سلسله المسائل الفقهیه متعة النساء المجلد 13

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

متعة النساء

ص: 2

[13. متعة النساء ]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)3.

ص: 3


1- المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلم، الأمر الّذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه صلّى الله عليه و آله و سلم، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق عليه السَّلام3.

ص: 4


1- آل عمران: 103.

تمهيد الغريزة الجنسية بين التحديد و الإباحة الغربية

العلاقة الجنسية علاقة طبيعية راسخة في وجود كلّ إنسان في مقطع زمنيّ خاص، بنحو لا تجد لها مثيلاً في سائر العلاقات، و في ظلّها تنفتح مشاعرُ الحب و العطف و الحنان و تتعاظم المسئولية بغية إرساء دعائم الأُسرة التي هي أوّل نواة المجتمع الإنساني الكبير.

إنّ تلبية الغريزة الجنسية تُعدّ من حاجات الإنسان الملحّة، و من ضروريات الحياة، التي لا يختلف فيه اثنان. و ليست حاجتُه إلى الزواج بأقلّ من حاجته إلى الطعام

ص: 5

و الشراب.

إنّ الشريعة الإسلامية بما انّها خاتمة الشرائع، و نبيّها خاتم الأنبياء، و كتابها خاتمة الكتب، قد تناولت هذا الجانب من شخصية الإنسان و أشبعته بسنن و قوانين تنسجم مع سائر غرائزه الكامنة في وجوده.

و قد بلغت عناية الشريعة بالدعوة إلى تلبية الغريزة المذكورة حداً أن عدّ النكاح، سنّة إلهية و الإعراض عنه إعراضاً عن الشريعة كما يجسّده حديث رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «النكاح سنّتي فمن أعرض عن سنّتي فليس مني».(1)

و هذا يُعرب عن قدسية الزواج في الإسلام و انّه أرفع من أن يكون تبادلاً بين الإنسان و المال كما طاب لبعض الجدد المتأثرين بالغرب أن يسمّيه.(2)

و مهما حرص الإنسان على حياة التبتّل و العزوف عن الزواج، فانّه يظل يشعر بفراغ كبير لا يسدّه شيء سوى5.

ص: 6


1- جامع أحاديث الشيعة: 38/25 رقم 36412.
2- الزواج المؤقت عند الشيعة للكاتبة شهلا حائري: 45.

الزواج.

و انطلاقاً من هذه الأهمية فقد شرّع الإسلام قوانين رائعة في تنظيم الغريزة الجنسية و سوقها في الاتجاه الصحيح الذي يكفل للإنسان إشباعها، بأسلوب يتجاوب مع سائر ميوله و غرائزه و يحفظ له كرامته و شرفه، قال سبحانه: (وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ).(1)

فقد سمح له في غير واحدة من الآيات، أن يلبّي حاجتَه الجنسية بطرق ثلاثة:

1. النكاح الدائم.

2. النكاح المؤقت.

3. ملك يمين.

و مهما يكن من أمر، فالذي دعانا إلى عقد بحث في النكاح المؤقت هو انّ الأخلاّء و الألدّاء أجحفوا بحقه في2.

ص: 7


1- النور: 32.

كتاباتهم.

أمّا الألدّاء فقد نظروا إليه بعين الحقد و الحسد، نظرة الضُّرة، إلى الضُّرة، فصوّروا محاسنه معايب.

و أمّا الأخلاّء فقد أكثروا فيه اللغط و التهويش، و أخذوا بالقضاء و الإبرام من دون تدبر و تبصر و عدل و إنصاف، حتّى تجاوز بعضهم و عدّه زواجاً أقرب إلى الدعارة و الزنا، و معنى ذلك انّ صاحب الرسالة و العياذ باللّه رخّص الدعارة في أيام قلائل لأصحابه لأجل إخماد نار الشهوة فيهم «كبرت كلمة تخرج من أفواههم».

فما تنتظر من موضوع، خاض في تحليله و تبيينه العدو للطعن به، و الصديق للجهل بحقيقته، أن لا تحوم حوله الشبهات. و لو انّ الصديق درس الموضوع دراسة معمّقة، و أحاط بما ورد فيه في الذكر الحكيم، و أحاديث الرسول لما كان يتفوّه بتلك الكلمة القارصة.

فالذي نشير إليه في هذه العجالة، هو انّ الإسلام عالج مشكلة الغريزة الجنسية بالدعوة إلى النكاح الدائم

ص: 8

و جعله أساساً في حياة الإنسان، و تلقى هذا النوع من النكاح كأمر ضروريّ و طعام روحيّ لكافة بني الإنسان.

و على الرغم من ذلك فقد تطرأ ظروف خاصة لا يتمكن الإنسان خلالها من سلوك الطريق العام (أي النكاح الدائم)، فكان لا بدّ للشريعة الإسلامية أن تقول كلمتها في هذا المضمار، من خلال تقنين زواج خاصّ كعلاج مقطعيّ، فمن الخطأ أن نتصور انّ دعوة الإسلام إلى الزواج المؤقت كدعوته إلى الزواج الدائم، كلاّ، فالزواج الدائم تلبية للحاجة الجنسية في عامة مقاطع الحياة.

و أمّا النكاح المؤقت فهو كما عرفت دواء و ليس بطعام، علاج لضروريات مقطعية يحول دون انتشار الفساد في المجتمع الإسلامي.

إذ ربما تطرأ على الإنسان ظروف لا يتيسر من خلالها الزواج الدائم، فلا يبقى أمامه سوى الأُمور الثلاثة التالية:

1. كبت جماح الشهوة.

2. التردّد على بيوت الدعارة و الفساد.

ص: 9

3. النكاح المؤقت بالشروط التي وضعها الإسلام.

أمّا الأوّل فمن المستحيل عادة أن يصون به أحد نفسه إلاّ من عصمه اللّه و لا يطرق ذلك الباب إلاّ الأمثل فالأمثل من الناس و أين هو من عامة الناس؟!

و أمّا الثاني ففيه مضافاً إلى هدم الكرامة الإنسانية شيوع الفساد و الأمراض و تداخل الأنساب فلم يبق إلاّ الطريق الثالث و هو النكاح المؤقت.

و على ذلك فالزواج المؤقت من أروع السنن الإسلامية التي سنّها الإسلام و أراد بها صون كرامة الإنسان.

و قد وقف الإمام علي بن أبي طالب عليه السَّلام على عمق المشكلة، فأدلى بكلمة قيّمة تقرع آذاننا و تُحذِّر المجتمع من تفاقم هذا الأمر عند إهماله لهذا العلاج، و قال: «لو لا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي أو شقية».

و هنا كلام للمفكّر الإسلامي الشهيد المطهري يقول فيه: «السمة المميزة لعصرنا هي اتساع المسافة الزمنية بين البلوغ الجنسي، و النضج الاجتماعي حين يصبح بمقدور المرء

ص: 10

تأسيسَ عائلة، فهل بإمكان الشُّبّان قضاء فترة من التنسك المؤقت، و تحمّل قيود التقشف القاسية في انتظار تمكنهم من عقد زواج دائم.

و لنفترض انّ هناك شاباً مستعداً لتحمل هذا التنسك المؤقت، فهل ستكون الطبيعة مستعدة عند الامتناع عن النكاح بتحمل تلك العقوبات النفسية الفظيعة و الخطرة التي يصاب بها الأشخاص الذين يمتنعون عن ممارسة النشاطات الجنسية الغريزية كما يدل على ذلك اكتشافات علماء النفس الآن.

فعند ذاك انّ أمام الشبان خيارين:

1. إمّا اتّباع النموذج الغربي المنحطّ أعني: الإباحةَ الجنسية القائم على إعطاء الحرية للشبّان و الشابات على قدم المساواة.

2. أو الإقرار بشرعية الزواج المؤقت المحدد».

هذا و قد ضمّ بعض فلاسفة الغرب في العصور الأخيرة من الذين اشتهروا بالتحرر من القيود و الحرية في الرأي،

ص: 11

أصواتَهم إلى صوت الإسلام في تشريعه الخالد للنكاح المؤقت.

فهذا هو «راسل» يرى أنّ سنن الزواج قد تأخرت بغير اختيار و تدبير فانّ الطالب كان يستوفي علومه قبل مائة سنة أو مائتي سنة في نحو الثامنة عشرة أو العشرين فيتأهب للزواج في سن الرجولة الناضجة، و لا يطول به عهد الانتظار إلاّ إذا آثر الانقطاعَ للعلم مدى الحياة، و قلّ من يؤثر ذلك بين المئات و الأُلوف من الشبان.

أمّا في العصر الحاضر فالطلاب يبدءون التخصص في العلوم و الصنائع بعد الثامنة عشرة أو العشرين، و يحتاجون بعد التخرج من الجامعات إلى زمن يستعدون فيه لكسب الرزق من طريق التجارة أو الأعمال الصناعية و الاقتصادية. و لا يتسنّى لهم الزواج و تأسيس البيوت قبل الثلاثين، فهناك فترة طويلة يقضيها الشابّ بين سن البلوغ و بين سن الزواج لم يُحسب لها حسابها في التربية القديمة.

و هذه الفترة هي فترة النمو الجنسي، و الرغبة الجامحة،

ص: 12

و صعوبة المقاومة للمغريات، فهل من المستطاع أن نسقط حساب هذه الفترة من نظام المجتمع الإنساني، كما أسقطها الأقدمون و أبناء القرون الوسطى؟

يقول الفيلسوف الآنف الذكر إنّ ذلك غير مستطاع، و إنّنا إذا أسقطناها من الحساب فنتيجة ذلك شيوع الفساد و العبث بالنسل بين الشبان و الشابات، و إنّما الرأي عنده أن تسمح القوانين في هذه السن بضرب من الزواج بين الشبان و الشابات، لا يَئودهم بتكاليف الأسرة، و لا يتركهم لعبث الشهوات الموبقات و ما يعقبه من العلل و المحرجات. و هذا ما سماه ب «الزواج بغير أطفال»، و أراد أن يكون عاصماً من الابتذال و مدرّباً على المعيشة المزدوجة قبل السن التي تسمح بتأسيس البيوت.(1)

و لعلّ مراده من قوله: «الزواج بغير أطفال» هو استعمال موانع الحمل و مع ذلك فالالتزام بهذا الشرط أمر ممكن و لكنّه مشكل، و على فرض استعماله، فلو أنجبا طفلاً7.

ص: 13


1- الفلسفة القرآنية لعباس محمود العقاد: 8887.

فهو ولد شرعي يلحق بالوالدين.

إنّ الاقتراح الذي عرضه الفيلسوف الإنجليزي هو ما دعا إليه الإسلام منذ أكثر من 14 قرناً، و لكن الإسلام جعله في إطار تقنيني و تشريعي أضفى عليه مزيداً من الروعة و الجمال و كمالاً من حيث القيود و الشروط.

هذه دراسة موجزة حول النكاح المؤقّت نقدّمها للقراء الكرام راجين أن يُولوا عناية فائقة بهذا الموضوع و يتدارسوه من زوايا مختلفة حتّى تتبين لهم عظمة التشريع الإسلامي و انّ الأغيار جحدوا حقّه، و غيرهم جهلوه و ما عرفوه.

و اللّه من وراء القصد

ص: 14

آراء الفقهاء في المتعة

اتّفقت المذاهب الفقهية على أنّ متعة النساء كانت جائزة، أحلّها رسولُ اللّه بوحي منه سبحانه في برهة من الزمن و إنّما اختلفوا في استمرار حلّيتها و كونها منسوخة أم لا؟ فالشيعة الإمامية و لفيف من الصحابة و التابعين على بقاء الحلية خلافاً للمذاهب الأربعة و هي على التحريم.

و من المعلوم انّ مسألة المتعة مسألة شائكة، يكتنفها شيء من الغموض و الإبهام، و ليس معنى ذلك أنّ المسألة تفقد الدليل الشرعي من الذكر الحكيم و السنّة المطهرة على حلّيتها بعد رحيل الرسول إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها.

بل يراد من الغموض، هو أنّ الكاتب مهما كان موضوعياً، ربما يُتّهم بالانسياق وراء الشهوات عند الخوض في هذه المسائل.

هذا، مع الاعتراف بأنّ ظاهرة المتعة ليست ظاهرة متفشية بين القائلين بحليتها كما يتصوّرها المغفلون بل تمارس في نطاق ضيق، و في ظروف معينة.

و تبيين الحقّ يتم ضمن أُمور:

اشارة

ص: 15

1 تعريفها و نبذ من أحكامها

الزواج المؤقت عبارة عن تزويج المرأة الحرة الكاملة نفسَها إذا لم يكن بينها و بين الزوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية بمهر مسمّى إلى أجل مسمّى بالرضا و الاتفاق، فإذا انتهى الأجل تبين منه من غير طلاق، و يجب عليها بعد الدخول بها إذا لم تكن يائسة أن تعتد عدّة الطلاق إذا كانت ممّن تحيض و إلاّ فبخمسة و أربعين يوماً.

إنّ الزواج المؤقت كالزواج الدائم لا يتم إلاّ بعقد صحيح دالّ على قصد الزواج جدّاً، و كلّ مقاربة تحصل بين رجل و امرأة من دون عقد فلا تكون متعة حتّى مع التراضي و الرغبة، و متى تم العقد كان لازماً يجب الوفاء به.

ص: 16

نبذ من أحكامها

إنّ أكثر الإشكالات التي تُثار على زواج المتعة نابعة من عدم الوقوف على حقيقتها و آثارها و أحكامها، فلنذكر شيئاً موجزاً منها حتّى يتبين انّ بين المتعة و السفاح بعد المشرقين.

إنّ لنكاح المتعة أحكاماً مشتركة بينه و بين النكاح الدائم، كما أنّ له أحكاماً خاصّة، و قد بسطنا الكلام في كلا القسمين من أحكامها في كتابنا «نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغرّاء» فمن أراد التفصيل فليرجع إليه.(1) و ها نحن نذكر شيئاً من أحكامها المشتركة و المختصة، و الفقيه العارف يميّز المشترك من المختص.

للنكاح المنقطع أركان أربعة:

أ الصيغة. ب المحل. ج الأجل. د المهر.

الف: الصيغة

و هي الإيجاب و القبول، و يكفي في الإيجاب أحد2.

ص: 17


1- نظام النكاح: 10847/2.

الألفاظ الثلاثة: زوجتك و متّعتك و أنكحتك، و يكفي في القبول كلّ لفظ دالّ على الرضا بذلك الإيجاب كقوله: قبلت النكاح أو المتعة.

ب: المحل

و هو الزوج و الزوجة و يشترط فيهما ما يشترط في النكاح الدائم إلاّ ما استثني، فيشترط أن تكون الزوجة مسلمة و يجوز أن تكون كتابية على القول الأشهر بين الفقهاء.

و أمّا المسلمة فلا تتمتع إلاّ بالمسلم خاصة.

و لا يدخل على الزوجة المنقطعة بنت أُختها، و لا بنت أخيها إلاّ بإذنها، و لو فعل توقّف على إذنها، فإن ردت، بطل العقد.

ج: المهر

المهر ركن في عقد المتعة، يبطل العقد بعدم ذكره في العقد و يشترط أن يكون مملوكاً معلوماً، إمّا بالكيل أو الوزن أو المشاهدة و الوصف.

ص: 18

و لو وهب الزوج المدة لها قبل الدخول، لزمه النصف; و لو دخل استقرّ المهر كله.

