مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 16

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و عليه توكّلي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 7

كتاب النكاح

[المقصد الاول]

اشاره

@@@مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 9

و هو في اللغة: عقد التزويج خاصّة على الأصحّ، لتبادره عرفا، و أصالة عدم النقل، و كون العقد مستحدثا ممنوع، بل لكلّ دين و ملّة عقد.

و قيل: حقيقة في الوطء خاصّة «1».

بل هو الأشهر كما قيل «2».

بل عليه الإجماع عن المختلف «3».

لظهور ذلك من جماعة من أهل اللغة، و منهم: الجوهري «4».

و يردّ بمعارضته مع تصريح جمع آخر بخلافه، منهم: الراغب «5» و الزجّاج «6».

و قيل: حقيقة بينهما، لاستعماله فيهما «7».

و يردّ بأعميّته لو سلّم.

و قيل: مجاز كذلك، لأخذهما من الضمّ و الاختلاط و الغلبة «8».

______________________________

(1) المختلف: 523.

(2) انظر كشف اللثام 2: 6، الرياض 2: 68.

(3) المختلف: 523.

(4) الصحاح 1: 413.

(5) مفردات الراغب: 505.

(6) معاني القرآن 1: 295.

(7) انظر المصباح المنير للفيّومي: 624.

(8) انظر المصباح المنير: 624.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 10

و يردّ بعدم ثبوت المأخذ.

نعم، لو ثبت لتمّ مطلوبه بضميمة أصالة عدم النقل، و لا يلزم منه حقيقية الوطء لوجود أحد المعاني فيه، لأنّها موقوفة على إرادته من حاقّ اللفظ و فهم الخصوصيّة من الخارج، و ليس الكلام فيه.

و ممّا ذكر- بضميمة أصالة عدم النقل- يظهر أنّه حقيقة في العقد أيضا خاصّة في الشرع، و تؤيّده غلبة استعماله فيه كذلك، لكونها مظنّة التبادر و اشتهاره، بل دعوى الإجماع عليه، كما عن الشيخ و الحلّي و الإيضاح «1».

و فيه أيضا قولان آخران: العكس، و الاشتراك، و دليلهما ضعيف.

و ها هنا فصول:

______________________________

(1) الشيخ في عدّة الأصول 1: 170، الحلّي في السرائر 2: 524، الإيضاح 3: 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 11

الأول في المقدّمات

اشاره

اعلم أنّ النكاح سنّة سنيّة من سنن المرسلين، و هو من عدوّ اللّه حصن

حصين، و هو مستحبّ لمن اشتاقت نفسه إليه من الرجال و النساء، بالكتاب «1»، و السنّة «2»، و الإجماع.

و القول بوجوبه- كما حكي عن بعضهم «3»- شاذّ، بل للإجماع مخالف، و به تخرج العمومات الظاهرة في الوجوب عن ظواهرها، مضافا إلى شمولها لغير السابق المنتفي في حقّه الوجوب قطعا، فيعارض التجوّز بإرادة الندب التخصيص، و أولويّة الثاني- كما اشتهر- غير معلومة.

و في استحبابه- لمن لم يشتق- قولان.

أشهرهما و أصحّهما ذلك، و إن لم يقدر على أهبه النكاح إذا قدر على إيقاعه و لم يكن مزاحما لواجب، لوجوه عديدة عمدتها: عموم أكثر النصوص.

خلافا للمبسوط «4» و ابن حمزة «5»، فقالا باستحباب تركه له، إمّا مطلقا

______________________________

(1) النساء: 3، النور: 32.

(2) الوسائل 20: 13 و 43 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 1 و 11.

(3) حكاه في المغني و الشرح الكبير 7: 334 عن أبي بكر بن عبد العزيز، و نسبه الشيخ في الخلاف 4: 246 إلى داود.

(4) المبسوط 4: 160.

(5) الوسيلة: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 12

كالأول، أو مع عدم القدرة على أهبه النكاح كالثاني، لوجوه غير تامّة.

لو تعارض مع الفراغة لسائر العبادات فهل هو أفضل، أم هي؟

فيه خلاف، و الأشهر الأقوى: الأول، لأنّه أيضا في نفسه عبادة، و ما يتبعه من أداء حقوق الزوجة- و هو المزاحم للتفرّغ- عبادات أخر شاقّة، و يزيد ذلك من سائر العبادات بمزيد التأكيدات و الترغيبات سيّما بما يدلّ على أفضليّته من غيره:

كرواية ابن ميمون: «ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة» الحديث «1».

و ابن مهران: «ما من شي ء أحبّ إلى اللّه من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح» «2».

و في رواية: «شرار موتاكم العزّاب» [1].

و لا

يعارضها ما ورد في فضيلة بعض العبادات، كالصلاة و الجهاد و نحوهما، لأنّ الكلام في أفضليّته عن نفس التفرّغ لا عن جميع سائر العبادات.

و يتأكّد رجحانه مع خوف الوقوع في المحرّم بتركه، بل صرّح جماعة بوجوبه حينئذ «4»، و الدليل لا يساعده.

______________________________

[1] الكافي 5: 329- 3، الفقيه 3: 242- 1148، التهذيب 7: 239- 1045، الوسائل 20: 19 أبواب مقدمات النكاح ب 2 ح 3، و في الجميع: «أرذال» بدل:

«شرار»، و في الفقيه: «أراذل»، و التعبير بالشرار موجود في المقنعة: 497.

______________________________

(1) الكافي 5: 327- 1، الفقيه 3: 246- 1168، التهذيب 7: 240- 1047، المقنعة: 497، الوسائل 20: 40 أبواب مقدمات النكاح ب 9 ح 10.

(2) الكافي 5: 328- 1، الوسائل 20: 16 أبواب مقدمات النكاح ب 1 ح 10.

(4) كالعلّامة في القواعد 2: 2، فخر المحققين في الإيضاح 3: 3، الشهيد الثاني في الروضة 5: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 13

و الظاهر نقص الرجحان بما إذا صعبت معه المعيشة، روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «إذا أتى على أمّتي مائة و ثمانون سنة- أي من هجرتي- فقد حلّت لهم العزوبة و العزلة و الترهّب على رؤوس الجبال».

و في حديث آخر: «يأتي على الناس زمان لا تنال المعيشة فيه إلّا بالمعصية، فإذا كان ذلك الزّمان حلّت العزوبة» «1».

و له و للدخول بالزوجة آداب مستحبّة:

أمّا آداب النكاح:

فمنها: اختيار البكر من النساء

، الولود، العفيفة، الكريمة الأصل، بكونها من أهل بيت الإيمان أو الصلاح، أو غير الناشئة هي أو آباؤها أو أمّهاتها من زنى أو حيض و شبهة، أو البعيدة هي و أبواها عن الألسن.

كلّ ذلك للروايات «2» و الاعتبارات.

و منها: أن يقصد بالنكاح اتّباع السنّة

و الولد الصالح و المعونة على الطاعة و المحافظة عن المعصية كلّا أو بعضا- دون التلذّذ أو نحوه من الأمور الدنيوية- ليكون فعله موردا للثواب و إطاعة للّه سبحانه.

و لو قصد الأمرين من الدينيّة و الدنيويّة فمع استقلال أحدهما في

______________________________

(1) التحصين لابن فهد الحلّي: 4، مستدرك الوسائل 11: 387 أبواب جهاد النفس ب 51 ح 19، بتفاوت.

(2) الوسائل 20: 27 أبواب مقدمات النكاح ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 14

المطلوبية فالحكم له، و مع استقلال كلّ منهما فالظاهر كونه مؤدّيا للسنّة مستحقّا للثواب، و مع عدم استقلال شي ء منهما فلا يكون مثابا، لأنّ المركّب من الدينيّة و الدنيويّة ليس دينيّا.

و منها: أنّ بعد قصد السنّة بالنكاح يتبعها في تعيين الزوجة

أيضا، فيرجّح بالمرجّحات الواردة في السنّة من العفيفة الكريمة، لا بالمرجّحات الدنيويّة من الحسن و الجمال و الثروة و المال.

ففي حسنة هشام: «إذا تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكّل إلى ذلك، و إذا تزوّجها لدينها رزقه اللّه الجمال و المال» «1».

و في رواية العجلي: «من تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلّا لجمالها لم ير فيها ما يحبّ، و من تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلّا له وكّله اللّه إليه، فعليكم بذات الدين» «2».

و مقتضى الروايتين: كراهة قصد المال و الجمال خاصّة، كأن يرجّح ذات المال أو الجمال الغير العفيفة على العفيفة مثلا، فلو قصدهما مع ما يترجح بالسنّة لم يكن مكروها، كأن يرجّح ذات المال أو الجمال العفيفة على العفيفة الكريهة إذا لم يكن المال أو الجمال مستقلّا في التعيين، إذ ليس قصد المركّب من العفّة و المال مثلا قصد المال فلا تشمله الحسنة و نحوها، مع أنّها لو شملته يجب التخصيص بمفهوم رواية العجلي.

______________________________

(1) الكافي 5: 333- 3، الفقيه 3: 248- 1180، التهذيب

7: 403- 1609، الوسائل 20: 49 أبواب مقدمات النكاح ب 14 ح 1.

(2) التهذيب 7: 399- 1592، الوسائل 20: 50 أبواب مقدمات النكاح ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 15

و لذا عبّر جماعة منهم الروضة بقوله: و لا يقتصر على الجمال أو الثروة من دون مراعاة الأصل و العفّة «1».

و منها: أن يصلّي قبل تعيين المرأة ركعتين

و يحمد اللّه تعالى.

ثمَّ يدعو بالمأثور في رواية أبي بصير: «إذا همّ بذلك فليصلّ ركعتين و يحمد اللّه تعالى و يقول: اللّهمّ إنّي أريد أن أتزوّج فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجا، و أحفظهنّ لي في نفسها و في مالي، و أوسعهنّ رزقا، و أعظمهنّ بركة، و قدّر لي منها ولدا طيّبا تجعله خلفا صالحا في حياتي و بعد موتي» «2».

و منها: إيقاع العقد معلنا في حضور شاهدين.

لمكاتبة المهلب: «التزويج الدائم لا يكون إلّا بوليّ و شاهدين» «3».

و صحيحة زرارة: عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود، فقال:

«لا بأس بتزويج البتّة فيما بينه و بين اللّه، إنّما جعل الشهود في تزويج البتّة من أجل الولد، لو لا ذلك لم يكن به بأس» «4».

و رواية محمّد: «إنّما جعلت البيّنة في النكاح من أجل المواريث» «5».

______________________________

(1) الروضة 5: 87.

(2) الكافي 5: 501- 3، الفقيه 3: 249- 1187، التهذيب 7: 407- 1627، الوسائل 20: 113 أبواب مقدمات النكاح ب 53 ح 1.

(3) التهذيب 7: 255- 1101، الاستبصار 3: 146- 529، الوسائل 21: 34 أبواب المتعة ب 11 ح 11.

(4) الكافي 5: 387- 1، التهذيب 7: 249- 1077، الوسائل 20: 98 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 3.

(5) التهذيب 7: 248- 1076 و 409- 1635، الوسائل 20: 99 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 16

و صحيحة محمّد: «إنّما جعلت البيّنات للنسب و المواريث» [1].

و لأنّه أنفى للتهمة و أبعد عن الخصومة.

و هل استحبابه مخصوص بالدائم؟ كما في الروضة و شرح القواعد «2»، و غيرهما «3»، للأصل، و اختصاص الروايتين الأوليين بل الأخيرتين أيضا، إذ لا ميراث لغير الدائم بالدائم، بل نفي مفهوم الأوليين عن غيره.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة

   ج 16    16     و منها: إيقاع العقد معلنا في حضور شاهدين. ..... ص : 15

مطلق؟ كما يقتضيه إطلاق النافع و القواعد و اللمعة «4»، و غيرها «5»- و إن أمكن حمله على الشائع الغالب- لإمكان التهمة و الخصومة في غير الدائم أيضا، بل لعموم الروايتين الأخيرتين، إذ الميراث لا يختصّ بإرث الزوجة، بل يرث ولد المتمتّعة أيضا، و بهما يندفع الأصل، و أمّا المفهومان فلا اعتبار بهما، لكونهما وصفين، فالتعميم أولى.

و لا يشترط الإشهاد في صحّة العقد إجماعا في غير الدائم، و على الأصحّ الأشهر فيه أيضا، بل بالإجماع أيضا، كما عن الانتصار و الناصريات و الخلاف و الغنية و السرائر و التذكرة و التنقيح و المسالك «6».

______________________________

[1] رواها في الكافي 5: 387- 2، و الوسائل 20: 97 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 1، بإسناده عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام، و لا توجد روايتها عن محمد بن مسلم.

______________________________

(2) الروضة 5: 88، جامع المقاصد 12: 13، كشف اللثام 2: 7.

(3) كما في النهاية: 450، السرائر 2: 550، 603، 620، التحرير 2: 4.

(4) النافع: 171، القواعد 2: 2، اللمعة (الروضة البهية 5): 88.

(5) كما في الشرائع 2: 267 و الإرشاد 2: 4.

(6) حكاه عنهم في كشف اللثام 2: 7، الانتصار: 118، الناصريات (الجوامع الفقهية): 210، الخلاف 4: 261، 262، الغنية (الجوامع الفقهية): 610، السرائر 2: 550، 603، 620، التذكرة 2: 571، التنقيح 3: 12، المسالك 1: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 17

للأصل، و عموم بعض الروايات، و خصوص الصحيحة المتقدّمة.

و رواية محمّد بن الفضيل: قال: قال أبو الحسن موسى عليه السلام لأبي يوسف

القاضي: «إنّ اللّه تبارك و تعالى أمر في كتابه بالطلاق و وكّده فيه بشاهدين و لم يرض بهما إلّا بعدلين، و أمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود فأثبتّم شاهدين فيما أهمل و أبطلتم الشاهدين فيما أكّد» «1»، فإنّ النكاح الدائم هو الذي أثبتوهما فيه.

خلافا للمحكيّ عن العماني «2».

للمكاتبة المتقدّمة المردودة بالقصور دلالة على الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة، و الضعف لأجل الشذوذ، و المعارضة مع ما ذكر، المرجوحة بالنسبة إليه، لموافقة العامّة «3»، كما صرّح به جمع الخاصّة «4»، و دلّت عليها الرواية الأخيرة.

و منها: أن يخطب الزوج أو وليّه أو وكيله أمام العقد

، للتأسّي، و استفاضة الأخبار في خطبة الأطهار أمام الأنكحة، و ليس بواجب إجماعا، و تصرّح به رواية عبيد بن زرارة «5».

و يتحقّق بالحمد و الصلاة و الاستغفار، بل الحمد خاصّة أيضا، كما صرّح به في رواية القدّاح: «إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يتزوّج و هو

______________________________

(1) الكافي 5: 387- 4، الوسائل 20: 98 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 5.

(2) حكاه عنه في المختلف: 535.

(3) انظر بداية المجتهد 2: 17، المغني 7: 339، مغني المحتاج 3: 144.

(4) كالشيخ في الخلاف 4: 261، الشهيد الثاني في المسالك 1: 431، صاحب الحدائق 23: 33.

(5) الكافي 5: 368- 1، التهذيب 7: 249- 1078 و 408- 1629، الوسائل 20 96 أبواب مقدمات النكاح ب 41 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 18

يتعرّق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول: الحمد للّه و صلّى اللّه على محمّد و آله، و يستغفر اللّه، و قد زوّجناك على شرط اللّه، ثمَّ قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: إذا حمد اللّه فقد خطب» [1].

و مقتضاها: حصولها بمطلق الحمد و لو بغير العربيّة.

و أكملها الخطب المرويّة

عنهم عليهم السّلام و هي كثيرة «2».

و هذه الخطبة غير الخطبة- بالكسر- و هي: التماس قبول المرأة التزويج قبل إرادة العقد، و يستحبّ فيها أيضا الخطبة- بضمّ الخاء- كما فعله الأئمّة و أبو طالب و غيره، فتكون قبل النكاح خطبتان.

و منها: إيقاعه ليلا.

كما في صحيحة الوشّاء: «إنّ من السنّة التزويج في الليل» «3»، و في رواية ميسر: «تزوّج بالليل» «4».

و التزويج هو النكاح.

و منها: أن يجتنب إيقاعه و القمر في برج العقرب.

لخبر حمران: «من تزوّج و القمر في العقرب لم ير الحسنى» «5».

______________________________

[1] الكافي 5: 368- 2، التهذيب 7: 408- 1630، الوسائل 20: 96 أبواب مقدمات النكاح ب 41 ح 2، و العرق، بالفتح فالسكون: العظم الذي أخذ عنه اللحم- مجمع البحرين 5: 213.

______________________________

(2) انظر الوسائل 20: 97 أبواب مقدمات النكاح ب 42.

(3) الكافي 5: 366- 1، التهذيب 7: 418- 1675، الوسائل 20: 91 أبواب مقدمات النكاح ب 37 ح 3.

(4) الكافي 5: 366- 3، الوسائل 20: 91 أبواب مقدمات النكاح ب 37 ح 1.

(5) الفقيه 3: 250- 1188، التهذيب 7: 407- 1628 و 461- 1844، المقنعة:

514، الوسائل 20: 114 أبواب مقدمات النكاح ب 54 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 19

و كذا في محاق الشهر، و هو زمان كون القمر تحت شعاع الشمس.

لمرسلة الفقيه: و روي أنّه يكره التزويج في محاق الشهر «1».

و كذا في ساعة حارّة من أنصاف النهار.

لرواية ضريس، و فيها: «ما أراهما يتّفقان» «2».

و أمّا آداب الدخول بالزوجة:

فمنها: أنّ يتوضّأ الزوج قبل وصول الزوجة إليه

و يصلّي ركعتين، و يأمر من مع الزوجة أن يأمروها بصلاة ركعتين بعد أن تتوضّأ قبل وصولها إليه، ثمَّ الزوج يمجّد اللّه و يصلّي على محمّد و آله، ثمَّ يدعو اللّه بالدعاء المأثور، و يأمر من معها أن يؤمّنوا على دعائه.

كما ورد كلّ ذلك في صحيحة أبي بصير «3»، فهي الحجة عليه.

و أمّا ما في الروضة و القواعد «4» و غيرهما «5»- من دعاء الزوجة أيضا بهذا الدعاء- فلا يستفاد من هذا الحديث و لا من غيره، و كذا ما في طائفة من الكتب من كون ذلك عند إرادة الدخول بالزوجة إن أريد به الوقاع، و أمّا إن أريد به الوصول و اللقاء- كما هو ظاهر

القواعد، حيث عبّر بقوله: عند الدخول- فهو كذلك.

______________________________

(1) الفقيه 3: 250- 1189، الوسائل 20: 115 أبواب مقدمات النكاح ب 54 ح 2.

(2) الكافي 5: 366- 1، الوسائل 20: 93 أبواب مقدمات النكاح ب 38 ح 1.

(3) الكافي 5: 500- 1، التهذيب 7: 409- 1636، الوسائل 20: 115 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 1.

(4) الروضة 5: 92، القواعد 2: 2.

(5) كالنافع: 171، الكفاية: 152، الرياض 2: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 20

أمّا في صلاة الزوج: فللتصريح به في الصحيح.

و أمّا في صلاة الزوجة: فبقرينة قوله: مرهم أن يأمروها فيه، إذ لو كانت واصلة إليه لم يحتج إلى أمر أهلها بأمرها.

و منها: أن يكون الزفاف ليلا.

لقول الصادق عليه السلام: «زفّوا عرائسكم ليلا» «1».

و منها: أن يضع يده على ناصيتها

مستقبل القبلة، و يدعو بالمأثور.

و منها: أن يسمّي اللّه تعالى عند الجماع

أبدا، و أن يدعو بالمأثور، و يسأل اللّه تعالى أن يرزقه ولدا ذكرا سويّا صالحا.

و منها: أن يؤلم عند التزويج يوما أو يومين

، و الأفضل أن يكون في الضحى، كما صرّح به الشيخ في النهاية «2»، و يكره ما زاد على اليومين.

كلّ ذلك للروايات «3».

و أمّا ما في بعض الروايات الواردة في كتاب المطاعم: إنّ أبا الحسن أو لم على بعض ولده ثلاثة أيّام «4»، فليس صريحا في كونه في التزويج، بل الظاهر كونه في الولادة أو الختان، مع أنّ الفعل لا يعارض القول.

و يستحبّ أن يكون بعد التزويج، لأنّ النبيّ أولم بعده كما في الروايات.

و الظاهر من الأخبار أنّها مستحبّة للتزويج، و أمّا استحبابها عند الزفاف

______________________________

(1) الكافي 5: 366- 2، الفقيه 3: 254- 1203، التهذيب 7: 418- 1675، الوسائل 20: 91 أبواب مقدمات النكاح ب 37 ح 2.

(2) النهاية: 481.

(3) الوسائل 20: 94 أبواب مقدمات النكاح ب 40.

(4) الكافي 6: 281- 1، الوسائل 24: 307 أبواب آداب المائدة ب 31 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 21

كما في كثير من العبارات «1»- فلا تساعده الأخبار.

و لا تجب الإجابة إلى الدعوة إلى وليمة العرس عند علمائنا أجمع- كما في شرح القواعد «2»- بل تستحبّ.

و منها: أن يجتنب المجامعة مطلقا بعد الظهر.

لمرسلة الفقيه: «يا علي، لا تجامع زوجتك بعد الظهر، فإنّه إن قضي بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحول، و الشيطان يفرح بالحول» «3».

و في النافع و القواعد و اللمعة «4» و غيرها «5»: عند الزوال.

و استند بعضهم له بذلك الحديث، و هو أعمّ، بل غير دالّ، لأنّ بعد الظهر عرفا مغاير لعند الزوال، و لم أعثر على مستند آخر إلّا أن يثبت الحكم بفتاواهم تسامحا في أدلّة السنن.

و حينئذ، فيستثنى منه عند زوال يوم الخميس، كما ذكره جماعة «6».

لتلك المرسلة أيضا، فقال: «و إن جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس

عند كبد السماء فقضي بينكما ولد، فإنّ الشيطان لا يقربه حتى يشيب، و يكون قيّما، و يرزقه اللّه عزّ و جلّ السلامة في الدين و الدنيا».

و عند الغروب حتى يغيب الشفق، و بعد الفجر حتى تطلع الشمس،

______________________________

(1) كما في الشرائع 2: 267 و القواعد 2: 2 و الكفاية: 153.

(2) جامع المقاصد 12: 19.

(3) الفقيه 3: 359- 1712، الوسائل 20: 251 أبواب مقدمات النكاح ب 149 ح 1.

(4) النافع: 171، القواعد 2: 2، اللمعة (الروضة البهيّة 5): 93.

(5) كالشرائع 2: 268.

(6) منهم الشهيد الثاني في الروضة 5: 93، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 8، صاحب الرياض 2: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 22

و ليلة الخسوف، و يوم الكسوف، و في اليوم أو الليل اللذين تكون فيهما الريح السوداء أو الحمراء أو الصفراء أو الزلزلة.

كلّ ذلك لصحيحة سالم «1».

و مقتضى التخصيص و الأصل اختصاص الكراهة في الخسوف بالليل و في الكسوف بالنهار، فلا يكره في يوم الخسوف و ليلة الكسوف، كما إذا انكسفت الشمس ابتداء الغروب و غربت منكسفة.

و لا تختص الكراهة بما إذا وقعا، فلو علم أحد بوقوع أحدهما في ليلة أو يوم بحساب النجوم يكره قبل الوقوع أيضا.

و في أول ليلة من كلّ شهر- إلّا شهر رمضان- و وسطه و آخره.

لدلالة الروايات على كلّ ذلك «2».

و عاريا.

لمرسلة الفقيه: أجامع و أنا عريان؟ فقال: «لا، و لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها» «3».

و مقتضى الأصل: اختصاص الكراهة بكون الزوج عريانا، فلا كراهة في الزوجة.

و تؤيّده رواية إسحاق بن عمّار: في الرجل ينظر إلى امرأته و هي عريانة، قال: «لا بأس بذلك، و هل اللّذة إلّا ذاك» «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 498- 1، المحاسن: 311-

26، طب الأئمة: 131، الوسائل 20:

125 أبواب مقدمات النكاح ب 62 ح 1.

(2) الوسائل 20: 128 أبواب مقدمات النكاح ب 64.

(3) التهذيب 7: 412- 1646، الوسائل 20: 119 أبواب مقدمات النكاح ب 58 ح 2.

(4) الكافي 5: 497- 6، التهذيب 7: 413- 1652، الوسائل 20: 120 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 23

و عقيب الاحتلام قبل الغسل.

لمرسلة الفقيه: «يكره أن يغشى الرجل المرأة و قد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى» «1».

و مقتضاها: اختصاص ارتفاع الكراهة بالغسل خاصّة، كما عن الحلّي و في المفاتيح «2».

فالاجتزاء بالوضوء أيضا مطلقا- كما في النافع و القواعد و شرحه و اللمعة «3»، و عن النهاية و المهذّب و الوسيلة «4»- أو مع تعذّر الغسل- كما عن ابن سعيد «5»- خلاف مفهومها و لا يتّضح دليله، و فتوى الفقهاء إنّما تنفع في إثبات الاستحباب أو الكراهة دون رفعهما.

و لا تكره معاودة الجماع بغير غسل، للأصل.

و أمّا ما في الرسالة الذهبيّة لمولانا الرضا عليه السلام: «الجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث الولد الجنون» «6».

فليس صريحا فيه، لاحتمال فتح الغين، فغايته استحباب غسل الفرج، كما نفى عنه الخلاف في المبسوط مع ضمّ وضوء الصلاة «7».

و تدلّ على الوضوء رواية التميمي: في الجارية يأتيها ثمَّ يريد إتيان

______________________________

(1) الفقيه 3: 256- 1212، الوسائل 20: 139 أبواب مقدمات النكاح ب 70 ح 1.

(2) الحلي في السرائر 2: 606، المفاتيح 2: 286.

(3) النافع: 171، القواعد 2: 2، جامع المقاصد 12: 24، اللمعة (الروضة البهيّة 5): 94.

(4) النهاية: 482، المهذّب 2: 222، الوسيلة: 314.

(5) الجامع للشرائع: 453.

(6) الرسالة الذهبية: 28، البحار 59: 321.

(7) المبسوط 4: 243.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 24

أخرى توضّأ «1».

فيكره قبل غسل الفرج و الوضوء، لما ذكر.

و الحكم بالكراهة قبل الغسل للإلحاق بالاحتلام و احتمال الضمّ لا وجه له و إن احتملت المقام المسامحة، إذ لم يثبت هذا القدر من التسامح.

و المجامعة و في البيت صبيّ مستيقظ يراهما و يسمع كلامهما و نفسهما.

لرواية الحسين بن زيد «2».

بل يتعدّى إلى غير سامع الكلام و النفس إذا رأى أيضا.

للمرويّ في طبّ الأئمة: «إيّاك و الجماع حيث يراك صبيّ يحسن أن يصف حالك» «3».

و في بعض الكتب عن الصادق عليه السلام: «نهى أن توطأ المرأة و الصبيّ في المهد ينظر إليهما» «4».

بل يمكن التعدّي إلى مطلق الصبيّ و إن لم يكن يرى، كما هو مقتضى إطلاق كلام النهاية «5» و غيره «6».

______________________________

(1) التهذيب 7: 459- 1837، الوسائل 21: 200 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 84 ح 2.

(2) الكافي 5: 500- 2، الوسائل 20: 133 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 8.

(3) طب الأئمّة «ع»: 133، الوسائل 20: 134 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 8.

(4) دعائم الإسلام 2: 213- 784، 781، مستدرك الوسائل 14: 227 أبواب مقدمات النكاح ب 50 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) النهاية: 482.

(6) المراسم: 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 25

لرواية راشد: «لا يجامع الرجل امرأته و لا جاريته و في البيت صبيّ» «1».

و مقتضى إطلاق بعض تلك الأخبار و تصريح بعضها: عدم اختصاص الحكم بالصبيّ المميّز، بل يتعدّى إلى غيره و لو كان رضيعا أيضا، كما عليه المحقّق «2» و جماعة «3»، بل هو مقتضى إطلاق أكثر الأصحاب.

فالتقييد بالمميّز- كما عن بعضهم «4»- لا وجه له، و التوصيف بقوله:

«يحسن أن يصف حالك» في

الثانية لا يوجب تقييد المطلق و طرح الصريح، لأنّه وصف لا يعتبر مفهومه، و كذا التوصيف بسماع الكلام و النفس في الأولى، إن جعلناه مشعرا بالتمييز كما في الروضة «5».

ثمَّ تلك الروايات و إن اختصّت بالصبي، إلّا أنّه يتعدّى إلى غيره بالفحوى و عدم الفصل، و لعلّ التخصيص لندرة المجامعة في حضور غير الصبي.

و مقتضى صريح الأخيرة و إطلاق الثانية بل الثالثة: عموم الكراهة لجماع الحرّة و الأمة، كما صرّح به بعضهم «6»، و يقتضيه إطلاق كلام

______________________________

(1) الكافي 5: 499- 1، المحاسن: 317- 42، الوسائل 20: 132 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 1.

(2) المختصر النافع: 171.

(3) كالعلّامة في التحرير 2: 4، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 5): 94، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 8.

(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 435.

(5) الروضة 5: 95.

(6) انظر التنقيح الرائع 3: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 26

جماعة، منهم: النافع و القواعد و اللمعة «1».

و عن المشهور: الاختصاص بالحرّة «2».

لصحيحة ابن أبي يعفور: عن الرجل ينكح الجارية من جواريه و معه في البيت من يرى ذلك و يسمعه، قال: «لا بأس» «3».

و فيه: أنّ نفي البأس لا ينفي الكراهة.

ثمَّ إنّ منهم من قيّد الكراهة بما إذا لم ير العورة، قال: و إلّا فيحرم «4».

و فيه نظر، لأنّ حرمة النظر إلى العورة أو كشفها لا يحرم الجماع.

و النظر إلى فرج المرأة عند المجامعة.

لموثّقة سماعة «5».

و مرسلة الفقيه في وصايا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا ينظرنّ أحد إلى فرج امرأته و ليغضّ بصره عند الجماع، لأنّ النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد» «6».

بل مطلقا كما قال جماعة «7»- و إن جعلوا المقيّد أشد كراهة- لظهور

المرسلة في الإطلاق.

و لا يقيّده قوله: «عند الجماع»، لأنّ الأصل رجوع القيد إلى الأخير.

______________________________

(1) النافع 1: 171، القواعد 2: 2، اللمعة (الروضة البهيّة 5): 94.

(2) كما في المقنعة: 515، المراسم: 151، المفاتيح 2: 287، الحدائق 23: 137.

(3) التهذيب 8: 208- 735، الوسائل 21: 194 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 75 ح 1.

(4) الرياض 2: 72.

(5) التهذيب 7: 414- 1656، الوسائل 20: 121 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 3.

(6) الفقيه 3: 359- 1712، الوسائل 20: 121 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 5.

(7) كالشهيد الثاني في الروضة: 95 و صاحب الرياض 2: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 27

و لا التعليل، لاحتمال كونه لغضّ البصر، حيث إنّ فتحه معرض النظر، أو المراد بالغضّ: غضّه عن النظر إلى الفرج، و حينئذ يتّضح وجه الأشدّية، لأنّها مقتضى ذكر الخاصّ بعد العامّ.

و لا يحرم ذلك على الأشهر، بل بالإجماع كما عن الخلاف «1»، خلافا لابن حمزة «2»، و هي- مع عدم صراحتها- معارضة بنفي البأس عنه في الموثّقة و في رواية أبي حمزة «3».

و الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها.

لما مرّ.

و للمرسلة: «نهى رسول الله صلّى اللّه عليه و آله عن الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها» «4».

و الإجماع على عدم الحرمة أوجب صرف النهي إلى الكراهة.

و التكلّم عند الجماع.

لقوله: «اتّقوا الكلام عند ملتقى الختانين» «5».

و تشتد الكراهة مع تكثيره الكلام.

للمرسلة الواردة في الوصيّة لعليّ عليه السلام: «لا تتكلّم عند الجماع

______________________________

(1) الخلاف 4: 249.

(2) الوسيلة: 314.

(3) الكافي 5: 497- 5، التهذيب 7: 413- 1651، الوسائل 20: 120 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 2، في النسخ: ابن حمزة، و ما أثبتناه من المصادر.

(4) الفقيه 1: 180- 851، الوسائل

4: 319 أبواب القبلة ب 12 ح 3.

(5) الكافي 5: 498- 7، التهذيب 7: 413- 1653، الوسائل 20: 123 أبواب مقدمات النكاح ب 60 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 28

كثيرا» «1».

و جعلها دليلا على أشدّية الكراهة في الرجل مطلقا أو مع الكثرة غير جيّد، لعدم دلالتها عليها.

و استثنى جماعة [1] من الكلام: ذكر اللّه سبحانه، و الروايتان مطلقتان.

و لعلّه لقوله عليه السلام: «ذكر اللّه حسن على كلّ حال» «3».

أو لما ورد من استحباب التسمية عند الجماع.

و للمرتضويّ: «إذا جامع أحدكم فليقل: اللّهم جنّبني الشيطان» إلى آخر الدعاء «4».

و لكن الأول عامّ ينبغي تخصيصه بما مرّ، و الثاني ظاهر في إرادة الجماع كما يستفاد من روايات أخر «5».

إلّا أن يقال: إنّ الأول أعمّ من وجه ممّا مرّ، فيرجع في محلّ التعارض إلى أصالة عدم الكراهة.

______________________________

[1] منهم ابن حمزة في الوسيلة: 314، الحلي في السرائر 2: 606، المحقق في النافع: 171، الشهيد في اللمعة (الروضة البهيّة 5): 96.

______________________________

(1) الفقيه 3: 359- 1712، الوسائل 20: 123 أبواب مقدمات النكاح ب 60 ح 3.

(3) الكافي 2: 497- 6، الوسائل 1: 310 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 2.

(4) الكافي 5: 503- 3، الوسائل 20: 136 أبواب مقدمات النكاح ب 68 ح 3.

(5) الوسائل 20: 135 أبواب مقدمات النكاح ب 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 29

الفصل الثاني في بعض الأحكام و اللواحق لهذا الباب

اشاره

و فيه مسائل

المسألة الأولى: الأصل و إن كان جواز نظر كلّ أحد إلى كلّ شي ء

، إلّا أنّه خرج منه نظر الرجل إلى عورة غير الأهل، رجلا كان أو امرأة، حرّة أو أمة، محرما أو غير محرم.

بالإجماع، بل الضرورة الدينيّة، و الكتاب.

قال الله سبحانه قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ «1».

قال الصادق عليه السلام كما في مرسلة الفقيه: «كلّ ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنى، إلّا في هذا الموضع، فإنّه الحفظ من أن ينظر إليه» «2».

و هو عامّ شامل لجميع الفروج و الناظرين.

و في مرسلة أخرى له طويلة مشتملة على جملة من مناهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «و نهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم، و نهى أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة» إلى أن قال: «و من نظر إلى عورة أخيه المسلم

______________________________

(1) النور: 30.

(2) الفقيه 1: 63- 235، الوسائل 1: 300 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 30

أو عورة غير أهله متعمّدا أدخله اللّه النار مع المنافقين» الحديث «1».

و في رواية جابر: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا ينظر إلى فرج امرأة لا تحلّ له» «2».

و في مرسلة محمّد بن جعفر: «ليس للوالد أن ينظر إلى عورة الولد، و ليس للولد أن ينظر إلى عورة الوالد» «3».

و في المرويّ في عقاب الأعمال: «من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شي ء من جسدها كان حقّا على اللّه أن يدخله النار مع المنافقين» «4».

و يستفاد من الأخيرة: حرمة النظر إلى شعور النساء و جزء من أجسادهنّ مطلقا أيضا.

و يدلّ على ذلك أيضا- مضافا إلى الإجماع- المرويّ في العلل:

«حرّم النظر إلى

شعور النساء المحجوبات بالأزواج و إلى غيرهن، لما فيه من تهيّج الرجل و [ما] يدعو إليه التهييج من الفساد و الدخول فيما لا يحلّ، و كذلك ما أشبه الشعور» الحديث [1].

أي أشبهها في تهييج الشهوة، و لا شكّ أنّ العورة بل جميع أجسادهنّ

______________________________

[1] العلل: 564- 1، الوسائل 20: 193 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 12، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

______________________________

(1) الفقيه 4: 5- 1، الوسائل 1: 299 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 2.

(2) الكافي 5: 559- 14، الوسائل 20: 191 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 3.

(3) الكافي 6: 503- 36، الوسائل 2: 56 أبواب آداب الحمام ب 21 ح 1.

(4) عقاب الأعمال: 282، الوسائل 20: 194 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 31

كذلك.

و صحيحة الحسن بن السريّ: «لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوّجها ينظر إلى خلفها و وجهها» «1».

دلّت بمفهوم الشرط على حرمة النظر إليها إذا لم يرد تزوّجها، و النظر يتحقّق برؤية جزء من جسدها، فيكون حراما.

و احتمال أن يكون قوله: «ينظر إلى خلفها و وجهها» بيانا للنظر، فيكون النظر المحرّم إلى الخلف و الوجه لا يضرّ، للتعدّي إلى الباقي بالإجماع المركّب.

و يدلّ على حرمة النظر إلى غير الوجه و الكفين من النساء اللاتي لا يراد تزوّجها مفهوم الشرط في حسنة هشام و حمّاد و حفص: «لا بأس بأن ينظر إلى وجهها و معاصمها إذا أراد أن يتزوّجها» «2».

و المعصم: موضع السوار من اليد.

دلّت بالمفهوم على حرمة النظر بدون إرادة التزويج إلى الوجه و المعصم، فيحرم غيرهما أيضا بالطريق الأولى و الإجماع المركّب.

و إنّما قلنا: إنّها تحرم

النظر إلى غير الوجه و الكفين، لأنّ المفهوم حرمة النظر إلى مجموع الوجه و المعصم، و حرمة ذلك يستلزم حرمة غير الوجه و الكفّين منفردة بما مرّ، و لكن لا يستلزم حرمة النظر إلى الوجه أو الكفّين منفردا، لانتفاء الإجماع المركّب.

و لا يتوهّم أنّ المعصم جزء من الكفّ، لأنّه موضع السوار و هو غير

______________________________

(1) الكافي 5: 365- 3، الوسائل 20: 88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 3.

(2) الكافي 5: 365- 2، الوسائل 20: 88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 32

الكفّ، و لذا أفرد كلّا منهما بالذكر عن الآخر في صحيحة عليّ بن جعفر المرويّة في قرب الإسناد: عن الرجل ما يصلح أن ينظر من المرأة التي لا تحلّ له؟ قال: «الوجه و الكفّان و موضع السوار» «1».

و لذا قال بعضهم- بعد ذكر هذا الخبر دليلا على جواز النظر إلى وجوه الأجنبيات و أكفهنّ-: إنّه لا يقدح فيه زيادة موضع السوار مع عدم جواز النظر إليه، لكونه من باب العام المخصّص «2».

و الاستدلال على حرمة النظر إلى جزء من جسدهنّ مطلقا بقوله سبحانه قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ و في غير المحارم بقوله تعالى وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ الآية «3».

ليس بجيّد، لإجمال الأول من جهة موضع النظر، فلعلّه العورة، و حمله على العموم لا وجه له.

و القول- بأنّ الأمر بغضّ البصر مطلق لا يحتاج إلى تقدير، خرج منه ما خرج- باطل، لإيجابه خروج الأكثر.

و لاحتمال إرادة نفس الزينة من الثاني، فيكون المراد النهي عن إبداء مواضع الزينة حال كونها مزيّنة، حيث إنّه مهيّج للشهوة.

هذا حكم الرجل الناظر.

و منه يظهر حكم المرأة الناظرة، إذ لا فارق

بينهما عند الأصحاب ظاهرا، فيحرم نظرها إلى العورة مطلقا، و إلى كل ما يحرم من المرأة نظر

______________________________

(1) قرب الإسناد: 227- 890.

(2) انظر الرياض 2: 74.

(3) النور: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 33

الرجل إليه.

للإجماع المركّب على الظاهر، مضافا في العورة إلى الآية، و حديث المناهي «1».

و في سائر الأجزاء إلى رواية البرقي: استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلّى اللّه عليه و آله و عنده عائشة و حفصة، فقال لهما: «قوما فادخلا البيت» فقالتا:

إنّه أعمى، فقال: «إن لم يركما فإنّكما تريانه» «2».

و المرويّ في عقاب الأعمال: «اشتدّ غضب اللّه على امرأة ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم معها» «3».

و إن كان في دلالة الأولى على الوجوب نظر، إذ القيام و الدخول في البيت ليس واجبا قطعا، و جعلها مجازا عن عدم الرؤية ليس بأولى من حملها على الاستحباب ترغيبا على غاية المباعدة.

بل في دلالة الثانية، لأنّ ملأ العين تجوّز يحتمل معناه المجازي وجوها كثيرة.

نعم، روي أنّ أمّ سلمة قالت: كنت أنا و ميمونة عند النبي صلّى اللّه عليه و آله فأقبل ابن أمّ مكتوم فقال: «احتجبا عنه» فقلنا: إنّه أعمى، فقال: «أ فعمياوان أنتما؟!» «4».

و هو يدلّ على الوجوب، و ضعفه بالعمل مجبور.

______________________________

(1) المتقدم في ص: 29.

(2) الكافي 5: 534- 2، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 1.

(3) عقاب الأعمال: 286، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 2.

(4) مكارم الأخلاق 1: 498، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 34

و ممّا ذكر ظهرت حرمة نظر كلّ من الرجل و المرأة إلى جزء من أجزاء جسد الآخر،

و لكن هذا إنّما هو من باب الأصل، و قد استثنيت منه مواضع تأتي.

هذا حكم الرجال و النساء.

و أمّا الصبيان، فالظاهر جواز النظر إلى غير عوراتهم مطلقا، سواء كانوا مميّزين أو غير مميّزين.

للأصل الخالي عن الصارف، لاختصاص الموانع بالرجل و النساء و المرأة، التي هي حقائق في البالغ.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة البجلي: عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطّي رأسها ممّن ليس بينها و بينه محرم- إلى أن قال-:

«لا تغطّي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة» «1».

و أمّا بعض الأخبار المانعة عن تقبيل الصبيّة التي لها ستّ سنين أو وضعها على الحجر أو ضمّها، فلا يدلّ على منع النظر «2».

و أمّا العورات فلا يجوز النظر إليهم إن كانوا مميّزين، أي الحدّ الذي يعتاد فيه التميّز لأكثر الصبيان.

لإطلاق بعض الموانع.

و أمّا إن لم يكونوا مميّزين فالظاهر الجواز.

لإطباق الناس في الأعصار و الأمصار على عدم منع هؤلاء عن كشف

______________________________

(1) الكافي 5: 533- 2، العلل: 565- 2، الوسائل 20: 228 أبواب مقدمات النكاح ب 126 ح 2.

(2) انظر الوسائل 20: 228 أبواب مقدمات النكاح ب 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 35

العورات و نظرهم إليها.

و أمّا نظرهم إلى الغير فلا شك في جوازه مطلقا مع عدم تمييزهم.

و أمّا مع التميّز فلا يجوز نظرهم إلى العورة، للأمر باستئذان الذين لم يبلغوا الحلم في الآية عند العورات الثلاث التي كانوا يضعون فيها الساتر للعورة «1».

و تؤيّده الروايتان:

إحداهما: «و الغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين» «2».

و الأخرى: في الصبيّ يحجم المرأة، قال: «إن كان يحسن أن يصف، لا» «3».

و هل المراد بعدم الجواز هنا: حرمته و وجوب الاستئذان على الصبيّ نفسه؟

أو الوجوب علي الوليّ أمره

و نهيه؟

أو وجوب تستّر المنظور إليه عنه؟

الظاهر هو: الأول، و لا بعد فيه، لأخصّية دليله عن أدلّة رفع القلم عن الصبيّ.

و أمّا غير العورة، فمقتضى الأصل الخالي عن المعارض جوازه، و بعض العمومات- إن كان- مخصّص بغير الصبي، لعمومات رفع القلم عنه.

______________________________

(1) النور: 58.

(2) الفقيه 3: 276- 1311، الوسائل 20: 230 أبواب مقدمات النكاح ب 127 ح 4.

(3) الكافي 5: 534- 1، الوسائل 20: 233 أبواب مقدمات النكاح ب 130 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 36

و تدلّ عليه رواية البزنطي: «يؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنين، و لا تغطّي المرأة شعرها عنه حتى يحتلم» «1».

و لا تعارضها رواية الحجامة، لعدم دلالتها على الحرمة.

و لا قوله سبحانه أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ «2»، حيث قيّد تعالى شأنه جواز الإبداء للطفل بقوله لَمْ يَظْهَرُوا أي لم يميّزوا.

لعدم صراحته في ذلك المعنى، لجواز أن يراد: لم يقووا على عوراتهنّ كما قيل «3»، مع أنّه على فرض الصراحة تكون دلالته على المنع بمفهوم الوصف الذي ليس بحجّة على الأظهر، إلّا أنّه صرّح في شرح القواعد بنفي الخلاف بين العلماء في أنّه كالبالغ «4»، فالأحوط: المنع أيضا.

المسألة الثانية: يستثنى ممّا مرّ من حرمة النظر مواضع:

منها: نظر الرجل إلى امرأة يريد نكاحها

، و لا خلاف في جواز النظر إلى وجهها و يديها إلى الزند، و استفاضت عليه حكاية الإجماع «5»، بل تحقّق، فهو الحجّة فيه مع ما مرّ من صحيحة ابن السريّ و حسنة هشام و حفص و حمّاد «6».

______________________________

(1) الفقيه 3: 276- 1308، الوسائل 20: 229 أبواب مقدمات النكاح ب 126 ح 3.

(2) النور: 31.

(3) انظر مجمع البيان 4: 137، جامع المقاصد 12: 36.

(4) جامع المقاصد 12: 38.

(5) كما في التذكرة 2: 573،

المسالك 1: 435، المفاتيح 2: 374، الرياض 2: 72.

(6) المتقدمة جميعا في ص: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 37

و حسنة محمّد: عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة أ ينظر إليها؟ قال:

«نعم» «1».

و مرسلة الفضل: أ ينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها و محاسنها؟ قال: «لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذّذا» «2»، و الوجه و الكفّان من المحاسن.

و موثّقة غياث: في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوّجها، قال: «لا بأس» «3».

و يظهر من الأخيرتين جواز النظر إلى شعرها و محاسنها أيضا، فهو الأقوى وفاقا للمشايخ الثلاثة «4»، مضافا في الشعر إلى صحيحة ابن سنان:

الرجل يريد أن يتزوّج المرأة أ فينظر إلى شعرها؟ قال: «نعم» «5».

لا يقال: إنّ في لفظ المحاسن إجمالا، ففسّره بعضهم بالمواضع الحسنة من الجسد «6»، فيشمل جميع ما عدا العورتين.

و آخر بمواضع الزينة «7»، فيشمل الوجه و الاذن و الرقبة و اليدين و القدمين.

______________________________

(1) الكافي 5: 365- 1، الوسائل 20: 87 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 1.

(2) الكافي 5: 365- 5، الوسائل 20: 88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 5.

(3) التهذيب 7: 435- 1735، الوسائل 20: 89 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 8.

(4) الصدوق في الفقيه 3: 260- 1239، المفيد في المقنعة: 80، الطوسي في النهاية: 484.

(5) الفقيه 3: 260- 1239، التهذيب 7: 435- 1734، الوسائل 20: 89 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 7.

(6) انظر جامع المقاصد 12: 28.

(7) انظر الروضة 5: 97.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 38

و في السرائر بالوجه و الكفّين و القدمين [1].

و يظهر من التذكرة: أنّه الوجه و الكفّان «2»، فلا يثبت الزائد ممّا وقع

عليه الإجماع و الشعر، و عدم الفصل بين الشعر و المحاسن غير ثابت.

لأنّا نقول: إنّه على ذلك تكون عمومات المنع مخصّصة بالمجمل، فلا تكون حجّة في موضع الإجمال، فيبقى ما عدا المجمع عليه- و هو العورة- تحت أصل جواز النظر.

و يشترط في الجواز: صلاحيّتها للنكاح (و تجويز إجابتها، لأنّه المتبادر من النصوص، و لتوقّف الإرادة المعلّق عليها الحكم عليه)، [2] فلا يجوز في ذات البعل أو المحرّمة مؤبّدا أو لنكاح أختها و نحوهما.

و قيل: في ذات العدّة البائنة أيضا «4».

و فيه نظر، لعدم تبادر غيره، و إمكان الإرادة في حقّها و إن لم يمكن بالفعل.

و لا يرد مثله في ذات البعل، لعدم تحقّق الإرادة فيها عرفا.

و في اشتراط الاستفادة بالنظر ما لا يعرفه قبله للجهل أو النسيان أو احتمال التغيّر، قول اختاره جماعة [3].

استنادا إلى أنّه المتبادر من النصوص، سيّما مع ملاحظة التعليل

______________________________

[1] السرائر 2: 609، و ليس فيه: و القدمين.

[2] ما بين القوسين ليس في «ق».

[3] منهم الشهيد الثاني في الروضة 5: 98، السبزواري في الكفاية: 153، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 8، صاحب الرياض 2: 72.

______________________________

(2) التذكرة 2: 572.

(4) انظر الروضة 5: 98.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 39

بالاستيام أو الأخذ بأغلى الثمن.

و أنّه المتيقّن الذي يجب الاقتصار عليه فيما خالف الأصل.

و يضعّف الأول: بمنع التبادر من اللفظ، و إنّما هو أمر يسبق إلى الذهن من استنباط العلّة أو الإشارة إليها، و مثله لا يقيّد إطلاق اللفظ.

و الثاني: بمنع تيقّن مقتضى الإطلاق أيضا.

و هل يشترط تعيّن الزوجة التي يريد نكاحها؟

أم لا، بل يجوز النظر إلى نسوة متعدّدة ليتزوّج من يختار منهن؟

الظاهر: الثاني، إذ يقصد نكاح كلّ واحدة لو أعجبته فهو مريد

نكاحها لو أعجبته كما في الواحدة.

و هل يلحق بالرجل المرأة في جواز نظرها إليه للتزوّج لو لم نقل بالجواز في الوجه و الكفّين مطلقا؟

صريح جماعة: نعم [1]، لاتّحاد العلّة، بل الأولويّة، حيث إنّ الرجل يمكنه الطلاق لو لم يستحسنها، بخلاف الزوجة.

و قيل: لا «2»، لكون العلّة مستنبطة، و هو الأقوى لذلك.

و جعل العلّة قطعيّة باطل، لجواز كونها إيجاب الصداق و الإنفاق، كما تومئ إليه الأخبار.

و منها: نظره إلى وجه أمة يريد شراءها

و كفّيها و شعرها و سائر جسدها و مسّها مع إذن المولى، و كذا النظر إلى الوجه و الكفّين و لو بدون

______________________________

[1] منهم العلّامة في القواعد 2: 2، المحقّق الثاني في جامع المقاصد 12: 29، الشهيد الثاني في المسالك 1: 435.

______________________________

(2) الرياض 2: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 40

إذنه، اتّفاقا كما حكاه جماعة [1].

له، و لرواية أبي بصير: الرجل يعترض الأمة ليشتريها، قال: «لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها و يمسّها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه» «2».

و الأظهر: جواز نظره إلى شعرها أيضا، كما قال به جماعة «3»، بل إلى محاسنها، كما قال به جمع آخر «4»، بل هو الأشهر، بل إلى ما عدا عورتها، كما قاله بعض الأصحاب «5».

كلّ ذلك للرواية المتقدّمة، بضميمة ما مرّ من عدم حجّية العامّ المخصّص بالمجمل في موضع الإجمال و بقاء الأصل فيه خاليا عن المزيل.

مع تأيّده و اعتضاده في الأول بأنّ جوازه في المرأة يقتضيه هنا بالطريق الأولى.

و فيه و في الثاني بنقل الإجماع في المسالك و المفاتيح «6».

و فيه و في الثالث إلى رواية الخثعمي: إنّي اعترضت جواري المدينة فأمذيت، فقال: «أمّا لمن يريد الشراء فلا بأس، و أمّا لمن لا يريد أن يشتري فإنّي أكرهه»

«7».

و رواية الجعفري: «لا أحبّ للرجل أن يقلّب جارية إلّا جارية يريد

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 435، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 8.

______________________________

(2) الفقيه 4: 12- 9، التهذيب 7: 75- 321، الوسائل 18: 273 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 1.

(3) كما في المقنعة: 520 و النهاية: 484 و الشرائع 2: 269.

(4) كما في السرائر 2: 610 و القواعد 2: 2 و الكفاية: 153.

(5) كالعلّامة في التذكرة 2: 573 و الكاشاني في المفاتيح 2: 373.

(6) المسالك 1: 435، المفاتيح 2: 373.

(7) التهذيب 7: 236- 1029، الوسائل 18: 273 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 41

شراءها» «1».

و المرويّ عن قرب الإسناد- بضميمة الإجماع المركّب-: «إنّ عليّا عليه السلام كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها» «2».

و في الجميع إلى إذن المولى بشاهد الحال، و بظهور انصراف إطلاق أخبار المنع إلى ما عداهنّ أو إليهنّ في غير محلّ البحث.

و إنّما جعلناها مؤيّدة لا أدلّة- كما فعله بعضهم- لضعف الأول بمنع الأولويّة.

و الثاني بمنع الحجّية.

و الثالث بمنع الدلالة، لتحقق الإمذاء بالنظر إلى الوجه أيضا.

و الرابع بمنع الصراحة، لعدم صراحة التقليب في المطلوب.

و الخامس بالضعف الخالي عن الجابر.

[و السادس ] «3» و السابع بالمنع.

و منها: النظر إلى وجوه أهل الذمّة و شعورهنّ و أيديهنّ

، على الحق الموافق للشيخين و القاضي و الفاضلين «4»، و أكثر المتأخّرين «5»، بل هو

______________________________

(1) التهذيب 7: 236- 1030، الوسائل 18: 274 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 3.

(2) قرب الإسناد: 103- 344 بتفاوت يسير، الوسائل 18: 274 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 4.

(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(4) المفيد في المقنعة: 521، الطوسي في النهاية: 484، حكاه عن

القاضي في المختلف: 534، المحقق في الشرائع 2: 269، العلّامة في القواعد 2: 2.

(5) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد 12: 31، الشهيد الثاني في الروضة 5:

98، السبزواري في الكفاية: 153، صاحب الرياض 2: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 42

المشهور، كما صرّح به جماعة «1».

لرواية السكوني: «لا حرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهنّ و أيديهنّ» «2».

و يتعدّى إلى الوجه بعدم الفصل.

و رواية ابن صهيب: «لا بأس بالنظر إلى أهل تهامة و الأعراب و أهل البوادي من أهل الذمّة و العلوج، لأنّهنّ لا ينتهين إذا نهين» «3».

و المتبادر من النظر إلى شخص: النظر إلى وجهه مع أنّه أقلّ ما يحتمل هنا.

و لفحوى مرسلة الفقيه: «إنّما كره النظر إلى عورة المسلم، و أمّا النظر إلى عورة الذمّي و من ليس بمسلم هو مثل النظر إلى عورة الحمار» «4».

و مرسلة ابن أبي عمير: «النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار» «5».

و ضعفهما غير ضائر مع أنّه بما مرّ منجبر، مضافا إلى أنّ الثانية ممّا صح عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

خلافا للحلّي و المختلف «6»، لإطلاق قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ

______________________________

(1) كما في المسالك 1: 436، الكفاية: 153، الحدائق 23: 58.

(2) الكافي 5: 524- 1، الوسائل 20: 205 أبواب مقدمات النكاح ب 112 ح 1.

(3) الكافي 5: 524- 1، الفقيه 3: 300- 1438، العلل: 565- 1، الوسائل 20:

206 أبواب مقدمات النكاح ب 113 ح 1.

(4) الفقيه 1: 63- 236، الوسائل 2: 36 أبواب آداب الحمام ب 6 ح 2.

(5) الكافي 6: 501- 27، الوسائل 2: 35 أبواب آداب الحمام ب 6 ح 1.

(6) الحلي في السرائر 2: 610، المختلف:

534.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 43

يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ «1».

و يجاب عنه: بأنّه مجمل، و مع التسليم على الوجوب غير دالّ، و على التسليم غايته العموم الواجب تخصيصه بما مرّ، كغيره من العمومات.

و مقتضى المرسلتين: تجويز النظر إلى سائر جسدهنّ، بل عوراتهنّ و عورات رجال الكفّار، فتعارضان أدلّة المنع بالعموم المطلق أو من وجه، الموجب للرجوع إلى الأصل، مع اختصاص كثير منها (سيّما الآية) [1] بالمؤمن أو المسلم، إلّا أنّي لم أعثر على مصرّح بالتجويز فيه، فإن ثبت الإجماع و إلّا فالظاهر الجواز.

و منها: النظر إلى ما عدا العورة من المحارم اللاتي يحرم نكاحهنّ مؤبّدا

بنسب أو رضاع أو مصاهرة، و المراد بها: القبل و الدبر.

أمّا في وجوههنّ و أكفّهنّ و أقدامهنّ فبالإجماع.

و أمّا في ما عدا ذلك فعلى الحقّ المشهور، كما صرّح به جماعة [2]، بل قيل: إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل حكي عن بعضهم عليه الإجماع «4».

و قيل بالمنع، و هو ظاهر التنقيح. إلّا في الثدي حال الإرضاع «5».

و قال ثالث بالإباحة في المحاسن خاصّة «6»، و فسّرها بمواضع الزينة.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق».

[2] منهم صاحب الرياض 2: 73.

______________________________

(1) التوبة: 30.

(4) كما في المفاتيح 2: 373 و كشف اللثام 2: 9.

(5) التنقيح 3: 22.

(6) انظر الرياض 2: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 44

لرواية السكوني: «لا بأس أن ينظر الرجل إلى شعر امّه أو أخته أو بنته» «1».

و يتعدّى إلى سائر المحارم بالإجماع المركّب و الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة، إذ لم نعثر على مانع خاصّ أو عامّ يشمل مورد النزاع، سوى المرويّين في العلل و عقاب الأعمال المتقدّمين [1]، المعارض في الشعر مع رواية السكوني بالعموم المطلق، فيجب تخصيصهما بغير المحارم.

و من تخصيص النساء و المرأة- اللتين أضاف

إليهما الشعر فيهما- يلزم تخصيصهما (في المشهور) [2] في ما أشبه الشعور، لأنّه مقتضى التشبيه بقوله: «كذلك» و في الضمير للجسد، لأنّهما لمن تقدّم، و هو مخصوص بغير المحرم.

و سوى حسنة هشام و صحيحة ابن السريّ المتقدّمتين أيضا «4»، و مرجع الضمير في أولاهما غير معلوم، فلعلّه غير المحارم [3]، [و الثانية] [4] فيحتمل أن يكون المراد بالنظر فيها: النظر إلى الخلف و الوجه، و يكون قوله: «ينظر» بيانا للنظر، و يصلح ذلك قرينة لإرادة المقيّد من النظر.

و على هذا فيكون النظر المحرّم في من لا يراد تزوّجها النظر إلى الخلف و الوجه، و حرمته في المحارم منتفية قطعا، و إن احتمل إرادة المطلق أيضا، و لكن لصلاحيّة جزئه الأخير لكونه قرينة للتقييد لا يحمل على

______________________________

[1] في ص: 30.

[2] ما بين القوسين ليس في «ق».

[3] في بعض النسخ زيادة: و العموم مخصوص بغير المحارم.

[4] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) الفقيه 3: 304- 1461، الوسائل 20: 193 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 7.

(4) في ص: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 45

المطلق، لعدم جريان أصالة الحقيقة فيه و إن لم يحمل على المقيّد أيضا.

هذا، مضافا إلى احتمال آخر فيها، و هو كون قوله: «إذا أراد» إلى آخره شرطا لما تأخّر عنه، و هو قوله: «ينظر إلى خلفها و وجهها» و مفهومه حينئذ: أنّه إذا لم يرد لا ينظر، و هو عن إفادة الحرمة قاصر.

و تؤيّد المطلوب- بل تدلّ على جملة منه- الآية، و هي قوله تعالى:

وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ إلى آخر الآية.

و ما ورد في جواز تغسيل المحارم مجرّدات إلّا أنّه يلقي على عورتهنّ خرقة «1».

دليل المانع: كونهنّ عورة، خرج ما

وقع الاتّفاق عليه، فبقي الباقي، و عموم المرويّين المتقدّمين.

قلنا: أيّ دليل على حرمة النظر على العورة بذلك المعنى على كلّ شخص حتّى المحارم؟! و العموم مخصوص بغير المحارم كما مرّ.

حجّة الثالث: الجمع بين الآية المتقدّمة و بين قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ .

و الخبر المرويّ في تفسير القمّي في تفسير الزينة في الآية: «فهو الثياب و الكحل و الخاتم و خضاب الكفّ و السوار، و الزينة ثلاث: زينة للناس و زينة للمحرم و زينة للزوج، فأمّا زينة الناس فقد ذكرناه، و أمّا زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها و الدملج و ما دونه و الخلخال و ما أسفل منه، و أمّا زينة الزوج فالجسد كلّه» [1].

______________________________

[1] تفسير القمي 2: 101، مستدرك الوسائل 14: 274 أبواب مقدمات النكاح ب 85 ح 3. و الدّملج: شي ء يشبه السوار تلبسه المرأة في عضدها- مجمع البحرين 2: 301.

______________________________

(1) الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 46

و يردّ الأول بمنع دلالة الآية الثانية على وجوب [غضّ ] [1] النظر عن المحارم حتى يحتاج إلى الجمع.

و الثاني بأن الخبر لا يدلّ إلّا على أنّ موضع القلادة فما فوقها و الدملج و الخلخال و ما دونهما زينة المحارم، و أمّا أنّ ما عداها ليس زينة لهم فلا يدلّ عليه إلّا بمفهوم اللقب، الذي هو من أضعف المفاهيم.

نعم، يدلّ التفصيل القاطع للشركة بين الزوج و المحرم أنّ الجسد كلّه ليس زينة للمحرم و لا كلام فيه، لأنّ العورة من الجسد.

و منها: النظر إلى وجه سائر النساء الأجنبيّات و أكفّهنّ

، فإنّه يجوز و لو مكرّرا عند الشيخ في النهاية و التبيان و كتابي الحديث «2»، بل الكليني «3»، و جماعة من المتأخّرين [2].

للآية بضميمة الروايات،

كالمرويّ في تفسير القمّي المتقدّم.

و رواية زرارة: في قول اللّه تعالى إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها قال: «الزينة الظاهرة: الكحل و الخاتم» «5».

و أبي بصير: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها قال: «الخاتم و المسكة و هي القلب» «6».

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

[2] منهم السبزواري في الكفاية: 153، الكاشاني في المفاتيح 2: 375.

______________________________

(2) النهاية: 484، التبيان 7: 428- 429.

(3) الكافي 5: 521.

(5) الكافي 5: 521- 3، الوسائل 20: 201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 3.

(6) الكافي 5: 521- 4، الوسائل 20: 201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 47

و القلب بالضمّ: السوار.

و المرويّ في قرب الإسناد: سئل عمّا تظهر المرأة من زينتها، قال:

«الوجه و الكفّان» «1».

و لصحيحة علي المتقدّمة في صدر المسألة «2».

و رواية مروك: ما يحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال: «الوجه و الكفّان و القدمان» «3».

و رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر الأنصاري: «قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يريد فاطمة و أنا معه فلمّا انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثمَّ قال: السلام عليكم، فقالت فاطمة: عليك السلام يا رسول اللّه، قال: أدخل؟ قالت: ادخل يا رسول اللّه، قال: أدخل و من معي؟ فقالت:

يا رسول اللّه ليس عليّ قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فتقنّعي به رأسك، ففعلت، ثمَّ قال: السلام عليكم، قالت: و عليك السلام يا رسول اللّه، قال: أدخل؟ قالت: نعم يا رسول اللّه، قال: أنا و من معي؟ قالت:

و من معك، قال جابر: فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله و دخلت و إذا وجه فاطمة عليها السلام أصفر كأنّه بطن جرادة» إلى أن قال: «قال جابر: فو اللّه لنظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر» «4».

______________________________

(1) قرب الاسناد: 82- 270، الوسائل 20: 202 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 5.

(2) في ص: 32.

(3) الكافي 5: 521- 2، الخصال: 302- 78، الوسائل 20: 201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 2.

(4) الكافي 5: 528- 5، الوسائل 20: 215 أبواب مقدمات النكاح ب 120 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 48

و رواية داود بن فرقد: عن المرأة تموت مع رجال ليس فيهم ذو محرم هل يغسّلونها و عليها ثيابها؟ فقال: «إذا يدخل ذلك عليهم و لكن يغسّلون كفّيها» «1».

و نحوها رواية أبي سعيد: في المرأة إذا ماتت مع قوم ليس لها فيهم محرم- إلى أن قال-: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «بل يحلّ لهنّ أن يمسسن منه ما كان يحلّ لهنّ أن ينظرن منه إليه و هو حيّ» الحديث «2».

دلّت على حلّية النظر على بعض أعضائه، و لا أقلّ من الوجه و الكفّين إجماعا.

و رواية مفضّل: في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس فيهم لها ذو محرم و لا فيهم امرأة، فتموت المرأة، ما يصنع بها؟ قال: «يغسّل منها ما أوجب اللّه عليه التيمّم و لا يمسّ و لا يكشف شي ء من محاسنها التي أمر اللّه بسترها»، فقلت: كيف يصنع بها؟ قال: «يغسّل بطن كفّيها ثمَّ يغسّل وجهها ثمَّ يغسّل ظهر كفّيها» «3».

و لا يعارض تلك الأخبار ما نطق بانتفاء الغسل عنها، لأنّ ما أمر به ليس غسلا و إنّما هو غسل بعض المواضع.

و اشتمال بعض تلك

على ما لا يجوز النظر إليه إجماعا- كالقدمين

______________________________

(1) الكافي 3: 157- 5، الفقيه 1: 93- 428، التهذيب 1: 442- 1428، الاستبصار 1: 202- 713، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت ب 22 ح 2.

(2) التهذيب 1: 342- 1001، الاستبصار 1: 204- 721، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 10.

(3) الكافي 3: 159- 13، الفقيه 1: 95- 438، التهذيب 1: 342- 1002، الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 49

و موضع السوار- غير قادح، إذ خروج بعض خبر بدليل لا يوهن في غيره، كما أنّ ضعف بعض تلك الأخبار سندا لا يخرجها عن الحجيّة عندنا، سيّما مع انجبارها باشتهار الجواز و لو في الجملة، أي مرّة.

و تؤيّد المطلوب الأخبار المتضمّنة لرؤية سلمان يدي سيّدة النساء دامية عند إدارة الرحى «1».

و نحو ذلك فحاوي أخبار كثيرة واردة في أبواب النظر إلى النسوة، المتضمّنة لحكمه منعا و جوازا و سؤالا و جوابا، من جهة كون محطّ الحكم فيها بطرفيه هو الشعر و الرأس و الذراعان، و بالجملة ما عدا الوجه و الكفّين مع أنّها أولى ببيان الحكم، لشدّة الابتلاء به، فالسكوت عن حكمها مطلقا كاشف عن وضوح حكمها من الجواز، و إلّا لكان حكم المنع فيها أخفى.

و تؤيّده أيضا الأخبار الواردة في باب ما يجوز أن تلبسه المحرمة من كتاب الحجّ «2»، المصرّحة بكشف الوجه، المستلزم لرؤية غير المحارم لها، و في بعضها كشف الإمام بنفسه عن وجه امرأة ستره بمروحة، بل قد يجعل ذلك دليلا، و لكن فيه جواز كون المرأة محرما له عليه السلام، إذ لا عموم فيها و لا إطلاق.

فالاستدلال به ضعيف، كالاستدلال

بصحيحة ابن سويد: إنّي مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال: «يا علي، لا بأس إذا عرف اللّه من نيّتك الصدق» «3».

