مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 02

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة المقصد الثالث في الطهارة من الحدث ]

الباب الأوّل: في الوضوء

اشارة

و البحث عن أسبابه، و أقسامه، و واجباته، و آدابه، و أحكامه يقع في فصول خمسة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2،

ص: 7

الفصل الأوّل: في أسبابه

و هي ستة:

الأوّل و الثاني و الثالث: البول و الغائط و الريح من الموضع الطبيعي المعتاد خروجه منه لعامة الناس و إن لم يعتد لشخص. و النقض بها إجماعي، و نقل الإجماع عليه مستفيض «1»، و المستفيضة عليه دالّة:

ففي صحيحة زرارة: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: «ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الدبر و الذكر، غائط أو بول أو مني أو ريح، و النوم حتى يذهب العقل، و كل النوم يكره إلّا أن تكون تسمع الصوت» «2».

و الأخرى: «لا يوجب الوضوء إلّا غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها» «3» و رواية زكريا: «إنّما ينقض الوضوء ثلاث: البول و الغائط و الريح» «4».

و صحيحة أبي الفضل: «ليس ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم اللَّه عليك بهما» «5».

______________________________

(1) كما نقله في المعتبر 1: 106، و التذكرة 1: 10، و المدارك 1: 142.

(2) الكافي 3: 36 الطهارة ب 23 ح 6، التهذيب 1: 8- 12، 9- 15، الوسائل 1: 249 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 1: 10- 16، 346- 1016، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.

(4) الكافي 3: 36 الطهارة ب 23 ح 2، التهذيب 1: 10- 18، الاستبصار 1: 86- 272، الخصال:

21- 47، الوسائل 1: 250 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 6.

(5) الكافي 3: 35 الطهارة ب 23 ح 1، التهذيب 1: 10- 17، الاستبصار 1: 85- 271، الوسائل 1: 249 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 8

و صحيحة زرارة: «لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك أو النوم» «1» إلى

غير ذلك.

و تقييد الريح الناقض (في الثانية) [1] بأحد الوصفين محمول على صورة حصول الشك بدونهما، و فائدته بيان لزوم تيقّن الخروج و عدم كفاية الشك بل الظن.

و أمّا مع التيقن فلا ريب في ناقضيته مطلقا، للإجماع، و المروي في مسائل علي: عن رجل في صلاته، فيعلم أنّ ريحا قد خرجت و لا يجد ريحها و لا يسمع صوتها، قال: يعيد الوضوء و الصلاة و لا يعتدّ بشي ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا» «2».

و الرضوي: «و إن استيقنت أنّها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع، و شممت ريحها أو لم تشم» «3».

و ضعفهما منجبر بالإجماع المنقول بل المحقّق، فبهما و به [2] يخصص عموم الثانية و ينزّل [3].

و احتمال بعض المتأخّرين «4» اشتراط الناقضية بأحد الوصفين- كما ذكره بعض مشايخنا [4]، بل نقل الفتوى به عن بعض علماء زمانه- ضعيف جداً. كما

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

[2] أي بهاتين الروايتين و بالإجماع يخصّص عموم صحيحة زرارة الثانية «لا يوجب الوضوء إلا غائط ..».

[3] في «ه» و «ق» يترك.

[4] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح: (مخطوط).

______________________________

(1) التهذيب 1: 6- 2، الاستبصار 1: 79- 244، الوسائل 1: 248 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 1.

(2) مسائل علي بن جعفر: 184- 358، الوسائل 1: 248 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.

(3) فقه الرضا (عليه السلام): 67، المستدرك 1: 277 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.

(4) كما في المدارك 1: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 9

أنّ ردّ الصحيحة: بكون دلالتها على عدم النقض (بدون أحد الوصفين) [1] بمفهوم الوصف و هو ليس بحجة- كما قاله بعض مشايخنا «1»- غريب كذلك.

و في حكم الطبيعي

غيره إن كان خلقيّاً أو انسدّ الطبيعي، لظاهر الوفاق، بل عليه الإجماع في المنتهى و المدارك «2».

و في اعتبار الاعتياد هنا كنهاية الإحكام «3»، أو عدمه كظاهر المنتهى «4» احتمالان، أظهرهما: الأول.

و مع انتفاء الأمرين: ففي عدم النقض مطلقا، كظاهر الشرائع «5» و طائفة من متأخّري المتأخّرين «6» منهم والدي العلّامة، أو النقض كذلك، كالسرائر و التذكرة «7»، أو التفصيل بالاعتياد و عدمه، كما في المعتبر [2] و القواعد و الدروس و الذكرى «8»، بل نسب إلى المشهور «9»، و بالخروج عن تحت المعدة فينقض، و فوقها فلا ينقض، كما عن المبسوط و الخلاف «10»، أقوال.

و الحق هو الأوّل، للأصل، و فقد المانع كما يأتي.

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

[2] في «ه» و «ق»: المنتهى.

______________________________

(1) حاشية المدارك: 32، شرح المفاتيح: (مخطوط).

(2) المنتهى 1: 32، المدارك 1: 144.

(3) نهاية الاحكام 1: 71.

(4) المنتهى 1: 32.

(5) الشرائع 1: 17.

(6) منهم صاحب المدارك 1: 143، و صاحبا الرياض 1: 14، و كشف الغطاء: 107.

(7) السرائر 1: 106، التذكرة 1: 10.

(8) المعتبر 1: 107، القواعد 1: 3، الدروس 1: 87، الذكرى: 25.

(9) كما نسبه في الحدائق 2: 86.

(10) المبسوط 1: 27، الخلاف 1: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 10

للثاني: (عموم) [1] قوله سبحانه إِذا قُمْتُمْ و أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ «1» و عموم الروايتين: الثانية و الثالثة، و احتياج الشغل اليقيني إلى البراءة اليقينية، و تنقيح المناط.

و يضعّف الأوّل: بأنّ المراد القيام من النوم كما في الأخبار، فهي المخصص لعمومه لو كان.

مضافا إلى تعارضه مع الأخبار المصرّحة بأنّ يقين الوضوء لا ينقضه إلّا يقين الحدث، و الناهية عن الوضوء إلّا مع يقينه، و الحاصرة للنقض بالخارج عن السبيلين

«2».

و الثاني: بعدم إرادة الحقيقة من المجي ء عن الغائط الذي هو المكان المنخفض، فيمكن أن يكون مجازه التخلّي للتغوّط المتعارف.

و الثالث: بمنع العموم فيهما سيما في أولهما، و لو كان فإطلاقه ينصرف إلى الشائع. مع أنّه لا بدّ فيهما من ارتكاب تجوّز أو تقدير مضاف، ضرورة عدم كون نفس البول و أخويه ناقضا، فيمكن أن يكون البول مثلا مجازا عن فرد خاص هو البول الخارج على نحو خاص حال كونه كذلك، أو عن خروجه على نحو خاص.

مضافا إلى معارضته مع الصحيحتين الأخيرتين بالعموم من وجه فيرجع إلى الأصل.

و الرابع: بعدم القطع بالاشتغال بأزيد من الصلاة مع مثل هذا الوضوء.

و الخامس: بمنع كونه قطعيا، لعدم العلم بالعلة.

للثالث: صدق الطرفين اللذين أنعم اللَّه بعد الاعتياد، و عدم منافاة

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) المائدة: 6.

(2) راجع الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 11

الانصراف إلى المعتاد له.

و الأوّل ممنوع، مع أنّ التقييد بالأسفلين ينافي عموم المطلوب.

و الثاني مردود: بأنّ ما ينصرف إليه المطلق هو المعتاد من أفراد المهية لا لشخص واحد.

للرابع على الجزء الأوّل: بعض ما مرّ مع جوابه.

و على الثاني: عدم صدق الاسم على الخارج من الفوق، و ضعفه ظاهر.

ثمَّ الشائع المتبادر من الريح ما خرج من الدبر، فلا ينقض الخارج من القبل مطلقا، وفاقا للمنقول عن السرائر و المنتهى و المهذب و البيان «1».

و عن التذكرة القطع بنقض الخارج منه من قبل المرأة «2»، و استقر به في المعتبر و الذكرى «3» مع الاعتياد. و مستندهما ضعيف.

و قد يقال باعتبار الشيوع في نفس الخروج أيضا لتبادر الخروج المعتاد من المطلقات، و يفرّع عليه: أنّه [لو] [1] خرجت المقعدة ملوثة

بالغائط ثمَّ عادت و لم ينفصل لم ينقض «4».

و لا يخفى أنّ بعد تفريع ذلك على اعتبار الشيوع في الخروج لا وجه للتقييد بالعود و عدم الانفصال، إذ الخروج الكذائي غير شائع عادت المقعدة أم. لا، انفصل الغائط أم لا. مع أنّ ذلك الاعتبار في نفس الخروج يوجب عدم النقض بالخارج بالإصبع و نحوها، و بالاحتقان و دوس البطن و تناول المسهل و الدود المتلطخ و نحوها إلّا بدليل آخر.

و التحقيق- كما بيّنّا في موضعه-: أنّ الانصراف إلى المتعارف إنّما هو إذا بلغ

______________________________

[1] أثبتناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) السرائر 1: 107، المنتهى 1: 31 و 32، المهذب 1: 249، البيان: 40.

(2) التذكرة 1: 11.

(3) المعتبر 1: 108، الذكرى: 25.

(4) الرياض 1: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 12

التعارف بحيث يتبادر معه إرادة المتعارف و يكون قرينة معينة لإرادته، و هو هنا ليس كذلك، و لذا يحكم بالنقض بالغائط الأسود و الأبيض و البول الأحمر و نحوها. فالحقّ: النقض بالمقعدة المذكورة أيضا.

الرابع: النوم المعطل للسمع و العقل و لو تقديرا مطلقا، بالإجماع المحقّق و المحكي في الخلاف و التهذيب و المعتبر «1» و غيرها «2»، و عن الانتصار و الناصريات «3»، و جعله في الخصال من دين الإمامية [1].

و خلاف ابني بابويه في مطلقه «4» كأحدهما في غير حالة الانفراج «5» لم يثبت، و كلامهما لو دلّ عليه بظاهره، يجب فيه التأويل: بأنّ المراد عدم ناقضيته في نفسه، بل لكونه مظنة الريح غالبا، فلذلك ينقض و لو عدم خروج الريح لما في الخصال، مع أنّه لو ثبت، ففي الإجماع لا يقدح، فهو الحجة.

مضافا إلى المستفيضة كصحيحتي زرارة المتقدمتين «6»، و الأخرى: «يا زرارة قد تنام العين و

لا ينام القلب و الاذن، فإذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء» قلت: فإن حرّك إلى جنبه شي ء و لم يعلم به؟ قال: «لا حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجي ء من ذلك أمر بيّن، و إلّا فإنّه على يقين من وضوئه، و لا ينقض اليقين أبدا بالشك، و لكن ينقضه بيقين آخر» «7».

______________________________

[1] هكذا نقل في الرياض 1: 14 عن الخصال، و لم نعثر عليه فيه نعم في المجالس: 514 المجلس 93 عدّ ناقضية النوم إذا ذهب العقل، من دين الإمامية، و روى في الخصال في حديث شرائع الدين «لا ينقض الوضوء الا البول و الريح و النوم و الغائط و الجنابة».

______________________________

(1) الخلاف 1: 109، التهذيب 1: 5، المعتبر 1: 109.

(2) كالتذكرة 1: 11، و المنتهى 1: 32.

(3) الانتصار: 30، الناصريات (الجوامع الفقهية): 186.

(4) لاحظ المقنع: 4، الهداية: 18، و نقل في المختلف: 17 كلاما عن علي بن بابويه في ذلك.

(5) لاحظ الفقيه 1: 38- 144.

(6) في ص 7 و 8.

(7) التهذيب 1: 8- 11، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 13

و صحيحة ابن الحجاج: «من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء» «1».

و صحيحة عبد الحميد: «من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحالات فعليه الوضوء» «2».

و صحيحة ابن المغيرة: عن الرجل ينام على دابته، فقال: «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» «3».

و صحيحة ابن خلّاد: عن رجل به علّة لا يقدر على الاضطجاع، و الوضوء يشتد عليه، و هو قاعد مستند بالوسائد، فربما أغفى و هو قاعد على تلك الحال، قال: «يتوضأ» قلت:

إنّ الوضوء يشتد عليه، قال: «إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء» «4».

و موثقة ابن بكير: قلت: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: «نعم إذا غلب على السمع و لا يسمع الصوت» «5».

و رواية سعد: «أذنان و عينان، تنام العينان و لا تنام الأذنان و ذلك لا ينقض الوضوء، فإذا نامت العينان و الأذنان انتقض الوضوء» «6» إلى غير ذلك.

و إطلاق بعضها بالنسبة إلى غير الغالب على السمع و العقل مقيد بالمقيدات،

______________________________

(1) الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 15، الوسائل 1: 254 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 9.

(2) التهذيب 1: 6- 3، الاستبصار 1: 79- 247، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 3.

(3) التهذيب 1: 6- 4، الاستبصار 1: 79- 245، الوسائل 1: 252 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 2.

(4) الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 14، التهذيب 1: 9- 14، الوسائل 1: 257 أبواب نواقض الوضوء ب 4 ح 1.

(5) التهذيب 1: 7- 9، الاستبصار 1: 80- 251، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 7.

(6) الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 16، الوسائل 1: 247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 14

مع أنّه سنة لا نوم. و تعطيل السمع و العقل متلازمان كما يومئ إليه صحيحتا زرارة «1» أيضا، فالاكتفاء بأحدهما في بعضها غير ضائر.

و بتلك الأخبار يخصّص ما دلّ على انتفاء الناقض غير ما يخرج عن السبيلين مطلقا، فالحصر فيه إضافي بالنسبة إلى ما يخرج.

و بعض الظواهر النافي للنقض في بعض الحالات، كموثّقة سماعة: عن الرجل يخفق رأسه و هو في الصلاة قائما أو راكعا، قال:

«ليس عليه وضوء» «2».

و رواية عمران: «من نام و هو جالس لم يتعمد النوم فلا وضوء عليه» «3».

و مرسلة الفقيه: «عن الرجل يرقد و هو قاعد، عليه الوضوء؟ فقال: لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج» «4».

و رواية الحضرمي: «إذا نام الرجل و هو جالس مجتمع فليس عليه وضوء، و إذا نام مضطجعا فعليه الوضوء» «5».

لا يضر، لضعفها بالشذوذ، و مخالفتها للشهرة بل الإجماع.

مع أنّ المذكور في الأولى الخفق و هو النعاس أي ابتداء النوم، و في الثانية عدم التعمد، و يمكن أن يكون بالغين المعجمة فيراد به ما لم يعطل العقل.

و لو قطع النظر عن ذلك كله يتعارض مع بعض ما مر، و الترجيح لنا، لموافقة أخبارنا الكتاب و مخالفتها العامة «6».

و أمّا الصحيح: في الرجل هل ينقض و ضوؤه إذا نام و هو جالس؟ قال: «إن

______________________________

(1) المتقدمتان ص 7 و 12.

(2) الفقيه 1: 38- 143، الوسائل 1: 255 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 12.

(3) التهذيب 1: 7- 6، الاستبصار 1: 80- 248، الوسائل 1: 256 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 14.

(4) الفقيه 1: 38- 144، الوسائل 1: 254 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 11.

(5) التهذيب 1: 7- 7، الاستبصار 1: 80- 249، الوسائل 1: 256 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 15.

(6) راجع المغني 1: 197، بداية المجتهد 1: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 15

كان يوم الجمعة و هو في المسجد فلا وضوء عليه، و ذلك بأنّه في حال الضرورة» «1».

فمحمول إمّا على عدم إمكان الخروج من المسجد فيتيمّم حينئذ- كما يأتي في بابه [1]- أو على التقية، لعدم الضرورة في غيرهما. و لو منع الحملان

فيكون متروك الظاهر عند الأصحاب كلا، فلا حجية فيه.

ثمَّ النوم ناقض بنفسه، لظاهر الأخبار المتقدمة، و صريح حسنة الأشعري: «لا ينقض الوضوء إلّا حدث، و النوم حدث» «2».

لا لكونه مظنة الريح كما يظهر من بعض الروايات «3»، لضعفه و موافقته العامة، و تصريح صحيحة زرارة المتقدمة «4» بعدم النقض باحتمال طروّ الناقض ظنا أو شكا. مع أن التعليل بكونه مظنته غالبا لا ينافي النقض به مطلقا، فإنّ أمثال هذه التعليلات في الشرع كثيرة، فإنّ هذه العلّة صارت علة للكلية كما في الخمر.

و أمّا رواية الكناني: عن الرجل يخفق في الصلاة، قال: «إن كان لا يحفظ حدثا منه- إن كان- فعليه الوضوء و إعادة الصلاة، و إن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء و لا إعادة» «5» فلا ينافي ما ذكرنا، لأنّ المراد أنّه إن غلب على العقل، فعليه الوضوء و إلّا فلا، لأنّ عدم حفظ الحدث في الصلاة يستلزم ذهاب العقل، كما أنّ استيقان عدمه لا يكون إلّا مع بقاء العقل.

______________________________

[1] سيأتي في المسألة الرابعة من الفصل الخامس من التيمم.

______________________________

(1) التهذيب 1: 8- 13، الاستبصار 1: 81- 253، الوسائل 1: 256 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 16.

(2) التهذيب 1: 6- 5، الاستبصار 1: 79- 246، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 4.

(3) الوسائل 1: 255 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 13.

(4) في ص 12.

(5) التهذيب 1: 7- 8، الاستبصار 1: 80- 250، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 16

الخامس: كل مزيل للعقل من جنون أو سكر أو إغماء، بالإجماع المحقق و المحكي في التهذيب «1» و الخصال [1]

و المعتمد و غيرها «2»، و في المنتهى: لا نعلم فيه مخالفا «3».

و يؤيد بعض المطلوب: رواية الدعائم: «إنّ المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه» «4».

و الاستدلال بصحيحة ابن خلّاد «5» من جهة الإغفاء، أو عموم: «إذا خفي عليه الصوت»، أو تعليق نقض النوم بذهاب العقل من باب التنبيه أو الأولوية، أو بالنقض بالنوم من باب تنقيح المناط، ضعيف.

السادس: بعض أفراد الاستحاضة كما يأتي في محله. و أمّا الحدث الأكبر فهو و إن كان ناقضا للوضوء إلّا أنّه ليس من أسبابه.

فرع: الشك في تحقق الناقض لا عبرة به، و كذا الظن، لأنّ اليقين بالطهارة لا ينقض إلّا بيقين مثله كما صرّح به في الأخبار «6».

و لصحيحة ابن عمار «7» و خبر البصري «8» في الريح، و إحدى صحاح زرارة

______________________________

[1] لم نعثر عليه فيه، و لكن نقل عنه في الرياض 1: 14، و مفتاح الكرامة 1: 37 أنه عده من دين الإمامية، نعم ربما يستفاد من كلامه في المجالس حيث إنه عدّ من دين الإمامية ناقضية النوم المزيل للعقل- فتأمّل.

______________________________

(1) التهذيب 1: 5.

(2) كالمدارك 1: 149.

(3) المنتهى 1: 34.

(4) الدعائم 1: 101، المستدرك 1: 229 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 4.

(5) المتقدمة ص 13.

(6) راجع الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.

(7) التهذيب 1: 347- 1017، الاستبصار 1: 90- 289، الوسائل 1: 246 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 3.

(8) الفقيه 1: 37- 139، التهذيب 1: 347- 1018، الاستبصار 1: 90- 288، الوسائل 1:

246 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 17

في النوم «1».

و

الشك في سماع الصوت كالشك في النوم.

و لا اعتبار بالرؤيا، لإمكان تحققه مع عدم بطلان العقل و السمع إذا قوي الخيال.

تذنيب: ليس للوضوء غير ما ذكر سبب موجب على الأظهر الأشهر رواية و فتوى، و إن اختلفت الأخبار بل الأقوال في أشياء.

منها: المذي. خالف فيه الإسكافي، فقال بنقضه للوضوء إن خرج بشهوة «2».

و يشعر كلام التهذيب بالنقض مع الكثرة «3»، و ذهب [1] العامة إلى النقض به مطلقا «4».

لنا- بعد الأصل و الإجماع المحقق و المحكي في التذكرة «5» و غيرها- «6» المستفيضة المتواترة معنى من الصحاح و غيرها المصرّحة بعدم النقض بالمذي مطلقا، كالصحاح الثلاث للشحّام «7» و ابن بزيع «8» و ابن سنان «9»، و حسنة بريد

______________________________

[1] في «ق» و ذهبت.

______________________________

(1) التهذيب 1: 8- 11، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

(2) نقله عنه في المختلف: 18.

(3) التهذيب 1: 18.

(4) بداية المجتهد 1: 34، الأم للشافعي 1: 39.

(5) التذكرة 1: 11.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(7) التهذيب 1: 17- 40، الاستبصار 1: 91- 293، الوسائل 1: 277 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 5.

(8) التهذيب 1: 18- 43، الاستبصار 1: 92- 296، الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 9.

(9) التهذيب 1: 20- 49، الاستبصار 1: 94- 302، الوسائل 1: 280 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 18

ابن معاوية «1»، و موثقة ابن عمّار «2». أو و لو مع السيلان، كصحيحة الفضلاء «3». أو و لو بلغ عقبيك، أو الفخذ كحسنتي زرارة «4» و محمّد «5». أو مع الشهوة كمرسلتي ابن أبي عمير «6» و ابن رباط، و في الأخيرة: «يخرج من

الإحليل المني و الودي و الوذي» إلى أن قال: «و أمّا المذي فهو الذي يخرج من الشهوة و لا شي ء فيه» «7» و غير ذلك، و في كثير منها أنّه بمنزلة النخامة.

و المصرّح به في كلام جماعة من الفقهاء «8»، و طائفة من أهل اللغة- كصاحبي الصحاح و القاموس و ابن الأثير و الهروي «9»- أنّ المذي هو الخارج عقيب الشهوة، و تدل عليه مرسلة ابن رباط. فتوصيفه في مرسلة ابن أبي عمير بقوله:

«من الشهوة» للتوضيح. و الاستعمال في الأعم في بعض الأخبار تجوّز.

و يكون ما يتمسك به للإسكافي- كصحيحة ابن يقطين: عن المذي أ ينقض الوضوء؟ قال: «إن كان بشهوة نقض» «10» و بمضمونها روايتا أبي بصير «11»

______________________________

(1) الكافي 3: 39 الطهارة ب 25 ح 3، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 1.

(2) التهذيب 1: 17- 39، الاستبصار 1: 91- 292، الوسائل 1: 277 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 7.

(3) التهذيب 1: 21- 52، الاستبصار 1: 94- 305، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ملحق ح 2.

(4) الكافي 3: 39 الطهارة ب 25 ح 1، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2.

(5) الكافي 3: 40 الطهارة ب 25 ح 4، الوسائل 1: 277 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 3.

(6) التهذيب 1: 19- 47، الاستبصار 1: 93- 300، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 2.

(7) التهذيب 1: 20- 48، الاستبصار 1: 93- 301، الوسائل 1: 278 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 6.

(8) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 4.

(9) الصحاح 6: 2490، القاموس 4: 391، النهاية 4: 312، غريب الحديث 2:

55.

(10) التهذيب 1: 19- 45، الاستبصار 1: 93- 298، الوسائل 1: 279 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 11.

(11) التهذيب 1: 19- 44، الاستبصار 1: 93- 297، الوسائل 1: 279 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 19

و الكاهلي «1»، و صحيحة يعقوب: عن الرجل يمذي في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة، فقال: «المذي منه الوضوء» «2» و غير ذلك- معارضا لما تقدّم بالتساوي، و مطابقا لمذهب العامة، و لأجله يرجّح ما تقدّم، بل و لولاه أيضا، لموافقته للأصل.

مع أنّ هذه الأخبار ليست بحجة، لمخالفتها للشهرة القديمة و الجديدة، و لعمل راويها، و بعضها كالأخيرة على الوجوب غير دالّة.

و بهذا يجاب لو عمّم المذي لغة حتى يكون من تعارض المطلق و المقيد، مضافا إلى تساويها مع المرسلتين فتقدّمان، لما مرّ.

و ضعفهما سندا عندنا غير ضائر، و لو كان، فالعمل لهما جابر، مع أنّ ابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و مراسيله كالمسانيد.

و منها: تقبيل المرأة بشهوة، و مسّ الفرجين من الغير كذلك، و مسّ باطنهما مطلقا.

خالف فيها الإسكافي «3»، و في الأخير الصدوق «4» أيضا مع ضم فتح الإحليل، لرواية أبي بصير «5» و موثقة عمّار «6».

______________________________

(1) التهذيب 1: 19- 46، الاستبصار 1: 93- 299، الوسائل 1: 279 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 12.

(2) التهذيب 1: 21- 53، الاستبصار 1: 95- 306، الوسائل 1: 281 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 16.

(3) نقله عنه في المختلف: 17.

(4) الفقيه 1: 39.

(5) التهذيب 1: 22- 56، الاستبصار 1: 88- 280، الوسائل 1: 272 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 9.

(6) التهذيب 1: 45-

127، الاستبصار 1: 88- 284، الوسائل 1: 272 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 20

و هما- مع عدم دلالة أولاهما على الأزيد من الاستحباب، و معارضتهما مع مرسلة ابن أبي عمير «1» و الصحاح الخمس للحلبي «2» و زرارة «3» و معاوية «4» و رواية عبد الرحمن «5»- لا تصلحان للحجية، لمخالفتهما لعمل معظم الطائفة بل إجماع الفرقة على التحقيق.

و منها: القهقهة في الصلاة متعمدا للنظر إلى المضحك أو سماعه، و الحقنة، و الدم الخارج من السبيلين المشكوك في مصاحبة الناقض له.

خالف فيها الإسكافي «6» أيضا، لمضمرتي ابن أبي عمير «7» و سماعة «8» في الأوّل.

و جوابه ما مر من الشذوذ المخرج عن الحجية، مع معارضتهما لحسنة زرارة «9»، مضافا إلى ضعف الأولى من جهة الدلالة.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 18.

(2) التهذيب 1: 22- 58، الاستبصار 1: 88- 279، الوسائل 1: 271 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 5.

(3) أ- الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 12، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 3.

ب: التهذيب 1: 23- 59، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ملحق ح 3.

ج: التهذيب 1: 21- 54، الاستبصار 1: 87- 277، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 3.

(4) التهذيب 1: 346- 1014، الاستبصار 1: 88- 282، الوسائل 1: 271 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 7.

(5) التهذيب 1: 22- 57، الاستبصار 1: 88- 281، الوسائل 1: 271 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 6.

(6) نقله عنه في المختلف: 18.

(7) التهذيب 1: 12- 24، الاستبصار 1: 86- 274، الوسائل 1: 263 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح

10.

(8) التهذيب 1: 12- 23، الاستبصار 1: 86- 273، الوسائل 1: 263 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح 11.

(9) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 6، التهذيب 2: 324- 1324، الوسائل 1: 261 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 21

و لم أعثر له في الباقيين على حجة، بل الأخبار على عدم النقض بالثاني مصرّحة «1».

و منها: الحيض فيظهر من بعضهم كونه ناقضا للوضوء «2».

و تظهر الفائدة في ما إذا كانت متوضّئة و حاضت و أرادت الاشتغال بما يشترط فيه الوضوء وجوبا و لا يمنعه الحيض، كالنوم، و في النفساء حيث إنّ لا أقل للنفاس.

و الظاهر عدم كونه بنفسه ناقضا له، للأصل و عدم الدليل.

و مثل قوله: «كل غسل فيه وضوء» «3» لا يثبت ناقضية الحيض، لأنّه مع عدم إفادته الوجوب- كما يأتي [1]- لا يدل إلّا على مطلوبية تقدم الوضوء على الغسل، و هو لا يدل على مطلوبية وضوء آخر غير ما تقدم على سبب الغسل إلّا بعد ثبوت انتقاضه.

و منها: مس الميت.

و الحقّ: عدم الانتقاض به أيضا، كما يأتي في بحث غسل المس.

ثمَّ إنا قد ذكرنا أنّ هذه الأمور ليست أسبابا موجبة للوضوء، و أمّا استحبابه بعروضها فالظاهر ثبوته في الجميع، غير الحقنة و الدم الخارج من السبيلين، لما مرّ.

و يستحب أيضا للرعاف، و القي ء، و التخليل السائل منه الدم إذا استكره شي ء منها، لصحيحة الحذّاء «4» في الجميع، و الوشاء «5» أيضا في الأوّل.

______________________________

[1] سيأتي في المسألة من البحث السادس من غسل الجنابة.

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 264 أبواب نواقض الوضوء ب 7.

(2) كابن حمزة في الوسيلة: 53، و العلامة في التحرير 1: 6.

(3) التهذيب 1:

143- 403، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 2.

(4) التهذيب 1: 13- 26، الاستبصار 1: 83- 263، الوسائل 1: 263 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح 12.

(5) التهذيب 1: 348- 1024، الوسائل 1: 267. أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 22

و خروج البلل بعد الاستبراء، لمكاتبة محمّد بن عيسى «1».

و بعد الاستنجاء بالماء من الغائط و البول للمتوضّئ قبله و لو كان قد استجمر، لموثّقتي عمّار «2» و سماعة «3».

و الظلم، و الكذب، و الزائد من الأربعة من باطل الشعر، لموثقة سماعة «4».

و الغيبة، لرواية الحسين بن زيد- الطويلة- في جمل المعاصي «5».

و الغضب، للمروي في دعوات الراوندي: «إن غضب أحدكم فليتوضأ» «6».

و لمس الكلب، و مصافحة المجوسي، للخبر فيهما «7».

و بعد الوضوء الناقص لعذر بعد رفعه كالتقية و الجبيرة، خروجا من خلاف من أوجبه

______________________________

(1) التهذيب 1: 28- 72، الاستبصار 1: 49- 138، الوسائل 1: 285 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 9.

(2) التهذيب 1: 45- 127، الاستبصار 1: 52- 149، الوسائل 1: 317 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 1.

(3) الكافي 3: 19 الطهارة ب 12 ح 17، الوسائل 1: 319 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 5.

(4) التهذيب 1: 16- 35، الاستبصار 1: 87- 276، الوسائل 1: 269 أبواب نواقض الوضوء ب 8 ح 3.

(5) الفقيه 4: 2، أمالي الصدوق: 355.

(6) دعوات الراوندي: 52، المستدرك 1: 274 أبواب الوضوء ب 47 ح 1.

(7) الوسائل 1: 274 أبواب نواقض الوضوء ب 11 ح 1، 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 23

الفصل الثاني: في أقسامه
اشاره

و هو على قسمين: واجب و مندوب.

فهاهنا بحثان.

البحث الأوّل: في الواجب منه.

و هو يجب للصلاة الواجبة، بالإجماع بل الضرورة و الكتاب و السنة المتواترة معنى.

و كما يجب لها شرعا يجب شرطا، فيتوقف صحتها عليه أيضا بالأربعة.

و يكفيك في ذلك: قول أبي جعفر المروي في الفقيه و التهذيب: «لا صلاة إلّا بطهور» «1» و الروايات الواردة في وجوب إعادة الصلاة بترك الوضوء و نسيانه أو نسيان جزء منه «2».

و ذلك أيضا دليل آخر على وجوبه الشرعي، لوجوب مقدمة الواجب، كما أنّ الأوّل أيضا دليل على الثاني باعتبار كون الأمر بالشي ء نهيا عن ضده، فالأمر بالوضوء حال إرادة الصلاة نهي عنها موجب لفسادها.

ثمَّ أكثر ما ذكر دليلا على الوجوبين يعم جميع الصلوات الواجبة يومية كانت أو غيرها، فوجوبه شرعا و شرطا له مما لا شك فيه.

و أمّا صلاة الجنازة فليست صلاة حقيقة، فلا ينافي العموم عدم وجوبه لها.

مع أنه على فرض كونها صلاة تكون مخصّصة بالأدلة الآتية في موضعه.

و الحق بالصلاة أجزاؤها المنسية، و سجود السهو «3». و قيل: سجود

______________________________

(1) الفقيه 1: 35- 129، التهذيب 1: 49- 144، الوسائل 1: 315 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1.

(2) راجع الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3.

(3) كما في روض الجنان: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 24

التلاوة «1». و يأتي الكلام في كل منها في محله.

و للطواف الواجب دون المندوب، و ليس شرطا له (أيضا) [1] كما يأتي في بحثه.

و لمسّ خط المصحف، و وجب، لحرمة مسّها بدونه كما يأتي.

و لنذر و شبهه. و متعلقه إن تعين من وضوء أو غسل أو تيمم تعين، و إلّا كفى المسمّى مع مشروعيته في الصورتين، فلا يكفي الوضوء مع غسل الجنابة، أو

غسل الجمعة يوم الأربعاء، أو التيمم مع الماء، لعدم كونه طهارة، بل عدم ثبوت مشروعيته، فلو نذره بخصوصه لم ينعقد.

ثمَّ لو نذره في وقت معيّن قيل: فإن صادف أحد أسبابه وجب «2».

و فيه نظر، لأنّه موقوف على صحة النذر، و هو بإطلاقه ممنوع، بل إطلاقه يصح إن كان المنذور راجحا مطلقا، و إلّا فلا، فلا يصح نذر التيمم في وقت معين بالإطلاق.

و إن لم يصادفه، فمع تعذّر تحصيله يسقط قطعا، كنذر غسل الجنابة غدا مع تعذّر تحصيل الجنابة، أو نذر التيمم عند النوم مع تعذّر إعدام الماء على القول باشتراط عدمه حينئذ أيضا.

و مع إمكانه، فإن كان فعل تلك الطهارة راجحا على ما هي عليه قبل حصول موجبه، يجب تحصيل الموجب ما لم يكن محرما، سواء كان تحصيل الموجب أيضا راجحا في نفسه كالجنابة لغسله، أو لا كالحدث للوضوء الرافع على القول بكونه أفضل من التجديدي.

و إن لم يكن راجحا على ما هو عليه، لم يجب، لأنّ النذر إن شمل مثل تلك

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

______________________________

(1) المختلف: 96.

(2) مشارق الشموس: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 25

الحال أيضا، لم ينعقد، لعدم الرجحان، كالتيمم مع إهراق الماء لمن يجده، فإنّ التيمم حينئذ ليس راجحا على الوضوء.

و قال والدي العلّامة- رحمه اللّه- بعدم وجوب تحصيل الموجب مطلقا. و هو غير جيد.

قيل: و يجب الوضوء أيضا للتحمل عن الغير «1».

فإن أريد ما يجب لأجل تحمل الصلاة، فهو داخل في الوجوب لها، و إن أريد غيره كما إذا نذر أحد الوضوء و مات قبل أن يأتي به، فلم تثبت مشروعية التحمل فيه، و لذا لم يذكره الأكثر.

تذنيب: لا يجب الوضوء بنفسه على المعروف من مذهب الأصحاب، كما في

المدارك «2»، و عن التذكرة «3» و المحقق [1] و الكركي «4» و العاملي «5» و في اللوامع و المعتمد: الإجماع عليه، بل ظاهر [2] أمالي الصدوق كون وجوبه لغيره خاصة من دين الإمامية «6».

و يدلّ عليه: الأصل [3]، و الإجماع الثابت من التتبع، و ممّا يعهد من فقهاء

______________________________

[1] لم نعثر في كتب المحقق على دعوى المعروفية من مذهب الأصحاب و لم ينسب إليه في كتب المتأخرين، و المظنون زيادة «الواو» بين المحقق و الكركي. كما يؤيده تقديم التذكرة عليه في الذكر.

قال الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك: بل نقل جمع من الفقهاء الإجماع مثل العلامة في التذكرة و المحقق الشيخ علي و الشهيد الثاني و نحوه في الذخيرة: 2.

[2] في «ه» و «ق» بل عن ظاهر.

[3] أي أصالة عدم وجوبه لأجل نفسه لوفاق الكل على وجوبه لغيره أو عدم وجوبه في غير وقت وجوب مشروط الطهارة إن قلنا بعدم تحقق الوجوب الغيري قبل وقت الغير (منه ره).

______________________________

(1) الألفية للشهيد: 26.

(2) المدارك 1: 9.

(3) التذكرة 1: 15.

(4) كما نقل عنه في الذخيرة و حاشية المدارك، و في مفتاح الكرامة 1: 5 نقل عنه في شرح الإرشاد.

(5) روض الجنان: 51.

(6) أمالي الصدوق: 514- 515.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 26

الأعصار من عدم التزامهم رفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة لأنفسهم أو غيرهم، و مفهوم الشرط في الآية «1».

و الإيراد عليه: بأنّه يدل على وجوبه عند إرادتها، لعدم إمكان إبقاء القيام على حقيقته، و الإرادة تتحقق قبل الوقت أيضا.

مردود [1] بأنّ غايته وجوبه قبل الوقت أيضا، و لا مانع من كون الواجب لغيره واجبا قبل دخول وقت الغير كما يأتي «2».

مع أنّ عدم إمكان إبقاء القيام على

حقيقته ممنوع، فإنّه إنّما هو إذا قال:

قمتم في الصلاة، حتى تكون حقيقته هو القيام الذي هو جزؤها، و لكنه قال: إلى الصلاة، و المتبادر من القيام إلى الشي ء: التوجّه إلى إيجاده، و ظاهر أنّ ذلك لا يكون الّا وقت تأتّي ذلك الشي ء و إمكان إيجاده.

و بأنّ حجية مفهوم الشرط إذا لم تظهر له فائدة غيره.

______________________________

[1] و قيل: يتعيّن الإرادة المتصلة لكونها أقرب المجازات، بل قيل بعدم إمكان إرادة القيام منه إطلاقا لاسم السبب على المسبب، إذ لا بدّ من إرادة الصلاة من القيام أيضا لعدم وجوبه لجزء الصلاة بل لنفسها، فيلزم استعمال لفظ في استعمال واحد في مجازين بعلاقتين متغايرتين و هو غير جائز.

و الحاصل: أن قوله: «قمتم» لا يمكن أن يكون مستعملا في «أردتم» بإطلاقه، لعدم العلاقة، فيكون مستعملا في أردتم القيام، و لا يمكن أن يكون المراد بالقيام حقيقته، لعدم وجوبه له بل للصلاة، فيلزم المحذور المذكور، مضافا إلى أنّه يصير المعنى: إذ أردتم الصلاة إلى الصلاة. و هو فاسد.

و فيه نظر، لأنّ المستعمل في الصلاة هو القيام المأخوذ في المعنى المجازي دون قوله:

«قمتم» فهو من قبيل سبك المجاز من المجاز.

نعم يمكن أن يمنع جواز مثل ذلك أيضا. و أيضا يمنع عدم وجوب الوضوء للقيام الذي هو جزء، فيمكن إبقاء القيام المأخوذ في المعنى المجازي على حقيقته. غاية الأمر أن الآية لا تصريح فيها بالوجوب للصلاة، و لا ضير فيه، بل يمكن أن يقال: الوجوب يستلزم الوجوب للكل، فتأمل. (منه ره).

______________________________

(1) المائدة: 6.

(2) في ص 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 27

مردود: بمنع الاختصاص، و إنّما هو إذا استدلّ عليها بأنّه لولاها لانتفت فائدة الشرط، و هو غير تام، بل المناط الفهم

العرفي.

و يؤيد المطلوب أيضا: بعض الأخبار الواردة في علل الوضوء، و أنّه للقيام بين يدي اللَّه سبحانه «1»، و مفهوم صحيحة زرارة: «إذا دخل الوقت وجب الصلاة و الطهور» «2» حيث إنّ الظاهر منه تعلّق الحكم بكلّ من المتعاطفين بانفراده حتى يكون رفعه برفعه عنهما، لا على سبيل الاستغراق الأفرادي حتى يكون المراد مجرد صدق الكلية عند دخول الوقت، و عدمه المتحقق بانتفاء الوجوب عن الصلاة وحدها قبله.

مضافا إلى أنّ إرادة مجرد صدق الكلية يلغي ذكر الطهور لاستقلال الصلاة في الاشتراط، إلّا أنّ ذلك محتمل أيضا.

و قد يستدل أيضا: بأخبار دالّة على الوجوب الغيري مثبتة له «3».

و هو غير جيد، للوفاق على ثبوت الغيري، و النزاع إنّما هو في نفي النفسي.

و ثبوته معه، و تلك الأخبار لا تنفيه، لعدم المنافاة بين الوجوبين.

نعم، في بعضها إشعار إلى نفيه، كقول الصادق عليه السّلام: «أنا أنام على ذلك- يعني حدث الجنابة- حتى أصبح» «4» مع قوله في خبر أبي بصير:

«الإمام لا يبيت ليلة و للَّه في عنقه حق» «5».

خلافا لمجهول نقله عنه في الذكرى «6»، و الظاهر- كما قاله جماعة و يظهر من

______________________________

(1) الوسائل 1: 367 أبواب الوضوء ب 1 ح 9، علل الشرائع: 257، 268، عيون الأخبار 2:

104، 115.

(2) التهذيب 1: 140- 546، الوسائل 1: 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.

(3) راجع الوسائل 1: 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.

(4) الفقيه 1: 47- 180، الوسائل 2: 227. أبواب الجنابة ب 25 ح 2.

(5) الكافي 1: 408 الحجة ب 105 ح 4.

(6) الذكرى: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 28

قواعد الشهيد- أنّه العنبري من العامة [1]، و إن كان ظاهر المدارك «1» و بعض من

تأخر عنه «2» الميل إليه، لاستفاضة النصوص الدالّة على وجوب الطهارة مطلقا- الظاهر في النفسي- بحصول أحد نواقضها.

و فيه: أنّه إن أريد ظهور الوجوب بنفسه في النفسي فهو ممنوع، لأنّ الوجوب هو مطلوبية الشي ء حتما، سواء كان مطلوبيته لأجل نفسه أو غيره.

فإن قيل: الغيري يحتاج إلى ملاحظة مصلحة الغير و الأصل عدمها.

قلنا: النفسي أيضا يحتاج إلى ملاحظة مصلحة في ذلك الشي ء.

فإن قيل: الأوّل يحتاج إلى ملاحظة الغير أيضا.

قلنا: غاية الأمر أنّه يكون في أحد الطرفين مخالف أصل، و في الآخر مخالفين، و لا ترجيح عندنا حينئذ، مع أنّ في النفسي أيضا يحتاج إلى ملاحظة حيثية نفس ذلك الشي ء.

و إن أريد ظهور إطلاق الوجوب نحو قوله: إذا أحدثت توضّأ، أو يجب عليك الوضوء، فهو كذلك لو قلنا باختصاص الوجوب الغيري لشي ء بوقت ذلك الغير و حال وجوب فعله كما هو المشهور إذ وجوبه الغيري حينئذ يوجب تخصيص ذلك الإطلاق بوقت أو حال هو وقت ذلك الغير، و الأصل عدمه:

و أمّا لو لم نقل بذلك، و قلنا بوجوبه بعد وجوب ذلك الغير و إن لم يدخل وقته- كما اختاره الأردبيلي «3» و جماعة ممّن تأخّر عنه «4» و هو الحق- فليس كذلك، إذ يكون الوضوء بعد الحدث حينئذ واجبا على المكلّف، دخل وقت الصلاة أم لا،

______________________________

[1] القواعد و الفوائد 2: 65، قال: ذهب إلى ذلك القاضي أبو بكر العنبري و ذكر محقق الكتاب في الهامش: لعل الصحيح أبو بكر العربي فراجع.

______________________________

(1) المدارك 1: 10.

(2) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 2، و الكفاية: 2.

(3) مجمع الفائدة 1: 67.

(4) منهم صاحب المشارق: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 29

فلا يرتكب تخصيص في المطلقات.

و الحاصل: أنّ الواجب واجب، نفسيا كان

أم غيريا، فلا ينصرف إلى أحدهما إلّا بدليل، و لا دليل على الانصراف إلى النفسي إلّا تخصيص المطلقات على الغيري خاصة، و لا تخصيص على ذلك القول.

و أمّا ما قلنا من أن الحقّ: عدم توقّف وجوب ما يجب لغيره على دخول وقت ذلك الغير، بل يتوقّف على وجوبه، فتوضيحه بعد مقدمة هي: أنّه إذا قال الآمر:

صم أول رجب، تحصل للمأمور حالة غير ما كانت عليه قبل ذلك الأمر، و هي صيرورته مكلّفا بصوم أول رجب، فيصير صوم أول رجب واجبا عليه و إن لم يدخل بعد وقت فعله، إذ لا يتوقّف وجوب الشي ء على دخول وقته، فإنّ الوجوب هو المطلوبية الحتمية، و يصدق على هذا الشخص أنّه مطلوب منه صوم أول رجب حتما، و على صوم أول رجب أنّه مطلوب حتما، بخلاف ما إذا قال: إذا دخل أول رجب آمرك بصومه، فإنّه لم يجب بعد.

نظير ذلك: ما قاله الفقهاء في التوكيل التنجيزي و التعليقي، فقالوا: يصح أن يقول الموكل: أنت وكيلي أن تفعل في الشهر الآتي كذا، بأن يكون الآتي ظرفا للفعل دون التوكيل، و لا يصح أن يقول: إذا دخل الشهر الآتي أنت وكيلي، بأن يكون الشهر ظرفا للتوكيل، فإنّ التوكيل في الأوّل تنجيزي و في الثاني تعليقي.

و بعد ذلك نقول: إذا وجب شي ء لشي ء آخر، فما لم يجب ذلك الآخر لا يجب هذا البتة، إذ وجوبه تبعي، و هو فرع وجوب متبوعه، أي تعلّق الأمر به، و لكن لا دليل على توقّف وجوبه على دخول وقته، بل يرى أنّه لو أتى بذلك الغير قبل وقت ذلك يكفي و يعدّ ممتثلا، فلو أمر المستطيع الذي بينه و بين مكة عشرة أيام بالحج، فذهب إلى

مكّة قبل الموسم بشهرين كفى و لو أمره بوجوب المقدمة صريحا أيضا. و لأنّ الأصل عدم تقييد وجوبه بوجوب ذلك الغير، فلو قال: إذا أحدثت يجب عليك الوضوء من جهة الصلاة، فالأصل عدم تقييد وجوبه بوقت الصلاة، و كذا لو قال: يجب عليك ستر العورة لأجلها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 30

غاية الأمر أنّ وجوبه موسّع لا يتضيّق إلّا بحال إرادة الصلاة المتصلة، و لذا لو توضأ أو ستر العورة قبل وقتها يمتثل، فهو واجب موسّع من أول حدوث السبب إلى أوّل زمان التلبس بذلك الغير، و هو مخيّر بين جميع أفراده.

فإن قلت: لا عقاب لو تركه قبل وقت الغير.

قلنا: كذلك بعده قبل تضيق وقت الغير، و ذلك لأجل أنّ هذا شأن الموسّع.

فإن قلت: قد سلّمت أنّ وجوب شي ء لغيره يتوقف على وجوبه، و هو قبل الوقت غير معلوم لإمكان عدم البقاء.

قلنا: العلم الاستصحابي كاف في ذلك.

و ظهر مما ذكرنا أنّه لا تترتب ثمرة نافعة على ذلك الخلاف، إذ أنفع ما قالوه جواز نية الوجوب قبل الوقت، و على ما ذكرنا يجوز مطلقا.

لا يقال: الوجوب الغيري و إن لم يتوقف على وقت ذلك الغير، و لكن خصوص الوضوء كذلك، لقوله: «إذا دخل الوقت ..»، لعدم صراحة دلالته على ذلك و احتمال غيره كما مر.

البحث الثاني: في الوضوء المستحب.

و هو على قسمين:

أحدهما: ما يستحب باعتبار السبب، و هو ما ندبه الشارع للمتطهّر بحصول سبب موجب له.

و ثانيهما: باعتبار الغاية و هو ما ندبه للمكلّف للتوصّل إلى أمر.

أمّا الأوّل: فأقسامه ما مرّ في بحث أسباب الوضوء، و الكلام ها هنا في الثاني.

ثمَّ ثبوت هذا القسم من الوضوء المستحب، إمّا يكون بتصريح الشارع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 31

بمطلوبيته

للأمر الفلاني، أو يتوقف حصول مندوب أو جوازه عليه، لأنّ مقدمة المندوب مندوبة، و لا فرق في ذلك بين كون ما يتوقف عليه نفس فعل مطلوب، أو مرتبة من مراتب كماله. و أمّا مرجوحية فعل مباح بدون الوضوء، فهي لا تدل على مطلوبية الوضوء لأجل فعل ذلك، إذ غايتها توقف ارتفاع كراهة المباح على الطهارة، و لا دلالة لذلك على مطلوبيتها له بوجه.

و قد أدرج جماعة بعض ما من هذا القبيل في أقسام الوضوء المستحب «1» و هو في غير موقعه.

و تظهر الفائدة في مشروعية ضم تلك الغاية في النية.

و على هذا فالأولى أن نذكر ما كان من هذا القبيل بعنوان آخر، أو يدرج في أحكام الوضوء كما فعلوه في الغسل.

و قد ظهر من ذلك أنّ ها هنا ثلاث عنوانات:

الأوّل: الوضوء المستحب باعتبار الأسباب.

و الثاني: المستحب باعتبار الغايات.

و الثالث: الوضوء الرافع لكراهة بعض المباحات للمحدث.

أمّا الأوّل: فقد مرّ.

و أمّا الثاني: فله أقسام كثيرة باعتبار الغايات، و هي أمور:

منها: الصلاة المندوبة، لاشتراطها به بالإجماع.

و عموم قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» «2» و قوله: «الصلاة ثلاثة أثلاث، ثلث طهور ..» «3» و قوله: «ثمانية لا تقبل منهم صلاة و منهم تارك الوضوء» «4» و قوله عليه

______________________________

(1) انظر المنتهى 1: 177، و كشف اللثام 1: 7، و الحدائق 2: 138- 140.

(2) التهذيب 1: 209- 605، الاستبصار 1: 55- 160، المحاسن: 78، الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.

(3) الفقيه 1: 22- 66، الوسائل 1: 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 8.

(4) الفقيه 1: 36- 131، و 4: 258- 824، المحاسن: 12- 36، الوسائل 1: 369 أبواب الوضوء ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2،

ص: 32

السلام: «إن ذكرت و أنت في صلاتك أنّك تركت شيئا من وضوئك فانصرف» «1» إلى غير ذلك.

و شرط المستحب مستحب. و الاستدلال على الاشتراط بإطلاق ما دل على وجوب إعادة الصلاة على من نسي الوضوء أو شيئا منه و نحوه غير جيّد، لعدم الوجوب في النوافل.

و منها: صلاة الجنازة كما يذكر في محله.

و منها: الطواف المندوب كما يأتي في موضعه.

و منها: ما لا يشترط فيه الطهارة من مناسك الحج، لصحيحة ابن عمار: «لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء إلّا الطواف فإنّ فيه صلاة، و الوضوء أفضل» «2».

و منها: مسّ كتابة المصحف المندوب، و تلاوته، و كتابته، و تعليقه و حمله، للشهرة الكافية في إثبات الاستحباب في الجميع.

مضافا في الأوّل إلى اشتراط جواز مسه به، و في الثاني إلى المرويات في قرب الإسناد و عدة الداعي و الخصال:

الأوّل: أقرأ المصحف ثمَّ يأخذني البول، فأقوم و أبول و أستنجي و أغسل يدي و أعود إلى المصحف، فأقرأ فيه؟ قال: «لا حتى تتوضأ للصلاة» «3» دلّ على مرجوحية التلاوة المستحبة بدون الوضوء، فيتوقف كمالها- الذي هو مطلوب- على الوضوء فيكون مطلوبا.

و الثاني: «لقارئ القرآن بكل حرف يقرؤه في الصلاة قائما مائة حسنة،

______________________________

(1) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 3، التهذيب 1: 101- 263، الوسائل 1: 371 أبواب الوضوء ب 3 ح 6.

(2) التهذيب 5: 154- 509، الاستبصار 2: 241- 841، الوسائل 1: 374 أبواب الوضوء ب 5 ح 1.

(3) قرب الإسناد: 395- 1386، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 33

و قاعدا خمسون، و متطهرا في غير الصلاة خمس و عشرون حسنة، و غير

متطهر عشر حسنات» «1» دل على توقف بعض كمال القراءة عليه، فيستحب.

و الثالث: «لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتى يتطهر» «2».

و في بعض النسخ: «لا يقرب» مقام: «لا يقرأ» و عليه لا يتم الاستدلال، و استلزام بعض أفراد القراءة للقرب لا يستلزم الاستحباب للقراءة.

ثمَّ ظاهر إطلاق كلام الأصحاب و مقتضى إطلاق باقي الروايات: عدم التفرقة بين التلاوة من المصحف أو من ظهر القلب، فيستحب الوضوء لهما.

و في الثالث إلى مطلقات ما دل على مرجوحية مس المصحف- الصادق على مس الورق اللازم للكتابة الراجحة بنفسها- [على غير وضوء]. «3»

و الاستدلال له بصحيحة علي: عن الرجل أ يحل له أن يكتب القرآن و هو على غير وضوء؟ قال: «لا» «4» غير جيد، لأنّ حمل عدم الحلية على الكراهة ليس بأولى من تقييد الكتابة بما كان معها مس الخط.

و في الرابع إلى خبر ابن عبد الحميد: «لا تمسه على غير طهر و لا جنبا، و لا تمس خطه، و لا تعلّقه» «5».

و الاستدلال به و بالمروي في المنتهى و الذكرى: «لا يمس المصحف إلّا الطاهر» «6» للخامس مخدوش: بأنّ الحمل غير المس، و بينهما عموم من وجه، كالاستدلال برواية الخصال على النسخة الأخيرة: باختلاف النسخ.

______________________________

(1) عدة الداعي: 269، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 3.

(2) الخصال: 627، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 2.

(3) في جميع النسخ: على الوضوء، غيّرناه لاستقامة المعنى، و هو متعلق بقوله: مسّ المصحف.

(4) التهذيب 1: 127- 345، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء ب 12 ح 4.

(5) التهذيب 1: 127- 344، الاستبصار 1: 113- 378، الوسائل 1: 384. أبواب الوضوء ب 12 ح 3.

(6)

المنتهى 1: 76، الذكرى: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 34

و منها: دخول المساجد، للمروي في مجالس الصدوق: «من أتاها متطهرا طهّره اللَّه من ذنوبه و كتب من زوّاره» «1».

و في مصباح الشريعة: «إذا قصدت باب المسجد فاعلم أنّك قصدت باب ملك عظيم لا يطأ بساطه إلّا المطهّرون» «2».

و مرسلة الفقيه: «إنّ بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثمَّ زارني» «3».

و قول أمير المؤمنين عليه السلام: «من أحسن الطهور ثمَّ مشى إلى المسجد فهو في الصلاة ما لم يحدث» «4».

و الإيراد عليها: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في الطهارة في المعنى المراد ممكن، إلّا أنّ قوله في الأخير: «ما لم يحدث» كالقرينة على إرادته، و لكن الثابت منه استحباب الوضوء ثمَّ المشي الى المسجد دون الوضوء لدخول المسجد، و كذا المروي في إعلام الدين للديلمي: «من توضأ ثمَّ خرج إلى المسجد فقال حين يخرج من بيته: بسم اللَّه الذي خلقني فهو يهدين، هداه اللَّه للإيمان» «5».

فالاقتصار في الاستدلال على الاشتهار أولى.

و التمسك باستحباب صلاة التحية المتوقفة على الوضوء غير جيد، و قد يضم معه استحباب المبادرة إليها و كراهة الوضوء في المسجد، و لا بأس به.

قالوا: و يتأكد الاستحباب إذا أراد الجلوس، لمرسلة العلاء: «إذا دخلت المسجد و أنت تريد الجلوس فلا تدخله إلّا طاهرا» «6».

______________________________

(1) مجالس الصدوق: 293- 8، الوسائل: 380 أبواب الوضوء ب 10 ح 2.

(2) مصباح الشريعة: 86.

(3) الفقيه 1: 154- 721، الوسائل 1: 381 أبواب الوضوء ب 10 ح 4.

(4) الدعائم 1: 100.

(5) أعلام الدين: 352 و عنه في المستدرك 1: 297 أبواب الوضوء ب 10 ح 2.

(6) التهذيب 3: 263- 743، الوسائل 5: 245 أبواب أحكام المساجد

ب 39 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 35

و فيه- مضافا إلى ما مرّ- أنّ دلالتها على التأكيد «1» إنما تتم لو دلّت على اختصاص الاستحباب به حتى يحمل على مرتبة مؤكدة منه، و لا تدل عليه إلّا بمفهوم وصف لا حجية فيه، و لعله لذلك لم يذكره جماعة.

و ألحق ابن حمزة بالمسجد كل مكان شريف «2».

و منها: الكون على الطهارة، أي لمجرد كونه غير محدث ذا حالة يصلح معها ما يشترط به من دون قصد شي ء آخر من غاياته، فيكون الغرض منه هذا الأثر في نفسه خاصة.

و الحاصل أنّ الكون على الوضوء أمر مستحب، و هو موقوف على التوضؤ توقف المسبب على السبب، فيستحب لأجل ذلك و إن لم يكن له غاية أخرى.

و الحجة في استحباب ذلك الكون صحيحة ابن عمار: «الوضوء أفضل على كل حال» «3».

فإنّ الظاهر منها الكون على الوضوء لا الإتيان به، لمكان قوله: «على كل حال» و الكون عليه يتوقف على الإتيان به.

و المروي في مجالس ابن الشيخ: «إن استطعت أن تكون في الليل و النهار على طهارة فافعل، فإنّك تكون إذا متّ على طهارة شهيدا» «4».

و الظاهر أن المراد بالطهارة فيه الطهارة من الحدث و إن لم تثبت الحقيقة الشرعية.

و المروي في نوادر الراوندي: «كان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا بالوا توضؤوا مخافة أن تدركهم الساعة» «5» يعني مخافة أن تدركهم و هم محدثون،

______________________________

(1) في «ق» التأكد.

(2) الوسيلة: 49.

(3) قد تقدم تمام الرواية في ص 32.

(4) لم نجده فيه، بل وجدناه في أمالي المفيد: 46.

(5) نوادر الراوندي: 39، البحار 77: 312- 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 36

فتدل على استحباب الكون على

الطهارة في كل وقت.

و الاستدلال بمرغبات التطهير و الوضوء، و الدالّة على الثواب على كل فعل منه على ذلك غير جيد، إذ لا يثبت منها إلّا استحباب هذا الفعل لا لأجل ذلك الأثر الخاص، فإنّها تدل على الثواب عليه و لو كان تجديديا، مع أنّه غير محصّل لذلك الأثر، و استحبابه بنفسه غير استحباب ذلك الأثر.

و أمّا ما ذكره بعضهم منهم والدي- قدّس سرّه- من أنّ هذا القسم من الوضوء مراد من قال: إنّه مستحب بنفسه، فمراده من الوضوء ليس نفس الفعل، بل الكون على الوضوء، فإنّهم بعد ما يذكرون غايات ذلك الكون يقولون إنه بنفسه أيضا مستحب، فلا يرد ما قيل من أنّ هذا غير الاستحباب بنفسه.

و هل يستحب هذا الفعل بنفسه أم لا؟ مقتضى الأصل و عدم الدليل:

الثاني.

و الاستدلال عليه بمطلقات الأمر بالوضوء و مرغباته، سيما بعد الحدث كقوله: «من أحدث و لم يتوضّأ فقد جفاني» «1» و الدالّة على الثواب عليه لا يفيد، إذ يمكن أن يكون ذلك لاستحبابه الغيري الثابت في كل حال.

و منها: التأهب للفريضة قبل وقتها، لاستحباب الصلاة في أول وقتها الحقيقي الموقوفة على الوضوء قبله، لا لأجل مطلق أخبار فضيلة أول الوقت، لأنّ المراد منه الأوّل العرفي الغير المتوقف على الوضوء قبله، بل للأمر بالمسارعة و الاستباق و لما دل على أفضلية الأوّل فالأوّل المثبت لأفضلية الحقيقي أيضا.

و هل يختص الاستحباب بمن يتمكن من إيقاعها في أول الوقت و إن لم يرده، حيث ان استحباب شي ء لا يتوقف على إرادته، أو يستحب لمن يعلم عدم تمكنه منه أيضا؟ مقتضى الدليل المذكور و بضميمة الأصل: الأوّل.

______________________________

(1) إرشاد القلوب: 94، الوسائل 1: 382 أبواب الوضوء ب 11 ح 2.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 37

و قيل بالثاني «1»، للأمر بالمسارعة و إطلاق المروي في الذكرى: «ما وقّر الصلاة من أخّر الطهارة حتى يدخل وقتها» «2». و فيهما نظر.

و قد يخصّ استحباب التأهب بمن علم عدم تيسّر الوضوء له بعد دخول الوقت أو خاف ذلك. و لا يخفى أنّ ذلك ليس تأهّبا، مع أنّ الظاهر حينئذ وجوب التوضؤ.

و منها: التجديد لكل صلاة، للاشتهار و المستفيضة.

منها: المروي في الدعائم عن النبيّ و الوصيّ: أنّهما [كانا] يجدّدان الوضوء لكل صلاة، يبتغيان بذلك الفضل «3».

و رواية سماعة: كنت عند أبي الحسن عليه السّلام فصلى الظهر و العصر بين يدي، و جلست عنده حتى حضرت المغرب فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة، ثمَّ قال لي: «توضأ» فقلت: جعلت فداك أنا على وضوء، فقال: «و إن كنت على وضوء» «4».

و مرسلة الفقيه: «تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا و اللَّه و بلى و اللَّه» «5» و ضعفها سندا غير ضائر لوجوه.

بل مطلقا «6»، لمرسلة الفقيه: «الوضوء على الوضوء نور على نور» «7».

و أخرى: «من جدد وضوءه لغير حدث جدد اللَّه توبته من غير استغفار» «8»

______________________________

(1) كما قال به في غنائم الأيام: 8.

(2) الذكرى: 119.

(3) الدعائم 1: 100، المستدرك 1: 294، 295 أبواب الوضوء ب 8 ح 1، 2.

(4) الكافي 3: 72، الطهارة ب 46 ح 9، الوسائل 1: 376 أبواب الوضوء ب 8 ح 2.

(5) الفقيه 1: 26- 81، الوسائل 1: 377 أبواب الوضوء ب 8 ح 6.

(6) عطف على قوله: لكل صلاة يعني: يستحب تجديد الوضوء مطلقا و لو مع عدم إرادة الصلاة.

(7) الفقيه 1: 26- 82، الوسائل 1: 377 أبواب الوضوء ب 8 ح 8.

(8) الفقيه 1: 26- ملحق بحديث

82، الوسائل 1: 377 أبواب الوضوء ب 8 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 38

و مرسلة سعدان: «الطهر على الطهر عشر حسنات» «1».

و لا تعارضها موثقة ابن بكير: «إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت» «2»، لأنها أعم مطلقا منها باعتبار شمولها للتوضؤ على جهة الابتداء و الوجوب و اعتقاد بطلان الأوّل.

ثمَّ المستحب لكل صلاة إنما هو مرة واحدة، لأنها الظاهرة من الروايات، و الثابتة اشتهاره بين العلماء. و أما مطلقا «3» فالظاهر استحبابه مطلقا، للإطلاقات. و قد يستثنى الكثرة المفرطة بحكم العرف و العادة، و لا بأس به.

و منها: طلب الحاجة الراجحة شرعا، لخبر ابن سنان: «من طلب حاجة و هو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومنّ إلّا نفسه» «4».

و يظهر وجه تخصيصنا بالراجحة مع إطلاق الجماعة مما مر في صدر المبحث.

و منها: زيارة قبور المؤمنين، لقول بعضهم: إنّ فيه رواية «5». و هو كاف في المقام، سيما مع الشهرة.

و منها: النوم، لرواية الصدوق: «من تطهر ثمَّ آوى إلى فراشه بات و فراشه كمسجده» «6».

و مثله في ثواب الأعمال و المحاسن، و زاد في الأخير: «فإن ذكر أنه ليس على وضوء فيتيمم من دثاره كائنا ما كان، لم يزل في صلاة ما ذكر اللَّه» «7».

______________________________

(1) الكافي 3: 72 الطهارة ب 46 ح 10، الوسائل 1: 376 أبواب نواقض الوضوء ب 8 ح 3.

(2) الكافي 3: 33 الطهارة ح 1 و فيه «إذا استيقنت انك قد أحدثت فتوضأ ..»، التهذيب 1:

102- 268، الوسائل 1: 247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 7.

(3) أي الوضوء التجديدي الذي يستحب و لو مع عدم إرادة الصلاة، استحبابه

مطلق غير مقيد بالمرّة.

(4) التهذيب 1: 359- 1077، الوسائل 1: 374 أبواب الوضوء ب 6 ح 1.

(5) الذكرى: 23. قال في كشف اللثام 1: 7: لم أظفر لخصوصه بنصّ.

(6) الفقيه 1: 296- 1353، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 2.

(7) ثواب الأعمال: 18، المحاسن: 47- 64، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 1، 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 39

و تلك الزيادة قرينة على إرادة الوضوء من الطهارة، فلا يرد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها.

و يتأكد لنوم الجنب، لا لصحيحة الحلبي: عن الرجل، أ ينبغي له أن ينام و هو جنب؟ فقال: «يكره ذلك حتى يتوضأ» «1»، لما مر في أول المبحث، بل لما في الغنية و المنتهى و ظاهر التذكرة و المعتبر [1] من الإجماع عليه.

مضافا إلى موثقة سماعة: عن الرجل يجنب ثمَّ يريد النوم، قال: إن أحب أن يتوضأ فليفعل و الغسل أفضل» «2».

و منها: ذكر الحائض، كما يأتي في باب الحيض.

و منها: تغسيل الجنب الميت و جماع غاسله، لحسنة شهاب: عن الجنب يغسّل الميت أو غسّل ميتا، أ له أن يأتي أهله ثمَّ يغتسل؟ فقال «سواء، لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يديه و توضأ و غسل الميت، و إن غسل ميتا توضأ ثمَّ أتى أهله، و يجزيه غسل واحد لهما» «3».

و الرضوي: «إذا أردت أن تغسل جنبا فتوضأ للصلاة ثمَّ اغسله، و إذا أردت الجماع بعد غسلك الميت من قبل أن تغتسل من غسله فتوضأ ثمَّ جامع» «4».

______________________________

[1] الغنية (الجوامع الفقهية): 550، المنتهى 1: 89 التذكرة 1: 25، المعتبر 1: 191.

و لا يخفى أن معقد الإجماع في كلام المذكورين هو كراهة النوم للجنب قبل أن

يتوضأ و قد ناقش المصنف في صدر البحث في كفايتها لإثبات استحباب الوضوء و لهذا لم يستدل بصحيحة الحلبي، و المظنون أنه اعتمد في نقل الإجماع عن هؤلاء على نقل كشف اللثام حيث قال- بعد الاستدلال بصحيح الحلبي-: و في الغنية و المنتهى و ظاهر المعتبر و التذكرة الإجماع عليه. كشف اللثام 1: 7.

______________________________

(1) الفقيه 1: 47- 179، الوسائل 1: 382 أبواب الوضوء ب 11 ح 1.

(2) التهذيب 1: 370- 1127، الوسائل 2: 228 أبواب الجنابة ب 25 ح 6.

(3) الكافي 3: 250 الجنائز ب 95 ح 1، التهذيب 1: 448- 1450، الوسائل 2: 262 أبواب الجنابة ب 43 ح 3- بتفاوت.

(4) فقه الرضا (عليه السلام): 173، المستدرك 2: 194. أبواب غسل الميت ب 29 ح 1، و فيهما «إذا أردت أن تغسل ميتا و أنت جنب ..».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 40

و منه يظهر ضعف تخصيص بعض المتأخرين الثاني بما إذا كان كالأول [1]، لاختصاص ظاهر الحسنة.

و منها: إدخال الميت في قبره، لخبر محمّد و الحلبي: «توضأ إذا أدخلت الميت القبر» «1».

و الرضوي: «تتوضأ إذا أدخلت القبر الميت» «2».

و لا يخفى أنّ دلالتهما موقوفة على تجوز أن إضمار لا قرينة عليه، إلّا أن يدّعى الإجماع على عدم استحباب الوضوء بعد الإدخال.

و منها: وطء جارية بعد أخرى، لمرسلة التميمي: «إذا أتى الرجل جاريته ثمَّ أراد أن يأتي الأخرى توضأ» «3».

و لعل منها يطرّد الحكم في غير الجارية من النسوان أيضا- كما ذكروه- لتنقيح المناط.

و يؤيده خبر الوشاء: «كان أبو عبد اللَّه عليه السّلام إذا جامع و أراد أن يجامع أخرى توضأ و إذا أراد أيضا توضأ للصلاة» [2].

______________________________

[1] حاصل المراد: أن بعض المتأخرين

لم يحكم باستحباب الوضوء لجماع الغاسل للميت على نحو الإطلاق بل خصصه بما إذا كان جنبا، أخذا بظاهر السؤال في حسنة شهاب حيث إنّ الضمير في قوله: «أو غسل ميتا ..» راجع الى الجنب. و لكن الرضوي كاف في إثبات التعميم.

[2] لا يخفى ان هذه الرواية هي التي سيتعرض لها المصنف بقوله: للمروي في كشف الغمة 2: 302 و فيه:

«عن دلائل الحميري عن الحسن بن علي الوشاء قال: قال فلان بن محرز: بلغنا أن أبا عبد اللَّه (عليه السلام) كان إذا أراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة فأحب أن تسأل أبا الحسن الثاني (عليه السلام) عن ذلك، قال الوشاء: فدخلت عليه فابتدأني من غير أن أسأله فقال: كان أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا جامع و أراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة، و إذا أراد أيضا توضأ للصلاة» و هكذا نقل عنه في البحار 49: 63، و الحدائق 2: 139- 140، و الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 13 ح 2.

______________________________

(1) التهذيب 1: 321- 934، الوسائل 3: 221 أبواب الدفن ب 53 ح 1.

(2) فقه الرضا (عليه السلام): 183، المستدرك 2: 361 أبواب الدفن ب 44 ح 1.

(3) التهذيب 7: 459- 1837، الوسائل 21: 200 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 84 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 41

بل تعدّوا إلى معاودة المجامع إلى الجماع قبل الغسل مطلقا، للمروي في كشف الغمة: «كان أبو عبد اللَّه عليه السلام إذا جامع و أراد أن يعاود توضأ للصلاة» «1».

و في دلالته على الاستحباب نظر، لجواز أن يكون لارتفاع الكراهة، و لذا جعلنا خبر الوشاء مؤيدا.

نعم، عن المبسوط نفي الخلاف فيه «2»، و هو

كاف في المقام.

و منها: جماع المحتلم، كما في نهاية الشيخ و المهذب و الوسيلة و المعتبر و النزهة «3» و غيرها «4»، لفتوى هؤلاء الأجلة، لا لمرسلة الفقيه: «يكره أن يغشى الرجل المرأة و قد احتلم حتى يغتسل من احتلامه» «5» كما قيل «6»، فإنّ الاستدلال بها له غفلة.

و منها: دخول المرأة على زوجها ليلة زفافها، فيستحب التوضؤ، لخبر أبي بصير: «إذا دخلت إن شاء اللَّه فمرها قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة، ثمَّ لا تصل إليها حتى تتوضأ» «7».

و منها: جلوس القاضي في مجلس القضاء، كما ذكره في النزهة «8».

______________________________

(1) راجع التعليقة رقم 5 من ص 40.

(2) المبسوط 4: 243.

(3) النهاية: 482، المهذب 2: 222، الوسيلة: 314، المعتبر 1: 193، نزهة الناظر: 9.

(4) كالقواعد 1: 2، و البيان: 37.

(5) الفقيه 3: 256- 1212، الوسائل 20: 139 أبواب مقدمات النكاح ب 70 ح 1.

(6) يستفاد الاستدلال بها من الروض: 15.

(7) الكافي 5: 500 النكاح ب 50 ح 1، التهذيب 7: 409- 1636، الوسائل 20: 115 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 1، بتفاوت يسير.

(8) نزهة الناظر: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 42

و لا بأس بإثبات الاستحباب به، و إلّا فلم أظفر فيه على نص.

و منها: تكفين الميت إذا كفّنه من غسّله قبل اغتساله، كما يأتي.

و منها: قبل الأغسال المسنونة، كما في الكافي و البيان و النفلية «1»، لمرسلة ابن أبي عمير: «كل غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة» «2».

و لعلك تظفر بمواضع أخرى يستحب فيه الوضوء لو تتبعت أخبار الأطهار و كلمات العلماء الأخيار.

و أما الثالث: و هو: الوضوء الرافع لكراهة بعض المباحات للمحدث، فله أيضا أنواع:

منها: لقدوم المسافر من سفر على

أهله، للرواية: «من قدم من سفر فدخل على أهله و هو على غير وضوء فرأى ما يكره فلا يلومن إلّا نفسه» «3».

و منها: لجماع الحامل، للمروي في العلل و [المجالس ] «4»: «إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلّا و أنت على وضوء» «5».

و منها: لطلب الحاجة مطلقا، لخبر ابن سنان، المتقدم «6».

و منها: قبل الأكل و بعده، كما يأتي في كتاب المطاعم. و في غير ذلك مما لعلك تظفر به في مطاوي الأخبار.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 135، البيان: 38، النفلية: 6، و فيه: مع الأغسال المسنونة.

(2) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 13، التهذيب 1: 139- 391، الاستبصار 1: 126- 428، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 1.

(3) نقلها ابن سعيد في نزهة الناظر: 10 عن مقنع الصدوق، و لكنا لم نعثر عليها فيه.

(4) الموجود في النسخ: المحاسن و الصواب ما أثبتناه. كما في الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 13 ح 1، و الحدائق 2: 140، و البحار 10: 280.

(5) العلل: 516، أمالي الصدوق: 456.

(6) تقدم في ص 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    43     الأول: النية. ..... ص : 43

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 43

الفصل الثالث: في واجباته من الأفعال و الشرائط
اشاره

و هي أمور:

الأوّل: النية.
اشاره

و هي: القصد إلى الفعل لغة و عرفا و شرعا، إذ لم تثبت لها حقيقة شرعية، بل و لا المتشرعة، و وجوب بعض القيود فيها شرعا لا يجعله جزءا لها.

قيل: النية بهذا المعنى لا يمكن انفكاكها عن الفعل الاختياري، إذ لا يمكن صدور الاختياري بغير قصد، و لو كلّف به كان تكليفا بالمحال، فلا معنى لاشتراطها، و الفرق فيها بين العبادات و غيرها كما وقع في عبارات الأصحاب، فالمراد منها فيها ليس هذا المعنى، بل قصد الفعل إطاعة للَّه، أو مع قيد آخر أيضا مما يجوز انفكاكها و يصح اشتراطها، فتكون النية من الألفاظ المنقولة «1».

و فيه: أنّ عدم إمكان صدور الفعل الاختياري من غير قصد لا ينافي إمكان صدور الفعل من غير اختيار، كالوقوع في الماء اضطرارا في الغسل، و إصابة المطر إلى الثوب في الغسل، فمرادهم من اشتراط النية بمعناها الحقيقي- أي القصد- أنه لا يكفي ذلك في حصول الامتثال الذي تحصيله واجب في العبادات و إن أمكن كفايته في ترتب الأثر الذي هو المطلوب في غيرها، فمرادهم من الفرق بين العبادات و غيرها التوقف الكلي و عدمه.

و ها هنا مسائل:
المسألة الأولى:

النية بالمعنى المذكور واجبة في الوضوء، فلو أتى ببعض أفعاله لا عن قصد بطل إجماعا حتى من الإسكافي كما في المعتبر «2»، و عليه الإجماع

______________________________

(1) قاله الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) المعتبر 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 44

في الخلاف و المختلف و الغنية و التذكرة «1».

و الحجة فيه- بعد الإجماع و توقف صدق الامتثال الواجب تحصيله في العبادات عليه- قوله عليه السلام في حسنة الثمالي و غيرها من المستفيضة: «لا عمل إلّا بنية» «2» بل في رواية ابن عيينة: «ألا و

إنّ النية هو العمل» «3» و هو تأكيد.

و معنى الأوّل أنه لا يتحقق العمل إلّا مع القصد. و هو كذلك، لأنّ ما لا قصد فيه ليس عملا لشخص، إذ عمل الشخص ما صدر عنه بقصده، فإنّ من وقع في ماء بلا اختيار لا يقال: أنه غسل جسده، فإنّ كل ما يتحقق في الخارج ليس عملا، بل هو ما عمله عامل، و لا ينسب عمل إلى عامل إلّا مع صدوره عنه بالقصد و الاختيار، و يلزمه أنّه إذا طلب الشارع عملا من غيره لا يتحقق إلّا مع القصد إليه.

و استعماله في العرف في غيره أحيانا- لو سلّم- لا يضر، لأنّه أعم من الحقيقة، غايته احتمال الاشتراك المعنوي، و تعارضه مع التجوز، و هو أيضا غير ضائر، لأن الحق فيه التوقف، فلا يعلم صرف الحديث عن حقيقته التي هي نفي العمل، فيحمل عليها.

مع أنّه لو سلّم صدق العمل عرفا على ما لا نيّة فيه أيضا نمنع كونه كذلك في زمان الشارع، و العمل بأصالة عدم النقل مع تلك الأحاديث باطل.

مع أنّ ها هنا كلاما آخر، و هو: أنه مما لا شك فيه أنّه لا بدّ من نسبة العمل إلى شي ء من كونه مؤثرا فيه، و هذا بديهي، و التأثير قد يكون مع المباشرة، و قد يكون بالأمر و البعث، كما يقال: قتل السلطان فلانا. و الأفعال المطلوبة من المكلف لمّا كان مطلوبا مما هو إنسان أي النفس دون البدن، و تأثيره لا يكون إلّا

______________________________

(1) الخلاف 1: 71، المختلف: 20، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، التذكرة 1: 14.

(2) الكافي 2: 84 الايمان و الكفر ب 43 ح 1، الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 1.

(3) الكافي

2: 16 الايمان و الكفر ب 11 ح 4، الوسائل 1: 51 أبواب مقدمة العبادات ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 45

بالأمر و البعث للبدن، و هما لا يتصوران إلّا مع القصد و الشعور، و يلزمه أن لا يصدر عمل عما هو المكلف حقيقة أي النفس إلّا بالقصد. و لمّا كان الحديث مقصورا على أفعال المكلفين بقرينة المقام، لا يراد من النفي فيه إلّا معناه الحقيقي و إن قلنا بعدم توقف مطلق العمل على القصد، و يكون المراد بيان أنه لا عمل مطلقا أو من أفعال المكلفين إلّا مع القصد.

و يمكن أن يكون المراد أنه لا عمل من الأعمال الشرعية إلّا مع القصد، فلا وضوء و لا غسل و لا صلاة و هكذا إلّا ما صدر بقصد و شعور، فلا يتحقق الامتثال بدونه.

و مما ذكر ظهر أنه لا حاجة إلى صرف المستفيضة عن حقيقتها، و لا يرد ما استشكله بعضهم من اقتضائه اشتراط النية في المعاملات، مع أنه خلاف الإجماع، فإنه إنما يرد على من اعتبر القيود في النية، و أما بهذا المعنى فيشترط في المعاملات إجماعا، إلّا في ما ليس الأثر مترتبا على العمل، بل على تحقق السبب في الخارج كيف ما كان.

ثمَّ لو سلّم عدم بقاء الأخبار على حقيقتها، فالمتبادر من مثلها- كما صرحوا به- نفي الصحة أو الأثر، و هو أيضا مثبت للمطلوب.

و يدل عليه أيضا: ما يأتي من اشتراط قصد القربة، حيث إنّ الخاص مستلزم للعام.

المسألة الثانية:

و يجب اشتمالها على القربة بأن يكون فعله للَّه سبحانه، بالإجماع و الكتاب و المستفيضة.

منها: الخبران: «الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به، فإذا صعد بحسناته يقول اللَّه تعالى: اجعلوها في سجّين

إنه ليس إياي أراد بها» «1».

______________________________

(1) الكافي 2: 294 الايمان و الكفر ب 116 ح 7، الوسائل 1: 71 أبواب مقدمة العبادات ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 46

و المروي في عدة الداعي: «و يصعد الحفظة بعمل العبد بفقه و اجتهاد و ورع» إلى أن قال: «فيقول الملك: قفوا و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس للَّه» إلى أن قال: «أمرني ربي أن لا أدع عملا يجاوزني إلى غيري ما لم يكن خالصا للَّه. و يصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من صلاة و زكاة و صيام و حج و عمرة» إلى أن قال: «فيقول: أنتم حفظة عمل عبدي و أنا رقيب على ما في نفسه، إنّه لم يردني بهذا العمل، عليه لعنتي» «1».

و خبر علي بن سالم: «قال اللَّه تعالى: أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلّا ما كان خالصا لي» «2».

و رواية عقبة: «اجعلوا أمركم هذا للَّه، و لا تجعلوه للناس، فإنه ما كان للَّه فهو للَّه، و ما كان للناس فلا يصعد إلى اللَّه» «3».

دل كل ذلك على عدم قبول عمل ليس للَّه، و هو يستلزم عدم الإجزاء، للتلازم بينهما، و هو يستلزم عدم الصحة لترادفهما.

و رواية أبي بصير: عن حد العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤديا، فقال:

«حسن النية بالطاعة» «4».

و البحث باحتمال عدم كون الوضوء عبادة مدفوع بالإجماع بل الضرورة، بل عليه دلت الروايات.

كالصحيح [1]: «إنما الوضوء حد من حدود اللَّه ليعلم اللَّه من يطيعه و من

______________________________

[1] في «ه» و «ق» الصحيحة.

______________________________

(1) عدة الداعي: 228- 229، المستدرك 1: 112 أبواب مقدمة العبادات ب 12

ح 9.

(2) الكافي 2: 295 الايمان و الكفر ب 116 ح 9، الوسائل 1: 61 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 9.

(3) الكافي 2: 293 الايمان و الكفر ب 116 ح 2، الوسائل 1: 71 أبواب مقدمة العبادات ب 12 ح 5.

(4) الكافي 2: 85 الايمان و الكفر ب 43 ح 4، الوسائل 1: 49 أبواب مقدمة العبادات ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 47

يعصيه» «1».

و الخبر، و فيه- بعد إرادة الراوي صب الماء على يده للوضوء-: «أما سمعت اللَّه يقول فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة و هي العبادة» «2».

و آخر: «كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء، فقال بعد السؤال عنه: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا، و قال اللَّه تعالى:

(فَمَنْ كانَ يَرْجُوا ..) الآية» «3».

دلّا على أنّ الصلاة عبادة و الوضوء منها، كما ورد في المعتبرة أن: «افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم» «4» و أن «الصلاة ثلاثة أثلاث:

ثلث طهور» «5».

بل دلّا على أنّ الإشراك في الوضوء إشراك في العبادة فيكون عبادة.

و من ذلك يظهر وجه آخر لاشتراط القربة، و هو أنّ العبادة لغة اسم لما تتحقق به العبادة المصدرية، و هي الإتيان بلوازم العبودية، و الأصل عدم النقل، و لا يكون ذلك بشهادة العرف و اللغة إلّا فيما كان مطلوبا للمعبود وجوبا أو ندبا، (مأتيا به) [1] لأجل إطاعته و أنه مطلوبه، و هذا معنى القربة، و من هذا يعلم أنّ كل مطلوب للشارع (يعتبر) [2] فيه نية القربة فهو عبادة و بالعكس.

______________________________

[1]

في «ه»: بإتيانه.

[2] في «ه»: يطلب.

______________________________

(1) الكافي 3: 21 الطهارة ب 14 ح 2، التهذيب 1: 138- 387، الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 52 ح 1.

(2) الكافي 3: 69 الطهارة ب 46 ح 1، التهذيب 1: 365- 1107، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 47 ح 1، الكهف: 110.

(3) الفقيه 1: 27- 85، الوسائل 1: 477 أبواب الوضوء ب 47 ح 2.

(4) الفقيه 1: 23- 68، الوسائل 1: 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 7.

(5) الفقيه 1: 22- 66، الوسائل 1: 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 48

و مما يدل دلالة واضحة على اشتراطها و اعتبارها: بداهة وجوب امتثال أوامر اللَّه سبحانه، و هو متوقف عرفا على قصد الطاعة و الإتيان بالفعل لأجل الأمر بالضرورة، فإنّ العبد إذا فعل ما أمر به مولاه و غيره لا لأنه أمره بل لأجل أنه أمره غيره لا يعدّ ممتثلا للمولى البتة، بل قد يعدّ عاصيا بالفعل، كما إذا أمره عدو مولاه معلقا قتل المولى عليه، و لذا لو فعل أحد مطلوب اللَّه سبحانه واقعا الذي ظن حرمته يعد عاصيا مستحقا للعقاب، و لذا لا يجب فيما لا امتثال فيه كالوضعيات من المعاملات و نحوها مما ليس المقصود فيه الإطاعة.

و يظهر مما ذكر أنّ الأصل في كل ما تعلق الأمر به كونه عبادة، لأنّ ما تعلق به يجب امتثاله المتوقف على القربة، و ما تعتبر فيه القربة فهو عبادة كما مر.

و تدل على المطلوب أيضا الآيات و الروايات الناهية عن الرياء في الأعمال، و المصرحة بعدم قبول ما يتضمنه و بطلانه «1».

ثمَّ المراد بقصد القربة كما عرفت: قصد كون الفعل للَّه

سبحانه، أي امتثالا لأمره، أو موافقة لطاعته، أو انقيادا لحكمه، أو إجابة لدعوته، أو أداء لشكره، أو تعظيما لجلالة، أو نحو ذلك، أو طلبا للرفعة عنده بواسطته تشبيها بالقرب المكاني و نيل ثوابه، أو الخلاص من عقابه.

فتصح العبادة مع أحد تلك القصود، لصدق كون العمل للَّه و الخلوص اللذين هما الثابت اعتبارهما و اشتراطهما من أدلة القربة المتقدمة مع واحد منها. أمّا مع غير الأخيرين (منها) [1] فبالإجماع بل ضرورة العرف و اللغة.

و أمّا مع واحد منهما فعلى الأصح بل الأشهر، كما صرح به والدي- رحمه اللَّه- في اللوامع، لقوله سبحانه (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً. إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) «2» جمع بين كون الإطعام لوجه

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 64، 70 أبواب مقدمة العبادات ب 11، 12.

(2) الدهر: 8- 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 49

اللَّه الذي هو معنى الخلوص و بين تعليله بالخوف منه سبحانه، و للأخبار المتكثرة.

منها: خبر ابن سالم السابق «1» (حيث) [1] دل على أنّ العمل الخالص ما لم يشرك فيه غير اللَّه سبحانه، فهو كاف في تحقق الخلوص، و لا شك في أنّ ما يفعل لأجل نيل ثواب اللَّه أو الخلاص من عقابه لم يشرك فيه غيره.

و أصرح منه: صحيحة ابن مسكان، و رواية ابن عيينة:

الأولى: في قول اللَّه عزّ و جلّ حَنِيفاً مُسْلِماً «2» قال: «خالصا مخلصا ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان» «3».

و الثانية: «العمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا اللَّه عزّ و جلّ» «4».

و هي صريحة في عدم منافاة قصد الثواب للخلوص، إذ من يقصده خاصة لم يقصد حمد

الغير، و لأنّ حمد اللَّه سبحانه ثواب منه له.

و يدل أيضا على حصول الامتثال بقصد أحدهما: كلّ ما دل (من الآيات المتكثرة و الأخبار المتواترة) [2] على مدح العمل بأحد القصدين و الأمر به المستلزمين للقبول الملازم للصحة.

فمن الآيات ما تقدم، سيما مع تفريع قوله فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ «5» عليه، و قوله سبحانه يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً «6»،

______________________________

[1] لا توجد في «ه» و «ق».

[2] ما بين القوسين ليس في «ق».

______________________________

(1) في ص 46

(2) آل عمران: 67.

(3) الكافي 2: 15 الايمان و الكفر ب 11 ح 1، الوسائل 1: 59 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 1، و الآية في الروم: 67.

(4) الكافي 2: 16 الايمان و الكفر ب 11 ح 4، الوسائل 1: 60 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 4.

(5) الدهر: 10.

(6) السجدة: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 50

وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً «1»، وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «2» و الفلاح: الفوز بالثواب، وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ «3» و غير ذلك.

و من الروايات: رواية جابر و ابن أبي سارة و علي بن محمّد:

الأولى: «اعملوا لما عند اللَّه» «4».

و الثانية: «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا، و لا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف و يرجو» «5».

و الثالثة: و فيها- بعد تكذيبه الذين يعصون و يقولون نرجو-: «من رجا شيئا عمل له، و من خاف شيئا هرب منه» «6».

و يدل عليه: كتاب أمير المؤمنين عليه السلام لبعض ما وقفه: «هذا ما أوصى به و قضى به في ماله عبد اللَّه عليّ ابتغاء وجه اللَّه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار و

يصرف النار عني» «7».

فلو لم تكن العبادة بهذه النية صحيحة لم يصح له أن يفعل ذلك و يلقن به غيره و يظهره في كلامه.

و حسنة خارجة: «العبّاد ثلاثة: قوم عبدوا اللَّه خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللَّه طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء، و قوم عبدوا اللَّه حبا له فتلك عبادة الأحرار، و هي أفضل العبادة» «8».

______________________________

(1) الأنبياء: 90.

(2) الحج: 77.

(3) آل عمران: 133.

(4) الكافي 2: 74 الايمان و الكفر ب 36 ح 3.

(5) الكافي 2: 71 الايمان و الكفر ب 33 ح 11.

(6) الكافي 2: 68 الايمان و الكفر ب 33 ح 6.

(7) الكافي 7: 49 الوصايا ب 35 ح 7، التهذيب 9: 146- 608، الوسائل 19: 199 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 3.

(8) الكافي 2: 84 الايمان و الكفر ب 42 ح 5، الوسائل 1: 62 أبواب مقدمة العبادات ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 51

فإنّ قضية التفضيل أنّ للأولين أيضا فضلا، بل قوله: «عبادة العبيد» و «عبادة الأجراء» دال على الصحة، إذ لولاها لما كانت عبادة.

و الأخبار المصرحة بأنّ «من بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب أوتيه» «1».

و لو لم يكن العمل صحيحا لم يترتب عليه ثواب، و لا شك أنّ كلّ ما أمر به الشارع و منه الوضوء موعود به الثواب خصوصا أو عموما، صريحا أو التزاما.

و ما ورد من وعد الثواب و التحذير عن العقاب، و الوعد و الوعيد في مقابلة الطاعات و ترك الواجبات، مثل مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً 2: 245 «2» و:

ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ «3» و مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ «4» و لَئِنْ شَكَرْتُمْ «5».

و

ما ورد: أنّ صلاة الليل تزيد في الرزق «6»، و الزكاة تحفظ المال «7»، و الصدقة تردّ البلاء «8» إلى غير ذلك عموما، و خصوصا كل فعل فعل من أفعال الوضوء، فإنّها ظاهرة في التشويق في العمل، و ليس ذلك إلّا بفعله لأجله، فلو كان مفسدا لكان الوعد و الوعيد بل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عبثا، بل مخلا، حيث إنّ الوعد على فعل بما هو من عظيم المقصود للعقلاء ثمَّ إرادة فعله لا لأجله كأنّه تكليف بما لا يطاق.

و عدم دلالة بعض ما مرّ على صحة كل ما فعل بقصد الثواب أو رفع العقاب غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

______________________________

(1) الوسائل 1: 80 أبواب مقدمة العبادات ب 18.

(2) البقرة: 244.

(3) البقرة: 110.

(4) الزلزلة: 6.

(5) إبراهيم: 6.

(6) راجع الوسائل 8: 145 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 39.

(7) راجع الوسائل 9: 9 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1.

(8) الوسائل 9: 383، 386 أبواب الصدقة ب 8، 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 52

هذا كله، مضافا إلى تعذر فهم ما هو من ذلك لأكثر الناس فضلا عن تعاطيه، فإنّ تخليص القصد من الثواب و العقاب و قصر النظر إلى جناب الحق ليس شريعة لكل وارد، فتكليف عامة الناس به كأنّه تكليف بما لا يطاق.

خلافا فيهما لجماعة منهم السيّد الجليل علي بن طاوس [1]، فقالوا بوجوب قصد مجرد الامتثال و ما بمعناه، و بطلان العبادة بقصد نيل الثواب أو الخلاص من العقاب.

و نسبه غير واحد «1» إلى المشهور، و الشهيد في قواعده «2» أسنده إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الوفاق عليه، و نقل الرازي في تفسيره «3» اتفاق المتكلمين عليه.

استنادا إلى الخبرين الأوّلين، و ما يؤدي مؤداهما

من وجوب كون العمل للَّه أو خالصا له.

و هو بعد دلالة بعض ما مر على أنّ العمل بالقصدين أيضا عمل خالص له لا وقع له، سيما مع معارضته مع سائر ما تقدم، مع أنّه لا معنى محصّل للعمل للَّه إلّا بتقدير مثل الطاعة أو الرضا أو الأمر أو غير ذلك، و لا يتعين المقدّر، فيمكن أن يكون ما يشمل الوصول إلى ثوابه أو الخلاص من عقابه أيضا، فلا يعلم منافاة الخبرين لما ذكرنا.

و المراد من الثواب هو ما قرره اللَّه أجرا للعمل دنيويا كان أم أخرويا، لعموم كثير مما تقدم، بل ورود خصوص الدنيوي أيضا كما مر، فلا يبطل بقصد طلب الأغراض الدنيوية التي وعدها اللَّه سبحانه منه إذا كانت من المباحات. و أمّا إذا

______________________________

[1] اشتهرت في كلماتهم نسبة هذا القول اليه، و يمكن ان يستفاد من مواضع من كتابه «فلاح السائل» ص 56، 81، 88، 131، و يستفاد أيضا من العلامة في أجوبة المسائل المهنائية: 89.

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 2: 77.

(2) القواعد و الفوائد 1: 77.

(3) التفسير الكبير 14: 134 في ذيل قوله تعالى: و ادعوه خوفا و طمعا (الأعراف: 56).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 53

كانت من غيرها كقتل عدوّ لم يستحقه، أو التوصّل إلى محرّم آخر فيصلي صلاة الحاجة مثلا له فيبطل العمل و إن لم يعلم قطعا ترتّب المحرّم عليه، لأنّ هذا العمل يعدّ عصيانا عرفا، فيكون منهيا عنه، و أيضا هو اتّباع للهوى و متابعة للشيطان، و هما منهيان.

ثمَّ المراد بالقربة اللازم قصدها هو ما يؤدّي ذلك المؤدي، كالطاعة و موافقة الإرادة و نحوها، و لا يلزمه ملاحظة لفظ القربة، فإنّ العبرة بالحقائق دون الألفاظ.

فائدة: قد استشكل جماعة «1» في

وجه اشتراط النية في الطهارة عن الحدث دون الخبث، و سبب التفرقة بينهما، حتى ارتكبوا في التوجيه تمحلات و تكلّفات، و مع ذلك لم يذكروا شيئا تاما.

و لا يخفى أنّ المراد بالطهارة عن الخبث إن كان ترتّب الثواب عليها أو امتثال الشارع (لنيل الثواب) [1] و نحوه فلا نسلّم عدم توقفها على النية بل توقفها عليها إجماعي، مع أنّ الامتثال لا يتحقق عرفا إلّا بفعل صادر عن الممتثل بقصده الامتثال، و أيضا الامتثال لا يتحقق إلّا بعمل منه و لا عمل إلّا بنية.

و إن كان المراد حصول الطهارة و زوال الخبث فعدم توقفها على النية مسلّم.

و الاستشكال فيه إن كان في تفرقة الشارع بينهما، و سبب فرقه بإيجابه النية في الأوّل دون الثاني، فهو كالاستشكال في السؤال من فرقه بين صلاة الصبح و الظهر بجعل الأولى ركعتين و الثانية أربع، و مثله لا يصدر عن فقيه.

و إن كان في تفرقة الفقهاء و إجماعهم على ذلك و كان السؤال عن مستندهم فيه، فمع أنّه إجماعي، و لا يتعارف الاستشكال و السؤال عن مأخذ الإجماع بل هو بنفسه كاف في وجه الفرق، مستنده واضح، و ذلك لدلالة الإجماع و الأخبار على

______________________________

[1] في «ح»: كغسل الثوب.

______________________________

(1) راجع المدارك 1: 184، و حاشيته للوحيد البهبهاني: 42، و الحدائق 2: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 54

كون الوضوء و الغسل عبادة، و قد عرفت أنّ العبادة متوقفة على النية.

و أيضا: ما ورد في الطهارة عن الحدث كله أوامر يطلبها من المكلف، فلا يتحقق إلّا بعمل منه و لا عمل إلّا بنية، و يجب امتثالها و لا امتثال إلّا بقصد، و ليس هناك دليل شرعي دال على حصول الطهارة الحدثية

من غير استناد إلى فعل المكلف.

بخلاف الطهارة عن الخبث فإنّه و إن ورد فيها الأمر بالغسل و أمثاله، و لكن الأدلة متوافرة على حصولها من غير ذلك أيضا، كقولهم عليهم السلام: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «1».

و صحيحة هشام: عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فكيف فيصيب الثوب، قال: «لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه» «2».

و المستفيضة الواردة في «أنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» «3». و في أنّ من وطئ العذرة و مشى في الأرض تطهر رجله «4» و إن لم يشعر بالقذارة و الطهارة و: «إنّ كل ما أشرقت الشمس عليه فقد طهر» «5» إلى غير ذلك.

و بعد وجود مثل تلك الأدلة في الطهارة من الخبث- مضافة إلى عدم القول بالفصل- و عدمها في الحدث لا وجه للاستشكال.

فإن قيل: قد ورد الأمر بغسل الثوب و أمثاله، و قد ذكرت عدم حصول الامتثال إلّا بالنية، و لازمه ترتّب العقاب على عدم الغسل و إن طهر بغيره.

قلنا: الأمر بالغسل أمر مقيد مشروط ببقاء النجاسة، فبعد زوالها بأمر آخر يسقط الوجوب فلا ثواب و لا عقاب.

______________________________

(1) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 146 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5.

(2) الفقيه 1: 7- 4، الوسائل 1: 144 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 1.

(3) راجع الوسائل 3: 457 أبواب النجاسات ب 32.

(4) الوسائل 3: 457 أبواب النجاسات ب 32.

(5) الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 55

المسألة الثالثة:

و يجب اشتمالها أيضا على قصد ما لا يتحقق من أجزاء المأمور به إلّا بالقصد، يعني إذا كان المأمور به مركبا من أجزاء لا وجود

لبعضها إلّا بقصده يجب قصده، كما إذا قال: أعط درهما لأجل الكفارة، بأن يكون التعليل قيدا للمأمور به و جزءا له، لا مجرد أن يكون سببا، أو يقول: افعل كذا تطوعا أو وجوبا، مع كون الوصفين قيدين.

و منه مثل قوله: تصدّق و كفّر و آت الزكاة، و توضأ و اغتسل، فلا بدّ من قصد الصدقة و الكفارة و الزكاة عند الإعطاء، و التوضؤ و الاغتسال عند الغسل (لتحقق الوصف المأمور به) [1].

و الوجه في اشتراطه ظاهر، فإنّ الإتيان بتمام المأمور به، و إيجاده واجب، و الامتثال عليه متوقف، و المفروض عدم وجود هذا الجزء إلّا بالقصد، فلو لم يقصده لم يأت بتمام المأمور به، فلا يوافقه فلا يكون صحيحا.

و أيضا: إذا كان القيد مما لا وجود له إلّا بالقصد، فأمر الشارع بالفعل مقيدا أمر به مع قصد القيد.

و يكفي في قصده العلم بأنّه هو، و لا يجب الإخطار.

و لا فرق في ذلك بين اتحاد المأمور به كما مر، أو تعدده و اشتراكه بين أمرين، كأن يقول مع ما مر: أعط درهما تصدقا.

و يستفاد من كلامهم أنّ اعتبار قصده إنّما هو في الثاني خاصة، و لا يعتبر في الأوّل.

فإن كان نظرهم إلى أنّ فيه لوحدة المأمور به يكون مقصوده هو لا محالة، و يستلزم الاتحاد لكونه مقصودا، فهو تصريح باعتبار القصد أيضا، و يرجع النزاع لفظيا، مع أنّ اللزوم كليا ممنوع.

و إن كان نظرهم الى غير ذلك فلا وجه له.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق» و «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 56

فإن قلت: اعتباره إنّما هو للتميز و هو إنّما يحتاج إليه مع الاشتراك.

قلنا: لا نسلّم أنّه لذلك، بل لأجل أنّه جزء المأمور

به، فلا يتحقق تمامه بدونه.

نعم، لو ثبت التداخل في الفعل (و كفاية) [1] فعل واحد لهما بمعنى إسقاطه لهما لا انطباقه عليهما لامتناعه، يسقط قصد الجزء المذكور، لأنّ مرجعه إلى أنّ الفعل بدون القصدين مسقط له مع كلّ منهما، و أمّا التداخل بمعنى إجزاء واحد منهما عن الآخر و إسقاطه إيّاه، فلا يسقط وجوب قصد القيد، إذ لا يتحقق واحد منهما بدون قصد القيد.

المسألة الرابعة:

قالوا: يجب اشتمالها على المميز أيضا إذا اشترك الفعل بين فعلين أمر بهما و لم يتميزا إلّا بالقصد. و زاد بعضهم: إن لم يتداخلا أيضا.

و استدلّوا عليه: بأنّه لا يتحقق الامتثال عرفا إلّا به.

و بمثل قوله: «و لكل امرئ ما نوى» «1».

و بأن الصحة عبارة عن موافقة الأمر، و هذا الفعل الواحد الواقع بدون قصد المميز لو صح لكان إما موافقا للأمر بهذا الفعل، أو لمشاركة، أو لهما معا، و الأوّلان مستلزمان للترجيح بلا مرجّح، مع أنّ المفروض عدم تميزه لأحدهما إلّا بالقصد، و الثالث محال، لعدم انطباق الواحد على المتعدد، و زيد إلّا مع التداخل المفروض انتفاؤه، فلا يكون موافقا لأمر و هو معنى البطلان.

و يرد على الأوّل: منع توقف الامتثال عليه، فإنّه لو قال المولى لعبده:

امسح وجهك، ثمَّ قال أيضا كذلك، و أراد بكلّ مسحا على حدة، و مسح العبد وجهه مرتين لأجل إطاعة مولاه و لم يقصد في شي ء منهما أنّه للأمر الأوّل أو الثاني يعدّ ممتثلا عرفا، و يستحق ما وعد له من الأجر، و لو مسح مرة من غير قصد أحد

______________________________

[1] في «ح»: بمعنى كفاية.

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 629، الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 57

الأمرين يعدّ

ممتثلا لأحدهما، و هذا مما لا يرتاب فيه أصلا.

و على الثاني: بظهوره في نية التقرب و نحوه. سلّمنا و لكن إذا قصد الفعل يكون ذلك له و هو كاف، إذ [1] لم يجب عليه غيره.

و على الثالث: أنّه لا يخلو إمّا لا تكون بين الفعلين جهة مغايرة أصلا أو تكون، فإن لم تكن- كمثال المسح المذكور- نختار شقا غير الشقوق المتقدمة و نقول: إنّ الفعل الواقع موافق لكل واحد منهما منفردا، كما إذا قال من عنده ذراع من خشب و ذراع آخر منه لعبده: ايتني بمساو لهذا و بمساو لذلك من النحاس، فأتى بذراع من نحاس، فهو مطابق لكلّ منهما منفردا دون المجموع، و تلزمه البراءة من أحدهما لا بعينه، و لا ضير فيه أصلا، فلو قال للمكلف: صم يوما من رجب، ثمَّ قال: صم يوما منه أيضا، و علم أنّ المطلوب يومان، فلو صام يوما واحدا بقصد طاعته امتثل أحد الأمرين، و انطبق الفعل على كل واحد منهما منفردا، لتساويهما من جميع الوجوه الداخلة في ذات المأمور به. و تقدّم أحدهما على الآخر غير مؤثر في تغاير المأمور به.

و إن كانت بينهما جهة تغاير يتوقف تحققها على قصدها، فإن كانت من الحيثيات التقييدية للمأمور به، أي يكون قيدا له و جزءا منه كما مر في المسألة السابقة، فلا شك في اشتراط قصده، و لكن لا لأجل توقف حصول التميز عليه، بل لعدم تحقق تمام المأمور به بدونه كما مر، و لا يختص ذلك بصورة الاشتراك و التعدد، بل يعتبر مع الوحدة أيضا ضرورة كما سبق.

و إن لم تكن من الحيثيات التقييدية له، فنختار الموافقة لكل منفردا، و تلزمه البراءة من أحدهما لا بعينه أيضا،

سواء كانت جهة المغايرة من أسباب الأمر بأن يكون سبب أحد الأمرين هذا و سبب الآخر ذاك، أو من غاياته بأن تكون غاية أحدهما شيئا و غاية الآخر آخر، أو من كيفيات الأمر دون المأمور به كأن يكون أحد

______________________________

[1] في «ق»: إذا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 58

الأمرين على سبيل الوجوب و الآخر على الندب، أو من آثار المأمور به و توابعه، كأن يكون لأحدهما أثر غير ما للآخر، بشرط أن لا يكون شي ء من تلك الجهات قيدا (للمأمور به) [1] فإنّ ذاتي المأمور بهما تكون مساوية حينئذ غير مغايرة، فلا وجه لعدم موافقة المأتي لشي ء منهما.

فإذا قال: صم يوما، ثمَّ قال: صم يوما أيضا، فليس المأمور به سوى الصوم، و إن كان سبب أحد الأمرين شيئا و سبب الآخر آخر، أو كان أحد الطلبين حتميا و الآخر ندبا، فلو صام يوما فلم لا ينطبق على أحدهما؟ مع أنّه لا ينقص من المأمور به شي ء.

نعم، لا ينطبق عليهما معا، لعدم انطباق الواحد على الاثنين، و لعدم حصول التكرر الذي هو أيضا مأمور به.

فإن قلت: إذا كانت المغايرة حينئذ باعتبار الآثار و التوابع، فأيّ أثر يترتب على الفعل الواحد الذي أتى به؟ كما إذا كان أحدهما وجوبيا و الآخر ندبيا، فأتى بواحد من غير تميز بين الوجوب و الندب، فكيف يمكن القول بالبراءة من أحدهما لا بعينه؟ مع أنّ أحدهما أقلّ ثوابا، و تركه مستلزم للعقاب دون الآخر، فإن أثبتّ له العقاب و الثواب الأقل فقد أطبقته على الوجوب، و إن قلت: إنّه غير معاقب، و له الثواب الأكثر، فقد أطبقته على الندب، و كلاهما ترجيح بلا مرجّح، و إن أطبقته عليهما فقد أطبقت الواحد

على الاثنين و إن لم تطبقه على شي ء منهما اعترفت بالبطلان، فما فائدة الانطباق على كلّ منفردا؟

و كذا لو نذر من عليه غسل واجب- كالجنابة- أن يرتمس في الماء زائدا على الغسل فارتمس مرة، فإن قلت: إنّه برئ من النذر، أو طهر من الجنابة، ارتكبت الترجيح بلا مرجّح، و إن قلت: حصل الأمران، أطبقت الواحد على الاثنين،

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 59

و إن قلت: لم يحصل شي ء منهما، حكمت بالبطلان.

قلنا: لا نسلّم أنّ عدم الحكم بحصول شي ء من الأمرين حكم بالبطلان، فإنّ الصحة في العبادات هي موافقة المأمور به، و هي حاصلة قطعا، و لا يلزم من عدم تعيّن ما يستتبعه خروجه عن موافقة المأمور به، أو خروج الصحة عن كونه موافقة المأمور به، فإنّ الصحة أمر و تعيّن ما يستتبعه (أو نفس الاستتباع) [1] أمر آخر، و الأوّل يتحقق بالموافقة، و الثاني إمّا بقصد المستتبع أوّلا نظرا إلى مثل قوله عليه السلام: «لكل امرئ ما نوى» و: «إنّما الأعمال بالنيات» أو بالإتيان بالفعلين معا، و لا يلزم من عدم قصد المعيّن أوّلا البطلان و إن لزم عدم ترتب التوابع.

و تظهر الثمرة فيما لو فعل الآخر أيضا بلا قصد، فعلى البطلان لا يترتب عليهما شي ء من التوابع، و على ما ذكرنا يترتب التابعان، و ذلك كما إذا استسلف زيد من كل من عمرو و بكر غنما، و رهن كل منهما متاعا عنده لما استسلف، فوكّلا خالدا في إعطاء الغنم بعد حلول الأجل، فأعطى غنما بلا قصد تعيين أنّه من عمرو أو بكر، فإنّه لا يترتب عليه فك رهانة أحدهما و لا يستتبع أثرا، بل هو موقوف إمّا على القصد

أوّلا، أو إعطاء الغنم الآخر أيضا. و كذا إذا فعل المأمور أحد الفعلين مع قصد المعيّن و نسيه، فإنّه لا يحكم بالبطلان و لا يترتب شي ء من آثار أحدهما، كمن عليه صوم نذر و كفارة فصام يوما بقصد معيّن و نسيه، فيحكم بمقتضى الأصل بعدم سقوط شي ء منهما، مع أن صومه صحيح.

و القول بأنّه سقط أحدهما واقعا، و لكن لم يسقط ظاهرا، للأصل، كلام خال عن التحقيق، إذ لا واقع في حقّ المكلّف إلّا حكمه الظاهري كما بيّنا في الأصول.

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 60

نعم، لو كان عدم استتباع الفعل للتوابع مستندا إلى عدم موافقة المأمور به، لكان مستلزما للبطلان، و أمّا مطلقا و لو لمانع فلا.

هذا، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّه كما تحصل البراءة عن أحدهما لا بعينه، كذلك يستتبع توابع أحدهما لا بعينه بمعنى التخيير، فإن كان التابع مما يستند إلى المكلّف الآمر كإعطاء الثواب و نحوه فالتخيير له، و إن كان مما يستند إلى المأمور كحصول التطهر له، أو الوفاء بالنذر و نحوه، فالتخيير له، بمعنى أنّ له أن يجعله من أيّهما شاء، فإنّ الفعل إذا انصرف إلى أحدهما بتعيينه المقارن للفعل يمكن الانصراف إليه بتعيينه المتأخّر، فإنّ مثل قوله: «لكل امرئ ما نوى» يشمل ظاهرا مثل ذلك أيضا و إن كان الظاهر منه النية المقارنة، فتأمّل.

و ظهر من ذلك عدم وجوب قصد المميز في تحقق صحة الفعل للأصل، إلّا إذا كان المميز قيدا للمأمور به و جزءا له فيجب، لما مر، إلّا مع ثبوت التداخل بالمعنى المذكور.

و لكن ها هنا أمرا آخر و هو أن كما أنه يجب الإتيان بالفعل الصحيح يجب تحصيل البراءة

و الإجزاء عن المأمور به أيضا، و لا يمكن حصول البراءة و الإجزاء عن واحد لا بعينه مع تعدد المأمور به و اختلاف آثارهما أو غايتهما، إذ لا معنى للبراءة و الإجزاء عن شي ء له آثار و توابع إلّا حصولها و ترتّبها، و لا يتأتّى ذلك في واحد لا بعينه من الأمرين المختلفين في الآثار، فيجب تعيين كلّ منهما تحصيلا للبراءة عنه و الإجزاء، و لكن لثبوت التداخل بالمعنى المذكور في الوضوء بل الأغسال لا يجري ذلك فيهما، مع عدم التعدد في الوضوء المأمور به في حالة أبدا، لأنّه إنما كان لو وقع الأمر بإحداث الوضوء لهذا و لذاك و هكذا، و ليس كذلك، بل لم يثبت إلّا مطلوبية كونه متطهرا عند هذا و ذاك ندبا أو وجوبا، و إنّما يجري في الصلاة و نحوها، و سيأتي تحقيق ذلك في بحث نية الصلاة.

المسألة الخامسة:

لا يشترط في نية الوضوء قصد الوجه، وفاقا لكلّ من لم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 61

يشترط سوى القربة، كما عن المفيد «1»، و البصروي «2» و التستري [1]، و النهاية «3»، و المحقق في بعض رسائله، و بعض من اشترط غيرها أيضا، كالسيّد «4»، و المبسوط «5»، و المعتبر «6» و هو مختار أكثر المتأخرين.

للأصل السالم عن المعارض، المؤيد بأمرهم عليهم السلام بجميع أنواع الوضوء من الواجب و المندوب بطريق واحد من غير تعرض للوجوب و الندب.

و خلافا للحلبي، و الحلّي، و القاضي «7»، و الراوندي «8»، و ابني زهرة و حمزة «9»، و الفاضل «10»، و الكركي، و الجامع، و الشرائع، و الذكرى «11»، فأوجبوه وصفا أو غاية.

لاستصحاب الحدث إلى تحقق الرافع اليقيني.

و لوجوب الامتثال المتوقف على إيقاع الفعل

على وجهه، و هو لا يتم إلّا بنية الوجه.

و لأنّ الوضوء تارة يقع على وجه الوجوب، و أخرى على الندب، فحيث كان أحد الأمرين مطلوبا اشترط تشخيصه لتحصيل الامتثال، و ليتحقق الموافقة

______________________________

[1] هكذا في جميع النسخ و المظنون انه تصحيف «البشرى» للسيد جمال الدين بن طاوس كما نقل عنه في الذكرى: 80.

______________________________

(1) المقنعة: 46.

(2) نقله عنه في الذكرى: 80.

(3) النهاية: 15.

(4) نقل عنه في كشف اللثام 1: 62.

(5) المبسوط 1: 19.

(6) المعتبر 1: 139.

(7) الكافي في الفقه: 132، السرائر 1: 98، المهذب 1: 43.

(8) نقله عنه في الذكرى: 80.

(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 553، الوسيلة: 51.

(10) التذكرة 1: 14، القواعد 1: 10.

(11) جامع المقاصد 1: 201، الجامع للشرائع: 35، الشرائع 1: 20، الذكرى: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 62

للمأمور به.

و القول بأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلّا واجبا و بدونه مندوب، فيكون متعينا أبدا، مردود بأنه لا شك في وقوع الأمر الاستحبابي به لبعض الغايات و الوجوبي لآخر، و لا يرتفع الأوّل حال الثاني، فلا بدّ من التعيين كما في الصلاتين: الواجبة و المندوبة، و الغسلين.

و الجواب عن الأوّل: أنّه لم يثبت في حق من صدر عنه أحد الموجبات إلّا وجوب إتيانه بالأفعال المعهودة التي هي الوضوء شرعا أو استحبابه، فإن أريد بالحدث كونه بحيث يجب عليه هذه الأفعال للمشروط بالوضوء، فالإتيان بها يكون مزيلا للاستصحاب يقينا، و إن أريد غير ذلك فلا نسلّم ثبوته.

و الحاصل: أن حدوث حالة لمن عليه الوضوء سوى كونه يجب أو يستحب عليه الإتيان بالأفعال المقررة غير ثابت من دليل حتى يستصحب.

سلّمناه و لكن الوضوء الشرعي رافع له بالإجماع بل الأخبار، و هو ما ثبت

كونه وضوءا بدليل شرعي.

و المستفيضة الحاكية لوضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله «1».

و نحو رواية زرارة: عن الوضوء الذي افترضه اللَّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال، قال: «يغسل ذكره و يتوضأ مرتين مرّتين» [1].

و رواية ابن فرقد بعد السؤال عن حد الوضوء، قال: «تغسل وجهك و يديك و تمسح رأسك و رجليك» «2»- مضافة إلى الأصل- دالّة على كون هذه الأفعال وضوءا، غاية الأمر ثبوت لزوم قصده مع القربة من الخارج أيضا، فتكون هي معه رافعة، ضرورة تحقق اللازم مع الملزوم.

______________________________

[1] لم نعثر على رواية لزرارة بهذا المضمون. الموجود رواية يونس بن يعقوب: التهذيب 1: 47- 134، الاستبصار 1: 52- 151، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5.

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 271 أبواب الوضوء ب 15.

(2) الكافي 3: 21 الطهارة ب 14 ح 3، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 63

و عن الثاني: بمنع توقف الامتثال على ما ذكر و إن هو إلّا مصادرة.

و عن الثالث: أنّ الامتثال إنّما يحصل بالموافقة للمأمور به التي هي معنى الصحة، و معنى المطابقة أن يكون المأتي به بأجزائه و شرائطه، موافقا للمأمور به كذلك، بمعنى أنّ ما اتي به لو طوبق مع ما أمر به لم ينقص منه شي ء، فإذا كان المأتي به كذلك يكون صحيحا، و الآتي به ممتثلا، و لا يحتاج إلى شي ء آخر.

و على هذا، فيكون فرق بين قول الشارع: توضأ وجوبا أو ندبا، و قوله:

يجب أو يستحب التوضؤ، فالمأمور به في الأوّل هو أفعال الوضوء بزيادة الوجوبية أو الندبية، و في الثاني أفعال الوضوء مجردة عن غيرها،

غاية الأمر أن أمره بها إيجابي أو ندبي، فإن كان (الحال في الوضوء) [1] الإيجابي و الندبي من قبيل الأوّل فلا شك في وجوب نية الوجه، كما مر في المسألة السابقة، و إن كان من الثاني لا تجب، لعدم دخوله في المأمور به، فالمأتي به موافق لكلّ من الأمرين منفردا، موجب للبراءة من أحدهما لا بعينه.

ثمَّ لمّا كان الأمر في الوضوء من قبيل الثاني، إذ لم يرد إلّا أنه يستحب الكون على الوضوء حال كذا، و يجب حال كذا، و لم يرد أنه توضأ تطوّعا لكذا و وجوبا لكذا، لم يلزم في صحته قصد الوجه، بل و لا في ترتّب الآثار الوجوبية أو الندبية، حيث ثبت فيه التداخل، و ترتّب جميع الآثار على وضوء واحد.

المسألة السادسة:

لا تشترط فيه نية الاستباحة أو الرفع، وفاقا لمن ذكر في المسألة السابقة من المكتفين بالقربة، و للشرائع، لما ذكره.

و خلافا للسيد «1»، فأوجب الأوّل.

و للمبسوط و السرائر و الجامع و المعتبر و الذكرى، و الفاضل، و الكركي، فأحدهما.

______________________________

[1] في «ح»: الحاكي للوضوء.

______________________________

(1) يمكن استفادته من الناصريات (الجوامع الفقهية): 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 64

و للحلبي و القاضي و الراوندي و ابني زهرة و حمزة «1»، فالأمران معا.

احتجّ الأوّل: بالاستصحاب. و جوابه مرّ.

و بمثل قوله عليه السلام: «لكل امرئ ما نوى».

و يضعّف بأنه يدلّ على أنّ ما نوى له، لا على أنّ ما لم ينو ليس له إذا كان مما لم يثبت توقف تحققه على النية.

و بقوله سبحانه إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ «2» الآية.

قيل «3»: وجه الدلالة أنّ المفهوم منه وجوب إيقاع الوضوء لأجل الصلاة، فيكون التعليل قيدا للمأمور، فلا يتم إلّا بإيجاده، و هو ليس إلّا بقصده.

و

فيه: أنّه إنّما يصح لو كان التعليل متعلقا بالإيقاع، و أمّا إذا كان متعلقا بالوجوب فلا، فإن أريد أنّ المفهوم من الآية الأوّل فممنوع، و إن أريد أنّ المفهوم منها الثاني أو أحدهما لا يفيد.

و من هذا يظهر فساد ما قيل- في دفع إيراد من أورد أنّ وجوب الوضوء للصلاة لا يستلزم وجوب قصد التعليل- من أنّه أيّ فرق بين كون الفعل للصلاة و كونه للَّه أو لأجل أنّ اللَّه أمرني أو لأجل أنّي مطيع له و نحوها؟ حيث لا يوجب الأول قصد التعليل، و البواقي توجبه «4».

فإنا لا نقول بالفرق بين وجوب كون الفعل للصلاة و بين وجوب كونه للَّه و نحوه، بل نقول بالفرق بين قوله: إذا قمتم للصلاة فافعلوا و بين وجوب كونه للَّه، أو قوله: اعملوا للَّه، أو يجب أن يكون العمل خالصا للَّه، فإنّ الأوّل يحتمل علّية الصلاة للوجوب دون البواقي. بل فرق بين قوله: يجب إيقاع الفعل لأجل الصلاة و بين ما ذكر، لاحتمال كون التعليل علّة للإيجاب دون البواقي، فإنّه لا

______________________________

(1) مرت الإشارة إلى مصادر الأقوال في ص 61 فراجع.

(2) المائدة: 6.

(3) المختلف: 20.

(4) شرح المفاتيح: (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 65

يحتمل أن يكون مراده أنّ اللَّه علّة للإيجاب، أو إطاعة أمره علّة له.

قيل: لو قال المولى لعبده: أعط الحاجب درهما ليأذن لك، فأعطاه لا لأجل ذلك، بل لغرض آخر، لم يكن ممتثلا و لا آتيا بما أمره به مولاه، إذ الامتثال العرفي لا يتحقق إلّا بقصد ما هو مطلوب الآمر، و أنّ ارتكابه لأجل أنّ الآمر أمره لا لغيره، و لو أتى به لا لأمره لا يمتثل البتّة «1».

قلنا: لا شك أنّه لو أعطى لا

لأجل أنّ مولاه أمره، لم يكن ممتثلا، و ليس الكلام فيه، بل فيما إذا أعطى لأجل أنّه أمره مولاه من غير قصد أنه لأجل الإذن بل ذاهلا عنه.

و لا نسلّم عدم الامتثال حينئذ، بل هو ممتثل آت بما أمره به مولاه إلّا إذا علم يقينا أنّه أراد الإعطاء بقصد الإذن.

و المناسب للمقام ما إذا قال المولى أعطه درهما ليأذن لك، و درهما ليحفظ دابتك، فأعطى الدرهمين لأجل أمر المولى من غير قصد العلّتين، إما للذهول و الغفلة أو لنسيان العلّة، فإنّه يعدّ ممتثلا قطعا، و لو أعطى درهما من غير قصد، امتثل أحد الأمرين، مع أنّه فرق بين قوله: أعطه ليأذن لك، و إذا أردت الإذن فأعطه درهما، و ما نحن فيه من الثاني.

قيل: فرق بين أن يقول: لا بدّ من الوضوء حال الصلاة، و أن يقول: إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ، و لذا يفيد الثاني التكرار بتكرار الصلاة دون الأوّل «2».

قلنا: الفرق بينهما من الجهة التي كلامنا فيها ممنوع جدا، و أما إفادة الثاني للتكرار فلأجل دلالة الفعل على التجدّد، و لذا لو قال: لا بدّ أن يتوضأ حين الصلاة، يفيده، بل و كذا لا بدّ من الوضوء إذا أخذ بالمعنى المصدري.

و استدلّ الثاني بما مر أيضا بضميمة اتحاد مئال الاستباحة و رفع الحدث.

______________________________

(1) شرح المفاتيح: (مخطوط).

(2) شرح المفاتيح: (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 66

و احتج الثالث- بعد دعوى تغايرهما، لانفكاك كلّ منهما عن الآخر في التيمم و وضوء الحائض [1]- بشرعية الوضوء لأجل الأمرين، فيجب قصدهما كما مر. و جوابهما ظهر.

و اعلم أن التخصيص بالرفع و الاستباحة، لأن الكلام في الوضوء للصلاة، و يعلم منه الحال في الغايات الأخر.

المسألة السابعة:
اشاره

قد ظهر

من وجوب نية القربة، و عدم حصول الامتثال بدونها، أنه لو نوى غيرها منفردا بطل العمل.

و لو ضمّه معها، فلو كان رياء- و هو العمل بمرأى لإراءته لا لغرض شرعي، و منه السمعة، و هو العمل بمسمع أحد لإسماعه كذلك- بطل مطلقا سواء كلّ منهما مقصودا ذاتا أو كلاهما معا، أو أحدهما خاصة و قصد الآخر بالعرض، بالإجماع من غير السيد «1» الغير القادح في تحققه، و هو الحجة.

مضافا إلى خبري علي بن سالم و عقبة المتقدمين «2» الدالّين على عدم قبول ما لم يكن خالصا للَّه، و الرياء بجميع أقسامه ينافيه، مع تصريح الأوّل بعدم قبول ما أشرك فيه غير اللَّه معه، و في رواية ابن عيينة السالفة «3» ما يصرّح بذلك أيضا.

و إلى النهي عن الرياء كلّه إجماعا و كتابا و سنّة:

______________________________

[1] قال الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 61- في مقام حكاية الاستدلال على وجوب القصد إلى الاستباحة و الرفع-: لافتراقهما معنى، و وجودا في دائم الحدث و المتيمم، لاستباحتهما خاصة، و الحائض لرفع غسلها الأكبر من غير استباحة. و قال المحقق القمي في غنائم الأيام: 21 و بأن الرفع و الاستباحة قد يتفارقان في غسل الحائض بدون الوضوء، و المتيمم. و بالتأمل في هاتين العبارتين يظهر قصور عبارة المتن، و الأنسب تبديل «الوضوء» بالغسل، حتى يكون موردا لانفكاك الاستباحة عن الرفع كما أن التيمم مورد لانفكاك الرفع عن الاستباحة فتدبر.

______________________________

(1) الانتصار: 17.

(2) في ص 46.

(3) في ص 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 67

أثبت اللَّه سبحانه في كتابه الكريم الويل للذين يراءون «1» و قال أيضا في مقام الذمّ يُراؤُنَ النَّاسَ «2».

