانيا.

و على حكم القليلة ثالثا.

و التعدّي بدعوى الإجماع المركّب في المقام ممنوع جدّا.

و بكون العلّة عدم العفو عن هذه النجاسة المتحقّقة في القليلة أيضا، مردود: بأنّ العلّة لعلّها تعدّي النجاسة إلى الثوب المتحقّق في غير القليلة دونها.

مع أنّ ظاهر رواية ابن أبي يعفور أنها في القليلة. و المراد من الظهور على الكرسف تلطّخه.

و الأخير: بمنع توقّف المعرفة على الإخراج أولا، و منع إيجاب وضعه تلويث الظاهر ثانيا.

و من ذلك يظهر أنّ أصالة عدم وجوب الإبدال و الغسل عن المعارض خالية، فالأخذ بها هو الأقوى، كما يظهر من بعض مشايخنا المتأخّرين، بل صرّح بالاستحباب «2».

و هل يجب غسل الفرج إن تلوّث بهذا الدم؟

التحقيق أنه إن تعدّى إلى ظاهره عرفا- لا خصوص ما يظهر عند جلوسها على القدمين كما عن الشهيد «3» و جماعة «4»، لعدم معلوميّة كونه من الظواهر- و لم

______________________________

(1) التهذيب 1: 402- 1258، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 13.

(2) الحدائق 3: 279.

(3) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب الشهيد الأول، نعم هو موجود في روض الجنان للشهيد الثاني:

83.

(4) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 74 معلقا إياه على عدم العفو عن دم الاستحاضة فيما دون الدرهم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 17

يكن أقلّ من الدرهم يجب، و إلّا فلا، لما يأتي من العفو من أقلّ الدرهم من دم الاستحاضة أيضا.

ثمَّ إنّ عموم ما مرّ من النصوص يقتضي عدم الفرق فيما ذكر بين صلاة الفريضة و النافلة. و هو كذلك، وفاقا للفاضلين «1».

خلافا للمحكي عن المبسوط و المهذب «2»، فخصّا الوضوء بالفريضة و اكتفيا للنوافل بوضوئها، و لعلّه لزعم ظهور الصلاة في الفريضة. و هو في

محلّ المنع جدّا.

و لا يخفى أنّ وجوب الوضوء إنّما هو مع العلم بتلطّخ القطنة بالدم بعد الوضوء السابق، و إلّا فيكتفى بالسابق ما دام باقيا، و الوجه ظاهر.

و أما الثانية: فعليها مع الوضوء لكلّ صلاة، غسل واحد في كلّ يوم و ليلة لصلاة الفجر، لا أزيد، ما دام الدم كذلك، على الأظهر الأشهر في الأربعة [1]، كما صرّح به جماعة منهم: المحقّق الثاني في شرح القواعد، و في الحدائق «3»، و اللوامع، بل عن الناصريات، و الخلاف «4» الإجماع على الثانيين.

للرضوي المنجبر ضعفه سندا بما مرّ، و دلالة على الوجوب بالإجماع المركّب:

«فإن لم يثقب الدم القطن صلّت صلاتها كلّ صلاة بوضوء، و إن ثقب الدم الكرسف و لم يسل صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل واحد و سائر الصلوات

______________________________

[1] أي الأحكام الأربعة المستفادة من كلامه و هي:

1- وجوب الوضوء لكل صلاة.

2- وجوب غسل واحد في كل يوم و ليلة.

3- وجوب كون هذا الغسل لصلاة الفجر.

4- عدم وجوب أزيد من غسل واحد.

______________________________

(1) المعتبر 1: 250، المنتهى 1: 121.

(2) المبسوط 1: 68، المهذب 1: 39.

(3) جامع المقاصد 1: 341، الحدائق 3: 279.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الخلاف 1: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 18

بوضوء، و إن ثقب الدم الكرسف و سال صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل، و الظهر و العصر بغسل، و تؤخر الظهر قليلا و تعجل العصر، و تصلي المغرب و العشاء الآخرة بغسل واحد» «1».

مضافا في الأول إلى عموم أكثر ما مرّ من صحيحة الصحاف «2» و أخبار الصفرة «3».

و في الثاني إلى صحيحة البصري، المتقدّمة «4».

و في الثالث إلى الإجماع المركّب كما نصّ عليه والدي- رحمه اللّه- في اللوامع.

و في الرابع

إلى الأخبار الكثيرة المصرّحة باشتراط الأغسال الثلاثة على سيلان الدم أو انصبابه أو تجاوزه عن الكرسف «5». و فيه و في الثاني أيضا إلى موثّقتي سماعة، المتقدمتين «6».

و قد يستدلّ أيضا: بصحيحتي الصحاف و زرارة «7». و في دلالتهما خفاء بل نظر، و إن أطنب في إثباتها والدي العلّامة رحمه اللّه.

خلافا لمحتمل المحكي عن الشيخ في كتبه «8»، و القاضي «9»، و الصدوقين في

______________________________

(1) فقه الرضا: 193، المستدرك 2: 43 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

(2) المتقدمة في ص 12.

(3) انظر ص 13.

(4) في ص 15.

(5) انظر الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1.

(6) في ص 14.

(7) المتقدمتين في ص 12 و 14.

(8) المبسوط 1: 67، النهاية: 28، مصباح المتهجد 10.

(9) المهذب 1: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 19

الرسالة و الهداية «1»، و الحلبيين «2»، و الناصريات «3»، في الأول، حيث لم يذكروه لصلاة الغداة و إن لم يصرّحوا بنفيه أيضا. و يحتمل أن يكون عدم ذكره مبنيا على وجوب الوضوء مع كلّ غسل عندهم فاكتفوا به.

و للقديمين «4»، و المعتبر، و المنتهى، و المدارك «5»، و المعالم [1]، و الأردبيلي، و البهائي، و السبزواري «6»، بل أكثر الثالثة كما في اللوامع، في الرابع، فأثبتوا الزائد لها و جعلوها كالثالثة في وجوب الثلاثة.

لإطلاق ما دلّ على أن الحبلى إذا رأت دما قليلا أو صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين، كصحيحة أبي المغراء، و موثّقة ابن عمار «7».

أو على أنّ الحائض إذا تجاوز دمها عن أيامها تستظهر ثمَّ تمسك قطنة فإن صبغها دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل، كصحيحة ابن مسلم «8» أو على أنّ المبتدأة إذا استمرّ دمها تتحيّض بالسبعة أو الستة

ثمَّ تغتسل غسلا للفجر و آخر للظهرين و آخر للعشاءين، كالمرسلة الطويلة «9».

أو على أنّ المستحاضة تضع قطنة و تغتسل لكلّ صلاتين، كصحيحتي الحلبي «10» و صفوان «11».

______________________________

[1] كما نقل عنه في الحدائق 3: 280، و المطبوع منه لا يشتمل على مباحث الأغسال

______________________________

(1) نقله عن الرسالة في الفقيه 1: 50، الهداية 21.

(2) أبو الصلاح في الكافي: 219، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.

(4) العماني و الإسكافي نقل عنهما في المختلف 1: 40.

(5) المعتبر 1: 245، المنتهى 1: 120، المدارك 2: 31.

(6) مجمع الفائدة 1: 155. الحبل المتين، 53، الذخيرة: 74.

(7) المتقدمتين في ص 10 و 11.

(8) المعتبر 1: 215، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 14.

(9) تقدم مصدرها في ج 2 ص 382

(10) الكافي 3: 89 الحيض ب 8 ح 3، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 2.

(11) تقدمت في ص 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 20

أو على أنها تغتسل ثلاثة أغسال، واحدا للظهرين و واحدا للعشاءين و واحدا للصبح، كصحيحة ابن سنان «1»، و موثّقته «2»، و حسنته «3»، و قوية الفضيل و زرارة «4».

أو على أنها تغتسل الثلاثة إذا ثقب دمها الكرسف، كصحيحة معاوية «5».

فإنّها بأسرها مطلقة خرج القليلة ممّا يشملها بأخبارها، فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق.

و يردّ: بأن المتوسّطة أيضا تخرج منها بما مرّ من رواياتها، فتبقى هذه الأخبار مخصوصة بالكثيرة. مضافا إلى إشعار بعضها بذلك الاختصاص. مع أنّ ندرة المتوسّطة لغلبة التجاوز مع الظهور على الكرسف يوهن الإطلاق أيضا.

ثمَّ القول في تغيير القطنة و غسل الفرج هنا بل الخرقة كما مرّ.

و أما الثالثة: فيجب عليها ثلاثة أغسال: غسل للظهر

و العصر تجمع بينهما، و غسل للمغرب و العشاء كذلك، و غسل للصبح و تجمع بينها و بين صلاة الليل، بالإجماع المحقّق، و المحكي عن الخلاف، و المعتبر، و التذكرة، و المنتهى، و الذكرى «6»، و غيرها.

للنصوص المتكثّرة جدّا من الصحاح و غيرها التي مرّت الإشارة إلى كثير منها، الدالّة عليها بالعموم، المخرج عنه الأوليان بما مرّ، أو بالخصوص للتصريح بالانصباب أو السيلان أو التجاوز.

______________________________

(1) التهذيب 1: 171- 487، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4.

(2) التهذيب 1: 401- 1254، الوسائل نفس العنوان المتقدم.

(3) الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 5، الوسائل نفس العنوان المتقدم.

(4) التهذيب 1: 401- 1253، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12.

(5) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 106- 277، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

(6) الخلاف 1: 250، المعتبر 1: 245، التذكرة 1: 29، المنتهى 1: 120، الذكرى: 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 21

و في وجوب الوضوء عليها لكلّ صلاة، كما عن الحلّي، و الشرائع، و النافع «1» و أكثر المتأخّرين «2».

أو مع كلّ غسل، كما عن المفيد «3»، و جمل السيد «4»، و المعتبر «5»، و البشرى «6» و اختاره والدي العلّامة رحمه اللّه.

أو عدمه مطلقا، كما عن الناصريات «7»، و الصدوقين «8»، و الشيخ «9»، و الحلبيين «10»، و ابن حمزة «11»، و سلّار «12»، و في اللوامع نسبه إلى ظاهر الأكثر.

أقوال، أظهرها: الأخير، للأصل، و خلو النصوص عنه مع ورودها في مقام البيان.

للأول: إطلاق قوله سبحانه إِذا قُمْتُمْ «13»، و ثبوت نقض قليل هذا الدم فكثيرة أولى، و أصالة عدم إغناء الغسل عنه.

و

يردّ الأول: باختصاصه بحدث النوم كما صرّح به في بعض المعتبرة «14»،

______________________________

(1) السرائر 1: 153، الشرائع 1: 34، النافع: 11.

(2) كالشهيدين في الذكرى: 30 و الروض: 84، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 342

(3) المقنعة: 57.

(4) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى) 3: 27.

(5) المعتبر 1: 247.

(6) نقل عنه في الذكرى: 30.

(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.

(8) المقنع: 15 و نقل عن والده في الفقيه 1: 50.

(9) النهاية: 28، مصباح المتهجد: 10.

(10) أبو الصلاح في الكافي: 129، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(11) الوسيلة: 61.

(12) المراسم: 44.

(13) المائدة: 6.

(14) كما في موثقة ابن بكير، انظر الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 22

و بالرجال، و إلحاق النسوة بهم إنّما هو بالإجماع المفقود في المورد.

و تسليم العموم و التخصيص بالمحدثين بالإجماع و منع الحدث في المقام- كما في المدارك- «1» غير سديد، لأنّ التخصيص حينئذ إنّما هو بالقدر الثابت عليه الإجماع.

و الثاني: بمنع الأولوية مع الأغسال.

و الثالث: بأنه إنّما هو على تقدير الدليل على اللزوم، و هو غير متحقّق.

و للثاني: قوله- في المرسلة الطويلة- لبنت أبي حبيش: «فلتدع الصلاة أيام أقرائها، ثمَّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة، قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المثعب» «2» فإنّ قوله: «و إن سال» يدلّ على كونها كثيرة.

و يردّ: بعدم دلالته على الوجوب كما ذكرنا غير مرّة [1].

و الأخبار المصرّحة بأنّ كلّ غسل قبله أو فيه وضوء «3».

و يردّ أيضا: بعدم الدلالة على الوجوب، كما مرّ في موضعه.

سلّمنا، و لكنه مقيّد بكونه محدثا بالإجماع، و لم يثبت الحدث هنا.

و أيضا: إذا كانت متوضّئة و لم تحدث

بالأحداث الصغريات يصدق أنّها توضّأت قبل الغسل.

نعم، يثبت من ذلك أنه يجب الوضوء لو صدر عنها بعد الوضوء حدث أصغر، و هو كذلك لعمومات إيجابه له.

______________________________

[1] و لا يرد- لو حمل الغسل في المرسلة على غسل الحيض- أن الوضوء أيضا غير واجب في الكثيرة و هذا بعيد أن يهمل حكمه الواجب و اكتفى بالمستحبّ، لأن الحكم بالاستحباب إنما هو لأجل الأصل فيمكن أن يكون واجبا و ذكر الواجب في الثلاثة و أهمل حكم المنفرد كما لم يذكر الغسل الواحد للمتوسطة مع شمول الكلام لها (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) المدارك 2: 34.

(2) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 381- 1183، الوسائل 2: 281 أبواب الحيض ب 5 ح 1 و المثعب: مسيل الماء.

(3) انظر الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 23

و الظاهر أنّ ذلك أيضا مراد من نفى الوضوء هنا، إلّا أنّ هذا الغسل يكفي عن الوضوء عن تلك الأحداث أيضا.

و لخبر مروي في قرب الإسناد «1»، الآمر بالوضوء مع غسل الفجر، الدالّ على تمام المطلوب بعدم الفصل.

و يردّ: بضعفة الخالي عن الجابر في المقام.

و القول في تغيير القطنة، و الخرقة، و غسل ظاهر الفرج كما مرّ «2»

فروع:

أ: صرّح غير واحد من الأصحاب بأنّ اعتبار الجمع بين الصلاتين و الاكتفاء بغسل على الجواز دون الوجوب، فلو فرّقت و أفردت كلّ صلاة بغسل جاز، و في المدارك القطع به «3»، و عن المنتهى الإجماع عليه و استحبابه [1].

و يدلّ عليه ما تقدّم من قوله لبنت أبي حبيش في المرسلة، و إن أمكن الخدش في دلالته: بحمل الغسل على غسل الحيض.

و قوله فيها حكاية عنها أيضا: «و

كانت تغتسل في كلّ صلاة».

و يشعر به قوله في موثّقة يونس بن يعقوب: «فلتغتسل في وقت كلّ صلاة» «4».

و لا ينافيه الأمر بالاغتسال لكلّ صلاتين أو بثلاثة أغسال في كلّ يوم، كما في الأخبار المتكثرة، لعدم منافاة وجوب شي ء لجواز غيره.

نعم، قوله في المرسلة الطويلة لبنت أبي حبيش: «و أخّري الظهر و عجّلي

______________________________

[1] المنتهى 1: 122 قال: و لا نعرف في ذلك خلافا بين علمائنا.

______________________________

(1) قرب الاسناد: 127- 447، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15.

(2) في ص 15، 16.

(3) المدارك 2: 35.

(4) التهذيب 1: 402- 1259، الاستبصار 1: 149- 516، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 24

العصر و اغتسلي غسلا ..» و في صحيحة البصري: «فإذا كان الدم سائلا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمَّ تصلّي صلاتين بغسل واحد» «1» و في المروي في المعتبر- في الصحيح- عن كتاب ابن محبوب: «فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل» «2». يدلّ على وجوب الجمع المنافي للتفريق المستلزم لوجوب الاكتفاء بغسل واحد، كما عن جماعة منهم: المفيد صريحا، و النافع ظاهرا «3». و هو الأحوط و إن كان الأول هو الأظهر، لانحصار ما دلّ على وجوب الجمع بالأخير، و يحمل هو على الاستحباب بقرينة سابقة.

ب: صرّح غير واحد بوجوب كون الطهارة و الوضوء في الوقت، فلا يصح قبله «4». و هو كذلك، لقوله في صحيحة الصّحاف: «فلتتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة» «5».

و في روايات متعدّدة «فلتغتسل عند كلّ صلاتين» «6».

و في صحيحة ابن سنان: «تغتسل عند كلّ صلاة الظهر و العصر» إلى أن قال: «ثمَّ تغتسل عند الصبح» «7» الحديث.

و عدم ثبوت وجوب مقارنة الجميع كغسل

المتوسّطة أو وضوئها غير ضائر، للإجماع المركب.

و مقتضى العندية مقارنة الغسل للصلاة و وجوب تعقيبها «8» له عرفا- كما

______________________________

(1) تقدم مصدرها في ص 15.

(2) تقدم مصدرها في ص 19.

(3) المقنعة: 57، النافع: 11.

(4) كما صرح به في المبسوط 1: 68، و المهذب 1: 38، و الذكرى: 31.

(5) الكافي 3: 95 الحيض ب 11 ح 1، التهذيب 1: 168- 482، الاستبصار 1: 140- 482، الوسائل 2: 374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 7.

(6) كما في رواية أبي المعزى و رواية إسحاق بن عمار (الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 5، 6).

(7) تقدم مصدرها في ص 20.

(8) في «ق» تعقبها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 25

صرّح به جماعة «1»- فالقول بعدم وجوبها ضعيف، و جواز انتظار الجماعة- كما عن النهاية و الدروس «2»- غير سديد.

نعم، الظاهر عدم مضرّة الاشتغال بمقدّمات الصلاة- كالستر و الاستقبال و الأذان و الإقامة- في العندية العرفية و في وجوب مقارنة الوضوء أيضا في القليلة و المتوسّطة قول محكي عن الشيخ، و الحلّي، و ظاهر الذكرى «3»، لكون هذا الدم حدثا، و الصلاة بالحدث مخالفا للأصل، فيجب التقليل ما أمكن.

و لثبوت العفو عمّا لا يمكن الانفكاك عنه من هذا الدم دون غيره.

و للقطع بالخروج عن العهدة مع المقارنة دون الفصل.

و لتبادره من قولهم عليهم السلام: «تتوضّأ لكلّ صلاة» كما عن قولهم:

«تغتسل عند كلّ صلاة».

و لأنه لولاه لم يحتج إلى وضوء آخر للعصر و العشاء.

و قول آخر بالعدم منقول عن المختلف «4»، للأصل، و صدق الامتثال، و عمومات تجويز الطهارة في أوّل الوقت. و هو الأقوى، لذلك.

و ضعّف أوّل أدلّة المخالف: بالمنع عن وجوب التقليل المخالف للأصل هنا أولا، و بالمنع

عن حدثية مطلق هذا الدم ثانيا.

فإن قيل: لا معنى لحدثيته إلّا كونه مانعا عن مثل الصلاة و مرتفعا بالطهارة كما في سائر الأحداث.

قلنا: الثابت منه حدثيته في الجملة في الجملة، لا حدثية كلّ جزء منه لكلّ صلاة.

و الحاصل: أنّ الحدثية ليست شيئا زائدا على المانعية من الصلاة بل هي عينها،

______________________________

(1) المدارك 2: 35، الذخيرة: 76، الرياض 1: 48.

(2) نهاية الإحكام 1: 127، الدروس 1: 99.

(3) المبسوط 1: 68، السرائر 1: 152، الذكرى: 31.

(4) المختلف: 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 26

فلا يثبت منها إلّا ما يثبت منها.

و ثانيها: بعدم ثبوت المنع من مطلق هذا الدم حتى يحتاج إلى العفو.

و ثالثها: بحصول القطع بما مرّ.

و رابعها: بمنع التبادر، و الفرق بين الفعل لشي ء و عنده ظاهر [1].

ج- يجب الغسل أو الوضوء بحصول السبب بعد الطهارة المتقدمة و إن لم يتّصل بوقت الصلاة، وفاقا للبيان، و الروض «1»، و اللوامع، لإطلاق إيجابه لأحد الطهورين من غير تخصيص بالوقت.

و قوله في صحيحة الصحّاف: «فإن كان الدّم لا يسيل فيما بينها و بين المغرب فلتتوضّأ» «2» فإنّه يدلّ على كفاية السيلان في شي ء ممّا بينها و بين المغرب، لعدم إفادة «ما» الموصولة للعموم.

و لا ينافيه مفهوم قوله فيما بعده: «و إن كان إذا أمسكت يسيل من خلفه صبيبا فعليها الغسل» حيث إنّ لفظة: «إذا» مفيدة للعموم، لعدم وجوب السيلان في جميع الوقت إجماعا، فالمنطوق ليس باقيا على عمومه قطعا حتى يفيد المفهوم ما يضرّ.

و على هذا فتجب الثلاثة مع استمرار الكثرة من الفجر إلى الليل، أو حدوثها قبل فعل كلّ من الصلاة و لو لحظة. و مع عدم استمرارها أو حدوثها كذلك، فاثنان إن استمر أو حدث إلى

الظهر، و واحد إن لم يستمر و لم يحدث كذلك.

و لو حدثت الأقسام الثلاثة بين صلاتين، كأن تكون قليلة بعد الفجر ثمَّ صارت متوسّطة ثمَّ كثيرة قبل الظهر، يجب امتثال حكم كلّ منها، لعدم ثبوت تداخل الأضعف في الأقوى هنا.

______________________________

[1] لا يخفى أن المصنف- رحمه اللّه- لم يتعرض للجواب عن الدليل الخامس.

______________________________

(1) البيان: 66، الروض: 84.

(2) تقدم مصدرها في ص 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 27

د: كلّما حصل سبب لزم موجبه للصلاة التي تتعقّبه و إن لم يتّصل بها، ثمَّ لو انقطع قبل الإتيان بموجبة لا يلزم موجبه للصلاة التي بعدها.

فلو حصلت القليلة قبل الفجر توضّأت للفجر، انقطع قبله أم لا، و لو انقطع قبل الوضوء لا يلزم وضوء لصلاة الظهر، و لو لم ينقطع قبل وضوء الفجر لزم الوضوء للظهر أيضا و هكذا.

و لو حصلت المتوسّطة قبل الفجر غسلت له، و لا شي ء للظهر لو انقطعت قبل الغسل، و توضّأت للظهر و العصر لو انقطعت بعده.

و يحتمل وجوب الوضوء للعصر و العشاءين و غسل آخر للفجر الثاني مع الانقطاع بعد الغسل للفجر الأول أيضا.

و يقوى الاحتمال فيما لو طرأت المتوسّطة بعد صلاة الصبح و انقطعت قبل الظهر مثلا.

و لو حصلت الكثيرة قبل الصبح تغتسل له و لو انقطعت قبله، و الظاهر عدم وجوب الغسل حينئذ لغيره، مع احتمال وجوب الثلاثة أيضا.

و لو لم تنقطع قبله وجب غسل آخر للظهرين، فلو انقطعت قبل غسل الظهر لم يجب للعشاءين مع احتمال وجوبه.

و الحاصل: أنّ مقتضى أحكام المستحاضة وجوب الغسل للغداة في المتوسّطة و الثلاثة في الكثيرة، فإن ثبت إجماع على عدم وجوب غسل الغداة لو انقطعت المتوسّطة قبل وضوء صلاة العشاء، و عدم وجوب

غسل الظهرين أو العشاءين لو انقطعت الكثيرة قبل غسل الغداة أو الظهرين- كما قد يدّعى- فهو، و إلّا فلا أرى وجها للسقوط.

و منه يظهر حكم ما لو اجتمعت الأقسام الثلاثة فيما بين صلاتين و استمرّ أحدها أو انقطع الجميع.

ه: قيل: لو كان دمها ينقطع حينا، فإن اتّسع وقت انقطاعه الطهارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 28

و الصلاة، وجب انتظاره، ما لم يضرّ بالفرض «1».

و لا أرى للوجوب دليلا، و الأصل يقتضي العدم.

و: ذات القليلة و المتوسّطة لا تجمع بين الفرض و النفل بوضوء، بل تجدّد الوضوء للنافلة و لو غير المرتّبة في غير أوقات الصلاة، لإطلاق كثير من الأخبار، سيما روايات الصفرة «2».

و تجويز الشيخ «3» الجمع ضعيف.

و دعوى تبادر اليومية أو الفريضة من الإطلاقات ممنوعة جدّا، لشيوع غيرها أيضا.

و الثانية تجمع في الغسل صلاة الليل و الفجر، و لا يضرّ عدم المقارنة لصلاة الفجر، إذ ثبوتها إنّما هو بالإجماع المركّب، و لا تثبت منه مضرّة صلاة الليل فيها.

و هل تشترط صحة صلاة الليل بالغسل فيه أم يجوز الاكتفاء بالوضوء و تأخير الغسل إلى الفجر؟ الظاهر: الثاني، لعدم دليل على اشتراط تهجّدها بالغسل سوى الرضوي «4» القاصر دلالة على الوجوب، الخالي عن الجابر في المورد.

و ذات الكثيرة تجمع بين صلاتي الليل و الفجر، بين الفرض و نفله و إن تقدّم عليه بغسل واحد، لعدم منافاته للمقارنة العرفية.

مضافا إلى صريح الرضوي في الأول المنجبر ضعفه بالإجماع المحكي في اللوامع.

و تصلّي غير الرواتب و القضاء في غير أوقات الصلاة أو فيها مؤخّرا عن الصلاة من غير غسل آخر و لا وضوء إلّا مع حدث موجب لهما من مني أو بول أو نحوهما، لعمومات الأمر بها، و

عدم ثبوت مانع عنها لها سوى الدم، و لم تثبت

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 342.

(2) انظر ص 13 من الكتاب.

(3) المبسوط 1: 48.

(4) فقه الرضا: 193، المستدرك 2: 43 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 29

مانعيته و لا وجوب الغسل لكلّ صلاة، و إنّما الثابت وجوبه عليها الأغسال الثلاثة، فتأمّل.

ز: النصوص خالية عن تعيين قدر القطنة و زمان اعتبار الدم، فكان التعويل فيه على العرف و العادة، لأنّه المعوّل في مثله.

ح: مقتضى الأخبار: إناطة الكثرة الموجبة للثلاثة بسيلان الدم من الكرسف و إن لم يخرج من الخرقة و لم يثقبها.

و عن ظاهر المقنعة اعتبار الخروج و السيلان منها فيها «1». و هو ضعيف.

ط: لو لم يكن لها كرسف و لا خرقة و رأت دما لم تعلم أنه أيّ الثلاثة تبني على الأقل، لأصالة عدم خروج الزائد.

المسألة الثانية:

الأقوى أنه يجوز للمستحاضة مطلقا قراءة العزائم، و مسّ المصاحف، و اللبث في مطلق المساجد، مع الجواز في المسجدين. و لا يتوقّف شي ء منها على شي ء من الأعمال، للأصل الخالي عن الصارف جدا.

خلافا لجماعة، و هم بين من منع عن الأول فيما فيه الغسل قبله «2». و من منع عن الثاني قبل الغسل و الوضوء كلّ في مورده «3»، استنادا في القولين إلى دلالة وجوب الغسل على كونها محدثة بالحدث الأكبر المانع عن القراءة و المسّ، و وجوب الوضوء على كونها محدثة بالأصغر المانع عن الأخير.

و يضعّف: بمنع الدلالة المدّعاة أولا، و بمنع كلية المانعية ثانيا.

و من منع عن الثالث قبل جميع الأعمال، لصحيحة ابن عمار: «المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلّي فيها و لا يقربها بعلها، و إذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب

الكرسف اغتسلت للظهر و العصر» إلى أن قال: «و تضمّ فخذيها في المسجد و سائر جسدها خارج، و لا يأتيها بعلها أيام قرئها، و إن كان الدم لا يثقب

______________________________

(1) المقنعة: 56.

(2) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 163.

(3) كالوحيد في شرح المفاتيح- مخطوط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 30

الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء، و هذه يأتيها بعلها إلّا في أيام حيضها» «1».

أمر في الكثيرة بجعل سائر الجسد خارج المسجد، و في القليلة عقب دخول المسجد عن الوضوء.

و يضعّف أولا: بعدم دلالتها على الحرمة أصلا.

و ثانيا: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المسجد أبدا.

و ثالثا: بمنع الدلالة على ما ذكروه من التفصيل في اللبث و الجواز جدّا.

و رابعا: بأنّ الأول بعد الأعمال الموجبة للجواز إجماعا و النهي عن إتيان بعلها إنّما هو في أيّام الحيض.

و في موثّقة عبد الرحمن «2»- الواردة في حكاية امرأة أخيه في نفاسها- دلالة على الجواز. و التعقيب الثاني لا يدلّ على التعليق بوجه.

نعم، لا بأس بالقول بالكراهة في الثلاثة حذرا عن المخالفة.

كما يكره لها دخول الكعبة أيضا، و لو مع الأفعال وفاقا لجماعة «3»، للمرسلة «4».

و عن الشيخ و ابن حمزة القول بالتحريم «5»، و ليس بقويم.

نعم، يحرم ذلك بل دخول المساجد مطلقا- على القول بحرمة إدخال النجاسة الغير المتعدية أيضا فيها- قبل تبديل القطنة و الخرقة و غسل الفرج، و هو أمر آخر، بل بعد التبديل و الغسل أيضا لو تلطخ بعدهما.

______________________________

(1) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 106- 277، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 2، الوسائل 2: 385 أبواب

النفاس ب 3 ح 9.

(3) منهم الحلّي في السرائر 1: 153 و العلامة في التحرير 1: 125، و صاحب الرياض 1: 49.

(4) الكافي 4: 449 الحج ب 153 ح 2، التهذيب 5: 399- 1389 الوسائل 13: 462 أبواب الطواف ب 91 ح 2.

(5) المبسوط 1: 331، الوسيلة: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 31

و في توقف جواز وطئها على جميع ما يتوقف عليه تجويز الصلاة من الأعمال، فلا يجوز قبله مطلقا، كثيرة كانت الاستحاضة أو غيرها، أغسالا كانت الأعمال أم غيرها، كما عن المقنعة، و الاقتصاد، و الجمل و العقود، و الكافي «1»، و الإصباح، و الإسكافي «2»، و المصباح، و الحلّي، و المنتهى «3»، ناسبا له إلى ظاهر عبارات الأصحاب.

أو على الغسل خاصة، فلا منع في المتوسطة و الكثيرة بعده، و في القليلة مطلقا، كما عن الصدوقين في الرسالة، و الهداية «4».

أو عليه و على الوضوء، كلّ في موقعه، كما حكي عن ظاهر الأصحاب «5».

أو عليه مع تجديد الوضوء، كما عن المبسوط «6».

أو عدم توقّفه على شي ء من ذلك، كما عن المهذب، و المعتبر، و التحرير، و التذكرة «7»، و الدروس، و البيان، و الكركي، و المدارك، و الكفاية «8»، و جمع آخر من المتأخرين.

أقوال، أقواها: أخيرها، للأصل، و عموم قوله سبحانه فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ ، و قوله، وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ «9»، و إطلاقات حل الوطء.

و صحيحة ابن سنان، و فيها: «و لا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء إلّا أيام

______________________________

(1) المقنعة: 57، الاقتصاد، 246، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 164، الكافي: 129.

(2) نقل عنه في المعتبر 1: 248.

(3) مصباح المتهجد: 11، السرائر 1: 153، المنتهى 1: 121.

(4) الهداية: 22 و نقله

عن والده في الفقيه 1: 50.

(5) حكاه في الذكرى: 31.

(6) المبسوط 1: 67.

(7) المهذب 1: 38، المعتبر 1: 249، التحرير 1: 16، التذكرة 1: 30.

(8) الدروس 1: 99، البيان: 66، جامع المقاصد 1: 344، المدارك 2: 37، الكفاية: 6.

(9) البقرة: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 32

حيضها» «1».

و صحيحة صفوان، المتقدّمة «2» حيث إنّ قوله فيها: «و يأتيها» عطف على قوله: «تغتسل» فلا يترتّب على المعطوف عليه كما توهّم، مع أنه لا وجه للترتيب فيها أصلا.

و الرضوي: «فإذا دام دم المستحاضة و مضى عليه مثل أيام حيضها أتاها زوجها متى شاء بعد الغسل أو قبله» «3» و غير ذلك مما يأتي.

للمخالف الأول: رواية زرارة و الفضيل: «المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيام أقرائها، و تحتاط بيوم أو يومين، ثمَّ تغتسل كلّ يوم ثلاث مرات» إلى أن قال: «فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها» «4».

و صحيحة البصري: عن المستحاضة أ يطؤها زوجها و هل تطوف بالبيت؟

قال: «تقعد قرأها الذي كانت تحيض فيه» إلى أن قال: «ثمَّ تصلّي صلاتين بغسل واحد، و كلّ شي ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها و لتطف بالبيت» «5».

دلّت على أنّ كل شي ء استحلّت به الصلاة و كان مبيحا لها فهو مبيح لإتيان زوجها و طوافها.

و المروي في المعتبر عن مشيخة ابن محبوب: «في الحائض إذا رأت دما بعد أيّامها» إلى أن قال: «فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل و يصيب منها زوجها [إن أحب ] و حلّت لها الصلاة» [1].

و الجواب عن الجميع بعدم الدلالة أصلا:

______________________________

[1] المعتبر 1: 256، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 14، ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

______________________________

(1) التهذيب 1: 171- 487، الوسائل 2: 372 أبواب

الاستحاضة ب 1 ح 4.

(2) في ص 15.

(3) فقه الرضا: 192، المستدرك 2: 17 أبواب الحيض ب 19 ح 2.

(4) التهذيب 1: 401- 1253، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12.

(5) التهذيب 5: 400- 1390، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 33

أمّا الأولى فلأنها لا تدلّ إلّا على أنه إذا جازت لها الصلاة جاز وطؤها، و لا شك أنّ بالخروج عن الحيض تجوز لها الصلاة، و لا يمنع توقّفها على بعض الشرائط المقدورة عن جوازها، و لذا يصح أن يقال: إذا لم تكن المرأة حائضا تحلّ لها الصلاة، مع أنّها قد تتوقّف على الوضوء و الستر و غيرهما. و بالجملة فقد الشرط المقدور بل الواجب تحصيله لا ينافي الحلّية أصلا.

و يؤكّد إرادة الخروج من الحيض من حلّية الصلاة مسبوقيتها بقوله: «تكف عن الصلاة أيام أقرائها» و لو لا تعيّن ذلك فلا شك في احتماله الموجب لسقوط الاستدلال.

و القول بأنّه مبني على ارتباط قوله: «فإذا حلّت» و رجوعه إلى صدر الخبر، و هو تعسف، إذ الظاهر ارتباطه بحكم المستحاضة «1». ليس بشي ء، إذ المجموع حكم المستحاضة، و الضمير في: «لها» راجع إلى المستحاضة المذكورة أوّلا التي يحكم بتحيّضها أيام أقرائها، و لا دخل للرجوع و الارتباط هنا، بل جميع الجمل حكم من نصّ عليه في صدر الرواية بقوله: «المستحاضة ..» و على هذا فتكون دلالة الرواية على ما اخترناه أظهر.

و أمّا الثانية: فبأن الذي أظن من معناها- و لا أقل من احتماله- أنّ قوله:

«و كلّ شي ء» عطف على قوله: «بغسل واحد» يعني: و لتجمع كلّ صلاتين بغسل و كذا بكلّ شي ء تتوقّف الصلاة عليه من

الوضوء و غسل البدن و غيرهما، فلا يتوقّف كلّ صلاة من الصلاتين على تجديد شي ء من هذه الأمور، كما لا يتوقّف على تجديد الغسل، بل تجمع بين كلّ صلاتين بواحد منها، و قوله: «فليأتها» حكم يتفرع على قوله: «فلتحتط و لتغتسل و تستدخل كرسفا».

و أمّا تفريع قوله: «فليأتها» على قوله: «و كلّ شي ء» فلا أرى له سلاسة، بل وجها. مع أنه على فرض تسليم التفريع لا دلالة فيها على وجوب التأخير و عدم

______________________________

(1) كما قال به في الحدائق 3: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 34

الحلّية قبل هذه الأمور أصلا.

و منه يظهر وجه عدم دلالة الثالثة أيضا، مضافا إلى أنّ الاستدلال بها إنّما يكون له وجه لو عطفنا قوله: «حلّت» على «أحبّ» و لا ضرورة تستدعيه، بل الظاهر أو المحتمل لا أقلّ: عطفه على قوله: «و يصيب» كما أنه عطف على قوله:

«تمسك» يعني بعد أيام القرء تمسك القطنة و يجوز وطؤها و تحلّ لها الصلاة.

هذا، مع ما في الجميع من أنهم يشترطون في حلّية الصلاة الاحتشاء و استدخال القطنة و التلجّم و الاستثفار- كما يأتي «1»- و لا يمكن الوطء مع هذه الأمور، و لو أريد غير تلك الأمور من الأفعال لم يكن معنى حلّية الصلاة، و لم يكن إرادته أولى من إرادة معنى آخر، كالحلّية بأن تأتي بمقدماتها ثمَّ يواقعها.

مضافا إلى أنّ حلّية الصلاة- كما عرفت- إنما هي بعد الغسل أو الوضوء في الوقت مقارنا للصلاة، و لا تحل بغسل أو وضوء آخر، و لازمه عدم جواز الوطء إلّا في أوقات الصلاة قبل إيقاعها، و لعلّهم لا يقولون به، بل عدم جوازه أبدا، إذ بعد الغسل أو الوضوء يجب الاشتغال بالصلاة فورا، و

لا تحلّ الصلاة بغسل آخر بعد الصلاة إلّا أن تغتسل غسلا آخر للصلاة بعد الوقاع، فتأمّل.

للثاني: قوله: «فحين تغتسل» في موثّقة سماعة، المتقدّمة في القليلة «2».

و رواية مالك: عن وطء المستحاضة: «ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها» إلى أن قال: «و يغشاها فيما سوى ذلك من الأيام، و لا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل» «3».

و قوله: «و لا يأتيها بعلها أيام قرئها» في صحيحة ابن عمار، السابقة «4»، بحمل القرء على الطهر بقرينة لزوم التكرار لولاه، حيث إنّه منع عن قرئها أيام

______________________________

(1) في ص 41.

(2) في ص 14.

(3) التهذيب 1: 402- 1257، الوسائل 2: 379 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 1.

(4) في ص 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 35

حيضها أوّلا، و ليحصل التخالف بينها و بين القليلة المفهوم من قوله أخيرا:

«و هذه يأتيها بعلها».

و الرضوي: «و إن زاد دمها على أيامها اغتسلت للفجر» إلى أن قال: «و هذه صفة ما تعمله المستحاضة بعد أن تجلس أيام الحيض على عادتها، و الوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل و بعد أن تغتسل و تنظف، لأن غسلها يقوم مقام الطهر للحائض».

و قوله أيضا: «و إن رأت الدم أكثر من عشرة أيام فلتقعد من الصلاة عشرة أيام ثمَّ تغتسل يوم حادي عشرها» فبين أقسام المستحاضة و أحكامها إلى أن قال:

«فإذا دخلت في أيام حيضها تركت الصلاة و متى اغتسلت على ما وصفت حل لزوجها أن يغشاها».

و الجواب: أما عن الاولى: فبعدم الدلالة على الحرمة قبل الاغتسال غايتها المرجوحية، مع أن إرادة حين جواز الغسل، أي: مضي أيام الحيض، ممكنة، و هو و إن كان مجازا و لكن الحمل على بعد الغسل أيضا مجاز لا ترجيح له

على الأول كثيرا.

و أما عن الثانية: فمع ما مرّ من عدم الدلالة على التحريم، بأنّ الظاهر منها غسل الحيض الذي يكره الغشيان قبله.

و أما عن الثالثة: فمع ما تقدّم أيضا سيما مع أنه لولاه لزم التخصيص بما قبل الأعمال، بعدم دليل على إرادة الطهر من القرء، فيحتمل الحيض و لا تكرار فيه، إذ يمكن أن يكون المراد بقوله: «المستحاضة» الحائض كما عبّر عنها بها كثيرا في الروايات، فالأول حكم الحائض و الثاني حكم المستحاضة.

و المراد: أن الحائض لا يقربها بعلها أيام حيضها، و إذا جاز دمها و صارت مستحاضة تفعل كذا و كذا، و لا يقربها بعلها أيضا أيام حيضها.

و أما قوله: «و هذه يأتيها بعلها» فيمكن أن يكون إشارة إلى التي جازت أيامها المذكورة أوّلا، لا خصوص التي دمها لا يثقب الكرسف، فيكون بيانا لجواز

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 36

وطء المستحاضة في غير أيام حيضها، و يكون التخصيص المذكور بقوله: «و هذه» لمقابلة قوله: «المستحاضة- أي الحائض- لا يقربها بعلها».

و أما عن الرابعة: فبوجوب الحمل على الكراهة بقرينة قوله السابق في أدلة المختار، مع أنّ الظاهر من قوله: «وقت الغسل و بعد أن تغتسل» عدم التوقّف على الغسل، إذ المراد بوقت الغسل وقت جوازه.

و الحاصل: أن بعد ما ذكر أنه إذا زاد الدم على الأيام اغتسلت للفجر، قال:

«و وقت جواز نكاحها وقت غسلها و بعده» أي وقت زيادة الدم و ما بعده، فإن ذلك قائم مقام طهر الحائض و إن لم يكن طهرا حقيقة لوجود الدم.

و أما قوله: «و متى اغتسلت على ما وصفت» فبيانه: أنه عليه السلام ذكر أوّلا أنها إذا رأت أكثر من عشرة أيام تغتسل اليوم الحادي عشر ثمَّ

تفعل عمل المستحاضة، إلى أن دخلت ثانيا في أيام حيضها، فحينئذ تركت الصلاة أيضا إلى اليوم الحادي عشر فقوله: «متى اغتسلت» إشارة إلى غسل اليوم الحادي عشر الذي به تخلص عن الحيض، لا أغسال الاستحاضة، و لذا أخّره عن قوله: «فإذا دخلت» إلى آخره، و لو منع من تعيّن ذلك فلا أقلّ من احتماله المسقط للاستدلال.

و للثالث: أخبار توقّفه على حلّ الصلاة الذي هو الخروج عن الحدث الذي يتوقف على الغسل أو الوضوء كل في موقعه. و قد عرفت جوابه.

و للرابع: المروي في قرب الإسناد و فيه: قلت: يواقعها زوجها؟ قال: «إذا طال بها ذلك فلتغتسل و لتتوضّأ ثمَّ يواقعها» «1».

و جوابه: أنه ضعيف لا يصلح للحجية. مع أنه علّق الوجوب على طول الاستحاضة، و مفهومه إمّا عدم وجوب الغسل و الوضوء أو عدم جواز الوطء و لو مع الغسل قبله، و كلّ منهما خلاف الواقع، فارتكاب نوع من التجوز فيه لازم.

الثالثة:

المشهور: عدم توقّف صحة صومها على غير الأغسال من الأفعال

______________________________

(1) قرب الاسناد: 127- 447، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 37

و توقّفها عليها، بل في اللوامع ادّعى على الحكمين الإجماع، كما نسب ثانيهما في المدارك إلى مذهب الأصحاب «1».

للأصل في الأول، و مكاتبة ابن مهزيار في الثاني: امرأة طهرت من حيضها أو نفاسها من أول شهر رمضان، ثمَّ استحاضت و صلّت و صامت شهر رمضان من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، فهل يجوز صومها و صلاتها، أم لا؟ فكتب [عليه السلام ] «تقضي صومها و لا تقضي صلاتها» «2» الخبر ..

و التفرقة بين الصلاة و الصوم مع عدم قول بها

غير ضائر، كالإشكال الوارد في تتمة الخبر [1]، لأن الخلل و الإشكال في بعضه لا يخرجان ما فيه عن الحجية، مع إمكان التأويل بما يرفع الخلل و يدفع الإشكال، كما هو مذكور في كتب الأصحاب «3».

خلافا في الأول للمحكي عن ظاهر صوم النهاية، و السرائر «4»، فحكما بالفساد إذا أخلّت بما عليها، و هو يشمل الوضوء و تغيير القطنة، و عن ظاهر الإصباح و المروي عن الأصحاب في طهارة المبسوط، فالفساد إذا أخلّت بالغسل أو الوضوء [2]. و لا دليل لشي ء منهما.

______________________________

[1] تتمة الخبر- على ما في الكافي و التهذيب-: «لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر فاطمة عليها السلام و المؤمنات من نسائه بذلك» و هكذا في الطبعة الجديدة من الفقيه، و لكن المنقول من الفقيه في الوسائل و روضة المتقين 3: 406 و جامع الأحاديث 2: 548 ليس مشتملا على كلمة «فاطمة» و كذا في علل الشرائع: 213.

[2] المبسوط 1: 68 قال: و إذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال و تجديد الوضوء لم يحرم عليها شي ء مما يحرم على الحائض .. و إن لم تفعل ما يجب عليها و صامت فقد روى أصحابنا أن عليها القضاء.

______________________________

(1) المدارك 2: 38.

(2) الكافي 4: 136 الصيام ب 55 ح 6، الفقيه 2: 94- 419، التهذيب 4: 310- 937، الوسائل 2: 349 أبواب الحيض ب 41 ح 7.

(3) انظر الحدائق 2: 297.

(4) النهاية: 165، السرائر 1: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 38

و في الثاني للمحكي عن المبسوط [1]، و المعتبر «1»، فتوقّفا في الحكم، و هو ظاهر جمع من المتأخّرين، كالمدارك و البحار «2» و شرح القواعد للهندي، و شرح الإرشاد

للأردبيلي و الحدائق «3»، لما في الخبر من الوهن سندا، لإضماره، و الخلل متنا كما مرّ، و القصور دلالة، لعدم التصريح بوجوب قضاء الصوم، بل نهايته الرجحان المحتمل للاستحباب، و لاحتمال أن يكون لفظ «تقضى صومها» من باب التفعل و يكون المعنى: أنّ صومها صحيح دون الصلاة.

و هو في محلّه جدّا، و الاحتياط لا يترك مهما أمكن.

ثمَّ المتوقّف عليه على القول به هل هو الأغسال النهارية فقط لكلّ يوم كما عن المنتهى، و التذكرة، و البيان «4»، و نسبه في اللوامع إلى الجماعة، أو غسل الفجر خاصة، أو ليلته اللاحقة كذلك، أو السابقة كذلك، أو الليلتين؟ كما جعل كلا منها بعضهم وجها، و لم يبيّنه جماعة كالشيخ، و ابني إدريس و سعيد «5»، و الفاضل في القواعد و التحرير و الإرشاد و النهاية «6»، فعبّروا بالأغسال الظاهرة في العموم.

و يحتمل قويا: عدم الحكم بالبطلان إلّا مع ترك جميع الأغسال النهارية و الليلية الماضية و المستقبلة، إذ لا يستفاد غير ذلك من المكاتبة، فإنّ ظاهرها ترك

______________________________

[1] لعلّ وجه نسبة التوقف إلى المبسوط، أنه أسند الحكم إلى رواية الأصحاب و لم يصرّح فيه بإثبات و نفي و لكنه في كتاب الصوم من المبسوط 1: 288 صرّح بأنه متى لم تفعل ما تفعله المستحاضة وجب عليها قضاء الصلاة و الصوم.

______________________________

(1) المعتبر 1: 248.

(2) المدارك 2: 39، بحار الأنوار 78: 113.

(3) كشف اللثام 1: 102، مجمع الفائدة 1: 163، الحدائق 3: 301.

(4) المنتهى 1: 586، التذكرة 1: 30، البيان: 66.

(5) المبسوط 1: 68، السرائر 1: 153، الجامع: 44.

(6) القواعد 1: 16، التحرير 1: 16، الإرشاد 1: 229، نهاية الإحكام 1: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 39

جميع الأغسال،

فالحكم فيها بقضاء كلّ يوم يمكن أن يكون لجميع ما ذكرنا، و لكلّ واحد، و لكلّ اثنين، و الأوّل يقيني و الباقي مشكوك فيه.

و دعوى القطع بعدم مدخلية الليلة المستقبلة، غير مسموعة، إذ لا سبيل إلى القطع بالشرعيات من غير جهة النقل التي هي هنا مفقودة.

و الأقوى منه- باعتبار عموم الخبر من جهة ترك الاستفصال أو إطلاقه حيث يدلّ على أن ترك الغسل لكلّ صلاتين يوجب القضاء سواء ترك الجميع أم لا- الحكم بالبطلان بترك النهارية البتة، و أما الليلية فلإجمالها من جهة أنه لا يعلم أنّ سبب الأمر بالقضاء في الخبر الليلية الماضية أو المستقبلة لا يفيد في الحكم.

ثمَّ على القول بالتوقّف على جميع الأغسال أو النهارية خاصة هل يجب تقديم غسل الفجر عليه أم لا؟

ظاهر الدليل: الثاني، للأصل، و صدق الإتيان بما عليها.

و قيل بالأول، لدلالة التوقّف على كون الاستحاضة حدثا مانعا من الصوم، فيجب رفعه قبل الدخول فيه.

و فيه نظر ظاهر.

نعم، لو قلنا بالتوقّف على غسل الليلة الماضية فتركها يبطل إلّا مع تقديم غسل الفجر عليه.

الرابعة:

انقطاع الدم بعد إيقاع ما يجب من الطهارتين لا يوجب سقوط مقتضاه للصلاة الآتية، بل يجب لها مع بقائه بعد الطهارة و لو بلحظة، سواء كان انقطاع برء أو فترة كما مر.

نعم، لو قلنا بأن المعتبر حصول الدم أوقات الصلاة لا يجب معه.

و هل يؤثّر ذلك الانقطاع في الطهارة الحاضرة لو حدث بعدها و قبل الصلاة إمّا مطلقا، كما عن المبسوط، و المهذب، و الإصباح، و السرائر، و الذكرى «1»، أو

______________________________

(1) المبسوط 1: 68، المهذب 1: 38، السرائر 1: 153، الذكرى: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 40

إذا كان انقطاع برء دون فترة، كما عن

ظاهر الخلاف و في القواعد، و المنتهى «1»، و مال إليه جمع من متأخّري المتأخرين «2»، أو مع فترة متّسعة للطهارة و الصلاة ثانيا، كما عن نهاية الفاضل «3»، فإنهم قالوا بالتأثير فيبطلها و يوجب الوضوء، لأنّ هذا الدم حدث مغتفر بعد الطهارة و قبل الصلاة حال الضرورة، و هي الاستمرار أو عدم البرء، فلا ينسحب فيما لا ضرورة فيه، أعني حال الانقطاع مطلقا أو للبرء.

أو لا يؤثّر مطلقا، كما عن المحقّق و الجامع «4»؟

الأقوى: الأخير، لاستصحاب جواز الدخول في الصلاة قبل الانقطاع، و عدم معلومية تقييده [1] بالاستمرار، و لأنه لم يثبت تأثير هذا الدم شرعا زائدا على إيجاب ما فعلت، و أمّا غيره فلا.

و كونه حدثا مطلقا ممنوع، و لو سلّم فكونه مؤثّرا في شي ء زائدا على ما فعلت غير ثابت [2].

و ممّا ذكرنا ظهر عدم تأثيره في بطلان الطهارة و الصلاة لو حصل في أثناء الصلاة فتستمرّ في صلاتها. خلافا لجماعة [3]، فقالوا بتأثيره و إيجابه للوضوء و إعادة الصلاة، هذا.

ثمَّ إنه على فرض التأثّر في الصورتين فالتخصيص بالوضوء لا وجه له، بل اللازم في كلّ دم تأثيره فيما يوجبه.

هذا كلّه إذا لم يصدر حدث آخر غير الدم، و أمّا لو حصل غيره من ريح أو

______________________________

[1] في «ق» و «ه» تقيده.

[2] و الاستدلال للمختار بثبوت العفو ليس بجيد، إذ الخصم يمنع بثبوته و يخصه بصورة الاستمرار و يدعى تبادرها أيضا من الأخبار. (منه رحمه اللّه).

[3] منهم الشهيد في الدروس 1: 99.

______________________________

(1) الخلاف 1: 251، القواعد 1: 16، المنتهى 1: 122.

(2) المدارك 2: 40، الحدائق 3: 302.

(3) نهاية الاحكام 1: 128.

(4) المعتبر 1: 112، الجامع: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 41

بول

أو مني وجب مقتضاه.

الخامسة:

يجب عليها الاستظهار في منع الدم بقدر المكنة، للأمر بالتعصب، و الاحتشاء، و الاستيثاق، و التلجّم، و الاستذفار، و الاستثفار [1] في المرسلة الطويلة، و موثّقة زرارة، و صحاح الصحّاف و الحلبي و ابن عمّار «1».

و المستفاد منها مضافا إلى عدم تيسّر الغسل بعد أكثر تلك الأفعال كون محلّه بعد الغسل. و قيل: قبل الوضوء «2»، و لم يظهر له وجه تام، و التوجيه بتحقّق الصلاة عقيب الطهارة غير وجيه.

______________________________

[1] التعصب: شد العصابة، و الاحتشاء: الامتلاء و المراد منه في المقام استدخال شي ء للمنع من سيلان الدم، و الاستيثاق: أخذ الوثاق و هو ما يشدّ به من قيد و حبل و نحوهما. و التلجم: أخذ اللجام و المراد في المقام أن يجعل موضع خروج الدم عصابة تمنع منه تشبيها باللجام في فم الدابة.

و أمّا الاستثفار فذكر في النهاية الأثيرية 1: 214 في تفسيره: أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا و توثق طرفيها في شي ء تشده على وسطها فتمنع بذلك سيل الدم و هو مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها. و أمّا الاستذفار فقد ورد في نسخة من صحيحة الحلبي المروية في الكافي 3: 89 و روى عنه في الوسائل 2: 372 عن أبي جعفر عليه السلام «قال سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله .. إلى أن قال: ثمَّ تغتسل و تستدخل قطنة و تستثفر (تستذفر خ ل) بثوب ثمَّ تصلي حتى يخرج الدم من وراء الثوب» و في الكافي بعد تمام الرواية ما لفظه: و الاستذفار أن تطيب و تستجمر بالدخنة و غير ذلك، و الاستثفار أن تجعل مثل ثفر الدابة قال في مرآة

العقول 13: 225:

و الظاهر أنها نسخة الجمع لا البدل بقرينة التفسير. أو يكون في الكتاب الذي أخذ المصنف الخبر منه النسختان معا ففسرهما أو ذكر أحدهما استطرادا و الظاهر أنه كان في هذا الخبر بالذال و في الخبر السابق بالثاء ففسرهما هنا. و في الوافي 6- 471: ربما يقال باتحاد معنييهما و أنه قلب الثاء ذالا.

كيفما كان فما ذكروه في اللغة في مادة: «ذفر» لم يظهر له مناسبة للمقام من منع المرأة عن سيلان الدم ففي القاموس 2: 35 الذفر محركة: شدة ذكاء الريح .. و من المحتمل أن يكون الصحيح: الاستزفار بالزاء فانّ الزّفر: الذي يدعم به الشجر، و الأزفر: الفرس العظيم الجنبين (القاموس 2: 41) و لا يخفى مناسبته للمعنى المراد في المقام و هو شدّ الوسط و الاستقواء به على منع الدم.

______________________________

(1) المتقدمة في ج 2: 405، 438، 438، و هذا المجلّد ص 12، 18، 19.

(2) الرياض 1: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 42

و هل هو شرط في صحة الوضوء و الصلاة حتى لو لم تستظهر و خرج الدم بعد الوضوء بطل أو في الصلاة بطلت، أم هو واجب برأسه حتى لم يبطل شي ء منهما؟

مقتضى الأصل: عدم الشرطية، إلّا أن يعلّل الوجوب للصلاة: بلزوم منع الدم و تقليلها و لو كان أقلّ من الدرهم، و للوضوء: بحدثيته و عدم العفو إلّا في مورد ثبت عنه العفو.

و لكن في الأول: منع اللزوم إلّا إذا تعدّى إلى الثوب و البدن و صار قدر الدرهم.

و في الثاني: منع الحدثية، فلا يبطل بالتقصير فيه الوضوء.

نعم، تبطل الصلاة من جهة أخرى، و هي النهي عنها الملزوم للأمر بالاستظهار.

و قد يقال بوجوب هذا الاستظهار في النهار

لأجل صومها. و هو ضعيف جدا.

السادسة:

غسلها كغسل الحائض في كلّ حكم حتى في حاجته إلى الوضوء لو كانت محدثة بالحدث الموجب له.

نعم، يستثنى من المساواة الكلية الموالاة الغير المعتبرة في غيره من الأغسال المعتبرة فيه، تحصيلا للمقارنة اللازمة للصلاة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 43

الفصل الرابع: في غسل النفاس
اشارة

و المراد بالنفاس هنا دم الولادة، و الكلام هنا إمّا في تعيين النفاس أو في أحكامه، و فيه بحثان:

البحث الأول: في تعيينه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

الدم الخارج حال الطلق- و هو وجع الولادة قبل خروج شي ء من الولد- ليس نفاسا بالإجماع المحقّق و المنقول «1» مستفيضا، و النصوص:

منها: موثّقة عمّار: و المرأة يصيبها الطلق أيّاما أو يوما أو يومين فترى الصفرة أو دما، قال: «تصلّي ما لم تلد» «2» الحديث.

و قريبة منها مرسلة الفقيه عن عمّار [1] أيضا.

و رواية الخلقاني، المروية في مجالس الشيخ: فإنها رأت الدم و قد أصابها الطلق فرأته و هي تمخض، قال: «تصلّي حتى يخرج رأس الصبي، فإنها رأت الدم و قد أصابها لم تجب عليها الصلاة» إلى أن قال: «و هذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس» «3» الحديث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    44     المسألة الأولى: ..... ص : 43

رواية السكوني، المتقدّمة في حيض الحبلى «4».

______________________________

[1] الفقيه 1: 56- 211. و الرواية ليست بمرسلة، فإن للصدوق طريقا إلى عمار ذكره في المشيخة (راجع خاتمة الفقيه 4: 4).

______________________________

(1) كما نقله في المنتهى 1: 123، و الرياض 1: 50.

(2) الكافي 3: 100 الحيض ب 13 ح 3، التهذيب 1: 403- 1261، الوسائل 2: 391 أبواب النفاس ب 4 ح 1.

(3) أمالي الطوسي: 708.

(4) راجع ج 2: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 44

ثمَّ إنّ هذا الدم إن استجمع شرائط الحكم بالحيضية حتى في الحامل- كما تقدّمت- فهو حيض.

و يزيد على الشرائط هنا اشتراط تخلّل أقلّ الطهر بالنقاء أو الدم، بين آخره و بين النفاس على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة، بل عن الخلاف «1» نفي الخلاف عنه، و هو المحكي عن نهاية الفاضل و القواعد، و الذكرى، و شرح القواعد للكركي،

و الروض «2»، و اختاره والدي قدس سره.

لإطلاق الأخبار المذكورة المجوّزة للصلاة، خرج عنها الجامع للشرائط مع تخلّل أقلّ الطهر، بالإجماع المركّب من كلّ من قال باجتماع الحيض مع الحبل إمّا مطلقا أو بشرط خاص، فيبقى الباقي.

و لو عارضها ما دلّ على حيضية دم الحامل مع الأوصاف في أيام العادة، لم يضر، لوجوب الرجوع إلى أصالة عدم الحيضية و لزوم العبادة.

مضافا في بعض الصور إلى قوله في صحيحة ابن مسلم: «أقلّ ما يكون:

عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» «3» بل في جميعها إلى مطلق الأخبار الدالّة على أنّ أقلّ الطهر عشرة.

و الاستدلال: بكون النفاس كالحيض، فيشترط تخلّل العشرة بينهما، و باشتراط تخلّله بين النفاس و الحيض المتعقّب له، فالمتقدّم مثله، لعدم قول بالفرق، ضعيف:

أمّا الأول: فلعدم ثبوت التماثل المطلق، و مطلقه لو ثبت لم ينفع، مع أنه لا ينفي حيضية الدم المتصل بالنفاس، لجواز حيضية المجموع بناء على ذلك.

______________________________

(1) الخلاف 1: 246.

(2) نهاية الاحكام 1: 130، القواعد 1: 16، الذكرى: 33، جامع المقاصد 1: 347، الروض:

89.

(3) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 4، التهذيب 1: 157- 451، الاستبصار 1: 131- 452، الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 45

و أمّا الثاني: فلمنع ثبوت عدم الفرق.

خلافا للمنتهى، و المدارك، و الذخيرة، و المحكي عن التذكرة «1»، لضعف الأخبار المتقدّمة، فيبقى ما يدلّ على الحيضية عن المعارض خاليا. و جوابه ظاهر.

و على هذا فما لا يتخلّل بينه و بين النفاس أقلّ الطهر لا يكون حيضا، كما يكون كذلك مطلقا إن قلنا بعدم اجتماع الحيض مع الحبل.

و في الحكم بكونه استحاضة أم لا، يرجع إلى ما يحكم

به في غير تلك الصورة.

الثانية:

الخارج بعد خروج تمام الولد نفاس بالإجماع، كما في المنتهى، و عن التذكرة «2»، و نفي عنه الخلاف في شرح القواعد للكركي، و عن نهاية الإحكام «3».

و في الخارج معه خلاف: فالمحكي عن المقنعة، و الخلاف، و المبسوط «4» صريحا، و عن النهاية، و المصباح، و مختصره، و الاقتصاد «5»، و المراسم، و السرائر، و المهذب، و الشرائع «6» ظاهرا، و في النافع، و المعتبر، و القواعد، و شرحه «7»، بل في الأخير دعوى الشهرة عليه- كما عن الثاني عليه الإجماع- أنه نفاس، للروايتين الأخيرتين «8» المنجبرتين بما ذكر.

و عن الجملين [1]، و الكافي، و الغنية، و الوسيلة، و الإصباح، و الجامع «9»،

______________________________

[1] الجمل و العقود للطوسي (الرسائل العشر): 165، و لم نعثر عليه في جمل العلم و العمل للمرتضى، و نقل عنه في كشف اللثام 1: 103.

______________________________

(1) المنتهى 1: 123، المدارك 2: 44، الذخيرة: 77، التذكرة 1: 36.

(2) المنتهى 1: 123، التذكرة 1: 35.

(3) جامع المقاصد 1: 346، نهاية الاحكام 1: 130.

(4) المقنعة: 57، الخلاف 1: 246، المبسوط 1: 68.

(5) النهاية: 29، مصباح المتهجد: 11، الاقتصاد: 247.

(6) المراسم: 44، السرائر 1: 156، المهذب 1: 39، الشرائع 1: 35.

(7) النافع: 11، المعتبر 1: 252، القواعد 1: 16، جامع المقاصد 1: 346.

(8) رواية الخلقاني و رواية السكوني المتقدمتين في ص 43.

(9) الكافي: 129، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، الوسيلة: 61، الجامع: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 46

أنه ليس بنفاس، للأصل، و الخبرين الأولين «1»، و ما بمعناهما المعلّق ترك الصلاة على الولادة المتبادر منها خروج تمام الولد.

و تظهر الفائدة فيما لو لم تر دما بعد خروج التمام.

و الحقّ هو الأول،

لما مرّ، و الشك في توقّف صدق الولادة على خروج التمام، بل في اللوامع: و كأنّ صدق الولادة بخروج جزء من الولد ممّا لا ريب فيه. هذا.

ثمَّ إنّ ظاهر الأخبار و مقتضى الأصل و لزوم العبادة: اختصاص النفاس في الدم الخارج مع ما يسمّى ولدا، لا مثل المضغة و العلقة و النطفة. فإلحاقها به مطلقا، أو مع العلم بكونها بدء نشوء آدميّ، أو إلحاق الأول خاصة كذلك- كما ذهب إلى كلّ بعض [1]- ضعيف خال عن الدليل، و العلم بمبدئيّة نشوء الإنسان غير كاف، و كونه دما عقيب الحمل غير مفيد، و الإجماع المحكي عن التذكرة «2» في بعض الصور لا حجية فيه.

الثالثة:

لا حدّ لأقلّ النفاس بالإجماع، له، و للأصل، و خبر المرادي: عن النفساء كم حدّ نفاسها حتى تجب عليها الصلاة، و كيف تصنع؟ قال: «ليس لها حدّ» «3».

و في صحيحة ابن يقطين: عن النفساء «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط» «4».

خرج منهما طرف الكثرة الثابت فيه التحديد بالإجماع، و النصوص، فيبقى جانب القلّة. فيجوز أن يكون لحظة، بل يجوز أن لا ترى دما كما في قضية

______________________________

[1] فذهب في القواعد 1: 16 إلى كفاية المضغة، و قال في الدروس 1: 100 يكفي المضغة دون العلقة إلّا أن تشهد أربع نساء عدول بأنها مبدأ الولد.

______________________________

(1) موثقة عمار و مرسلة الفقيه المتقدمتين في ص 43.

(2) التذكرة 1: 35.

(3) التهذيب 1: 180- 516، الاستبصار 1: 154- 533، الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 2 ح 1.

(4) التهذيب 1: 174- 497، الوسائل 2: 387 أبواب النفاس ب 3 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 47

الجفوف [1]، و حينئذ لا يثبت النفاس بالأصل و الإجماع.

و

جعل مجرد خروج الولد حدثا أكبر أو أصغر- كبعض العامة [2]- تشريع مردود.

و أكثره العشرة، وفاقا للمحكي عن والد الصدوق [3]، و المقنع، و المقنعة، و الشيخ، و القاضي «1»، و الحلّي و الحلبي، و المحقّق «2»، و الجعفي، و ابن طاوس [4]، و الفاضل في غير المختلف، و الشهيد «3»، و أكثر المتأخرين، و نسبه الكركي، و الهندي «4»- بل عن المبسوط- إلى الأكثر، لمرسلتي المفيد، و الرضوي المنجبر ضعفها بما ذكر.

الاولى نقلها في المقنعة: «إنّ أقصى مدة النفاس عشرة أيام» «5».

و الثانية نقلها عنه الحلّي في أوائل السرائر: «لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض» «6».

و الثالثة: «و النفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها و هي عشرة أيام، و تستظهر بثلاثة أيام، ثمَّ تغتسل، فإن رأت الدم عملت كما تعمل

______________________________

[1] إشارة إلى ما نقله في المعتبر 1: 253 قال: و قد حكي أن امرأة ولدت على عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فلم تر دما فسميت الجفوف.

[2] نسبه في المغني 1: 242 إلى أحد وجهي الشافعية.

[3] نقل عنه في المختلف: 41.

[4] نقل في الذكرى: 33 عن الجعفي في «الفاخر» و ابن طاوس القول برجوع النفساء إلى عادتها في الحيض، و هو يدل على قولهما بعدم زيادة النفاس عن العشرة، بالتقريب الذي سيذكره في المتن.

______________________________

(1) المقنع: 16، المقنعة: 57، المبسوط 1: 69، النهاية: 29، المهذب 1: 39.

(2) السرائر 1: 154، الكافي: 129، الشرائع 1: 35.

(3) المنتهى 1: 124، التذكرة 1: 36، القواعد 1: 16، الذكرى: 33، الدروس 1: 100.

(4) جامع المقاصد 1: 347، كشف اللثام 1: 103.

(5) المقنعة: 57.

(6) السرائر 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 48

المستحاضة»

«1».

و المعتبرة المتكثّرة جدّا، الآتية بعضها، المصرّحة بأنّها تجلس بقدر حيضها و تغتسل بعده، و أنه يغشاها زوجها بعد مضي عدة حيضها «2»، فإنّها صريحة في عدم التجاوز عن العشرة و إن جاز الأقلّ أيضا، إذ لا تقعد حائض أكثر من العشرة و لو كانت مبتدأة أو مضطربة.

و ما يأتي «3» من مرفوعة إبراهيم و خبر المنتقى، المصرّحين بكون أكثره أقلّ من ثمانية عشر، إذ لا قول بغير العشرة في الأقلّ منها.

و بما ذكر يخصّص عموم صحيحة ابن يقطين، المتقدّمة.

خلافا للمختلف «4»، و للمحكي عن الفقيه، و السيد «5»، و الإسكافي «6»، و الديلمي «7»، فجعلوه ثمانية عشر مطلقا، و هو قول آخر للمفيد [1] أيضا.

للصحاح الدالّة على جلوس أسماء في النفاس ثمانية عشر يوما، و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إيّاها بالغسل بعد مضيّ الثمانية عشر «8».

و موثّقة ابن مسلم: عن النفساء كم تقعد؟ قال: «إنّ أسماء نفست، فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أن تغتسل في ثمانية عشر، فلا بأس أن تستظهر بيوم أو

______________________________

[1] قال في المقنعة: 57 و أكثر أيام النفاس ثمانية عشر يوما، فإن رأت الدم النفساء اليوم التاسع عشر من وضعها الحمل فليس ذلك من النفاس إنما هو استحاضة فلتعمل بما رسمناه للمستحاضة و تصلي و تصوم، و قد جاءت الأخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس هو عشرة أيام و عليها أعمل لوضوحها عندي.

______________________________

(1) فقه الرضا: 191، المستدرك 2: 47 أبواب النفاس ب 1 ح 1.

(2) انظر الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3.

(3) في ص 49، 50.

(4) المختلف: 41.

(5) الفقيه 1: 55، الانتصار: 35، الناصريات (الجوامع الفقهية): 191.

(6) نقله في المعتبر 1: 253.

(7)

المراسم: 44.

(8) انظر الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 6، 15، 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 49

يومين» «1».

و المرويّتين في العيون و العلل:

الاولى: «النفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما، فإن طهرت قبل ذلك صلّت، و إن لم تطهر حتى تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت و صلّت» «2».

و الثانية في علّة قعود النفساء ثمانية عشر: «لأنّ الحيض أقلّه ثلاثة أيام و أوسطه خمسة و أكثره عشرة، فأعطيت أقلّه و أوسطه و أكثره» «3».

و صحيحتي ابن مسلم و سنان:

الاولى: كم تقعد النفساء حتى تصلّي؟ قال: «ثماني عشرة، سبع عشرة» «4».

و الثانية: «تقعد النفساء تسع عشرة ليلة، فإن رأت دما صنعت كما تصنع المستحاضة» «5».

و يجاب عن الأول: بمنع الدلالة، إذ ليس فعلها حجة، و لم يثبت تقرير لها عليه من الحجة، بل المصرّح به في بعض الأخبار أنّ قعودها للجهل، و أنها لو سألته صلّى اللّه عليه و آله، قبل الثمانية عشر لأمرها بالاغتسال.

ففي مرفوعة إبراهيم: سألت امرأة أبا عبد اللّه عليه السلام، فقالت: إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما، فقال أبو عبد اللّه

______________________________

(1) التهذيب 1: 180- 515 و 178- 511، الوسائل 2: 387 أبواب النفاس ب 3 ح 15.

(2) العيون 2: 124، الوسائل 2: 390 أبواب النفاس ب 3 ح 24.

(3) العلل: 291، الوسائل 2: 390 أبواب النفاس ب 3 ح 23.

(4) التهذيب 1: 177- 508، الاستبصار 1: 152- 528، الوسائل 2: 386 أبواب النفاس ب 3 ح 12.

(5) التهذيب 1: 177- 510، الاستبصار 1: 152- 530، الوسائل 2: 387 أبواب النفاس ب 3 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص:

50

عليه السلام: «و لم أفتوك بثمانية عشر؟» فقال رجل: للحديث الذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنه قال لأسماء حين نفست بمحمد بن أبي بكر، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أسماء سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قد أتى لها ثمانية عشر يوما، و لو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل و تفعل ما تفعله المستحاضة» «1».

و في المروي في المنتقى: في امرأة محمد بن مسلم، حيث قال: إنّ أصحابنا ضيّقوا عليّ فجعلوها ثمانية عشر يوما، فقال أبو جعفر عليه السلام: «من أفتاها بثمانية عشر يوما؟» قال، فقلت: الرواية التي رووها في أسماء- إلى أن قال-: فقال أبو جعفر عليه السلام: «إنها لو سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل ذلك و أخبرته لأمرها بما أمرها به» قلت: فما حدّ النفساء؟ قال: «تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام أقرائها، فإن هي طهرت استظهرت بيوم أو يومين أو ثلاثة» «2» الحديث.

و في هاتين الروايتين إشعار بل دلالة على كون الثمانية عشر قولا مشهورا بين العامة [1].

و يشعر به أيضا عدوله عليه السلام في الموثّقة من الجواب إلى الحكاية.

و يدلّ عليه حمل الشيخ هذه الأخبار على التقية «3».

و منه يظهر وجه آخر للجواب عن تلك الصحاح و عن جميع ما تعقّبها من الأدلّة، لمعارضتها مع ما مرّ، فيرجّح ما يخالف التقية. مع ما مرّ من موافقة

______________________________

[1] لم نعثر على هذا القول في كتبهم، و المنسوب إليهم هو القول بالأربعين و هو المشهور بينهم و لهم أقوال أخر من الخمسين و الستين و السبعين. انظر بداية المجتهد 1: 52، المغني 1: 345، بدائع الصنائع 1: 41،

مغني المحتاج 1: 120، و انظر الخلاف 1: 244 للشيخ الطوسي.

______________________________

(1) الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 3، التهذيب 1: 178- 512، الاستبصار 1: 153- 532 الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 7.

(2) منتقى الجمان 1: 235، الوسائل 2: 386 أبواب النفاس ب 3 ح 11.

(3) التهذيب 1: 178، الاستبصار 1: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 51

عمومات الكتاب الآمرة بالعبادة في الزائد عن العشرة.

مضافا إلى ما في الثاني [من عدم الدلالة] [1] لا في الحكاية و لا في المحكي، و هو ظاهر.

بل و كذا الثالث، إذا نفي قعود الأكثر من الثمانية عشر لا يفيد القعود بقدرها، و مفهوم قوله: «فإن طهرت» إنما كان مفيدا لو لم يعقبه قوله: «و إن لم تطهر».

و الرابع، لاحتمال أن يكون غرضه إعطاء الناس دون الشارع، و لم يصرّح اتقاء.

و الخامس، لظهوره في التخيير الذي هو غير المطلوب و لا قائل به، فهو بالشذوذ خارج عن الحجية أيضا.

و منه يظهر وجه قدح في السادس أيضا لتغاير ثمانية عشر يوما مع تسع عشرة ليلة.

و للمحكي عن العماني «1»، فجعله أحدا و عشرين، و في المعتبر عن كتاب البزنطي رواية دالّة عليه «2».

و هو بالشذوذ مجاب بل للإجماع مخالف، لأن قوله- للإجماع على نفي الزائد عن ثمانية عشر- غير قادح.

و به و بالموافقة للعامة يجاب عن الأخبار المتضمّنة للثلاثين أو الأربعين أو ما زاد عنهما «3».

الرابعة:

ما ذكر حدّا للنفاس في طرف الكثرة إنّما هو أقصى مدته، يعني أنه لا يكون أكثر منه. و أمّا كلّ من اتّصل دمها إلى هذا الحدّ فليست بنفساء على

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) نقل عنه في المعتبر 1: 253.

(2)

المعتبر 1: 253.

(3) انظر الوسائل 2: 387 ب 3 ح 16، 17، 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 52

الأظهر، وفاقا للجعفي «1» و من تعقبه من القائلين «2» بالعشرة، و المختلف «3» من الذاهبين إلى الثمانية عشر.

بل غير المعتادة عددا تتنفس إلى أقصى المدة، لعموم صحيحة ابن يقطين «4» و الرضوي المتقدّم «5»، الخاليين عن المخصّص فيهما.

و لا يرجع هنا إلى التمييز أو عادة النساء أو الروايات، للأصل.

و ما ورد في موثّقة أبي بصير «6» من الرجوع إلى الأم أو الأخت شاذ متروك.

نعم، يرجع إليها في التحيّض في الشهر الثاني لو اتّصل دمها إليه، لإطلاق أدلّتها.

و المعتادة عددا تتنفس بعادتها و تغتسل بعدها، لتظافر المعتبرة من النصوص عليه، كصحيحة زرارة «7»، و موثّقته «8»، و موثّقة يونس «9»، و قويّة ابن أعين «10»، و خبر عبد الرحمن بن أعين «11»، و غيرها. و بها يخصّص الصحيحة و الرضوي.

و أمّا المرسلتان «12» المحدّدتان لأقصى النفاس: فلا تدلّان إلّا على أنّ أكثره

______________________________

(1) نقل عنه في الذكرى: 33.

(2) تقدم ذكرهم في ص 47.

(3) المختلف: 41.

(4) المتقدمة في ص 46.

(5) في ص 47.

(6) التهذيب 1: 403- 1262، الوسائل 2: 389 أبواب النفاس ب 3 ح 20.

(7) التهذيب 1: 173- 495، الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3 ح 1.

(8) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 6، الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 5.

(9) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 5، التهذيب 1: 175- 500، الاستبصار 1: 152- 525 الوسائل 2: 385 أبواب الحيض ب 3 ح 8.

(10) التهذيب 1: 176- 505، الاستبصار 1: 152- 525، الوسائل 2: 383 أبواب النفاس ب 3 ح 4.

(11)

الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 2، الوسائل 2: 385 أبواب النفاس ب 3 ح 9.

(12) المتقدمتان في ص 47.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 53

ذلك، و ذلك لا ينافي وجود الأقلّ.

و منه يستفاد إمكان حمل قول من تقدّم على الجعفي أيضا [1] بل بعض من تأخّر عن المختلف [2]، على المختار في ذلك، فإنّهم لم يذكروا إلّا أنّ ذلك أكثره.

و يؤيّده: استدلال جمع ممّن صرّح بذلك بأخبار الرجوع إلى العادة.

ثمَّ مع انقطاع دم المعتادة على العادة أو الأقلّ لا كلام، و إلّا فتستظهر بيوم، أو يومين، أو ثلاثة، أو تمام العشرة، لوروده في الأخبار «1». استحبابا، لعدم ثبوت الزائد عليه منها.

و حكم ما بين أيام العادة و أقصى النفاس حكم ما بينها و بين أقصى الحيض، على ما صرّح به جماعة [3].

و هو محلّ نظر، لعدم ثبوت المساواة الكلية بين الحيض و النفاس، و تصريح قويّة مالك، المتقدّمة [4] في آخر مسائل الحيض بعدم نفاسية ما بعد أيام الاستظهار للمعتادة مطلقا، سواء تجاوز الدم العشرة أو لم يتجاوز، و هي أخص من سائر أخبار النفاس في المورد.

و بها يندفع الاستصحاب المتمسك به في الحيض.

و انعقاد الإجماع على التنفس مع عدم التجاوز غير معلوم، و الاستشكال فيه مصرّح به في كلام بعضهم «2».

نعم، قيل: يشعر بعض العبارات بالإجماع عليه «3»، و الظاهر أنّ مثله لا يصلح حجة لرفع اليد عن عموم الخبر.

______________________________

[1] يعني من تقدم ذكرهم على الجعفي في ص 47 و هم الصدوقان و المفيد و غيرهم:

[2] و هم الصدوق و الإسكافي و السيد .. راجع ص 48.

[3] منهم العلامة في التحرير 1: 16، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 11.

[4] في

ج 2: 497، و هي قويّة ابن أعين المتقدمة في الصفحة السابقة.

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3.

(2) الرياض 1: 51، الحدائق 3: 325.

(3) قاله في الرياض 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 54

فالظاهر عدم التنفس بعد أيام الاستظهار مع اختياره، و بعد العادة مع ترك الاستظهار مطلقا، و إن كان الاحتياط مع عدم التجاوز عن العشرة حسنا جدّا.

الخامسة:

إنما يحكم بالتنفس في أيام العادة للمعتادة أو العشرة لغيرها مع وجود الدم فيها، بل أو في طرفيها، على الأظهر المصرّح به في كلام جماعة، و هو المحكي عن المبسوط، و الخلاف، و الإصباح، و المهذب، و الجواهر «1»، و السرائر، و الجامع، و الشرائع، و المعتبر «2»، بل الظاهر كونه إجماعيا.

لاستصحاب التنفس، و إطلاق صحيحة ابن مسلم: «أقلّ ما يكون:

عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» «3».

و تردّد فيه بعض متأخّري المتأخّرين «4»، بناء على تجويزه أقلّية الطهر المتخلّل في الحيض عن العشرة. و هو ضعيف.

و منهم من تردّد في ثبوت حدّ لأقلّ الطهر في النفاس، لعدم الدليل «5».

و هو محجوج بالصحيحة و ما بمضمونها.

و لو رأته في أحد الطرفين خاصة فلا شك في عدم تنفسها في الخالي عن الدم متقدّما أو متأخّرا، و لا في تنفسها وقت الدم.

أمّا إن كان هو الطرف الأول: فظاهر.

و إن كان الآخر: فلظاهر الإجماع، و عموم مفهوم موثّقة عمّار، المتقدّمة «6» الدالّة على نفاسية كلّ دم خارج إذا ولدت، خرج ما يخرج بعد مضي أكثر النفاس

______________________________

(1) المبسوط 1: 69، الخلاف 1: 248، المهذب 1: 39، جواهر الفقه: 17.

(2) السرائر 1: 155، الجامع: 45، الشرائع 1: 35، المعتبر 1: 256.

(3) الكافي 3: 76 الحيض ب

1 ح 4، التهذيب 1: 157- 451، الاستبصار 1: 131- 452 الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 11 ح 1.

(4) الحدائق 3: 325.

(5) الذخيرة: 79.

(6) في ص 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 55

بالإجماع فيبقى الباقي. و تخصيص دلالتها بما كان عقيب الولادة عرفا، و منعه في بعض صور المورد لا وجه له.

و لو رأته في أحدهما و الوسط، فتنفس بوقت الدمين و بما بينهما أيضا، لما سبق.

السادسة:

لو لم تر دما إلّا بعد العشرة فليس من النفاس على المختار في عدد الأكثر، و به صرّح جماعة «1»، لأنّ ابتداء الحساب من الولادة دون الرؤية، و إلّا لم تتحدّد مدة التأخير، و تدلّ عليه قويّة مالك «2»، و هي و إن وردت في ابتداء أيام العادة إلّا أنه لا قول بالفصل البتة.

و يؤيّده قوله في خبر الفضلاء: «إنّ أسماء سألت عن الطواف بالبيت و الصلاة، قال: منذ كم ولدت؟» «3».

و منه يظهر أنه لو رأته المعتادة لأقلّ العشرة قبلها و بعد العادة فليس من النفاس أيضا، وفاقا ظاهرا لكلّ من اعتبر العادة مع التجاوز عن العشرة. و على الأظهر بدونه. و إن كان ظاهر الأكثر خلافه، بل قيل بإشعار بعض العبارات بالإجماع عليه «4»، و لا دليل له. و حكاية الإشعار المذكورة لا تصلح لتقييد إطلاق القويّة التي هي دليلنا على عدم تنفسها.

لا ما ذكره بعضهم- بعد التردّد في نفاسية ما نحن فيه- دليلا له من الشك في صدق دم الولادة عليه، مع كون وظيفتها الرجوع إلى العادة التي لم تر فيها شيئا [1]، إذ لا دليل على إناطة الحكم بدم الولادة سوى ما قد يفسّر النفاس به في

______________________________

[1] قال في الرياض 1: 51:

للشك في صدق دم الولادة عليه مع كون وظيفتها الرجوع إلى أيّام العادة ..

______________________________

(1) منهم القاضي في المهذب 1: 39، و ابن سعيد في الجامع: 45.

(2) المتقدمة في ج 2: 497، و تقدم مصدرها في ص 53 من هذا المجلّد أيضا.

(3) التهذيب 1: 179- 514، الوسائل 2: 388 أبواب النفاس ب 3 ح 19.

(4) الرياض 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 56

كلام الأصحاب: بأنه دم الولادة، و مجرّد ذلك لا يصير مرجعا للأحكام، مع أنه يكتفي في الإضافة بأدنى الملابسة.

بل المناط الإجماع و الأخبار، و لا شك في دلالة مفهوم الموثّقة «1» على نفاسية هذا الدم.

مع أنه لو كان موجبا للاستشكال، لما اختصّ بما ذكر، بل يجري في غير المعتادة و معتادة العشرة إذا رأت في العاشر، لعدم تفاوت الصدق بكونها معتادة أو غير معتادة. بل في معتادة الثمانية مثلا لو رأت في الثامن، لاتّحاد منشأ التشكيك.

و أمّا أخبار الرجوع إلى العادة: فهي إنّما وردت فيمن رأت الدم في أيامها، أو في النفساء فيها، فلا دلالة لها على من لم تر الدم، أو لم تكن فيها نفساء.

السابعة:

لو رأت الدم بعد انقضاء أيام نفاسها متّصلا معها أو منفصلا، فإن كان بعد تخلّل أقلّ الطهر بينها و بينه، فحكمها حكم غير النفساء من التحيّض به و عدمه، فتتحيّض المعتادة لو صادف العادة، و غيرها إن جامع الوصف، و لا تتحيّض بدونهما على ما مرّ.

و إن لم يتخلّل فلا تتحيّض و إن صادف العادة أو الوصف، لقوله عليه السلام في رواية يونس- بعد أمر النفساء بالقعود أيام القرء و الاستظهار تمام العشرة-: «فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة» «2» الحديث.

و قوله في

القوية: «فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها» «3» إلى غير ذلك.

و لو عورضت بأخبار الوصف و العادة، لم تنفع أيضا، لوجوب الرجوع إلى أصالة عدم التحيّض، مضافا إلى صحيحة ابن مسلم، المتقدّمة «4».

______________________________

(1) أي موثقة عمّار المتقدمة في ص 43.

(2) التهذيب 1: 175- 502، الاستبصار 1: 151- 522، الوسائل 2: 383 أبواب النفاس ب 3 ح 3.

(3) تقدم مصدرها في ص 53.

(4) في ص 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 57

الثامنة:

ذات التوأمين فصاعدا إن رأت الدم مع أحدهما خاصة، فهو نفاسة إن اجتمع معه شرائطه. و إن لم يجمعها لم يكن له نفاس.

و إن رأته معهما مجتمعين للشرائط، فإن لم يتجاوز جميعهما عن أقصى النفاس و اتّصل الدمان فلا إشكال، إلّا في تعيين كونهما نفاسا واحدا أو نفاسين، و لا تترتّب عليه فائدة.

و إن لم يتّصلا فيحصل الإشكال في أيام النقاء، فإن جعلنا هما نفاسا واحدا للاستصحاب و قضية أقلّ الطهر تكون فيها نفساء، و إن جعلناهما نفاسين كما هو مقتضى مفهوم قوله: «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط» في صحيحة ابن يقطين «1» تكون فيها طاهرة. و الأمران محتملان، إلّا أن يدفع الاستصحاب بالمفهوم، و يمنع اشتراط تخلّل أقلّ الطهر بين النفاسين، كما صرّح به الفاضل الهندي «2»، فيتعيّن الثاني حينئذ.

و لكن لا أرى دليلا تاما لتخصيص عمومات أقلّ الطهر- التي منها صحيحة ابن مسلم، الشاملة للنفاسين أيضا- بغير ذلك المورد، فلا ينبغي ترك الاحتياط.

و إن تجاوز المجموع عن الأقصى، فمع تخلّل أكثر النفاس بين أولهما و إن كان بعيدا يكونان نفاسين، لعدم إمكان جعلهما نفاسا واحدا، و هو ظاهر، و لا تخصيص أحدهما بالنفاس، لعمومات التنفس بالولادة، فيؤخذ الأقصى لكلّ

منهما من أوله، و يكون الزائد عن الأقصى المتخلّل بينهما طهرا و إن نقص عن أقلّه، إذ لا يمكن جعله نفاسا، و لا إخراج الثاني عن النفاسية، لمخالفتهما الإجماع و عمومات أقصى النفاس و نفاسية دم الولادة.

و مع عدم تخلّله بين الأولين فيحتمل تعدّد النفاس، فيكون لكلّ منهما

______________________________

(1) تقدم مصدرها في ص 46.

(2) كشف اللثام 1: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 58

حكمه و وحدته، فيسقط الزائد عن الأقصى من الآخر.

و عن الناصريات [1]، و المبسوط، و الخلاف، و الوسيلة «1»، و المهذب، و الجواهر، و السرائر «2»، و الإصباح، و الجامع، و الشرائع «3»: جعل كلّ منهما نفاسا على حدة، فبدأ بالنفاس من الأول و تستوفي العدد من الثاني.

و لم أعثر له على دليل، و الاستناد إلى العمل بالعلّة [2] عليل.

و حكم الأجزاء المنقطعة من الولد الواحد حكم التوأمين، فتأمل.

البحث الثاني: في أحكامه:

قالوا: النفساء كالحائض في كلّ حكم واجب، و مندوب، و محرّم، و مكروه، و مباح، بلا خلاف فيه بين أهل العلم، كما في المنتهى و التذكرة، و المعتبر «4»، و بالإجماع، كما في اللوامع.

و الظاهر كونه إجماعيا، فهو الحجة فيه.

مضافا في تحريم الصلاة إلى المستفيضة من النصوص «5»، و في حرمة الوطء إلى القوية «6»، و فيهما و في حرمة الصوم، و في وجوب قضاء الصوم دون الصلاة إلى المروي في الدعائم المنجبر ضعفه بما مرّ: روينا عن أهل البيت عليهم السلام:

______________________________

[1] نقله عنه في كشف اللثام 1: 105، قال في الناصريات (الجوامع الفقهية): 191 و الذي يقوي في نفسي أن النفاس يكون من مولد الأول. فتأمل.

[2] قال في الحدائق 3: 332 قد صرح جملة من الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- بأن ذات التوأمين

فصاعدا يتعدد نفاسها عملا بالعلة لانفصال كل من الولادتين عن الأخرى فلكل نفاس حكم نفسه.

______________________________

(1) المبسوط 1: 69، الخلاف 1: 247، الوسيلة: 62.

(2) المهذب 1: 39، جواهر الفقه: 17، السرائر 1: 156.

(3) الجامع: 45، الشرائع 1: 35.

(4) المنتهى 1: 126، التذكرة 1: 36، المعتبر 1: 257.

(5) انظر الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3.

(6) قوية مالك بن أعين المتقدم مصدرها في ج 2: 497 و ص 52، 53 من هذا المجلّد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 59

«إن المرأة إذا حاضت أو نفست حرمت عليها أن تصلّي و تصوم، و حرم على زوجها وطؤها حتى تطهر من الدّم» إلى أن قال: «فإذا طهرت كذلك قضت الصوم و لم تقض الصلاة، و حلّت لزوجها» «1».

و في جميع المستحبات و المكروهات إلى الجماعات المنقولة الكافية في إثباتهما، و في المباحات إلى الأصل.

و قد يستدلّ أيضا للجميع: بكون النفاس دم الحيض المحتبس.

و بصحيحة زرارة، و فيها- بعد حكمه عليه السلام بقعود النفساء بقدر حيضها و استظهارها بيومين، و عمل المستحاضة بعد ذلك-: قلت: فالحائض؟

قال: «مثل ذلك سواء» «2».

و فيهما نظر.

أمّا الأول: فلمنع إيجاب ذلك للاتّحاد في جميع الأحكام.

و أمّا الثاني: فلأنه ظاهر في المثلية و التساوي فيما ذكر قبل ذلك لا في كلّ حكم.

ثمَّ المراد بالتساوي المذكور أصالته، فلا ينافي ثبوت الاختلاف في بعض الأحكام بدليل، كما في الأقلّ عند الكلّ، و في الأكثر عند البعض، و في الرجوع إلى وقت العادة و التمييز و النساء و الروايات، و اشتراط تخلّل أقلّ الطهر مطلقا، و الدلالة على البلوغ، و امتناع المجامعة مع الحمل عند بعض القائلين بالامتناع في الحيض، و المدخلية في انقضاء العدة إلّا في النادر [1].

______________________________

[1]

كما في الحامل من الزنا إذا طلقها زوجها، فإنه لو تقدمها قرءان سابقان على الوضع بناء على مجامعة الحيض للحمل ثمَّ رأت بعد الوضع نفاسا عدّ في الأقراء و انقضت به العدة، و لو لم يتقدمه قرءان عد في الأقراء. الحدائق 3: 326.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 127، المستدرك 2: 31 أبواب الحيض ب 30 ح 4.

(2) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 4، التهذيب 1: 173- 496، الوسائل 2: 373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 60

الفصل الخامس: في غسل المس
اشارة

و هو يجب على من مسّ ميتا آدميا، على الحقّ المشهور جدّا، للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة محمد: الرجل يغمض الميت أ عليه غسل؟

فقال: «إذا مسّه بحرارته فلا، و لكن إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل» [1].

و صحيحة عاصم: «إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل» «1».

و في صحيحة ابن جابر بعد سؤاله أنّ من مسّه فعليه الغسل: «أما بحرارته فلا بأس، إنما ذاك إذا برد» «2».

و في صحيحة معاوية: «إذا مسّه و هو سخن لا غسل عليه، فإذا برد فعليه الغسل» «3».

و في حسنة حريز: «و إن مسّه ما دام حارا فلا غسل عليه، فإذا برد ثمَّ مسّه فليغتسل» «4».

و خبر سماعة: «غسل من مسّ ميتا واجب» «5» إلى غير ذلك.

______________________________

[1] الكافي 3: 160 الجنائز ب 31 ح 2 و فيه: يغمض عين الميت .. التهذيب 1: 428- 364 الوسائل 3: 289 أبواب غسل المس ب 1 ح 1.

______________________________

(1) التهذيب 1: 429- 1265، الاستبصار 1: 100- 324، التهذيب 3: 290 أبواب غسل المس ب 1 ح 3.

(2) التهذيب 1: 429- 1366، الوسائل 3: 290 أبواب غسل المس ب 1 ح

2.

(3) التهذيب 1: 429- 1367، التهذيب 3: 290 أبواب غسل المس ب 1 ح 4.

(4) الكافي 3: 160 الجنائز ب 31 ح 1، التهذيب 1: 108- 283، الاستبصار 1: 99- 321 التهذيب 3: 292 أبواب غسل المس ب 1 ح 14.

(5) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270 الوسائل 3: 293 أبواب غسل المس ب 1 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 61

خلافا للمحكي عن السيد [1] في المصباح، و شرح الرسالة، فقال بالاستحباب- و يظهر من الخلاف «1» وجود قائل به قبله أيضا- للأخبار الدالّة على أنه سنّة ليس بفريضة «2».

و رواية زيد: «الغسل من سبعة: من الجنابة و هو واجب، و من غسل الميت و إن تطهرت أجزأك» «3».

و التوقيع المروي في الاحتجاج: روي لنا عن العالم أنه سئل عن إمام صلّى بقوم بعض صلاتهم و حدثت عليه حادثة، كيف يعمل من خلفه؟ فقال: «يؤخّر و يتقدّم بعضهم و يتمّ صلاتهم و يغتسل من مسّه» التوقيع: «ليس على من مسّ إلّا غسل اليد» [2].

و يجاب عن الأول: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسنّة، فيحمل على ما هو معناها في اللغة أي الطريقة، و المراد به ما جرت به الطريقة النبوية، بل هو المراد من أكثر استعمالها في الأخبار، سيما إذا أطلقت في مقابل الفريضة التي يريدون منها ما ثبت وجوبه من الآيات القرآنية، و لا أقلّ من احتمال ذلك، سيما مع تعداده مع الأغسال التي هي واجبة بإجماع الأمة و جعلها أيضا من المسنونة.

و عن الثاني: بعدم صلاحيته للمعارضة، لموافقته العامّة [3] كما صرّح به الشيخ، و الفاضل «4»، و مخالفته الشهرة العظيمة.

______________________________

[1] نقل عنه

في المعتبر 1: 351.

[2] الاحتجاج: 482 و فيه: «ليس على من نحّاه إلّا غسل اليد»، الوسائل 3: 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 4.

[3] نقله ابن حزم في المحلى 2: 23 عن أبي حنيفة و مالك و الشافعي و داود.

______________________________

(1) الخلاف 1: 222.

(2) انظر الوسائل 2: 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11 و 12، و الوسائل 3: 291 أبواب غسل المسّ ب 1 ح 7.

(3) التهذيب 1: 464- 1517، الوسائل 3: 291 أبواب غسل المسّ ب 1 ح 8.

(4) التهذيب 1: 464، التذكرة 1: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 62

مضافا إلى احتمال إرادة غسل من أراد غسل الميت منه، فإنه مستحب، و يكون المعنى: الغسل الذي منشؤه غسل الميت. و كون المنشأ إرادته لا ينفي منشئيته. مع أنّ الحمل على غسل المس أيضا لا يخلو عن تقييد، لعدم استلزام غسل الميت لمسّه، بل عن تجوّز، لأن المنشأ ليس غسل الميت، بل المسّ الذي في ضمنه. مع أنه وقع في بعض الأخبار [1] المروية في الخصال: «و غسل من غسل الميت» «1»، معطوفا على غسل المس.

و عن الثالث: بأنه ظاهر في حال الحرارة و لا أقل من شموله لها، فيجب تخصيصه بها، إذ لا غسل مع المسّ بالحرارة، كما هو المجمع عليه بين الطائفة، و المصرّح به في الأخبار السالفة.

و منصوص عليه في التوقيع الآخر: و روي عن العالم: «أنّ من مسّ ميتا بحرارته غسل يده، و من مسّه و قد برد فعليه الغسل» و هذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلّا بحرارته، و العمل في ذلك على ما هو؟ التوقيع: «إذا مسّه في هذه الحال لم يكن عليه إلّا غسل

يده» «2».

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق ما تقدّم و إن كان وجوب غسل المسّ بعد البرد مطلقا، إلّا أنّ المجمع عليه بين الأصحاب- كما صرّح به غير واحد- اختصاصه بما قبل غسل الميت، و به تقيّد الإطلاقات.

مضافا إلى صحيحة الحلبي: «لا تغتسل من مسّه إذا أدخلته القبر، و لا إذا حملته» «3» فإنه لا يمكن أن يكون المراد قبل الغسل، لصحيحة الصفّار: «إذا

______________________________

[1] كالمروي في الخصال عن الصادق عليه السلام في تعداد الأغسال: «و غسل من مس الميت بعد ما يبرد و غسل من غسل الميت» و فيها أيضا عن أبي جعفر عليه السلام: «و إذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد». (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) الخصال: 603، الوسائل 3: 306 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 8.

(2) الاحتجاج: 482، الوسائل 3: 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 5.

(3) التهذيب 1: 105- 273، الوسائل 3: 297، أبواب غسل المس ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 63

أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل، فقد يجب عليك الغسل» «1».

فإنّ الثانية أخص من الاولى، لاختصاصها بما قبل الغسل، فتختص الاولى بما بعده.

مع أن في مفهومها أيضا تأييدا للمطلوب، كصحيحة محمد «2»، و خبر ابن سنان «3» النافيين للبأس عن مسّه و تقبيله بعد الغسل. و جعلهما دليلين لا يخلو عن مناقشة.

و أمّا ما رواه عمّار في الموثّق من اغتسال كلّ غاسل و ماسّ للميت و إن كان مغسولا «4». و تعليل نفي الغسل عمّن أدخله القبر في بعض الروايات «5»: بأنه يمس الثياب، فلمخالفته الإجماع لا يصلح لمعارضة ما مرّ.

و حمله الشيخ في التهذيبين على الاستحباب «6»، و احتمله في البحار «7».

و

ليس ببعيد.

و استبعاد بعض مشايخنا [1] لا وجه له.

و قوله: «لا تغتسل» في صحيحة الحلبي لكونه نهيا بعد الوجوب، ففي إفادته الزيادة على تجويز الترك كلام، مع أنّ كونه نفيا مستعملا في تجويز الترك محتمل.

______________________________

[1] قال في الحدائق 3: 329: .. فحمله في التهذيبين على الاستحباب، و فيه بعد.

______________________________

(1) التهذيب 1: 429- 1368، الوسائل 3: 297 أبواب غسل المس ب 4 ح 1.

(2) التهذيب 1: 430- 1370، الاستبصار 1: 100- 326، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس ب 3 ح 1.

(3) التهذيب 1: 430- 1372، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس ب 3 ح 2.

(4) التهذيب 1: 430- 1373، الاستبصار 1: 100- 328، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المسّ ب 3 ح 3.

(5) الوسائل 3: 297 أبواب غسل المس ب 4 ح 4.

(6) التهذيب 1: 430، الاستبصار 1: 101.

(7) بحار الأنوار 79: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 64

فروع:

أ: مقتضى الإطلاقات نصّا و فتوى: عدم الفرق في الممسوس بين المسلم و الكافر، و إن وجب في الأخير بعد غسله أيضا، لعدم كونه غسلا.

و احتمل في المنتهى، و التحرير، و نهاية الإحكام «1»، اختصاصه بالمسلم، لأنّ إيجابه قبل التغسيل- كما في بعض الأخبار «2»- يشعر بأنه إنما هو فيمن يقبله، فتحمل عليه المطلقات.

و فيه: أنه لا تنافي بين المطلق و المقيد هنا حتى يحمل.

ب: في وجوب الغسل بمسّ من تقدّم غسله على موته كالسرائر «3»، و عدمه كظاهر الأكثر قولان، و ظاهر المنتهى، و الذخيرة، و الحدائق «4»: التردّد.

و الحقّ هو الثاني، لعموم صحيحة الحلبي بالنسبة إلى المورد- و إن خرج عنه من يجب غسله قبل غسله لصحيحة الصفّار- المعارض مع المطلقات الموجب للرجوع

إلى الأصل.

و لذلك لا يجب الغسل أيضا بمسّ المغسول مع تعذّر الخليطين أو أحدهما على فرض صحته، و لا بمسّ الشهيد، و المتيمّم.

لا في الأول [1] لصدق الغسل المسقط لوجوب غسل المس، لفقد إطلاق دالّ على السقوط بعد الغسل حتى ينفع صدقه، مع أنه لو كان ينصرف إلى الشائع.

و لا في الثاني لظهور [2] بعض الأخبار في وجوبه بالتغسيل، و بعضها في

______________________________

[1] يعني ليس الدليل في الأول هو صدق الغسل و المراد من الأول هو مس المغسول مع تعذّر الخليط.

[2] إشارة إلى الوجوه التي استدل بها على عدم وجوب الغسل بمس الشهيد، انظر كشف اللثام 1:

141، الحدائق 3: 334.

______________________________

(1) المنتهى 1: 128، التحرير 1: 21، نهاية الاحكام 1: 173.

(2) مثل صحيحة الصفار المتقدمة في ص 62 الرقم 4.

(3) السرائر 1: 167.

(4) المنتهى 1: 128، الذخيرة: 91، الحدائق 3: 332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 65

وجوبه بمسّ من يجب تغسيله قبل أن يغسّل، و ظهور نجاسة الميت بالموت و طهره بعد الغسل و مسقطات الغسل عن الشهيد في طهارته، فيكون كغيره من الأموات بعد الغسل، و أصالة البراءة، و عدم عموم في الأخبار، لظهور [1] ضعف الكل.

و لا في الثالث لعموم البدلية، لمنعه.

ج: الحقّ وجوب الغسل بمسّ عضو كمل غسله قبل إكمال الغسل، وفاقا للأكثر. لا للاستصحاب، لمعارضته مع استصحاب العدم. بل لعموم موجباته، و صدق المس قبل أن يغسّل الميت الموجب لغسل المسّ بخصوص صحيحة الصفّار «1».

و به تخصّص صحيحة الحلبي إن كان فيها عموم، و إلّا ففيه كلام، للشك في دخول مثل ذلك فيمن أدخل في القبر أو حمل إلّا بالفرض النادر الذي لا يلتفت إليه.

و خلافا للقواعد «2» و بعض آخر «3»،

للأصل، و صدق الغسل بالنسبة إلى العضو، و القياس على العضو المنفصل، و دوران وجوب الغسل لوجوب غسل اليد المنتفي في المقام.

و الأول: مدفوع بما مرّ.

و الثاني: بمنع كفايته، بل اللازم صدق غسل الميت الغير المتحقّق في المورد.

و الثالث: بعدم حجيته سيما مع وجود الفارق.

و الرابع: بمنع الدوران أولا، و منع انتفاء الثاني ثانيا، بل الحقّ وجوب غسل اليد بمسّ العضو المغسول أيضا قبل إكمال الغسل، و إن جعلنا نجاسة

______________________________

[1] علة للنفي المتقدم في قوله: و لا في الثاني لظهور ..

______________________________

(1) المتقدمة هي و صحيحة الحلبي في ص 62.

(2) القواعد 1: 22.

(3) كالشهيد في الدروس 1: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 66

الميت عينيّة من وجه، و حكميّة من آخر، كما هو الحق المشهور، لمنع ارتفاع نجاسة هذا العضو قبل الإكمال، و لتصريح رواية إبراهيم بن ميمون بأنه «إن لم يغسّل الميت يغسل ما أصاب الثوب» «1» و لم يغسل الميت بعد و إن غسل عضو منه.

و عدم توقّف طهارة جزء من الخبث على طهارة جزء آخر إنما هو فيما إذا كان تطهيره بغسله الغير المشروط على النية، و أمّا فيما توقّف على الغسل المشروط بها، فلا نسلّم عدم التوقّف.

و منهم من أوجب غسل المسّ هنا دون غسل اللامس. و لا وجه صحيحا له.

د: يجب الغسل بمسّ قطعة ذات عظم مبانة، وفاقا للمحكي عن الفقيه، و الخلاف، و النهاية، و المبسوط، و السرائر «2»، و الإصباح، و الجامع، و النافع، و الشرائع «3»، بل هو المشهور كما هو المصرّح به في كلام جماعة «4»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «5».

لمرسلة أيوب: «إذا قطع من الرجل قطعة فهو ميتة، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه

عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل، و إن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» «6».

و الرضوي: «و إن مسست شيئا من جسد أكله السبع فعليك الغسل إن

______________________________

(1) الكافي 3: 61 الطهارة ب 39 ح 5، التهذيب 1: 276- 811، الوسائل 3: 461 أبواب النجاسات ب 34 ح 1.

(2) الفقيه 1: 87، الخلاف 1: 701، النهاية: 40، المبسوط 1: 182، السرائر 1: 167.

(3) الجامع: 24، النافع: 15، الشرائع 1: 52.

(4) جامع المقاصد 1: 459، الروض: 115، الذخيرة: 91.

(5) الخلاف 1: 701.

(6) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 4، التهذيب 1: 429- 1369، الاستبصار 1: 100- 325، الوسائل 3: 294 أبواب غسل المس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 67

كان فيما مسست عظم، و ما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسّه» «1».

و قطع الأول غير ضائر، كما أنّ ضعفهما بما ذكر منجبر. فخلاف المعتبر لما ذكر، و قوله بالاستحباب- تفصّيا عن طرح الرواية و كلام الشيخ- [1] غير سديد.

و مقتضى إطلاق الأوّل: عدم الفرق بين الإبانة من ميت أو حيّ، فعليه الفتوى و إن اختص كلام بعض من ذكر «2» بالأول، و بعضهم [2] بالثاني.

و لا غسل في مسّ ما لا عظم فيه من المبان بلا خلاف ظاهر، اتّباعا للأصل، و مقتضى صريح الخبرين.

و في مسّ العظم المجرد، أو السنّ، أو الظفر، فمع الاتّصال بالميت يجب، وفاقا في الأولين للمعظم، و في الثلاثة لبعضهم «3»، لصدق مسّ الميت عرفا.

و مع الانفصال و لو عن الميت لا يجب، للأصل. و قد يقال بالوجوب في الأولين للدوران و الاستصحاب.

و يردّ الأول: بمنع الحجية، لجواز كون العلّة مجموع العظم و

اللحم.

و الثاني: بتغيّر الموضوع، و المعارضة مع استصحاب العدم الأصلي.

و الظاهر عدم الوجوب في مسّ الشعر إلّا ما لم يطل منه، أو قرب البشرة، فالأحوط فيه الاغتسال.

و الماسّ في جميع ذلك كالممسوس [3].

ه: الظاهر من كلام جماعة «4» كون المسّ من الأحداث الموجبة لنقض

______________________________

[1] المعتبر 1: 353 قال: و إن قلنا بالاستحباب كان تفصيا من إطراح قول الشيخ رحمه اللّه و الرواية.

[2] كالإصباح على ما نقل عنه في كشف اللثام 1: 140.

[3] فالمس بالعظم الموضح و السن و الظفر يوجب الغسل للصدق، و كذا بالشعر ما لم يطل على إشكال فيه، و بما طال منه لا يجب. (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) فقه الرضا: 174، المستدرك 2: 492 أبواب غسل المس ب 2 ح 1.

(2) كالفقيه 1: 87، و السرائر 1: 167 و الشرائع 1: 52.

(3) روض الجنان: 115.

(4) انظر الحدائق 3: 339 و مفتاح الكرامة 1: 517.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 68

الوضوء المتوقّف ارتفاعها على الغسل، إمّا خاصة أو مع الوضوء، و هو صريح الشيخ في النهاية، و الحلّي، و الشهيد في الألفية «1»، بل (قيل) «2»: الظاهر أنه لا خلاف فيه بينهم «3».

و في المدارك: و أمّا غسل المسّ فلم أقف على ما يقتضي اشتراطه في شي ء من العبادات، فلا مانع أن يكون واجبا لنفسه «4».

أقول: كون المسّ ناقضا للوضوء غير اشتراط غسل المسّ في العبادة، و الظاهر اشتهار المطلبين، و لكن الثاني مدلول عليه في خصوص الصلاة في الرضوي: «إذا اغتسلت من غسل الميت فتوضّأ، ثمَّ اغتسل كغسلك من الجنابة، و إن نسيت الغسل فذكرته بعد ما صلّيت فاغتسل و أعد صلاتك» «5».

و ضعفه بالشهرة منجبر، فيفتى به في الصلاة خاصة دون

غيرها من العبادات.

و أمّا الأول: فلم أقف على دليل فيه، و الإجماع المركّب غير ثابت، و الأمر بالتوضّؤ في الرضوي يحمل على الاستحباب قطعا، لعدم وجوب تقديمه.

و كذا قوله: «كلّ غسل قبله وضوء» «6» مع أنه لا دلالة فيه على الوجوب أصلا كما مرّ.

و مع ذلك لا بدّ إمّا من تقييده بأن لم يكن له وضوء، أو تخصيصه بغير الأغسال المندوبة، و لا مرجّح لأحدهما، فلا يصلح للاستدلال.

______________________________

(1) النهاية: 19 السرائر 1: 112، الألفية: 25.

(2) ليست في «ح».

(3) كما قاله في الحدائق 3: 339.

(4) المدارك 1: 16.

(5) فقه الرضا: 175، المستدرك 2: 494 أبواب غسل المس ب 8 ح 1.

(6) انظر الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 69

الفصل السادس: في غسل الأموات
اشارة

و ما يستتبعه من أحكام الاحتضار و ما بعده، و الكفن، و التحنيط، و الدفن، فالكلام فيه يقع في خمسة أبحاث:

البحث الأول:
اشارة

في أحكام الاحتضار و ما بعده قبل الغسل.

و الكلام إمّا فيما يجب فيه، أو يستحب، أو يكره.

أمّا الأول:

فيجب توجيهه إلى القبلة على الحقّ المشهور، كما هو في كلام جماعة [1] مذكور، وفاقا للمحكي عن المقنعة، و المراسم، و المهذب، و الوسيلة «1»، و السرائر [2]، و الإصباح، و في الشرائع، و المنتهى، و شرح القواعد للكركي «2»، و إليه ذهب الشهيدان «3»، و أكثر مشايخنا «4».

لا للأخبار الآمرة بتوجيه الميت إلى القبلة، كصحيحة المحاربي «5»، و حسنتي

______________________________

[1] كالشيخ علي، و المدارك، و الكفاية و البحار، و اللوامع. (منه رحمه اللّه).

انظر جامع المقاصد 1: 355، المدارك 2: 52، الكفاية: 6، البحار 78: 231.

[2] هكذا نقله في كشف اللثام 1: 107، و الموجود في السرائر 1: 158 ما هذا لفظه: و يستحب أن يوجه إلى القبلة .. و نقل في المنتهى 1: 426 عن ابن إدريس القول بالاستحباب، و الظاهر وقوع التصحيف في عبارة السرائر فصار منشأ للخلاف.

______________________________

(1) المقنعة: 73، المراسم: 47، المهذب 1: 53، الوسيلة: 62.

(2) الشرائع 1: 36، المنتهى 1: 426، جامع المقاصد 1: 355.

(3) الذكرى: 37، الدروس 1: 102، الروض: 93.

(4) الحدائق 3: 357، الدرة النجفية: 63، كشف الغطاء: 143.

(5) التهذيب 1: 465- 1521، الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 70

الشعيري «1»، و ابن خالد «2»، لعدم صدق الميت على المحتضر. و استعماله فيه في كثير من الأخبار بقرينة لا يوجب حمله عليه بدونها.

و جعل الأمر قرينة- لعدم القائل بالوجوب بل الإجماع على نفيه بعد الموت- فاسد، إذ لو سلّم الإجماع لم يكن ارتكاب التجوّز في الأمر بحمله على الاستحباب [أدنى ] [1] من ارتكابه في

الموت.

مع أنّ الإجماع المذكور غير ثابت، بل احتمال الوجوب بعد الموت أيضا مما صرّحوا به [2]، بل القول به إلى أن ينقل من موضع موته موجود.

نعم، الظاهر عدم القول بوجوبه بعده أو ندرته حيث ما وضع ما لم يدفن، و لا تدلّ عليه تلك الأخبار أيضا حتى تنافيه. و لا إشعار في قوله في ذيل الأخيرة:

«و كذلك إذا غسل» حيث إنّ المراد منه إرادة التغسيل بالتجوّز المذكور، لمنع إرادة ذلك منه أولا، و عدم إشعار التجوّز في لفظ به في آخر ثانيا، مع أنه لا أمر فيها بالتوجيه إلّا بواسطة تعلّقه بالتسجية المستحبة قطعا، فلا يجب به متبوعه.

و منه يظهر أيضا اختصاصها بما بعد الموت، لاختصاص التسجية به، كما صرّح به بعضهم «3».

بل لمرسلة الفقيه المسندة في العلل، المروية في ثواب الأعمال و الدعائم أيضا المنجبر ضعفها- لو كان- بالشهرة المحكية مستفيضا، المؤيّدة بعمل المسلمين في جميع الأعصار: «دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على رجل من ولد

______________________________

[1] في النسخ: أولى و الظاهر أنه مصحف.

[2] قال في الروض: 93 و هل يسقط الاستقبال بالموت أو يجب دوام الاستقبال به حيث يمكن؟ كلّ محتمل.

______________________________

(1) الكافي 3: 126 الجنائز ب 11 ح 1، التهذيب 1: 285- 833، الوسائل 2: 453 أبواب الاحتضار ب 35 ح 3.

(2) الكافي 3: 127 الجنائز ب 11 ح 3، التهذيب 1: 286- 835، الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 2.

(3) المدارك 2: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 71

عبد المطلب، و هو في السوق، و قد وجّه إلى غير القبلة، فقال: وجّهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة و أقبل اللّه عليه بوجهه» «1».

و

ورودها في شخص خاص لا ينافي التعميم، للاشتراك إجماعا، مع إشعار التعليل فيها، بل دلالته على العموم و القول بإشعاره بالاستحباب أيضا ضعيف غايته، مع أنه لو كان لا يترك به ظاهر الأمر.

و يؤكّده أيضا المروي في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: «من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر» «2».

خلافا للمعتبر، و النافع، و المدارك، و الذخيرة، و الكفاية «3»- و عزاه في المنتهى «4» إلى السيد، و الخلاف «5»، و ابن إدريس «6»، و في البحار إلى التهذيب [1]، و المبسوط [2]، و المفيد، و السيد، و بعض الأجلّة «7» إلى الجامع، و نهاية الشيخ، و الاقتصاد، و المصباح «8»، و مختصره- للأصل، و ضعف أخبار الوجوب إمّا سندا كالمرسلة، أو دلالة كالبواقي.

و الأصل مندفع بما مرّ. و ضعف المرسلة غير ضائر في الحجية سيما مع

______________________________

[1] بحار الأنوار 78: 331 قال: و ذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف و المبسوط و المفيد و المحقق في المعتبر و السيد إلى الاستحباب، و لم يسند فيه القول إلى التهذيب كما لم نعثر عليه فيه.

[2] المبسوط 1: 174. و لم يصرح فيه بالاستحباب و قد يستفاد من سياق كلامه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 79- 352، علل الشرائع: 297 ب 234، ثواب الأعمال: 231، الدعائم 1:

219، الوسائل 2: 453 أبواب الاحتضار ب 35 ح 6.

(2) الدعائم 1: 219، المستدرك 2: 120 أبواب الاحتضار ب 25 ح 3.

(3) المعتبر 1: 258، النافع: 10، المدارك 53 الذخيرة: 80، الكفاية: 6.

(4) المنتهى 1: 426.

(5) الخلاف 1: 691.

(6) السرائر 1: 158.

(7) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 107

(8) الجامع: 48، النهاية: 30 (و المذكور فيه كما ذكر في المبسوط)،

الاقتصاد: 247، مصباح المتهجد: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 72

انجباره بالشهرة.

و كيفيته- على ما صرّح به الأصحاب و نطقت به الأخبار الواردة في توجيه الميت «1» وجوبا أو استحباب المتّحد كيفيته مع توجيه المحتضر إجماعا- أن يلقى على ظهره و يجعل باطن قدميه إلى القبلة، بحيث لو جلس استقبل.

و الظاهر وجوب إبقائه إلى أن يقبض، للإجماع المركّب بل للاستصحاب.

و في سقوط الوجوب بالموت، أو بقائه بعده في الجملة، أو إلى أن ينقل من موضعه، أو إلى أن يدفن مهما أمكن، احتمالات، أظهرها: الثاني، لعمومات توجيه الميت إلى القبلة. بل الثالث، لأنه المنسبق إلى الذهن منها. و أحوطها:

الرابع.

و لا فرق في وجوب التوجيه في الحالين بين الصغير و الكبير، لإطلاق وجوبه في الميت المستلزم له في المحتضر أيضا، لعدم القول بالفصل بين الصغير و الكبير فيهما.

و منه يظهر الوجوب في المخالف المحكوم بإسلامه أيضا.

و لو اشتبهت القبلة، سقط الوجوب، لعدم إمكان التوجيه في حالة واحدة إلى الأربع، فلا يصلح مقدمة للواجب.

و أما الثاني

فأمور:

و منها: تلقينه، أي تفهيمه الشهادتين و الولاية، بالإجماع و النصوص المستفيضة «2»، بل الإقرار بالأئمة واحدا بعد واحد، كما في مرسلة الكافي «3»

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35.

(2) انظر الوسائل 2: 454 أبواب الاحتضار ب 36.

(3) الكافي 3: الجنائز ب 9 ذيل حديث 6، الوسائل 2: 458 أبواب الاحتضار ب 37 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 73

و الرضوي «1». و كلمات الفرج، كما في الروايات المتكثّرة «2» و هي مشهورة.

نعم زيد على المشهور في بعض الروايات «و ما تحتهن» قبل «رب العرش العظيم» و «سلام على المرسلين» «3» بعده. و في بعضها زيد الأخير خاصة «4».

و

العمل بالكلّ حسن و ينبغي للمحتضر المتابعة في التلفظ، لاستفاضة النصوص. فيتبعه بالقلب و اللسان. و لو اعتقل لسانه، اقتصر على القلب ليحصل [1] التلقين.

و يكرّر الثلاثة حتى ينقطع كلامه، لمرسلة الكافي. و يجعل آخر كلامه كلمة التوحيد، لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ من كان آخر كلامه لا إله إلّا اللّه دخل الجنة» «5» و يستحب أيضا أن يقول: «يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير، اقبل مني اليسير، و اعف عنّي الكثير، إنك أنت العفو الغفور» لمرسلة الفقيه «6».

و أن يقول: «اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك، و اقبل مني اليسير من طاعتك» لرواية سالم «7» و أن يقرأ سورة الجحد، للمروي في دعوات الراوندي «8».

و يكرّر قول: «اللهم ارحمني فإنك كريم، اللهم ارحمني فإنك رحيم» للمروي فيها أيضا «9»

______________________________

[1] في «ق» لتحصيل.

______________________________

(1) فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 121 أبواب الاحتضار ب 26 ح 3.

(2) انظر الوسائل 2: 459 أبواب الاحتضار ب 38.

(3) كما في مرسلة الفقيه 1: 77- 346.

(4) كما في فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 128 أبواب الاحتضار ب 28 ح 2.

(5) الفقيه 1: 78- 348، الوسائل 2: 455 أبواب الاحتضار ب 36 ح 6.

(6) الفقيه 1: 78- 350، الوسائل 2: 462 أبواب الاحتضار ب 39 ح 3.

(7) الكافي 3: 124 الجنائز ب 9 ح 10، الوسائل 2: 461 أبواب الاحتضار ب 39 ح 1.

(8) الدعوات: 249، 250.

(9) المستدرك 2: 133 أبواب الاحتضار ب 29 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 74

و منها: قراءة القرآن عنده قبل خروج روحه و بعده، للتبرك، و الاستدفاع، و ذكر الأصحاب «1». و في اللوامع أسنده إلى الرضوي،

و المذكور فيه إحضار القرآن عند المحتضر [1]، فهو مستحب آخر.

و خصوص سورة «و الصافّات» قبله، لخبر الجعفري، و فيه: «قم يا بني اقرأ عند رأس أخيك و الصافّات صفّا حتى تستتمها» «2» قيل: و في الأمر بالإتمام دلالة على القراءة بعد الموت أيضا «3». و فيه نظر.

و «يس» في الحالتين، للمروي في دعوات الراوندي: «ما قرئت يس عند ميت إلّا خفف اللّه عنه تلك الساعة» «4».

و المنقول في شرح القواعد للهندي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من قرأ سورة يس و هو في سكرات الموت أو قرئت عنده، جاء رضوان خازن الجنة بشربة» «5» الحديث.

و المنقول فيه أيضا عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أيّما مسلم قرئ عنده- إذا نزل به ملك الموت- سورة يس نزل بكلّ حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا يصلّون عليه» «6» الحديث.

و قول: «اللهم أخرجه إلى رضى منك و رضوان، اللهم اغفر له ذنبه، جلّ ثناء وجهك». و آية الكرسي ثمَّ آية السخرة [2]، ثمَّ ثلاث آيات من آخر البقرة، ثمَ

______________________________

[1] فقه الرضا: 181 و فيه: «فإذا حضر أحدهم الوفاة فاحضروا عنده بالقرآن و ذكر اللّه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

[2] الأعراف: 54، و في المصدر: ثمَّ تقرأ آية السخرة إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ إلى قوله إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ .

______________________________

(1) المعتبر 1: 260 التذكرة 1: 39، الذكرى: 38.

(2) الكافي 3: 126 الجنائز ب 10 ح 5، التهذيب 1: 427- 1358، الوسائل 2: 465 أبواب الاحتضار ب 41 ح 1.

(3) قاله في الرياض 1: 52.

(4) الدعوات: 215، المستدرك 2: 136، أبواب الاحتضار ب 31 ح

1.

(5) كشف اللثام 1: 106.

(6) كشف اللثام 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 75

سورة الأحزاب في الحالين أيضا، للمروي في دعوات الراوندي.

و رواها في الدعائم أيضا، إلا أنه زاد آيتين بعد آية الكرسي أيضا، و نقص الدعاء بعدها و الأحزاب، و زاد في الآخر قول: «اللهم أخرجها منه إلى رضى منك و رضوان، اللهم لقه البشرى، اللهم اغفر له ذنبه و ارحمه» «1» و منها: أمره بحسن الظن باللّه، و بشارته بلقاء ربّه، كما ورد في أخبار كثيرة «2».

و منها: تغميض عينيه، و شدّ لحيته، و إطباق فيه، و تغطيته بثوب بعد خروج الروح، لنفي الخلاف في المنتهى «3»، و رواية أبي كهمش «4» في الجميع، و موثّقة زرارة «5» في الأوّلين، و صحيحة سليمان، و رواية الجعفري [1] في الأول.

و مدّ يديه إلى جنبيه، و ساقيه، لتصريح الأصحاب «6»، و ليكون أطوع للغسل و أسهل للدرج في الكفن.

و منها: نقله إلى مصلّاه الذي يصلّي فيه أو عليه، لصحيحة ابن سنان: «إذا

______________________________

[1] الذي عثرنا عليه من صحيحة سليمان و رواية الجعفري لا يتعلق بالحكم الأول أي تغميض العينين و إنما هو متعلق بالحكم الأخير أي تغطيته بثوب و عبر عنها في الروايتين بالتسجية، فالصواب تبديل «الأول» في المتن ب «الأخير» و صحيحة سليمان مروية في التهذيب 1: 286- 835، الوسائل 2:

452، أبواب الاحتضار ب 35 ح 2، و رواية الجعفري مروية في التهذيب 1: 427- 1358، الوسائل 2: 465 أبواب الاحتضار ب 41 ح 1.

______________________________

(1) الدعوات: 252، الدعائم 1: 219، المستدرك 2: 156، 157، أبواب الاحتضار ب 39 ح 35، 38.

(2) أنظر الوسائل 2: 448 أبواب الاحتضار ب 31.

(3) المنتهى 1: 427.

(4) التهذيب

1: 289- 842، الوسائل 2: 468 أبواب الاحتضار ب 44 ح 3.

(5) التهذيب 1: 289- 841، الوسائل 2: 468 أبواب الاحتضار ب 44 ح 1.