د: الأجل

و هو ركن من عقد المتعة، و لو ترك الأجل فهنا قولان: يبطل، و قيل ينقلب العقد دائماً، و لا بد أن يكون معيناً محروساً من الزيادة و النقصان.

يجوز العزل من المتمتع بها و لا يقف على إذنها خلافاً للدائمة فلا يجوز العزل إلاّ بإذنها.

و تبين المتمتع بها بانقضاء الأجل و لا يقع بها طلاق و لا يتوارثان إلاّ مع الشرط في متن العقد.

المتعة كالدوام فيما يحرم بالمصاهرة، فلو عقد على امرأة تمتعاً، حرمت عليه أُمّها مطلقاً، و بنتها مع الدخول، و هكذا سائر المحرمات المذكورة في باب التحريم بالمصاهرة.

و إذا دخل بها و انقضى أجلها فإن كانت من ذوات الحيض، وجب عليها الاعتداد بحيضتين، و إن لم تكن من

ص: 19

ذوات الإقراء، و هي في سنهنّ اعتدّت بخمسة و أربعين يوماً، و إن لم يكن دخل بها فلا عدّة عليها.

و لو مات عنها في الأجل اعتدّت بأربعة أشهر و عشرة أيّام، سواء دخل بها أو لا إن كانت حائلاً، و قيل شهران و خمسة أيّام، و إن كانت حاملاً اعتدت بأبعد الأجلين، و لو كانت أمة اعتدت حائلاً بشهرين و خمسة أيّام.(1)

و الغرض من ذلك هو الإشارة إلى أنّ نكاح المتعة نكاح حقيقي، و هو كالنكاح الدائم في عامّة الأحكام إلاّ ما خرج بالدليل، و أهمّ الفروق عبارة عن:

1. الزوجة الدائمة تفارق بالطلاق و هذه تفارق بانقضاء الأجل.

2. الزوجة الدائمة يُنفق عليها، دونها.

3. الزوجة الدائمة ترث زوجها و هو يرثها، دونها.

4. انّ الدائم إذا طلقت تعتد بثلاثة أشهر أو بثلاث حيضات و هي تعتد بحيضتين أو خمسة و أربعين يوماً.3.

ص: 20


1- شرائع الإسلام: 307/2; تحرير الأحكام: 526/3.

و هذه الفروق الضئيلة لا تخرجها عن كونها زوجة، لها من الأحكام ما لغيرها، مثلاً يقول سبحانه: (وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (1) و المتزوجة متعة داخلة في قوله سبحانه: (إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) فهي زوجة حقيقة، لها من الأحكام ما للزوجة الدائمة إلاّ ما استثني بالدليل كما عرفت. و انتفاء بعض الأحكام أو تخصيصها في مورد المؤقتة، لا يسلب عنها عنوان الزوجيّة، و سيوافيك انّ الدائمة أيضاً تبين أحياناً بلا طلاق، أو لا ترث أو لا يَرثُها زوجها، أو لا يُنفق عليها فانتظر.-6

ص: 21


1- المؤمنون: 5-6

2 الزواج المؤقت في صدر الإسلام

بزغت شمس الإسلام و كانت المتعة أمراً رائجاً بين الناس غير انّ الإسلام حدَّ لها حدوداً و جعل لها شروطاً كما مرّ، و يكفيك في ذلك دراسة تاريخها و ذلك بملاحظة ما يلي:

1. ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت متعة النساء في أوّل الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته و لا يحفظ متاعه، فيتزوج المرأةَ إلى قدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته، فتنظر له متاعه و تصلح له ضيعته.(1)

2. أخرج الطبراني و البيهقي في سننه عن ابن عباس

ص: 22


1- الدر المنثور: 140139/2.

قال: كانت المتعة في أوّل الإسلام... فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه و تصلح له شأنه.(1)

3. أخرج عبد الرزاق و ابن أبي شيبة و البخاري و مسلم عن ابن مسعود قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و ليس معنا نساؤنا فقلنا: أ لا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك و رخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد اللّه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ )(2).(3)

4. أخرج عبد الرزاق و أحمد و مسلم عن سبرة الجهني قال: أذن لنا رسول اللّه عام فتح مكة في متعة النساء فخرجت أنا و رجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال و هو قريب من الدمامة....(4)2.

ص: 23


1- الدر المنثور: 140139/2.
2- المائدة: 87.
3- صحيح البخاري: 4/7، باب ما يكره من التبتل و الخصاء من كتاب النكاح.
4- الدر المنثور: 140/2.

6. أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد اللّه و سلمة بن الأكوع، قال: كنّا في جيش فأتانا رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقال: إنّه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا.(1)

7. أخرج مسلم في صحيحه بسنده: خرج علينا منادي رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقال: إنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قد أذن لكم أن تستمتعوا، يعني متعة النساء.(2)

8. أخرج مسلم في صحيحه أيضاً بسنده عن سلمة بن الأكوع، و جابر بن عبد اللّه انّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أتانا فأذن لنا في المتعة.(3)

و الأحاديث الأخيرة بشهادة ما تقدّمها تكشف عن كون الاستمتاع بالمرأة في ظروف خاصة لغايات عقلائية كان أمراً معروفاً، و النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أرشد بإذنه إليه لا انّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم ابتكره.

فإذا كان مثل هذا الزواج أمراً رائجاً بين الناس في عصر الرسالة فلا منتدح للشارع إلاّ أن يتعرّض له من خلال الإمضاء أو الرد و لا يصحّ غض النظر عنه، بعد وضوح عدمة.

ص: 24


1- صحيح مسلم: 131130/4، باب نكاح المتعة.
2- صحيح مسلم: 131130/4، باب نكاح المتعة.
3- صحيح مسلم: 131130/4، باب نكاح المتعة.

كونه من قبيل السفاح، و إلاّ فمن المستحيل أن يحلله النبي و لو في فترة خاصة (قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ).(1)8.

ص: 25


1- الأعراف: 28.

3 الزواج المؤقت في الذكر الحكيم

قد سبق انّ المتعة كانت أمراً رائجاً بين الناس و انّه لا محيص للشارع من بيان حكمها إمضاءً أو ردّاً، و من حسن الحظ انّ الذكر الحكيم حسب نظر مشاهير المفسرين تعرض لها بالإمضاء (و إن ادّعى بعضهم كونها منسوخة) و ذلك في قوله سبحانه:

1. (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ ) إلى أن قال سبحانه: (وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ).(1)

ص: 26


1- النساء: 23.

2. (وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ).(1)

3. (وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ).(2)

تفسير الآيات الثلاث

هذه الآيات الثلاث تحدد ما هو الحرام و الحلال في أمر النساء.

أمّا الآية الأُولى و صدر الآية الثانية، فيبيّنان ما هو الحرام من نكاح النساء، و هو عبارة عن:5.

ص: 27


1- النساء: 24.
2- النساء: 25.

1. الأُمّهات، 2. البنات، 3. الأخوات، 4. العمّات، 5. الخالات، 6. بنات الأخ، 7. بنات الأُخت، 8. الأُمّهات المرضعة، 9. الأخوات من الرضاعة، 10. أُمّهات النساء، 11. الربائب التي دُخل بأُمّهاتهن، 12. حلائل الأبناء، 13. الجمع بين الأُختين، 14. النساء المتزوجات، و قد أشار إلى الأخير في أوائل الآية الثانية و قال: (وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) و المحصنات جمع المحصنة و هي المتزوجة فهي محرمة لمكان زوجها إلاّ صورة واحدة أخرجت بقوله: (إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ).

و أمّا ما هو المراد من هذا الاستثناء ففيه خلاف بين المفسرين فليرجع إلى محله.

إلى هنا تمّ بيان ما هو الحرام من نكاح النساء و قد أنهاها التشريع القرآني إلى 14، و به تمّ تفسير الآية الأُولى و جزء من الآية الثانية التي عطف فيها «المحصنات» ذوات الأزواج إلى المحرمات.

و أمّا بقية الآية فقد ابتدأ بقوله: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ

ص: 28

ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ).

فلنأخذ بتفسيرها ضمن مقاطع:

1. (وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ): المراد من الموصول هو النساء غير المذكورات و لا غرو في استعمال ما مكان «من» كما في قوله سبحانه: (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ ).(1)

قوله ذلكم مركّب من (ذا) و (كم) و الأوّل للإشارة إلى ما سبق و الثاني خطاب للمؤمنين كافة، و المراد أحل لكم ما وراء المذكورات من النساء أيّها المؤمنون. و أمّا ما هو الوجه في استعمال «ذا» مكان «ذي» فليطلب من محلّه.

2. (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) هو بدل البعض من الكل أو عطف بيان من قوله (ما وَراءَ ذلِكُمْ ) و قد حذف مفعوله،3.

ص: 29


1- النساء: 3.

و لعله نكاح النساء: أي تبتغوا بأموالكم نكاح النساء. و على أي تقدير فالجملة تبين الطريق المشروع في نكاح النساء غير المذكورات و انّه يجوز لكم نكاح النساء بصرف المال. و مصاديقه في بادي النظر تنحصر في ثلاثة:

أ. النكاح بأُجرة.

ب. نكاح الأمة.

ج. السفاح و هو الزنا.

3. (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ): أي أن تطلبوا بأموالكم نكاح النساء في حال انّكم تريدون العفة لا السفاح و الزنا و معنى الجملة: متعفّفين، لا زانين و بذلك حرم القسم الثالث، و انّه ليس للمسلم أن يبتغي بأمواله مباشرة النساء عن طريق السفاح و الزنا.

و تنحصر الحلية في القسمين الآخرين و هو نكاح الحرة و نكاح الأمة.

4. (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ): و هذا المقطع يشير إلى نكاح الحرة كما أنّ الآية الثالثة تشير إلى

ص: 30

نكاح الإماء(1) و بما انّ نكاح الأَمَة خارج عن محل البحث، فلا نذكر فيه شيئاً، و المهم هو تفسير ما يرجع إلى نكاح الحرائر الوارد في قوله سبحانه: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) و هذا المقطع من الآية هو بيت القصيد في المقام من دون فرق بين كون (ما) «فما استمتعتم» شرطية أو موصولة عائدها هو الضمير في لفظة «به» و عندئذ يقع الكلام في أنّ المراد منه هو النكاح الدائم أو النكاح المؤقت، و الإمعان في القرائن الخارجية و القرائن المحتفة بالآية يعين الثاني و لا يبقى مجال لإرادة المعنى الأوّل، و إليك القرائن المعينة للمقصود.

[القرائن في أن المراد من قوله تعالى فما استمتعتم النكاح المؤقت ]

القرينة الأُولى: الاستمتاع هو العقد على المتمتع بها

إنّ لفظ الاستمتاع يوم نزول الآية كان منصرفاً إلى عقد المتعة و الزواج المؤقت على النحو الذي مرّ في أوّل البحث لا التلذذ و الجماع و إن كان يطلق عليه أيضاً كقوله سبحانه:).

ص: 31


1- أي قوله سبحانه: (وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ...).

(رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ ) (1) و يرشدك إلى ما ذكرناه أمران:

1. تعابير الصحابة حيث يعبرون عن نكاح المتعة بلفظة «الاستمتاع».

أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد اللّه، قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقيق الأيام على عهد رسول اللّه و أبي بكر حتّى ثمة نهى عنه عمر.(2)

أخرج مالك عن عروة بن الزبير انّ خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب، فقالت: إنّ ربيعة بن أُمية استمتع بامرأة مولّدة فحملت منه، فخرج عمر يجرّ رداءه فزعاً، فقال: هذه المتعة لو كنت تقدمت فيه لرجمته.(3)

إلى غير ذلك من الروايات و الآثار التي ورد فيها الاستمتاع بصوره المختلفة و أريد به نكاح المتعة و العقد على امرأة بأجل مسمّى و أُجرة مسمّاة.7.

ص: 32


1- الأنعام: 128.
2- صحيح مسلم: 131/4، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
3- الموطأ: 30/2; سنن البيهقي: 206/7.

2. انّ المراد من الاستمتاع في الآية هو العقد لا الاستمتاع بمعنى الانتفاع و التلذذ، بشهادة ترتب دفع الأُجرة على الاستمتاع ترتّبَ الجزاء على الشرط و يقول (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) فلو أُريد من الاستمتاع هو العقد لصحّ الترتب، لأنّ المهر كلّه يجب بمجرد العقد من غير فرق بين الدائم و المؤقت غاية الأمر يسقط النصف بالطلاق قبل الدخول في العقد الدائم، و بانقضاء المدة قبله في المؤقت.

و أمّا لو أُريد من الاستمتاع هو التلذذ و الانتفاع فلا يصحّ الترتب، لأنّ الأُجرة تلزم على الزوج قبل الاستمتاع، فالزوج يكون مكلّفاً بدفع المهر كلّه. سواء أ كان هناك تلذذ أو لا، كلّ ذلك يؤيد أنّ المراد من الاستمتاع هو العقد.

قال الطبرسي: إنّ لفظ الاستمتاع، و التمتع و إن كان في الأصل واقعاً على الانتفاع و الالتذاذ، لكنّه صار بعرف الشرع مخصوصاً بهذا العقد المعيّن، لا سيما إذا أضيف إلى النساء. فعلى هذا يكون معناه فمتى عقّدتم عليهن هذا

ص: 33

العقد المسمّى متعة فآتوهن أجورهن.

و يدلّ على ذلك انّ اللّه علّق وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع و ذلك يقتضي أن يكون معناه، هذا العقد المخصوص دون الجماع و الاستلذاذ، لأنّ المهر لا يجب إلاّ بالعقد.(1)

و لعلّ الزمخشري يرى أنّ وجوب المهر لا يتوقف على الاستمتاع، عطف العقد على الجماع، و قال «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة أو عقد عليهن».(2)

القرينة الثانية: الحمل على غير المتعة يستلزم التكرار

يجب علينا إمعان النظر فيما تهدف إليه جملة: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )، و هنا ثلاثة احتمالات:

أ. تحليل النكاح الدائم.ة.

ص: 34


1- مجمع البيان: 32/2، ط صيدا.
2- الكشاف: 391/1، في تفسير الآية.

ب. التأكيد على دفع المهر بعد الاستمتاع.

ج. نكاح المتعة.

أمّا الأوّل فالحمل عليه يوجب التكرار بلا وجه، لأنّه سبحانه بيّن حكمه في الآية الثالثة من تلك السورة، قال سبحانه: (وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ).(1)

و أمّا الثاني فهو مثل الأوّل، حيث بيّنه في الآية الرابعة من هذه السورة و قال: (وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (2) بل بينه في آيتين أُخريين أعني قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ ).(3)

و قال سبحانه: (وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ9.

ص: 35


1- النساء: 3.
2- النساء: 4.
3- النساء: 19.

وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ).(1)

فلم يبق من الوجوه المحتملة التي تهدف إليها الجملة إلاّ نكاح المتعة.

القرينة الثالثة: الجملتان المتقدّمتان

إنّ في الجملتين المتقدّمتين على قوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ... ) أعني:

1. (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ).

2. (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ).

إشارة إلى الزواج المؤقت و انّ المراد من الاستمتاع هو نكاح المتعة و العقد على المتمتع بها.

أمّا الجملة الأُولى فتدلّ على أنّها بصدد بيان النكاح الذي يبتغى بالأموال على نحو يكون فيه للمال (الصداق) دور كبير، بحيث لولاه لبطل، و ليس هو إلاّ نكاح المتعة الذي0.