______________________________

(1) بحار الأنوار 43: 28- 33.

(2) الوسائل 11: 493 أبواب تروك الإحرام ب 48.

(3) الكافي 5: 542- 6، الوسائل 20: 308 أبواب النكاح المحرم ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 50

فإنّ الظاهر من الابتلاء: الاضطرار إليه و عدم إمكان التحرّز، و قد يحمل على الاتّفاقي أيضا.

ثمَّ بما ذكرنا من الأدلّة تخصّص أصالة الحرمة المتقدّمة، لأنّ دليلها في غير العورة عام بالنسبة إليها، إذ ليس إلّا روايتي العلل و عقاب الأعمال «1»، و عمومهما ظاهر، و صحيحة ابن السريّ «2»، و النظر فيها أيضا يحتمل الإطلاق و إن احتمل إرادة النظر إلى الخلف و الوجه بقرينة ما بعده، و لكنّه ليس قرينة صارفة لا يتعيّن معها الحمل على الحقيقة. هذا، مع احتمال آخر فيها قد مرّ يسقط به الاحتجاج على الحرمة.

مع أنّ في دلالة الروايتين أيضا نظرا، لإمكان منع كون الوجه و الكفّين ممّا أشبه الشعور، و ظهور الجسد في غيرها.

مضافا إلى أنّه لو قطع النظر عن جميع ذلك و قلنا بالتعارض يجب تقديم أدلّتنا، لموافقة ظاهر الكتاب.

و على هذا، فيبقى الأصل الأول- و هو الإباحة- خاليا عن المعارض بالمرّة، فيكون هو دليلا مستقلّا على المطلوب، فالمسألة بحمد اللّه واضحة.

خلافا لمن حرّمه مطلقا، و هو المحكيّ عن التذكرة و الإيضاح «3»، و مال إليه الفاضل الهندي «4».

لخوف الفتنة.

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 30.

(2) المتقدمة في ص: 31.

(3) التذكرة 2: 573، الإيضاح 3: 6.

(4) كشف اللثام 2: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 51

و إطلاق الأمر بالغضّ و النهي عن

إبداء الزينة إلّا للمحارم.

و الأخبار المانعة المتقدّمة.

و الإطباق في الأعصار على المنع من خروجهنّ سافرات، أو إنّما يخرجن مستترات.

و صرف النبيّ وجه الفضل عن الخثعميّة «1».

و بعض وجوه اعتباريّة ضعيفة أخر.

و ردّ الأول بالمنع على سبيل الإطلاق، و لو سلّم فلا يوجب الحرمة.

و الثاني بإجمال الآية، و لو سلّمت دلالته فهو- كالثالث- مقيّد بقوله:

إِلَّا ما ظَهَرَ.

و القول- بعدم تعيّن ما ظهر- مردود بما ظهر من الخبر الذي ضعفه- لو كان- قد انجبر، مع انّه على فرض عدم التعيّن يكون مجملا، فخصّ به الإطلاقان، و المخصّص بالمجمل ليس بحجّة.

و الرابع بما مرّ من عدم دلالة الأخبار و وجود المعارض الأقوى.

و الخامس بمخالفته الوجدان و العيان، لأنّ الناس في ذلك مختلفة في الأمكنة و الأزمان، مع احتمال استناده إلى الغيرة أو الاحتجاب عن الناظر بشهوة.

و السادس بعدم الدلالة لو لم يدلّ على الخلاف.

و لمن حرّم الزائد على النظر مرّة واحدة، أي في وقت واحد عرفا، و هو المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه «2»، و جمع آخر «3».

______________________________

(1) كما في سنن النسائي 5: 118.

(2) المحقق في الشرائع 2: 269، الفاضل في القواعد 2: 3 و التحرير 2: 3.

(3) سنن أبي داود 2: 246- 2149، سنن الدارمي 2: 298، مسند أحمد 5:

357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 52

للنبويّ: «لا تتبع النظرة النظرة، فإنّ الأولى لك و الثانية عليك» [1].

و مرسلة الفقيه: «لك أول نظرة و الثانية عليك و لا لك» «2».

و الأخرى: «النظرة لك و الثانية عليك و الثالثة فيها الهلاك» «3».

و حسنة الكاهلي: «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، و كفى بها لصاحبها فتنة» «4».

و الجواب عنها- مضافا إلى عدم صراحتها في التحريم-: إنّ النظرة

فيها مجملة، فلعل المراد من النظرة الأولى: الاتفاقية الواقعة على ما يحرم النظر إليه ممّا عدا الوجه و الكفين.

ثمَّ إنّ ما ذكر إنّما هو في الحرائر.

و أمّا الإماء، فالحكم فيهنّ أظهر.

لاختصاصهنّ ببعض الأخبار أيضا «5»، و لذا جوّز النظر إليهنّ بعض من لم يجوّزه في الحرائر، كالتذكرة «6».

و منها: نظر المملوك و لو كان فحلا إلى مالكته.

______________________________

[1] كالشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 5: 99.

______________________________

(2) الفقيه 4: 11- 4، الوسائل 20: 194 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 13.

(3) الفقيه 3: 304- 1460، الوسائل 20: 193 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 8.

(4) الفقيه 4: 11- 3، الوسائل 20: 192 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 6.

(5) الوسائل 20: 207 أبواب مقدمات النكاح ب 114.

(6) التذكرة 2: 574.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 53

لقوله سبحانه أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    53     و منها: نظر المملوك و لو كان فحلا إلى مالكته. ..... ص : 52

قوله تعالى لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إلى قوله:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ «2».

حكي عن المبسوط الميل إليه «3»، و يظهر من بعض المتأخّرين الميل إليه أيضا «4».

فإن كان الكلام فيه في نظره إلى الوجه و الكفّين فيظهر ممّا ذكر في غير المملوك وجه الجواز، بل هو أولى، لخصوص الروايات من الصحاح و غيرها، كروايات البصري و ابن عمّار و الهاشمي و مرسلة الكافي و رواية الفضيل، و أكثرها صحيحة.

إحداها: المملوك يرى شعر مولاته، قال: «لا بأس» «5».

و الأخرى: «لا بأس أن يرى المملوك الشعر و الساق» «6».

و الثالثة: المملوك يرى شعر مولاته و ساقها، قال: «لا بأس» «7».

و الرابعة في المملوك: «لا بأس أن ينظر إلى

شعرها إذا كان مأمونا» «8».

______________________________

(1) النور: 31.

(2) النور: 58.

(3) المبسوط 4: 161.

(4) كما في جامع المقاصد 12: 37، كشف اللثام 2: 9.

(5) الكافي 5: 531- 1، الوسائل 20: 224 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 4.

(6) الكافي 5: 531- 2، الوسائل 20: 224 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 5.

(7) الكافي 5: 531- 3، الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 3.

(8) الكافي 5: 531- ذ. ح 4، الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 54

و الخامسة: عن المرأة هل يحلّ لزوجها التعرّي و الغسل بين يدي خادمها؟ قال: «لا بأس ما أحلّت له من ذلك ما لم يتعدّه» «1».

هذا إذا جعل: «لزوجها» متعلّقا ب «التعرّي» أي تعرّي الزوجة لزوجها و غسلها بين يدي خادمها، و لو جعل متعلّقا بقوله: «يحل» أي تعرّي الزوج و غسله، و يكون المراد بالخادم: الأمة، يخرج عن المسألة.

السادسة: في قول اللّه عزّ و جلّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ إلى أن قال: «هم المملوكون من الرجال و النساء» إلى أن قال: «يدخل مملوككم و غلمانكم من بعد هذه الثلاث عورات بغير إذن إن شاءوا» «2».

و روى الشيخ في المبسوط و غيره: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتى فاطمة بعبد قد [وهبه لها] و على فاطمة ثوب إذا قنّعت رأسها لم يبلغ رجليها و إذا غطّت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما تلقى، قال: إنّه ليس عليك بأس إنّما هو أبوك و غلامك» [1].

و هي و إن لم تتضمّن الوجه و الكف، إلّا أنّها

تدلّ عليهما بالطريق الأولى و عدم الفصل.

و أمّا صحيحة ابني عمّار و يعقوب: «لا يحلّ للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي ء من جسدها إلّا إلى شعرها غير متعمّد لذلك» «4».

فلا تمنع من النظر إلى الوجه و الكفّين، لأنّ الظاهر أنّ المراد من

______________________________

[1] المبسوط 4: 161، التذكرة 2: 574، سنن البيهقي 7: 95، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: وهبها، و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) التهذيب 1: 372- 1139، الوسائل 2: 36 أبواب آداب الحمام ب 7 ح 1.

(2) الكافي 5: 530- 4، الوسائل 20: 217 أبواب مقدمات النكاح ب 121 ح 2.

(4) الكافي 5: 531- 4، الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 55

الجسد غيرهما.

و إن كان الكلام في محرميّته، حتى يجوز له النظر إلى ما يجوز للمحارم، كما يستفاد كون الكلام فيها من الخلاف و المبسوط و السرائر و التذكرة «1»، حيث جعلوا الخلاف في محرميّته، ففي الخلاف: الإجماع على العدم، و في المبسوط: أنّه الأشبه بالمذهب، فإن ثبت الإجماع المدّعى فهو، و إلّا فالآيتان و الأخبار المتقدّمة بين صريحة و ظاهرة في الجواز.

و لا معارض لها سوى صحيحة ابني عمّار و يعقوب المتقدّمة، و رواية الصيقل: عن كشف الرأس بين يدي الخادم، و قالت له: إنّ شيعتك اختلفوا عليّ في ذلك، فقال بعضهم: لا بأس، و قال بعضهم: لا يحلّ، فكتب:

«سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم، لا تكشفي رأسك بين يديه، فإنّ ذلك مكروه» «2».

حيث إنّ الظاهر أنّ المراد بالخادم فيها: المملوك، إذ لا اختلاف في غيره. و لا ينافي قوله: «مكروه» الحرمة، لأنّ الكراهة في اللغة أعمّ من الحرمة، فلا

يخرج به النهي عن حقيقته.

و هما مرجوحان بالنسبة إلى ما تقدّم، لاستفاضته، و اشتماله على الصحاح، و موافقته لآيتين من الكتاب- و ما قيل من أنّ المراد بقوله أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ الإماء «3» لم يثبت- بل مخالفته لأكثر العامّة، لأنّ

______________________________

(1) الخلاف 4: 249، المبسوط 4: 161، السرائر 2: 609، التذكرة 2: 574.

(2) التهذيب 7: 457- 1828، الوسائل 20: 224 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 7.

(3) كما في التبيان 7: 430، مجمع البيان 4: 138، الشرائع 2: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 56

مذهب أبي حنيفة «1» و أحد قولي الشافعي «2» و أحمد «3» عدم المحرميّة.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الترجيح بهذه الأمور إنّما ثبت بالعمومات، و المرجّح هنا خاصّ، و هو رواية الصيقل المصرّحة بتقديم رواية الحرمة، فلا مناص عن ترجيحها، مع أنّ الآيتين غير صريحتين في الجواز.

أمّا الأولى، فلما في الخلاف و المبسوط و السرائر أنّه روى أصحابنا أنّ المراد ب ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ : الإماء «4»، و مع ذلك لا يكون ظاهرا في العموم، لأنّ قولهم بمنزلة رواية مرسلة منجبر ضعفها بالشهرة و العمل.

و أمّا الثانية، فلعدم صراحتها في النظر، مع أنّ الظاهر انعقاد إجماعنا على عدم المحرميّة، فالقول بالمنع- سيّما في غير الشعر و الساق- أظهر.

و منها: نظر الخصيّ إلى غير محارمه

، فإنّ فيه خلافا بين أصحابنا:

فالإسكافي جوّزه مطلقا «5»، حرّا كان الخصيّ أو مملوكا، مالكته كانت المنظور إليه أو غيرها. و قوّاه طائفة من المتأخّرين، منهم: صاحب الكفاية «6».

و خصّ في المختلف «7» جواز نظر المملوك منه إلى مالكته، و قوّاه المحقّق الثاني «8».

______________________________

(1) انظر التفسير الكبير 23: 207 و تفسير روح المعاني 18: 143.

(2) كما في تفسير روح المعاني 18: 143.

(3)

انظر المغني و الشرح الكبير على متن المقنع 7: 457.

(4) الخلاف 4: 249، 250، المبسوط 4: 161، السرائر 2: 610.

(5) حكاه عنه في المختلف: 534.

(6) كفاية الأحكام: 154.

(7) المختلف: 534.

(8) جامع المقاصد 12: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 57

و منع الشيخ في الخلاف «1» و الحلّي و المحقّق «2» و الفاضل في التذكرة «3» و الصيمري عن نظره مطلقا.

و استشكل في التحرير «4».

و الكلام هنا أيضا كما في المسألة السابقة:

فإن كان في النظر إلى الوجه و الكفّين فالجواز ظاهر، لما مرّ بلا معارض.

و إن كان فيما يجوز للمحارم النظر إليه فالحقّ المنع، لما أثبتنا من أصالة الحرمة، مضافا إلى الاستصحاب.

و في غير مالكته إلى رواية النخعي: عن أمّ الولد هل يصلح أن ينظر إليها خصيّ مولاها و هي تغتسل؟ قال: «لا يحلّ ذلك» «5».

محمّد بن إسحاق: يكون لرجل الخصيّ يدخل على نسائه فينا و لهنّ الوضوء فيرى شعورهن، قال: «لا» «6».

دليل الجواز: قوله تعالى غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ «7».

و عمومات الجواز في المملوك «8».

______________________________

(1) الخلاف 4: 249.

(2) الحلي في السرائر 2: 609، المحقق في الشرائع 2: 269.

(3) التذكرة 2: 574.

(4) التحرير 2: 3.

(5) الكافي 5: 532- 1، الوسائل 20: 225 أبواب مقدمات النكاح ب 25 ح 1.

(6) الكافي 5: 532- 2، الفقيه 3: 300- 1434، التهذيب 7: 480- 1925، الاستبصار 3: 252،- 902، الوسائل 20: 226 أبواب مقدمات النكاح ب 125 ح 2.

(7) النور: 31.

(8) الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 58

و خصوص صحيحة ابن بزيع: عن قناع الحرائر من الخصيان، فقال:

«كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن و لا يتقنّعن» قلت: فكانوا أحرارا؟

قال: «لا»

قلت: فالأحرار يتقنّع منهم؟ قال: «لا» «1».

و الجواب عن الأول بعدم ثبوت كون أُولِي الْإِرْبَةِ شاملا لما نحن فيه، فإنّه فسّر بمعنى لا يشمله كما يأتي.

و عن الثاني بأخصّيته عن المدّعى، مضافا إلى ما مرّ من عدم انتهاضه لإثبات المطلوب في الخاصّ أيضا.

و عن الثالث بمعارضته مع ما مرّ، و ترجيح ما مرّ بمخالفته لما عليه سلاطين العامّة، و موافقته للتقيّة، كما يشعر به ما في حديث آخر: أنّه لمّا سئل عن هذه فقال: «أمسك عن هذا» «2» و في قوله: «كانوا يدخلون» إيماء إلى ذلك أيضا.

مع أنّ الخصيان في الصحيحة يحتمل الصغار منهم أيضا، و لا عموم فيها و لا إطلاق.

فروع:
أ: الظاهر عدم الخلاف في تحريم مسّ ما يحرم النظر إليه

من المرأة للرجل، و من الرجل للمرأة.

______________________________

(1) الكافي 5: 532- 3، التهذيب 7: 480- 1926، الاستبصار 3: 252- 903، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 18، الوسائل 20: 226 أبواب مقدمات النكاح ب 3125.

(2) التهذيب 7: 480- 1927، الوسائل 20: 227 أبواب مقدمات النكاح ب 125 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 59

و تدلّ عليه أيضا العلّة المنصوصة المتقدّمة في رواية العلل «1».

بل التهيّج في المسّ أقوى منه في النظر.

و قوله عليه السلام في رواية أبي سعيد المتقدّمة صدرها، قال بعد ما مرّ:

«فإذا بلغن الموضع الذي لا يحلّ لهنّ النظر إليه و لا مسّه و هو حيّ صببن الماء عليه صبّا» «2».

فإنّ المستفاد منه مع صدرها: أنّ كلّما [لا] [1] يحل النظر إليه لا يحلّ مسه.

و يؤيّده قوله عليه السلام في رواية زيد بن عليّ في تغسيل النساء الغير المحارم للرجل: «و لا يلمسنه بأيديهنّ» «4».

و في رواية مفضّل في عكسه: «و لا يمسّ و لا يكشف شي ء من محاسنها التي

أمر اللّه بسترها» «5».

و أمّا ما يجوز النظر إليه، فإن كان من المحارم فيجوز مسّه، للأصل، و يومئ إليه بعض الأخبار أيضا «6». و إن كان من غيرهم فمقتضى العلّة المتقدّمة- الخالية عن المعارض فيه- الحرمة.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 30.

(2) التهذيب 7: 342- 1001، الاستبصار 1: 204- 721، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 10.

(4) التهذيب 1: 342- 1000، الاستبصار 1: 201- 711، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت ب 22 ح 3.

(5) الفقيه 1: 95- 438، التهذيب 10: 342- 1002، الاستبصار 1: 200- 705، الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22 ح 1.

(6) الوسائل 20: 207 أبواب مقدمات النكاح ب 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 60

و يدلّ عليه أيضا النهي عن مصافحة غير المحارم:

ففي موثّقة سماعة: «لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة إلّا مرأة يحرم عليه أن يتزوّجها» «1».

و في حديث المناهي: «من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بغضب من اللّه عزّ و جلّ» «2».

و حمله في المفاتيح على المصافحة بشهوة، و لا حامل له، فإطلاق الحرمة أظهر.

ب: الظاهر جواز النظر إلى كلّ ما لا يجوز النظر إليه

في المرآة و الماء و نحوهما، لانصراف النظر إلى الشائع و المتعارف، و لعدم العلم بكونه نظرا إلى المرء و المرأة، لجواز كون الرؤية فيهما بالانطباع.

و كذا يجوز النظر إلى الصور المنقوشة و إلى عورات البهائم.

كلّ ذلك للأصل.

ج: يجوز النظر إلى وجوه البرزة اللاتي لا يتستّرن و لا ينتهين

إذا نهين.

للعلّة المنصوصة في رواية ابن صهيب المتقدّمة «3».

د: كلّ ما ذكر فيه جواز النظر فقد قيّده الأكثر بعدم التلذّذ و الريبة

. المفسّرة تارة: بما يخطر بالبال من المفاسد.

و اخرى: بخوف الوقوع في المحرّم.

______________________________

(1) الكافي 5: 525- 1، الوسائل 20: 208 أبواب مقدمات النكاح ب 115 ح 2.

(2) الفقيه 4: 8- 1، الوسائل 20: 195 أبواب مقدمات النكاح ب 105 ح 1.

(3) في ص: 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 61

و ثالثة: بخوف الفتنة و الفساد و الوقوع في موضع التهمة.

بل عليه حكاية الإجماع في بعض المواضع مستفيضة «1»، بل تحقّق عليه الإجماع في الحقيقة.

و يدلّ عليه مفهوم قوله: «إذا لم يكن متلذّذا» في مرسلة الفضل المتقدّمة «2».

و العلّة المنصوصة في رواية العلل السابقة، حيث إنّ النظر بالتلذّذ و الريبة مهيّج للشهوة داع إلى الفساد.

و قوله: «غير متعمّد لذلك» في صحيحة ابني عمّار و يعقوب المذكورة «3»، حيث إنّ المراد منه ليس غير قاصد للنظر، إذ لا اختصاص لذلك بالشعر، بل المراد قصد النظر إلى الشعر بخصوصه، و مثل ذلك لا ينفكّ عن قصد التلذّذ أو الريبة غالبا.

و قوله: «إذا كان مأمونا» في الرواية الرابعة من روايات نظر المملوك «4».

و حسنة ربعي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسلّم على النساء و يرددن عليه، و كان أمير المؤمنين عليه السلام يسلّم على النساء و كان يكره أن يسلّم على الشابّة منهنّ، و قال: أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل من الإثم عليّ أكثر ممّا طلبت من الأجر» «5».

______________________________

(1) كما في الإيضاح 3: 6، المسالك 1: 436، كشف اللثام 2: 8.

(2) في ص: 37.

(3) في ص: 54.

(4) راجع ص: 53.

(5) الكافي 5: 535- 3، الفقيه 3: 300- 1436، الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131

ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 62

دلّت على أنّ الإعجاب يوجب الإثم.

إلّا أنّ هذه الوجوه لا تثبت المطلوب بالكلّية.

أمّا الإجماع، فلأنّ المنقول منه غير حجّة، و المحقّق لم يثبت إلّا في الجملة، فإنّ تحقّقه في المراد تزوّجها و شراؤها، و الذمّيات و الصور الانعكاسيّة و المنقوشة و غير الإنسان من البهائم حين السفاد و الأجزاء المفصولة و نحو ذلك غير معلوم، و غاية ما ادّعينا تحقّق الإجماع فيه:

الإنسان المسلم غير المراد تزوّجه و شراؤها.

و لا يثبت من المفهوم المذكور أيضا الزائد عليه، بل الثابت منه أقلّ من ذلك، إذ مفاده البأس في النظر إلى مجموع شعر من يراد تزوّجها و محاسنها لا غير، و إنّما يتعدّى إلى غير ذلك بالأولويّة و عدم الفصل، و جريانهما في جميع المواضع ممنوع، بل لا يثبت منه- في غير الشعر و المحاسن و العورة من غير المراد تزوّجها من الأجنبيّات و المحارم- شي ء.

مع أنّه يعارض أدلّة جواز النظر فيما له دليل سوى الأصل بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل، فلا يثبت منه في مثل ذلك شي ء أصلا، و فيما كان الجواز فيه بالأصل لا أولويّة و لا إجماع مركّب.

و من ذلك يظهر ما في العلّة المنصوصة في رواية العلل أيضا، لأنّ دلالتها بالعموم أيضا، مضافا إلى أنّ العلّة فيه هو مجموع التهيّج و ما يدعو إليه من الفساد، و تحقق ذلك- في كلّ نظر بتلذّذ، أو النظر إلى كلّ شي ء، أو بالنسبة إلى كلّ شخص- غير معلوم.

و أمّا قوله: «غير متعمّد لذلك»، فدلالة مفهومه على المنع في التعمّد تابعة لجواز النظر إلى شعرها غير متعمّد، و قد عرفت انتفاءه، فينفي التابع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص:

63

أيضا، مع أنّ في إرادة التلذّذ من التعمّد نظرا.

و منه يظهر ضعف دلالة مفهوم قوله: «إذا كان مأمونا».

و أمّا حسنة ربعي، فلو دلّت فإنّما هي باعتبار قوله: «من الإثم» و أكثر النسخ خال عنه، فلا دلالة فيها معتبرة.

و من ذلك ظهر أنّ تحريم النظر بتلذّذ مطلقا لا مستند له، بل اللازم الحكم به في موضع ثبت فيه الإجماع، و هو غير الزوجة و من يراد تزوّجها من النساء المسلمات مطلقا، سواء كان النظر إلى الوجه أو الكفّ أو غيرهما، و سواء كان إلى المحارم أو غيرهنّ، أو كان سببا للتهيّج و داعيا إلى الفساد و كذا الريبة.

ه: لا ريب في جواز النظر إلى ثياب النساء الأجنبيّات و جلابيبهنّ

و إن كانت عليهنّ بدون تلذّذ و ريبة، و أمّا معها فمحلّ إشكال، و الظاهر الحرمة إن كان مهيّجا للشهوة داعيا إلى الفساد و الفتنة، لما مرّ.

و كذا النظر خلف النساء، و لكنّه مكروه، لبعض الروايات «1».

و: كلّما ذكر فيه جواز نظر الرجل إلى المرأة يجوز فيه العكس.

بالإجماع المركّب في غير الزوجة التي يراد تزويجها أو الأمة التي يراد شراؤها.

و بالأصل فيهما و في البواقي أيضا، لفقد الصارف عنه، سوى الإجماع المركّب المنتفي في المقام، و الخبر الضعيف الغير المنجبر فيه «2».

ز: يجوز للرجل أن ينظر إلى مثله ما عدا العورة

، شيخا كان أو شابّا،

______________________________

(1) الوسائل 20: 199 أبواب مقدمات النكاح ب 108.

(2) الكافي 5: 534- 2، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 64

قبيحا أو حسنا، بلا فرق بين الأمرد و غيره عندنا.

إلّا إذا كان بتلذّذ مهيّج للشهوة داع إلى الفتنة بل بتلذّذ مطلقا.

لظاهر الإجماع.

نعم، يستحبّ ترك النظر إلى الأمرد الحسن الوجه، للتأسّي بالنبيّ، كما ورد أنّه صلّى اللّه عليه و آله أجلسه من ورائه «1».

و كذا يجوز للمرأة نظرها إلى مثلها ما خلا العورة، من غير فرق بين المسلمة و الكافرة.

خلافا للمحكيّ عن الشيخين الطوسي و الطبرسي في تفسيريهما «2»، و الراوندي في فقه القرآن «3»، فمنعوا عن نظر الكافرة إلى المسلمة، قيل:

حتى الوجه و الكفّين «4»، و قوّاه بعض الأجلّة «5».

لقوله تعالى أَوْ نِسائِهِنَ «6» أي المؤمنات.

و لرواية البختري «7».

و الأول: تخصيص بلا دليل.

و الثاني: غير دالّ على الحرمة، لتضمّنه لفظة: «لا ينبغي». فبهما

______________________________

(1) رواه ابن قدامة في المغني 7: 463 عن أبي حفص.

(2) تفسير التبيان 7: 430، تفسير مجمع البيان 4: 138.

(3) فقه القرآن 2: 128.

(4) نقله في المسالك 1: 436 عن الشيخ في أحد قوليه.

(5) كما في كشف اللثام 2: 9.

(6) النور: 31.

(7) الكافي 5: 519- 5، الفقيه 3: 366- 1742، الوسائل 20: 184 أبواب مقدمات النكاح ب 98 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 65

لا يترك الأصل.

ح: يجوز نظر كلّ من المرء و المرأة إلى الآخر و مسّه له

حتى العورة في موضع الضرورة، أي موضع اضطرّ إليه أو أوجب تركه العسر و المشقّة، لانتفاء الضرر و الحرج في الشريعة.

و أمّا بدون الاضطرار أو العسر فلا يجوز و إن كان يدعو إليه نوع حاجة، كتحمّل الشهادة فيما لا اضطرار إليه،

أو علاج يمكن بغيره أيضا، و إن كان ذلك أفضل من الغير.

ط: الأجزاء المنفصلة- كالشعور

- حكمها حكم الأجزاء المتّصلة، فيحرم النظر إليها فيما يحرم متّصلا.

لا للاستصحاب، لمعارضته هنا مع استصحاب عدم الحرمة في المنفصل المعلوم قبل شرع الحرمة.

بل لإطلاق مثل قوله: «حرّم النظر إلى شعورهنّ» «1».

و القول بعدم ظهور النظر إلى المنفصل من الإطلاقات.

غير جيّد في الشعر، لعدم تبادر المتّصل من الشعر، و لا من شعر المرأة، و لا من النظر إلى الشعر، و لا من النظر إلى شعر المرأة، كما لا يتبادر ذلك من النهي عن النظر إلى شعر المعز.

نعم، لا ينصرف الإطلاق في غير الشعر من الأجزاء المنفصلة، لندرة وجودها منفصلة بحيث يتبادر منها المتّصل، فيحرم في الشعر دون غيره، و عدم الفصل غير ثابت.

______________________________

(1) راجع ص: 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 66

و لا بأس بالنظر إلى شعر المحارم و غير البالغة و الذمّية منفصلة و لو بالتلذّذ.

لعدم دليل على المنع، مع أنّ التلذّذ منه غالبا ليس لأجل الشعر خاصّة.

و يجوز النظر إلى شعر غير البالغة المنفصل قبل البلوغ بعده.

للاستصحاب.

و عدم صدق شعر المرأة.

و كذا إلى شعر الزوجة المنفصل قبل الطلاق بعده، و إلى شعر الزوجة المنفصل قبل التزويج بعده.

لصدق كونه شعر زوجته.

و لا يحرم المسّ في المنفصل.

للأصل.

المسألة الثالثة: ذهب جماعة إلى تحريم سماع صوت الأجنبيّات

من غير ضرورة مطلقا.

و هو ظاهر إطلاق القواعد و الشرائع و الإرشاد و التحرير «1» و التلخيص، و نسب إلى المشهور «2».

و الظاهر أنّ مرادهم: استماعه، و إلّا فالسماع بدونه لا يحرم قطعا.

______________________________

(1) القواعد 2: 3، الشرائع 2: 269، الإرشاد 2: 5، التحرير 2: 3.

(2) كما في الحدائق 23: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 67

ثمَّ حكمهم بالحرمة لأنّه عورة.

و لرواية الصدوق: «و نهى أن تتكلّم المرأة عند غير زوجها و غير ذي محرم منها أكثر

من خمس كلمات ممّا لا بدّ منه» «1».

و صحيحة هشام: «النساء عيّ و عورة، و استروا العورات بالبيوت، و استروا العيّ بالسكوت» «2».

و رواية غياث: «لا تسلّم على المرأة» «3».

و ما في بعض الأخبار من النهي عن الابتداء بالتسليم عليهنّ «4».

و يضعّف الأول بالمنع.

و البواقي بعدم الدلالة، لأنّ النهي عن تكلّمها و الأمر بسكوتها لعيّها و النهي عن التسليم عليها لو سلّم لم يدلّ على تحريم استماع الصوت بوجه.

مضافا إلى ما في الأخير من عدم الدلالة على الحرمة.

و في رواية الصدوق إلى ما قيل «5» من مخالفتها للإجماع من جواز سماع [1] صوتهنّ زائدا على خمس كلمات مع الضرورة، فمنعها عمّا زاد منها معها مخالف للبديهة، إلّا أنّه مبنيّ على جعل لفظة: «من» في قوله:

______________________________

[1] في «ق»: استماع.

______________________________

(1) الفقيه 4: 3- 1، الوسائل 20: 197 أبواب مقدمات النكاح ب 106 ح 2.

(2) الكافي 5: 535- 4، الفقيه 3: 247- 1172، الوسائل 20: 66 أبواب مقدمات النكاح ب 24 ح 4.

(3) الكافي 5: 535- 2، الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131 ح 2.

(4) الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131.

(5) الرياض 2: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 68

«ممّا لا بدّ منه» تبعيضيّة، و لو أخذت بيانيّة [لا يلزم ] [1] ذلك المحذور.

و إلى ما في الجميع من المعارضة بحسنة ربعي المتقدّمة «2».

و رواية أبي بصير: كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخلت عليه أمّ خالد، فقال: «أ يسرّك أن تسمع كلامها؟» فقلت: نعم، قال: «فأذن لها» فأجلسني معه على الطّنفسة، قال: ثمَّ دخلت فتكلّمت فإذا هي امرأة بليغة [2].

و بما ثبت قطعا من تكلّم النساء مع النبيّ صلّى اللّه

عليه و آله و الأئمّة في محضر من الأصحاب، و سؤالهنّ عنهم، و تقريرهم إيّاهنّ عليه.

و ما تواتر من تكلّم سيدة النساء مع سلمان «4»، و إتيانها بالخطبة الطويلة المرويّة في الاحتجاج بمحضر من الخلق الكثير «5».

و تكلّم أخوات الحسين عليه السلام مع الأعادي في مواضع عديدة «6».

و لو كان السماع حراما لحرم تكلّمهنّ، لأنّ سبب الحرام حرام و معاونة على الإثم.

بل يعارضه الإجماع القطعي، حيث جرت على ذلك طريقة العلماء من الصدر الأول إلى زماننا هذا، بل أدلّة نفي العسر و الحرج.

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: لا يدفع، و الظاهر ما أثبتناه.

[2] الكافي 8: 101- 71، الوسائل 20: 197 أبواب مقدمات النكاح ب 106 ح 1.

و الطّنفسة: البساط الذي له خمل رقيق، و هي ما تجعل تحت الرحل على كتفي البعير- مجمع البحرين 4: 82.

______________________________

(2) في ص: 61.

(4) البحار 28: 175 ب 4 و أيضا 43: 19 ب 3.

(5) الاحتجاج: 97.

(6) الاحتجاج: 307، البحار 45: 108 و 117 و 127 و 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 69

و لذا خالف فيه جماعة، فقيّدوا التحريم بالتلذّذ و الريبة، و به قطع في التذكرة «1»، و استجوده الشهيد الثاني و صاحب الكفاية و المفاتيح «2».

استنادا في الجواز بدون التلذّذ إلى الأصل و سائر ما مرّ.

و في المنع معه إلى الإجماع المنقول في كلام بعض المتأخّرين «3».

و الحسنة المتقدّمة.

و العلّة المنصوصة في رواية العلل.

و يردّ الإجماع المنقول بعدم الحجّية.

و الحسنة بعدم الدلالة على الحرمة. إلّا على النسخة المتضمنة للفظ «الإثم»، و ثبوتها غير معلوم.

و العلّة لا تفيد الكلّية، بل إذا كان مهيّجا للشهوة داعيا إلى الفساد فكلّما كان كذلك يحرم و إلّا فلا، نعم

يكره قطعا.

و أمّا استماع الأجنبيّة صوت الأجنبي فلا حرمة فيه أصلا.

و من الغرائب: فتوى اللمعة بحرمته «4»، مع أنّها تقرب ممّا يخالف الضرورة.

فإنّ تكلّم النبيّ و الأئمّة و أصحابهم مع النساء ممّا بلغ حدّا لا يكاد يشكّك فيه.

و من الضروريّات: استحباب صلاة الجماعة للنساء و صلاتهنّ مع

______________________________

(1) التذكرة 2: 573.

(2) الشهيد الثاني في المسالك 1: 438، الكفاية: 154، المفاتيح 2: 347.

(3) انظر الرياض 2: 75.

(4) اللمعة (الروضة البهيّة) 5: 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 70

النبيّ و الولي.

و قضيّة أمّ فروة- حيث دعاها الإمام لاستماع المراثي- مشهورة «1».

و سؤال السائلين في أبواب الدور و صياح الرجال في الأزقّة و نحوها متكثّرة.

المسألة الرابعة: يجوز الوطء في دبر الزوجة و الأمة

على الأظهر الأشهر بين من تقدّم و تأخّر، بل بالإجماع كما في الخلاف و التذكرة و عن الانتصار و السرائر و الغنية «2».

للأصل.

و المستفيضة المصرّحة بأنّ «ذلك له» كما في بعضها «3».

أو بأنّه «لا بأس به» كما في أخرى «4».

أو بأنّه «أحلّتها آية من كتاب اللّه، قول لوط هؤُلاءِ بَناتِي 11: 78 «5»» كما في ثالثة «6».

______________________________

(1) انظر كامل الزيارات: 104.

(2) الخلاف 4: 336- 338، التذكرة 2: 576، الانتصار: 125، السرائر 2:

606، الغنية (الجوامع الفقهية): 612.

(3) الكافي 5: 540- 2، التهذيب 7: 415- 1663، الوسائل 20: 145 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 1.

(4) التهذيب 7: 415- 1662، الاستبصار 3: 243- 871، الوسائل 20: 147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 5.

(5) هود: 78.

(6) التهذيب 7: 414- 1659، الاستبصار 2: 243- 869، الوسائل 20: 146 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 71

أو بأنّه «لا بأس إذا رضيت» كما في رابعة «1».

أو بأنّه «ليس عليك شي ء ذلك

لك» كما في خامسة «2».

أو بأنّه «ليس به بأس و ما أحبّ أن يفعل» كما في سادسة «3».

أو بأنّه أصغى إليّ ثمَّ قال: «لا بأس به» كما في سابعة «4».

بل يدلّ عليه قوله سبحانه فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ «5» فإنّ كلمة أَنَّى إنّما وضعت للتعميم في المكان، و استعمالها في قوله سبحانه أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ «6» بمعنى: كيف، لا يضرّ، لأنّه أعمّ من الحقيقة.

مع أنّه استشهد به للحلّية أيضا في الرواية الرابعة، حيث إنّ السائل سأل- بعد قول الإمام: «إذا رضيت»-: فأين قول اللّه عزّ و جلّ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ «7» قال: «هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه، إنّ اللّه تعالى يقول نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ».

______________________________

(1) التهذيب 7: 414- 1657، الاستبصار 3: 242- 867، الوسائل 20: 146 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 2.

(2) التهذيب 7: 460- 1842، الاستبصار 3: 244- 873، الوسائل 20: 147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 8.

(3) التهذيب 7: 416- 1666، الاستبصار 3: 244- 876، الوسائل 20: 147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 6.

(4) التهذيب 7: 415- 1661، الاستبصار 3: 243- 870، الوسائل 20: 146 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 4.

(5) البقرة: 223.

(6) آل عمران: 47.

(7) البقرة: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 72

و جعل الآية الأخيرة استشهادا على أنّ المراد بالآية الأولى: طلب الولد- كما في الوافي «1»- خلاف الظاهر.

و مع أنّ في تفسير العيّاشي عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

عن إتيان النساء في أعجازهنّ، قال: «لا بأس» ثمَّ تلا هذه الآية «2».

و فيه عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في

قوله تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ قال: «حيث شاء» «3».

و لا ينافيه تعليل الحكم في الآية بأنّهنّ حرث، حيث إنّ مقتضى الحرث الإتيان من موضع ينبت فيه الزرع، لمنع اقتضاء الحرثيّة ذلك، إذ لا يتعيّن كون دخول الحرث دائما للحرث.

نعم، ظاهر صحيحة معمّر ينافي ذلك، قال أبو الحسن عليه السلام: «أيّ شي ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهنّ؟» قلت له: بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأسا، فقال: «إنّ اليهود كانت تقول: إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول فأنزل اللّه عزّ و جلّ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ من خلف أو قدّام، خلافا لقول اليهود، و لم يعن في أدبارهنّ» «4».

______________________________

(1) الوافي 22: 697.

(2) تفسير العياشي 1: 110- 330، الوسائل 20: 147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 10.

(3) تفسير العياشي 1: 111- 331، الوسائل 20: 148 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 11.

(4) التهذيب 7: 460- 1841، الاستبصار 3: 244- 877، الوسائل 20: 141 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 73

و لكنّها مرجوحة بالنسبة إلى ما مرّ، لموافقتها العامّة «1».

و أمّا ما قيل من أنّها لا تنافي ثبوت الحكم من الآية بالعموم «2».

فإنّما يتمّ لو لا قوله: «و لم يعن في أدبارهنّ» ردّا على أهل المدينة.

خلافا للمحكيّ عن القمّيين «3» و ابن حمزة «4»، فحرّموه.

للاستصحاب.

و لقوله سبحانه فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ .

و صحيحة معمّر المتقدّمة.

و رواية هاشم و ابن بكير: قال هاشم: «لا تعرى و لا تفرث»، و ابن بكير قال: «لا تفرث» أي لا تؤتى من غير هذا الموضع «5».

و رواية سدير: «محاشّ النساء على أمّتي حرام»

«6».

و مرسلة الفقيه: «محاشّ نساء أمّتي على رجال أمّتي حرام» «7».

و مرسلة أبان: عن إتيان النساء في أعجازهنّ، قال: «هي لعبتك لا تؤذها» «8».

______________________________

(1) انظر المغني و الشرح الكبير على متن المقنع 8: 132.

(2) الرياض 2: 75.

(3) حكاه عنهم في المسالك 1: 438.

(4) الوسيلة: 313.

(5) التهذيب 7: 416- 1665 بتفاوت يسير، الاستبصار 3: 244- 875، الوسائل 20: 142 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 3.

(6) التهذيب 7: 416- 1664، الاستبصار 3: 244- 874، الوسائل 20: 142 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 2.

(7) الفقيه 3: 299- 1430، الوسائل 20: 143 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 5.

(8) الكافي 5: 540- 1، الوسائل 20: 143 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 74

و يردّ الأول بما مرّ.

و الثاني بعدم تعيّن ما أمر اللّه به، فإنّه بمعنى: أباح، فيمكن شموله للدبر أيضا، مع أنّه لو كان المراد به القبل لا تثبت منه حرمة الغير، لأنّ صيغة الأمر للإباحة، و المطلوب رفع الحظر الحاصل بسبب الحيض، مضافا إلى تصريح الرواية الرابعة بعدم دلالته على التحريم كما مرّ.

و الثالث- مضافا إلى ما سبق- بأنّ عدم دلالته على الحلّية لا يثبت دلالته على الحرمة.

و الرابع بعدم الدلالة.

و البواقي بمرجوحيتها عمّا مرّ [1] بموافقته للأصل و الآية و الشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة، و مخالفته لأكثر العامّة.

نعم، تثبت منها الكراهة، بل الشديدة منها، كما صرّح به جماعة [2]، و يدلّ عليه قوله: «ما أحبّ أن يفعله» أيضا.

المسألة الخامسة: الظاهر عدم الخلاف في جواز العزل عن الأمة و الدائمة مع إذنها

، أو شرطه حين العقد و في صورة الاضطرار، أو الضرورة بلا كراهة، و كذا المتمتّع بها، و إن كان مقتضى إطلاق كلام بعضهم- كاللمعة «3» و غيره

[3]- وقوع الخلاف فيها أيضا.

______________________________

[1] في «ح» زيادة: لأكثريته و ..

[2] كالمحقق في الشرائع 2: 270، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة البهية 5):

101، الشهيد الثاني في الروضة 5: 101، السبزواري في الكفاية: 154.

[3] كالشرائع 2: 270.

______________________________

(3) اللمعة (الروضة البهية 5): 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 75

و اختلفوا في العزل عن الحرّة الدائمة:

فالحقّ المشهور: الجواز.

للأصل.

و المستفيضة من الصحاح و الموثّقات و غيرها «1»، و في بعضها صرّح بالحرّة، و في آخر بما إذا أحبّت أو كرهت.

نعم، يكره ذلك.

لفتوى الجماعة [1].

و لصحيحة محمّد: عن العزل فقال: «أمّا الأمة فلا بأس، و أمّا الحرّة فإنّي أكره ذلك، إلّا أن يشترط عليها حين تزوّجها» «3».

و ظاهر الإطلاق شموله للمتمتّع بها أيضا، و لا بأس به.

و ذهب جماعة إلى التحريم، حكي عن ظاهر القواعد و عن المبسوط و الخلاف «4» مدّعيا فيه الإجماع، و به أفتى في اللمعة «5».

للإجماع المنقول.

و الصحيحة المتقدّمة.

و النبويّين العامّيين «6».

و مفهوم رواية الجعفي: «لا بأس بالعزل في ستة وجوه: المرأة التي

______________________________

[1] كما في السرائر 2: 607، الروضة 5: 102، المفاتيح 2: 288.

______________________________

(1) الوسائل 20: 149 أبواب مقدمات النكاح ب 75.

(3) التهذيب 7: 417- 1671، الوسائل 20: 151 أبواب مقدمات النكاح ب 76 ح 1.

(4) القواعد 2: 25، المبسوط 4: 267، الخلاف 4: 359.

(5) اللمعة (الروضة البهيّة) 5: 102.

(6) سنن ابن ماجه 1: 620- 1928، سنن البيهقي 7: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 76

أيقنت أنّها لا تلد، و المسنّة، و المرأة السليطة، و البذية، و المرأة التي لا ترضع ولدها، و الأمة» «1».

و منافاته حكمة النكاح، و هي الاستيلاد.

و يردّ الأول بعدم الحجّية، سيّما مع مخالفته الشهرة، مضافا إلى أنّ ظاهر بعض

عباراته- كما قيل «2»- أنّ الإجماع إنّما هو على استحباب الترك دون التحريم.

و الثاني بأعميّة الكراهة عن الحرمة.

و الثالث بعدم الحجّية.

و الرابع بأنّ المفهوم إمّا عدديّ أو وصفيّ، و شي ء منهما ليس بحجّة.

و الخامس بمنع انحصار الحكمة، مع أنّه أخصّ من المدّعى، لعدم جريانه في الحامل و العقيم و اليائسة و نحوها، مع أنّه لو تمَّ لجرى مع الإذن و الشرط أيضا، إذ ليس للمرأة تفويت غرض الشارع، بل لا يكون الشرط صحيحا.

هذا، مع أنّ مقتضى الدليل اقتضاء النكاح لترك عزل في الجملة، و أمّا الجماع فليس الحكمة فيه مطلقا الاستيلاد.

و الجميع بالمعارضة مع ما مرّ من الأدلّة الراجحة بالصراحة، و موافقة الأصل و العمل.

ثمَّ على المنع تحريما أو كراهة، فهل تجب فيه دية، أم لا؟

______________________________

(1) الفقيه 3: 281- 1340، التهذيب 7: 491- 1972، الوسائل 20: 152 أبواب مقدمات النكاح ب 76 ح 4.

(2) انظر الرياض 2: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 77

الحقّ: الثاني، للأصل الخالي عن المعارض.

و قيل: نعم، فيه عشرة دنانير للمرأة «1»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «2»، له، و لما في كتاب عليّ- كما في الصحيح- أنّه أفتى في منيّ الرجل يفرغ عن عرسه فيعزل عنها الماء و لم يرد ذلك: نصف خمس المائة دية الجنين عشرة دنانير «3».

و فيه: أنّه غير المتنازع فيه.

و دعوى ظهور أنّ العلّة هي التفويت المشترك.

مردودة بمنع الظهور أولا.

و منع اعتبار هذا الظهور ثانيا.

و ثبوت الفارق بين جناية الوالد و غيره ثالثا.

المسألة السادسة: لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر

على الحقّ المشهور.

بل على المعروف من مذهب الأصحاب، كما في الكفاية «4» و غيره «5».

______________________________

(1) اللمعة (الروضة البهيّة) 5: 103.

(2) الخلاف 4: 359.

(3) الكافي 7: 342- 1، الفقيه 4: 54- 194، التهذيب

10: 285- 1107، الوسائل 29: 312 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 1.

(4) الكفاية: 154.

(5) كالرياض 2: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 78

بل هو موضع وفاق، كما في المسالك «1».

بل إجماعيّ، كما في المفاتيح «2» و شرحه.

لصحيحة صفوان: عن الرجل يكون عنده المرأة الشابّة فيمسك عنها الأشهر و السنة لا يقربها ليس يريد الإضرار بها يكون لهمّ مصيبة، أ يكون في ذلك آثما؟ قال: «إذا تركها أربعة أشهر كان آثما بعد ذلك» «3».

و نحوها روايته الأخرى، و زاد في آخرها: «إلّا أن يكون بإذنها» «4».

و في صحيحة البختري: «إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه، فإمّا أن يفي ء أو يطلّق» «5».

و يؤيّده: كون هذه المدّة تربّص الزوجة في الإيلاء.

و الروايتان عامّتان للمتمتّعة و الدائمة، و المشهور اختصاصها بالأخيرة.

و ظاهر الكفاية التردّد «6»، و هو في موقعه، و التعميم أظهر، لما مرّ.

و يختصّ عدم الجواز بصورة عدم العذر، و أمّا معه فيجوز الترك مطلقا إجماعا.

لأنّ الضرورات تبيح المحظورات.

______________________________

(1) المسالك 1: 439.

(2) المفاتيح 2: 290.

(3) الفقيه 3: 256- 1215، التهذيب 7: 412- 1647، الوسائل 20: 140 أبواب مقدمات النكاح ب 71 ح 1.

(4) التهذيب 7: 419- 1678، الوسائل 20: 140 أبواب مقدمات النكاح ب 71 ح 1.

(5) الكافي 6: 133- 12، الوسائل 22: 343 أبواب الإيلاء ب 1 ح 2.

(6) الكفاية: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 79

و من العذر: خوف الضرر، و عدم الميل المانع عن انتشار العضو، إذ مع عدمه لا يمكن الوطء، و أمّا ما دون الوطء ممّا يتمكّن منه فلم يثبت وجوبه.

و كذا يختصّ بصورة عدم إذنها، و أمّا معه فيجوز.

للرواية المذكورة.

و لا فرق

في أذنها بين أن يكون لعدم ميلها، أو لأخذ عوض له، أو لتخييرها بين التطليق و العفو.

و كذا يختصّ بالحاضر عند الزوجة.

لظاهر الإجماع.

و لأنّه من العذر.

بل هو مقتضى قوله في الصحيحة: «يكون عنده المرأة»، و المسافر ليست المرأة عنده.

و هل يشترط في الوجوب حضور الزوج في تمام الأربعة أشهر؟

أو تحسب أيّام السفر فيها أيضا، حتّى لو سافر شهرين و حضر شهرين وجب عليه؟

الظاهر: الأول.

لما مرّ من عدم ثبوت الوجوب من الصحيحة إلّا في حقّ المرأة التي كانت عنده في تمام المدّة.

و ظاهر الصحيحة اختصاص الحكم بالشابّة، كما مال إليه في المفاتيح

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 80

و شرحه و الكفاية «1»، فالتعدّي إلى مطلقهنّ لا دليل عليه.

و ورود الشابّة في السؤال غير ضائر، لنفي الحكم عن غيرها بالأصل.

و الإجماع على التعميم غير معلوم.

و الرواية الأخيرة و إن كانت مطلقة إلّا أنّها عن إفادة الحرمة قاصرة جدّا.

و الواجب هو الوطء دون الإنزال.

للأصل.

و عدم ثبوت الزائد من قوله: «لا يقربها».

بل لو لا الإجماع لجرى الكلام في الوطء أيضا.

المسألة السابعة: لا يجوز الدخول بالمرأة قبل إكمالها تسع سنين.

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا [1].

و المستفيضة من الأخبار «3»، و هي بكثرتها و إن كانت قاصرة عن إفادة الحرمة- لورود الجميع بالجملة المنفيّة أو المحتملة لها، فليست بأنفسها صريحة في الحرمة- إلّا أنّها تحمل عليها بقرينة الإجماع.

ثمَّ إنّها هل تحرم عليه مؤيّدا و لو بدون الإفضاء؟ كما عن النهاية

______________________________

[1] كما في التنقيح 3: 25، الكفاية: 154، الرياض 2: 76.

______________________________

(1) المفاتيح 2: 290، الكفاية: 154.

(3) الوسائل 20: 101 أبواب مقدمات النكاح ب 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 81

و التهذيب و السرائر مدّعيا فيه نفي الخلاف «1»، بل نقله بعضهم عن المفيد أيضا [1]، و نسبه في

الكفاية إلى جماعة «3»، و ظاهر المفاتيح «4» و شرحه نوع ميل إليه.

و يدلّ عليه إطلاق مرسلة يعقوب: «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما و لم تحلّ له أبدا» [2].

و المشهور بين الأصحاب: عدم التحريم بدون الإفضاء.

للأصل.

و ضعف الخبر مع خلوّه عن الجابر في المورد.

و الأصل يدفع بالخبر.

و الضعف بدعوى نفي الخلاف يجبر، مع أنّه غير ضائر مع وجوده في الأصل المعتبر.

و لا تضرّ- للجبر بالدعوى المذكورة- مخالفة الأكثر ممّن تأخّر [3]، كما لا تضرّ نسبة بعضهم المشهور إلى الحلّي في النسبة الأولى أيضا «7»، و لا

______________________________

[1] و هو الفاضل المقداد في التنقيح 3: 26.

[2] الكافي 5: 429- 12، التهذيب 7: 311- 1292، الاستبصار 4: 295- 111، الوسائل 20: 494 أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها ب 34 ح 2.

[3] كالمحقق في الشرائع 2: 270، العلّامة في القواعد 2: 16، فخر المحققين في الإيضاح 3: 76، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 330.

______________________________

(1) النهاية: 481، التهذيب 7: 311، السرائر 2: 530.

(3) الكفاية: 154.

(4) المفاتيح 2: 290.

(7) انظر التنقيح 3: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 82

فتوى الشيخ بخلاف ما في الكتابين في كتاب آخر «1».

المسألة الثامنة: يكره للمسافر أن يدخل إلى أهله من سفره ليلا.

لرواية ابن سنان: «يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح» «2».

و مقتضى إطلاقها: ثبوت الحكم مطلقا، سواء أعلمهم بالحال أم لا، و في تمام الليل.

و احتمل بعضهم تعلّقه بما بعد المبيت و غلق الأبواب [1]، لأنّ الطرق في كلام أهل اللغة يطلق على الأمرين.

و لا يخفى أنّه لو ثبت ذلك للزم الاقتصار على المتيقّن، و هو ما بعد المبيت.

للأصل.

و أمّا المسامحة في المكروهات فلا تصير مجوّز الحكم

بكراهة المحتمل.

إلّا أنّ في إطلاقه على الأمرين نظرا، إذ ظاهر كلام الصحاح و القاموس التعميم «4».

و ما يوهم إشعاره بالاختصاص من كلام ابن الأثير، حيث قال: قيل:

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في الروضة 5: 106.

______________________________

(1) انظر الاستبصار 4: 294- 295.

(2) الكافي 5: 499- 4، التهذيب 7: 412- 1645، الوسائل 20: 131 أبواب مقدمات النكاح ب 65 ح 1.

(4) الصحاح 4: 1515، القاموس 3: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 83

أصل الطروق من الطرق، و هو: الدقّ، سمّي الآتي بالليل طارقا لاحتياجه إلى دقّ الباب «1».

فلا إشعار فيه، لأنّ غلق الباب لا ينحصر بوقت المبيت، مع أنّه لا يلزم الاطّراد في علّة التسمية.

______________________________

(1) النهاية 3: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 84

الفصل الثالث في النكاح الدائم

اشاره

و فيه فصول:

الفصل الأول في العقد

اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: تجب في النكاح الصيغة
اشاره

، باتّفاق علماء الإسلام، بل الضرورة من دين خير الأنام، له، و لأصالة عدم ترتّب آثار الزوجيّة بدونها.

و لا بدّ فيها من إيجاب و قبول لفظيّين، بالإجماع، و أصالة الفساد في المعاملات، فلا يحكم بترتّب الأثر ما لم يعلم تحقّق التزويج و النكاح، و لا يعلم تحقّقهما بدون اللفظ.

و تؤيّده رواية العجلي: عن قول اللّه سبحانه وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً «1» قال: «الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح» «2».

ثمَّ إنّهم بعد الاتّفاق على ذلك اختلفوا في اللفظ المنعقد به النكاح من وجوه كثيرة،

لا بدّ في تحقيق المقام فيه من تقديم مقدّمات:
اشاره

______________________________

(1) النساء: 19.

(2) الكافي 5: 560- 19، الوسائل 20: 262 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 85

إحداها [ما دل دليل على التحقق النكاح به ]

ما مرّ في صدر كتاب البيع مفصّلا، و نقول هنا إجمالا: إنّ الشارع رتّب أحكاما على التزويج و النكاح، و أثبت أمورا لكلّ من الزوج و الزوجة و الناكح و المنكوحة، فلو كنّا نعلم لهذه الألفاظ معاني لغويّة أو عرفيّة للشارع يصحّ إرادتها لكان اللازم الحكم بثبوت هذه الأحكام لكلّ من صدق عليه تلك الألفاظ، كما في البيع.

و لكن معنى التزويج في اللغة أمر غير مراد هنا، و لا نعلم في عرف الشارع أو العامّ له معنى مضبوطا معيّنا بخصوصه و إن علمنا القدر المجمع عليه منه.

و أمّا النكاح، فقد عرفت أنّه العقد، و لكن المراد من العقد هنا غير معلوم لنا.

و كذا قد تترتّب الآثار على مثل قوله: امرأته أو حليلته، و الإضافة و إن أفادت الاختصاص لكن جهة الخصوصيّة لنا غير معلومة.

و على هذا، فيجب في الحكم بتحقّق الزوجيّة و النكاح الاقتصار على ما دلّ دليل على تحقّق النكاح به.

الثانية: اعلم أنّ ها هنا أخبارا يمكن أن يستفاد منها اللفظ المتحقّق به النكاح، و هي كثيرة:

الأولى: صحيحة زرارة الواردة في تزويج آدم و حوّاء، و فيها بعد أمر اللّه سبحانه آدم أن يخطب إليه جلّ شأنه حوّاء و قول آدم: «إنّي أخطبها إليك، فقال عزّ و جلّ: و قد شئت ذلك و قد زوّجتكها فضمّها إليك، فقال لها آدم: إليّ فأقبلي» الحديث «1».

______________________________

(1) الفقيه 3: 239- 1133، الوسائل 20: 261 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 86

الثانية:
اشاره

رواية الهاشمي في تزويج خديجة، و فيها- بعد أن خطب أبو طالب إلى عمّها و تلجلج العمّ-: قالت خديجة لعمّها: «فلست أولى بي من نفسي، قد زوّجتك يا محمّد

نفسي و المهر عليّ في مالي، فمر عمّك فلينحر ناقة فليولم بها، و ادخل على أهلك» «1».

الثالثة: مرفوعة البغدادي في جواب أبي عبد اللّه عليه السلام خطبة نكاح، قال عليه السلام بعد الخطبة: «أمّا بعد، فقد سمعنا مقالتكم و أنتم الأحبّة و الأقربون نرغب في مصاهرتكم و نسعفكم بحاجتكم و نضنّ بإخائكم، فقد شفّعنا شافعكم و أنكحنا خاطبكم، على أنّ لها من الصداق ما ذكرتم، فنسأل اللّه الذي أبرم الأمور بقدرته أن يجعل عاقبة مجلسنا إلى محابّة، إنّه وليّ ذلك و القادر عليه» [1].

الرابعة: مرسلة الفقيه الواردة في تزويج الجواد بنت المأمون، و فيها:

لمّا تزوّج أبو جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام ابنة المأمون خطب لنفسه ثمَّ ذكر الخطبة إلى أن قال: «و هذا أمير المؤمنين زوّجني ابنته على ما فرض اللّه عزّ و جلّ للمسلمات» إلى أن قال: «و بذلت لها من الصداق ما بذله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» إلى أن قال بعد ذكر الصداق: «زوّجتني يا أمير المؤمنين؟» قال:

بلى، قال: «قبلت و رضيت» «3» الخامسة: رواية القدّاح: «إنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان يتزوّج و هو

______________________________

[1] الكافي 5: 372- 5.

و الضنّة: البخل و عدم الإعطاء، أي لا نعطي إخاءكم لغيرنا- انظر الوافي 3:

ج 12: 61.

______________________________

(1) الكافي 5: 374- 9، الوسائل 20: 263 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 9.

(3) الفقيه 3: 252- 1199، الوسائل 20: 261 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 87

يتعرّق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول: الحمد للّه و صلّى اللّه على محمّد و آله و يستغفر اللّه و قد زوّجناك على شرط اللّه» «1».

السادسة: رواية عبيد

بن زرارة: عن التزويج بغير خطبة، فقال:

«أو ليس عامّة ما يتزوّج فتياننا، و نحن نتعرّق الطعام على الخوان نقول: يا فلان زوّج فلانا فلانة، يقول: نعم قد فعلت» «2».

السابعة: موثقة سماعة في عقد التمتّع: لا بدّ من أن يقول فيه هذه الشروط: أتزوّجك متعة كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما نكاحا غير سفاح على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله الحديث «3».

الثامنة: رواية أبان بن تغلب: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال:

تقول: أتزوّجك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه لا وارثة و لا مورثة كذا و كذا يوما» إلى أن قال: «فإذا قالت: نعم فقد رضيت، فهي امرأتك» و في بعض النسخ: فإذا قالت: نعم قد رضيت فهي امرأتك «و أنت أولى الناس بها» قلت: فإنّي أستحيي أن أذكر شرط الأيّام، قال: «هو أضرّ عليك» قلت:

و كيف؟ قال: «إنّك إن لم تشترط كان تزويج مقام، و لزمتك النفقة في العدّة، و كانت وارثة، و لم تقدر على أن تطلّقها إلّا طلاق السنّة» «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 368- 2، التهذيب 7: 408- 1630، الوسائل 20: 263 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 8.

(2) الكافي 5: 368- 1، التهذيب 7: 249- 1078، الوسائل 20: 96 أبواب مقدمات النكاح ب 41 ح 1.

(3) الكافي 5: 455- 2، التهذيب 7: 263- 1138، الوسائل 21: 44 أبواب المتعة ب 18 ح 4.

(4) الكافي 5: 455- 3، التهذيب 7: 265- 1145، الاستبصار 3: 150- 551، الوسائل 21: 43 أبواب المتعة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 88

التاسعة: حسنة ثعلبة: تقول: أتزوّجك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه

عليه و آله نكاحا غير سفاح، الحديث «1».

العاشرة: مرسلة الفقيه: عن مؤمن الطاق قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أدنى ما يتزوّج به الرجل المتعة، قال: «كفّ من برّ، يقول لها:

زوّجيني نفسك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله نكاحا غير سفاح» الحديث «2».

الحادية عشرة: صحيحة هشام: كيف يتزوّج المتعة؟ قال: «يقول: يا أمة اللّه أتزوّجك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما» «3».

الثانية عشرة: روايته، و فيها: قلت: ما أقول لها؟ «تقول لها:

أتزوّجك على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، و اللّه وليّي و وليّك، كذا و كذا شهرا بكذا و كذا درهما». الحديث «4».

الثالثة عشرة: رواية أبي بصير: «لا بأس بأن تزيدك و تزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما، تقول لها: استحللتك بأجل آخر، برضا منها» الحديث «5».

______________________________

(1) الكافي 5: 455- 4، التهذيب 7: 263- 1137، الوسائل 21: 43 أبواب المتعة ب 18 ح 2.

(2) الفقيه 3: 294- 1398، الوسائل 21: 44 أبواب المتعة ب 18 ح 5. و البرّ:

القمح الواحدة- المصباح المنير: 43.

(3) الكافي 5: 455- 5، الوسائل 21: 44 أبواب المتعة ب 18 ح 3.

(4) التهذيب 7: 267- 1151، الاستبصار 3: 152- 556، الوسائل 21: 45 أبواب المتعة ب 18 ح 6.

(5) الكافي 5: 458- 1، التهذيب 7: 268- 1152، الوسائل 21: 54 أبواب المتعة ب 23 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 89

الرابعة عشرة: رواية بكار: الرجل يلقى المرأة فيقول لها: زوّجيني نفسك شهرا، و لا يسمّي الشهر بعينه، ثمَّ يمضي فيلقاها بعد سنين، قال:

فقال: «له شهره إن كان سمّاه و إن لم يكن سمّاه فلا

سبيل له عليها» «1».

الخامسة عشرة: رواية الفتح بن يزيد: عن الشروط في المتعة، فقال:

«الشرط فيها بكذا و كذا إلى كذا و كذا، فإن قالت: نعم، فذاك له جائز» «2».

السادسة عشرة: موثّقة عبيد: «إذا قال الرجل لأمته: أعتقك و أتزوّجك و أجعل مهرك عتقك فهو جائز» «3».

السابعة عشرة: صحيحة علي: عن الرجل قال لأمته: أعتقتك و جعلت عتقك مهرك، قال: «أعتقت، و هي بالخيار إن شاءت تزوّجت و إن شاءت فلا، فإن تزوّجته فليعطها شيئا، فإن قال: قد تزوّجتك و جعلت مهرك عتقك، فإنّ النكاح واقع و لا يعطيها شيئا» [1].

و الثامنة عشرة: رواية السكوني: «جاءت امرأة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقالت:

زوّجني فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من لهذه؟ فقام رجل» إلى أن قال: «قال: قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن، فعلّمها إيّاه» «5».

______________________________

[1] الفقيه 3: 261- 1244، التهذيب 8: 201- 710، الاستبصار 3: 210- 760، الوسائل 21: 98 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 12 ح 1، في النسخ تفاوت و اضطراب في الرواية، و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) الكافي 5: 466- 4، الفقيه 3: 297- 1410، التهذيب 7: 267- 1150، الوسائل 21: 72 أبواب المتعة ب 35 ح 1.

(2) الكافي 5: 464- 3، التهذيب 7: 269- 1156، الاستبصار 3: 153- 559، الوسائل 21: 70 أبواب المتعة ب 33 ح 6.

(3) الكافي 5: 476- 3، الوسائل 21: 96 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 11 ح 1.

(5) الكافي 5: 380- 5، التهذيب 7: 354- 1444، الوسائل 21: 242 أبواب المهور ب 2 ح 1، و في الجميع: عن محمد بن مسلم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص:

90

الثالثة: اعلم أنّهم قد يحكمون بكفاية بعض الألفاظ في النكاح الدائم

- مثلا- مستدلّين بأنّ اللفظ حقيقة فيه، و مستندين إلى دلالته على المقصود.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    90     الثالثة: اعلم أنهم قد يحكمون بكفاية بعض الألفاظ في النكاح الدائم ..... ص : 90

قد يحكمون بعدم كفاية بعض الألفاظ فيه، مستدلّين بكونه مجازا، أو بعدم دلالته على المقصود.

و يرد على الأول: أنّه إن أريد أنّ للحقيقيّة مدخليّة في الصحّة فهو ممّا لا دليل عليه، و يلزمه عدم صحّة الصيغ الإخباريّة، لمجازيّتها في الإنشاء.

و إن أريد [أنّ ] [1] الحقيقيّة توجب الدلالة على المقصود و المستفاد من الأخبار كفاية كلّما يدلّ على المقصود، فلا يحسن الاقتصار على لفظ خاصّ، بل تجب صحّة الإتيان بكلّ مجاز مع القرينة المقاليّة أو الحاليّة، نحو: استحللت فرجها دائما، أو: جعلتها حليلتي أو زوجتي، و نحو ذلك.

و الظاهر أنّهم لا يقولون به.

هذا كلّه، مضافا إلى ما يرد عليهم من مطالبة الدليل على كفاية كلّ لفظ حقيقي فيه، أو كلّ لفظ دالّ على المقصود.

و على الثاني: أنّه إن أريد أنّ للمجازيّة مدخليّة في عدم الصحّة فهو ممّا لا دليل عليه، و يلزمه عدم صحّة الصيغ الإخباريّة.

و إن أريد أنّ المجازيّة توجب عدم الصراحة في المقصود، فيلزم صحّة كلّ مجاز مقترن بالقرينة، فلا يصح نفي صحّة بعض الصيغ مطلقا، استنادا إلى مجازيّته، بل يلزم نفي صحّته بدون القرينة.

و بالجملة: كلامهم في المقام خال عن النظام.

إذا عرفت تلك المقدّمات فاعلم: أنّه لا خلاف في انعقاد إيجاب

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 91

النكاح الدائم بلفظي التزويج و النكاح العربيّين الماضيين المتقدّم إيجابهما على القبول المقارن له، بل هو إجماعيّ محقّقا و منقولا في كفاية «زوّجتك»

و «أنكحتك» عن الناصريّات و الانتصار و التذكرة و الروضة «1»، و عن ظاهر المسالك و الكفاية «2» و غيرهما [1].

فهو الدليل في كفايتهما، مضافا إلى استفادة الانعقاد بالأول من كثير من الأخبار المتقدّمة، و بالثاني من الثالثة.

و قد وقع الخلاف في الانعقاد بغير اللفظين، أو بغير العربي- أي الترجمة- أو بغير الماضي منهما، أو من غيرهما و مع تقديم القبول أو تراخيه.

فالحقّ في الأول: عدم الانعقاد، وفاقا للإسكافي و السيّد و الحلبي و الحلّي و ابن حمزة «4» و المختلف و التذكرة و الروضة «5»، بل الأكثر، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر [2]، بل عن السيّد في المسائل الطبريّات: الإجماع عليه «7».

للأصل المستفاد من المقدّمة الأولى، الموجب للاقتصار على ما علم

______________________________

[1] كالتنقيح 3: 7.

[2] كالعلّامة في التذكرة 2: 581، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 69، الشهيد الثاني في المسالك 1: 442.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 210، الانتصار: 119، التذكرة 2: 581، الروضة 5: 108.

(2) المسالك 1: 442، الكفاية: 154.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 533، السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 210، الحلبي في الكافي: 293، الحلي في السرائر 2: 550، ابن حمزة في الوسيلة: 291.

(5) المختلف: 533، التذكرة 2: 581، الروضة 5: 108.