(6) كما صرح به في المقنعة: 74، و المبسوط 1: 174، و المنتهى 1: 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 76

عسر على الميت موته و نزعه قرب إلى مصلاه الذي كان يصلّي فيه أو عليه» «1».

و حسنة زرارة: «إذا اشتدّ عليه النزع فضعه في مصلّاه الذي كان يصلّي فيه أو عليه» «2» و قريب منها الرضوي «3».

و خبري ذريح، و المرادي، الواردين في تحويل الخدري بعد شدة نزعه «4».

و بها يخصّص الرضوي «5» و موثّقة زرارة «6» الناهيتان عن مسّ المحتضر، و كونه إعانة عليه.

و مقتضى التقييد في تلك الروايات- كعبارات جمع من الأصحاب «7»- اختصاص الاستحباب بصورة اشتداد النزع. فما في بعض كلماتهم «8» من الإطلاق ضعيف. و التسامح في المقام هنا لاتّباع الإطلاق غير مفيد، لمعارضته مع ما مرّ من النهي عن مسّه بالتساوي.

و منها: أن يسرج عنده إن مات ليلا- كما في الشرائع، و النافع، و المنتهى، و القواعد «9»، و عن المراسم، و الوسيلة، و نهاية الشيخ، و التذكرة، و التحرير، و الجامع «10»، بل إن مات نهارا و بقي إلى الليل، كما هو ظاهر المبسوط، و الكافي،

______________________________

(1) الكافي 3: 125 الجنائز ب 10 ح 2، التهذيب 1: 427- 1356، الوسائل 2:

463 أبواب الاحتضار ب 40 ح 1.

(2) الكافي 3: 125 الجنائز ب 10 ح 3، التهذيب 1: 427- 1357، الوسائل 2:

463 أبواب الاحتضار ب 40 ح 2.

(3) فقه الرضا: 165.

(4) الكافي 3: 125 الجنائز ب 10 ح 1 و 4، رجال الكشي 1: 202، 204،

الوسائل 2: 463، 464 أبواب الاحتضار ب 40 ح 3 و 4.

(5) فقه الرضا: 165.

(6) المتقدم مصدرها في ص 75.

(7) كالمبسوط 1: 174، و القواعد 1: 17، و البيان: 67.

(8) كالشرائع 1: 36.

(9) الشرائع 1: 36، النافع: 12، المنتهى 1: 427، القواعد 1: 17.

(10) المراسم: 47، الوسيلة: 62، النهاية: 30، التذكرة 1: 37، التحرير 1: 17، الجامع:

49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 77

و المهذب للقاضي [1]- إلى الصباح، كما في المنتهى «1»، و عن النهاية، و المبسوط، و الإصباح، و الجامع، و التذكرة، و نهاية الإحكام «2».

و الظاهر إرادتهم صورة عدم دفنه إليه، و إلّا لم يكن عنده.

لفتوى هؤلاء الأجلّة و الشهرة المحكية، الكافيتين في المقام، للمسامحة.

لا لما ذكره في المعتبر من أنّه فعل حسن «3»، إذ لا أرى وجها لحسنه.

و لا لرواية عثمان بن عيسى: لمّا قبض الباقر عليه السلام أمر أبو عبد اللّه عليه السلام بالسراج في البيت الذي كان سكنه حتى قبض أبو عبد اللّه عليه السلام، ثمَّ أمر أبو الحسن عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه حتى اخرج به إلى العراق «4»، من جهة أنّ دوام الإسراج يتضمّن الإسراج عنده، أو يقتضيه بالأولوية، لأنه إنّما كان يتم لو ثبت موته عليه السلام في بيت يسكنه لا في خارجه، و هو غير معلوم.

و دعوى ظهور الاتّحاد أو تبادره دعوى غريبة، مع أنه يمكن أن يكون ذلك نوع تعظيم لم يثبت جوازه في حق غير الإمام.

و ممّا ذكر يظهر عدم دلالتها على استحباب الإسراج في بيت مات فيه أيضا إلى الصباح و إن اخرج عنه كما عن المقنعة [2].

نعم، لا بأس بالقول به متابعة له مسامحة.

و منها: تعجيل تجهيزه

إن علم موته، بالإجماع المحقّق، و المحكي في المعتبر،

______________________________

[1] المبسوط 1: 174، الكافي: نقل عنه في كشف اللثام 1: 106، و لم نجده فيه، المهذب 1:

54.

[2] المقنعة: 74 قال: و إن مات ليلا أسرج في البيت مصباح إلى الصباح.

______________________________

(1) المنتهى 1: 427.

(2) النهاية 1: 30، المبسوط 1: 174، الجامع: 49، التذكرة 1: 37، نهاية الاحكام 2: 211.

(3) المعتبر 1: 261.

(4) الكافي 3: 251 الجنائز ب 95 ح 5، التهذيب 1: 289- 843، الوسائل 2: 469 أبواب الاحتضار ب 45 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 78

و التذكرة، و النهاية «1»، و اللوامع، و غيرها، و المستفيضة.

كرواية جابر: «لا ألفينّ رجلا له ميت ليلا فانتظر به الصبح، و لا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس و لا غروبها، عجّلوا بهم إلى مضاجعهم» «2» الحديث.

و رواية السكوني: «إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل إلّا في قبره» «3».

و في خبر عيص: «إذا مات الميت فخذ في جهازه و عجّله» «4».

و في مرسلة الصدوق: «كرامة الميت تعجيله» «5».

بل يقدّم تجهيزه على الصلاة المكتوبة ما لم يضيّق وقتها، لخبر جابر: إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟ فقال: «عجّل بالميّت إلى قبره إلّا أن يخاف فوت وقت الفريضة» «6».

و إن اشتبه موته بسبب من الأسباب، و منها كونه مصعوقا- أي غشي عليه أو صوّت بصوت شديد أو أصيب صاعقة السماء- أو غريقا، أو مبطونا، أو مهدوما، أو مسموما، أو مدخنا، كما نطقت به الأخبار الآتية، أو مغمى عليه، أو أصابه وجع القلب، أو إفراط الرعب، أو الغم، أو الفرح، أو تناول الأدوية المخدرة، كما صرّح به جالينوس،

و قد يشتبه في غير تلك الموارد أيضا. وجب [1]

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    79     و أما الثاني ..... ص : 72

____________________________________________________________

[1] جزاء لقوله: و إن اشتبه ..

______________________________

(1) المعتبر 1: 262، التذكرة 1: 37، نهاية الإحكام 2: 217.

(2) الكافي 3: 137، الجنائز ب 15 ح 1، التهذيب 1: 427- 1359، الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47 ح 1.

(3) الكافي 3: 138 الجنائز ب 15 ح 2، التهذيب 1: 428- 1360، الوسائل 2: 473 أبواب الاحتضار ب 47 ب 5.

(4) التهذيب 1: 433- 1388، الاستبصار 1: 195- 684، الوسائل 2: 473 أبواب الاحتضار ب 47 ح 6.

(5) الفقيه 1: 85- 388، الوسائل 2: 474 أبواب الاحتضار ب 47 ح 7.

(6) التهذيب 3: 320- 995، الاستبصار 1: 469- 1812، الوسائل 2: 473 أبواب الاحتضار ب 47 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 79

الصبر إلى أن يعلم موته بأماراته، تحرّزا عن الإعانة على رفع حياته المستصحبة.

و منها [1]: الريح المنتن، لرواية ابن أبي حمزة و فيها: «ينبغي للغريق و المصعوق أن يتربّص بهما ثلاثة أيام، لا يدفن إلّا أن تجي ء منه ريح دلّ على موته» «1» الحديث.

و منها: مضيّ ثلاثة أيام و عدم ظهور أمارات الحياة، لتصريح الأطبّاء، و لما ذكر، و لغيره من المستفيضة.

كصحيحة هشام: في المصعوق و الغريق، قال: «ينتظر به ثلاثة أيام إلّا أن يتغيّر قبل ذلك» «2». و بمضمونها صحيحة إسحاق «3».

و مرسلة الفقيه: «خمسة ينتظر بهم ثلاثة أيام إلّا أن يتغيّروا: الغريق، و المصعوق، و المبطون، و المهدوم، و المدخن» [2].

و مثلها المروي في الخصال بتبديل المهدوم بالمسموم «4».

و في المروي في الدعائم: في الرجل تصيبه

الصاعقة: «لا يدفن دون ثلاثة أيام إلّا أن يتبيّن موته و يستيقن» «5».

و عدم الأمر بالدفن فيها بعد ثلاثة غير ضائر، لتبادره من الانتظار إليها.

و اختصاصها بالخمسة أو أقلّ يجبر بالإجماع المركّب.

و لا يكفي اليومان و إن ورد في المصعوق في موثّقة الساباطي «6»، و صرّح في المنتهى بكفايته «7». و لا يوم و ليلة و إن روي للغريق [3] في الدعائم «8»، لمعارضتهما

______________________________

[1] أي: و من الأمارات.

[2] الفقيه 1: 96، و المذكور فيه ليس بعنوان الرواية فلاحظ.

[3] في «ه» في الغريق.

______________________________

(1) الكافي 3: 209 الجنائز ب 74 ح 6 التهذيب 1: 338- 991، الوسائل 2: 474 أبواب الاحتضار ب 48 ح 5.

(2) الكافي 3: 210، 209 الجنائز ب 74 ح 1، التهذيب 1: 338- 992،، الوسائل 2: 474، 475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 1.

(3) الكافي 3: 210 الجنائز ب 74 ح 2، التهذيب 1: 338- 990، الوسائل 2: 475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 3.

(4) الخصال 1: 300- 74، الوسائل 2: 474 أبواب الاحتضار ب 48 ذيل ح 2.

(5) دعائم الإسلام 1: 229، المستدرك 2: 142 أبواب الاحتضار ب 37 ح 4.

(6) الكافي 3: 210 الجنائز ب 74 ح 4، الوسائل 2: 475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 4.

(7) المنتهى 1: 427.

(8) دعائم الإسلام 1: 229، المستدرك 2: 142 أبواب الاحتضار ب 37 ذيل ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 80

مع ما مرّ، حيث إنّ الجملة الخبرية في الجميع للوجوب قطعا، لعدم استحباب الانتظار مع عدم الاشتباه إجماعا و نصّا، و وجوبه معه كذلك، و رجحان ما مرّ بالاستصحاب و عمل الأصحاب.

و عدّ جمع [1] من الأمارات: استرخاء قدميه، و انخلاع

كفّيه من ذراعيه، و انخساف صدغيه، و ميل أنفه، و انخلاع جلدة وجهه، و تقلّص أنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة، و زوال النور عن بياض العين، و سوادها.

و زاد جالينوس [2]: الامتحان بنبض عروق بين الأنثيين أو عرق يلي الحالب، و الذكر بعد الغمز الشديد، أو عرق في بطن المنخر، أو تحت اللسان، أو باطن الألية. و آخر: عدم الانطباع في الحدقة.

و لا تنافيها أخبار الانتظار، لأنها مقيّدة بعدم العلم بالموت بأمارة أخرى، و لا ضير في تعدّد الأمارات.

نعم الكلام في حصول العلم بكلّ ممّا ذكر و إن حصل بالجميع أو الأكثر غالبا.

و قد يقال بشمول التغيّر المذكور فيها لتلك الأمارات [3].

و لا بأس به إن أريد الجميع أو الظاهرة منها، إلّا أنّ المتبادر منه التغيّر في الريح كما في خبر ابن أبي حمزة «1».

و منها: إعلام المؤمنين بموته بعد تحقّقه، للنصوص:

منها: صحيحة ابن سنان: «ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته» «2» الحديث.

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في الروض: 95.

[2] كما نقل عنه في الذكرى: 38.

[3] كما احتمله في الحدائق 3: 375.

______________________________

(1) المتقدم في ص 79.

(2) الكافي 3: 166، 167 أبواب الجنائز ب 37 ح 1، 2، 3، التهذيب 1: 452- 1470، الوسائل 3: 59، 60 أبواب صلاة الجنازة ب 1 ح 1، 3، 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 81

و في صحيحة ذريح: الجنازة يؤذن بها الناس؟ قال: «نعم» «1». و قريب منها المرسل «2».

و هي- كما ترى- تعم النداء العام أيضا. فما عن الخلاف من أنه لا نصّ في النداء «3»، إن أراد بالخصوص فكذلك، و إلّا فلا.

و الاولى و إن اختصّت بالأولياء، و الأخيرتان لا تشملان غيرهم أيضا،

لعدم إطلاقهما بالنسبة إلى كل مؤذن إلّا بواسطة أصالة عدم المطلوبية من خاص المندفعة بالأولى، إلّا أنّ عمومات الإعانة على البر الذي هو في المقام ما يترتّب على الحضور من الثواب الجزيل على السنن الموظّفة فيه «4» تكفي في التعميم لغيرهم أيضا.

و لا ينافيه الاختصاص في الأولى، لجواز أفضلية بعض أفراد المستحب، فيكون مستحبا في المستحب.

فما عن الجعفي من كراهة النعي، إلّا أن يرسل صاحب المصيبة إلى من يختص به [1]، ليس بجيّد، مع أنّ مأخذ الكراهة غير معلوم.

و أما الثالث:

[2] [فأن ] [3] يحضره جنب أو حائض، لنقل الإجماع في المعتبر [4]، و الأخبار.

منها: صحيحة ابن أبي حمزة: «لا بأس أن تمرّضه- أي الحائض- فإذا

______________________________

[1] كما نقل عنه في الذكرى: 38.

[2] و هو ما يكره في حال الاحتضار.

[3] في النسخ: «بأن» و ما أثبتناه أنسب.

[4] المعتبر 1: 263 قال: و بكراهة ذلك قال أهل العلم.

______________________________

(1) الكافي 3: 166 أبواب الجنائز ب 37 ح 1 و 2، التهذيب 1: 452- 1470، الوسائل 3: 59، أبواب صلاة الجنازة ب 1 ح 1،.

(2) الكافي 3: 167 أبواب الجنائز ب 37 ح 3، التهذيب 1: 452- 1470، الوسائل 3: 60، أبواب صلاة الجنازة ب 1 ح 4.

(3) الخلاف 1: 731.

(4) انظر الوسائل 3: 141، 145، أبواب الدفن ب 2، 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 82

خافوا عليه و قرب ذلك فلتنحّ عنه، فإن الملائكة تتأذى بذلك» «1».

و المروي في العلل: «لا يحضر الحائض و الجنب عند التلقين، فإن الملائكة تتأذّى بهما» «2».

و مقتضى التعليل و ظاهر إطلاق الأخير: الشمول لتلقين الاحتضار و الدفن.

و يدلّ على خصوص الأول: الرضوي: «و لا تحضر الحائض و لا الجنب عند التلقين، فإنّ الملائكة

تتأذّى بهما، و لا بأس بأن يليا غسله، و يصلّيا عليه، و لا ينزلا قبره، فإن حضرا و لم يجدا من ذلك بدّا فليخرجا إذا قرب خروج نفسه» «3».

و على الثاني: رواية يونس: «لا تحضر الحائض الميت، و لا الجنب عند التلقين، و لا بأس أن يليا غسله» «4».

و المروي في الخصال: «و لا يجوز للمرأة الحائض و لا الجنب الحضور عند تلقين الميت، لأنّ الملائكة تتأذّى بهما و لا يجوز لهما إدخال الميّت قبره» «5».

و نفي الجواز في الأخير محمول على تأكّد الكراهة، لضعف الرواية بمخالفتها عمل جلّ الطائفة، و إن أفتى بهذه العبارة في الفقيه، و المقنع، و الهداية «6»، و لكنه لا يخرجها عن الشذوذ، بل لا ينافي ما هو الظاهر من انعقاد الإجماع على نفي الحرمة، و لأجله يحمل الأمر في الصحيح و الرضوي على الاستحباب أيضا، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

و مقتضى الأصل: زوال الكراهة بالموت. و لا يعارضه الاستصحاب،

______________________________

(1) الكافي 3: 138، الجنائز ب 17 ح 1، التهذيب 1: 428- 1361، الوسائل 2: 467 أبواب الاحتضار ب 43 ح 1.

(2) علل الشرائع: 298 ب 236، الوسائل 2: 467 أبواب الاحتضار ب 43 ح 3.

(3) فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 138 أبواب الاحتضار ب 33 ح 3.

(4) التهذيب 1: 428- 1362، الوسائل 2: 467 أبواب الاحتضار ب 43 ح 2.

(5) الخصال: 586 أبواب السبعين و ما فوقه.

(6) الفقيه 1: 51، المقنع: 17، الهداية: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 83

لاختصاص الروايات بحال القرب من الموت أو التلقين. و لكن المستفاد من تأذّي الملائكة المطلوب حضور أهل الرحمة منهم بعد الموت أيضا بقاؤها بعده، كما احتمله في البحار، فتأمل.

و

هل تزول في الحالين بانقطاع الدم عن الحائض قبل الغسل، أو بالتيمّم بدل الغسل عند تعذّره عنهما؟ فيه إشكال، و مقتضى صدق الاسم و الاستصحاب العدم.

و أن يترك وحده، لرواية أبي خديجة: «ليس من ميت يموت و يترك وحده إلّا لعب الشيطان في جوفه» «1».

و مرسلة الصدوق: «لا تدعنّ ميتك وحده، فإنّ الشيطان يعبث به في جوفه» «2».

و قريب منهما الرضوي «3»، و المروي في العلل [1].

و حمله في البحار على حالة الاحتضار، و عبث الشيطان على وسوسته و إضلاله «4».

و لا داعي له، بل إبقاؤه على ظاهره ممكن، كما نقل أنه ترك ميت وحده ليلا إلى الصباح فوجدوه قد جفّ بعض أعضائه.

و سمعت من ثقة أنه غسّل ميت و كفن في أول الليل و ترك في بيت وحده و أغلق الباب عليه ليدفن في النهار، فإذا أصبحوا و فتحوا الباب، وجدوه يدور في البيت ميتا، فإذا دخلوه و أخذوا في قراءة القرآن وقع على الأرض.

______________________________

[1] علل الشرائع: 307 ب 256 و فيه: قال أبي رحمه اللّه في رسالته إلى: لا يترك الميت وحده ..

______________________________

(1) الكافي 3: 138، الجنائز ب 16 ح 1، التهذيب 1: 290- 844، الوسائل 2: 466 أبواب الاحتضار ب 42 ح 1.

(2) الفقيه 1: 86- 399، الوسائل 2: 466 أبواب الاحتضار ب 42 ح 2.

(3) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 137 أبواب الاحتضار ب 32 ح 1.

(4) بحار الأنوار 78: 230.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 84

فائدة: ما مرّ من أحكام الاحتضار و التجهيز الواجبة و المندوبة، بل أحكام الميت بأسرها فرض أو ندب كفاية تعلّق الغرض بإدخالها في الوجود، و لم تطلب من كلّ واحد بعينه، و لا من

واحد كذلك.

و الدليل عليه بعد الإجماع المحقّق و المحكي من غير واحد [1]: عموم خطابات أحكامه أو إطلاقها من غير تخصيص أحدهما. و التخصيص في البعض- كما يأتي- لا يفيد أزيد من الأولوية، و لو أفاده لاختص بما أفاده، و لا يسري إلى سائر أحكامه. و من سقوطها بفعل البعض بالضرورة الدينية تنتفي العينية، و تثبت الكفائية.

و توهّم الاختصاص بالولي إلّا مع عدمه أو عدم تمكّنه أو إخلاله مع فقد من يجبره، نظرا إلى تخصيصه بالخطاب في بعض الأخبار- كبعض مشايخنا «1»- ضعيف، و لو سلّم لاختص بمورده.

نعم، الظاهر أولوية الولي أو من يأذن له في جميع أحكامه بمعنى أفضلية قيامه بها، كما عن النهاية، و المبسوط، و المهذّب، و الوسيلة «2»، و المعتبر، و الجامع- فيما عدا التلقين الأخير- و القواعد «3»، لفتوى هؤلاء، و إن خالف بعض في بعض الأحكام، كما يأتي كلّ في مورده.

ثمَّ الظاهر أنّ المعتبر في السقوط عمّن علم بالموت حصول العلم بقيام الغير به و لو بالقرائن الحالية، دون الظنّ، وفاقا للمدارك «4»، و جدّه «5» و أكثر الثالثة [2]، لأنّ التحقيق أنّ الخطاب الكفائي خطاب عيني متعلّق بكلّ واحد مشروط بعدم

______________________________

[1] كما حكاه في المعتبر 1: 264، و التذكرة 1: 38.

[2] منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 79، و الفاضل البحراني في الحدائق 3: 359.

______________________________

(1) الحدائق 3: 359.

(2) النهاية: 143، المبسوط 1: 174، المهذب 1: 62، الوسيلة 63.

(3) المعتبر 1: 264، الجامع: 50، القواعد 1: 17.

(4) المدارك 2: 55.

(5) الشهيد الثاني في روض الجنان: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 85

قيام الغير به، و الشرط- كما يقتضيه أصالة عدم قيام الغير، و استصحاب بقاء الخطاب، و قاعدة وجوب

الإطاعة- هو: عدم العلم بقيام الغير، فما لم يعلم لم يسقط، إلّا إذا ثبت اعتبار ظنّ، و هو في المقام غير ثابت و لو كان حاصلا من شهادة العدلين.

خلافا لجمع، منهم: الفاضل [1]، تمسّكا بامتناع تحصيل العلم بفعل الغير في المستقبل.

و يضعّف: بعدم تضيّق المطلوب في المورد حتى يجب تحصيل العلم أوّلا بقيام الغير، بل موسّع يكفي حصوله بعد بالمشاهدة أو إخبار جماعة. مع أنه يمكن حصوله ابتداء أيضا بالعلم بطريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار، فإنّ الظاهر حصول العلم العادي في غالب البلاد الإسلامية بقيام جماعة بذلك، و إن لم يشاهد و لم يخبر به، فلا يجب في كلّ بلد في كل ميت حضور الجميع.

نعم، يمكن عدم حصوله لبعض الأشخاص في بعض الأموات في بعض الأماكن، فيجب على مثله الحضور للقيام بالواجبات، و يستحب للمستحبات.

______________________________

[1] في نهايته (في الأصول) على ما نقله في هداية المسترشدين: 273، و ذهب إليه المحقق في المعارج:

75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 86

البحث الثاني: في التغسيل.
اشارة

و الكلام فيه إمّا في الغاسل، أو المغسول، أو الغسل، فهاهنا ثلاثة فصول:

الفصل الأول: في الغاسل.

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: غسل الميت فرض كفائي، فيجب على كلّ مكلّف بشرط عدم قيام الغير به، على ما هو المحقّق [1] في معنى الكفائي.

أمّا وجوبه: فبالضرورة و الأخبار المتكثّرة المعصومية.

و أمّا عدم تعيينه [2] على أحد: فللإجماع المحقّق و المحكي في كلام جماعة، منهم: المنتهى [3]، و اللوامع، و الأصل و الإطلاقات.

ففي رواية سعد الإسكاف: «أيّما مؤمن غسّل مؤمنا فقال إذا قلّبه- إلى أن قال-: إلّا غفر اللّه له ذنوب سنة إلّا الكبائر» «1».

و في رواية سعد بن طريف: «أيّما مؤمن غسّل مؤمنا فأدّى فيه الأمانة غفر له» «2».

و في الرضوي: «تجهيز الميت فرض واجب على الحي» «3» إلى غير ذلك.

______________________________

[1] في «ه»: التحقيق.

[2] في «ق»: تعينه.

[3] المنتهى 1: 427 قال: و هو فرض على الكفاية إذا قام به سقط عن الباقين بلا خلاف بين أهل العلم.

______________________________

(1) الكافي 3: 164، الجنائز ب 33 ح 1، التهذيب 1: 303- 884، ثواب الأعمال: 232- 1، الأمالي: 434- 3، الوسائل 2: 494 أبواب غسل الميت ب 7 ح 1.

(2) الكافي 3: 164، الجنائز ب 33 ح 2، التهذيب 1: 450- 1460، الوسائل 2: 495 أبواب غسل الميت ب 8 ح 1.

(3) فقه الرضا: 181، المستدرك 2: 165 أبواب غسل الميت ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 87

و أمّا كفائيته: فلعدم مطلوبية غير واحد منها بديهة، و للإجماعين، بل الضرورة.

نعم أولى الناس بالميت أو من يأمره أولى بغسله، وفاقا لمن جعله أولى بجميع أحكامه عموما «1»، و للهداية، و الشرائع، و القواعد، و المنتهى «2» في خصوص الغسل أيضا، لمرسلة الفقيه

و رواية غياث: «يغسّل الميت أولى الناس به» «3».

و زاد في الأولى: «أو من يأمره الولي بذلك».

و خلافا لظاهر من لم يذكر الغسل أو ما يعمه في الأولوية كالمقنعة و الخلاف، فلم يذكراها إلّا في الصلاة. و المراسم، و جمل السيد «4»، و الإصباح، فزادوا عليها نزول القبر. و جمل الشيخ، و النافع، و التلخيص، و التبصرة «5»، فزادوا عليها التلقين الأخير. و الاقتصاد و المصباح، و مختصره، و نهاية الإحكام «6»، فلم يذكروا إلّا الثلاثة. و الكافي «7»، فلم يذكر أولوية أصلا، و لعلّه لضعف الروايتين، الممنوع، و لو سلّم فلا يضرّ في إثبات الاستحباب.

ثمَّ الأولوية هنا بمعنى الأفضلية، فلو فعله غيره و لو بدون إذنه بل مع منعه لم يرتكب حراما، و لا ترك واجبا، و كان الغسل صحيحا، إلّا أنه ترك الأفضل، لعدم دلالة الروايتين على الأزيد من الرجحان، لا بمعنى وجوب تقديمه و إن

______________________________

(1) تقدم ذكرهم في ص 84.

(2) الهداية: 23، الشرائع 1: 37، القواعد 1: 27، المنتهى 1: 428.

(3) الفقيه 1: 86- 394، التهذيب 1: 431- 1376، الوسائل 2: 535 أبواب غسل الميت ب 26 ح 1، 2.

(4) المقنعة: 232، الخلاف 1: 719، المراسم: 51، 80، جمل العلم و العمل: (رسائل المرتضى 3): 51، 52.

(5) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 167، 194، النافع: 14، التبصرة: 14.

(6) الاقتصاد: 250، مصباح المتهجد: 21، نهاية الإحكام 2: 255، 275، 279.

(7) الكافي للحلبي: 134، 156، 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 88

صح لو فعله غيره، حيث إنّ الواجب خارج عن حقيقة الفعل، و ليس جزءا له و لا شرطه، و لا بمعنى وجوبه مع عدم صحته عن الغير بدون إذنه. للأصل، و عدم

الدليل، مع منافاته لما مرّ من العمومات و الإطلاقات.

و المراد بأولى الناس به أولاهم بميراثه، كما عليه ظاهر الإجماع في شرح القواعد للكركي «1»، و صريحه في اللوامع، و نفي الخلاف في الحدائق في المسألة «2»، و النسبة إلى علمائنا في المنتهى «3» و غيره «4» في الأولى بالصلاة عليه المتّحد معه في المقام إجماعا. و إليه يرشد تتبّع الأخبار كما يظهر لك مع سائر ما يتعلّق بذلك في صلاة الميت، مع أنّ كلّ ما فسّر به الأولى بل يصحّ أن يفسّر يتحقّق في الأولى بالميراث، فأولويته قطعية.

و المراد بتقديم الأولى بالميراث أنّ من يرث أولى ممّن لا يرث، كالطبقة الثانية مع وجود أحد من الاولى، و الثالثة مع أحد من الثانية و هكذا. فإن انحصر أهل المتقدمة بواحد اختص به، و إلّا فقالوا: الذكر أولى من الأنثى، و الأب من الابن، و هو من غيره، و يعلم تفصيل المقام في بحث الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّ الزوج أولى بزوجته من جميع الأقارب في جميع الأحكام، بالإجماع المحقّق، و المحكي [1] مستفيضا، لموثّقة إسحاق: «الزوج أحقّ بالمرأة حتى يضعها في قبرها» «5».

و خبر أبي بصير: المرأة تموت من أحقّ بالصلاة عليها؟ قال: «زوجها» قلت:

______________________________

[1] المعتبر 1: 264 قال- بعد ذكر رواية إسحاق-: مضمون الرواية متفق عليه، و قال في الحدائق 3: 381 الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن الزوج أولى بزوجته في جميع الأحكام.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 359.

(2) الحدائق 3: 377.

(3) المنتهى 1: 450.

(4) كالتذكرة 1: 47.

(5) الكافي 3: 194، الجنائز ب 63 ح 6، التهذيب 1: 325- 949، الوسائل 2: 531 أبواب غسل الميت ب 24 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 3، ص: 89

الزوج أحقّ من الأب و الولد و الأخ؟ قال: «نعم، و يغسّلها» «1».

و ما يخالفه بإثبات أولوية الأخ عليه في الصلاة من الأخبار «2» شاذّ متروك، فلا يعارض ما مرّ، مع أنّها للعامّة موافقة [1]، كما ذكره شيخ الطائفة «3» و غيره، فعلى التقية محمولة.

و ظاهر الأصل و اختصاص المستند بالزوج اختصاص الحكم به، دون الزوجة، كما صرّح به جماعة [2].

و فيه قول بإلحاقها به لوجه ضعيف [3].

و لا فرق بين الدائم و المتمتّع بها، و لا بين الحرّة و المملوكة، لإطلاق النص.

و إن كان في إطلاق الزوج بالنسبة إلى المتمتّع بها حقيقة كلام.

الثانية: يشترط في غير المحارم و الصبي و الصبية المماثلة في الذكورة و الأنوثة بين الغاسل و المغسول. فمع فقده يسقط الغسل على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع عن المعتبر و التذكرة «4»، و عن الخلاف أيضا في السقوط عن المرأة «5»، و إليه ذهب الصدوقان، و نقله في الفقيه عن شيخه محمد بن الحسن «6»، و هو ظاهر

______________________________

[1] نقل ابن قدامة في المغني 2: 364 عن أبي حنيفة و مالك و الشافعي و سعيد بن المسيب و الزهري .. تقديم العصبة على الزوج.

[2] منهم الشهيد الثاني في الروض: 311 و المحقق السبزواري في الذخيرة: 312.

[3] قال في الروض: 311: ذهب بعض الأصحاب إلى مساواتهما لشمول اسم الزوج لهما قال اللّه تعالى وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ .

______________________________

(1) الكافي 3: 177، الجنائز ب 48 ح 2، الفقيه 1: 102- 474، التهذيب 3: 205- 484، الاستبصار 1: 486- 1883، الوسائل 3: 115 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 2.

(2) أنظر الوسائل 3: 116 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 4، 5.

(3) التهذيب

3: 205.

(4) المعتبر 1: 324، التذكرة 1: 39.

(5) الخلاف 1: 698.

(6) الفقيه 1: 94- 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 90

الكليني [1]، و المحكي عن النهاية، و المبسوط، و الخلاف، و المهذّب، و الجامع «1»، و الوسيلة، و الشرائع، و الإصباح، و القواعد، و المنتهى، و التذكرة «2»، و اختاره عامّة المتأخّرين، للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

كصحيحة الحلبي: عن المرأة تموت في السفر و ليس معها ذو محرم و لا نساء، قال: «تدفن كما هي بثيابها» و عن الرجل يموت و ليس معه ذو محرم و لا رجال، قال: «يدفن كما هو بثيابه» «3» و نحوها الرضوي «4».

و صحيحة ابن أبي يعفور: عن الرجل يموت في السفر مع النساء ليس معهن رجل، كيف يصنعن به؟ قال: «يلفّفنه لفّا في ثيابه و يدفنه و لا يغسّلنه» «5».

و البصري: عن امرأة ماتت مع رجال، قال: «تلفّ و تدفن و لا تغسل» «6».

و الكناني: في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلّا النساء، قال:

«يدفن و لا يغسّل، و المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن و لا تغسل إلّا أن يكون زوجها معها، فإن كان زوجها معها غسّلها من فوق الدرع» «7».

و قريب منها خبر ابن سرحان، و زاد فيه: «و بسكب عليها الماء سكبا،

______________________________

[1] لنقله الروايات الدالة على سقوط الغسل. أنظر الكافي 3: 158 الجنائز ب 29.

______________________________

(1) النهاية: 42، المبسوط 1: 275، الخلاف 1: 698، المهذب 1: 56، الجامع: 50.

(2) الوسيلة: 63، 64، الشرائع 1: 37، القواعد 1: 17، المنتهى 1: 436، التذكرة 1: 39.

(3) الفقيه 1: 94- 430- بتفاوت يسير- التهذيب 1: 440- 1423، الاستبصار 1: 200- 706، الوسائل 2: 520 أبواب

غسل الميت ب 21 ح 1.

(4) فقه الرضا: 188، المستدرك 2: 183 أبواب غسل الميت ب 19 ح 1.

(5) الفقيه 1: 94- 429، التهذيب 1: 441- 1424، الاستبصار 1: 201- 707، الوسائل 2:

521 أبواب غسل الميت ب 21 ح 2.

(6) التهذيب 1: 441- 1425، الاستبصار 1: 201- 708، الوسائل 2: 521 أبواب غسل الميت ب 21 ح 3.

(7) التهذيب 1: 438- 1414، الاستبصار 1: 197- 693، الوسائل 2: 532 أبواب غسل الميت ب 24 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 91

و لتغسله امرأته إذا مات» [1].

و موثّقة سماعة: عن رجل مات و ليس عنده إلّا النساء، قال: «تغسّله امرأة ذات محرم منه و تصبّ النساء عليه الماء و لا يخلع ثوبه، و إن كانت امرأة ماتت مع رجال و ليس معها امرأة و لا محرم لها فلتدفن كما هي في ثيابها، و إن كان معها ذو محرم لها غسلها من فوق ثيابها» «1».

و خبر الشحام: عن امرأة ماتت و هي في موضع ليس معهم امرأة غيرها، قال: «إن لم يكن فيهم لها زوج و لا ذو رحم دفنوها بثيابها و لا يغسّلونها، و إن كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسّلها من غير أن ينظر إلى عورتها» و عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهن رجل، فقال: «إن لم تكن له معهنّ امرأة فليدفن في ثيابه و لا يغسّل، و إن كان له فيهنّ امرأة فليغسّل في قميص من غير أن ينظر إلى عورته» «2».

و المروي في الدعائم: في الرجل يموت بين النساء لا محرم له منهن، و المرأة كذلك تموت بين الرجال فلا يوجد من يغسّلهما، قال: «يدفنان بغير

غسل» «3».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار الآمرة بغسل موضع الوضوء خاصة، كخبر أبي بصير «4». أو كفّيها كذلك، كخبري جابر «5» و ابن فرقد «6». أو موضع التيمّم،

______________________________

[1] الكافي 3: 158، الجنائز ب 29 ح 7، التهذيب 1: 343- 1003، الاستبصار 1: 197- 694 الوسائل 2: 531 أبواب غسل الميت ب 24 ح 7، و لا يخفى أن الزيادة موجودة في رواية الكناني أيضا.

______________________________

(1) الفقيه 1: 94- 434، التهذيب 1: 444- 1435، الاستبصار 1: 204- 720، الوسائل 2:

519 أبواب غسل الميت ب 20 ح 9.

(2) التهذيب 1: 443- 1423، الاستبصار 1: 203- 717، الوسائل 2: 518 أبواب غسل الميت ب 20 ح 7.

(3) دعائم الإسلام 1: 229، المستدرك 2: 183 أبواب غسل الميت ب 19 ح 2.

(4) التهذيب 1: 443- 1430، الاستبصار 1: 203- 715، الوسائل 2:

525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 6.

(5) التهذيب 1: 443- 1431، الاستبصار 1: 203- 716، الوسائل 2:

525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 8.

(6) الكافي 3: 158، الجنائز ب 29 ح 9، التهذيب 1: 442- 1428، الاستبصار 1:

202- 713، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 92

كرواية المفضّل «1»، حيث إنّ هذه الأمور غير الغسل، فالأمر بها دون الغسل مع كونه موضع البيان يدلّ على سقوطه، بل في رواية داود [1] تصريح به.

و أمّا هذه الأمور فليس شي ء منها واجبا، للإجماع، و خلوّ الروايات عن الدالّ على الوجوب.

نعم، يحتمل استحبابها، بل هو الأظهر كما يظهر من التهذيبين [2] و عن المبسوط [3]. و لا تنافيه حرمة النظر، لسهولتها بدونه.

و هل يستحب الغسل بصب الماء من فوق الثياب أم لا؟

ظاهر المعظم:

الثاني. و هو كذلك، للأصل، و ظهور الروايات في مطلوبية ترك الغسل، بل صراحة خبر ابن فرقد، و رواية زيد بن علي «2» فيها، حيث رتّب في الأول على الغسل الدخل عليهم أي العيب، و أنكر في الثاني ترك التيمّم الدالّ على رجحانه الغير المجتمع مع الغسل إجماعا.

و ظاهر الاستبصار، و موضع من التهذيب [4]، و محتمل كلام ابن زهرة، و الحلبي [5]: استحبابه، لرواية زيد بن علي: «إذا مات الرجل في السفر مع النساء»

______________________________

[1] و هي رواية ابن فرقد المتقدمة آنفا.

[2] التهذيب 1: 442، 443، الاستبصار 1: 203، و لكن الموجود في الأول هو الجواز نعم صرّح في الثاني بالاستحباب.

[3] المبسوط 1: 175 و فيه: و قد رويت في أنه يجوز لهم أن يغسلوا محاسنها يديها و وجهها ..

[4] الاستبصار 1: 204، التهذيب 1: 442، قال: لأن الوجه في هذين الخبرين (يعني خبر زيد و جابر) على ضرب من الاستحباب.

[5] انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 563، قال في كشف اللثام 1: 111 و يحتمله كلام الحلبيين و لم نعثر عليه في الكافي لأبي الصلاح.

______________________________

(1) الكافي 3: 159، الجنائز ب 29 ح 13، الفقيه 1: 95- 438، التهذيب 1: 342- 1002، الاستبصار 1: 202- 714، الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22 ح 1.

(2) التهذيب 1: 443- 1433، الاستبصار 1: 203- 718، الوسائل 2: 524 أبواب غسل الميت ب 22 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 93

ليس فيهنّ امرأته و لا ذو محرم يؤزرنه إلى الركبتين و يصببن عليه الماء صبا» «1» الحديث.

و رواية أبي سعيد: «إذا ماتت المرأة مع قوم ليس فيهم لها محرم يصبون عليها الماء صبا» و رجل مات

مع نسوة ليس فيهنّ له محرم، فقال أبو حنيفة: يصببن الماء عليه صبا، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «بل يحل لهن أن يمسسن منه ما كان يحل لهن أن ينظرن منه إليه و هو حي، فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر إليه و لا مسّه و هو حي صببن الماء عليه صبا» «2».

و رواية جابر: في رجل مات و معه نسوة و ليس معهنّ رجل، قال: «يصببن الماء من خلف الثوب و يلفّفنه في أكفانه من تحت الستر و يصلّين عليه صفا و يدخلنه قبره» و المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة قال: «يصبّون الماء من خلف الثوب و يلفّونها في أكفانها و يصلّون و يدفنون» «3».

و يجاب عنها: بمعارضتها مع ما مرّ، فيرجع إلى الأصل، مع أنّها موافقة للعامة [1]، كما تصرّح به الرواية الثانية، فبها تخرج عن صلاحية المعارضة و تحمل على التقية.

مضافا إلى أنّ صب الماء ليس صريحا و لا ظاهرا في الغسل، فإرادة الصبّ على أحد المواضع المتقدمة أو زائدا عليه من دون تحقق الغسل ممكنة.

و ممّا ذكر يظهر ضعف الاستدلال بتلك الأخبار على وجوب التغسيل من

______________________________

[1] نقله في المغني 2: 396 عن الحسن و إسحاق و في بداية المجتهد 1: 227 عن قوم.

______________________________

(1) التهذيب 1: 441- 1426، الاستبصار 1: 201- 711، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت ب 22 ح 3.

(2) التهذيب 1: 342- 1001، الاستبصار 1: 204- 721، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 10.

(3) التهذيب 1: 442- 1427، الاستبصار 1: 202- 712، الوسائل 2: 524 أبواب غسل الميت ب 22 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 94

وراء الثياب، كما

عن المفيد [1] و موضع من التهذيب «1». أو مع تغميض العينين، كما عن ظاهر الحلبي [2]، و جعله ابن زهرة الأحوط «2».

مضافا إلى خلوّها عن الدالّ على الوجوب، مع كون الأخيرة عامة بالنسبة إلى وجود ذات المحارم و عدمها فيجب تخصيصها.

و منه يظهر سقوط الاستدلال بروايتي الثمالي و ابن سنان:

الاولى: «لا يغسّل الرجل المرأة إلّا أن لا توجد امرأة» «3».

و الثانية: «المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسّلها غسّلها بعض الرجال من وراء الثوب، و يستحب أن يلفّ على يديه خرقة» «4». بل في ذيل الثانية إشعار باختصاصه بالمحارم.

ثمَّ الظاهر- كما صرّح به الشيخ في المبسوط، و النهاية، و الخلاف «5»، و المحقّق، و الفاضل في النهاية و التذكرة «6»- سقوط- التيمّم أيضا، بل نسب نفيه في الأخير إلى علمائنا، و جعله في الأول في المرأة المذهب، للأصل، و خلوّ غير رواية زيد «7» عنه، مع كون المقام مقام البيان، و أمّا هي فمع عدم دلالتها على الوجوب شاذة غير ناهضة لدفع الأصل، مع أنّه نقل في المنتهى وجوب التيمّم عن مالك

______________________________

[1] نقله عنه في الرياض 1: 69 و لم نعثر عليه في المقنعة.

[2] نقله عنه في كشف اللثام 1: 111 و لم نعثر عليه في الكافي.

______________________________

(1) التهذيب 1: 343.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(3) التهذيب 1: 440- 1421، الاستبصار 1: 199- 702، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 7.

(4) التهذيب 1: 444- 1434، الاستبصار 1: 204- 719، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 9.

(5) المبسوط 1: 175، النهاية 1: 42، الخلاف 1: 698.

(6) المعتبر 1: 325، نهاية الاحكام 2: 232، التذكرة 1: 39.

(7) المتقدمة في ص

92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 95

و أبي حنيفة و الشافعي في أحد الوجهين «1».

الثالثة: لا خلاف- كما في المنتهى «2» و غيره- في جواز تغسيل كلّ من الزوجين الآخر في حال الاضطرار، و يدلّ عليه ما يأتي و بعض ما مرّ من الأخبار «3».

و إنّما الخلاف في الاختيار، فالأظهر الأشهر- كما صرّح به في التذكرة، و المنتهى، و نهاية الإحكام، و الكركي «4»، و غيرهم «5» ممن تأخّر- الجواز، و هو المحكي عن السيد، و الإسكافي، و الجعفي «6»، و المراسم، و السرائر، و الإشارة، و المعتبر «7»، و في القواعد، و المنتهى، و ظاهر المبسوط، و الخلاف، و النافع «8».

للأصل، و العمومات، و ما دلّ على تغسيل أولى الناس و أنّ الزوج أولى بزوجته.

و صحيحة محمد: عن الرجل يغسّل امرأته؟ قال: «نعم من وراء الثوب» «9».

و مثلها حسنته إلّا أنّ بعد قوله: «نعم»: «إنّما يمنعها أهلها تعصّبا» «10».

و موثّقة سماعة: عن المرأة إذا ماتت، فقال: «يدخل زوجها يده من تحت

______________________________

(1) المنتهى 1: 437.

(2) المنتهى 1: 437.

(3) انظر ص 91.

(4) التذكرة 1: 39، المنتهى 1: 436، نهاية الإحكام 2: 229، جامع المقاصد 1: 360.

(5) كالروض: 96.

(6) حكى عنهم في الذكرى: 38.

(7) المراسم: 50، السرائر 1: 168، إشارة السبق: 77، قال بجوازه عند الاضطرار، المعتبر 1: 320.

(8) القواعد 1: 17، المنتهى 1: 436، المبسوط 1: 175، الخلاف 1: 698، النافع: 15.

(9) الكافي 3: 157 أبواب الجنائز ب 29 ح 3، التهذيب 1: 438- 1411، الاستبصار 196- 690، الوسائل 2: 529 أبواب غسل الميت ب 24 ح 2.

(10) الكافي 3: 158 أبواب الجنائز ب 29 ح 11، التهذيب 1: 439- 1419، الاستبصار 1:

199- 700، الوسائل

2: 529 أبواب غسل الميت ب 24 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 96

قميصها إلى المرافق فيغسلها» «1».

و صحيحة منصور: عن الرجل يخرج في السفر و معه امرأته فتموت يغسّلها؟

قال: «نعم و امّه و أخته و نحو هذا، يلقي على عورتها خرقة» «2».

و صحيحة الحلبي عن الرجل يغسّل امرأته؟ قال: «نعم من وراء الثياب لا ينظر إلى شعرها و لا إلى شي ء منها، و المرأة تغسّل زوجها» «3».

و أمّا صحيحة زرارة: في الرجل يموت و ليس معه إلّا نساء، قال: «تغسّله امرأته لأنّها منه في عدّة، و إذا ماتت لم يغسّلها لأنّه ليس منها في عدّة» «4» فلا تصلح لمعارضة ما مرّ، لمخالفتها للعمل من حيث الفصل بين الزوج و الزوجة. و ضمّ عدم الفصل مع الجزء الآخر ليس بأولى من ضمّه مع الأول.

مضافا إلى كون هذا الفرق محكيا عن الحنفية مطلقا و عن أحد قولي سائر الأربعة [1] فتكون الرواية لهم موافقة، و بها تصير مرجوحة.

مع أنّها ظاهرة في الاضطرار الذي لم يقل أحد فيه بعدم الجواز. و تخصيص جزئها الأخير بالاختيار ليس بأولى من تخصيصها بحال التجرّد، كما فعله في التهذيبين [2].

______________________________

[1] حكاه العلامة في المنتهى 1: 436، و قال: قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته .. و عن أحمد روايتان انظر المغني 2: 309، و بدائع الصنائع 1: 304.

[2] التهذيب 1: 437، قال: معنى قوله عليه السلام: إذا ماتت لا يغسلها أي لا يغسلها مجردة من ثيابها، الاستبصار 1: 198.

______________________________

(1) الكافي 3: 158 الجنائز ب 29 ح 6، التهذيب 1: 438- 1412، الاستبصار 1: 197- 691، الوسائل 2: 530 أبواب غسل الميت ب

24 ح 5.

(2) الكافي 3: 158، الجنائز ب 29 ح 8، الفقيه 1: 94- 433، التهذيب 1: 439- 1418، الاستبصار 1: 199- 699، الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 20 ح 1.

(3) التهذيب 1: 440- 1423، الاستبصار 1: 200- 706، الوسائل 2: 532 أبواب غسل الميت ب 24 ح 11.

(4) التهذيب 1: 437- 1409، الاستبصار 1: 198- 697، الوسائل 2: 533 أبواب غسل الميت ب 24 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 97

مع أنّه ليس صريحا في النهي، فيمكن أن تكون الجملة الخبرية تجوّزا عن عدم وجوب تغسيل الزوج، أو عدم أولويته. و لا تنافيه ولايته، لإمكان الإذن حال الاختيار.

و منه يظهر الجواب عن مفهوم رواية أبي بصير: «يغسّل الزوج امرأته في السفر و المرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معها رجل» «1» و الثمالي المتقدّمة «2».

مع أنّ الأخيرة أعمّ من الأجنبية، فتعارض ما مرّ بالعموم من وجه، و يرجّح ما مرّ بالمخالفة للعامة. و لو لا الترجيح أيضا يتساقطان و تبقى العمومات فارغة، و الاستثناء على (احتمال) [1] التخصيص بالأجنبية تكون إشارة إلى ما استحب من غسل وجه الأجنبية و كفّيها.

خلافا للمحكي عن التهذيبين و الغنية «3»، فلم يجوّزوه اختيارا، لما مرّ مع دفعه.

و لوقوع التقييد بالضرورة في طائفة من الأخبار.

كحسنة الحلبي: عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسّله إلّا النساء، فقال: «تغسّله امرأته أو ذو قرابة إن كانت له و تصبّ النساء عليه الماء صبا. و في المرأة إذا ماتت: يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها» «4».

و صحيحة ابن سنان: عن الرجل أ يصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت أو يغسّلها إن لم يكن عندها من

يغسّلها؟ و عن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من

______________________________

[1] ليست في «ق».

______________________________

(1) التهذيب 1: 439- 1420، الاستبصار 1: 199- 701، الوسائل 2: 533 أبواب غسل الميت ب 24 ح 14.

(2) في ص 94.

(3) التهذيب 1: 440، الاستبصار 1: 199، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(4) الكافي 3: 157، الجنائز ب 29 ح 1، التهذيب 1: 437- 1410، الاستبصار 1:

196- 689، الوسائل 2: 529 أبواب غسل الميت ب 24 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 98

زوجها حين يموت؟ فقال: «لا بأس بذلك» «1».

و موثقة البصري: عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسّله إلّا النساء هل تغسّله النساء؟ فقال: «تغسّله امرأته أو ذات محرمه و تصبّ عليه النساء الماء صبّا من فوق الثياب» «2».

و يدفع: بأنّ التقييد فيها إنّما وقع في السؤال، و هو لا يوجب تخصيص الجواب.

ثمَّ الحقّ وجوب كون تغسيل كلّ من الزوجين من وراء الثياب، وفاقا للمحكي عن ظاهر نهاية الشيخ، و مبسوطه «3»، و هو صريح الكركي، و استجوده في المنتهى «4»، و نسبه في اللوامع إلى الحلبي [1] و أكثر المتأخّرين [2]، للأمر به في خبر الشحام «5». و الأمر فيه و إن اختص في تغسيل الزوجة للزوج، و لكنه يتعدّى إلى العكس بعدم القول بالفصل، و إن كان في العكس [3].

خلافا للمحكي عن السيد، و الإسكافي، و الخلاف، و الجعفي،

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الكافي.

[2] و ممن قال به الشهيدان في الذكرى: 39، و روض الجنان: 96.

[3] أي: و إن كان القول بالفصل موجودا في العكس، و هو تغسيل الزوج للزوجة، كما سينقله عن الشيخ (ره).

______________________________

(1) الكافي 3: 157، الجنائز ب 29 ح 2، الفقيه 1: 86- 401، التهذيب

1: 439- 1417، الاستبصار 1: 198- 698، الوسائل 2: 528 أبواب غسل الميت ب 24 ح 1.

(2) الكافي 3: 157، الجنائز ب 29 ح 4، التهذيب 1: 439- 1416، الاستبصار 1:

197- 695، الوسائل 2: 517 أبواب غسل الميت ب 20 ح 4.

(3) النهاية: 42، المبسوط 1: 175.

(4) جامع المقاصد 1: 360، المنتهى 1: 437.

(5) التهذيب 1: 443- 1432، الاستبصار 1: 203- 717، الوسائل 2: 518 أبواب غسل الميت ب 20 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 99

و التهذيب، و الجامع، و نهاية الفاضل «1»، و اختاره من المتأخّرين صاحبا المدارك و الكفاية «2»، و والدي العلّامة، فلم يوجبوا فيهما.

للأصل الخالي عن معارض سوى التقييد الواقع في كثير من الأخبار المتقدّمة في هذه المسألة و المسألة السالفة، و هو- مع عدم دلالته في الأكثر على الزائد على الرجحان، و اختصاصه بتغسيل الزوج للزوجة فلا وجه للتعدية- معارض بتصريح صحيحة ابن سنان بجواز النظر الغير المجامع مع وجوب الستر، و بظهور صحيحة منصور «3» في اختصاص العورة به.

و يجاب عن الأول: بأنّ عدم دلالة الأكثر على الوجوب- بعد دلالة خبر الشحام عليه للوقوع بلفظ الأمر فيه- غير ضائر.

و الثاني: بمنع الاختصاص، كيف و الخبر المذكور بالعكس مصرّح.

و عن الثالث: بعدم التعارض بين جواز النظر و وجوب الستر في الغسل، لجواز كونه تعبّدا، و منع ظهور صحيحة منصور في التخصيص المذكور، كما يأتي في المسألة الرابعة.

و للمنقول عن الاستبصار [1]، بل التهذيب [2] أيضا، و تبعهما بعض متأخّري المتأخرين [3]، فأوجبوه في تغسيل الزوج للزوجة دون العكس، لما ذكر من

______________________________

[1] الاستبصار 1: 198 قال: و يكون الفرق بين الرجل و المرأة في ذلك أن المرأة يجوز

لها أن تغسل الرجل مجردا و إن كان الأفضل و الأولى أن تستره ثمَّ تغسله و ليس كذلك الرجل لأنه لا يجوز له أن يغسلها إلّا من وراء الثياب.

[2] لم نعثر عليه بل الموجود عدم الفرق بينهما فلاحظ التهذيب 1: 438، نعم نقل عنه في الحدائق 3: 384 ثمَّ أتى بعين عبارة الاستبصار بعنوان عبارة التهذيب.

[3] كصاحب الحدائق في كتابه 3: 385، 387، و قال الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 110:

و عندي الأحوط أن لا يغسل الرجل زوجته إلّا من وراء الثياب .. و أمّا العكس فالأصل يجوز التجريد و لم أظفر بما يعارضه.

______________________________

(1) الخلاف 1: 699، التهذيب 1: 438، الجامع: 50، نهاية الإحكام 2: 230.

(2) المدارك 2: 61، الكفاية: 6.

(3) المتقدمة في ص 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 100

اختصاص المقيّدات به، و عرفت دفعه.

و لطائفة من المتأخّرين في نقل الأقوال في المقام اختلاف فاحش [1].

و كما يجوز التغسيل مجردا يجوز النظر بل اللمس أيضا، للأصل، بل التصريح في بعض المعتبرة.

ثمَّ إنّ مقتضى الإطلاقات نصّا و فتوى عدم الفرق في الزوجة بين الحرّة و الأمة، و الدائمة و المنقطعة، و المدخول بها و غيرها. و المناقشة في صدق الزوجة على المنقطعة حقيقة غير ضائر، لصدق ذات المحرم و امرأته- اللتين وردتا في الأخبار- عليها أيضا.

و المطلّقة بائنا ليست بزوجة، بخلاف الرجعية، و إن انقضت عدّتها بعد الوفاة قبل الغسل، لا إن انقضت قبلهما.

و الأمة ليست بزوجة و لا امرأة له، فلا يلحقها حكمها. و لكنها من المحارم و إن انتقلت إلى الوارث، لأنّ المراد بذات المحرم في حال الحياة كما في الزوجة، و لا أقلّ من احتماله، فلا يعلم خروجها من العمومات،

فتلحق بالمحارم، و يأتي حكمها، إلّا إذا كانت مزوّجة للغير أو معتدّة، فكالأجانب، فتأمل.

الرابعة: يجوز تغسيل كلّ من الرجل و المرأة محارمه بالنسب، أو الرضاع، أو المصاهرة، بلا خلاف ظاهر، بل نفي الخلاف عنه متواتر، و في التذكرة نسبه إلى علمائنا «1»، و في اللوامع الإجماع عليه.

للأصل، و العمومات، و أخبار تغسيل الأولى، و للنصوص المستفيضة،

______________________________

[1] و ذلك أن في اللوامع نسب إلى المبسوط جواز التجرد فيهما، و نسب الهندي إليه المنع فيهما، و نسب المنع في اللوامع إلى أكثر المتأخرين، و بعض مشايخنا نسب الجواز إليهم، و نسب في الحدائق التفصيل إلى التهذيب، و الهندي نسب إليه الجواز و نسب التفصيل إلى الاستبصار، و نسب المنع بعض مشايخنا إلى ابن زهرة و ظاهر الهندي خلافه. (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) التذكرة 1: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 101

كموثقة سماعة، و خبر الشحام، و صحيحة منصور، و حسنة الحلبي، و موثقة البصري المتقدمة «1».

و موثقة الساباطي: عن الرجل المسلم يموت في السفر و ليس معه رجل مسلم، و معه رجال نصارى، و معه عمّته و خالته مسلمتان، كيف يصنع في غسله؟ قال: «تغسله عمّته و خالته في قميصه و لا تقربه النصارى» و عن المرأة تموت في السفر و ليس معها امرأة مسلمة، و معهم نساء نصارى و عمّها و خالها معهم مسلمان، قال: «يغسلانها و لا تقربها النصرانية، كما كانت المسلمة تغسلها، غير أنّه يكون عليها درع فيصبّ الماء من فوق الدرع» «2» الحديث.

و رواية أبي الجوزاء، و فيها: «و إذا كان معه نساء ذوات محرم يؤزرنه و يصببن عليه الماء صبّا، و يمسسن جسده و لا يمسسن فرجه» «3».

و بتلك الأخبار يخصّص عموم

صحيحة البصري السابقة «4» في المسألة الثانية الناشئ عن ترك الاستفصال، و خبر الشحام «5» الناشئ عن إطلاق نفي امرأة له مع احتمال إرادة ما يشمل ذات المحارم أيضا منها كما يأتي.

و يؤيده ما في الروايات الكثيرة من السؤال عن غسل من مات و لا محرم له و لا مماثل «6».

و المشهور اختصاصه بحال الاضطرار، و اشتراط كونه من وراء الثياب،

______________________________

(1) تقدمت الروايات في ص 91 رقم 2، 3 و ص 96 رقم 2، 3 و ص 98 رقم 2.

(2) الكافي 3: 159، الجنائز ب 29 ح 12، الفقيه 1: 95- 436، التهذيب 1: 340- 997، الوسائل 2: 517 أبواب غسل الميت ب 20 ح 5.

(3) التهذيب 1: 441- 1426، الاستبصار 1: 201- 711، الوسائل 2: 519 أبواب غسل الميت ب 20 ح 8.

(4) في ص 90.

(5) المتقدّم في ص 91.

(6) نظر الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 102

و دعوى الشهرة عليهما متكرّرة في كلام الأصحاب «1»، تمسّكا في الأول بمفهوم رواية الثمالي المتقدمة «2»، و اختصاص الأخبار المجوّزة بصورة الاضطرار.

و يضعف الأول: بما مرّ من عدم دلالته على الحرمة، و المعارضة مع المجوّزة بالعموم من وجه.

و الثاني: بمنع الاختصاص أولا، لإطلاق صحيحة منصور، و عدم كونه ضائرا- ثانيا- بعد كونه في السؤال، لكفاية الأصل و العمومات.

و في الثاني [1] بالأمر به في كثير من الأخبار المتقدّمة، فتحمل عليها المطلقة منها أيضا.

و يضعف: بمعارضة الأخبار المقيّدة مع صحيحة منصور «3»، و رواية أبي الجوزاء «4» اللتين هما كالنص، بل نصّان في عدم وجوب ستر غير العورة، و هما راجحتان بموافقة الأصل، مع أنّ أكثر المقيّدات خال عن

الدالّ على الوجوب.

و لذا خالف الشيخ في المبسوط [2] ظاهرا، و الحلّي «5»، و الفاضل في جملة من كتبه [3] في الأول، فقالوا بعدم الاختصاص. و الحلبي [4]، و الغنية [5]، و الإصباح،

______________________________

[1] أي و تمسكا في الثاني و هو اشتراط كونه من وراء الثياب.

[2] المبسوط 1: 175، لم يصرح بالجواز بل احتاط بعدمه كما نقل عنه أيضا في كشف اللثام 1: 109 و مفتاح الكرامة 1: 418.

[3] المنتهى 1: 437 و نقله في كشف اللثام 1: 109 عن التلخيص أيضا.

[4] نقل في كشف اللثام عن الكافي و لم نعثر عليه.

[5] الغنية (الجوامع الفقهية): 563 فإنه و إن لم يصرح بعدم الاشتراط و لكنه أطلق التغسيل و لم يقيده بكونه من وراء الثياب.

______________________________

(1) الروض: 98، الذخيرة: 82، الحدائق 3: 393.

(2) في ص 94.

(3) المتقدمة في ص 96.

(4) المتقدمة في ص 101.

(5) السرائر 1: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 103

و المدارك، و أكثر الثالثة [1] في الثاني، فقالوا بعدم الاشتراط. و والدي العلّامة- رحمه اللّه- في الموضعين.

أقول: و المخالفة في الأول في محلّها، لما مرّ.

و أمّا في الثاني فمشكلة، لأن الأمر بستر العورة و التأزير في الصحيحة و الرواية لا ينافي وجوب ستر سائر الأعضاء أيضا بدليل آخر و إن خصّها بالذكر للأهميّة، فلا تعارضان المقيّدات، و تبقى هي بلا معارض سوى بعض المطلقات الواجب حمله على المقيّد.

و خلوّ أكثرها عن الدالّ على الوجوب بعد اشتمال بعضها عليه غير ضائر، و هو موثّقة الساباطي «1» حيث جعل المحرم كالمسلمة إلّا في أنّه تكون في المحرم تحت الدرع، و لا يجوز أن تكون التفرقة في مطلق الرجحان، لثبوته في المسلمة أيضا، و إن كان محلا

للنظر، فتكون في الوجوب، و جعلها [2] في مراتبه بعيد غايته.

مضافا إلى جواز شمول قوله في خبر الشحام، المتقدّم «2»: «و إن كان له فيهن امرأة فليغسّل في قميص» لذوات المحارم، لثبوت نوع اختصاص، و بعده يجبر بذكر ذي الرحم قبل ذلك دون ها هنا مع الاتّحاد قطعا.

فالقول بالاشتراط في غاية القوة، و بالاحتياط أوفق، فتأمّل.

الخامسة: يجوز تغسيل الأجنبية ابن أقلّ من ثلاث سنين إجماعا كما في المنتهى «3» و اللوامع، و عن التذكرة و نهاية الإحكام «4» في ابن الثلاث.

و هو الحجة فيه مضافا إلى العمومات، و خبر ابن النمير: عن الصبي إلى

______________________________

[1] المدارك 2: 65، و في الرياض 1: 70 أنه لا يخلو عن القوة لو لا الشهرة العظيمة.

[2] أي جعل التفرقة في مراتب الرجحان.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 101.

(2) في ص 91.

(3) المنتهى 1: 436.

(4) التذكرة 1: 40، نهاية الإحكام 2: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 104

كم تغسّله النساء؟ فقال: «إلى ثلاث سنين» [1].

و موثّقة الساباطي: في الصبي تغسّله امرأة؟ فقال: « [إنّما] تغسّل الصبيان النساء» «1».

مجرّدا، للأصل و ظاهر الوفاق. اختيارا وفاقا للأكثر، للأصل و الإطلاق، و خلافا للمحكي عن النهاية، و ظاهر الوسيلة، و السرائر «2». و لا دليل له.

لا ابن الثلاث أو أكثر، وفاقا لصريح الكركي، و الشرائع، و المحكي عن المبسوط «3»، و الإصباح حيث قيّدوا بالأقلّ، لمفهوم الغاية في الخبر المتقدّم الدالّ على عدم الجواز، حيث إنّ السؤال في المنطوق عن الجواز قطعا، لعدم رجحان فيه.

و خلافا للأكثر في ابن الثلاث، إمّا لدخول الغاية في المغيّى، أو للإجماعات المحكية، و العمومات و إطلاق الموثّقة.

و الأول ممنوع، بل الحق خلافه. و الثاني مدفوع: بعدم الحجية. و الثالث

بلزوم التقييد و التخصيص بمفهوم الغاية.

و لوالدي- رحمه اللّه- و للمنقول عن الصدوق [2]، و المفيد، و الديلمي «4» في ابن الخمس مجرّدا، و عن الأخيرين [3] في ابن الأكثر فوق الثياب.

و كأنّ الأول لإطلاق الموثّقة الواجب تقييده. و الثاني لما اختاره من جواز التغاير مع الستر المتقدّم بطلانه.

______________________________

[1] الكافي 3: 160، الجنائز ب 30 ح 1، الفقيه 1: 94- 431 و فيه: أبو النمير و كذا في التهذيب 1.

341- 998، الوسائل 2: 526 أبواب غسل الميت ب 23 ح 1.

[2] الفقيه 1: 94 نقله عن شيخه ابن الوليد و لكن مورد كلامه الابنة دون الابن، و لعله يستفاد بالأولوية.

[3] كما في المقنعة و المراسم في الصفحة المشار إليها.

______________________________

(1) التهذيب 1: 445- 1438، الوسائل 2: 527 أبواب غسل الميت ب 23 ح 2.

(2) النهاية: 42، الوسيلة: 63، السرائر 1: 168.

(3) جامع المقاصد 1: 364، الشرائع 1: 37، المبسوط 1: 176.

(4) المقنعة: 87، المراسم: 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 105

و عن ابن سعيد في ابن الأكثر من الثلاث مطلقا فوق الثياب «1» و عن ابن حمزة فيه إلى أن يراهق «2». و لا دليل تامّا لهما و التمسّك بالأصل في بعض ما ذكر مع كون العبادة توقيفية فاسد، و بالعمومات مع المفهوم المتقدّم باطل.

و مثلها الأجنبي فيغسّل بنت أقلّ من ثلاث سنين، وفاقا لغير المعتبر، بل عن نهاية الإحكام الإجماع في بنت الثلاث «3» لا للمروي عن جامع محمد بن الحسن: في الجارية تموت مع الرجال، إلى أن قال: «و إن كانت معه بنت أقلّ من خمس سنين غسّلت» «4» و إن كان ضعفه في المورد منجبرا بالشهرة و الإجماع المنقول.

لمعارضته مع مرسلة التهذيب:

في الجارية تموت مع الرجل فقال: «إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين أو ست دفنت و لم تغسّل» «5».

و تضعيفها لما في متنها من الاختلاف [1] ضعيف، لأنّه إن أريد به نفي الغسل عن الأقل، و عمومه مخالف للشهرة، فكم من عام يخالف عمومه الأدلة الناطقة، و إن أريد التخصيص بالأقل فكم من تخصيصات غير ظاهر وجهها لنا، و إن أريد اضطرابها من جهة ظهور اتّحادها مع ذلك المروي و اختلافهما في الأقلّ و الأكثر- كما قيل «6»- فمع منع الظهور يوجب الوهن فيهما، مع أن نسخ الفقيه في الأقلّ و الأكثر في ذلك المروي مختلفة، كما صرّح به الوافي «7»، و على أيّ تقدير فهو

______________________________

[1] قال في المعتبر 1: 324: و الرواية مرسلة و متنها مضطرب فلا عبرة بها.

______________________________

(1) الجامع: 50.

(2) الوسيلة: 63.

(3) نهاية الإحكام 2: 231.

(4) الفقيه 1: 94- 432، الوسائل 2: 528 أبواب غسل الميت ب 23 ح 4.

(5) التهذيب 1: 341- 999، الوسائل 2: 527 أبواب غسل الميت ب 23 ح 3.

(6) الرياض 1: 69.

(7) الوافي 3: الجزء الثالث عشر ص 46 (الطبع الحجري).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 106

عن الحجية معزول.

بل لعمومات «من غسّل ميتا» و «غسل الميت على الحي واجب» و نحوهما، الخالية عن معارضة أدلّة اشتراط المماثلة مطلقا أو اختيارا، لاختصاصها بالرجل و المرأة.

اختيارا [1] مجرّدة، للأصل.

[لا] [2] بنت الثلاث، وفاقا لمن ذكر في الابن و إن شملها العمومات، لخروجها بخبر ابن النمير «1» [بضميمة] [3] عدم القول بالمنع في الابن و الجواز في البنت، و إن كان في العكس.

خلافا فيها مطلقا للأكثر، و مع الاضطرار لطائفة ذكرهم قد مرّ. و فوق الثياب لجمع آخر منهم:

المفيد، و الديلمي، و ابنا حمزة و سعيد «2»، مع تجويز التغسيل مجرّدا في الأقلّ كالأولين، أو بدونه كالأخيرين. و في بنت الأقلّ من خمس للمحكي عن الصدوق «3». و في بنت الخمس لوالدي- قدس سره- و بعض آخر ممّن تأخّر، و نقله في اللوامع عن المفيد، و الديلمي، و ليس كذلك.

نعم هما جوّزا تغسيل بنت الأكثر من الثلاث فوق الثياب اضطرارا، بناء على قولهم بعدم اشتراط المماثلة مع الاضطرار.

و دليل الجميع: الجمع بين الأصل و العمومات، و المحكي من الإجماع، و المروي عن الجامع «4»، و ما استدلّوا على تغسيل المغاير مع الاضطرار.

______________________________

[1] متعلق بقوله في صدر المطلب: فيغسّل بنت أقل من ثلاث سنين.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

[3] في النسخ: و بضميمة. و الصحيح حذف الواو.

______________________________

(1) المتقدم في ص 103.

(2) تقدمت مصادر أقوالهم في ص 104.

(3) الفقيه 1: 94- 432 نقلا عن جامع ابن الوليد.

(4) كما رواه في الفقيه 1: 94- 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 107

و جواب الكلّ ظاهر.

و للمعتبر، فلم يجوّزه مطلقا «1»، لأصالة حرمة النظر.

و فيها نظر، و لو سلّمت فالغسل لا يتوقّف عليه.

و قد يتأيّد بذيل الموثّق المتقدّم «2»: عن الصبية، و لا تصاب امرأة تغسّلها، قال: «يغسّلها رجل أولى الناس بها».

و هو- مع عدم ظهوره في إطلاق المنع حتى فيما إذا لم يوجد الأولى- لا يدلّ على مطلوبه، بل على خلافه أدلّ، إذ الأولى كثيرا ما يكون أجنبيا كأبناء الأعمام و الأخوال.

السادسة: عن النهاية، و المقنعة، و المبسوط «3»، و الإسكافي «4»، و المراسم، و الوسيلة «5»، و الصهرشتي «6» و ابن سعيد، و التذكرة «7»، و في الشرائع، و المنتهى، و القواعد «8» و

غيرها، بل هو المشهور كما صرّح به جماعة «9»، بل عن التذكرة النسبة إلى علمائنا «10»، و في الذكرى لا أعلم لهذا الحكم مخالفا سوى المحقق «11»: أنّه مع فقد المماثل المسلم و المحرم و وجود المماثل الكافر يغسّل وجوبا بعد اغتساله.

______________________________

(1) المعتبر 1: 324.

(2) في ص 103.

(3) النهاية: 42، المقنعة: 86، المبسوط 1: 175.

(4) نقل عنه في الذكرى: 39.

(5) المراسم: 50، الوسيلة: 63.

(6) نقل عنه في الذكرى: 39.

(7) الجامع: 50، التذكرة 1: 39.

(8) الشرائع 1: 37، المنتهى 1: 436، القواعد 1: 17.

(9) الذكرى: 39، جامع المقاصد 1: 361، الروضة 1: 409.

(10) التذكرة 1: 39.

(11) الذكرى: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 108

و يدلّ عليه موثّقة عمّار «1»، و رواية زيد «2»، و الرضوي «3» و لا يضرّ خلوّها عن الدال على الوجوب، لأنّ عمومات وجوب غسل الميت بعد كون الكافر مكلفا بالفروع تكفي في إثباته، غاية الأمر اشتراط صحة العبادات عنه بالإسلام، للتوقّف على النية المتوقّفة عليه، و هو منتف للأخبار المذكورة.

فالاستدلال بها حقيقة على نفي شرطية الإسلام حين التعذّر دون الوجوب، و لازمه نفي اشتراط النية حينئذ، و لا ضير فيه بعد دلالة الأخبار، و إن قلنا باشتراطها في غيره. و مدخليتها في حقيقة الغسل غير معلومة.

و أمّا جعل لازمه صحة نية الكافر- كبعض المتأخّرين «4»- فهو غريب، لعدم تأتّي نيّة التقرّب بذلك منه، و إلّا لما كان كافرا.

خلافا للمحقّقين في المعتبر و شرح القواعد فنفياه «5»، و نسب إلى ابن سعيد أيضا [1]، بل هو ظاهر من لم يذكر الحكم كالعماني، و الجعفي [2]، و القاضي، و الحلبي، و ابن زهرة الحلبي، و الشيخ في الخلاف «6»، و توقّف في الذكرى

«7».

______________________________

[1] نسبه إليه في كشف اللثام 1: 109، قال: و هو ظاهر الجامع لنسبة الحكم فيه إلى رواية ضعيفة، انظر الجامع: 50.

[2] نسب إليهما عدم الذكر في الذكرى: 39.

______________________________

(1) الكافي 3: 159، الجنائز ب 29 ح 12، الفقيه 1: 95- 439، 440، التهذيب 1:

340- 997، الوسائل 2: 515 أبواب غسل الميت ب 19 ح 1.

(2) التهذيب 1: 443- 1433، الاستبصار 1: 203- 718، الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 19 ح 2.

(3) فقه الرضا: 173، المستدرك 2: 182 أبواب غسل الميت ب 18 ح 1.

(4) الحدائق 3: 402.

(5) المعتبر 1: 326، جامع المقاصد 1: 362.

(6) المهذب 1: 54 إلى 56، الكافي: 134، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الخلاف 1: من 691 إلى 732.

(7) الذكرى: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 109

لضعف الأخبار، و ما في نية الكافر من عدم الاعتبار، و نجاسته فلا يفيد الطهارة للأغيار.

و يضعّف الأول: بكفاية العمومات مع ما لضعفها من الانجبار.

و الثاني: بعدم الاعتبار بعد دلالة الأخبار.

و الثالث: بإمكان الغسل في الكثير أو الجاري، أو من غير ملاقاته الماء، غايته تنجّس الميت بنجاسة عرضية لمباشرته بعد التغسيل أو عنده، و هو غير ضائر، و تطهير المسلم المغاير له ممكن.

و الظاهر الاقتصار على الذمّي، كما هو مورد الروايات.

و ظاهر بعضهم، و صريح والدي العلّامة- رحمه اللّه- أنّه و إن كان واجبا إلّا أنّه ليس بغسل حقيقي. و هو صحيح إن ثبت مدخلية النية في حقيقة الغسل مطلقا.

و لا يعاد الغسل بعد رفع الضرورة كسائر موارد الامتثال، لدلالة الأمر على الإجزاء، و عدم اجتماع البدل و المبدل.

السابعة: الخنثى المشكل و من اشتبهت ذكوريته و أنوثيته إن لم يبلغ الثلاث فأمره واضح.

و إن

بلغ فالحقّ جواز تغسيله لكلّ من الذكر و الأنثى و بالعكس، للعمومات الخالية عن المخصّص سوى الأخبار المانعة عن تغسيل المغاير الذي هو في المورد غير معلوم.

الثامنة: في صحة الغسل من غير المكلّف من المميّز، و عدمها قولان:

الأول عن الفاضلين في بعض كتبهما «1»، لصحة نية القربة منه، و دلالة الأخبار على جواز عتقه و وصيته و صدقته «2» و نحوها.

______________________________

(1) المعتبر 1: 326، التذكرة 1: 40.

(2) انظر الوسائل 19: 211 أبواب الوقوف و الصدقات ب 15، و ص 360 أبواب الوصايا ب 44 و ج 23: 91 أبواب العتق ب 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 110

و الثاني عن الدروس «1»، لعدم وقوع النية منه على الوجه المعتبر شرعا.

و ظاهر الذكرى «2» و اللوامع التوقّف.

و قد يبنى القولان على اعتبار النية في الغسل و عدمه.

أقول: الكلام إمّا في وجوبه، أو جوازه بمعنى الصحة و الامتثال أو ترتب الأثر عليه.

فإن كان الأول فعدمه ظاهر، و إلّا لم يكن غير مكلّف. و أخبار جواز العتق و نحوه منه إن جعلت أدلّة على التكليف- كبعضهم [1]- خرج عن الموضوع، و إلّا فجواز بعض الأمور منه بدليل لا يوجب تعلّق أمر آخر به.

و إن كان الثاني فلتوقّف العلم بترتّب الأثر و حصول الامتثال بشمول العمومات الطلبية له يبتني عليه، فإن قلنا بالشمول صحّ، و تأتّي النية منه، و إلّا- كما هو الأظهر- فلا و إن لم يتوقّف الغسل على النية.

و على القول بالصحة لا يجب عليه، و هو ظاهر. و لا على المكلّف الغير المحرم و لا المماثل أمره، لعدم الدليل.

______________________________

[1] قد يكون ناظرا إلى قول المحدث الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 14 في كيفية الجمع بين

الأخبار المختلفة في البلوغ، من أن التوفيق بين الأخبار يقتضي اختلاف معنى البلوغ بحسب السن بالإضافة إلى أنواع التكاليف، كما يظهر مما روي في باب الصيام أنه لا يجب على الأنثى قبل إكمالها الثلاث عشرة سنة إلا إذا حاضت قبل ذلك، و ما روي في باب الحدود «أن الأنثى تؤاخذ بها و هي تؤخذ لها تامة إذا أكملت تسع سنين» إلى غير ذلك مما ورد في الوصية و العتق و نحوهما أنها تصح من ذي العشر.

______________________________

(1) الدروس 1: 104.

(2) الذكرى: 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 111

الفصل الثاني في المغسول
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

وجوب تغسيل كلّ مسلم إن كان معتقدا للحق ضروريّ.

و أمّا المخالف فإن لم يكن محكوما بكفره فالحقّ- كما صرّح به في القواعد و التحرير [1]، و الإرشاد «1»، و اللوامع، مدّعيا عليه في الأخير و في غيره الشهرة- وجوب تغسيله، و كان نظره إلى أنّه مراد من جوّزه بإزاء من حرّمه كما صرّح بذلك بعض المشايخ «2».

للعمومات مثل: «غسل الميت واجب على الحي» [2].

و مضمرة أبي خالد: «اغسل كلّ شي ء من الموتى الغريق و أكيل السبع و كلّ شي ء، إلّا ما قتل بين الصفّين، فإن كان به رمق غسّل و إلّا فلا» [3].

مع كراهيّته للمؤمن، كما في القواعد و المنتهى و الشرائع و عن المبسوط و النهاية و الجامع «3»، و نسبها الكركي إلى المشهور بين الأصحاب عند [عدم ] [4] التعين.

______________________________

[1] القواعد 1: 17، التحرير 1: 17 و فيه: كل مظهر للشهادتين يجوز تغسيله الا الخوارج و الغلاة.

[2] ورد مؤداه في بعض الروايات مثل موثقة سماعة «غسل الميت واجب». انظر الوسائل 2: 477 أبواب غسل الميت ب 1.

[3] الكافي 3: 213، الجنائز ب 76 ح 7، التهذيب 1: 330- 967 و فيه: اغسل كل الموتى ..

الاستبصار 1: 213- 753، الوسائل 2: 506 أبواب غسل الميت ب 14 ح 3.

[4] ما بين المعقوفين وضعناه لاستقامة المعنى، قال في جامع المقاصد 1: 368: و المشهور بين الأصحاب كراهية التعرض إليه إلّا أن يتعيّن فيجب.

______________________________

(1) الإرشاد 1: 229.

(2) الحدائق 3: 409.

(3) القواعد 1: 17، المنتهى 1: 435، الشرائع 1: 39، المبسوط 1: 181، النهاية: 43، الجامع: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 112

و لا بأس بها، للشهرة.

و هي هنا بمعنى المرجوحية بالإضافة إلى ارتكاب

المخالف له، كما كانت الأولوية في الولي بمعنى الراجحية بالإضافة إلى ارتكاب غيره، كما إذا طلب سلطان من واحد من جماعة حاضرين لديه إحضار سوقي كان حضوره لازما البتة، فارتكاب الوزير بنفسه له مرجوح بالإضافة إلى العبيد، لا بمعنى أقلية الثواب، إذ لا معنى محصّل له هنا، و لا بالمعنى المصطلح في غير العبادات، لمنافاته الوجوب، بل مطلق الرجحان.

خلافا للمقنعة و المحكي عن المراسم [1]، و المهذب و السرائر «1»، و بعض الثالثة «2»، فحرّموه، إمّا لكفره، و هو ممنوع، أو لكونه عبادة فيحرم بدون التوقيف و لا توقيف، و قد عرفت ثبوته، و دعوى عدم انصراف الإطلاقات إلى مثله غريبة، أو لأنّ تغسيل الميت لاحترامه و لا احترام له، و انحصار العلة فيه، مع أنّه صرّح في الأخبار بغيره.

و لمن نفى وجوبه كالمدارك و الكفاية و الذخيرة «3»، و هو بين احتمال الحرمة لأحد الوجهين، و قد عرفت ضعفها، و الاستحباب لعموم مرغّبات الغسل دون موجباته التي تصلح للحجية، و ضعفه ظاهر، و الإباحة لفقد العموم و الأصل، فإن أراد ما أمر به الشارع، و رتّب عليه الطهارة، و عدم وجوب الغسل بالمسّ، فلا يستباح بالأصل، و إن أراد صورة الغسل فهي غير محل النزاع.

و لبعض الأجلة «4» فحرّمه مع قصد الكرامة له، أو للنحلة، و جوّزه بقصد

______________________________

[1] المقنعة: 85، المراسم: 45 و فيه: و هو (يعني تغسيل الميت) على ضربين أحدهما الغسل فيه واجب على الميت نفسه قبل موته، و الآخر يجب على غيره بعد موته إذا كان الميت معتقدا للحق.

______________________________

(1) المهذب 1: 54، السرائر 1: 158.

(2) الحدائق 3: 405، الرياض 1: 70.

(3) المدارك 2: 69، الكفاية: 6، الذخيرة: 80.

(4) الفاضل الهندي في

كشف اللثام 1: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 113

إكرام إظهار الشهادة أو من غير إرادة الكرامة، و هو خروج عن المسألة.

ثمَّ المشهور- بل في شرح القواعد أنّه لا نعرف من أحد تصريحا بخلافه «1»- أنّه يغسل غسلهم، لقولهم: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» [1].

و في دلالته نظر، و الأولى بالنظر ما قالوا من أنّه يغسل غسلنا لو لم نعرف كيفية غسلهم.

و الأظهر تغسيله كغسلنا مطلقا، إلّا أنّه إذا غسله المخالف كغسلهم يسقط عنّا، لظاهر الإجماع، و الخبر المذكور.

و إن كان كافرا فلا يجوز غسله و لا كفنه و لا دفنه و لا الصلاة عليه، بإجماعنا المحقّق، و المحكي «2» متواترا، و هو الحجة في جميع أقسامه، من الذمي و الحربي، و الغلاة، و الخوارج، و النواصب.

مضافا في الأول بأصنافه- بضميمة الإجماع المركّب- إلى موثّقة الساباطي:

في النصراني يكون في السفر و هو مع المسلمين فيموت، قال: «لا يغسّله مسلم و لا كرامة، و لا يدفنه، و لا يقوم على قبره و إن كان أباه» [2].

و فيه و في الثاني و الثالث إلى المنقول في المعتبر عن شرح الرسالة للسيد،- المنجبر ضعفه بما مرّ-: روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي و المشرك، و أن يكفّنه و يصلّي عليه» «3».

و في الأخيرين إلى المرويّ في الاحتجاج من قول مولانا الحسين عليه السلام

______________________________

[1] انظر الوسائل 22: 72 أبواب مقدمات الطلاق ب 30. و هي مؤدى القاعدة المعروفة بقاعدة الإلزام.

[2] الكافي 3: 159 الجنائز ب 29 ح 12. و لم يرد فيه: «و إن كان أباه»، الفقيه 1: 95- 437، التهذيب 1: 336- 982، الوسائل 2: 514 أبواب غسل الميت ب

18 ح 1.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 368.

(2) كما في التهذيب 1: 335، التذكرة 1: 4، الذكرى: 42.

(3) المعتبر 1: 328، الوسائل 2: 514 أبواب غسل الميت ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 114

لمعاوية: «لو قتلنا شيعتك ما كفنّاهم و لا غسّلناهم و لا صلّينا عليهم و لا دفناهم» «1».

و كذا من صار كافرا بإنكار الضروري، لظاهر الإجماع.

فرع: لو وجد ميت و لم يعلم هل هو مسلم أم كافر. فإن كان في دار الإسلام غسّل و كفّن و صلّي عليه، للعمومات.

و إن كان في دار الكفر فهو بحكم الكافر و لو كان فيه علامة المسلم، إذ لا علامة إلّا و يشارك فيه كافر، كذا قيل «2». و مقتضى العمومات هنا أيضا التغسيل.

و لو اشتبه موتى المسلمين بالكفّار في غير الشهداء يغسّل الجميع، لوجوب مقدّمة الواجب، إذ لا تعارضه حرمة سبب الحرام، لدخول كلّ فرد في العمومات، فتأمّل.

الثانية:

يجب تغسيل أطفال المسلمين و مجانينهم، بالإجماع، و العمومات، و ما تقدم في تغسيل الصبي و الصبية، و فحوى أخبار السقط، الآتية.

و كذا السقط منهم إذا استكمل أربعة أشهر، فيغسّل وجوبا بلا خلاف يعرف من غير العامّة، كما صرّح به بعض الخاصة «3»، و نسبه في المنتهى إلى أكثر أهل العلم «4».

و لخبر زرارة: «السقط إذا تمَّ به أربعة أشهر غسّل» «5» و نحوها مرفوعة أحمد «6».

و الرضوي- المنجبر بما مرّ-: «إذا أسقطت المرأة و كان السقط تامّا غسّل

______________________________

(1) الاحتجاج: 296، الوسائل 2: 515 أبواب غسل الميت ب 18 ح 3.

(2) المعتبر 1: 315.

(3) كشف اللثام 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    115     الثانية: ..... ص : 114

(4) المنتهى 1: 432.

(5)

الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 1، الوسائل 2: 502 أبواب غسل الميت ب 12 ح 4.

(6) التهذيب 1: 328- 960، الوسائل 2: 502 أبواب غسل الميت ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 115

و حنّط و كفّن و دفن، و إن لم يكن تامّا فلا يغسّل و يدفن بدنه، و حدّ إتمامه إذا أتى عليه أربعة أشهر» «1».

و هو و إن لم يثبت زيادة من الرجحان إلّا أنّه يثبت الوجوب بالإجماع المركّب.

و بموثّقتي سماعة أيضا: عن السقط إذا استوى خلقته يجب عليه الغسل و اللحد و الكفن؟ فقال: «كلّ ذلك يجب عليه» «2».

و استواء الخلقة إنّما هو بتمام أربعة أشهر، لا لما قيل «3» من الأخبار الدالّة على بعث الملكين الخلاقين بعد تمام أربعة أشهر «4»، لعدم دلالتها على تمام الخلقة في الأربعة أصلا، بل للرضوي المنجبر المتقدّم.

و لكن يعارضه مفهوم مرفوعة أحمد، و رواية زرارة.

الأولى: «إذا تمَّ له ستة أشهر فهو تام، و ذلك أن الحسين بن علي- عليهما السلام- ولد و هو ابن ستة أشهر» «5».

و كذا الثانية «6»، غير أنّ فيها بدل «إذا تمَّ له ستة أشهر»: «إذا سقط لستة أشهر».

و الأصل معهما، إلّا أنّ الظاهر أنّ التمامية تكون في أمور في الخلقة و الحياة و النموّ و غيرها، فبالأربعة أشهر تتم الخلقة و بالستة الحياة، و يشعر به التعليل بتولّد الحسين حيث بقي، و يتم بعض مراتبها بالبلوغ، و بعضها ببدوّ سن الوقوف،

______________________________

(1) فقه الرضا: 175، المستدرك 175 أبواب غسل الميت ب 12 ح 1.

(2) الكافي 3: 208، الجنائز ب 74 ح 5، التهذيب 1: 329- 962، الوسائل 2: 501 أبواب غسل الجنابة ب 12 ح

1.

(3) الرياض 1: 69.

(4) انظر الكافي 6: 13 كتاب العقيقة ب 6 ح 3، 6، 7.

(5) تقدم مصدرها في ص 114.

(6) التهذيب 1: 328- 959، الوسائل 2: 502، أبواب غسل الميت ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 116

و هكذا، فلا يعلم التعارض، و يتعيّن العمل بالرضوي. و به و بسائر ما مرّ يقيد إطلاق خبر ابن الفضيل: عن السقط كيف أصنع به؟ فكتب: «السقط يدفن بدمه في موضعه» «1».

ثمَّ المستفاد من الرضوي و الموثقتين وجوب التكفين و التدفين، كما عن المبسوط، و المقنعة، و النهاية، و المراسم، و الجامع «2»، و المنتهى، و التبصرة، و الإرشاد، و التذكرة، و التلخيص، و نهاية الإحكام [1].

و عن ظاهر الشرائع، و التحرير، اللف في خرقة حملا للتكفين عليه «3».

و هو مشكل، بل ضعيف، لبيان التكفين في الأخبار بأنّه كذا و كذا، مع أنّ عمومات التكفين تشمل المقام أيضا.

بل مقتضى الرضوي وجوب التحنيط، كما عن ظاهر الإرشاد و التلخيص، و لكن ضعفه الخالي عن الجابر المعلوم يمنع عن إثباته إلّا أن يثبت بعموم أدلّة تحنيط الأموات. و الأحوط عدم تركه.

و لو لم يستكمل الأربعة لم يغسّل إجماعا، و عن المعتبر: أنّه مذهب العلماء خلا ابن سيرين «4»، و في المنتهى: بغير خلاف «5»، للأصل، و الرضوي، و خبر ابن الفضيل، و مفهوم الموثقتين. بل يدفن بدمه كما في الأولين، و ظاهرهما عدم الأمر بشي ء آخر.

______________________________

[1] المنتهى 1: 432، التبصرة: 15، الإرشاد 1: 232، التذكرة 1: 40، نهاية الإحكام 2:

234، و فيه: السقط إذا كمل له أربعة أشهر وجب أن يغسل .. و لو كان له أقل من أربعة أشهر لم يغسل و لم يكفن و

لم يصل عليه بل يلف في خرقة و يدفن إجماعا.

______________________________

(1) الكافي 3: 208، الجنائز ب 74 ح 6، التهذيب 1: 329- 961، الوسائل 2: 502 أبواب غسل الميت ب 12 ح 5.

(2) المبسوط 1: 180، المقنعة: 83، النهاية: 41، المراسم: 46، الجامع: 49.

(3) الشرائع 1: 38، التحرير 1: 17.

(4) المعتبر 1: 320.

(5) المنتهى 1: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 117

و لكن في المعتبر، و الشرائع، و النافع، و المنتهى «1»، و عن المفيد، و الديلمي، و القاضي «2»، و الكيدري، بل في اللوامع أنه ظاهر الأكثر، بل ظاهر المعتبر «3» أنه مذهب أهل العلم: أنّه يلفّ في خرقة و يدفن. و لا شك أنّه أولى، لفتوى هؤلاء الأجلّاء، بل هو أحوط.

و الجنين الميت في بطن الميت لا يغسّل، للأصل، بل هو كجزء أصله يكفي غسلها عن غسله. و لو خرج أو اخرج بعد الموت عن الحي أو الميت يغسّل، لعمومات غسل السقط أو الميت، سواء اخرج منقطعا أو متّصلا.

و لو ماتت حامل و خرج بعض قطع الجنين الميت منه ففي تغسيل الخارج نظر، و العدم أظهر.

و كذا لو خرج بعضه و بقي البعض متّصلا من غير تقطّع سواء أمكن إخراج التمام أو لا، و إن كان الإخراج و التغسيل مع الإمكان أحوط، بل أظهر.

الثالثة:

لا خلاف بين الأصحاب كما صرّح به جماعة، و في المعتبر «4»: أنّه إجماع أهل العلم خلا شاذّ من العامّة [1]، و في المنتهى: ذهب إليه علماؤنا أجمع و لا خلاف فيه بين علماء الأمصار إلّا الحسن البصري و سعيد بن المسيب «5»، بل عليه إجماع المسلمين في اللوامع: أنّ الشهيد الميت في معركة القتال لا يغسّل و لا

يكفّن، بل يصلّى عليه و يدفن، و استفاضت به النصوص:

كحسنة زرارة و ابن جابر: كيف رأيت؟ الشهيد يدفن بدمائه؟ قال: «نعم

______________________________

[1] قال ابن رشد في بداية المجتهد 1: 227 ان الجمهور على ترك غسله .. و كان الحسن و سعيد ابن المسيب يقولان يغسل كل مسلم.

______________________________

(1) المعتبر 1: 320، الشرائع 1: 38، النافع: 15، المنتهى 1: 432.

(2) المقنعة: 83، المراسيم: 46، المهذب 1: 56.

(3) المعتبر 1: 320.

(4) المعتبر 1: 309.

(5) المنتهى 1: 433.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 118

في ثيابه بدمائه، و لا يحنّط و لا يغسّل و يدفن [كما هو]» «1».

و صحيحة أبي مريم على طريق الفقيه: «الشهيد إذا كان به رمق غسّل و كفّن و حنّط و صلّي عليه، و إن لم يكن به رمق دفن في ثيابه» [1].

و صحيحة ابن تغلب: عن الذي يقتل في سبيل اللّه أ يغسّل و يكفّن و يحنّط؟

قال: «يدفن كما هو في ثيابه بدمه إلّا أن يكون به رمق ثمَّ مات، فإنّه يغسّل و يكفّن و يحنّط و يصلّى عليه» «2».

و حسنته: «الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في ثيابه و لا يغسّل، إلّا أن يدركه المسلمون و به رمق ثمَّ يموت بعد، فإنّه يغسّل و يكفّن و يحنّط» «3».

و مضمرة أبي خالد، المتقدّمة في المسألة الاولى «4».

و الرضوي: «و إن كان الميت قتيل المعركة في طاعة اللّه لم يغسّل، و دفن في ثيابه التي قتل فيها بدمائه، و لا ينزع منه من ثيابه شي ء إلّا أنّه لا يترك عليه شي ء معقود، مثل الخف، و تحل تكته، و مثل المنطقة و الفروة، و إن أصابه شي ء من دم لم ينزع عنه شي ء إلّا أنّه يحل المعقود،

و لم يغسّل إلّا أن يكون به رمق ثمَّ يموت بعد ذلك، فإذا مات بعد ذلك غسّل كما يغسّل الميت، و كفّن كما يكفّن الميت، و لا

______________________________

[1] الفقيه 1: 97- 446، و سند الصدوق إلى أبي مريم صحيح في المشيخة و هو: أبوه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان ابن عثمان، عن أبي مريم. (الفقيه 4: 23). و رواها في الكافي 3: 211 ب 75 ح 3، التهذيب 1: 331- 971، الاستبصار 1: 214- 757، الوسائل 2: 506 أبواب غسل الميت ب 14 ح 1.

______________________________

(1) الكافي 3: 211، الجنائز ب 75 ح 2، التهذيب 1: 331- 970، الاستبصار 1: 214- 756، الوسائل 2: 509 أبواب غسل الميت ب 14 ح 8.

(2) الكافي 3: 210، الجنائز ب 75 ح 1، التهذيب 1: 331- 969، الاستبصار 1: 214- 755، الوسائل 2: 509 أبواب غسل الميت ب 14 ح 7.

(3) الكافي 3: 212، الجنائز ب 75 ح 5، التهذيب 1: 332- 973، الوسائل 2: 510 أبواب غسل الميت ب 14 ح 9.

(4) في ص 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 119

يترك عليه شي ء من ثيابه» «1».

إنّما الخلاف في تعيين الشهيد الذي ذلك حكمه أنّه هل هو المقتول بين يدي المعصوم خاصة؟ كما في الشرائع، و القواعد، و عن المقنعة، و المراسم «2».

أو مع نائبه الخاص أيضا؟ كما عن المبسوط، و النهاية، و المهذب، و الوسيلة، و السرائر، و الجامع، و المنتهى «3»، و في اللوامع نسبه إلى الأكثر، و مال إليه جمع ممّن تأخّر [1].

أو في كلّ جهاد مأمور به و لو

حال الغيبة؟ كما عن المعتبر، و الغنية، و الإشارة «4»، و ظاهر الكافي [2]، و الذكرى، و المدارك «5»، و صريح الكركي «6»، و والدي العلّامة- رحمه اللّه- و محتمل نهاية الإحكام، و التذكرة «7».

الحقّ هو الثاني، فلا يغسّل المقتول بين يدي الإمام أو نائبه الخاص، و يغسّل غيره.

أمّا الأول: فللرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة، المؤيّد بسائر الأخبار.

و أمّا الثاني فللعمومات الخالية عن المخصّص المعلوم، إذ ليس إلّا روايات السقوط عن الشهيد و المقتول في سبيل اللّه، و في طاعة اللّه، و ما قتل بين الصفّين.

و ثبوت الحقيقة الشرعية للأولين في غير من ذكرنا لنا غير معلوم، و استعمالهما

______________________________

[1] كما يظهر من مجمع الفائدة 1: 201 و الرياض 1: 68.

[2] كذا نقل في كشف اللثام 1: 111 و لم نعثر عليه في الكافي للحلبي.

______________________________

(1) فقه الرضا: 174، المستدرك 2: 179 أبواب غسل الميت ب 14 ح 5.

(2) الشرائع 1: 37، القواعد 1: 17، المقنعة: 84، المراسم: 45.

(3) المبسوط 1: 181، النهاية: 40، المهذب 1: 55، الوسيلة: 63، السرائر 1: 166، الجامع:

49، المنتهى 1: 433.

(4) المعتبر 1: 311، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الإشارة: 76.

(5) الذكرى: 41، المدارك 2: 71.

(6) جامع المقاصد 1: 365.

(7) نهاية الإحكام 2: 236، التذكرة 1: 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 120

فيه في الأخبار لا يفيده، لأنّه أعم من الحقيقة، كإرادة كلّ قربة من الثاني في آية الصدقات [1]، و تبادره منه في العرف المتأخّر لا يثبته، لأصالة التأخّر.

و ضعف المتضمّن للثالث، الخالي عن الجابر في غير من ذكر- حيث صرّح بعضهم «1» بمخالفة التعدّي إليه للشهرة العظيمة- يمنع من التخصيص به.

و عدم ثبوت إفادة لفظة «ما» الموصولة الواردة في الرابع [2]

للعموم، يضعّف شموله له.

و الأولون احتجّوا للسقوط: بالإجماع، و لعدمه بالعمومات مع ضعف الرضوي. و قد عرفت دفعه.

و الآخرون استدلّوا للسقوط: بصدق سبيل اللّه. و قد مرّ جوابه.

و إذا عرفت عدم ثبوت السقوط في غير الحاضر عند الحجة أو نائبه الخاص تعلم أنّه لا تترتّب فائدة في بحثنا عن سائر متعلّقات تلك المسألة و فروعها.

الرابعة:

إذا وجد بعض الميت، فإن كان قطعة فيه عظم، يجب تغسيله سواء كانت ممّا فيه الصدر و القلب أو الصدر وحده أو غيره، على المشهور، بل في المنتهى: بغير خلاف بين علمائنا «2»، و عن الخلاف الإجماع عليه «3».

لا لعدم سقوط الميسور بالمعسور، لعدم دلالته كما هو في محلّه مذكور.

و لا للصحيح الآتي الآمر بتغسيل عظام الميت و تكفينها و الصلاة عليها، لظهوره في مجموع العظام، مع اشتماله على ما لم يقل به أحد لو عمّمت بحيث تشمل الأبعاض أيضا.

و لا- في الصدر أو ما يشمله- للأخبار الدالّة على وجوب الصلاة عليه «4»

______________________________

[1] إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ .. وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .. (التوبة: 60).

[2] راجع ص 111، مضمرة أبي خالد.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 68.

(2) المنتهى 1: 434.

(3) الخلاف 1: 716.

(4) انظر الوسائل 3: 134 أبواب صلاة الجنازة ب 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 121

بضميمة استلزامه لباقي الأحكام، لمنع الاستلزام، كما صرّح به بعض الأعلام «1»، و تخلّف في الشهيد.

بل- مع الاستصحاب في المبان من الميت- لمضمرة أبي خالد، المتقدّمة «2»، دلّت على وجوب الغسل في أكيل السبع أي ما بقي منه، و هو عام لكلّ أكيل حتى اللحم، خرج منه ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.

و لو جعلت لفظة: «من» في قوله: «من الموتى» تبعيضية لا

بيانية لكانت دلالته أوضح و أظهر، و إن كانت على البيانية أيضا ظاهرة، سيما بملاحظة مرسلة أيوب بن نوح، المتقدّمة «3» في غسل المسّ، المصرّحة بصدق الميتة على القطعة، و الرضوي المنجبر ضعفه بما مر: «و إن كان الميت أكله السبع فاغسل ما بقي منه، و إن لم يبق منه إلّا عظام جمعتها و غسلتها و صليت عليها و دفنتها» «4».

و يستفاد من الأخير بل الاولى وجوب تغسيل جميع العظام أيضا لو وجدت و إن كانت خالية عن اللحم، كما عن الصدوقين في الرسالة [1] و المقنع «5»، و الإسكافي [2]، و في المعتبر [3]، و الذكرى «6»، بل عزي إلى الأكثر أيضا، لما ذكر، و لصحيحة علي، و رواية القلانسي: عن الرجل يأكله السبع و الطير فتبقى عظامه بغير لحم، كيف يصنع به؟ قال: «يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه و يدفن» «7».

______________________________

[1] نقل عنها في المختلف 1: 46.

[2] نقل عنه في المختلف 1: 46.

[3] المعتبر 1: 317 و فيه: و الذي يظهر لي أنه لا تجب الصلاة إلا أن يوجد ما فيه القلب أو الصدر أو اليدان أو عظام الميت.

______________________________

(1) المدارك 2: 73، الحدائق 3: 424.

(2) في ص 111.

(3) في ص 66.

(4) فقه الرضا: 173، المستدرك 2: 287 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 1.

(5) المقنع: 19.

(6) الذكرى: 40.

(7) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 1، التهذيب 3: 329- 1027، 1028، الوسائل 3: 136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 5، 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 122

و إن كان لحما مجرّدا أو عظما منفردا، فظاهر الأكثر عدم الوجوب، بل صرّح به في الأول الحلّي، و الديلمي، و المنتهى، و القواعد،

و الذكرى، و المختلف «1»، ناسبا له إلى المشهور بين علمائنا، و بالثاني جماعة. و في الحدائق الاتّفاق على العدم في الأول و نفي القول بالوجوب في الثاني «2».

فإن ثبت الإجماع فيهما، و إلّا فيشكل ترك الغسل، و لذا أثبته الإسكافي [1] في الثاني، و احتمله بعض آخر فيهما.

و التمسّك للنفي فيهما بالأصل- بعد ما عرفت من المضمرة و الرضوي- لا يتم. و في الأول بما دلّ على نفي الصلاة فيه، للتلازم بعد ما عرفت من عدم ثبوته سيما مع التخلّف في السقط و الصبي- لا يفيد. و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

هذا في التغسيل، و أمّا التكفين فالمشهور بين علمائنا- كما في المختلف «3»- وجوبه في كلّ قطعة ذات عظم، و نسبه الكركي «4» إلى الأصحاب، و به صرّح في المنتهى، و النافع «5»، و حكي عن المقنعة، و النهاية، و المبسوط، و السرائر، و المراسم «6»، و الجامع، و الإرشاد، و التلخيص، و التبصرة «7».

(و استدلّ) [2] له تارة: بقاعدة عدم سقوط الميسور.

______________________________

[1] نقله عنه في المختلف 1: 46.

[2] في «ق»: و استدلوا.

______________________________

(1) السرائر 1: 168، المراسم: 46، المنتهى 1: 434، القواعد 1: 17، الذكرى: 40، المختلف 1: 46.

(2) الحدائق 3: 427، 426.

(3) المختلف 1: 46.

(4) جامع المقاصد 1: 357.

(5) المنتهى 1: 434، النافع: 15.

(6) المقنعة: 85، النهاية: 40، المبسوط 1: 182، السرائر 1: 167، المراسم: 46.

(7) الجامع: 49، الإرشاد 1: 232، التبصرة: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 123

و اخرى: بمرسل أيوب المذكور «1» بضميمة عمومات تكفين الميت.

و ثالثة: بصحيحة علي «2».

و في الكلّ نظر:

أما الأول: فلما مرّ [1].

و أمّا الثاني: فلأنّ الثابت منه كون القطعة ميتة، و العمومات تثبت التكفين

للميت، و اتّحادهما غير معلوم.

و أمّا الثالث: فلاختصاصه بالعظام، و عدم إفادته بنفسه للوجوب.

مع أنّ التكفين لا بالنحو المعهود لا دليل له، و به في المقام قد لا يمكن، و لذا قيل باعتبار القطع الثلاث و إن لم تكن بتلك الخصوصيات «3».

و ربما احتمل اختصاص وجوبها بما تناله الثلاث عند الاتصال بالكلّ. فإن كان ممّا تناله اثنتان منها لفّ فيهما، و إن كان مما لا تناله إلّا واحدة لفّ فيها «4».

و في الشرائع، و عن التحرير و التذكرة، و نهاية الإحكام، و في القواعد:

اختصاص التكفين بالصدر أو ما فيه، و لفّ غيرهما مما فيه عظم في خرقة، كما في اللحم و العظم المنفردين «5».

و لا دليل على شي ء من تلك الأقوال.

فالقول بعدم وجوب التكفين في غير جملة يصدق عليها الميت عرفا قويّ، و إن كان الأحوط عدم تركه فيما فيه الصدر، كما ينبغي أن لا يترك اللفّ في خرقة

______________________________

[1] في ص 120 من الإشارة إلى عدم دلالته، و أوكل التفصيل إلى محله.

______________________________

(1) في ص 66.

(2) المتقدمة في ص 121.

(3) الرياض 1: 69.

(4) انظر كشف اللثام 1: 109.

(5) الشرائع 1: 37، التحرير 1: 17، التذكرة 1: 41، نهاية الإحكام 2: 234، القواعد 1:

17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 124

في كلّ جزء.

و كذا التحنيط لو كان الباقي محلّه، كما عن التذكرة «1»، و عليه يحمل كلام من أطلق كجماعة.

ثمَّ ظاهر الأكثر اختصاص الأحكام المذكورة لذات العظم- من القطع الخالية عن الصدر- بالمبانة من الميت و عدم جريانها في المبانة من الحي، للأصل، و عدم جريان الأدلّة فيها.

و عمّم والدي- رحمه اللّه- في اللوامع، و المعتمد، و جماعة [1] فيهما، لمرسلة أيوب. و قد عرفت ما فيها

«2». و لكنه أحوط، و إن كان التخصيص أظهر.

الخامسة:

من وجب عليه الرجم أو القود يغتسل قبله بالإجماع المحقّق، و المحكي في اللوامع و الحدائق [2]، و عن المعتبر و الذكرى نفي العلم بالخلاف فيه عن الأصحاب «3»، له، و لرواية مسمع: «المرجوم و المرجومة يغتسلان و يتحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك، ثمَّ يرجمان و يصلّى عليهما، و المقتصّ منه بمنزلة ذلك يغتسل و يحنّط و يلبس الكفن ثمَّ يقاد و يصلّى عليه» «4».

و الرضوي: «و إن كان الميت مرجوما بدأ بغسله و تحنيطه و تكفينه ثمَّ يرجم بعد ذلك، و كذلك القاتل إذا أريد قتله قودا» «5».

و هل ذلك على الوجوب فيكون عزيمة؟ كما عن ظاهر الأكثر، و هو صريح

______________________________

[1] منهم العلامة في المنتهى 1: 434، و الشهيد في الذكرى: 40، و صاحب الحدائق 3: 427.

[2] الحدائق 3: 428 قال: و لو لا اتفاق الأصحاب قديما و حديثا على الحكم المذكور لأمكن المناقشة فيه.

______________________________

(1) التذكرة 1: 41.

(2) في ص 122.

(3) المعتبر 1: 347، الذكرى: 42.

(4) الكافي 3: 214، الجنائز ب 78 ح 1، التهذيب 1: 334- 978، الوسائل 2: 513 أبواب غسل الميت ب 17 ح 1.

(5) فقه الرضا: 175، المستدرك 2: 181 أبواب غسل الميت ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 125

الديلمي، و الحلّي «1»، و والدي رحمه اللّه، لظاهر الخبرين.

أو لا فرخصة؟ كما يحتمله كلام جماعة، و تنظّر فيه في الذكرى «2»، للأصل، و عدم صراحتهما في الوجوب. و هو الأظهر، لذلك. فلا يجب أمره به، لعدم المقتضي، و إن استحب لو جهله.

و القول بوجوبه على الإمام أو نائبه لا دليل له و إن قلنا بوجوب الاغتسال،

إلّا من باب الأمر بالمعروف.

و الحقّ الموافق لقصر الحكم المخالف للأصل على مورده تخصيصه بالمرجوم و المقتول قودا، كما هو صريح المنتهى، و نهاية الإحكام «3»، و غير واحد من الثالثة «4»، و حكي عن ظاهر الأكثر [1]، بل عن المفيد، و الديلمي «5» الاقتصار على الأخير.

خلافا لظاهر الشرائع، و القواعد، و عن الجامع، و الذكرى «6»، و في اللوامع نسبه إلى الجماعة، للمشاركة في السبب. و هو قياس باطل.

و صريح الكركي «7» و بعض آخر «8»، و استقربه في نهاية الإحكام «9» أنّه يغتسل غسل الميت فيجب فيه ما يجب فيه حتى التثليث، لبدليته الموجبة للمماثلة، و اقترانه بالتحنيط و التكفين.

______________________________

[1] قال في كشف اللثام 1: 111: و اقتصر الأكثر .. على ما في الخبرين من المرجوم و المقتول قودا ..

______________________________

(1) المراسم: 46، السرائر 1: 167.

(2) الذكرى: 42.

(3) المنتهى 1: 434، نهاية الإحكام 2: 238.

(4) كشف اللثام 1: 111، الحدائق 3: 428.

(5) المقنعة: 85، المراسم: 46.

(6) الشرائع 1: 37، القواعد 1: 17، الجامع: 50، الذكرى: 42.

(7) جامع المقاصد 1: 366.

(8) كالمسالك 1: 12، و المدارك 2: 71.

(9) نهاية الاحكام 2: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 126

و عن روض الجنان «1» احتمال الاكتفاء بغسل واحد، للأصل، و معهودية الوحدة في غسل الأحياء. و أطلق الأكثر.

و المسألة محلّ توقّف، و إن كان مقتضى الأصل أظهر. و التثليث أحوط، بل يومئ إليه إضافة الغسل إلى الضمير في الرضوي.

و يسقط الغسل عنه بعد الموت لو اغتسل قبله، كما عن الخلاف، و المبسوط، و المهذب، و السرائر، و المعتبر «2»، نافيا فيه عنه الريب، و في الشرائع و المدارك «3» مصرّحا فيه بكونه ظاهرا، لظهور الأمر بتقديم

التحنيط و التكفين، و الاقتصار على الصلاة بعد القتل في النص فيه، بل في قوله: «بدأ» في الرضوي، و في إضافة الغسل إلى الضمير الراجع إليه إشعار بل دلالة عليه.

و تدلّ عليه أيضا مرفوعة البرقي «4»، الصريحة في عدم تغسيل أمير المؤمنين المرجوم بعد الرجم.

و لكن الظاهر اختصاص السقوط بما إذا قتل بالسبب الذي له اغتسل، فلو سبق موته قتله أو قتل بسبب آخر غير السببين غسّل، للعمومات.

و لو غسل لأحد السببين و قتل للآخر ففي وجوب التغسيل أو استحباب الغسل ثانيا نظر، و العدم أظهر.

و الظاهر تداخل باقي الأغسال فيه فيكتفي به عنها. بل بها عنه أيضا، لما مرّ في بحث التداخل. و الاحتياط عدمه.

و صريح الخبرين: تقديم التحنيط و التكفين أيضا، كما صرّح الفاضل في المنتهى بهما «5». و لا يضرّ عدم تعرّض الصدوقين، و المفيد [1]، و الجامع، للأول،

______________________________

[1] كذا، و الموجود في الفقيه 1: 96، و المقنعة: 85 خلافه فإنهما تعرضا للتحنيط فراجع.

______________________________

(1) روض الجنان: 113.

(2) الخلاف 1: 713، المبسوط 1: 281، المهذب 1: 55، السرائر 1: 167، المعتبر 1: 347.

(3) الشرائع 1: 37، المدارك 2: 72.

(4) الكافي 7: 188 الحدود ب 9 ح 3، الوسائل 28: 99 أبواب حد الزنا ب 14 ح 4.

(5) المنتهى 1: 434.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 127

و المبسوط، للثاني، و الشرائع «1» لهما، بعد اشتمال النص.

______________________________

(1) الجامع: 50، المبسوط 1: 181، الشرائع 1: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 128

الفصل الثالث: في الغسل
اشارة

و الكلام إمّا في واجباته، أو مستحباته و مكروهاته، أو أحكامه. فهاهنا ثلاث مقامات:

المقام الأول: في واجباته،

و هي أمور:

الأول: إزالة النجاسة العارضة عنه قبل الغسل، على الحقّ المشهور، بل بلا خلاف كما في المنتهى «1»، و إجماعا كما في اللوامع، و عن التذكرة و نهاية الإحكام «2»، و نفى عنه الشبهة في شرح القواعد للكركي «3»، و جعله في المدارك «4» مقطوعا به في كلام الأصحاب.

لا للإجماع المنقول.

و وجوب إزالة النجاسة الحكمية عنه و العينية أولى.

و إيقاع ماء الغسل على محل طاهر، و صون ماء الغسل من التنجس.

و توقّف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية التي لا تحصل إلّا مع ذلك.

و وجوبها في غسل الجنابة المستلزم لوجوبها في غسل الأموات، للمعتبرة الدالّة على اتّحادهما بل في بعضها أنّه عينه.

و النصوص المستفيضة الآمرة بتقديم غسل الفرج على الغسل هنا،

______________________________

(1) المنتهى 1: 428.

(2) التذكرة 1: 38، نهاية الاحكام 2: 223.

(3) جامع المقاصد 1: 368.

(4) المدارك 2: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 129

كروايات ابن عبيد «1»، و حريز «2»، و الكاهلي «3»، و أم أنس «4»، و في غسل الجنابة بضميمة ما يستفاد من المعتبرة من الاتّحاد، و بتقديم تنقية الفرج كخبر يونس، و فيه- بعد الأمر بتهيئة ماء السدر و غسل اليدين-: «ثمَّ اغسل فرجه و نقّه» «5».

لضعف الأول: بعدم الحجية.

و الثاني: بمنع الأولوية، مع عدم استلزامه لوجوب التقديم.

و الثالث: بمنع تنجّسه مطلقا، لكونه واردا أو غسالة مطهّرة أو قبل حصول التطهير به.

و لو سلّم فبمنع اشتراط طهارته مطلقا، بل المسلّم منه ليس إلّا المجمع عليه، و هو قبل الوصول إلى المحل، و أمّا بعده فلا، و لذا يزيل الخبث مع أنّ دليل الاشتراط فيهما واحد، و لا

تضرّ النجاسة الذاتية.

قيل: الغسل عبادة صحته تتوقّف على البيان، و ليس إلّا فيما صين ماؤه عن النجاسة مطلقا، و حيث لا يمكن من الذاتية اغتفر بالإضافة إليها للضرورة دون غيرها «6».

قلنا: البيان بإطلاقات أوامر الاغتسال، الشاملة للمورد أيضا.

و دعوى عدم تبادر مثل ذلك الماء إن أريد منها عدم تبادره بخصوصه فهو كذلك، و مثله جميع أفراد الماء في ذلك. و إن أريد عدم تبادر ما يشمله فهو ممنوع.

و بالجملة: اللازم فيما هو بصدده تبادر الغير، و هو غير حاصل.

______________________________

(1) التهذيب 1: 302- 878، الاستبصار 1: 206- 726، الوسائل 2: 491، أبواب غسل الميت ب 6 ح 2

(2) التهذيب 1: 302- 879، الاستبصار 1: 206- 727، الوسائل 2:

492، أبواب غسل الميت ب 6 ح 1.

(3) الكافي 3: 140، الجنائز ب 18 ح 4، التهذيب 1: 298- 873، الوسائل 2: 481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 5.

(4) التهذيب 1: 302- 880، الاستبصار 1: 207- 728، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 3.

(5) الكافي 3: 141، الجنائز ب 18 ح 5، الوسائل 2: 480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(6) الرياض 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 130

و الرابع: بعدم العلم بالاشتغال بالزائد، مع أنّه يحصل العلم بالبراءة من الإطلاقات.

و الخامس: بمنع الوجوب في غسل الجنابة أولا، و بمنع الاستلزام لو ثبت فيه ثانيا.

و كون غسل الميت مثل غسل الجنب كما في الأخبار لا يفيد المماثلة في جميع الأحكام، و لو أفاد لما أفاد إلّا في جميع أجزاء الغسل و كيفياته لا الأمور الخارجة منه.

و السادس:- مع معارضته بأخبار أخر أقوى سندا دالّة على الابتداء باليدين و الرأس، كحسنة الحلبي «1»،

و صحيحة يعقوب «2»، و غيرهما-: بمنع الدلالة، لأنّ في الأمر بغسل الفرج الشامل للنجس و غيره لا دلالة على أنّه للنجاسة.

و توهّم أنّه لولاه لزم إخراج الأمر عن حقيقته، لعدم القول بوجوب البدأة بغسل الفرج بنفسه، مدفوع: بأنّ معه أيضا يلزم التقييد بصورة العلم بخروج النجاسة، لعدم القول بالوجوب بدونه، و ليس أحدهما أولى من الآخر، مع أنّ خروجها ليس أغلبيا بحيث لا يلتفت إلى غيره.

و لو سلّم ذلك، فلعلّه يكون لإزالة العين المانعة عن وصول الماء لغلبة خروج الغائط.

مع أنّ الأمر به في أكثر الروايات لا يختص بالغسلة الاولى، بل بماء الكافور و القراح أيضا، و ذلك قرينة واضحة على إرادة المستحب، و في بعضها: كما في المرة الاولى. مع أنّ الروايتين الأوليين لا تدلّان على الوجوب، و في الثالثة أمر بالغسل

______________________________

(1) الكافي 3: 138، الجنائز ب 18 ح 1، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

(2) التهذيب 1: 446- 1444، الاستبصار 1: 208- 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 131

بماء السدر و الحرض [1] ثلاثا، و هو ليس بواجب إجماعا.

بل [2] لقوله في خبر يونس- بعد الأمر بإعداد ماء الكافور و غسل اليدين و الفرج-: «و امسح بطنه مسحا رفيقا، فإن خرج منه شي ء فأنقه ثمَّ اغسل رأسه» «1» الحديث.

و خبر أبي العباس: «و اغمز بطنه غمزا رفيقا، ثمَّ طهره من غمز البطن، ثمَّ تضجعه ثمَّ تغسله» «2» الحديث.

و يؤيده الرضوي: «و تبدأ بغسل كفيه، ثمَّ تطهر ما خرج من بطنه» «3».

و الإيراد: بمنع ثبوت الحقيقة الشرعية للإنقاء و التطهير، فلعلّ المراد إزالة العين المانعة من وصول الماء،

يدفعه: عدم القول برجحان تقديم إزالة المانع على الغسل قطعا، بل غايته تقديمها في كلّ جزء على غسله.

و لا يضرّ ما في الثانية من تأخير الإضجاع الغير الواجب قطعا، إذ خروج جزء من الحديث عن ظاهره لا يخرج غيره عنه.

و اختصاص تلك الروايات بنجاسة خاصة و عضو مخصوص بعد عدم القائل بالفرق غير ضائر، و لعلّه للغلبة لا للتغاير.

نعم، الثابت فيه الإجماع المركّب النجاسة العارضة قبل كل غسل فتجب إزالتها قبله. و أمّا العارضة في أثنائه سيما ما لا ينفك عنه غالبا كيد الغاسل و ساتر المغسول و نحوهما فلا، بل يكفي ماء الغسل عنه و عنها على الأصح.

ثمَّ التشكيك في المسألة- كبعض أجلّة المتأخرين «4»- في غير موقعه،

______________________________

[1] الحرض- بالضم-: الأشنان.

[2] مرتبطة بقوله في ص 128: لا للإجماع ..

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 129.

(2) التهذيب 1: 446- 1442، الاستبصار 1: 206- 724، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 9.

(3) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(4) كشف اللثام 1: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 132

و حصول الطهارة من نجاسة دون اخرى بعد دلالة النصوص لا بعد فيه، مع أنّه يجوز زوال العرضية بما يزول به سائر النجاسات و توقف زوال الذاتية على أمر آخر.

الثاني: النية، و وجوبها فيه هو الأصح، وفاقا للمعظم، بل عن الخلاف الإجماع عليه «1»، و في شرح القواعد للكركي: أنّه ظاهر المذهب «2».

لا لتشبيهه بغسل الجنابة، لأنّه لا يوجب النية على غير المغسول. و لا لوجوب الترتيب فيه فيكون غسلا حقيقيا، لعدم دلالته.

بل لعموم ما دلّ على اعتبارها في العمل، خرج ما على خروجه دليل دلّ، و بقي الباقي.

و لتوقّف صدق امتثال الأوامر الواجب بديهة عليها بحكم العرف كما مرّ، و بذلك يثبت اشتراط القربة فيها.

فالتردّد فيه- كما في المدارك، و ظاهر كفاية الأحكام، و عن المعتبر، و نهاية الإحكام، و التذكرة «3»، بل هو ظاهر الشرائع و النافع «4»، حيث لم يذكرها فيهما، أو نفي اعتبارها فيه مطلقا كما عن مصريات السيد [1]- ضعيف. و قد حكي عن المنتهى [2] أيضا. و ما عندنا من نسخته المصحّحة مصرّحة بالوجوب، و إن لم تكن عبارتها خالية عن الاضطراب.

و في وجوب تعدّد النية بتعدّد الغسلات، كما عن الإشارة، و روض

______________________________

[1] كذلك في كشف اللثام 1: 112 قال: و حكى عن مصريات السيد، و لم نعثر على الحاكي.

[2] المنتهى 1: 435 قال: و لا يجب في غسل الميت النية و لا التسمية، و عن أحمد روايتان، و الأصح الوجوب. لنا: أنه غسل واجب فهو عبادة و كل عبادة تجب فيها النية. احتجوا بأن الأصل عدم الوجوب و النقل لا يثبت إلا بالشرع. احتج أحمد بأنه غسل يجب تعبدا عن غير نجاسة فوجهه باقية كالجنابة و لمّا تعذرت النية و التسمية من الميت اعتبرت في الغاسل. و الجواب المعارضة بأن نقول غسل وجب تعبدا عن غير نجاسة فلا تجب النية على الغير كالجنابة.

______________________________

(1) الخلاف 1: 703.

(2) جامع المقاصد 1: 368.

(3) المدارك 2: 81، الكفاية: 6، المعتبر 1: 265، نهاية الإحكام 2: 23، التذكرة 1: 38.

(4) الشرائع 1: 38، النافع: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 133

الجنان «1»، و جماعة، و اختاره والدي رحمه اللّه، للتغاير بينها اسما و صورة و معنى.

و عدمه بل كفاية واحدة للثلاث في أولها، كما عن اللمعة و الذكرى [1]، و

في المدارك و كفاية الأحكام «2»، أي بشرط الاستدامة الحكمية إلى آخر الثلاث، لظهور عدم قولهم بصحة الباقي و لو فعل رياء أو بلا قصد، قولان، أصحّهما: الثاني، للأصل، و صدق الامتثال، كما في أجزاء الصلاة. و لا دخل للتغاير في وجوب التعدّد بعد إرادة الجميع أولا من غسل الميت.

ثمَّ إن اتّحد الغاسل تولّى النية و لم تجزئ عن غيره. و إن تعدّدوا و اشتركوا في الصبّ و التقليب نووا جميعا.

و لو كان البعض يصبّ و الآخر يقلّب فالمشهور- كما في اللوامع- وجوبها على الصابّ، لأنّه الغاسل حقيقة، إذ حقيقة الغسل إجراء الماء، و هو منه.

و عن الذكرى «3» إجزاؤها من المقلّب أيضا، و قوّاه والدي في اللوامع، لأنّ الجريان في بعض الأعضاء و إن حصل بفعل الأول إلّا أنّ حصوله في البعض الآخر يتوقّف على فعل الثاني.

و لتصريح المعتبرة بأنّ الثاني هو الغاسل، كموثّقة سماعة: عن رجل مات و ليس عنده إلّا النساء، قال: «تغسّله امرأة ذات محرم تصبّ النساء عليها الماء» «4».

و نحوها موثّقة البصري «5»، و حسنة الحلبي «6»، و الرضوي «7»، و غيرها.

______________________________

[1] اللمعة (الروضة 1): 122، الذكرى: 44، و ليس فيهما تصريح بكفاية الواحدة، نعم قد يستفاد من إطلاق كلامهما.

______________________________

(1) الإشارة: 75، روض الجنان: 99.

(2) المدارك 2: 81، الكفاية: 6.

(3) الذكرى: 44.

(4) تقدم مصدرها في ص 91.

(5) تقدم مصدرهما في ص 101.

(6) تقدم مصدرهما في ص 101.

(7) فقه الرضا: 166، المستدرك 1: 98 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 134

و لا يخفى أنّ مقتضى الدليل الأوّل اشتراكهما، و مقتضى الثاني اختصاص الثاني، فلا وجه لإجزاء نية أحدهما.