ص: 36


1- النساء: 20.

عرف بأنّه: «أجل مسمّى و أجر مسمّى» فالأجر في نكاح المتعة ركن و لولاه لبطل(1) بخلاف النكاح الدائم إذ لا يجب فيه ذكره، يقول سبحانه: (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) (2) و لذلك قالوا يُستحبّ أن لا يعرى النكاح عن تسمية الصداق، لأنّ النبي كان يزوّج بناته و غيرهن و يتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق.(3)

أمّا الجملة الثانية فاللّه سبحانه يؤكد قبل الأمر بعقد الاستمتاع على كون الزوجين محصنين غير مسافحين أي أن يكون اللقاء بنيّة التعفّف لا الزنا، و بما انّ عقد المتعة قد ينحرف عن مجراه و مسيره الصحيح فيتخذ لنفسه لون السفاح لا الزواج، أمر سبحانه بأن يكون الهدف هو الزواج لا السفاح.7.

ص: 37


1- و قد مرّ عند بيان أحكام نكاح المتعة، انّه لو نسي ذكر المهر أو لم يذكره بطل العقد، فنكاح المتعة من أوضح مصاديق قوله سبحانه (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ).
2- البقرة: 236.
3- المغني: 136/7.

و بما انّ نكاح الإماء أيضاً مظنة لذلك الأمر إذ الغالب على الإماء هو روح الابتذال، قيّد سبحانه نكاح الإماء في الآية الثالثة بقوله: (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ ).(1)

فافتتاح الكلام بجملتين حاملتين مفهوم المتعة قرينة على أنّ المراد من قوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ ) عقد النكاح كما أنّ هاتين الجملتين بما انّهما تحملان مفهوم نكاح المتعة سوّغ دخول الفاء على قوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) لأنّ فاء التفريع لا تستعمل إلاّ إذا سبق الكلام فيه و لو إجمالاً.

القرينة الرابعة: تفسيره في لسان الصحابة بنكاح المتعة

فسّر لفيف من الصحابة و التابعين قوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) بنكاح المتعة، نذكر منهم ما يلي:

1. أخرج الحاكم و صحّحه من طرق عن أبي نضرة قال ابن عباس «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ » «إلى أجل مسمّى» فقلت5.

ص: 38


1- النساء: 25.

ما نقرأها كذلك، فقال ابن عباس: و اللّه لأنزلها اللّه كذلك.(1)

2. أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن قتادة في قراءة أُبيّ بن كعب «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى».(2)

3. أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير، قال: في قراءة أُبيّ بن كعب «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى».(3)

و ظهور هذه الروايات في كون قوله «إلى أجل مسمّى» جزءاً من الآية، محمول على تأويل الآية و تحقيق معناها. و إلاّ فالقرآن مصون من التحريف و النقص و الزيادة.

4. أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن مجاهد: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ، قال: يعني نكاح المتعة.(4)

5. أخرج الطبري عن السدي قال: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أُجورهن فريضة قال: فهذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى و يشهد5.

ص: 39


1- الدر المنثور: 488484/2.
2- الدر المنثور: 488484/2.
3- الدر المنثور: 488484/2.
4- انظر الدر المنثور: 488484/2 و لاحظ تفسير الطبري: 108/5.

شاهدين و ينكح بإذن وليها و إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل و هي منه برية و عليها أن تستبرئ ما في رحمها و ليس بينهما ميراث ليس يرث واحد منهما صاحبه.(1)

6. أخرج الإمام أحمد باسناد رجاله كلّهم ثقات عن عمران بن الحصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه و عملنا بها مع رسول اللّه فلم تنزل آية تنسخها و لم ينه عنها النبي حتّى مات.(2)

7. أخرج الطبري في تفسيره باسناد صحيح عن شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية أ منسوخة هي؟ قال: لا.(3)

8. أخرج البيهقي عن أبي نضرة عن جابر قال: قلت: إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة و انّ ابن عباس يأمر بها، قال: على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و مع أبي بكر5.

ص: 40


1- تفسير الطبري: 108/5.
2- مسند أحمد: 446/4.
3- تفسير الطبري: 9/5.

فلمّا ولي عمر خطب الناس: إنّ رسول اللّه هذا الرسول، و إنّ القرآن هذا القرآن، و إنّهما كانتا متعتان على عهد رسول اللّه و أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما: إحداهما متعة النساء و لا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة، و الأُخرى متعة الحجّ.(1)

إلى غير ذلك من الروايات الواردة حول تفسير الآية الحاكية عن استمرار الحلية أو منسوخيتها، فانّ النسخ فرع القول بدلالتها على نزولها في نكاح المتعة من الصحابة و التابعين و في مقدمهم الإمام أمير المؤمنين و أهل بيته، فقد فسروا الآية بنكاح المتعة.7.

ص: 41


1- سنن البيهقي: 206/7.

القرينة الخامسة: اتّفاق أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام على نزول الآية في المتعة

اتّفق أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام على نزول الآية في نكاح المتعة، و الروايات عنهم متضافرة أو متواترة، نكتفي بالقليل منها:

1. أخرج الكليني عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عن المتعة فقال: نزلت في القرآن (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ).(1)

2. أخرج الكليني عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد اللّه عن المتعة، فقال: «عن أي المتعتين تسأل؟» فقال: سألتك عن متعة الحجّ فأنبئني عن متعة النساء أ حق هي؟ فقال: «سبحان اللّه أما تقرأ كتاب اللّه (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) فقال أبو حنيفة: و اللّه كأنّها آية لم أقرأها قط.(2)6.

ص: 42


1- الكافي: 449448/5، أبواب المتعة، الحديث 1 و 6.
2- الكافي: 449448/5، أبواب المتعة، الحديث 1 و 6.

القرينة السادسة: تصريح الصحابة بالحلّية

لا شكّ انّ من سبر تاريخ المسألة في عصر ظهور الاختلاف في استمرار الحلّية و عدمها، يقف على أنّ الصحابة قالوا بحلّية المتعة سواء أقالوا ببقائها و استمرارها أم ذهبوا إلى منسوخيتها، و كان أفضل مصدر لقولهم، هو نفس الآية مضافاً إلى تقرير النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، و قد عرفت فيما سبق أسماء لفيف من الصحابة فسروا الآية بنكاح المتعة، و نأتي الآن بأسماء من قالوا بحلية المتعة و إن لم يصرحوا بمصدر فتواهم. و قد ذكرهم ابن حزم في «المحلّى».

قال: و لا يجوز نكاح المتعة و هو النكاح إلى أجل و كان حلالاً على عهد رسول اللّه ثمّ نسخها اللّه تعالى على لسان رسوله نسخاً باتاً إلى يوم القيامة، و قد ثبت على تحليلها بعد رسول اللّه جماعة من السلف رضي اللّه عنهم، منهم من الصحابة رضي اللّه عنهم: أسماء بنت أبي بكر الصديق، و جابر بن عبد اللّه، و ابن مسعود، و ابن عباس، و معاوية بن أبي سفيان، و عمرو بن حريث، و أبو سعيد الخدري، و سلمة

ص: 43

و معبد أبناء أُمية بن خلف، و رواه جابر بن عبد اللّه عن جميع الصحابة مدة رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و مدة أبي بكر و عمر إلى قرب آخر خلافة عمر، و اختلف في إباحتها عن ابن الزبير، و عن علي فيها توقف و عن عمر بن الخطاب انّه إنّما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط و أباحها بشهادة عدلين.

و من التابعين: طاوس و عطاء و سعيد بن جبير و سائر فقهاء مكة.(1)

و قد اعتمد السيد المرتضى على قول هؤلاء في رد من سخر من الشيعة، حيث قال الساخر:

قول الروافض نحن أطيبُ مولد قول أتى بخلاف قول محمد

نكحوا النساء تمتعا فولدن من ذاك النكاح فأين طيب المولد

إنّ انتماء شيعة أهل البيت بطيب المولد يرجع إلى أُمور أُخرى و لا يمت بكونهم مواليد نكاح المتعة، فانّ نكاح المتعة9.

ص: 44


1- المحلى: 520519/9.

على الرغم من اتّفاقهم على حلّيته بينهم قليل جداً، كما هو واضح لمن عاشرهم.

و إليك جواب السيد المرتضى:

انّ التمتع سنَّة مفروضة ورد الكتابُ بها و سنة أحمد

و روى الرواةُ بأنّ ذلك قد جرى من غير شك في زمان محمد

ثمّ استمرّ الحالُ في تحليلها قد صحّ ذلك في الحديث المسندِ

عن جابر و عن ابن مسعود التقي و عن ابن عباس كريم المولد

حتّى نهى عمرٌ بغير دلالة عنها فكدّر صفوَ ذاك المورد

لا بل مواليد النواصب جدّدت دينَ المجوس فأين دين محمد

و قد وقفت على ما روي عن ابن عباس و ابن مسعود

ص: 45

في استمرار حلّيتها، و إليك ما روي عن جابر في صحيح مسلم.

أخرج مسلم في صحيحه عن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة و كان ابن الزبير ينهى عنها قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد اللّه، فقال: على يدي دار الحديثُ تمتعنا مع رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فلما قام عمر، قال: إنّ اللّه كان يُحل لرسوله ما شاء بما شاء و انّ القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحجّ و العمرة للّه كما أمركم اللّه و أبتُّوا نكاح هذه النساء فلئن أُوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة.(1)

فبالتمسك بقوله سبحانه: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ ) حرّم فصل العمرة عن الحجّ بالتحليل بينهما. و بالتالي أنكر حجّ التمتع.

و بقوله: «ابتُّوا نكاح هذه النساء» أنكر نكاح المتعة.

و أمّا انّ عمر أوّل من نهى عن هذا النكاح فسيوافيك بيانه.rm

ص: 46


1- صحيح مسلم: 38/4، باب في المتعة بالحجّ و العمرة من كتاب الحجّ. الكلمة بالكامل Bottom of Form

4 المتعة في السنّة النبوية

قد تعرفت على دلالة الذكر الحكيم على حلّية المتعة و استمرارها إلى يومنا هذا، و آن الأوان للبحث فيها على ضوء السنّة النبوية، التي مضى شطر منها عند تفسير الآية من قِبل الصحابة و التابعين، و لنذكر من الروايات ما يدلّ على حليّة المتعة و استمرارها من الصحاح و المسانيد:

1. أخرج الحفاظ عن عبد اللّه بن مسعود انّه قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه و ليس لنا نساء فقلنا: يا رسول اللّه أ لا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثمّ رخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل ثمّ قرأ علينا: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما

ص: 47

أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ ).(1)

و غرضه من تلاوة الآية هو الإطاحة بقول من حرّمها من غير دليل، فنكاح المتعة عند ابن مسعود من الطيبات التي أحلّها اللّه سبحانه، و ليس لأحد تحريم الطيبات.

2. أخرج مسلم عن جابر بن عبد اللّه و سلمة بن الأكوع، قال: خرج علينا منادي رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، فقال: إنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قد أذن لكم أن تستمتعوا (يعني: متعة النساء). و في لفظ: إنّ رسول اللّه أتانا فأذن لنا في المتعة.(2)

3. أخرج مسلم عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقيق الأيام على عهد رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و أبي بكر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.(3)ح.

ص: 48


1- صحيح البخاري: 4/7، باب ما يكره من التبتل و الخصاء من كتاب النكاح; صحيح مسلم: 130/4، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
2- المصدر السابق، و انظر صحيح البخاري: 13/7، باب نهي الرسول عن نكاح المتعة من كتاب النكاح.
3- صحيح مسلم: 131/4، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.

4. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد اللّه، فأتاه آت فقال ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.(1)

5. أخرج الترمذي انّ رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن المتعة، فقال: هي حلال، فقال الشامي: إنّ أباك قد نهى عنها؟ فقال ابن عمر: أ رأيت إن كان أبي قد نهى عنها و قد صنعها رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أ أمر أبي نتّبع أم أمر رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم.(2)

6. أخرج مسلم في صحيحه عن عروة بن الزبير انّ عبد اللّه بن الزبير قام بمكة فقال: إنّ ناساً أعمى اللّه قلوبهم كما أعمى أبصارهم يُفتون بالمتعة يُعرّض برجل (ابن عباس) فناداه فقال: إنّك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين (يريد رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم) فقال له ابن الزبير: فجرّب بنفسك، فو الله لئن فعلتها لأرجمنّك4.

ص: 49


1- صحيح مسلم: 131/4، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
2- سنن الترمذي: 186/3 برقم 824.

بأحجارك.(1)

و العجب من ابن الزبير حيث يرجم من ينكح نكاح المتعة تبعاً لسلفه مع أنّ الحدود تُدرأ بالشبهات، فالفاعل يعتقد بكونه نكاحاً حلالاً لا سفاحاً، و له من الكتاب و السنّة دليل و مع هذه الشبهة كيف يُرجم إلاّ أن يكون غرضه التهديد و التخويف.

7. أخرج مسلم عن ابن شهاب انّه قال: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف اللّه انّه بينا هو جالس عند رجل جاءه رجلٌ فاستفتاه في المتعة فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلاً ما هي و اللّه لقد فُعِلتْ في عهد إمام المتقين.(2)

8. أخرج أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن نعيم الأعرجي قال: سأل رجل ابن عمر في المتعة و أنا عنده متعة النساء، فقال: و اللّه ما كنّا على عهد رسول اللّه زانين و لاح.

ص: 50


1- صحيح مسلم: 133/4، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
2- صحيح مسلم: 134133/4، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.

مسافحين.(1)

9. أخرج أحمد في مسنده عن ابن الحصين انّه قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تبارك و تعالى و عملنا بها مع رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فلم تنزل آية تنسخها و لم ينه عنها النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حتّى مات.(2)

10. روى ابن حجر عن سمير (لعلّه سمرة بن جندب) قال: كنّا نتمتع على عهد رسول اللّه.(3)

و لنقتصر على هذا المقدار، و قد تعرفت على أسماء المحلّلين للمتعة من الصحابة و التابعين في كلام ابن حزم في «المحلّى».(4)

قال أبو عمر (صاحب الاستيعاب): أصحاب ابن عباس من أهل مكة و اليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عباس و حرمها سائر الناس.(5)5.

ص: 51


1- مسند أحمد: 95/2.
2- مسند أحمد: 436/4.
3- الاصابة: 181/2.
4- لاحظ ص 43 من هذه الرسالة.
5- تفسير القرطبي: 133/5.

و قال القرطبي في تفسيره: أهل مكة كانوا يستعملونها كثيراً.(1)

و قال الرازي في تفسيره: ذهب السواد الأعظم من الأُمّة إلى أنّها صارت منسوخة، و قال السواد منهم إنّها بقيت كما كانت.(2)

و هذه الكلمات المنثورة في الكتب و التي تجد لها نظائر كثيرة تُثبت انّ المتعة كانت أمراً حلالاً في عهد رسول اللّه و دامت إلى شطر من خلافة عمر، فمن حاول إثبات النسخ فعليه أن يأتي بدليل قاطع يصلح لنسخ القرآن الكريم، فانّ خبر الواحد لا يُنسخ به القرآن، و القرآن دليل قطعي لا ينسخ إلاّ بدليل قطعي.