(7) حكاه عنه في الرياض 2: 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 92

الانعقاد به و لم يعلم الانعقاد بغير اللفظين.

و أمّا ما في الرواية الثالثة عشرة من كفاية قوله: «استحللت» فإنّما هو في المتعة، و عدم الفصل هنا غير ثابت، و لو سلّم فالرواية بالشذوذ مطروحة، مضافا إلى أنّها مرويّة عن أبي بصير غير مسندة إلى إمام، و قوله ليس بحجّة.

و من بعض ما ذكر يظهر الجواب عن رواية الهاشمي

أيضا: «جاءت امرأة إلى عمر فقالت: إنّي زنيت فطهّرني، فأمر بها أن ترجم، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: كيف زنيت؟ قالت: مررت بالبادية و أصابني عطش شديد، فاستسقيت أعرابيّا، فأبى أن يسقيني إلّا أن امكّنه من نفسي، فلمّا أجهدني العطش و خفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي، فقال أمير المؤمنين: تزويج و ربّ الكعبة» «1».

فإنّها- مع أنّها لو دلّت لدلّت في المتعة، كما حملها عليها في الوافي «2»، و معارضته فيها أيضا مع الأخبار الكثيرة الدالّة على اشتراط تعيين الأجل باللفظ و عدم كفاية المرّة، سيّما مع استفادتها من الإطلاق- شاذّة، و لعمل الأصحاب مخالفة، فهي به مطروحة.

و مع ذلك و ردت الواقعة بسند آخر، و فيها بعد إخبارها عن التمكين، فقال له عليّ عليه السلام: «هذه ما قال اللّه تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ «3» هذه غير باغية و لا عادية» «4» فخلّى سبيلها، فدفع الحدّ بالاضطرار

______________________________

(1) الكافي 5: 467- 8، الوسائل 21: 50 أبواب المتعة ب 21 ح 8.

(2) الوافي 15: 528.

(3) البقرة: 173.

(4) الفقيه 4: 25- 60، التهذيب 10: 49- 186، الوسائل 28: 111 أبواب حد الزنا ب 18 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 93

دون التزويج.

و خلافا للنهاية و الشرائع و النافع و الإرشاد و القواعد و اللمعة «1»، فجوّز و الإيجاب بقوله: متّعتك، لبعض ما مرّ مع ضعفه في المقدّمة الثالثة، و لعدم دليل على الحصر في لفظ.

و فيه: أنّ المحتاج إلى الدليل هو الكفاية دون الحصر.

ثمَّ مرادنا من اللفظين ليس هما بخصوصهما، بل أعمّ منهما و ممّا يفيد مفادهما و يقيم مقامهما، أي إيجاد معنى التزويج أو النكاح مع الصورة الماضويّة،

نحو: بلى، أو: نعم، بعد قوله: زوّجتني، أو: نعم فعلت، بعده أو بعد الأمر بالتزويج، أو: أوقعت التزويج، و نحو ذلك، فيصحّ لو عقد كذلك، للروايات: الرابعة و السادسة و الثامنة. فإنّه ليس المراد بقوله:

«زوّجتني» أو «زوّج» التلفّظ بلفظ زوّجتك، بل المراد إيجاد هذا المعنى، و قوله: «بلى» و «فعلت» إيجاد له، فكلّ ما دلّ على إيجاده يكون كافيا.

و كذا في الثاني مع القدرة على العربيّة، وفاقا لغير من شذّ و ندر، بل بإجماعنا، كما في التذكرة «2» و عن المبسوط «3»، لما مرّ من الأصل.

و احتمال اقتصارهم في التوقيف على العربي- لكونه عرفهم، فلا يمنع عن جواز غيره- حسن مع وجود دليل على صحّة غير العربي عموما أو خصوصا، و هو مفقود.

______________________________

(1) النهاية: 450، الشرائع 2: 273، النافع: 169، الإرشاد 2: 6، القواعد 2:

4، اللمعة (الروضة البهية 5): 108.

(2) التذكرة 2: 582.

(3) حكاه عنه في التنقيح 3: 11، و هو في المبسوط 4: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 94

خلافا للمحكيّ عن ابن حمزة «1»، فاستحبّ العربيّة، و اختاره في المفاتيح «2» و شرحه، و استقربه في الكفاية «3».

لأنّ الغرض إيصال المعنى المقصود إلى الغير، فيتأدّى ذلك بأيّ لغة اتّفقت، مع أنّ غير العربيّة من اللغات من قبيل المترادف الذي يصحّ أن يقوم مقام العربيّة.

و ردّ بمنع كون الغرض إيصال المعنى فقط، لجواز أن يكون للّفظ العربي مدخليّة، و كذا بمنع جواز قيام المترادف.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ المراد من قوله: «زوّجتني» في الرواية الرابعة، و من قوله: «زوّج» في السادسة استفهام إيقاع هذا المعنى و الأمر به، لا اللفظ قطعا، و معنى قوله: «بلى» و: «نعم قد فعلت» أنه أوقعت المعنى،

و المتبادر من وقوع المقصود بعده ترتّبه على إيقاع المعنى من غير مدخليّة لعربيّة قوله: «بلى» و: «قد فعلت»، فالظاهر كفاية ما يفيد إيقاع التزويج بغير العربيّة، إلّا أنّ الأحوط ما ذكرنا أولا.

و أمّا مع عدم القدرة على العربيّة- و لو بالتعلّم بلا مشقّة أو بالتوكيل- فالأكثر على الجواز، بل قيل: قطع به الأصحاب [1].

لدفع الحرج.

و فحوى الاجتزاء بإشارة الأخرس.

و يردّ بمنع لزوم الحرج، فإنّ تعلّم كلمة واحدة ليس بأشقّ من تعلّم

______________________________

[1] كما في كشف اللثام 2: 12.

______________________________

(1) الوسيلة: 291.

(2) المفاتيح 2: 260.

(3) الكفاية: 155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 95

جميع أجزاء الصلاة بالعربيّة و عمدة مسائل النكاح.

و دلالة الفحوى عليه ممنوعة، فالظاهر- كما هو ظاهر بعض الأجلّة «1»- تساوي صورة العجز و غيرها.

و كذا الثالث، فلا يجزي الإيجاب بغير الماضي أو ما يفيد مفاده، نحو: بلى، و: نعم، بعد قوله: زوّجتني مستفهما، وفاقا لابني حمزة و سعيد «2»، بل الأشهر كما عن المسالك «3».

لما مرّ من الأصل.

و قيل: يجوز بلفظ المستقبل قاصدا به الإنشاء «4».

لصحّة قصده منه.

و فيه: عدم الملازمة بين الصحّتين.

و لوقوعه في كثير من الأخبار المتقدّمة.

و فيه: إنّ الواقع فيها إنّما هو في القبول دون الإيجاب، و الإجماع المركّب غير ثابت و إن ادّعاه بعضهم «5»، كيف؟! و ظاهر القواعد بل الشرائع و النافع «6» اختصاص القول بالجواز بالقبول، و لا أقلّ من احتمال اختصاصه به، بل هو الظاهر من الأكثر، حيث ذكروا المستقبل في القبول.

و أمّا الرابع، فإن كان المراد به المقارنة الحقيقيّة الحاصلة بعدم تخلّل

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 12.

(2) ابن حمزة في الوسيلة: 291، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 436.

(3) المسالك 1: 442.

(4) المفاتيح 2: 260.

(5) انظر الرياض

2: 69.

(6) القواعد 2: 4، الشرائع 2: 273، النافع: 169.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 96

أمر بين الإيجاب و القبول- و لو مثل: ابتلاع ريق، أو التكلّم بلفظ- فالحقّ:

عدم التوقّف عليه، للرواية الثالثة المتضمّنة لتخلّل الخطبة و كلمات أخر من متعلّقاتها بين الإيجاب و القبول المتقدّم، بل الثامنة المتضمّنة لتخلّل قوله:

«على كتاب اللّه» و ما تعقبّه بينهما.

بل المستفاد منهما جواز تخلّل كلام كثير، و هو كذلك إذا كان ذلك الكلام من متعلّقات ذلك الأمر، كالخطبة له و ذكر الصداق و الشروط و نحوها.

بل يمكن أن يستدلّ له بعموم قوله في الثامنة: «فإذا قالت: نعم» فإنّه يشمل التراخي أيضا.

و أمّا تخلّل غير ذلك- ممّا ينافي المقارنة العرفيّة- فلا يجوز، للأصل المذكور، و عدم ظهور تامّ في العموم المتقدّم.

و منهم من فرّق بين اتّحاد المجلس و تفريقه [1].

و أمّا الخامس، فالأظهر الأشهر كما قيل «2» بل بالإجماع كما عن المبسوط و السرائر «3»: عدم التوقّف عليه، فيجوز تقدّم القبول، سواء كان المراد به ما يكون من جانب الزوج أو ما يتضمّن معنى القبول، نحو:

قبلت، و: تزوجت، و نحوهما.

للروايات الثلاثة الأولى، حيث إنّ تعقيب الأمر بالضمّ في الأولى و بالنحر في الثانية و كونه جوابا في الثالثة يدلّ على تقدّم القبول، و كذا

______________________________

[1] كالعلامة في التذكرة 2: 583.

______________________________

(2) انظر الكفاية: 155.

(3) المبسوط 4: 194، السرائر 2: 574.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 97

الرواية الثامنة، و بهذه الروايات يخرج عن الأصل دون سائر ما قيل في المقام من الوجوه الضعيفة.

و أمّا ما قيل من أنّ القبول إنّما هو رضى بمضمون الإيجاب، فلا معنى له مع التقدّم [1].

ففيه- مع أنّه اجتهاد في مقابلة الرواية-: منع عدم معقوليّته مع

التقدّم، إذ المؤخّر هو لفظ الإيجاب، و أمّا الرضا بإيقاعه فقد وقع بالإذن في التزويج، و هذا القدر كاف في معقوليّة القبول، فيقبل القابل ما سيوجبه الموجب.

نعم، لو قيل بما لا يتمّ معناه بدون الإيجاب اتّجه تأخّره، نحو:

قبلت، و: رضيت، بدون ذكر التزويج أو النكاح، و أمّا لو قال: قبلت تزويج فلانة لفلان، أو: رضيت بتزويج فلانة بفلان، فلا بأس.

و منهم من منع من تقديم نحو لفظ: قبلت و رضيت مطلقا، لعدم صدق المعنى «2». و ضعفه ظاهر.

هذا كلّه في الإيجاب، و أمّا القبول فهو أيضا كالإيجاب في الأول، فيجب كونه قبولا للتزويج أو النكاح، نحو قوله: نكحت، أو: تزوّجت، أو: قبلت النكاح أو: التزويج، أو: رضيت به، أو: قبلت، أو: رضيت مطلقا، بعد تقدّم إيجاب التزويج أو النكاح، فلا يجوز: تمتّعت، أو:

قبلت التمتّع، أو نحو ذلك، للأصل المذكور.

و كذا يجب كونه عربيّا على الأحوط.

______________________________

[1] كما في جامع المقاصد 12: 74.

______________________________

(2) انظر الروضة 5: 110، الرياض 2: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 98

و أمّا الماضويّة فالظاهر عدم اشتراطها، فيصحّ. أتزوّجك.

لا لجميع الروايات المتضمّنة له في عقد التمتّع، لاختصاصها به، و عدم الفصل غير ثابت، بل صرّح بعض شرّاح المفاتيح بذهاب جماعة من أصحابنا إلى جواز المستقبل في المتعة خاصّة.

بل لخصوص الرواية الثامنة، المصرّحة: بأنّه لو لم يذكر الأجل يصير تزويج مقام.

و كذا: زوّج نفسك، بصيغة الأمر، للرواية السادسة.

و أمّا غير المستقبل و الأمر- كالاستفهام بأن يقول: هل زوّجت؟ بدون ذكر قبول بعده- فلا دليل على كفايته.

فروع:

أ: يجب أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة و القبول من جانب الزوج.

لأنّها التي تأخذ العوض.

و لأنّه الوارد في الأخبار، فيعمل في غيره بالأصل المتقدّم.

ب: يجب قصد

الإنشاء في كلّ من الإيجاب و القبول، بالإجماع.

و هو يحصل بمجرّد قصد أنّه يوقع النكاح أو قبوله بهذا اللفظ و إن لم يعلم معنى الإنشاء و الإخبار.

ج: الظاهر وجوب فهم كلّ من المتعاقدين معنى الصيغة التي يتلفّظ بها، و لو بالتلقين و التعليم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 99

د: لو لحن في الصيغة، فإن كان مغيّرا لمعناها لم يصحّ، و إلّا فكذلك على الاحتياط إن كان في نفس لفظ الإيجاب أو القبول، دون ما إذا كان في سائر ما يذكر، كذكر الصداق و الشروط و نحوها.

المسألة الثانية: يشترط في العاقد- سواء كان أحد الزوجين أو وكيله أو وليّه- الكمال بالبلوغ و العقل.

فلا يجوز عقد الصبي و لا المجنون في حال جنونه، للأصل المتقدّم، و فقد دليل خاصّ أو عامّ.

و لا يتوهّم إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة المتضمّنة لكفاية قول:

أتزوّجك، لأنّها إمّا متضمّنة للرجل، أو خطاب إلى البالغ العاقل فلا يشمل غيره، مع أنّها في مقام بيان حكم آخر، و هو يوهن في الإطلاق.

و لا السكران، لما ذكر، إلّا السكرى إذا أجازت بعد الإفاقة، فيصحّ عقدها لنفسها لا للغير، وفاقا للصدوق و النهاية و القاضي و اختاره في الكفاية «1» و شرح المفاتيح.

لصحيحة ابن بزيع: عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوّجت نفسها رجلا في سكرها، ثمَّ أفاقت و أنكرت، ثمَّ ظنّت أنّه يلزمها ففزعت منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر و لا سبيل للزوج عليها؟ فقال عليه السلام: «إذا قامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها» قلت: و يجوز ذلك التزويج عليها؟ قال:

«نعم» «2».

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 102، النهاية: 468، القاضي في المهذب 2: 196، الكفاية: 155.

(2) الفقيه 3: 259- 1230، التهذيب 7: 392- 1571، عيون أخبار الرضا عليه السلام

2: 18، الوسائل 20: 294 أبواب عقد النكاح ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 100

و حملها على سكر لم يبلغ حدّ عدم التحصيل- كما في المختلف «1»- بعيد.

و على صورة جهل الزوج بالسكر و إرادة الحلّية الظاهريّة له- كما قاله بعض الأجلّة «2»- أبعد، و يأباه لفظ: و يجوز ذلك التزويج عليها؟ و اشتمالها على الإنكار أولا، فلا يفيد الرضا بعده.

و الرضا لمظنّة اللزوم- و هو غير الرضا المعتبر- غير ضائر، لعدم كونه من قبيل الفضولي، الذي يجب فيه عدم مسبوقيّة الإجازة بالإنكار، مع أنّ العبرة بعموم الجواب، فلا يضرّ خروج هذا الفرد الذي في السؤال بدليل لو كان.

و احتمال أن يكون حكم الإمام بالجواز لمحض رضاها لا لأجل ما فعل في حال السكر، فيفيد عدم اشتراط لفظ، و يضعّف الخبر بالشذوذ.

مردود بأنّه و إن احتمل بعيدا و لكن شذوذه في صورة مسبوقيّته بنحو هذا التزويج أيضا غير معلوم.

خلافا للأكثر، للأصل، و ضعف الرواية بمخالفتها الأصول القطعيّة و الشهرة العظيمة.

و الأصل يندفع بالرواية، و الأصول إنّما تصير قطعيّة بالأدلّة الشرعيّة، فكيف يقبل الأصل مع مخالفته لها؟! و الشهرة إنّما توجب الضعف لو بلغت حدّا يكون مخالفها شاذّا، و هو

______________________________

(1) المختلف: 538.

(2) انظر كشف اللثام 2: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 101

في المقام غير معلوم، كيف؟! و مذهب أكثر القدماء فيه غير محقّق.

هذا، ثمَّ إنّه عطف في النافع و الروضة «1» الدخول بالسكرى و إقرارها إيّاه بعد الإفاقة على التزويج و الإفاقة في النسبة إلى الرواية، و الرواية عنه خالية.

و لا يلحق بالسكرى السكران، للأصل.

و كذا يشترط في العاقد: الحريّة.

أو إذن المولى و لو بشاهد الحال.

للأصل المتقدّم.

و عدم وجود دليل

شامل لغير المأذون من المماليك.

و قد يقال: إنّ عقد المملوك تصرّف في ملك الغير بغير إذنه، فيكون منهيّا عنه، و النهي موجب لفساد المعاملة.

و فيه: منع دليل على حرمة مثل ذلك التصرّف بدون إذن المولى.

و لا تشترط فيه الذكوريّة، فيصحّ عقد الأنثى أصالة و وكالة، إيجابا و قبولا.

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ [1].

و لرواية تزويج خديجة و كثير من الروايات المتقدّمة في المسألة الاولى «3»، و هي و إن دلّت على الجواز في الجملة، إلّا أنّه يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

______________________________

[1] كما في المفاتيح 2: 260، كشف اللثام 2: 13.

______________________________

(1) النافع: 170، الروضة 5: 112.

(3) في ص: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 102

المسألة الثالثة: يشترط في صحّة النكاح تعيين الزوج و الزوجة

بالإشارة الذهنيّة أو الخارجيّة، أو الاسم أو الوصف القاطعين للشركة.

و لا بدّ في الإشارة الذهنيّة من أمر خارجيّ دالّ على المعيّن الذهني، كإضافة، أو لام، أو تقديم ذكر، أو مثل: التي قصدناها، و أمّا بدون ذلك فلا يصحّ، كما لو قصد الوليّ الكبرى و اتّفق قصد الزّوجة لها أيضا بالإجماع، له، و للأصل المتقدّم.

فلو لم يتعيّن أحدهما عند أحد العاقدين بطل النكاح، فإن اختلفا:

فإمّا أن يكون الاختلاف في تعيين الزوجة أو الزوج.

و على التقديرين: إمّا يكون الاختلاف بين الزوجين.

أو بين وليّهما. أو بين الزوج و وليّ الزوجة.

أو بالعكس إذا كان الزوج صغيرا.

و الحكم في الجميع الرجوع إلى القواعد المقرّرة للمرافعات في أحكام المدّعي و المنكر، مثلا: إذا اختلف وليّ الزوجة و الزوج في تعيين الزوجة فله ثلاث صور:

إحداها: أن يتّفقا على التعيين عندهما و تنازعا في المعيّن مع اتّفاقهما على التعيين عندهما في الواقع، كأن يقول الزوج للأب: عيّنّا الصغرى و عقدنا عليها، و قال الولي: عيّنّا الكبرى و عقدنا عليها، فحينئذ

إن ادّعى الزوج نكاح الصغرى يكون الوليّ منكرا فيحلف و تتخلّص الصغرى، فإن لم يتكلّم الوليّ في حقّ الكبرى بدعوى فلا نزاع، و إن ادّعى في حقّها يكون الزوج منكرا فيحلف.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 103

و الثانية: أن يتّفقا على التعيين عندهما، و لكن اختلفا واقعا في المعيّن من غير نزاع، كأن يقصد الوليّ الكبرى و الزوج الصغرى، و صدّق كلّ منهما الآخر في ذلك القصد، و النكاح حينئذ. باطل، لعدم ورود الإيجاب و القبول على محلّ واحد.

و الثالثة: أن يتعيّن عند الوليّ دون الزوج، و لكن علم الزوج تعيّنها عند الوليّ و قبل ما عيّنه، ثمَّ اختلفا فيمن عيّنه، فقال الوليّ: إنّي قصدت الكبرى، و قال الزوج: بل أنت قصدت الصغرى، و الحكم حينئذ كما في الصورة الاولى.

و من ذلك تظهر كيفيّة الحكم و المرافعة في سائر الصور.

و قد خالف في صورة الاختلاف مع وليّ الزوجة في التعيين جماعة، منهم: النهاية و القاضي و الشرائع و النافع و الفاضل و اللمعة «1»، بل الأكثر كما في المسالك «2»، فقالوا بالتفصيل فيه، بأنّه: يقدّم قول الوليّ مع حلفه إن كان الزوج رآهنّ جميعا، و يبطل العقد إن لم يكن رآهنّ.

و استندوا فيه إلى صحيحة الحذّاء «3».

و هي مردودة لا بما قيل من أنّها مخالفة للقواعد المرعيّة من التفرقة بين صورة الرؤية و عدمها، لأنّ القواعد كما بالأدلّة الشرعيّة تؤسّس كذلك بها تخصّص.

______________________________

(1) النهاية: 468، القاضي في المهذب 2: 196، الشرائع 2: 247، النافع:

170، الفاضل في القواعد 2: 4، اللمعة (الروضة البهيّة 5): 113.

(2) المسالك 1: 445.

(3) الكافي 5: 412- 1، الفقيه 3: 267- 1268، التهذيب 7: 393- 1574، الوسائل 20: 294 أبواب عقد

النكاح ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 104

بل بالإجماع، لاحتمالها كلّا من الصور الثلاث، فيكون معنى قوله فيها: فقال الزوج: إنّما تزوّجت منك الصغيرة، على الاولى: أنّ قرارنا كان على الصغيرة و كان قصدك و قصدي الصغيرة، فهي التي صارت زوجتي و إن لم يسمّ حين التزويج حتى يسمعه الشهود.

و على الثانية: أنّ مقصودي كان الصغيرة و تزوّجتها و يظهر من إدخالك الكبرى أنّك قصدتها.

و على الثالثة: أنّ مقصودك هي الصغيرة فهي صارت زوجتي بقبولي تزوّج من قصدت دون الكبيرة.

و على هذا، فلا تكون الرواية حجّة في شي ء من الصور و إن كانت في أحد الوجهين الأولين أظهر، لمكان قوله: «و عليه فيما بينه و بين اللّه تعالى».

مسألة: المعتبر في التعيين: القصد

، فلا عبرة بالاسم لو أخطئ فيه و يرجع النكاح إلى المقصود.

لرواية محمّد بن شعيب: كتبت إليه: أنّ رجلا خطب إلى عمّ له ابنته، فأمر بعض إخوانه أن يزوّجه ابنته التي خطبها، و إنّ الرجل أخطأ باسم الجارية فسمّاها بغير اسمها، و كان اسمها فاطمة فسمّاها بغير اسمها، و ليس للرجل ابنة باسم التي ذكر المزوّج، فوقّع: «لا بأس به» «1».

المسألة الرابعة: اختلفوا في ثبوت ولاية الأب على البكر البالغة
اشاره

______________________________

(1) الكافي 5: 562- 24، الفقيه 3: 268- 1270، الوسائل 20: 297 أبواب عقد النكاح ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 105

الرشيدة في النكاح الدائم على ثلاثة أقوال:

الأول: سقوطها عنها و استقلالها.

و هو مذهب السيّد و الإسكافي و الحلّي و المفيد في أحكام النساء و الديلمي و المحقّق و الفاضل و الشهيدين «1» و شرح القواعد و التنقيح «2»، بل في الانتصار و الناصريّات «3» الإجماع عليه.

و نسب هذا القول إلى التبيان و الوسيلة «4»- و الحقّ: قصور كلامهما عن الدلالة عليه- و هو مذهب أبي حنيفة من العامّة «5».

الثاني: ثبوتها عليها و استقلال الأب.

و هو مختار الصدوق و المعاني و الصهرشتي «6» و النهاية و التهذيب و الاستبصار و الخلاف و المبسوط «7» و القاضي و الراوندي في فقه القرآن «8»، و هو ظاهر موضع من الوسيلة «9»- حيث جعل نكاح البكر الرشيدة على نفسها

______________________________

(1) السيد في الانتصار: 122، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 534، الحلي في السرائر 2: 561، أحكام النساء (مصنّفات الشيخ المفيد 9): 36، الديلمي في المراسم: 148، المحقق في النافع: 173، الفاضل في التحرير 2: 6، الشهيدين في اللمعة و الروضة 5: 116.

(2) جامع المقاصد 12: 83، 85، 123، 127، التنقيح 3: 31.

(3) الانتصار: 122،

الناصريات (الجوامع الفقهية): 210.

(4) التبيان 2: 250، 273، الوسيلة: 299.

(5) انظر بداية المجتهد 2: 8، و المغني و الشرح الكبير على متن المقنع 7: 337.

(6) الصدوق في الهداية: 68، حكاه عن العماني في المختلف: 534، حكاه عن الصهرشتي في الحدائق 23: 211.

(7) النهاية: 465، التهذيب 7: 379، الاستبصار 3: 234، الخلاف 4: 250، المبسوط 4: 162.

(8) القاضي في المهذب 2: 193، فقه القرآن 2: 138.

(9) الوسيلة: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 106

مع حضور وليّها فضوليّا موقوفا على الإجازة- و الكفاية و شرح النافع لصاحب المدارك «1»، و جمع من علمائنا البحرانيين «2»، و المحدّث الكاشاني في رسالة أفردها للمسألة، و يميل إليه كلام الهندي في شرح القواعد «3»، و إليه ذهب مالك و الشافعي من العامّة «4».

الثالث: عدم استقلال واحد منهما، بل اشتراكهما.

و هو الذي ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة و الحلبي و ابن زهرة «5»، و قد ينسب إلى التهذيبين أيضا «6»، و هو المحكيّ عن الحدائق «7»، بل عن المسالك: إنّه متين «8»، و قوّاه في شرح المفاتيح.

دليل الأول: الأصل.

و الآيات:

كقوله سبحانه فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ «9».

و قوله تعالى حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما

______________________________

(1) الكفاية: 155، حكاه عن شرح النافع في الحدائق 23: 211.

(2) انظر الحدائق 23: 211.

(3) كشف اللثام 2: 18.

(4) انظر الأم 5: 13، بداية المجتهد 2: 8.

(5) المقنعة: 510، الحلبي في الكافي: 292، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

(6) نسبه إليهما في كشف اللثام 2: 18.

(7) راجع الحدائق 23: 226.

(8) المسالك 1: 452.

(9) البقرة: 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 107

أَنْ يَتَراجَعا «1».

فإنّ المراد: التراجع بالعقد، و

إلّا فالرجعة من عمل الزوج.

و قوله عزّ شأنه فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ «2».

و الروايات و هي كثيرة:

منها: صحيحة الفضلاء: «المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة و المولّى عليها إنّ تزويجها بغير وليّ جائز» «3».

وجه الاستدلال: أنّ غير السفيهة- إلى آخره- إمّا بيان للتي ملكت نفسها بكونه صفة موضحة أو بدلا أو عطف بيان، أو يكون استثناء، و على التقديرين لا يمكن أن يكون المولّى عليها المولّى عليها في التزويج أو الأعمّ منه و من التصرّف في المال، لأنّ غير المولّى عليها حينئذ من جاز تزويجه بغير وليّ، فيصير المعنى: من يجوز تزويجها بغير وليّ يجوز تزويجها بغير وليّ، و حزازته معلومة، فالمراد: المولّى عليها في المال.

فالمعنى على الأول: التي ملكت نفسها- و هي غير السفيهة و المحجور عليها في المال- يجوز تزويجها بغير وليّ، سواء كانت باكرة أم لا.

و على الثاني: التي ملكت نفسها- أي كانت بالغة- يجوز تزويجها بغير وليّ. إلّا إذا كانت سفيهة أو مولّى عليها في المال.

______________________________

(1) البقرة: 230.

(2) البقرة: 232.

(3) الكافي 5: 391- 1، الفقيه 3: 251- 1197، التهذيب 7: 377- 1525، الاستبصار 3: 232- 837، الوسائل 20: 100 أبواب مقدمات النكاح ب 44 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 108

و منها: خبر زرارة: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع و تشتري و تعتق و تشهد و تعطي من مالها ما شاءت، فإنّ أمرها جائز، تزوّج إن شاءت بغير إذن وليّها، و إن لم يكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلّا بإذن وليّها» «1».

فإنّ الظاهر منها أنّ قوله: «تبيع» و ما عطف عليه جملة مفسّرة، و قوله: «فإنّ أمرها» جزاء الشرط، فدلالتها ظاهرة.

و منها: خبر أبي مريم: «الجارية

التي لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها» و قال: «إذا كانت مالكة لأمرها تزوّجت من شاءت» «2».

و موثّقة البصري: «تتزوّج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها، فإن شاءت جعلت وليّا» «3».

فإنّ المراد ب: «المالكة أمرها» التي لا وليّ عليها في المال، بقرينة خبر زرارة المتقدّم.

و منها: صحيحة ابن حازم: «تستأمر البكر و غيرها و لا تنكح إلّا بأمرها» «4».

و منها: خبر سعدان: «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها» «5».

و منها: العامّيان، أحدهما: «الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها، و البكر

______________________________

(1) التهذيب 7: 378- 1530، الاستبصار 3: 234- 842، الوسائل 20: 285 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 6.

(2) الكافي 5: 391- 2، الوسائل 20: 273 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 2.

(3) الكافي 5: 392- 3، الوسائل 20: 270 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 4.

(4) التهذيب 7: 380- 1535، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 1.

(5) التهذيب 7: 380- 1538، الاستبصار 3: 236- 850، الوسائل 20: 285 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 109

تستأذن في نفسها و إذنها صماتها» [1].

و الآخر: إنّ جارية بكرا جاءت إليه صلّى اللّه عليه و آله فقالت: إنّ أبي زوّجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته و أنا له كارهة، فقال صلّى اللّه عليه و آله: «أجيزي ما صنع أبوك» فقالت: لا رغبة لي فيما صنع أبي، قال: «فاذهبي فانكحي من شئت» فقالت: لا رغبة لي عمّا صنع أبي، و لكن أردت أن اعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شي ء «2».

أقول: أمّا الأصل فيرد عليه المنع، لأنّ المراد: إمّا أصالة عدم اختيار

الأب، أو عدم ترتّب الأثر على فعله، أو أصالة جواز نكاح البنت، و الكلّ معارض بأصالة عدم ثبوت اختيار التزويج للبنت، لأنّه أمر شرعيّ يحتاج إلى مثبت، و أصالة عدم ترتّب الأثر على فعلها، و أصالة جواز نكاح الأب إن أريد من الجواز الإباحة، و رجوعه إلى ترتّب الأثر إن كان المراد الصحّة و أصالته ممنوعة، مع أنّ الأصل الاستصحابي مع ثبوت الولاية له و صحّة فعله و عدم اختيارها، بل أصل العدم أيضا، لأنّ الأصل عدم ثبوت الاختيار للبكر.

و أمّا الآيات فيرد عليها جميعا: أنّ النسبة كما تصحّ مع استقلالهنّ تصحّ بدونه أيضا، مع أنّ المعروف في الأولى يصرفها عن الإطلاق لو كان، إذ لا يعلم أنّ النكاح بدون إذن الوليّ معروف، مع أنّها واردة في المعتدّة، و هي لا تكون إلّا مدخولة.

و مفاد الثانية- على فرض التسليم-: أنّها لا تحلّ حتى تنكح بنفسها

______________________________

[1] صحيح مسلم 2: 1037- 1421، سنن أبي داود 2: 232- 2098. و الأيّم:

الذي لا زوج له من الرجال و النساء. الجمع: الأيامى- مجمع البحرين 6: 15.

______________________________

(2) سنن النسائي 6: 86، سنن ابن ماجه 1: 602- 1874، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 110

زوجا، لا أنّ لها نكاح نفسها مطلقا، فلو ثبتت الولاية عليها تكون حلّية الباكرة المطلّقة ثلاثا بعد تزويج الأب بدليل خارجي، و نمنع كون عقد نفسها نكاحا حينئذ، ثمَّ التراجع بعد هذا النكاح لا يكون إلّا للمدخولة.

و الأخيرة واردة في المعتدّة المطلّقة أيضا، و هي مدخولة.

و أمّا الروايات، فالأخيرتان منها عامّيتان، و عن حيّز الحجّية خارجتان و لو قلنا بأنّهما بنحو من الشهرة منجبرتان، لأنّ الجبر إنّما يفيد في رواياتنا و أمّا في العامّيات فلا، كيف؟!

و أمرنا بترك رواياتهم، بل ترك ما يوافق رواياتهم من رواياتنا.

و البواقي عامّة بالنسبة إلى صورة عضل الأب إيّاها و غيبته المضرّة لها، بل غير خبر سعدان عامّ بالنسبة إلى البكر و الثيّب، بل بالنسبة إلى فاقدة الأب و واجدته.

و الضمير في قوله: «إذا كانت» في خبر أبي مريم لا يجب أن يكون راجعا إلى الجارية التي لها أب، بل راجع إلى الجارية.

كما أنّ الولي في قوله: «بغير إذن وليّها» في خبر زرارة لا يتعيّن أن يكون أبا، لإطلاق الوليّ على أقرب الناس، كالأخ و العمّ و الخال أيضا كما يظهر من أولياء الصلاة على الميّت، مع أنّه لو كان المراد الأب ليس صريحا في وجود الأب لها و إن كان له نوع إشعار به، فيمكن أن يكون ذلك في مقام الردّ على ما ورد من أنّه لا نكاح إلّا بإذن الوليّ، فيصحّ أن يقال: من لا وليّ لها يجوز نكاحها بدون إذن الوليّ.

و منه يظهر ثبوت هذا العموم لخبر سعدان أيضا.

هذا، مع ما في صحيحة الفضلاء من عدم الدلالة، إذ لا دليل على اختصاص المولّى عليها في القيد بالمولّى عليها في المال، بل يمكن أن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 111

يكون الأعمّ أو خصوص التزويج.

و لا يلزم حزازة أصلا، إذ ليس معنى غير المولّى عليها: من يجوز تزويجها بغير وليّ، بل: من لا وليّ لها، إمّا لسقوط الولاية عليها أو لفقد الوليّ، فيكون المعنى: التي ملكت نفسها- و هي غير السفيهة و غير من لها وليّ، أو البالغة سوى السفيهة و سوى من لها وليّ- يجوز تزويجها بغير وليّ.

و تكون الفائدة: الردّ على عموم قول من قال: لا نكاح إلّا بوليّ، أو دفع

توهّم أنّه لا يجوز نكاح غير المولّى عليها، لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه: «لا نكاح إلّا بوليّ» «1».

هذا، مع احتمال أن يكون المراد ب «المولّى عليها» الباكرة، أو من [لها أب ] [1]، لجواز شيوع استعماله فيها، و هو ليس بأبعد من إرادة البالغة من: «التي ملكت نفسها»، و يتأكّد إرادة من لا أب لها منها بملاحظة رواية أبي مريم، حيث جعل المالكة لأمرها مقابلة للتي لها أب.

و منه يظهر الخدش في رواية زرارة أيضا، لمنع ظهور كون قوله:

«تبيع» و ما بعده مفسّرا، بل يجوز أن يكون خبرا ثانيا.

و القول- بأنّه لا داعي لذلك- مردود بأنّ الاحتمالين بالنسبة إليه متساويان، و ليس الأول موافقا لأصل حتى يحتاج الثاني إلى الداعي.

و المراد ب: «المالكة أمرها»: الخالية عن الولي في النكاح أو الثيّب، فلا حزازة في العبارة كما مرّ، و يناسبه قوله: «فإنّ أمرها جائز» حيث فسّره

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: لا أب لها.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 2: 218- 807، مستدرك الوسائل 14: 317 أبواب عقد النكاح ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 112

بقوله: «تزوّج إن شاءت»، دلّ على أنّ المراد بالأمر: التزويج، و فائدة:

«تبيع» و ما عطف عليه إخراج السفيهة، كما نصّ عليه في الصحيحة الاولى.

و من هذا يظهر الخدش في رواية أبي مريم و الموثّقة أيضا، مع أنّ التقابل في الرواية كالتصريح بأنّ المراد بالمالكة أمرها: من لا أب لها، و تخصيص البكر بالصغيرة خلاف الظاهر و تخصيص بلا موجب.

بل لا يخلو الاستدلال بصحيحة ابن حازم عن نظر، لأنّها لا تثبت أزيد من استحباب استئمارها و عدم نكاحها إلّا مع أمرها، لمكان الجملة الخبريّة، مع أنّه

لو سلّمت دلالتها على الوجوب لم يثبت منها استقلالها، لجواز التشريك.

و دعوى ظهور: «لا تنكح إلّا بأمرها» في استقلالها إنّما يتمّ لو كانت الباء سببيّة، و هي ممنوعة، بل الظاهر كونها للمصاحبة، و مقتضى الحصر ليس إلّا حصر النكاح الجائز أو المستحبّ بما كان مع أمرها، لا حصر الأمر في أمرها.

نعم، مقتضى إطلاق مفهوم الاستثناء جواز النكاح مع أمرها، سواء كان معه أمر آخر أو لا، و لكن في إطلاقه نظرا، و لو سلّم فغايته العموم الإطلاقي.

هذا كلّه، مع ما في كثير من هذه الروايات من اشتمالها للفظ المرأة و صدقها على الباكرة محلّ نظر، بل قيل: إنّها تختصّ بالثيّب، و يشعر به بعض الروايات الآتية.

ثمَّ على تقدير تسليم دلالة الجميع، فلا تدلّ إلّا على جواز نكاح البنت و كفاية إذنها، لا على عدم جواز نكاح الأب و عدم كفاية إذنه، كما هو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 113

أحد جزئي مطلوبهم.

حجّة القول الثاني- بعد بعض الاعتبارات-: الاستصحاب.

و أصالة عدم اختيارها في التزويج.

و عموم قوله سبحانه وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ «1».

و قوله تعالى الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ «2».

و النصوص المستفيضة:

الأولى: صحيحة محمّد: «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ليس لها مع الأب أمر» و قال: «يستأمرها كلّ أحد عدا الأب» «3».

و المراد بالجارية: البالغة، بقرينة قوله: «مع الأب»، فإنّ الصغيرة ليس لها أمر سواء كانت مع الأب أم لا، و بقرينة قوله: «يستأمرها»، فإنّ الضمير للجارية المتقدّمة، و الصغيرة لا يستأمرها أحد، بل لا يزوّجها غير الأب، بل يدلّ ذلك على عدم كونها سفيهة، و لا تضرّ الجملة الخبريّة هنا أيضا، إذ جواز عدم استئمارها كاف لإثبات المطلوب.

و الثانية: موثّقة البقباق: «لا تستأمر الجارية

التي بين أبويها إذا أراد أن يزوّجها هو أنظر لها، و أمّا الثيّب فإنّها تستأذن و إن كانت بين أبويها» [1]، و المراد: الجارية الكبيرة الرشيدة بالتقريب المتقدّم.

______________________________

[1] الكافي 5: 394- 5، الوسائل 20: 269 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 6. و الثيّب: يقال للإنسان إذا تزوّج، و إطلاقه على المرأة أكثر، لأنّها ترجع إلى أهلها بغير الأول- مجمع البحرين 2: 21.

______________________________

(1) النور: 32.

(2) البقرة: 237.

(3) الكافي 5: 393- 2، التهذيب 7: 380- 1537، الاستبصار 3: 235- 849، الوسائل 20: 273 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 114

و الثالثة: صحيحة ابن الصلت، و فيها: عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء إلها مع أبيها أمر؟ قال: «لا ما لم تثيّب» «1»، هذا على نسخ التهذيب.

و في بعض نسخ الكافي: «ما لم تكبر» مقام: «ما لم تثيّب».

و الظاهر أنّ الأول هو الأصحّ، لما في الثاني من فهاهة المعنى، و لذا اقتصر في الوافي على الأول «2» مع نقله من الكافي أيضا.

و الرابعة: حسنة الحلبي: في الجارية يزوّجها أبوها بغير رضاها، قال:

«ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه و إن كانت كارهة» «3».

و ظاهر التقييد بقوله: «مع أبيها» و قوله: «و إن كانت كارهة» أنّها بالغة.

الخامسة: رواية عبيد: «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، فإذا كانت ثيّبا فهي أولى بنفسها» «4».

السادسة: رواية ابن ميمون: «إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر، و إن كانت قد تزوّجت لم يزوّجها إلّا برضا منها» «5».

و المراد بها هنا و في السابقة: الكبيرة، بقرينة التقييد بقوله: «مع أبويها»، و الرشيدة بقرينة قوله:

«إلّا برضا منها» و قوله: «فهي أولى بنفسها».

السابعة: رواية أبان: «إذا زوّج الرجل ابنه كان ذلك إلى ابنه، و إذا

______________________________

(1) الكافي 5: 394- 6، التهذيب 7: 381- 1540، الاستبصار 3: 236- 851، الوسائل 20: 276 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 3.

(2) الوافي 31: 406- 2.

(3) الكافي 5: 393- 4، التهذيب 7: 381- 1539، الوسائل 20: 285 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 9 ح 7.

(4) التهذيب 5: 385- 1547، الوسائل 20: 271 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 13.

(5) التهذيب 7: 380- 1576، الاستبصار 3: 235- 848، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 115

زوّج ابنته جاز ذلك» «1»، و المراد بالابن: الكبير قطعا، فكذا البنت.

و بمضمونها موثّقة البقباق، و فيها: «إذا زوّج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه، و إذا زوّج الابنة جاز» «2».

الثامنة: صحيحة ابن أبي يعفور: «لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ» «3».

و هي بالمنطوق و إن لم يثبت سوى رجحان الإذن من الأب، إلّا أنّ مفهوم الاستثناء: أنهنّ ينكحن بإذن آبائهنّ و إن لم يكن معه إذنهنّ.

التاسعة: صدر رواية أبي مريم المتقدّمة «4»، و التقريب كما في السابقة.

العاشرة: الرواية المتقدّمة في تزويج الجواد عليه السلام «5»، بضميمة أصالة عدم توكيلها أبيها.

الحادية عشرة و الثانية عشرة: صحيحة زرارة «6» و موثّقة محمّد «7»:

«لا ينقض النكاح إلّا الأب».

الثالثة عشرة: المرويّ في كتاب عليّ: عن الرجل هل يصلح أن

______________________________

(1) التهذيب 7: 393- 1576، الوسائل 20: 293 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 13 ح 3.

(2) الكافي 5: 400- 1، الوسائل 20:

277 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 4.

(3) الكافي 5: 393- 1، الفقيه 3: 250- 1190، التهذيب 7: 379- 1531، الاستبصار 3: 235- 845، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 5.

(4) في ص: 108.

(5) راجع ص: 86.

(6) الكافي 5: 392- 8، التهذيب 7: 379- 1532، الاستبصار 3: 235- 846، الوسائل 20: 272 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 4 ح 1.

(7) التهذيب 7: 379- 1533، الاستبصار 3: 235- 847، الوسائل 20: 273 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 116

يزوّج ابنته بغير إذنها؟ قال: «نعم، ليس يكون للولد أمر إلّا أن يكون امرأة قد دخلت بها قبل ذلك، فتلك لا يجوز نكاحها إلّا أن تستأمر» «1».

الرابعة عشرة: صحيحة الحذّاء المتقدّمة «2»، الحاكمة بتقديم قول الأب مع الاختلاف في التعيين، فإنّ الظاهر منها وقوع النكاح بدون إذن البنت كما لا يخفى.

الخامسة عشرة: مفهوم الشرط في مرسلة ابن بكير: «لا بأس أن تزوّج المرأة نفسها إذا كانت ثيّبا بغير إذن أبيها إذا كان لا بأس بما صنعت» «3» أي لم تكن سفيهة.

السادسة عشرة إلى العشرين: مفهوم صحيحتي الحلبي «4» و صحيحة ابن سنان «5» و موثّقة البصري «6» و روايتي عبد الخالق «7» و ابن زياد «8»: في

______________________________

(1) مسائل علي بن جعفر: 112- 31، الوسائل 20: 286 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 9 ح 8.

(2) في ص: 103.

(3) التهذيب 7: 386- 1549، الاستبصار 3: 235- 844، الوسائل 20: 272 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 14.

(4) الاولى في: الكافي 5: 392- 5، التهذيب

7: 377- 1527، الوسائل 20:

269 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 4.

الثانية في: الوسائل 20: 271 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 11.

(5) التهذيب 7: 385- 1546، الوسائل 20: 269 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 4.

(6) التهذيب 7: 384- 1545، الوسائل 20: 271 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 12.

(7) الفقيه 3: 251- 1195، الوسائل 20: 268 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 2.

(8) الكافي 5: 392- 6، التهذيب 7: 378- 1528، الاستبصار 3: 233- 840، الوسائل 20: 269 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 117

شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله».

و يدلّ عليه أيضا عموم المستفيضة الواردة في نكاح الأب و الجدّ.

كرواية السكوني: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، و لابنه أيضا أن يزوّجها» الحديث «1».

و صحيحة هشام: «إذا زوّج الأب و الجدّ كان التزويج للأول» «2».

و موثّقة عبيد: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل و يريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر، فقال: «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّا إن لم يكن الأب زوّجها قبله» «3» إلى غير ذلك.

و تؤيّده أيضا الأخبار الكثيرة الواردة في باب الكفاءة و غيرها، المتضمّنة لأمرهم عليهم السلام بعض الآباء بتزويج البنات «4».

و الجواب عن هذه الأخبار- بالحمل على الندب أو المتعارف، مع إباء بعضها عنهما- مردود بأنّه خلاف الأصل و الظاهر، مع أنّه يجري في كثير من أخبار القول الأول أيضا، فلا وجه لارتكابه في ذلك بخصوصه.

أقول: أمّا الاستصحاب و الأصل، فلا

يخلوان عن المعارض.

و أمّا الآيتان، فغير تامّتين، كما يظهر على المتأمّل.

و أمّا الروايات العشرون، فالخامسة عشرة إلى آخر الأخبار لا تثبت

______________________________

(1) الكافي 5: 395- 2، التهذيب 7: 390- 1561، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 1.

(2) الكافي 5: 395- 4، الفقيه 3: 250- 1193، التهذيب 7: 390- 1562، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 3.

(3) الكافي 5: 395- 1، الفقيه 3: 250- 1192، التهذيب 7: 390- 1560، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 2.

(4) الوسائل 20: 61 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 118

استقلال الأب، و إن كان ظاهرها ينفي استقلال البنت.

و الرابعة عشرة محتملة لكون البنات المذكورة فيها صغارا.

و الثالثة عشرة ضعيفة غير صالحة للاستناد.

و المتقدّمتان عليها غير دالّتين إلّا على نقض الأب النكاح في الجملة، فيمكن أن يكون ذلك في الصغيرة أو السفيهة.

فلم تبق إلّا العشرة الاولى، و هي و إن كانت دالّة، إلّا أنّ الأخيرتين منها عامّتان بالنسبة إلى ضمّ إذن البنت و عدمه و الصغيرة و السفيهة.

بل الحقّ احتمال عموم الكلّ بالنسبة إلى السفيهة، و ما مرّ دليلا للاختصاص بالرشيدة لم يثبت أزيد من احتماله لدوران الأمر بين تخصيص الجارية بها أو تخصيص المستتر، فالكلّ محتمل، بل الكلّ- سوى صحيحة ابن الصلت- أعمّ من الصغيرة أيضا، و ما مرّ دليلا على التخصيص بالكبيرة فإنّما كان بمفهوم غير معتبر. و الصحيحة أيضا موهونة باختلاف النسخ كما مرّ.

و على هذا، فلو كان بين الفريقين من الأخبار تعارض فيعارض هذه الأخبار مع ما كان دالّا من أخبار القول الأول-

كخبر سعدان و صحيحة منصور- و لا مرجّح مقبولا لأحدهما، لأنّه لا موافق تامّا لأحدهما من الكتاب، و لا مخالفة تامّة لأحدهما للعامّة، بل كلّ يوافق فريقا منهم.

و الشهرة المحقّقة- سيّما من القدماء- على أحد الطرفين غير معلومة بحيث توجب الترجيح، و أمّا المحكيّة منها و من الإجماع فصلاحيّتهما للترجيح غير ثابتة، مع أنّ الظاهر أنّ الشهرة رواية- التي هي المرجّح حقيقة- مع القول الثاني، و كذا الأصحيّة، إلّا أنّ الحكم بالترجيح بهما مشكل جدّا.

و على هذا، فإمّا يجب الرجوع إلى أصالة عدم ترتّب الأثر على نكاح

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 119

واحد منهما، و مقتضاه القول بتشريكهما.

و تؤيّده أيضا موثّقة صفوان: استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته لابن أخيه، فقال: «افعل و يكون ذلك برضاها، فإنّ لها في نفسها نصيبا» قال: و استشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته عليّ بن جعفر، فقال: «افعل و يكون ذلك برضاها، فإنّ لها في نفسها حظّا» «1».

أو القول بالتخيير، بمعنى: صحّة عقد كلّ منهما و كفايته و إن لم يأذن الآخر.

و لكن المرجع عند اليأس عن الترجيح عند أهل التحقيق هو التخيير، فهو الحقّ عندي في المسألة، و لا يضرّ عدم قول أحد ممّن تقدّم به لو سلّم، لظنّهم ترجيح أحد الطرفين و حكم الإمام بالتخيير عند التعارض، مع أنّ قوله في الواقع ليس إلّا أحد المتعارضين.

مع أنّ ها هنا كلاما آخر، و هو: أنّه لا تعارض بين هذه الأخبار أصلا.

إذ أخبار الأول لم تدلّ إلّا على تجويز نكاح البنت و كفايته، من غير دلالة و لا إشعار بعدم تجويز نكاح الأب و كفايته.

و أخبار الثاني

لم تدلّ إلّا على تجويز نكاح الأب و كفايته، من غير دلالة على عدم جواز نكاح البنت.

و لا منافاة بين الحكمين أصلا، لجواز كفاية نكاح كلّ منهما، كما في الأب و الجدّ في نكاح الصغيرة.

و لا يتوهّم قوله: «ليس لها مع أبيها أمر»- في الروايات الاولى و الثالثة

______________________________

(1) التهذيب 7: 379- 1534، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 120

و الرابعة و السادسة من روايات القول الثاني- يدلّ على نفي اختيارها، إذ المراد: أنّه ليس مع إذن أبيها أمر، و هو كذلك، ألا ترى أنّه إذا و كلّ أحد زيدا و عمروا مستقلّا في أمر يصحّ أن يقال: ليس لزيد مع إذن عمرو أمر و بالعكس.

أو المراد: أنّه ليس لها منضمّة مع أبيها أمر، و ليس المراد أنّه ليس لها مع وجود أبيها أمر، إذ قوله: «إذا كانت بين أبويها» كان دالّا على وجود الأب، فلا معنى لقوله: «مع الأب» بل يكون لغوا.

فالمراد: أنّه إذا كانت بين أبويها فليس مع إذن الأب أو تزويجه أو حضوره أو انضمامه أمر، و هو كذلك، و لا أقلّ من احتمال ذلك، فلا يدلّ على انتفاء الأمر لها مطلقا، و إنّما يدلّ على انتفائه مع الأب.

و كذا لا يتوهّم أنّ قوله: «لا تنكح إلّا بأمرها» «1» أو: «لا تنكح إلّا بإذن آبائهنّ» «2» [يدلّان ] [1] على انتفاء استقلال أحدهما، إذ غاية ما يدلّان عليه رجحان ذلك، و هو مسلّم.

و لا أنّ قوله في الرواية السادسة عشرة و ما بعدها: «هي أملك بنفسها بعد أن نكحت قبله» يدلّ على عدم اختيارها، إذ مفهومه أنّ قبل النكاح ليست بأملك،

و هو كذلك، لأنّ الأب أيضا مالك لها.

نعم، مفهوم قوله في الخامسة عشرة: «لا بأس أن تزوّج نفسها إذا كانت ثيّبا» أنّها إذا كانت بكرا يكون بأس في تزويجها، و إذا لوحظ ذلك مع

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) راجع ص: 108.

(2) راجع ص: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 121

خبر سعدان «1» يصير قرينة على أنّ المراد بالبأس هو الكراهة.

و على هذا، فلا يكون تعارض بين الأخبار، و لا وجه لرفع اليد عن أحد القسمين، بل يجب العمل بكليهما، فيحكم باستقلال كلّ منهما.

لا يقال: إنّ بضمّ الإجماع المركّب مع كلّ منهما يصير معارضا مع الآخر، و حاصله: أنّ القول باستقلال أحدهما لا يجتمع مع استقلال الآخر بالإجماع المركّب.

قلنا: من أين نعلم الإجماع على ذلك و متى نسلّمه، كيف؟! و كلام الفقيه «2» لا يدلّ إلّا على جواز نكاح الأب و الجدّ على الباكرة و ثبوت و لا يتهما لها، و لا يدلّ على عدم جواز نكاحها أصلا، فإنّه في مقام تعداد الأولياء لا في مقام بيان حكم البنت، فلعلّه يرى استقلال البنت أيضا.

و كذا التهذيب «3»، بل و كلام كثير من الفقهاء الذين لم يذكروا إلّا أحد طرفي المسألة، فإنّه يمكن أن يكون قائلا باستقلال كلّ منهما و ذكر أحدهما ردّا على من لا يجوز نكاحه.

و يظهر من الوافي أيضا هذا القول «4»، حيث حمل روايات الطرفين على الرخصة.

و لا يتوهّم أنّ موثّقة صفوان المتقدّمة «5» تدلّ على التشريك فينفى استقلال كلّ منهما.

لأنّها لا تدلّ على أزيد من جواز نكاح الأب، لأنّ «أفعل» فيها ليس

______________________________

(1) المتقدم في ص: 108.

(2) الفقيه 3: 250- ذ. ح 4.

(3) التهذيب 7: 384.

(4) الوافي 21: 410.

(5) في

ص: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 122

للوجوب قطعا، و رجحان كون ذلك برضا البنت، لأنّ الجملة الخبريّة لا تفيد أزيد منه، و قوله: «إنّ لها نصيبا أو حظّا» لا يدلّ على أزيد من إثبات حظّ لها، فيمكن أن يكون هو القدر الذي يقتضي رجحان الاستئذان منها، أو جواز نكاحها أيضا.

و من ذلك يظهر دليل القول بالتشريك و جوابه أيضا، و احتجّ له في الغنية بطريقة الاحتياط «1».

و جوابه: أنّه ليس بواجب.

ثمَّ بما ذكرنا يظهر الحكم في النكاح المنقطع و أنّه جواز نكاح كلّ منهما.

لما مرّ بعينه.

مضافا في جواز نكاحها فيه إلى مرسلة القمّاط «2» و حسنة الحلبي «3».

و في جواز نكاحه إلى مفهوم الاستثناء في رواية أبي مريم: «العذراء التي لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها» «4».

و كذا يظهر حكم الجدّ، و هو جواز نكاحه أيضا.

لما مرّ من صحيحة هشام و موثّقة عبيد و رواية السكوني «5».

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

(2) التهذيب 7: 254- 1097، الاستبصار 3: 145- 525، الوسائل 21: 33 أبواب المتعة ب 11 ح 6.

(3) التهذيب 7: 254- 1098، الاستبصار 3: 145- 526، الوسائل 21: 34 أبواب المتعة ب 11 ح 9.

(4) الفقيه 3: 293- 1394، التهذيب 7: 254- 1099، الاستبصار 3: 145- 527، الوسائل 21: 35 أبواب المتعة ب 11 ح 12، و في الجميع: لا تتزوج متعة.

(5) المتقدمة جميعا في ص: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 123

فروع:

أ: لو ذهبت بكارتها بغير الوطء فحكمها حكم البكر.

للاستصحاب.

و لإمكان صدق الباكرة عليها، لأنّها من لم تمسّ.

و لعدم صدق الثيّب، لأنّها من تزوّجت.

و منه يظهر الحكم فيمن ذهبت بكارتها بالزنا أيضا، فتكون ولاية الأب باقية عليها.

لعدم معلوميّة صدق

الثيّب فيستصحب الحكم، مع أنّ في بعض الأخبار المتقدّمة تعليق الحكم بانتفاء الولاية على النكاح و التزويج.

و لو تزوّجت و مات زوجها أو طلّقها قبل الوطء لم تسقط الولاية.

للإجماع.

و صدق الباكرة و الجارية.

ب: لو عضلها الوليّ- أي منعها- فلم يزوّجها من الأكفّاء مع رغبتها، فالمعروف من مذهب الأصحاب استقلالها و سقوط ولايته على القول بانفراده بالاستقلال، بل في الخلاف و النافع و التذكرة و القواعد «1» و غيرها [1]:

الإجماع عليه، و الظاهر كونه إجماعيّا، و هو الحجّة عليه.

لا ما ذكره في شرح المفاتيح و غيره [2] من انتفاء العسر و الحرج و الضرر، لأخصّيّته من المدّعى، و لإمكان دفع العسر بمراجعة الحكم مع

______________________________

[1] كالغنية (الجوامع الفقهية): 609.

[2] كالرياض 2: 80.

______________________________

(1) الخلاف 4: 279، النافع: 173، التذكرة 2: 585، القواعد 2: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 124

وجوده و عدول المسلمين مع عدمه.

و على هذا، فاللّازم الاقتصار على موضع الإجماع، و هو ما إذا لم يزوّجها و يدعها معطّلة، كما يستفاد من بعض العبارات، حيث عبّر بالمنع من الأكفّاء «1» لا مجرّد أن لا يزوّجها من كفو أو كفوين لأجل التزويج بعده بغيره.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّك قد عرفت أنّ غاية ما تدلّ عليه أخبار استقلال الأب هو: جواز نكاحه لا عدم جواز نكاحها، و لو قيل به لكان للإجماع المركّب، و هو في صورة العضل مطلقا غير ثابت، فلها التزويج معه مطلقا.

ج: ذكر الشيخ في الخلاف «2» و بعض آخر [1]: أنّ الغيبة المنقطعة للأب بحكم العضل، فيجوز لها تزويج نفسها.

و قد يستدلّ له بنفي العسر و الحرج.

و قد عرفت ما فيه.

فالأولى الاستدلال له بما ذكرنا من انتفاء الإجماع المركّب الدالّ على عدم

جواز نكاحها على القول باستقلاله.

المسألة الخامسة: لا ولاية في النكاح لأحد على أحد، سوى الأب و الجدّ له

و المولى و الحاكم و الوصي، إجماعا منّا محقّقا، و محكيّا مستفيضا في غير الامّ و الجدّ لها «4»، و وفاقا لغير الإسكافي فيهما أيضا «5».

______________________________

[1] كصاحب الرياض 2: 80.

______________________________

(1) انظر المهذب 2: 193، القواعد 2: 6.

(2) الخلاف 4: 278.

(4) انظر الرياض 2: 77.

(5) حكاه عنه في المختلف: 536.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 125

للأصل الخالي عمّا يصلح لدفعه جدّا، إذ ليس إلّا بعض الأخبار في بعض ذوي الأنساب، الذي إن سلمت دلالته و خلوّه عن المعارض يكون مردودا بالشذوذ و مخالفة الشهرة العظيمة، بل مهمل رواته.

المسألة السادسة: ولاية الأب و الجدّ [1] ثابتة على الصغيرة و الصغير
اشاره

، وفاقا للجميع في الأب، و لغير العماني في الجدّ «2».

أمّا دليل ولاية الأب على الصغيرة- فبعد الإجماع المحقّق-: عموم الأخبار المتقدّمة في ولايته على البكر أو إطلاقها، و خصوص المستفيضة:

كصحيحة ابن الصلت: عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها، إلها أمر إذا بلغت؟ قال: «لا» «3».

و ابن بزيع: عن الصبيّة يزوّجها أبوها و هي صغيرة، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها، أ يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال: «يجوز عليها تزويج أبيها» «4»، و غير ذلك.

و أمّا دليل ولايته على الصغير- فبعد الإجماع-: موثّقة البقباق: عن الرجل يزوّج ابنه و هو صغير، قال: «لا بأس» «5».

و صحيحة محمّد: في الصبي يتزوّج الصبيّة يتوارثان؟ قال: «إذا كان

______________________________

[1] في «ح» زيادة: له.

______________________________

(2) حكاه عنه في المختلف: 535.

(3) الكافي 5: 394- 6، التهذيب 7: 381- 1540، الاستبصار 3: 236- 851، الوسائل 20: 276 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 3.

(4) الكافي 5: 394- 9، الفقيه 3: 250- 1191، التهذيب 7: 381- 1541، الاستبصار 3: 236- 852، عيون أخبار الرضا «ع» 2: 17- 44، الوسائل 20:

275 أبواب عقد النكاح ب 6

ح 1.

(5) الكافي 5: 400- 1، التهذيب 7: 389- 1559، الوسائل 21: 287 أبواب المهور ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 126

أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم» «1».

و صحيحة الحذّاء الآتية.

و تؤيّده أيضا موثّقة عبيد «2» و صحيحة محمّد «3» المثبتتين للمهر على الأب مع تزويجه ابنه.

و صحيحة الحلبي: الغلام له عشر سنين فيزوّجه أبوه في صغره، أ يجوز طلاقه و هو ابن عشر سنين؟ قال: «أمّا التزويج فصحيح، و أمّا طلاقه فينبغي أن يحبس عليه امرأته حتى يدرك فيعلم أنّه كان قد طلّق، فإن أقرّ بذلك و أمضاه فهي واحدة بائنة و هو خاطب من الخطّاب، و إن أنكر ذلك و أبى أن يمضيه فهي امرأته» قلت: فإن ماتت أو مات؟ فقال: «يعزل الميراث حتى يدرك أيّهما بقي، ثمَّ يحلف باللّه ما دعاه إلى أخذ الميراث إلّا الرضا بالنكاح، ثمَّ يدفع إليه الميراث» «4».

و أمّا دليل ولاية الجدّ عليهما- فبعد ظاهر الإجماع أيضا، لعدم قدح مخالفة من ذكر فيه، و لذا ادّعى الإجماع عليه في الناصريّات و التذكرة «5» و نفى الخلاف عنه في السرائر «6»-:

صحيحة هشام: «إذا زوّج الأب و الجدّ كان التزويج للأول، فإن كانا

______________________________

(1) التهذيب 7: 388- 1556، الوسائل 20: 292 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1.

(2) الكافي 5: 400- 2، التهذيب 7: 389- 1558، الوسائل 21: 287 أبواب المهور ب 28 ح 1.

(3) الكافي 5: 400- 3، التهذيب 7: 389- 1557، نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: 136- 354، الوسائل 21: 288 أبواب المهور ب 28 ح 3.

(4) الفقيه 4: 227- 722، الوسائل 26: 220 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 4.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 211، التذكرة

2: 587.

(6) السرائر 2: 561.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 127

جميعا في حالة واحدة فالجدّ أولى» «1».

و رواية أبي العبّاس: «إذا زوّج الرجل فأبى ذلك والده فإنّ تزويج الأب جائز، و إن كره الجدّ ليس هذا مثل الذي يفعله الجدّ ثمَّ يريد الأب أن يردّه» «2».

و موثّقة عبيد: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل و يريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر، فقال: «الجدّ أولى بذلك» إلى أن قال: «و يجوز عليها تزويج الأب و الجدّ» «3».

و رواية السكوني: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه و لابنه أيضا أن يزوّجها» فقلنا: فإن هوى أبوها رجلا و جدّها رجلا آخر، قال:

«الجدّ أولى بنكاحها» «4».

و موثّقة البقباق: «إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه و كان أبوها حيّا و كان الجدّ مرضيّا جاز» قلنا: فإن هوي أبو الجارية هوى و هوى الجدّ هوى، و هما سواء في العدل و الرضا، قال: «أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ» «5».

و التزويج في الأوليين مطلق شامل لتزويج الصغير و الصغيرة، و في

______________________________

(1) الكافي 5: 395- 4، التهذيب 7: 390- 1562، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 3.

(2) الكافي 5: 396- 6، التهذيب 7: 390- 1563، الوسائل 20: 291 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 6.

(3) الكافي 5: 395- 1، الفقيه 3: 250- 1192، التهذيب 7: 390- 1560، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 2.

(4) الكافي 5: 395- 2، التهذيب 7: 390- 1561، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 3.

(5) الكافي 5: 396- 5، التهذيب 7:

391- 1564، الوسائل 20: 290 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 128

البواقي و إن اختصّ بالصغيرة إلّا أنّه لا قائل بالفصل.

ثمَّ بهذه الأخبار يخصّص عموم ما دلّ على عدم ولاية غير الأب، كقوله عليه السلام: «يستأمرها كلّ أحد عدا الأب» «1»، أو على أنهنّ لا يتزوّجن إلّا بإذن آبائهنّ «2»، مع أنّ إرادة ما يشمل الجدّ من الأب ممكنة.

ثمَّ الجدّ في بعض تلك الأخبار و إن كان مطلقا شاملا لأب الأمّ و أب أمّ الجدّ للأب، إلّا أنّه خرج الأول بالإجماع، بل- كما قيل- بعدم تبادر غير أب الأب منه «3»، و أمّا الثاني فلا دليل على خروجه، بل عن التذكرة النظر في حقّه مع عدم أب الأب «4»، بل و كذا معه أيضا، إلّا أنّ الاحتياط يقتضي الاقتصار على الأول.

فروع:
أ: ثبوت ولايتهما على الصغيرة عامّ للباكرة و الثيّبة بالزنا

أو غيره.

لظواهر الأخبار المثبتة لولايتهما عليها و على الجارية الشاملتين بإطلاقهما لهما، و لا دلالة فيما مرّ من الأخبار النافية لها عن الثيّب منافاة له بعد ما مرّ من عدم ظهور الثيّب في غير المتزوّجة، و نسبة التزويج و النكاح فيما تضمّنهما بقوله: ما لم تتزوّج و بعد أن نكحت إلى نفسها، الدالّة على عدم صغرها.

ب: الحقّ اشتراط بقاء الأب في ولاية الجدّ.

______________________________

(1) انظر ص: 113.

(2) تقدم في ص: 115.

(3) انظر المسالك 1: 462.

(4) التذكرة: 587.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 129

وفاقا للصدوق و الشيخ في الخلاف و النهاية بل مطلقا «1»، و الإسكافي و الحلبي و الديلمي- على ما حكي عنه- و الصهرشتي و الراوندي و ابني زهرة و حمزة «2»، و مال إليه الفاضل الهندي من المتأخّرين «3»، و في الخلاف الإجماع عليه.

للأصل.

و اختصاص أخبار ولايته طرّا بما إذا كان الأب حيّا.

و مفهوم الشرط في موثّقة البقباق المتقدّمة. و جعله تنبيها على الفرد الأخفى خلاف الأصل.

خلافا للمحكيّ عن المفيد و السيّد و الحلّي و صاحب الجامع و الفاضلين و الفخري «4»، و نسبه الأخير إلى الديلمي أيضا.

للاستصحاب.

و كونه أقوى من الأب عند التعارض، و لا يفوت الأقوى بفوت الأضعف.

و صحيحة ابن سنان: «الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها» «5».

______________________________

(1) الصدوق في الهداية: 68، الخلاف 4: 265، النهاية: 466، المبسوط 4:

164، التهذيب 7: 390.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 535، الحلبي في الكافي في الفقه: 292، الديلمي في المراسم: 148، الراوندي في فقه القرآن 2: 138، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 609، ابن حمزة في الوسيلة: 299، 300.

(3) كشف اللثام 2: 15.

(4) المفيد في المقنعة: 511، السيد في الانتصار: 121، الحلي في السرائر 2:

561، الجامع للشرائع: 438،

المحقق في المختصر النافع: 173، العلّامة في التحرير 2: 6، فخر المحققين في الإيضاح 3: 17.

(5) التهذيب 7: 392- 1570، الوسائل 20: 282 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 130

و لا خلاف في أنّ الجدّ وليّ أمرها.

و الأول: مردود بمعارضته باستصحاب حال العقل، و مدفوع بالمفهوم المتقدم.

و الثاني: بأنّه اجتهاد ضعيف في مقابلة الأصل و النصّ.

و الثالث: بأنّه أعمّ مطلقا من المفهوم، فيجب تخصيصه به.

و قد يردّ بعدم الدلالة أيضا، لاحتمال أن تكون الرواية مسوقة لبيان وليّ الأمر دون الذي بيده عقدة النكاح أولا.

أو أن يكون المراد بوليّ الأمر: وليّ الأمر في النكاح، فتكون الرواية مسوقة لبيان من بيده عقدة النكاح، الذي له العفو عن الصداق ثانيا.

أو أن يكون المراد بالذي بيده عقدة النكاح: الذي له العفو لا من بيده التزويج، يعني: من له العفو هو وليّ الأمر.