و التحقيق: أنّ الغسل- كما مر- هو

إجراء الماء على العضو، فإن حصل ذلك من الصابّ في جميع الأعضاء و إن توقّف إجراؤه على تقليب الغير، فالغاسل هو الصابّ و النية عليه، و المقلّب ليس إلّا كنازع الثوب. و إن حصل منهما بأن يصبّ أحدهما إلى عضو و يجري الآخر إلى الباقي بمعونة يد أو تحريك عضو بعد الصبّ، فالغسل منهما و النية عليهما. و إن كان الصبّ من أحدهما و يدلك الآخر جميع الأعضاء بحيث يحصل غسل الجميع منه أيضا و إن جرى الجزء الأول من الصاب فيكفي نية الدالك، لحصول الغسل بفعله، و الصابّ آلة له، و عليه تنزّل المعتبرة المتقدّمة.

و مع التعدّد لو ترتّبوا بأن يغسل كلّ واحد منهم بعضا اعتبرت من كلّ واحد عند ابتداء فعله.

الثالث: تغسيله ثلاثا: بماء السدر، و بماء الكافور، و بالقراح. وفاقا لغير الديلمي [1] في التثليث، كما في المدارك، و روض الجنان، و المعتبر «1»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «2»، للنصوص المستفيضة، كصحيحتي ابن مسكان و خالد:

الاولى: عن غسل الميت، قال: «اغسله بماء و سدر، ثمَّ اغسله على أثر ذلك غسلة اخرى بماء و كافور و ذريرة [2] إن كانت، و اغسله ثالثة بماء قراح» قلت:

ثلاث غسلات لجسده كله؟ قال: «نعم» «3».

______________________________

[1] المراسم: 47 قال: الواجب تغسيله مرة بماء القراح.

[2] هي فتات قصب الطيب، و هو قصب يجاء به من الهند كقصب النشاب. (أساس البلاغة:

142.

______________________________

(1) المدارك 2: 79، روض الجنان: 98، المعتبر 1: 265.

(2) الخلاف 1: 694.

(3) الكافي 3: 139، الجنائز ب 18 ح 2، التهذيب 1: 108- 282، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 135

و الثانية: عن غسل الميت كيف يغسل؟

قال: «بماء و سدر، و اغسل جسده كله، و اغسله اخرى بماء و كافور، ثمَّ اغسله اخرى بماء» «1».

و حسنة الحلبي: «إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك و بينه ثوبا يستر عورته إما قميصا أو غيره، ثمَّ تبدأ بكفيه، و تغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ثمَّ سائر جسده، و ابدأ بشقه الأيمن، فإذا أردت أن تغسل فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفّها على يدك اليسرى، ثمَّ أدخل يدك من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله من غير أن ترى عورته، فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخرى بماء و كافور و شي ء من حنوطه، ثمَّ اغسله بماء بحت غسلة اخرى» «2».

و خبره: «يغسّل ثلاث غسلات: مرة بالسدر، و مرة بالماء يطرح فيه الكافور، و مرة أخرى بالماء القراح، ثمَّ يكفّن» «3» الحديث.

و رواية الكاهلي: «استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة، ثمَّ تلين مفاصله، فإن امتنعت عليك فدعها، ثمَّ ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض، فاغسله ثلاث غسلات و أكثر من الماء، و امسح بطنه مسحا رفيقا، ثمَّ تحول إلى رأسه فابدأ بشقه الأيمن من لحيته و رأسه، ثمَّ تثني بشقه الأيسر من رأسه و لحيته و وجهه، و اغسله برفق، و إياك و العنف، و اغسله غسلا ناعما، ثمَّ أضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن، ثمَّ اغسله من قرنه إلى قدمه، و امسح يدك على بطنه و ظهره بثلاث غسلات، ثمَّ رده إلى جنبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر، فاغسله ما بين قرنه إلى قدمه، و امسح يدك على ظهره و بطنه بثلاث غسلات، ثمَّ ردّه إلى قفاه فابدأ بفرجيه بماء الكافور، فاصنع كما صنعت أول مرة، اغسله ثلاث

______________________________

(1) التهذيب

1: 446- 1443، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 6.

(2) الكافي 3: 138 الجنائز ب 18 ح 1، التهذيب 1: 299- 874، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

(3) الكافي 3: 140، الجنائز ب 18 ح 3، التهذيب 1: 300- 876، الوسائل 2: 481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 136

غسلات بماء الكافور و الحرض، و امسح يدك على بطنه مسحا رفيقا، ثمَّ تحوّل إلى رأسه فاصنع كما صنعت أولا» إلى أن قال: «ثمَّ ردّه على ظهره، ثمَّ اغسله بماء القراح كما صنعت أولا» «1» الحديث.

و خبر يونس: «فضعه على المغتسل مستقبل القبلة، فإن كان عليه قميص فأخرج يده من القميص و اجمع قميصه على عورته و ارفع من رجليه إلى فوق الركبة، فان لم يكن عليه قميص فألق على عورته خرقة، و اعمد إلى السدر فصيّره في طست، و صبّ عليه الماء و اضربه بيدك حتى ترتفع رغوته و اعزل الرغوة في شي ء، و صبّ الآخر في الإجّانة التي فيها الماء، ثمَّ اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع، ثمَّ اغسل فرجه و نقّه، ثمَّ اغسل رأسه بالرغوة و بالغ في ذلك و اجتهد أن لا يدخل الماء منخريه و مسامعه، ثمَّ أضجعه إلى جانبه الأيسر و صبّ الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرات، و ادلك بدنه دلكا رفيقا، و كذلك ظهره و بطنه، ثمَّ أضجعه على جانبه الأيمن و افعل به مثل ذلك، ثمَّ صبّ الماء من الإجّانة و اغسل الإجّانة بماء قراح، و اغسل يديك إلى المرفقين، ثمَّ صبّ الماء في الآنية

و ألق فيها حبّات كافور، و افعل به كما فعلت في المرة الأولى ابدأ بيديه ثمَّ بفرجه، و امسح بطنه مسحا رفيقا فإن خرج شي ء فأنقه، ثمَّ اغسل رأسه، ثمَّ أضجعه على جنبه الأيسر، و اغسل جنبه الأيمن و ظهره و بطنه، ثمَّ أضجعه على جنبه الأيمن و اغسل جنبه الأيسر كما فعلت أول مرة، ثمَّ اغسل يديك إلى المرفقين و الآنية و صبّ فيه الماء القراح، و اغسله بالماء القراح كما غسلت في المرتين الأوليين» «2» الخبر. إلى غير ذلك من الأخبار.

و الرضوي: «غسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة، إلّا أنّ غسل الحي»

______________________________

(1) الكافي 3: 140، الجنائز ب 18 ح 4، التهذيب 1: 298- 873، الوسائل 2: 481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 5.

(2) الكافي 3: 141، الجنائز ب 18 ح 5، التهذيب 1: 301- 877، الوسائل 2: 480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 137

مرّة واحدة بتلك الصفات، و غسل الميت ثلاث مرّات على تلك الصفات» «1».

و خلافا لمن ذكر [1]، فاكتفى بالواحد القراح. للأصل. و هو بما مرّ مندفع.

و التشبيه بغسل الجنابة. و هو فيما عدا الوحدة- لو أفاد العموم- لما مرّ سيما الرضوي مخصّص.

و قوله عليه السلام- و قد سئل عن الميت و هو جنب-: «يغسّل غسلا واحدا» «2». و الواحد بالنوع منه متبادر، و لذا فسّره الأصحاب كذلك، فالمراد منه التداخل، و لو لا تبادره يجب الحمل عليه أو الطرح.

و للمحكي عن ابني حمزة و سعيد «3» في الوجوب، فقالا: باستحباب الخليطين و إن أوجبا ثلاثة أغسال، لمثل ما مرّ مع دفعه قطعا.

فروع:

أ: المعتبر في الخليط ما يصحّح الإضافة عرفا و

لا يلزمها، أي يصدق معه ماء السدر و الكافور، و لا يخرجه عن الإطلاق.

أمّا الأول، كما هو المنقول عن الخلاف، و المصباح «4»، و مختصره، و الجملين «5»، و الفقيه، و الهداية، و المقنع «6»، و الوسيلة، و الإصباح، و الغنية، و الكافي «7»، و الإشارة «8»، و الإرشاد، و التبصرة، و التحرير «9»، و النافع، و محتمل

______________________________

[1] و هو الديلمي كما تقدم في ص 134.

______________________________

(1) فقه الرضا: 181، المستدرك 2: 170 أبواب غسل الميت ب 3 ح 1.

(2) الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31.

(3) الوسيلة: 64، الجامع: 51.

(4) الخلاف 1: 694، مصباح المتهجد: 18.

(5) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 50، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 165.

(6) الفقيه 1: 90، الهداية: 24، المقنع: 18.

(7) الوسيلة: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الكافي للحلبي: 134.

(8) الإشارة: 75.

(9) الإرشاد 1: 230، التبصرة: 11، التحرير 1: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 138

الشرائع [1]، و صريح المدارك «1»، بل عزاه بعض من تأخّر إلى الأكثر [2]: فللأمر بالغسل بماء السدر و ماء الكافور في رواية الكاهلي، المتقدّمة «2»، و موثّقة الساباطي: «الجرة الأولى التي يغسل بها الميت بماء السدر، و الجرة الثانية بماء الكافور تفتّ فيها فتّا قدر نصف حبة، و الجرة الثالثة بماء القراح» [3] فلا بد من صدق الاسم عرفا.

و بهما يقيّد ما أطلق فيه الغسل بالسدر، أو بماء و سدر، و ماء و كافور، أو شي ء منهما.

مع أنّ المتبادر من الغسل به أو به و بماء أو بماء و شي ء منهما وجود قدر يصدق معه ماء السدر. و لو منع التبادر فلا شك في احتماله، و معه يجب تحصيلا للبراءة

اليقينية، فلا يجزئ القليل الذي لا يصدق معه اسم الماءين.

خلافا لجماعة- منهم والدي العلّامة- فاكتفوا بمسمّى السدر و الكافور، و إن لم تثبت الإضافة عرفا، و نسبه في البحار، و الحدائق «3»، و اللوامع، إلى المشهور.

و لعلّ وجه الاختلاف في دعوى الشهرة الاختلاف في فهم المراد ممّا أطلقوا من قولهم: ما يصدق عليه الاسم، على أنه أسماء الماءين أو أسماء السدر و الكافور.

و بالجملة مستندهم إطلاق السدر و الكافور و شي ء منهما، مع عدم نصوصية

______________________________

[1] النافع: 12، الشرائع 1: 38 قال: ثمَّ يغسل بماء السدر .. و أقل ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم.

[2] قال في الرياض 1: 53 و يكفي منه فيه ما يصدق معه ماء السدر على الأشهر الأظهر.

[3] التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10. فتّ الشي ء: كسره بالأصابع كسرا صغيرة.

______________________________

(1) المدارك 2: 82.

(2) في ص 135.

(3) بحار الأنوار 78: 292، الحدائق 3: 453.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 139

ما قيد الأول بسبع ورقات، و الثاني بنصف حبّة أو حبّات في الوجوب.

و يضعّف: بأنّهما و إن كانا مطلقين صادقين على المسمّى أيضا إلّا أنّ الغسل بهما المأمور به لا يتحقّق عرفا بمطلق المسمّى. و أيضا: صدقهما- مع أنّ ماء السدر و الكافور لا يصدقان على ما يدخله قدر رأس إبرة أو نصف حنطة منهما قطعا- لا يفيد، لوجوب حمل المطلق على المقيد.

و للمحكي عن المفيد، فقدّر السدر برطل و نحوه «1»، و عن القاضي فبرطل و نصفه «2». و لم نعثر لهما على دليل.

و عن بعضهم. فبسبع ورقات [1].

و لعله لخبر ابن عبيد: عن غسل الميت، قال: تطرح عليه خرقة

ثمَّ يغسل فرجه، و يوضّأ وضوء الصلاة، ثمَّ يغسل رأسه بالسدر و الأشنان، ثمَّ الماء و الكافور، ثمَّ بالماء القراح، يطرح فيه سبع ورقات صحاح في الماء» «3».

و نحوه خبر حريز إلّا أنّ فيه: «ثمَّ يوضّأ» «4».

و فيه: أنّ ظاهرهما إلقاؤها في القراح كما صرّح به في رواية ابن عمار أيضا:

«أمرني أبو عبد اللّه- عليه السلام- أن أعصر بطنه ثمَّ أوضّيه، ثمَّ أغسله بالأشنان، ثمَّ أغسل رأسه بالسدر و لحيته، ثمَّ أفيض على جسده، ثمَّ أدلك به جسده ثمَّ أفيض عليه ثلاثا، ثمَّ أغسله بالماء القراح، ثمَّ أفيض عليه الماء بالكافور و بالماء القراح و أطرح فيه سبع ورقات سدر» «5».

______________________________

[1] كذلك حكي في الشرائع 1: 38 عن بعضهم و لم نعثر على شخصه.

______________________________

(1) المقنعة: 74.

(2) المهذب 1: 56.

(3) التهذيب 1: 302- 878 الاستبصار 1: 206- 726 الوسائل 2: 491 أبواب غسل الميت ب 6 ح 1.

(4) التهذيب 1: 302- 879، الاستبصار 1: 206- 727، الوسائل 2:

492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 2.

(5) التهذيب 1: 303- 882، الاستبصار 1: 207- 729، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 140

ثمَّ المستفاد من تلك الروايات حيث جوّزت طرح الأوراق الصحاح في الماء القراح عدم صدق الغسل بماء السدر معه، و يلزمه وجوب كونه مطحونا أو ممروسا [1] في الغسل الأول. و هو كذلك وفاقا لجماعة [2]، لذلك [و] [3] لتوقف صدق مائه و الغسل به عليه. و خلافا لبعض من اكتفى بمسمّاه، لصدق المسمّى [4]. و دفعه ظاهر.

و أمّا الثاني [5]، كما هو صريح القواعد، و التذكرة، و نهاية الإحكام «1»، و محكي عن الإشارة، و الجامع

[6]، و نسبه في الحدائق و اللوامع إلى المشهور «2»، فللأمر في عدّة أخبار- تقدّم بعضها- بالغسل بماء و سدر و ماء و كافور، أو ماء فيه شي ء منهما، و المضاف ليس ماء. و التجوّز في السدر و الكافور بعلاقة ما كان- حيث خرجا بالتمريس و التفتيت و الاستهلاك في الماء عن حقيقتهما- لا يوجب التجوّز في الماء أيضا.

و قد يتمسّك بمطهّرية الماءين، و غير المطلق لا يطهّر.

و المقدّمتان ممنوعتان في المقام، و إثبات الأولى بوجوب الترتيب و طهارة الماء و إزالة الخبث ضعيف غايته.

خلافا لظاهر المنتهى «3»- كما قيل- حيث جعل غسل الرأس بالرغوة من

______________________________

[1] مرس الدواء: نقعه في الماء و مرثه باليد حتى تتحلل أجزاؤه.

[2] كما اختاره في المدارك 2: 82، و الذخيرة: 84، و الرياض 1: 53.

[3] ما بين المعقوفين لاستقامة المعنى.

[4] قال في الروض: 99: و ينبغي كونه مطحونا أو ممروسا في الماء بحيث تظهر به الفائدة المطلوبة منه، و في وجوب ذلك نظر.

[5] أي: اشتراط عدم خروج الماء عن الإطلاق.

[6] إشارة السبق: 75، و لم نعثر عليه في الجامع و حكى عنه في كشف اللثام 1: 112.

______________________________

(1) القواعد 1: 17، التذكرة 1: 38، نهاية الإحكام 2: 223.

(2) الحدائق 3: 454.

(3) المنتهى 1: 428.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 141

الواجب، و المدارك، و البحار، و الحدائق «1». و عن الذكرى، و شيخنا البهائي التردّد فيه «2». و في البحار: أنّ الظاهر من أكثر الأصحاب أنّ غسل الرأس برغوة السدر محسوب من غسل السدر الواجب [1].

لأصالة عدم الاشتراط، و الأمر بغسل الرأس من الرغوة- التي هي ليس ماء مطلقا قطعا- في خبر يونس، المتقدّم «3»، و الرضوي: «ثمَّ تغسل رأسه و

لحيته برغوة السدر، و تتبعه بثلاث حميديات، و لا تقعده إن صعب عليك، ثمَّ تقلبه على جنبه الأيسر» [2] الخبر.

و الأول مندفع: بما مرّ.

و الثاني: بأنّ المراد بالرغوة ما يشبهها من الماء المطلق بقرينة قوله فيه:

«و اجهد أن لا يدخل الماء منخريه و مسامعه».

و لو جوّز العكس لم يفد أيضا، لحصول الاحتمال الموجب للإجمال، المسقط للاستدلال، المانع من ترك المطلقات.

مع أنّ كون هذا الغسل من الواجب دون المستحب الذي ذكره الجماعة لا يعلم إلّا من عدم ذكر غسل آخر للرأس، و مجرد ذلك لا يعارض الأمر بغسله بالماء المطلق.

و أمّا ردّه «4»: بعدم استلزام الإرغاء إضافة الماء الذي تحت الرغوة فغريب، للتصريح بالغسل بالرغوة دون ما تحتها. و الظاهر أنّه مأخوذ من كلام بعض

______________________________

[1] بحار الأنوار 78: 294. و فيه: و الظاهر من أكثر الأخبار أنه محسوب من غسل السدر الواجب.

و رغوة اللبن- مثلثة-: زبدة.

[2] فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3. و الحميد من الأباريق: الكبير في الغاية (مجمع البحرين 3: 40).

______________________________

(1) المدارك 2: 82، بحار الأنوار 78: 292، الحدائق 3: 459.

(2) الذكرى: 45، الحبل المتين: 60.

(3) في ص 136.

(4) كما في الرياض 1: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 142

الأجلّاء [1]، و لكنه ذكر ذلك لقصد آخر.

و الثالث: بعدم الدلالة على كونه هو الواجب، و لعلّه ما يتبعه من الحميديات، بل هو الظاهر، و إلّا لزم استحباب أربع غسلات في عضو، و لا قائل به.

ب: ليس في كافور الخليط حدّ واجب غير ما يفيد الإضافة، و ليس في خبر يونس المقدّر له بحبات- بعد تقديره في الموثّق السابق «1» بنصف حبّة- دلالة على الوجوب مفيدة لتقييد

المطلقات، كما لا يقيده ما روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام غسّل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثلاثة مثاقيل «2».

و تقدير المفيد، و الديلمي، و ابن سعيد «3»، بنصف مثقال خال عن الدليل، مع أنّ كلامهم ليس نصّا في الوجوب، كيف!؟ و الثاني لا يرى وجوب غير القراح.

و لا يتعيّن الخام منه، للأصل. خلافا لنادر، لوجه قاصر «4».

ج: التغسيل بماء الكافور مخصوص بالمحلّ، فلا يغسل المحرم بمائه إجماعا، كما عن الغنية [2]، و في المنتهى، و شرح القواعد للكركي «5»، للنهي عن تقريبه الطيب- الذي منه الكافور- في المستفيضة الآتية في بحث التحنيط «6».

د: المعتبر في القراح- أي الخالص- خلوصه عن الخليطين، لأنّه المتبادر

______________________________

[1] الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 113.

[2] الغنية (الجوامع الفقهية): 563، و معقد الإجماع في كلامه هو التحنيط بالكافور دون التغسيل.

______________________________

(1) في ص 138.

(2) التهذيب 1: 450- 1464، الوسائل 2: 485 أبواب غسل الميت ب 2 ح 11.

(3) المقنعة: 75، المراسم: 47، الجامع: 51.

(4) المراسم: 47، و انظر مفتاح الكرامة 1: 429.

(5) المنتهى 1: 432، جامع المقاصد 1: 398.

(6) في ص 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 143

من المقابلة. لا الخليط مطلقا حتى التراب- كما قيل «1»- إلّا أن يخرجه عن الإطلاق، و إن كان اعتباره مطلقا أحوط. و المراد باعتبار خلوصه عنهما اشتراطه لا عدم اشتراطهما، كما تدلّ عليه أوامر الغسل بالقراح.

و المعتبر في خلوصه عنهما خلوصه عمّا يجعله ماء سدر و كافور، و الغسل غسلا بهما، فلا يضرّ القليل منهما، أو الغير الممتزج من السدر، لأنّه الثابت من التقابل، مع ما مرّ «2» من الخبرين الآمرين بإلقاء سبع ورقات في الماء القراح، و لأجله يحمل

الخبر المتقدّم «3»- الآمر بغسل الآنية عن الماءين قبل صبّ القراح فيها- على الاستحباب، سيما مع اشتماله على كثير من المستحبّات.

الرابع: الترتيب بين الغسلات الثلاث، فيبدأ بالسدر ثمَّ الكافور ثمَّ القراح، و في كلّ منها بين الأعضاء، فيبدأ بالرأس ثمَّ الأيمن ثمَّ الأيسر، بالإجماع، كما على الأول في اللوامع عن المعتبر [1]، و في الحدائق أنّه مذهب الأصحاب «4»، و على الثاني عنه و عن الانتصار، و الخلاف، و ظاهر التذكرة «5».

لصحيحتي ابن مسكان «6» و خالد «7»، و موثّقة الساباطي «8»، و خبري ابن عبيد

______________________________

[1] المعتبر 1: 265 و فيه: يجب تغسيلة ثلاث مرات أوّلا بماء السدر ثمَّ بماء الكافور ثمَّ بالماء القراح و لا يجوز الاقتصار على الواحدة إلا عند عوز الماء، و هو مذهب الأصحاب خلا سلار فإنه اقتصر على الوجوب على المرة بالماء القراح و ما زاد على الاستحباب.

______________________________

(1) السرائر 1: 162، و الذكرى: 44.

(2) في ص 139.

(3) في ص 136.

(4) الحدائق 3: 444.

(5) المعتبر 1: 266، الانتصار: 36، الخلاف 1: 693، التذكرة 1: 38.

(6) الكافي 3: 139 الجنائز ب 18 ح 2، التهذيب 1: 108- 282، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 1.

(7) التهذيب 1: 446- 1443، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 6.

(8) تقدم مصدرها في ص 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 144

و حريز «1»، في الأول. و حسنة الحلبي، و روايتي الكاهلي و يونس «2» فيهما، مضافة إلى غيرها ممّا لم يذكر من الأخبار.

و بها تقيّد الأخبار المطلقة. و اشتمالها على كثير من المستحبات غير قادح في الأصل. فالقول باستحباب الأول- كما عن ابن حمزة [1]- للأصل ضعيف، مع أنّ

في النسبة أيضا كلاما [2].

و لو أخلّ بالترتيب في الثاني أعاد على ما يتضمّنه إجماعا، و كذا في الأول على الأصح، لمخالفة الأمر، فلم يأت بالمأمور به. و عن التذكرة، و نهاية الإحكام التردّد «3».

و هل يجوز الارتماس هنا كالجنابة فيسقط ثاني الترتيبين؟ كما ذكره في القواعد و شرحه «4» و جمع من المتأخّرين [3]، للمستفيضة المسوّية بين غسل الميت و غسل الجنابة «5»، و لإيجاب جوازه فيه جوازه هنا بالأولوية. أو لا يجوز؟ كما استشكل فيه جمع آخر، منهم المدارك، و البحار «6»، للأمر بالترتيب المنافي للارتماس في الأخبار، الموجب لتقييد ما أطلق فيه الغسل، و عدم اقتضاء المماثلة التسوية في جميع الأحكام. و هو في موقعه، بل الأظهر عدم الجواز، لما ذكر.

______________________________

[1] الوسيلة: 64 قال: و ما يتعلق بالغسل فأربعة أضرب واجب و مندوب و محظور و مكروه، فالواجب ستة أشياء .. و تغسيله ثلاث مرات .. و المندوب سبعة و عشرون .. و عدّ منها-: غسله أولا بماء السدر و ثانيا بماء جلال الكافور و ثالثا بالماء القراح.

[2] فإنه استظهر في كشف اللثام 1: 111 من كلام ابن حمزة القول باستحباب الخليط لا استحباب الترتيب مع وجود الخليط.

[3] منهم الشهيد الثاني في الروض: 99، و صاحب الرياض 1: 54.

______________________________

(1) تقدم مصدرهما في ص 139.

(2) تقدمت الروايات الثلاث في ص 135، 136.

(3) التذكرة 1: 39، نهاية الإحكام 2: 224.

(4) القواعد 1. 18، جامع المقاصد 1: 378.

(5) انظر الوسائل 2: 486 أبواب غسل الميت ب 3.

(6) المدارك 2: 81، بحار الأنوار 78: 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 145

الخامس: طهارة الماء و إباحته و إطلاقه، بالإجماع في الثلاثة و الأخبار.

السادس: إباحة مكان الغسل

و الآنية و الخليطين، و يظهر وجهه مما يأتي في التيمّم في المكان المغصوب، و الصلاة في اللباس المغصوب.

السابع: ستر عورته باتفاق الأصحاب كما في اللوامع، للأمر به في حسنة الحلبي و رواية يونس، المتقدّمتين «1»، و غيرهما.

و مقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين الزوج أو الزوجة و غيرهما، بل صرّح به في بعض أخبارهما «2» أيضا، فالقول بعدم الوجوب فيهما غير جيد، و جواز النظر لو سلّم لا يوجب التقييد.

و كذا الصغير الذي يجوز غسله لغير المماثل، بل في المماثل أيضا على الأحوط. و كذا يقتضي الوجوب على الأعمى و الواثق من نفسه بكفّ البصر، و إن كان شمول الإطلاقات للأعمى محل نظر.

الثامن: لف الغاسل خرقة على يده عند غسل العورة، للأمر به في حسنة الحلبي، المتقدّمة، و تؤيّده موثّقة الساباطي، و فيها: «و يكون على يدك خرقة تنقي بها دبره» «3».

المقام الثاني: في مستحباته و مكروهاته.

أمّا المستحبات فأمور:

منها: وضع الميت على شي ء مرتفع من ساجة أو سرير، بلا خلاف كما في المنتهى «4»، و أسنده في اللوامع إلى عمل الفرقة شائعا، و هو فيه الحجة، لكونه مقام المسامحة، مضافا إلى أقربيته إلى الاحترام، و أوفقيته لحفظ الجسد عن التلطخ،

______________________________

(1) في ص 135، 136.

(2) انظر الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 20.

(3) تقدم مصدرها في ص 135، 138.

(4) المنتهى 1: 428.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 146

و أبعد عن الهوام، و يومئ إليه الأمر بوضعه على المغتسل في بعض الأخبار [1].

منحدرا مكان الرجلين، لفتوى جمع الأجلّة [2]، و لئلّا يجتمع الماء تحته.

موجّها إلى القبلة نحو حال الاحتضار، وفاقا للمصريات [3] و الوسيلة و الغنية «1»، و الإصباح [4]، و المعتبر، و الشرائع، و النافع «2»، و اللوامع،

و القواعد و المدارك «3»، بل هو الأشهر، كما صرّح به جمع ممن تأخّر [5].

أمّا الرجحان: فلما مرّ من دعوى الشهرة، بل اتّفاق أهل العلم، كما في المعتبر «4»، و ما تقدّم من خبري الكاهلي و يونس «5».

و الرضوي: «و يكون مستقبل القبلة، و يجعل باطن رجليه إلى القبلة و هو على المغتسل» «6».

و صحيحة ابن خالد: «إذا مات لأحدكم ميت فسجّوه تجاه القبلة، و كذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن قدميه و وجهه إلى القبلة» «7».

و أمّا عدم الوجوب: فللأصل، و خلوّ غير الأوّلين عن الدالّ على الوجوب.

______________________________

[1] كما في خبر يونس المتقدم في ص 136.

[2] كما افتى به في جامع المقاصد 1: 373، و كشف اللثام 1: 113، و الرياض 1: 55.

[3] للسيد المرتضى نقل عنه في كشف اللثام 1: 113.

[4] للصهرشتي، نقل عنه في كشف اللثام 1: 113.

[5] صرح به في الرياض 1: 55، و في الحدائق 3: 449 أنه المشهور بين الأصحاب، و في المدارك 2:

86 نسبه إلى الأكثر.

______________________________

(1) الوسيلة: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(2) المعتبر 1: 269، الشرائع 1: 38، النافع: 12.

(3) القواعد 1: 18، المدارك 2: 86

(4) المعتبر 1: 269.

(5) في ص 135، 136.

(6) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 171 أبواب غسل الميت ب 5 ح 1.

(7) التهذيب 1: 298- 872، الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 147

و أمّا هما و إن اشتملا على الأمر و لكن يتعيّن حملهما على الاستحباب، لصحيحة ابن يقطين: عن الميت كيف يوضع على المغتسل، موجّها وجهه نحو القبلة، أو يوضع على يمينه و وجهه نحو القبلة؟ قال: «يوضع

كيف تيسّر فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره» «1».

خلافا للمنتهى، و الكركي، و شيخنا البهائي «2»، و عن المبسوط، و الدروس، و المسالك «3»، فأوجبوه لما ذكر، و أجابوا عن الصحيحة تارة: بعدم المنافاة، لأنّ ما تعسّر لا يجب، و اخرى: بأنّ الظاهر منها التخيير بين الأمرين المذكورين فيها، و ثالثة: بأنّ غايتها التعميم باعتبار الجهة فيجب التخصيص بما مرّ لكونه أخصّ مطلقا.

و يضعّف الأول: بأنّه قد يتيسر جميع الجهات فيدلّ على عدم وجوب جهة خاصة.

و الثاني: بأنّ اختصاص السؤال لا يخصّص عموم الجواب.

و الثالث: بأنّ هذا التخصيص غير جائز، لإيجابه خروج غير الواحد، فالتعارض متحقّق، و الحمل على الاستحباب متعيّن، و الاحتياط سبيل النجاة.

و أن يكون الغسل تحت الظلال لا في الفضاء، بالإجماع، كما عن المحقّق و الشهيدين «4»، لصحيحة علي «5» و خبر طلحة «6».

و منها: تغسيله عاريا مستور العورة، كما صرّح به الصدوق في الهداية،

______________________________

(1) التهذيب 1: 298- 871، الوسائل 2: 491 أبواب غسل الميت ب 5 ح 2.

(2) المنتهى 1: 428، جامع المقاصد 1: 374، الحبل المتين: 62.

(3) المبسوط 1: 77، الدروس 1: 105، المسالك 1: 13.

(4) المعتبر 1: 275، الذكرى: 45، الروض: 101.

(5) الكافي 3: 142 الجنائز ب 18 ح 6، الفقيه 1: 86- 400، التهذيب 1: 431- 1379 الوسائل 2: 538 أبواب غسل الميت ب 30 ح 1.

(6) التهذيب 1: 432- 1380، الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 148

و الشيخ في الخلاف «1»، بل الظاهر عدم الخلاف فيه، و هو الدليل عليه، مضافا إلى قوله في خبر يونس، المتقدّم «2»: «فإن كان عليه قميص» إلى آخره.

نعم، وقع الخلاف

في أنّ الأفضل هل هو ستر العورة بالقميص- إن كان له- بأن يجمعه من الفوق و التحت عليها، أو نزعه و سترها بغيره؟

و الحقّ هو الأول، وفاقا لصريح الصدوق «3»، بل أكثر الثالثة [1] كما في اللوامع، بل الأكثر مطلقا كما عن الروضة «4»، و نسب إلى العماني [2]، و فيه نظر [3].

لما مرّ من خبر يونس، و للصحاح الثلاث لأبناء مسكان و خالد و يقطين [4]:

في الأولى: قلت: يكون عليه ثوب إذا غسل؟ قال: «إن استطعت أن يكون عليه قميص فغسله من تحته» و قريب منه في الثانية.

و في الثالثة: «و لا تغسّلوه إلّا في قميص يدخل رجل يده و يصب عليه من فوقه».

و مقتضى الحقيقة في الاولى و الأخيرة و إن كان الوجوب، إلّا أنّ عدم القول به، بل الإجماع على التخيير بين الأمرين- كما صرّح به في الخلاف «5»- مضافا إلى الرضوي المنجبر بذلك: «و تنزع قميصه من تحته أو تتركه عليه إلى أن تفرغ عن

______________________________

[1] منهم صاحب المدارك 2: 88، و المجلسي في بحار الأنوار 78: 293، و صاحب الرياض 1: 55.

[2] قال العلامة في المختلف: 43 المشهور أنه ينبغي أن ينزع القميص عن الميت ثمَّ يترك على عورته ما يسترها واجبا ثمَّ يغسله الغاسل. و قال ابن أبي عقيل: السنة في غسل الميت أن يغسل في قميص نظيف.

[3] بالتأمل في الكلام الذي نقله عنه في المختلف.

[4] تقدم مصدر الأوليين في ص 135، 134 و الثالثة رواها في التهذيب 1: 446- 1444، الاستبصار 1:

208- 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

______________________________

(1) الهداية: 24، الخلاف 1: 692.

(2) في ص 136.

(3) الفقيه 1: 90، الهداية: 24.

(4) الروضة 1: 127.

(5)

الخلاف 1: 692.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 149

غسله لتستر به عورته، و إن لم يكن عليه القميص ألقيت على عورته شيئا مما يستر عورته» «1» الخبر، أوجب الصرف.

و خلافا للمنتهى، و عن المفيد، و النهاية، و المبسوط «2» فعكسا، بل عن المختلف نسبته إلى الأكثر [1]، لأنّه أبلغ للتطهير، و لموثّقة الساباطي: عن غسل الميت، فقال: «تبدأ فتطرح على سوءته خرقة» «3» الحديث.

و روايتي ابن عبيد و حريز، المتقدّمتين «4».

و رواية أم أنس: «فإذا أردت غسلها فابدئي بسفليها فألقي على عورتها ثوبا ستيرا» «5» الحديث.

و يضعّف الأول: بعدم صلاحيته لتأسيس حكم.

و البواقي: بأنها أعم من أن يكون عليه القميص أولا، فيخصّص بما مرّ لكونه أخصّ، مع أنه صرّح بذلك في الرضوي كما مرّ «6»، بل لنا أن نقول بأعمية الخرقة و الثوب من القميص.

و للخلاف، فخيّر بين الأمرين، لدعوى الإجماع فيه عليه «7»، و للجمع بين الأخبار، و لحسنة الحلبي: «فاجعل بينك و بينه ثوبا يستر عورته إمّا قميصا أو غيره» «8».

______________________________

[1] المختلف: 43 و فيه ما تقدم نقله فراجع.

______________________________

(1) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(2) المنتهى 1: 428، المقنعة: 76، النهاية: 33، المبسوط 1: 178.

(3) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.

(4) المتقدمتين في ص 139.

(5) التهذيب 1: 302- 880، الاستبصار 1: 207- 728، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 3.

(6) في ص 148.

(7) الخلاف 1: 692.

(8) تقدم مصدرها في ص 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 150

و يردّ الأول: بأن الجمع بالتخصيص مقدّم قطعا. و الثانيان: بأنّهما لا ينافيان أفضلية أحد الفردين.

و للمنقول

عن ابن حمزة، فأوجب النزع [1]. و لم نعثر له على حجة تامة.

هذا و قد اشتبهت المسألة على بعض متأخّري المتأخّرين [2]، و حمل الغسل في القميص على اشتماله على جملة البدن- كما هو مذهب الشافعي «1»- و اختار استحبابه و جعل الغسل عاريا مقابلا له و لوضع الخرقة، و جوّز جمع القميص أيضا. و احتجّ لما اختاره: بفعل الوصي بالنبي، و أخبار الغسل في القميص.

و هو غفلة عن المراد، و الغسل في القميص الوارد في الأخبار أعم منه و من جمعه على العورة، فيجب الحمل عليه، لخبر يونس و الرضوي.

مع أنّ فعل الوصي لعلّه كان مختصا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل هو المستفاد من المروي في الطرف لابن طاوس، و مصباح الأنوار: قال علي عليه السلام: «غسلت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا وحدي و هو في قميصه، فذهبت أنزع منه القميص، فقال جبرئيل: يا علي لا تجرّد أخاك فإن اللّه لم يجرّده» [3].

و في دعائم الإسلام: «فلمّا أخذت في غسله سمعت قائلا من جانب البيت يقول: لا تنزع القميص منه، فغسلته في قميصه» «2».

ثمَّ إنّ مع الغسل في القميص يستحب نزعه من تحته بعد فتقه، لصحيحة ابن سنان، المروية في الكافي، و فيها بعد ذكر الشدّ بالخرقة: «ثمَّ تخرق القميص

______________________________

[1] نقله عنه في جامع المقاصد 1: 375.

[2] لعل المراد منه صاحب الحدائق 3: 448.

[3] الطرف: 48، و رواه في بحار الأنوار 78: 305 عنه و عن مصباح الأنوار.

______________________________

(1) الامّ 1: 265.

(2) دعائم الإسلام 1: 227.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 151

إذا غسل و تنزع من رجليه» «1» الحديث. و لضعف الرواية [1] لا تنتهض

حجة على الفتق إذا لم يأذن الورثة، و لذا استثناه الأكثر.

و هل يحتاج القميص أو الخرقة الملقاة بعد النزع إلى التطهير أم لا؟

صرّح جماعة [2] بأنّ الظاهر من الإطلاقات طهره بماء الغسل و إن لم يعصر.

و لم يظهر لي وجه الظهور منها، و لعلّه لأنه لولاه لزم تنجّس بدن الميت بملاقاته قبل تمام الغسل مع لزوم إزالته قبل الغسل و بعد الغسل، مع أنه لو كان كذلك لأمر بتطهيره.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    151     المقام الثاني: في مستحباته و مكروهاته. ..... ص : 145

يردّ: بأن وجوب تقديم إزالة مثل تلك النجاسة على الغسل أيضا بالإجماع المركّب غير ثابت، بل لا يجب تقديمه على غسل الموضع، أيضا، فإنه يطهّر عن الحدث و الخبث بماء واحد. و التنجيس بعد الغسل لا يلزم الأمر بالتطهير في تلك الأخبار، لأنّه يعلم من الخارج.

إلّا أنّ توقّف تطهير كلّ ثوب عن كلّ نجاسة على العصر إنّما هو بالإجماع المركّب المعلوم انتفاؤه في المورد، فهو الدليل على عدم الحاجة إلى العصر دون الإطلاقات.

و منها: تليين أصابعه و مفاصله برفق- إلّا مع التعسّر- بالإجماع، كما عن الخلاف و المعتبر «2»، له، و لخبر الكاهلي، المتقدّم «3»، و الرضوي: «و ليّن مفاصله» إلى أن قال: «و تليين أصابعه و مفاصله ما قدرت بالرفق، و إن كان صعب عليك فدعها» «4».

______________________________

[1] يريد به ضعف الرواية من حيث الدلالة و يحتمل وقوع تصحيف في العبارة و الصحيح: و لضعف الدلالة ..

[2] صرّح به في الذكرى: 44 و جامع المقاصد 1: 375، و المدارك 2: 88.

______________________________

(1) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 9، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 8.

(2)

الخلاف 1: 691، المعتبر 1: 272.

(3) في ص 135.

(4) فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 152

مقدّما على غسل الفرج، لدلالة الخبرين عليه، قبل غسل اليدين أو معه أو بعده.

و لا ينافيه النهي عن غمز المفصل في حسنة حمران «1»، و تكريهه في خبر طلحة «2»، لجواز كون التليين غير الغمز لاشتماله على العنف دونه، مع أنّ المنهي عنه مطلقه و المأمور به مع الرفق، فيحمل المطلق على المقيّد لو لم يتغايرا كلّيا. و ربما حمل على ما بعد الغسل، و فيه بعد، إلّا أنّ إرادة أثناء الغسل ممكنة، و التليين قبله.

و عن العماني المنع منه [1]، و لكن فتواه مضمون الخبر، فيجري فيه ما مرّ.

و منها: غسل كفّيه، بالإجماع المحكي عن الغنية «3»، له، و لقوله في حسنة الحلبي، المتقدّمة «4»: «ثمَّ يبدأ بكفّيه» و رواية ابن خثيمة [2] و فيها: «يبدأ فيغسل يديه، ثمَّ يوضّئه وضوء الصلاة» «5» الحديث.

من رؤوس الأصابع إلى نصف الذراع، كما في الدروس و شرح القواعد و المدارك «6»، لخبر يونس، المتقدّم «7»، و الرضوي: «يبدأ بغسل اليدين إلى نصف

______________________________

[1] نقل عنه في المختلف: 42.

[2] في جميع المصادر أبي خيثمة.

______________________________

(1) التهذيب 1: 447- 1445، الاستبصار 1: 205- 723، الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت ب 9 ح 1.

(2) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 3، التهذيب 1: 323- 941، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 4.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(4) في ص 135.

(5) التهذيب 1: 303- 883، الاستبصار 1: 207- 730، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 4.

(6) الدروس 1:

106، جامع المقاصد 1: 376، المدارك 2: 90.

(7) في ص 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 153

المرفقين ثلاثا ثلاثا، ثمَّ الفرج ثلاثا» «1» الخبر.

و لا ينافيه التعبير في سابقة باليدين، للعموم. و لا بالكفّين، لاحتماله. مع أنّ استحباب شي ء لا ينافي استحباب الزائد.

ثلاثا، كما في الكتب الثلاثة المتقدّمة «2»، و عن الاقتصاد، و المصباح، و مختصره، و السرائر «3»، و الفقيه، و رسالة والده [1]، للخبرين المذكورين.

بماء السدر، كما صرّح به في الفقيه و الرسالة «4»، لذلك.

مقدّما على غسل الفرج، كما في الأخير [2]، للخبرين، فإنّهما مصرّحان بذلك.

و لا يعارضهما قوله في رواية الكاهلي: «ثمَّ ابدأ بفرجه» لأنها- مع أنّ بإزائها الروايات المصرّحة بالبدأة باليدين- ظاهرة في أنّ المراد البدأة بالإضافة إلى ما ذكر فيها، مع أنها أعم ممّا إذا غسل اليدين أوّلا، فتحمل على المقيدين.

و منها: غسل فرجيه إن لم يعلم فيهما نجاسة، و إلّا وجب كما مرّ، لأخبار يونس «5»، و ابن عبيد و حريز «6».

ثلاثا، للرضوي المتقدّم «7»، و فيه أيضا- بعد غسل اليدين-: «و يلف غاسله على يده خرقة، و يصبّ غيره الماء من فوق يديه، ثمَّ تضجعه» إلى أن قال: «و تغسل قبله و دبره بثلاث حميديات، و لا يقطع الماء عنه، ثمَّ تغسل رأسه

______________________________

[1] الفقيه 1: 90، و نقله في الهداية: 24 عن رسالة والده.

[2] الهداية: 24 نقلا عن والده.

______________________________

(1) فقه الرضا: 181، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(2) في ص 152.

(3) الاقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18، السرائر 1: 162.

(4) راجع الرقم 4.

(5) المتقدم في ص 136.

(6) المتقدمين في ص 139.

(7) في ص 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 154

و لحيته برغوة السدر،

و تتبعه بثلاث جريات [1]، و لا تقعده إن صعب عليك، ثمَّ اقلبه على جنبه الأيسر» الخبر.

و لقوله في رواية الكاهلي، المتقدّمة «1»: «ثمَّ ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض، و اغسله ثلاث غسلات، و أكثر من الماء».

مكثرا عليه الماء، كما عن النهاية، و المبسوط، و في المنتهى «2»، لتلك الرواية.

بماء الحرض- أي الأشنان- كما في رسالة الصدوق [2]، و النافع، و عن المقنعة، و الاقتصاد، و المصباح و مختصره، و المراسم، و السرائر «3». بل مع إضافة السدر كما في المنتهى، و القواعد، و عن النهاية، و المبسوط «4»، و الوسيلة، و المهذب، و الشرائع، و الجامع «5»، للرواية المذكورة.

و نفي اشتمالها على الحرض- كبعض مشايخنا [3]- غير صحيح.

مقدّما على الوضوء كما يأتي.

و منها: إعادة غسل اليدين و الفرجين ثلاثا في كلّ غسلة، إلّا أنّهما يغسلان في الثانية بماء الكافور، و في الثالثة بالقراح.

لروايتي الكاهلي و يونس، السابقتين، و الرضوي، و فيه بعد قوله: «ثمَ

______________________________

[1] في المصدر: حميديات.

[2] يعني بها رسالة علي بن بابويه إلى ابنه الصدوق، كما نقل عنها في الهداية: 24.

[3] الرياض 1: 55 قال: و لم أقف على مستندهما سوى رواية الكاهلي، و ليس فيها إلّا غسله بالسدر خاصة.

______________________________

(1) في ص 135.

(2) النهاية: 34، المبسوط 1: 178، المنتهى 1: 428.

(3) النافع: 12، المقنعة: 76، الاقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18، المراسم: 48، السرائر 1:

162.

(4) المنتهى 1: 428، القواعد 1: 18، النهاية: 34، المبسوط 1: 178.

(5) الوسيلة: 64، المهذب 1: 58، الشرائع 1: 39، الجامع: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 155

الفرج ثلاثا، ثمَّ الرأس ثلاثا، ثمَّ الجانب الأيمن ثلاثا، ثمَّ الجانب الأيسر ثلاثا بالماء و السدر»: «ثمَّ تغسله مرة أخرى بالماء

و الكافور على هذه الصفة، ثمَّ بالماء القراح مرة ثالثة، فيكون الغسل ثلاث مرات كلّ مرّة خمس عشرة صبّة» «1».

و منها: توضئته وضوء الصلاة في الغسلة الأولى، وفاقا للمنتهى، و القواعد، و شرحه، و النافع «2»، و ظاهر الشرائع [1]، و صريح اللوامع، و عن المفيد، و الاستبصار و المصباح، و مختصره و المهذب «3»، و الجامع، و المختلف، و الذكرى «4»، بل للمشهور بين المتأخّرين كما في الحدائق «5»، بل مطلقا كما في كفاية الأحكام «6» و اللوامع.

لعموم: «في كلّ غسل وضوء إلّا غسل الجنابة» «7».

و خصوص روايات ابن عبيد و حريز و ابني عمار و خثيمة المتقدمة «8».

و المروي في الدعائم: «يبدأ فيوضّئه كوضوء الصلاة» «9».

و رواية أم أنس و فيها- بعد غسل الفرج-: «ثمَّ وضّئيها بماء فيه سدر» «10» الحديث.

______________________________

[1] الشرائع 1: 38 قال: و في وضوء الميت تردد و الأشبه أنه لا يجب.

______________________________

(1) فقه الرضا: 180، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2: 3.

(2) المنتهى 1: 430، القواعد 1: 18، جامع المقاصد 1: 376، النافع: 12.

(3) المقنعة: 76، الاستبصار 1: 208، مصباح المتهجد: 18، المهذب 1: 58.

(4) الجامع: 51، المختلف 1: 42، الذكرى: 45.

(5) الحدائق 3: 445.

(6) كفاية الأحكام: 6.

(7) انظر الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35.

(8) في ص 139، 152.

(9) دعائم الإسلام 1: 230، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

(10) التهذيب 1: 302- 880، الاستبصار 1: 207- 728، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 156

و مقتضى الأمر في الأخيرة و إن كان الوجوب- كما عن صريح النزهة [1] و الحلبي [2]، و نسب إلى

الاستبصار [3]، و المحقّق الطوسي [4] و يحتمله كلام المقنعة و المهذب [5]، و جعله الشيخ في النهاية أحوط «1»- إلّا أنّ تعقيب الأمر بماء السدر الغير الواجب إجماعا يمنع من الإبقاء على الحقيقة.

مضافا إلى إشعار خلوّ صحيحة ابن يقطين: عن غسل الميت أ فيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال: «يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض، ثمَّ يغسل وجهه و رأسه بالسدر، ثمَّ يفاض عليه الماء ثلاث مرات» «2» الحديث، عنه مع السؤال عنه، بل أمره بغيره من المستحبات.

بل ربما يجعل في ذلك مع عدم التمكّن من التصريح- لإطباق العامة على الوضوء كما في المنتهى [6]- إشعار بعدم الاستحباب أيضا، كخلوّ المعتبرة الواردة في

______________________________

[1] نزهة الناظر: 11 قال: و منهم من قال بوجوبه و هو الصحيح.

[2] قال في الكافي: 134: و صفته أن يبدأ الغاسل فينجي الميت و يوضئه وضوء الصلاة .. و لا يخفى عدم صراحته في الوجوب، نعم هو ظاهر فيه، و قد نسبه في كشف اللثام 1: 114 إلى ظاهر الكافي كما نسبه إلى صريح النزهة، فالمحتمل أن تكون العبارة الأصلية: و ظاهر الحلبي و سقط: «و ظاهر» من النساخ.

[3] نسبه في المنتهى 1: 430، و كشف اللثام 1: 114، و قال في مفتاح الكرامة 1: 433 حكاه جماعة عن الاستبصار و الموجود فيه خلافه، و انظر الاستبصار 1: 208.

[4] كذلك قال في كشف اللثام 1: 114: حكي عن المحقق الطوسي، و لم نعثر على مصدره و لا الحاكي.

[5] المقنعة: 76 و فيه: ثمَّ يوضئ الميت ..، المهذب 1: 58 و فيه: و يوضئ الميت، قال في كشف اللثام بعد نقلهما: و هو يحتمل الوجوب و الاستحباب.

[6] المنتهى 1: 430 قال: و أطبق الجمهور

على الوضوء، و في بداية المجتهد 1: 236: قال أبو حنيفة: لا يوضأ الميت و قال الشافعي يوضأ و قال مالك إن وضئ فحسن، و في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي 1: 300: ثمَّ يوضأ و ضوءه للصلاة ..

______________________________

(1) النهاية: 35.

(2) التهذيب 1: 446- 1444، الاستبصار 1: 208- 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 157

البيان مع تضمّن كثير منها المستحبات، فيكون حراما كما عن الخلاف، و ظاهر السرائر، و محتمل كلام الديلمي [1].

و استقر به بعض متأخّري المتأخّرين «1» تمسّكا بما ذكر، و تشبيه غسل الميت في المستفيضة بغسل الجنابة.

و يضعّف: بعدم صلاحية الإشعار لمعارضة صريح المستفيضة من الأخبار. مع أنّ في الإشعار أيضا نظرا، إذ يمكن أن يكون عدم التعرض له مع السؤال- الظاهر في الاستفسار عن الوجوب- لمنع التقية عن التصريح بالاستحباب، و الإغراء بالوجوب بدونه، فيعدل إلى ما لا يعلم استحبابه و وجوبه. و منه يظهر سرّ خلوّ كثير من الأخبار أيضا.

و أمّا التشبيه فلا يفيد العموم، كما مرّ مرارا.

و ينبغي أن يكون مؤخّرا عن غسل الفرج، لروايتي حريز و أم أنس «2». و بماء فيه سدر، للأخيرة.

و منها: غسل رأسه برغوة السدر أمام الغسل. لا لخبر يونس «3»، لعدم صراحته في خروج ذلك عن الغسل. بل للرضوي [2] المتقدّم «4»، حيث إنّ الأمر بإتباع ثلاث جريات للغسل بالرغوة منضما مع ما تقدّم من قوله: إنّ في غسل الرأس في كل مرة ثلاث صبّات «5»- بل على عدم استحباب الزيادة إجماع الأمة- يدلّ على أنّ السابق عن الغسل خارج.

______________________________

[1] الخلاف 1: 693، السرائر 1: 159، المراسم: 48 قال: و في أصحابنا من

قال يوضأ الميت و ما كان شيخنا- رضي اللّه عنه- يرى ذلك وجوبا.

[2] في «ق» زيادة: المنجبر.

______________________________

(1) انظر الحدائق 3: 447.

(2) تقدم مصدرهما في ص 139، 131.

(3) المتقدم في ص 136.

(4) في ص 153.

(5) تقدم مضمونه في ص 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 158

و يشعر به صحيحة ابن يقطين و رواية ابن عمّار، المتقدّمتان «1». بل هما تشعران بتقديم غسل سائر الجسد به أيضا، كما صرّح به في النافع، و عن التذكرة و نهاية الإحكام «2». و هو مع ما عن المعتبر «3» من دعوى اتّفاق فقهاء أهل البيت عليه و على غسل الرأس بها كاف في إثبات استحبابه.

و منها: البدأة في غسل الرأس بشقّه الأيمن إجماعا، كما عن المعتبر و التذكرة، لرواية الكاهلي «4»، و خبر الفضل: «تبدأ بميامنه» «5». و بعمومه يثبت ذلك في غسل الرأس المستحب أيضا كما عن النفلية [1].

و كذا يستحب في غسل كلّ من الجانبين إضافة شق من الرأس ثلاثة، للأمر به في خبري الكاهلي و يونس «6»، المتعيّن حمله على الاستحباب، لعدم القول بالوجوب.

و منها: التثليث في كلّ غسل الرأس و الجانبين في كلّ من الغسلات الثلاث، بالإجماع عن الكتابين «7»، و في اللوامع، له، و للخبرين المذكورين، و الرضوي المذكور، فيصير عدد الغسلات في كلّ غسل تسعا، و مع الستّ المستحبة المتقدّمة لليدين و الفرجين خمس عشرة، و في الأغسال الثلاثة خمسا و أربعين، و لو جعلت اليدان عضوين و كذلك الفرجان زادت في كلّ غسل ستا.

______________________________

[1] النفلية: 10 قال: يستحب فيه توجيه الميت إلى القبلة .. و غسل رأسه برغوة السدر و البدأة بشقه الأيمن.

______________________________

(1) في ص 139، 147.

(2) النافع: 12، التذكرة 1: 38،

نهاية الإحكام 2: 223.

(3) المعتبر 1: 273.

(4) المتقدمة في ص 135.

(5) التهذيب 1: 446- 1442، الاستبصار 1: 206- 724، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 9.

(6) المتقدمين في ص 135، 136.

(7) المتقدمين و هما: المعتبر 1: 273. و التذكرة 1: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 159

و منها: مسح بطنه في الغسلين الأولين قبلهما، بالإجماع كما عن المعتبر، لخبري يونس، و الكاهلي، و غيرهما.

إلّا في الحامل التي مات ولدها، فيكره كما عن صريح الوسيلة، و الجامع، و في المنتهى، و القواعد [1]، و اللوامع، حذرا من الإجهاض [2]، لخبر أم أنس: «إذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدءوا ببطنها فليمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى، فإن كانت حبلى فلا تحرّكيها» «1».

و لا يستحب في الثالثة مطلقا، اتّفاقا كما عن المعتبر، و التذكرة و الذكرى «2»، و ظاهر نهاية الإحكام [3]، للأصل، و خلوّ الأخبار البيانية عنه.

و صريح الرضوي: «و لا تمسح بطنه في ثالثة». و مقتضاه كراهته، و هو كذلك كما في اللوامع، و عن الخلاف، و الوسيلة، و الجامع، و الذكرى، و الدروس «3».

و يستحب أن يكون المسح برفق، كما في الخبرين، و رواية أم أنس. بل يستحب الرفق بالميت حال الغسل مطلقا، كما في المنتهى «4»، و اللوامع، لحسنة حمران: «إذا غسّلتم الميت منكم فارفقوا به و لا تعصروه» «5».

______________________________

[1] الوسيلة: 65، الجامع: 51 و فيه: و يكره .. و غمز بطن الحبلى، المنتهى 1: 430، القواعد 1: 18.

[2] و هو إسقاط المرأة ولدها.

[3] نهاية الإحكام 2: 225 قال: و يستحب مسح بطنه في الغسلتين الأولتين قبلهما رفيقا.

______________________________

(1) التهذيب 1: 302- 880، الاستبصار 1: 207- 728، الوسائل 2:

492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 3.

(2) المعتبر 1: 273، التذكرة 1: 39، الذكرى: 45.

(3) الخلاف 1: 695، 696، الوسيلة: 65، الجامع: 51، الذكرى: 45، الدروس 1: 106.

(4) المنتهى 1: 428.

(5) التهذيب 1: 447- 1445، الاستبصار 1: 205- 723، الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 160

و صحيحة النواء: «إذا غسّلت ميتا فارفق به و لا تعصره» «1».

و منها: حشو الدبر بالقطن، كما عن الخلاف «2»، و الإسكافي «3»، و الجامع «4» و الفقيه، و الكافي، و المبسوط، و الوسيلة «5»، و في الشرائع، و القواعد، و المنتهى «6»، و غيره، بل عن الخلاف الإجماع عليه «7»، و عن المعتبر حكايته عن المعظم [1].

لقوله في خبر يونس: «ثمَّ نشّفه بثوب طاهر، و اعمد إلى قطن فذرّ عليه شيئا من حنوطه وضعه على فرجه قبل و دبر، و احش القطن في دبره لئلا يخرج منه شي ء» «8».

و في المضمر: «و يضع لها القطن أكثر مما يضع للرجال، و يحشى القبل و الدبر بالقطن و الحنوط» «9».

و في موثّقة الساباطي: «و تدخل في مقعدته من القطن ما دخل» «10».

و الرضوي: «يأخذ شيئا من القطن و يجعل عليه حنوطا و يحشو به دبره» «11».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المعتبر.

______________________________

(1) التهذيب 1: 445- 1441، الاستبصار 1: 205- 722، الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت ب 9 ح 2.

(2) الخلاف 1: 703.

(3) نقل عنه في المختلف 1: 45.

(4) الجامع: 54.

(5) الفقيه 1: 92، الكافي: 237، المبسوط 1: 179، الوسيلة: 66.

(6) الشرائع 1: 40، القواعد 1: 18، المنتهى 1: 439.

(7) الخلاف 1: 285.

(8) تقدم مصدره في ص 136.

(9) الكافي 3: 147

الجنائز ب 20 ح 2، التهذيب 1: 324- 944، الوسائل 3: 11 أبواب التكفين ب 2 ح 16.

(10) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.

(11) فقه الرضا: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 161

و المروي في الدعائم: «يجعل القطن في مقعدة الميت لئلّا يبدو منه شي ء، و يجعل منه على فرجه و بين رجليه» «1».

و مقتضى إطلاق الأخبار عدم التقييد بشي ء، و صريح الكتب الثلاثة الأخيرة و ظاهر المحكي عن الثلاثة الأول: التقييد بخوف خروج شي ء. و الأظهر الإطلاق.

و عن الحلّي أنه منعه و قال: يوضع على حلقة دبره [1]، و هو ظاهر الديلمي «2»، لمنافاة الحشو للحرمة. و هي ممنوعة.

و لتتمة موثّقة الساباطي في التكفين: «و يجعل على مقعدته شيئا من القطن» «3».

و هي لإرادة الحشو محتملة، لمجي ء «على» للظرفية. مع أنّه لولاها أيضا فللحشو غير منافية، فيحتمل استحبابه أيضا، كما عن المقنعة [2] و المبسوط [3] و المراسم، و الوسيلة، و المصباح، و مختصره، و الإصباح، و التحرير [4]، و الشرائع، و النافع، و القواعد «4»، فيستحب الأمران، كما هو ظاهر خبر يونس و الدعائم و المضمرة.

و منه يظهر استحباب الوضع على القبل أيضا، بل فيه كما عن الإسكافي «5»،

______________________________

[1] السرائر 1: 164 قال: و يحشو القطن على حلقة الدبر و بعض أصحابنا يقول في كتاب له و يحشو القطن في دبره، و الأول أظهر لأنه يجنب الميت كل ما يجنبه الأحياء.

[2] المقنعة: 77 و فيه: يأخذ شيئا من القطن فيضع عليه شيئا من الذريرة و يجعله في مخرج النجو.

المبسوط 1: 179 و فيه: فيعمد إلى قطن و يذر عليه شيئا من الذريرة و يضعه

على فرجيه قبله و دبره.

[3] المراسم: 49 و ذكر نحو ما نقلناه عن المبسوط و كذلك في الوسيلة: 66 و مصباح المتهجد: 19 و التحرير: 18.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 232.

(2) المراسم: 49.

(3) راجع ص 160، و رواها في الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.

(4) الشرائع 1: 40، النافع: 13، القواعد: 18.

(5) نقل عنه في المختلف: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 162

لمرفوعة سهل: «و يوضع لها القطن أكثر مما يوضع للرجال، و يحشى القبل و الدبر بالقطن و الحنوط» [1] الحديث.

و يستحب تحنّط القطن أيضا كما ظهر من الأخبار.

و منها: أن يدخل الماء المنحدر منه في حفيرة تجاه القبلة، فإن لم تكن هناك حفيرة حفرت، لأنه ماء متقذّر فيحفر له ليؤمن تعدّي قذرة. كذا في المعتبر «1».

و لحسنة ابن خالد «2» و صحيحته المتقدّمة «3» في استقباله.

و مثلها البالوعة، لصحيحة الصفار: هل يجوز أن يغسّل الميت و ماؤه الذي يصبّ عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع عليه السلام: «يكون ذلك في بلاليع» «4».

و الرضوي: «لا يجوز أن يدخل ما ينصبّ على الميت من غسله في كنيف، و لكن يجوز أن يدخل في بلاليع لا يبال فيها أو في حفيرة» «5».

و اشتراط البالوعة بتعذّر الحفيرة- كما عن المبسوط، و النهاية، و الوسيلة و المهذب «6»، و التذكرة، و نهاية الإحكام «7»- خال عن وجه تامّ.

و المستفاد من الأخير [2]: اشتراط عدم كون البالوعة معدّة للبول. و منه و من

______________________________

[1] هي نفس الرواية المتقدمة التي عبر عنها بالمضمرة فلاحظ.

[2] يعني به الرضوي.

______________________________

(1) المعتبر 1: 278.

(2) الكافي 3: 127 الجنائز ب 11 ح 3، التهذيب 1: 286- 835، الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب

35 ح 2.

(3) في ص 146.

(4) الكافي 3: 150 الجنائز ب 23 ح 3، التهذيب 1: 431- 1378، الوسائل 2: 538 أبواب غسل الميت ب 29 ح 1.

(5) فقه الرضا: 167.

(6) المبسوط 1: 177، النهاية: 33، الوسيلة: 65، المهذب 1: 57.

(7) التذكرة 1: 38، نهاية الإحكام 2: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 163

الثانية ما اشتهر بينهم- بل في شرح القواعد و عن الذكرى «1» الإجماع عليه- من كراهة الصبّ في الكنيف المعدّ للبول أو الغائط. و عن الفقيه «2» عدم الجواز كما هو ظاهر الأخير، و لكن ضعفه الخالي عن الجابر يمنع عن الفتوى به، مع احتماله- كالفقيه- شدة الكراهة.

و منها: أن ينشف بعد الفراغ بثوب إجماعا، كما عن المعتبر، و التذكرة، و نهاية الإحكام «3»، للمستفيضة كخبر يونس، المتقدّم «4»، و حسنة الحلبي و فيها:

«حتى إذا فرغت من تلك جعلته في ثوب ثمَّ جففته» «5».

و الرضوي: «فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك، و ألق عليه ثوبا تنشف به الماء عنه» «6».

و منها: أن يقف الغاسل عن يمينه، كما عن النهاية، و المصباح و مختصره، و الجمل و العقود «7»، و المهذب، و الوسيلة، و السرائر، و الجامع «8»، و الشرائع، و النافع، و الغنية «9» مدّعيا فيه الإجماع عليه. و هو فيه الحجة للمسامحة، مؤيّدا بعموم التيامن المندوب في الأخبار [1].

و الاستدلال له بخبر عمار: «و لا يجعله بين رجليه في غسله، بل يقف من

______________________________

[1] تقدم في مستحبات الوضوء 2: 161 نقل روايتين نبويتين دالتين على هذا المضمون فراجع.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 377، الذكرى: 45.

(2) الفقيه 1: 91.

(3) المعتبر 1: 277، التذكرة 1: 42، نهاية الإحكام

2: 227.

(4) في ص 136.

(5) الكافي 3: 138 الجنائز ب 18 ح 1، التهذيب 1: 299- 874، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

(6) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(7) النهاية: 35، مصباح المتهجد: 18، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 165.

(8) المهذب 1: 57، الوسيلة: 64، السرائر 1: 166، الجامع: 52.

(9) الشرائع 1: 39، النافع: 12، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 164

جانبه» «1» غير جيّد، لأنّه أعمّ من المدّعى.

نعم، هو يصلح دليلا لما عن المقنعة، و المبسوط، و المراسم، و المنتهى «2» من الاقتصار على الوقوف على الجانب، و لما ذكره الأكثر، بل عن الغنية الإجماع عليه «3» من كراهة جعله بين رجلي الغاسل.

و لعدم تعيّن كونه نهيا، و احتمال النفي لا يصلح لإثبات الزائد عن الكراهة. مع أنّ الحرمة منفية بالإجماع و خبر ابن سيابة: «لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك و أن تقوم من فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا و شمالا تضبطه برجليك» «4».

الحديث.

و أن يضع خرقة على يده اليسرى حال الغسل، لقوله في ذيل صحيحة ابن مسكان: «أحبّ لمن غسّل الميت أن يلفّ على يده الخرقة حتى يغسّل» «5».

و الرضوي: «و يلف الغاسل على يده خرقة» «6».

و أن يدعو بالمأثور، كما هو في الأخبار مذكور «7»، و عند الأصحاب مشهور.

و أن يغسل يديه بعد كلّ من الغسلين الأولين إلى المرفقين، كما عن المهذب «8» و في اللوامع، لخبر يونس «9».

______________________________

(1) المعتبر 1: 277.

(2) المقنعة: 76، المبسوط 1: 178، المراسم: 49، المنتهى 1: 431.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(4) التهذيب 1: 447- 1448، الاستبصار 1: 206- 725، الوسائل

2: 543 أبواب غسل الميت ب 33 ح 1.

(5) الكافي 3: 139 الجنائز ب 18 ح 2، التهذيب 1: 300- 875، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 1.

(6) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(7) انظر الوسائل 2: 494 أبواب غسل الميت ب 7.

(8) المهذب 1: 58.

(9) المتقدم في ص 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 165

بل بعد الثالثة أيضا، كما في القواعد، و عن النهاية، و المبسوط، و الوسيلة «1»، و الإصباح، و الجامع، و الشرائع [1]، لموثّقة الساباطي، و فيها- بعد ذكر الأغسال الثلاثة-: «ثمَّ تغسل يديك إلى المرافق و رجليك إلى الركبتين ثمَّ تكفّنه» «2» الحديث. و للرضوي المتقدّم.

بل مقتضى صحيحة ابن يقطين: «ثمَّ يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفّنه ثلاث مرّات» «3»: تثليث الغسل في الثالثة إلى المنكبين، و لا بأس به.

و يستحب غسل الإجّانة بعد كلّ من الأوليين أيضا.

و أمّا المكروهات، فغير ما مرّ من إرسال الماء إلى الكنيف و جعل الميت بين الرجلين ثلاثة:

الأول: إقعاد الميت إجماعا كما عن الخلاف «4»، لقوله في خبر الكاهلي «5»:

«و إياك أن تقعده».

و المروي في الدعائم: «و لا يجلسه لأنه إذا أجلسه اندقّ ظهره» «6» و يؤيّده الأمر بالرفق كما مرّ.

و ظاهر الأول و إن كان التحريم- كما عن ابني سعيد و زهرة «7»- إلّا أنّ اشتهار الجواز جدّا بل الإجماع عليه كما عن المعتبر «8» ضعّفه و أخرجه عن صلاحية

______________________________

[1] الجامع: 52، الشرائع 1: 39 و فيه: و يغسل الغاسل يديه مع كل غسلة.

______________________________

(1) القواعد 1: 18، النهاية: 35، المبسوط 1: 178، الوسيلة: 65.

(2) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 2: 484

أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.

(3) التهذيب 1: 446- 1444، الاستبصار 1: 208- 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

(4) الخلاف 1: 693.

(5) المتقدم في ص 135.

(6) دعائم الإسلام 1: 230.

(7) الجامع: 51، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(8) المعتبر 1: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 166

إثبات التحريم. فالقول به ضعيف.

كالتشكيك في الكراهة، كما هو ظاهر المعتبر، بناء على الأمر به في صحيحة البقباق بقوله: «أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا» «1» و نحوه الرضوي «2».

لمعارضتها مع ما مرّ، و ترجيحه بموافقتها العامة، لاتّفاقهم على استحبابه كما في النافع و المنتهى [1] و غيرهما. مع أنّ في دلالتها على الطلب كلاما، لاحتمال ورودها مورد توهّم الحرمة.

الثاني: قصّ شي ء من أظفاره، و تسريح شعره، أو نتفه و جزه، و حلقه، وفاقا للأكثر، بل عليه الإجماع عن التذكرة، و المعتبر «3»، و على حلق العانة في المنتهى «4»، للمستفيضة:

كخبر غياث: «كره أمير المؤمنين عليه السلام أن يحلق عانة الميت إذا غسل، أو يقلم له ظفر، أو يجز له شعر» «5».

و طلحة: «كره أن يقص من الميت ظفر، أو يقص له شعر، أو يحلق له عانة، أو يغمز له مفصل» «6».

و ابن أبي عمير: «لا يمسّ من الميت شعر و لا ظفر، و إن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه» «7».

______________________________

[1] النافع: 12، المنتهى 1: 430، و في المغني لابن قدامة 2: 318: و يبدأ الغاسل فيحني الميت حنيا رفيقا لا يبلغ به قريبا من الجلوس لأن في الجلوس أذية له، و في المهذب في فقه الشافعي 1:

128: و المستحب أن يجلسه إجلاسا رفيقا و يمسح بطنه ..

______________________________

(1) التهذيب 1: 446- 1442، الاستبصار

1: 205- 724، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 9.

(2) فقه الرضا: 166.

(3) التذكرة 1: 42، المعتبر 1: 278.

(4) المنتهى 1: 431.

(5) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 2، التهذيب 1: 323- 941، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 2.

(6) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 3، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 4.

(7) الكافي 3: 155 الجنائز ب 27 ح 1، التهذيب 1: 323- 940، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 167

و البصري: عن الميت يكون عليه الشعر يقص عنه أو يقلم ظفره؟ قال:

«لا يمسّ منه شي ء اغسله و ادفنه» «1».

و أبي الجارود: عن الرجل يتوفى، أ يقلم أظافيره و ينتف إبطه و يحلق عانته إن طال به المرض؟ قال: «لا» «2».

و الرضوي: «و لا تقلمن أظافيره، و لا تقص شاربه، و لا شيئا من شعره، فإن سقط منه شي ء فاجعله في أكفانه» «3».

و لا دلالة في شي ء منها على الحرمة، لأنّ الكراهة في الأولين أعم منها، و البواقي لا يتضمّن إلّا الجملة الخبرية، و هي عن إفادة الحرمة قاصرة. فالقول بها في الظفر و الشعر، كما عن ابني سعيد، و حمزة «4»، و في المنتهى مدّعيا عليه الإجماع بقوله: قال علماؤنا لا يجوز قص شي ء من شعر الميت و لا من ظفره و لا تسريح رأسه و لا لحيته «5»، و في الأول كما عن المقنعة، و المبسوط، و الخلاف «6» مدّعيا عليه الإجماع في الأخير، ضعيف.

مع أنّ احتمال إرادتهم الكراهة قائم، فإنّ غير الأولين عبّر بعدم الجواز، و استعماله في نفي

الإباحة شائع.

و يؤيّده التصريح بالكراهة بعد ذلك و دعوى الإجماع عليها في الخلاف «7»،

______________________________

(1) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 4 بتفاوت يسير، التهذيب 1: 323- 942، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 3.

(2) الفقيه 1: 92- 420، التهذيب 1: 323- 943، الوسائل 2: 501 أبواب غسل الميت ب 11 ح 5.

(3) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 175 أبواب غسل الميت ب 11 ح 1.

(4) الجامع: 51، الوسيلة: 65.

(5) المنتهى 1: 431.

(6) المقنعة: 82، المبسوط 1: 181، الخلاف 1: 695.

(7) الخلاف 1: 695.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 168

و ليس في عطف البدعة على المكروه تنصيص على الحرمة إلّا مع قصد الشرعية، و هو كذلك البتة.

و قال في المنتهى بعد ما نقلنا عنه: لا فرق بين أن تكون الأظفار طويلة أو قصيرة، و بين أن يكون تحتها وسخ أو لا يكون، في كراهة القص «1» انتهى.

و من يقول بإفادة الخبرية للتحريم يلزمه القول به هنا، لعدم معارض لها سوى الخبرين المصرحين بالكراهة. و هي في العرف المتقدّم أعمّ من الكراهة المصطلحة. و درج الغمز المكروه بالاصطلاح- إجماعا- في أحدهما لا يعيّن إرادة الاصطلاحية، لجواز القدر المشترك. و الإجماعات المحكية متعارضة، و احتمال إرادة غير الظاهر في الطرفين قائم، و تضعيف المعارض بمخالفة المعظم، مع موافقة هؤلاء الأجلة و دعوى الإجماع و لو بالاحتمال ضعيف، و ردّ الروايات مع أنّ فيها ما صحّ عن ابن أبي عمير سخيف.

هذا، و يكره أيضا تنظيف ما تحت ظفره بالخلال من الوسخ، كما صرّح به في المنتهى «2» و غيره «3»، بل عليه الإجماع عن الشيخ «4»، و يدلّ عليه خبر الكاهلي:

«و لا تخلّل أظافيره»

«5».

و أمّا ختانه- لو لم يكن مختونا- فالظاهر تحريمه، كما نص عليه في المنتهى مدّعيا عليه الإجماع «6»، لأصالة عدم جواز قطع عضو، خرج الحي بالدليل فيبقى الباقي.

و يؤيده الأمر بالرفق و النهي عن التعنيف في المستفيضة «7».

______________________________

(1) المنتهى 1: 431.

(2) المنتهى 1: 430.

(3) كالدروس 1: 106.

(4) الخلاف 1: 695.

(5) تقدم مصدره في ص 135.

(6) المنتهى 1: 431.

(7) انظر الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 169

و استدلّ في المنتهى برواية البصري، المتقدمة «1»، و فيه خدشة.

الثالث: تغسيله بالماء المسخن بالنار بالإجماع كما في المنتهى «2»، لصحيحة زرارة: «لا يسخّن الماء للميت» «3».

و مرسلة ابن المغيرة: «لا يقرب الميت ماء حميما» «4».

و خبر يعقوب: «لا تسخّن للميت الماء لا تعجّل له بالنار» «5».

و الرضوي: «لا تسخّن له ماء إلّا أن يكون باردا جدّا فتوقّي الميت مما توقّي به نفسك، و لا يكون الماء حارا شديدا و ليكن فاترا» «6».

و مقتضى الأخير: استثناء حالة التعسّر على الغاسل لشدّة البرد. و هو كذلك، كما ذكره الصدوقان «7» و الشيخان «8».

و نفي في المنتهى الخلاف عن زوال الكراهية مع خوف الغاسل على نفسه «9».

المقام الثالث: في الأحكام،

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: ظاهر الأصحاب الاتّفاق على وجوب التغسيل بالقراح فيما إذا عدم الخليطان، للأمر به منفردا، و أصالة عدم التوقّف و الارتباط.

______________________________

(1) في ص 167.

(2) المنتهى 1: 430.

(3) التهذيب 1: 2322- 938، الوسائل 2: 498 أبواب غسل الميت ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 1: 322- 939، الوسائل 2: 499 أبواب غسل الميت ب 10 ح 2.

(5) الكافي 3: 147 الجنائز ب 23 ح 2، التهذيب 1: 322- 939، الوسائل 2: 499 أبواب غسل الميت ب

10 ح 3.

(6) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 174 أبواب غسل الميت ب 10 ح 1.

(7) الفقيه 1: 86.

(8) المقنعة: 82، النهاية: 33.

(9) المنتهى 1: 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 170

إنّما الخلاف في وجوب غسلة واحدة به، كما في النافع و المدارك و شرح الإرشاد للأردبيلي «1»، و عن المعتبر و ظاهر الذكرى [1]، و محتمل نهاية الشيخ و مبسوطة [2].

أو ثلاث غسلات، كما في القواعد و شرحه و اللوامع، و عن روض الجنان «2»، و نسب إلى الحلّي [3]، و كلامه في السرائر لا يعطي الوجوب حيث قال:

و لا بأس بتغسيله ثلاثا «3»، و تردّد في الشرائع و المنتهى «4»، كما عن المختلف و التحرير و النهاية و التذكرة [4] أيضا، و ربما حكي عن الذكرى «5».

و الأظهر هو الأول، للأصل، و ضعف دليل الثاني و هو: الأمر بتغسيله بماء و سدر، فالمأمور به شيئان متمايزان و إن امتزجا في الخارج، و الأصل عدم الارتباط و الاشتراط فيهما و إن ورد الأمر بتغسيله بماء السدر الظاهر في وحدة المأمور به أيضا، و لكن لم يستند في إيجاب الخليطين به خاصة حتى يرتفع الأمر بارتفاع المضاف إليه.

و الأمر بالغسلات الثلاث على نحو خاص، فيكون مطلقها واجبا، ضرورة استلزام وجوب المركّب وجوب أجزائه.

______________________________

[1] المعتبر 1: 266، الذكرى: 45 قال: لو عدم الخليط فظاهر الكلام الشيخ الإجزاء بالمرة و ابن إدريس اعتبر ثلاثا و الأول أوجه.

[2] النهاية: 43 قال: و الميت إذا لم يوجد له كافور و لا سدر فلا بأس أن يغسل بالماء القراح و يقتصر عليه.

[3] نسب إليه في الذكرى: 45، و الحدائق 3: 455.

[4] المختلف: 43، التحرير 1: 17، نهاية الإحكام 2:

225 و فيه: و لو تعذر السدر أو الكافور أو هما فالأقوى عدم سقوط الغسلة لأن وجوب الخاص يستلزم وجوب المطلق، التذكرة 1: 39.

______________________________

(1) النافع: 12، المدارك 2: 84، مجمع الفائدة 1: 184.

(2) القواعد 1: 18، جامع المقاصد 1: 372، روض الجنان: 99.

(3) السرائر 1: 169.

(4) الشرائع 1: 38، المنتهى 1: 430.

(5) حكاه في الحدائق 3: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 171

و عموم نحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» [1].

و لزوم تحصيل اليقين بالبراءة.

و وجه الضعف: أمّا في الأول: إنه و إن ورد الأمر بالتغسيل بماء و سدر، و لكن ورد الأمر بماء السدر أيضا، و قد عرفت تقييد الأول بالثاني «1»، و كان هو الوجه في اشتراط إطلاق اسم ماء السدر، فيكون المأمور به هو الأمر الواحد.

و أمّا ما ذكره من أنه لم يستند في إيجاب الخليطين ..، ففساده ظاهر، لأنّه و إن لم يستند به خاصة، و لكن قيّد به الأول، و إلّا فيكون مقتضاهما متعدّدا، لاقتضاء الثاني صدق الإضافة دون الأول، فإما يعمل بهما معا، و هو باطل، لإيجابه وجوب صدقهما و عدمه، أو بأحدهما فيلزم التحكّم، مع أنّه يوجب عدم لزوم صدق الإضافة و هذا القائل يوجبه.

بل لو انحصر الأمر بالتغسيل بماء و سدر أيضا لم يفد له، لأنّه إنّما يفيد له لو كان المأمور به غسلين: أحدهما بماء و الآخر بسدر، و ليس كذلك، بل غسل واحد بهما معا، فالمأمور به واحد مركّب من شيئين، و ثبت ارتباط أحدهما بالآخر و لزوم التركيب و المزج بالشرع إجماعا و نصا، فلا تجري أصالة عدم الاشتراط و الارتباط.

و ليس الامتزاج أمرا خارجا محضا، فهو في قوة قولنا: اغسل بهما معا

حال كونهما ممتزجين، فيكون الأمر بكلّ منهما أمرا تابعيا يتبع الأمر بالمجموع و إن ذكر كلّ منهما منفردا، كالأمر بأفعال الوضوء و الغسل، و إذا انتفى الأصل انتفى التابع.

إن قيل: ذلك فرع اشتراط أحدهما بالآخر، و الأصل ينفيه، إذ الأصل في كلّ تكليف تعلّق بشيئين أن لا يتوقّف تعلّقه بأحدهما على تعلّقه بالآخر إلّا ما

______________________________

[1] غوالي اللئالي 4: 58 و فيه: «لا يترك الميسور بالمعسور».

______________________________

(1) راجع ص 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 172

أخرجه الدليل.

قلنا: الدليل المخرج في المسألة موجود، و هو ما يدلّ على عدم حصول الاجتزاء و الامتثال لو غسل بالماء وحده و السدر وحده مع وجودهما.

و أمّا في الثاني: فلأنّ اللازم وجوب الجزء حين جزئيته لا مطلقا.

و أمّا في الثالث: فبعدم الدلالة، كما ذكرنا غير مرّة.

و أمّا في الرابع: فبعدم تيقّن الشغل حينئذ بغير الغسلة.

هذا، و لو لا ظاهر الإجماع لأمكن القول بعدم وجوب الغسل أصلا، كما احتمله بعض مشايخنا الأخباريين مدّعيا استنباطه من بعض الأخبار، إذ لا أمر بالقراح أيضا إلّا بعد الخليطين المتعذّرين «1».

و لو فقد أحد الخليطين وجب غسلتان، و وجهه ظاهر.

و لو وجد المفقود بعد الدفن لم تجب الإعادة قطعا، بل- كما قيل [1]- إجماعا، لعموم حرمة النبش، و عدم انصراف عمومات وجوب الغسلات إلى مثله.

و لو وجد قبله، فالظاهر أنه لا تجب الإعادة.

لا لتحقّق الامتثال الموجب للإجزاء كما قيل «2»، إذ سقوط الوجوب عن شي ء للعذر غير تحقّق الامتثال، فيتعلّق الخطاب بعد زوال العذر.

و الحاصل: أنّه إن أريد تحقق امتثال الغسل بالماء فهو كذلك. و إن أريد امتثال الغسل بالخليط فلم يمتثله، إذ لم يكن هناك أمر، فإذا زال العذر تعلّق الأمر و يلزمه إعادة القراح

تحصيلا للترتيب.

بل لما مرّ من عدم الانصراف، و لأنه تحقّق الامتثال بالقراح، و لا أمر بالغسل بالخليط بعد القراح. و الإعادة أحوط.

الثانية: لو لم يوجد الماء المطلق الطاهر، أو تعذّر استعماله، وجب التيمّم

______________________________

[1] و في الرياض 1: 54 قيل للإجماع. و لم نعثر على قائله.

______________________________

(1) الحدائق 3: 457.

(2) المدارك 2: 84.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 173

بلا خلاف بين علمائنا يعرف كما في المنتهى «1»، لظاهر الإجماع، و ما دلّ على وجوب تيمّم المجدور بضميمة عدم القول بالفصل بين أفراد المعذور، و عموم بدلية التيمم، الثابت بالرضوي المنجبر ضعفه بما مرّ: «اعلموا- رحمكم اللّه- أن التيمّم غسل المضطر» و قال أيضا: «و صفة التيمم للوضوء و الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد» [1] الخبر. و غسل الميت من أبواب الغسل، و بعد ثبوت مشروعيته يكون واجبا بالإجماع.

و صحيحة ابن أبي نجران، المروية في الفقيه على ما في أكثر النسخ المضبوطة منه- كما صرّح به غير واحد «2»- في الجنب و المحدث و الميت إذا حضرت الصلاة و لم يكن معهم من الماء إلّا بقدر ما يكفي أحدهم، قال: «يغتسل الجنب، و يدفن الميت بتيمّم، و يتيمّم الذي عليه وضوء» «3» إلى آخره.

و لا يضرّ عدم وجود لفظ «بتيمّم» في الرواية على ما في التهذيب «4»، و لذا لم ينقله صاحبا الوسائل [2] و الوافي «5» من الفقيه أيضا، و اكتفيا على ما في التهذيب، و أحالا نقل ما في الفقيه عليه.

و من الأعذار الموجبة للتيمّم: خوف التناثر من التغسيل بالإجماع، كما في

______________________________

[1] فقه الرضا: 88، المستدرك 2: 535 أبواب التيمم ب 9 ح 1، و في نسخة من فقه الرضا: أسباب الغسل بدل: أبواب

الغسل.

[2] الوسائل 3: 375 أبواب التيمم ب 18 ح 1، و لا يخفى أن صاحب الوسائل نقل الرواية عن الفقيه مع لفظ: بتيمم، ثمَّ رواها عن الشيخ بقوله: «محمد بن الحسن بإسناده عن الصفار .. عن رجل حدثه قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام و ذكر نحوه ..» فالنسبة المذكورة إلى الوسائل خطأ.

______________________________

(1) المنتهى 1: 430.

(2) منهم الحدائق 3: 474.

(3) الفقيه 1: 59- 222.

(4) التهذيب 1: 109- 285.

(5) الوافي 6: 570.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 174

اللوامع و الحدائق «1»، و عن الخلاف «2»، بل التهذيب [1]، و فيه نظر.

لخبر ابن خالد: مات صاحب لنا و هو مجدور، فإن غسلناه انسلخ، فقال:

«يمّموه» «3».

و لا ينافي خبره الآخر: عن رجل احترق بالنار فأمرهم «أن يصبّوا عليه الماء صبّا» «4» و خبر ضريس: «المجدور و الكسير و الذي به القروح يصبّ عليه الماء صبّا» «5».

لوجوب حملهما على صورة عدم الانسلاخ بالصبّ، لكونهما أعمّين من الأول من هذه الجهة.

و يؤكّد هذا الحمل الرضوي: «إن كان الميت مجدورا أو محترقا، فخشيت إن مسسته سقط من جلوده شي ء، فلا تمسّه و لكن صبّ عليه الماء صبّا» «6».

و بما ذكر من الإجماع و الأخبار يترك أصالة عدم وجوب التيمّم، و إشعار رواية ابن أبي نجران- على ما في التهذيب- في عدم وجوبه، مع ضعفها سندا و مخالفتها لعمل الطائفة، الموجبة لخروجها عن عرصة الحجية.

ثمَّ إنّه هل يتعدّد التيمّم بتعدّد الغسلات؟ كما عن النهاية [2] و الثانيين «7»، و اختاره والدي رحمه اللّه، لتعدّد المبدل منه فيتعدّد البدل؟

______________________________

[1] لم نعثر فيه على دعوى الإجماع، و نسبه إليه في المدارك 2: 85 و الحدائق 3: 472 و مفتاح الكرامة 1: 431.

[2]

نهاية الإحكام 2: 227 قال: و هل ييمم ثلاثا أو مرة؟ الأقرب الأول لأنه بدل عن ثلاثة أغسال، و يحتمل الثاني لاتحاد غسل الميت.

______________________________

(1) الحدائق 3: 471.

(2) الخلاف 1: 717.

(3) التهذيب 1: 333- 975، الوسائل 2: 512 أبواب غسل الميت ب 16 ح 1.

(4) التهذيب 1: 333- 976، الوسائل 2: 512 أبواب غسل الميت ب 16 ح 2 و روي في الكافي 3: 213 الجنائز ب 76 ح 6.

(5) التهذيب 1: 333- 977، الوسائل 2: 512 أبواب غسل الميت ب 16 ح 3.

(6) فقه الرضا: 173، المستدرك 2: 181 أبواب غسل الميت ب 16 ح 1.

(7) جامع المقاصد 1: 373، المسالك 1: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 175

أو يكفي الواحد؟ كما في المدارك مدّعيا عليه القطع «1»، و القواعد مع الاستشكال فيه «2»، و نسب إلى ظاهر الفتاوى «3».

الأظهر الثاني، للأصل، و منع تعدّد المبدل منه، بل هو شي ء واحد كما يظهر من الأخبار الواردة في جنب مات، أنه يغسّل غسلا واحدا «4». و منع كونه بدلا عن كلّ واحد على فرض التعدّد، بل المسلّم بدليته عن المجموع.

و دلالة الرضوي «5» على التعدّد- لو سلّمت- لا تفيد، لخلوّه عن الجابر في هذا المورد.

و لو وجد الماء لغسلة واحدة مع وجود الخليط قدّم السدر، وفاقا للثانيين «6» و البيان «7»، للأمر به و عدم المسقط، دون القراح- كما عن الذكرى «8»- لقوته في التطهير، لمنعها و عدم إيجابها للمطلوب. و تعلّق الأمر به إنّما هو بعد السدر قطعا.

و منه يظهر أنه لو وجد لغسلتين قدّم السدر و الكافور. و على التقديرين يتيمّم للباقي مرة على الأحوط.

الثالثة: إذا مات الجنب أو الحائض أو النفساء كفى

غسل الميت و لم يجب غيره بالإجماع، كما في المنتهى «9»، و اللوامع، و عن المحقّق [1]، للأصل السالم عن معارضة أخبار غسل الجنب و أخويه، لاختصاصها بالحي، و عدم شمول شي ء

______________________________

[1] لم نعثر منه على دعوى الإجماع صريحا، نعم قال في المعتبر 1: 274: و هو مذهب أكثر أهل العلم.

______________________________

(1) المدارك 2: 85.

(2) القواعد 1: 18.

(3) نسبه في الرياض 1: 55.

(4) انظر الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31.

(5) المتقدم في ص 173.

(6) راجع ص 174.

(7) البيان: 71.

(8) الذكرى: 45.

(9) المنتهى 1: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 176

منها المورد، لعدم ورود أمر بالتغسيل من الجنابة و أخويها أو وجوبه، و للتداخل الثابت قهرا كما عرفت.

و لخصوص المستفيضة كصحيحة زرارة: ميت مات و هو جنب كيف يغسّل و ما يجزئه من الماء؟ قال: «يغسّل غسلا واحدا، يجزئ ذلك لغسل الجنابة و لغسل الميت» «1».

و موثّقة عمار: عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تغسّل؟ قال: «مثل غسل الطاهر، و كذلك الحائض و كذلك الجنب إنما يغسّل غسلا واحدا فقط» «2».

و قريب منهما خبرا أبي بصير «3»، و ابن أبي حمزة «4»، و المروي في الدعائم: «من مات و هو جنب أجزأ عنه غسل واحد، و كذلك الحائض» «5».

و رواية العيص: «إذا مات الميت و هو جنب غسّل غسلا واحدا، ثمَّ اغتسل بعد ذلك» «6» أي الغاسل.

و أما رواية أخرى له: الرجل يموت و هو جنب، قال: «يغسل من الجنابة، ثمَّ يغسّل بعد غسل الميت» «7» فلا تنافيها، لجواز قراءة «يغسل من الجنابة» بالتخفيف، أي تزال نجاسته من الجنابة.

بل لا تنافيها الثالثة أيضا عنه: عن رجل مات و هو جنب، قال: «يغسل غسلة

واحدة بماء، ثمَّ يغسل بعد ذلك» «8» و الرابعة و هي كالأولى، إلّا أن فيها «يغسل» «9» مكان «اغتسل»، للتجويز المذكور فيهما أيضا. و ذكر الوحدة لبيان كفاية

______________________________

(1) الكافي 3: 154 الجنائز ب 25 ح 1، التهذيب 1: 432- 1382، الاستبصار 1:

194- 680، الفقيه 1: 93- 425، الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31 ح 1.

(2) الكافي 3: 154 الجنائز ب 25 ح 2، التهذيب 1: 432- 1384، الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31 ح 2.

(3) التهذيب 1: 432- 1383، الاستبصار 1: 194- 679، الوسائل 2: 540 أبواب غسل الميت ب 31 ح 3.

(4) التهذيب 1: 432- 1385، الاستبصار 1: 194- 681، الوسائل 2: 540 أبواب غسل الميت ب 31 ح 4.

(5) دعائم الإسلام 1: 230، المستدرك 2: 193 أبواب غسل الميت ب 27 ح 1.

(6) التهذيب 1: 433- 1389، الاستبصار 1: 195- 685، الوسائل 2: 540 أبواب غسل الميت ب 31 ح 5.

(7) التهذيب 1: 433- 1387، الاستبصار 1: 194- 683، الوسائل 2: 541 أبواب غسل الميت ب 31 ح 7.

(8) التهذيب 1: 433- 1386، الاستبصار 1: 194- 682، الوسائل 2: 541 أبواب غسل الميت ب 31 ح 6.

(9) التهذيب 1: 433- 1388، الاستبصار 1: 194- 684، الوسائل 2: 541 أبواب غسل الميت ب 31 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 177

غسلة واحدة للواجب من إزالة النجاسة و المستحب قبل غسل الميت، و إن كان بعيدا. مع أنه لولاه لم تصلح لمعارضة ما مرّ، للمخالفة لعمل الكل، و للشهرة في الرواية التي هي من المرجّحات المنصوصة.

هذا كلّه، مضافا إلى أنّ الثابت انتفاؤه من الروايات الاولى ليس إلّا الوجوب، و

لا يثبت من الثلاثة الأخيرة سوى الرجحان، فلا تعارض أصلا.

و هل يحكم بثبوت الرجحان، لذلك، كما في المنتهى و عن التهذيبين «1»؟

أولا، كما صرّح به والدي رحمه اللّه، و عن المعتبر ناسبا له إلى أهل العلم «2»؟ لا يبعد الأول، لما مرّ. و نفيه لعدم قائل به بعد تصريح الشيخ و الفاضل غريب.

الرابعة: إذا خرجت منه نجاسة في أثناء الغسل أو بعده غسلت- إجماعا- قبل الوضع في اللحد، و على الأصح بعده، إن أمكن بدون الإخراج الغير المجوّز بلا خلاف، و صحّ الغسل على الأصح الأشهر.

لقوله في خبر يونس: «و إن خرج منه شي ء فأنقه» «3» في الأولين.

و للأصل، و حصول الامتثال، و الرضوي: «فإن خرج منه شي ء بعد الغسل فلا تعد غسله» «4» في الثالث.

و للمستفيضة في الجميع، منها موثّقة روح: «إن بدا من الميت شي ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه، و لا تعد الغسل» «5».

و خبر الكاهلي و ابن مختار: عن الميت يخرج منه الشي ء بعد ما فرغ من غسله، قال: «يغسل ذلك و لا عليه الغسل» «6».

______________________________

(1) المنتهى 1: 432، التهذيب 1: 433، الاستبصار 1: 195.

(2) المعتبر 1: 274.

(3) الكافي 3: 141 الجنائز ب 18 ح 5، التهذيب 1: 301- 877، الوسائل 2: 480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(4) فقه الرضا: 169، المستدرك 2: 194 غسل الميت ب 28 ح 1.

(5) التهذيب 1: 449- 1456، الوسائل 2: 542 أبواب غسل الميت ب 32 ح 1.

(6) التهذيب 1: 449- 1455، الوسائل 2: 542 أبواب غسل الميت ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 178

و مرفوعة سهل: «إذا غسّل الميت ثمَّ حدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث و

لا يعاد الغسل» «1» و غير ذلك.

خلافا في الثاني لبعضهم، لاختصاص أخبار الغسل بما قبل الوضع. و هو ممنوع إلّا أن يريد عدم إمكان الغسل بعده، أو صورة عدم الإمكان.

و في الثالث للعماني [1]، فأوجب الإعادة إن كان قبل التكفين، لكون الحدث ناقضا. و فيه: منع ناقضيته لذلك الغسل.

و أمّا بعد التكفين، فلا يجب إجماعا، لاستلزامه المشقة العظيمة. و عليه في المنتهى إجماع أهل العلم كافة «2».

الخامسة: إذا مات في موضع لم يكن عنده إلّا من لا يعلم كيفية الغسل، يجب عليه التعلم و لو بالذهاب إلى موضع و الرجوع، أو إرسال شخص يغسّله، أو ينقل الميت إلى موضع يمكن فيه غسله، على التفصيل الآتي في صلاة الميت في نحو ذلك المقام.

البحث الثالث: في التكفين.
اشارة

و هو واجب بإجماع المسلمين بل الضرورة من الدين، و به تواترت الأخبار [2]، و عليه جرت الطائفة الإسلامية في الأعصار و الأمصار.

و يستحب مؤكدا لكلّ مكلّف إعداد كفنه و تهيئته، لما فيه من تذكّر الموت.

و في مرسلة محمد بن سنان: «من كان كفنه معه في بيت لم يكتب من الغافلين، و كان مأجورا كلّما نظر إليه» «3».

______________________________

[1] نقل عنه في المختلف: 43.

[2] انظر الوسائل 3: 5 أبواب التكفين ب 1 و انظر ما أشار إليه في هامشها.

______________________________

(1) الكافي 3: 156 الجنائز ب 28 ح 2، الوسائل 2: 543 أبواب غسل الميت ب 32 ح 5.

(2) المنتهى 1: 431.

(3) الكافي 3: 256 الجنائز باب النوادر ح 23، التهذيب 1: 449- 1452، الوسائل 3: 50 أبواب التكفين ب 27 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 179

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

الواجب من الكفن ثلاث قطع لا أزيد، إجماعا و نصا:

ففي حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام: «كتب أبي في وصيته أن أكفّنه بثلاثة أثواب: أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيها يوم الجمعة، و ثوب آخر، و قميص. فقلت لأبي: لم تكتب هذا؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس، فإن قالوا:

كفّنه في أربعة أثواب أو خمسة فلا تفعل، و عمّمني بعمامة و ليس تعد العمامة من الكفن، إنما يعد ما يلف به الجسد» «1».

و لا أقلّ، على الأصح الأشهر، بل عليه الإجماع عن الخلاف و الغنية و الذكرى و المعتبر «2»، بل هو إجماع محقّقا، لعدم قدح مخالفة من شذّ و ندر [1].

فهو الحجة فيه مضافا إلى النصوص، كحسنة زرارة و محمد، على ما في الكافي: العمامة للميت من الكفن؟ قال: «لا، إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب

و ثوب تام لا أقلّ منه يواري به جسده كلّه، فما زاد فهو سنّة إلى أن يبلغ خمسة أثواب، فما زاد فمبتدع، و العمامة سنّة» «3».

و اشتماله على الزائد على الثلاثة الغير الواجب بالإجماع لا يقدح في إيجاب الثلاثة، مع أنّ كون الواو زائدة ممكنة، مضافا إلى أنّ في بعض نسخ التهذيب هكذا: «ثلاثة أثواب تام» [2].

______________________________

[1] المراسم: 47 فاكتفى بواحد.

[2] التهذيب 1: 292- 854 و فيه: «ثلاثة أثواب أو ثوب تام». و في الحدائق 4: 15 عن التهذيب:

«انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل منه». و في الحبل المتين: 66 ما لفظه: و النسخ في هذا الحديث مختلفة ففي بعض نسخ التهذيب كما نقلناه (يعني ثلاثة أثواب و ثوب تام) و يوافقه كثير من نسخ الكافي و هو المطابق لما نقله شيخنا في الذكرى. و في بعضها هكذا: انما المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل منه و هذه النسخة هي الموافقة لما نقله المحقق في المعتبر و العلامة في كتبه الاستدلالية، و لفظة تام فيها خبر مبتدأ محذوف أي و هو تام، و في بعض النسخ المعتبرة من التهذيب: «أو ثوب تام» بلفظ أو بدل الواو.

______________________________

(1) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 7، التهذيب 1: 293- 857، الوسائل 3: 9 أبواب التكفين ب 2 ح 10.

(2) الخلاف 1: 701، 702، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الذكرى: 46، المعتبر 1: 279.

(3) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 5، الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 180

و مرسلة يونس: «الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب، و العمامة و الخرقة سنّة، و أمّا النساء ففريضته خمسة أثواب» «1».

و

الكلام في الزائد عن الثلاثة للنساء كما مرّ.

و الأخبار الآتية المفصّلة للقطع.

و يعاضده أخبار أخر، كصحيحة محمد: «يكفّن الرجل في ثلاثة أثواب، و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع و منطق و خمار و لفافتين» [1].

و رواية ابن سنان: «الميت يكفّن في ثلاثة سوى العمامة، و الخرقة يشدّ بها وركه كيلا يبدو منه شي ء، و الخرقة و العمامة لا بدّ منهما و ليستا من الكفن» «2» و موثّقة سماعة: عمّا يكفّن به الميت؟ قال: «ثلاثة أثواب، و إنّما كفّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين و ثوب حبرة- و الصحارية تكون باليمامة- و كفّن أبو جعفر في ثلاثة أثواب» [2].

و ظاهر نقل تكفينهما صلّى اللّه عليهما و آلهما فيها ثبوت التأسّي في المسألة.

و منه يظهر إمكان اعتضاد المطلوب بالمستفيضة الواردة في أنه صلّى اللّه عليه و آله كفّن في ثلاثة أثواب «3».

______________________________

[1] الكافي 3: 147 الجنائز ب 20 ح 3، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 9. درع المرأة قميصها. المنطق: شقة تلبسها المرأة و تشد وسطها ثمَّ ترسل أعلاها على أسفلها إلى الركبة و الأسفل إلى الأرض (مجمع البحرين 5: 239) و فسره في الوافي 3 (الجزء 13): 54 بالإزار.

[2] التهذيب 1: 291- 850، الوسائل 3: 7 أبواب التكفين ب 2 ح 6، الحبرة و زان عنبة: ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط (المصباح المنير: 119).

______________________________

(1) التهذيب 1: 291- 851، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 7.

(2) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 6، التهذيب 1: 293- 856، الوسائل 3: 9 أبواب التكفين ب 2 ح 12.

(3) انظر الوسائل 3: 6

أبواب التكفين ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 181

خلافا للديلمي، فأوجب القطعة الواحدة خاصة «1». و لا دليل له سوى الأصل، الواجب تركه بما مرّ، و حسنة زرارة و محمد، المتقدّمة، على ما في بعض النسخ الآخر من التهذيب، فإنّ فيه: «أو ثوب تام» «2»، الغير الصالحة للاستناد، لاختلاف النسخ، و عدم دليل على صحة تلك النسخة دون الأولى أو رجحانها، بل يمكن ترجيح ما تضمّن الواو برواية الكليني، لأضبطيته.

مع أنّه على تقدير اتّفاق النسخ على لفظة «أو» لا تصلح لمعارضة ما مرّ، لموافقتها العامة، لاتّفاقهم على الاكتفاء بالواحد «3».

ثمَّ إنّه لا فرق بين الرجل و المرأة في الواجب من الكفن بالإجماع، لإطلاق ما مرّ بل عمومه.

و مرفوعة سهل: كيف تكفّن المرأة؟ فقال: «كما يكفّن الرجل، غير أنها تشدّ على ثدييها خرقة تضمّ الثدي إلى الصدر و يشدّ إلى ظهرها، و يوضع لها القطن أكثر ممّا يوضع للرجال، و يحشى القبل و الدبر بالقطن و الحنوط، ثمَّ تشدّ عليها الخرقة شدّا شديدا» «4».

و لا دلالة فيها على وجوب شدّ الثديين بل غايته الرجحان.

و كذا الحسنة المتقدّمة «5» المشتملة على الخمس، مع أنّ مفهومها دالّ على عدم وجوب الخمس. و به و بالمرفوعة تعارض المرسلة المتقدّمة «6»، فلو لم يرجّحا بموافقة الإجماع المخرج لمخالفة عن الحجية يتساقطان، و تبقى الإطلاقات عن المعارض خالية.

______________________________

(1) المراسم: 47.

(2) راجع ص 179 الهامش (4).

(3) انظر بدائع الصنائع 1: 307، المهذب للشيرازي 1: 130، بداية المجتهد 1: 232.

(4) الكافي 3: 147 الجنائز ب 20 ح 2، الوسائل 3: 11 أبواب التكفين ب 2 ح 16.

(5) في ص 179 الرقم 1.

(6) في ص 180 رقم 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 3، ص: 182

ثمَّ تلك القطع الثلاث إحداها: لفّافة تشمل جميع البدن- و عبّر عنها الأكثر بالإزار- بالإجماع، و هو الحجة في تعيينه، مع حسنة زرارة و محمد، المتقدّمة الخالية عن المعارض المؤيّدة بأخبار كثيرة أخر.

منها: صحيحة محمد، المتقدّمة «1» بضميمة مساواة الرجل مع المرأة- كما مرّ- إلى الأخيرة.

و حسنة حمران و فيها: قلت: فالكفن؟ قال: «تؤخذ خرقة فيشدّ بها سفله و يضمّ فخذيه بها ليضمّ ما هناك، و ما يضع من القطن أفضل، ثمَّ يكفّن بقميص و لفّافة و برد يجمع فيه الكفن» «2».

و الرضوي: «ثمَّ يكفّن بثلاث قطع و خمس و سبع، فأمّا الثلاث فمئزر و عمامة و لفّافة، و الخمس مئزر و قميص و عمامة و لفّافتان» «3». و فيه أيضا: «يكفّن بثلاثة أثواب: لفافة و قميص و إزار» «4» إلى غير ذلك.

و الأخرى: قميص، بالإجماع أيضا في الجواز، لدلالة أكثر الأخبار عليه و تضمّنها له.

بل في الرجحان أيضا، لظهور كثير من الأخبار فيه، و صريح رواية سهل:

عن الثياب التي يصلّي فيها الرجل و يصوم، أ يكفّن فيها؟ قال: «أحبّ ذلك الكفن يعني قميصا» قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال: «لا بأس به، و القميص أحبّ إليّ» «5».

و مرسلة الفقيه: عن الرجل يموت، أ يكفّن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟

قال: «لا بأس بذلك، و القميص أحبّ إليّ» «6».

______________________________

(1) في ص 180 رقم 2.

(2) التهذيب 1: 447- 1445، الاستبصار 1: 205- 723، الوسائل 3: 34 أبواب التكفين ب 14 ح 5.

(3) فقه الرضا: 182.

(4) المستدرك 2: 205 أبواب الكفن ب 1 ح 1.

(5) التهذيب 1: 292- 855، الوسائل 3: 7 أبواب التكفين ب 2 ح 5.

(6) الفقيه 1: 93- 424، الوسائل 3: 12 أبواب

التكفين ب 2 ح 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 183

و المروي في الدعائم: «نعم الكفن ثلاثة أثواب: قميص غير مزرور و لا مكفوف، و لفّافة و إزار» «1».

على الأشهر- كما صرّح به جماعة منهم المنتهى «2»- في التعيين و الوجوب، و هو ظاهر المقنعة و الشرائع و النافع و التحرير «3»، و صريح العماني «4»، و المنتهى «5»، و عن المبسوط و النهاية و المصباح و مختصره و المراسم و الوسيلة «6»، و الجامع و الحلبي و الذكرى و المسالك «7»، و روض الجنان [1]، و الروضة و شرح القواعد «8».

لما مرّ من الأخبار و ما يشبهها، و صحيحة ابن سنان، و فيها: «ثمَّ الكفن قميص غير مزرور و لا مكفوف، و عمامة يعصب بها رأسه و يردّ فضليها على رجليه» [2].

و موثّقة الساباطي و فيها: «التكفين أن تبدأ بالقميص ثمَّ بالخرقة» «9» إلى آخره.

دلّتا- بالحمل- على أنّ الكفن ما يشمل القميص، فلا يكون غيره كفنا.

و مرسلة يونس: «ابسط الحبرة بسطا، ثمَّ ابسط عليها الإزار ثمَّ ابسط

______________________________

[1] روض الجنان: 103، و لم يظهر منه تعيين القميص.

[2] الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 9، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 8 و في المصدر:

«و يرد فضلها ..».

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 231، المستدرك 2: 207 أبواب الكفن ب 1 ح 5.

(2) المنتهى 1: 437.

(3) المقنعة: 78، الشرائع 1: 39، النافع: 12، التحرير 1: 18.

(4) كما نقل عنه في الحدائق 4: 12.

(5) راجع الرقم 2 من نفس الصفحة.

(6) المبسوط 1: 176، مصباح المتهجد: 18، المراسم: 47، الوسيلة: 66.

(7) الجامع: 53، الكافي: 237، الذكرى: 46، المسالك 1: 13.

(8) الروضة 1: 129، جامع المقاصد 1:

382.

(9) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 184

القميص عليه» «1» أوجب بسط القميص فيتعين.

خلافا لجماعة من الطبقة الثالثة منهم: المدارك و كفاية الأحكام و المفاتيح و البحار و الحدائق «2» و اللوامع، بل جلّهم كما في اللوامع، و هو المحكي عن الإسكافي «3» و المعتبر «4»، و يحتمله كلام الجعفي حيث قال: الخمسة لفّافتان و قميص و عمامة و مئزر «5» فيجوز أن يكون الواجب اللفافتين و المئزر.

بل كلام جمع آخر من القدماء كالصدوق [1] و والده «6» و الحلبي «7» و غيرهم، حيث لم يصرّحوا بالوجوب و لا بما دلّ على التعيين، و تردّد في القواعد «8»، فلم يوجبوه و جوّزوا بدله لفّافة شاملة أخرى. و هو الأقوى.

أمّا عدم الوجوب: فللأصل، و إطلاقات الأخبار المتضمّنة لثلاثة أثواب «9»، الشاملة لغير القميص بل اللفّافة قطعا، لأنّها أحدها جزما.

و مرسلة الفقيه، المتقدّمة «10»، بل رواية سهل «11» أيضا. و جعل الألف و اللام في «القميص» فيها القميص الذي يصلّي فيه بعيد، مع أنه لم يعهد قميص بل

______________________________

[1] المقنع: 18، و لكن قال في الفقيه 1: 92 ما لفظه: و الكفن المفروض ثلاثة: قميص و إزار و لفافة.

______________________________

(1) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، التهذيب 1: 306- 888، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.

(2) المدارك 2: 95، كفاية الأحكام: 6، مفاتيح الشرائع 2: 164، بحار الأنوار 78: 319، الحدائق 4: 16.

(3) حكى عنه في الذكرى: 46.

(4) المعتبر 1: 279.

(5) حكى عنه في الحدائق 4: 12.

(6) حكى عنه في المختلف 1: 45.

(7) الكافي: 237.

(8) القواعد 1: 18.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة    ج 3    185     المسألة الأولى: ..... ص : 179

(9) انظر الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2.

(10) في ص 182.

(11) المتقدمة في ص 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 185

سئل عن الكفن في ثياب الصلاة، و أجاب بأني أحبّ ذلك الكفن المتعارف يعني قميصا، فهو أولى من ثياب الصلاة لو لم يكن فيها قميص. مع أن المطلوب يثبت من قوله: «يدرج في ثلاثة أثواب» لأنّ المتبادر من الثوب الذي يدرج الميت ما يواريه بأجمعه، و الظاهر إرادة درجة في كلّ ثوب، و إلّا لم يكن في السؤال و نفي البأس وجه، إذ يدرج في مجموع الثلاثة قطعا.

و بما ذكر يجاب عن أدلّة الموجبين، بحملها على الأفضلية بقرينة ذلك، مضافا إلى خلوّ غير المرسلة [1] عن الدالّ على الوجوب جدّا. و الحمل و إن أفاد التعين إلّا أن دخول غير الواجب أيضا في المحمول يصرفه عن إفادته قطعا.

بل في دلالة المرسلة أيضا على الوجوب نظر، لتعلّق الأمر أصالة بالبسط المتعقّب عن بسط الحبرة و هو غير واجب.

و أمّا تبديله بلفّافة أخرى: فللإجماع المركّب نظر، لتعلّق الأمر أصالة بالبسط المتعقّب عن بسط الحبرة و هو غير واجب.

و أمّا تبديله بلفّافة أخرى: فللإجماع المركّب، مضافا إلى ما مرّ من رواية سهل.

و الثالث: مئزر وجوبا عند الأكثر، كما صرّح به جمع ممن تقدّم و تأخّر، و من الموجبين أكثر من ذكره مرّ «1».

للرضوي المتقدّم «2» المتضمّن للمئزر، المنجبر ضعفه بالشهرة، و صحيحة محمد، المتقدّمة «3» المصرّحة بالمنطق الذي هو الإزار المرادف للمئزر لغة، كما صرّح به أهلها، ففي الصحاح: المئزر: الإزار «4». و في مجمع البحرين: معقد الإزار من الحقوتين «5».

______________________________

[1] يعني بها مرسلة يونس

المتقدمة في ص 183.

______________________________

(1) في ص 184.

(2) في ص 182.

(3) في ص 180.

(4) صحاح اللغة 2: 578.

(5) مجمع البحرين 3: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 186

و شرعا كما يستفاد من النصوص الواردة في باب ستر العورة لدخول الحمام «1»، و في مبحث كراهة الاتّزار فوق القميص «2»، و بحث ثوبي الإحرام «3»، بحيث يظهر كون الاستعمال بطريق الحقيقة.

و يستفاد أيضا من صحيحة ابن سنان: كيف أصنع بالكفن؟ قال: «خذ خرقة فتشدّ على مقعديه و رجليه» قلت: فالإزار؟ قال: «إنّها لا تعدّ شيئا، إنّما تصنع لتضمّ ما هناك و أن لا يخرج منه شي ء» «4» فإنه لو كان المراد به اللفّافة لما توهّم عدم لزومه بشدّ الخرقة.

و منه تظهر دلالة جميع الأخبار المتضمّنة للإزار على المطلوب أيضا، كرواية الدعائم و الرضوي و مرسلة يونس، السابقة «5».

و موثّقة الساباطي: «ثمَّ تبدأ فتسقط اللفّافة طولا، ثمَّ تذر عليها من الذريرة، ثمَّ الإزار طولا حتى يغطّي الصدر و الرجلين، ثمَّ الخرقة عرضها قدر شبر و نصف، ثمَّ القميص تشدّ الخرقة على القميص بحيال العورة و الفرج» إلى أن قال: «التكفين أن تبدأ بالقميص، ثمَّ بالخرقة فوق القميص على أليتيه و فخذيه و عورته، و يجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع و نصف و عرضها شبر و نصف، ثمَّ يشدّ الإزار أربعة أذرع، ثمَّ اللفافة، ثمَّ العمامة و يطرح فضل العمامة على وجهه» «6» الحديث.

و خبر ابن وهب: «يكفّن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزرّ عليه، و إزار و خرقة يعصب بها وسطه، و برد يلفّ فيه، و عمامة يعمّم بها و يلقى فضلها

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 32 أبواب آداب الحمام ب 3.

(2) انظر الوسائل 4: 395 أبواب

لباس المصلي ب 24.

(3) انظر الوسائل 12: 502 أبواب تروك الإحرام ب 53.

(4) مرّ مصدرها في ص 183.

(5) في ص 183، 182، 183.

(6) تقدم مصدرها في ص 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 187

على صدره» [1].

سيما مع ظهور كثير منها في أن المراد من الإزار فيها المئزر كالأولين [2]، فإنّه لولاه و كان المراد منها اللفّافة- كما توهّم- لكان اللازم أن يقال: قميص و لفّافتان.

و كذا في الرابع [3]، حيث ذكر الإزار و اللفافة معا، سيما مع التصريح بتغطية الصدر و الرجلين بالإزار خاصة و اللفافة تعمّ الجسد. بل الخامس [4]، حيث إنّ في تخصيص لفّ الميت بالبرد خاصة إشعارا بعدمه في الإزار، و ليس إلّا لعدم وفائه بجميع الجسد فيكون هو المئزر.

هذا كلّه، مع أنّ المستفاد من بعض الروايات أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كفّن بالمئزر، ففي صحيحة ابن عمار: «كان ثوبا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اللذان أحرم فيهما يمانيين: عبري و أظفار، و فيهما كفّن» [5] و يأتي في كتاب الحج أن ثوبي الإحرام إزار يتّزر به و رداء يتردّى به.

و نحوه الكلام في صحيحة يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول عليه السلام: كان يقول: «إني كفّنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، و في قميص من قمصه، و عمامة كانت لعلي بن الحسين عليه السلام، و في برد اشتريته بأربعين دينارا» [6].

______________________________

[1] الكافي 3: 145 الجنائز ب 19 ح 11، التهذيب و فيه: و يلقى فضلها على وجهه، الوسائل 3:

10 أبواب التكفين ب 2 ح 13.

[2] و هما روايتا الدعائم و الرضوي.

[3] و هو موثقة الساباطي.

[4] و هو خبر

ابن وهب.

[5] الكافي 4: 339 الحج ب 83 ح 2، الفقيه 2: 214- 975، الوسائل 3: 16 أبواب التكفين ب 5 ح 1. عبر الوادي و يفتح: شاطئه و ناحيته، و ظفار كقطام: بلد باليمن قرب صنعاء (القاموس 2: 84، 85).

[6] الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 8، التهذيب 1: 434- 1393، الاستبصار 1: 210- 742، الوسائل 3: 40 أبواب التكفين ب 18 ح 5 و في «ق» زيادة و هي: «لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار» و هي موجودة في المصادر أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 188

و لوجوب تحصيل البراءة اليقينية الحاصلة بالمئزر دون غيره و لو كان ثلاثة أثواب شاملة، للشك فيها.

خلافا لبعض المتأخّرين [1]، فلم يوجبه، و خيّر بينه و بين لفافة اخرى.

أمّا عدم الوجوب: فلخلوّ الأخبار طرّا- على فرض الشمول له- عن الدالّ على الوجوب كما عرفت في القميص، و منع انحصار توقّف اليقين بالبراءة عليه.

و أمّا جواز لفّافة أخرى بدله: فلإطلاق الثوب الشامل، و رواية سهل و حسنة حمران، المتقدّمتين، بل موثّقة الساباطي و صحيحة محمد، السابقتين «1» كما يأتي بيانهما.

و لجلّ الطبقة الثالثة المتقدّم ذكر جماعة منهم «2»، و المحكي عن الإسكافي «3» و المعتبر «4»، و ظاهر الصدوقين [2] و العماني و الجعفي [3]، فلم يجوّزوه بل أوجبوا بدله لفّافة اخرى إمّا مع القميص معيّنا كبعض من ذكر، أو مخيّرا بينه و بين لفّافة ثالثة كبعض آخر. و هو الأقوى.

أمّا عدم جوازه: فلعدم دليل عليه مع توقّفه على التوقيف، إذ ليس إلّا

______________________________

[1] لم نعثر على شخصه.

[2] قال الصدوق في الفقيه 1: 92 ما لفظه: و الكفن المفروض ثلاثة: قميص و إزار و لفافة و قال

في المقنع: 18: ثمَّ يكفن في قميص غير مزرور و لا مكفوف و إزار يلف على جسده بعد القميص ثمَّ يلف في حبر يماني عبري أو ظفاري نظيف و نقل في الحدائق 4: 12 عن علي بن بابويه في رسالته انه قال: ثمَّ اقطع كفنه تبدأ بالنمط و تبسطه و تبسط عليه الحبرة و تبسط الإزار على الحبرة و تبسط القميص و تكتب على قميصه و إزاره و حبرته.

[3] نقل عن العماني في الحدائق 4: 12 انه قال: الفرض إزار و قميص و لفافة و عن الجعفي أنه قال:

الخمسة لفافتان و قميص و عمامة و مئزر فتدبر.

______________________________

(1) في ص 180، 182، 183.

(2) في ص 184 و انظر المدارك 2: 95، المفاتيح 2: 164، الكفاية: 6.

(3) حكى عنه في المعتبر 1: 279.

(4) راجع الهامش المتقدم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 189

الأخبار المتضمّنة للفظ «الإزار» أو الروايات المشتملة على مطلق الثوب أو الأثواب، أو ما يصرّح فيه بلفظ «المئزر».

أمّا الأول فلا دليل على إرادة المئزر منه أصلا، لورود الإزار في اللغة بمعنى المئزر- كما مرّ- و بمعنى الثوب الشامل.

ففي القاموس: الإزار: الملحفة «1» و هي ما يلبس فوق الثياب بأسرها.

و في المجمع بعد ما نقل عنه «2»: و في كلام بعض اللغويين أنه ثوب شامل لجميع البدن قال: و في الصحاح المئزر: الإزار، و في كتب الفقه يذكر المئزر مقابلا للإزار و يريدون به غيره، و حينئذ لا بعد في الاشتراك و يعرف المراد بالقرينة «3».

انتهى.

و لم تثبت الحقيقة الشرعية و لا المتشرعة فيه، بل المراد منه في كلام أكثر الفقهاء هو الثوب الشامل كما ذكروه مقابلا للمئزر في ذلك المقام.

و في اللوامع: إنّ الفقهاء اتّفقوا

على التعبير في اللفّافة الشاملة بالإزار. بل قيل: الغالب في الأخبار أيضا استعماله في الثوب الشامل و إن أطلق على المئزر نادرا. ألا ترى أنّ في أكثر أخبار الحمام ورد بلفظ «المئزر» و إن ورد في البعض أيضا لفظ «الإزار» و هو ممّا يعلم فيه المراد بالقرينة، و لا قرينة في الأخبار المتقدّمة على إرادة المئزر، و ما ادّعوه قرينة لا يفيد أصلا.

أمّا ذكره مع اللفافة في الروايات: فلأنه يمكن أن يكون لاختلافهما معنى، حيث إنّ الإزار- كما عرفت- هو ما يكون فوق جميع الثياب، و اللفّافة إمّا أعم أو ما يلفّ به الجسد ملاصقا له، أو الإزار ما يشمل جميع الجسد- كما في المجمع- و اللفّافة ما يلفّ به الميت و جميع ثيابه، و لمّا كان أحد الثوبين الشاملين إزارا بالمعنى المذكور، لا محالة عبّر عنه به و عن الآخر باللفّافة، و لذا عبّر في حسنة

______________________________

(1) القاموس 1: 377.

(2) في ص 185.

(3) مجمع البحرين 3: 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 190

حمران «1» عن اللفّافتين باللفافة و برد يجمع فيه الكفن، فكما لم يلزم هناك أن يقول لفّافتان، فكذا هاهنا.

و ممّا ذكر يعلم عدم إشعار تخصيص اللفّ بالبرد في بعض الروايات «2» بما راموه أيضا.

و أمّا توهم السائل في صحيحة ابن سنان «3»، فيمكن أن يكون من جهة أنه لمّا كانت الخرقة توارى العورة و تشدّ الرجلين توهّم أنها تكفي عن الثوب الشامل.

مع أنه يمكن أن يكون الضمير في قوله: «إنّها» للإزار، فإنه يؤنّث أيضا كما صرّح به في القاموس و المجمع. فإنّ الإمام لمّا بين كيفية شد الخرقة سأل السائل عن كيفية الإزار أي المئزر، فقال: إنّها لا تعدّ شيئا واجبا أو

مستحبا، و لا فائدة فيها و إنّما تصنع الخرقة الشبيهة بها للضمّ.

فهي أيضا ليست قرينة لهم، بل القرينة على إرادة غير المئزر في كثير منها قائمة. فإنّ التصريح بكونه فوق القميص في المرسلة «4» و الموثّقة «5» قرينة على أنه غيره، لتصريحهم جميعا بأنّ المئزر تحته، و فوق القميص لا يكون إلّا اللفّافة.

و أيضا التصريح في الموثّقة بشدّة طولا و أنه أربعة أذرع قرينة معيّنة للثوب الشامل، لشمول أربعة أذرع للرأس و الرجل قطعا، مضافا إلى أن شد الإزار طولا غير متعارف. بل في التصريح بتغطية الصدر و الرجلين قرينة أخرى، إذ لا يسمّى مثل ذلك مئزرا قطعا. و جعله إشعارا على إرادة المئزر غريب، و ليس فيه دلالة على عدم تغطية الرأس حتى لا يكون ثوبا شاملا.

و في الرضوي: «و تلفّه في إزاره و حبرته و تبدأ بالشق الأيسر و تمدّ على الأيمن،

______________________________

(1) المتقدمة في ص 182.

(2) خبر ابن وهب المتقدم في ص 186.

(3) المتقدمة في ص 186.

(4) المتقدمة في ص 184.

(5) المتقدمة في ص 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 191

ثمَّ تمدّ الأيمن على الأيسر، و إن شئت لم تجعل الحبرة معه حتى تدخله القبر فتلقيه عليه ثمَّ تعمّمه» إلى أن قال: «ثمَّ تلفّ اللفافة» [1] الخبر، فإنّ في اللف في الإزار إشعارا بأنه غير المئزر، بل في جمعه مع الحبرة.

و يمكن أن تكون الحبرة عطفا تفسيريا له أيضا، بل هو الأظهر.

و أمّا صحيحة محمد «1» فليست صريحة في المئزر و لا ظاهرة فيه، لأنّ المنطق على ما صرّح به أهل اللغة ما يشدّ به الوسط، و هو كما يمكن أن يكون المئزر يمكن أن يكون الخرقة التي تشدّ بها العورة لأنّها

أيضا تشدّ في الوسط. بل صرّح في الموثّقة بشدّها في الحقوين اللذين هما معقد المئزر، كما مرّ من المجمع، و يحتمل أن يكون المراد بالمنطق ما يشدّ به الثديان أيضا، كما قيل.

و أمّا التكفين بثوبي الإحرام فلا يفيد لهم المرام، إذ التردّي بثوب و الاتّزار بالآخر في حالة لا ينافي صلاحيتهما للارتداء في حالة اخرى. كيف مع أنّ ما يتردّى به في الإحرام لا يستر الرأس حينئذ و يستره إذا كفّن به، فيمكن أن يكون كذلك ما اتّزر به في الإحرام، فيتّزر به في حال، و يشمل الجميع بالبسط في حال آخر.

و إلى هذا أشار من قال: لا يلزم في ثوبي الإحرام عدم الشمول.

و أمّا الثاني أي روايات الثوب و الأثواب: فلأنّه لا يمكن جعلها من باب المطلق، و إلّا لزم خروج الأكثر، لعدم جواز غير اللفّافة و القميص الواحد و المئزر كذلك إجماعا، مع أنّ إطلاق ثلاثة أثواب له أفراد غير عديدة إفرادا أو تركيبا، فيكون من باب التجوّز، فيحصل فيه الإجمال كما به صرّح جماعة من الأصحاب «2».