و في الخبر: «كل رياء شرك» «3».

و في آخر:

«إياك و الرياء، فإنّه من عمل لغير اللَّه و كله اللَّه إلى من عمل له» «4».

و في ثالث: «اعملوا للَّه في غير رياء و سمعة» «5».

و في رواية داود: «من أظهر للناس ما يحب اللَّه و بارز اللَّه بما كرهه لقي اللَّه و هو ماقت له» «6».

و لا شك أنّ المرائي جامع للوصفين، إذ نفس الإظهار للناس من غير غرض صحيح مما يكرهه اللَّه.

و في صحيحة زرارة: عن الرجل يعمل الشي ء من الخير فيراه إنسان فيسّره ذلك، فقال: «لا بأس، ما من أحد إلّا و هو يحبّ أن يظهر اللَّه له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» «7».

دل بمفهوم الشرط على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- إذا صنع ذلك

______________________________

(1) الماعون: 6.

(2) النساء: 142.

(3) الكافي 2: 293 الايمان و الكفر ب 116 ح 3، الوسائل 1: 70 أبواب مقدمة العبادات ب 12 ح 4.

(4) الكافي 2: 293 الايمان و الكفر ب 116 ح 1، الوسائل 1: 65 أبواب مقدمة العبادات ب 11 ح 6.

(5) الكافي 2: 297 الايمان و الكفر ب 116 ح 17، الوسائل 1: 66 أبواب مقدمة العبادات ب 11 10.

(6) الكافي 2: 295 الايمان و الكفر ب 116 ح 10، الوسائل 1: 64 أبواب مقدمة العبادات ب 11 ح 3.

(7) الكافي 2: 297 الايمان و الكفر ب 116 ح 18، الوسائل 1: 75 أبواب مقدمة العبادات ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 68

لذلك.

هذا، مع أنّ العمل رياء بأقسامه متابعة للهوى، و هو منهي عنه في الكتاب و السنّة، و النهي في العبادة يوجب الفساد.

و منه يظهر البطلان مطلقا لو كانت الضميمة محرّما آخر غير الرياء.

و لا

فرق فيها [1] بين ما إذا كان الضمّ في تمام العبادة أو جزئها الواجب أو وصفها اللازم، و بالجملة كلّ ما يبطل العمل بانتفائه.

و كذا بين ما إذا كان في ماهية التمام أو الجزء أو الوصف، أو في أحد أفراد واحد منها الذي يوجد به المأمور به، لعدم اجتماع الوجوب و الحرمة في واحد شخصي و لو من جهتين بينهما عموم و خصوص مطلقان أو من وجه.

فيبطل الوضوء لو توضّأ بالماء البارد، و الصلاة لو صلّى في المسجد، رياء أو بقصد محرّم آخر، أي: إذا كان كونه في المسجد كذا و إن لم يكن في نفس صلاته رياء، لأنّ الكون جزء الصلاة، كما في الصلاة في الدار المغصوبة. أو صلّى في أول الوقت رياء، لأن هذه الصلاة أحد أفراد المخيّر، فيتعلّق به النهي، و محل الرياء هو الصلاة في أول الوقت.

و كذا لو قرأ سورة معينة رياء، أو أحسن القراءة، أو أجهر فيها، أو تأنى فيها، أو صلّى جماعة لذلك.

و بالجملة: كل ما يتأدّى به الواجب تبطل الصلاة بقصد الرياء، أو محرّم آخر فيه.

و أمّا في غير ذلك فلا و لو كان وصفا قائما بواجب، لعدم تعلّق النهي عن الوصف بموصوفه، فلا يبطل الوضوء بالرياء في الاستقبال فيه، و لا الغسل بالرياء في الخروج من الماء في الارتماس، و لا الصلاة بالرياء في التخشّع فيه، كإطراق الرأس، و غمض العين، و ضم اليدين إلى الفخذين، و مدّ العنق في الركوع،

______________________________

[1] في «ه» و «ق» فيهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 69

و التطويل في السجود بعد التقرّب في القدر الواجب، و نحو ذلك.

خلافا للسيّد «1»، فلم يبطل العمل بقصد الرياء مطلقا و إن قال بعدم

استحقاقه الثواب، و هو مبني على أصله من عدم توقف الإجزاء على القبول، و رده في الأصول.

و قوّى ما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين، فقال: الواجب أمران: فعل المأمور به، و الإخلاص في نيته، و لا يوجب الإخلال بالأخير الإخلال بالأوّل و إن أوجب الإثم «2».

و لا يخفى أنّ ما ذكره إنّما كان صحيحا لو كان المأمور به هو قصد التقرب و الخلوص، و المنهي عنه هو إرادة إراءة الناس دون العمل المرائي فيه. و ليس كذلك، بل المأمور به- كما هو مدلول الأخبار السابقة- العمل الخالص و العمل للَّه، فما لم يكن كذلك لم يكن مأمورا به، و المنهي عنه هو العمل لغير اللَّه، و هو الذي اثبت فيه البأس في رواية زرارة «3»، و فيه متابعة الهوى.

مع أنّه قد صرّح فيما مرّ بعدم قبول ما أشرك فيه غير اللَّه، و ما لم يكن خالصا، و لازمه عدم كونه مأمورا به فيفسد قطعا.

و أيضا: لا بدّ في صحة العمل من كونه بحيث يصدق معه الامتثال، و هو لا يتحقق إلّا بما فعل بقصد الإطاعة.

و لو كانت الضميمة غير الرياء أو محرّم آخر، كالتبرّد، أو التسخّن، أو نحوهما، ففيها أقوال:

الصحة مطلقا، اختاره في المعتبر و الشرائع «4»، و عن المبسوط و الجامع «5».

______________________________

(1) الانتصار: 17.

(2) كشف اللثام 1: 64.

(3) المتقدمة ص 67.

(4) المعتبر 1: 140، الشرائع 1: 20.

(5) المبسوط 1: 19، الجامع للشرائع: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 70

و قيل: الظاهر أنّه المشهور «1».

و البطلان كذلك، حكي عن ظاهر نهاية الإحكام «2» و الإيضاح و البيان و الروض و شرح الإرشاد للأردبيلي «3».

و التفصيل بالصحة مع رجحانها، و البطلان بدونه، و قد تزاد فيه

ملاحظة الرجحان أيضا.

و بها [1] إن كانت القربة الباعث الأصلي، و عرض قصد الضميمة، و البطلان في غيره، احتمله الشهيد في قواعده و الذكرى «4»، و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللَّه- مع التخصيص بغير الراجح، و أمّا معه فالصحة مطلقا، و ادّعى عليها الإجماع تبعا لجمع آخر «5» منهم صاحب المدارك «6».

و التحقيق فيها: أن متعلّق الضميمة إمّا نفس مهية المأمور به من العبادة أو جزؤها أو شرطها أو وصفها المطلوبة، أو خصوصياتها و أوصافها الغير اللازمة.

فإن كان الأوّل [2]، فإن كانت الضميمة مقصودة بالذات، أي باعثا أصليا فالحقّ البطلان مطلقا، سواء كانت القربة أيضا كذلك، بأن يكون كلّ منهما سببا مستقلا أو يكونا معا كذلك حتى يكون كلّ منهما جزء السبب، أو لم تكن القربة كذلك.

أمّا الأوّل: فلعدم انصراف الفعل إلى القربة، لعدم المرجّح.

______________________________

[1] عطف على: بالصحة و الضمير راجع إليها، يعني: و التفصيل بالصحة ان كانت القربة ..

[2] مراده من الأوّل كون متعلق الضميمة نفس الماهية أو جزأها أو شرطها أو وصفها المطلوبة.

______________________________

(1) قاله في الحدائق 2: 188.

(2) نهاية الاحكام 1: 33.

(3) الإيضاح 1: 36، البيان: 44، الروض: 30، مجمع الفائدة 1: 99.

(4) القواعد و الفوائد 1: 80، الذكرى: 81.

(5) كصاحبي الذخيرة: 25، و المفاتيح 1: 49.

(6) المدارك 1: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 71

و أمّا الثاني [1]: فلذلك أيضا، لأنّ جزء السبب لا يعد سببا، و الفعل للمركب ليس فعلا لكل جزء، مع أنّ الفعل فيهما لا يستند إلى القربة عرفا.

و أمّا الثاني [2] فظاهر.

هذا إذا لم تكن الضميمة راجحة، و أمّا مع رجحانها فإن [3] أمكن الاستناد إلى القربة، و لكن لا يتحقق امتثال هذا الأمر في هذه الصورة

عرفا، بل لا دليل على موافقته لهذا المأمور به، فلو صام و كان باعثه الحمية و النذر معا أو كل منهما منفردا، فلا دليل على أنّه لامتثال الأمر بالصوم دون الأمر بالحمية، فلا يصح بل يبطل إلّا مع ثبوت التداخل فيصح.

و إن لم تكن الضميمة مقصودة ذاتا، بل عرض قصدها تبعا بحيث لولاها لفعل و لو انحصر المقصود بها لم يفعل، فمع الرجحان لا إشكال في الصحة، لعدم المنافاة للقربة و صدق الامتثال في العرف و العادة و وجود المرجّح للموافقة، و بدونه ففيه إشكال، ينشأ من تصريح الأخبار بعدم قبول العمل الغير الخالص، و عدم خلوص مثل ذلك لغة و عرفا، و من تفسير العمل الخالص في خبر ابن عيينة بما لا يريد فيه حمد غير اللَّه، فيختص بالخالي عن الرياء، و في بعض الصحاح ما يشعر بأنّه ما ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان «1»، و المفروض كذلك. و الثاني أقوى، و الأوّل أحوط.

و إن كان الثاني [4]، فلا يبطل أصلا و لو كانت الضميمة مستقلة، كأن ينوي التبرد من اختيار الماء البارد في التوضؤ، لا أن يتوضّأ لذلك، أو التسخن لاختيار الحار، و الاستسخان من الصلاة في موضع حار إذا كان الباعث على أصل الوضوء

______________________________

[1] يعني ما إذا كان كل منهما جزء السبب.

[2] يعني إذا لم يكن التقرّب باعثا أصليا.

[3] إن وصلية، و الأنسب تغيير العبارة هكذا: فإنه حينئذ و إن أمكن الاستناد ..

[4] و هو ما إذا كان متعلق الضميمة الخصوصيات و الأوصاف غير اللازمة.

______________________________

(1) الكافي 3: 15 الايمان و الكفر ب 11 ح 1، الوسائل 1: 59 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص:

72

و الصلاة هو القربة.

و الحاصل: أنّه إذا [1] لم يضم [2] مع القربة في الإتيان بأصل الواجب- الذي هو المطلق- شي ء، لا يضر قصد آخر في التعينات و التشخصات و الخصوصيات أصلا.

و الظاهر أنه إجماع بل ضرورة، فهما الحجتان فيه.

مضافا إلى الأصل، و إلى أن الترجيح بلا مرجّح باطل، فلا بدّ في تعيين أحد الأمكنة أو الأزمنة أو اللباس أو المياه من مرجح، و لا يجب أن يكون المرجح أمرا راجحا شرعا ضرورة، بل قد لا يتحقق غالبا، بل يصح مع المرجوحية الإضافية أيضا كالصلاة في الحمام.

و إلى أنّ الخصوصية أمر وراء المطلق الذي هو المأمور به و إن اتحدت معه في الوجود، فيكون هذا الفعل متعلّقا للقربة من حيث المهية، و للضميمة من حيث الخصوصية، فاختلاف الحيثيتين أوجب تعلق القصدين، فهذا متقرب به من حيث إنّه كون للصلاة- مثلا- و مسخّن منه من حيث إنّه الكون في الشمس.

و لا يقاس ذلك بالصلاة في الدار المغصوبة و نحوها، لأن الوجوب و الحرمة و سائر الأحكام الخمسة أمور متضادة لا يجتمع اثنان منها في محل إلّا بحيثيتين تقييديتين، بخلاف التقرب و التسخّن مثلا، فإنهما ليسا من المتضادين، و لذا يبطل فيما كان من هذا القبيل إذا كانت الضميمة محرمة مطلقا.

فروع:

أ: لو لم يقصد الرياء ذاتا و لا عرضا، و لكن سرّه إذا رآه إنسان أو سمعه لم يضر، لعدم صدق الرياء عليه، و قد صرّح به في صحيحة زرارة المتقدمة «1».

______________________________

[1] في «ق» ان.

[2] في «ه» و «ق» ينضم.

______________________________

(1) في ص 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 73

ب: لو أتى ببعض الأجزاء المستحبة كالقنوت في الصلاة، و المضمضة أو الغسلة الثانية في الوضوء و

نحو ذلك رياء يبطل المستحب قطعا، و لكن لا يبطل الصلاة و الوضوء لأجل ذلك.

نعم، قد يبطل المسح ببطلان التثنية أو تكون لمعة من الموضع جافا لم تغسل من الأولى فيبطل الوضوء لأجله، كما أن قد تبطل الصلاة ببطلان القنوت من جهة الفصل [1] الكثير لو وصل إليه، أو من جهة التكلم بالمحرم. و قيل: من جهة عدم اتصال نية الصلاة «1». و فيه نظر.

ج: سيأتي أن حقيقة النية هي الداعي المحرك دون المخطر بالبال، فربما كان الباعث غير امتثال أمر اللَّه و يخطر بباله القربة مع العلم بأنها ليست الباعث أو للغفلة أو الجهل به، و العبادة حينئذ باطلة، سيما في الأخيرة قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا «2» الآية. و ربما يكون الأمر بالعكس، فلا باعث له على العمل إلّا وجه اللَّه، و لكن يشكك و تخطر بباله خطرات من غير أن تكون لها مدخلية في التأثير، و عبادته حينئذ صحيحة. و لو شك في الباعث و المحرك لم يصح العمل، للزوم العلم بالانبعاث من القربة.

د: لو طرأ الرياء في أثناء العبادة يفسد و لو في آخرها إذا كانت مرتبطة الإجزاء.

نعم، لو حصل بعد الفراغ لم يضر فيها و إن استفيد من الأخبار حبطها لو أظهرها.

المسألة الثامنة:
اشاره

المعتبر في النية هي الداعية إلى الفعل المحركة للإنسان

______________________________

[1] في «ه» و «ق» الفعل.

______________________________

(1) شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) الكهف: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 74

إليه، اللازمة لفعل كل عاقل مختار، دون الصورة المخطرة بالبال.

و لتوضيح الفرق بينهما و تحقيق الحال في المعتبر منهما نقول: إنّ من يسافر إلى الكوفة لتحصيل نفع، لا بدّ له أن يتصور أولا الكوفة، و النفع، و حصوله فيها، و توقفه على المسافرة

إليها، و المسافرة، فإذا حصلت تلك التصورات، تحصل للنفس حالة تبعث الأعضاء و الجوارح على المسافرة إليها. و هذه الحالة هي المعبّر عنها بالداعي و الباعث، و هي قد تحصل للنفس من غير التفاتها إليها و إلى أنها الباعثة، و قد يكون ملتفتا إليها، فيتصور و ينتقش في باله أن يسافر إلى الكوفة لأجل النفع، و ذلك الالتفات و التصوير هو الإخطار.

ثمَّ الحالة الداعية إذا حصلت للنفس تبقى فيها إلى الفراغ عن العمل، و تبعث الجوارح على كل جزء من أجزائه التدريجية، أو إلى قصده ترك العمل، أي قصد المنافي، و لكن قد تبقى معها التصورات المذكورة، و قد لا يبقى منها معها شي ء، كما أن الخارج إلى الكوفة قد يشتغل قلبه حين الذهاب بأمور شاغلة له، بحيث يذهل عن نفسه فضلا عن الكوفة و السفر إليها و تحصيل النفع فيها، و مع ذلك هو في الحركة و الذهاب، و المحرك هو هذه الحالة المخزونة في النفس و إن كان ذاهلا عنها، بل الغالب في أفعال الناس ذلك.

ألا ترى أنّه إذا كنت جالسا و دخل عليك من يستحق التواضع تقوم له حين دخوله عليك من غير أن تتصوّر و تلتفت في بالك إني أقوم تواضعا لفلان لاستحقاقه ذلك.

ثمَّ الأولى و هي الحالة مع بقاء التصورات تسمّى بالنية الفعلية، و الثانية هي النية الحكمية، و هي ترتفع إما بتمام العمل، أو بقصد منافيه، و هي كافية في وقوع الفعل بالنية، و لذا يعدّ المسافر قاصدا في كل جزء من حركته ذهابا و إيابا، و لا يقال: إنّه متحرك بلا نية و قصد، و إن لم يلتفت في كل جزء إلى الذهاب و المقصد، و لا يعدّ

تواضعك خاليا عن القصد و النية، و يترتب عليه ثوابه، بل لو تكلّف الالتفات و تخيل ذلك يستقبحه كل أحد اطّلع عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 75

و من هذا ظهر وجه ما ذكرنا من اعتبار مجرد الداعي و كفايته الذي هو تلك الحالة، إذ لا يثبت من أدلة وجوب نية القربة في العبادات سواها، لصدق النية معها، و تحقق الامتثال عرفا، و عدم الدليل على الزائد، فينفى بالأصل.

نعم، لمّا كان يتوقف حصولها ابتداء على التصورات المتقدمة، فلو لم يخطر بالبال أولا الكوفة و النفع و السفر، أو الشخص الوارد و التواضع، لما أمكن انبعاث الأعضاء و الجوارح إلى السفر و القيام، فلا بدّ من النية الفعلية في ابتداء العمل لتحصيل تلك الحالة- أي النية الحكمية- و إن لم يتوقف بقاؤها عليها، فلا يضر عزوب التصورات بعده، لبقاء الحالة بدونها.

و هذا هو الباعث على اتفاقهم على اشتراط النية الفعلية في الابتداء و الاكتفاء بالحكمية بعدها، فإنّه لو لا الفعلية ابتداء لما حصلت الحكمية أيضا بخلاف الأثناء، فإنّ الفعلية الابتدائية كافية في حصول الحكمية و بقائها إلى الانتهاء أو قصد المنافي.

و ممّا ذكرنا ظهر معنى الاستدامة الحكمية المشروطة في العبادات، و وجه اشتراطها في جميع أجزائها، فإنّها لو تخلّفت عن جزء صدر بلا نية. و معنى النية الفعلية المشروطة في أول أجزائه، و وجه اشتراطها فيه، فإنّه لمّا كان حصول الحكمية موقوفا عليها و امتنع تحققها بدون سبقها، فلو تأخّر جزء عنها لصدر بلا نية فيبطل، و ببطلانه يبطل العمل، و ليس اشتراطها لأجل أنّها النية خاصة.

و ظهر من جميع ما ذكر أنّ ها هنا أمورا ثلاثة: التصورات المذكورة و هي النية بمعنى الإخطار، إذ

ليس هو إلّا خطور الفعل و أنّه يفعله لما ذا، و التصورات المقارنة مع الحالة الباعثة للنفس على الاشتغال و هي النية الفعلية، و الحالة المذكورة مع عدم الالتفات و هي النية الحكمية، و هي لازمة البقاء بعد حصول الفعلية و عدم الانتقال إلى مخالفها كما يأتي. و على هذا فمرجع الاستدامة الحكمية إلى عدم الانتقال من الفعلية إلى نية مخالفها.

و هذا المعنى لها هو الذي ذكره الأكثر و حكي عنهم، كما عن المبسوط

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 76

و الشرائع و المنتهى و الجامع و التذكرة و نهاية الأحكام «1»، و نسبه الشهيد إلى الأكثر «2».

بل- كما قيل «3»- يرجع إليه ما عن الغنية و السرائر «4» من أنّها أن يكون ذاكرا للفعل غير فاعل لنية مخالفها، بجعل قولهم غير فاعل مفسّرا لسابقه.

و قد يجعل هذا المعنى مغايرا لسابقه و يجعل مجموع الفقرتين تفسيرا لها.

و لا يخفى أنّه على هذا يكون عين النية الفعلية، لأنّها أيضا ليست شيئا سوى التذكر للأمور المذكورة مع الحالة المحركة اللازمة على كل تقدير، و قد عرفت عدم دليل على لزومها في تمام الأجزاء، بل هي ليست معتبرة في نفسه في جزء من الأجزاء و إن اعتبرت لأجل حصول الحكمية، إلّا أن يكون المراد التذكر للفعل فقط، دون سائر التصورات من أنّه يفعله و لما ذا يفعله، و ذلك أيضا لا دليل على اعتباره أصلا.

و قد يقال في توجيه وجوبه [1]: إنّه كما تجب النية في أول الفعل تجب في كل جزء منه أيضا، و لمّا كانت النية عندهم هو الإخطار أو الفعلية، و يتعذّر اعتبارها في جميع الفعل إذ ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ

«5» يتوجه بأحدهما إلى الإخطار و بالآخر إلى إحداث الأجزاء و الحركات و السكنات، فلا بدّ من الاكتفاء بمجرد التذكر، إذ «ما لا يدرك كله لا يترك كله» «6» بل ذلك هو الوجه في اعتبار

______________________________

[1] أي وجوب التذكر للفعل فقط.

______________________________

(1) المبسوط 1: 19، الشرائع 1: 20، المنتهى 1: 55، الجامع للشرائع: 35، التذكرة 1: 15، نهاية الاحكام 1: 449.

(2) في الذكرى: 81.

(3) كشف اللثام 1: 63.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 553، السرائر 1: 98.

(5) الأحزاب: 4.

(6) غوالي اللئالي 4: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 77

الحكمية بالتفسير الأوّل أيضا.

نعم، من لم يجعل النية هي الإخطار أو الفعلية، بل اكتفى بمجرد الداعي، كما هو مقتضى الأدلة، اعتبرها بنفسها في تمام العمل لإمكانها، و لا صارف عنها يوجب المصير إلى الحكمية بأحد المعنيين.

و فيه: أنّ الحكمية بمعنى كونه ذاكرا للفعل لا تتحقق أيضا إلّا بعد قلبين، يتذكّر بأحدهما الفعل، لأنّ التذكّر أيضا من فعل القلب، و لا يتفاوت في ذلك تذكّر الفعل خاصة أو مع غيره.

نعم، يصلح ذلك توجيها لاعتبارها بالمعنى الأوّل [1]، لأنّه لا يحتاج إلى تذكّر، و لكنه ليس أمرا غير الداعي و المحرّك المخزون في النفس و إن لم يلتفت إليه، إذ مجرد عدم الانتقال من غير كون الداعي لا يؤثّر في الفعل أصلا، و على هذا فلا يحتاج في وجه اعتباره إلى ذلك التكلف الركيك، بل هو عين النية الثابتة بالأدلّة، و لذا ترى العامل يقال: إنّه عامل بالقصد إذا نواه أولا و إن ذهل في الأثناء إذا كان مشتغلا غير منتقل بنيته هذا.

ثمَّ إنّه بقي ها هنا شي ء، و هو أنّ الثابت ممّا ذكر وجوب عدم تأخّر الفعلية عن أول جزء من

العمل، و أمّا لزوم عدم تقدّمها عليه فلم يثبت، فإنّه قد تحصل النية الفعلية قبل العمل ثمَّ تبقى الحالة التي هي الحكمية حتى تقارن أول الجزء، و على ما ذكر يجب أن يكون العمل حينئذ صحيحا مع أنّ الأكثر صرّحوا بوجوب مقارنة الفعلية التي يعبّرون عنها بالنية لأوّل جزء.

أقول: هذا المقام هو محل غرور جماعة من المتأخرين، حتى قال بعضهم:

بسقوط البحث عن كلفة المقارنة، و تقديمها في الوضوء عند غسل اليدين «1».

و آخر: بأنّه لا أدري ما الباعث للتفرقة بين أول الجزء و الأثناء مع تساوي الأجزاء

______________________________

[1] و هو عدم الانتقال من النية إلى مخالفها.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 78

فيما يشترط به من نحو النية «1». و طعن ثالث «2» بأكثر الفقهاء الذين يبحثون عن أول وقت النية و بمن يحصرها بين حاصرين [1]. و رابع: بأنّ اشتراط المقارنة إنّما هو على مذاق الموجبين للإخطار على ما هو الحري بالاعتبار «3».

و نحن نقول لحسم مادة الإشكال: إنّه مما لا شك فيه أنّ حصول تلك الحالة الداعية- التي تسمى مع عدم الالتفات إليها بالنية الحكمية- موقوف على التصورات المذكورة، و بقاءها على الاشتغال بالعمل نفسه أو بمقدماته، و لا يمكن بقاؤها بدون ذلك، فلو لم يشتغل بشي ء منها و لم يحضر التصورات لم يمكن بقاء الحالة، و لذا ترى أنّ من تصوّر زيدا في يوم و تصوّر بيته و لقاءه و الذهاب إلى بيته للقائه، و حصلت في نفسه حالة باعثة على الذهاب غدا إلى بيته للقائه، فلا يمكن ذهابه في الغد إلّا بتجديد التصورات، و لو ذهل عنها بالكلية و اشتغل قلبه بأمر آخر امتنع منه الذهاب، بخلاف

من اشتغل بالذهاب فإنّه يذهب مع الذهول عن زيد و بيته، بل عن ذهابه لو لم يقصد غيره مما ينافيه.

و هذا هو السر فيما ترى من أنّك تقصد اشتغال أمر في الغد و تتركه للذهول عمّا قصدت، و إذا اشتغلت به لا تتركه و إن ذهلت عنه.

و توهم إمكان بقاء الحكمية بدون الاشتغال أيضا فاسد جدّا، فإنّ من يقصد قبل الزوال الوضوء بعد الزوال، ثمَّ يشتغل بأمر آخر لا يمكن أن يتوضّأ بعد الزوال إلّا بشعوره بالوضوء و بفعله.

و لعل السرّ في ذلك احتياج الباقي في البقاء إلى المؤثر، فمع الاشتغال يكون هو المؤثّر في البقاء، بمعنى أن التصوّرات علة لحدوث الحالة و هي للاشتغال بأول

______________________________

[1] إشارة الى ما ذكره العلامة و غيره: نية الصلاة يجب أن تكون محصورة بين الألف و الراء في تكبيرة الإحرام (منه ره).

______________________________

(1) يستفاد هذا الإشكال من مشارق الشموس: 93.

(2) الحدائق 2: 174.

(3) كما في شرح المفاتيح (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 79

جزء، و هو لبقاء الحالة حين الاشتغال، هي للاشتغال بالجزء الثاني، و هو لبقائها و هكذا، و أمّا إذا لم يشتغل و عزبت التصورات، فلا علة لبقاء الحالة فتنتفي.

و إذ ظهر لك توقف الحكمية على الاشتغال، فلو لم تقارن الفعلية لأوّل جزء مما يتعلّق بالعمل بل تقدّمت عليها فتنتفي الحكمية بعدها و قبل الاشتغال، فيكون الفاعل حال الاشتغال بأول جزء خاليا عن النية، فلا بدّ من تجديد التصورات لتحصيل الحالة، و هذا هو المقارنة.

و به يظهر لك سبب التفرقة و إمكان الحصر و عدم توقف اشتراط المقارنة على وجوب الإخطار، و يرتفع الطعن عن العلماء الأخيار، بل ملاحظة ما ذكرنا يتّضح أمر النية بالتمام، و يندفع

بعض الإشكالات و الإيرادات عن المقام.

فروع مما يتعلق بالنية:

أ: إذ قد عرفت وجوب مقارنة النية الفعلية لأوّل فعل ما [1] يتعلق بالعبادة، تعلم أنّ وقت نية الوضوء عند غسل الوجه، و يجوز تقديمها عند غسل اليدين المستحب للوضوء التفاتا إلى كونه من الأجزاء المندوبة له.

و لا يجوز عند جماعة «1»، لعدم كونه من الوضوء عندهم و إن استحب.

فالجواز مبني على كونه من الوضوء أو مستحبا برأسه، و كذا المضمضة و الاستنشاق.

و لا يبعد القول بكفاية النية عند غسل اليد للوضوء و لو لم يكن جزءا، بل عند التهيّؤ للوضوء و لو بتحصيل الماء و أمثاله، و كذا كل عبادة، فإنّه ظهر مما ذكرنا أنّ وقت النية الفعلية هو ابتداء الاشتغال بالعمل نفسه أو بما يتعلق به، و لا يحتاج إلى الاشتغال بجزء معين منه.

نعم، لا بدّ حينئذ من كون نفس العبادة لا يحتمل غيرها من غير العبادات،

______________________________

[1] في «ه» و «ق» ممّا.

______________________________

(1) راجع مجمع الفائدة 1: 100، و المدارك 1: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 80

إمّا بنفسها أو بما يميزها من الأمور الخارجية حتى يصدق الامتثال، و لا من العبادات حتى تتعين الآثار المترتبة على ما يريد فعله، و إلّا لاحتاجت في أول جزء منها إلى قصدها لتميزها عن غيرها، و لذا يحتاج الذاهب من بيته إلى الحمام قاصدا للغسل تجديد النية عند الارتماس، إلّا إذا لم يكن من عادته الارتماس لغير الغسل.

ب: و إذ عرفت عدم العبرة بالإخطار، و أنّ الداعي هو محل الاعتبار، تعلم أنّه لو أراد فعلا معيّنا و حرّكه الداعي إليه كصلاة الظهر، ثمَّ خطر بباله حين المقارنة غيرها كالصبح أو العصر لم يضر.

ج: و إذ عرفت اشتراط القربة و الخلوص

في نية العبادات، و أنّه ربما يشتبه الأمر أو تحصل الغفلة فعليك بالمجاهدة، و معرفة الرياء و آثاره و علاماته و المعالجة، و عدم الغفلة عن مكائد النفس الأمّارة، فإنّ تحصيل الخلوص أمر صعب لا يتأتى في الأغلب إلّا مع المجاهدات الصعبة، كما يدلّ عليه قول الأمير عليه السلام:

«تخليص العمل من الفساد أشد من طول الجهاد» «1».

و ما ورد عنهم من أنّ «الرياء شرك خفي و أخفى من دبيب النملة» «2» إلى غير ذلك.

و من ذلك ظهر فساد ما ذكره بعض المتأخّرين «3» من سهولة الخطب في النية، و أنّ المعتبر فيها محض تخيل المنوي بأدنى توجه، و هذا القدر لا ينفك عنه أحد من العقلاء.

و كذا ظهر مما ذكرنا- من الأخبار الواردة في النية و القربة و من معنى النية- فساد ما قيل: من أنّ اشتراط النية بالمعنى المعروف من بدع فقهائنا المتأخرين

______________________________

(1) الكافي 8: 24 خطبة الوسيلة لأمير المؤمنين عليه السلام، بتفاوت يسير.

(2) تحف العقول: 487 بتفاوت يسير.

(3) منهم صاحبا المدارك 1: 185، و المفاتيح 1: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 81

تبعا للعامة، و إلّا فالرّواة و القدماء ما كانوا يذكرونها و يتعرضون لها.

د: لو زاد في النية على ما يجب، فإمّا يكون من الأوصاف المتحققة في المنوي، كأن ينوي الوجوب في الواجب، أو الندب في المندوب على المختار من عدم اشتراط نية الوجه، أو ينوي القصر في صلاة السفر، أو الإتمام في الحضر و نحوه، فلا محذور فيه أصلا.

أو يكون مما ليس فيه، كأن ينوي الواجب مندوبا، أو الأداء قضاء، أو الظهر عصرا، أو غسل الجنابة جمعة أو بالعكس، بمعنى أن يعتقده كذلك، لا مجرد الإخطار- فإنّه لا عبرة به-

فلا يخلو إمّا يتعين مقصوده و الفعل الذي يأتي به، إمّا لأجل كون المأمور به أمرا واحدا معينا لا يشتبه بغيره و يقصده بعينه، و ليس أمر آخر غيره يشتبه به، أو لأجل ضمّ ما يميزه عن غيره- إن كان- إلّا أنّه أخطأ في اعتقاده الذي زاد، كأن يتوضأ للصلاة وجوبا باعتقاد دخول الوقت و لم يدخل، أو ندبا باعتقاد عدمه و قد دخل، أو ينوي الصلاة قضاء باعتقاد خروج الوقت و لم يخرج، أو أداء باعتقاد عدم خروجه و قد خرج، أو توضأ بنية وجوبه أو ندبه نفسا مع أنّه واجب و مندوب لغيره و نحو ذلك مما لا يحصل فيه الاشتباه لأجل تلك النية فلا محذور أيضا، كما صرّح به بعضهم «1»، لأنّه قصد الأمر المعيّن الذي عليه واقعا، إلّا انّه أخطأ في اعتقاده، و هو غير مضر، لأنّه أتى بذلك المعيّن المطلوب منه. و الخطأ في اعتقاده لا يخرجه من المطلوب المعين. و كذا لو كان الخطأ لأجل الغفلة بل و لو تعمد ذلك، لأنّه قصد لغو لا يضر في صدق الامتثال العرفي.

و قيل بالبطلان مع العمد «2». و لا وجه له.

أو يكون هناك أمران و يريد وصف أحدهما في النية مع أنّ المأمور به هو الآخر، كأن ينوي الظهر باعتقاد أنّه لم يفعله، ثمَّ ظهر أنّه فعله، و كانت عليه

______________________________

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) كشف اللثام 1: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 82

صلاة العصر، أو قصد نافلة الصبح زعما منه أنّه ما فعلها فظهر أنّه فعلها و كانت عليه فريضة، أو غسل الجمعة باعتقاد أنّ ما فعله غسل الجنابة ثمَّ ظهر أنّه اغتسل للجمعة، فالظاهر البطلان، لأنّه

لا يوافق المأمور به، و ما وافقه ليس مأمورا به، و لأنّ قصد إطاعة المأمور به شرط في تحقق الامتثال، و ما قصد إطاعته ليس مأمورا به، و ما هو مأمور به لم يقصد إطاعته.

ه-: إذا وجب أو استحب أمر كالوضوء أو الغسل لغايات، فإمّا لا يعلم أنّ الإتيان به مقيدا بكونه لأجل الغاية أيضا من المأمور به أو يعلم.

فإن لم يعلم، مثل أن يقول: يستحب أن يكون النائم متطهرا و القارئ متطهرا و المجامع متطهرا و الداخل في بيته متطهرا، إلى غير ذلك، أو ما يؤدّي هذا المؤدّى، فيكفي للمجموع وضوء واحد، لأصالة البراءة، و صدق التوضؤ و التطهر و نحوهما، إلّا أن تثبت من الخارج مطلوبية التعدّد.

و إن علم أنّ التقييد بالإتيان لأجل كذا جزء المأمور به، يلزم في امتثال المجموع التعدد، لتعدّد المأمور به حينئذ، إلّا أن يثبت التداخل و كفاية واحد للمجموع.

ثمَّ ما كان من الأوّل فلا تلزم فيه نية الغاية أصلا كما أشير إليه سابقا، بل لو فعل فعلا واحدا بنية القربة يكفي لجميع الغايات، و حينئذ لو نوى غاية معينة تكون من قبيل الزائد الذي لا يبطل به الفعل، و لا يصرفه إلى الفعل لتلك الغاية بخصوصها، للأصل، فيترتب عليه جميع الغايات، و إن ثبت التعدد فيه يمتثل بواحد أمرا واحدا لا بعينه، و الأمر في ترتب الآثار لو اختلفت كما مر.

و ما كان من الثاني لا يكفي واحد بنية القربة، و لا يكفي المأتي به بنية إحدى الغايات للأخرى إلّا بدليل، كما ظهر وجهه فيما سبق.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّه لما لم يعلم في الوضوء تقييد الأمر بشي ء من أفراده بغاية من غاياته، بل غاية ما ثبت وجوب

الكون على الوضوء أو استحبابه لأمور، و الأصل عدم التعدّد في المأمور به أيضا، فيكفي الوضوء الواحد بنية

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 83

القربة لجميع الغايات، و كذا لو توضّأ بقصد غاية معيّنة، و وجهه يظهر مما مر، و ستأتي زيادة تفصيل لذلك في بحث الأحكام.

هذا، و قد ظهر بما ذكرنا أنّ من اشتغلت ذمته بطهارة واجبة، فنوى الندب أو نوى إحدى غاياته الموجبة لاستحبابه يصح الوضوء، إذ ليس المطلوب منه إلّا وضوء واحد واجب، غايته أنّه زاد في النية أمرا لغوا، فلا يبطل به الوضوء.

و عن المنتهى و التذكرة و نهاية الإحكام و القواعد و الشهيد: البطلان «1»، و لعله مبني على اشتراط نية الوجه.

و: لو نوى نقض الطهارة بعد الإكمال لم تبطل قطعا، للأصل. و لو نواه في الأثناء بطل الباقي لو أوقعه، إلّا إذا رجع إلى النية قبل فوات الموالاة في الوضوء، و مطلقا في الغسل، و أوقعه بعده، فيصح.

ز: لو أخلّ في الوضوء بلمعة، و غسلها في الغسلة الثانية المندوبة، صحّ عندنا، و وجهه ظاهر.

و على اشتراط قصد الوجه لا يصحّ، وفاقا لأهله إن علم به، و إن لم يعلم ففيه قولان.

ح: ظهر لك مما ذكرنا أنّه يكفي وضوء واحد لرفع جميع الأحداث، سواء نواه أو لم ينوه أو نوى رفع حدث معيّن، بل لو نوى عدم رفع حدث.

ط: لا يجوز الترديد في النية فيما يجب قصده إذا كان عنده معيّنا، فيبطل لو تردد، لعدم الإتيان بالمأمور به. فلو أعطى شيئا و تردّد في قصد الزكاة أو الخمس بطل. و كذا لو صلّى مترددا بين الفريضة و النافلة. و كذا الحكم في الوجه و الرفع عند مشترطي قصدهما.

و أمّا لو

لم يكن معيّنا عنده إما لتردّد [1] في المسألة، أو للنسيان أو للجهل،

______________________________

[1] في «ه» و «ق» للتردد.

______________________________

(1) المنتهى 1: 55، التذكرة 1: 15، نهاية الاحكام 1: 32، القواعد 1: 10، الدروس 1: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 84

مثل أن صلّى ركعتين و نسي أنّه صلّى الأداء أو القضاء، أو أعطى شيئا و نسي أنّه أعطى للزكاة أو الخمس مع اشتغال ذمته بهما، أو لم يعلم أنّ الزكاة حينئذ واجبة عليه أو مستحبة، أو غسل الجمعة على اشتراط نية الوجه، فالظاهر- كما صرّح به بعضهم «1»- كفاية قصد ما في الذمة، إذ معناه هو المطلوب المعيّن في الواقع.

و لو تردّد بين إباحة فعل و وجوبه أو استحبابه ينوي الاحتياط، لأنّ الاحتياط مطلوب للشارع.

ي: على ما اخترناه يكفي مجرد قصد القربة في كل عبادة واجبة مشتملة على بعض الأجزاء المستحبة، و لا يلزم قصد الوجه مطلقا فضلا عن قصد الوجوب في الواجبة و الندب في المندوبة، و لو نوى الوجوب للجميع لم يضر.

و للمشترطين لنية الوجه في مثلها قولان: وجوب قصد الوجوب في الواجبة، و الندب في المندوبة. قيل: هو ظاهر جمع من الفقهاء «2»، و كفاية قصد الوجوب، نقل عن صريح بعض المتأخّرين «3»، و لكلّ وجه، و الأحوط الأوّل.

يا: لو شرع فعلا لأسباب متعدّدة فنوى عدم بعضها، كأن يتوضّأ بقصد عدم كونه لتلاوة القرآن، فإن كان السبب ممّا علم وجوب قصدها بأن يكون قصدها قيدا للمأمور به، فلا يجزي عمّا نوى عدمه قطعا.

و لو لم يكن كذلك، فإن لم يكن المأمور به إيقاع الفعل عند ذلك السبب، بل كان المطلوب وجوده كيف ما كان، كما في الوضوء، حيث إنّه لم يثبت استحباب

إيقاع الوضوء لكلّ من غاياته، بل المطلوب تحقّقه كيف كان، فإن المستحب تلاوة القرآن متطهرا لا التوضّؤ مطلقا عند تلاوته، فيكفي ذلك الفعل لجميع أسبابه، و الوجه واضح.

و إن كان المأمور به نفس الفعل عند السبب كالغسل للجمعة و التوبة و الحاجة و غيرها، فالظاهر عدم الكفاية عمّا نوى عدمه إلّا مع دليل شرعي، لعدم

______________________________

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).

(2) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).

(3) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 85

صدق امتثال ذلك الأمر عرفا، فإنّ قصد عدم امتثال أمر يوجب انتفاء صدق امتثاله عرفا قطعا.

يب: لو لم يعلم جزئية بعض الأجزاء للعبادة، و لكن أتى به من باب الاتفاق كالطمأنينة في الصلاة أو المسح في الوضوء أو الطواف بالبيت في الحج، بطل ذلك الجزء، لاشتراط القربة، و ببطلانه تبطل العبادة، سيما إذا كانت تلك الأجزاء من مقوّمات ماهيّة العبادة كالإمساكات المخصوصة بالنسبة إلى الصوم، فلو لم يعلم أحد من الصوم إلّا الإمساك من الأكل و الشرب و الإنزال، و لم يقصد ترك الإدخال من غير إنزال أو غيره من مبطلات الصوم، بطل صومه، لعدم قصد موافقة المأمور به، لأنّه لم يقصد القربة فيه، فلم يقصد فيما هو الصوم، و لا شك أنّه لو قصد- من يعلم أنّ الصوم إمساك عن الأكل و الوقاع- من الصوم الإمساك من الأكل دون الوقاع، لم يصح صومه، فكذا من لم يعلم، لعدم مدخلية العلم في ذلك.

هذا إذا لم يعلم جميع الأجزاء و علم انحصارها فيما قصده، أمّا لو جوّز أجزاء أخر غير ما يعلمه و قصد جميع ما هو جزء له في الواقع، فالظاهر الصحة إذا أتى بالجميع و لو اتفاقا، فلو

نوى من الصوم الإمساك من كلّ ما يعتبر الإمساك عنه في الصوم و أمسك عنه صحّ و لو لم يعلم الجميع.

الثاني من واجبات الوضوء: غسل الوجه.
اشاره

و وجوبه ثابت بالضرورة و النص.

و حدّ الوجه الواجب غسله طولا: ما بين القصاص و الذقن من الوجه.

و عرضا: ما حوته الإبهام و الوسطى، بالإجماع المحقّق و المحكي عن المبسوط و الخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهى «1» و المعتمد و غيرها، و هو الحجة.

______________________________

(1) المبسوط 1: 20، الخلاف 1: 76، الغنية (الجوامع الفقهية): 553، المعتبر 1: 141، المنتهى 1: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 86

مضافا إلى رواية إسماعيل بن مهران: عن حد الوجه، فكتب «من أول الشعر إلى آخر الوجه، و كذلك الجبينين» «1».

و صحيحة زرارة: «الوجه الذي قال اللَّه عزّ و جلّ و أمر بغسله، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر و إن نقص منه أثم:

ما دارت عليه الإبهام و الوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا، فهو من الوجه، و ما سوى ذلك فليس من الوجه» فقال: الصدغ من الوجه؟ قال: «لا» «2».

و انطباقها على المدّعى ظاهر، فإنّه إذا وضعت الإصبعان على موضع القصاص عرضا شبيه قوس- لأن وضعهما عليه لا يكون إلّا كذلك- و حدرت بهما كذلك إلى الذقن، يصدق عليه أنه ما دار عليه، أي أحاط دوره أو حرّك دوره الإصبعان، مبتدئا من القصاص إلى الذقن، و أنّه ما جرتا عليه من الوجه حال كونه أو الجري عليه مستديرا. و هو إشارة إلى وضعهما على القصاص مستديرا، لكون القصاص كذلك، و إلى ما يخرج من حد الوجه مما

تحويه الإصبعان لو لم تستديرا عند انتهائهما إلى الذقن.

و احتمال إرادة جعل الإصبعين خطّا واصلا بين القصاص و الذقن، دائرا على نفسه مع ثبات وسطه- كبعض المتأخرين- «3» بعيد من الفهم جدّا، و مع فهم المعظم خلافه يصير أبعد، بل يبطله أنه على ذلك يكون ابتداء دوران إحدى الإصبعين من القصاص و الأخرى من الذقن دفعة واحدة، و كذلك انتهاؤهما، فلا يكون ابتداء من قصاص و لا انتهاء من ذقن.

______________________________

(1) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 4، التهذيب 1: 55- 155، الوسائل 1: 404 أبواب الوضوء ب 17 ح 2.

(2) الكافي 3: 27 الطهارة ب 18 ح 1، الفقيه 1: 28- 88، التهذيب 1: 54- 154، الوسائل 1:

403 أبواب الوضوء ب 17 ح 1.

(3) الشيخ البهائي في الحبل المتين: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 87

مضافا إلى عدم كون ما بين القصاص و الذقن بقدر الإصبعين غالبا، بل إمّا يزيد أو ينقص، فيلزم خروج ما اتّفق على دخوله أو عكسه، بل يلزم الأوّل على فرض التطابق أيضا، إذ مقتضى الحركة الدورية بهذا الطريق انفصال طرف الإصبع الموضوع على القصاص منه مع ازدياد ميله إلى السفل، فيخرج ما يتصل من الجبهة و الجبين من الطرفين بالقصاص سوى قدر طرف إصبع، و ذلك باطل إجماعا.

و منه يظهر وجوب المصير إلى المشهور على ذلك الاحتمال أيضا، لعدم اختلاف [1] على الاحتمالين إلّا فيما يخرج من الجبهة (و الجبين) [2] من الطرف الأعلى، و إدخاله واجب بالإجماع.

و توهّم دخول النزعتين، و هما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى الجبين- على التفسير المشهور- و كذا جميع مواضع التحذيف، و هي منابت الشعر الخفيف بين النزعة و الصدغ، أو ابتداء

العذار، باطل، لتصريح الرواية بوجوب كون المحدود من الوجه، و الأوّل و بعض الثاني أو تمامه من الرأس عرفا.

و يؤكّده خروج الأوّل عن التسطيح الذي ينفصل به الوجه عن الرأس.

و أمّا الصدغ فهو مشترك في الاحتمالين في خروج بعضه و دخول البعض، لاتّحاد موضع طرفي الإصبعين على الاحتمالين في قرب الوصول إلى طرف الحاجب. هذا على بعض تفاسيره، و يخرج كلّا على البعض عليهما. و من هذا يظهر ضعف ما أيّد به الاحتمال الأخير.

ثمَّ إنّه لا يجب غسل ما زاد على التحديد المذكور طولا و عرضا، و لا يجوز ترك ما دخل فيه كذلك.

فلا يغسل النزعتان و لا ما استرسل من اللحية طولا و عرضا إجماعا.

______________________________

[1] في «ح» الخلاف.

[2] لا توجد في «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 88

و لا شي ء من الصدغ لو فسّر بما فوق العذار من الشعر خاصة، كما هو ظاهر الصحيح المتقدم «1»، و جمع من الأصحاب «2». و لا جميعه لو فسّر بمجموع ما بين العين و الاذن، كما عن بعض أهل اللغة «3»، أو المنخفض الذي بين أعلى الاذن و طرف الحاجب، كما عن بعض الفقهاء «4»، أو الشعر المتدلي بين العين و الاذن أو منبت ذلك الشعر كما قيل «5».

و لا من مواضع التحذيف. و العذار، و هو ما حاذى الاذن من الشعر.

و العارض، و هو الشعر المنحط عن المحاذي للأذن إلى الذقن إلّا ما دخل من الأربعة [1] في التحديد، وفاقا لجماعة «6»، و خلافا في الأوّل منها للمحكي عن الراوندي، فأدخله جميعا «7»، و صريح الصحيح يردّه.

و للأكثر، بل قيل: إنه إجماعي [2]. و في الذخيرة: ذهب إليه جمهور العلماء «8»، فأخرجوه كذلك لذلك مطلقا،

و به يخصّون التحديد على غير التفسير الأوّل.

و يمكن دفعه بعدم التعارض، إذ لا يدخل على هذا إلّا بعض الصدغ، و ما صرّح بخروجه هي الصدغ، و بعض الشي ء غير الشي ء.

و لو سلّم التعارض فليس تخصيص المحدود بأولى من تخصيص الصدغ،

______________________________

[1] و هي الصدغ، و مواضع التحذيف، و العذار، و العارض.

[2] قال في الرياض 1: 19 خروجه مطلقا أو في الجملة إجماعي.

______________________________

(1) في ص 86 رقم 2.

(2) كما فسّره به في المنتهى 1: 57، و الذخيرة: 27، و كشف اللثام 1: 66.

(3) انظر الصحاح 4: 1323، العين 4: 371.

(4) فسّره به في مشارق الشموس: 101.

(5) القاموس 3: 113.

(6) انظر المعتبر 1: 141، و نهاية الإحكام 1: 36، و كشف اللثام 1: 66.

(7) نقله عنه في الذكرى: 83، و راجع فقه القرآن 1: 13.

(8) الذخيرة: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 89

بل هو أولى، حيث إنّ الظاهر دخول ما تحويه الإصبعان منه في الوجه العرفي.

و في الثاني لبعضهم «1»، فأدخلها، بل نسبه إلى غير شاذ من الفقهاء، للدخول في الوجه.

و يضعّف: بأنّ الصحيح يخصّها كلّا أو بعضا لو سلّم الدخول.

و للمنقول عن التذكرة و المنتهى «2»، فأخرجها، للدخول في الرأس لنبات الشعر عليه. و لا دلالة له على الدخول أصلا.

و في الثالث للمنتهى و التحرير «3»، و نسب إلى المعظم، فأخرجوه مطلقا، بل نفي الأوّل استحباب غسله، و الثاني حرّمه مع اعتقاد شرعيته. و للمحكي عن المبسوط، و الخلاف، و المسالك «4»، و الكركي في شرح الشرائع «5»، فأدخلوه كذلك، لأدلّة ضعفها بعد تصريح الصحيح السابق ظاهر.

و الجمع بين كلام الفريقين بإرادة البعض الخارج من التحديد و الداخل فيه- كما عن المعتبر و التذكرة و

نهاية الإحكام «6»- ممكن، إلّا أنّ الظاهر خروج العذار من المحدود، لعدم وصول الإصبعين من مستوى الخلقة إليه.

و في الرابع للمنقول عن الإسكافي «7» و الشهيدين «8»، فأدخلوه، بل عن ثانيهما عدم الخلاف فيه. و للمنتهى «9» فأخرجه.

و إرادة الأوّلين ما نالته الإصبعان منه، و الثاني ما يخرج مما تنالانه- كما هو

______________________________

(1) شرح المفاتيح: (مخطوط).

(2) التذكرة 1: 16، المنتهى 1: 57.

(3) المنتهى 1: 57، التحرير 1: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    90     الثاني من واجبات الوضوء: غسل الوجه. ..... ص : 85

(4) المبسوط 1: 20، الخلاف 1: 77، المسالك 1: 5.

(5) نسبه إليه في شرح المفاتيح: (مخطوط).

(6) المعتبر 1: 141، التذكرة 1: 16، نهاية الاحكام 1: 36.

(7) نقله عنه في المختلف: 21.

(8) الأول في الدروس 1: 91، و الثاني في الروضة 1: 73، و المسالك 1: 5.

(9) المنتهى 1: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 90

ظاهر نهاية الإحكام «1»- ممكنة، فلا يكون اختلاف.

و الاستناد [1] في إخراجه بعدم شمول الإصبعين له- لأن اعتبارهما في الوسط، و في غيره بما يحاذي موضعه منه، و إلّا لوجب غسل ما تنالانه و إن تجاوز العارض- ضعيف، إذ لا دليل على هذا التخصيص.

و خروج ما ذكره بالإجماع لا يوجب خروج غيره، مع أنّ قوله: «من الوجه» في الصحيح يخرج ما ذكره، لأن المتجاوز عن العارض ليس من الوجه.

فروع:

أ: القصاص منتهى منبت الشعر من الناصية دون النزعتين، لأنهما من الرأس، و هو عند انتهاء استدارة الرأس و ابتداء تسطيح الجبهة.

و المعتبر إنما هو من مستوى الخلقة، لأنّه المتبادر حين يطلق، و كذا في التحديد العرضي بالإصبعين، فيرجع فاقد شعر الناصية المعبّر عنه بالأنزع، و

أشعر الجبهة المسمّى بالأغم، و قصير الأصابع و طويلها بالنسبة إلى وجهه، إلى مستوى الخلقة.

ب: يجب استيعاب الوجه المحدود بالغسل إجماعا، بل ضرورة من الدين، كما صرّح به بعض مشايخنا المحققين [2].

تدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدمة «2»، و صحيحته الأخرى: إلا تخبرني من أين علمت و قلت: إنّ المسح ببعض الرأس و ببعض الرجلين؟ فضحك، فقال:

«يا زرارة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و نزل به الكتاب من اللَّه بقوله:

______________________________

[1] كما في المدارك 1: 198 قال: و قد يستدل على الوجوب ببلوغ الإبهام و الوسطى بهما فيكونان داخلين في تحديد الوجه. و ضعفه ظاهر، فإن ذلك إنما يعتبر في وسط التدوير من الوجه خاصة و إلّا لوجب غسل كل ما نالته الإبهام و الوسطى و ان تجاوز العارض و هو باطل إجماعا.

[2] هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 36.

(2) في ص 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 91

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل» «1».

و حسنة زرارة و بكير: «إنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلّا غسله، و أمر بغسل اليدين إلى المرافق، فليس له أن يدع شيئا من يديه إلى المرفقين إلّا غسله» «2» و تظهر منها دلالة الآية عليه أيضا.

ج: لا خلاف في عدم وجوب تخليل ما كان كثيفا، أي ساترا للبشرة من اللحية، سواء كان كلّها أو بعضها، و عليه الإجماع عن الخلاف و الناصريات «3».

و إنّما الخلاف في الخفيفة، و فسّروها بما يتراءى البشرة من خلالها في مجلس التخاطب.

فعن الشيخ في

المبسوط «4»، و المحقق «5»، و الفاضل في المنتهى و الإرشاد و التلخيص و التحرير «6»، و الشهيد في بعض كتبه «7»: عدم الوجوب.

بل قيل: إنّه المشهور «8».

و عن العماني «9»، و الإسكافي «10»، و السيّد «11»، و الفاضل في المختلف

______________________________

(1) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 4، الفقيه 1: 56- 212، التهذيب 1 61- 168، الاستبصار 1: 62- 186، الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23 ح 1.

(2) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3. و الآية في المائدة: 6.

(3) الخلاف 1: 75، الناصريات (الجوامع الفقهية): 184.

(4) المبسوط 1: 20.

(5) المختصر النافع: 6.

(6) المنتهى 1: 57، مجمع الفائدة 1: 102، التحرير 1: 9.

(7) الدروس 1: 91.

(8) الذكرى: 84.

(9) نقله عنه في التذكرة 1: 16، و الرياض 1: 67.

(10) نقله عنه في المختلف: 21.

(11) الناصريات (الجوامع الفقهية): 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 92

و التذكرة «1»: الوجوب.

و اضطربت كلمات المتأخّرين في تحرير محل النزاع، حتى آل إلى دعوى بعضهم [1] الإجماع على ما جعله الآخر موضع الخلاف.

و منهم من جعل النزاع لفظيا، و قال: إنّ كل من قال بوجوب التخليل فأراد الكثيفة، إذ ليس في الخفيفة تخليل، بل هو إيصال الماء «2». أو قال: إنّ من نفى التخليل في الخفيفة نفاه لغسل البشرة المستورة بها أصالة، و أما غسلها من باب المقدمة لغسل الظاهرة خلالها الواجب غسلها البتة فلا ينفيه.

و من أثبته أراد الأعم من التبعي «3».

و منهم من جعله ذا احتمالات حكم في بعضها بالوجوب و في آخر بالعدم «4».

و التحقيق: أنّ مقتضى استصحاب الحكم الثابت قبل نبات اللحية وجوب غسل البشرة

حتى يعلم الرافع، و ما يصلح رافعا هنا صحيحتا محمّد و زرارة و روايته [2].

أولاها: أ رأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال: «كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه، فلا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء» «5».

______________________________

[1] يظهر من الشهيدين في الذكرى: 84، و الروض: 32 اتفاق جميع الفقهاء على وجوب غسل البشرة الظاهرة خلال الشعر، و صرّح في جامع المقاصد 1: 214 بوجود الخلاف فيه، و في المشارق:

103 جعله موردا للخلاف بين الأصحاب، و استظهر من الشيخ و المحقق و العلامة القول بعدم وجوبه.

[2] لا يخفى عدم تطابق المتون الثلاثة التي أوردها المصنف مع ما أشار إليه في المقام بحسب الترتيب، فالمتن الأول صحيحة زرارة، و الثاني صحيحة محمّد بن مسلم و الثالث رواية زرارة، فلاحظ.

______________________________

(1) المختلف: 21، التذكرة 1: 15.

(2) قاله في الحدائق 2: 239.

(3) قاله في الرياض 1: 19.

(4) كما في الذخيرة: 28.

(5) الفقيه 1: 28- 88، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 93

و ثانيتها: عن الرجل يتوضّأ أ يبطن لحيته؟ قال: «لا» «1».

و ثالثتها: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» «2».

و لا شك في رفعها الوجوب في الكثيفة، فيرفع فيها بها، مضافا إلى الإجماع.

و رفعه بالأصل- كما قيل «3»- غير جيد، لما عرفت من الاستصحاب.

و أمّا الخفيفة- على ما فسّروها به- فلا يرفع الوجوب في جميع أفرادها بها، لأنّ منها ما تصدق عليها الإحاطة عرفا، و على تخليلها التبطين، و منها ما ليس كذلك بل تعدّ عرفا مما ظهر.

فالحق التفصيل بذلك، و القول بأنّ كلّما كان الشعر محيطا بالبشرة بحيث يقال: إنها تحته و باطنه، لا يجب إيصال

الماء إلى تحته، و لو كان بحيث يتراءى أحيانا و في بعض الأوضاع، و كلّما لم يكن كذلك يجب الإيصال، و ما كان موضع الشك يعمل فيه بمقتضى الاستصحاب.

و لا ينافي وجوبه [1] في بعض أفرادها المستفيضة الدالّة على كفاية الغرفة «4»، لوصول الماء بها إلى البشرة فيه، بل يمكن إيصالها إليها في جميع أفرادها، كيف مع أنها كافية لليد مع وجوب التخليل فيها عند الأكثر «5» مع كون المغسول فيها أوسع.

و أيضا: قد صرّحت الأخبار بكفاية ثلاث أكف في الغسل «6»، مع ما فيه

______________________________

[1] يعني وجوب التخليل في بعض أفراد الخفيفة.

______________________________

(1) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 2، التهذيب 1: 360- 1084، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 1.

(2) التهذيب 1: 78- 202، الاستبصار 1: 67- 201، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء 29 ح 6.

(3) كما في الخلاف 1: 76، و الرياض 1: 19.

(4) الوسائل 1: 435 أبواب الوضوء ب 31.

(5) ممن صرّح بوجوب التخليل فيها الشهيد في الذكرى: 85، و الدروس 1: 91، و اختاره في الذخيرة: 29، و المشارق: 109.

(6) الوسائل 2: 241 أبواب الجنابة ب 31 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 94

من سعة المحل و وجوب تخليل الشعر فيه و إن كثف.

هذا، و لا يبعد تنزيل كلام الأصحاب على ذلك أيضا.

ثمَّ إنّ حكم كل ما في الوجه من الشعور غير اللحية، كالشارب، و الخد، و العذار، و الحاجب، و العنفقة [1]، و الهدب [2]، حكم اللحية بعينه، لعموم الصحيحة الأوّلى و الرواية.

و في عدم استحباب تخليل ما لا يجب تخليله، كما عن المحقق «1»، و النفلية، و البيان [3]، للأصل، و ظاهر الصحيحين، و احتمال

دخوله في التعدي المنهي عنه و كونه مذهب العامة كما صرّح به جماعة [4]، و يستفاد من المروي في كشف الغمة- فيما كتب مولانا الكاظم إلى علي بن يقطين اتّقاء-: «اغسل وجهك و خلّل شعر لحيتك» ثمَّ كتب إليه: «توضّأ كما أمر اللَّه اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى إسباغا» إلى أن قال: «فقد زال ما كنّا نخاف عليك» «2» و لم يتعرض له ثانيا، و لو كان مستحبا لذكره كالإسباغ.

أو استحبابه، كما عن التذكرة، و نهاية الإحكام «3»، و الشهيد «4»، للاحتياط، قولان: أظهرهما: الأوّل، لما مرّ.

______________________________

[1] العنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى و الذقن. القاموس 3: 278.

[2] هدب العين، بضم الهاء و سكون الدال و بضمّتين: ما نبت من الشعر على أشفارها.

[3] النفلية: 6، البيان: 45، و لا يخفى انّه لم يصرّح فيهما بعدم الاستحباب. و يمكن استظهاره بملاحظة عدم ذكرهما التخليل في عداد المستحبات، و لهذا قال في كشف اللثام 1: 67 و هو ظاهر النفلية و البيان.

[4] قال في المعتبر 1: 142 و أطبق الجمهور على الاستحباب، و راجع المغني لابن قدامة 1: 161، و المهذّب للشيرازي 1: 16.

______________________________

(1) المعتبر 1: 142.

(2) كشف الغمة 2: 225- 226.

(3) التذكرة 1: 16، نهاية الاحكام 1: 58.

(4) الذكرى: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 95

و الاحتياط إنما يتم مع الريبة و ليست في الكثيفة، للإجماع على عدم الوجوب فيها. و فتوى هؤلاء لا تثمر مع الظواهر المذكورة.

نعم، يجب غسل شي ء من المستورة فيما يجب تخليله من الخفيفة من باب المقدمة.

و المرأة كالرجل لو نبت شعر في وجهها على ما نقل عن المبسوط، و المهذب، و الجواهر «1»، و المعتبر «2»، بل عليه دعوى الإجماع،

لإطلاق بعض ما سبق من الأخبار.

د: من بوجهه آثار الجدري يجب عليه إيصال الماء إلى جوفها، لكونها من الظواهر. فلو حشا بعضها بحشو يمنع الماء يبطل، بخلاف ما تعارف لبعض النسوان، حيث يحككن موضعا من جسدهن و يحشينه بالنيل و مثله، فإنّه ليس من الظواهر.

ه: تجب البدأة في غسله بالأعلى، وفاقا للمبسوط، و الوسيلة «3»، و الإصباح، و الشرائع، و المعتبر «4»، و كتب الفاضل «5»، و نسبه في التذكرة «6» و غيره إلى الأكثر، للمروي في قرب الإسناد: «و لا تلطم وجهك بالماء لطما، و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا» «7».

و ضعفه منجبر بالشهرة، و لا أقلّ من المحكية و هي في الجبر كافية.

و احتمال تحديد الوجه دون بيان مبدأ الغسل و منتهاه خلاف أصل الحقيقة

______________________________

(1) المبسوط 1: 22، المهذب 1: 43، جواهر الفقه: 10.

(2) المعتبر 1: 142.

(3) المبسوط 1: 20، الوسيلة: 50.

(4) الشرائع 1: 21، المعتبر 1: 143.

(5) المنتهى 1: 58، التحرير 1: 9، المختلف: 21.

(6) التذكرة 1: 15.

(7) قرب الإسناد: 312- 1215، الوسائل 1: 398 أبواب الوضوء ب 15 ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 96

في الحرفين، و لما يتبادر منهما عند عدم القرينة، كما يظهر من قول القائل: ذهبت من البصرة إلى الكوفة.

و يدل عليه خبر التميمي الآتي «1» في غسل اليد، حيث فرّق عليه السلام بين التفسيرين. و فهم التحديد أحيانا بالقرينة لا يفيد.

و يؤيده: مفهوم صحيحة حمّاد: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» «2».

و المستفيضة الحاكية لوضوء رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و آله، ففي إحداهما: «و أخذ كفا من ماء، فأسدله على وجهه من أعلى الوجه» «3».

و في الأخرى: «فملأها ماء،

فوضعه على جبينه» «4».

و في الثالثة المروية في تفسير العياشي: «فصبّها على جبهته» «5».

و الاستدلال بها، لأنّ فعله إذا كان بيانا لمجمل وجب، مع أنه لو لم يجب لم تكن فائدة في ذكر خصوص الغسل من الأعلى، و إنه نقل عنه أنه لما أكمل وضوءه قال: «هذا وضوء لا يقبل اللَّه صلاة إلّا به»، غير تام.

كالاستدلال باستصحاب الحدث، و بافتقار تيقّن الشغل إلى تيقّن البراءة، و بوجوب البدأة بالأعلى في اليدين و لا فصل، و بانصراف إطلاق الأمر بغسل الوجه إلى الشائع.

لضعف الأوّل: بمنع دلالته على بدأة الرسول بالأعلى أيضا، لعدم العلم بمدخليتها فيه، بل يجوز أن يكون من قبيل طلب القدح و كيفية حركة اليد، فهو أحد جزئيات الغسل الذي لا بدّ من واحد منها.

______________________________

(1) ص: 86.

(2) التهذيب 1: 58- 161، الاستبصار 1: 57- 169، الوسائل 1: 406 أبواب الوضوء ب 20 ح 1.

(3) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 1، الوسائل 1: 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 6.

(4) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 4، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.

(5) تفسير العياشي 1: 298- 51، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 97

سلّمنا و لكن نمنع كونه بيانا، لجواز أن يكون حكاية وضوئه غالبا.

سلّمنا و لكن لا نسلّم وجوب كلّ ما كان بيانا للمجمل و إن علم وجهه، كما بيّنا في موضعه.

و أمّا ذكر خصوص الأعلى فمع أنّه ليس من الإمام، يجوز أن يكون لاستحبابه، أو من قبيل ذكر طلب القدح و مل ء الكف و أمثالهما.

و ما نقل عنه لم يثبت أنه بعد ذلك الوضوء.

و القول بأنّ الظاهر

أنّ ما كان قبله كان من الأعلى، لشيوعه، و مرجوحية غيره، و عدم حصول الالتزام به، مردود: بمنع شيوعه و إن شاع غير الأسفل، فيحتمل الغسل من الوسط. و منع مرجوحيته، مع أنّ المرجوح قد يرتكب لبيان الجواز. و عدم حصول الالتزام بالغير، لعدم ثبوت كونه من العبادة.

على أنّه لا بدّ أن يحمل على المثل لا الشخص، و المثلية تحصل بالاشتراك فيما يعلم انّه ليس من العادات، و حمل المماثلة المطلقة على العموم ممنوع. و لو سلّم فلو لم يكن هناك ما يرجح أمرا خاصا و هو في الحديث موجود، إذ هو هكذا: قال الصادق عليه السلام: «و اللَّه ما كان وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إلّا مرّة مرّة، و توضّأ النبي صلّى اللَّه عليه و آله مرّة مرّة، فقال: هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلّا به» «1» و المتبادر منه أنّ مثل هذا في كونه مرّة مرّة.

هذا، مع أنّ الثانيتين لا تدلّان على البدأة بأعلى الجبهة و الجبين. بل يمكن أن يراد بالأعلى في الأولى أيضا العرفي، فلا يثبت المطلوب إن كان الأعلى الحقيقي.

و الثاني: بما مر في مسألة نية الوجه و الرفع.

و الثالث: بعدم تيقّن الشغل إلّا بمطلق الغسل و قد حصل.

فإن قيل: عدم الاشتغال بالوضوء الصحيح و لم يعلم حصوله.

______________________________

(1) الفقيه 1: 25- 76، الوسائل 1: 438 أبواب الوضوء ب 31 ح 10- 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 98

قلنا: الوضوء في الأخبار مبيّن كما مرّ و أطلق فيها الغسل، و الأصل عدم التقييد.

و أيضا: ورد في المعتبرة أنّ الوضوء في القرآن مذكور «1» و الغسل فيه مطلق، فيحصل الوضوء به، و يلزمه تيقّن البراءة.

و الرابع: بمنع

عدم الفصل كما سيظهر، كيف و اقتصر بعضهم بذكره في اليدين خاصة.

و الخامس: بمنع الشيوع الذي يوجب الانصراف إليه، سلّمناه و لكنه في غير الذقن كما مر.

و لضعف تلك الأدلة- التي هي مستند الأكثر- ذهب جماعة من المتأخرين [1] إلى عدم وجوبها. و هو صريح السيد «2»، و الحلي «3»، و ابن سعيد «4»، و ظاهر الصدوق في الهداية «5»، و محتمل النافع و اللمعة «6»، للأصل، و إطلاق الآية و الأخبار، و صدق الامتثال، و صحيحة حمّاد السابقة «7»، بتقريب: انّ المسح في اللغة يصدق على إمرار اليد و لو في الغسل، و استعمل فيه أيضا في الروايات كرواية قرب الإسناد، المتقدّمة «8»، و في صحيحة زرارة- بعد قوله: «فأسدله على

______________________________

[1] كما نسبه إليهم في الحدائق 2: 230، و نفى عنه البعد في الكفاية: 2، و يظهر الميل إليه في المدارك 1: 200، و استظهره في المشارق: 103- ثمَّ قال: لكن الشهرة بين الأصحاب و التكليف اليقيني بالغسل انما يقتضيان ملازمة الاحتياط.

______________________________

(1) الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23 ح 1.

(2) الانتصار: 16.

(3) السرائر 1: 99.

(4) الجامع للشرائع: 35.

(5) الهداية: 17.

(6) النافع: 7، اللمعة: 18.

(7) ص 96.

(8) ص 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 99

وجهه»-: «ثمَّ مسح وجهه من الجانبين جميعا، ثمَّ أعاد يده اليسرى في الإناء فأسدلها على يده اليمنى ثمَّ مسح جوانبها» «1» و في صحيحة محمّد: «فأخذ كفا من ماء، فصبه على وجهه، ثمَّ مسح جانبيه حتى مسحه كله» «2».

و الأصل و الإطلاق بما ذكرنا مندفع و مقيّد. و صدق الامتثال بعد الأمر بالبدأة من الأعلى فيما مرّ ممنوع.

و المسح و إن صدق على مطلق إمرار اليد، و لكنه أعمّ

من وجه من الغسل، و الواجب في الوجه الغسل دون المسح، فلا مسح في الوضوء إلّا في الرأس و الرجلين، فهو المراد من مسح الوضوء قطعا.

ثمَّ الواجب هو البدأة بالأعلى بحيث يصدق عرفا أنّه بدأ منه منتهيا إلى الأسفل. و أما غسل كلّ جزء من الأعلى قبل الأسفل فلا، بل فيه العسر المنفي.

بل الثابت ممّا ذكرنا ليس إلّا البدأة بما هو الأعلى عرفا، لأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني العرفية حقيقة، و هو يصدق بالابتداء من الجبهة مطلقا. و أمّا وجوب البدأة بمبدإ القصاص حقيقة فلا دليل عليه أصلا، و الأصل ينفيه.

و: يجوز غسل الوجه بكلّ من اليدين، للأصل، و إن كان الفضل في اليمنى كما يأتي. و بهما معا، للأصل، و موثّقة بكير و زرارة و فيها: «ثمَّ غمس كفّه اليمنى في التور فغسل وجهه بها، و استعان بيده اليسرى بكفّه على غسل وجهه» «3».

الثالث: غسل اليدين من المرفقين إلى رؤوس الأصابع
اشاره

. و وجوبه أيضا ضروري منصوص عليه في الكتاب و السنّة المتواترة.

و يجب استيعابهما إلى المرفقين، بحيث لا يشذّ منهما شي ء إجماعا.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 96 الرقم (3).

(2) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 3، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.

(3) التهذيب 1: 56- 158، الاستبصار 1: 57- 168، الوسائل 1: 392 أبواب الوضوء ب 15 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 100

و تدلّ عليه حسنة زرارة و بكير المتقدّمة «1»، و صحيحة زرارة في السوار و الدّملج و الخاتم الآتية [1]، و المروي في تفسير العياشي: «و أمر بغسل اليدين إلى المرفقين، فليس ينبغي له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئا إلّا غسله» «2».

و المرفق إمّا مفصل عظمي الذراع و العضد فيكون خطا

هو الحد المشترك بينهما، أو مجمعهما فشي ء منه داخل في العضد و شي ء في الذراع، أو كلّه يكون من كلّ منهما.

و لا دلالة للصحاح الآمرة بغسل المكان المقطوع منهما «3» إطلاقا أو خصوصا على ترجيح المعنى الثاني كما قيل «4».

و يجب إدخالهما في الغسل أيضا، وفاقا كما عن الجوامع، و التبيان «5»، و المنتهى، و البيان «6»، و إن اختلفوا في مأخذه فقيل: للظواهر من الآية و الأخبار البيانية، و ما ورد في وضوء الأقطع فيكون وجوبه أصليا نفسيا «7».

و قيل: لتوقّف تحصيل الواجب عليه «8»، فيكون الوجوب تبعيا غيريا.

و هو الحقّ على التفسير الأوّل مطلقا، للأصل، و عدم تمامية دلالة شي ء ممّا ذكر للأوّل.

أما الآية: فظاهرة.

و أمّا البيانيات: فلعدم ثبوت الوجوب منها كما مرّ.

______________________________

[1] لم نعثر على صحيحة لزرارة بهذا المضمون، و الآتية هي صحيحة علي بن جعفر كما في ص 106.

______________________________

(1) ص 91.

(2) تفسير العياشي 1: 298- 51، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

(3) الوسائل 1: 479 أبواب الوضوء ب 49.

(4) الرياض 1: 19.

(5) الجوامع للطبرسي: 105، التبيان 3: 450- 451.

(6) المنتهى 1: 58، البيان: 46.

(7) استدلّ في الرياض 1: 19 بما ذكر سوى الآية.

(8) كما في مفاتيح الشرائع 1: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 101

و أما أخبار وضوء الأقطع: فلعدم التلازم بين مدلولها و بين ما قصدوه.

و في غير ما يدخل منه في الذراع على التفسير الثاني، لتصريح الأخبار بوجوب غسل جميع الذراع.

و أمّا على الثالث: فالحقّ الأوّل، لذلك.

قالوا: و تظهر فائدة الخلاف في وضوء الأقطع و في وجوب إدخال جزء من العضد «1».

و فيه تأمل، سيما الأوّل.

و تجب في غسلهما البدأة من المرفقين، وفقا للأكثر حتى

ابن سعيد [1]، بل عليه الإجماع في التبيان «2»، لا لمثل بعض ما مر في الوجه، لما عرفت من ضعفه.

بل لخبر التميمي: عن قول اللَّه تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فقلت: هكذا و مسحت من ظفر كفي إلى المرفق، فقال: «ليس هكذا تنزيلها، إنّما هي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ من الْمَرافِقِ ، ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه» «3».

و المروي في كشف الغمة، و فيه: «فعلّمه جبرئيل الوضوء على الوجه و اليدين من المرفقين و مسح الرأس و الرجلين إلى الكعبين» «4».

و المروي فيه و في الخرائج في حكاية وضوء علي بن يقطين، و فيه: «و اغسل يديك من المرفقين» «5».

______________________________

[1] فإنه و ان قال بعدم وجوب البدء بالأعلى في غسل الوجه و لكن قال بوجوبه في المقام. الجامع للشرائع:

35.

______________________________

(1) الرياض 1: 19، شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) التبيان 3: 451.

(3) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 5، التهذيب 1: 57- 159، الوسائل 1: 405 أبواب الوضوء ب 19 ح 1.

(4) كشف الغمة 1: 88، الوسائل 1: 399 أبواب الوضوء ب 15 ح 24.

(5) كشف الغمة 2: 225- 226، الخرائج و الجرائح 1: 335- 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 102

و في تفسير العياشي: «قلت له: قال: اغسلوا أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فكيف الغسل؟ قال: «هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبه في اليسرى ثمَّ يفيضه على المرفق ثمَّ يمسح إلى الكف» إلى أن قال: قلت: يرد الشعر؟ قال: «إذا كان عنده آخر فعل، و إلّا فلا» «1» أراد بالآخر من يتقيه.

و فيه أيضا في حكاية وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: «يغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى

المرفق» «2».

و ضعف ما كان منها ضعيفا منجبر بالشهرة.

و لا ينافيه الآية، و مثل المروي في الخصال: «هذه شرائع الدين لمن تمسّك بها و أراد اللَّه هداه: إسباغ الوضوء كما أمر اللَّه عزّ و جلّ في كتابه الناطق، غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين، و مسح الرأس و القدمين إلى الكعبين» «3».

و في العلل و مجالس الصدوق، و فيهما: «و أمره بغسل الساعدين إلى المرفقين» «4».

و في تفسير العياشي: «و أمر بغسل اليدين إلى المرفقين» «5».

لأنّ النكس ليس واجبا و لا مندوبا إجماعا. و حمل الأمر على الجواز تجوّزا ليس أولى من التجوّز في: «إلي» مع أنّ في تفسير العياشي- كما مرّ- فسّر الغسل إلى المرفق بما يوافق المشهور.

خلافا لأكثر من خالف في الوجه، و منهم: السيد في الناصريات

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 300- 54، المستدرك 1: 311 أبواب الوضوء ب 18 ح 2.

(2) تفسير العياشي 1: 298- 51، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

(3) الخصال: 603، الوسائل 1: 397 أبواب الوضوء ب 15 ح 18.

(4) علل الشرائع: 280 و فيه: «بغسل اليدين» مجالس الصدوق: 160 المجلس 35، الوسائل 1:

395، 396 أبواب الوضوء ب 15 ح 16 و 17.

(5) تفسير العياشي 1: 298- 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 103

و الانتصار «1»، و الحلّي «2»، و في كفاية الأحكام أنّه يلوح من كلام الشيخ في التهذيب [1]، فجوّزوا غسلهما منكوسا، لضعف جميع ما استند المشهور إليه إمّا دلالة أو سندا.

و يضعف بما مرّ من انجبار الضعيف منه سندا بالعمل.

فروع:

أ: قطع اليد إن كان من تحت المرفق، غسل الباقي إليه إجماعا محقّقا و منقولا في المنتهى «3» و غيره «4».

و هو الحجة

فيه، مؤيّدا بحسنة محمّد: عن الأقطع اليد و الرجل، قال:

«يغسلهما» «5» خرج ما خرج منها بالإجماع، فيبقى الباقي.

و صحيحة رفاعة: عن الأقطع اليد و الرجل كيف يتوضّأ؟ قال: «يغسل ذلك المكان الذي قطع منه» «6».

و حسنته و فيها: «يغسل ما قطع منه» «7».

و جعلها دليلا غير جيّد، لعدم دلالتها على الزائد على مطلق الرجحان. مع أنّ في الأولى- لاشتمالها على الرجل الموجب لعدم إرادة الظاهر قطعا- إجمالا، و الأخيرتين لا تثبتانه في الزائد عن موضع القطع. و كذا الاستدلال باستصحاب ما دلّ عليه الأمر بغسل المجموع تبعا، و هو وجوب غسل كلّ جزء، لأنّ الثابت له

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كفاية الأحكام و لا في التهذيب.

.______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 184، الانتصار: 16.

(2) السرائر 1: 99.

(3) المنتهى 1: 59.

(4) المدارك 1: 205.

(5) الكافي 3: 29 الطهارة ب 18 ح 7، التهذيب 1: 360- 1085، الوسائل 1: 480 أبواب الوضوء ب 49 ح 3.

(6) التهذيب 1: 359- 1078، الوسائل 1: 480 أبواب الوضوء ب 49 ح 4.

(7) الكافي 3: 29 الطهارة ب 18 ح 8، الوسائل 1: 479 أبواب الوضوء ب 49 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 104

ليس إلّا الوجوب التبعي الغيري، و هو يزول بزوال وجوب الغير و المتبوع قطعا.

و إن كان من المرفق، فإن فسّرناه بأحد الأخيرين، و بقي شي ء من الذراع، وجب غسله، لما مرّ، و إلّا يستحب غسل موضع القطع، للروايتين الأخيرتين.

و لا يجب وفاقا للمنتهى و المعتبر و التحرير «1» و الإرشاد «2»، للأصل. و خلافا للمحكي عن الإسكافي «3» و القاضي و الشيخ «4»، و التذكرة و الذكرى «5»، فأوجبوا غسل رأس العضد.

و كأنّه للاستصحاب المتقدّم ضعفه، أو

الروايتين الغير المثبتتين للوجوب.

بل الظاهر حينئذ استحباب غسل الباقي من اليد، للصحيح: عن رجل قطعت يده من المرفق، قال: «يغسل ما بقي من عضده» «6».

و إن كان من فوقه، سقط الوجوب إجماعا.

و هل يستحب غسل موضع القطع، أم تمام الباقي، أم لا يستحب شي ء منهما؟

ظاهر الروايتين: الأوّل، و هو كذلك.

و عن المنتهى و التذكرة و النهاية و الدروس: الثاني «7».

و لا دليل عليه إلّا إطلاق حسنة محمّد «8»، و قد عرفت إجمالها.

______________________________

(1) المنتهى 1: 59، المعتبر 1: 144، التحرير 1: 10.

(2) مجمع الفائدة 1: 102.

(3) نقله عنه في المختلف: 23.

(4) المهذب 1: 44، المبسوط 1: 21.

(5) التذكرة 1: 16، الذكرى: 85.

(6) الكافي 3: 29 الطهارة ب 18 ح 9، التهذيب 1: 360- 1086، الوسائل 1: 479 أبواب الوضوء ب 49 ح 2.

(7) المنتهى 1: 59، التذكرة 1: 16، و لكن فيه استحباب غسل موضع القطع، نهاية الاحكام 1:

38، الدروس 1: 91.

(8) المتقدمة ص 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 105

و عن المبسوط: استحباب مسح الباقي «1».

و الظاهر أنّ مراده أيضا الغسل، و إلّا فلعلّ مستنده الحسنة بحمل الغسل على المسح، لبطلان إبقائه على حقيقته، و عدم تجويز استعمال اللفظ في معنييه.

و يضعفه إمكان حمل آخر كالتقية.

ب: الزائد إن كان ما دون المرفق أو معه، وجب غسله، وفاقا ظاهرا، سلعة كان أو إصبعا أو ذراعا أو لحما، له [1] و لتوقّف العلم بغسل جميع الأجزاء الأصلية عليه، حيث إنّ الزائد واقع فيها مشتمل على جزء منها، و لصدق الجزئية، و إن كان فيها في الجميع محلّ كلام.

و أمّا الثقبة الواقعة فيه، فإن كانت من الظواهر عرفا، بأن كانت مكشوفة، نابتا عليها الجلد، وجب غسلها للجزئية،

و إلّا فلا.

و إن كان فوقه، فإن لم يكن يدا لا يجب غسله إجماعا.

و إن كان، فإن لم يتميز عن الأصلية وجب غسله من غير خلاف يعرف، و في المنتهى و التذكرة «2» الإجماع عليه.

لا لإيجاب تخصيص إحداهما للتحكّم، و لا لتوقّف العلم بغسل الأصلية عليه، لاندفاع التحكّم بالتخيير، و جواز عدم اتّصاف واحدة منهما بالأصلية، و كون الحكم في مثله التخيير.

بل لعموم الجمع المضاف في قوله: «أَيْدِيَكُمْ ».

و كذا إن تميّز، وفاقا للتلخيص و المختلف و المنتهى و الإرشاد «3»، و محتمل التذكرة و الشرائع «4»، لما مرّ.

______________________________

[1] أي للوفاق، إشارة إلى دليل الحكم.

______________________________

(1) المبسوط 1: 21.

(2) المنتهى 1: 21، التذكرة 1: 16 لم نعثر فيهما على دعوى الإجماع.

(3) المختلف: 23، المنتهى 1: 59، مجمع الفائدة 1: 102.

(4) التذكرة 1: 16، الشرائع 1: 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 106

خلافا للمنقول عن المبسوط و المهذّب و الجواهر و المعتبر «1» فلم يوجبوا غسله، لخروجه عن اليد المأمور بغسلها. و فيه نظر.

ج: يجب إيصال الماء تحت جميع ما في محل الغسل من سوار و دملج و خاتم و غيرها، للإجماع، و عموم حسنة زرارة و بكير، و رواية العياشي المتقدّمتين «2».

و خصوص صحيحة علي: عن المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها، لا تدري يجري الماء تحتها أم لا، كيف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟

قال: «تحرّكه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه» و عن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضّأ أم لا، كيف يصنع؟ قال: «إن علم أنّ الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضّأ» «3».

و لا ينافي المطلوب مفهوم جزئها الأخير، لأنّ مفادها أنّ مع عدم العلم لا يجب الإخراج،

و هو كذلك، فإنّه مع العلم بعدم وصول الماء تحته لا محيص عن إخراجه فيجب، و أمّا إذا لم يعلم عدم وصوله، فإن علم الوصول فهو، و إلّا فيحرّك حتى يدخل أو ينزعه، كما صرّح به في صدرها، فلا يجب الإخراج حينئذ.

و أمّا حسنة ابن أبي العلاء: عن الخاتم إذا اغتسلت، قال: «حوّله من مكانه» و قال في الوضوء: «تديره، و إن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة» «4» فمحمولة على ما إذا لم يعلم عدم الوصول، جمعا بينها و بين الأخبار المستفيضة المصرّحة بوجوب الإعادة بنسيان جزء من موضع الغسل «5»، بل بين الصحيحة التي هي أخص منها مطلقا، فإنّه حينئذ لا تعاد الصلاة مع

______________________________

(1) المبسوط 1: 21، المهذب 1: 44، جواهر الفقه: 10، المعتبر 1: 144.

(2) في ص 91، و 100.

(3) الكافي 3: 44 الطهارة ب 29 ح 6، التهذيب 1: 85- 222، الوسائل 1: 467 أبواب الوضوء ب 41 ح 1.

(4) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 14، الوسائل 1: 468 أبواب الوضوء ب 41 ح 2.

(5) الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 107

النسيان، أمّا مع العلم بالوصول فظاهر، و أمّا بدونه فلرجوعه إلى الشك بعد الفعل و هو لا يعبأ به، كما يأتي.

و كذا [1] الشعر مع خفّته إجماعا. و كذا مع الكثافة عند جماعة «1»، استنادا إلى وجوب غسل كلّ جزء، كما هو المصرّح به في الأخبار «2».

إلّا أنّ مقتضى صحيحة زرارة، المتقدّمة «3» في شعر الوجه: عدم وجوبه، و وجوب غسل الشعر خاصة.

و تخصيصها بالوجه لا وجه له.

و المراد [2] بغسل كلّ جزء من اليد كما يمكن

أن يكون كلّ جزء من ظاهر جلده، يمكن أن يكون كلّ جزء من ظاهر أجزائها كما في الوجه، و منه شعرها المحيط بها، و مع العموم فالصحيحة للتخصيص صالحة. و لذا استشكل في غرر المجامع و غيره «4» في الفرق بين الوجه و اليد. و هو في محلّه، و الإجماع الرافع له غير ثابت و إن ادّعاه الكركي في باب غسل الجنابة من شرح القواعد «5». و أمر الاحتياط واضح.

و أما الأظفار: فلا إشكال في وجوب غسلها ما لم يخرج عن حد اليد، أي:

عن محاذاة رأس الإصبع. و كذا معه، وفاقا للفاضل في بعض كتبه «6»، و الشهيد «7»، و والدي العلّامة، لجزئيتها عرفا.

______________________________

[1] يعني و كذا يجب غسل ما تحت الشعر.

[2] مناقشة في الاستدلال الذي أشار إليه بقوله: استنادا الى وجوب غسل كل جزء.

______________________________

(1) منهم الشهيد في الذكرى: 85، و الدروس 1: 91، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 28.

(2) راجع الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

(3) في ص 92.

(4) كالحدائق 2: 249.

(5) جامع المقاصد 1: 278.

(6) كالقواعد 1: 11.

(7) الدروس 1: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 108

و التجاوز عن رأس الإصبع لا يوجب خروجها عنها أصلا.

خلافا لبعضهم فلم يوجبه [1].

و عن التذكرة و نهاية الإحكام، و في المنتهى، و شرح القواعد للمحقق الثاني «1»: التردّد فيه، للأصل.

و هو مندفع بما مرّ.

و أمّا ما تحتها من البشرة فمنها ما ليس من الظواهر عرفا، و هي الجلدة الرقيقة تحت الظفر الغير المتجاوز عن حد الإصبع، لأنّ المراد بالظاهر ما كان ظاهرا غالبا، و لا شك أنّ هذه الجلدة تكون تحت الظفر غالبا، لندور قص الظفر بحيث تظهر تلك الجلدة، و لو قص لنبت

في أسرع وقت.

و منها ما هو الظاهر كذلك، و هو ما تجاوز عمّا ذكر.

فما كان من الأوّل لا يجب غسله، لرواية زرارة المتقدمة «2»: «إنما عليك أن تغسل ما ظهر».

و العلة المنصوصة في رواية الحضرمي: «ليس عليك مضمضة و لا استنشاق لأنها من الجوف» «3».

و ما كان من الثاني يجب و لو وقع تحت الظفر، بأن تجاوز عن حد اليد، للاستصحاب، و لكونه من الظواهر عرفا.

و من هذا يظهر حكم الوسخ المجتمع تحت الظفر، فإنه يجب نزعه لو منع من غسل الثاني، و لا يجب في غيره.

______________________________

[1] نقل في مفتاح الكرامة 1: 246 عن المشكاة عدم وجوب غسلها على إشكال. و الظاهر أن المشكاة للسيّد بحر العلوم كما يستفاد من الذريعة 21: 51.

______________________________

(1) التذكرة 1: 16، نهاية الاحكام 1: 40، المنتهى 1: 59، جامع المقاصد 1: 217.

(2) ص 92.

(3) الكافي 3: 24 الطهارة ب 16 ح 3، التهذيب 1: 131- 359، الاستبصار 1: 117- 395، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 29 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 109

و وجوب النزع مطلقا- كالمنتهى «1»- كعدمه كذلك- كما احتمله فيه- لا وجه له.

و صدق غسل اليد بدونه، و عدم أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الأعراب مع عدم الانفكاك فيهم غالبا «2»- بعد ورود الأمر بغسل الظواهر و عدم جواز ترك جزء من اليد- لا وقع له.

نعم، لو كان الوسخ الواقع في محل الفرض شبه الدخان لا يمنع الماء، اتّجه عدم وجوب نزعه.

الرابع: مسح الرأس
اشاره

. و وجوبه أيضا ثابت بالثلاثة.

و القدر الواجب فيه المسمى، و لو بجزء من إصبع، ممرا له على الممسوح ليتحقّق اسمه، وفاقا للأكثر كما في المدارك «3» و الغرر، و

منهم التبيان، و المجمع، و روض الجنان لأبي الفتوح «4»، و أحكام القران للراوندي «5»، و الغنية [1]، و المبسوط، و الجمل و العقود «6»، و السرائر «7»، و المصباح للسيّد «8»، و الإصباح، و الجامع، و المعتبر «9»، و الشرائع، و النافع «10»، و القواعد، و المنتهى «11»، بل سائر

______________________________

[1] الموجود في الغنية (الجوامع الفقهية): 53: و الأفضل ان يكون مقدار الممسوح ثلاث أصابع مضمومة و يجزي مقدار إصبع واحدة بالإجماع المذكور.

______________________________

(1) المنتهى 1: 59.

(2) كما في الذخيرة: 29.

(3) المدارك 1: 207.

(4) التبيان 3: 451، مجمع البيان 2: 164، روض الجنان 4: 125.

(5) فقه القرآن 1: 17.

(6) المبسوط 1: 21، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 159.

(7) السرائر 1: 101.

(8) نقله عنه في المنتهى 1: 60.

(9) الجامع للشرائع: 36، المعتبر 1: 144.

(10) الشرائع 1: 21، المختصر النافع: 6.

(11) القواعد 1: 11، المنتهى 1: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 110

كتب الفاضل «1»، و الكركي «2»، و الشهيدين [1]، و أكثر المتأخرين «3»، بل عن الخمسة الأولى الإجماع عليه «4».

و نسب بعض مشايخنا المحققين «5» هذا القول إلى العماني، و الإسكافي، و الديلمي، و الحلبي، و القاضي، و الحلي.

للأصل، و الإطلاقات، و خصوص الصحاح.

منها: صحيحة زرارة و بكير: «و إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» «6».

و أخرى: «فإذا مسح بشي ء من رأسه و بشي ء من رجليه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه» «7».

و قيل: يجب مقدار إصبع، و هو المحكي عن المقنعة، و التهذيب، و الخلاف «8»، و جمل السيد، و الراوندي «9» في موضع من الكتاب المذكور، و في

______________________________

[1] قال

الشهيد الأول في اللمعة: 18 ثمَّ مسح مقدم الرأس بمسماه و هو بإطلاقه يدل على الاجتزاء بأقل من إصبع و لهذا قال الثاني في شرحها (الروضة 1: 75): و لو يجزئ من إصبع و اما كلماته في الدروس و البيان و الذكرى فلا تفيد الاجتزاء بالأقل- كما سيأتي من المصنف- بل تفيد العكس.

______________________________

(1) التذكرة 1: 16، التحرير 1: 10، تبصرة المتعلّمين: 6.

(2) جامع المقاصد 1: 218.

(3) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 104، و صاحبا المدارك: 207، و الذخيرة: 29.

(4) راجع ص 109- رقم 4، 5، 6.

(5) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح: (مخطوط).

(6) التهذيب 1: 90- 237، الاستبصار 1: 61- 182، الوسائل 1: 414 أبواب الوضوء ب 23 ح 4.

(7) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، التهذيب 1: 76- 191، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

(8) المقنعة: 48، التهذيب 1: 89، الخلاف 1: 82.

(9) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 24، فقه القرآن 1: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 111

الدروس «1»، و هو الظاهر من البيان و الذكرى «2»، و نسبه في المختلف إلى المشهور «3».

و قد ينسب إلى جمع ممّن نسب اليه الأوّل كالقديمين و الأربعة المتعقبة لهما «4».

و قد يجمع بينهما: باتّحاد القولين «5»، لأنّ المراد بالمسمّى ما هو بحسب العرف، و المتبادر أنّ المسمّى أقلّه الإصبع.

و كيف كان، فاستدلّوا بالأخبار:

أحدها: في الرجل يتوضّأ و عليه العمامة، قال: «يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه» «6».

و ثانيها: عن الرجل يمسح رأسه من خلفه- و عليه عمامة- بإصبعه، أ يجزيه ذلك؟ فقال: «نعم» «7».

و ثالثها: رجل توضّأ و هو معتم و ثقل

عليه نزع العمامة لمكان البرد، فقال:

«ليدخل إصبعه» «8».

و فيها- مضافا إلى ما في الأوّل من الخلوّ عن الدالّ على الوجوب، بل و كذا الثاني، حيث إنّ الإجزاء لا يدلّ عليه كما يأتي. و ما في الثاني من الخلل في المتن-:

______________________________

(1) الدروس 1: 92.

(2) البيان: 47، الذكرى: 86.

(3) المختلف: 23.

(4) تظهر النسبة من المختلف: 23.

(5) كما في شرح المفاتيح: (مخطوط).

(6) التهذيب 1: 90- 238، الاستبصار 1: 60- 178، الوسائل 1: 411 أبواب الوضوء ب 22 ح 3.

(7) التهذيب 1: 90- 240، الاستبصار 1: 60- 179، الوسائل 1: 411 أبواب الوضوء ب 22 ح 4.

(8) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 3، الوسائل 1: 416 أبواب الوضوء ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 112

أنّه لا دلالة فيها على وجوب المسح بتمام الإصبع، لتوقّف المسح بالبعض أيضا على إدخال الإصبع، و لا يمكن إدخال بعض الإصبع، فيمكن أن يكون لتحصيل المسمّى، و قد حمل [عليه ] [1] أيضا كلمات القائلين بالإصبع، إلّا أنّ بعضها [2] مما لا يحتمله.

و ربما يعكس، فيحمل كلام الأوّلين على إرادتهم من المسمّى خصوص الإصبع كما مرّ [3]، زعما عدم حصوله إلّا به.

و هو مع بعده لا وجه له، سيما مع تصريح بعضهم بالأقلّ «1».

و قيل: يجب مقدار ثلاث أصابع مضمومة، اختاره بعض الأخباريين «2»، و هو المروي عن حريز «3»، و المحكي عن الفقيه «4»، و السيّد في خلافه، و الشيخ في عمل يومه و ليلته «5».

لصحيحة زرارة: «المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه مقدار ثلاث أصابع، و لا تلقي عنها خمارها» «6».

و رواية معمر بن عمر: «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع،

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة

المعنى.

[2] و هو كلام التهذيب 1: 89 فإنه استدل بإطلاق الآية على إجزاء الإصبع. ثمَّ قال: لا يلزم على ذلك ما دون الإصبع، لأنّا لو خلّينا و الظاهر لقلنا ذلك، و لكن السنّة منعت منه. و نحوه كلام الراوندي في فقه القرآن 1: 29. نبه عليه في كشف اللثام 1: 68.

[3] في قوله قبل سطور: و قد يجمع بينهما ..

______________________________

(1) الروضة 1: 75.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 44، و قال في الحدائق 2: 265 و الى هذا القول يميل المحدّث الأمين الأسترآبادي.

(3) رجال الكشي: 336 و 385.

(4) الفقيه 1: 28.

(5) عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 142.

(6) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 5. التهذيب 1: 77- 195، الوسائل 1: 416 أبواب الوضوء ب 24 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 113

و كذلك الرجل» «1».

حيث إنّ الإجزاء أمّا الامتثال، أو حصول أقلّ الواجب، فعلى الأوّل يكون مقتضاهما حصول الامتثال بالثلاث فيتوقّف عليها، و على الثاني لا يؤدّى أقلّ الواجب إلّا به.

و فيهما- مضافا إلى ما في الأولى من الاختصاص بالمرأة، و عدم ثبوت الإجماع المركّب، بل ثبوت عدمه كما يأتي، و من جواز كون الحكم بالإجزاء بالنظر إلى عدم إلقاء الخمار-: أنّ إرادة ذلك القدر في الطول تحصيلا لحصول المسح ممكنة، حيث إنّهم لا يوجبونه في الطول و العرض معا، فيراد التحديد به في أحدهما، و لا تصريح فيهما بكون ذلك في العرض كما هو مطلوبهم.

مضافا إلى أنّ الإجزاء إن كان هو الامتثال: فيكون المعنى أنّه يحصل بها، و لا يدلّ على عدم حصوله بغيرها إلّا بالأصل الذي لا يصلح للتمسّك بعد الإطلاقات المتقدّمة.

و إن كان حصول الأقلّ: فيمكن أن يكون أقلّ المندوب،

كما في قولك:

يجزي في الصلاة مسمّى الدعاء في القنوت، حيث إنّ للمسح واجبات و مندوبات، و يكون الإجزاء في كلّ منهما، فتخصيصه بأحدهما لا دليل عليه، بل لا يبعد ظهور الأخير بملاحظة رواية معمّر، فإنّ عدم التفصيل في ذلك بين الرأس و الرجل- مع استحبابه في الرجل وفاقا كما يأتي- قرينة واضحة على كون الإجزاء بالنسبة إلى الرأس أيضا كذلك.

و أمّا تفسير الإجزاء: بأنه حصول أقلّ الواجب، فهو ممّا لا وجه له، لتحقّقه و استعماله في المندوب أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 29 الطهارة ب 19 ح 1، التهذيب 1: 60- 167، الاستبصار 1: 60- 177، الوسائل 1: 417 أبواب الوضوء ب 24 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 114

مع أنّ ذلك القول محكي عن أبي حنيفة و بعض آخر من العامة «1»، فيمكن الحمل على التقية.

و لا بأس بالحمل على الاستحباب، كما عن المقنعة «2»، و المبسوط، و الخلاف، و الجمل و العقود «3»، و الغنية، و المراسم، و الوسيلة، و السرائر «4»، و مصباح السيّد و جمله «5»، و المهذّب، و المعتبر، و الشرائع، و المنتهى «6»، و غيرها.

و المستحب مسح موضعها لا المسح بها، لعدم دليل عليه.

و المراد من موضعها ما تحويه الثلاثة بعرضها و طولها الذي هو طول إصبع، لأنّ الإصبع حقيقة في تمام العضو المخصوص، سواء كان عرضها من عرض الرأس و طولها من طوله أو بالعكس.

و قد يخص استحباب ذلك المقدار بالعرض، نقل ذلك عن ظاهر المقنعة، و المهذب، و الجامع «7»، و الشرائع، و النفلية «8»، و صرّح به الكركي «9».

و هو غير جيد.

ثمَّ المستفاد من الخبرين استحباب مجموع الثلاث، فيكون أفضل أفراد المخيّر، لا استحباب القدر الزائد

على المسمّى. و على هذا فلا يتّصف الزائد بنفسه

______________________________

(1) حكاه العلامة في التذكرة 1: 16 عن أبي حنيفة. و راجع بدائع الصنائع 1: 4، أحكام القرآن للجصاص 2: 344.

(2) المقنعة: 48.

(3) المبسوط 1: 21، الخلاف 1: 81، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 159.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 553، المراسم: 37، الوسيلة: 52، السرائر 1: 101.

(5) جمل العلم و العمل: (رسائل المرتضى 3): 24.

(6) المهذب 1: 44، المعتبر 1: 144، الشرائع 1: 21، المنتهى 1: 60.

(7) المقنعة: 48، المهذب 1: 44، الجامع للشرائع: 34.

(8) الشرائع 1: 21، النفلية: 7.

(9) جامع المقاصد 1: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 115

بوجوب و لا استحباب.

نعم، يتّصف بالوجوب التخييري التبعي من حيث كونه جزءا للمجموع إذا قصد الامتثال بالمجموع، و بالاستحباب بمعنى الراجحية الإضافية كذلك حينئذ.

و عن نهاية الشيخ: وجوب هذا القدر اختيارا، و الاكتفاء بالإصبع الواحدة حال الاضطرار، إلّا أنّ المصرّح به في كلامه الاكتفاء بها إن خاف البرد من كشف الرأس «1»، و لعلّهم استنبطوا التعميم من عدم التفرقة بين أنواع الاضطرار. و نسب ذلك إلى الدروس [1] أيضا، كما عن الإسكافي تخصيص وجوبه بالمرأة و الاكتفاء في الرجل بالواحدة «2».

و مستند الأوّل: الجمع بين أخبار الإصبع و الثلاث بذلك، بشهادة ثالثة روايات الإصبع المتقدّمة «3».

و دليل الثاني: الجمع بينها بذلك، بشهادة صحيحة زرارة المتقدمة «4».

و يضعف الأوّل: بما مرّ من عدم دلالة روايات الثلاث على وجوبها، مع عدم تصريح في الشاهد بالإصبع الواحدة عند الخوف، بل أراد بيان عدم وجوب النزع و جواز الإدخال، فيحتمل الاكتفاء بالمسمّى، و وجوب الثلاث، و الإطلاق إنّما يحكم به إذا كان في مقام بيان حكمه.

و الثاني: بما مرّ من عدم دلالة

الصحيحة على وجوب ذلك على المرأة.

______________________________

[1] نسبه في كشف اللثام 1: 68، و الموجود في الدروس: ثمَّ مسح مقدم الرأس بمسماه و لا يحصل بأقل من إصبع و قيل ثلاث مضمومة للمختار.

______________________________

(1) النهاية: 14.

(2) نقله عنه في الذكرى: 86.

(3) ص 111.

(4) ص 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 116

فرعان:

أ: يجب أن يكون المسح على مقدّم الرأس، بالإجماع المحقّق و المنقول مستفيضا «1»، و النصوص.

ففي الصحيح: «مسح الرأس على مقدّمه» «2».

و في آخر: «امسح الرأس على مقدّمه» «3».

و في الحسن: «امسح على مقدّم رأسك» «4».

و بها تقيّد الإطلاقات.

و ما في شواذّ أخبارنا ممّا يخالف ذلك ظاهرا، و يثبت المسح على المقدّم و المؤخّر أو على الرقبة «5»، ضعيف بالشذوذ، متروك بالإجماع، محمول على التقية أو غيرها من المحامل المحتملة في بعضها قريبا.

و ممّا يقرّب الحمل على التقية: ما في رواية علي بن يقطين، المروية في كشف الغمة و غيره «6» من أمره عليه السلام إيّاه أوّلا اتّقاء بمسح ظاهر الأذنين و باطنهما، ثمَّ بعد ارتفاع التقية أمره بالوضوء الصحيح، و قال فيه: «و امسح مقدّم رأسك».

و قول بعض أصحابنا باستحباب المقدّم- كما حكاه بعض مشايخنا المحقّقين «7»- غريب جدّا.

______________________________

(1) كما في المعتبر 1: 144، و التذكرة 1: 17، و الذكرى: 86.

(2) التهذيب 1: 62- 171، الاستبصار 1: 60- 176، الوسائل 1: 410 أبواب الوضوء ب 22 ح 1.

(3) التهذيب 1: 91- 241، الوسائل 1: 410 أبواب الوضوء ب 22 ح 2.

(4) الكافي 3: 29 الطهارة ب 19 ح 2، الوسائل 1: 418 أبواب الوضوء ب 25 ح 1.

(5) راجع الوسائل 1: 411، 412 أبواب الوضوء ب 22 ح 5، 6.

(6) كشف الغمة 2: 226،

الخرائج و الجرائح 1: 335- 26.

(7) شرح المفاتيح: (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 117

و المراد بالمقدّم ما قابل المؤخّر، لأنّه المفهوم منه عرفا و لغة، لا خصوص ما بين النزعتين المعبّر عنه بالناصية، فالقول بتعيّن الثاني ضعيف.

و صحيحة زرارة: «فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه و اثنتان للذراعين، و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك و بما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى» «1»، لا تفيد الوجوب. مع أنه يمكن أن يكون المعنى: يجزيك ذلك، فلا يدلّ على عدم إجزاء غيره.

مضافا إلى أنّ الناصية ربما تفسّر: بمطلق شعر مقدّم الرأس أيضا.

و في كتب جماعة من أهل اللغة أنّها خصوص القصاص «2». و به تخرج عن صلاحية تقييد الأخبار المطلقة في المقدّم.

ب: المقدّم يشمل البشرة و الشعر، للإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «3»، و نفي الحرج اللازم على تقدير الاختصاص بالأوّل قطعا، و إطلاقات المسح على الرأس و على مقدّمه الشامل للأمرين. و المراد بالشعر المختص بالمقدّم، دون غيره من النابت عن غيره مطلقا، أو عنه مع استرساله، أو خروجه بمدّه عن حدّه، لظاهر الوفاق، و عدم صدق المناط، و استصحاب عدم إباحة الصلاة.

و لا يجوز على الحائل بالإجماعين، لعدم صدق الامتثال، و للمستفيضة، منها: أخبار رفع العمامة و القناع ثمَّ المسح «4».

و خصوص الصحيح: عن المسح على العمامة و على الخفين، قال: «لا تمسح عليها» «5».

و المرفوع: في الذي يخضب ثمَّ يبدو له في الوضوء، قال: «لا يجوز حتى

______________________________

(1) التهذيب 1: 360- 1083، الوسائل 1: 306 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.

(2) كما في القاموس 4: 398، المصباح المنير: 609، مجمل اللغة 4: 406.

(3) كما

حكاه في التذكرة 1: 17، و المدارك 1: 215، و شرح المفاتيح: (مخطوط).

(4) راجع الوسائل 1: 416 أبواب الوضوء ب 24.

(5) التهذيب 1: 361- 1090، الوسائل 1: 459 أبواب الوضوء ب 38 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 118

يصيب بشرة رأسه الماء» «1».

و المراد ببشرة الرأس فيها بشرته بالنسبة إلى الحناء الشامل للشعر أيضا.

و المروي في كتاب علي عن أخيه: عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على الخمار؟ قال: «لا يصلح حتى تمسح على رأسها» «2».

و تجويزه في الصحيحتين «3» على فوق الحناء- مع شذوذهما المخرج لهما عن الحجية- محمول على لونه أو عدم استيعاب الحناء للمقدّم أو على الضرورة، فإنّ المنع عن المسح على الحائل يخصّ حال الاختيار.

و يجوز على الحائل اضطرارا اتّفاقا- كما قيل «4»- لعموم أدلّة المسح على الجبائر و الدواء، كما يأتي.

الخامس: مسح الرجلين، إلى الكعبين.
اشاره

و وجوبه أيضا ممّا اتّفقت عليه الكلمة، و نطق به الكتاب و السنة.

و الكعبان عند العامّة هما: العظمان الناتئان عن جانبي عظم الساق فوق المفصل «5».

و أمّا الخاصة: فقد اتّفقوا على أنّهما غير ذلك، و إن اختلفوا في تعيينهما، و هم بين مصرّح بأنّهما قبّتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل و المشط، و هو: شيخنا المفيد «6». و يشعر به بل بالإجماع عليه كلام التهذيب «7»، و تبعهما جماعة من

______________________________

(1) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 12، التهذيب 1: 359- 1080، الوسائل 1: 455 أبواب الوضوء ب 37 ح 1.

(2) مسائل علي بن جعفر: 110- 22، الوسائل 1: 456 أبواب الوضوء ب 37 ح 5.

(3) التهذيب 1: 359- 1079، 1081، الاستبصار 1: 75- 232 و 233، الوسائل 1: 455، 456 أبواب الوضوء ب 37

ح 3 و 4.

(4) الرياض 1: 22.

(5) راجع المغني لابن قدامة 1: 173، و بدائع الصنائع 1: 7، و مغني المحتاج 1: 53.

(6) المقنعة: 44.

(7) التهذيب 1: 74- 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 119

المتأخّرين «1».

و مصرّح بأنّهما مفصل الساق و القدم، أي: ملتقاهما، و هو الإسكافي «2»، و الفاضل «3»، و الشهيد في الرسالة «4»، و صاحب الكنز «5»، و الأردبيلي رحمه اللَّه «6»، و نسب في البحار ذلك إلى جماعة من أهل اللغة «7»، و في التذكرة الإجماع عليه «8».

و قائل بأنّ الكعب هو العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق و القدم، الناتئ في وسط القدم العرضي نتوا غير محسوس كثيرا لارتكاز أعلاه في حفرتي الساق، له زائدتان في أعلاه تدخلان حفرتي قصبة الساق، و زائدتان في أسفله تدخلان حفرتي العقب، و هو الذي يكون في رجل البقر و الغنم أيضا، و ربما يلعب به الناس.

ذكره شيخنا البهائي «9» و طائفة من المتأخّرين «10»، و هو الذي عبّر عنه بعض الأجلّة بأنّهما عظمان مكعبان موضوعان على حدّ المفصل بين الساق و القدم «11»،

______________________________

(1) المختصر النافع: 6، الروضة: 1: 76، الذكرى: 88، المدارك: 1: 216، الذخيرة: 33.

(2) نقله عنه في المختلف: 24.

(3) القواعد 1: 11، و التحرير 1: 10، و المختلف: 24.

(4) الألفية: 29.

(5) كنز العرفان 1: 11.

(6) مجمع الفائدة 1: 107.

(7) البحار 77: 276.

(8) التذكرة 1: 17.

(9) الحبل المتين: 18.

(10) منهم المحدّث الكاشاني في الوافي 6: 245، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 69.

(11) كشف اللثام 1: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 120

و نسبه إلى ظاهر العين و الصحاح و المجمل و مفردات الراغب «1» من كتب

اللغة.

و محتمل كلامه للمعاني الثلاثة، و هو أكثر المتقدّمين، حيث إنّه فسّر الكعب في بعض كلماتهم: بالناتئ في ظهر القدم عند معقد الشراك «2». و في آخر:

بما في ظهر القدم «3». و في ثالث: بمعقد الشراك «4». و في رابع: بالناتئ في وسط القدم «5»، و في خامس: بما في ظهر القدم عند معقد الشراك «6».

و جماعة من القائلين بالأوّل «7» حملوا الرابع [1] عليه، و حملوا الوسط على الطولي، و الفاضل «8» حمله على قوله، و صبّ عبارات الأصحاب عليه، و نسب من حمله على غيره إلى عدم التحصيل.

و القائل «9» بالثالث حمل الرابع [2] على الثاني بعد إرجاعه إلى مختاره.

و من متأخّري المتأخّرين «10» من أرجع الثاني إلى الأوّل، و ذكر كلّ لما قاله مؤيّدات.

______________________________

[1] المراد بالرابع: الكلمات التي حكاها عن المتقدمين و قال إنها محتملة للمعاني الثلاثة.

[2] يعني حمل الكلمات المحتملة، على المعنى الثاني و هو المفصل. بعد أن أرجعه إلى مختاره و هو المعنى الثالث أي العظم الواقع في ملتقى الساق و القدم.

______________________________

(1) العين 1: 207، الصحاح 1: 213، المجمل 4: 233، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني: 432.

(2) السيد المرتضى في الانتصار: 28.

(3) نقله في المختلف: 44 عن ابن ابي عقيل.

(4) الكافي في الفقه: 132.

(5) النهاية: 13.

(6) السرائر 1: 100.

(7) منهم صاحبا المدارك 1: 216، و الذخيرة: 33.

(8) المختلف: 24.

(9) الحبل المتين: 18.

(10) مجمع الفائدة 1: 108، الذخيرة: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 121

أقول: رجوع كلّ من الثانيين [1] إلى الآخر بحسب الموضع [2] و المحل ممّا لا إشكال فيه و لا خفاء، كعدم رجوع الثاني إلى الأول.

و إنّما الإشكال في الرابع، و الحقّ احتماله لكلّ من الأول

و الثالث، لكون كلّ ظهرا و وسطا طوليا أو عرضيا و ناتئا، و إن كان ظهور النتو الواقع في بعض العبارات في المحسوس مؤيّدا للأول، و لكن تعريف جمع من علماء التشريح الذين هم أهل الخبرة في المقام بالثالث مقيّدا بالناتئ- و ديدن الفقهاء الرجوع في الموضوعات إلى أهل خبرتها- يضعّفه، مع أن نتوّه أيضا محسوس سيما بالملامسة، بل هو أرفع من القبة، كما يظهر بعد نصب الساق.

و أمّا المعقد: فلا ظهور له في الأول، بل الظاهر أنّ موضع عقد الشراك هو الوسط في العرض، أي: يقع عقد الشراكين فيه دون القبة، و لم يعلم أيضا أنّه كان يعقد تحت المفصل.

هذا، ثمَّ إنّه استدلّ الأولون: بإجماع لغوي الخاصة و كثير من العامة، سيما قول صاحب الصحاح: الكعب هو العظم الناشز في ظهر القدم عند ملتقى الساق و القدم، و نسبه إلى الناس ما عدا الأصمعي «1»، بل قيل: الظاهر أنّه مذهب جميعهم «2»، لعدم الخلاف بينهم في تسمية ذلك كعبا، و إنّما الخلاف في تسمية ما عداه به.

و دعوى جماعة من الفقهاء الإجماع عليه كما هو المحكي عن الانتصار، و التبيان، و الخلاف «3»، و المجمع، و المعتبر، و المنتهى، و الغنية، و الذكرى «4».

______________________________

[1] يعني بهما الثاني و الثالث فان المفصل و العظم الواقع في ملتقى الساق و القدم متحدان بحسب المحل.

[2] التقييد به لان المفصل من حيث هو غير العظم المذكور الا أن موضعهما واحد (منه ره).

______________________________

(1) الصحاح 1: 213.

(2) الرياض 1: 21.

(3) الانتصار: 28، التبيان 3: 456، الخلاف 1: 92.

(4) مجمع البيان 2: 167، المعتبر 1: 151، المنتهى 1: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 553، الذكرى: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص:

122

و صحيحة البزنطي، و فيها: فوضع كفه على الأصابع، فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم «1».

و رواية ميسر، و فيها: ثمَّ وضع يده على ظهر القدم ثمَّ قال: «هذا هو الكعب» «2».

فإنّ الظاهر و الظهر فيهما ليسا بالمعنى المقابل للباطن قطعا، لعدم كونه بإطلاقه كعبا فهو بمعنى ما ارتفع.

و صحيحة الأخوين و فيها: فقلنا (له) [1] أين الكعبان؟ قال: ها هنا، يعني المفصل دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟ قال: هذا (من) [2] عظم الساق، و الكعب أسفل من ذلك «3». فإنّ المفصل المعهود ليس دون عظم الساق و لا أسفل منه، فإنّهما يقتضيان بعدا فليس إلّا القبة.

و بعدم وجوب تبطين الشراك كما ورد في الأخبار «4»، و لو كان الكعب هو المفصل، للزم تبطينه.

و بما ورد في الصحيح: «إنّ أمير المؤمنين إذا قطع الرجل قطعها من الكعب» «5».

و روي أيضا في الكافي و الفقيه و التهذيب: «إنّما يقطع الرجل من الكعب

______________________________

[1] لا توجد في «ه» و «ق».

[2] لا توجد في «ه» و «ق».

______________________________

(1) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 6، التهذيب 1: 91- 243، الاستبصار 1: 62- 184، الوسائل 1: 417 أبواب الوضوء ب 24 ح 4.

(2) التهذيب 1: 75- 190، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 9.

(3) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، التهذيب 1: 76- 191، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3 بتفاوت يسير.

(4) الوسائل 1: 415 أبواب الوضوء ب 23 ح 8.

(5) الفقيه 4: 46- 157، الوسائل 28: 254 أبواب حد السرقة ب 4 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 123

و يترك من قدمه ما يقوم عليه و يصلّي و

يعبد اللَّه» «1».

فإنّ موضع القطع عند معقد الشراك إجماعا منّا، كما نقله جماعة «2».

مع أنّه لا يبقى مع القطع من غير القبة من معاني الكعب ما يقوم به.

مع أنّه في رواية سماعة: «السارق إن عاد قطع رجله من أوسط القدم» «3» و ليس كعب في الأوسط إلّا القبة.

و في الكلّ نظر:

أمّا الأول: فلمنع الإجماع، بل أكثر كلمات اللغويين محتمل للمعنيين:

الأول و الثالث، ألا ترى قول صاحب الصحاح: عند ملتقى الساق و القدم «4» و النشوز ظهر القدم لا يعيّن القبة، لأنّ الثالث أيضا كذلك، و لا يضرّ عدم إحساس نشوزه كثيرا، فإنّ أهل اللغة يعرفون الأجزاء الباطنية بأوصافها الغير المحسوسة، و غرضه الردّ على الأصمعي حيث جعل الكعب في الجانبين، مع أنّ نتوّ الثالث حسّا كما ذكرنا ليس أقلّ من نتوّ الأول.

نعم، لمّا كان الأول مبدأ النتو، قد يتخيّل أنّه أظهر أو أكثر. و قد عرفت أنّ بعض الأجلّة قد استشهد لإثبات الثالث بقول صاحب الصحاح و غيره من أهل اللغة «5»، و ذلك أوضح شاهد على أنّه لا أقلّ محتمل للمعنيين.

و منه يظهر حال سائر كلمات اللغويين كالقاموس، و النهاية «6»، و الغريبين،

______________________________

(1) الكافي 7: 225 الحدود ب 36 ح 17، الفقيه 4: 49- 171، التهذيب 10: 103- 401، الوسائل 28: 257 أبواب حد السرقة ب 5 ح 8.

(2) الخلاف 2: 469، الغنية (الجوامع الفقهية): 623، المهذب 2: 545، السرائر 3: 489.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    124     الخامس: مسح الرجلين، إلى الكعبين. ..... ص : 118

(3) الكافي 7: 223 الحدود ب 36 ح 8، التهذيب 10: 103- 400، الوسائل 28: 252 أبواب حد السرقة ب 4 ح 3.

(4) الصحاح 1:

213.

(5) تقدم ص 120.

(6) القاموس 1: 129، النهاية الأثيرية 4: 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 124

و عميد الرؤساء «1»، و غيرهم «2»، فإنّهم لم يذكروا في بيانه إلّا أنّه الناشز ظهر القدم.

و قد عرفت حاله.

و أمّا الثاني: فلذلك أيضا، فإنّ أكثر كلمات المدّعين للإجماع ممّا لا يعلم اختصاصه بالقبة، هذا كلام المنتهى و المعتبر «3»، فإنّهما ذكرا أنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في وسط القدم، و هما معقد الشراك، و هذا كما ترى محتمل للمعنيين، بل صرّح في المنتهى بعد ذلك أنّه المفصل دون عظم الساق، و نسب من فهم غيره إلى عدم التحصيل. بل لا يحضرني الآن من كلام فقهائنا المتقدّمين و المتوسّطين من ذكر القبة إلّا نادرا، كالمفيد «4»، و الشرائع، و النافع «5».

و أمّا الثالث و الرابع: فلأنّ المعنى الثالث أيضا ما ارتفع، بل هو غاية ارتفاع القدم و أرفع مواضعه.

مع أنّه يمكن أن يكون الغرض الردّ على العامة «6» حيث يجعلون الكعب في الجانبين، فيكون المراد من الظاهر و الظهر المعنى المقابل للباطن و الجانب ردّا عليهم، و لحصول الغرض بمطلق الظهر أطلقه و لم يعيّن موضعه.

و أمّا الخامس: فلاحتمال كون لفظ «دون» بمعنى الغير، و المشار إليه في ذلك و في هذا في الموضعين ما قال العامة بكونه كعبا.

مع أنّ المعنى الثالث أيضا غير عظم الساق و أسفل منه فلا ينافيه. و اقتضاء الأسفلية للبعد ممنوع.

و أمّا السادس: فلجواز أن يكون المراد الشراك المعقود طولا- كما قيل-

______________________________

(1) نقله عنه في الذكرى: 88.

(2) انظر لسان العرب 1: 718.

(3) المنتهى 1: 64، المعتبر 1: 151.

(4) المقنعة: 44.

(5) الشرائع 1: 22، النافع: 6.

(6) راجع ص 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2،

ص: 125

و يتعارف الآن أيضا، و جواز كون مبدأي الشراك و الكعب بالمعنى الثالث واحدا.

مع أنّه قيل بجواز المسح على الشراك و قيامه في ذلك مقام البشرة «1».

و أما السابع: فلمنع كون معقد الشراك هو القبة، و منع أنّ غيرهما لا يبقى مع القطع منه ما يقام به، فإنّ مع القطع من المعنى الثالث أيضا يبقى العقب و شي ء من القدم، بل صرّح في بعض الأخبار- كما يأتي- أنه يقطع من المفصل و يترك العقب يطأ عليه «2»، و هو صريح في أنّ القيام على العقب، و هو يبقى قطعا مع القطع من المعنى الثالث، بل من المفصل بين الساق و القدم.

هذا، مع أنّه لو تمَّ لا يدلّ على أزيد من الاستعمال، و هو لا يفيد الاختصاص، سيما مع تصريح جماعة «3» بالاستعمال في غيره أيضا.

و استدلّ الثانيان [1]: بقول بعض أهل اللغة و صحيحة الأخوين.

و في الأول: منع الحجية أولا، و الاختصاص ثانيا.

و في الثاني: أنه يمكن أن يكون المراد بالمفضل، المفصل الشرعي، أي:

محلّ القطع، بل قيل: هو الظاهر من بعض الأخبار «4» كالرضوي: «يقطع السارق من المفصل و يترك العقب يطأ عليه» [2] فإنه مشعر بمعروفية المفصل عند الإطلاق في ذلك الزمان.

و فيه نظر، و يعلم وجهه ممّا ذكرنا.

و زاد الثالث «5»: تصريح أرباب التشريح، و نسبة بعض العامة هذا المعنى

______________________________

[1] أي القائلون بالقول الثاني و الثالث (العلامة و الشيخ البهائي و من تبعهما).

[2] لم نعثر عليه في فقه الرضا «ع»، و هو موجود في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 151- 388 عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، الوسائل 28: 254: أبواب حد السرقة ب 4 ح 7.

______________________________

(1) التذكرة 1: 18.

(2) راجع

الوسائل 28: 254 أبواب حد السرقة ب 4 ح 7.

(3) منهم صاحبا البحار: 77: 276، و الحبل المتين: 18.

(4) شرح المفاتيح: (مخطوط).

(5) الشيخ البهائي في الحبل المتين: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 126

إلى الشيعة.

و ضعفهما ظاهر، فإنّهما معارضان بما مرّ من تصريح جمع آخر بخلافه.

و ظهر من ذلك كلّه عدم دليل واضح على تعيين معناه، و الاحتياط في المسح إلى مبدإ عظم الساق أي المفصل، كما صرّح به جماعة، منهم: صاحب البحار «1» و غيره «2»، و يوجبه ضرب من الاستصحاب أيضا.

فروع:

أ: محل المسح ظاهرهما، إجماعا منّا، و استفاضت عليه الروايات «3».

و ما في الخبرين من مسح الظاهر و الباطن أمرا في أحدهما «4» و فعلا في الآخر «5»، لا حجّية فيه، للشذوذ، و على التقية محمول، لأنه مذهب العامة، كما عن التهذيب «6».

و حدّه أما طولا: فمن رؤوس الأصابع إلى الكعبين على الحقّ المشهور، بل عليه الإجماع عن الخلاف و الانتصار و التذكرة و الذكرى، و في ظاهر المنتهى و المعتبر «7»، لظاهر الكتاب.

و تخصيص دلالته بكون «إلى» غاية للمسح، فالإيراد عليه: بأنّ جواز النكس ينفيه.

______________________________

(1) البحار 77: 277.

(2) الحدائق 2: 302.

(3) انظر الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23.

(4) التهذيب 1: 82- 215، الاستبصار 1: 61- 181، الوسائل 1: 415 أبواب الوضوء ب 23 ح 7.

(5) التهذيب 1: 92- 245، الاستبصار 1: 62- 185، الوسائل 1: 415 أبواب الوضوء ب 23 ح 6.

(6) التهذيب 1: 92.