و يدلّ على ذلك الأخبار المتكثّرة المصرّحة بأنّ من بيده النكاح الأخ و الوصيّ و الوكيل في المعاملات «1».

و فيه: أنّ الأول- مع كونه خلاف الظاهر من السياق و من الروايات المتكثّرة المشتملة على السؤال عمّن بيده عقدة النكاح- مثبت للمطلوب أيضا، إذ بعد ثبوت أنّ وليّ الأمر من بيده عقدة النكاح و ثبوت أنّ الجدّ وليّ الأمر يعلم أنّ بيده عقدته أيضا.

و الأخيرين مجازان مخالفان للأصل، فلا يصار إليهما من غير دليل.

ج: لا خيار للصبيّة مع البلوغ لو زوّجها الوليّ قبله

، بلا خلاف فيه

______________________________

(1) الوسائل 20: 282 أبواب عقد النكاح ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 131

كما قيل «1»، بل إجماعها كما حكاه جماعة «2».

للأصل.

و صحيحتي ابني الصلت و بزيع المتقدّمتين «3».

و في صحيحة ابن يقطين: إذا بلغت الجارية فلم ترض فما حالها؟

قال:

«لا بأس إذا رضي أبوها أو وليّها» «4».

و في صحيحة الحذّاء: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟

قال: «يجوز عليها تزويج الأب و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية» «5».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    131     ج: لا خيار للصبية مع البلوغ لو زوجها الولي قبله ..... ص : 130

لا ينافيه صدرها المثبت لهما الخيار بعد الإدراك مع تزويج الوليّ لهما، لأنّ ذيلها هذا قرينة على أنّ المراد بالوليّ في الصدر: المعنى العرفي، و هو أقرب الناس بهما، دون الشرعي.

و أمّا ما في صحيحة محمّد: الصبي يزوّج الصبيّة، قال: «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز، و لكن لهما الخيار إذا أدركا» «6».

و حسنة الكناسي الطويلة، و فيها: «فإن زوّجها قبل بلوغ تسع سنين

______________________________

(1) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

(2) منهم صاحب الرياض 2: 77.

(3) في ص: 125.

(4) التهذيب 7: 381- 1542، الاستبصار 3: 236- 853، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 7.

(5) الكافي 7: 131- 1، التهذيب 7: 388- 1555، الوسائل 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

(6) التهذيب 7: 382- 1543، الاستبصار 3: 236- 854، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 132

كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين» إلى أن قال: «إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يدرك كان له الخيار إذا بلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك» «1».

فلا يصلحان لمعارضة ما مرّ، لشذوذهما، بل مخالفتهما الإجماع، و أشهريّته رواية و أحدثيّته.

و كذا الصبي عند الأكثر، لأصالة

بقاء الصحّة، و صحيحة الحذّاء المتقدّمة، و صحيحة محمّد السابقة «2» المثبتة لتوارثهما، المنافي ذلك للإلحاق بالفضولي، و ما دلّ على أنّ التزويج للجدّ إذا تعارض مع الأب و لو كان له الخيار كان منوطا باختياره.

خلافا للمحكيّ عن النهاية و الحلّي و القاضي و ابن حمزة «3»، فأثبتوا التخيير له بعد البلوغ.

لعموم رواية أبان السالفة «4»، و نحوها رواية البقباق، و في آخرها:

«إذا زوّج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه، و إذا زوّج الابنة جاز» «5».

و خصوص صحيحة محمّد و حسنة الكناسي السابقتين.

و الأولان عامّان بالنسبة إلى صحيحة الحذّاء، لشمولهما الكبير أيضا،

______________________________

(1) التهذيب 7: 382- 1544، الاستبصار 3: 237- 855، الوسائل 20: 278 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 9.

(2) راجع ص: 125.

(3) النهاية: 467، الحلي في السرائر 2: 568، القاضي في المهذب 2: 197، ابن حمزة في الوسيلة: 300.

(4) في ص: 114.

(5) الكافي 5: 400- 1، التهذيب 7: 389- 1559، الوسائل 21: 287 أبواب المهور ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 133

فيخصّصان به.

و ردّ الثالث أيضا بأنّه لا قائل به في الصغيرة، فيجب ردّه، لعدم قبوله التخصيص، لأنّ إرادة المفرد من التثنية ليس تخصيصا.

و الرابع باشتماله أيضا على أحكام كثيرة مخالفة للإجماع.

أقول: الاشتمال على مثل ذلك لا يوجب خروج الباقي عن الحجّيّة، و عدم القول به في الصغيرة أيضا لا يوجب ردّ الخبر في الصغير، غاية الأمر أنّه لا يكون من باب التخصيص، بل يكون من قبيل ما لجزء منه معارض دون الآخر.

هذا، مع ما في أخبار اللزوم أيضا من ضعف الدلالة و خفائها.

فتتعارض أدلّة الطرفين، و التخيير بينهما في المقام غير ممكن، فيجب الرجوع إلى الأصل، و

هو مع القول الأول، لأنّ الأصل الصحّة، لصحيحة الحلبي المتقدّمة «1» المصرّحة بذلك، و الأصل ترتّب الأثر على فعل الأب و الجدّ، حيث إنّه التزويج الثابت شرعيّته، فتستصحب الصحّة إلى أن يعلم المزيل، و لم يعلم كون ردّ الولد مزيلا.

و أمّا جعل الأصل مع الثاني، حيث إنّ الأصل عدم اللزوم و عدم ترتّب الأثر.

ففيه: أنّ ثبوتهما في النكاح الثابت شرعا يقيني، فالذي للولد- على فرض ثبوته- هو خيار الفسخ، و ثبوته أمر خلاف الأصل، لا أن يكون رضاه جزء السبب، لعدم دليل عليه، فهو أيضا مخالف آخر للأصل.

هذا، مع أنّ صحيحة الحلبي دالّة على اللزوم أيضا.

______________________________

(1) في ص: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 134

المسألة السابعة: لا يجوز تزويج فاسد العقل لسفه أو جنون
اشاره

، ذكرا كان أو أنثى، مع البلوغ بغير وليّ، إجماعا، بل ضرورة، بل بالأخبار التي تشير إليها.

و يجوز بإذن الوليّ كذلك أيضا.

لمفهوم صحيحة الفضلاء و منطوق خبر زرارة، المتقدّمتين في أدلّة القول الأول من المسألة الرابعة «1».

ثمَّ ولاية الأب و الجدّ مع وجودهما عليه مع اتصال الفساد بالصغر ثابتة عند الأصحاب، كما في بعض العبارات «2».

و بلا خلاف كما في بعض آخر «3».

و إجماعا كما في كلام جماعة [1].

بل هو إجماع محقّقا، و هو الدليل عليه.

مضافا إلى عمومات ولايتهما على الباكرة أو الجارية أو البنت «5»، الخالية عن معارضة ما تضمّن استقلالها «6»، لانتفاء الاستقلال في حقّ المجنون من جهة التفصيل بين التزويج و الطلاق، و إثبات الخيار في الثاني.

و خصوص مفهوم الرواية الخامسة عشرة من أخبار القول الثاني من

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 452.

______________________________

(1) راجع ص: 107 و 108.

(2) انظر الكفاية: 156.

(3) كما في المفاتيح 2: 265.

(5) انظر الوسائل 20: 275 أبواب عقد النكاح ب 6.

(6)

راجع ص: 108.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 135

المسألة الرابعة «1»، دلّت على عدم البأس في تزويج البنت بإذن أبيها إذا كان بأس بما صنعت، أي كانت فاسدة العقل.

بل صحيحة الفضلاء و خبر زرارة السابقة لكون الأب و الجدّ وليّا عرفا، لأنّ اولي الأرحام بعضهم أولى ببعض.

و للإجماع على ولايتهما في ماله، كما في التذكرة «2» و غيره «3».

و لأنّ الأب بيده عقد النكاح، كما صرّح به في الأخبار الكثيرة «4»، و الذي بيده ذلك وليّ الأمر، لصحيحة ابن سنان المتقدّمة «5».

و يثبت الحكم في الابن بضميمة عدم القول بالفصل، مضافا إلى عموم الرواية الثالثة عشرة «6»، المنجبر ضعفها بما ذكر.

و كذا مع تجدّد الجنون، وفاقا لجماعة، منهم: النافع و القواعد و التحرير و التذكرة «7»، بل عن ظاهر [بعضهم ] [1] الإجماع عليه.

لا لبعض الاعتبارات الاستحسانيّة- التي ذكرها بعضهم- لعدم اعتبارها.

بل للعمومات المشار إليها.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 116.

(2) التذكرة 2: 80.

(3) كالكفاية: 113.

(4) الوسائل 20: 272، أبواب عقد النكاح ب 4، و أيضا ج 21: 315 أبواب المهور ب 52.

(5) في ص: 129.

(6) المتقدمة في ص: 115 و 116.

(7) النافع: 173، القواعد 2: 5، التحرير 2: 8، التذكرة 2: 587.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 136

خلافا لمن قال: إنّ الولاية حينئذ للحاكم- و منهم: صاحب المدارك في شرح النافع- لأصالة عدم عود ولاية الأب و الجدّ.

و فيه: أنّ ولاية الحاكم أيضا خلاف الأصل، فهما بالنسبة إلى الأصل متساويان.

فرعان:

أ: لا خيار لفاسد العقل بعد الإفاقة، إجماعا كما في المسالك «1».

للأصل.

ب: لا شكّ في اشتراط جواز التزويج له بانتفاء المفسدة له.

و هل يشترط بوجود المصلحة له، كما في

التذكرة و عن المحقّق الثاني «2»؟

أو لا، كما يقتضيه إطلاق الأكثر؟

الظاهر: الثاني، لإطلاق ما مرّ.

المسألة الثامنة: ولاية الملك ثابتة للمولى على رقيقه

، ذكرا كان أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، عاقلا أو مجنونا، دواما أو متعة، إجماعا محكيّا مستفيضا «3» و محقّقا، فتوى و دليلا، كتابا و سنّة.

قال عزّ شأنه وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ «4».

______________________________

(1) المسالك 1: 452.

(2) التذكرة 2: 609، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 111.

(3) كما في المفاتيح 2: 268 و الرياض 2: 82.

(4) النور: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 137

و قال جلّ جلاله فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ «1».

و قال سبحانه عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ «2».

و في صحيحة زرارة: «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلّا بإذن سيّده» «3».

و رواية العقرقوفي في العبد، و فيها: «لا يقدر على طلاق و لا نكاح إلّا بإذن مولاه» «4».

و أبي بصير: «لا يصلح نكاح الأمة إلّا بإذن مولاها» «5».

و البقباق: عن الأمة تتزوّج بغير إذن أهلها؟ قال: «يحرم ذلك عليها و هو زنى» «6»، إلى غير ذلك.

و لأنّ بضعهما من المنافع المملوكة للمولى و الناس مسلّطون على أموالهم كما ورد «7»، فله أن يتصرّف فيه كيف شاء من دون اختيار له فيه.

و مقتضى إطلاق الأكثر: أنّ للمولى إجباره على النكاح، فليس له الامتناع.

______________________________

(1) النساء: 25.

(2) النحل: 75.

(3) الفقيه 3: 350- 1673، التهذيب 7: 347- 1419، الاستبصار 3:

214- 780، الوسائل 22: 101 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 45 ح 1.

(4) التهذيب 7: 347- 1421، الاستبصار 3: 215- 782، الوسائل 21: 184 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 66 ح 2.

(5) الكافي 5: 359- 3، التهذيب 7: 335- 1373، الاستبصار 3: 219- 793، الوسائل 21: 120 أبواب

نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 4.

(6) الكافي 5: 479- 2، التهذيب 7: 348- 1424، الاستبصار 3: 219- 794، الوسائل 21: 120 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 2.

(7) غوالي اللئالي 3: 208- 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 138

و يدلّ عليه أيضا قوله سبحانه لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ.

و للوليّ تزويج أمة المولّى عليه و عبده إذا كانت فيه مصلحة.

لعمومات جواز تصرّفه في ماله.

خلافا لبعض العامّة «1».

و لا يكون له فسخه بعد الكمال، كسائر تصرّفاته في أمواله.

و ليس له الولاية على المبعّض، بمعنى إجباره عليه، و إن ثبتت له بمعنى عدم استقلاله به بدون إذنه إجماعا، كما عن التذكرة «2».

المسألة التاسعة: في ولاية الوصيّ للأب أو الجدّ له في النكاح للصغير أو الصغيرة

أقوال:

الأول: نفي الولاية مطلقا.

اختاره في موضع من المبسوط و الشرائع و النافع و القواعد و التذكرة و اللمعة و الكفاية «3»، بل هو المشهور كما في المسالك و الروضة «4».

الثاني: ثبوتها كذلك.

و هو للمبسوط أيضا [1]، و عن المختلف و شرح الإرشاد للشهيد و الروضة «6».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المبسوط، و لكن حكاه عنه في المختلف: 540.

______________________________

(1) انظر المغني و الشرح الكبير على متن المقنع 7: 358- 5173.

(2) التذكرة 2: 590.

(3) المبسوط 4: 59، الشرائع 2: 277، النافع: 173، القواعد 2: 5، التذكرة 2:

592، اللمعة (الروضة البهية 5): 116، الكفاية: 156.

(4) المسالك 1: 453، الروضة 5: 118.

(6) المختلف: 541، الروضة 5: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 139

الثالث: ثبوتها إذا نصّ الموصي على النكاح و عدمه بدونه.

و هو المحكيّ عن الخلاف و الجامع و المحقّق الثاني «1» و غيرهم «2».

حجّة الأول: أصالة عدم الولاية و عدم انتقالها من الموصي مع انقطاعها عنه بموته.

و مفهوم صحيحتي محمّد المتقدّمتين «3»، المتضمّنتين

لقوله: «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم».

و منطوق صحيحته الأخرى المتقدّمة «4»: «و يستأمرها كلّ أحد عدا الأب».

و ما صرّح: بأنّهنّ لا ينكحن إلّا بإذن آبائهنّ «5».

و صحيحة ابن حازم: «تستأمر البكر و غيرها و لا تنكح إلّا بأمرها» «6».

و مقطوعة ابن بزيع الصحيحة: رجل مات و ترك أخوين و بنتا، و البنت صغيرة، فعمد أحد الأخوين الوصيّ فزوّج الابنة من ابنه، ثمَّ مات أبو الابن المزوّج، فلمّا أن مات قال الآخر: أخي لم يزوّج ابنه فزوّج الجارية من ابنه، فقيل للجارية: أيّ الزوجين أحبّ إليك: الأول أو الآخر؟

قالت: الآخر، ثمَّ إنّ الأخ الثاني مات و للأخ الأول ابن أكبر من الابن المزوّج، فقال للجارية: اختاري أيّهما أحبّ إليك: الزوج الأول أو الزوج

______________________________

(1) الخلاف 4: 254، الجامع للشرائع: 438، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 99.

(2) كالتنقيح الرائع 3: 33.

(3) في ص: 125 و 131.

(4) في ص: 113.

(5) راجع ص: 115.

(6) التهذيب 7: 380- 1535، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 140

الآخر؟ فقال: «الرواية فيها: أنّها للزوج الآخر، و ذلك أنّها قد كانت أدركت حين زوّجها، و ليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها» «1».

و دليل الثاني: صحيحة ابن أبي عمير: في قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ «2» قال: «هو الأب و الأخ و الرجل يوصى إليه، و الرجل يجوز أمره في مال المرأة، فيبيع لها و يشتري، فإذا عفا جاز» «3».

و نحوها موثّقة سماعة «4» و رواية أبي بصير «5» و صحيحة محمّد «6»، إلّا أنّ فيها: «الموصى إليه».

و صحيحة ابن سنان المتقدّمة «7»: «الذي بيده عقدة

النكاح وليّ أمرها».

و دليل الثالث: ما مرّ، مضافا إلى أنّ مع التفويض ينتقل فلا ينقطع بالموت، و إلى أنّه تثبت الوصيّة بالمال و تنفذ فكذا في النكاح.

و لعموم قوله سبحانه فَمَنْ بَدَّلَهُ «8».

أقول: الآية مخصوصة بالوصيّة للوالدين و الأقربين بما ترك من

______________________________

(1) الكافي 5: 397- 3، التهذيب 7: 387- 1554، الوسائل 20: 282 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 1.

(2) البقرة: 237.

(3) الكافي 6: 106- 3، التهذيب 8: 142- 493، الوسائل 21: 315 أبواب المهور ب 52 ح 1.

(4) الكافي 6: 106- 2، الوسائل 21: 315 أبواب المهور ب 52 ح 1.

(5) التهذيب 7: 393- 1573، الوسائل 20: 283 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 4.

(6) التهذيب 7: 484- 1946، الوسائل 20: 283 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 5.

(7) في ص: 129.

(8) البقرة: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 141

الخير، و التلازم بين نفوذ الوصيّة بالمال و النكاح غير ثابت، و القياس باطل، و الانتقال مع الوصيّة ممنوع، لأنّ الأصل عدمه.

فلم يبق للقول الثالث إلّا الأخبار، و غير صحيحة ابن سنان منها مجملة، لاشتمالها على الوكيل في المال، و لا شكّ أنّه ليس بيده عقدة النكاح، و تخصيصه بالوكيل في النكاح أيضا ليس بأولى من إرادة من له العفو ممّن بيده عقدة النكاح، بل هو الظاهر، مع أنّها مشتملة على الأخ أيضا، و لا بدّ له من ارتكاب تجوّز أو تخصيص، فتصير الروايات مجملة، مع أنّ المراد بالرجل الذي يوصى إليه أيضا يمكن أن يكون وصيّ المرأة المطلّقة قبل المسّ، فإنّ له العفو أيضا بعد موتها.

و أمّا حمل هذه الأخبار على الاستحباب- فمع بعده عن السياق للسؤال عن المراد عن الذي بيده عقدة

النكاح في الآية- لا يلائم اشتمالها على الوكيل في المال، لعدم استحباب الاستئذان منه قطعا، و أبعد منه حمل الوصيّ على الإمام أو الجدّ كما قيل «1».

نعم، تتمّ دلالة صحيحة ابن سنان عليهما لو لا معارضتها بالعموم من وجه مع المفهومين، و بالعموم المطلق مع الصحيحة الأخيرة، و لكن معارضتها معها تمنع من العمل بها.

فلا يبقى لهذين القولين دليل يركن إليه.

فالحقّ هو: الأول: لأنّ غير المفهومين و الصحيحة و الأصل من أدلّته و إن كان محلّ الخدش، و المفهومين و إن يعارض صحيحة ابن سنان بالعموم من وجه، و لكن الصحيحة الأخيرة و الأصل كافيان في إثباته.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 142

المسألة العاشرة: الحقّ: ولاية الوصيّ في النكاح للبالغ فاسد العقل

، وفاقا لمن تثبت له الولاية على الصغير، و لجمع آخر غيرهم، منهم:

الفاضلان، بل الأكثر كما قيل.

لا لما قيل «1» من الضرورة مع عدم توقّع زوال العذر و خوف المرض أو الوقوع في الزنى، لإمكان اندفاعها بولاية الحاكم مع وجوده، أو عدول المسلمين مع عدمه.

بل لصحيحة ابن سنان الخالية هنا عن معارضة المفهومين و مكاوحة الصحيحة.

المسألة الحادية عشرة: لا ولاية للحاكم- و المراد به في زمان الغيبة: نائب الإمام العام- على من له أب أو جدّ

مطلقا، سواء كان صغيرا أو كبيرا، فاسد العقل المتّصل فساده بالبلوغ أو المتجدّد، ذكرا أو أنثى، إجماعا في الصغير، بل كما قيل في غير المتجدّد «2»، و إن نسب الخلاف في المتّصل جنونه إلى المحقّق «3»، و على المختار فيه.

للأصل الخالي عن المعارض، إذ ليس إلّا ما يدلّ على اختيار الوليّ، و الوليّ فيها الأب و الجدّ كما مرّ، مضافا في الصغير إلى المفهومين المتقدّمين.

و لا على الصغيرين الخاليين عن الأب و الجدّ على الحقّ المشهور.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 2: 15.

(2) انظر الرياض 2: 81.

(3) نسبه إليه في المسالك 1: 453.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 143

للمفهومين.

و لا على فاسد العقل المتّصل فساده مع الوصيّ أيضا.

لما مرّ من ولايته له.

و له ولاية النكاح على فاسد العقل الخالي عن الأب و الجدّ و الوصيّ مطلقا، و المتجدّد فساده مع الوصيّ أيضا، بلا خلاف بين علمائنا يعلم، كما في التذكرة «1»، بل بالإجماع كما قيل «2».

لصحيحة ابن سنان المتقدّمة الخالية عن المعارض.

و للنبويّ المرويّ في كتب أصحابنا- المنجبر ضعفه بالاشتهار-:

«السلطان وليّ من لا وليّ له» «3».

و المراد: من له السلطنة و النائب العام كذلك و إن لم ينفذ سلطانه على الفسّاق و الظلمة.

المسألة الثانية عشرة: يصحّ توكيل كلّ من الزوجين أو وليّهما أو أحدهما في عقد النكاح.

لظاهر الإجماع.

و في التذكرة في توكيل الوليّ: لا نعرف فيه خلافا «4».

و تدلّ عليه أيضا المستفيضة من الأخبار:

كموثّقة البصري: «تزوّج من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها و إن

______________________________

(1) التذكرة 2: 592.

(2) انظر الرياض 2: 81.

(3) كما في التذكرة 2: 592، المسالك 1: 453، كشف اللثام 2: 15.

(4) التذكرة 2: 595.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 144

شاءت جعلت وكيلا» «1».

و في بعض النسخ «وليّا»، و هو أيضا يثبت المطلوب، إذ الوليّ الذي

تجعله ليس إلّا الوكيل.

و رواية البزنطي، و فيها: «و إن قالت: زوّجني فلانا، فليزوّجها ممّن ترضى» «2».

و موثّقة الساباطي، و فيها: فإن وكّلت غيره بتزويجها منه؟ قال: «نعم» «3».

و رواية محمّد بن شعيب المتقدّمة «4» في مسألة الخطأ في تعيين الزوجة.

و مرسلة ابن بكير: في رجل أرسل يخطب عليه امرأة و هو غائب، فانكحوا الغائب و فرض الصداق، ثمَّ جاء خبره بعد أنّه توفّي- إلى أن قال-: «و إن كان أملك قبل أن يتوفّى فلها نصف الصداق، و هي وارثة و عليها العدّة» «5».

و صحيحة أبي ولّاد: عن رجل أمر رجلا أن يزوّجه امرأة بالمدينة و سمّاها له و الذي أمره بالعراق، فخرج المأمور و زوّجها إيّاه، ثمَّ قدم العراق فوجد الذي أمره قد مات، قال: «ينظر في ذلك، فإن كان المأمور زوّجها

______________________________

(1) الكافي 5: 392- 3، الوسائل 20: 270 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 8.

(2) الكافي 5: 393- 3، الفقيه 3: 251- 1196، التهذيب 7: 386- 1550، الاستبصار 3: 239- 856، الوسائل 20: 268 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 3.

(3) التهذيب 7: 378- 1529، الاستبصار 3: 233- 841، الوسائل 20: 288 أبواب عقد النكاح ب 10 ح 4.

(4) في ص: 104.

(5) الكافي 5: 415- 1، التهذيب 7: 367- 1489، الوسائل 20: 305 أبواب عقد النكاح ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 145

إيّاه قبل أن يموت الآمر ثمَّ مات الآمر بعده فإنّ المهر في جميع ذلك الميراث بمنزلة الدين» الحديث «1». و غير ذلك.

و يدلّ عليه مثل ما تقدّم «2» من قولهم: «يستأمرها كلّ أحد عدا الأب».

و قولهم: «تستأمر البكر و لا تتزوّج إلّا بأمرها» «3».

و مثل مرسلة الكافي:

عن رجل يريد أن يزوّج أخته، قال: «يؤامرها، فإن سكتت فهو إقرارها» «4».

و قوله في مرسلة ابن بكير [1]- السابقة في أخبار استقلال الأب-:

«تولّي أمرها من شاءت» «6». و غير ذلك.

و تمام المطلوب يثبت بالإجماع المركّب.

و لا بدّ للوكيل حينئذ من الإيجاب أو القبول للموكّل، فلا يصحّ لو نسبه إلى نفسه، أو لم يذكر المنسوب إليه و إن نواه، للأصل المتقدّم ذكره، فلا يعلم ترتّب الأثر إلّا بما علم الأثر معه، و لم يعلم إلّا مع النسبة إلى الموكّل.

نعم، لو تأخّر القبول عن الإيجاب و ذكر المنسوب إليه في الإيجاب يكفي الاقتصار بنحو قوله: قبلت، لأنّ تقدّم ذكره يجعل القبول له أيضا.

______________________________

[1] لم يسبق عن ابن بكير رواية بهذا المضمون، و لعلّ الصحيح: رواية ابن زياد.

______________________________

(1) الفقيه 3: 271- 1290، الوسائل 20: 305 أبواب عقد النكاح ب 28 ح 1.

(2) في ص: 113.

(3) المتقدّم في ص: 139.

(4) الكافي 5: 393- 3، الوسائل 20: 268 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 3.

(6) راجع ص: 116، 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 146

و هل يجوز للموجب أن يقول: زوّجت من موكّلك، ناويا كون التزويج لموكّله من غير ذكره؟

فيه نظر، و الأصل يعطي العدم.

المسألة الثالثة عشرة: لو وكّلت أحدا في التزويج للغير نصّا أو ما في حكمه لا يجوز للوكيل تزويجها لنفسه

إجماعا، له.

و للأصل.

و صحيحتي الحلبي و الكناني «1».

و لو وكّله لتزويجه من نفسه كذلك يجوز على الأظهر الأشهر، بل لظاهر الإجماع.

للأصل الثابت من عمومات التوكيل «2».

و قيل بالمنع «3».

لإيجابه كون واحد موجبا و قابلا.

و لأصالة بقاء الحرمة.

و لموثّقة عمّار: عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهلها، يحلّ لها أن توكّل رجلا يريد أن يتزوّجها تقول له: قد وكّلتك فاشهد على تزويجي؟ قال: «لا»، قلت: و إن كانت أيّما؟ قال:

«و إن كانت أيّما» قلت: فإن وكّلت غيره بتزويجها منه؟ قال: «نعم» «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 397- 1، الفقيه 3: 50- 171، التهذيب 7: 391- 1565، الوسائل 20: 287 أبواب عقد النكاح ب 10 ح 1.

(2) الوسائل 20: 287 أبواب عقد النكاح ب 10.

(3) انظر الحدائق 23: 252.

(4) التهذيب 7: 378- 1529، الاستبصار 3: 233- 841، الوسائل 20: 288 أبواب عقد النكاح ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 147

و يردّ الأول بمنع الإيجاب.

و الثاني باندفاعه بما مرّ.

و الثالث بمنع الدلالة، إذ لعلّ عدم الحلّية بتزويجها من نفسه لإطلاق قولها: «قد وكّلتك» من غير تصريح أو نصب قرينة على توكيله في التزويج لنفسه أيضا، و إرادته تزويجها لا يدلّ على علمها بها أيضا، و لو دلّت عليه و لو بالعموم لا يدل على إرادتها من قولها: «وكّلتك» أو نصبها قرينة، و زعم السائل- أنّ المنع لنفس توكيله لا للإطلاق حيث قال بعده: «فإن وكّلت غيره»- لا يثبت أنّ الأمر كذلك في الواقع، و إرجاع نفي الحلّية إلى التوكيل في الإشهاد خاصّة بعيد.

و لو وكّله مطلقا، فالأظهر الأشهر- كما قيل «1»- عدم جواز التزويج لنفسه.

لشيوع التوكيل في التزويج للغير، و تبادره منه، لكثرة وقوعه في ذلك. و لا أقلّ من صلاحيّة هذا قرينة لإرادة الغير، فلا يجري فيه أصل الإطلاق، و يصير محلّ الشكّ، فيصار إلى مقتضى الأصل.

و لموثّقة عمّار المتقدّمة.

و كذا لو وكّله عموما، نحو: زوّجني ممّن شئت، للدليل الأول.

و منه يظهر أنّه لو ظنّ شمول العموم له نفسه من خارج جاز.

لانتفاء صلاحيّة الحال حينئذ للقرينة.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 148

المسألة الرابعة عشرة: هل يجوز للوكيل تولّي طرفي العقد

أصالة أو ولاية في أحدهما، أو

وكالة فيهما، أو للوليّ ولاية فيهما؟

ذهب الفاضلان و فخر المحقّقين و الشهيدان إلى الجواز «1»، بل هو الأشهر كما قيل «2»، و عن المسالك: نفي الخلاف فيه [1].

و استدلّ له بعموم أدلّتي الولاية و الوكالة، فإنّ المستفاد من الاولى:

جواز تزويج الوليّ مطلقا، فيجوز تزويج شخص واحد كان وليّا للزوجين.

و من الثانية: جواز توكيل كلّ واحد و لو كان وكيلا للآخر أو وليّا عليه.

و لا يشترط تغاير المتعاقدين حقيقة.

لكفاية المغايرة الاعتباريّة.

و عدم دليل على اعتبار الحقيقيّة.

بل عن الخلاف: الاتّفاق على عدمه عندنا «4».

و يرد عليه أنّه: إنّ عموم أدلّة الولاية يفيد أنّ الوليّ و لو كان واحدا لهما إذا زوّج من له الولاية عليه يصحّ، و لكن لم يثبت أنّ العقد الذي يوقعه منهما بنفسه يكون تزويجا، إذ ثبوته فرع صحّته، و لم يثبت بعد.

______________________________

[1] المسالك 1: 342 و فيه: و جواز تولّي الواحد الطرفين عندنا.

______________________________

(1) المحقق في الشرائع 2: 278، العلّامة في القواعد 2: 7، فخر المحققين في الإيضاح 3: 26، الشهيد في اللمعة (الروضة البهيّة 5): 120، الشهيد الثاني في الروضة 5: 123.

(2) انظر الرياض 2: 81.

(4) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 149

و كذا يستفاد من عموم أدلّة الوكالة: أنّ لهما توكيل كلّ أحد، و لو وكيل الآخر أو وليّه في التزويج، و لم يثبت كون العقد الصادر طرفاه من واحد تزويجا، مع أنّه لا دليل عامّا في توكيل الزوج، و إنّما هو بالإجماع المركّب الغير الثابت تحقّقه في المورد.

و لذا ذهب بعض علمائنا- كما صرّح به في الإيضاح «1»- إلى المنع.

و هو الأقوى.

لأصالة الفساد.

و عدم دليل على الصحّة.

و عدم الدليل على اعتبار المغايرة الحقيقيّة إنّما

يفيد لو كان هناك دليل على الجواز، و ليس.

المسألة الخامسة عشرة: لو ادّعى رجل زوجيّة امرأة:

فهي إمّا مالكة لأمرها.

أو مزوّجة للغير.

فعلى الأول:

إمّا تصدّقه.

أو تكذّبه.

أو تقول: لا أدري. و هو إنّما يكون إذا ادّعى الزوج تزويجها بإذن وليّها حين ولايته عليها.

______________________________

(1) الإيضاح 3: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 150

فإن صدّقته يحكم بالعقد ظاهرا.

لانحصار الحقّ فيهما.

و عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

فليس لأحد مزاحمتهما، إلّا المدّعي الحسبي إذا ادّعى حرمة أحدهما على الآخر- لرضاع بينهما، أو نكاح في عدّة، أو جماع حين يزوّجها لغيره، و نحوها- فيسمع ادّعاؤه إن كانت له بيّنة و إلّا فلا، و لا يمين على المنكر، لعدم كونه حقّا للمدّعي.

و إن كذّبته يطلب منه البيّنة، فإن أقامها يحكم بزوجيّتها له، فيجب عليهما مراعاة حقوق الزوجيّة ظاهرا، و إلّا فله تحليفها.

لعموم: «البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر» «1».

قالوا: و يحكم قبل التحليف عليه بمقتضى اعترافه، و لها بمقتضى إنكارها، فيحكم عليه بكلّ ما يكفي فيه اعترافه، فيمنع من تزويج الخامسة، و من أختها و أمّها و بنت إخوتها بدون إذنها، و باشتغال ذمّته بالمهر، و لكن ليس لها مطالبته، لأنّه مقتضى إنكارها، و لا لغيرها و لو كان حاكما، لأنّه لو كان فهو حقّها و ليس للغير المطالبة بدون إذنها. و يلزمهم أنّ لوارثها المطالبة لو ماتت، لأنّهم لم ينكروه، و أنّ لهم نصيبها من إرثه لو ماتا معا.

و الحقّ: عدم ثبوت الاشتغال، إذ القدر الثابت أنّ الاعتراف بحقّ الغير يوجب الشغل به إذا لم يصادفه إنكارها، لأنّ الأول كما يوجب الثبوت، الثاني يوجب عدمه، لأنّه أمر بين اثنين، ففي الحقيقة أقرّت هي أيضا بعدم

______________________________

(1) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 16، ص: 151

اشتغاله بحقّها، و لأنّ الاشتغال لازمه وجوب الأداء، و تحقّقه يتوقّف على جواز الأخذ.

و لذا يعدّ قوله: أعط زيدا درهما، و لزيد: لا تأخذه، تناقضا، و لأجل ذلك ليس لوارثها المطالبة، و لا يرثون نصيبها أيضا، لذلك، إلّا إذا ادّعوا زوجيّتها له لا من جهة اعترافه السابق، بل ادّعوا علمهم بها و بكذبها في الإنكار، و اعترف الزوج بعد دعواهم أيضا، فيكون الترافع معهم حينئذ، و يحكم فيه بمقتضى أحكام المرافعة.

و من ذلك يظهر عدم ثبوت اشتغاله بالإنفاق و القسم و نحوهما مع قطع النظر عن عدم تمكينها أيضا.

و كذا يحكم لها بكلّ ما يلزم إنكارها، بخلوّها عن المانع، و جواز تزويجها بالغير، وفاقا للروضة «1».

للأصل.

و استصحاب الحكم السابق.

و إيجابه الحرج في الجملة.

و يظهر من الروضة وجود قول بمنعها.

لتعلّق حقّ الزوجيّة في الجملة.

و لمنع تزويجها من نفوذ إقرارها به على تقدير رجوعها، لأنّه إقرار في حقّ الزوج الثاني.

و يردّ الأول بمنع التعلّق.

______________________________

(1) الروضة 5: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 152

و الثاني بمنع صلاحيّته للمنع، إذ لا مانع من عدم نفوذ الإقرار.

ثمَّ إن رجعت إلى الاعتراف فيؤخذ به، و إن استمرّت على الإنكار: فإن حلفت يحكم لها، و إن نكلت له و إن ردّته فله إن حلف و لها إن نكل.

لعموم أدلّتهما.

و في القواعد: عدم الالتفات إلى دعوى الزوج إلّا بالبيّنة «1».

و ظاهره عدم تسلّطه على تحليفها.

و لا وجه له، كما صرّح به المحقّق الثاني «2».

هذا كلّه إن كان قبل تزويجها للغير.

و إن كان بعده فيرجع إلى الدعوى على المزوّجة، و يأتي حكمه.

و إن قالت: لا أدري.

فإن ادّعى عليها العلم علما أو ظنّا، فله حلفها على نفي العلم.

لأنّه دعوى يستلزم تحقّق المدّعى

به لثبوت حقّ له، فيدخل في عموم: البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر.

و لكن لا يسقط به أصل الدعوى، فتسمع بيّنته لو أقيمت بعد ذلك.

لأنّ الحلف على نفي العلم، و لازمه عدم سماع بيّنة العلم لا بيّنة الزوجيّة.

و إن لم يدّع عليها العلم، فلا تسلّط له عليها بالزوجيّة إلّا بعد قيام البيّنة.

للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة.

______________________________

(1) القواعد 2: 8.

(2) جامع المقاصد 12: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 153

و لا بالحلف.

للأدلّة المصرّحة بأنّ الحلف على البتّ:

كصحيحة هشام: «لا يحلف الرجل إلّا على علمه» «1».

و في مرسلة ابن مرّار: «لا يقع اليمين إلّا على العلم» «2».

و في رواية أبي بصير: «لا يستحلف الرجل إلّا على علمه» «3».

فلو لم تكن له بيّنة سقطت دعواه، بمعنى: عدم ترتّب أثر عليها في حقّه، إذ لم يثبت من الشارع في حقّ المدّعي سوى البيّنة أو التحليف، و هما منفيّان في المقام، و الأصل عدم تحقّق مقتضاها، فيحكم به.

و تدلّ عليه أيضا- في بعض موارد عدم علم المدّعى عليه- موثّقة سماعة: عن رجل تزوّج أمة أو تمتّع بها، فحدّثه ثقة أو غير ثقة، فقال: إنّ هذه امرأتي و ليست لي بيّنة، قال: «إن كان ثقة فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل» «4».

و حسنة عبد العزيز: إنّ أخي مات و تزوّجت امرأته، فجاء عمّي فادّعى أنّه كان تزوّجها سرّا، فسألتها عن ذلك فأنكرت أشدّ الإنكار، فقالت:

ما كان بيني و بينه شي ء قطّ، فقال: «يلزمك إقرارها و يلزمه إنكارها» «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 445- 1، التهذيب 8: 280- 1020، الوسائل 23: 246 أبواب الأيمان ب 22 ح 1.

(2) الكافي 7: 445- 4، التهذيب 8: 280- 1022، الوسائل 23:

247 أبواب الأيمان ب 22 ح 4.

(3) الكافي 7: 445- 2، التهذيب 8: 280- 1021، الوسائل 23: 247 أبواب الأيمان ب 22 ح 2.

(4) التهذيب 7: 461- 1845، الوسائل 20: 300 أبواب عقد النكاح ب 23 ح 2.

(5) الكافي 5: 563- 27، الوسائل 20: 229 أبواب عقد النكاح ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 154

و رواية يونس: عن رجل تزوّج امرأة في بلد من البلدان، فسألها أ لك زوج؟ فقالت: لا، فتزوّجها، ثمَّ إنّ رجلا أتاه فقال: هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، ما يلزم الزوج؟ فقال: «هي امرأته إلّا أن يقيم البيّنة» «1».

دلّت هذه الروايات على عدم قبول قول مدّعي الزوجيّة في سقوط حقّ الزوج الثاني مع أنّ الزوج الثاني غير عالم به، كما يدلّ عليه الفرق بين الثقة و غيره في الأول، و سؤاله عن حالها في الثانيين و أنّه لا حلف عليه.

و أمّا قوله في الأول: «إن كان ثقة فلا يقربها» فلا يفيد أزيد من الكراهة، و لذا خصّه بالمقاربة دون سائر الأمور و لم يحكم بزوجيّة الأول بمجرّده و اختصاصها بمورد آخر غير ضائر، إذ لا فرق بين الحقوق.

و أمّا ما قد يذكر في كتاب القضاء، فيما إذا كان جواب المدّعى عليه:

لا أعلم، من احتمال ردّ الحاكم أو المدّعى عليه الحلف إلى المدّعي.

فهو أمر مخالف للأصل، محتاج إلى التوقيف، و لم نجده، بل- كما عرفت- وجد غيره.

و لا يتوهّم عموم بعض روايات اليمين، لأنّها بين مجملة و مبيّنة بكون اليمين على المدّعى عليه، و المبيّن حاكم على المجمل.

مع أنّ في صحيحة العجلي: «الحقوق كلّها: البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه، إلّا في الدم خاصّة» الحديث «2».

و

في رواية أبي بصير: «لو أنّ رجلا ادّعى على رجل عشرة آلاف درهم أو أقلّ من ذلك أو أكثر لم يكن اليمين على المدّعي» الحديث.

______________________________

(1) التهذيب 7: 468- 1874، الوسائل 20: 300 أبواب كيفية الحكم ب 23 ح 3.

(2) الكافي 7: 361- 4، الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 155

و في موثّقته: «إنّ اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم: أنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه» الحديث «1».

فلو كان إطلاق يجب التقييد بهذه الأخبار.

و لا يتوهّم دلالة إطلاق أخبار ردّ اليمين، لأنّ الردّ إنّما يكون فيما تعلّق اليمين بالمدّعى عليه، فإذا لم يتعلّق لا يكون ردّ.

و أمّا ما قيل في وجهه من أنّه لولاه لزم عدم سماع دعوى مسموعة بلا جهة «2».

فواه، لأنّ طلب البيّنة أو التحليف على نفي العلم لو ادّعاه عين سماعها.

نعم، يلزم عدم ثبوت تسلّط منها في بعض الصور، و ما الضرر فيه كما في مورد الروايات الثلاث؟! حيث إنّ الظاهر عدم الخلاف فيها أيضا و فيما إذا كان المدّعى عليه وارثا.

مع أنّه ورد في الروايات: «إنّ أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة أو يمين قاطعة أو سنّة ماضية من أئمّة الهدى» «3».

و في الصحيح: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان» «4».

______________________________

(1) الكافي 7: 415- 2، التهذيب 6: 229- 554، الوسائل 27: 234 أبواب كيفية الحكم ب 3 ح 3.

(2) انظر الإيضاح 3: 40.

(3) الكافي 7: 432- 20، التهذيب 6: 287- 796، الخصال: 155- 195، الوسائل 27: 231 أبواب كيفية الحكم ب 1 ح

6.

(4) الكافي 7: 414- 1، التهذيب 6: 229- 552، معاني الأخبار: 279، الوسائل 27: 232 أبواب كيفية الحكم ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 156

و في مرسلة يونس: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكون رجلين فرجل و امرأتان، فإن لم يكن فرجل و يمين المدّعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه، فإن لم يحلف و ردّ اليمين على المدّعي فهي واجبة عليه أن يحلف و يأخذ حقّه، فإن أبى أن يحلف فلا شي ء عليه» «1».

و بيّن في سائر الروايات: أنّ اليمين على المدّعى عليه و أنّه على العلم، فإذا خصّ الشارع القضاء بذلك الأنحاء فمن أين يتعدّى إلى غيره بلا دليل؟! غاية الأمر صيرورة دعواه لاغية، فلتكن كذلك، و ما الضرر فيه بعد كونها مخالفة للأصل؟! و لا يتوهّم أنّه يمكن إلزام المدّعي عليه بلا يمين مردودة أيضا لعدم المعارض لقول المدّعي، لأنّ الأصل من أقوى المعارضات، و من أين ثبتت حجّيّة قول المدّعي و صلاحيّته لدفع الأصل الثابت من الشرع؟! فإن قيل: لأجل وجوب حمل أفعال المسلمين و أقوالهم على الصحّة و الصدق.

قلنا: من اين ثبت ذلك؟! سيّما حمل أقوالهم على الصدق إذا كانت مخالفة للأصل مثبتة للحقّ على الغير، و لم نعثر إلى الآن على دليل تامّ على ذلك، بل و لا على حمل الأفعال على الصحّة، كما بيّنّا في كتاب عوائد الأيّام و كتاب مناهج الأحكام «2».

______________________________

(1) الكافي 7: 416- 3، التهذيب 6: 231- 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم ب 7 ح 4.

(2) عوائد الأيّام: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 157

و لو سلّمنا، فغاية ما نسلّمه: أنّه لا

يكذّب في ادّعاء علمه، و لكن من أين ثبتت حجّيّة علمه علينا؟! فإن قيل: ورد في رواية البصري- المتضمّنة لحكم الدعوى على الميّت-: «فإن ادّعى و لا بيّنة له فلا حقّ له، لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ و لو كان حيّا لألزم اليمين أو الحقّ أو يردّ اليمين عليه» «1».

دلّت على أنّه لو كان حيّا لتعلّق به أحد الثلاثة، و لمّا لم يمكن اليمين أو ردّه هنا فتعيّن الإلزام بالحقّ.

قلنا: يجب إمّا تخصيص الحيّ بالعالم، أو تخصيص الإلزام و الردّ به، و لا مرجّح، فيحصل الإجمال المسقط للاستدلال.

و على الثاني- و هو أن تكون مزوّجة، سواء زوّجت قبل ادّعائه أو بعده و قبل طيّ الدعوى-: ففيه الصور الثلاث المتقدّمة أيضا.

أو لا.

فعلى الأول: فالحكم ظاهر.

و على الثاني: فلا مرافعة له مع الزوجة، بل يحكم عليها بمقتضى اعترافها، و هو ثبوت كلّ ما يتعلّق به ممّا يختصّ بنفسها، و لا مدخليّة للغير فيه، إذ لم يثبت إلّا نفوذ الاعتراف و تأثيره فيما يختصّ به، فلو طلّقها الثاني أو مات لم يجز لها التزويج بغير الأول، و ليس لها على الثاني مهر و لا نفقة،

______________________________

(1) الكافي 7: 415- 1، الفقيه 3: 38- 128، التهذيب 6: 229- 555، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 158

كما مرّ.

نعم، تبقى المرافعة مع الزوج الثاني، فإن كانت له بيّنة فيحكم بمقتضاها، و إلّا فللأول تحليفه، فإن حلف فيحكم له بكلّ ما تقتضيه زوجيّته لها ممّا لا ينافيه تصديقها الأول، فلا تجوز له الخامسة و لا نكاح أمّها و نحوها، و يسلّط على جماعها و منعها من الخروج، و يجوز إجبارها على التمكين و

الإطاعة، لأنّهما حقّان ثابتان له عليها، فلا يزولان إلّا بمزيل إجماعا.

و إن لم يحلف يقضى بالنكول.

و إن كذّبته:

فإن أقام البيّنة فيحكم له.

و المراد بالبيّنة المعتبرة هنا و في صورة تصديق الزوجة أيضا: من شهد على العقد للأول، أو اعترافها للثاني.

و إلّا فقيل: تنقطع دعواه عليها في الزوجيّة بلا خلاف «1».

للروايات الثلاث المتقدّمة.

و لا حلف عليها، لإطلاقها، بل للأصل، لأنّ المتبادر من عمومات الحلف و ردّه إنّما هو الموضع الذي لو لم يحلف المنكر ثبت الحقّ، و لا يثبت هنا حقّ له.

بل قيل: تنقطع دعواه فيما يترتّب على الزوجيّة أيضا «2».

للأصل.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 70.

(2) انظر الرياض 2: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 159

و إطلاق الروايات.

و خالف فيه جماعة [1]، فأوجبوا اليمين عليها بالإضافة إليه.

لعمومات اليمين.

و ردّ بعدم عموم فيها يشمل ما نحن فيه، نظرا إلى أنّ المتبادر منه لزوم الحلف لقطع أصل الدعوى لا لوازمه، و العمدة في التعدية إليه هو الإجماع، و لم يثبت هنا.

أقول: لمانع أن يمنع التبادر المذكور، بل لو سلّمنا اختصاص اليمين بما تنقطع به الدعوى فإنّما هو بالإجماع المنتفي في المقام، فتبقى العمومات بلا مخصّص.

فالحقّ: توجّه اليمين عليها بالنسبة إلى ما يترتّب على الزوجيّة إن كان، بل الظاهر توجّهها إليها بالنسبة إلى الزوجيّة أيضا، للعمومات المذكورة الدافعة للأصل، مع منع التبادر الذي ادّعوه فيها أيضا، بل الاختصاص الذي ذكروه إنّما هو بالإجماع، و هو هنا منفي.

و أمّا الروايات الثلاث، فلا تثبت إلّا أنّها امرأة الثاني و لو حلفت، لا أنّه ليس عليها الحلف و قد يريد الزوج المدّعي تحليفها تشفّيا له على إنكارها.

هذا، مع أنّ مورد الروايات ما لم يكن الزوج الثاني عالما و لم يدّع المدّعي علمه

و قد يدّعي عليه العلم علما أو ظنّا أيضا، فعلى هذا يلزم أن لا يكون للمدّعي تحليف واحد منهما، إذ لا تثبت بتصديق أحدهما الزوجيّة.

______________________________

[1] كفخر المحققين في الإيضاح 3: 40 و الشهيد الثاني في الروضة 5: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 160

و التحقيق أن يقال: لو ادّعى على الزوجة فقط و اعترف بعدم علم الزوج فليس له تحليفها، إذ الحلف إنّما يكون في مورد يمكن إثبات الحقّ بالنكول أو الردّ، و هو منتف في المقام، و لو تركت الحلف لم يترتّب عليه أثر.

و لو لم يعترف بعدم علم الزوج فله تحليفها على نفي الزوجيّة أيضا، و ثمرته: أنّه مع النكول أو الردّ تثمر دعواه على الزوج و تثبت الزوجيّة له بنكوله أو ردّه أيضا.

ثمَّ إنّ للمسألة صورا كثيرة أخرى- كما إذا كانت الزوجة مولّى عليها، فادّعى على وليّها و غير ذلك- يستخرج حكمها ممّا يذكر في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

المسألة السادسة عشرة: لو ادّعت امرأة زوجيّة رجل

فتجري فيه الصور المتقدّمة في المسألة السابقة، و نظير ما إذا كانت الدعوى على الزوجة ما إذا كان الزوج مزوّجا بما لا يجتمع مع زوجته هذه، كأختها أو بنتها و كالأربع، و يظهر حكم الجميع ممّا ذكر.

المسألة السابعة عشرة: لو ادّعت امرأة مزوّجة زوجيّة رجل آخر:

فإن صدّقها ذلك الرجل يقضي عليهما بما يختصّ بكلّ منهما، و تبقى لها دعوى مع زوجها الأول:

فإن صدّقها فحكمه ظاهر.

و كذا إن قال: لا أدري.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 161

و إن كذّبها فيكون منكرا، لأنّ الزوجة حينئذ مدّعية لفساد نكاح هذا الزوج:

فإن أقامت الزوجة البيّنة التي شهدت بالتفصيل المتقدّم فيحكم لها.

و كذا إن حلفت اليمين المردودة.

و إلّا فيحلف الزوج الأول و يحكم له.

و إن كذّبها الثاني فعليها البيّنة، فإن إقامتها فيحكم لها، و إلّا فلها تحليفه، فإن حلف و إلّا فيحكم لها.

و ثمرته تظهر فيما يترتّب على الزوجيّة و في الدعوى على الزوج الأول، و على جميع التقادير يؤخذ بما يختصّ بها باعترافها بفساد نكاح الأول.

و منه يظهر الحكم لو ادّعى رجل له زوجة زوجيّة من لا يجتمع مع هذه الزوجة، كامّها أو أختها أو الخامسة.

المسألة الثامنة عشرة: لو اجتمعت دعويان غير ممكن الاجتماع صدقهما في الزوجيّة:

كأن تدّعي امرأة زوجيّة رجل و رجل آخر زوجيّتها.

أو ادّعى رجل زوجيّة امرأة و أختها أو بنتها أو خامستها أيضا زوجيّته.

و كان الرجل الأول في الدعوى الاولى و المرأة الاولى في الثانية منكرا، لأنّ مع تصديقه يرجع إلى المسألة السابقة، سواء كان التصديق مسبوقا بإنكار فرجع أو لا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 162

فتكون هناك دعويان، تكون المرأة و الرجل الثاني في المثال الأول و الرجل و المرأة الثانية في الثاني مدّعيين في إحدى الدعويين منكرين في الأخرى، فلا يخلو:

إمّا أن تكون للمدّعيين البيّنة.

أو لا تكون لشي ء منهما بيّنة، أو تكون لأحدهما خاصّة.

فعلى الأخير: تكون لذي البيّنة إقامة بيّنة و لفاقدها حلف المدّعى عليه على الأقوى.

فإن سبق الأول في إقامة البيّنة و حكم له، يكون الثاني من باب مسألة دعوى المزوّجة زوجا آخر، أو دعوى الرجل

زوجيّة المزوّجة، أو دعوى المرأة زوجيّة رجل له زوجة لا تجتمعان، أو الرجل زوجيّة امرأة لا تجتمع مع زوجته، و قد مرّ حكم الجميع، إلّا أنّه لا تطلب البيّنة هنا من ذي البيّنة الذي أقامها ثانيا فيما كان الحكم في السابق طلب البيّنة منه، لأنّه قد أقامها أولا.

و إن سبق الثاني في الحلف، فإن حلف المنكر فحكمه ظاهر، و إن نكل أو ردّ تثبت دعوى المدّعي.

و ترجع المسائل الأربع- الحاصلة باعتبار المثالين و المدّعيين- إلى بعض المسائل المتقدّمة التي ظهر حكمها أيضا ..

مثلا: لو نكل الرجل الذي تدّعي [المرأة] [1] زوجيّته قبل إقامة الرجل الآخر البيّنة على زوجيّتها، تصير من باب مسألة مدّعي زوجيّة المزوّجة، و هكذا، و لا يمين على ذي البيّنة حينئذ فيما شهدت له البيّنة، للأصل.

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الرجل، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 163

و توهّم شيخنا الشهيد الثاني في الروضة حكم المصنّف به «1»، فنسبه إليه و تبعه بعض آخر [1]، و لم يذكره أحد قبله كما صرّح به في الروضة، مع أنّ الظاهر أنّ مراد المصنّف: الحلف للدعوى الآخر، لا على ذي البيّنة، كما فهمه الشارح و حمل الآخر على ذي البيّنة، مع أنّ المراد منه الادّعاء الآخر.

و على الثاني- و هو إن لم يكن لهما بيّنة-: فلكلّ واحد منهما تحليف المدّعى عليه، و لا يخلو:

إمّا يحلفان.

أو يحلف أحدهما و الآخر يردّ أو ينكل.

أو هما معا يردّان أو ينكلان.

فإن حلفا فالحكم ظاهر.

و إن حلف أحدهما و ردّ الآخر أو نكل، فإمّا يسبق التحليف أو الردّ و النكول.

فإن سبق التحليف فترجع المسائل الأربع إلى أربع من المسائل المتقدّمة.

مثلا: [إن ] [2] حلفت المرأة

لمدّعي زوجيّتها أولا، ثمَّ حلفت هي اليمين المردودة من الرجل الآخر المنكر زوجيّتها، يرجع إلى ما إذا ادّعت المرأة التي ليس زوج لها زوجيّة رجل و حلفت يمينا مردودة. و إن حلف الرجل المدّعي لأخت من يدّعي زوجيّتها يرجع إلى ما إذا ادّعى الرجل زوجيّة امرأة لا مانع لها، و هكذا.

______________________________

[1] كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 14.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) الروضة 5: 130 و 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 164

و إن سبق الردّ و النكول التحليف يرجع إلى مسائل أربع أخرى من المسائل المتقدّمة.

مثلا: إن نكلت الزوجة أولا ثمَّ أرادت حلف الرجل المدّعى عليه يرجع إلى مسألة دعوى المرأة المزوّجة زوجيّة رجل آخر، و هكذا.

و إن ردّا أو نكلا معا فيرجع إلى أربع مسائل أخرى من المسائل المتقدّمة.

مثلا: لو نكل الرجل الذي يدّعي عليه أخت الزوجة التي يدّعي هو عليها بعد ردّه الحلف، تصير مسألة ما إذا ادّعى الرجل المزوّج زوجيّة من لا يجتمع مع زوجته، و هكذا.

و على الأول- و هو أن تكون لكلّ منهما بيّنة-:

فإمّا تكونان مؤرختين فيعمل بالسابق، و وجهه ظاهر، مضافا إلى قوله في ذيل رواية الزهري الآتية: «إلّا بوقت قبل وقتها».

أو أحدهما خاصّة، فيعمل بمقتضاه خاصّة.

لأصالة تأخّر الحادث.

و الرواية الزهري الشاملة بإطلاقها لما إذا كانت بيّنة الزوج مؤقّتة، بل ظهورها فيها من جهة قوله: «لأنّ الزوج قد استحقّ بضع هذه المرأة» و قوله: «قبل وقتها»، فإنّهما ظاهران في توقيت بيّنة الزوج.

أو ليس شي ء منهما مؤرخا، فتتعارضان.

و ظاهر أنّه لا يمكن العمل بالبيّنتين، للتناقض.

و لا بأحدهما من دون مرجّح، لبطلان الترجيح بلا مرجّح.

فمقتضى القاعدة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 165

إمّا طرحهما، فتصير مثل ما

إذا لم تكن لهما بيّنة أصلا، و قد عرفت حكمه.

أو يقرع بينهما إن جازت القرعة إذا تعارضت البيّنتان، لأنّها لكلّ أمر مشكل.

إلّا أنّه ورد في رواية الزهري: في رجل ادّعى على امرأة أنّه تزوّجها بوليّ و شهود، و أنكرت المرأة ذلك، و أقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البيّنة أنّه تزوّجها بوليّ و شهود و لم توقّت وقتا: «إنّ البيّنة بيّنة الزوج و لا تقبل بيّنة المرأة، لأنّ الزوج قد استحقّ بضع هذه المرأة، و تريد أختها فساد هذا النكاح و لا تقبل بيّنتها إلّا بوقت قبل وقتها أو دخول بها» «1».

و ضعفها منجبر بالشهرة، بل دعوى عدم الخلاف و الإجماع «2»، و مقتضاها: استثناء صورة من توقيت إحدى البيّنتين و صورة من انتفاء التوقيت فيهما عن الحكم الذي ذكرنا، و هي ما إذا كان الزوج قد دخل بالمدّعية.

فإنّه حينئذ تقدّم بيّنة الزوجة، سواء وقّت بيّنة الزوج أم لا، لأنّ الظاهر كون الدخول لزوجته، فيقدّم الظاهر على الأصل في الصورة الأولى، و يقدّم المقارن للظاهر على الفاقد له في الثانية بالنصّ المذكور، لأنّه إمّا ظاهر في صورة توقيت بيّنة الزوج- كما مرّ- فيثبت الحكم في الأولى بالصراحة و في الثانية بالأولويّة، أو شامل لها فيثبته في الصورتين بالإطلاق.

______________________________

(1) الكافي 5: 562- 26، التهذيب 7: 433- 1729، الوسائل 20: 299 أبواب عقد النكاح ب 22 ح 1.

(2) كما في الرياض 2: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 166

و لا يرد الإشكال: بأنّ الزوج منكر فلا وجه لتقديم بيّنته، لأنّه مدّع بالنسبة إلى المرأة الأخرى و هي منكرة، كما صرّحت به الرواية، فاعتبار بيّنته إنّما هو بالإضافة إليها، لكونه مدّعيا في مقابلها.

و لكن الحكم مخصوص

بمورد الرواية- أي ما كان الرجل مدّعيا على امرأة و أختها عليه- و لا يتعدّى إلى غيره، حتى إلى ما إذا كانت المدّعية على الرجل بنتها أو أمّها، بل الحكم في سائر الشقوق بأجمعها ما ذكرنا من القواعد.

فالقول بالحكم للمدّعية في المثال الثاني مع يمينها في صورة انتفاء البيّنة و تحقّق الدخول بها ترجيحا للظاهر على الأصل مطلقا، و له مع البيّنتين مطلقا، لرجحان بيّنته على بيّنتها، لإنكارها فعله الذي لا يعلم إلّا من قبله، فلعلّه عقد على المنكرة قبل عقده على المدّعية.

غير صحيح، لمنع ترجيح الظاهر على الأصل بإطلاقه، و منع عدم إمكان العلم إلّا من قبله، مع أنّه غير جار في صورة توقيت البيّنتين بوقتين متساويين.

ثمَّ إنّ بعد تقديم بيّنة المنصوص هل عليه اليمين أيضا؟

الحقّ: لا، للأصل، فإنّ مشروعيّة اليمين توقيفيّة، و لم يوقف في المورد.

و قيل: نعم، لجواز وقوع لم يطلع عليه البيّنة «1».

قلنا: هذا القدر غير كاف في إثبات اليمين، بل اللازم في إثباتها الدليل الشرعي، و الجواز- بعد حكم الشارع بالتقديم- غير مضرّ، و إلّا فمع

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 447.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 167

اليمين أيضا لا ينتفي الاحتمال.

نعم، لو ادّعى عليه سبق عقد حتى تتحقّق دعوى اخرى اتّجه الحكم باليمين.

مسألة: الظاهر وجوب مراعاة الوليّ عدم المفسدة في النكاح.

لظاهر الإجماع.

و عمومات نفي الضرر، المعارضة مع عمومات لزوم تزويج الوليّ، الراجحة عليها بموافقة الكتاب و السنّة و أصالة عدم ترتّب الأثر، فلا يجوز معها، و لو زوّج و الحال هذه بطل.

و هل تجب مراعاة المصلحة في النكاح؟

الظاهر: لا، للأصل، و العمومات.

نعم، لو قلنا بوجوب مراعاة المصلحة في التصرّفات الماليّة يجب على الزوج مراعاتها في المهر، بل يحتمل التعدّي إلى الإنفاق أيضا، و المصلحة المراعاة إنّما هي

بحسب وقت النكاح لا ما يتجدّد بعده.

مسألة: لا يشترط في تزويج المولّى عليها أن يكون بمهر المثل

أو أزيد، للأصل، و إطلاقات تزويج الوليّ.

و لا يتوهّم أنّ الأصل عدم تحقّق التزويج، إذ لا كلام في أنّ الاختلاف هنا ليس لعدم صدق التزويج. فلو زوّج بدونه صحّ العقد و لزم و إن لم تراع فيه مصلحتها ما لم تكن لها فيه مفسدة، للإطلاقات، و العمومات:

كصحيحة الحلبي: في الجارية يزوّجها أبوها بغير رضا منها، قال:

«ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه و إن كانت كارهة» «1».

______________________________

(1) الكافي 5: 393- 4، التهذيب 7: 381- 1539، الوسائل 20: 285 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 168

و صحيحة ابن الصلت و صحيحة ابن بزيع و غيرها، المتقدّمة في بحث وليّ العقد «1».

و لا يعارضها ما دلّ على ثبوت الخيار- كصحيحة محمّد «2»- لما مرّ من مرجوحيّتها.

و ربّما قيل ببطلان العقد مع عدم رعاية المصلحة، لأنّه عقد جرى على خلاف المصلحة.

و فيه: أنّ وجوب عدم كون العقد مخالفا للمصلحة غير معلوم، بل هو أول النزاع، مع أنّ عدم رعاية المصلحة غير كونه خلاف المصلحة.

و قيل: بأنّ لها خيار فسخه، لفساد المهر الذي جرى عليه العقد، لعدم رضائها به.

و فيه أولا: منع اقتضاء فساد المهر للخيار في النكاح، للرجوع إلى مهر المثل.

و ثانيا: منع فساده المهر، بل الحقّ صحّة المهر المسمّى و لزومه أيضا، لمثل ما ذكر من الأصل، و العمومات، و عمومات لزوم المهر المسمّى كملا أو نصفا، المذكورة في أبواب ما يوجب المهر و ما إذا ماتت المرأة أو طلّقت قبل الدخول.

المعتضدة كلّها بقوله تعالى أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ «3»، فإذا ساغ له العفو فنقصه ابتداء أولى، وفاقا للمحكيّ

عن

______________________________

(1) راجع ص: 125.

(2) المتقدّمة في ص: 131.

(3) البقرة: 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 169

المبسوط و الخلاف «1».

و قيل بالبطلان- نقله في المبسوط «2»- لأنّ عليه مراعاة القيمة في مالها ففي بضعها أولى.

و هو ممنوع.

و عن المحقّق و في القواعد و التحرير «3»: إثبات الخيار لها فيه، سواء اعتبرت فيه المصلحة أم لا، لأنّه عوض لها في بضعها، فالنقص فيه ضرر منفيّ في الشرع، فينجبر بتخييرها في فسخ المسمّى و الرجوع إلى مهر المثل.

و فيه: أنّ النكاح ليس في الحقيقة معاوضة، و لذا لا يشترط فيه المهر أيضا، فإذا قبل الخلوّ عنه يقبل النقص بالطريق الأولى، و ليس المهر عوضا حتى يلزم من نقصه الضرر، بل المطلوب الأصليّ في النكاح بقاء النسل و تحصين الفرج، فلا ينظر إلى ما يقابله من العوض الواقع بالعرض.

و في الروضة قوّى اللزوم في المسمّى مع مراعاة المصلحة، و الخيار مع عدم مراعاتها «4»، و استوجهه في المفاتيح «5» و شرحه، لأنّ الأصل في تصرّف الوليّ: مراعاة مصلحة المولّى عليه، فحيث أوقعه على خلاف المصلحة كان لها الخيار.

و فيه: منع الأصل في المورد، للأصل.

______________________________

(1) المبسوط 4: 179، الخلاف 4: 392.

(2) المبسوط 4: 179.

(3) المحقق في الشرائع 2: 278، القواعد 2: 7، التحرير 2: 6.

(4) الروضة 5: 140.

(5) المفاتيح 2: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 170

مسألة: لو زوّج الولي المولّى عليه بأكثر من مهر المثل:

فإن كان من مال الوليّ صحّ و لزم بلا خلاف- كما قيل- و إن دخل المهر حينئذ في ملك المولّى عليه ضمنا.

و كذا إن كان ذلك مقتضى مصلحة، لأنّها للضرر جابرة.

و إلّا فالحقّ ثبوت الخيار له، لأنّه إضاعة للمال، و ضرر منفيّ في الشرع و مفسدة، فيجب دفعه، و هو بالخيار

يدفع.

بل يمكن أن يقال: إنّه مناف للمصلحة التي يستفاد من الأخبار لزوم مراعاتها على قيّم الصغار، بل لم يثبت من دليل جواز مثل ذلك التصرّف في أموالهم، فيبطل أصل المهر.

و يحتمل ضمان الوليّ له إن كان أبا.

لإطلاق قوله في صحيحة الحذّاء: «و المهر على الأب للجارية» «1».

و في صحيحة محمّد: «فإنّ المهر على الأب» «2».

خرجت عنه الصور التي تتعلّق بذمّة المولّى عليه بالدليل، فيبقى الباقي، و منه المورد، سيّما إذا كان أطلق و لم يصرّح بتعلّقه بمال الصبي.

ثمَّ إن قلنا ببطلانه أو بثبوت الخيار له و لم يجزه بل أبطله، فهل يبطل العقد؟

أو لا يبطل و يكون لازما و يثبت لها مهر المثل؟

أو يثبت لها الخيار فيه؟

الأول: مقتضى تبعيّة العقود للقصود.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 131.

(2) المتقدمة في ص: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 171

و الثاني: مبنيّ على عدم فساد النكاح بفساد المهر أو الشرط.

و الثالث: لا وجه له، لأنّه إن ثبت عموم صحّة النكاح مع فساد المهر أو الشرط بحيث يشمل المورد فالثاني و إلّا فالأوّل، و يأتي تحقيقه في بحث المهور.

هذا إذا لم تعلم المرأة فساد المهر، أو تخيّر الزوج حين النكاح.

و أمّا لو علمته، فيصحّ النكاح و يلزم البتّة.

لعدم المقتضي للبطلان أو الخيار، فإنّ مع علمها لا يعلم قصدها النكاح بالمهر المخصوص البتّة، فلا يؤثّر فساد المهر، كما بيّنّا وجهه مفصّلا في عائدة: العقود تابعة للقصود من كتاب عوائد الأيّام «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    171     مسألة: لو زوج الولي الأنثى أو الذكر بمن فيه أحد العيوب الموجبة للفسخ ..... ص : 171

مسألة: لو زوّج الوليّ الأنثى أو الذكر بمن فيه أحد العيوب الموجبة للفسخ

، كان للمولّى عليه الفسخ بعد الاطّلاع و الكمال، سواء علم به الولي حين

العقد أو لا، و سواء كان العقد مقتضى المصلحة أم لا.

لأدلّة ثبوت الخيار مع أحد هذه الأوصاف و الجهل به:

كصحيحة الحلبي: «يردّ النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل» [1].

و قريب منه في صحيحتيه الأخريين «3».

______________________________

[1] التهذيب 7: 424- 1693، الاستبصار 3: 246- 880، الوسائل 21: 210 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 10.

العفل و العفلة: بالتحريك فيهما: شي ء يخرج من قبل النساء. الصحاح 5: 1769.

______________________________

(1) عوائد الأيّام: 52.

(3) الاولى في: الكافي 5: 406- 6، الفقيه 3: 273- 1299، التهذيب 7:

426- 1701، الاستبصار 3: 247- 886، الوسائل 21: 209 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 6.