مع أنّ منهم من صرّح باختصاص الثوب بالشامل، قال والدي- رحمه اللّه-

______________________________

[1] فقه الرضا: 168 بتفاوت يسير، المستدرك 2: 217 أبواب الكفن ب 12 ح 1، و فيه: «ثمَّ تلفف العمامة».

______________________________

(1) المتقدمة في ص 180.

(2) منهم الحدائق 4: 5 و الرياض 1: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 192

في اللوامع بعد نقل أخبار ثلاثة أثواب: و لا ريب في أنّ المتبادر من الثوب هنا هو الشامل و إن لم يعتبر الشمول في الثوب .. إلى آخر ما قال. و يشعر بذلك حسنة الحلبي المتقدّمة «1».

و أمّا الثالث: فلأنّه منحصر بالرضوي المشتمل على الخمس «2»، و

الظاهر منه إرادة الخرقة الخامسة، كما فهمه الصدوق و عبّر عنها به في الهداية و الفقيه «3» مأخوذا ما فيه عنه، و يؤكّده كونها من الخمسة قطعا، فلو لا أنها المراد يلزم عدم ذكره، بل صرّح به في موضع آخر قال: «و يضمّ رجليه جميعا و يشدّ فخذيه إلى وركه بالمئزر شدا جيدا لئلّا يخرج منه شي ء» «4» و لو قطع النظر عنه فلا أقلّ من الاحتمال الموجب للإجمال.

و أمّا قيام لفّافة أخرى شاملة مقامه: فلرواية سهل و حسنة حمران، بل صحيحة محمد «5» على ما عرفت من المراد من المنطق، و صحيحة زرارة على ما في أكثر نسخ التهذيب من قوله: «ثلاثة أثواب تام» «6» بل الأخبار المتضمّنة للإزار على ما عرفت من القرينة، و لصدق الثوب المصرّح به في الأخبار الكثيرة.

و خصوص الرضوي المصرّح بالخمس، فإنّ الظاهر أنّ المراد بالمئزر فيه هو الخرقة كما عرفت، و يلزمه كون اللفّافتين من الأثواب الثلاثة.

و حسنة حمران، المتضمّنة للقميص و البرد الجامع للكفن و اللفافة المنحصرة في الثوب الشامل إجماعا، لعدم لفّ القميص و المئزر، بل الأول يلبس و الثاني يشدّ و يعقد، كما به في الأخبار عبّر.

______________________________

(1) في ص 179.

(2) المتقدم في ص 182.

(3) الهداية: 23، الفقيه 1: 92.

(4) فقه الرضا: 168.

(5) تقدمت الروايات على الترتيب في ص 180، 182، 182.

(6) تقدمت في ص 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 193

و صحيحة محمد، لاستبعاد ترك الخرقة، فالظاهر أنها المراد من المنطق.

بل صحيحة زرارة على ما في أكثر نسخ التهذيب من قوله: «ثلاثة أثواب تام» و إن أقحم في قليل من نسخه لفظ «أو ثوب» بين الأثواب و التام، و لكن الأكثر- كما صرّح به

في اللوامع- خال عنه، بل و كذلك ما نقله الفاضلان في المعتبر و المنتهى [1] و صاحب المنتقى «1» و غيرهم.

و موثّقة الساباطي، لوضوح شمول ما كان أربعة أذرع- إذا بسط طولا- للرأس و الرجلين أيضا. بل مرسلة يونس، الدالّة على كون الإزار فوق القميص.

و أمّا تعيّنها و وجوبها- مع خلوّ أدلّته عن الدلالة على الوجوب إلّا صحيحة زرارة المخرج فيها الفرض عن معناه قطعا، لعدم القول بمفروضية ثلاثة أثواب تامة على ما فيها من اختلاف النسخ و حزازة العبارة- فللإجماع المركّب، إذ لا قول إلّا بها أو المئزر، فبعد انتفاء الثاني يتعين الأول.

و لوجوب تحصيل البراءة اليقينية الحاصلة باللفّافتين مع القميص أو بدلها بمقتضى ما ذكرنا من الأدلة، دون غيرهما و لو لفّافة و مئزر، للشك في إرادته.

فروع:

أ: المعتبر في القميص أن يصل إلى نصف الساق، كما صرّح به جماعة منهم:

شرح القواعد و روض الجنان و المسالك و الروضة «2» و اللوامع، لأنه المفهوم منه عرفا، كما صرّح به في الثلاثة الأخيرة [2].

و الأولى زيادة قيد التقريب و لعلّه المراد.

و في الأخير جواز كونه إلى القدم بإذن الورثة أو الوصية النافذة. و هو كذلك، لصدق الاسم.

______________________________

[1] المعتبر 1: 279، المنتهى 1: 438 و المنقول فيهما: «ثلاثة أثواب أو ثوب تام».

[2] لا يوجد التصريح به في الروضة نعم صرّح به في روض الجنان: 103.

______________________________

(1) منتقى الجمان 1: 257.

(2) جامع المقاصد 1: 382، روض الجنان: 103، المسالك 1: 13، الروضة 1: 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 194

و أمّا تجويزه مطلقا- كما في الأول- للغلبة، أو استحبابه، أو احتمال جوازه و إن لم يبلغ النصف- كما عن الرابع [1]- فمشكل بل ضعيف.

و في اللفّافة أن

تشمل جميع البدن طولا و عرضا، مع إمكان جعل أحد جانبيه في العرض على الآخر، لأنه المتبادر، و لتحقيق معنى اللف. و تجويز الخياطة [2] غير جيّد، لعدم تبادره.

و ينبغي الزيادة في الطول بحيث يمكن شدّه من الطرفين. و قيل بوجوبها، لعدم تبادر غيره «1». و فيه نظر. و الاستحباب أظهر مع إذن الوارث أو الوصية.

و في المئزر- على اعتباره- أن يستر ما بين السرّة و الركبة، كما عن غير الأول من الكتب المتقدّمة «2»، لأنه المفهوم في العرف و العادة. أو يسترهما مع ما بينهما، كما في الأول «3». و لا بأس به.

و احتمال الاكتفاء فيه بما يستر العورة [3] بعيد، و التعليل بأنّ وضعه لسترها غير سديد.

و عن المراسم و في المقنعة: من سرّته إلى حيث يبلغ من ساقيه «4».

و عن المصباح و مختصره: منها إلى حيث يبلغ المئزر «5».

و عن الوسيلة و الجامع: من الصدر إلى الساقين استحبابا «6».

______________________________

[1] نقله عنه في كشف اللثام 1: 116، و لم نعثر عليه.

[2] كما جوّزها في الرياض 1: 57.

[3] كما احتمله في الروض: 103.

______________________________

(1) الرياض 1: 57.

(2) راجع الرقم (3) ص 193.

(3) جامع المقاصد 1: 382.

(4) المراسم: 49، المقنعة: 78.

(5) مصباح المتهجد: 19.

(6) الوسيلة: 66، الجامع: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 195

و عن النهاية و المبسوط: يبلغ من الصدر إلى الرجلين «1». و نحوه في الذكرى «2».

و عن المسالك و الروضة: يستحب ستره ما بين الصدر و القدمين «3».

و تجب مراعاة ما تقدّم من الإذن أو الوصية في الزائد عن الواجب، و إن استند عندهم إلى الموثّقة.

ب: في اعتبار ستر البشرة في كلّ من الثلاثة، أو في المجموع، أو عدمه مطلقا ثلاثة أوجه

بل أقوال:

الأول: للكركي و والدي، و جعله في روض الجنان «4» أحوط، للتبادر. و هو ممنوع.

الثاني للروض «5»، لصحيحة زرارة، المتقدّمة [1]: «يواري به جسده كلّه».

و لا دلالة لها، لاحتمال أن يكون المراد شموله للبدن بحيث لا يبقى شي ء منه عاريا.

و الثالث للحدائق «6»، للأصل. و هو الأظهر، و إن كان الأحوط الثاني، بل لا يبعد ترجيحه، لإطلاق الصحيحة بالنسبة إلى المعنيين.

ج: لا يجب غير الثلاثة إجماعا، له و للأصل، و المستفيضة المصرّحة بعدم الزيادة على الخمسة، و استحباب اثنين منها و هما الخرقة و العمامة، مع التصريح

______________________________

[1] في ص 179، و قد عبر عنها هناك بالحسنة.

______________________________

(1) النهاية: 36، المبسوط 1: 179.

(2) الذكرى: 49.

(3) المسالك 1: 13، الروضة 1: 129.

(4) جامع المقاصد 1: 382، روض الجنان: 103.

(5) الروض: 103.

(6) الحدائق 4: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 196

فيما مرّ بانحصار المفروض في الثلاثة.

الثانية:

يستحب أن يزاد في أجزاء الكفن للرجل و المرأة جزءان آخران:

أحدهما: خرقة لشدّ الفخذين، و يسمّى بالخامسة، بالإجماعين و المستفيضة:

منها: صحيحة ابن سنان، و روايته، و مرفوعة سهل، و حسنة حمران، و موثّقة الساباطي، المتقدّمة جميعا «1».

و مرسلة يونس، السابقة أكثرها في بحث الغسل، و فيها: «و خذ خرقة طويلة عرضها شبر، فشدّها من حقويه، و ضمّ فخذيه ضما شديدا، و لفّها في فخذيه، ثمَّ أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن و اغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة، و تكون الخرقة طويلة يلفّ فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا» [1].

و ينبغي أن تكون طويلة، كما صرّح به في الأخيرة، بل يكون طولها ثلاثة أذرع و نصف كما في الشرائع و القواعد «2»، لسابقتها. و لكن لا تدلّ

على وجوب هذا القدر، فيجوز أن تكون أطول، كما عن المهذّب و المبسوط و الوسيلة «3»، أو أقلّ أيضا كما عن الأخيرين.

و أن يكون عرضها شبرا، كما في الأخيرة، أو و نصف كما في سابقتها. و لا منافاة بينهما، لحمل السابقة على الأفضلية، أو المراد فيهما التقريب.

و ثانيهما: العمامة بقدر يؤدي هيئتها الآتية «4» في الطول، و يصدق الاسم في

______________________________

[1] تقدم مصدرها في ص 136. الحقو: معقد الإزار، الخاصرة.

______________________________

(1) راجع الصفحات: 180، 182، 186.

(2) الشرائع 1: 40، القواعد: 18.

(3) المهذب 1: 61، المبسوط 1: 179، الوسيلة: 66.

(4) في ص 203.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 197

العرض، بالإجماع، كما في المنتهى، و اللوامع، و عن المعتبر «1». و النصوص بها و باستحبابها بلا معارض مستفيضة، كما تقدم كثير منها «2».

و عمامة المرأة الخمار، فهو فيها بدلها في الرجل، كما في الشرائع و النافع و المنتهى و القواعد «3»، و اللوامع، و عن الإسكافي و العماني «4»، و الشيخ في أكثر كتبه [1]، و الجامع «5»، و نسب إلى المشهور «6»، و في المدارك: إنه مذهب الأصحاب «7»، و في اللوامع: بالإجماع و النصوص، كصحيحة محمد، المتقدّمة «8». و رواية البصري: في كم تكفّن المرأة؟ قال: «تكفّن في خمسة أثواب أحدها الخمار» «9».

و الرضوي: «و المرأة تكفّن في ثلاثة أثواب: درع و خمار و لفافة» «10».

و المروي في الدعائم: «و يخمر رأس المرأة بخمار، و يعمّم الرجل» «11».

و بتلك الأخبار تقيّد إطلاقات العمامة، مع اختصاص كثير منها بالرجل، مضافا إلى التعارف الموجب للتبادر.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في النهاية و المبسوط و الخلاف و جمل العلم و العمل.

______________________________

(1) المنتهى 1: 440، المعتبر 1: 283.

(2) راجع ص 179،

183، 186 ..

(3) الشرائع 1: 40، النافع: 13، المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18.

(4) حكى عنهما في الذكرى: 48.

(5) الجامع: 53.

(6) كما نسبه في الرياض 1: 60.

(7) المدارك 2: 105.

(8) في ص 180.

(9) الكافي 3: 146 الجنائز ب 20 ح 1، التهذيب 1: 324- 946، الوسائل 3: 12 أبواب التكفين ب 2 ح 18.

(10) فقه الرضا: 185.

(11) دعائم الإسلام 1: 232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 198

و يستحب أن يزاد للمرأة جزء ثالث هو خرقة أخرى يلفّ بها ثدياها، كما عن المقنعة و النهاية و المبسوط «1»، و الكامل، و السرائر و ابني حمزة و سعيد، و في الشرائع و النافع و المنتهى و القواعد «2»، و غيرها. و في المدارك و اللوامع: لا أعلم له رادّا «3»، لمرفوعة سهل، المتقدّمة «4».

و ظهر ممّا ذكر أنّ الأجزاء المستحبة لكفن الرجل اثنان، و مع الواجب خمسة، و للمرأة ثلاثة، و مع الواجب ستة.

و قد يزاد لكلّ منهما غيره أيضا:

أمّا للرجل فيزاد لفافة أخرى حبرة عبرية [1]، كما في المعتبر و الشرائع و النافع و المنتهى و القواعد «5»، و عن المقنعة و المبسوط و النهاية و الإصباح و الوسيلة، و الكامل، و السرائر «6» و ابن زهرة و المختلف و التلخيص و الذكرى و التذكرة «7». بل في الأول، و عن الأخيرين، و شرح القواعد «8»: الإجماع عليه.

لا للأخبار المتكثرة المتضمّنة للحبرة، لعدم دلالة شي ء منها على كونها غير الثلاثة الواجبة و إن اشتمل كثير منها على الإزار التي هي أيضا لفّافة شاملة عند

______________________________

[1] قال المحقق: يستحب أن يزاد الرجل حبرة يمنية عبرية غير مطرزة بالذهب. الحبرة من التحبير و هو التحسين و التزيين، و

يمنية: منسوبة إلى اليمن. و عبرية: منسوبة إلى العبر و هو جانب الوادي.

المعتبر 1: 282

______________________________

(1) المقنعة: 82، النهاية: 41، المبسوط 1: 180.

(2) السرائر 1: 160، الوسيلة: 66، الجامع: 53، الشرائع 1: 40، النافع: 13، المنتهى 1:

438، القواعد: 18.

(3) المدارك 2: 104.

(4) في ص 182.

(5) المعتبر 1: 282، الشرائع 1: 40، النافع: 13، المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18.

(6) المقنعة: 78، المبسوط 1: 176، النهاية: 31، الوسيلة: 65، السرائر 1: 160.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 563، المختلف: 45، الذكرى: 47، التذكرة 1: 43.

(8) جامع المقاصد 1: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 199

أكثر الطائفة، لجواز كونها مبنية على ما اخترناه من وجوب اللفّافتين أو الثلاثة.

بل للرضوي المتقدّم «1» المصرّح باللف في الإزار و الحبرة و اللفافة، و مرسلة الجعفي كما عن الذكرى، المنجبرين بما مرّ، قال: و قد روي سبع: مئزر و عمامة و قميصان و لفافتان و يمنية «2».

خلافا للمدارك و البحار «3»، و عن العماني «4»، و الحلبي «5»، فما زادوها، بل قالوا باستحباب كون أحد الثلاثة حبرة، و لا تظهر زيادتها على الواجب أيضا من كلام والد الصدوق «6» و الجعفي و البصروي «7».

و احتاط بعض مشايخنا بتركها «8». و هو في موقعه. بل عدم الزيادة أقوى و أظهر، لحسنة الحلبي و صحيحة زرارة و محمد، المتقدّمتين في صدر المسألة الأولى «9»، الراجحتين على ما مرّ بموافقتهما للأصل، و مخالفتهما للعامة كما تظهر من الحسنة.

و الأول هو المرجع عند المخمصة، و الثانية من المرجّحات المنصوصة، فلا يعارضهما اعتضاد الأولين بالإجماع المنقول أو الشهرة في الفتوى المحكية، لعدم صلاحيتهما للمرجحية.

مع أنّ الظاهر عندي أنهم لمّا رأوا اشتمال كثير من الروايات على القميص و الإزار

و الحبرة، و كانت الإزار عندهم هي اللفافة- كما يظهر من تعبيرهم في كتبهم

______________________________

(1) في ص 190.

(2) الذكرى: 48.

(3) المدارك 2: 100، بحار الأنوار 78: 320.

(4) نقل عنه في الذكرى: 48.

(5) الكافي: 237.

(6) نقل عنه في المختلف: 45.

(7) نقل عنهما في الذكرى: 48.

(8) الرياض 11: 59.

(9) في ص 179، 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 200

الفقهية- و استنبطوا وجوب المئزر من دليل آخر، فقالوا بكون الحبرة زائدة مستحبة. و نحن لما لم نعثر على دليل على وجوب المئزر، لا نفهم من الروايات زيادة على الثلاثة الواجبة. و بذلك يوهن عندنا مستند الشهرة و هو يوجب الوهن في نفسها أيضا.

مع أنّ في دلالة الرضوي نظرا من جهة احتمال العطف التفسيري. بل في دلالة رواية الدعائم [1] أيضا، لجواز كون اللفافتين و اليمنية هي الثلاثة الواجبة المخيرة، فتأمّل.

و قد يستظهر للزيادة بصحيحة يونس بن يعقوب، المتقدّمة «1». و هي مع احتمالها التقية- لو دلّت- غير دالّة، لجواز جعل أحد الشطويين خرقة الشدّ.

فالقول بزيادة الحبرة في غاية الضعف.

و أضعف منه تعويض لفّافة أخرى عنها مع فقدها، كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و الإصباح و المهذّب «2».

و أضعف منهما زيادة لفّافتين على الواجب، كما عن الصدوق «3»، و التهذيب [2]، و الكامل، و ابن زهرة «4».

لعدم الدليل على شي ء منهما سوى ما قد يستظهر به للأول: من قوله في صحيحة محمد: «و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع و منطق و خمار و لفّافتين» «5» بضميمة ما دلّ على تسوية الرجل و المرأة.

______________________________

[1] كذا في النسخ، و الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف، و الصحيح: مرسلة الجعفي المتقدمة في ص 199.

[2] لم نعثر عليه فيه،

و يحتمل أن يكون مصحّفا عن المهذب لأن القول موجود فيه، ج 1 ص 60.

______________________________

(1) في ص 187.

(2) النهاية: 32، المبسوط 1: 177، السرائر 1: 160، المهذب 1: 60.

(3) الفقيه 1: 93.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(5) تقدمت في ص 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 201

و للثاني: بقوله في صحيحة زرارة و محمد: «فما زاد فهو سنّة إلى أن يبلغ خمسة أثواب، فما زاد فمبتدع» «1».

و بالتصريح بالسبع في الرضوي: «ثمَّ يكفّن بثلاث قطع و خمس و سبع.

فالثلاث: مئزر و عمامة و لفافة، و الخمس: مئزر و قميص و عمامة و لفافتان» «2» بحمل السبع على الخمس المذكورة مع لفّافتين، و إن لم يفسّرها.

و يضعّف الأول: بعدم الدلالة، لما مرّ من احتمال إرادة خرقة العورة أو الثدي من المنطق، فتكون اللفّافتان هما الواجبان.

و الثاني: بأنّ المراد من خمسة أثواب الثلاثة مع الخامسة و العمامة، و لو منع فالاحتمال قائم و الاستدلال معه ساقط.

و الثالث: بالإجمال، مع أنه لا يعلم أنّ ذكرها على سبيل الحكم أو الحكاية. مضافا إلى أنه لا يصلح بنفسه للحجية، و ليس المقام مقام المسامحة، لإيجابه إتلاف المال و الإضاعة المنهي عنهما في الشريعة.

و أمّا للمرأة، فقد يزاد الحبرة المذكورة، و نسب زيادتها أيضا إلى الشهرة، لما ظهر ضعفه.

خلافا لمن نفاها في الرجل، و لبعض من أثبتها فيه، كما في الشرائع و النافع، و عن النهاية و الوسيلة «3»، و الإصباح و التلخيص. و هو الأصح.

و النمط، زاده في النافع و الشرائع «4»، و المنتهى و القواعد «5»، و عن الكامل و المهذّب و المختلف «6». و عن المقنعة: التخيير بينه و بين لفّافة أخرى «7».

______________________________

(1) تقدمت في ص 179.

(2) تقدمت

في ص 182.

(3) الشرائع 1: 40، النافع: 13، النهاية: 31، الوسيلة: 65.

(4) راجع الرقم (3).

(5) المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18.

(6) المهذب 1: 60، المختلف: 45.

(7) المقنعة: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 202

و عن جماعة: الاقتصار على ذكر لفافة أخرى زائدة عن اللفّافة المستحبة للرجل و عدم التعرّض للنمط «1»، و لعلّه لعدم دليل عليه من الأخبار، و عدم كون المقام مقام المسامحة. و هو في محلّه.

بل و كذا الكلام في اللفّافة أيضا، لما عرفت من عدم ثبوت الزائدة عن الواجب- على ما اخترناه من وجوب اللفّافتين و التخيير بين الثالثة و القميص- من الروايات.

و غاية ما يستدلّون لها في المرأة صحيحة محمد، بحمل المنطق فيها على المئزر. و لا دليل عليه، و احتمال خرقة الفخذين قائم. فإنّ المنطق كما في كتب اللغة: ما يشدّ في الوسط. و محلّ شدّ الخرقة و المئزر عندهم واحد. فتعيين أحدهما تحكّم بارد، و الاستشهاد بفهم بعض الفقهاء «2» القائلين بوجوب المئزر فاسد.

الثالثة:

قالوا: كيفية التكفين أن يبدأ بالخامسة، و يشدّها بعد وضع القطنة، ثمَّ يؤزره بالمئزر كما يؤزر الحي- على القول به- ثمَّ يلبسه القميص، و على القول بنفيه يلبسه بعد شدّ الخرقة، ثمَّ يلفّه بإحدى اللفّافتين، ثمَّ بالأخرى التي يستحب كونها حبرة. و هذا هو نقل الأكفان إليه.

و يجوز العكس، بأن يبسط الحبرة، و يبسط عليها اللفّافة، و عليها القميص، و ينقل إليه الميت بعد أن يشدّ بالخامسة و يؤزر بالمئزر على القول به.

و هذا الترتيب هو المشهور، و يستفاد في غير المئزر من الأخبار.

أمّا تقديم الخرقة فمن حسنة حمران «3»، و صحيحة ابن سنان «4»، و الرضوي: «و قبل أن تلبسه القميص تأخذ شيئا

من القطن، و تجعل عليه حنوطه، و تحشو به دبره، و تضع شيئا من القطن على قبله، و تضع شيئا من الحنوط،

______________________________

(1) كما في الخلاف 1: 701، و المراسم: 47، و المفاتيح 2: 165، و الرياض 1: 60.

(2) كالشهيد في الذكرى: 47.

(3) المتقدمة في ص 182.

(4) المتقدمة في ص 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 203

و تضمّ رجليه جميعا، و تشدّ فخذيه إلى وركيه بالمئزر شدّا جيدا» «1» و ذلك ظاهر في تأخّر القميص عن الخرقة.

نعم، المذكور في موثّقة الساباطي «2» أنه يبدأ بالقميص ثمَّ بالخرقة، و الأمر في ذلك هيّن.

و أمّا تقديم القميص و تأخير الحبرة، فمن رواية يونس «3» و الموثّقة.

و أمّا العمامة، فصريح الموثّقة شدّها بعد اللفّافة، و ظاهر الحسنة أنه قبله، بل هو صريح الرضوي: «ثمَّ تعمّمه و تحنكه فيثنى على رأسه بالتدوير، و يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر و الأيسر على الأيمن، ثمَّ يمدّ على صدره، ثمَّ يلفّ باللفّافة» «4» الخبر.

هذا هو الكلام في الترتيب.

و أمّا الكيفية: ففي تلبّس القميص و لفّ اللفافتين واضحة.

و في الخرقة قالوا: يربط أحد طرفيها في وسط الميت إمّا بشقّ رأسه أو بجعل خيط و نحوه فيه، ثمَّ يدخل الخرقة بين فخذيه من جانب، و يضمّ عورته بها ضما شديدا، و يخرجها من الجانب الآخر، و يدخلها تحت الشداد الذي على وسطه، ثمَّ يلفّ حقويه و فخذيه بما بقي منها لفّا شديدا، فإذا انتهت أدخل طرفها الآخر من الجانب الأيمن تحت الجزء الذي انتهت إليه. و في خبر يونس دلالة على بعض هذه الأحكام.

و أمّا العمامة فيؤخذ وسطها، و يثنى على رأسه بالتدوير، و يلفّ عليه محنكا، و يخرج طرفاها من تحت الحنك،

و يلقيان على صدره فضل الشق الأيمن على

______________________________

(1) فقه الرضا: 168 بتفاوت، المستدرك 2: 217 أبواب الكفن ب 12 ح 1.

(2) المتقدمة في ص 186.

(3) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، التهذيب 1: 306- 888، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.

(4) تقدم مصدره في هامش (1).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 204

الأيسر و الأيسر على الأيمن.

يدلّ على تلك الكيفية: الرضوي السابق، و على أكثرها خبر يونس أيضا، و المروي في الدعائم: «خذ العمامة من وسطها، ثمَّ انشرها على رأسه، و ردّها من تحت لحيته، و عمّمه، و أرخ ذنبيها مع صدره» [1].

و على التحنيك: مرسلة ابن أبي عمير «1»، و الإجماع المحكي «2».

و قد ورد بالكيفية أخبار أخر، و ما ذكرناه أشهر، و حمل تلك الأخبار عليه ممكن و لو مع التكلّف.

الرابعة:

للتكفين سوى ما مرّ واجبات و مستحبات أخر و مكروهات:

أمّا الواجبات فمنها: أن لا يكون حريرا بالإجماع، كما عن المعتبر و التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى و في المدارك «3».

لمضمرة ابن راشد: عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز و قطن، هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ فقال: «إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس» [2].

و المروي في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يكفّن الرجال في ثياب الحرير» «4».

و يدلّ عليه الاستصحاب في الرجال أيضا.

______________________________

[1] دعائم الإسلام 1: 231، و فيه: «ذيلها» بدل «ذنبيها».

[2] الكافي 3: 149، الجنائز ب 22 ح 12، التهذيب 1: 435- 1396، الاستبصار 1:

211- 744 الوسائل 3: 45 أبواب التكفين ب 23 ح 1. العصب كفلس:

برد يصبغ غزله ثمَّ ينسج، و قال السهيلي: العصب صبغ لا ينبت إلّا باليمن (المصباح المنير: 413).

______________________________

(1) الكافي 3: 145 الجنائز ب 19 ح 10، التهذيب 1: 308- 895، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 2.

(2) كما حكاه في التذكرة 1: 43.

(3) المعتبر 1: 280، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 242، الذكرى: 46، المدارك 2: 95.

(4) الدعائم 1: 232، المستدرك 2: 225 أبواب الكفن ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 205

و الاستدلال بالرضوي: «لا يكفّنه في كتان و لا ثوب إبريسم» «1» و بما دلّ على مرجوحية التكفين بثوب الكعبة مع تجويز بيعه و هبته «2». غير جيّد، لعدم دلالتهما على الحرمة بل غايتهما المرجوحية، سيما مع ضمّ الكتان في الأول، مضافا إلى عدم نصّية الثاني في أنه لكونه حريرا، فيمكن أن يكون لسواده أو غيره.

و لا ينافيه خبر السكوني: «نعم الكفن الحلّة» [1] إذا لا يعتبر فيها أن يكون من الإبريسم.

و مقتضى صريح المضمرة اختصاص الجواز بما إذا كان الخليط أكثر، كما نقل عن جماعة [2]، فلا يجوز بالممتزج الذي لم يكن كذلك. و عن النهاية و الاقتصاد «3»: المنع عن الممتزج مطلقا.

و كذا مقتضى إطلاقها تعميم المنع للمرأة أيضا، و عن الذكرى الإجماع عليه «4». فاحتمال الجواز في المرأة- كما في المنتهى و عن نهاية الإحكام «5»- ضعيف، و الاستصحاب بما مرّ مندفع.

نعم، يحتمل الجواز لها في الخرقة و الخمار، بناء على ما صرّح به في بعض الأخبار من عدم كونهما من الكفن [3]، و اختصاص النهي بالتكفين. و منه يظهر تعدّي الجواز إلى العمامة و الخرقة للرجال أيضا، إلّا أنّ بإزاء ما ذكر روايات أخر

______________________________

[1]

التهذيب 1: 437- 1406، الاستبصار 1: 211- 743، الوسائل 3: 45 أبواب التكفين ب 23 ح 2 الحلّة: إزار و رداء برد أو غيره و لا يكون إلّا من ثوبين أو ثوب له بطانة (القاموس 3: 370).

[2] قد يستفاد من المعتبر 1: 371، و المدارك 2: 96.

[3] الذي وجدنا التصريح به في بعض الأخبار أن العمامة و الخرقة ليستا من الكفن، و لم نعثر على رواية تصرح بأن الخمار ليس من الكفن فانظر الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2.

______________________________

(1) فقه الرضا: 169.

(2) انظر الوسائل 3: 44 أبواب التكفين ب 22.

(3) النهاية: 31، الاقتصاد: 248.

(4) الذكرى: 46.

(5) المنتهى 1: 438، نهاية الإحكام 2: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 206

دالّة على أنهما من الكفن، و الظاهر الجمع بحمل النفي على الواجب، و الإثبات على المندوب، و يلزمه التحريم في الرجل و المرأة، فتأمّل.

و هل يشترط في الكفن أن يكون ممّا تجوز فيه الصلاة، كما في النافع و القواعد و اللوامع، و عن الوسيلة و الكافي و الغنية «1»؟

لا دليل على الكلية من الأخبار و الأصل، و صدق نحو القميص و العمامة و الإزار يدفعها. و لذا اقتصر جماعة كما في الشرائع و المنتهى، و عن المبسوط و النهاية و الاقتصاد «2» و الجامع و المعتبر و التحرير و نهاية الإحكام [1]، و التذكرة «3»، على المنع من الحرير.

و ربما يستظهر «4» للكلية باختصاص أخبار التكفين بحكم التبادر بالقطن، مضافا إلى الأمر به المستلزم للوجوب في موثّقة عمار: «الكفن يكون بردا، فإن لم يكن برد فاجعله كلّه قطنا، فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا» [2].

و يلحق به ما أجمع على جوازه- إن كان-

و يبقى جواز الباقي و منه ما لا تتمّ فيه الصلاة خاليا عن الدليل، و هو كاف في المنع، لوجوب تحصيل البراءة اليقينية في مثل المقام.

و لا يخفى أنه لو تمَّ ذلك لا نحصر الجواز في القطن، و لثبت المنع عن الجلد

______________________________

[1] الجامع: 53، المعتبر 1: 280، التحرير 1: 18، نهاية الإحكام 242، و لا يخفى أنه و لو اقتصر في أوّل كلامه على المنع عن الحرير إلّا أنه قال بعد سطور: و يشترط أن يكون مما يجوز فيه الصلاة ..

[2] الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 10، التهذيب 1: 269- 870، الاستبصار 1: 210- 740، الوسائل 3: 30 أبواب التكفين ب 13 ح 1. السابري: نوع رقيق من الثياب. قيل نسبة إلى كور سابور كورة من فارس و مدينتها شهرستان (المصباح المنير: 263).

______________________________

(1) النافع: 12، القواعد 1: 18، الوسيلة: 66، الكافي: 237، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(2) الشرائع 1: 39، المنتهى 1: 438، المبسوط 1: 176، النهاية: 31، الاقتصاد: 248.

(3) التذكرة 1: 43.

(4) انظر الرياض 1: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 207

و لو عمّا يؤكل بعد التذكية، كما عن المعتبر و التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى «1»- و إن استشكل في بعضها «2» في المذكى ممّا يؤكل- و عن الصوف و الشعر و الوبر، كما عن الإسكافي [1]، و عن الكتان، كما عن الصدوق «3».

و لكن يخدشه أنّ الظاهر انعقاد الإجماع في الكتان و الصوف، لعدم قدح مخالفة من ذكر فيه. مضافا في الأخير إلى الرضوي المنجبر: «و لا بأس في ثوب صوف» «4». و معه يسقط الاستدلال بالموثّقة، إذ بعد ثبوت الجواز في غير القطن يخرج الأمر به عن الوجوب،

فلا يصير دليلا. و الحمل على الوجوب التخييري ليس أولى من الاستحباب، لكونهما مجازين.

و أنّه لا ينبغي الريب في صدق الثوب و القميص و الإزار و اللفّافة و العمامة على المنسوج من الصوف و الشعر و الوبر، و إطلاقها عليه شائع، كما في الكساء و قباء الصوف و عمامة الخز و غيرها. فتكون إطلاقاتها أدلّة لهذه الأمور و لو كانت ممّا لا يؤكل و لا تجوز الصلاة فيه، و معه لا ينتهض وجوب تحصيل اليقين بالبراءة دليلا.

نعم، هو يحسن فيما لا يشمله الإطلاق أو يشك في الشمول، كالجلد و الحصر و نحوهما، حيث إنه لا يعلم دخوله في المأمور به، فلا يعلم الامتثال.

و منها: أن لا يكون مغصوبا، للإجماع، و للنهي عن التصرف في مال الغير بدون إذنه.

و أن لا يكون نجسا، لظاهر الإجماع. و في الاستدلال له [2] بوجوب إزالة

______________________________

[1] نقله في المعتبر 1: 280 عن الإسكافي بالنسبة إلى الوبر.

[2] كما استدل في الذكرى: 46.

______________________________

(1) المعتبر 1: 437، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 243، الذكرى: 46.

(2) و هو نهاية الإحكام 2: 243.

(3) الفقيه 1: 89.

(4) فقه الرضا: 169.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 208

النجاسة العارضة من الميت عن الكفن نظر، لجواز الفرق.

ثمَّ لو خولف أحد الثلاثة، و كفّن في النجس أو المغصوب أو الحرير، فهل حصل التكفين و سقط الوجوب الكفائي و إن أثم المباشر، أو لم يحصل و وجب على المكلّفين التكفين كفاية ثانية؟

مقتضى الأصول الثاني، لأنّ النهي يستلزم عدم كون الفرد المنهي عنه مأمورا به، فلم يمتثل الأمر الواجب امتثاله كفاية، فيبقى الوجوب الكفائي على حاله. و الأصل عدم تقييد الأوامر بحالة عدم كونه مستورا بهذا النحو من الستر.

و منه

يظهر عدم ترتّب سائر آثار التكفين عليه، كتأخّر الصلاة و الدفن، لظهور أن المراد الكفن المشروع المأمور به.

و هل تجب في التكفين النية، كما هو ظاهر المحكي عن الروض «1»؟

الظاهر نعم، لوجوب امتثال أوامر التكفين المتوقّف على النية عرفا، فلو كفّن بدونها لم يمتثل، و يلزمه وجوب التكفين ثانيا مع النية، لعدم دليل على سقوط التكليف الكفائي بدون حصول الامتثال.

و جعل المطلوب مجرّد الستر على النحو الخاص، كما في إزالة الخبث و الأمر بالمعروف و الشهادة و نحوها فاسد، لأن في هذه الأمور و إن لم يمتثل الأمر، إلّا أنه لمّا تحقّقت الفائدة المطلوبة في الخارج لم يبق أمر حتى يجب امتثاله، لامتناع تحصيل الحاصل، و المطلوب في المقام غير معلوم، و كونه هو الستر الخاص فقط ممنوع. لم لا يجوز أن يكون المقصود نفس التعبّد أو هما معا؟ و لذا لا يسقط التكليف بحصول ذلك الستر من غير المكلّف، كريح أو سيل أو نحوه.

و أمّا مستحباته: فأن يكون الكفن من طهور أموال كلّ شخص، لمرسلة الفقيه، «إنّا أهل بيت حجّ صرورتنا و مهور نسائنا و أكفاننا من طهور أموالنا» «2».

______________________________

(1) الروض: 104.

(2) الفقيه 1: 120- 577، الوسائل 3: 55 أبواب التكفين ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 209

و أن يكون قطنا بالإجماع، كما عن المعتبر و التذكرة و نهاية الإحكام «1»، و في اللوامع، له، و لموثّقة عمّار، المتقدّمة «2»، و لخبر أبي خديجة: «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، و القطن لامة محمد صلّى اللّه عليه و آله» «3».

محضا، كما في المنتهى «4»، و عن المبسوط و الوسيلة «5»، و الإصباح، بل عليه الإجماع عن نهاية الإحكام «6»، لأنه

المتبادر من كونه قطنا.

و أبيض، بلا خلاف، كما في المنتهى «7»، و عن الخلاف «8». بل إجماعا كما عن نهاية الإحكام و المعتبر «9»، لخبري جابر: «ليس من لباسكم شي ء أحسن من البياض، فالبسوه و كفّنوا به موتاكم» «10».

و موثّقة ابن القداح: «البسوا البياض، فإنه أطيب و أطهر، و كفّنوا فيه موتاكم» «11».

و المروي في العلل: إنّ عليّا عليه السلام كان لا يلبس إلّا البياض أكثر ما يلبس و يقول: «فيه تكفين الموتى» [1].

______________________________

[1] لم نعثر عليه في العلل، و هو مروي في قرب الإسناد: 152- 552.

______________________________

(1) المعتبر 1: 284، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 242.

(2) في ص 206.

(3) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 7، التهذيب 1: 434- 1392 الاستبصار 1: 210- 741، الوسائل 3: 42 أبواب التكفين ب 20 ح 1.

(4) المنتهى 1: 438.

(5) المبسوط 1: 176، الوسيلة: 66.

(6) نهاية الإحكام 2: 242.

(7) المنتهى 1: 441.

(8) الخلاف 1: 702.

(9) نهاية الإحكام 2: 242، المعتبر 1: 284.

(10) الكافي 3: 148 الجنائز ب 22 ح 3، التهذيب 1: 434- 1390، الوسائل 3: 41 أبواب التكفين ب 19 ح 2.

(11) الكافي 6: 445 الزي و التجمّل ب 4 ح 1، الوسائل 3: 41 أبواب التكفين ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 210

و في مجالس ابن الشيخ: «خير ثيابكم البياض، فليلبسه أحياؤكم و كفّنوا فيه موتاكم» «1».

و يستثنى منه الحبرة، فالمستحب فيها الحمرة، للمعتبرة «2».

و جديدا، بلا خلاف، كما في المنتهى، و شرح القواعد الكركي «3»، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام كذا كفّنوا. إلّا في ثوب كان يصلي فيه، كما في المنتهى «4»، للنصوص.

و جيّدا.

و في المنتهى: يستحب اتّخاذ الكفن عن أفخر الثياب و أحسنها «5»، لمرسلة ابن أبي عمير: «أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم» «6» و نحوها المروي عن مدينة العلم «7»، و العلل، و فلاح السائل، و دعوات الراوندي «8».

و رواية أبي خديجة: «تنوّقوا في الأكفان، فإنكم تبعثون بها» «9» و التنوق:

التجود و المبالغة فيه.

و صحيحة يونس، المتقدّمة «10» و غيرها.

و أن يكون من جملة أكفانه ثوب صلّى فيه، لمرسلة ابن المغيرة: «يستحب أن يكون في كفنه ثوب كان يصلّي فيه نظيف، فإنّ ذلك يستحب أن يكفّن فيما كان

______________________________

(1) مجالس الشيخ الطوسي: 398، الوسائل 5: 27 أبواب أحكام الملابس ب 14 ح 5.

(2) انظر الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2.

(3) المنتهى 1: 441، جامع المقاصد 1: 397.

(4) المنتهى 1: 442.

(5) المنتهى 1: 441.

(6) الكافي 3: 148 الجنائز ب 22 ح 1، الوسائل 3: 39 أبواب التكفين ب 18 ح 3.

(7) نقلها في فلاح السائل: 69 عن مدينة العلم للصدوق.

(8) العلل: 301، فلاح السائل: 69، الدعوات: 254.

(9) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 6، الوسائل 3: 39 أبواب التكفين ب 18 ح 4.

(10) في ص 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 211

يصلّي فيه» «1».

و مرسلة الفقيه: «إذا أردت أن تكفّنه فإن استطعت أن يكون في كفنه ثوب كان يصلّي فيه نظيف فافعل» «2».

و تدلّ عليه أيضا رواية سهل، المتقدّمة «3».

و أن يخاط بخيوطه لا من غيره، كما في القواعد و الشرائع و المنتهى «4»، و عن المبسوط و الجامع «5»، و الإصباح، لفتوى هؤلاء.

و أن يطيّب بالذريرة ينثرها عليه، إجماعا من أهل العلم كافة، كما عن المعتبر «6»، للمعتبرة «7».

قيل: و الظاهر أنّ المراد بها

طيب خاص معروف بهذا الاسم الآن في بغداد و ما والاها «8». و عن التبيان: أنها فتات قصب الطيب، و هي قصب يجاء به من الهند و كأنه قصب النشاب «9». و في المبسوط: يعرف بالقمحة «10». و الظاهر أنه وجد الآن طيب معروف بهذا الاسم، فهو المستحب.

و أن يكتب فيه اسمه و شهادة التوحيد بهذه الصورة: فلان أو فلان بن فلان- كما عن الديلمي «11»- يشهد أن لا إله إلّا اللّه، لخبر أبي كهمس: «إن الصادق

______________________________

(1) الكافي 3: 148 الجنائز ب 22 ح 4، الوسائل 3: 15 أبواب التكفين ب 4 ح 2.

(2) الفقيه 1: 89- 413 الوسائل 3: 15 أبواب التكفين ب 4 ح 1.

(3) في ص 182.

(4) القواعد 1: 19، الشرائع 1: 40، المنتهى 1: 442.

(5) المبسوط 1: 177، الجامع: 54.

(6) المعتبر 1: 285.

(7) انظر الوسائل 3: 35 أبواب التكفين ب 15.

(8) قاله في الرياض 1: 59.

(9) التبيان 1: 448.

(10) المبسوط 1: 177.

(11) المراسم: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 212

عليه السلام كتب في حاشية كفن إسماعيل: أنه يشهد أن لا إله إلّا اللّه» «1».

بل يزاد: وحده لا شريك له أيضا، كما عن المبسوط، و النهاية، و المهذب «2».

بل الشهادة على الرسالة و الإمامة لكلّ واحد واحد بأسمائهم الشريفة، كما عن كتب الشيخ «3»، و المهذب و الوسيلة و الغنية، و الإرشاد و الجامع «4»، و في المنتهى و الشرائع و القواعد «5». مع احتمال إرادة ذكر أسمائهم الشريفة بعد الشهادتين حسب، في الأربعة الأخيرة.

لفتوى هؤلاء الأجلة، مع دعوى الإجماع- كما عن الخلاف «6»- عليه، و هما كافيان في المقام بعد انفتاح باب الجواز بالإجماع و الخبر السابق مع أصالته.

مضافا إلى

المروي في مصباح الأنوار: «أنّ كثير بن عباس كتب في أطراف كفن سيدة النساء عليها السلام: تشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه» «7».

فلا يتعيّن الاقتصار على شهادة التوحيد، كما اقتصر في الهداية و عن الفقيه و المراسم و المقنعة «8»، و غيرها.

على حاشية الكفن، كما في الخبر المذكور، و صرّح جماعة «9» بالكتابة على

______________________________

(1) التهذيب 1: 289- 842 و 309- 898، الوسائل 3: 51، 52 أبواب التكفين ب 29 ح 1، 2.

(2) المبسوط 1: 177، النهاية: 32، المهذب 1: 60.

(3) كالنهاية. 32، و المبسوط 1: 177، و الاقتصاد: 248.

(4) المهذب 1: 60، الوسيلة: 66، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الإرشاد 1: 231، الجامع:

54.

(5) المنتهى 1: 441، الشرائع 1: 40، القواعد 1: 19.

(6) الخلاف 1: 706.

(7) رواه في بحار الأنوار 78: 335 عن مصباح الأنوار.

(8) الهداية: 23، الفقيه 1: 87، المراسم: 48، المقنعة: 78.

(9) كالنهاية: 32، و المعتبر 1: 285، و الرياض 1: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 213

اللفّافتين و القميص، و لعلّه لتأدية جميع احتمالات الرواية. و لكن صرّح في المروي في الاحتجاج، و كتاب الغيبة للشيخ بأنه كتب على إزار إسماعيل [1]، و المراد به اللفّافة كما مرّ، فالاقتصار عليه في الحكم بالاستحباب بخصوصه أولى و إن جاز في غيره أيضا.

و أن يزاد في المكتوب الجوشن الكبير، للمروي في جنّة الأمان للكفعمي عن السجاد عليه السلام: «إنّ الحسين عليه السلام قال: أوصاني أبي عليه السلام بحفظ هذا الدعاء و تعظيمه و أن أكتبه في كفنه» [2].

و قد يزاد الجوشن الصغير أيضا، استنادا إلى ما رواه السيد ابن طاوس في المهج: «إنه من كتبه

على كفنه أستحيي اللّه أن يعذبه» «1» ثمَّ ذكر ما في جنة الأمان عن السجّاد، و لكني ما رأيت شيئا من ذلك في شرح الجوشن الصغير في نسخة المهج التي كانت عندي، و كانت مصحّحة جدّا.

و مع ذلك قال شيخنا المجلسي في البحار بعد ذكر ذلك من المهج: ظهر لي من بعض القرائن أنّ هذا ليس من السيد، و ليس هذا إلّا شرح الجوشن الكبير. و كأنّ كتب الشيخ أبو طالب بن رجب هذا الشرح من كتب جدّه السعيد تقي الدين الحسن بن داود لمناسبة لفظ الجوشن و اشتراكهما في اللقب في حاشية الكتاب، فأدخله النسّاخ في المتن [3]. انتهى.

و لا مناسبة كثيرة لهذا الدعاء مع المقام أيضا، فعدم استحبابه بخصوصه أظهر.

و ربما يزاد القرآن بتمامه أو بعض آياته، للمروي في العيون عن الصيرفي،

______________________________

[1] الاحتجاج: 489، و لم نعثر عليه في الغيبة للشيخ، نعم هو مروي في الغيبة للصدوق المعروف ب (إكمال الدين): 71.

[2] جنة الأمان (المصباح): 238 و الرواية مروية في هامش الكتاب.

[3] هذه العبارة صورة مفصلة لما عثرنا عليه في بحار الأنوار 91: 327.

______________________________

(1) مهج الدعوات: 230.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 214

قال: توفّي موسى بن جعفر عليه السلام في يدي سندي بن شاهك، فحمل على نعشه و نودي عليه: هذا إمام الرافضة، فسمع سليمان بن أبي جعفر الصياح و نزل من قصره، و حضر جنازته و غسّله و حنّطه بحنوط فاخر، و كفّنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين و خمس مائة دينار عليها القرآن كلّها «1».

و فيه: أنه ليس من فعل المعصوم و لا تقرير منه فيه. و حضور الرضا عليه السلام- كما ورد- لا يفيد تقريره، لعدم إظهاره نفسه

المقدّسة، و عدم التمكّن من المخالفة لو ظهر.

نعم، عن كتاب الغيبة للشيخ عن أبي الحسن القمي: إنه دخل على محمد ابن عثمان العمري- رضي اللّه عنه- أحد النوّاب الأربعة، فوجده و بين يديه ساجة و نقاش ينقش عليه آيات من القرآن و أسماء الأئمة على حواشيها، فقلت: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال: لقبري تكون فيه و أو ضع عليها، أو قال: أسند إليها «2». الحديث.

و في دلالته أيضا نظر، إذ لا يدلّ جواز كتابة القرآن على حواشي الساجة التي ليست معرضا لوصول نجاسة الميت، على جوازها على الكفن الذي هو معرض له، سيما في مقابل العورتين و الرجلين و تحت الجسد.

و أمّا التيمّن و التبرك و الاستشفاع، فمع عدم انحصارها بالكتابة في الكفن لا يثبت استحباب الخصوص، كما هو محط الكلام في المقام، مع أنها معارضة بإساءة الأدب و التخفيف.

و جواز الشهادتين و أسامي الأئمة لا يثبت جواز الغير، لقلّتها، فيسعها مكان يبعد عن سوء الأدب و لا يعلم وصول النجاسة إليه، مع اختلاف كثير من أحكامها مع القرآن، كما في مسّ المحدث و قراءة الجنب و الحمل و التعليق و غيرها.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا 1: 81.

(2) الغيبة: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 215

و الأفضل أن يكتب ما يكتب بالتربة الحسينية، كما ذكره الشيخان «1» و الفاضلان «2»، بل الأصحاب كما ذكره بعض الأجلّة «3»، و سائر متأخّريهم كما ذكره بعض آخر «4»، له، و للتبرك، و الجمع بين المندوبين من الكتابة و جعل التربة مع الميت المستفاد من المروي في الاحتجاج في التوقيع الرفيع الخارج في جواب مسائل الحميري: أنه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز

ذلك أم لا؟

فأجاب: «يوضع مع الميت و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه» و سأل فقال: روي لنا عن الصادق عليه السلام: أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه: إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا اللّه. فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر؟ فأجاب: «يجوز» «5».

و مع عدمها يكتب بمطلق الطين و الماء، كما عن الإسكافي، و عزيّة المفيد «6»، و كتب الشهيد «7»، بل نسبه في اللوامع إلى الجماعة.

و الظاهر اشتراط التأثير في الكتابة، كما عن السرائر و المختلف «8»، و المنتهى [1]، و الذكرى «9»، و رسالة المفيد [2]، بل عليه يحمل إطلاق الأكثر، لأنه المعهود بل المتبادر منها. فإن لم يتيسّر فبالماء المطلق.

و أمّا تجويز الكتابة بالإصبع من غير تأثير مطلقا، كما عن الاقتصاد و المصباح

______________________________

[1] نقل عنه في كشف اللثام 1: 120، و هو ساقط من المنتهى المطبوع ج 1: 441 فراجع.

[2] نقل عنهما في كشف اللثام 1: 120، و السرائر 1: 162.

______________________________

(1) المقنعة: 78، النهاية: 32.

(2) الشرائع 1: 40، التحرير 1: 18.

(3) كشف اللثام 1: 120.

(4) الرياض 1: 59.

(5) الاحتجاج: 489.

(6) نقل عنه و عن الإسكافي في كشف اللثام 1: 120.

(7) كالذكرى: 49، و الدروس 1: 110، و البيان: 72.

(8) السرائر 1: 162، المختلف: 46.

(9) الذكرى: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 216

و مختصره و المراسم «1»، أو مع فقد التربة، كما عن المشهور، أو مع فقد الطين و الماء مطلقا، كما عن الإسكافي و العزيّة [1] فلا دليل عليه، إلّا أن يستند فيه إلى دعوى الشهرة [2] و فتوى الأجلّة، و لا بأس به.

و أن يغسل الغاسل قبل التكفين يديه إلى المرفقين، للرضوي: «فإذا فرغت من الغسلة الثالثة

فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك» «2».

و الأفضل إلى المنكبين، لصحيحة محمد: «يغسل، ثمَّ يغسله يديه من العاتق، ثمَّ يلبسه أكفانه، ثمَّ يغتسل» «3».

ثلاثا، لصحيحة ابن يقطين: «ثمَّ يغسل الذي غسّله يده قبل أن يكفّنه إلى المنكبين ثلاث مرات، ثمَّ إذا كفّنه اغتسل» «4».

و الرجلين، لخبر عمار: «ثمَّ تغسل يديك إلى المرافق و رجليك إلى الركبتين» «5».

و المستفاد من أكثر تلك الأخبار وفاقا لبعض الأصحاب [3]: أولوية تأخير غسل المسّ عن التكفين، و يدلّ عليه أيضا المروي في الخصال: «من غسّل منكم ميتا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه» «6».

______________________________

[1] نقل عنهما في كشف اللثام 1: 120، و المختلف: 46.

[2] كما ادعاها في المختلف 46، و كشف اللثام 1: 120.

[3] كما اختاره في المدارك: 2: 99.

______________________________

(1) الاقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18، المراسم: 48.

(2) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(3) الكافي 3: 160 الجنائز ب 31 ح 2، التهذيب 1: 428- 1364، الوسائل 3: 56 أبواب التكفين ب 35 ح 1.

(4) التهذيب 1: 446- 1444، الاستبصار 1: 208- 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

(5) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.

(6) الخصال: 618 حديث أربعمائة، الوسائل 3: 292 أبواب غسل المس ب 1 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 217

فما ذكره جماعة من الأصحاب كما عن الوسيلة و الفقيه و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و المعتبر و الشرائع و النافع «1»، و في اللوامع و المنتهى و القواعد و التذكرة «2»، و غيرها «3»، من استحباب تقديم الغسل كما عن الأول، أو

مع الوضوء كما عن الثاني، أو الوضوء مطلقا أو مع تعسّر الغسل كالبواقي، فإن أرادوا به غسل المسّ- كما صرّح به بعضهم [1]- فليس عليه دليل، و ما علّلوه به عليل.

و مع ذلك يردّه ما ذكر، و ما دلّ على استحباب تعجيل التجهيز. و لذلك لا ينتهض فتاوى هؤلاء أيضا لإثباته لنا.

و إن أرادوا الغسل للتكفين- كما عن الذكرى و النزهة «4»، بل عن الأخير أنّ به رواية [2]- فلا بأس أن يقول به و يحكم باستحبابه، لما أشير إليه من الرواية، و إن كانت ضعيفة مرسلة و متنها غير معلوم، لما يتحمل المقام من المسامحة.

مع أنّ إرادته من الصحيحة: «الغسل في سبعة عشر موطنا» إلى أن قال:

«و إذا غسّلت ميتا أو كفّنته أو مسسته بعد ما يبرد» «5» ممكنة، كما قال بعضهم لأجل تلك الرواية، سيما بملاحظة عدم كونه غسل المسّ، لذكره، و عدم ظهور قول بالغسل بعد التكفين، كما هو مقتضى الحقيقة.

و أما مكروهاته: فأن يكفّن في السواد بالإجماع، كما عن المعتبر و التذكرة

______________________________

[1] كالمنتهى و الروض.

[2] قال في النزهة: و قد روي «أنه إذا أراد تغسيل الميت يستحب له أن يغتسل قبل تغسيله و كذلك إذا أراد تكفينه».

______________________________

(1) الوسيلة: 65، الفقيه 1: 91، النهاية: 35، المبسوط 1: 179، السرائر 1: 164، الجامع:

52، المعتبر 1: 284، الشرائع 1: 39، النافع: 13.

(2) المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18، التذكرة 1: 44.

(3) كالدروس 1: 110، و جامع المقاصد 1: 389، و الروض: 105.

(4) الذكرى: 24، نزهة الناظر: 16.

(5) التهذيب 1: 114- 302، الوسائل 3: 307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 218

و نهاية الإحكام «1»، و عن المنتهى:

بلا خلاف «2»، لخبري ابن المختار، أحدهما:

«لا يكفّن الميت في السواد» «3» و الآخر: «لا يحرم الرجل في الثوب الأسود و لا يكفّن به» «4».

نعم، في المروي في الدعائم: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفّن حمزة في نمرة سوداء» «5» و هي كساء من الصوف يلبسها الأعراب. كذا في الصحاح [1].

و لكن الفتوى على مقتضى الخبرين، للأحدثية و الأشهرية، بل عدم دلالة الأخير إلّا على الجواز، و هو مسلّم، مع احتمال أن يكون مقام الضرورة، كما يدلّ عليه ما نقل من قصور كفنه عن ستر جميع بدنه، فجعل النبي على رجليه الحشيش «6».

بل في كلّ صبغ، كما عن الذكرى «7»، بل عن المهذّب و الإصباح «8»:

الحرمة. لفتوى هؤلاء الأجلّة، و التأسّي بصاحب الشريعة، و استحباب البياض المستلزم لها على قول لا يخلو عن القوة.

و أمّا الحرمة فخالية عن الحجة سوى الأمر بالبياض في الموثّقة «9». و هو على

______________________________

[1] الصحاح 2: 838 و فيه: بردة من الصوف تلبسها الأعراب.

______________________________

(1) المعتبر 1: 289، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 243.

(2) المنتهى 1: 438.

(3) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 11، التهذيب 1: 434- 1394، الوسائل 3: 43 أبواب التكفين ب 21 ح 1.

(4) الكافي 4: 341 الحج ب 83 ح 13، التهذيب 1: 435- 1395، الوسائل 3: 43 أبواب التكفين ب 21 ح 2.

(5) دعائم الإسلام 1: 232 المستدرك 2: 225 أحكام الكفن ب 18 ح 2.

(6) الكافي 3: 211 الجنائز ب 75 ح 2، التهذيب 1: 331- 970، الوسائل 2: 509 أبواب غسل الميت ب 14 ح 8.

(7) الذكرى: 48.

(8) المهذب 1: 60، و نقله في كشف اللثام 1: 115 عن الإصباح.

(9)

موثقة ابن القداح المتقدمة في ص 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 219

الندب محمول، لرواية الدعائم «1»، المنجبرة، مع و هن إرادة الوجوب منه، لعطفه على الأمر باللبس الذي هو غير واجب قولا واحدا.

و في الممتزج بالحرير، لفتوى الأجلّة «2»، و استحباب محضية القطنة.

و عن النهاية و الاقتصاد و المهذب «3»: المنع. و هو كذلك مع عدم كون الخليط أكثر- كما مرّ- لا مطلقا، للمضمر [1].

و في الكتان، وفاقا للأكثر، لمرسلة يعقوب بن يزيد: «لا يكفّن الميت في كتان» «4».

و هي عن الدلالة على الحرمة خالية، فالقول بها- كما عن ظاهر الصدوق «5»، سيما مع دعوى الإجماع كما عن الغنية «6» على الجواز- ضعيف.

و عدم انصراف إطلاقات التكفين إليه غير مضرّ، بل المضرّ انصرافها إلى غيره، و هو ممنوع.

و الرضوي المتقدّم: «لا يكفّنه في كتان و لا ثوب إبريسم» «7» ليس نصّا في التحريم، لجواز كون الجملة خبرية.

و تعلّقه بالإبريسم المحرّم قطعا لا يفيد، لإمكان إرادة مطلق المرجوحية دون الكراهة حتى يلزم استعمال اللفظ في المجاز و الحقيقة.

و أن يبلّ الخيوط التي يخاط به الكفن بالريق، بلا خلاف، كما يعطيه

______________________________

[1] يعني به مضمرة ابن راشد المتقدمة في ص 204.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 218.

(2) كما أفتى به في المبسوط 1: 176، و الوسيلة: 67، و التحرير 1: 18.

(3) النهاية: 31، الاقتصاد: 248، المهذب 1: 59.

(4) التهذيب 1: 451- 1465، الاستبصار 1: 211- 745، الوسائل 3: 42 أبواب التكفين ب 20 ح 2.

(5) الفقيه 1: 89.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(7) تقدم في ص 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 220

المعتبر «1»، لذلك و إن لم يعلم مستند آخر. لا بغيره، للأصل الخالي عن مطلق المعارض

و لو فتوى فقيه.

و أن يتّخذ الأكمام للقميص المبتدأ دون الملبوس، بل المستحب فيه قطع أزراره.

و عن الأصحاب: القطع بالأحكام الثلاثة.

و تدلّ عليها مرسلة ابن سنان: الرجل يكون له القميص أ يكفّن فيه؟ قال:

«يقطع أزراره» قلت: و كمّه؟ قال: «لا، إنما ذلك إذا قطع له و هو جديد لم يجعل له كمّا، فأمّا إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلّا الأزرار» «2».

و على خصوص الثالث: صحيحة ابن بزيع: سألت أبا جعفر عليه السلام أن يأمر لي بقميص أعدّه لكفني، فبعث به إليّ، فقلت: كيف أصنع؟ فقال:

«انزع أزراره» «3».

و مقتضاها وجوب القطع، فالقول به متعيّن إلّا أن ثبت إجماع على عدمه، و هو مشكل.

و ليس في عدم ذكره فيما ورد في خبري ابن سنان و عيسى، المرويين في العلل، و خبر ابن ربعي عن ابن عباس، المروي في المجالس من أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفّن فاطمة بنت أسد في قميصه «4»، و لم يتعرّض فيها لقطع الأزرار، دلالة على عدم القطع، لأنّ الغرض ذكر تشريفه لها بقميصه لا بيان الأحكام.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    221     الرابعة: ..... ص : 204

أن يجمّر [1] الأكفان بالدخنة الطيبة، للنهي عنه في المستفيضة «5».

______________________________

[1] جمّر ثوبه: بخّره (المصباح المنير: 108).

______________________________

(1) المعتبر 1: 289.

(2) التهذيب 1: 305- 886، الوسائل 3: 51 أبواب التكفين ب 28 ح 2.

(3) التهذيب 1: 304- 885، الوسائل 3: 50 أبواب التكفين ب 28 ح 1.

(4) علل الشرائع: 469- 32، 31، مجالس الصدوق: 258- 14، الوسائل 3: 48، 49 أبواب التكفين ب 26 ح 2، 3، 4.

(5) انظر الوسائل 3: 17 أبواب التكفين ب 6.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 3، ص: 221

و يحمل على الكراهة، لصحيحة ابن سنان: «لا بأس بدخنة كفن الميت» «1» المجوّزة لها الغير المنافية للكراهة.

و أن يتبع الجنازة بالمجمرة، للتصريح به في المعتبرة «2».

و أن يطيّب بغير الكافور و الذريرة، لرواية محمد: «و لا تمسحوا موتاكم بالطيب إلّا بالكافور» «3» و في الخبر: «رأيت جعفر بن محمد عليهما السلام ينفض بكمه المسك من الكفن و يقول: هذا ليس من الحنوط في شي ء» «4» و في المرسل:

«و لا يحنّط بمسك» «5».

و عن الغنية «6» و بعض آخر «7»: المنع، و في شرح القواعد للكركي: إنه المشهور «8»، لظاهر النهي.

و يدفع بالمعارضة مع مرسلة الفقيه: هل يقرب إلى الميت المسك و البخور؟

قال: «نعم» «9».

و مع ذلك فالترك أحوط، لكون الجواز بل الاستحباب مذهب العامة بل شعارهم، كما صرّح به الأصحاب «10»

______________________________

(1) التهذيب 1: 295- 867، الاستبصار 1: 209- 738، الوسائل 3: 20 أبواب التكفين ب 6 ح 13.

(2) راجع الرقم (6) ص 220.

(3) الكافي 3: 147 الجنائز ب 22 ح 3، التهذيب 1: 295- 863، الاستبصار 1: 209- 735، الوسائل 3: 18 أبواب التكفين ب 6 ح 5.

(4) قرب الإسناد: 162- 590، الوسائل 3: 19 أبواب التكفين ب 6 ح 11.

(5) الكافي 3: 147 الجنائز ب 21 ح 2، التهذيب 1: 322- 937، الوسائل 3: 18 أبواب التكفين ب 6 ح 11.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(7) كالشرائع 1: 39، و القواعد 1: 19، و الدروس 1: 108.

(8) جامع المقاصد 1: 387.

(9) الفقيه 1: 93- 426، الوسائل 3: 19 أبواب التكفين ب 6 ح 9.

(10) كالحدائق 4: 54، و الرياض 1: 62. و انظر من كتب العامة: المغني 2: 337 و بدائع

الصنائع 1: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 222

و في صحيحة ابن سرحان: قال الصادق عليه السلام في كفن الحذاء: «إنما الحنوط الكافور، و لكن اذهب فاصنع كما يصنع الناس» «1».

و منه يظهر الجواب عن استدلال الصدوق [1] على الاستحباب- كما نقل عنه- بالمرسل المذكور، و خبر غياث عن الصادق عليه السلام: «إن أباه كان يجمّر الميت العود فيه المسك» «2» و ما روى من تحنيط النبي صلّى اللّه عليه و آله بمثقال مسك سوى الكافور «3».

مضافا إلى عدم دلالة الأول على الزائد على الجواز، و الأخير على الاستحباب في حق غيره صلّى اللّه عليه و آله، لاحتمال الاختصاص، كما جوّز جمع من الأصحاب «4».

و أن يكتب عليه بالسواد، كما عن كتب الفاضلين «5»، و عن المقنعة و النهاية و المبسوط و الاقتصاد و المصباح «6»، و مختصره، و المراسم [2]، و الوسيلة و الجامع «7»،

______________________________

[1] قال في الفقيه 1: 91 يكره أن يجمر أو يتبع بمجمرة و لكن يجمر الكفن .. ثمَّ قال- بعد إيراد أحكام و روايات في التكفين و التحنيط- في ص 93: و روى أنه صلّى اللّه عليه و آله حنط بمثقال مسك سوى الكافور .. ثمَّ أورد بعد نقل روايات المرسلة المذكورة، و لم يرو خبر غياث و لم يستدل به كما يظهر من المتن.

[2] نقله في كشف اللثام 1: 121 و لم نعثر عليه في المراسم.

______________________________

(1) الكافي 3: 146 الجنائز ب 19 ح 13، التهذيب 1: 436- 1404، الوسائل 3: 18 أبواب التكفين ب 6 ح 7.

(2) التهذيب 1: 295- 865، الاستبصار 1: 210- 739، الوسائل 3: 20 أبواب التكفين ب 6 ح 14.

(3) الفقيه 1: 93- 422.

(4)

كما جوزه في كشف اللثام 1: 121، و الرياض 1: 62.

(5) المعتبر 1: 290، الشرائع 1: 40، النافع: 13، القواعد: 19، التحرير: 18، التذكرة 1:

45.

(6) المقنعة: 78، النهاية: 32، المبسوط 1: 177، الاقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18.

(7) الوسيلة 67، الجامع: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 223

و غيرها «1»، مع التصريح بالمنع في بعضها «2». لفتوى تلك الأخيار- و إن لم يكن له مستند من الأخبار- و إن احتمل شمول النهي عن التكفين في السواد أو في سواد له.

و عن المفيد: المنع من سائر الأصباغ «3». و لا بأس به.

و أن يقطع الكفن بالحديد، لما عن التهذيب من قوله: سمعناه مذاكرة من الشيوخ و كان عليه عملهم «4». و مثله كاف في مقام التسامح.

الخامسة:

و يستحب أن يجعل مع الميت الجريدة، بالإجماع المحقّق و المنقول متواترا في كلام الأصحاب منهم: المدارك و اللوامع و الحدائق و البحار «5»، و في المنتهى: إنه مذهب أهل البيت «6»، و الظاهر أنه ضروري المذهب، و هو الحجة فيه مع الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى.

كصحيحة زرارة: أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟ فقال:

«يتجافى عنه العذاب و الحساب ما دام العود رطبا» «7» الحديث.

و حسنة البصري: لأيّ شي ء توضع على الميت الجريدة؟ قال: «إنه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة» «8» إلى غير ذلك.

و القول بالوجوب- كما هو ظاهر الصدوق في معاني الأخبار «9»- شاذ،

______________________________

(1) كالدروس 1: 110، و جامع المقاصد 1: 396.

(2) كالمقنعة و النهاية.

(3) المقنعة: 78.

(4) التهذيب 1: 294.

(5) المدارك 2: 108، الحدائق 4: 38، بحار الأنوار 78: 315.

(6) المنتهى 1: 440.

(7) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 4، الفقيه 1: 89- 410، الوسائل

3: 20 أبواب التكفين ب 7 ح 1.

(8) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 7، التهذيب 1: 327- 955، الوسائل 3: 22 أبواب التكفين ب 7 ح 7.

(9) معاني الأخبار: 348 باب معنى التخضير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 224

و الأخبار غير مفيدة له.

و لتكن اثنتين على الحقّ المشهور، بل بالإجماع المنقول و المحقّق، لعدم مخالفة غير العماني، للأخبار الآتية المصرّحة بالتعدّد.

خلافا للمحكي عن العماني «1»، فجعلها واحدة، لخبري يحيى، الآتيين، و حسنة جميل: عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها؟ فقال: «فوق القميص دون الخاصرة» فسألته من أيّ الجانب؟ فقال: «من الجانب الأيمن» «2».

و الجواب: أنّ روايتي يحيى مطلقتان بالنسبة إلى الوحدة و التعدّد، فيجب تقييدهما بأخبار التعدّد. بل و كذلك الحسنة، و الاقتصار على الأيمن فيها لا يدلّ على الوحدة، لجواز وضعهما معا في الأيمن.

و لتكونا خضراوين بالإجماع كما في اللوامع و غيره «3»، لأنه المفهوم من الروايتين الأوليين.

و لرواية يونس: «و يجعل له قطعتين من جرائد النخل رطبا قدر ذراع، يجعل له واحدة بين ركبتيه، نصف ممّا يلي الساق و نصف ممّا يلي الفخذ، و يجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن» «4».

و يدلّ عليه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما في رواية يحيى بن عبادة:

«خضّروا أصحابكم فما أقلّ المخضرين» قال: و ما التخضير؟ قال: «جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى الترقوة» «5» و روايته الأخرى الآتية «6».

بل لا تجزئ اليابسة، لرواية محمد بن علي: عن السعفة اليابسة إذا قطعها

______________________________

(1) كما نقل عنه في الرياض 1: 61.

(2) الكافي 3: 154 الجنائز ب 24 ح 13، الوسائل 3: 26 أبواب التكفين ب 10 ح 3.

(3) كالخلاف 1:

704، و المنتهى 1: 440.

(4) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.

(5) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 2، الفقيه 1: 88- 408، الوسائل 3: 26 أبواب التكفين ب 10 ح 1.

(6) في ص 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 225

بيده هل يجوز للميت أن توضع معه في حفرته؟ فقال: «لا يجوز اليابس» «1».

و عن طائفة من كتب اللغة كالعين، و المحيط، و تهذيب اللغة «2» اعتبار الرطوبة في المفهوم.

من النخل، بلا خلاف، كما هو صريح رواية يونس، المتقدّمة و المستفاد من ظواهر الأخبار، بل يستفاد منها كون الجريدة حيث يطلق يومئذ حقيقة في المتّخذ منه.

فإن لم يوجد منه فمن السدر، فإن لم يوجد فمن الخلاف، وفاقا للأكثر، لرواية سهل: إن لم يقدر على الجريدة؟ فقال: «عود السدر» قيل: فإن لم يقدر على السدر؟ فقال: «عود الخلاف» «3».

ثمَّ إن لم يوجد الخلاف فمن كلّ شجر رطب، لمرسلة الفقيه: الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل، فهل يجوز مكان الجريدة شي ء من الشجر غير النخل- إلى أن قال-: فأجاب عليه السلام: «يجوز من شجر آخر رطب» [1].

و الرضوي: «فإن لم يقدر على جريدة من النخل فلا بأس بأن يكون من غيره بعد أن يكون رطبا» «4».

و ظاهرهما و إن اقتضى بدليته عن النخل أوّلا كما عن الفقيه [2]، و الخلاف

______________________________

[1] الفقيه 1: 88- 407، الوسائل 3: 24 أبواب التكفين ب 8 ح 1، و لا يخفى أن الرواية نقلها الصدوق عن علي بن بلال و له إليه طريق مذكور في مشيخة الفقيه 4: 21. فتوصيفها بالمرسلة ليس على ما ينبغي.

[2] الفقيه 1: 88 و

في «ق» و «ه» زيادة: و الفاخر. و هو كتاب الجعفي و نقل عنه في البحار 78:

315.

______________________________

(1) التهذيب 1: 432- 1381، الوسائل 3: 25 أبواب التكفين ب 9 ح 1.

(2) العين 6: 76، و تهذيب اللغة 10: 639.

(3) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 10، التهذيب 1: 294- 859، الوسائل 3: 24 أبواب التكفين ب 8 ح 3.

(4) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 214 أبواب التكفين ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 226

و السرائر و الذكرى «1»، و الكامل، إلّا أنهما لأعمّيتهما من الرواية المتقدّمة مطلقا، يجب تقييدهما بها، كما يجب تقييدها برواية علي بن إبراهيم: «يجعل بدلها عود الرمان» «2» فيقدّم الرمان على غير السدر و الخلاف، كما عن البيان، و الدروس «3»، و اللمعة [1]. بل ظاهرها بدلية الرمان عن النخل مطلقا، فيعارض الرواية السابقة بالعموم من وجه، إلّا أنّ الشهرة بل عدم قول بتقديم الرمان عليهما أوجب ترجيح ما تضمنهما على ما تضمنه.

و حكي عن المفيد و الديلمي «4» و جماعة [2]- كما في البحار «5»- تقديم الخلاف على السدر، و لا أعلم مستندهما. و ربما قيل بالتخيير بعد النخل بين السدر و الخلاف ثمَّ الرمان [3].

و يستحب أن يكونا بقدر عظم الذراع، كما عن المشهور، للرضوي:

«و روي أن الجريدتين كلّ واحدة قدر عظم ذراع» «6».

و لعلّهم حملوا عليها الذراع في رواية يونس، السابقة «7»، و رواية يحيى بن عبادة: «تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع- و أشار بيده- من عند ترقوته إلى

______________________________

[1] المستفاد من اللمعة (الروضة 1): 133: التخيير بين النخل و كل شجر رطب، نعم قال به الشهيد الثاني في شرح اللمعة 1: 133.

[2] منهم

ابن سعيد في الجامع: 53.

[3] كما نفي عنه البعد في بحار الأنوار.

______________________________

(1) الخلاف 1: 704، السرائر 1: 164، الذكرى: 49.

(2) الكافي 3: 154 الجنائز ب 24 ح 12، التهذيب 1: 294- 861، الوسائل 3: 25 أبواب التكفين ب 8 ح 4.

(3) البيان: 72، الدروس 1: 109.

(4) المقنعة: 75، المراسم: 48.

(5) بحار الأنوار 78: 315.

(6) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 215 أبواب التكفين ب 8 ح 1.

(7) في ص 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 227

يده، تلفّ مع ثيابه» «1».

لأنها المعنى الحقيقي للذراع- كما قيل «2»- و الأصل عدم النقل.

و لا تنافيه حسنة جميل: «الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت ممّا يلي الجلد، و الأخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص» «3».

لأنّ عظم الذراع أيضا قدر شبر تقريبا.

و أمّا التقدير بأربع أصابع فما فوقها- كما عن العماني «4»- فكأنه مستنبط من رواية يحيى بن عبادة، الاولى «5». و فيه تأمّل.

ثمَّ الظاهر جواز الزيادة عمّا ذكر و النقيصة ما دام صدق الجريدة، إذ يعتبر فيها طول، لإطلاق بعض الروايات و عدم ثبوت الوجوب من المقيدات.

ثمَّ إنه يحصل الامتثال بوضعهما مع الميت كيف كان- و لو اختيارا- على الأظهر، وفاقا للمعتبر و شرح القواعد للكركي «6»، لمطلقات وضعهما للميت وضعة، و عدم ثبوت دلالة المقيدات على لزوم التقيّد و تعيّنه، مضافا إلى خصوص رواية البصري: عن الجريدة توضع في القبر، فقال: «لا بأس» «7».

و يستحب أن تجعل إحداهما على الأيمن و الأخرى على الأيسر كما هو- في

______________________________

(1) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 3، التهذيب 1: 308- 396، الوسائل 3: 27 أبواب التكفين ب 10 ح

4.

(2) كشف اللثام 1: 117.

(3) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 5، التهذيب 1: 309- 897، الوسائل 3: 26 أبواب التكفين ب 10 ح 2.

(4) كما نقل عنه في المختلف: 44.

(5) المتقدمة في ص 224.

(6) المعتبر 1: 288، جامع المقاصد 1: 392.

(7) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 9، التهذيب 1: 328- 958، الوسائل 3: 28 أبواب التكفين ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 228

طريقة وضعهما- الأشهر، بل عليه غير الجعفي ممن تقدّم أو تأخّر، لرواية الفضيل: «توضع للميت جريدتان واحدة في الأيمن و الأخرى في الأيسر» «1» و حسنة جميل، المتقدمة «2».

أو تجعل إحداهما في الأيمن و الأخرى بين الركبتين، كما عن الجعفي «3»، لرواية يونس، السابقة «4»، و قريب منها الرضوي «5».

و إن كان الأول أولى، للأشهرية. و لا يتعين على الأقوى، للأصل.

ثمَّ على الأول تجعل اليمنى عند الترقوة بين الجلد و القميص، و اليسرى عندها بين القميص و اللفّافة، كما في الحسنة.

أو الأولى كما ذكر، و الثانية عند وركه، للرضوي: «و اجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده، ثمَّ تمدّ عليه قميصه، و الآخر عند وركه» «6».

و لا يتعين الأول، كما ذهب إليه الأكثر و منهم الصدوق في المقنع «7»، و إن كان أفضل، لأنه الأشهر.

و لا الثاني، كما عن الصدوق في الفقيه «8» و والده «9»، للأصل، و عدم دلالة الروايات على اللزوم، بل الظاهر عدم إرادة القوم فيما اختاروه أيضا سوى بيان الأفضل.

و أمّا جعل اليمنى عند الحقو على الجلد، و اليسرى على الإزار، كما عن

______________________________

(1) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 6، الوسائل 3: 27 أبواب التكفين ب 10 ح 6.

(2)

في ص 227.

(3) كما نقل عنه في الذكرى: 49.

(4) في ص 224.

(5) المتقدم في ص 225.

(6) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 213 أبواب الكفن ب 6 ح 1.

(7) المقنع: 19.

(8) الفقيه 1: 91.

(9) نقل عنه في المختلف: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 229

الاقتصاد و المصباح «1»، و مختصره، أو وضعهما كالمشهور، إلّا أنّ اليسرى تحت اليد كما عن المراسم «2»، فلا دليل عليه بخصوصه.

كلّ ذلك مع عدم المانع من تقية أو غيرها و لو كان نسيانا. و معه توضع حيث أمكن- و لو في القبر- قولا واحدا، للمستفيضة كمرفوعة سهل: ربما حضرني من أخافه، فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويناه. فقال: «أدخلها حيث ما أمكن» «3» و نحوها غيرها بزيادة: «و إن وضعت في القبر فقد أجزأه» «4».

و في مكاتبة أحمد بعد السؤال عن حضور المرجئة: «و أما الجريدة فليستخف بها و لا يرونه، و ليجهد في ذلك جهده» [1].

و في مرسلة الفقيه: «مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على قبر يعذّب صاحبه، فدعا بجريدة فشقّها نصفين، فجعل واحدة عند رأسه و الأخرى عند رجليه» «5».

و يحتمل أن يكون المراد بالشقّ فيها القطع، فلا يثبت معها ما استحبه

______________________________

[1] التهذيب 1: 448- 1451، الوسائل 3: 23 أبواب التكفين ب 7 ح 9 و المرجئة بغير تشديد من الإرجاء بمعنى التأخير، و في معنى الكلمة أقوال مختلفة و لا يبعد أن يكون الخبر ما فسّره في المقالات و الفرق: 5 قال ما لفظه: فلمّا قتل علي عليه السلام التقت الفرقة التي كانت معه و الفرقة التي كانت مع طلحة و الزبير و عائشة فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان إلا

القليل منهم من شيعته و من قال بإمامته بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و هم السواد الأعظم و أهل الحشو و أتباع الملوك و أعوان كل من غلب أعني الذين التقوا مع معاوية فسموا جميعا المرجئة .. و انظر أيضا مقباس الهداية 2: 369.

______________________________

(1) الاقتصاد: 249، مصباح المتهجد: 19.

(2) المراسم: 49.

(3) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 8، التهذيب 1: 327- 956، الوسائل 3: 28 أبواب التكفين ب 11 ح 1.

(4) التهذيب 1: 328- 957، الوسائل 3: 28 أبواب التكفين ب 11 ح 2.

(5) الفقيه 1: 88- 405، الوسائل 3: 28 أبواب التكفين ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 230

بعضهم [1] من الشقّ.

و بعضهم استحب وضع القطن عليها «1»، و كأنه لاستبقاء الرطوبة.

و ينافيه ما مرّ به من الإلصاق بالجلد، فالترك أولى.

و ذكر الأكثر- و منهم الصدوق في الهداية «2»- استحباب كتابة الشهادة بالتوحيد عنه عليهما، بل زادوا الشهادة بالرسالة و الإمامة للأئمة بأسمائهم المقدّسة.

و لا نص عليه بخصوصه، إلّا أن الشهرة العظيمة، و تصريح الأجلّة، و طلب اليمن و البركة كافية في الإثبات، للمسامحة.

و هل يختص استحباب الجريدتين بالمكلّف، كما يوهمه ظاهر التعليل بمنعهما عن العذاب؟ أو لا، كما يقتضيه إطلاق الأخبار و ظاهر فتاوى الأصحاب، فتوضعان لكلّ ميت حتى الصغير و المجنون؟

الظاهر: الثاني، لما مرّ، و إفادتهما في حق غير المكلّف لدفع الوحشة، و حصول الانس الذي هو أيضا علّة أخرى كما يستفاد من بعض الروايات «3». بل الوحشة أيضا نوع عذاب غير مخصوص بالمكلّفين.

السادسة:

يستحب أن يضع في يمين الميت مع الجريدة كتابا يكتب فيه إقراره في حياته، و تستشهد بما فيه جماعة، على ما

ذكره الشيخ في المصباح «4»، بل رواه، كما في المنتهى [2]. و هو كاف في إثبات استحبابه.

و طريقه على ما ذكره أن يهيّئه كلّ أحد في حياته، فيقول قبل أن يكتب:

______________________________

[1] لم نعثر على شخصه، و قال في البحار 78: 315: و استحباب الشق كما ذكره بعض الأصحاب غير ثابت.

[2] لم نعثر عليه في المنتهى.

______________________________

(1) الذكرى: 49، المسالك 1: 14، المدارك 2: 112.

(2) الهداية: 23.

(3) انظر الوسائل 3: 23 أبواب التكفين ب 7 ح 10.

(4) مصباح المتهجد: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 231

«بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله و أنّ الجنة حقّ و أنّ النار حقّ و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها و أنّ اللّه يبعث من في القبور».

ثمَّ يكتب: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم شهد الشهود المسمّون في هذا الكتاب أنّ أخاهم في اللّه عزّ و جلّ فلان بن فلان- و يذكر اسم الرجل- أشهدهم و استودعهم و أقرّ عندهم أنه يشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله، و أنه مقر بجميع الأنبياء و الرسل عليهم السلام، و أنّ عليا وليّ اللّه و إمامه، و أنّ الأئمة من ولده أئمته، و أنّ أوّلهم الحسن و الحسين عليهما السلام و علي ابن الحسين عليه السلام و محمد بن علي عليه السلام و جعفر بن محمد عليه السلام و موسى بن جعفر عليه السلام و علي بن موسى عليه السلام و محمد بن علي عليه السلام و علي بن محمد عليه السلام و الحسن بن علي عليه السلام و القائم الحجة

عليه السلام، و أنّ الجنّة حقّ، و النار حقّ، و الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللّه يبعث من في القبور، و أن محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رسوله جاء بالحقّ، و أنّ عليا عليه السلام ولي اللّه و الخليفة من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مستخلفه في أمته مؤديا لأمر ربه تبارك و تعالى، و أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ابنيها الحسن و الحسين عليهما السلام ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سبطاه و إماما الهدى و قائدا الرحمة، و أنّ عليا عليه السلام و محمدا و جعفرا و موسى و عليّا و محمدا و عليّا و حسنا و الحجة عليهم السلام أئمة و قادة و دعاة إلى اللّه عزّ و جلّ و حجّة على عباده».

ثمَّ يقول للشهود: يا فلان و يا فلان المسمّين في هذا الكتاب أثبتوا لي هذه الشهادة عندكم حتى تلقوني بها عند الحوض، ثمَّ يقول الشهود يا فلان:

«نستودعك اللّه، و الشهادة و الإخاء و الإقرار لمودوعة عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نقرأ عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته».

ثمَّ تطوى الصحيفة و تطبع و تختم بخاتم الشهود و خاتم الميت و يوضع عن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 232

يمين الميت مع الجريدة.

و تكتب الصحيفة بكافور و عود على جهة غير مطيب، أي يؤخذ العود مكان القلم من غير أن يبرئ أو يلطّخ بشي ء و من غير أن يطيب هذا.

و يستفاد من بعض الأخبار غفران الميت بشهادة أربعين رجلا بعد موته بأن يقولوا:

«إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا فاغفر له» «1» و أمّا كتابة تلك الشهادة بعد الموت، فلا دليل عليها.

السابعة:

الكفن الواجب للميت غير المرأة ذات البعل يؤخذ من أصل تركته، مقدّما على الديون و الوصايا، بإجماع الطائفة كما صرّح به جماعة «2»، و نفى عنه الخلاف في المنتهى و شرح القواعد «3» و غيرهما، لاستفاضة النصوص.

منها: صحيحة زرارة: عن رجل مات و عليه دين و خلف قدر ثمن كفنه، قال: «يجعل ما ترك في ثمن كفنه إلّا أن يتجر عليه إنسان يكفنه و يقضي دينه مما ترك» «4».

و خبر السكوني: «أوّل شي ء يبدأ به من المال الكفن ثمَّ الدين ثمَّ الوصية ثمَّ الميراث» «5» و روى نحوه في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام «6».

و مقتضى إطلاق الأخبار و فتاوى علمائنا الأخيار: تقديمه على حق المرتهن و غرماء المفلس، لعدم خروج المال عن الملك.

و تردّد في المرهون و في حق المجني عليه في شرح القواعد «7»، لاقتضائهما الاختصاص.

______________________________

(1) انظر الوسائل 3: 285 أبواب الدفن ب 90.

(2) التذكرة 1: 44، الذكرى: 50، روض الجنان: 109.

(3) المنتهى 1: 442، جامع المقاصد 1: 400.

(4) الكافي 7: 23 الوصايا ب 17 ح 2، 3، الفقيه 4: 143- 492، 488، التهذيب 9:

171- 697، 698 الوسائل 19: 328، 329 أبواب الوصايا ب 27 ح 2، و ب 28 ح 1.

(5) الكافي 7: 23 الوصايا ب 17 ح 2، 3، الفقيه 4: 143- 492، 488، التهذيب 9:

171- 697، 698 الوسائل 19: 328، 329 أبواب الوصايا ب 27 ح 2، و ب 28 ح 1.

(6) دعائم الإسلام 1: 298.

(7) جامع المقاصد 1: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 233

و هو اجتهاد

في مقابلة الأخبار، إلّا أن يستشكل في شمولها لهما لشيوع غيرهما، و انصراف المطلق إلى الشائع.

و المندوب مع الوصية يكون من الثلث. و بدونها يتوقّف إخراجه عن التركة على إجازة الورثة إن كانوا جميعا من أهلها بعد إخراج الديون، لأصالة عدم تعلّقه بالمال. و تستحب لهم الإجازة، كما تستحب على سائر المطّلعين من المكلّفين كفاية، لتوقّف التكفين المستحب كذلك عليه، و استحباب مقدّمة المستحب.

و كذا الكلام في الوصف المندوب للواجب من الجودة و نحوها، فيتوقّف إخراج الأجود بل الجيّد على إجازة الوارث.

و المخرج من التركة ليس إلّا الأدون ممّا يصدق عليه الاسم، إلّا أن يبلغ حدّا انصرفت الإطلاقات إلى غيره.

و احتمال مراعاة القصد في الجنس بحسب حال الميت في الإخراج عن التركة لا دليل عليه، و القياس على بعض ما روي فيه ذلك باطل، و شهادة العرف به ممنوعة.

و الكفن الواجب لذات البعل على بعلها و لو كانت موسرة إذا كان موسرا و لو بإرثه من تركتها، إجماعا كما في المدارك «1» و اللوامع، و عن صريح الخلاف و نهاية الإحكام «2»، و ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى «3».

لخبر السكوني، و مرسلة الصدوق المنجبر ضعفها- لو كان بما ذكر.

الأول: «على الزوج كفن امرأته إذا ماتت» «4».

و الثاني: «كفن المرأة على زوجها إذا ماتت» «5».

______________________________

(1) المدارك 2: 117.

(2) الخلاف 1: 708، نهاية الإحكام 2: 247.

(3) المعتبر 1: 307، المنتهى 1: 442، التذكرة 1: 44، الذكرى: 50.

(4) التهذيب 1: 445- 1439، الوسائل 3: 54 أبواب التكفين ب 32 ح 2.

(5) الفقيه 4: 143- 491، الوسائل 3: 54 أبواب التكفين ب 32 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 234

و مقتضى إطلاقهما كفتاوى الأصحاب

عدم الفرق بين الصغيرة و الكبيرة، المدخول بها و غيرها، المطيعة و الناشزة، و الدائمة و المنقطعة، و إن كان الشمول للأخيرة محل نظر و تأمل، بل قد ينظر في الناشزة أيضا، لعدم انصراف الإطلاق إلى نحوها.

و فيه: أنّ الموجب للنظر انصرافه إلى غيرها بحيث يتبادر، و هو ممنوع.

و كذا إن كان معسرا، و فسّروه بأن لا يفضل ماله عن قوت يومه و ليلته له و لعياله و ما يستثني في دينه، إذا أمكن له- على الأظهر- كما احتمله في المدارك «1»، للإطلاق.

و دعوى غلبة إيساره و انصراف المطلق إلى الغالب باطلة، لمنع الغلبة الموجبة للتبادر.

و لو لم يمكن له كفنت من تركتها، لتقييد التكاليف بالإمكان قطعا، فتبقى إطلاقات كون الكفن على التركة في حق مثل هذه خالية عن المخصّص.

و لو لم يكن لها أيضا مال تكون كغيرها من فاقدي الكفن، كما يأتي.

و لو ماتا معا لم يجب كفتها عليه، لخروجه عن التكليف، فلا يشمله النص.

و لو مات بعدها وجب من تركته، لسبق التعلّق.

و لو أوصت الموسرة بكفنها نفذت من الثلث، لعمومات الوصية. و سقط عنه.

و في إلحاق سائر المؤن الواجبة بالكفن- كالأكثر [1]- إشكال، و الأصل يدفعه.

و لا يلحق بالزوجة غيرها ممن تجب نفقته، للأصل. إلّا المملوك، فإنّ كفنه و مؤن تجهيزه على مولاه بالإجماع.

______________________________

[1] أي: كما ألحقها أكثر الفقهاء.

______________________________

(1) المدارك 2: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 235

الثامنة:

لو لم يكن للميت تركة تفي بكفنه يكفّن من الزكاة وجوبا، على الأظهر، وفاقا للمنتهى و الكركي و الأردبيلي «1» و والدي- رحمه اللّه- في اللوامع، و عن جمع آخر.

لموثّقة فضل: ما ترى في رجل من أصحابنا يموت و لم يترك ما يكفّن به

أشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال: «أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه، فيكونون هم الذين يجهزونه» قلت: فإن لم يكن له ولد و لا أحد يقوم بأمره فأجهزه أنا من الزكاة؟ قال: «إنّ أبي كان يقول: حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، فوار بدنه و عورته، و جهّزه و كفّنه و حنّطه، و احتسب بذلك من الزكاة» «2».

و استحبابا عند جماعة [1]، للأصل المندفع بالأمر الذي هو حقيقة في الوجوب.

و لو لم توجد الزكاة أيضا فالمصرّح به في كلام الأصحاب أنه لا يجب على المسلمين بذله- و إن استحب لمرغّبات التكفين- بل يدفن بلا كفن، و في المدارك:

إنّ هذا ممّا ليس خلاف فيه بين العلماء «3»، و في اللوامع: الإجماع عليه، للأصل، و عدم الدليل.

أقول: إن ثبت الإجماع، و إلّا فيدفع الأصل بوجوب التكفين من غير شرط- لأصالة عدم الاشتراط- كفاية على كلّ أحد، و هو يتوقّف على بذله الكفن، و مقدمة الواجب المطلق واجبة.

و منع وجوبه المطلق لأنه يثبت بالإجماع الغير الثابت منه إلّا المشروط،

______________________________

[1] انظر الجامع: 57 (فيظهر من كلامه الاستحباب)، الحدائق 4: 66 قال: و يجوز ..، و في كشف اللثام 1: 122 قال: و يحتمل الاستحباب.

______________________________

(1) المنتهى 1: 442، جامع المقاصد 1: 402، مجمع الفائدة 1: 200.

(2) التهذيب 1: 445- 1440، قرب الإسناد: 312- 1216، الوسائل 3: 55 أبواب التكفين ب 33 ح 1.

(3) المدارك 2: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 236

يندفع بعدم اختصاص دليله بالإجماع.

بل يدلّ عليه نحو قوله: «الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب» «1» فإن المفروض عليه ليس الميت و لا أحد بخصوصه إجماعا، فمعناه: الكفن- أي وضعه- فريضة على كلّ أحد من المسلمين كفاية ..

ثمَّ لو

وفت التركة ببعض القطع، أو لم يوجد إلّا البعض يكتفي بما يوجد من ثوبين أو واحد جوازا إجماعا، و وجوبا عند الأكثر، بل غير شاذ ممّن تأخّر [1]، لأصالة بقاء وجوب ما يمكن، حيث إنه يجب كلّ قطعة بأمر منفرد، و الأصل عدم الارتباط و الاشتراط، فيمتثل ما تيسّر. مبتدئا من اللفافة، ثمَّ القميص، ثمَّ المئزر على القول به. كذا رتّب في شرح القواعد «2» و غيره. ولي في وجوبه نظر.

و لو وجد بعض ثوب لم يجب على الأظهر ما زاد على ساتر العورة الواجب مطلقا إجماعا، للأصل، و كون وجوبه تبعيا ساقطا بسقوط متبوعه، و عدم دلالة مثل «الميسور لا يسقط بالمعسور» [2].

و لو وجد الكفن الممنوع منه، فإن كان منعه لإطلاق كالحرير و المغصوب، اتّجه المنع هنا أيضا، للإطلاق. و تخصيصه بحال الاختيار للانصراف إليه غير جيّد. و إن كان للإجماع كالنجس، اتّجه الجواز بل الوجوب، لاختصاصه بصورة وجود غيره.

و لو كان هناك كفن و ميتان، فإن اختص بأحدهما يكفّن به، و إلّا تخيّر.

و عن المعتبر الميل إلى جعلهما في كفن «3».

______________________________

[1] قال في الحدائق 4: 14: و أما الوجوب فمحل إشكال.

[2] غوالي اللئالي 4: 58 و فيه: لا يترك الميسور بالمعسور.

______________________________

(1) التهذيب 1: 291- 851، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 7.

(2) جامع المقاصد 1: 401.

(3) المعتبر 1: 331.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 237

و لم تثبت مشروعيته، و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله كذلك في قتلى احد «1» غير ثابت.

التاسعة:

و ما سقط من الميت من شعر أو ظفر أو لحم أو غيرها يجب جعله في كفنه على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع في المدارك «2»

و اللوامع و عن التذكرة و نهاية الإحكام «3»، لمرسلة ابن أبي عمير: «و إن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه» «4».

خلافا للمحكي عن الجامع «5»، فقال باستحبابه. و صريح الأمر الوارد في الخبر المنجبر بما ذكر- مع حجيته في نفسه- يدفعه.

و هل يجب غسله؟ صرّح في شرح القواعد «6» و اللوامع، مدّعيا عليه في الأخير الإجماع، لخبر البصري: عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم، قال: «لا يمس منه شي ء اغسله و ادفنه» «7».

و لم يذكره في الشرائع و المنتهى و القواعد «8». و الأصل يقتضي العدم، و الخبر المذكور لا يثبته، لجواز كون المرجع في ضميري «اغسله و ادفنه» الميت.

العاشرة:

لو خرجت من الميت نجاسة و لقيت كفنه، فقبل وضعه في القبر يغسل، و بعده يقرض مطلقا، وفاقا للشرائع و النافع و المنتهى و القواعد «9»، و عن

______________________________

(1) انظر سنن ابن ماجه 1: 485، و سنن أبي داود 3: 195- 3136.

(2) المدارك 2: 121.

(3) التذكرة 1: 45، نهاية الإحكام 2: 250.

(4) الكافي 3: 155 الجنائز ب 27 ح 1، التهذيب 1: 323- 940، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 1.

(5) الجامع: 51.

(6) جامع المقاصد 1: 403.

(7) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 4، التهذيب 1: 323- 942، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 3.

(8) انظر الشرائع 1: 41، المنتهى 1: 431، القواعد 1: 19.

(9) الشرائع 1: 41، النافع: 15، المنتهى 1: 431، القواعد 1: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 238

الصدوقين [1]، و الحلّي «1»، بل عن الأكثر كما في المدارك و البحار «2» و اللوامع.

للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: «فإن خرج منه

شي ء بعد الغسل فلا تعد الغسل، و لكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده، فإن خرج منه شي ء في لحده لم تغسل كفنه، و لكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج منه، و مددت أحد الثوبين على الآخر» «3».

و به تخصص إطلاقات الغسل، المتقدّمة في بحث الغسل «4»، و مطلقات القرض كحسنة الكاهلي: «إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي ء بعد الغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض بالمقراض» «5». و بمعناها مرسلة ابن أبي عمير «6».

خلافا للكركي «7» و المحكي عن المحقّق [2]، فخصّصا القرض بعد الوضع بصورة عدم إمكان الغسل، و استقربه والدي في اللوامع، لحرمة إتلاف المال، خرج ما إذا لم يمكن الغسل فيبقى الباقي.

و يضعّف: بأن الإتلاف قد تحقّق، و لذا تراهم يستدلّون لحرمة الحرير الزائد عن القدر المستحب في التكفين: بأنه إضاعة للمال. و مع التسليم فالنصّ جوّزه، كما في صورة عدم إمكان الغسل.

و للمحكي عن الشيخين [3] و بني حمزة و البراج و سعيد «8»، فأطلقوا القرض،

______________________________

[1] الفقيه 1: 92، و نقله في المختلف 1: 43 عن علي بن بابويه.

[2] لم نعثر على كلامه هذا و لا على من حكى عنه.

[3] لم نعثر على كلام المفيد. و قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 43، و المبسوط 1: 181.

______________________________

(1) السرائر 1: 169.

(2) المدارك 2: 116، بحار الأنوار 78: 295.

(3) فقه الرضا: 169، المستدرك 2: 226 أحكام الكفن ب 19 ح 1- إلى قوله: خرج منه.

(4) في ص 178، 177.

(5) الكافي 3: 156 الجنائز ب 28 ح 1، التهذيب 1: 449- 1457، الوسائل 2: 542 أبواب غسل الميت ب 32 ح 3.

(6) الكافي 3: 156

الجنائز ب 28 ح 3، التهذيب 1: 449- 1458، الوسائل 2: 543 أبواب غسل الميت ب 32 ح 4.

(7) جامع المقاصد 1: 379.

(8) الوسيلة: 65، المهذب 1: 59، الجامع: 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 239

لإطلاق الحسن و المرسل بعد تقييد مطلقات الغسل بهما، لاختصاصهما بما أصاب الكفن، و عمومها بالنسبة إليه و إلى الجسد.

و هو كان حسنا لو لا الرضوي الذي هو أخص منهما، و لذا يحكم بالقرض أيضا فيما لم يشمله الرضوي أيضا، و هو ما إذا خرج قبل الوضع و أصابه بعده أو قبله و علم بعده.

هذا كلّه إذا لم تتفاحش النجاسة بحيث يؤدّي القرض إلى كشف بدن الميت و هتكه و عدم إمكان مدّ الثوب الآخر عليه، و إلّا فعن الشهيدين و الكركي «1» سقوط القرض فيغسل إن أمكن، و إلّا يسقط هو أيضا. و للمقال فيه مجال.

الحادية عشرة:

تكفين المحرم كالمحلّ حتى في تغطية الرأس و الوجه، على الأشهر الأظهر، و نسبه في المنتهى إلى علمائنا «2»، و عن الخلاف الإجماع عليه «3»، للعمومات المتقدّمة و الخصوصات الآتية في المبحث الآتي «4».

خلافا للمحكي عن السيد و الجعفي و العماني [1]، فأوجبوا كشف الرأس، و زاد الثاني الرجلين، لاستصحاب حكم الإحرام، و دلالة النهي عن تطييبه على بقاء إحرامه، و النبوي العامي: «و لا تخمروا رأسه» «5»، و الاكتفاء في بعض أخبارنا بتغطية الوجه «6».

و يضعّف الأول: بأنّ حكم الإحرام كان على المحرم نفسه، و لا يمكن استصحابه، لخروجه بالموت عن التكليف.

و الثاني: بمنع الدلالة.

______________________________

[1] نقله في المعتبر 1: 326 عن ابن أبي عقيل و عن السيد المرتضى في شرح الرسالة.

______________________________

(1) الذكرى: 50، روض الجنان: 110، جامع المقاصد 1: 379.

(2) المنتهى

1: 443.

(3) الخلاف 1: 697.

(4) في ص 249.

(5) صحيح البخاري 2: 96، صحيح مسلم 2: 865.

(6) انظر الوسائل 2: 503 أبواب غسل الميت ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 240

و الثالث: بمنع الحجية.

و الرابع: بأنه مفهوم ضعيف، و مع ما أمر بتغطية الرأس معارض.

البحث الرابع: في تحنيطه.
اشارة

و هو واجب بالإجماع كما في المنتهى «1» و اللوامع، و عن الخلاف و التذكرة «2»، و في المدارك: إنّه المعروف من مذهب الأصحاب «3»، للأمر به في الأخبار الآتية.

و عن ظاهر المراسم الاستحباب [1]، و هو شاذّ مردود بالأوامر.

بعد التأزير بالمئزر، ندبا على الظاهر، عند المحكي عن ظاهر المقنعة و النهاية و المبسوط و الوسيلة «4»، و صريح التحرير و نهاية الإحكام و المنتهى و المراسم «5»، و لعلّه لخبر يونس الآتي حيث جعل الوضع على القميص بعد التحنيط.

مع جواز التأخير عن لبس القميص عند الأول و الأخيرين، و بعد لبسه و لبس العمامة عند المهذب «6».

و لعلّه لظاهر الموثّقة و فيها: «ثمَّ القميص، تشدّ الخرقة على القميص بحيال العورة و الفرج حتى لا يظهر منه شي ء، و اجعل الكافور في مسامعه و أثر سجوده

______________________________

[1] في كشف اللثام 1: 119 حكى الاستحباب عن ظاهر المراسم. و الموجود في المراسم: 49 هكذا:

ثمَّ يأخذ الكافور فيسحقه سحقا بيده و يضعه على مساجده. و هذه العبارة كما ترى غير ظاهرة في الاستحباب. نعم أتبعها بذكر مستحبات ربّما تصير قرينة على إرادة الاستحباب من العبارة المذكورة، فتأمل و لاحظ مفتاح الكرامة 1: 447.

______________________________

(1) المنتهى 1: 439.

(2) الخلاف 1: 708، التذكرة 1: 44.

(3) المدارك 2: 96.

(4) المقنعة: 78، النهاية: 36، المبسوط 1: 179، الوسيلة: 66.

(5) التحرير 1: 18، نهاية الإحكام 2: 246، المنتهى

1: 439، المراسم: 49.

(6) المهذب 1: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 241

منه و فيه، و أقلّ من الكافور» إلى أن قال: «ثمَّ عمّمه» «1» الحديث، و لكن مقتضاها تأخير التعميم.

و قبل التكفين استحبابا عند بعضهم [1]، و وجوبا على ما هو صريح القواعد «2»، لظاهر خبر يونس و فيه: «ثمَّ اعمد إلى كافور مسحوق، فضعه على جبهته موضع سجوده، و امسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه إلى قدمه، و في رأسه و عنقه و من كبيه و مرافقه، و في كلّ مفصل من مفاصله من اليدين و الرجلين، و في وسط راحتيه، ثمَّ يحمل فيوضع على قميصه» «3» الحديث.

و صحيحة زرارة: «إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور، فمسحت به آثار السجود و مفاصله كلّها، و اجعل في فيه و مسامعه و رأسه و لحيته من الحنوط و على صدره و فرجه» و قال: «حنوط الرجل و المرأة سواء» «4».

و المروي في الدعائم: «إذا فرغ من غسل الميت نشف في ثوب، و جعل الكافور و الحنوط في مواضع سجوده جبهته و أنفه و يديه و ركبتيه و رجليه، و يجعل ذلك في مسامعه و فيه و لحيته و صدره» «5».

و الرضوي: «إذا فرغت من غسله حنطت بثلاثة عشر درهما و ثلث درهم كافورا يجعل في المفاصل، و لا يقرب السمع و البصر، و يجعل في موضع سجوده و أدنى ما يجزيه من الكافور مثقال و نصف، ثمَّ يكفن» «6».

______________________________

[1] قال في الرياض 1: 58، و ينبغي الابتداء به قبل الأخذ في التكفين.

______________________________

(1) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.

(2) القواعد 1: 18.

(3) الكافي 3: 143 الجنائز ب

19 ح 1، التهذيب 1: 306- 888، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.

(4) التهذيب 1: 436- 1403، الاستبصار 1: 213- 750، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين ب 16 ح 6.

(5) دعائم الإسلام 1: 230، المستدرك 2: 220 أحكام الكفن ب 13 ح 2.

(6) فقه الرضا: 182، المستدرك 2: 219 أحكام الكفن ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 242

و لا دلالة لشي ء منها على الوجوب، بل في دلالة بعضها على التقديم على التكفين أيضا نظر.

مع أنها معارضة بالرضوي الآخر: «فإذا فرغت من كفنه حنطته بوزن ثلاثة عشر درهما و ثلث من الكافور» «1» و ظاهر الموثّقة «2».

و الظاهر جواز الكلّ من غير ثبوت رجحان للبعض.

و كيفيته أن يمسّ بالكافور- وجوبا- مساجده السبعة إجماعا محقّقا و محكيا «3» متكرّرا، له، و للنصوص المستفيضة الخالية عن المعارض، منها بعض ما تقدم، و منها موثّقتا البصري و سماعة:

الأولى: عن الحنوط للميت، فقال: «اجعله في مساجده» «4».

و الثانية و فيها: «و تجعل شيئا من الحنوط على مسامعه، و مساجده، و شيئا على ظهر الكفن» «5».

و حسنتا الحلبي و حمران:

الأولى: «إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد إلى الكافور فامسح به آثار السجود منه، و مفاصله كلها، و رأسه، و لحيته، و على صدره من الحنوط» و قال:

«حنوط الرجل و المرأة سواء» «6».

و الثانية و فيها: فالحنوط كيف أصنع به؟ قال: «يوضع في منخره، و موضع سجوده، و مفاصله» «7».

______________________________

(1) فقه الرضا: 168، المستدرك- نفس الموضع.

(2) موثقة عمار المتقدمة في ص 240.

(3) كما حكاه في الخلاف 1: 703 و الغنية (الجوامع الفقهية): 563 و التذكرة 1: 44.

(4) الكافي 3: 146 الجنائز ب 19 ح 15،

الوسائل 3: 36 أبواب التكفين ب 16 ح 1.

(5) التهذيب 1: 435- 1399، الوسائل 3: 35 أبواب التكفين ب 15 ح 2.

(6) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 4، التهذيب 1: 307- 890، الاستبصار 1: 212- 746، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 1.

(7) التهذيب 1: 447- 1445، الاستبصار 1: 205- 723، الوسائل 3: 34 أبواب التكفين ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 243

و صحيحة ابن سنان: كيف أصنع بالحنوط؟ قال: «تضع في فمه، و مسامعه، و آثار السجود من وجهه و يديه و ركبتيه» «1».

و رواية ابن المختار: «يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد، و على اللبّة، و باطن القدمين، و موضع الشراك من القدمين، و على الركبتين و الراحتين، و الجبهة و اللبّة» «2».

و ندبا طرف الأنف، لرواية الدعائم «3».

و ما لا معارض للأمر به، من سائر المواضع المتقدّمة في الروايات، لأجلها، كالصدر و منه اللبّة [1]، و كالمفاصل و منها المغابن [2] و المرافق و المناكب، و كاليدين و الرأس و العنق و اللحية و موضع الشراك و باطن القدمين.

خلافا للمحكي عن الصدوق و المفيد «4»، و العماني «5»، و القاضي و الحلبي «6»، و المنتهى «7»، و المختلف [3] في الأول [4]، فأوجبوه، لما مرّ، و لعموم ما دلّ على تحنيط المساجد، و هو منها.

______________________________

[1] اللبّة: المنحر و موضع القلادة.

[2] المغابن: المواضع المنخفضة في الجسم كالآباط.

[3] الذي عثرنا عليه في المختلف: 43 تقوية القول بعدم الوجوب فلاحظ.

[4] يعني في طرف الأنف.

______________________________

(1) التهذيب 1: 307- 891، الاستبصار 1: 212- 749، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين ب 16 ح 3.

(2) التهذيب 1: 307- 892، الاستبصار

1: 312- 747، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين ب 16 ح 5.

(3) المتقدمة في ص 241.

(4) الفقيه 1: 91، المقنعة: 78.

(5) نقل عنه في المختلف 43.

(6) المهذب 1: 61، الكافي: 237.

(7) المنتهى 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 244

و يجاب عن الأول: بعدم الدلالة على الوجوب و منع الحجية.

و عن الثاني: بمنع كونه منها، لجواز أن يكون المراد ما يجب أن يسجد به أو يسجد إليه.

و عن الأول [1] في الثاني، و عنه [2] و عن الأخير في الثالث و الرابع، لورود الأوامر بها فيما سبق.

و يجاب عنها: بعدم صلاحيتها لإثبات الزائد عن الاستحباب، لمخالفة الوجوب للشهرة العظيمة الجديدة و القديمة، و هي مخرجة للرواية عن الحجية. بل موافقة من ذكر لها أيضا غير معلومة، لجواز إرادتهم الاستحباب، كما صرّح به في روض الجنان و الروضة «1» في مخالفة الصدوق، و والدي- رحمه اللّه- في مخالفة بعض آخر، بل صرّح هو- قدّس سرّه- بعدم قائل بالوجوب في غير السبعة و الأنف.

و قد تردّ الأوامر بمعارضتها الأصل، و اختلافها بالنسبة إلى المذكورات زيادة و نقيصة، و اشتمالها على كثير من المستحبات «2». و ضعف الكلّ ظاهر.

و أمّا ما للأمر به معارض، كالمسامع و البصر و الفم و المنخر، المنهي عنها في الرضوي المتقدّم «3» و في آخر: «و لا يجعل في فمه و لا منخره و لا في عينيه و لا في مسامعه و لا على وجهه قطن و لا كافور» «4».

و في خبر يونس: «و لا تجعل في منخريه و لا في بصره و مسامعه و لا على وجهه

______________________________

[1] يعني خلافا للمحكي عن الأول- و هو الصدوق- في الثاني أي الصدر، فلاحظ الفقيه

1: 91.

[2] يعني خلافا للمحكي عن الصدوق و الأخير- أي المختلف- في الثالث و الرابع أي في المفاصل و اليدين، و لعل وجه نسبة هذا القول إلى المختلف نقله رواية يونس المشتملة على المغابن من اليدين و الرجلين، فانظر المختلف: 43.

______________________________

(1) روض الجنان: 108، الروضة 1: 136.

(2) كما في الرياض 1: 58.

(3) في ص 241.

(4) فقه الرضا: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 245

قطنا و لا كافورا» «1».

و صحيحة البصري: «لا يجعل في مسامع الميت حنوطا» «2».

و خبر النوّاء: «لا تمسّ مسامعه بكافور» «3».

فالأولى تركه، لتوقيفية المسألة الغير المعلومة بعد التعارض، مع أرجحية المعارض بمخالفة العامّة، كما صرّح به جمع من الخاصة «4».

و يؤيده ما في الرضوي من الإفتاء بالمنع، و نسبة الجواز إلى الرواية «5» ملحقا فيها المسك بالكافور، فإنه مذهب العامة «6».

مضافا إلى ما عن الخلاف من الإجماع على أنه لا يترك على أنفه و لا اذنه و لا عينه و لا فيه «7».

فروع:

أ: يجب أن يكون التحنيط بالكافور، بلا خلاف أجده، للأمر به في الروايات المتقدّمة، و الحصر فيه في صحيح ابن سرحان، المتقدّم «8»، و في خبره:

«و اعلم أنّ الحنوط هو الكافور» «9». و في مرسلة ابن المغيرة: «الكافور هو

______________________________

(1) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، التهذيب 1: 306- 888، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.

(2) التهذيب 1: 308- 893، الاستبصار 1: 212- 748، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين ب 16 ح 4.

(3) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 8، التهذيب 1: 309- 899، الاستبصار 1: 205- 722، الوسائل 3: 36 أبواب التكفين ب 16 ح 2.

(4) بحار الأنوار 78: 321، الحدائق 4: 23،

الرياض 1: 58، و انظر من كتب العامة: الأم 1:

265 و بدائع الصنائع 1: 308.

(5) فقه الرضا: 168، 182.

(6) انظر المغني 2: 342.

(7) الخلاف 1: 703.

(8) في ص 222 الرقم 2.

(9) الكافي 3: 146 الجنائز ب 19 ح 14، الوسائل 3: 19 أبواب التكفين ب 6 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 246

الحنوط» «1» إلى غير ذلك.

و ما يفيد الجواز موافق للعامّة، محمول على التقية، غير صالح للمعارضة.

فلا يجزي غيره، بل المشهور كما في شرح القواعد «2» حرمة تطييبه بغيره. و لكن في اللوامع نسبة الكراهة إلى الأكثر، و الترك أحوط كما مرّ.

و القدر الواجب منه لكلّ موضع مسمّاه، كما في المنتهى و القواعد و الشرائع و النافع «3»، و عن الجمل و العقود «4» و الوسيلة و السرائر و الجامع «5»، بل نفي بعض الأجلّة [1] عنه الخلاف.

للإطلاق، و صدق الامتثال، و قوله في إحدى الموثّقتين: «و أقلّ من الكافور» «6». و في الأخرى: «و تجعل شيئا من الحنوط» «7» الحديث.

و لا يقيّدها مرسلة التميمي: «أقلّ ما يجزي من الكافور للميت مثقال و نصف» «8» و نحوها الرضوي «9».

لمعارضتهما مع مثلهما، ففي مرسلته الأخرى: «أقلّ ما يجزي من الكافور للميت مثقال» «10» و في الرضوي الآخر بعد الأمر بالتحنيط بثلاثة عشر درهما

______________________________

[1] المعهود من الماتن من هذا التعبير هو إرادة الفاضل الهندي و لكن لم نعثر على نفي الخلاف في كشف اللثام و هو موجود في الرياض 1: 61.

______________________________

(1) الكافي 3: 145 الجنائز ب 19 ح 12، الوسائل 3 العنوان المتقدم ح 4.

(2) جامع المقاصد 1: 387.

(3) المنتهى 1: 439، القواعد 1: 18، الشرائع 1: 39، النافع: 13.

(4) الرسائل العشر: 166.

(5) الوسيلة:

66، السرائر 1: 160، الجامع: 53.

(6) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.

(7) التهذيب 1: 435- 1399، الوسائل 3: 35 أبواب التكفين ب 15 ح 2.

(8) التهذيب 1: 291- 849، الوسائل 3: 14 أبواب التكفين ب 3 ح 5.

(9) تقدم مصدره في ص 241.

(10) الكافي 3: 151 الجنائز ب 23 ح 5، التهذيب 1: 291- 846، الوسائل 3: 13 أبواب التكفين ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 247

و ثلث: «فإن لم يقدر بهذا المقدار كافورا فأربعة دراهم، فإن لم يقدر فمثقال، لا أقل من ذلك لمن وجده» «1».

و لا الأخيران، لمعارضتهما مع الأوليين، مع أن المرسلتين مطلقتان بالنسبة إلى كافور الغسل و الحنوط، و الظاهر توقّف حصول ماء الكافور في الأول، و صدق الاسم في الثاني على هذا المقدار.

و أقلّ المستحب درهم، وفاقا للمنتهى و الشرائع و النافع «2»، و عن النهاية و المبسوط و الجمل و العقود و المصباح «3» و مختصره و الوسيلة و السرائر و الجامع و المعتبر «4»، نافيا في الأخير عنه الخلاف. لا لحمل المثقال في الأخبار على الدرهم كما في المنتهى و عن السرائر «5»، لأنه حمل بلاد دليل. بل لنفي الخلاف المنقول و فتوى هؤلاء الفحول، فإنّ المقام محل المسامحة.

و الأفضل منه مثقال، للمرسلة و الرضوي «6». و جعله الصدوق «7» و والدي- رحمه اللّه- أول الاستحباب، و هو المحكي عن المقنعة و الخلاف و الاقتصاد و جمل العلم و المراسم و الكافي «8» و الإسكافي «9»، لما مرّ، و هو كاف حسنا لو لا ثبوت رجحان للدرهم بما ذكر. و الجعفي «10» جعله مثقالا و ثلثا، و

لم أعثر على مستند له.

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 242.

(2) المنتهى 1: 439، الشرائع 1: 39، النافع: 13.

(3) النهاية: 32، المبسوط 1: 177، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 166، مصباح المتهجد:

18.

(4) الوسيلة: 66، السرائر 1: 160، الجامع: 53، المعتبر 1: 286.

(5) راجع الرقم 2 و 4 أعلاه.

(6) المتقدمين في ص 246.

(7) المقنع: 18.

(8) المقنعة: 75، الخلاف 1: 704، الاقتصاد: 248، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 50، المراسم: 47، الكافي: 237.

(9) حكي عنه في الذكرى: 46.

(10) المصدر المتقدم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 248

و الأفضل منه مثقال و نصف، كما صرّح به والدي رحمه اللّه، للمرسلة و الرضوي الأخيرين.

و الأولى منه أربعة دراهم، لأول الرضويين، وفاقا لوالدي رحمه اللّه.

و عن الخلاف و المقنعة و السرائر و الشرائع و المعتبر «1»، بل عن الأول الإجماع عليه، و عن الأخير نفي الخلاف عنه: جعلها ثاني مرتبة الاستحباب، ففضّلوها على الدرهم. و هو كان جيدا لو لا ثبوت الرجحان لما بينهما من المثقال و المثقال و النصف بما ذكر.

ثمَّ الأفضل منها أربعة مثاقيل، كما صرّح به الوالد، لخبر الكاهلي و ابن المختار: «القصد من الكافور أربعة مثاقيل» «2».

و جعلها جماعة- كما عن كتب الصدوق [1]، و بعض كتب الشيخ «3»، و الوسيلة و الإصباح و الجامع «4»- ثاني المراتب.

و الأكمل منها ثلاثة عشر درهما و ثلث، للرضويين «5»، و مرفوعة علي: «السنّة في الحنوط ثلاثة عشر درهما و ثلث أكثره» «6» و الأخبار الدالّة على أنّ الحنوط الذي أتى به جبرئيل للنبي صلّى اللّه عليه و آله كان أربعين درهما، فقسّمه ثلاثة أقسام، له و لفاطمة عليها السلام و علي عليه السلام، فصار سهم كلّ

ما ذكر «7».

______________________________

[1] الفقيه 1: 91، المقنع: 18، و في الهداية: 25 جعل المرتبة الثانية أربعة دراهم.

______________________________

(1) راجع الرقم 8 و 4 و 2 ص 247.

(2) الكافي 3: 151 الجنائز ب 23 ذيل ح 5، التهذيب 1: 291- 847، الوسائل 3: 13 أبواب التكفين ب 3 ح 3.

(3) المبسوط 1: 177.

(4) الوسيلة: 66، الجامع: 53.

(5) تقدم مصدرهما في ص 241 و 242.

(6) الكافي 3: 151 الجنائز ب 23 ح 4 التهذيب 1: 290- 845، الوسائل 3: 13 أبواب التكفين ب 3 ح 1.

(7) انظر: الوسائل 3: 13 أبواب التكفين ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 249

و عن القاضي إبدال الثلث بالنصف [1]، و لا دليل له.

و هذا القدر أكثر مراتب الفضل كما في المرفوعة. و لا يجب شي ء منها، لكون ما تضمّنها بين ضعيف و غير دالّ على الوجوب، بل مصرّح في بعضها بالفضل.

ثمَّ الظاهر من أكثر الأخبار المتقدمة غاية الظهور أنّ ما ذكر كافور الحنوط، و هو المشهور. و نسب الحلّي «1» إلى بعضهم مشاركة الغسل معه، و حكي عن نادر من متأخّري المتأخّرين أيضا «2». و هو ضعيف.

ب: لا يجب استيعاب المواضع بالمسح، بل يكفي المسمّى، للأصل، و الإطلاق، و حصول الامتثال.

ج: قال الشيخان «3» و أتباعهما «4» برجحان سحق كافور الحنوط باليد.

و لم أعثر له في الأخبار على المستند، إلّا أنّه لا بأس به لفتوى العمد. و ربما يعلل بالخوف من الضياع.

و يستحب أيضا إلقاء ما فضل من الكافور عن المساجد و المواضع المستحب تحنيطها على صدره، للرضوي و فيها: «و يبدأ بجبهته و تمسح مفاصله كلها به، و يلقى ما بقي على صدره و في وسط راحتيه» «5» الخبر.

و

يظهر منه استحباب الابتداء بالجبهة. و هو كذلك، لذلك.

د: لا يحنّط المحرم إجماعا، كما عن الغنية و المنتهى «6» و غيرهما، للمستفيضة، كصحيحتي ابن مسلم: عن المحرم كيف يصنع به إذا مات؟ قال:

______________________________

[1] الموجود في المهذب: 61 أفضلية ثلاثة عشر درهما و ثلث، نعم نسب في المختلف: 41 إلى ابن البراج القول بثلاثة عشر درهما و نصف- قال-: و هو غريب.

______________________________

(1) السرائر 1: 61.

(2) الوافي 3: الجزء الثالث عشر ص 47، القديم.

(3) المقنعة: 78، المبسوط 1: 179.

(4) كسلّار في المراسم: 49، و ابن البراج في المهذب 1: 61.

(5) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 217 أبواب الكفن ب 12 ح 1.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 563، المنتهى 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 250

«يغطّى وجهه و يصنع به كما يصنع بالحلال، غير أنه لا يقرب طيبا» «1». و قريبة منهما موثّقة سماعة «2».

و موثّقة أبي مريم: «خرج الحسين بن علي و ابنا العباس و عبد اللّه بن جعفر، و معهم ابن للحسن، فمات بالأبواء و هو محرم، فغسّلوه و كفّنوه و لم يحنّطوه و خمّروا وجهه و رأسه و دفنوه» «3» و قريبة منها موثّقته الأخرى «4»، و بمضمونها صحيحة ابن سنان «5».

و خبر ابن أبي حمزة: في المحرم يموت، قال: «يغسّل و يكفّن، و يغطّى وجهه، و لا يحنّط، و لا يمسّ شيئا من الطيب» «6».

و الرضوي: «إذا مات المحرم فليغسّل و ليكفّن كما يغسّل الحلال، غير أنه لا يقرب طيبا و لا يحنّط و لا يغطّى وجهه» «7».

البحث الخامس: في دفنه و ما يتبعه.

و الكلام إمّا فيما يتعلّق بما قبل الدفن، أو المدفن، أو الدفن، أو بما بعده.

فهاهنا أربعة مقامات:

المقام الأول: فيما يتعلّق بما قبل الدفن، و هي أمور:

الأول: حمل الجنازة.

و هو واجب كفاية مع توقّف الدفن الواجب عليه، و بدونه مستحب إجماعا. و فضله كثير و ليس فيه دناءة و لا سقوط مروّة، فقد حمل

______________________________

(1) روى إحداهما في التهذيب 1: 330- 965، و الأخرى في التهذيب 5: 384- 1338، الوسائل 2: 504 أبواب غسل الميت ب 13 ح 4.

(2) الكافي 4: 367 الحج ب 100 ح 2، التهذيب 1: 329- 964، الوسائل 2: 503 أبواب غسل الميت ب 13 ح 2.

(3) التهذيب 1: 330- 966، الوسائل 2: 504 أبواب غسل الميت ب 13 ح 5.

(4) الكافي 4: 368 الحج ب 100 ح 3، الوسائل 2: نفس الموضع ح 8.

(5) التهذيب 5: 383- 1337، الوسائل 2: نفس الموضع ح 3.

(6) الكافي 4: 367 الحج ب 100 ح 1، الوسائل 2: نفس الموضع ح 7.

(7) فقه الرضا: 185، المستدرك 2: 176، أبواب غسل الميت ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 251

النبي جنازة سعد بن معاذ «1»، و لم يزل كذلك أكابر الصحابة و التابعين و من لحقهم من سلفنا الصالحين.

و يستحب أن يجعل له النعش و إن كان رجلا، على الأشهر، لعمل المسلمين في عصر الحجج إلى الآن.

و أن يحملها الرجال و إن جاز الحمل على الدواب، لعمل الناس في الأول، و الأصل في الثاني، و المروي في الدعائم فيهما: «رخّص في حمل الجنازة على الدابة إذا لم يوجد من يحملها أو من عذر، فأما السنّة أن يحملها الرجال» «2» الخبر.

و أن يقول الحامل ما رواه عمار، و هو: «بسم اللّه [1] صلّ على محمد و آل محمد، اللّهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات» [2].

و المشاهد لها ما رواه عنبسة، و هو: «اللّه

أكبر هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله، اللّهم زدنا إيمانا و تسليما، الحمد للّه الذي تعزز بالقدرة و قهر عباده بالموت» [3].

و ما رواه الثمالي و النهدي، و هو: «الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم» «3».

و أن يسرع بها، ذكره في المنتهى ناسبا له إلى العلماء «4»، مؤذنا بدعوى

______________________________

[1] في «ه»: اللهم صلّ ..