(7) الخلاف 1: 92، الانتصار: 27، التذكرة 1: 18، الذكرى: 18، المنتهى 1: 63، المعتبر 1: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 127

مردود: بعدم الاختصاص، بل على كونها غاية للممسوح يثبته أيضا، إذ مقتضى

وجوب مسح شي ء مغيّى بغاية مسح تمام ذلك الشي ء، كما إذا قال: اكنس من عند الباب إلى الصدر، و كانت هناك قرينة على عدم إرادة الابتداء من عند الباب، فيكون الحرفان لتحديد الموضع، مع أنه يفهم قطعا وجوب كنس جميع ما بين الحدّين، فدلالة الآية على وجوب المسح إلى الكعب تامّة على التقديرين، نعم لا يتعيّن الطرف الآخر منها، و لا ضير فيه للإجماع المركّب.

و يدلّ عليه أيضا: المرويان في الخصال و كشف الغمة، المتقدّمان في غسل اليدين «1».

و حسنة ابن أذينة المروية في الكافي و العلل في حديث المعراج، و فيها:

«و امسح بفضل ما في يديك من الماء رأسك و رجليك إلى كعبيك» «2» الحديث.

و في كتاب الطرف للسيد ابن طاوس بإسناده عن أبي الحسن موسى عليه السلام، في شرائع الإسلام، و عدّ منها: المسح على الرأس و القدمين إلى الكعبين «3».

و ضعف بعضها بما مرّ منجبر.

و قد يستدلّ أيضا: بالوضوءات البيانية.

و بصحيحة البزنطي: عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، قلت: جعلت فداك لو أنّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا فقال: «لا إلّا بكفه كلّها» «4».

______________________________

(1) ص 101 و 102.

(2) الكافي 3: 485 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312، الوسائل 1: 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.

(3) الطرف: 5، الوسائل 1: 400 أبواب الوضوء ب 15 ح 25.

(4) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 6، التهذيب 1: 91- 243، الاستبصار 1: 62- 184، الوسائل 1: 417 أبواب الوضوء ب 24 ح 4- بتفاوت- راجع التهذيب 1: 64- 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 128

و حسنة عبد الأعلى: عثرت

فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ فقال: «يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللَّه عزّ و جلّ، قال اللَّه ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه» «1» دلّت على وجوب مسح رأس الإصبع، فيتمّ المطلوب بالإجماع المركّب.

و يضعف الأول: بما مرّ مكرّرا.

و الثاني: بكونه محمولا على الاستحباب قطعا، لعدم وجوب الكف إجماعا كما يأتي.

و كذا الثالث، فإنّه لا يجب مسح ما عليه المرارة إلّا على وجوب الاستيعاب العرضي.

و الحمل على انقطاع جميع الأظفار بعيد جدّا، و لو احتمله، لاحتمل إرادة ظفر اليد أيضا، فيبطل الاستدلال.

خلافا لبعض المتأخّرين [1]، فاكتفى في الطول بالمسمّى، و احتمله في المعتبر و الذكرى «2»، للمستفيضة الدالّة على عدم وجوب استبطان الشراكين «3»، و صحيحتي الأخوين المتقدّمتين «4» في قدر الوجوب من مسح الرأس.

و في الأول: جواز كون الشراك فوق الكعب أو قيامه مقام البشرة، كما صرّح به في بعض المعتبرة [2].

______________________________

[1] قال في الحدائق 2: 291: و به جزم المحدّث الكاشاني في المفاتيح. و نفى عنه البعد صاحب رياض المسائل و حياض الدلائل و لا يخفى أن الموجود في المفاتيح 1: 44 خلافه.

[2] الظاهر ان المراد به ما يجوّز المسح على نفس النعل- كما في معتبرة زرارة. الوسائل 1: 414 أبواب الوضوء ب 23 ح 4.

______________________________

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 21 ح 4، التهذيب 1: 363- 1097، الاستبصار 1: 77- 240، الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5، الآية: 78 الحج.

(2) المعتبر 1: 152، الذكرى: 89.

(3) راجع الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23.

(4) في ص 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 129

و في الثاني: أنّه معارض مع ما مرّ بالإطلاق

و التقييد، فيحمل المطلق على المقيّد الموافق للكتاب.

و قد يردّ أيضا: باحتمال موصوفية «ما» المفيدة للعموم، و الإبدال من شي ء، فيفيد بمفهوم الشرط توقّف الإجزاء على مسح مجموع المسافة الكائنة بينهما «1».

و فيه: أنّ هذا الاحتمال موجب للاستيعاب في العرض، و هو باطل، إلّا أن يتمّم بإلغاء ما خرج بالدليل، و هو أيضا يوجب خروج الأكثر على كفاية المسمّى في العرض.

و أمّا عرضا: فالمسمّى، و عليه الإجماع في المعتبر و المنتهى «2» و ظاهر التذكرة «3»، و هو في الأولين و إن كان على الاكتفاء و لو بإصبع واحدة، و لكن المستفاد من استدلالهما إرادة المسمّى.

ثمَّ الدليل عليه: الأصل، و صدق الامتثال، و إطلاق الآية، سيما بملاحظة صحيحة زرارة، المفسّرة لها، و فيها: «فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما» «4». بل إطلاق صحيحتي الأخوين، و فقد ما يصلح مخرجا و مقيدا، إذ ليس شي ء سوى صحيحتي الأخوين على جعل «ما» موصولة، و هو مجرد احتمال غير كاف في الاستدلال.

و صحيحة البزنطي و حسنة عبد الأعلى، و هما شاذّتان، إذ لم يقل بمضمونهما أحد، كما صرّح به جماعة «5»، فلذلك تخرجان عن الحجية.

مع أنّهما معارضتان: برواية معمّر بن عمر، المتقدّمة «6» في مسح الرأس،

______________________________

(1) حكاه في الحدائق 2: 293 عن شيخه صاحب الرياض المسائل.

(2) المعتبر 1: 150- 152، المنتهى 1: 63.

(3) التذكرة 1: 18.

(4) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 4، الفقيه 1: 56- 212، التهذيب 1: 61- 168، الاستبصار 1: 62- 186، الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23 ح 1.

(5) منهم الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح: (مخطوط)، و صاحب الرياض 1: 21.

(6) ص 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 130

و

لا مرجّح لهما.

و أصحّيتهما سندا معارضة بمخالفتهما للقوم عملا.

و رواية معمّر المشار إليها، و هي لإثبات الوجوب غير ناهضة، لما ذكرنا في معنى الإجزاء.

خلافا لبعض- كما في التذكرة- فأوجب ثلاث أصابع «1»، و كأنّه لرواية معمّر السابق جوابها.

و للمحكي عن النهاية و أحكام الراوندي «2»، فأوجبا الإصبع، و كأنّه لما سبقت إليه الإشارة من أنّها المسمّى عرفا. و لا وجه له.

و عن الإشارة «3» و ظاهر الغنية «4»، فحدّداه بالإصبعين. و لا يتّضح مستندهما.

و المستحب المسح بالكف كلّه، كما عن النهاية و المقنعة و الجمل و العقود، و المبسوط و الوسيلة و الألفية «5»، لما مرّ من الصحيحة بل الحسنة.

و عن الإشارة: استحباب تفريج الأصابع «6»، و لا بأس به، إذ المقام يتحمّل التسامح.

ثمَّ إنّه هل يجب إدخال الكعبين أم لا؟ فيه قولان، أظهرهما: الثاني، وفاقا للمعتبر «7»، للأصل.

و قوله في صحيحة الأخوين: «ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع».

______________________________

(1) التذكرة 1: 18.

(2) النهاية: 14، فقه القرآن 1: 30.

(3) الإشارة: 70.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 553.

(5) النهاية: 14، المقنعة: 48، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 159، المبسوط 1: 22، الوسيلة:

52، و لم نجده في الألفية و المظنون انها تصحيف النفلية: 7.

(6) الإشارة: 71.

(7) المعتبر 1: 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 131

و خلافا للمنتهى و التحرير «1»، فاختار الأول، لما ذكره بعض النحاة من دخول الغاية في المغيّى إذا كانت من جنسه.

و هو غير ثابت، و لو ثبت فليس بحجة.

و كذا لا يجب مسح أطراف الأصابع، لما مرّ، فلا يضرّ تجاوز الظفر عن حد الإصبع، و لا اجتماع الوسخ تحته. و لا يجب مسح ما تحت الظفر المتجاوز أو الوسخ.

ب: لا يجوز المسح على حائل، كخف

و جورب و نحوهما اختيارا إجماعا، و حكاية الإجماع عليه في كلمات أصحابنا متواترة، و أخبارنا على النهي عنه متظافرة، و عدم صدق الامتثال معه يمنعه، و استصحاب الحدث ينفيه.

و يجوز مع الاضطرار، كخوف عدوّ، أو برد، أو التخلّف من رفقة، أو عدم التمكّن من نزع الخف، و غيره، بلا خلاف معروف.

و قال والدي- رحمه اللَّه- في اللوامع: إنه المعروف منهم.

لحسنة عبد الأعلى، المتقدّمة «2»، و رواية أبي الورد، فيها: فقلت: هل فيهما- أي في الخفين- رخصة؟ فقال: «لا إلّا من عدوّ تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك» «3».

و الرضوي: «و لا تمسح على جوربك إلّا من عدوّ [1] أو ثلج تخاف على رجليك» «4».

و أمّا الأخبار النافية للتقية في المسح على الخفين «5»، فلا تصلح للمعارضة

______________________________

[1] في «ه»: عذر.

______________________________

(1) المنتهى 1: 64، التحرير 1: 10.

(2) في ص 128.

(3) التهذيب 1: 362- 1092، الاستبصار 1: 76- 236، الوسائل 1: 458 أبواب الوضوء ب 38 ح 5.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 68، المستدرك 1: 331 أبواب الوضوء ب 33 ح 1.

(5) الوسائل 1: 457 أبواب الوضوء ب 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 132

مع ما مرّ، لرجحانه بموافقة الكتاب و السنّة في انتفاء العسر و الحرج و الضرر.

مع إمكان حملها على اختصاص نفي التقية فيه بالإمام، كما نقل عن زرارة أنّه فسّره به «1»، أو على عدم الحاجة في التقية إليه بملاحظة تجويز العامة الغسل المجامع مع المسح بضرب من التدبير سيما مع كفاية المسمّى عرضا في المسح.

و لا يجوز مع العذر المنتفي بالمسح على الحائل، الانتقال إلى التيمم، لعدم ثبوت مشروعيته حينئذ.

ج: إطلاق الآية و الروايات يعطي جواز المسح على الشعر ما لم يكثر

بحيث يخرج عن المعتاد، لصدق مسح الرجلين عليه، فلا يجب مسح تحت ما يقع منه بين رؤوس الأصابع و الكعب، بل مقتضى ما ذكر: جوازه مع الكثرة المفرطة الساترة لتمام البشرة أيضا، إلّا أنّ ندور مثل ذلك يوجب الوهن في شمول المطلقات له.

و صحيحتا زرارة «2» و محمّد «3» الناهيتان عن البحث عما أحاط به الشعر لا تشملان محل المسح، لقوله فيهما: «و لكن يجري عليه الماء» و كأنّ تخصيص الأكثر محلّه بالبشرة بعد تعميمهم في مسح الرأس، للاحتراز عن مثل ذلك أو مثل الخف.

د: يجب أن يكون مسح كلّ من الرأس و الرجلين ببقية نداوة اليدين من الوضوء، وفاقا للأكثر «4» بل لغير شاذ [1] لا يقدح خلافه في الإجماع، فعليه الإجماع

______________________________

[1] المخالف هو ابن الجنيد كما سيأتي في ص: 135.

______________________________

(1) الكافي 3: 32 الطهارة ب 20 ح 2، التهذيب 1: 362- 1093، الاستبصار 1: 76- 237، الوسائل 1: 457 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.

(2) التهذيب 1: 364- 1106، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 2.

(3) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 2، التهذيب 1: 360- 1084، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 1.

(4) منهم الشيخ في المبسوط 1: 22، و العلامة في التذكرة 1: 16، و المحقق السبزواري في الكفاية:

3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 133

كما عن السيدين «1» و الشهيد «2» أيضا، فهو الحجة فيه.

مضافا إلى المستفيضة كمرسلة الفقيه: «إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلّة وضوئك، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقي منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك، و إن

لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يبق من بلّة وضوئك شي ء أعدت الوضوء» «3».

و رواية مالك بن أعين: «من نسي مسح رأسه ثمَّ ذكر أنه لم يمسح رأسه، فإن كان في لحيته بلل، فليأخذ منه و يمسح رأسه، و إن لم يكن في لحيته بلل، فلينصرف و ليعد الوضوء» «4».

و رواية خلف: الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة، قال: «إن كان في لحيته بلل فليمسح به» قلت: فإن لم يكن له لحية؟ قال: «يمسح من حاجبه و من أشفار عينيه» «5».

و اختصاص الأخيرة بحال الصلاة صريحا و الثانية ظاهرا، فيمكن معه أن يكون الأمر بالمسح بالبقية لأجل عدم الخروج منها، و بالإعادة، لانتفاء الموالاة مع انتفاء البلل مطلقا.

مدفوع: بمنع توقف تجديد البلّة على الخروج مطلقا، فهما بإطلاقهما تعمّان الحالين، مع أنّ الخروج لعدم الطهارة متحقّق.

______________________________

(1) السيد المرتضى في الانتصار: 19، و مسائل الميافارقيات (رسائل المرتضى 1): 278، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(2) الذكرى: 86.

(3) الفقيه 1: 36- 134، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 8.

(4) التهذيب 2: 201- 788، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 7.

(5) التهذيب 1: 59- 165، الاستبصار 1: 59- 175، الوسائل 1: 407 أبواب الوضوء ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 134

و ضعف إسنادهما سيما مع الانجبار بما مرّ غير قادح، كاختصاصهما بالنسيان، لعدم القائل بالفرق.

و حسنة ابن أذينة المتقدّمة «1».

و الرضوي: «إنّ جبرئيل هبط على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، بغسلين و مسحين: غسل الوجه و الذراعين بكف كف، و مسح الرأس

و الرجلين بفضل النداوة التي بقيت في يديك من وضوئك» «2».

و المروي في إرشاد المفيد و كشف الغمة و خرائج الراوندي فيما ورد على علي ابن يقطين: «و امسح مقدّم رأسك و ظاهر قدميك من نداوة وضوئك» «3».

و قد يستدلّ أيضا: باستصحاب عدم جواز دخول الصلاة، و الممنوعية منه بعد حدوث الحدث إلى أن يحصل المجوّز، حيث إن إطلاقات المسح لا تدلّ على وجوب نداوة اليد، لصدقه مع جفافها أيضا، و إنّما هو يثبت بالإجماع، و القدر المعلوم كونه مبيحا هو نداوة الوضوء، فبدونها يستصحب عدم الإباحة و الممنوعية المغيّاتان قطعا بحصول المجوّز.

و بالوضوءات البيانية. و صحيحة زرارة و فيها: «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و بما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى» «4».

و يردّ الأوّل: معارضته مع أصالة عدم وجوب هذا الخصوص الموجب لحصر المأمور به في الوضوء بالمسح بمطلق البلّة، الموجب لرفع الحدث بالإجماع، حيث إنّ القدر الواجب من الوضوء رافع للممنوعية إجماعا، فهذا الأصل مزيل للاستصحاب المذكور.

______________________________

(1) ص 127.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 80، البحار 77: 268- 33.

(3) إرشاد المفيد 2: 229، كشف الغمة 2: 227، الخرائج و الجرائح 1: 335- 26.

(4) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 135

و الثانيين: ما مرّ من عدم دلالتهما على الزائد من الجواز و الاستحباب «1».

نعم، يعارض بهما ما يدلّ بظاهره على نفي الجواز، كموثّقة أبي بصير: قلت:

أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟ قال: «لا، بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح» «2» و قريبة من معناها صحيحة معمّر «3»

و رواية أبي عمارة «4».

و يرجّحان عليه بمخالفة العامة. مع أنّه ليس بحجّة حتى يصلح للمعارضة، لمخالفة عمل الأصحاب كافة، حيث يدلّ على وجوب الاستئناف مع البلّة.

و منه يظهر أنّها لا تصلح حجة للإسكافي الذي هو المخالف في المسألة، فيجوز المسح بالماء الجديد إمّا مطلقا، كما حكي عنه، أو إذا لم تبق نداوة الوضوء، كما هو ظاهر كلامه «5»، و لا إطلاق الآية، لأنّها بالنسبة إلى ما مر مطلقة فيجب التقييد به.

و قد يستدلّ له: بحسنة منصور: عمّن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة، قال: «ينصرف و يمسح رأسه و رجليه» «6» حيث إنّه لو كان ببقية البلل، لما احتاج إلى الانصراف. و قريبة منها رواية الكناني «7».

و فيه: أنّ المراد بالانصراف قطع الصلاة، و هو لأجل عدم تمامية الوضوء لا لتجديد الوضوء.

______________________________

(1) في ص 97 و ص 117.

(2) التهذيب 1: 59- 164، الاستبصار 1: 59- 174، الوسائل 1: 408 أبواب الوضوء ب 21 ح 4.

(3) التهذيب 1: 58- 163، الاستبصار 1: 58- 173، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 5.

(4) التهذيب 1: 59- 166، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء 21 ح 6.

(5) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1: 147، و العلامة في التذكرة 1: 17، و المختلف: 24.

(6) التهذيب 1: 88- 233، 97- 254، الاستبصار 1: 75- 230، الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35 ح 3.

(7) التهذيب 2: 200- 785، الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 136

و أمّا ما في رواية أبي بصير: فيمن نسي مسح رأسه و هو في الصلاة: «و إن شك فلم يدر مسح [أو لم يمسح ]

فليتناول من لحيته إن كانت مبتلّة و يمسح على رأسه، و إن كان أمامه ماء فليتناول منه فليمسح به رأسه» «1»، فهو خارج عن الوضوء قطعا، لعدم اعتبار هذا الشك.

ثمَّ مقتضى المرسلة و حسنة ابن أذينة و الرضوي، المتقدّمة «2» مؤيّدا بصحيحة زرارة «3»: وجوب كون المسح ببقية بلّة اليدين خاصة، و عدم جواز أخذها من مظانها من سائر أعضاء الوضوء أيضا مع بقائها في اليد.

و هو كذلك على الأظهر الأشهر، كما صرّح به بعض من تأخّر «4»، لما مرّ.

و به يقيّد بعض المطلقات المتقدمة «5».

و حمل المطلقات ككلمات الأصحاب على الغالب- كما في المدارك «6» و غرر المجامع- لا دليل عليه.

و أمّا مع جفافها: فيجوز الأخذ منها إجماعا، كما تدلّ عليه المرسلة، و روايتا مالك و خلف «7». و لا يلزم الاقتصار على الأشفار و الحاجب و اللحية، بل يجوز الأخذ من غيرها كالوجه و الذراع أيضا، لمفهوم قوله في المرسلة: «و إن لم يبق من بلّة وضوئك شي ء أعدت الوضوء».

و هل يقتصر من اللحية على موضع الوضوء منها، أم يتعدّى إلى غيره أيضا كالمسترسل؟

______________________________

(1) التهذيب 2: 201- 787، الوسائل 1: 471 أبواب الوضوء ب 42 ح 8. و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) في ص 133، 134.

(3) المتقدمة في ص 134.

(4) المفاتيح 1: 46.

(5) في ص 133.

(6) المدارك 1: 213.

(7) تقدم جميعها في ص 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 137

مقتضى إطلاق كثير مما مرّ: الثاني، و لكن المرسلة تخصّه بالأوّل، لمكان قوله: «فخذ ما بقي منه في لحيتك» حيث إنّ كون ما في غير محل الفرض منه ممنوع، فإذا حمل المطلق على المقيد- كما هو القاعدة- يفيد الاقتصار منها على موضع

الوضوء.

مع أنّ مقتضى منطوق قوله فيها: «و إن لم يبق من بلّة وضوئك» إلى آخره:

عدم جواز التعدّي، فيعارض الإطلاق بالعموم من وجه، و لعدم مرجّح يرجع إلى المقيّد، و مقتضاه الاقتصار، فعليه الفتوى.

و كون ماء المسترسل أيضا من نداوة الوضوء- كما قيل «1»- غير معلوم، إذ يمكن أن يكون المراد بالوضوء فيه ما حصل به الوضوء لا ما أخذ لأجله، بل الظاهر هو الأوّل، و لا شك أن ما في غير محل الفرض لم يحصل به الوضوء، أي الطهارة، و لو كان ما في المسترسل من بقية الوضوء، لجاز الأخذ مما تقاطر منه على الثوب أيضا، و لعلّه لا يقول به.

و منه يظهر عدم جواز الأخذ من الماء الذي في موضع مسح الرأس من غسل الوجه، إلّا في القدر المحتاج إليه من باب المقدمة، فإنّ الظاهر أنّه من نداوة الوضوء.

هذا، ثمَّ إنّ وجوب المسح بالبلة إنّما هو مع الإمكان. و أمّا لو تعذّر بقاؤها لريح أو حرّ أو نحوهما، فيلزم استئناف الماء الجديد له، لاستصحاب وجوب الغسلتين و المسحتين، و عدم تحقّق الأخيرين إلّا في ضمن جفاف الماسح، أو بلّته بنداوة الوضوء، أو بالماء الجديد، و بطلان الأوّل بالإجماع، و الثاني بالتعذّر، فلم يبق إلّا الثالث.

و منه يظهر ضعف تجويز الانتقال إلى التيمّم، لاستصحاب وجوب الغسل و المسح مع أصالة عدم مشروعيته.

______________________________

(1) شرح المفاتيح: (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 138

ه: لا تضرّ نداوة محل المسح قبله إن استهلكت في نداوة الماسح إجماعا.

و أمّا بدونه ففيه أقوال: صحة المسح معها، ذهب إليه الحلّي، و المحقق، و الفاضل في بعض كتبه «1»، و نسبه والدي إلى الأكثر، بل عن الثاني جواز إخراج الرّجل من الماء

و المسح عليه. و عدمها كذلك، اختاره الفاضل في المختلف، و والده «2»، و والدي طاب ثراهم. و الأول مع غلبة بلّة الماسح، و الثاني مع عدمها.

و ظاهر التذكرة و المنتهى: التردّد «3».

و الحقّ الثاني، لوجوب كون المسح ببلّة الوضوء، و تمتزج البلّتان بمجرد الوضع، فيصير ما في اليد غير نداوة الوضوء، إذ المركّب غير جزئه، و الماسح بالسكنجبين ليس ماسحا بالخلّ.

و أيضا: الضرورة قاضية بعدم الفرق بين المزج بالصب و بوضع اليد على البلّة، فعدم صدق المسح بالبقية في الثاني كما في الأوّل ممّا لا ريب فيه.

و ممّا ذكرنا يظهر عدم الفرق بين الماء و العرق و غيرهما.

للأوّل [1]: صدق الامتثال.

و فيه: أنّه إن أريد امتثال أوامر المسح فمسلّم، و لكن هنا أمرا آخر هو المسح بالبقية. و إن أريد امتثال جميع الأوامر فممنوع.

فإن قيل: الأمر الآخر ليس إلّا الأمر بالمسح باليد المبتلّة ببقية الوضوء و قد حصل.

قلنا: بل هو المسح ببلّة اليد، لا اليد المبتلّة، فإنّه معنى المسح بالبلّة و منها، و ذلك لا يكون إلّا بأن يمسح ببلّة اليد منفردة.

______________________________

[1] أي الدليل للقول الأوّل.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 104، و المحقق في المعتبر 1: 160، و العلامة في المنتهى 1: 64.

(2) المختلف: 26 و نقله عن والده.

(3) التذكرة 1: 18، المنتهى 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 139

و للثالث [1]: أنّ المزج القليل لا يمنع صدق المسح بالبلة.

قلنا: مسلّم في الصدق المجازي دون الحقيقي.

نعم، لو كانت بلّة الممسوح قدرا لا ينفصل منها شي ء يمتزج مع بلّة الماسح، اتّجه القول بالصحة، و إن كانت هي أيضا مساوية لها، إن قلنا بكفاية هذا القدر من البلة في المسح.

و: في اشتراط تأثير بلّة

الماسح في الممسوح، أي حصول بلّة منه فيه قولان، أحوطهما بل أظهرهما: الاشتراط، لأنّه المتبادر من المسح بالبلّة.

ز: يجب أن يكون المسح باليد. و هل يتعيّن فيه الكف، أو باطنه مطلقا، أو بلا ضرورة؟ فيه أقوال.

فالظاهر من الذكرى: تعيّن الكف بلا ضرورة، مع أولوية باطنه، و معها ينتقل إلى الذراع «1».

و منهم من قال بتعيّن الباطن، و مع العذر ينتقل إلى الظاهر ثمَّ إلى الذراع «2».

و منهم من قدّم التيمّم على الذراع.

أقول: مدلول صحيحة زرارة (و حسنته) [2] و الرضوي، المتقدّمة «3» بل المرسلة «4»: وجوب المسح باليد، و لكنّ في معنى اليد إجمالا، لاحتمال أن يكون المراد بها الكف كما في يد التيمم، أو مع الذراع كما في يد الوضوء، و مقتضى

______________________________

[1] أي الدليل للقول الثالث.

[2] لا توجد في «ه» و على تقدير صحة ما في المتن فلعلها إشارة إلى نفس الصحيحة حيث انها رويت بسندين أحدهما مشتمل على إبراهيم بن هاشم، و لأجله تعد حسنة.

______________________________

(1) الذكرى: 87.

(2) المدارك 1: 212.

(3) في ص 134.

(4) المتقدمة في ص 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 140

استصحاب وجوب المسح باليد و الحدث: تعيّن الكف.

و تؤيّده صحيحة البزنطي، المتقدّمة «1»، و صحيحة الأخوين، و فيها: «ثمَّ مسح رأسه و قدميه ببلل كفه» «2».

و ما في تفسير العياشي في وصف وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله:

«و مسح رأسه بفضل كفيه و قدميه» «3».

و الطريقة المعهودة من الناس، فعليه الفتوى.

و أمّا تعيين الباطن: فلا دليل عليه و إن كان أحوط.

هذا مع عدم العذر، و أمّا معه فيجزي الذراع أيضا، لمطلقات المسح التي لم يعلم تقييدها بالكف إلّا في صورة عدم العذر.

ح: الظاهر جواز المسحين مقبلا و مدبرا،

وفاقا فيهما للعماني و المبسوط، و الإصباح، و الشرائع، و النافع، و المعتبر «4»، و جلّ المتأخّرين «5»، بل للمشهور، كما صرّح به غير واحد «6»، و في الرأس خاصة للحلّي «7»، و في الرّجل للنهاية، و الاستبصار، و المراسم، و المهذّب، و الجامع، و الإشارة «8».

______________________________

(1) في ص 127.

(2) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، التهذيب 1: 76- 191، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

(3) تفسير العياشي 1: 298، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

(4) نقله عن العماني في المختلف: 24، المبسوط 1: 22، الشرائع 1: 22، المختصر النافع: 6، المعتبر 1: 151.

(5) منهم العلامة في المنتهى 1: 61، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 218، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 76.

(6) منهم صاحب الرياض 1: 22 و 20.

(7) السرائر 1: 100.

(8) النهاية: 14، الاستبصار 1: 58، المراسم: 38، المهذب 1: 44، الجامع: 36، الإشارة:

71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 141

للأصل، و الإطلاقات «1»، و صحيحة حماد: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» «2».

و تزيد في الثاني صحيحته أيضا: «لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا» «3».

و صحيحة يونس: أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم، و يقول:

«الأمر في مسح الرجلين موسّع، من شاء مسح مقبلا و من شاء مدبرا، فإنّه من الأمر الموسّع» «4».

و خلافا فيهما للمحكي عن الصدوق «5»، و في الأوّل خاصة عن السيد، و النهاية، و الخلاف، و الاستبصار، و الوسيلة «6»، بل عن الخلاف و الانتصار الإجماع عليه، و في الثاني عن

الحلّي «7».

للاحتياط، و الوضوءات البيانية، و افتقار اليقين بالشغل إلى اليقين بالبراءة فيهما، و للإجماع المنقول في الأوّل، و لظاهر الآية «8» في الثاني.

و الأوّل غير صالح لإثبات الوجوب، و كذا الثاني. مع أنّه لا دلالة في البيانيات على ذلك. و الثالث مندفع: بحصول اليقين بما مرّ. و الرابع ليس

______________________________

(1) الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

(2) التهذيب 1: 58- 161، الاستبصار 1: 57- 169، الوسائل 1: 406 أبواب الوضوء ب 20 ح 1.

(3) التهذيب 1: 83- 217، الوسائل 1: 406 أبواب الوضوء ب 20 ح 2.

(4) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 7، التهذيب 1: 83- 216، الاستبصار 1: 58- 170، قرب الإسناد: 306- 1200، الوسائل 1: 407 أبواب الوضوء ب 20 ح 3.

(5) الهداية: 17، الفقيه 1: 28.

(6) السيد في الانتصار: 19، النهاية: 14، الخلاف 1: 83، الاستبصار 1: 58، الوسيلة: 50.

(7) السرائر 1: 100.

(8) المائدة: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 142

بحجة، سيما مع مخالفة العمدة. و الخامس محتمل لكون إلى غاية للممسوح.

إلّا أنه يكره النكس فيهما، للتفصّي عن الخلاف. و في خصوص الأوّل، لاتّباع الإجماع المنقول عن الانتصار و الخلاف. و في خصوص الثاني، لظهور الآية في كونها غاية للمسح.

و منه يظهر أنّ الأحوط فيه، بل الأظهر: عدم النكس، لعدم حجية الخبر المخالف لظاهر الكتاب، سيما مع معارضته لأخبار أخر متضمّنة للمسح إلى الكعبين، كما مرّت «1».

ط: الغسل لا يجزي عن المسح، و وجهه ظاهر. إلّا إذا تحقق معه، بأن كانت البلّة الباقية مشتملة على ما يتحقّق معه الجريان لو مسح بها، فإنّ الأظهر حينئذ الإجزاء إذا لم يقصد الغسل، لصدق الامتثال، فإنّ النسبة بين الغسل و المسح العموم

من وجه، فمادّة الاجتماع تجزي عن كلّ منهما، و وجود الآخر لا ينافيه.

و تدلّ عليه صحيحة النخعي: عن المسح على القدمين، فقال: «الوضوء بالمسح و لا يجب فيه إلّا ذلك، و من غسل فلا بأس» «2».

و مفهوم صحيحة زرارة: «لو أنك توضّأت و جعلت موضع مسح الرجلين غسلا ثمَّ أضمرت أنّ ذلك هو المفترض، لم يكن ذلك بوضوء» «3» فتأمّل.

و لا ينافيه التفصيل في الآية، لأنّه يقتضي المغايرة دون المباينة.

و لا مثل رواية ابن مروان: «يأتي على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل اللَّه منه صلاة» قلت: و كيف ذلك؟ قال: «لأنّه يغسل ما أمر اللَّه بمسحه» «4»، لأنّه

______________________________

(1) في ص 127.

(2) التهذيب 1: 64- 180، الاستبصار 1: 65- 195، الوسائل 1: 421 أبواب الوضوء ب 25 ح 13.

(3) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 8، التهذيب 1: 65- 186، الاستبصار 1: 65- 193، الوسائل 1: 420 أبواب الوضوء ب 25 ح 12.

(4) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 9، التهذيب 1: 65- 184، الاستبصار 1: 64- 191، و فيه بدل ابن مروان: محمّد بن سهل، علل الشرائع: 289، الوسائل 1: 418 أبواب الوضوء ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 143

لا يدلّ على النهي عن الغسل، بل على عدم كونه مأمورا به بنفسه، و لا ينافي ذلك الأمر به لأجل ما يتحقّق معه. مع أنّه ردّ على العامة الذين لا يقصدون إلّا الغسل.

ي: لو قطع بعض موضع المسح، مسح الباقي إجماعا. و لو قطع الكلّ، سقط كذلك، و يكتفي بسائر الأفعال، لأصالة بقاء وجوبها. و لا ينتقل إلى التيمّم، لعدم ثبوت التوقيف حينئذ.

السادس: الترتيب

، بأن يبدأ بالوجه ثمَّ

اليمنى ثمَّ اليسرى ثمَّ الرأس ثمَّ الرجلين، للإجماع، و استصحاب الحدث، و صريح النصوص «1».

فلو خالفه، أعاد الوضوء مع الجفاف، لفوات الموالاة. و ما [1] يحصّله بدونه، و يحصل بإعادة ما قدّمه بما بعده [2] دون ما قبله لو غسله بعده [3]، لحصول المطلوب، و ظاهر الوفاق، و المستفيضة. نعم لو لم يغسله بعد، غسله مقدما.

و يكفي قصد الترتيب مع عدمه حسّا بوقوع الوضوء في المطر، فينوي الأوّل فالأوّل، إذ بالقصد يتحقّق الغسل للوضوء. و عليه يحمل الخبر المجوّز له في المطر «2».

و الترتيب ركن يبطل الوضوء بتركه و لو نسيانا أو جهلا إجماعا، لاستصحاب

______________________________

[1] عطف على الوضوء، و الضمير الأوّل راجع إلى الترتيب و الثاني راجع إلى الجفاف، فالمراد أنه مع عدم الجفاف لا يعيد الوضوء بل يعيد ما يحصل به الترتيب.

[2] أي مع ما بعده.

[3] فإذا غسل وجهه- مثلا- بعد غسل اليدين يحصل الترتيب بإعادة غسل اليدين و لا حاجة إلى إعادة غسل الوجه، نعم لو بدأ بغسل اليدين و لم يغسل وجهه فاللازم عليه أن يغسله مقدما ثمَّ يغسل اليدين.

______________________________

(1) الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب 34.

(2) التهذيب 1: 359- 1082، الاستبصار 1: 75- 231، الوسائل 1: 454 أبواب الوضوء ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 144

الحدث، و عدم الإتيان بالمأمور به، و الأخبار الواردة في خصوص الناسي «1».

و في وجوب الترتيب بين الرجلين بتقديم اليمنى على اليسرى و عدمه أقوال:

الأوّل: للمحكي عن الصدوقين «2»، و القديمين «3»، و الديلمي، و الكركي، و الشهيدين في اللمعة و الروضة، بل الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع «4»، إلّا أنه قال بعض الأجلة: إنّ ظاهره اليمين و اليسار من اليدين

«5».

للاستصحاب، و حسنة محمد: «و ذكر المسح فقال: امسح على مقدّم رأسك و امسح على القدمين و ابدأ بالشقّ الأيمن» «6».

و عموم المروي في رجال النجاشي: «إذا توضّأ أحدكم فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده» «7».

و المروي عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: إنّه كان إذا توضأ بدأ بميامنه» «8».

و الوضوءات البيانية «9».

و الثاني: للحلّي «10»، و الفاضلين «11»، و النفلية، و البيان «12»، و والدي- رحمه

______________________________

(1) الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.

(2) علي بن بابويه حكاه عنه في المختلف: 25، و الصدوق في الفقيه 1: 28.

(3) هما ابن أبي عقيل و ابن الجنيد حكاه عنهما في المختلف: 25.

(4) المراسم: 38، جامع المقاصد 1: 224، اللمعة: 18، الروضة 1: 77، الخلاف 1: 96.

(5) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 70.

(6) الكافي 3: 29 الطهارة ب 19 ح 2، الوسائل 1: 418 أبواب الوضوء ب 25 ح 1.

(7) رجال النجاشي: 5، الوسائل 1: 449 أبواب الوضوء ب 34 ح 4.

(8) مجالس الطوسي: 397، الوسائل 1: 449 أبواب الوضوء ب 34 ح 3.

(9) أنظر الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

(10) السرائر: 102.

(11) المحقق في الشرائع 1: 22، و المختصر النافع: 6، و المعتبر 1: 154، العلامة في المنتهى 1:

69، و التحرير 1: 10، و التذكرة 1: 18.

(12) النفلية: 5، البيان: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 145

اللَّه- و نسب إلى الفقيه و المراسم «1»، و أضافه في غرر المجامع إلى الصدوقين أيضا، و نسبه جماعة منهم: المدارك و البحار و غيرهما إلى الشهرة المطلقة «2»، بل عن الحلّي أنه قال: لا أظنّ أحدا منّا يخالفنا في ذلك، و عن بعض فتاويه نفي

الخلاف فيه صريحا.

للأصل، و إطلاق الأوامر، و صدق الامتثال.

و الثالث، و هو: التفصيل بجواز المعية دون تقديم اليسرى، نقله في الذكرى «3» عن بعض، و اختاره جمع من متأخّري المتأخّرين «4».

للتوقيع المروي في الاحتجاج: عن المسح على الرجلين يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا؟ فخرج التوقيع: «يمسح عليهما جميعا معا، فإن كان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلّا باليمين» «5».

أقول: و لا يخفى أنه لا يثبت من قوله: «فلا يبدأ إلّا باليمين» إلّا مرجوحية الابتداء بغير اليمين، و أمّا الحرمة فلا. و لا من مفهومه إلّا رجحان الابتداء باليمين لو بدأ بإحداهما دون وجوبه، فلا يصلح التوقيع إلّا لنفي وجوب الترتيب و تجويز المعية. و على هذا فهو بالشهرة و نفي الخلاف المحكيين مجبور، مع أنه في نفسه صحيح و حجة، فيصلح لمعارضة ما مرّ دليلا للترتيب.

و تعارضه مع غير الحسنة بالخصوص المطلق، و كذا معها لو جعل قوله «و ابدأ» حكما برأسه من أحكام الوضوء شاملا للمسح و غيره، كما هو أحد الاحتمالين، فيجب تخصيص الجميع بالتوقيع و تجويز المعية.

و لو جعل متعلّقا بالمسح- كما هو الظاهر- فيحصل التعارض بالتساوي،

______________________________

(1) الفقيه 1: 27، المراسم: 38.

(2) المدارك 1: 222، البحار 77: 263.

(3) الذكرى: 89.

(4) منهم الحر العاملي في الوسائل 1: 448، و بداية الهداية 1: 10.

(5) الاحتجاج: 492، الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 34 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 146

و الترجيح للتوقيع، للأحدثية و موافقة إطلاق الكتاب. بل لو قطع النظر عن الترجيح فإما نقول بالتخيير بين المعية و الابتداء باليمين، أو يتساقطان و يرجع إلى الإطلاقات المجوّزة للمعية، فتجويزها ممّا لا مناص عنه.

و منه يظهر جواز البدأة باليسرى أيضا،

إذ بعد سقوط موجبات اليمين بمجوّزات المعية يبقى الأصل و الإطلاقات في البدأة باليسرى خاليا عن المعارض.

و توهّم أنّ الموجبات تمنع عن المعية و البدأة باليسرى، و بعد خروج الأول بالتوقيع يبقى الثاني، فاسد، إذ منعها منهما إنّما كان بلزومه لوجوب البدأة باليمين، فدلالتها على المنع التزامية ساقطة بعد سقوط المطابقة.

و كذا توهّم أنّها تدلّ على وجوب تقديم اليمنى مطلقا، خرج ما إذا أراد المعية فيبقى الباقي، إذ تجويز المعية عين نفي وجوب تقديم اليمين مطلقا، لجواز تركه في كلّ وقت، و ليس ذلك من باب الإطلاق من شي ء.

نعم، مع الاقتصار على تجويز المعية يكون الوجوب في الموجبات تخييريا، و هو أيضا مجاز لا ترجيح له على الحمل على الاستحباب.

السابع: الموالاة
اشاره

، و هي- بمعنى مراعاة عدم الجفاف بالمعنى الآتي «1»- واجبة بالإجماع المحقق و المحكي في الناصريات و المدارك «2» و غيرهما «3»، و النصوص:

كالموثّق: «إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك، فإنّ الوضوء لا يتبعّض» «4».

______________________________

(1) في ص 154.

(2) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 185، المدارك 1: 226.

(3) كالمنتهى 1: 70، و كشف اللثام 1: 70، و الرياض 1: 22.

(4) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 7، التهذيب 1: 87- 230، الاستبصار 1: 72- 220، علل الشرائع: 289، الوسائل 1: 446 أبواب الوضوء ب 33 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 147

و الصحيح: ربما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي، فقال: «أعد» «1».

و الرضوي: «فإن فرغت من بعض وضوئك و انقطع بك الماء قبل أن تتمه.

ثمَّ أوتيت بالماء فأتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا، فإن كان قد جفّ فأعد الوضوء، و إن

جفّ بعض وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض عليه، جفّ وضوؤك أم لم يجفّ» «2».

و إطلاقها كإطلاق بعض الأخبار الآمرة بإعادة الوضوء بنسيان بعضها «3» يشمل حال الاضطرار و الجهل أيضا.

و الموالاة بذلك المعنى أيضا ركن في الوضوء يبطل بتركها عمدا أو غير عمد.

و أما بمعنى المتابعة العرفية، بأن يعقب كلّ عضو بالسابق عليه عند كماله من دون مهلة عرفا، فهي ليس بركن قطعا، و لا تجب مراعاتها في حال الاضطرار، و لا يبطل بتركها الوضوء بالإجماع، للأصل، و مفهوم الموثّق، و منطوق الرضوي.

و كذا في حال الاختيار على الأصح، وفاقا للمحكي عن الكليني «4»، و الصدوقين، و الإسكافي «5»، و السيد في شرح الرسالة «6»، و القاضي، و الحلبي «7»، و الكيدري «8»، و الحلّي «9»، و الجمل و العقود، و المراسم، و الغنية، و الكامل،

______________________________

(1) الكافي 3: 35 ب 22 ح 8، التهذيب 1: 87- 231، الاستبصار 1: 72- 221، الوسائل 1:

447 أبواب الوضوء ب 33 ح 3.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 68، المستدرك 1: 328 أبواب الوضوء ب 29 ح 1.

(3) الوسائل 1: 446، 450 أبواب الوضوء ب 33 و ب 35.

(4) حكاه عنه في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).

(5) حكاه عنهما و عن الإسكافي الشهيد في الذكرى: 91، و ما وجدناه من كلامهما مما يشعر به في الفقيه 1: 35.

(6) حكاه عنه العلامة في المنتهى 1: 70.

(7) القاضي في المهذب 1: 45، و الحلبي في الكافي في الفقه: 133.

(8) نقله عنه في الذكرى: 92.

(9) السرائر 1: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 148

و الوسيلة، و الشرائع، و في النافع، و اللمعة، و الروضة، و

الذكرى، و الدروس، و البيان، و الألفية «1»، و اللوامع، بل هو المشهور كما به صرّح غير واحد «2».

للأصل، و صدق الامتثال، و الإطلاقات، سيما إطلاقات مصحّحات الوضوء، المتروك بعضه إذا اتي به بعده «3»، و مفهوم الموثّق.

خلافا للمنقول عن المقنعة، و النهاية، و التهذيب، و الخلاف، و الاقتصاد، و أحكام الراوندي، و المعتبر «4»، و كتب الفاضل «5»، و المبسوط «6»، فقالوا بوجوبها مع عدم إيجاب الإخلال بها لبطلان الوضوء، كما عن غير الأخير، أو مع إيجابه كما عنه.

للاحتياط، و أصل الاشتغال، و الوضوء البياني، و الفورية المستفادة في الآية «7» من الأمر أو الفاء أو الإجماع، فيجب إتمام الوضوء دفعة، و لعدم إمكانه يحمل [1] على الممكن، و هو تعقيب أفعاله بعضها لبعض من دون فصل.

و للأمر بإتباع أفعال الوضوء، كما في حسنة الحلبي: «أتبع وضوءك بعضه

______________________________

[1] في «ق» فيحمل.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 159، المراسم: 38، الغنية (الجوامع الفقهية): 554، و الكامل نقله عنه في الذكرى: 91، الوسيلة 50، الشرائع 1: 22، المختصر النافع: 6، اللمعة: 18، الروضة 1: 77، الذكرى: 91 و 92، الدروس 1: 93، البيان: 49، الألفية:

29.

(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 1: 77، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 35.

(3) الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.

(4) المقنعة: 47، النهاية: 15، التهذيب 1: 87، الخلاف 1: 93، الاقتصاد: 243، فقه القرآن 1: 29، المعتبر 1: 156.

(5) منها المنتهى 1: 70، و التذكرة 1: 190، و القواعد 1: 11.

(6) المبسوط 1: 23.

(7) المائدة: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 149

بعضا» «1» و خبر ابن حكيم: «إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضا» «2».

و للنهي عن تبعيضه، كما في ذيل موثّقة

أبي بصير: «فإنّ الوضوء لا يتبعّض» «3».

و للأمر بإعادة الوضوء بترك بعض أفعاله نسيانا، كما في صدر خبر ابن حكيم: عن رجل نسي من الوضوء الذراع و الرأس، قال: «يعيد الوضوء».

و موثّقة سماعة: «من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء كان عليه إعادة الوضوء و الصلاة» «4» فإنّ الحكم بالإعادة يوجب المتابعة، إذ الترتيب لا يتوقّف عليها.

و للأمر بإعادة غسل الوجه إذا قدّم الذراع في صحيحة زرارة: «تابع بين وضوئك كما قال اللَّه، ابدأ بالوجه، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرّجل ثمَّ أعد على الرّجل» «5».

و في موثّقة أبي بصير: «إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثمَّ اغسل الأيسر، و إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل

______________________________

(1) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 4، التهذيب 1: 99- 259، الاستبصار 1: 74- 228، الوسائل 1: 466 أبواب الوضوء ب 33 ح 1.

(2) الكافي: 3: 35 الطهارة ب 22 ح 9، علل الشرائع: 289- 1، الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب 33 ح 6.

(3) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 7، التهذيب 1: 87- 230، الاستبصار 1: 72- 220، علل الشرائع: 289، الوسائل 1: 446 أبواب الوضوء ب 33 ح 2.

(4) التهذيب 1: 102- 266، الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3 ح 3.

(5) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 5، الفقيه 1: 28- 89، التهذيب 1: 97- 251، الاستبصار 1: 73- 223، الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب

34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 150

رجليك فامسح رأسك ثمَّ اغسل رجليك» «1» و لو لا وجوب المتابعة، لما أمر بإعادة غسل الوجه.

و يضعّف الأول: بمنع كونه دليلا.

و الثاني: بعدم ثبوت الاشتغال بغير أفعال الوضوء.

و الثالث: بعدم إشعار في البيانيات بتحقّق المتابعة العرفية، و لو أشعرت، لما دلّت على وجوبها.

و أما قوله: «هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلّا به» فكونه بعد تلك البيانيات غير ثابت، و لو ثبت فدخول المتابعة في الإشارة غير مسلّم، لجواز كونها من الاتّفاقيات. مع أنّه لا ينطبق على قول أكثرهم «2» من عدم إيجاب تركها بطلان الوضوء.

و الرابع: بمنع استفادة الفورية من الآية، لعدم إفادة الأمر لها، و كون الفاء جزائية و هي لا تفيد التعقيب. مع أنّها لو أفادته، لكان مفادها فورية غسل الوجه بالإضافة إلى إرادة القيام، و لا قائل به.

و منه يظهر فساد دعوى الإجماع على كون هذا الأمر للفور «3»، مع أنّه في نفسه ممنوع.

و الخامس: باحتمال أن يكون المراد بإتباع الوضوء الترتيب، بل هو الذي يشهد به سياق ما يتضمّنه، و يدلّ عليه بيانه به في صحيحة زرارة، المذكورة.

و السادس: بأنّ عدم التبعيض لا يدلّ على وجوب المتابعة، إذ يمكن أن يكون المراد عدمه في إبقائه، بأن يترك البعض حتى يجف ما قبله، فإنّ ما جفّ فكأنّه انعدم. بل تعليل الإعادة مع التفريق حتى ييبس به قرينة على أنّ المراد منه

______________________________

(1) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 6، التهذيب 1: 99- 258، الاستبصار 1: 74- 227، الوسائل 1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 8.

(2) منهم الشيخ في الاقتصاد: 243، و الراوندي في فقه القرآن 1: 29، و العلامة في

المنتهى 1: 70.

(3) ادعاه العلامة في المنتهى 1: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 151

ذلك دون مطلق التفريق، فإنّه لا يناسب مفهوم الغاية.

مع أنّه لو أريد المطلق، لزم البطلان بدون الجفاف، حيث علّل الإعادة بأنّ الوضوء لا يتبعّض، و أكثرهم لا يقولون به.

و السابع: بعدم تعيّن كون إعادة الوضوء أو الوجه لأجل فوت الموالاة، بل لعلّها تعبدية، أو لعلّة اخرى. و بالمعارضة مع ما نفى الإعادة عند تقديم بعض الأعضاء أو نسيانه من الأخبار «1».

مضافا إلى عدم دلالة صدر خبر ابن حكيم على وجوب الإعادة، و دلالة الموثّقة الأولى على أنّ التذكّر بعد الصلاة، لأنّه المتبادر من الأمر بإعادة الصلاة، و معه يحصل الجفاف المبطل قطعا، و جواز كون المراد بالبدأة بالوجه في الصحيحة جعله ابتداء للوضوء لا إعادة غسله لو كان غسله، أو كون علّتها تحصيل مقارنة النية دون المتابعة، و هو المحتمل في الموثّقة الأخيرة أيضا.

مع أنّ المستفاد من ذيلهما: عدم كون إعادة الوجه لفوات الموالاة، و إلّا وجب في الصورتين الأخيرتين أيضا.

و أيضا: ليس فيهما إشعار بوقوع فصل بعد غسل الوجه، فالحكم بأنّ إعادته لفوات المتابعة لا يتمّ إلّا بارتكاب تقييد ليس أولى من ارتكاب التقييد بالجفاف، أو التجوّز في الإعادة، و كذا تخصيص ما يعمّ صورة الاضطرار من تلك الأخبار بحال الاختيار الذي هو محل الخلاف.

فروع:

أ: الجفاف المبطل هو جفاف جميع ما تقدّم، فلا يبطل بجفاف البعض على الأظهر الأشهر، وفاقا للمحكي عن ظاهر الخلاف، و النهاية «2»، و الكامل «3»،

______________________________

(1) انظر الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.

(2) الخلاف 1: 94، النهاية: 15.

(3) حكاه عن الكامل في الرياض 1: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 152

و الكافي

للحلبي «1»، و المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و نهاية الإحكام، و البيان «2»، و والدي العلّامة رحمه اللَّه.

لاستصحاب بقاء الصحة، و جواز أخذ البلل من الوجه للمسح إن لم يبق على اليدين، بالنصّ كما مرّ «3»، بل قيل بالإجماع أيضا «4»، و فيه نظر [1]، و ظاهر الأخبار المصرّحة بالبطلان بجفاف الوضوء «5» أو ما غسل، الظاهر في جفاف الجميع أو المحتمل له، و هو كاف أيضا، و مفهوم الشرط في قوله: «و إن لم يبق من بلّة وضوئك شي ء» و قوله: «و إن لم يكن في لحيته بلل» في مرسلة الفقيه، و رواية مالك المتقدّمتين «6» في مسألة المسح بالبلّة، و لا يضرّ اختصاصهما بالناسي، لعدم الفاصل، و صحيحة حريز الآتية «7».

و خلافا للناصريات، و السرائر، و عن المراسم، و المهذب، و الإشارة «8»، فقالوا: هو جفاف العضو السابق المتصل، لأنّ الموالاة اتباع الأعضاء بعضها بعضا، فالجفاف و عدمه إنّما يعتبران في العضوين المتّصلين.

و يردّ: بأنّ تماميتها فرع وجود دليل على اعتبار مطلق الموالاة، و استلزامها لما ذكر و الأول مفقود، و الثاني ممنوع.

______________________________

[1] لأن الإسكافي بل المعتبر لنداوة الأقرب لا يسلّمه البتة، و إن سلّمه فهذا لا يصلح دليلا لأنّه يكون مستثنى عن محل النزاع «منه رحمه اللَّه».

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 133.

(2) المعتبر 1: 157، المنتهى 1: 70، التذكرة 1: 19، نهاية الأحكام 1: 49، البيان: 49.

(3) في ص 136.

(4) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 71، و صاحب الرياض 1: 23.

(5) الوسائل 1: 446 أبواب الوضوء ب 33.

(6) في ص 133.

(7) في ص 153.

(8) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 185، السرائر 1: 103، المراسم: 38، المهذب 1: 45، الإشارة: 71.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 153

و للإسكافي «1»، فجفاف البعض مطلقا، ليقرب من الموالاة الحقيقية، و لإطلاق جفاف الوضوء المبطل بالأخبار، و العلّة المنصوصة في الموثّقة بقوله: «فإنّ الوضوء لا يتبعّض» «2» فإنّها جارية في جفاف البعض أيضا.

و يجاب عنه: بمنع اعتبار الموالاة الحقيقية، ثمَّ ما يقرب منها عند تعذّرها لو اعتبرت، و منع إطلاق الجفاف كما مرّ «3»، و لزوم تقييده بجفاف الكلّ- لما مرّ- لو كان، كتخصيص العموم المستفاد من قوله: «لا يتبعّض» الشامل لجميع أنواع التبعض.

مع أنّ التحقيق أنّ في معنى عدم تبعّض الوضوء هنا إجمالا لا يتم الاستدلال به في غير موضع النص.

ب: مقتضى إطلاقات الغسل و المسح، و استصحاب صحة ما فعل:

الاقتصار في الإبطال بجفاف الكلّ على القدر الثابت من أدلّته، و هو البطلان بالجفاف مع التأخير خاصّة. فلا يبطل به بدونه، كما في شدّة الحرّ أو الريح أو مثلهما، وفاقا للصدوقين في الرسالة و المقنع «4»، بل الظاهر عن الذكرى «5»- كما قيل «6»- كونه وفاقيا بين الأصحاب.

و يدلّ عليه أيضا: ذيل الرضوي المتقدّم «7»، و صحيحة حريز عن الصادق عليه السلام، كما عن مدينة العلم، و إن وقف على حريز في التهذيب و غيره: في الوضوء يجفّ، قال: قلت: فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه، قال:

______________________________

(1) نقله عنه في الذكرى: 17.

(2) المتقدمة في ص 149.

(3) في ص 152.

(4) نقله عن الرسالة في الفقيه 1: 35، المقنع: 6.

(5) الذكرى: 92.

(6) الرياض 1: 23.

(7) ص 147.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 154

«جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي» «1».

و حمله على التقية- كما قيل «2»- غير سديد، إذ لا يحتاج توجيه ما ليس باقيا على إطلاقه

إليه، فإن التقييد توجيه أحسن و أشهر.

خلافا للمحكي عن الشهيد عند الاختيار «3»، لأخبار البطلان بالجفاف «4».

و يضعف: باختصاصها بصورة التأخير، مع أنّها لو تمّت لعمّت حالة الضرورة أيضا، و انتفاء الحرج لا يفيد، لأنّ الانتقال الى التيمّم ممكن.

و لا يختص البطلان بالجفاف مع التأخير بغير صورة النسيان، لعموم الموثّقة الأولى، و خصوص الثانية «5». و لا بغير حال الضرورة، للأول.

ثمَّ الصحة مع الجفاف إنّما هي إذا لم تتمّ الغسلات، و إلّا اتّجه البطلان لئلّا يستأنف الماء للمسح.

ج: التأخير الذي لم يجامعه الجفاف لا يبطل و لا يحرم و لو تفاحش، كما صرّح به والدي رحمه اللَّه، للأصل.

و الشهيد «6» حرّمه مع التفاحش في الاختيار، للنهي «7» عن تبعيض [1] الوضوء الصادق عليه.

و يضعّفه: منع الصدق.

______________________________

[1] في «ح» و «ق» تبعض.

______________________________

(1) التهذيب 1: 88- 232، الاستبصار 1: 72- 222، الوسائل 1: 447 أبواب الوضوء ب 33 ح 4، و رواها في الذكرى: 91 عن مدينة العلم للصدوق.

(2) القائل هو الشيخ في الاستبصار 1: 72.

(3) الدروس 1: 193.

(4) الوسائل 1: 446 أبواب الوضوء ب 33.

(5) المتقدمتين في ص 146 و 149.

(6) الدروس 1: 93، البيان: 49.

(7) تقدم في ص 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 155

و قال والدي طاب ثراه: لو بلغ التفاحش حدّا يبطل الوحدة و الصورة، لم يبعد الحكم بالبطلان و الحرمة.

و هو أيضا خال عن الحجّة، و الأصل معه مستند في غاية القوة.

د: المعتبر في الجفاف الحسّي. فلو لم يحصل لعارض، كرطوبة الهواء أو إسباغ الوضوء في مدة لو اعتدل لجفّ قبلها و لو بكثير، صحّ الوضوء، لتعليق الإعادة على الجفاف الغير الصادق على التقديري لغة و عرفا.

و أمّا ما اعتبره الأكثر

في الجفاف من اعتدال الهواء «1»، فالظاهر- كما قاله المتأخّرون «2»- أنّه لإخراج طرف الإفراط في الحرّ حيث إنّ زوال البلل حينئذ مغتفر، إلّا أن يقال في العرف إنّه أخّر لا لإخراج طرف رطوبة الهواء.

ثمَّ مقتضى عدم اعتبار التقديري و لا الحسّي بدون التأخير: أنّه لو جفّف ما غسله أولا أو جفّ لشدة الحرّ ثمَّ أخّر، لم يبطل. و لا بأس بالتزامه و إن استبعد ظاهرا.

الثامن: مباشرة المكلّف أفعال الوضوء بنفسه حال الاختيار
اشارة

إجماعا، كما عن نهاية الإحكام، و روض الجنان، و في الانتصار، و المعتبر، و المنتهى «3» و اللوامع، لأنّها مقتضى أمر المكلّف بها في الكتاب و السنّة، لاقتضائه الامتثال المتوقّف على المباشرة، مؤيّدا بالوضوءات البيانية.

و خلاف الإسكافي «4» و عدّها من السنن شاذ.

و استدلاله بأصل البراءة مدفوع: بما ذكر.

و بالقياس على إزالة الخبث: بوجود الفارق، و هو اختلاف الوجوب فيهما بالشرعية و الشرطية.

______________________________

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 23، و المحقق في المعتبر 1: 157، و صاحب الحدائق 2: 356.

(2) منهم الشهيد في الذكرى: 92، و صاحب الرياض 1: 23.

(3) روض الجنان: 43، الانتصار: 29، المعتبر 1: 162، المنتهى 1: 72.

(4) حكاه عنه في المختلف: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 156

و بالمروي في تفسير العياشي: «أنّ قنبر مولى أمير المؤمنين عليه السلام ادخل على الحجاج فقال له: ما الذي كنت تلي من أمر علي بن أبي طالب عليه السلام؟

قال: كنت أوضّيه» «1»: بعدم حجيته، لضعفه، مع احتمال إرادة الصب من التوضئة.

و وجوب المباشرة مخصوص بأفعال الوضوء الواجبة أصلا، فلا بأس بتولية الغير في غيرها ممّا يجب من باب المقدّمة، كتحصيل الماء و إحضاره، بل صبّه على الكف، للأصل، و عدم تعلّق أمر بها على المكلّف بخصوصه، بل

وجوبها من باب المقدمة، فلا تجب مع تحقّقها كيف ما كان.

مضافا في الأول إلى استفاضة النصوص بأنّهم كانوا يأمرون بإحضار الماء للوضوء «2».

و في الثاني إلى أنّه ليس إلّا مثل أخذ الماء من نحو الميزاب، و إلى صحيحة الحذّاء: «وضّأت أبا جعفر عليه السلام و قد بال فناولته ماء فاستنجى، ثمَّ صببت عليه كفّا غسل به وجهه، و كفّا غسل به ذراعه الأيمن، و كفّا غسل به ذراعه الأيسر، ثمَّ مسح بفضل الندى رأسه و رجليه» «3».

و المروي في مجالس الصدوق: «كانت جارية لعلي بن الحسين عليه السلام تسكب الماء عليه و هو يتوضّأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية» «4» الحديث.

و كون الصب فيهما في حال الضرورة و إن كان محتملا و لكنه بعيد، لأنّها لو كانت، لذكرها.

و لا ينافي ما ذكر: خبر الوشاء: دخلت على الرضا عليه السلام و بين يديه

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 359، المستدرك 1: 322 أبواب الوضوء ب 24 ح 10.

(2) الوسائل 1: 401 أبواب الوضوء 16.

(3) التهذيب 1: 79- 204، الاستبصار 1: 58- 172، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 8.

(4) أمالي الصدوق: 168، المستدرك 1: 345 أبواب الوضوء ب 41 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 157

إبريق يريد أن يتهيّأ منه للصلاة، فدنوت لأصبّ عليه، فأبى ذلك و قال: «مه» فقلت: لم تنهاني أن أصبّ عليك، تكره أن أوجر؟ قال: «تؤجر أنت و أوزر أنا» فقلت له: و كيف ذلك؟ فقال: «أما سمعت اللَّه يقول فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «1» و ها أنا ذا أتوضّأ للصلاة و هي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد»

«2».

و المروي في الفقيه و العلل و المقنع: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضّأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء، و قال: «لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا» «3».

و في إرشاد المفيد: «دخل الرضا عليه السلام يوما و المأمون يتوضّأ للصلاة و الغلام يصبّ على يده الماء، فقال: «لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا» فصرف المأمون الغلام و تولّى تمام الوضوء بنفسه «4».

لاحتمال أن يكون الصب على أعضاء الغسل الذي يحصل به الغسل.

مع أنّ في إثبات التحريم بها نظرا.

أمّا الأولان: فلأنّ غاية ما يدلّان عليه منعه- عليه السلام- عن الصب عليه، و عدم رضاه به، و هو لا يدلّ على حرمته شرعا، فإنّ طلبه لترك الصب حتما قد يكون لإرادته اجتنابه عن المكروه.

و أمّا قوله: «و أوزر» فالمراد منه ليس حقيقته التي هي الثقل، فيمكن أن يكون مجازه ارتكاب المكروه و حطّ الأجر، فلا يدلّ على الحرمة.

و كذا قوله: «و لا يشرك» لأنّه وقع جزاء لرجاء اللقاء، فلا يثبت منه شي ء

______________________________

(1) الكهف: 110.

(2) الكافي 3: 69 الطهارة ب 46 ح 1، التهذيب 1: 365- 1107، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 47 ح 1.

(3) الفقيه 1: 27- 85، علل الشرائع: 278- 1، المقنع: 4، الوسائل 1: 477 أبواب الوضوء ب 47 ح 2.

(4) إرشاد المفيد 2: 269، الوسائل 1: 478 أبواب الوضوء ب 47 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 158

سوى الاستحباب.

و أمّا الثالث: فلضعفه و عدم ثبوت الجابر له.

و على هذا، فيمكن القول بجواز الصب على العضو أيضا لو لم يكتف بالغسل الحاصل منه في جزء من العضو، بل غسل هو نفسه بالماء المصبوب إن تحقّق معه أقلّ

الجريان.

و الأحوط تركه، بل لا شك في كراهته، لما مرّ. بل في كراهة الصب على اليد أيضا، لفتوى جماعة من العلماء «1»، و إطلاق المروي في الفقيه و أخويه.

و تجوز التولية حال الاضطرار على ما صرّح به الأصحاب «2»، بل في المعتبر أنّه متّفق عليه بين الفقهاء «3»، و في المنتهى أنّه إجماعي «4».

و الحجة فيه- بعد الإجماع- صحيحة ابن خالد و فيها: إنّ الصادق عليه السلام ذكر أنّه كان وجعا شديد الوجع، فأصابته جنابة و هو في مكان بارد، و كانت ليلة شديدة الريح باردة [قال:] «فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنّا نخاف عليك، فقلت: ليس بدّ، فحملوني و وضعوني على خشبات ثمَّ صبوا عليّ الماء فغسلوني» «5».

و الأخبار الواردة بتولية الغير تيمّم المجدور و الكسير «6»، و لا قائل بالفرق بين الطهارات.

و الاستدلال بمثل قوله عليه السلام: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «7» و بأنّه

______________________________

(1) منهم الشيخ في النهاية: 17، و الشهيد في الدروس 1: 93، و صاحب الرياض: 27.

(2) منهم السيد في الانتصار: 29، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 43، و صاحب المدارك 1: 240.

(3) المعتبر 1: 162.

(4) المنتهى 1: 73.

(5) التهذيب 1: 198- 575، الاستبصار 1: 162- 563، الوسائل 1: 478 أبواب الوضوء ب 48 ح 1.

(6) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5 ح 1 و 10 و 12.

(7) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 159

توصّل إلى الطهارة بالممكن فيكون واجبا، ضعيف.

فروع:

أ: لو أمكنت المباشرة في البعض، وجبت إذا كان عضوا تاما، للأمر بغسله المقتضي للمباشرة، كما مرّ.

و في وجوبها إن أمكنت في بعض من عضو احتمال، و عدمه أظهر.

ب: لو احتاجت

التولية إلى أجرة مقدورة وجبت، لوجوب مقدمة الواجب، إلّا إذا كان بذلها مضرّا بحاله.

ج: النية عند تولية الغير على المكلّف نفسه، وفاقا للقواعد «1» و اللوامع، لأنّ الواجب عليه، فينوي القبول، لا على المباشر، كما هو ظاهر المدارك «2».

د: لو أمكن الغمس في الماء، وجب، و لا تجوز التولية، و وجهه ظاهر.

ه: لو توقفت تولية الغير على إجباره أو لمس غير المحرم، فالظاهر سقوطها. [ثمَ ] [1] لو استنابه مع ذلك أثم، بل الأظهر بطلان وضوئه، لأنّ القبول لا يحصل إلّا بمسّ عضو المجبور أو غير المحرم، و هما منهيان عنهما.

و: لو كان المنوب عنه أعمى لا يرى عمل النائب، وجب عليه تحصيل العلم بصحة العمل. و لو لم يمكن، وجب استنابة العدل أو إقامة ناظر عدل.

و حمل أفعال المسلم على الصحة مطلقا حتى في مثل المقام غير ثابت.

ز: لا بأس بتعدّد النوّاب و لو في عضو واحد، للأصل. و لا يلزم على المستنيب تجديد النية بتجدد النائب.

ح: لو تمكن من الغسل و لم يتمكّن من رفع اليد، يجب عليه الاقتصار في الاستنابة على الرفع، و الوجه ظاهر. و لو لم يتمكّن من الغسل مستقلّا و لكن أمكنه الشركة مع النائب، بحيث لم يكن كلّ منهما غاسلا، فالظاهر عدم وجوب

______________________________

[1] في «ح» نعم. و في «ق» كلمة متشابهة. و لا توجد في «ه». و ما أثبتناه أنسب.

______________________________

(1) القواعد 1: 10.

(2) المدارك 1: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 160

التشريك.

و كذا لو لم يتمكّن بنفسه من إمرار اليد على العضو و لكن أمكن أن يمرّ أحد يده عليه، لا يجب عليه ذلك.

ط: يتحقق الاضطرار بعدم الإمكان و بحصول العسر و الحرج، و على الثاني لو تحمّله

و توضّأ بنفسه، فالظاهر البطلان، إذ ليس الحرج من الدين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    160     الثاني عشر: أن يكون في المكان المباح ..... ص : 160

التاسع: أن يكون بالماء المطلق

، فلا يجوز بالمضاف و لو اضطرارا، و تدلّ عليه الآيات و الأخبار المصرّحة بوجوب التيمّم عند عدم الماء «1» الذي هو حقيقة في المطلق، و قد مرّ في بحث المياه «2».

العاشر: أن يكون بالماء الطاهر

، فلا يجوز بالنجس بالإجماع، بل الضرورة، و استفاضة النصوص المعتبرة «3» المتقدّمة كثير منها في بحث المياه، و منها المروي في تفسير النعماني- المنجبر بما ذكر- عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنّ اللَّه تعالى فرض الوضوء على عباده بالماء الطاهر» «4».

الحادي عشر: أن يكون بالماء المباح

، فلا يجوز بالمغصوب، للنهي المفسد للعبادة.

الثاني عشر: أن يكون في المكان المباح

، فيبطل الوضوء في المغصوب من المكان إذا كان مجموع الهواء المحيط بالمتوضّئ مغصوبا. و لا يبطل الوضوء بالاستقرار على شي ء مغصوب كآجر أو فرش أو نعل ممّا يختص الغصب به و لا يتبعه الهواء.

و يأتي الوجه في ذلك و في التفرقة في بحث التيمّم في المكان المغصوب.

تتميم: هل يشترط في صحة الوضوء طهارة العضو قبل التوضؤ أم لا؟

الظاهر الثاني. و يأتي تحقيقه في بحث الغسل.

______________________________

(1) الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2.

(2) ج 1 ص 130 المسألة الأولى.

(3) الوسائل 1: 169 أبواب الماء المطلق ب 13.

(4) تفسير النعماني (المطبوع في البحار) 93: 28، المستدرك 1: 289 أبواب الوضوء ب 1 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 161

الفصل الرابع: في آدابه.
اشارة

و هي بين مستحبة و مكروهة نذكرهما في بحثين:

البحث الأول: في مستحباته

، و هي أمور:

منها: وضع الإناء على اليمين، للشهرة «1»، بل الإجماع كما في اللوامع، و النبويين أحدهما: «إنّ اللَّه يحبّ التيامن في كلّ شي ء» «2» و الآخر: «إنّه كان يحبّ التيامن في طهوره و فعله و شأنه كله» «3».

و لا ينافيه ما في الصحيح: «فدعا بقعب فيه شي ء من ماء ثمَّ وضعه بين يديه» «4»، لجواز تركه المستحب، و عدم دلالته على الاستحباب.

مع إمكان حمل الوضع بين يديه على الوضع على اليمين، لصدقه عليه عرفا. فالقول بأولوية الوضع بين الجانبين اتّباعا للرواية- كما في الغرر و غيره «5»- غير جيّد.

و المصرّح به في كلام جماعة: اختصاص الحكم بما يغترف منه باليد «6»، و أمّا

______________________________

(1) و من القائلين به المحقق في المعتبر 1: 164، و العلامة في القواعد 1: 11، و الشهيد الثاني في الروض: 40.

(2) عوالي اللئالي 2: 200- 101، و ورد مضمونه في مسند احمد 6: 94، 130، 202.

(3) سنن النسائي 1: 78 باب بأي الرجلين يبدأ بالغسل.

(4) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4، الفقيه 1: 24- 74، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 114.

(6) منهم العلامة في القواعد 1: 11، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 229، و صاحب المدارك 1: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 162

ما يصبّ منه من الإناء الضيّق الرأس، فقيل باستحباب وضعه على اليسار «1».

و التحقيق: أنّ كلام القوم في مثله مختلف، فلا يثبت منه حكم بالشهرة و نحوها، و لا بأحاديث التيامن، لعدم صدقه على وضعه باليسار و هو ظاهر.

و أسهليّة صبّ الماء على اليمين

حينئذ غير كافية في إثبات استحبابه. و لا على وضعه باليمين، لاحتياجه إلى صبّ الماء منه في اليسار أو أخذه بها. فكون محض وضعه على اليمين من التيامن المحبوب غير معلوم، فالحقّ عدم ثبوت استحباب فيه.

و منها: الاغتراف من الماء باليمين، لما مرّ، و للمروي في الكافي في باب علّة الأذان: «فتلقّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين» «2» و الوضوءات البيانية المتضمّنة لاغترافهم بها «3».

و إطلاق أكثرها يشمل ما لو كان الاغتراف بالأخذ من الإناء، أو بالصبّ منه في الكف.

و إطلاق كلام جماعة- بل ربما نسب إلى المشهور- استحبابه و لو لغسل اليمنى بالإدارة إلى اليسار «4». و هو كذلك.

لا لما قيل من إطلاق التيامن «5»، و لا لصحيحة محمّد في الوضوء البياني: «إلا أحكي لكم وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله؟ قلت: بلى، قال: فأدخل يده في الإناء» إلى قوله: «ثمَّ أخذ كفا آخر بيمينه فصبّه على يساره ثمَّ غسل به ذراعه الأيمن» الحديث «6».

______________________________

(1) القائل هو العلامة في نهاية الإحكام 1: 53.

(2) الكافي 3: 485 الصلاة ب 105 ح 1، الوسائل 1: 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.

(3) الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

(4) نسبه الى المشهور في الحدائق 2: 154.

(5) الرياض 1: 25.

(6) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 3، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 163

لضعف الأول: بمنع شمول التيامن لمثل ذلك أيضا. و الثاني: بأنّه إنّما يتم لو كان المستتر في «قال» راجعا إلى الإمام حتى يكون البيان بالقول، فإنّ الظاهر حينئذ استحباب ذلك، لبعد

ذكر الإمام له لولاه. و أمّا لو كان راجعا إلى الراوي حتى يكون بالفعل فلا، إذ غايته أنّ الإمام فعل كذلك، و يمكن أن يكون اتّفاقيا. مع أنه تعارضه أخبار أخر مصرّحة باغترافه صلّى اللَّه عليه و آله باليسرى لليمنى «1».

بل للمروي في تفسير العياشي عن مولانا الرضا عليه السلام: قلت: فإنّه قال: اغسلوا أيديكم إلى المرافق فكيف الغسل؟ قال: «هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى ثمَّ يفيضه على المرفق ثمَّ يمسح إلى الكف» «2» الحديث.

و لا تعارضه أحاديث اغترافه باليسرى لليمنى، لعدم دلالتها على الاستحباب، و معارضتها مع مخالفتها كما مرّ.

و منها: غسل كلّ من الوجه و اليسرى و مسح الرأس و الرجل اليمنى باليمنى. و أمّا الرجل اليسرى فيستحب مسحها باليسرى.

و الظاهر عدم الخلاف في شي ء منه.

مضافا إلى الوضوءات البيانية في الغسلين، و إلى صحيحة زرارة: «و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك، و بما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى في المسحين» «3».

و لا يجب ذلك، للأصل، و خلوّ الأخبار عن الدالّ على الوجوب. و يجوز غسل الوجه باليدين، كما مرّ «4».

و منها: التسمية حين إرادة الوضوء قبل مس الماء، و عند وضع اليد فيه،

______________________________

(1) الوسائل 1: 387، أبواب الوضوء ب 15.

(2) تفسير العياشي 1: 300- 54، المستدرك 1: 311 أبواب الوضوء ب 18 ح 2.

(3) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.

(4) في ص 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 164

بأن يقول في كلّ من الحالين: «بسم اللَّه و باللَّه، اللهم اجعلني من التوّابين و اجعلني من المتطهّرين».

أمّا الأول: فللمروي في

الخصال: «لا يتوضأ الرجل حتى يسمّي، يقول قبل أن يمسّ الماء: بسم اللَّه و باللَّه» «1» إلى آخره.

و أما الثاني: فلصحيح زرارة: «إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم اللَّه و باللَّه» «2» إلى آخره.

و عند [1] وضع الماء على الجبين يقول: بسم اللَّه، لصحيحته أيضا: «ثمَّ غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه ثمَّ قال: بسم اللَّه، و سدله» «3».

و تستحب التسمية على النحو المذكور في الحالات المذكورة من حيث هي هي.

و يستحب قول: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» في أول الوضوء أيضا، للمروي في تفسير الإمام: «و إذا قال في أول وضوئه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، طهرت أعضاؤه كلّها من الذنوب» «4».

و يدلّ عليه أيضا: ظاهر ما دلّ على استحباب التسمية على الوضوء، كموثّقة عيص «5»، و مرسلة ابن أبي عمير «6»، أو استحبابها مع الدعاء إذا توضّأ،

______________________________

[1] في «ح» حين.

______________________________

(1) المحاسن: 46- 62، الخصال: 628، الوسائل 1: 426 أبواب الوضوء ب 26 ح 10.

(2) التهذيب 1: 76- 192، الوسائل 1: 423 أبواب الوضوء ب 26 ح 2.

(3) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4، الفقيه 1: 24- 74، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.

(4) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 521.

(5) الفقيه 1: 31- 101، التهذيب 1: 358- 1073، الاستبصار 1: 67- 203، الوسائل 1:

423 أبواب الوضوء ب 26 ح 3.

(6) الكافي 3: 16 الطهارة ب 12 ح 2، التهذيب 1: 358- 1074، الاستبصار 1: 67- 204، الوسائل 1: 424 أبواب الوضوء ب 26 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 165

كمرسلة الفقيه «1».

و أمّا ما دلّ على استحبابها في الوضوء، كمرسلة ابن أبي عمير فيدلّ على الاستحباب حال الوضوء

مطلقا، لا في حالة معيّنة، و ظاهره الأثناء، و في بعض الأخبار كمرسلة الفقيه، و خبر أبي بصير: «أنّه يتوضّأ فيذكر اسم اللَّه» «2» و ظاهره استحبابه بعده.

و المتحصّل: أنّ المذكور في أخبار التسمية في الوضوء بين ثمان حالات: قبل مس الماء، و عنده، و عند وضع الماء على الجبين، و الابتداء، و بعد الوضوء، و عليه، و فيه، و إذا توضّأ. و الرابع يتداخل مع ما تقدّمه، و السادس ظاهر في الرابع، كالسابع في الأثناء، و الثامن يحتمل القبل و الأثناء و البعد.

ثمَّ ظهور بعض الأخبار في الوجوب لا يفيده، للشذوذ، و عدم القائل.

و لو تركها في الابتداء يأتي بها في الأثناء، لاستحبابها فيه. لا لتدارك ما ترك، لعدم الدليل. و ثبوته في الأكل لا يفيد، لحرمة القياس. و عدم سقوط الميسور بالمعسور غير دالّ جدا.

و منها: غسل اليدين من الزندين- اقتصارا على المتيقّن- قبل الوضوء مرّة من حدثي النوم و البول، و مرّتين من الغائط، وفاقا للمعظم «3»، بل في المعتبر اتّفاق فقهائنا و أكثر أهل العلم عليه «4».

للصحيح: كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال:

______________________________

(1) الفقيه 1: 31- 102، علل الشرائع: 289- 1، الوسائل 1: 424 أبواب الوضوء ب 26 ح 7.

(2) التهذيب 1: 358- 1076، الاستبصار 1: 68- 205، الوسائل 1: 423 أبواب الوضوء ب 26 ح 4.

(3) منهم العلامة في القواعد: 1: 11، و الشهيد الثاني في الروض: 21، و المحقق السبزواري في الكفاية: 3.

(4) المعتبر 1: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 166

«واحدة من حدث البول، و اثنتان من الغائط، و ثلاث من الجنابة» «1».

و الخبر: عن الرجل يبول و لم يمس يده اليمنى

شي ء، أ يدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: «لا، حتى يغسلها» قلت: فإنّه استيقظ من نومه و لم يبل، أ يدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: «لا، لأنه لا يدري حيث باتت يده فليغسلها» «2».

و مرسلة الفقيه: «اغسل يدك من البول مرّة، و من الغائط مرّتين، و من الجنابة ثلاثا» و قال: «اغسل يدك من النوم مرّة» «3».

و أمّا رواية حريز: «يغسل الرجل يده من النوم مرّة، و من الغائط و البول مرّتين» «4» فلا تنافي ما تقدّم، إذ يمكن أن يكون الأمر بالمرّتين للأخبثين معا، بل هو الظاهر، لأنّه الغالب مع الغائط.

و ظهور بعض تلك الأخبار في الوجوب غير مفيد له، لعدم القول به، مع وجود ضرب من المعارض.

و خلافا للنفلية و البيان، فأطلق المرّة في الجميع [1]، و اللمعة فالمرّتين فيه «5»، و لم نعثر على مستندهما.

ثمَّ هذا الغسل هل هو لدفع النجاسة المتوهّمة فلا يكون في غير القليل و لا

______________________________

[1] النفلية: 6 و فيه: و غسل اليدين من الزند مرة من النوم و البول و الغائط و المشهور فيه مرتان، البيان:

11.

______________________________

(1) الكافي 3: 12 الطهارة ب 8 ح 5، التهذيب 1: 36- 96، الاستبصار 1: 50- 141، الوسائل 1: 427 أبواب الوضوء ب 27 ح 1.

(2) الكافي 3: 11 الطهارة ب 8 ح 2، التهذيب 1: 39- 106، الاستبصار 1: 51- 145، الوسائل 1: 428 أبواب الوضوء ب 27 ح 3.

(3) الفقيه 1: 29- 91 و 92، الوسائل 1: 428 أبواب الوضوء ب 27 ح 4، 5.

(4) التهذيب 1: 36- 97، الاستبصار 1: 50- 142، الوسائل 1: 427 أبواب الوضوء ب 27 ح 2.

(5) اللمعة: 18.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 2، ص: 167

مع تيقّن الطهارة، و لا يحتاج إلى النية، أم تعبّد محض، فيعمّ الجميع و يلزم فيه النية؟

الأقرب الثاني، وفاقا لجماعة «1»، لإطلاق ما عدا ذيل الخبر الثاني، و صريح صدره، و عدم معارضتها له [1]، لعدم تضمّنها ما يوجب التقييد، مع معارضتها- لو أوجبه- مع صدره [2].

و منه ظهر عدم اختصاص الحكم بالإناء الذي يغترف منه، و إن اختص الأوّلان به، لإطلاق الأخير، و عدم موجب للتقييد للمنافاة.

خلافا لوالدي- رحمه اللّه- و المدارك، و بعض آخر «2»، فخصّصوا الحكم به، للأولين، و انصراف إطلاق الأخير إلى الشائع من إناء الوضوء عندهم، و هي الظروف الواسعة، و اقتصارا على المتيقّن.

و يضعف الأول: بعدم إيجابه للاختصاص. و الثاني: بمنع الشيوع بحيث يوجب الانصراف، مع أنّه لا يفيد مع تيقّن الطهارة. و الثالث: بأنّ المتيقّن هو المطلق، للإطلاق المذكور.

و لا يستحب الغسل لحدث الريح و لا للمجدّد، لعدم المدرك.

و هل تتداخل الأسباب؟ فيه إشكال: من أصالة عدمه، و ممّا مرّ من رواية حريز. نعم، الظاهر التداخل مع اتّحاد السبب.

و منها: المضمضة، و هي: تحريك الماء في الفم، ذكره الجوهري و غيره «3».

و الاستنشاق، و هو: اجتذابه إلى داخل الأنف.

______________________________

[1] أي مع عدم معارضة الذيل للإطلاق.

[2] حاصل المراد انه لو كان الذيل مشتملا على ما يوجب التقييد يتعارض مع صدره حيث ان صدره مصرّح بغسل اليد و لو مع العلم بعدم الملاقاة للنجس.

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 49، و صاحب الرياض 1: 26.

(2) المدارك 1: 224، و كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 42.

(3) الصحاح 3: 1106، الفيروزآبادي في القاموس 2: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 168

للإجماع المحقّق، و المحكي في اللوامع، و عن الغنية

«1»، و نهاية الإحكام «2»، و في المدارك: أنّه المعروف من المذهب «3».

و للمروي في الكافي في وصف وضوء مولانا أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه:

«ثمَّ استنشق فقال: اللهم ..» إلى أن قال: «ثمَّ تمضمض فقال:

اللهم ..» «4».

و نحوه في مجالس الصدوق، و المقنع، و ثواب الأعمال، و فلاح السائل، و المحاسن، و فقه الرضا، إلّا أنّ فيها تقديم التمضمض على الاستنشاق «5».

و رواية عبد اللَّه بن سنان: «المضمضة و الاستنشاق مما سنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله» «6».

و موثّقة سماعة: سألته عنهما، فقال: «هما من السنة، فإن نسيتهما لم يكن عليك إعادة» «7».

و موثّقة أبي بصير: «هما من الوضوء، فإن نسيتهما فلا تعد» «8».

و المروي في مجالس أبي علي و النهج: «فانظر إلى الوضوء فإنه من تمام

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(2) نقله عن نهاية الإحكام في الذخيرة: 42، نهاية الإحكام 1: 55 ليس فيها دعوى الإجماع.

(3) المدارك 1: 247.

(4) الكافي 3: 70 الطهارة ب 46 ح 6.

(5) أمالي الصدوق: 445- 11، المقنع: 4، ثواب الأعمال: 16، فلاح السائل: 52، المحاسن:

45، فقه الرضا عليه السلام: 69.

(6) التهذيب 1: 79- 203، الاستبصار 1: 67- 202، الوسائل 1: 430 أبواب الوضوء ب 29 ح 1.

(7) التهذيب 1: 78- 197، الاستبصار 1: 66- 197، الوسائل 1: 430 أبواب الوضوء ب 29 ح 2.

(8) التهذيب 1: 78- 200، الاستبصار 1: 67- 200، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء ب 29 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 169

الصلاة، تمضمض ثلاث مرات، و استنشق ثلاثا، و اغسل وجهك» [1] الحديث.

و في ثواب الأعمال «و ليبالغ أحدكم في المضمضة و الاستنشاق» «1».

و في مجالس الصدوق في علل الوضوء: «ثمَّ سنّ

على أمتي المضمضة لينقي القلب من الحرام، و الاستنشاق ليحرم عليهم رائحة النار» «2».

و في خصاله: «المضمضة و الاستنشاق سنّة و طهور للفم و الأنف» «3».

و قصور بعضها سندا مع التسامح منجبر بما مرّ.

فقول العماني: إنّهما ليسا بفرض و لا سنّة «4»، ضعيف شاذ. و كذا الأخبار الموافقة له «5». مع أنّ المصرّح به في أكثرها أنها ليسا من الوضوء، و الظاهر منه أفعاله الواجبة، بل قيل: إنّ الوضوء ليس إلّا الواجب «6».

و يشهد له: المروي في قرب الإسناد: عن المضمضة و الاستنشاق، قال:

«ليس بواجب» «7».

أو المراد أنهما ليسا من أفعال الوضوء مطلقا و إن كانا مستحبين، كالسواك، كما صرّح به الصدوق في الهداية، قال: إنّهما مسنونان خارجان عن الوضوء «8».

و أما رواية الحضرمي: «ليس عليك مضمضة و لا استنشاق، لأنهما من

______________________________

[1] الرواية موجودة في مجالس الشيخ الطوسي: 29، و ليست في مجالس أبي علي و هو ابن الشيخ، و رواها في الوسائل 1: 397 أبواب الوضوء ب 15 ح 19 من مجالس أبي علي، و كثيرا ما يرى مثل هذه النسبة أو عكسها، انظر لتوضيح الحال مقدمة مجالس الطوسي (الطبعة الثانية 1401) للعلامة المرحوم السيد محمّد صادق آل بحر العلوم. و لم نعثر على الرواية في النهج.

______________________________

(1) ثواب الأعمال: 19، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 29 ح 11.

(2) أمالي الصدوق: 160- 1، الوسائل 1: 396 أبواب الوضوء ب 15 ح 17.

(3) الخصال: 611، الوسائل 1: 433 أبواب الوضوء ب 29 ح 13.

(4) نقله عنه في الذكرى: 93.

(5) الوسائل 1: 430 أبواب الوضوء ب 29.

(6) الرياض 1: 26.

(7) قرب الإسناد 176- 648، الوسائل 1: 433 أبواب الوضوء ب 29 ح 14.

(8) الهداية: 17.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 170

الجوف» «1» فلا يفيد إلّا نفي الوجوب.

و كذا رواية زرارة: «ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنّة» «2» لاحتمال كون المراد بالسنّة الواجبة النبوية كما هو الشائع في الصدر الأول، و لا أقلّ من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المعنى المصطلح لها، بل و لا المتشرّعة عند القدماء، و منه يظهر إمكان حملها في كلام العماني عليها أيضا.

ثمَّ أكثر أخبار المقام و إن كان مطلقا إلّا أنّ مقتضى رواية النهج «3»:

استحباب التثليث، و قد حكى في الغنية الإجماع عليه «4»، و في اللوامع: أنّه المعروف منهم، و هو كاف في إثبات الاستحباب. فما قيل من أنّه لا شاهد عليه «5» غير جيّد.

و تدلّ عليه أيضا الرواية المشهورة في حكاية علي بن يقطين، المتقدّمة بعضها: «تمضمض ثلاثا و استنشق ثلاثا» «6».

و ثبوت التقية في بعض ما ذكر معهما لا يضرّ بعد عدم ثبوتها فيهما.

و الاستدلال على التثليث بخبر المعلّى: إن نسي- أي السواك- حتى يتوضّأ، قال: «يستاك- أي بعد الوضوء- ثمَّ يتمضمض ثلاث مرات» «7» ضعيف.

و يجوز الاكتفاء في كلّ منهما بالأقلّ أيضا، لإطلاق أكثر الأخبار، و عدم استلزام استحباب التثليث، لعدم استحباب المطلق.

______________________________

(1) الكافي 3: 24 الطهارة ب 16 ح 3، التهذيب 1: 78- 201، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 29 ح 10.

(2) التهذيب 1: 78- 202، الاستبصار 1: 67- 201، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء ب 29 ح 6.

(3) المتقدمة في ص 169 رقم 1.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(5) المدارك 1: 248.

(6) كشف الغمة 2: 226، الخرائج و الجرائح 1: 335- 26.

(7) الكافي 3: 23 الطهارة ب 15 ح 6، الوسائل 2: 18 أبواب السواك ب 4

ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 171

و هل الأفضل إيقاع الثلاث في كلّ منهما بثلاث غرفات، كما عن التذكرة، و نهاية الإحكام «1»، و في اللوامع، أو لا فيقتصر بغرفة لكلّ منهما كما في نهاية الشيخ، و عن مصباحه و مختصره، و المقنعة، و المهذب، و الوسيلة، و الإشارة «2»، أو بغرفة لهما معا، كما عن ظاهر الاقتصاد، و الجامع، و المبسوط «3» و الإصباح، و في الأخيرين التخيير بين الغرفة و الغرفتين لهما بزيادة الثلاث في كلّ في الأخير؟

مقتضى ظواهر الإطلاقات: جواز الكلّ و تساويه في الفضيلة.

و تستحب المبالغة فيهما بإدارة الماء في جميع الفم و جذبه إلى أعلى الأنف، كما صرّح به في المنتهى و التذكرة «4»، لرواية ثواب الأعمال «5»، و لأنها السبب [1] للتنظيف المعلّل به في خبر الخصال «6».

و لا يلزم إخراج الماء في المضمضة، فلو ابتلعه حصل الامتثال.

ثمَّ مقتضى إطلاق أكثر الأخبار بملاحظة عدم دلالة الترتيب الذكري على الخارجي: عدم الترتيب بينهما، فيجوز تقديم كلّ منهما على الآخر، أو توسيط بعض دفعات كلّ بين الآخر، كما في بعض كتب الفاضل «7».

و عن المشهور تقديم المضمضة بدفعاتها الثلاثة، و هو المحكي عن المقنعة، و المصباح، و مختصره و الوسيلة، و الجامع، و التحرير، و التذكرة، و نهاية الإحكام،

______________________________

[1] في «ح»: أنسب.

______________________________

(1) التذكرة 1: 21، نهاية الإحكام 1: 56.

(2) النهاية: 12، مصباح المتهجد: 7، المقنعة: 43، المهذب 1: 43، الوسيلة: 52، الإشارة:

71.

(3) الاقتصاد: 242، الجامع للشرائع: 34، المبسوط 1: 20.

(4) المنتهى 1: 51، التذكرة 1: 21.

(5) المتقدمة في ص 169.

(6) المتقدم في ص 169.

(7) المنتهى 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 172

و الذكرى، و النفلية، و البيان

«1»، بل في المبسوط أنه لا يجوز تقديم الاستنشاق «2»، و قيل: إنّه كذلك مع قصد المشروعية، لعدم ثبوتها «3».

للشك في شمول الإطلاق له، سيما مع دلالة ظاهر الرواية الأولى «4»- على ما في غير الكافي- على الترتيب، و سيما مع الترتيب الذكري في كثير من الأخبار.

أقول: إثبات استحباب تقديم المضمضة و إن لم يمكن من الأخبار، للأصل، و عدم دلالة الترتيب الذكري على الخارجي، بل عدم دلالة الفعلي المذكور في الأولى على ما في غير الكافي، لجواز كونه أحد فردي المستحب، مع تعارضها بما في الكافي، و لكن لا بأس بإثباته بالشهرة المحكية و فتوى الأجلّة، لأنّ المقام مقام المسامحة، فيكون مستحبا. و لكن لا يثبت منه تقييد استحباب مطلقهما به حتى لا يستحب غير تلك الهيئة و يأثم بقصد المشروعية في غيرها، إذ استحباب التقديم غير مناف لاستحباب المطلق، بل غايته أنه مستحب آخر، فمن تركه أتى بأحد المستحبين. و الشك في شمول الإطلاق لو سلّم لم يضرّ، لمكان الأصل. فالحقّ- كما صرّح في اللوامع- جواز الأمرين و إن استحب تقديم المضمضة.

و يستحب كونهما باليمنى، لما تقدّم.

و يجوزان للصائم و إن كان الأفضل له ترك المضمضة، لمضمرة يونس: «إنّ الأفضل للصائم أن لا يتمضمض» «5».

______________________________

(1) المقنعة 43، مصباح المتهجد 7، الوسيلة: 52، الجامع للشرائع: 34، التحرير 1: 8، التذكرة 1: 21، نهاية الإحكام 1: 56، الذكرى: 93، النقلية: 6، البيان: 50.

(2) المبسوط 1: 20.

(3) القائل هو صاحب الرياض 1: 26.

(4) المتقدمة في ص 168.

(5) الكافي 4: 107 الصيام ب 26 ح 4، التهذيب 4: 205- 593، الاستبصار 2: 94- 304، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 173

و منها: الدعاء عند كلّ من المضمضة و الاستنشاق و غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين و بعد الوضوء بالمأثور، و قول: «الحمد للَّه رب العالمين» بعده.

و كذا تستحب قراءة آية الكرسي في أثر الوضوء، رواه في جامع الأخبار «1» و إنا أنزلناه، رواه في البلد الأمين و اختيار ابن الباقي «2». و في بعض الأدعية اختلاف في كتبه، و الداعي مخير.

و محل الدعاء في المضمضة و الاستنشاق بعد الفعل، لمكان قوله في رواية وضوء أمير المؤمنين عليه السلام: «تمضمض فقال .. و استنشق فقال» «3» بل المستفاد من تلك الرواية كون الدعاء في كلّ فعل بعد الفراغ منه.

و قال والدي- رحمه اللَّه-: و الظاهر تأدّي السنّة بقراءته بعده و في الأثناء أيضا فيما يمكن.

و منها: تثنية الغسلات في كلّ من الوجه و اليدين، كما يأتي بعد ذلك «4».

و منها: بدأة الرجل بظاهر ذراعيه، و المرأة بباطنهما، لخبر ابن بزيع: «فرض اللَّه على النساء في الوضوء أن يبتدئن بباطن أذرعهن و في الرجل بظاهر الذراع» «5» و مثله في الخصال «6».

و يمكن أن يكون المراد منها في الرواية البدأة في كلّ من الغسلتين، كما ذكره

______________________________

(1) جامع الأخبار: 45، المستدرك 1: 321 أبواب الوضوء ب 24 ح 8.

(2) البلد الأمين: 3، و نقله عن اختيار ابن الباقي في البحار 77: 328- 14.

(3) الكافي 3: 70 الطهارة ب 46 ح 6، الفقيه 1: 26- 84، التهذيب 1: 53- 153، الوسائل 1: 401 أبواب الوضوء ب 16 ح 1.

(4) في ص 181.

(5) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 6، التهذيب 1: 76- 193، الوسائل 1: 466 أبواب الوضوء ب

40 ح 1.

(6) الخصال: 585- 12 و فيه: «و تبدأ (أي المرأة) في الوضوء بباطن الذراع و الرجل بظاهره» المستدرك 1: 338 أبواب الوضوء ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 174

جماعة «1»، أو في الغسل حتى تكون الثانية مسكوتا عنها.

و يحتمل الأمران في كلام المشهور أيضا، حيث أطلق فيه البدأة بالظاهر للرجل و بالباطن للمرأة.

و اختار في المبسوط بدأة الرجل في الأولى بالظاهر و في الثانية بالباطن «2»، و هو مختار الإصباح، و الإشارة، و السرائر، و الشرائع، و الغنية، و التذكرة «3»، و في الأخيرين الإجماع عليه، و هو كاف في إثبات المطلوب، للمسامحة. و لا ينافيه اشتهار الإطلاق، لا سيما مع الاحتمال المتقدم.

و منها: إسباغ الوضوء [بمدّ] [1] بالإجماعين «4» و المستفيضة من الروايات، كمرسلتي الفقيه «5»، و صحيحتي زرارة «6» و محمّد «7»، و موثّقة سماعة «8»، و رواية أبي بصير «9».

و لا دلالة في شي ء منها على الوجوب. و لو كان فيجب الحمل على الاستحباب، للاتّفاق و استفاضة الروايات بكفاية مثل الدهن و كف واحد «10».

______________________________

[1] أضفناها لاقتضاء سياق البحث كما يظهر من ملاحظة الروايات التي استدل بها و ما أفاد في المتن حولها، و انظر الرياض 1: 26.

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 51، و صاحب المدارك 1: 249، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 42.

(2) المبسوط 1: 20.

(3) الإشارة: 71، السرائر 1: 101، الشرائع 1: 24، الغنية (الجوامع الفقهية): 554، التذكرة 1: 20.

(4) كما نقله في الرياض 1: 26.

(5) الفقيه 1: 23- 69، 70، الوسائل 1: 481، 483 أبواب الوضوء ب 50 ملحق ح 3 و ح 6.

(6) التهذيب 1: 136- 379، الاستبصار 1: 121- 409،

الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 1.

(7) التهذيب 1: 136- 377، الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 2.

(8) التهذيب 1: 136- 376، 378، الاستبصار 1: 121- 411 و 120- 408، الوسائل 1:

482 أبواب الوضوء ب 50 ح 4.

(9) التهذيب 1: 136- 376، 378، الاستبصار 1: 121- 411 و 120- 408، الوسائل 1:

482 أبواب الوضوء ب 50 ح 5.

(10) انظر الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 52، و الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 175

و الحمل على ما يدخل فيه ماء الاستنجاء أيضا، لأنّ المدّ لا يبلغه الوضوء، كما في الذكرى «1». أو استفادة وجوب غسل الرجلين منه كالعامة، فاسد جدا، لأنّ الوضوء الكامل يكون بأربع عشرة كفا أو ثلاث عشرة، و المدّ لا يزيد على ذلك قطعا، لأنّه رطل و نصف بالمدني و هو مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف درهم، ربع الصاع، و مائة و ثلاثة و خمسون و نصفا، و نصف ثمن بالمثاقيل الصيرفية، و هو أقلّ من ربع المن التبريزي المتعارف الآن في بلدنا، و ما يقاربه، الذي هو ستمائة مثقال صيرفي و أربعون مثقالا. و قد مرّ بيانه في بحث الكر «2».

و منها: السواك، و استحبابه عندنا في نفسه و للوضوء مجمع عليه، و النصوص به في الموضعين مستفيضة «3».

فمن الثاني صحيحة ابن عمار: «عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة» «4».

و مرسلة الفقيه: «السواك شطر الوضوء» «5».

و رواية المعلّى: عن السواك بعد الوضوء، فقال: «الاستياك قبل أن يتوضّأ» قلت: أ رأيت إن نسي حتى يتوضّأ؟ قال: «يستاك ثمَّ يتمضمض ثلاث مرات» «6».

و رواية السكوني: «التسويك بالإبهام و المسبحة

عند الوضوء سواك» «7».

و المروي في المحاسن: «إذا توضّأ الرجل و سوّك ثمَّ قام فصلّى، وضع الملك [فاه على فيه فلم يلفظ شيئا إلّا التقمه» و زاد فيه بعضهم: «فإن لم يستك قام الملك

______________________________

(1) الذكرى: 95.

(2) المتقدمة ج 1 في ص 56.

(3) الوسائل 2: 5، 15، 16 أبواب السواك ب 1 و 2 و 3.

(4) الكافي 8 (الروضة): 79- 33- بتفاوت-، الوسائل 2: 16 أبواب السواك ب 3 ح 1.

(5) الفقيه 1: 32- 114، الوسائل 2: 17 أبواب السواك ب 3 ح 3.

(6) الكافي 3: 23- 6، المحاسن: 561- 947، الوسائل 2: 18 أبواب السواك ب 4 ح 1.

(7) التهذيب 1: 357- 1070، الوسائل 2: 24 أبواب السواك ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 176

جانبا] [1] يستمع إلى قراءته» «1».

و مقتضى الرواية كونه من سنن الوضوء، و ليس فيما دلّ على استحبابه على الإطلاق منافاة لذلك.

و مقتضى الثالثة: كون محلّه قبل الوضوء، فمن نسيه فبعده. و لعلّه مراد من استحبه قبله و بعده.

و يمكن القول بالاستحباب في الموضعين أيضا، لاستفاضة النصوص باستحبابه لكلّ صلاة «2»، فتأمّل.

و الأولى تقديمه على غسل اليدين، لفتوى طائفة من الأعيان بأفضليته «3» و مقتضى الرابعة: جواز الاكتفاء فيه بالإصبع، و تدلّ عليه أيضا مرسلة الكافي: «أدنى السواك أن تدلك بإصبعك» «4».

و لا تنافيها صحيحة علي: عن الرجل يستاك مرة بيده إذا قام إلى صلاة الليل و هو يقدر على السواك، قال: «إذا خاف الصبح فلا بأس به» «5» لجواز أن يكون الشرط للمرة.

و منها: فتح العين، وفاقا للصدوق «6» و جماعة «7»، لمرسلة الفقيه: «افتحوا عيونكم عند الوضوء، لعلّها لا ترى نار جهنم» «8».

و المروي في

نوادر الراوندي: «اشربوا أعينكم الماء عند الوضوء، لعلّها لا

______________________________

[1] ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

______________________________

(1) المحاسن: 561، الوسائل 2: 19 أبواب السواك ب 5 ح 4.

(2) الوسائل 2: 18 أبواب السواك ب 5.

(3) منهم الشهيد في الذكرى: 93، و صاحب الرياض 1: 27.

(4) الكافي 3: 23 الطهارة ب 15 ح 5، الوسائل 2: 24 أبواب السواك ب 9 ح 3.

(5) الفقيه 1: 34- 122، قرب الاسناد: 207- 806، الوسائل 2: 24 أبواب السواك ب 9 ح 1.

(6) المقنع: 7، الهداية: 18، الفقيه 1: 31.

(7) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع: 34، و الشهيد في الذكرى: 94.

(8) الفقيه 1: 31- 104، الوسائل 1: 486 أبواب الوضوء ب 53 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 177

ترى نارا حامية» «1».

و الأمر هنا للندب، لانتفاء الوجوب إجماعا و نصّا في الجوف.

ذكر والدي- رحمه اللّه- في اللوامع: أنّ مرادهم بالفتح و الإشراب ما يحصل به غسل نواحيها، دون ما يوجب إيصال الماء إليها، لنفي الشيخ استحبابه، محتجّا بالإجماع و إيجابه الضرر غالبا «2»، و قد روي أنّ ابن عمر كان يفعله فعمى لذلك «3». و لا بأس به.

و منها: إمرار اليد بالغسل، وفاقا للمشهور، تأسّيا بالحجج، و للمروي في قرب الإسناد: «و لا تغمس في الوضوء، و لا تلطم وجهك بالماء لطما، و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله مسحا، و كذلك فامسح بالماء ذراعيك» «4».

و ضعفه مع عدم القائل يأبى عن إثبات الوجوب به.

و يستحب الاستقبال حال الوضوء أيضا، لقولهم: «خير المجالس ما استقبل به القبلة» «5». و عدم الجلوس في مظان النجاسة، و وجهه ظاهر. و لكن في عدّهما من مستحبات الوضوء بخصوصه- كما فعله

بعضهم- نظر.

البحث الثاني: في مكروهاته

، و هي أيضا أمور:

و منها: الاستعانة بصبّ الماء على الكف، لما مرّ في مسألة المباشرة «6». لا في إحضار الماء و إسخانه، و رفع الثوب عن العضو و نحوها، للأصل و الخروج عن

______________________________

(1) نوادر الراوندي: 39، البحار 77: 336- 9.

(2) الخلاف 1: 85، المبسوط 1: 20.

(3) المغني 1: 118.

(4) قرب الإسناد: 312- 1215.

(5) الشرائع 4: 73، الوسائل 12: 109 أبواب أحكام العشرة ب 76 ح 3.

(6) في ص 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 178

الصبّ المصرّح به في الأخبار «1»، و الشك في شمول التعليل فيها لمثلها.

و منها: التمندل، و هو تجفيف ماء الوضوء من الأعضاء المغسولة بالمنديل، للشهرة بين الأصحاب، بل ظاهر الوفاق كما في اللوامع، و خبر ابن حمران: «من توضّأ فتمندل كانت له حسنة، و إن توضّأ و لم يتمندل حتى يجف وضوؤه، كان له ثلاثون حسنة» «2».

و ضعفه- لو كان- غير ضائر في مقام المسامحة، مع أنّه منجبر بالشهرة.

و مدلوله رجحان ترك التمندل على فعله، و هو بعينه الكراهة بالمعنى المعهود، و الحسنة الواحدة إنّما هي على الوضوء دون التمندل. فالإيراد بأنّه يدلّ على قلّة الثواب دون الكراهة المصطلحة ضعيف.

و أضعف منه: دفعه بأنّ الكراهة في العبادات بهذا المعنى، لأنّ التمندل أمر وراء العبادة.

و الاستدلال على كراهته: بقوله في ثواب الوضوء: «خلق اللَّه من كلّ قطرة ..» «3» باطل، إذ لا يلزم أن تكون القطرة متقاطرة، بل المراد قطرات ماء الوضوء.

خلافا للسيد في شرح الرسالة «4»، و عن الشيخ في أحد قوليه «5» فلم يكرهاه، للأصل، و صحيحة محمّد: «عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف، قال: لا بأس به» «6».

______________________________

(1) الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 47.

(2)

الكافي 3: 70 الطهارة ب 46 ح 4، المحاسن: 429- 250، ثواب الأعمال: 16، الوسائل 1:

474 أبواب الوضوء ب 45 ح 5.

(3) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 521.

(4) نقله عنه في الذكرى: 95.

(5) المبسوط 1: 23، الخلاف 1: 97.

(6) التهذيب 1: 364- 1101، الوسائل 1: 473 أبواب الوضوء ب 45 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 179

و رواية الحضرمي: «لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب إذا توضأ إذا كان الثوب نظيفا» «1».

و موثّقة ابن الفضل: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام توضّأ للصلاة ثمَّ مسح وجهه بأسفل قميصه، ثمَّ قال: «يا إسماعيل افعل هكذا، فإني هكذا أفعل» «2».

و صحيحة ابن حازم: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام و قد توضّأ و هو محرم أخذ منديلا فمسح به وجهه «3».

و المروي في المحاسن: عن التمندل بعد الوضوء، فقال: «كان لعلي عليه السلام خرقة في المسجد ليست إلّا للوضوء يتمندل بها» «4».

و آخر: «كانت لعلي عليه السلام خرقة يعلقها في مسجد بيته لوجهه، إذا توضّأ يتمندل بها» «5».

و ثالث: «كانت لأمير المؤمنين خرقة يمسح بها وجهه إذا توضّأ للصلاة، ثمَّ يعلّقها على وتد و لا يمسها غيره» «6».

و الثانيان لا ينفيان إلّا البأس الذي هو الحرمة، مع أنّ في ثانيهما نفي البأس عن المسح بالثوب، و هو غير التمندل. و منه يظهر ما في الرابع، مع أنه قضية في واقعة، فيجوز أن يكون لضرورة، كشقاق أو خوف شين أو للتقية، فإنه- كما صرّح به جماعة «7»- متداول عند العامة مشتهر بينهم.

______________________________

(1) التهذيب 1: 364- 1102، الوسائل 1: 474 أبواب الوضوء ب 45 ح 2.

(2) التهذيب 1: 357- 1069، الوسائل 1: 474 أبواب الوضوء ب 45

ح 3.

(3) الفقيه 2: 226- 1065، الوسائل 1: 474 أبواب الوضوء ب 45 ح 4.

(4) المحاسن: 429- 247، الوسائل 1: 475 أبواب الوضوء ب 45 ح 7. و فيهما «للوجه» بدل للوضوء.

(5) المحاسن: 429- 248، الوسائل 1: 475 أبواب الوضوء ب 45 ح 8.

(6) المحاسن: 429- 249، الوسائل 1: 475 أبواب الوضوء ب 45 ح 9.

(7) منهم صاحب الرياض 1: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 180

و منه يظهر دفع البواقي، إذ يترجّح ما مرّ عليها، لموافقتها العامة و مخالفتها الشهرة.

و المكروه- كما أشرنا إليه- إنّما هو التمندل كما هو مورد الشهرة و محل الرواية، فلا كراهة في التمسح بالثوب و الذيل و الكم و القميص و التجفيف بالشمس و النار، للأصل.

و منها: نفض المتوضّئ يده، للنبوي العامي: «إذا توضّأتم فلا تنفضوا أيديكم» «1». و كونه عاميا غير ضائر، للمسامحة.

و منها: التوضؤ من إناء فيه تماثيل، للموثّق: عن الطست يكون فيه التماثيل، أو الكوز أو التور يكون فيه تماثيل أو فضة، قال: «لا تتوضّأ منه و لا فيه» «2».

و منها: الوضوء في المسجد عن البول و الغائط، للخبر: عن الوضوء في المسجد، فكرهه من البول و الغائط «3».

و لا ينافي إطلاقه مفهوم خبر بكير: «إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد» «4»، لأنّه إنّما هي إذا كان البأس مستعملا فيما يعم الكراهة مجازا، و هو ليس بأولى من كون المفهوم غير معتبر كذلك.

و منه يظهر عدم إمكان الاستدلال به على كراهة الوضوء من شي ء من الأحداث الواقعة خارجه أيضا.

و منها: التوضؤ ببعض المياه المكروه استعمالها، المتقدم في بحث المياه «5».

______________________________

(1) كنز العمال 9: 453- 26934.

(2) التهذيب 1: 425- 1353، الوسائل 1:

491 أبواب الوضوء ب 55 ح 1.

(3) الكافي 3: 369 الصلاة ب 53 ح 9، التهذيب 3: 257- 719، الوسائل 1: 492 أبواب الوضوء ب 57 ح 1.

(4) التهذيب 1: 353- 1049، الوسائل 1: 492 أبواب الوضوء ب 57 ح 2.

(5) المتقدمة ج 1 في ص 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 181

الفصل الخامس: في أحكامه
اشاره

و هي أمور نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: لا خلاف في وجوب المرة الواحدة في الغسلات،
اشاره

و لا ريب في أداء الواجب بها، للإجماع، و الأصل، و صدق الامتثال، و الوضوءات البيانية، و النصوص المعتبرة، كصحيحة زرارة، و فيها: «فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات، واحدة للوجه و اثنتان للذراعين» «1».

و اخرى: «في الوضوء، إذا مس جلدك الماء فحسبك» «2».

و رواية ابن بكير: «من لم يستيقن أنّ الواحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على الثنتين» «3» و غير ذلك.

و لا في عدم جواز الزائد على الثلاث، لتوقيفية العبادة، و إنّما الخلاف فيما بينهما من الثانية و الثالثة.

أمّا الثانية: فاختلفوا في استحبابها و عدمه، فالأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع في الانتصار «4» و السرائر، و عن الغنية «5»، و نفى عنه الخلاف بعض المحقّقين، و حكاه عن أمالي الصدوق «6»: الأول، للإجماعات المنقولة و الشهرة

______________________________

(1) التهذيب 1: 360- 1083، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.

(2) الكافي 3: 22 الطهارة ب 14 ح 7، التهذيب 1: 137- 381، الاستبصار 1: 123- 417، الوسائل 1: 485 أبواب الوضوء ب 52 ح 3.

(3) التهذيب 1: 81- 213، الاستبصار 1: 71- 218، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 4.

(4) الانتصار: 28.

(5) السرائر 1: 100، الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(6) قد يظهر ذلك من الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك: 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 182

الكافيتين في مقام المسامحة.

و للمستفيضة من المعتبرة، كصحيحتي ابن وهب «1» و صفوان «2»، و رواية زرارة: «الوضوء مثنى مثنى» «3» و زاد في الأخيرة: «من زاد لم يؤجر عليه».

و رواية يونس: «الوضوء الذي افترضه اللَّه» إلى أن قال: «يغسل ذكره و يذهب الغائط، ثمَّ يتوضّأ مرتين مرتين» «4».

و رواية حكاية

وضوء علي بن يقطين، المشهورة «5»، و فيها بعد أمره بالثلاث و غسل الرجلين و تبطين اللحية تقية و ظهور ارتفاعها: «الآن توضّأ كما أمر اللَّه تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى إسباغا، و اغسل يديك من المرفقين كذلك» «6» الحديث.

و المروي في تفسير العياشي كيف يتوضّأ؟ قال: «مرتين مرتين» قلت: كيف يمسح؟ قال: «مرة مرة» «7».

و في رجال الكشي عن داود الرقي بعد أمره- عليه السلام- داود الزربي بالثلاث تقية و ارتفاعها: «يا داود بن زربي! توضّأ مثنى مثنى، و لا تزدن عليه، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك» «8».

______________________________

(1) التهذيب 1: 80- 208، الاستبصار 1: 70- 213، الوسائل 1: 441 أبواب الوضوء ب 31 ح 28.

(2) التهذيب 1: 80- 209، الاستبصار 1: 70- 214، الوسائل 1: 442 أبواب الوضوء ب 31 ح 29.

(3) التهذيب 1: 80- 210، الاستبصار 1: 70- 215، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 5.

(4) التهذيب 1: 47- 134، الوسائل 1: 316 أبواب الوضوء ب 9 ح 5.

(5) المروية في إرشاد المفيد و خرائج الراوندي و كشف الغمّة (منه رحمه اللَّه).

(6) إرشاد المفيد 2: 228- 229، كشف الغمة 2: 226، الوسائل 1: 444 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.

(7) تفسير العياشي 1: 301- 58، المستدرك 1: 327 أبواب الوضوء ب 28 ح 4.

(8) رجال الكشي 2: 600- 564، الوسائل 1: 443 أبواب الوضوء ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 183

و قول القائم عليه السلام في مكاتبة العريضي: «إنّ الوضوء كما أمر اللَّه غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين واحدة، و اثنان إسباغ، و من زاد على الاثنين أثم» [1].

و

قول مولانا الرضا عليه السلام في مكاتبة المأمون كما في العيون: «واحدة فريضة و اثنتان استحباب» «1».

و يدلّ عليه أيضا: مفهوم الشرط في رواية ابن بكير، المتقدّمة «2».

و حمل مرّتين مرّتين و مثنى مثنى في رواياتهما على الغسلتين و المسحتين، أو التجديد، أي: تجويزه مرة و عدم مشروعية وضوءين تجديدا، أو منتهى مرتبة الجواز- كما قيل «3»- بعيد جدّا، بل لا يتحمّله بعضها، كروايات علي بن يقطين و العياشي و الكشي، بل أخبار مثنى مثنى «4»، لمكان مقتضى حقيقة الحمل.

و على الغرفتين- كما في الوافي «5»- غير صحيح، إذ فضلهما لا قول به، و جوازهما لا حدّ له، و الزائد على الثلاث فيه لا إثم عليه.

و على التقية- كما في المنتقى «6»- لا يلائم روايتي علي بن يقطين و الكشي.

خلافا للمحكي عن البزنطي و الكليني، فجعلا الفضل في واحدة واحدة «7».

و أمّا قولهما بعد ذكر ذلك: إنّ من زاد على مرتين لم يؤجر، فلا يفيد ثبوت

______________________________

[1] لم نعثر عليها.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 120، الوسائل 1: 440 أبواب الوضوء ب 31 ح 22.

(2) في ص 181.

(3) الحبل المتين: 24، الذخيرة: 41.

(4) الوسائل 1: 435 أبواب الوضوء ب 31.

(5) الوافي 6: 322.

(6) منتقى الجمان 1: 148.

(7) الكافي 3: 27، نوادر البزنطي (مستطرفات السرائر): 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 184

الأجر للمرتين، إذ مرادهما أنه لم يؤجر على الوضوء، بل وضوؤه باطل، للنهي عنه بخصوصه، و مفهومه: أنه من لم يزد يؤجر على الوضوء، و هذا أعم من أن تكون الثانية مستحبة أم لا. أو مرادهما أنه يؤجر على المرتين، لأنه أحد أفراد المخيّر.

فما ذكره والدي- رحمه اللَّه- من أنّ ما نسب إليهما من

عدم استحباب الثانية خلاف الواقع لذلك، ليس كذلك.

ثمَّ إنه تبعهما على ذلك جماعة من متأخّري المتأخّرين، و هو الظاهر من المدارك، و المنتقى، و البحار، و الوافي، و الهندي في شرح القواعد «1».

للمستفيضة كالرواية: «الوضوء واحدة واحدة» «2».

و الأخرى: عن الوضوء للصلاة، فقال: «مرة مرة» «3».

و الثالثة: عن الوضوء، فقال: «ما كان وضوء علي عليه السلام إلّا مرة مرة» «4».

و مثلها الرابعة، في وضوء النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلم، و زاد فيها:

«و توضّأ النبي مرة مرة، فقال: هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلّا به» «5».

و الخامسة: «إنّ اللَّه وتر يحبّ الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات، واحدة للوجه و اثنتان للذراعين» «6».

______________________________

(1) المدارك 1: 233، منتقى الجمان 1: 148، البحار 77: 273، الوافي 6: 321، كشف اللثام 1: 73.

(2) الكافي 3: 26 الطهارة ب 17 ح 7، التهذيب 1: 75- 189 بتفاوت يسير، الاستبصار 1:

69- 210، الوسائل 1: 435 أبواب الوضوء ب 31 ح 1.

(3) الكافي 3: 26 أبواب الطهارة ب 17 ح 6، التهذيب 1: 80- 206، الاستبصار 1: 69- 211، الوسائل 1: 437 أبواب الوضوء ب 31 ح 6.

(4) الكافي 3: 27 الطهارة ب 17 ح 9، التهذيب 1: 80- 207، الاستبصار 1: 70- 212، الوسائل 1: 437 أبواب الوضوء ب 31 ح 7.

(5) الفقيه 1: 25- 76، الوسائل 1: 438 أبواب الوضوء ب 31 ح 11.

(6) التهذيب 1: 360- 1083، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 185

و السادسة: «الوضوء واحدة فرض، و اثنتان لا يؤجر، و الثالثة بدعة» «1».

و السابعة: «من توضّأ مرتين لم يؤجر» «2».

و الثامنة المروية

في العيون: «الوضوء كما أمر اللَّه في كتابه غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين، و مسح الرأس و الرجلين مرة واحدة» «3».

و التاسعة المروية في البصائر: إني سألت أباك عن الوضوء، فقال: «مرّة مرة» فما تقول أنت؟ فقال: «إنك لن تسألني من هذه المسألة إلّا و أنت ترى أني أخالف أبي، توضّأ ثلاثا و خلّل أصابعك» «4».

و العاشرة المروية في السرائر عن نوادر البزنطي: «وضع يده في الإناء فمسح رأسه و رجليه. و اعلم أنّ الفضل في واحدة واحدة، و من زاد على اثنتين لم يؤجر» «5».

هذا كلّه، مضافا إلى الوضوءات البيانية.

و يجاب عن الأولين: بأنّ مقتضى هذا التركيب: بيان حقيقة الوضوء التي لا تحقّق له بدونها، و نحن نسلّم أنّ حقيقته ذلك، و ذلك لا ينافي استحباب شي ء آخر، كما في قولهم: «الوضوء غسلتان و مسحتان» «6» مع استحباب أمور كثيرة فيه.

نعم، قوله: «مثنى مثنى، و مرتين مرتين» يدلّ على الاستحباب، للإجماع على عدم وجوب التعدّد.

______________________________

(1) التهذيب 1: 81- 212، الاستبصار 1: 71- 217، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 3.

(2) الفقيه 1: 26- 83، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 14.

(3) عيون الأخبار 2: 121، الوسائل 1: 440 أبواب الوضوء ب 31 ح 22.

(4) البصائر لسعد بن عبد اللَّه نقل عنه في البحار 77: 295- 52، الوسائل 1: 445 أبواب الوضوء ب 32 ح 4، و وجدناها في مختصر البصائر: 94.

(5) مستطرفات السرائر: 25- 2، الوسائل 1: 441 أبواب الوضوء ب 31 ح 27.

(6) التهذيب 1: 63- 176، الوسائل 1: 420 أبواب الوضوء ب 25 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 186

و عن الثالثة و الرابعة- مع

معارضتهما مع مرسلة ابن أبي المقدام: «إني لأعجب ممّن يرغب أن يتوضّأ اثنتين و قد توضّأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله اثنتين» «1» و مع إمكان إرادة أنّ وضوء النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لكلّ صلاة ما كانت إلّا مرة، و لذا توقّف الشهيد في استحباب التجديد لصلاة واحدة «2»-:

أنه يمكن أن يكون ذلك لبيان الجواز. بل قيل: إنّ المعلوم من حال النبيّ الاقتصار في العمل على ما وجب، اشتغالا بالأهم، و إظهارا للاستحباب و جواز الترك «3».

مع أنّ في مرسلة مؤمن الطاق: «فرض اللَّه الوضوء واحدة واحدة، و وضع رسول اللَّه للناس اثنتين اثنتين» «4» و في المروي في رجال الكشي: كم عدّة الطهارة؟

فقال: «ما أوجبه اللَّه فواحدة، و أضاف إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم واحدة لضعف الناس، و من توضّأ ثلاثا فلا صلاة له» «5».

و مقتضاهما: أنّ إضافة الثانية للناس لضعفهم و تقصيرهم، فلعلّ الحجج لبراءتهم عنهما لم يقصدوا إليها، و اختص استحبابها بغيرهم، كما احتمله والدي في اللوامع، بل هو الظاهر من كلام العماني و الإسكافي بل المفيد «6».

و أما قوله: «هذا وضوء» إلى آخره، فالظاهر منه أنه لا يصح أقلّ منه، لا أن يجب الاقتصار عليه.

مع أنّه لو أريد عدم الصحة، لخالف مذهب المستدلّ، و خرج الخبر عن الحجية بالشذوذ، و إن أريد المرجوحية، فهي مجاز ليس أولى من غيره، كبيان

______________________________

(1) الفقيه 1: 25- 80، الوسائل 1: 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 16.

(2) الذكرى 96.

(3) القائل هو صاحب الرياض 1: 24.

(4) الفقيه 1: 25- 77، الوسائل 1: 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 15.

(5) رجال الكشي 2: 600- 564، الوسائل

1: 443 أبواب الوضوء ب 32 ح 2.

(6) المقنعة: 46، و نقل عن العماني في المختلف: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 187

الأقل. بل للخبر تتمة في طرق العامة تؤكّد ذلك و هو أنّه: «ثمَّ توضّأ مرتين و قال:

وضوء من ضاعف له الأجر هذا» «1».

مع أنّ حمل الإضافة في الروايتين على العهد و إرادة الوضوء البياني و كونه في مقام بيان أقلّ الواجب ممكن، بل قوله: «هذا وضوء» إلى آخره، يومئ إليه، و به يجمع بينهما و بين مرسلة ابن المقدام.

و عن الخامسة: بعدم منافاة حبّ الوتر من حيث هو لحبّ غيره من جهة أخرى.

مع أنّ نفيه حبّ الغير ليس إلّا بالمفهوم الضعيف، و مع أنه أعم مطلقا من المسألة، فيجب تخصيصه بأخبارها. و الإجزاء المذكور فيه لا يبيّن إلّا منتهى الوجوب.

و عن السادسة و السابعة: بمعارضتهما مع رواية ابن بكير، المتقدّمة «2» بالعموم المطلق، فيجب حملهما على من لم يستيقن إجزاء الواحدة، و زعم وجوب الثانية.

مع إمكان إرادة الوضوء الواحدة لكلّ صلاة، فجوّز التجديد و إن لم يترتّب عليه بخصوصه أجر، بل كان مخيّرا بين الوضوء و الوضوءين، و حرّم الثالثة، كما اختاره الشهيد في الثالثة «3» و احتمله الفاضل فيها «4». و حينئذ و إن عارضتهما إطلاقات التجديد، و لكن على الحمل على الغسلة أيضا تعارضهما أخبار الغسلة الثانية.

و عن الثامنة و التاسعة: بما أجيب عن الأولين.

______________________________

(1) سنن البيهقي 1: 80.

(2) في ص 181.

(3) الذكرى: 94، البيان: 50، الدروس: 93.

(4) التحرير 1: 10، المختلف: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 188

و عن العاشرة: بالمعارضة المذكورة مع الموثّقة [1] فتخصّص بها.

مع أنّ الظاهر أنّ قوله: «و اعلم ..» من كلام البزنطي، و

لا أقلّ من احتماله، فلا حجّية فيه في مقابلة ما مرّ.

و أما البيانيات، فهي في بيان الواجبات، لخلوّها عن كثير من المستحبات.

هذا و قد يردّ هذا القول أيضا: بأنّه لا يجتمع مع رجحان العبادة، إذ جزؤها إمّا واجب أو مستحب، و لا معنى لاتّصافه بالإباحة المطلقة من دون رجحان.

و فيه: أنّ اللازم في العبادة الرجحان الذاتي، و يمكن أن يكون الكلام هنا في الإضافي بالنسبة إلى الواحدة كما في أحد فردي المخيّر.

و يمكن أيضا أن يكون مرادهما بجواز الثانية جوازها لا بقصد الوضوء.

و الحاصل أن يكون كلامهما في هذا الفعل في الوضوء من غير ملاحظة قصد كونه منه، كما قالوا في تكرار المسح «1»، فحرّموا الثالثة فصاعدا و لو بدون قصد الوضوء، للنصوص، كالتكفير في الصلاة، و جوّزوا الثانية إمّا مع المرجوحية كالتمندل، أو بدونها.