و الذي يعرب عن عدم وجود الناسخ هو انّ التحريم يُسنَدُ إلى عمر و انّه هو المحرم كما سيوافيك لفظه، فلو كان هناك تحريم من رسول اللّه لما أسند عمر التحريم إلى نفسه!!0.

ص: 52


1- تفسير القرطبي: 132/5; فتح الباري: 142/9.
2- تفسير الرازي: 53/10.

قال الرازي: إنّ الأُمّة مجمعة على أنّ نكاح المتعة كان جائزاً في الإسلام و لا خلاف بين أحد من الأُمّة فيه إنّما الخلاف في طريان الناسخ، فنقول: لو كان الناسخ موجوداً، لكان ذلك الناسخ إمّا أن يكون معلوماً بالتواتر أو بالآحاد، فإن كان معلوماً بالتواتر، كان علي بن أبي طالب و عبد اللّه بن عباس و عمران بن الحصين منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمّد صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و ذلك يوجب تكفيرهم، و هو باطل قطعاً، و إن كان ثابتاً بالآحاد فهذا أيضاً باطل، لأنّه لما كان ثبوت إباحة المتعة معلوماً بالإجماع و التواتر، كان ثبوته معلوماً قطعاً، فلو نسخناه بخبر الواحد لزم جعل المظنون رافعاً للمقطوع و انّه باطل.

قالوا: و ممّا يدلّ أيضاً على بطلان القول بهذا النسخ، إنّ أكثر الروايات انّ النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم نهى عن المتعة و عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، و أكثر الروايات انّه عليه الصلاة و السلام أباح المتعة في حجّة الوداع و في يوم الفتح، و هذان اليومان متأخران عن يوم خيبر، و ذلك يدلّ على فساد ما روي انّه عليه السَّلام نسخ المتعة يوم خيبر، لأنّ الناسخ يمتنع تقدّمه على المنسوخ،

ص: 53

و قول من يقول: إنّه حصل التحليل مراراً و النسخ مراراً ضعيف، لم يقل به أحد من المعتبرين، إلاّ الذين أرادوا إزالة التناقض عن هذه الروايات.(1)

و سيوافيك اضطراب أقوال المحرّمين ربّما ناهزت الستة في عدد التحليل و التحريم و مكانهما، و هذا النوع من الاضطراب، يورث الشكّ في أصل التحريم، فانتظر.0.

ص: 54


1- تفسير الرازي: 52/10.

5 المتعة في التفاسير غير الروائية

لقد تعرفت على موقف التفاسير الروائية من تفسير الآية بالنكاح المؤقت، حيث نقل الطبري و السيوطي و الثعلبي نزول الآية في المتعة، فهلمّ معي الآن لندرس ما ذكره سائر المفسرين فانّهم بين من فسروا الآية بنكاح المتعة بقول واحد أو جعلوا نزولها في نكاح

ص: 55

المتعة أحد القولين، و ها نحن ننقل في المقام شيئاً موجزاً.

1. يقول الزمخشري: قيل نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح اللّه مكة على رسوله.(1)

2. قال القرطبي: قال الجمهور: إنّها نزلت في نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام.(2)

3. و قال البيضاوي: نزلت الآية في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتحت مكة.(3)

4. و قال ابن كثير: و قد استدِلّ بعموم الآية على نكاح المتعة، و لا شكّ انّه كان مشروعاً في ابتداء الإسلام ثمّ نُسخ، و قد قيل بإباحتها للضرورة و هي رواية واحدة عن الإمام أحمد.(4)

5. و قال أبو السعود: نزلت في المتعة التي هي النكاح إلى وقت معلوم(5) و قد تعرفت على كلام الرازي تفصيلاً.

6. و قال الشوكاني: قال الجمهور: إنّ المراد بالآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام و يؤيد ذلك قراءة أُبيّ بن كعب و ابن عباس و سعيد بن جبير «فما استمتعتم به منهن2.

ص: 56


1- الكشاف: 519/1.
2- الجامع لأحكام القرآن: 130/5.
3- أنوار التنزيل: 375/1.
4- تفسير ابن كثير: 474/1.
5- هامش تفسير الرازي: 251/2.

إلى أجل مسمى فآتوهن أُجورهن».(1)

7. و قال علاء الدين البغدادي في تفسيره المعروف بتفسير «الخازن»: المراد من حكم الآية هو نكاح المتعة، و هو أن ينكح امرأة إلى مدة معلومة بشيء معلوم، فإذا انقضت المدة بانت منه بغير طلاق، و كان هذا في ابتداء الإسلام.(2)

8. و قال الآلوسي: قراءة ابن عباس و عبد اللّه بن مسعود، الآية: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى» ثمّ قال: و لا نزاع عندنا في أنّها قد حلّت ثمّ حرمت.(3)

و فيما ذكرنا غنى و كفاية غير انّ هؤلاء الأعاظم عفا اللّه عنّا و عنهم بين من نسب الحلية إلى صدر الإسلام كالقرطبي و ابن كثير و الخازن و من نسبها إلى عام الفتح كالزمخشري و البيضاوي، و قد عرفت أنّ نكاح المتعة كان أمراً5.

ص: 57


1- تفسير الشوكاني: 414/1 كما في الغدير: 235/6.
2- تفسير الخازن: 357/1.
3- روح المعاني: 5/5.

رائجاً حين بزوغ شمس الإسلام، و انّ التشريع الإسلامي، أنفذه و حدّد له حدوداً و أكمله حتى عاد نكاحاً صحيحاً، يحل مشاكل الأُمة في أوقات حرجة.

ص: 58

6 شبهات و حلول

عرفنا فيما سبق دلالة الذكر الحكيم و السنّة النبوية على حلّية المتعة و استمرارها بعد رحيله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فلا مناص للمسلم من القول بجوازها، و من حرّمها فقد حرّم ما أحل اللّه.

ثمّ إنّ جمعاً ممّن لم يقفوا على حدود المتعة و لا على حقيقتها راحوا ينحتون شبهات واهية حول تحليل المتعة، و نحن نذكر تلكم الشبهات واحدة تلو الأُخرى حتّى يتّضح انّ التشريع الإلهي من أحكم التشريعات و أنصعها، فلا يتزلزل بهذه الشبهات التي هي أوهن من بيت العنكبوت.

ص: 59

الشبهة الأُولى: المتعة و تكوين الأُسرة

الهدف من تشريع النكاح هو تكوين الأُسرة و إيجاد النسل و هو يختص بالنكاح الدائم دون المنقطع الذي لا يترتب عليه سوى استجابة للقوة الشهوية و صب الماء و السفح.

قال الدكتور الدريني: شرع النكاح في الإسلام لمقاصد أساسية قد نصّ عليها القرآن الكريم صراحة ترجع كلّها إلى تكوين الأُسرة الفاضلة التي تشكّل النواة الأُولى للمجتمع الإسلامي بخصائصه الذاتية من العفّة و الطهر و الولاية و النصرة و التكافل الاجتماعي، ثمّ يقول: إنّ اللّه إذ يربط الزواج بغريزة الجنس لم يكن ليقصد مجرد قضاء الشهوة، بل قصد أن يكون على النحو الذي يحقّق ذلك المقصد بخصائصه من تكوين الأُسرة التي شرع أحكامها التفصيلية في القرآن الكريم.

و على هذا فانّ الاستمتاع مجرداً عن الإنجاب و بناء الأُسرة، يحبط مقصد الشارع من كلّ أصل تشريع

ص: 60

النكاح.(1)

يلاحظ عليه بوجوه:

الأوّل: أنّ الأُستاذ خلط علّة التشريع و مناطه، بحكمته، فإنّ العلّة عبارة عمّا يدور الحكم مدارها، يحدث الحكم بوجودها و يرتفع بارتفاعها، و هذا بخلاف الحكمة، فربّما يكون الحكم أوسع منها، و إليك توضيح الأمرين:

إذا قال الشارع اجتنب المسكر، فالسكر علّة وجوب الاجتناب بحجّة تعليق الحكم على ذلك العنوان، فما دام المائع مسكراً، له حكمه، فإذا انقلب إلى الخلّ يرتفع.

و أمّا إذا قال: (وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ... ).(2)8.

ص: 61


1- الدكتور الدريني في تقديمه لكتاب «الأصل في الأشياء الحلية... و لكن المتعة حرام» و كلّما ننقله منه فهو من تقديمه لهذا الكتاب و لاحظ أيضاً: المنار: 8/5 فانّ عامة اعتراضاته مأخوذة من هذا الكتاب. كما أنّ المنار، في طرح الشبهات عيال على غيره حيّا اللّه الأمانة.
2- البقرة: 228.

فالتربّص لأجل تبيّن وضع الرحم، و إنّها هل تحمل ولداً أو لا؟ حكمة الحكم، لا علّته، و لأجل ذلك نرى أنّ الحكم أوسع منها بشهادة أنّه يجب التربّص على من نعلم بعدم وجود حمل في رحمها.

1. كما إذا كانت عقيماً لا تلد أبداً.

2. إذا كان الرجل عقيماً.

3. إذا غاب عنها الزوج مدة طويلة كستة أشهر فما فوق، و نعلم بعدم وجود حمل في رحمها.

4. إذا تبيّن عن طريق إجراء التجارب الطبّية، خلوُّ رحمها عنه.

و مع العلم بعدم وجود الحكمة في هذه الموارد فحكم الآية محكمة و إن لم تكن حكمة الحكم موجودة، و هذا لا ينافي ما توافقنا عليه من تبعية الأحكام للمصالح، فانّ المقصود منه هو وجود الملاكات في أغلب الموارد لا في جميعها.

إذا عرفت الفرق بين الحكمة و العلّة تقف على أنّ الأُستاذ خلط بين العلة و الحكمة، فتكوين الأُسرة و الإنجاب

ص: 62

و التكافل الاجتماعي كلّها من قبيل الحِكَم بشهادة أنّ الشارع حكم بصحّة الزواج في موارد فاقدة لهذه الغاية.

1. يجوز زواج العقيم بالمرأة الولود.

2. يجوز زواج المرأة العقيم بالرجل المنْجِب.

3. يجوز نكاح اليائسة.

4. يجوز نكاح الصغيرة.

5. يجوز نكاح الشاب من الشابة مع العزم على عدم الإنجاب إلى آخر العمر.

أ فيصح للأُستاذ أن يشطب على هذه الأنكحة بقلم عريض بحجّة افتقادها لتكوين الأُسرة؟!

على أنّ من الأُمور الواضحة هو أنّ أغلب المتزوّجين في سنّ الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلاّ قضاء الوطر، و استيفاء اللذة من طريقها المشروع، و لا يخطر ببالهم طلب النسل، و إن كان يحصل لهم قهراً.

الثاني: يجب على الأُستاذ التفصيل بين من يتزوّج متعة لغاية الإنجاب و تشكيل الأُسرة بخصائصها الذاتية من

ص: 63

العفّة، و الطهر، و الولاية، و النصرة، و التكافل الاجتماعي، و بين من يتزوّج لقضاء الوطر، و دفع الشهوة بهذا الطريق، فيُحرّم الثاني دون الأوّل، و أمّا إنّه لما ذا يتزوّج زواجاً موقتاً للإنجاب و تشكيل الأُسرة؟ فلأجل وجود بعض التسهيلات في المؤقت دون الدائم.

إنّ الأُستاذ كأكثر من كتب عن المتعة من أهل السنّة، يتعامل مع المتمتع بها معاملة الغانيات المفتوحة أبوابهنّ، يدخل عليهنّ في كل يوم رجل و يجتمع معهنّ ذلك اليوم ثمّ يفارق و يأتي رجل آخر بهذه الخصوصية. فلو كان هذا معنى التمتّع بالمرأة و الزواج المؤقت، فالشيعة الإمامية بريئون من هذا التشريع الذي يرادف الزنا إلاّ في التسمية. و لكن المتعة تُباين ذلك مائة بالمائة، فربّما يكون هناك نساء توفّي عنهنّ أزواجهنّ و لهنّ جمالهنّ و كمالهنّ، و ربّما لا يتمكّن الرجل من الزواج الدائم لمشاكل اجتماعية، و مع ذلك يرغب في الزواج من هذه الطبقة من النساء، مبتغياً رفع العنت أوّلاً و تشكيل الأُسرة بما لها من الخصوصيات ثانياً.

ص: 64

و الحق أنّ ما اختمر في ذهن الكاتب و غيره من المتعة أشبه بالنساء المبتذلات في بيوت خاصة، و محلاّت معيّنة فمثل ذلك لا يمكن أن تُضفى عليه المشروعية، غير أنّ المتعة الشرعية غير ذلك، و ربّما يتوقّف التزوّج بهنّ على طي عقبات، فيشترط فيها ما يشترط في الدائم، و يفارق الدائم بأُمور أوضحها: الطلاق و النفقة. و أمّا التوارث فيتوارثان بالاشتراط على الأقوى، و مثل ذلك يلازم الغايات المطلوبة للنكاح غالباً.

و الحق أنّ الغاية القصوى في كل مورد رخّص فيه الشارع العلاقة الجنسية بعامّة أقسامها حتى ملك اليمين و تحليل الإماء في بعض المذاهب الفقهيّة هو صيانة النفس عن الوقوع في الزنا و السفاح. و أمّا سائر الغايات من تشكيل الأُسرة، و التكافل الاجتماعي، فإنّما هي غايات ثانوية تحصل بالنتيجة سواء توخّاها الزوجان أم لا.

و الغاية القصوى موجودة في الزواج المؤقت، و أنّ الهدف من تشريعه هو صيانة النفس عن الحرام لمن لا يتمكّن

ص: 65

من الزواج الدائم، و لأجل ذلك استفاض عن ابن عباس قوله: «يرحم اللّه عمر ما كانت المتعة إلاّ رحمة من اللّه رحم بها أُمّة محمد و لو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلاّ شقيّ».(1) و روي النص باختلاف طفيف عن عليّ عليه السَّلام أيضاً.(2)

إنّ قوله سبحانه: (وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ... ) (3) دليل على أنّ الغاية من تجويز النكاح، و النهي عن الرهبانية هو صيانة النفس عن الفحشاء و دفعها إلى التعفّف، و هذه الغاية كما عرفت موجودة في جميع الأنكحة و العلاقات الجنسية من الزواج الدائم إلى الزواج المؤقّت إلى ملك اليمين إلى تحليل الإماء بشروطها المقرّرة في الفقه.).

ص: 66


1- الدر المنثور: 141/2.
2- لاحظ تفسير الرازي: 200/3 المسألة الثالثة في بيان نكاح المتعة.
3- النور: 33. و قوله: (وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) (الروم: 21).

الشبهة الثانية المتعة خارجة عن الحصر المحلل

أمر سبحانه بحفظ الفروج إلاّ في موردين و قال: (وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (1) و المراد من قوله فمن ابتغى هم المتجاوزون عمّا أحله اللّه لهم إلى ما حرمه عليهم، و المرأة المتمتع بها ليست زوجة ليكون لها على الرجل مثل الذي له عليها بالمعروف.(2)

يلاحظ عليه: أنّ المستشكل لم يدرس حقيقة المتعة إلاّ بما دارت على الألسن من تشبيه المتعة بالنساء المبتذلات في6.

ص: 67


1- المؤمنون: 75.
2- الدكتور الدريني في تقديمه، ص 26.

بيوت خاصة و محلات معينة، و من المعلوم انّ مثل هذه المرأة غير داخلة في قوله: (إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ).