[2] التهذيب 1: 454- 1478، و فيه: «بسم اللّه و باللّه و صلى اللّه على محمد و آل محمد ..»،

و هكذا في الوسائل 3: 158 أبواب الدفن ب 9 ح 4.

[3] الكافي 3: 167 الجنائز ب 38 ح 3، التهذيب 1: 452- 1472، الوسائل 3: 157 أبواب الدفن ب 9 ح 2. و في المصادر: «و قهر العباد ..».

______________________________

(1) علل الشرائع: 309- 4.

(2) دعائم الإسلام 1: 233.

(3) الكافي 3: 167 الجنائز ب 38 ح 1، 2، الوسائل 3: 157 و 158 أبواب الدفن ب 9 ح 1 و 3.

(4) المنتهى 1: 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 252

الإجماع، للمستفيضة المصرّحة بتعجيلهم إلى مضاجعهم «1».

و فسّره في الكتاب المذكور بالمشي المعتاد، لكراهة الزائد عنه بالإجماع كما عن الشيخ «2»، للعامي: عن المشي بالجنازة، قال: «ما دون الخبب» [1] و المروي في مجالس ابن الشيخ: «عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم» «3».

و عن الجعفي أفضلية العدو [2]، و عن الإسكافي الخبب «4». و هما ضعيفان، لما مرّ.

و يكره قول الحامل بل غيره أيضا: ارفقوا به و ترحّموا عليه، للرضوي «5».

و الأمر بإيقاف الجنازة، ذكره في المنتهى «6»، لمخالفته الأمر بالتعجيل.

و حمل ميتين على سرير، على الأظهر الأشهر، وفاقا للمحكي عن الوسيلة و التذكرة و المختلف و المنتهى

و نهاية الإحكام و المعتبر «7»، للرضوي: «و لا تجعل ميتين على جنازة واحدة» «8». و في مكاتبة الصفّار: «لا يحمل الرجل و المرأة على سرير واحد» «9».

______________________________

[1] سنن الترمذي 2: 239 ب 26، سنن أبي داود 3: 206 ح 3184. الخبب: ضرب من العدو و هو خطو فسيح دون العنق (المصباح المنير 1: 163).

[2] نقل في الذكرى: 53 عن الجعفي أنه قال: السعي بها أفضل.

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47.

(2) الخلاف 1: 718.

(3) المجالس: 392 (الجزء الثالث عشر)، المستدرك 2: 378 أبواب الدفن ب 54 ح 1.

(4) كما حكى عنه في المختلف: 121.

(5) فقه الرضا: 168.

(6) المنتهى 1: 443.

(7) الوسيلة: 69، التذكرة 1: 56، المختلف 1: 122، المنتهى 1: 447، نهاية الإحكام 2:

283، المعتبر 1: 305.

(8) فقه الرضا: 179.

(9) التهذيب 1: 454- 1480، الوسائل 3: 208 أبواب الدفن ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 253

خلافا للمحكي عن النهاية و السرائر «1» و الوسيلة [1] و القواعد «2»، و محتمل كلام الجعفي [2] و المهذّب و الجامع «3»، فحرّموه، لما ذكره، و لأنه بدعة.

و يجاب عن الأول: بعدم الدلالة على الحرمة، مع ضعف الرضوي الخالي عن الجابر، و أخصّية المكاتبة عن المدّعى.

و عن الثاني: بأنها مع قصد الشرعية.

و القيام لجنازة إلّا مع إرادة حملها و تشييعها، إجماعا كما في اللوامع، لصحيحة زرارة «4» و خبر الحنّاط «5».

و أصرح منهما المروي في الدعائم: «أنه نظر إلى قوم مرّت بهم جنازة، فقاموا قياما بأقدامهم، فأشار إليهم أن اجلسوا» [3] و فيه عن الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما: «أنه مشى مع جنازة فمرّ على قوم، فذهبوا ليقوموا، فنهاهم» [4].

و إتباعها

بالنار بالإجماع، و في المنتهى: إنه قول كلّ من يحفظ عنه العلم «6»، و هو الدليل له، لا النهي عن إتباع المجمرة في المعتبرة «7»، لأخصيته عن المطلوب.

و لا كراهة في إتباع المصابيح إذا كان ذلك في الليل، لمرسلة الفقيه و رواية العلل المصرّحتين بإتباعها جنازة البتول عليها السلام «8».

______________________________

[1] لم نعثر على من حكى عنها القول بالحرمة، و الموجود فيها الكراهة كما تقدم في الرقم (9) ص 252.

[2] نقل عنه في الذكرى: 53 أنه قال: لا يحمل ميتان على نعش واحد.

[3] دعائم الإسلام 1: 233 و فيه: عن الحسين بن علي، المستدرك 2: 318 أبواب الدفن ب 17 ح 1.

[4] دعائم الإسلام 1: 233 و فيه: عن الحسين بن علي، المستدرك 2: 318 أبواب الدفن ب 17 ح 2.

______________________________

(1) النهاية: 44، السرائر 1: 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    254     البحث الرابع: في تحنيطه. ..... ص : 240

(2) القواعد 1: 21.

(3) المهذب 1: 65، الجامع: 57.

(4) الكافي 3: 191 الجنائز نادر 61 ح 1، التهذيب 1: 456- 1486، الوسائل 3: 169 أبواب الدفن ب 17 ح 1.

(5) الكافي 3: 191 الجنائز نادر 61 ح 2، التهذيب 1: 456- 1486 و 1487، الوسائل 3: 169 أبواب الدفن ب 17 ح 2.

(6) المنتهى 1: 446.

(7) انظر الوسائل 3: 158 أبواب الدفن ب 10.

(8) الفقيه 1: 100- 466، علل الشرائع: 188 ب 149، الوسائل 3: 159 أبواب الدفن ب 10 ح 4 و 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 254

و رفع الصوت عند الجنازة، ذكره في المنتهى و قال: إنّ به رواية عامية «1».

و لا بأس به في مقام المسامحة.

الثاني: تربيعها بمعنيين مستحبين

إجماعا.

أحدهما: حملها بأربعة رجال من جوانبها الأربعة، لأنه أدخل في توقير الميت و أسهل من الحمل بين العمودين كما استحبه بعض العامة، و تحتمله رواية جابر:

«السنّة أن يحمل السرير من جوانبه الأربعة، و ما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع» «2».

و ثانيهما: التناوب أي دوران الحامل في الجوانب الأربعة، و حمل الواحد كلا من جوانبها، للأخبار المتضافرة:

منها صحيحة جابر: «من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر اللّه له أربعين كبيرة» «3».

و مرسلة الفقيه: «من حمل أخاه الميت بجوانب السرير الأربعة محا الله عنه أربعين كبيرة من الكبائر «4» و مرسلة سليمان: «من أخذ بقائمة السرير غفر اللّه له خمسا و عشرين كبيرة، فإذا ربع خرج من الذنوب» «5» و غير ذلك.

و يحصل التربيع المستحب بهذا المعنى بأيّ نحو فعله، لمكاتبة ابن سعيد:

عن سرير الميت إله جانب يبدأ به في الحمل من جوانبه الأربعة أو يحمل الرجل

______________________________

(1) المنتهى 1: 446، و انظر سنن أبي داود 3: 203 ح 3171.

(2) الكافي 3: 168 الجنائز ب 39 ح 2، التهذيب 1: 453- 1476، الاستبصار 1: 216- 765، الوسائل 3: 153 أبواب الدفن ب 7 ح 2.

(3) الكافي 3: 174 الجنائز ب 44 ح 1، التهذيب 1: 454- 1479، الوسائل 3: 153 أبواب الدفن ب 7 ح 1.

(4) الفقيه 1: 99- 461، الوسائل 3: 154 أبواب الدفن ب 7 ح 3.

(5) الكافي 3: 174 الجنائز ب 44 ح 2، الوسائل 3: 154 أبواب الدفن ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 255

من أيها شاء؟ فكتب: «من أيّها شاء» [1].

و لا خلاف في ذلك، كما لا خلاف في أن الأفضل فيه أن يبدأ بمقدّم السرير، ثمَّ

بما يليه من مؤخّره، و يدور عليه دوران الرحى أي لا يرجع حتى يتم الدور فيختمه بالمقدّم الآخر، و تضافرت بذلك الروايات أيضا كما تأتي.

و إنما الخلاف في موضعين:

أحدهما: فيما يبتدئ به من طرفي المقدّم. و الأظهر أن يبتدئ الطرف الذي يقابل يسار المشيّع في الخلف و عليه اليد اليمنى للميت، و هو ظاهر المحكي عن الخلاف و صريح المنتهى و الدروس و البحار و الكفاية و الأردبيلي «1»، و الهندي ناسبا له- كسابقه- إلى المشهور «2»، بل عن صريح الأول و في ظاهر الثاني الإجماع عليه.

لموثّقة فضل بن يونس و فيها: «و إن لم يكن يتّقي فيه فإنّ تربيع الجنازة أن يبدأ باليد اليمنى ثمَّ بالرجل اليمنى ثمَّ بالرجل اليسرى ثمَّ باليد اليسرى حتى يدور حولها» [2].

و دلالتها على هذه الكيفية ظاهرة غاية الظهور، فإنّ المراد باليمنى ليس يد الحامل بقرينة الرجل، فليس إلّا يد الميت، و لا تطلق اليد على الجنازة، و صحّته مجازا- لو سلّمت- لا تفيد. و الاستدلال بها للكيفية الآتية- كما في شرح القواعد «3»- غريب.

و رواية ابن يقطين: «السنّة في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك

______________________________

[1] الفقيه 1: 100- 465 بتفاوت يسير، التهذيب 1: 3453- 1477، الاستبصار 1: 216- 766، الوسائل 3: 155 أبواب الدفن ب 8 ح 1.

[2] الكافي 3: 168 الجنائز ب 39 ح 3، التهذيب 1: 452- 1473- و فيه: المفضل بن يونس، الوسائل 3: 156 أبواب الدفن ب 8 ح 3.

______________________________

(1) الخلاف 1: 718، المنتهى 1: 444، الدروس 1: 111، بحار الأنوار 78: 279، لكفاية: 22، مجمع الفائدة 2: 472.

(2) كشف اللثام 1: 126.

(3) جامع المقاصد 1: 416.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص:

256

الأيمن، فتلزم الأيسر بكتفك الأيمن، ثمَّ تمر عليه إلى الجانب الآخر و تدور خلفه إلى الجانب الثالث من السرير، ثمَّ تمر عليه إلى الجانب الرابع ممّا يلي يسارك» [1].

فإن الظاهر من الأيسر أيسر السرير بقرينة قوله: «جانب السرير» و لأنه الملتزم للكتف. و جانب أيسر السرير، و إن احتمل بأن يكون ما عليه يسار الميت، إلّا أنّ الظاهر منه المقابل ليسار المشيّع في الخلف. و يؤكّده الحمل بالكتف الأيمن، إذ حمل الطرف الآخر باليمين غير منفك عن مشقة تامة في الدخول تحت الجنازة و عن مزاحمة مقابل له فيه، بل لا يتيسّر غالبا كما لا يخفى.

و أصرح منه قوله: «ممّا يلي يسارك» إذ المرور ممّا يلي يسار الحامل إلى الجانب الرابع لا يكون إلّا بالختم بيسار الميت.

و أيضا: ليس الجانب الرابع ممّا يلي يسار الحامل إلّا على حمل الرابع على يمين السرير الذي عليه يسار الميت.

و كون الآخر مقابلا ليسار المشيّع لا يفيد، لأنه ما يقابله لا ممّا يليه.

و المروي في الدعائم عنه عليه السلام: «كان يستحب لمن بدا له أن يعين في حمل الجنازة أن يبدأ بياسرة السرير، فيأخذها ممّن هي في يديه بيمينه، ثمَّ يدور بالجوانب الأربعة» «1».

خلافا لصريح روض الجنان «2» و ظاهر جمع آخر «3»، فقالوا: يبدأ بمقدم السرير الأيمن و هو الذي يلي يسار الميت، لرواية العلاء: «يبدأ في حمل السرير من جانبه [2] الأيمن، ثمَّ يمرّ عليه من خلفه إلى الجانب الآخر، ثمَّ يمرّ عليه حتى

______________________________

[1] الكافي 3: 168 الجنائز ب 39 ح 1 و في بعض نسخ الكافي: «بكفّك» بدل: «بكتك» التهذيب 1: 453- 1475، الاستبصار 1: 216- 764، الوسائل 3: 156 أبواب الدفن ب 8 ح 4.

[2]

في «ه»: الجانب.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 233.

(2) روض الجنان: 314.

(3) انظر الشرائع 1: 41، و الذكرى: 51، و جامع المقاصد 1: 416.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 257

يرجع إلى المقدّم، كذلك دور الرحى عليه» «1».

و المروي في مستطرفات السرائر: السنّة أن تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن و هو ممّا يلي يسارك، ثمَّ تسير إلى مؤخّره و تدور عليه حتى ترجع إلى مقدّمه» «2».

و الرضوي: «فإذا أردت أن تربّعها فابدأ بالشق الأيمن فخذه بيمينك، ثمَّ تدور إلى المؤخّر فتأخذه بيمينك، ثمَّ تدور إلى المؤخّر الثاني فتأخذه بيسارك، ثمَّ تدور إلى المقدّم الأيسر فتأخذه بيسارك، ثمَّ تدور على الجنازة كدور كفّي الرحى» «3».

و يجاب عن الأول: بجواز رجوع المجرور في «جانبه» إلى الميت أو إلى الحامل البادي، لجواز كون الصيغ للغيبية، فلا يدلّ على ما ذكروه. بل و كذلك لو ارجع إلى السرير، إذ ليس للسرير نفسه يمين و يسار، فاعتبارهما فيه إمّا باعتبار المشيّع خلفه، أو توهّمه شخصا ماشيا، أو باعتبار المستقبل إيّاه كما هو الأكثر في إطلاق اليمين و اليسار في غير الحيوانات، أو بمجاورة يدي الميت، أو توهّمه شخصا مستلقيا على قفاه ماشيا كالميت. و على الأولين و إن ثبت ما ذكروه من الرواية، و لكن على الثلاثة الأخيرة يثبت فيها خلافه. و إن لم يكن الأخير أظهر فلا أقلّ من التساوي المسقط للاستدلال.

و أمّا التشبيه بدور الرحى فالغرض منه مجرّد الدوران و عدم الرجوع في الأثناء كما تفعله العامة كما صرّح به في صدر الموثّقة «4» و ذكره علماؤهم في كتبهم [1]،

______________________________

[1] انظر الأم 1: 272، بدائع الصنائع 1: 309، و نقل في المغني 2: 361 عن أحمد أنه يدور عليها.

______________________________

(1) الكافي

3: 169 الجنائز ب 39 ح 4، التهذيب 1: 453- 1484، الاستبصار 1: 216- 763، الوسائل 3: 156 أبواب الدفن ب 8 ح 5.

(2) مستطرفات السرائر: 59- 26، الوسائل 3: 155 أبواب الدفن ب 8 ح 2.

(3) فقه الرضا: 170، المستدرك 2: 302 أحكام الدفن ب 8 ح 1.

(4) المتقدمة في ص 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 258

لا الدور من اليمين إلى اليسار. و مع أنه أيضا لا يختص بذلك، لاختلاف يمين الميت و الحامل.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن الباقين.

مضافا في الثاني إلى أن تفسير جانبها الأيمن بقوله: «ممّا يلي يسارك» يؤكّد إرادة ما ذكرنا، لأنّ ما يلي يساره في بدء الأمر المتصل بحالة التشييع، هو جانب يمين الميت.

و في الثالث إلى أن الأمر بأخذ اليمين باليمين يبيّن ما بيّنّاه، لما تقدّم من صعوبة حمل يمين السرير الذي هو يسار الميت، بل عدم تيسّره في الأغلب، و لذلك جعله بعضهم «1» دليلا للأول.

بل يظهر الوهن العظيم فيما ادّعي من الشهرة على القول الأخير «2»، إذ ليس في كلامهم غالبا إلّا مقدّمة السرير اليمنى، و هي لما عليه يمين الميت محتملة، و لذا ترى المنتهى بعد ما عبّر بذلك فسّره بيمين الميت «3».

و قال بعض شرّاح القواعد في بيان قوله: و الأفضل البدأة بمقدم السرير الأيمن: و هو الذي يلي يمين الميت «4».

و لذا صرّح جمع من المتأخّرين «5» بموافقة الشيخ في المبسوط و النهاية «6» مع القول الأول.

و عن الراوندي «7» التصريح باتحاد قولي الشيخ فيهما و في الخلاف «8»،

______________________________

(1) الحدائق 4: 97.

(2) كما ادعاها في الرياض 1: 63.

(3) المنتهى 1: 444.

(4) كشف اللثام 1: 126.

(5) منهم الشهيدان في الذكرى: 51، و

الروض: 314، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 338.

(6) المبسوط 1: 183، النهاية: 37.

(7) حكى عنه في الذكرى: 51.

(8) الخلاف 1: 718.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 259

و يؤكّده دعواه الإجماع عليهما.

و منه يظهر ما في الاستظهار للأخير بالإجماع المحكي عن المبسوط [1].

و لطائفة من متأخّري المتأخّرين- منهم والدي رحمه اللّه «1»- فحكموا بالتخيير بين الطريقين، جمعا بين الروايات. و هو فرع الدلالة، و قد عرفت فيها الحالة.

و ثانيهما [2]: فيما يؤخذ به من كتفي الحامل. فالحق المشهور أخذ طرفي ميامن الميت بالميامن و مياسره بالمياسر، لروايتي ابن يقطين «2» و الدعائم «3»، و للأمر ببداءة الأخذ بالميامن فيهما و في الرضوي «4»، المستلزمة لما ذكرنا، بعد ثبوت البدأة بأخذ ميامن الميت بالموثّقة «5»، و لصعوبة العكس و مشقته أو عدم تيسّره و عدم تعارفه، و الألفاظ تحمل على المعاني المتعارفة.

خلافا لمن عكس، و هو بين من يبدأ بمياسر الميت «6»، و دليله الرضوي و روايتا ابن يقطين و الدعائم، بضميمة الاستلزام المذكور، و قد عرفت ضعف الملزوم. و من يبدأ بميامنه «7»، و لا دليل له أصلا.

الثالث: تشييع الجنازة، و هو مستحب بإجماع العلماء كافة، و النصوص في فضله متواترة «8».

______________________________

[1] كما حكى عنه في الحبل المتين: 69، و لم نعثر عليه.

[2] أي الخلاف الثاني، راجع ص 255.

______________________________

(1) و منهم الحدائق 4: 97.

(2) المتقدمة ص 255.

(3) المتقدمة ص 256.

(4) المتقدمة ص 257.

(5) المتقدمة ص 255.

(6) مثل الشهيد الثاني في الروض: 314.

(7) مثل العلامة في المنتهى 1: 444.

(8) انظر الوسائل 3: 141 أبواب الدفن ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 260

و الظاهر- كما صرّح به الأردبيلي «1»- تحقّقه بالمشي معها في الجملة، كما

تدلّ عليه مطلقات المرغّبات في متابعة الجنازة، و إن كان الأفضل المتابعة إلى أن يصلّى عليها، و الأكمل إلى أن يدفن كما في روايتي جابر «2» و أبي بصير «3».

و في المنتهى و عن روض الجنان: إنّ أدنى التشييع إلى موضع الصلاة «4».

و لا دليل عليه، و إثبات ثواب زائد له لا ينفي مطلقه عن غيره.

و يستحب للمشيّع التفكر في مئاله و ما يؤول إليه عاقبة حاله، و التخشّع و الاتّعاظ بالموت، كما ذكره الجماعة و قالوا بوروده في الأخبار «5».

و السير من ورائها أو أحد جانبيها بالإجماع، كما في المنتهى و شرح القواعد «6» و اللوامع، و في المدارك: إنّه المعروف من مذهب الأصحاب «7»، له، و للنصوص.

منها: موثّقة إسحاق: «المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها، و لا بأس بأن يمشي بين يديها» [1].

و خبر السكوني: «اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب» «8».

و خبر سدير: «من أحبّ أن يمشي مع الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير» [2].

______________________________

[1] التهذيب 1: 311- 902، و رواها في الكافي 3: 169 الجنائز ب 40 ح 1 بدون قوله: «و لا بأس ..»، الوسائل 3: 148 أبواب الدفن ب 4 ح 1.

[2] الكافي 3: 169 الجنائز ب 40 ح 6، التهذيب 1: 311- 904، الوسائل 3: 148 أبواب الدفن ب 4 ح 3، و في المصادر: «من أحب أن يمشي ممشى الكرام الكاتبين ..».

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 469.

(2) الكافي 3: 173 الجنائز ب 43 ح 4، التهذيب 1: 455- 1485، الوسائل 3: 145، أبواب الدفن ب 3 ح 4.

(3) الكافي 3: 173 الجنائز ب 43 ح 5، الوسائل 3:

146 أبواب الدفن ب 3 ح 3.

(4) المنتهى

1: 445، الروض: 314.

(5) انظر الوسائل 3: 229 أبواب الدفن ب 59.

(6) المنتهى 1: 445، جامع المقاصد 1: 415.

(7) المدارك 2: 122.

(8) التهذيب 1: 311- 901، الوسائل 3: 149 أبواب الدفن ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 261

و الرضوي: «و إذا حضرت جنازة فامش خلفها و لا تمش أمامها، و إنّما يؤجر من تبعها لا من تبعته، اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم، فإنه من عمل المجوس، و أفضل المشي في اتباع الجنازة ما بين جنبي الجنازة، و هو مشي الكرام الكاتبين» «1».

و عن المقنع و الخلاف الاقتصار على الأول «2»، و لعلّهما أرادا مقابل الامام منه لجعلهما إيّاه مقابلا له.

ثمَّ مقتضى إطلاق الرضوي أفضلية الثاني عن الأول. و صرّح بعض المتأخّرين بالعكس «3».

و لعلّه كونه أولى بمعنى الاتباع و التشييع، و لما روي من مشي النبي صلّى اللّه عليه و آله خلف جنازة «4».

و الأول ممنوع و الثاني غير دالّ.

و أن يكون ماشيا، كما عن النهاية و الجامع و المعتبر و ظاهر المقنع و المقنعة «5» و جمل العلم و شرحه للقاضي، و الغنية و الوسيلة و الشرائع «6»، لفتوى هؤلاء.

مضافا إلى كونه لازما لما في الركوب من الكراهة بإجماع العلماء كافة- كما في المنتهى «7»- و للنصوص المعتبرة كصحيحة البصري: «إنّي لأكره أن أركب و الملائكة يمشون» [1].

______________________________

[1] الكافي 3: 170 الجنائز ب 41 ح 2 (بزيادة)، التهذيب 1: 312- 906، الوسائل 3: 152 أبواب الدفن ب 6 ح 1، و رواها في الفقيه مرسلة الفقيه 1: 122- 588.

______________________________

(1) فقه الرضا: 169، المستدرك 2: 298 أبواب الدفن ب 4 ح 1.

(2) المقنع: 19، الخلاف 1: 718.

(3) الحدائق 4: 74.

(4) انظر

الوسائل 3: 148 أبواب الدفن ب 4.

(5) النهاية: 36، الجامع: 54، المعتبر 1: 293، المقنع: 19، المقنعة: 79.

(6) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 51، شرح جمل العلم و العمل: 154، الغنية (الجوامع الفقهية): 564، الوسيلة: 67، الشرائع 1: 41.

(7) المنتهى 1: 445.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 262

و مرسلة ابن أبي عمير: «رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قوما خلف جنازة ركبانا، فقال: ما أستحيي هؤلاء أن يتبعوا صاحبهم ركبانا و قد أسلموه على هذه الحالة» «1».

و خبر غياث: «كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدأته إلّا من عذر» و قال:

«يركب إذا رجع» «2».

و مقتضاه انتفاء الكراهة في الرجوع. و هو كذلك، للأصل.

و من المكروهات أيضا: المشي أمام الجنازة مطلقا، كما في المنتهى و عن صريح السرائر و الوسيلة و البيان «3»، و التذكرة [1]، و ظاهر المقنع و المقنعة و الاقتصاد «4»، و المراسم و جمل العلم «5»، بل في المنتهى الإجماع عليه «6»، لخبر السكوني و الرضوي السابقين «7».

و النهي فيهما و إن كان ظاهرا في الحرمة، إلّا أنّ عدم القول بها مطلقا، مع ضعف الثاني، مضافا إلى النصوص المصرّحة بالجواز المصرّحة بالجواز، كموثّقة إسحاق السابقة «8»، و صحيحة محمد: عن المشي مع الجنازة، فقال: «بين يديها و عن يمينها و عن شمالها و خلفها» «9» و روايته: «امش بين يدي الجنازة و خلفها» «10» أوجب الحمل

______________________________

[1] التذكرة 1: 48 و فيه: المشي خلف الجنازة أو إلى أحد جانبيها أفضل من التقدم عليها. فتأمل.

______________________________

(1) الكافي 3: 170 الجنائز ب 41 ح 1، الوسائل 3: 152 أبواب الدفن ب 6 ح 3.

(2) التهذيب 1: 464- 1518، الوسائل

3: 152 أبواب الدفن ب 6 ح 2.

(3) المنتهى 1: 445، السرائر 1: 164، الوسيلة: 67، البيان: 78.

(4) المقنع: 19، المقنعة: 79، الاقتصاد: 249.

(5) المراسم: 51، جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 51.

(6) المنتهى 1: 445.

(7) في ص 261، 260.

(8) في ص 260.

(9) الكافي 3: 169 الجنائز ب 40 ح 4، الفقيه 1: 100- 467، الوسائل 3: 149 أبواب الدفن ب 5 ح 1.

(10) الكافي 3: 170 الجنائز ب 40 ح 5، الوسائل 3: 150 أبواب الدفن ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 263

على الكراهة أي المرجوحية الإضافية، كما هي مراد القائلين بالكراهة- على ما صرّح به والدي رحمه اللّه- دون المعنى المصطلح، لظهور دلالة الموثّقة على ثبوت فضل للمشي في الإمام أيضا.

و أظهر منها المروي في الدعائم: «فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل الصلاة المكتوبة على التطوع» «1».

فهما قرينتان على تعيين إرادة المرجوحية الإضافية دون الكراهة المصطلحة، فإنهما مجازان لا بدّ في تعيينهما من معيّن. و لا يصلح نفي الأجر في الرضوي «2» لتعيين الثاني، لضعفه، و المسامحة إنما هي في إثبات الأجر دون نفيه.

خلافا للمحكي عن صريح المعتبر و الذكرى و ظاهر المبسوط و النهاية و موضع من المنتهى «3»، فلا كراهة مطلقا، للأمر به، و إثبات الفضل له، و نفي البأس عنه فيما تقدم «4».

و يجاب بعدم منافاة شي ء منها للمرجوحية الإضافية.

نعم، لو أرادوا نفي الكراهة المصطلحة فالأولان ينفيانها، و لكن لا نقول بها و نطالب من ادّعاها بالدليل.

فإن تمسّك بالنهي، نجيب بأنه مجاز قطعا في أحد المعنيين، و إثبات الفضل يعيّن ما ذكرنا، فلو عيّن الآخر بنفي الأجر نردّه بما مرّ، أو بكونه طريقة أهل الكتاب

نردّه بعدم دلالته على الزائد بهما على المرجوحية الإضافية.

مع أنه مع تسليم تكافؤ المعيّنين يتكافأ المعنيان أيضا، لعدم المرجّح، و ما ذكرناه ثابت إجماعا، و الآخر ساقط بالأصل و ورود الأمر.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 234، المستدرك 2: 299 أبواب الدفن ب 4 ح 4.

(2) المتقدم في ص 261.

(3) المعتبر 1: 293، الذكرى: 52، المبسوط 1: 183، النهاية: 36، المنتهى 1: 445.

(4) راجع ص 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 264

و للمحكي عن الإسكافي «1»، فخصّ الكراهة بغير صاحب الجنازة، و قال باستحباب مشيه بين يديها، للأخبار المصرّحة بتقديم مولانا الصادق عليه السلام على سرير إسماعيل «2».

و يضعّف بأنه غير مناف لأفضلية التأخّر، مع أنه يحتمل التقية، لأنّ أفضليته مذهب العامة [1].

هذا كلّه في جنازة المؤمن، و أمّا غيره فالحقّ في التقديم عليها الكراهة المصطلحة، بل عن العماني فيه الحرمة «3»، للنهي عنه في المعتبرة «4»، و عدم دليل فيه على الراجحية المطلقة، لاختصاص أكثر المرغّبات و الأوامر صريحا، و الجميع ظاهرا بجنازة المؤمن.

و منه يظهر عدم استحباب التشييع لجنازة غيره أيضا، إلّا مع مصلحة داعية، و معها قد يجب.

و منها: رجوع المشيّع حتى يدفن أو يأذن الولي، إلّا من ضرورة، لمرفوعة البرقي: «أميران و ليسا بأميرين: ليس لمن شيّع جنازة أن يرجع حتى يدفن أو يؤذن له» «5» الخبر.

ثمَّ لو أذن له الولي في الانصراف لم يسقط استحباب إتمام التشييع، للاستصحاب، و حسنة زرارة و فيها: فلمّا صلّى على الجنازة قال وليّها لأبي جعفر:

ارجع مأجورا رحمك اللّه، فإنك لا تقوى على المشي، فأبى أن يرجع- إلى أن

______________________________

[1] في المغني 2: 356 ما لفظه: أكثر أهل العلم يرون الفضيلة للماشي أن يكون إمام الجنازة ..

و

قال الأوزاعي و أصحاب الرأي المشي خلفها أفضل. و انظر الأم 1: 272، بدائع الصنائع 1:

310، بداية المجتهد 1: 232.

______________________________

(1) حكى عنه في الذكرى: 52.

(2) انظر الوسائل 2: 441 أبواب الاحتضار ب 27.

(3) حكى عنه في الحدائق 4: 72.

(4) انظر الوسائل 3: 149 أبواب الدفن ب 5.

(5) الكافي 3: 171 الجنائز ب 42 ح 2، الوسائل 3: 146 أبواب الدفن ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 265

قال-: «فليس بإذنه جئنا و لا بإذنه نرجع، و إنما هو فضل و أجر طلبناه، فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك» «1».

و منها: جلوس المشيّع حتى يوضع الميت في لحده، كما عن العماني «2» و ابن حمزة، و الفاضلين، و الذكرى «3»، لصحيحة ابن سنان: «ينبغي لمن شيّع أن لا يجلس حتى يوضع في لحده، فإذا وضع في لحده فلا بأس» «4».

و في الدعائم: «إنّ الحسن بن علي مشى مع جنازة، فلمّا انتهى إلى القبر وقف يتحدّث مع أبي هريرة و ابن الزبير حتى وضعت الجنازة، فلمّا وضعت جلس و جلسوا» «5».

و عن الشيخ و الإسكافي: عدم الكراهة «6»، لحسنة داود: رأيت أبا الحسن يقول: «ما شاء اللّه لا ما شاء الناس» فلمّا انتهى إلى القبر تنحّى فجلس فلمّا ادخل الميت قام فحثا عليه التراب «7».

و خبر ابن الصامت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان في جنازة لم يجلس حتى توضع في اللحد، فقال يهودي: إنّا لنفعل ذلك، فجلس و قال:

«خالفوهم» «8».

و يجاب عن الأول: بعدم منافاته الكراهة.

و عن الثاني: بعدم الثبوت، و لو ثبت فمرجوح بالنسبة إلى ما ذكر بالضعف

______________________________

(1) الكافي 3: 171 الجنائز ب 42 ح 3،

التهذيب 1: 454- 1481، الوسائل 3: 147 أبواب الدفن ب 3 ح 7.

(2) حكى عنه في المعتبر 1: 334.

(3) الوسيلة: 69، المعتبر 1: 334، المنتهى 1: 446، الذكرى: 53.

(4) التهذيب 1: 462- 1509، الوسائل 3: 212 أبواب الدفن ب 45 ح 1.

(5) دعائم الإسلام 1: 233.

(6) الخلاف 1: 719، و حكاه في الذكرى: 53 عن الإسكافي.

(7) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 1، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 29 ح 1.

(8) سنن أبي داود 3: 204- 3176 (بتفاوت يسير).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 266

و الأقدمية.

و الظاهر اختصاص الكراهة بالمشيّع، فلا يكره لمن لحق حين وضع الجنازة.

و منها: الضحك له، لقول أمير المؤمنين عليه السلام في النهج حين تبع جنازة فسمع رجلا يضحك: «كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب» «1».

و في تنبيه الخاطر للورّام، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «من ضحك على جنازة أهانه اللّه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، و لا يستجاب دعاؤه» [1].

و منها: خروج النساء معها و اتباعها، كما عن الشيخ [2]، و الفاضلين و الشهيد «2»، لخبر غياث: «لا صلاة على جنازة معها امرأة» «3».

و المرويين في المجالس مسندا، و الدعائم:

الأول: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج فرأى نساء قعودا فقال: ما أقعدكنّ هاهنا؟ قلن: للجنازة، قال: أ فتحملن مع من يحمل؟ قلن: لا، قال:

أ تغسلن مع من يغسل؟ قلن: لا، قال: أ فتدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا، قال:

فارجعن مأزورات غير مأجورات» «4» و نحوه روى السيد الحيدر في غرر الدرر مرسلا «5».

و الثاني إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مشى مع جنازة، فنظر إلى امرأة

______________________________

[1] لم نعثر عليه

في مجموعة ورّام و نقل عنها في الوسائل 3: 233 أبواب الدفن ب 63 ح 5.

[2] الاستبصار 1: 486 قال في ذيل خبر غياث ما لفظه: فالوجه في هذه الرواية ضرب من الكراهية دون الحظر.

______________________________

(1) نهج البلاغة 3: 179- 122.

(2) المعتبر 1: 334، المنتهى 1: 446، الذكرى: 53.

(3) التهذيب 3: 333- 1402، الاستبصار 1: 486- 1882، الوسائل 3: 140 أبواب صلاة الجنازة ب 40 ح 2.

(4) أمالي الطوسي: 659، الوسائل 3: 240 أبواب الدفن ب 69 ح 5.

(5) نقله عنه في البحار 78: 264- 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 267

تتبعها، فوقف و قال: «ردّوا المرأة» فردّت، و وقف حتى قيل: قد توارت بجدار المدينة يا رسول اللّه، فمضى «1».

و بهما تخصّص عمومات التشييع و تقيّد إطلاقاتها.

خلافا لبعض الثالثة فلم يكرهه «2»، لما روي من خروج البتول على جنازة أختيها «3».

و أجاب عمّا ذكر بالحمل على التقية.

و يجاب: بعدم منافاته للكراهة، مع أنّ المذكور فيه صلاتها عليها. و الحمل على التقية إنما يكون مع المعارضة.

نعم، في خبر أبي بصير: «ليس ينبغي للمرأة الشابة أن تخرج إلى الجنازة و تصلّي عليها إلّا أن تكون امرأة دخلت في السن» «4».

و مقتضى خصوصيته تخصيص ما مرّ بالشابة، إلّا أنّ الظاهر عدم قائل بالفرق.

المقام الثاني: فيما يتعلّق بالمدفن.

و الواجب فيه أن يكون مع الإمكان حفيرة في الأرض، فلا يجوز وضعه في بناء أو تابوت بدون ضرورة، تأسّيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة الطاهرين، و اقتداء بالصحابة و التابعين، و جريا على الطريقة المستمرة بين المسلمين، و للأمر بالدفن كما في رواية العلل، الآتية و غيرها [1].

______________________________

[1] انظر الوسائل 3: 141 أبواب الدفن ب 1 و الأبواب التي أشير

إليها في هامشه.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 234.

(2) الحدائق 4: 85.

(3) الكافي 3: 251 الجنائز باب النوادر ح 8، التهذيب 3: 333- 1043، الوسائل 3: 139 أبواب صلاة الجنازة ب 39 ح 1 و 2.

(4) التهذيب 3: 333- 1044، الاستبصار 1: 486- 1881، الوسائل 3: 139 أبواب صلاة الجنازة ب 39 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 268

و المتبادر منه المواراة في عمق الأرض، و في العاميّ المروي في المنتهى و غيره عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «احفروا و أوسعوا و عمّقوا» «1».

و أن تكون سعته بقدر يسع جثته نائمة على القبلة على الوجه الآتي، لوجوبه المتوقّف على ذلك.

و عمقا على نحو يحرسها عن السباع غالبا، و يكتم رائحته عن الانتشار، بإجماع المسلمين، و لأنّهما العلّة في شرع الدفن كما في المروي في العلل: «أمر بالدفن لئلّا يظهر للناس فساد جسده و قبح منظره و تغيّر رائحته، و لا يتأذّى الأحياء بريحه» «2» إلى آخره.

و الوصفان متلازمان غالبا، و لو فرض الانفكاك بينهما وجب مراعاتهما.

و السرداب من المحفورات، فيجوز الدفن فيه و سدّ بابه.

و لو تعذّر الحفر أجزأ مواراته في البناء بما يحصّل الوصفين.

و يكره دفنه في الأرض بالتابوت إجماعا، كما عن المبسوط و الخلاف [1].

و يجب أن تكون الأرض ممّا يجوز التصرّف فيها لذلك، إمّا بكونها مباحة، أو مرخّصا فيها من قبل المالك، خالية من ميت آخر حيث يحرم النبش.

و هل يجوز الدفن في ملك الميت مع عدم رضا الوارث أو كونه صغيرا فيكون من المستثنيات كمؤن التجهيز، أم لا؟

الظاهر: الثاني، للأصل.

و مستحباته:

حفر القبر إلى الترقوة أو قدر قامة معتدلة، إجماعا، كما في ظاهر

______________________________

[1] المبسوط 1: 187، الخلاف: نقل عنه في

كشف اللثام 1: 134. و لم نعثر عليه في مظانّه.

______________________________

(1) المنتهى 1: 461، المعتبر 1: 295.

(2) علل الشرائع: 268، الوسائل 3: 141 أبواب الدفن ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 269

المدارك «1»، و القواعد [1]، و عن الخلاف و الغنية و التذكرة «2»، و هو الحجة فيهما.

مضافا في الأول إلى مرسلة الصدوق: «حدّ القبر إلى الترقوة» «3».

و فيهما إلى مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن الصادق عليه السلام قال: «حد القبر إلى الترقوة، و قال بعضهم: إلى الثدي، و قال بعضهم:

قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر» «4».

و مرسلة سهل: «روى أصحابنا أنّ حد القبر إلى الترقوة» «5» إلى آخر ما سبق.

و القدح في الاستدلال للقامة بهما بعدم معلومية القائل «6» غير جيّد، إذ الظاهر أنّ المعنى: أنّ ابن أبي عمير روى عن بعض أصحابه عن الصادق عليه السلام أنه إلى الترقوة، و عن بعض آخر عنه أنه إلى القامة. فهو خبر مرسل آخر، و مثل ذلك شائع في المجاورات مع تعدّد الروايتين.

نعم يتمّ ذلك القدح في المرسلة الأولى، فإنّ فيها: قال الصادق عليه السلام كذا، و قال بعضهم كذا، و أمّا في [الأخريين ] [2] فلا، و لو سلّم الاحتمال الضعيف فهو لا يضرّ في مقام المسامحة سيما مع الانضمام بالإجماعات المنقولة.

و لعلّ لذلك مع ضميمة عدم القائل لم يلتفتوا إلى التقدير بالثدي، أو لإجماله لترديده بين الثاء المثلثة، و النون ليكون المراد الرشح، فلا يصلح دليلا

______________________________

[1] القواعد 1: 21، تعرّض للمسألة بدون دعوى الإجماع، و لعل الصحيح: «شرح القواعد» و هو جامع المقاصد 1: 439.

[2] في النسخ: الأولين.

______________________________

(1) المدارك 2: 137.

(2) الخلاف 1: 705- 706،

الغنية (الجوامع الفقهية): 564، التذكرة 1: 52.

(3) الفقيه 1: 107- 498، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.

(4) التهذيب 1: 451- 1469، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.

(5) الكافي 3: 165 الجنائز ب 36 ح 1، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.

(6) كما في الرياض 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 270

لشي ء منهما. كما لا يصلح آخر المرسلة الأخيرة من قول السجاد عليه السلام:

«احفروا لي حتى يبلغ الرشح» دليلا للأخير، لجواز كون أرض البقيع بحيث يصل إلى الندى قبل الترقوة.

ثمَّ بما مرّ من دليل القامة يخصّص عموم خبر السكوني: «نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع» «1» حيث إنّها أقلّ منها، مع احتمال اختصاص النهي ببلده- أي المدينة- لقرب الرطوبة.

و جعل لحد له، بالإجماع كما عن الكتب الثلاثة الأخيرة «2»، له، و للتلحيد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لسعد بن معاذ بحضوره كما في العلل «3»، و لتوقّف الوضع في اللحد المأمور به- كما في المستفيضة منها: المروي في العلل: «ثمَّ ضعه في لحده» «4» و نحوه في الرضوي «5»- عليه، و ما يتوقّف عليه المستحب مستحب.

و هو أن يحفر بعد البلوغ إلى أرض القبر في حائطه ممّا يلي القبلة حفيرة، بالإجماع، له، و للمروي ظاهرا في الدعائم عن الصادق عليه السلام قال:

«اللحد هو أن يشق للميت في القبر مكانه الذي يضجع فيه مما يلي القبلة مع حائط القبر، و الضريح أن يشق له وسط القبر» «6» إلى آخره.

يسع الميت طولا و عرضا، لأنها معدّة له. و يتمكّن الجالس من الجلوس فيه

عمقا إجماعا، لمرسلة ابن أبي عمير، و فيها: «و أمّا اللحد فبقدر ما يمكن فيه

______________________________

(1) الكافي 3: 166 الجنائز ب 36 ح 4، التهذيب 1: 451- 1466 الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 1.

(2) الخلاف 1: 706، الغنية (الجوامع الفقهية): 564، التذكرة 1: 52.

(3) علل الشرائع: 309 ب 251، الوسائل 3: 230 أبواب الدفن ب 60 ح 2.

(4) علل الشرائع: 306 ب 251.

(5) فقه الرضا: 170.

(6) دعائم الإسلام 1: 237، المستدرك 2: 315 أبواب الدفن ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 271

الجلوس» «1».

و اللحد أفضل من الشقّ- الذي هو الضريح، و هو أن يحفر في أرض القبر شقا يوضع فيه الميت و يسقف- إجماعا، و في المنتهى أنه قول العلماء «2»، لما ذكر.

و لا ينافيه ما دلّ على أمر مولانا الباقر عليه السلام بالشق له، لاحتمال الاختصاص به، لكونه جسيما و كون أرض البقيع رخوة، فلا يحتمل الحفيرة الواسعة فينهدم، صرّح بذلك في خبر الحلبي: «و شققنا له الأرض شقّا لأنه كان بادنا» «3».

و في الدعائم: إنّ الصادق عليه السلام ضرّح لأبيه عليه السلام، احتاج إلى ذلك لأنه كان جسيما «4».

و كذا لا ينافيه أمر مولانا الرضا عليه السلام أيضا بالتضريح و قوله: «فإن أبوا إلّا أن يلحّدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين و شبرا، فإنّ اللّه سيوسّعه ما شاء» [1] لما ذكر، كما يرشد إليه ذيله، أو لمانع آخر من التلحيد الوسيع فيه من مدفون و نحوه.

و منه تظهر أفضلية الشق في صورة المانع كما صرّح به جماعة «5»، و عن الإسكافي «6» و المعتبر «7»: أنه يعمل حينئذ شبه اللحد من بناء في قبلته.

______________________________

[1] عيون أخبار الرضا

2: 245 ب 60، الأمالي للصدوق: 526- 17، الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 15 ح 4 و في «ح» بدل «ما شاء»: «إن شاء اللّه».

______________________________

(1) التهذيب 1: 451- 1469، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.

(2) المنتهى 1: 461.

(3) الكافي 3: 140 الجنائز ب 18 ح 3، التهذيب 1: 300- 876، الوسائل 3: 166 أبواب الدفن ب 15 ح 3.

(4) دعائم الإسلام 1: 237، المستدرك 2: 316 أبواب الدفن ب 15 ح 3.

(5) كالعلامة في التذكرة 1: 52، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 439، و الشهيد في الذكرى: 65.

(6) نقل عنه في الذكرى: 65.

(7) المعتبر 1: 296.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 272

و تشريج [1] اللحد و تنضيده بعد وضع الميت فيه، باللبن و الطين، على وجه يمنع دخول التراب فيه، بالإجماع كما في المدارك «1» و اللوامع، و في المنتهى: لا نعلم فيه خلافا «2»، و هو الحجة فيه، مضافا إلى المستفيضة:

كصحيحة ابن تغلب: «جعل عليّ على قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لبنا» «3».

و خبر ابن عمار: «ثمَّ تضع الطين و اللبن» «4».

و نحوه المروي في دعوات الراوندي «5» و المعتبرة «6» المشعرة بالمداومة عليه [2].

و يقوم مقام اللبن ما يساويه في المنع من تعدي التراب إليه، كالحجر و القصب و الخشب، كما عن الغنية و المنتهى و المهذب «7».

و يدلّ عليه المروي في العلل: «نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبر سعد بن معاذ، و لحّده، و سوىّ عليه اللبن، و جعل يقول: ناولني حجرا ناولني ترابا رطبا، يسدّ به ما بين اللبن» «8» الحديث.

و لا يستفاد منه

إطلاق اللبن على ما يعمّ الحجر، لجواز أن يكون الحجر لسدّ

______________________________

[1] شرجت اللبن شرجا: نضدته أي ضممت بعضه إلى بعض- مجمع البحرين 2: 312.

[2] وجه الإشعار أنه قد ورد في المعتبرة قوله: «إذا وضعت عليه اللبن فقل اللهم صل وحدته ..»

و هذا مشعر باستقرار البناء في تلك الأزمنة على وضع اللبن حيث اقتصر عليه السلام الأمر بالدعاء عنده و لم يأمره بوضع اللبن، و هو مما يستفاد من الرياض 1: 65.

______________________________

(1) المدارك 2: 141.

(2) المنتهى 1: 461.

(3) الكافي 3: 197 الجنائز ب 65 ح 3، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 28 ح 1.

(4) التهذيب 1: 457- 1492، الوسائل 3: 180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.

(5) الدعوات: 266، المستدرك 2: 324 أبواب الدفن ب 21 ح 7.

(6) الكافي 3: 196 الجنائز ب 64 ح 6، التهذيب 1: 316- 920، الوسائل 3: 177 أبواب الدفن ب 21 ح 2.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 564، المنتهى 1: 461، المهذب 1: 43.

(8) تقدم مصدره ص 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 273

الخلل.

و يبتدئ في التشريج من جانب الرأس، للمحكي عن الراوندي: أنه عمل العارفين من الطائفة «1».

و تسطيح القبر بعد طمّه، إجماعا منّا كما في شرح القواعد «2»، و صرّح به جماعة، و في المنتهى: «إنه قول علمائنا أجمع «3»، له، و لاستحباب التربيع المستلزم له.

و للرضوي: «و السنّة أنّ القبر يرفع أربع أصابع مفرّجة من الأرض، و إن كان أكثر فلا بأس، و يكون مسطّحا، و لا يكون مسنّما» «4».

و المروي في المحاسن: «لا تدع قبرا إلّا سوّيته» «5» و في آخر: «و لا قبرا مشرفا إلّا سوّيته» «6» و التسوية هو التسطيح.

و يؤيّده قول القاسم

بن محمد كما في المنتهى: رأيت قبر النبي و القبرين عنده مسطّحة لا مشرفة «7».

و تربيعه، بالإجماع كما في المدارك «8»، و اللوامع، للرضوي المتقدّم، و خبر ابن مسلم: «تربّع قبره» «9».

و الروايات في الخصال، و العلل، و الدعائم:

______________________________

(1) حكاه عن الراوندي في الذكرى: 66.

(2) جامع المقاصد 1: 443.

(3) المنتهى 1: 462.

(4) فقه الرضا: 175، المستدرك 2: 335 أبواب الدفن ب 29 ح 1.

(5) المحاسن: 613- 34.

(6) صحيح مسلم 2: 666- 969.

(7) المنتهى 1: 462.

(8) المدارك 2: 143.

(9) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 3، التهذيب 1: 315- 916، الوسائل 3: 181 أبواب الدفن ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 274

الأول: «القبور تربّع و لا تسنّم» «1».

و الثاني: لأيّ علّة يربّع القبر؟ قال: «لعلّة البيت لأنه نزل مربّعا» «2».

و الثالث: عن أمير المؤمنين عليه السلام لمّا دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ربّع قبره «3».

و رفعه أربع أصابع باتّفاق الأصحاب، كما عن المعتبر «4»، بل العلماء كما في المنتهى «5»، بل بالإجماع كما في المدارك «6»، لخبري محمد و عقبة:

الأول: «يرفع القبر فوق الأرض أربع أصابع» «7».

و الثاني: «قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و ارفع قبري من الأرض أربع أصابع» «8». الحديث.

مفرّجات أو مضمومات مخيّرا بينهما، كما في المنتهى، و شرح القواعد، و عن الذكرى «9»، و يحتمله كلام من أطلق، كما في الشرائع، و القواعد، و عن التحرير و الإرشاد «10»، بل حكي عن الأكثر «11».

لورود الاولى في الرضوي المتقدم و خبر ابن مسلم: «و تلزق القبر بالأرض إلّا قدر أربع أصابع مفرّجات» «12» و حسنة حماد: «و ارفع قبري أربع

أصابع

______________________________

(1) الخصال: 604، الوسائل 3: 182 أبواب الدفن ب 22 ح 5.

(2) علل الشرائع: 305 ب 248، الوسائل 3: 195 أبواب الدفن ب 31 ح 12.

(3) دعائم الإسلام 1: 238، المستدرك 2: 336 أبواب الدفن ب 29 ح 2.

(4) المعتبر 1: 301.

(5) المنتهى 1: 462.

(6) المدارك 2: 143.

(7) الكافي 3: 201 الجنائز ب 67 ح 10، الوسائل 3: 192 أبواب الدفن ب 31 ح 1.

(8) الكافي 1: 450 الحجة أبواب التاريخ ب 1 ح 36، الوسائل 3: 192 أبواب الدفن ب 31 ح 3.

(9) المنتهى 1: 462، جامع المقاصد 1: 443، الذكرى: 47.

(10) الشرائع 1: 43، القواعد 1: 21، التحرير 1: 20، الإرشاد 1: 264.

(11) كما حكاه في كشف اللثام 1: 135.

(12) راجع ص 273 الرقم (9).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 275

مفرّجات» [1].

و الثاني في موثّقة سماعة: «و يرفع قبره من الأرض أربع أصابع مضمومة» «1».

و اقتصر جماعة- كما عن المفيد و الديلمي و الاقتصاد «2»، و الحلبيين «3»، و ابني حمزة و إدريس «4»، و النافع و التذكرة و نهاية الإحكام «5»- على الاولى، بل نسب إلى الأشهر «6»، و العماني على الثانية «7». و كلّ منهما يردّ برواية الآخر.

و لا يستحب الرفع زائدا و لو كان شبرا، بل يكره، لدعوى الإجماع في المنتهى على كراهة الزائد عن الأربع «8»، و المروي في العيون: «لا ترفعوا قبري أكثر من أربع أصابع مفرّجات» «9».

خلافا للمحكي عن ابن زهرة، فخيّر بين الشبر و بين الاولى «10»، و عن القاضي فبينه و بين الثانية «11»، و عن بعض آخر فبين الثلاثة «12»، و اختاره والدي قدس اللّه روحه، لخبر إبراهيم: «إنّ قبر رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله و سلّم رفع

______________________________

[1] الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 5، التهذيب 1: 315- 916، الوسائل 3: 193 أبواب الدفن ب 31 ح 5 و ليس في المصادر كلمة «مفروجات».

______________________________

(1) الكافي 3: 199 الجنائز ب 67، ح 2 التهذيب 1: 320- 932، الوسائل 3: 192 أبواب الدفن ب 31 ح 4.

(2) المقنعة: 81، المراسم: 51، الاقتصاد: 250.

(3) الكافي: 239، الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(4) الوسيلة: 68، السرائر 1: 165.

(5) النافع: 14.

(6) كما في الرياض 1: 66.

(7) حكاه عنه في الذكرى: 67.

(8) المنتهى 1: 462.

(9) عيون أخبار الرضا (ع) 1: 82- 6، الوسائل 3: 195 أبواب الدفن ب 31 ح 11.

(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(11) المهذب 1: 64.

(12) انظر جامع المقاصد 1: 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 276

شبرا من الأرض» «1».

و يجاب: بأنه لا يعارض ما مرّ، لجواز الاختصاص، و لسقوطه بنقل خلافه كما مرّ.

و وضع حجر أو خشب عند الرأس، فيه اسم الميت علامة ليزار و يترحّم عليه، لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله ذلك بقبر ابن مظعون، كما في الدعائم «2»، و الكاظم عليه السلام بقبر ابنة له، كما في خبر يونس: لمّا رجع من بغداد إلى المدينة ماتت ابنة له في رجوعه بفيد، فأمر بعض مواليه أن يجصّص قبرها، و يكتب على لوح اسمها و يجعله في القبر» «3» و وجوده على قبر أمّ المهدي عليه السلام في حياة أبي محمد عليه السلام، كما في إكمال الدين «4».

و وضع الحصباء عليه، لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله ذلك بقبر ابنه، و في مرسلة أبان: «قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم محصّب حصباء

حمراء» «5».

و مكروهاته:

فرش القبر بالساج و شبهه، كما عن الوسيلة «6»، و في الشرائع و النافع «7»، و القواعد «8».

______________________________

(1) التهذيب 1: 469- 1538، علل الشرائع: 307 (بسند آخر)، الوسائل 3: 193 أبواب الدفن ب 31 ح 8.

(2) دعائم الإسلام 1: 238، مستدرك الوسائل 2: 344 أبواب الدفن ب 35 ح 1.

(3) الكافي 3: 202 الجنائز ب 68 ح 3، التهذيب 1: 461- 1501، الاستبصار 1: 217- 768، الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 2.

(4) إكمال الدين 2: 431- 7، الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 3.

(5) التهذيب 1: 461- 1502، الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 1، و رواه مرسلا في الكافي 3: 201 الجنائز ب 68 ح 2.

(6) الوسيلة: 69.

(7) الشرائع 1: 43، المختصر النافع: 14.

(8) القواعد 1: 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 277

و علّل بكونه لازما لوضع خدّه على التراب «1».

و فيه: منع الملازمة، لإمكان وضع التراب على الساج.

و باستلزامه الإتلاف المنهي عنه من دون رخصة «2».

و هو- لو تمَّ- لدلّ على الحرمة.

مع أنّ عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» «3» [و ما مرّ في كتابة الكفن من عمل العمري- رضي اللّه عنه- الساجة «4»، و مرسلة الفقيه: روي عن أبي الحسن الثالث إطلاق في أن يفرش القبر بالساج و يطبق على الميت الساج «5»، بل المكاتبة الآتية- حيث إنّ التقييد فيها في السؤال- تفيد الرخصة.

و لا كراهة مع الضرورة اتّفاقا، و منها النداوة، لمكاتبة ابن بلال: ربما مات الميت عندنا و تكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه، هل يجوز ذلك؟ فكتب: «ذلك جائز» «6».

و المراد بتطبيق الساج عليه جعله حواليه كأنه

وضع في تابوت ] [1].

و في كراهة وضع الفرش عليه مطلقا، أو عدمها كذلك، أو الثاني مع

______________________________

[1] قد وقع في النسخ الثلاث تقديم و تأخير في العبارة، و هي هكذا: يفيد الرخصة، و المراد بتطبيق الساج عليه جعله حواليه كأنه وضع في تابوت. و لا كراهة مع الضرورة اتفاقا، و منها النداوة، لمكاتبة ابن بلال: «ربما مات الميت» و ما مرّ في كتابة الكفن من عمل العمري- رضي اللّه عنه- الساجة، و مرسلة الفقيه: روي عن أبي الحسن الثالث إطلاق في أن يفرش القبر بالساج و يطبق على الميت الساج، بل المكاتبة الآتية حيث إن التقييد فيها في السؤال عندنا و تكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه، هل يجوز ذلك؟ فكتب: ذلك جائز.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 138.

(2) كما في الرياض 1: 66.

(3) عوالي اللئالي 3: 208- 49.

(4) راجع ص 214.

(5) الفقيه 1: 108- 499، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 27 ح 3.

(6) الكافي 3: 197 الجنائز ب 65 ح 1، التهذيب 1: 456- 1488، الوسائل 3: 188 أبواب الدفن ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 278

النداوة و الأول بدونها، أوجه، بل أقوال، و الأصل مع الثاني، و تؤيده الأخبار الواردة في فرش قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالقطيفة «1» و إن احتمل كونه لأجل النداوة.

و جعل تراب غير القبر فيه و نقله إليه، لمرسلة الفقيه: «كلّ ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت» «2».

و خبري السكوني: أحدهما: «نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه» «3».

و الآخر: «لا تطيّنوا القبر من غير طينه» «4».

و إطلاقها يتناول

حال الدفن و بعده، فتخصيص الإسكافي بالأول «5» لا وجه له، و هو بدليل الفرق مطالب.

و تجصيصه، بإجماعنا، كما في المنتهى و التذكرة و عن المبسوط و نهاية الإحكام «6».

للمستفيضة الناهية عنه، كموثّقة علي: «لا يصلح البناء على القبر، و لا الجلوس عليه، و لا تجصيصه، و لا تطيينه» «7».

و في حديث المناهي المروي في الفقيه: «و نهى أن يجصّص القبور» «8».

______________________________

(1) الكافي 3: 197 الجنائز ب 65 ح 2، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 27 ح 2، و من طريق العامة: سنن البيهقي 3: 408.

(2) الفقيه 1: 120- 576، الوسائل 3: 202 أبواب الدفن ب 36 ح 3.

(3) الكافي 3: 202 الجنائز ب 68 ح 4، التهذيب 1: 460- 1500، الوسائل 3: 202 أبواب الدفن ب 36 ح 1.

(4) الكافي 3: 201 الجنائز ب 68 ح 1، التهذيب 1: 460- 1499، الوسائل 3: 202 أبواب الدفن ب 36 ح 2.

(5) حكاه عنه في الذكرى: 67.

(6) المنتهى 1: 463، و التذكرة 1: 54، و المبسوط 1: 187، و نهاية الإحكام 2: 284.

(7) التهذيب 1: 461- 1503، الاستبصار 1: 217- 767، الوسائل 3: 210 أبواب الدفن ب 44 ح 1.

(8) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 3: 211 أبواب الدفن ب 44 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 279

و المروي في معاني الأخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنه نهى عن تقصيص القبور» قال: و هو التجصيص «1».

و إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الظاهر و الباطن.

و ربما تخصّ الكراهة بالباطن دون الظاهر، جمعا بينه و بين ما تقدّم من أمر مولانا الكاظم عليه السلام بتجصيص قبر ابنته «2»، فإنّ الظاهر

منه تجصيص الظاهر، و لا بأس به.

و ربما يجمع بتخصيص التجصيص المباح بهم و بأولادهم، لجوازه في قبور الأنبياء و الأئمة و أولادهم و العلماء و الصلحاء، لاستمرار الناس عليه من غير نكير، مع كونه تعظيما لشعائر اللّه و تحصيلا لكثير من المصالح الدينية، مضافا إلى ورود أخبار المنع مورد الغالب، و هو ما عداهم.

و فيه: أنّ الجمع بما ذكر و إن كان ممكنا، إلّا أنه لا دليل على تعيينه حتى يوجب تخصيص المانع، لجواز الجمع بما مرّ، أو بالفرق بين الابتداء و الاندراس، كما عن الشيخ و الكركي «3»، أو بوجود داع آخر لم نطّلع عليه.

و أمّا تجويزه في قبور من ذكر، فإن أريد عدم الحرمة فغيرهم أيضا كذلك إجماعا، و إن أريد عدم الكراهة فالإطلاقات تشملها، و ما ذكروه لا يصلح لتقييدها، لأنّ استمرار الناس- لو سلّم- فإنّما هو في التعمير و البناء دون التجصيص، بل لا ندري منهم قبرا مجصّصا، سيما باطنه.

و كونه تعظيما ممنوع، و لا مصلحة دينية فيه، و كون الغالب غير من ذكر بحيث ينصرف الإطلاق إليه ممنوع.

فالأظهر تعميم الكراهة في التجصيص، مع احتمال قريب في انتفائها في

______________________________

(1) معاني الأخبار: 279، الوسائل 3: 211 أبواب الدفن ب 44 ح 5.

(2) الكافي 3: 202 الجنائز ب 68 ح 3، التهذيب 1: 461- 1501، الاستبصار 1: 217- 768، الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 2.

(3) الشيخ في النهاية: 44، و المبسوط 1: 187، و الكركي في جامع المقاصد 1: 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 280

الظاهر.

و البناء عليه، إجماعا، كما عن المبسوط و التذكرة «1»، سواء كان القبر في أرض مباحة مسبّلة أو مملوكة.

لاستفاضة النصوص على النهي عنه

المحمول على الكراهة إجماعا:

منها: الموثّقة المتقدّمة «2»، و رواية يونس: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يصلّى على قبر، أو يقعد عليه، أو يبنى عليه» «3».

و رواية المدائني: «لا تبنوا على القبور» إلى أن قال: «فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كره ذلك» «4».

و التخصيص بالأرض المباحة- كبعضهم «5»- لا وجه له.

و المتبادر منها كراهة البناء على القبر، فلا يكره الدفن في موضع فيه بناء و لو على قبر آخر.

و التعليق ينبئ على العلّية، فالمكروه البناء عليه لأجل القبر، فلا يكره بناء بيت فيه قبر لو خرب.

و استثنى الشهيد «6»، و جماعة «7» من ذلك الحكم قبور الأنبياء و الأئمّة، مدّعيا فيه إطباق الإمامية على أن يبنوا عليها، مخصّصا للعمومات بإجماعهم على البناء في عهود كانت الأئمة ظاهرة بينهم و بعدهم من غير نكير، و بكون قبر

______________________________

(1) المبسوط 1: 187، و التذكرة 1: 54.

(2) في ص 278 رقم 7.

(3) التهذيب 1: 461- 1504 و ج 3: 201- 469، الاستبصار 1: 482- 1869، المقنع: 21، الوسائل 3: 210 أبواب الدفن ب 44 ح 2.

(4) التهذيب 1: 461- 1505، المحاسن: 612- 32، الوسائل 3: 210 أبواب الدفن ب 44 ح 3.

(5) المبسوط 1: 187.

(6) الدروس 1: 116.

(7) كصاحب الرياض 1: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 281

الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مبنيا عليه، و بالأخبار الدالّة على تعظيم قبورهم و عمارتها.

أقول: أمّا إطباقهم على البناء ففيه كلام، فإنّ الأكثر من السلاطين و الذين لا يمكن مخالفتهم، سيما مع عدم الاهتمام بالمخالفة، إذ غايته الكراهة.

و أمّا قبر الرسول فهو وقع في البناء لكونه بيته لا

البناء عليه.

و أمّا تعظيم القبور فهو غير البناء عليه.

نعم، يحسن التخصيص بما دلّ على فضل تعمير قبورهم، كرواية [الساجي ] [1]- كما في التهذيب- و فيها: «و جعل قلوب نجباء من خلقه و صفوة من عباده تحنّ إليكم، و تحتمل المذلة و الأذى فيكم، فيعمرون قبوركم» إلى أن قال:

«أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، و الواردون حوضي، و هم زوّاري غدا في الجنة، يا علي من عمّر قبوركم و تعاهدها فكأنّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس» «1» و رواه في فرحة الغري أيضا بسندين «2».

و تدلّ على فضل البناء عليها الروايات المتكثّرة المصرّحة بالأمر بالوقوف على باب الروضة أو القبة أو الناحية المقدّسة، و الاستئذان، و تقبيل العتبة، و الدعاء عند ترائي القبة الشريفة، و نحو ذلك مما وردت فيه الأخبار الغير العديدة- المؤذنة برضاهم، بل ميلهم إلى هذه الأبنية الشريفة- و الآمرة بآداب متوقّفة على وجود الباب و القبة و العتبة الموقوفة على البناء «3».

فلا ينبغي الريب في تخصيص عمومات المنع بغير قبورهم، و استحباب البناء عليها مؤكّدا.

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: التباني، و في «ح»: كلمة مبهمة، و ما أثبتناه موافق للتهذيب المطبوع راجع معجم رجال الحديث 21: 203.

______________________________

(1) التهذيب 6: 22- 50، الوسائل 14: 382 أبواب المزار ب 26 ح 1.

(2) فرحة الغري: 77- 78.

(3) انظر: كامل الزيارات الباب 79، و الوسائل 14: 341 أبواب المزار ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 282

و يحتمل قويا التعدّي إلى قبور من علم انتسابه بالولادة إليه من الأبرار من أولادهم، لاحتمال دخوله في ضمير الجمع في قوله: «قبوركم».

و أمّا من لم يعلم انتسابه إليهم، و كذا غير أولادهم من العلماء و الصلحاء،

فلا أرى لإخراجهم من عمومات الكراهة وجها. و القول بعدم انصرافها إليهم فاسد، فالقول بالكراهة فيها أظهر.

ثمَّ المراد بالبناء المكروه ما يسمّى بناء عرفا، و أمّا مطلق التظليل- و لو بالصناديق و الضرائح و الخيام و الفساطيط- فلا دليل على كراهته، إلّا أنه ذكرها جماعة، كما في القواعد و عن النهاية و المصباح و الوسيلة و السرائر «1». و لا بأس به، لفتاواهم، مع استثناء ما إذا تعلّق به غرض صحيح، كما صرّح به بعضهم «2».

و تجديده بعد الاندراس، كما في القواعد و عن النهاية و المبسوط و المصباح و مختصره و السرائر و المهذب و الوسيلة «3» و الإصباح، بل على الأشهر، كما صرّح به بعض من تأخّر «4».

لخبر الأصبغ، و مرسلة الفقيه: «من جدّد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن ربقة الإسلام» «5» بناء على ما هو المشهور و المنقول عن الصفّار أنه بالجيم «6»، و إن احتمل فيه احتمالات أخر، و لكن الاحتمال الأول- لكونه قريبا، مع اعتضاده بفتوى الفحول- يكفي في المطلوب، لكونه مقام التسامح. و لكنه مخصوص بقبور غير المعصومين، لما مرّ.

______________________________

(1) القواعد 1: 21، و النهاية: 44، و مصباح المتهجد: 22، و الوسيلة: 69، و السرائر 1: 171.

(2) كالمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 450.

(3) القواعد 1: 21، و النهاية: 44، و المبسوط 1: 187، و مصباح المتهجد: 22، و السرائر 1:

171، و المهذب 1: 65، و الوسيلة: 69.

(4) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 501، و صاحب الحدائق 4: 134.

(5) الفقيه 1: 120- 579، التهذيب 1: 459- 1497، المحاسن: 612- 33، الوسائل 3: 208 أبواب الدفن ب 43 ح 1.

(6) حكاه عنه في المعتبر 1: 304.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 3، ص: 283

و الجلوس عليه، بلا خلاف ظاهر، لما مرّ من موثّقة علي و خبر يونس «1».

و المشي عليه، عند جماعة، بل عن الخلاف [1]، و المعتبر و التذكرة «2» الإجماع ظاهرا.

للمروي في المنتهى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إليّ من أن أطأ على قبر مسلم» [2].

و لكن تعارضه مرسلة الفقيه: «إذا دخلت المقابر فطأ القبور، فمن كان مؤمنا استروح إلى ذلك و من كان منافقا وجد ألمه» «3».

و لذلك مال في المعتبر إلى عدم الكراهة، و قال به في المدارك «4».

و خصّص جماعة الكراهة بما إذا لم يدخل لأجل الزيارة.

و ظاهر المنتهى التوقف «5»، و هو في محلّه جدّا.

و هاهنا مسائل أخر متعلّقة بالمدافن و المقابر لا بدّ من ذكرها:

المسألة الأولى:

يكره جعل المدفن في البيت، للمروي في المحاسن و كنز الكراجكي، عن أبي الدنيا المعمّر، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لا تتخذوا قبري عيدا، و لا تتّخذوا قبوركم مساجد، و لا بيوتكم قبورا» [3].

و لو أوصى بدفنه في بيته اعتبرت الإجازة أو الثلث.

______________________________

[1] الخلاف 1: 707، و لم نعثر على ادعاء الإجماع فيه، و قد حكى عنه في المدارك 2: 152.

[2] المنتهى 1: 468 بتفاوت يسير.

[3] لم نعثر عليه في المحاسن، كنز الكراجكي 2: 152، و فيه «لا تتخذوا قبري مسجدا».

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 278، 280.

(2) المعتبر 1: 305، و التذكرة 1: 54.

(3) الفقيه 1: 115- 539، الوسائل 3: 231 أبواب الدفن ب 62 ح 1.

(4) المعتبر 1: 305، المدارك 2: 153.

(5) المنتهى 1: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 3، ص: 284

و لو كان في البلد أو القرية مقبرة يدفن فيه الموتى كان الدفن فيها أولى، لما فيها من زيادة الزيارة و الدعاء.

و يستحب أن يجعل الأقارب في مقبرة واحدة، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا دفن ابن مظعون: «ادفن إليه من مات من أهله» «1».

و قيل: الأولى أن يكون للإنسان مقبرة ملك يدفن فيها أهله و أقاربه. و لو كان فيها مقبرة بها قوم صالحون كان الأحسن اختيارها، لتناله بركتهم.

و يؤيده: ما روي في كتاب اختيار الرجال من أمر مولانا الرضا عليه السلام بحفر قبر يونس بن يعقوب- حين مات في المدينة- بالبقيع «2».

الثانية: لا يجوز دفن الكفّار و أولادهم بأصنافهم في مقبرة المسلمين، بالإجماع المحقّق، و المحكي في شرح القواعد و الشرائع [1]، و عن التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى و روض الجنان «3». و لا دفن المسلم في مقبرة الكفّار كذلك.

و يستثنى من الأول الكافرة الحامل من مسلم، بالإجماع، كما عن الخلاف «4».

الثالثة: يكره نقل الموتى عن بلد موتهم إلى غير المواضع المكرّمة و المشاهد المشرّفة، بالإجماع المحقّق، و المحكي عن نهاية الإحكام (و المعتبر) [2] و التذكرة و الذكرى «5»، و غيرها «6»، له، و لمنافاته للتعجيل في الدفن المستحب بالإجماع،

______________________________

[1] جامع المقاصد 1: 448، و لم نعثر عليه في الشرائع، و يحتمل وقوع التصحيف في ضبط الرمز، فضبطه الناسخ «يع» بدل «مع»، و المراد منه: اللوامع.

[2] ليست في «ق».

______________________________

(1) نقله في الذكرى: 65، و عنه في البحار 79: 48.

(2) رجال الكشي 2: 684.

(3) التذكرة 1: 54، نهاية الإحكام 2: 281، الذكرى: 70، روض الجنان: 321.

(4) الخلاف 1: 730.

(5) نهاية الإحكام 2: 283، المعتبر 1:

307، التذكرة 1: 54، الذكرى: 64.

(6) كجامع المقاصد 1: 450، و مفاتيح الشرائع 2: 172، و كشف اللثام 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 285

و الروايات المحمولة عليه «1»، لعدم القول بالوجوب.

و المروي في الدعائم- المانع ضعفه عن إثبات الحرمة به-: رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّ رجلا مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة، فأنهكهم عقوبة، و قال: «ادفنوا الأجساد في مصارعها، و لا تفعلوا كفعل اليهود ينقلون موتاهم إلى بيت المقدس» «2».

و أمّا إليها فمستحب، إجماعا منّا، كما عن الكتب الثلاثة الأخيرة «3»، و في اللوامع و غيرها «4»، و عليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة إلى الآن، و هو مشهور بينهم لا يتناكرون، له، و للمروي في إرشاد القلوب و فرحة الغري من حكاية أمير المؤمنين و جنازة اليماني التي رآها في طرف الغري [1].

و للمرويين في عزّية المفيد و مصباح الشيخ مرسلا:

الأول: و قد جاء حديث يدلّ على رخصته في نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول إن وصّى الميت بذلك «5».

و الثاني: و قد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة «6».

و المرويين في الكافي و التهذيب:

الأول: خبر علي بن سليمان: عن الميت يموت بعرفات، يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم، فأيهما أفضل؟ فكتب: «يحمل إلى الحرم و يدفن فهو أفضل» [2].

______________________________

[1] إرشاد القلوب: 440، و لم نعثر عليه في فرحة الغري.

[2] الكافي 4: 543 الحج ب 66 ح 14، التهذيب 5: 465- 1624 و فيه: عن علي بن سليمان، الوسائل 13: 287 أبواب مقدمات الطواف ب 44 ح 2.

______________________________

(1) الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47.

(2) الدعائم 1: 238، مستدرك الوسائل 2: 313 أبواب الدفن و ما

يناسبه ب 13 ح 15.

(3) المعتبر 1: 307، التذكرة 1: 54، الذكرى: 64.

(4) كجامع المقاصد 1: 450، و روض الجنان: 319.

(5) نقله عن المسائل العزية، في الذكرى: 65.

(6) مصباح المتهجد: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 286

و الثاني: خبر سليمان، و هو أيضا مثله.

و المروي في المجمع و قصص الأنبياء للراوندي: «إن يعقوب لمّا مات حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس» «1».

و فحوى المرويين في كامل الزيارة، و في الكافي و الفقيه و العلل و العيون و الخصال:

الأول: «إنّ نوحا استخرج تابوتا من الحرم فيه عظام آدم، فدفنه في الغري» «2».

و الثاني: «إنّ موسى استخرج عظام يوسف من شاطئ النيل و حمله إلى الشام» «3».

و كون الأول عمل اليماني، و التعبير في الثانيين بالرخصة و الجواز المجتمعين مع الكراهة أيضا، و الاختصاص في الرابعين بالحرم، و وقوع الأخيرين في الشرع السالف، غير ضائر، لأنّ المناط في الأول تقرير الأمير بل تحسينه المستفاد من قوله: «أنا و اللّه ذلك الرجل».

و المراد بالرخصة و الجواز في الثانيين ليس معناهما الأعم، لتحقّقه في غير المشاهد أيضا، بل أقلهما الإباحة المستلزمة للاستحباب في المقام، لعدم القائل بها.

و الثبوت في النقل إلى الحرم بالرابعين يستلزمه في غيره- من المواضع التالية له في الفضل- بالإجماع المركب.

و كفاية الوقوع في شرع و عدم النسخ لنا للاستصحاب.

إلّا أنه يرد على الأخيرين: أنّ مع ورود الأوامر بالتعجيل في شرعنا لا يتمّ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    287     البحث الرابع: في تحنيطه. ..... ص : 240

____________________________________________________________

(1) مجمع البيان 3: 266، و نقل عن قصص الأنبياء للراوندي في البحار 79: 67.

(2) كامل الزيارات: 38- 39.

(3) الكافي 8:

155- 144، الفقيه 1: 123- 594، العلل: 296- 1، العيون 1: 203- 18، الخصال: 205- 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 287

الاستصحاب.

و قد يتمّم دلالتهما بنقلهم عليهم السلام مع التقرير عليه.

و فيه ما فيه، إذ ليس هاهنا موضع التقرير و لا حجيته.

و يؤيّد المطلوب بل يثبته: قولهم عليهم السلام: «لكل امرئ ما نوى» و «إنّما الأعمال بالنيّات» «1» فيصل القاصد بذلك تمسّكه بمن له مرتبة الشفاعة و له بمن توسّل به العناية، إلى ما قصده و نواه، و هل يتوسّل العبد إلّا بمولاة؟

بل يدلّ على المطلوب أتمّ دلالة، و يبيّنه كتبيان النور على الطور: ما ورد في الروايات المعتبرة المتواترة المملوءة منها كتب المزار في الزيارات المتكثّرة- خصوصا الواردتين عن الرضا و الهادي عليهما السلام «2»- القائلة بنحو قوله: و أمن من لجأ إليكم، و فاز من تمسّك بكم، و من اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه، و من أتاكم فقد نجا. و قوله: و أشهد أنّ المتوسّل بكم غير خائب، و أنّ من وصل حبله بحبلكم فقد وصل بالعروة الوثقى، إلى غير ذلك ممّا ملي ء منه الكتب.

و أيّ لجأ و تمسّك و اعتصام و توسّل و وصل أعلى و آكد و أظهر و أشدّ من طرح الجسم في فناهم، و إلقاء القالب في حماهم، و تعفير الخدود في سددهم السنية، و وضع الرؤوس على أعتابهم العليّة، بل الظاهر أنّ أهل العرف يعدّون ذلك أعلى أصناف الالتجاء و التمسّك، و أقصى مراتب الاعتصام و التوسّل. رزقنا اللّه سبحانه التوسّد في ترابهم، و عفر وجوهنا في أعتابهم.

و بما ذكرنا كلّه تخصّص عمومات المنع، بل لا اعتبار بها عند ما ذكر أصلا.

ثمَّ بعض ما تقدم و إن

كان مختصا بصورة وصية الميت، إلّا أنّ كثيرا منها أعم، و منها حديث التوسّل و الاعتصام.

بل ممّا ذكر يظهر عدم استثناء صورة خوف انفجار الميت و تقطّعه لبعد

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.

(2) الفقيه 2: 369 و 370- 1624 و 1625.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 288

المسافة، فإنّ دليل استثنائها ما يدلّ على حرمة الميت، و إلّا فالانفجار و التقطّع حاصلان لا محالة، و لا ينافي التقطّع في سبيلهم و الانفجار في طريق الالتجاء إلى حرمهم للحرمة، بل هو عين الاحترام و العزة.

هذا كلّه قبل الدفن، و أمّا بعده فذهب جماعة- منهم: القواعد و عن المنتهى و التلخيص و التذكرة و المختلف و نهاية الإحكام و العزّية و السرائر و الإصباح و الذكرى و البيان «1»- إلى الحرمة.

و لا دليل عليها سوى استلزامه النبش المحرّم. و هو غير المدّعى، إذ الكلام بعد النبش و قد يحصل بفعل غير المكلّف. مع منع حرمة اللازم هنا، إذ ليس دليلها إلّا الإجماع المنتفي هاهنا.

فإذا الجواز أقوى، وفاقا لوالدي رحمه اللّه، و هو المحكي عن ظاهر النهاية و المبسوط و المصباح «2»، و مختصره، و الإسكافي «3»، و ابن حمزة «4»، و الكركي «5».

و يؤيّده ما تقدّم من نقل آدم و يوسف «6»، بل ما نقل من نقل جماعة من العلماء بعد دفنهم، كالمفيد و المرتضى و شيخنا البهائي، لأنّ الظاهر أنّ ذلك لم يكن إلّا بتجويز فقهاء العصر.

و هل يكره ذلك- كما عن أكثر من ذكر- لاشتهار الحرمة، أولا، لما ذكر من أدلّة الفضيلة؟ فيه تردّد و إن كان الأخير أولى [لقصور] [1] مستند الحرمة و ضعفه.

هذا كلّه مع عدم الوصية، و أمّا

معها و مخالفتها لمانع أو بدونه فالنقل

______________________________

[1] في النسخ الثلاث: لظهور، و ما أثبتناه هو الصحيح.

______________________________

(1) القواعد 1: 21، المنتهى 1: 464، التذكرة 1: 54، المختلف: 123، نهاية الإحكام 2:

283، السرائر 1: 170، الذكرى: 65، البيان: 81.

(2) النهاية: 44، و المبسوط 1: 187، و مصباح المتهجد: 22.

(3) حكاه عنه في المختلف: 123، و الذكرى: 65.

(4) الوسيلة: 69.

(5) جامع المقاصد 1: 451.

(6) راجع ص 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 289

واجب، عملا بعمومات الوصية.

الرابعة: يحرم نبش القبر بالإجماع المحقّق، و المحكي في المنتهى و اللوامع و عن المعتبر و التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى [1]، و غيرها «1».

و هو الدليل عليه، لا ما قيل من أنه مثلة بالميت و هتك لحرمته «2»، لمنعه.

و لا أخبار قطع النباش، لظهورها في كون القطع للسرقة أو للمجموع، و في خبر الجعفي: «تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب» «3».

و على هذا فيقتصر في الحكم بالتحريم على موضع الإجماع، فلا يحرم فيما لا إجماع فيه، كأن يقع في القبر ما له قيمة و إن قلّت، أو يدفن في أرض بغير إذن مالكها، أو بلا غسل أو كفن، أو إلى غير القبلة، أو يكفن في ثوب مغصوب، أو لأن يستشهد على عينه، أو لصيرورة المدفون رميما، و غير ذلك.

المقام الثالث: فيما يتعلق بالدفن.

و الواجب منه ثلاثة:

الأول: مواراته في الأرض على الوجه المتقدم في أول المقام الثاني «4».

و الثاني: دفنه مستقبلا بوجهه إلى القبلة، كما في المنتهى و القواعد و عن المقنعة و النهاية و المبسوط و الغنية و الجامع و النافع و الشرائع و المعتبر «5»، و في اللوامع،

______________________________

[1] المنتهى: لم نعثر عليه فيه و نقله عنه في الرياض 1: 67، المعتبر 1:

308، التذكرة 1: 54، نهاية الإحكام 2: 280، الذكرى: 76.

______________________________

(1) كمفاتيح الشرائع 2: 172، و الذخيرة: 344.

(2) كما في المعتبر 1: 308، و مفاتيح الشرائع 2: 172.

(3) الكافي 7: 228 الحدود ب 39 ح 2، الوسائل 28: 278 أبواب الحدود ب 19 ح 2.

(4) راجع ص 267.

(5) المنتهى 1: 459، القواعد 1: 21، المقنعة: 80، النهاية: 38، المبسوط 1: 186، الغنية (الجوامع الفقهية): 564، الجامع للشرائع: 54، المختصر النافع: 13، الشرائع 1: 42، المعتبر 1: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 290

و غيرها «1». بل هو المشهور كما صرّح به جماعة «2»، بل بلا خلاف كما عن شرح الجمل للقاضي «3»، و في المدارك: إنه مذهب الأصحاب «4»، مؤذنا بدعوى الإجماع، بل عن ظاهر التذكرة إجماعنا عليه «5».

لا لما دلّ على وجوبه حال الاحتضار الموجب له هنا بالأولوية، لمنع الأولوية، مضافا إلى الاختلاف في الكيفية.

و لا لصحيحة معاوية الحاكية لوصية البراء بجعل وجهه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى القبلة فجرت به السنّة «6»، لأنّ السنّة فيها و إن لم تكن ظاهرة في الندبية بل الظاهر منها إرادة الطريقة، إلّا أنها تحتمل الأعمية.

بل للرضوي، و المروي في الدعائم، و دعوات الراوندي، المنجبر ضعفها بما مرّ:

الأول: «ثمَّ ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة» «7».

و الثاني، و فيه: «قال: اضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، و لا تكبّوه لوجهه و لا تلقوه على ظهره، ثمَّ قال للذي وليه: ضع يدك على أنفه حتى يتبيّن لك استقبال القبلة» «8» إلى آخره.

و الثالث: «فإذا وضعته في قبره فضعه على يمينه مستقبل القبلة» «9».

______________________________

(1) كالذكرى: 16، و الروضة البهية 1: 146، و مفاتيح

الشرائع 2: 171.

(2) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 339، و صاحب الحدائق 4: 68.

(3) شرح الجمل: 154.

(4) المدارك 2: 136.

(5) التذكرة 1: 52.

(6) الكافي 3: 254 الجنائز ب 95 ح 16، الفقيه 4: 137- 479، التهذيب 9: 192- 771، و في الجميع بتفاوت يسير، الوسائل 3: 230 أبواب الدفن ب 61 ح 1 و 2.

(7) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 376 أبواب الدفن ب 51 ح 2 بتفاوت يسير.

(8) الدعائم 1: 238 بتفاوت، مستدرك الوسائل 2: 375 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 51 ح 1.

(9) دعوات الراوندي: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 291

المعتضدة بخبر ابن سيابة في حديث الرجل الذي قطع رأسه: «إذا صرت إلى القبر تناولته مع الجسد و أدخلته اللحد و وجهته إلى القبلة» «1».

خلافا للمحكي عن ابن حمزة فاستحبّه «2»، و قد ينسب إلى جمل الشيخ، و الديلمي أيضا، لحصر الأول الواجب في واحد هو دفنه «3»، و عدم تعرّض الثاني لذكره «4»، للأصل الواجب تركه بما مرّ.

و الثالث: إضجاعه على جنبه الأيمن، فيكون رجلاه شرقيين و رأسه غربيا، وفاقا لغير الجامع ممّن ذكر، و عليه نفي الخلاف، و الإجماع عن شرح الجمل و التذكرة «5»، للروايات المتقدّمة المنجبرة. و خلافا للمحكي عن الجامع، فجعله سنّة «6».

و يستثنى من الأول- و هو مواراته في الأرض- ما إذا مات في سفر البحر، فإنه يلقى في البحر بعد الغسل و التكفين و الصلاة، إمّا مثقلا بحجر و نحوه، أو مستورا في وعاء ثقيل كالخابية، مخيّرا بين الأمرين كما في النافع و الشرائع و المنتهى و القواعد «7» و اللوامع و غيرها «8». بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من

تأخّر «9».

لورود الأول في مرسل أبان، و مرفوع سهل، و خبر أبي البختري:

الأول: «الرجل يموت مع القوم في البحر، يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه

______________________________

(1) التهذيب 1: 448- 1449، الوسائل 2: 511 أبواب غسل الميت ب 15 ح 1.

(2) الوسيلة: 62.

(3) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 167.

(4) المراسم: 47.

(5) شرح الجمل: 154، التذكرة 1: 52.

(6) الجامع للشرائع: 54.

(7) المختصر النافع: 13، الشرائع 1: 42، المنتهى 1: 464، القواعد 1: 21.

(8) كالذكرى: 64، و جامع المقاصد 1: 447، و مفاتيح الشرائع 2: 171.

(9) كصاحب الحدائق 4: 71، و صاحب الرياض 1: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 292

و يثقل و يرمى في البحر» «1».

و الثاني: إذا مات الرجل في السفينة و لم يقدر على الشط قال: «يكفّن و يحنّط و يلقى في الماء» «2».

و الثالث: «إذا مات الميت في البحر غسّل و كفّن و حنّط، ثمَّ يوثق في رجليه حجر و يرمى به في الماء» «3» و بمضمونها الرضوي «4».

و الثاني في صحيحة ابن الحر: عن رجل مات و هو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال: «يوضع في خابية و يوكى رأسها و يطرح في الماء» «5».

و عن الشيخ تقديم الثاني، لصحة مستنده، و صونه الميت عن الحيوانات و هتك الحرمة، فإن تعذّر فالأول «6».

و ليس بشي ء، لحجية مستند الأول أيضا، و وجوب الصون و الاحترام ما دام ظاهرا، لا بعد الدفن، و لذا لا يصان في القبر عن الحشرات.

و في وجوب الاستقبال حين الإلقاء، كما عن الإسكافي و الشهيدين «7»، و أضيف إلى المشهور «8». أو استحبابه، كما نسبه في اللوامع إلى الأكثر، قولان،

______________________________

(1) الكافي 3: 214 الجنائز ب 77 ح 2،

التهذيب 1: 339- 993، الاستبصار 1: 215- 759، الوسائل 3: 206 أبواب الدفن ب 40 ح 3.

(2) الكافي 3: 214 الجنائز ب 77 ح 3، التهذيب 1: 339- 994، الاستبصار 1: 215- 760، الوسائل 3: 207 أبواب الدفن ب 40 ح 4.

(3) الفقيه 1: 96- 441، التهذيب 1: 339- 995، الاستبصار 1: 215- 761 بتفاوت يسير، قرب الإسناد: 138- 491، الوسائل 3: 206 أبواب الدفن ب 40 ح 2.

(4) فقه الرضا (ع): 173، مستدرك الوسائل 2: 345 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 37 ح 1.

(5) الكافي 3: 213 الجنائز ب 77 ح 1، الفقيه 1: 96- 442، التهذيب 1: 340- 996، الاستبصار 1: 215- 762، الوسائل 3: 205 أبواب الدفن ب 40 ح 1.

(6) الخلاف 1: 705.

(7) حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 64، و قال به الشهيد الأول في الذكرى: 64 و الشهيد الثاني في روض الجنان: 316.

(8) كما في الرياض 1: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 293

و الثاني موافق للأصل، فهو الأجود.

و هل الإلقاء إنما هو بعد تعذّر النقل إلى البرّ في زمان لا يعتريه الفساد، كما هو ظاهر الأكثر و مقتضى مفهوم المرفوع، أو يجوز ابتداء كما عن بعضهم [1]، لإطلاق البواقي؟ الظاهر: الأول، حملا للمطلق على المقيد، كما يقيّد إطلاق المقيد في الإلقاء بتقييد المطلقات بالتثقيل أو الستر.

و يستثنى من الثاني ما إذا التبست القبلة، أو تعذّر صرف الميت إليها، كأن يموت في بئر و نحوه و تعذّر الإخراج و الصرف. و وجهه ظاهر.

و من صور التعذّر: ما إذا ولد توأمان ملصقا ظهر أحدهما بالآخر- كما اتّفق في بلدتنا- فيستقبل بأحدهما مخيّرا. و أما القطع و الاستقبال بهما فتنفيه

حرمة القطع و عدم دليل وجوب الاستقبال، لانحصاره في المرويين [2] الخاليين عن الجابر في المقام، المنصرفين إلى الشائع.

و قد يستثنى أيضا الكافرة الحاملة من المسلم بنكاح أو ملك أو شبهة خاصة- كما عن جماعة [3]- أو مطلقا و لو بالزنا كما عن بعضهم [4]، فيستدبر بها القبلة في مقبرة المسلمين حتى يكون الولد إلى القبلة، على المشهور، بل عليه الإجماع عن الخلاف و التذكرة «1»، لرواية يونس «2».

و لا دلالة فيها أصلا، كما لا حجية للإجماع المنقول، إلّا أن يقال مقتضى الرواية: دفن الولد معها من غير إخراج، و يجب الاستقبال به و الدفن في مقبرة

______________________________

[1] حكاه في المدارك 2: 134 عن ظاهر المقنعة و المعتبر، و لكن قال في المقنعة: 86 إذا مات الإنسان في البحر و لم يوجد له أرض يدفن فيها ..

[2] و هما المرويان في الدعائم و دعوات الراوندي و قد تقدما في ص 290.

[3] منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 137، و صاحب الرياض 1: 63.

[4] كالمحقق في المعتبر 1: 292، و العلامة في القواعد 1: 21 لإطلاق كلامهما.

______________________________

(1) الخلاف 1: 730، التذكرة 1: 54.

(2) التهذيب 1: 334- 980، الوسائل 3: 205 أبواب الدفن ب 39 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 294

المسلمين، و هو موقوف على ما ذكر.

و لكن يخدشه أيضا: عدم انصراف أدلّة الاستقبال و الدفن في مقبرتهم إلى مثل ذلك، و لذا تردّد بعضهم في الحكم «1»، و نسبه في النافع إلى القيل مشعرا بالتردّد «2»، و هو في موقعه. و لو ثبت الحكم أيضا فليس محلا للاستثناء، إذ لا يجب دفن الكافرة فضلا عن الاستقبال بها.

و أما مستحباته فأمور:

منها: وضع جنازة الرجل

قرب القبر عند رجليه، بأن يكون رأسه مما يلي الرجل، و المرأة مما يلي القبلة عرضا، نسبهما في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليهما «3»، كما عن التذكرة و نهاية الإحكام و الغنية الإجماع على الثاني «4»، و هو الحجة فيهما.

مضافا في الأول إلى موثّقة عمّار: «لكل شي ء باب، و باب القبر من قبل الرجلين، إذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين» «5».

و تؤيده الروايات الآمرة بوضعها أسفل القبر «6».

و فيهما إلى الرضوي: «و إن كانت امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد، و تأخذ الرجل من قبل رجليه، تسلّه سلا» «7» و قريب منه المروي في الخصال و الفقيه «8».

و بما مرّ من الإجماعات يقيّد إطلاق الأول.

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 4: 70.

(2) المختصر النافع: 14.

(3) المنتهى 1: 459.

(4) التذكرة 1: 52، نهاية الإحكام 2: 275، الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(5) التهذيب 1: 316- 919، الوسائل 3: 182، أبواب الدفن ب 22 ح 6.

(6) الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 16.

(7) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 344 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 36 ح 1.

(8) الخصال: 604- 9، الفقيه 1: 108- 499.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 295

و منها: الصبر قليلا بعد وضع الجنازة، و عدم المفاجأة بالميت إلى القبر، إجماعا، له، و للمعتبرة، كصحيحة ابن سنان «1»، و روايات ابن عطية «2» و ابن عجلان «3» و يونس «4».

ثمَّ النقل ثانيا، و الوضع و الصبر قليلا، ثمَّ النقل إلى شفير القبر و وضعه عليه، ثمَّ إدخاله القبر حتى يتحقّق وضعان آخران بعد الوضع الأول، على الأشهر.

للمروي في العلل، و فيها: «و لكن ضعه قريب شفير القبر و اصبر عليه هنيّة، ثمَّ قدّمه

قليلا و اصبر عليه لتأخذ أهبته، ثمَّ قدّمه إلى شفير القبر» «5» و نحوه الرضوي «6».

و بهما يقيّد إطلاق الأخبار الخالية عن التثليث التي هي مستند من اكتفى بالوضع مرة، كما عن الإسكافي «7»، و آخر كلام المحقّق «8».

و ربما نقل عن بعضهم اختصاص التعدّد بالرجل «9»، و لم أعثر على مستند الفرق.

و منها: إنزال الميت إلى القبر سابقا برأسه من قبل الرجلين من القبر إن كان رجلا، و المرأة عرضا.

______________________________

(1) التهذيب 1: 313- 908، الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 16 ح 1.

(2) التهذيب 1: 312- 907، الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 16 ح 2.

(3) الكافي 3: 191 الجنائز ب 60 ح 1، العلل: 306- 1، الوسائل 3: 168 أبواب الدفن ب 16 ح 5.

(4) الكافي 3: 191 الجنائز ب 60 ح 2، الوسائل 3: 168 أبواب الدفن ب 16 ح 4.

(5) العلل: 306- 2.

(6) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 317 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 16 ح 1.

(7) حكاه عنه في الذكرى: 65.

(8) المعتبر 1: 298.

(9) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 296

للإجماع المحكي عن الغنية فيهما «1»، و عن ظاهر نهاية الإحكام و المنتهى و التذكرة في الثاني «2»، و للرضوي السابق «3»، و خبر عبد الصمد: «إذا أدخلت الميت القبر إن كان رجلا يسلّ سلا، و المرأة تؤخذ عرضا» «4».

و خبر عمرو بن خالد: «يسلّ الرجل سلا، و تستقبل المرأة استقبالا» «5».

و المروي في الخصال: «الميت يسلّ من قبل رجليه سلا، و المرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد» «6».

بل في الأمر بالسلّ في الرجل من قبل الرجلين إرشاد إلى ما

ذكره في الرجل أيضا.

و منها: أن يكون النازل في قبر المرأة من محارمها، إجماعا في الرجحان، كما عن التذكرة و المنتهى «7»، لخبر السكوني: «المرأة لا يدخل قبرها إلّا من كان يراها في حياتها» «8».

و أولى المحارم زوجها، لخبر ابن عمار: «الزوج أحق بأمرها حتى يضعها في لحدها» «9».

و ينبغي أن يأخذها زوجها من قبل وركها، و إن لم يكن لها زوج فأولى الناس

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(2) نهاية الإحكام 2: 275، و المنتهى 1: 459، و التذكرة 1: 52.

(3) راجع 294.

(4) التهذيب 1: 325- 950، الوسائل 3: 204 أبواب الدفن ب 38 ح 1.

(5) التهذيب 1: 326- 951، الوسائل 3: 204 أبواب الدفن ب 38 ح 2.

(6) الخصال: 604.

(7) التذكرة 1: 52، المنتهى 1: 459.

(8) الكافي 3: 193 الجنائز ب 63 ح 5، التهذيب 1: 325- 948، الوسائل 3: 187 أبواب الدفن ب 26 ح 1.

(9) الكافي 3: 194 الجنائز ب 63 ح 6، التهذيب 1: 325- 949، الوسائل 3: 187 أبواب الدفن ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 297

بها، للرضوي: «فإذا أدخلت المرأة القبر وقف زوجها مما ينال وركها» «1».

و خبر ابن خالد: «و يكون أولى الناس في مؤخّرها» «2».

بل عن جمل العلم و النهاية و المبسوط و المنتهى: الوجوب «3».

و خلوّ الأخبار عن الدال على الوجوب يضعّفه.

و أمّا الرجل: فعن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المقنعة و المعتبر و المنتهى و النافع و نهاية الإحكام: أولوية نزول الأجنبي في قبره [1].

و لا مستند له عموما من النصوص.

نعم ورد فيها كراهة نزول الوالد قبر ولده، كالروايات الأربعة للعبادلة الثلاثة [2].

و علّلت في المروي في الدعائم و غيره بخوف

رقّة قلبه و جزعه المحبط لأجره «4».

و إثبات أولوية الأجنبي لفتاوي من ذكر و إن أمكن، و لكن لو لا معارضتها مع المروي في الدعائم: «و يكون أولى الناس بها على مؤخّرها، و أولى الناس بالرجال على مقدّمه» «5» و في العلل: «إذا جئت بأخيك إلى القبر- إلى أن قال:-

______________________________

[1] النهاية: 39، المبسوط 1: 187، الوسيلة: 68، و المقنعة: 80 و فيها: ينزله وليه أو من يأمر الولي بذلك، المعتبر 1: 297، المنتهى 1: 462، المختصر النافع: 14، نهاية الإحكام 2: 275.

[2] روايتا عبد اللّه بن راشد: الكافي 3: 193 الجنائز ب 63 ح 1، الوسائل 3: 185 أبواب الدفن ب 25 ح 2، الكافي 3: 194 الجنائز ب 63 ح 7، الوسائل 3: 186 أبواب الدفن ب 25 ح 7، رواية عبد اللّه بن محمد بن خالد: التهذيب 1: 320- 929، الوسائل 3: 186 أبواب الدفن ب 25 ح 5، رواية عبد اللّه العنبري: الكافي 3: 194 الجنائز ب 63 ح 8، التهذيب 1:

320- 930، الوسائل 3: 186 أبواب الدفن ب 25 ح 6.

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 328 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 22 ح 4.

(2) التهذيب 1: 326- 951، الوسائل 3: 204 أبواب الدفن ب 38 ح 2.

(3) جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 51، النهاية: 37، المبسوط 1: 186، المنتهى 1:

459.

(4) الدعائم 1: 237، مستدرك الوسائل 2: 331 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 26 ح 2.

(5) الدعائم 1: 237، مستدرك الوسائل 2: 331 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 298

ثمَّ ضعه في لحده، و إن استطعت أن

تلصق خدّه بالأرض و تحسر عن خدّه، و ليكن أولى الناس به مما يلي رأسه» «1».

و على هذا فالحكم بالأولوية مشكل و عدمها أظهر.

و لا يتعيّن عدد في النازل- شفع أو وتر- بل التعيين إلى الولي.

و يستحب أن يكون النازل متطهرا، كما صرّح به جماعة، لموثّقة الحلبي و محمد: «توضّأ إذا أدخلت الميت القبر» «2» و نحوه الرضوي «3».

و في دلالتهما نظر.

و أن يحفي النازل، و يكشف رأسه، و يحلّ أزراره، لظاهر الوفاق، و المستفيضة من النصوص المصرّحة بالأحكام الثلاثة «4».

و عدم حلّ مولانا أبي الحسن عليه السلام أزراره عند دخول قبر- كما في بعض الأخبار «5»- لا ينافي الكراهة، مع احتمال كونه لمانع.

و منها: حلّ عقد الأكفان من قبل رأسه و رجليه بعد وضعه في قبره، لصحيحة ابن حمزة: يحلّ كفن الميت؟ قال: «نعم و يبرز وجهه» «6».

و مرسلة الفقيه: «و يحلّ عقد كفنه كلها و يكشف عن وجهه» «7».

و خبر أبي بصير: عن [عقد] كفن الميت، قال: «إذا أدخلته القبر فحلّها» [1].

______________________________

[1] التهذيب 1: 450- 1463، الوسائل 3: 172 أبواب الدفن ب 19 ح 3، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) علل الشرائع: 306- 1.

(2) التهذيب 1: 321- 934، الوسائل 3: 221 أبواب الدفن ب 53 ح 1.

(3) فقه الرضا (ع): 183، مستدرك الوسائل 2: 361 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 44 ح 1.

(4) الوسائل 3: 170 أبواب الدفن ب 18.

(5) التهذيب 1: 314- 912، الاستبصار 1: 213- 752، الوسائل 3: 171 أبواب الدفن ب 18 ح 6.

(6) التهذيب 1: 457- 1491، الوسائل 3: 172 أبواب الدفن ب 19 ح 1.

(7) الفقيه 1: 108- 500، الوسائل 3: 173 أبواب الدفن ب 19

ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 299

و خبر ابن عمار: قال: «فإذا وضعته في قبره فحلّ عقدته» «1».

و الرضوي: «و حلّ عقد كفنه، وضع خدّه على التراب» «2».

و هو المراد من شقّ الكفن من عند الرأس الوارد في صحيحتي حفص «3» و ابن أبي عمير «4».

و يستفاد من الأخير استحباب وضعه خدّه على التراب، و به صرّح كثير من الأصحاب «5»، و يدلّ عليه- سوى ما مرّ- خبر محفوظ الإسكاف «6»، و روايتا ابن عجلان «7».

و منها: ما مرّ في مرسلة الفقيه من أنه «يجعل له و سادة من تراب، و يجعل خلف ظهره مدرة لئلّا يستلقي» [1].

و منها: أن يجعل معه شي ء من التربة المباركة، لأنّها أمان من كلّ خوف، كما ورد في الأخبار «8».

______________________________

[1] راجع ص 298 رقم (7). و المدرة: قطعة من الطين اليابس. القاموس 2: 136.

______________________________

(1) التهذيب 1: 457- 1492، الوسائل 3: 180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.

(2) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 319 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 19 ح 1.

(3) التهذيب 1: 458- 1493، الوسائل 3: 172 أبواب الدفن ب 19 ح 2.

(4) الكافي 3: 196 الجنائز ب 65 ح 9، التهذيب 1: 317- 921، الوسائل 3: 173 أبواب الدفن ب 19 ح 6.

(5) منهم الشيخ في النهاية: 38، و العلامة في نهاية الإحكام 2: 277، و الشهيد الثاني في الروضة 1:

147.

(6) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 5، التهذيب 1: 317- 923، الوسائل 3: 174 أبواب الدفن ب 20 ح 4.

(7) الأولى: الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 4، التهذيب 1: 317- 922، الوسائل 3: 175 أبواب الدفن ب 20

ح 5، و الأخرى: التهذيب 1: 313- 909، الوسائل 3: 176 أبواب الدفن ب 20 ح 8.

(8) كامل الزيارات: 278 ب 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 300

و لصحيحة الحميري: عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره، فهل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب: «يوضع مع الميت في قبره و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه» «1».

و الرضوي: «و يجعل في أكفانه شي ء من طين القبر، قبر الحسين عليه السلام» [1].

و ما روي أن امرأة قذفها القبر مرارا، لأنّها كانت تزني و تحرق أولادها، فأخبرت أمّها الصادق عليه السلام بذلك، فقال: «اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين عليه السلام» «2».

و في جعلها تحت خدّه كما عن المفيد و الحلّي و الشهيد «3»، أو في وجهه كما عن الاقتصاد و العزّية «4»، أو تلقاء وجهه كما في قول آخر للشيخ كما ذكره الحلّي «5»، و يحتمل اتّحاده مع سابقة، أو في كفنه كما عن بعضهم «6»، أو كيف اتّفق كما عن النهاية و المبسوط و المختلف «7» بل نسب إلى الأكثر «8»، أقوال: أجودها: أحد الأخيرين، لعدم دليل على غيرهما، سوى ما استدلّ به للثالث من المروي في المصباح من الترغيب في وضع لبنة من الطين مقابل وجهه «9».

و إرادة طين القبر منه غير معلومة و إن فهمه الشيخ، و غيره «10»، و شيوع

______________________________

[1] فقه الرضا (ع): 184، مستدرك الوسائل 2: 217 أبواب الكفن ب 10 ح 3 بتفاوت في المتن.

______________________________

(1) التهذيب 6: 76- 149، الاحتجاج: 489، الوسائل 3: 29 أبواب التكفين ب 12 ح 1.

(2) المنتهى 1: 461، و عنه في الوسائل 3: 29 أبواب التكفين ب 12 ح 2.

(3) حكاه عن المفيد في الذكرى:

66، الحلي في السرائر 1: 165، الشهيد الثاني في البيان: 79.

(4) الاقتصاد: 250، نقله عن العزّية في الذكرى: 66.

(5) السرائر 1: 165.

(6) كصاحب الحدائق 4: 113.

(7) النهاية: 35، المبسوط 1: 186، المختلف: 121.

(8) كما في الرياض 1: 65.

(9) مصباح المتهجد: 678.

(10) كصاحب الحدائق 4: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 301

إطلاق الطين المطلق عليه بحيث يتبادر منه ممنوع.

و منها: تغطية قبر المرأة بثوب حين دفنها، كما عن الإسكافي و المفيد في كتاب أحكام النساء «1»، و التهذيب و الخلاف و المحقق و المنتهى، و فيه: إنه قول العلماء «2». و هو الحجة فيه، مضافا إلى إطلاق خبر ابن سويد «3».

و لا يلحق بها الرجل على الأظهر، لما في ذلك الخبر، و للأصل.

و لا يعارضه ما روي من مدّ ثوب على قبر سعد «4»، إذ ليس فيه تصريح بكونه قبل الدفن، و لأنه فعل فلا يعارض القول، فتأمّل.

و منها: أن يدعو النازل في القبر عند نزوله فيه، و عند تناوله الميت، و عند إدخاله القبر، و عند وضعه في اللحد، و بعده، و عند وضع اللبن على اللحد، و عند الخروج من القبر، و عند تسوية التراب عليه و إهالته عليه، بالدعوات المأثورة في كلّ منها في الروايات «5»، و مع اختلافها له التخيير أو الجمع.

و منها: أن يقرأ في قبره قبل التلقين فاتحة الكتاب و المعوّذتين و التوحيد و آية الكرسي، كما تظافرت عليه الروايات و تكاثرت، كما في الرضوي «6»، و في حسنة ابن يقطين «7»، و المروي في دعوات الراوندي «8»، و روايتي ابن عجلان «9»، و خبر

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 121، و عن المفيد في السرائر 1: 170.

(2) التهذيب

1: 464، الخلاف 1: 728، المحقق في المعتبر 1: 335، المنتهى 1: 468.

(3) التهذيب 1: 464- 1519، الوسائل 3: 218 أبواب الدفن ب 50 ح 1.

(4) كما في خبر ابن سويد. راجع الرقم (3).

(5) الوسائل 3: 177 أبواب الدفن ب 21.

(6) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 320 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 20 ح 1.

(7) الكافي 3: 192 الجنائز ب 62 ح 2، الوسائل 3: 173 أبواب الدفن ب 20 ح 1.

(8) دعوات الراوندي: 265- 760.

(9) الاولى: الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 4، التهذيب 1: 317- 922، الوسائل 3: 175 أبواب الدفن ب 20 ح 5، و الثانية: التهذيب 1: 313- 909، الوسائل 3: 176 أبواب الدفن ب 20 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 302

ابن عطية «1»، و غيرها.

و الأحسن زيادة: التعوّذ باللّه من الشيطان الرجيم قبلها كما في الثالث، و الصلوات أيضا كما في الرابع.

و ليكن القارئ أولى الناس به، كما في الثاني [1] و الرابعين.

و منها: تلقينه بعد وضع خدّه إلى التراب و قبل شرج اللحد الشهادتين، و الإقرار بالأئمة من أولهم إلى آخرهم، إجماعا كما عن الغنية «2».

و عليه استفاضت الأخبار، ففي حسنة ابن يقطين: «و إن قدر أن يحسر عن خدّه و يلصقه بالأرض فليفعل، و ليتشهّد، و ليذكر ما يعلم حتى ينتهي إلى صاحبه» «3» و المراد ب «ما يعلم» الإقرار بالأئمة مفصّلا.

و نحوها رواية ابن عجلان «4».

و في روايته الأخرى: «ثمَّ ليقل ما يعلم، و يسمعه تلقينه شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أن محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و يذكر له ما يعلم واحدا بعد واحد»

«5».

و مقتضاها حصول التلقين بالشهادات الثلاث بأيّ عبارة أدّاها.

و الأولى التعبير بواحدة ممّا ورد في الروايات، كما في صحيحة زرارة:

«و اضرب يدك على منكبه الأيمن ثمَّ قل: يا فلان! قل رضيت باللّه ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد نبيا، و بعلي إماما، و يسمّي إمام زمانه» «6».

______________________________

[1] كذا في النسخ، و المراد منه حسنة ابن يقطين، و لكن لم يذكر فيها كون القارئ أولى الناس بالميت.

فراجع.

______________________________

(1) التهذيب 1: 312- 907، الوسائل 3: 176 أبواب الدفن ب 20 ح 7.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(3) راجع الرقم (7) ص 301.

(4) راجع الرقم (9) ص 301.

(5) راجع الرقم (9) ص 301.

(6) الكافي 3: 196 الجنائز ب 64 ح 7، التهذيب 1: 457- 1490، الوسائل 3: 175 أبواب الدفن ب 20 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 303

أو ما في رواية أبي بصير: «فضع يدك على اذنه و قل: اللّه ربك، و الإسلام دينك، و محمد صلّى اللّه عليه و آله نبيّك، و القرآن كتابك، و علي إمامك» «1» و في التهذيب: «وضع فمك على اذنه» [1] بدل يدك.

أو ما في رواية محفوظ: «و يدني فمه إلى سمعه و يقول: اسمع افهم- ثلاث مرات- اللّه ربك، و محمد صلّى اللّه عليه و آله نبيّك، و الإسلام دينك، و فلان إمامك، اسمع و افهم، و أعدها عليه ثلاث مرّات هذا التلقين» «2» و يذكر الأئمة بأسمائهم على هذه الرواية فيقول: على إمامك و الحسن إمامك إلى آخر الأئمة.

أو ما في رواية ابن عمّار: «ثمَّ تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر و تحرّكه تحريكا شديدا، ثمَّ تقول: يا فلان بن فلان! إذا سئلت فقل: اللّه ربي، و محمد صلّى

اللّه عليه و آله نبيّي، و الإسلام ديني، و القرآن كتابي، و علي إمامي- حتى يستوفي الأئمة- ثمَّ تعيد عليه القول، ثمَّ تقول: أ فهمت يا فلان- و قال-: فإنه يجيب و يقول: نعم، ثمَّ تقول: ثبّتك اللّه بالقول الثابت و هداك اللّه إلى صراط مستقيم، عرّف اللّه بينك و بين أوليائك في مستقر رحمته، ثمَّ تقول: اللهم جاف الأرض» «3» إلى آخره.

أو ما في مرسلة الفقيه عن سالم: «ثمَّ تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن، و تضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر، و تحرّكه تحريكا شديدا و تقول: يا فلان بن فلان! اللّه ربك، و محمد صلّى اللّه عليه و آله نبيّك، و الإسلام دينك، و علي وليك و إمامك، و تسمّي الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا إلى آخرهم

______________________________

[1] التهذيب 1: 456- 1489 و فيه: أذنيه.

______________________________

(1) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 2، الوسائل 3: 174 أبواب الدفن ب 20 ح 3.

(2) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 5، التهذيب 1: 317- 923، الوسائل 3: 174 أبواب الدفن ب 20 ح 4.

(3) التهذيب 1: 457- 1492، الوسائل 3: 180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 304

أئمتك أئمة هدى أبرار، ثمَّ تعيد عليه التلقين مرة بعد اخرى» «1» الحديث.

و له الجمع بين جميع الروايات فيلقّن بالجميع، و أن يلقّن في كلّ مرة بواحد منها، فإنه يستحب تكرير التلقين ثلاثا، كما صرّح به في بعض الروايات المتقدمة، و له الزيادة بكلّ ما يناسب المقام، كما فعله شيخنا المجلسي في التلقين الذي ذكره في زاد المعاد، و هو يتضمّن التكرار بالمرّات الثلاث أيضا «2».

و يستحب فيه أن يكون الملقّن

هو الولي، و أن يدني فمه إلى اذنه، و أن يضع يده على منكبه الأيسر و اليمنى تحت منكبه الأيمن، كما صرّح بكل ذلك فيما مرّ من الروايات.

و أمّا وضع اليد على الاذن- كما في رواية أبي بصير- فلم يعلم استحبابه، لاختلاف العبارة فيها، كما عرفت «3».

و لو لم يباشر الولي فالأولى أن يكون بإذنه.

هذا، و لو لقّن مع ما ذكر كلّ أحد بلسانه أيضا كان أولى و أتم.

ثمَّ إنّ هذا التلقين هو التلقين الثاني، و قيل: هو الثالث بناء على ما ذكره من استحبابه عند التكفين أيضا. و لم نعثر له على مستند. و الأول ما مرّ من تلقين الاحتضار، و الثالث ما يأتي من التلقين بعد تسوية القبر.

و منها: خروج الملحّد- بل كلّ داخل- من قبل الرجلين مطلقا، للمعتبرة الدالّة على أنه باب القبر «4»، و خبري السكوني و سهل:

الأول: «من دخل القبر فلا يخرج إلّا من قبل الرجلين» «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 108- 500، الوسائل 3: 179 أبواب الدفن ب 21 ح 5.

(2) زاد المعاد: 564.

(3) راجع ص 303.

(4) الوسائل 3: 181 أبواب الدفن ب 22.

(5) الكافي 3: 193 الجنائز ب 62 ح 4، التهذيب 1: 316- 917، الوسائل 3: 183 أبواب الدفن ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 305

و الثاني: «يدخل الرجل القبر من حيث شاء، و لا يخرج إلّا من قبل رجليه» «1».

خلافا للإسكافي في المرأة، فيخرج من عند رأسها، للبعد من العورة «2».

و الإطلاقات عليه حجة.

و مقتضى الأخير: التخيير في الدخول، و به يخصّص إشعار المعتبرة المذكورة، ففتوى المنتهى بكونه كالخروج «3»، لها مدخولة.

و من مكروهات الدفن: دفن اثنين في قبر واحد، لمرسلة الشيخ في المبسوط

من قولهم: «لا يدفن في قبر واحد اثنان» «4».

و خلوّه عن النهي، و ضعفه، و عدم القول بالحرمة أوجب الاستدلال به على الكراهة.

و تنتفي مع الضرورة، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله للأنصار يوم احد:

«اجعلوا الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد، و قدّموا أكثرهم قرآنا» «5» أي اجعلوه في القبلة.

هذا في الابتداء، و أمّا مع سبق أحدهما في الدفن فظاهر الأكثر: الحرمة، بل عن الشهيد إجماع المسلمين عليه «6»، لحرمة النبش، و سبق حقّ الأول.

و فيهما نظر، لأنّ حرمته لا تنافي جواز الدفن بعد النبش، و سبق الحق فرع وجوب اختصاصه بالدفن، إلّا أن يراد حق أولياء الميت حيث تصرّفوا فيه، فتأمل.

______________________________

(1) الكافي 3: 193 الجنائز ب 62 ح 5، الوسائل 3: 184 أبواب الدفن ب 23 ح 2.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 67.

(3) المنتهى 1: 460.

(4) المبسوط 1: 155.

(5) سنن أبي داود 3: 214- 3215.

(6) الذكرى: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 306

و الظاهر أن لأجل ذلك أفتى الشيخ في النهاية بالكراهة «1».

و كيف كان فليس السرب المعدّ لوضع الأموات من هذا القبيل، لعدم صدق النبش فيه.

المقام الرابع: فيما يتعلق بما بعد الدفن.

و هو أمور كلّها مستحبة:

منها: إهالة الحاضرين و صبّهم التراب في قبره بعد خروجه منه، للمستفيضة، كحسنة داود، و فيها: فلما أدخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده «2».

و في حسنة ابن مسلم: فحثا عليه ممّا يلي رأسه ثلاثا بكفه «3».

بظهر الكفين معا، لخبر ابن الأصبغ: فحثا التراب على القبر بظهر كفيه «4».

و المروي في الهداية: «ثمَّ احث التراب عليه ثلاث مرّات بظهر كفيك» «5».

و في الرضوي: «ثمَّ احث التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرّات» «6».

و بها يقيد إطلاق الأوليين.

و أمّا ما

في حسنة ابن اذنية أو صحيحته: رأيت الصادق عليه السلام يطرح التراب على الميت، فيمسكه ساعة في يده ثمَّ يطرحه، و لا يزيد على ثلاث أكف، فسألته عن ذلك، أي الإمساك [فقال: «يا عمر] كنت أقول: إيمانا بك» [1]، إلى

______________________________

[1] الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 4، الوسائل 3: 190 أبواب الدفن ب 29 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) النهاية: 44.

(2) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 1، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 29 ح 1.

(3) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 3، التهذيب 1: 319- 927، الوسائل 3: 190 أبواب الدفن ب 29 ح 3.

(4) التهذيب 1: 318- 925، الوسائل 3: 191 أبواب الدفن ب 29 ح 5.

(5) الهداية: 27.

(6) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 334 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 28 ذح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 307

آخره، فلا ينافي ما مرّ صريحا، لجواز كون الإمساك في ظهر اليد و إن كان الباطن أظهر.

ثلاثا، للتصريح به في الروايات.

و لا يستحب الزائد، للأصل، فما عن الذكرى أنّ الثلاثة هي الأقل «1»، لا وجه له.

و هل يتّصف الأقلّ منها بالاستحباب و إن كان الثلاثة أفضل؟ فيه نظر، و صرّح والدي- رحمه اللّه- بالعدم.

و ينبغي أن لا يهيل عليه ذو رحم، لموثّقة زرارة: «و من كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب» [1].

و منها: رشّ القبر بالماء، إجماعا محقّقا و منقولا مستفيضا [2]، و تكاثرت عليه الروايات جدّا، بل تواترت.

و في مرسلة ابن أبي عمير:

«يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب» «2».

و في مرسلة الصدوق في الهداية: «إن الرشّ بالماء على القبر حسن» قال:

يعني كل وقت «3».

______________________________

[1] الكافي 3: 199 الجنائز ب 66 ح 5، التهذيب 1: 319- 928، العلل: 304- 1، الوسائل 3:

191 أبواب الدفن ب 30 ح 1، و في الجميع: عن عبيد بن زرارة ..

[2] كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 564، و المنتهى 1: 463، و مجمع الفائدة 2: 485، و المدارك 2: 144 و فيه: لا خلاف فيه.

______________________________

(1) الذكرى: 67.

(2) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 6، العلل: 307- 1، الوسائل 3: 196 أبواب الدفن ب 32 ح 2.

(3) الهداية: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 308

و منه يظهر عدم اختصاص استحبابه بحال الدفن.

و في اختيار الرجال للكشي: أمر مولانا أبو الحسن الرضا عليه السلام برشّ الماء على قبر زميله محمد بن الحباب أربعين شهرا أو أربعين يوما، في كل يوم مرة [1].

و الأفضل في كيفية الرشّ أن يجعل الراشّ القبر أمامه في جانب القبلة، فيبدأ من جانب الرأس، و يرشّ الماء دورا، بأن يديره على الجوانب الأربع متّصلا حتى يصل إلى موضع الشروع، ثمَّ يصبّ على الوسط، كما في خبر النميري و الرضوي:

الأول: «السنة في رشّ الماء على القبر أن يستقبل القبلة و يبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل، ثمَّ يدور على القبر من الجانب الآخر، ثمَّ يرش على وسط القبر، فذلك السنة» «1».

و الثاني: «فإذا استوى قبره فصب عليه ماء، و تجعل القبر أمامك و أنت مستقبل القبلة، و تبدأ يصب الماء من عند رأسه، و تدور على القبر من أربع جوانب القبر حتى ترجع من غير أن تقطع

الماء، فإن فضل من الماء شي ء فصبّه على وسط القبر» «2».

و منها: وضع الحاضرين أيديهم عليه بعد رشّه، بالإجماع- كما عن المحقّق «3»- و المستفيضة من النصوص «4»:

مفرّجة الأصابع، مؤثّرة في التراب، كما ورد في الأخبار:

______________________________

[1] رجال الكشي 2: 685، و الظاهر وقوع تقديم و تأخير في بعض الألفاظ، فإن المستفاد من المصدر أن أبا الحسن الرضا عليه السلام أمر برشّ الماء على قبر يونس بن يعقوب و هو زميل محمد بن الحباب.

______________________________

(1) التهذيب 1: 320- 931، الوسائل 3: 195 أبواب الدفن ب 32 ح 1.

(2) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 336 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 30 ح 2 بتفاوت يسير.

(3) المعتبر 1: 302.

(4) الوسائل 3: 197 أبواب الدفن ب 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 309

ففي صحيحة زرارة: «فإذا حثي عليه التراب فضع كفّك على قبره عند رأسه، و فرّج أصابعك، و اغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء» «1» و نحوها حسنتها «2».

مستقبل القبلة، للرضوي، و فيه بعد الأمر بالرشّ و آدابه: «ثمَّ ضع يدك على القبر و أنت مستقبل القبلة، و قل: اللهم ارحم غربته، وصل وحدته، و آنس وحشته، و آمن روعته، و أفض عليه من رحمتك، و أسكن إليه من برد عفوك و سعة غفرانك و رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، و احشره مع من كان يتولّاه. و متى ما زرت قبره فادع له بهذا الدعاء و أنت مستقبل القبلة و يداك على القبر» «3» و تؤيده مضمرة البصري «4».

داعيا بما في الرضوي، أو بما في حسنة ابن مسلم: ثمَّ بسط كفه على القبر و قال: «اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و

أصعد إليك روحه، و لقّه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه [به ] عن رحمه من سواك» [1].

و يتأكّد استحباب ذلك الوضع لمن لم يحضر الصلاة، كما صرّح به والدي رحمه اللّه أيضا، لخبر إسحاق: إنّ أصحابنا يصنعون شيئا: إذا حضروا الجنازة و دفن الميت لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر، أ فسنّة ذلك أم بدعة؟

فقال: «ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه» «5».

______________________________

[1] الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 3، التهذيب 1: 319- 927، الوسائل 3: 190 أبواب الدفن ب 29 ح 3، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) التهذيب 1: 457- 1490، الوسائل 3: 197 أبواب الدفن ب 33 ح 1.

(2) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 8، الوسائل 3: 196 أبواب الدفن ب 32 ح 4.

(3) فقه الرضا (ع): 172، مستدرك الوسائل 2: 338 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 31 ح 2 و فيه صدر الحديث.

(4) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 3، التهذيب 1: 462- 1508، الوسائل 3: 198 أبواب الدفن ب 33 ح 5.

(5) التهذيب 1: 462- 1506، الوسائل 3: 197 أبواب الدفن ب 33 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 310

و المراد بالوجوب تأكّد الاستحباب، فلا ينافي ثبوت مرتبة منه لمن حضرها أيضا.

و على نفي مرتبة التأكد أيضا يحمل خبر محمد بن إسحاق، و فيه: «و إنما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه، و أما من أدرك الصلاة فلا» «1».

و لا تنافيه أيضا حسنة زرارة: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين: كان إذا صلّى

على الهاشمي و نضح قبره بالماء وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين، فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة، فيرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: فيقول: من مات من آل محمد؟» «2».

إذ لعلّه صلّى اللّه عليه و آله كان يترك ذلك الوضع في قبر غير الهاشمي لتعرف قبور الهاشميين، أو المراد أنّ الوضع عليه بحيث يرى أثر أصابعه المقدسة كان مختصا ببني هاشم، مع أنّ عدم الاستحباب في بعض أزمنة الرسول لا ينافي تحقّقه بعده.

و على هذا فالقول باختصاص ذلك ببني هاشم و عدم جوازه في غيرهم، و عدّه بدعة- كما عن محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم في كتاب علله «3»- عليل.

و منها: تلقينه ثالثا بعد انصراف الناس، بإجماعنا المحقّق و المحكي مستفيضا عن الغنية و المعتبر و المنتهى و نهاية الإحكام و التذكرة «4»، للمستفيضة:

______________________________

(1) التهذيب 1: 467- 1532، الوسائل 3: 198 أبواب الدفن ب 33 ح 3.

(2) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 4، التهذيب 1: 460- 1498، الوسائل 3: 198 أبواب الدفن ب 33 ح 4.