الثانية في: نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 80- 171، الوسائل 21: 216 أبواب العيوب و التلبيس ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 172

و غيرها من أخبار العنّين و المجنون الآتية في بحثها.

و قد يستشكل في خيار المولّى عليه مع علم الوليّ بالعيب، لأنّه إن راعى الغبطة مضى تصرّفه و إلّا كان باطلا أو فضوليّا.

و يضعّف بمنع الشرطيّتين، لإطلاق أدلّة التخيير بالعيوب، و عدم الدليل على اعتبار الغبطة زيادة على التزويج، و التضرّر بالعيب المنفيّ يجبر بالخيار و لا معارض غيره.

و عن ظاهر الخلاف: عدم الخيار «1».

و لا وجه له بعد ما عرفت.

و قد يوجّه: بأنّه مبنيّ على وجوب اعتبار المصلحة على الوليّ، فبعد رعايتها لزم العقد و رفع الاختيار.

و فيه: منع الوجوب أولا، و عدم إيجابه لتخصيص أدلّة الخيار ثانيا.

مسألة: لو زوّجها الوليّ بغير كفو:

فإن كان عدم الكفاءة مما يوجب الخيار- كالإعسار الذي لا يقدر معه على الإنفاق على القول بالخيار فيه- كان لها الخيار أيضا.

و إن كان ممّا يمنع عن التزويج- كالكفر و نحوه-

بطل العقد.

و الوجه فيهما ظاهر.

مسألة: الوكيل إن كان مقيّدا تجب عليه متابعة القيد

، فإن خالف وقع فضوليّا.

______________________________

(1) الخلاف 4: 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 173

و إن كان مطلقا يختار ما شاء و من أراد، إلّا أن تدلّ قرينة حاليّة على إرادة قيد فيجب اتّباعه، و إن خالفه فيكون كما إذا خالف المقيّد.

مسألة: النكاح الفضولي صحيح غير لازم
اشاره

، يلزم بالإجازة من وليّ العقد، فإن أجاز لزم و إلّا بطل في الحرّ و العبد.

وفاقا للمفيد و العماني و السيّد و النهاية و التهذيب و الاستبصار و الديلمي و القاضي «1» (و الحلبي و الحليّ و الفاضلين) [1]، و جميع من تأخّر عنهما، بل هو على الأشهر الأظهر، بل في الناصريات الإجماع عليه مطلقا «3»، و في السرائر في الأول، و عن الخلاف في الثاني «4».

للمستفيضة من النصوص، منها في الأول، كموثقة البقباق، و فيها:

«إذا زوّج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه» «5».

و صحيحة الحذّاء، و فيها: عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما و هما غير مدركين، فقال: «النكاح جائز، و أيّهما أدرك كان له الخيار» الحديث «6».

و في ذيلها ما يصرّح بأنّ المراد بالوليّ غير الأب.

______________________________

[1] الحلبي في الكافي في الفقه: 292، الحلّي في السرائر 2: 564، 565، المحقق في الشرائع 2: 278، العلّامة في القواعد 2: 7. و ما بين القوسين غير موجود في: «ق».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 511، حكاه عن العماني في المختلف: 535، السيّد في الانتصار: 121، النهاية: 465، التهذيب 7: 351 و 386، الاستبصار 3: 239، الديلمي في المراسم: 148، القاضي في المهذّب 2: 195.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 211.

(4) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 22، و هو في الخلاف 4: 266.

(5) الكافي 5: 400- 1، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 4.

(6) الكافي

5: 401- 4، التهذيب 9: 382- 1366، الوسائل 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 174

و إثبات الخيار و إن لم يكن صريحا في الفضولي- لجواز إرادة خيار الفسخ- و لكنّه يثبت المطلوب بضميمة الأصل.

لأنّ خيار الفسخ مع الفضولي مشتركان في كثير من الأحكام، و يزيد الأول بأحكام مخالفة للأصل، فثبت المشترك، و ينفى الزائد بالأصل.

مع أن تتمّه الصحيحة، و هي قوله: «و إن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر إلّا أن يدركا و رضيا» قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟

قال: «يجوز ذلك عليه إن هو رضي» قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي بالنكاح ثمَّ مات قبل أن تدرك الجارية، أ ترثه؟ قال: «نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج» الحديث.

صريح في أنّ النكاح فضولي، إذ لو كان المراد خيار الفسخ لكان عدم الفسخ كافيا في التوريث من غير حلف، و لم يسقط التوارث بالموت قبل الإدراك.

و رواية محمّد: رجل زوّجته امّه و هو غائب، قال: «النكاح جائز، إن شاء المتزوّج قبل و إن شاء ترك، و إن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لامّه» «1».

و صحيحة ابن بزيع المتقدّمة في تزويج الوصي «2». و غير ذلك.

و منها في الثاني، كحسنة زرارة: عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده، فقال: «ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه و إن شاء فرّق بينهما»، فقلت: أصلحك

______________________________

(1) الكافي 5: 401- 2، التهذيب 7: 376- 1523، الوسائل 21: 305 أبواب المهور ب 47 ح 1.

(2) راجع ص: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 175

اللّه، إنّ الحكم

بن عتيبة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد فلا تحلّ إجازة السيّد إليه، فقال أبو جعفر عليه السلام: «إنّه لم يعص اللّه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز» «1».

و روايته: عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه، فدخل بها ثمَّ اطّلع على ذلك مولاه، فقال: «ذلك إلى مولاه، إن شاء فرّق بينهما و إن شاء أجاز نكاحهما» الحديث «2».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن وهب «3» المرويّة بطرق عديدة، و صحيحته الأخرى أيضا «4»، و روايتان عليّ بن جعفر «5» و عبيد بن زرارة «6»، و غيرها ممّا يظهر للمتتبّع في الموضعين.

خلافا لأحد قولي الشيخ في الخلاف و المبسوط، فأفسد الفضولي هنا من أصله «7».

و لفخر المحقّقين، فأفسده في جميع العقود التي منها النكاح «8».

______________________________

(1) الكافي 5: 478- 3، الفقيه 3: 350- 1675، التهذيب 7: 351- 1432، الوسائل 21: 114 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 1.

(2) الكافي 5: 478- 2، الفقيه 3: 283- 1349، التهذيب 7: 351- 1431، الوسائل 21: 115 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 2.

(3) الكافي 5: 478- 6، التهذيب 8: 269- 978، الوسائل 21: 117 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 26 ح 2.

(4) الكافي 5: 478- 4، التهذيب 8: 204- 719، الوسائل 21: 117 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 26 ح 1.

(5) التهذيب 7: 352- 1433، الوسائل 21: 118 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 27 ح 1.

(6) الفقيه 3: 289- 1374 بتفاوت يسير، التهذيب 8: 207- 732، الوسائل 21:

116 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 25 ح 1.

(7) الخلاف 4: 257، 258، المبسوط 4: 163.

(8) الإيضاح 3: 27.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 176

للأصل، و بعض الأخبار العامّية «1»، و الروايات الخاصّية:

منها: الروايات المتقدّمة المتضمّنة لقوله عليه السلام: «و لا تنكح إلّا بأمرها» «2».

و قوله: «لم يزوّجها إلّا برضا منها» «3».

و قوله: «لا تزوّج ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ» «4» و نحوها.

و منها: رواية البقباق: الأمة تتزوّج بغير إذن أهلها، قال: «يحرم ذلك عليها و هو الزنى» «5».

و الأخرى الرجل يتزوّج الأمة بغير علم أهلها، قال: «هو زنى، إنّ اللّه يقول فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ » «6».

و الأصل يندفع بما مرّ.

و العامّيات مردودة بعدم الحجّيّة.

و الخاصّيات المتقدّمة كلّها عن الدالّ على الحرمة خالية، مع أنّها أعمّ مطلقا من أدلّة الجواز- لاشتمالها الفضولي و غيره- فتخصّص بها.

و روايتا البقباق غير ناهضتين، إذ لا شكّ أنّ التزويج ليس زنى،

______________________________

(1) كما في سنن أبي داود 2: 299- 2083، سنن ابن ماجه 1: 605- 1879، سنن الترمذي 2: 280- 1108.

(2) راجع ص: 139.

(3) المتقدم في ص: 114.

(4) راجع ص: 115.

(5) الكافي 5: 479- 1، الوسائل 21: 120 أبواب عقد نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 2.

(6) الفقيه 3: 286- 1361، التهذيب 7: 348- 1424، الاستبصار 3:

219- 794، تفسير العياشي 1: 234- 91، الوسائل 21: 119 أبواب عقد نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 1، و الآية في: النساء: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 177

فيكون المراد منه الوطء، و حمل الزنى على أنّه مثله مجازا ليس بأولى ممّا ذكرنا.

مع أنّهما معارضتان بصحيحة ابن حازم: في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه، أ عاص للّه؟ قال: «عاص لمولاه»، قلت: حرام هو؟ قال: «ما أزعم أنّه حرام، قل له: أن لا يفعل إلّا بإذن مولاه» «1».

و

لا يتوهّم دلالة مفهوم صحيحة محمّد المتقدّمة- القائلة بأنّه: «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز و لكن لهما الخيار إذا أدركا» الحديث «2»- على عدم جواز الفضولي من غير الأبوين، لاحتمال كون المراد خيار الفسخ دون الردّ أو الإجازة في الفضولي.

و لمن أبطل الفضولي في المملوك خاصّة.

لرواية عامّية مردودة.

و لقبح التصرّف في ملك الغير بدون إذنه و كونه منهيّا عنه.

و يردّ بمنع النهي عن هذا بعد ما مرّ، بل منع كون ذلك تصرّفا فيه.

ثمَّ على المشهور المختار، فهل يصحّ الفضولي مطلقا، أي من كلّ من كان؟

أو يختصّ بالبعض؟

المشهور هو: الأول، لما مرّ.

و عن ابن حمزة «3»: اختصاصه بتسعة مواضع: عقد البكر الرشيدة

______________________________

(1) الكافي 5: 478- 5، الوسائل 21: 113 أبواب عقد نكاح العبيد و الإماء ب 23 ح 2.

(2) راجع ص: 131.

(3) الوسيلة: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 178

على نفسها مع حضور وليّها، و عقد الأبوين على الابن الصغير، و عقد الجدّ مع عدم الأب، و عقد الأخ و الأمّ و العمّ على صبيته، و تزويج الرجل عبد غيره بغير إذن سيّده، و تزويجه من نفسه بغير إذن سيّده، لتوقيفية العقود، و اختصاص ما مرّ بهذه المواضع و لا دليل في غيرها.

و هو كذلك، فإنّي إلى الآن لم أعثر على خبر يتجاوز عنها، بل لا يبعد اختصاص قول [1] القدماء أيضا ببعض المواضع، لخلوّ كلام كثير منهم عمّا يفيد التعميم.

و لعلّ مستند المشهور في التعدّي: الإجماع المركّب أو تنقيح المناط.

و الثاني منظور فيه.

و أمّا الأول، فإن ثبت- كما هو المظنون- فهو، و إلّا فللتأمّل في التعميم مجال واسع، و أمر الاحتياط واضح.

بل في صحيحة الحذّاء: في رجل أمر رجلا أن يزوّجه امرأة

من أهل البصرة من بني تميم، فزوّجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم، قال:

«خالف أمره و على المأمور نصف الصداق لأهل المرأة و لا عدّة عليها و لا ميراث بينهما» «2».

و هي- بترك الاستفصال- تدلّ على بطلان التزويج و لو قبله الزوج.

نعم، في عموم روايتي عبّاد و عبيد الآتيتين «3»- الحاصل بترك الاستفصال- دلالة على جواز نكاح غير من ذكر مطلقا الصغيرة فضولا،

______________________________

[1] في «الأصل» و «ح» زيادة: بعض.

______________________________

(2) الفقيه 3: 264- 1259، التهذيب 7: 483- 1944، الوسائل 20: 302 أبواب عقد النكاح ب 26 ح 1.

(3) في ص: 190 و 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 179

و معه تقرب دعوى الإجماع المركّب في الجميع، إذ الظاهر- بعد التجاوز عن التسعة- عدم القول بالفصل.

و على الاختصاص تكون فضوليّة التسعة إنّما هو على القول بعدم استقلال البكر، و عدم ولاية الأب على الابن، و لا الجدّ مع عدم الأب.

و أمّا على الأقوال الأخر فتنقص مواضع الفضولي عن التسعة.

فروع:

أ: المراد بالعقد الفضولي: الصادر عمّن لا يملك أمر المعقود عليه أصالة أو ولاية أو وكالة، فالصادر عن أحد الثلاثة لا يكون فضوليّا.

و هل يجوز لأحد الأخيرين إيقاعه فضوليّا فيما له فيه الاختيار، بأن يقصد إيقاعه من جانب المعقود عليه، فإن شاء أجاز و إن شاء ردّ؟

الظاهر: لا، لعدم ثبوت جواز الفضولي عنه، و لأنّ قصده لا يؤثّر في سقوط اختياره للأصل، و مع الاختيار لا يكون في النكاح خيار.

نعم، لو أوقع أحدهما ما ليس له فيه الاختيار فضوليّا- كتجاوز الوكيل عمّا و كلّ فيه، أو الوليّ فيما له فيه الولاية، كالعقد بأزيد من مهر المثل- جاز و إن لم يجز ولاية.

ب: هل يشترط في صحّة

الفضولي قصد كونه فضوليّا، أو عدم قصد كونه بالاختيار، أم لا؟

و تظهر الفائدة فيما إذا ظنّ الفضولي- كالأمّ أو الأخ- كونه وليّا أو الوكيل عموم وكالته، أو الوليّ عموم ولايته لما يفعل أيضا، و لم يكن كذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 180

الظاهر: الأخير، لإطلاقات أخبار الفضولي.

ج: الظاهر عدم الخلاف في عدم اشتراط التصريح بالفضوليّة في اللفظ، و لو قال الوكيل المتعدّي عمّا له الوكالة فيه فضولا: زوّجت موكّلتي، جاز، لصدق كونها موكّلة، و كذا الوليّ، و لو قال من ليس له وكالة أصلا كذلك لم يصحّ، إلّا إذا صحّ التجوّز و قصد المعيّن.

د: لو سبق العقد الفضولي بالإنكار أو إظهار الكراهة- كأن استأمر من يريد تزويجه فلم يأذن و أنكر- فهل [لا] [1] يؤثر الفضولي عنه بعده- إلّا بعد مضيّ زمان أو حدوث أمر جوّز معه الرضا- أم لا؟

ه: يشترط في تحقّق الإجازة علم المجيز بالخيار، فلو لم يعلمه و ظنّ اللزوم و لأجله رضي و مكّن لم يسقط خياره و لم يكن ذلك إجازة، لعدم الصدق، و استصحاب الخيار.

و: ليس الخيار في الفضوليّ فوريّا، فلو اطّلع و سكت، له الخيار كلّما أراد، للأصل، و الاستصحاب، بل الإطلاق.

ز: لو قبل العقد الفضولي و أجازه لزم من جهته.

و ليس له بعده ردّه إلّا بالطلاق إجماعا.

و لو ردّه لم تؤثّر بعده الإجازة، للبطلان بالردّ بالإجماع، فلم يبق شي ء تؤثّر معه الإجازة.

ح: الإجازة كاشفة لا استئناف للعقد.

كما تدلّ عليه صحيحة الحذّاء «2»، الحاكمة بالتوارث مع لحوق

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(2) المتقدمة في ص: 173 و 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 181

الإجازة الموت.

خلافا للمحكيّ عن النهاية «1»، و قد تأوّل بما يؤول معه

إلى الأول.

و المراد بكونها كاشفة: أنّها تكشف عن تحقّق الزوجيّة حال العقد، و لا ينافيه توقّفها على الإجازة، و ذلك إذ كما أنّه يجوز أن يكون الإيجاب المقارن للإجازة سببا للزوجيّة الحالية يمكن أن يجعل الشارع العقد المتعقّب للإجازة و لو بعد ذلك سببا للزوجيّة الحاليّة .. بمعنى: أنّه يكون السبب العقد المتّصف بهذا التعقيب، و لمّا كان في الواقع إمّا تعقّبها أم لا فهي في الواقع إمّا حاصلة أو لا، و تعلم الحقيقة بحصول التعقيب و عدمه.

مسألة: لا تنكح الأمة إلّا بإذن المولى

، رجلا كان المولى أو امرأة، دائما كان النكاح أو منقطعا.

إجماعا في الأول، و على الأشهر الأظهر في الثاني مطلقا، بل بلا خلاف كما عن الحلّي «2»، بل بالإجماع، لعدم قدح مخالفة الشيخ في النهاية فيه «3»، سيّما مع رجوعه عنه في المسائل الحائريات «4».

للأدلّة القطعية من العقل و الكتاب و السنّة، المانعة عن التصرّف في ملك الغير بغير إذنه، و الروايات المستفيضة، بل المتواترة في المقام، المانعة منطوقا أو مفهوما عن تزويج أمة الغير بدون إذنه «5».

و يؤيّده- بل يدلّ عليه أيضا- مثل رواية أبي هلال: عن الرجل هل

______________________________

(1) النهاية: 476.

(2) السرائر 2: 595.

(3) النهاية: 490.

(4) المسائل الحائريات (الرسائل العشر): 293.

(5) الوسائل 21: 119 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 182

تحلّ له جارية امرأته؟ قال: «لا، حتى تهبها له» «1».

و موثّقة الساباطي: في المرأة تقول لزوجها: جاريتي لك، قال:

«لا يحلّ فرجها إلّا أن تبيعه أو تهب له» «2».

دلّتا بالمفهوم على عدم حلّية فرجها بمثل ما نحن فيه.

و خالف فيه الشيخ في النهاية.

لصحيحة سيف بن عميرة المرويّة عن الصادق عليه السلام بلا واسطة تارة:

«لا بأس بأن يتمتّع الرجل بأمة المرأة،

و أمّا أمة الرجل فلا يتمتّع بها إلّا بأمره» «3».

و بواسطة داود بن فرقد اخرى: عن الرجل يتزوّج بأمة بغير إذن مواليها، فقال: «إن كانت لامرأة فنعم، و إن كانت لرجل فلا» «4».

و بواسطة عليّ بن المغيرة ثالثة: عن الرجل يتمتّع بأمة امرأة بغير إذنها، قال: «لا بأس به» «5».

و هي- مع اضطرابها لاختلافها سندا و متنا- مردودة بالشذوذ كما نصّ عليه جماعة [1].

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في الروضة 5: 143، الكاشاني في المفاتيح 2: 268، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 12، صاحب الرياض 2: 82.

______________________________

(1) التهذيب 7: 463- 1857، الوسائل 21: 129 أبواب نكاح العبيد ب 32 ح 6.

(2) التهذيب 7: 243- 1061، الاستبصار 3: 137- 494، الوسائل 21: 129 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 32 ح 5.

(3) الكافي 5: 464- 4، التهذيب 7: 258- 1116، الاستبصار 3: 219- 797، الوسائل 21: 39 أبواب المتعة ب 14 ح 1.

(4) التهذيب 7: 258- 1115، الاستبصار 3: 219- 896، الوسائل 21: 39 أبواب المتعة ب 14 ح 3.

(5) التهذيب 7: 257- 1114، الاستبصار 3: 219- 795، الوسائل 21: 39 أبواب المتعة ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 183

مضافا إلى احتمال إرجاع ضمير: إذنها،- في الأخيرة- إلى الأمة، و ظهور التزويج في الثانية في الدائم المجمع على عدم جوازه بدون الإذن مطلقا، و عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للتمتّع في العقد المنقطع، فيحتمل أن يراد الوقاع بعد العقد مع الإذن، و يكون المطلوب جوازه من دون استبراء في أمة المرأة، دون الرجل، فيحتاج فيه إلى إذنه أو إخباره بعدم وقاعه.

مسألة: لو أذن المولى لعبده في التزويج:

فإن أطلق المرأة و المهر، تزوّج من شاء بمهر مثلها أو أقلّ.

لعدم

انصراف الإطلاق إلى غير مهر المثل، فقرينة الحال مقيّدة للإطلاق، بل لا يبعد تقييد المرأة بمن يليق بحاله، لما ذكر.

و إن عيّن المرأة خاصّة، و تزوّجها خاصّة بمهر المثل أو أقلّ.

و إن عيّن المهر، تزوّج به من شاء و إن تزوّج من مهر مثلها دونه.

و إن عيّنهما تعيّنا.

و ممّا ذكرنا- من تقييد الإطلاقين بمهر المثل و اللائق بالحال- يندفع الاستشكال في جواز الإطلاق لتفاوت المهر تفاوتا فاحشا، فيشكل التزامه على السيّد، مع أنّه لو لم نقل بالتقييدين فقد قدم السيّد بنفسه عليه، حيث أطلق له الإذن.

ثمَّ مع تعيين المهر صريحا أو بشاهد الحال لو زاد عنه، فقيل: النكاح صحيح، لصحّته مع عدم المهر أو فساده فهنا أولى، و الزائد على المأذون فيه في ذمّة العبد يتبع به بعد الحرّية. نسب إلى المبسوط «1»، و اختاره في

______________________________

(1) نسبه إليه في كشف اللثام 2: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 184

القواعد و اللمعة «1».

و فيه إشكال، إذ لم يثبت إذن المولى في مثل هذا النكاح، بل تعيين المهر أو شاهد الحال ممّا يصلح قرينة لتقييد إذنه بغير الزائد، فلم يعلم إذن المولى فيه، فيقع إمّا باطلا أو فضوليّا.

و هو الأظهر كما مرّ.

و أيضا إن أريد تعلّق الزائد بذمة العبد حينئذ فهو لكونه ملكا للغير يتوقّف على إذنه.

و إن أريد تعلّقه بعد الحرّية ففساده ظاهر، مع أنّ الزوجة أيضا إن جهلت بالحال أو الحكم فإنّما رضيت بالمسمّى على أن يكون معجّلا لها في ذمّة المولى أو في كسبه.

و لا يرد: أنّ التقصير على جهلها.

إذ لا مؤاخذة على الجهل بأحكام المعاملات.

و أمّا غير الزائد- و هو القدر المأذون فيه- فمع تصريح المولى بجعله على إحدى الذمّتين فيتعلّق به،

و كذا النفقة، و وجهه ظاهر.

و إن أطلق، فذهب الحلّي و ابن حمزة و الفاضلان و الشهيدان «2»- بل الأكثر «3»- إلى أنّهما يستقرّان في ذمّة المولى، لأنّ الإذن في العقد إذن في لوازمه، و منها المهر و النفقة، و حيث إنّ العبد لا يقدر على شي ء كان الإذن

______________________________

(1) القواعد 2: 7، اللمعة (الروضة البهيّة 5): 144.

(2) الحلي في السرائر 2: 595، ابن حمزة في الوسيلة: 306، المحقق في الشرائع 2: 309، العلّامة في التحرير 2: 22، الشهيدان في اللمعة و الروضة 5: 144.

(3) كالمحقق في الشرائع 2: 309، العلّامة في القواعد 2: 27، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 164، الكاشاني في المفاتيح 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 185

موجبا لالتزام ذلك في ذمّة المولى.

و الحاصل: أنّه يستحقّ بالعقد و لو لم يجب على المولى لم يمكن استحقاقه، فإنّ ذمّة العبد الآن مشغولة بتمامها بحقوق المولى فلا يتعلّق بها شي ء، و تجويز أن يتبع به بعد العتق يؤدّي إلى حرمانها رأسا إذا لم يعتق، و لم يقل به أحد.

و لرواية عليّ بن أبي حمزة الصحيحة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: في رجل يزوّج مملوكا له امرأة حرّة على مائة درهم، ثمَّ إنّه باعه قبل أن يدخل عليها، فقال: «يعطيها سيّده من ثمنه نصف ما فرض لها، إنّما هو بمنزلة دين استدانه بإذن سيّده» «1».

و الدين المستدان بإذن السيّد على ذمّته، كما في صحيحة أبي بصير:

رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين، قال: «إن كان أذن له أن يستدين فالدين على مولاه، و إن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي ء على المولى و يستسعى العبد في الدين»

«2».

و قد يستدلّ أيضا بموثّقة الساباطي: في رجل أذن لعبده في تزويج امرأة حرّة فتزوّجها، ثمَّ إنّ العبد أبق فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد، فقال: «ليس لها على مولاه نفقة و قد بانت عصمتها منه، فإنّ إباق العبد طلاق امرأته» الحديث «3».

______________________________

(1) الفقيه 3: 289- 1375، التهذيب 8: 210- 745، الوسائل 21: 196 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 78 ح 1.

(2) الكافي 5: 303- 3، التهذيب 6: 200- 445، الاستبصار 3: 11- 31، الوسائل 18: 373 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 1.

(3) الفقيه 3: 288- 1372، و في التهذيب 8: 207- 731، و الوسائل 21: 192 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 73 ح 1 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 186

حيث إنّ قوله: «قد بانت» في حكم التعليل لنفي النفقة عن المولى، فيدلّ على ثبوتها مع عدم حصول مقتضاه، بل فيها إشعار من جهة أخرى أيضا، و هي ظهورها في شيوع مطالبة الموالي بنفقات زوجات العبيد.

و برواية زرارة: عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه فدخل بها- إلى أن قال-: «و إن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها، إلّا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا» الخبر «1».

فإنّها ظاهرة في تعلّق الصداق بذمّة المولى، إذ لولاه لما كان لاشتراط عدم الزيادة و الكثرة وجه.

و تعضده أيضا رواية شريح: في عبد بيع و عليه دين، قال: «دينه على من أذن له في التجارة و أكل ثمنه» «2».

فإنّ الإذن في التجارة إذا كان موجبا لتعلّق الدين الحاصل منها بذمّة الآذن فكذا النكاح.

ثمَّ هذه الأخبار و إن اختصّت بالمهر أو النفقة، إلّا أنّ عدم الفصل يوجب التعدّي إلى الآخر أيضا.

خلافا للمحكي عن

المبسوط و القاضي و ابن سعيد «3» و قواه بعض المتأخّرين [1]، فقالوا: إنّه على كسب العبد:

______________________________

[1] كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 24.

______________________________

(1) الكافي 5: 478- 2، الفقيه 3: 283- 1349، التهذيب 7: 351- 1431، الوسائل 21: 115 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 2.

(2) التهذيب 8: 248- 897، الاستبصار 4: 20- 63، الوسائل 23: 90 أبواب العتق ب 55 ح 2.

(3) المبسوط 4: 167، القاضي في المهذّب 2: 220، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 442.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 187

إن كان مكتسبا- أي في ما يتجدّد من كسبه بعد النكاح- و إن كان المهر إلى أجل ففي ما يتجدّد من كسبه بعد الأجل.

و إن لم يكن مكتسبا، فإمّا على المولى أو على ذمّته، فيقال لزوجته:

إنّ زوجك معسر بالمهر، فإن صبرت و إلّا فلك خيار الفسخ.

و على هذا، فيجب على المولى أن يخلّي عبده للتكسّب نهارا و الاستمتاع ليلا، و ليس له استخدامه إلّا أن يلتزم المولى أن ينفق عليه و على زوجته من ماله، فله أن يستخدمه بشرط أن لا يزيد اجرة خدمته عمّا أنفق عليهما، فلو زادت عليه وجب عليه بذل الزائد إليه ليصرفه في المهر، و له أيضا استخدامه بقدر الإنفاق خاصّة و إطلاقه في الزائد ليكتسب و تصرف في المهر.

و استدلّ له بأنّ الأصل براءة ذمّة المولى، و الإذن في النكاح لا يستلزم تعلّق لازمه بالذمّة، و إنّما يستلزم الإذن في لازمه، و هو الكسب للمهر و النفقة، و أيضا فغاية العبد المكتسب إذا اذن في النكاح أن يصير في المهر و النفقة بمنزلة الحرّ المكتسب.

و قيل: تتعلّق النفقة- أو مع المهر كما يظهر من البعض-

برقبة العبد، لأنّ الوطء كالجناية «1».

و اختاره الفاضل و قال: إنّه أليق بمذهبنا، فإن أمكن أن يباع منه كلّ يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل و إلّا بيع كلّه- كما في الجناية- و وقف ثمنه ينفق عليها «2».

______________________________

(1) انظر المبسوط 4: 168.

(2) المختلف: 581.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 188

أقول: القول الأخير ضعيف دليلا، إذ ليس له دليل سوى الحمل على الجناية، و هو قياس مردود.

و أمّا قوله في رواية عليّ بن أبي حمزة المتقدّمة: «يعطيها سيّده من ثمنه».

فلا يدلّ على تعيين ذلك، فيمكن أن يكون من باب ذكر أحد أفراد المخيّر المتيقّن حضوره، و لذلك ذكره.

و أما القول الثاني، فهو الموافق دليله للأصل، كما يظهر وجهه، إلّا أنّه كان حسنا لو لا أدلّة القول الأول.

و هي أيضا و إن كانت قاصرة غير رواية عليّ بن أبي حمزة، أمّا الأول فلأنّ الإذن في النكاح يستلزم الإذن في لازمه، و لكن لازمه حيث يطلق تعلّق المهر و النفقة على الزوج لا غيره، و هو الأصل الثابت من الأدلّة.

نعم، لكون ذمّة الزوج هنا مشغولة بحقّ المولى و غير قادر على شي ء يستلزم تخلية ذمّته عن حقّه بهذا القدر و قدرته عليه، لأنّه يقدر بعد إذن المولى.

و بهذا التقرير يندفع ما قيل في تتميم الدليل المذكور من أنّه حيث كان المهر و النفقة لازمين للنكاح، و العبد لا يملك شيئا، و كسبه من جملة أموال المولى، كان الإذن فيه موجبا لالتزام ذلك، من غير أن يتقيّد بنوع خاصّ من ماله- كباقي ديونه- فيتخيّر بين بذله من ماله و من كسب العبد إن و في به، و إلّا وجب عليه الإكمال «1». انتهى.

فإنّ اللازم للنكاح المهر

و النفقة على الزوج، فكان الإذن فيه موجبا لالتزام ذلك في هذا النوع الخاصّ من المال.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 189

و أمّا الموثّقة، فلجواز كون التعليل لسقوط النفقة مطلقا لا عن المولى خاصّة، فإنّ السقوط المطلق يوجب السقوط عن المولى لو كان عليه أيضا، و إشعاره بشيوع ذلك ممنوع، لجواز أن يكون ذلك المولى ينفق عليها لكسب العبد و خدمته أو تبرّعا، فلذلك طلبتها الزوجة.

و أمّا رواية زرارة، فظاهرة، لأنّ المفروض فيها غير المأذون و لا المخيّر، و لا مهر عليه إجماعا.

و أمّا رواية شريح، فلابتنائه على حمل النكاح على التجارة، و هو قياس باطل.

إلّا [1] أنّ دلالة رواية ابن أبي حمزة على هذا القول واضحة، سيّما بملاحظة صحيحة أبي بصير، و لا يضر قوله: «يعطيها سيّده من ثمنه»، لأنّه لا يدلّ على وجوب ذلك مع أنّ الثمن أيضا مال المولى.

و لذلك يترجّح ذلك القول على القولين الآخرين، فهو الراجح.

مسألة: إذا زوّج الوليّ المولّى عليه ثبت من جهته التوارث

بلا خلاف نعرفه- كما قيل «2»- حتى ممّن خيّر الصبيّ عند الإدراك.

قال المحقّق في نكت النهاية: إنّ الخيار عند البلوغ لا ينافي التوارث «3».

لأنّه عقد صحيح شرعا يصيران به زوجة و زوجا، فثبت لهما التوارث، لإطلاق أدلّة توارث المتزاوجين، و الأصل بقاء الصحّة إلى طروّ المعارض، و هو اختيار الفسخ عند البلوغ.

______________________________

[1] هذه تتمّة قوله في الصفحة السابقة: و هي أيضا و إن كانت قاصرة ..

______________________________

(2) انظر كشف اللثام 2: 22.

(3) النهاية و نكتها 2: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 190

و ذلك بخلاف الفضولي، فإنّه لا تتحقّق الزوجيّة قبل الإجازة، و لذا لا يقال لردّه فسخا، و هو هنا ممتنع.

و يدلّ عليه- مع ذلك- الصحيحان: في الصبيّ

يتزوّج الصبيّة يتوارثان؟ قال: «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم» «1».

مسألة: التزويج الفضوليّ إمّا يكون من طرف واحد أو الطرفين.
اشاره

و على التقديرين: إمّا يكون في الكبيرين أو الصغيرين أو المختلفين.

فهذه ستّة أقسام.

و حكم الجميع- مع بقاء الطرفين حتى أجاز الفضوليّ منهما أو ردّ- واضح.

و لو مات المعقود عليه فضولا قبل الإجازة بطل العقد و المهر و الميراث و لو كان أحد الفضوليّين، سواء بقي الآخر الغير الفضوليّ أو الفضوليّ بعد الإجازة أو قبلها، و لا مهر و لا ميراث.

للأصل.

و لأنّ شرط الصحّة الإجازة، و لم يتحقّق، و بعبارة أخرى: لم تتحقّق العلّة التامّة للزوجيّة- و لو لفقد أحد جزئيها و هو الإجازة- أو لم تنكشف لنا الصحّة.

و لقوله في صحيحة الحذّاء: فإن ماتت الجارية و لم تكن أدركت أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: «لا، لأنّ لها الخيار إذا أدركت» «2».

و رواية عبّاد بن كثير: عن رجل زوّج ابنا له مدركا من يتيمة في

______________________________

(1) المتقدمان في ص: 125 و 131.

(2) الكافي 7: 131- 1، الوسائل 21: 326 أبواب المهور ب 58 ح 2 و 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 191

حجره، قال: «ترثه إن مات و لا يرثها، لأنّ لها الخيار و لا خيار عليها» «1».

و قريب منها في رواية عبيد الآتية.

و هي و إن اختصّت بموارد خاصّة، إلّا أنّ التعليل بقوله: «لأنّ لها الخيار» يثبت الحكم في جميع الموارد، و يبطل بموت ذي الخيار مطلقا.

و لو مات أحد الفضوليّين بعد الإجازة و قبل إجازة الآخر أو ردّه، أو مات غير الفضوليّ في صورة فضوليّة أحد الجانبين قبل إجازته أو ردّه، فمقتضى الأصل أيضا: بطلان العقد.

لأنّ الأصل عدم ترتّب الأثر على الإجازة بعد موت أحد

الطرفين، فإنّ جريان أدلّة صحّة الفضوليّ إلى مثل المقام غير معلوم.

مع أنّ بعد موت أحد الطرفين لا معنى لتأثيرها، إلّا على القول بكون الإجازة كاشفة، و هو أيضا أمر على خلاف الأصل غير معلوم إلّا من جهة دليل، لعدم قبول المحلّ حين الإجازة للزوجيّة، و عدم تحقق الزوجيّة قبل الإجازة.

إلّا أنّه ثبت بالنصّ الصحيح و غيره تأثير إجازة الحيّ الحاصلة بعد موت الآخر إذا كان لازما من طرف الميّت، بمعنى: أنّها تكشف عن تحقّق الزوجيّة أولا لا بمعنى تحقّقها حينئذ، و إلّا لما ثبت التوريث.

و هو صحيحة الحذّاء، و فيها: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي بالنكاح ثمَّ مات قبل أن تدرك الجارية أ ترثه؟ قال: «نعم، يعزل ميراثها منه حتى تدرك، فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها

______________________________

(1) الكافي 7: 132- 2، التهذيب 9: 383- 1367، الوسائل 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 192

بالتزويج، ثمَّ يدفع إليها الميراث و نصف المهر» «1».

و رواية عبيد بن زرارة: في الرجل يزوّج ابنه يتيمة في حجره و الابن مدرك و اليتيمة غير مدركة، قال: «نكاحه جائز على ابنه، فإن مات عزل ميراثها منه حتى تدرك، فإذا أدركت حلفت باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالنكاح، ثمَّ يدفع إليها الميراث و نصف المهر» قال: «و إن ماتت هي قبل أن تدرك و قبل أن يموت الزوج لا يرثها الزوج، لأنّ لها الخيار عليه إذا أدركت، و لا خيار له عليها» «2».

و تدلّ عليه أيضا رواية عبّاد المتقدّمة في صدر المسألة، و ذيل صحيحة الحلبي «3» المتقدّمة في مسألة ولاية الأب على الصغير،

و لا يضرّ كون صدرها في بيان حكم الطلاق الفضولي، إذ ظاهر أنّ قوله: «حتى يدرك أيّهما بقي فيحلف باللّه» و قوله: «إلّا الرضا بالنكاح» لا ربط له بالطلاق، فهو أيضا من أحكام النكاح الفضولي.

و هذه النصوص و إن كانت واردة في موارد خاصّة، إلّا أنّ منهم من خصّ الحكم بصورة كون المعقود عليهما صغيرين فضوليّين مع موت الزوج. و منهم من تعدّى إلى سائر الموارد بتنقيح المناط، حيث يعلم أنّه لا مدخليّة لشي ء من الخصوصيات في تأثير الإجازة.

نعم، مقتضى هذه النصوص بعد ردّ مطلقها إلى مقيّدها: أنّه يشترط أن يكون القبول لأجل الرضا بالنكاح، بل هو مقتضى الأصل أيضا، لأنّ المؤثّر هو إجازة النكاح لا غير.

______________________________

(1) الكافي 7: 131- 1، الوسائل 21: 326 أبواب المهور ب 58 ح 2 و 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

(2) الفقيه 4: 227- 721، الوسائل 21: 330 أبواب المهور ب 58 ح 14.

(3) الفقيه 4: 227- 722، الوسائل 26: 220 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 193

و أنّه لا يقبل قول المجيز في كون الإجازة للنكاح إلّا بعد الحلف، و الظاهر المتبادر أنّ الحلف إنّما هو في القبول ظاهرا، و أمّا بالنسبة إلى الواقع فلا يحتاج التأثير إلى الحلف، فلو أجازت الجارية واقعا و لم تحلف تحرم على ابنه و تجب عليها العدّة لو كان المقام مقام العدّة، و لو أجاز الزوج و لم يحلف تحرم عليه أمّها و عليه أداء مهرها.

و حينئذ، فهل توقف القبول على الحلف عامّ، أو يختصّ بموارد التهمة و ما احتمل فيه ابتناء القبول على غير الرضا بالنكاح؟

المتبادر هو: الأول [1]، لظهور أنّ

الحلف إنّما هو لبيان الواقع، فإذا كان الواقع معلوما فلا تترتّب على الحلف فائدة، و ذلك كما إذا أجاز أحدهما قبل اطلاعه على موت الآخر و قد مات واقعا، أو مع زعمه خلوّه عن الإرث أصلا ثمَّ ظهر له مال، أو إذا كان الحيّ زوجا و كان ما يجب عليه من المهر أضعاف ما يأخذه من الإرث و لم يتعلّق غرض بإثبات أعيان التركة.

و الحاصل: أنّ المناط القطع بعدم ابتناء الإجازة إلّا على الرضا بالنكاح.

و على هذا، فتعدّي الحكمين- أي ثبوت النكاح بالإجازة بعد موت من يلزم من جانبه، و توقّف الحكم به ظاهرا على الحلف مع ثبوت التهمة- إلى جميع موارد المسألة، من كون الزوجين صغيرين أو كبيرين، أو أحدهما صغيرا و الآخر كبيرا، مع كونهما فضوليّين، أو أحدهما فضوليّا و الآخر أصالة أو ولاية أو وكالة، و دليل التعدّي تنقيح المناط.

______________________________

[1] كذا و لعلّ الصحيح: الثاني.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 194

و منهم من خصّ بما إذا كان المعقود عليه فضولا الصغير، و عمّم الطرف الآخر بالنسبة إلى الصغير المعقود عليه فضولا أو ولاية أو الكبير المعقود عليه أصالة أو وكالة.

و الحاصل: أنّه خصّ أحد الطرفين بالصغير الفضولي، و هو مختار القواعد و المسالك و الروضة «1».

و استدل له بفحوى الخطاب، للزوم العقد هنا من الطرف الآخر، فهو أقرب إلى الثبوت و أولى منه ممّا هو جائز من الطرفين، كما في الصغيرين.

و منهم من خصّ بالصغيرين الفضوليّين مع تعميم الحكم بالنسبة إلى موت الزوج و الزوجة.

إذ من المعلوم أنّ الإرث هنا ليس إلّا للزوجيّة، و لا يعقل الفارق بين الزوج و الزوجة، و أيضا إذا ثبتت الزوجيّة لها بعد موته فأولى أن

تثبت له، للزوم المهر عليه «2».

و منهم من استشكل مع هذا التخصيص في صورة موت الزوجة أيضا.

لاختصاص النصّ- و هو صحيحة الحذّاء- بصورة موت الزوج.

و يناقش ذلك في جميع ما مرّ دليلا للتعميم مطلقا أو في بعض موارد المسألة بأنّ الحكم إنّما هو على خلاف الأصل، فيحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى مات أحد المعقود عليهما بعد اللزوم من طرفه و قبل إجازة الأخر.

______________________________

(1) القواعد 2: 7، المسالك 1: 459، الروضة 5: 145.

(2) انظر كشف اللثام 2: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 195

و التعدّي إنّما يتمّ لو علمنا علّة الحكم المنصوص، و هي غير معلومة، لأنّها في غير منصوص العلّة أمّا تعلم بالعقل أو الإجماع، و الأول لا مدخليّة له في المقام، و الثاني مفقود.

و عدم تعقّل الفارق لا يدلّ على عدم تحقّقه.

و ثبوت الأولويّة المدّعاة أيضا موقوف على العلم بالعلّة، و هو غير متحقّق.

فينحصر الحكم بما إذا كان المعقود عليهما صغيرين و مات الزوج.

أقول: لا يخفى أنّه لو كان اللازم القصر على المنصوص لما اختصّ بهذه الصورة أيضا، لثبوت الحكم- فيما إذا كان الزوج كبيرا أيضا- من روايتي عبّاد و عبيد، و في صورة موت الزوجة بصحيحة الحلبي.

بل يثبت الحكم في جميع الموارد بالعلّة المنصوصة في رواية عبّاد بقوله: «لأنّ لها الخيار و لا خيار عليها».

فإنّها تدلّ على توريث كلّ من كان له الخيار بعد موت من لا خيار له، و ظاهر أنّه لا يكون إلّا بعد الإجازة.

مع أنّ في عدم جريان تنقيح المناط في الموارد أيضا نظرا.

و لا يلزم من عدم القطع بالعلّة بالدليل العقليّ و لا بالإجماع عدم القطع به أصلا.

إذ قد يعلم بالاستقراء أو عدم معهوديّة اعتبار

مثل ذلك الفرق في الأحكام الشرعيّة، و أكثر ما ينقّح فيه المناط من ذلك القبيل.

فالحقّ: تعميم الحكم بالنسبة إلى جميع الموارد و ثبوت الأحكام الواقعيّة المترتّبة على الزوجية فيما بينه و بين اللّه سبحانه، و لا يختصّ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 196

الحكم بمجرّد التوريث و دفع المهر، إذ من الظاهر أنّ سببه ليس إلّا حصول الزوجيّة، إذ لا سبب آخر له، مع أنّه لا قائل بالفرق.

نعم، بقي الكلام في الاحتياج إلى الحلف في غير موارد النصّ بالحلف و عدمه.

و التحقيق: أنّ التعدّي إلى غير المنصوص إن كان لأجل العلّة المنصوصة لم يحتج إلى الحلف، لأنّها تدلّ على أنّ الخيار و عدم الخيار علّة للتوريث و عدمه، غاية الأمر أنّه ضمّ إليه الإجازة أيضا بالإجماع، و ضمّ الغير لا دليل عليه، إلّا فيما ثبت الحلف أيضا بالنصّ.

و إن كان لأجل تنقيح المناط خاصّة احتاج إليه، و الوجه ظاهر.

فروع:
اشاره

أ: الحلف مختصّ بصورة التهمة و الاحتمال كما مرّ.

لما مرّ من التبادر.

ب: الحلف إنّما هو لحكم الغير بالزوجيّة و التوارث.

و أمّا لو لم يحتج إلى حكم الغير- كأن تكون التركة بيد الباقي و لم يعلم به غيره- فلا حاجة في توريثه إلى حلفه بعد ما علم من نفسه أنّ الرضا إنّما هو بالنكاح.

لإطلاق قوله في رواية عبّاد: «ترثه إن مات».

و اختصاص صور الحلف بما إذا احتاج إلى دفع الغير.

لقوله: «ثمَّ يدفع إليها الميراث و نصف المهر».

ج: المحلوف عليه و إن كان أخذ الميراث- للتقييد في النصوص بقوله

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 197

«ما دعاها إلى أخذ الميراث»- و لكن دفع المهر أيضا يتوقّف عليه.

للحكم في النصوص بدفع نصف المهر بعد الحلف، للإتيان بلفظة:

«ثمَّ» الدالّة على

التعقيب.

د: و إذ عرفت أنّ مقتضى إطلاق العلّة: ثبوت التوريث الذي هو أمارة الزوجيّة بمجرّد الإجازة، و أنّ الحلف إنّما هو لحكم الغير في دفع الإرث و المهر.

تعلم أنّه لا حاجة إليه في غيرهما، فثبت المهر على الزوج إذا كان هو الباقي خاصّة بمجرّد الإجازة من دون الحلف، مع أنّ الإجازة كالإقرار في حقّ نفسه بالنسبة إلى ما يتعلّق به كالمهر، و إنّما كان يتوقّف دفع الإرث و المهر على اليمين لقيام التهمة و عود النفع إليه محضا، فثبت ما يعود عليه دون ماله.

و لا بعد في تبعّض الحكم و إن تنافى الأصلان الموجبان لهذين الحكمين- أي الزوجيّة و عدمها- و له نظائر كثيرة:

منها: ما مرّ فيما إذا اختلفا في تحقّق النكاح، فإنّ مدّعيه يحكم عليه بلوازم الزوجيّة دون المنكر، و إطلاق النصّ بتوقّف الإرث على حلفه لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر.

فإن قيل: ليس هناك دليل آخر مثبت للمهر، إذ لا دليل على تأثير الإجازة في الزوجيّة بعد موت أحد الطرفين إلّا أخبار التوريث، من جهة أنّ التوريث لا يكون إلّا للزوجيّة، فثبوت الزوجيّة ليس إلّا بواسطة ثبوت التوريث، فهي موقوفة عليه، و التوريث فيما فيه الحلف موقوف على الحلف، فثبوت الزوجيّة الموجبة للمهر موقوف على الحلف.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 198

قلنا: لا نسلّم أنّ التوريث موقوف على الحلف في الواقع، بل الموقوف عليه هو دفع الميراث لأجل التهمة.

و الحاصل: أنّه إن كان صادقا في الرضا بالنكاح يرث، و لكن لمّا لم يعلم صدقه في موضع التهمة إلّا بتوسّط حلفه فالدفع إليه يتوقّف عليه، أمّا فيما ليس موضعا للتهمة- كدفعه المهر- فلا حاجة إليه، فهو زوج بإقراره و إن لم نعلمه

واقعا، فيترتّب عليه ما يكفي فيه إقراره لا ما يتوقّف على علمنا.

ثمَّ إنّه هل يرث من ذلك المهر حتى يكون اللازم عليه أداء نصف ما عليه من المهر، أو لا؟

الظاهر هو: الأول، كما عن فخر المحقّقين «1» و جماعة [1]، إذ إقراره لا يثبت إلّا ذلك.

و الحاصل: أنّ وجوب دفع المهر ليس إلّا للإقرار بالزوجيّة، و الزوجيّة سواء كانت إقراريّة أو واقعيّة لا تثبت إلّا نصف المهر، فالمدّعى أنّه لم يثبت إلّا النصف، لا أنّه ثبت الجميع و يرث نصفه بالزوجيّة، حتى يرد أنّ الإرث يتوقّف على اليمين، و كيف؟! مع أنّه لا يخلو إمّا أن يكون صادقا في الإجازة أو كاذبا، فإن كان صادقا فالمهر نصفه له، و إلّا فكلّه.

ه: لو مات الباقي بعد الإجازة و قبل اليمين، فيما فيه اليمين، فالظاهر عدم استحقاق وارثه شيئا من إرث الطرف الآخر.

لأنّ استحقاقه فرع استحقاق مورّثه، الموقوف على الحلف، الممتنع تحقّقه حينئذ، و عدم توقيف حلف وارثه و لو ادّعى العلم، و تمام الزوجيّة

______________________________

[1] كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 23 و صاحب الرياض 2: 83.

______________________________

(1) الإيضاح 3: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 199

بمجرّد الإجازة- بحسب علمنا- في مقام التهمة ممنوع.

و: لو جنّ الباقي قبل الأمرين أو أحدهما:

فمع اليأس عن الإفاقة فكالميّت.

و مع رجائه يعزل نصيبه إلى أن يفيق فيحلف.

لإطلاق الروايات بالعزل إلى الحلف.

ز: لو كانت تركة الطرف الميّت ما لا يمكن عزل نصيب الباقي خاصّة، بأن يكون ممّا لا يقبل القسمة، يتصرّف فيه وليّ الطرف الآخر مع سائر الورثة بما أمكن.

و التوضيح: أنّ المراد بالعزل ليس طرحه و إبقاؤه مهملا من جميع الوجوه، بل المراد: عزله عن القسمة، فلا يقسّم بين الورثة، و

يكون الحال فيه مشتبها في أنّه هل مال الوارث أو الطرف الآخر ليس إلّا، فينبغي أن يتصرّف فيه المأذون عنهما بما يصلح بأن يقوّم على أحدهما أو على ثالث أو نحو ذلك ممّا يجوز للوليّ.

و كذا إذا كان المال ممّا يضيّع بالإبقاء، و لو لم يتّفقا على أمر واحد يرجع إلى الحاكم الشرعي.

ح: النكاح إذا كان فضوليا من طرف واحد و بالمباشرة لنفسه أو لموكّله أو لمن يلي أمره من طرف آخر، يلزم من ذلك الطرف و لا خيار له.

لما مرّ في الأخبار المتكثّرة من قوله: «و لا خيار عليها» «1».

ط: إذا كان أحد طرفي العقد فضوليّا و الآخر لازما، صرّح جماعة

______________________________

(1) راجع: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 200

منهم: الفاضل في القواعد و الهندي في شرحه «1»، و طائفة من معاصرينا «2»- بأنّه يثبت تحريم المصاهرة في حقّ اللّازم، بمعنى: أنّه في حكم المتزوّج بالعقد اللّازم من الطرفين، فيحرم عليه ما يحرم عليه.

فإن كان اللزوم من جانب الزوج يحرم عليه تزويج أخرى دائما إن كانت هذه رابعة و تزويج أخت هذه المرأة و بنتها و أمّها.

و إن كان من جانب الزوجة فلا يجوز لها التزويج بغيره.

كلّ ذلك لصدق التزويج و النكاح على ذلك و إن كان فضوليّا من الطرف الآخر، فإنّه نكاح صحيح، بل لازم من ذلك الطرف، بل صرّح في الروايات بأنّه نكاح صحيح، و أنّه نكاح جائز، و أنّه تزويج، و نحو ذلك، فتشمله أخبار حرمة نكاح أخت المنكوحة و أمّها و بنتها و خامستها و نكاح المتزوّجة و نحو ذلك.

فإن قيل: فعلى هذا يلزم ثبوت تحريم المصاهرة في حقّ غير اللّازم أيضا و كذا الفضوليان، لصدق النكاح.

قلنا: إتيان الفضوليّ بما

يحرم على اللّازم ردّ للعقد فلذا يجوز، مع أنّ لنا أن نسلّم اللّازم لو لا الدليل على خلافه، و لكنّه قائم، و هو الإجماع على عدم التحريم من جانب الفضولي، بل تدلّ عليه أيضا الأخبار المصرّحة بصحّة العقد الأخير أيضا إذا زوّج فضوليّان على واحد و بأنّه لو أجاز الأخير يلزم «3»، و لو كان يحرم على الفضوليّ ما يحرم على اللّازم لكان العقد الأخير باطلا لا تنفع فيه الإجازة.

______________________________

(1) القواعد 2: 7، كشف اللثام 2: 23.

(2) كصاحب الحدائق 23: 288 و صاحب الرياض 2: 83.

(3) الكافي 5: 397- 3، التهذيب 7: 387- 1554، الوسائل 20: 282 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 201

و أمّا توهّم أنّ سبب الفرق بين الجانب اللّازم و غير اللّازم في تحريم المصاهرة في الأول لزوم العقد بالنسبة إليه.

فليس بجيّد، إذ لو كان النظر إلى صدق التزويج و النكاح فنسبته إليهما سواء، و لو كان إلى تبادر التزويج اللّازم فلو سلّم فالمتبادر هو اللّازم من الطرفين، و أمّا من الطرف الواحد فكالمتزلزل من الطرفين، فالسبب في عدم التحريم في جانب غير اللّازم هو ما مرّ.

إلّا أنّه يمكن أن يقال أيضا: إنّ المتبادر من النكاح و التزويج و الزوجة و العقد هو ما كان لازما من الطرفين أو واقعا منهما أصالة أو وكالة دون نحو ذلك [1].

مع أنّه لو أفاد هذا الصدق لزم حرمة تزويج المعقودة فضولا على أب الزوج و ابنه و نحو ذلك ممّا هو باطل قطعا، و إلّا لأمكن لكلّ أحد تحريم كلّ امرأة على أبيه أو ابنه، و نحو ذلك لو أراد.

و قد يستدلّ على تحريم المصاهرة بأنّه قد صرّح

في الأخبار المتقدّمة بأنّه: «لا خيار عليها» و مقتضى جواز المصاهرة ثبوت الخيار، إذا لو جازت لجاز له نكاح بنتها و أمّها و وطؤهما، و لو وطئ إحداهما لم تؤثّر إجازة المعقودة، لحرمة بنت الموطوءة و أمّها، و هو عين ثبوت الخيار عليها، و يثبت تمام المطلوب بعدم الفصل.

و فيه: أنّ هذا يتمّ لو كان الوطء سابقا على العقد الفضولي، و أمّا بعده فلا نسلّم الحرمة.

______________________________

[1] في «ح» زيادة: سيّما على القول بالكشف مع أصالة عدم تحقّق الزوجية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 202

و قد يستدلّ أيضا بأنّه يمكن أن يكون النكاح اللازم واقعا فكشفت عنه الإجازة.

و فيه: أنّ الأصل عدم وقوعه و عدم تحقّق الإجازة.

و بالجملة: لا دليل تامّا على تحريم المصاهرة، و أقرب الأدلّة إلى التمام هو: الأول من صدق الزوجيّة و النكاح، فينبغي أن يكون هو الدليل، و يمنع التبادر المذكور، سيّما مع أنّ الفضوليّ كثير، كما تشهد به الأخبار، و يستند فيما يقطع بعدم تحريمه من تزويج الأب و الابن و نحوهما بالإجماع.

ى: لو فسخ المعقود فضولا العقد، فلا شكّ في حليّة جميع ما مرّ من المصاهرات حتى تزويج البنت.

لكون الامّ غير مدخولة.

إلّا في الأمّ، فإنّ فيها إشكالا، يعني: إذا كانت المعقودة فضولا البنت ففي تحريم أمّها- بعد تحقّق الفسخ من البنت- إشكال.

نظرا إلى أنّ حرمة أمّ الزوجة ليست مشروطة بالدخول ببنتها على الأصحّ، و لا ببقاء زوجيّة البنت، بل هي محرّمة أبدا، و يصدق عليها أنّها أمّ زوجته بالعقد الصحيح.

و إلى أنّ الفسخ يرفع النكاح من أصله، فهو كاشف عن الفساد من أصله، سواء قلنا: إنّ الإجازة كاشفة أو ناقلة، فوجود النكاح كعدمه.

و أيضا تحريم الأمّ إنّما هو بالعقد

الصحيح، و هو موقوف على إيجاب و قبول صحيحين، و المفروض عدمه عن جانب الزوجة، فوجوده حينئذ كعدمه، و لا ينفع القبول وحده.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 203

و الأظهر هو: الأول.

لما مرّ من صدق أمّ الزوجة بالعقد الصحيح اللّازم بالنسبة إليه، و لا يضرّ كشف الفسخ عن الفساد من أصله، لأنّ المسلّم من الكشف أنّه ينكشف عدم تحقّق الزوجيّة اللّازمة من الطرفين، أو عدم تحقّق ما تترتّب عليه جميع الآثار أولا، لا أنّه لم يتحقّق نكاح و زوجيّة أصلا، كيف؟! و هو أمر مشاهد أنّه تحقّق العقد الفضوليّ من جانب اللّازم من آخر و كانت له آثار مترتّبة عليه قطعا، من تأثير الإجازة لو تعقّبته، و تحريم المصاهرة على الطرف اللّازم قبل الفسخ، و نحو ذلك.

و هذا القدر من صدق التزويج و النكاح كاف، و لو لا كفايته يلزم عدم تحريم المصاهرة مطلقا قبل الفسخ أيضا.

أمّا على كون الإجازة ناقلة، فلعدم تحقّق الجزء، و عدم تحقّق الإيجاب و القبول الصحيحين.

و أمّا على كونها كاشفة، فلعدم العلم بتحقّق الزوجيّة، فيستصحب عدم تحقّقها، و حلّية الأخت و البنت و غيرهما.

و العجب من بعض من يقول بتحريم المصاهرة قبل الفسخ [1]، مستدلا بأنّه نكاح صحيح لازم من جانبه، و عدم تحريم الامّ بعد الفسخ، تمسّكا بعدم حصول الإيجاب و القبول الصحيحين.

و من هذا يظهر عدم جواز نكاح الامّ لو ماتت الزوجة قبل الردّ أو الإجازة أيضا.

يا: إذا كان العقد لازما من جانب الزوج فضوليّا عن الزوجة، فهل

______________________________

[1] كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد 12: 159، 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 204

يصحّ للزوج الطلاق قبل إجازة الزوجة أم لا؟

قيل: لا، لأنّ وضع الطلاق إنما هو لرفع

نكاح ثابت، و الفضولي ليس كذلك، إذ النكاح الثابت لا يحصل إلّا بإذن المرأة أولا أو إجازتها ثانيا، و لا معنى لثبوته من طرف واحد.

و أمّا ما قيل من أنّ النكاح لازم من جهة الزوج و له طريق إلى رفعه بالطلاق، لأنّه لا معنى لثبوت نكاح و لزومه مع عدم جواز الطلاق، و لم يرد مثله في الشرع.

ففيه: أنّ المسلّم ممّا ورد في الشرع جواز الطلاق على النكاح الثابت من الطرفين لا من طرف واحد، و عدم تصريح الشرع بعدم الجواز لا يستلزم التصريح بجوازه، و المحتاج إليه في التوقيفيّات هو الثاني.

و أمّا ما قد يقال من أنّا إن قلنا: إنّ الإجازة كاشفة، نقول: إنّ الطلاق حينئذ يكون مراعى، فإن أجازت فقد وقع الطلاق، و إن فسخت تبيّن بطلان النكاح و الطلاق معا.

ففيه: منع صحّة الطلاق مراعى بالإجازة، بل الظاهر أنّ بطلانه إجماعي.

أقول: المسلّم أنّ وضع الطلاق إنّما هو لرفع النكاح الصحيح، و أمّا أنّه رفع النكاح اللازم من الطرفين فلا، و أيّ دليل يدلّ عليه؟! فإن قيل: الجواز يحتاج إلى دليل.

قلنا: الدليل إطلاق مثل قوله: «إنّما الطلاق بعد النكاح»، و:

«لا يكون طلاق إلّا بعد نكاح» «1»، و نحو ذلك، فإن شككت في صدق

______________________________

(1) راجع الوسائل 22: 31 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 205

النكاح على ذلك أو ظننت تبادر اللازم من الطرفين منه، فيلزم عليك مثله في تحريم المصاهرة قبل الفسخ، مع أنّ هذا القائل يحرّمها، لصدق النكاح و الزوجة و نحوهما.

و بالجملة: إنّي لا أفهم فرقا من حيث التوقّف على النكاح بين هذا الفرع و بين فرع تحريم المصاهرة.

نعم، يمكن التفرقة من وجه آخر، و هو

أنّ ثمرة الطلاق- بل معناه- هو جعل الزوجة خليّة مختارة لنفسها مطلقة عنانها، و هي هنا كذلك قبل الطلاق أيضا، فلا معنى لوقوع الطلاق عليها.

مضافا إلى ما في موثّقة سماعة: «و لا طلاق إلّا بعد ما يملك الرجل» «1».

و في رواية محمّد بن قيس: «لا يطلّق إلّا ما يملك» «2».

و لا ريب أنّه ما دامت الزوجة مختارة و لم يلزم النكاح من جانبها لا يصدق أنّه يملك، فلا يكون طلاق، و من هذا الطريق يقوى جانب عدم صحّة الطلاق.

يب: لو زوّج أحد امرأة فضولا، و لم تعلم به الامرأة، فتزوّجت بغيره لزوما، فلا ينبغي الريب في صحّة ذلك العقد كما مرّ.

ثمَّ إذا اطّلعت على أنّه عقد عليها فضولا أيضا، فهل يجوز لها إمضاء الفضوليّ و فسخ النكاح المتأخّر؟

أو لا، بل المتأخّر لازم؟

______________________________

(1) الكافي 6: 63- 2، الوسائل 22: 33 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 12 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 6: 63- 5، الوسائل 22: 32 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 206

الظاهر هو: الثاني، إذ تأثير الإجازة في لزوم الفضوليّ إذا لم يمنع منه مانع، و هو هنا موجود، لاستلزامه إمّا تزويج زوجة واحدة بزوجين في زمان واحد، أو بطلان نكاح لازم، أو تحقّق خيار الفسخ فيه من غير دليل، و الكلّ باطل.

فإن قيل: عمومات تأثير الإجازة تصلح دليلا له.

قلنا: أين العموم الشامل لمثل ذلك المورد؟! غايته العموم بتوسّط ترك الاستفصال الغير الجاري في الفروض النادرة قطعا، سيّما مع قيام القرائن في أكثر تلك الموارد أو جميعها على عدم كونها ممّا نحن فيه، و لو كانت الإجازة مؤثّرة في المقام لأثّرت فيما إذا وقع

الفضولي بعد النكاح اللّازم أيضا، و بطلانه ظاهر.

و منه يظهر الحال فيما لو زوّج الفضوليّ رجلا بامرأة، و زوّج هو نفسه أمّها أو أختها جهلا.

مسألة: إذا كان هناك جدّ و أب و زوّجا من عليه الولاية لهما بشخصين:

فإن اختلفا زمانا فالعقد للسابق منهما و إن كان أبا، سواء علم كلّ منهما بعقد الآخر أم لا، بالإجماع كما عن السرائر و الغنية و التذكرة «1».

لصحيحة هشام و ابن حكيم: «إذا زوّج الأب و الجدّ كان التزويج للأول، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجدّ أولى» «2».

و موثّقة عبيد: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل و يريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر، فقال: «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّا إن لم

______________________________

(1) السرائر 2: 561، الغنية (الجوامع الفقهية): 409، التذكرة 2: 594.

(2) الكافي 5: 395- 4، الفقيه 3: 250- 1193، التهذيب 7: 390- 1562، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 207

يكن الأب زوّجها قبله، و يجوز عليها تزويج الأب و الجدّ» «1».

و إن اقترنا ثبت عقد الجدّ إجماعا أيضا، كما عن الكتب الثلاثة، و في الروضة: لا نعلم فيه خلافا «2».

للروايتين المتقدّمتين، و المذكور فيهما و إن كان مجرّد الأولويّة- و هي غير صريحة في التعيين- إلّا أنّها مرجّحة لعقد الجدّ و دالّة على صحّته، و أمّا صحّة عقد الأب فغير معلومة.

و التوضيح: أنّ مع اقتران العقدين لا يمكن الحكم بصحّتهما:

فإمّا يبطلان معا.

أو يصحّ أحدهما لا على التعيين، بمعنى: تخيّر المعقود عليه في التعيين.

أو يصحّ أحدهما معيّنا.

و الأول خلاف الأصل- و إنّما كان يحكم به في عقدي الوكيلين المقترنين، لعدم المرجّح، و هو هنا موجود، و هو تصريح الشارع بأولويّة عقد الجدّ- بل خلاف

مدلول الأخبار أيضا.

و الثاني أيضا خلاف الأصل، لأنّ تأثير اختيار المعقود عليه في صحّة العقد أمر مخالف للأصل.

فتعيّن الثالث، و لا ضير فيه، و عدم إمكانه في عقد الوكيلين لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح، و هو هنا غير لازم، فيجب ترجيح ما رجّحه الشارع،

______________________________

(1) الكافي 5: 395- 1، الفقيه 3: 250- 1192، التهذيب 7: 390- 1560، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 2.

(2) الروضة 5: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 208

لمعلوميّة صحّته دون غيره.

و لو تشاحّا قبل العقد، قالوا: يقدّم اختيار الجدّ، بل عليه الإجماع عن الانتصار و الخلاف و المبسوط و السرائر و التذكرة «1».

و تدلّ عليه الموثّقة السابقة، و صحيحة محمّد: فقلت: فإن هوى أبوها رجلا و جدّها رجلا، فقال: «الجدّ أولى بنكاحها» «2».

و ليس مرادهم بتقديم اختياره سقوط ولاية الأب، للاتّفاق على صحّة عقده لو سبق على الجدّ و عقد.

فالمراد: إمّا وجوب تقديمه الجدّ، أو استحباب ذلك، و الأخبار قاصرة عن إفادة الأول، فالظاهر هو الثاني، أي يستحبّ للأب ترك التشاحّ و تفويض الأمر إلى الجدّ، و يشعر بذلك قوله في آخر الموثّقة: «و يجوز عليها تزويج الأب و الجدّ» بعد تصريحه بأولوية الجدّ.

بل تصرّح به موثّقة البقباق: فإن هوي أبو الجارية هوى و هوى الجدّ هوى و هما سواء في العدل و الرضا، قال: «أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ» «3».

مسألة: لو وكّلت رجلين و زوّجاها بشخصين:

فإن سبق أحدهما بالنكاح فالعقد له مطلقا و بطل المتأخّر كذلك،

______________________________

(1) الانتصار: 121، الخلاف 4: 269، المبسوط 4: 176، السرائر 2: 561، التذكرة 2: 594.

(2) الكافي 5: 395- 2، التهذيب 7: 390- 1561، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب

11 ح 1.

(3) الكافي 5: 396- 5، التهذيب 7: 391- 1564، الوسائل 20: 290 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 209

دخل بها المتأخّر أم لا، لوقوع الأول صحيحا، و الثاني باطلا لوقوعه عليها و هي في عصمة الأول، و تعاد إلى الأول حينئذ مع عدم الدخول، و بعد انقضاء العدّة من الثاني لوطء الشبهة مع جهلهما أو جهل الواطئ خاصّة مع الدخول، و يكون المهر لها على الأول أو جهلها خاصّة دون الثاني، لكونها بغيّا لا مهر لها، و كذا مع علمهما.

و هل ما يكون لها هو مهر المثل، كما عن جماعة، منهم: المبسوط و التحرير «1»؟

أم المسمّى، كما عن محتمل التذكرة «2»؟

مقتضى الأصل: الأول، لعدم دليل على لزوم المسمّى، و إقدامها بالرضا به لا يفيد، للأصل، و إناطة الرضا بالصحّة لا مطلقا فهو الأظهر.

و أمّا ما في خبر محمّد بن قيس: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في امرأة أنكحها أخوها رجلا، ثمَّ أنكحتها أمّها رجلا بعد ذلك، فدخل بها فحبلت فاحتقّا فيها، فأقام الأول الشهود فألحقها بالأول و جعل لها الصداقين جميعا، و منع زوجها الذي حقّت له أن يدخل بها حتى تضع حملها، ثمَّ ألحق بأبيه الولد» «3».

و المحمول على صورة وكالة العاقدين، و إن كان الظاهر منه المسمّى، إلّا أنّه- لكونه قضيّة في واقعة مخصوصة- يحتمل أن يكون المسمّى هو مهر المثل، كما هو الغالب أيضا، فلا يفيد شيئا.

______________________________

(1) المبسوط 4: 182، التحرير 2: 8.

(2) التذكرة 2: 597.