و للمحكي في الخلاف و السرائر عن بعض الأصحاب، فقال بعدم مشروعية الثانية «2». و الظاهر- كما صرّح به والدي- رحمه اللَّه- و نقله جماعة «3»- أنه هو الصدوق، فإنّ كلامه في الفقيه صريح في عدم الجواز:

قال: قال الصادق عليه السلام: «ما كان وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إلّا مرة مرة، و توضّأ النبي مرة مرة فقال: هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا

______________________________

[1] كذا في النسخ، و لا يخفى أن المراد بها رواية ابن بكير المتقدمة و هي ليست بموثقة- كما لم يعبر عنها المصنّف بهذا الوصف فيما تقدم- لاشتمالها على زياد بن مروان القندي، و الظاهر ان الكلمة مصحفة: «المتقدمة».

______________________________

(1) سيأتي في ص 192.

(2) الخلاف 1: 87، السرائر 1: 100.

(3) منهم الشهيد في الدروس 1: 93، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 79.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 2، ص: 189

به» فأما الأخبار التي رويت في أنّ الوضوء مرتين مرتين، فأحدها بإسناد منقطع- فنقل مرسلة مؤمن الطاق المتقدمة «1»- فقال: هذا على جهة الإنكار لا الإخبار، كأنه يقول: حد اللَّه حدا، فتجاوز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و تعدّاه، و قد قال اللَّه عزّ و جلّ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ و قد روي: أنّ الوضوء حدّ من حدود اللَّه و أنّ المؤمن لا ينجّسه شي ء و إنّما يكفيه مثل الدهن. و قال الصادق عليه السلام: «من تعدّى في وضوئه كان كناقضه». و في ذلك حديث آخر بإسناد منقطع- ثمَّ نقل رواية ابن أبي المقدام، السابقة «2»- فقال: إنّ النبي كان يجدّد الوضوء لكلّ صلاة. فمعنى هذا الحديث هو: إني لأعجب ممّن رغب عن تجديد الوضوء و قد جدّده النبي. و الخبر الذي روي أنّ من زاد على مرتين لم يؤجر، يؤكد ما ذكرته. و معناه أنّ تجديده بعد التجديد لا أجر له، كالأذان: من صلّى الظهر و العصر بأذان و إقامتين أجزأه، و من أذّن للعصر كان أفضل، و الأذان الثالث بدعة لا أجر له. و كذلك ما روي أنّ المرتين أفضل، معناه التجديد. و كذلك ما روي في مرتين أنه إسباغ- ثمَّ ذكر أحاديث فضل التجديد، فقال: و قد فوّض اللَّه إلى نبيه أمر دينه و لم يفوّض إليه تعدّي حدوده. و قول الصادق عليه السلام: «من توضّأ مرتين لم يؤجر» يعني به أنه أتى بغير الذي أمر به و وعد الأجر عليه، فلا يستحق الأجر. انتهى «3».

و حاصله: حمل أخبار المرة و مرجوحية المرتين على الغسلة و الغسلتين، و أخبار فضل المرتين على التجديد،

و أنّ الثانية في الغسلة غير مأمور بها، و أنّ فاعلها كناقض الوضوء، و أنّ جعلها من الوضوء تعدّ عن حدود اللَّه، فتكون منهيّا عنها و إن لم تكن بنية الوضوء. و لا فرق في ذلك بينها و بين الثالثة و الرابعة فتكون

______________________________

(1) في ص 186.

(2) في ص 186.

(3) الفقيه 1: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 190

حراما.

و على هذا فما ذكره والدي- رحمه اللَّه- من أن نسبة الحرمة إلى الصدوق مخالف للواقع، و ما قاله كثير من المتأخّرين من نسبة جوازها إليه، ليس من موقعه.

و الباعث على ذلك: قوله في باب حدّ الوضوء: و الوضوء مرة مرة، و من توضّأ مرتين لم يؤجر، و من توضّأ ثلاثا فقد أبدع، حيث إنه فرّق بين الثانية و الثالثة بعدم الأجر على الثانية و ارتكاب البدعة في الثالثة.

و الظاهر أنّ مراده من قوله «أبدع» دخل فيما هو بدعة، حيث إن الثالثة مستحبة عند العامة «1»، فهي من بدعهم. أي: ارتكب ما هو بدعة من العامة، و منهي عنه بخصوصه في الروايات، سواء قصد به الوضوء أم لا كما مرّ.

و أما الثانية فلم يبتدعها أحد بخصوصها، و لم ينه عنها كذلك، بل هي غير مأمور بها و غير داخلة في الوضوء. و يلزمها عدم جواز إدخالها فيه بقصد الوضوء، لكونه تعدّيا عن حدود اللَّه.

و كيف كان، فالظاهر عدم الريب في ضعف ذلك القول. و يدلّ عليه أيضا بعد ظاهر الوفاق ما تقدّم من أخبار رجحان الثانية «2». مضافا إلى مستفيضة أخرى دالّة على جوازها و مشروعيتها، كمرسلة مؤمن الطاق «3».

و حملها على الإنكار- كما في الفقيه «4»- خلاف الأصل و الظاهر، و مخالف لما صرّح به في

روايات أخر كما مرّ «5»، و مرسلة ابن أبي المقدام، و المروي في رجال الكشي كما مرّ «6».

______________________________

(1) المهذب في فقه الإمام الشافعي 1: 18، الأمّ 1: 32، المغني 1: 158.

(2) في ص 182.

(3) المتقدمة في ص 186.

(4) الفقيه 1: 25.

(5) المتقدمة في ص 182.

(6) في ص 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 191

و في الخصال: «هذه شرائع الدين» إلى أن قال: «غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين، و مسح الرأس و القدمين إلى الكعبين مرة مرة، و مرتان جائز» «1».

و مستند الصدوق: الأصل أخبار عدم الأجر على المرتين، بانضمام حمل أخبار رجحانهما على التجديدي. و قد عرفت ضعف الكلّ.

هذا كلّه في الغسلة الثانية، و أمّا الثالثة فاختلفوا في حرمتها و عدمها. و الحقّ هو الأول كما عليه المعظم، للأصل في العبادات، و المعتبرة المنجبرة المتقدّمة، كمرسلة ابن أبي عمير «2» و روايات الكشي «3» و العريضي «4» و زرارة «5» و السرائر «6».

خلافا لظاهر من شذ- من دون مستند ظاهر- كالمفيد، حيث جعلها تكلّفا، و الزائد عليها بدعة «7». و القديمين، فجعلاها غير محتاج إليها «8».

قيل: و مال إليه في المعتبر «9»، و هو فرية، لأنّه قال بعد حكمه باستحباب الثانية و كون الثالثة بدعة و نسبة استحبابها إلى العامة: و أما كون الثالثة بدعة:

فلأنّها ليست مشروعة، فإذا اعتقد التشريع أثم، و لأنه يكون إدخالا في الدين ما ليس منه، فيكون مردودا «10».

نعم، قال بعد إتمام المسألة في الفرع الثاني: هل تبطل الطهارة لو غسل

______________________________

(1) الخصال: 603- 9، الوسائل 1: 397 أبواب الوضوء ب 15 ح 18.

(2) التهذيب 1: 81- 212، الاستبصار 1: 71- 217، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح

3.

(3) المتقدمة في ص 186.

(4) المتقدمة في ص 183.

(5) المتقدمة في ص 182.

(6) المتقدمة في ص 185.

(7) المقنعة: 49.

(8) نقله عنهما في المختلف: 22.

(9) القائل هو صاحب الرياض 1: 24.

(10) المعتبر 1: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 192

يديه ثلاثا؟ قيل: نعم، لأنه مسح لا بماء الوضوء. و الوجه: الجواز، لأنه لا ينفك من ماء الوضوء الأصلي. انتهى.

و لا يخفى أنه غير جوازها، و لذا قال بعض من صرّح بحرمتها بعدم بطلان الوضوء معها على الإطلاق، و عدم البأس بمزج ماء الوضوء بغيره في المسح بعد بقاء مائه، و لذا نسب الجماعة إلى المعتبر، القول بعدم إبطال الثالثة للوضوء «1».

و هو كذلك إن لم يحصل المسح بمائها. و لزومه إذا كانت في اليسرى ظاهر، و في الوجه و اليمنى غير ظاهر، لاضمحلاله بما يرد عليه من بقية ماء الوضوء.

فروع:

أ: تحريم الثالثة إنّما هو إذا كان بقصد الوضوء، كما هو ظاهر بعض أخباره.

و إطلاق بعض آخر لا يفيد، لوجوب الاقتصار على موضع انجباره. فلا يحرم لو غسل لا بقصده إلّا أنه يبطل الوضوء بها لو أتى بها في اليسرى.

ب: لا تكرار في المسح عندنا لا وجوبا و لا استحبابا، للأصل، و الإجماعين، و بعض النصوص المتقدّمة «2» المؤيدة بالوضوءات البيانية. و بذلك يقيّد إطلاق ما مرّ من أنّ الوضوء مثنى مثنى أو مرتين.

و لو كرّره لم يأثم إلّا مع قصد المشروعية، و عليه ينزل إطلاق التحريم في كلام الشيخين «3» و ابني حمزة و إدريس «4»، بل كلام الأخير صريح فيه. و يكون حينئذ وضوؤه صحيحا بغير خلاف، كما في السرائر و عن الذكرى «5»، بل إجماعا كما في اللوامع.

و هل يكره بدون ذلك

القصد؟ صرّح به في اللوامع، مدّعيا عليه الشهرة بل

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 1: 234، و صاحب الحدائق 2: 347، و يستفاد من المعتبر 1: 160.

(2) في ص 183- 182.

(3) المفيد في المقنعة: 49، و الطوسي في المبسوط 1: 23، و الخلاف 1: 89، و المصباح: 8.

(4) الوسيلة: 51 السرائر 1: 100.

(5) الذكرى: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 193

الإجماع. و لا بأس به، لكفاية الدعوى في إثباته.

ج: صرّح في اللوامع بجواز التثنية في بعض الأعضاء دون بعض. و هو كذلك، للأمر بالتثنية في كلّ منها على حدة، سيما في روايتي علي بن يقطين و العريضي «1»، و الأصل عدم الارتباط و التوقّف.

و أمّا في جزء من البعض فلا شك في عدم استحبابها، و لا في عدم جوازها بقصد المشروعية، و لا في جوازها لا بقصدها. و لكن يخدش في صحة الوضوء لو أتى به في اليسرى لمكان المسح.

و المناط صدق التثنية عرفا، فلا يضرّ عدم الاستيعاب الحقيقي في الغسلة الأولى إذا صدق غسل كلّ ذلك العضو عرفا.

و كذلك يحرم تثليث بعض الأعضاء بل البعض من البعض. و على هذا فيحصل الإشكال في الغرفات المتعدّدة، سيما إذا استوعب كلّ منها أكثر العضو أو كثيرا منه، إذ لا يشترط إمرار اليد في تحقّق الغسل. و ظاهر الأردبيلي الميل إلى ترك الغرفة الثالثة مطلقا «2»، لعدم معهوديتها.

المسألة الثانية: اللازم في الغسل في الوجه و اليدين مسمّاه عرفا،

فيشترط الجري فيه اختيارا إجماعا، و مطلقا على الأصح بل الأشهر، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «3».

للأصل، و استصحاب الحدث، و عدم صدق الغسل المأمور به بدونه، لعدم حصوله إلّا به فيثبته أوامر الغسل.

و بها و بما دلّ على اشتراط الجري كمفهوم حسنة زرارة، الآتية، و الأخرى:

«فما جرى عليه

الماء فقد أجزأه» «4» و صحيحة محمد في اغتسال الجنب: «فما جرى

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 183- 182.

(2) مجمع الفائدة 1: 116.

(3) قاله في الرياض 1: 19.

(4) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 3، التهذيب 1: 133- 368، الوسائل 1: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 194

عليه الماء فقد طهر» «1» تقيّد إطلاقات الدهن و كفاية مسّ الماء للجلد «2».

و تؤيد المطلوب أيضا: صحيحة علي: فيمن أصابه المطر و ابتلّت أعضاء وضوئه: «إن غسله فإنّ ذلك يجزيه» «3».

و يكفي أقلّه، بأن ينتقل كلّ جزء من الماء من محله إلى غيره، كما ذكره الفقهاء إمّا صريحا، أو بتمثيلهم بالدهن الذي لا يزيد عنه غالبا، لصدق الغسل معه، و لذا ورد كفاية مثل ما على الحشفة في غسل البول «4».

و لحسنة زرارة: «الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه» «5».

و صحيحته في الوضوء: «إذا مس جلدك الماء فحسبك» «6».

و مرسلة الكليني: في رجل كان معه من الماء مقدار كف و حضرت الصلاة فقال: «يقسّمه أثلاثا ثلث للوجه، و ثلث لليد اليمنى، و ثلث لليسرى» «7».

و الأخبار المصرّحة بكفاية مثل الدهن في الوضوء أو الغسل «8»، فإنّ التدهين يتحقّق بمثل هذا الجري أيضا، فتشمله أخباره.

______________________________

(1) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(2) الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 52.

(3) التهذيب 1: 359- 1082، الاستبصار 1: 75- 231، الوسائل 1: 454 أبواب الوضوء ب 36 ح 1.

(4) الوسائل 1: 343 أبواب أحكام الخلوة ب 26.

(5) الكافي 3: 21 الطهارة

ب 14 ح 4، التهذيب 1: 137- 380، الاستبصار 1: 123- 416، الوسائل 2: 24 أبواب الجنابة ب 31 ح 3.

(6) الكافي 3: 22 الطهارة ب 14 ح 7، التهذيب 1: 137- 381، الاستبصار 1: 123- 417، الوسائل 1: 485 أبواب الوضوء ب 52 ح 3.

(7) الكافي 3: 27 الطهارة ب 17 ح 9، الوسائل 1: 438 أبواب الوضوء ب 31 ح 9.

(8) الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 195

و الرواية الواردة في بقاء لمعة من جسد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أخذه الماء من بلل شعره و مسحه ذلك الموضع مروية في نوادر الراوندي و غيره «1».

و الرضوي: «و أدنى ما يكفيك و يجزيك من الماء ما يبلّ به جسدك مثل الدهن» «2».

خلافا في الأول [1] للمقنعة و النهاية «3» و صريح والدي العلّامة، فاكتفوا بمجرد البلل الخالي عن الجري حال الضرورة، مع إمكان حمل كلام الأولين على الاجتزاء بأقلّ الجري حال الضرورة، فيوافقان في حال الاضطرار لما عليه الشهرة، و في الاختيار لما يأتي من مختار الناصرية «4».

و استدلّ والدي- رحمه اللَّه- بمطلقات أوامر الغسل المتوقّف على الجريان، و إطلاقات كفاية البل، كخبري الغنوي: «يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما بلّت يمينك» «5» كما في أحدهما و «ما بللت يدك» «6» كما في الآخر.

و صحيحة زرارة، المتقدّمة «7»، و صحيحة محمّد: «يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده، و الماء أوسع من ذلك» «8» و أخبار الدهن الظاهرة فيما لا يتحقق معه الجريان.

بتخصيص أول الإطلاقين بحال الاختيار، للإطلاقات الثانية المقيدة بحال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    196     المسألة الثانية:

اللازم في الغسل في الوجه و اليدين مسماه عرفا، ..... ص : 193

____________________________________________________________

[1] المراد من الأوّل، اعتبار الجري، و المراد من الثاني- الآتي في كلامه- كفاية أقلّ الجري و لو بمثل التدهين.

______________________________

(1) نوادر الراوندي: 39.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 83، المستدرك 1: 348 أبواب الوضوء ب 44 ح 1.

(3) النهاية: 15، و لم نعثر عليه في المقنعة.

(4) في ص 198.

(5) الكافي 3: 22 الطهارة ب 14 ح 6، الوسائل 1: 241 أبواب الجنابة ب 31 ح 4.

(6) التهذيب 1: 138- 386، الاستبصار 1: 122- 415.

(7) في ص 194.

(8) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 3، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 196

الاضطرار إجماعا، فتكون أخص منه، فيقيّد بها.

و لما [1] بعد الاستثناء في صحيحة الحلبي: «أسبغ الوضوء إن وجدت ماء و إلّا فإنّه يكفيك اليسير» «1» قال- رحمه اللَّه-: و اليسير بإطلاقه يتناول ما لا جري معه.

و لمرسلة الكليني، السابقة «2»، و صحيحة علي: عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجا و صعيدا، أيّهما أفضل أ يتيمّم أم يتمسّح بالثلج وجهه؟ قال: «الثلج إذا بلّ رأسه و جسده أفضل، فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمّم» «3».

و خبر ابن شريح: يصيبنا الدمق و الثلج و نريد أن نتوضّأ و لا نجد إلّا ماء جامدا، فكيف أتوضّأ أدلك به جلدي؟ قال: «نعم» «4».

و تخصيص [2] ثانيهما بحال الاضطرار، للإجماع، و لما قبل الاستثناء من صحيحة الحلبي، و للإطلاقات الأولى المقيّدة بحال الاختيار بالأخبار المذكورة.

و يجاب عنه: بضعف كلّ من التخصيصين.

أما الأول: فلعدم صلاحية ما ذكر له.

أما الإطلاقات

الثانية: فلأنها إنما يعلم تقييدها بحال الاضطرار إجماعا لو اختصّت بالبلّ الخالي عن الجريان المباين للغسل، و ليس كذلك بل أعم منه.

______________________________

[1] عطف على قوله: «للإطلاقات» و هكذا قوله الآتي: «و لمرسلة».

[2] عطف على قوله قبل سطور: «بتخصيص أوّل الإطلاقين ..».

______________________________

(1) التهذيب 1: 138- 388، الاستبصار 1: 123- 418، الوسائل 1: 485 أبواب الوضوء ب 52 ح 4.

(2) في ص 194.

(3) التهذيب 1: 192- 554، الاستبصار 1: 158- 547، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10 ح 3.

(4) التهذيب 1: 191- 552، الاستبصار 1: 157- 543، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10 ح 2 الدمق- محرّكة-: ريح و ثلج. القاموس 3: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 197

أمّا ما تقدّم على صحيحة محمّد فظاهر. و أمّا هي و ما يعقبها: فلتحقّق أقل الجري بالتدهين أيضا- كما مرّ «1»- و لو كان بقدر الراحة كما في الصحيحة. مع أنّه لا دلالة فيها على مطلوبهم، لعدم خلوّها عن ضرب من الإجمال، و على هذا فتقييدها بالبلّ المشتمل على الجري المتضمّن مع الغسل، و إبقاء الحالة على عمومها بالإجماع، ليس بأولى من تقييدها بحالة الاضطرار به [1]، فلا يعلم منافاتها للإطلاق [2] الأول حتى يقيّد بها.

و أما ما بعد الاستثناء في الصحيحة «2»: فلاحتمال أن يراد منه اليسير من الغسل و لا شك أنّه أيضا لا يتحقّق إلّا مع الجريان.

مع أنّه لو أريد اليسير من الماء أيضا، لم يكن مقيّدا، لأنّه أعمّ ممّا يتحقق معه الجري، فيعارض الإطلاق الأول بالعموم من وجه، فلا يكون أخصّ منه حتى يقيده، و الترجيح للإطلاق [3]، لموافقة الكتاب و الأصل و الشهرة.

و أمّا المرسلة «3»: فلأنّ الظاهر تحقّق أقلّ الجريان

في كلّ موضع بثلث الكف، كيف مع أنّه تظهر من صحيحة محمد كفاية أقلّ من كف من الدهن لتمام الجسد «4».

و أما الخبران الأخيران: فلأنّ ظاهرهما المسح بالثلج و الجمد. و لم يقل به أحد، كما يأتي في بحث التيمم.

______________________________

[1] كذا في جميع النسخ، و لعلّ المناسب تغيير العبارة هكذا: و على هذا فتقييدها بحالة الاضطرار بالإجماع، ليس بأولى من تقييدها بالبلّ المشتمل على الجري المتضمّن مع الغسل، و إبقاء الحالة على عمومها.

[2] في «ق» للإطلاقات.

[3] في «ق» للإطلاقات.

______________________________

(1) في ص 194.

(2) يعني صحيحة الحلبي المتقدمة في 196 رقم 2.

(3) يعني مرسلة الكليني المتقدمة في ص 194.

(4) المتقدمة ص 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 198

مع أنّهما معارضان مع صحيحتين أخريين آتيتين في ذلك البحث، دالّتين على وجوب الانتقال إلى التيمم في مثل تلك الحال.

و أمّا التخصيص الثاني: فلمثل ما مرّ أيضا من عدم صلاحية ما ذكر لبيانه.

أمّا الإجماع: فلما عرفت.

و أمّا ما قبل الاستثناء من الصحيحة: فلأنّ الإسباغ غير الغسل، بل هو نوع منه غير واجب إجماعا فتوى و نصا.

و أمّا الإطلاقات: فلعدم ثبوت تقييدها بحال الاختيار كما مرّ.

و إذ عرفت ضعف التخصيص فيحصل التعارض بين الإطلاقين بالعموم من وجه. و الترجيح للأول، لما مرّ من موافقة الكتاب و الشهرة، بل الإجماع، لما عرفت من الاحتمال في كلام الشيخين «1»، مع أنّه لولاه لكان المرجع إلى أصل الاشتغال و استصحاب الحدث.

و خلافا في الثاني لظاهر المدارك، فإنّ ظاهره عدم صدق الغسل عرفا بمثل ذلك الجري «2»، و هو ظاهر الناصريات حيث قال- بعد ذكر وجوب فعل ما يسمّى غسلا-: و أما الأخبار الواردة بأنّه يجزئك و لو مثل الدهن، فإنّها محمولة على دهن

يجري على العضو و يكثر عليه حتى يسمّى غسلا و لا يجوز غير ذلك. انتهى «3».

فإنّ الظاهر من قوله: و يكثر عليه، اشتراط أكثر من هذا الجري، فإنه لا يقال للقدر من الماء الذي ينتقل من جزء واحد: إنه يكثر عليه.

و هو الظاهر من الحلّي «4» أيضا.

و دليلهم- كما أشير إليه- عدم صدق الغسل عرفا على مثله. و هو ممنوع كما

______________________________

(1) المتقدم في ص 195.

(2) المدارك 1: 235.

(3) الناصريات «الجوامع الفقهية»: 188.

(4) السرائر 1: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 199

مرّ «1»، بل الظاهر أنه لولاه، لما تحقّق الغسل الواجب لكلّ جزء من كلّ عضو بالغرفة الواحدة المجزية إجماعا.

ثمَّ إنه يجب العلم بحصول أقلّ الجري في كلّ جزء جزء من المواضع، كما تدلّ عليه الروايات المتقدّمة في غسل اليد «2»، المصرّحة بوجوب غسل كلّ جزء و إجراء الماء أو إدخاله تحت الخاتم و نحوه، و الأولى بلّ الموضع أوّلا ليجري عليه الماء بسهولة.

المسألة الثالثة: إذا كان بعض أعضاء الطهارة مؤوفا بغير القطع،
اشاره

من نحو كسر أو قرح أو جرح: فإمّا يكون في موضع الغسل أو المسح.

فإن كان في موضع الغسل: فإما لا تكون عليه جبيرة من خشب أو خرقة أو دواء أو غيرها أو تكون، فإن كانت عليه، فإمّا لا يمكن غسل ما تحتها بنزع أو تكرير أو وضع في الماء من غير ضرر و لا مشقة أو يمكن، فإن أمكن ذلك بأحد الوجوه الثلاثة، وجب إجماعا، اتّباعا لأوامر الغسل.

و في التخيير بين الثلاثة، كجماعة منهم: الفاضل في التحرير و النهاية «3»، و الكركي «4»، و الدروس و البيان «5»، بل في اللوامع الإجماع عليه، للأصل، و حصول الغسل، و إطلاق موثّقة عمّار: في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا

يقدر أن يمسح عليه لحال الجبر إذا جبر، كيف يصنع؟ قال:

«إذا أراد أن يتوضّأ فليضع إناء فيه ماء و يضع الجبيرة في الماء حتى يصل الماء إلى جلده، و قد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه» «6».

______________________________

(1) في ص 194.

(2) في ص 100.

(3) التحرير 1: 10، نهاية الإحكام 1: 64.

(4) جامع المقاصد 1: 233.

(5) الدروس 1: 94، البيان: 51.

(6) التهذيب 1: 426- 1354، الاستبصار 1: 78- 242، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 200

أو الترتيب فينزع وجوبا مع الإمكان، و إلّا فالتكرير أو الوضع، كالتذكرة «1»، بل ظاهر التهذيب [1] و النهاية [2]، بل المعتبر و المنتهى «2»، بل عليه دعوى الإجماع كما ذكره في اللوامع، و جعله جمع من مشايخنا الأحوط «3».

لحسنة الحلبي: عن الرجل تكون القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من مواضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضّأ و يمسح عليها إذا توضّأ؟ فقال: «إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها» و عن الجرح كيف يصنع به في غسله؟ قال: «يغسل ما حوله» «4».

و الرضوي: «إن كان بك في المواضع التي يجب عليها الوضوء قرحة أو دماميل و لم يؤذك فحلّها و اغسلها، و إن أضرّك حلّها، فامسح يدك على الجبائر و القروح، و لا تحلّها و لا تعبث بجراحتك» «5».

قولان [3]، أظهرهما: الأخير، لما ذكر. و به يدفع الأصل و إطلاق الغسل.

و لا يعارضه الموثّق، لتقييده بعدم القدرة على المسح على الموضع لأجل الجبيرة، و لا يكون ذلك، إلّا مع تعذّر النزع. و أمّا مجرد وجوده فغير مناف للقدرة كما لا تنتفي بوجود

حائل آخر ممكن الرفع.

و ها هنا قول آخر محكي عن الذخيرة، و هو: تقدّم النزع و التكرير على

______________________________

[1] التهذيب 1: 426، و فيه: وجوب النزع إن أمكن و الا فيمسح على الجبائر، نعم يستحب في صورة عدم إمكان النزع وضع موضع الجبيرة في الماء.

[2] النهاية: 16 و فيها وجوب النزع إن أمكن و الا فالمسح عليها و لم يذكر الوضع و لا التكرير.

[3] هذا مبتدأ مؤخر و خبره قوله «و في التخيير» المتقدم.

______________________________

(1) التذكرة 1: 21.

(2) المعتبر 1: 161، المنتهى 1: 72.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 24.

(4) الكافي 3: 33 الطهارة ب 21 ح 3، التهذيب 1: 362- 1095، الاستبصار 1: 77- 239، الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39 ح 2. و في الجميع: «اغسل ما حوله» بصورة الأمر.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 69، المستدرك 1: 337 أبواب الوضوء ب 34 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 201

الوضع «1».

و لم أقف على دليل له إلّا ما ادّعاه من الإجماع، و هو غير ثابت.

نعم، لم يذكر جماعة الوضع أصلا «2».

و عن الشيخ في كتابي الحديث عدم وجوبه، حيث حمل الموثّق على الاستحباب عند المكنة و عدم الضرورة «3».

و إن لم يمكن غسل ما تحتها بأحد الوجوه الثلاثة، يمسح على الجبيرة و يغسل ما حولها وجوبا، سواء أمكن مع ذلك حلّ الجبيرة أولا، اتّفاقا محققا و منقولا، كما عن الخلاف «4» و في المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و المدارك «5»، مع عدم إمكان الحل، و على الأظهر معه.

للإجماع في الأول، و للمستفيضة فيهما، منها: الحسنة و الرضوي المتقدّمان و حسنة كليب و الوشاء.

الأولى: عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: «إن

كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره» «6».

و الثانية: عن الدواء إذا كان على يد الرجل يجزيه أن يمسح عليه؟ قال:

«نعم، يجزيه أن يمسح على طلي الدواء» «7».

و المروي في تفسير العياشي: عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضّأ صاحبها، و كيف يغتسل إذا أجنب؟ قال: «يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة

______________________________

(1) الذخيرة: 37.

(2) منهم الشهيد في الدروس 1: 94، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 233.

(3) التهذيب 1: 426، و الاستبصار 1: 78.

(4) الخلاف 1: 159.

(5) المعتبر 1: 161، و 162، المنتهى 1: 72، التذكرة 1: 21، المدارك: 37.

(6) التهذيب 1: 363- 1100، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 8.

(7) التهذيب 1: 364- 1105، الاستبصار 1: 76- 235، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 202

و الوضوء» «1».

و لا تعارض تلك الأخبار روايات التيمّم «2»، لأنّها بين ظاهرة في المجرد عن الجبيرة أو مطلقة بالنسبة إليه، و هذه خاصة بذي الجبيرة.

و لا الروايات المقتصرة بغسل ما حول الجرح، كذيل حسنة الحلبي، المتقدّمة، و صحيحة ابن سنان: عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال: «يغسل ما حوله» «3».

و مرسلة الفقيه: و روي في الجبائر أنه يغسل ما حولها «4».

و صحيحة البجلي: عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟ قال: «يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله، و لا ينزع الجبائر و لا يعبث بجراحته» «5».

لأنّ إيجاب غسل ما حوله و عدم العبث بالجراحة و عدم غسلها لا ينافي وجوب

المسح إذا كان ثابتا من دليل آخر.

و قوله في الصحيحة: «و يدع ما سوى ذلك» أي من الجسد بقرينة قوله:

«ممّا لا يستطيع غسله و لا يعبث بجراحته» فلا ينافي المسح على الجبيرة التي هي غير الجسد.

مع أنّ الظاهر منه أنه يدع غسله فلا منافاة أصلا، و لو منع الظهور فلا أقلّ

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 236- 102، الوسائل 1: 466 أبواب الوضوء ب 39 ح 11.

(2) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.

(3) الكافي 3: 32 الطهارة ب 21 ح 2، التهذيب 1: 363- 1096، الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 3.

(4) الفقيه 1: 29- 94، الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 4.

(5) الكافي 3: 32 الطهارة ب 21 ح 1، التهذيب 1: 362- 1094، الاستبصار 1: 77- 338، الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 203

من الاحتمال فلا يعارض.

مع أنه على فرض الدلالة فللمعارضة مع ما مرّ غير صالحة، لمخالفته في الجملة لعمل المعظم بل الكلّ الموجبة لشذوذها.

و توهّم فتوى الصدوق و الكليني- طاب ثراهما- بمضمونها «1» و حمل أخبار المسح على الاستحباب فاسد.

نعم، اختاره واحد من متأخري المتأخرين «2» و مال إليه آخر «3»، و لا يعبأ بهما.

و بذلك الإجماع تقدّم تلك الأخبار على الآية فيما إذا صدق على صاحب الكسر أو نحوه المريض و إن تعارضا بالعموم من وجه. مع أنّ المرض (لغة) [1] إما هو السقم خاصة- كما هو صريح بعض اللغويين «4»- فلا تعارض بينهما أصلا، لتغاير السقم و الكسر و نحوه كما هو ظاهر، أو يكون شاملا لجميع الآفات حتى الكسر و نحوه- كما هو المحتمل- و يكون

المتّصف بها أيضا مريضا لغة و إن لم يكن كذلك عرفا، و لا يضرّ لتأخّر الحادث، فتكون الآية أعم مطلقا يجب تخصيصها.

و إن لم تكن على الموضع جبيرة و آذاه الماء، فالحقّ فيه التخيير بين أحد الأمور الثلاثة: المسح على الجبيرة بوضع شي ء على الموضع و مسحه، و إمّا التيمم، و إمّا الاكتفاء بغسل ما حول الموضع.

أمّا جواز المسح على شي ء وضعه على الموضع: فلحسنة الحلبي، المتقدّمة «5»، دلّت بإطلاقها على المسح بالخرقة المعصوبة مع إيذاء الماء، سواء كانت على الموضع قبل إرادة الوضوء، أو عصبها حينها مع تجرّد الموضع أوّلا.

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 37، و الحدائق 2: 382.

(2) مجمع الفائدة 1: 111.

(3) المدارك 1: 238.

(4) منهم الجوهري في الصحاح 3: 1106.

(5) في ص 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 204

و أمّا عدم تعيّن ذلك حتى يجب الوضع: فللأصل و عدم الدليل.

فإن قلت: قوله: «فليمسح على الخرقة» يدلّ على وجوبه المتوقّف امتثاله على الوضع.

قلنا: الثابت منه وجوبه على من سئل عنه أي من يعصبها (و يتوضّأ، الذي هو مرجع المستتر) [1] و هو كذلك، لا على من لم يعصبها.

فإن قلت: فيلزم أنّ من عليه جبيرة يمكن حلّها لو حلّها كان حكمه التخيير أيضا، و لم يتعيّن عليه المسح على الجبيرة، لعدم دليل على وجوب الوضع.

قلت: الدليل فيه استصحاب وجوب المسح على الخرقة الموقوف على وضعها، بخلاف من ليست عليه، فإنّه لم يثبت وجوب عليه حتى يستصحب.

و أمّا جواز التيمم: فلمطلقاته كالمرسلة: «يؤمم المجدور و الكسير إذا أصابتهما الجنابة» «1».

و الأخرى: «المجدور و الكسير يؤممان و لا يغسلان» «2».

و الثالث: «يتيمّم المجدور و الكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة» «3».

و الرابعة: «في

الكسير و المبطون يتيمّم و لا يغتسل» «4».

و الصحيحة: في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح، أو يخاف على نفسه من البرد، فقال: «لا يغتسل و يتيمم» «5».

و الأخرى: عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب، قال: «لا بأس بأن

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق».

______________________________

(1) التهذيب 1: 185- 533، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 10.

(2) الفقيه 1: 59- 217، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 12 بتفاوت يسير.

(3) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 2، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 4.

(4) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 5، الفقيه 1: 59- 217، و 218، التهذيب 1: 184- 529، الوسائل 2: 346 أبواب التيمم ب 5 ح 2.

(5) التهذيب 1: 196- 566، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 205

لا يغتسل، يتيمّم» «1».

و الموثّقة: في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة، قال: «لا يتيمم» «2».

و المروي في الدعائم: «من كانت به قروح أو علّة يخاف منها على نفسه يتيمّم» «3».

دلّت على جواز التيمم لكلّ من كانت به قروح أو كسر أو علّة، خرج من به جبيرة أو خرقة بما مرّ، و أمّا الخالي عنهما فتبقى فيه مطلقات التيمّم خالية عن المعارض، فيجوز له التيمّم، لها. و وضع شي ء و عصبه على الموضع، للأصل الخالي عن المعارض أيضا. و بعده يجب عليه المسح عليها، للحسنة «4».

و لا يندفع ذلك الأصل بمطلقات التيمّم، لعدم دلالتها على الزائد على مشروعيته، لخلوّها عن الدالّ على وجوبه و حرمة الغسل.

و منه يظهر وجه عدم تعيّن التيمم عليه

أيضا.

و أمّا جواز الاكتفاء بغسل ما حول الموضع فقط حينئذ: فلمطلقاته المتقدّمة «5»، فإنها شاملة بإطلاقها للمجرد عن الجبيرة و المشغول بها، زيد في الثاني المسح على الجبيرة لأوامره، و أما الأوّل فلا دليل على وجوب أمر آخر فيه من وضع الخرقة و المسح عليها.

و لا تنافيها أخبار التيمّم، لعدم إثباتها الأزيد من المشروعية كما مرّ. كما لا تنافي أخبار غسل ما حوله أيضا أخبار التيمم، لذلك.

______________________________

(1) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 1، التهذيب 1: 184- 530 بتفاوت يسير، الوسائل 2: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 5.

(2) التهذيب 1: 185- 532، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 9.

(3) الدعائم 1: 121، المستدرك 2: 527 أبواب التيمم ب 4 ح 2.

(4) أي حسنة الحلبي المتقدمة في ص 200.

(5) في ص 202.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 206

لا يقال: «اغسل ما حوله» في آخر الحسنة- كما في أكثر النسخ- أمر مفيد للوجوب فيعيّنه و يعارض مشروعية التيمم.

لأنّا نقول: إنّ السؤال إنّما وقع في غسله، حيث قال: كيف يصنع به في غسله؟ فلا يفيد إلّا وجوب غسل ما حولها إذا غسل لا مطلقا.

و الحاصل: أنّ ها هنا أمورا ثلاثة كلّها واردة على المورد من دون مدافعة بعضها لبعض: أصالة جواز العصب و الوضع الموجب للمسح على الجبيرة بضميمة الحسنة، و مجوّزات التيمّم، و مطلقات غسل ما حول الموضع، فيجوز العمل بكلّ منها فيه و هو معنى التخيير.

هذا إذا كان عدم إمكان غسل الموضع لإيذاء الماء، و إلّا كما إذا لم يحتبس الدم ففي شمول الحسنة له محل كلام، فينحصر الأمر بين التيمّم و غسل ما حوله، إلّا إذا قلنا بعدم اشتراط طهارة

محل الوضوء فيتوضّأ إن أمكن.

لا يقال: القول بالتخيير و إن كان موجودا، و لكنه إمّا في المجبور مطلقا بين التيمّم و الجبيرة، أو بينه و بين غسل ما حولها، أو في المجرد بين الأوّلين، كما هو محتمل كلام المبسوط في مبحثي الوضوء و التيمم «1»، أو فيه بين الأخيرين، فالقول بالتخيير بين الثلاثة خرق للإجماع.

لأنّا نقول: دعوى الإجماع في مثل المقام شطط من الكلام و جزاف تام، فإنّ في كلام كثير منهم في المسألة إجمالا لا يحصل منه تمام المرام.

و دعوى أنّ التيمّم إنّما هو مع العجز عن المائية مطلقا دعوى بلا بيّنة، و للمطلقات السالفة مخالفة، بل نقول: إنّه يشرع معه، و قد يشرع أيضا مع العجز عن إكمال المائية، كما قد لا يشرع معه أيضا كما في المسح على الخفين، أو بالبلّة الجديدة، أو في المواضع المقطوعة.

______________________________

(1) المبسوط 1: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 207

هذا، ثمَّ لو أمكن في المجرد مسح العضو من غير ضرر و إن لم يمكن غسله فهل يجب أو الحكم التخيير المتقدّم؟

الحق هو الثاني، لعدم دليل على وجوب المسح بل و لا على مشروعيته.

و الرضوي غير دالّ عليه، لأنّ فيه أنّه «و إن أضرّك حلّها، فامسح على الجبائر و القروح» «1» و هو يدلّ على وجود شي ء، فالمراد بالمسح على القروح المسح على ما عليها.

و قيل بالأوّل «2»، تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة، و لتضمّن الغسل إيّاه، فلا يسقط بتعذّر أصله، و لمثل قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «3».

و في الأوّل: منع وجوب تحصيل الأقرب.

نعم، قد يقال بذلك في معاني الألفاظ و هو غير المورد، مع أنّ فيه أيضا كلاما.

و في الثاني: منع تضمّن الغسل إيّاه، فإنّه قد

يتحقّق بدون المسح فلا أمر بالمسح أصلا.

سلّمنا و لكن الأمر به تبعي يفوت بفوات الأصل.

و في الثالث: ضعف الدلالة كما بيّناه في محلّه.

و من هذا يظهر فساد التمسك بتلك الأدلّة لإيجاب المسح على الجبيرة في المجرد أيضا، مع أنّ صدق الجبيرة الواردة في الأخبار على كلّ خرقة محل كلام.

و إن كانت الآفة في موضع المسح و كانت عليه جبيرة، فأمكن نزعها و مسح الموضع، وجب.

و إن لم يمكن، فإن أمكن تكرير الماء أو الوضع فيه فالظاهر التخيير بينه

______________________________

(1) تقدم ص 200.

(2) الرياض 1: 24.

(3) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 208

و بين المسح على الجبيرة، لدلالة الموثقة «1» على الأول، و أخبار الجبيرة «2» على الثاني، و التعارض بالعموم من وجه، لاختصاص الأولى بما أمكن فيه التكرير و الوضع، و الثانية بما لم يمكن في مواضع الغسل، و لا ترجيح، فالحكم التخيير.

و إن لم يمكن شي ء من الأمرين، مسح على الجبيرة وجوبا، لأخبارها.

و إن لم تكن عليه جبيرة، فالظاهر التيمم، لأخباره الفارغة عن المعارض في المقام «3».

و أمّا وضع شي ء و المسح عليه فلا دليل له.

و أمّا حسنة الحلبي «4» فالظاهر من قوله في آخرها: «فليغسلها» أنّ القرح في موضع الغسل، بل يحتمله قوله: «و نحو ذلك من مواضع الوضوء» بأن تكون لفظة «من» تبعيضية، و المراد نحوه من مواضع الغسل.

هذا كلّه إذا كانت الجبيرة أو الموضع المجرد عنها و ما حولهما خالية عن النجاسة. و إلّا فإن كانت النجاسة مما لا جرم لها يمنع من وصول الماء، فعلى القول بعدم ثبوت اشتراط طهارة موضع الوضوء سيما على الإطلاق الشامل للمقام أيضا- كما هو الظاهر- فالحكم ما مرّ من غير

تفاوت، فمع الجبيرة يمسح عليها وجوبا، و بدونها يتخيّر بين الثلاثة.

و أما على القول باشتراط طهارة موضعه حتى الجبيرة، فقالوا: إن كانت النجاسة متعدية إلى ما حول الموضع أيضا، يتيمّم. و إن كانت مختصة بالجبيرة أو الموضع دون ما حوله، يجب وضع شي ء طاهر على أحدهما و المسح عليه، و ادّعوا عليه الإجماع، فإن ثبت، و إلّا فلا دليل على ذلك الوضع.

و مقتضى القاعدة: التخيير بين الاكتفاء بغسل ما حوله و بين التيمّم،

______________________________

(1) المتقدمة في ص 199.

(2) المتقدمة في ص 201.

(3) راجع ص 204.

(4) المتقدمة في ص 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 209

لخلوّهما عن المعارض، حيث إنّ أخبار المسح على الجبيرة لا تكون شاملة للمقام حينئذ قطعا.

و تحصيل الأقرب إلى الحقيقة، و الخروج عن الشبهة، و طلب اليقين بالبراءة غير مفيدة.

أمّا الأول: فلمنع وجوبه أولا، و عدم أقربيته من غسل ما حولها ثانيا.

و أمّا الثاني و الثالث: فلإمكان وجوب المسح على النجس أو التيمّم، فلا يحصل اليقين بمجرد ما ذكر.

و إن كان للنجاسة جرم لم يمكن إزالته، فإن كانت على الجبيرة، فالظاهر التخيير بين التيمّم و غسل ما في الحول خاصة، لمطلقاتهما الخالية عن معارضة أخبار الجبيرة، لعدم فائدة في المسح عليها، و عدم دليل على وضع شي ء عليها.

و إن كانت على الجرح المجرد، فالتخيير بينهما و بين شدّ العصابة، لإطلاق الحسنة «1».

و إن كانت فيما حول الموضع فالتيمم خاصة، لمطلقاته الخالية عن معارضة شي ء مما مرّ، و وجهه ظاهر.

فروع:

أ: ذكر جماعة أنّ في حكم الكسر و أخويه مرضا آخر في موضع الوضوء يضرّه الماء كورم أو وجع أو رمد أو سلعة إذا كانت عليه جبيرة. و أما بدونها فحكموا بالتيمم.

و هو

في الثاني كذلك، لرواية الدعائم «2» المنجبرة في المورد، فإنّه تثبت منها مشروعية التيمّم له و لم تثبت مشروعية غيره.

و أمّا في الأوّل فهو مشكل، لعدم دليل على مشروعية الجبيرة في مثله، فإنّ

______________________________

(1) يعني حسنة الحلبي المتقدمة ص 200.

(2) المتقدمة ص 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 210

كلام كثير من الأصحاب مختص بالكسر و أخويه، فلا يثبت منه إجماع في المورد، و أكثر أخبار الجبيرة مخصوصة بها أيضا.

و أمّا حسنة الوشاء «1»: فإن عمّت مثل ذلك أيضا إلّا أنّها لا تدلّ على المطلوب، لجواز أن يكون المراد منها المسح الذي في التيمّم، و لذا استدلّوا على المسح على الجبيرة في التيمّم بها.

و شمول إطلاق اليد فيها لغير الكفّين- الموجب لتعيّن المسح بالماء للوضوء، إذ لا تيمّم على غيرهما، و بضميمة عدم الفصل يثبت فيهما أيضا- غير مفيد، لجواز أن يريد الإجزاء عن الأمر الندبي بالمسح على الذراع في التيمّم. مع أنّ كون اليد مشتركة معنوية بين الكفّين و ما فوقهما محلّ كلام، و الاستعمال في الآية غير مفيد.

و أما رواية عبد الأعلى: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: «يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللَّه، قال اللَّه تعالى:

ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» امسح عليه» «3» فخارجة عن المقام، لأنّ الظاهر أنّ انقطاع الظفر من الجرح.

و ليست هناك رواية عامة أو مطلقة أخرى من أخبار الجبائر يتوهّم شمولها لما نحن فيه، مع أنّ في صدق الجبيرة على المعصوب عليه نظرا.

فالتحقيق فيه: أنّه إن كان العذر مما يقطع معه بكون صاحبه مريضا كالمجدور و نحوه، فحكمه التيمم، للآية و روايات المجدور «4». و إن لم يقطع فيحتمل الجبيرة

و التيمم، و الأحوط الجمع، بل هو الأظهر، لاستصحاب الاشتغال.

______________________________

(1) المتقدمة ص 201.

(2) الحج: 78.

(3) الكافي 3: 33 الطهارة ب 21 ح 4، التهذيب 1: 363- 1097، الاستبصار 1: 77- 240، الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5.

(4) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 211

و أمّا رواية الدعائم فلا تفيد هنا، لضعفها الخالي عن الجابر في المقام.

هذا إذا كان العذر متعلّقا بموضع خاص. و أما إذا لم يكن كذلك كالسقيم و المبطون و خائف البرد و نحوها، فحكمه التيمم، لأخباره. دون المسح على الخرق و إن لم يتضرر به، لعدم التوقيف.

ب: لو لصق بالعضو شي ء و لم يمكن إزالته من غير أن يكون مجروحا أو مريضا، ففي وجوب المسح عليه إن كان طاهرا، أو وضع شي ء عليه إن كان نجسا، أو التيمّم إشكال.

و قد يرجّح الأوّل بوجوب غسل كلّ عضو، فلا ينتفي بتعذّر بعضه.

و يضعف بثبوت الربط بالإجماع.

نعم، يمكن ترجيحه في صورة الطهارة بإطلاق صحيحة محمّد و رواية عمر ابن يزيد.

الأولى: في الرجل يحلق رأسه ثمَّ يطليه بالحناء و يتوضأ للصلاة، فقال: «لا بأس أن يمسح رأسه و الحناء عليه» «1».

و الثانية: عن الرجل يخضب رأسه بالحناء ثمَّ يبدو له في الوضوء، قال:

«يمسح فوق الحناء» «2».

بل و كذا مع النجاسة على القول بعدم اشتراط طهر المحل، كما هو الأظهر، فيمسح على ذلك الشي ء النجس. و أما على القول الآخر فلا. و مقتضى قاعدة أصالة الاشتغال: الجمع، بل هو الأحوط على القول الأول أيضا، بل في الصورة الأولى.

ج: الحقّ: أنّه لا يشترط الجريان في المسح هنا سواء كان في موضع الغسل

______________________________

(1) التهذيب 1: 359- 1081، الاستبصار 1:

75- 233، الوسائل 1: 456 أبواب الوضوء ب 37 ح 4.

(2) التهذيب 1: 359- 1079، الاستبصار 1: 75- 232، الوسائل 1: 455 أبواب الوضوء ب 37 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 212

أو المسح، لصدق الامتثال. و لا عدمه، لذلك، حيث إنّ المسح أعمّ مما يتضمّنه.

و اشتراط الثاني في الثاني لوجوبه في مبدله، كالأوّل في الأوّل، لأنّ المأمور به أوّلا هو الغسل و مع تعذّره يتعين أقرب المجازات- كما عن نهاية الإحكام- ضعيف، و إن اختاره والدي في اللوامع أيضا، لمنع الوجوب في المبدل كما مرّ «1»، و منع تعيّن الأقرب في مثل تلك المواضع، سيما مع وجود الإطلاق.

د: لا يجب استيعاب الجبيرة بالمسح إن كانت في موضع المسح، وفاقا كما في اللوامع، أو موضع الغسل كما في الذكرى و عن المبسوط «2»، لصدق المسح على الجبيرة إذا مسح بعضها، أ لا ترى أنّه إذا مسحت اليد على الوجه يقال: مسح يده على وجهه، و إن لم يستوعب.

خلافا للفاضلين «3»، لظهور الحسنتين «4» فيه، و هو ممنوع، و لثبوته في مبدله. و فيه: منع الدلالة.

نعم، هو الأحوط، و كيف كان فلا ينبغي الريب في عدم وجوب تخليلها بالمسح إذا كانت لها خلل و فرج و ثقوب و نحوها.

ه: لو عمّت الجبيرة تمام عضو أو كلّ الأعضاء، مسح على الجميع و سقط الغسل، وفاقا لصريح التذكرة و المنتهى «5»، لإطلاق كثير من الروايات «6»، إلّا أن يتضرّر به فيتيمّم.

و يظهر من بعض من عاصرناه التأمل في استغراق الجميع أو تمام عضو أو

______________________________

(1) في ص 143.

(2) الذكرى: 97، المبسوط 1: 23.

(3) المعتبر 1: 409، التذكرة 1: 22.

(4) أي حسنتي كليب و الوشاء المتقدمتين ص 201.

(5)

التذكرة 1: 21، المنتهى 1: 72.

(6) الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 213

الأبعاض المتكثّرة «1».

و هل يجب حينئذ استيعاب جبيرة كلّ عضو بالمسح؟ الظاهر لا، لما مرّ، و الأحوط نعم.

و: لو زادت الجبيرة عن محل الجرح و لم يمكن غسل ما تحت الزائد بنزع أو تكرير يمسح عليه، لعموم ما تقدّم من الروايات، لعدم الاستفصال، أو الإطلاق، سيما مع أنّ الغالب في الجبائر اشتمالها على زائد لا يمكن غسل ما تحته، بل المساوي أو الناقص غير متحقّق أو شاذّ غير ملتفت إليه.

ز: إذا كان الجرح و ما في حكمه في غير موضع الطهارة و لكن تضرّر بغسل مواضعها، يتعيّن التيمّم، لعموم أخباره «2»، و عدم شمول روايات الجبيرة له.

ح: لو توضّأ جبيرة فهل يجب إبقاء الجبيرة حال الصلاة أم يجوز حلّها إن أمكن؟ مقتضى الأصل: عدم الوجوب، و عليه الفتوى.

ط: هل يجب أن يكون المسح برطوبة أو يجوز مع جفاف اليد أيضا؟ المتبادر من الروايات: الأوّل، بل يصرّح به في رواية العياشي، المتقدّمة «3» المنجبرة بظاهر عمل الأصحاب.

و هل يجب أن تكون الرطوبة من ماء الوضوء إذا كانت الجبيرة في محل المسح؟ الأحوط ذلك، بل يستفاد تعيينه من أخبار المسح بنداوة الوضوء «4».

ي: المصرّح في الرضوي أنّه يجب مسح الجبيرة باليد «5»، فلا يجوز بعضو آخر أو بغير العضو. و الظاهر أنّ عليه بناء الأصحاب، فالرواية به منجبرة فعليه العمل. و يجب كون الجبيرة ممسوحة، كما هو مقتضى رواياتها، فلا يجزي مسحها

______________________________

(1) هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.

(3) في ص 201.

(4) الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

(5) تقدم في

ص 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 214

على اليد كما قيل «1».

يا: الفصد و الحجامة و الشقوق الصغار من الجرح، فحكمها حكمه.

يب: لا يجب تجفيف الجبيرة و ترقيقها و لو أمكن، للأصل، إلّا أن يشدّ على فوقها شي ء من غير حاجة إليه فيحلّ، للشك في صدق اسم الجبيرة عليه. و لا يجوز وضع شي ء عليها بلا ضرورة.

يج: لو كانت الجبيرة على المرفق أو أعلى الوجه، يبدأ بها فيمسحها أوّلا، ثمَّ يغسل الباقي.

يد: لا يعيد ما صلّى بالوضوء جبيرة و إن بقي وقتها إجماعا.

و هل يعيد وضوءه لو زال العذر أم لا؟ الظاهر: العدم و لو كان قبل الصلاة، لاستصحاب الوضوء، و أخبار حصر الناقض، و النهي عن التوضّؤ إلّا مع اليقين بالحدث «2».

و لو زال العذر قبل تمام الوضوء بعد الجبيرة في عضو فيه إشكال.

و أشكل منه: ما لو زال قبل تمام العضو الذي فيه الجبيرة. و الاحتياط في الإعادة.

المسألة الرابعة: ما يجب له الوضوء أو يستحب إنّما يجب أو يستحب

- في غير التجديد- إذا كان المكلّف محدثا، و إلّا يكفي وضوؤه الذي عليه لتلك الأمور كلّا، و لا يحتاج إلى وضوء آخر و لو كان وضوؤه ندبيا و أراد فعل الواجب المشروط به، بالإجماع المحقّق و المنقول «3»، و هو الحجة.

مضافا إلى موثّقة ابن بكير: «إياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنّك قد أحدثت» «4».

______________________________

(1) الرياض 1: 24.

(2) الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.

(3) السرائر 1: 98.

(4) الفروع 3: 33 الطهارة ب 22 ح 1، التهذيب 1: 102- 268، الوسائل 1: 472 أبواب الوضوء ب 44 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 215

و المروي في الدعائم: «المرء إذا توضّأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث

أو ينم أو يجامع أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء» «1».

و ما ورد في أنّ من كان على وضوء لا يجب عليه الوضوء للمغرب «2»، و في أنّ من تيقّن الطهارة و شك في الحدث لا يتوضّأ «3»، و ما دلّ على أنّ الوضوء لا ينقضه إلّا حدث كصحيحة الأشعري «4» و غيرها مما مرّ في بحث النواقض «5».

و يدلّ عليه أيضا أنّه لم يثبت من أدلّة وجوب الوضوء أو استحبابه لغايات إلّا مطلوبية كون المكلّف عندها مع الوضوء، الذي هو غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين، غاية ما في الباب ثبوت قصد الامتثال أيضا، فإذا حصل ذلك يحصل المطلوب، و لم يثبت اعتبار قصد الغاية أو تجديد الوضوء عند الغاية.

و يؤكّده: ما ورد في الكافي في الصحيح من أنّه أمر اللَّه سبحانه، النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ليلة المعراج بالوضوء ثمَّ بالصلاة «6» و علّمه بالتفصيل، و لم يأمر أوّلا بالوضوء للصلاة.

و أمّا قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ «7» فالمتبادر منه أنّه إن لم يكن متطهرا، كما في قولك: إذا لقيت الأسد فخذ سلاحك، يعني إذا لم تكن مسلّحا.

مع أنّ الآية مفسّرة في الصحيح بالقيام من النوم «8»، مع أنّه على فرض شمولها

______________________________

(1) الدعائم 1: 101، المستدرك 1: 294 أبواب الوضوء ب 7 ح 3.

(2) الوسائل 1: 375 أبواب الوضوء ب 8.

(3) الوسائل 1: 472 أبواب الوضوء ب 44.

(4) التهذيب 1: 6- 5، الاستبصار 1: 79- 246، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 4.

(5) ص: 7.

(6) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1.

(7) المائدة: 6.

(8) التهذيب 1: 7- 9، الاستبصار 1: 80- 251،

الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 216

للجميع فتخصيصها بمثل موثّقة ابن بكير و سائر ما مرّ لازم.

و منه يعلم الحال في نحو قوله: «من تطهّر ثمَّ آوى إلى فراشه» «1» سيما مع معارضته بمثل قوله: «و لا تدخل على الزوجة إلّا متوضّئا» [1] و قوله: «لقارئ القرآن متطهّرا خمس و عشرون حسنة» «2» و نحوها، بضميمة عدم الفصل بين الغايات.

نعم، الوضوء المجامع للحدث الأكبر كوضوء المحتلم للجماع و الحائض لا يعبأ به لغاياته بعد الطهارة من الحيض و الجنابة بالإجماع.

و يتفرع على ذلك: كفاية وضوء واحد لجميع غاياته، كما مرّ «3».

المسألة الخامسة: لا يجوز للمحدث مسّ كتابة القرآن،
اشاره

وفاقا للخلاف، و التهذيب، و الصدوق «4»، و عن الكليني [2]، و الحلبي، و أحكام الراوندي، و ابن سعيد «5»، و الفاضلين «6»، و محتمل المبسوط «7»، و معظم من تأخّر عنهم.

للمروي عن الباقر عليه السلام في مجمع البيان: «لا يجوز للجنب، و الحائض، و المحدث، مس المصحف» «8».

______________________________

[1] لم نعثر عليه بنصه، و قد يستفاد مضمونه مما ورد في: الكافي 5: 500 المتعة ب 50 ح 1، التهذيب 7: 409- 1636، الوسائل 20: 115 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 1. و قد تقدم ص 41.

[2] يمكن ان يكون وجه النسبة إلى الكليني نقله رواية تدل على النهي عن مسّ الكتاب من دون الوضوء، فلاحظ الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 5.

______________________________

(1) الكافي 3: 468 الصلاة ب 97 ح 5، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 1.

(2) عدة الداعي: 269، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 3.

(3) في ص 83.

(4) الخلاف 1: 99، التهذيب 1: 126، الفقيه

1: 48.

(5) الكافي في الفقه: 126، فقه القرآن 1: 50، الجامع للشرائع 36.

(6) المعتبر 1: 175، الشرائع 1: 23، المختصر النافع 1: 7، المنتهى 1: 76، التذكرة 1: 14، القواعد 1: 12.

(7) المبسوط 1: 23 قال: و يكره للمحدث مسّ كتابة المصحف.

(8) مجمع البيان 5: 226، الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 12 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 217

و ضعفه منجبر بالشهرة المحقّقة و المحكية مستفيضة «1»، بل بالإجماع المصرّح به في الخلاف و عن ظاهر التبيان و مجمع البيان «2».

و الاستدلال بقوله سبحانه لا يَمَسُّهُ «3» ضعيف لا لاحتمال رجوع الضمير إلى الكتاب المكنون بل هو أقرب للأقربية، أو لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في الطهارة، إمّا مطلقا أو عند نزول الآية، لأنّهما و إن كانا كذلك إلّا أنّ المستفاد من روايات الأئمة إرادة القرآن و الطهارة الشرعية:

ففي رواية ابن عبد الحميد: «المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا، و لا تمسّ خطه، و لا تعلّقه، إن اللَّه يقول لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ » «4».

و في المجمع عن الباقر عليه السلام: في قوله لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ قال: «من الأحداث و الخباثات» «5».

و ضعفهما- لو كان- منجبر بدعوى الإجماع عليه في المجمع، و باشتهاره بين الأصحاب.

بل لعدم ثبوت دلالة الجملة الخبرية على الوجوب، كما بيّنّا في موضعه، و صرّح به جماعة منهم الأردبيلي، و في المدارك و البحار «6».

و منه يظهر عدم دلالة خبر ابن عبد الحميد، لجواز كون قوله: «لا تمسّه» خبرا. مع وقوع النهي فيه عن التعليق أيضا، و هو ليس حراما إجماعا. فظاهر اتّحاد السياق يشعر بعدم إرادة الوجوب في المس أيضا، و تخصيصه بالتعليق المستلزم

______________________________

(1) المعتبر 1:

176، الذخيرة: 1.

(2) الخلاف 1: 100، التبيان 9: 510، مجمع البيان 5: 226.

(3) الواقعة: 79.

(4) التهذيب 1: 127- 344، الاستبصار 1: 113- 378، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء ب 12 ح 3.

(5) راجع الرقم ص 216 الرقم (10).

(6) المدارك 1: 241، البحار 77: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 218

لمباشرة الجسد لا دليل عليه.

و لا يعارضه نهي الجنب أيضا، حيث إنّه محرّم إجماعا، فيتعارض السياقان و يبقى ظهور التحريم باقيا بحاله، إذ حرمة مسّ الجنب لا تدلّ على إرادتها هنا أيضا، فلعلّه أريد مطلق رجحان الترك المتحقق مع كلّ من الكراهة و التحريم، مع أنّ الإجماع في الجنب غير معلوم.

و كذا يظهر الحال في سائر الأخبار الواردة في هذا المضمار «1»، فإنّها بين المشتملة على الجملة الخبرية و المحتملة لها.

و أمّا صحيحة علي: عن الرجل يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح و الصحيفة و هو على غير وضوء؟ قال: «لا» «2» فإخراجها عن ظاهرها لازم، لمخالفته للإجماع، و معارضته لحسنة داود: عن التعويذ يعلّق على الحائض؟ قال:

«نعم، لا بأس» قال: و قال: «تقرؤه و تكتبه و لا تصيبه يدها» «3».

و حملها على مس الكتابة ليس بأولى من الحمل على الكراهة.

و القول بدلالتها على حرمة مسّ الكتابة من باب المقدّمة، لعدم انفكاك الكتابة عنه غالبا، فلا يضرّ انتفاؤه عن ذي المقدمة، فاسد جدّا، لانتفاء التابع بانتفاء المتبوع، مع أنّ عدم الانفكاك في الغالب، ممنوع.

و خلافا للحلّي، و المدارك «4»، و غرر المجامع، و محتمل المبسوط «5»، و عن القاضي «6»، للأصل، و ضعف الروايات من حيث السند و الدلالة، كالآية من حيث الدلالة. و جوابه ظاهر مما مرّ.

______________________________

(1) الوسائل 1: 383 أبواب الوضوء ب

12.

(2) التهذيب 1: 127- 345، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء ب 12 ح 4.

(3) الكافي 3: 106 الحيض ب 19 ح 5، الوسائل 2: 342 أبواب الحيض ب 37 ح 1.

(4) السرائر: 57، المدارك 1: 241.

(5) تقدم ص 216 رقم 9.

(6) المهذب 1: 32 و نقله عنه في المختلف: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 219

فروع:

أ: التحريم مختص بالمكلّف، فلا يحرم على الصبي و المجنون وفاقا.

و في وجوب منعهما على الولي قولان، الأظهر: العدم، للأصل.

و قيل بالوجوب «1»، و لا دليل عليه.

و لا يبعد استحباب منعه على الولي تمرينا.

ب: لا تحريم في مسّ غير القرآن من الكتب المنسوخة، و التفسير، و الحديث، و أسماء الحجج، و لا ما نسخ تلاوته من القرآن، للأصل. دون نسخ حكمه دون تلاوته.

و كذا لا تحريم في مس الورق، و الحمل، و التعليق، للأصل، و الإجماع، و مرسلة حريز الصحيحة عن حماد المجمع على تصحيح ما يصح عنه: «لا تمسّ الكتاب و مسّ الورق» «2».

و منها يظهر اختصاص المصحف المنهي عن مسّه بالخط.

نعم، يكره التعليق، لخبر ابن عبد الحميد «3».

ج: مسّ كتابة المصحف يتحقّق بمسّ جزء منه و لو قليلا، فيحزم مسّ كلّ آية منها و أبعاضها و لو كلمة، بل و لو حرفا، و لو مثل المدّ و التشديد، وفاقا للأكثر كما في اللوامع، لصدق مس المصحف.

و في التعدّي إلى الأعراب نظر، و الشهرة المحقّقة أو المحكية الجابرة في مثله غير معلومة، بل صدق الكتابة و الخط عليه مشكوك فيه، و يؤكّده خلوّ المصاحف

______________________________

(1) المعتبر 1: 176، المنتهى 1: 76.

(2) التهذيب 1: 126- 342، الاستبصار 1: 113- 376، الوسائل 1: 383 أبواب الوضوء ب 12 ح 2.

(3)

تقدم ص 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 220

السابقة عنه.

و هل يشترط التحريم بكون الممسوس مكتوبا في المصحف، أو يحرم مسّها و لو في غيره؟ الأحوط بل الأقرب: الثاني، وفاقا للأكثر كما في اللوامع، لتنقيح المناط، و لتحريم مسّها بالاستصحاب لو فصلت آية أو كلمة من المصحف، و يسري إلى غير المفصول بعدم الفصل.

و توهّم تغيّر الموضوع خطأ، لأنّ المفصول مصحف، و لو شك فيه فتستصحب المصحفية أيضا.

و منه يظهر الجواب لو عورض استصحاب الحرمة باستصحاب حال العقل.

خلافا للذكرى «1» في الثانية في الدراهم، للزوم الحرج، و هو ممنوع، و خبر ابن مسلم «2»، و هو غير دالّ.

نعم، يشترط في المكتوب في غير المصحف عدم احتمال كونه غير القرآن.

فلو احتمله لا يحرم و لو رقم بنية القرآن، للأصل، و الشك في الصدق، و احتمال مدخلية الامتياز الخارجي.

نعم، لو فصل غير الممتاز عن المصحف، فبقاء الحرمة للاستصحاب محتمل بل راجح، و لا يسري إلى غيره، لعدم ثبوت عدم القول بالفصل.

د: الظاهر اختصاص التحريم بالكتابة المتعارفة، فلا يحرم مسّ ما كتب مقلوبا، أو محكوكا، أو غير ظاهر، و إن ظهر بعد عمل كمقابلة النار و نحوها. و في الكتابة المجسّمة إشكال، و الاجتناب أحوط.

و لا يختص التحريم بخط دون خط، فيحرم مسّ المصحف المكتوب بالخط الهندي، و الكوفي، و العجمي، من الخطوط المتعارفة. و في التعدّي إلى الخطوط

______________________________

(1) الذكرى: 34.

(2) المعتبر 1: 188، الوسائل 1: 492 أبواب الجنابة ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 221

المجعولة و المقطعة نظر، و الشهرة الجابرة غير معلومة.

ه: هل تجوز كتابته على جسد المحدث؟ الظاهر نعم، لعدم صدق المس.

و كذا تجوز كتابة المحدث له بالإصبع، لأن ما

كتب لا يمسّ، و ما لم يكتب بعد ليس بمصحف.

و: لا يختص التحريم بالمسّ بالكف و لا بما تحلّه الحياة خاصة، بل يحرم المسّ بجزء من البدن مطلقا و لو بالظفر و السن، لصدق المسّ المحرّم بالخبر «1» المنجبر فيهما. نعم، الظاهر عدم تحريم اصابة الشعر، للشك في صدق المس و عدم حصول الخبر.

ز: لا يجوز المس بما غسل من أعضائه قبل تمام الوضوء، لعدم ارتفاع الحدث أصلا إلّا بتمامه.

المسألة السادسة: السلس- و هو من يتقاطر بوله و لا يقدر على استمساكه

- إن لم تكن له فترة تسع الطهارة و بعض الصلاة، يجب عليه الوضوء لكلّ صلاة، و يعفى عن الخارج في أثنائها، على الأظهر الأشهر، كما في الذخيرة و غيره «2».

أمّا وجوب الوضوء لكلّ صلاة: فلناقضية الخارج.

و الشك في نقض القطرات الخارجة بغير اختيار- باعتبار الشك في شمول إطلاقات ناقضية البول لها لندرتها- ضعيف، لأنّ انصراف المطلق إلى الشائع الوجودي إنّما هو إذا صلح الشيوع قرينة لإرادته و كانت مفهمة لها، و هو هنا غير معلوم. و لو كان كذلك لم يحتج إلى التقييد بعدم الفترة بقدر الصلاة كما قيّده الأصحاب، و لم تكن القطرة الخارجة من غير صاحب السلس بلا اختيار ناقضا.

و أما العفو عن الخارج في الأثناء: فللإجماع، و لزوم التكليف بما لا يطاق إن وجب لكلّ خارج، و الترجيح بلا مرجّح إن وجب للبعض، مع أنّه لا يقدر على

______________________________

(1) يعني الخبر المروي في مجمع البيان المتقدم في ص 216.

(2) الذخيرة: 39، الكفاية: 3، الرياض 1: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 222

الطهارة بشي ء من الصلاة.

خلافا في الأول للمحكي عن المبسوط «1»، و مال إليه طائفة من مشايخنا «2»، فيصلّي بوضوء واحد عدّة صلوات و لا يتوضّأ إلّا مع البول اختيارا، لاستصحاب

صحة الوضوء مع الشك في الناقضية كما مرّ. و ضعفه قد ظهر.

و لظاهر موثّقة سماعة: عن رجل يأخذه تقطير في فرجه إما دم و إما غيره، قال: «فليضع خريطة و ليتوضّأ و ليصلّ، فإنما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدن إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» «3».

و لا ظهور لها في مطلوبهم، لعدم تعيّن الوضوء المأمور به. و لا يفيد التعليل، إذ لعلّه علّة للعفو عن الخبث أو عن الحدث في الأثناء. و لا آخر الحديث، لجواز أن يكون المراد بالحدث الذي يتوضّأ البول و الغائط.

و لحسنة ابن حازم: في الرجل يعتريه البول و لا يقدر على حبسه قال: «إذا لم يقدر على حبسه فاللَّه سبحانه أولى بالعذر، يجعل الخريطة» «4».

قيل: ترك الاستفصال مع قيام احتمال كون السؤال عن الأحداث و الأخباث، و الجواب بأنّه معذور ليس عليه شي ء سوى جعل الخريطة، يفيد عدم كون الخارج حدثا «5».

و فيه: أنه لم يجب إلّا بجعل الخريطة لعدم سراية الخبث، و لم ينف عنه وجوب شي ء آخر بأدلّته.

و للمنتهى فيه أيضا، فأوجب لكلّ صلاة وضوءا إلّا للعصر و العشاء،.

______________________________

(1) المبسوط 1: 68.

(2) الرياض 1: 25، الدرة النجفية: 12، شرح المفاتيح (مخطوط).

(3) التهذيب 1: 349- 1027، الوسائل 1: 226 أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 9.

(4) الكافي 3: 20 الطهارة ب 13 ح 5، الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 2.

(5) شرح المفاتيح (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 223

فاكتفى بواحد للظهرين و بآخر للعشاءين، بأن يجمع بينهما «1».

لصحيحة حريز: «إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا و جعل قطنا ثمَّ علقه عليه و أدخل ذكره فيه

ثمَّ صلّى يجمع الظهر و العصر، يؤخّر الظهر و يعجّل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخّر المغرب و يعجّل العشاء بأذان و إقامتين، و يفعل مثل ذلك في الصبح» «2».

فإنّ الجمع له ظهور في كونهما بوضوء واحد. و فيه منع ظاهر.

و إن كانت له فترة تسع الطهارة و بعض الصلاة بأن يتقاطر في الأثناء مثل مرة أو مرتين، فظاهر الأكثر أنّه أيضا كمن لا فترة له.

و هو مشكل، إذ قد عرفت أنّ المعوّل فيه هو الإجماع، و تحقّقه فيما نحن فيه غير معلوم، و التكليف بما لا يطاق، و انتفاؤه فيه معلوم.

و جوّز بعض مشايخنا أن يلحق بالمبطون، فيتوضّأ كلّما أحدث و يبني على صلاته «3».

و هو كذلك، بل عليه الفتوى، لخبر القماط: فيمن يجد غمزا أو أذى أو عصرا من البول و هو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، قال: فقال: «إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ، ثمَّ ينصرف إلى مصلّاه الذي كان يصلّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته» «4» الحديث.

فإنّ إطلاقها يشمل السلس و غيره، خرج الأخير بالإجماع فيبقى الباقي.

______________________________

(1) المنتهى 1: 73.

(2) الفقيه 1: 38- 146، التهذيب 1: 348- 1021، الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 1.

(3) الدرة النجفية: 12.

(4) التهذيب 2: 355- 1468، الوسائل 7: 237 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 224

و لزوم الفعل الكثير غير ضائر، كما يأتي في المبطون «1».

و إن كانت له فترة تسع الطهارة و تمام الصلاة معتادة أو مظنونة بل أو محتملة يجب عليه التأخير إلى زمانها إن

تعيّن، و إلى آخر الوقت إن لم يتعيّن، لعمومات اشتراط الوضوء المنتقض بخروج البول مطلقا لعمومات ناقضيته و إطلاقاتها.

و لو فجأ مثل ذلك الحدث في زمان الفترة، ففي الوضوء و البناء، أو إعادة الصلاة في فترة اخرى إن كانت له، أو العفو، احتمالات. أظهرها: الأوّل، لخبر القمّاط. و لا يعارضه اشتراط الطهارة و منافاة الفعل الكثير، كما يأتي.

المسألة السابعة: حكم المبطون كالسلس بأقسامه على ما اخترناه.

فالخالي عن الفترة بقدر الوضوء و بعض الصلاة يتوضّأ وضوءا واحدا، للإجماع، كما صرّح به في اللوامع أيضا، و لنفي العسر و الحرج.

و ذو الفترة الكلية أي بقدر الطهارة و تمام الصلاة و لو احتمالية يؤخّرهما إلى زمان الفترة أو آخر الوقت، لما مرّ.

و لو لم يؤخّر و اتّفق التمام ففي صحة عمله إشكال. و الظاهر العدم، لعدم ثبوت مشروعية صلاته.

و ذو الفترات الجزئية التي تسع الوضوء و شيئا من الصلاة يتوضّأ و يبني. و كذا ذو الفترة الكلية إن اتّفق الحدث في زمانها فجأة على الأظهر الأشهر. و لا يجب عليه التأخير إلى فترة أخرى لو كانت له، لخبر القمّاط المتقدّم، و موثّقة محمّد: «صاحب البطن يتوضّأ ثمَّ يرجع في صلاته فيتمّم ما بقي» «2».

و تخصيصها بإرادة تجديد الوضوء بعد ما صلّى صلاة ثمَّ يرجع في الصلاة الباقية تخصيص بلا مخصّص، لشمول إطلاقها الأثناء أيضا.

______________________________

(1) في ص 226.

(2) التهذيب 1: 350- 1036، الوسائل 1: 298 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 225

و صحيحة الفضيل: أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني، أو أذى، أو ضربانا، فقال: «انصرف ثمَّ توضّأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا» «1» الحديث، فإنّها بإطلاقها تشمل المبطون أيضا.

و

خروج غيره بالإجماع- لو كان- لا يضر، و عدم التصريح فيها بخروج الحدث لا يقدح، لأنّ المراد من لا يقدر على الإمساك قطعا، لوجوب التحفّظ مع إمكانه، و وجوب الإعادة لو لم يتحفّظ.

و القول بعدم مقاومة تلك الأخبار لما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهارة، و عدم وقوع الفعل الكثير فيها، فتجب الإعادة فيما أمكن لذي الفترة الكلية الذي فجأه الحدث، مدفوع:

أمّا الأوّل: فبمنع ثبوت اشتراط الطهارة الحاصلة أولا مطلقا، و لا دليل عليه، [و أما] [1] مطلقها فيحصل في الأثناء (أيضا) [2]، و لم يثبت اشتراط استمرارها إلى آخر الصلاة مطلقا.

و بعض الأخبار الشاملة للمقام إمّا معارضة بمثلها أو عامة بالنسبة إلى ما مرّ، أو غير صريح الدلالة على الخلاف، كرواية ابن الجهم: عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال: «إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه و أنّ محمّدا- صلّى اللَّه عليه و آله- رسول اللَّه فلا يعيد، و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» «2».

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

[2] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) الفقيه 1: 240- 1060، التهذيب 2: 332- 1370، الاستبصار 1: 401- 1533، الوسائل 7: 235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9.

(2) التهذيب 1: 205- 596، الاستبصار 1: 401- 1531، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 226

فإنّها معارضة مع صحيحة زرارة «1»، و موثّقته «2»، و موثّقة ابنه عبيد «3»، و أعم من البطن، و محتملة لأن يراد منها إعادة الوضوء دون الصلاة.

و أمّا الثاني، فبمنع كون الوضوء فعلا كثيرا، و منع إيجاب مطلقه و لو مثل ذلك- لو

قلنا به- للبطلان.

مع أنّه لو سلّم الأمران جميعا، فالموثّقة مقيّدة لأخبارهما قطعا فيجب العمل بها.

و قد يستدلّ أيضا للمطلوب بمثل صحيحة محمّد: «صاحب البطن الغالب يتوضّأ و يبني على صلاته» «4».

و فيه نظر، لاحتمال أن يراد بالوضوء الوضوء المأمور به أولا قبل الدخول في الصلاة، و بالبناء عدم القطع، أي يبني على صحة صلاته و لا يقطعها بالحدث في الأثناء، و لم يعلم انفهام المعنى المتعارف بين المتفقّهة الآن من البناء في زمان المعصوم، و إنّما حملناه على المتعارف في رواية الفضيل، لقرينة قوله: «ما لم ينقض الصلاة» «5» إلى آخره.

و غير القادر على حفظ الريح كالبطن، لخبر القمّاط «6» و رواية الفضيل.

المسألة الثامنة: لو تيقّن الطهارة أو الحدث و شك في الآخر بنى. على المتيقّن

إجماعا، و هو مع الاستصحاب حجة، مضافا فيهما [1] إلى الرضوي المنجبر: «فإن

______________________________

[1] أي في تيقن الطهارة و تيقن الحدث.

______________________________

(1) الكافي 3: 347 الصلاة ب 33 ح 2، التهذيب 1: 318- 1301، الاستبصار 1:

402- 1535، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13 ح 1.

(2) التهذيب 2: 318- 1300.

(3) الكافي 3: 346 الصلاة ب 33 ح 1، الوسائل 6: 412 أبواب التشهد ب 13 ح 4.

(4) التهذيب 1: 350- 1036، الوسائل 1: 298 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 4.

(5) المتقدمة في ص 224.

(6) تقدم في ص 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 227

شككت في الوضوء و كنت على يقين من الحدث فتوضّأ، و إن شككت في الحدث و كنت على يقين من الوضوء فلا ينقض الشك اليقين إلّا أن تستيقن» «1».

و في الأوّل [1] إلى المستفيضة:

منها: صحيحة زرارة: فإن حرّك إلى جنبه شي ء و لم يعلم به، قال: «لا، حتى يستيقن أنّه قد نام، حتى يجي ء من ذلك أمر بيّن، و

إلّا فإنّه على يقين من وضوئه، و لا ينقض اليقين أبدا بالشك، و لكن ينقضه يقين آخر» «2».

و موثّقة ابن بكير: «إذا استيقنت أنّك قد توضّأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت» «3».

و خبر البصري: أجد الريح في بطني حتى أظن أنّها قد خرجت، فقال:

«ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح» «4» و غير ذلك.

و أمّا المروي في قرب الإسناد: عن رجل يكون على وضوء و شك على وضوء هو أم لا، قال: «إذ ذكر و هو في صلاته انصرف و توضّأ و أعادها، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته أجزأه ذلك» «5»، فمع ضعفه بنفسه و شذوذه غير مفيد للوجوب، و الإجزاء بعد الصلاة يؤكّده أيضا.

و في الثاني [2] إلى إطلاقات وجوب الوضوء للصلاة و عموماته، خرج ما خرج

______________________________

[1] أي مضافا في الأوّل يعني به تيقن الطهارة.

[2] أي مضافا في الثاني يعني تيقن الحدث.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 67، المستدرك 1: 342 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.

(2) التهذيب 1: 8- 11، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

(3) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 1، التهذيب 1: 102- 268، الوسائل 1: 472 أبواب الوضوء ب 44 ح 1.

(4) الفقيه 1: 37- 139، التهذيب 1: 347- 1018، الاستبصار 1: 90- 288، الوسائل 1:

246 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 5.

(5) قرب الإسناد 177- 651، الوسائل 1: 473 أبواب الوضوء ب 44 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 228

فيبقى الباقي.

و أمّا صحيحة محمّد: رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال:

«يمضي على صلاته و لا يعيد» «1» فهي إنما

فيما بعد الصلاة، و لا اعتبار بالشك في الوضوء بعدها ظاهرا- كما يأتي في بحث الصلاة- و إن وجب الوضوء لصلاة أخرى. مع أنّها أعم من الشك بعد اليقين، فيجب التخصيص بالمروي في قرب الإسناد المنجبر في المقام الذي هو أخص.

و في حكم الشك في الصورتين الظن على الأظهر الأشهر، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب «2»، و أكثر ما مرّ يدلّ عليه.

و ممّن جعل مبنى الحكم الاستصحاب و توهّم انحصار دليله في ظن البقاء، من توهّم ابتناء الحكم على الظن ببقاء الوضوء و دورانه معه.

و فيه: عدم انحصار المبنى و دليله.

و قد يتوهّم تعارض مفهومي ينقضه يقين آخر و لا ينقض اليقين بالشك، و ربما يرجع الثاني في الثاني باعتضاده بالأصل.

و فيه: أنّ المفهومين من باب اللقب فلا اعتبار بهما، فالاستصحاب الثابت حجيته و لو مع ظن الزوال دالّ على الحكم في الصورتين بلا معارض، مضافا إلى العمومات، و خصوص خبر البصري.

ثمَّ اليقين و الشك و إن اجتمعا في الزمان، و لكن زمان متعلّقهما مختلف فلا يرد إشكال، و لا حاجة في رفعه [1] إلى حمل اليقين على الظن أو الحدث على السبب، مع أنّهما لا يفيدان أصلا كما لا يخفى.

المسألة التاسعة: لو تيقّنهما و شك في المتأخّر تطهّر مطلقا، وفاقا للمشهور،

______________________________

[1] في «ق» دفعه.

______________________________

(1) التهذيب 1: 101- 264 و 102- 267، الوسائل 1: 470 أبواب الوضوء ب 42 ح 5.

(2) كما نسبه في مشارق الشموس: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 229

لتكافؤ الاحتمالين الموجب لتساقطهما الرافع لليقين بالطهارة الواجب للمشروط بها، و لعمومات وجوب الوضوء و إطلاقاته، و الرضوي المنجبر بالشهرتين «1»: «و إن كنت على يقين من الوضوء و الحدث و لا تدري أيّهما أسبق فتوضّأ» «2».

و إطلاقه يشمل ما لو علم

وقت الحدث بالخصوص، فلا يضرّ عدم تكافؤ الاحتمالين حينئذ، لأصالة تأخّر الوضوء الحادث عن وقت الحدث.

و لا تنافيه الموثّقة المتقدّمة «3» حيث لا يقين بالحدث، لمنع عدم اليقين به، بل هو متيقّن لا محالة في زمان، و لا دليل على اشتراط تيقّن لحوقه بالطهارة.

ثمَّ ما ذكرنا من الأدلّة يعمّ صورتي الجهل و العلم بالحالة السابقة على الأمرين، فالحكم ثابت في الصورتين.

خلافا للكركي، و ظاهر المعتبر «4»، فمع العلم يأخذ بضد السابقة، لانتقاضها بورود ضدّها يقينا، و لا يعلم ارتفاع الضد لجواز تعاقب المثلين فيجب استصحابه.

و يضعف: بأنّ ورود ضد الضدّ أيضا متيقّن و ارتفاعه غير معلوم، فيستصحب.

فإن قيل: المعتبر من الأمرين أثرهما دون نفسهما، و تحقّق أثر ضدّ الضد غير معلوم لجواز التوالي فيستصحب أثر الضدّ.

و بعبارة أخرى: الضدّ هو الأثر، و حصول ضدّ الضدّ غير معلوم.

و الحاصل: أنّ في صورة تيقن الطهارة تكون هناك طهارتان بمعنى الأثر:

متيقّنة و مشكوكة، و حدث بمعناه متيقّن، و المتيقّنة قد ارتفعت بالمتيقّن، و المشكوكة لا تعارضه فيبنى عليه، و قس عليه صورة تيقّن الحدث.

.______________________________

(1) المحققة و المحكية، كما حكاها في كشف اللثام 1: 75.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 67، المستدرك 1: 342 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.

(3) ص 227.

(4) جامع المقاصد 1: 236، المعتبر 1: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 230

و بعبارة أخرى: الحالة السابقة مرتفعة قطعا، و المضادّة له متحقّقة كذلك، و تحقّق المماثلة للثانية مشكوك فيه، فتستصحب المضادة.

قلنا: وجود المماثلة بعد زمان الحالة السابقة يقيني أيضا، لحصول الفعل المماثل بعده، و هو إمّا قبل الضدّ أو بعده، و على التقديرين يكون الأثر المماثل متحققا في زمانه، و ارتفاعه مشكوك فيه، لاحتمال البعدية فيستصحب.

و

لظاهري [1] المنتهى، و المختلف «1»، فيأخذ بمثل السابقة مع العلم، فلا يتطهر مع العلم بالطهارة لتيقّن نقضها، و عدم إمكان الطهارة عن حدث مع بقاء السابقة، فتكون الطهارة الثانية بعد الحدث و نقضها مشكوك فيه. و قس عليه صورة العلم بالحدث.

قيل: ذلك إنّما يكون مع العلم بالتعاقب و عدم احتمال التوالي فيخرج عن مسألة الشك «2».

قلت: و لكن قوله: و نقضها مشكوك فيه، يدخله فيها.

و الظاهر أنّ مراده صورة العلم بالتعاقب مع احتمال التعدد في كلّ من الأمرين المتحقّقين بعد الحالة السابقة، فيدخل في مسألة الشك، و لكن لا يكون من المسألة المبحوث عنها، بل من السابقة، أي: تيقّن الطهارة أو الحدث و الشك في رفعه، و حكمه حكمه.

المسألة العاشرة: لو تيقّن ترك غسل عضو أو بعضه أو مسحه،

أتى به و بما بعده إن كان، سواء كان في أثناء الوضوء أو بعده.

و يدلّ على وجوب الإتيان به وجوب الإتيان بالمأمور به، و صحيحة زرارة:

«و إن تيقّنت أنك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقينا» «3».

______________________________

[1] عطف على قوله: خلافا للكركي.

______________________________

(1) المنتهى 1: 74، المختلف: 27.

(2) روض الجنان: 43.

(3) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 2، التهذيب 1: 100- 261، الوسائل 1: 469 أبواب الوضوء ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 231

و حسنة الحلبي: «إذا ذكرت و أنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف و أتمّ الذي نسيته من وضوئك و أعد صلاتك» «1».

و عليه [1] و على الإتيان بما بعده وجوب الترتيب، و صحيحة زرارة: «و إن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس ثمَّ أعد على الرجل» «2».

و الأخرى:

عن رجل بدأ بيده قبل وجهه و برجليه قبل يديه، قال: «يبدأ بما بدأ اللَّه و ليعد ما كان فعل» «3».

و صحيحة ابن حازم: في الرجل يتوضّأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين، قال:

«يغسل اليمين و يعيد اليسار» «4».

و حسنة الحلبي: «إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه و ذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه، و إن كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال و لا يعيد على ما كان توضّأ» «5» أي غسل، لأنّه معنى

______________________________

[1] عطف على قوله: وجوب الإتيان به .. يعني يدلّ على وجوب الإتيان به و بما بعده وجوب الترتيب ..

______________________________

(1) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 3، التهذيب 1: 101- 263، الوسائل 1: 470 أبواب الوضوء ب 42 ح 3.

(2) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 5، الفقيه 1: 28- 89، التهذيب 1: 97- 251، الاستبصار 1: 75- 223، الوسائل 1: أبواب الوضوء ب 34 ح 1.

(3) التهذيب 1: 97- 252، الاستبصار 1: 73- 224، الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35 ح 1.

(4) التهذيب 1: 97- 253، الاستبصار 1: 73- 225، الوسائل 1: 451 أبواب الوضوء ب 35 ح 2.

(5) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 4، التهذيب 1: 99- 259، الاستبصار 1: 74- 228، الوسائل 1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 232

الوضوء.

و موثّقة أبي بصير: «إن نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل اليمين ثمَّ اغسل اليسار، و إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل

رجليك فامسح رأسك ثمَّ اغسل رجليك» «1».

و أمّا ما دلّ بظاهره على إعادة الوضوء كخبر ابن حكيم: عن رجل نسي من الوضوء الذراع و الرأس، قال: «يعيد الوضوء إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضا» «2».

و موثّقة سماعة: «من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره اللَّه في القرآن كان عليه إعادة الوضوء و الصلاة» «3».

أو على عدم إعادة ما بعد المنسي كمرسلة الفقيه: عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضّأ موضع لم يصبه الماء، فقال: «يجزيه أن يبلّه من بعض جسده» «4».

و صحيحة علي: عن رجل توضأ و نسي غسل يساره، فقال: «يغسل يساره وحدها و لا يعيد وضوء شي ء غيرها» «5».

أو على عدم غسل شي ء لا المنسي و لا ما بعده كرواية محمّد: «كلّ ما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكّرا فامضه و لا إعادة عليك فيه» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 6، التهذيب 1: 99- 258، الاستبصار 1: 74- 227، الوسائل 1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 8.

(2) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 9، العلل: 289- 1، الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب 33 ح 6.

(3) التهذيب 1: 102- 266، الوسائل 1: 451 أبواب الوضوء ب 35 ح 5.

(4) الفقيه 1: 36- 133، عيون الأخبار 2: 22- 49، الوسائل 1: 472 أبواب الوضوء ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    233     المسألة العاشرة: لو تيقن ترك غسل عضو أو بعضه أو مسحه، ..... ص : 230

(5) التهذيب 1: 98- 257، الاستبصار 1: 73- 226، قرب الإسناد 177- 650، الوسائل 1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 7.

(6) التهذيب

1: 364- 1104، الوسائل 1: 471 أبواب الوضوء ب 42 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 233

فلا يصلح [1] للاحتجاج، لمخالفتها لعمل الكلّ الموجب لشذوذها، المخرج إيّاها عن الحجية.

مضافا إلى ما في الأوّل، من عدم الدلالة على الوجوب.

و في الثاني، من ظهوره في حال جفاف الكلّ الموجب للإعادة إجماعا بقرينة إعادة الصلاة، إذ مع الإتيان بها لا يبقى البلل غالبا.

و في الثالث، أنه غير دالّ على عدم غسل ما بعده، فإنّه يحتمل أن يكون المراد الإجزاء في غسل هذا الموضع المنسي ببلّة بعض جسده و عدم الاحتياج إلى ماء آخر.

و في الرابع، أنّ الوضوء حقيقة في الغسل، فمفاده أنه لا يعيد غسل شي ء آخر، و لا ينافي وجوب المسح عليه بعد ذلك.

و في الخامس، من الإجمال المسقط للاستدلال، فإنّ قوله: «ذكرته» كما يمكن أن يراد به تذكّر تركه، يمكن أن يراد به تذكّر فعله تذكّرا ما، أي و لو بالاحتمال البعيد، و لم يتيقّن بتركه. و يكون المراد بقوله: «مضى» الخروج عنه.

و تكون لفظة «من» بيانية أو تبعيضية. و المراد بالمضي الفراغ من الفعل، فيكون مرجعه إلى الشك بعد الفراغ.

و خالف الإسكافي في إعادة ما بعده إذا كان المتروك دون الدرهم، و اكتفى بغسل المتروك خاصة «1»، و استند برواية [2] غير ثابتة عندنا.

هذا إذا ذكر قبل الجفاف المبطل، و إلّا استأنف إجماعا، و وجهه ظاهر.

______________________________

[1] خبر لقوله قبل سطور: و اما ما دل بظاهره ..

[2] نقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال: قد روى توقيت الدرهم ابن سعيد عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، و ابن منصور عن زيد بن علي. و منه حديث أبي أمامة عن النبي صلّى اللَّه

عليه و آله. و قال الشهيد في الذكرى- بعد نقل كلام ابن الجنيد-: إن الأصحاب لم يعتبروا مذهب أبي علي و الأخبار لم تثبت عندهم. و راجع سنن البيهقي 1: 84.

______________________________

(1) نقله عن الإسكافي في المختلف: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 234

و يدلّ عليه إطلاق خبر ابن حكيم، و موثقة سماعة، الخالي عن الشذوذ في المقام.

و به و بما مرّ في مسألة الموالاة «1» تقيّد الإطلاقات، مع عدم تصريح فيها بما ينافي المطلوب.

المسألة الحادية عشرة: لو شك في فعل من أفعال الوضوء،

فإمّا يكون قبل الفراغ أو بعده. فعلى الأوّل يأتي به و بما بعده، و لا يستأنف إلّا مع جفاف ما قبله، للإجماع في الكلّ، و الأصل، و الاستصحاب في الأوّل [1]، و أدلّة الترتيب في الثاني، و الأصل و عدم المقتضي في الثالث، و أدلّة الإعادة مع الجفاف في الرابع.

مضافا في الأوّل إلى صحيحة زرارة: «إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى اللَّه ما دمت في حال الوضوء» «2».

بل في الثاني أيضا حيث إنّ الشك في السابق يوجب الشك في الغسل و المسح الصحيحين اللذين هما المرادان منهما في اللاحق أيضا.

و لا ينافيها موثّق ابن أبي يعفور: «إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه» «3» حيث دلّ صدره على عدم إعادة شي ء مع الدخول في غيره، و مفهوم ذيله على عدم اعتبار الشك في شي ء إذا لم يكن فيه، لجواز رجوع ضمير «غيره» في صدره إلى الوضوء،

______________________________

[1] المراد بالأول، وجوب الإتيان بالمشكوك المستفاد من قوله:

«يأتي به»، و المراد بالثاني وجوب الإتيان بما بعده، و بالثالث عدم استيناف الوضوء في غير صورة الجفاف، و بالرابع وجوب الاستيناف في صورة الجفاف.

______________________________

(1) في ص 146.

(2) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 2، التهذيب 1: 100- 261، الوسائل 1: 469 أبواب الوضوء ب 42 ح 1.

(3) التهذيب 1: 101- 262، مستطرفات السرائر: 25- 3، الوسائل 1: 469 أبواب الوضوء ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 235

و عدم إفادة ذيله الحصر إن أريد مفهوم الحصر كما بيّنا في الأصول [1]، مع عدم لزوم اتّحاد الشيئين، فيمكن أن يراد بالأخير الكلّ، و تغايرهما مع التنكير جائز، بل راجح كما قيل في تكرر العسر و اليسر في الآية «1»، و منه يعلم عدم الدلالة لو أريد مفهومه الشرطي.

و لو سلّم الجميع فيكون الموثّق أعم مطلقا من الصحيحة، فيجب تخصيصه بها. و لو قطع النظر عنها فهو لا يقاومها، لشذوذه. و لو سلّم فالمرجع إلى الأصل، و هو معها.

و ممّا ذكر ظهر عدم ضرر في مرسلة الواسطي أيضا: أغسل وجهي ثمَّ أغسل يدي و يشكّكني الشيطان أنّي لم أغسل ذراعي و يدي، قال: «إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد» «2» مع أنّ مع وجدان برد الماء يخرج عن الشك.

و كذا يظهر الجواب عن المعتبرة الدالّة على عدم العبرة بالشك مع تجاوز المحل، كموثقة ابن مسلم: «كلّما شككت فيما مضى فامضه كما هو» «3» و صحيحة زرارة: «إذا خرجت من شي ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء» «4» لكون الجميع أعم مطلقا ممّا مر.

مع أنّ الظاهر من بعض تلك الأخبار إرادة الشك في جزء الفعل و الدخول في غير الفعل،

فإنّ الخروج من شي ء و الدخول في غيره لا يكون إلّا مع العلم بالتلبّس به، و حصوله في الوضوء ظاهر، و أما في الفعل المشكوك فمعلوم الانتفاء، فلا يعلم شمول تلك الروايات لمثل المقام.

______________________________

[1] من أنّ لفظة إنما لا تفيد الحصر على الأقوى «منه ره».

______________________________

(1) حكاه عن الفرّاء في مجمع البيان 5: 509.

(2) التهذيب 1: 364- 1103، الوسائل 1: 470 أبواب الوضوء ب 42 ح 4.

(3) التهذيب 2: 344- 1426 بتفاوت يسير، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 3.

(4) التهذيب 2: 352- 1459، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 236

و لا فرق فيما ذكر بين النية و غيرها، فلو شك فيها، أتى بها و بما بعدها، للأصل و الاستصحاب المذكورين، مضافا إلى الإجماع المركّب، و عدم المعارض، لما عرفت في الأخبار من عدم الدلالة.

و هل الحكم يعم كثير الشك أيضا، أم يخصّ بمن عداه و هو لا يلتفت إلى شكه؟

الحق: هو الثاني، وفاقا لصريح السرائر، و الكركي، و الذكرى «1»، و اللوامع مصرّحا فيه بعدم العثور على مصرّح بالخلاف، و استقر به في نهاية الإحكام «2»، و نفى عنه البعد في المدارك «3»، لنفي العسر و الحرج.

و مفهوم التعليل في صحيحة زرارة، و أبي بصير في كثير الشك في الصلاة، بعد الأمر بالمضي في الشك فيها: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم و لا تكثرن نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليك» «4».

و ظاهر خصوص صحيحة ابن سنان: ذكرت له رجلا مبتلى بالوضوء

و الصلاة و قلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «و أيّ عقل له و هو يطيع الشيطان؟» فقلت: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: «سله هذا الذي يأتيه من أي شي ء؟ فإنّه يقول لك: إنه من عمل الشيطان» «5».

و صرّح في مرسلة الواسطي، المتقدّمة أيضا: «إنّ الشك من الشيطان».

بل يدلّ عليه التعليل في رواية علي بن أبي حمزة- بعد السؤال عن رجل شك في

______________________________

(1) السرائر 1: 104، جامع المقاصد 1: 237، الذكرى: 98.

(2) نهاية الإحكام 1: 61.

(3) المدارك 1: 257.

(4) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188- 747، الاستبصار 1: 374- 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.

(5) الكافي 1: 12 العقل و الجهل ح 10، الوسائل 1: 63 أبواب مقدمة العبادات ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 237

صلاته، و جوابه بأنه يمضي في صلاته و يتعوّذ باللَّه من الشيطان الرجيم- بقوله:

«فإنه يوشك أن يذهب عنه» «1».

و في صحيحة محمّد: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك، فإنه يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان» «2» و ظاهر أنّ المراد بالسهو فيها الشك بالإجماع. علّل الإمضاء بقوله: «يوشك أن يدعك»، و هو جار في ذلك المورد أيضا. و يؤكّده بعض العمومات المتقدّمة «3»، الخالي في المقام عن الشذوذ.

خلافا لظاهر إطلاق من أطلق و هو جماعة، فالأوّل، للأصل، و الاستصحاب، و إطلاق الصحيحة المتقدّمة «4».

و يندفع الأولان، و يقيّد الثالث بما مرّ، مع إمكان الخدش في الأخير باعتبار كون المواجه بالخطاب خاصّا، و كونه كثير الشك غير معلوم، و الإجماع على الاشتراك و التعميم منتف قطعا.

و كثرة الشك هنا

تناط إلى العرف، و لا يبعد كون من شك ثلاثا متواليا كثير الشك في الصلاة.

و على الثاني، أي: كون الشك بعد الفراغ لم يلتفت إليه إجماعا محقّقا و محكيا مستفيضا «5»، و هو الحجة.

مضافا إلى مفهوم ما مرّ في صحيحة زرارة، المتقدّمة «6»، و منطوق ما بعده

______________________________

(1) الفقيه 1: 230- 1022، التهذيب 2: 188- 746، الاستبصار 1: 374- 1421، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 4.

(2) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 8، الفقيه 1: 224- 989 بتفاوت يسير، التهذيب 2:

343- 1424 بتفاوت يسير، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 1.

(3) في ص 235.

(4) في ص 234.

(5) حكاه في المنتهى 1: 75، و الإيضاح 1: 42.

(6) في ص 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 238

من قوله: «فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها، فشككت في بعض ما سمّى اللَّه ممّا أوجب اللَّه عليك فيه وضوءا فلا شي ء عليك».

و ما مرّ من موثّقتي ابن أبي يعفور و مسلم «1»، و الصحيحة الأخرى لزرارة «2»، و صحيحتي بكير، و محمّد:

الأولى: الرجل يشك بعد ما يتوضّأ، قال: «هو حين ما يتوضّأ أذكر منه حين يشك» «3».

و الثانية: رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة، قال: «يمضي على صلاته و لا يعيد» «4».

و أمّا ما تضمّنته صحيحة زرارة الأولى من المسح عند الشك بعد الفراغ لو وجد البلل، فهو بالإجماع ليس بواجب.

و المعتبر في الحكم إنّما هو إتمام الوضوء دون الانصراف من الحالة المتحقّقة حين الوضوء من القيام أو الجلوس، على الأشهر الأظهر، كما

صرّح به جمع ممّن تأخّر «5»، بل في المدارك و عن جدّه: الإجماع عليه «6»، للموثّقتين، و الصحيحتين المتعقّبتين لهما.

و لا تنافيها صحيحة زرارة الأولى «7».

أما مفهوم قوله: «إذا كنت قاعدا على وضوئك» فلأنّ المراد منه الاشتغال

______________________________

(1) في ص 234 و 235.

(2) الاستبصار 1: 73- 224، الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35 ح 1.

(3) التهذيب 1: 101- 265، الوسائل 1: 471 أبواب الوضوء ب 42 ح 7.

(4) التهذيب 1: 101- 264، الوسائل 1: 470 أبواب الوضوء ب 42 ح 5.

(5) منهم صاحب الرياض 1: 27.

(6) المدارك 1: 257، الروضة 1: 81.

(7) المتقدمة في ص 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 239

بقرينة التعدية ب «على»، و لظهور عدم اعتبار القعود في الوضوء. مع أنّ مفهومه لو اعتبر، لكان مدلوله أنه لو توضّأ فإنّما لم يكن الحكم كذلك، و هو كما ترى.

و بالجملة لو أريد منه ظاهره لاحتاج إلى تجوّزات ليست أولى من الحمل على الفراغ.

و أمّا منطوق قوله: «ما دمت في حال الوضوء» فلاحتمال كون الإضافة بيانية.

و أمّا مفهوم قوله: «فإذا قمت» إلى آخره: فلأنّ معنى القيام من شي ء الفراغ منه، و لو سلّم، فيحتاج إلى تجوّز و تخصيص ليس بأولى من حمله على الفراغ.

و من ذلك يظهر ضعف قول من اشترط القيام من الوضوء و لو تقديرا، مستندا إلى الصحيحة.

ثمَّ إتمام الوضوء و الفراغ منه إنّما يتحقّق بإكمال العضو الأخير منه و لو لم يدخل بعد في فعل آخر، فلا يلتفت إلى الشك بمجرده إذا كان الشك في غير العضو الأخير.

و أمّا إذا كان فيه فعدم الالتفات إليه إنّما هو بالإعراض عن الوضوء، أو الدخول في فعل آخر غير الوضوء، فإنه لا يلتفت

حينئذ، لصدق الفراغ، و الخروج، و الدخول في الغير، و المضي، و بعد التوضّؤ، المعلّق على كلّ منها الحكم فيما تقدّم من الأخبار.

و أمّا ما لم يتحقّق الإعراض و لا الدخول في فعل آخر فيجب الإتيان به، لعدم القطع بالفراغ و الإتمام.

المسألة الثانية عشرة: من ترك غسل أحد المخرجين عمدا و صلّى،

أعاد الصلاة إجماعا. و كذا لو تركه نسيانا على الأظهر، وفاقا للأكثر، كما صرّح به جماعة «1»، للمستفيضة كصحيحتي زرارة، و ابن أبي نصر، و مرسلة ابن بكير،

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 43، و نسبه في الذخيرة: 19، و الحدائق 2: 22 إلى الشهرة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 240

الواردة في مخرج البول:

الأولى: توضّأت يوما و لم أغسل ذكري ثمَّ صلّيت، فسألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن ذلك، فقال: «اغسل ذكرك و أعد صلاتك» «1».

و الثانية: أبول و أتوضّأ و أنسى استنجائي ثمَّ أذكر بعد ما صلّيت، قال:

«اغسل ذكرك و أعد صلاتك و لا تعد وضوءك» «2».

و الثالثة: في الرجل يبول و ينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضّأ و يصلّي، قال:

«يغسل ذكره و يعيد الصلاة و لا يعيد الوضوء» «3».

و موثّقة سماعة، الواردة في البول و الغائط: «إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء، ثمَّ توضّأت و نسيت أن تستنجي، فذكرت بعد ما صلّيت، فعليك الإعادة. و إن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صلّيت، فعليك إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك، لأنّ البول مثل البراز» «4» و في بعض نسخ الكافي كما نقله بعض الأجلّة: «ليس مثل البراز».

فإنّ قوله أوّلا: «فعليك الإعادة» و إن احتمل إرادة إعادة الوضوء أو مع الصلاة الموجبة للحمل على الاستحباب، لعدم وجوب إعادة الوضوء عند جلّ الأصحاب، إلّا أنّ أصالة

الحقيقة في قوله: «فعليك» التي هي الوجوب المختص بالصلاة تعيّن الحمل على إرادة إعادة الصلاة.

______________________________

(1) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 14، التهذيب 1: 47- 135، الاستبصار 1: 53- 152، الوسائل 1: 295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 7.

(2) التهذيب 1: 46- 133، الاستبصار 1: 52- 150، الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 3.

(3) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 16، الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 2.

(4) الكافي 3: 19 الطهارة ب 12 ح 17، التهذيب 1: 50- 146، الاستبصار 1: 55- 162، الوسائل 1: 319 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 5. البراز: كناية عن ثفل الغذاء، و هو الغائط.

الصحاح 3: 864.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 241

[و لا يضرّ في وجوب إعادتها في البول ضمّ إعادة الوضوء المستحبة مع الصلاة في قوله ثانيا «فعليك ..»] [1] إذ إرادة مطلق الرجحان في موضع مجازا بقرينة لا تنافي الوجوب الثابت بدليل آخر.

و منه يظهر أنه لا يضرّ في وجوب إعادتها في الغائط أيضا جعله مثل البول، لتحقّق المماثلة في مطلق الرجحان بينهما.

خلافا للمنقول عن العماني، فلم يوجب الإعادة مطلقا «1»، بل جعلها أولى بحمل رواياتها على الأولوية، لمعارضة أخبار الإعادة في البول مع خبري ابن أبي نصر و هشام.

الأولى: صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما صليت أ فأعيد؟ قال:

«لا» «2».

و الثانية: في الرجل يتوضّأ و ينسى غسل ذكره و قد بال، فقال: «يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة» «3».

و في الغائط مع صحيحة علي و موثّقة عمّار.

الأولى: عن رجل ذكر و هو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء، قال:

«ينصرف و يستنجي

من الخلاء و يعيد الصلاة، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته، أجزأه ذلك و لا إعادة عليه» «4».

______________________________

[1] ما بين المعقوفين في جميع النسخ هكذا: و لا يضر المستحبة ضم إعادة الوضوء في وجوب إعادتها في البول مع الصلاة في البول في قوله ثانيا «فعليك». و هي كما ترى مشوشة، فأصلحناها بما في المتن.

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 20.

(2) التهذيب 1: 51- 148، الاستبصار 1: 56- 163، الوسائل 1: 295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 6.

(3) التهذيب 1: 48- 140، الاستبصار 1: 54- 157، الوسائل 1: 317 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 1: 50- 145، الاستبصار 1: 55- 161، قرب الإسناد: 196- 744، الوسائل 1:

318 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 242

و الثانية: «لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلّي لم يعد الصلاة» «1».

و يضعف الكل: بأنّها شاذة، و لشهرة القدماء مخالفة، فعن درجة الحجية خارجة، فللتعارض مع ما مرّ غير صالحة.

و للفقيه «2» و والدي العلّامة- طاب ثراهما- في غسل الغائط خاصة، فلم يوجبا في تركه الإعادة، للأخيرتين الخاليتين عن المعارض، إذ ليس إلّا موثّقة سماعة «3»، و هي ضعيفة الدلالة، لما مرّت إليه آنفا الإشارة، سيما على نسخة نفي المماثلة.

و يضعف الأخيرتان بما مرّ من الشذوذ و المخالفة، و يقوى ضعف دلالة الموثّقة بما ذكرناه ثمة، و عدم حجية في النفي المذكور لاختلاف النسخ.

و للإسكافي فيه و في غسل البول في خارج الوقت، فلم يوجب الإعادة، و خصها بالوقت في ترك غسل مخرج البول «4»، و لعل المخالفة الأولى لمثل ما مر للصدوق مع جوابه، و الثانية

للجمع بين الأخبار المضعف بما مرّ مع عدم الشاهد.

و للمقنع، فخصّ الإعادة بالوقت لمن تمسح بالأحجار خاصة دون خارجه و غير المتمسّح «5»، لموثّقة عمار: في من نسي أن يغسل دبره بالماء حتى صلّى إلّا أنه قد تمسّح بثلاثة أحجار، قال: «إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء و ليعد الصلاة، و إن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلّى فقد جازت صلاته

______________________________

(1) التهذيب 1: 49- 143، الاستبصار 1: 55- 159، الوسائل 1: 318 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 3.

(2) الفقيه 1: 21.

(3) المتقدمة في ص 240.

(4) نقله عنه في المختلف: 19.

(5) المقنع: 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 243

و ليتوضّأ لما يستقبل» «1».

و لا يخفى أنّ هذا الخبر عن المورد خارج، و حمله على الاستحباب لازم، لكفاية التمسّح بالأحجار إجماعا.

ثمَّ إنّ هذه المسألة ليست عين مسألة الصلاة مع نجاسة الثوب أو البدن، كما توهّم «2»، بل هذه غيرها كما صرّح به والدي و غيره، و يدلّ عليه تفاوت أقوالهم في المسألتين.

و الجهل بالأصل أو الحكم كالنسيان، لترك الاستفصال في الصحيحة الأولى «3»، بضميمة الإجماع المركّب في الغائط. بل الظاهر تحقّقه في نفس المورد أيضا، لعدم فصل أحد بين الجهل و النسيان.

و لا تجب إعادة الوضوء. خلافا لنادر «4»، لبعض الأخبار «5» المعارض بأكثر منه، المرجوح عنه بالشذوذ.

المسألة الثالثة عشرة: من ذكر ترك واجب من الوضوء بعد الصلاة أعادهما،

للأصل، و موثّقة سماعة: «من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء، كان عليه إعادة الوضوء و الصلاة» «6».

و لو ذكر في أثنائها، قطعها و استأنفها بعد إعادته لو جفّ، للمستفيضة «7».

المسألة الرابعة عشرة: لو توضّأ وضوءين و صلّى بعدهما،
اشاره

ثمَّ ذكر خللا في أحدهما، صحّت صلاته مطلقا على الأقوى، لصحة أحد الوضوءين الكافية في

______________________________

(1) التهذيب 1: 45- 127، الاستبصار 1: 52- 149، الوسائل 1: 317 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 1.

(2) كما في المدارك 1: 258، و الحدائق 2: 24.

(3) المتقدمة في ص 240 رقم 1.

(4) هو الصدوق في المقنع: 4، و الفقيه 1: 21.

(5) الوسائل 1: 317، 319 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 1، 5.

(6) التهذيب 1: 102- 266، الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3 ح 3.

(7) الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 244

صحة الصلاة مطلقا، على المختار من كفاية نية القربة.

و به يندفع استصحاب حكم الحدث السابق في بعض الاحتمالات، حيث لا قطع بالمزيل، لاحتمال الخلل في الأوّل، و عدم صحة الثاني، لعدم [1] اشتماله على ما يشترط في النية، لمنع ذلك.

و القول بأنه لو أوقعهما أو أحدهما بنية الندب مع ظهور الوجوب لم يصح، لعدم شرعية المندوب مع الشغل بالواجب «1»، مدفوع: بمنع ذلك، مع أنّ مناط التكليف هو اعتقاد المكلّف دون الواقع، فهو عليه مندوب حين الوضوء.

و بذلك يندفع ما يستشكل به على بعض صور المسألة على اعتبار نية الوجه أو الاستباحة.

مع أنّه لو سلّم بطلان الأخير باعتبار عدم وقوعه على وجهه المعتبر، أو عدم كونه مبيحا، لعدم قصد الإباحة فيه، يكفي صحة الأولى في المقام. و لا عبرة باحتمال كون الخلل فيه، لكونه شكّا بعد

الفراغ، فتشمله أخبار عدم اعتبار الشك حينئذ، كما اختاره في البشرى «2»، و المنتهى «3»، و بعض الأجلّة من المتأخّرين «4».

و القطع بترك في أحدهما لا يوجب القطع بالترك في خصوص أحدهما و لا يخرجه عن الشك.

و دعوى تبادر غير مثل ذلك عن إخباره ممنوعة جدّا.

و من ذلك يظهر أنّه لو صلّى بكلّ واحدة صلاة، صحّت الصلاتان معا مطلقا.

و ادّعى والدي- رحمه اللّه- الوفاق على إعادة الأولى هنا. و هو عندي غير

______________________________

[1] في «ح» بعدم.

______________________________

(1) قاله في كشف اللثام 1: 65.

(2) نقله عنه في البيان: 52.

(3) المنتهى 1: 75.

(4) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 245

ثابت، بل يظهر من كلامه- رحمه اللّه- عدم ثبوته عنده و إرادته [1] السكوتي.

و الحاصل: أنّ عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ أصل ثابت من نصوصه، فلا يلتفت إليه بالنسبة إلى شي ء من الوضوءين، نظير وجدان المني في الثوب المشترك.

نعم، لو فرض توقّف أمر على الوضوءين معا، جاء بطلانه، و لكنه غير متحقّق، بل يكفي صحة الأول خاصة لصحة الصلاتين مطلقا.

و الملخّص: أنّ الشك في الثاني غير مضرّ بعد صحة الأوّل في صحة الصلاة مطلقا، و الأوّل محكوم بالصحة للفراغ عنه.

و كذا الحكم لو علم الخلل في طهارتين من ثلاث، أو ثلاث من أربع أو أربع من خمس.

فرع:

لو صلى بكلّ منهما صلاة و تيقّن الحدث بعد واحدة من الطهارتين، تجب عليه الطهارة للصلاة اللاحقة مطلقا، لأنه متيقّن بالحدث و الوضوء الشاك في المتأخّر.

و أما الصلاتان السابقتان فإن علم أنّ الحدث عقيب الصلاة، صحّت الصلاتان معا.

و إن شك أنه قبلها أو بعدها، فمقتضى قاعدة استصحاب شغل الذمة بكلّ من الصلاتين، و استصحاب

عدم امتثاله و عدم الإتيان به: وجوب إعادتهما معا، كما عليه الأكثر.

و لكن مقتضى قاعدة عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ: صحتهما معا، كما جوزه بعض الأجلّة «1». و هو الأقوى، لاندفاع الأصول الاستصحابية به، و عدم

______________________________

[1] في «ق» و أراد به.

______________________________

(1) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 246

تحقّق دليل و لا ثبوت إجماع على خلافه.

و إن علم أنه قبل الصلاة، فيعيدهما معا، لأنّ هنا شكّا في البطلان متعلّقا بكلّ من الصلاتين، و قطعا فيه متعلّقا بواحد لا بعينه. و الأوّل و إن لم يلتفت إليه لكونه بعد الفراغ، و لكن الثاني لكونه قطعا يلتفت إليه قطعا، نظير ثلاثة أوان مشتبهة، واحد منها نجس، فيجتنب عن الكلّ و إن لم يجتنب عن غير واحد.

فاللازم النظر فيما يستتبع ذلك القطع، و مقتضاه: إعادة الصلاتين، لأنّه مقتض للقطع باشتغال الذمة بصلاة معيّنة واقعا و إن لم يعلمها بعينها، و لا يحصل القطع بالبراءة بفعل واحد منهما، فيستصحب ذلك الاشتغال حتى يأتي بهما معا.

و في حكم ما إذا علم أنّه قبلها ما لو علم وقت الحدث بعينه دون الصلاة، فبحكم أصالة تأخّر الحادث يحكم بتأخّر الصلاة.

ثمَّ لو كانت الصلاتان مختلفتين عددا، أتى بهما جميعا.

و إن اتّفقتا، فالأظهر الموافق لقول الأكثر: أنه يأتي بواحدة ناويا له ما في الذمة، لأصالة البراءة عن الزائد، لأنّ ما اشتغل به صلاة واحدة يقينا لا غير، و لا دليل على الزائد إلّا عدم تعيّنها في نظره، و هو غير موجب للتعدّد بوجه، و لا موجب له إلّا عدم إمكان تعيّنها في النية، و هو غير موجب لعدم لزومه، إذ اشتراط التعيين لأجل التميّز و انطباق الفعل

على المأمور به واقعا، و هو هنا حاصل، لاتّحاده و تعيّنه في الواقع و إن لم يتعيّن في نظر المكلّف.

و يؤيده أيضا: النص الدالّ على الاجتزاء بالثلاث لمن نسي فريضة مجهولة من الخمس «1».

و حسنة زرارة: «و إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثمَّ صلّ العصر، فإنما هي أربع مكان

______________________________

(1) الوسائل 8: 275 أبواب قضاء الصلوات ب 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 247

أربع» «1».

خلافا للشيخ «2» و الحلبيين [1]، فيعيد الصلاتين، تحصيلا لليقين بالبراءة، اعتبارا للجزم في النية، لقوله: «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» «3» و الفائتة كانت بنيّة معيّنة، و مراعاة لاختلاف حالهما في الجهر و الإخفات.

و الأوّل مندفع: بانّ الشغل ليس إلّا بواحدة و قد فعلها، فيحصل اليقين بالبراءة.

و الثاني: بأنّه لا ترديد في النية، بل ينوي ما في الذمة، و عدم علمه به غير ضائر، و لو سلّم فلا ضرر في مثل هذا الترديد، كما مرّ في بحث النية.

و قوله: «كما فاتته» لا دلالة له، إذا المتبادر منه أفعاله الخارجية، مع أنه لم يجب التعيين في النية في الأصل أيضا إلّا في صورة الاشتباه لأجل دفعه، فكذا ها هنا.

و الثالث: بمنع وجوب الجهر أو الإخفات هنا، بل هو مخيّر- و ادّعى في المعتمد الوفاق عليه- لأنّ الجهر مثلا إنّما هو فيما يعلم أنّه عشاء، و أمّا ما لا يعلم فلا دليل على وجوبه فيه.

ثمَّ بما مرّ يعلم حال ما إذا أحدث حدثا واحدا عقيب ثلاث طهارات، أو أربع، أو خمس، من المتمّم و المقصّر، سواء كانت الكلّ تجديدية أو لا، و لا ترتيب

______________________________

[1] ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

562، و أبو الصلاح في الكافي: 150، و هما و إن لم يذكرا الفرع بعينه، و لكن يمكن استفادته مما ذكراه- فيمن فاتت منه صلاة واحدة من الخمس غير معلومة- أنه يقضى الخمس بأسرها، فتأمل.

______________________________

(1) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(2) المبسوط 1: 24.

(3) عوالي اللئالي 3: 107- 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 248

أصلا، لاتّحاد الفائتة، ففي الخمس مثلا المتمّم يعيد ثلاثا [1]، و المقصّر اثنتين [2].

و لو علم فساد طهارتين من يوم قبل الصلاة، فالمتمّم يعيد أربعا و المقصّر ثلاثا مع مراعاة الترتيب، بأنّ يصلّي الأوّل ثنائية فرباعية فثلاثية فرباعية، و الثاني ثنائية فثلاثية فثنائية.

و لو علم فساد ثلاث من يوم أو أربع، يجب الخمس في التمام و الأربع في القصر.

و بما ذكر يمكن استخراج حكم ما إذا علم فساد الطهارتين أو أكثر من أكثر من يوم متمّما كان أو مقصّرا أو متبعّضا أو مشتبها عليه الحال.

______________________________

[1] يعني ثنائية فرباعية فثلاثية.

[2] يعني ثنائية فثلاثية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 249

الباب الثاني: في الأغسال

اشاره

و هي واجبة و مندوبة، فهنا مطلبان:

المطلب الأوّل في الواجبة منها و هي ستّة نذكر في فصول ستّة
اشارة

@@@مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 251

الفصل الأوّل: في غسل الجنابة
اشاره

و الكلام فيه إما في سبب الجنابة، أو أحكام الجنب، أو غاية غسلها، أو واجباته، أو آدابه، أو أحكامه، ففيه أبحاث:

البحث الأوّل: في سببها
اشاره

، و هو أمران:

الأمر الأوّل: خروج المني
اشاره

. و لا بدّ أولا من بيان أنّ حقيقة المني هل هو الماء المسبوق بالشهوة المقارن للتلذّذ المعقب للفتور؟ بأن تكون تلك الأوصاف أجزاء حقيقته أو من لوازم ذاته، كما صرّح بعض العامة [1]، و سمعته من بعض أرباب المعقول قال: إنّ المني إنّما يتكوّن في الأنثيين حال التلذّذ لأجله فيدفع، و يشعر به كلام بعض فقهائنا المتأخّرين أيضا «1»، تمسّكا بالوجدان و بالأخبار النافية للغسل مع انتفائها. أو هو حقيقة معيّنة خارجة عنها تلك الأوصاف غير لازمة لها و إن كانت معروضة لها غالبا؟ كما هو الظاهر من كلام الأكثر، لما دلّ على إمكان العلم بكون الخارج منيا بدون العلم بتلك الأوصاف، كالأخبار الواردة فيمن وجد [2] المني في ثوبه و لم ير أنه احتلم، و لما دلّ على وجوب الغسل بخروج [3] الماء المشتبه بعد الغسل و قبل الاستبراء مع فقده تلك الأوصاف. أو لا يعلم شي ء من الأمرين؟ فيتوقّف، لضعف متمسّك القولين.

أمّا الأوّل من الأوّل: فلأن المسلّم من الوجدان أنّ ما جمع الأوصاف مني،

______________________________

[1] نقل ابن قدامة في المغني 1: 230 عن أبي حنيفة و مالك و احمد أن الموجب للغسل خروج المني:

و هو الماء الغليظ الدافق الذي يخرج عن اشتداد الشهوة.

[2] في «ق»: في وجدان.

[3] في «ق»: لخروج.

______________________________

(1) قد يشعر به كلام المدارك 1: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 252

دون أنّ ما لم يجمعها ليس منيا، و لذا قد يعلم كون الخارج منيا بدون العلم بتلك الأوصاف.

و أما الثاني منه: فلأنّه يمكن أن يكون نفي الغسل في فاقد الأوصاف لأجل عدم العلم بكونه منيا، لا للعلم بعدمه.

و أمّا الأوّل من الثاني: فلأنّ طريق العلم بوجود

شي ء لا ينحصر في معرفة جميع أجزائه الحقيقية أو لوازمه الذاتية، فقد يعرف وجود المني بأمر آخر غير تلك الأوصاف، و لا يعلم وجود ذلك الأمر فيما علم فيه فقد تلك الأوصاف.

و أمّا الثاني منه: فلأنّ الخارج بعد الغسل قبل الاستبراء يمكن أن يكون من بقية ما اجتمعت فيه الأوصاف الخارج أولا.

و الحقّ، هو الثالث، لما ذكر.

إلّا أنّ في مرسلة ابن رباط: «فأمّا المني فهو الذي يسترخي العظام و يفتر منه الجسد و فيه الغسل» «1» و مقتضى أصالة الحقيقة في الحمل كون ذلك من حقيقته.

و المروي في نوادر الراوندي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «فأمّا المني فهو الماء الذي تكون منه الشهوة» «2».

و إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّهم صرّحوا بأنّ خروج ما علم أنّه مني موجب للغسل مطلقا، سواء كان خروجه في اليقظة أو النوم، و كان خارجا من الرجل أو المرأة، و كان الخارج مع الشهوة و التلذّذ و الفتور أو لا، إن فرض العلم به بدون الأوصاف.

و هو محل الوفاق بين علماء الإسلام كافة إذا كان خارجا من الرجل مع الأوصاف، و أخبار الفريقين به متواترة معنى بلا معارض «3». و بين علمائنا خاصة

______________________________

(1) التهذيب 1: 20- 48، الاستبصار 1: 93- 301، الوسائل 2: 190 أبواب الجنابة ب 7 ح 17.

(2) نوادر الراوندي: 45، المستدرك 1: 237 أبواب نواقض الوضوء ب 10 ح 2.

(3) الوسائل 2: 194 أبواب الجنابة ب 8، صحيح مسلم 1: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 253

كما صرّح به جماعة «1» إذا كان خارجا منه بدون الأوصاف كلّا أو بعضا، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى إطلاقات وجوب الغسل بالماء الأكبر «2»، و عموم موثّقتي سماعة،

المستفاد من ترك الاستفصال:

إحداهما: عن الرجل ينام و لم ير في نومه أنه احتلم، و يجد في ثوبه و على فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال: «نعم» «3».

و الأخرى: عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح و لم يكن رأى في منامه أنه احتلم، قال: «فليغتسل و ليغسل ثوبه و يعيد صلاته» «4».

و لا تعارضها صحيحة ابن أبي يعفور: الرجل يرى في المنام و يجد الشهوة فيستيقظ. و ينظر فلا يجد شيئا ثمَّ يمكث الهوين بعد فيخرج، قال: «إن كان مريضا فليغتسل، و إن لم يكن مريضا فلا شي ء عليه» قال: قلت: فما فرق بينهما؟

قال: «لأنّ الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة و قوة، و إن كان مريضا لم يجئ إلّا بفتور» «5».

لأنّ الخارج فيها غير معيّن، فيمكن أن يكون هو الماء المشتبه.

و منه يعلم عدم معارضة صحيحة ابن سعد «6» و رواية ابن أبي طلحة،

______________________________

(1) منهم العلامة في التذكرة 1: 23، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 78.

(2) الوسائل 2: 181 أبواب الجنابة ب 4.