(3) نقله عنه في البحار 79: 22- 6.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 564، و المعتبر 1: 303، و المنتهى 1: 463، و نهاية الاحكام 2:

279، و التذكرة 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 311

منها: رواية يحيى بن عبد اللّه: «ما على [أهل الميت ] [1] منكم أن يدرءوا عن ميتهم لقاء منكر و نكير؟» قلت: كيف يصنع؟ قال: «إذا أفرد الميت فليتخلّف عنده أولى الناس به، فيضع فمه عند رأسه، ثمَّ ينادي بأعلى صوته: يا فلان

بن فلان، أو يا فلانة بنت فلان! هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله سيد النبيين، و أنّ عليا أمير المؤمنين عليه السلام و سيد الوصيين، و أنّ ما جاء به محمد صلّى اللّه عليه و آله حقّ، و أنّ الموت حقّ، و أنّ البعث حقّ، و أنّ اللّه يبعث من في القبور» قال:

«فيقول منكر لنكير: انصرف بنا عن هذا فقد لقّن حجته» «1».

و خبر جابر: «ما على أحدكم إذا دفن ميته و سوّى عليه و انصرف عن قبره أن يتخلّف عند قبره؟ ثمَّ يقول: يا فلان بن فلان [أ] أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه، و أنّ عليا أمير المؤمنين عليه السلام إمامك، و فلان، و فلان- حتى يأتي إلى آخرهم-؟

فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه: قد كفينا الوصول إليه و مسألتنا إيّاه، فإنه قد لقّن، فينصرفان عنه و لا يدخلان إليه» [2].

و الرضوي: «يستحب أن يتخلّف عند رأسه أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه، و يقبض على التراب بكفيه و يلقنه برفع صوته» «2» إلى آخره، و مثله في العلل «3».

______________________________

[1] في النسخ الثلاث: أهل بيت، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

[2] التهذيب 1: 459- 1496، الوسائل 3: 201 أبواب الدفن ب 35 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 3: 201 الجنائز ب 67 ح 11، الفقيه 1: 109- 501، التهذيب 1: 321- 935، الوسائل 3: 200 أبواب الدفن ب 35 ح 1.

(2) فقه

الرضا (ع): 172، مستدرك الوسائل 2: 341 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 33 ح 1.

(3) علل الشرائع: 308- 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 312

و مقتضى أكثرها: أن يكون ذلك التلقين بالصوت العالي، كما عن الوسيلة و الجامع و الإشارة و التحرير [1]، بل بأعلى صوته، كما في الاولى، و عن الشيخين «1»، و جماعة «2».

و أن يكون الملقّن هو الولي، كما خصّ به في النافع و الشرائع و القواعد و الإرشاد و المنتهى «3»، مجوّزا في الأخير أحدا من المؤمنين إن لم يوجد الولي، و زاد جماعة: أو من يأمره «4»، بل عن الذكرى الوفاق عليه «5». و جوّز بعضهم غيره مطلقا «6»، لوجود الفائدة. و فيه نظر.

و الأحوط مباشرة الولي إن أمكن.

و في استقبال القبلة حين التلقين كما في القواعد و عن السرائر «7»، و استدبارها كما عن الحلبي و القاضي و ابن سعيد «8»، قولان، و دليل كلّ منهما غير مثبت له، فالتخيير أحسن.

______________________________

[1] الوسيلة: 69، و فيها: و رفع صوته بالتلقين، الجامع للشرائع: 55، الإشارة: 78، التحرير 1:

20.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 82، الشيخ في النهاية: 39.

(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 463، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 490، 492، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 136.

(3) المختصر النافع: 14، الشرائع 1: 43، القواعد 1: 21، الإرشاد 1: 264، المنتهى 1:

463.

(4) الشهيد الأول في الذكرى: 68، الكركي في جامع المقاصد 1: 444، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 137.

(5) الذكرى: 68.

(6) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 491.

(7) القواعد 1: 21، و السرائر 1: 165.

(8) الحلبي في الكافي في الفقه: 239، القاضي في المهذب 1: 64، ابن سعيد في

الجامع للشرائع:

55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 313

و ظاهر الثمرة المذكورة في بعض الأخبار [1] من كفاية المسألة و إن كان ظاهرا في المكلف، و لكنه لا يوجب تخصيص ظاهر الإطلاق، فالتعميم أولى.

و منها: التعزية، و هي مستحبة إجماعا محقّقا و محكيا «1»، و اعتبارا، و نصا مستفيضا «2»، بل متواترا.

و المراد بها حمل المصاب على الصبر، و طلب التسلّي منه.

و هو يتحقّق بكلّ لفظ يفيده لكل مصاب و لو كان صغيرا أو أنثى- كما صرّح بها في الروايات- ما لم يخف في الأخير افتتانا، أو لم يوجب اتّهاما.

و أقلّ التعزية: الرؤية، كما في القواعد و عن المبسوط و السرائر و المعتبر «3»، لمرسلة الصدوق: «كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة» «4».

و هي تكون قبل الدفن و بعده، بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى «5»، لصحيحة هشام: «رأيت الكاظم عليه السلام يعزّى قبل الدفن و بعده» «6».

و بعده أفضل، كما عن الخلاف و الاستبصار و المعتبر و التذكرة «7»، لمراسيل ابن أبي عمير «8» و البرقي «9» و الفقيه «10»، و يؤكّده بعض الاعتبارات.

______________________________

[1] و هو خبر جابر المتقدم في ص 311.

______________________________

(1) كما في نهاية الإحكام 2: 290، و مجمع الفائدة 2: 493، و مفاتيح الشرائع 2: 175.

(2) الوسائل 3: 213 أبواب الدفن ب 46.

(3) القواعد 1: 21، المبسوط 1: 189، و انظر السرائر 1: 172، المعتبر 1: 341.

(4) الفقيه 1: 110- 505، الوسائل 3: 316 أبواب الدفن ب 48 ح 4.

(5) المنتهى 1: 465.

(6) الكافي 3: 205 الجنائز ب 70 ح 9، الفقيه 1: 110- 503، التهذيب 1: 463- 1516، الاستبصار 1: 217- 769، الوسائل 3: 215 أبواب الدفن ب 47

ح 1.

(7) الخلاف 1: 729، و الاستبصار 1: 218، و المعتبر 1: 342، و التذكرة 1: 56.

(8) الكافي 3: 204 الجنائز ب 70 ح 2، التهذيب 1: 463- 1512، الاستبصار 1: 217- 770، الوسائل 3: 216 أبواب الدفن ب 48 ح 1.

(9) الكافي 3: 204 الجنائز ب 70 ح 4، الوسائل 3: 216 أبواب الدفن ب 48 ح 3.

(10) الفقيه 1: 110- 504، الوسائل 3: 216 أبواب الدفن ب 48 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 314

و لا حدّ لزمانها عند الحلّي و الكركي «1» و جماعة، لعموم الأدلة. فيستحب كلّ وقت إلّا إذا أدّت إلى تجديد حزن منسي، فتركها أولى.

و عن الكافي [1] و الحلبي «2» و الشهيد «3» و أكثر المتأخّرين: التحديد بثلاثة أيام، لما دلّ من أنّ المأتم أو الحداد أو صنع الطعام لأهل الميت ثلاثة أيام «4».

و لا دلالة فيها و إن كان المأتم بمعنى الاجتماع في الموت. نعم يدلّ على جواز الاجتماع و الجلوس لهم في الثلاثة.

و كره في المبسوط الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة، و ادّعى عليه الإجماع «5».

و لا دليل له، و إجماعه معارض بقول الحلّي من أنه لم يذهب إليه أحد من أصحابنا، و أنه من فروع المخالفين «6».

و لا ينبغي تعزية غير المؤمن، بل صرّح في المنتهى بحرمته «7»، و هو الأظهر، للأمر باجتنابهم.

و منها: أن يصنع لأهل المصيبة طعام و يبعث إليهم، بالإجماع كما في شرح القواعد «8» و اللوامع، و باتّفاق العلماء كما في المنتهى «9».

ثلاثة أيام، بالإجماع، كما في الثاني، له، و للمستفيضة المصرّحة بذلك:

______________________________

[1] لم نعثر في فروع الكافي على ما يدل على التحديد المذكور. نعم قد نقلت فيه الروايات

التي تدل على اتخاذ الطعام و صنع المأتم ثلاثة أيام. (ج 3: 217). و يحتمل أن العبارة في الأصل قد كانت هكذا: و عن الكافي للحلبي.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 173، و الكركي في جامع المقاصد 1: 446.

(2) الكافي في الفقه 1: 240.

(3) الذكرى: 70، و البيان: 80.

(4) الوسائل 3: 235 أبواب الدفن ب 67 و ص 271 ب 82.

(5) المبسوط 1: 189.

(6) السرائر 1: 173.

(7) المنتهى 1: 465.

(8) جامع المقاصد 1: 446.

(9) المنتهى 1: 466.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 315

منها: الرضوي: «و السنّة في أهل المصيبة أن يتّخذ لهم ثلاثة أيام طعام، لشغلهم بالمصيبة» «1».

و مرسلة الفقيه: «ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا الطعام عنه ثلاثة أيام» «2».

و مقتضى الأخير: أفضليته للجيران، و زاد في المنتهى: الأقرباء «3»، و يثبته أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله البتول باتّخاذ الطعام في مأتم جعفر «4».

و يجوز للميت الوصية بمال لإطعام أهل المأتم، لوصية مولانا الباقر عليه السلام، كما في حسنة حريز «5»، بل فيها إشعار باستحبابها، فهي كسائر الوصايا نافذة.

و يكره الأكل عند أهل المأتم، كما صرّح به جماعة «6»، لمرسلة الصدوق: «إنّ الأكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية، و السنّة البعث إليهم بالطعام» «7».

و ظاهر الإطلاق الكراهة و لو ممّا اهدي إليهم و لا يختص بطعامهم، كما في اللوامع.

و صرّح في المنتهى بعدم استحباب اتّخاذ أهل المصيبة طعاما و يجمعوا الناس

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 172، مستدرك الوسائل 2: 380 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 56 ح 4.

(2) الفقيه 1: 110- 509، الوسائل 3: 237 أبواب الدفن ب 67 ح 5.

(3) المنتهى 1: 466.

(4) الكافي 3: 217 الجنائز ب 79

ح 1، الفقيه 1: 116- 549، المحاسن: 419- 191، الوسائل 3: 235 أبواب الدفن ب 67 ح 1.

(5) الكافي 3: 217 الجنائز ب 79 ح 4، الفقيه 1: 116- 546، الوسائل 3: 238 أبواب الدفن ب 68 ح 1.

(6) منهم الكركي في جامع المقاصد 1: 446، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 509، و الفيض في مفاتيح الشرائع 2: 175، و صاحب الحدائق 4: 15.

(7) الفقيه 1: 116- 548، الوسائل 3: 237 أبواب الدفن ب 67 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 316

عليه، إلّا ان دعت الحاجة إليه، كما لو حضر أهل الأماكن البعيدة و باتوا عندهم «1».

و لنختم هذا الفصل بمسائل ثلاث:

المسألة الأولى: إذا مات ولد الحامل في بطنها فإن أمكن التوصّل إلى إسقاطه صحيحا بعلاج فعل، و إلّا أخرج صحيحا إن أمكن، و إلّا قطع و اخرج بالأرفق فالأرفق، إجماعا، كما عن الخلاف «2».

و تتولّى ذلك النساء، فإن تعذّر فالرجال المحارم، فإن تعذّر جاز أن يتولّاه غيرهم، للضرورة.

و خبر وهب: «إذا ماتت المرأة و في بطنها ولد يتحرّك شقّ بطنها و يخرج الولد» و قال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها، قال: «لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه و يخرجه» «3».

و مثله خبره الآخر، إلّا أن في آخره: «إذا لم ترفق به النساء» «4».

و الرضوي: «و إن مات الولد في جوفها و لم يخرج، أدخل إنسان يده في فرجها و قطع الولد بيده و أخرجه» «5».

هذا إذا علم موت الولد، و إلّا يصبر حتى يتبيّن.

و لو ماتت هي و الولد حي في بطنها، فإن أمكن إخراجه بدون الشقّ فعل، و إلّا شقّ بطنها و اخرج، إجماعا، و عن

الخلاف: عدم معرفة خلاف فيه «6».

و النصوص به مستفيضة:

______________________________

(1) المنتهى 1: 466.

(2) الخلاف 1: 730.

(3) الكافي 3: 155 الجنائز ب 26 ح 3، الوسائل 2: 470 أبواب الاحتضار ب 46 ح 3.

(4) الكافي 3: 206 الجنائز ب 72 ح 2، التهذيب 1: 344- 1008، قرب الإسناد: 136- 478.

(5) فقه الرضا (ع): 174، مستدرك الوسائل 2: 140 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.

(6) الخلاف 1: 729.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 317

منها: الخبر المتقدم [1].

و موثّقة علي: في المرأة تموت و ولدها في بطنها يتحرّك، قال: «يشقّ بطنها و يخرج منه ولدها» [2]. و قريبة منها صحيحته «1» و خبر ابن أبي حمزة «2».

و ليكن الشقّ عن الأيسر، كما عن الفقيه و المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و الشرائع و النافع و التحرير و المنتهى و التلخيص و نهاية الإحكام «3»، و غيرها، للرضوي- المنجبر بعمل هؤلاء-: «إذا ماتت المرأة و هي حاملة و ولدها يتحرّك في بطنها شقّ من الجانب الأيسر و اخرج الولد» «4» الخبر.

و يخاط الشقّ بعدها كما عن الكتب الستة الاولى [3]، و المهذب «5»، لمرسلة ابن أبي عمير، و فيها: «و يخاط بطنها» «6».

و في دلالتها على الوجوب نظر، و الاستحباب- كما في المدارك «7»- أظهر، و إن كان الأول ظاهر فتاوى من مرّ.

و لا يختص الشقّ و الإخراج بصورة تحرك الولد- كما سئل عنه في أكثر ما

______________________________

[1] في ص 316 و هو خبر وهب.

[2] الكافي 3: 155 الجنائز ب 26 ح 1، التهذيب 1: 343- 1005، الوسائل 2: 470 أبواب الاحتضار ب 46 ح 2، و في جميع المصادر لا توجد كلمة: يتحرك.

[3] و هي:

الفقيه و المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع، و لكن لم نعثر عليه في الفقيه.

______________________________

(1) التهذيب 1: 343- 1004، الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 46 ح 6.

(2) الكافي 3: 155 الجنائز ب 26 ح 2، التهذيب 1: 344- 1006، الوسائل 2: 470 أبواب الاحتضار ب 46 ح 4.

(3) الفقيه 1: 97 المقنعة 87، النهاية: 42، المبسوط 1: 180، السرائر 1: 169، الجامع للشرائع: 49، الشرائع 1: 44، المختصر النافع: 15، التحرير 1: 20، المنتهى 1: 435، نهاية الاحكام 2: 281.

(4) فقه الرضا (ع): 174، مستدرك الوسائل 2: 140 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.

(5) المهذب 2: 55.

(6) الكافي 3: 206 الجنائز ب 72 ح 1، الوسائل 2: 469 أبواب الاحتضار ب 46 ح 1.

(7) مدارك الأحكام 2: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 318

سبق- بل المناط حياته.

و لو شك فيها فالظاهر العمل باستصحاب الحياة و إطلاق بعض الأخبار.

الثانية: جواز البكاء على الميت مجمع عليه، و النصوص به مستفيضة «1»، و في بعضها الأمر به عند شدة الوجد «2».

و ما في بعض أخبارنا من أن كل بكاء مكروه سوى البكاء على الحسين عليه السلام «3» مبالغة في عظم أجره.

و ما نقل: أن الميت يعذّب ببكاء أهله «4»، عامي لا عبرة به، مع أنه مخالف لنصّ الكتاب، إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى 6: 164 «5».

و الأشهر الأظهر: جواز النياحة أيضا ما لم تتضمّن محرّما من كذب و غيره، و عليه الإجماع عن الفاضل «6».

لنوح أمّ سلمة على ابن عمتها بإذن النبي صلّى اللّه عليه و آله، كما في خبر الثمالي «7»، و نسوة المدينة على حمزة بعد قوله صلّى اللّه عليه

و آله: «لا بواكي له» كما في مرسلة الفقيه «8»، و فاطمة على أبيها، كما في طرق الفريقين «9»، و الهاشميات على الحسين عليه السلام، كما في أخبار كثيرة «10»، و نوح الصادق عليه السلام على

______________________________

(1) الوسائل 3: 241 أبواب الدفن ب 70.

(2) الوسائل 3: 279 أبواب الدفن ب 87.

(3) أمالي الطوسي: 163.

(4) كما في صحيح البخاري 2: 100، و صحيح مسلم 2: 638.

(5) الأنعام: 164.

(6) المنتهى 1: 466، و نهاية الإحكام 2: 289.

(7) الكافي 5: 117 المعيشة ب 35 ح 2، التهذيب 6: 358- 1027، الوسائل 17: 125 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 2.

(8) الفقيه 1: 116- 553.

(9) من طريق الخاصة: الخصال: 272- 15، و من طريق العامة: المغني لابن قدامة 2: 411.

(10) الوسائل 14: 593 أبواب المزار ب 104، و البحار 79: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 319

ابنة له سنة، و على ابن له سنة، كما في إكمال الدين «1»، و أمر مولانا الباقر الصادق عليهما السلام بوقف بعض ماله على النوادب ليندبن له، كما في صحيحة يونس «2»، و نفي البأس عن أجر النائحة مطلقا، أو بدون الشرط، أو بشرط صدقها في قولها، كما وردت بكلّ الرواية «3»، و قوله: «إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها، و لا ينبغي لها أن تقول هجرا» «4».

خلافا للمحكي عن الشيخ و ابن حمزة «5»، فحرّماها، لأخبار «6» بين غير دالّة، و ضعيفة، و عامة بالنسبة إلى بعض ما مرّ من المخصوصات بالصدق أو غير الباطل، فتخصّص به. مع أنه على فرض التعارض تتساقط أخبار الطرفين، و يبقى الأصل بلا معارض [1].

و لا فرق في الجواز بين النثر و

النظم، للأصل، و ورود الأخير في نياح البتول و أم سلمة، و استماع الأئمة المراثي.

و أمّا الصراخ و لطم الخدود و شقّ الجيوب و الخدش: فيأتي بيانها في مواقعها إن شاء اللّه.

الثالثة: زيارة القبور مستحبة بالإجماع، و استفاضة النصوص «7».

و في بعضها: «من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: بلا منازع.

______________________________

(1) إكمال الدين: 73.

(2) الكافي 5: 117 المعيشة ب 35 ح 1، التهذيب 6: 358- 1025، الوسائل 17: 125 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 1.

(3) الوسائل 17: 125 أبواب ما يكتسب به ب 17.

(4) الكافي 1: 358 الحجة ب 81 ح 17، الوسائل 3: 242 أبواب الدفن ب 71 ح 1.

(5) الشيخ في المبسوط 1: 189، و ابن حمزة في الوسيلة: 69.

(6) الوسائل 3: 271 أبواب الدفن ب 83.

(7) الوسائل 3: 222 أبواب الدفن ب 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 320

زيارتنا [1].

و مقتضى إطلاقاتها: الاستحباب للنساء إذا لم تتضمّن مفسدة.

و كرهها لهن الفاضلان [2]، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لعن اللّه زوارات القبور» «1».

و ضعفه مانع عن صلاحية التقييد.

و إطلاقاتها تفيد الاستحباب في كلّ وقت، و يتأكّد في عشية الخميس، للمروي في كامل الزيارة: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المدنيّين، فيقول: السلام عليكم أهل الديار- ثلاثا- رحمكم اللّه» «2».

و في مصباح الزائر: «إذا أردت زيارة المؤمنين فينبغي أن يكون يوم الخميس» «3».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    321     المقام الرابع: فيما يتعلق بما بعد الدفن. ..... ص : 306

ما ورد في خروج البتول

في غداة السبت أو الاثنين «4»، لا يفيد الاستحباب، خصوصا للرجال.

و يستحب للزائر أن يقرأ القدر سبعا، لرواية محمد بن أحمد: «من أتى قبر

______________________________

[1] التهذيب 6: 104- 181 بتفاوت يسير، كامل الزيارات: 319- 1، 2، مصباح الزائر: 194 (المخطوط)، الوسائل 14: 585 أبواب المزار ب 97 ح 10 و 11.

[2] المحقق في المعتبر 1: 339، و أما العلامة فلم نجد في كتبه ما يدل على قوله بكراهة الزيارة للنساء، بل صرح في التذكرة 1: 57 و نهاية الاحكام 2: 292 بعدم كراهتها لهن، نعم قد حكاه عنه في الحدائق 4: 172، و لعله استظهرها من ابتداء كلامه في المنتهى 1: 467 حيث اختص الاستحباب بالرجال، و لكنه أثبت عدم الكراهة للنساء بعد أسطر، فراجع.

______________________________

(1) سنن الترمذي 2: 259- 1061، المهذب للفيروزآبادي 1: 139، المغني لابن قدامة 2: 430.

(2) كامل الزيارات: 320- 6.

(3) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(4) الكافي 3: 228 الجنائز ب 85 ح 3، الفقيه 1: 114- 537، التهذيب 1: 465- 1523، الوسائل 3: 223 و 224 أبواب الدفن ب 55 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 321

أخيه، ثمَّ وضع يديه على القبر، و قرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر، أو يوم الفزع» «1».

و لمرسلة الفقيه: «ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عليه إنا أنزلناه سبع مرّات إلّا غفر اللّه له و لصاحب القبر» «2».

و المروي في الكامل و المصباح: «من قرأ إنا أنزلناه عند قبر مؤمن سبع مرّات بعث اللّه إليه ملكا يعبد اللّه عند قبره، و يكتب للميت ثواب ما يعمل ذلك الملك» «3».

و تستحب زيادة الحمد و المعوّذتين و التوحيد ثلاث

مرات، و آية الكرسي، رواه في الكتابين، قال: «و يقرأ مع إنا أنزلناه سورة الحمد و المعوّذتين و قل هو اللّه أحد و آية الكرسي، ثلاث مرات كلّ سورة» «4».

أو يدعو بما تقدّم في الرضوي المذكور في استحباب وضع اليد على القبر «5»، أو يجمع بينه و بين إنّا أنزلناه كما فعل مولانا الباقر عليه السلام، على ما في رواية أبي المقدام «6».

و في المصباح بعد ما نقل عنه: «و صفتها أن تستقبل القبلة، و تضع يدك على القبر، و تقول: اللهم- إلى أن قال:- ثمَّ اقرأ إنا أنزلناه سبع مرات» «7».

و تجوز القراءة واقفا، كما صرّح به في رواية أبي المقدام، و في رواية ابن عجلان: «قام أبو جعفر عليه السلام على قبر رجل من الشيعة فقال» «8» إلى آخره.

______________________________

(1) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 9، الوسائل 3: 226 أبواب الدفن ب 57 ح 1.

(2) الفقيه 1: 115- 541، الوسائل 3: 227 أبواب الدفن ب 57 ح 5.

(3) كامل الزيارات: 322- 12، مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(4) كامل الزيارات: 322- 12، مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(5) راجع ص 309.

(6) التهذيب 6: 105- 183، الوسائل 3: 200 أبواب الدفن ب 34 ح 3.

(7) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(8) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 9، الوسائل 3: 199 أبواب الدفن ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 322

و الأفضل الجلوس و وضع اليد على القبر على ما في رواية محمد بن أحمد، بل اليدين كما في الرضوي، مستقبل القبلة كما فيه و في رواية المصباح.

و في رواية البصري: كيف أضع يدي على قبور المسلمين؟ فأشار بيده إلى الأرض فوضعها عليه و هو

مقابل القبلة «1».

و المروي في الكامل: «من أتى قبر أخيه المؤمن و استقبل القبلة، ثمَّ وضع يده على القبر و قرأ» «2» إلى آخره.

هذا لزيارة قبر مخصوص، و أما لو أراد زيارة أهل القبور فيقول: «السلام على أهل الديار من المسلمين و المؤمنين، رحم اللّه المتقدّمين منّا و المستأخرين، و إنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون» كما في رواية المدائني «3».

أو يقول بعد و المؤمنين: «أنتم لنا فرط، و نحن إن شاء اللّه بكم لاحقون» كما في حسنة ابن سنان «4».

أو يقول: «السلام عليك من ديار قوم مؤمنين، و إنا إن شاء اللّه بكم لاحقون» كما في حسنة منصور، و مرسلة الفقيه «5».

أو ما يقوله النبي صلّى اللّه عليه و آله كما مرّ في رواية الكامل «6»، أو: «السلام على أهل الجنة» كما في مرسلة الفقيه «7».

______________________________

(1) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 3، التهذيب 1: 462- 1508، الوسائل 3: 198 أبواب الدفن ب 33 ح 5.

(2) كامل الزيارات: 320- 4 بتفاوت يسير.

(3) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 8، الفقيه 1: 114- 533 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 225 أبواب الدفن ب 56 ح 3.

(4) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 5، الوسائل 3: 225 أبواب الدفن ب 56 ح 1.

(5) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 7، الفقيه 1: 114- 534، الوسائل 3: 225 أبواب الدفن ب 56 ح 2.

(6) كامل الزيارات: 320- 6.

(7) الفقيه 1: 115- 538، الوسائل 3: 226 أبواب الدفن ب 56 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 323

أو: «اللهم جاف الأرض عن جنوبهم، و صاعد إليك أرواحهم، و لقّهم منكم رضوانا، و أسكن إليهم

من رحمتك ما تصل به وحدتهم، و تؤنس به وحشتهم، إنك على كلّ شي ء قدير» كما في رواية ابن مسلم المروية في المصباح «1».

أو يقرأ قل هو اللّه أحد إحدى عشرة مرة و يهديه لهم، كما فيها أيضا، قال:

«و إذا كنت بين القبور فاقرأ قل هو اللّه أحد إحدى عشرة مرة و أهد ذلك لهم» «2».

أو يقرأ آية الكرسي و يجعل ثوابها لأهل القبور، كما في رواية مرسلة في البحار «3».

أو يقول: «اللهم رب هذه الأرواح الفانية و الأجساد البالية و العظام النخرة التي خرجت من الدنيا و هي بك مؤمنة، أدخل عليهم روحا منك و سلاما مني» كما فيها أيضا «4».

أو يقرأ بدعاء علي، و هو: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، السلام على أهل لا إله إلّا اللّه، من أهل لا إله إلّا اللّه، يا أهل لا إله إلّا اللّه، بحق لا إله إلّا اللّه، كيف وجدتم قول لا إله إلّا الله، من لا إله إلّا اللّه، يا لا إله إلّا اللّه، بحق لا إله إلّا اللّه، اغفر لمن لا إله إلّا اللّه، و احشرنا في زمرة من قال لا إله إلّا اللّه، محمد صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه، علي عليه السلام ولي اللّه» كما فيها أيضا «5».

أو يقرأ سورة يس، كما روي في العدّة «6».

و له الجمع بين الجميع أو بعض منها.

______________________________

(1) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(2) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(3) البحار 99: 300- 30.

(4) البحار 99: 300- 31.

(5) البحار 99: 301.

(6) عدة الداعي: 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 324

المطلب الثاني: في الأغسال المسنونة

@@@و هي كثيرة جدا، و عن النفلية أنها خمسون «1»، و ذكر بعض الأجلة منها نيفا و ستين «2». و لنذكر

ها هنا طائفة مهمة منها، و نذكر بعضها أيضا في ما يناسبه من المقام.

فمنها: غسل الجمعة، و رجحانه مجمع عليه، بل يمكن عدّه من الضروريات، و النصوص به مستفيضة.

و في رواية الأصبغ: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أراد أن يوبّخ الرجل يقول: «و اللّه أنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة» «3».

و في كتاب الفردوس [1]، عن مولانا الصادق عليه السلام: «لا يترك غسل الجمعة إلّا فاسق، و من فاته غسل يوم الجمعة فليقضه يوم السبت».

و هل هو مستحب كما هو المشهور، بل عن الخلاف و الأمالي الإجماع عليه «4»، أو واجب كما عن الصدوقين و الكليني «5»، مع إمكان حمل الوجوب في

______________________________

[1] كذا في النسخ الثلاث، و الظاهر أن الصحيح: كتاب العروس، و قد نقل عنه في البحار 78:

129- 17. قال في الذريعة 15: 253 كتاب العروس في خصائص يوم الجمعة و فضائله، للشيخ المتقدم أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي ..

______________________________

(1) النفلية: 8.

(2) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 8.

(3) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 5، التهذيب 3: 9. 30، الوسائل 3: 318 أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 2.

(4) الخلاف 1: 219، 611، أمالي الصدوق: 515.

(5) الصدوق في الفقيه 1: 61، و المقنع: 45، و حكاه عن والد الصدوق في الحبل المتين: 78، الكليني في الكافي 3: 41، باب وجوب غسل الجمعة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 325

كلامهم على تأكّد الاستحباب، كما ذكره غير واحد من الأصحاب «1»، و نقل عن شيخنا البهائي «2» و بعض من تأخّر عنه أيضا، و يميل إليه المحقّق الأردبيلي و الكفاية بعض الميل «3»؟

و الحقّ هو الأول، لا لاستفاضة النصوص

بأنه سنّة، كصحيحة ابن يقطين، و زرارة:

الأولى: عن الغسل يوم الجمعة و الأضحى و الفطر، قال: «سنّة و ليس بفريضة» «4».

و الثانية: عن غسل الجمعة، قال: «سنّة في السفر و الحضر» «5» الحديث.

و مرسلة المفيد: «غسل الجمعة و الفطر سنّة في السفر و الحضر» «6» و غير ذلك.

و التصريح بكونه تطوّعا في المروي في جمال الأسبوع: «اغتسل في كل جمعة و لو أنك تشتري الماء بقوت يومك، فإنه ليس شي ء من التطوع أعظم منه» «7».

و عدّه من المستحبات في جملة من الأخبار «8».

و جعله متمّما للوضوء كجعل النافلة من الصلاة و الصيام لفريضتهما في خبر

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 4: 223، و صاحب الرياض 1: 71.

(2) الحبل المتين: 78.

(3) مجمع الفائدة 1: 73، الكفاية: 7.

(4) التهذيب 1: 112- 295، الاستبصار 1: 102- 333، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 9.

(5) التهذيب 1: 112- 296، الاستبصار 1: 102- 334، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 10.

(6) المقنعة: 158.

(7) جمال الأسبوع: 366.

(8) الوسائل 3: 311 أبواب الأغسال المسنونة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 326

الصيرفي «1».

لعدم دلالة شي ء منها:

أما الأولى: فلأنّ السنّة في الأخبار أعم من الواجب، فإنّها بمعنى الطريقة، و تستعمل فيها كثيرا في الواجب أيضا، كما في الرضوي: «إنّ غسل الجنابة فريضة من فرائض اللّه جلّ و عزّ، و إنّه ليس من الغسل فرض غيره، و باقي الأغسال سنّة واجبة، و منها سنّة مسنونة، إلّا أنّ بعضها ألزم من بعض و أوجب من بعض» «2» و في الروايات العديدة: إنّ غسل الميت سنّة، و في رواية سعد:

«الغسل في أربعة عشر موطنا، واحد فريضة و الباقي سنّة» «3» إلى غير

ذلك.

و ليس في قوله في الاولى: «و ليس بفريضة» دلالة على الاستحباب، لأنّ المراد بالفريضة ما ثبت وجوبه بالكتاب، و لذا حصر في المستفيضة غسل الفريضة بغسل الجنابة.

و لا في السؤال فيها حيث إنّه وقع عن الحكم دون المأخذ، لعدم صراحة و لا ظهور في كون السؤال عن الحكم، مع أنّ الفريضة و عدمها أيضا حكمان يترتّب عليهما بعض الآثار، كتقديم الفرض على الواجب عند تعارضهما.

و لا في جمعه فيها و في الأخيرة [مع ] [1] غسل العيدين المستحب قطعا، و إلّا لزم استعمال اللفظ في معنييه، لجواز عموم المجاز.

و أمّا الثانية: فلأعمية التطوّع لغة من المستحب، فإنّه مأخوذ من الطاعة، و لو سلّم الاختصاص في العرف المتأخر فالأصل تأخّره.

______________________________

[1] في النسخ: بين، و ما أثبتناه هو الأنسب.

______________________________

(1) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 4، التهذيب 1: 111- 293، الوسائل 3: 313 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7.

(2) فقه الرضا (ع): 81، مستدرك الوسائل 1: 447 أبواب الجنابة ب 1 ح 1 بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 1: 110- 289، الاستبصار 1: 98- 319، الوسائل 2: 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 327

و أمّا الأخيران فظاهران.

بل للتصريح بجواز تركه للنساء مطلقا- الموجب لجوازه للرجال بعدم الفصل- في المروي في الخصال: «ليس على المرأة غسل الجمعة في السفر، و يجوز لها تركه في الحضر» «1».

و في النبوي المنجبر بما مرّ: «من توضّأ يوم الجمعة فبها و نعمت، و من اغتسل فالغسل أفضل» «2».

و المروي في العلل و العيون: «و علّة غسل العيد و الجمعة» إلى أن قال:

«فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم، و تفضيلا له على سائر الأيام، و زيادة

له في النوافل و العبادة» «3» و هو صريح في كونه نافلة.

و الرضوي، و فيه- بعد عدّ ثلاثة و عشرين غسلا من غير عدّ أغسال النساء و غسل المسّ-: «الفرض من ذلك غسل الجنابة، و الواجب غسل الميت و غسل الإحرام، و الباقي سنّة» «4». و من الباقي غسل الجمعة، و هو صريح في أنّ المراد من السنّة فيه غير الواجب.

و نحوه في الصراحة أيضا قوله: و روي «أنّ الغسل أربعة عشر وجها، ثلاث منها غسل واجب مفروض» إلى أن قال: «و أحد عشر غسلا سنّة: غسل العيدين و الجمعة» «5» إلى آخره.

و خبر علي بن أبي حمزة: عن غسل العيدين، أ واجب هو؟ قال: «هو سنّة» قلت: فالجمعة؟ قال: «هو سنّة» «6» و هو أيضا صريح فيما ذكرنا، و إلّا لم يحصل

______________________________

(1) الخصال: 586.

(2) سنن ابن ماجه 1: 347- 1091.

(3) علل الشرائع: 285- 4، و عيون أخبار الرضا 2: 87.

(4) فقه الرضا (ع): 82، مستدرك الوسائل 2: 497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.

(5) فقه الرضا (ع): 83، مستدرك الوسائل 2: 497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.

(6) التهذيب 1: 112- 297، الاستبصار 1: 103- 335، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 328

للجواب معنى.

و ضعف بعض ما مرّ، بالشهرة العظيمة و الإجماع المنقول منجبر.

دليل الموجب: الروايات الآمرة به، كصحيحة [1] محمد: «اغتسل يوم الجمعة إلّا أن تكون مريضا أو تخاف على نفسك» «1».

و بتقديمه مع قلّة الماء، كرواية الحسين بن موسى عن امّه و أمّ أحمد: كنّا مع أبي الحسن بالبادية و نحن نريد بغداد، فقال لنا يوم الخميس: «اغتسلا اليوم لغد»

«2» الحديث، و بمضمونها في الأمر بالتقديم مرسلة محمد بن الحسين «3».

و بقضائه، كرواية سماعة، و فيها: «فإن لم يجد فليقضه يوم السبت» «4».

و الأخبار المصرّحة بأنه واجب، كحسنتي ابني المغيرة و عبد اللّه: عن الغسل يوم الجمعة، قال: «واجب على كلّ ذكر أو أنثى، عبد أو حرّ» [2].

و رواية الصيرفي: كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال: «إنّ اللّه تعالى أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة، و أتمّ صيام الفريضة بصيام النافلة، و أتمّ وضوء الفريضة بغسل الجمعة» «5» إلى آخره.

______________________________

[1] في «ه»: حسنة.

[2] حسنة ابن المغيرة: الكافي 3: 41 الطهارة ب 28 ح 1، التهذيب 1: 111- 291، الاستبصار 1: 103- 337، الوسائل 3: 312 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 3، حسنة ابن عبد اللّه:

الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 2، التهذيب 1: 111- 292 و فيه ابن عبيد اللّه، الاستبصار 1:

103- 337، الوسائل 3: 312 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 6.

______________________________

(1) التهذيب 3: 237- 629، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 11.

(2) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 6، الفقيه 1: 61- 227، التهذيب 1: 365- 1110، الوسائل 3: 320 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 2.

(3) التهذيب 1: 365- 1109، الوسائل 3: 319 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 1.

(4) التهذيب 1: 113- 300، الاستبصار 1: 104- 340، الوسائل 3: 321 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 3.

(5) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 4، التهذيب 1: 111- 293، المحاسن: 313- 30، علل الشرائع: 285- 1، الوسائل 3: 313 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 329

و موثّقة سماعة:

عن غسل الجمعة، فقال: «واجب في السفر و الحضر» إلى أن قال: «و غسل المحرم واجب، و غسل يوم عرفة واجب، و غسل الزيارة واجب إلّا من علّة، و غسل دخول البيت واجب، و غسل دخول الحرم واجب، و يستحب أن لا يدخله إلّا بغسل» «1» إلى آخره.

و الروايات المتضمّنة لأنه على النساء، الذي هو أيضا في معنى الإيجاب «2».

و ما يصرّح بأنه لا بدّ منه، كما في مرسلة حريز: «لا بدّ من غسل يوم الجمعة في السفر و الحضر، فمن نسي فليعد من الغد» «3».

و ما يأمر بالاستغفار عن تركه متعمّدا، كرواية سهل «4»، و مرسلة [1] الفقيه، و لا يكون الاستغفار إلّا عن ترك واجب أو فعل حرام.

و يجاب عن الجميع: بأنّ استعمال كلّ ما ذكر في الاستحباب مجاز شائع، فالحمل عليه مع القرينة لازم، و ما ذكرناه قرينة واضحة عليه.

مع وجود قرائن أخرى مع أكثر الموجبات، كما في الأمر بالتقديم و القضاء، فإنّ الظاهر عدم القول بوجوبهما.

و في رواية الصيرفي، فإن العلّة المذكورة فيها غير صالحة لإثبات غير الرجحان قطعا، و إلّا لوجبت صلاة النافلة و صيام النافلة أيضا، فالمراد من الوجوب فيها الرجحان. و لذلك قد يستدلّ بهذه الرواية على الاستحباب و إن كان محل نظر، إذ إثبات الرجحان في حديث بعلّة لا ينافي ضمّ اللزوم بدليل آخر.

______________________________

[1] في «ق»: مرفوعة، و رواها في الفقيه 1: 64- 242 عن أبي بصير، و طريق الصدوق إليه مذكور في المشيخة، فهي مسندة في الحقيقة، الوسائل 3: 319 أبواب الأغسال المسنونة ب 8 ح 2.

______________________________

(1) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270، الوسائل 3: 303

أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(2) الوسائل 3: 309 أبواب الأغسال المسنونة ب 3.

(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 28 ح 7، الوسائل 3: 320 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 1: 113- 299، الاستبصار 1: 103- 339، الوسائل 3: 318 أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 330

و في الموثّقة، فإنّ الحكم فيها بوجوب أغسال كثيرة غير واجبة إجماعا- كالحكم بوجوب غسل الجمعة- قرينة على أنّ المراد بالوجوب فيها معناه المجازي، سيما مع ضمّ قوله: «و يستحب أن لا يدخله إلّا بغسل» بعد قوله:

«واجب» و لا أقلّ من صلاحية ذلك لاتّكال المتكلّم عليه في إرادة المجاز، و معه لا تجري أصالة الحقيقة، كما بيّنّاه في الأصول.

و بذلك يحصل الوهن في إرادة الحقيقة في غيرها مما يتضمّن لفظ الوجوب أيضا، سيما مع حمل الإمام وجوبه في الرواية السابقة بلا قرينة على مطلق الرجحان، و مع ما في الرضوي المتقدّم من قوله: «و منها سنّة مسنونة إلّا أنّ بعضها ألزم [من بعض ] و أوجب من بعض» [1]. و مع ملاحظة خبر ابن الوليد، و مرسلة الفقيه:

الأول: عن غسل الأضحى، قال: «واجب [إلّا] بمنى» [2].

و الثانية: «من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل» «1».

بل بملاحظة تلك الأخبار المؤيّدة بأصالة تأخّر الحادث يتقوّى ما ذكره جماعة من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية للوجوب و إن أراهم لا يلتفتون إليه في مواضع أخر.

و كما في بعض الروايات المتضمّنة للفظة «على» فإنّ فيه بعد السؤال عن المرأة أ عليها غسل يوم الجمعة و الفطر و الأضحى و يوم عرفة؟ قال: «نعم عليها الغسل كلّه» «2» و لا بدّ من حمله

على مطلق الرجحان، لئلّا يلزم استعمال اللفظ في معنييه.

و في بعض روايات الاستغفار، كموثّقة ابن اليسع، و إنّ فيها بعد السؤال

______________________________

[1] راجع ص 326، و ما بين المعقوفين من المصدر.

[2] الفقيه 1: 321- 1465، الوسائل 3: 330 أبواب الأغسال المسنونة ب 16 ح 4، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 45- 175، الوسائل 3: 332 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 3.

(2) الفقيه 1: 321- 1467، الوسائل 3: 309 أبواب الأغسال المسنونة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 331

عن الرجل يدع الغسل يوم الجمعة ناسيا أو متعمّدا: «و إن كان متعمّدا فالغسل أحبّ إلي، إن هو فعل ..» «1». فإنه قرينة على عدم ترتّب ذنب على تركه، بل هذا دليل على عدم الوجوب.

مع أنه ليس في هذه الروايات تصريح في كون الاستغفار لذنب مترتّب على ترك غسل الجمعة، فلعلّ المراد أنّه إن تركه فليستغفر اللّه لذنوبه عوضا عن غسل الجمعة.

ثمَّ لو قطع النظر عن ذلك كلّه لحصل التعارض بين هذه الروايات و بين ما ذكرنا، فيرجع إلى الأصل.

مع أنّ بعد تمامية دلالتها و عدم المناص عنها تصير مخالفة للشهرة العظيمة من الجديدة و القديمة، و بها تخرج عن الحجية و صلاحية المعارضة.

فروع:

أ: أول وقته طلوع الفجر، فلا يجزي قبله- في غير ما استثني- إجماعا كما صرّح به جماعة، لأنّه مقتضى إضافته إلى اليوم، و أصالة عدم مشروعيته في غير ما علمت فيه.

و يصح بعده كذلك، لصدق اليوم لغة و شرعا، و استفاضة النصوص عليه:

منها: الرضوي: «و يجزيك إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر، و كلّما قرب من الزوال فهو أفضل» «2» إلى آخره.

و منه يعلم مستند ما نصّ عليه الأكثر

من أنه كلّما قرب من الزوال كان أفضل، بل ظاهر بعضهم اتّفاق الأصحاب عليه «3».

______________________________

(1) التهذيب 1: 113- 299، الاستبصار 1: 103- 339، الوسائل 3: 318 أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 3.

(2) فقه الرضا (ع): 175، مستدرك الوسائل 2: 508 أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 1.

(3) كصاحب الرياض 1: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 332

و آخر وقته الزوال من يوم الجمعة، بالإجماع، كما في اللوامع، و عن المعتبر و الخلاف و الذكرى «1»، لحسنة زرارة: «و ليكن فراغك من الغسل قبل الزوال» «2».

و يؤيّده خبر [ابن عبد اللّه ] [1] الوارد في سبب جريان السنّة به.

و بذلك يقيّد إطلاق المطلقات، و يضعّف ما حكي عن الخلاف من امتداد وقته إلى صلاة الجمعة «3»، مع أنّ الظاهر- كما قيل- رجوعه إلى المشهور «4».

و أمّا المروي في قرب الإسناد عن مولانا الرضا عليه السلام: «إنّ أبي كان يغتسل للجمعة عند الرواح» «5» و هو آخر النهار، أو من الزوال إلى الليل- كما في القاموس «6»- فلا يصلح لمعارضة ما ذكر، مع أنّ إرادة الرواح إلى صلاة الجمعة محتملة، و كون ذلك- أحيانا قضاء أيضا جائز.

ب: يجوز تقديمه يوم الخميس، اتّفاقا كما في اللوامع و الحدائق «7»، لرواية الحسين بن موسى و مرسلة محمد بن الحسين، المتقدّمة إليهما الإشارة «8»، و الرضوي: «و إن كنت مسافرا و تخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسل يوم الخميس» «9» الحديث.

و الظاهر اختصاصه بخائف عوز الماء، لأنّه مورد النصوص، و غيره يبقى

______________________________

[1] في النسخ: ابن عبد العزيز، و لم نجد رواية منقولة عنه بهذا المضمون، و الظاهر وقوع السهو أو التصحيف فيه، و ما أثبتناه موافق للمصادر و الكتب

الفقهية. انظر: التهذيب 1: 366- 1112، و علل الشرائع: 285- 3، و الوسائل 3: 315 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 15.

______________________________

(1) المعتبر 1: 354، و الخلاف 1: 220، و الذكرى: 24.

(2) الكافي 3: 417 الصلاة ب 72 ح 4، الوسائل 7: 396 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 47 ح 3.

(3) الخلاف 1: 612.

(4) كما في الحدائق 4: 228.

(5) قرب الإسناد 360- 1285.

(6) القاموس المحيط 1: 233.

(7) الحدائق 4: 231.

(8) في ص 328 الرقم 3 و 4.

(9) فقه الرضا (ع): 129، مستدرك الوسائل 2: 507 أبواب الأغسال المسنونة ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 333

تحت الأصول.

و في التعدّي إلى ليلة الجمعة مع الشرط، لفحوى الأخبار، أو عدمه، لظاهرها، وجهان بل قولان، و لعل الأول أظهر، و عن الخلاف: الوفاق عليه «1».

و مع التقديم لا يغسل ثانيا يوم الجمعة لو تمكّن، للأصل، و عدم انصراف المطلقات إليه، خلافا لبعضهم، فجوّزه «2».

و لو فات قبل الزوال يستحب قضاؤه بعده إلى آخر نهار السبت إجماعا، للمستفيضة:

منها: رواية سماعة المتقدّمة «3».

و موثّقة ابن بكير: في رجل فاته الغسل يوم الجمعة، قال: «يغتسل ما بينه و بين الليل فإن فاته اغتسل يوم السبت» «4».

و الرضوي: «فإن فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت، أو بعده من أيام الجمعة» «5».

و يستفاد من الموثّقة أفضلية القضاء بعد الزوال عن يوم السبت، بل قيل بأفضلية كلّ من القضاء و التقديم في كلّما كان أقرب إلى الوقت «6». و لا دليل عليه.

و الكلام في التعدّي إلى الليلة كما تقدم.

و صريح الأخير: التعدّي في القضاء إلى غير يوم السبت أيضا. و لا بأس به، للتسامح و إن لم أعرف به

الآن قائلا.

______________________________

(1) الخلاف 1: 612.

(2) كما في الذخيرة: 7.

(3) في ص 328.

(4) التهذيب 1: 113- 301، الوسائل 3: 321 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 4.

(5) فقه الرضا (ع): 129، مستدرك الوسائل 2: 507 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 1.

(6) قال به الشهيد الثاني في روض الجنان: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 334

و مقتضى الإطلاقات: تعميم القضاء لكلّ من فاته و لو كان عمدا، و عليه الأكثر.

و عن الصدوق: التخصيص بالمعذور و الناسي «1»، لمفهوم مرسلة حريز «2».

و يجاب: بأنه عام فيخصّص بالمغتسل، لما مرّ.

ج: من اغتسل تأدّت السنّة و إن أحدث أو نام بعده، للإجماع و المعتبرة.

د: يستحب أن يقول بعد الغسل ما رواه الشيخ عن الصادق عليه السلام: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله، اللهم صلّ على محمد و آل محمد [و اجعلني من التوّابين ] و اجعلني من المتطهّرين» [1].

و منها: أحد و عشرون غسلا في شهر رمضان: خمسة عشر للّيالي المفردة، و خمسة لسائر الليالي من العشر الأخير، و واحد آخر للثلاث و العشرين. و يأتي تفصيل المستند في الجميع في كتاب الصيام إن شاء اللّه.

و منها: غسل عيد الفطر و غسل للأضحى، بالإجماعين، و المستفيضة من النصوص التي تقدم بعضها «3».

و وقتهما بعد طلوع الفجر، بالإجماع، و عدم الصدق، و خبر علي: «إن اغتسل يوم الفطر و الأضحى قبل الفجر لم يجزئه، و إن اغتسل بعده أجزأه» «4».

و مقتضى إطلاقه كسائر الإطلاقات امتداد وقته بامتداد اليوم، كما عن

______________________________

[1] التهذيب 3: 10- 31، الوسائل 3: 323 أبواب الأغسال المسنونة ب 12 ح 1، و رواه الصدوق مرسلا في الفقيه

1: 61- 228، و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 61.

(2) الكافي 3: 43 الطهارة ب 28 ح 7 و ص 418 الصلاة ب 72 ح 9، الوسائل 3: 320 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 1.

(3) الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 10.

(4) قرب الاسناد: 181- 669 الوسائل 3: 330 أبواب الأغسال المسنونة ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 335

الذكرى «1»، إلّا أنّ في الرضوي: «إذا طلع الفجر من يوم العيد فاغتسل، و هو أول أوقات الغسل، ثمَّ إلى وقت الزوال» [1].

و المستفاد منه أنّ آخر وقته الزوال، و نسبه في البحار إلى ظاهر الأصحاب «2»، و لعلّه بعد انجباره بذلك كان كافيا لتقييد الإطلاق.

و ليوم دحو الأرض، و هو الخامس و العشرون من ذي القعدة، ذكره الشهيد ناسبا له إلى الأصحاب «3»، و بعض آخر، و لا أعرف مستنده.

و ليوم عرفة، بالإجماعين، و النصوص.

و الأولى فعله عند الزوال، لصحيحة ابن سنان «4».

و كأنّه المراد من قبل الزوال في الرضوي: «اغتسل يوم عرفة قبل الزوال» [2].

و ليوم التروية، ذكره في الهداية و النزهة و المنتهى و نهاية الإحكام «5»، و غيرها «6»، لصحيحة ابن مسلم «7».

و الغدير، بالإجماع، و المستفيضة.

و في الإقبال عن كتاب محمد بن علي الطرازي بالإسناد المتصل إلى مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل ذكر فيه فضل يوم الغدير، إلى أن قال:

______________________________

[1] فقه الرضا (ع): 131، مستدرك الوسائل 2: 512 أبواب الأغسال المسنونة ب 11 ح 1. و فيهما بتفاوت يسير.

[2] فقه الرضا (ع): 223، المستدرك 10: 20 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9 ح 3 وردت بتفاوت.

______________________________

(1) الذكرى: 24.

(2)

البحار 78: 14.

(3) الذكرى: 24.

(4) التهذيب 1: 110- 290، الوسائل 3: 306 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 10.

(5) الهداية: 19، نزهة الناظر: 15، المنتهى 1: 130، نهاية الإحكام 1: 177.

(6) كالمفاتيح 1: 54، و الحدائق 4: 180.

(7) التهذيب 1: 114- 302، الوسائل 3: 307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 336

«فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره» «1» الحديث.

و يوم المباهلة- و هو في المشهور: الرابع و العشرون من ذي الحجة، و قيل:

أحد و عشرون، و قيل: السابع و العشرون- بالإجماع كما عن الغنية «2»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى مرفوعة علي بن محمد القمي- كما في الإقبال- و فيها بعد ذكر يوم المباهلة: «فابدأ بصوم ذلك اليوم شكرا للّه و اغتسل [و البس ] أنظف ثيابك» [1].

و أمّا ما في موثّقة سماعة: «و غسل المباهلة واجب» «3» فلعلّه لإيقاع أصل المباهلة، كما قيل «4».

و يوم عاشوراء، ذكره في الإقبال «5»، و الظاهر أنه للزيارة لا لخصوص اليوم.

و يوم المولود، و هو السابع عشر من ربيع الأول، ذكره في الإقبال و فلاح السائل و الشهيد «6».

و يوم أول رجب و وسطه و آخره، رواها في الإقبال عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله و أوسطه و آخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه» «7».

و يوم المبعث، و هو السابع و العشرون من رجب، ذكره الشيخ في الجمل

______________________________

[1] إقبال الأعمال: 515، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) إقبال الأعمال: 474.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(3) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب

1: 104- 270، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(4) كشف اللثام 1: 10.

(5) إقبال الأعمال: 571.

(6) إقبال الأعمال: 604، فلاح السائل: 61، الشهيد في الدروس 1: 87.

(7) إقبال الأعمال: 628.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 337

و المصباح و الاقتصاد، و السيد في الإقبال، و الفاضل في القواعد «1».

و يوم النيروز، كما عن المصباح و الجامع و في المنتهى و القواعد «2»، لخبر المعلّى «3».

و غسل ليلة الجمعة، ذكره في الإشارة «4». و لعلّة كاف، للمسامحة.

و ليلة الفطر، ذكره جماعة «5»، لخبر ابن راشد «6».

و ليلة النصف من رجب، كما في الجمل و المصباح و الاقتصاد و النزهة و الجامع و الإصباح و المعتبر «7» و غيرها «8»، لفتوى هؤلاء.

و ليلة النصف من شعبان، لخبر أبي بصير: «صوموا شعبان، و اغتسلوا ليلة النصف منه» «9» و الرضوي قال: «و الغسل ثلاثة و عشرون» إلى أن قال: «و ليلة النصف من شعبان» «10».

و غسل كلّ يوم شريف أو ليلة شريفة، ذكره الإسكافي «11»، و يومئ إليه تعليلهم لثبوت بعض الأغسال: بشرافة الزمان.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 167، مصباح المتهجد: 11، الاقتصاد: 250، إقبال الأعمال: 674، القواعد 1: 3.

(2) مصباح المتهجد: 790، و الجامع للشرائع: 33، و المنتهى 1: 130، و القواعد 1: 3.

(3) مصباح المتهجد: 790، و عنه في الوسائل 3: 335 أبواب الأغسال المسنونة ب 24 ح 1.

(4) الإشارة: 72.

(5) منهم المحقق في المعتبر 1: 355، و العلامة في المنتهى 1: 130، و الشهيد الأول في الدروس 1:

87.

(6) الكافي 4: 167 الصيام ب 71 ح 3، الفقيه 1: 109- 466 بتفاوت يسير، التهذيب 1:

115- 303، الوسائل 3: 328 أبواب الأغسال

المسنونة ب 15 ح 1.

(7) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 167، و مصباح المتهجد: 11، و الاقتصاد: 250، و نزهة الناظر: 15، الجامع للشرائع: 32، المعتبر 1: 356.

(8) كالقواعد 1: 3، و الدروس 1: 87.

(9) التهذيب 1: 117- 308، الوسائل 3: 335 أبواب الأغسال المسنونة ب 23 ح 1.

(10) فقه الرضا (ع): 82، مستدرك الوسائل 2: 497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.

(11) حكاه عنه في الذكرى: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 338

و في زمان ظهور آية في السماء، ذكره أيضا «1».

فهذه اثنان و أربعون غسلا كلّها متعلّقة بالأزمنة.

و منها: الأغسال المتعلّقة بالأزمنة.

و منها: الأغسال المتعلّقة بالأمكنة، و هي سبعة أغسال: لدخول الحرم، و مكة، و المسجد الحرام، و الكعبة، و المدينة، و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و حرمه، كما يأتي في كتاب الحج.

و الغسل لدخول كلّ مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام، كما يأتي في باب المزار، و لكلّ مكان شريف، ذكره الإسكافي «2».

و منها: الأغسال المتعلّقة بالأفعال، و هي الغسل للإحرام، و للعمرة، و للحج، و الغسل للطواف، و لزيارة البيت، و لرمي الجمار، و لكلّ من الوقوفين، و للحلق، و النحر، و الذبح، كما يأتي في كتاب الحج.

و لزيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة، كما يأتي في المزار.

و للاستسقاء، للإجماع عليه عن الغنية «3»، و لموثّقة سماعة «4».

و لصلاة الكسوف و الخسوف المستوعبين، ذكره في المختلف «5»، و اللوامع، لصحيحة محمد: «و غسل الكسوف، إذا احترق القرص كله فاغتسل» «6» و نحوها.

و ليس فيهما دلالة على أنه للصلاة، بل الظاهر أنه لنفس الآية السماوية.

و لقضائها مع الاستيعاب و تعمد الترك، كما في المنتهى

و القواعد و الشرائع و اللوامع و عن الهداية و المصباح و الاقتصاد و الجمل و الخلاف و النهاية و المبسوط

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 24.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 24.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية) 555.

(4) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(5) المختلف: 28.

(6) التهذيب 1: 114- 302، الوسائل 3: 307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 339

و الكافي و المهذب و المراسم و الرسالة و النزهة و الجامع و المعتبر و الغنية و الإصباح و الإشارة و السرائر «1»، و عزاه في الأول إلى الأكثر.

للرضوي المنجبر: «و ان انكسفت الشمس أو القمر و لم تعلم به فعليك أن تصليها إذا علمت، فإن تركتها متعمّدا حتى تصبح فاغتسل و صلّ، و إن لم يحترق القرص فاقضها و لا تغتسل» «2». و هو صريح في الشرطين، و عدم الرجحان بدونهما.

و نفي في السرائر الخلاف عن عدم مشروعيته إذا انتفيا «3».

و تدلّ على اشتراط الأول أيضا: مرسلة الفقيه «4»، و صحيحة محمد «5»، و المروي في الخصال صحيحا أيضا: «و غسل الكسوف، إذا احترق القرص كله فاستيقظت و لم تصلّ فعليك أن تغتسل و تقضي الصلاة» «6».

و على اشتراط الثاني: مرسلة حريز: «إن انكسف القمر فاستيقظ الرجل و لم يصلّ فليغتسل من غد و ليقض الصلاة، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل» «7».

______________________________

(1) المنتهى 1: 131، القواعد 1: 3، الشرائع 1: 45، الهداية: 19، مصباح المتهجد: 11، الاقتصاد: 250، الجمل و العقود

(الرسائل العشر): 168، الخلاف 1: 679، النهاية: 136، المبسوط 1: 172، الكافي في الفقه: 135، المهذب 1: 33، المراسم: 52، نقل عن رسالة ابن بابويه في الرياض 1: 73، نزهة الناظر: 16، الجامع للشرائع: 33، المعتبر 1: 358، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، حكى عن الإصباح في الرياض 1: 73، الإشارة 72، السرائر 1:

124.

(2) فقه الرضا (ع): 135، مستدرك الوسائل 2: 518 أبواب الأغسال المسنونة ب 17 ح 1.

(3) السرائر 1: 321.

(4) الفقيه 1: 44- 172، الوسائل 3: 304 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 4.

(5) المتقدمة في الرقم (6) ص 238.

(6) الخصال: 508- 1، الوسائل 3: 305 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 5.

(7) التهذيب 1: 117- 309، الاستبصار 1: 453- 1758، الوسائل 3: 336 أبواب الأغسال المسنونة ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 340

خلافا للمحكي عن المقنعة و مصباح السيد «1»، فلم يشترطا الأول، لإطلاق الثالث. و عن المقنع و الذكرى «2»، فلم يشترطا الثاني، لإطلاق الثاني و يجاب عنهما: بوجوب تقييد الإطلاقين بما مرّ، مع أنّ الإطلاق الثاني ممنوع.

ثمَّ ظاهر الأوامر و إن كان وجوب ذلك الغسل- كما عن السيد في مسائله المصرية و جمله و شرح القاضي له مدّعيا عليه الإجماع «3»، و صلاة المقنعة و المراسم و ظاهر الهداية و الخلاف و الكافي و صلاة الاقتصاد و الجمل و الغنية [1]، و استقواه في المنتهى «4»، و تردّد في الوسيلة «5»- إلّا أن المشهور بين المتأخّرين استحبابه، للأصل، و حصر الواجب من الأغسال في غيره في هذه الأخبار.

و خبر سعد: «الأغسال أربعة عشر، واحد فريضة و الباقي سنّة» «6».

و تعداده في الأغسال المستحبة- إجماعا- في الصحيحين [2].

و

الشهرة المتأخرة.

و قوله: «من فاتته صلاة فليصلّها كما فاتته» «7» و لا يجب الغسل للأداء

______________________________

[1] المقنعة: 211، المراسم: 81، الهداية: 19، الخلاف 1: 679، الكافي في الفقه: 135، الاقتصاد: 272، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 194، و أما ما حكي عن الغنية من وجوب هذا الغسل فالظاهر خلافه، بل هو قائل باستحبابه، أنظر الجوامع الفقهية: 555 و 562.

[2] و هما صحيحة محمد و المروي في الخصال و قد تقدما في ص 339.

______________________________

(1) المقنعة: 51 و نقله عن المصباح المعتبر 1: 358.

(2) المقنع: 44، و الذكرى: 24.

(3) نقله عن المسائل المصرية في الذكرى: 25، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3):

46، شرح الجمل: 135.

(4) المنتهى 1: 352.

(5) الوسيلة: 112.

(6) التهذيب 1: 110- 289، الاستبصار 1: 98- 319، الوسائل 2: 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11.

(7) انظر: الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 341

فكذلك القضاء.

و لا يخفى أنه لا يبقى أصل بعد المستفيضة- التي منها الصحيح- المعتضدة بعمل أعيان القدماء، بل شهرتهم، و المؤيدة بالإجماع المنقول.

و أمّا الحصر: فمع أنه لم يرد إلّا في مقام تعداد أغسال ليس ذلك منها، غايته العموم اللازم تخصيصه بما ذكر.

و منه يظهر الجواب عن خبر سعد، مع أنّ المراد بالباقي: الباقي من أربعة عشر، و لم يذكرها حتى يعلم أنّ ذلك منها أيضا أم لا، و أيضا الظاهر من السنّة فيها ما لم يثبت من الكتاب.

و أمّا التعداد مع المستحبات: فليس دليلا، مع أنه عدّ في أحدهما غسل مسّ الميت بعد البرد و غسل الجنابة، و عدّ هذا بعدهما لا في طي المستحبات، و في الآخر غسل الميت و غسل المسّ،

و عدّ فيهما أيضا ما اختلف في وجوبه، كغسل الجمعة و العيدين و الإحرام.

و أمّا الشهرة: فليست دليلا (سيما مع كونها من المتأخّرين) [1] سيما مع معارضتها مع شهرة القدماء و نقل الإجماع.

و أمّا قوله: فاتته، فظاهر في نفس الصلاة، و لا دخل له بالغسل الذي هو خارج عنها و عن شرائطها، بل هو تكليف على حدة.

و على هذا فالقول بالوجوب أقوى و أصح.

و للسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة أيام، لمرسلة الفقيه «1».

و لقتل الوزغة، كما عن الاشراف و النزهة و الجامع و البيان و الدروس

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ه».

______________________________

(1) الفقيه 1: 45- 175، الوسائل 3: 332 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 342

و النفلية «1»، لمرسلته أيضا «2»، و المرويين في البصائر و الخرائج «3».

و للتوبة عن معصية، كما عن النهايتين [1]، و النفلية و المبسوط و السرائر و المهذب و الجامع و الشرائع و المعتبر و النافع و الكافي و القواعد، و المنتهى مدّعيا فيه- كما عن الغنية و التذكرة- إجماع علمائنا عليه «4»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى صحيحة مسعدة على ما في الكافي: إنّ لي جيرانا يتغنّين و يضربن بالعود، فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا مني لهن، فقال عليه السلام:

«لا تفعل» إلى ان قال الرجل: لا جرم إني تركتها و أنا أستغفر اللّه تعالى، فقال:

«قم فاغتسل و صلّ [2] ما بدا لك، فلقد كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك، استغفر اللّه تعالى و اسأله التوبة من كلّ ما يكره» «5».

و ما في أدعية السرّ: «يا محمد قل لمن عمل كبيرة من أمتك فأراد

محوها و التطهّر منها فليطهّر لي بدنه و ثيابه، فليخرج إلى برية أرضي» «6» الحديث.

و لكن في دلالة الأخيرة على الغسل نظر، بل في دلالة الأولى عليه للتوبة أيضا، فلعلّه- كالصلاة- لطلب حاجة المغفرة و سؤال التوبة.

فالمناط فتاوى الأجلّة و الإجماعات المحكية و مقتضاها- سيما صريح إجماع

______________________________

[1] نهاية الإحكام 1: 178، و لم نعثر عليه في نهاية الشيخ و لا على من نقله عنها.

[2] في الكافي: سل.

______________________________

(1) الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 18، نزهة الناظر: 16، الجامع للشرائع: 33، البيان:

38، الدروس 1: 87، النفلية: 9.

(2) الفقيه 1: 44- 174، الوسائل 3: 332 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 2.

(3) بصائر الدرجات: 353، الخرائج و الجرائح 1: 283- 17.

(4) النفلية: 9، المبسوط 1: 40، السرائر 1: 125، المهذب 1: 33، الجامع للشرائع: 33، الشرائع 1: 45، المعتبر 1: 359، المختصر النافع: 6، الكافي في الفقه: 135، القواعد 1:

3، المنتهى 1: 131، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، التذكرة 1: 58.

(5) الكافي 6: 432 الأشربة ب 25 ح 10 بتفاوت في الألفاظ، الفقيه 1: 45- 177، التهذيب 1:

116- 304، الوسائل 3: 331 أبواب الأغسال المسنونة ب 18 ح 1.

(6) بحار الأنوار 92: 307 نقلا عن البلد الأمين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 343

المنتهى-: عموم الحكم للصغيرة و الكبيرة، و تساعده الرواية على فرض الدلالة، إذ ما فيها ليس إلّا الصغيرة، و لا يعلم منها الإصرار المدخل إيّاه في الكبيرة، فالتخصيص بالأخيرة- كما عن المقنعة و الاشراف و الفقيه و الكافي و الإشارة «1»- ليس بحسن.

و للخروج عن الكفر، كما ذكره أكثر من ذكر، و في المنتهى: إجماع علمائنا عليه «2»، و هو كاف مستندا له، و لا حاجة

إلى اتباع بعض الاعتبارات الموهونة.

و لطلب الحاجة مطلقا، للرضوي، و فيه: «و غسل الاستخارة، و غسل طلب الحوائج من اللّه تعالى» «3».

و لكلّ دعاء ورد فيه الغسل.

و للاستخارة، لما مرّ، و لخبر سماعة: «و غسل الاستخارة مستحب» «4».

و لصلاة طلب الحاجة، و صلاة الاستخارة، بالإجماع، كما عن ظاهر الغنية و المعتبر و التذكرة «5». فيما ورد له منهما الغسل لا مطلقا، لعدم دليل عليه. و الاستناد إلى الرضوي غير مفيد، لأنه يكون للحاجة لا للصلاة.

و للمباهلة، كما في كتاب الاشراف و الجامع «6»، و غيرهما «7»، لخبر ابن مسروق المروي في باب المباهلة من أبواب دعاء الكافي «8».

______________________________

(1) المقنعة: 51، الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 17، الفقيه 1: 45، الكافي في الفقه:

135، الإشارة: 72.

(2) المنتهى 1: 131.

(3) فقه الرضا (ع): 82، مستدرك الوسائل 2: 491 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.

(4) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المعتبر 1: 359، التذكرة 1: 58.

(6) الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 18، الجامع للشرائع: 33.

(7) كالغنية (الجوامع الفقهية): 555، و المعتبر 1: 357، و المنتهى 1: 130.

(8) الكافي 2: 513- 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 344

و لصلاة الشكر، كما عن الكافي و الغنية و الإشارة و المهذب «1».

و لأخذ التربة المباركة، لخبر الجعفي، كما في المزار الكبير «2».

و لمسّ الميت بعد تغسيله، ذكره الشيخ في التهذيب، لخبر عمّار: «و كلّ من مسّ ميتا فعليه الغسل و إن كان الميت قد غسّل» «3».

و لمن أراد تغسيل الميت و تكفينه، ذكره بعضهم «4»،

لصحيحة محمد:

«الغسل في سبعة عشر موطنا» إلى أن قال: «و إذا غسلت ميتا أو كفنته» «5». و في دلالتها نظر.

و لمن أريق عليه ماء غالب النجاسة، عن كتاب الاشراف «6».

و للإفاقة من الجنون، عن نهاية الإحكام لدليل عليل [1].

و للشك في الحدث، و لمن اغتسل ناقصا لعذر و زال عذره، ذكرهما في البيان و النفلية «7».

و غسل الحجامة، كما في حسنة زرارة «8».

و لتطيّب المرأة لغير زواجها، ذكره بعض المتأخّرين [2]، لخبر سعد: «أيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها [لم تقبل منها صلاة] حتى تغتسل من طيبها كغسلها من

______________________________

[1] نهاية الإحكام 1: 179، قال: .. لما قيل: إن من زال عقله أنزل، فإذا أفاق اغتسل احتياطا.

[2] كما يستفاد من عنوان الباب في الوسائل 3: 339 أبواب الأغسال المسنونة ب 30.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 135، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الإشارة: 72، المهذب 1: 33.

(2) نقله عنه في البحار 98: 138.

(3) التهذيب 1: 430- 1373، الاستبصار 1: 100- 328، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس ب 3 ح 3.

(4) كالعلامة في المنتهى 1: 130، و الشهيد في الذكرى: 24.

(5) التهذيب 1: 114- 302، الوسائل 3: 307 أبواب غسل المس ب 1 ح 11.

(6) الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 18.

(7) البيان: 38، و النفلية: 9.

(8) الكافي 3: 41 الطهارة ب 27 ح 1، التهذيب 1: 107- 279، مستطرفات السرائر:

103- 38، الوسائل 3: 339 أبواب الأغسال المسنونة ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 345

جنابتها» [1].

و إرادة غسل الطيب من الاغتسال، و المبالغة في الإزالة من التشبيه ممكنة.

و لكلّ فعل يتقرب به إلى اللّه تعالى، عن الإسكافي «1».

و منها: غسل المولود حين ولادته، لموثّقة سماعة: «و غسل

المولود واجب» «2».

و أفتى بظاهره ابن حمزة «3»، و لكن لا يوافقه غيره، فعلى خلافه الإجماع- كما يشعر به كلام المنتهى «4»- و هو أوجب صرف الموثّق عن ظاهره.

و لا بدّ فيه من نية القربة كما ذكره في اللوامع، و غيره.

فهذه سبعة و ثمانون غسلا، و لعل المتتبع في الأخبار و كلمات علمائنا الأخبار يجد غير ذلك أيضا، و الضابط في ثبوته وروده في خبر و لو ضعيف، أو ذكره في كتاب فقيه ما لم يعارضه دليل ينفيه، للتسامح في مثله.

تتميم: الكلام في تداخل بعض هذه الأغسال بعضا قد مرّ في بحث غسل الجنابة.

و في بدلية التيمّم عنها يأتي في باب التيمم. و الحمد للّه على كلّ حال.

______________________________

[1] الكافي 5: 507 النكاح ب 55 ح 2، الفقيه 3: 278- 1320. و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 24.

(2) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(3) الوسيلة: 54.

(4) المنتهى 1: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 346

الباب الثالث: في التيمّم

اشارة

و شرعيته ثابتة بالكتاب، و السنة، و إجماع المسلمين.

و الكلام فيه إمّا في ما يجوز معه التيمّم، أي الأعذار المسوّغة له، أو ما يجوز به، أو ما يجوز له، أو كيفيته، أو أحكامه، فهاهنا خمسة فصول:

الفصل الأول: في الأعذار المسوّغة له،
اشارة

و هي أمور:

الأول: عدم وجدان الماء،
اشارة

و هو مسوّغ له موجب إيّاه، بالآية «1»، و الإجماع، و النصوص المتواترة معنى.

و يشترط في تسويغه له كونه بعد الطلب، إجماعا محقّقا و محكيا في الناصريات «2» و غيرها «3»، و عن الغنية و المعتبر و التذكرة و المنتهى «4»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى أصالة وجوب الطلب الثابت بوجوب ما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به، و أصالة عدم مشروعية التيمم، لعدم صدق الوجدان- المعلّق عليه مشروعيته- بدون الطلب عرفا.

و لذا لا يصدق عدم وجدان الضالّة إلّا بعد طلبها ما تيسّر، فإنّ عدم وجدان شي ء- عرفا- عبارة عن عدم كونه حاصلا عنده، و لا معلوم الحصول من غير عسر، و لا مرجوّه كذلك و لو احتمالا.

فمن جوّز حصوله بسعي غير موجب للمشقّة لا يصدق عليه غير الواجد،

______________________________

(1) النساء: 43، و المائدة: 6.

(2) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189.

(3) كالرياض 1: 74.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المعتبر 1: 363، التذكرة 1: 59، المنتهى 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 347

ألا ترى أنه لو أمر المولى عبده بشراء فرس، و لو لم يجده فحمار، لا يجوز له شراء الحمار مع رجاء تحصيل الفرس بأدنى سعي؟

و من هذا يظهر ضعف التمسّك في إيجاب الطلب بحسنة زرارة: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه و ليتوضّأ لما يستقبل» «1» لتعليق الأمر بالطلب فيها على عدم الوجدان الغير المتحقّق إلّا مع عدم الرجاء أو ضرب من الطلب، فيكون المأمور به فيها الطلب المقيد الغير الواجب قطعا كما يأتي، و احتمال التجوّز في عدم الوجدان

غير كاف في الاستدلال.

كما يضعف التمسّك برواية السكوني: «يطلب الماء في السفر، إن كانت حزونة فغلوة، و إن كانت سهلة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك» «2» بخلوّها عن الدالّ على الوجوب.

فالمعتمد ما مرّ من الإجماع و الأصلين.

و لا تعارضهما [1] رواية علي بن سالم: أ فأطلب الماء يمينا و شمالا؟ فقال: «لا تطلب الماء يمينا و لا شمالا و لا في بئر، و إن وجدته على الطريق فتوضّأ و إلّا فامض» «3» لشذوذها جدّا، مع أنّ حملها على صورة الخوف ممكن.

ثمَّ مقتضى ما ذكرنا من الأصل و إن كان وجوب الطلب بقدر ترجى الإصابة ما لم يبلغ حدّ الحرج و المشقة، كما اختاره في المدارك [2]، و هو ظاهر المحكي

______________________________

[1] في «ق» تعارضها.

[2] مدارك الأحكام 2: 181، و فيه: (و المعتمد اعتبار الطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة بحيث يتحقق عرفا عدم وجدان الماء.

______________________________

(1) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192- 555، الاستبصار 1: 159- 548، الوسائل 3: 341 أبواب التيمم ب 1 ح 1.

(2) التهذيب 1: 202- 586، الاستبصار 1: 165- 571، الوسائل 3: 341 أبواب التيمم ب 1 ح 2.

(3) التهذيب 1: 202- 587، الاستبصار 1: 165- 572، الوسائل 3: 343 أبواب التيمم ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 348

عن الجملين و الاقتصاد و الخلاف و الجامع «1»، حيث لم يقدّروه بقدر، بل استوجهه في المعتبر صريحا «2»، إلّا أنّ مدلول رواية السكوني، السابقة كفاية الطلب غلوة في الأرض الحزنة و غلوتين في السهلة، كما عن الإسكافي و المقنعة و الاستبصار و المراسم و الوسيلة و السرائر و الكافي و الغنية و الإصباح

و الإشارة و شرح الجمل للقاضي و مهذّبه و الشرائع و النافع و القواعد «3» و غيرها.

و ضعف سندها غير ضائر، مع أنّ عمل الجماعة- كما اعترف به في المعتبر «4»- و دعوى تواتر النقل- كما صرّح به الحلّي «5»- و نقل الإجماع- كما في صريح الغنية و ظاهر التذكرة «6»- و الشهرة المحقّقة و المحكية في كلام جملة من الأجلة «7» له جابر.

و أمّا إيجاب الطلب ما دام الوقت- كما حكاه في الدروس عن قائل «8»، و في شرح القواعد عن المعتبر «9»- فلا دليل له، و حسنة زرارة السابقة «10» لإثباته غير

______________________________

(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 25، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

168، الاقتصاد: 251، الخلاف 1- 147، الجامع للشرائع: 46.

(2) المعتبر 1: 393.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 47، المقنعة: 61، الاستبصار 1: 165، المراسم: 54، الوسيلة: 69، السرائر 1: 135، الكافي في الفقه: 136، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الإشارة: 74، شرح الجمل: 61، المهذب 1: 47، الشرائع 1: 46، المختصر النافع: 17، القواعد 1: 22.

(4) المعتبر 1: 393.

(5) السرائر 1: 135.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، التذكرة 1: 59.

(7) كصاحب الكفاية: 8، و صاحب الرياض 1: 80.

(8) الدروس 1: 131.

(9) جامع المقاصد 1: 466 و هو في المعتبر 1: 393.

(10) راجع ص 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 349

ناهضة، لإمكان كون القيد للحكم دون المحكوم به، فيكون المراد تحديد زمان الطلب لا مقداره.

مع أنه على تقدير المنافاة شاذ، لمعارضة الرواية المنجبرة. و ما ذكرناه أيضا لا يقتضيه، لأنّ مقتضاه كفاية عدم الوجدان عرفا، و عدم رجاء الحصول وقت إرادة الصلاة، لا جميع أوقاتها [1].

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية

منه رحمه اللّه:

بيان ذلك: إنه قد يكون الشخص غير واجد لشي ء دائما، و قد يكون واجدا له في حال أو وقت.

فإذا علق حكم على عدم وجدان شي ء فالتحقيق فيه إما يكون ذلك الحكم موقتا بوقت، أو معلقا بحال، أولا و لا، بل يكون مطلقا.

فإن كان مقيدا بوقت أو معلقا بحال فالمتبادر المفهوم منه عدم الوجدان في ذلك الوقت أو تلك الحال، سواء كان الوقت مضيقا كما إذا قال: صلّ في الساعة الفلانية مع الوضوء و إن لم تجد الماء فمع التيمم، فإن المراد: فإن لم تجده في تلك الساعة. أو موسعا، كما إذا قال: صل ركعتين غدا مع الوضوء، فإن لم تجد الماء فمع التيمم، فالمفهوم عدم وجدان الماء في الغد مطلقا، فلو لم يجد في أول النهار و جوّز وجوده في وسطه لا يجوز له التيمم. لأن المتبادر عدم وجدان الماء في الغد، إلا أن تعلق الوضوء في أثناء العبادة بأن يقول: صل غدا ركعتين، و متى أردت فعلها توضأ و إن لم تجد ماء فتيمم. فمن لم يجد ماء حين الإرادة [يجوز له التيمم ].

و في التعليق في الحال كما أن قال: إذا أردت الصلاة فتوضأ و إن لم تجد الماء فتيمم، أو: إذا ذكرت فوت الصلاة فاقضها كما فاتتك أي مع الوضوء أيضا، ثمَّ قال: و إن لم تجد الماء فتيمم.

و إن كان مطلقا نحو: صلّ ركعتين مع الوضوء، ثمَّ قال: و إن لم تجد ماء فتيمم. فالظاهر أن المراد إن لم تجده في جميع الوقت الذي يجوز فعلهما فيه إلى آخر زمان لا يسع الوقت غيره.

هذا كلّه إذا لم يكن هناك دليل على عموم البدلية في جميع الأحوال، و إن كان فيصح

المعلق عليه في كل وقت من أوقات عدم الوجدان، كما إذا قال بعد الأمر بالصلاة مع الوضوء مطلقا أو موقتا مضيقا أو موسعا: و إذا لم تجد الماء أو كلما لم تجده فتيمم، و الوجه ظاهر.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن التيمم للصلاة جائز في كل وقت أريد الصلاة و صدق عدم وجدان الماء، للآيتين و مثل حسنة الحلبي: «إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليس من الأرض و ليصلّ» و رواية أبي بصير: «إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به» و رواية رفاعة: «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه- إلى أن قال-: و إن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه» إلى غير ذلك من العمومات. فيجوز التيمم في كل حال يصدق عدم الوجدان للصلاة. و مثل الصلاة غيرها مما يجوز التيمم لعدم الفصل. بل يدل عليه في الجملة ما يأتي من قوله: «إن التيمم نصف الوضوء» من غير ضرورة، إذا لم تجد الماء، بل في كل موضع: روايات أبي بصير و رفاعة و ابن المغيرة. و كذا سائر الأعذار فإنها أيضا مثل عدم الماء لعدم الفصل، و لرواية أبي بصير، فإن قوله: «لا تقدر» شامل للجميع، و كذا قوله: «و إن كنتم مرضى».

هذا كله مع قطع النظر عن دليل آخر، و إلا فأدلة وجوب تأخير التيمم للصلوات الموقتة إلى آخر وقتها فهو أمر آخر. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 350

ثمَّ إنّه اختلفت كلمات اللغويين في معنى الغلوة.

ففي العين و الأساس: أنّ الفرسخ التام خمس و عشرون غلوة «1».

و

في بعضها: أنها ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة «2».

و في آخر: إنّها مائة باع «3» و الميل عشر غلاء.

و ظاهر أكثر الفقهاء أنّ المحدود غلوة سهم أو سهمين، أي قدر ذهابهما مع عدم مانع أو معاون، و الروايات خالية عن ذكر السهم، و لكن يمكن أن يكون مراد أهل اللغة أنّ هذا القدر هو مرمى السهم، و الواجب الأخذ بالأكثر، و وجهه ظاهر ممّا مرّ.

فروع:

أ: قالوا: يتوزّع مع اختلاف الأرض حزونة و سهولة «4».

و فيه نظر، و الأصل يقتضي الأخذ بالأكثر.

ب: اللازم الطلب بالمقدّر من كلّ جانب، كما صرّح به في المبسوط «5» لا

______________________________

(1) العين 8: 446، و أساس البلاغة: 327.

(2) كما نقل عن ابن شجاع في المغرب 2: 78.

(3) الباع: قدر مدّ اليدين. الصحاح 3: 1188.

(4) كما في المسالك 1: 16.

(5) المبسوط 1: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 351

لعدم المرجّح لبعضها كما قيل «1»، إذ غاية ما يثبت منه التخيير. بل لأنه لم يعلم من الرواية خروج ما عدا ذلك من تحت الأصلين المتقدمين، لأنّ المشار إليه بقوله:

«ذلك» فيها هو الغلوة و الغلوتان، لا الطلب كذلك الموجب لكفاية تحقّق مطلقه، لحزازة المعنى، مع أنّ إمكان إرادة ما ذكرنا يكفي لنا.

فلا يكفي الطلب عن اليمين و الشمال، كما عن نهاية الإحكام و الوسيلة و الاقتصاد «2»، و لا مع الإمام في المسافر، كما عن المفيد و الحلبي «3»، و لا الجهات الأربع، كما عن المهذب و شرح الجمل للقاضي و الإصباح و الإشارة و الشرائع و الغنية «4»، بل عن الأخير الإجماع عليه، و لا مطلق الطلب كما هو ظاهر من أطلقه. مع أنّ حمل الأخيرين على ما ذكرناه أيضا ممكن، بل و

كذا الثاني، لكون الخلف مفروغا عنه.

ج: وجوب الطلب إنّما هو مع الأمن و احتمال وجود الماء في النصاب و ما دونه، فيسقط مع الخوف إجماعا، له، و لفحوى ما دلّ على سقوطه مع العلم بوجود الماء مع الخوف كما يأتي.

و لرواية الرقي: أكون في السفر و تحضر الصلاة و ليس معي ماء و يقال: إنّ الماء قريب منا، فطلب الماء- و أنا في وقت- يمينا و لا شمالا؟ قال: «لا تطلب الماء و لكن تيمّم، فإني أخاف عليك التخلّف عن أصحابك فتضلّ و يأكلك السبع» «5».

و كذا مع العلم بعدم الماء مطلقا فيسقط كذلك، أو في بعض الجهات

______________________________

(1) روض الجنان: 119.

(2) نهاية الإحكام 1: 183، الوسيلة: 69، الاقتصاد: 251.

(3) المفيد في المقنعة: 61، الحلبي في الكافي في الفقه: 136.

(4) المهذب 1: 47، شرح الجمل: 61، الإشارة: 74، الشرائع 1: 46، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(5) الكافي 3: 64 الطهارة ب 41 ح 6، التهذيب: 185- 536، الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 352

فيسقط فيه خاصة، بلا خلاف فيه بين أصحابنا كما في الحدائق «1»، بل عليه وفاقهم في المعتمد، لصدق عدم الوجدان المعلّق عليه التيمّم، و عدم تحقّق الطلب إلّا مع احتمال الوجود، فلا يجري دليل وجوبه مع انتفائه.

و ظاهر الشهيد في قواعده: وجود القول بالطلب مع العلم بالعدم أيضا، حيث إنّه عدّ من جملة ما وقع التعبّد المحض فيها و لا يكاد يهتدي فيه إلى العلّة:

وجوب طلب المتيمّم و إن علم عدم الماء.

و لا فرق في الاحتمال الموجب للطلب بين مرجوحة و غيره، كما به صرّح جماعة منهم المنتهى «2»، للأصلين المتقدّمين. خلافا للمحكي عن الإسكافي

«3»، و الفاضل الجواد، فأسقطاه مع ظنّ العدم أيضا، لقيامه مقام العلم في الشرعيات. و هو بإطلاقه ممنوع.

و لا في عدم احتماله في النصاب و ما دونه المسقط للطلب بين ما علم العدم فوق النصاب أيضا، أو احتمل وجوده فيه و لو راجحا، لرواية السكوني السابقة «4»، حيث إنّها تدلّ على عدم وجوب الطلب في الأكثر، فإمّا يجب الوضوء أو تسقط الصلاة أو يتيمّم، و الأولان باطلان، فتعيّن الثالث.

و قيل بوجوب الطلب مع رجحان الاحتمال، لفقد شرط التيمّم و هو العلم بعدم التمكن، و لعدم تبادر هذه الصورة من الرواية «5».

و يضعّف الأول: بمنع انحصار الشرط فيه، بل عدم العلم بالتمكّن مع عدم الماء في النصاب أيضا يسوّغه.

و الثاني: بمنع لزوم تبادر هذه الصورة، بل يكفي عدم تبادر غيرها خاصة.

______________________________

(1) الحدائق 4: 251.

(2) المنتهى 1: 139.

(3) حكاه عنه في المختلف: 47.

(4) راجع ص 348.

(5) الرياض 1: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 353

نعم لو علم وجوده فوق النصاب، يجب تحصيله مع التمكن إجماعا، له، و لصدق الوجدان الموجب لعدم جواز التيمّم.

و لا تنافيه الرواية، لأنّ المتبادر من طلب الماء إنما هو ما إذا لم يتيقّن وجوده و حصوله، و أمّا معه فلا يستعمل الطلب.

و لا في وجوب السعي حينئذ بين ما إذا كان الماء قريبا أو بعيدا ما لم يبلغ الحرج و المشقة، و لا بين ما إذا كان السعي مفوّتا لشغله و مطلوبه الذي يشرع فيه- ما لم يتضرر به- أم لا، للأصل.

و في المعتبر: إنّ الحطّاب و الخشّاب إن لم يمكنه العود إلى المصر لتحصيل الماء إلّا بفوات مطلوبه يتيمّم «1»، و نفى عنه البعد في شرح القواعد «2». و يدفعه ما

مرّ.

د: لو طلب قبل الوقت و لم يجد، لم يجب بعده إلّا مع احتمال التجدّد، فيجب حينئذ، للأصلين.

و توهّم عدم الوجوب لتحقّق مطلق الطلب الذي هو المسوّغ مندفع: بعدم وجود ما يدلّ على كفاية مطلق الطلب في التسويغ، فيجب الأخذ بالمجمع عليه.

ه: لا شك في جواز الاستنابة في الطلب مع عدم إمكان المباشرة، بل تجب و لو بأجرة، لأنها الطلب في حقه. و تجب إفادتها للعلم بالحال، لأنه المقصود من الطلب و لا أقلّ من عدم العلم بكفاية غيره و هو كاف في المقام، إلّا مع عدم إمكانه فيكفي الظن، لما مرّ من كونها الطلب في حقه.

و أمّا مع إمكان المباشرة، فإن كانت الاستنابة مفيدة للعلم كفت، لسقوط الطلب حينئذ، و إلّا لم تكف، لا لتوجّه الخطاب إليه نفسه و الأصل عدم قيام غيره مقامه، لأن الاستنابة في الفحص أيضا نوع طلب منه، بل لما مرّ من عدم العلم

______________________________

(1) المعتبر 1: 365.

(2) جامع المقاصد 1: 466.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 354

بكفاية مطلق الطلب، فيجب الأخذ بالمجمع عليه. خلافا للروض، فجوّزها مطلقا مع عدالة النائب «1». و دفعه ظاهر.

و: لو قصر في الطلب و تيمّم و صلّى في سعة الوقت، بطل تيمّمه إجماعا، كما في المنتهى «2» و غيره «3»، لعدم ثبوت مشروعيته إلّا مع الطلب، و لأن الأمر بالطلب يقتضي النهي عن ضدّه الخاص. و صلاته [1]، لذلك، و لخلوّها عن الطهور، سواء وجد الماء بعد الصلاة أو لم يجد.

ز: لو قصر فيه حتى ضاق الوقت عنه و إدراك ركعة، يتيمّم و يصلّي، وفاقا للمشهور، على المصرّح به في كلام جماعة (منهم المدارك) [2].

لا للأصل، و لا لكونه غير واجد للماء، و لا

لأنّ فرضه أمّا تأخير الصلاة عن الوقت، أو الصلاة فيه مع الوضوء، أو مع التيمّم، و الأولان باطلان و الثالث المطلوب، و لا لعموم قوله: «فإذا خاف ..» في الحسنة المتقدمة «4».

لضعف الأول: بالمنع، بل الأصل عدم مشروعية التيمم.

و الثاني: بمنع صدق عدم الوجدان، فإنه أمر عرفي لا مدخلية لضيق الوقت عن الصلاة وسعته فيه أصلا.

و الثالث: بجواز أن يكون فرضه الطلب و قضاء الصلاة مع الوضوء إن وجد و مع التيمّم إن لم تجد، كما هو مختار طائفة «5»، فهو كمن أخّر التيمّم أيضا حتى ضاق الوقت عنه، فهو معاقب بالتأخير مأمور بالقضاء.

و الرابع: بفقد الدلالة، لرجوع المستتر إلى غير الواجد، و تحقّقه غير معلوم

______________________________

[1] هذا عطف على قوله: تيممه، أي: و بطلت صلاته.

[2] مدارك الأحكام 2: 183، و ما بين القوسين ليس في «ق».

______________________________

(1) روض الجنان: 119.

(2) المنتهى 1: 138.

(3) كالحدائق 4: 248.

(4) في ص 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    355     فروع: ..... ص : 350

(5) انظر الخلاف 1: 147 و الدروس 1: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 355

في المورد.

بل لمرسلة العامري: عن رجل أجنب و لم يقدر على الماء و حضرت الصلاة فيتيمّم بالصعيد، ثمَّ يمرّ بالماء و لم يغتسل و انتظر ماء آخر وراء ذلك، فدخل وقت الصلاة الأخرى و لم ينته إلى الماء و خاف فوت الصلاة، قال: «يتيمم و يصلّي، فإن تيمّمه الأول قد انتقض حين مرّ بالماء و لم يغتسل» «1» أمر بالتيمّم و الصلاة مطلقا مع كونها أعم من تجويز الماء يمينا و شمالا.

و المروي في قرب الإسناد المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: عن رجل أجنب فلم يصب الماء أ يتيمّم و

يصلّي؟ قال: «لا حتى آخر الوقت، إنه إن فاته الماء لم تفته الأرض» «2».

خلافا للمحكي عن المبسوط (و الخلاف) [1] و في النهاية و النافع «3»، فحكموا ببطلان التيمم، لفقد شرطه الذي هو عدم الوجدان أو الطلب بقدر النصاب، و يلزمه وجوب القضاء.

و فيه: منع الاشتراط هنا، لما تقدم، بل الشرط أحد الأمرين أو ضيق الوقت عن الطلب.

و نفي خلاف المذكورين و تنزيل عباراتهم على سعة الوقت- كما في المدارك «4»، و غيره «5»- باطل، لأنّ هؤلاء لا يجوّزون التيمّم في السعة سواء أخلّ بالطلب أم لا.

ثمَّ هذا التيمّم و الصلاة يجزي عن فرضه، سواء ظهر وجود الماء و لو في ما

______________________________

[1] ليست في «ه-».

______________________________

(1) التهذيب 1: 193- 557، الوسائل 3: 377 أبواب التيمم ب 19 ح 2.

(2) قرب الإسناد: 170- 623، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 22 ح 4.

(3) المبسوط 1: 31، الخلاف 1: 147، النهاية: 45، المختصر النافع: 17.

(4) مدارك الأحكام 2: 184.

(5) الذخيرة: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 356

دون النصاب أو لم يظهر، وفاقا في الصورتين لجماعة منهم: المعتبر و المدارك و الأردبيلي «1»، و والدي رحمه اللّه.

لأصالة عدم وجوب القضاء، بل الإعادة إذا انكشف الخطأ في ظن الضيق، و لاقتضاء الأمر بالتيمّم- الذي هو بدل المائية قطعا- للإجزاء، مع عدم تعقّل وجوب البدل و المبدل منه.

و للمستفيضة الشاملة للمورد، كصحيحة العيص: عن رجل يأتي الماء و هو جنب و قد صلى، قال: «يغتسل و لا يعيد الصلاة» «2».

و صحيحة ابن مسلم: عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد و صلّى ثمَّ وجد الماء، قال: «لا يعيد، ربّ الماء ربّ الصعيد» «3».

و صحيحة زرارة: فإن أصاب الماء و قد صلّى بتيمم

و هو في وقت؟ قال:

«تمت صلاته و لا إعادة عليه» «4» و بمضمونها صحيحة الأحمر «5»، إلى غير ذلك.

خلافا في الصورة الاولى- إن وجد فيما دون النصاب- للقواعد و شرحه «6»، بل في الأخير نسبه إلى الأكثر، كما في الحدائق إلى المشهور «7»، و عن ظاهر المنتهى:

الإجماع عليه «8».

______________________________

(1) المعتبر 1: 365، المدارك 2: 184، الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 238.

(2) التهذيب 1: 197- 569، الاستبصار 1: 161- 556، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 16.

(3) التهذيب 1: 197- 571، الاستبصار 1: 161- 557، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 15.

(4) التهذيب 1: 194- 562، الاستبصار 1: 160- 552، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 9.

(5) التهذيب 1: 195- 563، الاستبصار 1: 160- 553، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 14.

(6) القواعد 1: 22، و جامع المقاصد 1: 467.

(7) الحدائق 4: 256.

(8) المنتهى 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 357

لأنّ ظهور الماء في موضع الطلب كاشف عن اشتغال ذمته بالصلاة مع المائية و قد تركها، و من يترك صلاة فعليه فعلها ثانيا كما تركها.

و لرواية أبي بصير: عن رجل كان في سفر و كان معه ماء فنسيه و تيمّم و صلّى، ثمَّ ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت، قال: «عليه أن يتوضّأ و يعيد الصلاة» «1».

و ردّها بورودها في النسيان و هو أخصّ من المدّعى، و فيما وقع التيمّم في السعة و هو خلاف المفروض. مردود: بأنّ النسيان لا ينفي وجوب الطلب، و الرواية شاملة لمن لم يطلب أيضا، و بقاء وقت الصلاة بعد التيمّم و الصلاة لا ينافي و الرواية شاملة لمن

لم يطلب أيضا، و بقاء وقت الصلاة بعد التيمّم و الصلاة لا ينافي خروج وقت الطلب و الصلاة معا، مع أنّ ظنّ الخروج و ظهور خلافه ممكن.

نعم تكون الرواية حينئذ أخصّ من مدّعاهم الذي هو الإعادة و القضاء، و لا يبعد أن يخصّص المدّعى أيضا بذلك، حيث إنّ الوارد في كلامهم هو الإعادة الظاهرة فيما يفعل في الوقت.

و على هذا فيمكن أن يستدلّ لهم أيضا: برواية يعقوب: عن رجل تيمّم فأصاب بعد صلاته ماء أ يتوضّأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال: «إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ أعاد، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه» «2».

و المروي في التذكرة مرسلا المنجبر بما مر: «لو أخلّ بالطلب ثمَّ وجد الماء في رحله أو مع أصحابه أعاد الصلاة» «3».

و الجواب أما عن الأول: فبمنع تركه الصلاة، و إنما ترك بعض مقدماتها التي ظهر وجوبها بعد قيام غيره مقامه، مع أنّ في ظهور الاشتغال بما ذكر أيضا كلاما.

______________________________

(1) الكافي 3: 65 الطهارة ب 41 ح 10، التهذيب 1: 212- 616، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 5.

(2) التهذيب 1: 193- 559، الاستبصار 1: 159- 551، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 8.

(3) التذكرة 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 358

و أمّا عن الروايات: فبعدم دلالة الأوليين على خارج الوقت لو كان النزاع فيه أيضا، و عدم إفادة الأخيرتين للوجوب، فيحتملان الاستحباب كما تؤيّده موثّقة ابن حازم: في رجل تيمّم و صلّى ثمَّ أصاب الماء، قال: «أمّا أنا فإن كنت فاعلا كنت أتوضّأ [و أعيد]» [1].

و كون الطرفين- لاختصاصهما بمن كان الماء معه فكان فيما دون النصاب- معارضين لأخبارنا المختصة

بغير من تيمّم و صلّى في السعة بدون الطلب بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.

و في الصورتين للدروس «1»، و لعلّه لمثل ما مرّ من اشتغال ذمته بالصلاة المسبوقة بالطلب و لم يفعلها. و جوابه قد ظهر.

ثمَّ إنه لو ضاق الوقت عن الطلب في بعض الجهات دون بعض لم يجز له التيمّم، لأصالة عدم مشروعيته، و عدم شمول الخبرين [2] لمثله.

ح: لو كان معه ماء فأتلفه، أو مرّ به و لم يتطهّر، أو كان متطهّرا فأحدث اختيارا و حضرت الصلاة، يتيمّم و يصلّي، سواء كان الإتلاف و أخواه قبل الوقت أو فيه.

وفاقا للجميع في الأول، و للأكثر في الثاني، و ظاهر شرح القواعد عدم الخلاف في الثاني أيضا مع ظنّ وجود الماء «2»، بل ظاهر المعتبر مطلقا حيث نسب الخلاف إلى العامة «3»، لصدق عدم الوجدان.

و لا إعادة، للأصل، و إجزاء الأمر بالتيمّم الذي هو بدل المائية قطعا،

______________________________

[1] التهذيب 1: 193- 558، الاستبصار 1: 159- 550، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 10. و ما بين المعقوفين من المصدر.

[2] أي مرسلة العامري و المروي في قرب الاسناد، و قد تقدما في ص 355.

______________________________

(1) الدروس 1: 131.

(2) جامع المقاصد 1: 469.

(3) المعتبر 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 359

و عدم تعقّل وجوب البدل و المبدل منه، و للأخبار المتقدّمة النافية للإعادة على من صلّى بالتيمّم و لو وجد الماء في الوقت «1».

خلافا للدروس في الوقت مطلقا «2»، لتعلّق الصلاة مع المائية بذمته بدخول الوقت و وجود الماء، و لم يأت بالمأمور به على وجهه.

و للبيان فيه مع العلم باستمرار الفقدان «3»، لما مرّ، و لعصيانه، و التيمّم رخصة لا يناط بالمعاصي.

و جواب

الأول يظهر مما مرّ، و الثاني: منع العصيان كما قيل «4»، ثمَّ منع عدم إناطة الرخصة بالمعصية على الإطلاق.

و لبعض مشايخنا [1]، فأوجب الإعادة فيه دون القضاء- و يمكن أن يكون ذلك مراد الدروس و البيان لتصريحهما بلفظ الإعادة [2]- لرواية أبي بصير «5».

و جوابه قد ظهر.

و لتوقّف العلم بالبراءة اليقينية عليه.

و فيه: أنه إن أريد شغل الذمة بالصلاة فقد فعلها، و إن أريد بالصلاة مع المائية فكذلك، للإتيان بما هو بدل قطعا، و للأخبار.

ثمَّ إنه قد مرّ تصريح البيان بترتب العصيان على الإتلاف في الوقت و نحوه، و لازمه بطلان بيعه و صلحه و هبته، و قد أفتى به. فهل هو كذلك- كما اختاره في

______________________________

[1] لم نعثر على شخصه.

[2] كذلك في الدروس 1: 131، و لكن قال في البيان: 84 لو أراق الماء في الوقت عصى مع علمه باستمرار الفقد و يقضي.

______________________________

(1) راجع ص 356.

(2) الدروس 1: 131.

(3) البيان: 84.

(4) كما في المعتبر 1: 366.

(5) المتقدمة في ص 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 360

التذكرة و المنتهى أيضا «1»- أم لا، كما صرح به في المعتبر «2»؟ الحقّ هو الأول.

لا لما قيل من أنه مقتضى وجوب الطلب [1]، إذ ليس إلّا للاقتدار على الماء، و العلّة بعينها هنا موجودة، و لأنه إذا طلب و وجد فإن جازت الإراقة كان الأمر بالطلب لغوا و إلّا ثبت المطلوب.

و من أنه متمكّن من الماء فيجب عليه الوضوء، فيحرم تركه، فيحرم ملزوم الترك أيضا.

و أن الوضوء مع القدرة واجب و هو في الفرض مقدور، فتكون مقدمته- التي هي حفظ الماء- واجبة.

لإمكان ردّ الأول: بمنع الاقتضاء، و الثانيين: بأنه إن أريد التمكّن حال وجود الماء فمسلّم و يمتنع

التلف فيه، و إن أريد في الحال التي بعده فالتمكن غير معلوم بل مشروط بعدم الإتلاف.

و أيضا: إن أريد وجوب الوضوء حال التمكن- و هو الآن الذي فيه- فلا معنى للتكليف فيه، و إن أريد بعده فالتمكن ممنوع.

فإن قيل: كيف لا يتمكن مع أنه لو لم يتلفه لتمكن، و الإتلاف باختياره، فهو في الآن اللاحق أيضا متمكن، فيجب الوضوء، فيحرم ملزوم تركه، و تجب مقدمته. و الحاصل: أن في آن وجود الماء متمكن من الوضوء في الآن اللاحق بأن يبقي الماء.

قلنا: إن كان ظرف التمكن من الوضوء في الآن اللاحق الآن السابق فهو واه، و إن كان الآن اللاحق فالتمكن فيه ممنوع، بل هو مشروط بعدم الإتلاف.

نعم، يتمكن في الآن السابق من جعله متمكنا في اللاحق و من إبقاء تمكنه فيه، و وجوبه عين النزاع.

______________________________

[1] كما استدل به في شرح المفاتيح: (المخطوط).

______________________________

(1) التذكرة 1: 67، المنتهى 1: 152.

(2) المعتبر 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 361

مع أنه إن أريد كون ظرف التمكن الآن اللاحق، لزم عدم جواز التيمّم فيه، و الظاهر أنه لم يقل به أحد.

فإن قيل: معنى قوله: إن لم تجدوا، أي في الوقت، و مقتضاه عدم التيمّم المستلزم لوجوب الوضوء على من صدق عليه الواجد في الوقت، و مع وجود الماء في جزء منه يصدق عليه أنه واجد الماء في الوقت، فيجب عليه الوضوء و تترتّب عليه لوازمه.

قلنا- مع إيجابه بطلان التيمّم فيه-: إنه على ذلك يكون لواجد الماء في الوقت فردان: المتمكن حين إرادة الوضوء، و الغير المتمكن منه، و لا شك أنّ الثاني مخرج حيث لا يجوز التكليف بما لا يطاق، فيختصّ بالأول، فلا يفيد.

بل [1] لفهم العرف و

حكم العقل بذلك من الخطاب، كفهمه و حكمه بوجوب المقدمة و سائر لوازم الخطابات و مفاهيهما، فإنّ مما لا شك فيه أنه لو قال المولى لعبده: كن على السطح، و كان له سلّم، فكسره بعد الأمر اختيارا يذمّه العقلاء غاية الذم، و يستحقّ العقاب و اللوم عند أهل العرف.

و كذا إذا قال: كن على السطح إن قدرت على السلّم، و إلّا فكن في السرداب.

و كذا إذا قال له: اشتر لي فرسا فإن لم تجده فحمارا، فوجد في السوق فرسا موافقا لمطلوب مولاه يبيعونه، فلم يشتره حتى يباع بالغير ثمَّ اشترى حمارا، يذمّ غاية الذم و يلام حقّ الملامة.

بل التحقيق أنّ ذلك مقتضى وجوب مقدمة الواجب، و ما يدلّ عليه يثبته، و حكم الإبقاء بعينه حكم التحصيل، فيكون الحكم كذا في كلّ مقدمة يكون الواجب بالنسبة إليها مطلقا.

بل يظهر ممّا ذكرنا عدم الاختصاص بالوقت، بل حرمة الإتلاف و نحوه فيما

______________________________

[1] هذا عطف على قوله: لا لما قيل .. المذكور في ص 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 362

قبله أيضا مع عدم ظنّ الوجدان، لجريان الدليل فيه أيضا، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين «1».

و يؤكده ما في بعض الروايات من الأمر باغتسال المجدور لو أجنب اختيارا و تيمّمه لو احتلم «2»، و ما دلّ على عدم رضاه عليه السلام بالمسافرة إلى الأرض التي لا ماء فيها و أنه إهلاك للدين «3»، بل هذا ظاهر جدّا.

و أمّا عدم الأمر بالمأمور به بعد نفي القدرة فكعدم الأمر بالواجب الذي صار ممتنعا بالاختيار، فإنه و إن لم يكلّف به بعد الامتناع و لكنه يعاقب على الترك، لأنه متروك بالاختيار.

ط: لو وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته فهو

في حكم العدم فيتيمّم، و لا يجب صرفه إلى بعض الأعضاء- إجماعا- في الوضوء بل في الغسل أيضا، و عليه الإجماع في الناصريات و التذكرة و المنتهى «4»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى عدم توقيف لهذا النوع من التطهير شرعا، و ظهور أن المراد من عدم الوجدان عدم وجدان ما يفي بالمطلوب.

و في روض الجنان: أنه ربما حكي عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض «5».

فإن كان مراده أن يطهر ما يفي به الماء به و بالتراب غيره، فمعه ظاهر الآية في بادئ النظر، إلّا أنّ الإجماع على الارتباط، و عدم كون غسل كل عضو واجبا مستقلا، و ظهور ذلك من الأخبار أيضا يدفعه.

و إن كان مراده صرف الماء في بعض الأعضاء مع التيمّم التام، كما احتمله

______________________________

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17.

(3) الوسائل 3: 391 أبواب التيمم ب 28 ح 2، 3.

(4) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 190، التذكرة 1: 66، المنتهى 1: 133.

(5) روض الجنان: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 363

في نهاية الفاضل و الحبل المتين- في الغسل «1»- فعموم نحو: الميسور لا يسقط بالمعسور، مع عدم المانع منه في الغسل من بطلانه بفوات الموالاة يقرّبه، إلّا أنّ عدم دلالته- كما ذكرنا مرارا- مضافا إلى ظواهر الصحاح الثلاث لابن مسلم «2» و الحلبي «3» و جميل «4»، و رواية الحسين بن أبي العلاء «5» يطرده.

هذا إذا كان مكلّفا بطهارة واحدة، و لو كان مكلّفا بطهارتين و كفى الماء لإحداهما فإن كفى للوضوء خاصة تعيّن، و إن كفى للغسل تخيّر على الأظهر، لأنّهما فرضان مستقلّان و لا مرجّح.

بل مقتضى القواعد التخيير بين الطهارة من الخبث و الحدث

لو وجبتا و لا يكفي الماء إلّا لإحداهما.

و لكن الظاهر الاتّفاق على تقديم رفع الخبث و التيمّم، كما صرّح به في المعتبر و المنتهى و التذكرة «6».

و تؤيّده صحيحة الحذّاء: الحائض ترى الطهر و هي في السفر و ليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة، قال: «إذا كان معها بقدر ما تغسل فرجها فتغسله ثمَّ تتيمّم و تصلّي» «7».

دلّت بترك الاستفصال على تقديم غسل الفرج على وضوء الحائض.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 186، الحبل المتين: 94.

(2) التهذيب 1: 405- 1272، الوسائل 3: 387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.

(3) الفقيه 1: 57- 213، التهذيب 1: 405- 1273، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 24 ح 1.

(4) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 3، الفقيه 1: 60- 223، التهذيب 1: 404- 1264، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 24 ح 2.

(5) التهذيب 1: 404- 1266، الوسائل 3: 387 أبواب التيمم ب 24 ح 3.

(6) المعتبر 1: 371، المنتهى 1: 153، التذكرة 1: 61.

(7) الكافي 3: 82 الحيض ب 7 ح 3، التهذيب 1: 400- 1250، الوسائل 2: 312 أبواب الحيض ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 364

و قد يعلّل أيضا: بأنّ رفع الحدث له بدل بخلاف رفع الخبث «1».

و يضعّف: بأنّ البدلية إنما هي مع عدم الماء، مع أنّ البدلية معارضة بتجويز الشارع الصلاة في النجاسة مع تعذّر إزالتها، أو عاريا.

ثمَّ على القول بتعيين التقديم لو عكس لم يجزئ، لعدم كون ما أتى مأمورا به.

الثاني من المسوغات: ضيق الوقت عن الطهارة و إدراك ركعة مع وجود الماء عنده

. سوّغ معه التيمم في المنتهى و الحدائق «2».

لما ورد في الأخبار من أنّ التراب بمنزلة الماء، و إنما يكون كذلك لو ساواه

في أحكامه، و أنّ ربّ الماء ربّ الصعيد الذي هو كناية عن اتّحادهما في جميع الأحكام. و أنّ اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا «3».

و لوجوب الصلاة في الوقت، فإما تجب بدون الطهور، أو مع المائية، أو الترابية. و الأول باطل، و الثاني تكليف بما لا يطاق، فلم يبق إلّا الثالث.

و لأنّ علّة مشروعية التيمّم محافظة وقت الصلاة، و إلّا لوجب تأخيرها إلى حين التمكن، و هذه العلّة موجودة في المورد فيشرع فيه التيمّم.

و لأنّ المقصود الأصلي الصلاة في الوقت، و الطهارة مقصودة بالعرض، و لا يترك ما بالذات لتحصيل ما به العرض الذي له عوض.

و لأن اللّه سبحانه اختار وقوع الصلاة في الوقت على طهارة الثوب و البدن، و القيام، و الاستقرار، و القراءة، و الاستقبال، و غير ذلك من الأجزاء و الشرائط، و الطهارة المائية أيضا مثلها ضرورة.

و مرجع الدليل إلى الاستقراء أو القياس على سائر الشرائط و الأجزاء، كما كان الدليل الثالث قياسا على سائر المسوغات.

______________________________

(1) كما في المعتبر 1: 371.

(2) المنتهى 1: 137، الحدائق 4: 247.

(3) الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 365

و لكون التمكن من الاستعمال شرطا في وجوب المائية، و هو هنا مفقود، لعدم رضا الشارع بفوت الصلاة.

و يرد على الأول: منع عموم التنزيل كما بيّن في محلّه. و منع كون ما ذكر كناية عن التساوي في جميع الأحكام سيما مع الاختلاف في كثير منها. و منع التشبيه في كيفية الطهورية، لكونه خلاف الواقع، بل إنما هو في مجرد الجعل.

و على الثاني: منع وجوب الصلاة في الوقت، و العمومات الدالّة عليه مخرجة منها ما إذا لم يتمكّن من إيقاعها مع

ما ثبت طهوريته قطعا. و هنا كذلك، لعدم التمكّن من إيقاعها مع المائية، و عدم ثبوت طهورية التراب في المورد. و لا يلزم منه عدم كونه معاقبا لو أخلّ عمدا، بل هو كبعيد ترك الذهاب إلى الحج حتى دخل وقت لا يمكنه الوصول إلى الموقف.

و على الثالث: أنه قياس مردود. و التعليل المذكور ممنوع، و إلّا لزم جواز التيمّم بالدقيق و الزجاجة مع فقد الأرض، بل جواز الصلاة بدون الطهور مع عدم التمكن منه.

و على الرابع: أنه محض استبعاد لا يصلح للاستدلال.

و على الخامس: أنه إمّا استقراء ظني لا حجية فيه، بل يمكن منع إفادته ظنا أيضا حيث إنه تسقط الصلاة بتعذّر الطهور و هو من الشرائط، أو قياس يعلم ضعفه مما مرّ.

و على السادس: أنه عين المصادرة، لمنع عدم رضاه بفوتها حينئذ و إن لم يكن راضيا قبل انتفاء التمكن، كما في مثال الحج.

و لأجل ما ذكر من ضعف هذه الأدلّة، و أصالة عدم مشروعية التيمّم، و صدق وجدان الماء، و التمكن من الاستعمال- غاية الأمر عدم اتّساع وقت الصلاة له، و لم يثبت كون ذلك مسوّغا للتيمّم- ذهب في المعتبر إلى وجوب الطهارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 366

المائية و القضاء، و حكم بعدم جواز التيمّم «1»، و استظهره في المدارك «2»، و هو الظاهر من البيان حيث أوجب الإعادة على مثل ذلك لو تيمّم و صلّى «3»، و جعله في شرح القواعد مقتضى مذهب الشيخ في مسألة المخلّ بالطلب «4».

و فرّق المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد بين من كان الماء موجودا عنده بحيث يخرج الوقت باستعماله، و بين من كان بعيدا عنه بحيث خرج بالسعي إليه، فلم يجوّز التيمّم و

أوجب المائية في الأول دون الثاني، استنادا إلى انتفاء صدق عدم الوجدان في الأول و صدقه في الثاني «5».

و هو الحقّ. لا لما ذكره، لما أورده عليه في روض الجنان من أنّ المراد بوجدان الماء في باب التيمّم فعلا أو قوة، فلا يتمّ الفرق، لصدق الوجدان في الصورتين «6». بل لقوله عليه السلام في مرسل العامري السابق: «و لم ينته إلى الماء» «7» إلى آخره، فإنه يشمل من علم وجود الماء و لم يمكنه الوصول إليه إلّا بفوات الوقت.

ثمَّ إنه لا فرق في جميع ما ذكر بين ما إذا كان تأخير الطهارة بالماء إلى الضيق عمدا أو نسيانا أو اضطرارا، كأن يكون نائما أو محبوسا أو نحو ذلك، لجريان الدليل و إن احتاج في تعدّي المرسلة إلى جميع الصور إلى ضمّ الإجماع المركّب.

و صرّح في البيان بالتيمّم في الأخير مطلقا «8».

و لو احتاط فيه بالتيمّم و الصلاة ثمَّ القضاء بالمائية- بل في الأولين أيضا- كان أولى.

______________________________

(1) المعتبر 1: 366.

(2) مدارك الأحكام 2: 185.

(3) البيان: 84.

(4) جامع المقاصد 1: 467.

(5) جامع المقاصد 1: 467.

(6) روض الجنان: 128.

(7) راجع ص 355.

(8) البيان: 84.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 367

الثالث: عدم الوصلة إلى الماء مع وجوده،

إمّا بالعجز عن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكبر أو مرض أو ضعف، و لم يجد معاونا و لو بأجرة مقدورة، أو بفقد الآلة التي يتوصّل بها إليه، كأن يكون في بئر، أو بكونه ملكا للغير و لم يبذله إلّا بثمن لا يقدر عليه، بالإجماع في الجميع، و صدق عدم الوجدان.

و لو أمكن له شدّ الثياب بعضها ببعض في الثاني و جعلها آلة- و لو ببلّها و عصرها- وجب، إلّا أن تكون ثياب بدنه و خاف ببلّها

الضرر.

و لو توقّف على شقّ الثوب الموجب لنقص القيمة، قالوا بوجوبه «1».

و فيه إشكال لو وصل حدّ الضرر عرفا، و قياسه على ثمن الماء مشكل.

و مثل الثمن الغير المقدور الثمن الذي يخاف ببذله تلف نفسه إجماعا، له، و لقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «2» و المروي في الدعائم- المنجبر ضعفه بما ذكر- في المسافر يجد الماء بثمن غال: «أن يشتريه [إذا كان واجدا لثمنه و لا يتيمّم، لأنه ] إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده، إلّا أن يكون في دفعه الثمن ما يخاف على نفسه التلف إن عدمه و العطب فلا يشتريه و يتيمّم بالصعيد و يصلّي» [1].

و كذا الثمن الذي يوجب بذله عليه الحرج، أو المشقة باعتبار وقوعه في الفقر و المسكنة و ذلّ السؤال، أو الضيق في المعيشة، أو مكادحة الديّان و نحو ذلك، لأدلّة نفي العسر و الحرج، المعارضة مع ما يأتي ممّا يدلّ على وجوب الشراء و لو بأضعاف الثمن بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى أصالة عدم وجوب الشراء، المستلزم لجواز التيمّم بالإجماع المركّب.

و أمّا ما لا يوجب بذله ما ذكر فيجب بذله و شراء الماء و لا يجوز التيمّم و لو

______________________________

[1] دعائم الإسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 549 أحكام التيمم ب 20 ح 1 بتفاوت يسير، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 60، و جامع المقاصد 1: 474، و الحدائق 4: 272.

(2) البقرة: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 368

كان أضعاف ثمنه، إجماعا كما عن الخلاف «1»، بل و لو كان إجحافا كثيرا، وفاقا للسيد و ابن سعيد و الإرشاد و روض الجنان و الحدائق «2»، و اللوامع، بل الأكثر على

ما هو المحتمل من كلامهم من كون المراد من الضرر الحالي المشترط انتفاؤه عندهم ما ذكرنا، كما يومئ إليه إيجابهم الشراء بأضعاف الثمن، و استدلال بعضهم على اشتراطه بالنهي عن التهلكة و قتل الأنفس «3»، و صرّح بذلك والدي- قدس سره- في اللوامع.

لتوقّف الوضوء الواجب عليه، و لصدق الوجدان فلا يجوز التيمّم فلم يبق إلّا وجوب الشراء.

و للمروي في الدعائم المتقدم «4»، و صحيحة صفوان: عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة و هو لا يقدر على الماء، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها، يشتري و يتوضّأ أو يتيمّم؟ قال: «لا، بل يشتري، قد أصابني مثل هذا فاشتريت و توضّأت، و ما يشتري [1] بذلك مال كثير» «5».

و في تفسير العياشي مسندا إلى العبد الصالح: عن قول اللّه عزّ و جلّ: فلم تجدوا ماء، ما حدّ ذلك؟ فإن لم تجدوا بشراء أو بغير شراء، إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف أو ألف و كم بلغ؟ قال: «ذلك على قدر جدته» «6».

______________________________

[1] في الفقيه: «ما يسوؤني».

______________________________

(1) الخلاف 1: 165.

(2) حكاه عن السيد في المعتبر 1: 369، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 45، الإرشاد 1: 233، روض الجنان: 118، الحدائق 4: 264.

(3) كما في كشف اللثام 1: 144.

(4) في ص 367.

(5) الكافي 3: 74 الطهارة ب 46 ح 17، الفقيه 1: 23- 71، التهذيب 1: 406- 1276، الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26 ح 1.

(6) تفسير العياشي 1: 244- 146، و عنه في الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26 ح 2 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 369

و في حاشية الإرشاد لفخر المحققين: أن مولانا الصادق

عليه السلام اشترى وضوءه بمائة دينار.

خلافا للمحكي عن الإسكافي، فنفى الوجوب مع غلاء الثمن مطلقا، بل قال: يتيمّم و يصلّي و يعيد إذا وجد الماء «1»، و هو محتمل نهاية الفاضل «2»، لأنّ بذل الزائد ضرر و عسر و حرج، و هي في الشريعة منفية، و لسقوط السعي في طلبه للخوف على شي ء من ماله، كما في الأخبار «3».

و يضعّف الأول: بأنّ الضرر و أخويه قد يثبت بالدليل، كما في جميع موارد بذل المال، و الأخبار المتقدمة أدلّة خاصة بالنسبة إلى أدلّتها، لأنّ بذل القدر المذكور فيها ضرر و عسر لا محالة، فيجب تخصيصها بها، مع أنّ في قوله عليه السلام: «و ما يشتري بذلك مال كثير» [1] إشارة إلى منع الضرر و العسر.

و الثاني: بأنه قياس باطل.

و لمحتمل المحكي عن الأكثر [2]، فنفوا الوجوب مع التضرّر ببذل الثمن بحسب حال المكلّف، كما هو أحد احتمالي كلامهم، أو في حال الشراء المقابل لزمان الاستقبال، كما هو الاحتمال الآخر، لأدلّة نفي العسر و الضرر.

و يضعّف: بأنّ المراد بالضرر إن كان ما ذكرناه فهو كذلك، و إن كان ما دون ذلك فلا، لأخصية أخبار الشراء عن أدلّة نفيهما كما ذكر، بل ينافي تصريحهم بوجوب الشراء و لو كان بأضعاف ثمنه، و استدلالهم بحديث مائة درهم و ألف و مائة ألف و مائة دينار، حيث إنّ كلّ ذلك ضرر و لو كان المكلّف ذا سعة و ثروة

______________________________

[1] صحيحة صفوان المتقدمة في ص 368.

[2] منهم ابن إدريس في السرائر 1: 141، و العلامة في التحرير 1: 21، و الشهيد في الدروس 1:

131.

______________________________

(1) حكاه عنه في الرياض 1: 74.

(2) نهاية الإحكام 1: 194.

(3) انظر الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب

2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 370

كثيرة، و لذا يستدلّون على ثبوت خيار الغبن بتفاوت ما هو أقلّ من ذلك بأخبار نفي الضرر، و كذا في موارد كثيرة أخرى، و الإجحاف الذي وقع في كلام بعضهم لا قدر معيّن له و لا دليل على نفيه في المقام، إلّا أن يراد به ما ذكرناه.

و قد يستدلّ له: بعدم تبادر صورة الإجحاف من الأخبار، و بجواز التيمّم مع الخوف على قليل من المال في السعي إلى الماء، و النهي عن تضييع المال، و جواز المدافعة عنه.

و يضعّف الأول: بمنع عدم التبادر جدّا، بل ما صرّح به فيها هو عين الإجحاف إن أريد به ما هو ظاهره.

و البواقي: بكونه قياسا مع الفارق و هو النص، و الإجماع في بعض الموارد، و مفهوم الآية في المقام، و عموم نفي الضرر الخالي عمّا يصلح للتخصيص في البواقي.

لا ما قيل من أنّ الحاصل بالبواقي عوض المال على غاصبه و هو منقطع، و بالمقام الثواب و هو دائم «1»، لتحقّق الثواب فيها أيضا مع البذل اختيارا طلبا للعبادة، بل قد يجتمع فيها العوض و الثواب معا.

فرع: لو وهب الماء أو أعيرت الآلة وجب القبول، على ما هو ظاهر الأصحاب، لصدق الوجدان. و كذا لو وهب ثمنهما أو وهبت الآلة، وفاقا للشيخ و المدارك- قدّس سرّهما- و المنتهى «2»، و اللوامع، لما ذكر.

و خلافا للمعتبر «3»، بل للمحكي عن الأكثر، لاستلزامه المنّة و لا يجب تحمّلها.

و فيه: أنّه ربما يخلو عن المنّة، و على فرضها ليس في تحمّلها الحرمة، بل و لا الضرر و المشقّة، فيجب من باب المقدمة.

______________________________

(1) كما في نهاية الإحكام 1: 194، و التنقيح الرائع 1: 132.

(2) الشيخ في

المبسوط 1: 31، المدارك 2: 190، المنتهى 1: 133.

(3) المعتبر 1: 371.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 371

و لو علم مع قوم ماء فإن علم إباءهم من البذل، لم يجب طلبه منهم، لعدم الفائدة، و إلّا وجب، لأنّه نوع تحصيل لشرط الواجب فيجب.

الرابع: احتياج تحصيل الماء إلى مشقّة شديدة يصدق معها العسر أو الحرج

لمرض أو بعد مسافة أو نحو ذلك، لأدلّة انتفائها المعارضة لدليل وجوب التحصيل بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى أصالة عدم وجوب تحمّلهما، المستلزم لعدم وجوب الوضوء، المستلزم لتسويغ التيمّم، بالإجماع.

الخامس: الخوف من تحصيل الماء على النفس،

بالإجماع المحقّق و المصرّح به في كلام جماعة [1]، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى عمومات نفي العسر، فإنه لا شك في أنّه في التحصيل مع ذلك الخوف عسرا شديدا، و رواية الرقي، المتقدّمة «1».

و رواية يعقوب بن سالم: عن الرجل لا يكون معه ماء، و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحوهما، قال: «لا آمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع» «2».

و المروي في الدعائم: و قالوا صلوات اللّه عليهم في المسافر: «إذا لم يجد الماء إلّا بموضع يخاف فيه على نفسه- إن مضى في طلبه- من لصوص أو سباع، أو ما يخاف منه التلف و الهلاك يتيمم و يصلّي» «3».

و الاستدلال له بأخبار الركية و البئر «4» غير جيّد، لأنّ عدم إيجاب دخول البئر يمكن أن يكون للخوف و للمشقة، فلا يمكن الاستدلال به لشي ء منهما.

______________________________

[1] منهم المحقق في المعتبر 1: 366، و العلامة في المنتهى 1: 134، و صاحب المدارك 2: 190.

______________________________

(1) في ص 351.

(2) الكافي 3: 65 الطهارة ب 41 ح 8، التهذيب 1: 184- 528، الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2 ح 2.

(3) دعائم الإسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 525 أحكام التيمم ب 1 ح 1.