(3) الكافي 5: 396- 1، التهذيب 7: 386- 1552، الاستبصار 3: 240- 859، الوسائل 20: 280 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 7

ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 210

و إن اقترنا زمانا بطلا إجماعا- فيما عدا الأخوين- لامتناع الحكم بصحّتهما، و لا بصحّة أحدهما معيّنا، لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح، و لا غير معيّن بأن يكون لها التخيير، لأصالة عدم تأثير التخيير في التعيين.

و لا مهر على أحد و لا ميراث لأحد منهما و لا منه.

و عن المختلف: نفي البعد عن أن يكون لها الخيار الذي يكون في الفضولي، لزوال ولاية كلّ منهما، لوقوع عقده حال عقد الآخر فيكونان فضوليّين «1».

و فيه: منع إيجاب ما ذكر لزوال الولاية.

و أمّا في الأخوين ففيه يأتي.

مسألة: لو زوّجها الأخوان برجلين:

فإن لم يكونا وكيلين فالعقدان فضوليّان، اختارت أيّهما شاءت و إن شاءت فسخهما، اقترنا زمانا أو اختلفا.

و لكن ينبغي لها اختيار من عقد عليه الأكبر منهما مع تساوي المعقود عليهما في الرجحان الشرعي، كما ذكره جماعة [1].

لخبر وليد: عن جارية كان لها أخوان زوّجها الأكبر بالكوفة و زوّجها الأصغر بأرض أخرى، قال: «الأول بها أولى، إلّا أن يكون الأخير قد دخل بها، فهي امرأته و نكاحه جائز» «3».

______________________________

[1] منهم العلّامة في التحرير 2: 7، الشهيد الثاني في الروضة 5: 151، صاحب الرياض 2: 83.

______________________________

(1) المختلف: 537.

(3) الكافي 5: 396- 2، التهذيب 7: 387- 1553، الاستبصار 3: 239- 858، الوسائل 20: 281 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 211

و في دلالته نظر، لاحتمال أن يكون الترجيح باعتبار الأوليّة دون الأكبريّة، إلّا أنّ فتوى جمع من الأصحاب- سيّما مع ما ورد من أنّ: «الأخ الأكبر بمنزلة الأب» «1»- [تقتضي أن يكون الاعتبار بالأكبريّة] [1].

ثمَّ إنّ كلّ ذلك إذا لم تدخل بأحدهما.

و أمّا معه قبل الإجازة

بلفظ و نحوه، ثبت عقد من دخلت به و بطل الآخر.

لأنّه أقوى الإجازات.

و لرواية الوليد المذكورة.

و إن كانا وكيلين فكالأجنبيّين الوكيلين على الأظهر الأشهر، و قد مرّ.

خلافا للمحكيّ عن النهاية و القاضي «3»، فالعقد عقد أكبرهما مطلقا، اقترنا زمانا أم اختلفا، إلّا مع دخول من عقد عليه الأصغر- لا مع سبق عقد الأكبر- فيقدّم عقد الأصغر.

و عن ابن حمزة «4»، فيقدّم عقد الأكبر مع الاقتران مطلقا.

و عن التهذيبين و المختلف و ابن سعيد «5»، فكذلك، إلّا مع دخول من عقد عليه الأصغر.

و لم أعثر على دليل لشي ء من هذه الأقوال، إلّا خبر وليد المذكور.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) التهذيب 7: 393- 1576، الاستبصار 3: 240- 860، الوسائل 20: 283 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 8 ح 6.

(3) النهاية: 466، القاضي في المهذّب 2: 195.

(4) الوسيلة: 300.

(5) التهذيب 7: 387، الاستبصار 3: 240، المختلف: 537، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 437.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 212

و فيه- مع عدم انطباقه على شي ء من الأقوال- أنّ مبنى الاستدلال عليه على كون المراد من الأول الأخ الأكبر و كون الأخوين فيه وكيلين، و لا إشعار بشي ء من الأمرين فيه أصلا، فيحتمل كونهما فضوليّين، كما يقتضيه الأصل و الإطلاق و الظاهر و أصول المذهب، إذ يصحّ الحكم حينئذ بتقديم من حصل في حقّه الدخول، لكونه إجازة، و يرفع الإشكال في تقديم الأول مع عدم الدخول، لكونه على سبيل الاستحباب.

مسألة: لو زوّج الوكيلان أو الوليّان و جهل السبق و الاقتران

، أو علم السبق و جهل السابق منهما ابتداء أو نسيانا:

فعن المبسوط و التحرير: أنّه يوقف النكاح حتى يتبيّن، لأنّه إشكال يرجى زواله «1».

و ذهب جماعة إلى عدم الإيقاف، لأنّه ربما لا يزول، و

فيه إضرار بالمرأة عظيم [1].

و هو بالأدلّة القطعيّة منفي.

ثمَّ على القول بعدم الإيقاف:

ففي بطلان النكاح.

أو الرجوع إلى القرعة.

أو فسخ الحاكم للنكاحين.

أو جبرهما على الطلاق.

______________________________

[1] منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 25 و صاحب الرياض 2: 84.

______________________________

(1) المبسوط 4: 181، التحرير 2: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 213

احتمالات أربعة، ذكرها في الكفاية «1» و غيره [1].

و الأول محكيّ عن المبسوط و التحرير «3».

و الثاني جوّزه في القواعد و التذكرة «4».

و الأخيران في القواعد «5»، و قوّى في التذكرة الأخير «6».

و الحقّ: أنّ المجهول إن كان السبق و الاقتران و كان العاقدان غير الأب و الجدّ معا لا يجب الإيقاف و يبطل النكاح.

لأصالة عدم سبق أحدهما فيقترنان فيبطلان.

و لأصالة عدم تحقّق الزوجيّة و عدم حلّية البضع إلى أن يتيقّن النكاح الصحيح.

و كون الاقتران مخالفا للظاهر لا يفيد، لترجيح الأصل على الظاهر.

و أصالة عدم صحّة نكاح آخر إذا وقع بعدهما لاحتمال صحّة أحد النكاحين غير نافعة، لأنّ الأصل الأول مزيل لذلك الأصل، فإنّ بعد جريان الأصل الأول لا يبقى شكّ في صحّة النكاح اللّاحق، و هذا من باب تعارض الأصلين اللذين يكون أحدهما مزيلا للآخر و لا عكس، فيجب تقديم المزيل.

و إن كان المجهول السبق و الاقتران في عقد الأب و الجدّ معا، أو كان

______________________________

[1] كالمسالك 1: 462.

______________________________

(1) الكفاية: 157.

(3) المبسوط 4: 181، التحرير 2: 8.

(4) القواعد 2: 8، التذكرة 2: 597.

(5) القواعد 2: 8.

(6) التذكرة 2: 597.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 214

المجهول السابق مع العلم بسبق أحدهما، فإن يرج زوال الاشتباه من غير ضرر و جرح يجب، لعدم الدليل على أمر آخر غيره حتى القرعة، لعدم كون مثل ذلك مشكلا بل و

لا مجهولا، فيستصحب كونها مزوّجة لأحدهما.

و إن لم يرج- إمّا مطلقا، أو إلّا مع ضرر، أو حرج و مشقّة- لا يوقف، لنفي هذه الأمور في الشريعة، بل تجب القرعة، لأنّها لكلّ أمر مشكل، و في رواية محمّد بن حكيم: «في كلّ أمر مجهول القرعة» «1»، فيحكم بزوجيّة من وقعت عليه و يردّ الآخر، و لا يصغى إلى من ينفيها، لكون المقام مقام الاحتياط، و لا يحصل العلم من القرعة، لأنّه اجتهاد في مقابلة الدليل، و لو صحّ ذلك لزم عدم الحكم باليمين و البيّنة في الأنكحة أيضا.

و أمّا الاحتمالان الآخران، فلا دليل عليهما مع كونهما مخالفين للأصل محتاجين إلى التوقيف.

و الاستدلال لثانيهما بتوقّف اندفاع الضرر عليه، و هو لا يمكن إلّا بالطلاق فيجبر عليه، و إذ لا مخصّص لأحدهما بالإجبار فيجبران، و إجبار الحاكم بمنزلة الاختيار، و لأولهما بدعاء الضرورة إليه و سلامته من الإجبار المنفيّ بالطلاق.

ضعيف، لمنع التوقّف، و منع كون إجبار الحاكم بدون دليل بمنزلة الاختيار، و منع دعاء الضرورة لما ذكر.

ثمَّ بعد القرعة، هل يؤمر من لم تقع له القرعة بالطلاق و من وقعت له بتجديد النكاح- كما في القواعد «2»- لما في أمر النكاح من الاحتياط؟

______________________________

(1) الفقيه 3: 52- 174، التهذيب 6: 240- 593، الوسائل 27: 259 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13 ح 11.

(2) القواعد 2: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 215

الحقّ: لا، للأصل.

مسألة: لو ادّعي السبق فلا يخلو: إمّا يدّعيه أحد الزوجين. أو كلاهما.

فإن ادّعاه أحدهما:

فإمّا يصدّقه الآخر.

أو يقول: لا أدري.

و على التقديرين:

فإمّا تصدّقه الزوجة.

أو تكذّبه.

أو تقول: لا أدري.

فإن صدّقاه فالحكم واضح.

و إن قال الآخر: لا أدري، و صدّقت الزوجة المدّعي، فالزوجة لمدّعي السبق، لاعتراف الزوج و الزوجة بالزوجيّة، و عدم معارض و لا مدّع

لخلافها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    215     مسألة: لو ادعي السبق فلا يخلو: إما يدعيه أحد الزوجين. أو كلاهما. ..... ص : 215

كذا عكسه إن قالت: لا أدري و صدّقه، لسقوط حقّ الآخر بالتصديق، فينحصر الحقّ في المدّعي.

و إن كذّبته يرجع إلى ما إذا ادّعى رجل زوجيّة امرأة و ادّعت هي زوجيّة الآخر، سواء صدّقه أو قال: لا أدري، و قد مرّ حكمه.

و إن قالا: لا أدري [1]، فالحكم القرعة، لما مرّ.

______________________________

[1] في بعض النسخ: أدري، بدل: لا أدري.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 216

و إن ادّعى كلّ منهما سبق عقده:

فإمّا تصدّق الزوجة أحدهما.

أو تنكر السبق مطلقا و تدّعي الاقتران.

أو تقول: لا علم لي.

و على الأخير:

إمّا يدّعيان عليها العلم.

أو يدّعيه أحدهما.

أو لا يدّعيه شي ء منهما.

فإن صدّقت أحدهما، فعن المبسوط «1»: أنّه يثبت نكاحه، لأنّ الزوجين إذا تصادقا على الزوجيّة تثبت، و لم يلتفت إلى دعوى الزوجيّة من الآخر إلى أن يقيم البيّنة، و أنّها بمنزلة من في يده عين تداعاها اثنان فاعترف لأحدهما.

و استشكل فيه في القواعد «2»، للفرق بينه و بين من ادّعى زوجيّة امرأة عقد عليها غيره أو تصادقا سابقا على الزوجيّة من غير معارض، من حيث إنّ التخاصم بينهما قد سبق اعترافها هنا، فيشكل قطع التداعي باعترافها مع تعلّقه بحقّ الغير و مساواته لحق المقرّ له.

و التحقيق: أنّه ليس لمن صدّقته الزوجة دعوى معها و له الدعوى مع الزوج الآخر، و كلّ منهما مدّع لسبق عقده و منكر لسبق الآخر، فإن كانت لأحدهما بيّنة تقبل، و إن كانت لهما يرجع إلى حكم تعارض البيّنتين.

______________________________

(1) المبسوط 4: 182.

(2) القواعد 2: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 217

و إن

لم تكن بيّنة فلكلّ منهما حلف الآخر، فإن حلفا أو نكلا يشكل الأمر، فيرجع إلى القرعة، فإن وقعت على من صدّقته فتمّت الدعوى، و إن وقعت على الآخر يحتمل التمام أيضا، لعدم تأثير لتصديق الزوجة.

و إن حلف أحدهما و نكل الآخر، فإن كان الحالف من صدّقته الزوجة فتمّت الدعوى، و إن كان الآخر فيحتمله أيضا.

و إن أنكرت السبق مطلقا فهي امرأة يدّعي رجلان زوجيّتها و هي منكرة لهما، فإن كانت بيّنة و إلّا فتحلف لهما.

و إن قالت: لا أدري، فإن ادّعيا عليها العلم أحلفاها و سقطت دعواهما عنها و بقي التداعي بينهما، و إن لم يدّعيانه انحصر التداعي بينهما، و إن ادّعاه أحدهما أحلفها.

و يحتمل في جميع الصور انحصار التداعي بهما، لعدم ترتّب أثر على تصديق الزوجة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 219

المقصد الثاني في أسباب التحريم

اشاره

و هي أمور: النسب و الرضاع، فهاهنا فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 220

الفصل الأول في النسب

اشاره

و يحرم به كلّ قريب عدا أولاد العمومة و الخؤولة، و تفصيله أصول كلّ أحد و فصوله و فصول أول أصوله و أول فصل من كلّ أصل آخر.

فالأول: الآباء و الأمّهات و إن علوا.

و الثاني: البنون و البنات و إن سفلوا.

و الثالث: الإخوة و الأخوات و إن نزلوا.

و الرابع: الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات له أو لأحد أصوله، لا مطلق أعمام العمومة و أخوال الخؤولة.

و تحريم هؤلاء مجمع عليه بين الأمّة، بل عليه الضرورة الدينيّة، و مصرّح به في الجملة في الكتاب «1» و السنّة «2».

و ها هنا مسألتان:

المسألة الأولى: تحريم النكاح

بالنسب إنّما يثبت به مطلقا.

سواء كان نسبا شرعيّا، و هو اتّصال النسب بالوطء الصحيح الشرعيّ من نكاح أو تحليل أو ملك أو وطء شبهة، و لو عرضه التحريم بحيض أو صيام أو إحرام أو نحوها ما لم يخرج به عن أصل الحلّية.

______________________________

(1) النساء: 23.

(2) الوسائل 20: 361 أبواب ما يحرم بالنسب ب 1، 2، 3، 4، 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 221

و المراد بوطء الشبهة: الوطء الذي ليس بمستحقّ مع عدم العلم بالتحريم، فيدخل فيه وطء المجنون و النائم و شبههما، و لو اختصّت الشبهة بأحد الطرفين اختصّ به الولد، و وطء المنكوحة التي لم يعلم بكونها منكوحة يثبت النسب و إن أثم في الوطء.

أو نسبا غير شرعيّ، و هو اتّصاله بالزنا.

إجماعا قطعيّا- بل ضرورة دينيّة- في الأول.

و إجماعا محكيّا- حكاه الشيخ في الخلاف و الفاضل في التذكرة و المحقّق الثاني في شرح القواعد و الهندي فيه أيضا «1»، و في الكفاية:

لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب «2»، و في المفاتيح «3»: نسبه إلى ظاهر أصحابنا- في الثاني.

كلّ ذلك- بعد الإجماع فيما ثبت فيه الإجماع-

لصدق النسبة عرفا و لغة، و أصالة عدم النقل فتشمله الآية، و يتعدّى إلى غير من ذكر فيها- إن لم يشمل الجميع- بالإجماع المركّب.

و لا يضرّ عدم ثبوت سائر أحكام النسب بالنسب الحاصل من الزنى- كالتوارث، و إباحة النظر، و الانعتاق، و ارتفاع القصاص، و تحريم حليلة الابن، و الجمع بين الأختين، و نحوها- لأنّه إنّما هو بدليل خارجيّ دالّ على تعلّقها بالنسبة الشرعيّة خاصّة.

و منه يظهر ما في كلام بعض المتأخّرين من أنّ المعتبر في تحقّق

______________________________

(1) الخلاف 4: 305، 310، التذكرة 2: 632، جامع المقاصد 12: 190، الهندي في كشف اللثام 2: 26.

(2) الكفاية: 158.

(3) المفاتيح 2: 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 222

النسبة إن كان هو الصدق العرفيّ و اللغويّ للزم ثبوت سائر الأحكام النسبيّة المذكورة، لدخوله بسبب الصدق المعتبر تحت العمومات المفيدة لذلك.

و إن كان هو الصدق الشرعيّ خاصّة للزم انتفاء جميع الأحكام المترتّبة على النسبة، فتخصيص الحكم بتحريم النكاح ممّا لا وجه له، سوى ادّعاء بعضهم الإجماع عليه، و هو كما ترى «1». انتهى.

فإنّا نجيب: بأنّ المعتبر هو الأول، بل لا حقيقة شرعيّة للنسبة، و أمّا انتفاء الأحكام الأخر فإنّما هو بدليل آخر من إجماع و غيره مذكورة في مظانّها.

نعم، لو ثبتت الحقيقة الشرعيّة في النسب أو ألفاظ النسبة من الامّ و الأب و غيرهما لكان اللازم الاقتصار على النسب الحاصل من الوطء الصحيح، و يلزمه عدم ثبوت تحريم النكاح أيضا، لعدم دليل تامّ آخر عليه سوى الإجماع، و محكيّه غير حجّة، و محقّقه غير ثابت، لاستشكال جمع من المتأخّرين [1].

و أمّا ما ذكره الحليّ- بعد أن نقل قول الشيخ بتحريم النسب الحاصلة من الزنى، مستدلا بأنّه إذا زنى بامرأة

حرمت عليه بنتها و هذه بنتها، و بعموم قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ «3» و هي بنته لغة، و ردّه بأنّ عرف الشرع طار على اللغة- أنّ وجه التحريم: أنّ البنت المذكورة كافرة، لأنّ ولد الزنى كافر، و الزاني إذا كان مؤمنا لا يجوز له نكاح الكافرة،

______________________________

[1] منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد 12: 191، الشهيد الثاني في المسالك 1: 463.

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 463.

(3) النساء: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 223

فمن هذا الوجه تحرم، لا من الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ «1».

فضعيف جدّا، لمنع كفر ولد الزنى.

ثمَّ على ما ذكرنا يثبت تحريم النكاح بالنسب من الزنى أيضا في جميع الأنسباء المذكورين، و إن كان كلام الأكثر مخصوصا بتحريم البنت الحاصلة من الزنى و الابن الحاصل منه، و لكن الظاهر أنّ مرادهم التعميم، و لذا زاد بعضهم بعد ذكر البنت قيد: مثلا.

المسألة الثانية: لو اجتمع سببان شرعيّان

، كالمطلّقة التي وطئها غير المطلّق بالشبهة أو النكاح بعد العدّة، فأتت بولد، يثبت النسب لمن أمكن في حقّه دون غيره.

فإن أتت به لأقلّ من ستة أشهر من حين الطلاق فهو للأول، و كذا لو أتت به لأقلّ منها من وطء الثاني، و لأقصى الحمل فما دون من الطلاق.

و إن أتت به لزيادة من أقصى مدّة الحمل من الطلاق، و لستّة أشهر فما زاد إلى أقصى الحمل من وطء الثاني فهو للثاني.

و إن أتت به لأقلّ من ستّة أشهر من وطء الثاني و لأكثر من أقصى الحمل من وطء الأول فهو منتف عنهما.

و الوجه في الكلّ ظاهر، و في الأخبار الآتية دلالة على بعضها.

و مع الإمكان فيهما- كما لو أتت به فيما بين الحدّين للأول و الثاني، بأن كانت الولادة

لستّة أشهر من وطء الثاني و لأقلّ من أقصى مدّة الحمل

______________________________

(1) السرائر 2: 526.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 224

من وطء الأول- فعن المبسوط «1»: الرجوع إلى القرعة، مشعرا بالإجماع عليه، لأنّ القرعة لكلّ أمر مجهول و هذا منه.

و لصحيحة ابن عمّار: «إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادّعوه جميعا، أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد ولده» «2»، و قريبة منها أخبار أخر «3».

و ذهب جماعة- منهم: المحقّق و الفاضل في القواعد «4»، بل الأكثر كما في الكفاية «5» و غيره [1]- إلى أنّه للثاني، لأصالة التأخّر، و رجحانه بالفراش الثابت، و للمستفيضة من الأخبار من الصحاح و غيرها:

كصحيحة الحلبي: «إذا كان للرجل منكم الجارية يطأها فيعتقها فاعتدّت و نكحت، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنّه من مولاها الذي أعتقها، و إن وضعت بعد ما تزوّجت لستّة أشهر فإنّه لزوجها الأخير» «7».

و رواية زرارة الصحيحة، عن ابن محبوب- الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه-: عن الرجل إذا طلّق امرأته ثمَّ نكحت و قد اعتدّت و وضعت لخمسة أشهر: «فهو للأول، و إن كان ولدا ينقص من ستّة فلأمّه و لأبيه الأول، و إن ولدت لستّة أشهر فهو للأخير» «8».

______________________________

[1] كالمسالك 1: 464.

______________________________

(1) المبسوط 5: 290.

(2) الفقيه 3: 52- 176، الوسائل 27: 261 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 14.

(3) الوسائل 27: 257 أبواب كيفية الحكم ب 13.

(4) المحقق في الشرائع 2: 281، القواعد 2: 9.

(5) الكفاية: 158.

(7) الكافي 5: 491- 1، الوسائل 21: 173 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 58 ح 1.

(8) التهذيب 8: 167- 581، الوسائل 21: 383 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 11.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 225

و مرسلة جميل: في المرأة تزوّج في عدّتها، قال: «يفرّق بينهما و تعتدّ عدّة واحدة منهما جميعا، فإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير، و إن جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر فهو للأول» «1».

و هذا هو الأظهر، لما ذكر.

و أمّا أخبار القرعة فهي أعمّ مطلقا من تلك الأخبار، لشمولها لما يعلم تقدّم بعض أو لا يعلم.

______________________________

(1) الفقيه 3: 301- 1441، التهذيب 8: 168- 584، الوسائل 21: 383 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 226

الفصل الثاني في الرضاع

اشاره

و فيه مقدّمة و أبحاث.

المقدّمة

لا خلاف بين علماء الإسلام في حصول نظائر العلاقات و القرابات الحاصلة بالنسبة و القرابة بالرضاع أيضا، و نصّ به في الجملة الكتاب العزيز، إذ يقول عزّ قائلا وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ «1».

و تضافرت الأخبار على إثبات النظائر النسبيّة بالرضاع، كما لا يخفى على المتتبّع.

و ورد في السنّة المقبولة عنه ص أنّه قال: «الرضاع لحمة كلحمة النسب» «2».

و قد تواتر عنه أنّه عليه السلام قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» «3»، و منه يعلم حصول التحريم بواسطة الإرضاع في الجملة، كما يأتي تفصيله.

______________________________

(1) النساء: 23.

(2) تفسير الصافي 1: 403.

(3) الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 227

و القرابات النسبيّة الإناثيّة تسع: الأمّهات.

و الجدّات.

و البنات.

و بنات الأولاد.

و الأخوات.

و بنات الإخوة.

و بنات الأخت.

و العمّات.

و الخالات.

فتحصل هذه التسع بسبب الرضاع أيضا.

فالقرابة الاولى: و هي الأمّ من الرضاعة امرأة أرضعته، و صاحب اللبن أبوه من الرضاعة.

و القرابة الثانية: و هي جدّاته الرضاعيّة، هنّ أمّهات امّه و أبيه بلا واسطة أو واسطة أو وسائط.

و لمّا كان كلّ من الامّ و الأب قسمين: نسبي و رضاعي، و الأمومة لكلّ من الأربعة أيضا على قسمين: نسبيّة و رضاعيّة، فتحصل للجدّات ثمان شعب.

و لمّا كان صدق الرضاعة موقوفا على توسّط رضاع تخرج شعبتان منهما، و هما اللتان لا يداخلهما الرضاع.

إحداهما: شعبة الأمّهات النسبيّة للامّ النسبيّة.

و ثانيتهما: شعبة الأمّهات النسبيّة للأب النسبي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 228

و بقيت ستّ شعب أخر:

الأولى: الأمّهات النسبيّة للامّ الرضاعيّة.

الثانية: الأمّهات الرضاعيّة للامّ الرضاعيّة بلا واسطة، أو بواسطة إحدى من أمّهاتها النسبيّة أو الرضاعيّة.

الثالثة: الأمّهات النسبيّة للأب الرضاعي.

الرابعة:

الأمّهات الرضاعيّة للأب الرضاعي بلا واسطة، أو بواسطة إحدى من أمّهاته النسبيّة أو الرضاعيّة.

الخامسة: الأمّهات الرضاعيّة للامّ النسبيّة بلا واسطة، أو بواسطة إحدى من أمّهاتها النسبيّة أو الرضاعيّة.

السادسة: الأمّهات الرضاعيّة للأب النسبي كذلك.

و القرابة الثالثة: و هي بناته الرضاعيّة امرأة ارتضعت من لبنه، و لو كان المرتضع رجلا فهو ابنه الرضاعي.

و الرابعة: و هي بنات الأولاد، هنّ بنات بناته أو بنات أبنائه بلا واسطة أو وسائط.

و لمّا كان كلّ من البنت و الابن قسمين: النسبي و الرضاعي، و البنتيّة لكلّ من الأربعة أيضا على قسمين: النسبيّة و الرضاعيّة، فتحصل لبنات الأولاد أيضا الشعب الثمان، و تخرج منها الشعبتان اللتان لا يداخلهما الرضاع، و تبقى الستّ الباقية على قياس ما مرّ في الجدّات.

الخامسة: و هي الأخوات الرضاعيّة، هنّ بنات أبويه أو أحدهما.

و لمّا كانت البنات على قسمين: نسبيّة و رضاعيّة، و كذلك الأبوان، فتحصل هنا أربع شعب، تخرج منها واحدة- و هي البنات النسبيّة للأبوين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 229

النسبيّين- و تبقى ثلاثة أخرى داخلة بأجمعها في الأخوات الرضاعيّة.

و لو كان المرتضع رجلا فهو أخوه الرضاعي.

السادسة: بنات الأخ، و هي بنات أخيه من النسب أو الرضاع بلا واسطة، أو بواسطة أو وسائط.

و إذ عرفت أنّ الأخ قسمان و البنت على قسمين فتحصل لبنات الأخ أيضا أربع شعب، تخرج منها شعبة واحدة هي للآباء النسبيّة: البنت النسبيّة للأخ النسبي، و تبقى ثلاث شعب أخرى.

السابعة: بنات الأخت، و تعلم أقسامها و شعبها بالقياس إلى بنات الأخ.

الثامنة: العمّات، و هنّ أخوات أبيه.

و إذ عرفت أنّ الأخوات على قسمين و الأب أيضا على قسمين فتحصل للعمّات أربع شعب: واحدة نسبيّة و البواقي رضاعيّة.

و يدخل في هذه القرابة أيضا

التقسيمان المشار إليهما في الأخوات.

و تدخل في هذه القرابة أيضا أخوات أبي أبيه.

التاسعة: الخالات، و هنّ أخوات امّه، و لهنّ الشعب الأربع، تخرج منها واحدة و يبقى الباقي.

فهؤلاء النسوة هي القرابات الرضاعيّة من الإناث، و تعلم بالقياس إليهنّ القرابات الذكوريّة للرجال و للنساء أيضا.

فيحرم على كلّ رجل هؤلاء القرابات التسع، و على المرأة نظائرهنّ من الرجال مطلقا، سوى الأخوات أو الإخوة الرضاعيّة من جهة الأمّ خاصّة إذا انتسبوا إليها بالرضاع دون الولادة، و بناتهنّ فإنّهنّ لا يحرمن إلّا على قول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 230

الطبرسي «1»، و كذلك الخالات و الأخوال و العمّات و الأعمام إذا لم يكن لبنهنّ مع الامّ الرضاعيّة أو الفحل من فحل واحد، على ما سبق [1] تفصيله.

______________________________

[1] لم يسبق منه رحمه اللّه تفصيل في ذلك و لكنه سيجي ء في ص: 260- 262.

______________________________

(1) مجمع البيان 2: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 231

البحث الأول في شروط الرضاع الشرعي الموجب للتحريم

اشاره

و هي أمور:

الشرط الأول: أن يكون اللبن حاصلا من وطء مجوّز شرعا

، من نكاح دوام أو متعة أو تحليل أو ملك يمين.

فلا يحصل الرضاع المحرّم للنكاح باللبن الحادث من الزنى.

إجماعا محقّقا، و محكيّا في السرائر و التذكرة و شرحي القواعد للمحقّق الثاني و الهندي و شرح النافع للسيّد و المفاتيح «1» و شرحه، و ظاهر المسالك و الكفاية «2» و غير ذلك [1].

و لا يقدح فيه خلاف الإسكافي- حيث قال: لو أرضعت امرأة من لبن من زنى حرمت و أهلها على المرتضع و كان تجنّبه أهل الزاني أولى و أحوط «4».

انتهى- لشذوذه.

فهو الدليل عليه.

مضافا إلى إشعار به في صحيحة ابن سنان: عن لبن الفحل، قال:

______________________________

[1] كالحدائق 23: 323.

______________________________

(1) السرائر 2: 520، التذكرة 2: 615، جامع المقاصد 12: 204، كشف اللثام 2: 27، المفاتيح 2: 237.

(2) المسالك 1: 464، الكفاية: 158.

(4) حكاه عنه في المختلف 2: 520.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 232

«هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك [ولد] امرأة أخرى» «1».

حيث خصّت لبن الفحل بما يحصل من امرأته من لبنه و لبن ولده.

إلّا أنّه يقدحه أنّه لا يشترط كون المرضعة زوجة لصاحب اللبن، بل يكفي كونها مملوكة أو محلّلة أو متعة، مع عدم تبادرهنّ من لفظ:

«امرأتك»، فلا يكون حقيقيّا و مجازه متعدّد.

و يمكن أن يقال: إنّ غايته لزوم التخصيص في لبن الفحل، إذ تخرج منه المذكورات بالدليل، فيبقى الباقي حجّة. و احتمال التجوّز غير ضائر، لأنّه مرجوح عن التخصيص.

و ربّما تشعر به صحيحة العجلي أيضا، و فيها- بعد الاستفسار عن معنى قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»:- «كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع

الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» الحديث «2».

و هل تنشر الحرمة باللبن الحاصل من وطء الشبهة، أم لا؟

المشهور: الأول، لصدق مسمّى الرضاع فتشمله العمومات، و يؤيّده إلحاق الشبهة بالعقد في النسب.

و عن الحلّي: التردّد فيه «3».

______________________________

(1) الكافي 5: 440- 1، التهذيب 7: 319- 1316، الاستبصار 3: 199- 719، الوسائل 20: 389 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 4.

(2) الكافي 5: 442- 9، الفقيه 3: 305- 1467، الوسائل 20: 388 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 1.

(3) السرائر 2: 552.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 233

و يظهر نوع ميل إليه من المسالك و الكفاية «1».

و كأنّه للأصل مع منع العموم، لانصرافه إلى غير الشبهة لندرتها.

و فيه: منع ندرة الشبهة بحيث يصرف عنها الإطلاق، فإنّها شاملة للأنكحة الفاسدة، و هي كثيرة جدّا.

و قد يجاب أيضا: بأنّ أصل الإباحة معارض بأصالة الحرمة السابقة على المناكحة، و لا يفيد ما دلّ على إباحة نكاح النسوة، لانصرافه إلى غير الشبهة، و بعد التعارض يرجع إلى أصالة الحرمة للشهرة، و بعد فرض التساقط تحتاج الإباحة إلى دليل.

و فيه: أنّه كانت في السابق على الرضاع جائزا نكاحها فيستصحب، فتأمّل.

الشرط الثاني: أن يكون اللبن من ذات ولد.
اشاره

فلو درّ اللبن من الخالية عنه [لا يحرّم ] [1] و إن كانت منكوحة نكاحا صحيحا.

إجماعا محقّقا، و محكيّا في التذكرة «2» و غيره [2]، له.

و لموثّقة يونس بن يعقوب: عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة و أرضعت جارية و غلاما بذلك اللبن، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال: «لا» «3».

______________________________

[1] المسالك 1: 464، الكفاية: 158.

[2] كما في المسالك 1: 464.

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(2) التذكرة 2: 615.

(3) الكافي 5: 446- 12،

الفقيه 3: 308- 1484، الوسائل 20: 398 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 234

و قريبة منها رواية يعقوب بن شعيب «1».

و هل يشترط انفصال الولد؟

أم يكتفى بالحمل؟

الحقّ: الأول، وفاقا للمحكيّ عن الخلاف و الغنية و السرائر و التحرير و التذكرة و النهاية «2»، و في شرح القواعد للمحقّق الثاني «3» و شرح النافع للسيّد، و صرّح بعضهم بأنّه الأشهر، بل عن الثلاثة الأول: الإجماع عليه.

و هو الحقّ، للأصل، من جهة عدم انصراف المطلق إليه للندرة.

و للموثّقة و الرواية المتقدّمتين.

و خلافا للمحكيّ عن المحقّق و موضع من المبسوط «4» و في القواعد و المسالك و الروضة «5»، فاختاروا الثاني، للعمومات.

و يجاب عنها- بعد التسليم- بوجوب تخصيصها، لما مرّ.

و لا يشترط البقاء على الحبالة، فلو طلّقها أو مات عنها و هي حامل منه أو مرضع فأرضعت من لبنه ولدا نشر الحرمة كما لو كانت في حبالته في العدّة أو بعدها، طال الزمان أم قصر، استمرّ اللبن أم انقطع، طال زمان الانقطاع أم قصر. إلّا إذا طال بقدر علم أنّه درّ بنفسه لا من الأول، تزوّجت

______________________________

(1) التهذيب 7: 325- 1339، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 9 ح 2.

(2) الخلاف 2: 325، الغنية (الجوامع الفقهية): 609، السرائر 2: 520، التحرير 2: 9، التذكرة 2: 615، راجع النهاية: 461.

(3) جامع المقاصد 12: 204.

(4) المحقّق في الشرائع 2: 282، المبسوط 5: 310.

(5) القواعد 2: 9، المسالك 1: 464، الروضة 5: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 235

بغيره أم لا، فتنشر الحرمة من الأول.

كلّ ذلك للعمومات المؤيّدة بدعوى الإجماع.

و كذا لو حملت من الثاني أيضا و إن زاد اللبن بعد

الحمل، لأنّ الأصل عدم حدوث اللبن من الثاني، و إمكان زيادته لا من جهة الحمل. إلّا إذا انقطع انقطاعا طويلا ثمَّ عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني.

و قد يحدّ زمان الإمكان بمضيّ أربعين يوما من الحمل، فيكون اللبن حينئذ للثاني، فينشر الحرمة له على نشر الحرمة حال الحمل.

بل يمكن القدح في ذلك في صورة الانقطاع مطلقا، لأنّ الأصل حينئذ و إن كان بقاء الحالة المدرّة للّبن من الأول و عدم حدوثها من الثاني، و لكن لا شكّ أنّ الانقطاع أيضا يكون إمّا لزوال الحالة الأولى، أو حدوث حالة مانعة لها مع بقاء الحالة الاولى و الأصل عدمها أيضا، إلّا أن يتمسّك حينئذ باستصحاب الحكم، و هو نشر الحرمة بإرضاع هذه المرأة.

و منه يعلم القدح و دفعه في صورة زيادة اللبن أيضا.

و لو ولدت من الثاني و اتّصل لبنها من الأول إلى زمان الوضع، فما قبل الوضع للأول، لما مرّ، و ما بعده للثاني، بإجماع أهل العلم- كما قيل- فإن ثبت الإجماع، و إلّا فلا دليل تامّا عليه، سوى إضافة المسبّب إلى أقوى السببين- أي ولادة الثاني و استمرار الأول- و أنّ اللبن لبن الثاني عرفا فيحكم به.

و كلاهما ضعيفان، لمنع صلاحيّة قوّة ولادة الثاني في السببيّة أولا، و منع صلاحيّة مثل ذلك للترجيح ثانيا، و إمكان الاستناد إلى السببين ثالثا، و منع حكم العرف مع اطّلاعه بالاتّصال.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 236

و منه يعلم الحكم فيما لو درّ اللبن بنفسه و اتّصل إلى زمان الحمل و الولادة، فلو ثبت الإجماع في الأول ثبت الحكم في الثاني أيضا بالطريق الأولى، و إلّا فالإشكال جار هنا أيضا.

فرع: هل اللبن الموجود بعد السقط حكمه حكم الولادة، أم لا؟

الظاهر: أنّه- إن كان الساقط بحيث يصدق

عليه الولد، و على وضعه الولادة بأن تمّت خلقته مع ولوج الروح- يحرم.

و إن كان مضغة أو علقة- بل غير تامّ الخلقة- لم يحرم.

و فيما إذا تمّت الخلقة و لم يولجه الروح إشكال، و الأصل يقتضي عدم الحرمة.

الشرط الثالث: أن تكون المرضعة حيّة.

بالإجماع كما عن ظاهر التذكرة و الصيمري «1».

فلو ماتت في أثناء الرضاع و أكمل النصاب حال الموت باليسير و لو جرعة لم ينشر حرمة و إن صدق عليه اسم الرضاع.

حملا له على الأفراد المعهودة المتعارفة.

و لتعليق الحكم على الإرضاع [1] أو لبن الامرأة و نحوها في الأخبار.

و الأول في الميّتة منتف.

و صدق الثاني عليها مجاز.

و على هذا، فلا ينفع الاستصحاب أيضا، لتبدّل الموضوع.

______________________________

[1] في «ق»: الرضاع.

______________________________

(1) التذكرة 2: 615، حكاه عن الصيمري في الرياض 2: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 237

الشرط الرابع: أن يبلغ مقدارا معيّنا.
اشاره

فإنّ مطلق الرضاع و مسمّاه غير كاف في نشر الحرمة، بل لا بدّ له من مقدار معيّن زائد على أصل المسمّى.

و هو مجمع عليه بين الطائفة إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا [1]، و الأخبار به مستفيضة بل متواترة، كما تأتي إلى بعضها الإشارة، و بها تقيّد مطلقات الرضاع و تخصّص عموماتها.

و أمّا المكاتبة الصحيحة: عمّا يحرم من الرضاع؟ فكتب ع: «قليله و كثيره حرام» «2».

فلا يعلم منافاتها لها، لما فيها من الإجمال في الدلالة، لأنّ المذكور فيها الرضاع الحرام، و كلامنا في الرضاع الموجب للحرمة، و هو ليس بحرام، فالمراد من السؤال و الجواب غير معلوم. و يمكن أن يكون السؤال عن الرضاع بعد الفطام.

مضافا إلى أنّها على فرض الدلالة غير حجّة، لمخالفتها لإجماع الطائفة، و معارضتها للأخبار المتواترة، و موافقتها لمذهب مالك و أبي حنيفة [2].

ثمَّ إنّ نصاب سبب التحريم مقدّر في الشرع بتقديرات ثلاثة: الأثر، و الزمان، و العدد.

أمّا الأول: فهو ما أنبت اللحم و شدّ العظم

، و اعتباره متّفق عليه، بل

______________________________

[1] كما في التذكرة 2: 619، المسالك 1: 465، الحدائق 23: 330.

[2] كما في المغني و الشرح الكبير 9: 193.

______________________________

(2) التهذيب 7: 316- 1308، الاستبصار 3: 196- 711، الوسائل 20: 377 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 238

صرّح جماعة بالإجماع عليه [1]، و في الإيضاح: إنّ عليه إجماع المسلمين «2».

و تدلّ عليه المستفيضة:

كصحيحة ابن سنان: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و شدّ العظم» «3».

و روايته: قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاث؟

فقال: «لا، إلّا ما اشتدّ عليه العظم و نبت اللحم» «4».

و رواية مسعدة: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما شدّ العظم و أنبت اللحم،

فأمّا الرضعة و الرضعتان و الثلاث حتى بلغ عشرا إذا كنّ متفرّقات فلا بأس» «5».

و صحيحة ابن رئاب: ما يحرم من الرضاع؟ قال: «ما أنبت اللحم و شدّ العظم»، قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: «لا، لأنّه لا تنبت اللحم و لا تشدّ العظم عشر رضعات» «6».

و مقتضى تلك الأخبار: اعتبار الأثرين معا، كما هو الأظهر المحكيّ

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 465، الفيض في المفاتيح 2: 237، صاحب الرياض 2: 86.

______________________________

(2) الإيضاح 3: 47.

(3) الكافي 5: 438- 1، التهذيب 7: 312- 1293، الاستبصار 3: 193- 698، الوسائل 20: 382 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 3 ح 2.

(4) الكافي 5: 438- 6، التهذيب 7: 312- 1295، الاستبصار 3: 193- 700، الوسائل 20: 381 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 20 ح 23.

(5) الكافي 5: 439- 10، التهذيب 7: 313- 1297، الاستبصار 3: 194- 702، الوسائل 20: 380 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 19.

(6) التهذيب 7: 313- 1298، الاستبصار 3: 195- 704، الوسائل 20: 374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 239

عن الأكثر «1».

و في اللمعة: الاكتفاء بأحدهما «2»، و نسبه في شرح النافع إلى جمع من الأصحاب، و لعلّه للتلازم بين الأثرين كما قيل [1].

و لمفهوم الاستثناء في صحيحة حمّاد: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و الدم» «4».

و منطوق رواية عبيد: عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال: «ما أنبت اللحم و الدم»، ثمَّ قال: «ترى واحدة تنبته؟»، فقلت: اثنتان أصلحك اللّه، قال: «لا»، فلم أزل أعدّ عليه حتى بلغت عشر رضعات «5».

و صحيحته: فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: «ما أنبت

اللحم و الدم»، فقلت: ما الذي ينبت اللحم و الدم؟ فقال: «كان يقال: عشر رضعات»، قلت: فهل يحرم عشر رضعات؟ فقال: «دع ذا» الحديث «6».

و جوابه: ثبوت [2] التلازم عندنا، و تخصيص الأخبار الثانية بالأولى و إن كان التعارض بين منطوق الاولى و مفهوم الثانية بالعموم من وجه، بمعنى: أنّ العرف يفهم من مثل ذلك الكلام التخصيص، فإنّه إذا قال

______________________________

[1] كما في نهاية المرام 1: 103.

[2] كذا في النسخ، و الظاهر: عدم ثبوت التلازم عندنا.

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 466 و الرياض 2: 86.

(2) اللمعة (الروضة البهيّة 5): 156.

(4) الكافي 5: 438- 5، التهذيب 7: 312- 1294، الاستبصار 3: 193- 699، الوسائل 20: 382 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 3 ح 1.

(5) الكافي 5: 438- 3، الوسائل 20: 380 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 21.

(6) الكافي 5: 439- 9، التهذيب 7: 313- 1296، الاستبصار 3: 194- 701، الوسائل 20: 379 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 240

المولى لعبد: لا تشتر إلّا اللحم، ثمَّ قال: لا تشتر إلّا لحم البقر، يفهم إرادة لحم البقر، و يذمّ لو اشترى لحم الإبل.

و المرجع في حصول الأثرين إلى قول أهل الخبرة، لأنّه من الموضوعات.

و هل يشترط فيه التعدّد و العدالة، أم لا؟

ظاهر الأكثر: نعم، للأصل.

و قيل: لا، بل يكفي العدل الواحد «1»، و اختاره السيّد الداماد، لأنّه من باب الخبر دون الشهادة، و لحصول الظنّ.

و فيه: أنّه مطالب بالدليل على حجّيّة مطلق الخبر و على كفاية مطلق الظنّ، بل يقدح في كفاية العدلين أيضا لعدم ثبوت كفاية شهادة العدلين مطلقا، بل الأولى جعله منوطا بالعلم كما في السرائر و النهاية

«2».

و أمّا ما قيل من أنّ المستفاد من بعض الأخبار- سيّما صحيحة ابن رئاب- أنّ التقدير بالمدّة و العدد بيان للتقدير بالأثرين، فالأصل هو التقدير بالأثر، و العلم به يتحقّق بالتقديرين الأخيرين، فلا حاجة إلى الرجوع إلى أهل الخبرة «3».

ففيه: أنّه لا يستفاد ذلك من الأخبار أصلا، و حكم الشرع بحصول النشر برضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة لا يدلّ على أنّه لأجل إيجابهما الأثرين، فلعلّهما بنفسهما أيضا علّتان مستقلّتان.

بل في صحيحة محمّد قال: «إذا رضع الغلام من نساء شتّى فكان

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 465.

(2) السرائر 2: 551، النهاية: 461.

(3) انظر كشف اللثام 2: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 241

ذلك عدّة أو نبت لحمه و دمه عليه حرم عليه بناتهنّ كلّهنّ» «1» دلالة على المغايرة، حيث جعل أحدهما قسيم الآخر.

نعم، تدلّ الصحيحة على عدم حصول الأثرين بعشر رضعات فلا يحرم، لعدم كونها سببا لحصول الأثرين و لا علّة مستقلّة.

و على هذا، فيجب الرجوع إلى أهل الخبرة فيما زاد على العشر، فيحكم بالنشر به إذا علم تحقّق الأثرين به و إن لم يبلغ خمس عشرة و لا يوما و ليلة، و يحصل التعارض في العشر و ما دونها بين قول أهل الخبرة لو أخبروا بتحقّق الأثرين و بين الصحيحة، و قول المعصوم مقدّم.

فالحقّ: اشتراط التجاوز عن العشر في اعتبار الأثرين.

نعم، لو فرض حصول العلم بهما فيما دونها يحكم بالتحريم و يحمل قول الإمام على الغالب، و لكنّه فرض نادر.

و لا تعارض الصحيحة مرسلة ابن أبي عمير: «الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي يرضع حتى يمتلئ و يتضلّع و ينتهي نفسه» «2».

و خبر ابن أبي يعفور: عمّا يحرم من الرضاع؟ قال:

«إذا رضع حتى يمتلئ بطنه فإنّ ذلك ينبت اللحم و الدم و ذلك الذي يحرم» «3».

إذ مدلولهما ليس أزيد من أنّ الرضعة الكذائية تنبت اللحم، و أمّا إيجابها لشدّ العظم- الذي هو أثر الآخر أيضا- فلا يستفاد منهما، مع أنّه

______________________________

(1) الكافي 5: 446- 15، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 2.

(2) الكافي 5: 445- 7، التهذيب 7: 316- 1306، الاستبصار 3: 195- 707، الوسائل 20: 383 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 4 ح 2.

(3) التهذيب 7: 316- 1307، الاستبصار 3: 195- 708، الوسائل 20: 383 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 242

فيهما في مقام بيان الكميّة المقداريّة للرضاع المنبت للّحم، فلا يعتبر إطلاقه بالنسبة إلى الكمّية العدديّة.

و لا موثّقة عبيد المتقدّمة، لعدم تصريحها بإنبات اللحم بعشر رضعات من نفسه.

فرع: المعتبر الإنبات و الشدّ الفعليّان، فلا عبرة بما من شأنه ذلك و منعه مانع- كالمرض- بل يرجع فيه إلى العدد.

و أمّا الثاني- أي المدّة-: فهو إرضاع يوم و ليلة

، و ظاهر التذكرة الإجماع على التقدير به «1»، و في بعض شروح المفاتيح: و كونه ناشرا للحرمة أيضا ممّا لا خلاف فيه.

و استدلّوا له بموثّقة زياد بن سوقة: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال:

«لا يحرم الرضاع أقلّ من رضاع يوم و ليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة، من لبن فحل واحد، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها» الحديث «2».

و يخدشها: أنّ دلالتها بمفهوم الوصف، الذي في اعتباره نظر.

فالمناط فيه: الإجماع إن ثبت، و إلّا كما يستفاد من بعض شروح النافع، حيث قال: و على القول بالاكتفاء باليوم و الليلة يعتبر إرضاعه فيه كلّما طلبه. انتهى.

فإنّ فيه دلالة على وجود القول

بعدم الاكتفاء. فلا يكون دليل على

______________________________

(1) التذكرة 2: 620.

(2) التهذيب 7: 315- 1304، الاستبصار 3: 192- 696، الوسائل 20: 374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 243

التقدير به، بل مقتضى الأخبار المتقدّمة- المصرّحة بأنّه: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و شدّ العظم»- انتفاؤه لو لم يعلم حصول الأثرين في إرضاع اليوم و الليلة، و بها تعارض الموثّقة على فرض دلالتها أيضا، و التعارض بالعموم من وجه.

إلّا أنّ بعد التعارض إمّا يرجّح مفهوم الموثّقة بالموافقة للشهرة و الإجماعات المنقولة، كما يرجّح مفهوم تلك الأخبار المعارض مع منطوق الموثّقة في التحريم مع حصول الأثرين بذلك أيضا.

أو يرجع إلى الأصل، و مقتضاه أيضا التحريم بكلّ منهما، لعمومات نشر مطلق الإرضاع الحرمة و مطلقاته، فيجب الحكم به ما لم يعلم الدليل على الانتفاء، فلو تمّت دلالتها لم يضرّها المعارض، و لكن في دلالتها ما عرفت.

فيبقى منطوق الأخبار المذكورة- في عدم التحريم ما لم يعلم الأثران- خاليا عن المعارض المعلوم في التحديد باليوم و الليلة، فالتقدير به مشكل جدّا و إن كان الأحوط غالبا اعتباره.

ثمَّ على القول باعتباره، هل يعتبر مطلقا، كما عن المشهور «1»؟

أو بشرط عدم انضباط العدد، كما عن المبسوط و في النهاية و التذكرة «2»؟

و تظهر الثمرة مع عدم حصول الأثرين و نقصان العدد في اليوم و الليلة:

______________________________

(1) الحدائق 23: 334.

(2) المبسوط 5: 292، النهاية: 461، التذكرة 2: 620.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 244

فإن جعلنا المستند الموثّق و اعتبرنا مفهوم الوصف فإطلاقه يقتضي الأول.

و إن جعلناه الإجماع خاصّة و قلنا بثبوته فوجوب الاقتصار على المجمع عليه يقتضي الثاني، و الاحتياط غالبا مع الأول.

و يشترط

في نشر الحرمة به- على القول به- ارتضاعه و شربه اللبن كلّما أراد حتى يروى و يصدر، لأنّه المتبادر من رضاع يوم و ليلة، بل هو معناه.

و لا فرق في اليوم أو الليلة بين الطويل و القصير، لانجباره بالآخر أبدا.

و في الاكتفاء بالملفّق إشكال، و الأصل يقتضي العدم.

و يشترط عدم الارتضاع في الأثناء من لبن آخر، لانتفاء صدق إرضاع اليوم و الليلة معه.

و أمّا الثالث- و هو العدد-: فاعتباره في التقدير إجماعي
اشاره

، و نقل الإجماع عليه مستفيض [1]، إلّا أنّهم اختلفوا في العدد المقدّر به على أقوال:

الأول: أنّه عشر رضعات.

و هو المحكيّ عن العماني و المفيد و السيّد و الحلبي و القاضي و الديلمي و الحلّي في أول كتاب النكاح «2»، و ابني زهرة و حمزة و المختلف

______________________________

[1] كما في المسالك 1: 465.

______________________________

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 518، المفيد في المقنعة: 502، حكاه عن السيد في المختلف: 518، الحلبي في الكافي: 285، القاضي في المهذّب 2:

190، الديلمي في المراسم: 149، الحلي في السرائر 2: 520.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 245

و الإيضاح و اللمعة و السيّد الداماد و ابن فهد «1»، بل هو الأشهر كما صرّح به جماعة، منهم: الشهيد الثاني «2» و الصيمري و السيّد الداماد.

للاقتصار- في الخروج عن الأصل المستفاد عن مطلقات نشر الحرمة بمطلق الإرضاع- على المتيقّن، و هو ما عدا العشر، لضعف اعتبار ما دونها كما يأتي.

و لحصول الأثرين بالعشر، كما تدلّ عليه صحيحة عبيد المتقدّمة «3».

و لرواية الفضيل: «لا يحرم من الرضاع إلّا المجبورة أو خادم أو ظئر، ثمَّ ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ و ينام» [1].

و لمفهوم الشرط في رواية مسعدة المذكورة «5».

و في موثّقة عمر بن يزيد: عن الغلام يرضع الرضعة و الرضعتين، فقال: «لا يحرم»، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات، فقال: «إذا كانت متفرّقة فلا» «6».

و يمكن القدح في الجميع:

______________________________

[1] التهذيب 7: 315- 1305، الاستبصار 3: 196- 709، الوسائل 20: 377 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 11. سمّيت المرضعة ظئرا لأنّها تعطف على الرضيع- مجمع البحرين 3: 386.

______________________________

(1) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 609، ابن حمزة في الوسيلة: 301، المختلف: 518، الإيضاح 3: 47،

اللمعة (الروضة البهيّة 5) 157، المهذّب البارع 3: 241.

(2) المسالك 1: 466.

(3) في ص: 239.

(5) في ص: 238.

(6) الكافي 5: 439- 8، التهذيب 7: 314- 1302، الاستبصار 3: 194- 703، الوسائل 20: 375 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 246

أمّا الأصل الحاصل من العمومات، فبوجوب تخصيصها بما يأتي، كما خصّ بما دون العشر.

و أمّا حصول الأثرين، فبالمنع منه.

و الصحيحة غير تامّة الدلالة عليه، لنسبته إلى القيل الغير الثابت حجّيته، بل المشعر بعدم الرضا به، مع ما في آخرها من قوله: «دع ذا»، فلو كان حكم العشر حقّا لما نسبه إلى غيره أولا، و لم يعرض عنه ثانيا، مجيبا بما لا دخل له بالمقام، فيفهم منه أنّ ما ورد في النشر بالعشر ورد تقيّة، أو لمصلحة أخرى.

هذا، مع معارضتها مع صحيحة ابن رئاب السالفة الناصّة على عدم الإنبات بالعشر، و مع الأخبار الأخر الآتية المصرّحة بعدم النشر به المستلزم لعدم الإنبات.

و أمّا البواقي، فبمعارضتها مع ما هو أكثر منها عددا و أصحّ سندا و أوضح دلالة: كصحيحة ابن رئاب و موثّقة زياد المتقدّمتين «1».

و موثّقة عبيد: «عشر رضعات لا يحرّمن شيئا» «2».

و ابن بكير: «عشر رضعات لا تحرّم» «3».

مضافا إلى ما في رواية الفضيل من اشتمالها على أمرين مخالفين للإجماع: اشتراط المجبورة، و اشتراط النوم، مع اضطرابها باختلاف

______________________________

(1) في ص: 238 و 242.

(2) التهذيب 7: 313- 1299، الاستبصار 3: 195- 706، الوسائل 20: 374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 3.

(3) التهذيب 7: 313- 1300، الاستبصار 3: 195- 706، قرب الإسناد:

170- 622، الوسائل 20: 375 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 16، ص: 247

ألفاظها، لروايتها تارة كما تقدّم، و اخرى بغيره، و ثالثة بسند صحيح مع خلوّها عن ذكر العدد، رواها في الفقيه «1»، الذي هو أضبط.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الحكمين داخلان في المنطوق، و أمّا مفهوم الاستثناء- الذي هو المفيد في المقام- فلا يتضمّن حكما مخالفا للإجماع، مع أنّ دخولهما في المنطوق أيضا غير ضائر، إذ غايته تخصيص بعض أفراد المنطوق بالإجماع، و هو أمر غير عزيز.

مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون اشتراط الأول لأنّ التوالي- الذي هو أيضا من الشروط- لا يتحقّق غالبا إلّا في تلك النسوة، و الثاني لأنّه يكون مثل ذلك الإرضاع منوّما، أو المعنى يكون من شأنه ذلك.

و أمّا حديث الاضطراب، ففيه: أنّه و إن اختلف بعض عبارات الرواية، إلّا أنّه لا مدخل له في مقام الاستدلال، الذي هو قوله: «ثمَّ ترضع عشر رضعات»، كما لا يضرّ خلوّها على بعض أسنادها عن ذكر هذا العدد، لأنّ الزيادة مقدّمة على النقصان.

فلا قدح في هذه الرواية من هذه الجهات، كما لا قدح فيها و في الآخرين من حيث ضعف السند، لانجباره بالشهرة القديمة المحقّقة و المحكيّة مستفيضة، بل صحّة بعضها على بعض الطرق، كما فصّله السيّد الداماد في رسالته.

بل يمكن رفع القدح عنها من جهة المعارض أيضا، لكون الثلاثة أخصّ مطلقا من معارضاتها، لاختصاص الاولى بقوله: «حتى يروى الصبيّ»، و الثانيتين بغير المتفرّقات، و عموم المعارضات بالنسبة إليهما،

______________________________

(1) الفقيه 3: 307- 1474، الوسائل 20: 376 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 248

و الخاصّ المطلق مقدّم و لو كان موافقا للعامّة، و العامّ مخالفا له، مع أنّ العشر أيضا مخالف لجميع العامّة، فإنّهم بين

قائل بالنشر بالمسمّى «1» و قائل بالنشر بالخمس [1]. فيتساويان من هذه الجهة، فالترجيح للخاصّ، و لو لا الترجيح لكان الحكم النشر بالعشر أيضا، للأصل الثابت بالعمومات.

و من ذلك تظهر تماميّة أدلّة ذلك القول.

و الثاني: أنّه خمس عشرة رضعة.

اختاره الشيخ في النهاية و المبسوط و كتابي الأخبار و الحلّي في أول باب الرضاع و المحقّق و الفاضل في بعض كتبه و المحقّق الثاني في شرح القواعد و الشهيد الثاني «3»، و لعلّه المشهور بين المتأخّرين، بل نسبه في كنز العرفان إلى الأكثر مطلقا «4».

للأصل، فيقتصر على موضع الوفاق.

و موثّقة زياد «5».

و ثبوت التقدير بالعدد بالإجماع و انتفاؤه عن العشر بالأخبار، فلم تبق إلّا خمس عشرة رضعة.

و الأصل مردود بالعمومات و الخصوصات.

و الموثّقة بما مرّ من أعمّيتها مطلقا عمّا دلّ على حصول التحريم

______________________________

[1] كما في المغني و الشرح الكبير 9: 193.

______________________________

(1) انظر المغني و الشرح الكبير 9: 193.

(3) النهاية: 461، المبسوط 5: 292، التهذيب 7: 314، الاستبصار 3: 194، السرائر 2: 551، المحقق في الشرائع 2: 282، الفاضل في التحرير 2: 9، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 217، الشهيد الثاني في المسالك 1: 466.

(4) كنز العرفان 2: 183.

(5) المتقدمة في ص: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 249

بالعشر المتوالية.

و انتفاؤه عن العشر بما مرّ من ثبوته بها.

و الثالث: أنّه رضعة واحدة كاملة.

حكي عن الإسكافي «1».

للعمومات.

و للمكاتبة الصحيحة.

و مرسلة ابن أبي عمير.

و خبر ابن أبي يعفور.

المتقدّمة جميعا «2».

و رواية زيد بن عليّ: «الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحلّ له أبدا» «3».

و العمومات مخصصة بما مرّ.

و المكاتبة غير دالّة كما سبق.

بل و كذلك المرسلة و الخبر على ما مرّ، و الرواية محتملة لإرادة عدم حلّية الرضعة الواحدة بعد الفطام، فإنّ مرجع الضمير المجرور غير معلوم، فلعلّه الفطيم.

هذا، مع أنّ الكلّ على فرض الدلالة مخالفة للشهرة القديمة و الجديدة، بل الإجماع، فعن حيّز الحجيّة خارجة، و مع ذلك مع الروايات

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 518.

(2) في ص: 237 و

241.

(3) التهذيب 7: 317- 1309، الاستبصار 3: 197- 712، الوسائل 20: 378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 250

الغير العديدة معارضة، و بموافقة العامّة مرجوحة.

و لا يتوهّم موافقتها للكتاب- حيث قال وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ «1»- لعدم ثبوت حصول الأمومة و الاخوّة بالرضعة الواحدة.

و من بعض ما ذكر يظهر الجواب عن بعض أخبار أخر واردة في الباب، الدالّة على اعتبار رضاع حولين «2» أو سنة «3»، مع تحمّلهما لاحتمالات أخر أيضا.

الشرط الخامس: أن يكون المرتضع في أثناء الحولين و قبل استكمالهما.

فلا عبرة برضاعه بعدهما.

إجماعا محقّقا، و محكيّا عن الخلاف و الغنية «4»، و في التذكرة و المختلف و القواعد و شرحه و الإيضاح و نكت الشهيد و المسالك «5» و شرح الصيمري و غيرها، و في شرح المفاتيح: من غير خلاف، و هو الحجّة فيه.

دون ما ورد في المستفيضة من أنّه: «لا رضاع بعد فطام» «6»- و يفسّر الفطام في بعض الروايات بالحولين- و أنّ: «الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم»، و أنّه: «لا رضاع إلّا ما كان في الحولين»، و إن استدلّ به أكثر

______________________________

(1) النساء: 23.

(2) الوسائل 20: 379 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 16 و ب 5 ح 8 و 10.

(3) الوسائل 20: 378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13 و 17.

(4) الخلاف 2: 320، الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

(5) التذكرة 2: 619، المختلف: 519، القواعد 2: 10، جامع المقاصد 12:

221، الإيضاح 3: 48، المسالك 1: 469.

(6) الوسائل 20: 384 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 251

الأصحاب.

لاحتماله من وجهين:

أحدهما: باعتبار الحولين، حيث يحتمل أن يكون بالنسبة إلى المرتضع و أن يكون

بالنسبة إلى ولد المرضعة.

و لا يفيد تفسيره بالأول في الكافي و الفقيه «1»، لعدم حجّية قولهما، مع احتمال غيره بحسب اللغة، سيّما مع معارضته بتفسيره بالثاني في كلام ابن بكير، كما نقله في التهذيبين بسند معتبر «2»، و يظهر منهما ارتضاؤه أيضا لذلك التفسير، و حمل جمع من الأصحاب على ذلك بعض الأخبار المشترط لعدم الفطام أيضا [1].

و ثانيهما: باعتبار الرضاع المنفيّ بعدهما أو المثبت قبلهما، إذ ظاهر أنّه ليس المراد الرضاع الحقيقيّ لغة، و الحقيقة الشرعيّة غير ثابتة، فيمكن أن يكون نفي الرضاع المجوّز، أو الوارد في الكتاب، أو غير ذلك من المجازات، و كذلك في الإثبات.

و لا فرق في التحريم الحاصل بالرضاع قبل الحولين بكونه بعد الفطام أو قبله، للأصل الثابت من العمومات.

خلافا للمحكيّ عن العماني «4»، فلم يحرّم بما كان قبلهما بعد الفطام، لبعض تلك الروايات المجملة.

كما لا فرق في عدمه بعدهما بينهما، للإجماع.

______________________________

[1] منهم ابن حمزة في الوسيلة: 301، الحلبي في الكافي: 285.

______________________________

(1) الكافي 5: 444، الفقيه 3: 306.

(2) التهذيب 7: 317- 1311، الاستبصار 3: 197- 714.

(4) حكاه عنه في المختلف: 519.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 252

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «1»، فحرّم بما كان بعدهما متّصلا قبل الفطام، لبعض الروايات المذكورة المانع إجماله عن الاستدلال، مضافا إلى شذوذها لو كان دالّا.

و المراد بكون الرضاع قبل الحولين: عدم وقوع شي ء من القدر المعتبر بعد تمام الحولين.

و بالحولين: الهلاليّتان، لأنّها المتعارف المتبادر شرعا، و ابتداؤهما من حين انفصال تمام الولد، و لو كان في أثناء الشهر يتمّ المنكسر من الشهر الخامس و العشرين ثلاثين يوما، للأصل المتقدّم.

و الحقّ: عدم اعتبار الحولين في ولد المرضعة، فينشر الحرمة لو وقع الرضاع بعد حولية

إذا كان قبل حولي المرتضع، وفاقا للأكثر، بل ادّعى بعضهم عليه الإجماع [1].

لعموم أدلّة نشر الحرمة بالرضاع.

و للاستصحاب.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي و ابني حمزة و زهرة «3»، بل عن الأخير الإجماع عليه، له.

و للأصل.

و ما نقل عن ابن بكير.

و ظهور الأخبار المتقدّمة في العموم.

______________________________

[1] كما في الرياض 2: 88.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 519.

(3) الحلبي في الكافي: 285، ابن حمزة في الوسيلة: 301، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 253

و الأول ممنوع و بمثله معارض.

و الثاني بالعمومات مدفوع.

و الثالث ليس بحجّة، و مع ذلك يعارضه ما ذكره الكليني و الصدوق.

و الرابع مردود بالإجمال و انتفاء العموم.

مع أنّه لو حمل على العموم- بأن يراد الإرضاع بعد شي ء من الحولين أو شي ء من الفطام- يلزمه خروج الأكثر، إذ لا يبقى له مورد سوى حولي هذا المرتضع و ولد مرضعته و فطامه، و يخرج جميع سائر الأفراد، فتأمّل.

الشرط السادس: أن تكون الرضعة كاملة في الرضعات العدديّة و الزمانيّة.

أمّا في الأولى، فلأنّها المتبادر إذا أضيف مثلها إلى العدد، فلا يقال:

عشر رضعات، إلّا مع كون كلّ واحدة كاملة، و لو نقص بعضها يصحّ السلب و يقال: إنّها ليست بعشر.

و لتقييد عشر رضعات في رواية الفضيل السالفة «1» بالتي تروّي الصبي- أي كلّ واحدة منها- و لا يضرّ اشتمالها على اليوم أيضا، كما مرّ.

و أمّا في الثانية، فلما عرفت من عدم دليل تامّ على التقدير الزماني، سوى الإجماع إن ثبت، فيجب الاقتصار فيه على المجمع عليه، و هو ما إذا كانت الرضعات في اليوم و الليلة كاملة.

و أمّا في حصول الأثرين، فصرّح بعضهم بعدم اعتبار كمال الرضعة [1]، بل يحرم لو علم حصولهما بالرضعات الناقصة- كما إذا

______________________________

[1] كما في الرياض 2: 87.

______________________________

(1) في

ص: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 254

انحصرت رضعاته في أيّام كثيرة بالناقصات- لصدق حصول الأثرين.

و لا تنافيه مرسلة ابن أبي عمير و خبر ابن أبي يعفور المتقدّمين «1»، لأنّ مدلولهما عدم حصول الإنبات بدون كمال الرضعة، فلو فرض حصول العلم به بدونه يجب حمل الرواية على الغالب أو محمل آخر، و إن لم يحصل العلم فلا تنافي.

و منهم من استدلّ على اعتبار الكمال في الرضعات العدديّة و الزمانيّة بهاتين الروايتين، مع تصريحه بعدم اعتباره في الوصفيّة «2».

و هو غير جيّد جدّا، لأنّ مفادهما اعتبار الكمال في حصول الوصف لا في العدد و الزمان، و الأصل عدم تعلّقه بهما، مع أنّه إذا لم يعتبر ذلك في الوصف- الذي هو صريح الروايتين- كيف يعتبر في غيره لأجلهما؟! و المراد بالرضعة الكاملة: ما عدّه العرف كاملا، و هو الذي يروّي الصبيّ و كان من شأنه إنامته كما في رواية الفضيل، و الذي يتضلّع معه الصبيّ و تنتهي نفسه، فهما مع ما يعدّه العرف متّحدان أو متقاربان.

ثمَّ إنّه تحسب الرضعات المتخلّلة بينها لفظ الثديين للتنفّس أو الملاعبة أو المنع من المرضعة مع المعاودة و حصول الكمال بعدها رضعة واحدة إن لم يطل الفصل، و إلّا احتسب الجميع كالآحاد رضعات ناقصات، فلا ينشر حرمة.

الشرط السابع: أن لا يفصل بين الرضعات رضاع من امرأة أخرى في الرضعات العدديّة.

فلو تخلّلت رضعة اخرى بينها- كأن يرتضع من امرأة تسع رضعات

______________________________

(1) في ص: 241.

(2) انظر الرياض 2: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 255

و من أخرى رضعة، ثمَّ من الأولى رضعة اخرى- لم ينشر الحرمة.

إجماعا كما في التذكرة و عن الخلاف و الغنية «1».

للتصريح في روايتي مسعدة و عمر بن يزيد «2» ب: أنّ الرضعات المتفرّقات لا تحرّم، و اشتراط التوالي في موثّقة

زياد السابقة «3».