(3) الكافي 3: 49 الطهارة ب 31 ح 7، التهذيب 1: 368- 1119، الاستبصار 1: 111- 368، الوسائل 2: 198 أبواب الجنابة ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 1: 367- 1118، الاستبصار 1: 111- 367، الوسائل 2: 198 أبواب الجنابة ب 10 ح 2.

(5) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 4، التهذيب 1: 369- 1124، الاستبصار 1: 110- 365، الوسائل 2: 195 أبواب الجنابة ب 8 ح 3 باختلاف في المتن في الجميع.

(6) الكافي 3: 47 الطهارة ب 30 ح 5، التهذيب 1: 123- 327، الاستبصار 1: 108- 354، الوسائل 2: 186 أبواب الجنابة ب 7

ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 254

المتقدّمة «1»، حيث إنّ تبادر خروج المني من الإنزال في عهد المعصوم غير معلوم.

و لو تنزّلنا عن ذلك فغايتهما العموم فيتعارضان بالعموم من وجه، و الترجيح مع الأولى بمخالفة العامة، كما صرّح به الجماعة، و بموافقة الأصحاب.

و منه يعلم الجواب عن رواية ابن الفضيل، الآتية، و صحيحة علي: عن الرجل يلعب مع المرأة و يقبّلها فيخرج منه المني فما عليه؟ قال: «إذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه فعليه الغسل، و إن كان إنما هو شي ء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس» «2».

حيث إنّ المحتمل فيها رجوع المستتر في «كان» إلى الخارج دون المني.

مع أنّه لو أرجح إليه أيضا، لم يضر، إذ تصير الرواية حينئذ مخالفة لعمل جلّ الأصحاب بل كلّهم، فتخرج عن الحجية.

و منه يعلم جواب آخر عن هذه الروايات لو سلّمت دلالتها.

هذا كلّه، مع أنّ لنا أن نقول بدلالة الموثّقتين على وجوب الغسل مع العلم بعدم الشهوة أيضا بخصوصهما، حيث إنّهما دلّتا على وجوبه مع عدم العلم بها، و لو لا وجوبه مع العلم بالعدم أيضا، لما وجب مع عدم العلم، لأصالة عدم تحقّق الشهوة، فتأمّل.

و هو الحقّ المشهور [1]، بل المجمع عليه عندنا أيضا- لشذوذ المخالف- إذا كان من المرأة كذلك، لما مرّ من الإجماع، و للمستفيضة من النصوص:

كرواية معاوية بن حكيم: «إذا أمنت المرأة و الأمة من شهوة، جامعها الرجل أو لم يجامعها، في نوم كان ذلك أو في يقظة، فإنّ عليها الغسل» «3».

______________________________

[1] عطف على قوله: و هو محلّ الوفاق، في الصفحة 252.

______________________________

(1) ستأتي في الصفحة 255.

(2) التهذيب 1: 120- 317، الاستبصار 1: 104- 342، الوسائل 2: 194

أبواب الجنابة ب 8 ح 1.

(3) التهذيب 1: 122- 324، الاستبصار 1: 106- 347 و لكن فيه عن معاوية بن عمار، الوسائل 2: 189 أبواب الجنابة ب 7 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 255

و صحيحة محمّد بن إسماعيل: عن المرأة ترى في منامها فتنزل، عليها غسل؟ قال: «نعم» «1» و قريبة منها حسنة أديم بن الحر «2».

و صحيحة الحلبي: عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل، قال: «إن أنزلت فعليها الغسل، و إن لم تنزل فليس عليها الغسل «3».

و صحيحة الأشعري و فيها: «إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل» «4».

و رواية محمّد بن الفضيل و فيها: «إذا جاءت الشهوة و أنزلت الماء وجب عليها الغسل» «5».

و رواية ابن أبي طلحة و فيها: «أ ليس قد أنزلت من شهوة؟» قلت: بلى، قال: «عليها غسل» «6» إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن المقنع، فنفى عنها الغسل إذا أمنت من غير جماع، و لكن كلامه فيه ينفيه في احتلامها خاصة «7»، و يميل إلى ذلك كلام صاحب الوافي «8».

لروايات دالّة على ذلك كصحيحتي عمر بن يزيد، في إحداهما: قلت: فإن

______________________________

(1) التهذيب 1: 124- 333، الاستبصار 1: 108- 356، الوسائل 2: 190 أبواب الجنابة ب 7 ح 16.

(2) التهذيب 1: 121- 319، الاستبصار 1: 105- 344، الوسائل 2: 189 أبواب الجنابة ب 7 ح 12.

(3) التهذيب 1: 123- 331، الاستبصار 1: 107- 352، الوسائل 2: 187 أبواب الجنابة ب 7 ح 5.

(4) قد تقدم مصدرها في ص 253.

(5) التهذيب 1: 121- 320، الاستبصار 1: 105- 345، قرب الاسناد: 395- 1387، الوسائل 2: 189، أبواب الجنابة ب 7 ح 13.

(6) التهذيب 1: 122- 325، الاستبصار 1: 105-

346، الوسائل 2: 190، أبواب الجنابة ب 7 ح 15.

(7) المقنع: 13.

(8) الوافي 6: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 256

أمنت هي و لم يدخله، قال: «ليس عليها الغسل» «1».

و في الأخرى بعد قول السائل: ففخذت لها فأمذيت و أمنت هي: «ليس عليك وضوء و لا عليها الغسل» «2» و صحيحة ابن أذينة: المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم، قال:

«ليس عليها الغسل» «3».

و رواية عبيد بن زرارة: هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟

قال: «لا» «4» و غير ذلك.

و يضعّف: بأنّها لمخالفتها لعمل قدماء الأصحاب شاذة، و عن الحجية خارجة، فلا تصلح للاستناد، فكيف للمعارضة. و مع ذلك فاحتمال أن يراد بالإمناء انفصاله عن مستقرّه و إن لم يخرج من الفرج، بل انصبّ إلى الرحم- كما هو الغالب في النساء- في أكثرها ممكن.

هذا كله في صورة العلم بكون الخارج منيا. و أمّا لو اشتبه فيعتبر في الرجل الصحيح بالدفق و مقارنة الشهوة، أي التلذّذ، و فتور البدن بعده، فيجب الغسل فيما اشتمل عليها جميعا، و لا يجب فيما فقد فيه بعضها. و في المريض و المرأة بالثانيتين [1] خاصة.

______________________________

[1] يعني مقارنة الشهوة و الفتور.

______________________________

(1) التهذيب 1: 121- 321، الاستبصار 1: 106- 348، الوسائل 2: 190 أبواب الجنابة ب 7 ح 18.

(2) التهذيب 1: 121- 322، الاستبصار 1: 106- 349، الوسائل 2: 191 أبواب الجنابة ب 7 ح 20.

(3) التهذيب 1: 123- 329، الاستبصار 1: 107- 351، الوسائل 2: 191 أبواب الجنابة ب 7 ح 21.

(4) التهذيب 1: 124- 332، الاستبصار 1: 107- 353، الوسائل 2: 192 أبواب الجنابة ب 7 ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 257

لا لكون

الثلاثة صفات لازمة غالبا في الأوّل [1]، و الثاني في الثانيين [2]، كما قيل «1»، لأنّ المستفاد منها ليس إلّا الظن، إذ المفروض عدم حصول العلم بكونه منيا، و إلّا فيخرج عن المقام، و الظن غير معتبر، إذ لا ينقض يقين الطهارة إلّا بمثله.

بل في الحكم الأوّل [3] للأوّل [4]، لمنطوق الجزء الأوّل من صحيحة علي، المتقدّمة «2»، و في الثاني له [5] للأصل، مضافا إلى منطوق جزئها الثاني في بعض أفراده [6] مع مفهوم الأوّل فيه أيضا، و أمّا مفهومه في غيره و مفهوم الجزء الثاني فلتعارضهما و عدم المرجّح لا اعتبار بهما، فالمرجع في موردهما هو الأصل.

ثمَّ هذه الصحيحة و إن شملت بظاهرها الثاني، أي المريض أيضا، إلّا أنّه اخرج منها، لعدم اعتبار الدفق في المريض بالمعتبرة، فهي مخصصة لها بالصحيح، إذ اشتراط الحكم بكونه منيا بالدفق كما هو صريحها مخصوص به، و بقي المريض كالمرأة تحت الأصل. إلّا أنّه اخرج عن الأصل مع الخروج بالشهوة، و وجب عليه الغسل، لصحيحة ابن أبي يعفور، المتقدّمة «3».

______________________________

[1] يعني الرجل الصحيح.

[2] يعني مقارنة الشهوة في المريض و المرأة.

[3] يعني بالحكم الأوّل وجوب الغسل فيما اشتمل على الصفات الثلاثة.

[4] أي للرجل الصحيح.

[5] أي الحكم الثاني للرجل الصحيح، و هو عدم وجوب الغسل في الفاقد.

[6] أي في بعض أفراد الفاقد و هو الفاقد للشهوة و الفتور، و حاصل المراد أنّ منطوق الجزء الثاني و مفهوم الجزء الأول متوافقان في عدم وجوب الغسل لفاقد الشهوة و الفتور، و أمّا بالنسبة إلى واجد الشهوة و الفتور و فاقد الدفع فيتعارض فيه المفهومان فإنّ مقتضى مفهوم الجزء الأوّل عدم وجوب الغسل فيه بينما أنّ مقتضى مفهوم الجزء الثاني وجوب الغسل.

______________________________

(1)

المعتبر 1: 177، التذكرة 1: 23.

(2) في ص 254.

(3) في ص 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 258

و حسنة زرارة: «إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنّه ربما كان هو الدافق لكنه يجي ء مجيئا ضعيفا ليست له قوة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا، فاغتسل منه» «1».

و صحيحة ابن عمار: عن رجل احتلم فلمّا انتبه وجد بللا قليلا، قال:

«ليس بشي ء إلّا أن يكون مريضا فإنّه يضعف فعليه الغسل» «2».

و لا يتوهّم عموم الأخيرة للخالي عن الشهوة أيضا، لأنّ معنى قوله:

«احتلم» أنّه رأى ذلك في المنام قطعا.

و يمكن أن يكون المراد منه ما معه الشهوة، بل هو الظاهر، كما صرّح به والدي- رحمه اللَّه عليه- في اللوامع.

و الشهوة المتحقّقة حينئذ و إن كانت في النوم إلّا أنّها كافية، كما هو صريح صحيحة ابن أبي يعفور. و ذلك بخلاف الدفع و الفترة المعتبرين في الصحيح، للأصل، و اختصاص دليله باليقظة.

و أخرجت المرأة عن الأصل المذكور مع الشهوة في النوم أو اليقظة، و وجب عليها الغسل، لصحيحة ابن سعد، المتقدّمة «3» و ما يتعقّبها من الروايتين بالتقريب المتقدّم من حملهما على المشتبه، أو على العموم و لو من جهة ترك الاستفصال.

ثمَّ مقتضى إطلاق الأخبار فيهما و إن كان كفاية الثاني [1] خاصة، إلّا أنّها يقيّد إطلاقها بمرسلة ابن رباط، المتقدّمة «4»، فإنّها تعارض إطلاقات اعتبار

______________________________

[1] يعني مقارنة الشهوة.

______________________________

(1) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 3، التهذيب 1: 370- 1129، الوسائل 2: 196 أبواب الجنابة ب 8 ح 5.

(2) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 2، التهذيب 1: 368- 1120، الاستبصار 1: 109- 363، الوسائل 2: 194 أبواب الجنابة ب 8 ح 2.

(3) في ص 253.

(4)

في ص 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 259

الشهوة بالعموم من وجه، و الأصل مع عدم كفايته و اعتبار الفترة أيضا فيهما، كما صرّح به في المريض في المعتبر و المنتهى «1»، و يظهر اعتبارها في المرأة عن بعضهم.

و أمّا اعتبار الدفق مع الشهوة، كما احتمله في نهاية الإحكام «2»، أو اعتبار الثلاثة فيها، كظاهر النافع [1] ضعيف. كالقول بكفاية الدفق في الرجل الصحيح، كما هو المحكي «3» عن ظاهر نهاية الإحكام و الوسيلة و المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره، و الجملين و المقنعة و التبيان و المراسم و الكافي و مجمع البيان و الإصباح و الروض و أحكام الراوندي.

و لعلّه لإطلاق الآية «4» بتوصيف الماء بالدافق.

و ضعفه ظاهر، إذ توصيف بعض أفراد المني- و هو ما يتكوّن منه الإنسان- بالدافق لا يستلزم اتّصاف جميعها به.

و في اعتبار رائحة الطلع، أو العجين رطبا و بياض البيض جافّا، كالتذكرة «5»، و الشهيدين «6»، و الكركي «7» نافيا عنه الخلاف. أو عدمه، كالأكثر، كما في اللوامع، قولان، أقواهما: الأخير، للأصل.

______________________________

[1] المختصر النافع: 7 قال: و لو اشتبه اعتبر بالدفق و فتور البدن. و تكفي في المريض الشهوة.

______________________________

(1) المعتبر 1: 178، المنتهى 1: 79.

(2) نهاية الإحكام 1: 100.

(3) الحاكي هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 78 و راجع نهاية الإحكام 1: 100، الوسيلة:

55، المبسوط 1: 27، الاقتصاد: 224، المصباح: 8، جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 25، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 160، المقنعة: 51، التبيان 10: 324، المراسم:

41، الكافي: 127، مجمع البيان 5: 471، الروض: 49، أحكام الراوندي (فقه القرآن):

32.

(4) الطارق: 6.

(5) التذكرة 1: 23.

(6) الشهيد الأول في الذكرى: 27، و البيان:

53، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 7، و الروض:

49.

(7) جامع المقاصد 1: 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 260

فروع:

أ: الخارج من غير الطبيعي لا يوجب الغسل مطلقا، للصحاح الثلاثة لأبي الفضل و زرارة، المتقدّمة في الأحداث الموجبة للوضوء «1»، و المصرّح به في إحداها:

أنّه عليه السلام ليس في بيان ما ينقض الوضوء خاصة حيث ذكر المني أيضا.

و بها يقيّد إطلاق وجوب الغسل بخروج المني، مضافا إلى انصرافه إلى الشائع.

فالقول بالوجوب معه مطلقا، أو مع انسداد الطبيعي، أو مع الاعتياد، أو كون المخرج من الصلب، أو الإحليل أو البيضتين، ضعيف.

و دعوى ظاهر الوفاق عليه في الثاني- كما في المعتمد- غير مقبولة.

و يلزم ممّا ذكرنا: اعتبار خروجه في الخنثى المشكل من الفرجين و لو مع اعتياد أحدهما.

ب: الخارج من فرج المرأة إن علم كونه من الرجل، لم يوجب عليها الغسل، للإجماع، و خبر البصري: في المرأة تغتسل من الجنابة ثمَّ ترى نطفة الرجل بعد ذلك، هل يوجب عليها غسل؟ فقال: «لا» «2».

و كذا إن شك في كونه منه أو منها، بل و لو ظنّ أنه منها، للأصل، و صحيحة منصور «3»، و خبر ابن خالد: عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فيخرج منه شي ء قال: «يعيد الغسل» قلت: فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل، قال: «لا تعيد» قلت: فما فرق بينهما؟ قال: «لأنّ ما يخرج من المرأة هو ماء الرجل» «4» أي

______________________________

(1) راجع ص 7، 8.

(2) الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 3، التهذيب 1: 146- 413، الوسائل 2: 202 أبواب الجنابة ب 13 ح 3.

(3) التهذيب 1: 148- 421، الوسائل 2: 201 أبواب الجنابة ب 13 ح 2.

(4) الكافي 3: 49

الطهارة ب 32 ح 1، الاستبصار 1: 118- 399، العلل: 287، الوسائل 2:

201 أبواب الجنابة ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 261

يحتمل أن يكون منه، و يجب البناء عليه.

خلافا لظاهر الحلّي حيث أطلق إعادتها الغسل إذا رأت بللا علمت أنه مني «1»، و الظاهر غير ما إذا علم أنه من الرجل. و لنهاية الإحكام حيث ألحق الظنّ بأنه منها بالعلم به «2». و لا وجه لهما.

ج: لا يلزم في المني كونه أبيض، بل قد يكون بلون الدم لكثرة الوقاع، فهو موجب للغسل إذا قطع بكونه منيا، أو اجتمعت فيه الأوصاف.

و احتمال العدم- كنهاية الإحكام- ضعيف، و تعليله عليل.

د: رأيي الاحتلام إن لم يجد البلل لا غسل عليه مطلقا، للأصل، و الإجماع، و حسنة ابن أبي العلاء «3».

و أمّا رواية محمّد: رجل رأى في منامه فوجد اللذة و الشهوة، ثمَّ قام فلم ير في ثوبه شيئا، قال: فقال: «إن كان مريضا فعليه الغسل، و إن كان صحيحا فلا شي ء عليه» «4» فلمخالفتها للإجماع مطروحة أو مؤوّلة.

و إن وجدها فمع تيقّن كونها منيا يغتسل، و مع الاشتباه يرجع إلى الأوصاف.

ه: لو أمسك المني المنتقل عن موضعه عن الخروج، لا يجب عليه الغسل ما لم يخرج. فإن خرج، وجب إن علم أنه المني المنتقل أو غير المنتقل و إن لم تكن معه الأوصاف، و لا يجب إن شك إلّا مع الوصف. و كذا لا يجب الغسل على المرأة

______________________________

(1) السرائر 1: 122.

(2) نهاية الإحكام 1: 100.

(3) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 1، التهذيب 1: 120- 316، الاستبصار 1: 109- 362، الوسائل 2: 196 أبواب الجنابة ب 9 ح 1.

(4) التهذيب 1: 369- 1125،

الاستبصار 1: 110- 366،، الوسائل 2: 195 أبواب الجنابة ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 262

بإحساسها انفصال المني عن موضعه بالتلذّذ و الفتور ما لم يعلم بخروجه.

و: لو وجد المكلّف منيا في جسده أو ثوبه، يجب عليه الغسل إذا علم أنه منه بالإجماع، لما مرّ «1» من وجوبه بخروجه، و لموثّقتي سماعة، المتقدّمتين «2».

و مقتضى إطلاقهما و إن كان وجوبه على واجده في جسده أو ثوبه و إن احتمل كونه من غيره، لكن تقيّدان بما مرّ، لرواية أبي بصير: عن الرجل يصيب بثوبه منيا و لم يعلم أنه احتلم، قال: «ليغسل ما وجد بثوبه و ليتوضّأ» «3». فإنها خاصة بما إذا لم يعلم أنّه منيّه بالإجماع، فتكون أخصّ منهما فتخصّصان بها.

و لو قطع النظر عن خصوصيتها تتعارضان بالتساوي و يرجع إلى الأصل، و مقتضاه ما ذكرناه أيضا.

و جعلهما أخصّ منها، باعتبار تقييدهما بكون الوجدان بعد الانتباه من النوم و إطلاقها من هذه الجهة، و لازمه تقييدها بذلك، باطل، إذ لم تقيّد الموثّقتان إلّا بالوجدان بعد الانتباه مطلقا، سواء كان مع فاصلة مدّة أو لا، و الوجدان في الرواية أيضا يكون بعد نوم لا محالة، بل في قوله: «و لم يعلم أنه احتلم» دلالة على ذلك، و إلّا علم أنّه لم يحتلم فتتساويان.

و لو سلّم تقييدهما بذلك دونها، فتتعارضان بالعموم من وجه، لما ذكرنا من اختصاصها بغير العالم، فيرجع إلى الأصل أيضا.

و حمل قوله: «و ليتوضّأ» فيها على الغسل خلاف الأصل.

و إثباته بعدم وجوب الوضوء قطعا، مردود: بأنّه إن أريد عدم وجوبه مطلقا فممنوع، لجواز كونه محدثا بنوم أو غيره، فيكون المعنى: و ليتوضّأ إن كان محدثا

______________________________

(1) في ص 252، 253.

(2) في

ص 253.

(3) التهذيب 1: 367- 1117، الاستبصار 1: 111- 369، الوسائل 2: 198 أبواب الجنابة ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 263

بالحدث الأصغر.

و إن أريد عدم القطع بوجوبه، فالغسل أيضا كذلك، لجواز أن يكون قد اغتسل للجنابة بعد الانتباه بالمباشرة أو للجمعة أو غيره على التداخل، فلا بدّ من التقييد بقوله: إن لم يكن اغتسل أيضا.

و من هذا يظهر ضعف القول بوجوب الغسل بالوجدان في الثوب المختص، في صورة كونه بعد الانتباه مطلقا، كبعض المتأخّرين «1»، أو قبل القيام من موضعه، كالنهاية «2».

و دعوى القطع بكونه منه حينئذ بشهادة الحال مطلقا «3» ممنوعة، و في الجملة بهذه الصورة غير مخصوصة.

كما يظهر ضعف القول بوجوبه بوجدانه في المختص مطلقا، كما هو ظاهر جماعة منهم: الشيخ «4»، و الحلّي «5»، و الفاضلان «6»، و الشهيد «7»، و غيرهم «8»، و في التذكرة الإجماع عليه.

و تخصيص الرواية بالثوب المشترك لا دليل عليه، و الإجماع المدّعى في التذكرة غير مسموع، مع أنّ منهم من فسّر المختص بما لم يحتمل أن يكون ما فيه من غيره، فيمكن أن يكون ذلك مرادهم، فيرجع إلى ما ذكرناه «9»، و لا يكون فرق

______________________________

(1) الرياض 1: 29.

(2) النهاية: 20.

(3) كما في الرياض 1: 29.

(4) المبسوط 1: 28، الاستبصار 1: 111.

(5) السرائر 1: 115.

(6) المحقق في المعتبر 1: 179، و الشرائع 1: 26، و العلامة في المنتهى 1: 80، و القواعد 1: 13، التذكرة 1: 23.

(7) الذكرى: 27، البيان: 54، الدروس 1: 95.

(8) جامع المقاصد 1: 258.

(9) في ص 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 264

بين المختص بالمعنى المفهوم منه و المشترك.

ثمَّ المراد من العلم بكون المني منه أعمّ من

العلم الحاصل بالدليل الشرعي. و يلزمه أنه لو احتمل كون المني سابقا على غسل رافع معيّن زمانه يجب الغسل أيضا، لأصالة تأخّر الحادث. و أمّا أصالة الطهارة و عدم وجوب الغسل فلا تعارضان أصل التأخّر، لكونه مزيلا لهما دون العكس، كما بيّنا تحقيقه في الأصول.

نعم، لو لم يعلم زمان الغسل و احتمل تأخّره عن آخر زمان احتمال إصابة المني، يتعارض أصل تأخّره مع ما مرّ، فيتساقطان و يرجع إلى الأصلين [1].

و كذا يلزمه وجوب الغسل على ذي النوبة لو كان الثوب ممّا يتناوبه شريكان إذا أصابه و لم يحتمل وصوله في نوبته من غيره، و إن احتمل سبقه على النوبة، وفاقا للكركي «1»، و الدروس، و الروض، و المسالك «2»، للأصل المذكور. و خلافا لظاهر جماعة و صريح اخرى «3»، لمعارضة الأصلين المتقدّمين، المندفعين بالأصل المذكور، لما مرّ.

و يحكم بجنابة من ذكرنا وجوب الغسل عليه من الوجدان في ثوبه و ذي النوبة، من آخر أوقات إمكانه، على الأشهر الأظهر، للأصل و الاستصحاب.

فيعيد ما له إعادة من المشروطات بالطهارة ما تأخّر عنه إلى زمان الوجدان، أو تحقّق طهارة رافعة.

و في المبسوط حكم بوجوب قضاء كلّ صلاة صلّاها بعد آخر غسل رافع «4».

هذا بالنسبة إلى الحدث. و أمّا الخبث فيبنى على مسألة الجاهل به من إعادته

______________________________

[1] يعني أصالة الطهارة و أصالة عدم وجوب الغسل.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 258.

(2) الدروس 1: 95، الروض: 49، المسالك 1: 7.

(3) ظاهر المبسوط 1: 28، و التحرير 1: 12، و صريح المدارك 1: 269، و الحدائق 3: 24.

(4) المبسوط 1: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 265

مطلقا، أو في الوقت، أو عدمها مطلقا.

و في المبسوط حكم باستحباب إعادة كلّ صلاة صلّاها

من أول نومة نامها في ذلك الثوب، و وجوبها من آخر نومة نامها فيه، ثمَّ قوّى عدم وجوب إعادة شي ء ممّا خرج وقته «1».

و نسب في المدارك إلى المبسوط: الرجوع عن حكم الحدث إلى القول المشهور «2». و هو منه غفلة.

ز: لو وجد المني في ثوب بين شخصين مجتمعين فيه في زمان واحد، كفراش أو لحاف، و لم يعلم خروجه من واحد معيّن منهما، لا يجب الغسل على أحد منهما، و يجوز لهما أن يفعلا ما يفعله الطاهر، وفاقا فيما لا تتوقّف صحته من أحدهما عليها من الآخر توقّف ابتناء أو معيّة، للأصل، كالصلاة و دخولهما المسجد و قراءة العزائم.

و على الأصح فيما له أحد التوقّفين، كائتمام أحدهما بالآخر، و صيرورتهما عدد الجمعة، و كذا في ائتمام واحد بهما في صلاتين أو صلاة، و حمل أحدهما الآخر إلى المسجد، وفاقا للتذكرة و المنتهى و التحرير و نهاية الإحكام و المدارك «3» و اللوامع و المعتمد، بل معظم الثالثة، كما في الأخيرين، للأصل، و عدم مانع سوى العلم بخروج المني من واحد منهما غير معيّن، و هو غير صالح للمنع، إذ لم يترتّب بالأخبار حكم عليه سوى وجوب الغسل المنتفي هنا إجماعا، و لا بالإجماع حكم يفيد في محل النزاع.

فإن قلت: الجنابة و المحدثية أمران مترتّبان على خروج المني و قد تعلّق بهما أحكام كثيرة، و لازمه ثبوتها للجنب و المحدث مطلقا، معيّنا كان أو غير معيّن.

______________________________

(1) المبسوط 1: 28.

(2) المدارك 1: 270.

(3) التذكرة 1: 23، المنتهى 1: 81، التحرير 1: 13، نهاية الإحكام 1: 101، المدارك 1: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 266

قلنا: لا نعلم من الجنابة و المحدثية إلّا حالة شرعية حاصلة

بعد خروج المني، و المراد بالحالة الشرعية الوصف الجعلي من الشارع، و هو كونه بحيث تتعلّق به أمور شرعية، و بعد منع تعلّقها بغير المعيّن لا نسلّم كونه جنبا و محدثا.

سلّمنا أنّ الجنابة و المحدثية أمران واقعيان مترتّبان على خروج المني مطلقا، يعني أنهما حالتان غير كون الشخص مورد الأحكام الشرعية، و لازمه كون واحد معيّن منهما واقعا غير معيّن عندنا جنبا و محدثا، و لكنه لا يضرّ إلّا فيما علم فيه وجود الواحد لا بعينه من الفردين، و كونه منشأ للأثر الشرعي من المانعيّة أو السببية أو غيرهما، كما فيما إذا اشتبه ماء طاهر مع نجس، فكلّ منهما بخصوصه و إن لم يكن نجسا، و لكن واحد غير معيّن منهما نجس، فإذا وقعا معا على ماء قليل فبوقوعهما معا فيه يعلم وقوع الواحد لا بعينه الذي هو معلوم النجاسة فيه، لعدم خروجه عنهما، و لأجله ينجس الماء القليل، لصدق وقوع النجس و هو واحد غير معيّن منهما فيه و إن لم ينجس لخصوصية كلّ منهما.

و توضيحه: أنّ ها هنا ثلاثة أمور: هذا بخصوصه، و هذا بخصوصه، و واحد لا بعينه منهما، و حال كلّ منهما بخصوصه واقعا غير معلوم، و ظاهرا هو ما يوافق الأصل. و أما الواحد لا بعينه فخارج عن الأصل واقعا يقينا، و ظاهرا، ففي المثال يقال: إنه نجس واقعا فكذا ظاهرا، لتبعية الظاهر للواقع بعد معلوميته.

فكلّ مورد لم يعلم تحقّق الواحد لا بعينه لا يتحقّق الحكم المخالف للأصل، كما إذا وقع أحد الماءين في قليل.

و كذا إذا علم تحقّقه و لكن من غير اجتماع في مورد واحد، كما إذا وقع أحدهما في قليل و آخر في آخر، أو علم تحقّقه

في مورد واحد و لم يكن مؤثّرا، و ذلك كما في اجتماع الشريكين المذكورين في صلاة الجمعة، فإنه قد تحقّق فيها هذا بخصوصه الذي ليس جنبا ظاهرا، و هذا بخصوصه الذي أيضا كذلك، و الواحد الغير المعيّن الذي هو جنب، و لكن بانضمام الخصوصيّين اللذين ليسا بجنبين قد تمَّ عدد الجمعة فانعقدت، غاية الأمر تحقّق الواحد الغير المعيّن أيضا، و وجوده

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 267

بعد تمام عدد الجمعة بغير الجنب الشرعي، و هو هذا بخصوصه و هذا بخصوصه، و الثالثة الأخرى لا تؤثّر في شي ء.

و كذا في سائر أمثلة المقام، فإنّ صلاة هذا بخصوصه، الصحيحة مرتبطة من جهة الائتمام بصلاة هذا بخصوصه، الصحيحة أيضا، فتكون صحيحة، غاية الأمر كون الواحد غير معيّن منهما جنبا، و هو غير مؤثّر في إبطال الخصوصيات، و ليس أمر آخر يؤثّر وجوده فيه.

و ذلك بخلاف الماءين الواقعين في قليل، فإنّه و إن لم ينجس بوقوع هذا بخصوصه و ذلك بخصوصه، و لكن بوقوعهما وقع واحد لا بعينه الذي هو نجس فيه أيضا، فيصدق لأجله وقوع النجس [1] فيه، فينجس لذلك لا للخصوصيات.

و الحاصل: أنه إذا تحقّق الواحد لا بعينه في مورد بتحقّقهما فيه، و ثبتت مانعيّته لأمر لازم في المورد، أو سببيته لأمر مضرّ فيه، يكون تحقّقه مضرا، كما في مثال الماء، لا في غيره كما في مثال ما نحن فيه.

فإن قلت: كما أنّ باجتماع الشخصين يتحقّق الواحد لا بعينه الذي هو جنب، فكذا تتحقّق باجتماع الصلاتين صلاة لا بعينها باطلة، فتكون إحداهما لا بعينها باطلة.

قلنا: إنّ بعد صحة كلّ منهما بخصوصها لا يضرّ وجود الغير المعيّنة الباطلة، مع أنّا نمنع تحقّقها هنا، لأنّه إنّما هو في

الأمور الغير المتوقّفة على جعل الشارع، أو ما ثبت فيه جعله على الإطلاق، و أمّا البطلان فليس هو إلّا مخالفة المأمور به، فتحقّقه فرع تحقّق الأمر، و ليس هنا أمر إلّا بكلّ بخصوصه، و صلاته صحيحة، و ليس هنا أمر آخر، فلم تتحقّق صلاة باطلة، و من ذلك يعلم وجه آخر لما اخترناه في المورد.

______________________________

[1] في «ه»: المنجس.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 268

خلافا للمحقّقين «1»، و الشهيدين «2»، للقطع بجنابة أحدهما. و جوابه ظهر ممّا مرّ.

و الظاهر- كما في المبسوط و المعتبر «3» و الإصباح و المنتهى و التذكرة و الدروس و النفلية «4»- استحباب الغسل لكلّ من الشريكين، لفتوى هؤلاء الأجلّة، و الاحتياط، منضمّا إلى ما في السنن من التسامح في الأدلّة.

الأمر الثاني: إدخال الذكر في القبل.
اشاره

و إيجابه للغسل مجمع عليه، و النصوص مصرّحة به، كصحيحتي محمّد و ابن سرحان:

الأولى: متى يجب الغسل على الرجل و المرأة؟ فقال: «إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم» «5».

و في الثانية: «إذا أولجه فقد وجب الغسل و الجلد و الرجم و وجب المهر كلّا» «6».

و لا يتوقّف الوجوب على إدخال الجميع، بل يكفي التقاء الختانين بالإجماع و المستفيضة، كصحيحة البختري: «إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة و الغسل» «7».

و صحيحة علي بن يقطين: عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها

______________________________

(1) المحقق الأول في المعتبر 1: 179، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 259.

(2) الشهيد الأول في البيان: 54، و الدروس 1: 95، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 7، و الروض:

49.

(3) المبسوط 1: 28، المعتبر 1: 179.

(4) المنتهى 1: 80، التذكرة 1: 23، الدروس 1: 95، النفلية: 90.

(5) الكافي 3: 46 الطهارة ب 30

ح 1، التهذيب 1: 118- 309، الاستبصار 1: 108- 358، الوسائل 2: 182 أبواب الجنابة ب 6 ح 1.

(6) الكافي 6: 109 الطلاق ب 41 ح 3، الوسائل 21: 320 أبواب المهور ب 54 ح 5.

(7) الكافي 6: 109 الطلاق ب 41 ح 2، الوسائل 21: 319 أبواب المهور ب 54 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 269

و لم ينزل، أ عليها غسل؟ و إن كانت ليس ببكر ثمَّ أصابها و لم يفض إليها أ عليها غسل؟ قال: «إذا وقع الختان على الختان قد وجب الغسل» «1» و قريبة منها صحيحة الحلبي «2».

و في صحيحة زرارة، الواردة في قضية الأصحاب: «أ توجبون عليه الجلد و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من ماء؟ إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» «3».

و يعلم التقاء الختانين بغيبوبة الحشفة إجماعا، لصحيحة محمّد بن إسماعيل: فيمن يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل؟ قال:

«إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟

قال: «نعم» «4».

و لا ينافيه ما في صحيحة ابن يقطين، المتقدّمة، لجواز أن يكون قوله: «إذا وقع ..» بيانا لمطلق الحكم، فيلزمه عدم الغسل في المسؤول عنه. مع أنّ غيبوبة الحشفة لا تستلزم الإفضاء.

و لا ما في السرائر عن النوادر: «يجب عليهما الغسل حين يدخله، و إذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما» «5»، لجواز عطف قوله: «و إذا التقى» على قوله:

«حين يدخله». و لو سلّم التنافي، فتخرج عن الحجية بالشذوذ و مخالفة الإجماع.

و بمفهوم تلك الأخبار يقيّد إطلاق الأوليين المقتضي لوجوب الغسل بدخول الأقلّ من ذلك، حيث إنّ صدق دخول الشي ء لا يتوقّف على دخول

______________________________

(1) الكافي 3: 46 الطهارة ب 30 ح

3، التهذيب 1: 118- 312، الاستبصار 1: 109- 360، (بتفاوت يسير)، الوسائل 2: 183 أبواب الجنابة ب 6 ح 3.

(2) الفقيه 1: 47- 184، الوسائل 2: 183 أبواب الجنابة ب 6 ح 4.

(3) التهذيب 1: 119- 314، الوسائل 2: 184 أبواب الجنابة ب 6 ح 5.

(4) الكافي 3: 46 الطهارة ب 30 ح 2، التهذيب 1: 118- 311، الاستبصار 1: 108- 359، الوسائل 2: 183 أبواب الجنابة ب 6 ح 2.

(5) مستطرفات السرائر: 104- 42، الوسائل 2: 185 أبواب الجنابة ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 270

جميعه، بل يصدق على دخول جزء منه أيضا، كما في قولك: أدخلت إصبعي في الجحر.

و كون الذكر- الذي هو مرجع الضمير- اسما للمجموع غير ضائر، إذ لا يلزم اتّحاد المعنى التركيبي مع الأفرادي.

فلا يجب الغسل بدخول الأقلّ من ذلك و لو من مقطوع الحشفة أو المخلوق بلا حشفة، لصدق عدم التقاء الختانين و عدم غيبوبة الحشفة.

خلافا لما احتمل بعضهم «1» من الاكتفاء فيهما بالمسمّى، عملا بالإطلاق.

و هو حسن لو لا المفاهيم المقيّدة له، مع أنّ المطلق ينصرف إلى الغالب، و لكنهما يمنعان عن العمل به. بل مقتضاهما: عدم وجوب الغسل عليهما بالإدخال مطلقا، إلّا أنّ ظاهر الأصحاب إلحاق قدر الحشفة منهما بها. فلو ثبت عليه الإجماع، و إلّا فالحكم به مشكل جدّا.

و الحق- في المشهور- بالقبل، الدبر مطلقا، من الأنثى كان أو الذكر، بل نقل عليه السيد بل الحلّي «2» ظاهرا إجماع المسلمين، بل ادّعى الأول عليه الضرورة من الدين، مع فحوى صحيحة زرارة، المتقدّمة «3»، و مطلقات وجوبه بالإدخال، و بالتقاء الختانين المفسّر في الصحيحة «4»: بغيبوبة الحشفة، المتحقّقة ها هنا، و المروي عن

أمير المؤمنين عليه السلام: «ما أوجب الحدّ أوجب الغسل» [1].

______________________________

[1] لم نعثر على المتن المذكور، و قد يستفاد مضمونه ممّا ورد في الفقيه 1: 47- 184، الوسائل 2:

183، أبواب الجنابة ب 6 ح 4، أو من صحيحة زرارة المتقدمة ص 269 رقم 3. و سيشير إليه المصنف في ص 273.

______________________________

(1) المدارك 1: 272.

(2) السرائر 1: 108، و نقله عن السيد في المختلف: 31.

(3) في ص 269 رقم 3.

(4) المتقدمة في ص 269 رقم 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 271

مضافا في الأوّل، إلى إيجابه في قوله سبحانه أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ 4: 43 «1» بمطلق الملامسة الشاملة للمطلوب بنفسها و المفسّرة في صحيحة أبي مريم، و فيها:

«و ما يعني بهذا- أو لامستم النساء- إلّا المواقعة في الفرج» «2»: بالمواقعة في الفرج الشامل للدبر لغة و عرفا، أو المحتمل شموله له الكافي في المقام، لعدم تقيد الملامسة المطلقة إلّا بما علمت تقييدها به. و في أخبار أخر: بالإدخال أو المباشرة [1] الشاملين له أيضا.

و إلى مرسلة حفص: عن رجل يأتي أهله من خلفها، قال: «هو أحد المأتيين، فيه الغسل» «3».

و في الثاني، إلى الإجماع المركّب المحقّق، و المحكي عن السيّد «4»، و حسنة الحضرمي: «من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا» «5».

و يضعف الأوّل من أدلّتهما [2]: بعدم الحجية.

و الثاني «6»: بعدم الدلالة، لأنّه عليه السلام، لم يرتّب وجوب الغسل على وجوب الحد حتى يتم، بل إيجابهم الغسل على إيجابهم الحد، فدلّ كلامه عليه السلام، بالتنبيه على أنّ إيجابهم الحد علّة لإيجابهم الغسل، و هو كذلك: لأنّهم

______________________________

[1] لم نعثر على خبر فسّرت فيه الملامسة بالإدخال أو المباشرة. نعم قد فسّرت في بعض

الأخبار بالجماع أو الوقاع، انظر الوسائل 1: 273 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 11 إلى 14.

[2] و هو الإجماع الذي نقله عن السيد.

______________________________

(1) النساء: 43، المائدة: 6.

(2) التهذيب 1: 22- 55 و فيه: «إلّا المواقعة دون الفرج»، الاستبصار 1: 87- 278، الوسائل 1:

271 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 4.

(3) التهذيب 7: 414- 1658، الاستبصار 1: 112- 373، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 1.

(4) مر في ص 270.

(5) الكافي 5: 544 النكاح ب 93 ح 2، الوسائل 20: 329 أبواب النكاح المحرم ب 17 ح 1.

(6) هي صحيحة زرارة المتقدمة في 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 272

أرباب القياس، و كانوا به يعملون، و عليه يعتمدون، فيلزمهم إيجابهم الغسل بعد إيجابهم الحدّ، و لا دلالة له على عليّة مطلق وجوبه لوجوبه، و بذلك يندفع ما استشكل على الرواية من تمسّكه عليه السلام بالقياس.

و الثالث [1]- مع عدم جريانه في الثاني، للحكم بوجوب المهر و الرجم أيضا في أخبار مطلق الإدخال-: بأنّ جعل الإدخال فيه بالنسبة إلى المدخول فيه مطلقا باقيا على حقيقته اللغوية يوجب خروج الأكثر بالتقييد، بل عدم بقاء غير المأتيين من أفراده الغير المحصورة، و مثله غير جائز قطعا، فلا محيص عن جعله مجازا عن إدخال خاص، و دخول الإدخال في الدبر في معناه المجازي المراد غير معلوم جدّا، سيما مع انصراف المطلق إلى الشائع، و الوطء في الدبر، الخالي عن الإنزال من الأفراد النادرة.

و القول «1» بإرادة الغيبوبة في الدبر خاصة منها في الصحيحة «2» بقرينة صدرها، حيث إنّه ليس قريب الفرج ما يصلح لها إلّا الدبر، مردود: بأنّه لا دلالة فيها على تحقّق الالتقاء في المجامعة

قريب الفرج، بل حكم عليه السلام بأنّ الغسل في الالتقاء، ليعلم السائل أنّه لا غسل فيما سئل عنه. مع أنّه صحة هذا القول إنما هي على اختصاص إطلاق الفرج بالقبل، مع أنّ هذا القائل يعمّمه ليتمّم بعض أدلّته الأخر.

هذا كلّه، مع أنّه على فرض تسليم الإطلاق يقيّد البتة بأخبار التقاء الختانين الغير المتحقّق هنا، لانحصاره حقيقة بالوطء في القبل.

و حمل مطلق غيبوبة الحشفة عليه و تفسيره بها لا يثبت التعميم، إذ ارتكاب التجوّز في الموضوع و المفسّر ليس بأولى من ارتكاب التجوّز أو التخصيص في

______________________________

[1] و هو مطلقات وجوبه بالإدخال.

______________________________

(1) قال به البهائي في الحبل المتين: 38.

(2) يعني صحيحة محمّد بن إسماعيل المتقدمة ص 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 273

المحمول و المفسّر.

و عدم تحقّق الالتقاء الحقيقي في القبل أيضا- لتغاير مدخل الذكر مع موضع الختان- غير ثابت. و لو سلّم، فلا يمنع من صدق الالتقاء العرفي حقيقة.

مع أنّ إدراج الغيبوبة المفسّرة له في المطلقات يوجب خروج الأكثر أيضا.

و منه يعلم وجه ضعف الرابع [1].

و الخامس «1»: بعدم ثبوت الرواية و عدم نقلها في شي ء من الكتب، و لعلّه هو نقل فحوى قوله في صحيحة زرارة، فتوهّم أنه رواية. مع أنّه لو صحّ، لم يجز جعله من باب العموم، لما مرّ من إيجابه خروج الأكثر، و لو جعل منه أيضا، لوجب تقييده بما مرّ من أخبار الالتقاء.

و الأوّل من دليلي الأوّل [2]: بأنّ ملامسة النساء و إن كان مطلقا و كذا الجماع و المباشرة اللذين فسّرت بهما، و لكن تفسيرها في الصحيحة: بمواقعة الفرج تخصيصها مع تفسيريها، فالمراد بملامسة النساء هو مواقعة الفرج. و الفرج و إن كان بحسب اللغة شاملا للدبر، إلّا أنه

غير ممكن الإرادة هنا، لاستلزامه خروج الأكثر.

فالمراد به إمّا معناه المجازي، فيمكن أن يكون هو القبل خاصة، أو العرفي.

و صدقه على غيره أيضا غير معلوم، بل صرّح بعض اللغويين بأنه في العرف يطلق على القبل في الأكثر «2».

______________________________

[1] و هو مطلقات وجوب الغسل بالتقاء الختانين.

[2] أي يضعّف الدليل الأوّل على الحكم الأوّل و هو إيجاب الوطء في دبر المرأة للغسل، و تقدم الدليل الأوّل ص 271 رقم 1.

______________________________

(1) و هو المروي عن أمير المؤمنين المتقدم في ص 270 رقم 5.

(2) كما في المصباح المنير: 466.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 274

و جعل الملامسة من قبيل المطلق حتى يدخل فيه ما لم يعلم خروجه يوجب أيضا خروج الأكثر. فصدق شي ء من تلك المعاني على ما يشمل المورد غير معلوم، مع أنّ المطلق أيضا ينصرف إلى الشائع.

و الثاني منهما: بعدم دلالته على الوجوب بوجه من الوجوه.

و الأوّل من دليلي الثاني [1]: بعدم ثبوته في القبل أولا، و عدم ثبوت المحقّق من المركّب، و عدم حجية المنقول ثانيا.

و الثاني منهما «1»: بعدم دلالة كونه جنبا يوم القيامة على جنابته في الدنيا، فمن المحتمل أن يكون ذلك العمل موجبا للجنابة الأخروية التي هي حالة غير الجنابة الدنيوية قطعا.

و أمّا عدم نقائه بماء الدنيا فلا يدل على جنابته فيها، إذ من الجائز أن يكون المراد أنّه تحصل له بهذا العمل خباثة باطنية موجبة للجنابة الأخروية غير مرتفعة بماء الدنيا. أو يكون المراد بماء الدنيا جميع المياه الدنيوية، و يكون المعنى: جاء يوم القيامة جنبا و كان بحيث لو غسل يوم القيامة بجميع ماء الدنيا لم يحصل له النقاء.

خلافا في الأوّل لطائفة من الطبقة الثالثة، كالكفاية و المفاتيح و المدارك

و البحار «2»، و الفاضل الهندي «3» و المحقق الخوانساري «4»، و الحدائق «5»، فتردّدوا في وجوب الغسل و عدمه، و إن كان الأخير إلى الأخير كالأوّلين إلى الأوّل أميل،

______________________________

[1] أي يضعف الدليل الأول- و هو الإجماع- على الحكم الثاني و هو إيجاب الوطء في دبر الذكر للغسل.

______________________________

(1) و هو حسنة الحضرمي المتقدمة ص 271.

(2) الكفاية: 3، المفاتيح 1: 53، المدارك 1: 274، البحار 78: 60.

(3) كشف اللثام 1: 78.

(4) مشارق الشموس: 161.

(5) الحدائق 3: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 275

و هو [1] محكي [2] عن المبسوط مطلقا كبعضهم [3]، أو عن موضع منه كآخر [4]، لمعارضة ما تمّت دلالته على الوجوب عندهم بما مرّ مع ما يأتي.

و للشيخ في الاستبصار و النهاية «1»، و الديلمي «2»، و بعض متقدّمي أصحابنا- نقله عنه الشيخ في الحائريات «3»- و حكاه السيّد «4» عن بعض الشيعة، و نسبه في الحدائق «5» إلى ظاهر الكليني و الصدوق، فنفوا وجوب الغسل فيه صريحا.

و هو الأقوى، للأصل المنضمّ مع ما عرفت من ضعف أدلّة الوجوب.

مع أنّه لو سلّمت دلالتها كلّا أو بعضا فهي أعم مطلقا من مرفوعة البرقي:

«إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما، و إن أنزل فعليه الغسل و لا غسل عليها» «6».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    275     الأمر الثاني: إدخال الذكر في القبل. ..... ص : 268

الخاص مقدم على العام سيما مع موافقة العام للعامة- كما صرّح به في

______________________________

[1] أي التردد.

[2] في «ق»: المحكي.

[3] أي كما حكاه بعضهم عن المبسوط، و هو كاشف اللثام و المحقق الخوانساري.

[4] كما نقله في مفتاح الكرامة 1: 307 عن طهارة المبسوط، راجع

المبسوط كتاب الطهارة 1: 27، فذكر أنّ فيه روايتين، و لم يرجّح شيئا، و حكم في كتاب النكاح 4: 242، بوجوب الغسل، و في كتاب الصوم 1: 270، جعل الجماع في دبر المرأة من نواقض الصوم ثمَّ قال: و قد روي أنّ الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم إلّا إذا أنزل معه و انّ المفعول به لا ينتقض صومه بحال، و الأحوط.

الأول.

______________________________

(1) الاستبصار 1: 112، النهاية: 19.

(2) نسبه العلامة في المختلف: 30 الى ظاهر الديلمي، و قد يستفاد من المراسم: 41.

(3) المسائل الحائرية (الرسائل العشر): 286.

(4) كما في المختلف: 31.

(5) الحدائق 3: 5، و ذكر في وجه النسبة أنّهما رويا الرواية الدالة على عدم وجوب الغسل.

(6) الكافي 3: 47 الطهارة ب 31 ح 8، التهذيب 1: 125- 336، الاستبصار 1: 112- 371، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 276

الاستبصار «1» و يدل عليه كلام السيّد- و تأيّده [1] بصحيحة الحلبي: عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أ عليها غسل إن أنزل هو و لم تنزل هي؟ قال: «ليس عليها غسل، و إن لم ينزل هو فليس عليه غسل» «2»، فإنّ الظاهر من الفرج هو القبل، فيعم ما دونه الدبر أيضا، بل يشعر به لفظ «الإصابة» أيضا، و بما يأتي من الأخبار النافية للغسل عن المرأة «3».

و عزل هذا الخاص عن مقاومة العام لشذوذه، حيث إنّه لا يعلم العامل به إلّا الديلمي، و الشيخ المفتي بخلافه في باقي كتبه، و أما الصدوق و الكليني، فهما لم يصرّحا بعدم الوجوب و إن أوردا حديثه، و هو لا يدلّ عليه و إن صرّحا بعدم إيرادهما إلّا ما

يفتيان بصحته، مردود: بأنّ الشذوذ لا يحصل بعدم العلم بالعامل، بل بالعلم بعدم العامل، فعدم العلم بمخالفة الصدوق و الكليني كاف في المقام، سيما مع أنّ الظاهر موافقتهما لما مرّ، مع أنّ العامل غير منحصر بهم، لنقل الشيخ و السيد عن بعض الأصحاب أيضا.

و جعل الخبر الموافق لعمل ثلاثة بل خمسة من القدماء- مع احتمال عمل بعض آخر لم نعلمه، و عدم مخالفة طائفة جمّة من المتأخّرين له- شاذا، عجيب غايته.

هذا، مضافا إلى أنّ أدلّة الوجوب لو تمّت، لتعارضت مع مفهوم أخبار الالتقاء المتلقّاة بالقبول عند الجميع بالعموم من وجه، فلو لا ترجيح المفهوم بمخالفة العامة، لوجب الرجوع إلى الأصل.

______________________________

[1] مصدر معطوف على قوله: موافقة ..، و الضمير راجع إلى الخاص.

______________________________

(1) الاستبصار 1: 112.

(2) الفقيه 1: 47- 185، التهذيب 1: 124- 335، الاستبصار 1: 111- 370، الوسائل 2:

199 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.

(3) في ص 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 277

و دعوى شمول أخبار الالتقاء للمورد ضعيف كما مر «1».

و خلافا لمن سبق بصنفيه [1] في الثاني [2]، مضافا إلى المحقّق في النافع و الشرائع، فتردّد «2»، و المعتبر «3» و الأردبيلي «4» فنفيا الوجوب صريحا.

و هو الحق، لما مرّ من الأصل، مضافا إلى مفهوم أخبار الالتقاء المعارض مع ما مرّ- لو دلّ- بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى الأصل أيضا.

مع أنّ بعد انتفاء الوجوب في الأوّل بالخبر الخاص يثبت هنا أيضا بالإجماع المركّب الذي ادّعوه، بل لعلّ ثبوته هنا أشدّ و أظهر.

و قد ظهر مما مرّ عدم وجوب الغسل بوطء البهيمة بدون الإنزال إدخالا و استدخالا، كما هو الأشهر على ما صرّح به جمع ممّن تأخّر «5». خلافا لجماعة «6»، بل

نسبه في اللوامع إلى الشهرة، فأوجبوا الغسل لبعض ما مرّ مع جوابه.

فروع:

أ: المفعول به إن كان امرأة موطوءة في قبلها يجب عليها الغسل و إن لم ينزل إجماعا، بل ضرورة، و هو الحجة فيه، مضافا إلى صحيحة محمّد، المتقدّمة «7».

و لا يجب إن كان غيرها سواء كان امرأة موطوءة في دبرها أو غلاما كذلك و إن أنزل الفاعل، للأصل الخالي عن معارضة أكثر ما تقدّم- لو قلنا بمعارضة له في الفاعل- لاختصاص طائفة منه بالفاعل و إجمال طائفة أخرى، و هي ما تضمّن

______________________________

[1] في ص 274 ممن تردد في وجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة، و من جزم بعدم وجوب الغسل.

[2] يعني: الوطء في دبر الغلام.

______________________________

(1) في ص 272.

(2) المختصر النافع: 8، الشرائع 1: 26.

(3) المعتبر 1: 181.

(4) مجمع الفائدة 1: 133.

(5) نسبه إلى الأكثر في المدارك 1: 276، و إلى المشهور في الحدائق 3: 12.

(6) منهم العلامة في المختلف: 31، و الشهيد في الذكرى: 27، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 7.

(7) في ص 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 278

قوله: «وجب الغسل».

مضافا في المرأة إلى مرفوعة بعض الكوفيين: في الرجل يأتي المرأة في دبرها و هي صائمة قال: «لا ينقض صومها و ليس عليها غسل» «1».

و مرسلة ابن الحكم: «إذا أتى الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها و ليس عليها غسل» «2».

و منه يظهر عدم وجوب الغسل على المرأة لو قلنا بوجوبه على الفاعل أيضا، و لذا فرّق بينهما بعض المتأخّرين، فلم يوجب الغسل عليها مع ميله إلى وجوبه عليه «3»، و الفاضل في المنتهى و القواعد، فتردّد فيها مع قوله بوجوبه عليه «4».

ب: وطء الميت كالحي

أو استدخال آلته يوجب الغسل على الحي، على المعروف منهم، للاستصحاب و ظواهر الالتقاء.

و القول بتغيّر الموضوع، فلا يجري الاستصحاب، ضعيف، لعدم تغيّره أصلا، فإن مسّ ختان فلانة أو المواقعة في فرج فلانة كانت موجبة للغسل، و لم يتغير شي ء منها، و إن تغيّرت حياتها و لم يعلم تقييد الموضوع بالحياة.

و لا يجب تغسيل الميت في شي ء من الحالين، للأصل، و عدم معلومية إرادة الأغسال من الغسل، و عدم دليل على وجوب الأغسال فيما تعذّر الغسل.

ج: النائم كالمستيقظ فاعلا و قابلا، بالإجماع على الظاهر، و هو الحجة فيه، و عموم كثير من الأدلّة.

قيل: علّق فيها وجوب الغسل بتحقّق الإدخال، أو الالتقاء، أو نحوهما، و تحقّق الوجوب حينئذ في حق النائم لا معنى له، لعدم تعلّق التكليف به، و التعلّق بعده يحتاج إلى دليل.

______________________________

(1) التهذيب 4: 319- 975، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.

(2) التهذيب 4: 319- 977، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ذ ح 3.

(3) المفاتيح 1: 53.

(4) المنتهى 1: 81، القواعد 1: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 279

قلنا: علّق على الإدخال وجوب الغسل غيرا، و هو لا ينافي تعلّقه بالنائم، كما يأتي بيانه في الفرع السادس.

و لا بدّ في وجوب الغسل عليه من العلم بالوقوع، فمجرّد دعوى الوقاع معه لا يثبت الفعل و سائر أحكامه عليه و لو حصل الظن. و منه تظهر ندرة ترتّب الثمرة فيه.

و السكر و الإغماء كالنوم، و الإكراه كالطوع.

د: في وجوب الغسل بإدخال الذكر الملفوف في مثل خرقة أو الداخل في آلة من نحو فضة أو نحاس، أو إدخاله مجرّدا في فرج كذلك، أقوال ذكرها والدي العلّامة في اللوامع: الوجوب مطلقا، و

العدم كذلك، و الأوّل في الملفوف بالرقيقة و الثاني في غيره.

و الأصل مع الثاني، سيّما في الداخل في آلة نحاسية و نحوها، و الاحتياط مع الأوّل، خصوصا في الملفوف بالخرقة، سيما الرقيقة.

ه: لا يجب الغسل على الفاعل و القابل بإيلاج الذكر في قبل الخنثى المشكل، و لا بإيلاج قبله في قبل أو دبر مطلقا، و لا بإيلاج في دبره على الأقوى، و يجب عليهما في الأخير على القول الآخر [1].

و لو أولج الذكر في قبل الخنثى و الخنثى بالأنثى، قالوا: يجب الغسل على الخنثى، لأنّها إمّا ذكر أو أنثى، دون الذكر و الأنثى، لجواز إيلاج الذكر بالذكر، أو الأنثى بالأنثى، فيكونان كواجدي المني في المشترك «1».

و ما قالوه إنّما يصح على القول بكون الخنثى إمّا ذكرا أو أنثى. و أمّا لو قلنا بأنها طبيعة ثالثة، فيحتمل عدم وجوب الغسل عليها أيضا، كما يحتمل وجوبه

______________________________

[1] و هو القول بوجوب الغسل بالوطء في الدبر.

______________________________

(1) تقدم البحث عنه في 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 280

عليهما أيضا [1].

و لو أولج أحد الخنثيين أو كلّ منهما بالأخرى، لا يجب الغسل على واحد منهما، و يحتمل وجوبه عليهما على القول بالطبيعة الثالثة، فتأمّل.

و: يجب الغسل على البالغ بوطئه غير البالغ، أو وطء غير البالغ إيّاه، لعموم الأدلّة.

و هل يجب على غير البالغ بعد بلوغه؟ قيل: لا، للأصل الخالي عن معارضة العمومات الموجبة له بالدخول و الالتقاء، لظهور تعلّقها بالمكلّفين.

و قال الشهيد «1» و الكركي «2» و والدي العلّامة- رحمه اللّه- و جماعة «3»: نعم، لأنّ العمومات الموجبة و إن لم تتعلّق به لكونها من خطاب الشرع المتوقّف على التكليف، و لكن لا يتوقّف تعلّق الأحكام الوضعية التي منها سببية

الإدخال للجنابة الموجبة للغسل بعد التكليف و شرطية الغسل للصلاة عليه، فيجب بعد البلوغ لذلك.

أقول: بعد تسليم اختصاص العمومات بالمكلّفين لا مناص عن القول باختصاص السببية للجنابة بهم أيضا، إذ لا دليل على تلك السببية إلّا تلك العمومات، فإنّه لا دليل عاما أو مطلقا على كون الإدخال سببا للجنابة، بل إنّما ينتزع ذلك من وجوب الغسل و سائر الأحكام الشرعية. بل نقول: لا نعلم الجنابة إلّا ذلك، فبعد اختصاص الأحكام الشرعية- التي هي إمّا منشأ انتزاع الجنابة أو نفسها- بالمكلّفين، فلا وجه لإثبات الجنابة لغيرهم.

و كذا اشتراط الصلاة بالغسل، فإنّه إنّما يفيد لو كان دليل على اشتراطها به

______________________________

[1] اما احتمال عدم وجوبه عليها فلجواز أن لا يكون شي ء من الموضعين فرجا و لا ذكرا. و أما احتمال وجوبه عليهما فلاحتمال كونهما فرجا و ذكرا معا (منه رحمه اللَّه).

______________________________

(1) الدروس 1: 95، البيان: 54.

(2) جامع المقاصد 1: 257.

(3) منهم العلامة في المنتهى 1: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 281

لكلّ من أدخل، و ليس، بل إنّما يدلّ على اشتراطها به للجنب أو المحدث المتوقّف صدقهما على تعلّق الحكم الشرعي الموقوف على التكليف. و أمّا الإجماع على السببية و الشرطية فانتفاؤه في محل النزاع ظاهر.

فالصواب الاستدلال على وجوب الغسل عليه بعد البلوغ بتلك العمومات.

لا لأجل أنّها تدلّ على سببية الإدخال لوجوب الغسل، و لتوقّف تأثير السبب على انتفاء المانع تدلّ على سببيته له حين رفع المانع الذي هو عدم البلوغ، فيصير المعنى: إذا التقى الختانان وجب الغسل حين يمكن الوجوب و هو بعد البلوغ.

لأنّ [1] الظاهر و مقتضى الحقيقة من العمومات: السببية التامة التي تتضمّن رفع المانع، أي ترتّب الوجوب على مجرّد الالتقاء. و تقييد المسبّب

الذي هو الوجوب بحال ارتفاع المانع ليس بأولى من تقييد السبب الذي هو الالتقاء، فليس الحمل على أنه إذا التقى الختانان وجب الغسل حين ارتفاع المانع أولى بالحمل على أنه إذا التقى الختانان حين عدم المانع وجب الغسل مطلقا.

بل [2] لأجل أنّه لمّا كان الغسل واجبا لغيره خاصة- كما يأتي- فيكون الوجوب مقيّدا بحال وجوب الغير لا محالة، و يكون المعنى: إذا التقى الختانان وجب الغسل بعد تعلّق وجوب الصلاة و إن لم يدخل بعد وقتها، على ما عرفت في بحث الوضوء، و تعلّق مثل ذلك الخطاب بغير المكلّف جائز قطعا، لعدم استلزامه تعلّق حكم شرعي حال عدم البلوغ، فبعد إطلاقه يجب الحكم بالدخول فيه، فيجب الغسل عليه بعد البلوغ بمقتضاه.

نعم، يتمشّى ذلك الاستدلال على القول بانتفاء الوجوب النفسي، و أمّا

______________________________

[1] هذه علّة للنفي في قوله: لا لأجل.

[2] عطف على قوله: لا لأجل ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 282

على القول به فلا، كما لا يخفى.

و لو غسل غير البالغ حين عدم البلوغ، فهل يجزي عن غسله أم لا؟

الظاهر الثاني، لأنّ صحته فرع تعلّق الأمر به و لا أمر قبله، لاختصاص أوامره بموجباته المختصة بما بعد البلوغ.

ثمَّ إنه لا شك في عدم حرمة دخول المساجد و قراءة العزائم و نحوها على غير البالغ. فهل يحرم على الولي تمكينه منه و يجب على الغير منعه؟ الحقّ: لا، للأصل، فإنّ الثابت سببية الإدخال لحرمة هذه الأمور على المكلّف نفسه، و أمّا غير ذلك فلا دليل عليه أصلا.

ز: لو وطئ الكافر حال كفره أو أمنى، يجب عليه الغسل بعد إسلامه، بالإجماع المحقّق و المحكي في كلام غير واحد «1».

أما على القول بكونه مكلّفا بالفروع- كما هو المشهور

بل عليه اتّفاق فحول أصحابنا و عمدتهم- فظاهر.

و أمّا على القول بعدمه- كما ذهب إليه شرذمة من متأخّري الأخباريين «2»- فللعمومات المتقدّمة بالتقريب المذكور في غير البالغ.

و منه يظهر أنّ بناء وجوبه عليه على القول بكونه مكلّفا بالفروع- كما هو الظاهر من الأكثر- غير صحيح.

خلافا لبعض الأخباريين، فلم يوجب عليه الغسل، لقوله عليه السلام:

«الإسلام يجبّ ما قبله» «3».

و لعدم نقل أمرهم عليهم السلام، أحدا ممّن أسلم- و لا يسلم عن حدث الجنابة غالبا- بالغسل، مع كثرتهم و توفّر الدواعي على نقله.

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 1: 276.

(2) منهم المحدّث الكاشاني في الوافي 2: 82 و المحدث البحراني في الحدائق 3: 39.

(3) مسند أحمد بن حنبل 4: 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 283

و الأوّل مردود: بالضعف و عدم الجابر، مع أنه لا عموم فيه.

و الثاني: بكفاية عمومات الغسل للأمر بغسلهم كسائر التكاليف، على أنه نقل أمر قيس بالغسل حين أسلم «1».

و قال أسيد و سعد لمصعب و أسعد: كيف تصنعون إذا دخلتم هذا الأمر؟

قالا: نغتسل و نشهد شهادة الحق «2».

و لا يجزي غسله حال كفره و إن كان واجبا في مذهبه و موافقا في الكيفية له في شرعنا، لا لعدم صحته، لعدم تأتّي نية القربة منه، لمنعه. بل لأنّ الصحة عبارة عن موافقة الأمر، و هي موقوفة على قصده امتثاله، و هو في حقّه غير متحقّق، و إن قصد امتثال أمر آخر ورد في مذهبه.

البحث الثاني: في أحكام الجنب.

و هي كثيرة، فإنّ من الأمور ما يجب عليه، و ما يستحب، و ما يحرم، و ما يكره، و ما يباح.

فالأوّلان: الغسل عند وجوب غاياته الآتية أو استحبابها.

و أمّا المحرمة:

فمنها: الصلاة مطلقا واجبة كانت أو مندوبة، بالإجماع و المستفيضة «3».

و

صلاة الميت ليست صلاة، و لو كانت فهي مستثناة بالأدلّة.

و منها: الطواف، كما يأتي في محله.

و منها: قراءة إحدى العزائم الأربع بالإجماع المحقّق و المنقول في أحكام الراوندي و المعتبر و المنتهى و التذكرة «4» و اللوامع و غيرها «5»، و هو الحجة، مضافا إلى

______________________________

(1) سنن أبي داود 1: 98- 355.

(2) المغني لابن قدامة 1: 240.

(3) الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 14.

(4) فقه القرآن (أحكام الراوندي) 1: 50، المعتبر 1: 186، المنتهى 1: 86، التذكرة 1: 24.

(5) السرائر 1: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 284

المعتبرة.

منها: حسنة محمّد: «الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرءان من القرآن ما شاءا إلّا السجدة» «1».

و موثّقة زرارة و محمّد، المروية في العلل بطريق صحيح: الحائض و الجنب يقرءان شيئا؟ قال: «نعم، ما شاءا إلّا السجدة و يذكران اللَّه على كلّ حال» «2».

و الرضوي: «و لا بأس بذكر اللَّه و قراءة القرآن و أنت جنب إلّا العزائم التي يسجد فيها، و هي أ لم تنزيل، و حم السجدة، و النجم، و سورة اقرأ، و لا تمسّ القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء و مسّ الأوراق» «3».

و المروي في المعتبر عن جامع البزنطي، حيث قال بعد حكمه بجواز قراءة الجنب و الحائض ما شاءا: إلّا سور العزائم الأربع روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنّى، عن الحسن الصيقل، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام «4».

و الأوّلان و إن لم يكونا صريحين، لجواز كون الاستثناء من مجرد الاستحباب، فلا ينافي الجواز.

و القول باستلزامه للاستحباب هنا- لكونه من العبادات فلا معنى للاستثناء- باطل، لجواز أن يعني به ما عنوا في الزائد عن سبع آيات.

مع أنّ

قراءة القرآن ليست كسائر العبادات التي يتوقّف جوازها على التوقيف، و إنّما المتوقّف عليه استحبابها، فيكون بدونه كقراءة الخطب و نحوها.

و الحاصل: أنّ ما يحكم فيه بالاستحباب بعد ثبوت الجواز ما ثبت صحته المستلزمة لموافقته للمأمور به، المستلزمة للثواب عليه كالصلاة في الحمام، و أمّا ما لم يكن كذلك فلا.

______________________________

(1) التهذيب 1: 371- 1132، الوسائل 2: 217 أبواب الجنابة ب 19 ح 7.

(2) العلل: 288، الوسائل 2: 216 أبواب الجنابة ب 19 ح 4.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 84، المستدرك 1: 464 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.

(4) المعتبر 1: 187، الوسائل 2: 218 أبواب الجنابة ب 19 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 285

و لا صريحين في حرمة قراءة السورة، لجواز إرادة الآية من السجدة، فإنّها كالسورة من مجازاتها، و لا مرجّح.

و شيوع التعبير عن السّور بأشهر ألفاظها و أكثريته غير مفيد في الترجيح، و إنّما المفيد شيوع أشهر الألفاظ في كونه معبرا به عن السور و أكثريته، و هو ممنوع، و بينهما بون بعيد.

و لكن الأخيرين صريحان في الحرمة و السورة، فالقول بهما- كما هو المشهور- متعيّن، و ضعفهما بعد الشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية «1» غير ضائر.

فتخصيص الحرمة بنفس الآية، كما عن محتمل الانتصار «2» و الإصباح، و الفقيه، و المقنع، و الهداية، و الغنية «3»، و جمل الشيخ و مبسوطه و مصباحه «4» و مختصره و الوسيلة «5» و النافع «6»، مع بعد في الخمسة الأول، و استوجهه بعض المتأخّرين «7» و تردّد فيه في الكفاية «8»، غير جيّد.

نعم، الظاهر منهما اختصاص الحرمة بنفس السورة، فلو خصّت بها و بآية السجدة المجمع على حرمتها و لم يتعدّ إلى غيرهما،

لكان متجها، للأصل.

و التعدّي إلى سائر أبعاضها مفرّعا له على تحريم السورة- كما فعله جماعة «9»- لا وجه له، لعدم صدق قراءة السورة على مطلق البعض و لو كان كلمة، سيما

______________________________

(1) تقدمت الإشارة إليها في ص 282.

(2) الانتصار: 31.

(3) الفقيه 1: 48، المقنع: 13، الهداية: 20، الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(4) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 160، المبسوط 1: 29، مصباح المتهجد: 8، الا أن فيها تحريم العزائم الأربع، فيكون الاحتمال فيه مبنيا على احتمال إرادة الآية من لفظة العزائم.

(5) الوسيلة: 55 بالتقريب المتقدم.

(6) المختصر النافع: 8 قال فيه: فيحرم عليه قراءة العزائم.

(7) صاحب كتاب رياض المسائل من مشايخ صاحب الحدائق (منه رحمه اللَّه).

(8) الكفاية: 3.

(9) منهم العلامة في القواعد 1: 13، و الشهيد في البيان: 62، و صاحب المدارك 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 286

إذا لم يقصد قراءة غير البعض. و لا يتبادر من قراءة السورة قراءة كلّ بعض، و يصح السلب عنها، فيقال: ما قرأ السورة و لكن قرأ بعضها.

و الاستعمال أحيانا- كما يقال للمشتغل بقراءة سورة: يقرأ السورة الفلانية، مع أنه لم يقرأ إلّا بعضها- أعم من الحقيقة، مع أنّه إنّما هو إذا ظنّ إرادته إتمام السورة أو لم يعلم إرادة قراءة البعض.

فالقول بجواز قراءة سائر الأبعاض قويّ جدا، و الإجماع على عدمه سيما مع مخالفة من ذكر بكثرتهم في غير آية السجدة غير ثابت.

نعم، لو قصد من قراءته الإتمام، ارتكب المحرّم و لو عرض مانع منه «1».

و منها: مسّ كتابة المصحف عند المعظم، بل عليه الإجماع عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و الغنية و الذكرى «2»، بل لعلّه المحقّق، لعدم ثبوت خلاف الإسكافي «3» و المبسوط «4»

و قولهما بالكراهة كما نسب إليهما، لأنّ إرادة الحرمة من الكراهة في العرف الأوّل شائعة، مع أنّ في اللوامع تصريح الثاني في الجنب بالتحريم، و إنّما قال بالكراهة في الحدث الأصغر.

و لو ثبت خلافهما ففي تحقّق الإجماع غير قادح، فهو الحجة في المسألة، مضافا إلى ما مرّ في بحث الوضوء، مع سائر ما يتعلّق بهذه المسألة «5».

و لا يلحق بها اسم اللَّه سبحانه، و لا أسماء الأنبياء و الحجج وفاقا فيهما لمن تقدّم على الشيخين، كما صرّح به بعض الأجلّة «6»، و بعض من تأخّر

______________________________

(1) وجهه مذكور في كتاب عوائد الأيام (منه رحمه اللَّه).

(2) الخلاف 1: 18، المعتبر 1: 187، المنتهى 1: 87، التذكرة 1: 24، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، الذكرى: 23.

(3) نقله عنه في المختلف: 36.

(4) المبسوط 1: 23، 29.

(5) في ص 216.

(6) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 287

كالأردبيلي «1»، و ظاهر المدارك و الكفاية «2». و في الأخيرين للمعتبر، و المنتهى، و التحرير «3» أيضا، و معظم الثالثة «4» أيضا.

للأصل المؤيّد بالمروي في المعتبر: يمسّ الدراهم و فيها اسم اللَّه أو اسم رسوله؟ قال: «لا بأس به و ربما فعلت ذلك» «5» لترك الاستفصال يعم مس الاسم منه أيضا.

خلافا في الأوّل خاصة للكتب الثلاثة المذكورة [1]، و نهاية الإحكام «6» مدّعيا عليه عمل الأصحاب في الثاني، و انتفاء الخلاف في الرابع.

و فيهما للمقنعة، و جمل الشيخ و مصباحه «7» و مختصره و مبسوطه، و السرائر و المهذب و الوسيلة «8» و الإصباح و الجامع و أحكام الراوندي و الغنية و القواعد و الإرشاد و التبصرة «9» و الكركي «10»، و الشهيد «11» بل الأكثر

كما في شرح القواعد

______________________________

[1] يعني المعتبر و المنتهى و التحرير.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 1: 134.

(2) المدارك 1: 280، الكفاية: 3 قال: و المشهور تحريم مسّ شي ء مكتوب عليه اسم اللَّه تعالى أو أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام.

(3) المعتبر 1: 188، المنتهى 1: 87، التحرير 1: 12.

(4) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 52، و المحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 164، و صاحب الحدائق 3: 48.

(5) المعتبر 1: 188، الوسائل 2: 215 أبواب الجنابة ب 18 ح 4.

(6) نهاية الإحكام 1: 101.

(7) المقنعة: 51 و لكن فيه تحريم مس أسماء اللَّه فقط، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 161، مصباح المتهجد: 8.

(8) المبسوط 1: 29، السرائر 1: 117، المهذب 1: 34، الوسيلة: 55.

(9) الجامع للشرائع: 39 أحكام الراوندي (فقه القرآن) 1: 50، الغنية (الجوامع الفقهية): 50، القواعد 1: 13، و لكن فيه تحريم ما عليه اسم اللَّه فقط، الإرشاد 1: 225، التبصرة: 8.

(10) جامع المقاصد 1: 267.

(11) البيان: 62، الدروس 1: 96، الذكرى: 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 288

للمحقّق الثاني «1»، بل عليه الإجماع كما عن الغنية «2».

لموثّقة عمّار: «لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللَّه تعالى» «3» في الأوّل، و نقل الإجماع، و وجوب تعظيم شعائر اللَّه فيهما.

و يضعف الأوّل: بعدم الدلالة على الحرمة. و الثاني: بعدم الحجية.

و الثالث: بمنع الدليل على الكلية.

ثمَّ على القول بالتحريم في الأوّل: ففي اختصاصه بالجلالة- كما في الموجز الحاوي- للأصل، و احتمال اختصاص الموثّقة، بجعل الإضافة بيانية. أو مع الرحمن و نحوه من الأعلام في سائر اللغات، لكونه علما و ظهور الإضافة في اللامية. أو مع سائر أسمائه تعالى، و إن لم يكن أعلاما، كما يعطي

أحد الأخيرين- على ما قيل «4»- كلام المقنعة، و الاقتصاد، و المصباح «5»، و مختصره، و الوسيلة، و الغنية، و الجامع «6»، لاشتراك الجميع في وجوب التعظيم، أوجه.

كما انّ في تعميم المنع لما جعل جزء اسم- كما في عبد اللَّه- لقصد الواضع اسمه سبحانه، و تخصيصه بغيره للخروج عن الاسم بالجزئية، وجهين.

و منها: اللبث في المساجد مطلقا، وفاقا لغير شاذ يأتي «7»، بل للمعظم، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه «8»، بل عن المحقّق حيث نقل الإجماع على

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 267.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(3) التهذيب 1: 31- 82، الاستبصار 1: 48- 133، الوسائل 2: 214 أبواب الجنابة ب 18 ح 1.

(4) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 82.

(5) المقنعة: 51، الاقتصاد: 244، مصباح المتهجد: 8.

(6) الوسيلة: 55، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، الجامع: 39.

(7) في ص 290.

(8) الخلاف 1: 514، الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 289

وجوب الغسل [1]، و في المنتهى عدم معرفة الخلاف فيه «1».

للإجماع و للآية الكريمة «2» الناهية المفسّرة بهذا في صحيحة زرارة و محمّد، المروية في العلل: الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال: «لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين، إنّ اللَّه يقول وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا و يأخذان من المسجد و لا يضعان فيه شيئا» «3» الحديث.

و مثلها المروي في تفسيري العياشي و القمي عن الباقر و الصادق عليهما السلام «4».

و فيما رواه الطبرسي عن الباقر عليه السلام إنّ معناه: لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد و أنتم جنب إلّا مجتازين «5».

و لا يضرّ ضمّ السكارى مع الجنب في إبقاء النهي على حقيقته، لأنّ النهي فيهم إنما

هو عن كونهم حين قرب المسجد سكارى، بأن لا يشربوا في وقت يؤدّي إلى دخولهم المسجد حال سكرهم، حيث إنّ السكران لا يصلح لتوجّه الخطاب.

مع أنّ الإجماع على عدم حرمة دخول السكران في المسجد غير ثابت، و لذا قال في البحار: إنّه يمكن استنباط منع السكران من دخول المسجد عن الآية «6».

و للمروي في الخصال و مجالس الصدوق: «و نهى أن يقعد الرجل في

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كتبه نعم قد يستفاد من المعتبر 1: 188 نفي الخلاف فيه حيث نسب الخلاف إلى سلّار دون غيره.

______________________________

(1) المنتهى 1: 87.

(2) النساء: 43.

(3) العلل: 288، الوسائل 2: 207 أبواب الجنابة ب 15 ح 10.

(4) تفسير العياشي 1: 243- 138، تفسير القمي 1: 139، المستدرك 1: 459، الوسائل 2: 207 أبواب الجنابة ب 15 ح 10.

(5) مجمع البيان 2: 52، الوسائل 2: 210 أبواب الجنابة ب 15 ح 20.

(6) البحار 78: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 290

المسجد و هو جنب» «1».

و صحيحة أبي حمزة: «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام، أو مسجد الرسول صلّى اللَّه عليه و آله، فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمّم، و لا يمرّ في المسجد إلّا متيمّما حتى يخرج منه ثمَّ يغتسل، و كذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك، و لا بأس أن يمرّا في سائر المساجد و لا يجلسا فيها» «2».

و أمّا على ما في بعض الكتب الاستدلالية فلا صراحة لها في الوجوب حيث عبّر فيها بقوله: «و لا يجلسان» «3».

و تؤيّدها المستفيضة من المعتبرة، كحسنتي جميل «4» و محمّد «5»، و رواية ابن حمران «6»، و غيرها مما بمعناها. بل استدلّ بها الأكثر، و إن كان عندي محلّ نظر، لعدم

صراحتها في الوجوب و إن كانت لها محتملة، كما ذكرنا غير مرّة.

خلافا للمحكي عن الديلمي فكرهه «7»، للأصل و صحيحة محمّد.

و عن الفقيه، و المقنع، فجوّزا نومه فيها «8»، لصحيحة محمّد بن القاسم:

عن الجنب ينام في المسجد، فقال: «يتوضأ و لا بأس أن ينام في المسجد و يمرّ فيه» «9».

______________________________

(1) الخصال: 327، أمالي الصدوق: 347.

(2) الكافي 3: 73 الطهارة ب 46 ح 14، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15 ح 3 و الرواية مرفوعة و ليست بصحيحة، نعم رواها في التهذيب 1: 407- 1280 بسند صحيح و لكنها ليست مشتملة على حكم الحائض.

(3) و لا يخفى أن في الكافي و الوسائل أيضا ورد كذلك.

(4) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 4، التهذيب 1: 125- 338، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15 ح 2.

(5) التهذيب 1: 371- 1132، الوسائل 2: 209 أبواب الجنابة 15 ح 17.

(6) التهذيب 6: 15- 34، الوسائل 2: 206 أبواب الجنابة ب 15 ح 5.

(7) المراسم: 42.

(8) الفقيه 1: 48، المقنع: 14.

(9) التهذيب 1: 371- 1134، الوسائل 2: 210 أبواب الجنابة ب 15 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 291

و الأصل مندفع بما مرّ، و الصحيحة بمعزل عن الحجية، لمخالفتها للآية الكريمة و الشهرة العظيمة، و موافقتها للحنبلية «1» كما هي محكية، مع أنّ إرادة الغسل من التوضّؤ ممكنة.

و لا يحرم الاجتياز فيما عدا المسجدين، بالإجماع و الآية و الروايات.

و هل الجواز الجائز يختص المرور بالدخول من باب و الخروج من آخر، أو يشمل الدخول و الخروج من باب واحد من غير انحراف و تردّد، أو يشمل التردّد و المشي في الجوانب أيضا؟

الظاهر المتبادر من الآية و

الروايات المفسّرة لها، بل صريحها- كما قيل «2»- هو الأوّل، كما هو- على ما حكي- مذهب الأكثر، بل هو الأقوى و الأظهر.

و تجويز شمولها للأخيرين بعيد عن الصواب.

و لو سلّم فلا يضرّ، إذ مجرّد الاحتمال لا يكفي في الخروج عن المستثنى منه، بل قضية الأصل تقتضي عدم خروج ما لم يقطع بخروجه.

و أمّا حسنة جميل: عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال: «لا، و لكن يمرّ فيها كلها إلّا المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللَّه عليه و آله» «3» و خبره: «للجنب أن يمشي في المساجد كلها و لا يجلس فيها إلّا المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللَّه عليه و آله» «4» و إن اقتضيا بإطلاقهما جواز التردّد، إلّا أنّ مقتضى تعارضهما مع الآية بالعموم من وجه، و وجوب تقديم الكتاب حينئذ: حمل المرور و المشي فيهما على الاحتمال الأوّل.

مع أنّ اقتضاء الأولى لذلك ممنوع غايته، لمنع صدق المرور على غير الأوّل،

______________________________

(1) المغني لابن قدامة 1: 168.

(2) قال به في الحدائق 3: 53.

(3) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 4، التهذيب 1: 125- 338، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15 ح 2.

(4) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 3، الوسائل 2: 206 أبواب الجنابة ب 15 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 292

بل الظاهر منه العبور.

و لا يجب عليه في الاجتياز اختيار أقرب الطريقين إذا تعدّد طريق الجواز، لصدق العبور و الاجتياز.

و هل يجب في الطريق الواحد العبور منه على أقرب المسافات، أو يجوز الانحراف بحيث تزيد المسافة؟

الظاهر: الثاني إذا لم يخرج عن صدق العبور عرفا.

خلافا للمنتهى، فأوجب اختيار الأقرب، اقتصارا في محل المنع على قدر الضرورة «1».

و فيه:

منع كونه محل المنع.

و البائرة من المساجد كالدائرة و لو لم يبق إلّا أرضها ما لم تبلغ حد الموات، لصدق اسم المسجد، و استصحاب الحكم.

و لو اضطرّ الجنب إلى اللبث فيها- لعدم إمكان خروجه، أو خوفه على مال محترم بالخروج- تيمّم و لبث، لعموم البدلية، كما يأتي.

و لا تلحق بالمساجد الضرائح المقدّسة و المشاهد المشرّفة و المواقف الكريمة، كمشعر و منى، وفاقا للأكثر، للأصل.

و خلافا في الأوّلين للشهيدين [1]، لاشتمالها على فائدة المسجدية، و للمروي في بصائر الدرجات و قرب الإسناد و فيه: «يا أبا محمّد أما تعلم أنّه لا ينبغي لجنب أن يدخل بيوت الأنبياء» «2».

______________________________

[1] نسبه إليهما في المدارك 1: 282، و قال الشهيد في الذكرى: 35 يكره الاجتياز في المساجد للجنب و الحائض مع أمن التلويث للتعظيم .. و لو علم التلويث حرم الجميع، و ألحق المفيد في العزية المشاهد المشرفة بالمساجد، و هو حسن لتحقق معنى المسجدية فيها و زيادة. و انظر روض الجنان:

81.

______________________________

(1) المنتهى 1: 88.

(2) بصائر الدرجات: 241- 23، قرب الإسناد: 43- 140، الوسائل 2: 211 أبواب الجنابة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 293

و في إرشاد المفيد «1»، و كشف الغمة «2»، و رجال الكشي و فيه: و أحدّ النظر إليه و قال: «هكذا تدخل بيوت الأنبياء و أنت جنب؟!» «3».

و في الخرائج و الجرائح، و فيه: فقال له أبو عبد اللَّه الحسين عليه السلام:

«أما تستحيي يا أعرابي أن تدخل على إمامك و أنت جنب؟!» «4».

و لتساويهم حيّا و ميّتا- كما هو المستفاد من الأخبار- يثبت الحكم في المطلوب.

و يجاب عنها بضعفها، و عدم دلالتها على الحرمة مع أنّ في بيوتهم غالبا من لا

يخلو عن جنابة أو حيض أو نفاس.

نعم، لا شك في الكراهة، لما مرّ.

و منها: وضع الشي ء فيها، على الأظهر الأشهر، و عن الغنية الإجماع عليه «5»، بل عن الفاضل، لنقله الإجماع على وجوب الغسل له [1].

للرضوي المنجبر بالعمل: «و لهما- أي الجنب و الحائض- أن يأخذا منه، و ليس لهما أن يضعا فيه» «6» فإنّ المتبادر من تركيب «ليس لهما» التحريم.

و تؤيّده صحيحة العلل، المتقدّمة «7»، و صحيحة ابن سنان: عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال: «نعم، و لكن لا يضعان في

______________________________

[1] لم نعثر في كتبه الموجودة لي نقله الإجماع على وجوب الغسل له، نعم قال في المنتهى 1: 88 لا يجوز له وضع شي ء في المساجد مطلقا و يجوز له أخذ ما يريد منها و هو مذهب علمائنا إلّا سلّار.

______________________________

(1) إرشاد المفيد 2: 185، الوسائل 2: 210 أبواب الجنابة ب 16 ح 2.

(2) كشف الغمة 2: 169، الوسائل 2: 211 أبواب الجنابة ب 16 ح 3.

(3) رجال الكشي 1: 399- 288، الوسائل 2: 212 أبواب الجنابة ب 16 ح 5.

(4) الخرائج و الجرائح 1: 246- 2، الوسائل 2: 212 أبواب الجنابة ب 16 ح 4.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(6) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 463 أبواب الجنابة ب 10 ح 1.

(7) في ص 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 294

المسجد شيئا» «1».

خلافا للمحكي عن الديلمي «2» و موضع من الخلاف «3»، فكرهاه، للأصل.

و جوابه ظاهر. و حمل الكراهة على التحريم كما هو الشائع عندهم ممكن.

و لبعض المتأخّرين «4»، فخصّ التحريم بالوضع المستلزم للّبث.

قيل: لتعارض إطلاق تحريم الوضع و تجويز المشي، فيرجع في محل الاجتماع إلى الأصل.

و

ضعفه ظاهر، إذ لا تعارض أصلا.

و مقتضى إطلاق ما مرّ: حرمة الوضع فيه و لو من غير دخول، كما صرّح به الأكثر. و هو كذلك. و ما يدلّ على خلافه- كما يأتي- لا حجية فيه.

و أمّا الطرح فيه من الخارج فلا بأس به، لعدم ثبوت صدق الوضع عليه، و لو صدق، فالشهرة الجابرة فيه غير معلومة.

و مقتضى صريح ما تقدّم: جواز الأخذ منه. و هو كذلك، و الإجماع منعقد عليه.

و أمّا ما في تفسير القمي: «و يضعان فيه الشي ء و لا يأخذان منه»، فقلت:

فما بالهما يضعان فيه الشي ء و لا يأخذان منه؟ قال: «فإنّهما يقدران على وضع الشي ء من غير دخول و لا يقدران على أن يأخذا منه حتى يدخلا» «5»، فلا يصلح للمعارضة، لضعفه بنفسه، و لمخالفته العمل.

______________________________

(1) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 8، التهذيب 1: 125- 339، الوسائل 2: 213 أبواب الجنابة ب 17 ح 1.

(2) المراسم: 42.

(3) قال في كشف اللثام 1: 81 و قد يظهر من الخلاف في موضع.

(4) ابن فهد الحلّي في المقتصر: 49.

(5) تفسير القمي 1: 139، الوسائل 2: 213 أبواب الجنابة ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 295

و منها: دخول المسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، فإنه يحرم مطلقا و لو اجتيازا، على الأشهر، بل عليه الإجماع في المعتبر و المدارك و التذكرة «1»، و عن ظاهر الغنية «2»، و نفي الخلاف بين الأصحاب في الحدائق «3».

لمفهوم قوله في صحيحة أبي حمزة: «و لا بأس أن يمرّا في سائر المساجد» «4».

و تؤيّده حسنة جميل، و روايته، و رواية ابن حمران، و حسنة محمّد «5».

و للمروي في العيون و

المجالس عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: «ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلّا لمحمّد و آله» «6».

و لم يتعرّض جماعة- كالصدوقين «7» و المفيد «8» و الديلمي «9» و الشيخ في الجمل و الاقتصاد و المصباح «10» و مختصره، و الكيدري- له، مع إطلاقهم جواز الاجتياز في المساجد، و كأنّه لقصور ما ذكر عن إثبات الحرمة. و هو كذلك لو لا مفهوم الصحيحة، و لكنه كاف في إثباتها.

ثمَّ لو احتلم في أحدهما يجب أن يتيمّم، لدلالة المستفيضة «11». فقول الشاذ «12» منّا بالاستحباب ضعيف.

______________________________

(1) المعتبر 1: 189، المدارك 1: 282، التذكرة 1: 25.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(3) الحدائق 3: 49.

(4) الكافي 3: 73 الطهارة ب 46 ح 14، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15 ح 3.

(5) المتقدمة ص 290، 291.

(6) العيون 1: 182، أمالي الصدوق: 424، الوسائل 2: 207 أبواب الجنابة ب 15 ح 12.

(7) الفقيه 1: 48، الهداية: 21، و نقل عن والد الصدوق في الذكرى: 32.

(8) المقنعة: 51.

(9) المراسم: 42.

(10) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 160، الاقتصاد: 244، المصباح: 8.

(11) الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15.

(12) هو ابن حمزة في الوسيلة: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 296

و في حكم الاحتلام فيهما الجنابة في اليقظة أو دخول الجنب فيهما سهوا، أو عمدا لضرورة أم لا، لعدم تعقّل الفرق كما قيل «1»، بل لعموم بدلية التيمم فيجب مع إمكانه.

و أمّا المكروهة:

فمنها: الأكل و الشرب على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع عن الغنية و التذكرة «2» و غيرهما «3»، للمستفيضة:

منها: مرسلة الفقيه: «الأكل على الجنابة يورث الفقر» «4».

و الأخرى: «نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله عن

الأكل على الجنابة» و قال: «إنه يورث الفقر» «5».

و نحوهما المروي في الخصال و المجالس «6».

و صحيحة الحلبي: «إذا كان الرجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضّأ» «7».

و رواية السكوني: «و لا يذوق- أي الجنب- شيئا حتى يغسل يديه و يتمضمض، فإنه يخاف منه الوضح» «8».

و الرضوي: «و إذا أردت أن تأكل على جنابتك، فاغسل يديك و تمضمض و استنشق ثمَّ كل و اشرب إلى أن تغتسل، فإن أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف

______________________________

(1) قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 78.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 25.

(3) حاشية المدارك: 45.

(4) الفقيه 1: 47- 178، الوسائل 2: 220 أبواب الجنابة ب 20 ح 6.

(5) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 5.

(6) الخصال: 504- 2، أمالي الصدوق: 344- 1، المستدرك 1: 466 أبواب الجنابة ب 13 ح 1.

(7) الفقيه 1: 47- 181، الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 4.

(8) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 12، التهذيب 1: 130- 357، الاستبصار 1: 116- 391، الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 2. الوضح بالتحريك: البرص.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 297

عليك البرص، و لا تعد إلى ذلك» «1» إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن الفقيه، فلم يجوّزهما له «2»، لظاهر النهي.

و يضعف: بوجوب حمله على التنزيه.

لا لمعارضته مع موثّقة ابن بكير: عن الجنب يأكل و يشرب و يقرأ؟ قال:

«نعم، يأكل و يشرب و يقرأ و يذكر اللَّه ما شاء» «3».

لأنّ بعد تخصيص النهي بما قبل الإتيان بما اجمع على أنّه مزيل للكراهة تكون أدلّته أخص مطلقا من الموثّقة فتخصّصها.

بل لعدم قول به

إلّا منه، فيضعف لأجله روايات النهي، و يقصر عن إثبات الزائد عن الكراهة. مع أنّ التعليل في عبارته مشعر بإرادته الكراهة أيضا كما قيل «4».

ثمَّ مقتضى المرسلتين و إن كان الكراهة مطلقا، فلا تزول إلّا بالغسل و زوال الجنابة، إلّا أنّ مقتضى مفهومي الغاية و الشرط في البواقي: تقييدهما و زوالها بغير الغسل أيضا إذا أتى بما ذكر فيها.

ثمَّ الأمر المزيل لها قبله هل هو الوضوء خاصة؟ كما عن المقنع «5»، أو هو أو المضمضة و الاستنشاق؟ كما عن المنتهى و التحرير و نهاية الإحكام و الدروس «6»، أو

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 84، المستدرك 1: 466 أبواب الجنابة ب 13 ح 2.

(2) الفقيه 1: 46.

(3) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 2، التهذيب 1: 128- 346، الاستبصار 1: 114- 379، الوسائل 2: 215 أبواب الجنابة ب 19 ح 2.

(4) قاله في الرياض 1: 33.

(5) المقنع: 13.

(6) المنتهى 1: 89، التحرير 1: 12، نهاية الإحكام 1: 104، الدروس 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 298

الأخيران فقط؟ كالقواعد «1» و عن الخمسة «2» و أتباعهم، بل نسب إلى المشهور «3»، أو هما مع غسل اليدين؟ كما عن الفقيه و الهداية و الأمالي «4»، أو هو مع المضمضة؟

كالمعتبر «5»، أو هما مع غسل الوجه؟ كالنفلية «6»، أو هو مع المضمضة، أو الوضوء، أو غسل اليدين، مع أفضلية الأوّلين؟ كالمدارك «7»، أو كل مما ذكر تخييرا؟ كأحد المحتملين في اللوامع و المعتمد. فيه أقوال، منشؤها: اختلاف الأخبار التي منها ما تقدّم.

و منها: صحيحة زرارة: «الجنب إذا أراد أن يأكل و يشرب غسل يده و تمضمض و غسل وجهه و أكل و شرب» «8».

و صحيحة البصري:

أ يأكل الجنب قبل أن يتوضّأ؟ قال: «إنّا لنكسل [1]، و لكن ليغسل يده، و الوضوء أفضل» «9».

مضافا إلى اختلاف الأفهام في كيفية تعارضها- من جهة دلالة بعضها على عدم انتفاء الكراهة إلّا بالتوضّؤ، و آخر على انتفائها بالمضمضة و غسل اليد و عدمه بدونهما، و ثالث بغيرهما- و في وجه الجمع بينها.

______________________________

[1] كذا في جميع النسخ و المصادر، و لكن قال في الوافي 6: 423 و يشبه أن يكون مما صحّف و كان «إنا لنغتسل» لأنهم عليهم السلام أجل من أن يكسلوا في شي ء من عبادة ربهم جلّ و عز.

______________________________

(1) القواعد 1: 6.

(2) هم الشيخ الصدوق، و والده، و الشيخ المفيد، و السيد المرتضى، و الشيخ الطوسي- نقله عنهم و عن اتباعهم المحقق في المعتبر 1: 191.

(3) نسبه الشهيد الثاني في المسالك 1: 8، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 82.

(4) الفقيه 1: 46، الهداية: 20، أمالي الصدوق: 516.

(5) المعتبر 1: 191.

(6) النفلية: 10.

(7) المدارك 1: 284.

(8) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 1، التهذيب 1: 129- 354، الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 1.

(9) التهذيب 1: 372- 1137، الوسائل 2: 220 أبواب الجنابة ب 20 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 299

و تحقيق المقام بعد بيان أمرين:

أحدهما: أنّه لا دلالة لاستحباب أمر عند ارتكاب آخر ثابت الكراهة على انتفائها بعد فعل ذلك المستحب بوجه من الوجوه.

و من ذلك يظهر عدم كون الصحيحتين من أخبار المقام منافيتين للأخبار المتقدّمة أصلا، غايتهما استحباب ما ذكر فيهما للجنب عند الأكل و الشرب.

و ثانيهما: أنّ المصرّح به في الأخبار أنّ كراهة الأكل و الشرب للجنب إنما هي لأمرين: أحدهما: إيراثه الفقر.

و الآخر: إيجابه البرص. و المستفاد من روايتي السكوني و الرضوي: انتفاء الثاني خاصة بفعل ما ذكر فيهما دون الأوّل أيضا، و لازمه تخفيف الكراهة بفعله، إذ تخفيف مرجوحية ما فيه جهتا مرجوحية بزوال إحداهما لا انتفائها رأسا. و على هذا فلا تعارض بين الروايتين و صحيحة الحلبي أيضا، لأنّها تدلّ بمفهوم الغاية على انتفاء مطلق النهي بالتوضّؤ، و هما تدلّان على انتفاء خوف البرص بغسل اليد و المضمضة، أو مع الاستنشاق أيضا.

نعم، يعارض منطوق الرضوي المصرّح ببقاء ذلك الخوف قبل الثلاثة مطلقا- و إن غسلت يدك و تمضمضت- مع مفهوم رواية السكوني الدالّ على انتفاء الخوف بالأمرين مطلقا- سواء كان معهما الاستنشاق أم لا- بالعموم من وجه، و إذ لا مرجّح فيرجع إلى أصالة بقاء الكراهة و عدم تخفيفها بدون الثلاثة.

و من ذلك ظهر أنّ حق القول في المسألة انتفاء الكراهة بالوضوء و تخفيفها بغسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق.

و عن ظواهر الاقتصاد، و المصباح «1»، و مختصره، و السرائر، و النهاية «2»، و في الشرائع «3»: تخفيفها بالأخيرين، من غير تعرّض للانتفاء بالوضوء.

______________________________

(1) الاقتصاد: 244، مصباح المتهجد: 9.

(2) السرائر 1: 118، النهاية: 21.

(3) الشرائع 1: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 300

قيل: لعلّه لتعليل النهي عن الأكل على الجنابة بإيراثه الفقر، و ما ذكر لا يرفع الجنابة التي هي العلّة «1».

و فيه: أنّ مقتضى مفهوم الغاية في الصحيحة انتفاء النهي الذي هو المعلول بالوضوء، و هو كاشف عن عدم عليّة مطلق الجنابة. مع أنّه لو كانت العلّة لما كان وجه للخفّة، لعدم تخفيف الجنابة بالاستنشاق و المضمضة.

ثمَّ لا شك في عدم اعتبار تعدّد الأمور المذكورة بتعدّد الأكل و الشرب مع الاتّصال.

و هل

يعتبر مع التراخي مطلقا، أو إذا طال الزمان، أو تخلّل الحدث، أو لا يعتبر مطلقا؟ أظهرها الأول، لعموم قوله: «إذا أردت»- في الرضوي- و عدم القول بالفصل بين ما فيه و بين الوضوء في ذلك.

و يمكن اعتبار تخلّل الحدث في تعدّد الوضوء خاصة، فتأمّل.

و منها: قراءة غير العزائم من القرآن مطلقا، وفاقا للمحكي عن الخصال و المراسم و ابن سعيد «2»، لرواية الخدري: «يا علي، من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما» «3».

المؤيدة بالمروي في الخصال: «سبعة لا يقرؤون القرآن» و عدّ منهم: الجنب و النفساء و الحائض «4».

و بروايتي قرب الإسناد و الخصال، المتقدّمتين في الوضوء المستحب «5».

و جعلهما مؤيدتين، لاحتمال إرادة نفي الإباحة الخاصة أو الاستحباب

______________________________

(1) قاله صاحب الرياض 1: 33.

(2) الخصال: 358، المراسم: 42، الجامع: 39.

(3) الفقيه 3: 358- 1712، العلل: 514- 5، أمالي الصدوق: 455- 1، الوسائل 2: 216 أبواب الجنابة ب 19 ح 3.

(4) الخصال: 357 ح 42.

(5) في ص 32، 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 301

منهما، و لا تلزم منه حرمتها حيث إنها عبادة، لأنّ قراءة القرآن ليست من التوقيفيّات التي لم تتحمل الإباحة و الكراهة، كما مرّ.

و حاصله: أنّ عدم إبقاء الكراهة على المعنى المصطلح فيما يقول به إنّما هو إذا كانت ممّا ثبتت صحته المستلزمة للثواب و المطلوبيّة، و لم يثبت ذلك فيما نحن فيه.

و تؤيّد المطلوب أيضا الرواية العامية عن علي عليه السلام: «لم يكن يحجب النّبيّ- أو قال يحجزه- عن قراءة القرآن شي ء سوى الجنابة» «1».

خلافا لجماعة، فخصّوا الكراهة بالزائد على السبع، إمّا مطلقا، كالمعتبر و النافع و المنتهى و القواعد

«2»، و الكركي «3»، و غيرهم «4»، لمضمرة سماعة: عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال: «ما بينه و بين سبع آيات» «5».

أو مع اشتدادها في الزائد على السبعين، كما في الشرائع و الكفاية «6» و اللوامع و المعتمد، و غيرها، لمضمرته الأخرى، و فيها بدل سبع آيات: سبعين آية «7».

دلّتا على جواز قراءة ما نقص عن السبع.

و لكونها عبادة لا يكون الجواز فيه إلّا مع المطلوبية المنافية للكراهة. مع أنّ المستفاد من مفهوم الوصف عدم قراءة الجنب للزائد المحمول على الكراهة، لضعف القول بالتحريم كما يأتي، فلا يكون الناقص مكروها.

______________________________

(1) سنن ابن ماجه 1: 195- 594، و راجع مستدرك الوسائل 1: 465 أبواب الجنابة ب 12.

(2) المعتبر 1: 190، المختصر النافع: 9، المنتهى 1: 87، القواعد 1: 13.

(3) جامع المقاصد 1: 269.

(4) كالمهذب 1: 34.

(5) التهذيب 1: 128- 350، الاستبصار 1: 114- 383، الوسائل 2: 218 أبواب الجنابة ب 19 ح 9.

(6) الشرائع: 27، الكفاية: 3.

(7) التهذيب 1: 128- 351، الاستبصار 1: 114- 383، الوسائل 2: 218 أبواب الجنابة ب 19 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 302

و يضعّف: بمنع استلزام الجواز هنا للمطلوبية، بل التساوي. و منع كون مطلق قراءة القرآن عبادة، و إنّما هو فيما سلّمنا الثواب عليه و هو في المقام ممنوع، كما مرّ.

مع أنّه لو استلزمها، لكانت الكراهة فيه أيضا بمعنى لا ينافيها قطعا.

و بعدم حجية مفهوم الوصف.

مع أنّ حملهما على شدة الكراهة ممكن، كما ارتكبوه في خبر السبعين.

و لأخرى [1]، فنفوها مطلقا، كما في المدارك و البحار و عن جمل الشيخ «1»، للأصل، و عموم قوله عزّ شأنه فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ «2» و الأخبار المصرّحة بأنه يقرأ القرآن،

أو ما شاء منه، أو بنفي البأس عن قراءته، كصحيحتي الفضيل «3» و الحلبي «4»، و موثّقة ابن بكير «5»، و غيرها.

و الأول بما مرّ مندفع. و الثاني به مخصوص، مع أنّه لثبوت حرمة قراءة العزائم على الجنب يكون في الآية تقييد قطعا، و هو كما يمكن أن يكون في المقروء بتقييده بغير العزائم يمكن أن يكون في القارئ بتخصيصه بالمتطهّر، و حينئذ لا ينافي ما مرّ مطلقا، و إذ لم يتعيّن أحد الاحتمالين يحصل فيه الإجمال المنافي للاستدلال.

و منه يعلم أنه لا يمكن الحكم بكون الآية أعم من وجه ممّا مرّ.

______________________________

[1] يعني: و خلافا لجماعة أخرى.

______________________________

(1) المدارك 1: 285، البحار 78: 50، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 161.

(2) المزمل: 20.

(3) التهذيب 1: 128- 347، الاستبصار 1: 114- 380، الوسائل 2: 217 أبواب الجنابة ب 19 ح 5.

(4) التهذيب 1: 128- 348، الاستبصار 1: 114- 381، الوسائل 2: 217 أبواب الجنابة ب 19 ح 6.

(5) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 2، التهذيب 1: 128- 346، الاستبصار 1: 114- 379، الوسائل 2: 215 أبواب الجنابة ب 19 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 303

و الثالث غير مناف للكراهة، إذ لا يثبت منه إلّا الجواز المتحقّق معها أيضا.

و لثالثة [1]، فحرّموها إمّا مطلقا، كالديلمي في أحد قوليه «1»، لروايتي الخصال و الخدري، المتقدّمتين «2». أو في الزائد على السبع، كما عن القاضي «3»، و ظاهر المقنعة و النهاية «4»، و بعض الأصحاب كما في المختلف «5»، و محتمل التهذيبين «6»، للمضمرة الأولى، و بها تخصّص الروايتان. أو على السبعين، كما نقله في المنتهى عن بعض الأصحاب «7»، للمضمرة الثانية.

و يضعّف الأول: بقصور الروايتين

عن إثبات حرمتها من حيث الدلالة، لخلوّهما عن الدالّ عليها، و عدم انتهاضهما له لو دلّتا، لمعارضتهما مع الأخبار المجوّزة الراجحة عليهما بالأكثرية عددا، و الأصحيّة سندا، و الأوضحية دلالة، و بالموافقة للمشهور و نقل الإجماع على الجواز، كما عن الانتصار و الخلاف و الغنية و أحكام الراوندي و المعتبر «8»، و لعموم الكتاب، و المخالفة للعامة «9». مع كون المرجع أصالة عدم الحرمة لو لا الترجيح.

و الثانيان: بجميع ما مرّ، مضافا إلى أنّ دلالتهما بمفهوم الوصف الذي ليس بحجة.

______________________________

[1] يعني: و خلافا لجماعة ثالثة.

______________________________

(1) نقله عنه في الدروس 1: 96.

(2) في ص 300.

(3) نقله عنه في الدروس 1: 96.

(4) المقنعة: 52 على ما في بعض نسخها، النهاية: 20.

(5) المختلف: 32.

(6) التهذيب 1: 128، الاستبصار 1: 115.

(7) المنتهى 1: 87.

(8) الانتصار: 31، الخلاف 1: 101، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، فقه القرآن (أحكام الراوندي) 1: 50، المعتبر 1: 186.

(9) بداية المجتهد 1: 44، بدائع الصنائع 1: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 304

و توهّم أخصيتهما عن المجوّزات- لاختصاصهما بالسبع أو السبعين فتقدّمان عليها- فاسد جدا، لاختصاصها بما عدا العزائم أيضا.

ثمَّ إنّه لا فرق في الكراهة بين القراءة من ظهر القلب أو من المصحف، لإطلاق الأدلّة. كما لا فرق فيها في السبع أو السبعين- على القول بالاختصاص بهما- بين الآي الطويلة و القصيرة، و لا بين السبع أو السبعين المجتمعة في القرآن أو المتفرقة.

نعم، الظاهر المتبادر منها المتوالية و المتغايرة، فبحكم الأصل لا كراهة في المتراخية و الواحدة المتكررة.

و منها: حمل المصحف، لفتوى الجماعة، كما في اللوامع. و يؤيّده بل يدلّ عليه أيضا نهي الجنب عن تعليقه في رواية إبراهيم بن عبد الحميد «1».

و منها: تعليقه،

لما مرّ.

و منها: مسّ ما عدا الكتابة في المصحف، لروايتي المجمع:

إحداهما: «لا يجوز للجنب و الحائض و المحدث مس المصحف».

و الأخرى عن الباقر عليه السلام: في قوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ قال: «من الأحداث و الجنابات» «2».

و رواية ابن عبد الحميد: «المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا» «3».

و شمولها للخط المحرّم مسّه بدلالة خارجية لا يضرّ في المطلوب، بعد صدق مسّ المصحف عليه أيضا. و ضعفها مانع عن إثبات التحريم بها في غير موضع الانجبار الذي هو مسّ الخط. مع أنّ الثانيتين غير دالّتين عليه، كالآية و سائر ما بمضمونهما.

______________________________

(1) التهذيب 1: 127- 344، الاستبصار 1: 113- 378، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء ب 12 ح 3.

(2) مجمع البيان 5: 226، الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 12 ح 5.

(3) المصدر المذكور في الرقم 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 305

و لو دلّ حديث على التحريم، فتأويله أو طرحه متعيّن، لمعارضته مع الرضوي المنجبر بالأصل و الشهرة التي كادت أن تكون إجماعا: «لا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء، و مسّ الأوراق» «1».

فالقول به- كما عن السيد «2»- ضعيف جدّا.

و منها: النوم، بالإجماع، كما في المعتبر و المنتهى، و عن الغنية و ظاهر التذكرة «3»، فهو فيه الحجة، مضافا إلى المعتبرة:

كصحيحة الحلبي: عن الرجل أ ينبغي له أن ينام و هو جنب؟ قال: «يكره ذلك حتى يتوضّأ» «4».

و مفهوم الرضوي: «و لا بأس أن تنام على جنابتك بعد أن تتوضّأ وضوء الصلاة» «5».

و المروي في العلل: «لا ينام المسلم و هو جنب و لا ينام إلّا على طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمّم بالصعيد» «6».

و صحيحة عبد

الرحمن: عن الرجل يواقع أهله أ ينام على ذلك؟ قال: «إنّ اللَّه يتوفّى الأنفس عند منامها، و لا يدري ما يطرقه من البليّة، إذا فرغ فليغتسل» «7».

و موثّقة سماعة: عن الجنب يجنب ثمَّ يريد النوم، قال: «إن أحبّ أن يتوضّأ فليفعل، و الغسل أفضل من ذلك، فإن نام فلم يتوضّأ و لم يغتسل، فليس عليه

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 464 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.

(2) نقله عنه في المعتبر 1: 190.

(3) المعتبر 1: 191، المنتهى 1: 89، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 25.

(4) الفقيه 1: 47- 179، الوسائل 2: 227 أبواب الجنابة ب 25 ح 1.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 84، المستدرك 1: 298 أبواب الوضوء ب 11 ح 1.

(6) العلل: 295، الوسائل 2: 227 أبواب الجنابة ب 25 ح 3.

(7) التهذيب 1: 372- 1137، الوسائل 2: 228 أبواب الجنابة ب 25 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 306

شي ء» «1».

وجه دلالة الأخيرين: أنّ مقتضاهما استحباب الغسل للجنب قبل النوم، فيكره ضدّه، و هو: النوم، بناء على ما أثبتناه [1] من كون الأمر الاستحبابي نهيا تنزيهيا عن ضدّه الخاص.

و بالأخيرة و بصحيحة الأعرج: «ينام الرجل و هو جنب و تنام المرأة و هي جنب» «2» يضعّف انتهاض ما كان ظاهره التحريم لإثباته، مع أنّه للإجماع مخالف.

ثمَّ مقتضى الأولى مؤيّدا بالثانية، كظاهر الأكثر، بل عليه الإجماع في اللوامع: انتفاء الكراهة بالوضوء. و هو كذلك، لذلك.

فإطلاق الكراهية- كما عن الاقتصاد «3»- بعيد عن السداد. و كذلك ما قيل من تخفيفها به «4»، و حكي عن ظاهر النهاية و السرائر «5»، فإنّ مفهوم الغاية صريح في انتهاء الكراهة.

و ليس مقتضى أحبّيّة الغسل

من الوضوء- كما في الموثّقة- و لا مقتضى التعليل بما علّل في الصحيحة بقاءها إلى الاغتسال أصلا، بل مقتضاهما استحباب الغسل، و هو مسلّم.

و أضعف منهما: القول بالزوال بالمضمضة و الاستنشاق، لعدم دليل عليه.

و لا تزول الكراهة بإرادة العود إلى الجماع كما في البحار «6»، للأصل، و عدم

______________________________

[1] في «ه» بيناه.

______________________________

(1) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 10، التهذيب 1: 370- 1127، الوسائل 2: 228 أبواب الجنابة ب 25 ح 6.

(2) التهذيب 1: 369- 1126، الوسائل 2: 228 أبواب الجنابة ب 25 ح 5.

(3) الاقتصاد: 244.

(4) قاله في كشف اللثام 1: 82، و الرياض 1: 33.

(5) النهاية: 21، السرائر 1: 118.

(6) البحار 78: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 307

دلالة مستنده، و هي مرسلة الفقيه المذكورة بعد صحيحة الحلبي، المتقدّمة: «أنا أنام على ذلك، و ذلك إني أريد أن أعود» «1».

لا لما قيل من أنّ المراد العود إلى الانتباه، يعني: أنّي أعلم أن لا أموت «2»، لبعده غايته.

بل لأنه يمكن أن يكون المشار إليه في ذلك الوضوء، و التعليل لترك الغسل.

و هل يقوم التيمّم مقام الوضوء عند عدم الماء في إزالة الكراهة؟ الظاهر العدم، للأصل.

نعم، مفاد [المروي في العلل ] [1] بدليته عنه عنده في الاستحباب. و هو كذلك، بل هو مقتضى عموم بدليته. و يتخيّر حينئذ في نية البدلية عن أحد الطهورين، و لعلّ عن الغسل أفضل.

و منها: الخضاب، و هو ما يتلوّن به اللحية و الأطراف من حناء و غيره، كما قيل «3»، و الأولى بحكم التبادر: و نحوه [2].

و كراهته هي الأظهر الأشهر بل من غير خلاف ظهر، و نسبته إلى الصدوق في الفقيه غير جيّد، لنفيه البأس عنه «4»، و

هو لا ينافي الكراهة على الأصح، بل عن الغنية الإجماع عليه «5»، فهو حجّة المسألة، مضافا إلى المستفيضة:

كرواية ابن جذاعة: «لا تختضب الحائض و لا الجنب، و لا تجنب و عليها

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الموثقة، و هو سهو كما يظهر بالمراجعة.

[2] أي تبديل غيره بنحوه (منه رحمه اللَّه).

______________________________

(1) الفقيه 1: 47- 180، الوسائل 2: 227 أبواب الجنابة ب 25 ح 2.

(2) قال به في الحدائق 3: 141.

(3) قاله في الرياض 1: 33.

(4) الفقيه 1: 48.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 308

خضاب، و لا يجنب هو و عليه خضاب، و لا يختضب و هو جنب» «1».

و رواية ابن يونس: عن الجنب يختضب أو يجنب و هو مختضب؟ فكتب عليه السلام: «لا أحبّ له» «2».

و روايتي مسمع «3» و أبي سعيد «4» و المروي في مكارم الأخلاق: «يكره أن يختضب الرجل و هو جنب» و قال: «من اختضب و هو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء، فإنّ الشيطان يحضرهما عند ذلك» «5».

و لا يحرم إجماعا محقّقا و منقولا، للأصل، و خلوّ ما مرّ جميعا من الدالّ عليه، مضافا إلى المستفيضة المجوّزة له، كحسنة الحلبي «6» و روايات السكوني «7» و أبي جميلة «8» و علي «9» و موثّقة سماعة «10» مع إشعار رواية ابن يونس، و العلّة المذكورة في

______________________________

(1) التهذيب 1: 182- 521، الاستبصار 1: 116- 388، الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22 ح 9.

(2) التهذيب 1: 181- 519، الاستبصار 1: 117- 392، الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22 ح 8.

(3) التهذيب 1: 181- 518، الاستبصار 1: 116- 387، الوسائل 2:

222 أبواب الجنابة ب 22 ح 5.

(4) التهذيب 1: 181- 517، الاستبصار 1: 116- 386، الوسائل 2: 221 أبواب الجنابة ب 22 ح 4.

(5) مكارم الأخلاق 1: 191- 565، 566، و ليس فيه قوله: فان الشيطان ..، نعم هو وارد في ذيل حديث آخر فانظر المكارم و الوسائل 2: 223 أبواب الجنابة ب 22 ح 10.

(6) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 11، الوسائل 2: 223، أبواب الجنابة ب 23 ح 1.

(7) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 12، التهذيب 1: 130- 357، الاستبصار 1: 116- 391، الوسائل 2: 221 أبواب الجنابة ب 22 ح 3.

(8) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 9، الوسائل 2: 221 أبواب الجنابة ب 22 ح 1.

(9) التهذيب 1: 183- 525، الاستبصار 1: 116- 390، الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22 ح 7.

(10) التهذيب 1: 182- 524، الاستبصار 1: 116- 389 و فيه: عن علي، الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 309

رواية المكارم.

و منها: الأدهان، لصحيحة حريز: الجنب يدهن ثمَّ يغتسل؟ قال:

«لا» «1».

و منها: الجماع إذا كانت الجنابة من الاحتلام، للمروي في مجالس الصدوق و الخصال: «و كره أن يغشى الرجل المرأة و قد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فإن فعل و خرج الولد مجنونا فلا يلومنّ إلّا نفسه» «2».

و أما المباحة [1]: فما عدا ما ذكر، للأصل السالم عن المعارض.

البحث الثالث: في غايات غسل الجنابة.

أي ما يغسل له، و هو بين ما يجب الغسل له و ما يستحب.

أما الأول: فيجب للصلاة الواجبة بأنواعها شرعا و شرطا، بالضرورة، و الكتاب، و السنّة المتواترة التي منها ما دلّ على إعادة

الصلاة بترك غسل الجنابة أو بعضها.

ففي رواية الحلبي: فيمن أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج الشهر: «عليه أن يقضي الصلاة و الصيام» «3».

و في رواية الصيقل: فيمن تيمّم و قام يصلي، فمرّ به نهر و قد صلّى ركعة:

«فليغتسل و ليستقبل الصلاة» «4».

______________________________

[1] يعني الأمور المباحة للجنب، فهي معطوفة على قوله: أمّا المكروهة في ص 296.

______________________________

(1) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 6، التهذيب 1: 129- 355، الاستبصار 1: 117- 393، الوسائل 2: 220 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.

(2) مجالس الصدوق: 248، الخصال: 520.

(3) التهذيب 4: 311- 938، الوسائل 2: 257 أبواب الجنابة ب 39 ح 1.

(4) التهذيب 1: 406- 1277، الاستبصار 1: 168- 581 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 310

و في رواية زرارة: فيمن ترك بعض ذراعه أو بعض جسده في غسل الجنابة حتى دخل في الصلاة: «إن رآه و به بلّة مسح عليه و أعاد الصلاة» «1» إلى غير ذلك.

و الحق بها أجزاؤها المنسية و المرغمتان [1] و سجود التلاوة. و عدم وجوبه لصلاة الميت، للمعارض، أو انتفاء الحقيقة.

و لواجب الطواف بالإجماع و المستفيضة دون مندوبه و إن وجب للازمه [2].

و لصوم رمضان على المشهور. و يأتي الكلّ في محلّه.

و للواجب من مسّ المصحف، و قراءة العزائم، و دخول المسجدين على القول بحرمته على الجنب، و اللبث في كلّ مسجد، و وضع شي ء فيه، لتحريمها على الجنب كما مرّ.

و للنذر و شبهه.

و قيل: للتحمّل عن الغير «2». و عرفت ما فيه في بحث الوضوء «3».

و الحقّ: انحصار وجوبه بالغير، فلا يجب لنفسه، وفاقا للحلّي «4»، و المحقّق

«5»، و الكركي «6»، و الشهيدين «7»، بل أكثر المتأخّرين كما في اللوامع، بل هو المشهور مطلقا كما في الحدائق «8» و المعتمد، للأصل، حيث إنّ الكلّ قائلون

______________________________

[1] و هما سجدتا السهو.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    311     البحث الثالث: في غايات غسل الجنابة. ..... ص : 309

[2] و هو دخول المسجد الحرام.

______________________________

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 2، التهذيب 1: 100- 261، الوسائل 2: 260 أبواب الجنابة ب 41 ح 2.

(2) الشهيد في الألفية: 26.

(3) راجع ص 25.

(4) السرائر 1: 58، 129.

(5) الشرائع 1: 11.

(6) جامع المقاصد 1: 264.

(7) الشهيد الأول في الدروس 1: 86، و الشهيد الثاني في الروض: 51.

(8) الحدائق 3: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 311

بالغيري، و تؤيّده: صحيحة زرارة، المتقدّمة في مسألة وجوب الوضوء «1».

و الاستدلال بالآية «2»، و بأخبار الجنب إذا فجأها الحيض قبل الغسل- كحسنة الكاهلي: في المرأة يجامعها الرجل فتحيض و هي في المغتسل، قال: «قد جاء ما يفسد الصلاة فلا تغتسل» «3» و بمضمونها موثّقات حجّاج «4» و زرارة «5» و أبي بصير «6» و ابن سنان «7»، حيث إنّها ظاهرة في أنّ نفي الغسل بمجي ء ما يفسد الصلاة لأجل أنها الغرض منه- ضعيف.

أما الأولى: فلتوقّف الاستدلال على عطف قوله إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً على فَاغْسِلُوا و هو غير معلوم، لجواز العطف على إِذا قُمْتُمْ و ما ذكروا في إثبات الأول غير صالح للتعيين.

و أمّا الثانية: فلأنّ النهي عن الاغتسال فيها إمّا للجواز، لوروده بعد الأمر، كما قيل، أو للمرجوحية من الحرمة أو الكراهة، كما هو الظاهر منهم و مقتضى النهي.

فعلى الأول كما يمكن أن يكون تجويز التأخير لانحصار وجوبه

في الغيري و عدم وجوب الغير حينئذ، يمكن أن يكون لأجل اشتراط تضيق وجوبه المانع عن

______________________________

(1) راجع ص 27

(2) المائدة: 6.

(3) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 370- 1128، الوسائل 2: 314 أبواب الحيض ب 22 ح 1.

(4) التهذيب 1: 395- 1227، الاستبصار 1: 147- 504، الوسائل 2: 264 أبواب الجنابة ب 43 ح 6.

(5) التهذيب 1: 395- 1225، الاستبصار 1: 146- 502، الوسائل 2: 263 أبواب الجنابة ب 43 ح 4.

(6) التهذيب 1: 395- 1226، الاستبصار 1: 147- 503، الوسائل 2: 263 أبواب الجنابة ب 43 ح 5.

(7) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 395- 1223، الوسائل 2: 265 أبواب الجنابة ب 43 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 312

جواز تأخيره، بتضيق وقت ذلك الغير، كما هو المتّفق عليه بين أرباب القولين، فإذا لم يجب ذلك الغير لا يكون مضيّقا. و عدّه بعيدا- كما في اللوامع- لا وجه له.

و على الثاني لا يمكن أن يكون النهي لوجوبه الغيري و لأنّ الغير هو الغرض منه، لأنّه غير صالح للنهي، و لذا أفتى القائلون بالغيري بجوازه قبل وجوب الغير بل باستحبابه. و كون مشروعيته له لا يستلزم كونه في وقته. فلا محالة يكون النهي لأمر آخر [يسببه ] [1] مجي ء مفسد الصلاة، فيمكن أن يكون المراد أنّ سبب مشروعية الغسل رفع الحدث به و حدوث الحالة المبيحة، فإذا جاء مفسد الصلاة لا يحصلان، فلا يشرع الغسل. يعبّر عن الحدث و مانع الاستباحة بمفسد الصلاة، لأنّ العامة لا يفهمون منهما غالبا إلّا ذلك، بل في رواية سعيد بن يسار: في المرأة ترى الدم و هي جنب أ تغتسل

من الجنابة أم غسل للجنابة و الحيض؟ فقال: «قد أتاها ما هو أعم من ذلك» «1» إشعار به.

و خلافا للمحكي عن ابن شهرآشوب «2» و ابن حمزة «3»، و المنتهى و التحرير، و المختلف «4»، و المدنيات للفاضل، و والده «5»، و الراوندي «6»، و جماعة من المتأخّرين كالأردبيلي «7»، و المدارك [2]، و الذخيرة، و الكفاية «8»، و عزاه الأول «9» إلى السيد «10»،

______________________________

[1] في «ح» و «ه»: بنسبة، و في «ق»: بنيّة، و الصواب ما أثبتناه.

[2] لم نعثر عليه فيه.

______________________________

(1) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 3، الوسائل 2: 314 أبواب الحيض ب 22 ح 2 بتفاوت.

(2) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 80.

(3) الوسيلة: 54.

(4) المنتهى 1: 93، التحرير 1: 12، المختلف: 29.

(5) نسبه إليه في المختلف: 29.

(6) فقه القرآن 1: 31.

(7) مجمع الفائدة 1: 136.

(8) الذخيرة: 55، الكفاية: 3.

(9) يعني ابن شهرآشوب كما في كشف اللثام 1: 80.

(10) الذريعة للمرتضى 1: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 313

و أنكره الحلّي «1».

لمعلّقات وجوب الغسل على الجنابة أو الدخول أو الإنزال أو التقاء الختانين من دون اشتراط شي ء آخر، من الآية و الروايات، فيكون واجبا لنفسه.

و موجبات تغسيل من مات جنبا غسل الجنابة «2»، من غير تقييدها بوجوب غايته عليه.

و صحيحة عبد الرحمن، المتقدّمة في نوم الجنب «3»، أمر فيها بالغسل خوفا من الموت في المنام قبله، و لو لا وجوبه بنفسه، لم يأمر به و لم يتصوّر خوف منه.

و يجاب عن الأول: بما مرّ في الوضوء «4». مع أنّه قد عرفت كون الآية محتملة لوجهين.

و عن الثاني: بمنع وجوب التغسيل و إنّما هو مندوب.

و لو سلّم، فلا يثبت وجوب الغسل

حال الحياة نفسيا، لجواز أن يكون لوجوب التغسيل علّة أخرى غير استدراك الواجب الفائت، بل هو الظاهر.