(4) انظر الوسائل 3: 343 أبواب التيمم ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 372

بل و كذا لو خاف غيره على نفسه بذهاب من معه إلى تحصيل الماء، لظاهر الإجماع، و لزوم العسر على ذلك الغير لولاه، بل

الظاهر الإجماع على سقوط الوجوب لو خاف الذاهب على الغير و إن لم يخف ذلك الغير لصغر أو جنون أو نوم.

و لا فرق بين أن يكون الخوف على الهلاكة أو الجراحة أو الضرب الشديد الذي يشق تحمّله عادة، لإطلاق تعرّض اللصّ و الخوف منه، و صدق العسر.

و كذا لو كان الخوف على المال الكثير أو القليل الصادق على تلفه الضرر عرفا إذا كان خوفه لأجل القطع- و لو عادة- بالتلف، لأدلّة نفي الضرر.

و لو كان خوفه لمجرّد احتمال التلف أو مظنته ففيه إشكال، لعدم جريان أدلّة نفي الضرر، إلّا أن يكون المال كثيرا بحيث يكون في تعريضه في مظنة التلف عسر حتى تجري فيه أدلّة نفيه، فيسقط وجوب التحصيل أيضا.

و ظاهر المشهور: السقوط مع الخوف مطلقا على المال كذلك.

و الاستدلال بروايتي الرقّي و ابن سالم «1» ضعيف، لصراحتهما في الخوف على النفس، و لذلك- مع وجوب تقديم أدلّة وجوب الطهارة على ما يعارضها من أدلّة نفي الضرر و الحرج- ذهب بعض مشايخنا الأخباريين إلى عدم السقوط بالخوف على المال مطلقا «2».

و ما ذكره من وجوب التقديم لا وجه له.

و مثل الخوف على النفس الخوف على البضع و العرض، لكون تعريضهما في مظنة الضياع حرجا و أيّ حرج.

و كذا الخوف الحاصل بسبب مجرد الجبن إذا كان شديدا يعدّ تحمّله عسرا، وفاقا للمعتبر و نهاية الإحكام و التذكرة «3»، بل في اللوامع: عليه ظاهر الوفاق،

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 351 و 371.

(2) الحدائق 4: 275.

(3) المعتبر 1: 366، نهاية الإحكام 1: 188، التذكرة 1: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 373

و خلافا للتحرير و البيان «1»، و توقّف في المنتهى «2».

بل و كذا مع جبن الغير، فيسقط

ذهاب رفيقه إلى تحصيل الماء، لما مرّ، بل ممّا ذكر يظهر السقوط مع الخوف على مال الغير إذا كان قاطعا بالتلف، و أمّا بدونه فلا دليل على السقوط إلّا إذا كان تعريضه في مظنّة التلف موجبا لعسر.

السادس: الخوف من استعمال الماء على النفس أو البدن،
اشارة

لوجود مرض يخاف شدّته، أو ازدياده، أو بطء برئه، أو عسر علاجه، أو قرح أو جرح كذلك، أو لخوف حدوث مرض، فإنّ كلّ ذلك مسوّغ للتيمّم، بالإجماع.

مضافا في المريض بأقسامه: إلى إطلاق الآية الدالّة على مشروعية التيمّم لكلّ مريض، خرج من لا يخاف شيئا ممّا ذكرنا بالإجماع، فيبقى الباقي.

و مرسلة ابن أبي عمير: «يتيمّم المجدور و الكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة» «3» و قريبة منها مرسلته الأخرى «4»، و مرسلة الفقيه «5».

و فيه و في المقروح و المجروح: إلى المروي في الدعائم: «و من كانت به قروح أو علّة يخاف منها على نفسه يتيمّم» «6».

و فيهما و في خائف الحدوث: إلى استلزام التكليف باستعمال الماء الضرر فيما علم تحقّق هذه الأمور عادة، و العسر و الحرج إذا ظنّ ذلك.

و في الثاني خاصة: إلى صحيحة محمد: عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب، قال: «لا بأس بأن لا يغتسل، يتيمّم» «7».

______________________________

(1) التحرير 1: 21، البيان: 85.

(2) المنتهى 1: 134.

(3) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 2، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 4.

(4) التهذيب 1: 185- 533، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 45 ح 10.

(5) الفقيه 1: 59- 217، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 12.

(6) دعائم الإسلام 1: 121. مستدرك الوسائل 2: 527 أحكام التيمم ب 4 ح 2.

(7) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 1، التهذيب 1: 184- 530،

الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 374

و موثّقته: في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة، قال:

«يتيمّم» «1».

و صحيحتي ابن سرحان و البزنطي: في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح أو يخاف على نفسه البرد، فقال: «لا يغتسل و يتيمّم» «2».

و في الأخير كذلك: إلى فحوى السقوط مع خوف الشدّة، و صحيحة ابن سنان: عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة و يخاف على نفسه التلف إن اغتسل، قال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة» «3» و قريبة منها مرسلة جعفر «4».

كلّ ذلك إذا لم يجنب متعمّدا، و أمّا معه فيجب عليه الغسل- على الأظهر- و إن أصابه ما أصابه، ما لم يخف التلف على نفسه. وفاقا للإسكافي «5»، و ظاهر الفقيه و صريح الهداية «6»، و المفيد «7»، و الشيخ في بعض كتبه «8»، و المحقّق في النافع «9»، و الحرّ العاملي من المتأخّرين «10».

لصحيحة محمد: عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة و لا يجد الماء و عسى

______________________________

(1) التهذيب 1: 185- 532، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 9.

(2) صحيحة ابن سرحان: التهذيب 1: 185- 531، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 8، صحيحة البزنطي: التهذيب 1: 196- 566، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 7.

(3) الفقيه 1: 60- 224، التهذيب 1: 196- 568، الاستبصار 1: 161- 560، الوسائل 3:

372 أبواب التيمم ب 16 ح 1.

(4) الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 3، التهذيب 1: 196- 567، الاستبصار 1: 161- 559، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 6.

(5)

حكاه عنه في المختلف: 52.

(6) الفقيه 1: 60، الهداية: 19.

(7) المقنعة: 60.

(8) النهاية: 46، المبسوط 1: 30، الخلاف 1: 156.

(9) المختصر النافع: 17.

(10) الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17 (عنوان الباب).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 375

أن يكون الماء جامدا، فقال: «يغتسل على ما كان» حدّثه رجل أنّه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد، فقال: «اغتسل على ما كان فإنه لا بدّ من الغسل» «1».

و صحيحة سليمان: عن رجل كان في أرض باردة فتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل، كيف يصنع؟ قال: «يغتسل و إن أصابه ما أصابه» قال:

«و ذكر أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد و كانت ليلة شديدة الريح، فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنّا نخاف عليك، فقلت: ليس بدّ، فحملوني و وضعوني على خشبات ثمَّ صبّوا عليّ الماء فغسلوني» «2».

تعارضتا مع الأخبار المتقدّمة حيث إنّها أوجبت التيمّم على من ذكر مطلقا، و هما أوجبتا الغسل عليه، فخصّت المتقدّمة بغير المتعمّد، و هما بالمتعمّد، بشهادة المرفوعتين:

إحداهما: عن مجدور أصابته جنابة، قال: «إن أجنب نفسه فليغتسل، و إن كان احتلم فليتيمّم» «3».

و الأخرى: «إن أجنب نفسه فعليه أن يغتسل على ما كان منه، و إن كان احتلم فليتيمّم» [1].

مع أنّ بملاحظة الإجماع المحقّق على سقوط الغسل عن غير المتعمّد، و اختصاص الصحيحين بالمتعمّد قطعا، يصيران أخصّ مطلقا من أخبار التيمّم،

______________________________

[] الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 2 و فيه: على ما كان عليه، التهذيب 1: 197- 573، الاستبصار 1: 162- 561، الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17 ح 2.

______________________________

(1) التهذيب 1: 198- 576، الاستبصار 1: 163- 564، الوسائل 3:

374 أبواب التيمم ب 17 ح 4.

(2) التهذيب 1: 198- 575، الاستبصار 1: 162- 563، الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17 ح 3.

(3) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 3، الفقيه 1: 59- 291، التهذيب 1: 198- 574، الاستبصار 1: 162- 562، الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 376

فيجب تخصيصها بهما، كما يجب تخصيصهما و تخصيص المرفوعتين بغير من خاف تلف نفسه بصحيحة ابن سنان و مرسلة جعفر، المتقدّمتين «1»، حيث تتعارضان معها بالعموم من وجه و ترجّحان عليها بموافقة الكتاب الموجب للتيمّم على المريض و النافي للعسر و الحرج و الناهي عن التعرّض للتهلكة، كما هو ظاهر الشيخ و صريح النافع «2».

خلافا للهداية و المفيد «3»، فلم يخصّصاها، و أوجبا الغسل و إن كان فيه تلف نفسه. و لا وجه له.

كما لم يخصّص الأكثر متعمّد الجنابة عن أخبار التيمّم مطلقا، و أوجبوا عليه التيمّم أيضا، اتّكالا على عدم صلاحية الصحيحتين و المرفوعتين لمعارضتها، لمخالفتها لما دلّ على عدم تحريم تعمّد الجنابة حينئذ من الإجماع و النصوص و خصوص فعل المعصوم كما في الصحيحين، فلا يترتّب على فاعلها عقوبة و انتقام. و مناقضتها للأصول القطعية الكتابية و السنية المثبتة لليسر و السهولة، النافية للحرج و الضرر، الكاشفة عن تقديم اعتناء الشارع بالأبدان على اعتنائه بالأديان، الموجبة لطرح الصحيحين و أخويهما، لتواتر الأخبار بأنّ كلّ خبر مخالف للكتاب و السنّة مردود. و مضادّتها لحكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون.

مع ما في الصحيحين من عدم التفرقة فيهما بين المتعمّد و غيره بل ظهورهما في غير المتعمّد، و في ثانيتهما من أعمّية العنت عن المشقّة اليسيرة أيضا،

و في المرفوعتين من عدم ظهورهما في حصول الضرر بالغسل و ضعف سنديهما، و في الأربعة من مخالفة الشهرة الموجبة للشذوذ المخرج عن الحجية.

مضافا إلى معارضتها بالتساوي مع صحيحة محمد: عن الرجل أجنب في

______________________________

(1) في ص 374.

(2) الشيخ في النهاية: 46، المختصر النافع: 17.

(3) الهداية: 19، المفيد في المقنعة: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 377

السفر و لم يجد إلّا الثلج أو ماء جامدا، فقال: «هو بمنزلة الضرر، يتيمّم» «1» الحديث، حديث إنّها ظاهرة في المتعمّد.

و كذا رواية السكوني في حكاية أبي ذر أنه أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه هلكت، جامعت على غير ماء، قال: فأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بمحمل فاستترت به [و بماء] فاغتسلت أنا و هي، ثمَّ قال: «يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين» [1] فإنها صريحة في المتعمد.

و يجاب: بأنّ عدم تحريم تعمّد الجنابة- لو سلّم- لا يخالفها، إذ لا ملازمة بين وجوب الغسل و إن خيف الضرر و بين تحريم التعمد، و لا يلزم أن يكون ذلك عقوبة، بل يجوز أن يكون من جهة إقدام المكلّف نفسه على ذلك الضرر، و قد ثبت في الشريعة من الضرر بواسطة إقدام المكلّف ما لا يثبت إذا لم يتعمّد عليه، و لذا لا يحكم بخيار الغبن مع علم المغبون.

و أمّا الأصول المذكورة فلا شك أنها بعنوان العموم و الأصل، فتخصّص مع الدليل الخاص، و لذا يثبتون التكاليف الشاقّة و المضارّ الكثيرة من الضمانات و الجنايات و غيرها بالأدلّة المخصوصة، و يقدّمون الأديان على الأبدان في مجاهدة الكفّار و مقارعة السيف و السنان و مبارزة الشجعان، و ما نحن فيه من ذلك القبيل، إذ

ما ذكر أدلّة خاصة بالنسبة إلى الأصول المذكورة.

و منه يظهر الجواب عن ردّ الخبر المخالف للكتاب و السنّة، فإنه إنما هو إذا لم يكن بالعموم و الخصوص المطلقين (و لذا أجمعوا على تخصيص عام الكتاب بخاص الأخبار، و كذا تقديم الموافق للكتاب و السنّة عند التعارض إنما هو إذا لم

______________________________

[1] الفقيه 1: 59- 221، التهذيب 1: 194- 561، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 12 و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 1، التهذيب 1: 191- 553، الاستبصار 1: 158- 544، الوسائل 3: 355 أبواب التيمم ب 9 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 378

يكن بالعموم و الخصوص المطلقين) [1] و إلّا فالخاص مقدّم كما فيما نحن فيه، مع أنّ تلك الأخبار الأربعة أيضا لها موافقة مع آية الغسل في غير المرضى.

و أمّا حكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون على القطع- فمع كونه في حيّز المنع جدّا- إنما هو إذا لم يكن على عدم الوجوب دليل.

و القول بأنه أمر عقلي لا يقبل التخصيص، واه جدّا، لأنّه مخالف لما ثبت من الشرع قطعا من الأمور المضرّة، كالجهاد و الحجّ و الزكاة و الخمس، فإذا لم يجب دفع الضرر المقطوع بل وجب تحمّله فكيف بالمظنون!؟

و القول بأنّ بعد أمر الشارع و القطع بأنّ بإزائها أجرا عظيما لا يكون ضررا، يجري في المقام أيضا.

و أمّا عدم التفرقة في الصحيحين بين المتعمّد و غيره ظاهرا فغير ضائر، لأنّ الإجماع و المرفوعتين قرائن على التخصيص، و خروج بعض أفراد المطلق لا يوجب عدم حجيته في الباقي.

و كذا أعمية العنت، لأنّ بعد شموله للمشقة الشديدة يكون حجة فيها أيضا، سيما مع

التأكّد بقوله: «و إن أصابه ما أصابه» و سيما مع ذكر غسله عليه السلام مع شدة الوجع بحيث حملوه و غسلوه، و سيما مع ما في الصحيح الأول من حكاية حدوث المرض شهرا.

و أمّا دعوى ظهورهما في غير المتعمّد فلا أعرف له وجها سيما الصحيح الثاني، بل استشهاده بفعله على السلام قرينة على التعمّد، لما قد ثبت من عدم احتلامهم عليهم السلام.

و أمّا توهّم عدم صراحة المرفوعتين في التضرر بالغسل فهو من الغرائب، إذ أمره عليه السلام بالتيمّم مع الاحتلام قرينة على التضرّر.

و أمّا الردّ بضعف السند فهو عندي غير معتمد، و بمخالفة الشهرة فهو غير

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 379

سديد، لأنّ الشهرة الموجبة لشذوذ مخالفها هي الشهرة القوية من القدماء، و مع موافقة مثل الصدوق و الشيخين و الإسكافي «1»- الذين هم من أعيان القدماء و أركانهم- كيف ينسب الخبر إلى الشذوذ و يخرج عن الحجية؟! سيما مع موافقة مثل المحقّق و بعض آخر من المتأخّرين «2».

و أمّا الروايتان الأخيرتان فصراحة أولاهما بل ظهورها في المتعمد ممنوعة، و الثانية صريحة في أنّ سبب التيمّم عدم الماء، فلا تعارض معها، مع أنه لو سلّم اختصاص الاولى بالمتعمّد فهي عامة من جهة شمولها للخوف من الضرر و لعدم إمكان الغسل بسبب عدم القدرة على إذابة الثلج و الجمد، و ما مرّ مخصوص بالخوف، لوجود الماء، بقرينة الأمر بالاغتسال للمتعمّد، فيقدّم.

ثمَّ الظاهر اختصاص وجوب المائية مع التعمّد بغسل الجنابة، كما هو مورد الأخبار، فلا يتعدّى إلى غيره، كغسل المسّ، و الوضوء لمن أحدث عمدا.

و هل التعمّد الموجب للاغتسال مع خوف الضرر هو ما كان حال المرض أو الخوف؟ أو

يشمل ما إذا تعمّد الجنابة صحيحا غير خائف ثمَّ حدث قبل الغسل ما يوجب الخوف؟ فيه وجهان.

فروع:

أ: المدار في المرض المسوّغ للتيمّم- حدوثا أو زيادة- هو ما يعدّ ضررا و كان تحمّله عسرا عادة، لأنّ انتفاءهما شرعا هو سبب التسويغ، فيقتصر على مورد خوفهما.

و أمّا إطلاق الآية و الأخبار في المريض و إن اقتضى الاكتفاء بغير ما أخرجه الإجماع و إن كان يسيرا، إلّا أنّ المروي عن الصادقين في المجمع أنه المرض الذي يضرّ معه استعمال الماء، و الذي يوجب العجز عن السعي إليه «3»- المنجبر ضعفه

______________________________

(1) راجع ص 374.

(2) راجع ص 374.

(3) مجمع البيان 2: 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 380

بالشهرة بل بعمل كلّ الأصحاب كما في البحار «1»- أوجب التقييد بالمضر، فلا يتعدّى إلى غيره.

ثمَّ إنّ مراتب الضرر متفاوتة، فهل المسوّغ هو الضرر مطلقا و إن كان يسيرا، كالصداع و وجع الضرس، كما عن الشهيد و الكركي «2»، بل الإرشاد و نهاية الفاضل حيث علّقا الجواز على مطلق المرض «3»، و استصوبه بعض مشايخنا المحقّقين [1]؟ أو الشديد، كما اختاره الفاضلان «4»؟

التحقيق: أنّ المدار على ما يشقّ تحمّله عادة و لم يعدّ سهلا يسيرا عرفا، لأنّ الحكم في الأدلّة لا يخلو عن كونه معلّقا على الضرر أو المرض أو العسر أو الحرج، و الظاهر اتّحاد موارد الأربعة في المقام و ورود الجميع على ما يعدّ تحمّله شاقّا في العادة، فإنّ ما لم يكن كذلك لا يصدق عليه شي ء من العنوانات، و ما كان كذلك يصدق عليه أحدها أو جميعها، و من هذا يتّجه كون النزاع لفظيا.

و لا يشترط أن يكون الأمر الحادث ما يسمّى مرضا عرفا و المتّصف به مريضا،

بل يكفي كونه أذى يعسر تحمّل مثله عادة.

ب: الخوف من المرض المسوّغ للتيمّم أعم من أن يكون بعنوان اليقين، أو الظن الحاصل من التجربة، أو إخبار ذي تجربة عادل أو غير عادل، مسلم أو كافر، امرأة أو صبي، واحد أو متعدّد. لعموم الآية و أخبار القروح و الجروح «5»، و لم يعلم سوى خروج صورة عدم حصول ظن أصلا. و اختصاصها بالمريض بالفعل غير ضائر، لعدم الفاصل. مع أنّ ارتكاب أمر يظنّ معه حدوث ما لا

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) البحار 78: 131.

(2) الشهيد في الذكرى: 22، الكركي في جامع المقاصد 1: 472.

(3) الإرشاد 1: 233، نهاية الاحكام 1: 195.

(4) المحقق في الشرائع 1: 38، العلامة في التحرير 1: 21.

(5) انظر الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 381

يتحمّل عسر و حرج، فلا تكليف به. و لو وقع التعارض بين أخبار ذوي التجارب فالمرجع الظن.

ج: خوف الشين [1] حدوثا و زيادة مسوّغ للتيمّم إن بلغ حدّا يتأذّى به و يشقّ تحمّله عادة، بالإجماع المحقّق و المحكي من الفاضلين «1» و غيرهما «2»، لنفي الضرر و العسر، بل- في بعض صوره- لإطلاق أخبار القروح و الجروح المنضم مع عدم الفصل بين خوف الحدوث و الزيادة، إلّا أن يجنب عمدا، فيغتسل، لما مرّ.

و في التعدّي إلى مطلق الشين و إن لم يتفاحش بحيث يتأذّى به و يعسر تحمّله قولان:

أولهما صريح نهاية الإحكام و الروض «3»، بل هو ظاهر إطلاق الأكثر، و لا دليل عليه يعتمد.

و الثاني للمنتهى «4»، و اللوامع، و غيرهما «5». و هو المعتمد، لأنّ المناط حصول الضرر أو العسر، و هما غير متحقّقين في مطلقه، و

الظاهر تحقّقهما فيما إذا بلغ حدّ تشقّق الجلد أو خروج الدم، بل في الأدون منهما أيضا.

د: لو اندفع الضرر بتسخين الماء، أو بتحصيل ماء الحمام، أو بالغسل في الحمام- و لو بأجرة مقدورة- وجب، و كذا شراء النار و الحطب. و الحكم في الثمن و الأجرة كما مرّ في الماء و آلته «6».

السابع: المشقة الشديدة

الحاصلة من التألّم الذي لا يسهل تحمّله عادة في استعمال الماء و إن لم يخش الضرر و سوء العاقبة، كالتألّم بالبرد الشديد، أو الوجع،

______________________________

[1] الشين: ما يحدث في ظاهر الجلد من الخشونة يحصل به تشويه الخلقة. مجمع البحرين 6: 273.

______________________________

(1) المحقق في المعتبر 1: 365، العلامة في المنتهى 1: 136.

(2) كصاحب الحدائق 4: 286، و المحقق السبزواري في الكفاية: 8.

(3) نهاية الإحكام 1: 195، روض الجنان: 117.

(4) المنتهى 1: 136.

(5) كجامع المقاصد 1: 473، و الكفاية: 8.

(6) راجع ص 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 382

أو الحرقة في خراجه [1] و إن لم يزد المرض، أو الحرّ الشديد، كما يتّفق في بعض الحمامات إذا لم يمكن غيره.

و هي مسوّغة للتيمّم، وفاقا لنهاية الشيخ و المبسوط و الإصباح و ظاهر الكافي و الغنية و المراسم و الجامع و النافع و المنتهى و نهاية الإحكام و البيان «1»، و اختاره بعض مشايخنا المحقّقين [2]، لعموم أدلّة نفي العسر و الحرج، بل صحيحتي ابن سرحان و البزنطي «2»، فإنّ الظاهر من قوله: «أو يخاف على نفسه البرد» أنه يخاف من التأثّر بالبرد، لا أن يتلف، و إلّا لقال: من البرد.

إلّا أن يتعمّد الجنابة فيغتسل لما مرّ، كما صرّح به في الأول من الكتب المذكورة «3».

و خلافا للقواعد و الأردبيلي، فقالا: يغتسل مطلقا «4»، للصحيحيتين

المتقدّمتين لمحمد و سليمان «5».

و يجاب عنهما: بمعارضتهما مع الصحيحتين المذكورتين، و بقاء نافيات العسر بلا معارض، مع أنّ بعد تخصيص صحيحتي التيمّم بغير المتعمّد- كما مرّ- تصيران أخصّين مطلقا من صحيحتي الغسل، فتخصّص الأخيرتان بالأوليين. بل المرفوعة الثانية «6»، لأجل اختصاص موضوعها بذي عذر غير فقد الماء- للأمر

______________________________

[1] الخراج: ما يخرج في البدن من القروح. الصحاح 1: 309.

[2] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) النهاية: 45، المبسوط 1: 30، الكافي في الفقه: 136، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المراسم: 53، الجامع للشرائع: 45، المختصر النافع: 16، المنتهى 1: 135، نهاية الإحكام 1: 195، البيان: 84.

(2) المتقدمتين في ص 374.

(3) النهاية: 46.

(4) القواعد 1: 22، الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 215.

(5) راجع ص 374، 375.

(6) المتقدمة في ص 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 383

بالغسل للمتعمّد فيها- و هو الخائف أو المتألّم، تكون أخصّ مطلقا منهما أيضا، فتخصيصهما بها لازم.

الثامن: خوف العطش- لو استعمل الماء- على نفسه،

بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «1».

للمستفيضة المعتبرة، كصحيحة محمد: الجنب يكون معه الماء القليل، فإن هو اغتسل خاف العطش، أ يغتسل به أو يتيمّم؟ قال: «بل يتيمّم، و كذلك إذا أراد الوضوء» «2».

و صحيحة ابن سنان: في رجل أصابته جنابة في السفر، و ليس معه إلّا ماء قليل، و يخاف إن هو اغتسل أن يعطش، قال «إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة و ليتمّم بالصعيد» «3».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته، قال:

«يتيمّم بالصعيد و يستبقي الماء» «4» و غير ذلك.

و لا فرق في العطش بين الحال و المتوقّع في زمان يخاف عدم حصول الماء، لإطلاقها، و عموم نافيات العسر، و إلقاء النفس في التهلكة.

و لا بين العطش المؤدّي

إلى الهلاكة أو المشقة أو الضعف أو المرض حدوثا أو زيادة، لما مرّ. بل مقتضى الإطلاقات كون العطش اليسير أيضا كذلك، و لكن الظاهر الإجماع على خروجه.

و لا بين خوف عطش نفسه أو من يعسر عليه هلاكه أو مرضه أو مشقته من الأقارب و الأصدقاء و المماليك، لما مرّ، سيما قوله: «فيخاف قلّته» و «خاف العطش»

______________________________

(1) كما في المنتهى 1: 134، و الحدائق 4: 289.

(2) التهذيب 1: 406- 1275، الوسائل 3: 388 أبواب التيمم ب 25 ح 2.

(3) الكافي 3: 65 الطهارة ب 43 ح 1، التهذيب 1: 404- 1267، الوسائل 3: 388 أبواب التيمم ب 25 ح 1.

(4) التهذيب 1: 405- 1274، الوسائل 3: 388 أبواب التيمم ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 384

و «خاف عطشا».

بل منه يظهر التعدّي إلى خوف عطش كلّ مسلم، مضافا إلى الإجماع و بعض مؤيّدات أخر، مع فحوى تسويغ خوف العطش على نفسه، بل التعدّي إلى خوف العطش على دابته و حمولته مما يتضرّر بتلفه، أو يحتاج إليه في سفره.

و إخراج ما لا يحتاج إليه في سفره و إن تضرّر به جريان على الشراء قياس باطل.

و لو خاف عطش دابة لم يحتج إليه و لم يتضرّر بعطشه، بأن أمكن انتفاعه بذبحه من غير تضرّر، ففيه تردّد: من جهة اندفاع الضرر و العسر به، و من صدق خوف العطش، إلّا أن يمنع تحقّق الخوف في مثله، فيرجّح الأول، و هو الأظهر.

و منه يظهر عدم التعدّي إلى الحربي و المرتدّ عن فطرة، و الحيوانات الغير المحترمة. و أمّا الذمّي ففيه نظر، و التعدّي أظهر، سيما إذا احتاج إلى رفاقته.

ثمَّ إنّ الخوف على العطش إنّما يكون مع تيقّن

عدم حصول ماء آخر أو ظنّه، بل الظاهر تحقّقه مع تساوي احتمال الحصول و عدمه. و أمّا إذا ظنّ الحصول فالظاهر عدم تحقّق الخوف و لا الحجر المسوّغين للتيمّم.

و التسويغ لأصالة عدم الحصول- كما قيل «1»- فاسد جدّا، لأن ذلك الأصل لا يدفع الظنّ المناقض للخوف الموجب للتسويغ. و كذا الحكم في احتمال حدوث العطش زمانا آخر.

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 385

الفصل الثاني: فيما يجوز به التيمّم، أي ما يتمّم به
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

يجوز التيمّم بالتراب، إجماعا، بل ضرورة. و تدلّ عليه الآية، لأنّ الصعيد إمّا التراب أو الأرض الصادقة عليه، و الأخبار المتواترة.

و لا فرق فيه بين ألوانه من الأسود و الأصفر و الأبيض و الأحمر، كالأرمني، بإجماع العلماء، كما في التذكرة «1»، لصدق الاسم.

و لا يشترط فيه أن يكون متفرق الأجزاء غير مستمسك بعضها ببعض، بل يصح بما كان مستمسكا أيضا، كالأرض الترابية الصلبة، لصدق التراب و عدم صحة سلبه عنها.

و أمّا المدر و اللبنة فلا يصدق عليهما التراب و إن جاز التيمّم بهما من جهة أخرى، كما يأتي.

الثانية:

الأكثر- على ما قيل- على جواز التيمّم بكلّ ما يصدق عليه اسم الأرض و إن لم يكن ترابا، و نسبه في التذكرة إلى أكثر علمائنا «2»، و في المنتهى إلى الأصحاب «3»، للأمر في الآية و الأخبار المتكثّرة جدّا بالتيمّم بالصعيد الذي هو وجه الأرض، كما في كلام جماعة من أهل اللغة، كصاحب العين و المحيط و الأساس و الخلاص و ثعلب و ابن الأعرابي و الراغب و الشامي و الزجاج مدّعيا عدم الخلاف في ذلك بين أهل اللغة «4»، و يظهر من الأخبار، كالمرويين في فقه الرضا

______________________________

(1) التذكرة 1: 62.

(2) التذكرة 1: 62.

(3) المنتهى 1: 141.

(4) العين 1: 290، أساس البلاغة: 254، مفردات الراغب: 280، حكاه عن الزجاج في مقاييس اللغة 3: 287.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 386

و معاني الأخبار المفسّر أحدهما له بالموضع المرتفع «1»، و الآخر بالمرتفع من الأرض «2».

و للتصريح بجواز التيمّم على الأرض في جملة من الأخبار، كصحيحة ابن سنان: «إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض» «3».

و صحيحة الحلبي: «إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض

فليتيمّم» «4».

و في صحيحة محمد: «فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» «5».

و في صحيحة ليث: «تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثمَّ تنفضهما» «6».

و المستفيضة الواردة في التيمّم البياني و أنه ضرب بيده على الأرض «7»، و المصرّحة بكون الأرض مسجدا و طهورا «8».

و يضعّف الأول: بمنع كون الصعيد مطلق وجه الأرض، بل يجوز أن يكون هو التراب الخالص، كما صرّح به جماعة أخرى من اللغويين، كما في الصحاح و المجمل- لابن الفارس- و المفصل و المقاييس [1]، و شمس العلوم و الديوان و نظام الغريب و الزينة- لأبي حاتم- و الجمهرة، و عن ابن عباس

______________________________

[1] الصحاح 2: 498، مجمل اللغة 3: 226 و قال: الصعيد: التراب في كتاب الخليل، و الصعيد:

الأرض المستوية، مقاييس اللغة 3: 287.

______________________________

(1) معاني الأخبار: 283.

(2) فقه الرضا (ع): 90 المستدرك 2: 528 أبواب التيمم ب 5 ح 2.

(3) التهذيب 1: 193- 556، الاستبصار 1: 159- 549، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.

(4) الفقيه 1: 57- 213، المحاسن: 372- 133، الوسائل 3: 343 أبواب التيمم ب 3 ح 1.

(5) الكافي 3: 63 الطهارة ب 42 ح 1، التهذيب 1: 203- 588، الاستبصار 1: 165- 573، الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.

(6) التهذيب 1: 209- 608، الاستبصار 1: 171- 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.

(7) الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.

(8) الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 387

و الأصمعي و أبي عبيدة، و ربما ظهر من القاموس و مجمع البحرين «1» و الكنز: الميل إليه، و الظاهر من السيد أنه المعروف

من اللغويين «2»، و فسّره النيشابوري به أيضا «3»، و كذا الشيخ في النهاية «4»، و نسبه بعض مشايخنا إلى كثير من فقهائنا بل أكثرهم «5».

و بهذه الأقوال تعارض أقوال المفسّرين له بالأرض، و يخرج الأخير عن الحجية، مع أنّ الأول هو الظاهر من الآية «6»، لظهور عود الضمير المجرور ب «من» إلى الصعيد، و لا ينافيه إرجاعه في الصحيح إلى التيمم «7»، لظهور أنّ المراد به ما يتيمّم به.

و يؤيّده: قوله في صحيحة زرارة: ثمَّ أهوى بيده إلى الأرض فوضعهما على الصعيد «8».

و بهما يعارض الخبران «9»، مضافا إلى ضعفهما، مع أنّ الثابت منهما ليس إلّا الاستعمال الأعم من الحقيقة، بل لا شك في كونه مجازا، لمخالفته لكلمات جميع أهل اللغة، و مع أنّ في المرتفع من الأرض و الموضع المرتفع عموما يوجب الإجمال في المراد المسقط للاستدلال.

و ترجيح جعله اسما للأرض بعد الترديد دفعا للاشتراك و المجاز- كما في

______________________________

(1) القاموس المحيط 1: 318 قال: الصعيد: التراب أو وجه الأرض، مجمع البحرين 3: 85.

(2) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، و حكاه عنه في شرح المفاتيح: (المخطوط).

(3) تفسير النيسابوري 5: 58 (المطبوع في حاشية تفسير الطبري).

(4) النهاية: 48.

(5) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(6) فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ . المائدة: 6.

(7) صحيحة زرارة: انظر الوسائل 3: 364 أبواب التيمم ب 13 ح 1.

(8) الفقيه 1: 57- 212، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.

(9) و هما المرويان في فقه الرضا (ع) و معاني الأخبار، و قد تقدما في ص 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 388

المعتبر «1»- مبني على ترجيح الاشتراك المعنوي، و هو مطلقا ممنوع، كما بيّنّاه في الأصول.

و الثاني: بوجوب

إرادة التراب من الأرض، للمروي في الخصال و العلل، بإسنادهما عن جابر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «قال اللّه عز و جل:

جعلت لك و لأمتك الأرض كلّها مسجدا و ترابها طهورا» «2».

و في الناصريات و التذكرة و غيرهما من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا» «3».

فإنهما دلّا على عدم كون الأرض طهورا، لا باعتبار مفهوم اللقب، كما توهّمه المحقّق فردّه بذلك «4»، بل باعتبار اقتضاء التفصيل لقطع الشركة.

و لا يعارضه ما ورد بذلك المضمون من غير ذكر: «و ترابها» «5»، لأنّ غايته الإطلاق الواجب تقييده بعد وجود المقيد.

و لا يضرّ ضعف إسنادهما، مع أنّ بعض متأخّري المحدّثين وصف الحديث بالمشهور «6»، فضعفه به مجبور، مضافا إلى أن عدم عمل السيد بخبر الآحاد معروف، فاحتجاجه به دليل على قطعيته عنده «7».

و لصحيحتي رفاعة و ابن المغيرة:

______________________________

(1) المعتبر 1: 373.

(2) الخصال: 425، و علل الشرائع: 127- 3، و عنهما في مستدرك الوسائل 2: 529 أحكام التيمم ب 5 ح 3.

(3) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، و التذكرة 1: 62، و نقله أيضا في غوالي اللئالي 2:

208- 130، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 530 أحكام التيمم ب 5 ح 8.

(4) المعتبر 1: 373.

(5) انظر الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 7.

(6) قال الشيخ البهائي في الحبل المتين: 90، في مقام بيان احتجاج السيد المرتضى: اشتهر من قوله صلّى اللّه عليه و آله: جعلت ..

(7) كما احتج به في المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 389

الأولى: «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء، فانظر أجفّ موضع تجده [فتيمّم منه ] فإنّ

ذلك توسيع من اللّه، فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شي ء مغبر، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم به» «1» و قريبة منها الثانية «2».

دلّتا بالمفهوم على عدم كفاية غير التراب و الماء مع وجودهما، و أنه لا يكفي الطين الذي هو أيضا من الأرض اختيارا، فيكون إطلاق الأرض في بعض الروايات مقيّدا قطعا.

و يؤيّده انصراف مطلقها إلى التراب، دون غيره من الحجر و نحوه، لندرته، و غلبة التراب، و أكمليته في الأرضية.

و منه يظهر إمكان حمل قول من فسّر الصعيد بالأرض على التراب، بل هو الظاهر من دعوى الزجاج المتقدمة «3»، إذ لو حمل مراده على مطلق الأرض لكان مخالفا لكثير من اللغويين، و يبعد غايته عدم وقوفه على كلامهم أو عدم اعتنائه بهم.

و ممّا يؤيّد كون المراد بالأرض التراب: تصريحهم عليهم السلام بالتراب في روايات أخر، و الأخبار الدالّة على اشتراط العلوق، و الآمرة بالنفض.

هذا، مع عدم نهوض كثير من المطلقات المذكورة لإثبات مطلوبهم، كصحيحة ابن سنان «4»، فإنّها لتضمّنها لفظة «من» ظاهرة في التراب، فإنه الذي يمكن فيه المسح بنفض منه.

______________________________

(1) التهذيب 1: 189- 546، الاستبصار 1: 156- 539، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 4، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 4، الوسائل 3: 356 أبواب التيمم ب 9 ح 10.

(3) في ص 385.

(4) المتقدمة في ص 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 390

و لو سلّم إطلاقها لم يفد أيضا، لجواز أن يكون المراد بالطهور فيها الماء و التراب معا كما وقع التصريح به في الأخبار المتكثّرة، فيكون المطلق

كافيا بعد العجز، و لا كلام فيه هنا.

و أخبار التيمّمات البيانية «1»، فإنّ الإطلاق في الإخبار عن الواقعة لا يدلّ على كفاية جميع أفراد المطلق.

و صحيحة ليث «2»، فإنّ الأمر بالنفض فيها ظاهر في أنّ المراد التراب.

و إذ ظهر ضعف هذه الوجوه، و الأصل عدم توقيف التيمّم بمطلق ما يصدق عليه الأرض، فالحقّ: العدم، كما ذهب إليه جماعة منهم: السيد «3» و الحلبيان «4» و الإسكافي «5» و النافع «6»، بل يظهر من الناصريات الإجماع عليه «7».

الثالثة:

لا يجوز التيمم بالحجر، وفاقا للناصريات مدّعيا- ظاهرا- الإجماع عليه، و الإسكافي و نهاية الشيخ و السرائر و عن التهذيب و الغنية و الوسيلة و المراسم و الجامع «8»، بل- كما قيل- هو الظاهر من كلّ من اشترط العلوق «9»، و مال إليه شيخنا البهائي «10»، و نسبه جماعة إلى الأكثر، و بعض مشايخنا إلى الأعاظم، قال:

إنّ الأعاظم منعوا عنه، مع كثرتهم و كونهم المؤسّسين لمذهب الشيعة و رؤساءهم

______________________________

(1) انظر الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.

(2) المتقدمة في ص 386.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 26 و حكاه عن شرح الرسالة في المعتبر 1: 372.

(4) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 136، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(5) نقله عنه في الرياض 1: 75.

(6) المختصر النافع: 16.

(7) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.

(8) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، حكى عن الإسكافي في المختلف: 48، النهاية:

49، السرائر 1: 137، التهذيب 1: 192، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، الوسيلة: 71، المراسم: 53، الجامع للشرائع: 47.

(9) كما في الحدائق 4: 299، و الرياض 1: 75.

(10) الحبل المتين: 338.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص:

391

المشهورين و عمدهم المعروفين «1». و هو ظاهر في دعوى شهرة القدماء.

للأصل، و توقيفية العبادة، و تعليق الطهورية بالتراب، و صحيحتي رفاعة و ابن المغيرة السابقتين «2»، بل صحيحة ابن سنان بالتقريب المتقدّم «3»، و تؤيّده أدلّة العلوق و أخبار النفض.

خلافا للمحكي عن المبسوط و الخلاف و الجمل و المصباح و البيان و الدروس و اللمعة و الكفاية «4»، و اللوامع و المعتمد، و الفاضلين في غير النافع و النهاية «5» فتردّدا فيهما «6»، و نسب إلى الشهرة المتأخّرة بل المطلقة «7»، و عن الطبرسي في المجمع:

الإجماع عليه «8».

لاستصحاب جواز التيمّم عليه قبل التحجر، و صدق الأرض، و المرويين في الدعائم و نوادر الراوندي:

الأول: «و لا يجوز التيمّم بالجصّ و لا بالرماد و لا بالنورة، و يجزي بالصفا الثابت «9» في الأرض إذا كان عليه غبار و لم يكن مبلولا» «10».

و الثاني: فقيل له: أ يتمّم بالصفا الثابتة «11» على وجه الأرض؟ قال:

______________________________

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) في ص 389.

(3) راجع ص 389.

(4) المبسوط 1: 32، و الخلاف 1: 134، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 168، و مصباح المتهجد: 13، و البيان: 85، و الدروس: 1: 130، و اللمعة (الروضة 1): 154، و كفاية الأحكام: 8.

(5) المحقق في المعتبر 1: 376، و العلامة في التذكرة 1: 62، و التحرير 1: 21، و القواعد 1: 22، و المنتهى 1: 141.

(6) المختصر النافع: 16، و نهاية الاحكام 1: 198.

(7) كما في الحدائق 4: 293، و الرياض 1: 75.

(8) مجمع البيان 2: 52.

(9) في المصدر: النابت.

(10) دعائم الإسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 532 أحكام التيمم ب 5 ح 13.

(11) في المصدر: البالية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3،

ص: 392

«نعم» «1» و الصفا هو الحجر.

و رواية السكوني: عن التيمّم بالجصّ فقال: «نعم» فقيل: بالنورة؟

فقال: «نعم» فقيل: بالرماد؟ فقال: «لا إنّه ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر» «2» دلّت على أنّ الخروج من الأرض علّة لجواز التيمّم، و الحجر خرج منها.

و تجويز التيمّم باللبن في الموثّق «3»، و عدم القول بالفرق بينه و بين الحجر.

و قد يستظهر للجواز: بأنّ الحجر تراب اكتسبت رطوبة لزجة و عملت فيه الحرارة فأفادته استمساكا «4».

و يجاب عن الأول: بمنع كون كلّ حجر أصله ترابا، فلعلّه مخلوق أولا، أو متكوّن من الماء أو منه و من التراب معا، و على فرض التسليم يدفع استصحاب الجواز ببعض ما مرّ.

و عن الثاني: أولا بعدم معلومية كون الحجر أرضا فيتّجه منعه، بل ظاهر الإسكافي المنع من كونه منها «5»، و هو الظاهر من السرائر أيضا «6»، و صرّح بالمنع بعض المعاصرين «7». و دعوى الإجماع على كونه أرضا غير مسموعة، بل الظاهر عدم الصدق، لعدم التبادر، و صحة السلب عرفا.

و ثانيا بمنع الجواز في مطلق الأرض، كما مرّ.

و عن الروايتين الأوليين: بعدم حجّيتهما. و انجبارهما بدعوى الشهرة إنما كان إذا لم تعارضها دعواها على الخلاف، مع أنهما أعمّان من صورة فقد التراب،

______________________________

(1) نوادر الراوندي: 50، مستدرك الوسائل 2: 533 أحكام التيمم ب 6 ح 2.

(2) التهذيب 1: 187- 539، الوسائل 3: 352 أبواب التيمم ب 8 ح 1.

(3) موثقة سماعة الآتية في ص 399.

(4) كما في روض الجنان: 121.

(5) حكاه عنه في المختلف: 48.

(6) السرائر 1: 137.

(7) المحقق القمي في غنائم الأيام: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 393

فتخصّصان بها للصحيحين المتقدّمين «1».

و عن الثالثة: بأنّ مدلولها علّية عدم

الخروج لعدم الجواز، دون علّية الخروج للجواز.

و عن الأخير: بمنع الإجماع المركّب.

و عن الاستظهار: بمنع كونه ترابا، و لو صحّ ذلك جرى في المعادن أيضا.

ثمَّ إنه على ما اخترناه من عدم الجواز، فهل يختص بحال الاختيار، و يجوز مع فقد التراب التيمّم بالأحجار، كما هو صريح الشيخين و الديلمي و الحلّي و الوسيلة و الجامع «2»، و عليه الإجماع عن المختلف و الروضة «3»، أو يعمّ المنع، كما هو ظاهر إطلاق بعض المانعين «4»؟ الحقّ هو الأول، لخبري الدعائم و النوادر «5»، المنجبرين بما ذكر هنا قطعا، الخالي عن معارضة دعوى الشهرة على الخلاف في المورد.

قيل: إن صدق عليه اسم الأرض، جاز التيمّم به مع التراب أيضا، و إلّا امتنع مع فقده «6».

قلنا: يمكن أن يجوز مع فقده لا لصدق الأرض، بل لدليل آخر.

الرابعة:

لا يصح التيمّم بشي ء من المعادن غير التراب، أو الأرض أيضا على القول به، بالإجماع كما في المنتهى «7»، للأصل. و نسب الخلاف فيها إلى

______________________________

(1) و هما صحيحتا رفاعة و ابن المغيرة، راجع ص 389.

(2) المفيد في المقنعة: 60، الشيخ في النهاية: 49، الديلمي في المراسم: 53، الحلي في السرائر 1:

137، الوسيلة: 71، الجامع للشرائع: 47.

(3) المختلف: 48 و لم نعثر فيه على ادعاء الإجماع، الروضة البهية 1: 154.

(4) كالحلبي في الكافي في الفقه: 136، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(5) المتقدمين في ص 391.

(6) كما في المدارك 2: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    394     الرابعة: ..... ص : 393

(7) المنتهى 1: 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 394

العماني «1»، لخروجها من الأرض. و ضعفه ظاهر.

و لا بالرماد و إن كان من التراب، بالإجماع

المحقّق و المحكي في المنتهى «2» و غيره «3»، لما ذكر، و روايتي السكوني و الدعائم، المتقدّمتين «4»، و المروي في النوادر: «و لا يجوز بالرماد، لأنه لم يخرج من الأرض» «5».

و لا بالخزف و الآجر، وفاقا للإسكافي «6»، و المعتبر «7»، للأصل الخالي عن معارضة صدق التراب، أو الأرض على القول بالتجويز بها.

و ظاهر التذكرة الجواز «8»- و استشكل في المنتهى «9»- لاستصحاب الجواز، بل استصحاب الترابية للشك في زوالها.

و عورض باستصحاب الشغل «10».

و يضعّف بأن الأولين مزيلان للثاني.

فالصواب أن يجاب بمنع الصدق جدّا، و به يبطل أحد الاستصحابين الموجب لبطلان الآخر، لتغيّر الموضوع الذي هو التراب.

و لا بالوحل- و هو الطين الرقيق- اختيارا، بل و كذا مطلق الطين، وفاقا لجماعة منهم: شرح القواعد و المدارك «11» و اللوامع، للأصل المتقدم، و المفهوم في

______________________________

(1) حكاه عنه في المدارك 2: 200.

(2) المنتهى 1: 142.

(3) كما في المدارك 2: 200.

(4) في ص 391 و 392.

(5) نوادر الراوندي: 50، مستدرك الوسائل 2: 533 أحكام التيمم ب 6 ح 2.

(6) حكاه عنه في التذكرة 1: 62.

(7) المعتبر 1: 375.

(8) التذكرة 1: 62.

(9) المنتهى 1: 141.

(10) كما في الرياض 1: 76.

(11) جامع المقاصد 1: 481، المدارك 2: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 395

صحيحتي رفاعة و ابن المغيرة، المتقدّمتين «1»، و في موثّقتي زرارة و حسنة أبي بصير الآتية «2».

و به تقيّد إطلاقات بعض الروايات، كرواية زرارة: رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين، ما يصنع؟ قال: «يتيمم فإنه الصعيد» قلت: فإنّه راكب لا يمكنه النزول من خوف و ليس هو على وضوء، قال: «إن خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت

فليتيمّم، يضرب بيده على اللبد و البردعة [1] و يتيمّم و يصلّي» «3».

كما أنه يجب حمل قوله: «فإنه الصعيد» على أنه أصله و جزؤه المعظم، فيصح التيمّم به حال العذر، بقرينة ما في روايات أخر من أنه صعيد و ماء، فلا يصح الاحتجاج على الجواز المطلق به.

و هل يجوز التيمّم بالتراب الندي الغير البالغ حدّ صدق الطين حال الاختيار؟ الظاهر نعم، كما صرّح به المحقّق «4»، و الفاضل في التذكرة، بل نسبه فيه إلى علمائنا «5»، و ذهب إليه في شرح القواعد «6»، و اختاره والدي- رحمه اللّه- في اللوامع، لصدق التراب، بل و كذلك لو شك في خروجه عن الترابية، للاستصحاب.

و يظهر من بعض مشايخنا المحدّثين الميل إلى عدم جواز التيمّم بالتراب

______________________________

[1] البرذعة و البردعة: الحلس يلقى تحت الرحل. القاموس المحيط 3: 4.

______________________________

(1) في ص 389.

(2) في ص 401.

(3) التهذيب 1: 190- 547، الاستبصار 1: 156- 540، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 5.

(4) المعتبر 1: 374.

(5) التذكرة 1: 62.

(6) جامع المقاصد 1: 481.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 396

الرطب مع وجود الجاف «1»، للصحيحتين المتقدّمتين «2»، و الحكم فيهما بأنّ الانتقال إلى الأجف من باب التوسيع، و المرويين في نوادر الراوندي و الدعائم:

الأول: «من أخذته سماء شديدة و الأرض مبتلة فليتيمّم من غيرها [و لو] من غبار ثوبه أو غبار سرجه أو إكافه» [1] و الثاني: «من أصابته جنابة و الأرض مبتلة فلينفض لبده و ليتيمّم بغباره، كذلك قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السلام: لينفض ثوبه أو لبده أو إكافه إذا لم يجد ترابا طيبا» «3».

و الجواب أنّ المصرّح به في الصحيحين انتفاء التراب، فيكون المراد بالأجف

الطين الأجف أو شي ء آخر من اللبد و الثوب.

و الروايتان ضعيفتان غير صالحتين لتقييد مطلقات التراب و الأرض، مع أنّ قوله في الأخيرة: «إذا لم يجد ترابا» صريح في أن المراد الوصول إلى حد الطين.

نعم، يستفاد من الصحيحة وجوب تقديم الأجف فالأجف في صورة الانتقال إلى الطين، و هو كذلك.

الخامسة: يجوز التيمّم بأرض الجصّ و النورة قبل الإحراق،

على الأظهر المختار، عند الأكثر و منهم: المقنعة و المبسوط و الوسيلة و القواعد و الدروس و البيان «4»، و عن المهذّب أيضا في الأول «5»، كما عن الجامع و النافع في الثاني «6».

______________________________

[1] نوادر الراوندي: 53، مستدرك الوسائل 2: 534 أبواب التيمم ب 7 ح 3، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أو، و ما أثبتناه موافق للمصدر، و الإكاف: البرذعة. القاموس المحيط 3: 122.

______________________________

(1) الحدائق 4: 315.

(2) في ص 389.

(3) دعائم الإسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 534 أبواب التيمم ب 7 ح 4.

(4) المقنعة: 59، المبسوط 1: 32، الوسيلة: 71، القواعد 1: 22، الدروس 1: 130، البيان:

85.

(5) المهذب 1: 31.

(6) الجامع للشرائع: 47، المختصر النافع: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 397

لا لصدق الأرض كما قيل «1»، لما مرّ.

بل لرواية السكوني، المتقدّمة «2»، و المروي في النوادر: «يجوز التيمّم بالجصّ و النورة» «3» المنجبر ضعفهما- لو كان- بعمل الأكثر، كما نصّ عليه جمع ممّن تأخّر.

و لا تعارضهما رواية الدعائم، المذكورة «4»، لضعفها الخالي عن الجابر في المقام.

و كذا بعد الإحراق، على الأقوى، الموافق للمحكي عن مصباح السيد و المراسم و المعتبر و التذكرة و الذكرى فيهما «5»، و عن ظاهر النافع و الشرائع و التلخيص و التبصرة و نهاية الإحكام و صريح الوسيلة في الأول «6».

لإطلاق الخبرين، و استصحاب الجواز،

و صدق اسم الأرض عند القائل بكفايته.

خلافا للحلّي فمنع عنهما مطلقا «7»، للمعدنية.

و يضعّف: بعدم مانع في المعدن سوى الإجماع المعلوم انتفاؤه هنا، و الأصل الواضح اندفاعه بما مرّ.

و لنهاية الشيخ طاب ثراه «8»، فمنع في الاختيار، و لم أعثر على دليله.

و للمحكي عن الأكثر و منهم: المبسوط و المقنعة و السرائر «9»، و الإصباح،

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 62.

(2) في ص 392.

(3) نوادر الراوندي: 50، مستدرك الوسائل 2: 533 أحكام التيمم ب 6 ح 2.

(4) في ص 391.

(5) نقله عن مصباح السيد في المعتبر 1: 375، المراسم: 54، المعتبر 1: 375، التذكرة 1: 62، الذكرى: 21.

(6) المختصر النافع: 16، الشرائع: 47، التبصرة: 16، نهاية الاحكام 1: 199، الوسيلة: 71.

(7) السرائر 1: 137.

(8) النهاية: 49.

(9) المبسوط 1: 32، المقنعة: 59، السرائر 1: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 398

فمنعوا فيهما بعد الإحراق، و نهاية الإحكام و التلخيص و اللمعة و شرح القواعد «1»، ففي الثاني بعده، لضعف الخبرين [1]: و اختصاص الجابر بالقبل.

و لو سلّم فيعارضهما خبر الدعائم «2» المنجبر فيه و لو بالشهرة المحكية، كما يعارض استصحاب الجواز بأصالة عدمه و استصحاب الشغل.

و جوابه- بعد منع ضرر ضعف سند رواية السكوني عندنا- أنّ دعوى الشهرة على المنع من بعض المتأخّرين «3» تعارض نسبة بعض آخر الجواز المطلق إلى الأكثر «4»، و به يبقى خبر الدعائم خاليا عن الجابر، و رواية السكوني عن المعارض.

و بها يدفع استصحاب شغل الذمة و عدم الجواز، مع معارضتهما باستصحاب الجواز المزيل لهما المقدم عليهما.

و عن المنتهى و المختلف و في المدارك: الإحالة إلى صدق اسم الأرض «5».

و هو موجّه على اعتباره، و عدم اعتبار الخبرين.

و يجوز أيضا بالأرض

السبخة، و هي المالحة النشاشة، على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع في المعتبر «6»، لصدق التراب.

خلافا للمحكي عن الإسكافي فمنع عنها «7».

و لعلّه لما عن أبي عبيدة: أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه

______________________________

[1] أي خبر السكوني و الخبر المروي في النوادر، راجع ص 391 و 392.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 199، اللمعة (الروضة 1): 155، جامع المقاصد 1: 482.

(2) المتقدم في ص 391.

(3) المحقق السبزواري في الذخيرة: 98.

(4) الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 61.

(5) المنتهى 1: 142، المختلف: 48، المدارك 2: 201.

(6) المعتبر 1: 374.

(7) حكاه عنه في المختلف: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 399

رمل و لا سبخ [1]. و هو معارض بما مرّ في تفسير الصعيد «1».

أو للصحيح: «لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض، و لكنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان» «2».

و فيه: أنه ليس فيه ذكر السبخة، و إنّما فيه الرمل و الملح، و هو لا يقول بالمنع عن الأول، و لا كلام في المنع عن الثاني، لعدم صدق التراب.

و كذا بالمدر و منه اللبن، إجماعا محقّقا و محكيا في التذكرة «3»، له، و لصدق التراب كما صرّح به فيه، و موثّقة سماعة: عن رجل مرّت به جنازة و هو [على ] غير طهر، قال: «يضرب يديه على حائط لبن فيتيمّم» [2].

و الإيراد عليه: بأنه- لعدم اشتراط الطهارة في صلاة الجنازة- يمكن أن يكون ذلك تعبّدا لا طهورا كما في تيمّم النوم، و يؤيّده شمول الرواية بإطلاقها لحال وجود الماء، مدفوع: بالإجماع على عدم استحباب ذلك إلّا للطهورية و عدم استحباب غير الطهور. و شمولها لحال وجود الماء غير ضائر، إذ يمكن أن

تكون الصلاة تفوت باستعماله.

و بالبطحاء- و هو التراب اللين في سبيل الماء- بالإجماع، لصدق التراب.

و بالرمل، إجماعا أيضا، كما في المعتبر و التذكرة و شرح القواعد و اللوامع و ظاهر المنتهى «4»، له، و للصدق المذكور، و العامي المذكور في التذكرة و المنتهى- المجبور بما ذكر-: إنا نكون بأرض الرمل فتصيبنا الجنابة و الحيض و النفاس، فلا

______________________________

[1] كما نقله في الحبل المتين: 90، عن ابن دريد عن أبي عبيدة.

[2] الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 5، التهذيب 3: 203- 477، الوسائل 3: 111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) راجع ص 385.

(2) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 14، التهذيب 2: 304- 1231، علل الشرائع: 342- 5، الوسائل 5: 360 أبواب ما يسجد عليه ب 12 ح 1.

(3) التذكرة 1: 62.

(4) المعتبر 1: 374، التذكرة 1: 62، جامع المقاصد 1: 483، المنتهى 1: 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 400

نجد الماء أربعة أشهر و خمسة أشهر، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «عليكم بالأرض أو بأرضكم» [1].

و بتراب القبر ما لم يعلم نجاسته، و بالمستعمل، للأصل.

السادسة:

لا يجوز التيمّم بغير التراب أو الأرض- على اختلاف القولين- و سائر ما ذكر اختيارا و إن كان مغبرا، للأصل، و تعليق تجويز غيرهما مما جوّز في الأخبار بفقدهما.

خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط و نهاية الإحكام و الشرائع و القواعد «1»، فجوّزوا بالمغبر مع وجود الحجر الذي هو الأرض عندهم، مع قولهم بكفاية صدق اسم الأرض مطلقا.

و لظاهر السيد «2»، و استقواه في المنتهى «3»، و نسبه في المفاتيح إلى الإسكافي أيضا «4»- و كأنّه سهو كما قيل

«5»- فجوّز بالمغبر مع التراب، لكون الغبار ترابا.

و فيه منع واضح، لعدم التبادر، و صحة السلب، مع أنّ الغبار غير المغبر.

و منه يظهر رجوع النزاع إلى ترابية الغبار و عدمها.

السابعة:
اشارة

إذا لم يجد التراب يتيمّم بشي ء فيه غبار كالثوب و اللبد و عرف الدابة [2] و البساط و غيرها، و بالحجر و لو خلا عن الغبار، و بالطين و الوحل.

أمّا جوازه بالمغبر فبعد الإجماع المحقّق و المنقول في المعتبر و التذكرة «6»،

______________________________

[1] التذكرة 1: 62، المنتهى 1: 141، سنن البيهقي 1: 217 بتفاوت يسير.

[2] عرف الديك و الفرس و الدابة: منبت الشعر و الريش من العنق. لسان العرب 9: 241.

______________________________

(1) المبسوط 1: 32، نهاية الإحكام 1: 199، الشرائع 1: 48، القواعد 1: 23.

(2) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 26.

(3) المنتهى 1: 142.

(4) مفاتيح الشرائع 1: 61.

(5) شرح المفاتيح (المخطوط).

(6) المعتبر 1: 376، و التذكرة 1: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 401

لصحيحتي رفاعة و ابن المغيرة، المتقدّمتين «1»، و حسنة أبي بصير: «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به، فإنّ اللّه أولى بالعذر، إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر على أن تنفضه و تتيمّم به» «2».

و صحيحة زرارة: أ رأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟ قال: «يتيمّم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته، فإنّ فيها غبارا و يصلّي» «3».

و موثّقتي زرارة: «إن أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمّم من غباره أو من شي ء معه، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم به» [1].

و المرويين في الدعائم و النوادر، المتقدّمين

في المسألة الرابعة «4»، و رواية الدعائم، المتقدّمة في الثالثة «5»، و هي و إن كانت مطلقة بالنسبة إلى الاختيار و عدمه، إلّا أنّها ضعيفة في غير محل الانجبار.

و الاقتصار في بعض تلك الأخبار على اللبد أو مع الثوب أو مع السرج أو العرف، بعد عموم قوله في الصحيحتين: «أو شي ء مغبر» و في الموثّقتين: «أو من شي ء معه» و التعليل في صحيحة زرارة: «فإنّ فيها غبارا» غير ضائر. كما أنّ إطلاق بعضها بالنسبة إلى المغبر و غيره غير مفيد للتعميم، بعد التقييد في بعض

______________________________

[1] الأولى: التهذيب 1: 189- 545، الاستبصار 1: 158- 545، الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9 ح 2، الثانية: التهذيب 1: 191- 551، الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9 ح 2 بتفاوت في السند.

______________________________

(1) في ص 389.

(2) الكافي 3: 67 الطهارة ب 44 ح 1، التهذيب 1: 189- 543، الاستبصار 1: 156- 537، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 7.

(3) التهذيب 1: 189- 544، الاستبصار 1: 157- 541، مستطرفات السرائر: 73- 11، الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9 ح 1.

(4) راجع ص 396.

(5) راجع ص 391.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 402

آخر بالأمر بالتيمّم بالغبار أو المغبر، و الأمر في بعض بالنفض، مضافا إلى الإجماع.

و أمّا بالحجر و لو كان خاليا عن الغبار: فلرواية النوادر، السالفة في الثالثة «1»، و هي و إن كانت مطلقة بالنسبة إلى فقد التراب و وجوده، إلّا أنّ ضعفها مانع عن العمل بها في غير موضع الانجبار.

و أمّا بالطين و الوحل: فللمستفيضة المتقدّمة.

ثمَّ إنّه يترتّب المغبر و الحجر مع الطين، فالأولان مقدّمان على الثالث سواء كان و حلا أو غيره،

و لكن لا ترتيب بين الأولين، كما ليس بين الأشياء المغبرة.

أمّا الحكم الأول فهو المعروف من مذهب الأصحاب، بل في صريح المنتهى و ظاهر الذكرى: عليه الإجماع «2»، لتعليق تجويز التيمّم بالطين في الموثّقتين و الصحيحتين و الحسنة بحال لا يجد غيره ممّا ذكر في الروايات عموما أو خصوصا، فيدلّ بالمفهوم على عدم الجواز بدون تلك الحال.

مضافا إلى التصريح في الحسنة بأنه إنما هو إذا لم يكن معه ثوب أو لبد، و في الصحيحتين بتعيّن الأجف، و بذلك يقيّد إطلاق رواية ابن مطر «3».

خلافا للمحكي عن المهذّب و بعض المتأخّرين [1]، فقدّم الطين عليهما، لرواية زرارة، المتقدّمة في الرابعة «4».

و ردّه في المنتهى «5» تارة: بعدم الدلالة، لعدم التعرّض فيها لنفي التراب، فلعلّ التيمّم به. و هو تمحّل بعيد.

و اخرى: بالضعف، و هو كذلك سندا و عملا، فإنّ مضمونها مخالف

______________________________

[1] الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 61.

______________________________

(1) راجع ص 391.

(2) المنتهى 1: 143، الذكرى: 22.

(3) التهذيب 1: 190- 549، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 6.

(4) راجع ص 395.

(5) المنتهى 1: 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 403

للمعروف من مذهب الأصحاب المدّعى عليه الإجماع، فلا تكون حجة.

مع أنّ محط الاستدلال إن كان صدرها فهو مطلق يجب تقييده، و إن كان قوله: «فإنه راكب ..» فهو غير دالّ، لإمكان إرجاع الضمير إلى الرجل مطلقا، و كون الفاء للتعقيب الذكري، و يكون سؤالا عن راكب يخاف النزول سواء وجد التراب لو نزل أم لا، من غير أن يكون من تتمة سابقة، و يؤكّده قوله:

«و ليس على وضوء» و لو كان تتميما لما سبق لكان ذلك لغوا.

و لبعض مشايخنا المحقّقين، فقدّمه على الحجر، لما يأتي

[1].

و أمّا الثاني: فلثبوت جواز التيمّم بكلّ منهما مع فقد التراب، و الأصل عدم تعيّن أحدهما للتقديم.

فإن قيل: مقتضى الصحيحين [2] الرجوع إلى الأجف و المغبر، و لازمه عدم جواز الانتقال إلى غيرهما، و لو كان حجرا فيؤخّر.

قلنا: مقتضى رواية النوادر «1»- المنجبرة في المقام- جواز التيمّم بالحجر و لو مع وجود الأجف و المغبر فيعارضان، فيرجع إلى التخيير أو أصالة عدم التعيين، مع أنّ قوله: «أو من شي ء معه» [3] عام خرج عنه غير المغبر و الحجر بالإجماع، فيبقى الباقي.

خلافا للشيخ في النهاية و الحلّي، فقدّما الحجر الخالي عن الغبار «2».

و للديلمي فعكس «3»، و نسبه بعض مشايخنا إلى السيد أيضا و اختاره [4]، و لعلّه للصحيحين و ما بمعناهما الدالّين على الانتقال إلى الغبار بعد انتفاء التراب،

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

[2] صحيحتا رفاعة و ابن المغيرة، راجع ص 389.

[3] في موثقتي زرارة، راجع ص 401.

[4] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) المتقدمة في ص 391.

(2) النهاية: 49، الحلي في السرائر 1: 137.

(3) المراسم: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 404

و ضعف مستند الحجر، فيقتصر فيه على موضع الإجماع و هو بعد الغبار و الطين.

و بعد ما عرفت من جبر ضعف مستنده يظهر لك دفع ذلك.

و أمّا الثالث: فلظواهر النصوص المتقدّمة، وفاقا للمفيد «1» بل الأكثر، و خلافا لنهاية الشيخ، فقدّم اللبد و العرف على الثوب «2»، و للحلّي فعكس «3»، و لا نعرف لهما دليلا سوى ما في المنتهى للشيخ من كثرة وجود أجزاء التراب غالبا فيهما دون الثوب «4».

و ضعفه ظاهر، لمنع الكثرة أولا، و عدم اعتبارها ثانيا، لإطلاق النصوص.

و منه يظهر أنه لو كان هناك أشياء مغبرة و

كان بعضها أكثر غبارا لم يجب تقديمه.

خلافا للمحكي عن الثانيين «5»، و لا وجه له، كما لا وجه لما عن الإسكافي من تخصيص الغبار بما لم يكن على الحيوان «6»، مع أن ظاهر عرف الدابة صريح في ردّه، لعدم الفرق، فيجوز و لو كان الغبار على جسد نفسه.

و هل يشترط في المغبر كون غباره ممّا يتيمّم به من تراب و نحوه؟ الظاهر:

نعم، كما به صرّح جماعة منهم: السيد و الحلّي و الفاضل «7»، لا لأجل حمل إطلاق الأخبار على الغالب، لكون كل من الغلبة و الحمل محل النظر، بل لمنع كون غيره- كغبار الدقيق و الأشنان و نحوه- غبارا حقيقة لغة، و لا أقل من الشك، فلا يندفع أصالة اشتغال الذمة به.

______________________________

(1) المقنعة: 59.

(2) النهاية: 49.

(3) السرائر 1: 138.

(4) المنتهى 1: 142.

(5) المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 483، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 16.

(6) حكاه عنه في المختلف: 49.

(7) السيد في المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، و الحلي في السرائر 1: 138، الفاضل في المنتهى 1: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 405

و الغبار المركّب منهما و المشكوك فيه كغبار ما لا يتيمّم به، و الوجه ظاهر.

فروع:

أ: إن تمكن من تجفيف الطين و الوحل- و لو بطليه على الجسد ثمَّ فركه- حتى يجتمع التراب و يتيمّم به، وجب، تحصيلا لمقدمة الواجب المقدورة.

ب: لو أمكن جمع الغبار بنفض الثوب و مثله بحيث يجتمع به تراب صالح للتيمّم به، جاز قطعا.

و هل يجب مقدّما على التيمّم بالثوب و نحوه؟ الظاهر: نعم، لعدم تحقّق فقد التراب حينئذ، و وجوب تحصيل مقدمة الواجب.

و منع صدق التراب على الغبار المجتمع ضعيف، بل هو تراب عرفا، كما

يدلّ عليه كلام الديلمي «1»، و صرّح به بعض المحقّقين [1]، مع أنّ دلالة حسنة أبي بصير «2» على ذلك محتملة.

ج: الظاهر كفاية الغبار الكامن في المحل، و عدم اشتراط نفضة في التيمّم على الثوب و نحوه، لإطلاق الأخبار.

و قيل: يشترط «3»، للحسنة.

و دلالتها على الوجوب غير واضحة، مع أنه يمكن أن يكون المراد منها نفض الثوب و جمع غباره و التيمّم به، فيخرج عن المورد.

د: يجوز التيمّم بالغبار المتصاعد من الأرض المغصوبة، لعدم كونه مالا، و لكن لا يجوز إذا كان المحل المغبر مغصوبا.

و صريح الإسكافي اشتراط عدم كون المغبر نجسا «4»، و فيه نظر.

______________________________

[1] الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 145.

______________________________

(1) المراسم: 53.

(2) المتقدمة في ص 401.

(3) انظر جامع المقاصد 1: 483.

(4) حكاه عنه في المختلف: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 406

و كذا إذا كان الغبار متصاعدا من تراب نجس، لإطلاق الأخبار، و عدم معلومية تعدّي الإجماع- الذي هو دليل اشتراط طهارة المتيمّم به كما يأتي «1»- إلى هنا أيضا.

ه: الأصح في كيفية التيمّم بالطين و الوحل ما عن السرائر أنه كالتيمّم بالتراب «2»، لظاهر الأخبار.

و عن المقنعة و الخلاف و النهاية و المبسوط و المهذب: أنه يضع يديه ثمَّ يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى و يفرك طينهما حتى لا تبقى فيهما نداوة ثمَّ يمسح «3»، و علّل بكونه مقتضى ظاهر النصوص «4».

و فيه منع ظاهر، مع احتمال إخلاله بالموالاة.

و عن الوسيلة و التحرير: أنه يترك يديه بعد الضرب حتى ييبس ثمَّ ينفض و يتيمّم به «5».

و عن التذكرة و نهاية الإحكام: أنه الوجه إن لم يخف فوات الوقت، فإن خاف عمل بمذهب الشيخين «6».

و لا يخفى أنه قد يفوت به أيضا،

مع أنّ ما في الوسيلة ليس تيمّما بالطين، بل هو التجفيف و التيمّم بالتراب.

الثامنة:

لو لم يوجد إلّا الثلج فإن أمكن تحصيل الماء منه بإذابة أو عصر أو كسر أو وضع اليد عليه حتى يجتمع فيها يسير ماء يجري على الجسد أو يمسح به بحيث يجري ماؤه، وجبت الطهارة المائية و لم يجز التيمّم مطلقا، لصدق وجدان

______________________________

(1) انظر: ص 410.

(2) السرائر 1: 138.

(3) المقنعة: 59، الخلاف 1: 155، النهاية: 49، المبسوط 1: 32، المهذب 1: 31.

(4) كما في المعتبر 1: 377.

(5) الوسيلة: 71، التحرير 1: 22.

(6) التذكرة 1: 62، نهاية الإحكام 1: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 407

الماء، و عليه الإجماع في كلام الأصحاب.

و إن لم يمكن ذلك، و لا التطهّر منه بمثل الدهن، انتقل إلى التيمّم بالإجماع أيضا.

و إن أمكن الدهن به فهو إمّا بأخذ نداوة منه باليد و التدهين بها، أو بمسحه على الجسد.

فالأول يرجع إلى مسألة جواز الدهن في الطهارة و عدمه مطلقا أو اضطرارا، و لا خصوصية نصّا و لا خلاف للدهن بماء الثلج أو غيره، فلا وجه للتعرّض له هنا.

و كذا الثاني إن قلنا: إنّ الدهن المتنازع فيه سابقا أعم من الدهن بأخذ الماء أو من التمسّح بالشي ء الرطب و لو بمثل الثلج، و إن قلنا باختصاصه بالأول و عدم شمول الدهن لمثل ذلك، فيكون لاختصاصه بالذكر هنا وجه.

و الحقّ فيه: العدم، لأصالة عدم المشروعية، لعدم صدق الغسل، و لأنّ أجزاءه إمّا مقدّم على التيمّم، أو مؤخّر عنه.

فإن كان الأول، يدفعه: إطلاق الصحيحتين و الموثّقتين المتقدّمة [1].

و لا تعارضها صحيحة علي، المتقدّمة في مسألة حدّ الغسل من باب الوضوء «1»، لعدم حجيتها، لمخالفة عمل الأصحاب، إذ لم يقل

بالتطهر من الثلج إلّا الشيخان و ابنا حمزة و سعيد «2»، و هؤلاء صرّحوا بتأخّره عن التيمّم، فلا قائل بمدلولها، مع أنّ كلامهم صريح في أخذ النداوة باليد، و أمّا المسح بالجسد فلم يقل به أحد.

و على فرض الحجية فتتعارض مع الأربعة بالعموم من وجه، لاختصاص

______________________________

[1] صحيحتا رفاعة و ابن المغيرة، و موثقتا زرارة. راجع ص 389 و 401.

______________________________

(1) التهذيب 1: 192- 554، الاستبصار 1: 158- 547، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10 ح 3.

(2) المفيد في المقنعة: 59، الشيخ في النهاية: 47، ابن حمزة في الوسيلة: 71، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 47.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 408

الصحيحة بصورة القدرة على التطهّر بالثلج و عمومها بالنسبة إلى حصول الغسل و الجريان، و اختصاص الأربعة بما إذا لم يمكن الطهارة بماء الثلج قطعا، و عمومها بالإضافة إلى القدرة على التطهر بالثلج. و الترجيح للأربعة، لموافقتها مع قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً 5: 6 و مع قطع النظر عنه يرجع إلى أصالة عدم المشروعية و بقاء الاشتغال.

و إن كان الثاني يدفعه عدم الدليل.

و أما رواية محمد: عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلّا الثلج، قال:

«يغتسل بالثلج أو ماء النهر» «1» فظاهر في إجراء الماء، لأنّه المفهوم من الاغتسال، فتحمل على إذابة الثلج، و تدلّ عليه التسوية بينه و بين ماء النهر.

و أمّا رواية ابن شريح- المذكورة في باب الوضوء أيضا- فهي واردة في الجمد «2»، و الغالب فيه الجريان بعد مماسّة حرارة الجسد.

نعم لو قلنا بإمكان عدم الجريان مع الدلك أيضا و عدم التفرقة بين الثلج و الجمد- كما هما الظاهران- أمكن القول بالدلك بعد فقد ما يتيمّم به، لخروج حال إمكانه

بالمعارضة المتقدّمة، و لا بأس به حيث إنّه الأحوط بل الأظهر.

ثمَّ التيمّم المنتقل إليه بعد العجز عن إجراء ماء الثلج- المقدّم على الدلك- هل هو يختص بما مرّ من التراب و الغبار و الطين على الترتيب دون غيرها؟ أو يتيمّم بالثلج أيضا مؤخّرا عن الثلاثة أو مقدّما عليها كلا أو بعضا؟ الحقّ: الأول، وفاقا للحلّي «3» بل الأكثر، للأصل.

______________________________

(1) التهذيب 1: 191- 550، الاستبصار 1: 157- 542، الوسائل 3: 356 أبواب التيمم ب 10 ح 1.

(2) التهذيب 1: 191- 552، الاستبصار 1: 157- 543، مستطرفات السرائر: 108- 57، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10 ح 2.

(3) السرائر 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 409

و خلافا للإسكافي و السيد في المصباح «1» و الإصباح و المراسم «2»، فيتيمّم به.

و الظاهر منهم تأخيره عن الثلاثة، لصحيحة محمد: عن رجل أجنب في سفر و لم يجد إلّا الثلج أو ماء جامدا، قال: «هو بمنزلة الضرورة يتيمّم» «3».

و يجاب عنه: باحتمال أن يكون المراد: و لم يجد من جنس الماء، لا من الماء و ما يتيمّم به، لعدم مرجّح للمقدّر، فيكون التيمّم المأمور به بالتراب، مع أنه يمكن أن يكون مرادهم من التيمّم التمسّح بنداوته بأعضاء الطهارة كما قيل «4»، فتنتفي دلالة الصحيحة رأسا.

التاسعة:

لا يصح التيمّم بالتراب المغصوب إجماعا، كما في التذكرة و المنتهى «5»، للنهي المقتضي للفساد.

و لا بالتراب المباح في المكان المغصوب، لا للنهي عن الكون فيه، لأنّه ليس جزء التيمّم و لا شرطه [1].

و لا لاقتضاء الأمر بالخروج النهي عن ضدّه الخاص الذي هو التيمّم، لمنع كونه ضدّا له، بل هو أمر مقارن له و لتركه، فإن التيمّم يجتمع مع الخروج أيضا.

و

لا لأنّ المفهوم عرفا من الأمر بالتيمّم و النهي عن الغصب عدم الرضا بالتيمّم في المكان الغصبي، لأنّه تركيب جعلي، فنقول: يفهم الرضا بالتيمّم و النهي عن الغصب.

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: بل هو من ضروريات الجسم، غايته أنه مقدمة للتيمم، و التوصل بالمقدمة الحرام لا يبطل ذي المقدمة كما بين في الأصول.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي و السيد في المعتبر 1: 377.

(2) المراسم: 53.

(3) الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 1، التهذيب 1: 191- 553، الاستبصار 1: 158- 544، المحاسن: 372- 134، مستطرفات السرائر: 107- 54، الوسائل 3: 355 أبواب التيمم ب 9 ح 9.

(4) انظر جامع المقاصد 1: 485، و الرياض 1: 76.

(5) التذكرة 1: 62، المنتهى 1: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 410

و لا لأنّ حركة اليد حين رفعها من الأرض للمسح و للضرب تصرّف في الملك المغصوب، لأنّ هذه الأمور أيضا غير التيمّم.

بل لأنّ مسح الجبهة و الكفين عبارة عن إمرار اليد عليهما، و ذلك الإمرار تصرّف في الهواء المغصوب، فيكون منهيا عنه، و به يبطل المسح الذي هو عين التيمّم.

و على هذا فلو كان على موضع مغصوب و لكن أخرج رأسه و كفّيه منه و مسحهما، لا يبطل.

و لو حبس في مكان مغصوب و لم يجد ماء مباحا يصح استعماله، قال في شرح القواعد: يتيمّم بترابه و إن وجد غيره، لأنّ الإكراه أخرجه عن النهي، فصارت الأكوان مباحة، لامتناع التكليف بما لا يطاق، إلّا ما يلزم منه ضرر زائد على أصل الكون، و من ثمَّ جاز له أن يصلّي و ينام و يقوم «1». و هو كذلك.

و لا بالنجس إجماعا محقّقا و منقولا في

الناصريات و التذكرة «2»، و في المنتهى:

لا نعرف فيه مخالفا «3»، و في المدارك: إنه مذهب الأصحاب «4»، له، و لقوله سبحانه صَعِيداً طَيِّباً 5: 6.

و المراد بالطيّب و إن لم يتعيّن لغة أنه الطاهر، و كثير من المفسّرين- بل أكثرهم- فسّروه به، و بعضهم بالحلال، و بعض بما ينبت منه النبات «5»، و لكنه محتمل الإرادة.

و صدق الطيب اللغوي بجميع معانيه على النجس غير معلوم، فيكون مجملا و به تقيّد المطلقات، و المقيّد بالمجمل ليس بحجة في موضع الإجمال، فيؤخذ فيما هو خلاف الأصل- و هو إباحة ما يشترط الطهور فيه- بالمتيقّن، و هو الطاهر.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 480.

(2) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، التذكرة 1: 62.

(3) المنتهى 1: 144.

(4) المدارك 2: 204.

(5) انظر: تفسير الطبري 6: 88، و التبيان 3: 207، و مجمع البيان 2: 52، و الدر المنثور 2:

167.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 411

و قد يستدلّ أيضا: بالروايات المتضمّنة لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «و جعلت لي الأرض- أو ترابها- طهورا» «1» حيث إنّ الطهور في اللغة: الطاهر المطهّر «2».

و ضعفه ظاهر، فإنّه لا يدلّ على اشتراط مطهّريته.

و يتعدّى الحكم إلى غير التراب بالإجماع المركّب.

العاشرة:

إذا امتزج بما يتيمّم به- كالتراب- ما لا يتيمّم به، فإن كان الخليط مستهلكا غير موجب لسلب اسم التراب، يصح التيمّم به، و إلّا لم يصح و إن غلب التراب، كما صرح به في الخلاف «3».

و لو دخل فيه ما لا يعلّق بالكف كالتبن و الشعير و الشعر، قال في المنتهى:

يجوز التيمّم به، لصدق وجود التراب و عدم منع ما فيه من التصاق اليد به «4».

و استشكله في المدارك، لاعتبار مماسة باطن الكفين بأسرهما

بالصعيد، و ما أصاب الخليط لا يماس التراب «5».

و فيه نظر سيظهر وجهه.

الحادية عشرة:

يستحب أن يكون التيمّم بعوالي الأرض و رباها، لتفسير الصعيد في معاني الأخبار و الرضوي بالموضع المرتفع «6». و أن لا يكون من أثر الطريق، لرواية غياث «7».

و يكره بالسبخة و الرمل كما صرّح به الأكثر، و هو كاف في إثبات الكراهة.

______________________________

(1) راجع ص 388.

(2) كما في روض الجنان: 120، و الحدائق 4: 312.

(3) الخلاف 1: 136.

(4) المنتهى 1: 142.

(5) المدارك 2: 205.

(6) معاني الأخبار: 283، و فقه الرضا (ع): 90، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 528 أحكام التيمم ب 5 ح 2.

(7) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 6، التهذيب 1: 187- 538، الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 412

الفصل الثالث: فيما يشرع له التيمّم
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

مشروعية التيمّم للصلاة عند تعذّر المائية إجماعية، بل ضرورية دينية منصوصة كتابا و سنة.

و لا فرق فيها بين الحاضرة و الفائتة، لعموم الآيتين، و رواية أبي همام:

«يتيمّم لكلّ صلاة حتى يوجد الماء» «1» و سائر المطلقات و العمومات.

و لا بين اليومية و غيرها، كالجمعة و العيدين و الآيات و المنذورة، و لا بين الواجبة و النافلة المرتبة و غيرها، ذات السبب و المبتدأة، بلا خلاف ظاهر في شي ء منها، لما ذكر.

و كذا يشرع لكلّ ما تجب له المائية و يبيحه عند تعذّرها، وفاقا للمعظم، كالشيخ في المبسوط و الجمل و العقود «2»، و الإصباح و المعتبر و الشرائع و الجامع و المنتهى و التذكرة و القواعد و البيان و روض الجنان و الكركي «3»، بل في المعتبر: عليه إجماع علماء الإسلام، و في اللوامع و المعتمد: نقل الإجماع عن الفاضل أيضا «4»، و في موضع من الحدائق: إنّ المشهور أنّ التيمّم يبيح ما تبيحه المائية مطلقا، و في موضع آخر منه: إنّ عليه الأصحاب «5»، و في التذكرة نفى الخلاف عن استباحة

______________________________

(1) التهذيب 1: 201- 583، الاستبصار 1: 163- 568، الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20 ح 4.

(2) المبسوط 1: 30، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 169.

(3) المعتبر 1: 407، الشرائع 1: 50، الجامع للشرائع: 46، المنتهى 1: 154، التذكرة 1: 64، القواعد 1: 23، البيان: 87، روض الجنان: 130، الكركي في جامع المقاصد 1: 550.

(4) التذكرة 1: 64.

(5) الحدائق 4: 370 و 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 413

المسّ و التلاوة «1».

للرضوي- المنجبر ضعفه بما مرّ-: «و التيمّم غسل المضطر و وضوؤه» «2» فإنّ من وجب عليه المشروط بالمائية

و لم يتمكّن منها مضطر، و عمومه الجنسي يشمل جميع أفراده، و يلزمه كونه مبيحا لكلّ ما تبيحه، إذ بفرض وجوبه و لو بالنذر يباح بالتيمّم، فكذا قبله، لعدم الفصل قطعا.

و تدلّ عليه في خصوص اللبث في المساجد الآية أيضا، حيث نهي فيها عن قرب الصلاة التي أريد بها المسجد- كما ورد في الأخبار «3»- إلّا عبورا حتى يغتسل، ثمَّ قال وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى 4: 43 .. «4» فدلّ على الجواز بعد التيمّم.

و تؤيّد المطلوب: استفاضة النصوص بطهورية التراب، و أنّه أحد الطهورين، و أنّ اللّه جعله طهورا كما جعل الماء طهورا «5»، و في الصحيح: أنه بمنزلة الماء، و في خبر أبي ذر: «يكفيك الصعيد عشر سنين» «6» و أن ما يبيح أعظم العبادات يبيح غيره بطريق أولى، و ما ورد في الأخبار الكثيرة من إطلاق الأمر بالتيمّم لذوي الأعذار، و صحيحة زرارة في رجل يتيمّم: «يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء» «7».

و جعل هذه أدلّة- ككثير منهم- غير جيّد.

خلافا للمحكي عن فخر المحقّقين في استباحة اللبث، لقوله سبحانه:

______________________________

(1) التذكرة 1: 65.

(2) فقه الرضا (ع): 88.

(3) انظر: الوسائل 3: 205 أبواب الجنابة ب 15.

(4) النساء: 43.

(5) انظر: الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23.

(6) الفقيه 1: 59- 221، التهذيب 1: 199- 578، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 12.

(7) التهذيب 1: 200- 579، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 23 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 414

حَتَّى تَغْتَسِلُوا و مسّ المصحف، لعدم فصل الأمة بينهما «1».

و فيه: أنه لا ينافي ثبوت البدلية بدلالة خارجة، مع أنها تثبت بدلالة متّصلة، كما مرّ.

و لصاحب المدارك، فقال بأنه يبيح ما يبيحه مطلق

الطهارة، كالصلاة، لقوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور» «2» و مسّ المصحف، لقوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «3» دون ما يتوقّف على نوع خاص منها كصوم الجنب، إذ المستفاد من الأخبار أنه طهور، و كالماء في الطهورية، فيكفي فيما يتوقّف عليها دون ما يتوقّف على خصوص الوضوء أو الغسل، لعدم ثبوت بدليته عنهما عموما «4».

و فيه- مع توقّفه على ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة، ثمَّ كونها مشتركة معنوية بين الثلاثة-: أنّ هذا إنّما يتمّ لو أريد من الطهارة فيما تبيحه مطلقها، و هو باطل جزما، لعدم كفاية المطلق، لتعيّن المائية مع التمكّن منها، فيكون المراد منها الفرد الخاص لا القدر المشترك، فلا يفيد.

و القول بأنّ التيمّم مع وجود الماء ليس طهورا، فالمراد مطلقها أي ما يحصل به الطهر، سواء كان تيمّما كما في بعض الأوقات، أو وضوءا كما في بعض آخر، أو غسلا كما في ثالث، مدفوع: بأنه إنما يفيد لو ثبت طهورية التيمّم عند فقد الماء مطلقا أيضا، و هو محل النزاع.

الثانية:

ظاهر نهاية الإحكام أنّ التيمّم يستحب لكلّ ما يستحب له

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 66 و 67.

(2) التهذيب 1: 49- 144، الاستبصار 1: 55- 160، الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.

(3) الواقعة: 79.

(4) المدارك 1: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 415

الوضوء و الغسل عند تعذّرهما «1»، و به صرّح الأردبيلي «2» و والدي العلّامة رحمه اللّه، و بعض مشايخنا المحقّقين [1]، و بعض سادة مشايخنا في منظومته «3»، و الحدائق، و نسبه فيه إلى المشهور «4».

و هو الحقّ، لكفاية فتوى هؤلاء مع الشهرة المحكية في إثبات الاستحباب، و لذا قال الشيخ علي في شرح القواعد: و الحقّ

أنّ ما ورد به النصّ أو ذكره من يوثق به من الأصحاب- كالتيمّم بدلا من وضوء الحائض للذكر- يصار إليه «5».

انتهى.

مضافا إلى الرضوي: «و صفة التيمّم للوضوء و الغسل من الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد» «6». فإن المستفاد منه مشروعية التيمّم المستلزمة لرجحانه في جميع أبواب الغسل، حيث إنّ الجمع المضاف مفيد للعموم.

و يثبت في جميع أبواب الوضوء أيضا بعدم الفصل، بل بما بعد قوله المتقدم:

«التيمّم غسل المضطر و وضوؤه»: «و هو نصف الوضوء من غير ضرورة إذا لم يجد الماء» «7» دلّ على أنه نصف الوضوء حين لا يوجد الماء مطلقا في غير حال الوجوب، و المراد نصفيته في الترغيب أو الثواب أو الفضيلة أو إضراب ذلك، و كلّ ما كان يفيد الرجحان، بل ذكره عليه السلام لذلك إنشاء لبيان الرجحان. و ضعفهما بعد جبرهما بما مرّ غير ضائر، مع أنّ المقام مقام المسامحة.

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 215.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 243.

(3) بحر العلوم في الدرة النجفية: 47.

(4) الحدائق 4: 370.

(5) جامع المقاصد 1: 79.

(6) فقه الرضا (ع): 88، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.

(7) فقه الرضا (ع): 88، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 416

و يؤيّد المطلوب: خبر أبي ذر «1»، و رواية المنزلة «2»، و نحوهما. خلافا للمنتهى في بحث الأغسال المستحبة، و المدارك، فقالا بعدم كونه بدلا عن الغسل المستحب أصلا، للأصل «3».

و للكركي، فخصّ البدلية بما كان مبدله رافعا «4»، و اختاره في روض الجنان في غير غسل الإحرام «5».

و عن

الشهيد التردّد في غير الرافع، لأخبار الطهورية في الرافع، و الأصل في غيره «6».

و للفاضل الخوانساري في شرح الدروس، فخصّها بما يستحب له مطلق الطهارة «7»، لمثل ما مرّ في المسألة السابقة «8».

و ضعف الكل يظهر ممّا ذكرنا.

الثالثة:

يجوز التيمّم لصلاة الجنازة لغير المتطهّر، و لو مع التمكن من استعمال الماء، على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع عن الخلاف و المنتهى و التذكرة «9».

و هو الحجة لكون المقام مقام المسامحة، مضافا إلى إطلاق موثّقة سماعة، السابقة في المسألة الخامسة من الفصل السابق «10»، و مرسلة حريز: «و الجنب يتيمّم

______________________________

(1) المتقدم في ص 413.

(2) التهذيب 1: 200- 581، الاستبصار 1: 163- 566، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23 ح 2.

(3) المنتهى 1: 132، المدارك 1: 24.

(4) جامع المقاصد 1: 79.

(5) روض الجنان: 20.

(6) الذكرى: 25.

(7) مشارق الشموس: 50.

(8) راجع ص 414 الرقم (4).

(9) الخلاف 1: 160، و المنتهى 1: 156، و التذكرة 1: 65.

(10) راجع ص 399.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 417

و يصلّي على الجنازة» «1».

خلافا للمحكي عن الإسكافي و المعتبر «2»، فخصّاه بخوف الفوت، تمسّكا بأصالة اشتراط عدم التمكّن من الماء في التيمّم، و صحيحة الحلبي: عن الرجل تدركه الجنازة و هو على غير وضوء، فإن ذهب يتوضّأ فاتته الصلاة، قال: «يتيمّم و يصلّي» «3» و تضعيفا للإجماع بكونه منقولا، و الموثّقة بوقف الراوي و إضمار الرواية.

و يضعّف الأول: بمنع ثبوت الأصالة عموما، و تخصيصها بما مرّ لو ثبتت.

و الثاني: بأنّ التقييد إنما هو في كلام الراوي، و هو لا ينافي ثبوت الإطلاق.

و الثالث: بعدم ضيره في مقام التسامح، مع عدم قدح الوقف و الإضمار بعد ثبوت العدالة و من مثل سماعة.

ثمَّ

جوازه إنما هو على الاستحباب دون الوجوب، لعدم نهوض ما ذكر لإثباته، مضافا إلى الإجماع على عدم وجوب الطهارة في تلك الصلاة.

و قيل: يستحب للنوم أيضا و لو مع وجود الماء «4»، بل في الحدائق: الظاهر أنه لا خلاف فيه، و في اللوامع أنه مجمع عليه.

و لكن المستفاد من بعض مشايخنا المحقّقين اختصاص القول به بجملة من متأخّري المتأخّرين [1].

احتجّ القائل بالاستحباب: بمرسلة الفقيه: «من تطهّر ثمَّ أوى إلى فراشه

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: قال- أي الوحيد البهبهاني- في شرحه على المفاتيح: و لم يذكر المصنف أن أحدا أفتى به، بل ظاهره أنه لم يفت به أحد، و الظاهر أنه كذلك، إلّا أن الظاهر من المصنف و لعل غيره أيضا من جملة متأخري المتأخرين أفتوا بالاستحباب مع وجود الماء مطلقا.

شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) الكافي 3: 179 الجنائز ب 50 ح 5، التهذيب 3: 204- 480، الوسائل 3: 112 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 2.

(2) المعتبر 1: 405، و حكاه عن الإسكافي في ص 404.

(3) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 2، الوسائل 3: 111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 6.

(4) كما في روض الجنان: 20، و المفاتيح 1: 60، و الحدائق 4: 411.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 418

باب و فراشه كمسجده، فإن ذكر أنه على غير وضوء فليتيمّم من دثاره كائنا ما كان» «1».

و لا يخفى أن مقتضاها اختصاص الاستحباب بحال تذكّره في فراشه عدم الوضوء، كما هو ظاهر مختار والدي قدس سره، لا مطلقا كما هو الظاهر من غيره.

و مع ذلك فهي معارضة بمفهوم الشرط في رواية أبي بصير و محمد، المروية في العلل و الخصال:

«لا ينام المسلم و هو جنب، و لا ينام إلّا على طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمّم بالصعيد» «2».

و لذا يظهر من بعض مشايخنا الميل إلى عدم جوازه إلّا مع العجز عن الماء «3».

إلّا أنه يمكن أن يقال: إنّ المرسلة- لاختصاصها بحال تذكّر عدم الوضوء في الفراش- أخصّ من وجه من الرواية فتساقطان، و الأصل و إن اقتضى عدم مشروعية التيمّم مطلقا، إلّا أنّ نفي الخلاف و الإجماع المنقول يكفيان لإثبات استحبابه، إلّا أنّهما يثبتانه في صورة التذكر في الفراش خاصة، لتعارضهما في غيرها مع الرواية النافية له.

ثمَّ إنّه لا تجوز الصلاة و سائر مشروطات الطهارة بذلك التيمّم و سابقة و إن حصل العجز بعد التيمم. و الوجه ظاهر.

نعم لو صادف العجز حال الفعل أيضا، جازت.

______________________________

(1) الفقيه 1: 296- 1353، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 2.

(2) علل الشرائع: 295- 1، الخصال: 613، الوسائل 2: 227 أبواب الجنابة ب 25 ح 3.

(3) كشف الغطاء: 169.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 419

الفصل الرابع:
اشارة

في كيفيته، أي أفعاله الواجبة، و هي أمور:

الأول: النية،

و وجوبها مجمع عليه، و هو- مع ما مرّ في الوضوء- دليل عليه.

و كيفيتها و ما يعتبر فيها و ما لا يعتبر و وجوب استدامتها حكما و المراد منها يظهر ممّا سبق [1].

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى:

اعلم أن الخلاف في نية الوجه و الاستباحة هنا كما سبق في الوضوء. و أما قصد رفع الحدث فلم يعتبر هنا عند الأكثر على اعتباره في المائية أيضا، لعدم ارتفاعه بالتيمم بالإجماع، كما عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة مؤيدا بقوله عليه السلام لمن تيمم من الجنابة لشدة البرد: «صليت بأصحابك و أنت جنب».

بل قيل بعدم جواز قصده و البطلان معه.

و عن الشهيد في قواعده: جواز نية الرفع إلى غاية معينة إما الحدث أو وجود الماء.

و قيل بجواز نية رفع المانع من الصلاة دون الحدث.

و أما القول بجواز نية رفع الماضي دون المقارن و اللاحق فهو في دائم الحدث كالمبطون و السلس دون المتيمم.

و قال والدي العلامة- رحمه اللّه-: إن الحدث يطلق تارة على نفس الناقض، و اخرى على الحال المعلولة له التي هي العلة لمنع الشارع، و ثالثة على نفس الممنوعية من العبادة. فالأول علة للثاني و الثاني للثالث. و لا ريب أن نية رفع الأول غير معقول، فالكلام في أحد الأخيرين. فإن كان المراد الثاني فلا يرتفع بالتراب، لأن واجد الماء بعد التيمم للجنابة- مثلا- بعده جنب قطعا مع أنه لم يحدث بسبب الجنابة و الحالة باقية قطعا، بخلاف المغتسل فإنه لا يجنب إلا بسبب جديد.

و إن كان الثالث فهو مرتفع بالتيمم و لا غاية له بل هو باق ما دام التيمم باقيا

كما في المائية، غاية الأمر ناقضية الماء للتيمم أيضا دونها.

فقول الشهيد بجواز الرفع إلى غاية، إن أراد رفعه بالمعنى الثاني فهو لا يرتفع، و إن أراد الثالث فهو في الماء و التراب على طريق واحد، غاية الأمر أن الممنوعية بسبب الحالة السابقة ترتفع في المائية مطلقا و في الترابية إلى غاية، و لكن هذا القيد غير معتبر في النية قطعا.

و أما القول الرابع، فإن أراد بالمانع المنع- كما قيل- يرجع إلى المعنى الثالث، و إن أراد الثاني فقد عرفت حاله.

و التحقيق ما ذكره الوالد قدس سره، إلا أنه يمكن أن يمنع حدوث الحالة الثانية، بل الحادثة هي الاولى و الثالثة فقط، و الأولى علة للثالثة، و كذا سائر ما رتبه الشارع من ارتفاع الممنوعية و عدم عودها ما لم يحدث حدث آخر، و ارتفاعها و عدم عودها مع ما ذكر أو وجود الماء مع الترابية.

ثمَّ إن في اعتبار نية البدلية عن الغسل أو الوضوء أقوال:

العدم، و الوجود، و التفصيل بالأول مع اختلاف كيفية التيمم و الثاني مع عدمه، و الوجود فيما يزيد المأمور به على ماهية الغسل كغسل الجمعة، فيلزم منه البدلية عنه دون غيره. و يظهر حقيقة الحال فيه مما مر في بحث الوضوء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 420

و وقتها- الذي لا يجوز التأخير عنه- عند ضرب اليد على المشهور، و لو [1] ضرب يديه على الأرض لسبب آخر- و لو راجح شرعا- ثمَّ أراد التيمّم يجب عليه ضرب آخر مع قصد التيمّم.

لا للأخبار الآمرة بضرب الكفّين، لأنّه- مع أنّ أكثر الأخبار الواردة في ذلك المضمار إنّما وردت بلفظ الإخبار الغير المفيد للوجوب- لا نزاع في وجوبه حتى من المخالف، فإنه يقول:

إنه واجب خارج عن التيمّم شرط له، و نقل الإجماع عليه جملة من الأصحاب «1»، فإثبات الوجوب لا يفيد في وجوب مقارنة نية التيمّم له. و ضمّ الأصلية في الوجوب المتوقّفة (صحته) [2] على النية باعتبار أنها الأصل في الوجوب أيضا غير مفيد، لأنّ لازمه وجوب مقارنة نية الضرب له دون التيمّم، و الظاهر أنه لا كلام فيه، و أنّ الفاضل- الذي هو المخالف- قال بوجوبه أيضا و لم يكتف بوضع اليد على الأرض لأجل القيام أو ضربها لقتل دويبة أو نحوه عن ضربة التيمّم، و إنما الكلام في نية التيمّم و محلها، و لا يفيد في ذلك وجوب الضرب و شرطيته، كما لا تجب نية الصلاة عند الوضوء.

بل لاستصحاب الممنوعية من الصلاة، و النصوص الدالّة على أنّ الضرب

______________________________

[1] في «ق»: فلو.

[2] ليست في «ق».

______________________________

(1) كالشهيد في الذكرى: 107، و الكركي في جامع المقاصد 1: 489، و صاحب المدارك 2: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 421

داخل في حقيقة التيمّم.

ففي صحيحة الكندي: «التيمّم ضربة للوجه و ضربة للكفين» «1».

و في صحيحة محمد: عن التيمم، قال: «مرتين مرتين للوجه و اليدين» «2».

و في صحيحة زرارة: قلت: كيف التيمّم؟ قال: «هو ضرب واحد للوضوء، و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما نفضة للوجه، و مرة لليدين» «3». الحديث.

و في الرضوي: «و صفة التيمّم للوضوء و الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد، و هو أن تضرب بيديك الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف، ثمَّ تضرب بها الأخرى فتمسح بها اليمنى إلى حد الزند» «4» الحديث.

فإنّ الحمل حقيقة في الاتّحاد المستلزم لجزئية أجزاء المحمول للموضوع الموجبة لوجوبها بإيجاب

الموضوع، إلّا أنّ في دلالة غير الرضوي المنجبر بالشهرة بل الإجماع المنقول نظرا يظهر وجهه في مسألة عدد الضربات.

خلافا للمحكي عن نهاية الإحكام للفاضل، فجعل الضرب خارجا عن التيمّم و نزّله منزلة أخذ الماء للمائية، و لذا يجوّز تأخير النية إلى مسح الجبهة «5»، بل لأكثر كتبه، كما صرّح به المحقّق الثاني في شرح القواعد «6».

______________________________

(1) التهذيب 1: 210- 609، الاستبصار 1: 171- 597، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 3.

(2) التهذيب 1: 210- 610، الاستبصار 1: 172- 598، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 1.

(3) التهذيب 1: 210- 611، الاستبصار 1: 172- 599، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 4.

(4) فقه الرضا (ع): 88، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.

(5) نهاية الإحكام 1: 204.

(6) جامع المقاصد 1: 490.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 422

لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا 4: 43 أي اقصدوا صعيدا، و هذا القصد خارج عن التيمّم قطعا و لم يذكر إلّا المسح، فلا يكون الضرب داخلا فيه.

و لقوله في رواية زرارة: «فليتيمم، يضرب بيده على اللبد و البرذعة و يتيمّم» «1».

و يردّ الأول: بأنّ عدم التصريح بوجوبه في الآية- سيما مع دلالتها عليه و لو تبعا- لا ينافي ثبوت وجوبه و جزئيته من غيرها.

و الثاني: بأنّ غايته استعمال التيمّم في سائر الأجزاء، و هو أعم من الحقيقة، و لا يعارض الحمل الذي هو حقيقة في الحقيقي.

مع أنّ كونه مستعملا في السائر غير معلوم، لأن غاية ما يقتضيه العطف مغايرته للمعطوف عليه، و يكفي فيها الجزئية و الكلية، كما يقال: توضّأ و نوى و كبّر و صلّى.

و

أيضا يمكن أن يكون المراد بقوله: «يضرب بيده» الضرب لظهور الغبار، فإنه مستحب أيضا.

الثاني: وضع اليدين على ما يتيمّم به،
اشارة

و لا نزاع في وجوبه بل هو مجمع عليه، فهو مع ما مرّ من مثبتات جزئيته يدلّ عليه. و إنما النزاع في أنه هل يكتفى فيه بمجرد الوضع، أو يجب الضرب أي ما يسمّى ضربا عرفا و هو ما يكون مع الدفع و الاعتماد، لا مجرّد الوضع المشتمل كما في كلام جماعة من المتأخّرين، لأنّه لا يستلزم صدق الضرب العرفي، و كأنهم أرادوا أيضا ذلك و إن كان كلامهم قاصرا؟

فصرّح الشهيد في الذكرى و الدروس «2»، و المحقّق الثاني في شرح القواعد «3»

______________________________

(1) التهذيب 1: 190- 547، الاستبصار 1: 156- 540، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 5.

(2) الذكرى: 108، الدروس 1: 132.

(3) جامع المقاصد 1: 489.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 423

و حاشية الإرشاد بالأول، و هو مختار الأردبيلي، قال: الظاهر أنه لا فرق بين الضرب و الوضع في الإجزاء، لوجودهما في الأخبار و عدم المنافاة بينهما بوجه، فلا يحمل أحدهما على الآخر «1».

و صرّح جماعة بالثاني «2»، بل نسبه جماعة- منهم والدي العلّامة رحمه اللّه- إلى المشهور، و يظهر اشتهاره من الذكرى أيضا «3».

و في كلام كثير منهم إجمال، كالنهاية و المبسوط و الجامع و الشرائع و المعتبر «4»، و أكثر كتب الفاضل «5»، حيث إنّهم عبّروا بالضرب و الوضع معا، فمنهم من عبّر بالضربة و الضربتين في مسألة عدد الضربات بعد التعبير بالوضع في ذكر الواجبات، و منهم من ذكر الأول في التيمّم بدل الوضوء و الثاني في بدل الغسل، و ظاهر أنه لا فرق بينهما، و لذا قال المحقق الثاني: و اختلاف عبارات الأصحاب

و الأخبار في التعبير بالوضع و الضرب يدلّ على أنّ المراد بهما واحد «6».

و كيف كان، فاستدلّ الأولون: بإطلاق الآية، و الأخبار البيانية المتضمّنة للوضع «7».

و الآخرون: بأصل الاشتغال، و الروايات المشتملة على الضرب «8»، و بها قيّدوا الآية و إطلاق الوضع، مضافا إلى أنّ أخبار الوضع حكاية للفعل، و نقل وقوع العام لا يستلزم صحة جميع أفراده، إذ الفعل المثبت لا عموم له.

أقول: هذا إنما يصح على القول بكون الوضع أعم من الضرب، و أمّا لو

______________________________

(1) مجمع الفائدة 1: 236.

(2) كالعلامة في المنتهى 1: 147، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 146، و المحقق السبزواري في كفاية الأحكام: 8.

(3) الذكرى: 108.

(4) النهاية: 49، المبسوط 1: 32، الجامع للشرائع: 46، الشرائع 1: 48، المعتبر 1: 389.

(5) كالمنتهى 1: 147، و التحرير 1: 22، و القواعد 1: 23.

(6) جامع المقاصد 1: 489.

(7) انظر: الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11.

(8) انظر: الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 424

قلنا بتباينهما، فوضع الإمام عليه السلام يدلّ على كفايته، و لا يكون هناك تقييد و إطلاق، بل يجب إمّا جعل الوضع مجازا في الضرب، كما هو محتمل، أو الأمر بالضرب في الاستحباب، كما هو غاية ما يثبت من الأخبار المتضمّنة له، لخلوّها عن لفظ دالّ على الوجوب.

نعم، في الرضوي: «اضرب بكفيك» «1» و هو صريح في الوجوب فيه، بعد جبر ضعفه بما مرّ من الشهرة المحكية، بل بما مرّ من الأخبار المصرّحة بأن التيمّم ضرب يمكن تقييد المطلقات على القول بأعمية الوضع، فالقول بتعيين الضرب- عليه- ثابت.

و أمّا على التباين فتتعارض أخبار الطرفين، و الحكم التخيير، كما ذهب إليه الأردبيلي. بل

هو قول كلّ من قال بكفاية الوضع، لجواز الاكتفاء بالضرب إجماعا و هو محتمل كلّ من عبّر بالأمرين.

و أمّا ترجيح أخبار الضرب بالشهرة، و بكونه لفظ المعصوم و الوضع لفظ الراوي «2»، فليس بجيّد عندي.

إلّا أنّ الأحوط العمل بالضرب، لإجماعيته. بل هو الأقوى مطلقا أيضا، إذ لو لم نقل بأعمية [الوضع ] [1] كما قاله الأكثر، فالتباين غير ثابت أيضا، سيما في الضرب اللازم في التيمّم المجزي فيه يسير دفع، فلا يعلم معارض مدافع لموجبات الضرب، فيجب العمل بها قطعا.

و يجب أن يكون الضرب بباطن الكفين، كما صرّح به في المقنعة و المراسم و السرائر و المهذّب و الذكرى و الدروس و البيان و شرح القواعد للمحقّق الثاني و المدارك «3»، بل المنتهى و التذكرة، حيث ذكر فيهما في الكيفية أنه يمسح ظهر

______________________________

[1] في النسخ: الضرب، و الصواب ما أثبتناه.

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 88، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.

(2) كما في كشف اللثام 1: 147.

(3) المقنعة: 62، المراسم: 54، السرائر 1: 136، المهذب 1: 47، الذكرى: 108، الدروس 1: 133، البيان: 86، جامع المقاصد 1: 490، المدارك 2: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 425

اليسرى ببطن اليمنى و بالعكس «1»، بل هو المشهور بين العلماء، بل صرّح بعض مشايخنا المحقّقين أنه وفاقي، و عليه عمل المسلمين في الأعصار و الأمصار من دون شك «2»، و هو كذلك.

و هو الحجة فيه، لا التبادر من الكف في الأخبار كما قيل «3»، لاستعمال الكف فيها في الأكثر في كلّ من الماسح و الممسوح مطلقا، و تصريح اللغويين «4» و الفقهاء بأنها اليد. و لا أنه المعهود من فعل الحجج، لكونه

في حيز المنع.

و لو تعذّر الباطن أجزأ الظاهر، لإطلاق الظواهر، خرج غير المعذور بما مرّ، فيبقى الباقي.

و استدلال بعض من ادّعى تبادر الباطن على إجزاء الظاهر للمعذور فيبقى الباقي.

و استدلال بعض من ادّعى تبادر الباطن على إجزاء الظاهر للمعذور بحديث «لا يسقط الميسور» «5» ضعيف.

و لو تعذّر الباطن من إحداهما ففي الاجتزاء بباطن الأخرى، أو ضمّ ظاهر الأولى إليه، أو كفاية الظاهر منهما حينئذ أوجه، أوجهها: أحد الأخيرين، للإطلاق المذكور.

و هل يتعيّن الثاني؟ فيه إشكال، لعدم معلومية الإجماع في هذا المقام.

و لو قطع إحدى الكفّين أو بعض إحداهما أو بعض كلّ منهما، ضرب بالباقي، للإطلاق السابق. و لو قطع المجموع منهما، سقط الضرب، للأصل.

و ظاهرهم وجوب معية اليدين في الضرب، فلو ضرب إحداهما و أتبعهما بالأخرى، لم يجز، لأنّه المفهوم من قوله في المعتبرة: «تضرب كفّيك» و «ضرب

______________________________

(1) المنتهى 1: 147، التذكرة 1: 63.

(2) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) انظر: الرياض 1: 79.

(4) كما في القاموس المحيط 3: 197، و لسان العرب 9: 301.

(5) كما في الرياض 1: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 426

بيديه» «1» و نحو ذلك. و في فهمه منه تأمل.

و لنحو قوله: «ضربة للوجه و ضربة للكفين» و في دلالته نظر.

مع أنّ في صحيحة محمد في الضربة الثانية أنه يضرب الشمال لليمين و اليمين للشمال «2»، و أفتى بمضمونها الصدوق في المجالس «3»، و لذا جعله المحقّق الأردبيلي الأحوط «4» المشعر بعدم الوجوب، و هو كذلك.

مسائل:
الأولى:

@@@الضرب في التيمّم مرة مطلقا، وفاقا للإسكافي و العماني «5»، و المفيد في العزّية [1]، و السيد في الجمل و شرح الرسالة و ظاهر الناصريات «6»، و الصدوق في ظاهر المقنع و الهداية

«7»، و القاضي [2] و الحلبيين [3]، و المعتبر و الذكرى

______________________________

[1] حكاه عنها في المختلف: 50، و الذكرى: 108، و توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: العزية بالعين المهملة و الزاء المعجمة: رسالة كتبها لعز الدولة.

[2] شرح الجمل: 61، و لكنه اختار في المهذب 1: 33 ضربتين في البدل من الغسل.

[3] أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 136، و لكنه قال بوجوب المرة في بدل الوضوء خاصة، و سيأتي قريبا ذكره في جملة القائلين بالتفصيل. و أما ابن زهرة فقال بأن مقتضى الاحتياط ضربتان في بدل الغسل راجع الغنية (الجوامع الفقهية): 555، فلا يبعد أن كلمة الحلبيين زيادة من الناسخ.

______________________________

(1) الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.

(2) التهذيب 1: 210- 612، الاستبصار 1: 172- 600، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12 ح 5.

(3) أمالي الصدوق: 515.

(4) مجمع الفائدة 1: 228.

(5) حكاه عنهما في المختلف: 50.

(6) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 25، و حكى عن شرح الرسالة في الذكرى:

108، المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.

(7) المقنع: 9، الهداية: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 427

و المدارك «1»، و حكته العامة عن علي «2»، و هو مختار معظم الثالثة كما في اللوامع.

للأصل، و الإطلاقات، و رواية الدعائم: قالوا صلوات اللّه عليهم:

«المتيمّم تجزيه ضربة واحدة يمسح بها وجهه و يديه» «3».

و ضعفها منجبر بالعمل و لو في الوضوء خاصة، و يتمّ المطلوب بما يأتي من الأخبار المصرّحة بتسوية التيمّم للوضوء و الغسل «4».

و يؤيّده خلوّ التيمّمات البيانية عن ضربة أخرى، و تصريح الراوي في بعضها بالوحدة «5»، و إن احتمل الاولى كونها بيانا للممسوح و الماسح دون جميع الأجزاء

و الشرائط، و لذا لم يذكر النية و بعض الشروط، أو كون ذكر الثانية مهملا من الرواة و لو كان إماما- كما في بعض روايات حكاية عمّار «6»- كإهمال ذكر البدأة بالأعلى و الضربات بالباطن و المسح بالظهر و غيرها.

و دعوى ظهور بعضها في كون الملحوظ بيانه اتّحاد الضرب و تعدّده، أو ظهور عدم نقل التعدّد في بيان العبادة في عدم لزومه، ممنوعة جدا. بل لا يبعد دعوى ظهورها في أنّ الغرض إمّا الرد على التمعك أو على المسح إلى الذراع أو كلّ الوجه أو تكرار المسح، و لذا وقع في بعضها الضرب على الأرض و في آخر على البساط، و في البعض المسح باليد، و في آخر بالأصابع، و في البعض صرّح في الممسوح بالظهر، و في الآخر لم يصرّح، إلى غير ذلك.

و احتمل الثاني كون الوحدة قيدا للمسح. و استبعاده- إذ ليس تعدّده محل توهّم- مردود بأنّ كونه كذلك في أمثال هذا الزمان بالإجماع و نحوه لا يوجب كونه كذلك في مبادي الأمر أيضا، فلعلّ فيها خفاء فيه.

______________________________

(1) المعتبر 1: 389، و الذكرى: 108، و المدارك 2: 232.

(2) كما في المغني و الشرح الكبير 1: 309.

(3) دعائم الإسلام 1: 121، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 538 أحكام التيمم ب 10 ح 2.

(4) انظر: ص 432.

(5) الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11.

(6) الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 428

خلافا للمحكي عن المفيد في الأركان «1»، و والد الصدوق في الرسالة [1]، و ولده في المجالس [2]، فقالوا: إنّه مرتان مطلقا. و اختاره صاحب المنتقى من المتأخّرين، و نقل أنه مذهب جماعة من قدماء الأصحاب «2»،

و نسبه في التبيان و مجمع البيان إلى قوم من أصحابنا «3».

لصحاح الكندي و محمد و زرارة، و الرضوي، المتقدّمة في النية «4»، و رواية ليث: «تضرب بكفّيك على الأرض مرتين» «5».

و يضعّف الثلاثة الأولى: بعدم الدلالة على الوجوب.

أما الأوليان: فلأنهما و إن تضمّنتا الحمل الذي هو حقيقة في الحقيقي المستلزم للوجوب، إلّا أنه لكون المحمول فيهما جزءا للتيمّم دون نفسه يكون الحمل تجوّزا خارجا عن حقيقته، و معه لا يثبت الوجوب لسعة دائرة المجاز.

و أمّا الثالثة: فلخلوّها عن الدالّ على الوجوب، و به يضعّف الخامسة أيضا.

و أمّا الرابعة: ففي نفسها ضعيفة، و عن الجابر في المقام خالية، إلّا أن يقال بانجبارها في الغسل بما يأتي، و يتمّ في الوضوء بأخبار التسوية.

و يجاب حينئذ بأنّ القول بالضربتين مطلقا محكي عن العامة «6»، فالرواية

______________________________

[1] حكاه عنه في المختلف: 50، و قال في الذكرى: 108 إن الفاضلين نقلا عنها- أي رسالة علي بن بابويه- اختيار الضربتين. ثمَّ نقل عبارتها و استفاد منها اعتبار ثلاث ضربات فراجع.

[2] الأمالي: 515، قال فيه: فإذا أراد الرجل أن يتيمم ضرب بيديه على الأرض مرة واحدة، ثمَّ ينفضهما فيمسح بهما وجهه، ثمَّ يضرب بيده اليسرى الأرض فيمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع، ثمَّ يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يساره من المرفق إلى أطراف الأصابع.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 108.

(2) منتقى الجمان 1: 351.

(3) التبيان 3: 208، و مجمع البيان 2: 52.

(4) راجع ص 421.

(5) التهذيب 1: 209- 608، الاستبصار 1: 171- 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.

(6) كما في بداية المجتهد 1: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 429

الدالّة عليه لهم موافقة، فتطرح (بعد

معارضتها مع ما مرّ من خبر المرة، مع أنه لو لا ترجيحه أيضا لكان المرجع إلى الأصل) [1]. و بهذا يجاب أيضا عن سائر الأخبار لو كانت فيها الدلالة.

و للمقنعة و مصباح الشيخ و نهايته و مبسوطه و الفقيه و الديلمي و الحلّي و الحلبي و ابن حمزة «1»، بل أكثر المتأخّرين، بل مطلقا كما قيل «2»، بل عن الأمالي و مجمع البيان و التهذيب و التبيان: الإجماع عليه «3». فقالوا بالمرة في بدل الوضوء و المرتين في بدل الغسل، للجمع بين أدلّة المرة و المرتين.

و خصوص صحيحة زرارة، المتقدّمة «4»، على جعل الواو فيها للاستئناف المقتضي لجعل ما بعدها مبتدأ و جعل «يضرب» خبرا له.

و ما في المنتهى، حيث قال: و روى- يعني الشيخ- في الصحيح، عن محمد ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ التيمّم من الوضوء مرّة واحدة و من الجنابة مرّتان» «5».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    429     مسائل: ..... ص : 426

ما نقل عن الحلبي و الصيمري أنهما قالا: إنّ بذلك القول روايات [2].

و صحيحة محمد الآتية «6».

و الإجماعات المنقولة.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق».

[2] لم نعثر على من نقل ذلك عنهما.

______________________________

(1) المقنعة: 62، و مصباح المتهجد: 13، و النهاية: 49، و المبسوط 1: 33، و الفقيه 1: 57، و الديلمي في المراسم: 54، و الحلي في السرائر 1: 137، و الحلبي في الكافي في الفقه: 136، و ابن حمزة في الوسيلة: 76.

(2) حكاه في مفتاح الكرامة 1: 546 عن كشف الالتباس و إرشاد الجعفرية.

(3) أمالي الصدوق: 515، و مجمع البيان 2: 52، و التهذيب 1: 211، و التبيان 3: 208.

(4) في ص 421.

(5)

المنتهى 1: 148، و عنه في الوسائل 3: 363 أبواب التيمم ب 12 ح 8.

(6) انظر: ص 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 430

و يردّ الأول: بما مرّ من عدم تمامية أخبار المرتين، و عدم تعيّن وجه الجمع في ذلك على فرض التمامية.

و الثاني:

باحتمال كون الواو للعطف، و يكون المعنى: التيمّم نوع واحد للوضوء و الغسل، إلى آخره، فيكون دليلا للمرتين مطلقا، و بعد الاحتمال لا يتمّ الاستدلال، كما لا يتمّ دليلا للمرتين أيضا لذلك، إلّا أن يقال: إنّه تتمّ دلالتها على المرتين في الغسل على الاحتمالين، و يعمل في الوضوء بالأصل، فتتمّ دلالتها على التفصيل، إلّا أنه لا دلالة فيها على الوجوب أصلا، فلا فائدة في التتميم.

و منه يظهر عدم دلالتها على ما نقلها في المعتبر أيضا من إيراد «ضربة واحدة» مكان «ضرب واحد» «1» و إن لم يستقم عليه الاحتمال الأخير، مع أنّ الموجود في كتب الأخبار «ضرب واحد» و كأنّ ما في المعتبر و النافع غفلة [1]، أو نقل بالمعنى مع فهمه الاحتمال الأول، أو سهو من النسّاخ.

و الثالث: بعدم دلالته على الوجوب إلّا باعتبار الحمل الذي عرفت حاله.

مضافا إلى ما فيه من الإجمال من جهة عدم ذكر متعلّق المرة و المرتين، فيحتمل أن يكون في المسح، كما صرّح بالوحدة فيه في صحيحة زرارة و غيرها «2»، أو التيمّم، أو غيرهما.

مع أن هذه الرواية لم توجد في شي ء من كتب الحديث، و لم ينقله غير الفاضل في كتب الاستدلال، و كأنّه- كما صرّح به جماعة «3»- و هم نشأ له من عبارة الشيخ [2].

______________________________

[1] لم ينقل في النافع تلك الرواية، و إنما المذكور فيه: في عدد الضربات أقوال أجودها: للوضوء ضربة

و للغسل اثنتان. النافع: 17.

[2] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: حيث إنه قال بعد جمع الأخبار بالتفصيل: مع أنا قد أوردنا خبرين مفسرين لهذه الأخبار أحدهما عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، و الآخر عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إن التيمم من الوضوء مرة واحدة و من الجنابة مرتان. (التهذيب 1: 211) و الخبر المروي عن ابن مسلم هو الخبر الآتي المتضمن بضربات ثلاث مطلقا، و كأنه نقل حاصل ما فهمه منه، فظن الفاضل أنه حديث آخر.

______________________________

(1) المعتبر 1: 388.

(2) التهذيب 1: 211 و 212- 613 و 614، الاستبصار 1: 171- 593 و 594، الوسائل 3:

359 و 360 أبواب التيمم ب 11 ح 3 و 6.

(3) كصاحب المنتقى 1: 352، و المدارك 2: 234، و الذخيرة: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 431

و الرابع: بأنّ صلاحيته فرع ملاحظة تلك الروايات و دلالتها.

و الخامس: بعدم الدلالة على التفرقة، كما يأتي.

و السادس: بعدم الحجية، مع أنّ عبارة غير الأمالي ليست نصّا في دعوى الإجماع [1]، و الظاهر من الأمالي الإجماع على وجوب التيمّم «1»، و لا تعلّق له بالمورد، و مع ذلك- لو سلّم- موهون بمصيره هو في كتابيه «2»، و والده [2]، و شيخه [3] إلى خلافه.

هذا كلّه، مع فساد هذا الجمع، و معارضة ما استدلّوا له بموثّقة الساباطي: عن التيمم من الوضوء و من الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟ قال:

«نعم» «3».

و حمل التسوية على التساوي في الوجوب ردّا على بعض العامة القائل بعدم جواز التيمّم للجنب «4»، أو في العدد ردّا على بعض آخر منهم

يقول بتعدّده للجنابة و الحيض «5»، خلاف الظاهر المتبادر، بل لا يلائمه لفظة «من» في قوله: «من

______________________________

[1] ففي التبيان و مجمع البيان: مذهبنا في التيمم .. و قريب منه في التهذيب. راجع ص 429 الهامش (4).

[2] حكى عن رسالته في الذكرى: 108، و قال: إنه لم يفرق بين الوضوء و الغسل.

[3] قال في الرياض 1: 78 .. و شيخه الكليني. و قال أيضا في مقام ذكر القائلين بالمرة مطلقا: و هو ظاهر الكليني لاقتصاره بذكر أخبار المرة. راجع الكافي 3: 61.

______________________________

(1) راجع ص 429.

(2) المقنع: 9، و الهداية: 18.

(3) الفقيه 1: 58- 215، التهذيب 1: 212- 617، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12 ح 6.

(4) الجامع لأحكام القرآن 5: 223.

(5) الانصاف 1: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 432

الوضوء و من الجنابة و من الحيض» لأنها تفيد مسلّمية البدلية في الكل، و أن التشكيك في الكيفية.

و بقوله في الرضوي المتقدم: «وصفه التيمّم للوضوء و الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد» «1».

و للمحكي عن بعض القدماء كما في اللوامع، و عن قوم منّا كما في المعتبر «2»، فأوجب ثلاث مرات.

فإن كان مراده ضرب مجموع اليدين ثلاثا، فلا مستند له.

و إن كان ضرب مجموعهما مرة للوجه ثمَّ اليسرى لليمنى و بالعكس- كما هو مختار والد الصدوق «3»، و عن المجالس كما مرّ «4»، و جوّز المحقّق العمل به و خيّر بينه و بين الجمع في الثانية «5»، و استحسنه بعض المتأخرين «6»- فمستنده صحيحة محمد: عن التيمّم، فضرب بكفّيه الأرض، ثمَّ مسح بهما وجهه، ثمَّ ضرب بشماله الأرض، فمسح بها مرفقه إلى طرف الأصابع، واحدة على ظهرها، و واحدة على بطنها، ثمَّ ضرب بيمينه الأرض،

ثمَّ صنع بشماله كما صنع بيمينه، ثمَّ قال: هذا التيمم على ما كان فيه الغسل. و في الوضوء الوجه و اليدين إلى المرفقين. و ألقى ما كان عليه مسح الرأس و القدمين «7».

و يضعّف بمعارضته ما مرّ، مع ندرة العامل بها الموجبة لشذوذها المخرج لها عن الحجية.

مضافا إلى عدم دلالتها على الوجوب إلّا من جهة الحمل الذي هو محمول

______________________________

(1) راجع ص 421.

(2) المعتبر 1: 388.

(3) راجع ص 426.

(4) راجع ص 428.

(5) المعتبر 1: 388.

(6) مدارك الأحكام 2: 232.

(7) التهذيب 1: 210- 612، الاستبصار 1: 172- 600، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 433

هنا على التجوّز أو التقية قطعا، لتضمّنها مسح الظهر من المرفقين.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر استحباب المرتين مطلقا.