و أمّا تخلّل غير الرضاع من المأكول و المشروب فغير مانع عن نشر التحريم هنا، كما هو ظاهر المقنعة و النهاية و التذكرة و النافع و صريح السرائر و القواعد «4»، و شرح النافع لصاحب المدارك، و غيرها [1]، بل في الثاني الإجماع عليه، بل لعلّه إجماعي، فإن ثبت فهو، و إلّا فإثبات التحريم مع تخلّل الأكل و الشرب بدليل آخر مشكل.

إذ ليس إلّا موثّقة زياد، حيث خصّ الفصل بالرضعة.

و ما قالوا من عدم صدق التفرّق إلّا مع تخلّل الرضعة، كما يصدق صيام الأيّام المتتالية ما لم يتخلّل عدم صوم يوم آخر، و لا يضرّ تخلّل الليلة، فإنّ المتبادر من المتفرّقات ما تخلّل بينها من جنسها، و إلّا فتوقّف حصول التعدّد على تخلّل شي ء ظاهر.

و في الأول: أنّه لم يخصّ بالرضعة، بل ذكر أولا قوله: «متواليات».

و كون ما بعده تفسيرا لذلك غير معلوم.

______________________________

[1] كالمسالك 1: 468.

______________________________

(1) التذكرة 2: 620، الخلاف 2: 319، الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

(2) المتقدمتين في ص: 238 و 245.

(3) في ص: 242.

(4) المقنعة: 502، النهاية: 461، التذكرة 2: 620، النافع: 175، السرائر 2:

520، القواعد 2: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 256

و في الثاني: منع عدم صدق التفرّق و عدم التوالي مع تخلّل المأكول و المشروب، سيّما مع طول مدّة التخلّل.

و لا يرد: أنّه لو لم يعلم عدم صدق التفرّق فلا يعلم التفرّق أيضا، فيبقى تحت عمومات التحريم بمطلق الرضاع بلا معارض.

إذ على هذا تبقى [1] عمومات عدم التحريم ما لم ينبت اللحم و العظم أيضا بلا معارض، و هي أخصّ من الاولى، و المسألة مشكلة جدّا و الاحتياط لا يترك.

هذا في الرضعات العدديّة.

و أمّا الزمانيّة، فصرّح الأكثر بأنّه

يشترط فيها أن لا يفصل بين الرضعات رضعة و لا مأكول و لا مشروب آخر [2].

لعدم صدق رضاع اليوم و الليلة مع تخلّل رضعة أخرى أو أكل أو شرب، إذ معنى رضاع اليوم و الليلة من امرأة: أنّ الرضاع المتعارف في اليوم و الليلة يكون منها، و مع تخلّل أكل أو شرب لا يكون كذلك، مع أنّ الدليل التامّ على اعتباره الإجماع لو ثبت، و ما ثبت اعتباره بالإجماع ما لم يتخلّل شي ء أصلا.

و أمّا في حصول الأثرين، فلا يشترط عدم تخلّل أصلا، كما صرّح به في شرح النافع و المسالك «3»، بل ينشر مع حصول العلم بالإنبات من هذا اللبن الخاصّ و لو تخلّله رضعة أو مأكول أو مشروب، للأصل، و صدق الوصف.

______________________________

[1] في النسخ زيادة: و لا يضرّه، و قد أسقطناها لاستقامة المتن.

[2] كالشهيد الثاني في المسالك 1: 468، السبزواري في الكفاية: 159، صاحب الرياض 2: 87.

______________________________

(3) المسالك 1: 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 257

و لكن في حصول العلم بذلك مع التخلّل إشكالا، بل الظاهر- كما قيل «1»- عدم حصول الإنبات حينئذ باللبن الواحد وحده، و لذا صرّح بعضهم باشتراط عدم التخلّل في الرضعات الوصفيّة أيضا [1].

و هل يشترط في منع الرضعة المتخلّلة عن نشر الحرمة كونها كاملة كما في التذكرة «3»؟

أو لا، بل يحصل بأقلّ الرضعة أيضا، كما في القواعد و المسالك و الروضة «4»؟

الظاهر هو: الثاني، لصدق التفرّق مع غير الكاملة أيضا، و تبادر الكاملة- كما قيل «5»- ممنوع.

و هل يشترط في التوالي اتّحاد المرضعة؟

أم يكفي اتّحاد الفحل؟

الحقّ هو: الأول.

لظاهر موثّقة زياد.

و صدق التفرّق مع تخلّل لبن امرأة أخرى.

و للتصريح في بعض الأخبار بأنّه: «لا يحرم من الرضاع إلّا

ما ارتضع من ثدي واحد» «6».

و لا يضرّ زيادة حولين أو سنة بعد ما ذكر مع أنّه خلاف الإجماع، إذ

______________________________

[1] كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 29.

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 29.

(3) التذكرة 2: 620.

(4) القواعد 2: 10، المسالك 1: 468، الروضة 5: 163.

(5) انظر المسالك 1: 468، الرياض 2: 87.

(6) الفقيه 3: 307- 1476، التهذيب 7: 317- 1310، الاستبصار 3: 197- 713، الوسائل 20: 386 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 8 و ب 2 ح 13 و 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 258

فساد جزء من الخبر لا يفسد غيره، مع أنّ فساده غير معلوم، لإمكان الحمل على محامل صحيحة.

فرع: لو أرضعت امرأة خمسا كاملة ثمَّ واحدة ناقصة ثمَّ خمسا كاملة، فهل ينشر، أو يستأنف النصاب؟

الظاهر: الأول، لعدم صدق التفرّق.

الشرط الثامن: أن يرتضع من الثدي.

فلو و جر في حلقه أو سعط به أو احتقن أو أكله جبنا لم ينشر الحرمة.

على المشهور بين الأصحاب، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه «1»، و في المسالك: لا نعلم فيه خلافا لأحد من أصحابنا إلّا ابن الجنيد «2».

لأنّه المتبادر من الإرضاع، بل لا يحصل مسمّى الرضاع و الإرضاع و الارتضاع إلّا بذلك، فإنّه لا يقال لمن شربه من غير الثدي: إنّه ارتضع، فكيف بمن احتقن به أو أكله جبنا؟! بل يقال للوجور: أشربه اللبن.

و لذا ورد في مرسلة الصدوق الآتية: أنّ الوجور بمنزلة الرضاع، فليس هو نفس الرضاع.

و لذا لم يستعمل في الصحيحين الآتيين- المتضمّنين لسقي الزوجة زوجها أو جاريته- الرضاع، بل استعمل السقي.

و يؤيّده أيضا ما ورد في الصحيحين:

______________________________

(1) التذكرة 2: 617.

(2) المسالك 1: 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 259

أحدهما: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضعا

من ثدي واحد حولين كاملين» «1».

و الآخر: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضع من ثدي واحد سنة» «2».

و في الآخرين، أحدهما: عن امرأة حلبت من لبنها فسقت زوجها لتحرم عليه، قال: «أمسكها و أوجع ظهرها» «3».

و الآخر: إنّ امرأتي حلبت من لبنها في مكوك فسقته جاريتي، فقال:

«أوجع امرأتك و عليك بجاريتك» [1].

و إنّما جعلناها مؤيّدة لا أدلّة- كما فعله بعضهم [2]- إذ لا دلالة في قوله:

«من ثدي» في الأولين على المصّ منه، لصدقه مع كون اللبن منه كيف ما شرب، و لأنّ الظاهر من الثانيين وقوع الشرب بعد الحولين و عدم وصوله أحد المقدّرات الثلاثة و إن أمكن التعميم بترك الاستفصال، و لكنّه بعيد جدّا.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «6»، فاكتفى بالوجور، و هو مختار

______________________________

[1] الكافي 5: 445- 5، الوسائل 20: 393 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 7 ح 1.

و المكوك: المدّ، و قيل: الصاع، و الأول أشبه لما جاء مفسّرا بالمدّ- مجمع البحرين 5: 289.

[2] كالعلّامة في المختلف: 520.

______________________________

(1) المتقدّم في ص: 257.

(2) التهذيب 7: 318- 1315، الاستبصار 3: 198- 718، الوسائل 20: 378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    259     الشرط الثامن: أن يرتضع من الثدي. ..... ص : 258

(3) الكافي 5: 443- 4، الوسائل 20: 385 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 3.

(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 519.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 260

مواضع من المبسوط «1»، مدّعيا في بعضها ما يظهر منه الإجماع، و إن وافق المشهور في موضع آخر منه «2». و قوّاه في المفاتيح «3» و شرحه.

لأنّ الغاية المطلوبة- التي هي إنبات اللحم و شدّ العظم-

قد تحصل منه.

و لمرسلة الصدوق: «و جور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع» «4».

و يردّ الأول: بمنع كون الغاية هو الإنبات من حيث هو هو خاصّة، لاحتمال كون الرضاع و المصّ من الثدي له مدخليّة في نشر الحرمة، كما أنّ للولادة أو الحمل مدخليّة فيه، و ليست العلّة بنفس الإنبات منصوصة، و تعليل عدم التحريم بعدم الإنبات في بعض الروايات «5» لا يدلّ على تعليل التحريم بالإنبات.

نعم، يستفاد من الأخبار نشر الحرمة من الرضاع الموجب للإنبات، و غاية ما يمكن أن يقال فيه العلّة المستنبطة، و هي عندنا غير حجّة.

و الثاني: بمنع الدلالة، لأنّها فرع ثبوت عموم المنزلة، و هو ممنوع، فيمكن أن يكون في حرمة الرضاع بعد الفطام.

الشرط التاسع: أن يرتضع المرتضع الحدّ المعتبر من لبن فحل واحد من مرضعة واحدة.

______________________________

(1) المبسوط 5: 294.

(2) المبسوط 5: 295.

(3) المفاتيح 2: 238.

(4) الفقيه 3: 308- 1485، الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 7 ح 3.

(5) التهذيب 7: 313- 1298، الاستبصار 3: 195- 704، الوسائل 20: 374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 261

فلو حصل القدر المعتبر من لبن فحلين من مرضعة واحدة أو من لبن مرضعتين و لو من فحل واحد لم ينشر حرمة أصلا، لا بواسطة الأمومة و لا الأبوّة و لا ما يتفرّع عليهما.

فلو أرضعته امرأة واحدة الرضاع المعتبر من لبن فحلين، كأن أرضعته من لبن زوجها خمس رضعات، ثمَّ انقطع لبنها و عاد بعد مدّة طويلة من غير وطء، فأرضعته من اللبن الثاني خمسا أخر.

أو فارقها الزوج الأول فتزوّجت بغيره فأكملت الرضعات من الثاني، و يتصوّر ذلك بأن يستقلّ الولد بالمأكول أو شرب اللبن و جورا في المدّة المتخلّلة، و قلنا بأنّ ذلك غير ضائر في التفرّق.

لم

تصر المرضعة أمّا للمرتضع، و لا ينشر الحرمة بينهما و لا بينه و بين أولادها النسبيّة أو الرضاعيّة.

و كذا لو كان لفحل امرأتين مرضعتين، و ارتضع صبيّ بعض العدد المعتبر من لبن امرأة و أكمله من اخرى، لم يصر الفحل أبا له و لم ينشر الحرمة، مع أنّ الفحل متّحد.

فلا تحصل الأمومة لمرتضع من لبن فحلين و لو اتّحدت المرضعة، و لا الأبوّة من لبن مرضعتين له و لو اتّحد الفحل.

بالإجماع في الحكمين على ما حكي عن التذكرة «1»، و قيل: بلا خلاف فيه «2».

______________________________

(1) التذكرة 2: 620.

(2) انظر الرياض 2: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 262

إلّا أنّ بعض شرّاح المفاتيح نسب الخلاف هنا إلى الطبرسي أيضا، و لم يثبت.

و الوجه فيه- بعد التأيّد بعدم تصوّر أمّ لشخص لا أب له، و لا أب لمن لا أمّ له، و لا أخ أو أخت بدون الأبوين، و لا أب في الأول، لعدم حصول العدد المعتبر من فحل واحد، و لا أمّ في الثاني، لعدم حصوله من امرأة واحدة:

موثّقة زياد بن سوقة المتقدّمة، حيث دلّت على أنّ كلّ رضاع أقلّ من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متوالية من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لا يوجب حرمة أصلا، خرج منها ما خرج من العشر و ما فوقها إذا كانت من امرأة واحدة من فحل واحد، فيبقى الباقي.

و يدلّ عليه أيضا ما صرّح بأنّ العشر المتفرقة لا تحرّم، فإنّ الرضعات في الصورتين متفرّقة فلا توجب تحريما، و يثبت الحكم في جميع الموارد بعدم الفصل.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة العلاء: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضع من ثدي واحد سنة» «1».

دلّت على اشتراط

اتّحاد المرضعة، فلا ينشر التحريم بالعشر، الحاصل من مرضعتين و لو من فحل، و أمّا الحاصل من مرضعة من فحلين فهو إمّا غير متصوّر على ما اخترنا من اشتراط عدم تخلّل الأكل و الشرب أيضا، أو نادر على القول الآخر لا اهتمام بشأنه، مع أنّ بعد الثبوت في أحد

______________________________

(1) الفقيه 3: 307- 1475، التهذيب 7: 318- 1315، الاستبصار 3: 198- 718، الوسائل 20: 378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 263

الطرفين يثبت في الآخر بالإجماع المركّب.

الشرط العاشر- و هو شرط لحصول التحريم بالاخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين.
اشاره

أن يكون رضاعهما معا إلى الحدّ المعتبر من لبن فحل واحد، و لا تكفي الاخوّة من جهة الأمّ خاصّة في ثبوت التحريم، فلو ارتضع أحد الصغيرين من امرأة من لبن فحل القدر المعتبر، و الآخر منها من لبن فحل آخر القدر المعتبر، لم يثبت التحريم بينهما.

و لا يشترط اتّحاد المرضعة بعد اتّحاد الفحل، بل تكفي الاخوّة الرضاعيّة من جهة الأب، فلو ارتضع مائة من لبن فحل واحد كلّ القدر المعتبر حرم بعضهم على بعض و لو تعدّدت المرضعات، كما لو كانت منكوحات فحل مائة أرضعت كلّ واحدة رضيعا واحدا، فيحرم بعضهم على بعض و الكلّ على الفحل.

و الحاصل- كما ذكرنا-: أنّه لا تكفي الاخوّة من جهة الأمّ خاصّة في التحريم و تكفي من جهة الأب.

أمّا المطلب الأول، فهو الحقّ المشهور بين الأصحاب، بل في التذكرة: إجماعنا عليه «1»، و كذلك في المسالك «2»، و في شرح القواعد: إنّه لا خلاف فيه بين أصحابنا «3»، بل قيل: ادّعى جمع من الأصحاب عليه الإجماع «4».

______________________________

(1) التذكرة 2: 621.

(2) المسالك 1: 469.

(3) جامع المقاصد 12: 223.

(4) انظر الكفاية: 159.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16،

ص: 264

للمستفيضة من الروايات:

منها صحيحة الحلبي: عن رجل يرضع من امرأة و هو غلام أ يحلّ له أن يتزوّج أختها لأمّها من الرضاعة؟ فقال: «إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحلّ، و إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك» «1».

و موثّقة الساباطي: عن غلام رضع من امرأة أ يحلّ له أن يتزوّج أختها لأبيها من الرضاعة؟ قال: فقال: «لا، قد رضعتا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة»، قال: قلت: فيتزوّج أختها لأمّها من الرضاعة؟ قال:

فقال: «لا بأس بذلك إنّ أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام فاختلف الفحلان فلا بأس» «2».

و صحيحة العجلي، و فيها: فقلت له: أرأيت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فسّر لي ذلك، قال: «كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد من جارية أو غلام، فإنّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، و إنّما هو من نسب ناحية الصهر رضاع و لا يحرّم شيئا، و ليس هو سبب رضاع من ناحية الفحولة فيحرم» «3».

______________________________

(1) الكافي 5: 443- 11، التهذيب 7: 321- 1323، الاستبصار 3: 201- 726، الوسائل 20: 389 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 3.

(2) الكافي 5: 442- 10، الاستبصار 3: 200- 724، الوسائل 20: 388 أبواب ما يحرم بالرضاع

ب 6 ح 2.

(3) الكافي 5: 442- 9، الفقيه 3: 305- 1467، الوسائل 20: 388 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 265

قيل- في وجه الاستدلال بها-: إنّ الظاهر كون: «واحدا بعد واحد» مفعولا ل: «أرضعت» و: «من جارية أو غلام» بيانا لهما، و لا يحتمل الحاليّة عن الفحلين، لأنّه لا يستفاد منه شي ء زائد عمّا استفيد قبله، فيكون تأكيدا، و التأسيس أولى منه، و لأنّها توجب إمّا تقدير المفعول، أو جعل الجارّ زائدة، و كلاهما خلاف الأصل، أو جعله مجموع الجارّ و مدخولة، و هو خلاف الظاهر «1».

و فيه: أنّه على الأول: يكون قوله: «من جارية أو غلام» أيضا لا يفيد غير التأكيد، و التأسيس أولى منه، و كون تقدير المفعول، بعد تقدّمه خلاف الأصل غير ظاهر.

مع أنّه على الأول أيضا يحتاج إلى خلاف أصل في الحكم، إذ حينئذ و إن لم يثبت التحريم بين المرتضعين، و لكنّه يثبت بين أحدهما و بين المرضعة أو الفحل و ما يتفرّع عليهما، فلا بدّ من ارتكاب التخصيص في قوله: «و لا يحرّم شيئا و ليس هو سبب رضاع من ناحية الفحولة»، و هذان يخصّصان، مع أنّه تفسير للرضاع المحرّم، و هذا أيضا رضاع محرّم.

فلا تمَّ قوله: «فإنّ ذلك ليس بالرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

و الحمل على تفسير الرضاع المحرّم كليا تحريما عاما حتى لأحد الرضيعين على الآخر لا أصل التحريم و لو كان جزئيّا.

بعيد جدّا، فالظاهر تساوي الاحتمالين و سقوط الاستدلال بأحدهما من البين.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 266

نعم، يتمّ الاستدلال بها من جهة التعليل المذكور في ذيل

الصحيحة بقوله: «و إنّما هو من نسب ناحية الصهر» إلى آخره، إذ مع تعدّد الفحل يصدق كون الاخوّة من ناحية الصهر لا من ناحية لبن الفحولة.

بل يمكن الاستدلال بها بأنّه على الاحتمال الثاني يدلّ من جهة فحوى الخطاب على المطلوب، إذ بعد دلالتها على [عدم ] «1» حصول البنوّة من جهة الأمومة خاصّة فلا تحصل الاخوّة من جهتها بطريق أولى.

و منه يظهر إمكان الاستدلال بما استدلّ به للشرط السابق أيضا، و يؤيّده أيضا ما دلّ على [عدم ] «2» اعتبار اللبن الخالي عن النكاح.

و قد يستدلّ لذلك القول بصحيحة مالك بن عطيّة: في الرجل يتزوّج المرأة فتلد منه، ثمَّ ترضع من لبنها جارية، أ يصلح لولده من غيرها أن يتزوّج بتلك الجارية التي أرضعتها؟ قال: «لا، هي بمنزلة الأخت من الرضاعة، لأنّ اللبن لفحل واحد» «3».

و صحيحة الحلبي، و فيها: عن امرأة رجل أرضعت جارية أ تصلح لولده من غيرها؟ قال: «لا»، قلت: فنزلت بمنزلة الأخت من الرضاعة؟ قال:

«نعم، من قبل الأب» «4»، و ما في معناهما من الأخبار.

و فيه نظر، لأنّ مقتضاها: أنّ الاشتراك في لبن الفحل الواحد يوجب

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(2) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(3) الفقيه 3: 306- 1473، الوسائل 20: 393 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 13.

(4) الكافي 5: 444- 4، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 267

التحريم، أي كفاية الاخوّة من جهة الأب- و هو المطلب الثاني- لا انحصار جهة التحريم فيه و عدم كفاية الاخوّة من جهة الأمّ فقط.

ثمَّ إنّه خالف في ذلك الشيخ أبو عليّ الطبرسي- صاحب التفسير- فاعتبر الاخوّة للرضاعة من جهة

الأمّ خاصّة أيضا «1»، و حكي عن الراوندي في فقه القرآن «2»، و قوّاه صاحب المفاتيح «3» و شارحه، و استجوده في المسالك «4»، و نسبه السيّد الداماد في رسالته إلى فقهاء العامّة كما نسبه جمع آخر على ما حكي «5».

لعموم وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ «6».

و نحو قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» «7».

و رواية محمّد بن عبيد الهمداني، و في آخرها: فقال لي أبو الحسن عليه السلام: «ما بال الرضاع يحرّم من قبل الفحل و لا يحرّم من قبل الأمّهات، و إنّما حرّم اللّه الرضاع من قبل الأمّهات و إن كان لبن الفحل أيضا يحرّم» «8».

و الجواب عن العمومات: أنّها مخصّصة بما مرّ.

______________________________

(1) مجمع البيان 2: 28.

(2) فقه القرآن 2: 90.

(3) المفاتيح 2: 235.

(4) المسالك 1: 470.

(5) انظر الرياض 2: 89.

(6) النساء: 23.

(7) الفقيه 3: 305- 1467، الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 1.

(8) الكافي 5: 441- 7، التهذيب 7: 320- 1322، الوسائل 20: 391 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 268

مع أنّه قيل: في كون المرتضعة بلبن هذه المرضعة من فحل آخر أختا رضاعيّة نظر، لأنّ الأخت الرضاعيّة أمر شرعي، و كون المذكورة مندرجة تحتها محلّ النزاع، فلا بدّ من دليل يدلّ عليه، فشمول الآية له غير معلوم، بل و كذلك كونها أختا أمّيا رضاعيّة، فلا يعلم شمول: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» أيضا «1».

و فيه نظر، لأنّا نعلم أنّ الأخت و الأخ الأمّيين هما المتّحدان في الأمّ، و هذه المرضعة امّه إجماعا، بل نصّا.

ففي صحيحة ابن سنان: عن امرأة أرضعت غلاما

مملوكا لها من لبنها حتى فطمته هل لها أن تبيعه؟ قال: فقال: «لا، هو ابنها من الرضاعة» «2».

مضافا إلى استعمال الأخت في الأمّية الرضاعيّة في صحيحة الحلبي و موثّقة الساباطي المتقدّمتين.

و عن الرواية: أنّها قاصرة مجملة، لأنّ محطّ الاستدلال قوله: «و إنّما حرّم اللّه الرضاع من قبل الأمّهات»، و ليس باقيا على معناه الظاهر، إذ لم يحرّم اللّه سبحانه الرضاع من قبل الأمّهات أصلا، بل المراد معنى آخر.

و أمّا أنّه يحرّم الرضاع من قبل الأمّهات فليس بمعلوم.

سلّمنا أنّ المراد ذلك، و لكن لا عموم فيه أصلا، إذ غايته أنّ الرضاع

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 160.

(2) الكافي 5: 446- 16، الوسائل 20: 405 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 269

يحرّم شيئا من قبل الأمّهات أيضا، و هو مسلّم، لأنّه يحرّم المرضعة و كذا أولادها النسبيّة إجماعا كما في السرائر و في الكفاية «1»، و أمّا أنّه يحرّم كلّما يتصوّر تحريمه بسبب الرضاع فكلّا.

و بعبارة أخرى: الأمّهات حقيقة في النسبيّة، و معنى تحريم الرضاع من قبل الأمّهات: أنّه يحرّم من أرضعته أمّك النسبيّة.

سلّمنا عموم التحريم، و لكنّه يعارض ما مرّ، و هو راجح بكونه أشهر رواية و مخالفا للعامّة، و قد ورد في علاج التعارض: أنّه خذ بما اشتهر بين أصحابك و بما خالف العامّة «2».

و أمّا المطلب الثاني- و هو كفاية الاخوّة من جهة الأب خاصّة في ثبوت التحريم- فهو إجماعيّ بيننا، و تدلّ عليه المتواترة من الأخبار، منها:

رواية محمّد بن عبيد و صحيحتا مالك و الحلبي المتقدّمة جميعا «3»، و منها:

و صحيحة البزنطي «4» و موثّقة سماعة «5»، و غير ذلك.

فرعان:
أ: ما ذكرنا من عدم كفاية الاخوّة من جهة الأمّ خاصة

إنّما هو في المرتضعين، أي الإخوتين الرضاعيتين.

______________________________

(1) السرائر

2: 553، الكفاية: 160.

(2) كما في الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

(3) في ص: 266 و 267.

(4) قرب الاسناد: 369- 1323، الوسائل 20: 390 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 7.

(5) الكافي 5: 440- 2، التهذيب 7: 319- 1317، الاستبصار 3: 199- 720، الوسائل 20: 390 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 270

أمّا إذا كان أحدهما نسبيا فيثبت التحريم بينهما إجماعا، كما في السرائر و الكفاية.

و تدلّ عليه رواية محمّد بن عبيد المتقدّمة.

و صحيحة محمّد: «إذا رضع الغلام من نساء شتّى فكان ذلك عدّة أو نبت لحمه و دمه عليه حرم عليه بناتهنّ كلّهنّ» «1».

و صحيحة جميل: «إذا أرضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كلّ شي ء من ولدها و إن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه، و إذا أرضع من لبن الرجل حرم عليه كلّ شي ء من ولده و إن كان من غير المرأة التي أرضعته» «2».

ب: يحرم على المرتضع: أمّ المرضعة

و أختها و عمّتها و خالتها نسبيّة كانت أو رضاعية.

بالإجماع في النسبيّة.

و على الأظهر الأشهر في الرضاعية إذا كانت ارتضاعهنّ مع المرضعة من فحل واحد، بل نسب إلى إطلاقات كلام الأصحاب، بل صريحهم في المسألة «3».

لعموم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

و خصوص صحيحة الحلبي و موثّقة عمّار المتقدّمتين في أختها

______________________________

(1) الكافي 5: 446- 15، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 2.

(2) التهذيب 7: 321- 1325، الاستبصار 3: 201- 728، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 3.

(3) انظر الرياض 2: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 271

الرضاعيّة.

خلافا للقواعد و المحقّق الثاني،

فنفيا التحريم في المنتسبات إليها بالرضاع مطلقا «1»، سواء كان رضاعهنّ معها من فحل واحد أو فحلين، لعدم اتّحاد الفحل بين المرتضع و النسوة المزبورات.

قال في شرح القواعد ما خلاصته: قد حقّقنا أنّ حرمة الرضاع لا تثبت بين مرتضعين إلّا إذا كان اللبن لفحل واحد، و حكينا خلاف الطبرسي، فلو كانت لمن أرضعت صبيّا أمّ من الرضاع لم تحرم تلك الامّ على الصبي، لأنّها نسبتها إليه بالجدودة إنّما تتحصّل من رضاعه من مرضعة و رضاع مرضعته منها، و معلوم أنّ اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع و الامّ المذكورة.

و من هذا يعلم أنّ أختها من الرضاع و عمّتها منه و خالتها منه لا يحرمن و إن حرمن بالنسبيّة.

و لو كان المرتضع أنثى لا يحرم عليها أبو المرضعة من الرضاع و لا أخوها منه و لا عمّها منه و لا خالها منه، لمثل ما قلناه. انتهى.

و فساده واضح جدّا، إذ ما اعتمدا عليه- في تخصيص عمومات تحريم الرضاع من الموثّقة و الصحيحة المتقدّمتين- يتضمّن تحريم الخالة الرضاعيّة، و اشتراط اتّحاد الفحل إنّما هو في حصول البنوّة و الاخوّة لا مطلقا، و لو كان المراد ما ذكراه ما كان للتعليل- كالحكم بسببه- وجه، لعدم اتّحاد فحلي المرتضع و الخالة الرضاعيّة، بل لم تحرم العمّة و أمّ الأب

______________________________

(1) القواعد 2: 11، جامع المقاصد 12: 257، 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 272

الرضاعيّة، لعدم اتّحاد الفحل بهذا المعنى، بل اتّحاد الفحل في الخالة و الجدّة و نحوهما لا يكاد تعقل صحّته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 273

البحث الثاني في بيان المحرّمات بالرضاع بعد استكمال الشرائط

اشاره

و فيه مقدّمة و مطلبان:

المقدّمة في بيان معنى قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»

أو: «من القرابة» «1».

و المراد منه: أنّ كلّ حرمة تنشأ من النسب فهي تنشأ من الرضاع أيضا، فاللبن له تأثير كتأثير المني، و لذلك ورد: «إنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب» «2»، فكلّ عنوان له اسم في الأنساب و حكم في السنّة و الكتاب بتحريمه فاجعل في حذائه ما يشبهه ممّا حصل منه الرضاع، إلّا فيما استثني من اشتراط اتّحاد الفحل و غيره.

فالمراد: أنّه يحرم من جهة الارتباط الحاصل من الرضاع ما يحرم من جهة الارتباط الحاصل بالنسب، و مفاده: أنّ كلّ وصف نسبيّ يوجب التحريم يوجب نظيره من الوصف الرضاعي، كالولد و الأخ و الأخت و الامّ و الأب و غير ذلك.

______________________________

(1) التهذيب 7: 291- 1222، الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 2.

(2) راجع ص: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 274

و أمّا الارتباط و الوصف الحاصلان بسبب المصاهرة فلم يثبت التحريم به بواسطة الرضاع، بل يثبت بثبوت أصل الارتباط و الوصف أيضا، فمرضعة الولد لا تصير زوجة رضاعيّة، و لا أمّها أمّ الزوجة الرضاعيّة.

فلا دلالة في الرواية على أنّ ما يحرم بالمصاهرة الحقيقيّة يحرم بالمصاهرة الرضاعيّة أيضا، و لا أنّ ما يحرم بالنسب و المصاهرة يحرم بالرضاع أيضا.

بل مدلولها: أنّ ما يحرم بالنسب يحرم نظيره بالرضاع، فلا بدّ في كلّ ما يراد الحكم بتحريمه بالرضاع بواسطة هذه الرواية أن ينظر إلى الوصف الحاصل منه بالرضاع، فإن كان المتّصف بهذا الوصف ممّا يحرم بسبب النسب و ثبتت حرمته بدليل يحرم بالتحريم بالرضاع أيضا، و إلّا فلا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 275

المطلب الأول في بيان من يحرم
اشاره

و من يحرم بكلّيتها ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: من يحرم بسبب القرابة خالصة
اشاره

، و هنّ القرابات النسبيّة، فإنّ نظائرهنّ يحرمن بالرضاع، و القرابات النسبيّة الإناثيّة تسع، إلى آخر ما مرّ في المقدّمة في صدر المبحث.

أمّا دليل حرمة هؤلاء القرابات كلّا- بعد الإجماع- قوله في صحيحة ابن سنان: «يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة».

و في صحيحتي الكناني «1» و الحلبي «2» و روايتي داود «3» و أبي بصير «4»:

«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

بل هذه العبارة واردة في روايات أخرى عديدة، بل ثابتة عن الحجّة

______________________________

(1) الكافي 5: 437- 2، التهذيب 7: 291- 1223، الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 3.

(2) التهذيب 7: 292- 1225، الوسائل 20: 273 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 8.

(3) الكافي 5: 437- 3، التهذيب 7: 292- 1224، الوسائل 20: 272 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 4.

(4) التهذيب 7: 292- 1226، الوسائل 20: 373 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 276

بإجماع الأمّة.

و في صحيحة عبيد بن زرارة: «ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع» «1».

و التشكيك في إفادته العموم، لكون لفظة «ما» موصوفة، بعد اتّفاق الفريقين على التمسّك بعمومه.

في غير موقعه.

مع أنّه لو لا عمومه لما صحّ الاستناد إليه في مورد.

مع أنّ الإمام استدلّ به في موارد مختلفة.

كما في رواية عثمان، عن أبي الحسن عليه السلام، و فيها- بعد السؤال عن حلّية تزوّج الجارية التي أرضعتها امرأة أخي-: قال: «لا، إنّه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» «2».

و في مرسلة ابن سنان الواردة في السؤال عن امرأة أرضعت غلاما هل يحلّ بيعه- إلى أن قال-: «لا، أ ليس رسول

اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟!» «3».

مضافا إلى أنّ لفظة: «ما» في صحيحة عبيد متضمّنة لمعنى الشرط، و هي مفيدة للعموم.

______________________________

(1) الكافي 5: 439- 9، التهذيب 7: 313- 1296، الوسائل 20: 372 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 5.

(2) التهذيب 7: 323- 1332، الوسائل 20: 373 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 10.

(3) الكافي 5: 446- 16، الوسائل 20: 405 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 277

هذا، مع التصريح بحرمة بعض تلك القرابات بخصوصها، كالامّهات الشاملة للجدّات أيضا و الأخوات أيضا و الأخوات في الآية الشريفة «1» و المستفيضة من الروايات [1].

و بنات الاخوة و الأخوات في صحيحة ابن سنان: «لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمّها و لا خالها من الرضاعة» «3».

و في رواية مسعدة الآتية.

و في روايات امتناع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن تزوّج ابنة حمزة، قائلا: أنّها ابنة أخي من الرضاعة [2]، و غير ذلك.

و البنات في صحيحة ابن سنان: «ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام» «5».

و العمّة و الخالة في رواية مسمع: «ثمانية لا يحل نكاحهنّ» إلى أن قال: «أمتك و هي عمّتك من الرضاعة، و أمتك و هي خالتك من الرضاعة، و أمتك و هي أختك من الرضاعة» الحديث «6».

______________________________

[1] كما في الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8.

[2] كما في الكافي 5: 437- 5، المقنع: 111، الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 1، و الكافي 5: 445- 11، التهذيب 7: 292- 1229، الوسائل 20: 396 أبواب

ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 6.

______________________________

(1) النساء: 23.

(3) الكافي 5: 445- 10، التهذيب 7: 292- 1228، الوسائل 20: 396 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 5.

(5) الكافي 5: 440- 1، التهذيب 7: 319- 1316، الوسائل 20: 389 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 4.

(6) الكافي 5: 447- 1، التهذيب 7: 293- 1230، الوسائل 20: 396 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 278

و رواية مسعدة: «يحرم من الإماء عشر» إلى أن قال: «و لا أمتك و هي عمّتك من الرضاعة، و لا أمتك و هي خالتك من الرضاعة، و لا أمتك و هي أختك من الرضاعة، و لا أمتك و هي ابنة أختك من الرضاعة» «1».

فهذه هي القرابات التسع المتقدّمة، فتحرم كلّها.

فذلكة: ركن محلّ التحريم بهذه القرابات ثلاث:

المرتضع، و المرضعة، و الفحل.

فيحرم على الأول: المرضعة، و من يحرم بسببها من الأمّهات و الأخوات و العمّات و الخالات، و من يحرم بسبب الفحل ممّن ذكر أيضا و أولاد المرضعة و الفحل بالتفصيل المتقدّم.

و يحرم على الفحل و المرضعة: المرتضعة أو المرتضع و أولادهما، و لا يحرم غير ذلك بواسطة القرابة أصلا.

تكملة: اعلم أنّه- كما عرفت- يحرم من الرضاع كلّ ما يحرم من النسب

، و هنّ القرابات المذكورة، و لا يستثنى من هذه الكلّية شي ء.

و أمّا ما ذكره في التذكرة من أنّه يستثنى من قاعدة: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» صور أربع، الأولى: أمّ الأخ و الأخت، و الثانية: أمّ ولد

______________________________

(1) الفقيه 3: 286- 1360، الخصال: 438- 27، الوسائل 20: 397 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 279

الولد، و الثالثة: جدّة الولد، و الرابعة: أخت الولد «1».

ففيه: أنّ شيئا من هذه الأوصاف ليست مؤثّرة في التحريم بالنسب، و سبب التحريم أمر آخر مفقود في الرضاع، فلا حاجة إلى الاستثناء، بل هي خارجة عن القاعدة، و لكن الصورة الأخيرة منها محرّمة بدليل آخر، كما يأتي.

الصنف الثاني: من يحرم بواسطة القرابة المنضمّة مع المصاهرة.

و توضيحه: أنّهم قالوا: إنّه يحرم بعض القرابات النسبيّة المنضمّة مع الرضاعيّة، و هو إذا كانت القرابة رضاعيّة و المصاهرة حقيقيّة، بخلاف ما لو كانتا معا رضاعيّة أو المصاهرة خاصّة رضاعيّة، فلا يتعدّى التحريم إلى مثله.

كما قالوا: إنّ الأمّ الرضاعيّة للزوجة الحقيقيّة محرّمة، و الزوجة الحقيقيّة للابن الرضاعي محرّمة، بخلاف الأمّ الحقيقيّة للزوجة الرضاعيّة، أي أمّ مرضعة الولد أو الأمّ الرضاعية للزوجة الرضاعيّة.

و قالوا في وجه التفرقة ما أشير إليه من أنّه لم يثبت مشابه الارتباط بالمصاهرة بواسطة الرضاع و لا تحريمه، فلم تثبت زوجة رضاعيّة، فلا وجه لتحريم أمّها، بخلاف الامّ الرضاعيّة، فإنّها ثابتة، فإذا كانت الزوجة حقيقيّة تكون أمّها الرضاعيّة أمّ الزوجة فتحرم.

______________________________

(1) التذكرة 2: 614.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 280

ثمَّ إنّ الحكم بتحريم هذا الصنف مصرّح به في كلام الأصحاب، بل ظاهر الكفاية: اتّفاق الأصحاب عليه «1»، بل صرّح بعضهم باتّفاق الطائفة عليه [1]، و صرّح آخر بنفي الخلاف

فيه «3»، و في شرح المفاتيح الإجماع عليه، و قد دلّت النصوص المستفيضة عليه في خصوص أمّ الزوجة «4».

و يستدلّ عليه تارة بالإجماع.

و اخرى بالنصوص المذكورة.

و ثالثة: بقوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

و رابعة بأنّه بعد ضمّ القرابتين- الرضاعيّة و المصاهرة الحقيقيّة- يصدق عليه العنوان الذي ثبت تحريمه كتابا أو سنّة، كامّهات النساء و حلائل الأبناء و زوجة الأب إذا كانت الزوجة له حقيقيّة و إن كان الأب رضاعيّا.

أقول: أمّا الإجماع فمع ثبوته- كما هو الظاهر- فلا كلام فيه.

و أمّا سائر الأدلّة ففي تماميّتها نظر:

أمّا الأول، فلأنّ النصوص مخصوصة بأمّ الزوجة، فالتعدّي إلى سائر الموارد يتوقّف على الدليل، إلّا أن يتعدّى بالإجماع المركّب، و لا بأس به.

و أمّا الثاني، فلأنّ مدلول الرواية: أنّه يحرم بالرضاع ما يحرم من جهة النسب، و ظاهره كون النسب علّة تامّة، و في القرابات المنضمّة مع المصاهرة الحرمة ناشئة من النسب و المصاهرة معا، فلم يحرم من جهة

______________________________

[1] كما في الرياض 2: 91.

______________________________

(1) الكفاية: 161.

(3) انظر السرائر 2: 556.

(4) انظر الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 281

النسب خاصّة شي ء، فإنّ أمّ الزوجة تحرم بسبب زوجيّة البنت و أمومة الامّ معا، و لذا لا تحرم تلك الامّ لو لا مصاهرة الزوجة، فسبب تحريم أمّ الزوجة ليس هو النسب خاصّة.

و لذا استشكل في الكفاية في دلالته على تحريم هذا الصنف «1».

و أمّا الثالث، فلأنّ المتبادر من الابن و الامّ و الأب و نحوهم: الحقيقي، و انصرافهم عند الإطلاق إلى الرضاع أيضا غير معلوم.

فالمتّبع في هذا الصنف هو الإجماع، و اللّه العالم.

الصنف الثالث: أولاد صاحب اللبن و المرضعة.
اشاره

فإنّهم يحرمون على أب المرتضع مطلقا، سواء كان ولده أمّ

المرتضع أو غيرها على الأظهر الأشهر.

أمّا الأول، فلصحيح عليّ بن مهزيار: إنّ امرأة أرضعت لي صبيّا فهل يحلّ لي أن أتزوّج ابنة زوجها؟ فقال لي: «ما أجود ما سألت، من ها هنا يؤتى أن يقول الناس: حرّمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره»، فقلت له: إنّ الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي، هي ابنة غيرها، قال: «لو كنّ عشرا متفرّقات ما حلّ لك منهنّ شي ء و كنّ في موضع بناتك» «2».

______________________________

(1) الكفاية: 162.

(2) الكافي 5: 441- 8، التهذيب 7: 320- 1320، الوسائل 20: 391 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 282

و أمّا الثاني، فلصحيحة عبد اللّه بن جعفر: امرأة أرضعت ولد الرجل، هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوّج ابنة هذه المرضعة، أم لا؟ فوقّع عليه السلام:

«لا، لا تحلّ له» «1».

و صحيحة أيّوب: امرأة أرضعت بعض ولدي، هل يجوز أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب: «لا يجوز ذلك، لأنّ ولدها صار بمنزلة ولدك» «2».

خلافا لجمع، منهم: الشيخ في المبسوط و القاضي «3».

استنادا إلى أصالة الإباحة.

و إلى أنّ المحرّم بالرضاع ما يحرم بالنسب، و هذا ليس من المحرّمات بالنسب.

و فيه: أنّ الأصل مدفوع بما مرّ.

و أنّ عدم كون ذلك من المحرّمات بالنسب يقتضي عدم ثبوت حرمته من مثل قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، و ذلك لا ينافي ثبوتها من غيره.

فرعان:
أ: قالوا: إنّ تحريم أولاد المرضعة مخصوص بأولادها ولادة.

______________________________

(1) الكافي 5: 447- 18، الفقيه 3: 306- 1471، الوسائل 20: 404 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 16 ح 2.

(2) الفقيه 3: 306- 1470، التهذيب 7: 321- 1324، الاستبصار 3:

201- 727، الوسائل 20: 404 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 16

ح 1.

(3) المبسوط 5: 293، القاضي في المهذب 2: 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 283

و أمّا تحريم أولاد صاحب اللبن فيعمّ أولاده ولادة و رضاعا.

أمّا الأول فهو مقتضى الأصل.

و أمّا الثاني ففي التذكرة إجماع علمائنا عليه «1».

و ظاهر الكفاية نوع تردّد، حيث تأمّل في شمول الصحيحة الأولى للأولاد الرضاعيّة «2».

و هو في موضعه، لعدم صدق الابنة حقيقة إلّا على الابنة النسبيّة، و احتمال كون المشار إليه في قوله: «هذا لبن الفحل لا غيره» هذا المورد الخاصّ.

و على هذا، فلو لم يثبت الإجماع لكانت المسألة مشكلة.

ب: لا يحرم على أبي المرتضع بواسطة الرضاع غير ذلك

، فتحلّ له المرضعة، لعدم المقتضي له.

و لا أمّها و لا أختها و لا أمّ صاحب اللبن و لا أخته.

كلّ ذلك للأصل، و قد صرّح به في أمّ المرضعة الشيخ في المبسوط و ابن حمزة «3» و أكثر المتأخّرين [1].

فإن قيل: إذا كان ولد المرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع تكون أمّها بمنزلة جدّة ولده، و جدّة الولد محرّمة، و كذا أمّ صاحب اللبن، و أمّا أخته

______________________________

[1] منهم العلّامة في المختلف: 520 و السبزواري في الكفاية: 161.

______________________________

(1) التذكرة 2: 622.

(2) الكفاية: 161.

(3) المبسوط 5: 305، ابن حمزة في الوسيلة: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 284

فهي عمّة ولده، و عمّة الولد حرام، لأنّها أخت الأب، فيلزم التحريم.

قلنا: حرمة جدّة الولد و عمّته ليست لأنّها جدّته و عمّته و لذا يحرمان قبل ولادة الولد أيضا، [بل ] [1] أنّها أمّ الزوجة أو أخت نفسه، و الأمران مفقودان في المورد، مع أنّ الوارد في النصّ: أنّ أولاد المرضعة و صاحب اللبن بمنزلة الولد، فتكون أمّ المرضعة جدّة من بمنزلة الولد لا جدّة الولد، و لا نسلّم حرمة جدّة من بمنزلة الولد،

و كذا العمّة و غيرها.

و قد حكي الخلاف في أمّ المرضعة عن الحلّي «2».

لعموم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، حيث زعم أنّه من التحريم بالنسب نظرا إلى الأمومة.

و فساده ظاهر، لأنّها و إن كانت أمّ الزوجة و لكن حرمة أمّ الزوجة بسبب المصاهرة بين الزوج و الزوجة، [لا أنّها] [2] أمّ الزوجة.

و عن المختلف أيضا.

تمسّكا بأنّ المستفاد من التعليل بقوله: «بمنزلة ولدك» اعتبار المنزلة، و هذه أيضا بمنزلة جدّة الولد «4».

و فيه أولا: أنّ المعتبر من المنزلة لعلّ هي المنزلة الخاصّة التي ذكرها في النصّ.

و ثانيا: أنّ كونها بمنزلة جدّة الولد ممنوع كما مرّ.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

[2] في النسخ: لأنّهما، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(2) السرائر 2: 555.

(4) المختلف: 520.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 285

الصنف الرابع: الامّ الرضاعيّة للزوجة.
اشاره

فإنّها تحرم على الزوج، للروايات المستفيضة:

كصحيحة الحلبي: «لو أنّ رجلا تزوّج جارية رضيعا فأرضعتها امرأته فسد نكاحه» «1».

و الأخرى: في رجل تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أمّ ولده، قال: «تحرم عليه» «2».

و قريبة منهما صحيحتا ابن سنان «3» و محمّد «4».

و الفاسد نكاحه في هذه الروايات و إن كانت مجملة، إلّا أنّه يظهر مورده عن رواية ابن مهزيار: قيل له: إنّ رجلا تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثمَّ أرضعته امرأة له اخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية و امرأتاه، فقال أبو جعفر عليه السلام: «أخطأ ابن شبرمة، حرمت عليه الجارية و امرأته التي أرضعتها أولا، فأمّا الأخيرة لم تحرم عليه، كأنّها أرضعت ابنته» «5».

ضابطة: ضابط من يحرم بالرضاع في الصنفين الأولين

أن يقال: إنّه

______________________________

(1) الكافي 5: 444- 4، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 1.

(2) الكافي 5: 445- 6، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 2.

(3) التهذيب 7: 293- 1231، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 1.

(4) الفقيه 3: 306- 1472، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 1.

(5) الكافي 5: 446- 13، الوسائل 20: 402 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 286

تحرم المحارم كلّهنّ من غير استثناء.

نعم، يجب أن يكون ما أشير إليه- من أنّه لا تحصل نظائر القرابات الصهريّة بواسطة الرضاع- نصب عينيك، و تحصل القرابات النسبيّة كلّها بواسطته، فلو اجتمع نظير القرابة بالرضاع يحصل التحريم، سواء كانت منفردة أو مع حصول القرابة الصهريّة الحقيقيّة.

و إذا ضمّ ما ذكر مع ما في الصنف الثالث يكون الضابط: المحارم مع تحريم أولاد المرضعة و الفحل على أبي

المرتضع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 287

المطلب الثاني في ذكر من اختلفوا في حرمته و ليس بمحرم
اشاره

و تحقيق المقال فيه: أنّه لا شكّ أنّ المتّبع هو أصل الإباحة، إلّا فيما دلّ دليل على التحريم، و مقتضى حصول التحريم بالرضاع- الذي هو ضروريّ الدين- ليس إلّا التحريم في الجملة، و أمّا ثبوته لخصوص المحالّ فيحتاج إلى الدليل.

و الدليل المعيّن لموارد التحريم منحصر فيما مرّ من الإجماع.

و قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

و ما ورد في خصوصيّات تلك القرابات كما مرّ.

و ما سبق من الأخبار الدالّة على تحريم أولاد الفحل و المرضعة على أب المرتضع.

و ما سبق ممّا دلّ على تحريم الامّ الرضاعيّة للزوجة، لا غير ذلك.

فيجب على الفقيه الاقتصار على الموارد المذكورة.

إلّا أنّ منهم من تعدّى إلى غيرها.

إمّا لعدم تدبّره في قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» و رأى بعض المحرّمات، و توهّم أنّه بواسطة النسب فحكم بمثله في الرضاع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 288

أو لملاحظته التعليل المذكور في صحيحتي ابن مهزيار و أيّوب: أنّهم بمنزلة ولدك «1»، فأثبت المنزلة في غير ذلك أيضا لذلك و حكم فيه بالتحريم.

أو لعموم المنزلة المذكورة، فأثبت جميع أحكام الولد لمن هو بمنزلته.

و أمّا المتأمّل حقّ تأمّله فيما ثبت من هذه الأمور لم يتعدّ عمّا ذكر.

بيان ذلك: أنّ المراد بقوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» أنّ ما يحرم من جهة النسب و بسببه، يحرم بحصول مثل ذلك النسب من الرضاع بالرضاع، و المحرّم من جهة النسب ليس إلّا القرابات التسع، فلا يتعدّى إلى غيرهنّ، و لا يشمل ما يحرم بواسطة النسب و المصاهرة معا كالجدّة الأمّية للولد، فإنّها ليست محرّمة بالنسب خاصّة، بل به و بالمصاهرة، فإنّ حرمتها لأجل أنّها

أمّ الزوجة، و الزوجة متقرّبة إلى الزوج بالمصاهرة، و أمّها إليها بالنسب، فإنّها تتقرّب إلى الزوج بهما معا لا بالنسب [1] خاصّة.

و كذا لا يثبت التحريم بواسطة وصف في بعض المنتسبات ليس ذلك الوصف سببا للتحريم، كأخت الأخ، فإنّها ليست محرّمة بواسطة أنّها أخت الأخ، بل بواسطة أنّها أخت، فلا تحرم الأخت الرضاعيّة للأخ، لأنّها ليست أختا للأخ الآخر.

و أمّا تعليل المنزلة فلا تثبت منه علّية مطلق المنزلة حتى منزلة غير الولد

______________________________

[1] في النسخ زيادة: بل لا يكون.

______________________________

(1) المتقدّمتين في ص: 281 و 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 289

أيضا، إلّا باستنباط علّة ليس عندنا حجّة، و أمّا عموم المنزلة فهي غير ثابتة، فلا يحرم غير ما ذكر ممّا اختلفوا فيه أصلا.

و نحن نذكر بعضها ليكون أنموذجا للباقي:

فمنها: أنّه يجوز لإخوة المرتضع نسبا و أخواته نكاح أخواته و اخوته رضاعا

، أي أولاد الفحل نسبا و رضاعا و أولاد المرضعة نسبا.

وفاقا للحلّي و القاضي و المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه و الصيمري و فخر المحقّقين و الشهيدين «1»، بل الأكثر، كما صرّح به جماعة [1].

للأصل السالم عن المعارض.

و موثّقة إسحاق بن عمّار: في رجل تزوّج أخت أخيه من الرضاعة، فقال: «ما أحبّ أن أتزوّج أخت أخي من الرضاعة» «3».

و هو ظاهر في الكراهة، لعدم تأدية المحرّم بمثل هذه العبارة.

خلافا للمحكيّ عن الخلاف و النهاية و المبسوط و ابن حمزة و قوّاه في الكفاية «4»، فقالوا بالتحريم.

______________________________

[1] منهم السبزواري في الكفاية: 161، الكاشاني في المفاتيح 2: 236، صاحب الرياض 2: 91.

______________________________

(1) الحليّ في السرائر 2: 555، القاضي في المهذّب 2: 191، المحقق في الشرائع 2: 285، الفاضل في التحرير 2: 9 و القواعد 2: 11 و نفى عنه البأس في المختلف: 520. فخر المحقّقين في الإيضاح

3: 50، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 5): 171، الشهيد الثاني في الروضة 5: 171.

(3) الكافي 5: 444- 2، الوسائل 20: 368 أبواب ما يحرم بالنسب ب 6 ح 2.

(4) الخلاف 2: 318، النهاية: 462، المبسوط 5: 292، ابن حمزة في الوسيلة:

302، الكفاية: 161.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 290

استنادا إلى أنّ التعليل المتقدّم في صحيحتي ابن مهزيار و أيوب يقتضي كون أولاد الفحل و المرضعة بمنزلة أولاد أبي المرتضع، فيكونون اخوة، فيحرم بعضهم على بعض.

و لأنّ أخت الأخ من النسب محرّم فكذا من الرضاع، للعموم المتقدّم.

و لأنّ كونهم بمنزلة الولد يقتضي ثبوت جميع أحكام الولد لهم، لعموم المنزلة، و من جملة أحكام الولد: تحريم أولاد الأب عليه.

و يضعّف الأول: بأنّ مقتضى العلّة كونهم بمنزلة الولد، و هي في محلّ النزاع مفقود، غايته أنّهم يكونون بمنزلة الاخوة، و الثابت هو حرمة من بمنزلة الولد لا من بمنزلة الإخوة، مع أنّ كونهم بمنزلة الإخوة أيضا ممنوعة.

و الثاني: بمنع حرمة أخت الأخ مطلقا، كما إذا كان له أخ من أبيه و للأخ أخت من امّه، فإنّها غير محرّمة.

نعم، تحرم عليه إذا كانت أختا له، و هو في المقام مفقود.

و الثالث: بمنع عموم المنزلة كما بيّنّا في الأصول، مع أنّه لو سلّم فالمسلّم منه عمومها بالنسبة إلى أبي المرتضع، أي ثبوت جميع أحكام الولديّة بالنسبة إليه لا مطلقا، و لو سلّم مطلقا فيجب التخصيص بغير هذا المورد، للموثّقة المتقدّمة الظاهرة في نفي الحرمة.

و منها: أمّ المرضعة بالنسبة إلى أبي المرتضع

كما مرّ ذكره.

و منها: أخوات المرتضع النسبيّة بالنسبة إلى الفحل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 291

فيجوز له نكاحهنّ على الأشهر الأظهر، كما صرّح به بعضهم [1].

للأصل.

و حكي التحريم هنا عن الخلاف و النهاية و الحلّي «2».

لعموم التعليل بثبوت المنزلة، فقالوا: إنّهنّ بمنزلة أولاد الفحل أيضا، لأنّ أولاد الفحل بمنزلة أولاد أبي المرتضع بالنصّ.

و جوابه: منع التلازم.

و هذه الموارد الثلاثة هي عمدة ما وقع الخلاف فيه، و أمّا ما عداها فلا خلاف يعتدّ به فيه بين الأصحاب في عدم الحكم بالحرمة.

و منها: جدّات المرتضع بالنسبة إلى صاحب اللبن.

فإنّه يجوز له تزويجهنّ، صرّح به الشيخ في المبسوط و المحقّق الشيخ علي «3».

و حكى السيّد الداماد في رسالته الرضاعيّة التحريم عن الحلّي و الفاضل في المختلف و التذكرة و ولده في الإيضاح و الشهيد في غاية المراد و صاحب التنقيح «4»، و اختاره هو أيضا.

لكونهنّ بمنزلة جدّات الولد النسبي، فهي محرّمة إمّا بمدلول: «يحرم

______________________________

[1] كما في الرياض 2: 91.

______________________________

(2) الخلاف 2: 318، النهاية: 462، الحلّي في السرائر 2: 555.

(3) المبسوط 5: 305، المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 12: 243، 244، 246 و رسالته الرضاعيّة (رسائل المحقّق الكركي 1): 215.

(4) الرسالة الرضاعيّة (كلمات المحقّقين): 9، الحلّي في السرائر 2: 555، المختلف: 520، التذكرة 2: 622، الإيضاح 3: 53، التنقيح 3: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 292

من الرضاع ما يحرم من النسب» أو لعموم التعليل.

و جوابهما يظهر ممّا سبق.

و منها: المرضعة بالنسبة إلى جدّ المرتضع.

فإنّه يجوز له نكاحها.

و ربّما يتوهّم التحريم، نظرا إلى أنّها تصير أمّ ولد الولد، و هي إمّا بنت جدّ المرتضع أو زوجة ولده، و كلتاهما محرّمتان.

و دفعه ظاهر ممّا مرّ.

و لو كانت تلك المرضعة زوجة لهذا الجدّ، كأن ترضع زوجتك ولد ولدها ذكرا كان أو أنثى تصير زوجتك جدّة ولدك، لأنّ الرضيع يصير ولدك.

و يلزم على ما توهّم تحريم زوجتك عليك، لأنّ جدّة الولد محرّمة، بل يلزم التحريم لو أرضعت ولد ولدها من غيرك، لذلك.

و فساده واضح.

و من هذا الباب أيضا: ما أن ترضع امرأتك بلبنك أخاك أو أختك أو أخاها أو أختها، فإنّها على الأول تصير أمّ أخيك، و على الثاني أخت ولدك.

أو أرضعت ولد أخيها، فتصير عمّة ولدك.

أو ولد أختها، فتصير خالة ولدك.

أو أرضعت عمّها أو عمّتها، فتصير بنت أخي ولدك.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 293

أو خالها أو خالتها، فتصير بنت أخته.

أو عمّك أو عمّتك فتصير أمّ عمك أو عمّتك.

إلى غير ذلك من الصور المتصوّرة.

و لا تحريم في شي ء منها، لما مرّ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 294

البحث الثالث في سائر الأحكام المتعلّقة بالرضاع

اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: الرضاع الذي يحرّم النكاح على تقدير سبقه عليه يبطله

على تقدير لحوقه.

بلا خلاف كما صرّح به بعضهم «1»، و اتّفاقا كما قاله بعض آخر «2»، بل هو إجماعيّ حقيقة، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى عموم النصوص و خصوص المستفيضة المتقدّمة «3» في تحريم الزوجتين المرتضعة إحداهما من الأخرى على الزوج بضميمة عدم الفصل.

و يترتّب على ذلك مسائل كثيرة:

منها: تحريم زوجة أبي المرتضع عليه لو أرضعته جدّته لامّه، سواء كان بلبن جدّه أو غيره، أو أرضعته بعض نساء جدّه لأمّه بلبنه و إن لم تكن جدّة للمرتضع.

و هو يترتّب على تحريم الصنف الثالث، لأنّ الزوجة على الأول

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 92.

(2) انظر كشف اللثام 2: 31.

(3) في ص: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 295

تكون من أولاد المرضعة، و على الثاني من أولاد الفحل، و قد عرفت تحريمهما على أبي المرتضع.

و منها: ما لو تزوّج أحد صغيرة، و كانت له زوجة كبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة، قالوا:

فإن كان بلبنه حرمتا عليه مؤبّدا مطلقا، لصيرورة الكبيرة الامّ الرضاعيّة للزوجة الحقيقيّة، و الصغيرة بنتها، بل ولده.

و إن كان بلبن غيره حرمتا كذلك مع الدخول بالكبير، لصيرورة الكبيرة أمّ الزوجة و الصغيرة بنتها، و تحرم البنت مع الدخول بالأمّ، و حرمت الكبيرة خاصّة مع عدم الدخول، لعدم تحريم البنت بمجرّد العقد على الأمّ.

أقول: الوجه في تحريم الصغيرة مؤبّدا على الفرضين الأولين واضح، لصيرورتها بنتا له على الأول، و بنت الزوجة المدخولة على الثاني.

و كذا في تحريم الجمع بينهما على الثالث، لاستلزامه الجمع بين الامّ و البنت.

و أمّا الوجه الذي ذكروه في تحريم الكبيرة على الأولين و تحريم كلّ منهما منفردة أيضا على الثالث فغير معلوم عندي، أمّا الأولان فلأنّ صيرورة الكبيرة أمّ الزوجة موقوفة على كون

الصغيرة زوجة في آن صيرورة الكبيرة أمّا لها، و كون الصغيرة زوجة على عدم صيرورة الكبيرة أمّا، فيمتنع اجتماعهما في آن.

و الحاصل: أنّه ترتفع زوجيّة الصغيرة و تتحقّق أمومة الكبيرة في آن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 296

واحد، فلم تكن الكبيرة أمّ الزوجة أصلا.

و منه يظهر وجه الخدش في الثالث أيضا.

و لذا حكم بعضهم بحرمة إحدى الزوجتين خاصّة في جميع الصور و احتمل القرعة، فمن أخرجتها صحّ نكاحها و فسد نكاح الأخرى.

و ردّ: بأنّ الروايات المتقدّمة في الصنف الثالث «1» تدلّ على حرمة نكاحهما من غير فرقة «2».

أقول: أكثر الروايات المتقدّمة الواردة في تلك المسألة غير ناهضة لإثبات تمام الحكم، لإجمال مرجع الضمير.

نعم، تدلّ رواية ابن مهزيار «3» على حرمتهما معا، إلّا أنّها مخصوصة بصورة الدخول بقرينة الحكم بتحريمهما معا، بل بصورة كون اللبن منه، لقوله أخيرا: «كأنّها أرضعت ابنته» كما في التهذيب، و هو الصحيح، لا:

«ابنتها» كما في بعض النسخ الأخر.

فلا شكّ في تحريمهما معا فيما إذا كان اللبن من هذا الزوج، لأجل الرواية، و لا في جمعهما مطلقا، و لا في تحريم الصغيرة مع الدخول و إن كان الرضاع بلبن غيره.

بقي الكلام في تحريم الكبيرة مع إرضاعها بلبن الغير مع الدخول، و في تحريم كلّ منهما منفردة حينئذ مع عدم الدخول، و لا دليل تامّا عليه، و القياس بصورة كون اللبن منه باطل، و ما يتوهّم تعليلا لحرمتهما في

______________________________

(1) راجع ص: 281 و 282.

(2) انظر الرياض 2: 92.

(3) المتقدّمة في ص: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 297

موردها مستنبط، و الإجماع على الحكمين- كما عن الإيضاح «1»- غير ثابت.

فالحقّ: عدم تحريم الكبيرة مع كون اللبن عن الغير و إن دخل، و

لا كلّ منهما منفردة مع كون اللبن من الغير و عدم الدخول، فلا يفسد نكاح الكبيرة في الأول، و له تجديد نكاح كلّ منهما أراد في الثاني.

نعم، لا يمكن أخذ إحداهما حينئذ بالنكاح السابق، لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح، إلّا أن يقال بالتخيير، و لا بأس به.

و منها: ما لو طلّق زوجته المرضعة و تزوّجت بصغير فأرضعته، فتحرم على الصغير، لصيرورته ولدها.

و قالوا: تحرم على الزوج الأول، فلا يجوز له نكاحها ثانيا، لأنّها زوجة ولده.

و يظهر الخدش فيه أيضا ممّا مرّ.

المسألة الثانية: لو شكّ في عدد الرضاع أو الإنبات أو إتمام اليوم و الليلة

، لا يحرم، للعمل بالأصل.

و لو شكّ في كونه في الحولين أو بعده:

فإن علم مبدأ ولادة الطفل يحكم بأصالة تأخّر الرضاع.

و إن علم وقت الرضاع يحكم بأصالة تأخّر حلول الحولين،

______________________________

(1) الإيضاح 3: 51 و 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 298

و لا تعارضها أصالة الإباحة و حرمة النظر، لأنّ الأصل الأول رافع لذلك الأصل مزيل له.

و إن لم يعلم شي ء منهما يحكم بعدم الحرمة، للأصل.

و لو شكّ في تخلّل الأكل أو رضعة اخرى فالأصل عدمه.

و لو شكّ في كمال الرضعة فيعارض استصحاب الارتضاع حتى يروى و استصحاب عدم المصّ الجديد و عدم حصول بقيّة الارتضاع، فيرجع إلى أصل الإباحة.

المسألة الثالثة: لا تقبل الشهادة بالرضاع إلّا مفصّلة،

للاختلاف الكثير في الشرائط المعتبرة فيه، إلّا مع العلم بالاتّفاق في الشرائط.

و هل يشترط أن يضيف إلى ذلك وصول اللبن إلى جوفه؟

فيه قولان، و الأقرب: العدم.

إذ لا طريق إلى العلم به إلّا بمشاهدة الامتصاص و حركة الحلق و قد شهد بهما.

نعم، لا بدّ مع ذلك من التصريح بحصول الرضاع، و لا تكفي حكاية القرائن.

و لا يشترط التفصيل في الإقرار.

لعموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز».

و كذا في الشهادة على إقرار المقرّ به.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 299

الفصل الثالث في المصاهرة

اشاره

و هي علاقة تحدث بين الزوجين و بين أقرباء كلّ منهما بسبب النكاح توجب الحرمة، و يلحق بالنكاح: الوطء و النظر و اللمس على وجه مخصوص.

فهاهنا فصول:

الفصل الأول في الحرمة الحاصلة بالمصاهرة الحقيقيّة

اشاره

أي النكاح الذي هو حقيقة في العقد.

و المحرّم بسببه على قسمين:

لأنّه إمّا يحرم به عينا، أي يحرم حراما مؤبّدا لا يحلّ أبدا.

أو جمعا، أي يحرم جمعه مع المعقود عليها أولا و إن جاز نكاحه منفردا. و هذا أيضا على قسمين:

لأنّه إمّا يحرم جمعا مطلقا.

أو يحرم الجمع بدون رضاء المعقود عليها أولا و يحلّ معه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 300

فهذه ثلاثة أقسام:

القسم الأول: في بيان من يحرم نكاحها بمجرّد العقد عينا.
اشاره

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: تحرم بمجرّد العقد تحريما مؤبّدا زوجة الأب و الجدّ

و إن علا من الأب و الامّ، و زوجة الابن فنازلا و إن كان ابن البنت و إن لم يدخل بها.

بالإجماع من المسلمين، و هو الحجّة المغنية عن مئونة تكثير الأدلّة.

مضافا إلى قوله سبحانه وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ «1».

و النكاح حقيقة في العقد، كما مرّ.

و قوله سبحانه وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ «2».

و الحليلة هي: المعقودة عليها لحلّية وطئها.

و في صحيحة محمّد: «و لا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جدّه» «3».

المسألة الثانية: تحرم أمّ المعقودة عليها، سواء دخل ببنتها أم لا،
اشاره

______________________________

(1) النساء: 22.

(2) النساء: 23.

(3) الكافي 5: 420- 1، التهذيب 7: 281- 1190، الاستبصار 3: 155- 566، الوسائل 2: 412 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 301

فلا يجدي فراقها في استحلال الامّ.

على الأشهر الأصحّ، بل عليه الإجماع عن الناصريّات و الغنية «1»، بل يمكن أن يقال: إنّه إجماع محقّق، و هو الحجّة فيه، مضافا إلى الكتاب و السنّة.

أمّا الكتاب: عموم أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ في الآية الكريمة، كما هو مقتضى إضافة الجمع إلى الضمير من دون تقدّم معهود.

و أصالة تعلّق الاستثناء بقوله اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ إلى الجملة الأخيرة، بمقتضى القاعدة الأصوليّة على ما هو التحقيق.

مع تعيينه في هذه الآية من جهة.

أنّه إن جعل الوصف مجرّد قوله اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ لزم الفصل بين الصفة و موصوفها بأجنبيّات.

و إن جعل مجموع قوله مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ تكون لفظة مِنَ بيانيّة باعتبار الاولى، و ابتدائيّة باعتبار الثانية، فيلزم استعمال المشترك في معنييه، و هو غير جائز.

و جعلها اتّصاليّة من باب عموم المجاز و جعل المجموع حالا عن أمّهات النساء و الربائب أيضا مجاز مخالف للأصل، بل غير جائز عند جمهور الأدباء، لاستلزامه اختلاف العامل في الحال.

هذا، مع دلالة الأخبار المعتبرة

هنا على الرجوع إلى الأخيرة خاصّة، بل كون ذلك قاعدة كلّية جارية في أمثال الآية.

______________________________

(1) الناصريّات (الجوامع الفقهيّة): 209، الغنية (الجوامع الفقهيّة): 609.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 302

كالمرويّ في تفسير العيّاشي: عن رجل تزوّج امرأة و طلّقها قبل أن يدخل بها أ تحلّ له ابنتها؟ قال: فقال: «قد قضى في هذا أمير المؤمنين عليه السلام، لا بأس به، إنّ اللّه تعالى يقول وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ و لكنّه لو تزوّج الابنة ثمَّ طلّقها قبل أن يدخل بها لم تحلّ له أمّها» قال: قلت: أ ليس هما سواء؟ قال: فقال: «لا، ليس هذه مثل هذه، إنّ اللّه تعالى يقول وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك، هذه ها هنا مبهمة ليس فيها شرط، و تلك فيها شرط» «1».