و عن الثالث: بأنّ الأمر فيه ليس للوجوب، باعتراف المستدلّ أيضا، فإنّه لا يقول بالتضييق بإرادة النوم، و الندب ملتزم عند القائل بالغيري، و الخوف إنّما هو من ملاقاة اللَّه سبحانه جنبا، و لا شك أنّه مما يكره.

و أمّا الثاني: فيستحب للمندوب من الصلاة و الطواف و المس و لبث المساجد و دخول المسجدين و قراءة العزائم، و وجهه ظاهر.

و للنوم، لصحيحة عبد الرحمن و موثّقة سماعة، المتقدّمتين «5».

و لتلاوة القرآن و دخول المساجد و الكون على الطهارة و التأهّب للفريضة.

______________________________

(1) السرائر 1: 133.

(2) الوسائل 2: 540، 541 أبواب غسل الميت ب 31 ح 5 إلى 8.

(3) ص 305.

(4) راجع ص 28.

(5) في ص 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 314

و يظهر وجه الجميع ممّا ذكر في استحباب الوضوء لها.

البحث الرابع: في واجباته
اشاره

و هي أمور:

الأوّل: النية

مقارنة لأول أفعاله الواجبة، أو المستحبة، أو مقدماته، مستدامة حكما إلى الفراغ، على ما تقدّم تحقيقها، و ما يتعلّق بها في الوضوء.

و هل يجب في غسل الجنابة قصد كونه للجنابة، أم يكفي قصد الغسل و إن لم يلتفت إلى أنه غسل جنابة؟

الأظهر: الثاني، للأصل، و عدم دليل على وجوب ذلك القصد.

و تعدّد الأغسال المستقرة في الذمة وجوبا أو استحبابا و عدم التميّز إلّا بالقصد لا يفيد، لما مرّ في بحث الوضوء من عدم وجوب قصد المميّز إلّا مع اشتمال المأمور به على جزء لا يتحقّق إلّا بالقصد، فيجب قصده حينئذ.

فإن قلت: قد صرّحت الأخبار بأنّ غسل الجنابة واجب، و وردت الأوامر المتعدّدة بغسل الجنابة، فيكون المأمور به هو الإتيان بغسل الجنابة لا مطلق الغسل، فتكون الجنابة قيدا للمأمور به، و تحقّق الغسل المقيّد بهذا القيد إنّما هو بالقصد، فيجب قصده.

قلنا: يمكن أن يكون المعنى أنّ الغسل للجنابة واجب، بأن يكون القيد بيانا للسبب لا جزءا للمأمور به، مع أنّه إنّما يفيد للقصد على القول بعدم ثبوت التداخل قهرا.

و منه يظهر عدم وجوب قصد المميّز في شي ء من الأغسال الواجبة و المستحبة أيضا، لجريان الكلام فيها بعينه.

فلو كان على أحد عشرة أغسال، و أراد عدم التداخل، فغسل عشر مرات، يصحّ و يبرأ عن الجميع و إن لم يعيّن في كلّ واحد أنه أيّ غسل. و لو غسل خمسا برئ من خمس. و عدم تعيّنه غير ضائر، كما مرّ في الوضوء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 315

و فرّق في المعتبر بين الأغسال المندوبة و الواجبة «1»، فقال باشتراط نية السبب في الأولى دون الثانية. و لا وجه له.

و الثاني: غسل البشرة

بما يسمّى غسلا و لو كان كالدهن، كما

مرّ في الوضوء.

و الثالث: استيعاب جميع البشرة بالغسل
اشاره

، فلو أهمل جزءا منها لم يجزئ إجماعا، و هو الحجة فيه. مضافا إلى الأصل، و الاستصحاب، و المستفيضة من الأخبار الآمرة بغسل الجسد كلّه.

كصحيحة زرارة، و فيها: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك، ليس بعده و لا قبله وضوء، و كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته» «2».

و موثّقة سماعة، و فيها: «ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه» «3».

و مرسلة الفقيه، و فيها: «لأنّ الجنابة خارجة من كلّ جسده، فلذلك وجب عليه تطهير جسده كلّه» «4».

و الدالّة على وجوب غسل كلّ جزء الشامل بإطلاقه أو عمومه لليسير و الكثير، كمفهوم صحيحة محمّد: عن الجنب به الجرح فيتخوّف الماء إن أصابه، قال: «فلا يغسله إن خشي على نفسه» «5».

و الاختصاص بموضع الجرح غير ضائر، لعدم الفاصل.

و صحيحة زرارة و فيها: قلت له: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة، فقال: «إذا شك ثمَّ كانت به بلّة و هو في صلاته مسح بها عليه،

______________________________

(1) المعتبر 1: 361.

(2) التهذيب 1: 370- 1131، الوسائل 2: 230، أبواب الجنابة ب 26 ح 5.

(3) التهذيب 1: 132- 364، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.

(4) الفقيه 1: 44- 171، الوسائل 2: 178 أبواب الجنابة ب 2 ح 1.

(5) التهذيب 1: 363- 1099، الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 316

و ان كان استيقن رجع و أعاد عليه الماء ما لم يصب بلة» «1».

أو على عدم طهارة ما لم يصبه الماء و عدم إجزائه، كمفهوم صحيحة محمّد و حسنة زرارة.

ففي الأولى: «فما جرى عليه الماء فقد طهر» «2».

و في الثانية: «فما جرى عليه الماء

فقد أجزأه» «3».

و بالقسمين الأخيرين يظهر ضعف قول من احتمل عدم البطلان بخروج الجزء اليسير، تمسّكا بصدق غسل تمام الجسد معه «4». مع أنّه ممنوع جدّا.

ثمَّ إنّه يتفرّع على ما ذكر: وجوب إيصال الماء إلى تحت الشعر بتخليله مطلقا، كثيفا كان أو خفيفا، و إلى تحت كلّ مانع يرفعه.

و يدلّ على الأول أيضا بخصوصه- بعد الإجماع المحقّق، المصرّح به في كلام جماعة، منهم: المدارك و اللوامع و المعتمد، و عن الفاضل «5» و أمالي الصدوق «6»- النبوي المقبول: «تحت كلّ شعرة جنابة، فبلّوا الشعر و انقوا البشرة» «7».

و الرضوي المنجبر: «و ميّز الشعر بأناملك عند غسل الجنابة، فإنّه يروى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: أنّ تحت كلّ شعرة جنابة، فبلّغ الماء تحته في أصول الشعر كلّها، و خلّل أذنيك بإصبعيك، و انظر أن لا تبقى شعرة من رأسك و لحيتك

______________________________

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 2 باختلاف يسير، التهذيب 1: 100- 261، الوسائل 2: 260 أبواب الجنابة ب 41 ح 2.

(2) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 3، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2.

(4) مشارق الشموس للمحقق الخوانساري: 170.

(5) المدارك 1: 292، و لم نعثر على دعوى الإجماع في كتب الفاضل.

(6) أمالي الصدوق: 516.

(7) سنن ابن ماجه 1: 196- 597.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 317

إلّا و يدخل تحتها الماء» «1».

و بهذه الأدلّة تخصّص بالوضوء صحيحة زرارة: أ رأيت ما كان تحت الشعر؟

قال: «كلّ ما أحاط به الشعر فليس على

العباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء» «2».

و يخصّص بغير ذلك ما نفى غسل البواطن.

و لا منافاة في كفاية ثلاث غرفات للرأس، و لا في صحيحة محمّد: «الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها» «3» لما ذكر.

أما الأول: فلوصول الثلاث إلى البشرة لو كشف شعر الرأس و اللحية.

و أما الثاني: فلإمكان أن يكون المراد بالموصول البشرة، يعني: البشرة التي بلغ عليها بلل الماء من الشعر أجزأها، و لا يحتاج إلى إجراء الماء عليها معها، و لا إلى التخليل، بل لا يحصل له معنى تام غير ذلك، كما لا يخفى على المتأمّل.

فاحتمال عفو ما تحت الشعور الكثيفة و الاكتفاء بالظاهر- كما عن المحقّق الأردبيلي «4»- غير جيّد.

و على الثاني [1] بخصوصه: ما تقدم في بحث الوضوء، من صحيحة علي، و حسنة ابن أبي العلاء «5»، مضافا إلى الرضوي: «و إن كان عليك خاتم فحوّله عند الغسل، و إن كان عليك دملج و علمت أنّ الماء لا يدخل تحته فانزعه» «6».

و توهّم مخالفة ذيل حسنة ابن أبي العلاء، فاسد، لاختصاصها بالوضوء،

______________________________

[1] هذا عطف على قوله: و يدل على الأول، المتقدم في ص 316.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 83، المستدرك 1: 479 أبواب الجنابة ب 29 ح 3.

(2) التهذيب 1: 364- 1106، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 2.

(3) الكافي 3: 82 الحيض ب 7 ح 4، التهذيب 1: 400- 1249، الاستبصار 1: 148- 508، الوسائل 1: 311 أبواب الحيض ب 20 ح 2.

(4) مجمع الفائدة 1: 137.

(5) المتقدمتين في ص 106.

(6) فقه الرضا عليه السلام: 84، المستدرك 1: 482 أبواب الجنابة ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 2، ص: 318

و قد مرّ دفعها فيه أيضا.

نعم، ربما تشعر بالمخالفة موثّقة عمار: في الحائض تغتسل و على جسدها الزعفران لم يذهب به الماء، قال: «لا بأس به» «1».

و خبر السكوني: «كنّ نساء النبي إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن، و ذلك أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، أمرهنّ أن يصببن الماء صبّا على أجسادهن» «2».

و صحيحة الخراساني: الرجل يجنب فيصيب جسده و رأسه الخلوق، و الطيب، و الشي ء اللكد مثل علك الروم و الطراز و ما أشبهه، فيغتسل، فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق و الطيب و غيره، قال: «لا بأس» «3».

و لكنها غير ناهضة للمعارضة، لشذوذها، و مخالفتها لعمل الأصحاب، المخرجة إيّاها عن الحجية.

مع أنّ عدم إذهاب الماء بالزعفران- كما في الأول- لا يستلزم عدم وصول الماء تحته، و بقاء الصفرة و الأثر- كما في الأخيرين- لا يستلزم بقاء العين المانعة من وصول الماء، و لذا لا تجب إزالتهما في التطهير من النجاسات، فهنا أولى.

فروع:

أ: ظاهر الأصحاب على ما صرّح به جماعة: عدم وجوب غسل الشعر، بل في المعتبر «4»، و شرح القواعد للكركي «5»، و اللوامع، و المعتمد، و عن الذكرى «6»:

______________________________

(1) الكافي 3: 82، الحيض ب 7 ح 5، الفقيه 1: 55- 208، التهذيب 1: 400- 1248، الوسائل 2: 240 أبواب الجنابة ب 30 ح 3.

(2) التهذيب 1: 369- 1123 بتفاوت يسير، الوسائل 2: 239 أبواب الجنابة ب 30 ح 2.

(3) الكافي 3: 51 الطهارة ب 34 ح 7، التهذيب 1: 130- 356، الوسائل 2: 239 أبواب الجنابة ب 30 ح 1.

(4) المعتبر 1: 194.

(5) جامع المقاصد 1: 278 و لكن

لم ينقل الإجماع.

(6) الذكرى: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 319

الإجماع عليه، و هو الحجة فيه، مضافا إلى الأصل المؤيّد بخلوّ الأخبار البيانية عنه، مع خروجه عن مسمّى الجسد قطعا، و بالصحيح: «لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة» «1» الشامل لما لا يبلغ إليه الماء مع عدم النقض.

و ربما نسب إلى المقنعة «2» الخلاف في ذلك و إيجاب غسل الشعر. و فيه تأمّل.

و يظهر الميل إليه عن جماعة من متأخّري المتأخّرين «3»، للنبوي المتقدّم.

و صحيحة محمّد، المتقدّمة «4».

و صحيحة حجر: «من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار» «5».

و موثّقة الساباطي: عن المرأة تغتسل و قد [امتشطت ] بقرامل و لم تنقض شعرها، كم يجزيها من الماء؟ قال: «مثل الذي يشرب شعرها» «6» الحديث.

و لدخوله في مصداق الرأس و الجانب الأيمن و الأيسر الواردة في الأخبار.

و يضعّف الأول: بالضعف الخالي عن الانجبار. و البواقي: بعدم الدلالة:

أمّا الثاني: فلما مرّ. مع أنّه لو أفاد ذلك، لدلّ على عدم لزوم بلوغ الماء جسدها، و كفاية بلوغه الشعر، و هم لا يقولون به.

و أمّا الثالث: فلإجمال ما يترك في الشعر، فكما يمكن أن يكون المعنى: من ترك شعرة و لم يغسلها، يمكن أن يكون: من ترك شعرة و لم يخللها و لم يغسل ما

______________________________

(1) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 16، التهذيب 1: 162- 466، الوسائل 2: 255 أبواب الجنابة ب 38 ح 3.

(2) المقنعة: 52.

(3) منهم الشيخ البهائي في الحبل المتين: 42، و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 56.

(4) راجع ص 316.

(5) التهذيب 1: 135- 373، أمالي الصدوق: 391- 11، الوسائل 2: 175 أبواب الجنابة ب 1 ح 5.

(6) الفقيه 1: 55- 208

بتفاوت يسير، الوسائل 2: 257 أبواب الجنابة ب 38 ح 6 و في النسخ:

«انبسطت» بدل «امتشطت».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 320

تحتها.

مع أنه يمكن أن تكون لفظة «من» بيانية، فيكون المراد مقدار شعرة، بل لا يبعد دعوى ظهور هذا المعنى من ذلك التركيب.

و أمّا الرابع: فلأنّ مثل القدر المذكور فيه حين عدم نقض الشعر ممّا لا بدّ منه في تروية الرأس.

و أمّا [دخوله ] [1] في الرأس و الجانبين، فلو سلّم إنّما يفيد مع عموم فيها، و ليس كذلك.

ثمَّ ما ذكر من عدم وجوب غسل الشعر، إنّما هو إذا لم يتوقّف غسل البشرة عليه، و إلّا فيجب لوجوب ما لا يتم الواجب إلّا به، فيجب غسل الحاجبين و الأهداب لذلك، بل الاحتياط أن يغسل جميع الشعور.

ب: يجب غسل الظفر بالإجماع. و حكم المتجاوز منه عن حدّ الإصبع و ما تحته من الجلدة ما مرّ في بحث الوضوء، إلّا أنّه لمّا انحصر الدليل فيه في المورد بالإجماع الغير المعلوم تأتّيه إلى المتجاوز أيضا يتأتّى الإشكال فيه. و كونه من الجسد محلّ المنع.

ج: يجب غسل العضو الزائد و السلعة و أمثالها، لصدق الجسد على الأوّل بل الثاني، مع تضمّن الثاني بعض الجسد الغير المتيقّن غسله إلّا بغسل الجميع.

د: الواجب غسل الظواهر دون البواطن بالإجماع و المستفيضة:

كخبر زرارة: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» «1».

و مرسلة الواسطي: الجنب يتمضمض؟ قال: «لا، إنّما يجنب الظاهر» «2».

______________________________

[1] في جميع النسخ: وجوبه، و ما أثبتناه هو الصحيح.

______________________________

(1) التهذيب 1: 78- 202، الاستبصار 1: 67- 201، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء ب 29 ح 6.

(2) التهذيب 1: 131- 360، الاستبصار 1: 118- 396، الوسائل 2: 226 أبواب الجنابة ب 24 ح 6.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 321

و مثلها المروي في العلل، و زاد فيه: «و لا يجنب الباطن، و الفم من الباطن» «1».

و فيه أيضا: في غسل الجنابة: «إن شئت أن تمضمض و تستنشق فافعل و ليس بواجب، لأن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن».

و خبر الحضرمي: «ليس عليك مضمضة و استنشاق لأنهما من الجوف» «2».

و من الظواهر: معاطف الآذان و الآباط، و عكن البطون في السمان، و ما تحت الثدي من النسوان، إجماعا، مع شهادة العرف في الكلّ، و خصوص الرضوي المتقدّم «3» في الأول.

و منها: السرّة، و مواضع الكيّ، و ما يبدو من الشق و من الفرج، و أمّا ما يبدو منه عند الجلوس لقضاء الحاجة فالظاهر كونه من الباطن. و الأحوط: غسل ما ظهر من الباطن بالقطع.

و من البواطن: داخل الفم و الأنف و العين و الصماخ و الفرج بالإجماع و العرف.

و الثقب التي في الاذن و الأنف للحلقة إن كانت بحيث لا يرى باطنها فمن البواطن، و إلّا فمن الظواهر.

و شقوق الجراحات المحشوة بالدواء، و الثقب المحشوة بالنيل للزينة من الباطن ظاهرا إن استقرّ فيها الحشو بحيث لا يمكن إخراجه أو يعسر، و إن أمكن، فالظاهر وجوب الإخراج.

و الرابع: المباشرة إجماعا

، لما في الوضوء مع تفصيل ما يتعلّق بالمقام.

و الخامس: إباحة الماء و إطلاقه و طهارته

، و إباحة المكان الذي يتبعه الهواء

______________________________

(1) العلل: 287، الوسائل 2: 226 أبواب الجنابة ب 24 ح 7، 8.

(2) الكافي 3: 24 الطهارة ب 16 ح 3، التهذيب 1: 78- 201، الاستبصار 1: 117- 395، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 29 ح 10.

(3) في ص 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 322

الواقع فيه الغسل، كما مرّ في الوضوء، و يأتي في التيمّم.

و السادس: الترتيب
اشاره

، بتقديم الرأس على سائر الجسد، بالإجماع المحكي عن الخلاف و الانتصار و الغنية و السرائر و التذكرة و غيرها «1»، بل المحقّق حتى عن الصدوقين «2»، لتصريحهما بوجوب إعادة الغسل لو بدأ بغير الرأس، فنسبة الخلاف هنا إليهما غير جيّد.

فالمخالف فيه منحصر بالإسكافي «3»، و هو في الإجماع غير قادح، مع أنه أيضا لم يصرّح بالنفي، بل قيل بإشعار كلامه بالثبوت «4»، فيكون إجماعا من الكلّ، فهو الحجة فيه، مع صحيحة حريز: في الوضوء يجف، قال: قلت: فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال: «جف أو لم يجف اغسل ما بقي» قلت: و كذلك غسل الجنابة؟ قال: «هو بتلك المنزلة، ابدأ بالرأس ثمَّ أفض على سائر جسدك» قلت: و إن كان بعض يوم؟ قال: «نعم» «5».

و حسنة زرارة: «من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه، ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه، لم يجد بدّا من إعادة الغسل» «6».

و الرضوي المنجبر ضعفه بما مرّ: «فإذا بدأت بغسل جسدك قبل الرأس، فأعد الغسل على جسدك بعد غسل الرأس» «7».

المؤيدة بأخبار أخر قاصرة عن إفادة الوجوب، إمّا لاشتمالها على لفظ الخبر،

______________________________

(1) الخلاف 1: 132، الانتصار 1: 30، الغنية (الجوامع الفقهية): 554، السرائر 1: 135، التذكرة 1: 24، و كالمنتهى 1: 83.

(2)

الفقيه 1: 49 و نقله فيه عن والده أيضا.

(3) نقله عنه في الذكرى: 101.

(4) القائل صاحب الرياض 1: 30.

(5) التهذيب 1: 88- 232، الاستبصار 1: 72- 222، الوسائل 1: 447 أبواب الوضوء ب 33 ح 4.

(6) الكافي 3: 44 الطهارة ب 29 ح 9، الوسائل 2: 235 أبواب الجنابة ب 28 ح 1.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 473 أبواب الجنابة ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 323

كصحيحة محمّد «1» و ما يحذو حذوها، أو على الترتيب الفعلي، كالحسن [1]، أو على ما يمنع من حمل ما وضع للوجوب على حقيقته، كموثّقة سماعة، فإنّ فيها: «ثمَّ ليصب على رأسه ثلاث مرات مل ء كفّيه» «2» فإنّ التقييد بالثلاث مانع عن حمل الأمر على الوجوب.

ثمَّ بما ذكر يدفع الأصل و تقيّد الإطلاقات.

و أمّا صحيحة هشام «3»، المتضمّنة لأمر الصادق عليه السلام، الجارية بغسل جسدها قبل الرأس في واقعة، فمعارضة مع صحيحة محمّد «4»، المتضمنة للعكس في تلك الواقعة بعينها، الراجحة على الأولى بشذوذها المخرج إيّاها عن الحجية.

و منه يظهر أنّ الأخيرة دليل آخر مستقلّ على ما نحن فيه.

و المناقشة في الروايات: بعدم دلالتها على وجوب تقديم جميع أجزاء الرأس، مردودة بعدم القول بالفصل.

______________________________

[1] يعني به ما اشتمل على بيان فعل الإمام عليه السلام و أنه عليه السلام غسل مرتبا، و الظاهر أنه أشار بقوله: كالحسن إلى ما رواه زرارة- بسند فيه إبراهيم بن هاشم- في حديث كيفيّة غسل الجنابة: «قال: ثمَّ بدأ بفرجه ثمَّ صب على رأسه ثلاث أكف ثمَّ صب على منكبه الأيمن مرتين ..»، الوسائل 2: 235 أبواب الجنابة ب 28 ح 2، و تعرض لنحو هذا في الرياض

1:

30. و لكن لا يخفى أن الحسنة المذكورة أجنبية عن بيان فعل الإمام رأسا، و التوهم نشأ من إرجاع الضمير في قوله «بدأ.» إلى الامام عليه السلام، و هو خطأ منشؤه تقطيع الرواية- كما هو غير عزيز في الوسائل- و قد روى في الوسائل تمام الرواية في ب 26 من أبواب الجنابة، فراجع.

______________________________

(1) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(2) التهذيب 1: 132- 364، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.

(3) التهذيب 1: 134- 370، الاستبصار 1: 124- 422، الوسائل 2: 236 أبواب الجنابة ب 28 ح 4.

(4) التهذيب 1: 134- 371، الاستبصار 1: 124- 423، الوسائل 2: 237 أبواب الجنابة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 324

و هل يدخل العنق في الرأس، فيجب تقديمه على باقي الأعضاء، و يجوز تقديمه على المنابت و الوجه، أو لا، فيغسل مع الباقي، و يقدّم جميع أجزاء المنابت و الوجه عليه؟

المحكي عن صريح المقنعة، و التحرير «1»، و كتب الشهيد «2»، ناقلا عن الجماعة، و ظاهر أبي الصلاح «3»، و الغنية، و المهذب «4»- و إن احتمل خلافه-:

الأول. و نفى عنه بعض مشايخنا خلافا يعرف «5»، و قيل: بل هو كالإجماع «6».

و استند فيه إلى مقابلة الرأس مع المنكب و الكتف في مضمرة زرارة «7» و موثّقة سماعة «8»، فإنّه لو لا دخول العنق في الرأس، لكان إمّا مهملا، أو داخلا في المنكب، و هما باطلان قطعا.

و يخدشه: أنّه إن أريد بطلان دخوله في معنى المنكب، فهو كذلك، بل هو كذلك في الرأس أيضا.

و

إن أريد دخوله في حكمه، فأراد من غسل المنكب غسله مع العنق مجازا، فلا نسلّم بطلانه، كالرّجلين و اليدين و العورة و البطن، فإنّ شيئا منها لا يدخل في المنكب قطعا.

و لذا استشكل فيه جماعة من المتأخّرين، منهم: صاحبا الذخيرة «9» و رياض

______________________________

(1) المقنعة: 52، التحرير 1: 12.

(2) البيان: 55، الدروس 1: 96، الذكرى: 100.

(3) الكافي: 133.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 554، المهذب 1: 46.

(5) الحدائق 3: 65.

(6) الرياض 1: 30.

(7) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 3، الوسائل 2: 235 أبواب الجنابة ب 28 ح 2.

(8) التهذيب 1: 132- 364، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.

(9) الذخيرة: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 325

المسائل «1»، بل عن الإشارة غسل كلّ من الجانبين إلى رأس العنق «2»، و هو ظاهر في غسله مع الجانبين.

و هو جيّد، لإطلاق بعض الأخبار في غسل باقي الجسد بعد الرأس.

و الأجود أن يحتاط بضمّه إلى الرأس ثمَّ غسله مع الجانبين، نصفه مع الميامن و نصفه مع المياسر.

و في وجوب الترتيب بين باقي الجسد، فتقدّم الميامن كلّها على المياسر، أو عدمه فيتخيّر و إن استحب- لاستحباب التيامن في الطهور، و التفصّي عن الخلاف- وجهان، بل قولان:

الأول للأكثر، بل عليه الإجماع البسيط عن جميع من مرّ في الرأس و غيره، و المركّب- ممّن رتب الرأس و الوضوء- عن الفاضل «3» و الشهيدين «4»، للإجماعين المنقولين، و استدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية، و الترتيب الذكري في جملة من الأخبار «5»، سيما مع إفادة الواو للترتيب عند الفرّاء، خصوصا مع عطف اليمين على الرأس بها أيضا في بعض المعتبرة المفيدة فيه للترتيب قطعا [مع أنّه لو لا الترتيب لكفى أن

يقول: اغسل جسدك ] [1].

و العامي: «إذا اغتسل النبي بدأ بميامنه و فضل الأيمن على الأيسر» [2].

______________________________

[1] ما بين المعقوفين في النسخ كان مؤخرا عن الحديث العامي، و قدمناه لاقتضاء السياق.

[2] أسندها العلامة في المنتهى 1: 83 إلى عائشة، و الذي عثرنا عليه في كتبهم عن عائشة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بدأ بشق رأسه الأيمن ثمَّ الأيسر ثمَّ أخذ بكفيه الماء فقال بهما على رأسه ..

و كان رسول اللَّه يعجبه التيمن في تنعله و ترجله و طهوره و في شأنه كله. السنن للبيهقي 1: 184، 216.

______________________________

(1) على ما نقل عنه في الحدائق 3: 65، و لا يخفى أنه غير الرياض المعروف و أنّ مؤلفه من مشايخ صاحب الحدائق الذي يعبّر عنه بشيخنا المحقق.

(2) الإشارة: 72.

(3) المنتهى 1: 83، التحرير 1: 12، التذكرة 1: 24.

(4) الشهيد الأول في الذكرى: 101، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 53.

(5) الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2 و ب 31 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 326

و لزوم تقديم الأيمن في غسل الميت بالإجماع و النصوص «1»، مع ما ورد في بعض الأخبار أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة «2».

و لما في المستفيضة المروية في العلل و العيون و غيرهما من الكتب المعتبرة: «أن تغسيل الميّت لأجل خروج النطفة، فلذلك غسّل غسل الجنابة» «3» و مقتضاها: أنّه عينه، فيتّحدان في جميع الأحكام.

و يضعّف الأولان: بمنع حجية الإجماع المنقول جدّا، سيما مع وجود المخالف في الأول، و الفاصل في الثاني.

و الثالث: بحصول البراءة اليقينية بمطلق الغسل، للإطلاقات.

و الرابع: بمنع استلزامه الترتيب الفعلي، سيما مع تصريح الجمهور بعدم إفادة الواو له، و العطف على

الرأس بالواو لا يوجب إرادة الترتيب منها، إذ لعلّه أراد بيان وجوب مطلق غسله، و استفيد الترتيب فيه من مواضع أخر.

و الخامس: بمنع الدلالة، و قد فضّل الصدر و الظهر في بعض الأخبار أيضا.

و السادس: بمنع دلالة التشبيه على المماثلة في جميع الأحكام، فلعلّها في أصل الوجوب، أو مع بعض أحكام أخر، سيما مع اختلافهما في أحكام كثيرة.

مع أنّ عموم المماثلة إنّما كان مفيدا لو قال: غسل الجنابة كغسل الميت، و أمّا العكس- كما هو المذكور- فلا يفيد إلّا ثبوت جميع أحكام غسل الجنابة لغسل الميت، غاية الأمر أنّه يتخلّف في بعض الأحكام التي منها عدم وجوب الترتيب بدليل آخر، مع أنّ عدم وجوبه لا يعدّ من أحكامه، فإنّه قضية الأصل.

و السابع: بأنّ مقتضاه عدم ترك شي ء ممّا يجب في غسل الجنابة لا عدم

______________________________

(1) الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2.

(2) الوسائل 2: 486 أبواب غسل الميت ب 3.

(3) العلل: 300، العيون 2: 112، الوسائل 2: 478 أبواب غسل الميت ب 1 ح 3، 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 327

الزيادة عليه، و لذا يغسّل الميت ثلاثة أغسال، و يجب في بعضها الخليط.

و الحاصل: أنّ تغسيل الميت غسل الجنابة لا ينافي أن يجب فيه أمر زائد على ما يجب فيه، فإنّ مع الترتيب أيضا يتحقّق غسل الجنابة.

و لضعف تلك الوجوه، مضافا إلى الأصل و الإطلاقات المنضمّة مع ترك الاستفصال في صحيحة زرارة: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده في غسل الجنابة، إلى أن قال: «و إن كان استيقن رجع و أعاد الماء عليه ما لم يصب بلة» إلى أن قال: «و إن رآه و به بلّة مسح عليه و أعاد الصلاة» «1»

الحديث، المؤيّدة بالرضوي حيث قال بعد ذكر كيفية الغسل: «تصبّ على رأسك ثلاث أكف، و على جانبك الأيمن مثل ذلك، و على جانبك الأيسر مثل ذلك، و على صدرك ثلاث أكف، و على الظهر مثل ذلك. و قد يروي: تصبّ على الصدر من حدّ مدّ العنق، ثمَّ تمسح سائر بدنك بيديك» «2» بل بصحيحة حريز، المتقدّمة «3» المصرّحة بوجوب البدأة بالرأس قبل سائر الجسد و عدم التعرض للسائر.

مال [1] جماعة من المتأخّرين، كشيخنا البهائي «4»، و المجلسي «5»، و صاحبي المدارك و الذخيرة و الوافي «6»، و غيرهم إلى الثاني، وفاقا للمحكي عن ظاهر طائفة من القدماء، كالصدوقين «7»، و القديمين «8»، و صاحب الإشارة «9»، و هو قويّ

______________________________

[1] اي و لضعف تلك الوجوه مال ..

______________________________

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 23 ح 2، التهذيب 1: 100- 261، الوسائل 2: 260 أبواب الجنابة ب 41 ح 2.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 81، المستدرك 1: 470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.

(3) في ص 322.

(4) الحبل المتين: 41.

(5) البحار 78: 54.

(6) المدارك 1: 295، الذخيرة 56، الوافي 6: 517.

(7) علي بن بابويه، نقله عنه في الفقيه 1: 46، و محمّد بن علي في المقنع: 12، و الهداية: 20،

(8) و هما الإسكافي و العماني، نقله عنهما في الذكرى: 101.

(9) الإشارة: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 328

جدّا، و أمر الاحتياط ظاهر.

و هنا مسائل:

المسألة الأولى:

ظاهر عبارات الأصحاب: عدم وجوب الابتداء بالأعلى في شي ء من الأعضاء. و هو كذلك، للأصل، و الصحيحة المصرّحة باكتفاء الإمام بغسل ما بقي في ظهره بعد الإتمام من اللمعة «1». و ليس فيها تصريح أو ظهور في النسيان أو الغفلة المنافيين للعصمة، إذ

لعل الراوي ظنّ فراغه عن الغسل و إن لم يفرغ عليه السلام بعد، و إن طالت المدّة، لعدم اشتراط الموالاة في الغسل.

و أمّا قوله في حسنة زرارة: «ثمَّ صبّ على رأسه ثلاث أكف، ثمَّ صبّ على منكبه الأيمن مرتين، و على منكبه الأيسر مرتين» «2». و في صحيحته: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك» «3» فلا يفيد الوجوب، لكونه إخبارا.

مع أنّ التقييد في الأولى بالمرّتين يمنع عن الحمل على الوجوب لو أفاده أيضا، و احتمال إرادة تحديد المغسول في الثانية قائم.

المسألة الثانية:

حكم السرّة و العورتين على القول بعدم الترتيب بين الجانبين واضح.

و أمّا على القول بالترتيب فيجب غسل كلّ نصف منهما مع الجانب الذي يليه مع زيادة شي ء من باب المقدّمة.

و يحتمل الاكتفاء بغسلهما مع أحد الجانبين، لعدم الفصل المحسوس، و امتناع إيجاب غسلهما مرتين.

مع أنّ شمول الإجماعات المنقولة التي هي عمدة أدلّة ذلك القول لمثل ما نحن فيه غير معلوم، و لذا اكتفى في الذكرى- الذي هو أحد ناقلي الإجماع-

______________________________

(1) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 15، التهذيب 1: 365- 1108، الوسائل 2: 259 أبواب الجنابة ب 41 ح 1.

(2) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 3، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2.

(3) التهذيب 1: 370- 1131، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة 26 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 329

بالغسل مع أحد الجانبين «1».

المسألة الثالثة:

المخلّ بالترتيب الواجب نسيانا أو جهلا يعيد على ما يحصله. و اللمعة المغفلة تغسل مع الجانبين إن كانت في الرأس، و مع الأيسر إن كانت في الأيمن على القول بالترتيب بينهما، و وحدها على القول الآخر، و كذا إن كانت في الأيسر.

المسألة الرابعة:

يصح الغسل بالارتماس و [1] الانغماس في الماء إجماعا، للنصوص المستفيضة:

منها: صحيحة زرارة، و فيها- بعد ذكر الترتيب-: «و لو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك و إن لم يدلك جسده» «2».

و حسنة الحلبي: «إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك من غسله» «3».

و مثله صحيحته، إلّا أنّ فيها «اغتمس» مكان «ارتمس» «4». و غير ذلك.

و مقتضى صريح الأخبار: اشتراط وحدة الارتماس عرفا في صحّة الغسل.

و هل المراد منها توالي غمس الأعضاء في الماء بحيث يتّحد الرمس، و كذا زمان رمس الجميع عرفا كما هو المشهور؟ أو المراد منها عدم التفرقة بين الأعضاء في الغمس وحده، بأن يغمس عضوا ثمَّ يخرجه و يغمس آخر مبنيا على سقوط التعدّد و الترتيب، حتى لو غمس رجله في الماء بعد ما نوى فصبر ساعة، ثمَّ غمس عضوا

______________________________

[1] في «ق»: أو.

______________________________

(1) الذكرى: 102.

(2) راجع ص 328 الهامش (3).

(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 5، التهذيب 1: 148- 423، الاستبصار 1: 125- 424، الوسائل 2: 233 أبواب الجنابة ب 26 ح 12.

(4) الفقيه 1: 48- 191، الوسائل 2: 232 أبواب الجنابة ب 26 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 330

آخر، و هكذا إلى أن يغطّى كلّه بالماء صحّ، كما حكي عن بعض المحققين [1]، و مال إليه بعض المعاصرين [2]؟

الحقّ هو الأوّل، لأنّه الظاهر المتبادر من وحدة ارتماس الشخص.

مع

أنّه على الثاني يلغو قيد الوحدة، إذ غمس كلّ عضو ليس غمس الجنب، فلا يحصل غمسه حينئذ، و يكفي قوله: «ارتمس الجنب» عن قيد الوحدة.

و مع قطع النظر عن ذلك، فلا شك في قيام الاحتمالين، فيجب الإتيان بالأول، عملا بمقتضى الشغل اليقيني، و استصحابا للجنابة و أحكامها.

نعم، الظاهر كفاية الارتماسة الواحدة عرفا، بأن لا يتخلّل بين غمس الأعضاء سكون محسوس و إن لم يكن في آن واحد حقيقة أو عرفا، بل كان بحركة متّصلة بطيئة في الجملة.

و على هذا فلا ينافيها التخليل المتوقّف إيصال الماء إلى جميع البشرة عليه لو لم يؤخّره، بل لا ينافي الدفعة العرفية أيضا.

و لا بدّ من مقارنة النية لابتداء الشروع في الارتماس للغسل، فلا يصح ما عن الألفية من صحة الغسل مع التأنّي لو قارنت النية الانغماس التام «1».

ثمَّ اشتراط الوحدة بالمعنى الأول يستلزم اشتراطها بالمعنى الثاني، إذ انتفاء الثاني يوجب انتفاء الأول. فلو فرّق الأعضاء في الرمس في الارتماسي، لم يكن غسله صحيحا، لانتفاء الوحدة.

و هل يصح ذلك في الترتيبي بأن يغمس رأسه أوّلا في الماء ثمَّ الأيمن ثمَ

______________________________

[1] الحاكي هو صاحب الرياض 1: 31، و لعلّ المراد بالمحكي عنه هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 80.

[2] قال في مفتاح الكرامة 1: 319: إليه مال الأستاذ المعتبر أدام اللَّه تعالى حراسته، و المراد منه كاشف الغطاء راجع كشف الغطاء: 120.

______________________________

(1) الألفية: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 331

الأيسر، أو يصبّ على رأسه ثمَّ غمس الجانبين، أم لا، بل يشترط في الترتيبي خروج العضو من الماء و صبّه عليه؟

المذكور في كلام أكثر القدماء- في بيان الغسل الترتيبي- لفظ الصبّ أو ما بمعناه من الإفاضة أو الوضع على العضو،

ككلام الإسكافي «1»، و النهاية و المقنعة للشيخين، و الهداية للصدوق، و الوسيلة و المراسم و غيرها «2»، بل في مجالس الصدوق في وصف دين الإمامية: من أراد الغسل من الجنابة- إلى أن قال-: ثمَّ يضع على رأسه ثلاث أكف من الماء، و يميّز الشعر بأنامله حتى يبلغ الماء أصول الشعر كلّه، ثمَّ يتناول الإناء بيده و يصبّه على رأسه و بدنه «3». بل مقتضى الأدلّة وجوب الصب و اعتباره، إذ جميع أخبار الترتيب، الواردة في بيان مهيّة الغسل مصرّحة بالصبّ.

و قد صرّح بذلك بعض أجلّة المتأخّرين في شرحه على القواعد، و قال: إنّ أدلّة الترتيب منحصرة في الصب «4». و بعد انحصارها به لا وجه للتعدّي، بل منها ما هو صريح في وجوبه.

ففي رواية حكم بن حكيم في غسل الجنابة: «ثمَّ أفض على رأسك و جسدك» «5».

و في صحيحة حريز، المتقدّمة: «ثمَّ أفض على سائر جسدك» «6».

و في صحيحة زرارة: عن غسل الجنابة، فقال: «أفض على رأسك ثلاث

______________________________

(1) نقله عنه في الذكرى: 101.

(2) النهاية: 21، المقنعة: 52، الهداية: 30، الوسيلة: 56، المراسم: 42، و كالمهذب 1: 46، و السرائر 1: 121.

(3) مجالس الصدوق: 515.

(4) صرح به في كشف اللثام 1: 80.

(5) التهذيب 1: 139- 392، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 7.

(6) في ص 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 332

أكف، و عن يمينك و عن يسارك» «1».

و يؤيّده: مفهوم الوصف بالواحدة في حسنة الحلبي و صحيحته المتقدّمتين «2».

و على هذا فلا ينبغي الريب في اعتبار الصبّ في الترتيبي.

خلافا لصريح والدي- رحمه اللّه- في اللوامع، فقال بصحة الترتيبي برمس الأعضاء ترتيبا، و به يفتي جمع ممّن عاصرناهم و بعض من مشايخنا

«3»، تمسّكا ببعض إطلاقات الغسل.

و هو غريب غايته، لأنّه- مع ظهوره في الصب- مطلق بالنسبة إلى أخبار الترتيب، فكما يقيّد بالترتيب لأخباره فيجب تقييده بالصب أيضا، لتضمّن أخبار الترتيب له، مع أنّ الغسل مطلق بالنسبة إلى نفس الصب أيضا، فتقييده به لازم البتة.

و دعوى: أنّ المراد بالصب الغسل، من غرائب الدعاوي.

و التمسّك بإطلاق قول الفقهاء بوجوب غسل الرأس و الجسد من غير تقييد بالصبّ أو الإفاضة، مردود: بأنّ ذلك الإطلاق إنّما هو في كلام جماعة من اللاحقين، و أمّا القدماء فكلام كلّهم أو جلّهم- كما عرفت- مخصوص بالصب.

و مع ذلك فأيّ حجة في إطلاق بعض العبارات؟! سيما مع تصريح الصدوق بأنّ من دين الإمامية: الصب. و شيوعه في زمن الحج بحيث يحدس بأنّهم لا يغسلون ترتيبا إلّا بالصب. هذا.

ثمَّ إنّ المعتبر صدق أنّه ارتمس أو اغتمس في الماء، أي: مقل فيه و غاص و كتم، كما فسّرهما اللغويّون بها «4»، بحيث صدق ذلك في العرف، لأنّه المرجع في

______________________________

(1) التهذيب 1: 137- 384، الوسائل 2: 241 أبواب الجنابة ب 31 ح 6.

(2) في ص 330.

(3) كشف الغطاء: 121.

(4) منهم الجوهري في الصحاح 3: 936 (رمس): 956 (غمس)، و الفيروزآبادي في القاموس المحيط 2: 243 (غمس)، 228 (رمس).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 333

معرفة المعاني في مثل المقام. و لا شك أنّه لا يتوقّف على إلقاء نفسه في الماء بعد خروج جميع بدنه منه، كما قاله بعض المتأخّرين «1»، بل لو كان نصف جسده بل أزيد داخلا فيه و غاص في الماء، يقال: إنّه ارتمس و مقل فيه. و لذا ورد في الحديث: «إذا وقع الذباب في طعامكم فامقلوه، فإنّ في أحد جناحيه شفاء و في

الآخر سمّا، يقدّم الذي فيه السم» «2» فأمر بمقل الذباب مع تحقّق المقل بالنسبة إلى بعضه.

و لا ينافي ذلك الوحدة، لأنّ المراد وحدة ارتماس الشخص في إدخال ما يتوقّف صدق الارتماس عليه في الماء، و لا شك أنّ مثل هذا الشخص ارتمس عرفا ارتماسة واحدة.

نعم، الظاهر اعتبار خروج الرأس و الرقبة، بل الأحوط خروج بعض آخر أيضا، حتى يصدق عرفا أنّه ارتمس بعد ما لم يكن كذلك، فإنّه هو الظاهر المتبادر من الحديث، فلا يحكم بصحة غسل من كان منغمسا في الماء، فنوى و خرج، أو تحرّك إلى جانب آخر، و إن ادّعى والدي- رحمه اللّه- في المعتمد: الإجماع على صحة الغسل و إن لم يخرج شي ء من الأعضاء.

نعم، يجب على من كان بعضه في الماء أن يحرّك قدمه حتى يصل الماء المتجدّد حال الارتماسة الواحدة تحت قدميه، لا لتوقّف صدق الارتماسة الواحدة عليه، بل لوجوب إيصال ماء الغسل إلى كلّ جزء من بدنه بالإجماع و النصوص، فلا يفيد وصول الماء قبل ذلك الارتماس إلى جزء، و هو الظاهر، و لا بعد تمام الارتماس الواحد، لأنّه ليس ماء الغسل، بل هو منحصر بماء الارتماسة، و لذا يحكم بوجوب كون التخليل فيما يحتاج إليه في تلك الحالة.

______________________________

(1) الكفاية: 3، و نسبه صاحب الحدائق إلى شيخه عبد اللَّه بن صالح البحراني في الحدائق 3: 81.

(2) طب الأئمة: 106 بتفاوت يسير، البحار 61: 312- 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 334

و لذا لو أغفل موضعا في الارتماسي حتى انقضت الارتماسة الواحدة، يستأنف الغسل عند الفاضل في المنتهى، و والده «1»، و الدروس، و البيان «2»، و إن خالف فيه في القواعد «3»، فيكتفي بغسل اللمعة مطلقا. و

هو الأقوى، لترك الاستفصال المفيد للعموم في صحيحة زرارة، المتقدّمة «4» المتضمّنة لحكم من ترك بعض ذراعه أو جسده.

و هنا قولان آخران أيضا: أحدهما: أنّه يكتفي بغسلها و ما بعدها، و كأنّه مبني على ترتب الارتماس حكما.

و الآخر: يستأنف مع طول الزمان، و يغسلها مع قصره، و لعلّ وجهه: عدم صدق الدفعة العرفية مع طوله، و صدقها مع قصره.

و يردّ الأوّل: بعدم دليل عليه، بل عدم معنى محصّل له، بل بطلان المبني عليه.

و الثاني: بعدم صدق الدفعة و عدم كفايتها مطلقا، بل لا بدّ من غسل الجميع بالارتماسة الواحدة.

و الظاهر عدم وجوب وصول الماء إلى جميع الأعضاء حال دخول الجميع في الماء، فلو خرجت رجله من الماء غمرت في الوحل قبل دخول رأسه أو بالعكس، أجزأ على إشكال في الأخير، لصدق غسل الجميع بالارتماسة الواحدة.

المسألة الخامسة:

يصح الغسل تحت المطر بلا خلاف يعرف، لصحيحة علي: عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه و جسده، و هو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال: «إن كان يغسله اغتساله بالماء،

______________________________

(1) المنتهى 1: 84، و نقل فيه عن والده أيضا.

(2) الدروس 1: 97، البيان: 56.

(3) القواعد 1: 14.

(4) في ص 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 335

أجزأه ذلك» «1».

و مرسلة ابن أبي حمزة: في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده، أ يجزيه ذلك من الغسل؟ قال: «نعم» «2».

و هل يجب فيه الترتيب كما عن الحلّي «3» و المعتبر «4»؟ أو لا، بل يجري مجرى الارتماس أيضا مع غزارة المطر، كما عن المقنعة [1] و الإصباح و ظاهر الاقتصاد و المبسوط «5» و جملة من كتب الفاضل «6»،

و اختاره والدي- رحمه اللَّه- و نسبه إلى الأكثر؟

الظاهر الثاني، لإطلاق الروايتين، الخالي عن التقييد، لما عرفت من عدم دلالة غير حسنة زرارة و الرضوي «7» على الوجوب، مع أنّه يتضمّن مثل الصب و الإفاضة الذي هو فعل المكلّف، فلا يشمل المورد.

و أمّا هما، فالرضوي لضعفه الخالي عن الجابر في المقام غير حجّة. و الحسنة لدلالتها على ترك الرأس إلى أن يفرغ من الغسل، بل على تأخير إرادة غسل الرأس لمكان «ثمَّ» غير مفيدة، لجواز أن يكون لا بدّية إعادة الغسل في المورد الذي يحكمون فيه بعدم الترتيب لأجل ذلك التأخير، حيث إنّ كلّ من يقول بعدم وجوب الترتيب هنا يجريه مجرى الارتماس في لزوم غسل جميع البدن دفعة عرفية متواليا من غير تراخ، و لذا قيدوا المطر بالغزير.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المقنعة.

______________________________

(1) الفقيه 1: 14- 27، التهذيب 1: 149- 424، الاستبصار 1: 125- 425، قرب الإسناد:

182- 672، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 10.

(2) الكافي 3: 44 الطهارة ب 30 ح 7، الوسائل 2: 232 أبواب الجنابة ب 26 ح 14.

(3) السرائر 1: 135.

(4) المعتبر 1: 185.

(5) الاقتصاد: 245، المبسوط 1: 29.

(6) كالمنتهى 1: 84، و التذكرة 1: 24، و التحرير 1: 12.

(7) المتقدمين ص 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 336

فيبقى إطلاق الروايتين خاليا عمّا يوجب تقييده في محلّ النزاع و إن قيّد بالترتيب في صورة عدم غزارة المطر بالإجماع بل الرضوي المنجبر، و بالدفعة العرفية مع غزارته بالإجماع.

مع أنّه على فرض دلالة الخبرين يتعارضان مع روايتي المطر بالعموم من وجه، و المرجع إلى إطلاقات الغسل.

و أمّا أخبار الارتماس فغير جارية هنا قطعا، لعدم تحقّق الارتماس فيه و إن

كثرت الغزارة.

دليل الأوّل: عدم منافاة الروايتين للترتيب، فلا يخرج عن مقتضى أدلّته، بل دلالة الصحيحة على ثبوته، إذ لا يمكن أن يكون المراد بقوله: «اغتساله بالماء»: المماثلة في الجريان، لتضمّن السؤال للغسل المستلزم إيّاه، فيكون في الكيفية التي منها الترتيب و الارتماس. و الثاني غير ممكن في المورد، فيكون الأول.

و فيه: ما مرّ من عدم نهوض أخبار الترتيب في المورد. و ما ذكره في الصحيحة إنّما يصح إذا كان: يغتسل [1] اغتساله بالماء، و إنّما هو: «يغسله» المستند إلى المطر، و لا معنى لاستناد الترتيب إليه.

مع أنّه يمكن أن تكون المماثلة في شمول جميع أجزاء البدن و الوصول إليه من أصول الشعور و نحوها.

و لا يبعد إلحاق الميزاب و شبهه بالمطر في انتفاء الترتيب مع الغزارة المستلزمة للدفعة العرفية بحسبها، لا للقياس بالمطر، بل لعدم شمول أدلّة الترتيب، كما مرّ.

______________________________

[1] في «ق» يغسل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 337

البحث الخامس: في آداب غسل الجنابة و سننه
اشاره

، و هي أمور:

منها: إمرار اليد

على ما جرى عليه الماء من الجسد.

لا للرضوي المتقدّم في مسألة ترتيب الجانبين «1»، كما قيل «2»، لأنّ المسح المذكور فيه إنّما هو لإيصال الماء المصبوب على الصدر إلى البدن، و لذا قيّده بالسائر، و هو غير ما نحن فيه.

و لا للاستظهار، لأنّ مع يقين الوصول لا استظهار، و مع عدمه إلّا بإمرار اليد يجب، و لا يكفي الظن في المقام.

نعم، يمكن الاستدلال به في الجملة فيما اكتفى فيه بظن الأصل كأصالة عدم الحائل.

بل للإجماع المنقول عن الخلاف و التذكرة و ظاهر المعتبر و المنتهى «3»، و صحيحة زرارة المتقدّمة في صدر مسألة الارتماس «4»، حيث دلّت لفظة «إن» الوصلية على أولوية الدلك. و ليس هي في الارتماسي، لإيجابه انتفاء الدفعة المعتبرة فيه، بل عدم إمكان ذلك الجمع تحت الماء. فيكون في الترتيبي، و يكون المعنى:

أجزأه ذلك و إن أوجب انتفاء الدلك المطلوب.

و منه يظهر اختصاص الاستحباب هنا بالترتيبي، و قد صرّح به بعض مشايخنا أيضا.

و منها: الموالاة

، لفتوى جمع من الأصحاب «5»، و عموم آيات المسارعة

______________________________

(1) في ص 327.

(2) القائل هو صاحب الرياض 1: 32.

(3) الخلاف 1: 128، التذكرة 1: 24، المعتبر 1: 185، المنتهى 1: 85.

(4) ص 329.

(5) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 274، و صاحب المدارك 1: 298.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 338

و الاستباق «1»، و كراهة الكون على الجنابة.

و لا تجب إجماعا كما في ظاهر المدارك و البحار «2» و يشعر به كلام التهذيب «3» أيضا، و بلا خلاف كما في صريح الحدائق «4»، للأصل، و صدق الامتثال، و صحيحتي هشام «5» و محمّد «6» في قضية أم إسماعيل، و الجارية.

و حسنة اليماني: «إنّ عليا لم ير بأسا

أن يغسل الرجل رأسه غدوة و يغسل سائر جسده عند الصلاة» «7».

و الرضوي: «و لا بأس بتبعيض الغسل بغسل يديك و فرجك و رأسك، و تؤخّر غسل جسدك إلى وقت الصلاة» «8».

و صحيحة حريز، المتقدّمة في ترتيب الرأس «9»، و هي تدلّ على نفي وجوب الموالاة بمعنييها المتقدّمين في الوضوء. بل يستفاد ذلك من سائر الأخبار أيضا.

و في وجوبها على خائف فجأة الحدث الأكبر قول، استنادا إلى حرمة إبطال العمل، و كذا الخائف فجأة الأصغر- على القول بإبطاله الغسل- لذلك، و هو ضعيف.

و منها: البول أمام الغسل

إن أمكن، للاتّفاق على رجحانه، و للمحافظة

______________________________

(1) البقرة: 133، المائدة: 48.

(2) المدارك 1: 298، البحار 78: 57.

(3) التهذيب 1: 135.

(4) الحدائق 3: 83.

(5) التهذيب 1: 134- 370، الاستبصار 1: 124- 422، الوسائل 2: 236 أبواب الجنابة ب 28 ح 4.

(6) التهذيب 1: 134- 371، الاستبصار 1: 124- 423، الوسائل 2: 237 أبواب الجنابة ب 29 ح 1.

(7) الكافي 3: 44 الطهارة ب 30 ح 8، التهذيب 1: 134- 372، الوسائل 2: 238 أبواب الجنابة ب 29 ح 3.

(8) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 474 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.

(9) في ص 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 339

على الغسل من طريان مزيله، و للنصوص:

منها صحيحة البزنطي: عن غسل الجنابة، إلى أن قال: «و تبول إن قدرت على البول، ثمَّ تدخل يدك في الإناء ثمَّ اغسل ما أصابك منه» «1» الحديث.

و مضمرة ابن هلال: عن رجل اغتسل قبل أن يبول، فكتب: «إنّ الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا، فلا يعيدنّ الغسل» «2».

و الرضوي: «فإذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتى تخرج فضلة المني التي في إحليلك.

و إن جهدت و لم تقدر على البول فلا شي ء عليك، و تنظف موضع الأذى منك» «3».

و التمسّك بالنبوي: «من ترك البول على أثر الجنابة، أو شك تردّد بقية الماء في بدنه، فيورثه الداء الذي لا دواء له» «4» غير جيّد، لأنّه يدلّ على رجحانه بعد الجنابة لا قبل الغسل، فيحصل امتثاله بالبول بعد الغسل إذا اغتسل بعد الجنابة بلا مهلة.

و ظاهر تلك الأخبار كلّا أو بعضا و إن كان الوجوب، إلّا أنّ جماعة من علمائنا الأعلام كالسيد و الحلّي «5» و الفاضلين «6»، و الشهيدين «7» و جلّ من تأخّر «8»

______________________________

(1) التهذيب 1: 131- 363، الاستبصار 1: 123- 419، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 3.

(2) التهذيب 1: 145- 410، الاستبصار 1: 120- 407، الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36 ح 12.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 81، المستدرك 1: 470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.

(4) الجعفريات: 21، المستدرك 1: 485 أبواب الجنابة ب 37 ح 1 بتفاوت في المتن.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية) 188، السرائر 1: 118.

(6) المحقق في المعتبر 1: 185، و الشرائع 1: 28، و العلامة في التذكرة 1: 24، و المختلف 1: 32، و القواعد 1: 13.

(7) الأول في الدروس 1: 96، و البيان: 55، و الثاني في الروضة 1: 94، و المسالك 1: 8.

(8) كالمدارك 1: 298، و المفاتيح 1: 57، و الكفاية: 3، و الرياض 1: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 340

عنهم لم يقولوا به، لضعف الأولى دلالة، لمكان الجملة الخبرية الغير الدالّة على الوجوب، سيما مع ورودها في سياق الأوامر المستحبة. و الثانيتين سندا، مع ما في أولاهما من العلّة باعتبار التفرقة بين

النسيان و عدمه في إعادة الغسل.

مضافا إلى أنّ مقتضى حقيقتها انحصار الغسل بما بعد البول، و أنّ قبله ليس غسلا أو ليس صحيحا، و ليس كذلك قطعا، فيكون مجازا، و هو يمكن أن يكون الغسل الكامل.

خلافا لأعيان القدماء و تابعيهم، كالصدوقين في المقنع و الهداية «1»، و الشيخين في المقنعة و المبسوط و الاستبصار و الجمل و العقود و المصباح «2» و مختصره، و الجعفي و الكيدري «3»، و الحلبي و القاضي و الديلمي «4» و ابني حمزة و زهرة «5» و صاحبي الإصباح و الجامع «6»، فقالوا بوجوبه، و اختاره بعض مشايخنا.

و احتاط بالقول به بعض آخر منهم [1].

و نفى عنه البأس في الذكرى، و نسبه إلى معظم الأصحاب «7».

و عن الغنية دعوى الإجماع عليه «8».

و قد يقال بالوجوب التخييري بينه و بين الاستبراء بالاجتهاد، و عزي ذلك إلى

______________________________

[1] قال الوحيد البهبهاني- بعد تضعيف أدلة الوجوب-: و الأحوط البناء على الوجوب. شرح المفاتيح (مخطوط).

______________________________

(1) الهداية: 20، و لم نعثر عليه في المقنع و لا على كلام والد الصدوق.

(2) المفيد في المقنعة: 52، و الطوسي في المبسوط 1: 29، و الاستبصار 1: 118، و الجمل و العقود (الرسائل العشر) 161، و المصباح: 9.

(3) نقله عنهما في الذكرى: 103.

(4) الكافي في الفقه: 133، المهذب 1: 45، المراسم: 41.

(5) الوسيلة: 55، الغنية (الجوامع الفقهية) 554.

(6) الجامع للشرائع: 39.

(7) الذكرى: 103.

(8) الغنية: (الجوامع الفقهية): 554.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 341

الشيخ و ابني حمزة و زهرة «1».

و استدلّوا بما مرّ، مع الاعتراض عليه.

و هو قويّ جدّا، للرضوي المتقدّم. و يجاب عن ضعفه بانجباره بما مرّ من الشهرة القديمة و المحكية في الذكرى، و الإجماع المحكيّ.

و حمل كلام

الموجبين على الوجوب الشرطي بعيد غايته، سيما كلام من ذكر بلفظ الأمر، و هو أكثرهم.

و استدلال بعضهم «2» بأخبار إعادة الغسل مع الإخلال به، و خروج شي ء من الذكر، لا يدلّ على إرادته الشرطي، إذ لعلّه أراد الاستدلال [على وجوب ] [1] محافظة الغسل عن مزيله، كما احتجّ به في الذكرى «3»، و إن كان في تماميته نظر.

و تضعيف القول بالوجوب: بأخبار الإعادة حيث إنّهم لم ينكروا على السائلين تركهم البول، و بخلوّ أكثر أخبار بيان الغسل عنه مع التعرّض للآداب المستحبة، و بعدم شيوعه مع أنّه لو كان لشاع و اشتهر «4»، ضعيف غايته.

أمّا الأوّل: فلأن أكثر أخبار الإعادة «5» متضمّنة لفرض الترك، إمّا من الراوي أو المروي عنه، و ليس فيها ترك السائل. مع أنّ عدم الإنكار حين السؤال عن الحكم لا يدلّ على عدمه مطلقا.

و أمّا الثاني و الثالث: فظاهر. مع أنّ الظاهر أنّ القائل بوجوبه لا يجعله من الغسل جزءا و لا شرطا، بل هو واجب برأسه قبل الغسل، فلا يضرّ خلوّ أخبار

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) المبسوط 1: 29، الغنية (الجوامع الفقهية): 554، الوسيلة: 55، و لا يستفاد منه الوجوب التخييري فإنه أوجب أولا: الاستبراء بالبول ثمَّ الاجتهاد لو لم يتأت البول.

(2) كالشيخ في الاستبصار 1: 118.

(3) الذكرى: 103.

(4) كما في شرح المفاتيح: (مخطوط).

(5) الوسائل 2: 250، أبواب الجنابة ب 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 342

بيان الغسل منه.

و مقتضى التعليل المذكور في الرضوي- مطابقا لصريح جملة من الأصحاب منهم الفاضل «1» و الشهيدان «2» و المحقق الثاني «3»- اختصاصه بالمنزل، إذ بدونه لا تتحقّق فضلة للمني.

و أمّا إطلاق الصحيحة و المضمرة «4»: فلا يفيد في الوجوب. مع

أنّه لا إطلاق في الصحيحة، لظهورها في المنزل أيضا، لمكان قوله: «و اغسل ما أصابك منه». فلا يجب إلّا عليه، و إن احتمل الاستحباب مطلقا.

كما أنّ مقتضى كون الخطاب في الصحيحة إلى الراوي الذي هو الرجل، و اختصاص السؤال به مع تذكير الضمائر التي بعد الجواب في المضمرة، و ذكر الإحليل و تذكير الخطاب في الرضوي، مع أنّه كتب الكتاب للمأمون و خطاباته إليه كما يظهر منه، مضافا إلى الأصل و انتفاء الإجماع على الشركة في المقام:

اختصاصه بالرجل، وفاقا لأكثر من ذكر، و خلافا للمقنعة و النهاية «5» فعمّماه، و لا وجه له سيما مع ظهور اختصاص الحكمة.

و منها: الاستبراء باليد

إن لم يتيسّر البول، تبعا للمحكي عن المشهور بين المتأخّرين «6»، و حذرا عن مخالفة من أوجبه حينئذ، كما عن الشيخين «7» و القاضي «8»

______________________________

(1) التحرير 1: 13، التذكرة 1: 24، المنتهى 1: 92.

(2) الأول في الدروس 1: 96، و الثاني في الروضة 1: 94، و الروض: 55، و المسالك 1: 8.

(3) جامع المقاصد 1: 265.

(4) المتقدمتين ص 339.

(5) المقنعة: 52، النهاية: 21.

(6) حكاه في الحدائق 3: 115.

(7) المفيد في المقنعة: 52، و الطوسي في النهاية: 21، و المبسوط 1: 29، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 161.

(8) نسبه إليه في الذكرى: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 343

و ابني حمزة و زهرة «1»، و هما كافيان في المقام.

و أمّا وجوبه حينئذ فلا دليل عليه، كما لا دليل على استحبابه أو وجوبه بعد البول للغسل، لأجل الغسل. و كلام من ندبه أو أوجبه معه- في هذا المقام- يشعر بأنّه لأجل الغسل، فإنّه مستحب أو واجب- على اختلاف القولين- بعد البول مطلقا أيضا، كما مرّ في بحث

الاستنجاء مع كيفية الاستبراء.

و منها: غسل اليدين

إجماعا فتوى و نصّا، إلى الزندين مشهورا، للمستفيضة المصرّحة بغسل الكفين «2».

و أفضل منه دون المرفق، لموثّقة سماعة «3».

و الأكمل إلى المرفق، لصحيحتي البزنطي «4»، و يعقوب بن يقطين «5»، و المروي في قرب الإسناد للحميري «6»، و في الخصال: «إذا أراد أحدكم الغسل فليبدأ بذراعيه فليغسلهما» «7».

و أمّا رواية يونس في غسل الميت: «يغسل يده ثلاث مرات، كما يغتسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع» «8» فلا تدلّ على استحباب ذلك التحديد في غسل الجنابة أيضا، لجواز كون التشبيه في الغسل.

مقدّما على المضمضة و الاستنشاق، لصحيحة زرارة «9» و موثّقة أبي

______________________________

(1) الوسيلة: 55، الغنية (الجوامع الفقهية) 554.

(2) انظر الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26.

(3) التهذيب 1: 132- 364، الوسائل 2: 231، أبواب الجنابة ب 26 ح 8.

(4) التهذيب 1: 131- 363، الاستبصار 1: 123- 419، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 3.

(5) التهذيب 1: 142- 402، الوسائل 2: 246 أبواب الجنابة ب 34 ح 1.

(6) قرب الإسناد: 368- 1319، الوسائل 2: 233 أبواب الجنابة ب 26 ح 16.

(7) الخصال: 630، الوسائل 2: 265 أبواب الجنابة ب 44 ح 2.

(8) الكافي 3: 141 الجنائز ب 18 ح 5، التهذيب 1: 301- 877، الوسائل 2: 265 أبواب الجنابة ب 44 ح 1.

(9) التهذيب 1: 148- 422، الوسائل 2: 225، أبواب الجنابة ب 24 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 344

بصير «1». بل على غسل الفرج أيضا كما يستفاد من الأخبار.

ثلاثا بالإجماع، لصحيحة الحلبي و مرسلة الفقيه المتقدّمتين في غسل اليدين للوضوء «2»، و الرضوي: «و تغسل يديك إلى المفصل ثلاثا» «3».

و بها تقيّد الروايات المطلقة، كما هو

مقتضى القواعد الشرعية.

سواء في ذلك، الغسل من الإناء الواسع الذي يدخل فيه اليد، و الضيّق الذي يصب منه الماء، لإطلاق صحيحتي محمّد «4» و زرارة «5» و غيرهما. بل سواء فيه الغسل الترتيبي و الارتماسي، لإطلاق رواية الحضرمي: كيف أصنع إذا أجنبت؟

قال: «اغسل كفك و فرجك، و توضّأ وضوء الصلاة ثمَّ اغتسل» «6».

و التخصيص بالأول للتصريح بإدخال اليد في بعض الأخبار بعد إطلاق بعض آخر، لا وجه له، و جعله من باب حمل المطلق على المقيد خطأ.

و منها: المضمضة و الاستنشاق

، إجماعا كما في المدارك «7»، للنصوص، بعد تطهير الفرج، كما في صحيحة زرارة «8» و موثّقة أبي بصير «9».

ثلاثا في كلّ منهما، كما عن المقنعة و النهاية و السرائر و الوسيلة و المهذّب

______________________________

(1) التهذيب 1: 131- 362، الاستبصار 1: 118- 398، الوسائل 2: 225 أبواب الجنابة ب 24 ح 2.

(2) تقدمتا في ص 166.

(3) تقدم ص 339.

(4) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(5) راجع ص 343 الهامش (9).

(6) التهذيب 1: 104- 269، الاستبصار 1: 97- 314، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 6.

(7) المدارك 1: 302.

(8) التهذيب 1: 148- 422، الوسائل 2: 225 أبواب الجنابة ب 24 ح 1.

(9) التهذيب 1: 131- 362، الاستبصار 1: 118- 398، الوسائل 2: 225 أبواب الجنابة ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 345

و الإصباح و التذكرة و التحرير و الذكرى و البيان «1»، لفتوى هؤلاء، مضافا إلى الرضوي: و قد يروى: أن يتمضمض و يستنشق ثلاثا، و روي: مرة يجزيه، و الأفضل الثلاث «2».

مقدّما الثلاث الأولى

على الثانية، للشهرة المحكية. و إن جاز عكسه أيضا على ما مرّ في الوضوء.

و منها: الغسل بصاع من الماء

- و هو تسعة أرطال بالعراقي- بالإجماع و النصوص.

و لا يجب إجماعا منّا، لاستفاضة أخبارنا بإجزاء مثل الدهن، و بطهارة ما جرى عليه الماء من الجسد «3».

و ما ظاهره الوجوب محمول على الاستحباب، جمعا، أو وارد مورد التقية، لأنّ الوجوب مذهب أبي حنيفة «4».

و المستفاد من ظواهر عبارات أصحابنا الأخيار، و صريح والدي- رحمه اللَّه-: عدم استحباب الغسل بالزائد من الصاع، و هو مقتضى الأصل.

إلّا أنّ الفاضلين صرّحا باستحبابه أيضا و ادّعيا الوفاق عليه «5». و هو يقتضي ثبوته، للتسامح في المقام.

و لا تنافيه مرسلة الفقيه: «و سيأتي قوم يستقلون ذلك- أي الصاع- فأولئك على خلاف سنتي» «6» إذ استحباب الزائد لا ينافي كراهة استقلال الصاع، بل

______________________________

(1) المقنعة: 52، النهاية: 21، السرائر 1: 118، الوسيلة: 56، المهذب 1: 45، التذكرة 1: 24، التحرير 1: 13، الذكرى: 104، البيان: 55.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 81، المستدرك 1: 468 أبواب الجنابة ب 16 ح 1.

(3) الوسائل 2: 240 أبواب الجنابة ب 31.

(4) كما نقله عنه في الخلاف 1: 129 و قال ابن قدامة في المغني 1: 256: و حكي هذا عن أبي حنيفة و لكن يظهر من بدائع الصنائع 1: 35 أنه أنكر النسبة.

(5) المعتبر 1: 186، المنتهى 1: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    346     و منها: التثليث في غسل كل عضو ..... ص : 346

(6) الفقيه 1: 23- 70، الوسائل 1: 483 أبواب الوضوء ب 50 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 346

حرمته.

ثمَّ صريح صحيحة الفضلاء «1» و ظاهر غيرها من الصحاح «2»: اختصاص الاستحباب بالصاع

بحالة الانفراد، و كفاية الأقلّ مع الاشتراك. و هو ظاهر والدي رحمه اللَّه به و لا بأس به، لما ذكر.

و في دخول ماء غسل اليد و المضمضة و الاستنشاق و تطهير الفرج في الصاع وجهان، و الدخول ليس ببعيد.

و منها: المبالغة في إيصال الماء

و الاستظهار فيه، لما في حسنة جميل: «يبالغن في الغسل» «3» و صحيحة محمّد: «يبالغن في الماء» «4» و الرضوي: «و الاستظهار فيه إذا أمكن» «5».

و منها: التثليث في غسل كلّ عضو

في الترتيبي، لفتوى جماعة.

و الاستدلال بأخبار ثلاث أكف «6» ليس بسديد، لإمكان إرادة الصب بثلاث أكف من غير تثليث في الغسل، أو إرادة هذا المقدار كما يستفاد من الرضوي: «تصب على رأسك ثلاث أكف، و على جانبك الأيمن مثل ذلك، و على جانبك الأيسر مثل ذلك» إلى أن قال: «و إن كان الصب بالإناء جاز الاكتفاء بهذا المقدار» «7».

و الإسكافي «8» استحبّ للمرتمس ثلاث غوصات يخلّل شعره و يمسح جسده

______________________________

(1) التهذيب 1: 370- 1130، الوسائل 2: 243 أبواب الجنابة ب 32 ح 5.

(2) الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50.

(3) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 17، التهذيب 1: 147- 418، الوسائل 2: 255، أبواب الجنابة ب 38 ح 2.

(4) التهذيب 1: 147- 419، الوسائل 2: 255 أبواب الجنابة ب 38 ح 1.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 81، المستدرك 1: 470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.

(6) الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26.

(7) راجع الهامش (5).

(8) نقله عنه في الذكرى: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 347

في كلّ منها. و نفى عنه الشهيد البأس «1»، و استظهره والدي. و لا بأس به، لذلك.

(و منها: الدعاء بالمأثور

في موثّقة الساباطي «2» و رواية محمّد بن مروان «3»، إمّا قبل الغسل أو بعده) [1].

البحث السادس: في أحكامه.
اشاره

و هي أمور نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى:
اشاره

البلل الخارج بعد الغسل، إن علمه منيا أو بولا، لحقه حكمه إجماعا، فتوى و نصا، و إن علمه غيرهما، لم يلزمه شي ء كذلك.

و إن اشتبه، فإن كان الغسل بعد البول و الاستبراء، فلا غسل و لا وضوء أيضا بالإجماع، للأصل، و الاستصحاب، و العمومات، و خصوص المستفيضة النافية للغسل بعد البول، و الوضوء بعد الاستبراء.

فمن الأولى: موثّقة سماعة: عن الرجل يجنب، ثمَّ يغتسل قبل أن يبول، فيجد بللا بعد ما يغتسل، قال: «يعيد الغسل، و إن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله، و لكن يتوضّأ و يستنجي» «4».

و صحيحة الحلبي: عن الرجل يغتسل ثمَّ يجد بعد ذلك بللا، و قد كان بال قبل أن يغتسل، قال: «إن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد الغسل» [2].

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق».

[2] الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 2، التهذيب 1: 143- 405، الاستبصار 1: 118- 400، الوسائل 2: 250 أبواب الجنابة ب 36 ح 5. و لا يخفى أن تعبير الماتن عنها بالصحيحة مع اشتمال سندها على إبراهيم بن هاشم يخالف دأبه من التعبير عن مثلها بالحسنة.

______________________________

(1) الذكرى: 105.

(2) التهذيب 1: 367- 1116، الوسائل 2: 254، أبواب الجنابة ب 37 ح 3.

(3) التهذيب 1: 146- 414، الوسائل 2: 253 أبواب الجنابة ب 37 ح 1.

(4) الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 4، التهذيب 1: 144- 406، الاستبصار 1: 119- 401، الوسائل 2: 251 أبواب الجنابة ب 36 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 348

و صحيحة محمّد: عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي ء، قال:

«يغتسل و يعيد الصلاة إلّا أن يكون

بال قبل أن يغتسل، فإنه لا يعيد غسله».

قال محمّد: و قال أبو جعفر عليه السلام: «من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول، ثمَّ وجد بللا فقد انتقض غسله، و إن كان بال ثمَّ اغتسل ثمَّ وجد بللا فليس ينقض غسله، و لكن عليه الوضوء، لأن البول لم يدع شيئا» «1».

و حسنة الحلبي: عن الرجل يغتسل ثمَّ يجد بعد ذلك بللا، و قد كان بال قبل أن يغتسل قال: «ليتوضّأ، و إن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل» «2».

وجه دلالتها على المطلوب بضميمة أن التفصيل قاطع للشركة.

و نحوها: رواية ابن ميسرة في رجل رأى بعد الغسل شيئا، قال: «إن كان بال بعد جماعة قبل الغسل فليتوضّأ، و إن لم يبل حتى اغتسل، ثمَّ وجد البلل فليعد الغسل» «3».

و من الثانية ما مرّ في مسألة الاستبراء من الصحيحة و الحسنتين و غيرها «4».

و أمّا ما في الأخبار المتقدّمة من الأمر بالوضوء، فمحمول على عدم الاستبراء، لعمومها بالنسبة إليه.

و اختصاصها بما بعد الجنابة لا يخصّصها، لعدم القول بالفصل. مع أنّه على فرض الاختصاص يكون التعارض بالعموم من وجه، و المرجع الأصل.

و أمّا ما في صحيحة ابن عيسى: هل يجب الوضوء ممّا خرج من الذكر بعد

______________________________

(1) التهذيب 1: 144- 407، الاستبصار 1: 119- 402 و ليس فيه: لأنّ البول ..، الوسائل 2: 251 أبواب الجنابة ب 36 ح 6، 7.

(2) الفقيه 1: 47- 186، الوسائل 2: 250 أبواب الجنابة ب 36 ح 1، و لم يظهر وجه للتعبير عنها بالحسنة مع كونها صحيحة فلاحظ.

(3) التهذيب 1: 144- 408، الاستبصار 1: 119- 403، الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36 ح 9.

(4) تقدم في ج 1 ص 323،

324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 349

الاستبراء؟ فكتب: «نعم» «1» فبالشذوذ مردود. مع أنّه- كما في الاستبصار «2»- موافق للعامة. و مع ذلك هي بالنسبة إلى ما مرّ عامة، فإرادة ما علم كونه بولا متعيّنة.

و إن لم يأت بشي ء منهما، يجب عليه الغسل على الأشهر الأظهر، بل عن الحلّي «3» و الفاضل «4» الإجماع عليه، لما تقدّم من الأخبار منطوقا و مفهوما، مضافا إلى صحيحتي سليمان «5» و منصور «6»، و بها تخصّص عمومات عدم نقض اليقين بالشك.

و أمّا الروايات الدالّة على عدم الإعادة مع عدم البول مطلقا، كروايتي الشحام «7» و عبد اللَّه بن هلال «8» و مرسلة الفقيه «9»، أو مع نسيان البول خاصة، كروايتي جميل «10» و أحمد بن هلال «11» فمع ضعفها سندا و شذوذها- لعدم قائل

______________________________

(1) التهذيب 1: 28- 72، الاستبصار 1: 49- 138، الوسائل 1: 285 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 9.

(2) الاستبصار 1: 49، و انظر بداية المجتهد 1: 34.

(3) السرائر 1: 122.

(4) المختلف: 32.

(5) الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 1، التهذيب 1: 143- 404، الاستبصار 1: 118- 399، الوسائل 2: 201 أبواب الجنابة ب 13 ح 1.

(6) التهذيب 1: 148- 421، الوسائل 2: 201 أبواب الجنابة ب 13 ح 2.

(7) التهذيب 1: 145- 412، الاستبصار 1: 119- 405، الوسائل 2: 253 أبواب الجنابة ب 36 ح 14.

(8) التهذيب 1: 145- 411، الاستبصار 1: 119- 404، الوسائل 20: 252 أبواب الجنابة ب 36 ح 13.

(9) الفقيه 1: 47- 187، الوسائل 2: 250 أبواب الجنابة ب 36 ح 2.

(10) التهذيب 1: 145- 409، الاستبصار 1: 120- 406، الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36 ح

11.

(11) التهذيب 1: 145- 410، الاستبصار 1: 120- 407، الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 350

بمضمونها سوى ما نقل عن ظاهر الفقيه و المقنع «1» من الاكتفاء بالوضوء- أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة، لاختصاص ما تقدّم بالمشتبه إجماعا، و شمول هذه لما علم عدم كونه منيا أو بولا أيضا. بل في الأولى و الثالثة تصريح بكونه من الحبائل التي لا شي ء فيها إجماعا.

و كذا إن لم يأت بالبول مع إمكانه و أتى بالاستبراء، على المشهور أيضا. بل عن الخلاف الإجماع عليه «2»، لإطلاق ما تقدّم من الصحاح، بل و عموم بعضها.

خلافا للمحكي عن ظاهري الشرائع و النافع «3»، فلم يوجبه، للأصل المندفع بما تقدّم.

و أمّا مع عدم إمكانه، فالحقّ المشهور- كما صرّح به جماعة- سقوط الغسل، و عدم وجوب شي ء، و هو مختار الصدوقين «4» و الشيخين «5» و الفاضلين «6»، و إليه ذهب والدي العلّامة في الكتابين، للرضوي المتقدّم «7» المنجبر في المقام بالشهرة، بل للجمع بين مطلقات الإعادة و روايتي الشحام و ابن هلال، بحمل الأخيرتين على صورة عدم الإمكان، بشهادة الرضوي.

و حمل نفي الشي ء فيه على نفي الإثم تخصيص بلا مخصّص.

و إطلاقه باعتبار خروج البلل و عدمه لا يضرّ، إذ غايته تعارضه مع موجبات الإعادة بالعموم من وجه، و يرجع إلى الأصل لو لا ترجيح ذلك بالأحدثية و موافقة الشهرة.

______________________________

(1) نقله في الحدائق 3: 29 عن الفقيه 1: 47، و المقنع: 13.

(2) الخلاف 1: 126.

(3) حكاه في الحدائق 3: 37، عن الشرائع 1: 28، و النافع: 9.

(4) لم نعثر عليه عنهما و الموجود في كلام الصدوق لا يوافقه فلاحظ الفقيه 1: 47، و

المقنع 13، و الهداية: 21.

(5) المفيد في المقنعة: 53، و الطوسي في المبسوط 1: 29، و الاستبصار 1: 120، و النهاية: 21.

(6) المحقق في الشرائع 1: 28، و النافع: 9، و العلّامة في القواعد 1: 13.

(7) ص 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 351

و إن عكست الحال، فبال و لم يستبرئ، يجب عليه الوضوء، بالإجماع كما في اللوامع، و على المعروف من مذهب الأصحاب كما في الحدائق «1»، و بلا خلاف كما قيل «2»، للصحيح و الحسنتين المتقدّمتين في مسألة الاستبراء «3»، و موثّقة سماعة و صحيحة محمّد و رواية ابن ميسرة السالفة «4».

و لا اختصاص لذلك بما بعد الجنابة، بل يجب الوضوء بالبلل الخارج بعد البول قبل الاستبراء مطلقا.

و ربما ينقل عن ظاهر المقنعة و التهذيبين «5» عدم الوضوء إذا كان ذلك بعد الجنابة، بناء على عدمه مع غسل الجنابة.

و في إطلاقه منع ظاهر، لاختصاصه بخروج موجبه قبل الغسل لا بعده، و الموجب هنا البلل الخارج بعده.

فروع:

أ: وجوب الغسل أو الوضوء في بعض الصور مخصوص بالرجل، و أمّا المرأة فلا، على المشهور بين الأصحاب، للأصل، و الاستصحاب، لاختصاص أخبار الوجوب بالرجل، مضافا إلى التنصيص به في صحيحتي سليمان و منصور «6»، بل لا يجب الغسل عليها و إن علمت أنّ الخارج مني، بعد احتمال كونه من الرجل.

ب: صرّح جماعة- منهم الفاضل في المنتهى «7» و الشهيدان «8»- باختصاص إعادة الغسل في بعض الصور بالمنزل، فلا يجب على من أجنب بغيره، لأن الحكم

______________________________

(1) الحدائق 3: 34.

(2) الرياض 1: 31.

(3) في ج 1 ص 385.

(4) في ص 348.

(5) لاحظ المقنعة: 53، و التهذيب 1: 143، 144، و الاستبصار 1: 120.

(6) المتقدمتين ص 349.

(7) المنتهى

1: 92.

(8) الأول في البيان: 56، الثاني في الروض: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 352

بالإعادة إنّما هو لمظنة كون الخارج من فضلة المني الخارج، و ذلك في حقّه غير متصوّر.

و مال بعض المتأخّرين إلى الإعادة، لعموم الروايات. و هي أحوط، و إن أمكن الخدش في الروايات: بأنّها مطلقة، فإلى الشائع من أفراد الجنب- و هو المنزل- منصرفة.

ج: الخارج فيما يجب فيه الغسل أو الوضوء حدث جديد، فالعبادة الواقعة قبل خروجه صحيحة، للأصل، و اقتضاء الأمر للإجزاء.

و قوله في صحيحة محمّد، المتقدّمة «1». «و يعيد الصلاة» لا يفيد، إذ كما يمكن أن يراد منه الصلاة الواقعة بعد الغسل، يمكن أن يراد منه الواقعة بعد الخروج، و لا عموم فيه يشمل الجميع. مع أنّه لا يفيد أزيد من الرجحان.

د: وجوب الغسل أو الوضوء إنّما هو إذا كان نفس البلل الخارج مشتبها، أمّا لو علم أنّه ليس بمني أو بول، و شك في أنّه هل يستصحب شيئا من الأجزاء المتخلّفة من أحدهما، فلا يجب، إذ ما علم خروجه لا يوجبه، بالنصوص الواردة فيه «2»، و غيره منفي بالأصل.

ه: المستفاد من لفظ الإعادة في الأخبار المتقدّمة، و من التعليل بخروج بقية المني: كون الغسل المعاد غسل جنابة، فيرتفع به الحدث الأصغر المتخلّل بين الغسلين من غير حاجة إلى الوضوء، و لو احتاط بنقض الغسل ثمَّ الوضوء كان أولى.

المسألة الثانية:
اشاره

المحدث بالأصغر في أثناء الغسل يعيده، وفاقا للصدوقين «3»، و نهاية الإحكام «4»، و المبسوط و الإصباح و الجامع و القواعد «5»،

______________________________

(1) في ص 348.

(2) الوسائل 1: 276، 282 أبواب نواقض الوضوء ب 12 و 13.

(3) الفقيه 1: 49 (و نقله فيه عن والده)، الهداية: 21.

(4) نهاية الاحكام 1:

114، و القول موجود أيضا في النهاية: 22 للشيخ الطوسي.

(5) المبسوط 1: 29، الجامع للشرائع: 40، القواعد 1: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 353

و الشهيدين «1». بل نسبه المحقّق الثاني في شرح الألفية إلى الشهرة.

للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: «فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك، فأعد الغسل من أوله» «2».

و نقله جماعة من مجالس الصدوق «3» أيضا.

و قد يستدلّ أيضا: بأنّ الغسل الأول بعد إتمامه لا يرفع الحدث المتخلّل بالبديهة، و الصحيح من غسل الجنابة ما يرتفع معه جميع الأحداث.

و بأنّ المتخلّل لا بدّ له من أثر، و ليس هو الوضوء، إذ ليس هو مع غسل الجنابة، فهو الغسل.

و بأنّه ينقض حكم تمام الغسل إن صدر بعده، فينقض حكم البعض بالطريق الأولى. فلا يكون لهذا الغسل حكم إباحة الصلاة، و الصحيح منه لا يخلو عنه البتة.

و يرد على الأول: منع المقدمة الأولى أوّلا، فإنّ أحد المخالفين يقول برفعه للعمومات، كما يأتي، و لا استبعاد فيه. و منع إطلاق الثانية ثانيا، فإنّ المخالف الآخر يقول بأنه لا يرفع المتخلّل.

و على الثاني: منع وجوب الأثر لكلّ حدث حتى المتخلّل أوّلا. و منع عدم كونه الوضوء ثانيا، و لا يلزم من عدمه مع غسل الجنابة في الجملة عدمه معه مطلقا.

و على الثالث: منع الأولوية المدّعاة أوّلا. و منع ترتّب الإباحة على كلّ غسل جنابة صحيح ثانيا. و سند هذا الممنوع يظهر ممّا يأتي من أدلّة المخالفين.

______________________________

(1) الدروس 1: 97، الروض: 57.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 474 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.

(3) لم نعثر عليه في الأمالي و نقله عنه في

المدارك 1: 308، و في الوسائل 2: 238 أبواب الجنابة ب 29 ح 4 عن المدارك. و قد أشار إليه الشهيدان في الذكرى: 106، روض الجنان: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 354

خلافا للسيد «1» و المحقّق «2» و أكثر الثالثة، و منهم: والدي العلّامة، فقالوا بأنّه يتمّ الغسل و يتوضّأ بعده.

أمّا الإتمام: فلأصالة البراءة، و استصحاب الصحة الثابتة بعموم مثل قوله في الجنب: «ما جرى عليه الماء فقد طهر» «3» و «كل شي ء أمسسته الماء فقد نقيته» «4».

و أمّا الوضوء: فلعموم ما دلّ على إيجاب الأصغر إيّاه، خرج منه ما كان قبل غسل الجنابة بالإجماع و الأدلّة، فيبقى الباقي.

و أيضا: الأصغر لا يوجب الغسل فلا يعيد، فيجب الإتمام. و لا يرتفع ببقيته، لعدم استقلالها بالرفع، فيتوضّأ.

و يضعّف الأول: باندفاع الأصل، و الاستصحاب: بما مرّ، بضميمة عدم القول بالصحة مع الإعادة، فلا يتمّه بل يعيد، و معها لا يتوضّأ بالبديهة.

و الثاني: بأنّ عدم إيجاب الأصغر للغسل لا يوجب عدم إبطاله لبعضه.

و للقاضي «5» و الحلّي «6» و الكركي «7» و بعض الثالثة «8»، فقالوا بكفاية الإتمام، لصدق الغسل، و كفايته بإطلاق الأمر به المستلزم للإجزاء، فلا إعادة، و استفاضة النصوص بانتفاء الوضوء مع غسل الجنابة مطلقا «9»، خرج ما إذا أحدث بالأصغر بعد إتمامه بالإجماع، فيبقى الباقي.

______________________________

(1) نقله عنه في المعتبر 1: 196.

(2) المعتبر 1: 196.

(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(4) التهذيب 1: 370- 1131، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.

(5) جواهر الفقه: 12.

(6) السرائر 1: 119.

(7) جامع المقاصد 1: 276.

(8)

الذخيرة: 60.

(9) الوسائل 2: 246، أبواب الجنابة ب 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 355

و يجاب عنه: بلزوم تقييد إطلاق الأمر بما مرّ- كما هو القاعدة- فتجب الإعادة.

مع أنّ (إطلاق) [1] النصوص النافية للوضوء معه يعارض عمومات إيجاب الأصغر للوضوء بالعموم من وجه، و الترجيح للعمومات، بموافقة الكتاب، و عدم انصراف الإطلاق إلى مثل تلك الصورة النادرة.

و توهّم توقّف موافقة الكتاب على عطف قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً على قوله إِذا قُمْتُمْ «1»، و أما على العطف على الشرط المقدّر أو الجزاء المذكور فلا، إذ التفصيل قاطع للشركة، فاسد، إذ تدلّ الآية- على جميع التقادير- على وجوب الوضوء على المحدث من حيث هو محدث مطلقا، و مقتضى قطع الشركة عدم وجوب غير الغسل على الجنب من حيث هو جنب، و هو كذلك، و لا ينافي ذلك وجوبه عليه من جهة أخرى.

و منه يظهر عدم دلالة رواية محمّد: إنّ أهل الكوفة يروون عن علي أنه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة. قال: «كذبوا على علي عليه السلام، ما وجدوا ذلك في كتاب علي، قال اللَّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» «2» على انتفاء الوضوء من الجنب المحدث من حيث هو محدث، فإنّ السؤال عن الأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة، و ظاهره أنّه من حيث هو جنب.

ثمَّ المحتاط يعيد و يتوضّأ، سيما بعد نقض المعاد، و لو أتمّ و أعاد و نقض و توضّأ، احتاط غايته.

فرعان:

أ: لو تخلّل الحدث غير غسل الجنابة من الأغسال، يتمّ و يتوضّأ، سواء قلنا

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) المائدة: 6.

(2) التهذيب 1: 139- 389، الاستبصار 1: 125- 426، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 5.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 356

بإجزائه عن الوضوء أم لا.

أمّا الإتمام: فللأصل و الاستصحاب المتقدّمين الخاليين عن المعارض في المقام، لاختصاص الرضوي «1» و قرينة- بقرينة السياق- بالجنب. مع أنّ الشهرة الجابرة له في المورد غير محقّقة و لا محكية، بل الفاضل مع حكمه بالإعادة في الجنابة لم يحكم بها هنا.

و أمّا الوضوء: فلموجباته بعد الأصغر، الراجحة على ما ينفيه بعد كلّ غسل- بعد التعارض- كما مرّ.

ب: الارتماسي كالترتيبي في إمكان التخلّل، إذ الدفعة العرفية لا تنافيه.

و توهّم أن الغسل بعد ولوج الكل، فيحصل بآخر أجزائه و هو آني، فاسد، بل هو يحصل بكلّ أجزاء الولوج، و هو تدريجي.

و على هذا، فلو تخلّله الحدث، تجري فيه الأقوال الثلاثة. و الحقّ فيه الإتمام، للاستصحاب المتقدّم. و الوضوء، لعموماته الراجحة- بما مرّ- على معارضها في الغسل. و عدم الإعادة، للأصل، حيث إنّ سياق الرضوي و قرينه في الترتيبي.

مع أنّ الشهرة الجابرة هنا غير معلومة، و عدم الفصل بين الترتيبي و الارتماسي غير ثابت.

و الاحتياط بالجمع بين الإعادة و الوضوء أولى، سيما مع نقض المعاد.

المسألة الثالثة:

لا يجب الوضوء مع غسل الجنابة للمشروط به و لو على المحدث بالحدث الأصغر قبله، بالإجماع المحقّق و المحكي عن جماعة من علمائنا الأخيار، و عمل الفرقة في جميع الأعصار، و استفاضة الأخبار السالمة عن المعارض بأنه لا وضوء معه و لا قبله و لا بعده «2»، التي منها ما يصرّح بأنه لا وضوء للصلاة مع غسل الجمعة

______________________________

(1) تقدم في ص 353.

(2) الوسائل 2: 246 أبواب الجنابة ب 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 357

و غيره «1»، الشامل للجنابة، أو بإجزائه عن الوضوء. بل في الرضوي: «غسل الجنابة و الوضوء فريضتان،

فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما» «2».

فاحتمال أن يراد من بعض تلك الظواهر أنه لا وضوء مع غسل الجنابة أي للغسل، بمعنى أنه لا تتوقّف تمامية الغسل عليه، فلا ينافي وجوبه للصلاة، أو:

لا وضوء معه من حيث إنّه جنب، فلا ينافي وجوبه من حيث هو محدث، غير ضائر.

و لا يستحب معه أيضا على الحقّ المشهور، لنفي الوضوء معه أو قبله أو بعده، أي في الشرع- كما هو الظاهر المتبادر من صدوره عن الشارع- في جملة من أخبارنا. و يؤيده الحكم بكونه بدعة في جملة أخرى.

خلافا للمحكي من التهذيب «3»، و مال إليه المقدس الأردبيلي «4»، لرواية الحضرمي: كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال: «اغسل كفك و فرجك، و توضّأ وضوء الصلاة، ثمَّ اغتسل» «5».

و رواية ابن ميسر، و فيها بعد السؤال من الرجل يريد أن يغتسل: «يضع يده و يتوضأ و يغتسل» «6».

و تردّان بمرجوحيتهما عن الأخبار المعارضة لهما، باعتبار موافقتهما للعامة،

______________________________

(1) الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33 ح 2، 3، 4.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 82، المستدرك 1: 476 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(3) التهذيب 1: 140.

(4) مجمع الفائدة 1: 126.

(5) التهذيب 1: 140- 393، الاستبصار 1: 97- 314، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 6.

(6) الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 2، التهذيب 1: 149- 425، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 358

كما صرّح بها الجماعة «1» و تستفاد من بعض المعتبرة «2»، و هي ممّا توجب المرجوحية قطعا.

على أنّ الغسل في الثانية أعمّ من الجنابة، و التوضّؤ غير صريح في الأفعال المعهودة إلّا على أن تثبت فيه الحقيقة

الشرعية. بل و كذا في الأولى، لاحتمال أن يراد بوضوء الصلاة المضمضة و الاستنشاق و غسل اليدين من المرفق، المستحبة قبل غسل الجنابة.

هذا في غسل الجنابة، و أمّا غيره من الأغسال المفروضة و المسنونة، ففي وجوب الوضوء معه و عدمه- إن لم يكن للمكلّف وضوء- قولان:

الأوّل للأكثر، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «3»، بل عن أمالي الصدوق:

كونه من دين الإمامية «4»، إلّا أنّ عبارته عن إفادة الوجوب قاصرة.

لإطلاق الآية، و عموم ما دلّ على وجوبه بحدوث أحد أسبابه، بضميمة أصالة عدم إجزاء غيره.

و مرسلة ابن أبي عمير: «كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة» «5» و في أخرى: «في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة» «6».

و صحيحة ابن يقطين: «إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ و اغتسل» «7»

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 1: 90، و انظر المغني لابن قدامة 1: 251، و نيل الأوطار للشوكاني 1:

306.

(2) الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 4.

(3) كما في الذكرى: 25، و الرياض 1: 34.

(4) أمالي الصدوق: 515- المجلس 93.

(5) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 13، التهذيب 1: 139- 391، الاستبصار 1: 126- 428، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 1.

(6) التهذيب 1: 143- 403، الاستبصار 1: 209- 733، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 2.

(7) التهذيب 1: 142- 401، الاستبصار 1: 127- 434، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 359

و تمام المطلوب بالإجماع المركّب.

و الرضوي: «و الوضوء في كلّ غسل ما خلا غسل الجنابة، لأنّ غسل الجنابة فريضة مجزية عن الفرض الثاني، و لا يجزيه سائر الأغسال عن الوضوء، لأنّ الغسل

سنّة و الوضوء فريضة، و لا يجزي سنّة عن فرض» إلى أن قال: «فإذا اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء، ثمَّ اغتسل، و لا يجزيك الغسل عن الوضوء، فإن اغتسلت و نسيت الوضوء توضّأ و أعد الصلاة» «1».

و المروي في الغوالي عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله: «كلّ الأغسال لا بدّ فيها من الوضوء إلّا الجنابة» «2».

و الثاني للمحكي عن السيد «3» و الإسكافي «4» و جملة من أفاضل المتأخّرين، منهم: المحقّقان الأردبيلي «5» و الخوانساري «6»، و صاحبا المدارك و الذخيرة «7»، و نسبه في البحار إلى أكثرهم «8»، و اختاره بعض مشايخنا.

للأصل، و للمستفيضة المصرّحة بأنّ الوضوء بعد الغسل أو قبله بدعة، كصحيحة سليمان «9»، و رواية ابن سليمان «10»، و مرسلة الفقيه «11».

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 82، المستدرك 1: 476 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(2) عوالي اللئالي 2: 203- 110، المستدرك 1: 477 أبواب الجنابة ب 26 ح 3.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 24.

(4) نقله عنه في المختلف: 33.

(5) مجمع الفائدة 1: 132.

(6) مشارق الشموس: 69.

(7) المدارك 1: 361، الذخيرة: 49.

(8) البحار 78: 28.

(9) التهذيب 1: 140- 396، الوسائل 2: 245 أبواب الجنابة ب 33 ح 9.

(10) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 12، التهذيب 1: 140- 395، الوسائل 2: 245 أبواب الجنابة ب 33 ح 6.

(11) لم نعثر عليها في الفقيه، و الموجود مرسلة محمّد بن أحمد بن يحيى رواها الشيخ في التهذيب 1:

140- 394، و الاستبصار 1: 126- 430، الوسائل 2: 245 أبواب الجنابة ب 33 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 360

و لصحيحة محمّد: «الغسل يجزي عن الوضوء، و أيّ وضوء

أطهر من الغسل» «1».

و في صحيحة ابن حكيم: «و أيّ وضوء أنقى من الغسل و أبلغ» «2».

و مرسلة حماد: في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك، أ يجزيه من الوضوء؟

فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «و أيّ وضوء أطهر من الغسل» «3».

و موثّقة الساباطي: عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال: «لا، ليس عليه قبل و لا بعد، قد أجزأه الغسل. و المرأة مثل ذلك، إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك، فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد، قد أجزأها الغسل» «4».

و مكاتبة الهمداني إلى أبي الحسن الثالث: عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة، فكتب: «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة و لا غيره» «5».

و المستفيضة من الصحاح و غيرها الواردة في غسل الحائض و المستحاضة و النفساء، الآمرة فيها بالغسل ثمَّ الصلاة «6»، من غير تعرّض فيها للوضوء مع كونها في مقام الحاجة.

و الإيراد على الثلاثة الأولى: بأنّها متروك الظاهر، لاعتقاد الخصم

______________________________

(1) التهذيب 1: 139- 390، الاستبصار 1: 126- 427، الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33 ح 1.

(2) التهذيب 1: 139- 392، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 4.

(3) التهذيب 1: 141- 399، الاستبصار 1: 127- 433، الوسائل 2: 245 أبواب الجنابة ب 33 ح 4.

(4) التهذيب 1: 141- 398، الاستبصار 1: 127- 432، الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33 ح 3.

(5) التهذيب 1: 141- 397، الاستبصار 1: 126- 431، الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33 ح 2.

(6) الوسائل 2: أبواب الحيض ب 6، و أبواب الاستحاضة ب 1، و أبواب النفاس ب

1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 361

استحباب الوضوء و مشروعيته، مردود: بلزوم تقدير فيها- على القول بكون العبادات أسامي للأعم، كما هو الحقّ- لعدم حرمة الوضوء لا بقصد المشروعية قطعا، و المقدّر كما يمكن أن يكون قصد القربة، يمكن أن يكون قصد الوجوب.

و عليها [1] مع المتعقبين لها: بفقد اللفظ الدالّ على العموم فيها، و انصراف الغسل فيها إلى المتبادر الغالب الذي هو غسل الجنابة، مردود: بعموم المفرد المعرّف كما عليه عملهم في جميع الموارد، و منع غلبة الجنابة جدّا، سيما بحيث توجب تبادره و انصراف المطلق إليه. كيف و غسل الجمعة و سائر الأغسال المسنونة، و غسل الحيض و الاستحاضة لو لم تغلب على غسل الجنابة لم تقصر عنه البتة.

و ورود أمثالها في الردّ على العامة لا يخصّصها بالجنابة، لأنّ إيجابهم الوضوء لا يختص بها.

و على البواقي: بضعفها إسنادا، مردود: بأنّه غير ضائر مع كونها في الأصول المعتبرة، مع أنّ فيها الموثّقة، و هي بنفسها حجة.

و على الجميع: بأنّ المراد منها انتفاء الوضوء في الغسل لأجله، و عدم توقّف تماميته عليه، فالمعنى: أنّه لا يحتاج الغسل من حيث هو غسل و في حصول المقصود منه إلى الوضوء، و ذلك لا ينافي توقّف مثل الصلاة عليه، مردود: بأنه خلاف الظاهر، كيف و إطلاق نفيه بعده في طائفة منها يشمل المطلوب أيضا، و الحكم بإجزائه عن الوضوء في أخرى صريح فيما إذا كان مأمورا بالوضوء.

مع أنّه قد صرّح في المكاتبة بنفي الوضوء للصلاة، و التخصيص بنفيه لها حين الغسل لا وجه له.

نعم، يرد على الثلاثة الأولى: أنّ كون الوضوء بعد الغسل بدعة لا ينافي وجوبه قبله- كما هو مذهب جماعة- كما يأتي.

______________________________

[1] عطف

على: الثلاثة .. أي الإيراد عليها و على الحديثين المتعقبين .. مردود ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 362

و أمّا قوله في المرسلة: «قبل الغسل» فيمكن أن يكون خبرا، و يكون الكلام فيها جملتين، لا جملة واحدة.

و على أخبار غسل الحائض و أختيها: أنّ الظاهر من سياقها الحاجة إلى معرفة الرافع للأحداث الثلاثة و بيانه، لا بيان غيره، و لذا لم يذكر فيها سائر شرائط الصلاة من ستر العورة و الاستقبال و غيرهما.

كما يرد على ما استدلّ به الأوّلون- ممّا يصرّح بأنّ في كلّ غسل وضوء- عدم دلالته على الوجوب، ضرورة أنّه يحتاج إلى تقدير، فالمقدّر كما يمكن أن يكون ما يفيد الوجوب، يمكن أن يكون ما يفيد المشروعية.

و ظهور التركيب في إرادة الوجوب ممنوع. و لو سلّم، فهو من باب النقل الحادث، الذي يكون الأصل تأخّره.

فلم يبق من أدلّتهم بعد العمومات، غير الصحيحة و الرضوي و النبوي.

و هما و إن كانا بنفسهما غير معتبرين، إلّا أنّهما لانجبارهما بالشهرة العظيمة، سيما القديمة، بل الإجماع المنقول، يعدّان من المعتبرة، بل لا يقصران عن الصحاح في الحجية.

فيقع التعارض بين هذه الثلاثة و بين الأخبار النافية للوضوء. و هي و إن كانت راجحة من جهة المخالفة للعامة، و أكثرية الرواية التي هي الشهرة بين الرواة، و الأحدثية، و كلّ ذلك من المرجّحات المنصوصة، و لكن للثلاثة أيضا رجحانا من جهة موافقة الآية التي هي من المرجّحات القوية و عمل معظم الفرقة.

مضافا إلى ضعف ترجيح الأولى بمخالفة العامة: بأنّ بعض الثانية أيضا كذلك، لنفي الوضوء فيه عن غسل الجنابة، و هو لا يوافق مذهب العامة.

و بالأشهرية: بمنع بلوغ الأكثرية حدّا تثبت بها الأشهرية التي هي من المرجّحات المنصوصة.

فيحصل

التكافؤ بين الفريقين، و إذ لا قول بالتخيير في البين، ترفع اليد عن كلّ من الصنفين، و تبقى الآية و عمومات موجبات الوضوء خالية عن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 363

المعارض المعلوم.

هذا كلّه، مع أنّ الأخبار النافية، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة، و لعمل ناقليها، خارجة عن حيّز الحجية، و لمعارضة غيرها و تخصيص العمومات غير صالحة. فهي مع الروايتين و الصحيحة عن المعارض سالمة، فيجب الأخذ بها، و القول بوجوب الوضوء مع كلّ غسل غير الجنابة.

و هل يجب تقديم الوضوء على الغسل؟ كما عن ظاهر الصدوقين «1» و الشيخين «2» و الحلبيين «3»، و اختاره بعض متأخّري المتأخّرين «4»، للصحيحة، و الرضوي، و مرسلتي ابن أبي عمير، و الفقيه المتقدّمة [1]، و ما يصرّح بأنّ الوضوء بعد الغسل بدعة «5». و يؤيّده صدر صحيحة ابن حكيم، و رواية الحضرمي المتقدمتين «6».

أم يستحب؟ كما عن النهاية و المقنعة و الوسيلة و السرائر و الجامع و المعتبر و الشرائع «7» و ادّعي عليه الشهرة «8»، بل في السرائر نفي الخلاف في عدم وجوبه «9»، للأصل، و بعض الإطلاقات. و هو الأقوى، لذلك.

______________________________

[1] المتقدمة ص 358، 359 و راجع ما علقنا على مرسلة الفقيه، و لا يخفى أنّ الاستدلال بها على المطلوب لا يتم إلّا على أن يكون قوله: «قبل الغسل» خبرا كما احتمله الماتن في ص 362 و سيشير إليه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 46، الهداية: 20، و نقله في المختلف: 34 عن والد الصدوق.

(2) المفيد في المقنعة: 53، و الطوسي في الاستبصار 1: 126، و المصباح: 10.

(3) أبي الصلاح في الكافي: 134، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(4) الحدائق 3: 127.

(5) راجع ص 359.

(6) في

ص 357، 360.

(7) النهاية: 23، المقنعة: 53، الوسيلة: 56، السرائر 1: 113 الجامع للشرائع: 42، المعتبر 1: 257، الشرائع 1: 31.

(8) كما في الحدائق 3: 127.

(9) السرائر 1: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 364

و يجاب عن الصحيحة: بعدم اشتمالها على ما يفيد التقديم، إلّا التقديم الذكري، و هو له غير مفيد.

و عن الرضوي: بالضعف الخالي عن الجابر في المورد.

و عن المرسلتين: بعدم الدلالة على الوجوب- كما مرّ- مع أن في إحداهما احتمالا آخر.

و عن قوله: «الوضوء بعد الغسل بدعة»: بما مرّ من احتمال كون ذلك مع قصد وجوب البعدية.

و عن البواقي: بعدم التأييد، كما هو ظاهر عند النظر الشديد. و الاحتياط لا ينبغي تركه.

و كيف كان، لا تعلّق للتقديم بصحة الغسل، بلا خلاف كما قيل «1»، للأصل. فلو أخّره عمدا أثم به- على القول بالوجوب- و صحّ غسله، و يتوضّأ بعده لما يشترط به.

المسألة الرابعة:

في وجوب تطهير المحل قبل إجراء ماء الغسل عليه و عدمه قولان:

الأول، للمحكي عن الأكثر، بل عن الغنية الإجماع عليه «2».

لاشتراط طهارة ماء الغسل، المنتفية بوروده على المحل النجس.

و منع النجاسة عن وصول الماء إلى المحل.

و الأمر بغسل الفرج قبل الصبّ على الرأس في عدّة من الأخبار.

و صحيحتي البزنطي و ابن حكيم، الأولى: «ثمَّ اغسل ما أصابك منه، ثمَّ أفض على رأسك و جسدك» «3».

______________________________

(1) نقله صاحب الرياض 1: 35 عن بعض مشايخه، و هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(3) التهذيب 1: 131- 363، الاستبصار 1: 123- 419، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 365

و الثانية: «ثمَّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى، ثمَّ اغسل

فرجك و أفض على رأسك و جسدك» «1».

و وجوبه في غسل الميت إمّا بضميمة الإجماع المركّب- كما هو محتمل- أو مع ما في المعتبرة من أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة «2».

و يضعّف الأول: بمنع الانتفاء المدّعى أوّلا، لوروده على النجاسة. و منع اشتراط طهارته مطلقا ثانيا، و إنّما هي طهارته قبل الورود على المحل، كما يقولون في إزالة الخبث، على القول بنجاسة الغسالة.

و القول «3» بتوقّف العبادة على البيان، و عدم حصوله في [الماء] [1] النجس (مطلقا) [2]، مدفوع بحصوله بالإطلاقات الشاملة لذلك الماء.

و الثاني: بمنع المانعية مطلقا، و إنّما هي فيما له عين، و لا كلام في وجوب إزالة عينه أوّلا.

و منه يظهر ضعف دلالة الثالث و الرابع، لعدم دلالتهما إلّا على وجوب غسل المني، و هو ممّا يمنع من وصول الماء إلى المحل، لثخانته و لزوجته.

و الخامس: بعدم إمكان إبقاء الأمر فيه على الوجوب، إلّا بانسلاخ حرف الترتيب عن معناه، الموجب لسقوط الاستدلال رأسا، لعدم وجوب تقديم تطهير النجاسة عن البدن على غسل الفرج إجماعا، (بل) [3] و لا على أصل الغسل قطعا، بحيث يجب تقديم تطهير الفرج على الصب على الرأس، و إن أوهمه كلام

______________________________

[1] في النسخ: غير الماء، و الصواب كما أثبتناه.

[2] ليس في «ه».

[3] لا توجد في «ق» و «ه».

______________________________

(1) التهذيب 1: 139- 392، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 7.

(2) الوسائل 2: 486 أبواب غسل الميت ب 3.

(3) كما في شرح المفاتيح (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 366

بعضهم «1».

و منه يظهر وجه آخر لضعف الثالث و الرابع، لإفادتهما وجوب التقديم على أصل الغسل، بل في بعضهما على المضمضة و الاستنشاق أيضا.

و السادس: بمنع الإجماع

المركّب، بل القول بالفصل متحقّق، و بمنع دلالة المعتبرة على المماثلة في الجميع. و لو سلّم، فالمدلول المماثلة في جميع أجزاء الغسل و كيفيته، لا الأمور الخارجة. مع أنّ الثابت منها أنّ أحكام غسل الجنابة ثابتة له، دون العكس.

و الثاني لجماعة من المتأخّرين «2»، للأصل، و ضعف الرافع، و إن استحب.

و هو الأقوى، لما مرّ.

و منه يظهر عدم اشتراط طهر المحل قبل الغسل في صحته، كما هو صريح الشيخ في المبسوط «3»، و كلّ من لا يوجب التطهير أوّلا.

و الأكثر على الاشتراط، لما ذكر، بضميمة استلزام الأمر بالشي ء للنهي عن ضدّه، الموجب للفساد، إلى الأخبار، مضافا إلى استصحاب الحدث.

و يضعّف الاستصحاب: بوجود الرافع، من مثل قوله: «فما جرى عليه الماء فقد طهر» «4» و من استلزام الأمر بالغسل للإجزاء، و البواقي بما مرّ.

ثمَّ على ما ذكرنا من عدم توقّف ارتفاع الحدث على تطهر المحل، فهل يكتفي بغسلة واحدة لرفع الحدث و الخبث إذا كان ممّا يغسل مرّة، أو مرّة لرفع الحدث و مرّة للخبث إذا لم يكن كذلك؟ أو لا، بل يحتاج رفع الخبث إلى غسل

______________________________

(1) كما في الوسيلة: 55.

(2) منهم المحقّق الخوانساري في مشارق الشموس: 182، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:

84، و صاحب الحدائق 3: 101.

(3) المبسوط 1: 29.

(4) الكافي 3: 43 الطهارة ب 30 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229، أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 367

آخر؟

الحقّ: الأول، لعمومات إزالة الخبث بجريان الماء، أو تحقّق الغسل المزيل.

و المصرّح به في كلام جماعة: الثاني، لأصالة عدم تداخل الأسباب.

و يضعّف باندفاع الأصل بما مرّ، مضافا إلى أن رفع الحدث و

الخبث بغسل واحد ليس من باب تداخل الأسباب، كما لا يخفى على الفطن المتأمّل. و اللَّه أعلم بالصواب.

المسألة الخامسة:

يكره غسل الجنابة ارتماسا في الماء الراكد، لفتوى بعض الأجلّة من القدماء «1»، و النبوي: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد، و لا يغتسل فيه من الجنابة» «2».

المسألة السادسة:

في كفاية الغسل الواحد عن المتعدّد إذا اجتمعت أغسال متعدّدة، مطلقا أو بشرط نية الجميع أو بشرط عدم نية البعض أو إذا كان أحدها غسل جنابة مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان الجميع متّحدا في الوجه، بأن يكون واجبا أو مستحبا- دون ما إذا تفرّقت- مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان الجميع واجبا خاصة مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان أحدها [1] غسل جنابة إمّا مطلقا أو بأحد الشرطين، أقوال. أظهرها: الأول.

لنا- بعد الإجماع المحقّق و المنقول «3» في بعض صوره، و أصالة البراءة عن المتعدّدة، و عدم دليل على التعدّد سوى أصالة عدم التداخل التي لا دليل عليها كما بيّنّا في كتاب عوائد الأيام «4»، و صدق الامتثال في أكثر الصور-: النصوص

______________________________

[1] أي: أحد الأغسال الواجبة خاصة، فيفرق مع الصورة الرابعة، لأنها أعم من الواجبة و المستحبة.

______________________________

(1) منهم المفيد في المقنعة: 54.

(2) سنن أبي داود 1: 18- 70- بتفاوت يسير.

(3) كما نقله في السرائر 1: 123.

(4) عوائد الأيام: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 368

المستفيضة الدالّة إمّا على الكفاية مطلقا:

كحسنة زرارة: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر، أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة و النحر و الذبح و الزيارة، فإذا اجتمعت للَّه عليك حقوق، أجزأها عنك غسل واحد، و كذلك المرأة، يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها» «1».

دلّت بقوله: «فإذا اجتمعت ..» على ما ذكرنا من العموم.

و إضمارها في بعض الكتب «2» غير

قادح، سيما مع إسنادها في التهذيب إلى أحدهما عليهما السلام، و في السرائر إلى مولانا الباقر عليه السلام بسند «3»، و إلى أحدهما بآخر. و زاد على الأخير: و قال زرارة: «و حرم اجتمعت في حرمة يجزيك عنها غسل واحد» «4».

و رواية الحسين الخراساني، المروية في السرائر: «غسل يومك يجزيك لليلتك، و غسل ليلتك يجزيك ليومك» «5».

و عمومه لما تأخّر سببه غير ضائر، لأنه بالإجماع خارج، ضرورة عدم تقدّم المسبّب على سببه.

و صحيحة زرارة: ميت مات و هو جنب، كيف يغسل؟ و ما يجزيه من الماء؟

فقال: «يغسل غسلا واحدا، يجزئ ذلك عنه لجنابته و لغسل الميت، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 41 الطهارة: ب 28 ح 1، التهذيب 1: 107- 279، الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 43 ح 1.

(2) و هو الكافي.

(3) مستطرفات السرائر: 74- 19، الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 43 ملحق ح 1.

(4) مستطرفات السرائر: 103- 38.

(5) مستطرفات السرائر: 46- 4.

(6) الكافي 3: 154 الجنائز ب 25 ح 1، التهذيب 1: 432- 1384، الاستبصار 1: 194- 680، الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 369

دلّ التعليل على العموم المطلوب. و المراد بالحرمة الحق، كما يدل عليه ذيل رواية السرائر المتقدّمة.

أو على كفاية واحد للواجبات المجتمعة، التي أحدها الجنابة، مطلقا سواء نوى الجميع أو البعض، بل و لو مع نية عدم البعض، المثبت لهذا الإطلاق في غير الواجبات أيضا، بعد ثبوت تداخله بالإجماع المركّب.

كالمستفيضة الواردة في كفاية غسل واحد للجنابة و الحيض «1»، و خبر شهاب: «و إن غسّل ميتا و توضّأ، ثمَّ أتى أهله، يجزيه غسل واحد لهما»

«2».

و اختصاص الأولى بالحيض، و الثاني بغسل المسّ لا يضرّ، لعدم الفصل بين الواجبات.

أو على كفاية واحد للندب و الفرض و إن لم ينو إلّا أحدهما:

كمرسلة الفقيه: «من جامع في أول شهر رمضان، ثمَّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان، عليه أن يغتسل و يقضي صلاته و صومه، إلّا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنّه يقضي صلاته و صيامه إلى ذلك اليوم، و لا يقضي ما بعد ذلك» «3».

حجّة المخالف مطلقا أو في بعض الصور: ضعف الأخبار كلّا أو بعضا مع أصالة عدم التداخل، أو اشتراط نية الوجه الغير المتحققة في بعض الصور، أو قصد السبب- مطلقا أو في خصوص الأغسال المندوبة- الغير المتحقّق في بعض آخر، أو مع عدم صدق الامتثال قطعا في صورة نية عدم البعض، أو عدم جواز اجتماع الوجوب و الاستحباب، اللازم في صورة تفريق الأغسال.

و يردّ الأوّل: بأنّ ضعف السند غير ضائر، مع أنّ الجميع ليس كذلك.

______________________________

(1) الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 43.

(2) الكافي 3: 250 الجنائز ب 95 ح 1، التهذيب 1: 448- 1450، الوسائل 2: 263 أبواب الجنابة ب 43 ح 3.

(3) الفقيه 2: 74- 321.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 370

و لو سلّم، فالأصل مع التداخل، فلا يحتاج إلى الدليل. و أصل عدم التداخل- كما اشتهر بين جماعة- أصل غير أصيل، خال عن التحقيق و التحصيل.

و الثاني و الثالث: بعدم اشتراط نية الوجه و لا قصد السبب، و لو في الأغسال المندوبة- كما مرّ- بل يكفي قصد القربة.

و الرابع: بأنّه إن أريد عدم صدق امتثال الأمر المستفاد من أخبار التداخل، فممنوع. و إن أريد عدم صدق امتثال الأوامر المتعدّدة الواردة في كلّ غسل، فمسلّم و

لا ضير فيه، إذ مقتضى التداخل كفاية واحد عن الجميع، و كون المأمور به حينئذ أمرا واحدا قائما مقام الجميع، بل مسقطا لغير الواحد، فلا أمر بغيره حتى يطلب امتثاله.

بل نقول: إنّ مع قطع النظر عن أخبار التداخل، لا دليل على تعدّد الأمر في صورة الاجتماع.

بيانه: أنه إذا قال الآمر: الجنابة سبب لوجوب الغسل، و الحيض سبب لوجوب الغسل، فلا يمكن أن يكون المراد من الغسل المسبّب عند اجتماعهما معناه الحقيقي الذي هو المهية، لأنه أمر واحد، فلا يجب بإيجابين، لاستلزامه تحصيل الحاصل، بل اجتماع الوجوب و الاستحباب في شي ء واحد إذا اختلف الأمران وجوبا و ندبا. فإمّا يراد من أحدهما فرد خاص من الغسل، و هو الفرد المغاير لما تحقّقت المهية في ضمنه لامتثال الأمر، أو يخصّص أحدهما بغير صورة الاجتماع، و لكن الأول مستلزم لاستعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، فتعيّن الثاني.

و منه يعلم ما يرد على الخامس أيضا. فإنّه إذا قال: الجنابة سبب لوجوب الغسل، و التوبة لاستحبابه، لا يمكن أن يراد بهما شي ء واحد في صورة الاجتماع، لاستلزامه اجتماع الوجوب و الاستحباب في شي ء واحد، و هو محال و لو من جهتين.

[و لا شيئان ] [1] متغايران، لاستلزامه استعمال لفظ واحد في استعمال واحد في

______________________________

[1] في النسخ: و لو شيئان، و الصواب ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 371

حقيقته و مجازه، ضرورة إرادة المهية منهما عند الانفراد. فتعيّن تخصيص أحدهما بصورة عدم الاجتماع، و كفاية واحد منهما عند الاجتماع، و هو معنى التداخل.

و يكون هذا الواحد الذي أتى به حينئذ واجبا غير جائز الترك، قائما مقام الندب أيضا، بمعنى ترتّب ثوابه و مصالحه المطلوبة منه عليه أيضا.

بل ذلك مقتضى التداخل

الثابت بأخباره أيضا، و لو قطع النظر عمّا ذكرنا، إذ ليس الواحد المتداخل فيه جائز الترك قطعا، فهو واجب ترتّبت عليه آثار الفرض [1] أيضا.

ثمَّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا- من أصالة التداخل و عدم التعدّد، بل عدم تعدّد الأمر في صورة الاجتماع- أنّ التداخل عزيمة لا رخصة، و صرّح به والدي العلّامة أيضا. مع أنّ بعد صدق الامتثال و تحقّق الإجزاء المصرّح به في أخبار التداخل، لا معنى للإتيان به ثانيا. و ظهور الإجزاء في الرخصة ممنوع، فإنّه إذا كان شي ء مجزيا على الإطلاق عن غيره، لا يبقى الغير حتى يجوز الإتيان به أيضا.

و ما ورد في موثّقة الساباطي «1»- من تخيير المرأة التي تحيض بعد جنابتها بين اغتسالها للجنابة قبل الانقطاع و بين صبرها إلى أن تطهر و تكتفي بغسل واحد- لا يفيد الرخصة، إذ لا يدلّ على جواز غسلين بعد الانقطاع، و جواز غسل الجنابة قبل وجوب غسل الحيض لا يفيد كيفية حال التداخل.

و هل يسقط الوضوء- على القول بوجوبه لغير غسل الجنابة- إذا جعل الجنابة مع غيرها غسلا واحدا؟ الظاهر نعم، بل هو الظاهر من الجميع، لتحقّق غسل الجنابة المجزي عن الوضوء، و لا ينافيه تحقّق غيره.

و قال والدي- رحمه اللّه-: الظاهر وجوب الوضوء، لصدق الاسمين.

فتتعارض أدلّة وجوبه و عدمه، فيحصل التساقط، و تبقى أدلّة عموم الوضوء.

______________________________

[1] كذا، و الظاهر انّ الصواب: الندب.

______________________________

(1) التهذيب 1: 396- 1229، الاستبصار 1: 147- 506، الوسائل 2: 264 أبواب الجنابة ب 43 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 372

و فيه: أنّ غير غسل الجنابة لا يوجب بنفسه الوضوء، بل لا يسقط معه الوضوء، فهو لا يعارض المسقط إذا تحقّق.

و الحاصل: أنّ الثابت إجزاء غسل

الجنابة عن الوضوء دون غيره، و عدم إجزاء الغير لا ينافي إجزاءه حتى يحصل التعارض.

فإن قيل: لا نعلم أنّ ذلك الغسل غسل الجنابة، إذ لعلّه غسل آخر مسقط لغسل الجنابة، سيما إذا لم ينوه.

قلنا: ليس غسل الجنابة المصرّح بإجزائه عن الوضوء إلّا الرافع لحدث الجنابة أو المسبّب عنها و إن جامعها سبب آخر أيضا، و ذلك الغسل الواحد جامع للوصفين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 373

الفصل الثاني في غسل الحيض
اشاره

و الكلام إمّا في بيان دم الحيض و معرفته إثباتا و نفيا، أو في أحكام الحائض.

فهاهنا بحثان:

البحث الأوّل: في بيان دم الحيض و معرفته.
اشاره

و هو في العرف دم مخصوص سائل من المرأة، بل قيل: إنّه المعنى اللغوي أيضا «1»- كما ذكره بعض اللغويين «2»- للتبادر و أصالة عدم النقل.

و ذلك الدم ممّا يقذفه الرحم بعد البلوغ، ثمَّ تصير المرأة في الأغلب معتادة بقذفه في أوقات معلومة، قرّره اللَّه سبحانه لحكمة تربية الولد. فإذا حملت المرأة، صرفه اللَّه تعالى إلى تغذيته، فإذا وضعت الحمل، بدّل اللَّه سبحانه صورته الدموية باللبنية- غالبا- لاغتذاء الطفل، فإذا خلت المرأة من حمل و رضاع، بقي ذلك الدم بلا مصرف، فيستقر في مكانه، ثمَّ يخرج في الغالب في أيام متفاوتة بتفاوت المزاج حرارة.

و هو شي ء معروف بين الناس، له أحكام كثيرة في علمي الأديان و الأبدان، ليس بيانه موقوفا على الأخذ من الشرع، بل هو كسائر الأحداث كالمني و البول و غيرهما، بل باقي موضوعات الأحكام التي ليست معرفتها متوقّفة على بيانه. بل متى تحقّق و عرف، تعلّقت به أحكامه الشرعية، و إن خلا عن أوصافه الأغلبية.

كما تترتّب أحكام المني عليه بعد معرفته و إن لم يكن مقارنا للفتور الذي هو من

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 35.

(2) القاموس 2: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 374

أوصافه الغالبة. و إن لم يتحقّق وجوده، يحكم بمقتضى الأصل الذي هو المرجع، كما في سائر الموارد.

نعم، لمّا كان لذلك الحدث مشارك في الصورة النوعية، كدم الاستحاضة و القرحة و العذرة، و لم تكن له خاصة لازمة غير منفكّة عنه ظاهرة لكلّ مكلّف بدون بيان الشرع يميّزه كلّ أحد بها عن سائر مشاركيه، دعا ذلك الشرع إلى تعريفه إثباتا أو نفيا،

و بيان الدم الذي تتحيّض به المرأة، و الذي لا تتحيّض به.

فذكر له خواص و لوازم إمّا غير منفكة أو أغلبية، و بيّن أقسام النساء، و الدم الذي تتحيّض به كلّ منهن، و الذي لا تتحيّض به.

و نحن نذكر ما يتعلّق بذلك المطلب في مقامين:

المقام الأول: في بيان لوازم دم الحيض
اشاره

، و هي أمور:

منها

: أنّه لا يكون قبل كمال تسع سنين. فكلّ دم كان قبله، ليس حيضا إجماعا محقّقا و محكيا «1». و في المعتبر: أنّه متّفق عليه بين أهل العلم «2». و في المنتهى: أنّه مذهب العلماء كافة «3».

و هو فيه الحجة، مضافا إلى الموثّقة و الرواية الآتيتين. و مقتضاهما كون التحديد تحقيقا، كما هو ظاهر الأصحاب. فاحتمال التقريب- كما عن نهاية الإحكام «4»- غير صحيح.

ثمَّ إنّ جعلهم الحيض دليل البلوغ إنّما هو في مجهوله السن، مع كون الدم بوصفه الآتي، فاشتراطه بإكمال التسع لا ينافيه.

و منها

: أن لا يكون بعد اليأس. فكلّ ما كان بعده، لم يكن حيضا

______________________________

(1) حكاه في كشف اللثام 1: 84، و الرياض 1: 35.

(2) المعتبر 1: 199.

(3) المنتهى 1: 96.

(4) نهاية الاحكام 1: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 375

بالإجماعين «1» أيضا.

فهو الدليل عليه، مع موثّقة البجلي: «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال: التي يئست من المحيض و مثلها لا تحيض» قلت: و متى تكون كذلك؟ قال: «إذا بلغت ستين سنة، فقد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم تحض و مثلها لا تحيض» قلت: و ما تكون كذلك؟ قال: «ما لم تبلغ تسع سنين، فإنّها لا تحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم يدخل بها» «2».