الثانية: الأظهر اشتراط علوق التراب باليد، وفاقا للمحكي عن السيد «1»، و الإسكافي «2»، و أكثر الثالثة «3»، و هو مختار شيخنا البهائي و والده طاب ثراهما [1]، و والدي العلّامة و أكثر مشايخنا و معاصرينا قدّس أسرارهم [2].

لا لعموم البدلية و المنزلة، لمنعهما، مع أنهما لو سلّما ففي الأحكام دون كيفية الاستعمال. و لا لوجوب القطع بالبراءة، لحصوله من المطلقات. و لا لأنه مقتضى كون التراب طهورا، لمنع الاقتضاء، لكفاية توقّف التطهر على الضرب عليه في طهوريته.

بل لقوله جلّ شأنه فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «4» لرجوع الضمير إلى الصعيد، و كون لفظة «من» للتبعيض بحكم التبادر، كما يظهر من قولهم: مسحت رأسي من الماء و من الدهن، و صرّح به الزمخشري في تفسير الآية «5».

و جعلها لابتداء الغاية أو البدلية بإرجاع الضمير إلى الماء أو الوضوء و الغسل، أو السببية بإرجاعه إلى الحدث حيث يستفاد من

الكلام، أو إلى عدم وجدان الماء، بعيد غايته، بل مخالف لظاهر صحيحة زرارة، و فيها: من أين علمت و قلت: إنّ المسح ببعض الرأس و بعض القدم؟ فضحك ثمَّ قال: «يا

______________________________

[1] الحبل المتين: 89، و نقل فيه عن والده أيضا.

[2] كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، و صاحب كشف الغطاء: 167، و الرياض 1: 75.

______________________________

(1) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.

(2) نقله عنه في المختلف: 50.

(3) كالفيض في المفاتيح 1: 62، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 103، و صاحب الحدائق 4:

333.

(4) المائدة: 6.

(5) الكشاف 1: 515.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 434

زرارة قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نزل به الكتاب من اللّه، لأنّ اللّه يقول:

اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ» إلى أن قال: «ثمَّ قال: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ، فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض [1] الغسل مسحا، لأنه قال: بوجوهكم، ثمَّ وصل بها: و أيديكم منه، أي من ذلك التيمّم، لأنه علم أن ذلك أجمع لا يجري على الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلّق ببعضها» «1».

دلّ على أنّ المراد بالتيمّم المتيمّم به. لا لعدم إمكان إرادة المعنى الاصطلاحي حيث لم يتحقّق، و لا اللغوي، لبعده، لأنّ جزء الاصطلاحي قد تحقّق، و تسمية الجزء باسم الكل ممكنة، غايتها التجوّز اللازم في إرادة المتيمّم به أيضا.

بل لأنه ظاهر قوله: «لأنه علم ..» لأن الظاهر أنه تعليل لقوله: «من ذلك التيمّم» أي: لم أوجب المسح ببعض ذلك؟ لأنه علم أن ذلك كلّه لا يجري على الوجه، لأنه يعلّق من ذلك الصعيد المتيمّم به ببعض الكف و لا يعلّق ببعضها، فلا يكون كلّه

جاريا على الوجه، و هذا كالنص في كون «من» للتبعيض، و عود الضمير إلى الصعيد، فأمر بالمسح ببعضه، و هو لا يكون إلّا مع العلوق.

و جعل قوله: «لأنه» تعليلا لقوله: «قال بوجوهكم» الدالّ على وجوب مسح بعض الوجه بعيد بل غير مستقيم، لأنّ الصالح للعلية حينئذ عدم جريان الصعيد على كلّ الوجه لا عدم جريان كلّه عليه.

مع أنه لو صح لكان مفاده أنّ تبعيض الوجه لأجل أنه علم أنّ الصعيد لا يجري على الوجه لعلّته، و لازمه وجوب إجرائه على جميع موضع المسح، و إذا ضمّ

______________________________

[1] في التهذيب: بعوض.

______________________________

(1) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 4، الفقيه 1: 56- 212، التهذيب 1: 61- 168، الوسائل 3: 364 أبواب التيمم ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 435

ذلك مع قوله: «لأنه يعلّق ببعض الكف» يتحصّل منه وجوب مسح جميع أجزاء الممسوح بجميع أجزاء الماسح حتى يحصل العلم بمسح كلّ جزء بما فيه العلوق، و هو متعسّر بل متعذّر.

و قد يقال: إنّ جعله تعليلا لذلك أيضا كالنصّ على كون «من» للتبعيض و اشتراط العلوق «1». و فيه نظر [1].

و يدلّ على المطلوب أيضا قوله: «فليمسح من الأرض» كما في الصحيح «2».

و يؤيّده ما مرّ من جعله عليه السلام التراب أو الأرض طهورا في عدة أخبار «3»، فإنّ الظاهر منه كون نفس التراب مطهّرا، لا مجرّد الكف الخالي عنه بمجرّد ملاقاته له.

خلافا للمشهور كما قيل «4»، بل ظاهر المنتهى الإجماع عليه «5»، فلم يشترط العلوق، للأصل، و الإجماع على استحباب النفض المنافي للعلوق، و كون الصعيد وجه الأرض الصادق على الحجر الخالي عن الغبار، و كفاية الضربة الواحدة حيث إنّ الغالب فيها عدم بقاء

الغبار فيها لليدين.

و يندفع الأول: بما مرّ.

و الثاني: بمنع المنافاة كما لا ينافي تقليل الماء في المسح للوضوء، و لذا قال و الثاني: بمنع المنافاة كما لا ينافي تقليل الماء في المسح للوضوء، و لذا قال

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: إذ لا تعلّق حينئذ بقوله «من ذلك التيمم» فلا دلالة له على معنى من، غايته أنه يدل على أن علة تبعيض الوجه عدم إمكان إجراء العلوق على جميعه، و حيث لا يجب الاطراد في العلة يكفي فيها كونه كذلك في الجملة، كما قالوا في علة ضرب الدية على العاقلة إنها مما يفهم من القاتل في الجاهلية.

______________________________

(1) كما في الحدائق 4: 334.

(2) التهذيب 1: 197- 572، الاستبصار 1: 161- 558، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.

(3) راجع ص 388.

(4) كفاية الأحكام: 8.

(5) المنتهى 1: 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 436

باستحبابه من أوجب العلوق أيضا، بل ربما قيل: إنّه يدلّ على نقيض المطلوب، لأنّ النفض فرع العلوق «1».

و الثالث: بالمنع كما مرّ «2».

و قد يجاب عنه أيضا بأنّ كفاية مطلق وجه الأرض لا ينافي اشتراط وجود غبار عليه بدلالة خارجة «3». و هو ضعيف [1].

و الرابع: بمنع عدم بقاء شي ء من الغبار بعد مسح الوجه، بل الظاهر بقاؤه، و لو سلّم احتمال رفعه فاستصحابه كاف، و لعلّ دفع ذلك الاحتمال سرّ استحباب الضربة الثانية عند من لا يوجبها، بل احتمل بعضهم وجوبها مع عدم بقاء الغبار و عدمه مع بقائه «4».

و قد يقال: إنّ المطلوب اعتبار مطلق العلوق و ذلك لا يوجب الاستمرار «5».

و فيه: أنّ كل ما يثبت به العلوق يدلّ عليه في الوجه و اليدين معا.

ثمَّ

اعتبار العلوق إذا انتقل إلى الحجر و الثوب و نحوهما لعذر مشكل، لأنّ الآية التي هي دليل اعتباره لا يجري في غير التراب، و الإجماع المركّب غير ثابت.

و الأحوط اعتباره مهما أمكن، لقوله في روايات الثوب: «فليتيمّم من غباره» «6».

الثالثة:

يجب رفع الحائل بين الكف و ما يتيمّم به، فإنّ معه لا يصدق

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: إذ لا دليل على العلوق سوى الآية التي هي أيضا دليل كفاية مطلق الأرض عند القائلين بها باعتبار أنه معنى الصعيد، و بعد تسليم كون الصعيد فيها مطلق وجه الأرض- و لو مثل الحجر الخالي عن الغبار- لكان المرجع في «منه» هو ذلك الوجه و لو لم يكن عليه غبار، فلا يمكن المسح ببعضه. فيتردد الأمر بين التجوز في قول «منه» أو في الصعيد إما بإرادة التراب أو الشي ء المغبر و لا مرجح لشي ء منهما، فيسقط الاستدلال بها رأسا.

______________________________

(1) كما في الحبل المتين: 89، نقلا عن والده.

(2) راجع ص 386.

(3) كما في الذخيرة: 103.

(4) المفاتيح 1: 62.

(5) المفاتيح 1: 62.

(6) انظر: الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 437

الضرب بالكف، بل في التذكرة و شرح القواعد للمحقق الثاني، و اللوامع لوالدي:

وجوب نزع الخاتم «1»، و هو ظاهر من منع عن خلط التراب بمثل الشعر و الشعير مستدلا بوجوب الاستيعاب «2».

و في وجوبه إشكال، لعدم دليل عليه، و صدق الضرب بالكف عرفا مع وجوده، فالظاهر عدم البطلان مع بقائه، بل و كذلك ما يشبه الخاتم من الموانع اليسيرة.

و عموم بدلية التراب- لو سلّم- لا يستلزم عمومها في نحو ذلك أيضا، و إثبات الإجماع في أمثال ذلك مشكل. و الأحوط

النزع.

و لا يستحب تخليل الأصابع (للأصل) [1] و يستحب تفريجها حين الضرب، لتصريح الجماعة «3».

الثالث من واجبات التيمّم: مسح الوجه.
اشارة

و وجوب مسح الجبهة منه محل الوفاق بين المسلمين، بل هو ضروري الدين.

و في اختصاص محل الوجوب بها، كالقواعد و الدروس و الشرائع و الكفاية «4». و هو أحد احتمالات كلام المفيد و الحلبي و الناصريات و الانتصار و النهاية و السرائر و الوسيلة و المنتهى و التذكرة و البيان، حيث جميعا عبّروا بمسح الوجه من القصاص إلى طرف الأنف «5»، إلّا أنّ في الانتصار الرأس بدل

______________________________

[1] ليست في «ه».

______________________________

(1) التذكرة 1: 63، جامع المقاصد 1: 499.

(2) انظر المدارك 2: 205.

(3) كالعلامة في التذكرة 1: 63، و الكركي في جامع المقاصد 1: 499، و الفيض في المفاتيح 1: 63.

(4) القواعد 1: 23، الدروس 1: 132، الشرائع 1: 48، كفاية الأحكام: 8.

(5) المفيد في المقنعة: 62، الحلبي في الكافي: 136، الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الانتصار: 32، النهاية: 49، السرائر 1: 136، الوسيلة: 72، المنتهى 1: 45، التذكرة 1:

63، البيان: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 438

الوجه [1]، و في الحدائق «1» و اللوامع و غيرهما نسب هذا القول إلى المشهور، و لعلّه لفهم الجبهة من كلام هؤلاء الأعلام، كما صرّح به في المعتبر «2».

أو وجوب ضمّ الجبينين خاصة معها، كالعاملي و المدارك «3»، و والدي- رحمه اللّه- في اللوامع و المعتمد، و بعض سادة مشايخنا في منظومته «4». و هو الاحتمال الثاني لكلمات المذكورين، و نسبه الأردبيلي في شرح الإرشاد إلى المشهور «5».

أو مع الحاجبين أيضا، كالصدوق في الفقيه و الهداية «6»، و الكركي «7»، و عن ظاهر الشهيد «8». و هو الاحتمال الثالث لما ذكر.

أو مع بقية الوجه، كما

عن الصدوق في المجالس و والده طاب ثراهما [2]، و عن ظاهر الجعفي «9».

أو مخيّرا بين البعض و تمام الوجه، كما عن العماني و الإسكافي و المعتبر «10»، أقوال:

الأول- و هو الحقّ- للأصل، و عدم الدليل الموجب للزائد.

و للثاني: تصريح الأخبار البيانية بمسح جبينه عليه السلام خاصة،

______________________________

[1] الموجود في الانتصار هكذا: .. إن مسح الوجه بالتراب في التيمم إنما هو إلى طرف الأنف من غير استيعاب له.

[2] الأمالي: 515، قال فيه: فيمسح بهما وجهه، و حكى عن والده في المختلف: 50.

______________________________

(1) الحدائق 4: 342.

(2) المعتبر 1: 385.

(3) العاملي (الشهيد الثاني) في المسالك 1: 16، المدارك 2: 220.

(4) بحر العلوم في الدرة النجفية: 45.

(5) مجمع الفائدة 1: 234.

(6) الفقيه 1: 57، الهداية: 18.

(7) جامع المقاصد 1: 490.

(8) الذكرى: 108.

(9) حكى عنه في الذكرى: 108.

(10) حكى عن العماني و الإسكافي في المختلف: 50، المعتبر 1: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 439

كصحيحة زرارة في حكاية عمّار «1»، و موثّقته على نسخة الكافي «2»، و حسنة ابن أبي المقدام «3»، و المروي في السرائر في حكاية عمّار أيضا «4». و لا تنافيها أخبار وجوب مسح الجبهة، لأنّ الزيادة غير منافية لما لا يشتملها.

و شيوع إطلاق لفظ الجبهة على المركّب من الجبينين أيضا.

و كون التيمّم بدلا من الوضوء، و البدل في حكم المبدل منه إلّا فيما أخرجه الدليل.

و لزوم المسح بالكفّين- كما صرّحت به الأخبار و وقع في كلام الأخيار- و هو يزيد عن الجبهة المنفردة قطعا.

و أخبار الوجه، إمّا باعتبار الاقتصار فيما علم خروجه منه على المتيقّن، أو باعتبار أنّ المراد منه المجاز قطعا، و الجبهة و الجبينان معا أقرب إلى الحقيقة من الأولى خاصة.

و استصحاب الشغل.

و

يجاب عن الأول: بعدم دلالة في شي ء من تلك الأخبار على الوجوب أصلا، إذ ليس في شي ء منها إلّا أنه مسح الجبين، و هو لا يدلّ على الوجوب، سيما مع اشتمال التيمّم على واجبات و مستحبات قطعا، فلا يعلم أنّ فعله هذا بيان للواجب سيما مع اشتمال الموثقة و الحسنة على النفض المستحب قطعا.

هذا، مع أنه لا تعرّض في شي ء منها لمسح الجبهة الواجب البتة، و يمتنع تركه في مقام البيان، فلا بدّ من كون الجبين مجازا إمّا في الجبهة من باب المجاورة أو مع الجبين من باب تسمية الكلّ باسم الجزء، و إذ لا مرجّح فيدخله الإجمال

______________________________

(1) الفقيه 1: 57- 212، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.

(2) الكافي 3: 61 الطهارة ب 40 ح 1، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.

(3) التهذيب 1: 212- 614، الاستبصار 1: 171- 594، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 6.

(4) مستطرفات السرائر: 26- 4، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 440

المسقط للاستدلال، مع رجحان الأول من جهة إفراد الجبين، و كون الجبهة واردة في أخبار أخر، و شيوع التعبير عن الجبهة خاصة بالجبين في المعتبرة، كما في حسنة عبد اللّه بن المغيرة و موثّقة عمّار: «لا صلاة [لمن ] لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه» [1].

و عن الثاني: بأنّ شيوع استعمال الجبهة في المركّب- لو سلّم- لا يخرجه عن التجوّز.

و عن الثالث: بمنع اقتضاء البدلية للاتّحاد في جميع الأحكام كما يأتي، بل مقتضاه الاتّحاد فيما صار ذلك بدلا عنه و هو الطهورية.

و عن الرابع: أنّ زيادة الكفّين عن الجبهة لا تقتضي وجوب

الزائد، فإنّ وجوب مسح موضع بالكفين غير وجوب المسح بمجموعهما، مع أنهما زائدان عن الجبهة و الجبين أيضا.

و عن الخامس: بأنّ أخبار الوجه لا تدلّ على وجوب مسح تمامه كما يأتي، مع أنّ الوجه ليس عاما حتى يجري فيه قوله: خرج ما خرج، و الحمل على أقرب المجازات مطلقا لا دليل عليه.

و عن السادس: بأنه معارض باستصحاب عدم وجوب الزائد.

و للثالث: الرضوي: «و قد روي أنه يمسح على جبينيه و حاجبيه و يمسح على ظهر كفيه» «1» و حكاية وجود رواية فيه «2»، و وجوب إدخاله من باب المقدمة.

و ضعف الأولين ظاهر جدّا.

و يضعّف الثالث: بأنّ الكلام في الواجب الأصلي، مع أنّ إدخال جميعهما في المسح ليس مما لا يتمّ الواجب إلّا به.

______________________________

[1] الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 2، التهذيب 1: 298- 1202، الاستبصار 1:

327- 1223، الوسائل 6: 344 أبواب السجود ب 4 ح 4 و 7، و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 90، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 539 أحكام التيمم ب 11 ح 1.

(2) كما في جامع المقاصد 1: 490.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 441

و للرابع: استفاضة النصوص بمسح الوجه الظاهر في كلّه، كالصحاح الثلاث في حكاية عمّار لزرارة «1»، و داود «2»، و الخزاز «3»، و فيها: «فمسح وجهه» و نحوها في موثّقة سماعة «4» و حسنة الكاهلي «5» و صحيحة محمد «6»، و في رواية زرارة:

«و تمسح وجهك» «7» و مثلها في خبر ليث «8».

و يضعّف: بخلوّ الكلّ عن الدالّ على الوجوب. مضافا إلى عدم صراحته بل دلالته على مسح الجميع، لأنّ الوجه و إن كان حقيقة في الكلّ إلّا أنّ مسحه يصدق

بمسح بعضه أيضا، بل هو المتبادر منه، فهو حقيقة في مسح اليد على جزء منه، كضرب الوجه و تقبيله و جرحه و مسه و غير ذلك.

و يؤيّده: اتّحاد قضية عمّار مع اختلاف الأخبار الحاكية لها فيما يمسح من الوجه و تضمين كثير منها الوجه و الكفين إلى الذراعين، مع أنه لا قائل باستيعاب الوجه خاصة، مع أنّ شيوع التعبير عن الجبهة بالوجه يقرب إرادتها منه.

و مع قطع النظر عن الجميع فهي معارضة لصحيحة زرارة، المتقدّمة،

______________________________

(1) التهذيب 1: 208- 603، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 5.

(2) التهذيب 1: 207- 598، الاستبصار 1: 170- 591، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 4.

(3) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 4، الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 2.

(4) التهذيب 1: 208- 602، الاستبصار 1: 170- 592، الوسائل 3: 365 أبواب التيمم ب 13 ح 3.

(5) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 3، التهذيب 1: 207- 600، الاستبصار 1: 170- 589، الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 1.

(6) التهذيب 1: 210- 612، الاستبصار 1: 172- 600، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12 ح 5.

(7) التهذيب 1: 212- 615، الاستبصار 1: 171- 595، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 7.

(8) التهذيب 1: 209- 608، الاستبصار 1: 171- 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 442

المفسّرة للآية، المصرّحة بوجوب مسح بعض الوجه خاصة «1»، فيرجع إلى الأصل.

مع أنّ ترجيح الصحيحة لازم، لموافقتها الكتاب حيث أتى بلفظة الباء التبعيضية، بنصّ الأدباء على أنها إذا دخلت على المتعدّي يبعّضه، و مخالفتها

العامة، فإنّ الاستيعاب مذهب الجمهور كافة، كما صرّح به الانتصار و المنتهى و التذكرة «2»، و معاضدتها بالإجماع على عدم وجوب مسح ما تحت طرف الأنف الأعلى، كما في الناصريات و الانتصار و عن الغنية «3»، و نسبه الصدوق في المجالس إلى مشايخه [1].

قيل: التبعيض لا ينافي الاستيعاب الذي يقولون به، لأنّه أيضا بعض الوجه دون تمامه من الاذن إلى الاذن [2].

و فيه: أنّ المصرّح به في النصّ من التبعيض هو تبعيض موضع الغسل من الوجه، و لا شك أنه غير الاستيعاب المذكور، لأنه استيعاب محل الغسل، و كذا في الآية بقرينة مقابلة الوجه في الوضوء.

و للخامس: الجمع بين الأخبار. و ضعفه ظاهر.

فروع:

أ: الواجب استيعاب الجبهة، بأن يمسح جميعها الواقع عرضا بين الجبينين، و طولا بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى المسمى بالعرنين [3]، بالإجماع المحقّق و المصرّح به في المنتهى «4».

______________________________

[1] الأمالي: 515. و هو أيضا مما يضعف نسبة الاستيعاب إلى أبيه (منه رحمه اللّه تعالى).

[2] لم نعثر على قائله.

[3] عرنين الأنف: تحت مجتمع الحاجبين، و هو أول الأنف حيث يكون فيه الشمم. الصحاح 6:

2163.

______________________________

(1) راجع ص 434.

(2) الانتصار: 32، المنتهى 1: 145، التذكرة 1: 63.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الانتصار: 32، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(4) المنتهى 1: 147.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 443

مضافا في الطول إلى الرضوي المتقدم في النية «1»، المنجبر ضعفه بما ذكر.

و لا يضر كون «يمسح» جملة خبرية، لأنّه في مقام بيان حقيقة التيمّم.

دون الطرف الأسفل كما عن أمالي الصدوق [1]، و لا النتوّ الواقع في وسط الأنف كما قيل [2]، للأصل.

ب: صرّح الجماعة منهم: الصدوق و الشيخان و السيد و الحلّي و الحلبي و ابن

حمزة و الفاضلان و الشهيدان و غيرهما بأنّ المسح من القصاص إلى طرف الأنف «2».

و ظاهره وجوب البدأة بالأعلى، و قد صرّح به جماعة منهم: نهاية الإحكام و التذكرة و الدروس و الذكرى «3»، و نسبه في المنتهى إلى ظاهر عبارة المشايخ «4»، و عن أمالي الصدوق الإجماع عليه «5»، و نقل بعض مشايخنا المحقّقين اتّفاق الفقهاء و المسلمين عليه [3].

و يدلّ عليه: الرضوي المتقدم، المنجبر بما ذكر. و حمل التحديد على

______________________________

[1] حكاه عنه في كشف اللثام 1: 147، و المنقول من عبارة الأمالي في شرح المفاتيح هكذا: .. و يمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى، و إلى الأسفل أولى .. و لكنا لم نعثر على ذلك في الأمالي المطبوعة التي بأيدينا، و الموجود فيها: فيمسح بهما وجهه، ثمَّ يضرب بيده اليسرى ..

(ص 515). و الظاهر وجود اختلاف في نسخ الأمالي.

[2] لم نعثر على قائله.

[3] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) راجع ص 421.

(2) الصدوق في المقنع: 9، المفيد في المقنعة: 62، الطوسي في المبسوط 1: 33، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 25، الحلي في السرائر 1: 136، الحلبي في الكافي في الفقه: 136، ابن حمزة في الوسيلة: 72، المحقق في الشرائع 1: 48، العلامة في القواعد 1:

23، الشهيد الأول في البيان: 86، الشهيد الثاني في المسالك 1: 16.

(3) نهاية الاحكام 1: 205، التذكرة 1: 63، الدروس 1: 132، الذكرى: 109.

(4) المنتهى 1: 146.

(5) راجع الهامش (2).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 444

الممسوح دون المسح «1» خلاف الظاهر بل الأصل، لأنه يخرج لفظتي «من» و «إلى» عن إفادة الابتدائية و الانتهائية اللتين هما حقيقتاهما

عند ذكرهما معا، إذ لا ابتداء حينئذ و لا انتهاء، بل يكونان طرفين للمحدود.

و استدلّ له أيضا: بأصل الاشتغال، و تبعية التيمّمات البيانية حيث إنّ الظاهر أنه كان بالبدأة من الأعلى و إلّا لنقل، لكونه خلاف المتعارف في الوضوء و المعهود بين الناس «2».

و يضعّف الأول: بما مرّ مرارا.

و الثاني: بمنع البدأة بالأعلى فيها أولا، و وجوب النقل لو نكس ممنوع جدّا، و كونه خلاف الوضوء- مع كونه ممنوعا للخلاف فيه أيضا- لا يدلّ على وجوب النقل، و كونه خلاف المعهود في الصدر الأول غير مسلّم. و منع دلالتها على الوجوب ثانيا، لمنع كون البدأة بيانا، بل اتّفاقية و أحد أفراد المخيّر.

و قد يستدلّ أيضا: بعموم المنزلة الثابت بقوله عليه السلام: «جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» «3» و نحوه، و عموم البدلية الثابت بفهم العرف.

قال بعض مشايخنا المحقّقين في بيانه: إنّ أهل العرف إذا سمعوا وجوب التيمّم بالتراب عند فقد الماء يتبادر إلى أذهانهم كونه بالكيفية التي عرفوها للمائية إلّا أن تثبت المخالفة، فإنّهم إذا سمعوا إذا فقد الماء فالجمد و الثلج، و إذا فقد فالتراب، و إذا فقد فالغبار، يفهمون أنّ الكلّ بكيفية واحدة، كما إذا علموا أنّ الجمد المذاب بمنزلة الماء بعد فقده، و الغبار بمنزلة التراب كذلك.

و بالجملة: يتبادر من أمثال هذه العبارات اتّحاد الكيفية، و لذا صدر من عمّار ما صدر مع أنه كان من أهل اللسان، و لذا تراهم لا يحتملون مغايرة كيفية تيمّم

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 104.

(2) كما في الذكرى: 109، و شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 3، الفقيه 1: 60- 223، التهذيب 1: 404- 1264، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب

23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 445

الغبار لتيمّم التراب، و لا يحتملونها في الثلج و الجمد المذابين مع الماء، و إذا علموا المخالفة في شي ء يقتصرون عليه [1].

أقول: أمّا ثبوت عموم المنزلة بأخبار التشبيه فممنوع، و لو سلّم فلا يفيد في كيفية الاستعمال.

ألا ترى أنه إذا قال الطبيب: إنّ في الإهليلج الشفاء كما أنّ في السقمونيا الشفاء، لا يفهم منه اتّحادهما في كيفية الاستشفاء.

و أمّا فهم العرف عموم البدلية الذي ادّعاه فإنما هو فيما إذا قال: استعملوا الماء في الوضوء كذا، و إن لم تجدوه فاستعملوا التراب، أو التراب بدله، أو نحو ذلك من العبارات. و إذا قال: استعملوا الماء كذا، أو يغسل الوجه و اليدين بالكيفية المخصوصة من الماء في الوضوء، فإن لم تجدوا الماء فتيمّموا بالتراب، أو امسحوا بعض وجوهكم به، فلا يفهم ذلك أصلا.

انظر إلى قول الطبيب للمريض: عالج بطلي جسدك بدهن البنفسج، تدهنه برطل منه قبل أكل الغذاء، مبتدئا من رأسك في الحمام بعد غسل البدن، فإن لم تجده فماء الورد، أو أطل بماء الورد، أو بدله ماء الورد، أو نحو ذلك. فإنه يفهم منه قطعا أنّ ماء الورد أيضا يطلى برطل منه قبل الغذاء إلى آخر ما ذكر، إلّا أن تثبت المخالفة في موضع بدليل. بخلاف ما إذا قال: فإن لم تجددهن البنفسج فاشرب المسهل، أو ضع الدقيق على رأسك، فإنه لا يفهم منه المسهل أو الدقيق أيضا يلزم أن يكون رطلا بعد الغذاء في الحمام إلى آخر ما مرّ.

و الحاصل: أنّه فرق بيّن بين الأمر بفعل آلته شي ء و جعل شي ء آخر بدلا عن تلك الآلة في ذلك الفعل، أو جعل فعل آخر آلته شي ء آخر

بدلا عن ذلك الفعل. و التيمم من قبيل الثاني دون الأول، فإنّه لو كان يقول: اغسلوا وجوهكم و أيديكم في الوضوء بالماء، أو توضّؤوا بالماء، فإن لم تجدوا الماء فبالتراب، أو بدله

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 446

التراب، لكان يتبادر منه ما ذكر، و لكن أين مثل ذلك القول و أنّى؟ و إنما قال:

اغسلوا وجوهكم و إن لم تجدوا ماء فتيمّموا، أو فخذوا صعيدا فامسحوا به بعض وجوهكم، و لا تبادر في مثل ذلك أصلا، و يختلف فهم المعاني من الألفاظ بأدنى تغيير و اختلاف، فيفهم من بدلية الآلة عن الآلة ما لا يفهم من بدلية الفعل عن الفعل.

ج: يجب أن يكون مسح الجبهة بباطن الكف، كما صرّح به- فيها و في اليدين- في المقنعة و المراسم و المهذّب و السرائر و الذكرى و الدروس «1».

و قال بعض مشايخنا المحقّقين: إنه لم يخالف فيه أحد من الأصحاب [1].

و الظاهر أنه كذلك، بل الظاهر أنه إجماعي، فهو الحجة فيه، مضافا إلى أنه لازم وجوب ضرب الباطن و اشتراط العلوق.

و يجب أن يكون المسح باليدين، كما هو المشهور، للرضوي المتقدّم «2»، المنجبر بما ذكر، المعتضد بأخبار كثيرة أخر، كموثّقتي زرارة و سماعة «3»، و رواية ليث «4»، و صحيحة زرارة «5»، و غيرها.

و في العامي المروي في كتب الفاضل و غيره، عن عمّار، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «قد كان يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك» «6».

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) المقنعة: 62، المراسم: 54، المهذب 1: 47، السرائر 1: 136، الذكرى: 109، الدروس 1: 133.

(2) في ص 421.

(3) موثقة زرارة: الكافي 3:

61 الطهارة ب 40 ح 1، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3، موثقة سماعة: التهذيب 1: 208- 602، الاستبصار 1: 170- 592، الوسائل 3: 365 أبواب التيمم ب 13 ح 3.

(4) التهذيب 1: 209- 608، الاستبصار 1: 171- 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.

(5) الفقيه 1: 57- 212، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.

(6) المنتهى 1: 146، بداية المجتهد: 65 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 447

و في المروي في الدعائم: «المتيمّم تجزيه ضربة واحدة، يضرب بيديه على الأرض يمسح بهما وجهه و يديه» «1».

و حملهما على أن يمسح المجموع بالمجموع حتى يكفي في صدقه مسح اليمين بالشمال أيضا خلاف الظاهر.

و لا ينافيه اختصاص الممسوح بالجبهة، إذ لا يجب شمول الكفّين بأجمعهما دفعة للممسوح، بل يمكن أن يمسح المجموع ببعض كلّ منهما أو المجموع بالمجموع.

خلافا للمحكي عن الإسكافي، فاجتزأ بالمسح باليد اليمنى «2»، لصدق المسح، و دفعه ظاهر، و القياس على الوضوء، لأنّ القياس مذهبه، و ضعفه بيّن.

و للمحقّق الأردبيلي، فنفي وجوبه بالكفّين، و استجود جوازه و استحبابه «3».

و احتمل في نهاية الإحكام و التذكرة الجواز أيضا بعد أن جعل الأول في الثاني الأظهر من عبارات الأصحاب «4».

و لعلّه لصدق المسح، و عدم دلالة غير الرضوي على الوجوب، و هو و إن دلّ بالحمل إلّا أنه ضعيف. و هو كان حسنا لو لا انجباره بالاشتهار.

و الظاهر وجوب الدفعة في المسح بهما، فلا يكفي التعقيب، للإجماع المركّب.

د: قد مرّ وجوب استيعاب الممسوح. و أمّا الماسح فلا يجب فيه الاستيعاب بمعنى مسح محل الوجوب بمجموع الكفين، بل يكفي المسح بجزء كلّ من اليدين بحيث يمدّه

على الممسوح و يستوعبه بالمسح بهما، وفاقا لبعضهم كما نقله

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 3: 538 أحكام التيمم ب 10 ح 2.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 109.

(3) مجمع الفائدة 1: 237.

(4) نهاية الاحكام 1: 208، التذكرة 1: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 448

والدي رحمه اللّه، و هو مختار شرح القواعد و المدارك و الذخيرة و الحدائق [1]، للأصل.

و ظهور الأيدي و الكفّين في المجموع غير مفيد، كما مرّ وجهه في الوجه.

و يدلّ عليه أيضا ما في صحيحة زرارة من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله مسح جبينه بأصابعه «1».

و خلافا لصريح بعض مشايخنا [2] و والدي قدّس سرّهما، فأوجبا الاستيعاب بهذا المعنى، لما مرّ بجوابه. و أما بمعنى مسح كلّ جزء من الممسوح بكلّ جزء من الماسح فمنفي قطعا، و الظاهر أنه إجماعي.

ه: يجب مدّ اليدين على الجبهة ليتحقّق المسح، فلا يكفي الوضع.

الرابع: مسح ظاهر الكفّين من الزند إلى رؤوس الأصابع.
اشارة

و وجوب مسحهما بالقدر المذكور و اختصاصه به هو المشهور، كما في التذكرة و المنتهى «2» و غيرهما، بل في الناصريات و شرح القواعد و عن الغنية: إجماعهم على الحكمين «3».

و يدلّ على الأول: الرضوي المتقدّم المنجبر بالشهرتين «4»، و الإجماع المنقول، و ما في المنتهى من نسبته، إلى مولانا علي «5»، فهو أيضا رواية مرسلة منجبرة.

و الاحتجاج بالنصوص المتكثّرة المصرّحة بمسح الكفّين بواسطة تبادر

______________________________

[1] جامع المقاصد 1: 492، و المدارك 2: 222، قال فيه: و الأولى المسح بمجموع الكفين عملا بجميع الأخبار، الذخيرة: 106، الحدائق 4: 348.

[2] لم نعثر على شخصه.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 446.

(2) التذكرة 1: 63، و المنتهى 1: 146.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، جامع المقاصد 1: 492، الغنية (الجوامع الفقهية):

555.

(4) راجع ص 421.

(5)

المنتهى 1: 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 449

المجموع من الكف غير جيّد، لمثل ما مرّ في الوجه «1»، مع أنّ أكثرها خال عن الدالّ على الوجوب.

و منه يظهر ضعف الاحتجاج بقوله عليه السلام في صحيحة الخزاز و داود ابن النعمان: «مسح فوق الكف قليلا» «2».

و على الثاني- مضافا إلى الرضوي-: النصوص المذكورة، حيث إنه لو وجب الزائد لأتى به في التيمّمات البيانية، و لو اتي به، لنقله الراوي قطعا.

و الصحيحتان المذكورتان، فإنّ مسح فوق الكفّ قليلا صريح في عدم استيعابه الذراع، فلا يكون واجبا البتة، و لا هذا القليل، لعدم قوله بوجوبه أصالة، نعم هو واجب من باب المقدمة، و هو السبب في مسحه عليه السلام إيّاه.

و صحيحة زرارة: «ثمَّ مسح وجهه و كفيه و لم يمسح الذراعين بشي ء» «3» و هو نصّ في المطلوب.

و بتلك الأدلّة تقيّد مطلقات مسح اليد على القول بإطلاقها، أو تبيّن مجملات مسحها على إجمالها، مع أنه- كما مرّ- يكفي في صدق مسح اليد مسح جزء منه.

خلافا في الأول للمحكي في السرائر عن بعض الأصحاب، فاكتفى بالمسح من أصول الأصابع إلى رؤوسها «4».

و لعلّه لما في فقه الرضا عليه السلام من قوله: «و روي من أصول الأصابع» و قوله: «و روي: إذا أردت التيمّم- إلى أن قال:- ثمَّ تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصول الأصابع من فوق الكف، ثمَّ تمرّها على مقدّمها على

______________________________

(1) راجع ص 440، 439.

(2) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 4، التهذيب 1: 207- 598، الاستبصار 1: 170- 591، الوسائل 3: 358 و 359 أبواب التيمم ب 11 ح 2 و 4.

(3) التهذيب 1: 208- 603، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب

11 ح 5.

(4) السرائر 1: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 450

ظهر الكف، ثمَّ تضع أصابعك اليمنى على اليسرى فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى مرّة واحدة، فهذا هو التيمّم» «1».

و مرسلة حماد: عن التيمّم، فتلا هذه الآية السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما و قال فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ قال: «فامسح على كفيك من حيث موضع القطع» «2».

و يضعّف الكلّ بالضعف: أمّا الأولان: فظاهران، و أمّا الثالثة:

فلشذوذها، و مخالفتها عمل المعظم.

مضافا إلى أنه يمكن أن يكون المراد في الثاني: تضع أصل أصابعك اليسرى على أصل أصابعك اليمنى، فتكون رؤوس أصابع اليسرى إمّا على رؤوس أصابع اليمنى أو على الزند، و على التقديرين يحصل بالمدّ المسح على الطريق المشهور، أو يكون المراد بأصول الأصابع ما يتصل بالزند كما هو ظاهر قوله: «من فوق الكف» فبالمدّ يحصل المسح المشهور.

و أن يكون المراد بموضع القطع في الثالث موضعه عند العامة بحمل اللام على العهد الخارجي، فيكون جريا على طريقة الجدل (مع العامة) [1].

و في الثاني للمحكي عن الصدوق في أماليه و والده، فأوجبا المسح من المرفقين إلى رؤوس الأصابع «3»- و هو المنقول عن أبي حنيفة و الشافعي «4»- لصحيحة محمد، و موثّقة سماعة، و رواية ليث «5».

و يضعّف: بما مرّ من الشذوذ، مع أنه لا دلالة فيها على الوجوب بوجه،

______________________________

[1] ليست في «ه».

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 88، مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.

(2) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 2، التهذيب 1: 207- 599، الاستبصار 1: 170- 588، الوسائل 3: 365 أبواب التيمم ب 13 ح 2.

(3) الأمالي: 515، و حكى عن والده في المختلف: 50.

(4) الأم في

فقه الشافعي 1: 49 و نقل عنهما في الجامع لأحكام القرآن 5: 239.

(5) المتقدمة في ص 441.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 451

و على فرض الدلالة تكون معارضة لما مرّ. فإمّا يجمع بينهما بحمل الزائد على الندب، أو يرجّح ما مرّ، لمخالفة العامة- كما صرّح به غير واحد- و موافقة الكتاب حيث إنّ الظاهر منه- كما صرّح به في الصحيحة المفسّرة «1»- أنّ المسح أيضا ببعض الأيدي المغسولة في الوضوء، أو يتساقطان، فيرجع إلى الأصل.

و هل يجوز التجاوز عن الزند و الاستيعاب إلى المرفقين كما عن المعتبر «2»، أو يستحب كما احتمله في المنتهى «3»؟ الظاهر فيهما: العدم، لأصالة عدم المشروعية.

و ليس في الروايتين الأوليين إلّا الإخبار عن مسحه، و هو يحتمل التقية.

و أمّا الرواية الأخيرة فورد فيها بلفظ الإخبار المحتمل لمطلق الرجحان و الاستحباب و الوجوب، فعلى الأخير يجب حملها على التقية، و لعدم تعيّن الأولين لا يثبت منهما حكم.

فروع:

أ: المعروف من مذهب الأصحاب كما في اللوامع، بل اتّفقوا عليه كما هو ظاهر شرح القواعد «4»: وجوب البدأة بالزند.

و يدلّ عليه قوله في أحد الرضويين المتقدّمين: «ثمَّ تمرّها على مقدّمها» «5».

و ضعفه منجبر، و لا يضر قوله في الآخر «إلى حدّ الزند» «6» لضعفه الموجب للاقتصار في العمل به على موضع الانجبار.

ب: يجب أن يكون الماسح بطن الكفّ، لما مرّ في الوجه. و الممسوح ظاهرها، لظاهر الإجماع، و به تقيّد الإطلاقات.

______________________________

(1) راجع ص 434.

(2) المعتبر 1: 387.

(3) المنتهى 1: 147.

(4) جامع المقاصد 1: 492.

(5) راجع ص 449.

(6) راجع ص 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 452

و تؤيّده أيضا: حسنة الكاهلي: «ثمَّ مسح كفّيه إحداهما على ظهر الأخرى» «1» و الرضوي المتقدّم

في الوجه «2»، و المروي في السرائر في حكاية عمّار، و فيه: «ثمَّ مسح بكفّيه كلّ واحدة على ظهر الأخرى» «3».

و لو تعذّر الباطن من الأول و الظاهر من الثاني أجزأ الآخر، لعموم الآية و الأخبار، فيقتصر في التخصيص المخالف للأصل بالمتيقّن.

ج: يجب تقديم اليمنى على اليسرى، بالإجماع المحقّق و المحكي في التذكرة و شرح القواعد «4»، و غيرهما «5».

و يدلّ عليه الرضويان المتقدّمان «6» (المنجبران) [1] المؤيدان بصحيحة ابن مسلم، المتقدّمة في مسألة عدد الضربات «7».

د: الظاهر الإجماع على وجوب استيعاب الممسوح، و عليه الإجماع في المنتهى «8» و اللوامع، و في الحدائق: بلا خلاف يعرف «9»، و هو الحجة فيه دون ظواهر الأخبار، لعدم الدلالة.

و القدر الثابت الاستيعاب العرفي، فلا يضرّ خروج ما بين الأصابع، و لا ما تحت الأظفار و لو طولت، بل و لا تحت مثل الخاتم، لعدم ثبوت الإجماع في هذا القدر.

______________________________

[1] ليست في «ه».

______________________________

(1) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 3، التهذيب 1: 207- 600، الاستبصار 1: 170- 589، الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 1.

(2) راجع ص 440.

(3) مستطرفات السرائر: 26- 4، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 9.

(4) التذكرة 1: 64، جامع المقاصد 1: 492.

(5) كالمدارك 2: 226، و المفاتيح 1: 62.

(6) في ص 449.

(7) راجع ص 432.

(8) المنتهى 1: 147.

(9) الحدائق 4: 353.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 453

و منه يظهر عدم وجوب مسح الإصبع الزائدة و لو لم تتميّز من الأصلية، و مسحها أحوط.

و أمّا اليد الزائدة فمع تميزها لا يجب مسحها و إن كانت تحت الزند، للأصل، و عدم دليل على وجوب مسح الزائد على اليدين. و يجب

مسح الأصلية إجماعا، و للشك في كون الأخرى يدا فيستصحب الاشتغال.

و مع عدم التميز يجب مسحهما، تحصيلا للعلم بالامتثال.

و يحتمل التخيير، لعدم وجوب مسح الزائد على اليدين، و صدق اليد على كلّ منهما، و عدم اختصاص الوجوب بواحدة معينة مجملة.

ه: لو قطع بعض مواضع المسح مسح الباقي، لأنّ وجوب الاستيعاب مع إمكانه، فبدونه يعمل بالمطلقات.

و لو لم يبق شي ء أصلا، سقط مسحه و اكتفى بمسح سائر الأعضاء، لاستصحاب وجوبه، و أصالة عدم الربط حينئذ.

و لو قطع من الزند فلا يجب ما كان واجبا من باب المقدمة. و لو قطعت إحدى يديه، مسح ظهر الأخرى بالأرض.

الخامس: الترتيب:

بأن يضرب، ثمَّ مسح الوجه ثمَّ اليمنى ثمَّ اليسرى، بالإجماع المحقّق و المصرّح به في المنتهى و التذكرة «1» و اللوامع، و عن أمالي الصدوق أنه من دين الإمامية «2»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى الإجماع المركّب بين الترتيب هناك و بينه في المائية كما صرّح به السيد «3»، و الرضويين المتقدّمين «4» المنجبرين، المتضمّن أحدهما للفظة الفاء و الآخر للفظة «ثمَّ» الدالّتين على التعقيب.

______________________________

(1) المنتهى 1: 147، التذكرة 1: 64.

(2) أمالي الصدوق: 515.

(3) حكى عنه في المعتبر 1: 393.

(4) في ص 421 و 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 454

و يؤيّده: اشتمال البيانيات على ذلك الترتيب «1»، لتضمّن أخبارها الحاكية لها الفاء أو ثمَّ، إمّا بين الضرب و المسح كبعضها، أو بينه و بين الوجه و اليدين أيضا كآخر، أو بينها و بين اليدين أيضا كثالث.

و جعل تلك الأخبار دليلا- كجماعة «2»- غير جيّد و إن اشتمل بعضها على الحمل بقوله: «هذا التيمّم» إذ لا دلالة في نقل الترتيب على الوجوب، لاحتمال كونه أحد فردي المخيّر، فإنّه لا

مفرّ من نوع ترتيب و لا يمكن الجمع، فلا يعلم كونه جزءا من البيان.

و قد يستدلّ أيضا: بالآية، بضميمة ما ورد في أخبار الوضوء و السعي من قولهم: «ابدأ بما بدأ اللّه سبحانه» «3» و بأصل الاشتغال، و قاعدة البدلية و المنزلة.

و يضعّف غير الأول بما مرّ مرارا. و هو بمنع عموم تلك الأخبار بحيث يشمل جميع المواضع، و لفظة «ما» يحتمل الموصوفية و هي للعموم غير مفيدة.

السادس: المباشرة بنفسه،

و وجوبها مجمع الموصوفية و هي للعموم غير مفيدة.

السادس: المباشرة بنفسه، و وجوبها مجمع عليه، و هو الحجة فيه، مضافا إلى أنه الأصل في خطاب شخص خصوصا أو عموما.

و لو تعذّرت، استناب، عند علمائنا كما في المدارك «4».

و تدلّ عليه: مرسلة ابن أبي عمير: «يؤمّم المجدور و الكسير إذا أصابتهما الجنابة» «5».

و مرسلة الفقيه: «المجدور و الكسير يؤمّمان و لا يغسلان» «6».

و رواية ابن سكين [1] و غيره: إنّ فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسّلوه

______________________________

[1] في «ه»: ابن سليمان، و هو تصحيف.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.

(2) كالمحقق في المعتبر 1: 393، و العلامة في المنتهى 1: 147، و صاحب الحدائق 4: 354.

(3) انظر: الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35 و ج 13: 481 أبواب السعي ب 6.

(4) المدارك 2: 227.

(5) التهذيب 1: 185- 533، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 10.

(6) الفقيه 1: 59- 217، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 12 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 455

فمات، فقال عليه السلام: «قتلوه، ألا سألوا؟! ألا يمّموه؟!» «1» الحديث.

فيضرب النائب يد العليل و يمسحها، فإن لم يمكن ضرب يده يضرب يده،

لوجوب الاستنابة في جميع الأفعال.

و لو تعذّرت مباشرة الضرب فقط و لكن أمكن مسح ظاهر الكفين و الوجه بالتراب، فالظاهر وجوبه، لإطلاق الآية. و كذا من قطعت يداه فيمسح وجهه بالأرض

السابع: الموالاة،

و هي أيضا إجماعية على ما به صرّح في المنتهى «2»، و في المدارك: إنه قد قطع الأصحاب باعتبارها «3».

و هو الحجة في المقام لو ثبت خاصة، لا عموم البدلية و المنزلة، لما عرفت، مع أنهما لا ينتهضان حجّتين في التيمّم بدل الغسل، و التعدّي بعدم الفصل ليس أولى من العكس. بل في بدل الوضوء أيضا، لأنّ الموالاة المعتبرة فيه لا تجري هنا، مع أنه احتمل في نهاية الإحكام عدم وجوبها في بدل الغسل «4».

و لا التيمّمات البيانية حيث توبع فيه، لمنعه، و عدم دلالته لو ثبت.

و لا يفيد الحمل في بعض الأخبار، لعدم معلومية كون التتابع- لو كان- في روايات الحمل من جزء المحمول.

و لا أنها مقتضى اختصاص التيمّم بآخر الوقت، لما يأتي من أنّ المراد بالآخر الآخر العرفي الذي لا ينافيه بقاء شي ء من الوقت بعده «5»، إلّا أن تحمل الموالاة أيضا على نحو من ذلك.

______________________________

(1) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 5، الفقيه 1: 59- 218 رواها مرسلة، التهذيب 1:

184- 529، مستطرفات السرائر: 108- 56، الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5 ح 1 و 2.

(2) المنتهى 1: 149.

(3) المدارك 2: 227.

(4) نهاية الإحكام 1: 208.

(5) انظر: ص 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 456

و لا الآية، كما استدلّ بها تارة باعتبار الأمر بالتيمّم بعد إرادة الصلاة فورا، إمّا لأجل دلالة الأمر على الفور، أو لإفادة الفاء للتعقيب بلا مهملة، و مقتضاه الإتيان بجميع أفعال التيمم متتابعة بلا فصل

لتحقّق الفورية و التعقيب.

و اخرى باعتبار الأمر بمسح الوجه بعد قصد الصعيد و الضرب عليه بلا فاصلة، لأحد الوجهين، و يتمّ في باقي الأعضاء بعدم الفصل.

لما يرد على الوجه الأول للاعتبار الأول: من منع كون الأمر للفور.

و على الثاني: أن الفاء التعقيبية إنما هي العاطفة دون الجزائية.

و على الوجهين: عدم وجوب التيمّم بعد الإرادة فورا بالإجماع، مع أنهما إنما يفيدان لو كان التيمّم في الآية بالمعنى الشرعي و هو ممنوع، بل قوله: صعيدا، يعيّن اللغوي.

و على الوجه الأول للثاني أيضا: ما مرّ.

و على الثاني: أنه إنما يفيد لو كان المراد بالتيمّم هو الضرب على الصعيد دون ما إذا أريد به المعنى اللغوي الذي هو القصد، لعدم وجوب الضرب و لا المسح بعد القصد بلا فصل إجماعا، فتكون الفاء منسلخة عن معنى التعقيب قطعا.

و دون ما إذا أريد به الشرعي، لأنّ الفاء تكون حينئذ تفصيلية، و لا إفادة للتعقيب لها أصلا.

ثمَّ لو أخلّ بالموالاة فهل ترك الواجب فقط، أو يبطل التيمّم أيضا؟ ظاهر المدارك: التردّد «1».

و الحق الثاني، إذ يكون المسح المأمور به حينئذ ما كان عقيب الضرب بلا تراخ، فلا يكون غيره مأمورا به، كالواجب الموقّت.

ثمَّ إذا عرفت أنه لا دليل على اعتبارها سوى الإجماع، فالواجب الحكم بما ثبت فيه، فلا يضرّ الفصل القليل.

______________________________

(1) المدارك 2: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 457

الثامن: طهارة الماسح و الممسوح مع إمكان التطهير،

فإن لم يمكن يصحّ التيمّم بدونها إن لم تتعدّ النجاسة إلى التراب، و إن تعدّت، سقط التيمّم و الصلاة.

أمّا الأول فذهب إليه طائفة منهم: الذكرى «1» و اللوامع، لعموم البدلية و المنزلة. و قد عرفت ضعفهما، مع أنّ في الاشتراط في المبدل أيضا كلاما كما مرّ، و لإيجابه تنجّس التراب بملاقاته

النجاسة. و هو أخصّ من المدّعى، مع أنّ المسلّم اشتراط طهارة التراب قبل الضرب و المسح، و أمّا النجاسة الحاصلة بالضرب أو المسح فلا دليل على مانعيتها أصلا، و لذا ذهب في المدارك إلى عدم اشتراطها «2»، و نقله في اللوامع عن جماعة، و هو الحقّ الموافق للأصل و إطلاق الروايات.

و أمّا الثاني فهو كذلك، و دليله ظاهر، و في اللوامع: إنّ عليه ظاهر الوفاق.

و أمّا الثالث فذكره في اللوامع، و وجهه اشتراط طهارة التراب، و قد عرفت ما فيه، بل لو تعدّت نجاسة الماسح إلى الممسوح لم يضرّ بالتيمّم.

نعم تجب إزالتها للصلاة مع الإمكان، و إن لم يمكن، صلّى معها.

و لا يحرم تنجيس البدن و لو علم عدم إمكان التطهير للصلاة، للأصل.

و ممّا ذكر ظهر أنه لو كان باطن الكفّين نجسا لا ينتقل إلى ظهرهما، و مع نجاسة الظهر أيضا لا ينتقل إلى ضرب الجبهة كما قيل «3».

نعم، يمكن أن يقال بعدم تعيّن الباطن حينئذ، لأنّ دليله الإجماع، و هو في المقام غير متحقّق.

______________________________

(1) الذكرى: 109.

(2) المدارك 2: 228.

(3) كما في الذخيرة: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 458

الفصل الخامس: في أحكامه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى:
اشارة

لا يصحّ التيمّم للصلاة قبل دخول الوقت و إن علم استمرار العذر، بالإجماع المحقّق و المصرّح به في المعتبر و المنتهى و القواعد (و التذكرة) [1] و الدروس «1»، و غيرها «2». و يصح مع تضيقه كذلك.

و في صحته بعد دخوله و عند السعة أقوال:

الأول: المنع مطلقا، و هو مختار الشيخين و السيد و القاضي و الحلبي و الحلّي و الديلمي و الشهيد الثاني في الروض «3»، بل أكثر علمائنا كما في التذكرة و المنتهى و الدروس و شرح القواعد و الحبل المتين «4»، و غيرها «5»، بل بالإجماع كما في الناصريات و الانتصار و السرائر «6»، و عن الشيخ [2]، و الغنية و أحكام الراوندي «7»،

______________________________

[1] ليست في «ه».

[2] لم نعثر على ادعاء الإجماع في كتبه الفقهية، نعم قال في تفسير التبيان 3: 209: لا يجوز التيمم عندنا إلا عند تضيق الوقت.

______________________________

(1) المعتبر 1: 381، المنتهى 1: 139، القواعد 1: 23، التذكرة 1: 64، الدروس 1: 132.

(2) كالتنقيح 1: 133، و المفاتيح 1: 63، و الحدائق 4: 356.

(3) المفيد في المقنعة: 61، الطوسي في النهاية: 47، المبسوط 1: 31، الاقتصاد: 251، السيد في الانتصار: 31، الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، القاضي في المهذب 1: 47، و شرح الجمل: 61، الحلبي في الكافي: 136، الحلي في السرائر 1: 140، الديلمي في المراسم: 54، الشهيد الثاني في روض الجنان: 122.

(4) التذكرة 1: 64، المنتهى 1: 140، الدروس 1: 132، جامع المقاصد 1: 500، الحبل المتين: 92.

(5) كالذكرى: 106، و كشف اللثام 1: 148.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، الانتصار: 31، السرائر 1: 140.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، فقه القرآن 1: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 3، ص: 459

و الطبرسي [1]، و شرح جمل السيد للقاضي [2]، و اختاره بعض مشايخنا المحقّقين [3].

و هو الأقوى، للأصل، و المستفيضة كصحيحة محمد: «إذا لم تجد الماء و أردت التيمم فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» «1».

و حسنة زرارة: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإن خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت» «2».

و نحوها روايته المروية في التهذيب، إلّا أن مقام قوله: «فليطلب»:

«فليمسك» «3».

و موثّقة ابن بكير: «فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض» «4».

و الأخرى المروية في قرب الإسناد: عن رجل أجنب فلم يصب الماء، أ يتيمّم و يصلّي؟ قال: «لا حتى آخر الوقت، فإن فاته الماء لم تفته الأرض» «5».

و الرضوي: «و ليس للمتيمّم أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت أو إلى أن يتخوّف خروج وقت الصلاة» «6».

و صحيحة ابن حمران، و فيها: «ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر

______________________________

[1] لم نعثر عليه في مجمع البيان.

[2] لم نعثر على ادعاء الإجماع في شرح الجمل، و لكن قد حكى عنه في كشف اللثام 1: 148.

[3] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 1، التهذيب 1: 203- 588، الاستبصار 1: 165- 573، الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.

(2) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192- 555، الاستبصار 1: 159- 548، الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 3.

(3) التهذيب 1: 194- 560، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ذيل الحديث 3.

(4) التهذيب 1: 404- 1265، الوسائل 3: 385

أبواب التيمم ب 22 ح 3.

(5) قرب الإسناد 170- 623، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 22 ح 4.

(6) فقه الرضا (ع): 88 و 89، مستدرك الوسائل 2: 547 أحكام التيمم ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 460

الوقت» «1».

و المروي في الدعائم: «لا ينبغي أن يتيمّم من لم يجد الماء إلّا في آخر الوقت» «2».

و في المعتبر و غيره، عن علي عليه السلام في الجنب: «يتلوّم- أي ينتظر و يمكث- ما بينه و بين آخر الوقت، فإن وجد الماء و إلّا يتيمّم» «3».

و في دلالة بعضها على الوجوب و إن كان كلام، إلّا أنّ دلالة أكثرها واضحة صريحة، كما أنّ في سند بعضها و إن كان ضعف، إلّا أن أكثرها في غاية الاعتبار و القوة، مع أنّ جميعها بما مرّ- من الإجماعات، و الشهرة العظيمة القديمة المحقّقة و المحكية- منجبرة، و بأصالة عدم مشروعية التيمّم و بقاء الاشتغال و استصحاب عدم جواز الدخول في الصلاة معتضدة.

و الثاني: الجواز كذلك، و هو مختار المنتهى و التحرير و الإرشاد و البيان «4»، و المحكي عن الصدوقين [1]، و ظاهري الجعفي و جامع البزنطي «5» و إن كان في ظهوره عن كلام الأخير نظر، و إليه ذهب جمع من المتأخّرين كما قيل «6»، و عليه إطباق العامة كما في الناصريات و الانتصار و المعتبر و التذكرة «7»، للأصل، و العامي المروي في المعتبر و غيره: «أينما أدركتني الصلاة تيمّمت و صلّيت» «8».

______________________________

[1] حكاه عن الصدوق في المختلف: 47، و لكن قال في المقنع 8: اعلم أنه لا تيمم للرجل حتى يكون في آخر الوقت.

______________________________

(1) التهذيب 1: 203- 590، الاستبصار 1: 166- 575، الوسائل 3:

385 أبواب التيمم ب 22 ح 5.

(2) دعائم الإسلام 1: 120، مستدرك الوسائل 2: 547 أحكام التيمم ب 17 ح 2.

(3) المعتبر 1: 382، سنن البيهقي 1: 233.

(4) المنتهى 1: 140، التحرير 1: 22، الإرشاد 1: 234، البيان: 86.

(5) حكاه عنهما في الذكرى: 107.

(6) الرياض 1: 77.

(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، الانتصار: 31، المعتبر 1: 382، التذكرة 1: 64.

(8) المعتبر 1: 382، سنن البيهقي 1: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 461

و إطلاق الآيتين، و عمومات توسيع الوقت و أفضلية أوّله، و إطلاق ما دلّ على أنّ الصعيد كالماء و بمنزلته، و أنه أحد الطهورين «1».

و الأخبار الكثيرة- بل القريبة من التواتر- الظاهرة في الجواز المطلق من حيث الدلالة على أنّ من تيمّم و صلّى ثمَّ وجد الماء لا إعادة عليه، و هي بين مطلقة بل عامة بترك الاستفصال لمن وجده في الوقت، كالصحاح الأربعة للعيص و عبيد اللّه بن علي الحلبي و ابني مسلم و سنان «2»، و حسنة الحلبي «3»، و خاصة مصرّحة بعدم الإعادة مع الوجدان في الوقت، كصحيحة زرارة «4»، و موثّقتي أبي بصير و يعقوب «5»، و روايتي معاوية بن ميسرة و علي بن سالم «6».

و حملها على كون الصلاة في الوقت دون إصابة الماء- مع بعده- غير جار في الجميع، كالحمل على الجاهل باعتبار الضيق مع معذورية الجاهل في ذلك الحكم، أو على من شرع في الصلاة و قد وجد الماء في أثنائها بحيث ينقضي الوقت

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23.

(2) صحيحة العيص: التهذيب 1: 197- 569، الاستبصار 1: 161- 556، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 16، صحيحة الحلبي: الفقيه 1: 57-

213، المحاسن: 372- 132 بتفاوت يسير،- الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 1، صحيحة ابن مسلم: التهذيب 1:

197- 571، الاستبصار 1: 161- 557، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 15.

صحيحة ابن سنان: التهذيب 1: 193- 556، الاستبصار 1: 159- 549، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.

(3) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 3، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 4.

(4) التهذيب 1: 194- 562، الاستبصار 1: 160- 552، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 9.

(5) موثقة أبي بصير: التهذيب 1: 195- 565، الاستبصار 1: 160- 555، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 11، موثقة يعقوب: التهذيب 1: 195- 563، الاستبصار 1:

160- 553، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 14.

(6) رواية معاوية بن ميسرة: التهذيب 1: 195- 564، الاستبصار 1: 160- 554، الوسائل 3:

370 أبواب التيمم ب 14 ح 13، رواية علي بن سالم: التهذيب 1: 202- 587، الاستبصار 1:

165- 572، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 14 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 462

بإتمامها.

و تضعيفها بالمعارضة مع ما دلّ على الإعادة لو وجد الماء قبل خروج الوقت «1» ضعيف، لخلوّه عن الدالّ على الوجوب، و ظهوره في كون علّة الإعادة وجدان الماء، و لو وجب التأخير، لكانت العلّة عامة، و دلالته على خلاف المطلوب باعتبار إطلاق نفيه الإعادة مع الوجدان خارج الوقت.

و للمستفيضة الواردة في أنّ المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة ينصرف، كصحيحة زرارة «2»، و حسنة ابن عاصم «3»، و غيرهما، فإنه مع وجوب التضيّق لا معنى لذلك التفصيل، كيف و يقولون بالتيمّم لضيق

الوقت مع وجود الماء؟! و لتعليق التيمّم بالجنابة، أو بها مع فقد الماء في المستفيضة «4»، فلا يتقيّد بغير الأمرين.

و لما دلّ على شرعية التيمّم بمجرّد حضور الصلاة «5»، و على أنّ من تيمّم يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء «6».

و لاستلزام التأخير المطلق للعسر، سيما في الأوقات التي لا يعلم أواخرها إلّا بالترصّد، و خصوصا في العشاء، و سيما لذوي الأمراض، و إيجابه لتفويت كثير من المستحبات، بل تضييع خصوص العبادة.

و للمستفيضة المجوّزة لصلاة الليل و النهار بتيمّم واحد «7».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 8 و 10.

(2) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 4، التهذيب 1: 200- 580، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم ب 21 ح 1.

(3) الكافي 3: 64 الطهارة ب 41 ح 5، التهذيب 1: 204- 591، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم ب 21 ح 2.

(4) انظر: الوسائل 3: أبواب التيمم ب 5 و 9 و 14.

(5) انظر: الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2 ح 1.

(6) انظر: الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14.

(7) انظر: الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 463

و للصحيح: في إمام قوم أصابته جنابة و ليس معه ماء يكفيه للغسل، أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ قال: «لا، و لكن يتيمّم الجنب- الإمام- و يصلّي بهم» «1» فإنّه يبعد الأمر بتأخير المأمومين إلى آخر الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الإمام المتيمّم مع وجود إمام متوضّي.

و حملها على وقوع الإمام و المأمومين في الضيق اتّفاقا بعيد جدا، مع غلبة وقوع الجماعة في أول الوقت.

و الكلّ ضعيف، بل لا دلالة لغير أخبار عدم الإعادة

أصلا.

أمّا الأصل: فلأنّه مع الخلاف كما مرّ «2»، و أصالة عدم وجوب التأخير فرع ثبوت جواز التقديم.

و أمّا العامي: فلعدم حجيته، مع ما فيه من ضعف الدلالة كما يظهر.

و أمّا إطلاق الآيتين: فلأنهما لا تدلّان إلّا على مشروعية التيمم، لا على مشروعيته في كلّ وقت، إلّا أن تضمّ أصالة عدم التوقيت بوقت خاص، و لكن أين الأصل [السالم ] من معارضة الأخبار.

نعم، في قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ في إحداهما «3» دلالة على جوازه حين القيام إليها مطلقا.

و لكن فيه: أنّ المستفاد منه مشروعيته حين القيام إلى الصلاة المشروعة، أمّا على كون الألفاظ أسماء للصحيحة فظاهر، و أمّا على الأعم: فللاتّفاق على عدم وجوب التطهّر إلّا للصلاة المشروعة، و الكلام بعد في مشروعيتها في أول الوقت للمتيمّم.

______________________________

(1) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 3، الفقيه 1: 60- 223، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 24 ح 2.

(2) راجع ص 459.

(3) المائدة: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 464

فإن قيل: تثبت المشروعية بقوله سبحانه لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «1».

قلنا: هو مخصّص بآيتي التطهير قطعا، فالمعنى: أقم الصلاة لدلوك الشمس بعد التطهّر، فقدر زمان التطهّر خارج بالقطع، و لا يعلم قدره في المورد، فإثبات مشروعية الصلاة يتوقّف على مشروعية التطهّر و بالعكس.

و منه يظهر وجه ضعف عمومات التوسيع و أفضلية أول الوقت، لاختصاصها بغير زمان التطهّر قطعا، مع أنّ أكثر أهل المواسعة حملوا أخبار المضايقة على الاستحباب، و هو مناف لأفضلية أول الوقت.

و أمّا عموم المثلية و المنزلة: فلما مرّ مرارا.

و أمّا أخبار التيمّم إذا وجد الماء في الأثناء: فلمعارضتها مع ما دلّ على عدم الانصراف بمجرد الدخول في الصلاة «2».

مع أنه غير مناف للمضايقة أصلا، لأنّ المراد منها

ليس إلّا آخر الوقت عرفا، و هو لا ينافي توسعته لمقدار الطهارة، و لذا لا مضايقة في الانصراف لكثير من أهل المضايقة، سيما مع ما في بعض الأخبار من أنه يتوضّأ و يبني «3»، و سيما مع أنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدركه.

و أمّا تعليق التيمّم بما ذكر: فلا شك في أنه مقيد بوجوب الصلاة أيضا، و هو عين النزاع، فإن أثبته بعمومات التوسيع، رجع إليها، و قد مرّت.

و منه يظهر ما في إطلاق تشريع التيمّم بمجرّد حضور الصلاة، مع أنّ في صدق الحضور و الدرك بمجرد دخول الوقت كلاما يأتي في بحث أوقات الصلوات.

و أمّا إجزاء التيمّم لمن يتيمّم إلى أن يجد الماء و لو في أول الوقت: فهو لا ينافي

______________________________

(1) الإسراء: 78.

(2) انظر: الوسائل 3: 382 أبواب التيمم ب 21 ح 3 و 4.

(3) انظر: الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 465

وجوب تأخيره لغير المتيمّم، بل هو مسألة أخرى تأتي «1».

و منه يظهر ما في الاستدلال بمجوّزات صلاة الليل و النهار بتيمّم واحد.

و أما لزوم العسر: فممنوع جدّا، سيما على القول بجواز الصلاة أول الوقت لمن دخله متيمّما لصلاة أخرى، أو بجواز التيمّم مع نذر ركعتين في وقت معين و غير ذلك ممّا يأتي.

و القول بأنه على ذلك تسقط فائدة الأمر بالتأخير، يشبه القول بأنه مع سهولة ارتكاب حيل تسقط شفعة الشفيع و الربا تسقط فائدة تشريع الأول و تحريم الثاني.

و أمّا حديث تفويت المستحبات فهو خطابي شعري لا التفات إليه.

و أمّا الصحيحة الأخيرة ففيها: أنه لا بعد في استحباب تأخير المأمومين لإدراك الجماعة، مع أنه يمكن أن يكونوا أيضا متيمّمين، و

يشعر به قوله: «أ يتوضّأ بعضهم» سيما مع نفيه إمامة المتوضّئ و أمره إمامة المتيمّم الذي لا أقلّ من الرجحان مع كراهية إمامة المتيمّم للمتطهّر.

فلم يبق إلّا أخبار الإعادة، و جوابها: أنّها أعم مطلقا من أخبار المضايقة، إذ ليس المراد بآخر الوقت فيها وقت منطبق آخره بآخر الفريضة، لأنّه تكليف بالمحال، و لا يقول به أهل المضايقة و لا بوجوب الاقتصار على أقل الواجب.

بل المراد: الآخر العرفي، كما عليه يحمل سائر الألفاظ، و هو لا ينافي زيادة شي ء من الوقت، مع أنّ المعول ظنّ المكلّف و تخمينه، كما هو مقتضى قوله في بعض أخبار المضايقة «فإن خاف أن يفوته الوقت» و هو لا ينافي التخلّف سيما في حق العوام.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    466     المسألة الاولى: ..... ص : 458

ا، مع أنّ المذكور في بعض أخبار المواسعة: بقي شي ء من الوقت، أو وقت، و هو دالّ على القلّة، فلا ينافي التخمين أو الآخر العرفي، سيما مع أنّ بقاء

______________________________

(1) انظر ص 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 466

وقت يكفي فيه مقدار ركعة.

هذا، مع أنّ لها عموما آخر، و هو شمولها لمن صلّى في السعة بالتيمّم الواقع قبل وقتها لصلاة أخرى في آخر وقتها، و القول بالجواز فيه معروف كما يأتي.

و على هذا فتخصّص تلك الأخبار بأخبار المضايقة قطعا.

و توهّم عمومها أيضا باعتبار شمولها لمن قطع بوجدان الماء إلى آخر الوقت فاسد، لظهور الجميع أو الأكثر في عدم القطع بذلك، كما هو مقتضى قوله: «لم يجد الماء» و «لم يصبه» و «إن فاتك».

ثمَّ لو سلّم ذلك حتى يكون بينهما عموم من وجه، أو عدم عموم أخبار المواسعة حتى يكون بينهما التساوي، فالترجيح

أيضا للمضايقة، لمخالفة جميع العامة، كما ذكره جمع من الخاصة «1».

و منه يظهر ترجيحها أيضا لو توهّم موافقة المواسعة لإطلاق الآيتين، لتكافؤ الترجيحين و بقاء الأصل مع المضايقة.

و من جميع ما ذكر يظهر المناص لو سلّمت دلالة بعض العمومات المتقدمة على المواسعة أيضا.

الثالث: التفصيل بالأول مع رجاء زوال العذر، و الثاني مع عدمه. و هو عن الإسكافي و ظاهر العماني «2»، و التذكرة و القواعد و شرح القواعد و فخر المحقّقين و اللمعة «3»، و والدي العلّامة، بل أكثر المتأخّرين كما في شرح القواعد، و استجوده في المعتبر «4».

للجمع بين أخبار الطرفين، مع ظهور الرجاء من التعليل في أكثر أخبار

______________________________

(1) راجع ص 460.

(2) حكى عنهما في المعتبر 1: 383.

(3) التذكرة 1: 64، القواعد 1: 23، جامع المقاصد 1: 500 و 501، فخر المحققين في الإيضاح 1: 70، اللمعة (الروضة 1): 160.

(4) المعتبر 1: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 467

التضيق بقوله: «فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» فإنّ مقتضاه الشك في الفوات، مع أنه مع العلم بعدم زوال العذر يكون الأمر بالتأخير لغوا عبثا.

و يردّ: بأن الجمع كما يمكن بما ذكر يمكن بغيره أيضا مما ذكره أرباب القولين.

و أمّا حديث ظهور التعليل في الرجاء فإنما هو إذا جعل جملة «إن فاتك» من باب الشرط و الجزاء، و يمكن أن يكون من قبيل: إن فاتك اللحم لم يفتك المرق، لمن حصل له المرق دون اللحم، و إن ذهب مالك لم يذهب أجرك، لمن غصب ماله، بل هو الظاهر و الملائم للفظة لم و لن في الجواب، مع أنّه لو سلّم ظهور ما تضمّن للتعليل فيه لا يقدح في عموم ما لا يتضمّنه.

و أمّا حديث لزوم

لغوية التأخير فمما لا يصلح للإصغاء إليه، فإنه لم يعلم أنّ علة التأخير زوال العذر، فلعلّها أمر آخر لا نعلمه.

فروع:

أ: الظاهر عموم وجوب التأخير لجميع الأعذار، و عدم اختصاصه بعدم الماء و إن اختصّ أكثر أخبار المضايقة به، لإطلاق موثّقة ابن بكير بل عمومها «1».

و فوات الماء فيها لا ينحصر في عدمه، بل يعم عدم إمكان استعماله، و كذا الرضوي «2»، المنجبر ضعفه بعدم القول بالفصل المحقّق و المحكي في الروض «3»، و اللوامع.

و ظاهر المعتبر التردّد «4»، كظاهر الحدائق «5»، بل مال في الأخير إلى المواسعة إذا كان العذر غير فقد الماء، لاختصاص أكثر أخبار الباب و وجوب حمل البواقي

______________________________

(1) التهذيب 1: 404- 1265، الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 3.

(2) فقه الرضا (ع): 88، مستدرك الوسائل 2: 547 أحكام التيمم ب 17 ح 1.

(3) روض الجنان: 122.

(4) المعتبر 1: 384.

(5) الحدائق 4: 365.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 468

عليه. و لا وجه له.

ب: لو ظنّ الضيق و تيمّم و صلّى، ثمَّ بان خطؤه زائدا على ما يتسامح لم يعد، وفاقا للمعتبر و الدروس «1»، لأنّه تطهّر طهارة شرعية و صلّى صلاة مأمورا بها، و للأخبار المتقدّمة الدالّة على عدم الإعادة بالإطلاق.

خلافا للمحكي عن الشيخ في كتبه الأخبارية «2»، لأنّ شرط التيمّم التضيّق، و لأنها صلاة واقعة قبل الوقت فتجب إعادتها.

و يجاب عن الأول: بأنّ الشرط التضيق بحسب علمه، لأنّه المكلّف به و قد حصل، بل ظاهر قوله: «فإن خاف فوت الوقت» أن الشرط ظنّ الضيق.

و عن الثاني: أنّ الثابت هو إعادة ما وقع قبل الوقت المحدود المعهود، دون مثل ذلك.

ج: الظاهر من آخر الوقت آخره عرفا، أي ما يسمّى

في العرف آخرا، لأنّه مقتضى حمل الألفاظ على المعنى، و هو و إن صدق على زمان أكثر ممّا يخاف معه الفوت إلّا أنه- لتصريح حسنة زرارة و روايته بخوف الفوات «3»- تجب مراعاته، و يكفي فيه ظنّه بل احتماله أيضا.

د: لو دخل وقت صلاة و هو متيمّم، جاز إيقاعها في أول وقتها و لو على المضايقة، وفاقا للمعتبر- و إن تردّد أخيرا- و المدارك و الذخيرة و اللوامع و عن المبسوط و المختلف «4»، لأنّ المانع من تقديمها أوامر تأخير التيمّم، و هي مختصة صريحة بالمحدث، فتبقى عمومات الجواز في السعة في حقّ غيره سالمة عن

______________________________

(1) المعتبر 1: 384، الدروس 1: 132.

(2) انظر التهذيب 1: 203، و الاستبصار 1: 167.

(3) حسنة زرارة: الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192- 555، الاستبصار 1:

159- 548، الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 3، و روايته: التهذيب 1: 194- 560، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ذيل الحديث 3.

(4) المعتبر 1: 383، المدارك 2: 212، الذخيرة: 101، المبسوط 1: 33 و 34، المختلف: 54 و 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 469

المخصّص. و لا يفيد قوله في الحسنة: «فليصلّ في آخر الوقت» لأنّ المستتر فيه راجع إلى المسافر المحدث بقرينة قوله «فليتيمّم».

و قد يستشهد أيضا: بما دلّ على صحة الصلوات المتعدّدة بتيمّم واحد «1».

و فيه: أنه لا يدلّ على إيقاعها في أول أوقاتها، بل فيه ردّ على بعض العامة حيث قال: إنّ لكلّ صلاة تيمّما على حدة «2»، و هو خلاف إجماع الشيعة.

خلافا لصريح البيان و ظاهر الدروس «3»، فأوجب تأخيرها على القول بالمضايقة و التفصيل مع الرجاء، و اختاره بعض

مشايخنا المحقّقين [1]، لأنّ علّة التأخير إمكان زوال العذر، و هو متحقّق في المقام، و لأنه كان تأخير التيمّم و الصلاة واجبا، و لا يلزم من انتفاء التأخير بالنسبة إلى التيمّم لسبق فعله انتفاؤه بالنسبة إلى الصلاة، فيستصحب الحكم بالنسبة إليها.

و في الأول: ما مرّ من منع التعليل، مع أنه لو سلّم فهو علّة لتأخير التيمّم و الصلاة دون الصلاة فقط.

و القول بأن التيمّم ليس مقصودا بالذات، و الغرض حقيقة مراعاة حال الصلاة و إيقاعها على أتمّ ما يمكن، يشبه القياسات و الاستنباطات العامية.

و في الثاني: أنّ المسلّم وجوب تأخير الصلاة على غير من دخل الوقت متيمّما، و أمّا بالنسبة إليه فلا.

و ممّا ذكر يعلم جواز إيقاع الصلاة في أول الوقت مع ظنّ زوال العذر في آخره، بل و مع القطع أيضا، و أمر الاحتياط واضح.

ه: يتيمّم للفائتة- فريضة كانت أو نافلة- في كلّ وقت تذكّر و أراد فعلها، أمّا على القول بالمضايقة في القضاء فظاهر، و أمّا على التوسعة: فلعمومات جواز

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) كما في الحدائق 4: 364.

(2) الأم للشافعي 1: 47.

(3) البيان: 86، الدروس 1: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 470

فعلها متى ذكرها، و إطلاق الآيتين، و أخبار التيمّم مع أصالة عدم التوقيت لها بوقت.

خلافا للبيان، فقال: لا يتيمّم للفائتة، لأنّ وقتها العمر، فتشملها أخبار التأخير إلى آخر الوقت «1».

و فيه: أنّ هذا التحديد غير مستفاد من التوقيت، بل هو من مقتضيات عدم الفورية، و مثل ذلك ليس وقتا بل يجوز التيمّم في كلّ وقت لمن عليه فائتة و لو لم يرد فعلها، لأنّ وجوبها عليه مستلزم لوجوب مقدمتها التي هي التيمّم مع العذر، فلا مناص من

القول إمّا بعدم وجوب الفائتة حين العذر، أو بوجوب مقدمتها أيضا، و الأول ظاهر الفساد بالإجماع و العمومات، فتعيّن الثاني.

و مثلها ما لا وقت لها محدود شرعا من الصلوات الواجبة كالنذر المطلق، أو النافلة كذات الأسباب الغير الموقّتة أو المبتدأة، لما ذكر مع إطلاق ما دلّ على وجوبها أو استحبابها.

خلافا في الأخيرة للمعتبر و المنتهى و التذكرة «2»، فلم يجوّزوا التيمّم لها في الأوقات المكروهة لها، بل الثاني لم يجوّزه فيها لقضاء الرواتب أيضا، لأنّها ليست بوقت لها.

و ضعفها في غاية الوضوح، فإنّها لو لم يكن وقت لها لكانت باطلة لو وقعت فيها و لو بالوضوء، و هو خلاف الإجماع بل هي أوقات لها مرجوحة بالنسبة إلى سائر الأوقات.

و أمّا ما له وقت كالنذر الموقت و النوافل اليومية و الآيات و العيدين: فمقتضى إطلاق أخبار المضايقة في التيمّم عدم صحتها إلّا في آخر أوقاتها، و دعوى ظهورها في الفرائض اليومية غير مسموعة.

______________________________

(1) البيان: 86.

(2) المعتبر 1: 383، المنتهى 1: 150، التذكرة 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 471

و لكن قيل: الظاهر عدم الخلاف في جواز التيمّم لكل منها في حال إيقاعها «1». فإن ثبت الإجماع فهو، و إلّا فالوقوف على الأخبار.

و كما لا يجوز التيمّم في شي ء ممّا ذكر ممّا له وقت قبل آخر وقتها، لا يجوز قبل الوقت أيضا، لوجوب [التأخير] [1] فلا يتيمّم للعيدين قبل الطلوع، و لا للخسوف قبل الشروع، و هكذا.

المسألة الثانية:

متى تيمّم لواحد مما يجوز التيمّم له جاز له أداء كلّ صلاة دخل وقتها، بالإجماع، و المستفيضة كصحيحة حماد: عن الرجل لا يجد الماء، أ يتيمّم لكلّ صلاة؟ قال: «لا، هو بمنزلة الماء» «2».

و صحيحة زرارة: في رجل

تيمّم، قال: «يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء» «3».

و رواية السكوني: «لا بأس بأن يصلّي صلاة الليل و النهار بتيمّم واحد ما لم يحدث أو يصب الماء» «4».

و لا فرق بين ما إذا أتى بما يتيمّم، أو لم يأت إذا تيمّم له. و لا يجب في الصلاة اللاحقة حينئذ تأخيرها إلى آخر وقتها إذا كانت موقّتة كما مرّ «5»، و بذلك ينتفي العسر الذي ادّعي على القول بالمضايقة.

الثالثة:

من يجب عليه الوضوء و الغسل معا- على القول بعدم كفاية الغسل وحده- فإن وجد الماء لأحدهما فقط، أتى به و تيمّم للآخر، و لا يسقط ما يتمكّن منه بسقوط ما لا يتمكّن، للاستصحاب، و أصالة عدم المرابطة بينهما.

______________________________

[1] في النسخ: التخيير، و الصحيح ما في المتن.

______________________________

(1) كما في الحدائق 4: 367.

(2) التهذيب 1: 200- 581، الاستبصار 1: 163- 566، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23 ح 2.

(3) التهذيب 1: 200- 579، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 23 ح 3.

(4) التهذيب 1: 201- 582، الاستبصار 1: 163- 567، الوسائل 3: 380 أبواب التيمم ب 20 ح 5.

(5) راجع ص 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 472

و لو وجد بقدر ما يغتسل، فهل يجب الغسل أو يجوز له الوضوء أيضا؟

الظاهر الثاني، لعدم دليل على التعيين.

و إن لم يجد لشي ء منهما فظاهر الأكثر- كما قيل [1]- كفاية تيمّم واحد لهما، و جعله في المدارك الأظهر «1»، و هو كذلك.

و في الذكرى عن بعض الأصحاب: وجوب تيمّمين، و نفى هو البأس عنه «2»، و اختاره طائفة من مشايخنا مستدلّين بأصالة عدم تداخل الأسباب «3».

و هي ممنوعة مع أنّ بعض الإطلاقات يدفعها.

الرابعة:

من صلّى بالتيمّم الصحيح لا يعيد مطلقا، وفاقا للمعظم، بل عليه استفاضة نقل الإجماع في بعض صوره.

لإتيانه بالمأمور به على وجهه فيجزي عنه، و هو بدل عن المأمور به مع المائية قطعا فيكفي عنه، لكفاية البدل عن المبدل منه، مع أنّ قضاءه بعد الوقت يتوقّف على أمر جديد و لا أمر.

و للنصوص المستفيضة المتقدمة أكثرها في الأمر الأول من الفصل الأول، الدالّة إمّا على إجزاء الصلاة و عدم استئنافها مطلقا، كصحيحة ابن سنان «4»،

و حسنة الحلبي «5»، و رواية الصيقل «6»، و الصحاح الثلاث لمحمد و عبيد اللّه الحلبي

______________________________

[1] لم نعثر على قائله.

______________________________

(1) المدارك 2: 233.

(2) الذكرى: 108.

(3) كصاحب كشف الغطاء: 164، و بحر العلوم في الدرة النجفية: 47.

(4) التهذيب 1: 193- 556، الاستبصار 1: 159- 549، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.

(5) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 3، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 4.

(6) التهذيب 1: 406- 1277، الاستبصار 1: 168- 581، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 11 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 473

و العيص «1»، المصرّحة بقوله: «لا يعيد» الذي هو أعم من القضاء لغة، أو على عدم وجوب الإعادة في الوقت، كصحيحة زرارة «2» و موثّقة ابن أسباط عن عمّه «3»، و روايات أبي بصير و ابن سالم و ابن ميسرة «4»، أو على عدم وجوب القضاء كحسنة زرارة «5».

خلافا للمحكي عن القديمين، فأوجبا الإعادة إذا بلغ الماء في الوقت «6»، لصحيحة يعقوب «7»، و موثّقة ابن حازم «8»، المتقدّمتين في البحث المذكور.

و يضعّفان: بالخلوّ عن الدالّ على الوجوب سيما الأخيرة، مضافا إلى

______________________________

(1) صحيحة محمد: التهذيب 1: 197- 571، الاستبصار 1: 161- 557، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 15، صحيحة عبيد اللّه الحلبي: الفقيه 1: 57- 213، المحاسن:

372- 132 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 1، صحيحة العيص:

التهذيب 1: 197- 569، الاستبصار 1: 161- 556، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 16.

(2) التهذيب 1: 194- 562، الاستبصار 1: 160- 556، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 9.

(3) التهذيب 1: 195- 563، الاستبصار

1: 160- 553، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 14.

(4) رواية أبي بصير: التهذيب 1: 195- 565، الاستبصار 1: 160- 555، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 11، رواية ابن سالم: التهذيب 1: 202- 587، الاستبصار 1:

165- 572، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 14 ح 17، رواية ابن ميسرة: التهذيب 1:

195- 564، الاستبصار 1: 160- 544، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 13.

(5) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192- 555، الاستبصار 1: 159- 548، الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 3.

(6) حكاه عنهما في الذكرى: 110.

(7) التهذيب 1: 193- 559، الاستبصار 1: 159- 551، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 8.

(8) التهذيب 1: 193- 558، الاستبصار 1: 159- 550، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 474

إطلاقها الخالي عن القائل، و المرجوحية عمّا تقدّم من المعارضات بأشهريتها فتوى و رواية لو سلّمت الدلالة، و الرجوع إلى الأصل لو لم تسلّم المرجوحية.

و للمحكي عن السيد في شرح في الرسالة، فأوجبها إذا تيمّم الحاضر لفقد الماء «1».

و يمكن أن يكون مستنده معارضة ما دلّ على عدم الإعادة مع بعض ما يظنّ دلالته على الإعادة مطلقا، كموثّقة منصور، و ترجيح الأول في المريض و المسافر بموافقة الكتاب، و الثاني في غيرهما بالاحتياط و الاشتغال.

أو رفع اليد عن الأخبار مطلقا بناء على أصله، و العمل في المريض و المسافر بالكتاب، و في غيرهما بما ذكر.

و الجواب على التقديرين ظاهر.

و عن النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و المهذّب و الإصباح و روض الجنان [1]،

فأوجبوا الإعادة على المتيمّم للخوف على النفس إذا تعمّد الجنابة، و استقربه في المدارك «2»، لصحيحة ابن سنان و مرسلة جعفر، المتقدّمتين في الأمر السادس من الفصل الأول «3».

و هما غير ناهضتين لإثبات الوجوب، و لو سلّم فتخصيصهما بالمتعمّد ليس أولى من حملهما على الاستحباب.

______________________________

[1] النهاية: 46، المبسوط 1: 30، الاستبصار 1: 162، التهذيب 1: 196، المهذب 1: 48، روض الجنان: 116، و لم نعثر فيه على قوله بوجوب الإعادة، بل الموجود فيه نسبة ذلك إلى الشيخ، فراجع.

______________________________

(1) حكاه عنه المعتبر 1: 365.

(2) المدارك 2: 240.

(3) صحيحة ابن سنان: الفقيه 1: 60- 224، التهذيب 1: 196- 568، الوسائل 3: 372 أبواب التيمم ب 16 ح 1، مرسلة جعفر: الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 3، التهذيب 1:

196- 567، الاستبصار 1: 161- 559، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 475

و عن الإسكافي «1» و الشيخ «2» و جملة ممّن تبعهما [1]، فأوجبوها على من تيمّم في الجامع لمنع الزحام إيّاه عن المائية.

لرواية السكوني: عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة و يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس قال: «يتيمّم و يصلّي معهم و يعيد إذا انصرف» «3» و قريبة منها موثّقة سماعة «4».

و يردّ- مع ما مرّ من عدم الدلالة على وجوب الإعادة و لا على وجوب التيمّم و الصلاة- أنّه لا يتعيّن أن يكون التيمّم و الصلاة هو الفريضة، فيمكن أن يكون هذا أمرا مستحبا غيرها ندب إليه حفظا لسنة التقية، حيث إنّ محل الزحام في ذلك العصر لم يكن إلّا للمخالفين.

و عن المبسوط و النهاية، فيمن لم يكن له

ماء و كان عليه نجاسة فتيمّم و صلّى «5».

لموثّقة الساباطي: في رجل ليس عليه إلّا ثوب و لا تحلّ الصلاة فيه و ليس يجد ماء يغسله، كيف يصنع؟ قال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أصاب ماء، غسله و أعاد الصلاة» «6».

و هي عن إفادة الزائد عن الاستحباب قاصرة، و هو مسلّم.

و هل استحباب الإعادة من جهة نجاسة الثوب أو التيمّم أو هما معا؟ قضية الأصل تقتضي الأخير، فلا تستحب إلّا باجتماعهما معا.

______________________________

[1] كابن حمزة في الوسيلة: 70، و ابن سعيد في الجامع للشرائع: 45.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 50.

(2) النهاية: 47.

(3) التهذيب 1: 185- 534، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 15 ح 1.

(4) التهذيب 3: 248- 678، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 15 ح 2.

(5) المبسوط 1: 35، النهاية: 55.

(6) التهذيب 1: 407- 1279، الاستبصار 1: 169- 587 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 392 أبواب التيمم ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 476

و لا ينافيه قوله: «غسله و أعاد» حيث إنّ الظاهر منه أنّ الإعادة عند غسل النجاسة و إن لم يوجد الماء بقدر يكفي الطهارة، فيستفاد منه أنّ السبب هو النجاسة، لمنع الاستفادة، لجواز أن يكونا معا سببين، و استحب الإعادة برفعهما معا أو رفع هذا الجزء بخصوصه.

الخامسة:

من تعذّر له استعمال الماء مطلقا- أي و لو للوضوء خاصة- و لم يكن متطهّرا، جاز له تعمّد الجنابة إجماعا، لعدم وجوب المائية عليه، و عدم التفرقة بين التيمّمين.

و كذا لو كان متطهّرا، أو لم يتمكن من الغسل و تمكّن من الوضوء، على الحق المشهور، و في المعتبر: الإجماع عليه «1»، للأصل.

و ما تقدّم سابقا من وجوب إبقاء مقدمة الواجب المطلق لا

يفيد هنا، لأنّ الوضوء ليس واجبا مطلقا، لأنّه مشروط بعدم الجنابة، و الغسل و إن كان واجبا مطلقا للجنب، و لكنه غير مقدور بالفرض.

و يدلّ عليه أيضا: إطلاق موثّقة إسحاق بن عمّار: عن الرجل يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أ يأتي أهله؟ قال: «ما أحبّ أن يفعل إلّا أن يخاف على نفسه» قال، قلت: طلب بذلك اللذة، و يكون شبقا على النساء، قال: «إنّ الشبق يخاف على نفسه» قال، قلت: طلب بذلك اللذة، قال: «هو حلال» «2» الحديث، و نحوه المروي في مستطرفات السرائر «3».

و قد يستدلّ: بحكاية أبي ذر، حيث إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أقرّه على فعله «4».

______________________________

(1) المعتبر 1: 397.

(2) الكافي 5: 459 النكاح ب 46 ح 3، التهذيب 1: 405- 1269، الوسائل 20: 109 أبواب مقدماته (النكاح) و آدابه ب 50 ح 1.

(3) مستطرفات السرائر: 107- 53، الوسائل 3: 390 أبواب التيمم ب 27 ح 2.

(4) الفقيه 1: 59- 221، التهذيب 1: 194- 561، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 477

و فيه: منع التقرير، لأنه إنما هو حين الاشتغال بالفعل، و أمّا بعده فليس تقريرا، بل قرّره على قوله: هلكت.

خلافا لظاهر الإسكافي «1»، و نقل عن المفيد أيضا و كلامه لا يدلّ عليه «2»، للمرفوعتين المتقدّمتين الدالّتين على وجوب الغسل على من أجنب متعمدا «3». و لا دلالة فيه كما مرّ.

السادسة:

لو عدم الماء و ما يتيمّم به بالمرة، سقط الأداء إجماعا، كما صرّح به جماعة «4»، لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور» «5» و غيره مما يدل على انتفاء حقيقة الصلاة بانتفاء

الطهور.

و حمله على نفي الصحة مع كون «لا» حقيقة في نفي الجنس لا وجه له، مع أنه أيضا يكفي، إذ غير الصحيح ليس مأمورا به.

و منه يظهر فساد ما قيل من أنّ الطهور شرط الصحة لا الوجوب، فيتوقّف عليه المشروط مع إمكانه، كما في القبلة و الساتر، دون ما إذا لم يمكن و إلّا لانقلب واجبا مقيّدا بالنسبة إليه «6».

لمنع انحصار التوقّف بالإمكان، بل مقتضى الاشتراط: التوقّف مطلقا.

و التخلّف في طائفة من الشرائط بدليل من خارج لا ينافي أصل الاقتضاء، و لا يوجب ذلك صيرورته واجبا مطلقا بالنسبة إليه، لأنّ الفرق بين مقدّمة المقيّد و المطلق إنما هو في وجوب التحصيل و عدمه مع الإمكان.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 52.

(2) المقنعة: 60.

(3) راجع ص 375.

(4) الكركي في جامع المقاصد 1: 486، الشهيد الثاني في روض الجنان: 128، صاحب المدارك 2: 208 و فيه عند أكثر الأصحاب.

(5) التهذيب 1: 209- 605، الاستبصار 1: 55- 160، الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.

(6) كما في الحدائق 4: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 478

نعم لو منع إرادة نفي الصحة من نحو الصحيحة، و احتمل إرادة نفي الكمال، لاتّجه أن يمنع شرطية الطهور للصلاة مطلقا، إذ لا يثبت من الأخبار الاشتراط، بل غايتها التكليف المقيّد بالإمكان قطعا، فبدونه لا تكليف به، و يجب امتثال الأمر بالصلاة. و أمّا الإجماع على الشرطية فهو لا يتجاوز عن صورة الإمكان في ذلك المقام، و المناط هو الصحيحة و ما يؤدّي مؤدّاها.

و لذا بعض من تأمّل في دلالة الصحيحة من المتأخّرين جعل الأولى وجوب الأداء من غير إعادة لو لم ينعقد الإجماع على خلافه [1].

و يظهر من السيد في

مسائل أملاها تكملة لكتاب الغرر و الدرر: وجوب الأداء عليه.

و حكى القاضي و المحقّق قولا بوجوبها مع الإعادة [2].

و عن الشيخ و القاضي تجويزهما معا [3].

و في نهاية الإحكام: استحباب الأداء، لحرمة الوقت و الخروج عن الخلاف «1».

و أمّا القضاء، فالحقّ وجوبه، وفاقا لأكثر المتأخّرين، و عن الناصريات و الإصباح و المقنعة و المبسوط و الجواهر و السرائر و المنتهى و الشهيد «2»، لعموم موجبات قضاء الفوائت مطلقا، أو من الفرائض.

و كون الفوت لفقد الطهور من النوادر غير ضائر، لأنّ الاحتجاج بالعموم دون الإطلاق.

______________________________

[1] حكاه في الحدائق 4: 318 عن السيد نعمة اللّه الجزائري.

[2] لم نعثر عليه في كتب القاضي من الجواهر و المهذب و شرح الجمل، و حكاه المحقق في الشرائع 1:

49.

[3] الشيخ في المبسوط 1: 31، و لم نعثر عليه في كتب القاضي.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 201.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 190، المقنعة: 60، المبسوط 1: 31، جواهر الفقه: 14، السرائر 1: 139، المنتهى 1: 143، الشهيد في البيان: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 479

و ظهور الفائدة فيما يجب أولا ممنوع، كما يأتي بيانه في بحث القضاء، مع أنّ أكثر العمومات يشمل الناسي الذي لا وجوب عليه.

و المتبادر من الفريضة ما تعلّق به الوجوب في الجملة، بل هو حقيقتها، فلا يتوقّف صدقها على الوجوب على خصوص هذا الشخص و إن أوجب ذلك تخصيصا من بعض الوجوه، و لا ضير فيه.

و خلافا للمنقول عن المفيد في رسالته إلى ولده «1»، و للوسيلة و المعتبر و الشرائع «2»، و بعض كتب الفاضل «3»، فلم يوجبوه، للأصل المندفع بما مرّ.

و تبعية القضاء للأداء ممنوعة جدّا، و سواء أريد التبعية مفهوما أو حكما، مع أنّ انتفاء

التبعية حكما يكفي لنا و هو ثابت قطعا.

و لما ورد في أخبار كثيرة من الصحاح و غيرها- الآتية في بحث القضاء على المغمى عليه- أنّ «كلّ ما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعذر، و ليس على صاحبه شي ء» «4» حيث إنّه يعارض عمومات قضاء الفوائت بالعموم من وجه، و لا ترجيح، فيرجع إلى الأصل.

و يردّ: بعدم انحصار فقد الطهور بكونه من فعل اللّه سبحانه، بل قد يحصل بفعل المكلّف من الذهاب إلى مكان يفقد فيه الطهور، أو إتلافه مع وجوده، أو يحصل ذلك بفعل غيره من المكلّفين، و يتمّ المطلوب في غيره بالإجماع المركّب، و لا يصح ضمّه مع صورة كونه بفعله سبحانه، لأنّ نفي القضاء يكون حينئذ بالأصل، فيندفع بالإجماع المركّب المنضمّ مع الدليل.

السابعة:
اشارة

المتيمّم إن وجد الماء قبل شروعه في الصلاة، ينتقض تيمّمه كما سيجي ء.

______________________________

(1) حكاه عنه في المهذب البارع 1: 457.

(2) الوسيلة: 71، المعتبر 1: 381، الشرائع 1: 49.

(3) كالتذكرة 1: 63، و التحرير 1: 22، و القواعد 1: 23، و نهاية الإحكام 1: 201.

(4) انظر: الوسائل 8: 258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 480

و إن وجده بعد الفراغ عنها، مضت صلاته كما عرفت.

و إن وجده في الأثناء يرجع ما لم يركع الاولى، و يتطهّر و يصلّي. فإن ركع لها يتمّ صلاته و يمضي فيها، وفاقا للصدوقين [1] و الجعفي و العماني «1» و الشيخ في النهاية «2»، و السيد في المصباح و الجمل «3» بل في شرح الرسالة كما حكي عنه «4»، و اختاره من المتأخّرين جماعة كالأردبيلي و صاحبي المنتقى و المفاتيح و الحدائق «5»، و بعض سادة مشايخنا [2]، و بعض محقّقيهم [3].

لصحيح

زرارة: «إن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة فلينصرف و ليتوضّأ ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته، فإن التيمّم أحد الطهورين» «6».

و خبر ابن عاصم: عن الرجل لا يجد الماء فيتيمّم و يقوم في الصلاة فجاءه الغلام فقال: هو ذا الماء، فقال: «إن كان لم يركع فلينصرف و ليتوضأ، و إن كان قد ركع فليمض في صلاته» «7» و رواه ابن محبوب في كتابه، و البزنطي في نوادره كما نقله الحلي في سرائره «8».

______________________________

[1] الصدوق في المقنع: 9، و أما والده فقد حكي عنه القول بالاستمرار مطلقا. انظر كشف اللثام 1: 151، و الرياض 1: 81.

[2] بحر العلوم في الدرة النجفية 47.

[3] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، و صاحب كشف الغطاء: 169.

______________________________

(1) حكاه عنهما في الذكرى: 110.

(2) النهاية: 48.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 26.

(4) حكاه عنه في الحدائق 4: 378.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 240، منتقى الجمان 1: 359، مفاتيح الشرائع 1: 64، الحدائق 4: 383.

(6) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 4، التهذيب 1: 200- 580، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم ب 21 ح 1.

(7) الكافي 3: 64 الطهارة ب 41 ح 5، التهذيب 1: 204- 591، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم ب 21 ح 2.

(8) مستطرفات السرائر: 108- 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 481

و المروي في الدعائم: «و إن دخل في الصلاة بتيمّم ثمَّ وجد الماء فلينصرف و يتوضّأ و يصلّي إن لم يكن ركع، فإن ركع مضى في صلاته» «1».

و المستفيضة الآتية المصرّحة بانتقاض التيمّم بوجدان الماء مطلقا، خرج ما بعد الركوع بما مرّ و ما يأتي، فيبقى

الباقي.

خلافا للإسكافي، فقال: ما لم يركع الثانية، و لكنه احتمل عدم جواز القطع بعد الأولى أيضا إن خاف الضيق و عدم جواز القطع مطلقا «2».

للجمع بين ما ظاهره لزوم الرجوع و لو صلّى ركعة، كخبر الصيقل: رجل تيمّم ثمَّ قام يصلّي فمرّ به نهر و قد صلّى ركعة قال: «فليغتسل و ليستقبل» «3».

و خبر زرارة: عن رجل صلّى ركعة على تيمّم ثمَّ جاء رجل و معه قربتان من ماء قال: «يقطع الصلاة و يتوضّأ ثمَّ يبني على واحدة» «4».

و منافاة جزئه الأخير للإجماع لا تضرّ في البواقي.

و ما صريحه الإمضاء بعد ركعتين، كصحيحة محمد و زرارة: في رجل لم يصب الماء و حضرت الصلاة فتيمّم و صلّى ركعتين، ثمَّ أصاب الماء أ ينقض الركعتين و يقطعهما و يتوضّأ و يصلّي؟ قال: «لا، و لكنه يمضي في صلاته و لا ينقضها لمكان أنه دخلها على طهور بتيمّم» «5».

و بالأولين نقيّد إطلاقات عدم القطع مطلقا أو بعد الركوع، و بالثالثة إطلاقات الانتقاض بوجدان الماء.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 120، مستدرك الوسائل 2: 546 أحكام التيمم ب 16 ح 1.

(2) حكاه عنه في المختلف: 51.

(3) التهذيب 1: 406- 1277، الاستبصار 1: 168- 581، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 6.

(4) التهذيب 1: 403- 1263، الاستبصار 1: 167- 579، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 5.

(5) الفقيه 1: 58- 214، التهذيب 1: 205- 595، الاستبصار 1: 167- 580، الوسائل 3:

382 أبواب التيمم ب 21 ح 4 (بتفاوت).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 482

و يجاب عنه: بضعف الخبرين و شذوذهما، لمخالفتهما الشهرة بل الإجماع.

و للديلمي، فقال: ما لم يقرأ «1». و لم أقف له على مستند.

و

لابن حمزة، فقال بالرجوع مطلقا إذا ظنّ السعة، و استحبابه ما لم يركع إن لم يظن ذلك «2».

و لعلّه للنصوص الدالّة على الانتقاض بوجدان الماء و تقديم جانب الصلاة مع الضيق.

و يضعّف: بوجوب تخصيص تلك النصوص بما تقدّم، لخصوصيتها بالنسبة إليها.

و للمحكي عن المبسوط و الخلاف «3»، و السيد في مسائل الخلاف «4»، و القاضي و الحلّي و الحلبي و الجامع و المحقّق و الفاضل في القواعد- بل أكثر كتبه- و الكركي و التنقيح و اللمعة و الدروس و المدارك و اللوامع «5»، بل الأكثر كما في الروضة و البحار «6» و اللوامع، بل عليه الإجماع في بحث الاستحاضة من السرائر «7»، فقالوا بعدم الرجوع و وجوب الإتمام و لو تلبّس بتكبيرة الإحرام.

لأصالة بقاء التيمّم، و استصحاب كون المصلّي جائزا له الصلاة، و كون ما صلّى صحيحا أي لو ضمّ إليه الباقي يكون صحيحا، و أصالة عدم وجوب الوضوء

______________________________

(1) المراسم: 54.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 111 من كتابه الواسطة.

(3) المبسوط 1: 33، و الخلاف 1: 141.

(4) حكاه عنه في المختلف: 51.

(5) القاضي في شرح الجمل: 62، الحلي في السرائر 1: 140، الحلبي في الكافي: 137، الجامع للشرائع: 48، المحقق في المختصر: 17، الفاضل في القواعد 1: 23، التذكرة 1: 65، المنتهى 1: 154، التحرير 1: 22، الكركي في جامع المقاصد 1: 508، التنقيح الرائع 1:

138، اللمعة (الروضة 1): 163، الدروس 1: 133، المدارك 2: 246.

(6) الروضة 1: 163، البحار 78: 152.

(7) السرائر 1: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 483

و قطع الصلاة.

و لصحيحة زرارة و محمد، المتقدّمة، حيث إنّ التعليل فيها يوجب المضي مع الدخول مطلقا.

و خبر ابن حمران: رجل تيمّم ثمَّ دخل في

الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثمَّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: «يمضي في الصلاة» «1» الحديث.

و الرضوي- المنجبر ضعفه بما ذكر-: «إذا كبّرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح و أوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة و لا تنقض تيمّمك و امض في صلاتك» «2».

و يجاب عن الأصول: باندفاعها بما ذكر، و عن الأخبار: بأنها مطلقة بالنسبة إلى أخبارنا، و حمل المطلق على المقيد لازم، و الرجوع إلى وجوه التراجيح إنما هو مع التباين كليا أو من وجه، مع أنه لا ترجيح لها.

و ترجيحها بالأصحّية سندا، حيث إنّ محمد بن حمران أشهر في العلم و العدالة من عبد اللّه بن عاصم، و بالأيسرية، و بأنّ العمل بها يوجب الجمع بحمل أخبارنا على الاستحباب، و بالموافقة للشهرة و الإجماع المنقول، و للنهي عن قطع العمل و إبطال الصلاة، مردود:

أمّا الأول: فبعدم صلاحيته للترجيح، كما بيّنّا في موضعه، مع أنّ محمد بن حمران الأعدل هو النهدي، و لا قرينة هنا على التعيين، مع أنه غير كاف في الترجيح مع اشتراك محمد بن سماعة الراوي عنه، و عدم قرينة على كونه الحضرمي، و تعينهما للمحقّق «3» بقرينة- لو سلّم- لا يفيد لنا، و كون الراوي عن سماعة البزنطي

______________________________

(1) التهذيب 1: 203- 590، الاستبصار 1: 166- 575، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 22 ح 5.

(2) فقه الرضا (ع): 90، مستدرك الوسائل 2: 546 أحكام التيمم ب 16 ح 3.

(3) انظر: المعتبر 1: 400.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 484

- الذي صرّح الشيخ بأنه لا يروي إلّا عن الثقات «1»- معارض بأنّ في بعض طرق رواية ابن عاصم أبان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.

ثمَّ

لو سلّم ترجيح رواية ابن حمران على رواية ابن عاصم سندا، فلا ترجّح على صحيحة زرارة قطعا، فإنّه لا يكافئه غيره من الرواة، و كذا من تقدّم عليه لا يوازيهم من تقدّم على ابن حمران.

و أمّا الثاني: فبأنه و إن رجّح اليسير على العسير و لكن لا دليل على ترجيح الأيسر على اليسير، و لا نسلّم العسر هنا.

و أمّا الثالث: فبأنّ الجمع بالتخصيص- كما على المختار- أرجح منه بالتجوّز قطعا.

و أمّا الرابع: فبمنع كون الموافقة للشهرة المحكية في الفتوى موجبا للترجيح، مع أنّ الشهرة المحقّقة القديمة على خلافه، إذ المعروفون منهم ذهبوا إلى خلافه «2».

و كذا الإجماع المنقول، مع أنّ الظاهر أن مراد الحلّي هو الإجماع على المضيّ في الجملة لا مطلقا، حيث صرّح في بحث التيمّم بأنّ في المسألة اختلافا، و نقل أقوالا ثلاثة «3».

و أمّا الخامس: فلأنّ إبطال العمل و قطع الصلاة المنهي عنهما إنما هو إذا كان العمل صحيحا و الكلام فيه، فإنّه لا كلام في الإبطال و القطع، بل في البطلان و الانقطاع.

و من ذلك ظهر أنه لا ترجيح لأخبارهم أصلا، بل الترجيح من حيث السند و أظهرية الحمل مع أخبارنا.

______________________________

(1) عدة الأصول 1: 387.

(2) راجع ص 480.

(3) السرائر 1: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 485

و ترجّحها أيضا أظهرية الدلالة، لجواز [القدح ] [1] في دلالة رواية ابن حمران على كون الوجدان أيضا في الأثناء، بل الظاهر من قوله: «حين يدخل» أنه وجده في آن الدخول، و تخرج حينئذ عن المتنازع فيه.

و في دلالة التعليل أنه و إن اقتضى التعميم [2] و لكن بملاحظة التعليل بمثل ذلك في صحيحة زرارة للإمضاء بعد الركوع خاصة، مع التصريح بالإعادة قبله «1» يضعّف

عمومه، إذ لعلّه أيضا كذلك.

هذا، مع أنه على فرض التكافؤ من جميع الوجوه يجب الرجوع إلى عمومات انتقاض التيمم بالماء.

فروع:

أ: قيل: القول بالرجوع في الأثناء إنّما يتمشّى على القول بجواز التيمّم في السعة، و أمّا على القول بوجوب التأخير فتجب الاستدامة، لاستلزام تركها الإخلال بالعبادة في الوقت المضروب لها «2».

و لا يخفى أنه إنما يصح إذا أريد التأخير إلى الآخر الحقيقي بحسب الواقع، و أمّا إذا أريد العرفي أو بحسب الظن فلا، بل الظاهر عدم وجوب الاستدامة على الأول أيضا، لظواهر الأخبار. فعلى المختار يرجع قبل الركعة و يتوضّأ و يقضي لو لم يف الوقت بالأداء وجوبا لا استحبابا كما قاله ابن حمزة «3».

ب: لو وجد الماء حين يجب المضيّ و فقد قبل الفراغ من الصلاة، يعيد التيمّم لصلاة أخرى، وفاقا للمبسوط و المنتهى و التذكرة «4».

______________________________

[1] في النسخ: القطع، و هو تصحيف.

[2] راجع ص 481 صحيحة محمد و زرارة.

______________________________

(1) راجع ص 480.

(2) كما في الرياض 1: 81.

(3) راجع ص 482.

(4) المبسوط 1: 33، و المنتهى 1: 155، و التذكرة 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 486

لا لانتقاض تيمّمه مطلقا أو بالنسبة إلى غير هذه الصلاة، و لا لأجل صدق الوجدان و التمكّن، لكونهما محلّي نظر [1].

بل لأنّ مقتضى الآية: وجوب الوضوء أو التيمّم عند إرادة كلّ صلاة، خرج ما خرج بدليل شرعي، فيبقى الباقي. مع أنّ المخرج- نحو صحيحة زرارة:

يصلّي الرجل بتيمّم واحد صلاة الليل و النهار؟ فقال: «نعم ما لم يحدث أو يصب ماء» «1» الحديث، و قريبة منها رواية السكوني «2» و غير ذلك- مخصوص بغير المورد [2]، بل يدلّ بضميمة الإجماع المركّب [على ] أنّ من أصاب الماء لا

يصلّي غير صلاة واحدة بتيمّم واحد.

خلافا للمعتبر و الروض و المدارك «3»، بل أكثر المتأخّرين، لعدم التمكّن من استعمال الماء، لتحقّق المانع الشرعي، و لأنّ تيمّمه إن انتقض فيلزم بطلان الصلاة التي فيها أيضا، و إلّا فلا وجه لإعادته، و لا معنى للانتقاض بالنسبة إلى صلاة دون اخرى.

و ضعفهما ظاهر بعد ما ذكرنا.

و الظاهر عدم جواز العدول إلى فائتة سابقة اخرى، لما ذكر من الأصل.

ج: لا فرق فيما ذكرنا من القطع و الإتمام بين الفريضة و النافلة، لإطلاق

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: فإن انتقاض المطلق يوجب بطلان الصلاة التي فيها، و الانتقاض بالنسبة لا معنى له. و صدق الوجدان لو أوجب النقض لانتقض حين وجوده و بطلت هذه الصلاة التي فيها.

[2] بقوله: «أو يصب ماء». منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 1: 200- 580، الاستبصار 1: 164- 570، الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20 ح 1.

(2) التهذيب 1: 201- 582، الاستبصار 1: 163- 567، الوسائل 3: 380 أبواب التيمم ب 20 ح 5.

(3) المعتبر 1: 401، روض الجنان: 130، المدارك 2: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 487

الأدلّة [1].

الثامنة:

لو تيمّم الجنب و من في حكمه ممّن عليه الغسل، ثمَّ أحدث بالأصغر، أعاد التيمّم بدلا عن الغسل و لو تمكّن من الوضوء، على الأظهر الموافق لغير من شذّ و ندر «1»، لأنّه جنب و وظيفة الجنب التيمّم عند عدم التمكّن من الغسل.

أمّا الأول: فللاستصحاب، و المروي في الغوالي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال لبعض أصحابه الذي تيمّم من الجنابة و صلّى: «صلّيت بأصحابك و أنت جنب» «2».

و ضعفه منجبر بالشهرة العظيمة، و الإجماع المحكي في المعتبر

و التذكرة و غيرهما [2].

و أمّا الثاني: فبالإجماع، إذ كلّ من قال بكونه جنبا أوجب عليه التيمّم، و المخالف يدّعي رفع جنابته.

و لصحيحة محمد: في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضّأ، قال:

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: اعلم أنه قال في المدارك 2: 248. المستفاد من الأخبار و كلام الأصحاب تحريم الرجوع بعد فوات محله سواء قلنا: إنه التبس بالصلاة أو الركوع أو غيرهما.

أقول: لا شك في التحريم بعد الركوع، للأمر بالإمضاء المفيد للوجوب في صحيحة زرارة و خبر ابن عاصم (راجع ص 480). و أما قبله فلا دليل على التحريم، و رواية حمران و صحيحة زرارة و محمد خاليتان عن الأمر (راجع ص 481 و 483).

نعم، ورد في الرضوي (ص 483) و انجباره في هذا المورد غير معلوم، لأنّ أكثر القائلين بالإمضاء بعد التلبّس حملوا أخبار القطع قبل الركوع على الاستحباب.

و العجب أن في المدارك نقل ذلك الحمل عن الفاضل و قال: إن المستفاد من كلام الأصحاب التحريم.

[2] المعتبر 1: 394، التذكرة 1: 66، المدارك 2: 253 و فيه: ذهب إليه أكثر الأصحاب.

______________________________

(1) كما يأتي في ص 488.

(2) غوالي اللئالي 1: 413- 82 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 488

«يتيمّم و لا يتوضّأ» «1» دلّت بترك الاستفصال على وجوب التيمّم على من أجنب و وجد ماء الوضوء و لو سبقه تيمّم آخر.

و قد يستدل «2» أيضا: باستصحاب وجوب التيمّم عليه قبل التيمّم و لو مع وجود الماء بقدر الوضوء، و استصحاب حرمة الوضوء، و بأنه جنب، إذ لولاه لكان وجوب الغسل عليه عند التمكّن- كما هو المجمع عليه- لوجود الماء خاصة و هو ليس بحدث

إجماعا، مع أنّ حدثيته توجب استواء المتيمّمين في موجبه، ضرورة استوائهم فيه، و لكنه باطل قطعا، لأنّ المحدث لا يغتسل و الجنب لا يتوضّأ. و إذا كان جنبا لا يجوز له الوضوء، لصحيحة زرارة: «و متى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا و الوضوء إن لم تكن جنبا» «3».

و يضعّف الاستصحابان: بأنّ المسلّم الوجوب و الحرمة المقيّدان، و مع ذلك يعارضهما استصحاب العدم قبل الجنابة.

و الأخير: بأنّ للخصم أن يقول: وجوب الغسل عليه للجنابة السابقة دون المتصلة بالغسل، إذ لا مانع من أن يوجب الشارع الغسل على من أجنب في وقت و لو زالت جنابته بسبب آخر، و بأنه لا بد من حمل الماء في الصحيحة على ما يكفي الغسل، لمكان قوله: «فعليك الغسل» و لا خلاف في عدم جواز الوضوء حينئذ إن كان جنبا، و يكون خارجا عن محل النزاع.

خلافا للمحكي عن السيد في شرح الرسالة، فقال بوجوب الوضوء لو تمكّن منه خاصة «4»، و التيمّم بدلا عنه لو لم يتمكّن، و اختاره من الطبقة الثالثة في المفاتيح و الذخيرة و الحدائق «5»، لارتفاع الجنابة، و قدّمنا جوابه، و استصحاب الإباحة

______________________________

(1) التهذيب 1: 405- 1272، الوسائل 3: 387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.

(2) شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) التهذيب 1: 210- 611، الاستبصار 1: 172- 599، الوسائل 3: 378 أبواب التيمم ب 19 ح 5.

(4) حكاه عنه في الحدائق 4: 416.

(5) المفاتيح 1: 65، الذخيرة: 111، الحدائق 4: 417.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 489

بالتيمّم الأول، و كأنّ المراد بها ارتفاع الممنوعية من جهة الجنابة، و أمّا بمعنى مطلق الممنوعية فقد زالت بالحدث قطعا.

و يدفعه: أنّ المسلم الإباحة المقيدة بما دام متيمّما بهذا

المعنى، مع أنّ ما تقدّم من بقاء جنابته و عموم النهي عن الصلاة جنبا يدفع ذلك الاستصحاب.

التاسعة:

ينتقض التيمّم بما ينتقض به المائية، بالإجماع، و المستفيضة.

و بوجود الماء، بإجماعنا المصرّح به في كلام جماعة منّا [1]، و استفاضت به أخبارنا، كمرسلة العامري، المتقدّمة في الأمر الأول من الفصل الأول «1»، و رواية السكوني، السابقة في المسألة الثانية «2».

و صحيحة زرارة: يصلّي الرجل بتيمّم واحد صلاة الليل و النهار؟ قال:

«نعم ما لم يحدث أو يصب ماء» قلت: فإن أصاب الماء و رجا أن يقدر ماء آخر و ظنّ أنه يقدر عليه، فلمّا أراد تعسّر ذلك عليه، قال: «ينقض ذلك تيمّمه، و عليه أن يعيد التيمّم» «3».

و الرضوي و فيه: «لأن ممرّه بالماء نقض تيمّمه» «4».

و يشترط في الانتقاض به التمكّن من استعمال الماء، بأن لا يكون له مانع حتى من متغلّب على الماء أو كونه في بئر و لا وسيلة إليه، أو في يد من لا يبذله مطلقا أو إلّا بثمن لا يمكنه، و نحو ذلك، و لا شرعي من مرض أو خوف عطش أو نحوهما.

و كأنه إجماعي، و هو المقيد للإطلاقات، مضافا إلى مفهوم الشرط في رواية

______________________________

[1] كالمحقق في المعتبر 1: 401، و الفيض الكاشاني في المفاتيح، و صاحب الحدائق 4: 398.

______________________________

(1) ص 355.

(2) راجع ص 471.

(3) التهذيب 1: 200- 580، الاستبصار 1: 164- 570، الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20 ح 1.

(4) فقه الرضا (ع): 89، مستدرك الوسائل 2: 544 أحكام التيمم ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 490

أبي أيوب، المروية في تفسير العياشي، المنجبر ضعفه بما ذكر، و فيها: «إذا رأى الماء و كان يقدر عليه انتقض التيمّم»

«1».

و تخصيص عدم القدرة بالمانع الحسّي لا وجه له، لأنّ منع الشارع من الاستعمال ينفي الاقتدار جدّا.

و مضيّ زمان يسع الطهارة، عند بعضهم «2»، لامتناع التكليف بفعل في وقت لا يسعه، و لذا لو علم أولا عدم تمكّنه من الإكمال، لم ينتقض تيمّمه.

و يضعّف: بمنع الملازمة بين عدم التكليف بالاستعمال و بين بقاء التيمّم، لجواز كون نفس وجود الماء- الجاري فيه استصحاب البقاء- ناقضا، و لذا لا يجوز للمتيمّم الواجد للماء الشروع في الصلاة، و مسّ المصحف بالتيمّم قبل مضيّ ذلك المقدار. بل يمكن الكلام فيما لم يظن بقاؤه بل يحتمل أيضا.

و يمنع قوله: و لذا لو علم ..، لإطلاق الأخبار، حيث ترتّب فيها النقض على مجرّد الإصابة أو المرور أو القدرة عليه.

و منه يظهر عدم اشتراط مضيّه، لما ذكر، كما هو ظاهر الصدوق «3» و شيخنا البهائي «4» و والدي العلّامة قدس اللّه أسرارهم.

و كذا لا يشترط وجدان الماء في الوقت، فلا ينتقض بوجدانه في غيره كما قيل، مستدلا بتوجّه الخطاب بالمائية- و لو ظاهرا- في الوقت، و هو ينافي بقاء التيمّم دون غيره.

و فيه: أنّ عدم توجّه الخطاب في غير الوقت لا يستلزم بقاء التيمّم، مع أنّ الخطاب الاستحبابي- الذي هو أيضا ينافي البقاء- تعلّق في غير الوقت أيضا.

نعم، يشترط صدق الإصابة و المرور عرفا أيضا، فلو رأى ماء من بعد و كان

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 244- 143، الوسائل 3: 378 أبواب التيمم ب 19 ح 6.

(2) الكركي في جامع المقاصد 1: 507، و صاحب المدارك 2: 254.

(3) المقنع: 8.

(4) الحبل المتين: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 491

متوجّها إليه لا ينتقض تيمّمه و إن علم الوصول إليه في الوقت ما لم

يصدق المعيار، فيجوز له مسّ المصحف و نحوه ما لم ينته إلى حدّ الصدق.

نعم، لا يبعد أن يقال بعدم جواز الصلاة بالتيمّم حينئذ، لعموم قوله سبحانه إِذا قُمْتُمْ .. و عدم صدق عدم الوجدان، حيث إنه أعم من الإصابة و المرور عرفا، فإنّ من رأى الماء من بعيد و توجه إليه يقال: إنّه وجد الماء، و لا يقال: أصابه و مرّ به. و على هذا فيكون تيمّمه باقيا تجوز الصلاة معه لو تلف الماء قبل وصوله إليه و إن لم تجز قبل التلف.

و لو كان الماء في مسجد تمكّن من استعماله عبورا، انتقض التيمّم. و لو لم يتمكّن منه إلّا مع اللبث في المسجد لا ينتقض، لوجود المانع الشرعي و لو قلنا بإباحة الدخول و اللبث بالتيمّم، لأنّ إباحتهما موقوفة على بقاء التيمّم، و هو على عدم القدرة على الماء، و هو على المنع من دخول المسجد، و هو على انتقاض التيمّم، فإباحتهما موقوفة على بقاء التيمّم و انتقاضه، و هو محال، و الموقوف على المحال محال.

إلّا أنّه لأحد أن يقول: عدم إباحتهما أيضا موقوف على عدم بقاء التيمّم، و هو على القدرة على الماء، و هو على جواز دخول المسجد، و هو على بقاء التيمّم، فعدم الإباحة محال.

و بعبارة أخرى في الطرفين: بقاء التيمّم موقوف على عدم القدرة، و هو على عدم البقاء، فالبقاء يستلزم عدم البقاء. و الانتقاض يستلزم القدرة و هي فرع عدم الانتقاض، فالانتقاض يلازم عدم الانتقاض. و المقام مقام تردّد و إشكال.

و لو وجد جماعة متيمّمون ماء يكفي لأحدهم، و اقتدر كلّ منهم على استعماله، انتقض تيمّم الكلّ، للإطلاق.

العاشرة:

لو كان على أعضاء التيمّم- كلا أو بعضا- جبيرة أو حائل

آخر تعذّر حلّها، مسحها كما في الوضوء، بلا خلاف أجده، و في الحدائق و اللوامع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 492

كأنه لا خلاف فيه «1».

و يدلّ عليه: إطلاق صحيحة الوشّاء و حسنة كليب، أو عمومهما بترك الاستفصال:

الاولى: عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلي الدواء؟ فقال: «نعم، يجزيه أن يمسح عليه» «2».

و الثانية: عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: «إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصلّ» «3».

الحادية عشرة:

التيمّم في جميع المواضع التي يشرع- غير ما مرّ من المواضع المخيّر فيها بينه و بين الجبيرة بالمائية- عزيمة. فلا تجوز المائية إن أمكن، و لو أتى بها كان باطلا، للأمر به في الآية و الأخبار، و لأنّ التيمّم في كلّ موضع يوجد فيه الماء كان لدفع الضرر أو العسر أو الحرج، و ما يستلزم أحدها منفي من الإسلام و الدين، أو لا يريده اللّه سبحانه، و ما جعله في الدين، و كلّ ما كان كذلك لا يكون مشروعا.

نعم، لو كان التيمّم لأجل العسر في تحصيل الماء، فتحمّله و حصّله، تجوز المائية، بل تجب بعده، لانتفاء العسر حينئذ.

تمَّ بحث التيمّم، و بتمامه تمَّ كتاب الطهارة. طهّرنا اللّه من ذنوبنا و عيوبنا بمحمد و آله أهل بيت العصمة و الطهارة.

و كان ذلك في يوم الثلاثاء آخر شهر صفر المظفر سنة ألف و مائتين و واحد و ثلاثين.

______________________________

(1) الحدائق 4: 353.

(2) التهذيب 1: 364- 1105، الاستبصار 1: 76- 235، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 9.

(3) التهذيب 1: 363- 1100، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص:

493

و الحمد للّه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله [1].

______________________________

[1] توجد في «ه»: هذا صورة خط المصنف أعلى اللّه في الخلد مقامه.

و في «ق»: ثمَّ إني قد فرغت من استنساخه غروب يوم الاثنين سادس عشر من شهر صفر المظفر من سنة ألف و مائتين و ثلاث و خمسين من الهجرة المقدسة. و أنا الأقل الجاني الخادم للعلماء مهدي ابن محمّد حسين الأراني حامدا مصليا.

و في «ح»: راقم الحروف أقل الطلاب: ابن محمد رضا، نصر اللّه الخوزاني الأصفهاني.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.