و رواية إسحاق: «إنّ عليّا عليه السلام كان يقول: الربائب عليكم حرام مع الأمّهات اللّاتي قد دخل بهنّ، هنّ في الحجور و غير الحجور سواء، و الأمّهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل بهنّ، فحرّموا [ما حرّم اللّه ] و أبهموا ما أبهم اللّه» [1].

و صحيحة منصور: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها، أ يتزوّج بأمّها؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «قد فعله رجل منّا فلم نر به بأسا» فقلت: جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلّا بقضاء عليّ عليه السلام في الشمخيّة التي أفتاها ابن مسعود: أنّه لا بأس بذلك، ثمَّ أتى عليّا عليه السلام فسأله، فقال له عليّ عليه السلام: «من أين

______________________________

[1] التهذيب 7: 273- 1165، مجمع البيان 2: 27، تفسير العياشي 1:

231-

77، الوسائل 20: 458 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 3، و ما بين المعقوفين أضفناه من تفسير العياشي.

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 230- 74، الوسائل 20: 465 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 303

أخذتها؟» فقال: من قول اللّه عزّ و جلّ وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ الآية، فقال عليّ عليه السلام: «إنّ هذه مستثناة و هذه مرسلة وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ » فقال أبو عبد اللّه عليه السلام [للرجل ]: «أما تسمع ما يروي هذا عن عليّ عليه السلام؟» فلمّا قمت ندمت و قلت: أيّ شي ء صنعت؟ يقول هو: «قد فعله رجل منّا فلم نر به بأسا» فأقول أنا: قضى عليّ عليه السلام فيها، فلقيته بعد ذلك فقلت: جعلت فداك، مسألة الرجل إنّما كان قلت يقول زلّة منّي فما تقول فيها؟ فقال: «يا شيخ، تخبرني أنّ عليّا عليه السلام قضى فيها و تسألني ما تقول فيها؟!» [1].

و ضعف بعض هذه الأحاديث منجبر بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكيّة، مع دلالة الصحيحة منها باشتهار الحكم بين الشيعة و افتخارهم به، لصدوره عن أمير المؤمنين عليه السلام، بل فيها إشعار، بل دلالة، لورود خلافه مورد التقيّة.

و أمّا السنّة: فالأخبار المذكورة.

مضافة إلى موثّقة غياث بن إبراهيم: «إذا تزوّج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأمّ، فإذا لم يدخل بالأمّ فلا بأس أن يتزوّج بالابنة، فإذا تزوّج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت عليه الامّ» و قال: «الربائب عليكم حرام، كنّ في الحجر أو لم يكن» «2».

______________________________

[1] الكافي 5: 422- 4، التهذيب 7: 274- 1169، الاستبصار 3: 157- 573، الوسائل 20: 462 أبواب ما يحرم

بالمصاهرة ب 20 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

______________________________

(2) التهذيب 7: 273- 1166، الاستبصار 3: 157- 570، الوسائل 20: 459 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 304

و أبي بصير: عن رجل تزوّج امرأة ثمَّ طلّقها قبل أن يدخل بها، فقال:

«تحلّ له ابنتها و لا تحلّ له أمّها» «1».

خلافا للعماني و حكي عن الصدوق و الكليني أيضا «2»، و عن المختلف التوقّف «3» كشرح النافع للسيّد و آيات الأحكام للأردبيلي «4»، فجعلوا البنت للامّ متساوية في اشتراط الدخول بها للحرمة العينيّة.

لأصالة الإباحة.

و الآية الشريفة، بناء على إرجاع القيد إلى الجملتين.

و الأخبار المستفيضة، منها: الصحيحة المتقدّمة.

و صحيحة جميل و حمّاد: «الامّ و الابنة سواء إذا لم يدخل بها» يعني: إذا تزوّج المرأة ثمَّ طلّقها قبل أن يدخل بها فإنّه إن شاء تزوّج أمّها و إن شاء تزوّج ابنتها «5».

و مرسلة جميل: عن رجل تزوّج امرأة ثمَّ طلّقها قبل أن يدخل بها هل تحلّ له ابنتها؟ قال: «الامّ و الابنة في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما

______________________________

(1) التهذيب 7: 273- 1167، الاستبصار 3: 157- 571، الوسائل 20: 459 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 5.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 522، الصدوق في المقنع: 104، الكليني في الكافي 5: 421.

(3) المختلف: 522.

(4) راجع زبدة البيان: 526، نهاية المرام 1: 133.

(5) التهذيب 7: 273- 1168، الاستبصار 3: 157- 572، الوسائل 20: 463 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 305

حلّت له الأخرى» «1».

و صحيحة محمّد بن إسحاق المضمرة، و فيها: فرجل تزوّج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها، تحلّ له

أمّها؟ قال: «و ما الذي يحرم عليه منها و لم يدخل بها؟!» «2».

أقول: أمّا الأصل، فمردود بما مرّ.

و أمّا الآية، فغير دالّة كما سبق.

و أمّا الصحيحة الأولى، فعلى خلاف مطلوبهم أدلّ، بل هي دالّة على كون مطلوبهم موافقا للتقيّة، كما تؤكّده نسبته إلى جمع من العامّة، كمجاهد و أنس و بشر و داود و غيرهم «3».

و أمّا الثانية، فمجملة، لاحتمال أن يكون المعنى: إذا تزوّج الامّ و لم يدخل بها فالامّ و البنت سواء في الإباحة، إن شاء دخل بالأمّ و إن شاء فارقها و تزوّج بالبنت، و يؤيّده إفراد الضمير الراجع إلى الأمّ على ظاهر السياق. و التفسير المذكور فيه غير معلوم كونه من الإمام، و تفسير الراوي غير حجّة.

و أمّا المرسلة، فهي أعمّ مطلقا من أدلّة التحريم، لأنّ قوله: «إحداهما» أعمّ من الامّ و البنت، سواء حملت التسوية فيها على ما هو مطلوبهم

______________________________

(1) الفقيه 3: 262- 1247، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 100- 241، الوسائل 20: 464 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 6.

(2) التهذيب 7: 275- 1170، الاستبصار 3: 158- 574، الوسائل 20: 464 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 5.

(3) انظر التذكرة 2: 630، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 306

و جعل قوله: «إذا لم يدخل بها» إلى آخره، جملة مفسّرة للتسوية، أو حملت التسوية على ما ذكرنا من الإباحة، و جعلت الجملة الأخيرة تعليليّة.

و أمّا الصحيحة الأخيرة، فدلالتها إنّما هي على جعل الاستفهام إنكاريّا- كما هو الظاهر- و لكنّه ليس بمتعيّن، بل في ظهوره أيضا كلام، لأنّ الظاهر اتّحاد مرجعي الضميرين المجرورين و أنّه المرأة الهالكة، فيمكن أن يكون قد اتّقى

عليه السلام فعدل عن الجواب الصريح إلى الاستفهام، و قال: و ما الذي يحرم على الرجل من جهة نكاح المرأة حال عدم الدخول بها؟

أو يكون الاستفهام للإثبات و التقرير، فكأنّه قال: لو حلّت أمّها فما الذي يحرم عليه من جهة المرأة مع عدم الدخول، مع أنّ حصول الحرمة في الجملة لأجلها ظاهر؟! هذا، مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك كلّه لكان الترجيح للأخبار المتقدّمة بموافقة عموم الكتاب و مخالفة طائفة من العامّة و المعاضدة للشهرة المحقّقة و الإجماعات المحكيّة، و كون الأخبار المخالفة في جانب العكس في الكلّ.

مع أنّها- كما صرّح به الشيخ- شاذّة، و فيها مضعّفات أخر في الجملة، من نوع اضطراب في سند، أو متن، أو إضمار، كما ذكره الشيخ في التهذيب و الاستبصار «1».

______________________________

(1) التهذيب 7: 275، الاستبصار 3: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 307

فرعان:
أ: لا فرق في تحريم الامّ بتزويج البنت بين تزويجها دائما أو متعة.

للإطلاقات.

و لا في المتعة بين قصد الاستمتاع منها أو عدمه.

لعدم اشتراط ذلك في صحّة التمتّع.

نعم، يشترط قصد حصول حليّة التمتّع، فهو شرط.

و هل يشترط إمكان التمتّع، أم لا؟

سيأتي تحقيقه في بحث العقد المنقطع.

و بالجملة: المناط في تحريم الأمّ: صحّة عقد النكاح أو التمتّع لا غير.

و على هذا، فلو لم يقصد من العقد حصول الزوجيّة الدائميّة أو المنقطعة و لا التحليل، بل كان المقصود مجرّد محرميّة الأمّ- كما يتّفق كثيرا- لم يصحّ العقد.

و لكن قد يشتبه الأمر هنا، فيخلط بين المقصود من العقد و المقصود من الزوجيّة، فإنّه قد يقصد بالعقد الزوجيّة و لكن المطلوب من الزوجيّة ليس هي نفسها، بل لوازمها- كميراث أو كثرة أقوام- و هذا صحيح قطعا.

و قد لا يقصد الزوجيّة، بل يقصد من العقد نفس اللوازم من غير التفات

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 16، ص: 308

إلى الملزوم و قصد تحقّقه، و هذا باطل.

ب: صرّح الأكثر بأنّ الحكم ثابت لأمّ الأمّ و جدّاتها من الطرفين [1].

و الظاهر أنّ المستند فيه الإجماع المركّب، و إلّا فإثبات المطلوب من غير جهة الإجماع مشكل.

القسم الثاني: في بيان من يحرم نكاحها بمجرّد العقد خاصّة على غيرها
اشاره

جمعا لا عينا مطلقا.

و فيه أيضا مسألتان.

المسألة الأولى: تحرم بنت المعقود عليها بدون دخل بها جمعا معا لا عينا.

فيجوز نكاح البنت مع العقد على الامّ بعد مفارقتها قبل الدخل، إجماعا في الموضعين، و هو الحجّة فيهما.

مضافا في الثاني إلى صريح الآية الكريمة فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ «2».

و الأخبار المستفيضة التي قد تقدّم كثير منها.

و كذا تحلّ بنت البنت و بنت الابن مع عدم الدخول بالجدّة عينا لا جمعا.

______________________________

[1] منهم الشيخ في المبسوط 4: 196، المحقق في الشرائع 2: 287، الشهيدان في اللمعة و الروضة 5: 177.

______________________________

(2) النساء: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 309

للأصل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    309     المسألة الثانية: تحرم أخت المعقود عليها جمعا لا عينا ..... ص : 309

المسألة الثانية: تحرم أخت المعقود عليها جمعا لا عينا

، سواء كانت الأخت لأب أم لامّ أم لهما، و سواء دخل بالأخت الأولى أم لا.

بإجماع جميع المسلمين، له.

و لصريح الآية وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ «1».

و الأخبار المتواترة المتضمّنة لتحريم الأخت قبل انقضاء عدّة الأخت الأخرى.

و لا فرق في ذلك بين العقد الدائم و المنقطع، إجماعا محقّقا و محكيّا [1].

للإطلاقات.

و للمرويّ في قرب الإسناد: عن الرجل تكون عنده امرأة أ يحلّ له أن يتزوّج بأختها متعة؟ قال: «لا» «3».

و لصحيحة يونس: الرجل يتزوّج المرأة متعة إلى أجل مسمّى فيقضى الأجل بينهما، هل له أن ينكح أختها قبل أن تنقضي عدّتها؟ فكتب:

«لا يحلّ له أن يتزوّجها حتى تنقضي عدّتها» «4».

______________________________

[1] كما في كشف اللثام 2: 40.

______________________________

(1) النساء: 23.

(3) قرب الإسناد: 366- 1313، الوسائل 20: 477 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 24 ح 4.

(4) الكافي 5: 431- 5، التهذيب 7: 287- 1209، الاستبصار 3: 170- 622، الوسائل 20: 480 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص:

310

و أمّا رواية الصيقل: «لا بأس بالرجل أن يتمتّع بأختين» «1».

فالمراد أن يكون ذلك في وقتين واحدة بعد اخرى، دون الجمع.

و العدّة الرجعيّة في حكم الزوجيّة، فلو طلّق امرأة و أراد نكاح أختها فلا يجوز له تزوج الأخت حتى تخرج الاولى من العدّة، إلّا إذا كان الطلاق بائنا، فيجوز بمجرّد الطلاق.

و تدلّ على الحكمين- منطوقا و مفهوما- صحيحة ابن أبي عمير: في رجل طلّق امرأته أو اختلعت أو بارأت، إله أن يتزوّج بأختها؟ قال: فقال:

«إذا برئت عصمتها و لم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها» «2».

و صحيحة أبي بصير: عن رجل اختلعت منه امرأته أ يحلّ له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدّة المختلعة؟ قال: «نعم، قد برئت عصمتها منه و ليس له عليها رجعة» «3».

و على الأول: رواية علي بن أبي حمزة: عن رجل طلّق امرأته أ يتزوّج أختها؟ قال: «لا، حتى تنقضي عدّتها» «4».

______________________________

(1) التهذيب 7: 288- 1211، الاستبصار 3: 171- 624، الوسائل 20: 481 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 2.

(2) الكافي 5: 432- 7، التهذيب 7: 286- 1206، الوسائل 22: 270 أبواب العدد ب 48 ح 2، و في الجميع: عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي.

(3) الكافي 6: 144- 9، التهذيب 8: 137- 477، الوسائل 22: 270 أبواب العدد ب 48 ح 1.

(4) الكافي 5: 432- 9، التهذيب 7: 287- 1210، الوسائل 22: 270 أبواب العدد ب 48 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 311

و رواية محمّد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أختين نكح إحداهما رجل، ثمَّ طلّقها و هي حبلى، ثمَّ خطب أختها فجمعها قبل أن تضع أختها

المطلّقة ولدها، فأمره بأن يفارق الأخيرة حتى تضع أختها المطلّقة ولدها، ثمَّ يخطبها و يصدقها صداقها مرّتين» [1].

و موثّقة زرارة: في رجل طلّق امرأته و هي حبلى، أ يتزوّج أختها قبل أن تضع؟ قال: «لا يتزوّجها حتى يخلو أجلها» «2».

و بالصحيحتين الأولتين يخصّص إطلاق الثلاثة الأخيرة بالعدّة الرجعيّة.

و عدّة المتعة كالرجعيّة.

لصريح صحيحة يونس المتقدّمة.

و أمّا إذا فسخ نكاح الأخت- لعيب يوجبه، أو ظهر فساد نكاحها- فله تزويج الأخرى دفعة.

للأصل.

و عدم صدق الجمع.

و أمّا صحيحة زرارة: عن رجل تزوّج بالعراق امرأة، ثمَّ خرج إلى الشام فتزوّج امرأة أخرى، فإذا هي أخت امرأته التي بالعراق، قال: «يفرّق بينه و بين المرأة التي تزوّجها بالشام، و لا يقرب العراقيّة حتى تنقضي عدّة

______________________________

[1] الكافي 5: 430- 1، و في الفقيه 3: 269- 1277: «فنكحها»، بدل:

«فجمعها»، التهذيب 7: 284- 1202، الوسائل 20: 476 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 24 ح 1.

______________________________

(2) الكافي 5: 432- 8، التهذيب 7: 286- 1208، الاستبصار 3: 170- 621، الوسائل 20: 481 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 312

الشاميّة» «1».

فلا تفيد أزيد من الكراهة، كما أفتى به في القواعد «2».

و لو ماتت الأخت جاز نكاح الأخرى من ساعته.

للأصل.

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن رجل كانت له امرأة فهلكت أ يتزوّج أختها؟ فقال: «من ساعته إن أحبّ» «3».

و لو طلّقها رجعيّا و أسقط الزوج حقّ الرجوع بوجه لازم شرعي، و قلنا بعدم جواز الرجوع حينئذ، فهل يجوز تزويج الأخت قبل انقضاء العدّة، أم لا؟

مقتضى الاستصحاب و إطلاق الروايات الثلاث الأخيرة: عدم الجواز.

و مقتضى الصحيحتين: الجواز، و هو الأقرب لذلك، فإنّ بهما تخصّص الإطلاقات و يدفع الاستصحاب، سيّما الثانية،

التي هي أخصّ مطلقا من المطلقات، لاختصاصها بما قبل انقضاء العدّة.

إلّا أن يقال: إنّ المذكور في الصحيحتين براءة العصمة و انتفاء الرجعة، و المسلّم حينئذ الأخير دون الأول، و لذا يتوارثان و تكون لها النفقة و نحوها، فلا يعلم تحقّق براءة العصمة، فتكون المطلقات و الاستصحاب باقية على

______________________________

(1) الكافي 5: 431- 4، التهذيب 7: 285- 1204، الاستبصار 3: 169- 617، الوسائل 20: 478 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 26 ح 1.

(2) القواعد 2: 16.

(3) الكافي 5: 432- 9، التهذيب 7: 287- 1210، الوسائل 22: 270 أبواب العدد ب 48 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 313

حالها، فلا يجوز الجمع، و هو الأحوط، بل الأقرب.

القسم الثالث: في بيان من يحرم نكاحها بمجرّد العقد خاصّة جمعا لا عينا
اشاره

، إلّا مع رضاء المعقود عليها أولا، فيجوز جمعا أيضا.

و فيه مسائل.

المسألة الأولى: يحرم الجمع في النكاح بين امرأة عقد عليها أولا و بين بنت أختها
اشاره

أو بنت أخيها، إلّا مع إذن الخالة أو العمّة، يعني: إذا تزوّج أولا امرأة لا يجوز تزويج بنت أختها أو بنت أخيها بدون رضاء الزوجة.

أمّا عدم الجواز بدون الإذن فهو الأظهر الأشهر، كما في الكفاية «1»، بل بإجماع أصحابنا كما في الروضة «2».

للمستفيضة:

منها رواية عليّ: عن امرأة تزوّجت على عمّتها و خالتها، قال:

«لا بأس» و قال: «تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأخت، و لا تزوّج بنت الأخ و الأخت على العمّة و الخالة إلّا برضاء منهما، فمن فعله فنكاحه باطل» «3».

______________________________

(1) الكفاية: 163.

(2) الروضة 5: 181.

(3) التهذيب 7: 333- 1368، الاستبصار 3: 177- 645، قرب الإسناد:

248- 979، الوسائل 20: 487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 314

و رواية الكناني: «لا يحلّ للرجل أن يجمع بين المرأة و عمّتها و لا بين المرأة و خالتها» «1».

و رواية السكوني: «إنّ عليّا عليه السلام اتي برجل تزوّج امرأة على خالتها فجلده و فرّق بينهما» «2».

و المرويّ في علل الصدوق: «إنّما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن تزويج المرأة على عمّتها و خالتها، إجلالا للعمّة و الخالة، فإذا أذنت في ذلك فلا بأس» «3».

و تؤيّدها مستفيضة أخرى، كموثّقة محمّد: «لا تزوّج ابنة الأخ و لا ابنة الأخت على العمّة و لا على الخالة إلّا بإذنهما، و تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأخت بغير إذنهما» «4».

و قريبة منها موثّقته الأخرى «5».

و رواية الحذّاء: «لا تنكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها إلّا بإذن العمّة و الخالة» «6».

______________________________

(1) التهذيب

7: 332- 1366، الاستبصار 3: 177- 643، الوسائل 20: 489 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 7.

(2) التهذيب 7: 332- 1367، الاستبصار 3: 177- 644، الوسائل 20: 488 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 4.

(3) العلل: 499- 1، الوسائل 20: 489 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 10.

(4) الكافي 5: 424- 1، الفقيه 3: 260- 1238، العلل: 499- 2، الوسائل 20:

487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 1.

(5) التهذيب 7: 332- 1365، الاستبصار 3: 177- 642، الوسائل 20: 488 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 6.

(6) الكافي 5: 424- 2، الوسائل 20: 487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 315

و في المرويّ في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: «لا تنكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها إلّا بإذن العمّة و الخالة، و لا بأس أن تنكح العمّة و الخالة على بنت أخيها و بنت أختها» «1».

و أمّا الجواز معه فهو الحقّ المشهور أيضا، بل عن الانتصار و الناصريّات و الخلاف و الغنية و نهج الحقّ و التذكرة: الإجماع عليه «2».

لعموم قوله سبحانه وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ «3».

و خصوص أكثر الأخبار المتقدّمة.

خلافا في الأول للقديمين فجوّزا له مطلقا «4»، و نفى عنه البعد في الكفاية «5».

للأصل.

و عموم الآية.

و صدر رواية عليّ المتقدّمة.

و الأول مردود.

و الثانيان مخصّصان بما مرّ، و ضعف المخصّص سندا غير ضائر،

______________________________

(1) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 105- 257، الوسائل 20: 490 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 13.

(2) الانتصار: 116، الناصريات (الجوامع الفقهيّة): 210، الخلاف 4: 296، الغنية (الجوامع الفقهيّة): 609، نهج الحق: 522،

التذكرة 2: 638.

(3) النساء: 24.

(4) حكاه عنهما في المختلف: 527.

(5) الكفاية: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 316

سيّما بعد الانجبار بالشهرة المحقّقة و الإجماع المحكيّ، مع أنّه- كما قيل «1»- تنزيل كلامهما على صورة الإذن ممكن.

و في الثاني للمقنع «2»، فحرّمه كذلك.

لإطلاق بعض الأخبار المتقدّمة و غيرها الواجب تقييده بما ذكر، حملا للمطلق على المقيّد، مع كون الإطلاق موافقا لمذهب العامّة [1].

فروع:
أ: الأقرب [اختصاص الحكم بتحريم الجمع بينهما بالزوجيّة]

- كما صرّح به في الكفاية و القواعد «4»، و غيرهما [2]، بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر [3]-، فلا يحرم الجمع في الوطء بملك اليمين.

للأصل.

و العمومات.

و اختصاص دليل المنع عن الجمع بالأول.

و أمّا قوله: «لا يحلّ أن يجمع» في رواية الكناني فهو ليس بعامّ و لا مطلق، إذ مثل ذلك ليس جمعا حقيقيّا، بل هو مجاز، فيقتصر على

______________________________

[1] كما في الإنصاف 8: 122.

[2] كالتحرير 2: 13.

[3] كصاحب الرياض 2: 94.

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 35.

(2) المقنع: 110.

(4) الكفاية: 163، القواعد 2: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 317

المعلوم.

خلافا للمحكيّ عن فخر المحقّقين، فقال بالتعميم، لعموم قوله:

«لا تنكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها»، و النكاح حقيقة في الوطء «1».

و جوابه: أنّ النكاح حقيقة في العقد، مع أنّه جملة خبريّة عن إفادة التحريم قاصرة.

ب: و في اعتبار استئذان العمّة و الخالة الحرّتين لو أدخل عليها بنت الأخ

أو بنت الأخت بالملك وجهان.

أقربهما: العدم.

لما مرّ من الأصل و العمومات.

و قد يقال بالاعتبار، لتوهّم الأولويّة هنا، و هي ممنوعة، لعدم استحقاقهما الاستمتاع.

و أولى من ذلك عدم اعتبار استئذانهما فيما إذا ملك العمّة و الخالة و أراد تزويج بنت الأخ أو بنت الأخت.

لا يقال: عمومات المنع من تزويج البنتين على المرأتين تشمل المورد.

لأنّا نمنع كون ذلك تزويجا عليهما، لأنّ المتبادر من التزويج عليهما كونهما زوجة أيضا.

ج: يجوز إدخال العمّة أو الخالة على بنت الأخ أو الأخت

و لو كره المدخول عليها مع علم العمّة أو الخالة بالحال على الأقوى الأشهر، بل

______________________________

(1) انظر الإيضاح 3: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 318

عن التذكرة الإجماع عليه «1».

للأصل.

و العمومات.

و كثير من الروايات المتقدّمة و غيره.

خلافا للمحكيّ عن المقنع «2»، فأطلق المنع هنا أيضا.

و هو ضعيف جدّا، مدفوع بما مرّ صريحا.

د: يعمّ الحكم العمّة و الخالة الرضاعيّتين أيضا

، كما صرّح في القواعد و غيره «3»، و حكي التصريح به عن المبسوط و المهذّب «4»، و غيرهما [1].

لعموم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، و الجمع بينهما بدون الإذن يحرم من النسب فكذا من الرضاع.

و صحيحة الحذّاء: «لا ينكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها و لا على أختها من الرضاعة» «6».

و يمكن منع دلالة الأول بما مرّ في بحث الرضاع من عدم كون ذلك محرّما بالنسب خاصّة.

______________________________

[1] كالكفاية: 164.

______________________________

(1) التذكرة 2: 638.

(2) المقنع: 110.

(3) القواعد 2: 17، و انظر التحرير 2: 12.

(4) المبسوط 4: 206، المهذب 2: 188.

(6) الكافي 5: 445- 11، الفقيه 3: 260- 1236، التهذيب 7: 333- 1369، الاستبصار 3: 178- 646، الوسائل 20: 489 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 319

و الثاني باحتمال تعلّق قوله: «من الرضاعة» بالأخير مع قصورها عن إفادة الحرمة، إلّا أنّ الظاهر كون المسألة إجماعيّة.

ه: هل يختصّ الحكم بالبنتين؟

أو يتعدّى إلى بنتيهما أيضا، فلا يجوز نكاح بنت بنت الأخ أو بنت ابنه، و كذا الأخت بدون رضاء الزوجة؟

صرّح بالتعدّي في المبسوط.

للاحتياط.

و لأنّ الحكمة في المنع إجلال العمّة و الخالة.

فالمنع في النازلة أولى.

و لشمول بنت الأخ و بنت الأخت للنازلات أيضا «1».

و الاحتياط غير واجب.

و الحكمة يمكن أن تكون مختصّة ببنت الأخ و الأخت.

و التعدّي قياس باطل.

و الشمول المذكور ممنوع، بل لا تصدق بنت الأخ على بنت ولد الأخ إلّا مجازا.

و لذا استشكل في القواعد في التعدّي «2»، و ظاهر الكفاية التوقّف أيضا «3»، و هو في موضعه، بل مقتضى الأصل و العمومات: العدم، و هو الأقوم.

______________________________

(1) المبسوط 4: 205.

(2) القواعد 2: 17.

(3) الكفاية: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 16، ص: 320

و: لو كانت عنده العمّة أو الخالة فبادر إلى العقد على بنت الأخ

أو الأخت بغير إذنهما:

فإن كان مع منع العمّة أو الخالة بطل العقد إجماعا.

و إن كان لا مع منهما و لا إذنهما فللأصحاب فيه أقوال:

الأول: بطلان عقد الداخلة من غير تأثير لرضاء العمّة أو الخالة، بل يستأنف العقد لو رضيت، و بقاء الأول على اللزوم.

اختاره المحقّق «1» و بعض آخر [1].

و الثاني: تزلزل عقد الداخلة خاصّة، فيقع موقوفا على رضاء العمّة أو الخالة، و تتخيّران بين الفسخ و الإمضاء.

حكي عن الفاضل في جملة من كتبه و اختاره في الروضة «3»، و ربّما نسب إلى المحقّق أيضا [2]، و الموجود في كتبه: الأول.

و الثالث: تزلزل العقدين السابق و الطارئ، أي عقد المدخول عليها و الداخلة، فللعمّة و الخالة فسخ كلّ من العقدين و إمضاء كلّ منهما و فسخ واحد و إمضاء الآخر.

حكي عن الشيخين «5» و أتباعهما [3].

______________________________

[1] كالحلّي في السرائر 2: 545.

[2] نسبه إليه المحقق الكركي في جامع المقاصد 12: 358.

[3] كالديلمي في المراسم: 150.

______________________________

(1) الشرائع 2: 288.

(3) انظر التذكرة 2: 638 و التحرير 2: 12، الروضة 5: 181.

(5) المفيد في المقنعة: 505، الطوسي في النهاية: 459.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 321

و الرابع: بطلان عقد الداخلة و تزلزل السابق.

نقل عن الحلّي «1».

و الخامس: تزلزل العقدين و عدم خيار المدخول عليها في فسخ عقد الداخلة، بل للزوج سلطنة فسخ عقدها من غير طلاق، فإن فسخ أو رضيت المدخول عليها و إلّا فللمدخول عليها الخيار بين الرضاء و بين فسخ عقد نفسها من دون طلاق.

حكاه في شرح المفاتيح عن القاضي و ابن حمزة «2».

و الحقّ هو: الأول.

للنهي المقتضي للفساد و لو في المعاملات و الأنكحة على الأقوى.

و للتصريح به في رواية عليّ المتقدّمة

«3»، و حملها على البطلان بدوام عدم الإذن تخصيص بلا مخصّص، و كونه الأغلب الذي ينصرف إليه المطلق ممنوع، و ورود مثله في بعض الأخبار بدليل لا يثبت الاطّراد.

و لتفريق أمير المؤمنين عليه السلام الظاهر في التفريق من غير طلاق، كما في رواية السكوني السابقة «4».

و ضعف الروايتين سندا عندنا غير ضائر.

هذا، مع أنّ الحكم بصحّة مثل هذا العقد المنهيّ عنه يحتاج إلى دليل من

______________________________

(1) نقله عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد 12: 356.

(2) القاضي في المهذّب 2: 188، ابن حمزة في الوسيلة: 293.

(3) في ص: 313.

(4) في ص: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 322

إجماع أو نصّ خاصّ أو عامّ، و بعض الأوامر المطلقة بالنكاح لا يشمل المورد، للتناقض بين الأمر و النهي، كما أنّ بعض المطلقات أيضا كذلك، لصراحته أو ظهوره في العقد اللازم المنفيّ هنا إجماعا.

و أمّا الأمر بالوفاء بالعقود فغير دالّ على أصالة اللزوم في جميع العقود، كما بيّنّا في موضعه، مع أنّ وجوب الوفاء منتف هنا قطعا، لأنّ هذا العقد إمّا باطل أو متزلزل.

دليل الثاني:

أمّا على تزلزل الطارئ: فلأنّه عقد صدر بدون إذن من يعتبر إذنه في صحّته، فكان موقوفا على إذنه كسائر العقود الموقوفة على إذن الغير.

و أمّا على لزوم السابق: فلأصالة البقاء الخالية عمّا يصلح للقدح فيها.

و فيه: أنّ بعد تسليم اعتبار الإذن في الصحّة فلا يقع العقد أولا صحيحا، لعدم مقارنته الإذن، و صيرورته صحيحا بالإذن اللّاحق محتاج إلى الدليل.

إلّا أن يقال: إنّ المسلّم هو اعتبار مطلق الإذن في صحّته لا الإذن المقارن، و يكون الدليل حينئذ صحيحا، و يكون مرجعه عمومات صحّة العقد، خرج منه ما لم يلحقه إذن أصلا، فيبقى الباقي.

و لكن يجاب عنه

حينئذ: أنّ مقتضى رواية عليّ أنّها إذا كرهت حين التزويج أو لم تعلم به لم يصحّ، لصدق كونه تزويجا بدون رضاء منها، و لا يفيد الرضاء اللّاحق في جعل ذلك تزويجا بالرضاء، بل يكون التزويج تزويجا بغير رضاء، فلو رضيت بعد ذلك يكون رضاها في الإبقاء، و هو غير مفيد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 323

نعم، لو علمت بالنكاح حين صدوره يصحّ أن يقال: إنّا لا نعلم أنّ النكاح بدون رضاء منها، لاحتمال رضاها، فيبقى مراعى إلى أن يعلم الحال، و المفيد حينئذ أيضا هو الرضاء حال العقد لا الطارئ بعده.

و دليل الثالث: صحّة العقدين، فيتدافعان، فيتزلزلان.

و فيه: منع صحّة العقدين، و هل الكلام إلّا في ذلك، و لو سلّم فالمسلّم من صحّة الطارئ هو مع التزلزل فلا يدافع الأول.

و دليل الأخيرين: غير واضح، بل ضعفهما واضح.

ز: لا فرق في بطلان العقد بدون الإذن بين علم الزوج و الزوجة

اللّاحقة بالتوقّف على الإذن، و بين جهلهما أو جهل أحدهما، فيبطل مطلقا، للإطلاقات.

و لو تحقّق الدخول مع الجهل يرجع إلى مهر المثل، و يكون الولد ولد شبهة، يلحقه حكم الأولاد.

ح: لو تزوّج رجل أحد البنتين المذكورتين، ثمَّ تنازع مع زوجته السابقة

، فادّعى الرجل الإذن و أنكرته الزوجة، فالزوج حينئذ يكون مدّعيا و الزوجة منكرة، لأنّه يدّعي الإذن و هي تنكره.

و أمّا ادّعاء الزوجة فساد العقد فلا يوجب صيرورتها مدّعية، لأنّ الفساد أمر مترتّب على عدم الإذن، فتكون البيّنة على الزوج، فإن أقامها ثبت العقد، و إلّا فعلى الزوجة اليمين.

و كذا على القول بالتخيير، فهي و إن طلبت خيارها و ادّعته إلّا أنّه أيضا أمر مترتّب على عدم الإذن، فهي في الحقيقة منكرة للإذن و إن كانت في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 324

صورة المدّعي، حيث إنّها المطالبة و إنّها لو تركت تركت.

إلّا أنّ حقيقة دعواها مركّبة من ثلاثة أمور:

الأول: زوجيّتها للزوج و توقّف العقد الطارئ على إذنها.

و الثاني: عدم تحقّق الإذن.

و الثالث: فساد العقد.

و في الأول و إن كانت مدّعية صرفا، إلّا أنّه ثابت مفروغ عنه.

و في الثاني منكرة.

و الثالث من لوازم الأولين.

و أيضا كلّية دعواها: أنّ بنت الأخ مثلا ليست زوجته و هو يدّعي زوجيّتها الموقوفة على الإذن، و ذلك مثل ما إذا كان مال عن أحد في يد غيره فطلبه فادّعى البيع و أنكره ذلك، فإنّ اليمين على منكر البيع مع أنّه يطلب المال حقيقة.

فإن قيل: الحقّ منحصر بين الرجل و ابنة الأخت- مثلا- و كلاهما معترفان بالحقّ، فما فائدة إنكار الزوجة؟! و لا يكون يمين لنفي حق الغير عن الغير و لا إثباته له.

قلنا: كون ابنة الأخت ضرّة [1] نوع إهانة و إيذاء و في انتفائها إجلال كما صرّح به في

الرواية «2»، فباليمين تنفي المذلّة عن نفسها.

______________________________

[1] الضرائر- جمع ضرّة-: هنّ زوجات الرجل، لأنّ كل واحدة تضرّ بالأخرى بالغيرة و القسم- مجمع البحرين 3: 374.

______________________________

(2) المتقدّمة في ص: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 325

مع أنّه على التخيير يثبت لها خيار الفسخ أيضا.

ط: القدر المعتبر في صحّة العقد هو رضاء العمّة أو الخالة

و إن لم تصرّحا بالإذن لفظا، فيكفي العلم برضاهما بشاهد الحال أو الفحوى.

لصدق الرضاء المصرّح به في رواية عليّ.

و أمّا مفهوم الشرط في رواية العلل «1»، المتضمّنة للفظ الإذن الظاهر في التصريح.

فهو وارد مورد الغالب، فلا حجيّة فيه.

مع أنّه على فرض الحجيّة يتعارض مع مفهوم الاستثناء في رواية عليّ بالعموم من وجه، و الترجيح لصحّة النكاح، للأصل.

ي: هل المعتبر الرضاء حال العقد واقعا؟

أو علم الزوج؟

أو مع بنت الأخ أو الأخت برضاها حال العقد؟

و تظهر الثمرة فيما لو تزوّجها من غير علم بالرضاء و عدمه ثمَّ ظهر رضاها حال العقد.

يحتمل: الأول، لأنّ الألفاظ للمعاني النفس الأمريّة.

و الثاني، لأنّها تقيّد بالعلم في مقام التكاليف، كما في المورد، حيث نهي عن التزويج بدون الرضاء أو الإذن، فيكون منهيّا عنه، فيكون فاسدا، و هو الأظهر.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 326

و لو انعكس فعقد بظنّ الرضاء ثمَّ تبيّن عدمه، بطل، لقوله: «فمن فعله فنكاحه باطل».

يا: رضاء العمّة أو الخالة أعمّ من أن يكون من تلقاء أنفسهما

أو من جهة خارجيّة توجب رضاها بذلك- كبذل مال أو نحوه- و منه رضاها لأجل عدم تطليقها، فلو رضيت خوفا من طلاقها صحّ، و كذا كلّ أمر مشروع يوجب وجوده أو عدمه رضاها.

يب: اعتبار رضاها يعمّ عقد الدوام و الانقطاع من الجانبين

أو من أحدهما.

للإطلاقات.

يج: لو طلّق العمّة أو الخالة بائنا يجوز تزويج البنتين بدون رضاهما

في العدّة قطعا.

لعدم المانع.

و لو طلّقها رجعيّا فهل يعتبر رضاها في أثناء العدّة؟

الظاهر: نعم.

لأنّ المعتدّة رجعيّة زوجة، كما يستفاد من الأخبار.

يد: قد عرفت جواز عقد العمّة أو الخالة على بنت الأخ و الأخت

- و إن كرهتا- لو علمت العمّة أو الخالة بالحال.

و لو جهلتا بالحال، ففي بطلان عقد الداخلة، أو تخييرها في فسخ عقدها أو في فسخ عقد المدخول عليها أو في فسخ أحد العقدين، أو بطلان عقد المدخول عليها، أو بطلان العقدين، أو صحّتهما و لزومهما من غير

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 327

خيار للفسخ. احتمالات.

نسب ثانيها إلى المشهور «1».

و ذهب جماعة من المتأخّرين إلى الأخير [1].

و هو الأظهر.

للأصل.

و الاستصحاب.

و الإطلاقات المتقدّمة.

و لا دلالة لإطلاق رواية الكناني «3» على بعض سائر الاحتمالات، لوجوب تخصيصها بنكاح البنتين على العمّة و الخالة، للتصريح في الروايات الأخر بجواز العكس من غير تقييد.

و لا لوجوب إجلال العمّة و الخالة، لأنّ المعلوم منافاته للإجلال هو نكاح البنتين عليهما دون العكس، فإنّه إذلال للبنتين.

______________________________

[1] منهم المحقق في الشرائع 2: 288 و النافع: 176، صاحب الرياض 2: 94.

______________________________

(1) نسبه إلى الأكثر في المختلف: 528.

(3) المتقدمة في ص: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 328

الفصل [الثاني ] [1] في بيان من يحرم بالوطء

اشاره

و هو إمّا حلال أو حرام نبيّن أحكامه في مسائل:

المسألة الأولى [حرمة كل من كان يحرم بالعقد خاصة عينا بالوطء عينا]

إن كان الوطء حلالا- من تزويج أو ملك أو تحليل أو شبهة- يحرم به عينا كلّ من كان يحرم بالعقد خاصّة عينا.

و هنّ: أمّ الموطوءة و إن علت، و موطوءة الأب و إن علا، و الابن و إن سفل.

أمّا تحريمهنّ إن كان بالتزويج فوجهه ظاهر.

و أمّا إن كان بملك اليمين أو التحليل فبالإجماع، و المستفيضة من الأخبار.

أمّا في أمّ الموطوءة فمنها: ما مرّ من قوله في مرسلة جميل: «إذا لم يدخل بإحداهما حلّت له الأخرى» «2»، دلّ بالمفهوم على عدم الحليّة بعد الدخول.

و رواية إسحاق بن عمّار، و فيها: «سبحان اللّه كيف تحلّ له أمّها و قد دخل بها» «3» فتأمّل.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين ليس في الأصل و «ق»، و في «ح»: الأوّل.

______________________________

(2) راجع ص: 304.

(3) التهذيب 7: 275- 1170، الاستبصار 3: 158- 574، الوسائل 20: 464 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 329

و رواية رزين: في رجل كانت له جارية فوطئها ثمَّ اشترى أمّها و ابنتها، قال: «لا تحلّ له الامّ و البنت سواء» «1».

و رواية أبي بصير: الرجل تكون عنده المملوكة و ابنتها فيطأ إحداهما فتموت و تبقى الأخرى، أ يصلح له أن يطأها؟ قال: «لا» «2».

و مكاتبة الحسين: رجل كانت له أمة يطأها فماتت أو باعها ثمَّ أصاب بعد ذلك أمّها، هل له أن ينكحها؟ فكتب: «لا يحلّ له» «3».

و مرسلة أخرى لجميل: الرجل كانت له جارية فوطئها ثمَّ اشترى أمّها أو ابنتها، قال: «لا تحلّ له» «4». إلى غير ذلك.

و أكثر هذه الروايات و إن اختصّت بمملوكته، إلّا أنّ رواية أبي بصير و

مرسلة جميل تشملان المحلّلة أيضا.

و أمّا في موطوءة الأب و الابن فمنها: مرسلة يونس: عن أدنى ما إذا فعله الرجل بالمرأة لم تحلّ لابنه و لا لأبيه، قال: «الحدّ في ذلك المباشرة ظاهرة أو باطنة ممّا يشبه مسّ الفرجين» «5».

______________________________

(1) التهذيب 7: 279- 1183، الاستبصار 3: 161- 586، الوسائل 20: 469 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 14.

(2) التهذيب 7: 276- 1172، الاستبصار 3: 159- 576، الوسائل 20: 468 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 11.

(3) التهذيب 7: 276- 1173، الاستبصار 3: 159- 577، الوسائل 20: 467 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 7.

(4) الكافي 5: 431- 3، الوسائل 20: 465 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 1.

(5) التهذيب 7: 468- 1877، الاستبصار 3: 155- 568، الوسائل 20: 421 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 330

و صحيحة البختري: عن الرجل تكون له جارية أ فتحلّ لابنه؟ قال:

«ما لم يكن من جماع أو مباشرة كالجماع فلا بأس» «1».

و حسنة زرارة: «إذا زنى رجل بامرأة ابنه أو بجارية ابنه فإنّ ذلك لا يحرّمها على زوجها و لا يحرّم الجارية على سيّدها، إنّما يحرّم ذلك منه إذا أتى الجارية و هي حلال، فلا تحلّ تلك الجارية أبدا لأبيه و لا لابنه» الحديث «2». إلى غير ذلك. مضافا في موطوءة [الابن ] [1] إلى قوله سبحانه:

وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ «4».

و هذه الأخبار و إن لم تشتمل على المرتفعين و المرتفعات و السافلين و السافلات حقيقة، إلّا أنّ الإجماع القطعي كاف في إثبات الحكم فيهم.

و أمّا إن كان بالشبهة فعلى الأظهر الأشهر، بل عن المبسوط: عدم الخلاف فيه «5»، و

عن التذكرة: الإجماع عليه «6».

و يدلّ عليه:

أمّا في أمّ الموطوءة: فإطلاق مرسلة جميل و رواية إسحاق و أبي بصير المتقدّمة.

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الأب، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) الفقيه 3: 287- 1364، التهذيب 7: 284- 1199، الوسائل 20: 423 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 5 ح 3.

(2) الكافي 5: 419- 7، الفقيه 3: 264- ذ. ح 1256، التهذيب 7: 281- 1189، الاستبصار 3: 155- 565، الوسائل 20: 419 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 1.

(4) النساء: 23.

(5) المبسوط 4: 208.

(6) التذكرة 2: 631.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 331

و أمّا في موطوءة الأب و الابن: فإطلاق مرسلة يونس و حسنة زرارة.

خلافا للنافع و الحلّي «1»، و نسب إلى جماعة.

للأصل.

و العمومات.

و اختصاص المحرّم بالنكاح الصحيح.

و الأولان مدفوعان بما مرّ.

و الثالث ممنوع كما مرّ.

و الظاهر اختصاص التحريم بما إذا كان الوطء قبل العقد، فلا يحرم بوطء الشبهة العقد السابق.

لاستصحاب الحلّ.

و ظهور المطلقات في العقد اللّاحق.

و خصوص صحيحة زرارة: «و إن كان تحته امرأة فتزوّج أمّها أو بنتها أو أختها فدخل بها ثمَّ علم فارق الأخيرة و الأولى امرأته» «2».

و تدلّ على الحكم صحيحة أخرى لزرارة أيضا «3».

و يظهر من بعض وجود القول بتحريم السابق أيضا، حيث جعل

______________________________

(1) النافع: 177، الحلي في السرائر 2: 535.

(2) الفقيه 3: 263- 1256، الوسائل 20: 429 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 6.

(3) الكافي 5: 416- 4، التهذيب 7: 330- 1359، الوسائل 20: 429 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 332

الأقوال في المسألة ثلاثة: التحريم المطلق، و عدمه، و التفصيل بين اللّاحق و السابق «1».

المسألة الثانية: و تحرم أيضا بالوطء إذا كان حلالا بنت الموطوءة.
اشاره

أمّا بالتزويج فبالإجماع

المحقّق.

و الآية.

و الأخبار المتكثّرة المتقدّمة كثير منها في المسألة الثانية من الفصل الأول.

و أمّا بالملك و التحليل فبالإجماع أيضا.

مضافا في الأول إلى مرسلة جميل الاولى، و الروايات الثلاث المتعقّبة لها، و مرسلة جميل الثانية، المتقدّمة جميعا في المسألة السابقة.

و صحيحة محمّد: رجل كانت له جارية فأعتقت و تزوّجت فولدت، أ يصلح لمولاها الأول أن يتزوّج ابنتها؟ قال: «لا، هي عليه حرام، هي ابنته، و الحرّة و المملوكة في هذا سواء» «2».

و صحيحته الأخرى، و هي مثل الاولى و في آخرها: ثمَّ قرأ هذه الآية:

وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ «3».

______________________________

(1) انظر الكفاية: 164.

(2) التهذيب 7: 277- 1176، الاستبصار 3: 160- 582، الوسائل 20: 467 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 6.

(3) تفسير العياشي 1: 230- 72، الوسائل 20: 467 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 333

و غير ذلك، كروايات الحسين بن بشر «1» و سعيد بن يسار «2» و عبيد بن زرارة «3».

و أمّا روايتا رزين «4» و خبر الفضيل «5»- المجوّزة لذلك- فمطروحة بالشذوذ، و مخالفة شهرة الرواية، بل الكتاب.

و في الثاني إلى بعض العمومات المتقدّمة.

و أمّا بالشبهة فعلى الأصحّ.

لبعض الإطلاقات المتقدّمة.

فروع:
أ: حكم بنت البنت و بنت الابن فنازلا حكم البنت،

بالإجماع، و إن لم يستنبط حكمهما من الأخبار.

ب: لا فرق في تحريم بنت الموطوءة بين كونها في حجر الواطئ

______________________________

(1) الكافي 5: 433- 11، الوسائل 20: 466 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 2.

(2) التهذيب 7: 277- 1177، الاستبصار 3: 160- 580، الوسائل 20: 468 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 12.

(3) الكافي 5: 433- 12، الوسائل 20: 466 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 3.

(4) الاولى في: التهذيب 7: 278- 1182، الاستبصار 3: 161- 585، الوسائل 20: 469 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 16.

الثانية في: التهذيب 7: 278- 1181، الاستبصار 3: 161- 586، الوسائل 20: 461 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 16.

(5) التهذيب 7: 279- 1184، الاستبصار 3: 161- 587، الوسائل 20: 469 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 334

و حضانته أم لا.

للإجماع.

و المستفيضة من الأخبار.

و التقييد في الآية خرج مخرج الغالب، مع أنّه لا حجّية في مفهوم الوصف.

ج: لا فرق في بنات الموطوءة بين الموجودات قبل الوطء أو المتولّدات بعده

إجماعا.

للإطلاقات.

المسألة الثالثة: إن كان الوطء بالزنا
اشاره

، ففي تحريم من كان يحرم بالوطء الحلال و عدمه قولان.

الأول: محكيّ عن النهاية و الخلاف و القاضي و الحلبي و الكليني و ابني زهرة و حمزة و المختلف و التذكرة و فخر المحقّقين و الفاضل المقداد و الصيمري و في اللمعة و الروضة «1» و السيّد في شرح النافع، و نسبه في المختلف إلى أكثر أصحابنا، و في التذكرة إلينا، الظاهر في الإجماع في الإكراه على الزنى، و في الغنية: الإجماع على تحريم موطوءة الرجل على

______________________________

(1) النهاية: 452، و انظر الخلاف 4: 306- 308، القاضي في المهذب 2: 183، الحلبي في الكافي في الفقيه: 286، الكليني في الكافي 5: 415، حكاه عن ابن زهرة في المختلف: 522، ابن حمزة في الوسيلة: 292، المختلف: 522، التذكرة 2: 632، فخر المحقّقين في الإيضاح 3: 68، الفاضل المقداد في التنقيح 3: 70، اللمعة و الروضة 5: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 335

أبيه و ابنه.

و الثاني: مختار المقنع و المقنعة و الناصريات و الطبريّات و الديلمي و الإرشاد و النافع و الكفاية و الشيخ في التبيان في أمّ المزني بها و ابنتها، و نحوه الحلّي «1»، و ظاهر التذكرة: أشهريّته عندنا «2»، بل عن الطبريّات:

الإجماع عليه، و كذا في الناصريّات و السرائر في حليّة أمّ المزني بها و بنتها.

دليل الأولين: صدق أمّ النساء و الربائب على أمّها و ابنتها، لصدق الإضافة بأدنى ملابسة.

و المستفيضة من الأخبار:

كصحيحة منصور: في رجل كان بينه و بين امرأة فجور، هل يتزوّج ابنتها؟ فقال: «إن كان قبلة أو شبهها فليتزوّج ابنتها، و إن كان جماعا فلا يتزوّج ابنتها» «3».

و صحيحة محمّد: عن رجل فجر بامرأة، أ يتزوّج أمّها من الرضاعة

أو ابنتها؟ قال: «لا» «4».

و الأخرى: عن رجل نال من خالته في شبابه ثمَّ ارتدع، أ يتزوّج

______________________________

(1) المقنع: 108، المقنعة: 504، الناصريات (الجوامع الفقهيّة): 209، نقله عن الطبريات في الرياض 2: 96، الديلمي في المراسم: 149، الإرشاد 2: 21، النافع: 177، الكفاية: 163، التبيان 3: 160، الحلي في السرائر 2: 523.

(2) التذكرة 2: 632.

(3) التهذيب 7: 330- 1357، الاستبصار 3: 167- 608، الوسائل 20: 424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 4.

(4) الكافي 5: 416- 8، التهذيب 7: 331- 1360، الاستبصار 3: 167- 611، الوسائل 20: 427 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 336

ابنتها؟ فقال: «لا» فقال: إنّما لم يكن أفضى إليها إنّما كان شي ء دون شي ء، فقال: «لا يصدّق و لا كرامة» «1».

و صحيحة عيص: عن رجل باشر امرأة و قبّل غير أنّه لم يفض إليها ثمَّ تزوّج ابنتها، فقال: «إذا لم يكن أفضل إلى الأمّ فلا بأس، و إن كان أفضى إليها فلا يتزوّج ابنتها» «2».

و حسنة الكاهلي: عن رجل اشترى جارية و لم يمسّها، فأمرت امرأته ابنه- و هو ابن عشرين سنة- أن يقع عليها فوقع عليها، فما ترى فيه؟

فقال: «أثم الغلام و أثمت امّه، و لا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها» «3».

و صحيحة أخرى: عن رجل يفجر بامرأة أ يتزوّج ابنتها؟ قال: «لا، و لكن إن كانت عنده امرأته ثمَّ فجر بأمّها أو بنتها أو أختها لم تحرم عليه امرأته، إنّ الحرام لا يفسد الحلال» «4».

و صحيحة الكناسي: إنّ رجلا من أصحابنا تزوّج امرأة، فقال لي:

أحبّ أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام و تقول له: إنّ رجلا من

أصحابنا تزوّج امرأة قد زعم أنّه كان يلاعب أمّها و يقبّلها من غير أن يكون أفضى إليها، قال:

______________________________

(1) الكافي 5: 417- 10، فقه الرضا «ع»: 67، الوسائل 20: 432 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 10 ح 1.

(2) الكافي 5: 415- 2، التهذيب 7: 330- 1356، الوسائل 20: 424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 2.

(3) الكافي 5: 418- 4، فقه الرضا «ع»: 68، الوسائل 20: 419 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 2.

(4) الكافي 5: 415- 1، الوسائل 20: 428 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 337

فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: «كذب، مره فليفارقها»، قال: فرجعت من سفري فأخبرت الرجل بما قال أبو عبد اللّه عليه السلام، فو اللّه ما دفع ذلك عن نفسه و خلّى سبيلها «1».

و صحيحة الكناني: «إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحلّ له ابنتها» الحديث «2».

و رواية عليّ بن جعفر: عن رجل زنى بامرأة هل يحلّ لابنه أن يتزوّجها؟ قال: «لا» «3».

و رواية عمّار: في الرجل تكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجدّ، أو الرجل يزني بالمرأة هل يحلّ لابنه أن يتزوّجها؟ قال: «لا، إنّما ذلك إذا تزوّجها الرجل فوطئها ثمَّ زنى بها ابنه لم يضرّه، لأنّ الحرام لا يفسد الحلال، و كذلك الجارية» «4».

و صحيحة أبي بصير: عن الرجل يفجر بالمرأة أ تحلّ لابنه؟ أو يفجر بها الابن أ تحلّ لأبيه؟ قال: «إن كان الأب أو الابن مسّها و أخذ منها فلا تحلّ» «5».

______________________________

(1) الكافي 5: 416- 9، الوسائل 20: 424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 5.

(2) التهذيب 7: 329- 1353، الاستبصار

3: 166- 604، الوسائل 20: 430 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 8.

(3) التهذيب 7: 282- 1195، الاستبصار 3: 163- 594، قرب الإسناد:

247- 974، الوسائل 20: 431 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 9 ح 2.

(4) الكافي 5: 420- 9، التهذيب 7: 282- 1196، الاستبصار 3: 164- 597، الوسائل 20: 420 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 3.

(5) التهذيب 7: 282- 1194، الاستبصار 3: 163- 593، الوسائل 20: 430 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 338

و يمكن أن يجاب عن الآية: بمنع الصدق، و صحّة الاستعمال لو سلّمت لا تثبت الحقيقة، التي هي المفيدة في المقام.

و عن الثلاث الاولى من الروايات و حسنة الكاهلي: بعدم الدلالة على الحرمة، لعدم اشتمالها على النهي الدالّ عليها، بل ورد بلفظ النفي أو ما يحتمله، الغير المثبت للحرمة، بل غايته الكراهة و نفي الإباحة، التي هي تساوي الطرفين.

مضافا إلى أنّ صحيحة محمّد الأخيرة مخصوصة بالخالة، فلا يثبت الحكم في غيرها، لوجود القول بالفصل.

و أمّا صحيحة عيص، فهي و إن دلّت على الحرمة بواسطة التفصيل القاطع للشركة، إلّا أنّها أعمّ من الإفضاء حلالا أو حراما، فلا تعارض ما يأتي ممّا يختصّ بالثاني.

و قد يجاب عن صحيحة الكناسي أيضا: بأنّه يمكن أن يكون المراد بقوله: «كذب» تكذيبه فيما ذكره من أنّه يحبّ أن يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام، حيث علم الإمام أنّه من المخالفين الذين مذهبهم التحريم بذلك، فأجاب بما يوافق التقيّة من الأمر بالمفارقة، و يكون معنى: ما دفع ذلك عن نفسه، أي المخالفة و عدم كون سؤاله عن الإمام تعنّتا.

و لا يخفى بعده، بل هو مناف لقول الراوي: إنّ

رجلا من أصحابنا.

و الأخيرتان أيضا مختصّتان ببعض صور المسألة التي يتحقّق فيها القول بالتفصيل، [فهما أيضا لا تفيان ] [1] بتمام المطلوب.

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: فهي أيضا لا تفي، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 339

و صحيحة الكناني متنها مشتمل على ما يخالف الإجماع، و في سندها محمّد بن الفضيل المشترك بين الثقة و غيره.

و حجّة الآخرين: استصحاب حلّية العقد.

و أصالة عدم التحريم.

و عموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ «1».

و سائر العمومات القرآنيّة و الخبريّة.

و عموم قولهم عليه السلام في روايات كثيرة من الصحاح المستفيضة و غيرها: «إنّه لا يحرّم الحرام الحلال».

و لا يضرّ اختصاص مواردها، لكون العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحلّ.

و خصوص المستفيضة، كصحيحة ابن المثنّى: رجل فجر بامرأة أ تحلّ له ابنتها؟ قال: «نعم، إنّ الحرام لا يفسد الحلال» «2».

و روايته: عن الرجل يأتي المرأة حراما أ يتزوّجها؟ قال: «نعم، و أمّها و بنتها» «3».

و موثّقة حنّان: عن رجل تزوّج امرأة سفاحا، هل تحلّ له ابنتها؟

______________________________

(1) النساء: 23.

(2) التهذيب 7: 328- 1350، الاستبصار 3: 165- 601، الوسائل 20: 426 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 10.

(3) التهذيب 7: 326- 1343، الاستبصار 3: 165- 600، الوسائل 20: 425 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 340

قال: «نعم، إنّ الحرام لا يحرّم الحلال» «1».

و صحيحة سعيد: عن رجل فجر بامرأة أ يتزوّج ابنتها؟ قال: «نعم يا سعيد، إنّ الحرام لا يفسد الحلال» «2».

و رواية زرارة: رجل فجر بامرأة هل يجوز له أن يتزوّج بابنتها؟ قال:

«ما حرّم حرام حلالا قطّ» «3».

و صحيحة صفوان: عن الرجل يفجر بالمرأة و هي جارية

قوم آخرين ثمَّ اشترى ابنتها، أ يحلّ له ذلك؟ قال: «لا يحرّم الحرام الحلال»، و رجل فجر بامرأة حراما أ يتزوّج ابنتها؟ قال: «لا يحرّم الحرام الحلال» «4».

و صحيحة مرازم: عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع، فقال: «أثمت و أثم ابنها، و قد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له: أمسكها إنّ الحلال لا يفسد الحرام» «5».

و حسنة زرارة المتقدّمة في المسألة الأولى «6»، المتضمّنة للتفصيل

______________________________

(1) التهذيب 7: 328- 1351، الاستبصار 3: 165- 602، الوسائل 20: 426 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 11.

(2) التهذيب 7: 329- 1354، الاستبصار 3: 166- 605، الوسائل 20: 425 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 6.

(3) التهذيب 7: 329- 1355، الاستبصار 3: 166- 606، الوسائل 20: 426 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 9.

(4) التهذيب 7: 471- 1889، الوسائل 20: 427 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 12.

(5) التهذيب 7: 283- 1197، الاستبصار 3: 164- 598، الوسائل 20: 420 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 4.

(6) راجع ص: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 341

القاطع للاشتراك بين الحلال و الحرام، و غير ذلك.

و أجاب الأولون:

أمّا عن الأصل و العمومات: بالاندفاع و التخصيص بما مرّ.

و لا يخفى أنّه هو إنّما يتمّ لو تمّت دلالة ما مرّ على التحريم مطلقا و سلم عن معارضة أدلّة الآخرين أو يرجّح عليها، و الكلّ ممنوع.

و أمّا عن الروايات:

فتارة: بضعف السند.

و اخرى: بحمل الفجور و الإتيان فيها على نحو اللمس و القبلة، دون الدخول.

و ثالثة: بحمل المسؤول عن حلّيتهنّ على أنّهنّ زوجات له قبل الزنى.

و ردّ الأول: بالمنع، فإنّ فيها الموثّق و الصحيح، ثمَّ

لو سلّم ينجبر بما مرّ من الإجماعات المنقولة و غيرها.

و الأخيران: بمخالفتهما الظاهر جدّا، خصوصا الأول، و قد وقع مثله في أكثر أخبار القول الأول، و لم يفهموا منه شيئا غير الدخول، مع أنّ المذكور في حسنة زرارة لفظ الزنى، و مع منافاة الثاني لأكثرها المتضمّن للفظ: «يتزوّج» الموضوع للمستقبل، على أنّ في صحيحة صفوان أتى بلفظة: «ثمَّ» الدالّة على التعقيب، إلّا أنّها في الاشتراء، و هو غير الوطء.

و من ذلك تظهر تماميّة هذه الأدلّة، إلّا أنّ أكثرها يختص بحليّة بنت الموطوءة أو أمّها، الموجبة لحليّة الأخرى أيضا بالإجماع المركّب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 342

و لا تدلّ على حليّة الموطوءة على أب الواطئ أو ابنه سوى الأخيرتين المثبتتين حليّة الأوليين أيضا، لعدم القول بالفصل.

فالكلّ دالّة على حليّة بنت الموطوءة و أمّها.

و الروايات الدالّة على الحرمة في الأمّ و البنت أربعة: صحيحة محمّد و العيص و الكناني و الكناسي.

و الأولى مخصوصة بصورة لحوق العقد، و من هذه الجهة و إن كانت أخصّ مطلقا من صحيحة المثنّى و موثّقة حنّان، و لكنّها تباين رواية المثنّى و صحيحة سعيد و رواية زرارة و ذيل صحيحة صفوان، و الترجيح لأخبار الحليّة بموافقة الكتاب، و مخالفة العامّة، و موافقة الأصل و الاستصحاب.

و الثانية لأعميّتها من المباشرة حلالا و حراما و اختصاصها بما إذا سبق الزنا العقد و بما إذا كان دخل، أعمّ من وجه من صحيحة المثنّى، لشمولها السبق و اللحوق، و لعدم صراحة الفجور في الزنى لغة و لا عرفا، بل في صحيحة منصور الاولى دلالة على أعميّتها، و فهمهم عنه الزنى في أخبار التحريم ليس لأنّه مدلوله، بل للشمول.

و كذا عن موثّقة حنّان، و كذا عن

صحيحة سعيد و صفوان و رواية زرارة، لعمومها باعتبار الفجور، و الترجيح لأخبار الحلّية، لما مرّ.

و الثالثة مباينة لصحيحة المثنّى، بل الموثّقة، و أعمّ مطلقا من البواقي، لأعمّيتها من اللحوق و السبق، و لكن لمّا لم يكن معنى لحملها على صورة سبق العقد فتكون مباينة للجميع، و الترجيح للحليّة.

و الرابعة أيضا أعمّ من الحلال و الحرام و السبق و اللحوق، فهي أيضا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 343

أعمّ مطلقا من كثير من أخبار الحلّية، فيجب التخصيص.

فلا شي ء يعارضها في نفي التحريم فيهما، سوى صحيحة الكناني، و ظاهر أنّها لا تقاوم هذه الأخبار الكثيرة، بل الترجيح لهذه الأخبار بالأشهريّة رواية، و الأوفقيّة لعموم الكتاب، و للتقيّة، لكون التحريم هو المشهور بين العامّة- كما يفهم من التذكرة «1»- و منهم: أصحاب أبي حنيفة المشهور رأيه في الأزمنة السالفة «2».

و كلّ ذلك من المرجّحات المنصوصة المؤيّدة بمرجّحات أخر، كالشهرة القديمة، و الإجماع المنقول «3»، مع أنّه لو لا الترجيح لكان المرجّح الأصل و الاستصحاب، و هما مع الحلّية، فهي في بنت الموطوءة و أمّها واضحة بحمد اللّه.

و أمّا حليّة الموطوءة على أب الواطئ و ابنه فهي و إن كانت مدلولة للروايتين الأخيرتين، إلّا أنّهما تشملان حصول الزنى بعد وطء الأب أيضا، بل هما ظاهران في ذلك، سيّما الاولى، لقوله: «لا يفسد».

و الروايتان الأخيرتان للقول الأول خاصّتان بصورة سبق الزنى، فيجب تخصيص الأوليين بهما، سيّما مع تأيّدهما بالإجماع المنقول عن الغنية و خلوّ الأوليين عن ذلك التأيّد، لاختصاص الإجماعات المنقولة على الحلّية بأمّ الموطوءة و ابنتها.

بل و كذا تأيّدهما بالشهرة المحكيّة في السرائر «4»، فإنّ ظاهره: أنّ

______________________________

(1) التذكرة 2: 632.

(2) انظر بداية المجتهد 2: 34.

(3) راجع ص: 335.

(4)

انظر السرائر 2: 524، و حكاه عنه في الرياض 2: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 344

حرمة المزني بها على أب الزاني و ابنه مذهب الأكثر، بل المحقّقة، لأنّ أكثر القدماء المصرّحين بالحلّية صرّحوا بها في الأمّ و البنت خاصّة، كالمقنعة و الناصريات و السرائر «1».

فالظاهر أنّ المذهب المشهور هو التفصيل، أي حرمة المزني بها على أب الزاني و ابنه، و حلّية أمّها و ابنتها على الزاني.

و هو الحقّ الحقيق بالاتّباع، فعليه الفتوى.

فرعان:
أ: الحقّ: عدم التفرقة في حلّية البنت

بين كون المزني بهما [1] عمّة أو خالة أو غيرهما، وفاقا للحلّي و الكفاية «3».

لعموم أدلّة الحلّية.

خلافا لكثير ممّن قال بالحلّية في غيرهما، فاستثنوا بنت الخالة و العمّة، بل عن الانتصار و التذكرة «4»: الإجماع عليه، و في شرح السيّد للنافع: أنّه مقطوع به بين الأصحاب.

للإجماعات المنقولة.

و صحيحة محمّد المتقدّمة «5».

______________________________

[1] كذا و الظاهر: بها.

______________________________

(1) المقنعة: 77، الناصريات (الجوامع الفقهية): 209، السرائر 2: 523.

(3) الحلي في السرائر 2: 523، الكفاية: 163.

(4) الانتصار: 108، التذكرة 2: 633.

(5) في ص: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 345

و الأول مردود بعدم الحجّية. و الثاني: أولا: بعدم الدلالة على الحرمة.

و ثانيا: بخروجها عن المسألة، لتصريحها بعدم الإفضاء و المواقعة و عدم حصول الحرمة بما دونه، و أمّا قوله عليه السلام: «لا يصدّق» فلا يدلّ على حصول المواقعة، مع أنّ عدم التصديق مخالف لإجماع الأمّة.

ب: ما سبق من نشر التحريم بالزنا إنّما هو إذا كان سابقا على العقد.

و لو كان لاحقا:

فإن لحق العقد و الدخول لم ينشر حرمة إجماعا، للأصل.

و اختصاص أدلّة التحريم بصورة السبق.

و خصوص النصوص المستفيضة، كحسنة زرارة و صحيحة مرازم «1»، و صحاح محمّد «2» و الحلبي «3» و زرارة «4»، و روايتي زرارة «5».

و كذا إن لحق العقد خاصّة على الأظهر الأشهر، بل ادّعى جماعة عليه

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 330 و 340.

(2) المتقدمة في ص: 335.

(3) الكافي 5: 415- 3، التهذيب 7: 330- 1358، الوسائل 20: 428 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 2.

(4) المتقدمة في ص: 331.

(5) الاولى: تقدمت في ص: 340.

الثانية في: الكافي 5: 416- 6، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 96- 229، الوسائل 20: 429 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 346

الإجماع [1].

لإطلاق أكثر

الأخبار المتقدّمة.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فخصّ عدم النشر بتحقّق الدخول «2»، لمفهوم الشرط في رواية عمّار السابقة «3».

و رواية الكناني المتقدّم صدرها «4»، فقال بعده: «و إن كان قد تزوّج ابنتها قبل ذلك و لم يدخل بها فقد بطل تزويجه، و إن هو تزوّج ابنتها و دخل بها ثمَّ فجر بأمّها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمّها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها».

و يردّان بالشذوذ المانع عن الحجيّة، و لولاه لكان القول بمقتضاهما حسنا، و الاحتياط أحسن.

المسألة الرابعة: تحرم أخت المزني بها جمعا

، أي لا يجوز له وطؤها إلّا بعد انقضاء عدّة المزني بها.

بلا خلاف ظاهر، بل بالإجماع، له.

و للنصوص، منها: صحيحة العجلي المتضمّنة لحكاية امرأة دلّست نفسها على زوج أختها حتى واقعها، قال: «و لا يقرب امرأته التي تزوّج

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 480 و صاحب الحدائق 23: 479.

______________________________

(2) حكاه عنه في المختلف: 524.

(3) في ص: 337.

(4) في ص: 337.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 347

حتى تنقضي عدّة التي دلّست نفسها» «1».

المسألة الخامسة: لا تحرم المزنيّ بها على الزاني.

______________________________

(1) الكافي 5: 409- 19، الوسائل 21: 222 أبواب العيوب و التدليس ب 9 ح 1.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.