و روايته: «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض»

قال: قلت: و ما حدّها؟ قال: «إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين، و التي لم يدخل بها، و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض» قال: قلت: و ما حدّها؟ قال:

«إذا كان لها خمسون سنة» «3».

ثمَّ سنّ اليأس هل هو خمسون؟ كما هو مقتضى الرواية، مضافة إلى صحيحة أخرى للبجلي: «حدّ التي يئست من المحيض خمسون سنة» «4» و رواية البزنطي: «المرأة التي قد يئست من المحيض، حدّها خمسون سنة» «5» و إلى استصحاب وجوب العبادة و جواز المكث في المساجد و سائر لوازم الطهر.

أو ستّون؟ كما هو مقتضى الموثّقة، مضافة إلى مرسلة الكافي، التي ذكرها بعد رواية البزنطي بقوله: «و روي ستّون سنة أيضا» «6»، و إلى استصحاب كونها

______________________________

(1) كما نقله في المدارك 1: 323، و الرياض 1: 35.

(2) التهذيب 7: 469- 1881، الوسائل 22: 183 أبواب العدد ب 3 ح 5.

(3) الكافي 6: 85 الطلاق ب 24 ح 4، التهذيب 8: 137- 478، الاستبصار 3: 337- 1202، الوسائل 22: 179 أبواب العدد ب 2 ح 4.

(4) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ح 4، التهذيب 1: 397- 1237، الوسائل 2: 335 أبواب الحيض ب 31 ح 1.

(5) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ح 2، التهذيب 1: 397- 1235، الوسائل 2: 335 أبواب الحيض ب 31 ح 3.

(6) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ذيل ح 2، الوسائل 2: 336 أبواب الحيض ب 31 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 376

ممّن تحيض و عدم يأسها و بقاء الحكم بالعدّة و توابع الزوجية، و العمومات الدالّة على أنّ ما يكون بصفة الحيض أو تراه المرأة في أيام العادة حيض

«1».

أو الثاني في القرشية، و الأول في غيرها؟ كما تقتضيه مرسلة ابن أبي عمير:

«إذا بلغت المرأة خمسين سنة، لم تر حمرة إلّا أن تكون من قريش» «2» و مرسلة المبسوط في القرشية: «روي أنّها ترى دم الحيض إلى ستين سنة» «3».

أو الثاني في القرشية و النبطية، و الأول في غيرهما؟ كما يقتضيه الجمع بين مطلقات الخمسين و مرسلة المقنعة: «و روي أنّ القرشية من النساء و النبطية تريان الدم إلى ستين سنة» «4».

الأوّل مذهب الشرائع في كتاب الطلاق «5»، و السرائر و المدارك «6»، و عن نهاية الشيخ «7» و جمله «8» و المهذب «9»، للأخبار الثلاثة، و الأصول المتقدّمة.

و يجيبون أما عن أصول الستين: فبالاندفاع بما ذكر.

و أمّا عن الموثقة و مرسلة الكافي: فبعدم المقاومة مع أخبار الخمسين، لترجيحها عليهما بالأكثرية عددا، و الأصحية سندا، و الأوضحية دلالة، لكونها بالمنطوق، و كون دلالتهما على عدم اليأس بالخمسين بالمفهوم، و الأشهرية عملا- كما قيل- و رواية- كما في النافع «10»- و بكونها أخص منهما، لأنّها تدلّ على حصول

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 275، 278 أبواب الحيض ب 3 و 4.

(2) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ح 3، التهذيب 1: 397- 1236، الوسائل 2: 335 أبواب الحيض ب 31 ح 2.

(3) المبسوط 1: 42، الوسائل 2: 336 أبواب الحيض ب 31 ح 5.

(4) المقنعة: 532، الوسائل 2: 337 أبواب الحيض ب 31 ح 9.

(5) الشرائع 3: 35.

(6) السرائر 1: 145، المدارك 1: 323.

(7) النهاية: 516.

(8) لم نجده فيه، و لكن نسبه إليه في الحدائق 3: 171.

(9) المهذب 2: 286.

(10) المختصر النافع: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 377

اليأس بخصوص الخمسين، و هما تدلّان على عدمه

بما دون الستين الذي منه الخمسون.

و أمّا عن المراسيل الثلاث الأخيرة: فبعدم صلاحيتها لدفع الأصول و تخصيص المطلقات، لضعفها بالإرسال. مع ما في أولاها من القصور في الدلالة، من جهة عدم التصريح بالستين و لا بالحيضيّة في القرشية.

و الثاني مختار الشرائع في بحث الحيض «1»، و مجوز المنتهى «2»، و صريح والدي العلّامة- رحمه اللَّه- في الكتابين، للأصول المتقدّمة، و العمومات المذكورة الخالية جميعا عمّا يصلح للمعارضة.

و يجيبون أمّا عن أصول الخمسين: فباندفاعها بالعمومات، مع كون الأصول الأولى مقدّمة عليها، لكونها مزيلة لها.

و أمّا عن الصحيح و الروايتين: فبسقوطها من البين، لمعارضتها مع الموثّقة و مرسلة الستين، و بطلان الوجوه المرجّحة لها عليهما. أمّا غير الأخير: فلعدم صلاحيتها للترجيح، كما بيّن في الأصول.

مع أنّ ما ذكروه في الترجيح باعتبار السند إنّما هو الأصدقية و الأعدلية، دون الإمامية التي هي مادة اختلاف السندين هنا.

و الأشهرية المدّعاة في العمل ممنوعة.

و دعواها من بعضهم معارضة بدعوى الأكثر إيّاها في أحد التفصيلين، و بعضهم في الآخر، كما يأتي. و في الرواية غير ثابتة. و دعوى النافع لا تثبتها، مع جواز أن يكون مراده مجرد الأكثرية في العدد.

و أمّا الأخير: فلأنّه لا يتمّ في تعارض أخبار الخمسين مع مرسلة الستين، إذ معناها المستفاد من ذكرها بعد خبر البزنطي، أنّ حدّ اليأس ستون. مع أنّه كما

______________________________

(1) الشرائع 1: 29.

(2) المنتهى 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 378

أنّ مفهوم الموثّقة عام، كذلك منطوق الأخبار الثلاثة، لدلالته على أنّ حدّ اليأس إذا كان لها خمسون سنة، و هو أعمّ من أن تكون لها زيادة أيضا.

و أيضا: ليس تعارضهما بالمنطوق و المفهوم فقط، بل يتخاصم منطوقاهما أيضا بالتساوي، فإنّ مدلول المنطوق الأول،

بل صريحه أنّ حدّ اليأس ستون سنة، بل المتبادر من نحو قوله: «إذا بلغت ستين يئست من المحيض» أنّ اليأس ببلوغها يحدث، و مدلول الثاني أنّه خمسون. و ذلك عين التخاصم و التنازع، فيتعارضان و يتساقطان.

و أمّا عن المراسيل الثلاث: فبما مرّ، مضافا إلى عدم كون الحمرة المنفية في الأولى صريحة في الحيض، و عدم منافاة الأخيرتين منها للمطلوب إلّا بمفهوم الوصف الضعيف.

و الثالث عن الصدوق «1» و المبسوط «2»، بل أكثر كتب الشيخ «3»- طاب ثراه- و استجوده في المعتبر «4»، و نسبه في البحار و الحدائق إلى المشهور «5»، و في التبيان و المجمع نسب حصول يأس القرشية بالستين إلى الأصحاب «6»، و هو ظاهر في دعوى الإجماع، للمرسلتين.

و يجيبون عن رواية النبطية: بعدم الثبوت. و عن مطلقات الخمسين و الستين: بوجوب حمل المطلق و العام على المقيد و الخاص، و المرسلتان خاصتان و مقيدتان.

و يدفعون الإيراد عليهما بالضعف: بمنعه جدّا. كيف؟! و هما منجبرتان

______________________________

(1) الفقيه 1: 51.

(2) المبسوط 1: 42.

(3) كما في الحدائق 3: 171، لكن لم نعثر عليه من الشيخ إلّا في المبسوط و التبيان.

(4) المعتبر 1: 200.

(5) البحار 78: 106، الحدائق 3: 171.

(6) التبيان 10: 33، مجمع البيان 5: 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 379

بالشهرة المحقّقة و المحكية، بل بظاهر دعوى الإجماع من الشيخين الجليلين:

الطوسي و الطبرسي «1». و مثله لا يقصر عن الصحاح، بل ربما يعدّ أقوى منها.

مع أنّ ابن أبي عمير الراوي لأولاهما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنه، و صرّحوا بكون مراسيله في حكم المسانيد.

و بالقصور في الدلالة من جهة عدم التصريح بالستين: بعدم القائل بالفرق. و من جهة عدم الصراحة في الحيضية:

بكونها ظاهرة فيها، و هو كاف.

مع أنّ في المرسلة الثانية تصريحا بالحكمين. و من جهة عدم صراحة الحمرة في الحيض: بمنعه. كيف مع أنّ المنفي ليس سوى الدمين: الحيض و الاستحاضة، و بعد توصيف الأول في الروايات بالأحمر، و الثاني بالأصفر «2»، يتعيّن أنّ المراد هو الأول، مع أنّ العموم يكفي للمطلوب.

بل لو سلّم القصور من هذه الجهة أيضا لم يضرّ، إذ بعد ثبوت الستين للقرشية بمرسلة المبسوط «3»، يتعين تخصيص مطلقات الخمسين بها، فتصير خاصة بالنسبة إلى مطلقات الستين، و تخصّص بها و يثبت المطلوب.

و الرابع محكي عن ابني حمزة و سعيد، و اختاره الفاضل في القواعد «4»، بل- كما قيل- في أكثر كتبه «5»، و ذهب إليه الكركي «6» ناسبا له إلى المشهور، بل إلى الأصحاب، المؤذن بدعوى الإجماع، لمرسلة المقنعة «7».

و يدفعون الإيراد عليها بالضعف: بالانجبار بدعوى الكركي. و يجيبون عن

______________________________

(1) في التبيان و المجمع- كما تقدم.

(2) الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3.

(3) المتقدمة ص 376.

(4) الوسيلة: 56، الجامع للشرائع: 466، القواعد 1: 14.

(5) كما قال به في التحرير 1: 13، و التذكرة 1: 26، و الإرشاد 1: 226.

(6) جامع المقاصد 1: 286.

(7) المتقدمة ص 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 380

المطلقات: بوجوب التقييد.

أقول: كان ما ذكروه حسنا، لو لا معارضة دعوى الكركي في النبطية مع دعوى أكثر منه الشهرة على الخمسين في غير القرشية الشامل للنبطية أيضا، و أمّا معها فلا يحصل بها انجبار، و يسقط لأجله ذلك القول.

نعم، يبقى دعواها في القرشية، كدعوى الشيخين فيها خالية عن المعارض جابرة للمرسلتين الأوليين، و تخصّص بهما المطلقات كما مرّ، و يثبت بهما مقتضاهما الذي هو القول الثالث، فهو الحق.

فائدة: القرشية

أعم من الهاشمية، و هي المنسوبة إلى النضر بن كنانة، إمّا بالأب كما عليه جماعة «1»، اقتصارا على المتيقّن، و استصحابا للتكليف و سائر لوازم الطهر، و اتّباعا لعموم وجوب العبادة.

أو مطلقا كما عليه اخرى «2»، نظرا إلى صدق كونها من قريش، كما في المرسلة الأولى، و تحقّق الانتساب إليه، كما في الأخيرتين، و استصحابا لكونها ممّن تحيض، و اتّباعا لعمومات الرجوع إلى التمييز و اعتبار أيام العادة. و هو الأقوى- و لو كان الصدق و التحقّق المذكوران عرفا محل التشكيك- للأصول المذكورة المزيلة للأصول المتقدّمة.

و منه يعلم كفاية الانتساب الشرعي و غيره ظاهرا و إن لم يعلم الواقع.

و أمّا احتمال القرشية واقعا من غير الانتساب ظاهرا فغير كاف. لا لأصالة عدم القرشية، لعدم حجّيتها إن أريد بالأصل الظهور الحاصل من الإلحاق بالأغلب، و منعها إن أريد غيره. بل للإجماع المحقّق.

ثمَّ المعروفات منهنّ في هذا العصر منحصرات في الهاشميّات فعليهنّ الحكم.

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 1: 370، و المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 285.

(2) كصاحبي المدارك 1: 322، و الذخيرة: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 381

و أمّا النبطيّات فلا يعرفن في هذا الزمان أصلا، فهو قد كفانا مئونة الاشتغال بتحقيق معناها.

و منها

: أنّه حار أسود عبيط يخرج بدفع و حرقة- أي لذع لأجل الدفع و الحرارة- بالإجماع و المستفيضة.

منها: حسنة البختري عن المرأة تستمرّ بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره، قال، فقال لها: «إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد، و إذا كان للدم دفع و حرارة و سواد فلتدع الصلاة» «1».

و مرسلة «2» جميل و فيها: «و إن اشتبه فلم

يعرف أيام حيضها فإنّ ذلك لا يخفى، لأنّ دم الحيض دم عبيط حار، و دم الاستحاضة دم أصفر بارد» «3».

و صحيحة ابن عمار: «إنّ دم الاستحاضة و الحيض ليسا يخرجان من مكان واحد، إنّ دم الاستحاضة بارد، و إنّ دم الحيض حار» «4».

و موثّقة ابن جرير: «دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد» «5».

و في موثّقة إسحاق بن عمّار في الحبلى: «إن كان دما عبيطا فلا تصلّي ذينك اليومين، و إن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 1، التهذيب 1: 151- 429، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 2.

(2) مذكورة في باب عدة المطلّقة المسترابة من الوافي (منه ره).

(3) التهذيب 8: 127- 439، الاستبصار 3: 332- 1181، الوسائل 22: 190 أبواب العدد ب 5 ح 1.

(4) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 2، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 1.

(5) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 3، التهذيب 1: 151- 431، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 3.

(6) التهذيب 1: 387- 1192، الاستبصار 1: 141- 483، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 382

و في مرسلة يونس، الطويلة: «إنّ دم الحيض أسود يعرف» «1».

و المراد بالسواد هنا هو الحمرة الشديدة القريبة من السواد، كما هو المتبادر في السواد المستعمل في الدماء المتأيّد بالمشاهدة و الاعتبار.

و يشهد له: ما في مرسلة يونس «إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة» ثمَّ قال عليه السلام: «و قوله البحراني شبه معنى قول النبيّ صلّى اللّه عليه

و آله: إنّ دم الحيض أسود، و إنّما سماه [أبي ] بحرانيا لكثرته و لونه» الحديث ..

دلّ على اتّحاد المراد من الأسود و من البحراني المفسّر في كتب اللغة «2»، و المعتبر، و التذكرة «3»، بالحمرة الشديدة.

فلا تنافي بين ما مر و بين ما وصف الحيض بالحمرة، كالمرسل الآتي في الحبلى «إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّي» «4» و غيره، و لا بين كلام من وصفه بالسواد فقط، كما عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المنتهى و التبصرة و الإرشاد «5» و التلخيص و التحرير «6» و غيرها «7»، و من وصفه بالحمرة كذلك، كما عن المقنعة «8».

نعم، في النافع خيّر بين الوصفين، و ظاهره الاختلاف بينهما «9».

و هو ليس بجيّد، إلّا أن يحمل على تفاوت مراتب الحمرة.

______________________________

(1) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 381- 1183، الوسائل 2: 276 أبواب الحيض ب 3 ح 4.

(2) كالنهاية لابن الأثير 1: 99، و الصحاح 2: 585، و لسان العرب 4: 45.

(3) المعتبر 1: 197، التذكرة 1: 26.

(4) سيأتي ذكره ص 403.

(5) النهاية: 23، المبسوط 1: 41، الوسيلة: 56، المنتهى 1: 95، التبصرة: 8، مجمع الفائدة 1:

141.

(6) التحرير 1: 13.

(7) كالكفاية: 3، و المفاتيح 1: 14.

(8) المقنعة: 54.

(9) المختصر النافع: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 383

و قد يزاد في الوصف: الغلظة و النتن. و ليس عليهما دليل سوى المرويين في فقه الرضا عليه السلام و الدعائم:

الأوّل: «و تفسير الاستحاضة أنّ دمها يكون رقيقا تعلوه صفرة، و دم الحيض إلى السواد و له غلظة، و دم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة، و دم الاستحاضة بارد يسيل و هي لا تعلم» [1].

و الثاني:

«و دم الحيض كدر غليظ منتن، و دم الاستحاضة دم رقيق» «1».

و هما لضعفهما غير صالحين للاستناد و إن شهد لهما الاعتبار.

ثمَّ إنّ مقتضى التوصيف في تلك الأخبار: أنّ الأصل أنّ كلّ ما انتفت فيه تلك الأوصاف كلا أو بعضا لم يكن حيضا.

و بعبارة أخرى: كلّ ما كان حيضا كان متّصفا بالأوصاف، كما أنّ مقتضى منطوق الشرط في الحسنة «2»: أنّ الأصل أنّ كلّ ما وجدت فيه الأوصاف فهو حيض مطلقا، إلّا ما دلّ دليل على خلافه في الكلّيتين، و يزاد الدليل على الكلّية الأخيرة في صورة الاشتباه مع الاستحاضة الحكم بانتفاء تلك الأوصاف عن المستحاضة في المستفيضة «3»، فإنّ مفادها أنّ المتّصف بها حينئذ حيض، إلّا إذا دلّ دليل على خلاف ذلك.

و بذلك يظهر أنّ الحق مع من حكم بكون اعتبار الأوصاف إثباتا و نفيا للحيض أصلا لا يتخلّف عنه إلّا بدليل «4».

و جعلها مميّزات عند الاشتباه مع الاستحاضة خاصة «5» غير سديد، و غفلة

______________________________

[1] فقه الرضا عليه السلام: 192 و 194 و فيه: «رقة» بدل: «غلظة» و الظاهر انها تصحيف: حرقة كما نقله في المستدرك 2: 7 أبواب الحيض ب 3 ح 3.

______________________________

(1) الدعائم 1: 127، المستدرك 2: 7 أبواب الحيض ب 3 ح 2.

(2) حسنة البختري المتقدمة ص 281.

(3) المتقدمة ص 281.

(4) كما في المدارك 1: 313، و الحدائق 3: 152.

(5) كما في شرح المفاتيح: (مخطوط)، و الرياض 1: 35، و مفتاح الكرامة 1: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 384

عن منطوق الشرط.

ثمَّ إنّ المعتبر في التمييز بينهما حين الاشتباه هو جميع الأوصاف المتقدّمة، و لا يكفي البعض و إن اكتفي به في بعض الأخبار «1»، لأنّه يكون أعمّ من الخبر

المستجمع للجميع، فيجب تقييده به.

و منه يظهر أنّه لو اتّصف حينئذ دم ببعض أوصاف كلّ من الحيض و الاستحاضة، كأن يكون حارا أصفر، أو باردا أسود، تتعارض فيه الأخبار المميّزة بالوصف، فلا يعمل بها فيه، بل يرجع إلى القواعد الأخر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    384     المقام الأول: في بيان لوازم دم الحيض ..... ص : 374

ظ) منها

: أنّه يكون منغمسا في القطنة، و هذا إنّما يعتبر مع اشتباهه بدم العذرة، فيحكم حينئذ بالحيضية مع الانغماس، و بالعذرة مع التطوّق.

وفاقا للأكثر في الحكمين، لصحيحتي زياد «2»، و خلف «3»، و الرضوي «4»، المصرّحة جميعا بهما.

و خلافا لظاهر الشرائع، و النافع، و صريح المعتبر «5» و محتمل المقنعة [1] في الأول، فتوقّفا فيه.

و لا وجه له بعد صراحة الأخبار المعتبرة المعمول بها عند الأكثر. مع أنّ مورد المسألة إنّما هو صورة الاشتباه، و هو لا يكون إلّا مع إمكان الحيضيّة إمّا باستجماع

______________________________

[1] كذا في النسخ، و ليس موجودا في المقنعة و لم نعثر على من نسبه إليه و الظاهر أنه مصحّف «القواعد»- لتشابه رمزيهما-، قال في الرياض 1: 35 «.. و صريحه في المعتبر .. و يحتمله القواعد ..»

فراجع القواعد 1: 14.

______________________________

(1) مثل صحيحة ابن عمّار المتقدّمة ص 281.

(2) الكافي 3: 94 الحيض ب 10 ح 2، التهذيب 1: 152- 432، الوسائل 2: 273 أبواب الحيض ب 2 ح 2.

(3) الكافي 3: 92 الحيض ب 10 ح 1، التهذيب 1: 385- 1184، الوسائل 2: 272 أبواب الحيض ب 2 ح 1.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 194، المستدرك 2: 6 أبواب الحيض ب 2 ح 1.

(5) الشرائع 1: 29، المختصر النافع: 9، المعتبر 1:

198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 385

الأوصاف إن قلنا باشتراطه في الإمكان أو بدونه إن لم نقل به، فيثبت الحكم إمّا بإخبار اعتبار الأوصاف، أو بالقاعدة المسلّمة عندهما من أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض إلّا ما خرج بالدليل، فلا مجال للتوقّف.

و منه يظهر بطلان توجيه كلامهما: بأنّ الدم ربما لا يستجمع الشرائط «1»، فإنّ الشرائط إن كانت معتبرة فلا يكون حيضا قطعا، و لا يحصل الاشتباه، و إلّا فلا يوجب عدمها التوقّف.

و قد يجوّز عدم مخالفتهما، و يوجّه عدم حكمهما بالحيضية في صورة الانغماس باتّكالهما على فرض انحصار الاشتباه بين الدمين خاصة، فإذا تميّز دم العذرة بمميّزه، فيرتفع الإشكال في الحكم بالحيضية مع عدمه بحكم الفرض «2».

و هو إنّما يتأتّى في غير كلام المعتبر، و أمّا فيه- فلتصريحه بالتوقّف في الحكم بالحيضية- فلا.

ثمَّ ظاهر إطلاق إحدى الصحيحتين «3» كفاية وضع القطنة و إخراجها بأيّ نحو اتّفق، و لكن الأخرى «4» قيّدته بالوضع و الصبر هنيئة ثمَّ إخراجها هنيئة، و العمل بها أحسن لتقييدها.

و أمّا ما ذكره بعضهم «5»- من اعتبار الاستلقاء في رفع الرجلين و إدخال الإصبع- فلم نعثر على حجة له و إن نسبه إلى الأخبار، و لعلّ نظره إلى أخبار القرحة «6»، و اللَّه اعلم.

و منها

: الخروج عن الأيسر، و هو معتبر عند الاشتباه مع دم القرحة فيحكم

______________________________

(1) كما في الذكرى: 28.

(2) كما في الرياض 1: 35.

(3) و هي صحيحة زياد المتقدمة ص 384.

(4) و هي صحيحة خلف المتقدمة ص 384.

(5) روض الجنان: 60.

(6) الآتية عن قريب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 386

بالحيضية معه و بالقرحة مع الخروج عن الأيمن. وفاقا للفقيه، و نهاية الإحكام، و السرائر، و

البيان، و القواعد، و الإرشاد، و التذكرة «1»، و عن المقنع، و المقنعة، و المبسوط، و المهذب «2»، و الإصباح، و الوسيلة، و الجامع، و النهاية «3»، و التلخيص، بل الأكثر، كما ذكره في التذكرة «4»، و جمع ممّن تأخر «5».

لمرفوعة أبان، المروية في التهذيب، و فيها: «مرها فلتستلق على ظهرها، ثمَّ ترفع رجليها، ثمَّ تستدخل إصبعها الوسطى، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة» «6».

و الرضوي: «و إن اشتبه عليها الحيض و دم القرحة فربما كان في فرجها قرحة، فعليها أن تستلقي على قفاها و تدخل إصبعها، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من القرحة، و إن خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض» «7».

و بالشهرة- كما مرّت- ينجبر ضعفهما، كما أنّ الأخيرة بها و بالأحدثية- التي هي من المرجّحات المنصوصة- تترجّح على مرفوعة أبان، المروية في الكافي «8» بالعكس، إن قلنا بتعدد روايتي الكافي و التهذيب أو باتّحادهما مع سقوط نسخة التهذيب بترجيح الكافي عليها بأضبطيته و أقدميته أو باضطراب نسخه حيث إنّه نقل عن ابن طاوس توافق نسخ التهذيب القديمة للكافي «9»، و عن الذكرى

______________________________

(1) الفقيه 1: 54، نهاية الاحكام 1: 116، السرائر 1: 146، البيان: 57، القواعد 1: 14، مجمع الفائدة 1: 14، التذكرة 1: 26.

(2) المقنع: 16، المقنعة: لم نعثر عليه فيه، و لكن نقله عن المفيد في مفتاح الكرامة 1: 338، المبسوط 1: 43، المهذّب 1: 35.

(3) الوسيلة: 57، الجامع للشرائع: 41، النهاية: 24.

(4) التذكرة 1: 26.

(5) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 36، و صاحبا الرياض 1: 35، و الذخيرة: 62.

(6) التهذيب 1: 385- 1185،

الوسائل 2: 307 أبواب الحيض ب 16 ح 2.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 193، المستدرك 2: 14 أبواب الحيض ب 14 ح 1.

(8) الكافي 3: 94 الحيض ب 10 ح 3، الوسائل 2: 307 أبواب الحيض ب 16 ح 1.

(9) نقله عنه في الذكرى: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 387

موافقة كثير من نسخه له «1».

و أمّا إن قلنا باتّحادهما و ترجيح نسخة التهذيب بموافقتها الشهرة، و مطابقتها لعبارة الصدوق- التي قالوا: هي متون الأخبار- و فتوى المفيد، و شهادة بعض النسوة المتديّنة بذلك، كما ذكره بعض مشايخنا [1]، أو بتكافئهما، فلا يكون للأخيرة المنجبرة معارض، لسقوط نسخة الكافي، إمّا بالمرجوحية، أو بالتكافؤ، و بقاء الأخيرة بلا معارض.

و خلافا للكليني «2»، و المحكي عن الإسكافي «3»، و البشرى «4»، و الذكرى، و الدروس «5»، فعكسوا، لمرفوعة الكافي و ترجيحها على ما في التهذيب بما مرّ.

و يضعّف: بأنّه لو سلّم ترجيحها عليه فلا نسلّم ترجيحها على الرضوي، بل الرجحان له كما عرفت.

و للمعتبر و ظاهر المنتهى «6»، و المقدس الأردبيلي «7»، و المدارك «8»، و والدي العلّامة، و جمع آخر من متأخّري المتأخّرين «9»، بل نسبه والدي إلى أكثر المتأخّرين، فلم يعتبروا الجانب بالمرّة.

______________________________

[1] هكذا حكى في الرياض 1: 35 عن بعض المشايخ شهادة المتدينة من النسوة، و قد يكون مراده أستاذه الوحيد البهبهاني حيث قال: و لأنّ المعروف من النساء و المشهور بينهن أنّ الأمر كذلك فاستعلم منهنّ. شرح المفاتيح (مخطوط).

______________________________

(1) الذكرى: 28.

(2) الكافي 3: 94.

(3) نقله عنه في المختلف: 36.

(4) للسيّد جمال الدين بن طاوس، نقله عنه في الذكرى: 28.

(5) الذكرى: 28، الدروس 1: 97.

(6) المعتبر 1: 199، المنتهى 1: 95.

(7) مجمع الفائدة

1: 141.

(8) المدارك 1: 318.

(9) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 62، و الكفاية: 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 388

لاضطراب متن الحديث و اختلافه، مع ترجيح كلّ من الروايتين بوجه كما مرّ، و مخالفة اعتبار الجانب للاعتبار، إذ القرحة تكون في كلّ من الجانبين و الحيض محله الرحم، و هي ليست في الأيسر، و فساد توهّم كون وضع الرحم بحيث يستلزم خروج الحيض من الأيسر و دم القرحة من الأيمن عند الاستلقاء، على أنّ النسوان لا يدركن ذلك.

قال والدي: كل امرأة رأيناها و سألناها اعترفت بعدم إدراك الجانب للخروج.

و يضعّف: بأنّ غاية ما في الباب سقوط الروايتين بالاضطراب، و بقاء الرضوي خاليا عن المعارض. و مخالفة الاعتبار بعد شهادة النص غير مسموعة، فإنّ الشرعيات تعبدية.

و منها

: أنّه لا يكون أقلّ من ثلاثة أيام و لا أكثر من عشرة، بالإجماعين في الموضعين، و هو الحجة فيهما، مضافا إلى المعتبرة كالصحاح الثلاث لبني عمار و يقطين و يحيى.

الأولى: «إنّ أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيام و أكثر ما يكون عشرة أيام» «1».

الثانية: «أدنى الحيض ثلاثة و أقصاه عشرة» «2».

الثالثة: «أدناه ثلاثة و أبعده عشرة» «3» و غيرها من الأخبار المتكثرة.

و صحيحة ابن سنان المخالفة للثاني ظاهرا: «أكثر ما يكون الحيض ثمان و أدنى ما يكون ثلاثة» «4» شاذة غير صالحة للحجية. مع أنّ إرادة أكثر العادات كما

______________________________

(1) الكافي 3: 75 الحيض ب 1 ح 2، الوسائل 2: 293 أبواب الحيض ب 10 ح 1.

(2) التهذيب 1: 156- 447، الاستبصار 1: 130- 448، الوسائل 2: 296 أبواب الحيض ب 10 ح 10.

(3) الكافي 3: 75 الحيض ب 1 ح 3، التهذيب 1: 156- 446، الاستبصار 1: 130-

447، الوسائل 2: 294 أبواب الحيض ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 1: 157- 450، الاستبصار 1: 131- 451، الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 10 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 389

هو الواقع ممكنة، بل لإرادة أكثر الحيض مساوية، و لا يمكن إرادة ذلك في أكثرية العشرة و أقلية الثلاثة، لأنّه ليس كذلك قطعا، كما أنّ المشاهدة به حاكمة.

و في اشتراط التوالي في الثلاثة و عدمه- بكونها في جملة العشرة- قولان:

الأول- و هو الأظهر- للمحكي عن الصدوقين في الرسالة، و الهداية «1»، و الإسكافي «2»، و الجمل، و المبسوط «3»، و السيد [1]، و ابني حمزة و إدريس «4»، و المعتبر، و المنتهى، و القواعد، و البيان «5»، و المحقّق الثاني ناسبا له إلى أكثر الأصحاب «6» كجماعة من المتأخّرين «7» بل نسبه بعضهم إلى الشهرة العظيمة «8».

و استقرب والدي- رحمه اللّه- دعوى الإجماع عليه.

للرضوي الصريح المنجبر ضعفه بالشهرتين: «و إن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات» «9» مضافا إلى استصحاب عدم الحدث.

و الإيراد على الأول: بأنّه خرج مخرج الغالب دون الكلّي، و إلّا لكان منافيا لقوله عليه السلام قبل ذلك: «فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الأولى» «10» مندفع بعدم منافاة

______________________________

[1] لم نعثر على كلامه في كتبه الموجودة و لا على ناقل عنه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 50 نقله عن رسالة أبيه، الهداية: 21.

(2) نقله عنه في المختلف: 26.

(3) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 163، المبسوط 1: 42.

(4) الوسيلة: 56، السرائر 1: 143.

(5) المعتبر 1: 202، المنتهى 1: 98، القواعد 1: 14، البيان: 58.

(6) جامع

المقاصد 1: 287.

(7) منهم العلامة في التذكرة 1: 26، و صاحبا كشف اللثام 1: 86، و الذخيرة: 63.

(8) نسبه في الرياض 1: 36.

(9) فقه الرضا عليه السلام: 192، المستدرك 2: 12 أبواب الحيض ب 10 ح 1.

(10) فقه الرضا عليه السلام: 192، المستدرك 2: 12 أبواب الحيض ب 9 ح 1، في المستدرك: «فان زاد الدم ..».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 390

قوله السابق له إلّا بالإطلاق، و هو لا ينافي إرادة الكلية من قوله اللاحق، لوجوب تقييد السابق باللاحق.

و قد يستدلّ أيضا: بعمومات التكليف بالعبادة، فلا يخرج منها إلّا ما علم.

و بأصالة عدم تعلّق أحكام الحائض بها.

و بثبوت العبادة في الذمة باليقين فلا يسقط إلّا مع اليقين بالمسقط، و لا يقين حين فقد التوالي.

و بتبادره من مثل قولهم: أقلّ الحيض ثلاثة.

و الكلّ منظور فيه، لا لما أورد على الأول: بأنّ العمومات مخصّصة قطعا بما دلّ على حرمة العبادة على الحائض، فهي أيضا مخصوصة بغير الحائض، و لا يدري أنّ تلك المرأة داخلة في العمومات أو الخصوصات.

و على الثاني: بأنه معارض بأصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة.

و على الثالث: بالمنع من ثبوتها في الذمة، فإنّه أول الكلام، بل مقتضى الأصل عدم التعلّق.

و على الرابع: بأنّه لو تمَّ في الثلاثة، لزم مثله في العشرة، لاشتراكهما في الإطلاق في أخبار المسألة.

لأنا نجيب عما أورد على الأول بأنّ تخصيص العمومات إنّما هو بالحائض المعلوم حيضها إجماعا، بل هي المراد من الحائض قطعا، لأنّ الألفاظ و إن كانت أسامي للمعاني النفس الأمرية إلّا أنّها مقيّدة بالعلم هنا إجماعا، بل في مطلق مقامات التكاليف.

و عمّا أورد على الثاني: بأنّها لو كانت حائضا، لحرمت عليها العبادات المشروطة بالطهارة أيضا لأجل

أنّها حائض، و هذا أيضا تكليف بترك العبادة من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 391

هذه الجهة، و الأصل عدمه، فالتكليف بالعبادة متحقّق إمّا بالفعل أو الترك، و الأصل عدم كلّ منهما، فيتعارضان، و تبقى أصالة عدم تعلّق أحكام الحائض كحرمة الوطء و المنع عن المسجد و العزائم و نحو ذلك خالية عن المعارض.

و عمّا أورد على الثالث: بأنّ للمستدلّ أن يتمسّك بالاستصحاب في صورة رؤيتها الدم بعد دخول الوقت و مضيّ مقدار الطهارة و الصلاة، و إلحاق غيرها بعدم القائل بالفرق، إلّا أن يعارض ذلك بصورة رؤيتها الدم قبل الوقت.

و عمّا أورد على الرابع: بأنّ خروج العشرة بالإجماع أو دليل آخر عن معناه المتبادر لا يوجب خروج غيرها أيضا. مع أنّهم يقولون باشتراط التوالي في العشرة أيضا، و لا يجعلون النقاء المتخلّل في العشرة طهرا، غاية الأمر أنّه لا يلزم عندهم في العشرة المتوالية رؤية الدم كلّ يوم.

بل لاندفاع الثلاثة الأولى: بأنّ ذات العادة يجب عليها ترك العبادة بمجرد رؤية الدم، و هكذا المبتدأة بالمعنى الأعم عند جماعة «1»، فالعمومات بهذه المرأة مخصّصة و أحكام الحائض بها متعلّقة، و العبادات عنها ساقطة. فيبقى الكلام في تعلّق القضاء بها لو لم تتوال الثلاثة، و لا شك أنّ الأصل عدمه المستلزم للحيضية الموجبة لعدم اشتراط التوالي، بل يكفي لو منع ذلك الحكم في غير ذات العادة أيضا، و يسقط الاستدلال، لأنّ بثبوت الحيضية في ذات العادة يثبت في غيرها أيضا بالإجماع المركّب، و لا تفيد المعارضة بغير ذات العادة و التمسّك بالإجماع المركّب فيها، إذ بتمامية المعارضة أيضا يسقط الاحتجاج بالأصول.

و اندفاع الرابع أوّلا: بمنع التبادر، و لذا لا يلزم التوالي على من نذر صيام ثلاثة

أيام ما لم يقيّد بالتوالي.

و ثانيا: بتوقّف تماميته على كون الثلاثة في ضمن العشرة حيضا خاصة و هو

______________________________

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 42- 43، و العلامة في المنتهى 1: 109، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 387، المحقق السبزواري في الذخيرة: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 392

غير معلوم، فلا تكون الثلاثة الأقلّ إلّا متوالية أبدا، و يرجع النزاع إلى مجرد اشتراط التوالي في رؤية الدم في الثلاثة الأولى و عدمه.

و الحاصل: أنّ اشتراط التوالي في الأقلّ المنحصر قطعي مجمع عليه، و الخلاف في صورة التجاوز عنه، و لا يكون الحيض حينئذ ثلاثة، بل أكثر، و مدلول قولهم: أقلّ الحيض ثلاثة: إنّما هو في المنحصر.

الثاني: للشيخ في النهاية و عن الاستبصار «1»، و القاضي «2»، و إليه ذهب جملة من متأخّري المتأخّرين، منهم المحقّق الأردبيلي، و الفاضل الهندي «3»، و اختاره جماعة من مشايخنا الأخباريين «4».

لكون ما يمكن أن يكون حيضا و ما يشمل على الأوصاف و ما يقع في العادة حيضا.

و لحسنة محمّد: «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الأولى، و إن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» «5» و قريبة منها موثّقته «6».

دلّتا على أنه متى رأت المرأة الدم بعد ما رأته أوّلا سواء كان الأول يوما أو أزيد، فإن كان قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى.

و مرسلة يونس و فيها: «و إن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت و صلّت و انتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام، فإن رأت في تلك العشرة أيام

______________________________

(1) النهاية: 26، الاستبصار 1: 130.

(2) جواهر الفقه: 15.

(3) مجمع الفائدة 1: 143، كشف اللثام 1: 86.

(4) منهم صاحب

الحدائق 3: 159.

(5) الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 1، التهذيب 1: 159- 454، الوسائل 2: 296 أبواب الحيض ب 11 ح 3.

(6) التهذيب 1: 156- 448، الاستبصار 1: 130- 449، الوسائل 2: 296 أبواب الحيض ب 10 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 393

من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى تتم لها ثلاثة أيام فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض» «1» الحديث.

و الجواب عن غير الأخيرة: بأنّ دلالته على المورد بالعموم، فيجب تخصيصه بما مرّ، لما مرّ.

و عن الأخيرة: بعدم حجيتها، لمخالفتها شهرة القدماء طرّا. و لو سلّمت فهي معارضة للرضوي المتقدّم «2» و الترجيح له من جهة الأحدثية، و لو سلّم عدم الترجيح فيرجع إلى استصحاب عدم الحدث.

و قد يجاب عن الحسنة و الموثّقة: بمنع كون ما تقدّم حيضا ما لم تتوال فيه الثلاثة، فبدونه لا يكون حيضة حتى يكون الباقي من الحيضة الأولى.

و فيه: أنّ معنى الحديث: أنّ الدم المرئي بعد انقطاعه و قبل العشرة بعض من الحيضة الأولى، أي يجب جعل المجموع حيضا واحدا أوّليّا، و ذلك لا يتوقّف على تسمية ما سبق حيضا. و الحاصل: أنّ هذا حكم منه عليه السلام بالحيضية و الأولية معا، لا أنّه حكم بالأولية خاصة حتى يتوقّف صدقها على ثبوت الحيضية أوّلا.

ثمَّ على القول المختار: فهل يجب استمرار الدم في الثلاثة بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث و لو ضعيفا؟ كما عن المحقّق الثاني في شرح القواعد «3»، و ابن فهد في المحرّر «4»، و الحلبي في معطي الكافي «5»، و الغنية «6»، و ابن سعيد،

______________________________

(1) الكافي 3: 76 الحيض ب

1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 299 أبواب الحيض ب 12 ح 2.

(2) في ص 389.

(3) جامع المقاصد 1: 287.

(4) نقله عنه في كشف اللثام 1: 86.

(5) الكافي في الفقه: 128، قال في كشف اللثام 1: 86: و يعطيه ما في الكافي.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 394

نافيا عنه الخلاف «1»، و ظاهر المبسوط أنّه مسلّم عند القائلين بالتوالي «2».

أم يكفي وجوده في كلّ يوم من الثلاثة و إن لم يستوعبها؟ كما عن الروض «3»، و ظاهر الفاضل «4»، و اختاره في المدارك، و عزاه إلى الأكثر «5»، و لكن ظاهر شرح القواعد ندرة القول به حيث نسبه إلى أنه قد يوجد في بعض الحواشي «6».

أم يعتبر وجوده في أوّل الأوّل و آخر الآخر و جزء من الوسط؟ كما عن بعض المتأخّرين «7»، و نفى الشيخ البهائي عنه البعد «8».

أقوال، أقواها: الأخير، لمثل قولهم عليهم السلام: «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيام».

فإنّه لا يصدق على من رأت في الدقيقة الأخيرة من اليوم الأول و الأولى من الثالث، كما هو مقتضى القول الثاني، بل المتبادر منه عدم تحقّق الحائضية في أقلّ من ثلاثة أيام تامة.

و أظهر منه في ذلك المعنى قوله في موثّقة ابن بكير في المبتدأة التي استمرّ بها الدم: «ثمَّ تترك الصلاة في المرّة الثانية أقلّ ما تترك امرأة الصلاة و تجلس أقلّ ما يكون من الطمث، و هو ثلاثة أيام» «9» الحديث.

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 43.

(2) المبسوط 1: 67.

(3) الروض: 62.

(4) المنتهى 1: 98، التذكرة 1: 35.

(5) المدارك: 1: 322.

(6) جامع المقاصد 1: 287.

(7) لم نعثر عليه، نعم قال في الحدائق 3: 169 و نسب الى

السيد حسن ابن السيد جعفر معاصر شيخنا الشهيد الثاني.

(8) لحبل المتين: 47.

(9) التهذيب 1: 400- 1251، الاستبصار 1: 137- 470، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 395

فإنّ المتبادر من ترك الصلاة و الجلوس ثلاثة أيام تركها و جلوسها ثلاثة أيام تامة، لصحة السلب عن الأقلّ و لو بدقيقة.

و بذلك يقيّد إطلاق مفهوم الرضوي المتقدّم «1»، حيث إنّه يصدق رؤية الدم ثلاثة أيام برؤية المسمّى في كلّ يوم، لعدم وجوب المطابقة بين الظرف و المظروف.

و يسقط لأجله القول الثاني، فإنّ مستنده ليس إلّا ذلك العموم، مع أنّه ضعيف و انجباره في المقام غير معلوم.

كما أنّ بعمومات الحكم بالحيض مع الأوصاف و في أيام العادة منضمة مع ما دلّ على أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة يندفع أصالة عدم الحدث التي هي مستند القول الأول، و يسقط لأجله ذلك القول أيضا. و لا دلالة لقوله عليه السلام في مرسلة يونس: «فإن استمرّ بها الدم ثلاثة فهي حائض» «2» عليه، لأنّ مقابل ذلك الاستمرار الانقطاع المذكور فيها فلا حكم للمفهوم غيره.

ثمَّ هل يعتبر الثلاثة بلياليها كما عن الإسكافي «3»، و المنتهى، و التذكرة «4»؟

أم يكفي ما عدا الليلة الأولى كما احتمله بعض المحقّقين «5»؟

ظاهر الدليل: الثاني، لصدق الثلاثة أيام، بل لو لا عدم الخلاف في دخول الليلتين فيها لكان الاقتصار على النهار خاصة محتملا.

و لو رآه أوّل الليلة الأولى لم ينقص لأجله من الثلاثة أيام شي ء البتة.

و الظاهر عدم الخلاف في كفاية اليوم الملفّق هنا، فلو رأى أول الظهر

______________________________

(1) ص 389.

(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 299 أبواب الحيض

ب 12 ح 2.

(3) نقله عنه في المعتبر 1: 202.

(4) المنتهى 1: 97، التذكرة 1: 26.

(5) و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 396

من الأول تمّت الثلاثة بأول الظهر من الرابع و لم يتوقّف على تمامه، فتأمّل.

و لنختم هذا المقام بمسائل ثلاث:

المسألة الأولى:

لا حدّ لأكثر الطهر على المشهور، بل بلا خلاف، كما عن الغنية «1»، للأصل.

و عن ظاهر الحلبي تحديده بثلاثة أشهر «2». و حمل على الغالب «3».

و عن البيان «4» احتمال أن يكون نظره إلى عدة المسترابة.

و أقلّه عشرة أيام إجماعا قطعيا في المتوسّط بين الحيضتين المستقلّتين، و محكيا «5» مستفيضا في مطلقه الشامل للمتخلّل في أثناء الحيضة الواحدة، لاستفاضة النصوص المعتبرة.

منها: صحيحة محمّد: «لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيام فما زاد، أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» «6».

و في مرسلة يونس: «أدنى الطهر عشرة أيام» و فيها أيضا: «و لا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيام» «7».

خلافا لبعض متأخّري المتأخّرين، فخصّ الحكم بما بين الحيضتين، و جوّز كون المتخلّل في أثناء الحيضة أقلّ من عشرة «8».

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(2) الكافي في الفقه: 128.

(3) كما حمله العلّامة في التذكرة 1: 27.

(4) البيان: 58.

(5) كما حكاه في الخلاف 1: 238، و روض الجنان: 63، و المدارك 1: 319.

(6) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 4، التهذيب 1: 157- 451، الاستبصار 1: 131- 452، الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 11 ح 1.

(7) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 298 أبواب الحيض ب 11 ح 2.

(8) الحدائق 3: 160.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 2، ص: 397

لصحيحة محمّد، المتقدّمة، بجعل مبدأ العشرتين فيها انقطاع الدم الأول، لكون الثانية كذلك قطعا، و إلّا لزم أقلّية الطهر المتخلّل بين الحيضتين عن العشرة، و هو باطل إجماعا، فلو لم يجعل الأيام المتخلّلة في الحيضة الأولى طهرا لزم زيادة الحيض عن العشرة في بعض الصور و هو محال، و التخصيص بغير ذلك خلاف الأصل.

و رواية البصري الواردة في المرأة إذا طلّقها زوجها «1»، و التقريب فيها أيضا كما تقدّم.

و مرسلة يونس و فيها: «إذا حاضت المرأة و كان حيضها خمسة أيام ثمَّ انقطع الدم اغتسلت و صلّت، فإن رأت بعد ذلك الدم و لم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة» «2» الحديث.

و الأخبار المصرّحة بأنه إذا انقطع الدم تستبرئ، فإن كانت القطنة نقيّة فقد طهرت «3»، فإنّها شاملة بعمومها لما إذا عاد الدم قبل العشرة أيضا.

و موثّقة يونس بن يعقوب: المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة، قال: «تدع الصلاة» قلت: فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة، قال: «تصلّي» قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة، قال: «تدع الصلاة» قلت: «فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة، قال: «تصلّي» قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة، قال:

«تدع الصلاة، تصنع ما بينها و بين شهر، فإن انقطع الدم عنها و إلّا فهي بمنزلة المستحاضة» «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 88 الطلاق ب 26 ح 10، الوسائل 22: 205 أبواب العدد ب 15 ح 5.

(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 299 أبواب الحيض ب 12 ح 2.

(3) الوسائل 2: 308 أبواب الحيض ب 17.

(4) الكافي 3: 79

الحيض ب 4 ح 2، التهذيب 1: 380- 1179، الاستبصار 1: 131- 453، الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 398

و موثّقة أبي بصير: عن المرأة ترى الدم خمسة أيام و الطهر خمسة أيام، و ترى الدم أربعة أيام و الطهر ستّة أيام، فقال: «إن رأت الدم لم تصلّ، و إن رأت الطهر صلّت ما بينها و بين ثلاثين يوما» «1» الحديث.

و الرضوي: «و الحدّ بين الحيضتين القرء و هو عشرة أيام بيض، فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الأولى، و إن رأت الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجّل من الحيضة الثانية» «2».

و الجواب عن الأول: منع تعيّن كون مبدإ الثانية الانقطاع، لجواز جعل مبدئهما الرؤية و تخصيص الفقرة الثانية بما إذا تخلّلت عشرة طاهرة بين الحيضتين، و ليس إبقاء هذه على العموم و تخصيص الأولى بما إذا لم يزد أيام الدمين على العشرة أولى من عكسه.

سلّمنا وجوب جعل المبدأين الانقطاع، و لكن نقول: إنّ الفقرة الأولى مخصّصة قطعا بما إذا لم تتجاوز أيام الحيض عن العشرة، و إنّما الكلام في تعيين أيام الحيض، و مقتضى عمومات أقلّ الطهر كون مدة النقاء منها أيضا فلا يزاد تخصيص.

نعم، لو كانت أيام الدمين المتجاوزة عن العشرة خارجة بخصوصها و أوجبت حيضية النقاء إخراج شي ء آخر ليتم التقريب، و ذلك كما إذا قال: اقتلوا المشركين، و علم إخراج الكتابي، و لم يعلم إخراج المجوس لا يحكم بخروجه، و لو دلّ كلام على خروجه بعمومه تعارض التخصيصان، أمّا لو دلّ كلام بعمومه على أنّ المجوس أيضا من الكتابي فلا

يتعارض التخصيصان، بل يحكم بخروج

______________________________

(1) التهذيب 1: 380- 1180، الاستبصار 1: 132- 454، الوسائل 2: 286 أبواب الحيض ب 6 ح 3.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 192، المستدرك 2: 12 أبواب الحيض ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 399

المجوس أيضا.

هذا، مع أنه لو سلّمنا تعارض التخصيص و توقّفنا، لزم الحكم بحيضية النقاء، للاستصحاب. و لا تعارضه عمومات العبادة، لخروج الحائض الشرعي منها قطعا، و هذه حائض بالدليل الشرعي الذي هو الاستصحاب. مع أنّه لا كلام في وجوب العبادة عليها قبل رؤية الدم الثاني، لأصالة عدم رؤيته، و إنّما الكلام بعد رؤيته، و وجوب قضاء الصوم حينئذ لثبوت كونها حائضا شرعا.

لا يقال: قبل رؤية الثاني محكومة بعدم كونها حائضا، لأصالة عدم الرؤية، فيستصحب هذا الحكم.

قلنا: بعد رؤية الثاني و انتفاء أصالة عدمها لا يصح استصحاب الحكم المبني عليها كما بيّن في موضعه.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن الثلاثة المتعقّبة للأول أيضا.

و عن الخامس: بأنّه لا يدلّ إلّا على فعل الصلاة بعد الطهارة ظاهرا في الثلاثة أو الأربعة، و هو كذلك، و لا يدلّ على جعلها طهرا بعد رؤية الدم في الثلاثة أو الأربعة الثانية، و كذا في الثالثة، و هو ظاهر جدّا.

نعم، في الحديث إشكال من جهة أخرى، و لذا حمل ذلك و غيره مما بمضمونه على أنها تفعل ذلك لتحيّرها و احتمالها الحيض عند كلّ دم و الطهر عند كلّ نقاء إلى أن يتعيّن لها الأمران «1»، بل هذا هو مراد الشيخ في الاستبصار «2» ممّا حمل ذلك عليه و فسّره به.

و من ذلك يعلم أنّ توقّف الفاضل في المنتهى «3» في الفتوى بمضمونه على ما حمله في الاستبصار عليه ليس

توقّفا في مسألة أقلّ الطهر المتخلّل كما قد يتوهّم «4»،

______________________________

(1) المعتبر 1: 207.

(2) الاستبصار 1: 132.

(3) المنتهى 1: 105.

(4) كشف اللثام 1: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 400

كيف و قد صرّح قبل ذلك بأنّها لو رأت ثلاثة أيام ثمَّ انقطع ثمَّ رأت اليوم العاشر أو قبله و انقطع كان الدمان و ما بينهما حيضا «1» و استدلّ عليه: بأخبار أقلّ الطهر، و لا حمل الشيخ عليه قولا بجواز أقلّية الطهر المتخلّل من العشرة.

و عن السادس: بضعفة المانع عن العمل به الخالي عن الجابر في المقام، مع جريان ما أجيب به عن الثلاثة الأول فيه أيضا.

المسألة الثانية:

في اجتماع الحيض مع الحبل و عدمه قولان:

الأول- و هو الأظهر- للأكثر، منهم: الصدوقان «2»، و السيد «3»، و الشيخ في النهاية و الخلاف و التهذيب و الاستبصار «4»، و الإصباح، و الحلّي «5»، و المنتهى، و التذكرة، و القواعد «6»، و شرحه «7»، و الدروس، و المدارك «8». و مال إليه في المعتبر «9»، و عليه الشهرة في كلام جماعة «10»، بل في الناصريات الإجماع عليه «11»، و هو قول مالك «12»، و الشافعي في القديم «13».

لاستصحاب الحالة السابقة، و العمومات المثبتة لحيضيّة الدم في النساء مطلقا أو مع الوصف أو في أيام العادة.

______________________________

(1) المنتهى 1: 105.

(2) المقنع: 16، و نقله في المعتبر 1: 200 عن والد الصدوق.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 191.

(4) النهاية 25، الخلاف 1: 239، التهذيب 1: 388، الاستبصار 1: 140.

(5) السرائر 1: 150.

(6) المنتهى 1: 96، التذكرة 1: 26، القواعد 1: 14.

(7) جامع المقاصد 1: 287.

(8) الدروس 1: 97، المدارك 1: 12.

(9) المعتبر 1: 201.

(10) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 286، و

صاحب الرياض 1: 35.

(11) الناصريات (الجوامع الفقهية): 191.

(12) بداية المجتهد 1: 53.

(13) المهذب للشيرازي 1: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 401

و خصوص المستفيضة: كصحيحتي ابن سنان و صفوان:

الأولى: عن الحبلى ترى الدم أ تترك الصلاة؟ قال: «نعم» «1».

و الثانية: عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أ تصلي؟ قال: «تمسك عن الصلاة» «2».

و حسنة سليمان «3» و مرسلة حريز «4» و غير ذلك ممّا يأتي ذكر بعضه.

و الثاني للشرائع «5»، و عن المفيد «6»، و الإسكافي «7»، و التلخيص، و هو مذهب أبي حنيفة «8»، و أحمد «9»، و الشافعي في الجديد «10»، و نسبه في التذكرة إلى جمهور التابعين «11».

لاستصحاب عدم الحيضية.

و لرواية السكوني: «ما كان اللَّه ليجعل حيضا مع حبل، يعني أنها إذا رأت الدم و هي حامل لا تدع الصلاة إلّا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق

______________________________

(1) الكافي 3: 97 الحيض ب 11 ح 5، التهذيب 1: 386- 1187، الاستبصار 1: 138- 474، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض ب 30 ح 1.

(2) التهذيب 1: 387- 1193، الاستبصار 1: 139- 478، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 4.

(3) الكافي 3: 97 الحيض ب 11 ح 6، الوسائل 2: 333 أبواب الحيض ب 30 ح 14.

(4) التهذيب 1: 386- 1186، الاستبصار 1: 138- 473، الوسائل 2: 332 أبواب الحيض.

ب 30 ح 9.

(5) الشرائع 1: 32.

(6) نقله عنه في التذكرة 1: 26، و لم نعثر عليه في المقنعة.

(7) نقله عنه في المختلف: 36.

(8) بداية المجتهد 1: 53.

(9) المغني لابن قدامة الحنبلي 1: 347.

(10) المهذب للشيرازي 1: 39.

(11) التذكرة 1: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 402

و رأت

الدم تركت الصلاة» «1».

و صحيحة حميد: عن الحلبي ترى الدفقة و الدفقتين من الدم في الأيام و في الشهر و الشهرين، فقال: «تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة» «2».

و لأنه يصح طلاقها مع رؤية الدم إجماعا، و لا شي ء من الحائض يصح طلاقه كذلك.

و لأنّ شرع الاستبراء بالحيض لاستبانة عدم الحمل فلا يجامعه.

و يردّ الأول: بالمعارضة باستصحاب عدم سائر الأسباب أيضا، مضافا إلى اندفاعه بما مرّ.

و الثاني: بعدم الدلالة، لجواز أن يكون المراد حقيقته، و هو الإخبار عن عدم الاجتماع فيما مضى و إن تخلّف في الأزمنة اللاحقة، كما ورد في أصل الحيض أنه كان قبل ذلك سنة.

و يؤيّده ما في بعض نسخ نوادر الراوندي- على ما في البحار- بعد ذكر قوله:

«ما كان اللَّه ..»: «فإذا رأت الدم و هي حبلى تدع الصلاة» «3».

و أمّا قوله: «يعني أنّها إذا رأت ..» فيمكن أن يكون من كلام الراوي، بل هو الظاهر، فلا حجّية فيه.

مضافا إلى معارضته مع الأخبار المتقدّمة الراجحة عليه باعتبار الأحدثية و المخالفة لأكثر العامة و الموافقة لمعظم الخاصة، مع أنّه على فرض التكافؤ يتساقطان و يرجع إلى العمومات.

و منه يظهر ردّ الثالث أيضا، مضافا إلى عدم دلالته، لعدم استجماع ما رأته

______________________________

(1) التهذيب 1: 387- 1196، الاستبصار 1: 140- 481، الوسائل 2: 333 أبواب الحيض ب 30 ح 12.

(2) التهذيب 1: 387- 1195، الاستبصار 1: 139- 480، الوسائل 2: 332 أبواب الحيض ب 30 ح 8.

(3) بحار الأنوار 78: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 403

شرائط الحيض، لأنّ الدفقة و الدفقتين لا تكون حيضا.

لا يقال: وقوع الدفقة في الأيام لا يكون إلّا بحصولها في جميعها، فتحصل الشرائط إذا كانت متوالية، كما تشمله

الرواية بترك الاستفصال.

لأنّ المراد بالأيام ليس معناها الحقيقي الذي هو الاستغراق، و مجازه يمكن أن تكون الأيام المعهودة، أي أيام الحيض، و رؤية الدفقة فيها تتحقّق برؤية الدم فيها دفعة واحدة.

و الرابع: بمنع الإجماع، و لا دليل آخر على عدم صحة طلاق الحائض مطلقا، كيف و يصح مع غيبة الزوج!؟

و الخامس: بمنع كون العلّة في شرع الاستبراء بالحيض استبانة عدم الحمل، لإمكان أن يكون تعبّدا أو معلّلا بحكمة خفية لا نعلمها، كيف؟ لو كانت العلّة ذلك لكفت حيضة واحدة في جميع الموارد، و لم يشترط في بعضها حيضتان، و في بعضها الأكثر، و في بعضها المدة.

ثمَّ على المختار هل يجتمع معه مع استبانة الحمل أيضا؟ أو يشترط فيه عدم الاستبانة؟ و تظهر الفائدة في قضاء الصلاة لا في تركها عند رؤية الدم، إذ لا ريب في البناء على أصالة عدم الحمل بدون استبانته.

الأول- و هو الأصح- لأكثر القائلين باجتماعه مع الحمل، لما تقدّم، و خصوص مرسلة محمّد: عن المرأة الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم، قال: «تلك الهراقة من الدم، إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّي، و إن كان قليلا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء» «1». و قريبة منها رواية أبي المعزى «2».

و الثاني للحلّي «3»، و عن الخلاف، و المبسوط «4»، و نسبه في الأول إلى الأكثر،

______________________________

(1) الكافي 3: 96 الحيض ب 11 ح 2، الوسائل 2: 334 أبواب الحيض ب 30 ح 16.

(2) التهذيب 1: 387- 1191، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 5.

(3) السرائر 1: 150.

(4) الخلاف 1: 239، المبسوط 1: 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 404

و في الثاني إلى الإجماع، و صريح

الأول اختصاص الخلاف بما بعد الاستبانة، و يظهر ذلك من المعتبر أيضا، حيث فسّر قوله في النافع «1»: أشهرها أنّها لا تحيض:

بأنه مع استبانة الحمل.

للإجماع المنقول في الخلاف، و الرضوي: «و الحامل إذا رأت الدم في الحمل كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم، فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة. و قد روي أنها تعمل ما تعمله المستحاضة إذا صح لها الحمل فلا تدع الصلاة، و العمل من خواص الفقهاء على ذلك» «2».

و يردّ الأول: بعدم الحجية، و كذا الثاني سيما مع مخالفته مع ما حكم به أوّلا و نسبته إلى الرواية، و لو سلّم فيعارض ما مرّ، و يرجع إلى العمومات.

ثمَّ على المختار من الاجتماع مع الاستبانة أيضا فلا شك في كون الدم المتصف بالأوصاف في أيام العادة حيضا، و يدلّ عليه الإجماع المركّب، مضافا إلى الأخبار الدالّة على حيضية كلّ من الدمين «3».

و إنّما الكلام في اشتراط الوصفين في الحكم بالحيضية، أو الاتّصاف خاصة، أو كونه في العادة كذلك، أو أحدهما لا بعينه، أو لا يشترط شي ء منهما، بل المرأة كحالة عدم الحبل فتحيض بما تحيض به قبله، فيه احتمالات، و لم أعثر على مصرّح بالأول.

و الثاني للصدوق، قال: و الحبلى إذا رأت الدم تركت الصلاة، و ذلك إذا رأت الدم كثيرا أحمر، فإن كان قليلا أصفر فلتصلّ و ليس عليها إلّا الوضوء «4».

انتهى.

______________________________

(1) المعتبر 1: 201، النافع: 9.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 191، المستدرك 2: 23 أبواب الحيض ب 25 ح 1.

(3) انظر الوسائل 2: 275، 278 أبواب الحيض ب 3 و 4.

(4) الفقيه 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 405

و تدلّ عليه- بعد عمومات اعتبار الأوصاف «1»- مرسلة محمّد،

و رواية أبي المعزى، المتقدّمتان «2».

و موثّقة إسحاق: الحبلى ترى الدم اليوم و اليومين قال: «إن كان دما عبيطا فلا تصلّي ذينك اليومين، و إن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» «3».

و الثالث للشيخ في النهاية، و كتابي الحديث «4»، و مال إليه في المعتبر، و المدارك، و البحار «5»، و لكنهم مع إثباتهم الحيضية لأيام العادة نفوها عمّا تأخّر عنها بعشرين يوما، فسكتوا عمّا بينهما، و يظهر من بعضهم أنهم يلحقونه بالعادة، و من آخر أنهم يلحقونه بما بعد العشرين.

و كيف كان، فدليلهم عمومات حيضية ما تراه أيام العادة مطلقا.

و صحيحة محمّد: عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما في كلّ شهر، فقال: «تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها» «6».

و موثّقة سماعة: عن امرأة رأت الدم في الحمل، قال: «تقعد أيامها التي كانت تحيض، فإذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثمَّ هي مستحاضة) «7».

و صحيحة الصحاف: «إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 271، 272 أبواب الحيض ب 1 و 2.

(2) ص 404.

(3) التهذيب 1: 387- 1192، الاستبصار 1: 141- 483، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 6.

(4) النهاية: 25، التهذيب 1: 388، الاستبصار 1: 140.

(5) المعتبر 1: 201، المدارك 2: 12، البحار 78: 95.

(6) الكافي 3: 97 الحيض ب 11 ح 3، التهذيب 1: 387- 1194، الاستبصار 1: 139- 479، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 7.

(7) التهذيب 1: 386- 1190، الاستبصار 1: 139- 477، الوسائل 2: 332 أبواب الحيض ب 30 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 406

من الوقت الذي كانت

ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإنّ ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث فلتتوضّأ و تحتشي بالكرسف و تصلّي، و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيها الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة، فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها» «1» الحديث.

و الرابع لوالدي العلّامة في اللوامع، و المعتمد، و يظهر من بعضهم «2» ذهاب بعض آخر إليه أيضا.

لخلوّ أخبار اعتبار الوصف في الحبلى و عدم حيضية الفاقدة له في غير أيام العادة عن المعارض، فيحكم به قطعا، و يحصل التعارض بين تلك الأخبار و بين ما يدلّ على حيضية ما في العادة في الحبلى أو مطلقا في الخالي عن الوصف في أيام العادة و المتّصف به في غيرها، فيرجع إلى عمومات اجتماع الحيض مع الحمل، و لازمه الحكم مع أحد الأمرين من الاتّصاف بالأوصاف و مصادفة العادة.

و لدفع توهّم إيجابه خرق المركّب قال والدي- رحمه اللَّه-: إنّ الظاهر أنّ إطلاق كلام الأكثر في غير وقت العادة مقيّد بوجود الأوصاف، و لذا صرّح الكلّ بموافقة الصدوق للمشهور مع تصريحه باعتبار الصفة، بل المشترط للعادة لا ينكر كون ما ترى في غير وقتها حيضا إذا وجدت فيه أوصافه. انتهى.

و الخامس لظاهر أكثر الموافقين في الاجتماع، لعموماته.

أقول: لا يخفى أنّ خلوّ أخبار اعتبار الوصف في الحبلى و عدم حيضية الفاقد له في غير أيام العادة عن المعارض مطلقا يخصّص تلك العمومات قطعا، و لازمه عدم حيضية الخالي عن الوصف في غير أيام العادة، فالحكم به لازم و القول

______________________________

(1) الكافي 3: 95 الحيض ب 11 ح 1، التهذيب 1: 388- 1197، الاستبصار

1: 140- 482، الوسائل 2: 330 أبواب الحيض ب 30 ح 3.

(2) قد يظهر هذا من الرياض 1: 36 في قوله: و ربما يجمع بين الأخبار .. فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 407

الخامس ساقط.

و أمّا اختيار الرابع، و الرجوع في الخالي عن الوصف في الأيام أو المتّصف في غيرها إلى عمومات الاجتماع- بعد تعارض أخبار اعتبار الوصف في الحبلى و أخبار حيضية ما في العادة فيها و اشتغال كلّ منهما بالآخر- إنّما كان تامّا لو كانت تلك العمومات كسائر عمومات الحيض فارغة في الموردين عن المعارض الآخر أيضا.

و لكنه تعارضها في المورد الأوّل أخبار اعتبار الوصف في الحيض مطلقا، فإنّها أعم من وجه من عمومات الاجتماع.

و لا يفيد تخصيصها بأخبار حيضية الصفرة و الكدرة في أيام العادة «1»، لأنّ القدر المعلوم التخصيص في غير الحبلى، و أمّا فيها- فلمعارضة أخبار حيضية الصفرة مطلقا مع أخبار عدمها في الحبلى- فلا، كما تعارض أخبار اعتبار الوصف في الحبلى سائر عمومات التحيّض.

و في المورد الثاني أخبار عدم حيضية ما بعد العادة مطلقا «2» أو في الحبلى كصحيحة الصحاف «3»، فتتساقط الأخبار من الطرفين، فيبقى الحكم في الموردين خاليا عن المستند.

و أصالة عدم تعلّق أحكام الحائض توجب عدم الحيضية فيهما كما هو مقتضى القول الأول، فهو الأقرب إلّا في أيام الاستظهار الثابت للحبلى بموثّقة سماعة، المتقدّمة «4» و ما بينها و بين العشرة في صورة عدم التجاوز، فيحكم بالحيضية كما في غير الحبلى، لاستصحابها.

و توهّم إيجابه خرق المركب فاسد، لأنّه في أمثال المقام غير ثابت.

هذا في المعتادة، و أمّا غيرها فالمناط فيه الأوصاف. فالمتّصف حيض،

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4.

(2) انظر الوسائل 2: 281

أبواب الحيض ب 5.

(3) المتقدمة ص 405.

(4) المتقدمة ص 405.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 408

لأخبار اعتبارها مطلقا أو في خصوص الحبلى، مضافة إلى عمومات الاجتماع، الخالية جميعا عن المعارض. و غيره ليس بحيض، للأخبار النافية لحيضيته المخصّصة لعمومات الاجتماع، فتأمّل.

المسألة الثالثة:

اختلفوا بعد اتّفاقهم على أنّ الأصل في كلّ دم اتّصف بصفة الحيض أو وجد في أيام العادة كونه حيضا- كما هو مدلول المستفيضة المعتبرة- في غيرهما.

فالمشهور: أنّ كلّ دم يمكن شرعا- أي لا يمتنع بحكم الشارع- أن يكون حيضا فهو حيض، بل في المعتبر، و المنتهى، و شرح القواعد للمحقّق الثاني «1»، الإجماع عليه.

للإجماعات المنقولة. و أصالة عدم كونه من قرح و مثله.

و حسنة ابن مسلم و موثّقته، المتقدّمتين «2»، فإنّهما شاملتان لجميع الدماء سوى ما ترى في الأيام الزائدة على العشرة الأولى و الناقصة عن عشرة الطهر، و هو ممّا يمتنع كونه حيضا.

و ما دلّ على أنّ الدم مطلقا- قبل وقت الحيض كذلك [1] كموثّقة سماعة «3»، أو الصفرة قبله كذلك كرواية علي بن أبي حمزة «4» و غيرها، أو بيومين كصحيحة ابن حكيم «5» و غيرها- حيض.

______________________________

[1] اي مطلقا- بلحاظ عدد الأيام.

______________________________

(1) المعتبر 1: 203، المنتهى 1: 98، جامع المقاصد 1: 288.

(2) ص 392.

(3) الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 2، التهذيب 1: 158- 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13 ح 1.

(4) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 4، التهذيب 1: 396- 1232، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 5.

(5) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 5، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 409

و ما

دلّ على ترتّب أحكام الحائض على مجرّد رؤية الدم كصحيحة ابن حازم «أيّ ساعة ترى الدم فهي تفطر» «1».

و موثّقة محمّد: في المرأة ترى الدم من أوّل النهار في شهر رمضان أ تفطر أم تصوم؟ قال: «تفطر إنّما فطرها من الدم» «2».

و رواية أبي الورد: عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر و قد صلّت ركعتين ثمَّ ترى الدم، قال: «تقوم من مسجدها و لا تقضي الركعتين» «3» الحديث. و في معناها أحاديث عديدة.

و فحوى أخبار الاستظهار لذات العادة إذا رأت ما زاد عليها «4» الشامل لغيرها بطريق أولى.

و لأنّه لو لم يعتبر الإمكان لم يحكم بحيض، إذ لا تعيّن، و الصفات إنّما تعتبر عند الحاجة إليها لا مطلقا.

و يؤيده ثبوت الحكم في كثير من جزئيات موارد الإمكان، كما في حال الحمل و التمييز و أيام العادة و غيرها.

خلافا للناصريات، و السرائر، و نهاية الإحكام «5»، و الأردبيلي، و المدارك «6»، فصرّحوا بأنّ الصفرة في أيام الطهر طهر، و ظاهر الأول الإجماع عليه.

للأصل، و استصحاب لوازم الطهر، و عمومات العبادة.

______________________________

(1) التهذيب 1: 394- 1218، الاستبصار 1: 146- 499، الوسائل 10: 229 أبواب من يصح منه الصوم ب 25 ح 4.

(2) التهذيب 1: 153- 435، الوسائل 2: 367 أبواب الحيض ب 50 ح 7.

(3) الكافي 3: 103 الحيض ب 15 ح 5، التهذيب 1: 392- 1210، الاستبصار 1: 144- 495، الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 3.

(4) انظر الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 190، السرائر 1: 146، نهاية الإحكام 1: 145.

(6) مجمع الفائدة 1: 146، المدارك 2: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 410

و مرسلة يونس و فيها:

«و كلّ ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض» «1».

و صحيحة محمّد و فيها: «و إن رأت الصفرة في غير أيامها توضّأت و صلّت» «2».

و صحيحة البجلي: عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر، ثمَّ طهرت و صلّت، ثمَّ رأت دما أو صفرة، قال: «إن كانت صفرة فلتغتسل و لتصلّ و لا تمسك عن الصلاة» «3».

و في موثّقة الجعفي: «و إن رأت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلّت» «4».

و ما مرّ من الأخبار الدالّة على انتفاء الحيضية بانتفاء الأوصاف «5».

و المروي في قرب الإسناد و المسائل: «و لا غسل عليها من صفرة تراها إلّا في أيام طمثها» «6».

و في دعائم الإسلام: «في المرأة ترى الدم أيام طهرها إن كان دم الحيض فهو بمنزلة الحائض و عليها منه الغسل، و إن كان دما رقيقا فتلك ركضة من الشيطان تتوضّأ و تصلّي و يأتيها زوجها» «7».

و هو الحق، لما ذكر.

و يجاب عن أدلّة المخالف:

______________________________

(1) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 279 أبواب الحيض ب 4 ح 3.

(2) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 1، التهذيب 1: 396- 1230، الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4 ح 1.

(3) الكافي 3: 100 الحيض ب 13 ح 2، الوسائل 2: 393 أبواب النفاس ب 5 ح 2.

(4) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 3، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 4.

(5) ص 383، 384.

(6) قرب الإسناد: 225- 880، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 8، مسائل علي بن جعفر نقل عنها في البحار 78: 76- 7.

(7) دعائم الإسلام 1: 127، المستدرك 2: 43، أبواب

الاستحاضة ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 411

أما عن الأوّل: فبعدم حجية الإجماع المنقول سيما مع مخالفة هؤلاء الفحول، على أنّهم لم يدعوه إلّا على حيضية ما يمكن أن يكون حيضا أي شرعا، و الإمكان في أيام الطهر مع عدم الوصف ممنوع جدّا، كيف و قد وردت النصوص على عدم حيضيته.

و أمّا على الثاني: فبمعارضته بأصالة عدم كونه حيضا، و كون الأصل في دماء النساء الحيضية ممنوع، و خلقه فيهن لغذاء الولد لا يوجبه، فإنّ الخلق غير القذف، و الدماء الأخر موجودة فيهن أيضا.

و أمّا عن الثالث- فمع أنّ دلالته إنّما هي على تقدير كونه بيانا للحيضية، و أما إذا كان المراد بيان الأولية و الثانوية كما عليه حمله الأكثر كما مرّ فلا يدلّ إلّا على بعض الموارد الجزئية- أنّها عامة بالنسبة إلى ما ذكر، فيجب تخصيصه به.

و به يجاب عن الرابع و الخامس، مضافا في الأول إلى أنه إنّما يتضمّن الحكم في بعض الجزئيات و هو قبل الحيض، و مع ذلك يتضمّن خلافه في البعض الآخر و هو ما بعد الحيض.

و أمّا عن السادس: فبمنع الأولوية.

و أمّا عن السابع: فبمنع انتفاء اليقين الشرعي، و منع تخصيص اعتبار الصفات بما ذكر.

و أمّا عن المؤيّد: فبأنّه- مع كونه قياسا- يعارض بانتفاء الحكم في كثير من الموارد الأخر، كالزائد على العادة مع التجاوز عن العشرة، و في الأقلّ من ثلاثة أيام و الأكثر من عشرة و غير ذلك.

المقام الثاني: في بيان أقسام النساء
اشارة

، و الدم الذي تتحيّض به كلّ منهن، و الذي لا تتحيّض به.

و أقسامهنّ على ما يستفاد من أخبار الباب أربعة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 412

المبتدأة: و هي التي ابتدأت الحيض أو ابتدأها

[1].

و المضطربة: و هي من لم تستقرّ لها عادة.

و ذات العادة و هي من استقرّت عادتها في الحيض و عرفتها.

و الناسية: و هي التي استقرّت عادتها و نسيتها.

و المبتدأة بالمعنى المذكور هي المبتدأة بالمعنى الأخص، و قد يطلق على الأولى و الثانية معا، و هي المبتدأة بالمعنى الأعم، و المضطربة على ذلك الإطلاق تطلق على الناسية، فتجعل الأقسام ثلاثة، و الأمر لفظي.

و ما قيل «1» من ظهور الفائدة في رجوع القسم الثاني إلى عادة أهلها و عدمه فاسد جدّا، لعدم إناطة الحكم في النصوص بتلك الألفاظ أصلا.

نعم، الظاهر أنّ منشأ الاختلاف: الاختلاف في اتّحاد أحكام القسمين الأولين و اختلافها، فمن سمّى القسمين باسم واحد نظر إلى اتّحاد المضطربة بالمعنى الأول مع المبتدأة بالمعنى الأخص فيما يتعلّق بها من أحكام الباب، و هو أولى لذلك، فتكون الأقسام الكلية المختلفة باختلافها في الأحكام ثلاثة: المبتدأة و ذات العادة و الناسية.

و الكلام في كلّ منها إمّا في تحيضها أو في قدر حيضها و وقته.

القسم الأوّل: المبتدأة
اشاره

الشاملة لمن كان ابتداء حيضها أو بعده قبل استقرار العادة، و قد عرفت أنّ الكلام فيها إمّا في تحيضها أو في قدره، فهاهنا موضعان:

الموضع الأول: في بيان تحيّضها

يعني الحكم بكون دمها حيضا.

فنقول: إنّ المبتدأة بالمعنى الأعم إذا رأت الدم ففي تحيّضها بمجرد الرؤية مطلقا فتترك العبادة، أو استظهارها بفعلها حتى يستمرّ إلى الثلاثة فتتحيّض

______________________________

[1] اي ابتدأها الحيض، فعلى الأول تصير المبتدأة اسم فاعل و تكسر الدال، و على الثاني اسم مفعول، كما في الحدائق 3: 187 و غيره.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 413

كذلك، أو الأول مع كون الدم بصفة الحيض خاصة، أقوال:

الأول عن المبسوط، و الإصباح، و الجامع، و ظاهر المقنعة، و نهاية الشيخ «1»، و الوسيلة، و الذكرى «2»، و نسب إلى المنتهى، و المختلف، و نهاية الإحكام «3»، و كلماتها تحتمله.

لأصالة عدم الآفة، و قاعدة ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض، و عموم النصوص المستفيضة في التحيّض بمجرّد رؤية الدم «4» الناشئ عن ترك الاستفصال في أكثرها، و خصوص بعضها في أول من تحيض «5»، و الأخبار الدالّة على التحيّض برؤية الدم المتّصف «6» بضميمة عدم الفصل.

و الثاني للسرائر، و المعتبر «7»، و عن السيّد «8»، و الإسكافي «9»، و الديلمي «10»، و الحلبي «11»، بل الشرائع، و النافع، و القواعد، و الدروس، و البيان «12»، و إن احتاط في الأخيرين في تعلّق التروك بمجرّد الرؤية.

لعمومات أوامر العبادة، فلا تسقط إلّا باليقين.

______________________________

(1) المبسوط 1: 42، الجامع: 42، المقنعة: 54، النهاية: 26.

(2) الوسيلة: 57، الذكرى: 29.

(3) نسبه في كشف اللثام 1: 96، انظر المنتهى 1: 109، المختلف 1: 37، نهاية الاحكام 1:

118.

(4) انظر ص 408، 409.

(5) كموثقة سماعة الآتية

في ص 418.

(6) انظر ص 381.

(7) السرائر 1: 146، المعتبر 1: 213.

(8) حكى عنه في المعتبر 1: 213.

(9) حكى عنه في جامع المقاصد 1: 330.

(10) حكى عنه الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط) و لم نعثر عليه في المراسم.

(11) الكافي: 128.

(12) الشرائع 1: 32، النافع: 10، القواعد 1: 16، الدروس: 1: 97، البيان: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 414

و الثالث للمدارك و الذخيرة «1»، لأخبار التمييز الدالّة منطوقا أو مفهوما على أنّ ما ليس بصفة الحيض فليس بحيض، و أنّ ما تراه في اليوم و اليومين إن لم يكن دما عبيطا تصلّي ذينك اليومين كما مرّ «2»، و مفهوم قوله: «إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة» «3».

و هو الحقّ، لما ذكر.

و يجاب عن دليل الأول، أمّا عن الأصل: فبمنعه. و أمّا عن القاعدة:

فبمنعها. و أمّا عن العمومات: فبوجوب تخصيصها بأخبار التمييز لأخصّيتها، مع أنّ في بعضها ذكر رؤية الحيض و الطمث و عوده، و صدقه في المورد ممنوع.

و أمّا عن الخصوصات المذكورة: فبعدم دلالتها، لمنع صدق من تحيض ما لم يستمرّ دمها إلى الثلاثة أو كان بالصفة، مع أنّه لو سلّم لتعارضت مع أخبار التمييز بالعموم من وجه، فتتساقطان و يرجع إلى أصالة عدم سقوط العبادات.

و عن الأخير: بمنع عدم الفصل.

مع أنّه قد ادّعى في المدارك كون محلّ النزاع هو الدم المتّصف بالأوصاف لا غيره، و هو الظاهر من المنتهى «4» حيث إنّه بعد ما اختار قول الشيخ احتجّ بأخبار التمييز، و بأنّ الاحتياط لو كان معتبرا في المبتدأة لكان كذلك في ذات العادة، لعدم الفارق.

ثمَّ أجاب عن إبداء الفارق بوجود الظن في الثاني دون محل النزاع بوجود الظن فيه أيضا، لأنّ المظنون

أنّ المرأة البالغة إذا رأت ما هو بصفة الحيض أنّه حيض، و هذا كالصريح في كون محلّ النزاع هو الدم المتّصف.

______________________________

(1) المدارك: 328، الذخيرة: 64.

(2) ص 381.

(3) تقدم ص 382.

(4) المنتهى 1: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 415

و منه يظهر أنه الظاهر من المختلف «1» أيضا، لأنّه صرّح فيه بأنّ مختاره فيه كما اختاره في المنتهى، و لذا نسب في المدارك إليه التصريح باختصاص محلّ النزاع «2».

و القول بأنّ الاحتجاج بالدليل الأخصّ لا يخصّص الدعوى العامة، إذ لعلّه لدفع مذهب الخصم و تتميم المطلوب بعدم الفصل «3»، مقدوح: بأنه خلاف الظاهر، مع أنّ وجه ظهور كلامه في الاختصاص لا يختص بذلك بل بعده ما يؤكّده ظهورا كما ذكرنا.

و استدلاله بقاعدة ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض غير ضائر، إذ الشأن في تعيين ما يمكن عنده، و لعلّه لا يرى غير المتّصف من الأفراد الممكنة، سيما مع تعريفه دم الحيض بأنّه دم متّصف بكذا و كذا.

و منه يظهر إمكان أن يكون الوجه في عدم التقييد أولا هو الاتكال على ما عرّفوا به دم الحيض، بل يظهر احتمال وجه لعدم تقييد أكثرهم العنوان بالمتصف أيضا، حيث إنّهم عرّفوا أولا دم الحيض مطلقا أو مقيّدا بالأغلب بذلك.

ثمَّ لو سلّمنا عدم الظهور في الاختصاص فلا شك في الاحتمال. و به يبطل الإجماع المركّب الذي ادّعوه.

نعم، ظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد «4» الإجماع على عدم الفرق، و لكنه غير صالح لإثبات الإجماع، لعدم حجيته.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر الجواب عن دليل الثاني أيضا.

ثمَّ على المختار من عدم تحيّضها برؤية الدم الغير المتّصف هل تتحيّض إذا استمرّ ذلك الدم ثلاثة أيام أم لا؟

______________________________

(1) المختلف 1: 37.

(2) المدارك:

1: 328.

(3) قاله في شرح المفاتيح (مخطوط).

(4) جامع المقاصد 1: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 416

صرّح بالأول الديلمي «1»، و الحلّي، و المنتهى «2»، مدّعيا عليه في الأخير أنه مذهب علمائنا أجمع، فإن ثبت فهو، و إلّا ففيه تأمل.

و ظاهر المحكي عن المقنع، و المقنعة «3»: عدم كون الصفرة و الكدرة حينئذ حيضا، حيث حكما بالاستبراء مع رؤيتهما.

الموضع الثاني: في قدر حيضها
اشاره

و وقته بعد الحكم بكونها حائضا، و نبيّن هذا الموضع في مسائل:

المسألة الأولى:

إذا حكم بكونها حائضا إمّا برؤيتها الدم المتّصف، أو بالاستمرار إلى الثلاثة إن قلنا بالحيضية معه فيحكم بكون المرئي حيضا إن لم يتجاوز العشرة و لو لم يتّصف بالصفة.

لاستصحاب الحيضية. و موثّقة سماعة: عن الجارية البكر أول ما تحيض، إلى أن قال: «فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة» «4».

و موثّقتي ابن بكير:

أولاهما: «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ الدم تركت الصلاة عشرة أيام» «5».

و الأخرى: «في الجارية أول ما تحيض يدفع عنها الدم فتكون مستحاضة إنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّي [حتى يمضي ] أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى

______________________________

(1) نقله عنه في المدارك 1: 329 و لم نعثر عليه في المراسم.

(2) السرائر 1: 146، المنتهى 1: 100.

(3) المقنع: 15، و لم نعثر عليه في المقنعة.

(4) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 1، التهذيب 1: 380- 1178، الوسائل 2: 304 أبواب الحيض ب 14 ح 1.

(5) التهذيب 1: 381- 1182، الاستبصار 1: 137- 469، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض ب 8 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 417

ذلك و هو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة» «1».

و حسنة محمّد و موثّقته المتقدّمتين «2».

و لا تضرّ معارضة أخبار التمييز مع تلك الأخبار، لموافقة الاستصحاب مع هذه.

و في حكم الدم: النقاء المتخلّل بين الدمين في العشرة الغير المتجاوز عنها، بإجماع جميع فقهائنا، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين، بل جمع آخر منهم والدي العلّامة رحمه اللّه، لاستصحاب الحيضية، و عدم كون الطهر مطلقا أقلّ من العشرة، كما مرّ «3».

[المسألة] الثانية: لو انقطع دمها بعد الثلاثة فما فوقها،

و لم تر حتى مضى أقلّ الطهر من الانقطاع ثمَّ رأته يحكم بالحيضية المستقلة مع الصفات،

لا بدونها إلّا إذا استمرّ ثلاثة أيام إن قلنا بالإجماع على حيضيته.

و الأكثر حكموا بالحيضية مطلقا، لبعض الأخبار «4» المعارضة بروايات التمييز، و للبناء على أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض.

و قد عرفت ما فيه «5».

[المسألة] الثالثة: إذا تجاوز دمها العشرة،

فإن كان لها تمييز رجعت إليه على الحق المشهور، بل عليه الإجماع في المعتبر، و التذكرة «6»، و اللوامع، و عن الخلاف،

______________________________

(1) التهذيب 1: 400- 1251، الاستبصار 1: 137- 470، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض ب 8 ح 5، و في المصدر بدل «عنها»: «عليها».

(2) ص 382.

(3) في ص 396.

(4) كموثقة سماعة المتقدمة ص 416.

(5) في ص 413.

(6) المعتبر 1: 204، التذكرة 1: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 418

و المنتهى «1»، و أسنده في الكفاية إلى الأصحاب «2»، و في الدروس إلى ظاهرهم «3»، لأخبار اعتبار الصفات إثباتا و نفيا، و منها الدالّة عليه في خصوص استمرار الدم «4».

و عن الصدوقين «5»، و المفيد، و ابن زهرة «6»: عدم التعرّض للرجوع إلى التمييز.

و عن الحلبي: رجوع المضطربة أولا إلى نسائها، فإن فقدن فإلى التمييز، و المبتدأة إلى نسائها خاصة إلى أن تستقرّ لها عادة «7».

و لا دليل يعتدّ به لشي ء منها يصلح لمعارضة أخبار التمييز.

و أمّا موثّقة سماعة: عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر و هي لا تعرف أيام أقرائها، قال: «أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقلّه ثلاثة أيام» «8» الدالّة بظاهرها على رجوع المبتدأة إلى النساء أولا.

ففيها: منع تلك الدلالة، إذ السؤال إنّما هو عمّن لا تعرف أقراءها، و لا نسلّم أن صاحبة التمييز لا تعرفها، فهي واردة في غير ذات التمييز.

و ظاهر

الكفاية «9» التردّد بين الرجوع إلى التمييز و بين الرجوع إلى الأيام

______________________________

(1) الخلاف 1: 230، المنتهى 1: 104.

(2) الكفاية: 4.

(3) الدروس 1: 98.

(4) راجع ص 381 من الكتاب.

(5) الفقيه 1: 50 نقل فيه عن والده، المقنع 1: 15.

(6) المقنعة: 54، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(7) الكافي: 128.

(8) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 3، التهذيب 1: 380- 1181، الاستبصار 1: 138- 471، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 2.

(9) الكفاية: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 419

الذي هو شأنها حين فقد التمييز و النساء.

بل ظاهر بعض مشايخنا الأخباريين «1» ترجيح الثاني، لقوله في مرسلة يونس، الطويلة: «و أمّا السنّة الثالثة فهي التي ليست لها أيام متقدّمة و لم تر الدم قط و رأت أول ما أدركت و استمرّ بها، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الأوّلى- و الثانية، و ذلك أن امرأة يقال لها حمنة بنت جحش أتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، فقالت: إنّي استحضت حيضة شديدة» إلى أن قال: «تحيّضي في كلّ شهر في علم اللَّه ستة أيام أو سبعة» «2» الخبر.

و موثّقة سماعة، المتقدّمة «3»، و موثّقتي ابن بكير:

إحداهما: «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ تركت الصلاة عشرة أيام، ثمَّ تصلّي عشرين يوما، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام و صلّت سبعة و عشرين يوما» «4». و بمضمونها الأخرى «5».

و يجاب عنها: بأنّها معارضة لإطلاقات التمييز بالعموم من وجه. و الترجيح للإطلاقات، لأشهريتها رواية و فتوى، و أصحّيتها سندا، و اعتضادها بالإجماعات المستفيضة نقلا.

هذا، مع ما في المرسلة من اختصاصها بفاقدة التمييز التي هي غير المسألة، كما يدلّ عليه قوله في آخرها:

«و إن لم يكن الأمر كذلك و لكن الدم أطبق عليها

______________________________

(1) الحدائق 3: 194.

(2) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 381- 1183، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 3.

(3) ص 418.

(4) التهذيب 1: 381- 1182، الاستبصار 1: 137- 469، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض ب 8 ح 6.

(5) التهذيب 1: 400- 1251، الاستبصار 1: 137- 470، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 420

فلم تزل الاستحاضة دائرة و كان الدم على لون واحد و حالة واحدة، فسنتها السبع، و الثلاث و العشرون، لأنّ قصتها قصة حمنة» الحديث.

و ما في الموثّقة من عدم المنافاة، إذ مع الرجوع إلى التمييز يكون أيضا أكثر الجلوس عشرة و أقلّه ثلاثة.

و ما في الأخيرتين من عدم الحجية، لعدم عامل بمضمونها بخصوصه و لو في فاقدة التمييز أيضا كما يأتي، مع أنّ ثانيتهما ليست مروية عن إمام.

ثمَّ إنّه يتوقّف حصول التمييز على أمور:

الأوّل

: أن لا ينقص المشابه للحيض عن الثلاثة مع تواليها و لا يزيد على العشرة، لعموم ما دلّ على اعتبار الأمرين في الحيض.

و ليس في إطلاق ما دلّ على اعتبار الصفات مخالفة لذلك، لورودها في بيان الوصف دون المقدار. و على فرض المخالفة ظاهرا يجب تقييده بما دلّ على اعتبارهما، لظاهر الإجماع.

و به يجاب عمّا في رواية يونس من أنّ المختلطة عليها أيامها تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام و كثيرها.

و لو قطع النظر عن الإجماع و وجوب التقييد يحصل التعارض فيرجع إلى الأصل، و لا شك أنه مع عدم التحيّض، لعمومات العبادة و أصالة عدم تعلّق أحكام الحيض بها.

فتوهّم عدم اعتبار هذا الشرط-

كبعض مشايخنا الأخباريين «1»، و نقله والدي- رحمه اللَّه- في اللوامع عن ظاهر المبسوط «2»- لا وجه له، فلا تمييز لفاقدته.

و هل تتحيّض ببعض ما زاد على العشرة ممّا يمكن جعله حيضا و بالناقص مع

______________________________

(1) الحدائق 3: 195.

(2) لاحظ المبسوط 1: 43، 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 421

إكماله بما في الروايات، أم لا بل يتعيّن الرجوع إلى النساء أو الروايات؟ فيه قولان:

من عموم أدلّة التمييز، و عموم الرجوع إلى الأمرين. و الاحتياط لا يترك.

الثاني

: عدم قصور الخالي عن الوصف المحكوم بكونه طهرا أو مع النقاء المتخلّل عن أقلّ الطهر على الحقّ المشهور، بل قال بعض الأجلة «1»: إنّه لا خلاف فيه، لإطلاق أنّ أقلّ الطهر عشرة.

و لا يضرّه إطلاق أخبار التمييز، للرجوع إلى أصالة عدم الحيضية بعد تعارضهما. و لا الأخبار الدالّة على جعل النقاء المتخلّل الأقلّ من عشرة متكرّرا بين الدماء المتكرّرة طهرا «2»، لخروجها عن مورد المسألة الذي هو تفاوت الدمين بالأوصاف، مع أنّه قد مرّ الجواب عنها في مسألة أقلّ الطهر، فلا يجعل كلّ من الدمين المتخلّل بينهما ذلك حيضا.

نعم، وقع الخلاف- فيما إذا تخلّل الضعيف الأقلّ من العشرة القوي الصالح للحيضية في كلّ من الطرفين- في أنّه هل يجعل المجموع من الضعيف حيضا مع إمكانه، و أحدهما خاصة مع عدم الإمكان، أو يحكم بفقد التمييز؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    422     المسألة الثالثة: إذا تجاوز دمها العشرة، ..... ص : 417

ن المبسوط «3» أنّها لو رأت ثلاثة دم الحيض و ثلاثة دم الاستحاضة ثمَّ رأت بصفة الحيض تمام العشرة فالكل حيض، و إن تجاوز الثالث إلى تمام ستة عشر كان العشرة حيضا و الستة السابقة استحاضة.

و

لعلّه- كما قيل «4»- نظر إلى أنّ دم الاستحاضة لمّا خرج عن كونه حيضا خرج ما قبله أيضا.

و يضعّف بإمكان القول بمثله فيما بعده أيضا، فتخصيص القبل ترجيح بلا مرجّح.

______________________________

(1) الفاضل الهندي (منه رحمه اللَّه) كشف اللثام 1: 88.

(2) انظر الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6.

(3) المبسوط 1: 50.

(4) الرياض 1: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 422

و منه يظهر ضعف العكس و جعل المتقدّم حيضا كما عن بعضهم «1».

و لهذا استحسن المحقّق نفي التمييز حينئذ «2».

و استقر به في الذكرى [1]. و هو الأقرب، لوضوح تقييد أخبار التمييز بالإمكان، و هو هنا غير ممكن في كلّ أيامه، و تخصيص البعض ترجيح بلا مرجّح، بل الظاهر منها الإمكان في الكلّ. و عن المنتهى و التحرير: التردّد «3».

الثالث

: اختلاف الدم في الصفات المعتبرة في الحيض، المتقدّمة، من السواد و الحرارة و الدفع و الحرقة، فيجعل ما بصفة الحيض حيضا و الباقي استحاضة، و كذا الكثرة كما يصرّح بها في مرسلة «4» يونس- الطويلة- في تفسير قوله:

«البحراني».

و أمّا إلحاق الغلظة و النتن بها فقد عرفت أنه لا دليل عليهما سوى بعض الأخبار الضعيفة الغير الصالحة للحجيّة.

و قد يدّعى فيهما شهادة التجربة، و لا يستفاد منها لو سلّمت عليهما سوى المظنة، و اعتبارها في المقام خال عن الحجة، كما أنّ التخصيص هنا باللون- كما في بعض كتب الجماعة «5»- لا وجه له.

و لا تمييز لفاقدة الصفات المذكورة، كما لا تمييز لواجدتها فقط للحيض أو الاستحاضة في المتساوية منها قوّة و ضعفا إجماعا، بل و كذا في المختلفة بالقوة و الضعف فقط بعد اتّحاد الصفة المنصوصة عرفا على الأصح، فلا تمييز لواجده

______________________________

[1] لم نعثر عليه و لعله

مصحّف: التذكرة، فإن القول موجود فيها 1: 31 كما نقل عنها في الرياض أيضا.

______________________________

(1) الرياض 1: 38.

(2) المعتبر 1: 206.

(3) المنتهى 1: 105، التحرير 1: 14.

(4) تقدم مصدرها في ص 419.

(5) كما في التذكرة 1: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 423

المختلف بالسواد الشديد و غير الشديد، بل و لا بالسواد و الحمرة، و لا بالحارّ و الأقلّ حرارة، خلافا لجماعة «1» فحكموا بالتمييز.

و منه يظهر أنّه لو رأت عشرة أحمر ثمَّ عشرة أسود ثمَّ عشرة أشدّ سوادا، لم يكن له تمييز، لكون الجميع بصفة الحيض.

و قد يحكم فيها بالجلوس عن العبادة تمام الشهر، للانتقال إلى الأقوى في كلّ عشرة. و ليس بشي ء، لما مرّ.

و كذا لا تمييز لواجده المتّصف ببعض صفات أحدهما، لدلالة أخبار التمييز على اعتبار الكلّ.

نعم، لو وجدت البعض متّصفا بجميع صفات الحيض و الآخر ببعض صفات الاستحاضة فهي في الحيض ذات تمييز.

و كذا لو وجدت البعض متّصفا بصفات الحيض، و بعضا آخر بصفاته أيضا و لكن بأضعف من الأولى، و ثالثا بصفات الاستحاضة، كان الأولان حيضا مجموعا إذا استجمعا سائر الشرائط.

[المسألة] الرابعة: إذا فقد التمييز للمبتدأة،

رجعت إلى عادة نسائها بلا خلاف ظاهر، بل عليه الإجماع في كلام بعض الأكابر «2»، و عن المعتبر اتّفاق الأعيان من فضلائنا عليه «3»، و في اللوامع صرّح باتّفاق الكلّ عليه، و في المدارك أنّه المعروف من مذهب الأصحاب «4».

لموثّقة سماعة، المتقدّمة «5» التي هي حجة بنفسها، و باعتضادها بما مرّ،

______________________________

(1) كما في جامع المقاصد 1: 297، و الروضة 1: 103، و المدارك 2: 15.

(2) الخلاف 1: 234، و في التذكرة 1: 31: ذهب إليه علماؤنا.

(3) المعتبر 1: 208.

(4) المدارك 2: 16.

(5) ص 418.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2،

ص: 424

و بدعوى الخلاف إجماع الفرقة على صحتها «1».

و موثّقة أبي بصير: في النفساء إذا ابتليت بأيّام كثيرة [إلى أن قال:] «إن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت، جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها» «2».

و الأخيرة شاملة للمبتدأة بقسميها، فهي الحجة في المضطربة و إن احتاجت في تتميم جميع ما يتعلّق بها إلى الإجماع المركّب.

و لا يضرّ في المسألة إطلاق المرسلة- الطويلة- في رجوع المبتدأة إلى الأيام أوّلا، لكونها أعم من الموثّقة الأولى مطلقا باعتبار وجود النساء و اتّفاقهن و عدمهما، فيجب تقييدها بها. مع أنه قد حملها الشهيد على ما لا ينافي الموثّقة [1]. و لكنه بعيد جدّا.

ثمَّ صريح الأولى- كفتاوى الجماعة- اختصاص الرجوع إلى النساء بصورة اتّفاقهن في العادة. و هو كذلك، لذلك.

و لا تضرّها موثّقة زرارة و محمّد: «المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثمَّ تستظهر على ذلك بيوم» «3» حيث عمّت صورة الاختلاف أيضا، لأنّها أعم مطلقا.

و توهّم اختصاص الأخيرة بالاختلاف لمكان الأمر بالنظر إلى البعض، ضعيف، لأنّ مع الاتّفاق أيضا يكون الاقتداء بكلّ بعض. مع أنها أعم أيضا من حيث شمولها لغير المبتدأة أيضا. مضافا إلى أنها لو خصّت بصورة الاختلاف

______________________________

[1] قال الشهيد: معنى: «و تحيضي في كل شهر في علم اللَّه ستة أو سبعة» فيما علمك اللَّه من عادات النساء فإنه الغالب عليهن (منه رحمه اللَّه). الذكرى: 30.

______________________________

(1) الخلاف 1: 234.

(2) التهذيب 1: 403- 1262، الوسائل 2: 389 أبواب النفاس ب 3 ح 20.

(3) التهذيب 1: 401- 1252، الاستبصار 1: 138- 472، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 425

خرجت عن صلاحية المعارضة، لصيرورتها شاذة، لعدم قائل بمضمونها، كما

صرّح به جماعة «1».

و منه يظهر عدم مضرّة موثّقة أبي بصير أيضا، مع أنها شاملة لصورة الاختصاص بوجود إحدى من ذكر فيها و عدم وجود غيرها.

نعم، مقتضى موثّقة سماعة: الرجوع إلى الجميع مع العلم باتّفاقهن، إذ حينئذ يمكن جعل أقرائها مثل أقرائها، و إلى الأيام مع العلم باختلافهن و لو بعد الفحص في الصورتين.

أمّا لو لم يعلم الاتّفاق و لا الاختلاف و لم يتمكّن من الاستعلام، كأن تكون بعضهن أمواتا أو في بلاد بعيدة، و كانت المعلومات حالهن متّفقات حتى يصدق عدم العلم بالاختلاف، فالظاهر الاكتفاء بهذا البعض المعلوم بمقتضى الموثّقتين الأخيرتين الخاليتين عن المعارض في المقام، بل قيل: إنّ المراد من الأولى أيضا النساء الأحياء المتمكّن من استعلام حالهن أو الموجودات في بلدها «2».

و تدخل في نسائها أقاربها من الأبوين أو أحدهما إجماعا و عرفا، دون غيرهن و إن تلبّست بضرب من الملابسة و كفى أدناها في الإضافة، لأنّ كفايته مصحّحة للإضافة لا معيّنة لإرادة كلّ ملابس.

و مقتضى عموم النص: عدم اشتراط الحياة في الأقارب و لا التساوي في السن و لا الاتّحاد في البلد.

خلافا لظاهر الذكرى «3» في الأخير، فاعتبره، لظهور تأثير الاختلاف في البلد في مخالفة الأمزجة. و هو اجتهاد في مقابلة النص. و لعدم تبادر غير المتّحد منه.

و هو مردود بلزوم تبادر المتّحد في التخصيص، و هو منتف.

و هل يختص الرجوع- حين فقد التمييز- بنسائها؟ كما عن المعتبر و المنتهى «4»

______________________________

(1) كما المدارك 2: 117، و الحدائق 3: 300، و الرياض 1: 39.

(2) الذكرى: 31.

(3) الذكرى: 31.

(4) المعتبر 1: 207، المنتهى 1: 100، 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 426

و غيرهما.

أو يجوز لها الرجوع مع وجود النساء و اتّفاقهن إلى

أقرانها و ذوات أسنانها أيضا؟ إمّا مطلقا، كما في النافع «1» و عن التلخيص، أو بشرط كونهن من أهل بلدها، كما نقله في الشرائع «2» و عزاه في المدارك إلى المبسوط «3» و جمع من الأصحاب.

أو يجوز لها ذلك مع فقد النساء خاصة مطلقا؟ كما عن المهذّب، و التحرير، و التبصرة «4»، و جمل الشيخ، و اقتصاده «5»، و السرائر «6»، أو بشرط اتّحاد البلد، كما عن الوسيلة «7»، أو مع اختلافهن أيضا مطلقا، كما عن القواعد، و الإرشاد، و نهاية الإحكام «8»، أو بشرط اتّحاد البلد، كما عن الإصباح.

الحقّ هو الأول، لعدم دليل معتدّ به على الرجوع إليهن مطلقا.

و دعوى الظن بمشابهتها مع الأقران في الأقراء ممنوعة. و لو سلّمت فاعتباره غير مسلّم.

و الاستدلال بلفظ «نسائها» باعتبار كفاية أدنى الملابسة فاسد، كما مرّ.

و التمسّك باستفادة توزيع أيام الأقراء على الأعمار في المرسل المصرّح بأنّ المرأة أول ما تحيض تكون كثيرة الدم و كلّما كبرت نقص الدم «9»، ضعيف، لعدم

______________________________

(1) المختصر النافع: 9.

(2) الشرائع 1: 32.

(3) المدارك 2: 17، المبسوط 1: 46.

(4) المهذب 1: 37، التحرير 1: 14، التبصرة: 9.

(5) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 163، الاقتصاد: 247.

(6) السرائر 1: 146.

(7) الوسيلة: 59.

(8) القواعد 1: 14، الإرشاد 1: 226، نهاية الاحكام 1: 137.

(9) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 294 أبواب الحيض ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 427

دلالته على تساوي النساء في النقص بتساوي ازدياد السن.

[المسألة] الخامسة: إذا فقدت الأقارب لها أو اختلفن

- و إن اتّفقن منهن الأغلب على الأقرب [1]- تحيّضت بالسبعة في كلّ شهر على الأصح، وفاقا للمحكي عن ظاهر النهاية «1» في اللوامع، و عن

الجمل و الاقتصاد «2» في كلام بعض الأجلّة، و عن غيرهم أيضا في كلام بعض آخر «3».

لقوله عليه السلام في مرسلة يونس- الطويلة- التي هي كالصحيحة، لوجوه عديدة: «هذه سنّة التي استمرّ بها الدم أول ما تراه، أقصى وقتها سبع و أقصى طهرها ثلاث و عشرون».

و قوله عليه السلام فيها: «و إن لم تكن لها أيام قبل ذلك و استحاضت أول ما رأت، فوقتها سبع و طهرها ثلاث و عشرون».

و قوله في آخرها- في حقّ من أطبق عليها الدم و لم تعرف أياما و كانت فاقدة للتمييز-: «فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون، لأنّ قصّتها قصّة حمنة» «4».

و أمّا التخيير الواقع فيها أولا بقوله للمبتدأة: «تحيّضي في كلّ شهر في علم اللَّه ستة أيام أو سبعة، ثمَّ اغتسلي و صومي ثلاثة و عشرين يوما أو أربعة و عشرين يوما» فلمنافاته مع تعيين السبع و جعل أقصى الطهر ثلاثا و عشرين ثانيا لا يصلح للاستناد إليه في التخيير، بل يحمل إمّا على ترديد الراوي كما قيل «5»، أو على وجه آخر.

______________________________

[1] إشارة إلى خلاف الذكرى حيث ألحق اتفاق الأغلب باتفاق الجميع، فحكم فيه بالرجوع إلى عادة الأغلب. الذكرى: 30.

______________________________

(1) النهاية: 24.

(2) الجمل و العقود (الرسائل العشر) 163، الاقتصاد: 247.

(3) كما حكى عن القواعد في الرياض 1: 39 و لاحظ القواعد 1: 14 و تأمّل.

(4) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 381- 1183، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 3.

(5) الرياض 1: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 428

و لأجل ذلك و إن لم يمكن الاستناد في التعيين إلى قوله ثانيا أيضا و أمكن حمله على الاكتفاء في التفصيل بأحد

فردي التخيير دون الانحصار كما ذكره والدي- رحمه اللّه- في اللوامع، و لكن لاتّفاق الفقرتين على جواز السبع يكون جواز التحيّض بها قطعيا، و غيرها مشكوكا فيه، فينفى التعبّد به بالأصل.

خلافا في المبتدأة بقسميها لكثير من علماء الفرقة، فإنّ لهم فيهما أقوالا متكثرة تتجاوز عن العشرة، أكثرها عن الحجة خال بالمرة، و حجّة ماله حجّة منها للاستناد غير صالحة:

كالقول بتحيّضهما مطلقا بالثلاثة «1»، لأصالة عدم الزيادة، و استصحاب لزوم العبادة، و أصالة الطهارة، فإنّ جميع تلك الأصول بما مرّ مندفعة، و مع ذلك باستصحاب الحيض بعد التحيّض بالثلاثة معارضة.

و بتحيّضها في كلّ شهر بالعشرة، كما ذهب إليه بعضهم «2»، أو بالتحيّض عشرة و التطهّر عشرة، كما حكي عن بعض آخر «3»، للقاعدة التي هي على ألسنتهم جارية من حيضية كلّ ما يمكن أن يكون حيضا، فإنّك قد عرفت أنّ تلك القاعدة غير ثابتة.

و بتحيّضها بالثلاثة إلى العشرة مع أفضلية العشرة في الدور الأول و الثلاثة في غيره، ثمَّ أفضلية السبعة أو الستة في كلّ دور.

اختاره والدي العلّامة- رحمه اللّه- استنادا في الجزء الأول إلى موثّقة سماعة، المتقدّمة «4». و في الثاني إلى موثّقتي ابن بكير، السابقتين «5». و في الثالث إلى التخيير المذكور أولا في المرسلة «6»، بحمل الأولى على الجواز، و الثانية على الأفضلية، لعدم

______________________________

(1) المعتبر 1: 210.

(2) قد يظهر هذا من الفقيه 1: 51 كما نسبه في مفتاح الكرامة إلى مذهب الصدوق و ظاهر السيد.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، و نسبه في كشف اللثام 1: 89 الى موضع من المبسوط أيضا.

(4) في ص 418.

(5) في ص 419.

(6) يعني مرسلة يونس الطويلة المتقدم مصدرها ص 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 429

منافاتها للأولى

مع دلالتها على الرجحان، و الثالثة على التخيير بينها و بين الثانية للتعارض و عدم الترجيح، فيصار إلى التخيير مع أفضليّة لصراحة الأمر.

فإنّ الأولى للاحتجاج غير صالحة، لإجمالها، حيث إنّ كون الأكثر عشرة و الأقل ثلاثة يتصوّر بوجوه مختلفة، كأن تتحيّض في كلّ شهر بما شاءت من الثلاثة، أو العشرة، أو منهما و ممّا بينهما، أو في شهر بالأولى و في آخر بالثانية مخيّرة في التعيين، أو مع تعيين الأول للثلاثة و الثاني للعشرة، أو بالعكس، مع عدم دلالتها على جواز التحيّض بما بين العددين، بل إمكان القدح في دلالتها على الجواز بالعددين أيضا.

و الثانية شاذة، و لشهرة القدماء بل الإجماع مخالفة، إذ لم ينقل من أحد من الطائفة المصير إلى مضمونها الذي هو التحيّض بالعشرة في الدور الأول و بالثلاثة في غيره مطلقا لا معيّنا و لا مخيّرا بين ذلك و بين غيره، فهي عن أصلها ساقطة، و لمعارضة المرسلة غير صالحة.

و الثالثة مع ما بعدها في المرسلة- كما عرفت- منافية، و مثل ذلك لا يصلح للاستناد و الحجية.

و مع ذلك كله، فلا يشمل شي ء منها المضطربة، بل الكلّ مختص بالمعنى الأخص من المبتدأة.

و بتحيّضها بالستة أو السبعة مطلقا، لما ذكر مع ما فيه.

و بالثلاثة من شهر و عشرة من آخر، للموثّقتين. فإنّهما على ذلك غير دالّتين و لا مشعرتين. إلى غير ذلك من الأقوال الخالية عن الحجة، أو المحتج لها بما يظهر ما فيه بما ذكر.

ثمَّ إنّه صرّح جماعة «1»، و حكي عن المعتبر و الإصباح و المنتهى و التحرير «2»:

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 2: 21، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 90 و حكاه عن الكتب المذكورة في المتن.

(2) المعتبر 1:

209، المنتهى 1: 102، التحرير 1: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 430

بأنّ العدد الذي تتحيّض به، لها وضعه حيث شاءت من الشهر في الدور الأول، لإطلاق الأدلّة و عدم الترجيح.

يعني- بعد ظهور استمرار الدم إلى آخر الشهر- لها أن تجعل الحيض أيّ سبعة شاءت مثلا، فإن جعلت الأولى التي كان عليها أن تتحيّض فيها قبل ظهور الاستمرار فهو، و إلّا فتقضي ما تركته فيها من الصلاة.

و الظاهر أولوية جعل الأول حيضا بل تعيّنه، كما عن التذكرة، و ظاهر المبسوط، و الجواهر «1»، للمرسلة «عدّت من أول ما رأت الدم الأول و الثاني عشرة أيام ثمَّ هي مستحاضة» «2».

و أيضا: فإنها تتحيّض قطعا في الأول باستمرار الدم إلى الثلاثة سيما مع الوصف، فالانتقال عنه و تركها العبادة و قضاؤها لما تركته من الصلاة يحتاج إلى دليل.

هذا في الدور الأول، و أمّا ما بعده فلا بدّ من اتّباع النصّ من جعل ثلاثة و عشرين طهرا ثمَّ التحيّض بعده، فإنّها أقصى طهرها، بل طهرها تلك خاصة، كما نصّ به في المرسلة «3» التي هي في الباب عمدة.

القسم الثاني: ذات العادة.
اشاره

و هي التي حصلت لها العادة في وقت الحيض، أو قدره، أو فيهما.

ثمَّ إنّ عدم حصول العادة- التي قد يعبّر عنها بأيام الحيض أيضا- بالمرة الواحدة عندنا مجمع عليه، و اشتقاقها من العود يرشد إليه، و الأصل يوافقه، و في ذيل المرسلة- الطويلة، كما يأتي- تصريح به، و أكثر المخالفين يوافقنا فيه.

و ثبوتها بالمرتين ممّا لا خلاف فيه، و حكاية الإجماع من الأعيان متكررة

______________________________

(1) التذكرة 1: 31، المبسوط 1: 47، جواهر الفقه: 16.

(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 299 أبواب

الحيض ب 12 ح 2.

(3) يعني بها المرسلة الطويلة، تقدم مصدرها في ص 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 431

عليه «1».

و يدلّ عليه إطلاق أخبار العادة بل عموم بعضها «2»، و خصوص ما يأتي «3» من الموثّقة و المرسلة.

و في اشتراط استقرار الطهر بتكريره مرتين متساويتين في استقرار العادة عددا و وقتا قولان، الأقوى: العدم، للأصل، و ظاهر المرسلة. وفاقا للفاضل «4»، و الروض «5»، بل الأكثر، كما ذكره والدي في اللوامع. و خلافا للذكرى «6»، فاشترطه فيهما، و بدونه حكم باستقرار العدد دون الوقت. و لا دليل له.

و كذا لا يشترط في العددية تعدّد الشهر، فتستقرّ برؤيته في الشهر الواحد مرارا متساوية بينهما أقلّ الطهر، وفاقا للمحكي عن المبسوط، و الخلاف، و المعتبر، و الذكرى، و الروض «7»، لإطلاق أخبار العادة و أيام الحيض الصادق بذلك.

و ظاهر الموثّقة «8» و إن اقتضى نفي الاستقرار في الشهر الواحد بالمفهوم، و لكن لتعارضه مع إطلاق قوله في المرسلة بالعموم من وجه و تساقطهما تبقى إطلاقات أخبار العادة و أيام الحيض خالية عن المعارض.

و منه يظهر عدم اشتراط تعدّد الشهر الهلالي في استقرار الوقتية أيضا، بل يكفي تعدّده في شهر الحيض، و هو ما يمكن أن يعرض فيه حيض و طهر صحيحان و هو ثلاثة عشر يوما، أو في غير ذلك ككلّ أسبوعين مثلا.

______________________________

(1) لاحظ الخلاف 1: 239، التذكرة 1: 27، المدارك 1: 325.

(2) انظر الوسائل 2: أبواب الحيض ب 4، 5.

(3) في ص 432.

(4) في المنتهى 1: 103، و التذكرة 1: 27. قال: فلو رأت في شهر خمسة لا غير و في آخر خمسة مرتين استقرت العادة.

(5) الروض: 63.

(6) الذكرى: 28.

(7) المبسوط 1: 47، الخلاف

1: 239، المعتبر 1: 217، الذكرى: 28، الروض: 64.

(8) الآتية عن قريب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 432

و ورود الشهر في الخبرين و كونه حقيقة في الهلال لا يضرّ، لما عرفت.

و عدم إمكان تماثل الزمانين بالنسبة إلى الدمين في غير الهلالي ممنوع، فإنّه يمكن في شهر الحيض أو الأسبوع أو كلّ نصف من الهلالي و نحو ذلك.

و من ذلك تظهر أيضا صحة القول باستقرار الأقلّ القدر المشترك من الوقت و العدد في الأقسام الثلاثة، لصدق العادة و أيام الحيض و إن لم يصدق السواء المصرّح به في الخبرين.

و كذا يظهر وجه حصول العادة بالتمييز مع استمرار الدم.

ثمَّ إنّ ذات العادة- كما أشير إليه- على أنواع ثلاثة، لأنّها إمّا عديدة و وقتية، أو عددية فقط، أو وقتية كذلك. و اعتبار الثلاثة و إطلاق العادة و أيام الحيض و ترتّب أحكامهما عليها مجمع عليه، و هو الحجة في ذلك.

مضافا في الأوّليين إلى موثّقة سماعة، و فيها: «فإذا اتّفق الشهران عدّة أيام سواء فتلك أيامها» «1».

و المرسلة «2»- الطويلة- و فيها: «فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول سواء حتى توالت عليها حيضتان فقد علم أنّ ذلك صار وقتا و خلقا معروفا، فتعمل عليه و تدع سواه» إلى أن قال: «و إنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث حيض، لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، للتي تعرف أيامها: دعي الصلاة أيام أقرائك، فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنّة لها فيقول [لها]: دعي الصلاة أيام قرئك، و لكن سنّ لها الأقراء و أدناه حيضتان فصاعدا».

و في الأخيرة [1] إلى قوله عليه السلام في المرسلة: «و لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت [إلى معرفة]

لون الدم» إلى أن قال: «فإن جهلت الأيام و عددها

______________________________

[1] أي مضافا في الأخيرة- و هي الوقتية- إلى قوله عليه السلام ..

______________________________

(1) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 1، التهذيب 1: 380- 1178، الوسائل 2: 304، أبواب الحيض ب 14 ح 1.

(2) تقدم مصدرها ص 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 433

احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه، ثمَّ تدع الصلاة إلى قدر ذلك» الحديث.

دلّت بالمفهوم على أنه إذا عرفت الأيام وحدها أيضا لم يحتج إلى النظر إلى لون الدم، و تمام المطلوب يثبت بالإجماع المركّب.

ثمَّ تأثير العددية إنّما هو في الرجوع إليها عند عبور الدم عن العشرة، و الوقتية في الجلوس برؤية الدم.

ثمَّ إنّه قيل: إنّ المناط في اتّحاد الوقت و العدد عدم الزيادة و النقصان و التقدّم أو التأخّر بيوم تام، لا ببعضه أيضا، إذ التفاوت بالبعض لازم التحقّق في كلّ دمين غالبا، مع أنّ العرف لا يعتني بمثل ذلك.

أقول: لا شك في عدم اعتناء العرف بالتفاوت القليل، فلا ينافي الاستقرار، و لكن تحديده بمطلق بعض اليوم محل نظر، فإنّه لو رأت الدم أول الطلوع من اليوم الأول من شهر و انقطع آخر السابع، ثمَّ رأته في آخر ساعة من الأول من الشهر الثاني بل و لو بعد زواله مطلقا و انقطع آخر سابعه ففي صدق الاتّحاد في الوقت و العدد نظر ظاهر. و الأولى إحالة ذلك إلى العرف مطلقا.

ثمَّ الكلام في كلّ من هذه الأنواع- كما في المبتدأة- إمّا في تحيّضها أو في مقدار حيضها.

فالنوع الأول، و هي: ذات العادة العددية و الوقتية
اشاره

، فيه موضعان:

الموضع الأول: في تحيّضها

. و لبيانه نقول: إنّ ذات العادة العددية و الوقتية تتحيّض و تترك العبادة برؤية الدم مطلقا و إن لم يكن بصفة الحيض إذا كانت في وقت العادة إجماعا محقّقا، و منقولا «1» مستفيضا، له، و للنصوص المستفيضة جدّا، بل المتواترة معنى.

و في تحيّضها برؤيته قبله مطلقا، أو مع كونه بالصفة، أو إلحاقها حينئذ

______________________________

(1) كما نقله في الشرائع 1: 29، و التذكرة 1: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 434

بالمبتدأة فتستظهر بالعبادة إلى الثلاثة أو حضور الوقت، أقوال:

الأشهر الأظهر: الأول، بل قيل «1»: إنه إجماع. لا لأصالة عدم الآفة كما قيل «2»، لمعارضتها مع أصالة عدم الحيض كما مرّ.

بل لعموم المستفيضة المصرّحة بتحيّض المرأة بمجرّد رؤية الدم «3».

و خصوص ما دلّ على حيضية ما تراه ذات العادة قبل العادة مطلقا، كموثّقة سماعة: عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، قال: «فلتدع الصلاة، فإنه ربما يعجّل بها الوقت» «4».

أو الصفرة التي تراها كذلك، كرواية ابن أبي حمزة: عن المرأة ترى الصفرة فقال: «ما كان قبل الحيض فهو من الحيض، و ما كان بعد الحيض فليس منه» «5».

و الرضوي: «و الصفرة قبل الحيض حيض، و بعد أيام الحيض ليست من الحيض» «6».

أو الثاني مقيّدا بيومين، كصحيحة ابن حكيم: «الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و بعد أيام الحيض ليس من الحيض، و في أيام الحيض حيض» «7» و قريبة منها موثّقة أبي بصير «8».

______________________________

(1) كما ادّعى في كشف اللثام 1: 90 اتفاق الأصحاب عليه.

(2) الرياض 1: 41.

(3) راجع ص 409.

(4) الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 2، التهذيب 1: 158- 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13 ح 1.

(5) الكافي

3: 78 الحيض ب 3 ح 4، التهذيب 1: 396- 1232، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 5.

(6) فقه الرضا عليه السلام: 21، المستدرك 2: 8، أبواب الحيض ب 4 ح 2.

(7) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 5، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 6.

(8) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 2، الفقيه 1: 51- 196 رواها مرسلة، التهذيب 1: 396- 1231، الوسائل 2: 279 أبواب الحيض ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 435

و أمّا ما في المرسلة- الطويلة- من الدلالة على أنّ ذات العادة تعمل في العادة و تدع ما سواها- كما يأتي- فلا يضرّ هنا، لعدم عامل به في المورد أصلا، مع أنها أعم مطلقا من أخبار القبل فتخصّص بها.

للثاني- و هو مختار صاحب المدارك «1»-: ما تقدّم «2» من الأخبار الدالّة على انتفاء الحيضية بانتفاء الصفات، و على أنّ الصفرة في غير أيام الحيض ليست بحيض كما في صحيحة محمّد «3».

و أجيب عنها: بكونها أعم مطلقا ممّا مرّ، فتخصّص بها، مع أنّ في المرسلة- الطويلة- دلالة على عدم رجوع ذات العادة إلى التمييز، كما يأتي.

و للثالث- و هو مذهب المسالك «4»-: ظواهر بعض الأخبار التي لا دلالة لها، و بعض الاعتبارات الذي لا اعتناء به.

ثمَّ إنّه لا فرق فيما تراه قبلها فيما إذا كان بحيث ينتهي الدم على أول أيام العادة، أو في أثنائها إذا كان بحيث تصدق القبلية عرفا و لم يبعد عنها بحيث لا يقال إنّه قبل العادة، و يصدق عليها تعجيل العادة كما علّل به في الرواية «5».

و الحاصل: أنّ القبل المحكوم بحيضيته هو ما يقرب العادة و

كذا البعد، و أمّا مطلق القبل و البعد اللغويين الصادقين على كلّ ما تقدّم و تأخّر فليس مرادا هنا قطعا، و لذا ورد في بعض الأخبار بيوم و يومين «6» و عبّر بعض الفقهاء بالقبيل و البعيد.

______________________________

(1) المدارك 1: 328.

(2) ص 382، 383.

(3) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 1، التهذيب 1: 396- 1230، الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4 ح 1.

(4) المسالك 1: 9.

(5) المتقدمة ص 434.

(6) انظر الوسائل 2: 541 أبواب الحيض ب 4 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 436

و ممّا يثبت ذلك: أنه لو أريد اللغويان، لكان كلّ قبل بعدا لما قبله و بالعكس، فتتعارض الفقرتان و يلغو الحكم، و ذلك قرينة واضحة على ما ذكرنا من المراد من القبل و البعد.

و كذا تتحيّض بمجرد الرؤية مطلقا إذا رأته متأخّرا عن أول وقت العادة أي في أثنائها، لصدق كونه في العادة، فتدلّ عليه أخبارها.

و أمّا لو رأته متأخّرا عن آخر وقت العادة فلا شك في التحيّض به مع كونه بالوصف، للإجماع، و لأخبار التمييز، الخالية عمّا يصلح للمعارضة في المقام. و أمّا قوله لذات العادة في المرسلة «1»: «تعمل فيه- أي في وقتها- و تدع ما سواه» فإنّما يجري فيما إذا رأت في العادة أيضا حتى يصدق قوله: «تعمل فيه» و ليس كذلك المقام.

و أمّا ما في آخر مرسلة يونس- القصيرة-: ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض» «2» فلا ينافيها، لجواز أن يراد بأيام حيضها هنا أيام العادة إذا كانت فيها حائضا دون ما إذا خلت أيام العادة عن الدم، كما هو مورد المسألة.

و أما بدونه [1] فادّعى بعض الأجلّة الاتّفاق على التحيّض مطلقا الشامل

لهذه الصورة أيضا «3».

و ظاهر المدارك عدمه «4». و الأصل معه و إن كان مظنة الإجماع على التحيّض في صورة الاستمرار إلى الثلاثة.

و في حكم المتأخّر كلّ ما بعد زمان العادة و لو بكثير إذا لم تر في زمان العادة، و الدليل الدليل.

______________________________

[1] اي بدون الوصف.

______________________________

(1) أي مرسلة يونس الطويلة، تقدم مصدرها ص 419. و فيه: «نعمل عليه ..».

(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، الوسائل 2: 279 أبواب الحيض ب 4 ح 3.

(3) كشف اللثام 1: 90.

(4) المدارك 1: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 437

و لو رأت في العادة و انقطع عليها ثمَّ رأت قبل مضيّ أقلّ الطهر، لم تتحيّض به إجماعا. و كذا بعده على الأصح، لعدم كون ذلك حيضا- كما يأتي- إلّا إذا كان ذلك أيضا عادة لها.