و أمّا المتمتع بها فهي زوجة حقيقة لا تحل بلا عقد و لا تحرم إلاّ بانقضاء الأجل و يجب عليها الاعتداد بعد الفراق، كما تقدّم عند شرح نبذ من أحكامها إلى غير ذلك من الأحكام المذكورة فمثل ذلك داخل في قوله: (إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ).

و نحن نسأل القائل: إذا صحّ ما يقوله من أنّها ليست زوجة فكيف أحلّها الذكر الحكيم و الرسول الكريم في غير موقف من المواقف؟ فهل يتوهم انّه سبحانه أحلّ الفحشاء أو انّ نبيه دعا أصحابه إليها، و هو القائل سبحانه: (وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (1) كلّ ذلك يبعث الباحث إلى القول بأنّ المتمتع بها زوجة بلا شك.

و نسأله ثانية عن الزوجين اللّذين يتزوجان نكاحَ دوام و لكن ينويان الفراق بالطلاق بعد سنة، فهل هذا نكاح3.

ص: 68


1- النور: 33.

صحيح أو لا؟ لا أظن أنّ فقيهاً من فقهاء الإسلام يمنع ذلك إلاّ إذا أفتى بغير دليل و لا برهان، فأي فرق يكون حينئذ بين المتعة و هذا النكاح الدائم سوى أنّ المدّة مذكورة في الأوّل دون الثاني؟

يقول صاحب المنار: إنّ تشديد علماء السلف و الخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنيّة الطلاق، و إن كان الفقهاء يقولون إنّ عقد النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت و لم يشترطه في صيغة العقد، و لكن كتمانه إيّاه يعدّ خداعاً و غشّاً و هو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت.(1)

أقول: نحن نفترض أنّ الزوجين رضيا بالتوقيت لبّاً، حتى لا يكون هناك خداع و غشّ، فهو صحيح بلا إشكال.5.

ص: 69


1- تفسير المنار: 17/5.

الشبهة الثالثة لو كانت زوجة فلما ذا لا ينفق عليها و لا ترث؟

إنّ المرأة المتمتع بها ليست أمة كما هو واضح و لا زوجة لعدم ترتّب آثار عقد النكاح الصحيح عليها كالنفقة و الإرث و الطلاق و قد استدلّ به غير واحد من المانعين و نقلها الرازي في تفسيره عنهم فقال:

و هذه المرأة لا شكّ انّها ليست مملوكة و لا زوجة، و يدلّ عليه أنّها لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما لقوله تعالى: (وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ) بالاتفاق لا توارث بينهما، و ثانياً لثبت النسب لقوله عليه الصلاة و السلام: «الولد

ص: 70

للفراش و للعاهر الحجر» و بالاتفاق لا يثبت، ثالثاً و لوجبت العدة عليها لقوله تعالى: (وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً ).(1)

يلاحظ عليه: بأنّ المستدلّ خلط آثار الشيء بمقوماته، فالذي يضرّ هو فقدان المقومات لا بعض الآثار، فانّ النكاح رابطة و علقة بين الزوجين، كما أنّ البيع رابطة بين المالين، فالذي يجب وجوده هو ما جاء في التعريف من وجود الزوجين، أو وجود المالين، و أمّا ما وراء ذلك فإنّما هي آثار ربّما تترتّب، و ربّما تتخلّف، فقد ذكر من آثار النكاح: النفقة، و الإرث، و الطلاق. و زعم أنّ فقدان واحد منها يوجب فقدان حقيقة النكاح، و لكنّ الأمر ليس كذلك، بشهادة الموارد التالية التي تفقد الآثار و لا تَفقد حقيقة النكاح:

1. الزوجة الناشزة لا تجب نفقتها مع أنّها زوجة.

2. الزوجة الصغيرة زوجة و لا تجب نفقتها.

3. الزوجة القاتلة لا ترث الزوج مع أنّها زوجة.4.

ص: 71


1- البقرة: 234.

4. الزوجة المسلمة زوجة و لا ترث زوجها الكافر عند أهل السنّة.

5. الزوجة المجنونة و غيرها من ذوي العاهات تفارق بلا طلاق قال الخرقي في متن المغني: «و أي الزوجين وجد بصاحبه جنوناً أو جذاماً أو برصاً أو كانت المرأة رتقاء أو قرناء أو عفلاء أو فتقاء أو الرجل مجنوناً فلمن وجد ذلك منهما بصاحبه الخيار في فسخ النكاح»(1) أي تبين بلا طلاق.

إلى غير ذلك من الموارد التي يبين فيها الزوجان بلا طلاق ممّا ذكره الفقهاء في مجوّزات الفسخ.

6. الزوجة التي باهلها الزوج تبين بلا طلاق.

و أمّا الاعتداد فقد مرّ انّها تعتدّ بعد انقضاء الأجل و عند موت الزوج.

و لا أدري من أين يقول إنّها لا تثبت النسب، إذ لا4.

ص: 72


1- المغني: 109/7 تصحيح محمد خليل، و لاحظ الخلاف للطوسي: 396/2 فصل في العيوب المجوّزة للفسخ المسألة 124.

فرق بين النكاحين في موارد ثبوت النسب.

قال السدّي أحد التابعين في تعريفه لنكاح المتعة: الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى و يشهد شاهدان، و ينكح بإذن وليّها، و إذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل، و هي منه بريئة و عليها أن تستبرئ ما في رحمها، و ليس بينهما ميراث.

و كان(1) على الباحث أن يدرس مقوّمات الموضوع و يميّزها عن آثارها، و على ذلك فالمتمتّع بها داخلة في قوله: (إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) بلا إشكال، و يترتّب على عقدها آثار خاصة، و إن كان يفقد بعض آثار النكاح الدائم.5.

ص: 73


1- تفسير الطبري: 9/5.

الشبهة الرابعة لو كانت جائزة لما أمرَ بنكاح الإماء و الاستعفاف

لو كان نكاح المتعة زواجاً صحيحاً و نكاحاً مطابقاً للأُصول فلما ذا أمر اللّه تعالى بالاستعفاف، و قال: (وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (1) لأنّ أعباء الاستمتاع و تكاليفه سهلة ميسورة فلا حاجة إذن إلى الأمر بالاستعفاف، و هذا دليل على أنّه ليس للمسلم إلاّ طريق واحد و هو النكاح أو الاستعفاف؟

يلاحظ عليه: أنّ الكاتب خلط بين النساء المتعفّفات،33

ص: 74


1- النور: 33

و المبتذلات في النوادي و الفنادق و بيوت الدعارة، و قد عرفت أنّ كثيراً من النساء لعلوّ طبعهنّ لا يخضعن للمتعة و إن كانت حلالاً، إذ ليس كل حلال مرغوباً عند الكل، و لأجل ذلك تصل النوبة إلى الاستعفاف، و ربما لا يجد الشاب نكاحاً موقتاً و لا دائماً.

***

لو كانت المتعة جائزة لما وصلت النوبة إلى نكاح الإماء مع أنّه سبحانه قيّد نكاحهن بعدم الاستطاعة على نكاح الحرائر دائماً أو منقطعاً حسب الفرض و قال: (وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ) (1) لأنّ في نكاح المتعة مندوحة عن ذلك كلّه، لو كان جائزاً.

يقول الأُستاذ مصطفى الرافعي: فلو كانت المتعة جائزة على الإطلاق لما كانت ثمة حاجة كما يقول المانعون إلى5.

ص: 75


1- النساء: 25.

نكاح الأمة.(1)

يلاحظ عليه: أنّ هذه الشبهة نظير ما سبق من الشبهة و الجواب عن الجميع واحد، و مصدرهما الذهنيّة الخاطئة بالنسبة إلى المتعة، و تصور انّ المرأة المتمتع بها لا تختلف عن النساء المبتذلات اللاتي يعرضن أنفسهن في النوادي و الفنادق و بيوت الدعارة، فانّ الالتذاذ بهن يُغني عن نكاح الإماء و ما أكثرها في تلك البيوت.

و لكن المتمتع بهنّ يا أُستاذ حرائر عفاف لا صلة بينهن و بين المتواجدات في دمن الفحشاء.

إنّ إغناء نكاح المتعة عن نكاح الإماء، رجم بالغيب، إذ ليس بالوفرة التي يتخيّلها الكاتب حتّى يُستغنى بها عن نكاح الإماء، فانّ كثيراً من النساء الثيّبات تأبى نفوسهنّ عن العقد المنقطع، فضلاً عن الأبكار، فليس للشارع إلاّ فتح طريق ثالث وراء النكاح الدائم و المنقطع و هو نكاح الإماء عند عدم الطول و خوف العنت.ة.

ص: 76


1- إسلامنا في التوفيق بين السنّة و الشيعة: 152، في فصل زواج المتعة.

الشبهة الخامسة اندراج المتعة ضمن السفاح

و قد بلغ تجرّؤ بعض الكتّاب من المعاصرين إلى حدّ ألحقه بالسفاح و قال: و لطالما نهى القرآن عن السفاح، و حرّمه تحريماً قاطعاً، و حاسماً بالنسبة إلى الرجال و النساء على السواء و دعا إلى النكاح المشروع الدائم و رغّب فيه.(1)

يلاحظ عليه: أنّ المسلمين عامة أصفقوا على أنّ نبي الإسلام أحلّ المتعة في فترة سواء أ كانت في فتح خيبر، أم فتح مكة، أم غيرهما. و لو افترضنا انّ المتعة داخلة تحت السفاح، يكون معنى ذلك انّ الشريعة الإسلامية أمرت بالزنا و السفاح، و نزل الوحي السماوي على تشريعه!! و لا أظن مسلماً على أديم1.

ص: 77


1- الدكتور الدريني في تقديمه: 31.

الأرض يتفوّه بذلك، فانّ معناه انّ اللّه و رسوله أمر بالفحشاء مع (إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ).(1)

و المسلم المؤمن بالحسن و القبح و العارف بمقاصد الشريعة لا يخطر بباله انّه سبحانه جوّز الزنا للمسلمين في فترة من الزمن و أمر بالقبح مكان الأمر بالحُسْن، كلّ ذلك يفرض علينا أن ندرس المتعة من جديد حتّى نقف على حدودها و شرائطها و أحكامها، و عندئذ يتجلّى الحقّ بأجلى مظاهره، و لا يبقى شكّ في أنّ نكاح المتعة، لا يفترق عن النكاح الدائم في الماهية و الحقيقة و إن كانا يفترقان في بعض الأحكام، نظير نكاح الاماء، الذي ندب إليه الوحي، بقوله: (وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ... ). (2) فنكاح الإماء لا يفترق عن نكاح الحرائر جوهراً و حقيقة، و إن5.

ص: 78


1- الأعراف: 28.
2- النساء: 25.

افترقا في بعض الأحكام الشرعية.

و لو انّ الكاتب أمعن في أحكام المتعة التي تقدم الحديث عنها في صدر الرسالة، لأذعن بأنّ بين نكاح المتعة و السفاح فرقاً شاسعاً، فانّ متعة النكاح من المسائل الفقهية الفرعية التي اختلفت أنظار الفقهاء في استمرار حلّيتها لا أصلها كسائر المسائل الفقهية المختلف فيها، فعندئذ يطرح هذا السؤال و هو: لما ذا يُثار هذا الصخب حول هذه المسألة، و ما هو السبب لرشق السهام في حلبة القائلين بالحلّية؟ أو ليس من الأفضل أن نمرّ على هذه المسألة كسائر المسائل الفقهية من دون تفسيق و تكفير؟ و مع الأسف الشديد صارت المسألة من المسائل التي تُشهّر بها طائفة من المسلمين و يُطعن عليها لقولهم بحليّتها، و ليس القول بحليتها من خصائص تلك الطائفة فحسب، بل سبقهم إليه لفيف من الصحابة و التابعين في عصر تضاربت فيه الأقوال، و قد تقدّمت أسماؤهم.

و أظن و ظن الألمعي صواب انّ وراء هذا الهياج

ص: 79

و الضوضاء، خلفيات سياسية تتلخص في تبرير عمل الخليفة الثاني الذي قام بتحريم متعة النكاح كمتعة الحج، فحرّم ما أحله اللّه تبارك و تعالى.

و لما كان هذا الأمر ثقيلاً في ميزان العدل، راح رجال من هنا و هناك بنحت شبهات حول الحلية ليسهل تعاطي الحرمة التي فرضها الخليفة على مثل هذا النكاح.

هب انّهم برّروا عمل الخليفة و موقفه حيال هذه المسألة فبما ذا يبرّرون العديد من المواقف التي اتّخذها الخليفة قبال النص؟! مثلاً: حكم على الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد بلا تخلّل العدة و الرجوع، بأنّها تُحسبُ تطليقات ثلاث خلافاً لنصّ الكتاب و السنّة، و قد وقف الخليفة على مضاعفات عمله بعد ما بلغ السيلُ الزبى.

و الفقيه الموضوعي يجعل الكتاب و السنّة قدوة لفتياه من دون أن يتّخذ موقفاً مسبقاً في مسألة حتّى يسهل له الوصول إلى الحق.

الكلمة بالكامل

Bottom of Form

ص: 80

الشبهة السادسة المتمتع يقصد السفح لا الإحصان

إنّ المتمتّع في النكاح المؤقت لا يقصد الإحصان دون المسافحة، بل يكون قصده مسافحة، فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه و منعها من التنقّل في دِمنِ الزنا، فإنّه لا يكون فيه شيء ما من إحصان المرأة التي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل:

كرة حُذِفت بصوالجة فتلقّفها رجل رجل(1)

يلاحظ عليه: أنّه من أين وقف على أنّ الإحصان في النكاح المؤقّت يختص بالرجل دون المرأة، فإنّا إذا افترضنا كون العقد شرعياً، فكل واحد من الطرفين يُحصن نفسه من هذا5.

ص: 81


1- تفسير المنار: 13/5.

الطريق، و إلاّ فلا محيص عن التنقل في دمن الزنا. و الذي يصون الفتى و الفتاة عن البغي أحد الأُمور الثلاثة:

1. النكاح الدائم، 2. النكاح المؤقّت بالشروط الماضية، 3. كبت الشهوة الجنسية.

فالأوّل ربّما يكون غير ميسور خصوصاً للطالب و الطالبة اللّذين يعيشان بِمِنَح و رواتب محدودة يجريها عليهما الوالدان أو الحكومة، و الثالث أي كبت الشهوة الجنسية أمر شاق لا يتحمّله إلاّ الأمثل فالأمثل من الشباب، و المثلى من النساء، و هم قليلون، فلم يبق إلاّ الطريق الثاني، فيُحصنان نفسيهما عن التنقّل في بيوت الدعارة.

إنّ الدين الإسلامي هو الدين الخاتم، و نبيّه خاتم الأنبياء، و كتابه خاتم الكتب، و شريعته خاتمة الشرائع، فلا بدّ أن يضع لكل مشكلة اجتماعية حلولاً شرعية، يصون بها كرامة المؤمن و المؤمنة، و ما المشكلة الجنسية عند الرجل و المرأة إلاّ إحدى هذه النواحي التي لا يمكن للدين الإسلامي أن يهملها، و عندئذ يطرح هذا السؤال نفسه:

ص: 82

ما ذا يفعل هؤلاء الطلبة و الطالبات الذين لا يستطيعون القيام بالنكاح الدائم، و تمنعهم كرامتهم و دينهم عن التنقّل في بيوت الدعارة و الفساد، و الحياة المادية بجمالها تؤجّج نار الشهوة في نفوسهم؟ فمن المستحيل عادة أن يصون أحدٌ نفسَه إلاّ من عصم اللّه، فلم يبق طريق إلاّ زواج المتعة، الذي يشكّل الحل الانجح لتلافي الوقوع في الزنا، و تبقى كلمة الإمام علي بن أبي طالب ترنّ في الآذان محذّرة من تفاقم هذا الأمر عند إهمال العلاج الذي وصفه المشرّع الحكيم له، حيث قال عليه السَّلام: «لو لا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي أو شقيّة».

و أمّا تشبيه المتعة بما جاء في الشعر فهو يعرب عن جهل الشاعر و من استشهد به بحقيقة نكاح المتعة و حدودها، فإنّ ما جاء فيه هي المتعة الدورية التي ينسبها الرجل(1) إلى الشيعة، و هم براء من هذا الإفك، إذ يجب على المتمتّع بها بعد انتهاء المدّة الاعتداد على ما ذكرنا، فكيف يمكن أن تؤجّر5.

ص: 83


1- لاحظ كتابه: السنّة و الشيعة: 6665.

نفسها كل طائفة من الزمن لرجل؟! سبحان اللّه ما أجرأهم على الكذب على الشيعة و الفرية عليهم، و ما مضمون الشعر إلاّ استهزاء بالوحي و التشريع الإلهي، فقد اتّفقت كلمة المحدّثين و المفسّرين على التشريع، و لو كان هناك نهي أو نسخ فإنّما هو بعد التشريع و العمل.

ص: 84

الشبهة السابعة نسخ النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حلية المتعة

(1) بحثنا فيما سبق في حلّية المتعة و دلائل ذلك من القرآن المجيد و السنّة المطهّرة، و سيرة جمع من الصحابة القائلين بحلّيتها بعد رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم.

و وقفنا أيضاً عند الشبهات المثارة حولها، و التي حيكت لأغراض خاصة، و تبيّن لنا من خلال الردود، أنّها: مهلهلة النسج، بعيدة عن الواقع، مفتقرة إلى الحجج و البراهين.

و بقيت هنا شبهة أُخرى. و هي العمدة في تحريمهام.

ص: 85


1- لمّا كان القائلون بالتحريم يعرّجون على تلك الشبهة أكثر من سائر الشُّبَه، بسطنا الكلام في دحضها بوجوه سبعة على نحو لا يبقى لمشكّك شك و لا لمرتاب ريب في عدم صدور أيّ تحريم من النبي الأعظم صلَّى الله عليه و آله و سلَّم.

عند الفقهاء حيث قالوا: إنّ حلّية المتعة منسوخة، نسخها النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم مستدلّين بأحاديث تصل إلى لفيف من الصحابة، منهم:

[استدلال القائلين بنسخ المتعة، بأحاديث تصل إلى لفيف من الصحابة، منهم ]

1. سلمة بن الأكوع

أخرج مسلم عن أياس بن سلمة، عن أبيه قال: رخّص رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثمّ نهى عنها.(1) و عام أوطاس هو عام الفتح (السنة الثامنة من الهجرة) و أوطاس واد بديار هوازن.

2. سبرة بن معد الجهني

أخرج مسلم عن سبرة انّه قال: أذن لنا رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بالمتعة فانطلقت أنا و رجل إلى امرأة من بني عامر كأنّها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت: ما تعطي؟ فقلت: ردائي و قال صاحبي: ردائي، و كان رداء صاحبي أجود من ردائي، و كنت أشبُّ منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها و إذاح.

ص: 86


1- صحيح مسلم: 131/4، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.

نظرت إليّ أعجبتُها، ثمّ قالت: أنت و رداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثاً، ثمّ إنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخلّ سبيلها.(1)

و قد أخرج مسلم عن الربيع بن سبرة عن أبيه سبرة هذا الحديث بألفاظ مختلفة تصل طرقها إلى عشرة، و ربما يظن الغافل انّها روايات عشر مع أنّها رواية واحدة بطرق مختلفة تصل إلى شخص واحد و هو سبرة بن معد الجهني، و سيوافيك وجود الاختلاف فيما روي عنه على نحو يسقطها عن الاعتبار.

3. ابن مسعود

أخرج عبد الرزاق و ابن المنذر و البيهقي عن ابن مسعود، قال: المتعة منسوخة نسخها الطلاق و الصدقة و العدة و الميراث.

و الرواية(2) مكذوبة على لسان ابن مسعود، و قد مرّ انّه أحد القائلين بحلية المتعة مستشهداً فآية تحريم الطيبات(3) ثمّ7.

ص: 87


1- صحيح مسلم: 131/4، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
2- الدر المنثور: 486/2.
3- لاحظ ص 47.

كيف خفي عليه انّ انتفاء بعض الأحكام في مورد المتعة يعد تخصيصاً لعموم ما دلّ على الفراق بالطلاق، و الميراث بالزوج، لا نسخاً لحلية المتعة؟ ثمّ كيف تنسخها آية العدّة مع أنّ على المتمتَّع بها، عدة الفراق و الوفاة كما سلف.

4. أبو ذر

أخرج البيهقي عن أبي ذر، قال: إنّما أحلت لأصحاب رسول اللّه متعة النساء ثلاثة أيّام نهى عنها رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم.(1)

5. ابن عباس

أخرج أبو داود في ناسخه و ابن المنذر و النحاس من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) قال: نسختها (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ )، (وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ )، (وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ2.

ص: 88


1- الدر المنثور: 486/2.

اَلْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ).(1)

إنّ حبر الأُمّة، تلميذ الإمام علي عليه السَّلام أعرف بكتاب اللّه و سنّة رسوله من أن يقول بنسخ ما شرعه كتابه سبحانه، بهذه الآيات، مع أنّ المتمتع بها ممّن كتب عليها العدة؟!

6. علي بن أبي طالب

أخرج مسلم عن يحيى بن يحيى بسند يتصل إلى عبد اللّه و الحسن ابني محمد بن علي (الحنفية)، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب انّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم نهى عن متعة النساء يوم خيبر و عن أكل لحوم الحمر الإنسية.(2)

أخرج مسلم بهذا السند عن علي انّه سمع ابن عباس يليّن في متعة النساء، فقال: مهلاً يا ابن عباس فانّ رسول اللّه نهى عنها يوم خيبر و عن لحوم الحمر الانسية.(3) و الحديثانح.

ص: 89


1- الدر المنثور: 485/2.
2- صحيح مسلم: 134/4، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
3- صحيح مسلم: 135/4، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.

مكذوبان على الإمام، كيف و هو و بيته الرفيع ممّن ينادون باستمرار الحلية و قد ملأ الخافقين كلامه: لو لا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي؟!

7. عمر بن الخطاب

أخرج البيهقي عن عمر انّه خطب فقال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة و قد نهى رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم عنها، لا أوتى بأحد نكحها إلاّ رجمته.(1)

يلاحظ على هذه الشبهة وراء ما عرفت في ضمن النقل أُمور:

[يلاحظ على هذه الشبهة وراء ما عرفت في ضمن النقل أُمور ]

الأوّل: وجود التعارض بين الروايات

لو افترضنا صحّة الاحتجاج بهذه الروايات على أنّها نسخت نكاح المتعة لكن هناك روايات صحيحة رواها مسلم في صحيحه تدلّ على استمرار الحلية تصل إلى بعض الصحابة، منهم:2.

ص: 90


1- الدر المنثور: 486/2.

1. جابر بن عبد اللّه

1. أخرج مسلم عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: كنّا نستمتع بالقَبْضَة من التمر و الدقيق الأيام على عهد رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و أبي بكر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.(1)

2. أخرج مسلم عن ابن نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد اللّه فأتاه آت فقال ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.(2)

2. عبد اللّه بن مسعود

كنّا نغزو مع رسول اللّه و ليس معنا نساؤنا فقلنا: أ لا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك و رخّص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد اللّه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُواة.

ص: 91


1- صحيح مسلم: 131/4، باب نكاح المتعة.
2- صحيح مسلم: 131/4، باب نكاح المتعة.

طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ ).(1)

3. عبد اللّه بن عمر

أخرج الترمذي: انّ رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء، فقال: هي حلال، فقال: إنّ أباك قد نهى عنها، فقال ابن عمر: أ رأيت إن كان أبي قد نهى عنها و قد سنّها رسول اللّه، أ نترك السنة و نتبع قول أبي؟!(2)

4. عبد اللّه بن العباس

و قد مضت رواياته، و سيوافيك بعض من تمتع من الصحابة في عصر الخليفة غير مبال لتهديده و تخويفه.

إلى غير ذلك من صحاح الروايات التي مرت، و مع وجود هذا التعارض تسقط الروايات من كلا الجانبين، و يكون المرجع كتابَ اللّه العزيز، فهو راسخ كالجبل الأشمّ، فما لم يثبت النسخ فعلى الفقيه الرجوع إلى كتاب اللّه لحسم الموقف.4.

ص: 92


1- الدر المنثور: 485/2.
2- سنن الترمذي: 186/3 برقم 824.

الثاني: التعارض في الروايات الحاكية للتحريم

إنّ في نفس الروايات الحاكية للتحريم اضطراباً شديداً، و تعارضاً في زمان التحريم و مكانه و عدده. و لأجل إيقاف القارئ على وجوه الاضطراب نذكر ما ورد في ذلك.

أ. التحريم في خيبر

أخرج مالك و عبد الرزاق و ابن أبي شيبة و البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجة عن علي انّ رسول اللّه نهى عن متعة النساء يوم خيبر و عن أكل لحوم الحمر الإنسية.(1)

ب. التحريم في أرض هوازن

أخرج مسلم عن أياس بن سلمة عن أبيه قال: رخص لنا رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثمّ نهى عنها.(2)ة.

ص: 93


1- الدر المنثور: 486/2.
2- صحيح مسلم: 131/4، باب نكاح المتعة.

و قد أقام النبي في مكة المكرمة العشر الأواخر من شهر رمضان و أياماً من شهر شوال ثمّ غادر مكة إلى هوازن، و على ذلك فقد استغرق التحليل و التحريم بعد الفتح ثلاثة أيّام في أرض أوطاس، و هو واد بديار هوازن و لم يكن أي تحليل و تحريم في أرض مكة.

ج. التحريم في أرض مكة

أخرج مسلم عن سبرة انّه غزا مع رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فتح مكة قال: فأقمنا بها خمس عشرة (ثلاثين بين ليلة و يوم) فأذن لنا رسول اللّه في متعة النساء فخرجت أنا و رجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال و هو قريب من الدمامة، إلى أن قال: حتّى إذا كنّا بأسفل مكة أو بأعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة إلى أن قال: ثمّ استمتعت منها فلم أخرج حتّى حرمها رسول اللّه.

و في رواية أُخرى عنه: أمرنا رسول اللّه بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثمّ لم نخرج منها حتّى نهانا عنها.(1)ة.

ص: 94


1- صحيح مسلم: 133/4، باب نكاح المتعة.

فأين التحريم في غزوة خيبر التي وقعت في أوائل السنة السابعة من الهجرة من التحريم في أرض أوطاس في الغزوة التي وقعت في العشر الثاني من شهر شوال من العام الثامن أو من التحريم في أرض مكة التي دخلها رسول اللّه في الثامن عشر من شهر رمضان و خرج منها بعد مضي قرابة عشرين يوماً.

و بهذا، لا يمكن الركون إلى هذه الروايات المتعارضة.

الثالث: خلو حديث الرسول عن التحريم في المواقف المذكورة

إنّ من تتبع كلمات الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في المواقف المذكورة لم يجد أيّ أثر للتحريم، امّا غزوة خيبر فقد كان مسير الرسول إليها في شهر محرم الحرام و لا نجد في كتب السيرة أي تصريح للنبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حول المتعة، على أنّ المتعة تختص بالحرائر و أمّا سبايا خيبر فمقتضى الحال انّهم كانوا إماء للمسلمين على فرض جواز استرقاقهن فكيف يحلّل النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم التمتع بالإماء اللواتي هن ملك يمين؟! يقول

ص: 95

سبحانه: (وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ).(1)

و من سبر كتب السير لم يجد في كلمات الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أي أثر لتحريم المتعة.

و إليك بعض كلامه في خيبر:

روى ابن إسحاق عن حنش الصنعاني، قال: غزونا مع رُويفع بن ثابت الأنصاري المغرب فافتتح قرية من قُرى المغرب يقال لها جِربة، فقام فينا خطيباً، فقال: يا أيّها الناس إنّي لا أقول فيكم إلاّ ما سمعت من رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يقوله فينا يوم خيبر، قام فينا رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقال:

لا يحل لامرئ يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن6.

ص: 96


1- المؤمنون: 5-6.

يسقي ماءه زرع غيره، يعني إتيان الحبالى من السبايا حتّى يستبرئها، و لا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتّى يستبرئها، و لا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتّى يقسم، و لا يحل لامرئ يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتّى إذا أعجفها ردها فيه، و لا يحل لامرئ يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتّى إذا أخلقه رده فيه.(1)

و المكان المناسب لتحريم المتعة هو هذا الموضع من كلامه و لا نرى فيه أثراً لتحريم المتعة.

يقول ابن القيم: «و قصة خيبر لم يكن الصحابة يتمتعون باليهوديات، و لا استأذنوا في ذلك رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و لا نقله أحد قط في هذه الغزوة، و لا كان للمتعة فيها ذكر البتة لا فعلاً و لا تحريماً، فانّ خيبر لم يكن فيها مسلمات و إنّما كنّ يهوديّات، و إباحة نساء أهل الكتاب لم يكن ثبت بعدُ. و إنّما أُبحْن بعدُ.(2)

و أمّا فتح مكة فقد ذكر أهل السير خطبة النبي و انّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قام على باب الكعبة فقال: لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، صدق وعده، و نصر عبده إلى آخر الخطبة التي جاء في آخرها:4.

ص: 97


1- سيرة ابن هشام: 331/2.
2- زاد المعاد: 158/2 و 204.

اذهبوا فأنتم الطلقاء.(1) فأين حلّل المتعة و أين حرّمها؟! أو ليس جديراً بالنبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أن يقول على رءوس الاشهاد بأنّ ما حلله صار حراماً و أفضل المواقف لهذه الأُمور حين إلقاء الخطب.

و العجب انّ الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم خطب في حجّة الوداع و ذكر فيها النساء و لم يذكر شيئاً لا من تحريم المتعة و لا تحليلها: فقال: أمّا بعد، أيّها الناس فانّ لكم على نسائكم حقاً و لهن عليكم حقّاً، لكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، و عليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فانّ اللّه قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع و تضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن و كسوتهن بالمعروف، و استوصوا بالنساء خيراً فانّهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، و إنّكم إنما أخذتموهن بأمانة اللّه و استحللتم فروجهن بكلمات اللّه، فاعقلوا أيّها الناس قولي فإنّي قد بلغت.(2)2.

ص: 98


1- سيرة ابن هشام: 412/2
2- سيرة ابن هشام: 604/2.