الموضع الثاني: في قدر حيضها
اشارة

و وقته في كلّ موضع حكم بتحيّضها.

و بيانه: أنّها إمّا ترى أقلّ من العادة، أو مساويا له، أو أزيد منه، و الأخير إمّا لا يتجاوز من العشرة، أو يتجاوزها، فهنا مسائل.

المسألة الأولى: إذا انقطع دمها على العدد أو أقلّ منه ما لم ينقص عن الثلاثة،

فالكلّ حيض إجماعا، له، و للاستصحاب، و النصوص، و كذا النقاء المتخلّل بين أيامها. و لا استظهار حينئذ، وفاقا للمعظم، لمرسلة داود «1» و غيرها.

خلافا لشاذ «2» لا يعبأ به، لبعض إطلاقات الاستظهار الواجب تقييده بما مرّ.

[المسألة] الثانية: لو لم ينقطع دمها على العدد، فإن كان عددها عشرة،

استحاضت في الزائد، و لم يكن عليها استظهار إجماعا، و تدلّ عليه مرسلتا ابن المغيرة «3».

و إن كان ما دون العشرة، تستظهر و تحتاط بترك العبادة إجماعا، للنصوص المستفيضة جدّا، كالصحاح الأربع لمحمّد «4»، و البزنطي «5»، و زرارة «6»، و ابن

______________________________

(1) الكافي 3: 90 الحيض ب 9 ح 7، الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 1.

(2) نقله في شرح المفاتيح- مخطوط- عن السرائر و الموجود فيه 1491 خلافه.

(3) روى إحداهما في الكافي 3: 77 الحيض ب 3 ح 3، الوسائل 2: 295 أبواب الحيض ب 10 ح 5 و أخراهما في التهذيب 1: 172- 493، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض ب 13 ح 11.

(4) المعتبر 1: 215، الوسائل 2: 304 أبواب الحيض ب 13 ح 15.

(5) التهذيب 1: 171- 489، الاستبصار 1: 149- 514، الوسائل 2: 302 أبواب الحيض ب 13 ح 9.

(6) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 4، التهذيب 1: 173- 496، الوسائل 2: 373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 438

عمرو «1»، و الموثّقات السبع لسماعة «2»، و سعيد «3» و ابن جرير «4»، و يونس «5»، و زرارة «6»، و المراسيل الثلاث لابن المغيرة، و داود. و خبر زرارة «7».

بيوم واحد إن كانت عادتها تسعة أيام إجماعا، لعدم إمكان الزائد.

و مخيّرة بين يوم أو يومين إن كانت ثمانية، للتصريح بالتخيير بينهما لمن تجاوز دمه

العادة مطلقا في الصحيحتين الأوليين، و الموثّقة الأخيرة، و الخبر الأخير.

و لا ينافي ذلك ما دلّ على الاستظهار بثلاثة أيام، لاختصاصه بما عدا ذلك قطعا، لعدم إمكانه. و لا ما اقتصر فيه على واحد، لوجوب حمله على أحد أفراد المخيّر، فإنّ الأصل في الحكم وجوبا كان أو استحبابا و إن كان التعيين، إلّا أنه يجب الخروج عنه مع الدليل على التخيير كما في المورد.

و بينه و بينهما و بين ثلاثة أيام إن كانت سبعة، للصحيحة الثانية. و لا ينافيها ما اقتصر على أحد الثلاثة، لما مرّ.

______________________________

(1) التهذيب 1: 172- 491، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض ب 13 ح 10، و في «ق» و «ه» بدل ابن عمرو «ابن عمير» و في «ح» ابن ابي عمير، و الصواب ما أثبتناه.

(2) له روايتان: إحداهما رواها في الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 2، التهذيب 1:

158- 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13 ح 1، و الأخرى رواها في التهذيب 1:

386- 1190، الاستبصار 1: 139- 477، الوسائل 2: 302 أبواب الحيض ب 13 ح 6.

(3) التهذيب 1: 172- 490، الاستبصار 1: 149- 513، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض ب 13 ح 8.

(4) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 3، التهذيب 1: 151- 431، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 3.

(5) التهذيب 1: 402- 1259، الاستبصار 1: 149- 516، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض ب 13 ح 12.

(6) له روايتان موثقتان روى إحداهما في التهذيب 1: 169- 483، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 9 و الأخرى في التهذيب 1: 401- 1253، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12.

(7) التهذيب

1: 402- 1256، الوسائل 2: 304 أبواب الحيض ب 13 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 439

و بين كلّ من هذه الثلاثة و تمام العشرة إن كانت ستة فما دون، لدلالة الصحيحة الثانية على التخيير بين الثلاثة مطلقا، و دلالة مرسلتي ابن المغيرة، و موثّقة يونس على تعيين تمام العشرة، و إذ لا ترجيح فالحكم التخيير، كما نطقت به الأخبار العلاجية في التعارض.

وفاقا في الجميع للذكرى «1»، و أكثر الثالثة «2».

خلافا للمحكي عن الصدوق «3»، و الشيخين «4»، و الوسيلة، و الشرائع، و النافع «5»، فحكموا بالتخيير بين الأولين خاصة. و ظاهر أنه في غير الأولى.

و لصاحب المدارك «6» فبين الثلاثة الأولى. و ظاهر أنه في غير الأولين.

و للسيد، و عن الإسكافي «7»، و المقنعة، و الجمل «8»، فحكموا بتعيّن تمام العشرة مطلقا.

و حجة الجميع مع الجواب ظاهرة.

ثمَّ ذلك الاستظهار هل هو على الوجوب؟ كما عن ظاهر الأكثر، و السيد «9»، و الاستبصار، و النهاية، و الجمل، و السرائر «10»، عملا بظاهر الأوامر، و احتياطا في العبادة حيث إنّ تركها على الحائض عزيمة، و استصحابا للحالة

______________________________

(1) الذكرى: 29.

(2) كما قال به في المفاتيح 1: 15، و الكفاية: 4، و الحدائق 3: 223.

(3) قال في المنتهى 1: 103: و به قال ابن بابويه.

(4) نقله في المنتهى عن المفيد، النهاية: 24.

(5) الوسيلة: 58، الشرائع 1: 30، النافع: 10.

(6) المدارك 1: 335.

(7) نقل عن السيد في المنتهى 1: 103. و عن الإسكافي في جامع المقاصد 1: 332.

(8) المقنعة: 55 الجمل و العقود (الرسائل العشر): 163. قال في كشف اللثام 1: 96 و هو ظاهر الشيخين في المقنعة و الجمل لإطلاقهما صبرها حتى تنقى.

(9) كما هو ظاهر

ما نقله عنه في المنتهى.

(10) الاستبصار 1: 149، النهاية: 24، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 163، السرائر 1: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 440

السابقة.

أو على الاستحباب؟ كما عن التذكرة «1» و عامة المتأخّرين «2»، بل الأكثر كما في اللوامع، التفاتا إلى أخبار الرجوع إلى العادة مطلقا و العمل فيما عداها بالاستحاضة، كالصحاح الثلاث لأبناء عمّار «3»، و سنان «4»، و أعين «5»، و موثّقتي ابن سنان «6»، و سماعة «7»، و مرسلة يونس «8»، و خبر ابن أبي يعفور «9»، و أخذا بظن الانقطاع على العادة.

و هو الحق. لا لما ذكر، لعدم التمامية. بل لانتفاء الوجوب بالأصل، و عدم دليل عليه، لخلوّ جميع أخبار الاستظهار- سوى اثنين منها- عن اللفظ الدالّ على الوجوب، و إنّما وردت بلفظ الإخبار الغير المفيد سوى الرجحان. و أمّا هما فمخرجان عن حقيقتهما التي هي الوجوب المعيّن قطعا، لما عرفت من ثبوت التخيير.

و ليس الحمل على الوجوب التخييري أولى من الاستحباب كذلك، حيث إنّهما من المعاني المجازية.

و كون الوجوب التخييري أقرب إلى الحقيقة لا يفيد، لعدم دليل على وجوب

______________________________

(1) التذكرة 1: 29.

(2) منهم الشهيدان في الذكرى: 29، و المسالك: 9، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 332.

(3) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 170- 484، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

(4) التهذيب 1: 171- 487، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ملحق ح 4.

(5) التهذيب 1: 173- 495، الاستبصار 1: 150- 519، الوسائل 2: 382 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 1.

(6) التهذيب 1: 401- 1254، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ملحق ح 4.

(7) التهذيب 1: 401- 1255،

الوسائل 2: 378 أبواب الاستحاضة ب 2 ح 1.

(8) تقدم مصدرها ص 419.

(9) التهذيب 1: 402- 1258، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 441

الحمل على مثل ذلك الأقرب، و ثبوت مطلق الرجحان الموجب- لدفع الأصل- للاستحباب بما مرّ.

و لا تضرّ معارضة أخبار الرجوع إلى العادة الواردة جميعا أيضا بلفظ الإخبار المفيد للرجحان. لا لما قيل «1» من أنها لا تفيد سوى الجواز الغير المنافي للاستحباب حيث وردت في مقام توهّم الحظر، لمنع حمل الأمر على الجواز في مثل ذلك المقام.

بل لسقوطها بموافقتها العامة [1] التي هي من موجبات المرجوحية المنصوصة، فتبقى مرجّحات الاستظهار خالية عن المعارض.

مع أنه لو تعارض الفريقان، لوجب تقديم الأولى، لكونها أخصّ مطلقا.

و لو سلّم أنّهما تعارضا و تساقطا، لكفت الشهرة العظيمة بل ظاهر الإجماع لإثبات الاستحباب، للتسامح في أدلّته.

و منه يظهر سقوط القول بالجواز الخالي عن قيدي الوجوب و الاستحباب رأسا و إن سقطت أدلّة الطرفين بالتعارض «2».

فروع:

أ: مقتضى إطلاقات الاستظهار ثبوته مع رؤية الدم مطلقا سواء كان بصفة الحيض أم لا.

و ربما يقيّد بالأول، جمعا بينها و بين إطلاقات سقوط الاستظهار بشهادة أخبار التمييز «3».

و فيه- مع أنّ الاستشهاد لا يوافق التخيير في أيام الاستظهار و لا استحبابه-:

______________________________

[1] بداية المجتهد 1: 51 قال: و أما الاستظهار الذي قال به مالك بثلاثة أيام فهو شي ء انفرد به مالك و أصحابه و خالفهم في ذلك جميع فقهاء الأمصار ما عدى الأوزاعي ..

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 42.

(2) كما قال به المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 149، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 70.

(3) كما في المدارك 1: 334.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 2، ص: 442

أنّ أخبار التمييز معارضة مع حسنة ابن مسلم و موثّقته «1» الدالّتين على حيضية كلّ ما رأته قبل العشرة و ساقطة في المقام، فيبقى ذلك الجمع بلا شاهد فلا اعتبار به.

و قد يجمع «2» أيضا بحمل إطلاقات السقوط على مستقيمة الحيض بلا اختلاف بالزيادة و النقصان و التقدّم و التأخّر، و المثبتات له على غيرها، بشهادة صحيحتي البصري «3» و ابن أعين «4».

و هو كان حسنا لو لا شذوذهما، إذ لا قائل بهما كما في اللوامع، و لا أقلّ من ندرته الكافية لإخراج الرواية عن حيّز الحجية، مع أنّ تنزيلهما على ما لا ينافي المشهور ممكن.

ب: إذا تمّت أيام الاستظهار قبل العاشر و لم ينقطع الدم تفعل فعل المستحاضة إجماعا، و تدلّ عليه موثّقة سماعة، و فيها: «فإذا كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتتربّص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها، و إذا تربّصت ثلاثة أيام و لم ينقطع عنها الدم فلتصنع كما تصنع المستحاضة» «5».

و اختصاصها باستظهار الثلاثة غير ضائر، لعدم الفصل.

ج: صرّح الأكثر- بل قيل: إنّه المعروف منهم- بأنّ بعد الاستظهار فإمّا يتجاوز دمها العاشر، أو لا بل ينقطع عليه أو على ما دونه.

فعلى الأول يتبيّن كون ما سوى العادة استحاضة و يلزمه وجوب قضاء ما تركته في أيام الاستظهار من الصلاة و الصوم.

و على الثاني يتبيّن كون الجميع حيضا، فتقضي الصوم حتى الذي اتي به.

______________________________

(1) المتقدمتين ص 392.

(2) كما جمعه في الحدائق 3: 221.

(3) التهذيب 5: 400- 1390، الوسائل 2: 275 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.

(4) التهذيب 1: 402- 1257، الوسائل 2: 379 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 1.

(5) الكافي 3: 77 الحيض ب 3 ح 2،

التهذيب 1: 158- 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 443

بعد أيام الاستظهار.

و قيل: تكون أيام الاستظهار حيضا في اليقين، و إنّما التفاوت بالحيضية و الاستحاضة إنّما هو فيما بعدها و قبل انقضاء العشرة لو كان، حكي عن مصباح السيد «1»، و ظاهر القواعد، و النهاية «2»، و اختاره في النافع، و نقله في المعتبر عن جماعة من علمائنا المحقّقين «3».

و مال بعض مشايخنا المتأخّرين «4»- مضافا إلى حيضية أيام الاستظهار- إلى كون ما بعد أيام الاستظهار استحاضة مطلقا، و إليه يميل كلام المدارك «5».

و من هذا ظهر أنّ أيام الاستظهار مع عدم التجاوز حيض إجماعا، و ما بعدها إلى العشرة مع التجاوز طهر كذلك. و إنّما الخلاف في الأول [1] مع الثاني و الثاني [2] مع الأول، ففي كلّ من الموضعين قولان: الطهرية و الحيضية، و فيهما معا احتمالات أربعة: طهرية الأول و حيضية الثاني و هو المشهور، و عكسه و هو لصاحب المدارك و بعض المشايخ، و حيضيتهما معا و هو للسيد و تابعيه، و طهريتهما كذلك، و لم أعثر على قائل به.

و التحقيق في المقام، بعد ملاحظة أنه لا دلالة لأخبار الاستظهار على حيضية أيامه و لا طهريته أصلا، إذ لا ملازمة بين استحباب ترك العبادة في أيام الاستظهار أو وجوبه و بين أحد الأمرين قطعا، كما أنه يجب تركها برؤية الدم مع

______________________________

[1] أي في أيام الاستظهار مع الثاني أي مع التجاوز عن العشرة.

[2] أي في ما بعد أيام الاستظهار مع الأول أي مع عدم التجاوز عن العشرة.

______________________________

(1) حكاه في الرياض 1: 42.

(2) القواعد 1: 16، نهاية الإحكام 1: 123 و قد أوضح

في الرياض 1: 42 وجه الاستظهار منهما فراجع.

(3) النافع: 10، المعتبر 1: 215.

(4) انظر الحدائق 3: 224.

(5) المدارك 1: 336.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 444

أنه قد لا يستمرّ إلى الثلاثة، و يجب فعلها في الانقطاع المتخلّل في الأثناء، مع أنه قد يعود الدم قبل العشرة أو تمام العادة. و لا لمثل قوله في تلك الأخبار بعد الاستظهار: «ثمَّ هي مستحاضة» على الحيضية قبله: أنّ ها هنا أقساما خمسة من الأخبار: الدالّة على أنّ كلّ ما تراه بعد أيام حيضها فليس بحيض «1»، و قوله في المرسلة: «فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتا و خلقا تعمل عليه و تدع ما سواه» «2» و المصرّحة بأنّ ما بعد أيام الاستظهار استحاضة «3»، و المشتملة على أنّ كلّ ما بصفة الحيض حيض «4»، و المتضمّنة لأن ما تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى «5».

و مقتضى إطلاق الأولين طهرية الموضعين، كما أنّ مقتضى الثالث طهرية الثاني أيضا، و مقتضى إطلاق الثانيين حيضية الموضعين، فيتعارض الفريقان بالعموم من وجه، و يرجع إلى الأصل، و هو يقتضي حيضية الموضعين لاستصحاب الحدث. و لا تعارضه في الموضع الأول أصالة بقاء العادة على حالها، لمنعها البتة.

فالحقّ هو القول الثاني.

و إباء العقل عن الحكم بكون ما تراه من الدم طهرا في آن و ما تراه في آن متّصل به حيضا مع اتّصالهما، و عن صيرورة دم واحد حيضا و طهرا باختيارها لتخييرها في الاستظهار- كما هو اللازم في الموضع الأول- ممنوع جدّا.

د: لو رأت ذات العادتين الدم قبيل [1] العادة و انتهت أيام العادة في أثنائها ففي الاستظهار حينئذ لأخباره، أو عدمه بل التحيّض، لقوله عليه السلام

في

______________________________

[1] في «ق» و «ه»: قبل.

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 281 أبواب الحيض ب 5.

(2) تقدم مصدرها في ص 419.

(3) انظر الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13.

(4) انظر الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3.

(5) انظر الوسائل 2: 299 أبواب الحيض ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 445

المرسلة الطويلة: «فتعمل فيه و تدع ما سواه» «1» إشكال.

ه: لو اختارت عدم الاستظهار تغتسل و تعمل عمل المستحاضة، فإن تجاوز الدم العشرة فلا شي ء عليها إجماعا، و إلّا فتتحيّض في جميع أيام الدم و تقضي الصوم، و وجهه ظاهر ممّا سبق. و الظاهر عدم الفرق في ثبوت الاستظهار بين ما إذا استمرّ الدم إلى العادة و تجاوز عنها أو انقطع قبلها ثمَّ عاد قبل العشرة بما يمكن فيه الاستظهار، لإطلاق بعض أخباره. و حينئذ فإن تجاوز عن العشرة، فالظاهر عدم الخلاف في كونه استحاضة و أيام النقاء طهرا، و إلّا فمقتضى الاستصحاب حيضيّته مع أيام النقاء.

[المسألة] الثالثة: لو تجاوز دمها العاشر،

تجعل عادتها عددا و وقتا أو مع أيام الاستظهار- على اختلاف القولين- حيضا، و ما سواها استحاضة إن لم يبلغ المجموع حدّا يصلح لحيضتين مستقلّتين بأن يتضمّن الزائد على العادة لأقلّ طهر و حيض- توافقت العادة و الزائد الصالح للحيضية في الصفات أو اختلفتا- مع كون أيام العادة بالصفة إجماعا.

و كذا مع كون غير العادة بالصفة دون العادة، فيرجح العادة على الأصح الأشهر، كما صرّح به جماعة، و هو مختار المفيد، و السيد «2»، و الشيخ في الجمل و المبسوط «3»، و المعتبر، و النافع، و الشرائع «4»، و الجامع، و الكافي، و الاقتصاد، و السرائر «5»، و غيرها «6».

لعموم أخبار العادة، و أنّ الصفرة في أيام الحيض حيض،

و إطلاقات كون

______________________________

(1) تقدم مصدرها ص 419.

(2) نقل في المعتبر 1: 212 عنه و كذا عن المفيد.

(3) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 164، المبسوط 1: 49.

(4) المعتبر 1: 212، النافع: 9، الشرائع 1: 32.

(5) الجامع للشرائع: 42، الكافي: 128، الاقتصاد 246، السرائر 1: 148.

(6) كالقواعد 1: 14، و الذكرى: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 446

الدم استحاضة بعد الاستظهار.

و خصوص قوله عليه السلام في المرسلة الطويلة: «و لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم».

و قوله فيها: «فإذا جهلت الأيام و عددها احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه».

و قوله فيها أيضا: «فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا تعمل عليه و تدع ما سواه».

خلافا للمحكي عن النهاية «1»، و الإصباح «2»، و موضع من المبسوط «3»، فرجّحوا التمييز، لأخباره، الواجب تقييدها بغير ذات العادة، لما ذكر.

و للمنقول عن ابن حمزة «4»، فقال بالتخيير، جمعا بين أخبار العادة و التمييز.

و ضعفه ظاهر بعد ما مرّ.

و للكركي «5»، فرجّح العادة مع استفادتها من الأخذ و الانقطاع، و التمييز مع استفادتها من التمييز، لئلّا تلزم زيادة الفرع على الأصل.

و يردّ بعدم محذور في لزومه، مع أنه ليس زيادة.

و لو بلغ المجموع حدّا صالحا لحيضتين بأن يتخلّل بينهما زمان أقلّ الطهر، فمع اختلاف الدمين بالتمييز و عدمه و ثبوت التمييز لغير العادة، ففي الرجوع إليها، أو إليه، أو جعل كلّ منهما حيضا منفردا، احتمالات بل أقوال. أظهرها:

الأول، وفاقا لبعض الثالثة «6»، للمرسلة المشترطة في الرجوع إلى التمييز فقد

______________________________

(1) النهاية: 24.

(2) نقل عنه في كشف اللثام 1: 90.

(3) المبسوط 1: 48.

(4) الوسيلة: 60.

(5) جامع المقاصد 1:

301.

(6) الذخيرة: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 447

العادة، و قوله فيها: «و تدع ما سواه». مع أنه لو قلنا بتعارض الأمر بدعة ما سواه، و الأمر باعتبار التمييز يرجع إلى أصالة عدم الحيضية.

خلافا لمحتمل النهاية «1» فالثاني، و للمحكي عن الأكثر [1] فالثالث، لأدلّة ظاهرة مع ردّها. إلّا أن يكون التحيّض بكلّ منهما مقتضى عادتها بأن تعتاد التحيّض في كلّ شهر مرتين مثلا.

و كذا [2] مع عدم اختلافهما بالطريق الأولى. و لعلّ القائل بالحيضتين في الصورة السابقة يقول بهما هنا أيضا، و دليله مع جوابه واضح، هذا.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكرنا من جعلها عادتها عددا و وقتا حيضا أنه لو تقدّمت الرؤية على الوقت و تجاوز عن العشرة و انقطع على آخر وقت العادة، تجعل الزائد عن العادة الذي هو استحاضة من قبل العادة. و هو كذلك، لقوله في المرسلة:

«و تدع ما سواه». و أمّا روايات حيضية ما قبل العادة «2» فتسقط بمعارضة أخبار حيضية ما في العادة «3».

و لو تجاوز مع ذلك عن آخر العادة أيضا تجعل الزائد من القبل و البعد، و تتحيّض بالعادة، لما ذكر.

و لو انقطع في أثناء العادة تأخذ العدد من الوقت و من قبله و تجعل الزائد من القبل.

و لو لم يدخل شي ء من الدم في وقت العادة كما إذا لم تر فيه و ترى بعده فتأخذ العدد و لا تعتني بالوقت لخلوّه عن الدم.

______________________________

[1] فإنّ الأكثر قائلون بقاعدة الإمكان كما تقدم في ص 408. و المقام من مصاديق تلك القاعدة كما صرّح به في القواعد 1: 14، و المسالك 1: 10.

[2] أي الأظهر الرجوع إلى العادة مع عدم اختلاف الدمين بالتمييز.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 142.

(2) انظر

ص 434.

(3) انظر الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 448

[المسألة] الرابعة: لو رأت في العادة و انقطع عليها أو على غيرها و طهرت أقلّ الطهر،

ثمَّ رأت في ذلك الشهر بعدد العادة أيضا، فإن كان ذلك لها عادة تحيّضت بهما و كان كلّ حيضا، و إن لم يكن عادة لها فالمشهور فيه ذلك أيضا.

و الحقّ التحيّض بأيام العادة خاصة و إن كان التمييز لغيرها، لما مرّ.

النوع الثاني: ذات العادة العددية خاصة

. و الكلام فيها أيضا إمّا في تحيّضها، أو في قدره، أو وقته.

أما في الأول

: فكالمبتدأة إجماعا، فالقائل بتحيّضها بمجرّد الرؤية يقول به هنا، و القائل بتحيّضها بالوصف أو الاستمرار إلى الثلاثة يقول به ها هنا أيضا.

و لمّا عرفت أنّ الحق فيها التحيّض بالوصف فكذا في ذات العددية مع احتمال التحيض بالاستمرار إلى الثلاثة أيضا، لمظنة الإجماع.

فإن قيل: تحيّض المبتدأة بالوصف إنّما كان لأخباره، و لا تجري ها هنا، لدلالة مفهوم المرسلة على عدم الرجوع إلى الوصف مع عدم الجهل بالوقت أو العدد.

قلنا: المتبادر منه عدم الاحتياج إلى الوصف فيما لم يجهل خاصة لا فيما جهله أيضا، فلو علمت العدد خاصة لم يحتج فيه إلى الوصف و ذلك لا ينافي احتياجها في الوقت إليه، بل في آخر موثّقة إسحاق بن جرير «1» دلالة واضحة على اختصاص عدم الرجوع إلى التمييز بالمعلوم حيث حكم برجوع المختلفة في الوقت خاصة إليه.

سلّمنا و لكن بعد رجوعها إليه في المبتدأة يرجع إليه هنا أيضا بالإجماع المركّب.

فإن قيل: يمكن العكس بأن يسقط الوصف في العددية، لمفهوم المرسلة،

______________________________

(1) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 3، التهذيب 1: 151- 431، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 449

و يحكم بتحيّضها بالرؤية و يتعدّى إلى المبتدأة بالإجماع المركّب.

قلنا: فيتساقطان و يرجع إلى المجمع عليه و هو التحيّض بالوصف، أو مع الاستمرار أيضا إن

ثبت فيه الإجماع.

و أمّا في الثاني

: فكذات العادة العددية و الوقتية في العدد، لأنّ ما هو المناط في إثبات العادة و اعتبارها من موثّقة سماعة و المرسلة المتقدّمتين «1» يعم اعتبار العادة بالأقسام الثلاثة. بل في الموثّقة تصريح بأنّ بعد اعتياد العدد يكون هو أيام الحيض المصرّح في الأخبار باعتبارها، و أيضا في الأخبار المتقدّمة في الاستظهار، كصحيحتي ابن عمرو و زرارة «2» دلالة على اعتبار العادة العددية.

و على هذا، فهذه ترجع إلى عددها، و تسقط غيره، و تقدّمه على التمييز لو اختلفا عددا، لما مرّ في ذات العادتين «3». و تستظهر كاستظهارها.

و أما في الثالث

: فمع عدم التجاوز عن العشرة ظاهر. و معه فمع فقد التمييز المساوي للعدد تتخيّر في وضعه حيث شاءت عند جماعة «4»، لعدم المرجّح.

و تجعل الأول حيضا على الأقرب عندنا، لما مرّ في المبتدأة «5».

و كذا مع التمييز المساوي للعدد في الدور الأول، و وجهه ظاهر. بل و كذا لو قلنا بدلالة مفهوم المرسلة على عدم رجوع ذات العادة مطلقا إلى الوصف. بل و لو قلنا بعدم دلالته عليه أيضا و اختصاص دلالتها على عدم الرجوع فيما لم تجهله- كما هو الظاهر- و بقاء أخبار التمييز مطلقا خالية عن المعارض، إذ قد عرفت أنّ تحيّضها ابتداء متوقّف على الوصف، فلا يخلو الأول عن الوصف أيضا و هو كاف في جريان أخبار الوصف فيه أيضا.

______________________________

(1) ص 432.

(2) المتقدمتين ص 437، 438.

(3) في ص 446.

(4) منهم العلّامة في المختلف: 39، و الشهيد في الدروس 1: 100.

(5) في ص 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 450

ثمَّ إنّها لو رأت العدد ثمَّ رأته أيضا بعد تخلّل أقلّ الطهر بينه و بين الأول خاليا

عن الدم أو معه، فتتحيّض بالثاني أيضا مع الوصف أو الاستمرار إلى الثلاثة لو قلنا به في الأول، و دليله دليله.

النوع الثالث: ذات العادة الوقتية

. و هي لا تكون على ما اخترناه- من حصول العادة في العدد بالقدر المشترك أيضا- إلّا في ناسية العدد، إذ بدون النسيان تكون ذات العادتين البتة، و على هذا فيكون ذلك النوع من أفراد الناسية و يأتي حكمها.

القسم الثالث: الناسية.

و هي على ثلاثة أنواع: ناسية الوقت و العدد، و يطلق عليها المتحيّرة، و ناسية الوقت خاصة، و العدد كذلك.

و الكلام فيها أيضا إمّا في التحيّض، أو القدر، أو الوقت.

أمّا الأوّل: فتحيّض الأوليين كالمبتدأة، فتتحيّض كلّ منهما برؤية الدم المتصف، مع احتمال التحيّض بغيره مع الاستمرار إلى الثلاثة أيضا. و تحيّض الثالثة كذات العادتين، فتتحيّض برؤية الدم مطلقا في الوقت أو قبله، و في غيرهما بالصفة إذا لم تر في الوقت.

و أمّا الثاني و الثالث فجميع أيام الدم حيض مع انقطاعه على العشرة في الأولى و الثالثة، و على العادة في الثانية، و تستظهر كما مر في الثانية مع التجاوز عن العادة.

و إذا تجاوز العشرة في الثلاثة فإمّا يوجد التمييز أو لا، فإن وجد فرجوع الأولى إليه إجماعي، و نقل الإجماع عليه متكرّر [1]، و صريح مواضع من المرسلة

______________________________

[1] قال في المنتهى 1: 104 الفاقدة للعادة ذات التمييز كالمضطربة و المبتدأة و الناسية فإنها ترجع إليه و هو مذهب علمائنا. و في المعتبر 1: 204 أن رجوع المبتدأة و المضطربة- في صورة تجاوز الدم- إلى التمييز مذهب فقهاء أهل البيت. و لا يخفى أنه يفيد في المقام بناء على شمول المضطربة للناسية، فتدبر و لاحظ مفتاح الكرامة 1: 348، و الحدائق 3: 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 451

الطويلة «1»، و مرسلة جميل المتقدّمة «2» في مسألة أوصاف الحيض، و عمومات «3» اعتبار التمييز بلا

معارض يدلّ عليه. و مثلها الناسية عددا و المبتدأة وقتا، و عكسها.

و أمّا الأخريان فالحقّ فيهما- وفاقا لأهل التحقيق- تقديم العادة على التمييز فيما تتذكّره مع تعارضهما، لعمومات اعتبار كلّ من العادتين و بناء الحيض عليه، و عموم ما دلّ على اعتبار خصوص العدد، كصحيحتي ابن عمرو و زرارة المتقدّمتين «4» في الاستظهار، و ما دلّ على أنّ الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض «5»، و خصوص المرسلة [1] المشترطة لاعتبار التمييز بالجهل بالأيام و العدد.

و منه يظهر عدم تمامية القول بالجمع في صورة تذكّر العدد و زيادة التمييز عليه [2].

و هل تعملان هاتان في الطرف المنسي بالتمييز أم لا؟

الظاهر ذلك في ناسية العدد، فتجعل الوقت زمان التمييز و تأخذ العدد منه، لأخبار التمييز الخالية عن المعارض سوى المرسلة المشترطة، و قد علمت اختصاص الاشتراط بما لم تجهله.

أمّا ناسية الوقت فلا، بل تجعل الوقت العدد الأوّل، و قد ظهر وجهه في ذات العادة العددية.

و إن لم يوجد التمييز فإمّا متحيّرة، أو ذاكرة العدد خاصة، أو الوقت

______________________________

[1] يعني مرسلة يونس الطويلة.

[2] قال في الحدائق 3: 235 و الأحوط هنا الجمع بينهما بجعل الجميع حيضا و قضاء عبادات ما زاد أو نقص عن أيام العادة.

______________________________

(1) المتقدم مصدرها في ص 419.

(2) في ص 381.

(3) انظر الوسائل 2: أبواب الحيض ب 1، 2.

(4) ص 437، 438.

(5) انظر الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 452

كذلك.

أمّا الأولى فتتحيّض في كلّ شهر بسبعة أيام على الأظهر، وفاقا للشيخ في الجمل «1» و الحلبي «2»، و اختاره غير واحد من مشايخنا «3»، لآخر المرسلة- الطويلة- الشاملة للمتحيّرة قطعا. و تخصيصه بالمبتدأة لا وجه له كما

يأتي في الثالثة.

خلافا لكثير من علمائنا فإنّ لهم فيها أقوالا متكثّرة:

كالقول بتحيّضها بالثلاثة و العمل في بقية الشهر عمل الاستحاضة، اختاره المحقّق في المعتبر «4»، و والدي العلّامة رحمه اللّه، و استوجهه في المدارك «5»، عملا بالأصل، و لزوم العبادة، و استضعافا للرواية أو استنكارا لها في الدلالة.

و الضعف مردود بما مرّ، و قصور الدلالة بما يأتي، فالأخذ بها متعيّن، و الأصل بها مندفع.

أو بتحيّضها في كلّ شهر بستة أيام أو سبعة أو من شهر بعشرة، و من آخر بثلاثة، ذهب إليه جماعة «6» بل نسب إلى الشهرة «7»، و عن الخلاف الإجماع عليه [1]، للموثّقات الثلاث لابن بكير و سماعة، المتقدّمة «8».

و هي مختصة بالمبتدأة فالاستدلال بها للمتحيّرة غفلة.

أو بتحيّضها كلّما رأت الدم، و طهرها كلّما انقطع، حكي عن الصدوق

______________________________

[1] كما حكاه في الحدائق، و الذي عثرنا عليه في الخلاف 1: 76، دعوى الإجماع على ترك الصلاة و الصوم في كل شهر سبعة أيام.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 164.

(2) الكافي: 128.

(3) الحدائق 3: 39، شرح المفاتيح (مخطوط)، الرياض 1: 39.

(4) المعتبر 1: 210.

(5) المدارك 2: 29.

(6) الشرائع 1: 34، المختلف 1: 39، الروض: 69.

(7) كما نسبه في الحدائق 3: 237.

(8) ص 416، 417.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 453

و الشيخ في النهاية «1»، لموثّقتي يونس و أبي بصير، المتقدّمتين «2» في مسألة أقلّ الطهر، بحملهما على من اختلط عليها دمها.

و فيهما- مع أخصّيتهما عن المدّعى لاختصاصهما بشهر واحد، و أعميتهما من المرسلة، لأنّ موردهما مطلق المرأة فالمرسلة لهما مخصّصة-: أن ظاهرهما مخالف للإجماع على كون أقلّ الطهر عشرة، و مع ذلك فلا يوجد عامل بهما غيرهما من الطائفة، مع أنّ الثاني رجع

عنها في غير النهاية «3»، فهما شاذتان غير صالحتين للحجية، مع أنّ الفاضل «4» صرف كلامهما أيضا عن ظاهره المطابق للموثّقتين أيضا.

أو بتحيّضها في الشهر الأول بثلاثة و في الثاني بعشرة، أو بتحيّضها بعكس ذلك، أو بستة أيام مطلقا، أو بعشرة كذلك، كما قال بكل منهما قائل بنقل الحلّي «5»، لبعض ما فساده ظاهر البتة.

أو بوجوب الاحتياط عليها و الأخذ بأسوإ الحالات و الجمع بين التكاليف، بأن تعمل في الزمان كله عمل المستحاضة و تغتسل للحيض كلّ وقت يحتمل انقطاع الدم لكلّ صلاة و هو ما بعد الثلاثة، إذ ما من زمان بعدها إلّا و يحتمل الحيض و انقطاعه، و تقضي صوم العشرة أو أحد عشر يوما، و تجتنب كلّ ما تجتنبه الحائض، كما اختاره في المبسوط «6» و مال إليه في القواعد «7»، لفقد الدليل على حكمها، و حصول الشك في زمان الحيض المقتضي لعدم يقين البراءة بدون

______________________________

(1) الفقيه 1: 54، النهاية: 24.

(2) ص 397، 398.

(3) كالخلاف 1: 242، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 164.

(4) المختلف 1: 38.

(5) السرائر 1: 149.

(6) المبسوط 1: 58.

(7) القواعد 1: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 454

الاحتياط.

و يدفعه- مضافا إلى لزوم العسر و الحرج المنفيين في الكتاب و السنّة-: أنّ الدليل على حكمها موجود، و هو ما مرّ ذكره. و لولاه أيضا لكان مقتضى الأصل البراءة عن الزائد عن الثلاثة، لأصالة عدم حدوث حدث الحيض في غيرها، و أصالة عدم التكليف بالزائد.

هذا، مع أنّه قال في البيان: إنّ الاحتياط هنا بالردّ إلى أسوإ الاحتمالات ليس مذهبا لنا «1». و هو مشعر بدعوى الإجماع على نفيه و أنّه مذهب العامة، كما يظهر من الفاضل أيضا «2» حيث

نسبه إلى الشافعي «3». و مع ذلك فهو يخالف ما ادّعاه الشيخ نفسه في الخلاف من الإجماع على الرجوع إلى الروايات «4»، هذا.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ القائلين بالسبعة أو بعدد آخر يقولون بتخيّرها في وضعه حيث ما شاءت من الشهر كما في المبتدأة مع أولوية وضعه أول الدور، و قد عرفت «5» أنّ المصير إلى تعيّن ذلك أولى، فهو المتعيّن عليها.

و أمّا الثانية- أي ذاكرة العدد ناسية الوقت- فتتحيّض بالعدد، لما مرّ من أدلّة اعتباره الخالية عن المعارض.

و أمّا ما في آخر المرسلة من رجوع فاقدة التمييز إلى السبع فلا يشمل ذاكرة العدد، لقوله: «و إن اختلط عليها أيامها [و زادت ] و نقصت حتى لا تقف منها على حدّ» و معتادة العدد واقفة على الحدّ مخيرة في وضعه فيما شاءت من الشهر مطلقا عند الأكثر- كما في المدارك «6»- لعدم الترجيح.

______________________________

(1) البيان: 59.

(2) المنتهى 1: 101.

(3) الأم 1: 68، المغني 1: 372.

(4) الخلاف 1: 242.

(5) في ص 430.

(6) المدارك 2: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 455

و في اللوامع نسب إلى الأكثر أنه إن حفظت مع العدد قدر الدور و ابتداءه تضعه فيما شاءت من الدور إن ضلّ في مجموعه و من الأقل منه إن ضلّ في الأقل، لما مرّ. و إن لم تعرف وقت الدور و ابتداءه أو أحدهما تضع العدد فيما شاءت من أيام الشهر، إذ الغالب في النساء التحيّض في كلّ شهر، و اختار- رحمه اللّه- ذلك أيضا.

و في الحدائق «1» نسب إلى الأكثر التحيّض بالعدد، و وضعه فيما شاءت من الشهر في القسم الأوّل و الرجوع إلى الروايات، كالمتحيّرة في القسم الثاني، إذ ليس لها دور معلوم و وقت مضبوط

حتى تضع فيه عددها المحفوظ، لأنّ كلّ وقت عندها يحتمل الحيض و الطهر و الانقطاع، فاللازم أن ترجع إلى الروايات، بمعنى أن تأخذ العدد المروي في كلّ شهر و تضعه فيما شاءت من أيامه.

و يضعّف: بأنّ بعد حفظ العدد لا تكون موردا للروايات، فلا وجه لرجوعها إليها في العدد.

و عن المبسوط «2» و القواعد [1] و الإرشاد «3» العمل بالاحتياط المتقدّم، فتغتسل للحيض في أول وقت إمكان الانقطاع، و هو بعد انقضاء العدد من أول الدور في القسم الأول، و لكلّ عبادة مشروطة بالطهارة بعد ذلك إلى آخر الدور تعمل في كلّ وقت من أوقات الإضلال ما تعمله المستحاضة، و تترك تروك الحائض، و تقضي صوم عددها إن علمت [عدم الكسر] [2]، و إلّا زادت عليها يوما، و نسبه في الشرائع «4» إلى قيل، و في المعتبر إلى الشيخ، و اقتصر عليه، و فيه نوع إشعار

______________________________

[1] الذي اختاره في القواعد 1: 14 هو التخيير، و نسب الاحتياط الى قيل.

[2] في النسخ: الكبير، و الصواب ما أثبتناه.

______________________________

(1) الحدائق 3: 240.

(2) المبسوط 1: 51.

(3) مجمع الفائدة 1: 148.

(4) الشرائع 1: 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 456

باختياره، و مستندهم ما مرّ مع جوابه.

و قد يقال: إنّها تخصّص أيامها بالاجتهاد، و مع فقد الأمارة تتخيّر، لحجية ظنها حينئذ «1». و صريح بعضهم أولوية أول الرؤية «2»، بل ذهب بعضهم إلى تعيّنه «3». و هو الأظهر، لما مرّ في المبتدأة.

هذا في الدور الأول، و أمّا بعده فمقتضى القاعدة التي جرينا عليها أنّها في القسم الأول لمّا علمت أنّ قدر العدد من الدور المعيّن وقت عادتها قطعا و إن لم تعلمه بعينه، و أنّ الدم مطلقا في وقت الحيض

حيض، فقد علمت حيضية قدر العدد من الدور الثاني أيضا، و لعدم تعيّن وقته عندها و بطلان الترجيح بلا مرجّح تكون مخيّرة في وضعه حيث شاءت منه و إن كان الأولى جعله موافقا لوقت الدور الأول.

و أمّا في القسم الثاني فإن علمت الدور دون ابتدائه تأخذ بالعدد و تتخيّر في الدور. و إن لم تعلم الدور أصلا فإن رأت بصفة الحيض بعد مضي زمان أقلّ الطهر أو أكثر من العدد الأول تتحيّض به أيّ وقت كان، و هكذا بعد العدد الثاني و الثالث. و إن لم تر لم تتحيّض.

و ظنّ التحيّض في كلّ شهر لغلبة ذلك في النساء لم تثبت حجيته، و الاحتياط و الإلحاق بالمتحيّرة لا دليل عليه.

و لكن يقرب أن يكون ذلك في القسم الثاني مخالفا للإجماع، إذ الظاهر فتوى الكلّ بتحيضها في كلّ شهر، بل يمكن أن يستدلّ له أيضا برواية زرارة و فيها: «و إذا كانت تحيض حيضا مستقيما فهو في كلّ شهر حيضة» «4» الحديث.

______________________________

(1) كما في الذكرى: 32.

(2) الذخيرة: 68.

(3) كشف اللثام 1: 90.

(4) الكافي 6: 100 الطلاق ب 34 ح 10، تفسير العياشي 1: 115- 352، الوسائل 22: 184 أبواب العدد ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 457

فلو قلنا به للإجماع و تخيّرها في الوضع في الدور الثاني مع أولوية موافقة الدور الأول كما في القسم الأول لم يكن بعيدا.

هذا كلّه إذا لم يحصل لها وقت معلوم في الجملة بأن تضل العدد في وقت يزيد نصفه على العدد المعتاد أو يساويه، فإنّ كلّ يوم من الوقت حينئذ يحتمل الطهر و الحيض. و أمّا إذا حصل لها ذلك بأن يزيد العدد على نصف زمان الإضلال،

فإنّ ضعف الزائد حيض بيقين، و يبقى من العدد تمام الضعف إليه، فعلى التخيير تضمّها إلى الضعف متقدّمة أو متأخّرة أو بالتفريق، و على الاحتياط تجمع فيما تقدم من الدور على القدر المتيقّن بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض، و فيما تأخّر عنه تزيد عليهما غسل الانقطاع لكلّ مشروط بالطهارة.

و أمّا الثالثة- أي ذاكرة الوقت ناسية العدد- فإمّا تتذكر أول الوقت، أو آخره، أو وسطه- أي ما بين الطرفين- أو وقتا في الجملة كأن تعلم تحيّضها بيوم معيّن أو أكثر من الشهر من دون علم بالأوّلية أو الآخريّة أو الوسطيّة.

فعلى التقادير تكمل المعلوم ثلاثة يقينا، لأنه أقلّ الحيض على حسب مقتضاه، فتجعل المعلوم أول الثلاثة على الأول، و آخرها على الثاني، و وسطها على الثالث لو كان المعلوم يوما محتملا كونه محفوفا بمتساويين.

و أمّا لو كان المعلوم يومين محفوفين بمتساويين فالأقل أربعة تجعل اليومين وسطها، و لو كانت ثلاثة فالأقل خمسة، أو أربعة فالستة، و هكذا.

و لو علمت الاحتفاف بغير متساويين، فلو كان المعلوم واحدا فالأقل أربعة، و إن كان اثنين فخمسة و هكذا.

و في الاكتفاء في التكميل بالثلاثة، أو الأخذ بأسوإ الاحتمالات فتحتاط (باقي العشرة) [1] كما مرّ، أو رجوعها إلى الروايات أقوال:

______________________________

[1] في «ق»: في العشرة، و في «ه»: العشرة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 458

الأول للمعتبر، و البيان «1» (و اللوامع) [1]، و المعتمد، لتيقّن الثلاثة و فقد الدلالة في الباقي فيستصحب التعبّد فيه.

و الثاني للشيخ «2» و الفاضل «3»، لما مرّ.

و الثالث عن الأكثر «4»، لصدق النسيان و الاختلاط الموجب للحكم في المرسلة. و هو الأظهر، لذلك، فإنّ قوله في آخر المرسلة: «و إن اختلطت عليها- أي على المستحاضة- أيامها

و زادت و نقصت حتى لا تقف منها على حدّ» يصدق على هذه أيضا، لكون عددها أيامها أيضا، كما صرّح به في موثّقة سماعة «5» و دلّ عليه قوله: «و زادت و نقصت» و قوله: «و إن لم يكن الأمر كذلك» يعني لم يكن بحيث لا تقف من الدم على لون كما بيّنه بقوله: «و لكن الدم أطبق عليها»، فيكون بيانا لحال الناسية غير ذات التمييز، أو إن لم تكن ممّن ذكر فتشمل المبتدأة و الناسية غير ذاتي التمييز، و على التقديرين يثبت المطلوب، و هذا أوفق بعموم اللفظ.

و يؤكّده بل يدلّ عليه: قوله في صدر الرواية: «بيّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي» و قوله في وسطها: «فجميع حالات المستحاضة يدور على هذه السنن الثلاث لا تكاد أبدا تخلو عن واحدة منهن» ثمَّ شرع في تفسير الثلاث.

و التخصيص بالمبتدأة- بأن يكون المعنى: و إن لم يكن أمر المبتدأة كذلك أي لم يختلط أيامها لعدم كون أيام لها- خلاف الظاهر جدّا، بل خلاف مقتضى

______________________________

[1] ليس في «ه».

______________________________

(1) المعتبر 1: 220، البيان: 60.

(2) المبسوط 1: 59.

(3) التذكرة 1: 33، القواعد 1: 14.

(4) نسبه في الحدائق 3: 242 إلى الشهرة و اختاره في الروض: 70، و الرياض 1: 40.

(5) المتقدمة ص 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 459

عموم اللفظ.

و بالجملة لا شك في شمول مقتضى اللفظ لما ذكر، و من يقول بالتخصيص بواحدة فعليه البيان.

و على هذا فهذه المرأة تكمل عددها المعلوم بالسبعة، و تجعل تتمة الشهر استحاضة و إن علمت أنّ طهرها أزيد من ذلك، كما إذا علمت أنّ دورها أزيد من الشهر، لعموم المرسلة.

نعم، لو كان

العدد المعلوم ممّا لا يمكن تكميله بالسبعة، كأن تعلم يومين محفوفين بمتساويين، فالظاهر حينئذ الخروج من المرسلة. و تكليفها الأخذ بالمتيقّن، لما مرّ، لعدم مخرج عن الأصل فيما إذا كان المعلوم الآخر، لأصالة عدم التحيّض. و التخيير بين الأقلّ و الأكثر في غيره لتعارض الاستصحابين الموجب للتخير، بخلاف ما لو أمكن فإن المرسلة مخرجة عنه.

و منه يظهر جواب دليل الأول، مع أنّ هذا إنّما يتمّ فيما إذا علمت الآخر و أكملته في القبل. و أمّا في غيره فلا يتمّ، لأن استصحاب التعبد في الباقي و أصالة عدم التحيّض معارض باستصحاب الحيضية.

و بما مرّ «1» في المتحيّرة يظهر دليل الثاني و جوابه.

______________________________

(1) في ص 452.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 460

البحث الثاني: في أحكام الحائض
اشارة

و هي أمور نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: الحائض مطلقا إذا انقطع دمها لما دون العشرة

استبرأت بإدخالها القطنة إجماعا، وجوبا على الأظهر الأشهر، بل قيل: لا خلاف فيه بين الأصحاب «1»، للأمر به في صحيحة ابن مسلم: «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج منها شي ء من الدم فلا تغتسل، و إن لم تر شيئا فلتغتسل» «2».

و الرضوي: «فإذا رأت الصفرة أو شيئا من الدم فعليها أن تلصق بطنها بالحائط و ترفع رجلها اليسرى، كما ترى الكلب إذا بال، و تدخل قطنة، فإن خرج فيها دم فهي حائض، و إن لم يخرج فليست بحائض» «3».

و ضعفه في المقام بما مرّ منجبر.

و استحبابا على ما هو ظاهر الاقتصاد «4». و هو بعيد عن السداد.

و الأولى أن ترفع رجليها إلى حائط كالكلب يبول، مخيّرا بين اليمنى، كما في مرسلة يونس، و اليسرى كما في خبر الكندي «5» و الرضوي.

و لا يجب ذلك، لوروده في تلك الروايات بلفظ الإخبار الغير الصريح في

______________________________

(1) كما في الحدائق 3: 191.

(2) الكافي 3: 80 الحيض ب 5 ح 2، التهذيب 1: 161- 460، الوسائل 2: 308 أبواب الحيض ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    461     المسألة الثانية: إذا استبرأت الحائض مطلقا و علمت انقطاع دمها لدون العشرة ظاهرا، ..... ص : 461

(3) فقه الرضا عليه السلام: 193، المستدرك 2: 15 أبواب الحيض ب 15 ح 1.

(4) الاقتصاد: 246.

(5) الكافي 3: 80 الحيض ب 5 ح 3، التهذيب 1: 161- 461، الوسائل 2: 309 أبواب الحيض ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 461

الوجوب.

نعم، لا بأس بالقول بوجوب القيام و إلصاق البطن على الحائط، للأمر بهما في موثّقة سماعة «1».

[المسألة] الثانية: إذا استبرأت الحائض مطلقا و علمت انقطاع دمها لدون العشرة ظاهرا،

وجب عليها الغسل لمشروط الطهارة إجماعا، للنصوص

المعتبرة، كمرسلة يونس، القصيرة «2»، و موثّقة يونس بن يعقوب المتقدّمة «3»، و مرسلة العجلي «4»، و غيرها.

و لا فرق في ذلك بين معتادة الانقطاع و العود قبل العشرة أو غيرها، لإطلاق الروايات.

و قد يقال بعدم الوجوب على معتادة العود، لأنّ المظنون حينئذ كونها حائضا.

و هو باطل، لعدم ثبوت حجية ذلك الظن، و صلاحيته لتقييد الإطلاقات.

نعم، لو اعتادت الفترات بحيث يحصل لها اليقين بالعود عادة لم يجب، و الوجه ظاهر.

[المسألة] الثالثة: لا يصح منها صلاة و لا طواف و لا صوم،

بالإجماع و المستفيضة من النصوص. فتحرم عليها، لأنّها شأن العبادة الغير الصحيحة. كما تحرم عليها أيضا أمور أخر:

منها

: مس كتابة المصحف على الأشهر الأظهر، كما في بحث الجنابة مع فروعه قد مرّ «5».

______________________________

(1) التهذيب 1: 161- 462، الوسائل 2: 309 أبواب الحيض ب 17 ح 4.

(2) الكافي 3: 80 الحيض ب 5 ح 1، الوسائل 2: 309 أبواب الحيض ب 17 ح 2.

(3) ص 397.

(4) الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 7، الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 1.

(5) ص 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 462

و منها

: اللبث في المساجد وفاقا للأكثر، و نسبه في المنتهى «1» إلى عامة أهل العلم، و في التذكرة «2» إلى علمائنا، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، بل في صريح المعتبرة و التحرير و المدارك: الإجماع عليه «3». و هو كذلك، حيث لا ينافيه خلاف نادر يأتي ذكره. فهو دليله.

مضافا إلى عدم الفصل بينها و بين الجنب المحرّم عليه ذلك قطعا، و صحيحة أبي حمزة، المتقدّمة «4» في الجنب.

و يؤيده النبوي المروي في المعتبر، و المنتهى، و التذكرة: «لا أحلّ المسجد لحائض و لا جنب» «5».

و صحيحة العلل، و رواية محمّد، المتقدّمتان «6».

و الرضوي: «و لا

تدخل المسجد و أنت جنب و لا الحائض إلّا مجتازين» «7».

بل استدلّ بها الأكثر. و فيه نظر كما مرّ.

نعم، في الصحيحة دلالة على الحرمة على الجنب من جهة أخرى، و هي الاستشهاد بالآية، و هو لا يفيد في المقام.

خلافا للمحكي عن الديلمي «8»، للأصل. و هو مدفوع بما ذكر.

و أمّا الجواز فيها فجائز على الأشهر الأظهر، بل في المعتبر اتّفاقهم عليه «9»، للتصريح به في الأخبار المذكورة.

______________________________

(1) المنتهى 1: 110.

(2) التذكرة 1: 26.

(3) المعتبر 1: 221، التحرير 1: 15، المدارك 1: 345.

(4) ص 290.

(5) المعتبر 1: 221، المنتهى 1: 110، التذكرة 1: 26، و هي مروية في سنن أبي داود كتاب الطهارة: 92.

(6) ص 289.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 2: 26 أبواب الحيض ب 26 ح 1.

(8) الموجود في المراسم: 43 خلافه.

(9) المعتبر 1: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 463

و عن المقنع، و الفقيه، و الجمل و العقود، و الوسيلة «1»: إطلاق المنع من الدخول. و يدفعه ما ذكر.

عدا المسجدين، فيحرم الجواز فيهما أيضا على الأقوى، وفاقا لصريح السرائر، و النافع، و المنتهى، و التذكرة، و الدروس، و البيان «2»، و عن الجامع، و التحرير، و التلخيص، و التبصرة «3»، بل عن الغنية «4». و في اللوامع: الإجماع عليه، و نسبه في المدارك إلى الأصحاب «5» مؤذنا بدعواه.

لمفهوم قوله في صحيحة أبي حمزة: «و لا بأس أن يمرّا في سائر المساجد» «6» و تؤيّده حسنة محمّد «7». و به يقيّد بعض الإطلاقات.

خلافا لظاهر الهداية، و المقنعة، و المبسوط، و النهاية، و الاقتصاد، و المصباح، و مختصره، و الإصباح، و الخلاف «8»، و الشرائع، و الإرشاد، و القواعد، و نهاية الإحكام «9»،

و نسب إلى التذكرة أيضا- و هو غفلة [1]- فأطلقوا جواز الجواز في المساجد، لبعض المطلقات المقيد بما مرّ. و ظاهر المعتبر و المدارك

______________________________

[1] لأنه قد صرّح فيها بالحرمة كما تقدم النقل عنها.

______________________________

(1) المقنع: 27، الفقيه 1: 50، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 162، الوسيلة: 58.

(2) السرائر 1: 144، النافع: 10، المنتهى 1: 110، التذكرة 1: 26، الدروس 1: 101، البيان:

61.

(3) الجامع: 41، التحرير 1: 15، التبصرة: 9.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(5) المدارك 1: 347.

(6) تقدم مصدرها في ص 290.

(7) التهذيب 1: 371- 1132، الوسائل 1: 488 أبواب الجنابة ب 15 ح 17.

(8) الهداية: 21، المقنعة: 54، المبسوط 1: 41، النهاية: 25، الاقتصاد: 245، مصباح المتهجد: 10، الخلاف 1: 517.

(9) الشرائع 1: 30، الإرشاد 1: 228، القواعد 1: 15، نهاية الاحكام 1: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 464

التوقّف «1»، و ليس في موقعه.

و هل يتّصف الجواز في غيرهما بالكراهة كما في الخمسة الأخيرة، أو لا؟

الظاهر نعم، لفتوى هؤلاء الأجلّة، بل دعوى الإجماع عليها عن الخلاف «2»، و المروي في الدعائم عن مولانا الباقر عليه السلام: «إنا نأمر نساءنا الحيّض أن يتوضّأن» إلى أن قال: «و لا يقربن مسجدا و لا يقرأن قرآنا» «3».

و هي كافية في المقام، للتسامح. و لأجله لا يضرّ ضعف الأخير.

و الظاهر جواز التردّد في جوانب المسجد، و الدخول من باب و الخروج عنه من غير عبور و إن منعناهما في الجنب، لعدم ثبوت الزيادة عن المنع عن الجلوس، و عدم تحقّق الإجماع المركّب، حيث ذكر الحكم في الشرائع و القواعد بلفظ الجلوس الغير الصادق على التردّد، و صرّح في المدارك بجوازه.

و من ذلك يظهر قرب التخصيص بالجلوس فلا يحرم

القيام، إلّا أنّ الظاهر عدم الخلاف في ذلك.

و ظاهر أنّ الحكم مختص بغير حال الاضطرار، إذ رفع عن امة نبينا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ما اضطرّوا إليه فيجوز معه. و لا يجوز التيمّم له، للأصل.

و منها

: وضع شي ء في المسجد، وفاقا للأكثر، و نسبه في المعتبر و المنتهى إلى أصحابنا «4» المؤذن بدعوى الإجماع، و في الحدائق «5»: من غير خلاف لغير الديلمي «6»، لما مرّ في الجنب مع سائر ما يتعلّق بذلك.

خلافا لمن ذكر حيث كرهه. و جوابه ظاهر. و هو الظاهر من الشرائع،

______________________________

(1) المعتبر 1: 222، المدارك 1: 347.

(2) الخلاف 1: 518.

(3) دعائم الإسلام 1: 128، المستدرك 2: 29 أبواب الحيض ب 29 ح 3.

(4) المعتبر 1: 223، المنتهى 1: 110.

(5) الحدائق 3: 256.

(6) المراسم: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 465

و القواعد «1»، حيث لم يذكراه.

و منها

: قراءة العزائم إجماعا، كما في المعتبر و المنتهى «2»، لما مرّ ثمّة مع ما يتعلّق به.

[المسألة] الرابعة: يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة بالإجماعين «3» و المستفيضة.

و تتدارك ما لزمها منهما بالنذر المطلق، لعدم تعيّن وقته. و أمّا المعيّن الواقع في الحيض فقد يحتاط بقضائهما «4».

و قال جماعة «5» منهم والدي- رحمه اللّه- بعدم القضاء، للتعيين و تعذّر الإتيان، فيسقط تكليفها به.

و كذا غير اليومية من الصلوات حتى الزلزلة. و كون وقت الأخير تمام العمر لا يصحّح القضاء. و يأتي تحقيق كلّ منها في موضعه.

[المسألة] الخامسة: لو تلت آية السجدة أو سمعتها أو استمعت سجدت وجوبا،

وفاقا لجماعة «6» صريحا أو ظاهرا.

لعموم أوامر السجود، و خصوص صحيحة الحذاء: عن الطامث تسمع السجدة، فقال: «إن كان من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» «7».

و موثّقة أبي بصير: «و الحائض تسجد إذا سمعت السجدة» «8».

و خبر آخر له موقوفا عليه في الكافي، و التهذيب، و مستندا إلى الصادق عليه

______________________________

(1) الشرائع 1: 30، القواعد 1: 15.

(2) المعتبر 1: 223، المنتهى 1: 110.

(3) كما نقل الإجماع عليه في الغنية (الجوامع الفقهية): 550، المنتهى 1: 113، المدارك 1: 362.

(4) كما في الحدائق 3: 255، و الرياض 1: 44.

(5) منهم العلامة على ما حكاه عنه الشهيد الثاني في الروض: 82.

(6) منهم العلامة في التحرير 1: 15، و الشهيد في البيان: 63، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 319.

(7) الكافي 3: 106 الحيض ب 18 ح 3، الوسائل 2: 340 أبواب الحيض ب 36 ح 1.

(8) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291- 1168، الاستبصار 1:

320- 1192 الوسائل 2: 341 أبواب الحيض ب 36 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 466

السلام في السرائر، و المعتبر، و المختلف، و المنتهى، و التذكرة «1»: «إذا قرئ شي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنبا، و إن كانت المرأة

لا تصلّي».

لا جوازا كما عن المبسوط، و الجامع «2»، جمعا بين ما ذكر و بين صحيحة البصري: عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟

قال: «تقرأ و لا تسجد» «3».

و المروي في كتاب ابن محبوب، عن غياث، عن الصادق عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تقضي الحائض الصلاة، و لا تسجد إذا سمعت السجدة» «4».

لأنّ الأولى أخصّ، لاختصاصها بالعزائم، فالتخصيص متعيّن. و لأنّ الجمع فرع المقاومة، و هي منتفية، لموافقتهما لفقهائهم الأربعة «5» كما هو في التذكرة «6» و غيرها. فتقديم الأولى و حمل الأخيرة على التقيّة متحتّم.

و يؤكّده كون راوي الثاني عامّيا و إسناد الإمام الحكم إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

مع أنه لو فرض التقاوم لوجب الرجوع إلى العمومات و الاستصحاب.

و منه ظهر ضعف القول بالحرمة عليها مطلقا، كما عن المقنعة، و الانتصار،

______________________________

(1) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 2، التهذيب 2: 291- 1171، الوسائل 2: 341 أبواب الحيض ب 36 ح 2، لم نعثر عليه في السرائر (مستطرفات)، المعتبر 1: 228، المختلف 1: 34، المنتهى 1: 115، التذكرة 1: 28.

(2) المبسوط 1: 114، الجامع: 83.

(3) التهذيب 2: 292- 1172، الاستبصار 1: 320- 1193، الوسائل 2: 341 أبواب الحيض ب 36 ح 4.

(4) مستطرفات السرائر: 105- 47، الوسائل 2: 342 أبواب الحيض ب 36 ح 5.

(5) بدائع الصنائع 1: 186، المغني 1: 685.

(6) التذكرة 1: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 467

و التهذيب، و الوسيلة «1»، و هو مذهب أكثر العامة.

و قد يستدلّ لها باشتراط الطهارة. و هو ممنوع.

أو إذا سمعت خاصة دون ما إذا استمعت كما عن المهذب «2». أو الفرق بينهما في الجواز و الوجوب،

فالأوّل في الأوّل و الثاني في الثاني، كما في المعتبر، و غيره «3»، حيث إنّ الأخبار الناهية مختصة بالسماع.

و يردّه أن الآمرة أيضا كذلك.

نعم، كان لذلك وجه لو خصّصنا وجوب السجدة مطلقا بصورة التلاوة أو الاستماع كما في المعتبر «4»، و اللوامع، و عن الخلاف «5» مدّعيا عليه الإجماع، و عن التذكرة، و المنتهى «6». و لتحقيقه محل آخر، بل ينتفي التعارض حينئذ بين الأخبار.

[المسألة] السادسة: تتوضّأ الحائض ناوية به التقرّب دون الاستباحة وقت كلّ صلاة من الفرائض اليومية،

و تذكر اللَّه تعالى إجماعا، له، و للمستفيضة، كصحيحة زرارة: «و عليها أن تتوضّأ وضوء الصلاة عند وقت كلّ صلاة، ثمَّ تقعد في موضع طاهر فتذكر اللَّه تعالى و تسبّحه و تهلّله و تحمده كمقدار صلاتها، ثمَّ تفرغ لحاجتها» «7».

و الرضوي: «و يجب عليها عند حضور كلّ صلاة أن تتوضّأ وضوء الصلاة

______________________________

(1) المقنعة: 58، الانتصار: 31، التهذيب 1: 129، الوسيلة: 58.

(2) المهذب 1: 34.

(3) المعتبر 1: 229، التذكرة 1: 28.

(4) المعتبر 2: 272.

(5) الخلاف 1: 425.

(6) التذكرة 1: 123، المنتهى 1: 304.

(7) الكافي 3: 101 الحيض ب 14 ح 4، التهذيب 1: 159- 456، الوسائل 2: 345 أبواب الحيض ب 40 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 468

و تجلس مستقبل القبلة و تذكر اللَّه مقدار صلاتها كلّ يوم» «1».

و مثله المرسل المروي في الهداية «2».

و حسنة زرارة: «و لكنها تتوضّأ في وقت الصلاة ثمَّ تستقبل القبلة و تذكر اللَّه» «3».

و قريبة منها صحيحة ابن عمّار «4» و مرسلة الفقيه «5»، إلّا أنّ في الأولى زادت على الذكر التهليل و التكبير و قراءة القرآن، و في الثانية الجلوس قريبا من المسجد.

و حسنة الشحام: «ينبغي للحائض أن تتوضّأ عند وقت كلّ صلاة و تذكر اللَّه مقدار ما كانت تصلّي» «6».

ثمَّ

إنّه هل ذلك على الوجوب؟ كما عن الصدوقين «7»، و ظاهر الحلبي [1]، و هو ظاهر الشيخ في النهاية «8»، و اختاره بعض مشايخنا الأخباريين «9»، لصريح الثلاثة الأولى، و ظاهر الثلاثة المتعقّبة لها.

أو الاستحباب؟ كما هو المشهور بتصريح غير واحد من الأصحاب، بل

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الكافي للحلبي، و لا على من نسب إليه هذا القول. نعم قال في الحدائق 3: 274:

لا يخفى انّ ظاهر صاحب الكافي أيضا القول بالوجوب حيث عنون به الباب فقال: باب ما يجب على الحائض .. و مراده من صاحب الكافي هو الكليني، فمن المحتمل وقوع تصحيف في العبارة و الصواب: ظاهر الكليني ..

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 192، المستدرك 2: 29 أبواب الحيض ب 29 ح 2.

(2) الهداية: 22.

(3) الكافي 3: 100 الحيض ب 14 ح 1، الوسائل 2: 346 أبواب الحيض ب 40 ح 4.

(4) الكافي 3: 101 الحيض ب 14 ح 2، الوسائل 2: 346 أبواب الحيض ب 40 ح 5.

(5) الفقيه 1: 55- 206، الوسائل 2: 345 أبواب الحيض ب 40 ح 1.

(6) الكافي 3: 101 الحيض ب 14 ح 3، التهذيب 1: 159- 455، الوسائل 2: 345 أبواب الحيض ب 40 ح 3.

(7) الهداية: 22، و نقله في الفقيه 1: 50 عن والده.

(8) النهاية: 25.

(9) الحدائق 3: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 469

نسب في شرح القواعد القول بالوجوب إلى الندور «1»، بل يظهر من بعض مشايخنا المحقّقين [1] الإجماع على عدمه، للأخيرة الظاهرة في الاستحباب- لمكان لفظ «ينبغي»- المعارضة لما تقدّم عليها، الراجحة عليها من جهة الشهرة العظيمة.

مضافا إلى عدم دلالة الثلاثة السابقة عليها على الوجوب، و ضعف الاثنتين المتقدّمتين عليها

الخاليتين عن الجابر، فلم يبق إلّا الأولى المتعيّن حملها على الاستحباب، لما مرّ.

الحقّ هو الثاني. لا لما ذكر، لعدم صراحة لفظ «ينبغي» في الاستحباب و إن لم تكن مفيدة للوجوب أيضا كما قيل [2]، بل مفادها الرجحان الغير المنافي لشي ء منهما.

بل للمروي في الدعائم، عن مولانا الباقر عليه السلام، المنجبر ضعفه بما ذكر: «إنا نأمر نساءنا الحيّض أن يتوضّأن عند كلّ صلاة فيسبغن الوضوء و يحتشين بخرق، ثمَّ يستقبلن القبلة من غير أن يفرضن صلاة، فيسبّحن و يكبّرن و يهلّلن، و إنّما يؤمرن بذكر اللَّه ترغيبا في الفضل و استحبابا له» «2».

و به تعارض الحسنة [3]، و يرجع إلى أصل نفي الوجوب.

و اختصاص الاستحباب بالذكر لا يضرّ، لعدم الفصل، إلّا أن يمنع أحد ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الاستحباب، و حينئذ تكون تلك الرواية أيضا دالّة على الوجوب. و لا ينبغي ترك الاحتياط.

ثمَّ ظاهر الأكثر تأدّي الواجب أو المستحب بمطلق الذكر، لإطلاق كثير

______________________________

[1] قال الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك: 67 ما لفظه: و الفقهاء اتفقوا على عدم الوجوب.

[2] قال في الحدائق 3: 273 .. و ربما استعمل في الوجوب و التحريم بل هو الغالب في الاخبار ..

[3] أي حسنة زرارة. و قد تقدمت في صدر المسألة معبّرا عنها بالصحيحة.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 329.

(2) تقدم مصدره في ص 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 470

من الأخبار.

و عن المقنعة: أنها تحمد اللَّه و تهلّله و تسبّحه و تكبّره «1».

و في البيان: و ليكن الذكر تسبيحا و تهليلا و تحميدا و ما أشبهه «2». و هو مقتضى حمل المطلقات على مقيداتها، فالعمل به أولى.

و عن المراسم الاقتصار على التسبيحة «3». كما عن النفلية زيادة الصلاة على النبي

مع الاستغفار على التسبيحات الأربع «4».

و لم أعثر على دليل لها.

و لا بدّ أن تكون جالسة مستقبلة القبلة بمقدار صلاتها المعتاد لها، كما هو صريح الأخبار. حيث شاءت، كما في الشرائع «5»، و الذكرى، و المعتبر، و المنتهى «6»، بل نسبه في الأخيرين إلى غير الشيخين من الأصحاب، لإطلاق الأخبار.

و لو جلست قريبة من مسجدها أي مصلّاها، كان أولى، للصحيحة «7».

و أمّا في مصلّاها كما عن المبسوط، و الخلاف، و المهذّب، و الوسيلة «8»، و الإصباح، و الجامع، و نهاية الإحكام، و النافع «9»، أو في محرابها كما عن المراسم، و في السرائر «10»، أو ناحية من مصلّاها كما عن المقنعة «11»، فلا دليل عليه إلّا

______________________________

(1) المقنعة: 55.

(2) البيان: 64.

(3) المراسم: 43.

(4) النفلية: 10.

(5) الشرائع 1: 31، و فيه: تجلس في مصلّاها.

(6) الذكرى: 35، المعتبر 1: 233، المنتهى 1: 115.

(7) الفقيه 1: 55- 206، الوسائل 2: 345 أبواب الحيض ب 40 ح 1.

(8) المبسوط 1: 45، الخلاف 1: 232، المهذب 1: 36، الوسيلة: 58.

(9) الجامع: 42، نهاية الإحكام 1: 124، النافع: 10.

(10) المراسم: 43، السرائر 1: 145

(11) المقنعة: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 471

الأخير، فإنّه معنى القريب من مسجدها.

و يستحب استحشاؤها بخرقة كما في بعض الأخبار «1».

[المسألة] السابعة: يكره لها قراءة ما عدا سور العزائم مطلقا

حتى السبع أو السبعين المستثناة في الجنب عند جماعة «2»، وفاقا لإطلاق السرائر، و النافع، و الشرائع، و المعتبر، و القواعد، و البيان «3»، و عن المبسوط، و الجمل و العقود، و الوسيلة، و الإصباح، و الروض «4». و في الرابع و عن الأخير الإجماع عليه.

للمروي في الدعائم، المتقدّم «5» في المسألة الثالثة، المؤيّد بما مرّ في الجنب «6».

ثمَّ ظاهره و إن كان الحرمة- كما هو

المحكي عن القاضي «7» و ظاهر المفيد «8»- إلّا أنّ ضعفها و مخالفتها الأصل، و موافقتها العامة «9» و دعوى جماعة «10» الإجماع على الجواز منع عن إثباتها به مضافا إلى صحيحة البصري، المتقدّمة «11».

كما أنّ المسامحة في أدلّة الكراهة وسع في إثباتها مع ما ذكر، من غير تخصيص

______________________________

(1) راجع الرقم (7) ص 469.

(2) كالمحقق و العلّامة في المعتبر 1: 190، و القواعد 1: 13.

(3) السرائر 1: 145، النافع: 10، الشرائع 1: 30، المعتبر 1: 233، القواعد 1: 15، البيان: 62.

(4) المبسوط 1: 42، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 162، الوسيلة: 58، الروض: 81.

(5) ص 464.

(6) ص 300.

(7) المهذب 1: 34.

(8) حكي عنه في كشف اللثام 1: 93، و لم نعثر عليه في المقنعة.

(9) المغني 1: 348، بدائع الصنائع 1: 44.

(10) كما في الانتصار: 31، و الخلاف 1: 101.

(11) ص 466.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 472

بالزائد عن السبع أو السبعين كما في المنتهى، و عن التحرير «1»، و بعض آخر، و إن ظنّ ذلك، إلحاقا لها بالجنب، مع أن في التخصيص فيه كلاما قد مرّ.

و منه يظهر عدم اتّجاه القول بعدم الكراهة مطلقا كما في المدارك «2».

و يكره لها أيضا حمل المصحف مع العلاقة و بدونها، و لمس هامشه و بين سطوره، لما مرّ في بحث الجنب «3».

و الخضاب اتّفاقا كما صرّح به جماعة «4»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى المستفيضة «5» الكاشفة عن مرجوحيته دون تحريمه، لعدم اشتمالها على ما يفيده.

مع أنّ بإزائها مستفيضة أخرى دالّة على نفي البأس عنه و جوازه التي هي كالقرينة على إرادة الكراهة من الأولى.

مضافا إلى الأصل و الإجماع المستقلّين في نفي الحرمة لو تعارضتا.

و لا تضرّ

فتوى الصدوق بأنّه لا يجوز «6»، في ثبوت الإجماع، مع أنّ استعماله في كلامه في شدة الكراهة كثير.

و الظاهر اختصاص الكراهة بما يتعارف من المخضوب و ما يختضب به، لانصراف المطلق إليه. فلا كراهة في خضاب غير اليد و الرجلين و الشعور، وفاقا للمفيد «7». و لا في غير الحناء طباقا للديلمي «8»، و إن كان الظاهر إلحاق الوسمة به

______________________________

(1) المنتهى 1: 110، التحرير 1: 15.

(2) المدارك 1: 347.

(3) ص 304.

(4) كالمحقق في المعتبر 1: 233، و العلّامة في المنتهى 1: 115، و التذكرة 1: 28.

(5) انظر الوسائل 2: 352 أبواب الحيض ب 42.

(6) الفقيه 1: 51.

(7) المقنعة: 58.

(8) المراسم: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 473

أيضا. و قد يقال بالتعميم فيهما «1». و ليس بجيد.

[المسألة] الثامنة: في توقّف جواز صومها و صحته بعد انقطاع الدم على الغسل

قولان:

الأول للأكثر، و هو الأظهر.

لا لصدق الحائض عليها، لعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق، لاشتراطه في مثل ذلك كما بيّن في موضعه، مع إمكان المعارضة لولاه بصدق الطاهر.

و لا لعدم صحته من المستحاضة فمن الحائض أولى، لكونها أغلظ حدثا منها، لكونه قياسا.

و لا لاستصحاب ما ثبت بالحيض، لمعارضته مع استصحاب صحته الثابتة قبل الحيض، حيث لم يثبت المنع زائدا على حال الدم. مع أنّ المسلّم عدم صحة الصوم من الحائض، و هذه ليست بحائض، فلا يستصحب، لتغيّر الموضوع.

بل لموثّقة أبي بصير المنجبر ضعفها- لو كان- بالشهرة: «إن طهرت بليل من حيضها ثمَّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت كان عليها قضاء ذلك اليوم» «2» و يتعدّى إلى غير رمضان بعدم الفصل.

و الثاني عن العماني «3»، و نهاية الإحكام «4»، و استقواه في المدارك «5»، و تردّد في المعتبر «6»، للأصل، و عموم أوامر الصوم، و ضعف

الرواية.

و جوابه ظاهر مما مرّ.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 45.

(2) التهذيب 1: 393- 1213، الوسائل 2: 271 أبواب الحيض ب 1 ح 1.

(3) المنقول عنه في المختلف: 220 توقف صحة صومها على الاغتسال.

(4) نهاية الإحكام 1: 119.

(5) المدارك 1: 345.

(6) المعتبر 1: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 474

و هل تجب الكفّارة بالترك أم لا؟ يجي ء تحقيقه في بحث الصيام.

[المسألة] التاسع: صرّح في المعتبر، و المنتهى، و السرائر، و التحرير «1»،

و اللوامع بجواز الأغسال المسنونة التي لا ترفع الحدث عن الحائض و استحبابها لها. و هو كذلك عملا بعمومات استحبابها الخالية عن المخصّص.

و أمّا حسنة ابن مسلم: عن الحائض تتطهّر يوم الجمعة و تذكر اللَّه؟ قال:

«أمّا الطهر فلا» «2» الحديث، فلا تدلّ على عدم صحة غسل الجمعة عنها، إذ لا دليل على كون الطهر غسل الجمعة، و لو دلّ لما دلّ على عدم الجواز.

و لا شك في عدم وجوب غسل الجنابة عليها لو كانت جنبا، للإجماع، و النصوص. و لا في أنها لو اغتسلت للجنابة حال الحيض لم يرتفع حدثها، و في المعتبر عليه الإجماع «3»، و تؤيّده الحسنة المتقدّمة.

و هل يجوز لها غسل الجنابة حينئذ و يكفي عنها لو اغتسلت، فلا يجب عليها غسل الجنابة ثانيا، و لا تتعلّق بها الأحكام المختصة بالجنب، أم لا؟

صرّح في المنتهى و التذكرة بعدم الجواز «4»، و استدلّ عليه بما دلّ على الأمر بجعل غسلهما واحدا، كموثّقتي أبي بصير و الخشاب «5»، و بما صرّح بأنها لا تغتسل كصحيحة الكاهلي «6».

يضعّف: بأنّ الجميع خال عن الأمر و النهي الدالّين على الوجوب و الحرمة، بل غايتهما الإخبار المفيد للجواز أو الرجحان. مع أن جعلهما واحدا

______________________________

(1) المعتبر 1: 221، المنتهى 1: 119، السرائر 1: 145، التحرير 1: 16.

(2) الكافي

3: 100 الحيض ب 14 ح 1، الوسائل 2: 314 أبواب الحيض ب 22 ح 3.

(3) المعتبر 1: 225.

(4) المنتهى 1: 119، التذكرة 1: 28.

(5) التهذيب 1: 395- 1226، 1227، الاستبصار 1: 147- 503، 504، الوسائل 1: 263، أبواب الجنابة ب 43 ح 5، 6.

(6) الكافي 3: 83 الحيض ب 7 ح 1، التهذيب 1: 395- 1224، الوسائل 2: 314 أبواب الحيض ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 475

ليس بواجب قطعا.

مضافا إلى أنه في موثّقة عمّار: عن المرأة يواقعها زوجها ثمَّ تحيض قبل أن تغتسل، قال: «إن شاءت أن تغتسل فعلت، و إن لم تفعل ليس عليها شي ء، فإذا طهرت غسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة» «1».

و عن كلام الشيخ في كتابي الحديث أنه يلوح بالجواز «2». فالقول به ليس ببعيد، و الإجماع على خلافه غير معلوم، كيف و لم يصرّح بعدم الجواز إلّا شاذ من المتأخّرين [1]، و أمر الاحتياط واضح.

[المسألة] العاشرة: لو طرأ الحيض بعد دخول الوقت، فإن مضى منه ما تمكّنت فيه

من فعل صلاة تامة و لو مخفّفة مشتملة على الواجبات خاصة و لم تصلّها، وجب عليها قضاؤها إجماعا- كما صرّح به بعض الأجلّة «3»- لموثّقة يونس: في امرأة إذا دخل وقت الصلاة و هي طاهرة فأخّرت الصلاة حتى حاضت قال: «تقضي إذا طهرت» «4».

و مضمرة البجلي: عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس و لم تصلّ الظهر، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال: «نعم» «5».

و موثّقة الفضل بن يونس، و فيها: «و إذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة، فإذا طهرت من الدم فلتقض

______________________________

[1] و هو العلّامة كما تقدم النقل عنه آنفا.

______________________________

(1) التهذيب 1: 396- 1229، الاستبصار 1: 147- 506، الوسائل

1: 264 أبواب الجنابة ب 43 ح 7.

(2) التهذيب 1: 396، الاستبصار 1: 147.

(3) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 383.

(4) التهذيب 1: 392- 1211، الاستبصار 1: 144- 493، الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 4.

(5) التهذيب 1: 394- 1221، الاستبصار 1: 144- 494، الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 476

صلاة الظهر، لأنّ وقت الظهر دخل عليها و هي طاهر، و خرج عنها وقت الظهر و هي طاهر، فضيّعت صلاة الظهر، فوجب عليها قضاؤها» «1».

و التعليل فيها بخروج الوقت أيضا لا يفيد الاختصاص بعد الإطلاقات المتقدّمة، مع أنه مذهب أبي حنيفة [1]، فالتقية فيها محتملة.

و لا ينافي وجوب القضاء إطلاق خبر أبي الورد: في المرأة تكون في صلاة الظهر و قد صلّت ركعتين ثمَّ ترى الدم، قال: «تقوم من مسجدها و لا تقضي الركعتين» «2».

و موثّقة سماعة: عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين ثمَّ إنها طمثت و هي جالسة، قال: «تقوم من مسجدها و لا تقضي تلك الركعتين» «3».

حيث دلّتا بضميمة الإجماع المركّب على عدم القضاء مطلقا و إن كانت متمكنة من إتمام الصلاة طاهرا، لأنهما مقيدتان بما إذا لم تكن كذلك إجماعا.

مع أنه لو سلّم التعارض فغايته التساقط، و تبقى عمومات موجبات قضاء الفوائت خالية عن المعارض.

نعم، تتعارضان فيما إذا لم تتمكن من إتمام الصلاة في الوقت و تمكّنت من نصفها أو الأقلّ، فمقتضى الإطلاقات الأولى القضاء، و مقتضى الثانية العدم.

و يجب تقديم الثانية، لأخصّيتها بل موافقتها ظاهر الإجماع، و إن أطلق في النهاية، و الوسيلة «4» وجوب القضاء إذا دخل الوقت.

______________________________

[1] قال ابن حزم الظاهري في المحلى 2: 175 و ان حاضت

امرأة في أول وقت الصلاة أو في آخر الوقت و لم تكن صلت سقطت عنها و لا إعادة عليها فيها و هو قول أبي حنيفة و الأوزاعي و أصحابنا.

______________________________

(1) الكافي 3: 102 الحيض ب 15 ح 1، التهذيب 1: 389- 1199، الاستبصار 1: 142- 485، الوسائل 2: 359 أبواب الحيض ب 48 ح 1.

(2) الكافي 3: 103 الحيض ب 15 ح 5، التهذيب 1: 392- 1210، الاستبصار 1: 144- 495، الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 3.

(3) التهذيب 1: 394- 1220 الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 6.

(4) النهاية: 27، الوسيلة: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 477

و احتمال إرادة مطلق الفعل من القضاء دون مقابل الأداء في الثانية، حيث لم تتحقّق فيه الحقيقة الشرعية في المعنى الأخير، فيمكن أن يكون المراد عدم فعل الركعتين الباقيتين حينئذ، فلا يفيد في نفي القضاء في النصف فما دونه، مردود ببعده في خبر أبي الورد، لمكان تعريف الركعتين بعد ذكرهما بالتنكير، فإنّ الظاهر المتبادر حينئذ هو الركعتان الأوليان، و لا شك أنّ القضاء فيهما بالمعنى المصطلح.

و يؤكّده كونه بذلك المعنى قطعا فيما بعده في الركعة الأخيرة من المغرب. بل و كذلك في الموثّقة، لمكان لفظ «تلك» فإنّ الظاهر أنه إشارة إلى الركعتين اللتين فعلهما و عدم قضائهما بالمعنى المصطلح قطعا.

و على هذا، فلا شك في عدم وجوب القضاء مع عدم التمكّن من أكثر الصلاة، بل و كذلك مع التمكّن من الأكثر ما لم تتمكّن من الإتمام على الأشهر، بل عن الخلاف الإجماع عليه، للأصل، و تبعية وجوب القضاء لوجوب الأداء، كما استدلّ به بعضهم «1»، و توقّف القضاء على أمر جديد، كما استدلّ

به آخر «2».

و يضعّف الأول: بإطلاق المضمرة «3». و الثاني: بالمنع. و الثالث: بوجود الأمر الجديد في المضمرة، و مقتضاها وجوب القضاء مطلقا، خرج ما لم تتمكّن من الأكثر بما مرّ، فيبقى الباقي، كما هو المحكي عن السيد «4»، و الإسكافي «5»، و في المدارك «6» عن الصدوق أيضا. و هو الأحوط بل الأقوى.

و لا تعارضها عمومات سقوط الصلاة عن الحائض، لأعمّيتها، مع أنّ في شمولها للمورد تأمّلا.

______________________________

(1) كالعلّامة في المنتهى 1: 113.

(2) كالمدارك 1: 342، و الحدائق 3: 249.

(3) المتقدمة ص 475.

(4) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 38.

(5) المدارك 1: 342 فيه: نقل عن ظاهر المرتضى و ابن بابويه.

(6) كالمدارك 1: 342، و الحدائق 3: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 478

نعم، يعارضها إطلاق خبر أبي الورد، و موثّقة سماعة. و لكنه لا يفيد، لوجوب الرجوع إلى موجبات القضاء حينئذ.

مع أنّه يؤيّده خبر أبي الورد: «و إن رأت الدم و هي في صلاة المغرب و قد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها، فإذا طهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب» «1» يحمل قضاء الركعة على قضاء الصلاة مجازا، أو المراد بالركعة التي فاتتها مجموع الركعات حيث إنها فاتت بفوات ركعة.

و تظهر ممّا ذكرنا: قوة القول بوجوب القضاء مع عدم مضيّ زمان الطهارة أيضا، لإمكان التقديم على الوقت، كما احتمله الفاضل في النهاية «2»، و إن خالف فيه الأكثر إذا لم يأت بها قبل الوقت، بناء على عدم جواز الأمر بالصلاة مع عدم مضيّ زمان الطهارة، لاستلزامه التكليف بالمحال.

و يضعّف: بعدم التابعية بين الأداء و القضاء.

و أمّا مع الإتيان بها قبل الوقت فعدم الاشتراط أظهر، لإمكان التكليف حينئذ.

[المسألة] الحادية عشرة: لو طهرت في آخر الوقت بقدر الصلاتين،

وجبتا أداء، و بقدر إحداهما

وجبت كذلك، و كذا يجب فعل ما يدرك بقدر ركعة منها في الوقت.

و يأتي تفصيل المسألة في باب المواقيت.

[المسألة] الثانية عشرة: يحرم وطؤها بالإجماع و الكتاب و السنّة،

بل قيل: بالضرورة الدينية «3». و لذا حكم بكفر مستحلّه لو لم يدّع شبهة محتملة.

و صرّح جماعة «4» بتفسيق الواطئ مع عدم الاستحلال.

و فيه نظر على القول بتخصيص الكبائر بما أوعد اللَّه سبحانه عليه النار

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 476.

(2) نهاية الإحكام 1: 317.

(3) كما في الروض: 76.

(4) منهم العلامة في التذكرة 1: 28، و صاحب المدارك 1: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 479

صريحا في كتابه.

و في تعزيره بما يراه الحاكم، أو بثمن حد الزّاني، أو ربعه احتمالات:

أولها للأكثر، لإناطة التعزيرات بنظره في غير المنصوص.

و يضعّف: بمنع عدم النص، مع أنّ لي في ثبوت التعزير في كلّ غير منصوص نظرا.

و ثانيها لولد الشيخ. و صرّحوا بأنّه لا مأخذ له «1».

و ثالثها لبعض الثالثة «2»، كما نقله والدي العلّامة، و نفى- رحمه اللّه- عنه البعد، لخبر الهاشمي: عن رجل أتى أهله و هي حائض، قال: «يستغفر اللَّه و لا يعود» قلت: فعليه أدب؟ قال: «نعم خمسة و عشرون سوطا ربع حد الزاني» «3».

و بمضمونه خبر ابن مسلم «4».

و هو الأظهر، لذلك. و الشذوذ المخرج عن الحجية فيهما غير ثابت.

و لا يعارضه المروي في تفسير القمي: «من أتى امرأته في الفرج في أول حيضها فعليه أن يتصدّق بدينار، و عليه ربع حد الزاني خمسة و عشرون جلدة، و إن أتاها في غير أول حيضها فعليه أن يتصدّق بنصف دينار و يضرب اثنتي عشرة جلدة و نصفا» «5» لضعفها.

و لا شي ء عليه لو جهل الحكم أو الموضوع أو نسيه، لعمومات رفع الخطأ و النسيان.

______________________________

(1) كما صرح به

في جامع المقاصد 1: 43، و الروض: 77.

(2) كما اختاره في الحدائق 3: 260.

(3) الكافي 7: 242 الحدود ب 48 ح 13، التهذيب 10: 145- 575، الوسائل 28: 378 أبواب بقية الحدود ب 13 ح 2.

(4) الكافي 7: 243 الحدود باب 48 ح 20، التهذيب 10: 145- 576، الوسائل 28: 377 أبواب بقية الحدود ب 13 ح 1.

(5) تفسير القمي 1: 73، الوسائل 2: 328 أبواب الحيض ب 28 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 480

و توقّف بعضهم في جاهل الحكم، لعدم معذوريته إلّا فيما استثني «1». و هو حسن في التحريم إذا لم يكن ساذجا.

و أمّا الحدّ فهو ساقط عن الجاهل كما ورد في الأخبار.

و يلحق بأيام الحيض أيام الاستظهار مطلقا على ما اخترناه من حيضيته، دون ما بينه و بين العشرة و إن قلنا بحيضيته مع عدم التجاوز، لأصالة الإباحة، و عدم الانقطاع، أي بقاء الحالة الكائنة لها.

فإن عورضت بأصالة عدم التجاوز- حيث إنّ الدم في كل آن متجدّد حادث- تتساقطان و تبقى أصالة الإباحة.

و المناط في التحريم العلم بالحيضية شرعا، فلا يضرّ احتماله بل و لا ظنّه، إلّا المستند إلى قول المرأة نفسها، فإنه يتبع في المورد إجماعا ظاهرا. و في الحدائق:

إنه لا إشكال فيه و لا خلاف «2». و قيل: بلا خلاف بين الطائفة «3»، بل نفى الخلاف في القبول مع عدم التهمة الشامل لصورة عدم حصول الظن بالخلاف مطلقا، و في اللوامع: إنه مجمع عليه.

و هو الحجة فيه، مضافا إلى ظاهر قوله سبحانه وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَ «4».

و صحيحة زرارة: «العدّة و الحيض إلى النساء» «5» و مثلها حسنته بزيادة قوله:

«إذا ادّعت صدّقت» «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 71.

(2) الحدائق 3: 261.

(3) كما في الرياض 1: 43.

(4) البقرة: 228.

(5) التهذيب 1: 398- 1243، الاستبصار 1: 148- 510، الوسائل 2: 358 أبواب الحيض ب 47 ح 2.

(6) الكافي 6: 101 الطلاق ب 35 ح 1، التهذيب 8: 165- 575، الاستبصار 3: 356- 1276 الوسائل 2: 358 أبواب الحيض ب 47 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 481

و قوله عليه السلام في رواية ابن تغلب: «إنما عليك أن تصدّقها في نفسها» «1».

و لتعذّر إقامة البيّنة عليه، إذ غايته مشاهدة الدم و هو غير كاف في الحكم بالتحيّض، فيقبل قولها فيه، لعموم العلّية المستفادة من رواية الأشعري بعد حكمه عليه السلام بأنه ما عليه شي ء في قبول قولها في الزوج، بأنه: «أ رأيت لو سألها البيّنة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟» «2».

و لا تنافيها رواية السكوني و مرسلة الصدوق: في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض «كلّفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت، فإن شهدت صدقت، و إلّا فهي كاذبة» «3» لاحتمال اختصاصها بموردها، حيث إنّ الدعوى فيها مخالفة للعادة. و حملها على صورة التهمة لا وجه له.

و منه يظهر وجوب قبولها مع احتمال صدقها أيضا.

و هل يجب مع ظن الكذب أم لا؟

الأوّل عن نهاية الفاضل، و ذكري الشهيد «4»، و في الحدائق «5»، و اللوامع، لعموم الأخبار.

و الثاني عن التذكرة، و الروض «6»، لاستصحاب الإباحة، و عدم تبادر التهمة من المعتبرة.

______________________________

(1) الكافي 5: 462 النكاح ب 105 ح 1، الوسائل 21: 30 أبواب المتعة ب 10 ح 1 (و انظر الهامش منه).

(2) التهذيب 7: 253- 1094، الوسائل

21: 32 أبواب المتعة ب 10 ح 5.

(3) التهذيب 1: 398- 1242، الاستبصار 1: 148- 511، الفقيه 1: 55- 207 مرسلا، الوسائل 2: 358 أبواب الحيض ب 47 ح 3.

(4) الذكرى: 35.

(5) الحدائق 3: 262.

(6) التذكرة 1: 28، الروض: 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 482

و يضعّف الأوّل: باندفاعه بما مرّ. مع أنه غير جار في الحيض السابق إذا أخبرت عن بقائه.

و الثاني: بعدم كفاية عدم تبادرها، بل اللازم تبادر عدم التهمة. و هو ممنوع.

و أمّا إخبارها عن الطهر، فإن كان مع عدم معلومية الحيض سابقا فيقبل قطعا، للاستصحاب. و نفى عنه الخلاف في اللّوامع.

و إن كان عن حدوث طهر بعد سبق حيض، ففي اللوامع: إنّ الاحتياط هنا مع التهمة الاجتناب، للاستصحاب مع عدم القطع بالمزيل.

و الظاهر القبول هنا أيضا مطلقا، لظاهر الأخبار المتقدّمة.

و كما يحرم الوطء على الزوج يحرم التمكين على الزوجة مع إمكان العدم، لكونه إعانة على الإثم، و وجوب النهي عن المنكر، و هو هنا يتحقّق بالامتناع.

و منه يظهر عدم إثم على الزوج لو غرّته، أو أكرهته، أو استدخلت ذكره في النوم، إذ لا إثم على الزوج حينئذ و لا منكر عنه.

و قد صرّح المحقق الثاني في شرح القواعد «1»، و والدي في اللوامع بتأثيمها و تعزيرها بذلك.

و هو كان حسنا لو ثبت حرمة التمكين عليها مطلقا، و هو غير معلوم، و لذا استدلّوا عليها بكونه معاونة على الإثم. و أمر الاحتياط واضح.

ثمَّ التحريم مختص بالجماع في القبل، فيجوز الاستمتاع بما عداه، أمّا فيما فوق السرّة و تحت الركبة فبالإجماع المحقّق، و المحكي في كلام جماعة منهم:

المنتهى، و التذكرة، و المعتبر «2»، و اللوامع، و غيرها.

و أمّا فيما بينهما- و لو

بالوطء في الدبر- فعلى الحقّ الموافق لصريح السرائر،

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 321.

(2) المنتهى 1: 111، التذكرة 1: 27، المعتبر 1: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 483

و ظاهر المعتبر، و الشرائع، و النافع «1»، و المنتهى، و التذكرة، و القواعد، و النهاية «2»، و الدروس، و البيان «3»، و عن ظاهر الاقتصاد، و التحرير، و المختلف «4»، و التبيان، و مجمع البيان «5». بل عن ظاهر الأخيرين و صريح الخلاف «6»: الإجماع عليه، و جعله في الأول الأظهر من المذهب، و نسبه في الثاني إلى جمهور الأصحاب، و في الثالث إلى الأكثر [1].

للأصل، و عمومات الاستمتاع من النساء من الكتاب و السنّة و إطلاقاتها.

و القول بانصرافها إلى الشائع و هو حال الطهر، مردود: بأنّه فرع شيوع المنع منه حالة الحيض، و هو أول الكلام.

و المستفيضة من النصوص، كرواية عبد الملك: ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال: «كلّ شي ء ما عدا القبل بعينه» «7».

و مرسلة ابن بكير: «إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتّقى موضع الدم» «8». و رواية ابن حنظلة «9».

و لا ينافي عمومها الشامل للدبر ما دلّ على حلّ ما دون الفرج له، كروايات

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الشرائع و هو موجود في المنتهى 1: 111.

______________________________

(1) السرائر 1: 150، الشرائع 1: 31، النافع: 10.

(2) القواعد 1: 15، نهاية الإحكام 1: 122.

(3) الدروس 1: 101، البيان: 62.

(4) الاقتصاد: 245، التحرير 1: 15، المختلف: 34.

(5) التبيان 2: 220، مجمع البيان 1: 319.

(6) الخلاف 1: 227.

(7) الكافي 5: 538 النكاح ب 175 ح 1، التهذيب 1: 154- 437، الاستبصار 1: 128- 438 و فيه: عبد الكريم بدل عبد الملك، الوسائل 2: 321 أبواب الحيض

ب 25 ح 1.

(8) التهذيب 1: 154- 436، الاستبصار 1: 128- 437، الوسائل 2: 322، أبواب الحيض ب 25 ح 5.

(9) التهذيب 1: 155- 442، الاستبصار 1: 129- 440، الوسائل 2: 322 أبواب الحيض ب 25 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 484

أبناء سنان «1» و عمرو «2» و عمّار «3»، إذ الظاهر من الفرج القبل، فهي توافقه و لا تنافيه.

و لو سلّم عدم الظهور فلا ظهور له في شمول الدبر، إذ ليس المراد منه معناه اللغوي قطعا، بل هو إمّا فرجة مخصوصة أو معهودة. و شمولها للدبر غير معلوم.

و لا ما نهى عن الإيقاب بقول مطلق، كصحيحة ابن يزيد: ما للرجل من الحائض؟ قال: «ما بين أليتيها و لا يوقب» «4»، لعدم تعيين ما يوقب فيه.

مع أنه لا دلالة لها إلّا على مرجوحية الإيقاب مطلقا، و هو مسلّم، فهي أيضا من أدلّة المطلوب، لعموم صدرها الخالي عن المخصّص.

مع أنه لو سلّم منافاتهما، لكانت بالعموم من وجه، فيرفع اليد عنهما و يرجع إلى أصل الإباحة.

خلافا للمحكي عن السيد «5»، فمنع عمّا بين السرّة و الركبة، للأمر بالاعتزال في المحيض، و النهي عن قربهنّ «6».

و صحيحة الحلبي: في الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال: «تتزر بإزار إلى الركبتين و تخرج سرّتها، ثمَّ له ما فوق الإزار» «7». و مثلها موثّقة أبي بصير «8» بتبديل السرة بالساق:

______________________________

(1) الكافي 5: 539 النكاح ب 175 ح 3، الوسائل 2: 321 أبواب الحيض ب 25 ح 3.

(2) الكافي 5: 539 النكاح ب 175 ح 4، الوسائل 2: 322 أبواب الحيض ب 25 ح 4.

(3) الكافي 5: 538 النكاح ب 175 ح 2، الوسائل 2: 321 أبواب الحيض ب

25 ح 2.

(4) التهذيب 1: 155- 443، الاستبصار 1: 129- 441، الوسائل 2: 322 أبواب الحيض ب 25 ح 8.

(5) حكى عنه في المعتبر 1: 224.

(6) البقرة: 222.

(7) الفقيه 1: 54- 204، الوسائل 2: 323 أبواب الحيض ب 26 ح 1.

(8) التهذيب 1: 154- 440، الاستبصار 1: 129- 443، الوسائل 2: 323 أبواب الحيض ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 485

و صحيحة البصري: عن الرجل ما يحلّ له من الطامث؟ قال: «لا شي ء حتى تطهر» [1] خرج ما خرج بالإجماع، فيبقى الباقي.

يضعّف الاستدلال بالآيتين [2]: بأنّ حقيقة عدم القرب و الاعتزال ليست مرادة إجماعا، و لا يجوز جعلهما من باب المطلق المقيّد أو العام المخصّص حتى يبقى ما عدا الثابت خروجه، لاستلزامه خروج الأكثر.

مع أنّ ما هو حقيقة عدم القرب و الاعتزال لا يختلف بالاستمتاع فيما بين السرّة و الركبة و غيره، بل هو أمر خارج عن حقيقتهما، فتأمل. فيجب المصير إلى التجوّز.

و إرادة ترك الوطء في القبل ليست مرجوحة عن غيره، بل هو أولى بها، للشيوع.

مع إمكان إرادة مكان الحيض من الآية الأولى، بل هو- كما قيل «1»- أولى من المصدر و اسم الزمان، لخلوّه عن الإضمار و التخصيص اللازم فيهما، و إن لزم تخصيص حالة الطهر على إرادة المكان أيضا.

و بالأخبار- بعد تخصيص الأخيرة بما بين السرّة و الركبة بالإجماع-: بأنها تعارض ما مرّ بالعموم من وجه، و الترجيح لما مرّ، لمخالفتها لأكثر العامة [3]. مع أنه لولاه لكان المرجع إلى الأصل أيضا، مضافا إلى عدم دلالة الأولى على حرمة ما تحت السرّة إلّا بالمفهوم الضعيف.

و التضعيف «2»: بأنّ نفي الحلّ الظاهر في متساوي الطرفين لا يثبت الحرمة، ضعيف،

لأنّ المتبادر منه نفي مطلق الجواز.

______________________________

[1] التهذيب 1: 155- 444، الاستبصار 1: 130- 445، الوسائل 2: 320 أبواب الحيض ب 24 ح 12 و الرواية مروية عن علي بن الحسن فهي موثقة و ليست بصحيحة بحسب الاصطلاح.

[2] لا يخفى انه ليست هنا إلّا آية واحدة كما أشرنا إليها.

[3] نقل في بداية المجتهد 1: 56 عن مالك و الشافعي و ابي حنيفة انّ له منها ما فوق الإزار، و في نيل الأوطار 1: 324 انه ذهب أكثر العلماء الى التحريم ..

______________________________

(1) الحدائق 3: 264، الرياض 1: 46.

(2) كما ضعّفه في الحدائق 3: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 486

ثمَّ بما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال بها على الكراهة أيضا. و لكن فتوى الأكثر بها و دعوى جماعة «1» الشهرة عليها كافية في إثباتها، فعليها الفتوى. و نفيها- كبعض مشايخنا الأخباريين «2»- غير جيّد.

[المسألة] الثالثة عشرة: لو وطئها زوجها عالما عامدا وجبت عليه الكفّارة
اشارة

بدينار في أوله، و نصفه في وسطه، و ربعه في آخره، وفاقا في الوجوب بل التفصيل للمحكي عن الصدوقين «3»، و السيد، و المفيد، و المبسوط، و الخلاف، و الجمل و العقود «4»، و أبناء البراج و حمزة و إدريس و زهرة «5»، و اختاره غير واحد من مشايخنا «6». بل عليه في الانتصار، و عن الغنية، و الخلاف، الإجماع، و نسب دعواه إلى السرائر أيضا «7». و ليس كذلك، بل قال: لأصحابنا فيه قولان. نعم جعل الوجوب الأظهر من المذهب. و نسبه في التذكرة إلى أكثر علمائنا «8»، و جماعة «9» إلى أكثر القدماء.

للرضوي: «إن جامعت امرأتك في أول الحيض تصدّق بدينار، و إن كان في وسطه فنصف دينار، و إن كان في آخره فربع دينار» «10».

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروض:

81.

(2) الحدائق 3: 265.

(3) الفقيه 1: 53، الهداية: 69، و نقله في المعتبر 1: 231 عن علي بن بابويه أيضا.

(4) الانتصار 33، المقنعة: 55، المبسوط 1: 41، الخلاف 1: 225، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 162.

(5) المهذب 2: 423، الوسيلة: 58، السرائر 1: 144، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(6) كصاحب الحدائق 3: 268، و السيد بحر العلوم في الدرة: 35.

(7) نسبه في الرياض 1: 44.

(8) التذكرة 1: 27.

(9) منهم صاحب الرياض، و في الحدائق 3: 265 أنه المشهور بين المتقدمين.

(10) فقه الرضا عليه السلام: 226، المستدرك 2: 21 أبواب الحيض ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 487

و المروي في المقنع: «إذا جامعها في أول الحيض فعليه أن يتصدّق بدينار، و إن كان في نصفه فنصف دينار، و إن كان في آخره فربع دينار» «1».

و ضعفهما بعد انجبارهما بما ذكر غير ضائر.

و يؤيّده بل يدلّ على التفصيل: رواية داود في كفّارة الطمث: «أن يتصدّق إذا كان في أوله بدينار، و في وسطه نصف دينار، و في آخره ربع دينار» قلت: فإن لم يكن عنده ما يكفّر؟ قال: «فليتصدّق على مسكين واحد، و إلّا استغفر اللَّه و لا يعود، فإنّ الاستغفار توبة و كفّارة لمن لم يجد السبيل إلى شي ء من الكفّارة» «2».

و لا تضرّها رواية القمي، المتقدمة «3»، و رواية محمّد: عن الرجل يأتي المرأة و هي حائض، قال: «يجب عليه في استقبال الحيض دينار و في استدباره نصف دينار» «4».

و موثّقة أبي بصير: «من أتى حائضا فعليه نصف دينار» «5».

و مضمرة محمّد: عمّن أتى امرأته و هي طامث، قال: «يتصدّق بدينار» «6».

فإنّها مطلقة من جهة وقت الحيض بالنسبة إلى الأخبار الأولى، و

المطلق لا ينافي المقيد بل يحمل عليه، فهي أيضا أدلّة لبعض المطلوب.

و لا حسنة الحلبي: عن الرجل يقع على امرأته و هي حائض، ما عليه؟

______________________________

(1) المقنع: 16، الوسائل 2: 328 أبواب الحيض ب 28 ح 7.

(2) التهذيب 1: 164- 471، الاستبصار 1: 134- 459، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض ب 28 ح 1.

(3) ص 479. رقم 5.

(4) الكافي 7: 243 الحدود ب 48 ح 20، التهذيب 10: 145- 576، الوسائل 28: 377 أبواب بقية الحدود ب 13 ح 1.

(5) التهذيب 1: 163- 468، الاستبصار 1: 133- 456، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض ب 28 ح 4.

(6) التهذيب 1: 163- 467، الاستبصار 133- 455، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض ب 28 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 488

قال: «يتصدّق على مسكين بقدر شبعه» «1».

لأعميتها مطلقا مما مرّ، حيث يختص ما مرّ بالعالم العامد و واجد للكفّارة إجماعا و نصا.

مضافا إلى أنّ رجحان التصدّق على مسكين لا ينافي وجوب غيره أيضا.

و عدم ذكره مع السؤال عمّا يجب عليه لا ينفي الوجوب، لجواز مصلحة فيه، و كونه مقام الحاجة غير معلوم. و لو فرض منافاته له فتكون الرواية شاذة، لعدم مفت بمضمونها إلّا عن نادر «2».

و بهذين الوجهين يظهر عدم مضرّة حسنته الأخرى، و موثّقة عبد الملك.

الأولى: عن رجل واقع امرأته و هي حائض، فقال: «إن كان واقعها في استقبال الدم فيستغفر اللَّه، و يتصدّق على سبعة نفر من المؤمنين بقدر قوت كلّ رجل منهم ليومه، و لا يعد، و إن كان واقعها في إدبار الدم في آخر أيامها قبل الغسل فلا شي ء عليه» «3».

الثانية: عن رجل أتى جاريته و هي طامث، قال: «يستغفر اللَّه» قال

عبد الملك: فإنّ الناس يقولون: عليه نصف دينار أو دينار، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «فليتصدّق على عشرة مساكين» «4».

مضافا في الأولى إلى أنّ الظاهر من جزئها الأخير أنه بعد الطهر و قبل الغسل، و لا أقلّ من الشمول له الموجب للأعمية المطلقة مما مرّ الباعث

______________________________

(1) التهذيب 1: 163- 469، الاستبصار 133- 457، الوسائل 2: 328 أبواب الحيض ب 28 ح 5.

(2) الصدوق في المقنع: 16.

(3) الكافي 7: 462 الايمان و النذور و الكفارات ب 18 ح 13، الوسائل 22: 391 أبواب الكفارات ب 22 ح 2.

(4) التهذيب 1: 164- 470، الاستبصار 1: 133- 458، و فيه: عبد الكريم بدل عبد الملك، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 489

للتخصيص.

و في الثانية إلى احتمال أن يكون عدم ذكره للكفارة أوّلا للتقية، حيث إنّه مذهب أبي حنيفة و مالك «1» المشتهر في عصره عليه السلام، فلما ذكر الراوي إيجاب العامة لها أيضا حيث إنّهم يروونها عن ابن عباس «2»، و هو مذهب أحمد و أحد قولي الشافعي، أمر عليه السلام أيضا بالكفّارة و قال: «فليتصدّق» هذه الكفارة الواجبة «على عشرة مساكين» و لا بعد أن يكون الراجح في الكفّارة هذا النوع من التقسيم.

و ممّا ذكر من اشتهار عدم الوجوب عند رؤساء منافقي عصره يظهر عدم مضرّة ما دلّ على نفيها مطلقا أيضا، كصحيحة العيص: عن رجل واقع امرأته و هي طامث،- إلى أن قال-: قلت: إن فعل عليه كفارة؟ قال: «لا أعلم فيه شيئا، يستغفر اللَّه» «3».

و موثّقة زرارة: عن الحائض يأتيها زوجها، قال: «ليس عليه شي ء، يستغفر اللَّه» «4».

و خبر المرادي: عن وقوع الرجل على امرأته

و هي طامث خطأ، قال: «ليس عليه شي ء و قد عصى ربّه» «5».

و المروي في الدعائم: «من أتى حائضا فقد أتى ما لا يحلّ له، و عليه أن

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 59، المغني 1: 350.

(2) سنن ابي داود 1: 69- 264.

(3) التهذيب 1: 164- 472، الاستبصار 1: 134- 460، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض ب 29 ح 1.

(4) التهذيب 1: 165- 474، الاستبصار 1: 134- 462، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض ب 29 ح 2.

(5) التهذيب 1: 165- 473، الاستبصار 1: 134- 461، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض ب 29 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 490

يستغفر اللَّه و يتوب من خطيئته، و إن تصدّق مع ذلك فقد أحسن» «1».

مضافا إلى عموم غير الأخير بالنسبة إلى المتمكّن و غيره، و خصوص ما مرّ، فيجب التخصيص.

و ورود ما قبله في الخاطي و ليس عليه كفارة إن كان خطوة في الموضوع- كما هو أحد احتماليه- إجماعا، و مطلقا عند طائفة.

و لا ينافيه قوله: «و قد عصى» لوجوب حمله على ضرب من التجوّز بقرينة الخطأ.

و تحقّق العصيان بترك الفحص- على الحمل على الجهل بالحكم و إمكان العكس- لا يفيد، لكفاية الاحتمال في سقوط الاستدلال. بل لنا أن نقول بشمول ما تقدّم عليه أيضا للخاطئ، و لا ينافيه الاستغفار، لأنّه راجح في كلّ حال.

و أمّا الأخير، فمع عدم دلالته على نفي الوجوب، ضعيف لا يصلح لمقاومة ما مرّ.

فالقول بعدم الوجوب لبعض ما ذكر، و للأصل المندفع بما مرّ، و لاختلاف الأخبار الموجبة، المعلوم وجهه مع عدم صلاحيته لنفي الإيجاب، كما في المنتهى ناسبا له إلى أكثر أهل العلم «2»، و التذكرة، و نهاية الإحكام، و المعتبر، و

ظاهر الشرائع، و النافع «3»، و المحقق الثاني «4»، و والدي العلّامة، و عن نكاح المبسوط «5»، و نسب إلى أكثر المتأخرين «6»، ضعيف، كالتوقّف، كما هو ظاهر

______________________________

(1) الدعائم 1: 127، المستدرك 2: 22 أبواب الحيض ب 24 ح 1.

(2) المنتهى 1: 115.

(3) التذكرة 1: 28، نهاية الإحكام 1: 21، المعتبر 1: 231، الشرائع 1: 31 و فيه: و الوجوب أحوط، النافع: 10.

(4) جامع المقاصد 1: 321.

(5) المبسوط 4: 242.

(6) كما نسبه في الرياض 1: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 491

الدروس، و البيان، و عن اللمعة «1»، و شيخنا البهائي «2»، و التفرقة بين الشاب و المضطر و غيرهما، كما عن الراوندي «3».

فروع:

أ: تلحق بالزوجة المشتبهة و المزني بها، لإطلاق بعض الأخبار، و عدم الفصل.

و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة، لعموم بعض الأدلّة.

نعم، فرق بين الحرّة و الأمة، فإنّ ما ذكر مخصوص بالحرة.

و أمّا الكفّارة في الأمة فثلاثة أمداد من الطعام، وفاقا للصدوق، و الشيخ في كفارات النهاية، و السيد في كفّارات الانتصار «4»، و السرائر، و المعتبر، و المنتهى، و القواعد، و البيان، و الدروس «5». بل في الثالث: الإجماع على وجوبه، و عن الرابع: نفي الخلاف عنه.

لمرسلة الفقيه و في آخرها: «من جامع أمته و هي حائض تصدق بثلاثة أمداد من الطعام» «6».

و الرضوي: «و إن جامعت أمتك و هي حائض تصدّقت بثلاثة أمداد من طعام» «7».

و بذلك منضما إلى عدم القول بالجمع بين ذلك و بين الدنانير يقيّد إطلاق بعض الأخبار.

______________________________

(1) الدروس 1: 101، البيان: 63، اللمعة (الروضة البهية): 108.

(2) الحبل المتين: 51.

(3) نقل عنه في الذكرى: 34.

(4) الفقيه 1: 53، المقنع: 16، النهاية: 571، الانتصار:

165.

(5) السرائر 3: 76، المعتبر 1: 232، المنتهى 1: 116، القواعد 1: 15، البيان: 63، الدروس 1: 101.

(6) الفقيه 1: 53- 200.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 236، المستدرك 2: 21 أبواب الحيض ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 492

و هل ذلك على الوجوب؟ كما هو ظاهر الفقيه الانتصار، أو الاستحباب؟

كما هو صريح المعتبر و المنتهى و أكثر عبارات الباقين محتمل للأمرين.

الظاهر الأخير، لخلوّ الروايات عن الدالّ على الوجوب.

ب: التكفير مختص بالواطئ، فلا كفّارة على الموطوء، للأصل.

ج: الأظهر الأشهر الموافق لظاهر الأخبار اختلاف الأول و الوسط و الآخر باختلاف الحيض الذي وطئ فيه، فالأول لذات الثلاثة الأول [1]، و لذات الأربعة مع ثلث الثاني، و لذات الخمسة مع ثلثيه، و هكذا، و مثله الوسط و الآخر.

و بالجملة التثليث مرعيّ بالإضافة إلى أيام الحيض مطلقا، ذات عادة كانت أم غيرها، كانت العادة عشرة أم لا.

و عن الديلمي «1»: تحديد الوسط بما بين الخمسة إلى السبعة. و الراوندي «2» اعتبر العشرة مطلقا فثلّثها، فلا وسط لمن حيضها ثلاثة و ثلث فما دون، و لا آخر لمن حيضها سبعة إلّا ثلثا، على الاعتبارين، و يفترقان في صاحبة الأربعة و السبعة، فلا وسط للأول و لا آخر للثاني على الأول، و يتحقّقان على الثاني، و هما الثلثان الأخيران من اليوم الرابع أو السابع.

د: الدينار المثقال الشرعي من الذهب الخالص إجماعا، المسكوك على الأصح، وفاقا لجماعة «3»، للتبادر. خلافا لآخرين «4»، فاكتفوا بالتبر لإطلاق الاسم. و هو ضعيف.

و الأصحّ تعيينه، فلا تجزئ القيمة، اقتصارا على ظاهر النص، و مثله

______________________________

[1] أي الأوّل- بالنسبة الى امرأة حيضها ثلاثة أيام- هو اليوم الأوّل، و بالنسبة الى امرأة حيضها أربعة هو

اليوم الأوّل مع ثلث اليوم الثاني ..

______________________________

(1) المراسم: 44.

(2) فقه القرآن 1: 54.

(3) كما اختاره في الذكرى: 35، و المدارك 1: 355، و كشف اللثام 1: 94.

(4) كالعلّامة في التحرير 1: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 493

النصف و الربع، فيشارك الفقير المالك في النصف من دينار أو ربعه.

و مصرفه مصرف سائر الكفارات اللازمة. و لا يلزم فيه التعدد، لإطلاق النص. و لو قيل برجحان التصدّق على عشرة مساكين، لأنه أحد احتمالي رواية عبد الملك «1»، لم يكن بعيدا.

[المسألة] الرابعة عشرة: يجوز وطؤها بعد الطهر و قبل الغسل وفاقا للمعظم،

بل في الانتصار، و السرائر، و عن الخلاف، و الغنية «2»، و ظاهر التبيان، و المجمع، و الروض، و أحكام الراوندي «3»: الإجماع عليه.

لا لتعليق الاعتزال في الآية «4» على المحيض فينتفي بانتفائه، لانتفاء المفهوم المعتبر.

و لا لجعل غاية النهي عن المقاربة فيها الطهر في القراءات السبع فلا يحرم بعده، لعدم ثبوت كون الطهر فيها و لو على قراءة التخفيف بمعنى انقطاع الدم، فيجوز أن يراد به الحالة الحاصلة بعد الغسل و إن لم تثبت له الحقيقة الشرعية في الغسل عند نزول الآية.

و لا ينافي ذلك ما ورد في الأخبار من أن غسل الحيض سنة [1]، أي لا يثبت وجوبه من الكتاب، لأنّ تعليق جواز المقاربة على الغسل غير إيجابه.

بل للأصل، و المستفيضة كصحيحة محمّد: في المرأة ينقطع عنها دم الحيض

______________________________

[1] كذلك أشار إليها في الوسائل 2: ب 1 أبواب الحيض بقوله: و تقدم ما يدل على انه سنّة و أشار إليها أيضا في شرح المفاتيح- مخطوط- و الرياض 1: 46، و لم نعثر عليها، فانظر الوسائل 2: أبواب الجنابة ب 1 و الوسائل 2: أبواب الحيض ب 1، و ج 3 أبواب الأغسال المسنونة

ب 1 و لعل المراد ما ورد في رواية سعد بن أبي خلف: الغسل في أربعة عشر موطنا واحد فريضة و الباقي سنّة (الوسائل:

2: 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11) و لكن الدلالة محل منع كما يظهر بالتأمل في سائر روايات الباب فراجع و تأمل.

______________________________

(1) المتقدمة ص 488.

(2) الانتصار: 34، السرائر 1: 151، الخلاف 1: 229، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(3) التبيان 2: 221، مجمع البيان 1: 320، الروض: 81، فقه القرآن (الاحكام) 1: 55.

(4) البقرة: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 494

في آخر أيامها، قال: «إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثمَّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل» «1».

و موثّقة ابن يقطين: عن الحائض ترى الطهر فيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل، قال: «لا بأس، و بعد الغسل أحب إليّ» «2».

و موثّقة ابن بكير: «إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء» «3».

و مرسلة ابن المغيرة: «إذا طهرت من الحيض و لم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل، و إن فعل فلا بأس به» و قال: «تمس الماء أحب إليّ» «4».

و خلافا للفقيه في غير ما إذا كان الزوج مشبقا فحرّمه «5»، و استقواه في الروض «6»، للاستصحاب، و الآية مع قراءة التشديد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    494     المسألة الرابعة عشرة: يجوز وطؤها بعد الطهر و قبل الغسل وفاقا للمعظم، ..... ص : 493

موثّقة أبي بصير: عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر، أ يقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال: «لا حتى تغتسل» و عن امرأة حاضت في السفر ثمَّ طهرت فلم تجد ماء يوما أو اثنين، أ يحلّ لزوجها أن يجامعها قبل أن

تغتسل؟ قال: «لا يصلح حتى تغتسل» «7» و نحو آخرها موثّقة عبد الرحمن «8».

______________________________

(1) الكافي 5: 539 النكاح ب 176 ح 1، التهذيب 7: 486- 1952، الوسائل 2: 324 أبواب الحيض ب 27 ح 1.

(2) التهذيب 1: 167- 481، الاستبصار 1: 136- 468. الوسائل 2: 324 أبواب الحيض ب 27 ح 5.

(3) الاستبصار 1: 135- 464، و في التهذيب 1: 166- 476 رواها عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن علي بن يقطين ..، الوسائل 2: 325 أبواب الحيض ب 27 ح 3.

(4) التهذيب 1: 167- 480، الاستبصار 1: 136- 467، الوسائل 2: 325 أبواب الحيض ب 27 ح 4.

(5) الفقيه 1: 53.

(6) الروض: 80.

(7) التهذيب 1: 166- 478، الاستبصار 1: 136- 465، الوسائل 2: 326 أبواب الحيض ب 27 ح 6.

(8) التهذيب 1: 399- 1244، الوسائل 2: 313 أبواب الحيض ب 21 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 495

و موثّقة ابن يسار: المرأة تحرم عليها الصلاة فتوضّأ من غير أن تغتسل، فلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال: «لا حتى تغتسل» «1».

و يردّ الاستصحاب: بالمعارضة مع استصحاب الجواز السابق على الحيض، حيث لم يعلم المنع زائدا على أيام الحيض.

و الآية بمعارضة القراءتين مع أرجحية التخفيف بالشهرة، مضافا إلى أنّ إرادة غسل الفرج من التطهير ممكنة.

و الأخبار- مع عدم دلالة الأولى بل الأخيرة على الحرمة-: بأن حملها على الكراهة متعيّن بقرينة الأخبار السابقة، فلا تعارض.

و لو سلّم فالترجيح للأولى، لمخالفتها لأكثر العامة، كما نقلها جماعة من الخاصة «2».

مع أن إطلاق الثانية ممّا لم يقل به أحد ممّن سبق، حيث إنّ الصدوق استثنى الشبق، فلا بدّ إمّا من تخصيصها أو حملها على الكراهة، و

ليس الأول أولى من الثاني.

و مع تسليم الجميع فغايته التعارض الموجب للرجوع إلى أصالة الجواز.

نعم، يكره ذلك، للإجماع على المرجوحية و اشتهار الكراهة، لا لقوله عليه السلام: «أحبّ إليّ» لعدم دلالته على الكراهة.

و هل تزول الكراهة بغسل الفرج كما صرّح في السرائر «3»؟ الظاهر لا، للأصل.

و في اشتراط زوال الحرمة به و عدمه قولان: الأول للمحكي عن الصدوق،

______________________________

(1) التهذيب 1: 167- 479، الاستبصار 1: 136- 466، الوسائل 2: 326 أبواب الحيض ب 27 ح 7.

(2) كالشيخ في الخلاف 1: 70، و العلّامة في المنتهى 1: 117، و انظر بداية المجتهد 1: 55، و المغني 1: 338.

(3) السرائر 1: 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 496

و صريح الغنية «1»، و ظاهر التبيان، و المجمع، و أحكام الراوندي «2»، لكن مخيّرا بينه و بين الوضوء، فحكموا باشتراط أحد الأمرين منهما. و لا دليل على ذلك التخيير.

نعم، ظاهر لفظة «ثمَّ» في الصحيحة «3» كون جواز المس معقبا لغسل الفرج، و أيضا في خبر الحذاء: عن المرأة الحائض ترى الطهر في السفر و ليس معها من الماء ما يكفي لغسلها- إلى أن قال- قلت: يأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال:

«نعم، إذا غسلت فرجها و تيمّمت فلا بأس» «4».

و فيهما: أنّهما لو دلّتا لدلّتا على شرطية غسل الفرج خاصة أو مع التيمّم، و لا قائل بهما.

مضافا إلى عدم دلالة الأولى على عدم جوازه قبل غسل الفرج بمنطوق و لا مفهوم، و الجواز عقيبه لا يدلّ على عدمه قبله. بل الثانية أيضا، إذ ثبوت البأس قبله يمكن أن لا يكون للوطء قبله و اشتراطه به، بل لتركه بنفسه. فيكون هو واجبا نفسيا و إن لم يشترط به جواز الوطء كما

اختاره بعض الأجلّة حاكيا له عن ظاهر الأكثر «5»، و تشعر به عبارة القواعد «6». و هو المختار، للأمر به في الصحيحة، فإنّ الأمر بالأمر بشي ء يدلّ على وجوبه، و إثبات البأس- الذي هو العذاب- قبله في خبر الحذاء.

لا أن يكون مستحبا بنفسه، كما عن صريح المعتبر، و المنتهى، و التحرير، و الذكرى، و البيان «7»، للأصل، و خلوّ أكثر الأخبار المجوّزة الواردة- على الظاهر-

______________________________

(1) الفقيه 1: 53، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(2) التبيان 2: 221، مجمع البيان 1: 320، فقه القرآن (الاحكام) 1: 55.

(3) صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ص 494 رقم 1.

(4) الكافي 3: 82 الحيض ب 6 ح 3، التهذيب 1: 400- 1250، الوسائل 2: 312 أبواب الحيض ب 21 ح 1.

(5) الفاضل الهندي (منه رحمه اللّه). كشف اللثام 1: 97.

(6) القواعد 1: 16.

(7) المعتبر 1: 236، المنتهى 1: 118، التحرير 1: 16، الذكرى: 34، البيان: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 497

في مقام الحاجة عنه، فلو وجب غسله لزم تأخير البيان عن وقتها.

و يدفع الأصل: بما مرّ.

و يجاب عن خلوّ الأخبار: بمنع كونها في مقام الحاجة. و جعله أصلا- كما قيل- لا أصل له. مع أنّ التأخير إنّما يلزم لو (لم يعدمها) [1] البيان و هو غير معلوم.

ثمَّ إنّ زمان الاستظهار زمان الحيض استصحابا، فلا يجوز الوطء فيه.

و يدلّ عليه أيضا قوية مالك بن أعين: عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم، قال: «نعم، إذا مضى بها منذ وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثمَّ تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها، يأمرها فتغتسل ثمَّ يغشاها إن أحبّ» «1».

______________________________

[1] في «ق» لم يهدمها.

______________________________

(1) التهذيب 1: 176- 505، الوسائل

2: 395 أبواب النفاس ب 7 ح 1.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.