الرابع: اضطراب كلماتهم في زمان التحريم

ما ذكر من التعارض في زمان التحليل و التحريم و مكانهما يرجع إلى خصوص ما رواه مسلم في صحيحه، و أمّا اختلاف فقهاء السنة في تحليلها و تحريمها عدداً و زماناً و مكاناً فحدِّث عنه و لا حرج، فقد ذكر النووي تفصيلها و نحن نذكر ملخصه:

1. أُحلت و حُرّمت في غزوة خيبر. رووه عن علي عليه السَّلام.

2. ما حُلّت إلاّ في عمرة القضاء و هو المروي عن الحسن البصري. و روى هذا عن سبرة الجهني.

3. أُحلّت و حرمت يوم الفتح و هو المروي عن سبرة الجهني أيضاً.

4. نهى عنها النبي في غزوة تبوك كما في رواية إسحاق بن راشد عن الزهري....

5. أباحها يوم أوطاس.

6. أباحها يوم حجة الوداع.

ص: 99

هذه الأقوال نقلها النووي في شرحه على صحيح مسلم و ناقش في بعضها ثمّ قال: إنّ الذي جرى في حجّة الوداع مجرّد النهي كما جاء في غير رواية و يكون تجديده صلَّى الله عليه و آله و سلَّم النهي عنها يومئذ لاجتماع الناس و ليبلغ الشاهد الغائب و لتمام الدين و تقرر الشريعة كما قرر غير شيء و بين الحلال و الحرام يومئذ و بتَّ تحريم المتعة حينئذ لقوله إلى يوم القيامة.(1)

و قد عزب عن النووي انّه لو صحّ ما ذكره أخيراً كان الأنسب أن يُنهى عن هذا الأمر الهام عند إيراد الخطبة في حجّة الوداع في ذلك المحتشد العظيم الذي لم ير مثله إلاّ في الغدير عند ما أوصى بالنساء و قال: فانّ لكم على نسائكم حقّاً...

و قد عرفت أنّه ليس هناك أيّ أثر للتحريم في ذلك الموقف العظيم.

و قال ابن قدامة: اختلف أهل العلم في الجمع بين هذين الخبرين تحريم المتعة يوم خيبر و في فتح مكة فقال9.

ص: 100


1- شرح صحيح مسلم: 191/9.

قوم في حديث علي (نهى عن متعة النساء يوم خيبر و عن لحوم الحمر الأهلية) تقديم و تأخير، و تقديره: انّ النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، و نهى عن متعة النساء و لم يذكر ميقات النهي عنها، و قد بيّنه الربيع بن سبرة في حديثه: انّه كان في حجة الوداع، لأنّه قال: اشهد على أبي انّه حدّث أنّ النبي نهى عن المتعة في حجة الوداع.

و قال الشافعي: لا أعلم شيئاً أحلّ اللّه ثمّ حرمه، ثمّ أحلّه، ثمّ حرمه، إلاّ المتعة، فحمل الأمر على ظاهره، و انّ النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حرمها يوم خيبر ثمّ أباحها في حجة الوداع ثلاثة أيام ثمّ حرمها.(1)

إنّ التشريع على هذا المنوال، أشبه بتقنين إنسان غير عالم بعواقب الأُمور، غير محيط بمصالحها و مفاسدها، فيحكم و ينقض من دون تروّ و تفكير، و نبيّ الإسلام هو نبيّ العظمة و القداسة قد أُوتي من العلم ما لم يؤت أحد من العالمين قال7.

ص: 101


1- المغني: 572/7.

سبحانه: (وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) (1) و نُجلّ ساحته عن التشريع الأشبه بالتلاعب بالأحكام.

و قال ابن حجر في «فتح الباري»: قال السهيلي: و قد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة، فأغربُ ما روي في ذلك، رواية من قال في غزوة تبوك، ثمّ رواية الحسن انّ ذلك كان في عمرة القضاء، و المشهور في تحريمها إنّ ذلك كان في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه، و في رواية عن الربيع أخرجها أبو داود انّه كان حجّة الوداع، قال: و من قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح.

ثمّ قال ابن حجر: فتحصّل ممّا أشار إليه ستة مواطن: خيبر، ثمّ عمرة القضاء، ثمّ الفتح، ثمّ أوطاس، ثمّ تبوك، ثمّ حجّة الوداع، إلى أن قال: و من قال لا مخالفة بين أوطاس و الفتح لأنّ الفتح كان في رمضان ثمّ خرجوا إلى أوطاس في3.

ص: 102


1- النساء: 113.

شوال.

ثمّ أخذ ابن حجر بالنقض و الإبرام بما لا يسعنا نقله.(1)

و على كلّ حال فهذا الاختلاف الكبير يجرّ الباحث إلى التشكيك في أصل التحريم، و إلاّ فكيف خفي زمان التحريم و مكانه على المسلمين حتّى صاروا طوائف ستّاً، لا سيما في مسألة كمسألة المتعة التي يُبتلى بها الناس في حلّهم و ترحالهم؟ فلا يمكن نسخ القرآن الكريم بهذه الأخبار المشوّشة المضطربة.

ثمّ إنّ ابن القيم ممن حاول أن يجتهد في المسألة و يجمع بين المتعارضين فأورد السؤال بما هذا لفظه:

فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد اللّه قال: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقيق الأيام على عهد رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و أبي بكر حتّى نهى عنها عمر9.

ص: 103


1- فتح الباري: 170/9.

في شأن عمرو بن حريث، و فيما ثبت عن عمر انّه قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنا أنهى عنهما: متعة النساء و متعة الحجّ.

ثمّ أجاب و قال: الناس في هذا طائفتان:

1. طائفة تقول انّ عمر هو الذي حرّمها و نهى عنها و قد أمر رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون، و لم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فانّه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جدّه و قد تكلّم فيه ابن معين و لم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه و كونه أصلاً من أُصول الإسلام.

و لو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه و الاحتجاج به، قالوا: و لو صحّ حديث سبرة لم يخْفَ على ابن مسعود حتّى يروي انّهم فعلوها و يحتج بالآية. و أيضاً و لو صحّ لم يقل عمر انّها كانت على عهد رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و أنا أنهى عنها و أعاقب عليها، بل كان يقول: انّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حرّمها و نهى عنها،

ص: 104

قالوا: و لو صحّ لم تفعل على عهد الصديق و هو عهد خلافة النبوة حقّاً.

و الطائفة الثانية: رأت صحة حديث سبرة، و لو لم يصحّ فقد صحّ حديث علي عليه السَّلام انّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حرم متعة النساء فوجب حمل حديث جابر على أنّ الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم، و لم يكن قد اشتهر حتّى كان زمن عمر، فلمّا وقع فيها النزاع ظهر تحريمها و اشتهر و بهذا تتألف الأحاديث الواردة فيها.(1)

و لا يخفى على الباحث قوة منطق الطائفة الأُولى، و أمّا ما نقله عن الطائفة الثانية فيتلخص في الأُمور التالية:

1. صحّة حديث سبرة.

2. صحّة الحديث عن علي انّ رسول اللّه حرم المتعة.

3. انّ جابر بن عبد اللّه لم يبلغه التحريم.

أمّا الأوّل فقد عرفت وجود التعارض في حديث سبرة2.

ص: 105


1- زاد المعاد: 206205/2.

على وجه يسقطه عن الاحتجاج به و انّ البخاري لم يخرّجه.

و أمّا الثاني أي المنقول عن علي فهو مكذوب على لسانه، لأنّ عليّاً و بيته الرفيع اشتهروا بالقول بجواز المتعة و هو القائل: لو لا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي.

و أمّا الثالث و هو عدم بلوغ التحريم إلى صحابي عظيم كجابر بن عبد اللّه الأنصاري إلى أن اشتهر الحكم في زمان عمر فهو أمر غريب، لأنّ المسألة ليست من المسائل المغفول عنها حتّى لا يبلغه التحريم على أنّك عرفت انّ جابراً نسب التحريم إلى نفس الخليفة دون النبي.

الخامس: نقل أحاديث متعارضة عن راو واحد

و انّ أغرب ما في الباب هو أن تُنسب إلى علي روايتان متعارضتان، فقد أخرج مسلم عن محمد الحنفية بن علي بن أبي طالب انّه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس نهى رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم عن متعة النساء يوم خيبر و عن أكل لحوم الحمر الإنسية.(1) مع أنّه اشتهر عن علي قوله: «لو لا نهي عمرعة

ص: 106


1- صحيح مسلم: 135/4، باب نكاح المتعة

عن المتعة ما زنى إلاّ شقي».(1)

و قال الرازي: و أمّا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السَّلام فالشيعة يروون عنه إباحة المتعة و روى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب عليه السَّلام انّه قال: «لو لا انّ عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلاّ شقي».(2)

و أغرب من ذلك انّهم يروون عن ابن عباس تحريم المتعة.

أخرج البخاري عن أبي جمرة قال: سئل ابن عباس عن متعة النساء فرخّص فيها، فقال له مولى له: إنّما كان ذلك و في النساء قلة و الحال شديد! فقال ابن عباس: نعم.(3) مع أنّ ابن عباس قد اشتهر بالفتيا بحلية المتعة.

أخرج مسلم عن عروة بن الزبير انّ عبد اللّه بن الزبير قام بمكة، فقال: إنّ ناساً أعمى اللّه قلوبهم كما أعمى2.

ص: 107


1- تفسير الطبري: 200/3; الدر المنثور: 486/2.
2- تفسير الرازي: 50/10.
3- الدر المنثور: 486/2.

أبصارهم يفتون بالمتعة يعرّض برجل، فناداه فقال: أنت لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين يريد رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فو الله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك.

أخرج الحافظ ابن أبي شيبة عن نافع: انّ ابن عمر سئل عن المتعة؟ فقال: حرام، فقيل له: إنّ ابن عباس يفتي بها، قال: فهلا ترمرم بها تزمزم في زمان عمر.(1)

السادس: استناد التحريم إلى نفس الخليفة

قد تضافرت الروايات على نسبة التحريم إلى الخليفة نفسه و انّه هو الذي حرمها و أوعد مرتكبيها بالرجم، و لا يسعنا نقل ما ذكره أهل السير و التاريخ في ذلك الموقف فنقتصر بالقليل عن الكثير:

1. قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه و أمرنا بها رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة2.

ص: 108


1- الدر المنثور: 487/2.

الحج و لم ينه عنها رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حتّى مات، قال رجل برأيه بعد ما شاء.(1)

2. قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه ففعلناها مع رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و لم ينزل قرآن يحرمه، و لم ينه عنها حتّى مات، قال رجل برأيه ما شاء.(2)

3. أخرج مسلم عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقيق الأيام على عهد رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و أبي بكر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.(3) و سيوافيك ما ورد في شأن ابن حُريث.

4. أخرج أيضاً عن أبي نضرة قال: كنتُ عند جابر بن عبد اللّه فأتاه آت فقال: ابن عباس و ابن الزبير اختلفا فيعة

ص: 109


1- صحيح مسلم: 49/4 باب جواز التمتع و في الحديث إشارة إلى كلتا المتعتين.
2- صحيح البخاري: 33/6.
3- صحيح مسلم: 131/4، باب نكاح المتعة

المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.(1)

5. أخرج مسلم عن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة و كان ابن الزبير ينهى عنهما، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد اللّه فقال: على يديّ دار الحديث تمتعنا مع رسول اللّه فلما قام عمر، قال: إنّ اللّه كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء، و انّ القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحجّ و العمرة للّه كما أمركم اللّه.

و أبتّوا نكاح هذه النساء فلن أُوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة.(2)

و المقطع الأوّل راجع إلى تحريم التحلل بين العمرة و الحجّ، كما أنّ المقطع الثاني راجع إلى تحريم متعة النساء.

6. ما تضافر من أنّ عمر بن الخطاب قال على المنبر:ة.

ص: 110


1- المصدر نفسه.
2- صحيح مسلم: 38/4، باب في المتعة بالحجّ و العمرة.

متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و أنا أنهى عنهما: متعة الحجّ، و متعة النكاح.(1)

إنّ خطبة عمر من الخطب المتسالم عليها، و قد اكتفينا من المصادر بالقليل عن الكثير حتّى أنّ المتكلّم الأشعري القوشجي في شرحه على تجريد الاعتقاد حاول تأويله دون أن يناقش سنده، و إليك نصّه.

7. قال عمر و هو على المنبر: أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و أنا أنهى عنهنّ و أحرمهنّ و أعاقب عليهنّ: متعة النساء، و متعة الحجّ، و حيّ على خير العمل. ثمّ اعتذر عنه بقوله: إنّ ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه، فانّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع.(2)ة.

ص: 111


1- تفسير الفخر الرازي: 370/5; زاد المعاد لابن القيم: 184/2; سنن البيهقي: 206/7; المبسوط: 37/4; المغني: 571/7; الشرح الكبير: 537/7; المحلى: 107/7; بداية المجتهد: 268/1; أحكام القرآن للجصاص: 152/2; كنز العمال: 519/16 برقم 4572245715; مسند أحمد: 325/3.
2- شرح التجريد: 484 الطبعة الحجرية.

8. قال الراغب في «المحاضرات»، قال: يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة بمن اقتديت في جواز المتعة قال: بعمر بن الخطاب، قال: كيف و عمر كان أشدّ الناس فيها؟ فقال: لأنّ الخبر الصحيح انّه صعد المنبر، فقال: إنّ اللّه و رسوله قد أحلاّ لكم متعتين و أنا محرّمُهما عليكم و أُعاقب عليهما، فقبلنا شهادته و لم نقبل تحريمه.(1)

السابع: سيرة الصحابة بعد رحيل النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم

إنّ سبر كتب التاريخ و السير يثبت أنّ سيرة الصحابة بعد رحيل النبي استمرت على الحلية و كانوا يستمتعون بلا حرج، و إنّما بدأ الاختلاف عند ما أفتى الخليفة بتحريمها في أُخريات خلافته.

و قد مرت أسماء طائفة من الصحابة الذين استمتعوا بعد رحيل الرسول و لم يعترض عليهم أحد و قد وقفت على أحاديث لفيف منهم:2.

ص: 112


1- المحاضرات: 94/2.

1. جابر بن عبد اللّه الأنصاري.

2. عبد اللّه بن مسعود.

3. عمران بن حصين.

إلى غير ذلك ممن مرت أسماؤهم، و ها نحن نذكر هنا نزراً يسيراً ممّن استمتع بعد الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، و هم من الصحابة العدول و إن أثار حفيظة المحرّم.

1. أخرج الحافظ عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر: قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة فأتى بها عمرو حبلى فسأله فاعترف، قال: فذلك حين نهى عنها عمر.(1)

2. أخرج المتقي الهندي عن سليمان بن يسار عن أُمّ عبد اللّه ابنة أبي خيثمة انّ رجلاً قدم من الشام فنزل عليها، فقال: إنّ العزبة قد اشتدت عليّ فابغيني امرأة أتمتع بها، قالت: فدللته على امرأة فشارطها و أشهدوا على ذلك عدولاً،9.

ص: 113


1- فتح الباري: 141/9.

فمكث معها ما شاء اللّه أن يمكث.

ثمّ إنّه خرج فأخبر عن ذلك عمر بن الخطاب فأرسل إليّ فسألني أ حقّ ما حُدّثْتُ؟ قلت: نعم. قال: فإذا قدم فائذنيني، فلمّا قدم أخبرته فأرسل إليه، فقال: ما حملك على الذي فعلتَه؟ قال: فعلته مع رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم ثمّ لم ينهنا عنه حتّى قبضه اللّه، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتّى قبضه اللّه، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً، فقال عمر: أما و الذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك، بينوا حتّى يعرف النكاح من السفاح.(1)

3. نقل ابن حجر عن ابن الكلبي انّ سلمة بن أُميّة بن خلف الجمحي استمتع من سلمى مولاة حكيم بن أُمية بن الأوقص الأسلمي، فولدت له، فجحد ولدها، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة. و روى أيضاً انّ سلمة استمتع بامرأة فبلغ عمر فتوعّده.(2)2.

ص: 114


1- كنز العمال: 522/16 برقم 45726.
2- الإصابة: 63/2.

الشبهة الثامنة الزواج المؤقت و مشكلة الإنجاب

كانت الشبهة السابقة تدور حول حلّية المتعة كتاباً و سنّة أو منسوخيّتها كذلك.

و لكن ثمة شبهة أُخرى و هي ترجع إلى مشكلة اجتماعية مفادها انّ الرجل إذا نزل بلدة و استمتع بامرأة مسلمة و قضى وطره منها ثمّ تركها و غادر البلدة و المرأة حبلى فحينها تثار مشكلة المولود و انتسابه إلى الأب، و ربما يبقى المولود إلى آخر عمره لا يعرف أباه، و يولّد ذلك بمرور الزمن عقداً نفسية لا يمكن تجاوزها.

و حسم هذه المشكلة يتم بالبيان التالي:

ص: 115

1. انّ المشكلة مشتركة بين الزواج الدائم و المؤقت، فربما يتوافق الزوجان على عقد دائم عرفي مع إقامة الشهود و الولي فربما يغادر الزوج البلد و يتركها من دون أن يطلع الزوجة على مكانه و الزوجة حبلى، فتثار حينها مشكلة الولد كنظيرتها في النكاح المؤقت.

2. انّ الملاك في تشريع القوانين و تقنينها هو انسجامها مع مصالح المجتمع على الوجه الغالب و لا تضر المفسدة في شواذّ الأُمور و نوادرها، إذ قلّما يُؤمِّن القانون مصالح المجتمع بالتمام، فعلى الباحث أن يطالع القانون و آثاره الإصلاحية في أكثر الموارد دون أن يأخذ بنظر الاعتبار الموارد الشاذّة.

هذا و الذي يحسم جذور الإشكال انّ على المرأة المتزوجة إذا خافت من مضاعفات النكاح المؤقت أن لا ترضى إلاّ بالعزل أوّلاً ثمّ الإشهاد على الزواج ثانياً، سواء كان الإشهاد واجباً كما في فقه السنّة، أو مستحباً كما في فقه الشيعة، و أولى من ذلك أن تكون هناك وثيقة رسمية تكفل لها حقوقها في المحاكم الرسمية كالزواج الدائم.

نعم يتجلّى الإشكال في أكثر البلاد الإسلامية، التي لم

ص: 116

يُعترف فيها بالمتعة تحليلاً، و أمّا إذا كان هناك اعتراف رسمي بالزواج المؤقت فيكون المؤقت و الدائم على حدّ سواء.

و تتلو هذه الشبهة شبهة أُخرى ربما تتّحدان جوهراً و تختلفان صورة، و هي مسألة اختلاط الأنساب و ضياع النسل و عقد عابر الطريق و المجهول في النكاح المؤقت، و هذه الشبهة هي التي طرحها السيد الراوي البغدادي في المقام.

و الشبهة نابعة من عدم الإمعان في حقيقة النكاح المؤقت، و قد عرفت أنّ من أحكامه العدّة: عدة الفراق، و عدة الوفاة، و في ظلّه يحفظ النسل و يمنع اختلاط المياه، فلا يجوز لأحد أن يتمتع بامرأة تمتع بها غيره حتّى تخرج من عدة ذلك الغير و إلاّ كان زانياً و مع اعتبار العدة فأين يكون اختلاط الأنساب و ضياع النسل؟!

و حصيلة الكلام: انّه يجب على الزوج أن يتعرف حال المتمتع بها حتّى إذا ولدت ولداً أُلحق به كي لا تضيع الأنساب و كذلك المتمتع بها إذا انتهى أجلها يجب عليها أن تعتد.

ص: 117

الشبهة التاسعة أُكذوبة المتعة الدورية

إنّ طرح مثل هذه الشبهة ممّا يندى له الجبين و يأسف له العقل السليم، و في الحقيقة هي ليست شبهة، بل فرية و افتراء على شريحة واسعة من المسلمين الذين أخذوا عقيدتهم من معين أهل بيت النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم العذب الذين عرّفهم النبي بأنّهم أعدال القرآن و قرناؤه و قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه و عترتي».

و حاصل الشبهة: انّ المرأة الواحدة يتناوبها و يتعاقبها عدة من الرجال بحسب ساعاتهم، فعندئذ فبمن يلحق الولد.

ص: 118

أقول: إنّ ما نسبه إلى القائلين بالحلية يعرب عن أنّ صاحب الشبهة أعياه البرهان حتى التجأ إلى الكذب و الفرية، و قد عرفت في صدر البحث أحكام المتعة و وجوب العدة و مع ذلك كيف يمكن تصحيح تلك المتعة الدورية التي هي في الواقع زنا لا غير؟!

و هنا كلام قيم للإمام المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي كان قلبه ينبض بالحب و الأمل الكبير للمّ شمل الأُمّة و جمع شتاتها، يقول رداً على طرح تلك الشبهة:

فاللازم أوّلاً: ان تدلنا على كتاب جاهل من الشيعة ذكر فيه تحليل هذا النحو من المتعة فضلاً عن عالم من علمائهم، و إذا لم تدلنا على كتابة منهم أو كتاب، فاللازم إن تحد حد المفتري الكذاب، كيف و إجماع الإمامية على لزوم العدة في المتعة و هي على الأقل خمسة و أربعون يوماً، فأين التناوب و التعاقب عليها حسب الساعات؟!

و إن كنت تريد انّ بعض العوام و الجهلاء الذين لا

ص: 119

يبالون بمقارفة المعاصي و انتهاك الحرمات قد يقع منهم ذلك، فهذا مع أنّه لا يختص بعوام الشيعة بل لعلّه في غيرهم أكثر، و لكن لا يصحّ أن يسمّى هذا تحليلاً، إذ التحليل ما يستند إلى فتوى علماء المذهب لا ما يرتكبه عصاتهم و فسّاقهم، و هذا النحو من المتعة عند علماء الشيعة من الزنا المحض الذي يجب فيه الحدّ و لا يلحق الولد بواحد، كيف و قد قال سيد البشر: «الولد للفراش و للعاهر الحجر».(1)

و قال العلاّمة الأميني ردّاً على صاحب المنار الذي نسب المتعة الدورية إلى الشيعة ما هذا لفظه:

نسبة المتعة الدوريّة و قل: الفاحشة المبيّنة إلى الشيعة إفكٌ عظيمٌ تقشعرُّ منه الجلود، و تكفهرُّ منه الوجوه، و تشمئزُّ منه الأفئدة، و كان الأحرى بالرَّجل حين أفك أن يتّخذ له مصدراً من كتب الشيعة و لو سواداً على بياض من أيِّ ساقط منهم، بل نتنازل معه إلى كتاب من كتب قومه يسند ذلك إلى الشيعة، أو سماع عن أحد لهج به، أو وقوفا.

ص: 120


1- أصل الشيعة و أُصولها: 151، مطبعة العرفان، صيدا.

منه على عمل ارتكبه أُناسٌ و لو من أوباش الشيعة و أفنائهم، لكنّ المقام قد أعوزه عن كلّ ذلك، لأنّه أوّل صارخ بهذا الإفك الشائن، و منه أخذ القصيمي في [الصراع بين الإسلام و الوثنيّة] و غيره.(1)3.

ص: 121


1- الغدير: 286/3.

الشبهة العاشرة تحاشي الأشراف من تعاطيها

و هناك من يجعل تحاشي الأشراف دليلاً على عدم الحلية و يقول: لو كانت المتعة حلالاً فلما ذا نرى أنّ أشراف الشيعة و أعيانهم يتحاشون من تعاطيها بينهم، فلم يسمع من يقول حضرنا تمتُّع السيد الفلاني أو الفاضل الفلاني بالآنسة بنت السيد الفلاني كما يقال: حضرنا عقد نكاح الفاضل الفلاني بآنسة الفاضل، بل أكثر جريانها و تعاطيها في الساقطات و السافلات، فهل ذلك إلاّ لقضاء الوطر و إن حصل منه النسل قهراً؟

فنقول: إنّ هذه الشبهة ممّا تضحك منها الثكلى، كيف يعد التحاشي دليلاً على الحرمة و الإقبال دليلاً على الحلية، فانّ

ص: 122

الطلاق أمر مشروع لكن يتحاشى منه الأشراف غالباً، فهل يمكن أن يستدلّ بتحاشيهم على حرمته؟!

إنّ القائل بادر إلى طرح هذه الشبهة نتيجة استفلاسه عن دحض أدلّة الزواج المؤقت بحجج دامغة، فالتجأ إلى هذه الشبهة غافلاً عن أنّ النكاح المؤقت كما مرّ في المقدمة دواء لمقطع زمني خاص و ليس هو السبيل الأمثل، و انّ المتمتِّع إنّما يتمسك بأهداب المتعة حين الاضطرار و عدم مقدرته على الزواج الدائم، و لهذا السبب لا يعقد له في النوادي و لا تُقام له الحفلات و لا تبعث له التبريكات، يقول العلاّمة كاشف الغطاء: أمّا تحاشي أشراف الشيعة و سراتهم من تعاطيها فهو عفّة و ترفّع و استغناء و اكتفاء بما أحلّ اللّه لهم من تعدّد الزوجات الدائمة مثنى و ثلاث و رباع، فإن أرادوا الزيادة على ذلك جاز لهم التمتع بأكثر من ذلك كما يفعله بعض أهل الثروة و البذخ من رؤساء القبائل و غيرهم.

و على كلّ فإنّ تحاشي الأشراف و السراة لا يدلّ على الكراهة الشرعية فضلاً عن عدم المشروعية، أ لا ترى أنّ

ص: 123

الصحابة و التابعين رضوان اللّه عليهم كانوا كثيراً ما يتسرون بالإماء و يتمتعون بملك اليمين و يلدن لهم الأولاد الأفاضل.

أمّا اليوم فالأشراف يأنفون من ذلك مع أنّه حلال بنص القرآن العزيز.(1)

***

هذه هي المتعة و هذه هي حقيقتها و دلائلها الساطعة من الكتاب و السنّة و سيرة الصحابة بعد رحيل النبي، و هذه شبهاتها الواهية و أجوبتها الواضحة، و عندئذ:

فما هذا النكير و النفير، و النبز و التعيير على الشيعة في أمر المتعة يا فقهاء الإسلام و يا حملة الأحكام؟!

و الحق كما يقوله المصلح الكبير الشيخ كاشف الغطاء: لو انّ المسلمين عملوا بها على أُصولها الصحيحة من العقد، و العدة، و الضبط، و حفظ النسل منها، لانسدت بيوت المواخير و أوصدت أبواب الزنا و العهار، و لارتفعت أو قلتا.

ص: 124


1- أصل الشيعة و أُصولها: 152151، مطبعة العرفان، صيدا.

ويلات هذا الشر على البشر، و لأصبح الكثير من تلك المومسات المتهتكات، مصونات محصنات، و لتضاعف النسل و كثرت المواليد الطاهرة، و استراح الناس من اللقيط و النبيذ، و انتشرت صيانة الأخلاق و طهارة الأعراق إلى كثير من الفوائد و المنافع التي لا تعد و لا تحصى.

و للّه در عالم بني هاشم و حبر الأُمة عبد اللّه بن عباس (رض) في كلمته الخالدة الشهيرة التي رواها ابن الأثير في «النهاية» و الزمخشري في «الفائق» و غيرهما حيث قال: ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم اللّه بها أُمّة محمّد و لو لا نهيه عنها ما زنا إلاّ شقي، و قد أخذها من عين صافية من أُستاذه و معلّمه و مربّيه أمير المؤمنين، و في الحق انّها رحمة واسعة، و بركة عظيمة و لكن المسلمون فوّتوها على أنفسهم و حرموا من ثمراتها و خيراتها و وقع الكثير في حمأة الخنا و الفساد و العار و النار و الخزي و البوار (أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ).(1)8.

ص: 125


1- أصل الشيعة و أُصولها: 148.

خاتمة المطاف

لا يخفى انّ كلّ هذا الضجيج الذي أثير حول النكاح المؤقت ما ظهر إلاّ لتبرير عمل الخليفة الثاني الذي حرم ما نص على حلّيته الذكر الحكيم و السنّة النبوية و سيرة الصحابة و قضاء الفطرة الإنسانية، فلم يجدوا بُدّاً إلاّ القول بمنسوخية التشريع في حياة الرسول و جاء عمل الخليفة الثاني كتعزيز و تأكيد لقول النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، غير انّ هذا التبرير لا يعضده التاريخ و يزيّفه قول الخليفة نفسه، فانّه نسب صراحة التحريم إلى نفسه، و قد مرّ نصّه و ذلك بعد ما وقف على قضية عمرو بن حريث و انّه تمتع، فثارت ثورته من العمل المذكور فقال ما قال.

و أجود ما يقال في تبرير عمل الخليفة انّ تحريمه انطلق من مصلحة زمنية في نظره دعته إلى تحريمها و الكيد بفاعلها.

ص: 126

و ما ذكرناه من التوجيه هو الذي مال إليه الشيخ كاشف الغطاء رضوان اللّه عليه فقال: إذا أردنا أن نسير على ضوء الحقائق، و نعطي المسألة حقّها من التمحيص و البحث عن سرّ ذلك الارتباك و بذرته الأُولى التي نمت و تأثلت لا نجد حلاًّ لتلك العقدة إلاّ أنّ الخليفة قد اجتهد برأيه لمصلحة رآها بنظره للمسلمين في زمانه و أيامه، اقتضت أن يمنع من استعمال المتعة منعاً مدنياً لا دينياً، لمصلحة زمنية، و منفعة وقتية، و لذا تواتر النقل عنه أنّه قال: «متعتان كانتا على عهد رسول اللّه و أنا أُحرِّمهما و أُعاقب عليهما». و لم يقل انّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حرّمهما أو نسخهما، بل نسب التحريم إلى نفسه و جعل العقاب عليها منه لا من اللّه سبحانه.(1)

و لو انّ مخالفي النكاح المؤقت اعتمدوا على التوجيه الذي بذله الشيخ كاشف الغطاء، لانصاعوا لأدلّة النكاح المؤقت الدامغة، و بما انّ تحريم الخليفة كان تحريماً موقتاً نابعاً من مصلحة زمنية، فإذا ارتفع المانع عاد المقتضي، حينها يأخذ8.

ص: 127


1- أصل الشيعة و أُصولها: 138.

النكاح المؤقت مكانته في التشريع الإسلامي و لحل محلّ المحرم و لصلحت الأُمة الإسلامية في حاضرها و مستقبلها، و بذلك يتجسّد القول الخالد لأمير المؤمنين عليه السَّلام: «لو لا النهي عن المتعة لما زنا إلاّ شقي».

قال سبحانه:

(وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ).(1)6.

ص: 128


1- النحل: 116.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.